Professional Documents
Culture Documents
سورة الكهف اليات # 5 1وسورة سبأ اليتان ا # 2وسورة فاطر الية # 2 1
#وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له الحي القيوم الذي ل تأخذه سنة ول نوم
#سورة البقرة الية # 255الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
الول الخر الظاهر الباطن الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهو دين ال الذي بعث به الرسل قبله كما
قال تعالى #سورة الشورى الية # 13وقال تعالى سورة المؤمنون اليتان 51
# 52وقال في الية الخرى سورة النبياء الية # 92سورة المؤمنون الية 53
قال تعالى
سورة النبياء الية # 25وقال تعالى سورة النحل الية # 36أنزل عليه #
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فصدق كتابه ما بين يديه
من كتب السماء وأمر باليمان بجميع النبياء كما قال تعالى سورة البقرة اليتان
137 136
وهيمن على ما بين يديه من الكتاب وذلك يعم الكتب كلها شاهدا وحاكما ومؤتمنا #
يشهد بمثل ما فيها من الخبار الصادقة #وقرر ما في الكتاب الول من أصول
الدين وشرائعه الجامعة التي اتفقت عليها الرسل كالوصايا المذكورة في آخر النعام
1
www.anassim.fr.st 2 الن سي ــــ ـــ ـم
وأول العراف وسورة سبحان ونحوها من السور المكية #قال تعالى سورة النعام
اليات 153 150
سورة السراء اليات # 39 23فدين النبياء والمرسلين دين واحد وإن كان لكل
من التوراة والنجيل والقرآن شرعة ومنهاج ولهذا قال صلى ال عليه
وسلم في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم
إنا معشر النبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه نبي
#فدين المرسلين يخالف دين المشركين المبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا
قال تعالى سورة الروم اليات # 32 30وقال تعالى سورة المؤمنون اليات #
# 53 50وقال تعالى سورة الشورى الية # 13وقد خص ال تبارك وتعالى
محمدا صلى ال عليه وسلم
بخصائص ميزه بها على جميع النبياء والمرسلين وجعل له شرعة ومنهاجا أفضل
شرعة وأكمل منهاج #كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس فهم يوفون سبعين
أمة هم خيرها وأكرمها على ال من جميع الجناس هداهم ال بكتابه ورسوله لما
اختلفوا فيه من الحق قبلهم وجعلهم وسطا عدل خيارا فهم وسط في توحيد ال
وأسمائه وصفاته وفي اليمان برسله وكتبه وشرائع دينه من المر والنهي والحلل
والحرام #فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم
الخبائث لم يحرك عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود ولم يحل لهم شيئا
من الخبائث كما استحلتها النصارى ولم يضيق عليهم باب الطهارة والنجاسة كما
ضيق على اليهود ولم يرفع عنهم طهارة الحدث والخبث كما رفعته النصارى فل
يوجبون الطهارة من الجنابة ول الوضوء للصلة ول اجتناب النجاسة في الصلة
بل يعد كثير من عبادهم مباشرة النجاسات من أنواع القرب والطاعات حتى يقال في
فضائل الراهب له أربعةن سنة ما مس الماء ولهذا تركوا الختان
مع أنه شرع إبراهيم الخليل عليه السلم وأتباعه #واليهود إذا حاضت عندهم
المرأة ل يؤاكلونها ول يشاربونها ول يقعدون معها في بيت واحد والنصارى ل
يحرمون وطء الحائض #وكان اليهود ل يرون إزالة النجاسة بل إذا أصاب ثوب
أحدهم قرضه بالمقراض والنصارى ليس عندهم شيء نجس يحرم أكله أو تحرم
الصلة معه
ولذلك المسلمون وسط في الشريعة فلم يجحدوا شرعه الناسخ لجل شرعه #
المنسوخ كما فعلت اليهود ول غيروا شيئا من شرعه المحكم ول ابتدعوا شرعا لم
2
www.anassim.fr.st 3 الن سي ــــ ـــ ـم
يأذن به ال كما فعلت النصارى ول غلوا في النبياء والصالحين كغلو النصارى ول
بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود ول جعلوا الخالق سبحانه متصفا بخصائص المخلوق
ونقائضه ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود ول المخلوق متصفا
بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى ولم يستكبروا
عن عبادته كفعل اليهود ول أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى #وأهل السنة
والجماعة في السلم كأهل السلم في أهل الملل فهم وسط في باب صفات ال عز
وجل بين أهل الجحد والتعطيل وبين أهل التشبيه والتمثيل يصفون ال بما وصف به
نفسه وبما وصفه به رسله من غير تعطيل ول تمثيل إثباتا لصفات الكمال وتنزيها
له عن أن يكون له فيها أندادا وأمثال إثبات بل تمثيل وتنزيه بل تعطيل #كما قال
^ تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ #رد على الممثلة ^ وهو السميع البصير
وقال تعالى سورة الخلص كلها #فالصمد السيد المستوجب لصفات الكمال #
والحد الذي ليس له كفو ول مثال وهم وسط في باب أفعال ال عز وجل بين
المعتزلة المكذبين للقدر والجبرية النافين لحكمة ال ورحمته
وعدله والمعارضين بالقدر أمر ال ونهيه وثوابه وعقابه #وفي باب الوعد والوعيد
بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد
عصاة المسلمين في النار وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد وما فضل ال
به البرار على الفجار #وهم وسط في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
بين الغالي في بعضهم الذي يقول بإلهية أو نبوة أو عصمة والجافي فيهم الذي يكفر
بعضهم أو يفسقه وهم خيار هذه المة
وال سبحانه أرسل محمدا صلى ال عليه وسلم للناس رحمة وأنعم به نعمة يا لها #
من نعمة #قال تعالى ^ وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ^ #وقال تعالى ^ ألم ترك
إلى الذين بدلوا نعمت ال كفرا ^ #وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم
فإرساله أعظم نعمة أنعم ال بها على عباده يجمع ال لمته بخاتم المرسلين وإمام
المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل وزادهم من فضله
أنواع الفواضل بل أتاهم كفلين من رحمته كما قال تعالى
سورة الحديد الية # 29 28وفي الصحيحين عن ابن عمر وأبي موسى عن #
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إنما أجلكم في أجل من خل من المم ما بين
صلة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل
استعمل عمال فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط #فعملت
اليهود إلى نصف النهار ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلة العصر
3
www.anassim.fr.st 4 الن سي ــــ ـــ ـم
على قيراط قيراط #فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلة العصر على
قيراط قيراط ثم قال من يعمل من صلة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين
قيراطين #أل فأنتم الذين يعملون من صلة العصر إلى مغرب الشمس أل لكم
الجر مرتين #فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عمل وأقل عطاء
فقال ال تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا ل قال ال تعالى فإنه فضلي أعطيه
من شئت #أما بعد فإن ال تبارك وتعالى جعل محمدا صلى ال عليه وسلم خاتم
النبيين وأكمل له ولمته الدين وبعثه على حين فترة من الرسل وظهور الكفر
وانطماس السبل فأحيا به ما درس من معالم اليمان وقمع به أهل الشرك من عباد
الوثان والنيران والصلبان وأذل به كفار أهل الكتاب أهل الشك والرتياب وأقام به
منار دينه الذي ارتضاه وشاد به ذكر من اجتباه من عباده واصطفاه وأظهر به ما
كان مخفيا عند أهل الكتاب وأبان به ما عدلوا فيه عن منهج الصواب وحقق به
صدق التوراة الزبور والنجيل وأماط به عنها ما ليس بحقها من باطل التحريف
والتبديل
وكان من سنة ال تبارك وتعالى مواترة الرسل وتعميم الخلق بهم بحيث يبعث في #
كل أمة رسول ليقيم هداه وحجته كما قال تعالى سورة النحل الية # 36وقال
تعالى سورة فاطر الية # 24وقال تعالى سورة المؤمنون الية # 44وقال تعالى
سورة النساء اليات # 165 163ولما أهبط آدم إلى الرض قال تعالى
سورة طه اليات # 127 123وقال تعالى عن أهل النار سورة الملك اليات # 8
# 10وقال تعالى سورة السراء الية # 15وقال تعالى سورة النعام اليتان
131 130
فصل & #وكان دينه الذي ارتضاه ال لنفسه هو دين السلم الذي بعث ال به &
الولين والخرين من الرسل ول يقبل من أحد دينا غيره ل من الولين ول من
الخرين #وهو دين النبياء وأتباعهم كما أخبر ال تعالى بذلك عن نوح ومن بعده
إلى الحواريين #قال تعالى سورة يونس اليتان # 72 71وقال تعالى عن إبراهيم
سورة البقرة اليات 132 130
وقال تعالى عن يوسف الصديق سورة يوسف الية # 101وقال تعالى عن موسى
أنه قال سورة يونس الية # 84وأخبر تعالى عن السحرة أنهم قالوا لفرعون سورة
العراف الية # 126وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن
سورة النمل الية # 44وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل سورة المائدة الية 44
#وقال تعالى عن المسيح سورة آل عمران # 52وقال تعالى سورة المائدة الية
# 111فهذا دين الولين والخرين من النبياء وأتباعهم هو دين السلم وهو عبادة
4
www.anassim.fr.st 5 الن سي ــــ ـــ ـم
ال وحده ل شريك له وعبادته تعالى في كل زمان ومكان بطاعة رسله عليهم السلم
#فل يكون عابدا له من عبده بخلف ما جاءت به رسله كالذين قال فيهم
سورة الشورى الية # 21فل يكون مؤمنا به إل من عبده بطاعة رسله ول يكون
مؤمنا به ول عابدا له إل من آمن بجميع رسله وأطاع من أرسل إليه فيطاع كل
رسول إلى أن يأتي الذي بعده فتكون الطاعة للرسول الثاني #قال تعالى سورة
النساء الية # 64ومن فرق بين رسله فآمن ببعض وكفر ببعض كان كافرا كما
قال تعالى سورة النساء اليات # 152 150فلما كان محمد صلى ال عليه وسلم
خاتم النبيين ولم يكن بعده رسول ول من يجدد الدين لم يزل ال سبحانه وتعالى
يقيم لتجديد الدين من السباب ما يكون مقتضيا لظهوره كما وعد به في الكتاب
فيظهر به محاسن اليمان ومحامده ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده #ومن أعظم
أسباب ظهور اليمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من
أهل الفك المبين #كما قال تعالى سورة النعام اليات # 115 112وقال تعالى
سورة الفرقان اليات # 31 27وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام
ال تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من اليات البينات
بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة
#فالقرآن لما كذب به المشركون واجتهدوا على ابطاله بكل طريق مع أنه تحداهم
بالتيان بمثله ثم بالتيان بعشر سور ثم بالتيان بسورة واحدة كان ذلك مما دل ذوي
اللباب على عجزهم عن المعارضة مع شدة الجتهاد وقوة السباب ولو اتبعوه من
غير معارضة وإصرار على التبطيل لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم
الدليل #وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلم وأبطل ال ما جاؤا به كان
ذلك مما بين ال تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلم وهذا من
الفروق بين آيات النبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات وبين ما قد يشتبه بها من
خوارق السحرة وما للشيطان من التصرفات فإن بين هذين فروقا متعددة منها ما
ذكره ال تعالى في قوله سورة الشعراء اليتان # 222 221ومنها ما بينه في
آيات التحدي من آيات النبياء عليهم السلم ل يمكن أن تعارض بالمثل فضل عن
القوى ول يمكن أحدا إبطالها بخلف خوارق السحرة والشياطين فإنه يمكن
معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها
وكذلك سائر أعداء النبياء من المجرمين شياطين النس والجن الذين يوحي #
بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به
على دينهم المخالف لدين الرسول ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول
كان ذلك من أسباب ظهور اليمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة
والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان #قال ال تعالى سورة الحديد الية # 25وذلك
بما يقيمه ال تبارك وتعالى من اليات والدلئل التي يطهر بها الحق من الباطل
5
www.anassim.fr.st 6 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال تعالى سورة العنكبوت اليات # 4 1والفتنة هي المتحان والختبار كما #
قال موسى عليه السلم سورة العراف الية # 155أي امتحانك واختبارك تضل
بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم #والفتنة للنسان كفتنة الذهب إذا أدخل
كير المتحان فإنها تميز جيده من رديئه فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن ازداد
جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده #فالدين الحق كلما نظر
فيه الناظر وناظر عنه المناظر ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان
المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين #والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل
ورام أن يقيم عوده المائل أقام ال تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل
فيدمغه فإذا هو زاهق وتبين أن صاحبه الحمق كاذب مائق وظهر فيه من القبح
والفساد والحلول والتحاد والتناقض
واللجاد والكفر والضلل والجهل والمحال ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من
أضل الضلل حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد ويتنبه بذلك من
سنة الرقاد من كان ل يميز الغي من الرشاد ويحيى بالعلم واليمان من كان ميت
القلب ل يعرف معروف الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين ول ينكر منكر المغضوب عليهم والضالين فإن ما ذم ال به اليهود
والنصارى في كتابه مثل تكذيب الحق المخالف للهوى والستكبار عن قبوله وحسد
أهله والبغي عليهم واتباع سبيل الغي والبخل والجبن وقسوة القلوب ووصف ال
سبحانه وتعالى بمثل عيوب المخلوقين ونقائصهم وجحد ما وصف به نفسه من
صفات
الكمال المختصة به التي ل يماثله فيها مخلوق ويمثل الغلو في النبياء والصالحين
والشراك في العبادة لرب العالمين والقول بالحلول والتحاد الذي يجعل العبد
المخلوق هو رب العباد والخروج في أعمال الدين عن شرائع النبياء والمرسلين
والعمل بمجرد هوى القلب وذوقه ووجده في الدين من غير اتباع العلم الذي أنزله
ال في كتابه المبين واتخاذ أكابر العلماء والعباد أربابا يتبعون فيما يبتدعونه من
الدين المخالف للنبياء عليهم السلم كما قال تعالى سورة التوبة الية # 32
ومخالفة صريح المعقول وصحيح المنقول بما يظن أنه من التنزلت اللهية
والفتوحات القدسية مع كونه من وساوس اللعين حتى يكون صاحبها ممن قال ال فيه
سورة الملك الية # 10وقال تعالى
سورة العراف الية # 179إلى غير ذلك من أنواع البدع والضللت التي ذم ال
6
www.anassim.fr.st 7 الن سي ــــ ـــ ـم
بها أهل الكتابين فإنها مما حذر ال منه هذه المة الخيار وجعل ما حل بها عبرة
لولي البصار #وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنه ل بد من وقوعها في
بعض هذه المة وإن كان قد أخبر صلى ال عليه وسلم أنه ل يزال في أمته أمة
قائمة على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة وأن أمته ل
تجتمع على ضللة ول يغلبها من سواها من المم بل ل تزال منصورة متبعة لنبيها
المهدي المنصور #لكن ل بد أن يكون فيها من يتتبع سنن اليهود والنصارى
والروم والمجوس كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال لتتبعن سنن
من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول
ال اليهود والنصارى قال فمن #وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد رضي ال
عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لتأخذ أمتي مأخذ المم قبلها شبرا بشبر
وذراعا بذراع قالوا يا رسول ال فارس والروم قال فمن الناس إل أولئك
وفي المظهرين للسلم منافقون والمنافقون في الدرك السفل من النار تحت #
اليهود والنصارى فلهذا كان ما ذم ال به اليهود والنصارى قد يوجد في المنافقين
المنتسبين للسلم الذين يظهرون اليمان بجميع ما جاء به الرسول ويبطنون خلف
ذلك كالملحدة الباطنية فضل عمن يظهر اللحاد منهم
ويوجد بعض ذلك في أهل البدع ممن هو مقر بعموم رسالة النبي صلى ال عليه #
وسلم باطنا وظاهرا لكن اشتبه عليه بعض ما اشتبه على هؤلء فاتبع المتشابه وترك
المحكم كالخوارج وغيرهم من أهل الهواء #وللنصارى في صفات ال سبحانه
وتعالى واتحاده بالمخلوقات ضلل شاركهم فيه كثير من هؤلء بل من الملحدة من
هو أعظم ضلل من النصارى #والحلول والتحاد نوعان عام وخاص #فالعام
كالذين يقولون إن ال بذاته حال في كل مكان أو أن وجوده عين وجود المخلوقات #
والخاص كالذين يقولون بالحلول والتحاد في بعض أهل البيت كعلي وغيره مثل
النصيرية وأمثالهم أو بعض من ينتسب
أو بعض من يعتقد فيه المشيخة كالحلجية وأمثالهم #فمن قال إن ال سبحانه
وتعالى حل أو اتحد بأحد من الصحابة أو القرابة أو المشايخ فهو من هذا الوجه أكفر
من النصارى الذين قالوا بالتحاد والحلول في المسيح فإن المسيح عليه السلم
أفضل من هؤلء كلهم
ومن قال بالحلول والتحاد العام فضلله أعم من ضلل النصارى وكذلك من قال #
بقدم أرواح بني آدم أو أعمالهم أو كلمهم أو أصواتهم أو مداد مصاحفهم أو نحو
7
www.anassim.fr.st 8 الن سي ــــ ـــ ـم
ذلك ففي قوله شعبة من قول النصارى #فبمعرفة حقيقة دين النصارى وبطلنه
يعرف به بطلن ما يشبه أقوالهم من أقوال أهل اللحاد والبدع #فإذا جاء نور
اليمان والقرآن أزهق ال به ما خالفه كما قال تعالى سورة السراء الية # 81
وأبان ال سبحانه وتعالى من فضائل الحق ومحاسنه ما كان به محقوقا #وكان من
أسباب نصر الدين وظهوره أن كتابا ورد من قبرص فيه الحتجاج لدين النصارى
بما يحتج به علماء دينهم وفضلء ملتهم قديما وحديثا من الحجج السمعية والعقلية
فاقتضى ذلك أن نذكر من الجواب ما يحصل به فصل الخطاب وبيان الخطأ من
الصواب لينتفع بذلك أولو اللباب ويظهر ما بعث ال به رسله من الميزان والكتاب
وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظهم بأعيانها فصل فصل وأتبع كل فصل بما يناسبه من #
الجواب فرعا وأصل وعقدا وحل #وما ذكروه في هذا الكتاب هو عمدتهم التي
يعتمد عليها علماؤهم في مثل هذا الزمان وقبل هذا الزمان وإن كان قد يزيد بعضهم
على بعض بحسب الحوال فإن هذه الرسالة وجدناهم يعتمدون عليها قبل ذلك
ويتناقلها علماؤهم بينهم والنسخ بها موجودة قديمة وهي مضافة إلى بولص الراهب
أسقف
صيدا النطاكي كتبها إلى بعض أصدقائه وله مصنفات في نصر النصرانية وذكر
أنه لما سافر إلى بلد الروم والقسطنطينية وبلد الملفطة وبعض أعمال الفرنج
ورومية واجتمع بأجلء أهل تلك الناحية وفاوض أفاضلهم وعلماءهم وقد عظم هذه
الرسالة وسماها الكتاب المنطيقي الدولة خاني المبرهن عن العتقاد الصحيح
والرأي المستقيم #ومضمون ذلك ستة فصول #الفصل الول دعواهم أن محمدا
صلى ال عليه وسلم لم يبعث إليهم بل إلى أهل الجاهلية من العرب ودعواهم أن في
القرآن ما يدل على ذلك والعقل يدل على ذلك #الفصل الثاني دعواهم أن محمدا
صلى ال عليه وسلم أثنى في القرآن على دينهم الذي هم عليه ومدحه بما أوجب لهم
أن يثبتوا عليه #الفصل الثالث دعواهم أن نبوات النبياء المتقدمين كالتوراة
والزبور والنجيل وغير ذلك من
والتثليث والتحاد وغير ذلك بأنه حق وصواب فيجب التمسك به ول يجوز العدول
عنه إذا لم يعارضه شرع يرفعه ول عقل يدفعه #والفصل الرابع فيه تقرير ذلك
بالمعقول وأن ما هم عليه من التثليث ثابت بالنظر المعقول والشرع المنقول موافق
للصول #والفصل الخامس دعواهم أنهم موحدون والعتذار عما يقولونه من ألفاظ
يظهر منها تعدد اللهة كألفاظ القانيم فإن ذلك من جنس ما عند المسلمين من
النصوص التي يظهر منها التشبيه والتجسيم
8
www.anassim.fr.st 9 الن سي ــــ ـــ ـم
والفصل السادس أن المسيح عليه السلم جاء بعد موسى عليه السلم بغاية الكمال #
فل حاجة بعد النهاية إلى شرع يزيد على الغاية بل يكون ما بعد ذلك شرعا غير
مقبول #ونحن ول الحمد والمنة نبين أن كل ما احتجوا به من حجة سمعية من
القرآن أو من الكتب المتقدمة على القرآن أو عقلية فل حجة لهم في شيء منها بل
الكتب كلها مع القرآن والعقل حجة عليهم ل لهم بل عامة ما يحتجون به من
نصوص النبياء ومن المعقول فهو نفسه حجة عليهم ويظهر منه فساد قولهم مع ما
يفسده من سائر النصوص النبوية والموازين التي هي مقاييس عقلية #وهكذا يوجد
عامة ما يحتج به أهل البدع من كتب ال عز وجل ففي تلك النصوص ما يتبين أنه
ل حجة لهم فيها بل
هي بعينها حجة عليهم كما ذكر أمثال ذلك في الرد على أهل البدع والهواء
وغيرهم من أهل القبلة #وإنما عامة ما عند القوم ألفاظ متشابهة تمسكوا بما ظنوها
تدل عليه وعدلوا عن اللفاظ المحكمة الصريحة المبينة مع ما يقترن بذلك من
الهواء #وهذه حال أهل الباطن كما قال تعالى فيهم سورة النجم الية # 23فهم
في جهل وظلم كما قال تعالى سورة الحزاب الية # 73 72فالمؤمنون الذين تاب
ال عليهم من الجهل والظلم هم أتباع النبياء عليهم السلم فإن النبياء بعثوا بالعلم
والعدل كما قال تعالى سورة النجم اليات 4 1
فبين سبحانه وتعالى أنه ليس ضال جاهل ول غاويا متبعا هواه ول ينطق عن #
هواه إنما نطقه وحي أوحاه ال سبحانه وتعالى #وقال تعالى سورة الفتح الية 28
#فالهدى يتضمن العلم النافع ودين الحق يتضمن العمل الصالح ومبناه على العدل
كما قال تعالى سورة الحديد الية # 25وأصل العدل العدل في حق ال تعالى وهو
عبادته وحده ل شريك له فإن الشرك ظلم عظيم كما قال لقمان لبنه سورة لقمان
الية 13
وفي الصحيحين عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه لما نزلت ^ الذين ءامنوا #
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ^ الية #شق ذلك على أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس هو كما
تظنون إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم #
ولما كان أتباع النبياء هم أهل العلم والعدل كان كلم أهل السلم والسنة مع الكفار
وأهل البدع بالعلم والعدل ل بالظن وما تهوى النفس ولهذا قال النبي صلى ال عليه
وسلم القضاة ثلثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو
في الجنة ورجل علم الحق وقضى بخلفه فهو في النار ورجل قضى
للناس على جهل فهو في النار رواه أبو داود وغيره #فإذا كان من يقضي بين
الناس في الموال والدماء والعراض إذا لم يكن عالما عادل كان في النار فكيف
بمن يحكم في الملل والديان وأصول اليمان والمعارف اللهية والمعالم الكلية بل
9
www.anassim.fr.st 10 الن سي ــــ ـــ ـم
علم ول عدل كحال أهل البدع والهواء الذين يتمسكون بالمتشابه المشكوك ويدعون
المحكم الصريح من نصوص
ثم لما بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم كفروا به فصار كفرهم وضللهم من #
هذين الوجهين تبديل دين الرسول الول وتكذيب الرسول الثاني #كما كان كفر
اليهود بتبديلهم أحكام التوراة قبل مبعث المسيح ثم تكذيبهم المسيح عليه السلم #
ونبين إن شاء ال أن ما عليه النصارى من التثليث والتحاد لم يدل عليه شيء من
كتب ال ل النجيل ول غيره بل دلت على نقيض ذلك ول دل على ذلك عقل بل
العقل الصريح مع نصوص النبياء تدل على نقيض ذلك بل وكذلك عامة شرائع
دينهم محدثة مبتدعة لم يشرعها المسيح عليه السلم #ثم التكذيب لمحمد صلى ال
عليه وسلم هو كفرهم المعلوم لكل مسلم مثل كفر اليهود بالمسيح عليه السلم وأبلغ
#وهم يبالغون في تكفير اليهود بأعظم مما يستحقه اليهود من التكفير إذ كان اليهود
يزعمون أن المسيح ساحر كذاب بل يقولون إنه ولد غية كما أخبر ال عنهم بقوله
محمد مولى زيد بن ثابت #عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس
رضي ال عنهما أنه قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول ال صلى ال
عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال رافع
بن حريملة ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والنجيل جميعا فقال رجل من أهل
نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة
فأنزل ال ذلك في قولهما ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت
^ النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب
قال كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر أي تكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها #
ما أخذ ال عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلم وفي النجيل
10
www.anassim.fr.st 11 الن سي ــــ ـــ ـم
بإجابة عيسى بتصديق موسى وبما جاء به من التوراة من عند ال وكل يكفر بما في
يدي صاحبه #قال قتادة ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ^ قال بلى قد
كان أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا
وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ^ قال بلى قد كانت أوائل اليهود على ^ #
شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا #فاليهود كذبوا بدين النصارى وقالوا ليسوا على
شيء والنصارى كذبوا بجميع ما تميز به اليهود عنهم حتى في شرائع التوراة التي
لم ينسخها المسيح بل أمرهم بالعمل بها وكذبوا بكثير من الذين تميزوا به عنهم حتى
كذبوا بما جاء به عيسى عليه السلم من الحق #لكن النصارى وإن بالغوا في تكفير
اليهود ومعاداتهم على الحد الواجب عما ابتدعوه من الغلو والضلل فل ريب أن
اليهود لما كذبوا المسيح صاروا كفارا كما قال تعالى للمسيح سورة آل عمران الية
# 55وقال تعالى سورة الصف الية 14
وكفر النصارى بتكذيب محمد صلى ال عليه وسلم وبمخالفة المسلمين أعظم من #
كفر اليهود بمجرد تكذيب المسيح فإن المسيح لم ينسخ من شرع التوراة إل قليل
وسائر شرعه إحالة على التوراة ولكن عامة دين النصارى أحدثوه بعد المسيح فلم
يكن في مجرد تكذيب اليهود له من مخالفة شرع ال الذي جاء بكتاب مستقل من عند
ال لم يحل شيئا من شرعه على شرع غيره #قال ال تعالى سورة العنكبوت الية
# 51والقرآن أصل كالتوراة وإن كان أعظم منها ولهذا علماء النصارى يقرنون
بين موسى ومحمد صلى ال عليه وسلم كما قال النجاشي ملك النصارى لما سمع
القرآن إن هذا والذي جاء به
موسى ليخرج من مشكاة واحدة #وكذلك قال ورقة بن نوفل وهو من أحبار
نصارى العرب لما سمع كلم النبي صلى ال عليه وسلم فقال له إنه يأتيك الناموس
الذي يأتي موسى يا ليتني فيها جذعا حين يخرجك
قومك فقال النبي صلى ال عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت أحد بمثل ما
اتيت به إل عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا #ولهذا يقرن سبحانه
بين التوراة والقرآن في مثل قوله ^ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل
ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا ^ ويعني
التوراة والقرآن وفي القراءة الخرى ^ قالوا ساحران ^ أي محمد
وموسى سورة القصص الية # 49 48فلم ينزل كتاب من عند ال أهدى من
التوراة والقرآن ثم قال تعالى سورة القصص الية # 50وهؤلء النصارى ذكر
كاتب كتابهم في كتابه أنه لما سأله سائل أن يفحص له فحصا بينا عما يعتقده
النصارى المسيحيون المختلفة ألسنتهم المتفرقة في أربع زوايا العالم من المشرق
إلى المغرب ومن الجنوب الى الشمال والقاطنون بجزائر البحر والمقيمون بالبر
11
www.anassim.fr.st 12 الن سي ــــ ـــ ـم
دميان الملك الرومي اجتمع بمن اجتمع به من أجلئهم ورؤسائهم وفاوض من
فاوض من أفاضلهم وعلمائهم فيما علمه من رأي القوم الذين رآهم بجزائر البحر
قبل دخوله إلى قبرص وخاطبهم في دينهم وما يعتقدونه ويحتجون به عن أنفسهم
قال الكاتب على لسان السقف إنهم يقولون إنا سمعنا أن قد ظهر إنسان من العرب
اسمه محمد يقول إنه رسول ال وأتى بكتاب فذكر أنه منزل عليه من ال فلم نزل
إلى أن حصل الكتاب عندنا قال فقلت لهم إذا كنتم قد سمعتم بهذا الكتاب وهذا
النسان واجتهدتم على تحصيل هذا الكتاب الذي أتى به عندكم فلي حال لم تتبعوه
ول سيما وفي الكتاب يقول
سورة آل عمران الية # 85أجابوا قائلين لحوال شتى قال فقت وما هي قالوا #
منها أن الكتاب عربي وليس بلساننا حسب ما جاء فيه يقول سورة يوسف الية # 2
وقال سورة الشعراء الية # 195وقال في سورة الشعراء الية # 199 198
وقال في سورة البقرة الية # 151وقال في سورة آل عمران الية # 164وقال
تعالى في سورة القصص الية 46
وقال في سورة السجدة الية # 3وقال في سورة يس الية # 6قالوا فلما رأينا #
هذا علمنا أنه لم يأت إلينا بل إلى جاهلية العرب الذين قال إنه لم يأتهم رسول ول
نذير من قبله وإنه ل يلزمنا اتباعه لننا نحن قد أتانا رسل من قبله خاطبونا بألسنتنا
وأنذرونا بديننا الذي نحن متمسكون به يومنا هذا وسلموا إلينا التوراة والنجيل
بلغاتنا على ما يشهد لهم هذا الكتاب الذي أتى به هذا الرجل حيث يقول في سورة
إبراهيم الية # 5وقال في سورة النحل الية # 36وقال في سورة الروم الية
47
فقد صح في هذا الكتاب أنه لم يأت إل في الجاهلية من العرب وأما قوله سورة آل #
عمران الية # 85فيريد بحسب مقتضى العدل قومه الذين أتاهم بلغتهم ل غيرهم
ممن لم يأتهم بما جاء فيه #ونعلم أن ال عدل وليس من عدله أن يطالب يوم القيامة
أمة باتباع إنسان لم يأت إليهم ول وقفوا له على كتاب بلسانهم ول من جهة داع من
قبله #هذه ألفاظهم بأعيانها في الفصل الول وهذا الفصل لم يتعرضوا فيه ل
لتصديقه ول لتكذيبه بل زعموا أن في نفس هذا الكتاب أنه لم يقل إنه مرسل إليهم
بل إلى جاهلية العرب وإن العقل أيضا يمنع أن يرسل إليهم #فنحن نبدأ بالجواب
عن هذا ونبين أنه صلى ال عليه
وسلم أخبر أنه مرسل إليهم وإلى جميع النس والجن وأنه لم يقل قط أنه لم يرسل
إليهم ول في كتابه ما يدل على ذلك #وأن ما احتجوا به من اليات التي غلطوا في
معرفة معناها فتركوا النصوص الكثيرة الصريحة في كتابه التي تبين أنه مرسل
12
www.anassim.fr.st 13 الن سي ــــ ـــ ـم
إليهم من جنس ما فعلوه في التوراة والنجيل والزبور وكلم النبياء حيث تركوا
النصوص الكثيرة الصريحة وتمسكوا بقليل من المتشابه الذي لم يفهموا معناه #
ومعلوم أن الكلم في صدق مدعي الرسالة وكذبه متقدم على الكلم في عموم
رسالته وخصوصها وإن كان قد يعلم أحدهما قبل الخر لكن هؤلء القوم ادعوا
خصوص رسالته وذكروا أن القرآن يدل على ذلك فنجيب عما ذكروه على حسب
ترتيبهم فصل فصل فنقول وبال التوفيق #الكلم فيمن خاطب الخلق بأنه رسول
ال إليهم كما فعل محمد صلى ال عليه وسلم وغيره ممن قال أنه رسول ال
كإبراهيم وموسى ونحوهما من الرسل الصادقين صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين
وآل كل من الصالحين وكمسيلمة الكذاب
والسود العنسي ونحوهما من المتنبئين الكذابين ينبني على أصلين #أحدهما أن
نعرف ما يقوله في خبره وأمره فنعرف ما يخبر به ويأمر به وهل قال إنه رسول
ال إلى جميع الناس أو قال إنه لم يرسل إل إلى طائفة معينة ل إلى غيرها #
والثاني أن يعرف هل هو صادق أو كاذب #وبهذين الصلين يتم اليمان المفصل
وهو معرفة صدق الرسول ومعرفة ما جاء به #وأما اليمان المجمل فيحصل
بالول وهو معرفة صدقه فيما جاء به كإيماننا بالرسل المتقدمة وقد نعلم صدقه أو
كذبه
وهؤلء بدأوا في كتابهم هذا بما ذكره الرسول مما زعموا أنه حجة لهم على عدم #
وجوب اتباعه وعلى مدح دينهم الذي هم اليوم عليه بعد النسخ والتبديل ثم ذكروا
حججا مستقلة على صحة دينهم ثم ذكروا ما يقدح فيه وفي دينه فلهذا قدمنا الجواب
عما احتجوا به من القرآن كما قدموه في كتابهم
فصل & #ودلئل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جدا فإن من &
ادعى النبوة وكان صادقا فهو من أفضل خلق ال وأكملهم في العلم والدين فإنه ل
أحد أفضل من رسل ال وأنبيائه صلوات ال عليهم وسلمه وإن كان بعضهم افضل
من بعض كما قال تعالى سورة البقرة الية # 253وقال تعالى سورة السراء الية
# 55وان كان المدعي للنبوة كاذبا فهو من أكفر خلق ال وشرهم كما قال تعالى
سورة النعام الية 93
وقال تعالى سورة الزمر اليات # 34 32وقال تعالى سورة الزمر الية # # 60
فالكذب أصل للشر وأعظمه الكذب على ال عز وجل والصدق أصل للخير وأعظمه
الصدق على ال تبارك وتعالى #وفي الصحيحين عن عبد ال بن مسعود رضي ال
عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال #عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى
البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب
عند ال صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى
النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا
13
www.anassim.fr.st 14 الن سي ــــ ـــ ـم
ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات كان بينهما من الفروق #
والدلئل والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الخر ما يظهر لكل من
عرف حالهما ولهذا كانت دلئل النبياء وأعلمهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة
كما أن دلئل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة كما قد بسط في موضع آخر
فصل & #إذا عرف هذا فهؤلء القوم في هذا المقام ادعوا أن محمدا صلى ال &
عليه وسلم لم يرسل إليهم بل إلى أهل الجاهلية من العرب فهذه الدعوى على وجهين
#إما أن يقولوا إنه بنفسه لم يدع أنه أرسل إليهم ولكن أمته ادعوا له ذلك #وإما أن
يقولوا إنه ادعى أنه أرسل إليهم وهو كاذب في هذه الدعوى وكلمهم في صدر هذا
الكتاب يقتضي الوجه الول #وفي آخره قد يقال أنهم اشاروا إلى الوجه الثاني
لكنهم في الحقيقة لم ينكروا رسالته إلى العرب وإنما أنكروا رسالته إليهم #وأما
رسالته إلى العرب فلم يصرحوا بتصديقه فيها ول بتكذيبه وإن كان ظاهر لفظهم
يقتضي القرار برسالته إلى العرب بل صدقوا بما وافق قولهم وكذبوا بما خالق
قولهم #ونحن نبين أنه ل يصح احتجاجهم بشيء مما جاء به النبي صلى ال عليه
وسلم ثم نتكلم على الوجهين جميعا ونبين أنه ل يصح احتجاجهم بشيء من القرآن
على صحة دينهم بوجه من
الوجوه ونبين أن القرآن ل حجة فيه لهم ول فيه تناقض #وكذلك كتب النبياء
المتقدمين التي يحتجون بها هي حجة عليهم ليس في شيء منها حجة لهم ولو لم
يبعث محمد صلى ال عليه وسلم فكيف والكتاب الذي جاء به محمد صلى ال عليه
وسلم موافق لسائر كلم النبياء عليهم السلم في إبطال دينهم وقولهم في التثليث
والتحاد وغير ذلك مع العقل الصريح #فهم احتجوا في كتابهم هذا بالقرآن وبما
جاءت به النبياء قبل محمد صلى ال عليه وسلم مع العقل #ونحن نبين أنه ل حجة
لهم فيما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ول فيما جاءت به النبياء قبله ول في
العقل بل ما جاء به محمد وما جاءت به النبياء قبله مع صريح العقل كلها براهين
قطعية على فساد دينهم ولكن نذكر قبل ذلك أن احتجاجهم بما جاء عن النبي صلى
ال عليه وسلم ل يصح بوجه من الوجوه وأنه ل يجوز أن يحتج بمجرد المنقول عن
محمد صلى ال عليه وسلم من يكذبه في كلمة واحدة مما جاء به #وكذلك سائر
النبياء عليهم السلم بخلف الحتجاج بكلم غير النبياء فإن ذلك يمكن موافقة
بعضه دون بعض وأما ما أخبرت به النبياء عليهم السلم أو من قال إنه نبي
فل يمكن الحتجاج ببعضه دون بعض سواء قدر صدقهم أو كذبهم #فيقال لهم على
كل تقدير سواء أقروا بنبوته إلى العرب أو غيرهم أو كذبوه في قوله إنه رسول ال
أو سكتوا عن هذا وهذا أو صدقوه في البعض دون البعض #إن احتجاجكم على
صحة ما تخالفون فيه المسلمين مما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ل يصح
بوجه من الوجوه فاحتجاجكم على أنه لم يرسل إليكم أو على صحة دينكم بشيء من
14
www.anassim.fr.st 15 الن سي ــــ ـــ ـم
القرآن حجة داحضة على كل تقدير #مع أنا سنبين إن شاء ال تعالى أن الكتب
اللهية كلها مع المعقول ل حجة لكم في شيء منها بل كلها حجة عليكم #وهذا
بخلف المسلمين فإنه يصح احتجاجهم على أهل الكتاب اليهود والنصارى بما
جاءت به النبياء قبل محمد صلى ال عليه وسلم وأهل الكتاب ل يصح احتجاجهم
بما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم وذلك أن المسلمين مقرون بنبوة موسى
وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من النبياء عليهم السلم وعندهم يجب اليمان بكل
كتاب أنزله ال وبكل نبي أرسله ال وهذا أصل دين المسلمين فمن كفر بنبي واحد
أو كتاب واحد فهو عندهم كافر بل من سب نبيا من النبياء فهو عندهم كافر
مباح الدم كما قال تعالى سورة البقرة اليتان # 137 136وقال تعالى سورة البقرة
الية # 285وقال تعالى سورة البقرة الية # 177والكتاب اسم جنس لكل كتاب
أنزله ال يتناول التوراة والنجيل كما يتناول القرآن كقوله تعالى سورة الشورى
الية # 15وقوله تعالى سورة البقرة الية 285
وفي القراءة الخرى وكتابه كقوله تعالى سورة الشورى الية # 15وقوله تعالى #
سورة البقرة اليات # 5 1فذكر أن هذا الكتاب الذي أنزل عليه هدى للمتقين الذين
يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة والذين يؤمنون بما أنزل إليه وما
أنزل من قبله وبالخرة هم يوقنون ثم أخبر أن هؤلء هم المفلحون فحصر الفلح
في هؤلء فل يكون مفلحا إل من كان من هؤلء #وقوله تعالى ^ والذين يؤمنون
بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ^ #هو صفة للمذكورين ليس هؤلء صنفا آخر
فإن عطف الشيء على الشيء قد يكون لتغاير الصفات وإن كانت الذات واحدة هذا
هو الصحيح هنا وإن كان قد قيل إن الصنف الثاني مؤمنوا أهل الكتاب
النصارى إن الكتاب المراد به النجيل كما سيأتي الكلم على ذلك إن شاء ال تعالى
#والعطف لتغاير الصفات كقوله تعالى سورة العلى اليات # 5 1وهو سبحانه
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى #
وقوله تعالى سورة المؤمنون الية # 5 1إلى آخر اليات #وكذلك قوله سورة
البقرة الية 4
هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون وهم الذين على #
هدى من ربهم وهم المفلحون #ولكن فصل إيمانهم بعد أن أجمله لئل يظن ظان أن
مجرد دعوى اليمان بالغيب ينفع وإن لم يؤمن بما أنزل إلى محمد صلى ال عليه
وسلم وما أنزل إلى من قبله فلو قال أحد من الناس أنا أؤمن بالغيب وهو مع ذلك ل
يؤمن ببعض ما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم أو ببعض ما أنزل على من
قبله لم يكن مؤمنا حتى يؤمن بجميع ما أنزل إليه وما أنزل إلى من قبله ولو كانوا
15
www.anassim.fr.st 16 الن سي ــــ ـــ ـم
صنفا آخر لكان المفلحون قسمين قسما يؤمنون بالغيب ول يؤمنون بما أنزل إليه وما
أنزل إلى من قبله وقسما يؤمنون بما أنزل إليه وما أنزل إلى من قبله ول يؤمنون
بالغيب وهذا باطل عند جميع المم المؤمنين واليهود والنصارى فإن اليمان بما
أنزل إليه وإلى من قبله يتضمن اليمان بالغيب واليمان بالغيب ل يتم إل باليمان
بجميع ما أنزله ال تبارك وتعالى #والمسلمون ل يستجيز أحد منهم التكذيب بشيء
مما أنزل على من قبل محمد صلى ال عليه وسلم لكن الحتجاج بذلك عليهم يحتاج
إلى ثلث مقدمات #إحداها ثبوت ذلك على النبياء عليهم السلم #والثانية صحة
الترجمة إلى اللسان العربي أو اللسان الذي
يخاطب فيه كالرومي والسرياني فإن لسان موسى وداود والمسيح وغيرهم من أنبياء
بني إسرائيل كانت عبرانية ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيا أو روميا فقد
غلط #والثالثة تفسير ذلك الكلم ومعرفة معناه #فلهذا كان المسلمون ل يردون
شيئا من الحجج بتكذيب أحد من النبياء في شيء قاله ولكن قد يكذبون الناقل عنهم
أو يفسرون المنقول عنهم بما أرادوه أو بمعنى آخر على وجه الغلط #وإن كان
بعض المسلمين قد يغلط في تكذيب بعض النقل أو تأويل بعض المنقول عنهم فهو
كما يغلط من يغلط منهم ومن سائر أهل الملل في التكذيب على وجه الغلط ببعض ما
ينقل عمن يقر بنبوته أو في تأويل المنقول عنه #وهذا بخلف تكذيب نفس النبي
فإنه كفر صريح بخلف أهل الكتاب فإنه ل يتم مرادهم إل بتكذيبهم ببعض ما أنزل
ال ومتى كذب بكلمة واحدة مما أخبر به من قال إنه رسول ال بطل احتجاجه بسائر
كلمه فكانت حجتهم التي يحتجون بها داحضة وذلك أن الذي يقول إنه رسول ال
إما أن يكون صادقا في قوله إني رسول ال وفي جميع ما يخبر به عن ال وإما أن
يكون كاذبا ولو في كلمة واحدة عن ال #فإن كان صادقا في ذلك امتنع أن يكذب
على ال في شيء مما يبلغه عن ال فإن من كذب على ال ولو في كلمة واحدة كان
ممن
افترى على ال الكذب ولم يكن رسول من رسل ال ومن افترى على ال الكذب تبين
أنه من المتنبئين الكذابين #ومثل هذا ل يجوز أن يحتج بخبره عن ال فإنه قد علم
أن ال لم يرسله وإذا قال هو قول وكان صدقا كان كما يقوله غيره يقبل ل لنه بلغه
عن ال ول لنه رسول عن ال بل كما يقبل من المشركين وسائر الكفار ما يقولونه
من الحق فإن عباد الوثان إذا قالوا عن ال ما هو حق مثل إقرار مشركي العرب
بأن ال خلق السموات والرض لم نكذبهم في ذلك وإن كانوا كفارا وكذلك إذا قال
الكافر إن ال حي قادر خالق لم نكذبه في هذا القول #فمن كذب على ال في كلمة
واحدة قال إن ال أنزلها عليه ولم يكن ال أنزلها عليه فهو من الكذابين الذين ل
يجوز أن يحتج بشيء من أقوالهم التي يقولون إنهم يبلغونها عن ال تبارك وتعالى
وما قالوه غير ذلك فهم فيه كسائر الناس بل كأمثالهم من الكذابين إن عرف صحة
ذلك القول من جهة غيرهم قبل لقيام الدليل على صحته ل لكونهم قالوه وإن لم
يعرف صحته من جهة غيرهم لم يكن في قولهم له مع ثبوت كذبهم على ال حجة #
16
www.anassim.fr.st 17 الن سي ــــ ـــ ـم
وحينئذ فهؤلء إن اقروا برسالة محمد صلى ال عليه وسلم وأنه صادق فيما بلغه
عن ال من الكتاب والحكمة وجب عليهم اليمان بكل ما ثبت عنه من الكتاب
والحكمة كما يجب اليمان بكل ما جاءت به الرسل #وإن كذبوه في كلمة واحدة أو
شكوا في صدقه فيها امتنع مع
ذلك أن يقروا بأنه رسول ال وإذا لم يقروا بأنه رسول ال كان احتجاجهم بما قاله
كاحتجاجهم بسائر ما يقوله من ليس من النبياء بل من الكذابين أو من المشكوك في
صدقهم #ومعلوم أن من عرف كذبه على ال فيما يقول إنه يبلغه عن ال أو شك
في صدقه ل يعلم أنه رسول ال ول أنه صادق في كل ما يقوله ويبلغه عن ال وإذا
لم يعلم ذلك منه لم يعرف أن ال أنزل إليه شيئا بل إذا عرف كذبه عرف أن ال لم
ينزل إليه شيئا ول أرسله كما عرف كذب مسيلمة الكذاب والسود العنسي وطليحة
السدي وكما عرف كذب ماني وأمثاله
وقال تعالى سورة الحاقة اليات # 47 44وقال تعالى سورة الشورى الية # 24
وقال تعالى سورة النحل اليتان # 102 101وقال تعالى سورة يونس الية # 15
وهذا لبسطه موضع آخر #وإنما المقصود هنا أن احتجاجهم بكلمة واحدة مما جاء
به
محمد صلى ال عليه وسلم ل يصح بوجه من الوجوه فإنه إن كان رسول صادقا في
كل ما يخبر به عن ال عز وجل فقد علم كل واحد أنه جاء بما يخالف دين النصارى
فيلزم إذا كان رسول صادقا أن يكون دين النصارى باطل وإن قالوا في كلمة واحدة
مما جاء به أنها باطلة لزم أن ل يكون عندهم رسول صادقا مبلغا عن ال وحينئذ
فسواء قالوا هو ملك عادل أو هو عالم من العلماء أو هو رجل صالح من الصالحين
أو جعلوه قديسا عظيما من أعظم القديسين فمهما عظموه به ومدحوه به لما رأوه من
محاسنه الباهرة وفضائله الظاهرة وشريعته الطاهرة متى كذبوه في كلمة واحدة مما
جاء به أو شكوا فيها كانوا مكذبين له في قوله إنه رسول ال وأنه بلغ هذا القرآن عن
17
www.anassim.fr.st 18 الن سي ــــ ـــ ـم
ال ومن كان كاذبا في قوله إنه رسول ال لم يكن من النبياء والمرسلين ومن لم
يكن منهم لم يكن قوله حجة البتة لكن له أسوة أمثاله #فإن عرف صحة ما يقوله
بدليل منفصل قبل القول لنه عرف صدقه من غير جهته ل لنه قاله وإن لم يعرف
صحة القول لم يقبل #فتبين أنه إن لم يقر المقر لمن ذكر أنه رسول ال بأنه صادق
في كل ما يبلغه عن ال معصوم عن استقرار الكذب خطأ أو عمدا لم يصح
احتجاجهم بقوله
وهذا الصل يبطل قول عقلء أهل الكتاب وهو لقول جهالهم أعظم إبطال فإن #
كثيرا من عقلء أهل الكتاب وأكثرهم يعظمون محمدا صلى ال عليه وسلم لما دعا
إليه من توحيد ال تعالى ولما نهى عنه من عبادة الوثان ولما صدق التوارة
والنجيل والمرسلين قبله ولما ظهر من عظمة القرآن الذي جاء به ومحاسن
الشريعة التي جاء بها وفضائل أمته التي آمنت به ولما ظهر عنه وعنهم من اليات
البراهين والمعجزات والكرامات لكن يقولون مع ذلك إنه بعث غيرنا وإنه ملك عادل
له سياسة عادلة وإنه مع ذلك حصل علوما من علوم أهل الكتاب وغيرهم ووضع
لهم ناموسا بعلمه ورتبه كما وضع أكابرهم لهم القوانين والنواميس التي بأيديهم #
ومهما قالوه من هذا فإنهم ل يصيرون به مؤمنين به ول يسوغ لهم بمجرد ذلك
الحتجاج بشيء مما قاله لنه قد عرف بالنقل المتواتر الذي يعلمه جميع المم من
جميع الطوائف أنه قال إنه رسول ال إلى جميع الناس وأن ال أنزل عليه القرآن فإن
كان صادقا في ذلك فمن كذبه في كلمة واحدة فقد كذب رسول ال ومن كذب رسول
ال فهو كافر وإن لم يكن صادقا في ذلك لم يكن رسول ل بل كان كاذبا ومن كان
كاذبا على ال يقول ال أرسلني بذلك ولم يرسله به ل يجوز أن يحتج بشيء من
أقواله
وأما من كان من جهلء أهل الكتاب الذين يقولون أنه كان ملكا مسلطا عليهم وأنه #
رسول غضب أرسله ال إرسال كونيا لينتقم به منهم كما أرسل بختنصر وسنحاريب
على بني إسرائيل وكما أرسل جنكس خان وغيره من الملوك الكافرين والظالمين
مما
ينتقم به ممن عصاه فهؤلء أعظم تكذيبا له وكفرا به من أولئك فإن هؤلء الملوك لم
يقل أحد منهم إن ال أنزل عليه كتابا ول أن هذا الكلم الذي ابلغه إليكم هو كلم ال
ول أن ال أمركم أن تصدقوني فيما أخبرتكم به وتطيعوني فيما أمرتكم به ومن لم
يصدقني باطنا وظاهرا فإن ال يعذبه في الدنيا والخرة بل هؤلء أرسلهم إرسال
كونيا قدره وقضاه كما يرسل الريح بالعذاب وكما يرسل الشياطين قال تعالى سورة
مريم الية # 83وقال تعالى سورة السراء اليتان # 5 4وهذا بخلف قوله
سورة نوح الية # 1وقوله تعالى سورة المزمل الية 15
وقوله تعالى سورة النساء اليات # 165 163فإن هذا يعني به الرسال الديني #
18
www.anassim.fr.st 19 الن سي ــــ ـــ ـم
الذي يحبه تعالى ويرضاه الذي هدى به من اتبعهم وأدخله في رحمته وعاقب من
عصاهم وجعله من المستوجبين للعذاب وهو الرسال الذي أوجب ال به طاعة من
أرسله كما قال تعالى سورة النساء الية # 64وقال تعالى سورة النساء الية 80
#وهذه الرسالة التي أقام بها الحجة على الخلق كما قال تعالى سورة النساء الية
# 165وقال تعالى سورة الحج الية 75
وهذا كما اصطفى روح القدس جبريل عليه السلم لنزوله بالقرآن على من #
اصطفاه من البشر وهو محمد صلى ال عليه وسلم #قال تعالى سورة البقرة الية
# 97وقال تعالى سورة الشعراء اليات # 195 192وقال تعالى سورة النحل
اليتان # 102 101فأخبر انه نزل به جبريل وسماه الروح المين وسماه روح
القدس وقد ذكره أيضا في قوله سورة التكوير اليات # 21 19ثم قال
سورة التكوير اليات # 29 22فهذا الرسول جبريل عليه السلم وقال تعالى سورة
الحاقة اليات # 47 40فهذا الرسول محمد صلى ال عليه وسلم #وأما الرسال
الكوني الذي قدره وقضاه مثل إرسال الرياح وإرسال الشياطين فذلك نوع آخر قال
تعالى سورة مريم الية # 83وقال تعالى سورة العراف الية # 57وال تعالى
له الخلق والمر فلفظ الرسال والبعث والرادة والمر والذن والكتاب والتحريم
والقضاء والكلم ينقسم إلى خلقي وأمري وكوني وديني وقد ذكرنا الرسال #وأما
البعث فقال تعالى سورة الجمعة الية 2
وقال في الكوني سورة السراء الة # 5وقال تعالى سورة المائدة الية # # 31
وأما الرادة فقال تعالى في الكونية سورة النعام الية # 135وقال نوح عليه
السلم سورة هود الية # 34وقال تعالى في الرادة الدينية سورة البقرة الية
# 185وقال تعالى سورة النساء اليات # 28 26وقال تعالى سورة المائدة الية
6
وقال تعالى سورة الحزاب الية # 33وقال تعالى في المر الكوني سورة يس #
الية # 82وكذلك في أظهر القولين قوله تعالى سورة السراء الية 16
وأما المر الديني مثل قوله سورة النساء الية # 58وأما الذن الكوني مثل قوله #
في السحرة سورة البقرة الية # 102والديني مثل قوله سورة الحزاب اليتان
# 46 45والكتاب الكوني مثل قوله سورة المجادلة الية # 21وقوله سورة
التوبة الية # 51والديني مثل قوله سورة النساء الية # 24وقوله سورة البقرة
الية # 183وقوله سورة البقرة الية 178
والقضاءالكوني كقوله سورة فصلت الية # 12والديني سورة السراء الية # 23
#أي أمر #والتحريم الكوني مثل قوله سورة القصص الية # 12وقوله سورة
19
www.anassim.fr.st 20 الن سي ــــ ـــ ـم
المائدة الية # 26وقوله سورة النبياء الية # 95والديني مثل قوله سورة المائدة
الية # 3وقوله سورة النساء الية # 23والكلمات الكونية مثل قول النبي صلى
ال عليه وسلم أعوذ بكلمات ال التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر ومنه
قوله تعالى سورة التحريم الية # 12والدينية مثل قول النبي صلى ال عليه وسلم
اتقوا ال في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة ال واستحللتم فروجهن بكلمة ال ومنه
قوله تعالى سورة آل عمران الية 64
وهذا مبسوط في موضع آخر #والمقصود هنا أنه تفرق أهل الكتاب في النبي #
صلى ال عليه وسلم كل يقول فيه قول هو نظير تفرق سائر الكفار فإن الكفار
بالنبياء من عاداتهم أن تقول كل طائفة فيه قول يناقض قول الطائفة الخرى وكذلك
قولهم في الكتاب الذي أنزل عليه وأقوالهم كلها أقوال مختلفة باطلة وهذا هو
الختلف المذموم الذي ذكره ال تعالى في قوله سورة هود اليتان # 119 118
وفي قوله سورة الذاريات اليتان # 8 7وقوله تعالى سورة البقرة الية # 176
وقوله سورة آل عمران اليتان # 106 105وقوله تعالى سورة المائدة الية 14
ومثال أقوال الكفار في النبياء ما ذكره تعالى في قوله تعالى سورة الفرقان #
اليات # 9 1فبين سبحانه أن الكفار ضربوا له أمثال كلها باطلة ضلوا فيها عن
الحق فل يستطيعون مع الضلل سبيل إلى الحق وضرب المثال له يتضمن تمثيله
بأناس آخرين وجعله في تلك النواع التي ليس هو منها ول مماثل لفرادها مثل
قولهم سورة الفرقان الية # 4مثلوه بالكاذب المستعين بمن يعينه على ما يفتريه
ومثلوه بمن
يستكتب أساطير الولين من غيره فتقرأ عليه طرفي النهار وهو يتعلم من أولئك ما
يقوله ومثلوه بالمسحور وكذلك قوله تعالى سورة السراء اليات # 48 45وقال
تعالى سورة الحجر اليات # 96 87قال كثير من السلف الذين جعلوا القرآن
عضين هم الذين
عضهوه فقالوا سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك كما قال تعالى سورة الحاقة اليات
# 52 38وقال سورة الطور اليات # 34 29وقال تعالى سورة الشعراء اليات
209 192
ثم قال تعالى سورة الشعراء اليات # 227 210وقال تعالى #
20
www.anassim.fr.st 21 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال تعالى سورة الذاريات اليات # 51 49وقد أخبر تعالى أن هذه سنة الكفار #
في النبياء قبله كما قال سورة الذاريات اليتان # 53 52وقال تعالى سورة
فصلت الية # 43وقال تعالى سورة النعام الية # 112وقد أخبر سبحانه أن
الكفار قالوا عن موسى عليه السلم أنه ساحر وأنه مجنون فقال فرعون سورة
الشعراء الية # 27وقوله سورة الزخرف الية # 49وقال
سورة طه الية # 71وكذلك قالوا عن المسيح بن مريم كما قال تعالى سورة
الصف الية # 6وذكر تعالى عن اليهود أنهم قالوا على مريم بهتانا عظيما فقول
اليهود في المسيح من جنس أقوال الكفار في النبياء وكذلك قول كفار أهل الكتاب
في خاتم النبياء محمد صلى ال عليه وسلم تسليما #فإذا علم هذا فنقول بعد ذلك
لمن قال أنه رسول أرسل إلى العرب الجاهلية دون أهل الكتاب #إنه من المعلوم
بالضرورة لكل من علم أحواله بالنقل المتواتر الذي هو أعظم تواترا مما ينقل عن
موسى وعيسى وغيرهما وبالقرآن المتواتر عنه وسنته المتواترة عنه وسنة خلفائه
الراشدين من بعده أنه صلى ال عليه وسلم ذكر أنه أرسل إلى أهل الكتاب اليهود
والنصارى كما ذكر أنه أرسل إلى الميين بل ذكر أنه أرسل الى جميع بني آدم
عربهم وعجمهم من الروم والفرس
والترك والهند والبربر والحبشة وسائر المم بل أنه أرسل إلى الثقلين الجن والنس
جميعا #وهذا كله من المور الظاهرة المتواترة عنه التي اتفق على نقلها عنه
أصحابه مع كثرتهم وتفرق ديارهم وأحوالهم وقد صحبه عشرات ألوف ل يحصى
عددهم على الحقيقة إل ال تعالى ونقل ذلك عنهم التابعون وهم أضعاف الصحابة
عددا ثم ذلك منقول قرنا بعد قرن
إلى زمننا مع كثرة المسلمين وانتشارهم في مشارق الرض ومغاربها كما أخبر
بذلك قبل أن يكون فقال في الحديث الصحيح زويت لي الرض فرأيت مشارقها
ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها وكان كما أخبر فبلغ ملك أمته طرفي
العمارة شرقا وغربا وانتشرت دعوته في وسط الرض كالقليم الثالث والرابع
والخامس لنهم أكمل عقول وأخلقا وأعدل أمزجة بخلف طرفي الجنوب والشمال
فإن هؤلء نقصت عقولهم وأخلقهم وانحرفت أمزجتهم #أما طرف الجنوب فإنه
لقوة الحرارة احترقت أخلطهم فاسودت ألوانهم وتجعدت شعورهم
وأما أهل طرق الشمال فلقوة البرد لم تنضج أخلطهم بل صارت فجة فأفرطوا #
في سبوطة الشعر والبياض البادر الذي ل يستحسن #ولهذا لما ظهر السلم غلب
أهله على وسط المعمورة وهم أعدل بني آدم وأكملهم والنصارى الذين تربوا تحت
ذمة المسلمين أكمل من غيرهم من النصارى عقول وأخلقا وأما النصارى
المحاربون للمسلمين الخارجون عن ذمتهم من أهل الجنوب والشمال فهم أنقص
عقول وأخلقا ولما فيهم من نقص العقول والخلق ظهرت فيهم النصرانية دون
21
www.anassim.fr.st 22 الن سي ــــ ـــ ـم
السلم #والقصود أن محمدا صلى ال عليه وسلم هو نفسه دعا أهل الكتاب من
اليهود والنصارى إلى اليمان به وبما جاء به كما دعا من ل كتاب له من العرب
وسائر المم
وهو الذي أخبر عن ال تبارك وتعالى بكفر من لم يؤمن به من أهل الكتاب #
وغيرهم وبأنهم يصلون جهنم وساءت مصيرا وهو الذي أمر بجهادهم ودعاهم
بنفسه ونوابه وحينئذ فقولهم في الكتاب لم يأت إلينا بل إلى الجاهلية من العرب سواء
أرادوا أن ال بعثه إلى العرب ولم يبعثه إلينا أو أرادوا أنه ادعى أنه أرسل إلى
العرب ل إلينا فإنه قد علم جميع الطوائف أن محمدا دعا اليهود والنصارى إلى
اليمان به وذكر أن ال أرسله إليهم وأمره بجهاد من لم يؤمن به منهم فإذا قيل مع
هذا أنه قال لم أبعث إل إلى العرب كان كاذبا كذبا ظاهرا عليه سواء صدقه النسان
أو كذبه فإن المقصود هنا أنه نفسه دعا جميع أهل الرض إلى اليمان به فدعا أهل
الكتاب كما دعا الميين #أما اليهود فإنهم كانوا جيرانه في الحجاز بالمدينة وما
حولها وخيبر فإن المهاجرين والنصار كلهم آمنوا به من غير سيف ول قتال بل لما
ظهر لهم من براهين نبوته ودلئل صدقه آمنوا به وقد حصل من الذى في ال لمن
آمن بال ما هو معروف في السيرة وقد آمن به في حياته كثير من اليهود والنصارى
بعضهم بمكة وبعضهم بالمدينة وكثير
منهم كانوا بغير مكة والمدينة فلما قدم المدينة عاهد من لم يؤمن به من اليهود ثم
نقضوا العهد فأجلى بعضهم وقتل بعضهم لمحاربتهم ل ورسوله #وقد قاتلهم مرة
بعد مرة قاتل بني النضير وأنزل ال تعالى فيهم سورة الحشر وقاتل قريظة عام
الحزاب وذكرهم ال في سورة الحزاب وقاتل قبلهم بني قينقاع وبعد هؤلء
غزا خيبر هو وأهل بيعة الرضوان الذين بايعوه تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة
ففتح ال عليهم خيبر واقر اليهود فيها فلحين وأنزل ال تعالى سورة الفتح يذكر فيها
ذلك فكيف يقال إنه لم يذكر أنه أرسل إل إلى مشركي العرب وهذه حال اليهود معه
وأما النصارى فإن أهل نجران التي باليمن كانوا نصارى فقدم عليه وفدهم ستون #
راكبا وناظرهم في مسجده وأنزل ال فيهم صدر سورة آل عمران ولما ظهرت
حجته عليهم وتبين لهم أنه رسول ال إليهم أمره ال إن لم يجيبوه أن يدعوهم إلى
المباهلة فقال تعالى سورة آل عمران الية # 61فلما دعاهم إلى المباهلة طالبوا أن
يمهلهم حتى يشتوروا
فاشتوروا فقال بعضهم لبعض تعلمون أنه نبي وأنه ما باهل قوم نبيا إل نزل بهم
العذاب #فاستعفوا من المباهلة فصالحوه وأقروا له بالجزية عن يد وهم صاغرون
لما خافوا من دعائه عليهم لعلمهم أنه نبي فدخلوا تحت حكمه كما يدخل أهل الذمة
الذين في بلد المسلمين تحت حكم ال ورسوله وأدوا إليه الجزية عن يد وهم
22
www.anassim.fr.st 23 الن سي ــــ ـــ ـم
صاغرون وهم أول من أدى الجزية من النصارى #واستعمل عليهم وعلى من أسلم
منهم عمرو بن حزم النصاري وكتب له كتابا مشهورا يذكر فيه شرائع الدين فكانوا
في ذمة المسلمين تحت حكم ال ورسوله ونائب رسوله عمرو بن حزم النصاري
رضي ال عنه وقصتهم مشهورة متواترة نقلها أهل السير
وأهل الحديث وأهل الفقه وأصل حديثهم معروف في الصحاح والسنن كما سنذكره
إن شاء ال تعالى #ووفد نجران لما قدموا أنزل ال تبارك وتعالى بسبب ما جرى
صدر سورة آل عمران وذكر تعالى فرض الحج بقوله سورة آل عمران الية # 97
وهذا نزل إما سنة تسع وإما سنة عشر كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء منهم
القاضي أبو يعلى وغيره #قالوا وجوب الحج ثبت بقوله ^ ول على الناس حج
^ البيت
وروي أنه نزل في سنة عشر وروي أنه نزل في سنة تسع وهذا قول جمهور #
العلماء #قالوا إن فرض الحج إنما ثبت بهذه الية وقال بعضهم بل ثبت ذلك بقوله
تعالى سورة البقرة الية # 196وهذه الية نزلت سنة ست عام الحديبية لما صد
المشركون رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البيت وصالحهم ذلك العام وبايع
المسلمين تحت الشجرة وأنزل ال فيها سورة الفتح ثم رجع إلى المدينة وفتح ال
عليهم خيبر سنة سبع وفيها قدم عليه جعفر بن أبي طالب مع وفد الحبشة ثم أرسل
جعفرا
وزيدا وعبد ال بن رواحة لغزو النصارى لمؤتة ثم فتح مكة سنة ثمان في رمضان
ثم في أثناء سنة تسع غزا النصارى إلى تبوك وفيها حج أبو بكر الصديق رضي ال
عنه وأمر أن ل يحج بعد العام مشرك ول يطوف بالبيت عريان
وأردفه بعلي بن أبي طالب رضي ال عنه لنبذ العهود وأنزل ال آية السيف #
المطلقة بجهاد المشركين وجهاد أهل الكتاب فقال تعالى سورة التوبة الية 5
وهذه الشهر عند جمهور العلماء هي المذكورة في قوله تعالى سورة التوبة الية #
# 2فإن المشركين كانوا على نوعين نوعا لهم عهد مطلق غير مؤقت وهو عقد
جائز غير لزم ونوعا لهم عهد مؤقت فأمر ال رسوله أن ينبذ إلى المشركين أهل
العهد المطلق لنه هذا العهد جائز غير لزم وأمره أن يسيرهم أربعة اشهر ومن
كان له عهد مؤقت فهو عهد لزم فأمره ال أن يوفي له إذا كان مؤقتا وقد ذهب
بعض الفقهاء
إلى الهدنة ل تجوز إل مؤقتة وذهب بعضهم إلى أنه يجوز للمام أن يفسخ الهدنة
مع قيامهم بالواجب والصواب هو القول الثالث وهو أنها تجوز مطلقة ومؤقتة #
فأما المطلقة فجائزة غير لزمة يخير بين إمضائها وبين نقضها #والمؤقتة لزمة
23
www.anassim.fr.st 24 الن سي ــــ ـــ ـم
قال تعالى
سورة التوبة اليات # 13 1والمقصود هنا ذكر قدوم وفد نجران النصارى السيد
والعاقب ومن معهما #قال أبو الفرج بن الجوزي ثم دخلت سنة عشر من الهجرة
فمن الحوادث فيها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى بني
الحارث بن كعب فروى ابن اسحاق قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خالدا
في ربيع الخر أو جمادى الول في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران
وأمره أن يدعوهم إلى السلم قبل أن يقاتلهم وذكر القصة ثم قال وفيها قدم وفد
الزد وفيها قدم
وفد غسان وفيها قدم وفد زبيد وفيها قدم وفد عبد القيس قال ابن إسحاق قدم على
رسول ال صلى ال عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس وكان نصرانيا
فأسلموا وفيها قدم وفد
كندة فأسلموا وفيها قدم وفد بني حنيفة وفيها قدم وفد بجيلة قال وفيها قدم العاقب
والسيد من نجران فكتب لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم كتاب صلح #وذكر
محمد بن سعد في الطبقات قدومهم في
الوفود فقال #ذكر بعث النبي صلى ال عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع
الول سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب ذكره بإسناده أنبأنا محمد بن عمر حدثني
إبراهيم بن موسى المخزومي عن عبد ال بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث
عن أبيه ثم ذكر قدوم نصارى نجران من طريق علي بن محمد فقال أنا علي بن
محمد وهو المدائني عن أبي معشر عن يزيد بن
رومان ومحمد بن كعب قال وأنا علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الزهري
وعكرمة بن خالد وعاصم بن عمر بن قتادة أنا يزيد بن عايض بن جعدية عن عبد
ال بن
أبي بكر بن حزم وعن غيرهم من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض قالوا ووفد
فلن وفلن في رجال من خثعم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بعدما هدم
جرير بن عبد ال رضي ال عنه ذا الخلصة وقتل من قتل من خثعم فقالوا آمنا بال
ورسوله
فاكتب لنا كتابا وذكروا القصة وقدوم وفود متعددة #قالوا وقدم وفد نجران وكتب
رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى أهل نجران فخرج إليه أربعة عشر من أشرافهم
نصارى وفيهم ثلثة نفر يتولون أمورهم #العاقب واسمه عبد المسيح رجل من
24
www.anassim.fr.st 25 الن سي ــــ ـــ ـم
كندة وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث
أسقفهم وإمامهم وصاحب مدارسهم والسيد وهو صاحب رحلتهم فدخلوا
يصلون في المسجد نحو المشرق فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم دعوهم ثم
أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فأعرض عنهم فلم يكلمهم فقال لهم عثمان ذلك من
أجل زيكم هذا فانصرفوا يومهم ذلك ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا عليه فرد
عليهم ودعاهم إلى السلم فأبوا وكثر الكلم والحجاج بينهم وتل عليهم القرآن وقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك
فغدا عبد المسيح ورجلن من ذوي رأيهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا
قد بدا لنا أن ل نباهلك فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك فصالحهم على ألفي
حلة في رجب وألف في صفر أو قيمة كل حلة من الواقي وعلى عارية ثلثين
درعا وثلثين رمحا وثلثين بعيرا وثلثين فرسا أن كان باليمن كيد #ولنجران
وحاشيتهم جوار ال وذمة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم على أنفسهم وملتهم
وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم ل يغير أسقف من سقيفاه ول راهب
من رهبانيته ول واقف من وقفانيته وأشهد على ذلك شهودا منهم
أبو سفيان بن حرب والقرع بن حابس والمغيرة بن شعبة فرجعوا إلى بلدهم فلم
يلبث السيد والعاقب إل يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأسلما
وأنزلهما دار أبي أيوب النصاري وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي
صلى ال
عليه وسلم حتى قبضه ال صلوات ال عليه ورحمته ورضوانه #ثم ولي أبو بكر
الصديق رضي ال عنه فكتب بالوصاة بهم عند وفاته ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر
بن الخطاب من أرضهم وكتب لهم هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران أنه من
سار منهم أنه آمن بأمان ال ل يضرهم أحد من المسلمين ووفى لهم بما كتب لهم
رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر أما بعد فمن وقعوا به من أمراء الشام
وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الرض فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة
وعقبة لهم فكان أرضهم ل سبيل عليهم فيه لحد ول مغرم
أما بعد فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم #
الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن يقدموا ول يكلفوا إل من
ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ول معنوف عليهم شهد عثمان بن عفان رضي
ال عنه ومعيقيب ابن أبي فاطمة فوقع ناس منهم العراق فنزلوا النجرانية التى
بناحية الكوفة
25
www.anassim.fr.st 26 الن سي ــــ ـــ ـم
وما ذكره ابن سعد عن علي بن محمد المدائني عن أشياخه في حديث وفد نجران #
فهو يوافق ما ذكره ابن إسحاق فإن قوله أربعة عشر من أشرافهم يوافق قول ابن
إسحاق عن محمد بن جعفر قال #قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم وفد
نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم في الربعة عشر ثلثة نفر إليهم
يئول أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي ل يصدرون إل
عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ونجعتهم واسمه اليهم
وأبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب
مدارسهم وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم
فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس
وبسطوا له الكرامات لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم فلما وجهوا إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم من نجران جلس
أبو حارثة على بغلة له موجها وإلى جنبه أخ له يقال له كرز ابن علقمة فعثرت بغلة
أبي حارثة فقال كرز تعس البعد يريد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له أبو
حارثة بل أنت تعست فقال لم يا أخي قال وال إنه للنبي الذي كنا ننتظره فقال له
كرز فما منعك منه وأنت تعلم هذا قال ما صنع بنا هؤلء القوم شرفونا ومولونا
وأكرمونا وقد أبوا إل خلفه فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه
أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك وهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني
#قال ابن هشام #وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتابا عندهم فكلما مات
رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي
قبله ولم يكسرها فخرج الرئيس الذي كان على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم
يمشي فعثر فقال بنه تعس البعد يريد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له أبوه ل
تفعل فإنه نبي واسمه في الوضائع يعني الكتب #فلما مات لم تكن لبنه همة إل أن
شد فكسر الخواتم فوجد فيها ذكر النبي صلى ال عليه وسلم فأسلم فحسن إسلمه
وحج وهو يقول %إليك تغدو قلقا وضينها %معترضا في بطنها جنينها %مخالفا
%لدين النصارى دينها
قال ابن إسحاق #وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال قدموا على رسول ال #
صلى ال عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب
الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني
الحارث بن كعب قال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم
يومئذ ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم وقد حانت صلتهم فقاموا في مسجد رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقال دعوهم فصلوا إلى المشرق قال ابن إسحاق وكان تسمية
الربعة عشر الذين يئول إليهم أمرهم العاقب وهو عبد المسيح والسيد وهو اليهم
وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل وأوس والحارث وزيد وقيس ويزيد ونبيه
وخويلد وعمر وخالد وعبد ال ويحنس في ستين راكبا فكلم رسول ال صلى ال
26
www.anassim.fr.st 27 الن سي ــــ ـــ ـم
عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح واليهم السيد وهم من
النصرانية على دين الملك مع اختلفهم من أمرهم يقولون هو ال ويقولون هو ولد
ال ويقولون هو ثالث ثلثة وكذلك قول النصرانية #فهم يحتجون في قولهم هو ال
بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ السقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير
ثم ينفخ فيه فيكون طائرا وذلك كله بأمر ال وليجعله آية الناس #ويحتجون في
قولهم إنه ولد ال فإنهم يقولون لم يكن له أب
يعلم وقد تكلم في المهد وهذا شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم #ويحتجون في قولهم
ثالث ثلثة بقول ال فعلمنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ما قال إل
فعلت وقضيت وأمرت وخلقت ولكنه هو عيسى ومريم ففي كل ذلك من قولهم قد
نزل القرآن فلما كلمه الحبران قال لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم #أسلما قال
قد أسلمنا قال إنكما لم تسلما فأسلما قال بلى قد أسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من
السلم دعواكما ل ولد وعبادتكما للصليب وأكلكما للخنزير قال فمن أبوه يا محمد
فصمت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنهما فلم يجبهما فأنزل ال في ذلك من
قولهم واختلفهم في أمرهم كله صدرا من سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية
وذكر نزول اليات بسببهم غير واحد مثلما ذكره محمد بن جرير الطبري في #
تفسيره قال حدثنا المثنى حدثنا إسحاق حدثنا ابن أبي جعفر يعني عبد ال بن أبي
جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع في قوله تعالى سورة آل عمران اليتان # 2 1
قال إن النصارى أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فخاصموه في عيسى بن مريم
وقالوا له من أبوه وقالوا على ال الكذب
والبهتان ل إله إل هو لم يتخذ صاحبة ول ولدا فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم
ألستم تعلمون أنه ل يكون ولد إل وهو يشبه أباه قالوا نعم قال ألستم تعلمون أن ربنا
حي ل يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء قالوا بلى قال ألستم تعملون أن ربنا قيم
على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه قالوا بلى فهل يملك عيسى من ذلك شيئا قالوا
ل قال ألستم تعلمون أن ال ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء قالوا بلى
قال فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إل ما علم قالوا ل قال فإن ربنا صور عيسى في
لرحم كيف شاء قال ألستم تعلمون أن ربنا ل يأكل الطعام ول يشرب الشراب ول
يحدث الحدث قالوا بلى قال ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم
وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يتغذى الصبي ثم كان يطعم الطعام
ويشرب الشراب ويحدث الحدث قالوا بلى قال فكيف يكون هذا كما زعمتم قال
^ فعرفوا ثم أبوا إل الجحود فأنزل ال ^ آلم ال ل إله إل هو الحي القيوم
وقد ثبت في الصحاح حديث وفد نجران ففي البخاري ومسلم عن حذيفة وأخرجه #
مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الية سورة آل عمران الية # 61
دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلء
27
www.anassim.fr.st 28 الن سي ــــ ـــ ـم
أهلي #وفي البخاري عن حذيفة بن اليمان قال جاء السيد والعاقب صاحبا نجران
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدان أن يلعناه فقال أحدهما لصاحبه ل تفعل
فوال لئن كان نبيا فلعننا ل نفلح نحن ول عقبنا من بعدنا قال إنما نعطيك ما سألتنا
وابعث معنا رجل أمينا ول تبعث معنا إل أمينا قال لبعثن معكم رجل أمينا حق
أمين
قال فاستشرف لها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن
الجراح فلما قام قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا أمين هذه المة #وفي سنن
أبي داوود وغيره قال أبو داوود أخبرنا مصرف بن عمرو اليامي حدثنا يونس يعني
ابن بكير حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي عن
ابن عباس قال صالح رسول ال صلى ال عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة
النصف في صفر والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلثين درعا
وثلثين فرسا وثلثين بعيرا وثلثين من كل صنف من أصناف السلح يغزون بها
والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمين كيد ذات غدر على أن
ل يهدم لهم بيعة ول يخرج لهم قس ول يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو
يأكلوا الربا #قال إسماعيل فقد أكلوا الربا قال أبو داوود إذا نقضوا بعض ما شرط
عليهم فقد أحدثوه #وما ذكره أبو داوود وأهل السير من مصالحته لهل نجران
على
الجزية المذكورة معروف عند أهل العلم وقد ذكر ذلك أبو عبيد القاسم بن سلم في
كتاب الموال ذكره من طريقين #قال أبو عبيد رحمه ال حدثنا أبو أيوب الدمشقي
قال حدثني سعدان بن يحيى عن عبد ال بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم صالح أهل نجران فكتب لهم كتابا بسم ال الرحمن
الرحيم هذا ما كتب محمد النبي صلى ال عليه وسلم لهل نجران إذ كان له
28
www.anassim.fr.st 29 الن سي ــــ ـــ ـم
الجهد والنصح فيما استقبلوا غير مظلومين ول معنوف عليهم شهد عثمان بن عفان
ومعيقيب
قال أبو عبيد الواقة ولي العهد في لغة بلحارث بن كعب يقول إذا مات هذا #
السقف قام الخر مكانه #قال أبو عبيد قال أبو أيوب وحدثني عيسى بن يونس عن
عبد ال بن أبي حميد عن أبي المليح عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل ذلك وزاد
في حديثه قال فلما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم أتوا أبا بكر فوفى لهم بذلك
وكتب لهم كتابا نحوا من كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما ولى عمر بن
الخطاب رضي ال عنه أصابوا الربا في زمانه فأجلهم عمر وكتب لهم أما بعد فمن
وقعوا به من أمراء الشام أو العراق فليوسعهم من جريب الرض وما اعتملوا من
شيء فهو لهم لوجه ال وعقبى من أرضهم قال فأتوا العراق فاتخذوا النجرانية قال
أبو عبيد وهي قرية بالكوفة #وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة أما بعد فإن العاقب
والسقف وسراة أهل نجران أتوني بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأروني
شرط عمر رضي ال عنه وقد سألت عثمان بن حنيف فأنبأني أنه قد كان بحث على
ذلك فوجده صار للدهاقين ليردعهم عن أرضهم وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم
مائتي حلة لوجه ال وعقبي لهم من أرضهم وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة #
قال أبو عبيد وحدثنا عثمان بن صالح عن عبد ال بن
لهيعة عن أبي السود عن عروة بن الزبير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتب
لهل نجران من محمد النبي رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم ذكر نحو هذه
النسخة وليس في حديثه قصة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما وفي آخره شهد أبو
سفيان بن حرب وغيلن بن عمرو ومالك بن
عوف من بني نضر والقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة بن شعبة #قال أبو عبيد
حدثني سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد اليلي عن ابن شهاب
قال أول من أعطى الجزية أهل نجران وكانوا نصارى
فإن قيل قوله تعالى سورة آل عمران الية # 64وقد ثبت في الصحيحين أن #
النبي صلى ال عليه وسلم
قد كتب إلى هرقل مع دحية الكلبي مدة هدنته للمشركين وكان أبو سفيان إذ ذاك لم
يسلم وقد حضر عند هرقل وسأله هرقل عن النبي صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان
أسلم عام الفتح فدل ذلك على أن هذا الكتاب كان قبل الفتح ونزول آية الجزية كان
بعد الفتح سنة تسع فدل ذلك على أن هذه الية نزلت قبل آية الجزية وقبل آية
المباهلة وآية المباهله قد علم يقينا أنها نزلت في قصة قدوم وفد نجران والمفسرون
وأهل السير ذكروا أن آل عمران نزلت بسبب مناظرة أهل نجران وقد ذكرناه من
29
www.anassim.fr.st 30 الن سي ــــ ـــ ـم
ونقل أهل المغازي والسير أن وفد نجران صالحهم على الجزية وهم أول من #
أداها فعلم أن قدومهم كان بعد نزول آية الجزية وآية الجزية نزلت بعد فتح مكة فعلم
أن قدوم وفد نجران كان بعد آية السيف التي هي آية الجزية #قال الزهري أهل
نجران أول من أدى الجزية #وقوله تعالى سورة آل عمران # 63بعدها آيات
نزلت قبل ذلك كقوله سورة آل عمران # 71 70فيكون هذا مما تقدم نزوله وتلك
مما تأخر نزوله وجمع بينهما
للمناسبة كما في نظائره فإن اليات كانت إذا نزلت يأمر النبي صلى ال عليه وسلم
أن يضعها في مواضع تناسبها وإن كان ذلك مما تقدم ومما يبين ذلك أن هذه الية
وهي قوله تعالى ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ^ #لفظها
يعم اليهود والنصارى وكذلك ذكر أهل العلم أنها دعاء لطائفتين وأن النبي صلى ال
عليه وسلم دعا بها اليهود فدل ذلك على أن نزولها متقدم فإن دعاءه لليهود كان قبل
نزول آية الجزية ولهذا لم يضرب الجزية على أهل خيبر وغيرهم من يهود الحجاز
ولكن لما بعث معاذا إلى اليمن وكان كثيرا من أهلها يهود أمره أن يأخذ من كل حالم
دينارا أو عدله معافرا وهذا كان متأخرا بعد غزوة تبوك وتوفي النبي صلى ال عليه
وسلم ومعاذ باليمن قال ابن أبي حاتم
في تفسيره حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد حدثنا الضحاك بن عبد
الرحمن بن أبي حوشب وغيره أن عمر ابن عبد العزيز
كتب إلى أليون طاغية الروم قال فيما أنزل ال على محمد صلى ال عليه وسلم
سورة آل عمران اليه # 64وروى بإسناده عن ابن جريج في قوله تعالى
تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ^ #قال بلغني أن النبي صلى ال عليه وسلم ^
دعا يهود أهل الكتاب فأبوا عليه فجاهدهم وكذلك سائر اليات التي فيها خطاب
للطائفتين كقوله تعالى سورة آل عمران الية # 67 65ومما ينبغي أن يعلم أن
أهل نجران كان منهم نصارى أهل ذمة وكان منهم مسلمون وهم الكثرون والنبي
صلى ال عليه وسلم بعث أبا عبيدة لهؤلء وهؤلء واستعمل عمرو بن حزم على
هؤلء وهؤلء كما أخرجا في الصحيحين عن أنس بن مالك قال قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها المة أبو عبيدة بن الجراح
وعن أنس أيضا أن أهل اليمن قدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا #
ابعث معنا رجل أمينا يعلمنا السنة والسلم فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال هذا
أمين هذه المة #وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال جاء أهل نجران إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال ابعث إلينا رجل أمينا فقال
30
www.anassim.fr.st 31 الن سي ــــ ـــ ـم
قال فاستشرف لها الناس قال فبعث أبا عبيدة بن الجراح #وللبخاري عن حذيفة قال
جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدان أن
يلعناه قال فقال أحدهما لصاحبه ل تفعل فوال لئن كان نبيا فلعنا ل نفلح نحن ول
عقبنا من بعدنا قال إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجل أمينا فقال لبعثن معكم
رجل أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قم
يا ابا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا أمين هذه
المة #وكذلك استعمل النبي صلى ال عليه وسلم عليهم عمرو بن حزم وكتب له
الكتاب المشهور الذي فيه الفرائض والسنن وقد رواه النسائي بطوله وروى الناس
بعضه مفرقا
ومحمد بن سعد لم يذكر بعد وفد نجران إل وفد جيشان فدل على أن قدومهم كان #
متأخرا ومحمد
بن إسحاق ذكر قدومهم في أوائل السيرة مع قصة اليهود ليجمع بين خبر اليهود
والنصارى وذكر في سنة عشر فتح نجران وإرسال النبي صلى ال عليه وسلم خالد
بن الوليد وإرسال خالد ذكروا أنه كان متأخرا قبل وفاته صلى ال عليه
وسلم بأربعة أشهر وأنه قدم وفد منهم بالسلم وهذا إنما كان بعد قدوم وفد
النصارى فإنه قد ذكر ابن سعد أن العاقب والسيد أسلما بعد ذلك والعهد بالجزية إنما
كان مع النصارى وآية الجزية هي قوله تعالى سورة التوبة الية # 29وهذه آية
السيف مع أهل الكتاب وقد ذكر فيها قتالهم إذا لم يؤمنوا حتى يعطوا الجزية والنبي
صلى ال عليه وسلم لم يأخذ من أحد الجزية إل بعد هذه الية بل وقالوا إن أهل
نجران أول من أخذت منهم الجزية كما ذكر ذلك أهل العلم كالزهري وغيره فإنه
باتفاق أهل العلم لم يضرب النبي صلى ال عليه وسلم على أحد قبل نزول هذه الية
جزية ل من الميين ول من اهل الكتاب ولهذا لم يضربها على يهود قينقاع
والنضير وقريظة ول ضربها على أهل خيبر فإنها فتحت سنة سبع قبل نزول آية
الجزية وأقرهم فلحين وهادنهم هدنة مطلقة قال فيها نقركم ما أقركم ال #فإذا كان
أول ما أخذها من وفد نجران علم أن قدومهم عليه ومناظرته لهم ومحاجته إياهم
وطلبه المباهلة معهم كانت بعد آية السيف التي فيها قتالهم #وعلم بذلك أن ما ذكره
ال تعالى من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا محكم لم ينسخه
شيء وكذلك ما ذكره تعالى من مجادلة الخلق مطلقا بقوله سورة النحل الية 125
فإن من الناس من يقول آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف #
لعتقاده ان المر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإن النسخ
إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ كمناقضة المر باستقبال
31
www.anassim.fr.st 32 الن سي ــــ ـــ ـم
المسجد الحرام في الصلة للمر باستقبال بيت المقدس بالشام ومناقضة المر
بصيام رمضان للمقيم للتخيير بين الصيام وبين إطعام كل يوم مسكينا ومناقضة نهيه
عن تعدي الحدود التي فرضها للورثة للمر بالوصية للوالدين والقربين ومناقضة
قوله لهم كفوا أيديكم عن القتال لقوله قاتلوهم كما قال تعالى سورة النساء الية 77
#فأمره لهم بالقتال ناسخ لمره لهم بكف أيديهم عنهم فأما قوله تعالى سورة النحل
الية # 125وقوله سورة العنكبوت الية 46
فهذا ل يناقضة المر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن المر بالقتال يناقض #
النهي عنه والقتصار على المجادلة #فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به
والقتال المأمور به فل منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم
بالنسخ ومعلوم أن كل منهما ينفع حيث ل ينفع الخر وأن استعمالهما جميعا أبلغ في
إظهار الهدى ودين الحق ومما يبين ذلك وجوه #أحدها أن من كان من أهل الذمة
والعهد والمستأمن منهم ل يجاهد بالقتال فهو داخل فيمن أمر ال بدعوته ومجادلته
بالتي هي أحسن وليس هو داخل فيمن أمر ال بقتاله #الثاني أنه قال سورة
العنكبوت الية # 46فالظالم لم يؤمر بجداله بالتي هي أحسن فمن كان ظالما
مستحقا للقتال غير طالب للعلم والدين فهو من هؤلء الظالمين الذين ل يجادلون
بالتي هي أحسن بخلف من طلب العلم والدين ولم يظهر منه ظلم سواء كان قصده
السترشاد أو كان يظن أنه على حق يقصد نصر ما يظنه حقا ومن كان قصده العناد
يعلم أنه على باطل ويجادل عليه فهذا لم يؤمر بمجادلته بالتي هي أحسن لكن قد
نجادله بطرق أخرى نبين فيها عناده وظلمه وجهله جزاء له بموجب عمله #الثالث
انه سبحانه قال
سورة التوبة الية # 6فهذا مستجير مستأمن وهو من أهل الحرب أمر ال بإجارته
حتى تقوم حجة ال عليه ثم يبلغه مأمنه وهذا في سورة براءة التي فيها نقض العهود
وفيها آية السيف وذكر هذه الية في ضمن المر بنقض العهود ليبين سبحانه أنه
مثل هذا يجب أمانه حتى تقوم عليه الحجة ل تجوز محاربته كمحاربة من لم يطلب
أن يبلغ حجة ال عليه #قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ^ ثم أبلغه مأمنه ^ إن لم
يوافقه ما نقص عليه ونخبر به فأبلغه مأمنه قال وليس هذا بمنسوخ #وقال مجاهد
من جاءك واستمع ما أنزل إليك فهو آمن حتى
يأتيك #وقال عطاء في الرجل من أهل الشرك يأتي المسلمين بغير عهد قال تخيره
إما أن تقره وإما ان تبلغه مأمنه #وقوله تعالى سورة التوبة الية # 6قد علم أن
المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه إذ المقصود ل يقوم بمجرد سمع
لفظ ل يتمكن معه من فهم المعنى فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به
عليه الحجة
ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها ولو
32
www.anassim.fr.st 33 الن سي ــــ ـــ ـم
سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين
له معناه فعلينا ذلك #وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي
صلى ال عليه وسلم أذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين
سؤال يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعري لما قاس
المسيح على آلهة المشركين وظن أن العلة في الصل بمجرد كونهم معبودين وأن
ذلك يقتضي كل معبود غير ال فإنه يعذب في الخرة فجعل المسيح مثل للهة
المشركين قاسهم عليه قياس الفرع على الصل
قال تعالى سورة الزخرف اليتان # 58 57فبين سبحانه الفرق المانع من إلحاق #
بقوله تعالى سورة النبياء الية # 101وبين أن هؤلء القائسين ما قاسوه إل جدل
محضا ل يوجب علما لن الفرق حاصل بين الفرع والصل فإن الصنام إذا جعلوا
حصبا لجهنم كان ذلك إهانة وخزيا لعابديها من غير تعذيب من ل يستحق التعذيب
بخلف ما إذا عذب عباد ال الصالحون بذنب غيرهم فإن هذا ل يفعله ال تعالى ل
سيما عند جماهير المسلمين وسائر أهل الملل سلفهم وخلفهم الذين يقولون إن ال ل
يخلق ويأمر إل لحكمة ول يظلم أحدا فينقصه شيئا من حسناته ول يحمل عليه
شيئات غيره بل ول يعذب أحدا إل بعد إرسال رسول اليه كما قال تعالى
سورة طه الية # 112وقال تعالى سورة الجن الية # 13وقال تعالى سورة #
النمل الية # 90وقال تعالى سورة السراء الية # 5ومن قال من المسلمين
وغيرهم من أهل الملل إنه يجوز منه تعالى فعل كل شيء وأن الظلم هو الممتنع
الذي ل يدخل تحت القدرة فهؤلء يقولون إنما يعلم ما يفعله وما ل يفعله بدللة خبر
الصادق أو بالعادة وإن كان الجمهور يستدلون بخبر الصادق وبغيره على ما يمتنع
من ال
وقد أخبر ال تعالى أن عباده الصالحين في الجنة ل يعذبهم في النار بل يتقبل #
عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة فضل أن يعاقبهم
بذنب غيرهم مع كراهية لفعلهم ونهيهم عن ذلك ومن زعم أن لفظ ما كانت تتناول
المسيح وأخر بيان العام أو أجاب بأن لفظ ما ل يتناول إل ما ل يعقل فالقولن
ضعيفان كما قد بسط في موضعه #وإنما المشركون عارضوا النص الصحيح
بقياس فاسد فبين ال تعالى فساد القياس وذكر الفرق بين الصل والفرع #وكذلك
لما أورد بعض النصارى على قوله تعالى سورة ( مريم الية ) 28ظنا منه أن
هارون هذا هو هارون أخو موسى بن
عمران وأن عمران هذا هو عمران أبو مريم أم المسيح فسئل النبي صلى ال عليه
وسلم عن ذلك أجاب بأن هارون هذا ليس هو ذاك ولكنهم كانوا يسمون بأسماء
النبياء والصالحين #وبعض جهال النصارى يقدح في القرآن بمثل هذا ول يعلم
هذا المفرط في جهله أن آحاد الناس يعلمون أن بين موسى وعيسى مدة طويلة جدا
33
www.anassim.fr.st 34 الن سي ــــ ـــ ـم
يمتنع معها أن يكون موسى وهارون خالي المسيح وأن هذا مما ل يخفى على أقل
أتباع محمد صلى ال عليه وسلم فضل عن أن يخفى على محمد صلى ال عليه
وسلم #وهذا السؤال مما أورده أهل نجران كما ثبت عن المغيرة بن شعبة قال
بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا ألستم تقرأون ^ يا أخت
هارون ^ وقد علمتم ما بين موسى وعيسى فلم أدر ما أجيبهم فرجعت إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته فقال أل أخبرتهم أنهم كانوا يسمون باسماء أنبيائهم
والصالحين قبلهم #وهذا السؤال الذي هو سؤال الطاعن في القرآن لما أورده أهل
نجران الكفار على رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يجبهم
عنه أجاب عنه النبي صلى ال عليه وسلم ولم يقل لهم ليس لكم عندي إل السيف
وقال ل قد نقضتم العهد إن كانوا قد عاهدوه وقد عرف أن أهل نجران لم يرسل
إليهم رسول إل والجهاد مأمور به #وكان المسلمون يوردون السئلة عليه كما
أورد عليه عمر عام الحديبية لما صالح المشركين ولم يدخل مكة فقال له ألم تكن
تحدثنا أن نأتي البيت ونطوف به قال بلى اقلت لك أنك تأتيه في هذا العام قال ل قال
فإنك آتيه ومطوف به #وكذلك أجابه أبو بكر ولم يكن سمع جواب النبي صلى ال
عليه وسلم له معلوم أنه ليس في ظاهر اللفظ توقيت ذلك بعام ولكن السائل ظن ما ل
يدل اللفظ عليه #وكذلك لما قال من نوقش الحساب عذب قالت له عائشة ألم يقل ال
سورة النشقاق اليتان 8 7
فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب #ومعلوم أن الحساب اليسير ل #
يتناول من نوقش وقد زادها بيانا فأخبر أنه العرض ل المقابلة المتضمنة للمناقشة #
وكذلك لما قال إنه ل يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة قالت له حفصة الم يقل ال
سورة مريم الية # 71فأجابها بأنه قال سورة مريم الية 72
فبين صلى ال عليه وسلم أن هؤلء هم الذين يدخلون جهنم وهذا الدخول هو الذي #
نفاه عن أهل الحديبية وأما الورود فهو مرور الناس على الصراط كما فسره في
الحديث الصحيح حديث جابر بن عبد ال وهذا المرور ل يطلق عليه اسم الدخول
الذي يجزي به العصاة وينفي عن المتقين ومثل هذا كثير #وأما ما في القرآن من
ذكر أقوال الكفار وحججهم وجوابها فهذا كثير جدا فإنه يجادلهم تارة في التوحيد
وتارة في النبوات وتارة في المعاد وتارة في الشرائع بأحسن الحجج وأكملها كما قال
تعالى سورة الفرقان اليتان 33 32
وقد أخبر ال تبارك وتعالى عن أولي العزم من الرسل بمجادلة الكفار فقال تعالى #
عن قوم نوح سورة هود الية # 32وقال عن الخليل سورة النعام اليات 83 80
#وأمر ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم بالمجادلة بالتي هي أحسن وذم
سبحانه من جادل بغير علم أو في الحق بعدما تبين ومن جادل بالباطل فقال تعالى
سورة آل عمران الية # 66وقال تعالى سورة النفال الية # 6وقال تعالى
34
www.anassim.fr.st 35 الن سي ــــ ـــ ـم
سورة غافر الية # 5وهذا هو الجدال المذكور في قوله سورة غافر الية # 4
وإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم يحاج الكفار بعد نزول المر بالقتال وقد أمره
ال تعالى أن يجير المستجير حتى يسمع كلم ال ثم يبلغه مأمنه والمراد بذلك تبليغ
رسالت ال وإقامة الحجة عليه وذلك قد ل يتم إل بتفسيره له الذي تقوم به الحجة
ويجاب به عن المعارضة وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب
علم بطلن قول من ظن أن المر بالجهاد ناسخ المر بالمجادلة مطلقا #الوجه
الرابع إن القائل إذا قال إن آية مجادلة الكفار أو غيرها مما يدعي نسخه منسوخة
بآية السيف قيل له ما تعني بآية السيف اتعني آية بعينها أم تعني كل آية فيها المر
بالجهاد #فإن أراد الول كان جوابه من وجهين #أحدهما أن اليات التي فيها ذكر
الجهاد متعددة فل يجوز تخصيص بعضها #وإن قال أريد قوله تعالى سورة التوبة
الية # 5قيل له هذه في قتال المشركين وقد قال بعدها في قتال أهل الكتاب
سورة التوبة الية # 29فلو لم تكن آية السيف إل واحدة لم تكن هذه أولى من هذه
وإن قال كل آية فيها ذكر الجهاد #وقيل له الجهاد شرع على مراتب فأول ما أنزل
ال تعالى فيه الذن بقوله سورة الحج الية # 39فقد ذكر غير واحد من العلماء أن
هذه أول آية نزلت في الجهاد ثم بعد ذلك نزل وجوبه بقوله سورة البقرة الية 216
ولم يؤمروا بقتال من طلب مسالمتهم بل قال سورة النساء اليتان # # 90 89
وكذلك من هادنهم لم يكونوا مأمورين بقتاله وإن كانت الهدنة عقدا جائزا غير لزم
#ثم أنزل في براءة المر بنبذ العهود وأمرهم بقتال المشركين كافة وأمرهم بقتال
أهل الكتاب إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولم يبح لهم
ترك قتالهم وإن سالموهم وهادنوهم هدنة مطلقة مع إمكان جهادهم
فإن قال آية السيف التي نسخت المجادلة هي آية الذن #قيل فآية الذن نزلت في #
أول مقدمه المدينة قبل أن يبعث شيئا من السرايا وقد جادل بعد هذا الكفار #وكذلك
إن قيل آيات فرض القتال قيل فقوله سورة البقرة الية # 216نزلت في أول المر
قبل بدر ول ريب أن الجهاد كان واجبا
والخندق وفتح خيبر ومكة وقد ذكر ال آيات فرض الجهاد في هؤلء المغازي كما
ذكر ذلك في سورة آل عمران والحزاب وإن قيل بل الجدال إنما نسخ لما أمر
بجهاد من سالم ومن لم يسالم #قيل هذا باطل فإن الجدال إن كان منافيا للجهاد فهو
مناف لباحته وليجابه ولو للمسالم وإن لم يناف الجهاد لم يناف إيجاب الجهاد
للمسالمين كما لم يناف إيجاب جهاد غيرهم #فإن المسالم قد ل يجادل ول يجالد وقد
يجادل ول يجالد كما أن غيره قد يجالد و يجادل وقد يفعل أحدهما
35
www.anassim.fr.st 36 الن سي ــــ ـــ ـم
فإن كان إيجابه لجهاد المحارب المبتدئ بالقتال ل ينافي مجادلته فلن يكون جهاد #
من ل يبدأ القتال ل ينافي مجادلته أولى وأحرى فإن من كان أبعد عن القتال كانت
مجادلته أقل منافاة للقتال ممن يكون أعظم قتال يبين هذا #الوجه الخامس وهو أن
يقال المنسوخ هو القتصار على الجدال فكان النبي صلى ال عليه وسلم في أول
المر مأمورا أن يجاهد الكفار بلسانه ل بيده فيدعوهم ويعظهم ويجادلهم بالتي هي
أحسن ويجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية الية
# 52 51وكان مأمورا بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك ثم لما
هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد ثم لما قووا كتب عليهم
القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم لنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار #
فلما فتح ال مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالسلم
أمره ال تعالى بقتال الكفار كلهم إل من كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود
المطلقة فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال #وأما مجاهدة الكفار باللسان فما زال
مشروعا من أول المر إلى آخره
فإنه إذا شرع جهادهم باليد فباللسان أولى وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم جاهدوا
المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم #وكان ينصب لحسان منبرا في مسجدا يجاهد
فيه المشركين بلسانه جهاد هجو وهذا كان بعد نزول آيات القتال وأين منفعة الهجو
من منفعة إقامة الدلئل والبراهين على صحة السلم وإبطال حجج الكفار من
المشركين وأهل الكتاب #الوجه السادس أنه من المعلوم أن القتال إنما شرع
للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان واليات لما احتيج إلى القتال فبيان آيات
السلم وبراهينه واجب مطلقا وجوبا أصليا #وأما الجهاد فمشروع للضرورة
فكيف يكون هذا مانعا من ذلك #فإن قيل السلم قد ظهرت أعلمه وآياته فلم يبق
حاجة إلى
إظهار آياته وإنما يحتاج إلى السيف #قيل معلوم أن ال وعد بإظهاره على الدين
كله ظهور علم وبيان وظهور سيف وسنان فقال تعالى سورة الصف الية # 9وقد
فسر العلماء ظهوره بهذا وهذا ولفظ الظهور يتناولهما فإن ظهور الهدي بالعلم
والبيان وظهور الدين باليد والعمل وال تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله #ومعلوم أن ظهور السلم بالعلم والبيان قبل ظهوره باليد
والقتال فإن النبي صلى ال عليه وسلم مكث بمكة ثلث عشرة سنة يظهر السلم
بالعلم والبيان واليات والبراهين فآمنت به المهاجرون والنصار طوعا واختيارا
بغير سيف لما بان لهم من اليات البينات والبراهين والمعجزات ثم أظهره بالسيف
فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداء ودفعا فلن يجب علينا بيان السلم
وإعلمه ابتداء ودفعا لمن يطعن فيه بطريق الولى والحرى #فإن وجوب هذا قبل
وجوب ذاك ومنفعته قبل منفعته ومعلوم أنه يحتاج كل وقت إلى السيف فكذلك هو
محتاج إلى العلم والبيان وإظهاره بالعلم والبيان من جنس إظهاره بالسيف وهو
ظهور مجمل عل به على كل دين مع أن كثيرا من الكفار لم يقهره سيفه فكذلك كثير
36
www.anassim.fr.st 37 الن سي ــــ ـــ ـم
من الناس لم يظهر لهم آياته وبراهينه بل قد يقدحون فيه ويقيمون الحجج على
بطلنه ل سيما والمقهور بالسيف فيهم منافقون كثيرون فهؤلء جهادهم بالعلم
والبيان دون السيف والسنان يؤكد هذا #الوجه السابع وهو أن القتال ل يكون إل
لظالم فإن من قاتل المسلمين لم يكن إل ظالما معتديا ومن قامت عليه الحجة فشاق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين لم يكن إل ظالما #وأما
المجادلة فقد تكون لظالم إما طاعن في الدين بالظلم وإما من قامت عليه الحجة
الظاهرة فامتنع من قبولها وقد تكون لمسترشد طالب حق لم يبلغه #وإما من بلغه
بعض أعلم نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ودلئل نبوته ولكن عورض ذلك عنده
بشبهات تنافي ذلك فاحتاج إلى جواب تلك المعارضات #وإما طالب لمعرفة دلئل
النبوة على الوجه الذي يعلم به ذلك #فإذا كان القتال الذي ل يكون إل لدفع ظلم
المقاتل مشروعا
فالمجادلة التي تكون لدفع ظلمه ولنتفاعه وانتفاع غيره مشروعة بطريق الولى #
قال مجاهد سورة العنكبوت الية # 46قال الذين ظلموا من قاتلك ولم يعطك
الجزية وفي لفظ آخر عنه قال الذين ظلموا منهم أهل الحرب من ل عهد لهم
المجادلة لهم بالسيف #وفي رواية عنه قال ل تقاتل إل من قاتلك ولم يعطك الجزية
#وفي رواية عنه قال من أدى منهم الجزية فل تقولوا له إل خيرا وعن مجاهد إل
بالتي هي أحسن فإن قالوا شرا فقولوا خيرا فهذا مجاهد ل يجعلها منسوخة وهي
قول أكثر المفسرين
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سورة العنكبوت الية # 46ليست منسوخة #
ولكن عن قتادة قال نسختها ^ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ^ ول مجادلة اشد
من السيف #والول أصح لن هؤلء من الذين ظلموا فل
نسخ #ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناء على ظهور دلئل
النبوة نجده هو ومن يعظمه من شيوخه الذين يعتمد في أصول الدين على نظرهم
ومناظرتهم ويزعمون أنهم قرروا دلئل النبوة قد أوردوا من الشبهات والشكوك
والمطاعن على دلئل النبوة ما يبلغ نحو ثمانين سؤال وأجابوا عنه بأجوبة ل تصلح
أن تكون جوابا في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى
تقرير أصول الدين #وهم كما مثلهم الغزالي وغيره بمن يضرب شجرة ضربا
يزلزلها به وهو يزعم أنه يريد أن يثبتها وكثير من أئمة هؤلء مضطرب في
اليمان بالنبوة اضطرابا ليس هذا موضع بسطه وهم مع ذلك يدعون
أنه قد ظهر عند أهل الكتاب مالم يظهر عند شيوخ هؤلء النظار وينهون عن إظهار
آيات ال وبراهينه التي هي غاية مطالب مشايخهم وهم لم يعطوها حقها إما عجزا
وإما تفريطا #الوجه الثامن أن كثيرا من أهل الكتاب يزعم أن محمدا صلى ال
37
www.anassim.fr.st 38 الن سي ــــ ـــ ـم
عليه وسلم وأمته إنما أقاموا دينهم بالسيف ل بالهدى والعلم واليات فإذا طلبوا العلم
والمناظرة فقيل لهم ليس لكم جواب إل السيف كان هذا مما يقرر ظنهم الكاذب وكان
هذا من أعظم ما يحتجون به عند أنفسهم على فساد السلم وأنه ليس دين رسول
من عند ال وإنما هو دين ملك أقامه بالسيف
الوجه التاسع أنه من المعلوم أن السيف ل سيما سيف المسلمين وأهل الكتاب هو #
تابع للعلم والحجة بل وسيف المشركين هو تابع لرائهم واعتقادهم والسيف من
جنس العمل والعمل أبدا تابع للعلم والرأي #وحينئذ فبيان دين السلم بالعلم وبيان
أن ما خالفه ضلل وجهل هو تثبيت لصل دين السلم واجتناب لصل غيره من
الديان التي يقاتل عليها أهلها ومتى ظهر صحته وفساد غيره كان الناس أحد رجلين
#إما رجل تبين له الحق فاتبعه فهذا هو المقصود العظم من إرسال الرسل #وإما
رجل لم يتبعه فهذا قامت عليه الحجة إما لكونه لم ينظر في أعلم السلم أو نظر
وعلم فاتبع هواه أو قصر #وإذا قامت عليه الحجة كان أرضى ل ولرسوله وأنصر
لسيف السلم وأذل لسيف الكفار وإذا قدر أن فيهم من يعجز عن فهم الحجة فهذا إذا
لم يكن معذورا مع عدم قيامها فهو مع قيامها أولى أن ل يعذر وإن كان معذورا مع
قيامها فهو مع عدمها أعذر فعلى
التقديرين قيام الحجة أنصر وأعذر وقد قال تعالى سورة السراء الية # 15وقال
تعالى سورة النساء الية # 165وقال تعالى سورة المرسلت اليتان # 6 5وقال
النبي صلى ال عليه وسلم ما أحد أحب إليه العذر من ال من أجل ذلك أرسل الرسل
مبشرين ومنذرين
فصل & #وكان قبل قصة نجران قد آمن به كثير من اليهود والنصارى &
رؤساؤهم وغير رؤساؤهم لما تبين لهم أنه رسول ال إليهم كما آمن به النجاشي ملك
الحبشة وكان نصرانيا هو وقومه وكان إيمانه به في أول أمر النبي صلى ال عليه
وسلم لما كان أصحابه مستضعفين بمكة وكان الكفار يظلمونهم ويؤذونهم ويعاقبونهم
على اليمان بال ورسوله فهاجر منهم طائفة مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن
عوف والزبير بن العوام وعبد ال بن مسعود وجعفر بن
أبي طالب وغيرهم من الرجال والنساء إليه وكان ملكا عادل فأرسل الكفار خلفهم
رسل بهدايا ليردهم إليهم فامتنع من عدله أن يسلمهم إليهم حتى يسمع كلمهم فلما
سمع كلمهم وما أخبروه به من أمر النبي صلى ال عليه وسلم آمن بالنبي صلى ال
عليه وسلم وآواهم #ولما سمع القرآن قال إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من
مشكاة واحدة ولما سألهم عن قولهم في المسيح عليه السلم قالوا نشهد أنه عبد ال
ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها رجل فقال النجاشي
لجعفر بن أبي طالب وال ما زاد عيسى بن مريم على ما قلت هذا العود فنخرت
أصحابه فقال وإن نخرتم وإن نخرتم وبعث ابنه وطائفة من أصحابه إلى النبي
38
www.anassim.fr.st 39 الن سي ــــ ـــ ـم
صلى ال عليه وسلم مع جعفر بن أبي طالب وقدم جعفر على النبي صلى ال عليه
وسلم عام خيبر وقد ذكر قصتهم جماعة من العلماء والحفاظ كأحمد بن حنبل في
المسند وابن سعد في الطبقات وأبي نعيم في الحلية وغيرهم وذكرها أهل التفسير
والحديث والفقه وهي متواترة عند العلماء #قال أحمد حدثني يعقوب بن إبراهيم بن
سعيد عن أبيه قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن عبد
المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم وقالوا لهما ادفعا
إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم
اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم قالت فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده
بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إل دفعا إليه هديته قبل أن يكلما
النجاشي ثم قال لكل بطريق منهم أنه قد صبأ
إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين
مبتدع ل نعرفه نحن ول أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم اشراف قومهم لنردهم إليهم
فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ول يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم
عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها
منهما ثم كلماه فقال له أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين
قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع ل نعرفه نحن ول أنت وقد بعثنا
إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعل بهم
عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه #قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبد ال
بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلمنا
فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك قومهم أعل بهم عينا وأعلم بما عابوا #
عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلدهم وقومهم قالت فغضب النجاشي ثم قال ل
ها ال أيم ال إذا ل أسلمهم إليهما ول أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلدي واختاروني
على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولون
أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت
39
www.anassim.fr.st 40 الن سي ــــ ـــ ـم
جوارهم ما جاوروني #قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا
جئتموه قالوا نقول وال ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى ال عليه وسلم كائن في
ذلك ما هو كائن #فلما جاءوه زاد أبو نعيم وقد دعى النجاشي أساقفته
ومعهم مصاحفهم حوله فلما جاءوه فسألهم فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم
ولم تدخلوا في ديني ول في دين أحد من هذه المم #قالت فكان الذي كلمه جعفر
بن أبي طالب فقال #أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الصنام ونأكل الميتة
ونأتي الفواحش ونقطع الرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على
ذلك حتى بعث ال إلينا رسول منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى
ال لنوحده ونعبده نخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والوثان
وأمرنا بصدق الحديث وأداء المانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن
المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف
المحصنات وأمرنا أن نعبد ال ل نشرك به شيئا وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام
قالت فعدد عليه أمور السلم قال فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا
ال وحده فلم نشرك به
شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن #
ديننا ليردونا إلى عبادة الوثان عن عبادة ال وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث
فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك
على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن ل نظلم عندك أيها الملك قالت فقال
له النجاشي هل معك مما جاء به عن ال من شيء #قالت فقال له جعفر نعم فقال له
النجاشي فأقرأه علي فقرأ عليه صدرا من سورة مريم
قالت أم سلمة رضي ال عنها فبكى وال النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت #
أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ثم قال النجاشي إن هذا
والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ثم قال لعبد ال بن أبي ربيعة وعمرو
بن العاص انطلقا فوال ل أسلمهم إليكما أبدا ول أكاد #قالت أم سلمة فلما خرج من
عنده قال عمرو بن العاص وال لتينه غدا أعيبهم عنده ثم استأصل به خضراءهم #
قالت فقال له عبد ال بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا ل تفعل فإن لهم أرحاما
وإن كانوا قد خالفونا قال وال لخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد #
قالت ثم غدا عليه الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في
عيسى بن مريم قول عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه #قالت فأرسل
إليهم يسألهم عنه #قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ما
40
www.anassim.fr.st 41 الن سي ــــ ـــ ـم
تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول وال فيه ما قاله ال وما جاء به نبينا
كائنا في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم
فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد ال ورسوله وروحه
وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول #قالت فضرب النجاشي يده إلى الرض
فأخذ منها عودا ثم قال ما عدى عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته
حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم وال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم
المنون من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم فما أحب أن لي دبرا
ذهبا وإني آذيت رجل منكم والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما فل
حاجة لنا بها فوال ما أخذ ال مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما
أطاع الناس في فأطيعهم فيه
قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار #
مع خير جار #قالت فوال إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه قالت
فوال ما علمنا حزنا قط كان اشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفنا أن يظهر ذلك
على النجاشي فيأتي رجل ل يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه #وروى
عبد ال بن عامر بن الزبير عن أبيه قال لما نزل بالنجاشي عدوه من أرضه جاء
المهاجرون فقالوا إنا نحن نخرج إليهم فنقاتل معك وترى جزاءنا ونجزيك بما
صنعت بنا فقال ذو ينصره ال خير من الذي ينصره الناس يقول الذي ينصره ال
خير من الذي ينصره الناس فأبى ذلك عليهم ( #رجعنا إلى ) حديث أم سلمة قالت
وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر
قالت فقال الزبير بن العوام أنا #قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخنا له #
قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى
القوم ثم انطلق حتى حضرهم #قالت ودعونا ال للنجاشي بالظهور على عدوه
والتمكين له في بلده #قالت فوال إنا لعلى ذلك متوقعين لما هو كائن إذ طلع
الزبير يسعى ويلوح بثوبه ويقول أل أبشروا قد ظهر النجاشي وقد أهلك ال عدوه #
فوال ما علمت فرحنا فرحة مثلها قط #قالت فرجع النجاشي وقد أهلك ال عدوه
ومكن له في بلده واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا
على رسول ال صلى ال عليه وسلم #وقد روى جمل هذه القصة أبو داود في سننه
من حديث أبي موسى
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال بلغنا مخرج رسول ال صلى ال عليه #
وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أنا أصغرهما في اثنين
وخمسين رجل من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا
جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده قال جعفر إن رسول ال صلى ال عليه وسلم
بعثنا وأمرنا يعني بالقامة فأقيموا معنا قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا قال فوافقنا
41
www.anassim.fr.st 42 الن سي ــــ ـــ ـم
رسول ال صلى ال عليه وسلم حين فتح خيبر فأسهم لنا منها وما قسم لحد غائب
عن فتح خيبر غيرنا إل لمن شهد معنا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم
معهم #قال فلما رأى ناس من الناس يقولون لنا يعني أهل السفينة سبقناكم لهجرة
قال ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زائرة وقد كانت
هاجرت إلى النجاشي فيمن
هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من
هذه قالت أسماء بنت عميس فقال عمر الحبشية هذه البحرية هذه قالت أسماء نعم
فقال عمر سبقناكم بالهجرة نحن أحق برسول ال صلى ال عليه وسلم فغضبت
وقالت يا عمر كل وال كنتم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ
جاهلكم وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في ال تبارك وتعالى وفي
رسول ال صلى ال عليه وسلم وأيم ال ل أطعم طعاما ول أشرب شرابا حتى أذكر
ما قلت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك
لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأسأله وال ل أكذب ول أزيغ ول أزيد على ذلك #
فلما جاء النبي صلى ال عليه وسلم قالت يا رسول ال إن عمر قال كذا وكذا قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم فماذا
قلت له قالت قلت كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولصحابه هجرة واحدة
ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان #قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة
يأتونني أرسال يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ول أعظم
في أنفسهم مما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم #قال أبو بردة قالت أسماء فلقد
رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني أخرجاه في الصحيحين البخاري
ومسلم #وأخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم نعى
لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه
قال استغفروا لخيكم #وعنه رضي ال عنه قال نعى النبي صلى ال عليه وسلم
النجاشي يوم توفي وقال استغفروا لخيكم ثم خرج بالناس إلى المصلى فصفوا
وراءه وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات أخرجاه #وقال جابر بن عبد ال رضي ال
عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه
فصل & #وكان أول ما أنزل ال تعالى عليه صلى ال عليه وسلم الوحي &
عرضت خديجة امرأته أمره على عالم كبير من علماء النصارى يقال له ورقة بن
نوفل وكان من العرب المتنصرة فقال هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى بن
عمران يا ليتني أكون فيها جذعا حين يخرجك قومك يعني ليتني أكون شابا فإنه كان
شيخا كبيرا قد كف بصره فقال له النبي صلى ال عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم
42
www.anassim.fr.st 43 الن سي ــــ ـــ ـم
لم يأت أحد بمثل ما أتيت به إل عودي وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا
رواه أصحاب الصحيح #وقدم إليه بمكة طائفة من أهل الكتاب من النصارى فآمنوا
به فآذاهم المشركون فصبروا واحتملوا أذاهم فأنزل ال فيهم
سورة القصص اليات # 55 52وروى البيهقي في كتاب دلئل النبوة وأعلم #
الرسالة فقال انبأنا أبو عبد ال الحافظ أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب
أنبأنا أحمد بن عبد الجبار أنبأنا يونس عن ابن اسحاق قال ثم قدم على رسول ال
صلى ال عليه وسلم عشرون رجل وهو بمكة أو قريب من ذلك من النصارى حين
ظهر خبره في الحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه ورجال من قريش في
أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مساءلتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى ال
وتل عليهم القرآ فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به
وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا من عنده
اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا خيبكم ال من ركب بعثكم من وراءكم
من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى
فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قال لهم فقالوا
سلم عليكم ل نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل نألوا لنفسنا إل خيرا ويقال وال
أعلم أن فيهم نزلت هؤلء اليات
سورة القصص اليات # 55 52ولما كان بعد عام الحديبية ومهادنة قريش أرسل
صلى ال عليه وسلم رسله إلى جميع الطوائف فأرسل إلى النصارى نصارى الشام
ومصر فأرسل إلى هرقل ملك الروم وقد قيل إن هرقل هذا هو الذي زادت
النصارى له في صومهم عشرة أيام لما اقتتلت الروم
والفرس وقتل اليهود بعد أن كان قد أمنهم فطلبت منه النصارى قتلهم وضمنوا له أن
يكفروا خطيئته بما زادوه في الصوم وكانت الفرس مجوسا والروم نصارى وكانت
المجوس الفرس غلبت النصارى أول وكان هذا في أوائل مبعث النبي صلى ال
عليه وسلم وهو بمكة وأتباعه قليل ففرح المشركون بانتصار الفرس لنهم أقرب
إليهم فدخل أبو بكر الصديق رضي ال عنه على رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأخبره بانتصار الفرس على الروم فأنزل ال تعالى سورة الروم اليات # 5 1
وكان هذا مما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم قبل أن يكون فكان كما أخبر ولما
ذكر أبو بكر الصديق رضي ال عنه كذبوه فراهنهم أبو بكر الصديق رضي ال عنه
كما ذكر هذا المفسرون والمحدثون
قال سنيد في تفسيره وهو شيخ البخاري حدثنا حجاج عن ابن أبي الزناد عن أبيه #
عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم السلمي أنه قال لما أنزل ال على رسوله
^ صلى ال عليه وسلم ^ آلم غلبت الروم
43
www.anassim.fr.st 44 الن سي ــــ ـــ ـم
إلى قوله ^ وهو العزيز الرحيم ^ #خرج أبو بكر وهو يقرؤها بمكة رافعا بها
صوته سورة الروم اليات # 4 1فقال له رؤوس أهل مكة ما هذا يا ابن ابي قحافة
لعله مما يأتي به صاحبك قال ل وال ولكنه كلم ال وقوله تبارك وتعالى قالوا فذلك
بيننا وبينك إن ظهرت الروم على فارس في بضع سنين فراهنهم أبو بكر ففتح ال
للروم على فارس دون التسع فأسلم عند ذلك خلق كثير من المشركين #قال ابن
مكرم وإنما كانت قريش تستفتح يومئذ بالفرس لنهم وإياهم أهل تكذيب بالبعث
وأهل أصنام وإنما كان المؤمنون يستفتحون يومئذ بالروم لنهم وإياهم أهل نبوة
وتصديق بالبعث فأنزل ال تعالى
سورة الروم اليتان # 5 4وهذا الحديث رواه الترمذي في جامعه فقال حدثنا محمد
بن إسماعيل حدثنا اسماعيل بن اويس قال حدثني ابن ابي الزناد عن أبي الزناد عن
عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم السلمي قال لما نزلت سورة الروم اليات 4 1
#فكانت فارس يوم نزلت هذه الية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور
الروم عليهم لنهم وإياهم أهل كتاب #وذلك قوله تعالى سورة الروم اليتان 5 4
وكانت قريش تحب ظهور فارس لنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ول إيمان ببعث #
فلما أ نزل ال هذه الية خرج أبو بكر الصديق رضي ال عنه يصيح في نواحي
مكة سورة الروم الية # 4 1قال ناس من قريش لبي بكر فذلك بيننا وبينكم زعم
صاحبكم أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين أفل نراهنك على ذلك فارتهن أبو
بكر والمشركون فظهرت الروم على فارس في بضع سنين وأسلم عند ذلك ناس
كثير من المشركين #قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب ل نعرفه إل من
حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد يعني غريبا من هذا الوجه وإل فهو مشهور
متواتر عن أهل التفسير والمغازي والحديث والفقه والقصة متواترة عند الناس
وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيره عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن #
سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم على
فارس لنهم أهل كتاب وكان المشركون يحبون أن تغلب أهل فارس لنهم أهل
أوثان قال فذكروا ذلك لبي بكر فذكره أبو بكر للنبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال
سورة الروم اليات # 4 1فذكره أبو بكر للمشركين فقالوا اجعل بيننا وبينك أجل
فإن غلبوا كان لك كذا وكذا وإن غلبوا كان لنا كذا وكذا فجعلوا بينهم أجل خمس
سنين فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى ال عليه وسلم فقال له هل احتطت أفل جعلته
دون العشرة قال سعيد بن جبير والبضع ما دون العشر قال فغلبت الروم ثم غلبت
فذلك قوله ^ ألم غلبت الروم ^ #وهذا أيضا أخرجه الترمذي حدثنا الحسين بن
حريث حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن
44
www.anassim.fr.st 45 الن سي ــــ ـــ ـم
سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال هذا حديث
حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة
#ورواه ايضا من حديث الزهري عن عبيد ال بن عبد ال بن عتبة عن ابن عباس
وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه #ورواه أيضا من حديث العمش عن عطية
عن أبي سعيد
وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه #وذهبت طائفة من العلماء إلى أن
الخبر جاء بظهور الروم على فارس يوم بدر وذهب آخرون أنه يوم الحديبية وهذا
هو الصحيح وهرقل كان قد مشى شكرا ل من حمص إلى بيت المقدس لما نصره
على الفرس فوافاه كتاب النبي صلى ال عليه وسلم يدعوه إلى السلم عقب نصر
ال للروم على فارس ففرح النبي صلى ال عليه وسلم ومن معه من المؤمنين #قال
علماء السير فلما انتصرت الروم وخرج هرقل ملك الروم من منزله من حمص
ماشيا على قدميه إلى بيت المقدس متشكرا ل
عز وجل حين رد عليه ما رد ليصلي فيه فلما انتهى إلى بيت المقدس وصلى فيه قدم
عليه حينئذ كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم مع دحية الكلبي يدعوه إلى السلم
#قال ابن إسحاق حدثني الزهري عن عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود عن
عبد ال بن عباس قال حدثني أبو سفيان قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب بيننا
وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم قد حصرتنا حتى هلكت أموالنا فلما كانت
الهدنة بيننا وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم يعني التي عقدت يوم الحديبية فلما
عقدت الهدنة أمنا فخرجت في نفر من قريش تاجرا إلى الشام وكان وجه متجرنا
فقدمتها حين ظهر هرقل على من كان عارضه من فارس فأخرجهم منها وانتزع له
صليبه العظم وقد كانوا سلبوه إياه فلما بلغه ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ له
وكانت حمص منزله فخرج منها على قدميه متشكرا ل عز وجل حين رد عليه ما
رد ليصلي في بيت المقدس وبسط له الطريق بالبسط ويلقى عليها الرياحين فلما
انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلته ومعه بطارقته وأساقفته قال وقدم عليه كتاب
رسول ال صلى ال عليه
وسلم مع دحية بن خليفة الكلبي فيه بسم ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى
هرقل عظيم الروم السلم على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم واسلم يؤتك ال
أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الريسيين يعني الكارين
قال ابن اسحاق وقال ابن شهاب حدثني أسقف النصارى في زمان عبد الملك بن #
مروان زعم لي أنه أدرك ذلك من أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر هرقل
وعقله قال لما قدم عليه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم مع دحية أخذه فجعله
على خاصرته ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يذكر له
أمره ويصف له شأنه ويخبره ما جاء منه قال فكتب إليه صاحب رومية أنه النبي
45
www.anassim.fr.st 46 الن سي ــــ ـــ ـم
الذي ننتظره ل شك فيه فاتبعه وصدقه فأمر هرقل ببطارقة الروم فجمعوا له في
دسكرة ملكه وأمر بها فأشرجت عليهم أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على
نفسه وقال يا معشر الروم إني قد جمعتكم لخير إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل
يدعوني إلى
دينه وإنه وال للرجل الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا فهلم فلنتبعه لنصدقه فتسلم لنا
دنيانا وآخرتنا فنخروا نخرة رجل واحد ثم ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها
فوجدوها قد أغلقت دونهم فقال كروهم علي وخافهم على نفسه فكروا عليه وقال يا
معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة التي قلت لكم لنظر كيف صلبتكم على دينكم
لهذا المر الذي حدث فقد رأيت منكم الذي اسر به فوقعوا سجودا وأمر بأبواب
الدسكرة ففتحت لهم فانطلقوا #وهذا حديث مشهور من حديث محمد بن إسحاق
وهو ذو علم وبصيرة بهذا الشأن حفظ مال يحفظه غيره قال ابن إسحاق وأخذ هرقل
كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعله في قصبة من ذهب وأمسكها عنده
تعظيما له وهذه القصة مشهورة ذكرها أصحاب الصحاح #ففي البخاري ومسلم
والسياق للبخاري عن الزهري قال أخبرني عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود
أن عبد ال بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في
ركب من قريش وكانوا
تجارا بالشام في المدة التي كان رسول ال صلى ال عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان
بن حرب وكفار قريش فأتوه وهو بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم
دعاهم بالترجمان فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو
سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال
لترجمانه إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه قال أبو سفيان
فوال لول الحياء من أن يأثروا علي الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه
أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول أحد منكم قط
قبله قلت ل قال فهل كان من آبائه من ملك قلت ل قال فاشراف الناس اتبعوه أم
ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم فقال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل
يرتد منهم أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت ل قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب
قبل أن يقول ما قال قلت ل قال فهل يغدر قلت ل ونحن منه في مدة ل ندري ما هو
فاعل فيها قال ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت
نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال
بماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا ال وحده ول تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم
ويأمرنا بالصلة والصدق والعفاف والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه
فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها وسألتك هل قال أحد
منكم هذا القول
قبله فذكرت أن ل فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل
46
www.anassim.fr.st 47 الن سي ــــ ـــ ـم
قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن ل فقلت لو كان في آبائه من ملك
قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال
فذكرت أن ل فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على ال وسألتك
أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل
وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر اليمان حتى يتم
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن ل وكذلك اليمان حين
يخالط بشاشته القلوب ل يسخطه أحد وسألتك هل يغدر فذكرت أن ل وكذلك الرسل
ل تغدر وسألتك بم يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئا
وينهاكم عن عبادة الوثان ويأمركم بالصلة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا
فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم فلو أني
أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه #ثم دعى
بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم
بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل
فقرأه فإذا فيه بسم ال الرحمن الرحيم من محمد عبد ال ورسوله إلى هرقل عظيم
الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم أسلم
يؤتك ال أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا
إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا
بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون #قال أبو سفيان فلما
قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الصوات وأخرجنا
فقلت لصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافة ملك بني الصفر
فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل ال علي السلم
وكان ابن الناطور صاحب إيلياء أسقفا على نصارى أهل #
الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس فقال له بعض بطارقته
قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم
حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن
يختتن من هذه المة قالوا ليس يختتن إل اليهود فل يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن
ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود فبيناهم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك
غسان يخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال اذهبوا
فانظروا أمختتن هو أم ل فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب قال هم
مختتنون فقال هرقل هذا ملك هذه المة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له
برومية وكان هرقل نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص حتى أتاه كتاب من
صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى ال عليه
وسلم وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها
47
www.anassim.fr.st 48 الن سي ــــ ـــ ـم
فغلقت ثم اطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلح والرشد وأن يثبت
ملككم فتتابعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب فوجدوها قد
غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم ويئس من اليمان منهم قال ردوهم علي وقال إني قلت
مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عليه فكان هذا
آخر شأن هرقل #قلت وكان هرقل من أجل ملوك النصارى في ذلك الوقت وقد
أخبر غير واحد أن هذا الكتاب إلى الن باق عند ذرية هرقل في أرفع صوان وأعز
مكان يتوارثونه كابرا عن كابر وأخبر غير واحد أن هذا الكتاب باق إلى الن عند
الفنش
صاحب قشتالة وبلد الندلس يفتخرون به وهذا أمر مشهور معروف #وقد روى
سنيد وهو شيخ البخاري في تفسيره قال حدثنا هشام قال أخبرنا حصين عن عبد ال
بن شداد بن الهاد قال لما كتب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هرقل فقرأ كتابه
وجمع الروم فأبوا عليه قال فلما كان يوم الحد لم يحضر أسقفهم
الكبير وتمارض فأرسل إليه فأبى ثم أرسل إليه فأبى ثلث مرات فركب إليه فقال له
أليس قد عرفت أنه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال بلى قال أليس قد رأيت ما
ركبوا مني فأنت أطوع فيهم مني فتعال فادعهم قال وتأذن لي في ذلك قال نعم قال
اذهب هو ذا أجيء قال فجاء بسواده إلى كنيستهم العظمى فلما رأوه خروا له سجدا
الملك وغيره فقام في المذبح فقال يا أبناء الموتى هذا النبي الذي بشر به عيسى وأنا
أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فنخروا ووثبوا إليه فعضوه بأفواههم
حتى قتلوه قال وجعلوا يخرجون أضلعه بالكلبتين حتى مات
فصل & #وأرسل النبي صلى ال عليه وسلم رسول أيضا إلى ملك مصر &
المقوقس ملك النصارى في ذلك الوقت بالسكندرية وكان رسوله إليه حاطب بن
أبي بلتعة رضي ال عنه قال حاطب قدمت على المقوقس واسمه جريح بن مينا
بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت له إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب
العلى فأخذه ال نكال الخرة والولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر
بغيرك ول يعتبر بك قال هات قلت إن لك دينا لن تدعه إل لما هو خير منه وهو
السلم الكافي بعد ما سواه إن هذا النبي دعا الناس إلى ال فكان اشدهم عليه قريش
وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إل
كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إل كدعائك أهل التوراة إلى
النجيل وكل من أدرك نبيا فهو من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركت
هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به ثم ناوله كتاب رسول ال
صلى ال عليه وسلم فلما قرأه قال خيرا قد نظرت في هذا فوجدته ل يأمر بمزهود
فيه ول ينهى عن مرغوب فيه ولم أجده بالساحر الضال ول الكاهن الكاذب ووجدت
معه آلة النبوة ثم جعل الكتاب في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى خازنه وكتب
48
www.anassim.fr.st 49 الن سي ــــ ـــ ـم
جوابه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد علمت أن نبيا قد بقي وقد أكرمت
رسولك وأهدي للنبي صلى ال عليه وسلم جاريتين وبغلة تسمى الدلدل فقبل النبي
صلى ال عليه وسلم هديته واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه
فولدت منه إبراهيم وأعطى الخرى لحسان بن ثابت فولدت منه عبد الرحمن
وعاشت البغلة إلى زمن معاوية فقال النبي صلى ال
عليه وسلم ضن الخبيث بملكه ول بقاء لملكه #قال محمد بن سعد حدثنا محمد بن
عمر قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال لما رجع رسول ال صلى ال عليه
وسلم من الحديبية في ذي القعدة سنة ست من
الهجرة بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس القبطي صاحب السكندرية وكتب
إليه معه كتابا يدعوه فيه إلى السلم فلما قرأ الكتاب قال له خيرا وأخذ الكتاب وكان
مختوما فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى خازنه وكتب إلى النبي صلى
ال عليه وسلم جواب كتابه ولم يسلم وأهدى إلى النبي صلى ال عليه وسلم ما تقدم
ذكره #فكل من الملكين عظم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وتواضع له
ولكتابه واعترف بأنه الرسول المنتظر الذي بشرت به النبياء عليهم السلم #وقد
كان المقوقس يعرف أنه حق بما يسمع من صفاته من أهل الكتاب ولكن ضن بملكه
ولم يؤمن وكان قد خرج إليه المغيره قبل إسلم المغيرة فحدثه بذلك #قال محمد بن
عمر الوقدي حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الملك
بن عيسى وعبد ال بن
له ويؤدون من كل مال بلغ عشرين مثقال نصف مثقال وأخبروه بصدقة الموال
كلها قال أفرأيتم أذا أخذها أين يضعها قالوا يردها على فقرائهم ويأمر بصلة الرحم
ووفاء العهد وتحريم الزنا والخمر ول يأكل مما ذبح لغير ال فقال المقوقس هذا نبي
مرسل إلى الناس ولو أصاب القبط والروم اتبعوه وقد أمرهم بذلك عيسى بن مريم
49
www.anassim.fr.st 50 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا الذي تصفون منه بعث به النبياء من قبله وستكون له العاقبة حتى ل ينازعه
أحد ويظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومنقطع البحور ويوشك قومه أن
يدافعون بالراح قالوا فلو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا قال المغيرة فأنغض
المقوقس رأسه وقال أنتم في اللعب ثم قال كيف نسبه في قومه قلنا هو أوسطهم نسبا
قال كذلك والمسيح النبياء تبعث في نسب قومها ثم قال فكيف حديثه قال قلنا ما
يسمى إل المين من صدقه قال انظروا في أمركم أترونه يصدق فيما بينكم وبينه
ويكذب على ال قال فمن تبعه قلنا الحداث قال هم والمسيح أتباع النبياء قبله قال
فما فعلت
يهود يثرب فهم أهل التوراة قلنا خالفوه فأوقع بهم فقتلهم وسباهم وتفرقوا في كل
وجه قال هم قوم حسدة حسدوه أما انهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف قال المغيرة
فقمنا من عنده وقد سمعنا كلما ذللنا لمحمد صلى ال عليه وسلم وخضعنا له وقلنا
ملوك العجم يصدقونه ويخافونه في بعد أرحامهم منه ونحن أقرباؤه وجيرانه ولم
ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا قال المغيرة فرجعت إلى منزلنا فأقمت
بالسكندرية ل أدع كنيسة إل دخلتها وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون
من صفة محمد صلى ال عليه وسلم وكان أسقف من القبط هو رأس كنيسة يوحنا
كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم لم أر قط أشد اجتهادا منه فأتيته فقلت هل بقي أحد
من النبياء قال نعم هو آخر النبياء ليس بينه وبين عيسى بن مريم أحد وهو نبي
مرسل وقد أمرنا عيسى باتباعه وهو النبي المي العربي اسمه أحمد ليس بالطويل
ول بالقصير في عينيه حمرة وليس بالبيض ول بالدم يعفي شعره ويلبس ما غلظ
من الثياب ويجتزي بما
لقي من الطعام سيفه على عاتقه ول يبالي من لقى يباشر القتال بنفسه ومعه
اصحابه يفدونه بأنفسهم هم له أشد حبا من أولدهم وآبائهم يخرج من أرض حرم
ويأتي إلى حرم يهاجر إلى أرض سباخ ونخل يدين بدين إبراهيم عليه السلم قال
المغيرة فقلت له زدني في صفته قال يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه ويخص بما
ل تخص به النبياء قبله كان النبي يبعث إلى قومه ويبعث هو إلى الناس كافة
وجعلت له الرض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلة تيمم وصلى ومن كان قبله
مشددا عليهم ل يصلون إل في الكنائس والبيع قال المغيرة بن شعبة فوعيت ذلك كله
من قوله وقول غيره وما سمعت من ذلك #فذكر الواقدي حديثا طويل في رجوعه
وإسلمه وما أخبر به من
صفات النبي صلى ال عليه وسلم وكان ذلك يعجب النبي صلى ال عليه وسلم
ويحب أن يسمعه أصحابه قال المغيرة فكنت أحدثهم بذلك وهذا أمر معروف عند
علماء أهل الكتاب وعظمائهم #وقد أخرج أبو حاتم في صحيحه عن عمرو بن
العاص أنه قال خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا السكندرية فقال
عظيم من عظمائهم أخرجوا إلي رجل يكلمني وأكلمه فقلت ل يخرج إليه غيري قال
50
www.anassim.fr.st 51 الن سي ــــ ـــ ـم
فخرجت إليه ومعي ترجماني ومعه ترجمانه فقال ما أنتم فقلت نحن العرب ونحن
أهل الشوك ونحن أهل بيت ال الحرام كنا أضيق الناس أرضا وأجهدهم عيشا نأكل
الميتة والدم ويغير بعضنا على بعض حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ ول
بأكثرنا مال فقال أنا رسول ال إليكم فأمرنا بما ل نعرف ونهانا عما كنا عليه وكان
عليه آباؤنا فكذبناه ورددنا عليه مقالته حتى خرج إليه قوم غيرنا فقاتلنا وظهر علينا
وغلبنا وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم ولو يعلم من ورائي من
العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إل جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من
العيش فضحك ثم قال إن رسولكم قد صدق قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به
رسولكم فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إل غلبتموه ولن يشارككم أحد إل
ظهرتم عليه وإن فعلتم مثل الذي فعلنا وتركتم أمر نبيكم لم تكونوا أكثر عددا منا ول
أشد منا قوة
فصل & #ثم بعد الرسال إلى الملوك أخذ صلى ال عليه وسلم في غزو &
النصارى فأرسل أول زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد ال بن رواحة في
جيش فقاتلوا النصارى بمؤتة من أرض الكرك وقال لصحابه وقال لصحابه
أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد ال بن رواحة فقتل الثلثة وأخبر النبي
صلى ال عليه
وسلم بقتل الثلثة في اليوم الذي قتلوا فيه وأخبر أنه أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح
ال على يديه ثم أنه بعد هذا غزا النصارى بنفسه وأمر جميع المسلمين أن يخرجوا
معه في الغزاة ولم يأذن في التخلف عنه لحد وغزا في عشرات ألوف غزوة تبوك
فقدم تبوك وأقام بها عشرين ليلة ليغزو النصارى عربهم ورومهم وغيرهم وأقام
ينتظرهم ليقاتلهم فسمعوا به وأحجموا عن قتاله ولم يقدموا عليه #وأنزل ال تعالى
في ذلك أكثر سورة براءة وذم تعالى الذين تخلفوا عن جهاد النصارى ذما عظيما #
والذين لم يروا جهادهم طاعة جعلهم منافقين كافرين ل يغفر ال لهم إذا لم يتوبوا
وقال لنبيه صلى ال عليه وسلم
سورة المنافقون الية # 6وقال تعالى سورة التوبة الية # 84فإذا كان هذا #
حكم ال ورسوله فيمن تخلف عن جهادهم إذ لم يره طاعة ول رآه واجبا فكيف
حكمه فيهم أنفسهم حتى قال تعالى سورة التوبة الية 24
ثم عند موته صلى ال عليه وسلم أمرنا بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة #
العرب #ففي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب قال سمعت النبي صلى ال عليه
وسلم يقول لخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى ل أدع إل مسلما #
وروى المام أحمد وأبو عبيد عن أبي عبيدة بن الجراح رضي ال عنه قال آخر ما
تكلم به رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أخرجوا يهود أهل الحجاز ونصارى
أهل نجران من جزيرة العرب
51
www.anassim.fr.st 52 الن سي ــــ ـــ ـم
وقام خلقاؤه رضي ال عنهم بعده بدينه صلى ال عليه وسلم فأرسل أبو بكر #
الصديق الجيوش لغزو النصارى بالشام وجرت بين المسلمين وبينهم عدة غزوات
ومات أبو بكر وهم محاصرو دمشق ثم ولي عمر بن الخطاب ففتح عامة الشام
ومصر العراق وبعض خراسان في خلفته وقدم إلى الشام في خلفته وسلم إليه
النصارى بيت المقدس لما رأوه من صفته عندهم #قال أبو عبد ال محمد بن عائذ
في كتاب الفتوح قال قال
عطاء الخراساني لما نزل المسلمون بيت المقدس قال لهم رؤساؤهم إنا قد أجمعنا
لمصالحتكم وقد عرفتم منزل بيت المقدس وأنه المسجد الذي أسري بنبيكم إليه ونحن
نحب أن يفتحها ملككم وكان الخليفة عمر بن الخطاب فبعث المسلمون وفدا وبعث
الروم أيضا وفدا مع المسلمين حتى أتوا المدينة فجعلوا يسألون عن أمير المؤمنين
فقال الروم لترجمانهم عمن يسألون قالوا عن أمير المؤمنين فاشتد عجبهم وقالوا هذا
الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر وليس له مكان يعرف به بهذا
غلب المم فوجدوه قد ألقى نفسه حين أصابه الحر نائما فازدادوا تعجبا فلما قرأ
كتاب أبي عبيدة أقبل حتى نزل بيت المقدس وفيها اثنا عشر ألفا من الروم وخمسون
ألفا من أهل الرض فصالحهم وكان من جملة المصالحة أن ل يدخل عليهم من
اليهود أحد ثم دخل المسجد فوجد
زبالة عظيم على الصخرة فأمر بكنس الزبالة وتنظيف المسجد وأمر ببنائه وجعل
مصله في مقدمه ثم رجع إلى المدينة وقصته مشهورة في كتاب الفتوحات ثم قدم
مرة ثانية إلى أرض الشام لما تم فتحه فشارط بوضع الخراج وفرض الموال
وشارط أهل الذمة على شروط المسلمين فأتم بها المسلمون بعده #وقد ذكرها أهل
السير وغيرهم فروى سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال
كتبت لعمر بن الخطاب رضي ال عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه
أن ل يحدثوا في مدينتهم ول حولها ديرا ول كنيسة
ول قلية ول صومعة راهب ول يجددوا ما خرب ول يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد
من المسلمين ثلث ليال يطعمونهم ول يؤوا جاسوسا ول يكتموا غشا للمسلمين ول
يعلموا أولدهم القرآن ول يظهروا شركا ول يمنعوا ذوي قرابتهم من السلم أن
أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم إذا أرادوا الجلوس ول يتشبهوا
بالمسلمين بشيء من لباسهم في قلنسوة ول عمامة ول نعلين ول فرق شعر ول
يتسموا بأسماء المسلمين ول يكتنوا بكناهم ول يركبوا سرجا ول يتقلدوا سيفا ول
يتخذوا شيئا من سلح
ول ينقشوا خواتيمهم بالعربية ول يبيعوا الخمور وأن يجذوا مقادم رؤوسهم وأن
يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير ول يجاوروا المسلمين بموتاهم ول
52
www.anassim.fr.st 53 الن سي ــــ ـــ ـم
يضربوا بالناقوس إل ضربا خفيفا #ول يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في
شيء من حضرة المسلمين ول يخرجوا شعانين ول يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ول
يظهروا النيران معهم ول يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين فإن
خالفوا في شيء مما شرطوه فل ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل
المعاندة والشقاق أخرجه ابو داوود في سننه
وقال أبو عبيد في كتاب الموال حدثنا النضر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن #
إسحاق عن خليفة بن
قيس قال كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يأمر فأكتب إلى أهل المصار في
أهل الكتاب أن يجزوا نواصيهم وأن يربطوا الكستيجات في أوساطهم ليعرف زيهم
من زي أهل الكتاب #وحدثنا أبو المنذر ومصعب بن المقدام كلهما عن سفيان
عن عبيد ال بن عمر عن نافع عن أسلم قال كتب عمر إلى أمراء الجناد أن يختموا
رقاب أهل الذمة #قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن عبد ال بن عمر عن نافع
عن أسلم أن عمر أمر في أهل الذمة أن يجزوا نواصيهم وأن يركبوا على الكف
وأن يركبوا عرضا ل يركبوا كما يركب المسلمون وأن يوثقوا المناطق #قال أبو
عبيد يعني الزنانير
وكما كتب عمر بن الخطاب رضي ال عنه على أهل الذمة هذه الشروط #
والتزموها أوصى بهم نوابه ومن يأتي بعده من الخلفاء وغيرهم وهذا هو العدل
الذي أمر ال به ورسوله #ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال في
خطبته عند وفاته وأوصي الخليفة من بعدي بذمة ال وذمة رسوله صلى ال عليه
وسلم أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم ول يكلفوا إل طاقتهم #وهذا
امتثال لقول النبي صلى ال عليه وسلم أل من ظلم معاهدا أو انتقصه من حقه أو
كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة رواه أبو
داود
فكان هذا في النصارى الذين أدوا إليه الجزية #وعمر بن الخطاب لما فتح الشام #
وأدوا إليه الجزية عن يد وهم صاغرون أسلم منهم خلق كثير ل يحصي عددهم إل
ال تبارك وتعالى فإن العامة والفلحين وغيرهم كان عامتهم نصارى ولم يكن في
المسلمين من يعمل فلحة ولم يكن للمسلمين في دمشق مسجد يصلون فيه إل مسجد
واحد لقلتهم ثم صار أكثر أهل الشام وغيرهم مسلمين طوعا ل كرها فإن إكراه أهل
الذمة على السلم غير جائز كما قال تعالى سورة البقرة اليتان 257 256
قال أبو عبيد في كتاب الموال عن ابن الزبير قال كتب النبي صلى ال عليه #
وسلم إلى أهل اليمن أنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم
53
www.anassim.fr.st 54 الن سي ــــ ـــ ـم
وعليه ما عليهم ومن كان على يهودية أو نصرانية فإنه ل يفتن عنها وعليه الجزية
فصل & #وقاتل عمر بن الخطاب الفرس المجوس وفتح أرضهم وظهر تصديق &
خبر رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال إذا هلك كسرى فل كسرى بعده وإذا
هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل ال عز وجل
أخرجاه في الصحيحين #وهذا بعد أن بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم رسوله
إلى المجوس وكتب كتابا إلى كسرى ملك الفرس كما كتب إلى ملوك النصارى كما
تقدم عن قيصر والمقوقس ولكن ملوك النصارى تأدبوا معه وخضعوا له فبقي ملكهم
وأما ملك الفرس فمزق كتابه فدعا
عليهم فقال اللهم مزق ملكهم كل ممزق فلم يبق لهم ملك #قال ابن عباس بعث
رسول ال صلى ال عليه وسلم عبد ال بن حذافة بكتابه إلى كسرى فدفعه إلى عظيم
البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه يعني كسرى مزقه فدعا عليهم
رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق #وقال ابن إسحاق كتب
رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فأما كسرى فلما قرأ الكتاب
مزقه وأما قيصر لما قرأ الكتاب طواه ووضعه عنده فبلغ ذلك رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقال أما هؤلء يعني كسرى فيمزقون وأما هؤلء فستكون لهم بقية #قال
ابن إسحاق بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم
عبد ال بن حذافة بن قيس السهمي إلى كسرى بن هرمز ملك الفرس وكتب #بسم
ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى كسرى عظيم فارس سلم على من اتبع
الهدى وآمن بال ورسوله واشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله فإني أدعوك بدعاية ال فإني رسول ال إلى الناس كافة لنذر من كان حيا
ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك #فلما قرأ
كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم شققه وقال يكتب إلي بهذا الكتاب وهو عبدي
قلت وسبب قول كسرى هذا استعلئه أن الحبشة كانوا قد ملكوا اليمن وملكهم #
سار إلى مكة بالفيل ليخرب البيت وكانوا نصارى فأرسل ال عليهم من ناحية البحر
طيرا أبابيل وهي جماعات في تفرقة تحمل حجارة من طين فألقتها على الحبشة
النصارى فأهلكتهم وكان هذا آية عظيمة خضعت بها المم للبيت وجيران البيت #
وعلم العقلء أن هذا لم يكن نصرا من ال لمشركي العرب فإن دين النصارى خير
من دينهم وإنما كان نصرا للبيت وللمة المسلمة التي تعظمه وللنبي المبعوث من
البيت وكان ذلك عام مولد النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال في ذلك سورة الفيل
#ثم أن سيف بن ذي يزن ذهب إلى كسرى وطلب منه جيشا
يغزو به الحبشة فأرسل معه عسكرا من الفرس والمجوس فأخرجوا الحبشة من
اليمن فصارت بيد العرب وبها نائب كسرى وسيف بن ذي يزن هذا ممن بشر
54
www.anassim.fr.st 55 الن سي ــــ ـــ ـم
بالنبي صلى ال عليه وسلم قبل ظهوره وأخبر بذلك جده عبد المطلب لما وفد عليه
#فلما كانت اليمن مطيعة لكسرى لهذا أرسل إلى نائبه على اليمن أن يأتيه بالنبي
صلى ال عليه وسلم لن عسكر اليمن في العادة يقهر أهل مكة والمدينة #قال ابن
إسحاق فبلغني أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال مزق ال ملكه حين بلغه أنه
شقق كتابه #ثم كتب كسرى إلى باذان وهو على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل
الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتياني به قال فبعث
باذان قهرمانه وهو بابويه وقال غيره فيروز الديلمي وكان حاسبا كاتبا وبعث معه
برجل من الفرس وكتب معهما إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمره ان
ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه ويلك أنظر ما الرجل وكلمه وائتني بخبره
#قال فخرجا حتى قدما إلى الطائف فسأل عن النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا هو
بالمدينة واستبشروا يعني الكفار وقالوا قد نصب له كسرى كفيتم الرجل فخرجا حتى
قدما المدينة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فكلمه بابويه وقال إن شاهنشاه ملك
الملوك كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني
إليك فانطلق معي فإن فعلت كتب معك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به
وإن أبيت فهو من قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلدك #وكانا قد
دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأبقيا شواربهما فكره
النظر إليهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لهما ويلكما من أمركما بهذا قال
أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى فقال لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم
لكن ربي عز وجل أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى
تأتياني الغد #قال وجاء الخبر من السماء أن ال عز وجل سلط على كسرى ابنه
شيرويه فقتله في شهر كذا في ليلة كذا في ساعة كذا فلما أتيا رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال لهما إن ربي قتل ربكما ليلة كذا في شهر كذا بعدما مضى من الليل
كذا سلط عليه ابنه شيرويه فقتله فقال له هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا منك ما هو
أيسر من هذا فنكتب بهذا عنك ونخبر الملك به قال نعم أخبراه ذلك عني وقول له إن
ديني وسلطاني سيلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهي إلى منتهي الخف والحافر وقول له
إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من البناء وأعطى رفيقه
منطقة من ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على
باذان وأخبراه الخبر
فقال وال ما هذا بكلم ملك وإني لرى الرجل نبيا كما يقول ولننظرن ما قد قال #
فلئن كان ما قد قال حقا ما بقي فيه كلم إنه لنبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه
رأينا فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه #أما بعد فإنني قد قتلت كسرى ولم
أقتله إل غضبا لفارس لما كان قد استحل قتل أشرافهم وتجهيزهم في بعوثهم فإذا
جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب
إليك فيه فل تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال إن
55
www.anassim.fr.st 56 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا الرجل لرسول ال وأسلم ل وأسلمت أبناء فارس من كان منهم باليمن
وقال أبو معشر حدثني المقبري قال جاء فيروز الديلمي إلى رسول ال صلى ال #
عليه وسلم فقال إن كسرى كتب إلى باذان بلغني أن في أرضك رجل تنبأ فاربطه
وابعث به إلي فقال له
رسول ال صلى ال عليه وسلم إن ربي غضب على ربك فقتله فدمه بنحره سخن
الساعة فخرج من عنده فسمع الخبر فأسلم وحسن إسلمه وكان رجل صالحا له في
السلم آثار جميلة منها قتل السود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة في عهد النبي
صلى ال عليه وسلم وكان السود جبارا استدعى بأبي مسلم الخولني فقال له أتشهد
أني رسول ال فقال أبو مسلم ما أسمع فقال له أتشهد أن محمدا رسول ال قال نعم
فردد ذلك عليه مرارا فأمر بنار عظيمة فأضرمت ثم أمر بإلقاء أبي مسلم فيها فلم
تضره فأخمدها ال تعالى حين ألقي فيها فقيل له أخرج هذا عنك من أرضك لئل
يفسد عليك أتباعك فأخرجه #فقدم أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول ال صلى ال
عليه
وسلم واستخلف أبو بكر فأناخ راحلته بباب المسجد ثم دخل المسجد فقام يصلي إلى
سارية فبصر به عمر فقام إليه فقال ممن الرجل قال من أهل اليمن قال ما فعل الذي
حرقه الكذاب قال ذلك عبد ال بن ثوب قال نشدتك بال أنت هو قال اللهم نعم
فاعتنقه ثم بكى ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر فقال الحمد ل الذي لم
يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى ال عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم
خليل الرحمن
ثم خرج فيروز الديلمي على السود العنسي فقتله وجاء الخبر إلى رسول ال #
صلى ال عليه وسلم بقتله وهو في مرض موته فخرج فأخبر أصحابه وقال قتل
السود العنسي الليلة رجل صالح من قوم صالحين وقصته مشهورة وكذلك قصة
مسيلمة الكذاب ونحوهما من المتنبئين الكذابين
فصل & #ولما فتح خلفاء النبي صلى ال عليه وسلم عمر وعثمان العراق &
وخراسان ضربوا الجزية على المجوس كما ضربوها على النصارى بعد أن دعوهم
إلى السلم كما دعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكما ضرب النبي صلى ال
عليه وسلم الجزية على اليهود والنصارى والمجوس بعد أن دعاهم إلى ال عز وجل
فإنه صلى ال عليه وسلم بعث العلء بن الحضرمي إلى
المنذر بن ساوى العبدي صاحب هجر وهي قرية بالبحرين بكتابه صلى ال عليه
وسلم يدعوه إلى السلم قال العلء فلما دخلت عليه قلت يا منذر إنك عظيم العقل
في الدنيا فل تصغرن عن الخرة إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب
56
www.anassim.fr.st 57 الن سي ــــ ـــ ـم
ول علم أهل الكتاب ينكحون ما يستحى من نكاحه ويأكلون ما يتكرم عن أكله
ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ول رأي فانظر هل
ينبغي لمن ل يكذب أن تصدقه ولمن ل يخون أن تأمنه ولمن ل يخلف أن تتثق به
فإن كان هذا هكذا فهذا هو
النبي صلى ال عليه وسلم المي الذي وال ل يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر
به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن ذلك
منه على أمنية اهل العقل وفكر أهل البصر #فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي
في يدي فوجدته للدنيا دون الخرة ونظرت في دينكم فوجدته للخرة والدنيا فما
يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الممات ولقد عجبت أمس ممن يقبله
وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر ثم
اسلم المنذر وكتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم بالسلم والتصديق #وقال عمرو
بن عوف بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا عبيدة إلى البحرين فأتى بجزيتها
وكان رسول ال
صلى ال عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلء بن الحضرمي فقدم
أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت النصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلة الصبح
مع النبي صلى ال عليه وسلم فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم
رسول ال صلى ال عليه وسلم حين رآهم وقال أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء
بشيء قالوا أجل يا رسول ال قال أبشروا وأملوا ما يسركم فوال ل الفقر أخشى
عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها
كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم أخرجاه في الصحيحين #وأخرج البخاري عن
بجالة بن عبدة أنه قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي
محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد
الرحمن بن عوف أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذها من مجوس هجر #
وقال ابن شهاب أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية من مجوس هجر وأخذ
عمر بن الخطاب الجزية من مجوس فارس وأخذها عثمان بن عفان من البربر #
قال ابن شهاب أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما بلغنا وكانوا
نصارى وقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا
مجوسا ثم أدى أهل أيلة
وأهل أذرح إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية في غزوة تبوك وبعث خالد
بن الوليد إلى أهل دومة الجندل فأسروا رئيسهم أكيدر فبايعوه على الجزية
قال أبو عبيد الجزية مأخوذه من أهل الكتاب بالتنزيل ومن المجوس والبربر #
وغيرهم بالسنة
57
www.anassim.fr.st 58 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل & #وأخرج مسلم عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم كتب إلى كسرى &
وقيصر والنجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى ال عز وجل وليس بالنجاشي الذي
نعاه لصحابه في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وصلى عليه
بل النجاشي آخر تملك بعده #وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال فضلت على النبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب
وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الناس كافة
وختم بي النبيون
وقال صلى ال عليه وسلم كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس #
عامة #وقال تعالى سورة العراف الية # 158وقال تعالى سورة سبأ الية 28
#وفي القرآن من دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن دعوة المشركين
وعباد الوثان وجميع النس والجن ما ل يحصى إل بكلفة
وهذا كله معلوم بالضطرار من دين السلم فكيف يقال إنه لم يذكر أنه بعث إل #
إلى العرب خاصة وهذه دعوته ورسله وجهاده لليهود والنصارى والمجوس بعد
المشركين وهذه سيرته صلى ال عليه وسلم فيهم #وأيضا فالكتاب المتواتر عنه
وهو القرآن يذكر فيه دعاءه لهل الكتاب إلى اليمان به في مواضع كثيرة جدا بل
يذكر ال تبارك وتعالى فيه كفر من كفر من اليهود والنصارى ويأمر فيه بقتالهم
كقوله تعالى سورة المائدة الية # 17وقوله في هذه السورة أيضا
سورة المائدة الية # 77 72وقال تعالى في سورة النساء الية # 173 171
وقال تعالى سورة التوبة الية 29
فصل & #فهذه الدلئل وأضعافها مما تبين أنه نفسه صلى ال عليه وسلم أخبر &
أنه رسول ال إلى النصارى وغيرهم من أهل الكتاب وأنه دعاهم وجاهدهم وأمر
بدعوتهم وجهادهم وليس هذا مما فعلته أمته بعده بدعة ابتدعوها كما فعلت النصارى
بعد المسيح عليه السلم فإن المسلمين ل يجوزون لحد بعد محمد صلى ال عليه
وسلم أن يغيروا شيئا من شريعته فل يحلل ما حرم ول يحرم ما حلل ول يوجب ما
أسقط ول يسقط ما أوجب بل الحلل عندهم ما حلله ال ورسوله والحرام ما حرم
ال ورسوله والدين ما شرعه ال ورسوله بخلف النصارى الذين ابتدعوا بعد
المسيح بدعا لم يشرعها المسيح عليه السلم ول نطق بها شيء من الناجيل ول
كتب النبياء المتقدمة وزعموا أن ما شرعه أكابرهم من الدين فإن المسيح يمضيه
لهم وهذا موضع تنازع فيه الملل الثلث المسلمون واليهود والنصارى كما تنازعوا
في المسيح عليه السلم وغير ذلك
58
www.anassim.fr.st 59 الن سي ــــ ـــ ـم
فاليهود ل يجوزون ال سبحانه وتعالى أن ينسخ شيئا شرعه والنصارى يجوزون #
لكابرهم أن ينسخوا شرع ال بآرائهم #وأما المسلمون فعندهم أن ال له الخلق
والمر ل شرع إل ما شرع ال على ألسنة رسله وله أن ينسخ ما شاء كما نسخ
المسيح ما كان شرعه للنبياء قبله #فالنصارى تضع لهم عقائدهم وشرائعهم
أكابرهم بعد المسيح كما وضع لهم الثلث مائة وثمانية عشر الذين كانوا في زمن
قسطنطين الملك المانة التي اتفقوا عليها ولعنوا من خالفها من الريوسية وغيرهم
وفيها أمور لم ينزل ال بها كتابا بل تخالف ما أنزله ال من الكتب مع مخالفتها للعقل
الصريح فقالوا فيها نؤمن بآله واحد آب ضابط الكل خالق السموات والرض كل ما
يرى وما ل يرى وبرب واحد
يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق
من إله حق مولود غير مخلوق مساوي الب في الجوهر الذي به كان كل شيء
الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح
القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب على عهد يبلطس البنطي وتألم وقبر وقام
في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الب وأيضا
فسيأتي بمجده ليدين الحياء والموات الذي ل فناء لملكه وبروح القدس الرب
المحيي المنبثق من الب مع الب
والبن مسجود له وبمجد الناطق في النبياء وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية
واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ونترجى قيامة الموتى وحياة الدهر التي
آمين #ووضعوا لهم من القوانين والناموس ما لم يوجد في كتب النبياء ول تدل
عليه بل يوجد بعضه في كتب النبياء وزاد أكابرهم أشياء من عندهم ل توجد في
كتب النبياء وغيروا كثيرا مما شرعه النبياء فما عند النصارى من القوانين
والنواميس التي هي شرائع دينهم وبعضه عن الحواريين وكثير منه من ابتداع
أكابرهم مع مخالفته لشرع النبياء فدينهم من جنس دين اليهود قد لبسوا الحق
بالباطل #وكان المسيح عليه السلم بعث بدين ال الذي بعث به النبياء قبله وهو
عبادة ال وحده ل شريك له والنهي عن عبادة كل ما سواه وأحل لهم بعض ما حرم
ال في التوراة فنسخ بعض شرع التوراة
وكان الروم واليونان وغيرهم مشركين يعبدون الهياكل العلوية والصنام #
الرضية فبعث المسيح عليه السلم رسله يدعونهم إلى دين ال تعالى فذهب بعضهم
في حياته في الرض وبعضهم بعد رفعه إلى السماء فدعوهم إلى دين ال تعالى
فدخل من دخل في دين ال واقاموا على ذلك مدة ثم زين الشيطان لمن زين له أن
يغير دين المسيح فابتدعوا دينا مركبا من دين ال ورسله دين المسيح عليه السلم
ومن دين المشركين #وكان المشركون يعبدون الصنام المجسدة التي لها ظل وهذا
كان دين الروم واليونان وهو دين الفلسفة أهل مقدونية وأثينة
59
www.anassim.fr.st 60 الن سي ــــ ـــ ـم
كأرسطو وأمثاله من الفلسفة المشائين وغيرهم وكان أرسطو قبل المسيح بنحو
ثلثمائة سنة وهو وزير السكندر بن فيلبس اليوناني المقدوني التي تؤرخ له التاريخ
الرومي من اليهود والنصارى وهذا كان مشركا يعبد هو وقومه الصنام ولم يكن
يسمى ذا القرنين ول هو ذا القرنين المذكور في القرآن ول وصل هذا المقدوني إلى
أرض
الترك ول بنى السد وإنما وصل إلى بلد الفرس #ومن ظن أن أرسطو كان وزير
ذي القرنين المذكور في القرآن فقد غلط غلطا تبين أنه ليس بعارف بأديان هؤلء
القوم ول بأزمانهم #فلما ظهر دين المسيح عليه السلم بعد أرسطو بنحو ثلثمائة
سنة في بلد الروم واليونان كانوا على التوحيد إلى أن ظهرت فيهم البدع فصوروا
الصور المرقومة في الحيطان جعلوا هذه الصور عوضا عن تلك الصور #وكان
أولئك يسجدون للشمس والقمر والكواكب فصار هؤلء يسجدون إليها إلى جهة
الشرق التي تظهر منها الشمس والقمر والكواكب وجعلوا السجود إليها بدل عن
السجود لها ولهذا جاء خاتم الرسل صلوات ال عليه وسلمه الذي ختم ال به
الرسالة وأظهر به من كمال التوحيد ما لم يظهر بمن قبله فأمر صلى ال عليه وسلم
أن يتحرى أحد بصلته طلوع الشمس ول غروبها لن
المشركين يسجدون لها تلك الساعة فإذا صلى الموحدون ل عز وجل في تلك
الساعة صار في ذلك نوع مشابهة لهم فيتخذ ذريعة إلى السجود لها وكان من أعظم
أسباب عبادة الصنام تصوير الصور وتعظيم القبور #ففي صحيح مسلم وغيره
عن أبي الهيا
ج السدي قال قال لي علي بن أبي طالب أل أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال
صلى ال عليه وسلم فأمرني أن ل أدع قبرا مشرفا إل سويته ول تمثال إل طمسته
#وفي الصحيحين أنه صلى ال عليه وسلم قال في مرض موته لعن ال اليهود
والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا
وفي الصحيحين أنه قال قبل موته بخمس ليال إن من كان قبلكم كانوا يتخذون #
القبور مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد وإني أنهاكم عن ذلك #ولما ذكروا
الكنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال إن أولئك كانوا إذا
مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا تلك التصاوير أولئك
شرار الخلق عند ال يوم القيامة
ونهى أن يستقبل الرجل القبر في الصلة حتى ل يتشبه بالمشركين الذين يسجدون #
للقبور ففي الصحيح أنه قال ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها إلى أمثال ذلك
مما فيه تجريد التوحيد ل رب العالمين الذي أنزل ال به كتبه وأرسل به رسله #
فأين هذا ممن يصور صور المخلوقين في الكنائس ويعظمها ويستشفع بمن صورت
60
www.anassim.fr.st 61 الن سي ــــ ـــ ـم
على صورته وهل كان أصل عبادة الصنام في بني آدم من عهد نوح عليه السلم
إل هذا والصلة إلى الشمس والقمر والكواكب والسجود إليها ذريعة إلى السجود لها
ولم يأمر أحد من النبياء باتخاذ الصور والستشفاع بأصحابها ول بالسجود إلى
الشمس والقمر والكواكب وإن كان يذكر عن بعض النبياء تصوير صورة لمصلحة
فإن هذا من المور التي قد تتنوع فيها الشرائع
بخلف السجود لها والستشفاع بأصحابها فإن هذا لم يشرعه نبي من النبياء ول
أمر قط أحد من النبياء أن يدعى غير ال عز وجل ل عند قبره ول في مغيبه ول
يشفع به في مغيبه بعد موته بخلف الستشفاع بالنبي صلى ال عليه وسلم في حياته
ويوم القيامة وبالتوسل به بدعائه واليمان به فهذا من شرع النبياء عليهم السلم
ولهذا قال تعالى سورة الزخرف الية # 45وقال تعالى سورة النبياء الية # 25
وقال تعالى سورة النحل الية 36
وقال تعالى سورة يونس الية # 18وقال تعالى سورة الزمر اليات # # 4 1
وذلك أن المشركين من جميع المم لم يكن أحد منهم يقول إن للمخلوقات خالقين
منفصلين متماثلين في الصفات فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم ولكن
الثنوية من المجوس ونحوهم يقولون إن العالم صادر عن أصلين النور والظلمة
والنور عندهم هو إله الخير المحمود والظلمة هي الله الشرير المذموم #وبعضهم
يقول أن الظلمة هي الشيطان وهذا ليجعلوا ما في العالم من الشر صادرا عن الظلمة
ومنهم من قال إن الظلمة قديمة أزلية مع أنها مذمومة عندهم ليست مماثلة للنور #
#ومنهم من قال بل هي حادثة وأن النور فكر فكرة رديئة فحدثت الظلمة عن تلك
الفكرة الرديئة #فقال لهم أهل التوحيد أنتم بزعمكم كرهتم أن تضيفوا إلى الرب
سبحانه وتعالى خلق ما في العالم من الشر وجعلتموه خالقا لصل الشر وهؤلء مع
إثباتهم اثنين وتسمية الناس لهم بالثنوية فهم ل يقولون إن الشرير مماثل للخير #
وكذلك الدهرية دهرية الفلسفة وغيرهم منهم من ينكر الصانع للعالم كالقول الذي
أظهره فرعون لعنه ال ومنهم من يقر بعلة يتحرك الفلك للتشبه بها كأرسطو
وأتباعه ومنهم من يقول بالموجب بالذات المستلزم للفلك كابن سينا
61
www.anassim.fr.st 62 الن سي ــــ ـــ ـم
الجزئيات ول يعرف هذا الداعي من هذا الداعي ول يعرف إبراهيم من موسى من
محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله بل منهم من ينكر علمه مطلقا كأرسطو وأتباعه
ومنهم من يقول إنما يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله
ومعلوم أن كل موجود في الخارج فهو جزء معين فإن لم يعلم إل الكليات لم يعلم #
شيئا من الموجودات المعينة ل الفلك ول الملك ول غير ذلك من الموجودات
بأعيانها والدعاء عندهم هو تصوف النفس القوية في هيولي العالم كما ذكر ذلك ابن
سينا وأمثاله وزعموا أن اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية وأن حوادث الرض كلها
إنما تحدث عن حركة الفلك كما قد بسط الرد عليهم في غير هذا الموضع #
والمقصود هنا أن المشركين لم يكونوا يثبتون مع ال إلها آخر مساويا له في
الصفات والفعال بل ول كانوا يقولون إن الكواكب والشمس والقمر خلقت العالم ول
أن الصنام تخلق شيئا من العالم ومن ظن أن قوم إبراهيم الخليل كانوا يعتقدون أن
النجم أو الشمس أو القمر رب العالمين أو أن الخليل عليه السلم لما قال هذا ربي
أراد به رب العالمين فقد غلط غلطا بينا بل قوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع وكانوا
يشركون بعبادته كأمثالهم من المشركين
قال تعالى عن الخليل سورة الشعراء اليات # 99 69فأخبر تعالى عن الخليل #
أنه عدو لكل ما يعبدونه إل لرب العالمين وأخبر أنهم يقولون يوم القيامة سورة
الشعراء اليتان 98 97
كما قال تعالى في الموضع الخر سورة الزخرف اليتان # 27 26وقال سورة #
النعام الية # 79ولم يقل من المعطلين فإن قومه كانوا يشركون ولم يكونوا
معطلين كفرعون اللعين فلم يكونوا جاحدين للصانع بل عدلوا به وجعلوا له أندادا
في العبادة والمحبة والدعاء وهذا كما قال تعالى سورة النعام الية # 1وقال تعالى
سورة البقرة الية # 165وقال تعالى سورة الفرقان الية 68
وقال تعالى سورة الشعراء الية # 312وقال سورة السراء الية # 22وقال #
تعالى فيما حكاه عن قوم نوح سورة نوح اليتان # 24 23قال ابن عباس وغيره
من العلماء هؤلء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم
صوروا تماثيلهم ثم عبدوها
وهكذا عند النصارى عن المسيح عليه السلم في كتاب سر بطرس الذي يسمى #
بشمعون وسمعان والصفا وبطرس والربعة لمسمى واحد عندهم عنه كتاب عن
المسيح فيه أسرار العلوم وهذا فيه عندهم عن المسيح #فالذي تفعله النصارى اصل
عبادة الوثان وهكذا قال عالمهم الكبير الذي يسمونه فم الذهب وهو من أكبر
علمائهم لما ذكر
62
www.anassim.fr.st 63 الن سي ــــ ـــ ـم
تولد الذنوب الكبار عن الصغار قال وهكذا هجمت عبادة الصنام فيما سلف لما
أكرم الناس أشخاصا يعظم بعضهم بعضا فوق المقدار الذي ينبغي الحياء منهم
والموات #وقد قال تعالى سورة السراء اليتان # 57 56قال طائفة من العلماء
كان أقوام يدعون الملئكة والنبياء كالعزير والمسيح وغيرهما فبين ال تبارك
وتعالى أن هؤلء عباده كما أنتم عباده يرجون رحمته كما ترجون رحمته ويخافون
عذابه كما تخافون عذابه ويتقربون إليه كما تتقربون إليه وقال تعالى سورة آل
عمران اليتان # 80 79فبين تعالى أن من يتخذ الملئكة والنبيين أربابا فهو كافر
مع اعتقاده أنهم مخلوقون فإنه لم يقل أحد قط أن جميع الملئكة
والنبيين مشاركون ل سبحانه في خلق العالم وقد قال تعالى سورة يوسف الية
# 106قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما تسألهم من خلق السموات والرض
يقولون ال وهم يعبدون غيره وقد قال تعالى سورة لقمان الية # 25في غير
موضع فأخبر تعالى عن المشركين أنهم كانوا يقرون بأن خالق العالم واحد مع
اتخاذهم آلهة يعبدونهم من دونه سبحانه يتخذونهم شفعاء إليه ويتقربون بهم إليه
فصل & #وكذلك تعظيمهم للصليب واستحللهم لحم الخنزير وتعبدهم بالرهبانية &
وامتناعهم من الختان وتركهم طهارة الحدث والخبث فل يوجبون غسل جنابة ول
وضوءا ول يوجبون اجتناب شيء من الخبائث في صلتهم ل عذرة ول بول ول
غير ذلك من الخبائث إلى غير ذلك #كلها شرائع أحدثوها وابتدعوها بعد المسيح
عليه السلم ودان بها ائمتهم وجمهورهم ولعنوا من خالفهم فيها حتى صار المتمسك
فيهم بدين المسيح المحض مغلوبا مقموعا قبل أن يبعث ال محمدا صلى ال عليه
وسلم وأكثر ما هم عليه من الشرائع والدين ل يوجد منصوصا عن المسيح عليه
السلم #وأما المسلمون فكل ما أجمعوا عليه إجماعا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة
فهو منقول عن نبيهم صلى ال عليه وسلم لم يحدث ذلك أحد ل باجتهاده ول بغير
اجتهاده بل ما قطعنا بإجماع أمة محمد صلى ال عليه وسلم فإنه يوجد مأخوذا عن
نبيهم #وأما ما يظن فيه إجماعهم ول يقطع به
فمنه ما يكون ذلك الظن خطأ ويكون بينهم فيه نزاع ثم قد يكون نص الرسول #
صلى ال عليه وسلم مع هذا القول وقد يكون مع هذا القول #ومنه ما يكون ظن
الجماع عليه صوابا ويكون فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم أثر خفيت دللته أو
معرفته على بعض الناس #وذلك أن ال تبارك وتعالى أكمل الدين بمحمد صلى ال
عليه وسلم خاتم النبيين وبينه وبلغه البلغ المبين فل تحتاج أمته إلى أحد بعده يغير
شيئا من دينه وإنما تحتاج إلى معرفة دينه الذي بعث به فقط وأمته ل تجتمع على
ضللة بل ل يزال في أمته طائفة قائمة بالحق حتى تقوم الساعة فإن ال أرسله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فأظهره بالحجة والبيان وأظهره باليد
والسنان ول يزال في أمته أمة ظاهرة بهذا وهذا حتى تقوم الساعة #والمقصود هنا
أن ما اجتمعت عليه المة إجماعا ظاهرا تعرفه العامة والخاصة فهو منقول عن
63
www.anassim.fr.st 64 الن سي ــــ ـــ ـم
نبيهم صلى ال عليه وسلم ونحن ل نشهد بالعصمة إل لمجموع المة وأما كثير من
طوائف المة ففيهم بدع مخالفة للرسول وبعضها من جنس بدع اليهود والنصارى
وفيهم فجوز ومعاصي لكن رسول ال صلى ال عليه وسلم بريء من ذلك كما قال
تعالى له
سورة الشعراء الية # 216وقال تعالى سورة النعام الية # 159وقال صلى ال
عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وذلك مثل إجماعهم على أن محمدا صلى
ال عليه وسلم أرسل إلى جميع المم أهل الكتاب وغير أهل الكتاب فإن هذا تلقوه
عن نبيهم صلى ال عليه وسلم وهو منقول عندهم نقل متواترا يعلمونه بالضرورة #
وكذلك إجماعهم على استقبال الكعبة البيت الحرام في صلتهم فإن هذا الجماع
منهم على ذلك مستند إلى النقل المتواتر عن نبيهم وهو مذكور في كتابهم #وكذلك
الجماع على وجوب الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت العتيق
الذي بناه إبراهيم خليل الرحمن ودعا الناس إلى حجه وحجته النبياء حتى حجه
موسى بن عمران ويونس بن
صيدنايا ليس شيء من ذلك منقول عن المسيح عليه السلم بل وكذلك عامة أعيادهم
مثل عيد القلندس وعيد الميلد وعيد الغطاس وهو القداس وعيد الخميس
وعيد الصليب الذي جعلوه في وقت ظهور الصليب لما أظهرته هيلنة الحرانية
الفندقانية أم قسطنطين بعد المسيح عليه السلم بمائتين من السنين وعيد الخميس
والجمعة والسبت التي
في آخر صومهم وغير ذلك من أعيادهم التي رتبوها على أحوال المسيح والعياد
التي ابتدعوها لكبرائهم فإن ذلك كله من بدعهم التي ابتدعوها بل كتاب نزل من ال
تعالى بل هم يبنون الكنائس على اسم بعض من يعظمونه كما في السنن عن النبي
صلى ال عليه وسلم أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا
وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند ال يوم القيامة وهذا بخلف
المساجد التي تبنى ل عز وجل كما قال تعالى سورة الجن الية # 18وقال سورة
النور الية # 36وقال تعالى سورة العراف الية # 29وقال تعالى سورة التوبة
64
www.anassim.fr.st 65 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل & #والمقصود هنا أن الذي يدين به المسلمون من أن محمدا صلى ال &
عليه وسلم رسول إلى الثقلين النس والجن أهل الكتاب وغيرهم وأن من لم يؤمن به
فهو كافر مستحق لعذاب ال مستحق للجهاد وهو مما أجمع أهل اليمان بال
ورسوله عليه لن الرسول صلى ال عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره ال في
كتابه وبينه الرسول أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب فإنه تعالى أنزل
عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئا من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت
النصارى كثيرا من دينهم بل أكثر دينهم #وبدلوا دين المسيح وغيروه ولهذا كان
كفر النصارى لما بعث محمد صلى ال عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح
عليه السلم فإن اليهود كانوا قد بدلوا شرع التوراة قبل مجيء المسيح فكفروا بذلك
ولما بعث المسيح إليهم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الول وأحكامه
وبتكذيب الكتاب الثاني #وكذلك النصارى كانوا بدلوا دين المسيح قبل أن يبعث
محمد صلى ال عليه وسلم فابتدعوا من التثليث والتحاد وتغيير شرائع النجيل
أشياء لم يبعث بها المسيح عليه السلم بل
تخالف ما بعث به وافترقوا في ذلك فرقا متعددة وكفر فيها بعضهم بعضا فلما بعث
محمد صلى ال عليه وسلم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الول
وأحكامه وتكذيب الكتاب الثاني كما يقول علماء المسلمين إن دينهم مبدل منسوخ
وإن كان قليل من النصارى كانوا عند مبعث محمد صلى ال عليه وسلم متمسكين
بدين المسيح كما كان الذين لم يبدلوا دين المسيح كله على الحق فهذا كما أن من كان
متبعا شرع التوراة عند مبعث المسيح كان متمسكا بالحق كسائر من اتبع موسى فلما
بعث المسيح صار كل من لم يؤمن به كافرا وكذلك لما بعث محمد صلى ال عليه
وسلم صار كل من لم يؤمن به كافرا #والمقصود في هذا المقام بيان ما بعث به
محمد صلى ال عليه وسلم من عموم رسالته وأنه نفسه الذي أخبر أن ال تعالى
أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم وأنه نفسه صلى ال عليه وسلم دعا أهل الكتاب
وجاهدهم وأمر بجهادهم فمن قال بعد هذا من أهل الكتاب اليهود والنصارى أنه لم
يبعث إلينا بمعنى أنه لم يقل إنه مبعوث إلينا كان مكابرا جاحدا للضرورة مفتريا
على الرسول فرية ظاهرة تعرفها الخاصة والعامة #وكان جحده لهذا كما لو جحد
أنه جاء بالقرآن أو شرع الصلوات الخمس وصوم رمضان وحج البيت الحرام
وجحد محمد صلى ال عليه وسلم وما تواتر عنه أعظم من جحد أتباع الحواريين
المسيح عليه السلم وإرساله لهم إلى المم ومجيئه بالنجيل وجحد مجيء موسى
عليه السلم بالتوراة وجحد أنه كان يسبت فإن النقل عن محمد صلى ال عليه وسلم
مدته قريبة والناقلون عنه أضعاف أضعاف من نقل دين المسيح عنه واضعاف
أضعاف أضعاف من اتصل به نقل دين موسى عليه السلم فأن أمة محمد صلى ال
عليه وسلم ما زالوا كثيرين منتشرين في مشارق الرض ومغاربها وما زال فيهم
65
www.anassim.fr.st 66 الن سي ــــ ـــ ـم
من هو ظاهر بالدين منصور على العداء بخلف بني إسرائيل فإنهم زال ملكهم في
أثناء المر لما خرب بيت المقدس الخراب الول بعد داود عليه السلم ونقص عدد
من نقل دينهم حتى قد قيل إنه لم يبق من يحفظ التوراة إل واحد #والمسيح عليه
السلم لم ينقل دينه عنه إل عدد قليل لكن النصارى يزعمون أنهم رسل ال
معصمون مثل إبراهيم وموسى وسيأتي الكلم على هذا إن شاء ال تعالى إذا وصلنا
إليه إذ المقصود هنا بيان من زعم أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان يقول إنه لم
يبعث إل إلى مشركي العرب فإنه في غاية الجهل والضلل أو غاية المكابرة
والمعاندة فإن هذا أعظم جهل وعنادا ممن ينكر أنه كان يأمر بالطهارة والغسل من
الجنابة ويحرم الخمر والخنزير وأعظم جهل وعنادا ممن ينكر ما تواتر من أمر
المسيح وموسى عليهما السلم وقد ظهر بهذا بطلن قولهم علمنا أنه لم يأت إلينا بل
إلى جاهلية العرب
فصل & #فإذا عرف هذا فاحتجاج هؤلء باليات التي ظنوا دللتها على أن &
نبوته خاصة بالعرب تدل على أنهم ليسوا ممن يجوز لهم الستدلل بكلم أحد على
مقصوده ومراده وأنهم ممن قيل فيه سورة النساء الية # 78فليسوا أهل أن
يحتجوا بالتوراة والنجيل والزبور على مراد النبياء وسائر الكلم المنقول عن
النبياء على مراد النبياء عليهم السلم بل ول يحتجون بكلم الطباء والفلسفة
والنحاة وعلم أهل الحساب والهيئة على مقاصدهم #فإن الناس كلهم متفقون على أن
لغة العرب من أفصح لغات الدميين وأوضحها ومتفقون على أن القرآن في أعل
درجات البيان والبلغة والفصاحة وفي القرآن من الدللت الكثيرة على مقصود
الرسول صلى ال عليه وسلم التي يذكر فيها أن ال تعالى أرسله إلى أهل الكتاب
وغيرهم مال يحصى إل بكلفة ثم مع ذلك من
النقول المتواترة عن سيرته صلى ال عليه وسلم في دعائه لهل الكتاب وأمره لهم
باليمان به وجهاده لهم إذا كفروا به ما ل يخفى على من له أدنى خبرة بسيرته
صلى ال عليه وسلم وهذا أمر قد امتل العالم به وسمعه القاصي والداني فإذا كان
الناس المؤمن به وغير المؤمن به يعلمون أنه كان يقول إنه رسول ال إلى أهل
الكتاب وغيرهم وأن ظهور مقصوده بذلك مما يعلمه بالضطرار الخاصة والعامة
ثم شرعوا يظنون أنه كان يقول إني لم أبعث إل إلى العرب واستمر على ذلك حتى
مات دل على فساد نظرتهم وعقلهم أو على عنادهم ومكابرتهم وكان الواجب إذ لم
يكن له معرفة معاني هذه اليات التي استدلوا بها على خصوص رسالته أن يعتقدوا
أحد أمرين #إما أن لها معاني توافق ما كان يقوله أو أنها من المنسوخ فقد علمت
الخاصة والعامة أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان يصلي بعد هجرته إلى بيت
المقدس نحو سنة ونصف ثم أمر بالصلة إلى الكعبة البيت الحرام والنصارى
يوافقون على أن شرائع
النبياء فيها ناسخ ومنسوخ مع أن ما ذكروه من اليات ليس منسوخا ولكن المقصود
66
www.anassim.fr.st 67 الن سي ــــ ـــ ـم
أن المعلوم من حال الرسول صلى ال عليه وسلم علما ضروريا يقينيا متواترا ل
يجوز دفعه فإن العلم بأنه كان يقول إنه رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جميع
الخلق معلوم لكل من عرف أخباره صلى ال عليه وسلم سواء صدقه أو كذبه والعلم
بأنه كان يقول إنه رسول ال إلى جميع الناس ممكن قبل أن يعلم أنه نبي أو ليس
بنبي كما أن العلم بنبوته وصدقه ممكن قبل أن يعلم عموم رسالته فليس العلم
بأحدهما موقوفا على الخر ولهذا كان كثير ممن يكذبه يعلم أنه كان يقول إنه رسول
ال إلى جميع الخلق وطائفة ممن تقر بنبوته وصدقه ل تقر بأنه رسول إلى جميع
الخلق #والمقصود هنا الكلم مع هؤلء بأن العلم بعموم دعوته لجميع الخلق أهل
الكتاب وغيرهم هو متواتر معلوم بالضطرار كالعلم بنفس مبعثه ودعائه الخلق إلى
اليمان به وطاعته وكالعلم بهجرته من مكة إلى المدينة ومجيئه بهذا القرآن
والصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت العتيق وإيجاب الصدق والعدل
وتحريم الظلم والفواحش وغير ذلك مما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم #وإن
قيل بل في القرآن ما يقتضي أن رسالته خاصة وفيه ما يقتضي أن رسالته عامة
وهذا تناقض
قيل هذا باطل ويعلم بطلنه قبل العلم بنبوته فإنه من المعلوم لكل أحد آمن به أو #
كذبه أنه كان من أعظم الناس عقل وسياسة وخبرة وكان مقصوده دعوة الخلق إلى
طاعته واتباعه وكان يقرأ القرآن على جميع الناس ويأمر بتبليغه إلى جميع المم
وكان من طلب منه أن يؤمنه حتى يقرأ عليه القرآن من الكفار وجب عليه أن يجيبه
ولو كان مشركا فكيف إذا كان كتابيا كما قال تعالى سورة التوبة الية # 6وكان قد
أظهر أنه مبعوث إلى أهل الكتاب وسائر الخلق وأنه رسول إلى الثقلين الجن والنس
فيمتنع مع هذا أن يظهر ما يدل على أنه لم يبعث إليهم فإن هذا ل يفعله من له أدنى
عقل لمناقضته لمراده فكيف يفعله من اتفقت عقلء المم على أنه أعقل الخلق
وأحسنهم سياسة وشريعة #وأيضا فكان أصحابه والمقاتلون معه بعد ذلك ينفرون
عنه وقد كان عادتهم أن يستشكلوا ما هو دون هذا وهذا لم يستشكله أحد ثم بعد هذا
فلو قدر أن في القرآن ما يدل على أنه لم يبعث إل إلى
العرب وفيه ما يدل على أنه بعث إلى سائر الخلق كان هذا دليل على أنه أرسل إلى
غيرهم بعد أن لم يرسل إل إليهم وأن ال عم بدعوته بعد أن كانت خاصة فل
مناقضة بين هذا وهذا فكيف وليس في القرآن آية واحدة تدل على اختصاص رسالته
بالعرب وإنما فيه إثبات رسالته إليهم كما أن فيه إثبات رسالته إلى قريش وليس هذا
مناقضا لهذا وفيه إثبات رسالته إلى أهل الكتاب كقوله تعالى سورة النساء الية 47
#كما فيه أثبات رسالته إلى بني إسرائيل كقوله سورة البقرة الية 47 40والية و
122والية وسورة طه الية # 80وليس هذا التخصص لليهود منافيا لذلك التعميم
وفي رسالته خطاب لليهود تارة وللنصارى تارة وليس خطابه لحدى الطائفتين
ودعوته لها مناقضا لخطابه للخرى ودعوته لها وفي كتابه خطاب للذين آمنوا من
أمته في دعوته لهم إلى شرائع دينه وليس في ذلك مناقضة بأن يخاطب أهل الكتاب
67
www.anassim.fr.st 68 الن سي ــــ ـــ ـم
ويدعوهم وفي كتابه أمر بقتال أهل الكتاب النصارى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون #قال تعالى
سورة التوبة الية # 29ثم لم يكن هذا مانعا أن يأمر بقتال غيرهم من اليهود
والمجوس حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بل هذا الحكم ثابت في
المجوس بسنته واتفاق أمته #وإن قيل إنهم ليسوا من أهل الكتاب فهذا كله مما يعلم
بالضطرار من دينه قبل العلم بنبوته فكيف ونحن نتكلم على تقدير نبوته والنبي ل
يتناقض قوله وإذا كان العلم بعموم دعوته ورسالته معلوما بالضطرار قبل العلم
بنبوته وبعد العلم بنبوته فالعلم الضروري اليقيني ل يعارضه شيء ولكن هذا شأن
الذين في قلوبهم زيغ من أهل البدع النصارى وغيرهم يتبعون المتشابه ويدعون
المحكم وبسبب مناظرة النصارى للنبي صلى ال عليه وسلم بالمتشابه وعدولهم عن
المحكم أنزل ال تبارك وتعالى فيهم سورة آل عمران الية 7
فالتأويل يراد به تفسير القرآن ومعرفة معانيه وهذا يعلمه الراسخون ويراد به ما #
استأثر الرب سبحانه وتعالى بعلمه من معرفة كنهه وكنه ما وعد به ووقت الساعة
ونحو ذلك مما ل يعلمه إل ال
والضلل يذكرون آيات تشتبه عليهم معرفة معانيها فيتبعون تأويلها ابتغاء الفتنة #
وابتغاء تأويلها وليسوا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويلها مع أن هؤلء
اليات من أوضح اليات #وهذا الذي سلكوه في القرآن هو نظير ما سلكوه في
الكتب المتقدمة وكلم النبياء من التوراة والنجيل والزبور وغيرها فإن فيها من
النصوص الكثيرة الصريحة بتوحيد ال وعبودية المسيح مال يحصى إل بكلفة وفيها
كلمات قليلة فيها اشتباه فتمسكوا بالقليل المتشابه الخفي المشكل من الكتب المتقدمة
وتركوا الكثير المحكم المبين الواضح فهم سلكوا في القرآن ما سلكوه في الكتب
المتقدمة لكن تلك الكتب يقرون بنبوة أصحابها ومحمد صلى ال عليه وسلم هم فيه
مضطربون متناقضون فأي قول قالوه فيه ظهر فساده وكذبهم فيه إذا لم يؤمنوا
بجميع ما أنزل إليه #وإن قالوا كلمه متناقض ونحن نحتج بما يوافق قولنا إذ
مقصودنا بيان تناقضه #قيل لهم عن هذا أجوبة #أحدها أنه في الكتب المتقدمة مما
يظن أنه متعارض أضعاف ما في القرآن وأقرب إلى التناقض فإذا كانت تلك الكتب
متفقة ل تناقض فيها وإنما يظن تناقضها من يجهل معانيها ومراد الرسل فيكون كما
قيل
وكم من غائب قول صحيحا وآفته من الفهم السقيم فكيف القرآن الذي هو أفضل #
الكتب #الثاني أنهم متمسكون بالمتشابه في تلك الكتب ومخالفون المحكم منها كما
فعلوه بالقرآن وأبلغ #الثالث أنه إذا كان ما جاء به متناقضا لم يكن رسول ال فإن
ما جاء به من عند ال ل يكون مختلفا متناقضا وإنما يتناقض ما جاء من عند غير
ال قال تعالى سورة النساء الية # 82فكل كتاب ليس من عند ال ل بد أن يكون
68
www.anassim.fr.st 69 الن سي ــــ ـــ ـم
فيه تناقض وما كان من عند ال ل يتناقض وحينئذ فإن كان متناقضا لم يجز لهم
الحتجاج بشيء منه فإنه ليس من عند ال وإن لم يكن متناقضا ثبت أن ما فيه من
عموم رسالته وأنه رسول إليهم فليس فيه شيء يناقضه فإن ما جاء من عند ال ل
يتناقض #الرابع أنا نبين أن ما فيه من عموم رسالته ل ينافي ما فيه من أنه أرسل
إلى العرب كما أن ما فيه من إنذار عشيرته القربين وأمر قريش ل ينافي ما فيه من
دعوة سائر العرب فإن تخصيص بعض العام بالذكر
إذا كان له سبب يقتضي التخصيص لم يدل على أن ما سوى المذكور مخالفة وهذا
الذي يسمى مفهوم المخالفة ودليل الخطاب #والناس كلهم متفقون على أن
التخصيص بالذكر متى كان له سبب يوجب الذكر غير الختصاص بالحكم لم يكن
للسم اللقب مفهوم بل ول للصفة كقوله تعالى سورة السراء الية 31
فإنه نهاهم عن ذلك لنه هو الذي كانوا يفعلونه وقد حرم في موضع آخر قتل #
النفس بغير الحق سواء كان ولدا أو غيره ولم يكن ذلك مناقضا لتخصيص الولد
بالذكر #الخامس أنه في ذلك أسوة بالمسيح عليه السلم فإن المسيح خص أول
بالدعوة ثم عم كما قيل في النجيل ما بعثت وأرسلت إل لبني إسرائيل وقال أيضا
في النجيل ما بعثت إل
لهذا الشعب الخبيث ثم عم فقال لتلمذته حين أرسلهم كما في النجيل كما بعثني أبي
أبعث بكم فمن قبلكم فقد قبلني وقال أرسلني أبي وأنا أرسلكم وقال كما أفعل أنا بكم
كذلك افعلوا أنتم بعباد ل فسيروا في البلد وعمدوا الناس باسم الب والبن والروح
القدس ول يكون لحدكم ثوبان ول يحمل معه فضة ول ذهبا ول عصا ول حرابة
ونحو ذلك مما هو في الناجيل التي بين أيديهم من تخصيص الدعوة ثم تعميمها
وهو صادق في ذلك كله فكيف يسوغ لهم إنكار ما في النجيل عن المسيح نظيره #
ثم يقال في بيان الحال إن ال تعالى بعث محمدا
صلى ال عليه وسلم كما بعث المسيح وغيره وإن كانت رسالته أكمل وأشمل كما
نذكر في موضعه فأمره بتبليغ رسالته بحسب المكان إلى طائفة بعد طائفة وأمر
بتبليغ القرب منه مكانا ونسبا ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة حتى تبلغ النذارة إلى جميع
أهل الرض كما قال تعالى سورة النعام الية # 19أي من بلغه القرآن فكل من
بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى ال عليه وسلم #ونبين هنا أن النذارة ليست
مختصة بمن شافههم بالخطاب بل ينذرهم به وينذر من بلغهم القرآن فأمره ال
تبارك وتعالى أول بإنذار عشيرته القربين وهو قريش فقال تعالى سورة الشعراء
الية # 214ولماأنزل ال عليه هذه الية انطلق صلى ال عليه وسلم إلى مكان
عال فعل عليه ثم جعل ينادي يا بني عبد مناف إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه فجعل
يهتف يا صاحباه يا صاحباه
69
www.anassim.fr.st 70 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذه القصة رواها ابن عباس وأبو هريرة وعائشة وغيرهم في الصحيحين #
وغيرهما من كتب السنن والمسانيد والتفسير #قال ابن عباس لما نزلت هذه الية
سورة الشعراء الية # 214ورهطك منهم المخلصين خرج رسول ال صلى ال
عليه وسلم حتى صعد الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش
حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج
أرسل رسول لينظر ما هو فاجتمعوا إليه فقال ارأيتكم لو أخبرتكم أن خيل تريد أن
تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك إل صدقا ما جربنا عليك كذبا قال
فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد #وقال أبو هريرة لما نزلت هذه الية سورة
الشعراء الية # 214دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم
وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا
أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا
أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار
فإني ل أملك لكم من ال شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببللها #وقالت عائشة
رضي ال عنها لما نزلت هذه الية سورة الشعراء الية # 214قام رسول ال
صلى ال عليه وسلم على الصفا فقال يا فاطمة بنت محمد يا صفية عمة رسول ال
يا عباس عم رسول ال ل أملك لكم من ال شيئا #وقال ابن إسحاق لما نزلت هذه
الية جعل النبي صلى ال عليه وسلم ينادي يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا
بني زهرة حتى عدد الفخاذ من قريش ثم قال إن ال أمرني أن أنذر عشيرتي
القربين وإني ل أملك لكم من ال شيئا إل أن تقولوا ل إله إل ال فقال أبو لهب ألهذا
جمعتنا
تبا لك سائر اليوم فأنزل ال سورة المسد كلها #ودعا قريشا إلى ال وأمرهم #
بعبادة ال وحده ل شريك له وأنزل تعالى سورة قريش كلها #وقد أنزل ال عليه
في غير موضع أمر جميع الخلق بعبادته كقوله تعالى سورة البقرة الية # 21
وقوله سورة الذاريات الية # 56وقريش هم قومه الذين كذبه جمهورهم أول كما
قال تعالى سورة النعام الية 66
كما أن جمهور بني إسرائيل وهم قوم المسيح كذبوه أول #ثم أمره ال تعالى أن #
يدعو سائر العرب فكان يخرج بنفسه ومعه أبو بكر صديقه إلى قبائل العرب قبيلة
قبيلة وكانت العرب لم تزل تحج البيت من عهد إبراهيم الخليل عليه السلم فكان
صلى ال عليه وسلم يأتيهم في منازلهم بمنى وعكاظ ومجنة وذي المجاز فل يجد
أحدا إل دعاه إلى ال ويقول يا أيها الناس إني رسول ال آمركم أن تعبدوا ال ول
تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما يعبد دونه من هذه النداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوني
70
www.anassim.fr.st 71 الن سي ــــ ـــ ـم
يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلم ربي يا أيها الناس قولوا ل إله إل
ال تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم بها العجم فيقولون يا محمد أتريد أن تجعل
اللهة إلها واحدا إن أمرك هذا لعجب #وما زال رسول ال صلى ال عليه وسلم
يعلن دعوته ويظهر رسالته ويدعو الخلق إليها وهم يؤذونه ويجادلونه ويكلمونه
ويردون عليه بأقبح الرد وهو صابر على أذاهم ويقول اللهم لك الحمد لو شئت لم
يكونوا هكذا #فلما اشتد عليه أمر قريش خرج إلى الطائف وهي مدينة معروفة
شرقي مكة بينهما نحو ليلتين ومعه زيد بن حارثة ومكث بها عشرة أيام ل يدع أحدا
من أشرافهم إل جاءه في منزله وكلمه ودعاه إلى التوحيد فلم يجبه أحد منهم وخافوه
على أحداثهم وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة إذا مشى حتى أن رجليه
لتدميان وزيد موله يقيه بنفسه حتى ألجأوا إلى ظل كرمة في حائط لعتبة وشيبة ابني
ربيعة فرجع عنه ما كان تبعه من سفهائهم فدعا فقال اللهم إليك أشكو ضعف قوتي
وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي
إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي
فل أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات
وصلح عليه أمر الدنيا والخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك
العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك #فلما رأى ابنا ربيعة ما صنع به رثيا
له وقال لغلم لهما يقال له
عداس وكان نصرانيا خذ قطفا من عنب ثم اجعله في طبق ثم اذهب إلى ذلك الرجل
يأكله ففعل عداس وأقبل به حتى وضعه بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم
فلما وضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده قال بسم ال ثم أكل فنظر عداس إلى
وجهه ثم قال له وال إن هذا الكلم ما يقوله أهل هذه البلدة فقال له رسول ال صلى
ال عليه وسلم من أي البلد أنت وما دينك فقال عداس أنا نصراني وأنا رجل من
أهل نينوى فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح موسى
بن متى فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى وال لقد خرجت من نينوى وما
فيها عشرة يعرفون متى من أين عرفت أنت متى وأنت أمي وفي أمة أمية فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم هو أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على رسول
ال صلى ال
عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه فلما رجع عداس فقال ويلك يا عداس مالك تقبل
رأس هذا الرجل ويديه ورجليه فقال يا سيدي ما في الرض خير من هذا الرجل لقد
خبرني بأمر ل يعلمه إل نبي #ثم انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم من
الطائف راجعا إلى مكة وهو محزون إذ لم يستجب له رجل واحد ول امرأة فقال له
71
www.anassim.fr.st 72 الن سي ــــ ـــ ـم
زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم يا رسول ال وقد فعلوا وفعلوا فقال يا زيد إن ال
عز وجل جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وإن ال ناصر دينه ومظهر نبيه
ثم ذكر ابن إسحاق دخوله إلى مكة وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم لما لقي #
من أهل مكة والطائف ما لقي ودعا بالدعاء المتقدم نزل عليه جبريل ومعه ملك
الجبال كما في صحيح البخاري أن عائشة رضي ال عنها قالت للنبي صلى ال عليه
وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما
لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني
إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب
فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها
جبريل فناداني إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال
لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن ال قد
سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أن
أطبق عليهم الخشبين فقال النبي صلى ال عليه وسلم بل أرجو أن يخرج ال من
أصلبهم من يعبد ال وحده ل شريك له #وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي
هريرة أنه قيل للنبي صلى ال عليه وسلم ادع ال على المشركين فقال إني لم أبعث
لعانا وإنما بعثت رحمة #وفي الصحيحين عن خباب بن الرت أنه قال لما اشتد
البلء
علينا من المشركين أتينا النبي صلى ال عليه وسلم فقلنا أل تدعو ال لنا أل تستنصر
ال لنا فقال لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الرض ثم يجاء بالمنشار
فيجعل فوق رأسه حتى يجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط
الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ما يصرفه عن دينه وليتمن ال هذا المر
حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخشى إلى ال ولكنكم تستعجلون
#وذكر ما لقي النبي صلى ال عليه وسلم من قومه من الذى والستهزاء والغراء
وهو صابر محتسب مظهر لمر ال بتبليغ رسالته ل تأخذه في ال لومة لئم مواجه
لقومه بما يكرهون من عيب دينهم وآلهتهم وتضليل آبائهم وتسفيه أحلمهم وإظهار
عداوته وقتاله إياهم ما بلغ مبلغ القطع
قال عكرمة عن ابن عباس ولما رجع النبي صلى ال عليه وسلم إلى مكة فلما #
حضر الموسم حج نفر من النصار فانتهى النبي صلى ال عليه وسلم إلى فريق
منهم فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى ال وأخبرهم بالذي آتاه ال فأيقنوا واطمأنت
قلوبهم إلى دعوته وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته
وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكان من أسباب الخير الذي ساق ال للنصار
إلى ما كانوا يسمعون من الخبار في صفته فلما رجعوا إلى قومهم جعلوا يدعونهم
سرا ويخبرونهم بأقوال رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي بعثه ال به من النور
72
www.anassim.fr.st 73 الن سي ــــ ـــ ـم
والهدى والقرآن فأسلموا حتى قل أن يوجد دار من دورهم إل أسلم فيها ناس ل
محالة #وقد ذكر ال ذلك في القرآن وأخبر أن أهل الكتاب كانوا يخبرون العرب به
ويستفتحون به عليهم فكان أهل الكتاب مقرين بنبوته مخبرين بها مبشرين بها قبل
أن يبعث فقال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب
سورة البقرة اليات # 91 87فقد أخبر تعالى أن أهل الكتاب كانوا يستفتحون على
العرب بمحمد صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعث أي يستنصرون به وكانوا هم
والعرب يقتتلون فيغلبهم العرب فيقولون سوف يبعث
النبي المي من ولد إسماعيل فنتبعه ونقتلكم معه شر قتلة وكانوا ينعتونه بنعوته #
وأخبارهم بذلك كثيرة متواترة وكما قال تعالى سورة البقرة الية # 89وأخبر بما
كانت عليه اليهود من أنه كلما جاءهم رسول ال بما ل تهوى أنفسهم كذبوا بعضهم
وقتلوا بعضهم وأخبر أنهم باءوا بغضب على غضب فإنهم ما زالوا يفعلون ما
يغضب ال عليهم فأما أن يراد بالتثنية تأكيد غضب ال عليهم وأما أن يراد به مرتان
والغضب الول تكذيبهم المسيح والنجيل والغصب الثاني لمحمد والقرآن
فصل & #وكان يأتيهم باليات الدالة على نبوته صلى ال عليه وسلم ومعجزاته &
تزيد على ألف معجزة مثل انشقاق القمر وغيره من اليات ومثل القرآن المعجز
ومثل أخبار أهل الكتاب قبله وبشارة
النبياء به ومثل أخبار الكهان والهواتف به ومثل قصة الفيل التي جعلها ال آية عام
مولده وما جرى عام مولده من العجائب الدالة على نبوته ومثل امتلء السماء
ورميها بالشهب التي ترجم بها الشياطين بخلف ما كانت العادة عليه قبل مبعثه
وبعد مبعثه ومثل أخباره بالغيوب التي ل يعلمها أحد إل بتعليم ال عز وجل من غير
أن يعلمه إياها بشر #فأخبرهم بالماضي مثل قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى
والمسيح وهود وشعيب وصالح وغيرهم وبالمستقبلت وكان قومه يعلمون أنه لم
يتعلم من أهل الكتاب ول غيرهم ولم يكن بمكة أحد من علماء أهل الكتاب ممن يتعلم
هو منه بل ول كان يجتمع بأحد منهم يعرف اللسان العربي ول كان هو يحسن لسانا
غير العربي ول كان يكتب كتابا ول يقرأ كتابا مكتوبا #ول سافر قبل نبوته إل
سفرتين سفرة وهو صغير مع عمه أبي طالب
لم يفارقه ول اجتمع بأحد من أهل الكتاب ول غيرهم وسفرة أخرى وهو كبير مع
ركب من قريش لم يفارقهم ول اجتمع بأحد من أهل الكتاب #وأخبر من كان معه
بأخبار أهل الكتاب بنبوته مثل إخبار بحيرى الراهب بنبوته وما ظهر منه مما دلهم
على نبوته ولهذا تزوجت
به خديجة قبل نبوته لما أخبرت به من أحواله #وهذه المور مبسوطة في موضع
73
www.anassim.fr.st 74 الن سي ــــ ـــ ـم
آخر ولكن المقصود هنا التنبيه بأن محمدا صلى ال عليه وسلم له معجزات كثيرة
مثل نبع الماء من بين أصابعه غير مرة ومثل تكثير الطعام القليل حتى أكل منه
الخلق العظيم وتكثير الماء القليل حتى شرب منه الخلق الكثير #وهذا ما جرى غير
مرة له ولمته من اليات ما يطول وصفه فكان بعض أتباعه يحيي ال له الموتى
من الناس والدواب وبعض أتباعه يمشي بالعسكر الكثير على البحر حتى يعبروا إلى
الناحية الخرى
ومنهم من ألقي في النار فصارت عليه بردا وسلما وأمثال ذلك كثير #ولكن
المقصود هنا ذكر بعض ما في القرآن من أنه كان يخبرهم بالمور الماضية خبرا
مفصل ل يعلمه أحد إل أن يكون نبيا أو من أخبره نبي وقومه يعلمون أنه لم يخبره
بذلك أحد من البشر وهذا مما قامت به الحجة عليهم وهم مع قوة عداوتهم له
وحصرهم على ما يطعنون به عليه لم يمكنهم أن يطعنوا طعنا يقبل منهم وكان علم
سائر المم بأن قومه المعادين له المجتهدين في الطعن عليه لم يمكنهم أن يقولوا إن
هذه الغيوب علمها إياه بشر فوجب على جميع الخلق أن هذا لم يعلمه إياها بشر
ولهذا قال تعالى سورة هود الية # 49فأخبر أنه لم يكن يعلم ذلك هو ول قومه
وقومه تقر بذلك ولم يتعلم من أحد غير قومه ولهذا زعم بعضهم أنه تعلم من بشر
ظهر
كذبه لكل أحد كما قال تعالى سورة النحل اليات # 103 98فكان بمكة رجل
أعجمي مملوك لبعض قريش فادعى بعض الناس أن محمدا كان يتعلم من ذلك
العجمي فبين ال أن هذا كذب ظاهر فإن ذلك رجل أعجمي ل يمكنه أن يتكلم بكلمة
من هذا القرآن العربي ومحمد صلى ال عليه وسلم عربي ل يعرف شيئا من ألسنة
العجم فمن كلمه بغير العربية ل يفقه كلمه فل ذلك
الرجل يحسن التكلم بالعربية ول محمد صلى ال عليه وسلم يفهم كلما بغير العربية
فلهذا قال تعالى سورة النحل الية # 103أي يميلون إليه ويضيفون إليه أنه علم
محمدا صلى ال عليه وسلم سورة النحل الية # 103وكذلك قال بعض الناس عن
القرآن سورة الفرقان الية # 4قال تعالى سورة الفرقان اليات # 6 4فبين
سبحانه أن قول هذا من الكذب الظاهر المعلوم لعدائه فضل عن أوليائه فإنهم
يعلمون أنه ليس عنده أحد يعينه على ذلك
وليس في قومه ول في بلده من يحسن ذلك ليعينه عليه فلهذا قال تعالى ^ فقد جاءوا
ظلما وزورا ^ #فإن جميع أهل بلده وقومه المعادين له يعلمون أن هذا ظلم له
وزور ولهذا لم يقل هذا أحد من عقلئهم المعروفين وكذلك قولهم أساطير الولين
اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيل فإن قومه المكذبين له يعلمون أنه ليس عنده من
يملي عليه كتابا وقد بين ما يظهر كذبهم بقوله ^ قل أنزله الذي يعلم السر في
السموات والرض ^ #فإن في القرآن من السرار ما ل يعلمه بشر إل بإعلم ال
74
www.anassim.fr.st 75 الن سي ــــ ـــ ـم
إياه فإن ال يعلم السر في السموات والرض ثم لما تبين بطلم قولهم هذا ذكر ما
قدحوا به في نبوته فقال تعالى سورة الفرقان اليتان # 8 7فهذا كلم المعارضين
له الذين أنكروا أكله ومشيه في السواق التي يباع فيها ما يؤكل وما يلبس وقالوا
هل أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يستغني عن ذلك بكنز ينفق منه أو جنة يأكل
منها وقال الظالمون إن تتبعون إل رجل مسحورا
قال تعالى سورة الفرقان الية # 9يقول مثلوك بالكاذب والمسحور والناقل عن #
غيره وكل من هذه القوال يظهر كذبه لكل من عرفك ولهذا قال تعالى ^ فضلوا فل
يستطيعون سبيل ^ #والضال الجاهل العادل عن الطريق فل يستطيع الطريق
الموصلة إلى المقصود بل ظهر عجزهم وانقطاعهم في المناظرة وقال تعالى سورة
طه الية # 133فإنه أتاهم بجلية ما في الصحف الولى كالتوراة والنجيل مع
علمهم بأنه لم يأخذ عن أهل الكتاب شيئا فإذا أخبرهم بالغيوب التي ل يعلمها إل نبي
أو من أخبره نبي وهم يعلمون أنه لم يعلم ذلك بخبر أحد من النبياء تبين لهم أنه
نبي وتبين ذلك لسائر المم فإنه إذا
كان قومه المعادون وغير المعادين له مقرين بأنه لم يجتمع بأحد يعلمه ذلك صار
هذا منقول بالتواتر وكان مما أقر به مخالفوه مع حرصهم على الطعن لو أمكن #
فهذه الخبار بالغيوب المتقدمة قامت بها الحجة على قومه وعلى جميع من بلغه خبر
ذلك وقد أخبر بالغيوب المستقبلة وهذه تقوم بها الحجة على من عرف تصديق ذلك
الخبر كما قال تعالى سورة الروم اليات # 3 2ثم قال سورة الروم اليات # 5 2
وقال تعالى سورة البقرة اليتان # 24 23فأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك في المستقبل
وكان كما أخبر وقال تعالى
سورة السراء الية # 88فأخبر أنه ل يقدر النس والجن إلى يوم القيامة أن يأتوا
بمثل هذا القرآن وهذا الخبر قد مضى له أكثر من سبعمائة سنة ولم يقدر أحد من
النس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وقال عن الكفار وهو بمكة سورة القمر الية
# 45وظهر تصديق ذلك يوم بدر وغيره وبعد ذلك بسنين كثيرة وقال تعالى سورة
النور الية # 55وكان المر كما وعده وظهر تصديق ذلك بعد سنين كثيرة وكذلك
قوله سورة الفتح الية # 28فأظهر ال ما بعثه به باليات والبرهان واليد والسنان
وقال تعالى سورة آل عمران الية 12
فكان كما أخبرهم غلبوا في الدنيا كما شاهده الناس وهذا يصدق الخبر الخير #
وهو أنهم يحشرون إلى جهنم وبئس المهاد #وقد أيده تأييدا ل يؤيد به إل النبياء بل
لم يؤيد أحد من النبياء كما أيد به كما أنه بعث بأفضل الكتب إلى أفضل المم
بأفضل الشرائع وجعله سيد ولد آدم صلى ال عليه وسلم فل يعرف قط أحد ادعى
النبوة وهو كاذب إل قطع ال دابره وأذله وأظهر كذبه وفجوره #وكل من أيده ال
من المدعين للنبوة لم يكن إل صادقا كما أيد نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وداود
75
www.anassim.fr.st 76 الن سي ــــ ـــ ـم
وسليمان بل وأيد شعيبا وهودا وصالحا فإن سنة ال أن ينصر رسله والذين آمنوا في
الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد وهذا هو الواقع فمن كان ل يعلم ما يفعله ال إل
بالعادة فهذه عادة ال وسنته يعرف بها ما يصنع ومن كان يعلم ذلك بمقتضى حكمته
فإنه يعلم أنه ل يؤيد من ادعى النبوة وكذب علي
تأييدا ل يمكن أحدا معارضته وهكذا أخبرت النبياء قبله أن الكذاب ل يتم ال أمره
ول ينصره ول يؤيده فصار هذا معلوما من هذه الجهات ولهذا أمر سبحانه أن نعتبر
بما فعله في المم الماضية من جعل العاقبة للنبياء وأتباعهم وانتقامه ممن كذبهم
وعصاهم #قال تعالى سورة غافر الية # 51وقال تعالى سورة الصافات اليات
# 173 171وقال تعالى سورة غافر الية # 5وقال تعالى
سورة الحج اليات # 46 40وقال تعالى سورة الروم اليتان # 10 9وقال تعالى
سورة غافر اليتان # 5 4وقال تعالى سورة غافر اليتان 22 21
وقال تعالى سورة غافر اليات # 85 81وقال تعالى سورة ص اليات # 14 12
#وقال تعالى سورة الشعراء اليتان # 6 5فأخبر بأن المكذبين له سيأتيهم في
المستقبل أخبار القرآن الذي استهزءوا به وبين أن ما أخبرهم به حق بوقوع الخبر
مطابقا للخبر وكان المر كذلك ومثله قوله سورة فصلت الية 53
أخبر أنه سيريهم في أنفسهم وفي الفاق ما يبين أن القرآن حق بأن يروا ما أخبر #
به كما أخبر به ثم قال سورة فصلت الية # 53فإنه قد يشهد للقرآن بأنه حق
باليات البينات والبراهين الدالة على صدقه التي تتبين بشهادة الرب تعالى بأنه حق
فل يحتاج مع الشهادة الحاضرة إلى انتظار اليات المستقبلة وقال تعالى سورة القمر
اليات # 5 1أخبر باقتراب الساعة وانشقاق القمر وانشقاق القمر قد عاينوه
وشاهدوه وتواترت به الخبار وكان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ هذه السورة في
المجامع الكبار مثل الجمع والعياد ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلئلها
والعتبار وكل الناس يقر ذلك ول ينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند
الناس عامة ثم ذكر حال النبياء ومكذبيهم فقال
سورة القمر اليات # 15 9فأخبر أنه أبقى السفن آية على قدرة الرب وعلى ما
جرى لنوح مع قومه ثم قال فكيف كان عذابي لمن كذب ونذري وكذلك ذكر قصة
عاد وثمود ولوط وغيرهم يقول في عقب كل قصة فكيف كان عذابي ونذر ونذره
وإنذاره وهو ما بلغته عنه الرسل من النذار وكيف كانت عقوبته للمنذرين #
والنذار هو العلم بالمخوف فتبين بذلك صدق ما أخبرت به الرسل من النذار
وشدة عذابه لمن كذب رسله وذكر قصة فرعون فقال سورة القمر اليات 45 41
#وذكر في قصة محمد صلى ال عليه وسلم مع الناس أنواعا من ذلك فقال
76
www.anassim.fr.st 77 الن سي ــــ ـــ ـم
سورة آل عمران الية # 13وقال تعالى سورة الحشر اليات # 4 2ومثل هذا #
كثير في القرآن من ذكر دلئل النبوة وأعلم الرسالة ليس هذا موضع بسطه وإنما
المقصود هنا التنبيه على جنس ذلك وما يذكره بعض أهل الكتاب أو غيرهم من أنه
نصر فرعون ونمرود
وسنحاريب وجنكسان وغيرهم من الملوك الكافرين جوابه ظاهر فإن هؤلء لم يدع
أحد منهم النبوة وأن ال أمره أن يدعو إلى عبادة ال وطاعته ومن أطاعه دخل الجنة
ومن عصاه دخل النار بخلف من ادعى أن ال أرسله بذلك فإنه ل يكون إل رسول
صادقا ينصره ال ويؤيده وينصر أتباعه ويجعل العاقبة لهم أو يكون كذابا فينتقم ال
منه ويقطع دابره ويتبين أن ما جاءه به ليست من اليات والبراهين التي ل تقبل
المعارضة بل هي من جنس مخارق السحرة والكهان والكذابين التي تقبل المعارضة
فإن معجزات النبياء من خواصها أنه ل يقدر أحد أن يعارضها ويأتي بمثلها
بخلف غيرها فإن معارضتها ممكنة فيبطل دللتها #والمسيح الدجال يدعي اللهية
ويأتي بخوارق ولكن نفس دعواه ال لهية دعوى ممتنعة في نفسها ويرسل ال عليه
المسيح بن مريم فيقتله ويظهر كذبه ومعه ما يدل على كذبه من وجوه #منها أنه
مكتوب بين عينيه كافر #ومنها أنه أعور وال ليس بأعور
ومنها أن أحدا لن يرى ربه حتى يموت ويريد أن يقتل الذي قتله أول فيعجز عن #
قتله #فمعه من الدلئل الدالة على كذبه ما يبين أن ما معه ليس آية على صدقه
بخلف معجزات النبياء فإنه ل يمكن أحد من النس والجن أن يأتي ينظيرها ول
يبطلها مثل قلب العصل حية لموسى وإخراج ناقة لصالح من الرض وإحياء
الموتى للمسيح وانشقاق القمر وأنزال القرآن وغير ذلك لمحمد صلى ال عليه وسلم
فإن المشركين لما سألوا النبي صلى ال عليه وسلم آية واقترحوا عليه انشقاق القمر
فأراهم ذلك #وقد أخبر ال تعالى بذلك في القرآن فقال تعالى سورة القمر اليات 1
# 7ثم ذكر تعالى ما جرى قبله للمكذبين فذكر قصة قوم نوح وهود وصالح ولوط
ثم فرعون وهذه السورة كان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ بها في أعظم
اجتماعات الناس عنده وهي العياد والناس كلهم يسمعون ما يذكره من انشقاق
القمر وقول المكذبين أنه سحر
والناس كلهم المؤمن به والمنافق والكافر يقرون على هذا لم يقل أحد منهم أن القمر
لم ينشق ول أنكره أحد #وفي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه
سأل أبا واقد الليثي ما يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم في الضحى والفطر
فقال كان يقرأ فيهما بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر #ومعلوم
بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لسرع الناس المؤمنون به إلى
تكذيب ذلك فضل عن أعدائه من الكفار والمنافقين ل سيما وهو يقرأ عليهم ذلك في
أعظم مجامعهم #وأيضا فمعلوم أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان من أحرص
الخلق على تصديق الناس له واتباعهم إياه مع أنه كان أخبر الناس بسياسة الخلق فلو
77
www.anassim.fr.st 78 الن سي ــــ ـــ ـم
لم يكن القمر انشق لما كان يخبر بهذا ويقرأه على جميع الخلق ويستدل به ويجعله
آية له فإن من يكون من أقل الناس خبرة بالسياسة ل يتعمد إلى ما يعلم جميع الناس
أنه كاذب به فيجعله من أعظم آياته الدالة على صدقه ويقرأه على الناس في أعظم
المجاميع
وقال اقتربت الساعة وانشق القمر بصيغة الفعل الماضي ولم يقل قامت الساعة #
ول ستقوم بل قال اقتربت أي دنت وقربت وانشق القمر الذي هو دليل على نبوة
محمد وعلى إمكان انحراق الفلك الذي هو قيام القيامة وهو سبحانه قرن بين خبره
باقتراب الساعة وخبره بانشقاق القمر فإن مبعث محمد صلى ال عليه وسلم هو من
أشراط الساعة وهو دليل على قربها كما قال صلى ال عليه وسلم في الحديث
الصحيح بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى وقد قال
تعالى سورة محمد الية # 18وعلم الساعة أخفاها ال عن جميع خلقه كما يذكر
ذلك عن
المسيح في النجيل أنه لما سئل عنها فقال إنها ل يعلمها أحد من الناس ول الملئكة
ول البن وإنما يعلمها الب وحده وهذا مما يدل على أنه ليس هو رب العالم وكذلك
محمد صلى ال عليه وسلم أخبر بذلك لما سئل عنها #قال تعالى ^ يسئلونك عن
الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ل يجليها لوقتها إل هو ثقلت في
السموات والرض ^ #أي خفيت على أهل السموات والرض سورة العراف
الية # 187وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال تسألوني عن
الساعة وإنما علمها عند ال فانشقاق القمر كان آية
على شيئين على صدق الرسول وعلى مجيء الساعة وإمكان انشقاق الفلك فإن
المنكرين لقيام القيامة الكبرى قيام الناس من قبورهم لرب العالمين وانشقاق
السموات وانفطارها سواء أقروا بالقيامة الصغرى وأن الرواح بعد الموت تنعم أو
تعذب كما هو قول الفلسفة الل آلهيين أو أنكروا المعاد مطلقا كما أنكر ذلك من
أنكره من مشركي العرب والفلسفة الطبيعيين وغيرهم ينكرون انشقاق السموات
ويزعم هؤلء الدهرية أن الفلك ل يجوز عليها النشقاق كما ذكر ذلك أرسطو
وأتباعه وزعموا أن النشقاق يقتضي حركة مستقيمة وهي ممتنعة بزعمهم في الفلك
المحدد إذ ل خلء وراءه عندهم وهذا لو دل فإنما يدل على ذلك في الفلك الطلس ل
فيما دونه فكيف وهو باطل فإن الحركة المستقيمة هناك بمنزلة جعل الفلك ابتداء
في هذه الحياز التي هي فيها سواء سمي خلء أو لم يسم كما هو مذكور في غير
هذا الموضع
والمقصود هنا أنه تعالى أخبر بانشقاق القمر مع اقتراب الساعة لنه دليل على #
إمكان انشقاق الفلك وانفطارها الذي هو قيام الساعة الكبرى وهو آية على نبوة
78
www.anassim.fr.st 79 الن سي ــــ ـــ ـم
محمد صلى ال عليه وسلم الذي هو من أشراط الساعة وال تعالى في كتابه يجمع
بين ذكر القيامة الكبرى والصغرى كما في سورة الواقعة ذكر في أولها القيامة
الكبرى وفي آخرها القيامة الصغرى وذلك كثير في سور القرآن مثل سورة ق
وسورة القيامة وسورة التكاثر وسورة الفجر وغير ذلك #وقد استفاضت الحاديث
بانشقاق القمر ففي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال انشق القمر على عهد رسول
ال صلى ال عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم اشهدوا وفي لفظ ونحن معه بمنى فقال كفار قريش سحركم ابن أبي
كبشة فقال جل منهم إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه ل يبلغ من سحره أن يسحر
الرض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فأتوا فسألوهم فأخبروهم
أنهم رأوا مثل ذلك
وعن أنس بن مالك أنه قال سأل أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية #
فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما فنزلت سورة القمر اليتان 2 1
#وهذا حديث صحيح مستفيض رواه ابن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس وهو
أيضا معروف عن حذيفة قال أبو الفرج بن الجوزي والروايات في الصحيح بانشقاق
القمر عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأنس رضي ال عنهم
ولما زعموا أن هذا القرآن هو ألفه #قال ال تعالى سورة الطور اليتان # 34 33
#ثم تحداهم بعشر سور فقال تعالى سورة هود اليتان # 14 13ثم تحداهم بسورة
واحدة فقال سورة البقرة اليتان # 24 23وقال تعالى أيضا سورة يونس الية 38
#فعجز جميع الخلق أن يعارضوا ما جاء به ثم سجل على جميع الخلق العجز إلى
يوم القيامة بقوله
سورة السراء الية # 88فأخبرمن ذلك الزمان أن النس والجن إذا اجتمعوا ل
يقدرون على معارضة القرآن بمثله فعجز لفظه ومعناه ومعارفه وعلومه أكمل
معجزة وأعظم شأنا والمر كذلك فإنه لم يقدر أحد من العرب وغيرهم مع قوة
عداوتهم وحرصهم على إبطال أمره بكل طريق وقدرتهم على أنواع الكلم أن يأتوا
بمثله وأنزل ال إذ ذاك آيات بين فيها أنه رسول إليهم ولم يذكر فيها أنه لم يرسل
إلى غيرهم #فقال تعالى في سورة القصص اليات 47 43
وقال في سورة السجدة الية # 3وقال في سورة يس اليات # 6 1ذكر تعالى #
في هذه اليات الثلث نعمته على هؤلء وحجته عليهم بإرساله وذكر بعض حكمته
في إرساله وذلك ل يقتضي أنه لم يرسل إل لهذا بل مثل هذا كثير معروف في لسان
العرب وغيرهم
قال تعالى سورة النحل الية # 8ومعلوم أن في هذه الدواب منافع غير الركوب #
وقال تعالى سورة غافر اليتان # 16 15فقد أخبر أنه ينزل الملئكة بالوحي على
79
www.anassim.fr.st 80 الن سي ــــ ـــ ـم
النبياء لينذروا يوم القيامة وذلك ل يمنع أن يكونوا نزلوا بالبشارة للمؤمنين والمر
والنهي بالشرائع وقال تعالى سورة الطلق الية # 12فأخبر تعالى أنه خلق العالم
العلوي والسفلي ليعلم العباد قدرته وعلمه ومع هذا ففي خلق ذلك له من الحكمة
أمرو أخرى غير علم العباد ومثل ذلك قوله تعالى سورة المائدة الية # 97ومعلوم
أن في جعل الكعبة قياما للناس والهدى والقلئد حكما ومنافع أخرى
وقال تعالى سورة النجم الية # 31ومعلوم أن في ملك ال حكما أخرى غير #
جزاء المحسن والمسيء وكذلك قوله سورة الجاثية الية # 22وقال تعالى سورة
النساء اليات # 165 163ومعلوم أن في إرسال الرسل سعادة من آمن بهم
وغيرها حكم أخرى غير دفع حجة الخلق على ال وكذلك قوله تعالى سورة الحج
الية # 37ومعلوم أن في تسخيرها حكما ومنافع غير التكبير وقوله سورة البقرة
الية 185
وقال تعالى سورة إبراهيم اليات # 34 32ومعلوم أن ل حكما في خلق الشمس #
والقمر والليل والنهار غير انتفاع بني آدم وكذلك قوله سورة يونس الية # 67
وقوله سورة الفرقان الية # 62وفيها حكم أخرى وقال سورة البقرة الية # 213
وفي إنزال الكتاب من هدى من اهتدى به واتعاظه وغير ذلك مقاصد غير الحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه #وقال تعالى
سورة النحل اليتان # 39 38ومعلوم أن في مبعث الخلق يوم القيامة مقاصد غير
بيان المختلف في علم هؤلء ومما يبين ذلك أنه قال في الية التي احتجوا بها سورة
يس الية # 6ومعلوم أنه لم يبعث لمجرد النذار بل وليبشر من آمن به ولمرهم
بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث وغير ذلك من
مقاصد الرسل كما قال تعالى سورة النساء الية # 165وقوله سورة النعام الية
# 48ل ينافي كونه لم يصفهم في موضع آخر إل بالنذار وقد قال سورة الكهف
اليات # 5 1وكان المسلمون مرة صلوا صلة العيد بحضرة حصار النصارى
فقام خطيبهم فخطب بهذه الية ولما قرأ قوله
سورة الكهف الية # 2أشار إلى جند اليمان ولما قرأ قوله سورة الكهف الية 4
#أشار إلى جند الصلبان #وقال تعالى سورة الحديد الية # 25وفي إنزال
الكتاب والميزان حكم أخرى من البشارة والنذار وغير ذلك وكذلك قوله عن أهل
الكهف سورة الكهف الية # 12وفي بعثهم حكم أخرى بدليل قوله سورة الكهف
الية # 21وقال تعالى سورة الجن اليتان # 28 27ومعلوم أن في ذلك مقاصد
أخرى من هداية الخلق وقيام
الحجة على من بلغهم وغير ذلك وقوله سورة ص الية # 29وفيه حكم أخرى من
قيام الحجة على الخلق وضلل من ضل به ومثله قوله سورة إبراهيم الية # 52
80
www.anassim.fr.st 81 الن سي ــــ ـــ ـم
ومعلوم أن في ذلك مقاصد أخرى من البشارة والمر والنهي وغير ذلك وكذلك قوله
سورة الحديد الية # 29 28ومعلوم أن في جزاء المؤمنين مقاصد أخرى غير
علم أهل الكتاب وما معه وقال تعالى سورة النعام الية # 92ومعلوم أن فيه حكما
أخرى مثل تبشير من آمن به والمر والنهي وإنذار غير هؤلء من العرب
وقال تعالى سورة يس اليتان # 70 69ومعلوم أن فيه حكمة أخرى غير #
النذار وقال تعالى سورة الحقاف الية # 12ومعلوم أن فيه حكمة أخرى من
إنذار الخلق كلهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتبشير المؤمنين فقال تعالى
سورة الحزاب اليتان # 8 7ومعلوم أن في أخذ الميثاق حكما أخرى وقال تعالى
سورة الفتح اليتان 2 1
وقوله سورة السراء الية # 1وقوله سورة السراء الية # 12وكذلك قوله #
سورة يونس الية # 5وفي ذلك كله حكم أخرى وكذلك قوله سورة القصص الية
# 8وإن كانت هذه لم العاقبة فليست العاقبة منحصرة في ذلك بل في ذلك من
الحسان إلى موسى وتربيته وغير ذلك حكم أخرى ومثل قوله سورة النعام الية
137
وقال تعالى سورة الصف الية # 9وفي إرساله حكم أخرى وكذلك قوله سورة #
النساء الية # 105وفي أنزاله تبشير وإنذار وأمر ونهي ووعد ووعيد وكذلك قوله
في عيسى بن مريم سورة مريم الية # 21وكذلك قوله سورة الجاثية الية # 12
وفيه حكم أخرى كما قال في الية الخرى سورة النحل الية # 14وقال سورة
فاطر الية 12
وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس والجن يوحي بعضهم #
إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ^ #إلى قوله سورة النعام اليتان
# 113 112وكذلك قوله سورة البقرة الية # 143وفي كونهم وسطا حكم أخرى
#وقوله سورة الملك الية # 2وفيهما حكم أخرى وكذلك قوله سورة الفرقان الية
# 1وفي ذلك حكم أخرى من البشارة والمر والنهي
وقال تعالى سورة آل عمران اليتان # 141 140وفي ذلك حكم أخرى ومثل #
ذلك كثير في كلم ال عز وجل وغير كلم ال إذا ذكر حكمة للفعل لم يلزم أن ل
تكون له حكمة أخرى لكن ل بد لتخصيص تلك الحكمة بالذكر في ذلك الموضع من
مناسبته وهذا كالمناسبة في قوله سورة يس الية # 6فإن هؤلء كانوا أول
المنذرين وأحقهم بالنذار فكان في تخصيصهم بالذكر فائدة ل أنه خصهم لنتفاء
إنذار من سواهم #وقال تعالى سورة الشعراء اليات # 195 193ومعلوم أنه
نزل به ليكون بشيرا وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم
الخبائث ويضع الصار والغلل صلى ال عليه وسلم
81
www.anassim.fr.st 82 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل & #وأما احتجاجهم بقوله تعالى سورة البقرة الية # 151وقوله تعالى &
سورة آل عمران الية # 164فهذا كقوله تعالى سورة التوبة الية # 128وهذا
في عمومه نزاع فإنه إما أن يكون خطابا لجميع الناس ويكون المراد إنا بعثنا إليكم
رسول من البشر إذ كنتم ل تطيقون أن تأخذوا عن ملك من الملئكة فمن ال عليكم
بأن أرسل إليكم رسول بشريا #قال تعالى سورة النعام اليتان 9 8
وأما أن يكون الخطاب للعرب وعلى التقديرين فإن ما تضمن ذكر أنعامه على #
المخاطبين بإرساله رسول من جنسهم وليس في هذا ما يمنع أن يكون مرسل إلى
غيرهم فإنه إن كان خطابا للنس كلهم فهو أيضا مرسل إلى الجن وليس من جنسهم
فكيف يمتنع إذا كان خطابا للعرب بما امتن به عليهم أن يكون قد امتن على غيرهم
بذلك فالعجم أقرب إلى العرب من الجن إلى النس وقد أخبر في الكتاب العزيز أن
الجن لما سمعوا القرآن آمنوا به #قال تعالى سورة الحقاق اليات # 32 29وقال
سورة الجن كلها #ونظير هذا قوله سورة الزخرف الية # 44وقومه قريش ول
يمنع أنه ذكر لسائر العرب بل لسائر الناس
كما قال تعالى سورة القلم اليتان # 52 51وقال تعالى سورة الفرقان الية # 1
وقال تعالى سورة ص اليات # 88 86وقال تعالى سورة التكوير اليات 29 19
#وقال تعالى سورة النساء الية # 79وهذا على أصح القولين وأن المراد بقوله ^
^ وإنه لذكر لك ولقومك
أنه ذكر لهم يذكرونه فيهتدون به #وقيل أن المراد أنه شرف لهم وليس بشيء فإن
القرآن هو شرف لمن آمن به من قومه وغيرهم وليس شرفا لجميع قومه بل من
كذب به منهم كان أحق بالذم كما قال تعالى سورة المسد الية # 1وقال تعالى
سورة النعام الية # 66بخلف كونه تذكرة وذكرى فإنه تذكرة لهم ولغيرهم كما
قال تعالى سورة النعام الية # 90فعم العالمين جميعهم فقال سورة يوسف الية
104
فصل & #هذا الكلم على الوجه الول وهو قول من يقول أنه لم يقل أنه أرسل &
إل إلى العرب #وأما الوجه الثاني وهو أن نقول هو ذكر أنه رسول إلى الناس كافة
كما نطق به القرآن في غير موضع كقوله تعالى سورة سبأ الية # 28وقوله سورة
العراف الية # 158وقد صرح فيه بدعوة أهل الكتاب وبدعوة الجن في غير
موضع فإذا سلموا أنه ذكر ذلك ولكن كذبوه في ذلك #فإما أن يقروا برسالته إلى
العرب أو ل يقروا #فإن أقروا بأنه رسول أرسله ال لم يمكن مع ذلك تكذيبه كما
تقدم بل يجب القرار برسالته إلى جميع الخلق كما أخبر بذلك كما تقدم أن من ذكر
أنه رسول ال ل يكون إل من أفضل الخلق وأصدقهم أو من شر الخلق وأكذبهم فإنه
82
www.anassim.fr.st 83 الن سي ــــ ـــ ـم
كاذبا فهو من شرهم وإذا كان ال قد أرسله ولو إلى قرية كما أرسل يونس بن متى
إلى أهل نينوى كان من أفضل الخلق وكان صادقا ل يكذب على ال ول يقول عليه
إل الحق ولو كذب على ال ولو في كلمة واحدة لكان من الكاذبين لم يكن من رسل
ال الصادقين فإن الكاذب ل يكذب في كل شيء بل في البعض فمن كذب على ال
في كلمة واحدة فقد افترى على ال الكذب وكان من القسم الكاذبين في دعوى
الرسالة ل من الصادقين #وأيضا فإن مقصود الرسالة تبليغ رسالت ال على
وجهها فإذا خلط الكذب بالصدق لم يحصل مقصود الرسالة #وأيضا فإذا علم أنه
كذب في بعضها لم يتميز ما صدق فيه مما كذب فيه إل بدليل آخر غير رسالته فل
يحصل المقصود برسالته #ولهذا أجمع أهل الملل قاطبة على أن الرسل
معصومون فيما يبلغونه عن ال تبارك وتعالى لم يقل أحد قط أن من أرسله ال
يكذب عليه وقد قال تعالى ما يبين أنه ل يقر كاذبا عليه قال تعالى سورة الحاقة
اليات 47 44
وقال تعالى سورة الشورى الية # 24ثم قال تعالى سورة الشورى الية # # 24
فقوله تعالى سورة الشورى الية # 24كلم مستأنف ليس داخل في جواب الشرط
فإنه لو كان معطوفا على جواب الشرط لقال ويحق الحق بالكسر للتقاء الساكنين
كما في قوله ^ قم الليل ^ #فلما قال ويحق الحق بالضم دل على أنه جملة مستأنفة
أخبر فيها أنه تعالى يمحو الباطل كباطل الكاذبين عليه ويحق الحق كحق الصادقين
عليه فمحو الباطل نظير إحقاق الحق ليس مما علق بالمشيئة بل ل بد منه بخلف
الختم على قلبه فإنه معلق بالمشيئة ول يجوز أن يعلق بالمشيئة محو الباطل كتعليق
الختم بل يقذف بالحق على الباطل فيدمغه
وقال تعالى في صيانته وإحكامه لما تبلغه رسله سورة الحج اليات # # 54 52
وأيضا فإذا لم يكن أرسل إل إلى العرب وقد دعا اليهود والنصارى إلى اليمان به
وكفرهم إذا لم يؤمنوا به وجاهدهم وقتل مقاتلهم وسبى ذرياتهم كان ذلك ظلما ل
يفعله إل من هو من أظلم الناس ومن كان نبيا قد أرسله ال فهو منزه عن هذا وهذا
#فالقرار برسالته إلى العرب دون غيرهم مع ما ظهر من عموم دعوته للخلق
كلهم قول متناقض ظاهر الفساد وكل ما دل عليه أنه رسول فإنه يستلزم رسالته إلى
جميع الخلق وكل من اعترف بأنه رسول لزمه العتراف بأنه رسول إلى جميع
الخلق وإل لزم أن يكون ال أرسل رسول يفتري عليه الكذب ويقول للناس إن ال
أمركم باتباعي وأمرني
83
www.anassim.fr.st 84 الن سي ــــ ـــ ـم
يجوز تصديقهم في قولهم إن ال أرسلهم انتهى المجلد الول ويليه المجلد الثاني
[ وأوله فصل [ وأما أن ل يقروا برسالته
فصل #وإما أن ل يقروا برسالته إلى العرب ول غيرهم بل قالوا فيه ما كان يقوله
مشركو العرب من أنه شاعر أو ساحر أو مفتر كاذب ونحو ذلك فيقال لهم على هذا
التقدير فدليلكم أيضا باطل ول يجوز أن تحتجوا بتقدير تكذيبكم لمحمد بشيء من
كلم النبياء قبله سواء صدقتم محمدا في جميع ما يقوله أو في بعضه أو كذبتموه
فدليلكم باطل فيلزم بطلن دينكم على كل تقدير وما ثبت بطلنه على كل تقدير فهو
باطل في نفس المر فيثبت أنه باطل في نفس المر وذلك أنكم إذا كذبتم محمدا لم
يبق لكم طريق تعلمون به صدق غيره من النبياء فيمتنع مع تكذيبه القول بصدق
غيره بل من اعتقد كذبه وصدق غيره لم يكن عالما بصدق غيره بل يكون مصدقا
لهم بغير علم وإذا لم يكن عالما بصدقهم لم يجز احتجاجه قط بأقوالهم بل ذلك قول
منه بل علم ومحاجة فيما ل علم له بها فإن الدلئل الدالة على صدق محمد أعظم
وأكثر من الدلئل الدالة على صدق موسى وعيسى ومعجزاته أعظم من معجزات
غيره والكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره والشريعة التي
جاء بها
أكمل من شريعة موسى وعيسى عليهما السلم وأمته أكمل في جميع الفضائل من
أمة هذا وهذا ول يوجد في التوراة والنجيل علم نافع وعمل صالح إل وهو في
القرآن أو مثله أو منه وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما ل يوجد مثله
في التوراة والنجيل فما من مطعن من مطاعن أعداء النبياء يطعن به على محمد
إل ويمكن توجيه ذلك الطعن وأعظم منه على موسى وعيسى #وهذه جملة
مبسوطة في موضع آخر لم نبسطها هنا لن جواب كلمهم ل يحتاج إلى ذلك فيمتنع
القرار بنبوة موسى وعيسى عليهما السلم مع التكذيب بنبوة محمد ول يفعل ذلك
إل من هو من أجهل الناس وأضلهم أو من أعظمهم عنادا واتباعا لهواه وذلك أن
هؤلء القوم احتجوا بما نقلوه عن النبياء ولم يذكروا الدلة الدالة على صدقهم بل
أخذوا ذلك مسلما وطلبوا ان يحتجوا بما نقلوه عن النبياء قبله وبما نقلوه عنه على
صحة دينهم
وهذه حجة داحضة سواء صدقوه أو كذبوه فإن صدقوه بطل دينهم وإن كذبوه بطل
دينهم فإنهم إن صدقوه فقد علم أنه دعاهم وجميع أهل الرض إلى اليمان به
وطاعته كما دعا المسيح وموسى وغيرهما من الرسل وأنه أبطل ما هم عليه من
التحاد وغيره وكفرهم في غير موضع ولهذا كان مجرد التصديق بأن محمدا
رسول ال ولو إلى العرب يوجب بطلن دين النصارى واليهود وكل دين يخالف
دينه فإن من كان رسول ل فإنه ل يكذب على ال ومحمد قد علم منه أنه دعا
النصارى واليهود إلى اليمان به وطاعته كما دعا غيرهم وأنه كفر من لم يؤمن به
84
www.anassim.fr.st 85 الن سي ــــ ـــ ـم
ووعده النار وهذا متواتر عنه تواترا تعلمه العامة والخاصة وفي القرآن من ذلك ما
يكثر ذكره كما قال تعالى ^ #لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من ال يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما
تفرق الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جآءتهم البينة ومآ أمروا إل ليعبدوا ال
مخلصين له الدين حنفآء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة إن الذين
كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيهآ أولئك هم شر البرية إن
الذين امنوا وعملوا الصلحت أولئك هم خير البرية جزآؤهم عند ربهم جنت عدن
تجري من تحتها النهار خلدين فيهآ أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن
^ خشي ربه
وقال تعالى ^ #شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم قآئما بالقسط ل #
إله إل هو العزيز الحكيم إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل
من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بايت ال فإن ال سريع الحساب فإن
حآجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والمين أسلمتم
فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد ^ #وقد ذكر
كفر اليهود والنصارى في غير موضع كقوله تعالى عن النصارى ^ #لقد كفر
الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن يهلك
المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض جميعا ^ #وقال تعالى أيضا ^ #لقد كفر
الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يبني إسرائيل اعبدوا ال ربي
وربكم إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأونه النار وما للظالمين من
أنصار لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم ينتهوا
عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفل يتوبون إلى ال
ويستغفرونه وال غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله
الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف نبين لهم اليات ثم انظر أنى
يؤفكون قل اتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم
قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من
قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #وقال تعالى ^ #يا أهل الكتاب ل
تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال
وكلمته ألقهآ إلى مريم وروح منه فأمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم
إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض وكفى
بال وكيل لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن يستنكف
عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين إمنوا وعملوا الصالحات
فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا
أليما ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا يا أيها الناس قد جآءكم برهان من
ربكم وأنزلنآ إليكم نورا مبينا فأما الذين إمنوا بال واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة
منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ^ #وقال تعالى
85
www.anassim.fr.st 86 الن سي ــــ ـــ ـم
وقالت اليهود عزيز ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم ^ #
بأفواههم يضهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم
ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل
إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #وقال تعالى ^ #وإذ قال ال يا عيسى ابن
مريم ءأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي
أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ول أعلم ما في
نفسك إنك أنت علم الغيوب ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم
وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل
شيء شهيد ^ #فقد قال تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم
^ #في الموضعين #وقال تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ #
^ وقال تعالى ^ ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم
وقال تعالى ^ #وقالت النصارى المسيح ابن ال ^ #والنصارى قالت القوال #
الثلثة فذكر ال عنهم هذه القوال لكن من الناس من يظن أن هذا قول طائفة منهم
وهذا قول طائفة منهم #كما ذكره طائفة من المفسرين كابن جرير الطبري والثعلبي
وغيرهما ثم تارة يحكون عن اليعقوبية أن عيسى هو ال
وعن النسطورية أنه ابن ال وعن المريوسية أنه ثالث ثلثة وتارة يحكون عن
النسطورية انه ثالث ثلثة وعن الملكية انه ال ويفسرون قولهم ثالث ثلثة بالب
والبن وروح القدس #والصواب ان هذه القوال جميعها قول طوائف النصارى
المشهورة الملكية واليعقوبية والنسطورية فإن هذه الطوائف كلها تقول بالقانيم
الثلثة الب والبن وروح القدس فتقول غن ال ثالث ثلثة وتقول عن المسيح إنه
ال وتقول أنه إبن ال وهم متفقون على إتحاد اللهوت والناسوت وأن المتحد هو
الكلمة وهم متفقون على عقيدة إيمانهم التي تتضمن ذلك وهو قولهم نؤمن بإله واحد
اب ضابط الكل خالق السموات والرض كل ما يرى وما ل يرى وبرب واحد
يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب
قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق #وأما قوله
تعالى ^ #ول تقولوا ثلثة ^ #وقوله ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^
#فقد فسروه بالتثليث المشهور عنهم المذكور في أمانتهم ومن الناس من يقول إن
ال هو المسيح ابن مريم قول اليعقوبية وقولهم ثالث ثلثة هو قول النصارى الذين
يقولون بالب والبن والروح القدس وهم قد جعلوا ال فيها ثالث ثلثة وسموا كل
واحد من الثلثة بالله والرب وقد فسره طائفة بجعلهم عيسى وأمه إلهين يعبدان من
دون ال #قال السدي في قوله تعالى
لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ #قال قالت النصارى إن ال هو ^ #
86
www.anassim.fr.st 87 الن سي ــــ ـــ ـم
المسيح وأمه فذلك قوله ^ #ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال ^
#وقد قيل قول ثالث أغرب من ذلك عن أبي صخر قال ^ #لقد كفر الذين قالوا إن
ال ثالث ثلثة ^ #قال هو قول اليهود عزيز ابن ال وقول النصارى المسيح ابن
ال فجعلوا ال ثالث ثلثة وهذا ضعيف وقد ذكر سعيد بن البطريق في أخبار
النصارى ان منهم طائفة يقال لهم
المريميون يقولون إن مريم إله وإن عيسى إله #وأما الول فمتوجه فإن النصارى
المتفقين على المانة كلهم يقولون إن ال ثالث ثلثة وال تعالى قد نهاهم عن أن
يقولوا ذلك فقال تعالى ^ #يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل
الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه
فأمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم ^ #فذكر سبحانه في هذه الية
التثليث والتحاد ونهاهم عنهما وبين أن المسيح إنما هو رسول ال وكلمته ألقاها إلى
مريم وروح منه #وقال ^ #فأمنوا بال ورسوله ^ #ثم قال ^ #ول تقولوا ثلثة
^ انتهوا خيرا لكم
لم يذكر هنا أمه وقوله تعالى ^ #وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ #قال #
معمر عن قتادة وكلمته ألقاها إلى مريم هو قوله كن فكان #وكذلك قال قتادة ليس
الكلمة صار عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى #وكذلك قال المام أحمد في مصنفه
الذي صنفه في كتابه في الرد على الجهمية وذكره عنه الخلل والقاضي أبو يعلى
قال أحمد
ثم إن الجهم ادعى أمرا فقال إنا وجدنا في كتاب ال آية تدل على أن القرآن مخلوق
قلنا أي آية قال قول ال ^ #إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ^ #
فقلنا إن ال منعكم الفهم في القرآن عيسى عليه السلم تجري عليه ألفاظ ل تجري
على القرآن لن عيسى يجري عليه نسمة ومولود وطفل وصبي وغلم يأكل
ويشرب وهو يخاطب بالمر والنهي يجري عليه الوعد والوعيد هو من ذرية نوح
ومن ذرية إبراهيم ول يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى هل سمعتم ال
يقول في القرآن ما قال عيسى ولكن المعنى في قوله جل ثناؤه ^ #إنما المسيح
عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ #فالكلمة التي
ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى ب كن وليس عيسى هو الكن ولكن
بالكن كان فالكن من ال قوله وليس الكن مخلوقا وكذبت النصارى والجهمية على
ال في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا عيسى روح ال وكلمته لن الكلمة مخلوقة
وقالت النصارى روح ال من ذات ال وكلمة ال من ذات ال كما يقال هذه #
الخرقة من هذا الثوب وقلنا نحن إن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة #
قال أحمد وأما قوله جل ثناؤه ^ #وروح منه ^ #يقول من أمره كان الروح فيه
كقوله ^ #وسخر لكم ما في السموات وما في الرض جميعا منه ^ #يقول من
87
www.anassim.fr.st 88 الن سي ــــ ـــ ـم
أمره وتفسير روح ال إنما معناها أنها روح بكلمة ال خلقهم ال كما يقال عبدال
وسماء ال وفي نسخة روح يملكها ال خلقها ال #وقال الشعبي في قوله تعالى
وكلمته ألقاها إلى مريم ^ #الكلمة حين قال له كن فكان عيسى ب كن وليس ^ #
عيسى هو الكن ولكن بالكن كان #وقال ليث عن مجاهد روح منه قال رسول منه
يريد مجاهد قوله ^ #فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ
^ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك
والمعنى أن عيسى خلق من الروح وهو جبريل روح القدس سمي روحا كما #
سمي كلمة لنه خلق بالكلمة والنصارى يقولون في أمانتهم تجسد من مريم ومن
روح القدس لنه كذلك في الكتب المتقدمة لكن ظنوا أن روح القدس هو صفة ل
وجعلوها حياته وقدرته وهو رب وهذا غلط منهم فإنه لم يسم أحد من النبياء حياة
ال ول قدرته ول شيئا من صفاته روح القدس بل روح القدس في غير موضع من
كلم النبياء عليهم السلم يراد بها ما ينزله ال على قلوب النبياء كالوحي والهدى
والتأييد ويراد بها الملك وهكذا في تفسير ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس
أن عيسى بن مريم استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا قد جاء الساحر ابن
الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وأمه فلما سمع عيسى ذلك
قال اللهم أنت ربي وأنا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي
وذكر تمام الحديث #وقد قال تعالى ^ #والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من
روحنا وجعلناها وابنها داية للعالمين ^ #وقال تعالى ^ ومريم ابنت عمران التي
أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ #فهذا يوافق قوله تعالى ^ #فأرسلنا إليها
روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا
رسول ربك ^ #والمقصود هنا أنهم سواء صدقوا محمدا أو كذبوه فإنه يلزم بطلن
دينهم على التقديرين فإنه إن كان نبيا صادقا فقد بلغ عن ال
في هذا الكتاب كفر النصارى في غير موضع ودعاهم إلى اليمان به وأمر بجهادهم
فمن علم أنه نبي ولو إلى طائفة معينة يجب تصديقه في كل ما أخبر به وقد أخبر
بكفر النصارى وضللهم وإذا ثبت هذا لم يغن عنهم الحتجاج بشيء من الكتب
والمعقول بل يعلم من حيث الجملة أن كل ما يحتجون به على صحة دينهم فهو باطل
وإن لم يبين فساد حججهم على التفصيل لن النبياء ل يقولون إل حقا كما أن
المسيح عليه السلم لما حكم بكفر من كذبه من اليهود كان كل ما يحتج به اليهود
على خلف ذلك باطل فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل وإن كذبوا
محمدا تكذيبا عاما مطلقا وقالوا ليس هو نبي أصل ول أرسل إلى أحد ل إلى العرب
ول إلى غيرهم بل كان كذابا امتنع مع هذا أن يصدقوا بنبوة غيره فإن الطريق الذي
يعلم به نبوة موسى وعيسى يعلم به نبوة محمد بطريق الولى فإذا قالوا علمت نبوة
موسى والمسيح بالمعجزات وعرفت المعجزات بالنقل المتواتر إلينا قيل لهم
88
www.anassim.fr.st 89 الن سي ــــ ـــ ـم
معجزات محمد أعظم وتواترها أبلغ والكتاب الذي جاء به محمد أكمل وأمته أفضل
وشرائع دينه أحسن وموسى جاء بالعدل وعيسى جاء بتكميلها بالفضل وهو
قد جمع في شريعته بين العدل والفضل #فإن ساغ لقائل أن يقول هو مع هذا كاذب
مفتر كان على هذا التقدير الباطل غيره أولى أن يقال فيه ذلك فيبطل بتكذيبهم محمدا
جميع ما معهم من النبوات إذ حكم أحد الشيئين حكم مثله فكيف بما هو أولى منه فلو
قال قائل إن هارون ويوشع وداوود وسليمان كانوا أنبياء وموسى لم يكن نبيا أو أن
داوود وسليمان ويوشع كانوا أنبياء والمسيح لم يكن نبيا أو قال ما تقوله السامرة أن
يوشع كان نبيا ومن بعده كداوود وسليمان والمسيح لم يكونوا أنبياء أو قال ما يقوله
اليهود إن داوود وسليمان
والمسيح بن مريم لم يكن نبيا كان هذا قول متناقضا معلوم البطلن فإن الذين نفى
هؤلء عنهم النبوة أحق بالنبوة وأكمل نبوة ممن أثبتوها له ودلئل نبوة الكمل
أفضل فكيف يجوز إثبات النبوة للنبي المفضول دون الفاضل وصار هذا كما لو قال
قائل أن زفر وابن القاسم والمزني
والثرم كانوا فقهاء وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء أو قال إن
الخفش وابن النباري والمبرد كانوا نحاة
لم ينزل من ال فبطلن قوله في غاية الظهور والبيان لمن تدبر ما جاء به محمد وما
جاء به من قبله وتدبر كتابه والكتب التي قبله وآيات نبوته وآيات نبوة هؤلء
وشرائع دينه وشرائع دين هؤلء وهذه الجملة مفصلة مشروحة في غير هذا
الموضع لكن المقصود هنا التنبيه على مجامع جوابهم وهؤلء القوم لم يأتوا بدليل
واحد يدل على صدق من احتجوا به من النبياء فلو ناظرهم من يكذب بهؤلء
النبياء كلهم من المشركين والملحدة لم يكن فيما ذكروه حجة لهم ول حجة لهم
89
www.anassim.fr.st 90 الن سي ــــ ـــ ـم
أيضا على المسلمين الذين يقرون بنبوة هؤلء فإن جمهور المسلمين إنما عرفوا
صدق هؤلء النبياء بإخبار محمد أنهم أنبياء فيمتنع أن يصدقوا بالفرع مع القدح في
الصل الذي به علموا صدقهم #وأيضا فالطريق الذي به علمت نبوة هؤلء بما
ثبت من معجزاتهم وأخبارهم فكذلك تعلم نبوة محمد بما ثبت من معجزاته وأخباره
بطريق الولى فيمتنع أن يصدق أحد من المسلمين بنبوة واحد من هؤلء مع تكذيبه
لمحمد في كلمة مما جاء به
فصل #ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا من النصارى إنما يعتمدون في النبوات على
بشارة النبياء بمن يأتي بعدهم فيقولون المسيح عليه السلم بشرت به النبياء قبله
بخلف محمد فإنه لم يبشر به نبي وجواب هؤلء من وجهين #أحدهما أن يقال بل
البشارة بمحمد في الكتب المتقدمة أعظم من البشارة بالمسيح وكما أن اليهود يتأولون
البشارة بالمسيح على أنه ليس هو عيسى بن مريم بل هو آخر ينتظرونه وهم في
الحقيقة إنما ينتظرون المسيح الدجال فإنه الذي يتبعه اليهود ويخرج معه سبعون
ألف مطيلس من يهود أصبهان ويقتلهم المسلمون معه حتى يقول الشجر
والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي
وثبت أيضا في الصحيح عن النبي أنه قال ينزل عيسى بن مريم من السماء على
المنارة البيضاء شرقي دمشق فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويقتل
مسيح الهدى عيسى بن مريم مسيح الضللة العور الدجال على بضع عشرة خطوة
من باب لد ليتبين
للناس أن البشر ل يكون إلها فيقتل من ادعى فيه أنه ال وهو بريء مما ادعى فيه
لمن ادعى في نفسه أنه ال وهو دجال كذاب فهكذا البشارات بمحمد في الكتب
المتقدمة وقد يتأولها بعض أهل الكتاب على غير تأويلها كما قد بسط في موضع
آخر فإن بسط الكلم في ذكر محمد في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب له موضع آخر
#الجواب الثاني أن يقال ليس من شرط النبي أن يبشر به من تقدمه كما أن موسى
كان رسول إلى فرعون ولم يتقدم لفرعون به بشارة وكذلك الخليل عليه السلم
أرسل إلى نمرود ولم يتقدم به بشارة نبي إليه وكذلك نوح وهود وصالح وشعيب
ولوط لم يتقدم هؤلء بشارة إلى قومهم بهم مع كونهم أنبياء صادقين فإن دلئل نبوة
النبي ل تنحصر في أخبار من تقدمه بل دلئل النبوة منها المعجزات ومنها غير
المعجزات كما قد بسط في موضع آخر وهؤلء النصارى إنما مستند دينهم في
التثليث والتحاد وغير ذلك هو السمع وهو دعواهم أن الكتب اللهية جاءت بذلك
ليس مستندهم فيه العقل فإذا تبين أنهم مع تكذيبهم بمحمد يمتنع أن
تثبت نبوة غيره امتنع استدللهم بالسمعيات وأما العقليات فإن تشبثوا ببعضها فهم
معترفون بأن حجتهم فيها ضعيفة وأنها على نقيض مذهبهم أدل منها على مذهبهم
90
www.anassim.fr.st 91 الن سي ــــ ـــ ـم
وسنبين إن شاء ال تعالى أن ل حجة لهم في سمع ول عقل بل ذلك كله حجة عليهم
#وأما تمثيلهم الكتاب بالوثيقة التي كتب الوفاء في ظهرها فتمثيل باطل غير مطابق
لن القرار بالوفاء إقرار بسقوط الدين ول مناقضة بين ثبوت الدين أول وسقوطه
آخرا بالوفاء بل أمكن مع هذا دعواه وأما من يذكر أنه رسول ال فل يمكن أن يقر
بأنه رسول ال في بعض ما أنبأ به عن ال دون بعض ول يمكن اتباع بعض كتابه
الذي ذكر انه منزل من عند ال دون بعض فإنه إن كان صادقا في قوله إنه رسول
ال كان معصوما في ما يخبر به عن ال ل يجوز أن يكذب في شيء منه ل عمدا
ول خطأ ووجب اتباع الكتاب الذي جاء به من عند ال ولم يمكن رد شيء مما ذكر
أنه جاء به من ال وإن كان كاذبا في كلمة واحدة مما أخبر به عن ال فهو من
الكاذبين المفترين فل يجوز أن يحتج بشيء من دينهم ول دين غيرهم بمجرد إخباره
عن ال بل ول بمجرد خبره وقوله وإن لم يذكر أنه خبر عن ال كما ل يجوز مثل
ذلك في سائر من عرف أنه كاذب في قوله إني رسول ال كمسيلمة الحنفي والسود
العنسي وطليحة السدي والحارث الدمشقي وبابا
وغيرهم لم يتنازعوا أنه ل يجوز أن يستقر في خبره عن ال خطأ وإنما تنازعوا هل
يجوز أن يقع من الغلط ما يستدركه ويبينه فل ينافي مقصود الرسالة كما نقل من
ذكر تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتها لترتجى هذا فيه قولن للناس منهم من
يمنع ذلك أيضا وطعن في وقوع ذلك ومن هؤلء من قال إنهم سمعوا ما لم يقله
فكان الخطأ في سمعهم والشيطان ألقى في سمعهم #ومن جوز ذلك قال إذا حصل
البيان ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور وكان ذلك دليل على صدقه
وأمانته وديانته وأنه غير متبع هواه ول مصر على غير الحق كفعل طالب الرياسة
المصر على خطئه #وإذا كان نسخ ما جزم بأن ال أنزله ل محذور فيه فنسخ مثل
91
www.anassim.fr.st 92 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا أولى أن ل يكون فيه محذور واستدل على ذلك بقوله ^ #وما أرسلنا من قبلك
من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطن في أمنيته فينسخ ال ما يلقي الشيطن ثم
يحكم ال ءايته وال عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض
والقاسية قلوبهم وإن الظلمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من
^ ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن ال لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم
وعلى كل قول فالناس متفقون على أن من أرسله ال وأقام اليات على صدقه #
فيما يبلغه عن ال لم يكن ما يبلغه عنه إل حقا وإل كانت اليات الدالة على صدقه
دلت على صدق من ليس بصادق وبطلن مدلول الدلة اليقينية ممتنع #والصدق
الذي هو مدلول آيات النبياء وبراهينهم هو أن يكون خبره عن ال مطابقا لمخبره ل
يخالفه عمدا ول خطأ ولو قال قائل أنا ل أسمي الخطأ كذبا أو قال إن المخطىء ل
إثم عليه في خطئه #قيل له هذا ل ينفع هنا فإن اليات دلت على أن ال أرسله ليبلغ
عنه رسالته وال ل يرسل من يعلم أنه يخبر عنه بخلف ما قال له كما ل يجوز
إرسال من يتعمد عليه الكذب بل الواحد من الناس ل يرسل من يعلم أنه يبلغ خلف
ما أرسله به ولو علم أنه يقول عليه ما لم يقل وأرسله مع ذلك لكان جاهل سفيها
ليس بعليم حكيم فكيف يجوز ذلك على أعلم العالمين وأحكم الحاكمين #وأيضا فإن
اليات والبراهين دلت على صدقه في كل ما يبلغه عن ال وأن ال مصدقه في كل
ما يبلغه عنه فيمتنع أن ل يكون صادقا في شيء من ذلك ويمتنع أن يصدق ال في
كل ذلك من ل يصدق في كل ذلك فإن تصديق من ل يصدق كذب والكذب ممتنع
على ال #وإذا تبين أن من ذكر أنه رسول ال إما أن يكون رسول صادقا في
جميع ما يبلغه فيمتنع مع هذا تناقض أخباره لنها كلها صادقة وإما أن يكون غير
صادق ولو في كلمة فل يكون رسول ل فل يحتج بشيء مما يخبر به عن ال كان
تمثيل من ذكر أنه رسول ال بالمقر باستيفاء وثيقته تمثيل باطل فإن صاحب الوثيقة
الذي أقر بوفائها بعد كانت له حجة ثم استوفاها #ومن ذكر أنه رسول ال إما
صادق وإما كاذب وعلى التقديرين ل يجوز أن يحتج ببعض كلمه دون بعض وإذا
قال القائل مقصودي أبين أنه متناقض وأن نفس كلمه يبين أنه لم يرسل إلينا وأن
ديننا حق كما أن نفس كلم الذي كان له الحق هو المقر بالوفاء قيل إن كان كلمه
متناقضا فليس برسول وحينئذ فل يجوز لك أن تحتج بشيء مما بلغه عن ال بخلف
المقر بالوفاء فإن إقراره مقبول على نفسه فإنه شاهد على نفسه بالوفاء وإقرار المقر
على نفسه وشهادته على نفسه مقبولة ولو كان كافرا وفاسقا بخلف شهادته وخبره
عن ال #فمن شبه إقرار المقر على نفسه بقول الذي يقول إنه رسول ال دل ذلك
على غاية جهله بالقياس والعتبار والتمثيل فإن إقرار المقر
على نفسه حجة عليه ولو كان فاسقا معروفا بالكذب ليس هو مثل شهادة النسان
على غيره فإن شهادته على غيره ل تقبل إذا كان معروفا بالكذب فكيف بمن شهد
على ال بأن ال أرسله فالمقر على نفسه يمكن قبول إقراره على نفسه ول يقبل
92
www.anassim.fr.st 93 الن سي ــــ ـــ ـم
دعواه على غيره وكذلك الشاهد قد تقبل شهادته فيما ليس هو خصما فيه ول تقبل
شهادته بما ادعاه #وأما من يقول إنه رسول ال فل يمكن أن يصدق في بعض ما
يخبر به عن ال ويكذب في بعض بل إن كان كاذبا في كلمة واحدة فليس هو رسول
ل فل يحتج بكلمه وإن قدر أن الكلم في نفسه صدق لكن نسبته إلى ال أن ال
أرسله به وأوحاه ل يكون صادقا فيه إذا كذب في كلمة واحدة لن ال ل يرسل كاذبا
#وإن لم يكن كاذبا في كلمة واحدة وجب تصديقه في كل ما يخبر به فل يمكن
تصديقه في بعض ما يخبر به عن ال دون بعض بخلف المقر والشاهد #وإن كان
المقصود بيان تناقضه كان هذا احتجاجا على أنه ليس برسول فل ينفعهم ذلك مع أنه
تبين أنه ليس بمتناقض #وإن كان المقصود إلزام المسلمين به فقد بينا أنه ل يلزمهم
من وجوه متعددة فهذا بيان أنهم ل يجوز لهم الحتجاج بشيء من كلم محمد سواء
صدقوه أو كذبوه
ثم يقال لهم ثانيا في الجواب عن التمثيل بالوثيقة إن القرار بالستيفاء يناقض #
استيفاء الحق وأما القرآن الذي جاء به محمد فليس في إخباره بأنه أرسل إلى قريش
ثم إلى العرب ما يناقض إخباره بأنه أرسل إلى جميع الناس أهل الكتاب وغيرهم #
كما أنه ليس في إخباره أنه أرسل إلى بني إسرائيل ومخاطبة ال لهم بقوله ^ يا بني
إسرائيل ^ ما يمنعه أن يكون مرسل إلى اليهود من غير بني إسرائيل وإلى
النصارى والمشركين وهو لم يقل قط إني لم أرسل إل إلى العرب ول قال ما يدل
على هذا بل ثبت عنه بالنقل المتواتر أنه قال إنه مرسل إلى جميع الجن والنس إلى
أهل الكتاب وغيرهم ولو قدر أنه قال إنه لم يرسل إل إلى العرب ثم قال إني أرسلت
إلى أهل الكتاب لكان قد أرسل إلى أهل الكتاب بعد إرساله إلى العرب كما قال ^ #
قل ل أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما
^ مسفوحا أو لحم خنزير
وقال أيضا ^ #إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ^ #ثم إنه بعد هذا #
حرم ال أشياء فلم يكن بين نفي تحريمها في الزمن الول وإثبات تحريمها في الزمن
الثاني منافاة #ولكن يظهر الدين إذا أوجب شيئا ثم نسخ إيجابه كما نسخ إيجاب
الصدقة بين يدي النجوى ففي مثل هذا يتمسك بالنص الناسخ دون المنسوخ كما
يتمسك بالقرار بالوفاء الناسخ للقرار بالدين
فصل #وقد ذكرنا أنه ل يجوز أن يحتجوا بشيء من القرآن وما نقل عن محمد إل
مع التصديق برسالته وأنه مع التكذيب برسالته ل يمكن القرار بنبوة غيره ول
الحتجاج بشيء من كلم النبياء فتكذيبهم يستلزم تكذيبهم بغيره فإذا ثبتت نبوة غيره
ثبتت نبوته وذلك يستلزم بطلن دينهم فكان صحة دليلهم يستلزم بطلن المدلول
وفساد المدلول يستلزم فساد الدليل فإن الدليل ملزوم للمدلول عليه وإذا تحقق الملزوم
تحقق اللزم وإذا انتفى اللزم انتفى ! الملزوم فإذا ثبت الدليل ثبت المدلول عليه
93
www.anassim.fr.st 94 الن سي ــــ ـــ ـم
وإذا فسد المدلول عليه لزم فساد الدليل فإن الباطل ل يقوم عليه دليل صحيح #فإن
كان محمد رسول ال لزم بطلن دينهم وإذا بطل دينهم لم يجز أن يقوم دليل صحيح
على صحته وإن لم يكن رسول ال لم يجز الستدلل بقوله فثبت أن استدللهم بقوله
باطل على التقديرين
ونحن نذكر هنا أنه ل يجوز استدللهم بقول أحد من النبياء أو الرسل على صحة #
دينهم وأيضا فإن الذين احتجوا بقولهم مثل موسى وداود والمسيح وغيرهم إما أن
يكونوا عرفوا أنهم أنبياء بدليل على نبوتهم كالستدلل بآياتهم وبراهينهم التي تسمى
بالمعجزات وإما أن يكونوا قد اعتقدوا ذلك بل علم ول دليل وإما أن يكونوا احتجوا
بذلك على المسلمين لنهم يسلمون نبوة هؤلء وعلى كل تقدير ل يصح استدللهم
بقولهم #أما على الول فلنه أي طريق ثبتت بها نبوة واحد من هؤلء النبياء
عليهم السلم فإنه تثبت نبوة محمد بمثلها وأعظم منها وحينئذ فإن لم يقروا بنبوة
محمد مع أن كل دليل يدل على نبوة موسى وداود وعيسى وغيرهم يدل على نبوة
محمد لزم أن يكونوا قد نقضوا دليلهم فجعلوه قائما مع انتفاء مدلوله وإذا انتقض
الدليل بطلت دللته فإنه إنما يدل إذا كان مستلزما للمدلول #فإذا كان تارة يوجد مع
المدلول وتارة ل يوجد لم يكن مستلزما له فل يكون دليل فإن من جعل المعجزات
دليل على نبوة نبي وقال المعجزة هي الفعل الخارق للعادة المقرون بالتحدي السالم
من المعارضة ونحو ذلك مما يذكر في هذا المقام وجعلوا ذلك دليل على نبوة موسى
وعيسى وغيرهما من النبياء #قيل له إن كان هذا دليل فهو دليل على نبوة محمد
وإن لم يكن دليل لم يكن دليل على نبوة موسى
وإن تأولوا تلك البشارات بمحمد بما يمنع دللتها قيل لهم واليهود يتأولون #
بشارات المسيح بما يمنع دللتها على المسيح #فإذا قالوا تلك التأويلت باطلة من
وجوه معروفة بين لهم أن هذه باطلة أيضا بمثل تلك الوجوه وأقوى فما من جنس
94
www.anassim.fr.st 95 الن سي ــــ ـــ ـم
من الدلة يدل على نبوة موسى والمسيح إل ودللته على نبوة محمد أقوى وأكثر
فيلزم من ثبوت نبوة موسى والمسيح ثبوت نبوة محمد ومن الطعن في نبوة محمد
الطعن في نبوة موسى والمسيح #وإن قالوا إن المسيح إله قيل لهم ثبوت كونه إلها
لو كان ممكنا أبعد من ثبوت كونه رسول فكيف إذا كان ممتنعا #وذلك أنه ليس
معهم ما يدل على إلهيته إل ما ينقلونه من أقوال النبياء أو الخوارق والخوارق ل
تدل على اللهية فإن النبياء ما زالوا يأتون باليات الخارقة للعادة ولم تدل على
إلهية أحد منهم #وأما أقوال النبياء عليهم السلم فل ريب أن دللتها على رسالته
ورسالة محمد أظهر من دللتها على إلهية المسيح فيمتنع الحتجاج بها على إلهية
المسيح دون رسالة محمد ورسالة المسيح ومتى ثبت أن
محمدا رسول ال بطلت إلهية المسيح فإنه كفر من قال إنه ال أو ابن ال بل وكذلك
متى ثبت أن المسيح رسول ال بطل كونه إلها فإن كونه هو ال مع كونه رسول ال
متناقض #وقولهم إنه إله بلهوته ورسول بناسوته كلم باطل من وجوه #منها أن
الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو ال أو هو رسول ال فإن كان هو ال بطل
كونه رسول ال وإن كان رسول ال بطل كونه هو ال #ولهذا لما كان الذي كلم
موسى عليه السلم من الشجرة هو ال لم تنطق الكتب بأنه رسول ال وهذا وارد
بأي وجه فسروا التحاد فإنه من المعلوم أن الناس كانوا يسمعون من المسيح كلما
بصوته المعروف وصوته لم يختلف ول حاله عند الكلم تغيرت كما يختلف النسان
وحاله عند الكلم إذا حل فيه الجني وإذا فارقه الجني فإن الجني إذا تكلم على لسان
المصروع ظهر الفرق بين ذلك المصروع وبين غيره من الناس بل اختلف حال
المصروع وحال كلمه وسمع منه من الكلم ما يعلم يقينا أنه ل يعرفه وغاب عقله
بحيث
يظهر ذلك للحاضرين واختلف صوته ونغمته فكيف بمن يكون رب العالمين هو
الحال فيه المتحد به المتكلم بكلمه #فإنه ل بد أن يكون بين كلمه وصوته وكلم
سائر البشر وصوتهم من الفرق أعظم من الفرق الذي بين المصروع وغير
المصروع بما ل نسبة بينهما #يبين هذا أن موسى لما سمع كلمه سمع صوتا
خارقا للعادة مخالفا لما يعهد من الصوات ورأى من اليات الخارقة والعجائب ما
يبين أن ذلك الذي سمعه ل يقدر على التكلم به إل ال وأما المسيح فلم يكن بين
كلمه وصوته مع طول عمره وكلم سائر الناس فرق يدل على أنه نبي فضل عن
أن يدل على أنه إله وإنما علم أنه نبي بأدلة منفصلة ولم يكن حاله يختلف مع أنهم
يقولون أن التحاد ملزم له من حين خلق ناسوته في بطن أمه مريم وإلى البد ل
يفارق اللهوت لذلك الناسوت أبدا وحينئذ فمن المعلوم أن خطابه للناس إن كان
خطاب رب العالمين لم يكن هو رسوله وإن كان خطاب رسوله لم يكن ذلك صوت
رب العالمين #الوجه الثاني أن خطابه خطاب رسول ونبي كما ثبت ذلك عنه في
عامة المواضع
95
www.anassim.fr.st 96 الن سي ــــ ـــ ـم
الثالث أن مصير الشيئين شيئا واحدا مع بقائهما على حالهما بدون الستحالة #
والختلط ممتنع في صريح العقل وإنما المعقول مع التحاد أن يستحيل ويختلطا
كالماء مع الخمر واللبن فإنهما إذا صار شيئا واحدا استحال واختلطا #الرابع أنه
مع التحاد يصير الشيئان شيئا واحدا فيكون الله هو الرسول والرسول هو الله إذ
هذا هو هذا وإن كان الله غير الرسول فهما شيئان ومهما مثلوا به قولهم كتشبيههم
ذلك بالنار في الحديد والروح في البدن فإنه يدل على فساد قولهم فإن الحديد متى
طرق أو وضع في الماء كان ذلك مصيبا للنار وكذلك البدن إذا جاع أو صلب وتألم
كان ذلك اللم مصيبا للروح فيلزم أن يكون رب العالمين قد أصابه ألم الجوع
والعطش وكذلك الضرب والصلب على قولهم وهذا شر من قول اليهود أنه فقير
وأنه بخيل وأنه مسه اللغوب
فصل #وإن كان مقصودهم الحتجاج بذلك على المسلمين قيل لهم #أول هذه
حجة جدلية فما مستندكم فيما بينكم وبين ال في تصديق شخص وتكذيب آخر مع أن
دللة الصدق فيهما واحدة بل هي في الذي كذبتموه أظهر فإن كانت حقا لزم تصديق
من كذبتموه وفسد دينكم وإن كانت باطلة بطل استدللكم بها على دينكم فثبت أنهم
مع تكذيب محمد ل يستقيم لهم الستدلل بكلم أحد من النبياء عليهم السلم #وقيل
لهم ثانيا المسلمون إنما عرفوا صدق هؤلء النبياء بما دلهم على صدق محمد فإن
لم يكن محمد صادقا لم يعرفوا صدق هؤلء فيبطل دليلكم وإن كان صادقا بطل دين
النصارى فيبطل دليل صحته فثبت بطلن دليلهم على كل تقدير #وقيل لهم ثالثا
المسلمون لم يصدقوا نبوة أحد من هؤلء إل مع نبوة محمد وإن قيل أنهم عرفوا ذلك
بطريق آخر فإن الدليل الذي يدل على صدق واحد منهم يدل على صدق محمد
بطريق الولى فل يمكنهم تصديق نبي مع تكذيب محمد
وقيل لهم رابعا هم إنما يصدقون موسى وعيسى اللذين بشرا بمحمد فإن كانا قد #
بشرا به فثبتت نبوته وإن لم يكونا بشرا به فهم ل يؤمنون إل بالمبشرين به وبالتوراة
والنجيل اللذين هو مكتوب فيهما #فإن قدر عدم ذلك فهم ل يسلمون وجود موسى
وعيسى وتوراة وإنجيل منزلين من ال ليس فيهما ذكره #وإن قالوا نحن صدقنا
هؤلء النبياء بل علم لنا بصدقهم وطريق يدل على صدقهم لن هذا دين آبائنا
وجدناهم يعظمون هؤلء ويقولون هم أنبياء فاتبعنا آباءنا في ذلك من غير علم وهذا
هو الواقع من أكثرهم قيل فإذا كان هذا قولكم في النبياء وفيما شهدوا به إن كانوا
شهدوا فيلزم أن ل يكونوا عالمين به بل متبعين فيه لبائهم بغير علم بطريق الولى
وبهذا يحصل المقصود وهو أن ما أنتم عليه من اعتقاد دين النصرانية ل علم لكم
ول دليل لكم على صحته بل أنتم فيه متبعون لبائكم كاتباع اليهود والمشركين
لبائهم #ول ريب أن هذا حال النصارى ولهذا سماهم ال ضلل في قوله ^ #ول
^ تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل
96
www.anassim.fr.st 97 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال تعالى ^ #وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا ما لهم به من علم ول لبائهم ^ #
#وقال تعالى ^ #وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم ^ #وقال
تعالى ^ #وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ^ #ولهذا كان
النصارى معروفين بالجهل والضلل كما أن اليهود معروفون بالظلم والقسوة
والعناد فتبين بما ذكرناه أنه ل يمكنهم مع تكذيب محمد في كلمة واحدة الحتجاج
بقول واحد من النبياء على شيء من دينهم ول دين غيرهم
فصل #وأما كون القرآن أنزل باللسان العربي وحده فعنه أجوبة #أحدها أن يقال
والتوراة إنما أنزلت باللسان العبري وحده وموسى عليه السلم لم يكن يتكلم إل
بالعبرية وكذلك المسيح لم يكن يتكلم بالتوراة والنجيل وغيرهما إل بالعبرية وكذلك
سائر الكتب ل ينزلها ال إل بلسان واحد بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين
يخاطبهم أول ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلم النبياء لسائر المم إما بأن يترجم لمن ل
يعرف لسان ذلك الكتاب وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه
وإما بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه وإن لم يعرف
سائر ما أرسل به #وقد أخبر ال في القرآن ما قالته الرسل لقومهم وما قالوا لهم
وأكثرهم لم يكونوا عربا وأنزله ال باللسان العربي وحينئذ فإن شرط التكليف تمكن
العباد من فهم ما أرسل به الرسول إليهم وذلك يحصل بأن يرسل بلسان يعرف به
مراده ثم جميع الناس متمكنون من معرفة مراده بأن يعرفوا ذلك اللسان أو يعرفوا
معنى الكتاب بترجمة من يترجم معناه وهذا مقدور للعباد ومن لم يمكنه فهم كلم
الرسول إل بتعلم اللغة التي أرسل بها وجب عليه ذلك فإن ما ل يتم الواجب إل به
فهو واجب بخلف ما ل يتم الوجوب إل به فإنه ليس بواجب ول يكلف ال نفسا إل
وسعها ل في الصل ول في التمام فل نحتاج أن نقول مال يتم الواجب إل به وكان
مقدورا للمكلف فهو واجب فإن ما ليس مقدورا عليه ل يكلف به العباد بل وقد يكون
مقدورا عليه ول يكلفون به #فلما كانت الستطاعة شرطا في وجوب الحج لم يجب
تحصيل الستطاعة بخلف قطع المسافات فإنه ليس شرطا في الوجوب فلهذا يجب
الحج على النسان من المسافة البعيدة والقريبة إذا كان مستطيعا #وجمهور الناس
ل يعرفون معاني الكتب اللهية التوراة والنجيل والقرآن إل بمن يبينها ويفسرها
لهم وإن كانوا يعرفون اللغة فهؤلء يجب عليهم طلب علم ما يعرفون به ما أمرهم
ال به ونهاهم عنه وهذا
هو طلب العلم المفروض على الخلق وكذلك ما بينه الرسول من معاني الكتاب الذي
أنزله ال عليه يجب على الخلق طلب علم ذلك ممن يعرفه إذا كان معرفة ذلك ل
تحصل بمجرد اللسان #كما يروى عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال تفسير
القرآن على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلمها وتفسير ل يعذر أحد
بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير ل يعلمه إل ال تبارك وتعالى فمن ادعى علمه
97
www.anassim.fr.st 98 الن سي ــــ ـــ ـم
فهو كاذب #وال تعالى قال ^ #وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم ^
#لم يقل وما أرسلنا من رسول إل إلى قومه لكن لم يرسله إل بلسان قومه الذين
خاطبهم أول ليبين لقومه فإذا بين لقومه ما أراده حصل بذلك المقصود لهم ولغيرهم
فإن قومه الذين بلغ إليهم أول يمكنهم أن
يبلغوا عنه اللفظ ويمكنهم أن ينقلوا عنه المعنى لمن ل يعرف اللغة ويمكن غيرهم أن
يتعلم منهم لسانه فيعرف مراده فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن
ينقل عن الرسول تارة المعنى وتارة اللفظ ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى والقرآن
يجوز ترجمة معانيه لمن ل يعرف العربية باتفاق العلماء
وجوز بعضهم أن يقرأ بغير العربية عند العجز عن قراءته بالعربية وبعضهم #
جوزه مطلقا وجمهور العلماء منعوا أن يقرأ بغير العربية وإن جاز أن يترجم للتفهم
بغير العربية كما يجوز تفسيره وبيان معانيه وإن كان التفسير ليس قرآنا متلوا
وكذلك الترجمة وقد قال النبي نضر ال امرءا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه
فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه
وقال أيضا في الحديث الصحيح مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل غيث #
أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكل والعشب الكثير وكانت
منها طائفة أمسكت الماء فنفع ال به الناس فزرعوا وسقوا وكانت منها طائفة إنما
هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل فذلك مثل من تفقه في دين ال ونفعه ما بعثني
ال به من الهدى والعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى ال الذي أرسلت
به #فدعا النبي لمن يبلغ حديثه وإن لم يتفقه فيه وقال رب حامل فقه غير فقيه
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه #وقد كان العارفون باللغة العربية حين بعث
ال محمدا إنما يوجدون في جزيرة العرب وما والها كأرض الحجاز واليمن
وبعض الشام والعراق ثم انتشر فصار أكثر الساكنين في وسط المعمورة العربية
حتى اليهود والنصارى الموجودون في وسط الرض يتكلمون بالعربية كما يتكلم
بها أكثر المسلمين بل
كثير من اليهود والنصارى يتكلمون بالعربية أجود مما يتكلم بها كثير من المسلمين
#وقد انتشرت هذه اللغة أكثر مما انتشرت سائر اللغات حتى أن الكتب القديمة من
كتب أهل الكتاب ومن كتب الفرس والهند واليونان والقبط وغيرهم عربت بهذه اللغة
#ومعرفة الكتب المصنفة بالعربية والكلم العربي أيسر على جمهور الناس من
معرفة الكتب المصنفة بغير العربية فإن اللسان العبري والسرياني والرومي
والقبطي وغيرها وإن عرفه طائفة من الناس فالذين يعرفون اللسان العربي أكثر
ممن يعرف لسانا من هذه اللسنة #وأيضا فمعرفة ما أمر ال عباده أمرا عاما هو
مما نقله المة عن نبيها نقل متواترا وأجمعت عليه مثل المر
98
www.anassim.fr.st 99 الن سي ــــ ـــ ـم
بشهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وأنه أرسل إلى جميع الناس أميهم
وغير أميهم وإقام الصلوات الخمس وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت
العتيق من استطاع إليه سبيل وإيجاب الصدق وتحريم الفواحش والظلم والمر
باليمان بال وملئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت هو ما يعرفه المسلمون
معرفة عامة ول يحتاج النسان في معرفة ذلك إلى أن يحفظ ا لقرآن بل يمكن
النسان معرفة ما أمر ال به على لسان رسوله وإن لم يعرف اللغة العربية ويكفيه
أن يقرأ فاتحة الكتاب وسورا معها يصلي بهن وكثير من الفرس والروم والترك
والهند والحبشة والبربر وغيرهم ل يعرفون أن يتكلموا بالعربية الكلم المعتاد وقد
أسلموا وصاروا من أولياء ال المتقين ومنهم من يحفظ القرآن كله وإذا كلم الناس ل
يستطيع أن يكلمهم إل بلسانه ل بالعربية وإذا خوطب بالعربية لم يفقه ما قيل له #
الوجه الثاني أن المسيح عليه السلم كان لسانه عبريا وكذلك ألسنة الحواريين الذين
اتبعوه أول ثم إنه أرسلهم إلى المم يخاطبونهم ويترجمون لهم ما قاله المسيح عليه
السلم فإن قالوا إن رسل المسيح حولت ألسنتهم إلى ألسنة من أرسل إليهم #قيل
هذا منقول في رسل المسيح وفي رسل محمد الذين أرسلهم إلى المم ول ريب أن
رسل رسل ال
كرسل محمد والمسيح عليه السلم إلى المم ل بد أن يعرفوا لسان من أرسلهم
الرسول إليهم أو أن يكون عند أولئك من يفهم لسانهم ولسان الرسول ليترجم لهم فإذا
لم يكن عند من أرسل المسيح إليهم من يعرف بالعربية فل بد أن يكون رسوله ينطق
بلسانهم #وكذلك رسل النبي الذين أرسلهم إلى المم فإن النبي لما رجع من الحديبية
أرسل رسله إلى أهل الرض فبعث إلى ملوك العرب باليمن والحجاز والشام
والعراق وأرسل إلى ملوك النصارى بالشام ومصر قبطهم ورومهم وعربهم
وغيرهم وأرسل إلى الفرس المجوس ملوك العراق وخراسان #قال محمد بن سعد
في الطبقات ذكر بعثة رسول ال الرسل بكتبه إلى الملوك وغيرهم يدعوهم وذكر ما
كتب به رسول ال لناس من العرب وغيرهم ثم قال أخبرنا محمد بن عمر السلمي
قال حدثني معمر
بن راشد ومحمد بن عبدال عن الزهري عن عبيدال بن عبدال عن ابن عباس قال
وعن الواقدي حدثنا أبو بكر بن عبدال بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة وحدثنا
عبدالحميد بن جعفر عن أبيه عن جدته
الشفاء وحدثنا أبو بكر بن عبدال بن أبي سبرة عن محمد بن يوسف عن السائب بن
يزيد عن العلء بن الحضرمي وحدثنا ابن محمد النصاري عن جعفر بن عمرو بن
جعفر بن
عمرو بن أمية الضمري عن أهله عن عمرو بن أمية الضمري دخل حديث بعضهم
في حديث بعض قالوا إن رسول ال لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست
99
www.anassim.fr.st 100 الن سي ــــ ـــ ـم
أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى السلم وكتب إليهم كتبا فقيل يا رسول ال إن الملوك
ل يقرأون كتابا إل مختوما فاتخذ رسول ال يومئذ خاتما من فضة فصه منه نقشه
ثلثة أسطر محمد رسول ال وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد
وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل واحد منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم
أرسل النبي إلى هرقل دحية بن خليفة الكلبي وإلى المقوقس صاحب مصر
والسكندرية حاطب بن أبي بلتعة وإلى كسرى عبدال بن حذافة السهمي وأرسل إلى
الحارث بن أبي شمر الغساني وكان نصرانيا بظاهر دمشق فبعث إليه شجاع بن
وهب السدي وأرسل إلى غير هؤلء #وقال أيضا أخبرنا الهيثم بن عدي قال
أخبرنا دلهم بن
صالح وأبو بكر الهذلي عن عبدال بن بريدة بن الحصيب السلمي قال وحدثنا محمد
بن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري وحدثنا الحسن بن عمارة عن فراس عن
الشعبي دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن رسول ال قال لصحابه ائتوني
بأجمعكم بالغداة وكان رسول ال إذا صلى الفجر يجلس في مصله قليل يسبح
ويدعو ثم التفت إليهم فبعث عدة إلى عدة وقال
فكما أن جميع المشركين كمشركي العرب وكذلك جميع أهل الكتاب كأهل الكتاب
من العرب وفي اليهود والنصارى ممن يعرف بلسان العرب من ل يحصيه إل ال
عز وجل #الوجه الخامس أنه ليس فهم كل آية من القرآن فرضا على كل مسلم
وإنما يجب على المسلم أن يعلم ما أمره ال به وما نهاه عنه بأي عبارة كانت وهذا
ممكن لجميع المم ولهذا دخل في السلم جميع أصناف العجم من الفرس والترك
والهند والصقالبة والبربر ومن هؤلء من يعلم اللسان العربي ومنهم من يعلم ما
فرض ال عليه الترجمة وقد قدمنا أنه يجوز ترجمة القرآن في غير الصلة والتعبير
كما يجوز تفسيره باتفاق المسلمين وإنما تنازعوا هل يقرأ بغير العربية تلوة كما
100
www.anassim.fr.st 101 الن سي ــــ ـــ ـم
يقرأ في الصلة فجمهور العلماء منعوا من ذلك وحينئذ فإذ قرأ العجمي فاتحة
الكتاب وسورتين معها
بالعربية أجزأه وكذلك التشهد وغيره من الذكر المأمور به وهذا أمر يسير أيسر من
أكثر الواجبات فكيف يمتنع أن يأمر ال تبارك وتعالى عباده بذلك #وأما جمل ما
أمر به الرسول من الصلة والزكاة والصوم والحج وصدق الحديث وأداء المانة
وصلة الرحم وما حرمه ال من الشرك والفواحش والظلم وغير ذلك فهذا مما يمكن
أن يعرفه كل واحد بتعريف من يعرفه إما باللسان العربي وإما بلسان آخر ل يتوقف
تعريف ذلك على لسان العرب
فصل #وأما قوله تعالى ^ إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون ^ #وقوله ^ #
ولو جعلناه قرءانا أعجميا لقالوا لول فصلت ءايته ءاعجمي وعربي ^ #وقوله ^ إنا
جعلناه قرءانا عربيا ^ #فهذا يتضمن إنعام ال على عباده لن اللسان العربي أكمل
اللسنة وأحسنها بيانا للمعاني فنزول الكتاب به أعظم نعمة على الخلق من نزوله
بغيره وهو إنما خوطب به أول العرب ليفهموه ثم من يعلم لغتهم يفهمه كما فهموه ثم
من لم يعلم لغتهم ترجمه له من عرف لغتهم وكان إقامة الحجة به على العرب أول
والنعام به عليهم أول لمعرفتهم بمعانيه قبل أن يعرفه غيرهم #قال تعالى ^ #
^ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون
وقال ^ #فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ^ #واللد جمع #
اللد وهو العوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق كما قال النبي إن أبغض
الرجال إلى ال اللد الخصم وأما قوله تعالى ^ #ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان
قومه ليبين لهم ^ #فهو كما قال تعالى وقوم محمد هم قريش وبلسانهم أرسل وهو
سبحانه لم يقل وما أرسلنا من رسول إل إلى قومه بل الرسول يبعثه ال إلى قومه
وغير قومه كما تقول النصارى أنه بعث المسيح عليه السلم والحواريين إلى غير
بني إسرائيل وليسوا من قومه فكذلك بعث محمدا إلى قومه وغير قومه ولكن إنما
يبعث بلسان قومه ليبين لهم ثم يحصل البيان لغيرهم بتوسط البيان لهم اما بلغتهم
ولسانهم وإما بالترجمة لهم ولو لم يتبين لقومه أول لم يحصل مقصود الرسالة ل لهم
ول لغيرهم وإذا تبين لقومه أول حصل البيان لهم ولغيرهم بتوسطهم وقومه إليهم
بعث أول ولهم دعا أول وأنذر أول وليس في هذا أنه لم يرسل إلى غيرهم لكن إذا
تبين لقومه لكونه بلسانهم أمكن بعد هذا أن يعرفه غير قومه إما بتعلمه بلسانهم وإما
بتعريف بلسان يفهم به والرجل يكتب كتاب علم في طب أو نحو أو حساب بلسان
قومه ثم يترجم ذلك الكتاب وينقل إلى لغات أخر وينتفع به أقوام آخرون كما ترجمت
كتب الطب والحساب التي صنفت بغير العربي وانتفع بها العرب وعرفوا مراد
أصحابها وإن كان المصنف لها أول إنما صنفها بلسان قومه وإذا كان هذا في بيان
101
www.anassim.fr.st 102 الن سي ــــ ـــ ـم
المور التي ل يتعلق بها سعادة الخرة والنجاة من عذاب ال فكيف يمتنع في العلوم
التي يتعلق بها سعادة الخرة والنجاة من العذاب أن ينقل من لسان إلى لسان حتى
يفهم أهل اللسان الثاني بها ما أراده بها المتكلم بها أول باللسان الول #وأبناء
فارس المسلمون لما كان لهم من عناية بهذا ترجموا مصاحف كثيرة فيكتبونها
بالعربي ويكتبون الترجمة بالفارسية وكانوا قبل السلم أبعد عن المسلمين من الروم
والنصارى فإذا كان الفرس المجوس قد وصل إليهم معاني القرآن بالعربي وترجمته
فكيف ل يصل إلى أهل الكتاب وهم أقرب إلى المسلمين منهم وعامة الصول التي
يذكرها القرآن عندهم شواهدها ونظائرها في التوراة والنجيل والزبور وغير ذلك
من النبوات بل كل من تدبر نبوات النبياء وتدبر القرآن جزم يقينا بأن محمدا
رسول ال حقا وأن موسى رسول ال صدقا لما يرى من تصادق الكتابين التوراة
والقرآن مع العلم بأن موسى عليه السلم لم يأخذ عن محمد وأن محمدا لم يأخذ عن
موسى فإن محمدا بإتفاق أهل المعرفة بحاله كان أميا من قوم أميين مقيما بمكة ولم
يكن عندهم من يحفظ التوراة والنجيل ول الزبور ومحمد لم يخرج من بين
ظهرانيهم ولم يسافر قط إل سفرتين إلى الشام خرج مرة مع عمه أبي طالب قبل
الحتلم ولم يكن يفارقه ومرة أخرى مع ميسرة في تجارته وكان ابن بضع
وعشرين سنة مع رفقة كانوا يعرفون جميع أحواله ولم يجتمع قط بعالم أخذ عنه
شيئا ل من علماء اليهود ول النصارى ول من غيرهم ل بحيرى ول غيره ولكن
كان بحيرى الراهب لما رآه عرفه لما كان عنده من ذكره ونعته فأخبر أهله بذلك
وأمرهم بحفظه من اليهود ولم يتعلم ل من بحيرى ول من غيره كلمة واحدة وسنبين
إن
شاء ال الدلئل الكثيرة على أنه لم يأخذ عن أحد من أهل الكتاب كلمة واحدة وقصة
بحيرى مذكورة ذكرها أرباب السير وأصحاب المسانيد والسنن #قال الحافظ أبو
عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي في جامعه حدثنا الفضل أبو العباس
البغدادي قال حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أنا يونس بن أبي إسحاق عن
أبي بكر بن أبي موسى الشعري عن أبيه قال خرج أبو طالب
إلى الشام وخرج معه النبي في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا
فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فل يخرج إليهم ول
يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول ال
فقال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه ال رحمة للعالمين فقال له
أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول حجر
إل خر ساجدا ول يسجدن إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غرضوف
كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية البل
فقال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى
فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه عليه فقال انظروا الى فيء الشجرة
102
www.anassim.fr.st 103 الن سي ــــ ـــ ـم
مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم يناشدهم أن ل يذهبوا به إلى الروم فإن الروم أن
رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم الراهب
فقال ما جاء بكم قالوا جئنا لن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إل
بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا
فقال أفرأيتم أمرا أراد ال أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا ل قال #
فتابعوه وأقاموا معه قال أنشدكم ال يا معشر العرب أيكم وليه فقال أبو طالب أنا فلم
يزل يناشده حتى رده أبو طالب وزوده الراهب من الكعك والزيت #قال الترمذي
هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ورواه البيهقي في كتاب دلئل
النبوة من حديث العباس بن محمد عن قراد بن نوح وقال العباس لم يحدث به يعني
بهذا السناد غير قراد وسمعه يحيى وأحمد من قراد #قال البيهقي أراد أنه لم
يحدث بهذا السناد سوى هؤلء فأما القصة فهي عند أهل المغازي مشهورة
وقال ابن سعد في الطبقات حدثنا محمد بن عمر قال حدثني محمد بن صالح وعبد #
ال بن جعفر وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قال لما بلغ
رسول ال اثني عشرة سنة خرج به أبو طالب إلى الشام في العير التي خرج فيها
للتجارة فنزلوا بالراهب
بحيرى فقال بحيرى لبي طالب في النبي ما قال وأمره أن يحتفظ به فرده أبو طالب
معه إلى مكة وشب رسول ال مع أبي طالب يكلؤه ال ويحفظه ويحوطه من أمور
الجاهلية ومعايبها لما يريده به من كرامته حتى بلغ أن كان رجل أفضل قومه
مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأعظمهم حلما وأمانة وأصدقهم حديثا
وأبعدهم من الفحش والذى فما رؤي ملحيا ول مماريا أحدا حتى سماه قومه
المين لما جمع فيه من المور الصالحة #وقال ابن الجوزي خرج أبو طالب إلى
الشام ومعه رسول ال وهو ابن اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام فنزل الركب
ببصرى وبها راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان ذا علم بالنصرانية ولم
يزل في تلك الصومعة راهب تنتهي إليه علم النصرانية صاغرا عن كابر وفيها
كتب يدرسونها وكان كثيرا ما يمر الركب فل يكلمهم حتى إذا كان في ذلك العام
نزلوا منزل قريبا من الصومعة فصنع لهم الراهب طعاما ودعاهم وإنما حمله على
ذلك لشيء رآه فلما رآى بحيرى ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فحضر
وأرسل إلى القوم فقال يا معشر قريش أحب أن
تحضروا طعامي ول يتخلف منكم أحدا فقال وهذا شيء تكرموني فلما حضروا عنده
جعل يلحظ النبي لحظا شديدا وينظر إلى جسده وجعل أبو طالب يخاف عليه من
الراهب ثم قال الراهب لبي طالب أرجع بابن أخيك فإنه كائن له شأن عظيم فإنا
نجد صفته في كتبنا ويروونه عن آبائنا فلما فرغوا من التجارة رجع أبو طالب
سريعا إلى مكة فما خرج بعدها به أبو طالب خوفا عليه #هذا مع أن في القرآن من
103
www.anassim.fr.st 104 الن سي ــــ ـــ ـم
الرد على أهل الكتاب في بعض ما حرفوه مثل دعواهم أن المسيح عليه السلم
صلب وقول بعضهم أنه إله وقول بعضهم أنه ساحر وطعنهم على سليمان عليه
السلم وقولهم أنه كان ساحرا وأمثال ذلك ما يبين أنه لم يأخذ عنهم #وفي القرآن
من قصص النبياء عليه السلم ما ل يوجد في التوراة والنجيل مثل قصة هود
وصالح وشعيب وغير ذلك
وفي القرآن من ذكر المعاد وتفصيله وصفة الجنة والنار والنعيم والعذاب ما ل #
يوجد مثله في التوراة والنجيل بل التوراة ليس فيها تصريح بذكر المعاد وعامة ما
فيها من الوعد والوعيد فهو في الدنيا كالوعد بالرزق والنصر والعاقبة والوعيد
بالقحط والمراض والعداء وإن كان ذكر المعاد موجودا في غير التوراة من
النبوات ولهذا كان أهل الكتاب يقرون بالمعاد وقيام القيامة الكبرى وقد قيل إن ذلك
مذكور في التوراة أيضا لكن لم يبسط كما بسط في غير التوراة
فصل #فإن قالوا إن الكتب التي عندنا من التوراة والنجيل وغيرهما ترجمها لنا
الحواريون وهم عندنا رسل معصومون وترجموها لجميع المم بخلف القرآن فإنه
إنما يترجمه من ليس بمعصوم فعن هذا أجوبة #أحدها أن هذا كذب بين فإن من
العرب من النصارى من ل يحصي عدده إل ال تعالى وكان فيهم نصارى كثيرون
تنصروا قبل مبعث محمد وكان فيهم قوم على دين المسيح الذي لم يبدل وهم
مؤمنون من أهل الجنة كسائر من كان على دين المسيح عليه السلم فإن كل من
كان على دين المسيح الذي لم يبدل قبل مبعث محمد فإنه مؤمن مسلم من أهل الجنة
#ومع هذا فليس على وجه الرض توراة ول إنجيل معرب من عهد الحواريين بل
التوراة العبرية تنقل من اللسان العبري أو غيره إلى العربية وكذلك النجيل ينقل من
اللسان الرومي أو السرياني
أو اليوناني أو غيرها إلى اللغة العربية فلو كان عند كل أمة من المم توراة وإنجيل
ونبوات بلسانهم لكان نصارى العرب أحق بهذا من نصارى الحبشة والصقالبة
والهند فإنهم جيران البيت المقدس وهم بنو إسماعيل عليه السلم والناجيل عندهم
أربعة وهم يدعون أن كل واحد كتبها بلسان كتبت بلسان العبري والرومي واليوناني
مع أن في بعض الناجيل ما ليس في بعض مثل قولهم عمدوا الناس باسم الب
والبن وروح القدس الذي جعلوه أصل دينهم وهذا إنما هو قوله في إنجيل متى وإذا
كان كل واحد من الربعة كتب إنجيل بلسانه لم يكن هناك إنجيل واحد أصلي ترجع
إليه الناجيل كلها ثم هم مع هذا يدعون أنها ترجمت باثنين وسبعين لسانا وهذا فيه
من الكذب والتناقض أمور سننبه إن شاء ال على بعضها لكن غاية ما يدعون أنه
ترجم باثنين وسبعين لسانا ومعلوم أن اللسنة الموجودة في بني آدم في جميع
المعمورة في زماننا وقبل زماننا أكثر من هذا كما يعرفه من عرف أحوال العالم بل
اللسان الواحد كالعربي والفارسي والتركي جنس تحته أنواع مختلفة ل يفهم بعضهم
104
www.anassim.fr.st 105 الن سي ــــ ـــ ـم
لسان
بعض إل أن يتعلمه منهم والعرب أقرب المم إلى بني إسحاق بني إسرائيل والعيص
فإنهم بنو إسماعيل وجيرانهم فإن أهل الحجاز جيران الشام ومكة لم تزل تحج إليها
العرب ولم يكن قط عند العرب توراة ول إنجيل عربيان من عهد المسيح عليه
السلم بل ول كان بمكة ل توراة ول إنجيل ل معرب ول غير معرب ولهذا قال
تعالى ^ #لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك ^ #فكيف يدعى أن التوراة
والنجيل ترجمها الحواريون لكل قوم من جميع بني آدم شرقا وغربا وجنوبا وشمال
بلسان يفهمونه به وهل يقول هذا إل من هو من أكذب الناس وأجهلهم #الوجه
الثاني أن يقال ترجمة الكلم من لغة إلى لغة ل تحتاج إلى معصوم بل هذا أمر
تعلمه المم فكل من عرف اللسانين أمكنه الترجمة ويحصل العلم بذلك إذا كان
المترجمون كثيرين متفرقين
ل يتواطؤون على الكذب وبقرائن تقترن بخبر أحدهم وبغير ذلك وهذا موجود
معلوم بل إذا ترجمه إثنان كل منهما ل يعرف ما يقوله الخر ولم يتواطؤوا حصل
بذلك المقصود في الغالب وهم يذكرون أن التوراة ترجمها إثنان وسبعون حبرا من
اليهود ولم يكونوا معصومين وأن الملك فرقهم لئل يتواطؤوا على الكذب واتفقوا
على ترجمة واحدة وهذا كان بعد الخراب الول فهكذا يمكن ترجمة غير التوراة #
وهذه التوراة في زماننا والنجيل والزبور يترجم باللغة العربية ويعرف المقصود به
بل ريب فكيف بالقرآن الذي يفهم أهله معناه ويفسرونه ويترجمونه أكمل وأحسن
مما يترجم اهل التوراة والنجيل التوراة والنجيل #الوجه الثالث أن دعوى
العصمة في كل واحد من الحواريين وأنهم رسل ال بمنزلة إبراهيم وموسى عليهما
السلم دعوى ممنوعة وهي باطلة وإنما هم رسل المسيح عليه السلم بمنزلة رسل
موسى ورسل إبراهيم ورسل محمد وأكثر النصارى أو كثير منهم أو كلهم يقولون
هم رسل ال وليسوا بأنبياء وكل من ليس بنبي فليس برسول ال وليس بمعصوم وإن
كانت له خوارق عادات كأولياء ال من المسلمين وغيرهم فإنه وإن كانت لهم
كرامات من الخوارق فليسوا معصومين من الخطأ
والخوارق التي تجري على يدي غير النبياء ل تدل على أن أصحابها أولياء ال
عند أكثر العلماء فضل عن كونهم معصومين فإن ولي ال من يموت على اليمان
ومجرد الخارق ل يدل على أنه يموت على اليمان بل قد يتغير عن ذلك الحال وإذا
قطعنا بأن الرجل ولي ال كمن أخبر النبي بأنه من أهل الجنة فل يجب اليمان بكل
ما يقوله إن لم يوافق ما قالته النبياء بخلف النبياء عليهم السلم فإنهم معصومون
ل يجوز أن يستقر فيما يبلغونه خطأ ولهذا أوجب ال اليمان بهم ومن كفر بواحد
منهم فهو كافر ومن يسب واحدا منهم وجب قتله في شرع السلم كما قال تعالى #
^ قولوا ءامنا بال ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والسباط ومآ أوتي موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد
105
www.anassim.fr.st 106 الن سي ــــ ـــ ـم
منهم ونحن له مسلمون فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم
في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^ #وقال تعالى ^ #ءامن الرسول بمآ
أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد
^ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
فصل #وأما قولهم ل يلزمنا اتباعه لننا نحن قد أتانا رسل من قبله خاطبونا
بألسنتنا وأنذرونا بديننا الذي نحن متمسكون به يومنا هذا وسلموا إلينا التوراة
والنجيل بلغتنا على ما يشهد لهما الكتاب الذي أتى به هذا الرجل حيث يقول في
سورة إبراهيم ^ #ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ #وقال في سورة النحل
^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول ^ #فالجواب عنه من وجوه #أحدها أن إثبات
رسول من قبله إليكم ل يمنع إتيان رسول ثان فإن بني إسرائيل قد بعث ال إليهم
موسى عليه السلم وكانوا على شريعة التوراة ثم بعث ال تبارك وتعالى إليهم
المسيح عليه السلم ووجب عليهم اليمان به ومن لم يؤمن به كان كافرا وإن قال
إني متمسك بالكتاب الذي أنزل إلي #فكذلك إذا أرسل ال رسول بعد المسيح وجب
اليمان به ومن لم يؤمن به كان كافرا كما أن من لم يؤمن بالمسيح من بني إسرائيل
كان كافرا #وبنو إسرائيل أكثر إختصاصا بموسى والتوراة من الروم وغيرهم
فالمسيح والنجيل فإنهم كانوا عبرانيين والتوراة عبرانية #الوجه الثاني دعواهم
أنهم متمسكون في هذا الوقت بالدين الذي نقله الحواريون عن المسيح عليه السلم
كذب ظاهر بل هم عامة ما هم عليه من الدين عقائده وشرائعه كالمانة والصلة إلى
المشرق واتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس واتخاذها وسائط والستشفاع
بأصحابها وجعل العياد بأسمائهم وبناء الكنائس على أسمائهم واستحلل الخنزير
وترك الختان والرهبانية وجعل الصيام في الربيع وجعله خمسين يوما والصلوات
والقرابين والناموس
نسجد للمسيح إلهنا وفي الصلة الثانية والثالثة يا والدة الله مريم العذراء افتحي لنا
أبواب الرحمة #الوجه الثالث قولهم أنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل بلغاتهم إنما
يستقيم إن كان صحيحا في بعض النصارى ل في جميعهم فإن العرب من النصارى
وغير العرب لم يسلم أحد إليهم توراة ول إنجيل بلسانهم وهذا أمر معروف ول
106
www.anassim.fr.st 107 الن سي ــــ ـــ ـم
من أهل الكتاب #وأولئك البقايا الذين كانوا متمسكين بدين المسيح قبل مبعث محمد
كانوا على دين ال عز وجل وأما من حين بعث محمد فمن لم يؤمن به فهو من أهل
النار كما قال في الحديث الصحيح والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة
يهودي ول نصراني ثم يموت ول يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار
#الوجه الخامس أن يقال دعواهم أن الرسل سلموا إليهم التوراة والنجيل وسائر
النبوات باثنين وسبعين لسانا وأنها باقية إلى اليوم على لفظ واحد دعوى يعلم أن
قائلها يتكلم بل علم بل مفتر كذاب وذلك أن هذا يقتضي أنه الن في الرض هذه
الكتب باثنين وسبعين لسانا كلها منقولة عن الحواريين وكلها متفقة غير مختلفة البتة
فهذا أربع دعاوي أنها موجودة باثنين وسبعين لسانا وأنها متفقة وأنها كلها منقولة
عن الحواريين الرابعة أنهم معصومون #فيقال من الذي منكم لو قدر أن هذه الكتب
التي باثنين
وسبعين لسانا هي عن الحواريين وهي موجودة اليوم فمن الذي يمكنه أن يشهد
بموافقة بعضها بعضا وذلك ل يمكن إل لمن يعلم الثنين وسبعين لسانا ويكون ما
عنده من الكتب يعلم أنها مأخوذة عن الحواريين ويعلم أن كل نسخة في العالم بهذا
اللسان توافق النسخة التي عنده وإل فلو جمع اثنين وسبعين نسخة باثنين وسبعين
لسانا لم يعلم أن كل نسخة من هذه هي المأخوذة عن الحواريين إن قدر أنه أخذ عنهم
اثنان وسبعون لسانا ول يعلم أن كل نسخة في العالم توافق تلك النسخة فإنه من
المعلوم أنه في زماننا وقبل زماننا لم تزل هذه الكتب تنقل من لسان إلى لسان كما
يترجم من العبرانية إلى العربية ومن السريانية والرومية واليونانية إلى العربية
وغيرها #وحينئذ فإذا وجدت نسخة بالعربية لم يعلم أنها مما عربت بعد الحواريين
أو هي من المأخوذ عن الحواريين إذا قدر أنه أخذ عنهم نسخة بالعربية ول يمكن
لحد أن يجمع جميع النسخ المعربة ويقابل بينها بل وقد وجدنا النسخ المعربة يخالف
بعضها بعضا في الترجمة مخالفة شديدة تمنع الثقة ببعضها وقد رأيت أنا بالزبور
عدة نسخ معربة بينها من الختلف ما ل يكاد ينضبط وما يشهد بأنها مبدلة مغيرة
ل يوثق بها ورأيت من التوراة المعربة من النسخ ما يكذب بكثير من ترجمتها طائفة
من أهل الكتاب فكيف يمكنه أن يجمع جميع النسخ التي بالثنين وسبعين لسانا
107
www.anassim.fr.st 108 الن سي ــــ ـــ ـم
القديمة المأخوذة عن الحواريين ثم يقابل بين نسخ جميع اللسنة ول يمكن ذلك إل
لمن يكون عارفا بالثنين وسبعين لسانا معرفة تامة وليس في بني آدم من يقدر على
ذلك ولو قدر وجود ذلك فلم يعرف أن القادر على ذلك فعل ذلك وأخبرنا باتفاقها #
ولو وجد ذلك لكان هذا خبر واحد أو أن يترجم كل لسان من يعلم صحة ترجمته
حتى تنتهي الترجمة إلى لسان واحد كالعربي مثل ويعلم حينئذ اتفاقها وإل فإذا ترجم
هذا الكتاب بلسان أو لسانين أو أكثر وترجم الخر كذلك لم يعلم اتفاقها إن لم يعلم أن
المعنى بهذا اللسان هو المعنى بهذا اللسان وهذا ل يكون إل ممن يعرف اللسانين أو
من يترجم له اللسانين باللسان الذي يعرفه #ومعلوم أن أحدا لم يترجم له الثنان
وسبعون لسانا بلسان واحد أو ألسنة يعرفها ول يعرف أحد باثنين وسبعين لسانا #
وحينئذ فالجزم باتفاق جميع الكتب المكتوبة باثنين وسبعين لسانا أو الجزم بأن نسخ
كل لسان متفقة جزم بما ل يعلم صحته لو لم يكن في الرض اليوم الثنان وسبعون
لسانا منقولة عن الحواريين لم تختلط بالمترجم بعد ذلك فكيف وأكثر ما بأيدي الناس
هو مما ترجم بعد ذلك بالعربي وغيره #هذا إذا ثبت أن الحواريين سلموها باثنين
وسبعين لسانا وأنها باقية
إلى اليوم وهذا أمر ل يمكن أحدا معرفته فليس اليوم توراة وإنجيل ونبوات يشهد لها
أحد أنها مترجمة باللسان العربي من عهد الحواريين بل ول بأكثر اللسنة وإل فإذا
قدر أن الحواريين سلموها باثنين وسبعين لسانا مع حصول الترجمة بعد ذلك وكثرة
المترجمات أمكن وقوع التغيير في بعض المترجمات وحينئذ فالعلم بأن تلك النسخ
القديمة ل تتغير فيها ل يمنع وقوع التغيير في بعض ما ترجم بعدها أو في بعض ما
نسخ منها ول سبيل إلى العلم باتفاقها مع كونها باثنين وسبعين لسانا بخلف القرآن
الذي هو بلسان العرب وخط العرب فإن العلم باتفاق ما يوجد من نسخة ممكن وهو
محفوظ في الصدور ول يحتاج إلى حفظ في الكتب فهو منقول بالتواتر لفظا وخطا
#الوجه السادس قولهم وسلموا إلينا التوراة والنجيل بلساننا على ما يشهد لهما
الكتاب الذي أتى به هذا الرجل فيقال لهم ليس في القرآن ما يشهد لكم بأن التوراة
والنجيل سلمت إليكم بلسانكم فاستشهادكم بالقرآن على هذه الدعوى من جنس
استشهادكم به على أن دينكم حق #ومن جنس استشهادكم بالنبوات على ما
أحدثتموه وغيرتم به دين
المسيح عليه السلم من التثليث والتحاد وغير ذلك وقولهم حيث يقول ال ^ #ومآ
أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ #وقال تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول
^ #فيقال ل ريب أن قوم موسى عليه السلم هم بنو إسرائيل وبلسانهم نزلت
التوراة وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلم وبلسانهم كان المسيح يتكلم
فلم يخاطب أحد من الرسولين أحد إل باللسان العبراني لم يتكلم أحد منهما ل برومية
ول سريانية ول يونانية ول قبطية #وقوله تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول
108
www.anassim.fr.st 109 الن سي ــــ ـــ ـم
^ #كلم مطلق عام كقوله ^ #وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ #ليس في هذا
تعرض لكون التوراة والنجيل سلمت إليهم بألسنتهم #الوجه السابع أن يقال عمدتهم
في هذه الحجة أنهم يقولون
وقال تعالى ^ #وإذ أوحيت إلى الحوارين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا #
واشهد بأننا مسلمون ^ #وقال تعالى ^ #يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار ال كما
قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال
فامنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم
فأصبحوا ظاهرين ^ #وسيأتي الكلم على هذا مبسوطا ونبين أن الرسل
المذكورين في سورة يس ليس هم الحواريين ول كانوا رسل للمسيح بل كان هذا
الرسال قبل المسيح وأهل القرية كذبوا أولئك الرسل فأهلكهم ال كما قال تعالى #
^ ومآ أنزلنا على قومه من بعده من جند من السمآء وما كنا منزلين إن كانت إل
صيحة واحدة فإذا هم خامدون ^ #والرسل المذكورون في سورة يس هم ثلثة
وكان في القرية رجل آمن بهم وهذه وإن كانت أنطاكية فكان هذا الرسال قبل
المسيح والمسيح عليه السلم ذهب إلى أنطاكية اثنان من أصحابه بعد رفعه
إلى السماء ولم يعززوا بثالث ول كان حبيب النجار موجودا إذ ذاك وآمن أهل
أنطاكية بالمسيح عليه السلم وهي أول مدينة آمنت به كما قد بسط في غير هذا
الموضع #والمقصود هنا أن محمدا لم يشهد للمسيح باللهية ول للحواريين بأنهم
رسل ال ول أنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل بلسانهم ول بأنهم معصومون وما
ذكروه من قوله تعالى ^ #ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ #إنما يتناول
رسل ال ل رسل رسل ال بل رسل رسل ال يجوز أن يبلغوا رسالت الرسل بلسان
الرسل إذا كان هناك من يترجم لهم ذلك اللسان وإن لم يكن هناك من يترجم ذلك
اللسان كانت رسل الرسل
109
www.anassim.fr.st 110 الن سي ــــ ـــ ـم
تخاطبهم بلسانهم لكن ل يلزم من هذا أن يكونوا قد كتبوا الكتب اللهية بلسانهم بل
يكفي أن يقرأوها بلسان النبياء عليهم السلم ثم يترجموها بلسان أولئك وهو سبحانه
قال ^ #ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ #ولم يقل وما أرسلنا من رسول
إل إلى قومه بل محمد أرسل بلسان قومه وهم قريش وأرسل إلى قومه وغير قومه
كما يذكرون ذلك عن المسيح عليه السلم
فصل #وأما قوله تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول ^ #فحق وتمام الية
^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى
ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة
المكذبين ^ #وهذا كقوله تعالى في الية الخرى ^ #إنآ أرسلناك بالحق بشيرا
ونذيرا وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ #وقوله ^ #إنمآ أنت منذر ولكل قوم هاد
^ #في أصح القوال أي ولكل قوم داع يدعوهم إلى توحيد ال
وعبادته كما أنت هاد أي داع لمن أرسلت إليه والهادي بمعنى الداعي المعلم المبلغ
ل بمعنى الذي يجعل الهدى في القلوب كقوله ^ #وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم
صراط ال الذي له ما في السموات وما في الرض ^ #وقوله ^ وأما ثمود
فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ^ #ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا أكثر المم
أنبياء بعث إليهم موسى وبعث إليهم بعده أنبياء كثيرون حتى قيل إنهم ألف نبي
وكلهم يأمرون بشريعة التوراة ول يغيرون منها شيئا ثم جاء المسيح بعد ذلك
بشريعة أخرى غير فيها بعض شرع التوراة بأمر ال عز وجل #فإذا كان إرسال
موسى والنبياء بعده إليهم لم يمنع إرسال المسيح إليهم فكيف يمتنع إرسال محمد
إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى ولهم من حين المسيح لم يأتهم رسول من ال
كما قال تعالى ^ #يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل
أن تقولوا
ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير ^ #
وهذه الفترة التي كانت بين المسيح ومحمد صلوات ال عليهما وسلمه وهي فيما
ذكره غير واحد من العلماء كسلمان الفارسي وغيره كانت ستمائة سنة وقد قيل
ستمائة سنة شمسية وهي ستمائة وعشرون أو ثمانية عشر هللية وذلك أن كل مائة
سنة شمسية تكون مائة وثلث سنين هللية كما قال تعالى ^ #ولبثوا في كهفهم
ثلث مئة سنين وازدادوا تسعا ^ #وهذه التسع وبعض العاشرة والتاريخ قد تحسب
فيه التامة وتحسب فيه الناقصة فمن قال عشرين حسب الناقصة ومن قال ثمانية
عشر حسب التامة فقط
110
www.anassim.fr.st 111 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وأما قولهم نعلم أن ال عدل وليس من عدله أن يطالب أمة يوم القيامة
باتباع إنسان لم يأت إليهم ول وقفوا له على كتاب بلسانهم ول من جهة داع من قبله
فيقال الجواب من وجوه #أحدها أن هذا الكلم ل يجوز أن يقوله من كتب هذا
الكتاب ول أحد يفهم بالعربية فإن هؤلء يفهمون هذا الكتاب بالعربية وقد قرءوه
وناظروا بما فيه وإذا كانوا مع ذلك يفهمون بغير العربية كان ذلك أبلغ في قيام
الحجة عليهم فإنهم يمكنهم فهم ما قال بالعربية وتفهيم ذلك لقومهم باللسان الخر #
الثاني كما أنهم يفهمون ما في كتبهم الرومية والسريانية والقبطية وغيرها
ويترجمونها للعرب من النصارى بالعربية فإذا قامت الحجة على عرب النصارى
باللسان الرومي فلن تقوم على الروم باللسان العربي أولى فإن اللسان العربي أكثر
انتشارا في العالم من اللسان الرومي والناطقون به بعد ظهور السلم أكثر من
الناطقين بغيره وهو أكمل بيانا وأتم تفهما
وحينئذ فيكون وصول المعاني به إلى غير أهل لسانه أيسر لكمال معناه ولكثرة #
العارفين به وهؤلء علماء النصارى يقرءون كتب الطب والحساب والفلسفة وغير
ذلك باللسان العربي مع أن مصنفيها كانوا عجما من رومي ويوناني وغير ذلك فما
المانع أن يقرأ القرآن العربي وتفسيره وحديث النبي باللسان العبري مع أنه أخذ عن
الرسول بالعربي فهو أولى بأن يعرف به مراد المتكلم به #الوجه الثالث أن يقال
الناس لهم في عدل ال ثلثة أقوال قيل كل ما يكون مقدورا فهو عدل وقيل العدل
منه نظير العدل من عباده وهما قولن ضعيفان وقيل من عدله أن يجزي المحسن
بحسناته ل ينقصه شيئا منها ول يعاقبه بل ذنب #ومعلوم أنه إذا أمر العبد بما يقدر
عليه كان جائزا باتفاق طوائف أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وإن كان
الفعل مكروها للنسان فإن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات وقد كلفت
بنو إسرائيل والنصارى من العمال ما هو مكروه لهم وشاق عليهم فكيف يمتنع أن
يأمرهم وينهاهم بلغة يبين بعض المسلمين معناها لهم والعرب الذي نزل القرآن
بلسانهم طبقوا الرض ومنهم نصارى ل يحصون فكل من عرف بالعربية من
النصارى أمكنه فهم ما يقال بالعربي ومن كان منهم روميا كان له أسوة من أسلم من
سائر طوائف العاجم كالفرس والترك والهند والبربر والحبشة وغيرهم وهو متمكن
من معرفة ما أمره ال والعمل به كما يمكن هؤلء كلهم بل
الروم أقدر على ذلك من غيرهم فلي وجه يمتنع أن يأمرهم ال بذلك وما ل يتم
الواجب إل به إذا كان مقدورا للعبد فعليه أن يفعله باتفاق أهل الملل المسلمين
واليهود والنصارى #وإنما تنازع الناس فيه هل يسمى واجبا فقيل يسمى واجبا
وقيل ل يسمى واجبا فإن المر لم يقصده بالمر وقد ل يخطر بباله إذا كان المر
مخلوقا #قال هؤلء ولن الواجب ما يذم تاركه شرعا أو يعاقب تاركه شرعا أو ما
يستحق تاركه الذم أو ما يكون تركه سببا للذم أو العقاب وقالوا وما ل يتم الواجب
إل به ل يستحق تاركه الذم والعقاب فإن الحج إذا وجب على شخصين أحدهما بعيد
والخر قريب ولم يفعله لم تكن عقوبة البعيد على الترك أعظم من عقوبة القريب
111
www.anassim.fr.st 112 الن سي ــــ ـــ ـم
مع أن المسافة التي ل بد لهما من قطعها أكثر #وكذلك من وجب عليه قضاء دينه
من غير احتياج إلى بيع شيء من ماله ليست عقوبته على الترك بأقل من عقوبة من
يحتاج إلى بيع مال له ليقضي به دينه #وفصل الخطاب أن مال يتم الواجب إل به
هو من لوازم وجود الواجب ووجود الملزوم بدون لزمه ممتنع فالمأمور به ل
يمكن فعله إل بلوازمه والمنهي عنه ل يمكن تركه إل بترك ملزوماته لكن هذا
الملزوم لزوم عقلي أو عادي فوجوبه وجوب عقلي عادي ل أن المر
نفسه قصد إيجابه والذم والعقاب على تركه #وتنازع الناس هل يقال مال يتم
الواجب إل به فهو واجب سواء كان وجوبه شرعيا أو عقليا أو يحتاج أن يقال ما ل
يتم الواجب إل به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب #فالجمهور أطلقوا العبارة
الولى وبعض المتأخرين قيدوها بالقدرة ول حاجة إلى ذلك فإن ما لم يكن مقدورا
ينتفي الوجوب مع انتفائه فيكون شرطا في الوجوب ل في فعل الواجب والجمهور
قالوا ما ل يتم الواجب إل به فإنه يجب #والمقصود هنا أن ال إذا أوجب على
العباد شيئا واحتاج أداء الواجب إلى تعلم شيء من العلم كان تعلمه واجبا فإذا كان
معرفة العبد لما أمره ال به تتوقف على أن يعرف معنى كلم تكلم به بغير لغته
وهو قادر على تعلم معنى تلك اللفاظ التي ليست بلغته أو على معرفة ترجمتها
بلغته وجب عليه تعلم ذلك #ولو جاءت رسالة من ملك إلى ملك بغير لسانه لطلب
من يترجم مقصود الملك المرسل ولم يجز أن يقول أنت لم تبعث إلي من يخاطبني
بلغتي مع قدرته على أن يفهم مراده بالترجمة فكيف يجوز أن يقال ذلك لرب
العالمين ولو أمر به بعض الملوك بعض رعاياه وجنوده بلغته وهم قادرون على
معرفة ما أمرهم به إما بتعلم لغته وإما
بمن يترجم لهم ما قاله لم يكن ذلك ظلما فكيف يكون ظلما من رب العالمين مع أنه
ليس بظلم من المخلوقين #ولو وجب لبعض الرعية حق على بعض أو ظلم بعضهم
بعضا لوجب على الملك أن ينصف المظلوم ويرسل إلى الظالم من يأمره بالعدل
والنصاف ويعاقبه إذا لم ينصف إذا كان الظالم متمكنا من معرفة أمر الملك
بالترجمة أو غيرها وهذا هو العدل ليس العدل أن يترك الناس ظالمين في حق ال
وحق عباده وال تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط كما قال تعالى #
^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ^ #
فليس لحد ممن أرسل إليه رسول وهو قادر على معرفة ما أرسل به إليه بالترجمة
أو غير الترجمة أن يمتنع من شرع ال الذي أنزله وهو القسط الذي بعث به رسوله
لكون الرسول ليس لغته لغته مع قدرته على أن يعرف مراده بطرق متعددة #
والناس في مصالح دنياهم يتوسل أحدهم إلى معرفة مراد الخر بالترجمة وغيرها
فيتبايعون وبينهم ترجمان يبلغ بعضهم عن بعض ويتراسلون في عمارة بلدهم
وأغراض نفوسهم بالتراجم الذين يترجمون لهم وأمر الدين أعظم من أمر الدنيا
فكيف ل يتوسلون إلى معرفة مراد بعضهم من بعض وكيف يكون أمر الدنيا أهم من
أمر الدين إل عند من أغفل ال قلبه عن ذكر ربه واتبع هواه وأعرض عن
112
www.anassim.fr.st 113 الن سي ــــ ـــ ـم
ذكر ربه ولم يرد إل الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم #قال تعالى ^ #فأعرض
عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إل الحياة الدنيا ^ #وقال تعالى ^ #واصبر نفسك
مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد
زينة الحياة الدنيا ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ^
#الوجه الرابع أنه من العجب أن تعد النصارى مثل هذا ظلما خارجا عن العدل
وهم قد نسبوا إلى ال من الظلم العظيم على هذا الصل ما لم ينسبه إليه أحد من
المم كما سبوه وشتموه مسبة ما سبه إياها أحد من المم فهم من أبعد المم عن
توحيده وتمجيده وحمده والثناء عليه وذلك أنهم يزعمون أن آدم لما أكل من الشجرة
غضب الرب عليه وعاقبه وأن تلك العقوبة بقيت في ذريته إلى أن جاء المسيح
وصلب وأنه كانت الذرية في حبس إبليس فمن مات منهم ذهبت روحه إلى جهنم في
حبس إبليس حتى قالوا ذلك في النبياء نوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان
وغيرهم #ومعلوم أن إبراهيم كان أبوه كافرا ولم يؤاخذه ال بذنب أبيه فكيف
يؤاخذه بذنب آدم وهو أبوه البعد هذا لو قدر أن آدم لم يتب فكيف وقد أخبر ال عنه
بالتوبة ثم يزعمون أن الصلب الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا به خلص ال آدم
وذريته من عذاب الجحيم وبه عاقب إبليس مع أن إبليس ما زال عاصيا ل مستحقا
للعقاب من حين امتنع من السجود لدم ووسوس لدم إلى حين مبعث المسيح والرب
قادر على عقوبته وبنو آدم ل عقوبة عليهم في ذنب أبيهم فمن كان قولهم مثل هذه
الخرافات التي هي مضاحك العقلء والتي ل تصلح أن تضاف إلى أجهل الملوك
وأظلمهم فكيف يدعون مع هذا أنهم يصفون ال بالعدل ويجعلون من عدله أنه ل
يأمر النسان بتعلم ما يقدر على تعلمه وفيه صلح معاشه ومعاده ويجعلون مثل هذا
موجبا لتكذيب كتابه ورسله والصرار على تبديل الكتاب الول وتكذيب الكتاب
الخر وعلى أنه يتضمن مخالفة موسى وعيسى وسائر النبياء والرسل #
والنصارى يقولون إن المسيح الذي هو عندهم اللهوت والناسوت جميعا إنما مكن
الكفار من صلبه ليحتال بذلك على عقوبة إبليس قالوا فأخفى نفسه عن إبليس لئل
يعلم ومكن أعداءه من أخذه وضربه والبصاق في وجهه ووضع الشوك على رأسه
وصلبه وأظهر الجزع من الموت وصار يقول يا إلهي لم سلطت أعدائي علي
ليختفي بذلك عن إبليس فل يعرف إبليس أنه ال أو ابن ال ويريد إبليس أن يأخذ
روحه إلى الجحيم كما أخذ أرواح نوح وإبراهيم
وموسى وغيرهم من النبياء والمؤمنين فيحتج عليه الرب حينئذ ويقول بماذا
استحللت يا إبليس أن تأخذ روحي فيقول له إبليس بخطيئتك فيقول ناسوتي ل خطيئة
له كنواسيت النبياء فإنه كان لهم خطايا استحقوا بها أن تؤخذ أرواحهم إلى جهنم
وأنا ل خطيئة لي #وقالوا فلما أقام ال الحجة على إبليس جاز للرب حينئذ أن يأخذ
إبليس ويعاقبه ويخلص ذرية آدم من إذهابهم إلى الجحيم وهذا الكلم فيه من الباطل
ونسبة الظلم إلى ال ما يطول وصفه فمن هذا قوله فقد قدح في علم الرب وحكمته
113
www.anassim.fr.st 114 الن سي ــــ ـــ ـم
وعدله قدحا ما قدحه فيه أحد وذلك من وجوه #أحدها أن يقال إبليس إن كان أخذ
الذرية بذنب أبيهم فل فرق بين ناسوت المسيح وغيره وإن كان بخطاياهم فلم
يأخذهم بذنب أبيهم وهم قالوا إنما أخذهم بذنب آدم #الثاني أن يقال من خلق بعد
المسيح من الذرية كمن خلق قبله فكيف جاز أن يمكن إبليس من الذرية المتقدمين
دون المتأخرين وكلهم بالنسبة إلى آدم سواء وهم أيضا يخطئون أعظم من خطايا
النبياء المتقدمين فكيف جاز تمكين إبليس من عقوبة النبياء المتقدمين ولم يمكن من
عقوبة الكفار والجبابرة الذين كانوا بعد المسيح #الوجه الثالث أن يقال أخذ إبليس
لذرية آدم وإدخالهم جهنم إما أن يكون ظلما من إبليس وإما أن يكون عدل فإن كان
عدل
فل لوم على إبليس ول يجوز أن يحتال عليه ليمتنع من العدل الذي يستحقه بل يجب
تمكينه من المتأخرين والمتقدمين #وإن كان ظلما فلم ل يمنعه الرب منه قبل
المسيح #فإن قيل لم يقدر فقد نسبوه إلى العجز وإن قيل قدر على دفع ظلم إبليس
ولم يفعله فل فرق بين دفعه في زمان دون زمان إن جاز ذلك جاز في كل زمان
وإن امتنع امتنع في كل زمان #الوجه الرابع أن إبليس إن كان معذورا قبل المسيح
فل حاجة إلى عقوبته ول ملم عليه وإن لم يكن معذورا استحق العقوبة ول حاجة
إلى أن يحتال عليه بحيلة تقام بها الحجة عليه #الوجه الخامس إنه بتقدير أنه لم يقم
عليه الحجة قبل الصلب فلم يقم عليه حجة بالصلب فإنه يمكنه أن يقول أنا ما علمت
أن هذا الناسوت هوناسوت الرب وأنت يا رب قد أذنت لي أن آخذ جميع ذرية آدم
فأوديهم إلى الجحيم فهذا واحد منهم وما علمت أنك أو ابنك اتحد به ولو علمت ذلك
لعظمته فأنا معذور في ذلك فل يجوز أن تظلمني #الوجه السادس أن نقول أن
إبليس يقول حينئذ يا رب فهذا
الناسوت الواحد أخطأت في أخذ روحه لكن سائر بني آدم الذين بعده لي أن أحبس
أرواحهم في جهنم كما حبست أرواح الذين كانوا قبل المسيح إما بذنب أبيهم وإما
بخطاياهم أنفسهم وحينئذ فإن كان ما يقوله النصارى حقا فل حجة ل على إبليس #
الوجه السابع أن يقال هب أن آدم أذنب وبنوه أذنبوا بتزيين الشيطان فعقوبة بني آدم
على ذنوبهم هي إلى ال أو إلى إبليس فهل يقول عاقل أن إبليس له أن يغوي بني آدم
بتزيينه لهم ثم له أن يعاقبهم جميعا بغير إذن من ال في ذلك وهل هذا القول إل من
قول المجوس الثنوية الذين يقولون إن كل ما في العالم من الشر من الذنوب والعقاب
وغير ذلك هو من فعل إبليس لم يفعل ال شيئا من ذلك ول عاقب ال أحدا على ذنب
#ول ريب أن هذا القول سرى إلى النصارى من المجوس لهذا ل ينقلون هذا القول
في كتاب منزل ول عن أحد من الحواريين ولهذا كان المانوية دينهم مركبا من دين
النصارى والمجوس وكان رأسهم ماني نصرانيا مجوسيا فالنسب بين النصارى
والمجوس بل وسائر المشركين نسب معروف
الوجه الثامن أن يقال إبليس عاقب بني آدم وأدخلهم جهنم بإذن ال أو بغير إذنه # #
114
www.anassim.fr.st 115 الن سي ــــ ـــ ـم
إن قالوا بإذنه فل ذنب له ول يستحق أن يحتال عليه ليعاقب ويمتنع وإن كان بغير
إذنه فهل جاز في عدل ال أن يمكنه من ذلك أم لم يجز فإن جاز ذلك في زمان جاز
في جميع الزمنة وإن لم يجز في زمان لم يجز في جميع الزمنة فل فرق بين ما
قبل المسيح وما بعده #الوجه التاسع أن يقال هل كان ال قادرا على منع إبليس
وعقوبته بدون هذه الحيلة وكان ذلك عدل منه لو فعله أم ل فإن كان ذلك مقدورا له
وهو عدل منه لم يحتج أن يحتال على إبليس ول يصلب نفسه أو إبنه ثم إن كان هذا
العدل واجبا عليه وجب منع إبليس وإن لم يكن واجبا جاز تمكينه في كل زمان فل
فرق بين زمان وزمان #وإن قيل لم يكن قادرا على منع إبليس فهو تعجيز للرب
عن منع إبليس وهذا من أعظم الكفر باتفاق أهل الملل من جنس قول
الثنوية الذين يقولون لم يكن يقدر النور أن يمنع الظلمة من الشر ومن جنس قول
ديمقراطيس والحنانين الذين يقولون لم يمكن واجب الوجود أن يمنع النفس من
ملبسه الهيولي بل تعلقت النفس بها بغير اختياره #الوجه العاشر أن ما فعله به
الكفار اليهود الذين صلبوه طاعة ل أو معصية فإن كان طاعة ل استحق اليهود
الذين صلبوه أن يثيبهم ويكرمهم على طاعته كما يثيب سائر المطيعين له والنصارى
متفقون على أن أولئك من أعظم الناس إثما وهم من شر الخلق وهم يستحلون من
دمهم ولعنتهم ما ل يستحلونه من غيرهم بل
يبالغون في طلب اليهود وعقوبتهم في آخر صومهم اليام التي تشبه أيام الصليب
وإن كان أولئك اليهود عصاة ل فهل كان قادرا على منعهم من هذه المعصية أم ل
فإن لم يكن قادرا لم يكن قادرا على منع إبليس من ظلم الذرية في الزمن المستقبل
وإن كان قادرا على منعهم من المعاصي ولم يمنعهم كان قادرا على منع إبليس بدون
هذه الحيلة وإذا كان حسنا منه تمكينهم من هذه المعصية كان حسنا منه تمكين إبليس
من ظلم الذرية في الماضي والمستقبل فل حاجة إلى الحيلة عليه #واعلم أن الوجوه
الدالة على فساد دين النصارى كثيرة جدا وكلما تصور العاقل مذهبهم وتصور
لوازمه تبين له فساده لكن المقصود هنا بيان تناقضهم في أنهم يقيمون عذر أنفسهم
في ترك اليمان بكتابه ورسوله ودينه لكونه سبحانه عدل ل يأمر الناس بما
يعجزون عنه وهو سبحانه لم يأمرهم إل بما يقدرون عليه وقد نسبوا إليه من الظلم
ما لم ينسبه إليه أحد من بني آدم يوضح هذا #الوجه الحادي عشر وهو أنه إما أن
يقال في الظلم بقول الجهمية المجبرة الذين يقولون يفعل ما يشاء بل حكمة ول سبب
ول مراعاة عدل وإما أن يقال بقول القدرية أنه يجب عليه العدل الذي يجب على
المخلوقين وإما أن يقال هو عادل منزه عن الظلم ولكن ليس عدله كعدل المخلوق
فهذه أقوال الناس الثلثة #فإن قيل بالول جاز أن يسلط إبليس على جميع الذرية
بل ذنب وأن يعاقبهم جميعا بل ذنب ول حاجة حينئذ إلى الحيلة على إبليس #وإن
قيل بالثاني فمعلوم أن الواحد من الناس لو علم أن بعض مماليكه أمر غيره بذنب
يكرهه السيد ففعله كان العدل منه أن يعاقب المر والمأمور جميعا #وأما تسليطه
115
www.anassim.fr.st 116 الن سي ــــ ـــ ـم
للمر على عقوبة المأمور فليس من العدل وكذلك تسليط المر الظالم على جميع
ذرية المأمور الذين لم يذنبوا ذنب أبيهم ليس من العدل #وإن قيل بل هو إستحق أن
يستعبدهم لكون أبيهم أطاعه قيل فحينئذ يستحق أن يأسر الولين والخرين فل
يجوز أن يمنع من حقه بالحتيال عليه #وإن قيل إنما يستحق أخذهم خطاياهم قيل
فله أن يأخذ الولين والخرين #وإن قيل هو لما طلب أخذ روح ناسوت المسيح
منع بهذا الذنب قيل هذا إن كان ذنبا فهو أخف ذنوبه فإنه لم يعلم أنه ناسوت الله
وإذا إستحق الرجل أن يسترق أولد غيره فطلب رجل
ليسترقه لظنه أنه منهم ولم يكن منهم لم يكن هذا ذنبا يمنع استرقاق الباقين #وإن
قيل إن عدل الرب ليس كعدل المخلوقين بل من عدله أن ل ينقص أحدا من حسناته
ول يعاقبه إل بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم ولم يجز أن يعاقب
النبياء الذين ليس لهم ذنب إل ذنب تابوا منه بذنب غيرهم فإن النبياء معصومون
أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة
فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم إن قدر أنه مات مصرا على الذنب مع أن هذا
تقدير باطل ولو قدر أن النبياء لهم خطايا يستحقون بها العقوبة بعد الموت وتسليط
إبليس على عقوبتهم مع أن هذا تقدير باطل فمن بعد المسيح من غير النبياء أولى
بذلك فكيف يجوز في العدل الذي يوجب التسوية بين المتماثلين عقوبة النبياء ومنع
عقوبة من هو دونهم بل من هو من الكفار #الوجه الثاني عشر أن الرب إذا قصد
بهذا دفع ظلم إبليس فهل اتحد بناسوت بعض أولد آدم ليحتال على إبليس فيمنعه من
ظلم من تقدم فإن المنع من الشر الكثير أولى من المنع من الشر القليل أتراه ما كان
يعلم أن إبليس يعمل هذا الشر كله فهذا تجهيل له أو كان يعرف وعجز عن دفعه
فهذا تعجيز له ثم ما الفرق بين زمان وزمان أم كان ترك منعه عدل منه فهو عدل
في كل زمان
فصل #وأما تفسيرهم لقوله تعالى ^ #ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه
وهو في الخرة من الخاسرين ^ #بأن مراده قومه كما قالوا #وأما قوله تعالى #
^ ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين ^ #يريد
بحسب مقتضى العدل قومه الذين أتاهم بلغتهم ل غيرهم ممن لم يأتهم بما جاء فيه #
فيقال لهم من فسر مراد متكلم أي متكلم كان بما يعلم الناس أنه خلف مراده فهو
كاذب مفتر عليه وإن كان المتكلم من آحاد العامة ولو كان المتكلم من المتنبئين
الكذابين فإن من عرف كذبه إذا تكلم بكلم وعرف مراده به لم يجز أن يكذب عليه
فيقال أراد كذا
وكذا فإن الكذب حرام قبيح على كل أحد سواء كان صادقا أو كاذبا فكيف بمن يفسر
مراد ال ورسوله بما يعلم كل من خبر حاله علما ضروريا أنه لم يرد ذلك بل يعلم
علما ضروريا أنه أراد العموم #فإن قوله تعالى ^ ومن يبتغ غير السلم دينا ^
116
www.anassim.fr.st 117 الن سي ــــ ـــ ـم
صيغة عامة وصيغة من الشرطية من أبلغ صيغ العموم كقوله تعالى ^ #فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ^ #ثم إن سياق الكلم يدل على
أنه أراد أهل الكتاب وغيرهم فإن هذا في سورة آل عمران في أثناء مخاطبته لهل
الكتاب ومناظرته للنصارى فإنها نزلت لما قدم على النبي وفد نجران النصارى
وروى أنهم كانوا ستين راكبا وفيهم السيد واليهم والعاقب وقصتهم مشهورة
معروفة كما تقدم ذكرها #وقد قال قبل هذا الكلم بذم دين النصارى الذي ابتدعوه
وغيروا به دين المسيح ولبسوا الحق الذي بعث به المسيح بالباطل الذي ابتدعوه
حتى صار دينهم مركبا من حق وباطل واختلط أحدهما بالخر فل يكاد يوجد معه
من يعرف ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره والمسيح قرر أكثر شرع
التوراة وغير المعنى وعامة النصارى ل يميزون ما قرره مما غيره فل يعرف دين
المسيح #قال تعالى ^ #ما كان لبشر أن يؤتيه ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول
للناس كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما
كنتم تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ
أنتم مسلمون ^ #فقد بين أن من اتخذ الملئكة والنبيين أربابا فهو كافر فمن اتخذ
من دونهم أربابا كان أولى بالكفر وقد ذكر أن النصارى اتخذوا من هو دون
هم أربابا بقوله تعالى ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح
ابن مريم ومآ أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #
ثم قال تعالى في سورة آل عمران ^ #وإذ أخذ ال ميثاق النبين لمآ ءاتيتكم من
كتاب وحكمة ثم
جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم
إصرى قالوآ أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ^ #قال ابن عباس وغيره
من السلف ما بعث ال نبيا إل أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به
ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به
ولينصرنه والية تدل على ما قالوا فإن قوله تعالى ^ #وإذ أخذ ال ميثاق النبين ^
يتناول جميع النبيين ^ #لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما
معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ^ #وهذه اللم الولى تسمى اللم الموطئة للقسم واللم
الثانية تسمى لم جواب القسم والكلم إذا إجتمع فيه شرط وقسم وقدم القسم سد
جواب القسم مسد جواب الشرط والقسم كقوله تعالى ^ #لئن أخرجوا ل يخرجون
معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون ^ #
ومنه قوله تعالى ^ #ومنهم من عاهد ال لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من
^ الصالحين
وقوله ^ #وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جآءتهم ءاية ليؤمنن بها ^ #وقوله # ^ #
وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل ل تقسموا ^ #وقوله ^ #
وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جآءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم ^ #ومنه
117
www.anassim.fr.st 118 الن سي ــــ ـــ ـم
وقوله ^ #ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينآ إليك ^ #وقوله ^ #وإن لم ينتهوا #
عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ^ #وقوله ^ #ولئن لم يفعل مآ
أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ^ #وقوله ^ #ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين
كفروا إن أنتم إل مبطلون ^ #وقوله ^ #ولئن جآء نصر من ربك ليقولن إنا كنا
معكم ^ #وقوله ^ #ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ^
#ومثل هذا كثير وحيث لم يذكر القسم فهو محذوف مراد تقدير
الكلم وال ^ لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ^ وال ^ ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ^
#ومن محاسن لغة العرب أنها تحذف من الكلم ما يدل المذكور عليه إختصارا
وإيجازا ل سيما فيما يكثر إستعماله كالقسم وقوله ^ #لمآ ءاتيتكم من كتب وحكمة
^ #هي ما الشرطية والتقدير أي شيء أعطيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول
مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ول تكتفوا بما عندكم عما جاء به ول يحملنكم
ما آتيتكم من كتاب وحكمة على أن تتركوا متابعته بل عليكم أن تؤمنوا به وتنصروه
وإن كان معكم من قبله من كتاب وحكمة فل يغنيكم ما آتيتكم عما جاء به فإن ذلك ل
ينجيكم من عذاب ال #فدل ذلك على انه من أدرك محمدا من النبياء وأتباعهم وإن
كان معه كتاب وحكمة فعليه أن يؤمن بمحمد وينصره كما قال ^ #لمآ ءاتيتكم من
^ كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لمآ معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
وقد أقر النبياء بهذا الميثاق وشهد ال عليهم به كما قال تعالى ^ #أأقررتم #
وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ^ #ثم
قال تعالى ^ #فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ^ #ثم قال تعالى ^ #أفغير
دين ال يبغون وله أسلم من في السماوات والرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ^
#ثم قال تعالى ^ #قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل
وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين
أحد منهم ونحن له مسلمون ^ #ثم قال تعالى ^ #ومن يبتغ غير السلم دينا فلن
^ يقبل منه وهو في الخرة من الخاسري
قالت طائفة من السلف لما أنزل ال هذه الية قال من قال من اليهود والنصارى #
نحن مسلمون فقال تعالى ^ #ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ^ #
فقالوا ل نحج فقال تعالى ^ #ومن كفر فإن ال غني عن العالمين ^ #فكل من لم
ير حج البيت واجبا عليه مع الستطاعة فهو كافر باتفاق المسلمين كما دل عليه
القرآن #واليهود والنصارى ل يرونه واجبا عليهم فهم من الكفار حتى أنه روى في
118
www.anassim.fr.st 119 الن سي ــــ ـــ ـم
حديث مرفوع إلى النبي من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت ال ولم يحج فليمت إن
شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا
وهو محفوظ من قول عمر بن الخطاب رضي ال عنه وقد اتفق المسلمون على #
أن من جحد وجوب مباني السلم الخمس الشهادتين والصلوات الخمس والزكاة
وصيام شهر رمضان وحج البيت فإنه كافر #وأيضا فقد قال تعالى في أول السورة
^ #شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم فائما بالقسط ل إله إل هو
العزيز الحكيم إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما
جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب فإن حاجوك فقل
أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم فإن أسلموا
^ فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد
فقد أمره تعالى بعد قوله ^ #إن الدين عند ال السلم ^ #أن يقول أسلمت #
وجهي ل ومن اتبعن وأن يقول للذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى والميين
وهم الذين ل كتاب لهم من العرب وغيرهم أأسلمتم فالعرب الميون يدخلون في لفظ
الميين باتفاق الناس #وأما من سواهم فإما أن يشمله هذا اللفظ أو يدخل في معناه
بغيره من اللفاظ المبينة أنه أرسل إلى جميع الناس #قال تعالى ^ #فإن أسلموا
فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد ^ #فقد أمر أهل الكتاب
بالسلم كما أمر به الميين وجعلهم إذا أسلموا مهتدين وإن لم يسلموا فقد قال إنما
عليك البلغ أي تبلغهم رسالت ربك إليهم وال هو الذي يحاسبهم فدل هذا كله على
أنه عليه أن يبلغ أهل الكتاب ما أمرهم به من السلم كما يبلغ الميين وأن ال
يحاسبهم على ترك السلم كما يحاسب الميين #وفي الصحيحين عن النبي في
الكتاب الذي كتبه إلى هرقل ملك النصارى من محمد رسول ال إلى هرقل
عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم
وأسلم يؤتك ال أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الريسيين #و ^ يا أهل
الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ
بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ #وأبلغ من
ذلك أن ال تعالى أخبر في كتابه أن السلم دين النبياء كنوح وإبراهيم ويعقوب
وأتباعهم إلى الحواريين وهذا تحقيق لقوله تعالى ^ #ومن يبتغ غيرالسلم دينا فلن
يقبل منه ^ #وإن الدين عند ال السلم في كل زمان ومكان #قال تعالى عن نوح
أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض ^ #واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم
إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركم
وشركاءكم ثم ل يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ول تنظرون فإن توليتم فما
سألتكم من أجر إن أجري إل على ال وأمرت أن أكون من المسلمين ^ #فهذا نوح
الذي غرق أهل الرض بدعوته وجعل جميع الدميين
119
www.anassim.fr.st 120 الن سي ــــ ـــ ـم
من ذريته يذكر أنه أمر أن يكون من المسلمين #وأما الخليل فقال تعالى ^ #وإذ
يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا
واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت
التواب الرحيم ^ #قال تعالى ^ #ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه
ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الخرة لمن الصالحين إذا قال له ربه أسلم قال
أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم
الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون ^ #فقد أخبر تعالى أنه أمر الخليل بالسلم وانه
قال أسلمت لرب العالمين وأن إبراهيم وصى بنيه ويعقوب وصى بنيه أن ل يموتن
إل وهم مسلمون #وقال تعالى ^ #ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان
حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي
والذين آمنوا وال ولي المؤمنين ^ #وقال تعالى عن يوسف الصديق بن يعقوب أنه
قال
وقال عن بلقيس التي آمنت بسليمان ^ #رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع #
سليمان ل رب العالمين ^ #وقال عن أنبياء بني إسرائيل ^ #إنا أنزلنا التوراة فيها
هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ #وقال تعالى عن
الحواريين ^ #وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد
بأننا مسلمون ^ #وقال تعالى ^ #ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع
الشاهدين ^ #فهؤلء النبياء وأتباعهم كلهم يذكر تعالى أنهم كانوا مسلمين وهذا
مما يبين أن قوله تعالى ^ #ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه ^ #وقوله #
^ إن الدين عند ال السلم ^ #ل يختص بمن بعث إليه محمد بل
هو حكم عام في الولين والخرين ولهذا قال تعالى ^ #ومن أحسن دينا ممن أسلم
وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ ال إبراهيم خليل ^ #وقال
تعالى ^ #وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا
برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره عند ربه ول
120
www.anassim.fr.st 121 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قولهم ثم وجدنا في هذا الكتاب من تعظيم السيد المسيح وأمه حيث يقول
في سورة النبياء ^ #والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنهآ
ءاية للعالمين ^ #وقال في سورة آل عمران ^ #وإذ قالت الملئكة يا مريم إن ال
إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نسآء العالمين ^ #مع الشهادات للسيد المسيح
بالمعجزات وأنه حبلت به أمه من غير مباضعة رجل لبشارة ملئكة ال لمه وأنه
تكلم في المهد وأحيا الميت وأبرأ الكمه ونقى البرص وأنه خلق من الطين كهيئة
الطير فنفخ فيه فكان طائرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في
الناسوت ووجدنا أيضا في الكتاب أن ال رفعه إليه #وقال في سورة النساء
وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه ^ #وفي سورة آل عمران ^ #إني متوفيك ^ #
ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى
يوم القيامة ^ #وقال في سورة البقرة ^ #واءتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه
بروح القدس ^ #وقال في سورة الحديد ^ #وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه
النجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها
عليهم إل إبتغآء رضوان ال فما رعوها حق رعايتها فاتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم
^ #وقال في سورة آل عمران ^ #من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون ءايات ال
ءانآء الليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ #ثم وجدناه يعظم
إنجيلنا #الجواب أما تعظيم المسيح وأمه فهو حق وكذلك مدح من كان
على دينه الذي لم يبدل قبل أن يبعث أو بقي على ذلك إلى أن بعث محمد فآمن به
فإن هؤلء مؤمنون مسلمون مهتدون وكذلك من كان على دين موسى الذي لم يبدل
إلى أن بعث المسيح فآمن به فهؤلء مؤمنون مسلمون مهتدون وقد قدمنا أن
المسلمين هم عدل متوسطون ل ينحرفون إلى غلو ول إلى تقصير #وأما اليهود
والنصارى فهم على طرفي نقيض هؤلء ينحرفون إلى جهة وهؤلء إلى الجهة التي
تقابلها كما ذكرنا تقابلهم في النسخ وكذلك تقابلهم في التحريم والتحليل والطهارة
والنجاسة فإن اليهود حرمت عليهم الطيبات وهم يبالغون في اجتناب النجاسات
121
www.anassim.fr.st 122 الن سي ــــ ـــ ـم
وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ^ #أي عدل خيارا
قال تعالى ^ #ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة
والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا
عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم
والغلل التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي
أنزل معه أولئك هم المفلحون ^ #ولهذا كان من انحرف من المسلمين إلى شبه
اليهود والنصارى مأمورا بترك ذلك النحراف واتباع الصراط المستقيم صراط
الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
غير المغضوب عليهم كاليهود وغير الضالين كالنصارى #وذلك مثل من يبالغ في
اجتناب النجاسات فينجس ما لم ينجسه ال ورسوله ويحرم ما لم يحرمه ال ورسوله
ويأخذه الوسواس في اجتناب النجاسات ويحرم طيبات أحلها ال للمسلمين مثل من
يرى أن القياس أن النجاسة ل تزول ل بماء ول بغيره أو يرى أنها وإن زالت فلم
يبق لها أثر فالمحل نجس إذا لم تزل بما يشترطه هو من الماء أو غيره أو يرى أن
الطيبات التي
أحلها ال حرام خبيثة لنها مستحيلة عن المحرم مع أن الخل حلل وإن كان قد كان
خمرا باتفاق المسلمين إذا بدا إلى حالته أو يرى أن الماء الطيب والمائعات الطيبة
التي ليس فيها اثر من الخبيث حرام لكون الخبيث لقاها أو استهلك فيها مع انها من
الطيبات ل من الخبائث أو يرى تحريم ما سوى موضع الدم الذي هو أذى إلى غير
ذلك من أقوال قالها بعض العلماء ولكن غيرهم نازعهم في ذلك واتبع ما دل عليه
الكتاب والسنة #وأعظم من ذلك من يكفر من خالفه من المسلمين ويرى نجاسة
الكفار كما عليه كثير من أهل البدع من الرافضة والخوارج وغيرهم فإذا أكل
غيرهم من وعائهم نجسه عندهم وأما ما يفعله كثير من الناس من غير أن يقوله
عالم مثل من يغسل يديه وثيابه وحصر بيته بتوهم نجاستها أو يأمر الحائض إذا
طهرت أن تبدل ثيابها الول أو تغسلها أو يمنع الجنب أن يأكل أو يشرب حتى
يغتسل فهذا كثير فيمن يشبه اليهود بل يشبه سامرة اليهود #وأما من يشبه النصارى
فمثل من يحسن الظن بمن ل يتطهر ول
يصلي من المنسوبين إلى الفقر والزهد والعبادة مثل من يكون في مواضع الشياطين
والنجاسات كالحمام والتاتين والمزابل وهو متلوث بالبول والعذرة ويعاشر الكلب
ول يتوضأ ول يغتسل من الجنابة بل ول يصلي أو يصلي بل وضوء وقد علم
بالضطرار من دين السلم أن الصلوات الخمس فرض على كل أحد وأن الوضوء
من الحدث والغتسال من الجنابة فرض ل يصلي إل به مع القدرة ول يتيمم مع
القدرة فمن أنكر وجوب ذلك فهو كافر باتفاق المسلمين
122
www.anassim.fr.st 123 الن سي ــــ ـــ ـم
ومن جعل الزاهد العابد الذي له نوع من الخوارق مثل نوع من الكشف #
والتصرف الذي يكون من الشياطين والجهال يظنون أنه من كرامات أولياء ال إذا
لم يكن يصلي الصلوات الخمس ويتوضأ ويغتسل من الجنابة من المؤمنين أو من
أولياء ال فهو كافر باتفاق المسلمين ومن لم يحرم الخبائث التي حرمها ال ورسوله
كالبول والعذرة والدم والميتة ولحم الخنزير والخمر فهو كافر باتفاق المسلمين ومن
جعل مستحل ذلك مع العلم بمخالفته لدين الرسول وليا ل فهو كافر باتفاق المسلمين
وكذلك فيمن ينتحل السلم ويذم أهل الكتاب من يكون منافقا في الدرك السفل من
النار ويكون كثير من اليهود والنصارى أخف عذابا في الخرة منه قال ال تعالى #
^ إن المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إل الذين تابوا
وأصلحوا واعتصموا بال وأخلصوا دينهم ل فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت ال
المؤمنين أجرا عظيما ^ #وكذلك المسلمون وأهل السنة في المسلمين وكذلك في
التوحيد فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق فيما يختص بالمخلوق وهو صفات
النقص الذي يجب تنزيه الرب عنها والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق فيما يختص
بالخالق وهو صفات الكمال التي ل يستحقها إل ال تبارك تعالى فقال من قال من
اليهود
إن ال فقير ونحن اغنياء ^ #وقالوا ^ #يد ال مغلولة ^ #وهو بخيل وقالوا ^ #
إنه خلق العالم فتعب فاستراح #وحكى عن بعضهم أنه قال بكى على الطوفان حتى
رمد وعادته الملئكة وأنه ناح على بعض من أهلكه من عباده كما ينوح المصاب
على ميته وأمثال ذلك مما يتعالى ال عنه ويتقدس سبحانه وتعالى #وأيضا فهم
يستكبرون عن عبادة ال وطاعة رسله ويعصون أمره ويتعدون حدوده ول يجوزون
له أن ينسخ ما شرعه بل يحجرون عليه #والنصارى يصفون المخلوق بما يتصف
به الخالق فيجعلونه رب
العالمين خالق كل شيء ومليكه الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير
واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل
ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون واتخذوا الملئكة والنبيين
أربابا وصوروا تماثيل المخلوقات واتخذوهم شفعاء يشفعون لهم عند ال كما فعل
عباد الوثان كما قال ال تعالى ^ #ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم
ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال قل أتنبئون ال بما ل يعلم في السموات ول في
الرض ^ #ولهذا قال تعالى ^ #وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم
ليس لهم من دونه ولي ول شفيع لعلهم يتقون ^ #وقال تعالى ^ #ال الذي خلق
السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه
من ولي ول شفيع ^ #والمسلمون وسط يصفون ال بما وصف به نفسه ووصفه به
رسله من غير تحريف ول تعطيل ول تكييف ول تمثيل يصفونه بصفات الكمال
وينزهونه عن النقائص التي تمتنع على الخالق ول يتصف بها
123
www.anassim.fr.st 124 الن سي ــــ ـــ ـم
إل المخلوق فيصفونه بالحياة والعلم والقدرة والرحمة والعدل والحسان وينزهونه
عن الموت والنوم والجهل والعجز والظلم والفناء ويعلمون مع ذلك أنه ل مثيل له
في شيء من صفات الكمال فل أحد يعلم كعلمه ول يقدر كقدرته ول يرحم كرحمته
ول يسمع كسمعه ول يبصر كبصره ول يخلق كخلقه ول يستوي كاستوائه ول يأتي
كإتيانه ول ينزل كنزوله كما قال تعالى ^ #قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ #ول يصفون أحدا من المخلوقين بخصائص الخالق
جل جلله بل كل ما سواه من الملئكة والنبياء وسائر الخلق فقير إليه عبد له وهو
الصمد الذي يحتاج إليه كل شيء ويسأله كل أحد وهو غني بنفسه ل يحتاج إلى أحد
في شيء من الشياء كما قال تعالى ^ #وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا
تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا
وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والرض إل آتي الرحمن
عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^ #وقال تعالى ^ #يا
أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ #
فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد سبحانه أن
يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض وكفى بال وكيل لن يستنكف
المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر
فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم
من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من
دون ال وليا ول نصيرا ^ #وكذلك هم في المسيح فالنصارى يقولون هو ال
ويقولون أيضا هو ابن ال وهو إله تام وإنسان تام واليهود يقولون هو ولد زنا وهو
ابن يوسف النجار ويقولون عن مريم إنها بغى بعيسى كما قال تعالى ^ وقولهم على
مريم بهتانا عظيما ^ #ويقولون هو ساحر كذاب #وأما المسلمون فيقولون هو
عبدال ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه وهو وجيه في
الدنيا والخرة ومن المقربين ويصفونه بما وصفه ال به في كتابه ل يغلون فيه غلو
النصارى ول يقصرون في حقه تقصير اليهود وكذلك قولهم في سائر النبياء
والمرسلين وفي أولياء ال فاليهود قتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس
والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من
دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه
عما يشركون ومع هذا فقد شارك النصارى اليهود في نقص حق كثير من النبياء
فيقولون أن سليمان لم يكن نبيا ويقولون إن الحواريين مثل موسى وإبراهيم ويقولون
إن من عمل بوصايا ال من غير النبياء صار مثل النبياء وكان له أن يشرع
شريعة وبعض اليهود غلوا في العزير حتى قالوا إنه ابن ال #ولهذا قال نبينا في
الحديث الصحيح ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبدال
فقولوا عبدال ورسوله
124
www.anassim.fr.st 125 الن سي ــــ ـــ ـم
وال تعالى ذكر في القرآن في سورة ( كهيعص ) قصة ابني الخالة يحيى وعيسى #
ويحيى يسمونه النصارى يوحنا وهو يوحنا المعمداني عندهم فقال تعالى بعد أن ذكر
قصة يحيى ^ #واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من
دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك
إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا قالت أنى يكون لي غلم
ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس
ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى
جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها أل تحزني
قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي
واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن
أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت
هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من
كان في المهد صبيا قال إني عبدال آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما
كنت
وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا
والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ^ #ثم قال ال تعالى ^ #ذلك
عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا
قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر
يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ #فذكر سبحانه قصة مريم
والمسيح في هذه السورة المكية التي أنزلها في أول المر بمكة في السور التي ذكر
فيها أصول الدين المدنية التي يخاطب فيها من اتبع النبياء من أهل الكتاب
والمؤمنين لما قدم عليه نصارى نجران فكان فيها الخطاب لهل الكتاب فقال تعالى
^ #إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها
من بعض وال سميع عليم إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني
محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى
وال أعلم بما وضعت وليس الذكر كالنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم ^ #وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال
ما من مولود إل يمسه الشيطان فيستهل صارخا من
الشيطان إل مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم ^ وإني أعيذها بك
وذريتها من الشيطان الرجيم ^ #قال تعالى ^ #فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها
نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا
مريم أنى لك هذا قالت هو من عند ال إن ال يرزق من يشاء بغير حساب ^ #ثم
ذكر قصة زكريا ويحيى ثم قال ^ #هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من
125
www.anassim.fr.st 126 الن سي ــــ ـــ ـم
لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملئكة وهو قآئم يصلي في المحراب أن
ال يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من ال وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال
رب أنى يكون لي غلم وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك ال يفعل ما يشاء
قال رب اجعل لي آية قال آيتك أل تكلم الناس ثلثة أيام إل رمزا واذكر ربك كثيرا
وسبح بالعشي والبكار وإذ قالت الملئكة يا مريم إن ال اصطفاك وطهرك
واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي
مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم
يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملئكة يا مريم إن ال يبشرك
بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين
ويكلم الناس في المهد وكهل ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم
يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل ورسول إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم
بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال
وأبرىء الكمه والبرص وأحيى الموتى بإذن ال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون
في بيوتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة
ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا ال وأطيعون إن ال
ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من
أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال آمنا بال واشهد بأنا مسلمون ربنا
آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر ال وال خير
الماكرين إذ قال ال يا عيسى إن متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم
فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والخرة وما
لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم وال ل يحب
الظالمين ذلك نتلوه عليك من اليات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم
خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فل تكن من الممترين فمن حاجك
فيه من بعد ما جاءك
من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة ال على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل ال وإن ال
لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن ال عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى
كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يا أهل الكتاب لم تحاجون
في إبراهيم وما أنزلت التوراة والنجيل إل من بعده أفل تعقلون ها أنتم هؤلء
حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وال يعلم وأنتم ل تعلمون
ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين
إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا وال ولي المؤمنين ^
126
www.anassim.fr.st 127 الن سي ــــ ـــ ـم
#فهو سبحانه قد ذكر قصة مريم والمسيح في هاتين السورتين إحداهما مكية نزلت
في أول المر مع السور الممهدة لصول الدين وهي سورة ( كهيعص ) والثانية
مدنية نزلت بعد أن أمر بالهجرة والجهاد ولهذا تضمنت مناظرة أهل الكتاب
ومباهلتهم كما نزلت في براءة مجاهدتهم فأخبر في السورة المكية أنها لما انفردت
للعبادة أرسل ال إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا فقالت ^ #إني أعوذ بالرحمن
منك إن كنت تقيا ^ #قال أبو وائل علمت أن المتقي ذو نهية أي تقواه ينهاه عن
الفاحشة وأنها خافت منه أن يكون قصده الفاحشة فقالت أعوذ
بالرحمن منك إن كنت تقيا أي تتقي ال وما يقول بعض الجهال من أنه كان فيهم
رجل فاجر اسمه تقي فهو من نوع الهذيان وهو من الكذب الظاهر الذي ل يقوله إل
جاهل ثم قال ^ #إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلما زكيا ^ #وفي القراءة
الخرى ^ لهب لك غلما زكيا ^ #فأخبر هذا الروح الذي تمثل لها بشرا سويا
أنه رسول ربها فدل الكلم على أن هذا الروح عين قائمة بنفسها ليست صفة لغيرها
وأنه رسول من ال ليس صفة من صفات ال ولهذا قال جماهير العلماء أنه جبريل
عليه السلم فإن ال سماه الروح المين وسماه روح القدس وسماه جبريل وهكذا عند
أهل الكتاب أنه تجسد من مريم ومن روح القدس لكن ضللهم حيث يظنون أن روح
القدس حياة ال وأنه إله يخلق ويرزق ويعبد وليس في شيء من الكتب اللهية ول
في كلم النبياء أن ال سمى صفته القائمة به روح القدس ول سمى كلمه ول شيئا
من صفاته ابنا وهذا أحد ما يثبت به ضلل النصارى وأنهم حرفوا كلم النبياء
وتأولوه على غير ما أرادت النبياء فإن أصل تثليثهم مبني على ما في أحد الناجيل
من أن المسيح عليه السلم قال لهم عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس
فيقال لهم هذا إذا كان قد قاله المسيح وليس في لغة المسيح ول لغة أحد من النبياء
أنهم يسمون صفة ال القائمة به ول كلمته ول حياته ل ابنا ول روح قدس ول
يسمون كلمته ابنا ول يسمونه نفسه ابنا ول روح قدس ولكن يوجد فيما ينقلونه عنهم
أنهم يصفون المصطفى المكرم ابنا وهذا موجود في حق المسيح وغيره كما يذكرون
أنه قال تعالى لسرائيل أنت ابني بكري
أي بني إسرائيل #وروح القدس يراد به الروح التي تنزل على النبياء كما نزلت
على داود وغيره فإن في كتبهم أن روح القدس كانت في داود وغيره وأن المسيح
قال لهم أبي وأبيكم وإلهي وإلهمكم فسماه أبا للجميع لم يكن المسيح مخصوصا
عندهم باسم البن ول يوجد عندهم لفظ البن إل اسما للمصطفى المكرم ل اسما
لشيء من صفات ال ول في كتب النبياء أن صفةال تولدت منه #وإذا كان كذلك
كان في هذا ما يبين أنه ليس المراد بالبن كلمة ال القديمة الزلية التي يقولون أنها
تولدت من ال عندهم مع كونها أزلية ول بروح القدس حياة ال بل المراد بالبن
ناسوت المسيح وبروح القدس ما أنزل عليه من الوحي والملك الذي نزل به فيكون
قد أمرهم باليمان بال وبرسوله وبما أنزله على رسوله والملك الذي نزل به وبهذا
127
www.anassim.fr.st 128 الن سي ــــ ـــ ـم
أمرت النبياء كلهم وليس للمسيح خاصة استحق بها أن يكون فيه شيء من اللهوت
لكن ظهر فيه نور ال وكلم ال وروح ال كما ظهر في غيره من النبياء والرسل
فإن غيره أيضا فيما
ينقلونه عن النبياء يسمى إبنا وروح القدس حلت فيه وهذا مبسوط في غير هذا
الموضع #والمقصود هنا التنبيه على أن كلم النبياء عليهم السلم يصدق بعضه
بعضا وأنه ليس مع النصارى ل حجة سمعية ول عقلية توافق ما ابتدعوه ولكن
فسروا كلم النبياء بما ل يدل عليه وعندهم في النجيل أنه قال إن الساعة ل يعلمها
الملئكة ول البن وإنما يعلمها الب وحده فبين أن البن ل يعلم الساعة فعلم أن
البن ليس هو القديم الزلي وإنما هو المحدث الزماني
فصل #والمضاف إلى ال نوعان فإن المضاف إما أن يكون صفة ل تقوم بنفسها
كالعلم والقدرة والكلم والحياة وإما أن يكون عينا قائمة بنفسها #فالول إضافة
صفة كقوله ^ #ول يحيطون بشيء من علمه ^ #وقوله ^ إن ال هو الرزاق ذو
القوة المتين ^ #وقوله ^ أولم يروا أن ال الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ #وقول
النبي في الحديث الصحيح حديث الستخارة إذا هم أحدكم بالمر فليركع ركعتين من
غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من
فضلك
وقوله تعالى ^ وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ #وقوله ^ ذلكم حكم ال يحكم #
بينكم ^ #وقوله ^ ذلك أمر ال أنزله إليكم ^ #والثاني إضافة عين كقوله تعالى #
^ وطهر بيتي للطائفين ^ #وقوله ^ ناقة ال وسقياها ^ #وقوله ^ عينا يشرب بها
عباد ال ^ #فالمضاف في الول صفة ل قائمة به ليست مخلوقة له بائنة عنه
والمضاف في الثاني مملوك ل مخلوق له بائن عنه لكنه مفضل مشرف لما خصه
ال به من الصفات التي اقتضت إضافته إلى ال
تبارك وتعالى كما خص ناقة صالح من بين النوق وكما خص بيته بمكة من البيوت
وكما خص عباده الصالحين من بين الخلق ومن هذا الباب قوله تعالى ^ فأرسلنآ
إليها روحنا ^ #فإنه وصف هذا الروح بإنه تمثل لها بشرا سويا وأنها إستعاذت بال
منه إن كان تقيا وأنه قال ^ إنما أنا رسول ربك ^ #وهذا كله يدل على أنها عين
قائمة بنفسها وهي التي تسمى في اصطلح النظار جوهرا وقد تسمى جسما إذا
كانت مشارا إليها مع إختلف الناس في الجسم هل هو مركب من الجواهر المفردة
أم من المادة والصورة أم ليس مركبا ل من هذا ول من هذا وإذا كان ال قد بين أن
المضاف هنا ليس من الصفات القائمة بغيرها بل من العيان القائمة بنفسها علم أن
المضاف مملوك ل مخلوق له لكن إضافته إلى ال تدل على تخصيص ال له من
الصطفاء والكرام بما أوجب التخصيص بالضافة وقد ذكرت فيما كنت كتبته قبل
128
www.anassim.fr.st 129 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا من الرد على النصارى الكلم في ذلك وغيره وبينت أن المضافات إلى ال
نوعان أعيان وصفات
فالصفات إذا أضيفت إليه كالعلم والقدرة والكلم والحياة والرضا والغضب ونحو #
ذلك دلت الضافة على أنها إضافة وصف له قائم به ليست مخلوقة لن الصفة ل
تقوم بنفسها فل بد لها من موصوف تقوم به فإذا أضيفت إليه علم أنها صفة له لكن
قد يعبر باسم الصفة عن المفعول بها فيسمى المقدور قدرة والمخلوق بالكلمة كلما
والمعلوم علما والمرحوم به رحمة كقول النبي إن ال خلق الرحمة يوم خلقها مائة
رحمة #وقوله تعالى فيما يروي عنه نبيه أنه قال للجنة ( أنت رحمتي أرحم بك من
( أشاء
ويقال للمطر والسحاب هذه قدرة قادر وهذه قدرة عظيمة ويقال في الدعاء غفر #
ال لك علمه فيك أي معلومه #وأما العيان إذا أضيفت إلى ال تعالى فإما أن
تضاف بالجهة العامة التي يشترك فيها المخلوق مثل كونها مخلوقة ومملوكة له
ومقدورة ونحو ذلك فهذه إضافة عامة مشتركة كقوله ^ هذا خلق ال ^ #وقد
يضاف لمعنى يختص بها يميز به المضاف عن غيره مثل بيت ال وناقة ال وعبد
ال وروح ال فمن المعلوم إختصاص ناقة صالح بما تميزت به عن سائر النياق
وكذلك إختصاص الكعبة وإختصاص العبد الصالح الذي عبد ال وأطاع أمره وكذلك
الروح المقدسة التي إمتازت بما فارقت به غيرها من الرواح فإن المخلوقات
إشتركت في كونها مخلوقة مملوكة مربوبة ل يجري عليها حكمه وقضاؤه وقدره
وهذه الضافة ل اختصاص فيها ول فضيلة للمضاف على غيره #وامتاز بعضها
بأن ال يحبه ويرضاه ويصطفيه ويقربه إليه ويأمر به أو يعظمه ويحبه فهذه
الضافة يختص بها بعض المخلوقات كإضافة البيت والناقة والروح وعباد ال من
هذا الباب #وقد قال تعالى في سورة النبياء ^ #والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها
من روحنا وجعلناها
وابنهآ آية للعالمين ^ #وقال في سورة التحريم ^ #وضرب ال مثل للذين آمنوا
امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله
ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من
روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ #فذكر امرأة فرعون
التي ربت موسى ابن عمران وجمعت بينه وبين أمه حتى أرضعته أمه عندها وذكر
مريم أم المسيح التي ولدته وربته فهاتان المرأتان ربتا هذين الرسولين الكريمين فلما
قال هنا ^ فنفخنا فيها ^ أي في المرأة ^ وفيه ^ أي في فرجها من روحنا
وقال هنا ^ فأرسلنا إليها روحنا ^ إلى قوله ^ إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلما
زكيا ^ دل على ان قوله روحنا ليس المراد به أنه صفة ل ل الحياة ول غيرها ول
هو رب خالق فل هو الرب الخالق ول صفة الرب الخالق بل هو روح من الرواح
129
www.anassim.fr.st 130 الن سي ــــ ـــ ـم
التي اصطفاها ال وأكرمها كما تقدم في قوله ^ فأرسلنا إليها روحنا ^ وأن الكثرين
على أنه جبريل #وهذا الصل الذي ذكرناه من الفرق فيما يضاف إلى ال بين
صفاته وبين مملوكاته أصل عظيم ضل فيه كثير من أهل الرض من أهل الملل
كلهم فإن كتب النبياء التوراة والنجيل والقرآن وغيرها أضافت إلى ال أشياء على
هذا الوجه وأشياء على هذا الوجه فاختلف الناس في هذه الضافة فقالت المعطلة نفاة
الصفات من أهل الملل إن الجميع إضافة ملك وليس ل حياة قائمة به ول علم قائم به
ول قدرة قائمة به ول كلم قائم به ول حب ول بغض ول غضب ول رضى بل
جميع ذلك مخلوق من مخلوقاته #وهذا أول ما ابتدعته في السلم الجهمية وإنما
إبتدعوه بعد إنقراض عصر الصحابة وأكابر التابعين لهم بإحسان وكان مقدمهم
رجل يقال له الجهم بن صفوان
فنسبت الجهمية إليه ونفوا السماء والصفات واتبعهم المعتزلة وغيرهم فنفوا
الصفات دون السماء ووافقهم طائفة من الفلسفة أتباع أرسطو #وقالت الحلولية
بل ما يضاف إلى ال قد يكون هو صفة له وإن كان بائنا عنه بل قالوا هو قديم أزلي
فقالوا روح ال قديمة أزلية صفة ل حتى قال كثير منهم إن أرواح بني آدم قديمة
أزلية وصفة ل وقالوا إن ما يسمعه الناس من أصوات القراء ومداد المصاحف قديم
أزلي وهو صفة ل #وقال حذاق هؤلء بل غضبه ورضاه وحبه وبغضه وإرادته
لما يخلقه قديم أزلي وهو صفة ال وكلمه الذي سمعه موسى قديم أزلي وأنه لم يزل
راضيا محبا لمن علم أنه يطيعه قبل أن يخلق ولم يزل غضبانا ساخطا على من علم
أنه يكفر قبل أن يخلق ولم يزل
ول يزال قائل يا آدم يا نوح يا ابراهيم قبل أن يوجدوا وبعد موتهم ولم يزل ول
يزال يقول يا معشر الجن والنس قبل أن يخلقوا وبعد ما يدخلون الجنة والنار #
وأما سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين المشهورون
بالمامة فيهم كالربعة وغيرهم وأهل العلم بالكتاب والسنة فيفرقون بين مملوكاته
وبين صفاته فيعلمون أن العباد مخلوقون وصفات العباد مخلوقة وأجسادهم
وأرواحهم وكلمهم وأصواتهم بالكتب اللهية وغيرها ومدادهم وأوراقهم والملئكة
والنبياء وغيرها ويعلمون أن صفات ال القائمة به ليست مخلوقة كعلمه وقدرته
وكلمه وإرادته وحياته وسمعه وبصره ورضاه وغضبه وحبه وبغضه بل هو
موصوف بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ول تعطيل
ومن غير تكييف ول تمثيل فل ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسله ول
يحرفون الكلم عن مواضعه ول يتأولون كلم ال بغير ما أراده ول يمثلون صفات
الخالق بصفات المخلوق بل يعلمون أن ال
130
www.anassim.fr.st 131 الن سي ــــ ـــ ـم
يزل عالما ولم يزل قادرا ولم يزل حيا سميعا بصيرا ولم يزل مريدا فكل كمال ل
نقص فيه يمكن اتصافه به فهو موصوف به لم يزل ول يزال متصفا بصفات الكمال
منعوتا بنعوت الجلل والكرام سبحانه وتعالى #والنصارى من أعظم الناس
اضطرابا في هذا الصل فتارة يجعلون كلمه الذي تكلم به كالتوراة والنجيل
مخلوقا منفصل عنه وينفون عنه الصفات وتارة يجعلون كلمته قديمة أزلية متولدة
عنه لم تزل ول تزال ثم يقولون هذه الكلمة هي ابنه ويجعلون هذه الكلمة علمه أو
حكمته ويقولون إن هذه الكلمة هي إله خالق وهو الذي خلق السموات والرض وأن
هذه الكلمة هي المسيح والمسيح إله خالق العالم #ويقولون مع هذا أن هذه الكلمة
ليست هي الب الذي خلق السموات والرض فيجعلون كلمته صفة قديمة أزلية
ويجعلونها ابنا له ويجعلون الصفة إلها خالقا ويجعلون المسيح هو الله الخالق
ويقولون مع هذا هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه #ولهم في كلم ال وصفاته
من التناقض والضطراب ومخالفة كلم النبياء وتفسيره بغير ما أرادوه ومخالفة
صريح المعقول
أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ^ #يقول تعالى ما أسمعهم وما أبصرهم يوم ^ #
يأتوننا لكن الظالمون اليوم كالنصارى الذين ظلموا بإفكهم وشركهم في ضلل مبين
ضلوا عن الحق في المسيح وقد وصف ال النصارى بالضلل في مثل قوله تعالى
^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا
من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #وقال تعالى ^ #وينذر الذين
قالوا اتخذ ال ولدا ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن
يقولون إل كذبا ^ #لن الغالب عليهم الجهل بالدين وأنهم يتكلمون بكلم ل يعقلون
معناه ليس منقول عن النبياء حتى يسلم لقائله بل هم ابتدعوه وإذا سألتهم عن معناه
قالوا هذا ل يعرف بالعقول فيبتدعون كلما يعرفون بأنهم ل يعقلونه وهو كلم
متناقض ينقض أوله آخره ولهذا ل تجدهم يتفقون على قول واحد في معبودهم حتى
قال بعض الناس لو اجتمع عشرة نصارى افترقوا على أحد عشر قول #وقال
الربعي النصارى أشد الناس اختلفا في مذاهبهم
131
www.anassim.fr.st 132 الن سي ــــ ـــ ـم
وأقلهم تحصيل لها ل يمكن أن يعرف لهم مذهب ولو سألت قسا من أقسائهم عن
مذهبهم في المسيح وسألت أباه وأمه لختلفوا عليك الثلثة ولقال كل واحد منهم قول
ل يشبه قول الخر #وقال بعض النظار وما من قول يقوله طائفة من العقلء إل إذا
تأملته تصورت منه معنى معقول وإن كان باطل إل قول النصارى فإنك كلما تأملته
لم تتصور له حقيقة تعقل لكن غايتهم أن يحفظوا المانة أو غيرها وإذا طولبوا
بتفسير ذلك فسره كل منهم بتفسير يكفر به الخر كما يكفر اليعقوبية والملكانية
والنسطورية بعضهم بعضا لختلفهم في أصل التوحيد والرسالة إذ كان قولهم في
التوحيد والرسالة من أفسد القوال وأعظمها تناقضا كما بين في موضع آخر
فصل #وأما قولهم فكان طيرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال
المتحدة في الناسوت فهذا إذا قالوه على أنه مذهبهم من غير أن يقولوا أن محمدا
أراده تكلمنا معهم في ذلك وبينا فساد ذلك عقل ونقل #وأما قولهم أن محمدا كان
يقول أن المراد إذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في الناسوت فهذا من البهتان
الظاهر على محمد وهو من جنس قولهم أن قوله ^ #اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم ^ #أراد به النصارى ومن جنس قولهم أن قوله ^ #
ومن يبتغ غير السلم دينا ^ #أراد به العرب ومن جنس قولهم ^ #لقد أرسلنا
رسلنا بالبينات ^ #أراد بهم الحواريين ومن جنس قولهم
الم ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ^ #اراد به النجيل فهذه المواضع ^ #
التي فسروا بها القرآن وزعموا أن محمدا الذي بين للناس ما أنزل إليهم كان يريد
بما يتلوه من القرآن هذه المعاني التي ذكروها هي من الكذب الظاهر الذي يدل على
غاية جهل قائلها أو غاية معاندته ولكن مثل هذا التأويل غير مستنكر من النصارى
فإنهم قد فسروا مواضع كثيرة من التوراة والنجيل والزبور والنبوات بنحو هذه
التفاسير التي حرفوا فيها الكلم الذي جاءت به النبياء عن مواضعه تحريفا ظاهرا
فبدلوا بذلك كتب ال ودين ال وضاهوا بذلك اليهود الذين حرفوا وبدلوا وإن اختلفت
جهة التحريف والتبديل فتحريفهم للقرآن من جنس تحريفهم للتوراة والنجيل وهم
من الذين يدعون المحكم ويتبعون ما نشأ به منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله لكن في
هذه المواضع حرفوا المحكم الذي معناه ظاهر ل يحتمل إل معنى واحد فكانوا من
الجهل والمعاندة أبعد عن الصواب ممن حرف معنى المتشابه وذلك أنه قد علم
بالضطرار من دين محمد أنه كان يقول أن المسيح عبد ال مخلوق كسائر
المرسلين وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو ال أو ابن ال #قال تعالى ^ #لقد
كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن
يهلك المسيح ابن مريم وأمه
ومن في الرض جميعا ول ملك السموات والرض وما بينهما يخلق ما يشاء وال
132
www.anassim.fr.st 133 الن سي ــــ ـــ ـم
على كل شيء قدير ^ #وقال تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن
مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا ال ربي وربكم إنه من يشرك بال فقد
حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن ال
ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا
منهم عذاب أليم أفل يتوبون إلى ال ويستغفرونه وال غفور رحيم ما المسيح ابن
مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف
نبين لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون ال مال يملك لكم ضرا
ول نفعا وال هو السميع العليم قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #فقد
ذكر كفر النصارى في قولهم هو ال مرتين وذكر أنه ليس المسيح إل رسول قد
خلت من قبله الرسل فغايته الرسالة كما قال في محمد ^ #وما محمد إل رسول قد
^ خلت من قبله الرسل
وغاية أمه أن تكون صديقة ودل بهذا أنها ليست بنبية ثم قال ^ كانا يأكلن الطعام #
^ #وهذا من أظهر الصفات النافية لللهية لحاجة الكل إلى ما يدخل في جوفه
ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلت #والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم
يكن له كفوا أحد
والنصارى يقولون إنه يلد وأنه يولد وأن له كفوا كما قد بين في موضع آخر وقد #
أخبر بعبودية المسيح في غير موضع كقوله تعالى ^ #ولما ضرب ابن مريم مثل
إذا قومك منه يصدون وقالوا ءألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم
خصمون إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل ^ #وأخبر تعالى
أن أول شيء نطق به المسيح قوله ^ #إني عبد ال أتاني الكتاب وجعلني نبيا ^ #
وقال تعالى ^ #وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي
إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ^ اليات إلى
قوله ^ شهيد ^ #وقال تعالى ^ #يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على
ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم ^ اليات كلها #فإذا كان قد علم
بالضطرار من دين محمد وبالنقل المتواتر عنه وبإجماع أمته إجماعا يستندون فيه
إلى النقل عنه وبكتابه المنزل عليه وسنته المعروفة عنه أنه كان يقول أن المسيح
عبد ال ورسوله ليس هو إل رسول وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو ال وهو
ابن ال والذين يقولون ثالث ثلثة وأمثال ذلك كان بعد هذا تفسيرهم لقول ال الذي
بلغه نبيه محمد فيكون طيرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة
بالناسوت كذبا ظاهرا على محمد #وهذا مما يعرف كذبهم فيه على محمد جميع
أهل الرض العالم بحال محمد سواء أقروا بنبوته أو أنكروها #فالمقصود في هذا
المقام أن هؤلء كذبوا على محمد كذبا ظاهرا معلوما للخلق المؤمنين به والمكذبين
له ليس هو كذبا خفيا #وإن قدر أن ما قالوه يكون معقول فكيف إذا كان ممتنعا في
133
www.anassim.fr.st 134 الن سي ــــ ـــ ـم
صرائح العقول بل هو قول غير معقول أي غير معقول ثبوته في الخارج وإن كان
يعقل ما يختلفون ويعلم به فساد عقولهم لمن قال سائر القوال المتناقضة الفاسدة
التي يمتنع ثبوتها في الخارج وذلك كما قد بسط في موضع آخر فإن قولهم بإذن
اللهوت الذي هو
كلمة ال المتحدة في الناسوت باطل من وجوه #منها أن تلك الكلمة إما أن تكون
هي ال أو صفة لذاته أو ل هي ذاته ول صفة له أو الذات والصفة جميعا #فإن لم
تكن هي ذات ال ول صفته ول الذات والصفة كانت بائنة عنه مخلوقة له ولم يكن
لهوتا بل ول خالقه وحينئذ فلم يتحد بالمسيح لهوت بل إن لم يتحد به إنه كان اتحد
به إل مخلوق #وإن كانت الكلمة هي الذات أو الذات والصفة فهي رب العالمين
وهي الب عندهم وهم متفقون على أن المسيح ليس هو الب ولم يتحد به الب بل
البن #وإن كانت الكلمة صفة ل عز وجل فصفة ال ليست هي الله الخالق
والمسيح عندهم هو الله الخالق وأيضا فصفة ال قائمة بذاته ل تفارق ذاته وتحل
بغيره وتتحد به وكلمة ال عندهم اتحدت بالمسيح #وإن قالوا قولنا هذا كما تقول
طائفة من المسلمين إن القرآن أو التوراة أو النجيل حل في القراء أو اتحد بهم وأن
القديم حل في المخلوق أو اتحد به ونحو ذلك #قيل لو كان قول هؤلء صوابا لم
يكن لهم فيه حجة فإنه على هذا التقدير ل فرق بين المسيح وبين سائر من يقرأ
التوراة والنجيل والزبور والقرآن وأنتم تدعون أن المسيح هو ال أو ابن ال
مخصوصا بذلك دون غيره وأيضا فهؤلء وجميع المم متفقون على أن قراء
القرآن وسائر الكتب اللهية ليس واحد منهم هو ال ول هو ابن ال ول أنه خالق
للعالم فإذا جعلتم قولكم مثل قول هؤلء لزمكم أن ل يكون المسيح هو ال ول ابن ال
ول ربا للعالم وأيضا فلم نعلم أحدا من هؤلء قال أن اللهوت اتحد بالناسوت ول أن
القديم اتحد بالمحدث ول أن كلم ال صار هو والمخلوق شيئا واحدا فالتحاد باطل
باتفاق هؤلء وغيرهم #ولكن طائفة منهم أطلقت لفظ الحلول وطائفة أنكرت لفظ
الحلول وقالوا إنما نقول ظهر القديم في المحدث ل حل فيه لكن قالوا ما يستلزم
الحلول #وسلف المسلمين وجمهورهم يخطئون هؤلء ويبينون خطأهم عقل ونقل
وقولهم ليس هو قول أحد من أئمة المسلمين ول قول طائفة مشهورة من طوائف
المسلمين كالمالكية والشافعية
134
www.anassim.fr.st 135 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وأما قوله تعالى ^ #يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من
الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ #فهذا حق
كما أخبر ال به فمن اتبع المسيح عليه السلم جعله ال فوق الذين كفروا إلى يوم
القيامة وكان الذين اتبعوه على دينه الذي لم يبدل قد جعلهم ال فوق اليهود وأيضا
فالنصارى فوق اليهود الذين كفروا به إلى يوم القيامة #وأما المسلمون فهم مؤمنون
به ليسوا كافرين به بل لما بدل النصارى دينه وبعث ال محمدا بدين ال الذي بعث
به المسيح وغيره من النبياء جعل ال محمدا وأمته فوق النصارى إلى يوم القيامة
كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد
وإن اولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه نبي #وقال تعالى ^ #شرع
لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى
^ وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه
وقال تعالى ^ #يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون #
عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل
حزب بما لديهم فرحون ^ #فكل من كان أتم إيمانا بال ورسله كان أحق بنصر ال
تعالى فإن ال يقول في كتابه ^ #إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا
ويوم يقوم الشهاد ^ #وقال في كتابه ^ #ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم
لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^ #واليهود كذبوا المسيح ومحمدا كما قال
ال فيهم ^ #بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال بغيا أن ينزل ال من
فضله على من يشاء من عباده فباءو بغضب على غضب ^ #فالغضب الول
بتكذيبهم المسيح والثاني بتكذيبهم لمحمد والنصارى لم يكذبوا المسيح فكانوا
منصورين على اليهود والمسلمون منصورون على اليهود
والنصارى فإنهم آمنوا بجميع كتب ال ورسله ولم يكذبوا بشيء من كتبه ول كذبوا
أحدا من رسله بل اتبعوا ما قال ال لهم حيث قال ^ #قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا
وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى
وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ #
وقال تعالى ^ #آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال
135
www.anassim.fr.st 136 الن سي ــــ ـــ ـم
وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا
وإليك المصير ^ #ولما كان المسلمون هم المتبعون لرسل ال كلهم المسيح وغيره
وكان ال قد وعد أن ينصر الرسل وأتباعهم قال النبي في الحديث الصحيح ل تزال
طائفة من أمتي ظاهرة على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم
الساعة #وقال أيضا سألت ربي أن ل يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم
فأعطانيها الحديث #فكان ما احتجوا به حجة عليهم ل لهم
فصل #وأما قوله تعالى ^ #وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^
#فهو حق كما أخبر ال به وقد ذكر تعالى تأييد عيسى بن مريم بروح القدس في
عدة مواضع فقال تعالى في سورة البقرة ^ #ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من
بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ #وقال تعالى #
^ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات
وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من
بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو
شاء ال ما اقتتلوا ولكن ال يفعل ما يريد ^ #وقال تعالى ^ #يا عيسى ابن مريم
اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهل
وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير
بإذني فتنفخ فيها فتكون
طيرا بإذني وتبرئ الكمه والبرص بإذني ^ #وقال تعالى في القرآن ^ #وإذ
بدلنا آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم ل يعلمون قل
نزله روح القدس من ربك بالحق ^ #وقال تعالى ^ #نزل به الروح المين على
قلبك لتكون من المنذرين ^ #وقال تعالى ^ #قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله
على قلبك بإذن ال مصدقا ^ #فروح القدس الذي نزل بالقرآن من ال هو الروح
المين وهو جبريل #وثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه سمع النبي يقول لحسان
بن ثابت أجب عني اللهم أيده بروح القدس
وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي ال عنها قالت سمعت النبي يقول #
لحسان بن ثابت إن روح القدس ل يزال يؤيدك ما نافحت عن ال ورسوله #وفي
الصحيحين عن البراء بن عازب قال سمعت رسول ال يقول لحسان بن ثابت اهجهم
أو هاجهم وجبريل معك
فهذا حسان بن ثابت واحد من المؤمنين لما نافح عن ال ورسوله وهجا المشركين #
الذين يكذبون الرسول أيده ال بروح القدس وهو جبريل عليه السلم وأهل الرض
يعلمون أن محمدا لم يكن يجعل اللهوت متحدا بناسوت حسان بن ثابت فعلم أن
إخباره بأن ال أيده بروح القدس ل يقتضي اتحاد اللهوت بالناسوت فعلم أن التأييد
136
www.anassim.fr.st 137 الن سي ــــ ـــ ـم
بروح القدس ليس من خصائص المسيح وأهل الكتاب يقرون بذلك وأن غيره من
النبياء كان مؤيدا بروح القدس كداود وغيره بل يقولون إن الحواريين كانت فيهم
روح القدس وقد ثبت باتفاق المسلمين واليهود والنصارى أن روح القدس يكون في
غير المسيح بل في غير النبياء كما سيأتي إن شاء ال #وإنما المقصود في هذا
المقام بيان كذبهم على محمد وهذا التأييد نظير قوله تعالى ^ #ل تجد قوما يؤمنون
بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو
إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ #فهذا
التأييد بروح منه عام لكل من لم يحب أعداء الرسل وإن كانوا أقاربه بل يحب من
يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانب ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقارب وهذه
ملة إبراهيم
وقال تعالى ^ #قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم #
إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة
والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده ^ #وقال تعالى ^ #وإذ قال إبراهيم لبيه
وقومه إنني برآء مما تعبدون إل الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في
عقبه لعلهم يرجعون ^ #وقال ^ فلما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه ^ #وهذا التأييد
بروح القدس لمن ينصر الرسل عام في كل من نصرهم على من خالفهم من
المشركين وأهل الكتاب كما تقدم وليس في القرآن ول في النجيل ول غير ذلك من
كتب النبياء أن روح القدس الذي أيد به المسيح هو صفة ال القائمة به وهي حياته
ول أن روح القدس رب يخلق ويرزق فليس روح القدس هي ال ول صفة من
صفات ال بل ليس في شيء من كلم النبياء أن صفة ال القائمة به تسمى ابنا ول
روح القدس #فإذا تأول النصارى قول المسيح عمدوا الناس باسم الب والبن
وروح القدس على أن البن صفته التي هي العلم وروح
القدس صفته التي هي الحياة كان هذا كذبا بينا على المسيح فل يوجد قط في كلمه
ول كلم غيره من النبياء تسمية ال ول شيئا من صفاته ابنا ول حياته روح القدس
#وأيضا فهم يذكرون في المانة أن المسيح تجسد من مريم ومن روح القدس وهذا
يوافق ما أخبر ال به من أنه أرسل روحه الذي هو جبريل وهو روح القدس فنفخ
في مريم فحملت بالمسيح فكان المسيح متجسدا مخلوقا من أمه ومن ذلك الروح
وهذا الروح ليس صفة ل ل حياته ول غيرها بل روح القدس قد جاء ذكرها كثيرا
في كلم النبياء ويراد بها إما الملك وإما ما يجعله ال في قلوب أنبيائه وأوليائه من
الهدى والتأييد ونحو ذلك كما قال تعالى ^ #أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم
بروح منه ^ #وقال تعالى ^ #وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري
^ ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا
وقال تعالى ^ #ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن #
أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون ^ #وقال تعالى ^ #ذو العرش يلقي الروح من
137
www.anassim.fr.st 138 الن سي ــــ ـــ ـم
أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق ^ #فسمى الملك روحا وسمى ما
ينزل به الملك روحا وهما متلزمان والمسيح عليه السلم مؤيد بهذا وهذا #ولهذا
قال كثير من المفسرين إنه جبريل وقال بعضهم إنه الوحي وهذا كلفظ الناموس يراد
به صاحب سر الخير كما يراد بالجاسوس صاحب سر الشر فيكون الناموس جبريل
ويراد به الكتاب الذي نزل به وما فيه من المر والنهي والشرع ولما قال ورقة بن
نوفل للنبي هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى فسر الناموس بهذا وهذا وهما
متلزمان
فصل #وأما قوله تعالى ^ #لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال
من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في
ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا
وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه النجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة
ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال فما رعوها حق رعايتها
فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون ^ #فهو حق كما قال تعالى
وليس في ذلك مدح للرهبانية ول لمن بدل دين المسيح وإنما فيه مدح لمن اتبعه بما
جعل ال في قلوبهم من الرحمة والرأفة حيث يقول ^ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه
رأفة ورحمة ^ #ثم قال ^ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ^ #أي وابتدعوا
رهبانية ما كتبناها عليهم وهذه الرهبانية لم يشرعها ال ولم يجعلها مشروعة لهم بل
نفى جعله عنها كما نفى ذلك عما ابتدعه المشركون بقوله ^ #ما جعل ال من
^ بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام
وهذا الجعل المنفي عن البدع هو الجعل الذي أثبته للمشروع بقوله تعالى ^ لكل #
جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ^ #وقوله ^ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ^ #
فالرهبانية ابتدعوها لم يشرعها ال وللناس في قوله ^ ورهبانية ^ قولن #أحدهما
أنها منصوبة يعني ابتدعوها إما بفعل مضمر يفسره ما بعده أو يقال هذا الفعل عمل
في المضمر والمظهر كما هو
قول الكوفيين حكاه عنهم ابن جرير وثعلب وغيرهما ونظيره قوله ^ يدخل من يشاء
في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ^ #وقوله ^ فريقا هدى وفريقا حق عليهم
الضللة ^ #وعلى هذا القول فل تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة #
والقول الثاني إنها معطوفة عليها فيكون ال قد جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة
والرهبانية المبتدعة ويكون هذا جعل
خلقيا كونيا والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله تعالى ^ #وجعلناهم أئمة
يدعون إلى النار ^ #وعلى هذا القول فل مدح للرهبانية بجعلها في القلوب فثبت
138
www.anassim.fr.st 139 الن سي ــــ ـــ ـم
على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية #ثم قال ^ إل ابتغاء رضوان ال
^ #أي لم يكتب عليهم إل ابتغاء رضوان ال وابتغاء رضوان ال بفعل ما أمر به
ل بما يبتدع وهذا يسمى استثناء منقطعا
كما في قوله ^ #اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إل اتباع الظن وما #
قتلوه ^ #وقوله تعالى ^ #يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن
تكون تجارة عن تراض منكم ول ^ #وقوله تعالى ^ #ل يذوقون فيها الموت إل
الموتة الولى ^ #وقوله تعالى ^ #فما لهم ل يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن ل
يسجدون بل الذين كفروا يكذبون وال أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إل الذين
آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ^ #وقوله تعالى ^ #ل يسمعون
فيها لغوا ول تأثيما إل قيل سلما سلما ^ #وقوله ^ وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا إل خطأ ^ #وهذا أصح القوال في هذه الية كما هو مبسوط في موضع
آخر
ول يجوز أن يكون المعنى أن ال كتبها عليهم ابتغاء رضوان ال فإن ال ل يفعل #
شيئا ابتغاء رضوان نفسه ول أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا
وهذا بعض الغالطين كما قد بسط في موضع آخر #وذكر أنهم ابتدعوا الرهبانية
وما رعوها حق رعايتها وليس في ذلك مدح لهم بل هو ذم ثم قال تعالى ^ #فآتينا
الذين آمنوا منهم أجرهم ^ #وهم الذين آمنوا بمحمد وكثير منهم فاسقون ولو أريد
الذين آمنوا بالميسح أيضا فالمراد من اتبعه على دينه الذي لم يبدل وإل فكلهم
يقولون إنهم مؤمنون بالمسيح وبكل حال فلم يمدح سبحانه إل من اتبع المسيح على
دينه الذي لم يبدل ومن آمن بمحمد لم يمدح النصارى الذين بدلوا دين المسيح ول
الذين لم يؤمنوا بمحمد #فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله تعالى ورهبانية
ابتدعوها عطف على رأفة ورحمة وإن المعنى أن ال جعل في قلوب الذين اتبعوه
رأفة ورحمة ورهبانية أيضا ابتدعوها وجعلوا الجعل شرعيا
ممدوحا قيل هذا غلظ لوجوه #منها أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين
صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب وإنما ابتدعت الرهبانية بعد ذلك بخلف
الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه #ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا
الرهبانية بخلف الرأفة والرحمة فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد
شرعها لهم فإن كان المراد هوالجعل الشرعي الديني ل الجعل الكوني القدري فلم
تدخل الرهبانية في ذلك وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فل مدح للرهبانية في
ذلك #ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية ل تختص بالقلوب بل
الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك وقد كان طائفة من الصحابة
رضوان ال عليهم هموا بالرهبانية فأنزل ال تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى ^ #
يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا إن ال ل يحب
المعتدين ^ #وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي قال أحدهم أما أنا
139
www.anassim.fr.st 140 الن سي ــــ ـــ ـم
فأقوم ل أنام وقال آخر أما أنا فل أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فل آكل اللحم #
فقام النبي خطيبا فقال ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم
وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني #وفي صحيح
البخاري أن النبي رأى رجل قائما في الشمس فقال ما هذا قالوا هذا أبو إسرائيل نذر
أن يقوم في الشمس ول يستظل ول يتكلم ويصوم فقال مروه فليجلس وليستظل
وليتكلم وليتم صومه
وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته خير الكلم كلم ال #
وخير الهدى هدي محمد وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة #وفي السنن عن
العرباض بن سارية أن النبي صلى ال عليه
وسلم قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها
وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل بدعة ضللة #قال
الترمذي حديث حسن صحيح #وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة
وضللة وما كان بدعة وضللة لم يكن هدى ولم يكن ال جعلها بمعنى أنه شرعها
كما لم يجعل ال ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
فإن قيل قد قال طائفة معناها ما فعلوها إل ابتغاء رضوان ال ما كتبناها عليهم إل #
ابتغاء رضوان ال #وقالت طائفة ما فعلوها أو ما ابتدعوها إل ابتغاء رضوان ال
#قيل كل القولين خطأ والول أظهر خطأ فإن الرهبانية لم يكتبها ال عليهم بل لم
يشرعها ل إيجابا ول استحبابا ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم
إتمامها وليس في الية ما يدل على ذلك فإنه قال ^ #ما كتبناها عليهم إل ابتغاء
رضوان ال فما رعوها حق رعايتها ^ #فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية
ول إتمامها ول رعايتها بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة وأن تلك البدعة لم يرعوها حق
رعايتها #فإن قيل قوله تعالى ^ فما رعوها حق رعايتها ^ #يدل على أنهم لو
رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين #قيل ليس في الكلم ما يدل على ذلك بل يدل
على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما ل يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من
ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد
منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب
ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق
أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم والنار دركات كما أن
الجنة درجات #وأيضا فال تعالى إذا كتب شيئا على عباده لم يكتب ابتغاء رضوانه
بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان ال #وأيضا فتخصيص الرهبانية بأنه
كتبها ابتغاء رضوان ال دون غيرها تخصيص بغير موجب فإن ما كتبه ابتداء لم
140
www.anassim.fr.st 141 الن سي ــــ ـــ ـم
يذكر أنه كتبه ابتغاء رضوانه فكيف بالرهبانية #وأما قول من قال ما فعلوها إل
ابتغاء رضوان ال فهذا المعنى لو دل عليه الكلم لم يكن في ذلك مدح للرهبانية فإن
من فعل ما لم يأمر ال به بل نهاه عنه مع حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده
ل يثاب على ما نهى عنه ول على ما ليس بواجب ول مستحب فكيف والكلم ل يدل
عليه فإن ال قال ^ #ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال ^ #ولم يقل ما
فعلوها إل ابتغاء رضوان ال ول قال ما ابتدعوها إل ابتغاء رضوان ال ولو كان
المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إل
ابتغاء رضوان ال لكان منصوبا على المفعولية ولم يتقدم لفظ الفعل ليعمل فيه ول
نفي البتداع بل أثبته لهم وإنما تقدم لفظ الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو
الصواب وأنه استثناء منقطع فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا
عليهم ابتغاء رضوان ال فإن إرضاء ال واجب مكتوب على الخلق وذلك يكون
بفعل المأمور وبترك المحظور ل بفعل ما لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه
والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه
فصل #وأما قوله تعالى ^ #من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل
وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ #فهذه الية ل اختصاص فيها
للنصارى بل هي مذكورة بعد قوله تعالى ^ #كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم
منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار
ثم ل ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس
وباءوا بغضب من ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال
ويقتلون النبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ #ثم قال ^ #ليسوا
^ سواء من أهل الكتاب أمة قائمة
ومعلوم أن الصفة المذكورة في قوله ^ #ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال #
ويقتلون النبياء بغير حق ^ #صفة اليهود وكذلك قوله ^ وضربت عليهم المسكنة
^ #فقوله عقب ذلك ^ من أهل الكتاب أمة قائمة ^ #لبد أن يكون متناول لليهود
ثم قد اتفق المسلمون والنصارى على أن اليهود مع كفرهم بالمسيح ومحمد ليس فيهم
مؤمن وهذا معلوم بالضطرار من دين محمد والية إذا تناولت النصارى كان
حكمهم في ذلك حكم اليهود وال تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما
قال تعالى ^ #وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم
خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن ال سريع
الحساب ^ #وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الية الخرى في آل عمران نزلت في
النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي ول العمل
141
www.anassim.fr.st 142 الن سي ــــ ـــ ـم
بشرائع السلم لكون أهل بلده نصارى ل يوافقونه على إظهار شرائع السلم وقد
قيل أن النبي إنما صلى عليه لما مات لجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلة
عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم #ولهذا جعل من
أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي بمنزلة من يؤمن بالنبي في بلد الحرب ول يتمكن
من الهجرة إلى دار السلم ول يمكنه العمل بشرائع السلم الظاهرة بل يعمل ما
يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال تعالى ^ #فإن كان من قوم عدو لكم وهو
مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ^ #فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في
الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون #قال تعالى ^ #وقال رجل مؤمن من آل
فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربي ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم
وإن يك كاذبا فعليه كذبه
وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن ال ل يهدي من هو مسرف كذاب يا
قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الرض فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا قال
فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سبيل الرشاد وقال الذي آمن يا قوم إني
أخاف عليكم مثل يوم الحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما
ال يريد ظلما للعباد ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم
من ال من عاصم ومن يضلل ال فما له من هاد ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات
فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث ال من بعده رسول كذلك
يضل ال من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان أتاهم كبر
مقتا عند ال وعند الذين آمنوا كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار وقال
فرعون يا همان ابن لي صرحا لعلي أبلغ السباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله
موسى وأني لظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد
فوعون إل في تباب وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما
هذه الحياةالدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها
ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها
بغير حساب ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لكفر
بال وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ل جرم أنما
تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ول في الخرة وأن مردنا إلى ال وأن
المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى ال إن ال
بصير بالعباد
فوقاه ال سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها
غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ^ #فقد أخبر سبحانه
أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم
إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس
والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك أمرأة فرعون
142
www.anassim.fr.st 143 الن سي ــــ ـــ ـم
ليست من آل فرعون هؤلء قال ال تعالى ^ #وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأت
فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني
من القوم الظالمين ^ #وامرأة الرجل من آله بدليل قوله ^ #إل آل لوط إنا
لمنجوهم أجمعين إل أمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ^ #وهكذا أهل الكتاب فيهم من
هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بال ورسوله محمد يعمل بما يقدر عليه
ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعمل و ^ ل يكلف ال نفسا إل وسعها ^ وهو
عاجز عن الهجرة إلى دار السلم كعجز النجاشي
ذكره ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم وذكره حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن #
البصري أن رسول ال قال استغفروا لخيكم النجاشي فذكر مثله #وكذلك ذكر
طائفة من المفسرين عن جابر بن عبد ال وابن عباس وأنس وقتادة أنهم قالوا نزلت
هذه الية في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما
مات نعاه جبريل للنبي في اليوم الذي مات فيه فقال
رسول ال لصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا من هو
قال النجاشي فخرج رسول ال إلى البقيع وزاد بعضهم وكشف له من المدينة إلى
أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له
وقال لصحابه استغفروا له فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي
نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل ال تعالى ^ #وإن من أهل الكتاب لمن
يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل
أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن ال سريع الحساب ^ #وقد ذهبت طائفة من العلماء
إلى أنها نزلت فيمن كان على دين المسيح عليه السلم إلى أن بعث محمد فأمن به
كما نقل ذلك عن عطاء #وذهبت طائفة إلى أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم
والقول الول أجود فإن من آمن بمحمد وأظهر اليمان به وهو من أهل دار #
السلم يعمل ما يعمله المسلمون ظاهرا وباطنا فهذا من المؤمنين وإن كان قبل ذلك
مشركا بعبد الوثان فكيف إذا كان كتابيا وهذا مثل عبد ال بن سلم وسلمان
الفارسي وغيرهما وهؤلء ل يقال إنهم من أهل الكتاب كما ل يقال في المهاجرين
والنصار إنهم من المشركين وعباد الوثان ول يمكن أحد من المنافقين ول من
143
www.anassim.fr.st 144 الن سي ــــ ـــ ـم
غيرهم من أن يصلي على واحد منهم بخلف من هو في الظاهر منهم وفي الباطن
من المؤمنين #وفي بلد النصارى من هذا النوع خلق كثير يكتمون إيمانهم إما
مطلقا وإما يكتمونه عن العامة ويظهرونه لخاصتهم وهؤلء قد
يتناولهم قوله تعالى ^ #وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال ^ الية #فهؤلء ل
يدعون اليمان بكتاب ال ورسوله لجل مال يأخذونه كما يفعل كثير من الحبار
والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدونهم عن سبيل ال فيمنعونهم
اليمان بمحمد #وأما قوله تعالى ^ #من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون آيات ال أنآء
اليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ #فهذه الية تتناول اليهود
أقوى مما تتناول النصارى ونظيرها قوله تعالى ^ ومن قوم موسى أمة يهدون
بالحق وبه يعدلون ^ #وهذا مدح مطلق لمن تمسك بالتوراة ليس في ذلك مدح لمن
كذب المسيح ول فيها مدح لمن كذب محمدا #وهذا الكلم يفسره سياق الكلم فإنه
قال تعالى ^ #كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
^ وتؤمنون بال
ثم قال تعالى ^ #ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم #
الفاسقون ^ #فقد جعلهم نوعين نوعا مؤمنين ونوعا فاسقين وهم أكثرهم وقوله
تعالى ^ منهم المؤمنون ^ #يتناول من كان منهم مؤمنا قبل مبعث محمد كما
يتناولهم قوله تعالى ^ #وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ^ #إلى قوله ^
وكثير منهم فاسقون ^ #وكذلك قوله تعالى ^ #ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا
في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ^ #وقوله عن إبراهيم
الخليل ^ #وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ^ #
ثم لما قال ^ وأكثرهم الفاسقون ^ #قال ^ #لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم
يولوكم الدبار ثم ل ينصرون
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءوا بغضب من
ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيت ال ويقتلون النبياء بغير
حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ #وضرب الذلة عليهم أينما ثقفوا ومباؤهم
بغضب ال وما ذكر معه من قتل النبياء بغير حق وعصيانهم واعتداؤهم كان
اليهود متصفين به قبل مبعث محمد كما قال تعالى في سورة البقرة ^ #وإذ قلتم يا
موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الرض من
بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من
ال ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا
وكانوا يعتدون ^ #ثم قال بعد ذلك ^ #إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى
والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول
144
www.anassim.fr.st 145 الن سي ــــ ـــ ـم
خوف عليهم ول هم يحزنون ^ #فتناولت هذه الية من كان من أهل هذه الملل
الربع متمسكا بها قبل النسخ بغير تبديل كذلك آية آل عمران لما وصف أهل
الكتاب بما كانوا متصفا به أكثرهم قبل محمد من الكفر قال ^ #ليسوا سواء من
أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم
الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من
الصالحين ^ #وهذا يتناول من كان متصفا منهم بهذا قبل النسخ فإنهم كانوا على
الدين الحق الذي لم يبدل ولم ينسخ كما قال في العراف ^ #ومن قوم موسى أمة
يهدون بالحق وبه يعدلون ^ #وقوله ^ #و
قطعناهم في الرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات
والسيئات لعلهم يرجعون فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا
الدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق
الكتاب أن ل يقولوا على ال إل الحق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خير للذين
يتقون أفل تعقلون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلة إنا ل نضيع أجر
المصلحين ^ #وقد قال تعالى ^ #وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ^ #
فهذا خبر من ال عمن كان متصفا بهذا الوصف قبل مبعث محمد ومن أدرك من
هؤلء محمدا فآمن به كان له أجره مرتين
فصل #قالوا ثم وجدناه يعظم إنجيلنا ويقدم صوامعنا ويشرف مساجدنا ويشهد بأن
اسم ال يذكر فيها كثيرا وذلك مثل قوله تعالى ^ #ولول دفع ال الناس بعضهم
ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ^ #
والجواب أن فيها ذكر الصوامع والبيع وأما قوله ^ ويذكر فيها اسم ال كثيرا ^ فإنما
ذكره عقب ذكره المساجد والمساجد للمسلمين وليس المراد بها كنائس النصارى
فإنها هي البيع ثم قوله تعالى ^ يذكر فيها اسم ال كثيرا ^ #إما أن يكون مختصا
بالمساجد فل يكون في ذلك إخبار بأن اسم ال يذكر كثيرا في البيع والصوامع وإما
أن يكون ذكر اسم ال في الجميع فل ريب أن الصوامع والبيع قبل أن يبعث ال
محمدا كان فيها من يتبع دين المسيح الذي لم يبدل ويذكر فيها اسم ال كثيرا وقد قيل
إنها بعد النسخ والتبديل
يذكر فيها اسم ال كثيرا وإن ال يحب أن يذكر اسمه #قال الضحاك إن ال يحب أن
يذكر اسمه وإن كان يشرك به يعني أن المشرك به خير من المعطل الجاحد الذي ل
يذكر اسم ال بحال #وأهل الكتاب خير من المشركين وقد ذكرنا أنه لما اقتتل
فارس والروم وانتصرت الفرس ساء ذلك اصحاب رسول ال وكرهوا انتصار
الفرس على النصارى لن النصارى أقرب إلى دين ال من المجوس والرسل بعثوا
بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وتقديم خير الخيرين على
أدناهما حسب المكان ودفع شر الشرين بخيرهما فهدم صوامع النصارى وبيعهم
145
www.anassim.fr.st 146 الن سي ــــ ـــ ـم
فساد إذا هدمها المجوس والمشركون وأما إذا هدمها المسلمون وجعلوا
أماكنها مساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا فهذا خير وصلح #وهذه الية ذكرت في
سياق الذن للمسلمين بالجهاد بقوله تعالى ^ #أذن للدين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن
ال على نصرهم لقدير ^ #وهذه الية أول آية نزلت في الجهاد ولهذا قال ^ #
الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال ^ #ثم قال ^ ولول دفع
ال الناس بعضهم ببعض ^ #فيدفع بالمؤمنين الكفار ويدفع شر الطائفتين بخيرهما
كما دفع المجوس بالروم النصارى ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد وهذا كما
قال تعالى في سورة البقرة ^ #وقتل داود جالوت وآتاه ال الملك والحكمة وعلمه
مما يشاء ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل
على العالمين ^ #وأما التقديم في اللفظ فإنه يكون للنتقال من الدنى إلى العلى
كقوله تعالى ^ #قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي
بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال مال تعلمون
^
وقوله ^ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ^ #وقوله # ^ #
والذاريات ذروا فالحاملت وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ^ #ونظائره
متعددة #وكذلك في قوله تعالى ^ #لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر
فيها اسم ال كثيرا ^ #فبين سبحانه أنه لول دفع ال الناس بعضهم ببعض لهدمت
مواضع العبادات وهدمها فساد إذا هدمها من ل يبدلها بخير منها وأدناها هي
الصوامع فإن الصومعة تكون لواحد أو لطائفة قليلة فبدأ بأدنى المعابد وختم بأشرفها
وهي المساجد التي يذكر فيها اسم ال كثيرا ففي الجملة حكم هذه المعابد حكم أهلها
وأهلها قبل النسخ والتبديل مؤمنون مسلمون وهدم معابد المؤمنين المسلمين فساد
وبعد النسخ والتبديل إذا غلب أهل الكتاب من هو شر منهم كالمجوس والمشركين
وهدموا معابدهم كان ذلك فسادا وإذا هدمها من هو خير منهم كأمة محمد وأبدلوها
مساجد يذكر فيها
اسم ال كثيرا ول يشرك به ويذكر فيها اليمان بجميع كتبه ورسله كان ذلك صلحا
ل فسادا #ولهذا أمر النبي أن يتخذ المساجد مواضع معابد الكفار كما كان لثقيف
أهل الطائف معبد يعبدون فيه اللت التي قال ال فيها ^ أفرأيتم اللت والعزى ^ #
فأمر النبي أن يهدم ذلك المعبد ويتخذ مكانه المسجد الذي يعبد ال وحده فيه فإن
المساجد هي
بيوت ال في الرض قال تعالى ^ #قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل
مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ^ #وقال تعالى ^ وأن المساجد
ل فل تدعوا مع ال أحدا ^ #وقال تعالى ^ #ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد
ال شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم ^ الية إلى قوله ^ المهتدين ^
146
www.anassim.fr.st 147 الن سي ــــ ـــ ـم
#وقال تعالى ^ #ال نور السموات والض مثل نوره ^ الية إلى قوله ^ بغير
حساب ^ #ثم لما ذكر المؤمنين ذكر الكفار من أهل الكتاب والمشركين فذكر أهل
الجهل المركب والبسيط فقال تعالى ^ #والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع
الحساب أو كظلمات
في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض
إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور ^ #فقد تبين
أنه ليس لهم حجة في شيء مما جاء به محمد بل ما جاء به حجة عليهم من وجوه
متعددة
فصل #قالوا وهذا وغيره أوجب لنا التمسك بديننا وأن ل نهمل ما معنا ول نرفض
مذهبنا ول نتبع غير السيد المسيح كلمة ال وروحه وحوارييه الذين أرسلهم إلينا #
والجواب إنهم احتجوا بحجتين باطلتين #إحداهما أن محمدا لم يرسل إليهم بل إلى
العرب وقد تبين أن الحتجاج بها من أعظم الكذب والفتراء على محمد فإنه لم يقل
قط إني لم أرسل إلى أهل الكتاب ول قال قط إني لم أرسل إل إلى العرب بل
نصوصه المتواترة عنه وأفعاله تبين أنه مرسل إلى جميع أهل الرض أميهم
وكتابيهم #والحجة الثانية قولهم أن محمدا أثنى على دين النصارى بعد التبديل
والنسخ وهي أيضا أعظم كذبا عليه من التي قبلها كيف يثني عليهم وهو يكفرهم في
غير موضع من كتابه ويأمر بجهادهم وقتالهم ويذم المتخلفين عن جهادهم غاية الذم
ويصف من لم ير طاعته في قتالهم بالنفاق والكفر ويذكر أنه
يدخل جهنم وهذا كله يخبر به عن ال ويذكره تبليغا لرسالة ربه وإنما يضاف إليه
لنه بلغه وأداه ل لنه أنشأه وابتدأه #كما قال تعالى ^ #إنه لقول رسول كريم وما
هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب
العالمين ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما
منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه
لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم ^ #وأما ثناء ال
ورسوله على المسيح وأمه وعلى من اتبعه وكان على دينه الذي لم يبدل فهذا حق
وهو ل ينافي وجوب اتباع محمد على من بعث إليه فلو قدر أن شريعة المسيح لم
تبدل وأن محمدا أثنى على كل من اتبعها وقال مع ذلك إن ال أرسلني إليكم لم يكن
ذلك متناقضا وإذا كفر من لم يؤمن به لم يناقض ذلك ثناؤه عليهم قبل أن يكذبوه
فكيف وهو إنما مدح من اتبع دينا لم يبدل وأما الذين بدلوا دين المسيح فلم يمدحهم #
بل ذمهم كما قال ^ #ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما
ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا
147
www.anassim.fr.st 148 الن سي ــــ ـــ ـم
يصنعون ^ #وقد قدمنا أن النصارى كفروا كما كفرت اليهود كفروا بتبديلهم ما في
الكتاب الول وكفروا بتكذيبهم بالكتاب الثاني #وأما من لم يبدل الكتاب أو أدرك
محمدا فآمن به فهؤلء مؤمنون ومما يبين ذلك أن تعظيم المسيح للتوراة واتباعه لها
وعمله بشرائعها أعظم من تعظيم محمد للنجيل ومع هذا فلم يكن ذلك مسقطا عن
اليهود وجوب اتباعهم للمسيح فكيف يكون تعظيم محمد للنجيل مسقطا عن
النصارى وجوب اتباعه
فصل #وأما قولهم وحوارييه الذين أرسلهم إلينا أنذرونا بلغتنا وسلموا لنا ديننا
الذين قد عظموا في هذا الكتاب بقوله في سورة الحديد ^ #لقد أرسلنا رسلنا
بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ^ #وقال في سورة
البقرة ^ #فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه ^ #فأعني بقوله أنبياءه المبشرين ورسله ينحو بذلك
الحواريين الذين داروا في سبعة أقاليم العالم وبشروا بالكتاب الواحد الذي هو
النجيل الطاهر لنه لو عني عن إبراهيم وداود وموسى ومحمد لكان قال معهم
الكتب لن كل واحد منهم جاء بكتاب دون
غيره ولم يقل إل الكتاب الواحد لنه ما أتى جماعة مبشرين بكتاب واحد غير
الحواريين الذين أتوا بالنجيل الطاهر وجاء أيضا في الكتاب ^ #وجاء من أقصا
المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ^ #يعني الحواريين لم يقل رسول
إنما قال المرسلين والجواب من وجوه #أحدها أنه ليس فيما ذكر ول في غيره ما
يوجب تكذيب الرسول الذي أرسل إليكم وإلى غيركم وتمسككم بدين مبدل منسوخ
كما أنه ليس فيما يعظم به موسى والتوراة ومن اتبع موسى ما يوجب لليهود تكذيب
الرسول الذي أرسل إليهم وتمسكهم بدين مبدل منسوخ #الثاني أن قولهم ول نتبع
غير المسيح وحوارييه قول باطل فإنهم ليسوا متبعين ل للمسيح ول لحوارييه
لوجهين #أحدهما أن دينهم مبدل ليس كله عن المسيح والحواريين بل أكثر
شرائعهم أو كثير منها ليست عن المسيح والحواريين #الثاني أن المسيح بشر
بأحمد كما قال تعالى ^ #وإذ قال عيسى ابن مريم يبني إسرائيل إني رسول ال
^ إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد
فإذا لم يتبعوا أحمد كانوا مكذبين للمسيح وعندهم من البشارات عن المسيح #
وغيره من النبياء بأحمد ما هو مبسوط في موضع آخر كما سيأتي إن شاء ال #
وإنما المقصود هنا منع احتجاجهم بشيء مما جاء به محمد وبيان أنه حجة عليهم ل
لهم إذ زعموا أن في بعضه حجة لهم #الثالث أن قولهم عن الحواريين أنهم الرسل
الذين عظموا في هذا الكتاب قول باطل فسروا به القرآن تفسيرا باطل من جنس
تفسيرهم ^ الذين أنعمت عليهم ^ بالنصارى وتفسيرهم ^ بإذني ^ أي ينفخ فيه
فيكون طيرا بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في الناسوت وتفسيرهم ^ #
148
www.anassim.fr.st 149 الن سي ــــ ـــ ـم
الم ذلك الكتاب ^ #بالنجيل وتفسيرهم ^ #الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة
ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم
يوقنون ^ هم النصارى #وتفسيرهم قوله ^ ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي
أحسن ^ هم النصارى
إل الذين ظلموا ^ هم اليهود #وأمثال ذلك من تفسيرهم القرآن مثل ما ^ #
يفسرون به التوراة والنجيل والزبور من التفاسير التي هي من تحريف الكلم عن
مواضعه واللحاد في آيات ال والكذب على أنبيائه بما يظهر أنه كذب على النبياء
لكل من تدبر ذلك وبطلن ذلك يظهر من وجوه #أحدها أن ال قال ^ #لقد أرسلنا
رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه
بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ^
#وقوله تعالى ^ لقد أرسلنا رسلنا ^ #اسم جمع مضاف يعم جميع من أرسله ال
تعالى #الثاني أن أحق الرسل بهذا الحكم الذين سماهم في القرآن كما قال تعالى #
^ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان
وآتينا داود زبورا ورسل قد قصصناهم عليك من قبل
ورسل لم نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون
للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما ^ #وقال في سورة
الشعراء ^ #كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح أل تتقون إني لكم
رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب
العالمين فاتقوا ال وأطيعون ^ #وقوله ^ #كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم
هود أل تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن
أجري إل على رب العالمين ^ #وقوله ^ #كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم
أخوهم صالح أل تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه
من أجر إن أجري إل على رب العالمين ^ #وقوله
كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط أل تتقون إني لكم رسول أمين ^ #
فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب العالمين ^ #
وقوله ^ #كذب أصحاب ليكة المرسلين إذ قال لهم شعيب أل تتقون إني لكم
رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب
العالمين ^ #وقال تعالى ^ #إنا أرسلنا إليكم رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى
فرعون رسول فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيل ^ #وقال تعالى ^ #
كذبت قبلهم قوم نوح والحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا
بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ^ #وقال تعالى ^ #ولقد
^ أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون
149
www.anassim.fr.st 150 الن سي ــــ ـــ ـم
وذكر قصته ثم قال بعد ذلك ^ #ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم #
رسول منهم أن اعبدوا ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون ^ #ثم لما قضى قصته
قال تعالى ^ #ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما
يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا
وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم ل يؤمنون ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا
وسلطان مبين إلى فرعون ومليه فاستكبروا وكانوا قوما عالين ^ #فذكر إرسال
رسله تترى أي متواترة ثم ذكر إرسال موسى وهارون وإرسال موسى وهارون قبل
المسيح بمدة طويلة #وقال تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في
الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ #فهذا إخبار منه سبحانه وتعالى بأنه
بعث في كل أمة رسول يدعوهم إلى عبادة ال وحده وقال تعالى في المسيح صلوات
ال عليه
ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ^ #فأخبر ^ #
أن المسيح رسول من هؤلء الرسل ^ #قد خلت من قبله الرسل ^ #وقبله قد بعث
في كل أمة رسول #وقد روي في حديث أبي ذر عن النبي أن النبياء مائة ألف
نبي وأن الرسل منهم ثلثمائة وثلثة عشر وبعض الناس يصحح هذا الحديث
وبعضهم يضعفه فإن
كان صحيحا فالرسل ثلثمائة وثلثة عشر وإن لم تعرف صحته أمكن أن يكونوا بقدر
ذلك وأن يكونوا أكثر كما يمكن أن يكونوا أقل فإن ال تعالى أخبر أنه بعث في كل
أمة رسول #وقال تعالى ^ #إنآ أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إل خل
فيها نذير ^ #وروى أن النبي قال أنتم توفون سبعين أمة أنتم أكرمها وأفضلها على
ال وهو حديث جيد #وقد قال تعالى في سورة الزمر ^ #وسيق الذين كفروا إلى
جهنم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم
يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم
لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ^ #وقال تعالى في
سورة تبارك ^ #وللذين كفروا عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها
شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم
نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء إن أنتم إل في ضلل
كبير ^ #فهذا إخبار منه بأن كل فوج يلقى في النار وقد جاءهم نذير كما قال تعالى
^ #وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ^ #وقد قال تعالى ^ #ومنذرين لئل يكون
للناس على ال حجة بعد الرسل ^ #وقال تعالى ^ #يا معشر الجن والنس ألم
يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على
^ أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
150
www.anassim.fr.st 151 الن سي ــــ ـــ ـم
فقد أرسل ال قبل المسيح رسل كثيرين إلى جميع المم فكيف يجوز أن يدعي أن #
المراد بقوله تعالى ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ هم الحواريون فقط الذين أرسلهم
المسيح مع أن الحواريين رسل المسيح بمنزلة رسل موسى وإبراهيم ورسل محمد #
ومن أرسله رسول ال وجبت طاعته على الناس فيما يبلغه عن رسول ال كما في
الصحيحين عن النبي ص = أنه قال من أطاعني فقد أطاع ال ومن أطاع أميري فقد
أطاعني ومن عصاني فقد عصى ال ومن عصى أميري فقد عصاني #فبين أن
أميره إنما تجب طاعته في المعروف الذي أمر ال به ورسوله ل في كل ما يأمر به
ففي الصحيحين عن علي أن
رسول ال بعث جيشا وأمر عليهم رجل وأمرهم أن يسمعوا ويطيعوا فأغضبوه فقال
اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا نارا ثم قال ألم يأمركم رسول
ال أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا
إنما فررنا إلى رسول ال من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه فلما رجعوا ذكروا
ذلك لرسول ال وقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا وقال ل طاعة في معصية ال
إنما الطاعة في المعروف وفي الصحيحين عن عبدال بن عمر عن النبي أنه قال
على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إل أن يؤمر بمعصية فإن أمر
بمعصية فل سمع وطاعة
وفي مسلم عن أم الحصين سمعت رسول ال في حجة الوداع يقول ولو استعمل #
عليكم عبد أسود يقودكم بكتاب ال فاسمعوا وأطيعوا #وفي الصحيحين عنه أنه قال
ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى له من سامع #وفي صحيح البخاري عن
عبدال بن عمرو عن النبي
أنه قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج ومن كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
وفي السنن عنه أنه قال نضر ال امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه #
فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه #فالحواريون في
تبليغهم عن المسيح كسائر أصحاب النبياء في تبليغهم عنهم وقال ال تعالى في
كتابه ^ #يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن
تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك
خير وأحسن تأويل ^ #وأولوا المر هم العلماء والمراء فإذا أمروا بما أمر ال به
ورسوله وجبت طاعتهم وإن تنازع الناس في شيء وجب رده إلى ال والرسول ل
يرد إلى أحد دون الرسل الذين أرسلهم ال كما قال في الية الخرى ^ #كان الناس
أمة واحدة فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا
بينهم فهدى ال الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وال يهدي من يشاء إلى
151
www.anassim.fr.st 152 الن سي ــــ ـــ ـم
^ صراط مستقيم
والكتاب اسم جنس لكل كتاب أنزله ال ليس المراد به كتابا معينا كما قال تعالى #
^ #ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال
واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين ^ #ولم يرد بهذا أن يؤمن بكتاب معين
واحد بل وهذا يتضمن اليمان بالتوراة والنجيل والقرآن وكل ما أنزله ال من كتاب
كما قال في سورة الشورى ^ #فلذلك فادع واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم
وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل بينكم ^ #فأمره ال تعالى أن
يؤمن بكل ما أنزله ال من كتاب وأن يعدل بين من بلغتهم رسالته كما قال ^ #
لنذركم به ومن بلغ ^ #فكل من بلغه القرآن فهو مخاطب به يتناوله خطاب القرآن
وفي الصحيحين عن النبي أنه قال بلغوا عني ولو آية
وقال تعالى ^ #آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال #
وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ^ #وفي القراءة الخرى وكتابه
ورسله وكل القراءتين موافقة للخرى وقوله تعالى ^ كان الناس أمة واحدة ^ #أي
فاختلفوا بعد ذلك كما قال في السورة الخرى ^ #وما كان الناس إل أمة واحدة
فاختلفوا ^ #فلما اختلف بنو آدم بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب
#وذلك يتناول كل كتاب أنزله ال ليحكم ال ويحكم كتابه بين الناس بالحق فالحاكم
بين الناس هو ال تعالى وحكمه في كتبه المنزلة فلهذا أمر ال المؤمنين إذا تنازعوا
في شيء أن يردوه إلى ال والرسول #والرد إلى ال هو الرد إلى كتابه فأمرهم
بالرد إلى كتابه ورسوله وقد ذم تعالى من لم يتحاكم إلى كتابه ورسوله فقال تعالى #
^ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد
الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول
رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم
جاءوك يحلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم ال ما في قلوبهم
فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قول بليغا وما أرسلنا من رسول إل
ليطاع بإذن ال ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا ال واستغفر لهم
الرسول لوجدوا ال توابا رحيما فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم
ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ #فقد تبين أن الرسل
الذين ذكرهم ال في قوله ^ #لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ #يتناول الرسل الذين
أرسلهم ال تعالى كلهم ومن احقهم بذلك الرسل الذين أخبر في القرآن أنه أرسلهم
إلى عباده فظهر بطلن قولهم أنهم الحواريون #الوجه الثالث أنه قال ^ #لقد
أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا
الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي
عزيز ^ #فذكر أنه أنزل الحديد أيضا ليتبين من يجاهد في سبيل ال بالحديد
152
www.anassim.fr.st 153 الن سي ــــ ـــ ـم
وإبراهيم جعل النبياء بعده من ذريته كما قال تعالى في إبراهيم ^ #ووهبنا له #
إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في
الخرة لمن الصالحين ^ #ثم قال بعد أن ذكر إرسال نوح وإبراهيم وأنه جعل في
ذريتهما النبوة والكتاب ^ #ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم
وآتيناه النجيل ^ #فأخبر أنه قفى على آثارهم برسله وقفى بعيسى بن مريم وآتاه
النجيل وهؤلء رسل قبل المسيح وآخرهم المسيح ولم يذكر أنه أرسل أحدا من
أتباع المسيح بل أخبر أنه جعل في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة فكيف يجوز أن
يقال أن مراده بالرسل الذين أرسلهم بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان هم
الحواريون دون الرسل الذين ذكرهم وأرسلهم قبل المسيح
الوجه الخامس أنه ليس في القرآن آية تنطق بأن الحواريين رسل ال بل ول #
صرح في القرآن بأنه أرسلهم لكن قال في سورة يس ^ #واضرب لهم مثل
أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث
فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن
أنتم إل تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إل البلغ المبين قالوا إنا
تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن
ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا
المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ومالي ل أعبد الذي فطرني وإليه
ترجعون أأتحذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر ل تغن عني شفاعتهم شيئا ول
ينقذون إني إذا لفي ضلل مبين إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا
ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين وما أنزلنا على قومه من
بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إل صيحة واحدة فإذا هم خامدون
يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزءون ^ #فهذا كلم ال
ليس فيه ذكر أن هؤلء المرسلين كانوا من الحواريين ول أن الذين أرسلوا إليهم
153
www.anassim.fr.st 154 الن سي ــــ ـــ ـم
آمنوا بهم وفيه أن هؤلء القوم الذين أرسل إليهم هؤلء الثلثة أنزل ال عليهم
صيحة واحدة فإذا هم خامدون
وقد ذكر طائفة من المفسرين أن هؤلء كانوا من الحواريين وأن القرية أنطاكية #
وأن هذا الرجل اسمه حبيب النجار ثم إن بعضهم يقول إن المسيح أرسلهم في حياته
لكن المعروف عند النصارى أن أهل إنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم لم يهلك ال
أهل إنطاكية #والقرآن يدل على أن ال أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل #
وأيضا فالنصارى يقولون إنما جاءوا إلى أهل إنطاكية بعد رفع المسيح وأن الذين
جاءوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث قيل أحدهما شمعون الصفا والخر بولص
ويقولون إن أهل إنطاكية آمنوا بهم ول يذكرون حبيب النجار ول مجيء رجل من
أقصى المدينة بل يقولون إن شمعون وبولص دعوا ال حتى أحيا ابن الملك فالمر
المنقول عند النصارى أن هؤلء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين وهذا
أصح القولين عند علماء
يتاجر وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون فيقسمه نصفين
فيطعم نصفه عياله ويتصدق بنصفه وكان بالمدينة التي هو بها مدينة إنطاكية
فرعون من الفراعنة يقال له إنطخس بن إنطنخس يعبد الصنام صاحب شرك فبعث
ال إليه المرسلين وهم ثلثة صادق وصدوق وشلوم فقدم ال إليه وإلى أهل المدينة
منهم اثنين فكذبوهما ثم عزز ال بالثالث #وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية
في قوله تعالى ^ #واضرب لهم مثل أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا
إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ^ #لكي تكون الحجة عليهم أشد فأتوا أهل
القرية فدعوهم إلى ال وحده وعبادته ل شريك له فكذبوهم فأتوا على رجل في
ناحية القرية في زرع له فسألهم الرجل ما أنتم قالوا نحن رسل رب العالمين
ارسلنا إلى أهل هذه القرية ندعوهم إلى عبادة ال وحده ل شريك له قال لهم أتسألون
على ذلك أجرا قالوا ل قال فألقى ما في يده ثم أتى أهل المدينة فقال ^ #يا قوم
اتبعوا المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ^ #وهذا القول هو
الصواب وأن هؤلء المرسلين كانوا رسل ل قبل المسيح وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى
إنطاكية وآمن بهم حبيب النجار فهم كانوا قبل المسيح ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل
بل أهلكهم ال تعالى كما أخبر في القرآن ثم بعد هذا عمرت إنطاكية وكان أهلها
154
www.anassim.fr.st 155 الن سي ــــ ـــ ـم
مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين فآمنوا بالمسيح على أيديهم ودخلوا
دين المسيح #ويقال إن إنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح عليه السلم
وذلك بعد رفعه إلى السماء ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في
القرآن هم رسل المسيح وهم من
الحواريين وهذا غلط لوجوه #منها أن ال قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم
الرسل وأهل إنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا #
ومنها أن الرسل في القرآن ثلثة وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى والذين
جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ولم يأتهم رجل يسعى ل حبيب ول غيره #
ومنها أن هؤلء جاءوا بعد المسيح فلم يكن ال أرسلهم وهذا كما أن ال ذكر في
القرآن أنه أهلك أهل مدين بالظلة لما جاءهم شعيب وذكر في القرآن أن موسى أتاها
وتزوج ببنت واحد منها فظن بعض الناس أنه شعيب النبي وهذا غلط عند علماء
المسلمين مثل ابن عباس والحسن البصري وابن جريج وغيرهم كلهم ذكروا أن
الذي صاهره موسى ليس هو شعيبا النبي وحكى أنه شعيب عمن ل يعرف من
العلماء ولم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين كما بسطناه في موضعه
وأهل الكتاب يقرون بأن الذي صاهره موسى ليس هو شعيبا بل رجل من أهل #
مدين ومنهم من يقول إنها غير مدين التي أهلك ال أهلها وال أعلم #وكذلك ذكر
المفسرون في المرسلين هل أرسلهم ال أو أرسلهم المسيح قولين #أحدهما أن ال
هو الذي أرسلهم #قال أبو الفرج ابن الجوزي وهذا ظاهر القرآن وهو مروي عن
ابن عباس وكعب ووهب بن منبه قال وقال المفسرون في قوله
إن كانت إل صيحة واحدة ^ #أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم ^ #
صيحة واحدة فإذا هم ميتون ل يسمع لهم حس كالنار إذا أطفئت وذلك قوله ^ #فإذا
هم خامدون ^ #أي ساكنون كهيئة الرماد الخامد #ومعلوم عند الناس أن أهل
إنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح بل آمنوا قبل أن يبدل دينه وكانوا مسلمين
مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك ومما يبين ذلك أن المعروف عند
أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك ال مكذبي المم بعذاب من السماء يعمهم
كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم بل أمر المؤمنين بجهاد
الكفار كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة وهذه القرية أهلك ال
أهلها بعذاب من السماء فدل ذلك على أن هؤلء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل
موسى عليه السلم وأيضا فإن ال لم يذكر في القرآن رسول
أرسله غيره وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو وأيضا فإنه قال ^ #إذ أرسلنا إليهم
اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ^ #فأخبر أنه أرسلهم كما أخبر أنه أرسل نوحا
وموسى وغيرهما وفي الية ^ قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من
^ شيء
155
www.anassim.fr.st 156 الن سي ــــ ـــ ـم
ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال إن ال أرسله وأنزل عليه الوحي ل لمن #
جاء رسول من عند رسول وقد قال بعد هذا ^ #يا حسرة على العباد ما يأتيهم من
رسول إل كانوا به يستهزءون ) #وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند
ال ل من عند رسله وأيضا فإن ال ضرب هذا مثل لمن أرسل إليه محمدا يحذرهم
أن ينتقم ال منهم كما انتقم من هؤلء ومحمد إنما يضرب له المثل برسول نظيره ل
بمن أصحابه أفضل منهم فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أفضل من الحواريين
باتفاق علماء المسلمين ولم يبعث ال بعد المسيح رسول بل جعل ذلك الزمان زمان
فترة كقوله ^ #يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ^ #
وأيضا فإنه قال تعالى ^ #إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا
إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا ^ #ولو كانوا رسل رسول لكان التكذيب
لمن أرسلهم ولم يكن في قولهم إن أنتم إل بشر مثلنا شبهة فإن أحدا ل ينكر أن يكون
رسل رسل ال بشرا وإنما أنكروا أن يكون رسول ال بشرا وأيضا فلو كان
التكذيب لهما وهما رسل الرسول لمكنهما أن يقول فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى
اصحابه فإنهم يعلمون صدقنا في البلغ عنه بخلف ما إذا كانا رسل ال وأيضا
فقوله ^ إذ أرسلنا إليهم اثنين ^ #صريح في أن ال هو المرسل ومن أرسلهم غيره
إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم ال كما ل يقال لمن أرسله محمد بن عبدال أنهم رسل
ال فل يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن ال أرسله ول يقال ذلك للمغيرة بن شعبة
وعبدال بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول وذلك أن النبي أرسل رسله إلى
ملوك الرض كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر وأرسل عبدال بن حذافة إلى
كسرى وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس كما تقدم ذكر ذلك #ومعلوم أنه
ل يقال في هؤلء إن ال أرسلهم ول يسمون عند المسلمين رسل ال ول يجوز
باتفاق المسلمين أن يقال هؤلء داخلون في قوله ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ #
فإذا كانت رسل محمد لم يتناولهم اسم رسل ال في الكتاب الذي جاء به فكيف يجوز
أن يقال إن هذا السم يتناول رسل رسول غيره والمقصود هنا بيان معاني القرآن
^ وما أراده ال تبارك وتعالى بقوله ^ #إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين
هل مراد ال ورسوله محمد من أرسلهم ال أو من أرسلهم رسوله وقد علم يقينا #
أن محمد لم يدخل في مثل هذا فمن قال إن محمدا أراد بذلك من أرسله رسول فقد
كذب على محمد عمدا أو خطأ
فصل #وقد تبين بما ذكرناه فساد قولهم في تفسير آية البقرة فإنهم قالوا وقال في
سورة البقرة ^ #فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق
ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ^ #قالوا فأعني بقوله أنبياءه المبشرين ورسله
ينحو بذلك عن الحواريين الذين داروا في سبعة أقاليم العالم وبشروا بالكتاب الذي
156
www.anassim.fr.st 157 الن سي ــــ ـــ ـم
هو النجيل الطاهر لنه لو كان أعني عن إبراهيم وموسى وداود ومحمد لكان قال
ومعهم الكتب لن كل واحد منهم جاء بكتاب دون غيره ولم يقل إل الكتاب الواحد
لنه ما أتي جماعة مبشرين بكتاب واحد غير الحواريين الذين أتوا بالنجيل الطاهر
#فيقال لهم قد تقدم بعض ما يدل على فساد هذا التفسير #وأيضا فإنه قال تعالى ^
كان الناس أمة واحدة ^ #أي فاختلفوا ^ فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين ^ #
والحواريون ليسوا من النبيين وإن كان المسيح أرسلهم ول يلزم من إرساله لهم أن
يكونوا أنبياء كمن أرسلهم موسى ومحمد وغيرهما ولهذا تسميهم عامة النصارى
رسل ول يسمونهم أنبياء
وأيضا فإنه قال ^ وأنزل معهم الكتب ^ #والحواريون لم ينزل معهم الكتاب إنما #
أنزل الكتاب مع المسيح ولكن النبياء أنزل معهم جنس الكتاب فإن الكتاب اسم جنس
فيدخل فيه الكتب المنزلة كلها كما في قوله ^ #ولكن البر من آمن بال واليوم
الخر والملئكة والكتاب والنبيين ^ #وفي قوله ^ كل آمن بال وملئكته وكتبه
ورسله ^ #وفي القراءة الخرى ( وكتابه ورسله ) وكذلك قوله عن مريم ^
وصدقت بكلمات ربها وكتبه ^ #وفي القراءة الخرى ( وكتابه ) وأيضا قال تعالى
^ ^ #كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبين مبشرين ومنذرين
وقال تعالى في سورة يونس ^ #وما كان الناس إل أمة واحدة فاختلفوا ^ # #
وهذا يدل أنه لما اختلفت بنو آدم بعث ال النبيين واختلفهم كان قبل المسيح بل قبل
موسى بل قبل الخليل بل قبل نوح كما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة
قرون كلهم على السلم ثم حدث فيهم الشرك والختلف على وجهين تارة يختلفون
فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم كما قال تعالى ^ #ولو شاء ال ما اقتتل الذين من
بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ^ #
وقال تعالى ^ هذان خصمان اختصموا في ربهم ^ #يعني أهل اليمان والكفر وقد
يكون المختلفون كلهم على باطل كقوله
وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ^ #وقوله ^ #ول يزالون ^ #
مختلفين إل من رحم ربك ^ #وأيضا فالنجيل ليس فيه حكم بين الناس فيما اختلفوا
فيه بل عامته مواعظ ووصايا وأخبار المسيح بخلف التوراة والقرآن فإن فيهما من
الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ما ليس في النجيل #وأيضا فإنه قال ^ #وما
اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى ال الذين آمنوا
لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ^ #وذلك يقتضي أن ال هدى الذين آمنوا بعد
اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم لما اختلفوا فيه من الحق وهذا ذم لمن اوتوا
الكتاب فاختلفوا #والنصارى داخلون في هذا الذم ولو كان المراد النجيل لكانوا هم
المذمومين دون غيرهم وليس كذلك بل اليهود وغيرهم من المختلفين مذمومون
أيضا وإنما الممدوح هم المؤمنون الذين هداهم ال لما اختلف أولئك فيه من الحق
بإذنه
157
www.anassim.fr.st 158 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا يتناول أمة محمد قطعا وقد يتناول كل من آمن من المم المتقدمة كالذين #
كانوا على دين موسى والمسيح وإبراهيم الخليل كما قال تعالى ^ #إن الذين آمنوا
والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم
أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون ^ #وأما أمة محمد فإن ال
هداهم لما اختلف فيه المم قبلهم من الحق بإذنه وهذا بين فإنهم على الحق والعدل
الوسط بين طرفي الباطل وهذا ظاهر في اتباعهم الحق الذي اختلفت فيه اليهود
والنصارى في التوحيد والنبياء والخبار والتشريع والنسخ والحلل والحرام
والتصديق والتكذيب وغير ذلك #أما التوحيد فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق
فوصفوا الرب سبحانه بصفات النقص الذي يختص بها المخلوق فقالوا إن ال فقير
وبخيل وإنه يتعب وغير ذلك #والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق صفات
الكمال الذي يختص بها الخالق فقالوا عن المسيح إنه خالق السموات والرض القديم
الزلي علم الغيوب القادر على كل شيء و
بأرض الحبشة وذكر من حسنها وتصاوير فيها فقال أولئك إذا مات فيهم الرجل
الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند
ال يوم القيامة #وأما المسلمون فهداهم ال لما اختلف فيه من الحق بإذنه فآمنوا
بأنبياء ال كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم ولم يغلوا فيهم غلو النصارى ول قصروا
في حقهم تقصير اليهود وكذلك قتل اليهود الذين يأمرون بالقسط من الناس
والنصارى يطيعون من يأمر بالشرك وإن الشرك لظلم عظيم ويطيعون من يحرم
الحلل ويحلل الحرام والمسلمون يطيعون من يأمر بطاعة ال ول يطيعون من يأمر
بمعصية ال والنصارى فيهم الشرك بال واليهود فيهم الستكبار عن عبادة ال كما
قال تعالى في النصارى ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح
ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #
158
www.anassim.fr.st 159 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال في اليهود ^ #أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم
وفريقا تقتلون ^ #والسلم هو أن يستسلم العبد ل وحده فيعبده وحده بما أمره به
فمن استسلم له ولغيره كان مشركا وال ل يغفر أن يشرك به ومن
لم يستسلم له بل استكبر عن عبادته كان ممن قيل فيه ^ #ادعوني أستجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ^ #فلهذا كان جميع النبياء
وأممهم مسلمين ل يعبدونه وحده بما أمرهم به وإن تنوعت شرائعهم فالمسيح لم
يزل مسلما لما كان متبعا لشرع التوراة ولما نسخ ال له نسخة منها #ومحمد لم
يزل مسلما لما كان يصلي إلى بيت المقدس ثم لما صلى إلى الكعبة ولما بعثه ال
إلى الخلق كانوا كلهم مأمورين بطاعته وكانت عبادة ال طاعته فمن لم يطعه لم يكن
عابدا ل فلم يكن مسلما #وأما التشريع فإن اليهود زعموا أن ما أمر ال به يمتنع
منه أن ينسخه #والنصارى زعموا أن ما أمر ال به يسوغ لكابرهم أن ينسخوه
فهدى ال المؤمنين لما اختلفوا فيه من الحق فقالوا إن ال سبحانه له أن ينسخ ما
شرعه خلفا لليهود وليس للمخلوق أن يغير شيئا من شرع الخالق خلفا للنصارى
#وأما الحلل والحرام والطهارة والنجاسة فإن اليهود حرمت عليهم الطيبات
وشددت عليهم من أمر النجاسات حتى منعوا من
مؤاكلة الحائض والجلوس معها في بيت ومن إزالة النجاسة وحرم عليهم شحم
الثرب والكليتين وكل ذي ظفر وغير ذلك #والمسيح عليه السلم أحل لهم بعض
الذي حرم عليهم فقابلهم النصارى فقالوا ليس شيء محرم ل الخنزير ول غيره بل
ول شيء نجس ل البول ول غيره وزعموا أن بعض أكابرهم رأى ملءة صور له
فيها صور الحيوان وقيل له كل ما طابت نفسك ودع ما تكره وأنه أبيح لهم جميع
الحيوان ونسخوا شرع التوراة بمجرد ذلك فالحلل عندهم ما اشتهته أنفسهم والحرام
عندهم ما كرهته أنفسهم فهدى ال الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق فأحل لهم ال
الطيبات وحرم عليهم الخبائث وأزال عنهم الصار والغلل التي كانت على بني
إسرائيل خلفا لليهود وأمرهم بالطهارة طهارة الحدث والخبث خلفا للنصارى
والمسيح عليه السلم جعلته اليهود ولد زنا كذابا ساحرا وجعلته النصارى هو ال
خالق السموات والرض فهدى ال الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه
فشهدوا أنه عبدال مخلوق خلفا للنصارى وأنه رسول وجيه في الدنيا والخرة ومن
المقربين خلفا لليهود وأما التصديق والتكذيب فإن اليهود من شأنهم التكذيب بالحق
والنصارى من شأنهم التصديق بالباطل فإن اليهود كذبوا من كذبوه من النبياء وقد
جاءوا بالحق كما قال تعالى ^ #أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم
ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ^ #والنصارى يصدقون بمحالت العقول والشرائع كما
صدقوا بالتثليث والتحاد ونحوهما من الممتنعات
159
www.anassim.fr.st 160 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #ثم قالوا عن القرآن أنه يشهد لهم أنهم أنصار ال حيث يقول كما قال عيسى
بن مريم من أنصاري إلى ال قال الحواريون ^ #نحن أنصار ال فآمنت طائفة من
بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ #
فيقال هذا حق والحواريون مؤمنون مسلمون وهم أنصار ال لكن ليس في هذا أنهم
رسل ال ول في هذا أن كل ما أنتم عليه من الدين مأخوذ عنهم ول في هذا أن
الواحد من الحواريين معصوم من الغلط بل أمر ال المؤمنين من أمة محمد أن
يكونوا أنصار ال كما طلب المسيح ذلك بقوله ( من أنصاري إلى ال ) #وقد
وصل ال المؤمنين أصحاب النبي من أهل المدينة النبوية بأنهم أنصار ال بقوله
تعالى
فصل #قالوا وأما تعظيمه لنجيلنا وكتبنا التي بأيدينا فيقول ^ #وأنزلنا إليك
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ^ #وقال في سورة آل عمران ^ #الم ال ل إله
إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة
والنجيل من قبل هدى للناس ^ #وقال في سورة البقرة ^ #الم ذلك الكتاب ل
ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون أولئك على
هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ^ #فأعني بالكتاب النجيل والذين يؤمنون
بالغيب نحن
النصارى الذين آمنا بالمسيح وما رأيناه ثم اتبع بالقول والذين يؤمنون بما أنزل إليك
وما أنزل من قبلك فأعني بهم المسلمين الذين آمنوا بما أتى به وما أتى من قبله وقال
في سورة المائدة ^ #وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن
لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ #وقال في سورة آل عمران ^ #فإن
كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ #فأعني
أيضا بالكتاب المنير الذي هو النجيل المقدس #وقال أيضا ^ #فإن كنت في شك
مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فل
تكونن من الممترين ^ #فثبت بهذا ما معنا ونفي عن إنجيلنا وكتبنا التي في أيدينا
التهم والتبديل والتغيير لما فيها بتصديقه إياها
160
www.anassim.fr.st 161 الن سي ــــ ـــ ـم
والجواب بعد أن تعرف أن لفظ الية الولى من سورة المائدة ^ #وأنزلنا إليك #
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ^ #أن يقال أما تصديق
خاتم الرسل محمد رسول ال لما أنزل ال قبله من الكتب ولمن جاء قبله من النبياء
فهذا معلوم بالضطرار من دينه متواترا تواترا ظاهرا كتواتر إرساله إلى الخلق
كلهم وهذا من أصول اليمان #قال تعالى ^ #قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما
أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى
وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل
ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم
^ #وقال تعالى ^ #قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل
وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين
أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في
^ الخرة من الخاسرين
وقال ^ #ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن #
بال واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلة وآتى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك
الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ^ #وقال تعالى ^ #آمن الرسول بما أنزل إليه
من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله
وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ل يكلف ال نفسا إل وسعها لها ما
كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تحمل علينا
إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا مال طاقة لنا به واعف عنا
واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين ^ #وتصديقه للتوراة
والنجيل مذكور في مواضع من القرآن وقد قال ^ #وأنزلنا إليك الكتاب بالحق
^ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه
وقال تعالى ^ #ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ^ #وقال ^ نحن #
نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ^ #فبين أنه أنزل هذا
القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتب والمهيمن الشاهد المؤتمن الحاكم يشهد بما
فيها من الحق وينفي ما حرف فيها ويحكم بإقرار ما أقره ال من أحكامها وينسخ ما
نسخه ال منها وهو مؤتمن في ذلك عليها وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص
وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من
أحكامها فإنه من أهل اليمان والهدى وكذلك من كان متمسكا بالنجيل من غير
تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ فهو من أهل اليمان والهدى وليس في ذلك مدح
لمن تمسك بشرع مبدل فضل عمن تمسك بشرع منسوخ ولم يؤمن بما أرسل ال
إليه من الرسل وما أنزل إليه من الكتب بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل
الكتاب الول وبترك اليمان بمحمد في غير موضع #وأما تأويلهم قوله ^ ذلك
161
www.anassim.fr.st 162 الن سي ــــ ـــ ـم
يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون ^ عنى بهم النصارى فهو من
تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل كلم ال كما فعلوه في قوله ^ ومن يبتغ غير
السلم دينا ^ وفي قوله ^ بإذني ^ أي باللهوت وفي قوله ^ اهدنا الصراط
المستقيم ^ #وفي غير ذلك مما ذكروه وتأولوه من القرآن على غير المعنى الذي
أراد ال به وهذا مما يؤيد أنهم فعلوا كذلك بالتوراة والنجيل فإنه إذا كان القرآن
الذي قد عرف تفسيره والمراد به العام والخاص ونقل ذلك عن الرسول نقل متواترا
حتى عرف معناه علما يقينا اضطراريا فيبدلون معناه ويحرفون الكلم عن مواضعه
فماذا يصنعون بالتوراة والنجيل ولم ينقل لفظ ذلك ومعناه كما نقل القرآن وليس في
أهل تلك الكتب من يذب عن لفظها ومعناها كما يذب المسلمون عن لفظ القرآن
ومعناه #وهؤلء غرهم قوله ^ ذلك الكتاب ^ فظنوا أن لفظ ^ ذلك ^ لما كان يشار
بها إلى الغائب أشير بها إلى النجيل #فيقال لهم هذا كقوله ^ ذلك نتلوه عليك من
اليات والذكر الحكيم ^ #وأشار بذلك إلى ما تله قبل هذه الية وقوله ^ #وسئلوا
^ ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم ال يحكم بينكم
وقوله ^ #فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا #
ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة ل ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بال واليوم الخر ^
#ومثله قوله تعالى بعد أن ذكر خبر يوسف الصديق ^ #ذلك من أنباء الغيب
نوحيه إليك ^ #وقال أيضا لما ذكر خبر مريم ^ #ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك
وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم ^ #كما قال لما ذكر آيات يخبر فيها عن نوح ^ #
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ^ #وقال ^ #الر تلك آيات الكتاب المبين إنا
أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ^ #وتلك في المؤنث مثل ذلك في المذكر ومع هذا
فأشار إلى
القرآن ومنه قوله ^ الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ^ #وقوله ^ طس تلك آيات
القرآن وكتاب مبين ^ #ومنه قوله ^ طسم تلك آيات الكتاب المبين ^ #ومنه قوله
^ #حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ال العزيز الحكيم ^ #وقوله
^ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ^ #وقوله ^ #المر تلك آيات الكتاب والذي
أنزل إليك من ربك الحق ^ الية #ومثل هذا كثير وذلك أنه لما أنزل قوله ^ ذلك
الكتاب ^ ^ وتلك آيات الكتاب ^ ونحو ذلك لم يكن الكتاب المشار إليه قد أنزل تلك
الساعة وإنما كان قد أنزل قبل ذلك فصار كالغائب الذي يشار إليه كما يشار إلى
الغائب وهو باعتبار حضوره عند النبي يشار إليه كما يشار إلى الحاضر كما قال
^ تعالى ^ #وهذا ذكر مبارك أنزلناه
ولهذا قال غير واحد من السلف ذلك الكتاب أي هذا الكتاب يقولون المراد هذا #
الكتاب وإن كانت الشارة تكون تارة إشارة غائب وتارة إشارة حاضر وقد قال ^ #
162
www.anassim.fr.st 163 الن سي ــــ ـــ ـم
هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ^ #وقد وصف النصارى بأنهم ل يؤمنون بال
ول باليوم الخر وأنهم كافرون ظالمون فكيف يجعلهم المتقين الذين يؤمنون بالغيب
#قال تعالى ^ #قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم
ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون ^ #وأول التقوى تقوى الشرك وقد وصف النصارى بالشرك في
قوله
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ^ #
ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #وقال تعالى لما ذكر
المسيح ^ #فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم
أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ #وقال تعالى
^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ #وقوله ^ لقد كفر الذين
قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ #ونهى عن موالتهم فقال ^ #يا أيها الذين آمنوا ل
تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ^
#وقد أخبر أن ال ولي المتقين فقال ^ #ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها
ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من ال شيئا وإن الظالمين
^ بعضهم أولياء بعض وال ولي المتقين
فلو كانوا من المتقين فضل عن أن يكونوا هم المتقين لكان ال وليهم ولكانت #
موالتهم واجبة على المؤمنين وهو قد نهى عن موالتهم وجعل من يتولهم ظالما
وجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض والكفار بعضهم أولياء بعض ولهذا لما قطع
ال الموالة بين المؤمنين وبين الكافرين #قال النبي في الحديث الصحيح ل يرث
المسلم الكافر ول الكافر المسلم #واتفق المسلمون على أن اليهودي والنصراني ل
يرث مسلما ولو كان ابنه وأباه لن ال قطع الموالة بينهما وقد قال تعالى ^ #ل
تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^
^ #وأيضا فإنه قال تعالى ^ #الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة
وهي الصلة التي أمر بها في قوله ^ #أقم الصلة لدلوك الشمس إلى غسق الليل #
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ^ #وقد قال ل يقبل ال صلة بغير
طهور والنصارى يصلون بغير طهور #وقال ل صلة إل بفاتحة الكتاب وهم ل
يقرؤونها والصلة التي فرضها وأثنى عليها مشتملة
على استقبال الكعبة وعلى ركوع وسجدتين في كل ركعة وغير ذلك مما ل يفعله
النصارى فكيف يمدحهم بإقامة الصلة وهم ل يقيمون الصلة التي أمر بإقامتها #
ثم لو قال اليهودي المراد بقوله ^ ذلك الكتاب ^ التوراة و ^ بالمتقين ^ اليهود لكان
هذا مع بطلنه أقرب من قول القائل أن المراد بالكتاب النجيل لن التوراة أحق
163
www.anassim.fr.st 164 الن سي ــــ ـــ ـم
بذلك من النجيل فإنها الصل وال تعالى يقرن بينها وبين القرآن في غير موضع
كقوله ^ #أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى
إماما ورحمة ^ #وقوله تعالى ^ #قل أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد
شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^
#وقد قالت الجن لما سمعت القرآن ^ #قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد
موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ^ #وقال النجاشي
لما سمع القرآن إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة وكذلك ورقة
بن نوفل قال هذا
هو الناموس الذي كان ينزل على موسى بن عمران #وقال تعالى ^ #قالوا لول
أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران
تظاهرا ^ #أي التوراة والقرآن وقالوا ساحران تظاهرا أي موسى ومحمد وقالوا إنا
بكل كافرون #قال ال ^ #قل فأتوا بكتاب من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن
كنتم صادقين ^ #فقد بين انه لم يأت من عند ال كتاب أهدى من التوراة والقرآن #
وقال تعالى ^ #وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها
وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ول آباؤكم قل ال ثم ذرهم في خوضهم
يلعبون وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها
^ والذين يؤمنون بالخرة يؤمنون به وهم على صلتهم يحافظون
وأما قوله تعالى ^ #والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ^ #فهي #
صفة ثانية للذين يؤمنون بالغيب مجمل ثم وصفهم بإيمان مفصل بما أنزل إليك وما
أنزل من قبله والعطف بالواو يكون لتغاير الذوات ويكون لتغاير الصفات كقوله
تعالى ^ #سبح اسم ربك العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج
المرعى فجعله غثاء أحوى ^ #والذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى وهو الذي
أخرج المرعى وكذلك قوله تعالى ^ #ولئن سألتهم من خلق السموات والرض
ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم فيها سبل لعلكم
تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي
خلق الزواج كلها وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون ^ #ومثله قوله ^ #قد
أفلح المؤمنون الذين هم في صلتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين
هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لماناتهم وعهدهم راعون
والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم
فيها خالدون ^ #فهم صنف واحد وصفهم بهذه الصفات بحرف الواو وكذلك في
قوله ^ #إن النسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إل
164
www.anassim.fr.st 165 الن سي ــــ ـــ ـم
واجب على كل واحد ول يكون أحد على هدى من ربه مفلحا إل بهذا وهذا #وأما
قول النصارى نحن الذين آمنا بالسيد المسيح وما رأيناه فهكذا اليهود آمنوا بموسى
عليه السلم وما رأوه والمسلمون آمنوا بمحمد وما رأوه بل المسلمون آمنوا بموسى
وعيسى وسائر النبيين وما رأوهم بخلف اليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض
وكفروا ببعض ثم الغيب ليس المراد به صورة النبي عليه السلم فإن صورة النبي
ليست من الغيب فإن الناس يرونها وليس في رؤيتها ما يوجب إيمانا ول كفرا ولكن
الغيب ما غاب عن مشاهدة الخلق وهو ما أخبرت به النبياء من الغيب فيدخل فيه
اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله وهو اليمان بأنهم رسل ال وسواء رؤيت
أبدانهم أو لم تر فقد يراهم من لم يؤمن برسالتهم وقد يؤمن برسالتهم من لم يرهم #
والمقصود اليمان برسالتهم ل بنفس صورهم حتى يقول القائل آمنا بنبي ولم نره
وقد يعلم من دلئل نبوته وأعلم رسالته من لم يره أكثر مما يعلمها من رآه
فصل #وأما قوله في سورة المائدة ^ #وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم
مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه
من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم
يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ #فهذا ثناء منه على المسيح والنجيل
وأمر للنصارى بالحكم بما أنزل فيه كما أثنى على موسى والتوراة بأعظم مما عظم
به المسيح والنجيل فقال تعالى ^ #يا أيها الرسول ل يحزنك الذين يسارعون في
الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون
للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ^ #أي قائلون للكذب مصدقون مستجيبون
مطيعون لقوم آخرين
لم يأتوك فهم مصدقون للكذب مطيعون لمن يخالفك وأنت رسول ال #فكل من
تصديق الكذب والطاعة لمن خالف رسول ال من أعظم الذنوب #ولفظ السميع
165
www.anassim.fr.st 166 الن سي ــــ ـــ ـم
يراد به الحساس بالصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به قبوله فيقال فلن سمع ما
يقول فلن أي يصدقه أو يطيعه ويقبل منه #فقوله سماعون للكذب أي مصدقون به
وإل مجرد سماع صوت الكاذب وفهم كلمه ليس مذموما على الطلق #وكذلك
سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون كما قال في حق المنافقين
^ وفيكم سماعون لهم ^ أي مستجيبون مطيعون لهم ومن قال إن المراد به
الجاسوس فهو غالط كغلط من قال سماعون لهم هم الجواسيس فإن الجاسوس إنما
ينقل خبر القوم إلى من ل يعرفه ومعلوم أن النبي كان ما يذكره ويأمر به ويفعله
يراه ويسمعه كل من بالمدينة مؤمنهم ومنافقهم ولم يكن يقصد أن يكتم يهود المدينة
ما يقوله ويفعله خلف من كان يأتيه من اليهود وهم يصدقون الكذب ويطيعون
لليهود
الخرين الذين لم يأتوه وال نهى نبيه أن يحزنه المسارعون في الكفر من هاتين
الطائفتين المنافقتين الذين أظهروا اليمان به ولم تؤمن قلوبهم ومن أهل الكتاب
الذين يطلبون أن يحكم بينهم وليس مقصودهم أن يطيعوه ويتبعوا حكمه بل إن حكم
بما يهوونه قبلوه وإن حكم بخلف ذلك لم يقبلوه لكونهم مطيعين لقوم آخرين لم يأتوه
#قال تعالى ^ #سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ^ #أي لم يأتك أولئك القوم
الخرون يقولون أي يقول السماعون ^ #إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه
فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر
قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الخرة عذاب عظيم ^ #والحكم يفتقر إلى
الصدق والعدل فل بد أن يكون الشاهد صادقا والحاكم عادل وهؤلء يصدقون
الكاذبين من الشهود ويتبعون حكم المخالفين للرسل الذين يحكمون بغير ما أنزل ال
وإذا لم يكن قصدهم اتباع الصدق والعدل فليس عليك أن تحكم بينهم بل إن شئت
فاحكم بينهم وإن شئت فل تحكم
ولكن إذا حكمت فل تحكم إل بما أنزل ال إليك إذ هو العدل #قال تعالى # ^ #
سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن
تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن ال يحب
المقسطين ^ #ثم قال ^ #وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم يتولون
من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون
الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال وكانوا
عليه شهداء فل تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآيتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما
أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين
والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو
كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون ^ #فهذا ثناؤه على التوراة
وإخباره أن فيها حكم ال وأنه أنزل التوراة وفيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين
أسلموا للذين هادوا وقال عقب ذكرها ^ #ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم
^ الكافرون
166
www.anassim.fr.st 167 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا أعظم مما ذكره في النجيل فإنه قال في النجيل ^ #وآتيناه النجيل فيه #
هدى ونور ^ #وقال فيه ^ #وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم
بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ #وقال في التوراة ^ #يحكم بها النبيون الذين
أسلموا للذين هادوا ^ #وقال عقب ذكرها ^ #ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك
هم الكافرون ^ #فهو سبحانه مع إخباره بإنزال الكتابين يصف التوراة بأعظم مما
يصف به النجيل #كما قال تعالى ^ #إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها
النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ #وإذا كان ما ذكره من مدح موسى والتوراة لم
يوجب ذلك مدح اليهود الذين كذبوا المسيح ومحمدا
وليس فيه ثناء على دين اليهود المبدل المنسوخ باتفاق المسلمين والنصارى فكذلك
أيضا ما ذكره من مدح المسيح والنجيل ليس فيه مدح النصارى الذين كذبوا محمدا
وبدلوا أحكام التوراة والنجيل واتبعوا المبدل المنسوخ واليهود توافق المسلمين على
أنه ليس فيما ذكر مدح للنصارى والنصارى توافق المسلمين على أنه ليس فيما ذكر
مدح لليهود بعد النسخ والتبديل فعلم اتفاق أهل الملل كلها المسلمون واليهود
والنصارى على أنه ليس فيما ذكر في القرآن من ذكر التوراة والنجيل وموسى
وعيسى مدح لهل الكتاب الذين كذبوا محمدا ول مدح لدينهم المبدل قبل مبعثه فليس
في ذلك مدح لمن تمسك بدين مبدل ول بدين منسوخ فكيف بمن تمسك بدين مبدل
منسوخ
فصل #وهنا أصل ل بد من بيانه وهو أنه قد دلت النصوص على أن ال ل يعذب
إل من أرسل إليه رسول تقوم به الحجة عليه #قال تعالى ^ #وكل إنسان ألزمناه
طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك
اليوم عليك حسيبا من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر
وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ^ #وقال تعالى ^ #رسل
مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل ^ #وقال تعالى عن
أهل النار ^ #كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا
نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء ^ #وقال ^ #وسيق الذين كفروا إلى جهنم
زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها
وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم
هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ^ #وقال تعالى ^ #يا معشر
الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا
قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
^ #وقال تعالى ^ #وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول يتلو
عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون ^ #وقال تعالى ^ #ولول أن
167
www.anassim.fr.st 168 الن سي ــــ ـــ ـم
تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لول أرسلت إلينا رسول ^ #إلى قوله
^ #فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا
^ بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون
وقال تعالى ^ #يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون #
من الكتاب ^ #وقوله ^ #يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من
الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل
شيء قدير ^ #وإذا كان كذلك فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه
كقوله ^ لنذركم به ومن بلغ ^ فمن بلغه بعض القرآن دون بعض قامت عليه الحجة
بما بلغه دون ما لم يبلغه فإذا اشتبه معنى بعض اليات وتنازع الناس في تأويل الية
وجب رد ما تنازعوا فيه إلى ال ورسوله فإذا اجتهد الناس في فهم ما أراده الرسول
فالمصيب له أجران والمخطىء له أجر فل يمنع أن يقال ذلك في أهل الكتاب قبلنا
فمن لم يبلغه جميع نصوص الكتاب قبلنا لم تقم عليه الحجة إل بما بلغه وما خفي
عليهم معناه منه فاجتهد في معرفته فإن
أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وخطأه محطوط عنه فأما من تعمد تحريف
الكتاب لفظه أو معناه وعرف ما جاء به الرسول فعانده فهذا مستحق للعقاب وكذلك
من فرط في طلب الحق واتباعه متبعا لهواه مشتغل عن ذلك بدنياه #وعلى هذا فإذا
كان بعض أهل الكتاب قد حرفوا بعض الكتاب وفيهم آخرون لم يعلموا ذلك فهم
مجتهدون في اتباع ما جاء به الرسول لم يجب أن يجعل هؤلء من المستوجبين
للوعيد وإذا جاز أن يكون في أهل الكتاب من لم يعرف جميع ما جاء به المسيح بل
خفي عليه بعض ما جاء به أو بعض معانيه فاجتهد لم يعاقب على ما لم يبلغه وقد
تحمل أخبار اليهود الذين كانوا مع تبع والذين كانوا ينتظرون اليمان بمحمد من
أهل المدينة كابن التيهان وغيره على هذا وإنهم لم يكونوا مكذبين للمسيح تكذيب
غيرهم من اليهود
وقد تنازع الناس هل يمكن مع الجتهاد واستفراغ الوسع أن ل يبين للناظر #
المستدل صدق الرسول أم ل #وإذا لم يبين له ذلك هل يستحق العقوبة في الخرة
أم ل #وتنازع بعض الناس في المقلد منهم أيضا والكلم في مقامين #المقام الول
في بيان خطأ المخالف للحق وضلله وهذا مما يعلم بطرق متعددة عقلية وسمعية
وقد يعرف الخطأ في أقوال كثيرة من أهل القبلة المخالفين للحق وغير أهل القبلة
بأنواع متعددة من الدلئل #والمقام الثاني الكلم في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في
الخرة #فهذا فيه ثلثة أقوال للناس من أصحاب الئمة المشهورين مالك
والشافعي وأحمد لهم القوال الثلثة #قيل إنه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم
يرسل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل وهذا قول كثير ممن يقول بالحكم العقلي
من أهل الكلم والفقه من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم وهو اختيار أبي الخطاب #
168
www.anassim.fr.st 169 الن سي ــــ ـــ ـم
وقيل ل حجة عليه بالعقل بل ل يجوز أن يعذب من لم يقم عليه حجة ل بالشرع ول
بالعقل وهذا قول من يجوز تعذيب أطفال الكفار ومجانينهم وهذا قول كثير من أهل
الكلم كالجهم وأبي الحسن الشعري وأصحابه والقاضي
أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم #والقول الثالث وعليه السلف والئمة إنه ل يعذب إل
من بلغته الرسالة ول يعذب إل من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة #قال
تعالى لبليس ^ #لملن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ^ #وإذا كان كذلك
فنحن فيما نناظر فيه أهل الكتاب متقدميهم ومتأخريهم تارة نتكلم في المقام الول
وهو بيان مخالفتهم للحق وجهلهم وضللهم فهذا تنبيه لجميع الدلة الشرعية والعقلية
وتارة نبين كفرهم الذي يستحقون به العذاب في الدنيا والخرة فهذا
أمره إلى ال ورسوله ل يتكلم فيه إل بما أخبرت به الرسل كما أنا أيضا ل نشهد
باليمان والجنة إل لمن شهدت له الرسل ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة
كالطفال والمجانين وأهل الفترات فهؤلء فيهم أقوال أظهرها ما جاءت به الثار
أنهم يمتحنون يوم القيامة فيبعث ال إليهم من يأمرهم بطاعته فإن أطاعوه استحقوا
الثواب وإن عصوه استحقوا العقاب
وإذا كان كذلك فنحن نشهد لمن كان مؤمنا بموسى متبعا له أنه مؤمن مسلم #
مستحق للثواب #وكذلك من كان مؤمنا بالمسيح متبعا له ونشهد لمن قامت عليه
الحجة بموسى فلم يتبعه كآل فرعون أنهم من أهل النار #وكذلك من قامت عليه
الحجة بالمسيح الذين قال ال فيهم ^ #قال إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم
فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين ^ #والذين قال فيهم ^ #يا عيسى إني
متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين
كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين
كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا
وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم وال ل يحب الظالمين ^ #وأما من بعد عهده
بالمسيح وبلغته بعض أخباره دون بعض أو بموسى وبلغه أخباره دون بعض فهؤلء
قامت عليهم الحجة بما بلغهم من أخبارهم دون ما لم يبلغهم من أخبارهم وإذا اختلفوا
في تأويل بعض التوراة والنجيل فمن قصد الحق واجتهد في طلبه لم يجب
أن يعذب وإن كان مخطئا للحق جاهل به ضال عنه كالمجتهد في طلب الحق من
أمة محمد #وعلى هذا فإذا قيل أن الحواريين أو بعضهم أو كثيرا من أهل الكتاب
أو أكثرهم كانوا يعتقدون أن المسيح نفسه صلب كانوا مخطئين في ذلك ولم يكن هذا
الخطأ مما يقدح في إيمانهم بالمسيح إذا آمنوا بما جاء به ول يوجب لهم النار فإن
الناجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ذكر صلب المسيح وعندهم أنها مأخوذة عن
الربعة مرقس ولوقا ويوحنا
169
www.anassim.fr.st 170 الن سي ــــ ـــ ـم
وغيره ومنهم من يقول بل اشتبه على الذين صلبوه وهذا قول أكثر الناس والولون
يقولون أن قوله ^ #وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ^ #أي شبه للناس الذين
أخبرهم أولئك بصلبه #الجمهور يقولون بل شبه للذين يقولون صلبوه كما قد ذكرت
القصة في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن الناس في هذا المقام على طرفين
ووسط
أما الطرف الواحد فهم الغلة من النصارى الذين يدعون أن الحواريين كانوا #
معصومين فيما يقولونه ويروونه ويرونه وكذلك يقولون بتصويب علماء النصارى
فيما يقولونه من تأويل النجيل #والطرف الخر يقول بل كل من غلط وأخطأ في
شيء من ذلك فإنه مستحق للوعيد بل كافر #والثالث الوسط أنهم ل يعصمون ول
يؤثمون بل قد يكونون مخطئين خطأ مغفورا لهم إذا كانوا مجتهدين في معرفة الحق
واتباعه بحسب وسعهم وطاقتهم وعلى هذا تدل الدلة الصحيحة وكتب ال تدل على
ذم الضال والجاحد ومقته مع أنه ل يعاقب إل بعد إنذاره #وقد ثبت في الصحيح
عن عياض بن حمار عن النبي
أنه قال إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب
#فأخبر أنه مقتهم إل هؤلء البقايا والمقت هو البغض بل أشد البغض ومع هذا فقد
أخبر في القرآن أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسول فقال ^ وما كنا معذبين
حتى نبعث رسول ^ #وقال ^ #ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لول
أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ^ #فدل ذلك على أن
المقتضي لعذابهم قائم ولكن شرط العذاب هو بلوغ الرسالة ولهذا قال ^ #لئل يكون
للناس على ال حجة بعد الرسل ^ #وفي الصحيحين عن النبي أنه قال ما أحد أحب
إليه العذر من ال من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب #وفي رواية من أجل
ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين
وما أحد أحب إليه المدح من ال من أجل ذلك مدح نفسه وما أحد أغير من ال من
أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن #وقد تنازع الناس في حسن
الفعال وقبحها كحسن العدل والتوحيد والصدق وقبح الظلم والشرك والكذب هل
يعلم بالعقل أم ل يعلم إل بالسمع وإذا قيل أنه يعلم بالعقل فهل يعاقب من
فعل ذلك قبل أن يأتيه رسول على ثلثة أقوال معروفة في أصحاب الئمة وغيرهم
170
www.anassim.fr.st 171 الن سي ــــ ـــ ـم
وهي ثلثة أقوال لصحاب المام أحمد وغيرهم فقالت طائفة ل يعرف ذلك إل
بالشرع ل بالعقل وهذا قول نظار المجبرة كالجهم بن صفوان وأمثاله وهو قول أبي
الحسن الشعري وأتباعه من أصحاب الئمة الربعة كالقاضي أبي بكر بن الطيب
وأبي عبدال بن حامد والقضي أبي يعلى وأبي المعالي
وأبي الوفاء بن عقيل وغيرهم وقيل بل قد يعلم حسن الفعال وقبحها بالعقل #قال
أبو الخطاب محفوظ بن أحمد وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين #وهذا هو المنقول
عن أبي حنيفة نفسه وعليه عامة أصحابه وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد
وأهل الحديث كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب وأبي بكر القفال وأبي نصر
السجزي وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني وهو قول الكرامية وغيرهم من نظار
المثبتة للقدر وهو قول المعتزلة وغيرهم
من نظار القدرية ثم هؤلء على قولين #منهم من يقول يستحقون عذاب الخرة
بمجرد مخالفتهم للعقل كقول المعتزلة والحنفية وأبي الخطاب وقول هؤلء مخالف
للكتاب والسنة #ومنهم من يقول بل ل يعذبون حتى يبعث إليهم رسول كما دل عليه
الكتاب والسنة لكن أفعالهم تكون مذمومة ممقوتة يذمها ال ويبغضها ويوصفون
بالكفر الذي يذمه ال ويبغضه وإن كان ل يعذبهم حتى يبعث إليهم رسول كما قال
النبي في الحديث الصحيح كما تقدم إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم
وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب وإن ربي قال لي قم في قريش فأنذرهم قلت إذا
يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة #قال إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا ل
يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان فابعث جندا أبعث مثليهم وقاتل بمن أطاعك من
عصاك وأنفق أنفق عليك #وقال إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين
وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به
سلطانا #وقال النبي في الحديث الصحيح كل مولود يولد على الفطرة #وفي رواية
على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء
هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي ال عنه اقرءوا إن شئتم
فطرة ال التي فطر الناس عليها قيل يا رسول ال أرأيت من يموت من أطفال
المشركين وهو صغير قال ال أعلم بما كانوا عاملين ومع
مقت ال لهم فقد أخبر أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسول وهذا يدل على
إبطال قول من قال أنهم لم يكونوا مسيئين ول مرتكبين لقبيح حتى جاء السمع وقول
من قال أنهم كانوا معذبين بدون السمع إما لقيام الحجة بالعقل كما يقوله من يقوله
من القدرية وإما لمحض المشيئة كما يقوله المجبرة #قال تعالى ^ #وما كان ربك
مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إل
وأهلها ظالمون ^ #وقال تعالى ^ #ولول أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم
171
www.anassim.fr.st 172 الن سي ــــ ـــ ـم
^ فيقولوا ربنا لول أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين
وقال تعالى ^ #ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لول أرسلت إلينا #
رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ^ #فهذا يبين أنه لم يكن ليعذب الكفار
حتى يبعث إليهم رسول وبين أنهم قبل الرسول كانوا قد اكتسبوا العمال التي توجب
المقت والذم وهي سبب للعذاب لكن شرط العذاب قيام الحجة عليهم بالرسالة
فصل #ومما ينبغي أن يعلم أن سبب ضلل النصارى وأمثالهم من الغالية كغالية
العباد والشيعة وغيرهم ثلثة أشياء #أحدها الفاظ متشابهة مجملة مشكلة منقولة عن
النبياء وعدلوا عن اللفاظ الصريحة المحكمة وتمسكوا بها وهم كلما سمعوا لفظا
لهم فيه شبهة تمسكوا به وحملوه على مذهبهم وإن لم يكن دليل على ذلك واللفاظ
الصريحة المخالفة لذلك إما أن يفوضوها وإما أن يتأولوها كما يصنع أهل الضلل
يتبعون المتشابه من الدلة العقلية والسمعية ويعدلون عن المحكم الصريح من
القسمين #والثاني خوارق ظنوها آيات وهي من أحوال الشياطين وهذا مما ضل به
كثير من الضلل المشركين وغيرهم مثل دخول الشياطين في الصنام وتكليمها
للناس ومثل إخبار الشياطين للكهان بأمور غائبة ول بد لهم مع ذلك من كذب ومثل
تصرفات تقع من الشياطين #والثالث أخبار منقولة إليهم ظنوها صدقا وهي كذب
وإل فليس مع النصارى ول غيرهم من أهل الضلل على باطلهم ل معقول
ولو ادعى العصمة وليس بنبي لكان كاذبا ل بد أن يظهر كذبه وتقترن به الشياطين
فتضله ويدخل في قوله تعالى ^ #هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل
أفاك أثيم ^ #والنصارى عندهم منقول في الناجيل ان الذي صلب ودفن في القبر
رآه بعض الحواريين وغيرهم بعد أن دفن قام من قبره رأوه مرتين أو ثلثا وأراهم
172
www.anassim.fr.st 173 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا إذا كان صحيحا فذاك شيطان ادعى أنه المسيح والتبس على أولئك ومثل #
هذا قد جرى لخلق عظيم في زماننا وقبل زماننا كناس كانوا بتدمر فرأوا شخصا
عظيما طائرا في الهواء وظهر لهم مرات بأنواع من اللباس وقال لهم أنا المسيح ابن
مريم وأمرهم بأمور يمتنع أن يأمر بها المسيح عليه السلم وحضروا إلى عند الناس
وبينوا لهم أن ذلك هو شيطان أراد أن يضلهم #وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من
يعظمه ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم فتارة يرى القبر قد انشق وخرج منه
إنسان على صورة ذلك الرجل وتارة يرى ذلك النسان قد دخل في القبر وتارة يراه
إما راكبا وإما ماشيا داخل إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر وتارة يراه
خارجا من ذلك المكان ويظن أن ذلك هو ذلك الرجل الصالح وقد يظن أن قوما
استغاثوا به فذهب إليهم ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته وهذا جرى لغير واحد
ممن أعرفهم وتارة يستغيث
أقوام بشخص يحسنون به الظن إما ميت وإما غائب فيرونه بعيونهم قد جاء وقد
يكلمهم وقد يقضي بعض حاجاتهم فيظنونه ذلك الشخص الميت وإنما هو شيطان
زعم أنه هو وليس هو إياه وكثيرا ما يأتي الشخص بعد الموت في صورة الميت
فيحدثهم ويقضي ديونا ويرد ودائع ويخبرهم عن الموتى ويظنون أنه هو الميت نفسه
قد جاء إليهم وإنما هو شيطان تصور بصورته #وهذا كثير جدا ل سيما في بلد
الشرك كبلد الهند ونحوها ومن هؤلء من تراه أنت تحت سريره آخذ بيد اب
نه في الجنازة ومنهم من يقول إذا مت فل تدعوا أحدا يغلسني فأنا آتي من هذه
الناحية أغسل نفسي فيأتي بعد الموت شخص في الهواء على صورته يغسله هو
والذي أوصاه ويظن ذلك أنه جاء وإنما هو شيطان تصور بصورته وتارة يرى
أحدهم شخصا إما طائرا في الهواء وإما عظيم الخلقة وإما أن يخبره بأشياء غائبة
ونحو ذلك ويقول له أنا الخضر ويكون ذلك شيطانا كذب على ذلك الشخص وقد
يكون
الرائي من أهل الدين والزهد والعبادة وقد جرى هذا لغير واحد وتارة يرى عند قبر
نبي أو غيره أن الميت قد خرج إما من حجرته وإما من قبره وعانق ذلك الزائر
وسلم عليه ويكون شيطانا تصور بصورته وتارة يجيء من يجيء إلى عند قبر ذلك
الشخص فيستأذنه في أشياء ويسأله عن أمور فيخاطبه شخص يراه أو يسمع صوتا
ول يرى
شخصا ويكون ذلك شيطانا أضله #وقد يرى أشخاصا في اليقظة إما ركبانا وإما
غير ركبان ويقولون هذا فلن النبي إما إبراهيم وإما المسيح وإما محمد وهذا فلن
الصديق إما أبو بكر وإما عمر وإما بعض الحواريين وهذا فلن لبعض من يعتقد
فيه الصلح إما جرجس أو غيره ممن تعظمه النصارى وإما بعض شيوخ المسلمين
173
www.anassim.fr.st 174 الن سي ــــ ـــ ـم
ويكون ذلك شيطانا ادعى أنه ذلك النبي أو ذلك الشيخ أو الصديق أو القديس #ومثل
هذا يجري كثيرا لكثير من المشركين والنصارى وكثير من المسلمين ويرى أحدهم
شيخا يحسن به الظن ويقول أنا الشيخ فلن ويكون شيطانا وأعرف من هذا شيئا
كثيرا وأعرف غير واحد ممن يستغيث ببعض الشيوخ الغائبين والموتى يراه قد أتاه
في اليقظة وأعانه #وقد جرى مثل هذا لي ولغيري ممن أعرفه ذكر غير واحد أنه
استغاث بي من بلد بعيدة وأنه رآني قد جئته ومنهم من قال رأيتك راكبا بلباسك
وصورتك ومنهم من قال رأيتك على جبل ومنهم من قال غير ذلك فأخبرتهم أني لم
أغثهم وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بال ودعوا غير ال #
وكذلك غير واحد ممن أعرفه من أصحابنا استغاث به بعض من يحسن به الظن
فرآه قد جاءه وقضى حاجته قال صاحبي وأنا ل أعلم بذلك ومن هؤلء الشيوخ من
يقول إنه يسمع صوت ذلك الشخص المستغيث به ويجيبه وتكون الشياطين أسمعته
صوتا يشبه صوت الشيخ المستغيث له فأجابه الشيخ بصوته فأسمعت المستغيث
صوتا يشبه صوت الشيخ فيظن أنه صوت الشيخ #وهذا جرى لمن أعرفه واخبر
بذلك عن نفسه وقال بقي
الجني الذي يحدثني يبلغني مثل صوت المستغيثين بي ويبلغهم مثل صوتي ويريني
في شيء أبيض نظير ما أسأل عنه فأخبر به الناس أني رأيته وأنه سيأتي ول أكون
قد رأيته وإنما رأيت شبيهه #وهكذا تفعل الجن بمن يعزم عليهم ويقسم عليهم #
وكذلك ما رآه قسطنطين من الصليب الذي رآه من نجوم والصليب الذي رآه مرة
أخرى هو مما مثله الشياطين وأراهم ذلك ليضلهم به كما فعلت الشياطين ما هو
أعظم من ذلك بعباد الوثان
وكذلك من ذكر أن المسيح جاءه في اليقظة وخاطبه بأمور كما يذكر عن بولس #
فإنه إذا كان صادقا كان ذلك الذي رآه في اليقظة وقال إنه المسيح شيطانا من
الشياطين كما جرى مثل ذلك لغير واحد #والشيطان إنما يضل الناس ويغويهم بما
يظن أنهم يطيعونه فيه فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم ويخاطب من يخاطب من
ضلل المسلمين بما يوافق اعتقاده وينقله إلى ما يستجيب لهم فيه بحسب اعتقادهم #
ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بجرجس في صورة جرجس أو بصورة من
يستغيث به النصارى من أكابر دينهم إما بعض البطاركة وإما بعض المطارنة وإما
بعض الرهبان ويتمثل لمن يستغيث به من ضلل المسلمين بشيخ من الشيوخ في
صورة ذلك الشيخ كما تمثل لجماعة ممن أعرفهم في صورتي وفي صورة جماعة
من الشيوخ الذين ذكروا في ذلك ويتمثل كثيرا في صورة
بعض الموتى تارة يقول أنا الشيخ عبدالقادر وتارة يقول أنا الشيخ أبو الحجاج
القصري وتارة يقول أنا الشيخ عدي وتارة يقول أنا احمد بن الرفاعي وتارة يقول
أنا أبو مدين
174
www.anassim.fr.st 175 الن سي ــــ ـــ ـم
المغربي وإذا كان يقول أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد فغيرهم بطريق الولى
والنبي قال من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي وفي
رواية في صورة النبياء #فرؤيا النبياء في المنام حق وأما رؤية الميت في اليقظة
فهذا جني تمثل في صورته #وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ وبعضهم
يقول هي رفيقه وكثير من هؤلء يرى يقوم من مكانه ويدع في مكانه صورة
مثل صورته وكثير من هؤلء ومن هؤلء من يقول يرى في مكانين ويرى واقفا
بعرفات وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين ل يعرفون حائرين #فإن العقل
الصريح يعلم أن الجسم الواحد ل يكون في الوقت الواحد في مكانين #والصادقون
قد رأوا ذلك عيانا ل يشكون فيه ولهذا يقع النزاع كثيرا بين هؤلء وهؤلء كما قد
جرى ذلك غير مرة #وهذا صادق فيما رأى وشاهد وهذا صادق فيما دل عليه
العقل الصريح #لكن ذلك المرئي كان جنيا تمثل بصورة النسان #والحسيات إن
لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإل وقع فيها غلط كبير #وهذا القسم المشهود
في الخارج غير ما يتخيله النسان في نفسه فإن هذا يعرفه جميع الناس ويصوبه
جميع العقلء يتخيلون أشياء في انفسهم كما يتخيله النائم في منامه وتكون تلك
الصورة موجودة في الخيال ل في الخارج
والفلسفة وسائر العقلء يعترفون بهذا لكن كثير من الفلسفة يظن أن ما رأته #
النبياء من الملئكة وما سمعته من الكلم كان من هذا النوع ويظنون أن ما يرى
من الجن هو من هذا النوع وهؤلء جهال غالطون في هذا كما جهلوا وغلطوا في
ظنهم أن خوارق العادات سببها قوى نفسانية أو طبيعية أو قوى فلكية وأن الفرق بي
النبي والساحر إنما هو حسن قصد هذا وفساد قصد الخر وإل فكلهما خوارق
سببها قوى نفسانية أو فلكية وهذا النفي باطل كما قد بسطنا الكلم عليه وبينا جهل
هؤلء وضللهم في غير هذا الموضع #والذين شاهدوا ذلك في الخارج وثبت
عندهم بالخبار الصادقة المتواترة وجود ذلك في الخارج يعلمون أن هؤلء جاهلون
ضالون ويعلمون أن الملئكة تظهر في صورة البشر كما ظهرت لبراهيم
ولوط ومريم في صورة البشر وكما كان جبريل يظهر للنبي تارة في صورة دحية
الكلبي وتارة في صورة أعرابي ويراه كثير من الناس عيانا وما في خيال النسان
ل يراه غيره وكذلك كما ظهر إبليس للمشركين في صورة الشيخ النجدي وظهر لهم
يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فلما رأى الملئكة هرب
قال تعالى ^ #وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس #
وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى
مال ترون إني أخاف ال وال شديد العقاب ^ #وروي عن ابن عباس وغيره قال
تبدى إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من مدلج والشيطان
175
www.anassim.fr.st 176 الن سي ــــ ـــ ـم
في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار
لكم وأقبل جبريل عليه السلم على إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من
المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك
لنا جار فقال إني أرى ما ل ترون إني أخاف ال وال شديد العقاب
قال ابن عباس وذلك لما رأى الملئكة قال الضحاك سار الشيطان معهم برايته #
وجنوده وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دينكم ودين
آبائكم #وكثير من الناس تحمله الجن إلى مكان بعيد فتحمل كثيرا من الناس إلى
عرفات وغير عرفات وإذا رأى واحد من هؤلء في غير بلده يكون تارة محمول قد
حملته الجن وتارة تصورت على صورته
ول يكون هذا من أولياء ال المتقين الذين لهم كرامات بل قد يكون من الكافرين
أوالفاسقين وأعرف من ذلك قضايا كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها #وعند
المشركين والنصارى من ذلك شيء كثير يظنونه من جنس اليات التي للنبياء #
إنما هي من جنس ما للسحرة والكهان ومن لم يفرق بين أولياءالرحمن وأولياء
الشيطان ويفرق بين معجزات لنبياء وكرامات الصالحين وبين خوارق السحرة
والكهان ومن تقترن بهم الشياطين وإل التبس عليه الحق بالباطل فأما أن يكذب
بالحق الذي جاء به النبياء الصادقون وأما أن يصدق بالباطل الذي يقوله الكاذبون
والغالطون #وهذه المور مبسوطة في موضع آخر والمقصود هنا التنبيه على هذا
الصل وعلماء النصارى يسلمون هذا وعندهم من ذلك أخبار كثيرة من حكايات
أولياء الشيطان الذين عارضهم أولياء الرحمن وأبطلوا أحوالهم كما أبطل موسى
صلوات ال عليه ما عارضته به
السحرة من الخوارق كما ذكر ذلك في التوراة وكما يذكرونه عن فلن وفلن مثل
حكاية سيمون الساحر مع الحواريين وغير ذلك وإذا كان هذا معلوما كان ما
يذكرونه من هذاالجنس إذا كان مخالفا لما ثبت عن النبياء من الشيطان فل يجوز
أن يحتج به على ما يخالف شرائع النبياءالثابتة عنهم بل هؤلء من جنس الدجال
الكبير الذي انذرت به النبياء كلهم حتى نوح أنذر قومه وقال خاتم الرسل ما من
نبي إل قد أنذر أمته حتى نوح أنذر
قومه وسأقول لكم فيه قول لم يقله نبي لمته إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب
بين عينيه كافر ( ك ف ر ) يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير قارىء وقال واعلموا أن
أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت #وقد أخبر أن المسيح عيسى بن مريم مسيح
الهدى ينزل إلى الرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتل مسيح الضللة
وهذا هو الذي تنتظره اليهود ويجحدون المسيح عيسى بن مريم ويقولون هذا هو
الذي بشرت به النبياء ويتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفا مطيلسين ويقتلهم
المسلمون مع عيسى بن مريم شر قتلة حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا
176
www.anassim.fr.st 177 الن سي ــــ ـــ ـم
اقتله وكل هذا ثابت في الصحيح عن النبي ولهذا أمر أمته أن يستعيذوا بال من فتنته
فقال إذا قعد أحدكم في التشهد في الصلة فليتعوذ بال من أربع من عذاب جهنم ومن
عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال #والنبياء كلهم
أنذروا بالكذابين الذين يتشبهون بالنبياء لكن من الناس من يتعمد الكذب وكثير منهم
ل يتعمد بل يلتبس عليه فيغلط فيخبر بما يظنه حقا ول يكون كذلك ويرى في اليقظة
ما يظنه فلنا الولي أو النبي أو الخضر ول يكون كذلك #والغلط جائز على كل
أحد إل النبياء عليهم السلم فإنهم معصومون ل يقرون على خطأ فمن لم يزن
علونه وأعماله وأقواله وأفعاله بالمعلوم عن النبياء وإل كان ضال فنسأل ال العظيم
أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا
والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على إثبات مسيحين مسيح هدى من ولد داود #
ومسيح ضلل يقول أهل الكتاب إنه من ولد يوسف ومتفقون على أن مسيح الهدى
سوف يأتي كما يأتي مسيح الضللة لكن المسلمون والنصارى يقولون مسيح الهدى
هو عيسى بن مريم وإن ال أرسله ثم يأتي مرة ثانية لكن المسلمون يقولون إنه ينزل
قبل يوم القيامة فيقتل مسيح الضللة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ول يبقى دين
إل دين السلم ويؤمن به أهل الكتاب اليهود والنصارى
كما قال تعالى ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ #والقول #
الصحيح الذي عليه الجمهور قبل موت المسيح وقال تعالى ^ #وإنه لعلم للساعة
فل تمترن بها ^ #وأما النصارى فتظن أنه ال وأنه يأتي يوم القيامة لحساب
الخلئق وجزائهم وهذا مما ضلوا فيه واليهود تعترف بمجيء مسيح هدى يأتي لكن
يزعمون أن عيسى عليه السلم لم يكن مسيح هدى لظنهم أنه جاء بدين النصارى
المبدل ومن جاء به فهو كاذب وهم ينتظرون المسيحين
فصل #والخوارق التي تضل بها الشياطين لبني آدم مثل تصور الشيطان بصورة
شخص غائب أو ميت ونحو ذلك ضل بها خلق كثير من الناس من المنتسبين إلى
المسلمين أو إلى أهل الكتاب وغيرهم وهم بنو ذلك على مقدمتين #إحداهما أن من
ظهرت هذه على يديه فهو ولي ل وبلغة النصارى هو قديس عظيم #الثانية أن من
يكون كذلك فهو معصوم فكل ما يخبر به فهو حق وكل ما يأمر به فهو عدل وقد ل
يكون ظهرت على يديه خوارق ل رحمانية ول شيطانية ولكن صنع حيلة من حيل
أهل الكذب والفجور وحيل أهل الكذب والفجور كثيرة جدا فيظن أن ذلك من
العجائب الخارقة للعادة ول يكون كذلك مثل الحيل المذكورة عن الرهبان
177
www.anassim.fr.st 178 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد صنف بعض الناس مصنفا في حيل الرهبان مثل الحيلة المحكية عن أحدهم #
في جعل الماء زيتا بأن يكون الزيت في جوف منارة فإذا نقص صب فيها ماء
فيطفو الزيت على الماء فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتا #ومثل الحيلة
المحكية عنهم في ارتفاع النخلة وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة
فأراه النخلة صعدت شيئا شيئا حتى حاذت الدير فأخذ من رطبها ثم نزلت حتى
عادت كما كانت فكشف الرجل الحيلة فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا
أرسل عليه الماء امتل حتى تصعد السفينة وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت
السفينة #ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة يضعون كحل في
ماء متحرك حركة لطيفة فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن
أنه دموع #ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة التي يسمونها القونة
بصيدنايا وهي أعظم مزاراتهم بعد القمامة وبيت لحم حيث ولد المسيح وحيث قبر
فإن هذه صورة السيدة مريم وأصلها خشبة نخلة سقيت بالدهان حتى تنعمت وصار
الدهن يخرج منها دهنا مصنوعا يظن أنه من بركة الصورة #ومن حيلهم الكثيرة
النار التي يظن عوامهم أنها تنزل من السماء في عيدهم في قمامة وهي حيلة قد
شهدها غير واحد من المسلمين والنصارى ورأوها بعيونهم أنها نار مصنوعة
يضلون بها عوامهم يظنون أنها نزلت من السماء ويتبركون بها وإنما هي صنعة
صاحب محال وتلبيس #ومثل ذلك كثير من حيل النصارى فجميع ما عند
النصارى المبدلين لدين المسيح من الخوارق إما حال شيطاني وإما محال
بهتاني ليس فيه شيء من كرامات الصالحين #وكذلك أهل اللحاد المبدلين لدين
محمد الذين يتخذون دينا لم يشرعه ال ورسوله ويجعلونه طريقا إلى ال وقد
يختارونه على الطريق التي شرعها ال ورسوله مثل أن يختاروا سماع الدفوف
والشبابات على سماع كتاب ال تعالى فقد يحصل لحدهم من الوجد والغرام
الشيطاني ما يلبسه معه الشيطان حتى يتكلم على لسان أحدهم بكلم ل يعرفه ذلك
الشخص إذا أفاق كما يتكلم الجني على لسان المصروع وقد يخبر بعض الحاضرين
بما في نفسه ويكون ذلك من الشيطان فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدر ما
قال ومنهم من يحمله الشيطان ويصعد به قدام الناس في الهواء #ومنهم من يشير
إلى بعض الحاضرين فيموت أو يمرض أو يصير مثل الخشبة #ومنهم من يشير
إلى بعض الحاضرين فيلبسه الشيطان ويزول عقله حتى يبقى دائرا زمانا طويل
بغير إختياره
ومنهم من يدخل النار ويأكلها ويبقى لهبها في بدنه وشعره #ومنهم من تحضر #
له الشياطين طعاما أو شيئا من لدن أو سكر أو زعفران أو ماء ورد ومنهم من
تأتيه بدراهم تسرقها الشياطين من بعض المواضع #ثم من هؤلء من إذا فرق
الدراهم على الحاضرين أخذت منهم فل يمكنون من التصرف فيها إلى أمور يطول
وصفها وآخرون ليس لهم من يعينهم على ذلك من الشياطين فيصنعون حيل
178
www.anassim.fr.st 179 الن سي ــــ ـــ ـم
ومخاريق #فالملحدون المبدلون لدين الرسل دين المسيح أو دين محمد صلى ال
عليهما وسلم هم كأمثالهم من أهل اللحاد
والصالحون لهم كرامات مثل كرامات صالحي هذه المة ومثل كرامات #
الحواريين وغيرهم ممن كان على دين المسيح لكن وجود الكرامات على أيدي
الصالحين ل توجب أن يكونوا معصومين كالنبياء لكن يكون الرجل صالحا وليا ل
وله كرامات ومع هذا فقد يغلط ويخطىء فيما يظنه أو فيما يسمعه ويرويه أو فيما
يراه أو فيما يفهمه من الكتب ولهذا كان كل من سوى النبياء يؤخذ من قولهم ويترك
بخلف النبياء صلوات ال عليهم أجمعين فإنه يجب تصديقهم في كل ما أخبروا به
من الغيب وطاعتهم في كل ما أمروا به ولهذا أوجب ال اليمان بما أوتوه ولم
يوجب اليمان بجميع ما يأتي به غيرهم #قال تعالى ^ #قولوا آمنا بال وما أنزل
إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى
وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ #
وقال تعالى ^ #ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من
آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتب والنبيين ^ #ولهذا اتفق المسلمون على أن
من كذب نبيا معلوم النبوة فهو كافر مرتد ومن سب نبيا وجب قتله بل يجب اليمان
بجميع ما أوتيه النبيون
كلهم وأن ل نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض قال تعالى ^ #إن
الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض
ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا
للكافرين عذابا مهينا ^ #وليس هذا لحد غير النبياء ولو كان من رسل النبياء
وكانوا من أعظم الصديقين المقدمين #فضلل الضلل من هؤلء مبني على
179
www.anassim.fr.st 180 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا وقال في سورة آل عمران ^ #فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك
جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ #فأعني أيضا بالكتاب المنير الذي هو
النجيل المقدس #فيقال قد تقدم أن الرسل تتناول قطعا الرسل الذين ذكرهم ال في
القرآن ل سيما أولو العزم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم فإن هؤلء مع
محمد خاتم النبيين صلوات ال عليهم وسلمه خصهم ال وفضلهم بقوله تعالى ^ #
وإذ أخذنا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى
ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين
عذابا أليما ^ #وفي قوله تعالى ^ #شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه
^ #فالدين دين رسل ال دين واحد كما بينه ال في كتابه وكما ثبت في الصحيحين
عن النبي أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد وأن أولى الناس بابن مريم لنا إنه
ليس بيني وبينه نبي #ويتناول أيضا اسم الرسل من لم يسمهم بأعيانهم في القرآن
قال تعالى ^ #إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون
وسليمان وآتينا داود زبورا ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم
عليك وكلم ال موسى تكليما رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة
بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما
وقال تعالى ^ #ولقد أرسلنا رسل من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم #
نقصص عليك ^ #وأما الحواريون فإن ال تعالى ذكرهم في القرآن ووصفهم
بالسلم واتباع الرسول وباليمان بال كما أنزل في قوله تعالى ^ #فلما أحس
عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال آمنا بال
واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ^ #
وقال تعالى ^ #وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد
بأننا مسلمون ^ #وقال تعالى ^ #يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما قال
عيسى ابن مريم للحواريين من انصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال
فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم
180
www.anassim.fr.st 181 الن سي ــــ ـــ ـم
^ فأصبحوا ظاهرين
ولم يذكر ال تعالى في القرآن أنه أرسلهم البتة بل ذكر أنه ألهمهم اليمان به #
وبرسوله وأنهم أمروا باتباع رسوله وقوله ^ #وإذ أوحيت إلى الحواريين ^ #ل
يدل على النبوة فإنه قال تعالى ^ #وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ^ #وأم
موسى لم تكن نبية بل ليس في النساء نبية كما تقوله عامة النصارى والمسلمين #
وقد ذكر إجماعهم على ذلك غير واحد مثل القاضيين أبي بكر بن الطيب وابي يعلى
ابن أبي الفراء والستاذ أبي المعالى الجويني وغيرهم ويدل على ذلك قوله تعالى #
^ وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى ^ #وقوله تعالى ^ #
ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ^ #فجعل غاية
مريم الصديقية كما جعل غاية المسيح الرسالة
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من #
النساء إل مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم يعني من نساء المم قبلنا وهذا يدل
على أن أم موسى ليست ممن كمل من النساء فكيف تكون نبية وقوله تعالى ^ جاءوا
بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ #والكتاب اسم جنس كما تقدم يتناول كل كتاب
أنزله ال تعالى وقال تعالى ^ #ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى
ول كتاب منير ^ #وقوله ول كتاب منير نكرة في سياق المعنى فيعم كل كتاب
منير ولو لم يكن إل النجيل لقيل ول الكتاب المنير وأيضا
فالتوراة أعظم من النجيل وقد بين ال أنه لم ينزل كتابا أهدى من التوراة والقرآن
فقال تعالى ^ #قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى
من قبل قالوا سحران وقرىء ساحران تظهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب
من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ^ #وهذا تعجيز لهم أن يأتوا
بكتاب من عند ال هو أهدى منهما كقوله ^ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ^
#وهذا يبين أنه ليس النجيل ول الزبور أهدى من التوراة والقرآن فكيف يجعل
الكتاب المنير هو النجيل دون التوراة والزبور #وأيضا فإن ال تعالى إنما يخص
بالذكر من الكتب المتقدمة التوراة دون غيرها فهي التي يقرنها بالقرآن كقوله تعالى
^ #وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل
الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون
كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ول آباؤكم قل ال ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا
كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين
يؤمنون بالخرة يؤمنون به وهم على صلتهم يحافظون ^ #وقد وصف التوراة
بأن فيها نورا وهدى للناس فكيف يجعل النور في النجيل دونها وقال تعالى ^ #ثم
آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيل لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم
بلقاء ربهم يؤمنون وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا
181
www.anassim.fr.st 182 الن سي ــــ ـــ ـم
إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ^ #فقد ذكر
التوراة والقرآن وقولهم أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا فبين أن الكتاب اسم
جنس يتناول هنا التوراة والنجيل كقوله تعالى ^ يا أهل الكتاب ^ #وقوله تعالى #
^ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ^ #فذكر الكتاب بلفظ المنفرد ومعلوم
أنه أراد بالذين أوتوا الكتاب من قبلنا اليهود والنصارى ل يختص ذلك بالنصارى
^ كما قال ^ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا
وقد تبين بطلن قول هؤلء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويفسرون كلم ال #
ورسوله بما يعلم كل من عرف حاله من مؤمن وكافر أنه لم يرده #وبين أن ال لم
يرد بالكتاب النجيل وحده كما لم يرد بالرسل الحواريين بل أراد بالكتاب المنير ما
أنزله ال من الكتب كالتوراة والنجيل كما أراد بالرسل من أرسله ال مطلقا كنوح
وإبراهيم وموسى والمسيح ابن مريم صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين
فصل #قالوا وقال أيضا ^ #فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون
الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فل تكونن من الممترين ^ #فيقال لهم من
المعلوم بالضطرار أنه ليس المراد بهذا النصارى فقط كما تقدم بل اليهود يقرؤون
الكتاب من قبلنا والنصارى يقرؤون الكتاب من قبلنا والكتاب اسم جنس كما تقدم
نظائره في قوله ^ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ^ وقوله ^
وطعام الذين أوتوا الكتاب ^ وقوله ^ يا أهل الكتاب ^ في غير موضع وقوله ^ #
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ^ #وقوله تعالى ^ #شهد ال أنه
ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الحكيم إن الدين
عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن
اتبعن وقل
للذين أوتوا الكتاب والميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك
البلغ وال بصير بالعباد ^ #وقد قال تعالى ^ #يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا
بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم
كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر ال مفعول ^ #وتناول لفظ أهل الكتاب هنا
لليهود أظهر من تناوله للنصارى لذكره لعنة أصحاب السبت وكذلك قوله تعالى ^ #
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا
آخره لعلهم يرجعون ^ #فهذا خبر عن طائفة من اليهود قالوا ذلك وقال تعالى ^ #
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم
^ كافرين
182
www.anassim.fr.st 183 الن سي ــــ ـــ ـم
وسبب نزولها أنه أراد طائفة من اليهود إلقاء الفتنة بين المسلمين فهم داخلون #
قطعا وإن كان الخطاب مطلقا يتناول الطائفتين #وأمره تعالى بسؤال الذين يقرؤون
الكتاب من قبله على تقدير الشك ل يقتضي أن يكون الرسول شك ول سأل إن قيل
الخطاب له وإن قيل لغيره فهو أولى وأحرى فإن تعليق الحكم بالشرط ل يدل على
تحقيق الشرط بل قد يعلق بشرط ممتنع لبيان حكمه #قال تعالى ^ #ومن ذريته
داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا
ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكل
فضلنا على العالمين ^ #فأخبر أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون مع
انتفاء
ولكن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون # #
كما قال تعالى في الية الخرى ^ #قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم
الكتاب ^ #وقال تعالى ^ #قل أرءيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد
من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^ #وقال
تعالى ^ #أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ^ #وقال تعالى ^ #
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق
من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ #وقال ^ #إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى
عليهم يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول
^ ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
وقال تعالى ^ #وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع #
مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ #وقال تعالى ^ #لكن
الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ^ #وقال تعالى ^ #
وما أرسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون ^ #
وقال تعالى ^ #الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ #فالمقصود
بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون وذلك من وجوه #
أحدها أن الكتب المتقدمة تنطق بأن موسى وغيره دعوا إلى عبادة ال وحده ونهوا
عن الشرك فكان في هذا حجة على من ظن أن الشرك دين #ومثل هذا قوله تعالى
^ #وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون
183
www.anassim.fr.st 184 الن سي ــــ ـــ ـم
وقوله تعالى ^ #وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا #
فاعبدون ^ #وقوله تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا
الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض
فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ #الوجه الثاني أن أهل الكتاب يعلمون أن ال
إنما أرسل إلى الناس بشرا مثلهم لم يرسل إليهم ملكا فإن من الكفار من كان يزعم
أن ال ل يرسل إل ملكا أو بشرا معه ملك ويتعجبون من إرسال بشر ليس معه ملك
ظاهر كما قال تعالى ^ #وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا
أبعث ال بشرا رسول قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم
من السماء ملكا رسول ^ #وقال تعالى ^ #ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم
اعبدوا ال مالكم من إله غيره أفل تتقون فقال المل الذين كفروا من قومه ما هذا إل
بشر مثلكم يريد أن يتفضل
عليكم ولو شاء ال لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الولين إن هو إل رجل به
جنة فتربصوا به حتى حين ^ #وقال تعالى ^ #كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا
واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلل وسعر ^ #وكذلك قال الذين من بعدهم ^ #ما هذا
إل بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم
إنكم إذا لخاسرون ^ #وكذلك قال قوم فرعون لموسى وهارون ^ #أنؤمن لبشرين
مثلنا وقومهما لنا عابدون ^ #وقال فرعون ^ #أم أنا خير من هذا الذي هو مهين
ول يكاد يبين فلول ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين ^ #
وكذلك قالوا لمحمد وقال
تعالى ^ #الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم
أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا
لساحر مبين ^ #وقال تعالى ^ #وقالوا لول أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي
المر ثم ل ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل وللبسنا عليهم ما يلبسون ^ #
فبين سبحانه أنكم ل تطيقون التلقي عن الملك فلو أنزلناه ملكا لجعلناه في صورة
بشر وحينئذ كنتم تظنونه بشرا فيحصل اللبس عليكم فأمر ال تعالى بسؤال أهل
الكتاب عمن أرسل إليهم أكان بشرا أم كان ملكا ليقيم الحجة بذلك على من أنكر
إرسال بشر كما قال تعالى ^ #وما أرسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم فسئلوا أهل
الذكر إن كنتم ل تعلمون وما جعلناهم جسدا ل يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم
صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ^ #وأهل الذكر هم أهل
الذكر الذي أنزله ال تعالى
الوجه الثالث أنهم يسألون أهل الكتاب عما جرى للرسل مع أممهم وكيف كان #
عاقبة المؤمنين بهم وعاقبة المكذبين لهم #الوجه الرابع يسألون أهل الكتاب عن
الدين الذي بعث ال به رسله وهو دين السلم الذي اتفقت عليه الرسل كالمر
184
www.anassim.fr.st 185 الن سي ــــ ـــ ـم
بالتوحيد والصدق والعدل وبر الوالدين وصلة الرحام والنهي عن الشرك والظلم
والفواحش #الوجه الخامس يسألونهم عما وصفت به الرسل ربهم هل هو موافق
لما وصفه به محمد أم ل وهذه المور المسؤول عنها متواترة عند أهل الكتاب
معلومة لهم ليست مما يشكون فيه وليس إذا كان مثل هذا معلوما لهم بالتواتر
فيسألون عنه يجب أن يكون كل ما يقولونه معلوما لهم بالتواتر #وأيضا فإنهم
يسألون أيضا عما عندهم من الشهادات والبشارات بنبوة محمد #وقد أخبر ال بذلك
في القرآن فقال تعالى ^ #ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
^ الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم
وقال تعالى ^ #وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم #
مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما
جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ^ #فقد أخبر عن عيسى أنه صدق بالرسول
والكتاب الذي قبله وهو التوراة وبشر بالرسول الذي يأتي بعده وهو أحمد قال تعالى
^ #فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما ال بغافل
عما يعملون ^ #إلى قوله ^ #الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ^ #وقال تعالى ^ #وإنه لتنزيل رب
العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
وإنه لفي زبر الولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ^ #وقال
تعالى عن من أثنى عليه من النصارى ^ #وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى
^ أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا
وقال تعالى ^ #وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيل قل #
آمنوا به أو ل تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للذقان
سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون للذقان يبكون
ويزيدهم خشوعا ^ #وقال تعالى ^ #أفغير ال أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم
الكتاب مفصل والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فل تكونن من
الممترين ^ #وقال تعالى ^ #ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم
الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا
من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة
ومما رزقناهم ينفقون ^ #وقال تعالى في سورة النعام ^ #الذين آتيناهم الكتاب
^ يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون
وقال تعالى ^ #ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل #
يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فعلنة ال على الكافرين
185
www.anassim.fr.st 186 الن سي ــــ ـــ ـم
^ #والخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد عندهم في الكتب المتقدمة متواترة
عنهم #وكان قبل أن يبعث النبي تجري حروب وقتال بين العرب وبين أهل الكتاب
فتقول أهل الكتاب قد قرب مبعث هذا النبي المي الذي يبعث بدين إبراهيم فإذا ظهر
اتبعناه وقتلناهم معه شر قتلة فلما بعث النبي كان منهم من آمن به ومنهم من كفر به
فقال تعالى ^ #وكانوا من قبل يستفتحون ^ #أي يستنصرون بمحمد على الذين
كفروا ^ #فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ #ولهذا كان
النبي في خطابه لهل الكتاب يقول لهم وال الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أني
رسول ال وكذلك من أسلم منهم كعبدال بن سلم كان يقول لغيره من أهل الكتاب
وال الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أنه رسول ال وهذا أمر معروف في الحاديث
الصحاح المخرجة في الصحيحين وغيرهما فظهر بما ذكرناه تحريف هؤلء لكلم
ال وأنه ل حجة لهم فيما أنزل على محمد كما تقدم نظائر ذلك
فصل #قالوا فثبت بهذا ما معنا نعم ونفى عن إنجيلنا وكتبنا التي في أيدينا التهم
والتبديل لها والتغيير لما فيها بتصديقه إياها #فيقال كلمكم الذي تحتجون به في
هذا الموضع وغيره إما أن يكون باطل محضا وإما أن يكون مما لبستم فيه الحق
بالباطل فإن قولكم بتصديقه إياها إن أردتم أنه صدق التوراة والنجيل والزبور التي
أنزلها ال على أنبيائه فهذا ل ريب فيه فإن هذا مذكور في القرآن في غير موضع
وقد أوجب على عباده أن يؤمنوا بكل كتاب أنزله وكل نبي من النبياء مع إخباره
أنه أنزل هذه الكتب قبل القرآن وأنزل القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب
ومهيمنا عليه #وقال تعالى ^ #الم ال ل إله إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب
بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل
الفرقان ^ #وقال تعالى ^ #وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من
^ الكتاب ومهيمنا عليه
وقال تعالى ^ #يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من #
قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ^ #
وقال ^ #وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ^
#وقال ^ #والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن ال
بعباده لخبير بصير ^ #وقال ^ #ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم
نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون ^ #
وقال تعالى ^ #آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ^ #وقد أوجب على عباده أن
يؤمنوا بجميع كتبه ورسله وحكم بكفر
من آمن ببعض وكفر ببعض فقال تعالى ^ #قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل
إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما
186
www.anassim.fr.st 187 الن سي ــــ ـــ ـم
أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما
آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^
#وقال تعالى ^ #آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال
وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ^ #وقال تعالى ^ #إن الذين
يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر
ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين
عذابا مهينا والذين آمنوا بال ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم
أجورهم وكان ال غفورا رحيما ^ #فذم المفرق بينهم بأن يؤمن ببعض دون بعض
وبين أنه فضل بعضهم على بعض فقال تعالى ^ #تلك الرسل فضلنا بعضهم على
^ بعض
فبين أنه فضل بعضهم على بعض وقال تعالى ^ #ولقد فضلنا بعض النبيين على #
بعض ^ #وقد اتفق المسلمون على ما هو معلوم بالضطرار من دين السلم وهو
أنه يجب اليمان بجميع النبياء والمرسلين وبجميع ما أنزله ال من الكتب فمن كفر
بنبي واحد تعلم نبوته مثل إبراهيم ولوط وموسى وداود وسليمان ويونس وعيسى
فهو كافر عند جميع المسلمين حكمه حكم الكفار وإن كان مرتدا استتيب فإن تاب
وإل قتل #ومن سب نبيا واحدا من النبياء قتل أيضا باتفاق المسلمين وما علم
المسلمون أن نبيا من النبياء أخبر به فعليهم التصديق به كما يصدقون بما أخبر به
محمد وهم يعلمون أن أخبار النبياء ل تتناقض ول تختلف وما لم يعلموا أن النبي
أخبر به فهو كما لم يعلموا أن محمدا أخبر به صلى ال عليهم أجمعين ولكن ل
يكذبون إل بما علموا أنه كذب كما ل يجوز أن يصدقوا إل بما علموا أنه صدق وما
لم يعلموا أنه كذب ول صدق لم يصدقوا به ولم يكذبوا به كما أمرهم نبيهم محمد
وبهذا أمرهم
المسيح عليه السلم فقال المور ثلثة أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه
فاجتنبوه وأمر اشتبه عليكم فكلوه إلى عالمه
فصل #وإن أرادوا بتصديقه كتبهم أنه صدق ما هم عليه من العقائد والشرائع التي
ابتدعوها بغير إذن من ال وخالفوا بها ما تقدمه من شرائع المسلمين أو خالفوا بها
الشرع الذي بعث به مثل القول بالتثليث والقانيم والقول بالحلول والتحاد بين
اللهوت والناسوت وقولهم أن المسيح هو ال وابن ال وما هم عليه من إنكار ما
يجب اليمان به من اليمان بال واليوم الخر ومن تحليل ما حرمه ال ورسله
كالخنزير وغيره وبين أنهم ل يدينون بدين الحق الذي أنزل به كتابه وأرسل به
رسوله بل بدين مبتدع ابتدعه لهم أكابرهم كما قال تعالى ^ #اتخذوا أحبارهم
^ ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم
187
www.anassim.fr.st 188 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد بين النبي ذلك لعدي بن حاتم وكان نصرانيا لما جاءه ليؤمن به وقد آمن به #
عدي وكان من خيار الصحابة فسمعه يقرأ هذه الية ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو
سبحانه عما يشركون ^ #قال عدي قلت يا رسول ال ما عبدوهم #قال إنهم أحلوا
لهم الحرام وحرموا عليهم الحلل فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم
فإن أرادوا بتصديقهم في هذه المور أو أن محمدا صدق ما عندهم مما لم يأت به #
النبياء عن ال فقد كذبوا على محمد كذبا ظاهرا معلوما بالضطرار من دينه وإنما
صدق ما جاءت به النبياء قبله #وأما ما أحدثوه وابتدعوه فلم يصدقوه كما أنه لم
يشرع لهم أن يستمروا على ما هم عليه من الشرع الول ولو لم يكن مبدل بل
دعاهم وجميع النس والجن إلى اليمان به وبما جاء به واتباع ما بعث به من
الكتاب والحكمة وحكم بكفر كل من لم يتبع كتابه المنزل عليه وأوجب مع خلودهم
في عذاب الخرة جهادهم في الدنيا حتى يكون الدين كله ل وحتى تكون كلمة ال
هي العليا #وقد دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى عموما ثم كل من الطائفتين
خصوصا في غير موضع مع دعائه الناس كلهم أهل الكتاب وغيرهم كقوله تعالى #
^ ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه
مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون
قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا الذي له ملك السموات والرض ل إله
إل هو يحيي ويميت فآمنوا بال ورسوله النبي المي الذي يؤمن بال وكلماته
واتبعوه لعلكم تهتدون ^ #وقال تعالى يخاطب النصارى ^ #يا أهل الكتاب ل
تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا
لكم إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض
وكفى بال وكيل لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن
يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا
الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا
^ فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا
وقال تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ #وقال تعالى #
^ #ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا
بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا يصنعون ^ #
اخبر سبحانه أن النصارى تركوا حظا مما ذكرهم به وبسبب ذلك أغرى بينهم
العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة فعلم أنه سبحانه بين أنهم تركوا بعض ما جاء به
188
www.anassim.fr.st 189 الن سي ــــ ـــ ـم
المسيح ومن قبله من النبياء واستحقوا لذلك أن يغري بينهم العداوة والبغضاء إلى
يوم القيامة #وقال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #
فنهاهم عن الغلو في دينهم وعن اتباع أهواء الذين ابتدعوا بدعا غيروا بها شرع
المسيح فضلوا من قبل هؤلء التباع وأضلوا كثيرا من هؤلء التباع وغيرهم
وضلوا عن سواء السبيل وهو وسط السبيل بين الضلل وقيده بعد أن أطلقه وأجمله
وقال تعالى ^ #قتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم #
ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون ^ #وقد خرج النبي لقتالهم بنفسه عام تبوك واستنفر لقتالهم جميع
المؤمنين ولم يأذن لحد من القادرين على الغزو في التخلف ومن تخلف لنه لم ير
قتالهم واجبا كان كافرا وإن أظهر السلم كان منافقا ملعونا بين ال أنه ل يغفر لهم
ونهى نبيه عن الصلة عليهم وأنزل في ذلك جمهور سورة براءة بالنقل المتواتر
حتى بين كفر الذين استأذنوه في ترك الخروج معه لقتال النصارى #قال تعالى #
^ يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل كم انفروا في سبيل ال اثاقلتم إلى الرض
أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما متاع الحياة الدنيا في الخرة إل قليل إل تنفروا
يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ول تضروه شيئا وال على كل شيء قدير
إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ
يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا وال عزيز حكيم
انفروا خفافا وثقال وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال ذلكم خير لكم إن كنتم
تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة
وسيحلفون بال لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم وال يعلم إنهم لكاذبون عفا
ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ل يستئذنك الذين
يؤمنون بال واليوم الخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وال عليم بالمتقين إنما
يستأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون
ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة ولكن كره ال انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع
القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خبال ولوضعوا خللكم يبغونكم الفتنة وفيكم
سماعون لهم وال عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك المور حتى
^ جاء الحق وظهر أمر ال وهم كارهون
فصل #فتبين أن قولهم فثبت بهذا ما معنا نعم ونفي عن إنجيلنا وكتبنا التي في
أيدينا التهم والتبديل لها والتغيير لما فيها بتصديقه إياها #إن أرادوا به أنه ثبت ما
جاءت النبياء قبله عن ال فهذا حق #وإن أرادوا به أنه ثبت ما هم عليه بعد مبعثه
من الشرع الذي خالف شرعه أو ما ابتدعوه مما لم يأت به النبياء عليهم السلم قبله
189
www.anassim.fr.st 190 الن سي ــــ ـــ ـم
فهذا باطل #وإن أرادوا بذلك أنه صدق ألفاظ الكتب التي بأيدينا أي التوراة
والنجيل فهذا مما يسلمه لهم بعض المسلمين وينازعهم فيه أكثر المسلمين وإن كان
أكثر ذلك مما يسلمه أكثر المسلمين #فأما تحريف معاني الكتب بالتفسير والتأويل
وتبديل أحكامها
فجميع المسلمين واليهود والنصارى يشهدون عليهم بتحريفها وتبديلها كما يشهدون
هم والمسلمون على اليهود بتحريف كثير من معاني التوراة وتبديل أحكامها وإن
كانوا هم واليهود يقولون إن التوراة لم تحرف ألفاظها #وحينئذ فل ينفعهم بقاء
حروف الكتب عندهم مع تحريف معانيها إل كما ينفع اليهود بقاء حروف التوراة
والنبوات عندهم مع تحريف معانيها بل جميع النبوات التي يقرون بها هي عند
اليهود وهم مع اليهود ينفون عنها التهم والتبديل للفاظها مع أن اليهود عندهم من
أعظم الخلق كفرا واستحقاقا لعذاب ال في الدنيا والخرة وهم عند النصارى الذين
يكفرون المسلمين أكثر من هؤلء وشر منهم فإن النصارى متفقون على أن
المسلمين خير من اليهود وكذلك اليهود متفقون على أن المسلمين خير من النصارى
بل جميع المم المخالفين للمسلمين يشهدون أن المسلمين خير من سائر المم
والطوائف إل أنفسهم وشهادتهم لنفسهم ل تقبل فصار هذا اتفاق أهل الرض على
تفضيل دين السلم #فعلم أن بقاء حروف الكتاب مع العراض عن اتباع معانيها
وتحريفها ل يوجب إيمان أصحابها ول يمنع كفرهم #وحينئذ فليس شهادة محمد
وأمته للمسيح عليه السلم ولما أنزل عليه من النجيل في تثبيت ما عند النصارى
بأعظم من شهادة المسيح عليه السلم والحواريين وسائر من اتبعه لموسى ولما
أنزل عليه من التوراة في تثبيت ما عند
اليهود فإن المسيح أمر أتباعه باتباع التوراة إل القدر اليسير الذي نسخه منها #وأما
محمد فبعث بكتاب مستقل وشرع مستقل كامل تام لم يحتج معه إلى شرع سابق
تتعلمه أمته من غيره ول إلى شرع لحق يكمل شرعه ولهذا قال النبي في الحديث
الصحيح أنه قد كان في المم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر #فجزم أن
من كان قبله كان فيهم محدثون وعلق المر في أمته وإن كان هذا المعلق قد تحقق
لن أمته ل تحتاج بعده إلى نبي آخر فلن ل تحتاج معه إلى محدث ملهم أولى
وأحرى
وأما من كان قبله فكانوا يحتاجون إلى نبي بعد نبي فأمكن حاجتهم إلى المحدثين #
الملهمين ولهذا إذا نزل المسيح بن مريم في أمته لم يحكم فيهم إل بشرع محمد وإذا
كان مع هذا فشهادة المسيح والحواريين وكل من آمن بالمسيح للتوراة بأنها حق
ولموسى بأنه رسول ل يمنع كفر اليهود لكونهم بدلوا شرع التوراة وكذبوا بالمسيح
والنجيل #فكيف تكون شهادة محمد وأمته للنجيل بأنه منزل من عند ال وللمسيح
بأنه رسول ال مانعة من كفر النصارى مع تبديلهم شرع النجيل وتكذيبهم بمحمد
وشرع القرآن #وأما إيمان من يؤمن منهم بأن محمدا رسول ال إلى العرب أو
190
www.anassim.fr.st 191 الن سي ــــ ـــ ـم
بكثير مما جاء به القرآن فل يمنع كفرهم إذا كفروا ببعض ما جاء به بل من كذب
بشيء مما جاءت به الرسل عن ال فهو كافر وإن آمن بأكثر ما جاءت به الرسل
كما قال تعالى ^ #إن الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله
ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم
الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ^ #وقال تعالى ^ #أفتؤمنون ببعض
الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من
يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال
بغافل عما تعملون ^ #وقد صرح بكفر النصارى في غير موضع وأمر بجهادهم
وقتالهم وحكم بكفر من ل يوجب جهادهم وقتالهم أو ل يرى ذلك عبادة ل وطاعة له
كما تقدم التنبيه على ذلك فإذا كان من ل يرى جهادهم عبادة ل كافرا عند محمد
فكيف حالهم عنده
فصل #وإذا تبين للخاصة والعامة ممن آمن بمحمد ومن كفر به أنه كان مصدقا
لما بين يديه من الكتب والنبياء مصدقا للتوراة والنجيل شاهدا بأن موسى عليه
السلم ومن كان متبعا له على الحق وأن المسيح عليه السلم ومن اتبعه على الحق
وإن كان يكفر جميع اليهود والنصارى وغيرهم ممن بلغته رسالته ولم يؤمن به
وشهد عليهم بأنهم حرفوا كثيرا من معاني التوراة والنجيل قبل نبوته وأن أهل
الكتاب كلهم مع المسلمين يشهدون أيضا بأن كثيرا من معاني التوراة والنجيل
حرفها كثير من أهل الكتاب لم يجز لحد من أهل الكتاب أن يحتج بقول محمد على
صحة دينهم الذي شهد محمد بأنه باطل مبدل منسوخ وأهله من أهل النار كما تقدم
بسطه #وإذا قالوا نحن نذكر ذلك لنبين تناقضه حيث صدقها وهي تناقض بعض ما
أخبر به أو لنبين أن ما أخبرت به النبياء قبله يناقض خبره فيكون ذلك قدحا فيما
جاء به
أجاب المسلمون عن هذا بعدة طرق #أحدها أن يقولوا أما مناقضة بعض خبره #
لبعض كما يزعمه هؤلء من أن كتابه يمدح أهل الكتاب مرة ويذمهم أخرى وأنه
يصدق الكتب المنزلة تارة ويذمها أخرى فهذا قد ظهر بطلنه فإنه إنما مدح من اتبع
موسى والمسيح على الدين الذي لم يبدل ولم ينسخ #وأما من اتبع الدين المبدل
المنسوخ فقد كفره #فأما دعواهم مناقضة خبره لخبر غيره فيقال هو مصدق
للنبياء فما أخبروا به #وأما ما بدل من ألفاظهم أو غيرها بالترجمة أو فسر بغير
مرادهم فلم يصدقه ويقال أيضا إن نبوة محمد تثبت بمثل ما تثبت به نبوات النبياء
قبله وبأعظم من ذلك كما قد بسط في موضع آخر وبين أن التكذيب بنبوة محمد مع
التصديق بنبوة غيره في غاية التناقض والفساد وانه ما من طريق يعلم بها نبوة
غيره إل ونبوته تعلم بمثل تلك الطريق وبأعظم منها فلو لم تكن نبوته وطريق
ثبوتها إل
191
www.anassim.fr.st 192 الن سي ــــ ـــ ـم
مثل نبوة غيره وطريق ثبوتها لوجب التصديق بنبوته كما وجب التصديق بنبوة
غيره ولكان تكذيبه كتكذيب ابراهيم وموسى وغيرهما من الرسل فكيف إذا كان ذلك
أعظم من وجوه متعددة #وحينئذ فالنبياء كلهم صادقون مصدقون معصومون فيما
يخبرون به عن ال ل يجوز أن يثبت في خبرهم عن ال خبر باطل ل عمدا ول
خطأ فل يجوز أن يخبر أحدهم بخلف ما أخبر به غيره بل ول يفترقون في الدين
الجامع كما قال تعالى ^ #شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك
وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه ^ #وقال
تعالى ^ #يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما
لديهم فرحون ^ #وإنما يقع النسخ في بعض الشرائع كما يقع النسخ في شريعة
الرسول الواحد وحينئذ فيعلم أن كل ما ينقل عن النبياء المتقدمين مما يناقض ما
علم من أخبار محمد فهو باطل سواء كان اللفظ نفسه باطل لم يقله ذلك النبي أو قد
قال لفظا وغلط
المترجمون له من لغة إلى لغة أو كان اللفظ وترجمته صحيحين لكن وقع الغلط في
معرفة مراد ذلك النبي بذلك الكلم #فإن كل ما يحتج به من اللفاظ المنقولة عن
النبياء أنبياء بني إسرائيل وغيرهم ممن أرسل بغير اللغة العربية ل بد في
الحتجاج بألفاظه من هذه المقدمات أن يعلم اللفظ الذي قاله ويعلم ترجمته ويعلم
مراده بذلك اللفظ #والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على وقوع الغلط في تفسير
بعض اللفاظ وبيان مراد النبياء بها وفي ترجمة بعضها فإنك تجد بالتوراة عدة
نسخ مترجمة وبينها فروق يختلف بها المعنى المفهوم وكذلك في النجيل وغيره
فهذا الطريق في الجواب طريق عام لكل من آمن بمحمد وشهد أنه رسول ال باطنا
وظاهرا يخاطب به كل يهودي ونصراني على وجه الرض وإن لم يكن عارفا بما
عند اهل الكتاب فإنه ل يقدر أحد من أهل الرض يقيم دليل صحيحا على نبوة
موسى وعيسى وبطلن نبوة محمد فإن هذا ممتنع لذاته بل ول يمكنه أن يقيم دليل
صحيحا على نبوة أحدهما إل وإقامة مثل ذلك الدليل أو أعظم منه على نبوة محمد
أولى وحينئذ فل يمكن أحدا من أهل
الكتاب أن يحتج بشيء من المنقولت عن النبياء المخالفة لما ثبت عن محمد سواء
أقر بنبوته أو أنكرها بل إن احتج بشيء مما نقل عن محمد بين له بطلن احتجاجه
به وأنه حجة عليه ل له #وإن احتج بشيء من المنقول عن غيره من النبياء عليهم
السلم طولب بتقدير نبوة ذلك النبي مع تكذيب محمد وإل فبتقدير أن ينقل عن اثنين
ادعيا النبوة وأتيا باليات التي تثبت بها النبوات خبران مناقضان ل يجوز تصديق
هذا وتكذيب ذاك إن لم يتبين ما يدل على صدق هذا وكذب هذا وكذلك إذا عورض
أحدهما بجنس ما يعارض الخر #وهذا ل يرد على المسلمين إذا ردوا ما يحتج به
أهل الكتاب مما ينقلونه عن النبياء مخالفا لخبر محمد فإن المسلمين ل يطعنون في
192
www.anassim.fr.st 193 الن سي ــــ ـــ ـم
نبوة أحد من النبياء المعروفين وإنما يطعنون في أنهم أخبروا بما يخالف خبر
محمد فإن ذلك ل يثبت أي لم يثبت اللفظ والترجمة وتفسير اللفظ وهذه المقدمات
يمتنع أن تقوم على شيء يخالف خبر محمد ل جملة ول تفصيل #فأهل الكتاب
يطالبون فيما يعارضون به بثلث مقدمات #أحدها تقدير أن أولئك صادقون ومحمد
كاذب
والثاني ثبوت ما أتوا به لفظا #والثالث معرفة المراد باللفظ ترجمة وتفسيرا وإن #
قال الكتابي للمسلم أنت توافقني على نبوة هؤلء المتقدمين إجابة المسلم بوجوه #
منها أن يقول إني لم أوافقك على نبوة واحد منهم مع التكذيب بمحمد بل دين
المسلمين كلهم أنه من آمن ببعض النبياء وكفر ببعض فهو كافر فكيف بمن كفر
بمن هو عند المسلمين أفضل النبياء وخاتمهم بل قد يقول له أكثر المسلمين نحن لم
نعلم نبوة أولئك إل بأخبار محمد أنهم أنبياء فلو قدحنا في الصل الذي قد علمنا به
نبوتهم لزم القدح في نبوتهم والفرع إذا قدح في أصله دل على فساده في نفسه سواء
قدر اصله صحيحا أو فاسدا فإنه إن كان أصله فاسدا فسد هو وإن كان أصله
صحيحا وهو يناقضه بطل هو فإنه إن كان أصله فاسدا فسد هو وإن كان أصله
صحيحا وهو يناقضه بطل هو فهو إذا ناقض أصله باطل على كل تقدير #وكذلك
إذا قال له الكتابي قد اتفقنا على تصديق موسى والتوراة والمسيح والنجيل #قال له
المسلم إنما وافقتك على تصديق موسى وعيسى الذين
بشرا بمحمد كما أخبرنا به محمد عن ال حيث قال ال تعالى ^ #ورحمتي وسعت
كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون
الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ^ الية #وقال تعالى ^ #وإذ قال عيسى ابن مريم
يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول
يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ #إلى أمثال ذلك #فأما اليمان بموسى الذي ذكر أن
شريعته مؤيدة ل ينسخ منها شيءأو بمسيح ادعى أنه ال أو أن ال اتحد به أو حل
فيه ونحو ذلك مما يدعيه أهل الكتاب في الرسولين والكتابين ويخالفهم فيه المسلمون
فهذا من موارد النزاع ل من مواقع الجماع فليس لحد من أهل الكتاب أن يحتج
على احد من المسلمين بموافقته له على ذلك #ومن تمام ذلك أن يقول المسلم نعم أنا
أقر بنبوة موسى والمسيح وإن التوراة والنجيل كلم ال لكن يمتنع عقل القرار
بنبوة واحد من هؤلء دون نبوة محمد فإن
البراهين واليات والدلة الدالة على صدق موسى والمسيح تدل على نبوة محمد
بطريق الولى فلو انتقضت تلك الدلة لزم فسادها وأن ل أصدق بأحد من النبياء
وإن كانت حقا لزم تصديقهم كلهم فلزم إما أن نصدقهم كلهم وإما أن نكذبهم كلهم
ولهذا كان من آمن ببعض وكذب ببعض كافرا #ومن الجوبة للمسلمين أن يقولوا
نحن نصدق النبياء المتقدمين في كل ما أخبروا به لكن من نقل عنهم أنهم أخبروا
193
www.anassim.fr.st 194 الن سي ــــ ـــ ـم
بما يناقض خبر محمد فل بد له من مقدمتين ثبوت ذلك اللفظ عن النبياء والعلم
بمعناه الذي يعلم أنه مناقض للمعنى الذي علم أن محمدا عناه ثم العلم باللفظ يحتاج
مع الخطاب بغير ألسن النبياء العربية سواء كانت عربية أو رومية أو سريانية أو
قبطية إلى أن يعرف أن هذا اللفظ الذي ترجم به لفظه مطابق للفظه ويمتنع ثبوت
المقدمتين لن في ثبوتهما تناقض الدلة العلمية والدلة العلمية ل تتناقض #الطريق
الثاني أن يقول المسلمون ما تذكرونه من المنقول عن النبياء مناقضة لما أخبر به
محمد أمور لم تعلم صحتها فل يجوز اعتقاد ثبوتها والجزم بها ولو لم يعلم
أن محمدا أخبر بخلفها فكيف إذا علم أنه أخبر بخلفها وذلك أن العلم بثبوتها مبني
على مقدمات #أحدها العلم بنبوتهم وهذا ممتنع مع تكذيب محمد #والثانية أنهم
قالوا هذه اللفاظ وهذا يحتاج إلى إثبات تواتر هذه اللفاظ عن النبياء ولم يثبت أنها
تواترت عنهم #والثالثة أن معناها هو المعنى المناقض لخبر محمد ولم يعلم ذلك #
وكل واحدة من هذه المقدمات تمنع العلم بثبوت هذه المعاني المناقضة لخبر محمد
فكيف إذا اجتمعت #وهي تمنع العلم بصحتها ولو لم تناقض خبر محمد فكيف إذا
ناقضته #الطريق الثالث طريق من يبين أن ألفاظ هذه الكتب لم تتواتر ويثبتون ذلك
بانقطاع تواتر التوراة لما خرب بيت المقدس وانقطاع تواتر النجيل في أول المر
#الطريق الرابع طريق من يبين أن بعض ألفاظ الكتب حرفت
ويقيم الدلة الشرعية والعقلية على تبديل بعض ألفاظها #الطريق الخامس أن يبين
أن اللفاظ التي بأيديهم ل تناقض ما أخبر به محمد بل تدل على صدق محمد ويتكلم
على تفسير تلك اللفاظ بأعيانها #وهذه الطريق يسلكها من ل ينازع في ثبوت
اللفاظ من المسلمين #وأما الجمهور الذين يقولون بتبديل هذه اللفاظ فيسلكون هذه
الطريق ويسلكون ايضا بيان عدم تواتر اللفاظ بل بيان التبديل في الفاظها
فصل #ومن حجة الجمهور الذين يمنعون أن تكون جميع ألفاظ هذه الكتب
المتقدمة الموجودة عند أهل الكتاب منزلة من عند ال لم يقع فيها تبديل ويقولون إنه
وقع التبديل في بعض ألفاظها ويقولون إنه لم يعلم أن ألفاظها منزلة من عند ال فل
يجوز أن يحتج بما فيها من اللفاظ في معارضة ما علم ثبوته أنهم قالوا التوراة
والنجيل الموجودة اليوم بيد أهل الكتاب لم تتواتر عن موسى وعيسى عليهما السلم
أما التوراة فإن نقلها انقطع لما خرب بيت المقدس أول وأجلى منه بنو إسرائيل ثم
ذكروا أن الذي أملها عليهم بعد ذلك شخص واحد يقال له عزرا وزعموا أنه نبي
ومن الناس من يقول إنه لم يكن نبيا وإنها قوبلت بنسخة وجدت عتيقة #وقد قيل #
إنه أحضرت نسخة كانت بالمغرب وهذا كله ل يوجب تواتر جميع ألفاظها ول يمنع
وقوع الغلط في بعضها كما يجري مثل ذلك في الكتب التي يلي نسخها ومقابلتها
وحفظها القليل الثنان والثلثة
194
www.anassim.fr.st 195 الن سي ــــ ـــ ـم
وأما النجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلم ول #
أمله على من كتبه وإنما أملوه بعد رفع المسيح متى و يوحنا وكانا قد صحبا المسيح
ولم يحفظه خلق كثير يبلغون عدد التواتر و مرقس و لوقا وهما لم يريا المسيح عليه
السلم وقد ذكر هؤلء أنهم ذكروا بعض ما قاله المسيح وبعض أخباره وأنهم لم
يستوعبوا ذكر أقواله وأفعاله #ونقل اثنين وثلثة وأربعة يجوز عليه الغلط ل سيما
وقد غلطوا في المسيح نفسه حتى اشتبه عليهم بالمصلوب ولكن النصارى يزعمون
أن الحواريين رسل ال مثل عيسى بن مريم وموسى عليهما السلم وأنهم
معصومون وأنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل وأن لهم معجزات وقالوا لهم هذه
التوراة وهذا النجيل ويقرون مع هذا بأنهم ليسوا بأنبياء فإذا لم يكونوا أنبياء فمن
ليس بنبي ليس بمعصوم من الخطأ ولو كان من أعظم أولياء ال ولو كان له خوارق
عادات فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من أفاضل الصحابة عند المسلمين
أفضل من الحواريين ول معصوم عندهم إل من كان نبيا #ودعوى أنهم رسل ال
مع كونهم ليسوا بأنبياء تناقض وكونهم رسل ال هو مبني على كون المسيح هو ال
فإنهم رسل المسيح وهذا
الصل باطل ولكن في طريق المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن نمنعهم في هذا
المقام ونطالبهم بالدليل على أنهم رسل ال وليس لهم على ذلك دليل فإنه ل يثبت
أنهم رسل ال إن لم يثبت أن المسيح هو ال وإثباتهم أن المسيح هو ال إما أن يكون
بالعقل أو بالسمع والعقل ل يثبت ذلك بل يحيله وهم ل يدعون ثبوت ذلك بالعقل #
بل غاية ما يدعون إثبات إمكانه بالعقل ل إثبات وجوده مع أن ذلك أيضا باطل وإنما
يدعون ثبوت وجوده بالسمع وهو ما ينقلونه عن النبياء من ألفاظ يدعون ثبوتها عن
النبياء ودللتها على أن المسيح هو ال كسائر من يحتج بالحجة السمعية فإن عامة
بيان صحة السناد دون بيان دللة المتن وكل المقدمتين باطلة #ولكن يقال لهم في
هذا المقام أنتم ل يمكنكم إثبات كون المسيح هو ال إل بهذه الكتب ول يمكنكم
تصحيح هذه الكتب إل بإثبات أن الحواريين رسل ال معصومون ول يمكنكم إثبات
أنهم رسل ال إل بإثبات أن المسيح هو ال فصار ذلك دورا ممتنعا
فإنه ل تعلم إلهية المسيح إل بثبوت هذه الكتب ول تثبت هذه الكتب إل بثبوت أنهم #
رسل ال ول يثبت ذلك إل بثبوت أنه ال فصار ثبوت اللهية متوقفا على ثبوت
إلهيته وثبوت كونهم رسل ال متوقفا على كونهم رسل ال فصار ذلك دورا ممتنعا
#قد يدعون عصمة الحواريين وعصمة أهل المجامع بعد الحواريين كأهل المجمع
الول الذي كان بحضرة قسطنطين الذي حضره ثلثمائة وثمانية عشر ووضعوا لهم
المانة التي هي عقيدة النصارى التي ل يصح لهم قربان إل بها فيزعمون أن
الحواريين
أو هؤلء جرت علي أيديهم خوارق وقد يذكرون أن منهم من جرى إحياء الموتى
195
www.anassim.fr.st 196 الن سي ــــ ـــ ـم
على يديه وهذا إذا كان صحيحا مع ان صاحبه لم يذكر أنه نبي ل يدل على عصمته
فإن أولياء ال من الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان وسائر أولياء ال من هذه المة
وغيرها لهم من خوارق العادات ما يطول وصفه وليس فيهم معصوم يجب قبول كل
ما يقول بل يجوز الغلط على كل واحد منهم وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل
النبياء عليهم السلم #ولهذا أوجب ال اليمان بما أوتيه النبياء ولم يجب اليمان
بكل ما يقوله كل ولي ل #قال تعالى ^ #قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل
إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما
أوتي النبيون من ربهم ^ #وقال تعالى ^ #ولكن البر من ىمن بال واليوم الخر
والملئكة والكتاب والنبيين ^ #ولهذا وجب اليمان بالنبياء جميعهم وما أوتوه
كلهم #ومن كذب نبيا واحدا تعلم نبوته فهو كافر باتفاق المسلمين ومن سبه وجب
قتله كذلك بخلف من ليس بنبي فإنه ل يكفر أحد بمخالفته ول يقتل بمجرد سبه إل
أن يقترن بالسب ما يكون مبيحا للدم #والذي عليه سلف المة كالصحابة والتابعين
لهم بإحسان وأئمة الدين وجماهير المسلمين أن أفضل هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم
عمر وليس بعد النبياء أفضل منهما وهذه المة أفضل المم وقد ثبت في
الصحيحين عن النبي أنه قال قد كان قبلكم في المم محدثون فإن يكن في أمتي أحد
فعمر والمحدث الملهم المخاطب
وكان عمر قد جعل ال الحق على قلبه ولسانه وما كان يقول لشيء إني لراه كذا #
وكذا إل كان كما يقول وكانت السكينة تنطق على لسانه ومع هذا فلم يكن ل هو ول
غيره ممن ليس بنبي معصوما من الغلط ول يجب على المسلم قبول ما يقوله إن لم
يدل عليه الكتاب والسنة ول كان يجوز له العمل بما يلقى في قلبه إن لم يعرضه
على الكتاب والسنة فإن وافق ذلك قبله وإن خالف ذلك رده #وعند المسلمين أنه
ليس في أتباع المسيح عليه السلم مثل أبي بكر وعمر رضوان ال عليهما فإذا قالوا
عن الحواريين أنهم ليسوا معصومين فهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من
الحواريين كما أنهم إذا قالوا عن المسيح أنه عبد مخلوق ليس بإله فهم يقولون ذلك
فيمن هو عندهم أفضل من المسيح كمحمد وإبراهيم عليهما أفضل الصلة والسلم #
وفي الملحدة المنتسبين إلى المة من فيه بدع من الغلو يشبه غلو النصارى كمن
يدعي اللهية
كالحاكم وغيره ويدعي اللهية في علي بن أبي طالب أو غيره كدعوى النصيرية
وهؤلء كفار عند المسلمين #وكذلك من يدعي اللهية في بعض المشايخ كغلة
العدوية والحلجية واليونسية وغيرهم وكذلك من يدعي عصمة بني عبيد او عصمة
الثني عشر أو عصمة بعض المشايخ #فإن النصارى يدعون عصمة الحواريين
الثني عشر وهؤلء يدعون عصمة الئمة الثني عشر
196
www.anassim.fr.st 197 الن سي ــــ ـــ ـم
وهؤلء يسندون أصل دينهم إلى قول الحواريين المعصومين عندهم ويقولون أنهم #
معصومون في النقل عن المسيح وفي الفتيا وإن ما قالوه فقد قاله المسيح عليه
الصلة والسلم #وهؤلء يقولون عن أولئك إنهم معصومون في النقل والفتيا وإن
ما قالوه فقد قاله الرسول عليه الصلة والسلم وهذا مبسوط في موضع آخر #
والمقصود هنا أنه ليس مع النصارى نقل متواتر عن المسيح بألفاظ هذه الناجيل ول
نقل ل متواتر ول آحاد بأكثر ما هم عليه من الشرائع ول عندهم ول عند اليهود نقل
متواتر بألفاظ التوراة ونبوات
النبياء كما عند المسلمين نقل متواتر بالقرآن وبالشرائع الظاهرة المعروفة للعامة
والخاصة وهذا مثل المانة التي هي أصل دينهم وصلتهم إلى المشرق وإحلل
الخنزير وترك الختان وتعظيم الصليب واتخاد الصور في الكنائس وغير ذلك من
شرائعهم ليست منقولة عن المسيح ول لها ذكر في الناجيل التي ينقلونها عنه وهم
متفقون على أن المانة التي جعلوها اصل دينهم وأساس إعتقادهم ليست ألفاظها
موجودة في الناجيل ول هي مأثورة عن الحواريين وهم متفقون على أن الذين
وضعوها أهل المجمع الول الذين كانوا عند قسطنطين الذي حضره ثلثمائة
وثمانية عشر وخالفوا عبد ال بن أريوس الذي جعل المسيح عبدا ل كما يقول
المسلمون ووضعوا هذه المانة #وهذا المجمع كان بعد المسيح بمدة طويلة تزيد
على ثلثمائة سنة وبسط هذا له موضع آخر وإنما المقصود هنا الجواب عن قولهم
إن محمدا ثبت ما معهم وأنه نفى عن إنجيلهم وكتبهم التي بأيديهم التهم والتبديل لها
والتغيير لما فيها بتصديقه إياها
وقد تبين ان محمدا لم يصدق شيئا من دينهم المبدل والمنسوخ ولكن صدق #
النبياء قبله وما جاؤوا به وأثنى على من اتبعهم ل على من خالفهم أو كذب نبيا من
النبياء وإن كفر النصارى من جنس كفر اليهود فإن اليهود بدلوا معاني الكتاب
الول وكذبوا بالكتاب الثاني وهو النجيل وكذلك النصارى بدلوا معاني الكتاب
الول التوراة والنجيل وكذبوا بالكتاب الثاني وهو القرآن وأنهم ادعوا أن محمدا
صدق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم #فجمهور المسلمين يمنعون هذا ويقولون إن
بعض ألفاظها بدل كما قد بدل كثير من معانيها ومن المسلمين من يقول التبديل إنما
وقع في معانيها ل في ألفاظها وهذا القول يقر به عامة اليهود والنصارى #وعلى
القولين فل حجة لهم في تصديق محمد لما هم عليه من الدين الباطل فإن الكتب
اللهية التي بأيديهم ل تدل على صحة ما كفرهم به محمد وأمته مثل التثليث
والتحاد والحلول وتغيير شريعة المسيح وتكذيب محمد فليس في الكتب التي بأيديهم
ما يدل ل نصا ول ظاهرا على المانة التي هي أصل دينهم وما في ذلك من التثليث
والتحاد والحلول ول فيها ما يدل على أكثر شرائعهم
كالصلة إلى الشرق واستحلل المحرمات من الخنزير والميتة ونحو ذلك كما قد
197
www.anassim.fr.st 198 الن سي ــــ ـــ ـم
بسط في موضع آخر #ويقال لهم أين ما معكم عن محمد مما يدل على أن ألفاظ
الكتب التي بأيديكم لم يغير فيها شيء ومعلوم أن المسلمين وغيرهم إذا إختلفوا لم
يكن قول فريق حجة على الفريق الخر #فإذا كان المسلمون قد إختلفوا في تبديل
بعض ألفاظ الكتب المتقدمة لم يكن قول فريق حجة على الخرى ول يجوز لحد
من المسلمين ول منكم أن يضيف إلى الرسول قول إل بدليل #فأين في القرآن
والسنة الثابتة عن محمد أن جميع ما بأيدي أهل الكتاب من التوراة والنجيل
والزبور ونبوات النبياء لم تبدل بشيء من ألفاظها حتى يقولوا إن محمدا نفى عن
كتبهم ذلك #وهؤلء بنوا كلمهم على أن ألفاظ كتبهم تدل على صحة دينهم الذي
هم عليه بعد مبعث محمد وبعد تكذيبهم لمحمد وأنه لم يبدل شيء من ألفاظها
وقد تبين فساد ذلك من وجوه متعددة #ثم زعموا أن المسلمين يدعون أن ألفاظ #
هذه الكتب حرفت كلها بجميع لغاتها بعد مبعث محمد وهذا القول لم يقله أحد من
المسلمين فيما أعلم وظنوا أنهم بالجواب عن هذا يكونون قد أجابوا المسلمين
فصل #فقال الحاكي عنهم فقلت لهم إن قال قائل إن التبديل والتغيير يجوز أن
يكون بعد هذا القول فقالوا إنا نعجب من هؤلء القوم على علمهم وذكائهم ومعرفتهم
كيف يحتجون علينا بمثل هذا القول وذلك أنا أيضا إذا إحتججنا عليهم بمثل هذا
القول وقلنا إن الكتاب الذي في أيديهم يومنا هذا قد غيروه وبدلوه وكتبوا فيه ما
أرادوا واشتهوا هل كانوا يجوزون كلمنا قال الحاكي عنهم فقلت لهم هذا مما ل
يجوز ول يمكن أحدا أن يقوله ول يمكن أن يتغير منه إلى آخر الفصل وسيأتي
بألفاظ بعد هذا #والجواب أن هذا السائل النصراني الذي ذكر عن المسلمين سؤال
ل يقولونه وعن علماء النصارى جوابه هو وهم بنوا كلمهم على أصلين فاسدين #
أحدهما أن الرسول ثبت ما معهم ونفى عن كتبهم التي بين أيديهم التهم والتبديل
والتغيير لها ومقصودهم بذلك ل يتم إل إذا نفى التبديل عن لفظها ومعناها وهذا مما
يعلم كل عاقل أن الرسول لم ينفه عنها بل النقل المتواتر عنه بنقيض ذلك وهم أيضا
وكل عاقل
مجمع يلعنون طائفة منهم كبيرة ويكفرونهم ويقولون عنهم إنهم كذبوا ببعض ما في
198
www.anassim.fr.st 199 الن سي ــــ ـــ ـم
تلك الكتب ولم يوجبوا طاعة بعض أمرها وتلك الطائفة تشهد على الخرى بأنها
كذبت ببعض ما فيها ثم فرقهم الثلثة المشهورة النسطورية والملكية واليعقوبية كل
طائفة تكفر الخرى وتلعنها وتشهد عليها أنها مكذبة ببعض ما في النبوات غير
موجبة لطاعة بعض ما فيها بل اختلفهم في نفس التوحيد والرسالة فزعم كل فريق
منهم أن المسيح جاء بما هم عليه والمسيح عليه السلم وجميع الرسل بريئون من
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وبريئون ممن يقول على ال غير الحق أو يقول على
ال ما ل يعلم وبريئون من كل قول باطل يقال على ال عز وجل وإن كان قائله
مخطئا لم يتعمد الكذب #وفي مقالت النصارى من هذه النواع ما يطول وصفه
وقد بسط في غير هذا الموضع
وإذا عرفت أن جميع الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى يشهدون أنه قد #
وقع في هذه الكتب تحريف وتبديل في معانيها وتفاسيرها وشرائعها فهذا القدر كاف
وهم من حين بعث محمد صار كل من لم يؤمن به كافرا بخلف حال النصارى قبل
مبعث محمد فإنه كان فيهم من هو متبع لدين المسيح والمسلمون وإن كان فيهم من
حرف الدين وبدله فجمهورهم خالفوا هؤلء فل يزال فيهم طائفة ظاهرة على الحق
ل يضرهم من خالفهم وخذلهم حتى تقوم الساعة بخلف النصارى فإنهم كفروا
جميعهم كما كفرت اليهود بتكذيب المسيح #والمسلمون يثبتون بالدلئل الكثيرة أنهم
بدلوا معاني التوراة والنجيل والزبور وغيرهم من نبوات النبياء وابتدعوا شرعا لم
يأت به المسيح ول غيره ول يقول عاقل مثل زعمهم أن جميع بني آدم من النبياء
والرسل وغيرهم كانوا في الجحيم في حبس الشيطان لجل أن أباهم آدم أكل من
الشجرة وأنهم إنما تخلصوا من ذلك لما صلب المسيح
فإن هذا الكلم لو نقله ناقل عن بعض النبياء لقطعنا بكذبه عليهم فكيف وهذا #
الكلم ليس منقول عندهم عن أحد من النبياء وإنما ينقلونه عمن ليس قوله حجة
لزمة فإن كثيرا من دينهم مأخوذ عن رؤوسهم الذين ليسوا بأنبياء #فإذا قطعنا
بكذب من ينقله عن النبياء فكيف إذا لم ينقله عنهم وذلك أن النبياء عليهم السلم
يخبرون الناس بما تقصر عقولهم عن معرفته ل بما يعرفون أنه باطل ممتنع
فيخبرونهم
بمحيرات العقول ل محالت العقول وآدم عليه السلم وإن كان أكل من الشجرة فقد
تاب ال عليه واجتباه وهداه #قال تعالى ^ #وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه
فتاب عليه وهدى ^ #وقال تعالى ^ #فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو
التواب الرحيم ^ #وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفي توبته وإنما قد يقول
قائلهم إنا ل نعلم أنه تاب أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشيء ليس علما بعدمه
وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب ال ل ينفي أن يكون في كتاب آخر ففي
التوراة ما ليس في النجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي النجيل والزبور ما ليس
في التوراة وفي سائر النبوات ما ل يوجد في هذه الكتب والقرآن لو كان دون
199
www.anassim.fr.st 200 الن سي ــــ ـــ ـم
التوراة والنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لمكن أن يكون فيه ما ليس فيها
فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والنجيل وقد بين
ال تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى ^ #ال نزل أحسن الحديث
^ كتابا متشابها مثانى تقشعر منه
وقال تعالى ^ #نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينآ إليك هذا القرآن ^ #
#وقال تعالى ^ #وأنزلنآ إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب
ومهيمنا عليه ^ #وسواء تاب آدم أو لم يتب فكيف يجوز أن يكون رسل ال الذين
هم أفضل منه محبوسين في حبس الشيطان في جهنم بذنبه وإبراهيم خليل الرحمن
كان أبوه كافرا ولم يؤاخذه ال بذنبه فكيف يجعله في جهنم في حبس الشيطان بسبب
ذنب أبيه القصى آدم مع أنه كان نبيا ونوح عليه السلم قد مكث في قومه ألف سنة
إل خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة ال وحده وأغرق ال أهل الرض بدعوته وجعل
ذريته هم الباقين فكيف يكون في جهنم في حبس الشيطان لجل ذنب آدم #وموسى
بن عمران الذي كلمه ال تكليما وأظهر على يديه من البراهين واليات ما لم يظهر
مثله على يدي المسيح وقتل نفسا لم يؤمر بقتلها فغفر ال له ذلك وله من المنزلة عند
ال والكرامة ما ل يقدر قدره فكيف يكون في جهنم في حبس الشيطان #ثم أي
مناسبة بين الصلب الذي هو من أعظم الذنوب سواء
صلبوا المسيح أو المشبه به وبين تخليص هؤلء من الشيطان فإن الشيطان إن فعل
ذلك بالذرية كان ظالما معتديا وال عز وجل قادر على منعه من ظلمهم بل وعلى
عقوبته إذا لم ينته عن ظلمهم #فلماذا أخر منعه من ظلمهم إلى زمن المسيح وهو
سبحانه ولي المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم وهم رسله الذين نصرهم على من عاداهم
بل أهلك أعداءهم الذين هم جند الشيطان فكيف ل يمنع الشيطان بعد موتهم أن
يظلمهم ويجعل أرواحهم في جهنم هذا إن قدر أن الشيطان كان قادرا على ذلك
وكيف يجوز أن يجعل الشيطان بعد موت أنبيائه وأوليائه وسقوط التكليف عنهم
واستحقاقهم كرامته وإحسانه وجنته بحكم وعده ومقتضى حكمته فجعله مسلطا على
حبسهم في جهنم #وإن قالوا الرب عز وجل ما كان يقدر على تخليصهم من
الشيطان مع علمه بأنه ظالم معتد عليهم بعد الموت إل بأن يحتال عليه بإخفاء نفسه
ليتمكن الشيطان منه كما يزعمون فهذا مع ما فيه من الكفر العظيم وجعل الرب
سبحانه عاجزا كما جعلوه أول ظالما فيه من التناقض ما يقتضي عظيم جهلهم الذي
جعلوا به الرب جاهل فإنهم يقولون إنه إحتال على الشيطان ليأخذه بعدل كما إحتال
الشيطان على آدم بالحية فاختفى منه لئل يعلم أنه ناسوت الله
وناسوت الله لم يعمل خطيئة قط بخلف غيره #فلما أراد الشيطان أخذ روحه
ليحبسه في جهنم كسائر من مضى وهو لم يعمل خطيئة استحق الشيطان أن يأخذه
الرب ويخلص الذرية من حبسه #وهذا تجهيل منهم للرب سبحانه وتعالى عما
يقولون مع تعجيزه وتظليمه فإنه إن كان هو سلط الشيطان على بني آدم كما يقولون
200
www.anassim.fr.st 201 الن سي ــــ ـــ ـم
فل فرق بين ناسوت المسيح وغيره إذ الجميع بني آدم وأيضا فإذا قدر أن الناسوت
يدفع الشيطان عن نفسه بحق فإنهم يقولون إنه دخل الجحيم وأخرج منه ذرية آدم #
فيقال إن كان تسلط الشيطان على حبسهم في الجحيم بحق لجل ذنوبهم مع ذنب
أبيهم لم يجز إخراجهم لجل سلمة ناسوت المسيح من الذنب وإن كانوا مظلومين
مع الشيطان وجب تخليصهم قبل صلب الناسوت ولم يجز تأخير ذلك فليس في
مجرد سلمة المسيح من الذنوب ما يوجب سلمة غيره وإن قالوا انه كان بدون
تسلطه على صلبه عاجزا عن دفعه فهو مع تسلطه على صلبه أعجز وأعجز #
الصل الثاني الفاسد الذي بنوا عليه سؤالهم الذي جعلوه من جهة المسلمين وجوابهم
ظنهم أن المسلمين يقولون إن هذه الكتب حرفت ألفاظ جميع النسخ الموجودة منها
بعد مبعث محمد
وهذا مما ل يقوله المسلمون ولكن قد يقول بعضهم إنه حرف بعد مبعث محمد #
ألفاظ بعض النسخ فإن الجمهور الذين يقولون إن بعض ألفاظها حرفت منهم من
يقول كان هذا قبل المبعث #ومنهم من يقول كان بعده ومنهم من يثبت المرين أو
يجوزهما ولكن ل يقول إنه حرفت ألفاظ جميع النسخ الموجودة في مشارق الرض
ومغاربها كما حكاه هذا الحاكي عنهم ولكن علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب
متفقون على وقوع التحريف في المعاني والتفسير #وإن كانت كل طائفة تزعم أن
الخرى هي التي حرفت المعاني #وأما ألفاظ الكتب فقد ذهبت طائفة من علماء
المسلمين إلى أن ألفاظها لم تبدل كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكتاب #وذهب
كثير من علماء المسلمين وأهل الكتاب إلى أنه بدل بعض ألفاظها #وهذا مشهور
عند كثير من علماء المسلمين وقاله ايضا كثير من علماء اهل الكتاب #حتى في
صلب المسيح ذهبت طائفة من النصارى إلى أنه إنما
صلب الذي شبه بالمسيح كما اخبر به القرآن وإن الذين أخبروا بصلبه كانوا قد
أخبروا بظاهر المر فإنه لما ألقى شبهه على المصلوب ظنوا أنه هو المسيح أو
تعمدوا الكذب ثم هؤلء منهم الذين يقولون إن في ألفاظ الكتب ما هو مبدل #وفيهم
من يجعل المبدل من التوراة والنجيل كثيرا منهما وربما جعل بعضهم المبدل
أكثرهما ل سيما النجيل فإن الطعن فيه أكثر وأظهر منه في التوراة #ومن هؤلء
من يسرف حتى يقول أنه ل حرمة لشيء منهما بل يجوز الستنجاء بهما #ومنهم
من يقول الذي ب
دلت ألفاظه قليل منهما وهذا أظهر #والتبديل في النجيل أظهر بل كثير من الناس
يقول هذه الناجيل ليس فيها من كلم ال إل القليل #والنجيل الذي هو كلم ال
ليس هو هذه الناجيل
والصحيح أن هذه التوراة الذي بأيدي اهل الكتاب فيها ما هو حكم ال وإن كان قد #
بدل وغير بعض ألفاظهما كقوله تعالى ^ #ياأيها الرسول ل يحزنك الذين
يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا
201
www.anassim.fr.st 202 الن سي ــــ ـــ ـم
الى قوله ^ #وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ^ #فعلم أن التوراة #
التي كانت موجودة بعد خراب بيت المقدس وبعد مجيء بختنصر وبعد مبعث
المسيح وبعد مبعث محمد فيها حكم ال #والتوراة التي كانت عند يهود المدينة على
عهد رسول ال وإن قيل أنه غير بعض ألفاظها بعد مبعثه فل نشهد على كل نسخة
في العالم بمثل ذلك فإن هذا غير معلوم لنا وهو أيضا متعذر بل يمكن تغيير كثير
من النسخ وإشاعة ذلك عند التباع حتى ل يوجد عند كثير من الناس إل ما غير بعد
ذلك ومع هذا فكثير من نسخ التوراة والنجيل متفقة في الغالب إنما تختلف في
اليسير من ألفاظها فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن ل يمكن
أحد أن يجزم بنفيه ول يقدر أحد من اليهود والنصارى أن يشهد بأن كل نسخة في
العالم بالكاتبين متفقة اللفاظ إذ هذا ل سبيل لحد إلى علمه والختلف اليسير في
ألفاظ هذه الكتب
موجود في الكثير من النسخ كما قد تختلف نسخ بعض كتب الحديث أو تبدل بعض
ألفاظ بعض النسخ وهذا خلف القرآن المجيد الذي حفظت ألفاظه في الصدور بالنقل
المتواتر ل يحتاج أن يحفظ في كتاب كما قال تعالى ^ #إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون ^ #وذلك أن اليهود قبل النبي وعلى عهده وبعده منتشرون في مشارق
الرض ومغاربها وعندهم نسخ كثيرة من التوراة #وكذلك النصارى عندهم نسخ
كثيرة من التوراة ولم يتمكن أحد من جمع هذه النسخ وتبديلها ولو كان ذلك ممكنا
لكان هذا من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها وكذلك في النجيل قال
تعالى ^ #وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ #فعلم أن في هذا النجيل حكما
أنزله ال تعالى لكن
الحكم هو من باب المر والنهي وذلك ل يمنع أن يكون التغيير في باب الخبار
وهو الذي وقع فيه التبديل لفظا وأما الحكام التي في التوراة فما يكاد أحد يدعي
التبديل في ألفاظها #وقد ذكر طائفة من العلماء ان قوله تعالى في النجيل ^
وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ هو خطاب لمن كان على دين المسيح قبل
النسخ والتبديل ل الموجودين بعد مبعث محمد #وهذا القول يناسب مناسبة ظاهرة
لقراءة من قرأ ^ وليحكم أهل النجيل ^ بكسر اللم كقراءة حمزة فإن هذه لم كي
فإنه تعالى قال ^ #وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من
التوراة وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى
وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم بما أنزل ال
^ فأولئك هم الفاسقون
فإذا قرىء وليحكم كان المعنى وأتيناه النجيل لكذا وكذا وليحكم أهل النجيل بما #
أنزل ال فيه وهذا يوجب الحكم بما أنزل ال في النجيل الحق ل يدل على أن
202
www.anassim.fr.st 203 الن سي ــــ ـــ ـم
مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن
تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي
ولهم في الخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم
بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم
بالقسط إن ال يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم
يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها
النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال
وكانوا عليه شهداء فل تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم
يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين
بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به
فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم
بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه النجيل ^ #فهذا قد صرح
بأن أولئك الذين تحاكموا إلى النبي من اليهود عندهم التوراة فيها حكم ال ثم تولوا
عن حكم ال وقال بعد ذلك ^ وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ وهذه لم
المر وهو أمر من ال أنزله على لسان محمد وأمر من مات قبل هذا الخطاب ممتنع
وإنما يكون المر أمرا لمن آمن
به من بعد خطاب ال لعباده بالمر فعلم أنه أمر لمن كان موجودا حينئذ أن يحكموا
بما أنزل ال في النجيل وال أنزل في النجيل المر باتباع محمد كما أمر به في
التوراة فليحكموا بما أنزل ال في النجيل مما لم ينسخه محمد كما أمر أهل التوراة
أن يحكموا بما أنزله مما لم ينسخه المسيح وما نسخه فقد أمروا فيها باتباع المسيح
وقد أمروا في النجيل باتباع محمد فمن حكم من أهل الكتاب بعد مبعث محمد بما
أنزل ال في التوراة والنجيل لم يحكم بما يخالف حكم محمد إذ كانوا مأمورين في
التوراة والنجيل باتباع محمد كما قال تعالى ^ #الذين يتبعون الرسول النبي المي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^ #وقال تعالى ^ #وأنزلنا إليك
الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل ال
^ ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق
فجعل القرآن مهيمنا والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن فهو يحكم بما فيها مما لم #
203
www.anassim.fr.st 204 الن سي ــــ ـــ ـم
ينسخه ال ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يبدل ولهذا قال ^ #لكل جعلنا منكم شرعة
ومنهاجا ^ #وقد ثبت في الصحاح والسنن والمساند هذا في الصحيحين عن عبدال
بن عمر رضي ال عنهما أنه قال إن اليهود جاءوا إلى رسول ال فذكروا له أن
امرأة منهم ورجل زنيا فقال لهم رسول ال ما تجدون في التوراة في شأن الرجم
قالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبدال بن سلم كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوارة
فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبدال بن
سلم ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فأمر بهما النبي
فرجما
وأخرج البخاري عن عبدال بن عمر أنه قال أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم #
بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من
زنى قالوا نسود وجوههما ويطاف بهما قال ^ فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين
^ قال فجاءوا بها فقرأوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على
آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال عبدال بن سلم وهو مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم قالوا صدق فيها آية
الرجم ولكننا نتكاتمه بيننا وأن أحبارنا أحدثوا التحميم والتجبية فأمر رسول ال صلى
ال عليه وسلم برجمهما فرجما #وأخرج مسلم عن البراء بن عازب رضي ال عنه
أنه قال مر على رسول ال صلى ال عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال
هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم فدعى رجل من علمائهم فقال أنشدك ال
الذي أنزل التوراة على
موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال ل ولول أنك نشدتني بهذا لم أخبرك
نجد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف
أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا
التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم إني أول من
أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل ال تعالى ^ يأيها الرسول ل يحزنك الذين
يسرعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ^ #إلى قوله ^ فأولئك هم
الكافرون إلى الظالمون إلى الفاسقون ^ #قال هي في الكفار كلها #وفي صحيح
مسلم عن جابر بن عبدال رضي ال عنه أنه قال رجم النبي صلى ال عليه وسلم
رجل من أسلم ورجل
من اليهود #وأما السنن ففي سنن أبي داود عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي
ال عنهما أنه قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى
القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا يا أبا القاسم إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم
بينهم فوضعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال أئتوني
التوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبمن
أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بشاب ثم ذكر قصة الرجم
204
www.anassim.fr.st 205 الن سي ــــ ـــ ـم
وأخرج أيضا أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه قال زنى رجل #
من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث
بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند ال فقلنا نبي من
أنبيائك قالوا فأتوا بالنبي صلى ال عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه
فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت
مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بال الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون
في التوراة على من زنى إذا أحصن #قالوا نحممه ونجبيه ونجلده والتجبية أن
يحمل الزانيان على حمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما
رآه النبي صلى ال عليه وسلم ساكتا أنشده فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة
الرجم فقال النبي صلى ال عليه وسلم فما أول ما ارتخصتم أمر ال قال زنى ذو
قرابة ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل في أسرة من الناس
فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا ل يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه
فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم قال النبي فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما
#قال الزهري فبلغنا أن هذه الية نزلت فيهم ^ #إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور
يحكم بها النبيون الذين أسلموا ^ #فكان النبي منهم #وأيضا فقد تحاكموا إليه في
القود الذي كان بين بني قريظة والنضير وكان النضير أشرف من قريظة فكان إذا
قتل بعض إحدى القبيلتين قتيل من الخرى فيقتلونه ولم يضعفوا الدية وإذا قتل من
القبيلة الشريفة قتلوا به وأضعفوا الدية #قال أبو داود سليمان بن الشعث في سننه
حدثنا محمد بن
وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ^ #والقسط النفس بالنفس ثم نزلت ^ #أفحكم ^ #
الجاهلية يبغون ^ #قال أبو داود قريظة والنضير من ولد هارون #وبسط هذا له
موضع آخر وعلى كل قول فقد أخبر ال عز وجل أن في التوراة الموجودة بعد
المسيح عليه السلم حكم ال وأن أهل الكتاب اليهود تركوا حكم ال الذي في التوراة
مع كفرهم بالمسيح وهذا ذم من ال لهم على ما تركوه من حكمه الذي جاء به
الكتاب الول ولم ينسخه الرسول الثاني #وهذا من التبديل الثاني الذي ذموا عليه
ودل ذلك على أن في التوراة الموجودة بعد مبعث المسيح حكما أنزله ال أمروا أن
يحكموا به وهكذا يمكن أن يقال في النجيل
205
www.anassim.fr.st 206 الن سي ــــ ـــ ـم
ومعلوم أن الحكم الذي أمروا أن يحكموا به من أحكام التوراة ولم ينسخه النجيل #
ول القرآن فكذلك ما أمروا أن يحكموا به من أحكام النجيل هو مما لم ينسخه القرآن
وذلك أن الدين الجامع أن يعبد ال وحده ويأمر بما أمر ال به ويحكم بما أنزله ال
في أي كتاب أنزله ولم ينسخه فإنه يحكم به #ولهذا كان مذهب جماهير السلف
والئمة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلفه ومن حكم بالشرع
المنسوخ فلم يحكم
بما أنزل ال كما أن ال أمر أمة محمد أن يحكموا بما أنزل ال في القرآن وفيه
الناسخ والمنسوخ فهكذا القول في جنس الكتب المنزلة #قال تعالى ^ #وأنزلنا
إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما
أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو
شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى ال
مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد
ال أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون
ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى
أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم
الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا
دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم
نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيمانهم
إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن
دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علىالمؤمنين أعزة على الكافرين
يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال
واسع عليم إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون ^ #
فقد أمر نبيه محمدا أن يحكم بما أنزل ال إليه وحذره اتباع أهوائهم وبين أن
المخالف لحكمه هو حكم الجاهلية حيث قال تعالى ^ #أفحكم الجاهلية يبغون ومن
أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ^ #وأخبره تعالى أنه جعل لكل من أهل التوراة
والنجيل والقرآن شرعة ومنهاجا وأمره تعالى بالحكم بما أنزل ال أمر عام لهل
التوراة والنجيل والقرآن ليس لحد في وقت من الوقات أن يحكم بغير ما أنزل ال
والذي أنزله ال هو دين واحد اتفقت عليه الكتب والرسل وهم متفقون في أصول
الدين وقواعد الشريعة وإن تنوعوا في الشرعة والمنهاج بين ناسخ ومنسوخ فهو
شبيه بتنوع حال الكتاب الواحد فإن المسلمين كانوا أول مأمورين بالصلة لبيت
المقدس ثم أمروا أن يصلوا إلى المسجد الحرام وفي كل المرين إنما اتبعوا ما أنزل
ال عز وجل
206
www.anassim.fr.st 207 الن سي ــــ ـــ ـم
وكذلك موسى عليه السلم كان مأمورا بالسبت محرما عليه ما حرمه ال في #
التوراة وهو متبع ما أنزله ال عز وجل والمسيح أحل بعض ما حرمه ال في
التوراة وهو متبع ما أنزل ال عز وجل فليس في أمر ال لهل التوراة والنجيل أن
يحكموا بما أنزل ال أمر بما نسخ كما أنه ليس في أمر أهل القرآن أن يحكموا بما
أنزل ال أمر بما نسخ بل إذا كان ناسخ ومنسوخ فالذي انزل ال هو الحكم بالناسخ
دون المنسوخ فمن حكم بالمنسوخ فقد حكم بغير ما أنزل ال عز وجل ومما يوضح
هذا قوله تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل
وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا
فل تأس على القوم الكافرين ^ #فإن هذا يبين أن هذا أمر لمحمد أن يقول لهل
الكتاب الذي بعث إليهم إنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والنجيل وما أنزل
إليهم من ربهم فدل ذلك على أنهم عندهم ما يعلم أنه منزل من ال وأنهم مأمورون
بإقامته إذ كان ذلك مما
قرره محمد ولم ينسخه ومعلوم أن كل ما أمر ال به على لسان نبي ولم ينسخه النبي
الثاني بل أقره كان ال آمرا به على لسان نبي بعد نبي ولم يكن في بعثة الثاني ما
يسقط وجوب اتباع ما أمر به النبي الول وقرره النبي الثاني #ول يجوز أن يقال
إن ال ينسخ بالكتاب الثاني جميع ما شرعه بالكتاب الول وإنما المنسوخ قليل
بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والشرائع #وأيضا ففي التوراة والنجيل ما دل
على نبوة محمد فإذا حكم أهل التوراة والنجيل بما أنزل ال فيهما حكموا بما أوجب
عليهم اتباع محمد #وهذا يدل على أن في التوراة والنجيل ما يعلمون أن ال أنزله
إذ ل يؤمرون أن يحكموا بما أنزل ال ول يعلمون ما أنزل ال والحكم إنما يكون في
المر والنهي والعلم ببعض معاني الكتب ل ينافي عدم العلم ببعضها وهذا متفق
عليه في المعاني فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب اللهية
المر بعبادة ال وحده ل شريك له وأنه أرسل إلى الخلق رسل من البشر وأنه
أوجب العدل وحرم الظلم والفواحش والشرك وأمثال ذلك من الشرائع
الكلية وأن فيها الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب بل هم متفقون على اليمان باليوم
الخر وقد تنازعوا في بعض معانيها واختلفوا في تفسير ذلك كما اختلفت اليهود
والنصارى في المسيح المبشر به النبوات هل هو المسيح بن مريم عليه السلم أو
مسيح آخر ينتظر
207
www.anassim.fr.st 208 الن سي ــــ ـــ ـم
محمد لم يعلم الحق من الباطل فسقط الحتجاج بهما ووجوب العمل بهما على أهل
الكتاب فل يذمون حينئذ على ترك اتباعهما #والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما
فيهما واستشهد بهما في مواضع #وجواب ذلك أن ما وقع من التبديل قليل والكثر
لم يبدل والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة تبين بها المقصود من غلط ما خالفها ولها
شواهد ونظائر متعددة يصدق بعضها بعضا بخلف المبدل فإنه ألفاظ قليلة وسائر
نصوص الكتب يناقضها وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي ص =
فإنه إذا وقع في سنن أبي داود والترمذي أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة كان في
الحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ما يبين ضعف تلك
بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط وفي نفس الحاديث الصحيحة مع #
القرآن ما يبين غلطها مثل ما روي أن ال خلق التربة يوم السبت وجعل خلق
المخلوقات في اليام السبعة فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين
وعبدالرحمن بن
مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس في كلم النبي بل صرح البخاري في
تاريخه الكبير أنه من كلم كعب الحبار كما قد بسط في موضعه والقرآن يدل على
غلط هذا ويبين أن الخلق في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم
الجمعة فيكون أول الخلق يوم الحد #وكذلك ما روي أنه صلى الكسوف
البخاري إل ذلك وضعف الشافعي والبخاري واحمد في أحد الروايتين عنه وغيرهم
حديث الثلث والربع فإن النبي إنما صلى الكسوف مرة واحدة وفي حديث الثلث
والربع أنه صلها يوم مات إبراهيم ابنه وأحاديث الركوعين كانت ذلك اليوم فمثل
هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الحاديث الصحيحة ما يبين أنه غلط والبخاري إذا
روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض اللفاظ ذكر معه الطرق التي تبين
ذلك الغلط كما قد بسطنا الكلم على ذلك في موضعه #فكذلك إذا قيل أنه وقع تبديل
في بعض ألفاظ الكتب المتقدمة كان في الكتب ما يبين لك الغلط وقد قدمنا أن
المسلمين ل يدعون أن كل نسخة في العالم من زمن محمد بكل لسان من التوراة
والنجيل والزبور بدلت ألفاظها فإن هذا ل أعرف
أحدا من السلف قاله وإن كان من المتأخرين من قد يقول ذلك كما في بعض
المتأخرين من يجوز الستنجاء بكل ما في العالم من نسخ التوراة والنجيل فليست
هذه القوال ونحوها من أقوال سلف المة وأئمتها وعمر بن الخطاب رضي ال عنه
208
www.anassim.fr.st 209 الن سي ــــ ـــ ـم
لما رأى بيد كعب الحبار نسخة من التوراة قال يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي
التوراة التي أنزلها ال على موسى بن عمران فاقرأها فعلق المر
على ما يمتنع العلم به ولم يجزم عمر رضي ال عنه بأن ألفاظ تلك مبدلة لما لم
يتأمل كل ما فيها #والقرآن والسنة المتواترة يدلن على أن التوراة والنجيل
الموجودين في زمن النبي فيهما ما أنزله ال عز وجل والجزم بتبديل ذلك في جميع
النسخ التي في العالم متعذر ول حاجة بنا إلى ذكره ول علم لنا بذلك ول يمكن أحدا
من أهل الكتاب أن يدعي أن كل نسخة في العالم بجميع اللسنة من الكتب متفقة على
لفظ واحد فإن هذا مما ل يمكن أحدا من البشر أن يعرفه باختباره وامتحانه وإنما
يعلم مثل هذا بالوحي وإل فل يمكن أحدا
من البشر أن يقابل كل نسخة موجودة في العالم بكل نسخة من جميع اللسنة بالكتب
الربعة والعشرين وقد رأيناها مختلفة في اللفاظ اختلفا بينا والتوراة هي أصح
الكتب وأشهرها عند اليهود والنصارى ومع هذا فنسخة السامرة مخالفة لنسخة
اليهود والنصارى حتى في نفس الكلمات العشر ذكر في نسخة السامرة منها من أمر
استقبال الطور ما ليس في نسخة اليهود والنصارى وهذا مما يبين أن التبديل وقع
في كثير من نسخ هذه الكتب فإن عند السامرة نسخا متعددة
وكذلك رأينا في الزبور نسخا متعددة تخالف بعضها بعضا مخالفة كثيرة في كثير #
من اللفاظ والمعاني يقطع من رآها أن كثيرا منها كذب على زبور داود عليه السلم
وأما الناجيل فالضطراب فيها أعظم منه في التوراة #فإن قيل فإذا كانت الكتب
المتقدمة منسوخة فلماذا ذم أهل الكتاب على ترك الحكم بما أنزل ال منها قيل النسخ
لم يقع إل في قليل من الشرائع وإل فالخبار عن ال وعن اليوم الخر وغير ذلك ل
نسخ فيه #وكذلك الدين الجامع والشرائع الكلية ل نسخ فيها وهو سبحانه ذمهم على
ترك اتباع الكتاب الول لن أهل الكتاب كفروا من وجهين من جهة تبديلهم الكتاب
الول وترك اليمان والعمل ببعضه ومن جهة تكذيبهم بالكتاب الثاني وهو القرآن
كما قال تعالى ^ #وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل ال قالوا نؤمن بما أنزل علينا
ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل إن
كنتم مؤمنين ^ #فبين أنهم كفروا قبل مبعثه بما أنزل عليهم وقتلوا النبياء كما
كفروا حين مبعثه بما أنزل عليه وقال تعالى ^ #الذين قالوا إن ال عهد إلينا أل
نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات
وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ^ #وقال تعالى ^ #فإن كذبوك فقد كذب
رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ #وقال تعالى ^ #فلما
جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي
موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند
ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ^ #وإذا كان المر كذلك فهو سبحانه
209
www.anassim.fr.st 210 الن سي ــــ ـــ ـم
يذمهم على ترك اتباع ما أنزله في التوراة والنجيل وعلى ترك اتباع ما أنزله في
القرآن ويبين كفرهم بالكتاب الول وبالكتاب الثاني وليس في شيء من ذلك أمرهم
أن يحكموا بالمنسوخ من الكتاب الول كما ليس فيه أمرهم أن يحكموا بالمنسوخ في
الكتاب الثاني
فصل #فحينئذ فقولهم إنا نعجب من هؤلء القوم على علمهم وذكائهم ومعرفتهم
كيف يحتجون علينا بمثل هذا القول #وذلك أنا أيضا إذا قلنا واحتججنا عليهم بمثل
هذا القول إن الكتاب الذي بأيديهم يومنا هذا قد غيروه وبدلوه وكتبوا فيه ما أرادوا
واشتهوا هل كانوا يجوزون كلمنا #قال الحاكي عنهم فقلت لهم هذا ما ل يجوز
ول يمكن لحد أن يقوله ول يمكن تغييره ول تبديل حرف واحد منه
فقالوا سبحان ال العظيم إذا كان الكتاب الذي لهم الذي هو باللسان الواحد ل يمكن #
تبديله ول تغيير حرف واحد منه فكيف يمكن تغيير كتبنا التي هي مكتوبة باثنين
وسبعين لسانا وفي كل لسان منها كذا وكذا ألف نسخة وجاز عليها إلى مجيء محمد
أكثر من ستمائة سنة وصارت في أيدي الناس يقرؤونها باختلف ألسنتهم على
تشاسع بلدانهم #فمن الذي تكلم باثنين وسبعين لسانا ومن هو الذي حكم على الدنيا
جميعها ملوكها وقساوستها وغالبها حتى حكم على جميعها في أقطار الرض
وجمعها في أربع زوايا العالم حتى يغيرها #وإن كان غير بعضها وترك بعضها
فهذا ل يمكن أن يكون لن كلها قول واحد ولفظ واحد في جميع اللسن فهذا ما ل
يجوز لقائل أن يقوله أبدا
والجواب أن يقال #أول هذا الكلم منهم يدل على غاية جهلهم بما يقوله #
المسلمون في كتبهم وتبين أنهم لفرط جهلهم يظنون أن المسلمين يقولون مقالة ل
يخفى فسادها على من له أدنى عقل ومعرفة والمسلمون ل يشك أحد من المم أنهم
أعظم المم عقول وأفهاما وأتمهم معرفة وبيانا وأحسن قصدا وديانة وتحريا للصدق
والعدل وأنهم لم يحصل في النوع النساني أمة أكمل منهم ول ناموس أكمل من
الناموس الذي جاء به نبيهم محمد وحذاق الفلسفة معترفون لهم بذلك وأنه لم يقرع
العالم ناموس أكمل من هذا الناموس #وقد جمع ال للمسلمين جميع طرق المعارف
النسانية وأنواعها فإن الناس نوعان
أهل كتاب وغير أهل كتاب كالفلسفة والهنود #والعلم ينال بالحس والعقل وما #
يحصل بهما وبوحي ال إلى أنبيائه الذي هو خارج عما يشترك فيه الناس من الحس
والعقل #ولهذا قيل الطرق العلمية البصر والنظر والخبر الحس والعقل والوحي
الحس والقياس والنبوة #فأهل الكتاب امتازوا عن غيرهم بما جاءهم من النبوة مع
مشاركتهم لغيرهم فيما يشترك فيه الناس من العلوم الحسية والعقلية #والمسلمون
حصل لهم من العلوم النبوية والعقلية ما كان للمم قبلهم وامتازوا عنهم بما ل تعرفه
210
www.anassim.fr.st 211 الن سي ــــ ـــ ـم
المم وما اتصل إليهم من عقليات المم هذبوه لفظا ومعنى حتى صار أحسن مما
كان عندهم ونفوا عنه من الباطل وضموا إليه من الحق ما امتازوا به على من
سواهم #وكذلك العلوم النبوية أعطاهم ال ما لم يعطه أمة قبلهم وهذا ظاهر لمن
تدبر القرآن مع تدبر التوراة والنجيل فإنه يجد من فضل علم القرآن ما ل يخفى إل
على العميان #فكيف يظن مع هذا بالمسلمين أن يخفى عليهم فساد هذا الكلم الذي
ظنه بهم هؤلء الجهال
ويقال ثانيا الجواب من وجوه #أحدها أن المسلمين لم يدعوا أن هذه الكتب #
حرفت بعد انتشارها وكثرة النسخ بها ولكن جميعهم متفقون على وقوع التبديل
والتغيير في كثير من معانيها وكثير من أحكامها #وهذا مما تسلمه النصارى
جميعهم في التوراة والنبوات المتقدمة فإنهم يسلمون أن اليهود بدلوا كثيرا من
معانيها وأحكامها #ومما تسلمه النصارى في فرقهم أن كل فرقة تخالف الخرى
فيما تفسر به الكتب المتقدمة ومما تسلمه اليهود أنهم متفقون على أن النصارى تفسر
التوراة والنبوات المتقدمة على النجيل بما يخالف معانيها وأنها بدلت أحكام التوراة
فصار تبديل كثير من معاني الكتب المتقدمة متفقا عليه بين المسلمين واليهود
والنصارى #وأما تغيير بعض ألفاظها ففيه نزاع بين المسلمين #والصواب الذي
عليه الجمهور أنه بدل بعض ألفاظها كما ذكر ذلك في مواضعه #الوجه الثاني أن
قياسهم كتبهم على القرآن وأنه كما
ل تسمع دعوى التبديل فيه فكذلك في كتبهم قياس باطل في معناه ولفظه #أما معناه
فكل ما أجمع المسلمون عليه من دينهم إجماعا ظاهرا معروفا عندهم فهو منقول عن
الرسول نقل متواترا بل معلوما بالضطرار من دينه فإن الصلوات الخمس والزكاة
وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق ووجوب العدل والصدق وتحريم الشرك
والفواحش والظلم بل وتحريم الخمر والميسر والربا وغير ذلك منقول عن النبي نقل
متواترا كنقل ألفاظ القرآن الدالة على ذلك #ومن هذا الباب عموم رسالته وأنه
مبعوث إلى جميع الناس أهل الكتاب وغير أهل الكتاب بل إلى الثقلين النس والجن
وأنه كان يكفر اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا ما أنزل ال عليه كما كان يكفر
غيرهم ممن لم يؤمن بذلك وأنه جاهدهم وأمر بجهادهم #فالمسلمون عندهم منقول
عن نبيهم نقل متواترا ثلثة أمور لفظ القرآن ومعانيه التي أجمع المسلمون عليها
والسنة المتواترة وهي الحكمة التي أنزلها ال عليه غير القرآن #كما قال تعالى
كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب ^ #
والحكمة ^ #وقال تعالى ^ #وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة ^ #وقال تعالى #
^ واذكر نعمت ال عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة ^ #وقال تعالى ^ #
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة ^ #وبذلك دعا الخليل حيث قال
لما بنى هو وإسماعيل الكعبة
211
www.anassim.fr.st 212 الن سي ــــ ـــ ـم
بأرض فاران المذكورة في الكتاب الول قال تعالى ^ #وإذ يرفع إبراهيم #
القواعد من البيت وغسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وبينا واجعلنا
مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب
الرحيم ربنا وابعث فيهم رسول منهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة
ويركيهم إنك انت العزيز الحكيم #وقال أل إني أوتيت الكتاب ومثله معه
فالمسلمون عندهم نقل متواتر عن نبيهم بألفاظ القرآن ومعانيه المتفق عليها وبالسنة
المتواترة عنه مثل كون الظهر والعصر والعشاء أربعا وكون المغرب ثلث ركعات
وكون الصبح ركعتين ومثل الجهر في العشائين والفجر والمخافتة في الظهر
والعصر ومثل كون الركعة فيها سجدتين وكون الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة
سبعا ورمي الجمرات كل واحدة سبع حصيات وأمثال ذلك #وأيضا فالمسلمون
يحفظون القرآن في صدورهم حفظا يستغنون به عن المصاحف كما ثبت في
الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي أنه قال إن ربي قال لي إني منزل عليك كتابا ل
يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا #يقول ولو غسل بالماء من المصاحف لم يغسل من
القلوب كالكتب التقدمة فإنه لو عدمت نسخها لم يوجد من ينقلها نقل متواترا
محفوظة في الصدور #والقرآن ما زال محفوظا في الصدور نقل متواترا حتى لو
أراد مريد أن يغير شيئا من المصاحف وعرض ذلك على صبيان المسلمين
لعرفوا أنه قد غير المصحف لحفظهم للقرآن من غير أن يقابلوه بمصحف وأنكروا
ذلك #وأهل الكتاب يقدر النسان منهم أن يكتب نسخا كثيرا من التوراة والنجيل
ويغير بعضها ويعرضها على كثير من علمائهم ول يعرفون ما غير منها إن لم
يعرضوه على النسخ التي عندهم #ولهذا لما غير من نسخ التوراة راج ذلك على
طوائف منهم ولم يعلموا التغيير #وأيضا فالمسلمون لهم السانيد المتصلة بنقل
العدول الثقات لدقيق الدين كما نقل العامة جليله وليس هذا لهل الكتاب #وأيضا
فما ذكروه من أن كتبهم مكتوبة باثنين وسبعين لسانا هو أقرب إلى التغيير من
الكتاب الواحد باللغة الواحدة فإن هذا مما يحفظه الخلق الكثير فل يقدر أحد أن يغيره
#وأما الكتب المكتوبة باثنين وسبعين لسانا فإذا قدر أن بعض النسخ الموجودة
ببعض اللسنة غير بعض ما فيها لم يعلم ذلك سائر أهل اللسن الباقية بل ولم يعلم
بذلك سائر أهل النسخ الخرى فالتغيير فيها ممكن كما يمكن في نظائر ذلك #وما
ادعوه من تعذر جمع جميع النسخ هو حجة عليهم فإن
ذلك إذا كان متعذرا لم يمكن الجزم باتفاق جميع النسخ لواحد حتى يشهد بأنها كلها
متفقة لفظا ومعنى بل إمكان التغيير فيها أيسر من إمكان الشهادة باتفاقها #ولهذا ل
يمكن أحدا تغيير القرآن مع كونه محفوظا في القلوب منقول بالتواتر مع أنا ل نشهد
لجميع المصاحف بالتفاق بل قد يقع في بعض نسخ المصاحف ما هو غلط يعلمه
حفاظ القرآن ول يحتاجون إلى اعتبار ذلك بمصحف آخر #وتلك الكتب ل يحفظ
كل منها قوم من أهل التواتر حتى تعتبر النسخ بها ولكن لما كان النبياء عليهم
212
www.anassim.fr.st 213 الن سي ــــ ـــ ـم
السلم فيهم موجودين كانوا هم المرجع للناس فيما يعتمدون عليه إذا غير بعض
الناس شيئا من الكتب فلما انقطعت النبوة فيهم أسرع فيهم التغيير #فلهذا بدل كثير
من النصارى كثيرا من دين المسيح عليه السلم بعد رفعه بقليل من الزمان وصاروا
يبدلون شيئا بعد شيء وتبقى فيهم طائفة متمسكة بدين الحق إلى أن بعث ال محمدا
#وقد بقي من أولئك الذين على الدين الحق طائفة قليلة كما في الحديث الصحيح
الذي رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي أنه قال
إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب ماتوا
قبيل مبعثه #وقد أدرك سلمان الفارسي وكان قد تنصر بعد أن كان مجوسيا طائفة
ممن كانوا متبعين لدين المسيح عليه السلم واحدا بالموصل وآخر بنصيبين وآخر
بعمورية #وكل منهم يخبره بأنه لم يبق على دين المسيح عليه
السلم إل قليل إلى أن قال له آخرهم لم يبق عليه أحد وأخبره أنه يبعث نبي بدين
إبراهيم من جهة الحجاز فكان ذلك سبب هجرة سلمان إليه وإيمانه به #فالدين الذي
اجتمع عليه المسلمون اجتماعا ظاهرا معلوما هو منقول عن نبيهم نقل متواترا نقلوا
القرآن ونقلوا سنته وسنته مفسرة للقرآن مبينة له كما قال تعالى له ^ #وأنزلنا إليك
الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ^ #فبين ما أنزل ال لفظه ومعناه فصار معاني
القرآن التي اتفق عليها المسلمون اتفاقا ظاهرا مما توارثته المة عن نبيها كما
توارثت عنه ألفاظ القرآن فلم يكن ول الحمد فيما اتفقت عليه المة شيء محرف
مبدل من المعاني فكيف بألفاظ تلك المعاني #فإن نقلها والتفاق عليها أظهر منه في
اللفاظ فكان الدين الظاهر للمسلمين الذي اتفقوا عليه مما نقلوه عن نبيهم لفظه
ومعناه فلم يكن فيه تحريف ول تبديل ل للفظ ول للمعنى بخلف التوراة والنجيل
فإن من ألفاظها ما بدل معانيه وأحكامه اليهود والنصارى أو مجموعهما تبديل
ظاهرا مشهورا في عامتهم كما
بدلت اليهود مافي الكتب المتقدمة من البشارة بالمسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم
وما في التوراة من الشرائع وأمره في بعض الخبار #وكما بدلت النصارى كثيرا
مما في التوراة والنبوات من الخبار ومن الشرائع التي لم يغيرها المسيح فإن ما
نسخه ال على لسان المسيح من التوراة يجب اتباع المسيح فيه #وأما ما بدل بعد
المسيح مثل استحلل احم الخنزير وغيره مما حرمه ال ولم يبحه المسيح ومثل
إسقاط الختان ومثل الصلة إلى المشرق وزيادة الصوم ونقله من زمان إلى زمان
واتخاذ الصور في الكنائس وتعظيم الصليب واتباع الرهبانية فإن هذه كلها شرائع لم
يشرعها نبي من النبياء ل المسيح ول غيره خالفوا بها شرع ال الذي بعث به
النبياء من غير أن يشرعها ال على لسان نبي #الوجه الثالث أن القرآن قد ثبت
بالنقل المتواتر المعلوم بالضرورة للموافق والمخالف أن محمدا كان يقول إنه كلم
ال ل كلمه وأنه مبلغ له عن ال وكان يفرق بين القرآن وبين ما يتكلم به من السنة
وإن كان ذلك مما يجب اتباعه فيه تصديقا وعمل #فإن ال أنزل عليه الكتاب
213
www.anassim.fr.st 214 الن سي ــــ ـــ ـم
والحكمة كما قال تعالى ^ #لقد من ال على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من
أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ^ #وقال تعالى ^ #
واذكروا نعمت ال عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ^ #وقال
تعالى ^ #وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم #وقال تعالى #
واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة #وقال تعالى عن الخليل وابنه
إسماعيل #سورة البقرة اليتان 129 128
وقال النبي #أل إني أوتيت الكتاب ومثله معه فكان يعلم أمته الكتاب وهو القرآن #
العزيز الذي أخبرهم أنه كلم ال ل كلمه وهو الذي قال عنه ^ #قل لئن اجتمعت
النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا ^ #وهو الذي شرع لمته أن تقرأه في صلتهم فل تصح صلة إل به
وعلمهم مع ذلك الحكمة التي أنزلها ال عليه وفرق بينها وبين القرآن من وجوه #
منها أن القرآن معجز #ومنها أن القرآن هو الذي يقرأ في الصلة دونها #ومنها
أن ألفاظ القرآن العربية منزلة على ترتيب اليات فليس لحد أن يغيرها باللسان
العربي باتفاق المسلمين ولكن يجوز تفسيرها باللسان العربي وترجمتها بغير العربي
#وأما تلوتها بالعربي بغير لفظها فل يجوز باتفاق المسلمين بخلف ما علمهم من
الحكمة فإنه ليس حكم ألفاظها حكم ألفاظ القرآن
ومنها أن القرآن ل يمسه إل طاهر ول يقرأه الجنب كما دلت عليه سنته عند #
جماهير أمته بخلف ما ليس بقرآن #والقرآن تلقته المة منه حفظا في حياته وحفظ
القرآن جميعه في حياته غير واحد من أصحابه وما من الصحابة إل من حفظ بعضه
وكان يحفظ بعضهم ما ل يحفظه الخر فهو جميعه منقول سماعا منه بالنقل المتواتر
وهو يقول إنه مبلغ له عن ال وهو كلم ال ل كلمه #وفي القرآن ما يبين أنه كلم
ال نصوص كثيرة وكان الذين رأوا محمدا ونقلوا ما عاينوه من معجزاته وأفعاله
وشريعته وما سمعوه من القرآن وحديثه ألوفا مؤلفة أكثر من مائة ألف رأوه وآمنوا
به #وأما الناجيل الذي بأيدي النصارى فهي أربعة أناجيل إنجيل متى ويوحنا
ولوقا ومرقس وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى
ويوحنا وأن هذه المقالت الربعة التي يسمونها النجيل وقد يسمون كل واحد منهم
إنجيل إنما كتبها هؤلء بعد أن رفع المسيح فلم يذكروا فيها أنها كلم ال ول أن
المسيح بلغها عن ال بل نقلوا فيها أشياء من كلم المسيح وأشياء من أفعاله
ومعجزاته #وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه فكانت من جنس ما
يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا
#فالناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب وإن
كان غالبها صحيحا #وما قاله عليه السلم فهو مبلغ له عن ال يجب فيه تصديق
214
www.anassim.fr.st 215 الن سي ــــ ـــ ـم
خبره وطاعة أمره كما قال الرسول من السنة فهو يشبه ما قاله الرسول من السنة
فإن منها ما يذكر الرسول أنه قول ال كقوله #يقول ال تعالى من عادى لي وليا فقد
آذنت بالحرب ونحو ذلك
ومنها ما يقوله هو ولكن هو أيضا مما أوحاه ال إليه فمن أطاع الرسول فقد أطاع #
ال فهكذا ما ينقل في النجيل وهو من هذا النوع فإنه كان أمرا من المسيح فأمر
المسيح أمر ال ومن أطاع المسيح فقد أطاع ال #وما أخبر به المسيح عن الغيب
فال أخبره به فإنه معصوم أن يكذب فيما يخبر به #وإذا كان النجيل يشبه السنة
المنزلة فإنه يقع في بعض ألفاظها غلط كما يقع في كتب السيرة وسنن أبي داود
والترمذي وابن ماجه ثم هذه الكتب قد اشتهرت واستفاضت بين
المسلمين فل يمكن أحدا بعد اشتهارها وكثرة النسخ بها أن يبدلها كلها #لكن في
بعض ألفاظها غلط وقع فيها قبل أن تشتهر فإن المحدث وإن كان عدل فقد يغلط لكن
ما تلقاه المسلمون بالقبول والتصديق والعمل من الخبار فهو مما يجزم جمهور
المسلمين بصدقه عن نبيهم #هذا مذهب السلف وعامة الطوائف كجمهور الطوائف
الربعة وجمهور أهل الكلم من الكلبية والكرامية والشعرية وغيرهم لكن ظن
بعض أهل الكلم أنه ل يجزم بصدقها لكون الواحد قد يغلط أو يكذب وهذا الظن
إنما يتوجه في الواحد الذي لم يعرف صدقه وضبطه
أما إذا عرف صدقه وضبطه إما بالمعجزات كالنبياء وإما بتصديق النبي له فيما #
يقول وإما باتفاق المة المعصومة على صدقه واتفاقهم على العمل بخبره أو اتفاقهم
على قبول خبره وإقراره وذكره من غير نكير أو ظهور دلئل وشواهد وقرائن
احتفت بخبره ونحو ذلك من الدلئل على صدق المخبر فهذه يجب معها الحكم
بصدقه وأنه لم يكذب ولم يغلط وإن كان خبره لو تجرد عن تلك الدلئل أمكن كذبه
أو غلطه كما أن الخبر المجرد ل يجزم بكذبه إل بدليل يدل على ذلك إما قيام دليل
عقلي قاطع أو سمعي قاطع على أنه بخلف مخبره فيجزم ببطلن خبره وحينئذ
فالمخبر إما كاذبا أو غالطا وقد يعلم أحدهما بدليل #فالمسلمون عندهم من الخبار
عن نبيهم ما هو متواتر وما اتفقت المة المعصومة على تصديقه وما قامت دلئل
صدقه من غير هذه الجهة مثل أن يخبر واحد أو اثنان أو ثلثة بحضرة جمع كثير
ل يجوز أن يتواطئوا على الكذب بخبر يقولون إن أولئك عاينوه وشاهدوه فيقرونهم
على هذا ول يكذب به منهم أحد فيعلم بالعادة المطردة أنه لو كان كاذبا لمتنع اتفاق
أهل التواتر على السكوت عن تكذيبه كما يمتنع اتفاقهم على تعمد الكذب #وإذا نقل
الواحد والثنان ما توجب العادة اشتهاره وظهوره ولم يظهر ونقلوه مستخفين بنقله
لم ينقلوه على رؤوس الجمهور علم أنهم كذبوا فيه
ودلئل صدق المخبر وكذبه كثيرة متنوعة ليس هذا موضع بسطها ولكن #
المقصود هنا أن المسلمين تواتر عندهم عن نبيهم ألفاظ القرآن ومعانيه المجمع عليها
215
www.anassim.fr.st 216 الن سي ــــ ـــ ـم
والسنة المتواترة وعندهم عن نبيهم أخبار كثيرة معلومة الصدق بطرق متنوعة
كتصديق المة المعصومة ودللة العادات وغير ذلك وهم يحفظون القرآن في
صدورهم ل يحتاجون في حفظه إلى كتاب مسطور فلو عدمت المصاحف من
الرض لم يقدح ذلك فيما حفظوه #بخلف أهل الكتاب فإنه لو عدمت نسخ الكتب
لم يكن عندهم به نقل متواتر بألفاظها إذ ل يحفظها إن حفظها إل قليل ل يوثق
بحفظهم فلهذا كان أهل الكتاب بعد انقطاع النبوة عنهم يقع فيهم من تبديل الكتب إما
تبديل بعض أحكامها ومعانيها وإما تبديل بعض ألفاظها ما لم يقوموا بتقويمه #
ولهذا ل يوجد فيهم السناد الذي للمسلمين ول لهم كلم في نقلة العلم وتعديلهم
وجرحهم ومعرفة أحوال نقلة العلم ما للمسلمين ول قام دليل سمعي ول عقلي على
أنهم ل يجتمعون على خطأ بل قد علم أنهم اجتمعوا على الخطأ لما كذبوا المسيح #
ثم كذبوا محمدا فإذا كانت الكتب المنقولة عن النبياء من جنس الكتب المنقولة عن
محمد ولم تكن متواترة عنهم ولم يكن تصديق غير المعصوم حجة لم يكن عندهم من
العلم بالتمييز بين الصدق والكذب ما عند المسلمين #فهذه الناجيل التي بأيدي
النصارى من هذا الجنس فيها شيء كثير من أقوال المسيح وأفعاله ومعجزاته وفيها
ما هو غلط عليه بل شك والذي كتبها في الول إذا لم يكن ممن يتهم بتعمد الكذب
فإن الواحد والثنين والثلثة والربعة ل يمتنع وقوع الغلط والنسيان منهم ل سيما ما
سمعه النسان ورآه ثم حدث به بعد سنين كثيرة فإن الغلط في مثل هذا كثير ولم يكن
هناك أمة معصومة يكون تلقيها لها بالقبول والتصديق موجبا للعلم بها لئل تجتمع
المة المعصومة على الخطأ والحواريون كلهم اثنا عشر رجل #وقصة الصلب
مما وقع فيها الشتباه وقد قام الدليل على أن المصلوب لم يكن هو المسيح عليه
السلم بل شبهه وهم ظنوا أنه المسيح والحواريون لم ير أحد منهم المسيح مصلوبا
بل أخبرهم بصلبه بعض من شهد ذلك من اليهود #فبعض الناس يقولون إن أولئك
تعمدوا الكذب وأكثر الناس يقول اشتبه عليهم ولهذا كان جمهور المسلمين يقولون
في قوله ولكن شبه لهم عن أولئك ومن قال بالول جعل الضمير في شبه
لهم عن السامعين لخبر أولئك فإذا جاز أن يغلطوا في هذا ولم يكونوا معصومين في
نقله جاز أن يغلطوا في بعض ما ينقلونه عنه وليس هذا مما يقدح في رسالة المسيح
ول فيما تواتر نقله عنه بأنه رسول ال الذي يجب اتباعه سواء صلب أو لم يصلب
وما تواتر عنه فإنه يجب اليمان به سواء صلب أو لم يصلب #والحواريون
مصدقون فيما ينقلونه عنه ل يتهمون بتعمد الكذب عليه لكن إذا غلط بعهضم في
بعض ما ينقله لم يمنع ذلك أن يكون غيره معلوما ل سيما إذا كان الذي غلط فيه مما
تبين غلطه فيه في مواضع أخر #وقد اختلف النصارى في عامة ما وقع فيه الغلط
حتى في الصلب فمنهم من يقول المصلوب لم يكن المسيح بل الشبه كما يقوله
المسلمون ومنهم من يقر بعبوديته ل وينكر الحلول والتحاد كالريوسية ومنهم من
ينكر التحاد وإن أقر بالحلول كالنسطورية
216
www.anassim.fr.st 217 الن سي ــــ ـــ ـم
وأما الشرائع التي هم عليها فعلماؤهم يعلمون أن أكثرها ليس عن المسيح عليه #
السلم فالمسيح لم يشرع لهم الصلة إلى المشرق ول الصيام الخمسين ول جعله في
زمن الربيع ول عيد الميلد والغطاس وعيد الصليب وغير ذلك من
أعيادهم بل أكثر ذلك مما ابتدعوه بعد الحواريين مثل عيد الصليب فإنه مما ابتدعته
هيلنة الحرانية أم قسطنطين وفي زمن قسطنطين غيروا كثيرا من دين المسيح
والعقائد والشرائع فابتدعوا المانة التي هي عقيدة إيمانهم وهي عقيدة لم ينطق بها
شيء من كتب النبياء التي هي عندهم ول هي منقولة عن أحد النبياء ول عن أحد
من الحواريين الذين صحبوا المسيح بل ابتدعها لهم طائفة من أكابرهم قالوا كانوا
ثلث مائة وثمانية عشر #واستندوا في ذلك إلى ألفاظ متشابهة في الكتب وفي
الكتب ألفاظ محكمة تناقض ما ذكروه كما قد بسط في موضع آخر وكذلك عامة
شرائعهم التي وضعوها في كتاب القانون بعضها منقول عن النبياء وبعضها منقول
عن الحواريين وكثير منها مما ابتدعوه ليست منقولة عن أحد من النبياء ول عن
الحواريين وهم يجوزون لكابر أهل العلم والدين أن يغيروا ما رأوه من الشرائع
ويضعوا شرعا جديدا فلهذا كان أكثر شرعهم مبتدعا لم ينزل به كتاب ول شرعه
نبي
فصل #وأما قولهم كيف يمكن تغيير كتبنا التي هي مكتوبة باثنين وسبعين لسانا
وفي كل لسان منها كذا وكذا ألف مصحف ومضى عليها إلى مجيء محمد أكثر من
ستمائة سنة #فيقال أما بعد انتشارها هذا النتشار فلم يقل المسلمون بل ول طائفة
معروفه منهم أن ألفاظ جميع كل نسخة في العالم غيرت لكن جمهور المسلمين الذين
يقولون إن في ألفاظها ما غير إنما يدعون تغيير بعض ألفاظها قبل المبعث أو تغيير
بعض النسخ بعد المبعث ل تغيير جميع النسخ فيعض الناس يقول إن ذلك التغيير
وقع في أول المر ويقول بعضهم إن منها ما غير بعد مبعث محمد ول يقولون إنه
غير كل نسخة في العالم بل يقولون غير بعض النسخ دون البعض وظهر عند كثير
من الناس النسخ المبدلة دون التي لم تبدل #والنسخ التي لم تبدل هي موجودة عند
بعض الناس #ومعلوم أن هذا ل يمكن نفيه فإنه ل يمكن أحدا أن يعلم أن كل
نسخة في العالم بكل لسان مطابق لفظها سائر النسخ بسائر اللسنة إل من أحاط
علما بذلك وهم قد سلموا أن أحدا ل يمكنه ذلك #وأما من ذكر أن التغيير وقع في
أول المر فهم يقولون إنما أخذت الناجيل عن أربعة اثنان منهم لم يريا المسيح بل
إنما رآه اثنان من نقلة النجيل متى ويوحنا #ومعلوم إمكان التغير في ذلك #وأما
قولهم أنها مكتوبة باثنين وسبعين لسانا فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن
يتكلم إل بالعبرية كسائر أنبياء بني إسرائيل وأنه كان مختونا ختن بعد السابع كما
يختن بنو إسرائيل وأنه كان يصلي إلى قبلتهم لم يكن يصلي إلى الشرق ول أمر
بالصلة إلى الشرق #ومن قال إن لسانه كان سريانيا كما يظنه بعض الناس فهو
217
www.anassim.fr.st 218 الن سي ــــ ـــ ـم
غالط فالكلم المنقول عنه في الناجيل إنما تكلم به عبريا ثم ترجم من تلك اللغة إلى
غيرها #والترجمة يقع فيها الغلط كثيرا كما وجدنا في زماننا من يترجم التوراة من
العبرية إلى العربية ويظهر في الترجمة من الغلط ما يشهد به الحذاق الصادقون
ممن يعرف اللغتين #والنصارى يقولون إنما كتبت بأربع لغات بالعبرية
والرومية واليونانية والسريانية #وأما قولهم إنها كتبت باثنين وسبعين لغة فهذا إن
كان صحيحا فإنما كتبت بعد أن كتبت تلك الربعة فإذا كان الغلط وقع في مواضع
من تلك الربعة لم يرفعه بعد ذلك كتابتها باثنين وسبعين لغة فإن المسلمين ل
يقولون أنها كتبت باثنين وسبعين لغة غير لفظها في جميع اللسن لثنين وسبعين
لغة في كل نسخة من ذلك #وإنما يقال التغيير وقع قبل ذلك كما يقال في سائر ما
ورد
عن المسيح وموسى ومحمد عليهم صلوات ال وسلمه من الحديث مثل سيرة ابن
إسحاق وأحاديث السنن والمساند المأثورة عن النبي فإن في ا لعالم بكل كتاب منها
نسخ كثيرة ل يمكن أن يغير منها فصل طويل ولكن في نفس السيرة وقع غلط في
مواضع وأحاديث وقعت في السنن هي غلط في الصل فاشتهار النسخ بها بعد ذلك
ل يمنع وقوع الغلط في الصل وهذه كتب التفسير والفقه والدقائق ما من كتاب إل
وبه نسخ كثيرة في العالم ل يمكن تغيير فصل طويل منها وفيها أحاديث غلط في
الصل #والناجيل التي بأيدي النصارى تشبه هذا ولهذا أمروا أن يحكموا بما فيها
فإن فيها أحكام ال وعامة ما فيها من الحكام لم يبدل لفظه وإنما بدلت بعض ألفاظ
الخبريات وبعض معاني المريات كما نؤمر نحن أن نعمل بأحاديث الحكام
المعروفة عن النبي فإن العلماء اعتنوا بضبطها أكثر من اعتنائهم بضبط الخبريات
كأحاديث الزهد والقصص والفضائل ونحو ذلك إذ حاجة المم إلى معرفة المر
والنهي أكثر من حاجتهم إلى معرفة التفاصيل بالخبريات التي يكتفى باليمان
المجمل بها #وأما المر والنهي فل بد من معرفته على وجه التفصيل إذ العمل
بالمأمور ل يكون إل مفصل والمحظور الذي يجب اجتنابه ل بد أن يميز بينه بين
غيره كما قال تعالى
وما كان ال ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ^ #والنصارى ^ #
ل يحتاجون عند أنفسهم إلى هذا فإنه ل يجب عندهم أن يتمسكوا بشرع منقول عن
المسيح عليه السلم وعندهم لكابرهم أن يشرعوا دينا لم يشرعه المسيح ويقولون ما
شرعه هؤلء فقد شرعه المسيح فلم يكن لهم عناية ول معرفة بشرع المسيح كما
للمسلمين عناية ومعرفة بشرع محمد
فصل #وأما التوراة فمن المعلوم عند المسلمين واليهود والنصارى أن بيت
المقدس خرب الخراب الول وجل أهله منه وسبوا ولم يكن هناك من التوراة نسخ
218
www.anassim.fr.st 219 الن سي ــــ ـــ ـم
كثيرة ظاهرة بل إنما أخذت عن نفر قليل #كما يقولون إن عزيرا أملها وأنهم
وجدوا نسخة أخرى فقابلوها بها والمقابلة تحصل باثنين وقد يغلط أحدهما وهم
يذكرون
أن من الملوك من أمر اثنين وسبعين حبرا منهم بنقلها واعتبر بعض تلك النسخ
ببعض وهذا إذا كان صدقا ل يمنع أن يكون الغلط وقع في بعض ألفاظها قبل ذلك
إل أن يثبت أنها مأخوذة عن نبي معصوم أو أقر جميع ألفاظها نبي معصوم #فما
قاله المعصوم فهو حق وما ثبت بالنقل المتواتر فهو حق #وهؤلء القائلون إنه وقع
التغيير في بعض ألفاظها في ذلك الزمان يقولون لم تؤخذ عن نبي معصوم ول نقلت
بالتواتر #ومن نازع من المسلمين وأهل الكتاب يقولون أخذت عن العزير وهو نبي
معصوم وهذا مما يحتاج المثبت فيه والنافي إلى تحقيقه #وإذا قالت النصارى
فالمسيح عليه السلم أقرها قيل المسيح عليه السلم لم يمكن أن يلزمهم بما أوجبه ال
عليهم من اليمان به وطاعته فكيف كان يمكنه أن يغير نسخ التوراة التي عندهم مع
كثرتها وهم قد طلبوا قتله وصلبه لعجزه وضعفه وصلبوا شبيهه كما يقوله المسلمون
أو صلبوه نفسه كما يقول النصارى فكيف كان يمكنه أن يصلح ما غير منها #وأما
من بعد المسيح فليس معصوما والمسيح غير بعض
أحكامها وأقر أكثرها والحكام إنما يدعي المسلمون فيها النسخ وتبديلها بالعتقاد
بخلف موجبها والعمل بذلك ل يحتاجون إلى دعوى تبديل ألفاظها كما بدلوا شريعة
الرجم بغيرها وهو مكتوب في التوراة #بخلف الخبريات فإن هذه يقول أكثر
المسلمين إن التغيير وقع في بعض ألفاظها #وأما النبوات المنقولة عن الثنين
وعشرين نبيا فهذه ل تعلم منها نبوة واحدة تواترت جميع ألفاظها بل أحسن أحوالها
أن تكون بمنزلة النجيل وهو بمنزلة ما ينقل من أقوال النبياء وسيرهم كسيرة ابن
إسحاق أو بعض كتب المساند والسنن التي ينقل فيها ما ينقله الناقلون من أقوال النبي
وأفعاله وأكثره صدق وبعضه غلط #ولكن هذه المة حفظ ال لها ما أنزله كما قال
تعالى
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ^ #فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث ^ #
أو تفسيره من غلط فإن ال يقيم له من المة من يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط
وكذب الكاذب فإن هذه المة ل تجتمع على ضللة ول يزال فيها طائفة ظاهرة على
الحق حتى تقوم الساعة إذ كانوا آخر المم فل نبي بعد نبيهم بعدهم ول كتاب بعد
كتابهم #وكانت المم قبلهم إذا بدلوا وغيروا بعث ال نبيا يبين لهم ويأمرهم
وينهاهم ولم يكن بعد محمد نبي وقد ضمن ال أن يحفظ ما أنزله من الذكر وأن هذه
المة ل تجتمع على ضللة بل أقام ال لهذه المة في كل عصر من يحفظ به دينه
من أهل العلم والقرآن وينفي به تحريف الغالين وانتحال المضلين وتأويل الجاهلين
219
www.anassim.fr.st 220 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وأما من قال إنه غير بعض ألفاظها بعد مبعث محمد فهؤلء يقولون إنه
كان في التوراة والنجيل وغيرهما ألفاظ صريحة بأمور #منها اسم محمد وأنه
عمد بعض أهل الكتاب فغيروا بعض اللفاظ في النسخ التي كانت عندهم #ل
يقولون إن هؤلء غيروا كل نسخة كانت على وجه الرض لكن غيروا بعض ألفاظ
النسخ وكتب الناس من تلك النسخ المغيرة نسخا كثيرة انتشرت فصار أكثر ما يوجد
عند كثير من أهل الكتاب هو من تلك النسخ المغيرة #وفي العالم نسخ أخرى لم
تغير فذكر كثير من الناس أنه رآها وقرأها وفي تلك النسخ ما ليس في النسخ
الخرى ومما يدل على ذلك أنك في هذا الزمان إذا أخذت نسخ التوراة الموجودة
عند اليهود والنصارى والسامرة وجدت بينهما اختلفا في مواضع متعددة #وكذلك
نسخ النجيل وكذلك نسخ الزبور مختلفة اختلفا متباينا بحيث ل يعقل العاقل أن
جميع نسخ التوراة الموجودة متفقة على لفظ
واحد ول يعلم أن جميع نسخ النجيل متفقة على لفظ واحد ول يعلم أن جميع نسخ
الزبور متفقة على لفظ واحد فضل عن سائر النبوات #ومعلوم أنه ل يمكن أهل
الكتاب إقامة حجة على أن جميع النسخ بجميع اللغات في زوايا الرض متفقة على
لفظ واحد في جميع ما هو موجود من جميع النبوات والحجة التي احتجوا بها على
تعذر تغييرها كلها تدل على تعذر العلم بتساويها كلها #فإذا قالوا فمن هو الذي تكلم
باثنين وسبعين لسانا ومن هو الذي حكم على الدنيا كلها ملوكها وقساوستها وعلمائها
حتى حكم على جميع من بأقطار الرض وجمعها من أربع زوايا الرض حتى
يغيرها #قيل لهم ومن الذي يعلم اثنين وسبعين لغة ومن هو الذي حكم على الدنيا
ملوكها وقساوستها وعلمائها حتى حكم على جميع من بأقطار الرض وجمعها من
أربع زوايا الرض وأحضر كل نسخة موجودة في جميع الرض وقابل كل نسخة
موجودة في الرض بجميع النسخ فوجد جميع ألفاظ جميع النسخ التي باثنين وسبعين
لسانا من جميع أقطار الرض لفظا متفقا لم يختلف ألفاظها #فإن دعوى العلم بهذا
ممتنع أعظم من امتناع دعوى تغييرها فإنه
إن أمكن أحدا أن يجمع جميع النسخ كانت قدرته على تغيير بعض ألفاظها كلها أيسر
عليه من مقابلة كل ما في نسخة بجميع ما في سائر النسخ #فإنا إذا أحضرنا بكتاب
من الكتب عشرة نسخ كان تغيير بعض ألفاظ العشرة أيسر علينا من مقابلة كل واحد
من العشرة بالتسعة الباقية إذ المقابلة يحتاج فيها إلى معرفة جميع ألفاظ كل نسخة
ومساواتها للخرى #وأما التغيير فيكفي فيه أن يغير من كل نسخة ما يغيره من
الخرى فإن كان تغيير جميع النسخ ممتنعا في العادة فالعلم باتفاقها أشد امتناعا وإن
كان العلم باتفاقها ممكنا فإمكان تغيير بعض ألفاظها أيسر وأيسر #وأما قولهم إن
قيل إنه غير بعضها وترك بعضها فهذا ل يمكن أن يكون لنها كلها قول واحد ولفظ
واحد في جميع اللسن #فيقال أما إمكان قول هذا فظاهر ل ينازع فيه عاقل وهو
واقع فإنا قد رأينا التوراة التي عند السامرة تخالف توراة اليهود والنصارى حتى في
العشر الكلمات #فذكر السامرة فيها من أمر استقبال الطور ما ل يوجد في نسخ
220
www.anassim.fr.st 221 الن سي ــــ ـــ ـم
معروف ونسخ النجيل مختلفة ونسخ الزبور مختلفة اختلفا أكثر من ذلك وبكل
حال فل يقدر عاقل أن يقول يمتنع تغيير بعض النسخ #ولكن إذا قالوا لم يغير شيء
منها لن جميعها قول واحد ولفظ واحد في جميع اللسن كانت هذه الدعوى باطلة
من وجهين #أحدهما أن دعوى العلم بتساوي جميع النسخ أبلغ من دعوى إمكان
تغييرها فإن كان التغيير ممتنعا على جميعها كان علم الواحد بما في جميعها وأنها
متماثلة اللفاظ مع اختلف اللسن أولى بالمتناع #الثاني أن هذا دعوى خلف
الواقع فإن الختلف في نسخ التوراة والنجيل والزبور موجود قد رأيناه ونحن
بأعيننا ورآه غيرنا فرأيت عدة نسخ بالزبور يخالف بعضها بعضا اختلفا كثيرا
ورأينا بعض ألفاظ التوراة التي ينقلها هذه الطائفة وهي مكتوبة عندهم يدعون أنها
هي التوراة الصحيحة المنقولة عندهم بالتواتر تخالف بعض ألفاظ توراة الطائفة
الخرى وكذلك النجيل #وبالجملة قولهم هذا ل يمكن أن يكون لنها كلها قول
واحد ولفظ واحد في جميع اللسن تضمن شيئين #تضمن دعوى كاذبة وحجة
باطلة فإن قولهم هذا ليمكن مكابرة ظاهرة فإن إمكان تغيير بعض النسخ مما ل
ينازع عاقل في إمكانه لكن قد يقول القائل إذا غير بعض النسخ وأظهر ذلك شاع
ذلك فرأى سائر أهل النسخ تلك النسخة مغايرة لنسخهم فأنكروه فإن الهمم والدواعي
متوفرة على إنكار ذلك كما يوجد اليوم مثل ذلك لو أراد رجل أن يغير كتابا مشهورا
عند الناس به نسخ متعددة فإذا غيره فوصلت تلك النسخة إلى من يعرف ما في تلك
النسخ أنكروا ذلك #فيقال هذا يمكن إذا كانت تلك النسخة المغيرة وصلت إلى طائفة
يمتنع عليهم مواطأتهم على الكذب فإنه كما يمتنع في الخبار المتواترة التواطؤ على
الكذب فيمتنع التواطؤ على كتمان ما يتعذر كتمانه في العادة #ومعلوم أنه ل يمتنع
على الجماعة القليلة التواطؤ على تغيير بعض النسخ والنسخ إنما هي موجودة عند
علماء أهل الكتاب وليس عامتهم يحفظ ألفاظها كما يحفظ عوام المسلمين ألفاظ
القرآن فإذا قصد طائفة منهم تغيير نسخة أو نسخ عندهم أمكن ذلك ثم إذا تواطأت
طائفة أخرى على أن ل يذكروا ذلك أمكن ذلك ولكن إذا كانت الطوائف ممن ل
يمكن تواطؤها على الكذب أو الكتمان امتنع ذلك فيهم #وقد رأينا عند أهل الكتاب
كتبا يدعون أنها عندهم من النبي بخط علي بن أبي طالب فيها أمور تتعلق
بأغراضهم وقد التبس أمرها على كثير من المسلمين وعظموا ما فيها وأعطوا أهل
الكتاب ما كتب لهم فيها معتقدين أنهم ممتثلين ما فيها
فلما وصلت إلى من وصلت إليه من علماء المسلمين بينوا كذبها بطرق معلومة
بالتواتر مثل ذكرهم فيها شهد بما فيها كعب بن مالك الحبر على النبي يعنون كعب
الحبار #وكعب الحبار إنما أسلم على عهد عمر بن الخطاب لم يدرك النبي
واسمه كعب بن ماتع ولكن في النصار كعب بن مالك الشاعر الذي أنزل ال توبته
في سورة براءة فظن هؤلء الجهال أن هذا هو ذاك #ومثل ذكرهم شهادة سعد بن
221
www.anassim.fr.st 222 الن سي ــــ ـــ ـم
معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ذكروا شهادته عام خيبر وقد اتفق أهل العلم
أنه مات
عقب غزوة الخندق قبل غزوة خيبر بمدة وأمثال ذلك #وأما حجتهم الداحضة
فقولهم أن جميع كتب النبوات التي في العالم من التوراة والنجيل والزبور والنبوات
موجودة باثنين وسبعين لسانا بلفظ واحد وقول واحد فهل يقول عاقل من العقلء أنه
علم ذلك وأنه علم أن كل نسخة من النبوات الربعة وعشرين بأحد اللسنة الثنين
وسبعين موافقة لكل نسخة في سائر اللسنة ولو ادعى مدع أن كل نسخة من التوراة
في العالم باللسان العربي أو كل نسخة من النجيل في العالم باللسان العربي أو كل
نسخة في العالم من الزبور باللسان العربي موافقة لجميع النسخ العربية الموجودة
في زوايا العالم لكان قد ادعى ما ل يعلمه ول يمكنه علمه فمن أين له ذلك #وهل
رأى كل نسخة عربية بهذه الكتب أو أخبره من يعلم صدقه أن جميع النسخ العربية
الموجودة في العالم موافقة لهذه النسخة #وكذلك إذا ادعى ذلك في اللسان اليوناني
والسرياني والرومي
والعبراني والهندي فإن كان في العالم بكل كتاب من هذه اثنان وسبعون لسانا
فدعوى اتفاق نسخ كل لسان من جنس دعوى اتفاق النسخ العربية فكيف إذا ادعى
اتفاق النسخ بجميع اللسنة #وهب أنه يمكن أن يقال ذلك في نسخ لسان نقلها أهله
والناطقون به فكيف يمكن دعواه في لسان كثر الناطقون به وانتشر أهله #وليس
هذا كدعوى اتفاق مصاحف المسلمين بالقرآن فإن القرآن ل يتوقف نقله على
المصاحف بل القرآن محفوظ في قلوب ألوف مؤلفة من المسلمين ل يحصي عددهم
إل ال عز وجل فلو عدم كل مصحف في العالم لم يقدح ذلك في نقل لفظ من ألفاظ
القرآن بخلف الكتب المتقدمة فإنه قل أن نجد من أهل الكتاب أحدا يحفظ كتابا من
هذه الكتب فقل أن يوجد من اليهود من يحفظ التوراة #وأما النصارى فل يوجد
فيهم من يحفظ التوراة والنجيل والزبور والنبوات كلها فضل عن أن يحفظها باثنين
وسبعين لسانا وإن وجد ذلك فهو قليل ل يمتنع عليهم ل الكذب ول الغلط #فتبين أن
ما ذكروه من انتشار كتبهم باللسنة المختلفة هو من أقوى المور في عدم العلم
بتماثل ما فيها من اللفاظ وأن القرآن إذا كان منقول بلغة واحدة وذلك اللسان يحفظه
خلق كثير من المسلمين فكان ذلك مما يبين أن القرآن ل يمكن أحدا أن يغير شيئا من
ألفاظه وإن
أمكن تغيير بعض ألفاظ التوراة والنجيل عند كثير من أهل الكتاب #والمسلمون ل
يدعون أنه غير جميع ألفاظ جميع النسخ بعد مبعث النبي كما ظنه بهم هؤلء الجهال
بل إنما ادعوا ما يسوغه العقل بل ويظهر دليل صدقه ولكن هؤلء الجهال ادعوا
العلم بأن جميع النسخ بجميع اللسنة بجميع الكتب بلفظ واحد فادعوا ما ل يمكن
أحدا علمه وادعوا ما يعلم بطلنه
222
www.anassim.fr.st 223 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وقد ظهر الجواب عن قولهم فمن هو الذي تكلم باثنين وسبعين لسان أو من
هو الذي حكم على الدنيا جميعها ملوكها وقساوستها وعلمائها حتى حكم على الدنيا
جميعها من أربع زوايا العالم حتى غيرها وإن كان مما أمكنه جمعها كلها أو بعضها
#فهذا ما ل يمكن إذ جميعها قول واحد ونص واحد واعتقاد واحد ا ه #وقد ظهر
الجواب عن ذلك من وجوه #أحدها أنا لم ندع تغييرها بعد صارت بهذه اللسن
وانتشرت بها النسخ بل ل ندعي التغيير بعد انتشار النسخ فيما ليس من كتب النبياء
مثل كتب النحو والطب والحساب والحاديث والسنن المنقولة عن النبياء مما نقل
في الصل نقل آحاد ثم صارت النسخ به كثيرة منتشرة فإن أحدا ل يدعي أنه بعد
انتشار النسخ بكتاب في مشارق الرض ومغاربها حكم إنسان على جميع المعمورة
وجمع النسخ
التي بها وغيرها #ول ادعى أحد مثل ذلك في التوراة والنجيل وإنما ادعى ذلك
فيها لما كانت النسخ قليلة إما نسخة وإما اثنتين وإما أربع ونحو ذلك #أو ادعى
تغيير بعض ألفاظ النسخ فإن بعض النسخ يمكن تغييرها #ونسخ التوراة والنجيل
والزبور موجودة اليوم وفي بعضها اختلف لكنه اختلف قليل والغالب عليها
التفاق #وذلك يظهر بالوجه الثاني أن قولهم إن جميعها قول واحد ونص واحد
واعتقاد واحد ليس كما قالوه بل نسخ التوراة مختلفة في مواضع #وبين توراة
اليهود والنصارى والسامرة اختلف وبين نسخ الزبور اختلف أكثر من ذلك وكذلك
بين الناجيل فكيف بنسخ النبوات #وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح
بنبوة محمد باسمه ورأيت نسخة أخرى بالزبور فلم أر
ذلك فيها وحينئذ فل يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي ما ليس في
أخرى #الوجه الثالث أن التبديل في التفسير أمر ل ريب فيه وبه يحصل المقصود
في هذا المقام فإنا نعلم قطعا أن ذكر محمد مكتوب فيما كان موجودا في زمنه من
التوراة والنجيل كما قال تعالى ^ #الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة
والنجيل ^ #ول ريب أن نسخ التوراة والنجيل على عهده كانت كثيرة منتشرة
في مشارق الرض ومغاربها فل بد من أحد المرين #إما أن يكون غير اللفظ من
بعض النسخ وانتشرت النسخ المغيرة #وإما أن يكون ذكره في جميع النسخ كما
استخرجه كثير من العلماء ممن كان من أحبار اليهود والنصارى وممن لم يكن من
أحبارهم استخرجوا ذكره والبشارة به في مواضع كثيرة متعددة من التوراة
والنجيل ونبوات النبياء كما هو مبسوط في موضع آخر #ومن قال إن ذكره
موجود فيها أكثر من هذا وأصرح في بعض النسخ ل يمكن هؤلء دفعه بأن يقولوا
قد اطلعنا على كل نسخة في
العالم بالتوراة والنجيل في مشارق الرض ومغاربها فوجدناها على لفظ واحد فإن
هذا ل يقوله إل كذاب فإنه ل يمكن بشرا أن يطلع على كل نسخة في مشارق
223
www.anassim.fr.st 224 الن سي ــــ ـــ ـم
الرض ومغاربها كما ل يمكنه أن يغير كل نسخة في مشارق الرض ومغاربها فلو
لم يعلم اختلف النسخ لم يمكنه الجزم باتفاقها في اللفظ فكيف وقد ذكر الناس
المطلعون عليها من اختلف لفظها ما تبين به كذب من ادعى اتفاق لفظها وكيف
يمكن اتفاق لفظها وهي بلغات مختلفة
فصل #قالوا ثم وجدنا في هذا الكتاب ما هو أعظم من هذا برهانا مثل قوله في
سورة الشورى ^ #وقل آمنت بما أنزل ال من كتب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا
وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا وبينكم ال يجمع بيننا وإليه المصير ^
#وأما لغير أهل الكتاب فيقول ^ #قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم
عابدون مآ أعبد ^ السورة كلها #والجواب #أما قوله ^ #وقل آمنت بما أنزل ال
من كتب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا
وبينكم ^ #فهذه الية مذكورة بعد قوله تعالى #سورة الشورى اليات 15 13
فقد أخبرنا أنه شرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى أن #
أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كما قال تعالى في الية الخرى #سورة الروم اليات
# 32 30وقال تعالى #سورة المؤمنون اليات 53 51
ثم أخبر عن تفرق الذين أوتوا الكتاب كتفرق اليهود والنصارى وتفرق فرق #
اليهود وفرق النصارى كالنسطورية واليعقوبية والملكية #ثم قال ^ #وإن الذين
أورثوا الكتاب من بعدهم أولئك المفترقين لفي شك منه مريب ^ #وهكذا توجه
عامة اليهود والنصارى في شك من ذلك مريب #وقال تعالى ^ #ولقد آتينا موسى
الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه
مريب ^ #وقال تعالى ^ #وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا
فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إل اتباع الظن وما قتلوه يقينا ^ بل رفعه ال إليه
^ وكان عزيزا حكيما
ثم قال تعالى ^ #فلذلك فادع واستقم كما أمرت ^ #إلى الدين الذي شرعه لنا # #
^ واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم ^ #وهذا يتناول أهواء أهل الكتاب كما
يتناول أهواء المشركين وقد صرح بذلك في قوله تعالى ^ #ولن ترضى عنك
اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ال هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم
بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير ^ #وقال تعالى ^ #
ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما
بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن
الظالمين ^ #كما صرح بنهيه عن اتباع أهواء المشركين في قوله تعالى
قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن ال حرم هذا فإن شهدوا فل تشهد معهم ول ^ #
224
www.anassim.fr.st 225 الن سي ــــ ـــ ـم
تتبع أهواءهم الذين كذبوا بآياتنا والذين ل يؤمنون بالخرة وهم بربهم يعدلون ^ #
وقوله تعالى ^ #وقل آمنت بما أنزل ال من كتب ^ #حق فإن ال أمره وجميع
الخلق أن يؤمنوا بجميع ما أنزل ال وكذلك قوله ^ #وأمرت لعدل بينكم ^ #فإن
ال أمره أن يعدل بين جميع الخلق وقوله ^ #ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم
أعمالكم ^ #هذه براءة منه لمن يخاطب بذلك من المشركين وأهل الكتاب كقوله
تعالى ^ #وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء
^ مما تعملون
ومثل قوله تعالى ^ #قل أتحاجوننا في ال وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم #
أعمالكم ونحن له مخلصون ^ #وكذلك قوله ^ #قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما
تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم عابدون ما أعبد لكم
دينكم ولي دين ^ #فإن هذه الكلمة كقوله ^ #لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون
مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ^ #وهي كلمة توجب براءته من عملهم
وبراءتهم من عمله فإن حرف اللم في لغة العرب يدل على الختصاص فقوله ^ #
لكم دينكم ولي دين ^ #يدل على أنكم مختصون بدينكم ل أشرككم فيه وأنا مختص
بديني ل تشركوني فيه كما قال ^ #لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل
^ وأنا بريء مما تعملون
ولهذا قال النبي في ^ قل يا أيها الكافرون ^ #هي براءة من الشرك وليس في #
هذه الية أنه رضي بدين المشركين ول أهل الكتاب كما يظنه بعض الملحدين ول
أنه نهى عن جهادهم كما ظنه بعض الغالطين وجعلوها منسوخة بل فيها براءته من
دينهم وبراءتهم من دينه وأنه ل تضره أعمالهم ول يجزون بعمله ول ينفعهم #وهذا
أمر محكم ل يقبل النسخ ولم يرض الرسول بدين المشركين ول أهل الكتاب طرفة
عين قط ومن زعم أنه رضي بدين الكفار واحتج بقوله تعالى ^ #قل يا أيها
الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم
عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ^ #فظن هذا الملحد أن قوله ^ لكم دينكم ولي
دين ^ معناه
أنه رضي بدين الكفار ثم قال هذه الية منسوخة فيكون قد رضي بدين الكفار وهذا
من أبين الكذب والفتراء على محمد فإنه لم يرض قط إل بدين ال الذي أرسل به
رسله وأنزل به كتبه ما رضي قط بدين الكفار ل من المشركين ول من أهل الكتاب
#وقوله ^ لكم دينكم ولي دين ^ ل يدل على رضاه بدينهم بل ول على إقرارهم
عليه بل يدل على براءته من دينهم ولهذا قال النبي إن هذه السورة براءة من الشرك
#ونظير هذه الية قوله تعالى ^ #وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم
بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ^ #وكذلك قوله تعالى ^ #فلذلك فادع
واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل
بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ^ #وقد يظن بعض الناس أيضا أن
225
www.anassim.fr.st 226 الن سي ــــ ـــ ـم
قوله ^ لكم دينكم ولي دين ^ الية أني ل آمر بالقتال ول أنهي عنه ول أتعرض له
بنفي
ول إثبات وإنما فيها أن دينكم لكم أنتم مختصون به وأنا بريء منه وديني لي وأنا
مختص به وأنتم برآء منه #وهذا أمر محكم ل يمكن نسخه بحال كما قال تعالى عن
الخليل ^ #وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ^ إل الذي فطرني
فإنه سيهدين ^ #وقد قال تعالى ^ #وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ^ #وهو
ما طار عنه من خير وشر وقد قال تعالى ^ #ول تكسب كل نفس إل عليها ول
^ تزر وازرة وزر أخرى ^ #وقال تعالى ^ #لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت
وقال تعالى ^ #إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها ^ #بل قال تعالى #
لنبيه ^ #واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما
تعملون ^ #فإذا كان قد برأه ال من معصية من عصاه من أتباعه المؤمنين فكيف
ل يبرئه من كفر الكافرين الذين هم أشد له معصية ومخالفة
فصل #وأما قوله تعالى ^ #قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم
عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ^
#فهو أمر بالقول لجميع الكافرين من المشركين وأهل الكتاب فإن أهل الكتاب الذين
لم يؤمنوا بما أنزل إليه من ربه كافرون قد شهد عليهم بالكفر وأمرهم بجهادهم وكفر
من لم يجعلهم كافرين ويوجب جهادهم قال تعالى ^ #لم يكن الذين كفروا من أهل
الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ^ #وقال تعالى ^ #لقد كفر الذين
قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ #وقال تعالى
لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ #وقال تعالى ^ #قاتلوا الذين ل ^ #
يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين
الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ^ #وحرف
من في هذه المواضع لبيان الجنس فتبين جنس المتقدم وإن كان ما قبلها يدخل في
جميع الجنس الذي بعدها بخلف ما إذا كان للتبعيض كقوله ^ #لم يكن الذين كفروا
من أهل الكتاب ^ #فإنه يدخل في الذين كفروا بعد مبعث النبي جميع المشركين
وأهل الكتاب #وكذلك دخل في الذين ل يؤمنون بال وال باليوم الخر ول يحرمون
ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق جميع أهل الكتاب الذين بلغتهم دعوته ولم
يؤمنوا به وكذلك قوله
وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ^ #وإن كان جميعهم الذين آمنوا ^ #
وعملوا الصالحات وهذا إذا كان الجنس يتناول المذكورين وغيرهم ولكن لم يبق في
الجنس إل المذكورون كما يقول هنا رجل من بني عبد المطلب وإن لم يكن بقي
226
www.anassim.fr.st 227 الن سي ــــ ـــ ـم
منهم غيره #ووصفهم بالشرك وبأنهم يعبدون غير ال كما قال تعالى ^ #اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها
واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #فأخبر أنهم اتخذوا من دون ال أربابا
واتخذوا المسيح ربا وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا وهؤلء باتخاذهم غيره أربابا
عبدوهم فأشركوا بال سبحانه وتعالى عما يشركون #وقال تعالى ^ #ما كان لبشر
أن يؤتيه ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس
كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم
تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم
مسلمون ^ #فقد أخبر أيضا أنه من اتخذ الملئكة والنبيين أربابا فإنه كافر #وقال
تعالى #سورة المائدة اليات # 76 73فقد وبخ أهل التثليث على أنهم يعبدون ما
ل يملك لهم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم فدخلوا في قوله
قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ^ #كما دخل ^ #
في ذلك غيرهم من الكفار ل سيما وقد دخل في ذلك اليهود وهم أولى بالدخول من
غيرهم فإن قوله ما تعبدون يتناول صفات المعبود والله الذي يعبده المؤمنون هو
الله الذي أنزل التوراة والنجيل والقرآن وأرسل موسى وعيسى ومحمد صلوات
ال عليهم وسلمه #والله المتصف بهذه الصفات ل يعبده اليهود والنصارى وهذا
كقوله ^ #قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن
له مسلمون ^ #فهذا الله الذي يعبده محمد وأمته وليس هو إله المشركين الذي
يعبدونه وإن كان هو المستحق لن يعبدوه فإنهم يشركون بعبادته ويصفونه بما هو
بريء منه فل يخلصون له الدين فيعبدوا معه آلهة أخرى إن لم يستكبروا عن عبادته
وإله العبد الذي يعبده بالفعل ليس حاله معه كحاله مع الذي يستحق أن يعبده وهو ل
يعبده بل يشرك به أو يستكبر عن عبادته فهذا هو الذي قال فيه ^ ل أعبد ما تعبدون
^ #والشرك غالب على النصارى والكبر غالب على اليهود
فصل #وأما قوله ^ ل حجة بيننا وبينكم ^ #الية فهذا ليس خطابا للنصارى
خصوصا بل هو خطاب للجميع وهؤلء النصارى ظنوا أن معنى هذا ل تحاجوا
أهل الكتاب كما ظنوا في قوله تعالى ^ #ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي
أحسن إل الذين ظلموا منهم ^ #أن معناه ل تجادلوا أهل الكتاب أي النصارى إل
بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا أي اليهود ا ه #وهذا تحريف كلم ال عن مواضعه
وهو شبيه بتحريفهم لما عندهم من التوراة والنجيل والزبور وسائر النبوات فإنهم
أعظم تسلطا على تحريف معانيها منهم على تحريف معاني
القرآن إذ كان القرآن له امة تحغظه وتعرف معانيه وتذب عنه من يحرف لفظه أو
معناه #وأما تلك الكتب فليس لها من يذب عن لفظها ومعناها فلهذا عظم تحريفهم
227
www.anassim.fr.st 228 الن سي ــــ ـــ ـم
لها وكان أعظم من تحريفهم للقرآن #ومما يبين أن هذا الخطاب ليس مختصا
بالنصارى أن هذه السورة مكية والسور المكية كانت تتناول من ل يقرأ الكتاب ل
تختص بأهل الكتاب بل كانت تعم المم أو تختص بالمشركين #والسور المدنية
خطابها تارة لهل الكتاب وتارة تختص بالمؤمنين وتارة تعم وقد قال تعالى ^ #
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ^
#وقال تعالى ^ #وما تفرقوا إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولول كلمة
سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي
^ شك منه مريب
فالخطاب إما أن يعم المشركين وأهل الكتاب أو يخص المشركين وأهل الكتاب #
اليهود والنصارى وبكل تقدير فل وجه لتخصيص النصارى به #وأما قوله تعالى
^ #ل حجة بيننا وبينكم ^ #فهو نظير قوله تعالى ^ #قل أتحاجوننا في ال وهو
ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ^ #وقوله ^ #فإن
حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم
فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ ^ #فالحجة اسم لما يحتج به من
حق وباطل كقوله ^ #لئل يكون للناس عليكم حجة إل الذين ظلموا منهم ^ #فإن
الظالمين يحتجون عليكم بحجة باطلة كقول المشركين لما حولت القبلة إلى الكعبة قد
عاد إلى قبلتكم فسوف يعود إلى ملتكم
فهذه حجة داحضة من الظالمين #ومما يبين ذلك بعد قوله بعد ذلك ^ #والذين
يحاجون في ال من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب
ولهم عذاب شديد ^ #فسماها حجة وجعلها داحضة وهؤلء الذين يحاجون في ال
من بعد ما أستجيب له هم الكفار من المشركين وأهل الكتاب #فهم يحاجون
المؤمنين ليردوهم عن دينهم وقال عن النصارى ^ #فمن حاجك فيه من بعد ما
جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنت ال على الكاذبين ^ #فكان الكفار يحاجون المؤمنين حتى
يردوهم عن دينهم كما يؤذونهم فهؤلء حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب
ولهم عذاب شديد #ومحاجتهم للمؤمنين من باب الظلم لهم والعدوان عليهم وقول
الباطل فأمره تعالى أن يقول ^ ل حجة بيننا وبينكم ^ #أي ليس لكم أن تظلمونا
وتعتدوا علينا بحجتكم الداحضة
وليس المراد بذلك أنا نحن ل نحاجكم وندعوكم إلى الحق بالحجج الصحيحة #فإنه
تعالى قال ^ #ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن ^ #فأمره تعالى أن يجادل أهل دعوته مطلقا من المشركين وأهل الكتاب
بالتي هي أحسن #وقد قال تعالى ^ #ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن
إل الذين ظلموا منهم ^ #فإن الظالم باغ مستحق للعقوبة فيجوز أن يقابل بما
يستحقه من العقوبة ل يجب القتصار معه على التي هي أحسن بخلف من لم يظلم
228
www.anassim.fr.st 229 الن سي ــــ ـــ ـم
فإنه ل يجادل إل بالتي هي أحسن #وأهل الكتاب اسم يتناول اليهود والنصارى كما
في نظائره في القرآن كقوله تعالى ^ #وطعام الذين أوتوا الكتاب ^ الية وقوله
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ^ #وأمثال ذلك # ^ #
والظالم يكون ظالما بترك ما تبين له من الحق واتباع ما تبين له أنه باطل والكلم
بل علم فإذا ظهر له الحق فعند عنه كان ظالما #وذلك مثل اللد في الخصام قال
تعالى ^ #ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه
وهو ألد الخصام ^ #وقال ^ #يجادلونك في الحق بعد ما تبين ^ #وقال ^ #ها
^ أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم
فصل #وقولهم إنه لم يقل كونوا له مسلمين ولكن ونحن أي عنه وعن العرب
التابعين له ولما أتى به وجاء في كتابه #فيقال لهم هذا ونظائره كلم من لم يفهم
القرآن بل ول يفهم كلم سائر الناس فإنه إذا عرف من صاحب كتاب يقول إنه
منزل من ال أو يقول أنه صنفه هو أنه يدعو قوما بالقوال الصريحة الكثيرة
والعمال البينة الظاهرة كان سكوته عن دعائهم في بعض اللفاظ ل ينافي دعاءهم
له #لكن إن كان حكيما في كلمه كان للسكوت عن دعائهم في بعض المواضع
حكمة تناسب ذلك وهذا كقوله تعالى ^ #قل أتحاجوننا في ال وهو ربنا وربكم ولنا
^ أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون
أفتراه لما أمر أمته أن يقولوا ^ ونحن له مخلصون ^ لم يكن أهل الكتاب #
مأمورين بالخلص ل وقد ذكر أمر أهل الكتاب بالخلص في غير موضع كقوله
تعالى ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إل
ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة
^ #وكذلك دعاهم إلى السلم وتوعدهم على التولي عنه في مثل #سورة آل
عمران اليات # 20 18وقال تعالى #سورة البقرة اليات 133 130
فقد بين سبحانه أنه ل يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه أي سفه نفسا أي #
كانت نفسه سفيهة جاهلة هذا أصح القولين في ذلك وهو مذهب الكوفيين من النحاة
يجوزون أن يكون المنصوب على التمييز معرفة كما يكون نكرة ثم أخبر عنه أنه #
^ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ^ #وذكر أن إبراهيم وصى بها
بنيه ويعقوب وصى بها بنيه أيضا كلهما قال لبنيه ^ #يابني إن ال اصطفى لكم
الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون ^ #ثم ذكر أن يعقوب عند موته ^ #قال لبنيه
ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها
واحدا ونحن له مسلمون ^ #فهؤلء إبراهيم وإسم
اعيل وإسحاق ويعقوب كلهم على
229
www.anassim.fr.st 230 الن سي ــــ ـــ ـم
السلم وهم يأمرون بالسلم ثم قال بعد ذلك ^ #وقالوا كونوا هودا او نصارى
تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ^ #ثم قال ^ #قولوا آمنا
بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما
أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له
مسلمون ^ #ثم قال ^ #فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم
في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^ #فقد أخبر أنهم إن تولوا عن اليمان
بمثل ما آمنتم به المتضمن قولكم ونحن له مسلمون فإنما هم في شقاق أي مشاقون ل
ورسوله كما قال تعالى #سورة الحشر الية 2
إلى قوله ^ #ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله ومن يشاق ال فإن ال شديد العقاب ^ #
#وقوله تعالى ^ ونحن له مسلمون ^ في العنكبوت فهو مثل قوله ^ ونحن له
مسلمون ^ في البقرة مع دعائهم إلى السلم وكذلك في سورة آل عمران في قوله #
^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به
شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
^ #فقد دعاهم أول إلى السلم وهو عبادة ال وحده ل شريك له وأن ل يتخذ
بعضهم بعضا أربابا من دون ال كما قال تعالى ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو
سبحانه عما يشركون ^ #ثم قال تعالى
فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ #وهذه الية هي التي كتب بها النبي ^ #
إلى قيصر ملك الروم لما دعاه إلى السلم #وقال في كتابه #بسم ال الرحمن
الرحيم من محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما
بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم أسلم يؤتك أجرك مرتين وإن توليت فإنما
عليك إثم الريسيين و ^ #يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد
إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا
^ اشهدوا بأنا مسلمون
فدعاه النبي إلى السلم في كتابه الذي أرسله إليه وقال أيضا في آل عمران # #
سورة آل عمران من اليتان # 80 79فذكر التوحيد في هذه الية وكفر من اتخذ
الملئكة والنبيين أربابا فكيف بمن اتخذ الحبار والرهبان أربابا ثم ذكر اليمان
بخاتم الرسل فقال #سورة آل عمران اليات 85 81
فقد ذكر أنه أخذ الميثاق على النبيين وأممهم مهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم #
جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه #وهذا يتناول المر لكل أهل
الكتاب إذا جاءهم رسول ثاني أن يؤمنوا به وينصرونه وإن كان عندهم من الكتاب
والحكمة ما كان ول يقولون نحن مستغنون بما عندنا من الكتاب والحكمة ل نؤمن
بالرسول الذي جاءنا #ونخص اليمان بمحمد فإنه خاتم الرسل وهو آخر رسول
230
www.anassim.fr.st 231 الن سي ــــ ـــ ـم
جاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب فوجب على من جاءه أن يؤمن به وينصره وإن
كان عنده من الكتاب والحكمة ما كان #وهذا الميثاق أخذه ال على النبياء وأخذوه
على أممهم ثم قال ^ أفغير دين ال يبغون ^ #وهذا هو دين ال الذي أرسل به
رسله وأنزل به كتبه فمن ابتغى غيره فقد ابتغى دين ال وهو دين السلم الذي قال
^ فيه ^ #ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين
فصل #وأما قوله تعالى ^ #ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين
ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له
مسلمون ^ #فهو أمر للمؤمنين أن يقولوا الحق الذي أوجبه ال عليهم وعلى جميع
الخلق ليرضوا به ال وتقوم به الحجة على المخالفين فإن هذا من الجدال بالتي هي
أحسن وهو إن تقول كلما حقا يلزمك ويلزم المنازع لك أن يقوله فإن وافقك وإل
ظهر عناده وظلمه #كما قال تعالى في الية الخرى ^ #قل أتحاجوننا في ال
وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ^ #فإنا مشتركون
في أنه ربنا كلنا وأن عمل كل عامل له ل لغيره
وامتزنا نحن بأنا مخلصون له وأنتم لستم مخلصين له فأوجب هذا أن الحق معنا
دونكم وأن أعمالنا صالحة مقبولة وأعمالكم مردودة #ويشبه ذلك قوله تعالى ^ #
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به
شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون
^ #فأمره لهم أن يقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يتضمن إقامة الحجة عليهم كما كان
المسيح عليه السلم يقول
فصل #ثم قال فأما الذين ظلموا فما يشك أحد في أنهم اليهود الذين سجدوا لرأس
العجل وكفروا بال مرارا كثيرة ليست واحدة وقتلوا أنبياءه ورسله وعبدوا الصنام
وذبحوا للشياطين ليس حيوانات غير ناطقة فقط بل بنيهم وبناتهم حسب ما شهد ال
عليهم قائل على لسان داود النبي عليه السلم في كتاب الزبور في مزمور مائة
وخمسة يقول ذبحوا بنيهم وبناتهم للشياطين وأراقوا دما زكيا دم بنيهم وبناتهم الذين
ذبحوا للمنحوتات بكنعان وقد تنجست الرض بالدماء وتنجست أعمالهم وزنوا
بضعائنهم وسخط الرب عليهم ورذل ميراثهم #وقال أيضا على لسان أشعيا النبي
عليه السلم يقول ال في بني إسرائيل لم يسمعوا وصاياي لم يحفظوا كل ما
أوصيتهم به
بل غيروا ونقضوا الميثاق الذي كنت جعلته لهم إلى البد فلذلك أجلستهم عليهم
الحزن وأهلكتهم وانقطع ممن يبقى منهم الفرح والسرور #هكذا قال ال على سكان
بيت المقدس من بني إسرائيل سأبددهم بين المم وفي تلك اليام يرفعون المم
231
www.anassim.fr.st 232 الن سي ــــ ـــ ـم
دعوتكم فلم تجيبوا وكلمتكم فلم تسمعوا وعملتم الشيء بين يدي #وقال أشعيا أيضا
إن ال قد بغض بني إسرائيل وأخرجهم من بيوتهم ومن بيته ول يغفر لهم لنهم لعنة
وجعلوا لعنة الناس فلذلك أهلكهم ال وبددهم بين المم ول يعود يرحمهم ول ينظر
إليهم برحمة إلى أبد البدين ول يقربوا ل قربانا ول ذبيحة في ذلك اليوم وذلك
الزمان ول يفرح بنو إسرائيل لنهم قد ضلوا عن ال عز وجل #وقال أرميا النبي
عليه السلم كما أن الحبشي ل يستطيع أن يكون أبيضا فكذلك بنو إسرائيل ل
يتركون عادتهم الخبيثة ولذلك إني ل أرحم ول أشفق ول أرق على المة الخبيثة
ول أرثي لها
وقال حزقيل النبي عليه السلم قال ال إنما رفعت يدي عن بني إسرائيل وبددتهم #
بين المم لنهم لم يعملوا بوصاياي ولم يطيعوا أمري وخالفوني فيها فيما قلت لهم
ولم يسمعوا لي #ومثل هذا القول في التوراة وكتب النبياء وزبور داود شيء كثير
يقرونها اليهود في كنائسهم ويقرأونها ول ينكرون منها حرفا واحدا ومثل ما هو
عندهم وكذلك عندنا في جميع اللسن ا ه #والجواب أن يقال أما كون اليهود
ظالمين كافرين معتدين مستحقين لعذاب ال وعقابه فهذا معلوم بالضطرار من دين
محمد منقول بالتواتر كما علم بالضطرار والنقل المتواتر عنه أن النصارى أيضا
ظالمون معتدون كافرون مستحقون لعذاب ال وعقابه وفي اليهود من الكفر ما ليس
في النصارى وفي النصارى ما ليس في اليهود فإن اليهود بدلوا شريعة التوراة قبل
أن يأتيهم المسيح ابن مريم فلما أتاهم كفروا به
وكذبوه فلما بعث محمد كذبوه فباءوا بغضب على غضب #كما قال تعالى عنهم #
سورة البقرة اليات 93 85
فغضب عليهم أول بتكذيب المسيح وثانيا بتكذيب محمد #وقال تعالى # ^ #
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءوا بغضب من
ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبياء بغير
حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ #وقال تعالى ^ #لعن الذين كفروا من بني
إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا ل
يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ^ #وقال تعالى ^ #قل هل أنبئكم
بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير
وعبد الطاغوت ^ #فتبين أن اليهود لعنهم ال وأنهم عبدوا الطاغوت وأنه جعل
232
www.anassim.fr.st 233 الن سي ــــ ـــ ـم
منهم القردة والخنازير ومثل هذا في القرآن كثير لكن قول القائل أنهم
المرادون بقوله تعالى ^ #إل الذين ظلموا منهم ^ #في قوله ^ #ول تجادلوا أهل
الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم ^ #غلط بين ولهذا كان باطل
باتفاق المسلمين #فإن قوله تعالى ^ #ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن
^ #نهى عن مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى إل بالتي هي أحسن #
وقوله ^ #إل الذين ظلموا ^ #من الطائفتين جميعا #ولهذا كان الواجب على
المسلمين إذا جادلهم اليهودي والنصراني أن يجادلوه بالتي هي أحسن إل من ظلم
من الطائفتين فإنه يعاقب باللسان تارة وباليد أخرى كما أمر ال ورسوله بجهاد
الظالمين من هؤلء فجاهد النبي اليهود الذين كانوا
بالمدينة النبوية وحولها وقريبا منها كما جاهد بني قينقاع والنضير وقريظة وأهل
خيبر وأهل وادي القرى وغيرهم
وكما جاهد النصارى عام تبوك غزاهم بالشام عربهم ورومهم وأغزاهم قبل ذلك #
نوابه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد ال بن رواحة وأمرهم بغزوهم
فغزاهم بعده خلفاؤه الراشدون #والنبي لما قدم وفد نجران النصارى جادلهم في
مسجده بالتي هي أحسن ثم أمره ال سبحانه أن يدعوهم إلى المباهلة فامتنعوا عن
مباهلته وأقروا بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون كما تقدم ذلك مفصل فجادل
بعضهم بالتي هي أحسن والظالم منهم عاقبه وجاهده كما عاقب الظالم من اليهود #
ومن أعجب الشياء قولهم وأما الذين ظلموا فل يشك أحد أنهم اليهود فإن هذا من
جنس قولهم ثم وجدنا في الكتاب ما هو أعظم من هذا برهانا
وهو قوله في سورة الشورى ^ #وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل
بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ^ كما تقدم #وهي من جنس قولهم في
قوله ^ #ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون
الصلة ومما رزقناهم ينفقون ^ #أنه عني بالكتاب النجيل والذين يؤمنون بالغيب
النصارى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هم المسلمون وزعمهم
أن قولهم هذا بين ظاهر #وتفاسير النصارى للكتب اللهية فيها من التحريف لكتاب
ال واللحاد في أسماء ال وآياته ما يطول وصفه ول ينقضي التعجب منه لكن
إقدامهم على تفسير القرآن باللحاد والتحريف أعجب وأعجب كقولهم إن محمدا ذكر
أنه لم يرسل إليهم وأنه أثنى على الدين الذي هم عليه بعد النسخ والتبديل بعد مبعثه
وأن
قوله ^ صراط الذين أنعمت عليهم ^ أراد به النصارى #وقوله ^ لقد أرسلنا رسلنا
^ أراد به الحواريين #وقوله ^ وأنزلنا معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس ^ #
أراد به النجيل فإن في هذا من الكذب الظاهر والفتراء على محمد بأنه أراد هذه
233
www.anassim.fr.st 234 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وأما ما نقلوه عن النبياء مما يدل على كفر اليهود فهذا ل ننازعهم فيه ول
حاجة بنا إلى الستدلل بما نقلوه وإن كان فيما يثبت عن النبياء ما يبين كفرهم لما
بدلوا دين موسى عليه السلم كما كفر النصارى لما بدلوا دين المسيح فهذا حق
موافق لما أخبر به خاتم الرسل فإنا قد علمنا كفرهم من جهة ل نشك في صدقها #
وما أخبرونا به عن النبياء إن علمنا صدقهم فيه صدقناهم فيه وإن علمنا كذبهم فيه
كذبناهم فيه وإن لم نعلم صدقه ول كذبه لم نصدقه ولم نكذبه بل نقول ^ #آمنا
بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ^ #فإن اليمان
بجميع ما أوتي النبيون حق واجب لكن وجوب التصديق في النبي المعين الذي لم
نعلمه من غيرهم يقف على مقدمتين 1#أن يكون اللفظ قد قاله النبي
وأن يكون المعنى الذي فسروه به مرادا للنبي الذي تكلم بذلك القول فل بد من 2 #
ثبوت السناد ودللة المتن #وهاتان المقدمتان ل بد منهما في جميع المنقول عن
النبياء #وقد يحتاج إلى مقدمة ثالثة في حق من لم يعرف اللغة العبرية فإن موسى
وداود والمسيح وغيرهم إنما تكلموا باللغة العبرية فمن لم يعرف بها وإنما يعرف
بالعربية أو الرومية ل بد أن يعرف أن المترجم من تلك اللغة إلى هذه قد ترجم
ترجمة مطابقة
فصل #وأما قولهم وأما نحن النصارى فلم نعمل شيئا مما عملته اليهود فيقال لهم
الكفر والفسوق والعصيان لم ينحصر في ذنوب اليهود فإن لم تعملوا مثل أعمالهم
فلكم من القوال والعمال ما بعضه أعظم من كفر اليهود وإن كنتم أنتم ألين من
اليهود وأقرب مودة فأنتم أيضا أجهل وأضل من اليهود #قال تعالى #سورة مريم
اليات # 95 88وقال تعالى #سورة الكهف اليات 5 1
وقال تعالى ^ #قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما #
حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية
عن يد وهم صاغرون ^ #وقال تعالى #سورة التوبة اليتان # 31 30وقال
234
www.anassim.fr.st 235 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال تعالى #سورة المائدة الية # 14وقال تعالى لما قص قصة المسيح عليه #
السلم #سورة مريم اليات # 38 34وقال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا
في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا
^ عن سواء السبيل
فصل #ومن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين وجد اليهود والنصارى
متقابلين هؤلء في طرف ضلل وهؤلء في طرف يقابله والمسلمون هم الوسط #
وذلك في التوحيد والنبياء والشرائع والحلل والحرام والخلق وغير ذلك #
فاليهود يشبهون الخالق بالمخلوق في صفات النقص المختصة بالمخلوق التي يجب
تنزيه الرب سبحانه عنها كقول من قال منهم إنه فقير وإنه بخيل وإنه تعب لما خلق
السماوات والرض والنصارى يشبهون المخلوق بالخالق في صفات الكمال
المختصة بالخالق التي ليس له فيها مثل كقولهم إن المسيح هو ال وابن ال #وكل
من القولين يستلزم الخر #والنصارى أيضا يصفون اللهوت بصفات النقص التي
يجب تنزيه الرب عنها ويسبون ال سبا ما سبه إياه أحد من البشر كما كان معاذ بن
جبل يقول ل ترحموهم فإنهم قد سبوا ال سبة ما سبه
إياها أحد من البشر #واليهود تزعم أن ال يمتنع منه أن ينسخ ما شرعه كما يمتنع
ما ل يدخل في القدرة أو ينافي العلم والحكمة #والنصارى يجوزون لكابرهم أن
ينسخوا شرع ال الذي بعث به رسله فيحللوا ما حرم كما حللوا الخنزير وغيره من
الخبائث بل لم يحرموا شيئا ويحرمون ما حلل كما يحرمون في رهبانيتهم التي
ابتدعوها وحرموا فيها من الطيبات ما أحله ال ويسقطون ما أوجب كما أسقطوا
الختان وغيره وأسقطوا أنواع الطهارة من الغسل وإزالة النجاسة وغير ذلك #
ويوجبون ما أسقط كما أوجبوا من القوانين ما لم يوجبه ال وأنبياؤه #والمسلمون
وصفوا الرب بما يستحقه من صفات الكمال ونزهوه عن النقص وأن يكون له مثل
فوصفوه بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ول تعطيل ومن
غير تكييف ول تمثيل مع
علمهم أنه ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله #وقالوا أل له
الخلق والمر فكما ل يخلق غيره ل يأمر غيره بل الدين كله له هو المعبود المطاع
الذي ل يستحق العبادة إل هو ول طاعة لحد إل طاعته وهو ينسخ ما ينسخه من
شرعه وليس لغيره أن ينسخ شرعه #واليهود بالغوا في اجتناب النجاسات وتحريم
الطيبات والنصارى استحلوا الخبائث وملبسة النجاسات والمسلمون أحل ال لهم
الطيبات خلفا لليهود وحرم عليهم الخبائث خلفا للنصارى #واليهود يبالغون في
طهارة أبدانهم مع خبث قلوبهم والنصارى يدعون أنهم يطهرون قلوبهم مع نجاسة
235
www.anassim.fr.st 236 الن سي ــــ ـــ ـم
يتضمن العلم النافع ودين الحق يتضمن العمل الصالح ليظهره على الدين كله
والظهور يكون بالعلم واللسان ليبين أنه حق وهدى ويكون باليد والسلح ليكون
منصورا مؤيدا وال أظهره هذا الظهور فهم أهل الصراط المستقيم صراط الذين
أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا غير
المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ول يعملون به كاليهود ول الضالين الذين
يعملون ويعبدون ويزهدون بل علم كالنصارى #واليهود قتلوا النبيين والذين
يأمرون بالقسط من الناس والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال
والمسيح ابن مريم #والمسلمون اعتدلوا فآمنوا بال وملئكته وكتبه ورسله ولم
يفرقوا بين أحد من رسله وآمنوا بجميع النبيين وبكل كتاب أنزله ال فلم يكذبوا
النبياء ول سبوهم ول غلوا فيهم ول عبدوهم وكذلك أهل العلم والدين ل يبخسونهم
حقهم ول غلوا فيهم #واليهود يغضبون لنفسهم وينتقمون والنصارى ل يغضبون
لربهم ول ينتقمون #والمسلمون المعتدلون المتبعون لنبيهم يغضبون لربهم ويعفون
عن حظوظهم كما في الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها أنها
هذا في حق نفسه وأما في حدود ال ففي الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها #
#أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول ال فقالوا
من يجترىء عليه إل أسامة بن زيد حب رسول ال فكلمه فيها أسامة فقال #يا
أسامة أتشفع في حد من حدود ال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم
الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدود والذي نفسي بيده لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها #ولقد وصف ال أمة محمد بأنهم أنفع المم
للخلق فقال ^ #كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر وتؤمنون بال ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم
الفاسقون ^ #ففي أمة محمد من المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فيه
صلح العباد في المعاش والمعاد ما لم يوجد مثله في المتين
236
www.anassim.fr.st 237 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #ثم قالوا وكذلك جاء في هذا الكتاب يقول ^ #لتجدن أشد الناس عداوة
للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا
نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون ^ #فذكر القسيسين
والرهبان لئل يقال إن هذا قيل عن غيرنا ودل بهذا على أفعالنا وحسن نياتنا ونفى
عنا اسم الشرك بقوله اليهود والذين أشركوا أشد الناس عداوة للذين آمنوا والذين
قالوا إنا نصارى أقربهم مودة #والجواب أن يقال تمام الكلم #سورة المائدة
اليات # 85 83فهو سبحانه لم يعد بالثواب في الخرة إل لهؤلء الذين آمنوا
بمحمد الذين قال فيهم ^ #وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من
الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ #والشاهدون هم
الذين شهدوا له بالرسالة فشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وهم الشهداء
الذين قال فيهم ^ #وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا ^ #ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله
وفي النصارى من الرحمة والمودة ما ليس في اليهود والعداوة أصلها البغض #
فاليهود كانوا يبغضون أنبياءهم فكيف ببغضهم للمؤمنين #وأما النصارى فليس في
الدين الذي يدينون به عداوة ول بغض لعداء ال الذين حاربوا ال ورسوله وسعوا
في الرض فسادا فكيف بعداوتهم وبغضهم للمؤمنين المعتدلين أهل ملة إبراهيم
المؤمنين بجميع الكتب والرسل #وليس في هذا مدح للنصارى باليمان بال ول
وعد لهم بالنجاة من العذاب واستحقاق الثواب وإنما فيه أنهم أقرب مودة وقوله تعالى
^ #ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون ^ #أي بسبب هؤلء
وسبب ترك الستكبار يصير فيهم من المودة ما يصيرهم بذلك خيرا من المشركين
وأقرب مودة من اليهود والمشركين #ثم قال تعالى ^ #وإذا سمعوا ما أنزل إلى
الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ^ #فهؤلء الذين مدحهم
باليمان ووعدهم بثواب الخرة والضمير وإن عاد إلى المتقدمين فالمراد جنس
المتقدمين ل كل واحد منهم كقوله تعالى
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا ^ #
237
www.anassim.fr.st 238 الن سي ــــ ـــ ـم
حسبنا ال ونعم الوكيل ^ #وكأن جنس الناس قالوا لهم إن جنس الناس قد جمعوا
ويمتنع العموم فإن القائل من الناس والمقول له من الناس والمقول عنه من الناس
ويمتنع أن يكون جميع الناس قال لجميع الناس إنه قد جمع لكم جميع الناس #ومثل
ذلك قوله تعالى ^ #وقالت اليهود عزير ابن ال ^ #أي جنس اليهود قال هذا لم
يقل هذا كل يهودي ومن هذا أن في النصارى من رقة القلوب التي توجب لهم
اليمان ما ليس في اليهود وهذا حق وأما قولهم ونفى عنا اسم الشرك فل ريب أن
ال فرق بين المشركين وأهل الكتاب في عدة مواضع ووصف من أشرك منهم في
بعض المواضع بل قد ميز بين الصابئين والمجوس وبين المشركين في بعض
المواضع وكل المرين حق فالول كقوله تعالى ^ #لم يكن الذين كفروا من أهل
^ الكتاب والمشركين
وقوله تعالى ^ #إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس #
والذين أشركوا ^ #وقال تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين
أشركوا ^ #وأما وصفهم بالشرك ففي قوله ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا
من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه
عما يشركون ^ #فنزه نفسه عن شركهم وذلك أن أصل دينهم ليس فيه شرك فإن
ال إنما بعث رسله بالتوحيد والنهي عن الشرك كما قال تعالى ^ #وسئل من أرسلنا
^ من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون
وقال تعالى ^ #ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت ^ #
#وقال تعالى ^ #وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا
فاعبدون ^ #فالمسيح صلوات ال عليه وسلمه ومن قبله من الرسل إنما دعوا إلى
عبادة ال وحده ل شريك له وفي التوراة من ذلك ما يعظم وصفه لم يأمر أحد
النبياء بأن يعبد ملك ول نبي ول كوكب ول وثن ول أن تسأل ول تطلب الشفاعة
إلى ال من ميت ول غائب ل نبي ول ملك فلم يأمر أحد من الرسل بأن يدعو
الملئكة ويقول اشفعوا لنا إلى ال ول يدعو النبياء والصالحين الموتى والغائبين
ويقول اشفعوا لنا إلى ال ول تصور تماثيلهم ل مجسدة ذات ظل ول مصورة في
الحيطان ول بجعل دعاء تماثيلهم وتعظيمها قربة وطاعة سواء قصدوا دعاء
أصحاب التماثيل وتعظيمهم والستشفاع بهم وطلبوا منهم أن يسألوا ال تعالى
وجعلوا تلك التماثيل تذكرة بأصحابها أو قصدوا دعاء التماثيل ولم يستشعروا أن
المقصود دعاء أصحابها كما فعله جهال المشركين وإن كان في هذا جميعه إنما
يعبدون الشيطان وإن كانوا ل يقصدون عبادته فإنه قد يتصور لهم في صورة ما
يظنون أنها صورة الذي يعظمونه ويقول أنا الخضر أنا المسيح أنا جرجس أنا الشيخ
فلن #كما قد وقع هذا لغير واحد من المنتسبين إلى المسلمين والنصارى وقد يدخل
الشيطان في بعض التماثيل فيخاطبهم وقد يقضي بعض حاجاتهم فبهذا السبب وأمثاله
ظهر الشرك قديما وحديثا وفعل النصارى وأشباههم ما فعلوه من الشرك #وأما
238
www.anassim.fr.st 239 الن سي ــــ ـــ ـم
النبياء والرسل صلوات ال عليهم وسلمه فنهوا عن هذا كله ولم يشرع أحد منهم
شيئا من ذلك والنصارى ل يأمرون بتعظيم الوثان المجسدة ولكن بتعظيم التماثيل
المصورة فليسوا على التوحيد المحض وليسوا كالمشركين الذين يعبدون الوثان
ويكذبون الرسل فلهذا جعلهم ال نوعا من غير المشركين تارة وذمهم على ما
أحدثوه من الشرك تارة #وإذا أطلق لفظ الشرك فطائفة من المسلمين تدخل فيه
جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم كقوله تعالى ^ #ول تنكحو المشركات حتى
يؤمن ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
^
فمن الناس من يجعل اللفظ عاما لجميع الكفار ول سيما النصارى ثم من هؤلء #
من ينهي عن نكاح هؤلء كما كان عبد ال بن عمر ينهى عن نكاح النصرانية
ويقول ل أعلم شركا أعظم من أن تقول إن عيسى ربها #وهذا قول طائفة من
الشيعة وغيرهم #وأما جمهور السلف والخلف فيجوزون نكاح الكتابيات ويبيحون
ذبائحهم لكن إذا قالوا لفظ المشركين عام قالوا هذه الية
مخصوصة أو منسوخة بآية المائدة وهو قوله تعالى ^ #وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا
الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ول متخذي أخدان
^ #وطائفة أخرى تجعل لفظ المشركين إذا أطلق ل يدخل فيه أهل الكتاب #وأما
كون النصارى فيهم شرك كما ذكره ال فهذا متفق عليه بين المسلمين كما نطق به
القرآن كما أن المسلمين متفقون على أن قوله ^ #لتجدن أشد الناس عداوة للذين
آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى
^ #أن النصارى لم يدخلوا في لفظ الذين أشركوا كما لم يدخلوا في لفظ اليهود #
وكذلك قوله ^ #لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ^ #ونحو ذلك
وهذا لن اللفظ الواحد تتنوع دللته بالفراد والقتران
فيدخل فيه مع الفراد والتجريد ما ل يدخل فيه عند القتران بغيره كلفظ المعروف
والمنكر في قوله تعالى ^ #يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ^ #فإنه هنا
يتناول جميع ما أمر ال به فإنه معروف وجميع ما نهى عنه فإنه منكر #وفي قوله
^ ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس
^ #فهنا قرن الصدقة بالمعروف والصلح بين الناس #وكذلك المنكر في قوله #
^ إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ^ #قرن الفحشاء بالمنكر وقوله ^ #إن
ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون ^ #قرن الفحشاء بالمنكر والبغي #وكذلك لفظ البر واليمان
إذا أفرده أدخل فيه العمال الصالحة والتقوى كقوله
ولكن البر من آمن بال واليوم الخرو والملئكة والكتاب والنبيين ^ #وقال ^ ^ #
239
www.anassim.fr.st 240 الن سي ــــ ـــ ـم
إن البرار لفي نعيم ^ #وقوله ^ #إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم
وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ^ #وقد يقرنه بغيره كقوله
^ #وتعاونوا على البر والتقوى ^ #وقوله ^ #إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
^ #وكذلك لفظ الفقير والمسكين إذا أفرد أحدهما دخل فيه معنى الخر #وقد يجمع
^ بينهما في قوله ^ #إنما الصدقات للفقراء والمساكين
فيكونان هنا صنفين وفي تلك المواضع صنف واحد فكذلك لفظ الشرك في مثل #
قوله ^ #إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ^ #يدخل
فيه جميع الكفار أهل الكتاب وغيرهم عند عامة العلماء لنه أفرده وجرده وإن كانوا
إذا قرن بأهل الكتاب كانا صنفين #وفي صحيح مسلم عن بريدة أن النبي #كان إذا
أرسل أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى ال وأوصاه بمن
معه من المسلمين خيرا وقال لهم اغزوا بسم ال في سبيل ال قاتلوا من كفر بال
اغزوا ول تغلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من
المشركين فادعهم إلى إحدى خلل ثلث فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم
ادعهم إلى السلم فإن أجابوك إلى ذلك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول
من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فإن لهم ما للمهاجرين
وعليهم ما عليهم فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين
يجري عليهم حكم ال الذي يجري على المسلمين وليس لهم في الغنيمة والفيء
نصيب إل أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فإن هم أجابوا فاقبل
منهم وكف عنهم #وهذا الحديث كان بعد نزول آية الجزية وهي إنما نزلت عام
تبوك لما قاتل النبي النصارى بالشام واليهود باليمن #وهذا الحكم ثابت في أهل
الكتاب باتفاق المسلمين كما دل عليه الكتاب والسنة ولكن تنازعوا في الجزية هل
تؤخذ من غير أهل الكتاب وهذا مبسوط في موضعه
فصل #قالوا وقال في سورة البقرة ^ #إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى
والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول
خوف عليهم ول هم يحزنون ^ #فساوى بهذا القول بين سائر الناس اليهود
والمسلمين وغيرهم #والجواب أن يقال #أول ل حجة لكم في هذه الية على
مطلوبكم فإنه يسوي بينكم وبين اليهود والصابئين وأنتم مع المسلمين متفقون على
أن اليهود
كفار من حين بعث المسيح إليهم فكذبوه #وكذلك الصابئون من حين بعث إليهم
رسول فكذبوه فهم كفار فإن كان في الية مدح لدينكم الذي أنتم عليه بعد مبعث
محمد ففيها مدح دين اليهود أيضا وهذا باطل عندكم وعند المسلمين #وإن لم يكن
فيها مدح اليهود بعد النسخ والتبديل فليس فيها مدح لدين النصارى بعد النسخ
240
www.anassim.fr.st 241 الن سي ــــ ـــ ـم
والتبديل #وكذلك يقال لليهودي إن احتج بها على صحة دينه #وأيضا فإن
النصارى يكفرون اليهود فإن كان دينهم حقا لزم كفر اليهود وإن كان باطل لزم
بطلن دينهم فل بد من بطلن أحد الدينين فيمتنع أن تكون الية مدحتهما وقد سوت
بينهما #فعلم أنها لم تمدح واحدا منهما بعد النسخ والتبديل وإنما معنى الية أن
المؤمنين بمحمد والذين هادوا الذين اتبعوا موسى عليه السلم وهم الذين كانوا على
شرعه قبل النسخ والتبديل والنصارى الذين اتبعوا المسيح عليه السلم وهم الذين
كانوا على شريعته قبل النسخ والتبديل
والصابئين وهم الصابئون الحنفاء كالذين كانوا من العرب وغيرهم على دين #
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق قبل التبديل والنسخ #فإن العرب من ولد إسماعيل
وغيره الذين كانوا جيران البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل كانوا حنفاء
على ملة إبراهيم إلى أن غير دينه بعض ولة خزاعة وهو عمرو بن لحي وهو أول
من غير دين إبراهيم بالشرك وتحريم ما لم يحرمه ال ولهذا قال النبي #رأيت
عمرو بن لحي يجر قصبه أي أمعاءه في النار وهو أول من بحر البحيرة وسيب
السوائب وغير دين إبراهيم #وكذلك بنو إسحاق الذين كانوا قبل مبعث موسى
متمسكين بدين إبراهيم كانوا من السعداء المحمودين فهؤلء الذين كانوا على دين
موسى والمسيح وإبراهيم ونحوهم هم الذين مدحهم ال تعالى ^ #إن الذين آمنوا
والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم
أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون ^ #فأهل الكتاب بعد النسخ
والتبديل ليسوا ممن آمن بال ول باليوم الخر وعمل صالحا كما قال تعالى ^ #
قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم
ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون ^ #وقد تقدم أنه كفر أهل الكتاب الذين بدلوا دين موسى والمسيح
وكذبوا بالمسيح أو بمحمد في غير موضع وتلك آيات صريحة ونصوص كثيرة
وهذا متواتر معلوم بالضطرار من دين محمد #ولكن هؤلء النصارى سلكوا في
القرآن ما سلكوه في التوراة والنجيل يدعون النصوص المحكمة الصريحة البينة
الواضحة التي ل تحتمل إل معنى واحدا ويتمسكون بالمتشابه المحتمل وإن كان فيه
ما يدل على خلف مرادهم كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم #سورة آل عمران
الية 7
فصل #قالوا ثم مدح قرابيننا وتوعدنا إن أهملنا ما معنا وكفرنا بما أنزل إلينا أن
يعذبنا عذابا أليما لم يعذبه أحد من العالمين بقوله ذلك في سورة المائدة #سورة
المائدة اليات # 115 112فالمائدة هي القربان المقدس الذي يتقرب به في كل
قداس
241
www.anassim.fr.st 242 الن سي ــــ ـــ ـم
والجواب أن يقال #هذا كذب ظاهر على القرآن في هذا الموضع كما كذبتم عليه #
في غير هذا الموضع فإنه ليس في اليات ذكر قرابينكم البتة وإنما فيه ذكر المائدة
التي أنزلها ال تعالى في عهد المسيح عليه السلم وقولهم المائدة هي القربان الذي
يتقرب به في كل قداس هو أول قول ل دليل عليه وثانيا هو قول معلوم الفساد
بالضطرار من دين المسلمين الذين نقلوا هذا القرآن عن محمد لفظه ومعناه فإنهم
متفقون على أن المائدة مائدة أنزلها ال من السماء على عهد المسيح عليه السلم
وقصتها مشهورة في عامة الكتب تعرفها العامة والخاصة ولم يقل أحد إنها قرابين
النصارى وليس في لفظ الية ما يدل على ذلك بل يدل على خلف ذلك فإن الية
تبين أن المائدة منزلة من السماء وقرابينهم هي عندهم في الرض لم تنزل من
السماء #وفي الية أن عيسى قال ^ #اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون
لنا عيدا لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال ال إني منزلها
^ عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين
وفي أول الكلم ^ #إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن #
ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا ال إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها
وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ^ #فأين هذا من
قرابينهم الموجودة اليوم
فصل #قالوا ولما تقدم به القول لنه غير لئق عند ذوي اللباب أن نهمل روح
القدس وكلمة ال الذي شهد لهما في هذا الكتاب بالعظائم فقال عن كلمة ال ^ #وإن
من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ^ #
والجواب #إن ال تعالى لم يبعث محمدا بإهمال ما يجب من حق المسيح عليه
السلم بل أمره باليمان بالمسيح وبما جاء به كما أمره باليمان بموسى وبما جاء به
وكما أمر المسيح باليمان بموسى وبما جاء به ولكنه أمر بإهمال ما ابتدع من الدين
الذي لم يشرعه ال على لسان المسيح عليه السلم وما نسخه ال من شرعه على
لسان محمد فيهمل المبدل والمنسوخ كما أمر ال
المسيح أن يهمل ما ابتدعته اليهود من الدين الذين لم يشرعه وما نسخه من شرع
موسى #فكما أمر المسيح أن يهمل المبدل والمنسوخ من التوراة التي جاء بها
موسى عليه السلم ولم يكن في ذلك إهمال لما يجب من حق التوراة وموسى عليه
السلم فكذلك إذا أهمل المبدل والمنسوخ من دين أهل النجيل لم يكن في ذلك إهمال
لما يجب من حق النجيل والمسيح بل ما جاء به محمد يتضمن اليمان بجميع الكتب
والرسل وأن ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون كما قال تعالى ^ #قولوا آمنا
بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما
أوتى موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له
242
www.anassim.fr.st 243 الن سي ــــ ـــ ـم
مسلمون ^ #والنصارى كاليهود آمنوا ببعض وكفروا ببعض فأيما هو اللئق عند
أولي اللباب أن نؤمن بجميع كتب ال ورسله أو نؤمن ببعض ونكفر ببعض وأيما
هو اللئق عند أولي اللباب أن نعبد ال وحده ل نشرك به شيئا ونعبده بما شرعه
على لسان رسوله أو نبتدع من الشرك والعبادات المبتدعة ما لم ينزل به ال كتابا
ول بعث به رسول ونضاهي المشركين عباد الوثان
قال تعالى ^ #وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك #
قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ #وقال
تعالى ^ #قل يآ أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول
نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا
بأنا مسلمون ^ #فالمسلمون لم يهملوا روح القدس وكلمة ال وقد قال تعالى عن
كلمة ال ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ #بل هم الذين اتبعوا
دينه ودين الرسل قبله فإن دين النبياء عليهم السلم جميعهم واحد كما ثبت في
الصحيحين عن النبي
أنه قال #إنا معاشر النبياء ديننا واحد #وقد قال تعالى ^ #شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا
الصلة ول تتفرقوا فيه ^ #فدين المرسلين كلهم دين واحد ويتنوع شرعهم
ومناهجهم كتنوع شريعة الرسول الواحد فإن دين المسيح هو دين موسى وهو دين
الخليل قبلهما ودين محمد بعدهما مع أن المسيح كان على شريعة التوراة ثم نسخ ال
على لسانه ما نسخ منها وهو قبل النسخ وبعده دينه دين موسى ولم يهمل دين موسى
#كذلك المسلمون هم على دين المسيح وموسى وإبراهيم وسائر الرسل وهم الذين
اتبعوا المسيح ولهذا جعلهم ال فوق النصارى إلى يوم القيامة #والنصارى الذين
بدلوا دين المسيح وكذبوا محمدا
بريئون من دين المسيح والمسيح بريء منهم كبراءة موسى ممن بدل وغير دينه
وكذب المسيح #والمسلمون أشد تعظيما للمسيح عليه السلم واتباعا له بالحق ممن
بدل دينه وخالفه من النصارى فإن المسلمين يصدقونه في كل ما أخبر به عن نفسه
ول يحرفون ما قاله عن مواضعه ول يفسرون كلمه بغير مراده وكلم غيره من
النبياء كما فعلت النصارى فإنهم نقلوا عن المسيح أنه قال عمدوا الناس باسم الب
والبن وروح القدس وهذا إذا قاله المسيح فإنه يفسر بلغته وعادته في خطابه وعادة
سائر النبياء وليس في كلم المسيح ول في كلم سائر النبياء ول كلم غيرهم أن
كلمة ال القائمة بذاته سبحانه وتعالى تسمى ابنا ول روح قدس ول تسمى صفته
القديمة ابنا ول روح قدس ول يوجد قط في كلم النبياء اسم البن واقعا إل على
مخلوق #والمراد في تلك اللغة أنه مصطفى محبوب ل كما ينقلونه أنه قال
لسرائيل أنت ابني بكري ولداود أنت ابني
243
www.anassim.fr.st 244 الن سي ــــ ـــ ـم
وحبيبي وأن المسيح قال للحواريين أبي وأبيكم فجعله أبا للجميع وهم كلهم مخلوقون
فيكون اسم البن واقعا على المسيح الذي هو ناسوت مخلوق فعمد هؤلء الضلل
فجعلوا اسم البن واقعا على اللهوت قديم أزلي مولود غير مخلوق #وزعموا أن
البن يراد به البن بالوضع وهو المخلوق وهو البن بالطبع وهو القديم الزلي
المولود غير المخلوق وهذا التفريق هم أحدثوه وابتدعوه ول يوجد قط في كلم
المسيح ول غيره أنه سمى القديم الزلي ابنا ول جعل له ابنا قديما مولودا غير
مخلوق ول سمى شيئا من صفات ال قط ابنا #وكذلك لفظ روح القدس موجود في
غير موضع من كلم النبياء
عليهم السلم ل يراد بهذا قط حياة ال ول صفة قائمة به #وإنما يراد به ما أيد ال
به النبياء والولياء ويجعله في قلوبهم من هداه ونوره ووحيه وتأييده ومن ما ينزل
بذلك من الملئكة وهذا الذي تسميه النبياء روح القدس لم يختص به المسيح باتفاق
المسلمين وأهل الكتاب بل قد أنزله على غيره من النبياء والصالحين كما هو
موجود في كتبهم إن روح القدس كانت في داود وغيره وكانت أيضا عندهم في
الحواريين #وهكذا خاتم الرسل كان يقول لحسان بن ثابت إن روح القدس معك ما
دمت تدافع عن نبيه ويقول اللهم أيده بروح القدس #وقد قال ال تعالى عن عباده
المؤمنين ^ #ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله
ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان
^ وأيدهم بروح منه
فروح القدس ل اختصاص للمسيح عليه السلم بها بل ما يفسر به اسم البن واسم #
روح القدس وغير ذلك مما وصف به المسيح فهو مشترك بينه وبين غيره من
الرسل وإذا فسروا الحلول بظهور نور ال وعلمه وهداه في النبياء فهذا حق وهو
مشترك بين المسيح وغيره #فأما نفس ذات ال فلم تحل في أحد من البشر #
والمسلمون مع شهادتهم للمسيح بأنه عبد ال ورسوله يقولون إنه مؤيد منصور
عصمه ال من أعدائه وطهره منهم ولم يسلطهم عليه #والنصارى يدعون أن اسم
المسيح اسم اللهوت والناسوت وأنه إله تام وإنسان تام وهذا يمتنع شرعا وعقل ثم
يصفونه بالصفات المتناقضة يصفونه بأن طائفة من أشرار اليهود وضعوا الشوك
على رأسه وبصقوا في وجهه وأهانوه وصلبوه وفعلوا به ما ل يفعل بأخس الناس
ويقولون مع هذا إنه رب السماوات والرض وما بينهما
فصل #قالوا ثم شهد لقرابيننا وذبائحنا أنها مقدسة مقبولة لدى ال من كتب اليهود
التي في أيديهم يومنا هذا المنزلة من ال على أفواه النبياء المرسلين #قال أشعيا
قال ال إني أعرف بني إسرائيل وقلوبهم القاسية الخبيثة فإذا أنا ظهرت إلى المم
فنظروا إلى كرامتي أقيم منها أنبياء وأبعث منهم مخلصين يخلصون المم من
البلدان القاصية الذين لم يسمعوا بسماعي ولم يعرفوا من قبل كرامتي ويكون اسمي
244
www.anassim.fr.st 245 الن سي ــــ ـــ ـم
فيهم ويجلبون إخوتهم من المم كلها ويجيبون قرابين ال على الدواب والمراكب إلى
جبل قدسي بيت المقدس فيقربون لي القرابين بالسميد كما كان بنو إسرائيل من قبل
وكذلك باقي المم وتقرب القرابين بين يدي فهم وزرعهم إلى البد ويحجون في كل
سنة وفي كل شهر ومن سنة إلى سنة إلى بيت المقدس بيت ال ويقربون ل ربهم فيه
قرابين زكية نقية ينظرون إلى المة الخبيثة الماردة بني إسرائيل ل يبلى حزنها ول
ينقطع بلؤها إلى البد
وقال دانياك النبي عليه السلم وسيأتي على شعبك وقرية قدسك سبعون سابوعا #
وتنقضي الذنوب وتفنى الخطايا وغفران الثم ويؤتى بالحق الذي لم ينزل من قبل
وتتم نبوات النبياء وكتب الرسل وتبيد قرية القدس وتخرب مع مجيء المسيح
ويفنى الميثاق العتيق من الناس ومن بعد أسبوع ونصف تبطل ذبائح اليهود
وقرابينهم وتصير على كف النجاسة والفساد إلى انقضاء الدهر
وقال ميخا النبي عليه السلم قال ال في آخر الزمان إذا أتى المسيح يدعو المم #
المبددة ويضعهم شعبا واحدا ويبطل قتال بني إسرائيل وسلحهم وقرابينهم إلى البد
#وقال عاموص النبي ل تذبحوا العجول بعد فإن الرب سيأتي صهيون ويحدث
وصية جديدة طاهرة من الخبز النقي والخمر الزكي ويصير بنو إسرائيل مطرودين
المقدس ويزورون بيت المقدس نفسه وأما قمامة فليس لها ذكر في كتب النبياء
عليهم السلم بل إنما ظهرت قمامة في زمن قسطنطين الملك لما أظهرتها أمه
هيلنة الحرانية لما جاءت بيت المقدس واختارت من اليهود ثلثة وسألتهم أن
يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا فعاقبتهم بالحبس والجوع فدلوها على موضعه
245
www.anassim.fr.st 246 الن سي ــــ ـــ ـم
في مزبلة فاستخرجوه وجعلته في غلف من ذهب وحملته وبنت كنيسة القمامة في
موضعه كما ذكر ذلك ابن البطريق في تاريخه وغيره كما سيأتي وذلك بعد المسيح
بأكثر من ثلث مائة سنة #ومن ذلك الوقت أظهروا الصليب وجعلوا عيد الصليب
ولم يشرع ذلك ل المسيح ول الحواريون وهذا مذكور في كتبهم متفق عليه بين
علمائهم كما قد ذكر في موضع آخر ول هم يأتون بقرابين ل على الدواب
والمراكب إلى جبل قدس بيت ال المقدس
الوجه الثالث أن ما ذكروه عن دانيال ل يتضمن مدح دينهم بعد النسخ والتبديل #
وإنما يتضمن أن ال يبعث المسيح عليه السلم بالحق الذي لم يزل من قبل وهو
الدين الذي بعث به الرسل قبله وهو عبادة ال وحده وأن بيت المقدس يخرب مع
مجيء المسيح ويفنى الميثاق العتيق يعني ما نسخ من شرع التوراة وأنه يبطل ذبائح
اليهود وقرابينهم #وهذا كله إنما يدل على نسخ شرع التوراة وبطلن دولة اليهود
ويدل على أن المسيح جاء بالحق ومن اتبع المسيح كان على الحق وهذا مما ل
ينازع فيه المسلمون فإنهم متفقون على أن من كان متمسكا بما أمر به المسيح فإنه
من عباد ال الصالحين ولكن من جاء بشرع لم يأت به المسيح أو أراد اتباع شرعه
بعد النسخ فهو بمنزلة اليهود الذين نسخ ال ما نسخه من شرعهم وأزال دولتهم
وكذلك فعل بالنصارى لما بعث ال محمدا أزال دولتهم عن وسط الرض وخيارها
وحيث بعثت النبياء كأرض الشام ومصر
وملكهم ول يدل على صحة دين النصارى الذي لم يشرعه المسيح عليه السلم ول
على صحته بعد أن نسخ بشرع محمد نسخا هو أبلغ من نسخ بعض شرع موسى
بشرع المسيح عليه السلم #هذا إذا سمى الشرع المؤقت بغاية مجهولة نسخا فإن
الول لم يبشر بالثاني #وأما إذا كان الول بشر بالثاني وكانت شريعة الول مؤقتة
إلى مجيء الثاني لم يسم ذلك نسخا فالمسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم لم ينسخا
شيئا بل كان شرع موسى إلى مجيء المسيح وشرع المسيح إلى مجيء محمد صلى
ال عليهما وسلم #وأما ما حكي عن أشعيا عن ال أنه قال فإذا ظهرت إلى المم
فهذا قد يحتج به النصارى وبأمثاله من كلم النبياء عليهم السلم على الحلول الذي
ابتدعوه وهو باطل فإن مثل هذا اللفظ مذكور في كتب أهل الكتاب في غير موضع
ول يراد بشيء منها حلول ذات ال في أحد من البشر كما ذكر في التوراة أن ال
عز وجل
استعلن لبراهيم وغيره وأن ال يأتي من طور سيناء ويشرف من ساعير ويستعلن
246
www.anassim.fr.st 247 الن سي ــــ ـــ ـم
من جبال فاران #ومعلوم عند جميع أهل الملل أن ال سبحانه وتعالى لم يحل في
موسى ولغيره لما كلمه ول يحل في شيء من جبال فاران مع إخباره أنه استعلن
منها #وقد قال تعالى ^ #هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ^ #فأظهره بالعلم والحجة والبيان وأظهره باليد والسنان كما قال تعالى #
^ ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة
الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد
زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ^ #قال
أبي بن كعب وغيره مثل نوره في قلب
المؤمن #وقال تعالى ^ #يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين
من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ^ #وقال تعالى ^ #وكذلك أوحينا إليك
روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من
نشاء من عبادنا ^ #وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال #اتقوا
فراسة المؤمن فإنه ينظر
بنور ال ثم قرأ ^ #إن في ذلك ليات للمتوسمين ^ #قال الترمذي حديث حسن
وقد جاء عن بعض السلف أن قلوب المؤمنين تضيء لهل السماوات كما تضي
الكواكب لهل الرض #والمخلوق الذي تظهر محبته وذكره وطاعته في بعض
البلد يقال فلن قد ظهر في هذه الرض فإذا ظهر ذكر ال وذكر أسمائه وصفاته
وتوحيده وآياته وعبادته حتى امتلت القلوب بذلك بعد أن كانت ممتلئة بظلمة الكفر
والشرك كان ذلك مما أخبر به من ظهوره وهذا أعظم ما يكون في بيوته التي يعبد
فيها ويذكر فيها اسمه #ولهذا لما ذكر تعالى آية النور وقال ^ #ال نور السماوات
والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب
دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم
تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب
ال المثال للناس وال بكل شيء عليم ^ #قال عقب ذلك #سورة النور اليات 36
# 38وكذلك ما في الكتب من ظهوره ببيت المقدس فهو كظهوره بطور سيناء
وبجبل فاران ومع هذا فلم يره موسى ول غيره ل مجردا ول حال في غيره وقد
أخبر المسيح أنه لم يره أحد كما أخبر غيره وذلك نفي عام يوجب أنه ل يرى ل
مجردا ول حال في دار الدنيا كما قد بسط هذا في موضع آخر #ومعلوم أن ملبسة
الشيء أبلغ من رؤيته فإذا كان الرب تعالى ل يراه ناسوت فأن ل يلبسه ناسوت
بطريق الولى والحرى والنصارى يزعمون أنه اتحد هو والناسوت وهذا أعظم من
الرؤية
فصل #قالوا فماذا يكون أعظم من هذا برهانا وأقوى شهادة إذ هذه كتب أعدائنا
247
www.anassim.fr.st 248 الن سي ــــ ـــ ـم
المخالفين لديننا وهم يقرون بذلك ويقرأونه في كنائسهم ولم ينكروا منه كلمة واحدة
ول حرفا واحدا #والجواب أن المر إذا كان على ما قالوه من ثبوت هذه الكلمات
عن بعض النبياء فليس فيها مدح لدينهم بعد التبديل فكيف بعد النسخ والتبديل وإنما
فيها إخبار بزوال ملك بني إسرائيل وبنسخ ما نسخ من شرعهم بمجيء المسيح عليه
السلم وهذا دليل على نبوة المسيح وصدقه وهذامما اتفق عليه المسلمون #والمسيح
عليه السلم عندهم كما أخبر ال عنه بقوله تعالى لمريم ^ #إن ال يبشرك بكلمة
منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين ^ ويكلم
^ الناس في المهد كهل ومن الصالحين
وأما قولهم إن هذا وغيره موجود في كتب أعدائنا اليهود #فيقال لهم ل ريب أن #
اليهود يخالفونكم في تفسير الكتب فأنتم تفسرونها بشيء وهم يفسرونها بشيء آخر
وقد يكون كل التفسيرين باطل وحينئذ فيقال لكم كما أن كتب النبياء شاهدة للمسيح
ولدينه وإن خالفتكم اليهود في تفسيرها فكذلك هي شاهدة لمحمد وأمته وإن خالف
أهل الكتاب في تفسيرها كما قد بين ال في كتب النبياء صفة محمد وأمته في غير
موضع #والواجب في الكتب إذا تنازعت المم في تفسيرها أن يبين الحق الذي
يقوم عليه الدليل الشرعي والعقلي وحينئذ تبين أنكم فسرتم كتب ال بأشياء تخالف
مراد ال في أمر التثليث والتحاد وغيره كما فعلت اليهود بتفسير الكتب كما قد بسط
في غير هذا الموضع
فصل #قالوا وأيضا في قول هذا النسان مما أتى في كتابه حيث اتبع القول أنه لم
يرسل إلينا مع تشككه فيما أتى به في هذا الكتاب في سورة سبأ حيث يقول ^ #وإنا
أو وإياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين ^ #وأيضا في سورة الحقاف يقول ^ #
وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ #والجواب أن نقلهم عنه أنه قال إنه لم يرسل
إليهم كذب ظاهر عليه فإن كتابه مملوء بدعوتهم وأمره لهم باليمان به واتباعه بل
وبعموم رسالته إلى جميع الناس بل وإلى الجن والنس وليس فيه قط أنه لم يرسل
إلى أهل الكتاب بل فيه التصريح بدعوة أهل الكتاب في غير موضع كقوله تعالى #
^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به
شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا
فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ #وقد كتب النبي بهذه الية إلى قيصر ملك النصارى
الذي اسمه هرقل بالشام وقد تقدم ذكر ذلك وتقدم أيضا أن قوله تعالى ^ #لتنذر
قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ^ #يقتضي أنه لم ينذر الميين وليس فيه أنه ل
ينذر غيرهم كما أن قوله ^ #وأنذر عشيرتك القربين ^ #يقتضي إنذار قومه ول
ينافي أن ينذر غيرهم من العرب كما أن قوله في قريش ^ #فليعبدوا رب هذا البيت
الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ^ #ل يمنع أن يكون غير قريش
مأمورين بعبادة رب هذا البيت بل أمر ال جميع الثقلين الجن والنس أن يعبدوا رب
248
www.anassim.fr.st 249 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا البيت #فإن قيل فقد سكت عن ما سوى الميين في هذا فيشعر بالنفي بدليل
الخطاب الذي يسمى مفهوم المخالفة قيل ذاك إنما يدل إذا
لم يكن في التخصيص فائدة سوى الختصاص بالحكم ولم يكن هنا تصريح بأن حكم
المسكوت كحكم المنطوق وهنا لما بعث ال محمدا أمره أن ينذر عشيرته القربين
أول ثم ينذر العرب الميين ثم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم وقد تقدم بسط هذا
فصل #وأما قولهم مع تشككه فيما أتى به فمن الكذب البين فإنه تعالى قال #سورة
سبأ اليات # 26 22فإنه لما دعاهم إلى التوحيد وبين أن ما يدعونه من دون ال
ل يملك مثقال ذرة في السماوات ول في الرض ول هو شريك ول هو ظهير ول
ينفع شفيع إل بإذنه نفى بذلك جميع وجوه الشرك فإن ما يشرك به إما أن يكون له
ملك أو شريك في الملك أو يكون معينا فإذا انتفت الثلثة لم يبق إل الشفاعة التي هي
دعاء لك
ومسألة وتلك ل تنفع عنده إل لمن أذن له #ثم ذكر بعد هذا أنه ل رازق يرزق من
السماء والرض إل ال دل بهذا وهذا على التوحيد كما في قوله ^ #وما بكم من
نعمة فمن ال ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ^ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق
منكم بربهم يشركون ^ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ^ #فلما ذكر ما
دل على وجوب توحيده وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى وأن أهل الشرك على
الضلل قال ^ #وإنا أو وإياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين ^ #يقول إن أحد
الفريقين أهل التوحيد الذين ل يعبدون إل ال وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلل
مبين #وهذا من النصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولى وعدو قال لمن
خوطب به قد أنصفك صاحبك كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر
ظلمه الظالم إما أنا وإما أنت ل للشك في المر الظاهر ولكن لبيان أن أحدنا ظالم
ظاهر الظلم وهو أنت ل أنا
فإنه إذا قيل أهل التوحيد الذين يعبدون ال على هدى أو في ضلل مبين وأهل #
الشرك الذين يعبدون ما ل يضر ول ينفع على هدى أو في ضلل مبين #تبين أن
أهل التوحيد على الهدى وأهل الشرك على الضلل وهذا مما يعلمه جميع الملل من
المسلمين واليهود والنصارى يعلمون أن أهل التوحيد على الهدى وأهل الشرك على
الضلل #وفي القرآن في بيان مثل هذا ما ل يحصى إل بكلفة بل قطب القرآن
وسائر الكتب ومدارها على عبادة ال وحده فكيف يقال إن الرسول كان يشك هل
المهتدى هم أهل التوحيد أم أهل الشرك وهل يقول هذا إل من هو في غاية الجهل
والعناد #ثم الية خطاب للمشركين ليست خطابا للنصارى خصوصا
249
www.anassim.fr.st 250 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #وأما قوله تعالى ^ قل ما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ فلفظ الية ^ #قل
ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إلي وما
أنا إل نذير مبين ^ #وهذا بعد قوله ^ #أم يقولون افتراه قل إن افتريته فل تملكون
لي من ال شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور
الرحيم ^ #ونظير هذا قوله #قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول
أقول لكم إني ملك إن أتبع إل ما يوحى إلي قل هي يستوي العمى والبصير أفل
تتفكرون ^ #وهذا قاله نوح عليه السلم أول الرسل وأمر محمد
آخر الرسل أن يقوله ومثل قوله ^ #قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا قل إني لن
يجيرني من ال أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إل بلغا من ال ورسالته ومن يعص
ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ^ #وهذا ونحوه يتضمن اعترافه بأنه
عبد ال ورسول من ال ل يتعدى حد الرسالة ول يدعي المشاركة في اللوهية كما
ادعته النصارى في المسيح ولهذا قال تعالى ^ #ما المسيح ابن مريم إل رسول قد
خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام ^ #فتبين أنه ل يتعدى حد
الرسالة وهو كقوله تعالى ^ #وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن
مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ^ #ولهذا قال وفي الحديث المتفق على صحته #
ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد ال
ورسوله
فقال تعالى ^ #قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ # #
يقول لست أول من أرسل أو ادعى الرسالة بل قد تقدم قبلي رسل ^ #وما أدري ما
يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين ^ #يقول ل أدعي
علم الغيب إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين أنذركم بما أمرني ال أن
أنذركم به ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك وهذا من
كمال صدقه وعدله وعبوديته ل وطاعته وتمييز ما يستحقه الخالق وحده مما
يستحقه العبد فإن العلم بعواقب المور على وجه التفصيل مما استأثر ال بعلمه فل
يعلمه ملك مقرب ول نبي مرسل #وليس من شرط الرسول أن يعلم كل ما يكون
وقوله تعالى ^ #وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ #نفي لعلمه بجميع ما يفعل به
وبهم وهذا ل يعلمه إل ال
تبارك وتعالى وهذا ل ينفي أن يكون عالما بأنه سعيد من أهل الجنة وإن لم يدر
تفاصيل ما يجري له في الدنيا من المحن والعمال وما يتجدد له من الشرائع وما
يكرم به في الخرة من أصناف النعيم فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال #
يقول ال تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر
على قلب بشر وأيضا هذا مأثور عن غيره من النبياء عليهم السلم #ول من
شرط النبي أن يعلم حال المخاطبين من يؤمن به ومن يكفر وتفصيل ما يصيرون
إليه هذا إن قيل إنه لم يعلم بعد هذه الية ما نفى فيها وإن قيل إنه أعلم بذلك فمعلوم
250
www.anassim.fr.st 251 الن سي ــــ ـــ ـم
أن ال لم يعلمه بكل شيء جملة بل أعلمه بالمور شيئا بعد شيء #وقد قال له بعد
ذلك
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته ^ #
عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا ^ #وقال تعالى ^ #هو
الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا ^ #
وفي القرآن والحاديث عنه من الخبار بما سيكون في الدنيا وفي الخرة أضعاف
أضعاف ما يوجد عن النبياء قبله حتى أنه ينبىء عن الشيء الذي يكون بعد ما يبين
من السنين خبرا أكمل من خبر من عاين ذلك كقوله في الحديث الصحيح #ل تقوم
الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار العين ذلف النوف حمر الخدود ينتعلون الشعر
كأن وجوههم المجان المطرقة فمن رأى
هؤلء الترك الذين قاتلهم المسلمون من حين خرج جنكزخان ملكهم الكبر وأولده
وأولد أولده مثل هولكو وغيره من ملوك الترك الكفار الذي قاتلهم المسلمون لم
يحسن أن يصفهم بأحسن من هذه الصفة #وقد أخبر بهذا قبل ظهوره بأكثر من
ستمائة سنة وقوله #ل تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها
أعناق البل ببصرى وهذه النار ظهرت سنة
خمس وخمسين وستمائة بأرض الحجاز فكانت تحرق الحجر ول تنضج اللحم ورأى
أهل بصرى أعناق الجمال من ضوء تلك النار وكانت منذرة بما يكون بعدها ففي
سنة ست وخمسين وستمائة دخل هولكو ملك الكفار بغداد وقتل فيها مقتلة عظيمة
مشهورة وسيأتي إن شاء ال بعض أخبار أنه شاهد الناس وقوعها كما أخبرنا عند
ذكرنا معجزاته
فصل #ثم قالوا مع المر له في فاتحة الكتاب أن يسأل الهداية إلى الصراط
المستقيم صراط الذين أنعم ال عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين فإنه عنى
بقوله المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين الثلث أمم الذين كانوا في عصره
وهم النصارى واليهود وعباد الصنام ولم يكن في زمانه غير هؤلء الثلث أمم #
فالمنعم عليهم نحن النصارى والمغضوب عليهم فل يشك أنهم اليهود الذين غضب
ال عليهم في كتب التوراة والنبياء وهذا الكتاب والضالين فهم عباد الصنام الذين
ضلوا عن ال فهذا أمر واضح بين ظاهر عند كل أحد ول سيما عند ذوي العقول
والمعرفة والصراط هو المذهب أي الطريق وهذه اللفظة رومية لن الطريق
بالرومية اسطراطا #والجواب #أما قولهم المنعم عليهم نحن النصارى فمن
العجائب التي تدل على فرط جهل صاحبها وأعجب من ذلك قولهم إن هذا شيء بين
واضح عند كل أحد ل سيما عند ذوي العقل والمعرفة فيا سبحان ال #ألم يعرف
251
www.anassim.fr.st 252 الن سي ــــ ـــ ـم
العام والخاص علما ضروريا ل تمكن المنازعة فيه من دين محمد ودين أمته الذي
تلقوه عنه من تكفير النصارى وتجهيلهم وتضليلهم واستحلل جهادهم وسبي
حريمهم وأخذ أموالهم ما يناقض كل المناقضة أن يكون محمدا وأمته في كل صلة
يقولون اللهم اهدنا صراط النصارى #وهل ينسب محمدا وأمته إلى أنهم في كل
صلة يطلبون من ال أن يهديهم صراط النصارى إل من هو من أكذب الكذابين
وأعظم الخلق افتراء ووقاحة وجهل وضلل #ولو كانوا يسألون ال هداية طريق
النصارى لدخلوا في دين النصارى ولم يكفروهم ويقاتلوهم ويضعوا عليهم الجزية
التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون ولم يشهدوا عليهم بأنهم من أهل النار وأمته
أخذوا ذلك جميعه عنه منقول عنه بالنقل المتواتر بإجماعهم لم يبتدعوا ذلك كما
ابتدعت النصارى من العقائد والشرائع ما لم يأذن به ال فل يلم المسلمون في
اتباعهم لرسول ال الذي جاء بالبينات والهدى #ومحمد إن كان رسول صادقا فقد
كفر
النصارى وأمر بجهادهم وتبرأ منهم ومن دينهم وإن كان كاذبا لم يقبل شيء مما نقله
عن ال عز وجل #وقد تقدم غير مرة قوله تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال
ثالث ثلثة ^ ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ^ #وقالت
النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل
قاتلهم ال أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن
مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ #فمن
يقول عن النصارى مثل هذه القوال هل يأمر أمته في كل صلة أن يقولوا اهدنا
طريقهم #ثم يقال أي شيء في الية مما يدل على أن قوله صراط الذين أنعمت
عليهم هم النصارى #وإنما المنعم عليهم هم الذين ذكرهم ال في قوله تعالى ^ #
ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين
^ والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
فهؤلء هم الذين أمر ال عباده أن يسألوا هداية صراطهم #وأما النصارى الذين #
كانوا على دين المسيح قبل النسخ والتبديل فهم من المنعم عليهم كما أن اليهود الذين
كانوا على دين موسى قبل النسخ والتبديل كانوا من المنعم عليهم #وأما النصارى
بعد النسخ والتبديل فهم من الضالين ل من المنعم عليهم عند ال ورسوله كما قال
تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد
ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #وقال تعالى ^ #أسمع
بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ #وعباد الصنام من
الضالين المغضوب عليهم وقد قال النبي #اليهود مغضوب عليهم والنصارى
ضالون رواه المام
أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم عن النبي وقال الترمذي هذا حديث صحيح #
وسبب ذلك أن اليهود يعرفون الحق ول يعملون به والنصارى يعبدون بل علم وقد
252
www.anassim.fr.st 253 الن سي ــــ ـــ ـم
وصف ال اليهود بأعمال والنصارى بأعمال فوصف اليهود بالكبر والبخل والجبن
والقسوة وكتمان العلم وسلوك سبيل الغي وهو سبيل الشهوات والعدوان #وذكر عن
النصارى الغلو والبدع في العبادات والشرك والضلل واستحلل محارم ال فقال
تعالى #سورة النساء اليات 173 171
وقال تعالى ^ #ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال فما #
رعوها حق رعايتها ^ #أي لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان ال لم نكتب عليهم
الرهبانية بل هم ابتدعوها ومع ابتداعهم إياها فما رعوها حق رعايتها وكل بدعة
ضللة فهم مذمومون على ابتداع الرهبانية وعلى أنهم لم يرعوها حق رعايتها
وأما ما كتب عليهم من ابتغاء رضوان ال فيحصل بفعل ما شرعه ال لهم من #
واجب ومستحب فإن ذلك هو الذي يرضاه ومن فعل ما يرضاه ال فقد فعل ما كتب
عليه ويحصل رضوان ال أيضا بمجرد فعل الواجبات وهذا هو الذي كتب على
العباد فإذا لم يكتب عليهم إل ابتغاء رضوان ال كان ابتغاء رضوانه واجبا فما ليس
بواجب ل يشترط في حصول ما كتب عليهم #ولهذا ضعف أحمد بن حنبل وغيره
الحديث المروي أول الوقت رضوان ال وآخره عفو ال فإن من صلى في آخر
الوقت كما أمر فقد فعل الواجب وبذلك يرضى ال عنه وإن كان فعل المستحبات
والمسابقة إلى الطاعات أبلغ في إرضاء ال ويحصل له بذلك من رضوان ال
ومحبته ما ل يحصل بمجرد الواجبات #كما قال موسى عليه السلم ^ #وعجلت
إليك رب لترضى ^ #وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي
هريرة عن النبي أنه قال #يقول ال تعالى من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة
وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده
التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي
فلئن سألني لعطينه ولئن استعاذ بي لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي
عن قبض روح عبدي
المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ول بد له منه فقوله حتى أحبه يريد المحبة
المطلقة الكاملة #وأما أصل المحبة فهي حاصلة بفعل الواجبات فإن ال يحب
المتقين والمقسطين ومن أدى الواجبات فهو من المتقين المقسطين #وقال تعالى
فيهم ^ #وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين
كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال
والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما
يشركون ^ #وقال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #وهو
سبحانه خاطب النصارى بهذا لن النصارى يعتمدون في دينهم على ما يقوله
كبراؤهم الذين وضعوا لهم القوانين والنواميس
253
www.anassim.fr.st 254 الن سي ــــ ـــ ـم
ويسوغون لكابرهم الذين صاروا عندهم عظماء في الدين أن يضعوا لهم شريعة
وينسخوا بعض ما كانوا عليه قبل ذلك ل يردون ما يتنازعون فيه من دينهم إلى ال
ورسله بحيث ل يمكنون أحدا من الخروج عن كتب ال المنزلة كالتوراة والنجيل
وعن اتباع ما جاء به المسيح ومن قبله من النبياء عليهم السلم #ولهذا قال تعالى
^ #قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل وما أنزل إليكم
من ربكم ^ #بل ما وضعه لهم أكابرهم من القوانين الدينية والنواميس الشرعية
بعضها ينقلونه عن النبياء وبعضها عن الحواريين وكثير من ذلك ليس منقول ل
عن النبياء ول عن الحواريين بل من وضع أكابرهم وابتداعهم #كما ابتدعوا لهم
المانة التي هي أصل عقيدتهم وابتدعوا لهم الصلة إلى الشرق وابتدعوا لهم تحليل
لحم الخنزير وسائر
المحرمات وابتدعوا لهم الصوم وقت الربيع وجعلوه خمسين يوما وابتدعوا لهم
أعيادهم كعيد الصليب وغيره من العياد #وكذلك قال النبي لعدي بن حاتم لما
سمعه يقرأ هذه الية ^ #اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ^ #فقال لم
يعبدوهم فقال له النبي إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحرام
فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم #ولهذا قال تعالى ^ #ول تتبعوا أهواء قوم قد
ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #فإنهم يتبعون أهواء
أكابرهم الذين مضوا من قبلهم وأولئك ضلوا من قبل هؤلء وأضلوا أتباعهم وهم
كثيرون وضلوا عن سواء السبيل وهو وسط السبيل وهو الصراط المستقيم فإن
كانوا هم وأتباعهم ضالين عن الصراط المستقيم فكيف يجوز أن يأمر ال عباده أن
يسألوه أن يهديهم الصراط المستقيم ويعني به صراط هؤلء الضالين المضلين عن
سواء السبيل وهو الصراط المستقيم #وقد قال سبحانه ^ ول تتبعوا أهواء ^ هؤلء
لن أصل ابتداعهم هذه البدعة من أنفسهم مع ظن كاذب فكانوا ممن قيل فيهم ^ #
إن يتبعون إل الظن وما تهوى النفس ولقد جاؤهم من ربهم الهدى ^ #وممن قيل
فيه ^ #ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال ^ #وسبب ذلك أن المسيح
لما رفع إلى السماء وعاداه اليهود وعادوا أتباعه عداوة شديدة وبالغوا في أذاهم
وإذللهم وطلب قتلهم ونفيهم صار في قلوبهم من بغض اليهود وطلب النتقام منهم
ما ل يوصف فلما صار لهم دولة وملك مثل ما صار لهم في دولة قسطنطين صاروا
يريدون مقابلة اليهود #كما جرت العادة في مثل ذلك بين الطوائف المتقابلة
المتنازعين في الملك والمتنازعين في البدع كالخوارج والروافض
254
www.anassim.fr.st 255 الن سي ــــ ـــ ـم
يحرمه اليهود كالخنزير وغيره وصاروا يمتحنون من دخل في دينهم بأكل الخنزير
فإن أكله وإل لم يجعلوه نصرانيا
وتركوا الختان وقالوا إن المعمودية عوض عنه وصلوا إلى قبلة غير قبلة اليهود #
#وكان اليهود قد أسرفوا في ذم المسيح عليه السلم وزعموا أنه ولد زنا وأنه كذاب
ساحر #فغلوا هؤلء في تعظيم المسيح وقالوا إنه ال وابن ال وأمثال
ذلك وصار من يطلب أن يقول فيه القول العدل مثل كثير من علمائهم وعبادهم
يجمعون له مجمعا ويلعنونه فيه على وجه التعصب واتباع الهوى والغلو فيمن
يعظمونه كما يجري مثل ذلك لهل الهواء كالفلة في بعض المشايخ وبعض أهل
البيت وبعض العلماء وبعض الملوك وبعض القبائل وبعض المذاهب وبعض
الطرائق فإنما كان مصدر ضللهم أهواء نفوسهم قال تعالى للنصارى الذين كانوا
في وقت النبي ومن بعدهم ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #وأما
قولهم إن الصراط هو المذهب أي الطريق وهذه لفظة رومية لن الطريق بالرومية
اسطراطا #فيقال لهم الصراط في لغة العرب هو الطريق يقال هو الطريق الواضح
ويقال هو الطريق المحدود بجانبين الذي ل يخرج عنه ومنه الصراط المنصوب
على جهنم وهو الجسر الذي يعبر عليه المؤمنون إلى الجنة وإذا عبر عليه الكفار
سقطوا في جهنم ويقال فيه معنى الستواء والعتدال الذي يوجب سرعة العبور
عليه وفيه ثلث لغات هي ثلث قراءات الصراط والسراط والزراط وهي لغة
عربية عرباء ليست من المعرب ول مأخوذة من لغة الروم كما زعموا #ويقال
أصله من قولهم سرطت الشيء أسرطه سرطا إذا ابتلعته واسترطته ابتلعته فإن
المبتلع يجري بسرعة في مجرى محدود #ومن أمثال العرب ل تكن حلوا فتسترط
ول مرا فتعفى من قولهم أعفيت الشيء إذا أزلته من فيك لمرارته ويقال فلن
يسترط ما يأخذ من الدين #وحكى يعقوب بن السكيت الخذ سريط والقضاء صريط
والسرطاط الفالوذج لنه يسترط استراطا وسيف سراطي أي قاطع فإنه ماض سريع
المذهب في مضربه #فالصراط هو الطريق المحدود المعتدل الذي يصل سالكه إلى
مطلبه بسرعة وقد ذكر ال لفظ الصراط في كتابه في غير موضع ولم يسم ال سبيل
الشيطان سراطا بل سماها سبل وخص طريقه باسم الصراط كقوله تعالى
وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ^ # ^ #
وفي السنن عن عبد ال بن مسعود قال خط لنا رسول ال خطا وخط خطوطا عن
يمينه وشماله ثم قاله #هذا سبيل ال وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو
إليه من أجابه قذفه في النار ثم قرأ ^ #وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ^ #فسمى سبحانه طريقه صراطا وسمى تلك
سبل ولم يسمها صراطا كما سماها سبيل وطريقه يسميه سبيل كما يسميه صراطا
255
www.anassim.fr.st 256 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قال الحاكي عنهم فقلت إنهم ينكرون علينا في قولنا أب وابن وروح قدس
وأيضا في قولنا إنهم ثلثة أقانيم وأيضا في قولنا إن المسيح رب وإله وخالق وأيضا
يطلبون منا إيضاح تجسيد تجسم كلمة ال الخالق بإنسان مخلوق #أجابوا قائلين لو
علموا قولنا هذا إنما نريد به القول الذي يعني أن ال شيء حي ناطق لما أنكروا
علينا ذلك لننا معشر النصارى لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن شيئا غيرها
أحدثها إذ ل يمكن حدوثها من ذواتها لما فيها من التضاد والتقلب #فقلنا إنه شيء ل
كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء وذلك لننفي عنه العدم ورأينا الشياء
المخلوقة تنقسم قسمين شيء حي وشيء غير حي فوصفناه بأجملهما فقلنا هو شيء
حي لننفي
الموت عنه ورأينا الحي ينقسم قسمين حي ناطق وحي غير ناطق فوصفناه
بأفضلهما فقلنا هو شيء حي ناطق لننفي الجهل عنه #والثلثة أسماء وهي إله
واحد مسمى واحد ورب واحد خالق واحد شيء حي ناطق أي الذات والنطق والحياة
فالذات عندنا الب الذي هو ابتداء الثنين والنطق البن الذي هو مولود منه لولدة
النطق من العقل والحياة روح القدس وهذه أسماء لم نسمه نحن بها #والجواب من
وجوه #أحدها قولهم أما قولنا أب وابن وروح قدس فلو علموا قولنا هذا إنما نريد
به تصحيح القول بأن ال حي ناطق لما أنكروا ذلك علينا فيقال ليس المر كما
ادعوه فإن النصارى يقولون إن هذا القول تلقوه عن النجيل وإن في النجيل عن
المسيح صلوات ال عليه وسلمه أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح
القدس فكان أصل قولهم هو ما يذكرونه من أنه متلقى من الشرع المنزل ل أنهم
أثبتوا الحياة والنطق بمعقولهم ثم عبروا عنها بهذه العبارات كما ادعوه في مناظرتهم
ولو كان المر كذلك لما احتاجوا إلى هذه العبارة ول إلى جعل القانيم ثلثة بل #
معلوم عندهم وعند سائر أهل الملل أن ال موجود حي عليم قدير متكلم ل تختص
صفاته بثلثة ول يعبر عن ثلثة منها بعبارة ل تدل على ذلك وهو لفظ الب والبن
وروح القدس فإن هذه اللفاظ ل تدل على ما فسروها به في لغة أحد من المم ول
يوجد في كلم النبياء أنه عبر بهذه اللفاظ عما ذكروه من المعاني بل إثبات ما
256
www.anassim.fr.st 257 الن سي ــــ ـــ ـم
ادعوه من التثليث والتعبير عنه بهذه اللفاظ هو مما ابتدعوه لم يدل عليه ل شرع
ول عقل #وهم يدعون أن التثليث والحلول والتحاد إنما صاروا إليه من جهة
الشرع وهو نصوص النبياء والكتب المنزلة ل من جهة العقل وزعموا أن الكتب
اللهية نطقت بذلك ثم تكلفوا لما ظنوه مدلول الكتاب طريقا عقلية فسروه بها تفسيرا
ظنوه جائزا في العقل ولهذا نجد النصارى ل يلجأون في التثليث والتحاد إل إلى
الشرع والكتب وهم يجدون نفرة عقولهم وقلوبهم عن التثليث والتحاد والحلول فإن
فطرة ال التي فطر الناس عليها وما جعله ال في قلوب الناس من المعارف العقلية
التي قد يسمونها ناموسا عقليا طبيعيا يدفع ذلك وينفيه وينفر عنه ولكن يزعمون أن
الكتب اللهية جاءت بذلك وأن ذلك أمر يفوق العقل وأن هذا الكلم من طور وراء
طور العقل
فينقلونه لظنهم أن الكتب اللهية أخبرت به ل لن العقول دلت عليه مع أنه ليس في
الكتب اللهية ما يدل على ذلك بل فيها ما يدل على نقيضه كما سنذكره إن شاء ال
تعالى ول يميزون بين ما يحيله العقل ويبطله ويعلم أنه ممتنع وبين ما يعجز عنه
العقل فل يعرفه ول يحكم فيه بنفي ول إثبات وأن الرسل أخبرت بالنوع الثاني ول
يجوز أن تخبر بالنوع الول فلم يفرقوا بين محالت العقول ومحارات العقول وقد
ضاهوا في ذلك من قبلهم من المشركين الذين جعلوا ل ولدا شريكا #قال تعالى #
^ وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ #وقد ضاهاهم في
ذلك أهل البدع والضلل المشبهون لهم من المنتسبين إلى السلم الذين يقولون نحو
قولهم من الغلو في النبياء وأهل البيت والمشايخ وغيرهم ومن يدعي الوحدة أو
الحلول أو التحاد الخاص المعين كدعوى النصارى ودعوى الغالية من الشيعة في
علي وطائفة من أهل البيت كالنصيرية ونحوهم ممن يدعي
إلهية علي وكدعوى بعض السماعيلية اللهية في الحاكم وغيره من بني عبد ال بن
ميمون القداح المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر #ودعوى كثير من الناس
نحو ذلك في بعض الشيوخ إما المعروفين بالصلح وإما من يظن به الصلح وليس
من أهله فإن لهم أقوال من جنس أقوال النصارى وبعضها شر من أقوال النصارى
#وعامة هؤلء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى هذا أمر
فوق العقل ويقول بعضهم ما كان يقوله التلمساني لشيخ أهل الوحدة يقول ثبت عندنا
في الكشف
ما يناقض صريح النقل ويقولون لمن أراد أن يسلك سبيلهم دع العقل والنقل أو
اخرج من العقل والنقل #وينشدون فيهم % #مجانين إل أن سر جنونهم %عزيز
على أقدامه يسجد العقل % # %هم معشر حلوا النظام وحرقوا %السياج فل
%فرض لديهم ول نقل
وهؤلء مقلدون لمشايخهم متبعون لهم فيما يخرجون به عن شريعة الرسول وما #
257
www.anassim.fr.st 258 الن سي ــــ ـــ ـم
ابتدعوه مما لم يأذن به ال باتخاذ البدع عبادات واستحلل المحرمات كتقليد بعض
النصارى لشيوخهم وإذا اعترض على أحد منهم يقولون الشيخ يسلم له حاله ول
يعترض عليه كما يقول النصارى لشيوخهم ومن هؤلء من يقول نحن أولد ال
ويقول المسيح هو ولد ال وينطق أيضا بلفظ الشهوة فيقول إنهم أولد شهوة ويقول
إنه زوج مريم كما يقول ذلك من يقوله من النصارى #وغاية ما عندهم أنهم
يحكون عن شيوخهم نوعا من خرق العادات قد يكون كذبا وقد يكون صدقا وإذا
كانت صدقا فقد يكون من أحوال أولياء الشيطان كالسحرة والكهان وقد يكون من
أحوال أولياء الرحمن وإذا كانت من أحوال أولياء الرحمن لم يكن في ذلك ما يوجب
تقليد الولي في كل ما يقوله إذ الولي ل يجب أن يكون معصوما ول يجب اتباعه في
كل ما يقوله ول اليمان بكل ما يقوله #وإنما هذا من خصائص النبياء الذين يجب
اليمان بكل ما يقولونه فيجب تصديقهم في كل ما يخبرون به من الغيب وطاعتهم
فيما أوجبوه على المم ومن كفر بشيء مما جاؤوا به فهو كافر ومن سب نبيا واحدا
وجب قتله وليس هذا لغير النبياء من الصالحين #فهؤلء المبتدعة الغلة
المشركون القائلون بنوع من الحلول هم
مضاهئون للنصارى بقدر ما شابهوهم فيه وخالفوا فيه دين المسلمين ومنهم من
تكون موافقته لدين المسلمين أكثر وأما الغلة منهم فموافقتهم للنصارى أكثر ومنهم
من هو أكفر من النصارى ولما كان مستند النصارى هو ما ينقلونه إما عن النبياء
وإما عن غيرهم ممن يوجبون اتباعه كانوا إذا أوردوا على علمائهم ما يقتضي
امتناع ذلك قالوا هكذا في الكتاب وبهذا نطق الكتاب وهذه الكتب جاءت بها الرسل
يعنون المؤيدين بالمعجزات ويعنون بالرسل الحواريين فاعتصامهم بها إنما هو لما
ظنوه مذكورا في الكتب اللهية وإن رأوه مخالفا لصريح المعقول #ولهذا ينهون
جمهورهم عن البحث والمناظرة في ذلك لعلمهم بأن العقل الصريح متى تصور
دينهم علم أنه باطل فدعوى المدعين أنا إنما قلنا أب وابن وروح قدس لتصحيح
القول بأن ال حي ناطق كذب ظاهر وهم يعلمون أنه كذب وتصحيح القول بأن ال
حي متكلم ل يقف على هذه العبارة بل يمكنه تصحيح ذلك بالدلة الشرعية والسمعية
والعقلية والتعبير عنه بالعبارات البين
ة كما يقوله المسلمون وغيرهم بدون قولنا أب وابن وروح قدس #ومما يبين ذلك
الوجه الثاني وهو أن النصارى المقرون بأن
هذه العبارة في النجيل المأخوذ عن المسيح مختلفون في تفسير هذا الكلم فكثير
منهم يقول الب هو الوجود والبن هو الكلمة وروح القدس هو الحياة #ومنهم من
يقول بل الب هو الوجود والبن هو الكلمة وروح القدس هو القدرة #وبعضهم
يقول إن القانيم الثلثة جواد حكيم قادر فيجعل الب هو الجواد والبن هو الحكيم
وروح القدس هو القادر ويزعمون أن جميع الصفات تدخل تحت هذه الثلثة
ويقولون إنا استدللنا على وجوده بإخراجه الشياء من العدم إلى الوجود وذلك من
258
www.anassim.fr.st 259 الن سي ــــ ـــ ـم
جوده #وقد رأيت في كتب النصارى هذا وهذا وهذا ومنهم من يعبر عن الكلمة
بالعلم فيقولون موجود حي عالم أو موجود عالم قادر كما يقول بعضهم ناطق ومنهم
من يقول موجود حي حكيم ومنهم من يقول قائم بنفسه حي حكيم وهم متفقون على
أن المتحد بالمسيح والحال فيه هو أقنوم الكلمة وهو الذي يسمونه البن دون الب
ومن انكر الحلول والتحاد منهم كالريوسية يقول إن المسيح عليه السلم عبد
مرسل كسائر الرسل صلوات ال عليهم وسلمه فوافقهم على لفظ الب والبن
وروح القدس ول يفسر ذلك بما يقوله منازعوه من الحلول والتحاد
كما أن النسطورية يوافقونهم أيضا على هذا اللفظ وينازعونهم في التحاد الذي #
يقوله اليعقوبية والملكية فإذا كانوا متفقين على اللفظ متنازعين في معناه علم أنهم
صدقوا أول باللفظ لجل اعتقادهم مجيء الشرع به ثم تنازعوا بعد ذلك في تفسير
الكتاب كما يختلفون هم وسائر أهل الملل في تفسير بعض الكلم الذي يعتقدون أنه
منقول عن النبياء عليهم السلم وعلم بذلك أن أصل قولهم الب والبن وروح
القدس لم يكن لجل تصحيح القول بأن ال موجود حي ناطق الذي علموه أول
بالعقل #يوضح هذا الوجه الثالث وهو قولهم إنما لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن
شيئا غيرها أحدثها إن كان المتكلم بهذا طائفة معينة من النصارى فيقال لهؤلء
القول بالب والبن وروح القدس موجود عند النصارى قبل وجودكم وقبل نظركم
هذا واستدللكم فل يجوز أن يكون نظركم هو الموجب لقول النصارى هذا وإن كان
المراد به أن جميع النصارى من حين قالوا هذا الكلم نظروا واستدلوا حتى قالوا
ذلك فهذا كذب بين فإن هذا الكلم يقول النصارى إنهم تلقوه من النجيل وأن المسيح
عليه السلم قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس
والمسيح والحواريون لم يأمروهم بهذا النظر الموجب لهذا القول ول جعل المسيح #
هذا القول موقوفا عندهم على هذا البحث فعلم أن جعلهم هذا القول ناشئا عن هذا
البحث قول باطل يعلمون هم بطلنه #الوجه الرابع إن هذا القول إن كان المسيح لم
يقله فل يجوز أن يقال ولو عنى به النسان معنى صحيحا فإن هذه العبارة إنما يفهم
منها عند الطلق المعاني الباطلة ولهذا يوجد كثير من عوام النصارى يعتقدون أن
المسيح ابن ال البنوة المعروفة في المخلوقات ويقولون إن مريم زوجة ال وهذا
لزم لعامة النصارى وإن لم يقولوه فإن الذي يلد ل بد له من زوجة #ولهذا قال
تعالى ^ #أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء
عليم ^ #وجعل الرب والد المولود أنكر في العقول من إثبات صاحبة له سواء
فسرت الولدة بالولدة المعروفة أو بالولدة العقلية التي يقولها علماء النصارى فإن
من أثبت صاحبة له يمكنه تأويل ذلك كما تأولوا هم الولد ويقولون إن الب ولدت
منه الكلمة ومريم ولد منها الناسوت واتحد الناسوت باللهوت فكما أن الب أب
باللهوت ل بالناسوت ومريم أم للناسوت ل للهوت فكذلك هي صاحبة للب
بالناسوت واللهوت زوج مريم بلهوته كما أنه أب للمسيح
259
www.anassim.fr.st 260 الن سي ــــ ـــ ـم
بلهوته وإذا اتحد اللهوت بناسوت المسيح مدة طويلة فلماذا يمتنع أن يجتمع
اللهوت بناسوت مريم مدة قصيرة وإذا جعل الناسوت الذي ولدته ابنا للهوت فلي
شيء ل تجعل هي صاحبة وزوجة للهوت فإن المسيح عندهم اسم لمجموع
اللهوت والناسوت وهو عندهم إله تام وإنسان تام فلهوته من ال وناسوته من
مريم فهو من أصلين لهوت وناسوت فإذا كان أحد الصلين أباه والخر أمه فلماذا
ل تكون أمه زوجة أبيه بهذا العتبار مع أن المصاحبة قبل البنوة فكيف يثبت الفرع
الملزوم بدون ثبوت الصل اللزم #وليس في ذلك من المحال على أصلهم إل ما
هو من جنس إثبات بنوة المسيح وأقل امتناعا وإن كان المسيح عليه السلم قال هذا
الكلم فقد علمنا أن المسيح عليه السلم وغيره من النبياء معصومون ل يقولون إل
الحق وإذا قالوا قول فل بد له من معنى صحيح #ويمتنع أن يريدوا بقولهم ما يمتنع
بطلنه بسمع أو عقل فإذا كانت العقول ونصوص الكتب المتقدمة مع نصوص
القرآن تناقض ما ابتدعته النصارى في المسيح علم أن المسيح لم يرد معنى باطل
يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول #بل نقول في الوجه الخامس إن صحت
هذه العبارة عن المسيح
المعصوم عليه الصلة والسلم فإنه أراد بذلك ما يناسب سائر كلمه وفي الموجود
في كتبهم تسمية الرب أبا وتسمية عباده أبناء كما يذكرون أنه قال في التوراة
ليعقوب إسرائيل أنت ابني بكري وقال لداود في الزبور أنت ابني وحبيبي وفي
النجيل في غيرموضع يقول المسيح أبي وأبيكم كقوله إني أذهب إلى أبي وأبيكم
وإلهي وإلهكم فيسميه أبا لهم كما يسميهم أبناء له فإن كان هذا صحيحا فالمراد بذلك
أنه الرب المربي الرحيم فإن ال أرحم بعباده من الوالدة بولدها والبن هو المربى
المرحوم فإن تربية ال لعبده أكمل من تربية الوالدة لولدها فيكون المراد بالب الرب
والمراد بالبن عنده المسيح الذي رباه #وأما روح القدس فهي لفظة موجودة في
غير موضع من الكتب التي عندهم وليس المراد بها حياة ال باتفاقهم بل روح القدس
عندهم تحل في إبراهيم وموسى وداود وغيرهم من النبياء الصالحين
والقرآن قد شهد أن ال أيد المسيح بروح القدس كما قال تعالى ^ #وآتينا عيسى #
ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ #في موضعين من البقرة #وقال تعالى #
^ ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ^ #وقد
قال النبي لحسان بن ثابت #إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه وقال #
اللهم أيده بروح القدس كما تقدم ذكره هذا كله مبسوطا #وروح القدس قد يراد بها
الملك المقدس كجبريل ويراد بها الوحي والهدى والتأييد الذي ينزله ال بواسطة
الملك أو بغير واسطته وقد يكونان متلزمين فإن الملك ينزل بالوحي والوحي ينزل
به الملك وال تعالى يؤيد رسله بالملئكة وبالهدى كما قال تعالى عن نبيه محمد ^ #
^ فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها
في موضعين من سورة براءة #وقال ال تعالى ^ #فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا #
260
www.anassim.fr.st 261 الن سي ــــ ـــ ـم
لم تروها #وقال تعالى ^ #إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا
^ #وقال تعالى ^ #ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال
ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم
اليمان وأيدهم بروح منه #وقال ال تعالى ^ #ينزل الملئكة بالروح من أمره
على من يشاء من عباده ^ #وقال تعالى ^ #يلقى الروح من أمره على من يشاء
من عباده لينذر يوم التلق ^ #وقال ^ #وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما
كنت تدري ما الكتاب ول اليمان
ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ^ #وإذا كان روح القدس معروفا
في كلم النبياء المتقدمين والمتأخرين أنها أمر ينزله ال على أنبيائه وصالحي
عباده سواء كان ملئكة تنزل بالوحي والنصر أو وحيا وتأييدا مع الملك وبدون
الملك ليس المراد بروح القدس أنها حياة ال القائمة به كان المعصوم إن كان قال
عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس مراده مروا الناس أن يؤمنوا بال
ونبيه الذي أرسله وبالملك الذي أنزل عليه الوحي الذي جاء به فيكون ذلك أمرا لهم
باليمان بال وملئكته وكتبه ورسله وهذا هو الحق الذي يدل عليه صريح المعقول
وصحيح المنقول #فتفسير كلم المعصوم بهذا التفسير الذي يوافق سائر ألفاظ
الكتب التي عندهم ويوافق القرآن ويوافق العقل أولى من تفسيره بما يخالف صريح
المعقول وصحيح المنقول #وهذا تفسير ظاهر ليس فيه تكلف ول هو من التأويل
الذي هو صرف الكلم عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره بل هو تفسير له بما يدل
ظاهره عليه باللغة المعروفة والعبارة المألوفة في خطاب المسيح وخطاب سائر
النبياء #أما تفسير النصارى بأن البن مولود قديم أزلي هو العلم أو كلمة
ال فتفسير للفظ بما لم يستعمل هذا اللفظ فيه ل في كلم أحد من النبياء ول لغة أحد
من النبياء وكذلك تفسير روح القدس بحياة ال فالذي فسر النصارى به ظاهر كلم
المسيح هو تفسير ل تدل عليه لغة المسيح وعادته في كلمه ول لغة غيره من
النبياء والمم بل المعروف في لغته وكلمه وكلم سائر النبياء تفسيره بما فسرناه
وبذلك فسره أكابر علماء النصارى #وأما ضلل النصارى المحرفون لمعاني كتب
ال عز وجل فسروه بما يخالف معناه الظاهر وينكره العقل والشرع #وتمام هذا
بالوجه السادس وهو أن النصارى لما كان عندهم في الكتب تسمية المسيح عليه
السلم ابنا وتسمية غيره من النبياء ابنا كقوله ليعقوب أنت ابني بكري وتسمية
الحواريين أبناء قالوا هو ابنه بالطبع وغيره هو ابنه بالوضع فجعلوا لفظ البن
مشتركا بين معنيين وأثبتوا ل طبعا جعلوا المسيح ابنه باعتبار ذلك الطبع وهذا يقرر
قول من يفهم منهم أنه ابنه البنوة المعروفة في المخلوقين وأن مريم زوجة ال #
وكذلك جعلوا روح القدس مشتركة بين حياة ال وبين روح القدس التي تنزل على
النبياء والصالحين ومعلوم أن الشتراك على
خلف الصل وأن اللفظ إذا استعمل في عدة مواضع كان جعله حقيقة متواطئا في
261
www.anassim.fr.st 262 الن سي ــــ ـــ ـم
القدر المشترك أولى من جعله مشتركا اشتراكا لفظيا بحيث يكون حقيقة في
خصوص هذا أو يكون مجازا في أحدهما فإن المجاز والشتراك على خلف
الصل هذا إن قدر أن لفظ البن وروح القدس استعمل في نطق ال وحياته كما
يزعم النصارى فكيف إذا لم يوجد في كلم النبياء أنهم قالوا لفظ البن ولفظ روح
القدس وأرادوا به شيئا من صفات ال ل كلمه ول حياته ول علمه ول غير ذلك بل
لم يوجد استعمال لفظ البن في كلم النبياء إل في شيء مخلوق ولم يوجد استعمال
روح القدس كما هو من صفات ال القائمة به ونحن إذا فسرنا الب وروح القدس
ببنوة التربية وروح القدس بما ينزل على النبياء كنا قد جعلنا اللفظ مفردا متواطئا
وهم يحتاجون أن يجعلوا اللفظ مشتركا أو مجازا في أحد المعنيين فكان تفسيرهم
مخالفا لظاهر اللغة التي خوطبوا بها ولظاهر الكتب التي بأيديهم وتفسيرنا موافقا
لظاهر لغتهم وظاهر الكتب التي بأيديهم وحينئذ فقد تبين أنه ليس معهم بالتثليث ل
حجة سمعية ول عقلية بل هوباطل شرعا وعقل #ويؤيد هذا الوجه السابع وهو
أنهم في أمانتهم أثبتوا من
المعاني ولفظ القانيم وغير ذلك ما ل تدل عليه الكتب التي بأيديهم البتة بل فهموا
منها معنى باطل وضموا إليه معاني باطلة من عند أنفسهم فكانوا محرفين لكتب ال
في ذلك مفترين على ال الكذب وهذا مبسوط في موضع آخر #الوجه الثامن أن
قولهم بالقانيم مع بطلنه في العقل والشرع لم ينطق به عندهم كتاب ولم يوجد هذا
اللفظ في شيء من كتب النبياء التي بأيديهم ول في كلم الحواريين بل هي لفظة
ابتدعوها ويقال إنها رومية وقد قيل القنوم في لغتهم معناه الصل ولهذا يضطربون
في تفسير القانيم تارة يقولون أشخاص وتارة خواص وتارة صفات وتارة جواهر
وتارة يجعلون القنوم اسما للذات والصفة معا وهذا تفسير حذاقهم #الوجه التاسع
قولهم في المسيح عليه السلم إنه خالق قول مع بطلنه في الشرع والعقل قول لم
ينطق به شيء من النبوات التي عندهم ولكن يستدلون على ذلك بما ل يدل عليه كما
سنبينه إن شاء ال تعالى #الوجه العاشر قولهم في تجسد اللهوت أيضا هو قول
مع بطلنه في العقل والشرع قول ل يدل عليه شيء من كلم المعصوم من النبيين
والمرسلين
الوجه الحادي عشر إنا نقول ل ريب أن ال حي عالم قادر متكلم وللمسلمين على #
ذلك من الدلئل العقلية التي دل الرسول عليها وأرشد إليها فصارت معروفة بالعقل
مدلول عليها بالشرع ما هو مبسوط في موضعه وأنتم مع دعواكم أنكم تثبتون ذلك
بالعقل لم تذكروا على ذلك دليل عقليا #فقولكم لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن
شيئا غيرها أحدثها إذ ل يمكن حدوثها من ذواتها لما فيها من التضاد والتقلب كلم
قاصر من وجوه #أحدها أنكم لم تروا حدوث جميع المخلوقات وإنما رأيتم حدوث
ما يشهد حدوثه كالسحاب والمطر والحيوان والنبات ونحو ذلك فأين دليلكم على
حدوث سائر الشياء #الثاني أنه كان ينبغي أن تقولوا لما علم حدوث المحدثات أو
حدوث المخلوقات أو حدوث ما سوى ال ونحو ذلك مما يبين أن المحدث ما سوى
262
www.anassim.fr.st 263 الن سي ــــ ـــ ـم
ال فأما إطلق حدوث جميع الشياء فباطل فإن ال يسمى عندكم وعند جمهور
المسلمين شيئا من الشياء وهذا بخلف قوله تعالى ^ قل ال خالق كل شيء ^ #
فإن هذا التركيب يبين أن الخالق غير المخلوق خلف قول القائل حدوث الشياء
الثالث أن العلم بأن المحدث ل بد له من محدث علم فطري ضروري ولهذا قال #
ال تعالى في القرآن ^ #أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ #قال جبير بن
مطعم لما سمعت النبي يقرأ بها في صلة المغرب أحسست بفؤادي قد انصدع يقول
تعالى أخلقوا من غير خالق خلقهم أم هم الخالقون لنفسهم #ومعلوم بالفطرة التي
فطر ال عليها عباده بصريح العقل أن الحادث ل يحدث إل بمحدث أحدثه
وإن حدوث الحادث بل محدث أحدثه معلوم البطلن بضرورة العقل وهذا أمر #
مركوز في بني آدم حتى الصبيان لو ضرب الصبي ضربة فقال من ضربني فقيل
ما ضربك أحد لم يصدق عقله أن الضربة حدثت من غير فاعل #ولهذا لو جوز
مجوز أن يحدث كتابة أو بناء أو غراس ونحو ذلك من غير محدث لذلك لكان عند
العقلء إما مجنونا وإما مسفسطا كالمنكر للعلوم البديهية والمعارف الضرورية
وكذلك معلوم أنه لم يحدث نفسه فإن كان معدوما قبل حدوثه لم يكن شيئا فيمتنع أن
يحدث غيره فضل عن أن يحدث نفسه #فقولكم لم يكن حدوثها من ذواتها لما فيها
من التضاد والتقلب تعليل باطل فإن علمنا بأن حدوثها لم يكن من ذواتها ليس لجل
ما فيها من التضاد والتقلب بل سواء كانت متماثلة أو مختلفة أو متضادة نحن نعلم
بصريح العقل أن المحدث ل يحدث نفسه وهذا من أظهر المعارف وأبينها للعقل كما
يعلم أن العدم ل يخلق موجودا وأن المحدث للحوادث الموجودة ل يكون معدوما #
الوجه الرابع أنكم ذكرتم حجة على أنها لم تحدث نفسها وهي
حجة ضعيفة ولم تذكروا حجة على أنها حدثت بل محدث ل أنفسها ول غيرها فإن
كان امتناع كونها أحدثت نفسها محتاجا إلى دليل فكذلك امتناع حدوثها بل محدث
وإن كان معلوما ببديهة العقل وهو من العلوم الضرورية فكذلك الخر فذكر الدليل
على أحدهما دون الخر خطأ لو كنتم ذكرتم دليل صحيحا فكيف إذا كان الدليل
باطل ومن يكون مبلغهم من العلم بالدلة العقلية التي يثبتون بها العلم بالصانع
وصفاته هذا المبلغ ثم يريدون مع ذلك أن يثبتوا معاني عقلية ويزعمون أنها موافقة
لفهمهم الباطل من الكتب اللهية فهم ممن قال ال فيهم #سورة النور اليتان 39
# 40الوجه الثاني عشر قولكم فقلنا إنه شيء ل كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق
لكل شيء لننفي عنه العدم #فيقال لهم ل ريب أن ال كما وصف نفسه بقوله تعالى
^ #ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ #وقوله ^ فاعبده واصطبر لعبادته
^ هل تعلم له سميا
أي مثل يستحق أن يسمى بأسمائه وقوله تعالى ^ #قل هو ال أحد ال الصمد لم #
يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ #وقد دل على ذلك العقل فإن المثلين اللذين يسد
263
www.anassim.fr.st 264 الن سي ــــ ـــ ـم
أحدهما مسد الخر يجب لحدهما ما يجب للخر ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ويجوز
عليه ما يجوز عليه فلو كان للخالق مثل للزم أن يشتركا فيما يجب ويجوز ويمتنع #
والخالق يجب له الوجود والقدم ويمتنع عليه العدم فيلزم أن يكون المخلوق واجب
الوجود قديما أزليا لم يعدم قط وكونه محدثا مخلوقا يستلزم أن يكون كان معدوما
فيلزم أن يكون موجودا معدوما قديما محدثا وهو جمع بين النقيضين يمتنع في بداية
العقول وأيضا فالمخلوق يمتنع عليه القدم ويجب له سابقة العدم فلو وجب للخالق
القديم ما يجب له لوجب كون الواجب للقدم واجب الحدوث بعد العدم وهذا جمع بين
النقيضين فالعقل الصريح يجزم بأن ال ليس كمثله شيء والكلم على هذا مبسوط
في موضع آخر لكن أنتم لم تذكروا على ذلك حجة بل قلتم أنه شيء ل كالشياء
المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء فلم تذكروا حجة على أنه خالق كل شيء إذ كان
عمدتكم على ما شهدتم حدوثه وليس ذلك كل شيء ولم تذكروا
حجة مع كونه خالق كل شيء على أنه ليس كمثله شيء بل قلتم لننا معشر
النصارى لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن شيئا غيرها أحدثها لما فيها منا التضاد
والتقلب فقلنا إنه شيء ل كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء وذلك لننفي
العدم عنه ودليلكم لو دل على العلم بالصانع لم يدل إل على أنه خالق فكيف إذا لم
يدل #ول ريب أن الخالق سبحانه يجب أن يكون موجودا ل معدوما وهذا معلوم
بالضرورة ل يحتاج إلى دليل عند جمهور العقلء والنظار وإن كان بعضهم أثبت
وجوده بالدليل النظري لكن ليس في دليلكم ما يدل على أنه ليس كالشياء المخلوقة
وقولكم إذ هو الخالق لكل شيء يتضمن أنه خالق لكل ما سواه ليس فيه بيان نفي
للمماثلة عنه ولكن بينتم بهذا الكلم جهلكم بالدلئل العقلية كجهلكم بالكتب المنزلة
وكذلك أخبر تعالى عن أهل النار بأنهم يقولون ^ #وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما
^ كنا في أصحاب السعير
فصل #وأما قولكم ورأينا الشياء المخلوقة تنقسم قسمين شيء حي وشيء غير
حي فوصفناه بأجل القسمين فقلنا إنه حي لننفي الموت عنه #فيقال ل ريب أن ال
حي كما نطقت بذلك كتبه المنزلة التي هي آياته القولية ودلت على ذلك آياته
كمخلوقاته التي هي آياته الفعلية قال تعالى ^ #سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم
حتى يتبين لهم أنه الحق ^ #أي القرآن حق وقد تقدم ذكر القرآن في قوله ^ #قل
أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ^ #فال
تعالى يرى عباده من آياته المشاهدة المعاينة الفعلية ما يبين صدق آياته المنزلة
^ المسموعة القولية #قال تعالى ^ ال ل إله إل هو الحي القيوم
وقال تعالى ^ وتوكل على الحي الذي ل يموت ^ #والدلئل على حياته كثيرة # #
منها أنه قد ثبت أنه عالم والعلم ل يقوم إل بحي وثبت أنه قدار مختار يفعل بمشيئته
والقادر المختار ل يكون إل حيا #ومنها أنه خالق الحياء وغيرهم والخالق أكمل
264
www.anassim.fr.st 265 الن سي ــــ ـــ ـم
من المخلوق فكل كمال ثبت للمخلوق فهو من الخالق فيمتنع أن يكون المخلوق أكمل
من خالقه وكماله أكمل منه #والمتفلسفة القائلون بالموجب بالذات يسلمون هذا
ويقولون كمال المعلول مستفاد من علته فإذا كان خالقا للحياء كان حيا بطريق
الولى والحرى #ومنها أن الحي أكمل من غير الحي كما قال تعالى ^ #وما
يستوي الحياء ول الموات ^ #فلو كان الخالق غير حي لزم أن يكون الممكن
المحدث المخلوق أكمل من الواجب القديم الخالق فيكون أنقص الموجودين أكمل من
أكملها وهذا الوجه يتناول ما ذكروه من الدليل وإن كانوا لم يبينوه بيانا تاما لكن
قولهم قلنا أنه حي لننفي الموت عنه
كلم مستدرك فإن ال موصوف بصفات الكمال الثبوتية كالحياة والعلم والقدرة فيلزم
من ثبوتها سلب صفات النقص وهو سبحانه ل يمدح بالصفات السلبية إل لتضمنها
المعاني الثبوتية فإن العدم المحض والسلب الصرف ل مدح فيه ول كمال إذ كان
المعدوم يوصف بالعدم المحض والعدم نفي محض ل كمال فيه إنما الكمال في
الوجود #ولهذا جاء كتاب ال تعالى على هذا الوجه فيصف سبحانه نفسه بالصفات
الثبوتية صفات الكمال وبصفات السلب المتضمنة للثبوت كقوله ^ #ال ل إله إل
هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم ^ #فنفى أخذ السنة والنوم يتضمن كمال
حياته وقيوميته إذ النوم أخو الموت ولهذا كان أهل الجنة ل ينامون مع كمال الراحة
كما ل يموتون #والقيوم القائم المقيم لما سواه فلو جعلت له سنة أو نوم لنقصت
حياته وقيوميته فلم يكن قائما ول قيوما كما ضرب ال المثل لبني إسرائيل لما سألوا
موسى هل ينام ربك فأرقه ثلثا ثم أعطاه قوارير فأخذه النوم فتكسرت
بين بهذا المثل أن خالق العالم لو نام لنفد العالم ثم قال تعالى ^ #له ما في #
السماوات وما في الرض من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه ^ #فإنكاره ونفيه أن
يشفع أحد عنده إل بإذنه يتضمن كمال ملكه لما في السماوات وما في الرض وأنه
ليس له شريك فإن من شفع عنده غيره بغير إذنه وقبل شفاعته كان مشاركا له إذ
صارت شفاعته سببا لتحريك المشفوع إليه بخلف من ل يشفع عنده أحد إل بإذنه
فإنه منفرد بالملك ليس له شريك بوجه من الوجوه #ثم قال تعالى ^ #يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء ^ #فنفى أن يعلم أحد
شيئا من علمه إل بمشيئته ليس إل أنه منفرد بالتعليم فهو العالم بالمعلومات وليعلم
أحد شيئا إل بتعليمه كما قالت الملئكة ^ #ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم ^ #ثم قال تعالى ^ #وسع كرسيه السماوات والرض ول يؤوده حفظهما
^
أي ل يكرثه ول يثقل عليه فبين بذلك كمال قدرته وأنه ل يلحقه أدنى مشقة ول #
أيسر كلفة في حفظ المخلوقات كما قال تعالى في الية الخرى ^ #ولقد خلقنا
السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ^ #بين بذلك كمال
قدرته وأنه ل يلحقه اللغوب في العمال العظيمة مثل خلقه السماوات والرض كما
265
www.anassim.fr.st 266 الن سي ــــ ـــ ـم
يلحق المخلوق اللغوب إذا عمل عمل عظيما واللغوب النقطاع والعياء وهذا باب
واسع مبسوط في موضع آخر #والمقصود هنا أنه موصوف بصفات الكمال التي
يستحقها بذاته ويمتنع اتصافه بنقائضها وإذا وصف بالسلوب فالمقصود هو إثبات
الكمال وهؤلء قالوا قد وصفناه بالحياة لننفي عنه الموت كما قالوا هو شيء لننفي
العدم عنه والحياة صفة كمال يستحقها بذاته والموت مناقض لها فلم يوصف بالحياة
لجل نفي الموت بل وصفه بالحياة يستلزم نفي الموت فينفي عنه الموت لنه حي ل
يثبت له الحياة لنفي الموت وكذلك لتثبت له أنه شيء موجود وذلك يستلزم نفي العدم
عنه ل أن إثبات وجوده لجل نفي العدم بل نفي العدم عنه
لجل وجوده كما أن نفي الموت عنه لجل حياته وكذلك قولهم قلنا إنه شيء ل
كالشياء المخلوقة وذلك لننفي العدم عنه لكن كان مرادهم وال أعلم وإن كانت
عبارتهم قاصرة إثبات الوجود ونفي العدم وإثبات الحياة ونفي الموت
فصل #ثم قالوا ورأينا الحي ينقسم قسمين حيا ناطقا وحيا غير ناطق فوصفناه
بأفضل الوصفين فقلنا إنه ناطق لننفي الجهل عنه #فيقال لهم ل ريب أن الرب
سبحانه موصوف بأنه حي عليم قدير متكلم مختار لكن قولهم فقلنا إنه ناطق لننفي
الجهل عنه يقتضي أنكم أردتم النطق المناقض للجهل وهذا هو العلم فإن العلم
يناقض الجهل لم تريدوا بذلك النطق الذي هو العبارة والبيان ولم تريدوا بذلك ما
جعله بعض النظار كلما وهي معاني قائمة بالنفس ليست من جنس العلوم ول من
جنس الرادات وحينئذ فيقال لكم ليس في الحياء إل ما هو شاعر فكل حي فله
شعور بحسبه #وكلما قويت الحياة قوي شعورها وشعور الحيوان قد يعبر عنه بلفظ
العلم كما يقول الناس علم الفهد والبازي والكلب ويقال كلب معلم وغير معلم وغير
معلم وبازي معلم
وقال تعالى ^ #وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم ال ^ # #
وقال النبي #إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم ال فقتل فكل ول ريب أن العلم
صفة كمال فالعالم أكمل من الجاهل والدلئل الدالة على علم ال كثيرة مثل أنه
سبحانه خالق كل شيء بإرادته #والرادة تستلزم تصور المراد فل بد أن يعلم
المخلوقات قبل أن يخلقها #وكلما وجد في الخارج فهو موجود وجودا معينا يمتاز
به عن غيره فإذا خلقها كذلك فل بد أن يعلمها علما مفصل يمتاز به كل معلوم عما
سواه ولو قدر أنه علمها على وجه كلي فقط لم يكن علم منها شيئا
لن الكلي إنما يكون كليا في الذهان وأما ما هو موجود في الخارج فهو معين
مختص بعينه ليس بكلي #وكل واحد من الفلك معين فلو لم يعلم إل الكليات لم
يكن عالما بشيء من الموجودات وقد بسط في غير هذا الموضع تمام الكلم على
هذا وبين فساد شبه نفاة ذلك بما ادعوه من لزوم التغيير أو التكثر وبين أنه ل يلزم
266
www.anassim.fr.st 267 الن سي ــــ ـــ ـم
من ثبوت علم ال بالشياء كلها على وجه التفصيل محذور ينفيه دليل صحيح #فإن
التكثر فيما يقوم به من المعاني هو مدلول الدلة العقلية والسمعية فإنه عالم قادر حي
وليس العلم هو القدرة ول القدرة هي الحياة ول الصفة هي الموصوف ومن جعل
كل صفة هي الخرى وجعل الصفات هو الموصوف فهو قول في غاية السفسطة #
وأيضا فإنه خالق العالمين من الملئكة والجن والنس وجاعلهم علماء فيمتنع أن
يجعل غيره عالما من ليس هو في نفسه بعالم فإن العلم صفة كمال ومن يعلم أكمل
ممن ل يعلم وكل كمال للمخلوق فهو من الخالق فيمتنع أن يكون المخلوق أكمل من
الخالق وأيضا فإن في الممكنات المحدثة المخلوقة ما هو عالم والواجب القديم الخالق
أكمل من الممكن المحدث فيمتنع أن يتصف بالكمال الموجود
الناقص الخسيس دون الموجود الكامل الشريف وهذا يتناول معنى حجتهم #وأيضا
فإنه حي والحياة مستلزمة لجنس العلم وإذا كانت حياته أكمل من كل حياة فعلمه
أكمل من كل علم لكن يقال لكم كما أنه حي عالم فهو أيضا قادر فما ذكرتم بأن
الموجودات أو الحياء تنقسم إلى قادر وغير قادر فيجب أن يوصف بأجل القسمين
وهو القدرة #ل سيما ودلئل كونه قادرا أظهر من دلئل كونه عالما فإن نفس كونه
خالقا فاعل يستلزم كونه قادرا فإن الفعل بدون القدرة ممتنع حتى إذا قيل إن الجماد
يفعل فإنما يفعل بقوة فيه كالقوى الطبيعية التي في الجسام الطبيعية فيمتنع في خالق
العالم أن ل يكون له قوة ول قدرة قال تعالى ^ #إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين
^ #وقال تعالى ^ #أو لم يروا أن ال الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ #وفي
صحيح البخاري حديث الستخارة #اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك
وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب
وكثير من نظار المسلمين المصنفين في أصول الدين الذين يقيمون الدليل على #
كونه قادرا قبل كونه عالما وحيا ويقولون العلم بذلك أسبق في السلوك الستدللي
النظري لدللة الحداث والفعل على قدرة المحدث الفاعل فيجب أن يثبتوا له صفة
القدرة مع العلم #وكذلك يقولون إن الحي لما كان ينقسم إلى سميع وغير سميع
وبصير وغير بصير وصفناه بأشرف القسمين وهو السميع والبصير #وكذلك في
النطق إذا أريد به البيان والعبارة ولم يرد به مجرد العلم أو معنى من جنس العلم
فإن الحي ينقسم إلى متكلم ومبين معبر عما في نفسه وإلى ما ليس كذلك فيجب أن
تصفوه بأشرف القسمين وهو الكلم المبين المعبر عنه عما في النفس من المعاني #
ومما يستدل به على ثبوت جميع صفات الكمال أنه لو لم يوصف بكونه حيا عالما
قادرا سميعا بصيرا متكلما لوصف بضد ذلك كالموت والجهل والعجز والصمم
والبكم والخرس ومعلوم وجوب تقدسه عن هذه النقائص بل هذا معلوم بالضرورة
العقلية فإنه أكمل الموجودات وأجلها وأعظمها ورب كل ما سواه وخالقه ومالكه
وجاعل كل ما سواه حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما فيمتنع أن يكون هو شيئا
عاجزا جاهل أصم أبكم أخرس بل من المعلوم بضرورة العقل أن المتصف بهذه
النقائص يمتنع أن يكون فاعل فضل عن أن يكون خالقا لكل شيء
267
www.anassim.fr.st 268 الن سي ــــ ـــ ـم
ولبعض الملحدة من المتفلسفة ومن اتبعهم هنا سؤال مشهور وهو أنه إنما يلزم #
إذا لم يتصف بصفات الكمال أن يوصف بأضدادها إذا كان قابل لها فأما إذا لم يكن
قابل لها لم يلزم #قالوا هذه الصفات متقابلة تقابل العدم والملكة وهو عدم الشيء
عما من شأنه أن يكون قابل له كعدم الحياة والسمع والبصر #والكلم عن الحيوان
الذي هو القابل له فإذا لم يكن قابل له كالجماد فل يسمى مع عدم الحياة والسمع
والبصر والكلم ميتا ول أصم ول أعمى ول أخرس #وجواب ذلك من أوجه #
أحدها أنه إما أن يكون قابل للتصاف بصفات الكمال وإما أن ليكون #فإن لم يكن
قابل لزم أن يكون أنقص ممن قبلها ولم يتصف
بها فالجماد أنقص من الحيوان الذي لم يتصف بعد بصفات كماله وإن كان قابل لها
لزم إذا عدمها أن يتصف بأضدادها #وهؤلء قد يقولون في إثباتها تشبيه له
بالحيوان فيقال لهم وفي نفيها تشبيه له بالجماد الذي هو أنقص من الحيوان فإذا لم
يكن في نفيها تشبيه له بالجماد فكذلك ل يكون في إثباتها تشبيه له بالحيوان وإن كان
في ذلك تشبيه بالحيوان فهو محذور فالمحذور في تشبيهه بالجماد أعظم وإن لم يكن
مثل هذا التشبيه محذورا في ذلك فأن ل يكون محذورا في هذا بطريق الولى #
الوجه الثاني أن جعلهم سلب الموت والصمم والبكم عن الجماد لزعمهم أنه غير
قابل لها إصطلح محض فإنه موجود في كلم ال تسمية الجماد ميتا كما قال تعالى
في الصنام ^ #أموات غير أحياء ^ #الوجه الثالث أنه يكفي عدم هذه الصفات
فإن مجرد عدم الحياة والعلم والقدرة صفة نقص سواء قدر الموصوف قابل لها أو
غير قابل بل إذا قدر أنه غير قابل لها كان ذلك أبلغ في النقص #فعلم أن نفي هذه
الصفات عنه ونفي قبولها يوجب أن يكون أنقص من الحيوان العمى الصم الذي
يقبلها وإن لم يتصف بها #الوجه الرابع أن الكمال في الوجود والنقص في العدم
فنفس
ثبوت هذه الصفات كمال ونفس نفيها نقص وإن لم يتصف بها لزم نقصه وأن يكون
المفعول أكمل من الفاعل وأن يكون المحدث الممكن المخلوق أكمل من القديم
الزلي الواجب الوجود الخالق وهذا ممتنع في بداية العقول وهذه المور مبسوطة
في غير هذا الموضع ولكن نبهنا عليها هنا لبيان بعض الطرق التي بها تعرف
صفات الرب وبيان أن هؤلء القوم من أجهل أهل الملل بالرب #والطرق التي
يعرف بها كماله فيها العقلية والسمعية وأن القوم عندهم من ألفاظ النبياء ما لم
يفهموا كثيرا منه وما حرفوا كثيرا منه وعندهم من المعقول في ذلك ما يفضلهم
اليهود فيه لكن اليهود وإن كانوا أعلم منهم فهم أعظم عنادا وكبرا وجحدا للحق
والنصارى أجهل وأضل من اليهود لكن هم أعبد وأزهد وأحسن أخلقا ولهذا كانوا
أقرب مودة للذين آمنوا من اليهود والمشركين
268
www.anassim.fr.st 269 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا والثلثة أسماء فهي إله واحد ورب واحد وخالق واحد مسمى واحد لم
يزل ول يزال شيئا حيا ناطقا أي الذات والنطق والحياة #فالذات عندنا الب الذي
هو ابتداء الثنين #والنطق البن الذي هو مولود منه كولدة النطق من العقل #
والحياة هي الروح القدس #والجواب عن هذا من وجوه #الول أن أسماء ال
تبارك وتعالى متعددة كثيرة فإنه #سورة الحشر اليات 24 22
وقال تعالى ^ #ول السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه #
سيجزون ما كانوا يعملون ^ #وقال تعالى ^ #قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا
ما تدعو فله السماء الحسنى ^ #وقال تعالى #سورة طه اليات # 8 1وفي
الصحيحين عن النبي أنه قال #إن ل تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة
وهذا معناه في أشهر قولي العلماء وأصحهما أن من أسمائه تعالى تسعة وتسعين #
اسما من أحصاها دخل الجنة وإل فأسماؤه تبارك وتعالى أكثر من ذلك كما في
الحديث الخر الذي رواه أحمد في مسنده وأبو حاتم في صحيحه عن ابن مسعود
عن النبي أنه قال #ما أصاب عبدا قط هم ول حزن وقال اللهم إني عبدك ابن
عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو
لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في
علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلء حزني وذهاب
همي وغمي إل أذهب ال همه وغمه وأبدل مكانه فرحا قالوا يا رسول ال أفل
نتعلمهن قال بلى #ينبغي لمن
شيئا فشيئا سواء أريد بالنطق العلم أو البيان فكلهما لم يكن لزما للنفس الناطقة بل
حدث فيها واتصفت به بعد أن لم يكن وإن كانت قابلة له ناطقة بالقوة فإذا مثلوا تولد
النطق من الرب كتولده عن العقل لزم أن يكون الرب كان ناطقا بالقوة ثم صار
ناطقا بالفعل فيلزم أنه صار عالما بعد أن لم يكن عالما وهذا من أعظم الكفر وأشده
269
www.anassim.fr.st 270 الن سي ــــ ـــ ـم
استحالة فإنه ل شيء غيره يجعله متصفا بصفات الكمال بعد أن لم يكن متصفا بها
إذ كل ما سواه فهو مخلوق له وكماله منه فيمتنع أن يكون هو جاعل الرب سبحانه
وتعالى كامل #وذلك دور ممتنع في صريح العقل إذ كان الشيء ل يجعل غيره
متصفا بصفات الكمال حتى يكون هو متصفا بها فإذا لم يتصف بها حتى جعله غيره
متصفا بها لزم الدور الممتنع مثل كون كل من الشيئين فاعل للخر وعلة له أو
لبعض صفاته المشروطة في الفعل فتبين بطلن كون نطقه متولدا منه كتولد النطق
من العقل كما بطل أن يكون لصفاته اللزمة له ما هو مبدأ لها متقدم عليها أو فاعل
لها #الوجه الثالث أن قولهم في البن أنه مولود من ال إن أرادوا به أنه صفة
لزمة له فكذلك الحياة صفة لزمة ل فيكون روح القدس
أيضا ابنا ثانيا وإن أرادوا به أنه حصل منه بعد أن لم يكن صار عالما بعد أن لم
يكن عالما وهذا مع كونه باطل وكفرا فيلزم مثله في الحياة وهو أنه صار حيا بعد
أن لم يكن حيا #الوجه الرابع أن تسمية حياة ال روح القدس أمر لم ينطق به شيء
من كتب ال المنزلة فإطلق روح القدس على حياة ال من تبديلهم وتحريفهم #
الوجه الخامس أنهم يدعون أن المتحد بالمسيح هو الكلمة الذي هو العلم وهذا إن
أرادوا به نفس الذات العالمة الناطقة كان المسيح هو الب وكان المسيح نفسه هو
الب وهو البن وهو روح القدس وهذا عندهم وعند جميع الناس باطل وكفر #وإن
قالوا المتحد به هو العلم فالعلم صفة ل تفارق العالم ول تفارق الصفة الخرى التي
هي حياة فيمتنع أن يتحد به العلم دون الذات ودون الحياة #الوجه السادس أن العلم
أيضا صفة والصفة ل تخلق ول ترزق والمسيح نفسه ليس هو صفة قائمة بغيرها
باتفاق العقلء وأيضا فهو عندهم خالق السماوات والرض فامتنع أن يكون المتحد
به صفة فإن الله المعبود هو الله الحي العالم القادر وليس هو نفس الحياة ول نفس
العلم والكلم #فلو قال قائل يا حياة ال أو يا علم ال أو يا كلم ال اغفر
لي وارحمني واهدني كان هذا باطل في صريح العقل ولهذا لم يجوز أحد من أهل
الملل أن يقال للتوراة أو النجيل وغير ذلك من كلم ال اغفر لي وارحمني وإنما
يقال للله المتكلم بهذا الكلم اغفر لي وارحمني #والمسيح عليه السلم عندكم هو
الله الخالق الذي يقال له اغفر لنا وارحمنا فلو كان هو نفس علم ال وكلمه لم يجز
أن يكون إلها معبودا فكيف إذا لم يكن هو نفس علم ال وكلمه بل هو مخلوق
بكلمه حيث قال له كن فيكون #فتبين من ذلك أن كلمات ال كثيرة ل نهاية لها
وفي الكتب اللهية كالتوراة أنه خلق الشياء بكلمه وكان في اول التوراة أنه قال
ليكن كذا ليكن كذا #ومعلوم أن المسيح ليس هو كلمات كثيرة بل غايته أن يكون
كلمة واحدة إذ هو مخلوق بكلمة من كلمات ال عز وجل #الوجه السابع أن أمانتكم
التي وضعها أكابركم بحضرة قسطنطين وهي عقيدة إيمانكم التي جعلتموها أصل
دينكم تناقض ما تدعونه من أن الله واحد وتبين أنكم تقولون لمن يناظركم خلف
ما تعتقدونه #وهذان أمران معروفان في دينكم تناقضكم وإظهاركم في المناظرة
270
www.anassim.fr.st 271 الن سي ــــ ـــ ـم
بخلف ما تقولونه من أصل دينكم فإن المانة التي اتفق عليها جماهير النصارى
يقولون فيها من أو بإله واحد أب ضابط الكل خالق السماوات والرض كل ما يرى
وما ل يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل
الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو
للب في الجوهر الذي به كان كل شيء الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل
خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب
وتألم وقبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب المقدسة وصعد إلى السماء
وجلس عن يمين الب وأيضا سيأتي بجده بمجده ليدين الحياء والموات الذي ل
فناء لملكه وبروح القد الرب المحيي المنبثق من الب الذي هو مع الب والبن
المسجود له وممجد ناطق في النبياء كنيسة واحدة جامعة رسولية واعترف
بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وابن جاء لقيامة الموتى وحياة الدهر العتيد كونه
أمين
ففي هذه المانة التي جعلتموها أصل دينكم ذكر اليمان بثلثة أشياء بإله واحد #
خالق السماوات والرض خالق ما يرى وما ل يرى فهذا هو رب العالمين الذي ل
إله غيره ول رب سواه وهو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسائر النبياء والمرسلين
وهو الذي دعت جميع الرسل إلى عبادته وحده ل شريك له ونهوا أن يعبد غيره كما
قال ال تعالى ^ #وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا
فاعبدون ^ #وقال تعالى ^ #وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون
الرحمن آلهة يعبدون ^ #ثم قلتم وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود
من
الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير
مخلوق مساو الب في الجوهر فصرحتم باليمان مع خالق السماوات والرض
برب واحد مخلوق مساو الب ابن ال الوحيد وقلتم هو إله حق من إله حق من
جوهر أبيه #وهذا تصريح باليمان بإلهين أحدهما من الخر وعلم ال القائم به أو
كلمه أو حكمته القائمة به الذي سميتوه ابنا ولم يسم أحد من الرسل صفة ال ابنا
ليس هو إله حق من إله حق بل إله واحد وهذا صفة الله وصفة الله ليست بإله كما
أن قدرته وسمعه وبصره وسائر صفاته ليس بآلهة ولن الله واحد وصفاته متعددة
والله ذات متصفة بالصفات قائمة بنفسها والصفة قائمة بالموصوف ولنكم سميتم
الله جوهرا وقلتم هو القائم بنفسه والصفة ليست جوهرا قائما بنفسه #وهم في هذه
المانة قد جعلوا ال والدا وهو الب ومولدا وهو البن وجعلوه مساويا له في
الجوهر وقد نزه ال نفسه عن النواع الثلثة فقالوا مولود غير مخلوق مساو الب
في الجوهر فصرحوا بأنه مساو له في الجوهر والمساوي ليس هو المساوي #ول
يساوي الب في الجوهر إل جوهر فوجب أن يكون البن جوهرا ثانيا وروح القدس
جوهرا ثالثا كما سيأتي #وهذا تصريح بإثبات ثلثة جواهر وثلثة آلهة ويقولون
مع ذلك إنما نثبت جوهرا واحدا وإلها واحدا وهذا جمع بين النقيضين
271
www.anassim.fr.st 272 الن سي ــــ ـــ ـم
فهو حقيقة قولهم يجمعون بين جعل اللهة واحدا وإثبات ثلثة آلهة وبين إثبات
جوهر واحد وبين إثباته ثلثة جواهر وقد نزه ال نفسه عن ذلك بقوله ^ #قل هو
ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ #فنزه نفسه أن يلد كما
يقولون هو الب وأن يولد كما يقولون هو البن وأن يكون له كفوا أحد كما يقولون
إن له من يساويه في الجوهر #وإذا قلتم نحن نقول أحدي الذات ثلثي الصفات قيل
لكم قد صرحتم بإثبات إله حق من إله حق وبأنه مساو للب في الجوهر وهذا
تصريح بإثبات جوهر ثاني ل بصفة فجمعتم بين القولين بين إثبات ثلثة جواهر
وبين دعوى إثبات جوهر واحد ول ينجيكم من هذا اعتذار من اعتذر منكم كيحيى
بن عدي ونحوه حيث قالوا هذا بمنزلة قولك زيد الطبيب الحاسب الكاتب ثم تقول
زيد الطبيب وزيد الحاسب وزيد الكاتب #فهو مع كل صفة له حكم خلف حكمه
مع الصفة الخرى وقد يفسرون القنوم بهذا فيقولون القنوم هو الذات مع الصفة
فالذات مع
كل صفة أقنوم فصارت القانيم ثلثة لن هذا المثال ل يطابق قولكم فإن زيدا هنا
هو جوهر واحد له ثلث صفات الطب والحساب والكتابة وليس هنا ثلثة جواهر
ولكن لكل صفة حكم ليس للخرى #ول يقول عاقل إن الصفة مساوية للموصوف
في الجوهر ول أن الذات مع هذه الصفة تساوي الذات مع الصفة الخرى في
الجوهر لن الذات واحدة والمساوي ليس هو المساوي ولن الذات مع الصفة هي
الب فإن كان هذا هو الذي اتحد بالمسيح فالمتحد به هو الب ولنكم قلتم عن هذا
الذي قلتم إنه إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي هو مساو الب في الجوهر
وأنه نزل وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب وتألم فاقتضى
ذلك أن يكون الله الحق المساوي للب في الجوهر صلب وتألم فيكون اللهوت
مصلوبا متألما وهذا تقر به طوائف منكم وطوائف تنكره لكن مقتضى أمانتكم هو
الول #وأيضا فإذا كان تجسد من روح القدس ومريم فإن كان روح القدس هو
حياة ال كما زعمتم فيكون المسيح كلمة ال وحياته فيكون لهوته أقنومين من
القانيم الثلثة وعندهم إنما هو أقنوم الكلمة
فقط وإن كان روح القدس ليس هو حياة ال بطل تفسيركم لروح القدس بأنه حياة ال
#وقيل لكم ل يجب أن يكون روح القدس صفة ل ول أقنوما #ثم ذكرتم في عقيدة
أمانتكم أنكم تؤمنون بروح القدس الرب المحيي فأثبتم ربا ثالثا قلتم المنبثق من الب
والنبثاق النفجار كالندفاق والنصباب ونحو ذلك يقال بثق السيل موضع كذا يبثقه
بثقا أي خرقه وشقه فانبثق أي انفجر فاقتضى ذلك أن يكون هذا الرب المحيي انفجر
من الب واندفق منه #ثم قلتم هو مع الب مسجود له وممجد ناطق في النبياء
فجعلتموه مع الب مسجودا له فأثبتم إلها ثالثا يسجد له #ومعلوم أن حياة ال التي
هي صفته ليست منبثقة منه بل هي قائمة به ل تخرج عنه ألبتة وهي صفة لزمة له
ل تتعلق بغيره فإن العلم يتعلق بالمعلومات والقدرة بالمقدورات والتكليم بالمخاطبين
272
www.anassim.fr.st 273 الن سي ــــ ـــ ـم
بخلف التكلم فإنه صفة لزمة يقال علم ال كذا وقدر ال على كل شيء وكلم ال
موسى #وأما الحياة فاللفظ الدال عليها لزم ل يتعلق بغير الحي يقال
حيا يحيا حياة ول يقال حيا كذا ول بكذا وإنما يقال أحيا كذا والحياء فعل غير كونه
حيا كما أن التعليم غير العلم والقدار غير القدرة والتكليم غير المتكلم ثم جعلتم روح
القدس هذا ناطقا في النبياء عليهم السلم وحياة ال صفة قائمة به ل تحل في غيره
وروح القدس الذي تكون في النبياء والصالحين ليس هو حياة ال القائمة به ولو
كان روح القدس الذي في النبياء هو أحد القانيم الثلثة لكان كل من النبياء إلها
معبودا قد اتحد ناسوته باللهوت كالمسيح عندكم فإن المسيح لما اتحد به أحد القانيم
صار ناسوتا ولهوتا فإذا كان روح القدس الذي هو أحد القانيم الثلثة ناطقا في
النبياء كان كل منهم فيه لهوت وناسوت كالمسيح وأنتم ل تقرون بالحلول والتحاد
إل للمسيح وحده مع إثباتكم لغيره ما ثبت له #وهم تارة يشبهون القنومين العلم
والحياة التي يسمونها الكلمة وروح القدس بالضياء والحرارة التي للشمس مع
الشمس ويشبهون ذلك بالحياة والنطق الذي للنفس مع النفس وهذا تشبيه فاسد فإنهم
إن أرادوا بالضياء والحرارة ما يقوم بذات الشمس فذلك صفة للشمس قائمة بها لم
تحل بغيرها ولم تتحد بغيرها كما أن صفة النفس كذلك هذا إن قيل إن الشمس تقوم
به حرارة وإل فهذا ممنوع
والمقصود هنا بيان فساد كلمهم وقياسهم #وإن أرادوا ما هو بائن عن الشمس #
قائم بغيرها كالشعاع القائم بالهواء والرض والحرارة القائمة بذلك كان هذا دليل
على فساد قولهم من وجوه #منها أن هذه أعراض منفصلة بائنة عن الشمس قائمة
بغيرها ل بها ونظير هذا ما يقوم بقلوب النبياء من العلم والحكمة والوحي الذي
أنذروا به وعلى هذا التقدير فليس في الناسوت شيئا من اللهوت وإنما فيه آثار
حكمته وقدرته #ومنها أن الحرارة والضوء القائم بالهواء والجدران أعراض قائمة
بغير الشمس والكلمة وروح القدس عندهم هما جوهران #ومنها أن هذا ليس هو
الشمس ول صفة من صفات الشمس وإنما هو أثر حاصل في غير الشمس بسبب
الشمس ومثل هذا ل ينكر قيامه بالنبياء والصالحين ولكن ليس للمسيح عليه السلم
بذلك اختصاص فما حل بالمسيح حل بغيره من المرسلين وما لم يحل بغيره لم يحل
به فل اختصاص له بأمر يوجب أن يكون إلها دون غيره من الرسل ول هنا اتحاد
بين اللهوت والناسوت كما لم تتحد الشمس ول صفاتها القائمة بها بالهواء والرض
التي حصل بها الشعاع والحرارة
فصل #قالوا وهذه السماء لم نسمه نحن معشر النصارى بها من ذات أنفسنا بل
ال سمى لهوته بها وذلك أنه قال على لسان موسى النبي في التوراة مخاطبا بني
إسرائيل قائل أليس هذا الب الذي صنعك وبراك واقتناك وعلى لسانه أيضا قائل
وكان روح ال ترف على الماء وقوله على لسان داود النبي روحك القدس ل تنزع
273
www.anassim.fr.st 274 الن سي ــــ ـــ ـم
مني وأيضا على لسانه بكلمة ال تشددت السماوات والرض وبروح فاه جميع
قواتهن #وقوله على لسان أشعيا ييبس القتاد ويجف العشب وكلمة ال
باقية إلى البد وعلى لسان أيوب الصديق روح ال خلقني وهو يعلمني #وقال السيد
المسيح في النجيل المقدس للتلميذ الطهار اذهبوا إلى جميع العالم وعمدوهم باسم
الب والبن وروح القدس إله واحد وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وقد
قال في هذا الكتاب ^ #ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ^ #وقال أيضا ^ #يا
عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ^ #وقال
^ أيضا ^ #وكلم ال موسى تكليما
وقال في سورة التحريم ^ #ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه #
من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ #وسائر المسلمين
يقولون إن الكتاب كلم ال ول يكون كلم إل لحي ناطق وهذه صفات جوهرية
تجري مجرى السماء وكل صفة منها غير الخرى والله واحد ل يتبعض ول
يتجزأ #والجواب من وجوه #أحدها أن تقول إن كلم النبياء صلوات ال وسلمه
عليهم ل يكون إل حقا وصدقا ول يكون فيه شيء يعلم بطلنه بصريح العقل وإن
كان فيه ما يعجز العقل عن معرفته بدون إخبار النبياء ول يكون كلم النبي الذي
يخبر به مناقضا لكلمه في موضع آخر ول لكلم سائر النبياء بل كل ما أخبرت به
النبياء فهو حق وصدق يصدق بعضه بعضا #وقد أوجب ال علينا أن نؤمن بكل
ما أخبروا به وحكم بكفر من آمن ببعض ذلك وكفر ببعضه فما علم بصريح العقل ل
يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن النبياء وما علم بالنقل الصحيح عن بعضهم ل
يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن غيره ولكن قد يختلف بعض الشرع والمناهج في
المر والنهي #فأما ما يخبرون به عن ال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر
وغير ذلك فل يجوز أن يناقض بعضه بعضا #وإذا كان كذلك فما ينقلونه عن
النبياء إنما تتم الحجة به إذ علم إسناده ومتنه فيعلم أنه منقول عنهم نقل صحيحا
ونعلم أن ترجمته من العبرية إلى اللسان الخر كالرومية والعربية والسريانية
ترجمة صحيحة ويعلم بعد ذلك أنهم أرادوا به ذلك المعنى #وليس مع النصارى
حجة عن النبياء تثبت فيها هذه المقدمات الثلث ونحن في هذا المقام يكفينا المنع
والمطالبة لهم بتصحيح هذه المقدمات فإنهم ادعوا أن التثليث أخذوه عن النبياء
فنحن نطالبهم بتصحيح هذه المقدمات #والجواب الثاني أنا نبين تفسير ما ذكروه
من الكلمات أما قوله على لسان موسى عليه السلم مخاطبا بني إسرائيل قائل أليس
الب الذي صنعك وبراك واقتناك فهذا فيه أنه سماه أبا لغير المسيح عليه السلم
وهذا نظير قوله لسرائيل أنت ابني بكري وداود ابني حبيبي وقول المسيح أبي
وأبيكم وهم يسلمون أن المراد بهذا في حق غير المسيح بمعنى الرب ل معنى التولد
الذي يخصون به المسيح #الثالث أن هذا حجة عليهم فإذا كان في الكتب المتقدمة
تسميته أبا لغير المسيح وليس المراد بذلك إل معنى الرب علم أن هذا اللفظ في لغة
274
www.anassim.fr.st 275 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا وعلى لسانه أيضا قائل وكان روح ال ترف على الماء #فيقال هذا
في السفر الول سفر الخليقة في أوله لما ذكر أنه في البدء خلق السماوات والرض
وأنه كانت الرض مغمورة بالماء وكانت روح ال ترف على الماء أخبر أنه كان
الماء فوق التراب والهواء فوق الماء وروح ال هي الريح التي كانت فوق الماء #
هذا تفسير جميع المم من المسلمين واليهود وعقلء النصارى ولفظ الكلمة بالعبرية
روح بضم الراء وتشديد الواو وهي الروح والريح تسمى روحا وجمعها أرواح ولم
يرد بذلك أن حياة ال كانت ترف على الماء #فإن هذا ل يقوله عاقل فإن حياة ال
صفة قائمة به ل تفارقه ول تقوم بغيره فيمتنع أن تقوم بماء أو غيره فضل عن أن
ترف على الماء والذي يرف على الماء جسم قائم بنفسه وهذا إخبار عن الريح التي
كانت تتحرك فوق الماء #ومثل هذا قول النبي #ل تسبوا الريح
فإنها من روح ال تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فل تسبوها ولكن تعوذوا بال من
شرها وسلوا ال خيرها وقوله #إني لجد نفس الرحمن من قبل اليمن
فصل #قالوا وقوله على لسان داود روحك القدس ل تنزع مني #فيقال هذا دليل
على أن روح القدس كانت في داود فعلم بذلك أن روح القدس التي كانت في المسيح
من هذا الجنس فعل بذلك أن روح القدس ل تختص بالمسيح وهم يسلمون ذلك فإن
ما في الكتب التي بأيديهم في غير موضع أن روح القدس حلت في غير المسيح في
275
www.anassim.fr.st 276 الن سي ــــ ـــ ـم
داود وفي الحواريين وفي غيرهم #وحينئذ فإن كان روح القدس هو حياة ال ومن
حلت فيه يكون لهوتا لزم أن يكون إلها ولزم أن يكون كل هؤلء فيهم لهوت
وناسوت كالمسيح وهذا خلف إجماع المسلمين والنصارى واليهود #ويلزم من
ذلك أيضا أن يكون المسيح فيه لهوتان الكلمة وروح القدس فيكون المسيح مع
الناسوت أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم روح القدس وأيضا فإن هذه ليست صفة ل
قائمة به فإن صفة ال القائمة به بل وصفة كل موصوف ل تفارقه وتقوم بغيره
وليس في
هذا أن ال اسمه روح القدس ول أن حياته اسمها روح القدس ول أن روح القدس
الذي تجسد المسيح منه ومن مريم هو حياة ال سبحانه وتعالى وأنتم قلتم إنا معاشر
النصارى لم نسمه بهذه السماء من ذات أنفسنا ولكن ال سمى لهوته بها وليس
فيما ذكرتموه عن النبياء أن ال سمى نفسه ول شيئا من صفاته بروح القدس ول
سمى نفسه ول شيئا من صفاته ابنا فبطل تسميتكم لصفته التي هي الحياة بروح
القدس ولصفته التي هي العلم بالبن #وأيضا فأنتم تزعمون أن المسيح مختص
بالكلمة والروح فإذا كانت روح القدس في داود عليه السلم والحواريين وغيرهم
بطل ما خصصتم به المسيح وقد علم بالتفاق أن داود عبد ل عز وجل وإن كانت
روح القدس فيه #وكذلك المسيح عبد ل وإن كانت روح القدس فيه فما ذكرتموه
عن النبياء حجة عليكم لهل السلم ل حجة لكم
فصل #قالوا وأيضا على لسان داود النبي عليه السلم بكلمة ال تشددت السماوات
والرض وبروح فاه جميع قواتهن #فيقال أما قوله بكلمة ال تشددت السماوات
والرض فهو أيضا حجة عليكم لوجوه #أحدها أن ال خلق الشياء بكلمته التي هي
كن كما قال في التوراة ليكن كذا ليكن كذا ليكن كذا وكذلك في الزبور لنه قال
فكانوا وهو أمر فخلقوا فجعل كونهم عن قوله #ومثل قوله في الزبور الكل بحكمة
صنعت وفي القرآن ^ إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ^ #وليس
المسيح هو هذه الكلمات
الثاني أن كلمة ال اسم جنس فإن كلمات ال ل نهاية لها قال تعالى ^ #قل لو #
كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
^ #والتوراة تدل على تعدد الكلمات وإذا كان كذلك فالمسيح ليس هو مجموع
الكلمات بل خلق بكلمة منها #الثالث أن المسيح عندكم هو الخالق وأنتم مع قولكم
إنه البن والكلمة تقولون إنه الله الخالق وتقولون إنه إله حق من إله حق وتقولون
إله واحد فتجمعون بين النقيضين وإذا كان هو الخالق فهو الذي يشدد السماوات
والرض ل يقال به تشددت السماوات والرض وإنما يقال به فيما كان صفة
للموصوف فيقال خلق ال الشياء بكن وخلق الشياء بقدرته #وقوله بكلمته تشددت
السماوات والرض يقتضي أن الكلمة صفة فعل بها لنها هي الخالقة والمسيح
276
www.anassim.fr.st 277 الن سي ــــ ـــ ـم
عندكم هو الخالق ليس هو صفة خلق #والرابع أن كلمة ال يراد بها جنس كلماته
^ كما قال تعالى ^ #وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا
وكقول النبي #من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال وحينئذ #
فالمراد أن ال أقام السماوات والرض بكلمته كقوله كن وليس في هذا تعرض
للمسيح عليه السلم #وأما نقلكم أنه قال وبروح فاه جميع قواتهن فهذه الكلمة سواء
كانت حقا أو باطل ل حجة لكم فيها لنه إن أريد بهذه الكلمة حياة ال فإثبات حياة
ال حق وهو لم يسم حياة ال روح القدس كما زعمتم وإن أراد شيئا غير حياة ال لم
تنفعكم فأنتم ادعيتم إن حياة ال روح القدس حتى قلتم مراده في النجيل بقوله عمدوا
الناس باسم الب والبن والروح القدس هو حياة ال وادعيتم أن النبياء سموه بذلك
ولم تذكروا نقل عن النبياء أنهم سموا حياته روح القدس بل ذكرتم عنهم ما يوافق
ما في القرآن أن روح القدس ليس المراد بها حياة ال ولو قدر أن هذا اللفظ استعمل
في هذا وهذا لم يتعين أن المسيح أراد بقوله روح القدس حياة ال فكيف إذا لم
يستعمل في كلم النبياء صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين في حياة ال قط
فصل #قالوا وقوله على لسان أيوب الصديق روح ال خلقني وهو يعلمني #فيقال
هذا ل حجة فيه لنكم ادعيتم أن النبياء سمت حياة ال روح القدس وهذا لم يقل
روح القدس بل قال روح ال #وروح ال يراد بها الملك الذي هو روح اصطفاه ال
فأحبها كما قال في القرآن ^ #فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ^ قالت إني
أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ #
فقد أخبر أنه أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا وتبين أنه رسوله #فعلم أن
المراد بالروح ملك هو روح اصطفاها فأضافها إليه كما يضاف إليه العيان التي
خصها بخصائص يحبها #كقوله ^ ناقة ال وسقياها ^ #وقوله ^ وطهر بيتي
^ للطائفين والقائمين والركع السجود
وقوله ^ عينا يشرب بها عباد ال ^ #والمضاف إلى ال إن كان صفة لم تقم #
بمخلوق كالعلم والقدرة والكلم والحياة كان صفة له وإن كان عينا قائمة بنفسها أو
صفة لغيره كالبيت والناقة والعبد والروح كان مخلوقا مملوكا مضافا إلى خالقه
ومالكه ولكن الضافة تقتضي اختصاص المضاف بصفات تميز بها عن غيره حتى
استحق الضافة كما اختصت الكعبة والناقة والعباد الصالحون بأن يقال فيهم بيت
ال وناقة ال وعباد ال كذلك اختصت الروح المصطفاة بأن يقال لها روح ال #
بخلف الرواح الخبيثة كأرواح الشياطين والكفار فإنها مخلوقة ل ول تضاف إليه
إضافة الرواح المقدسة كما ل تضاف إليه الجمادات كما تضاف الكعبة ول نوق
الناس كما تضاف ناقة صالح التي كانت آية من آياته #كما قال تعالى ^ هذه ناقة
^ ال لكم آية
277
www.anassim.fr.st 278 الن سي ــــ ـــ ـم
وإذا كان كذلك فهذا اللفظ إن كان ثابتا عن النبي وترجم ترجمة صحيحة فقد يكون #
معناه أن الملك صورني في بطن أمي وهو يعلمني فإن النبي قال #إذا مر بالنطفة
ثنتان وأربعون ليلة بعث ال إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها
ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أو أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم
يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقول ربك
ما يشاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فل يزاد على أمر ول ينقص
رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري #وقد يقال من هذا قوله في الزبور
في مزمور الخليقة ترسل روحك فيخلقون وفي المزمور أيضا هو قال فكانوا وأمر
فخلقوا فقد يضاف الخلق إلى الملك #ومن هذا الباب قوله تعالى
أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال ^ # ^ #
فأخبره أنه يخلق من الطين كهيئة الطير طيرا بإذن ال وكذلك الملك يخلق النطفة
في الرحم بإذن ال #ول يجوز أن يريد به أن حياة ال خلقتني وتعلمني فإن الصفة
ل تخلق ول تعلم إنما يخلق ويعلم الرب الموصوف الذي خلق النسان من علق الذي
علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم ولكن هو سبحانه يخلق بواسطة الملئكة فإن
الملئكة رسل ال في الخلق فجاز أن يضاف الفعل إلى الوسائط تارة وإلى الرب
أخرى وهذا موجود في الكتب اللهية في غير موضع كما في القرآن ^ #ال يتوفى
النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ^ #وفي موضع آخر ^ #حتى إذا
جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم ل يفرطون ^ #وفي موضع ثالث ^ #قل
^ يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون
والجميع حق فإذا وجد لفظ له معنى في كلم بعض النبياء ولم يوجد له معنى #
يخالف ذلك من كلمهم كان حمله على ذلك المعنى أولى من حمله على معنى
يخالف كلمهم ول يوجد في كلمهم أن حياة ال تسمى روحا ول أن صفات ال
تخلق المخلوقات
فصل #قالوا وقوله على لسان أشعيا النبي ييبس القتاد ويجف العشب وكلمته باقية
إلى البد #فيقال إما أن يريد بكلمة ال علمه أو كلمة معينة أو تكون كلمة ال اسم
جنس وعلى التقديرات الثلثة ل حجة لكم في ذلك فإنه إن كان كلمة ال اسم جنس
لكل ما تكلم ال به كما قال ^ #وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا
^ #وقال النبي #من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال
ولهذا جمعها في قوله تعالى ^ #وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ #وفي قوله # #
^ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا
بمثله مددا ^ #فالمراد بذلك أن ما قاله ال فهو حق ثابت ل يبطل #كما قال تعالى
^ #وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ^ #يعني بتمامها نفاذ
278
www.anassim.fr.st 279 الن سي ــــ ـــ ـم
ما وعدهم به من النصر على فرعون وإهلكه وإخراجهم إلى الشام #وقال تعالى
^ #وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ #ومنه قوله ^ #واتل ما أوحي إليك من
^ كتاب ربك ل مبدل لكلماته
وقوله ^ #سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون #
أن يبدلوا كلم ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل ^ #ومن هذا الباب قول
المسيح السماء والرض يزولن وكلمي ل يزول فإن أراد علم ال فعلم ال باق
سواء أراد به علمه القائم بذاته أو معلومه الذي أخبر ببقائه فل حجة لكم فيه وكذلك
إن أراد كلمة معينة فإن المسيح عندكم ليس كلمة معينة من كلمه بل هو عندكم هو
الكلمة وهو ال الخالق وليس في هذا اللفظ ما يدل على أنه أراد بالكلمة المسيح
والمسيح عندكم أزلي أبدي ل يوصف بالبقاء دون القدم ولو قدر أنه أراد بالكلمة
المسيح فنحن ل ننكر أنه يسمى بالكلمة لنه قال له كن فكان كما سيأتي بيان ذلك
ويريد
بذلك إما بقاؤه إلى أن ينزل إلى الرض وإما أن يريد بقاء ذكره والثناء عليه ولسان
صدق له إلى آخر الزمان #ومما يوضح هذا وأنه ليس المراد به ما يدعونه أنه قال
وكلمة ال باقية إلى البد فوصفها بالبقاء دون القدم #وعندهم أن الكلمة المولودة من
الب قديمة أزلية لم تزل ول تزال ومثل هذا ل يحتاج أن يوصف بالدوام والبقاء
بخلف ما وعد به من النعيم والرحمة والثواب فإنه يوصف بالبقاء والدوام كما في
القرآن ^ أكلها دائم ^ وقوله ^ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ^ #وفي الزبور
اعترفوا للرب فإنه صالح وإنه إلى البد رحمته
فصل #قالوا وقال السيد المسيح في النجيل المقدس لتلميذه الطهار اذهبوا إلى
جميع المم وعمدوهم باسم الب والبن وروح القدس الله الواحد وعلموهم أن
يحفظوا جميع ما أوصيكم به #فيقال لهم هذا عمدتكم على ما تدعونه من القانيم
الثلثة وليس فيه شيء يدل على ذلك ل نصا ول ظاهرا فإن لفظ البن لم يستعمل
قط في الكتب اللهية في معنى صفة من صفات ال ولم يسم أحد من النبياء علم ال
ابنه ول سموا كلمه ابنه ولكن عندكم أنهم سموا عبده أو عباده ابنه أو بنيه وإذا كان
كذلك فدعواكم أن المسيح أراد بالعلم ابن ال وكلمه دعوى في غاية الكذب على
المسيح وهو حمل للفظه على ما لم يستعمله هو ول غيره فيه ل حقيقة ول مجازا
فأي كذب وتحريف لكلم النبياء أعظم من هذا #ولو كان لفظ البن يستعمل في
صفة ال لسميت حياته ابنا وقدرته ابنا فتخصيص العلم بلفظ البن دون الحياة خطأ
ثاني لو كان
لفظ البن يستعمل في صفة ال فكيف إذا لم يكن كذلك #وكذلك روح القدس لم
يستعملوها في حياة ال ول أرادوا بهذا اللفظ حياة ال التي هي صفته وإنما أرادوا
279
www.anassim.fr.st 280 الن سي ــــ ـــ ـم
بذلك ما ينزله على الصديقين والنبياء ويؤيدهم به كما في قول داود روحك القدس
ل تنزع مني وعندهم أن روح القدس حلت في الحواريين وقد قدمنا أن روح القدس
يراد به الملك ويراد به ما يجعله في القلوب من الهدى والقوة ومنه قوله في بعض
النبوات وفي تلك اليام أسكب من روحي على كل قديس وفي زبور داود روحك
الصالح يهديني في أرض مستقيمة #يوضح هذا أنهم قالوا في أمانتهم الذي من
أجلنا نحن البشر ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن
مريم العذراء وذكروا أن ذلك في الكتب المقدسة والذي في الكتب
المقدسة ل يكون إل حقا ول ريب أن فيها مثل ما في القرآن وفي القرآن أن ال
أرسل روحه إلى مريم فنفخ فيها فحملت بالمسيح عليه السلم قال تعالى #سورة
مريم اليات # 22 17إلى آخر القصة وقال تعالى ^ #والتي أحصنت فرجها
فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ #وقال تعالى ^ #ومريم ابنة
عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه
^ وكانت من القانتين
وهذا الروح هو الرسول كما قال ^ #قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما #
زكيا ^ #ونفخ فيها من هذا الروح فكان المسيح مخلوقا من هذا الروح ومن أمه
مريم كما قالوا في المانة أنه تجسد من مريم ومن روح القدس لكن اعتقدوا أن روح
القدس التي خلق المسيح منها ومن مريم هي حياة ال وهذا ليس في الكتب ما يدل
عليه بل الكتب كلها صريحة في نقيض هذا وهو أيضا مناقض لقولهم إن المتحد
بالمسيح هو أقنوم الكلمة وهو العلم فإن كان قد تجسد من مريم وأقنوم الكلمة لم يكن
متجسدا من روح القدس وإن كان من روح القدس لم يكن من الكلمة وإن كان منهما
جميعا كان المسيح أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم الروح #والنصارى بفرقهم الثلثة
كلهم يقولون إنما المتحد به أقنوم الكلمة ل أقنوم الحياة فتبين تناقضهم في أمانتهم
وتبين خطؤهم فيما فسروا به كلم النبياء #وتبين أن ما ثبت عن النبياء فهو حق
موافق لما أخبر به محمد خاتم النبيين ل يناقض شيئا من كلم النبياء كما أنه ل
يناقض
شيئا من كلمهم صريح المعقول وتبين أنهم حملوا كلم النبياء في لفظ البن وروح
القدس وغيره على ما لم يوجد استعمال هذا اللفظ فيه وتركوا حمله على المعنى
الموجود في كلمهم وهذا من أبلغ ما يكون من تحريف كلمهم عن مواضعه وتبديل
معاني كلم ال فكيف يجوز أن يحمل لفظ روح القدس على معنى لم يستعمله فيه
النبياء ول أرادوه به ويترك حمله على المعنى المعروف الذي يستعملونه فيه دائما
#وهل هذا إل من فعل من يحرف كلم النبياء ويفتري الكذب عليهم بل ظاهر هذا
الكلم أن يعمدوهم باسم الب الذي يريدون به في لغتهم الرب والبن الذي يريدون
به في لغتهم المربي وهو هنا المسيح وروح القدس وهو روح القدس الذي أيد ال به
المسيح من الملك والوحي وغير ذلك وبهذا فسر هذا الكلم من فسره من أكابر
280
www.anassim.fr.st 281 الن سي ــــ ـــ ـم
علمائهم
( ) 36
فصل #فهذا ما ذكروه في كتابهم يحتجون بها على ما يعتقدونه من القانيم الثلثة
قائلين إن تسمية ال أنه أب وابن وروح القدس أسماء لم نسمه نحن النصارى بها من
ذات أنفسنا بل ال سمى لهوته بها #وقد تبين أنه ليس فيما ذكروه عن النبياء ما
يدل ل نصا ول ظاهرا على أن أحدا من النبياء سمى ال ول شيئا من صفاته ابنا
ول روح قدس #وتبين أن تسميتهم لعلم ال وكلمه ابنا وتسميتهم لحياته روح
القدس أسماء ابتدعوها ما أنزل ال بها من سلطان وأنه ليس معهم على ما ادعوه من
القانيم حجة أصل ل سمعية ول عقلية وأنه ليس لقولهم بالتثليث وحصرهم لصفات
ال في ثلثة مستند شرعي #كما تبين أنه ليس له مستند عقلي وأن القوم ممن قيل
فيهم ^ #وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ #وممن قيل
فيهم ^ #أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل
^ سبيل
فصل #ثم أخذوا يزعمون أن فيما أنزل على محمد حجة لهم على القانيم التي
ادعوها وهم ابتدعوا القول بالقانيم والتثليث قبل أن يبعث محمد #وذلك معروف
عندهم من حين ابتدعوا المانة التي لهم التي وضعها الثلث مائة وثمانية عشر منهم
بحضرة قسطنطين الملك فإذا لم يكن لهم مستند عقلي ول سمعي عن النبياء قبل
محمد فكيف يكون لهم مستند فيما جاء به محمد بعد ابتداعهم المانة #ل سيما مع
العلم الظاهر المتواتر أن محمدا كفرهم في الكتاب الذي أنزل عليه وضللهم
وجاهدهم بنفسه وأمر بجهادهم كقوله تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو
المسيح ابن مريم ^ #وقوله تعالى ^ #وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم
بأفواههم
يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ #وقال ^ #لقد كفر
الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ #وقال ^ #ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم ^ #
ونحو ذلك من اليات #وقالوا وقد قال في هذا الكتاب أيضا ^ ولقد سبقت كلمتنا
لعبادنا الصالحين ^ #فيقال لهم حرفتم لفظ الية ومعناها فإن لفظها ^ #ولقد سبقت
كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^ #فالكلمة
التي سبقت لعباده المرسلين قوله ^ #إنهم لهم المنصورون ^ #أخبر أنه سبق منه
كلمة لعباده المرسلين لينصرهم كما قال تعالى ^ #ولول كلمة سبقت من ربك لكان
^ لزاما وأجل مسمى
وقوله ^ #ولقد آتينا موسى الكتب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي #
بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ^ #وقوله ^ #وكذلك حقت كلمة ربك على الذين
281
www.anassim.fr.st 282 الن سي ــــ ـــ ـم
كفروا أنهم أصحاب النار ^ #وقوله ^ #وما تفرقوا إل من بعد ما جاءهم العلم
بغيا بينهم ولول كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ^ #وقوله ^ #
ولو شئنا لتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لملن جهنم من الجنة والناس
أجمعين ^ #والكلمة في لغة العرب هي الجملة المفيدة سواء كانت جملة اسمية أو
فعلية وهي القول التام وكذلك الكلم عندهم هو الجملة التامة #قال سيبويه واعلم
أنهم يحكون بالقول ما كان كلما ول يحكون به ما كان قول ولكن النحاة اصطلحوا
على أن يسموا
ما تسميه العرب حرفا يسمونه كلمة مثل زيد وعمرو ومثل قعد وذهب وكل حرف
جاء لمعنى ليس باسم و ل فعل مثل إن وثم وهل ولعل #قال تعالى ^ #وينذر
الذين قالوا اتخذ ال ولدا ^ ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة تخرج من
أفواههم ^ #فسمى هذه الجملة كلمة #وقال تعالى ^ #مثل كلمة طيبة كشجرة
طيبة ^ #وهو قول ل إله إل ال #وقال تعالى ^ #إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح يرفعه ^ #وقال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال
^
وقوله تعالى ^ #وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ^ #وقال النبي # #
كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان ال
وبحمده سبحان ال العظيم وقال #أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ال كل شيء ما
خل ال باطل #وقال النبي #اتقوا النار ولو بشق
تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة ولما شاع عند المشتغلين بالنحو استعمال لفظ الكلمة
في السم أو الفعل وحرف المعنى صاروا يظنون أن هذا هو كلم العرب ثم لما
وجد بعضهم ما سمعه من كلم العرب أنه يراد بالكلمة الجملة التامة صار يقول
وكلمة بها كلم قد يؤم فيجعل ذلك من القليل #ومنهم من يجعل ذلك مجاز وليس
المر كذلك بل هذا اصطلح هؤلء النحاة فإن العرب لم يعرف عنهم أنهم استعملوا
لفظ الكلمة والكلم إل في الجملة التامة وهكذا نقل عنهم أئمة النحو كسيبويه وغيره
#فكيف يقال إن هذا هو المجاز وإن هذا قليل وكثير #كما أن لفظ القديم في لغة
العرب هو المتقدم على غيره كما قال
تعالى ^ #حتى عاد كالعرجون القديم ^ #وقوله تعالى ^ #وإذ لم يهتدوا به
فسيقولون هذا إفك قديم ^ #وقوله تعالى ^ #أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم
القدمون ^ #ثم إن من أهل الكلم من خص لفظ القديم بما لم يسبقه عدم أو ما لم
يسبقه غيره وصار هذا عندهم هو حقيقة اللفظ حتى صار كثير منهم يظن أن
استعمال القديم في المتقدم على غيره مطلقا مجاز #فتبين أن مراده تعالى بقوله #
^ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ^ #من جنس قوله ^ #ولول كلمة سبقت من
282
www.anassim.fr.st 283 الن سي ــــ ـــ ـم
ربك لكان لزاما ^ #فسبق منه كلمته بما سيكون من نصر المرسلين وملء جهنم
من الجنة والناس أجمعين ونحو ذلك فحرف هؤلء الضلل لفظ الية فقالوا ^
لعبادنا الصالحين ^ وجعلوا ^ الكلمة ^ هي المسيح وليس في
اللفظ ما يدل على ذلك بوجه من الوجوه ول في كون المسيح سبق لعبادنا المرسلين
معنى صحيح وقد قال تعالى ^ #ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم
^ المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون
فصل #قالوا وقال أيضا ^ #ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك
إذ أيدتك بروح القدس ^ #فيقال هذا مما ل ريب فيه ول حجة لكم فيه بل هو حجة
عليكم فإن ال أيد المسيح عليه السلم بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الية وقال
تعالى في البقرة ^ #وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ #وقال
تعالى ^ #تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم
درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ #وهذا ليس مختصا
بالمسيح بل قد أيد غيره بذلك وقد ذكروا هم أنه قال لداود روحك القدس ل تنزع
مني وقد قال نبينا لحسان بن ثابت #اللهم أيده بروح
القدس وفي لفظ #روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه وكل اللفظين في
الصحيح #وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس وكذلك عندهم
روح القدس حلت في جميع النبياء #وقد قال تعالى #سورة النحل اليات 98
# 102وقد قال تعالى في موضع آخر ^ #نزل به الروح المين على قلبك ^ #
وقال ^ #قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ #فقد تبين أن
روح القدس هنا جبريل وقال تعالى ^ #ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر
يوادون من حاد ال
ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم
اليمان وأيدهم بروح منه ^ #وقال تعالى ^ #وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا
ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعناه نورا فهدي به من نشاء من عبادنا
^ #وقال تعالى ^ #ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن
أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون ^ #وقال ^ #يلقى الروح من أمره على من يشاء
من عباده لينذر يوم التلق ^ #فهذه الروح التي أوحاها والتي تنزل بها الملئكة
على من يشاء من عباده غير الروح المين التي تنزل بالكتاب وكلهما يسمى روحا
وهما متلزمان فالروح التي ينزل بها الملك مع الروح المين التي ينزل بها روح
القدس يراد بها هذا وهذا #وبكل القولين فسر المفسرون قوله في المسيح ^ وأيدناه
بروح القدس ^ ولم يقل أحد أن المراد بذلك حياة ال ول اللفظ يدل على ذلك ول
استعمل فيه
283
www.anassim.fr.st 284 الن سي ــــ ـــ ـم
وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة ال فإذا #
ثبت أن لها معنى غير الحياة فلو استعمل في حياة ال أيضا لم يتعين أن يراد بها
ذلك في حق المسيح فكيف ولم يستعمل في حياة ال في حق المسيح #وإما أن
يدعوا أن المراد بها حياة ال في حق النبياء والحواريين فإن قالوا ذلك لزمهم أن
يكون اللهوت حال في جميع النبياء والحواريين وحينئذ فل فرق بين هؤلء وبين
المسيح #ويلزمهم أيضا أن يكون في المسيح لهوتان لهوت الكلمة ولهوت
الروح فيكون قد اتحد به أقنومان #ثم في قوله تعالى ^ وأيدناه بروح القدس ^
يمتنع أن يراد بها حياة ال فإن حياة ال صفة قائمة بذاته ل تقوم بغيره ول تختص
ببعض الموجودات غيره وأما عندهم فالمسيح هو ال الخالق فكيف يؤيد بغيره
وأيضا فالمتحد بالمسيح هو الكلمة دون الحياة فل يصح تأييده بها #فتبين أنهم
يريدون أن يحرفوا القرآن كما حرفوا غيره من الكتب المتقدمة وأن كلمهم في
تفسير المتشابه من الكتب اللهية من جنس واحد
فصل #قالوا وقال أيضا ^ وكلم ال موسى تكليما ^ #فيقال لهم وأي حجة لكم في
هذا وإنما هو حجة عليكم فإنه قد ثبت أن ال كلم موسى تكليما وكلم ال الذي سمعه
منه موسى عليه السلم ليس هو المسيح فعلم أن المسيح ليس هو كلم ال وعندهم
هو كلمة ال وهو علم ال وهو ال #ومعلوم أن كلم ال كثير كالتوراة والنجيل
والقرآن وغير ذلك من كلمه وليس المسيح شيئا من ذلك والمسيح عندهم خالق ولو
كان المسيح نفس كلم ال لم يكن خالقا ول معبودا فإن كلم ال لم يخلق السماوات
والرض ول كلم ال هو الله المعبود بل كلمه كسائر صفاته مثل حياته وقدرته
ول يقول أحد يا علم ال اغفر لي ول يا كلم ال اغفر لي وإنما يعبد ويدعى الله
الموصوف بالعلم والقدرة والكلم الذي كلم به موسى تكليما
فصل #قالوا وقال أيضا في سورة التحريم ^ #ومريم ابنة عمران التي أحصنت
فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ #
فيقال أما قوله تعالى ^ #فنفخنا فيه من روحنا ^ #وقوله في سورة النبياء ^ #
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ #فهذا
قد فسره قوله تعالى ^ #فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ
بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ #وفي
القراءة الخرى ليهب لك غلما زكيا #فأخبر أنه رسوله وروحه وأنه تمثل لها
بشرا وأنه ذكر أنه
رسول ال إليها فعلم أن روحه مخلوق مملوك له ليس المراد حياته التي هي صفته
سبحانه وتعالى #وكذلك قوله ^ #فنفخنا فيها من روحنا ^ #وهو مثل قوله في
284
www.anassim.fr.st 285 الن سي ــــ ـــ ـم
آدم عليه السلم ^ #فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ^ #وقد شبه المسيح بآدم
في قوله ^ #إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^
#والشبهة في هذا نشأت عند بعض الجهال من أن النسان إذا قال روحي فروحه
في هذا الباب هي الروح التي في البدن وهي عين قائمة بنفسها وإن كان من الناس
من يعني بها الحياة والنسان مؤلف من بدن وروح وهي عين قائمة بنفسها عند
سلف المسلمين وأئمتهم وجماهير المم #والرب تعالى منزه عن هذا وأنه ليس
مركبا من بدن وروح وليجوز أن يراد بروحه ما يريد النسان بقوله روحي بل
تضاف إليه ملئكته وما ينزله على أنبيائه من الوحي والهدى والتأييد ونحو ذلك
فصل #قالوا وسائر المسلمين يقولون إن الكتاب كلم ال ول يكون كلم إل لحي
ناطق وهذه صفات جوهرية تجري مجرى السماء وكل صفة منها غير الخرى
فالله واحد خالق واحد ورب واحد ل يتجزأ #فيقال لهم أما قول المسلمين أن
الكتاب أي القرآن كلم ال فهذا حق والكلم ل يكون إل لمتكلم #والمسلمون يقولون
إن ال حي متكلم وإنه تكلم بالتوراة والنجيل والقرآن وغير ذلك من كلمه والقرآن
قد أخبر بكلم ال في مواضع كثيرة وهل يسمى ناطقا وكلمه نطقا #فيه نزاع
فبعض المسلمين يجيزه وبعضهم يمنع منه لكونه لم يرد به الشرع وليس في التوراة
والنجيل والزبور تسمية ال ناطقا بخلف لفظ القول والكلم وقد تنازع المسلمون
بعد ظهور البدع فيهم كما تنازع أهل الكتاب في كلم ال هل هو قائم به أو مخلوق
منفصل عنه #والذي عليه سلف المة وأئمتها وجمهورها أن كلم ال قائم به
وكذلك سائر ما يوصف به من الحياة والقدرة وغير ذلك #وأحدث قوم منهم بعد
انقراض الصحابة وأكابر التابعين بعد أكثر من مائة سنة من موت النبي أنه مخلوق
خلقه في غيره وشاركهم في هذه البدعة كثير من اليهود والنصارى #وظهرت هذه
المقالة بعد المائة الثانية وانتصر لها قوم من الولة وغيرهم ثم أطفأها ال بمن أقامه
ال من أئمة السلم والسنة الذين بينوا فسادها وبينوا ما اتفق عليه السلف من أن
كلم ال منزل منه غير مخلوق بل منه بدأ لم يبتدىء من شيء من المخلوقات ومع
هذا فلم يقل أحد من المسلمين إن كلم ال يكون إلها ول ربا #وكذلك حياته لم يقل
أحد منهم إن حياته تكون إلها ول ربا ول أنه مساو للرب تعالى في الجوهر
فصل #وأما قولهم هذه صفات جوهرية تجري مجرى أسماء #فإن أرادوا بقولهم
جوهرية أن كل صفة جوهر فهذا كلم ظاهر الفساد فإن الصفة القائمة بغيرها ل
تكون جوهرا قائما بنفسه ومن ظن أن حرارة النار القائمة بها جوهر قائم بنفسه
كالنار فهو إما مصاب في عقله وإما مسفسط معاند #والول يستحق علج
المجانين #والثاني يستحق العقوبة التي تردعه عن العناد #ثم إن جاز أن تكون
الصفة جوهرا كانت القدرة أيضا جوهرا #وإن أرادوا بقولهم جوهرية أنها صفات
285
www.anassim.fr.st 286 الن سي ــــ ـــ ـم
ذاتية وغيرها صفات فعليه كالخالق والرازق فمعلوم أن صفاته الذاتية منها القدرة
وغيرها فلم تنحصر في هذه #وأيضا فالكلم وإن كان قائما بذاته فقيل هو متعلق
بمشيئته وقدرته وهو قول السلف والكثرين وقيل ليس كذلك #والمتكلم قيل هو من
فعل الكلم ولو كان منفصل عنه وقيل هو من قام به الكلم وإن لم يكن بمشيئته
وقدرته وقيل المتكلم من قام
به الكلم بمشيئته وقدرته وهذا قول السلف والكثرين فبطل قولهم على كل تقدير #
وإن أرادوا بالجوهرية أنها ذاتية مقومة وباقي الصفات عرضية على رأي أهل
المنطق اليونان الذين يفرقون في الصفات اللزمة للموصوف بين هذا وهذا كان هذا
فاسدا من وجوه #منها أن تفريق هؤلء في الصفات اللزمة للموصوف بين صفة
وصفة وجعل بعضها ذاتيا مقوما داخل في الماهية وبعدها عرضيا لحقا خارجا عن
الماهية كلم باطل عند جماهير نظار المم من أهل الملل وغيرهم كما قد بسط
الكلم عليه في الرد على هؤلء المتفلسفة وبين أن ما يدعونه من تركيب النواع
من الجناس والفصول إنما هو تركيب في الذهان ل حقيقة له في العيان وأن ما
يقوم بالذهان يختلف باختلف تصور الذهان #فتارة يتصور الشيء مجمل وتارة
يتصوره مفصل وما سموه تمام الماهية والداخل في الماهية والخارج عنها اللزم
لها يعود عند التحقيق إلى ما يدل عليه اللفظ بالمطابقة والتضمن واللتزام #ومدلول
اللفظ هو بحسب ما يعنيه المتكلم ويقصده ويتصوره وهذا يختلف باختلف إرادات
الناس ل يرجع ذلك إلى حقيقة عقلية ول صفة ذاتية للموجودات #ولهذا لما كان
كلمهم باطل لم يمكنهم ذكر فرق صحيح بين
الذاتي والعرضي اللزم إذا كان كلهما لزما للموصوف بل ذكروا ثلثة فروق
والثلثة باطلة واعترف حذاقهم ببطلنها كقولهم إن الذاتي يثبت للموصوف بل
وسط والعرضي اللزم إنما يثبت بوسط #ثم حذاقهم يفسرون الوسط بالدليل كما
فسره ابن سينا #ومنهم من يفسر الوسط بصفة قائمة للموصوف كما يفسره الرازي
وغيره وهؤلء لم يفهموا مراد أولئك فزاد غلطهم وأولئك أرادوا بالوسط الدليل كما
يريدون بالحد الوسط ما ي
قرن باللم في قولك لنه فصار العرضي اللزم عندهم ما يعلم ثبوته للموصوف
بدليل وهذا ل يرجع إلى حقيقة ثابتة في نفس المر بل هذا أمر يتعلق بالعالم
بالصفات #فمنهم من يكون تام التصور فيعلم لزوم الصفة للموصوف بل دليل
ومنهم من ل يكون تام التصور فل يعلم ذلك إل بدليل ثم كل ما كان مستلزما #
لشيء فإنه يمكن الستدلل به عليه إذا كان الدليل هو الذي يلزم من تحققه تحقيق
المدلول فيكون الوسط كل ما كان مستلزما للعرض فيكون العرض لزم اللزم #
وهم معترفون بأن من العرضيات ما يلزم بل وسط وقد مثلوا ذلك بالزوجية
والفردية في العدد كالعلم بأن الربعة زوج والثلثة فرد وإن كان ظاهرا لكن العلم
بأن خمسمائة وثلثة وأربعين نصف ألف وستة وثمانين قد يفتقر إلى دليل وقد يفتقر
286
www.anassim.fr.st 287 الن سي ــــ ـــ ـم
إلى تأمل وفكر #وهم يقولون ما يقول ابن سينا أفضل متأخريهم وغيره من أن
العرض المنقسم إلى الكيف والكم وغير ذلك هو ذاتي لموصوفاته #واللون المنقسم
إلى السوادء والبياض هو ذاتي للمتلون والسوادية والبياضية صفتان ذاتيتان بخلف
الزوجية والفردية #قالوا لن كون هذا أسود وأبيض وعرضا قائما بغيره ل يفتقر
إلى استدلل ونظر بخلف كون هذا العدد زوجا أو فردا فإن هذا قد يفتقر إلى نظر
واستدلل فإنه ينقسم إلى قسمين متساويين أو ل ينقسم
ومعلوم أن هذا فرق يعود إلى علم العالم بهذه الصفات هل هو جلي أو خفي وهل #
يفتقر إلى نظر واستدلل أو ل يفتقر ليس هو فرقا يعود إلى الصفة في نفسها ول
إلى موصوفها فعلم أنه ليس بين ما جعلوه ذاتيا مقوما داخل في الماهية وما جعلوه
عرضيا لزما خارجا عن الماهية فرق يعود إلى نفس الماهية التي هي الذات
الموصوفة الموجودة في الخارج ول إلى صفاتها بل جميع صفاتها اللزمة لها سواء
في ذلك وليست الماهية مركبة من هذا دون هذا ول فيها شيء يتقدم على الماهية في
الوجود الخارجي كما يقولون أن الذاتي يتقدم على الماهية في الوجود والذهن #ول
الصفات جواهر موجودة في الخارج لها أجزاء كأجزاء الجسام المركبة وإنما هي
صفات قائمة بالموصوف يمتنع تقدم شيء منها على الموصوف #ولكن إذا قيل في
النسان هو جسم حساس تام متحرك بالرادة ناطق فهنا قد يتصور الذهن هذه
المور ويعبر عنها فكل واحد منهما جزء من الجملة التي في ذهنه ولسانه #
والجملة التي في ذهنه ولسانه مركبة من هذه الجزاء ل أن النسان الموجود في
الخارج مركب من هذه الجزاء وأنها متقدمة عليه أو أنها جواهر فإن هذا كله مما
يعلم بصريح العقل أنه باطل لكن هؤلء المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم كثيرا ما يشتبه
عليهم ما يتصورونه في الذهان بما يوجد في العيان كما أثبت من أثبت من
قدمائهم مثل
فيثاغورس وأتباعه أعدادا مجردة موجودة في الخارج #وقد رد ذلك عليهم سائر
العقلء كما رده من بعده منهم #وقالوا إن العدد المجرد والمقدار المجرد إنما يوجد
في الذهن ل في الخارج وإنما يوجد في الخارج المعدودات والمقدرات مثل الجسام
المتفرقة التي تعد كالكواكب أو المتصلة التي تقدر كالفلك وذلك هو المتصف بالكم
المتصل والكم المنفصل الموجود في الخارج #وأثبت أصحاب أفلطون الكليات
العقلية في الخارج التي يسمونها المثل الفلطونية وزعموا أنها قديمة أزلية وأثبتوا
بعدا
موجودا مجردا جوهرا هو الخلء وجوهرا قائما بنفسه هو الدهر وجوهرا مجردا
قائما بنفسه هو المادة والهيولى الزلية #وهذه كلها إنما تتصور في الذهان ل في
العيان بل وما أثبتوه من العقول المجردة العشرة هي أيضا عند التحقيق ترجع إلى
ما يجرده الذهن ويقدره فيه ل إلى موجود في الخارج #وأصل قولهم المجردات
والمفارقات هو مأخوذ من مفارقة النفس الناطقة للبدن بالموت وهذا حق فإن الذي
287
www.anassim.fr.st 288 الن سي ــــ ـــ ـم
عليه النبياء وأتباعهم وجمهور العقلء أن الروح تفارق البدن وتبقى بعد فراق
البدن ومن قال من متكلمة أهل الملل أنه ل يبقى بعد البدن روح تفارقه وأن الروح
جزء من البدن أو عرض من أعراض البدن فقوله مع أنه خطأ في العقل الصريح
هو أيضا مخالف لكتب ال المنزلة ولرسله ولمن اتبعهم من جميع أهل الملل وهذه
المور مبسوطة في غير هذا الموضع #والمقصود هنا التنبيه على أن تفريق
هؤلء اليونانيين في الصفات اللزمة للموصوف بين الصفات الذاتية والعرضية
اللزمة وجعلهم اللزمة منها ما هو لزم للماهية ومنها ما هو لزم لوجودها هو
مبني على أصلين فاسدين لهم خالفهم فيها جمهور عقلء المم من نظار أهل الملل
وغيرهم #أحد الصلين هو ما تقدم من جعلهم الصفات اللزمة للموصوف هي في
الخارج منقسمة إلى ذاتي جزء من الماهية داخل فيها والى عرضي خارج عنها
لزم لها
والثاني زعمهم أن كل موجود ممكن وله في الخارج ماهية هي ذاته وحقيقته غير #
الموجود المعلوم المعين الثابت في الخارج وهذا أيضا مما اشتبه عليهم فيه ما في
الذهن بما في الخارج #فإنه إذا أريد بالماهية ما يتصور في الذهن وهو المقول في
جواب ما هو وبالوجود ما هو ثابت متحقق في الخارج فمعلوم أن هذا غير هذا كما
يقولون إنا نتصور المثلث قبل أن نعلم وجوده في الخارج فعلم أن ماهية المثلث غير
المثلث الموجود في الخارج #فإنه يقال لهم إن أردتم أن ما يتصور في الذهن من
المثلث غير الموجود في الخارج فهذا حق لكن ليس في هذا ما يدل على أنه في
الخارج عن الذهن شيئين #أحدهما ماهية المثلث التي هي حقيقته وذاته #الثاني
المثلث الموجود الذي هو زاوية الحائط #وإن أردتم أن في الخارج شيئين فهذا غلط
وهذا الموضع مما اشتبه على كثير من النظار حتى صار بعض أكابرهم حائرا
متوقفا #وبعضهم يختلف قوله ويتناقض وسبب ذلك عدم تمييزهم بين ما يتصور
في الذهان وبين ما يوجد في العيان ثم هذا الموضوع
نقلوه إلى الكلم في صفات ال اللزمة له كحياته وعلمه وقدرته هل هي ذاتية أو
عرضية #فإن قيل ذاتية لزم أن تكون له أجزاء متقدمة عليه تركب منها وإن كانت
عرضية لزمة لزم أن يكون قابل وفاعل فإن كونه فاعل غير كونه قابل فلزم أن
يكون فيه جهتان وهذا من التركيب الذي زعموه منتفيا وذلك يستلزم التركيب وهو
التركيب من الذاتيات وقد بين فساد هذا من وجوه متعددة #منها أن التركيب
المعقول هو تركيب الحيوان والنبات والمعادن من أبعاضه وأخلطه وتركيب
المبنيات والملبوسات والطعمة والشربة من أبعاضها وأخلطها #وأما تركيب
الجسام من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة فهذا مما تنازع فيه جمهور
العقلء وكذلك تركيب الشيء من الموجود والماهية سواء كان واجبا أو ممكنا هو
مما تنازع فيه جمهور العقلء وكذلك تركبه من الصفات الذاتية المشتركة والمميزة
التي يسمونها الجنس والفصل
288
www.anassim.fr.st 289 الن سي ــــ ـــ ـم
وأما اتصاف الذات بصفات تقوم بها فهذا هو الذي يعرفه عامة العقلء ولكن ل #
يسمون هذا تركيبا فمن سماه تركيبا لم يكن نزاعه اللفظي قادحا فيما علم بالدلة
السمعية والعقلية #ثم هم يقولون المركب يفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره وواجب
الوجود ل يفتقر إلى غيره وهذه كلها ألفاظ مجملة فإن لفظ الفتقار هنا لم يعنوا به
افتقار المفعول إلى فاعله ول المعلول إلى علته الفاعلية فإن جزء الشيء ل يكون
فاعله ول علته الموجبة له بل يريدون به التلزم والشتراط فإن وجود المجموع
مستلزم لوجود أجزائه وهو مشروط بذلك #ومنها أن لفظ الجزء ليس مرادهم جزءا
مباينا للجملة فإن جزء الجملة ليس مباينا لها #ومنها لفظ الغير فإنه يراد بالغيرين
ما يجوز مباينة أحدهما لصاحبه أو مفارقته له بزمان أو مكان أو وجود ويراد بهما
ما يجوز العلم بأحدهما دون الخر وبعض المجموع وصفة الموصوف ل يجب أن
تفارقه وتباينه بل قد يجوز أن تباينه ويجوز أن ل تباينه #فصفات الرب عز وجل
اللزمة له ل يجوز أن تفارقه وتباينه وحينئذ فمن الناس من ل يسميها غيرا له ومن
سماها غيرا له فذاته مستلزمة لها ليست الصفات فاعلة للذات ول علة موجبة لها #
ولفظ واجب الوجود يراد به الموجود بنفسه الذي ل فاعل له ول علة فاعلة له وذات
الرب عز وجل وصفاته واجبة الوجود بهذا العتبار ويراد به مع ذلك المستغني عن
محل يقوم به والذات
بهذا المعنى واجبة دون الصفات ويراد به ما ل تعلق له بغيره وهذا ل حقيقة له فإن
الرب تعالى له تعلق بمخلوقاته ل سيما عند هؤلء الفلسفة الدهرية الذين يقولون إنه
موجب بذاته للفلك مستلزم لها فيجعلونه ملزوما لمفعولته فكيف ينكرون أن تكون
ذاته ملزومة لصفاته #وهؤلء المتفلسفة اليونانيون الذين يسمون المشائين أتباع
أرسطو صاحب التعاليم المنطق الطبيعي والرياضي واللهي يقولون إن موضوع
العلم الطبيعي متعلق بالمادة في الذهن والخارج من الجسم وأحكامه #والثاني
الرياضي وهو متعلق بالمادة في الخارج ل في الذهن فإنه ل يوجد عددا ول مقدارا
في الخارج إل في جسم في الخارج أو عرض معدود أو مقدر منفصل بخلف
الذهن فإنه يجرد أعدادا ومقادير مجردة عن المعدودات والمقدرات #والثالث الذي
يسمونه علم ما بعد الطبيعة باعتبار السلوك العلمي وهو علم ما قبلها باعتبار الوجود
العيني ويسمونه أيضا العلم اللهي وموضوعه عندهم المجرد عن المادة في الذهن
والخارج وهو الموجود من حيث هو موجود وانقسامه إلى جوهر وعرض وانقسام
الجوهر إلى جسم وغير جسم وانقسام الجسم إلى المادة والصورة والعقول والنفوس
والعلة الولى يسميها أرسطو وأتباعه جوهرا ول يسميها واجب الوجود وأما #
متأخروهم كابن سينا وأتباعه يسمونها واجب الوجود ول يسمونها جوهرا والكلم
على هؤلء مبسوط في موضع آخر إذ المقصود هنا أن هذه المور التي يقولون هي
موضوع العلم اللهي وهي المجردة عندهم عن المادة في الذهن والخارج هي عند
التحقيق وجودها في الذهان ل في العيان #فإن الوجود العام الكلي ل يوجد عاما
كليا إل في الذهان ل في العيان كما أن النسان العام الكلي والحيوان العام الكلي
289
www.anassim.fr.st 290 الن سي ــــ ـــ ـم
ل يوجد عاما كليا إل في الذهان ل في العيان #وقد بسط الكلم على هؤلء في
غير هذا الموضع وبين أن اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أقرب إلى الحق في
المور اللهية منهم #وهذه المور مبسوطة في موضع آخر ولكن نبهنا عليها
لتعلقها هنا بقول هؤلء النصارى إن صفات الرب الثلث هي جوهرية دون غيرها
وأنهم إن عنوا بذلك ما يعنيه هؤلء بالذاتية فقولهم باطل مبني على أصل باطل #
فإن تفريق هؤلء اليونان في الصفات اللزمة بين الذاتي والعرضي اللزم للموجود
والعرضي اللزم للماهية والعرضي اللزم
للموصوف فرق باطل وقد ذكروا ثلث فروق كلها باطلة كما تقدم #الول الوسط
#والفرق الثاني تقدم الذاتي ذهنا ووجودا بخلف اللزم العرضي #والثالث توقف
الحقيقة على الذات #وقد تبين بطلن هذا في غير هذا الموضع #والنصارى ليس
مرادهم بالجوهرية ما يريده هؤلء بالذاتية فلهذا لم نبسط الكلم عليه بل يقولون إن
الثلثة جواهر وهؤلء المنطقيون يفرقون بين اللزم للماهية واللزم لوجودها بناء
على أن في الخارج شيئين الوجود وماهية أخرى غير الوجود #والكلم على هذا
كله مبسوط في موضع آخر #ومنها أنه لو قدر أن صفات الموصوفات اللزمة لها
تنقسم إلى ذاتي مقوم وعرضي لزم وأن صفات الرب سبحانه كذلك لم يكن
تخصيص العلم بأنه ذاتي أولى من القدرة فليس ذكر القائم بنفسه الحي العالم بأولى
من ذكر القائم بنفسه الحي القادر #والنصارى لما كانت القانيم عندهم ثلثة
وزعموا أن الشرع المنزل دل على ذلك وكانوا في ذلك مخالفين للشرع المنزل إليهم
كما قد بسط في موضعه صار طائفة منهم يقولون موجود حي عالم وطائفة يقولون
موجود عالم قادر فيجعلون القادر مكان الحي ويجعلون روح القدس هو القدرة #
وهذا القول وإن كان أحسن في المعنى لكن تفسير روح القدس بالقدرة في غاية البعد
الذي يظهر فساده لكل أحد #ول بد لهم من إثبات أقنوم الكلمة الذي يقولون تارة
هي العلم وتارة هي الحكمة ويسمونها تارة النطق كما سموها في كتابهم هذا لن
الذي اتحد بالمسيح عندهم هو أقنوم الكلمة فصاروا تارة يضمون إليها الحياة وتارة
يضمون إليها القدرة #والب تارة يقولون هو الوجود وتارة يقولون القائم بنفسه
وتارة يقولون الذات وتسمى القائم بنفسه بالسريانية الكيان وتارة يقولون الجود #
وكل هذا من الحيرة والضلل لنهم ل يجدون ثلث معاني هي المستحقة لن تكون
جوهرية دون غيرها من الصفات سواء فسرت الجوهرية بأنها جواهر أو بأنها ذاتية
مقومة أو بغير ذلك #ومنها قولهم تجري مجرى أسماء فإن أرادوا بذلك أسماء
أعلم أو جامدة وسائرها صفات فاسم الحي والعالم اسم مشتق يدل على معنى العلم
والحياة كما يدل القدير على القدرة وإن أرادوا أنه يسمى بها فلله تعالى أسماء كثيرة
فإنه سبحانه له السماء الحسنى
ومن أسمائه القدير والقدرة تستلزم من قدرته على المخلوقات ما ل يدل عليه العلم #
وخلقه للمخلوقات يدل على قدرته أبلغ من دللته على علمه واختصاصه بالقدرة
290
www.anassim.fr.st 291 الن سي ــــ ـــ ـم
أظهر من اختصاصه بالعلم حتى إن طائفة من النظار كأبي الحسن الشعري وغيره
يقول أخص وصفه القدرة على الختراع فل يوصف بذلك غيره #والجهم بن
صفوان قبله يقول ليس في الوجود قادر غيره ول لغيره قدرة والشعري وإن أثبت
للمخلوق قدرة لكن يثبت قدرة ل تؤثر في المقدور ولم يقل أحد من العقلء إن أخص
وصفه الحياة والعلم ول إن غيره ليس بحي ول عالم فكان جعل القدير اسما وغيره
صفة إن كان الفرق حقا أولى من العكس فكيف إذا كان الفرق باطل فإن أسماءه
تعالى التي يعرفها الناس هي أسماء وهي صفات في اصطلح أهل العربية تدل
على معاني هي صفاته القائمة به #فالحي يدل على الحياة والعليم يدل على العلم
والقدير يدل على القدرة هذا مذهب سلف المة وجماهير المم ومن الناس فرقة
شاذة تزعم أن هذه السماء ل تدل على معاني كأسماء العلم وقد تنازع الناس فيما
يسمى به سبحانه ويسمى به غيره كالحي والعليم والقدير #فالجمهور على أنه
حقيقة فيهما وقالت طائفة كأبي العباس الناشي إنها حقيقة في الرب عز وجل مجاز
في المخلوق
وقالت طائفة عكس هؤلء من الجهمية والملحدة والمتفلسفة إنها مجاز في الرب
عز وجل حقيقة في المخلوق والولون هي عندهم متواطئة وقد يسمونها مشككة لما
فيها من التفاضل وبعضهم يقول هي مشتركة اشتراكا لفظيا
فصل #وأما قولهم كل صفة منها غير الخرى #فهذا إن أرادوا به أن صفات
الرب سبحانه وتعالى قد تباينه وتنفصل عنه وهو حقيقة قولهم ويقولون مع ذلك أنها
متصلة به فهو جمع بين النقيضين وتمثيلهم بشعاع الشمس تمثيل باطل وهو حجة
عليهم ل لهم #فإن الشعاع القائم بالهواء والرض والجبال والشجر والحيطان ليس
هو قائم بذات الشمس #والقائم بذات الشمس ليس هو قائما بالهواء والرض #فإن
قالوا بل ما يقوم به من العلم يفيض منه على قلوب النبياء علوم كما يفيض الشعاع
من الشمس #قيل لهم ل اختصاص للمسيح بهذا بل هذا قدر مشترك بينه وبين غيره
من النبياء وليس في هذا حلول ذات الرب ول صفته القائمة به بشيء من مخلوقاته
ول أن العبد بما حل فيه من العلم واليمان يصير إلها معبودا
وإن أرادوا أنها قائمة به وتسمى كل واحدة غير الخرى فهنا نزاع لفظي هل #
تسمى غيرا أو ل تسمى غيرا #فإن من الناس من يقول كل صفة للرب عز وجل
فهي غير الخرى ويقول الغيران ما جاز وجود أحدهما مع عدم الخر أو ما جاز
العلم بأحدهما مع الجهل بالخر #ومنهم من يقول ليست هي الخرى ول هي هي
لن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الخر أو ما جاز مفارقة أحدهما الخر
بزمان أو مكان أو وجود #والذي عليه سلف المة وأئمتها إذا قيل لهم علم ال
وكلم ال هل هو غير ال أم ل لم يطلقوا النفي ول الثبات فإنه إذا قال غيره أوهم
أنه مباين له #وإذا قال ليس غيره أوهم أنه هو بل يستفصل السائل فإن أراد بقوله
291
www.anassim.fr.st 292 الن سي ــــ ـــ ـم
غيره أنه مباين له منفصل عنه فصفات الموصوف ل تكون مباينة له منفصلة عنه
وإن كان مخلوقا فكيف بصفات الخالق #وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو فليست
الصفة هي الموصوف فهي غيره بهذا العتبار واسم الرب تعالى إذا أطلق يتناول
الذات المقدسة بما يستحقه من صفات الكمال فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات
الكمال #فاسم ال يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال وهذه الصفات ليست
زائدة على هذا المسمى بل هي داخلة في المسمى ولكنها
زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة
قال هؤلء بل الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات #وأما في نفس المر فليس
هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها بل الرب تعالى هو الذات المقدسة
الموصوفة بصفات الكمال وصفاته داخلة في مسمى أسمائه سبحانه وتعالى
فصل #وقولهم فالله واحد خالق واحد رب واحد #هو حق في نفسه لكن قد
نقضوه بقولهم في عقيدة إيمانهم نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد إله
حق من إله حق من جوهر أبيه مساو الب في الجوهر فأثبتوا هنا إلهين ثم أثبتوا
روح القدس إلها ثالثا وقالوا إنه مسجود له فصاروا يثبتون ثلثة آلهة ويقولون إنما
نثبت إلها واحدا وهو تناقض ظاهر وجمع بين النقيضين بين الثبات والنفي #ولهذا
قال طائفة من العقلء إن عامة مقالت الناس يمكن تصورها إل مقالة النصارى
وذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا بل تكلموا بجهل وجمعوا في كلمهم
بين النقيضين ولهذا قال بعضهم لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر
قول وقال آخر لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم لقال الرجل
قول وامرأته قول آخر وابنه قول ثالثا
فصل #وقولهم ل يتبعض ول يتجزأ مناقض لما ذكروه في أمانتهم ولما يمثلونه به
#فإنه يمثلونه بشعاع الشمس والشعاع يتبعض ويتجزأ فإن ما يقوم منه بهذا
الموضع بعض وجزء منه ويمكن زوال بعضه مع بقاء بعض فإنه إذا وضع على
مطرح الشعاع شيء فصل ما بين جانبيه وصار الشعاع الذي كان بينهما على ذلك
الفوقاني فاصل بين الشعاعين السافلين #يبين ذلك أن الشعاع قائم بالرض والهواء
وكل منهما متجزىء متبعض وما قام بالمتبعض فهو متبعض فإن الحال يتبع المحل
وذلك يستلزم التبعض والتجزىء فيما قام به #ويقولون أيضا إنه اتحد بالمسيح وأنه
صعد إلى السماء وجلس عن يمين الب وعندهم أن اللهوت منذ اتحد بالناسوت لم
يفارقه بل لما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الب كان الصاعد عندهم هو
المسيح الذي هو ناسوت ولهوت إله تام وإنسان تام فهم ل يقولون إن الجالس عن
يمين الب هو الناسوت فقط بل اللهوت المتحد
292
www.anassim.fr.st 293 الن سي ــــ ـــ ـم
بالناسوت جلس عن يمين اللهوت فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا #وليس هذا
من كلم النبياء حتى يقال إن له معنى ل نفهمه بل هو من كلم أكابرهم الذي
وضعوه وجعلوه عقيدة إيمانهم فإن كانوا تكلموا بما ل يعقلونه فهم جهال ل يجوز أن
يتبعوا وإن كانوا يعقلون ما قالوه فل يعقل أحد من كون اللهوت المتحد بالناسوت
جلس عن يمين اللهوت المجرد عن التحاد إل أن هذا اللهوت المجرد منفصل
مباين للهوت المتحد وليس هو متصل به بل غايته أن يكون مماسا له بل يجب أن
يكون الذي يماس اللهوت المجرد هو الناسوت مع اللهوت المتحد به فهذا حقيقة
التبعيض والتجزئة مع انفصال أحد البعضين عن الخر #وأيضا فيقال لهم المتحد
بالمسيح أهو ذات رب العالمين أم صفة من صفاته فإن كان هو الذات فهو الب
نفسه ويكون المسيح هو الب نفسه وهذا مما اتفق النصارى على بطلنه فإنهم
يقولون هو ال وهو ابن ال كما حكى ال عنهم ول يقولون هو الب والبن والب
عندهم هو ال وهذا من تناقضهم #وإن قالوا المتحد بالمسيح صفة الرب فصفة
الرب ل تفارقه ول يمكن اتحادها ول حلولها في شيء دون الذات #وأيضا فالصفة
نفسها ليست هي الله الخالق رب العالمين بل هي صفته ول يقول عاقل إن كلم ال
أو علم ال أو حياة ال هي
رب العالمين الذي خلق السماوات والرض فلو قدر أن المسيح هو صفة ال نفسها
لم يكن هو ال ولم يكن هو رب العالمين ول خالق السماوات والرض #
والنصارى يقولون إن المسيح رب العالمين خالق كل شيء وهو خالق آدم ومريم
وإن كان ابن آدم ومريم فإنه خالق ذلك بلهوته وهو ابن آدم ومريم بناسوته #فلو
قدر أن المسيح هو صفة الرب لم تكن الصفة هي الخالق فكيف والمسيح ليس هو
صفة ال نفسها بل هو مخلوق بكلمة ال وسمى كلمة ال لن ال كونه بكن #وقال
تعالى ^ #ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل أن يتخذ من
ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ #وسماه روحه لنه خلقه من
نفخ روح القدس في أمه لم يخلقه كما خلق غيره من أب آدمي #قال ال تعالى ^ #
إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة
ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهل ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي
ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
^ فيكون
وإن قالوا المتحد به بعض ذلك دون بعض فقد قالوا بالتبعيض والتجزئة فهم بين #
أمرين إما بطلن مذهبهم وإما اعترافهم بالتبعيض والتجزئة مع بطلنه #وأيضا
فقولهم إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو للب في
الجوهر ابن ال الوحيد المولود قبل كل الدهور #يقال لهم هذا البن المولود
المساوي للب في الجوهر الذي هو إله حق من إله حق هل هو صفة قائمة بغيرها
أو عين قائمة بنفسها #فإن كان الول فالصفة ليست إلها ول هي خالقة ول يقال لها
مولودة من ال ول أنها مساوية ل في الجوهر ولم يسم قط أحد من النبياء ول أتباع
293
www.anassim.fr.st 294 الن سي ــــ ـــ ـم
النبياء صفات ال ل ابنا له ول ولدا ول قال إن صفة ال تولدت منه ول قال عاقل
إن الصفة القديمة تولدت من الذات القديمة #وهم يقولون إن المسيح إله خلق
السماوات والرض لتحاد ناسوته بهذا البن المولود قبل كل الدهور المساوي الب
في الجوهر #وهذا كله نعت عين قائمة بنفسها كالجواهر القائمة بنفسها ل نعت
صفات قائمة بغيرها وإذا كان كذلك كان التبعيض والتجزئة
لزمة لقولهم فإن القول بالولدة الطبيعية مستلزم لن يكون خرج منه جزء قال
تعالى #سورة الزخرف اليات # 19 15وأما هذا المعنى الذي يثبته من يثبته من
علماء النصارى ويسمونه ولدة وبنوة فيسمونه الصفة القديمة الزلية القائمة
بالموصوف ابنا ويسمونها تارة النطق وتارة الكلمة وتارة العلم وتارة الحكمة
ويقولون هذا مولود من ال وابن ال #فهذا لم يقله أحد من النبياء وأتباعهم ول من
سائر العقلء غير هؤلء المبتدعة من النصارى ول يفهم أحد من العقلء من اسم
الولدة والبنوة هذا المعنى #والنبياء لم يطلقوا لفظ البن إل على مخلوق وهم
يقولون هو أب للمسيح بالطبع ولغيره بالوضع فل يعقل جمهور العقلء
وغيرهم من هذا المعنى إل البنوة المعقولة بانفصال جزء من الوالد وهذا ينكره من
ينكره من علمائهم #لكنهم لم يتبعوا النبياء ولم يقولوا ما تعقله العقلء فضلوا فيما
نقوله عن النبياء وأضلوا أتباعهم فيما قالوه وعوامهم وإن كانوا ل يقولون إن ولدة
ال مثل ولدة الحيوان بانفصال شيء يوجد فيقولون ولدة لهوتية بانفصال جزء
من اللهوت حل في الناسوت ل يعقل من الولدة غير هذا #وأيضا فقولهم ونؤمن
بروح القدس الرب المحي المنبثق من الب الذي هو مع الب مسجود له وممجد
ناطق في النبياء فقولهم المنبثق من الب الذي هو مع الب مسجود له وممجد
يمتنع أن يقال هذا في حياة الرب القائمة به فإنها ليست منبثقة منه كسائر الصفات إذ
لو كان القائم بنفسه منبثقا لكان علمه وقدرته وسائر صفاته منبثقة منه بل النبثاق
في الكلم أظهر منه في الحياة فإن الكلم يخرج من المتكلم وأما الحياة فل تخرج
من الحي فلو كان في
الصفات ما هو منبثق لكان الصفة التي يسمونها البن ويقولون هي العلم والكلم أو
النطق والحكمة أولى بأن تكون منبثقة من الحياة التي هي أبعد عن ذلك من الكلم #
وقد قالوا أيضا إنه مع الب مسجود له وممجد والصفة القائمة بالرب ليست معه
مسجود لها وقالوا هو ناطق في النبياء وصفة الرب القائمة به ل تنطق في النبياء
بل هذا كله صفة روح القدس الذي يجعله ال في قلوب النبياء أو صفة ملك من
الملئكة كجبريل فإذا كان هذا منبثقا من الب والنبثاق الخروج فأي تبعيض
وتجزئة أبلغ من هذا #وإذا شبهوه بانبثاق الشعاع من الشمس كان هذا باطل من
وجوه #منها أن الشعاع عرض قائم بالهواء والرض وليس جوهرا قائما بنفسه
وهذا عندهم حي مسجود له وهو جوهر #ومنها أن ذلك الشعاع القائم بالهواء
والرض ليس صفة للشمس ول قائما بها وحياة الرب صفة قائمة به #ومنها أن
294
www.anassim.fr.st 295 الن سي ــــ ـــ ـم
النبثاق خصوا به روح القدس ولم يقولوا في الكلمة إنها منبثقة #والنبثاق لو كان
حقا لكان بالكلمة أشبه منه بالحياة وكلما تدبر العاقل كلمهم في المانة وغيرها وجد
فيه من التناقض والفساد
ما ل يخفى إل على أجهل العباد ووجد فيه من مناقضته التوراة والنجيل وسائر
كتب ال ما ل يخفى من تدبر هذا وهذا #ووجد فيه من مناقضة صريح المعقول ما
ل يخفى إل على معاند أو جهول فقولهم متناقض في نفسه مخالف لصريح المعقول
وصحيح المنقول عن جميع النبياء والمرسلين صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين
فصل #قالوا وأما تجسم كلمة ال الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة
مع الناسوت فإنه لم يخاطب الباري أحدا من النبياء إل وحيا أو من وراء حجاب
حسب ما جاء في هذا الكتاب بقوله ^ #وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من
وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء ^ #وإذا كانت اللطائف ل
تظهر إل في الكثائف روح القدس وغيرها فكلمة ال التي بها خلقت اللطائف
والكثائف تظهر في غير كثيف كل #ولذلك ظهر في عيسى بن مريم إذ النسان
أجل ما خلقه ال ولهذا خاطب الخلق وشاهدوا منه ما شاهدوا
والجواب من طرق #أحدها أنه يقال هذا الذي ذكروه وادعوا أنه تجسم كلمة ال #
الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة مع الناسوت وهو الذي يعبر عنه
باتحاد اللهوت بالناسوت هو أمر ممتنع في صريح العقل وما علم أنه ممتنع في
صريح العقل لم يجز أن يخبر به رسول فإن الرسل إنما تخبر بما ل يعلم بالعقل أنه
ممتنع فأما ما يعلم بصريح العقل أنه ممتنع فالرسل منزهون عن الخبار عنه #
الطريق الثاني أن الخبار اللهية صريحة بأن المسيح عبد ال ليس بخالق العالم
والنصارى يقولون هو إله تام وإنسان تام #الطريق الثالث الكلم فيما ذكروه #فأما
الطريق الول فمن وجوه #أحدها أن يقال المتحد بالمسيح إما أن يكون هو الذات
المتصفة بالكلم أو الكلم فقط وإن شئت قلت المتحد به إما الكلم مع الذات وإما
الكلم بدون الذات فإن كان المتحد به الكلم مع الذات كان المسيح هو الب وهو
البن وهو روح القدس وكان المسيح هو القانيم الثلثة #وهذا باطل باتفاق
النصارى وسائر أهل الملل وباتفاق الكتب اللهية وباطل بصريح العقل كما سنذكره
إن شاء ال #وإن كان المتحد به هو الكلمة فقط فالكلمة صفة والصفة ل تقوم
بغير موصوفها والصفة ليست إلها خالقا والمسيح عندهم إله خالق فبطل قولهم على
التقديرين وإن قالوا المتحد به الموصوف بالصفة فالموصوف هو الب والمسيح
عندهم ليس هو الب وإن قالوا الصفة فقط فالصفة ل تفارق الموصوف ول تقوم
بغير الموصوف والصفة ل تخلق ول ترزق وليست الله والصفة ل تقعد عن يمين
الموصوف والمسيح عندهم صعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه #وأما كونه هو
295
www.anassim.fr.st 296 الن سي ــــ ـــ ـم
الب فقط وهو الذات المجردة عن الصفات فهذا أشد استحالة وليس فيهم من يقول
بهذا #الوجه الثاني أن الذات المتحدة بناسوت المسيح مع ناسوت المسيح إن كانتا
بعد التحاد ذاتين وهما جوهران كما كانا قبل التحاد فليس ذلك باتحاد #وإن قيل
صارا جوهرا واحدا كما يقول من يقول منهم إنهما صارا كالنار مع الحديدة أو اللبن
مع الماء فهذا يستلزم استحالة كل منهما وانقلب صفة كل منهما بل حقيقته كما
استحال الماء واللبن إذا اختلطا والنار مع الحديدة وحينئذ فيلزم أن يكون اللهوت
استحال وتبدلت صفته وحقيقته والستحالة ل تكون إل بعدم شيء ووجود آخر فيلزم
عدم شيء من القديم الواجب الوجود بنفسه
وما وجب قدمه استحال عدمه وما وجب وجوده امتنع عدمه فإن القديم ل يكون
قديما إل لوجوبه بنفسه أو لكونه لزما للواجب بنفسه إذ لو لم يكن لزما له بل كان
غير لزم له لم يكن قديما بقدمه والواجب بنفسه يمتنع عدمه ولزمه ل يعدم إل
بعدمه فإنه يلزم من انتفاء اللزم انتفاء الملزوم #الوجه الثالث أن يقال الناس لهم
في كلم ال عز وجل عدة أقوال وقول النصارى باطل على جميع القوال التي قالها
الناس في كلم ال فثبت بطلنه على كل تقدير وذلك أن كلم ال سبحانه إما أن
يكون صفة له قائما به وإما أن يكون مخلوقا له بائنا عنه وإما أن يكون ل هذا ول
هذا بل هو ما يوجد في النفوس وهذا الثالث هو أبعد القوال عن أقوال النبياء وهو
قول من يقول من الفلسفة والصابئة إن الرب ل تقوم به الصفات وليس هو خالقا
باختياره #ويقولون مع ذلك إنه ليس عالما بالجزئيات ول قادرا على تغيير الفلك
بل كلمه عندهم ما يفيض على النفوس وربما سموه كلما بلسان الحال #وهؤلء
ينفون الكلم عن ال ويقولون ليس بمتكلم وقد يقولون متكلم مجازا لكن لما نطقت به
النبياء عليهم الصلة والسلم أطلقه من دخل في الملل منهم ثم فسره بمثل هذا وهذا
أحد قولي الجهمية
والقول الثاني أنه متكلم حقيقة لكن كلمه مخلوق خلقه في غيره وهو قول #
المعتزلة وغيرهم والقول الخر للجهمية #وعلى هذين القولين فليس ل كلم قائم به
حتى يتحد بالمسيح أو يحل به والمخلوق عرض من العراض ليس بإله خالق
وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى من يقول بهذا وهذا #وأما القول الول
وهو قول سلف الئمة وأئمتها وجمهورها وقول كثير من سلف أهل الكتاب
وجمهورهم فإما أن يقال الكلم قديم النوع بمعنى أنه لم يزل يتكلم بمشيئته أو قديم
العين وإما أن يقال ليس بقديم بل هو حادث والول هو القول المعروف عن أئمة
السنة والحديث #وأما القائلون بقدم العين فهم يقولون الكلم ل يتعلق بمشيئته
وقدرته لعتقادهم أنه ل تحله الحوادث وما كان بمشيئته وقدرته ل يكون إل حادثا
#ولهم قولن منهم قال القديم معنى واحد أو خمسة معان وذلك المعنى يكون أمرا
ونهيا وخبرا وهذه صفات له ل أقسام له وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر
عنه بالعبرية كان توراة #ومنهم من قال هو حروف أو حروف وأصوات قديمة
العيان #والقول الثالث إنه متكلم بمشيئته وقدرته كلما قائما بذاته قالوا وهو
296
www.anassim.fr.st 297 الن سي ــــ ـــ ـم
المراد قديما وهذه الطوائف بنوا أقوالهم على أن ما لم يخل عن الحوادث فهو حادث
لمتناع وجود ما ل نهاية له عندهم وإذا امتنع ذلك تعين أن يكون لنوع الحوادث
ابتداء كما للحادث المعنى ابتداء ولم يسبق الحوادث كان معه أو بعده فيكون حادثا
فلهذا منع هؤلء أن تكون كلمات ال ل نهاية لها في الزل وإن كان من هؤلء من
يقول بدوام وجودها في البد #وأما القول بأن كلمات ال ل نهاية لها مع أنها قائمة
بذاته فهو القول المأثور عن أئمة السلف وهو قول أكثر أهل الحديث وكثير من أهل
الكلم ومن الفلسفة وهذه القوال قد بسط الكلم عليها في غير موضع #
والمقصود هنا أن قول النصارى باطل على كل قول من هذه القوال الربعة كما
تقدم بيان بطلنه على ذينك القولين فإنه على قول الجمهور الذين يجعلون ل كلمات
كثيرة إما كلمات ل نهاية لها ولم تزل وإما كلمات لها ابتداء وإذا كان له كلمات
كثيرة فالمسيح ليس هو الكلمات التي ل نهاية لها وليس هو كلمات كثيرة بل إنما
خلق بكلمة من كلمات ال كما في الكتب اللهية القرآن والتوراة إنه يخلق الشياء
بكلماته #قال تعالى في قصة بشارة مريم بالمسيح ^ #قالت رب أنى يكون لي ولد
ولم يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن
^ فيكون
وقال أيضا ^ #إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن
فيكون ^ #وقال ^ #ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل
أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ #وقد أخبر ال
في القرآن بخلقه للشياء بكلماته في غير موضع بقوله ^ #إنما أمره إذا أراد شيئا
أن يقول له كن فيكون ^ #وفي التوراة ليكن يوم الحد ليكن كذا ليكن كذا #وأيضا
فعلى قول هؤلء وعلى قول من يجعل كلمه إما معنى واحدا وإما خمسة معاني
وإما حروف وأصوات هي شيء واحد فكلهم يقولون إن الكلم صفة قائمة
بالموصوف ل يتصور أن يكون جوهرا قائما بنفسه ول يتصور أن يكون خالقا ول
للكلم مشيئة ول هو جوهر آخر غير جوهر المتكلم ول يتحد بغير المتكلم بل
جمهورهم يقولون إنه ل يحل أيضا بغير المتكلم #ومن قال بالحلول منهم فل يقول
إن الحال جوهر ول إله خالق فتبين أن ما قاله النصارى باطل على جميع القوال
التي قالها الناس
في كلم ال مع أن أكثر هذه القوال خطأ ولما كان قول النصارى فساده أظهر
للعقلء كان الخطأ الذي في أكثر هذه القوال قد خفي على العقلء الذين قالوها ولم
يخف عليهم فساد قول النصارى #وأيضا فالذين قالوا بالحلول من الغلة الذين
يكفرهم المسلمون كالذين يقولون بحلوله في بعض أهل البيت أو بعض المشايخ هم
وإن كانوا كفارا شاركوا النصارى في الحلول ولكن لم يقولوا أن الكلمة التي حلت
هي الله الخالق فيتناقضون تناقضا ظاهرا مثل ما في قول النصارى من التناقض
297
www.anassim.fr.st 298 الن سي ــــ ـــ ـم
البين ما ليس في قول هؤلء وإن كانوا في بعض الوجوه قولهم شر من قول
النصارى #الوجه الرابع أن يقال لو كان المسيح نفس كلمة ال فكلمة ال ليست هي
الله الخالق للسماوات والرض ول هي تغفر الذنوب وتجزي الناس بأعمالهم سواء
كانت كلمته صفة له أو مخلوقة له كسائر صفاته ومخلوقاته فإن علم ال وقدرته
وحياته لم تخلق العالم ول يقول أحد يا علم ال اغفر لي ويا قدرة ال توبي علي ويا
كلم ال ارحمني ول يقول يا توراة ال
أو يا إنجيله أو يا قرآنه اغفر لي وارحمني وإنما يدعو ال سبحانه وهو سبحانه
متصف بصفات الكمال فكيف والمسيح ليس هو نفس الكلم #فإن المسيح جوهر
قائم بنفسه والكلم صفة قائمة بالمتكلم وليس هو نفس الرب المتكلم فإن الرب المتكلم
هو الذي يسمونه الب والمسيح ليس هو الب عندهم بل البن فضلوا في قولهم من
جهات #منها جعل القانيم ثلثة وصفات ال ل تختص بثلثة #ومنها جعل الصفة
خالقة والصفة ل تخلق #ومنها جعلهم المسيح نفس الكلمة والمسيح خلق بالكلمة
فقيل له كن فكان كما سيأتي إن شاء ال تعالى تفسير ذلك وإنما خص المسيح
بتسميته كلمة ال دون سائر البشر لن سائر البشر خلقوا على الوجه المعتاد في
المخلوقات يخلق الواحد من ذرية آدم من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ينفخ فيه الروح
وخلقوا من ماء البوين الب والم #والمسيح عليه السلم لم يخلق من ماء رجل
بل لما نفخ روح القدس في أمه حبلت به وقال ال كن فكان ولهذا شبهه ال بآدم في
قوله
إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^ #فإن ^ #
آدم عليه السلم خلق من تراب وماء فصار طينا ثم أيبس الطين ثم قال له كن فكان
وهو حين نفخ الروح فيه صار بشرا تاما لم يحتج بعد ذلك إلى ما احتاج إليه أولده
بعد نفخ الروح فإن الجنين بعد نفخ الروح يكمل خلق جسده في بطن أمه فيبقى في
بطنها نحو خمسة أشهر ثم يخرج طفل يرتضع ثم يكبر شيئا بعد شيء وآدم عليه
السلم حين خلق جسده قيل له كن فكان بشرا تاما بنفخ الروح فيه ولكن لم يسم كلمة
ال لن جسده خلق من التراب والماء وبقي مدة طويلة يقال أربعين سنة فلم يكن
خلق جسده إبداعيا في وقت واحد بل خلق شيئا فشيئا وخلق الحيوان من الطين معتاد
في الجملة #وأما المسيح عليه السلم فخلق جسده خلقا إبداعيا بنفس نفخ روح
القدس في أمه قيل له كن فكان فكان له من الختصاص بكونه خلق بكلمة ال ما لم
يكن لغيره من البشر ومن المر المعتاد في لغة العرب وغيرهم أن السم العام إذا
كان له نوعان خصت أحد النوعين باسم وأبقت السم العام مختصا بالنوع كلفظ
الدابة والحيوان فإنه عام في كل ما يدب وكل حيوان ثم لما كان للدمي اسم يخصه
بقي لفظ الحيوان يختص به البهيم ولفظ الدابة يختص به الخيل أو هي والبغال
والحمير ونحو ذلك وكذلك لفظ الجائز والممكن وذوي الرحام وأمثال ذلك فلما كان
لغير المسيح ما يختص به أبقي اسم الكلمة العامة مختصا بالمسيح #الطريق الثاني
298
www.anassim.fr.st 299 الن سي ــــ ـــ ـم
أن ما ذكروه حجة عليهم فإن ال إذا لم يكلم أحد من النبياء إل وحيا أو من وراء
حجاب فالمسيح عيسى بن مريم يجب أن ل يكلمه إل وحيا أو من وراء حجاب أو
يرسل إليه رسول #وقوله تعالى ^ #وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من
وراء حجاب ^ #يعم كل بشر المسيح وغيره #وإذا امتنع أن يكلمه ال إل وحيا أو
من وراء حجاب فامتناع أن يتحد به أو يحل فيه أولى وأحرى #فإن ما اتحد به
وحل فيه كلمة ال من غير حجاب بين اللهوت والناسوت وهم قد سلموا أن ال ل
يكلم بشرا إل من وراء حجاب
الوجه الثالث أن قوله ^ #وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء #
حجاب ^ #يقتضي أن يكون الحجاب حجابا يحجب البشر كما حجب موسى
فيقتضي ذلك أنهم ل يرونه في الدنيا وإن كلمهم كما أنه كلم موسى ولم يره موسى
بل سأل الرؤية فقال ^ #قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى
الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى
صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ^ #قيل أنا أول من آمن
أنه ل يراك أحد في الدنيا وعندهم في التوراة أن النسان ل يمكنه أن يرى ال في
الدنيا فيعيش
وكذلك قال عيسى لما سألوه عن رؤية ال فقال إن ال لم يره أحد قط وهذا معروف
عندهم وإذا كان كذلك فل بد أن يكون الحجاب الحاجب للبشر ليس هو من البشر
وهذا يبطل قول النصارى فإنهم يقولون إن الرب احتجب بحجاب بشري وهو الجسد
الذي ولدته مريم فاتخذه حجابا وكلم الناس من ورائه والقرآن يدل على أن الحجاب
ليس من البشر #يبين هذا الوجه الرابع وهو أن ذلك الجسد الذي ولدته مريم هو من
جنس أجسام بني آدم فإن جاز أن يتحد به ويحل فيه ويطيق الجسد البشري ذلك في
الدنيا بما يجعله ال فيه من القوة جاز أن يتحد بغيره من الجسام بما يجعله فيها من
القوة وإذا جاز أن يتحد بها جاز أن يكلمها بغير حجاب بينه وبينها بطريق الولى
والحرى وهذا خلف ما ذكروه وخلف القرآن #فتبين أن نفي النبياء لن يراه
المرء في الدنيا هو نفي لمماسته ببشر بطريق الولى والحرى والناسوت المسيحي
هو بشر فإذا لم يمكنه أن يرى ال فكيف يمكنه أن يتحد به ويماسه ويصير هو وإياه
كاللبن والماء والنار والحديد أو كالروح والبدن #الوجه الخامس أنه من المعلوم أن
رؤية الدمي له أيسر من
اتحاده به وحلوله فيه وأولى بالمكان فإذا كانت الرؤية في الدنيا قد نفاها ال ومنعها
على ألسن رسله موسى وعيسى ومحمد صلوات ال عليهم وسلمه فكيف يجوز
اتصاله بالبشر واتحاده به #الوجه السادس أنه لو كان حلوله في البشر مما هو
ممكن وواقع لم يكن لختصاص واحد من البشر بذلك دون من قبله وبعده معنى فإن
القدرة شاملة والمقتضى وهو وجود ال وحاجة الخلق موجودة ولهذا لما كانت
الرسالة ممكنة أرسل من البشر غير واحد ولما كان سماع كلمه للبشر ممكنا سمع
299
www.anassim.fr.st 300 الن سي ــــ ـــ ـم
كلمه غير واحد ورؤيته في الدنيا بالبصار لم تقع لحد باتفاق علماء المسلمين لكن
لهم في النبي قولن والذي عليه أكابر العلماء وجمهورهم أنه لم يره بعينه كما دل
على ذلك الكتاب والسنة #والخلة لما كانت ممكنة اتخذ إبراهيم خليل واتخذ محمد
أيضا خليل كما في الصحيح من غير وجه عن النبي أنه قال إن ال اتخذني خليل
كما اتخذ إبراهيم خليل وقال لو كنت متخذا من أهل الرض خليل
لتخذت أبا بكر خليل ولكن صاحبكم خليل ال يعني نفسه #الوجه السابع قولهم
وإذا كانت اللطائف ل تظهر إل في الكثائف مثل الروح وغيرها فكلمة ال التي بها
خلقت الكثائف تظهر في غير كثيف كل #فيقال لهم ظهور اللطائف في الكثائف
كلم مجمل فإن أردتم أن روح النسان تظهر في جسده أو الجني يتكلم على لسان
المصروع ونحو ذلك فليس هذا مما نحن فيه وإن أردتم أن ال تعالى نفسه يحل في
البشر فهذا محل النزاع فأين الدليل عليه وأنتم لم تذكروا إل ما يدل على نقيض ذلك
#الوجه الثامن أن هذا أمر لم يدل عليه عقل ول نقل ول نطق نبي من النبياء بأن
ال يحل في بشر ول ادعى صادق قط حلول الرب فيه وإنما يدعي ذلك الكذابون
كالمسيح الدجال الذي يظهر في آخر الزمان ويدعي اللهية فينزل ال تبارك وتعالى
عيسى ابن مريم
مسيح الهدى فيقتل مسيح الهدى الذي ادعيت فيه اللهية بالباطل المسيح الدجال الذي
ادعى اللهية بالباطل ويبين أن البشر ل يحل فيه رب العالمين #ولهذا لما أنذر
النبي بالمسيح الدجال وقال #ما من نبي إل وقد أنذر أمته المسيح الدجال حتى نوح
أنذر قومه به #وذكر النبي له ثلث دلئل ظاهرة تظهر لكل مسلم تبين كذبه #
أحدها قوله #مكتوب بين عينيه كافر ك ف ر يقرأه كل مؤمن قارىء وغير قارىء
الثاني قوله واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت فبين أن ال ل يراه #
أحد في الدنيا بعينيه وكل بشر فإنه يرى في الدنيا بالعين فعلم أن ال ل يتحد ببشر #
الثالث قوله أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور ودلئل نفي الربوبية عنه كثيرة #لكن
لما كان حلول اللهوت في البشر واتخاذه به مذهبا ضل به طوائف كثيرون من بني
آدم النصارى وغيرهم وكان المسيح الدجال يأتي بخوارق عظيمة والنصارى
احتجوا على إلهية المسيح بمثل ذلك ذكر النبي من علمات كذبه أمورا ظاهرة ل
يحتاج فيها إلى بيان موارد النزاع التي ضل فيها خلق كثير من الدميين فإن كثيرا
من الناس بل أكثرهم تدهشهم الخوارق حتى يصدقوا صاحبها قبل النظر في إمكان
دعواه وإذا صدقوه صدقوا النصارى في دعوى إلهية المسيح وصدقوا أيضا من
ادعى الحلول
والتحاد في بعض المشايخ أو بعض أهل البيت أو غيرهم من أهل الفك والفجور
#وبهذا يظهر الجواب عما يورده بعض أهل الكلم كالرازي على هذا الحديث
حيث قالوا دلئل كون الدجال ليس هو ال ظاهرة فكيف يحتج النبي على ذلك بقوله
300
www.anassim.fr.st 301 الن سي ــــ ـــ ـم
إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وهذا السؤال يدل على جهل قائله بما يقع فيه بنو آدم
من الضلل وبالدلة البينة التي تبين فساد القوال الباطلة وإل فإذا كان بنو إسرائيل
في عهد موسى ظنوا أن العجل هو إله موسى فقالوا هذا إلهكم وإله موسى وظنوا أن
موسى نسيه #والنصارى مع كثرتهم يقولون أن المسيح هو ال وفي المنتسبين إلى
القبلة خلق كثير يقولون ذلك في كثير من المشايخ وأهل البيت حتى إن كثيرا من
أكابر شيوخ المعرفة والتصوف يجعلون هذا نهاية التحقيق والتوحيد وهو أن يكون
الموحد هو الموحد وينشدون %ما وحد الواحد من واحد %إذ كل من وحده جاحد
% # %توحيد من يخبر عن نعته %عارية أبطلها الواحد % # %توحيده إياه
%توحيده %ونعت من ينعته لحد
فكيف يستبعد مع إظهار الدجال هذه الخوارق العظيمة أن يعتقد فيه أنه ال وهو #
يقول أنا ال وقد اعتقد ذلك فيمن لم يظهر فيه مثل خوارقه من الكذابين وفيمن لم يقل
أنا ال كالمسيح وسائر النبياء والصالحين
الوجه التاسع قولهم فكلمة ال التي بها خلقت اللطائف تظهر في غير كثيف كل #
فيقال لهم كلمة ال التي يدعون ظهورها في المسيح أهي كلم ال الذي هو صفته أو
ذات ال المتكلمة أو مجموعها فإن قلتم الظاهر فيه نفس الكلم فهذا يراد به شيئان #
إن أريد به أن ال أنزل كلمه على المسيح كما أنزله على غيره من الرسل فهذا حق
اتفق عليه أهل اليمان ونطق به القرآن #وإن أريد به أن كلم ال فارق ذاته وحل
في المسيح أو غيره فهو باطل مع أن هذا لينفع النصارى فإن المسيح عندهم إله
خلق السماوات والرض وهو عندهم ابن آدم وخالق آدم وابن مريم وخالق مريم
ابنها بناسوته وخالقها بلهوته #وإن أرادوا بظهور الكلمة ظهور ذات ال أو ظهور
ذاته وكلمه في الكثيف الذي هو النسان فهذا أيضا يراد به ظهور نوره في قلوب
المؤمنين كما قال تعالى ^ #ال نور السماوات والرض ^ إلى قوله ^ كوكب دري
^ الية #وكما ظهر ال من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من
جبال فاران وكما تجلى لبراهيم كما ذكره في التوراة فهذا ل يختص بالمسيح بل
هو لغيره كما هو له #وإن أرادوا أن ذات الرب حلت في المسيح أو في غيره فهذا
محل النزاع فأين دليلهم على إمكان ذلك ثم وقوعه مع أن جماهير العقلء من أهل
الملل وغيرهم يقولون هذا غير واقع بل هو ممتنع #الوجه العاشر قولهم فكلمة ال
التي بها خلقت اللطائف تظهر في غير كثيف كل كلم باطل #فإن ظهور ما يظهر
من المور اللهية إذا أمكن ظهوره فظهوره في اللطيف أولى من ظهوره في
الكثيف فإن الملئكة تنزل بالوحي على النبياء عليهم السلم وتتلقى كلم ال من ال
وتنزل به على النبياء عليهم السلم فيكون وصول كلم ال إلى ملئكة قبل وصوله
^ إلى البشر وهم الوسائط كما قال تعالى ^ #أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء
وال تعالى أيد رسله من البشر حتى أطاقوا التلقي عن الملئكة وكانت الملئكة #
تأتيهم أحيانا في غير الصورة البشرية وأحيانا في الصورة البشرية فكان ظهور
301
www.anassim.fr.st 302 الن سي ــــ ـــ ـم
المور اللهية باللطائف ووصولها إليهم أولى منه بالكثائف ولو جاز أن يتحد الرب
سبحانه بحي من الحياء ويحل فيه لكان حلوله في ملك من الملئكة واتحاده به أولى
من حلوله واتحاده بواحد من البشر #الوجه الحادي عشر أن الناسوت المسيحي
عندهم الذي اتحد به هو البدن والروح معا فإن المسيح كان له بدن وروح كما لسائر
البشر واتحد به عندهم اللهوت فهو عندهم اسم يقع على بدن وروح آدميين وعلى
اللهوت وحينئذ فاللهوت على رأيهم إنما اتحد في لطيف وهو الروح وكثيف وهو
البدن لم يظهر في كثيف فقط ولول اللطيف الذي كان مع الكثيف وهو الروح لم يكن
للكثيف فضيلة ول شرف #الوجه الثاني عشر أنهم يشبهون اتحاد اللهوت
بالناسوت باتحاد الروح بالبدن كما شبهوا هنا ظهوره فيه بظهور الروح في البدن
وحينئذ فمن المعلوم أن ما يصيب البدن من اللم تتألم به الروح وما تتألم به الروح
يتألم به البدن فيلزمهم أن يكون الناسوت لما صلب وتألم وتوجع الوجع الشديد كان
اللهوت أيضا متألما متوجعا وقد خاطبت بهذا بعض النصارى فقال لي الروح
بسيطة أي ل يلحقها ألم فقلت له فما تقول في أرواح الكفار بعد الموت أمنعمة أو
معذبة فقال هي في العذاب فقلت فعلم أن الروح المفارقة تنعم وتعذب فإذا
شبهتم اللهوت في الناسوت بالروح في البدن لزم أن تتألم إذا تألم الناسوت كما تتألم
الروح إذا تألم البدن فاعترف هو وغيره بلزوم ذلك #الوجه الثالث عشر أن قولهم
وإذا كانت اللطائف لتظهر إل في الكثائف فكلمة ال ل تظهر إل في كثيف كل #
تركيب فاسد ل دللة فيه وإنما يدل إذا بينوا أن كل لطيف يظهر في كثيف ول يظهر
في غيره حتى يقال فلهذا ظهر ال في كثيف ولم يظهر في لطيف وإل فإذا قيل إنه ل
يحل ل في لطيف ول كثيف أو قيل إنه يحل فيهما بطل قولهم بوجوب حلوله في
المسيح الكثيف دون اللطيف وهم لم يؤلفوا الحجة تأليفا منتجا ول دلوا على مقدماتها
بدليل فل أتوا بصورة الدليل ول مادته بل مغاليط ل تروج إل على جاهل يقلدهم #
ول يلزم من حلول الروح في البدن أن يحل كل شيء في البدن بل هذه دعوى
مجردة فأرواح بني آدم تظهر في أبدانهم ول تظهر في أبدان البهائم بل ول في الجن
والملئكة تتصور في صورة الدميين وكذلك الجن والنسان ل يظهر في غير
صورة النسان فأي دليل من كلمهم على أن الرب يحل في النسان الكثيف ول
يحل في اللطيف #والقوم شرعوا يحتجون على تجسيم كلمة ال الخالقة فقالوا وأما
تجسيم كلمة ال الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة مع
الناسوت فإن ال لم يكلم أحدا من النبياء إل وحيا أو من وراء حجاب وليس فيما
ذكروه قط دللة ل قطعية ول ظنية على تجسيم كلمة ال الخالقة وولدتها مع
الناسوت #الوجه الرابع عشر أنهم قالوا وأما تجسيم كلمة ال الخالقة ثم قالوا فكلمة
ال التي بها خلقت اللطائف فتارة يجعلونها خالقة وتارة يجعلونها مخلوقا بها ومعلوم
أن الخالق ليس هو المخلوق به والمخلوق به ليس هو الخالق فإن كانت الكلمة خالقة
فهي خلقت الشياء ولم تخلق الشياء بها وإن كانت الشياء خلقت بها فلم تخلق
الشياء بل خلقت الشياء بها ولو قالوا إن الشياء خلق بها بمعنى أن ال إذا أراد
302
www.anassim.fr.st 303 الن سي ــــ ـــ ـم
أمرا فإنما يقول له كن فيكون لكان هذا حقا لكنهم يجعلونها خالقة مع قولهم بما
يناقض ذلك #الوجه الخامس عشر أن يقال لهم إذا كان ال لم يخاطب بشرا إل
وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء فتكليمه للبشر
بالوحي ومن وراء حجاب كما كلم موسى وبإرسال ملك كما أرسل الملئكة إما أن
يكون كافيا في حصول مراد الرب من الرسالة إلى عباده أو ليس كافيا بل ل بد من
حلوله نفسه في بشر فإن كان ذلك كافيا أمكن أن يكون المسيح مثل غيره فيوحي ال
إليه أو يرسل إليه ملكا فيوحي بإذن ال ما يشاء أو يكلمه من وراء حجاب كما كلم
موسى وحينئذ فل حاجة به إلى اتحاده ببشر مخلوق وإن كان التكلم ليس كافيا وجب
أن يتحد بسائر النبياء كما اتحد بالمسيح فيتحد بنوح وإبراهيم وموسى وداود
وغيرهم يبين هذا #الوجه السادس عشر وهو أنه من المعلوم أن النبياء الذين كانوا
قبل المسيح أفضل من عوام النصارى الذين كانوا بعد المسيح وأفضل من اليهود
الذين كذبوا المسيح فإذا كان الرب قد يفضل باتحاده في المسيح حتى كلم عباده
بنفسه فيتحد بالمسيح محتجبا ببدنه الكثيف وكلم بنفسه اليهود المكذبين للمسيح وعوام
النصارى وسائر من كلمه المسيح فكان أن يكلم من هم أفضل من هؤلء من النبياء
والصالحين بنفسه أولى وأحرى مثل أن يتحد بإبراهيم الخليل فيكلم إسحاق ويعقوب
ولوطا محتجبا ببدن الخليل أو يتحد بيعقوب فيكلم أولده أو غيرهم محتجبا ببدن
يعقوب أو يتحد بموسى بن عمران فيكلم هارون ويوشع بن نون وغيرهما محتجبا
ببدن موسى فإذا كان هو سبحانه لم يفعل ذلك إما لمتناع ذلك وإما لن عزته
وحكمته اعلى من ذلك مع عدم الحاجة إلى ذلك علم أنه ل يفعل ذلك في المسيح
بطريق الولى والحرى #الوجه السابع عشر أنه إذا أمكنه أن يتحد ببشر فاتحاده
بملك من الملئكة أولى وأحرى وحينئذ فقد كان اتحاده بجبريل الذي أرسله إلى
النبياء أولى من اتحاده ببشر يخاطب اليهود وعوام النصارى
فصل #قالوا ولذلك ظهر في عيسى بن مريم إذ النسان أجل ما خلقه ال ولهذا
خاطب الخلق وشاهدوا منه ما شاهدوا #فيقال إن ادعيتم ظهوره في عيسى كما
ظهر في إبراهيم وموسى ومحمد صلوات ال عليهم وسلمه وكما يظهر في بيوته
التي أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه وذلك بظهور نوره ومعرفته وذكر أسمائه
وعبادته ونحو ذلك من غير حلول ذاته في البشر ول اتحاده به فهذا أمر مشترك بين
المسيح وغيره فل اختصاص للمسيح بهذا وهذا أيضا قد يسمى حلول وعندهم أن ال
يحل في الصالحين وهذا مذكور عندهم في بعض الكتب اللهية كما في كتبهم في
المزمور الرابع من الزبور يقول داود عليه السلم في مناجاته لربه وليفرح
المتوكلون عليك إلى البد ويبتهجون وتحل فيهم ويفتخرون فأخبر أنه يحل في
الصالحين المذكورين فعلم أن هذا ل اختصاص للمسيح به وليس المراد بهذا باتفاقهم
واتفاق المسلمين أن ذات ال نفسه تتحد بالبشر ويصير اللهوت والناسوت كالنار
والحديد والماء واللبن
303
www.anassim.fr.st 304 الن سي ــــ ـــ ـم
ونحو ذلك مما يمثلون به التحاد بل هذا يراد به حلول اليمان به ومعرفته ومحبته
وذكره وعبادته ونوره وهداه #وقد يعبر عن ذلك بحلول المثال العلمي كما قال
تعالى ^ #وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله ^ #وقال تعالى ^ #وهو ال
في السماوات وفي الرض ^ ^ #وله المثل العلى في السماوات والرض ^ #
فهو سبحانه له المثل العلى في قلوب أهل السماوات وأهل الرض #ومن هذا
الباب ما يرويه النبي عن ربه قال #يقول ال أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي
شفتاه فأخبر أن شفتيه تتحرك به أي باسمه وكذلك قوله في الحديث الصحيح #
عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول
أما علمت أن عبدي فلنا مرض فلو عدته لوجدتني عنده
فقال لوجدتني عنده ولم يقل لوجدتني إياه وهو عنده أي في قلبه والذي في قلبه #
المثال العلمي #وقال تعالى #عبدي جعت فلم تطعمني فيقول وكيف أطعمك وأنت
رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي
ولم يقل لوجدتني قد أكلته #وكذلك قوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري
عن أبي هريرة عن النبي قال يقول ال تعالى #من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب
وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده
التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها #وفي رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي
يبطش وبي يمشي ولن سألني لعطينه ولن استعاذني لعيذنه وما ترددت عن
شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته
وهذا الحديث قد يحتج به القائلون بالحلول العام أو التحاد العام أو وحدة الوجود #
وقد يحتج به من يقول بالخاص من ذلك كأشباه النصارى #والحديث حجة على
الفريقين فإنه قال #من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب فأثبت ثلثة وليا له وعدوا
يعادي وليه وميز بين نفسه وبين وليه وعدو وليه فقال #من عادى لي وليا فقد آذنته
بالحرب ولكن دل ذلك على أن وليه الذي واله فصار يحب ما يحب ويبغض ما
يبغض ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي فيكون الرب مؤذنا بالحرب لمن عاداه
بأنه معاد ل #ثم قال تعالى #وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه
ففرق بين العبد المتقرب والرب المتقرب إليه ثم قال #ول يزال عبدي يتقرب إلي
بالنوافل حتى أحبه فبين أنه يحبه بعد تقربه بالنوافل والفرائض #ثم قال فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي
يمشي بها وعند أهل الحلول والتحاد العام أو الوحدة هو صدره وبطنه وظهره
ورأسه وشعره وهو كل شيء أو في كل شيء قبل التقرب وبعده وعند الخاص
وأهل الحلول صار هو وهو كالنار والحديد والماء واللبن ل يختص بذلك آلة
الدراك والفعل
304
www.anassim.fr.st 305 الن سي ــــ ـــ ـم
ثم قال تعالى #فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي وعلى قول هؤلء #
الرب هو الذي يسمع ويبصر ويبطش ويمشي والرسول إنما قال #فبي ثم قال #
ولئن سألني لعطيته ولئن استعاذني لعيذنه فجعل العبد سائل مستعيذا والرب
مسؤول مستعاذا به وهذا يناقض التحاد وقوله فبي يسمع مثل قوله ما تحركت بي
شفتاه يريد به المثال العلمي #وقول ال فيكون ال في قلبه أي معرفته ومحبته
وهداه وموالته وهو المثل العلمي فبذاك الذي في قلبه يسمع ويبصر ويبطش ويمشي
#والمخلوق إذا أحب المخلوق أو عظمه أو أطاعه يعبر عنه بمثل هذا فيقول أنت
في قلبي وفي فؤادي وما زلت بين عيني ومنه قول القائل % #مثالك في عيني
%وذكرك في فمي %ومثواك في قلبي فأين تغيب
وقول الخر % #ومن عجبي أني أحن إليهم %وأسأل عنهم من لقيت وهم #
معي % # %وتطلبهم عيني وهم في سوادها %ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
%
ومثل هذا كثير مع علم العقلء أن نفس المحبوب المعظم هو في نفسه ليست ذاته #
في عين محبه ول في قلبه ولكن قد يشتبه هذا بهذا حتى يظن الغالطون أن نفس
المحبوب المعبود في ذات المحب العابد #ولذلك غلط بعض الفلسفة حتى ظنوا أن
ذات المعلوم المعقول يتحد بالعالم العاقل فجعلوا المعقول والعقل والعاقل شيئا واحدا
ولم يميزوا بين حلول مثال المعلوم وبين حلول ذاته وهذا يكون لضعف العقل وقوة
سلطان المحبة والمعرفة فيغيب النسان بمعبوده عن عبادته وبمحبوبه عن محبته
وبمشهوده عن شهادته وبمعروفه عن معرفته فيفنى من لم يكن عن شهود العبد ل
أنه نفسه يعدم ويفنى في من لم يزل في شهوده ومن هذا المقام إذا غلط قد يقول مثل
ما يحكى عن أبي يزيد البسطامي سبحاني أو ما في الجبة
إل ال وفي هذا تذكر حكاية وهو أن شخصا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه في
ماء فألقى المحب نفسه خلفه فقال أنا وقعت فلم وقعت أنت فقال غبت بك عني
فظننت أنك أني فهذا العبد المحب لما استولى على قلبه سلطان المحبة صار قلبه
مستغرقا في محبوبه ل يشهد قلبه غير ما في قلبه وغاب عن شهود نفسه وأفعاله
فظن أنه هو نفس المحبوب وهذا أهون من أن يظن أن ذات المحبوب نفسه #فهذا
الظن لتحاد الذات أو لحلولها ظن غالط وقع فيه كثير من الناس فالذين قالوا إن
المسيح أو غيره من البشر هو ال أو أن ال حال فيه قد يكون غلطهم من هذا الجنس
لما سمعوا كلما يقتضي أن ال في ذات الشخص وجعلوا فعل هذا فعل هذا ظنوا
ذاك اتحاد الذات وحلولها #وإنما المراد أن معرفة ال فيه واتحاد المأمور به
والمنهي عنه والموالي والمعادي كقوله تعالى ^ #إن الذين يبايعونك إنما يبايعون
ال ^ #وقوله ^ #من يطع الرسول فقد أطاع ال ^ #وليس ذلك لن الرسول هو
ال ول لن نفسه حال في
305
www.anassim.fr.st 306 الن سي ــــ ـــ ـم
الرسول بل لن الرسول يأمر بما أمر ال به وينهى عما ينهى ال عنه ويحب ما
يحبه ال ويبغض ما يبغضه ال ويوالي أولياء ال ويعادي أعداء ال #فمن بايعه
على السمع والطاعة فإنما بايع ال على السمع والطاعة ومن أطاعه فإنما أطاع ال
#وكذلك المسيح وسائر الرسل إنما يأمرون بما يأمر ال به وينهون عما ينهى ال
عنه ويوالون أولياء ال ويعادون أعداء ال فمن أطاعهم فقد أطاع ال ومن صدقهم
فقبل منهم ما أخبروا به فقد قبل عن ال ومن والهم فقد والى ال ومن عاداهم
وحاربهم فقد عادى ال وحارب ال ومن تصور هذه المور تبين له أن لفظ الحلول
قد يعبر به عن معنى صحيح وقد يعبر به عن معنى فاسد #وكذلك حلول كلمه في
القلوب ولذلك كره أحمد بن حنبل
الكلم في لفظ حلول القرآن في القلوب كما قد ذكر في غير هذا الموضع #ومما
يوضح هذا أن الشيء له وجود في نفسه هو وله وجود في المعلوم والذهان ووجود
في اللفظ واللسان ووجود في الخط والبيان ووجود عيني شخصي وعلمي ولفظي
ورسمي وذلك كالشمس مثل فلها تحقق في نفسها وهي الشمس التي في السماء ثم
يتصور بالقلب الشمس ثم ينطق اللسان بلفظ الشمس ويكتب بالقلم الشمس #
والمقصود بالكتابة مطابقة اللفظ وباللفظ مطابقة العلم وبالعلم مطابقة المعلوم فإذا
رأى النسان في كتاب خط الشمس أو سمع قائل يذكر قال هذه الشمس قد جعلها ال
سراجا وهاجا وهذه الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب فهو يشير إلى ما
سمعه من اللفظ ورآه من الخط وليس مراده نفس اللفظ والخط فإن ذلك ليس هو
الشمس التي تطلع وتغرب وإنما مراده ما يقصد بالخط واللفظ ويراد بهما وهو
المدلول المطابق لهما وكذلك قد يرى اسم ال مكتوبا في كتاب ومعه اسم صنم فيقول
آمنت بهذا وكفرت بهذا ومراده أنه مؤمن بال كافر بالصنم فيشير إلى اسمه
المكتوب ومراده المسمى بهذا السم وكذلك إذا سمع من يذكر أسماء ال الحسنى قال
هذا رب العالمين ومراده المسمى بتلك السماء ومن هذا قول أنس بن
مالك كان نقش خاتم النبي ثلثة أسطر محمد رسول ال محمد سطر ورسول سطر
وال سطر #ومراده بهذه السماء الخط لهذا وهذا وهذا ل اللفظ ول المسمى #
ومما يشبه هذا ما يرى في المرآة أو الماء مثل أن يرى الشمس أو غيرها في ماء أو
مرآة فيشار إلى المرئي فيقال هذا الشمس وهذا وجهي أو وجه فلن وليس مراده أن
نفس الشمس أو وجهه أو وجه فلن حل في الماء أو المرآة ولكن لما كان المقصود
بتلك الرؤية هو الشمس وهو الوجه ذكره ثم قد يقال رآه رؤية مقيدة في الماء أو
المرآة وقد يقال رآه بواسطة الماء والمرآة وقد يقال رأى مثاله وخياله المحاكي له
ولكن المقصود بالرؤية هو نفسه ومثل هذا كثير #ومعلوم أن ما في القلوب من
المثال العلمي المطابق للمعلوم أقرب إليه من اللفظ واللفظ أقرب من الخط فإذا كان
قد يشار إلى اللفظ والخط والمراد هو نفسه وإن لم يكن الخط واللفظ هو ذاته بل به
ظهر وعرف فلن يشار إلى ما في القلب ويراد به المعروف الذي ظهر للقلب
وتجلى للقلب وصار نوره في القلب بطريق الولى
306
www.anassim.fr.st 307 الن سي ــــ ـــ ـم
والعقلء إنما تتوجه قلوبهم إلى المقصود المراد دون الوسائل ويعبرون بعبارات #
تدل على ذلك لظهور مرادهم بها كما يقولون لمن يعرف علم غيره أو لمن يأمر
بأمره ويخبر بخبره هذا فلن فإذا كان مطلوبهم علم عالم أو طاعة أمير فجاء نائبه
القائم مقامه في ذلك قالوا هذا فلن أي المطلوب منه هو مع هذا فالتحاد المقصود
بهما يعبرون عن أحدهما بلفظ الخر #كما يقال عكرمة هو ابن عباس وأبو يوسف
هو
أبو حنيفة ومن هذا الباب ما يذكر عن المسيح عليه السلم أنه قال أنا وأبي واحد من
رآني فقد رأى أبي #وقوله تعالى فيما حكاه عن رسوله #عبدي مرضت فلم تعدني
عبدي جعت فلم تطعمني ويشبهه قوله ^ #إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال ^ #
فينبغي أن يعرف هذا النوع من الكلم فإنه تنحل به إشكالت كثيرة فإن هذا موجود
في كلم ال ورسله وكلم المخلوقين في عامة الطوائف مع ظهور المعنى ومعرفة
المتكلم والمخاطب أنه ليس المراد أن ذات أحدهما اتحدت بذات الخر #بل أبلغ من
ذلك يطلق لفظ الحلول والتحاد ويراد به معنى صحيح كما يقال فلن وفلن بينهما
اتحاد إذا كانا متفقين فيما يحبان ويبغضان ويواليان ويعاديان فلما اتحد مرادهما
ومقصودهما صار يقال هما متحدان وبينهما اتحاد ول يعني بذلك أن ذات هذا
اتحدت بذات الخر كاتحاد النار والحديد والماء واللبن أو النفس والبدن وكذلك لفظ
الحلول والسكنى والتخلل وغير ذلك كما قيل
%قد تخللت مسلك الروح مني %وبذا سمى الخليل خليل # %
والمتخلل مسلك الروح منه هو محبته له وشعوره به ونحو ذلك ل نفس ذاته #
%وكذلك قول الخر % #ساكن في القلب يعمره %لست أنساه فأذكره
والساكن في القلب هو مثاله العلمي ومحبته ومعرفته فتسكن في القلب معرفته #
ومحبته ل عين ذاته وكذلك قول الخر % #إذا سكن الغدير على صفاء %وجنب
أن يحركه النسيم % # %بدت فيه السماء بل امتراء %كذاك الشمس تبدو
%والنجوم % # %كذاك قلوب أرباب التجلي %يرى في صفوها ال العظيم
وقد يقال فلن ما في قلبه إل ال وما عنده إل ال يراد بذلك إل ذكره ومعرفته #
ومحبته وخشيته وطاعته وما يشبه ذلك أي ليس في قلبه ما في قلب غيره من
المخلوقين بل ما في قلبه إل ال وحده ويقال فلن ما عنده إل فلن إذا كان يلهج
بذكره ويفضله على غيره #وهذا باب واسع مع علم المتكلم والمستمع أن ذات فلن
لم تحل في هذا فضل عن أن تتحد به وهو كما يقال عن المرآة إذا
لم تقابل إل الشمس ما فيها إل الشمس أي لم يظهر فيها غير الشمس #وأيضا فلفظ
الحلول يراد به حلول ذات الشيء تارة وحلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي تارة
كما تقدم ذكره وعندهم في النبوات أن ال حل في غير المسيح من الصالحين وليس
المراد به أن ذات الرب حلت فيه بل يقال فلن ساكن في قلبي وحال في قلبي وهو
307
www.anassim.fr.st 308 الن سي ــــ ـــ ـم
في سري وسويداء قلبي ونحو ذلك وإنما حل فيه مثاله العلمي وإذا كان كذلك فمعلوم
أن المكان إذا خل ممن يعرف ال ويعبده لم يكن هناك ذكر ال ول حلت فيه عبادته
ومعرفته فإذا صار في المكان من يعرف ال ويعبده ويذكره ظهر فيه ذكره واليمان
به وحل فيه اليمان بال وعبادته وذكره وهو بيت ال عز وجل فيقال إن ال فيه
وهو حال فيه #كما يقال إن ال في قلوب العارفين وحال فيهم والمراد به حلول
معرفته واليمان به ومحبته ونحو ذلك وقد تقدم شواهد ذلك فإذا كان الرب في قلوب
عباده المؤمنين أي نوره ومعرفته وعبر عن هذا بأنه حال فيهم وهم حالون في
المسجد قيل إن ال في المسجد وحال فيه بهذا المعنى كما يقال ال في قلب فلن
وفلن ما عنده إل ال كما قال النبي في الحديث الصحيح أما علمت أن عبدي فلنا
مرض فلو عدته لوجدتني عنده #ومما يزيد ذلك إيضاحا ما يراه النائم من بعض
الشخاص في
منامه فيخاطبه ويأمره وينهاه ويخبره بأمور كثيرة وهو يقول رأيت فلنا في منامي
فقال لي كذا وقلت له كذا وفعل كذا وفعلت كذا ويذكر أنواعا من القوال والفعال #
وقد يكون فيها علوم وحكم وآداب ينتفع بها غاية المنفعة وقد يكون ذلك الشخص
الذي رأى في المنام حيا وهو ل يشعر بأن ذاك رآه في منامه فضل عن أن يكون
شاعرا بأنه قال أو فعل وقد يقص الرائي عليه رؤياه ويقول له الرائي يا سيدي
رأيتك في المنام فقلت لي كذا وأمرتني بكذا ونهيتني عن كذا والمرئي ل يعرف ذلك
ول يشعر به لن المرئي الذي حل في قلب الرائي هو المثال العلمي المطابق للعيني
كما يرى الرائي في المرآة أو الماء الشخص الموجود في الخارج فهو المقصود
وبعض المرئيين في المنام قد يدري بأنه رؤى في المنام ويكاشف بذلك الرائي كما
قد يكاشفه بأمور أخرى ل لنه نفسه حل فيه #والرؤيا إذا كانت صادقة كان ذلك
القول والعمل مناسبا لحال المرئي مما هو عادته يقوله ويفعله بنفسه فمثل للرائي
مثاله قائل له وفاعل ليعلم أنه نفسه يقوله ويفعله فينتفع بذلك الرائي كما يحكى
للنسان قول غيره وعمله ليعرف بذلك نفس القول والعمل المحكي فإن كثيرا من
الشياء ل يعرفه الناس أو أكثرهم إل بالمثل المضروب له إما في اليقظة وإما في
المنام مع العلم بأن عين هذا ليس عين هذا
ومن توهم أنه إذا رأى شخصا في منامه بأن ذاته نفسها حلت فيه دل على جهله فإن
المرئي كثيرا ما يكون حيا وهو ل يشعر بمن رآه ذلك ل روحه تشعر ول جسمه فل
يتوهم أن ذات روحه تمثلت في صورته الجسمية للنائم بل الممثل في نفس الرائي
مثال مطابق له وجسمه وروحه حيث هما #ثم الرؤيا قد تكون من ال فتكون حقا
وقد تكون من الشيطان كما ثبت تقسيمها إلى هذين في الحاديث الصحيحة
والشيطان كما قد يتمثل في المنام بصورة شخص فقد يتمثل أيضا في اليقظة بصورة
شخص يراه كثير من الناس يضل بذلك من لم يكن من أهل العلم واليمان كما
يجري لكثير من مشركي الهند وغيرهم إذا مات ميتهم يرونه قد جاء بعد ذلك
وقضى ديونا ورد ودائع وأخبرهم بأمور عن موتاهم وإنما هو شيطان تصور في
308
www.anassim.fr.st 309 الن سي ــــ ـــ ـم
صورته وقد يأتيهم في صورة من يعظمونه من الصالحين ويقول أنا فلن وإنما هو
شيطان #وقد يقوم شيخ من الشيوخ ويخلف موضعه شخصا في صورته يسمونه
روحانية الشيخ ورفيقه وهو جني تصور في صورته وهذا
يقع لكثير من الرهبان وغير الرهبان من المنتسبين إلى السلم وقد يرى أحدهم في
اليقظة من يقول له أنا الخليل أو أنا موسى أو أنا المسيح أو محمد أو أنا فلن لبعض
الصحابة أو الحواريين ويراه طائرا في الهواء وإنما يكون ذلك من الشياطين ول
تكون تلك الصورة مثل صورة ذلك الشخص #وقد قال النبي #من رآني في المنام
فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي فرؤيته في المنام حق وأما في
اليقظة فل يرى بالعين هو ول أحد من الموتى مع أن كثيرا من الناس قد يرى في
اليقظة من يظنه نبيا من النبياء إما عند قبره وإما عند غير قبره #وقد يرى القبر
انشق وخرج منه صورة إنسان فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره أو أن روحه
تجسدت وخرجت من القبر وإنما ذلك جني تصور في صورته ليضل ذلك الرائي
فإن الروح ليست مما
تكون تحت التراب وينشق عنها التراب فإنها وإن كانت قد تتصل بالبدن فل يحتاج
في ذلك إلى شق التراب والبدن لم ينشق عنه التراب وإنما ذلك تخييل من الشيطان
وقد جرى مثل هذا لكثير من المنتسبين إلى المسلمين وأهل الكتاب والمشركين #
ويظن كثير من الناس أن هذا من كرامات عباد ال الصالحين ويكون من إضلل
الشياطين كما قد بسط الكلم في هذا الباب في غير هذا الكتاب مثل الفرقان بين
أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وغير ذلك
فصل #وإذا أردتم بقولكم ظهر في عيسى حلول ذاته واتحاده بالمسيح أو غيره
فهذه دعوى مجردة من غير دليل متقدم ول متأخر وكون النسان أجل ما خلقه ال
لو كان مناسبا لحلوله فيه أمر ل يختص به المسيح بل قد قام الدليل على أن غير
عيسى عليه السلم أفضل منه مثل إبراهيم ومحمد صلى ال عليهما وسلم وهذان
اتخذهما ال خليلين وليس فوق الخلة مرتبة فلو كان يحل في أجل ما خلقه ال من
النسان لكونه أجل مخلوقاته لحل في أجل هذا النوع وهو الخليل ومحمد صلى ال
عليهما وسلم وليس معهم قط حجة على أن الجسد المأخوذ من مريم إذا لم يتحد
باللهوت على أصلهم أنه أفضل من الخليل وموسى #وإذا قالوا إنه لم يعمل خطيئة
فيحيى بن زكريا لم يعمل خطيئة ومن عمل خطيئة وتاب منها فقد يصير بالتوبة
أفضل مما كان قبل الخطيئة وأفضل ممن لم يعمل تلك الخطيئة والخليل وموسى
أفضل من يحيى الذي يسمونه يوحنا المعمداني #وأما قولهم ولهذا خاطب الخلق
فالذي خاطب الخلق هو
عيسى بن مريم وإنما سمع الناس صوته لم يسمعوا غير صوته والجني إذا حل في
309
www.anassim.fr.st 310 الن سي ــــ ـــ ـم
النسان وتكلم على لسانه يظهر للسامعين أن هذا الصوت ليس هو صوت الدمي
ويتكلم بكلم يعلم الحاضرون أنه ليس كلم الدمي #والمسيح عليه السلم لم يكن
يسمع منه إل ما يسمع من مثله من الرسل ولو كان المتكلم على لسان الناسوت هو
جنيا أو ملكا لظهر ذلك وعرف أنه ليس هو البشر فكيف إذا كان المتكلم هو رب
العالمين فإن هذا لو كان حقا لظهر ظهورا أعظم من ظهور كلم الملك والجني على
لسان البشر بكثير كثير #وأما ما شاهدوه من معجزات المسيح عليه الصلة
والسلم فقد شاهدوا من غيره ما هو مثلها وأعظم منها وقد أحيا غيره الميت وأخبره
بالغيوب أكثر منه ومعجزات موسى أعظم من معجزاته أو أكثر وظهور المعجزات
على يديه يدل على نبوته ورسالته كما دلت المعجزات على نبوة غيره ورسالتهم ل
تدل على اللهية #والدجال لما ادعى اللهية لم يكن ما يظهر على يديه من
الخوارق دليل عليها لن دعوى اللهية ممتنعة فل يكون في ظهور العجائب ما يدل
على المر الممتنع
فصل #قالوا وقد قال ال على أفواه النبياء والمرسلين الذين تنبوا على ولدته من
العذراء الطاهرة مريم وعلى جميع أفعاله التي فعلها في الرض وصعوده إلى
السماء وهذه النبوات جميعها عند اليهود مقرين ومعترفين بها ويقرؤنها في كنائسهم
ولم ينكروا منها كلمة واحدة #فيقال هذا كله مما ل ينازع المسلمون فيه فإنه ل
ريب أنه ولد من مريم العذراء البتول التي لم يمسها بشر قط وأن ال أظهر على
يديه اليات وأنه صعد إلى السماء كما أخبر ال بذلك في كتابه كما تقدم ذكره فإذا
كان هذا مما أخبرت به النبياء في النبوات التي عند اليهود لم ينكروا ذلك وإن كان
اليهود يتأولون ذلك على غير المسيح كما في النبوات من البشارة بمحمد فهو حق
وإن كان الكافرون به من أهل الكتاب يتأولون ذلك على غيره
فصل #قالوا وسبيلنا أن نذكر من بعض قول النبياء الذين تنبوا على السيد المسيح
ونزوله إلى الرض قال عزرا الكاهن حيث سباهم بختنصر الفريدي إلى أرض بابل
إلى أربعمائة واثنين وثمانين سنة يأتي المسيح ويخلص الشعوب والمم وفي كمال
هذه المدة أتى السيد المسيح وقال أرميا النبي عن ولدته في ذلك الزمان
يقوم لداودابن هو ضوء النور يملك الملك ويعلم ويفهم ويقيم الحق والعدل في
الرض ويخلص من آمن به من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم ويبقى بيت
المقدس بغير مقاتل ويسمى الله وأما قوله ابن لداود لن مريم كانت من نسل داود
ولجل ذلك قال النبي يقوم لداود ابن #فيقال أما قول عزرا الكاهن فليس فيه إل
إخباره بأنه يأتي المسيح ويخلص الشعوب والمم وهذا مما ل ينازع فيه المسلمون
فإنهم يقرون بما أخبر ال به في كتابه من إتيان المسيح عليه السلم وتخليص ال به
كل من آمن به من الشعوب والمم إلى أن بعث محمد #فكل من كان مؤمنا بالمسيح
310
www.anassim.fr.st 311 الن سي ــــ ـــ ـم
متبعا لما أنزل عليه من غير تحريف ول تبديل فإن ال خلصه بالمسيح من شر الدنيا
والخرة كما خلص ال تعالى بموسى من اتبعه من بني إسرائيل
ومن حرف وبدل فلم يتبع المسيح ومن كذب محمدا فهو كمن كذب المسيح بعد أن #
كان مقرا بموسى عليه السلم #ولكن هذا النص وأمثاله حجة على اليهود الذين
يتأولون ذلك على أن هذا ليس هو المسيح ابن مريم وإنما هو مسيح ينتظر وإنما
ينتظرون المسيح الدجال مسيح الضللة فإن اليهود يتبعونه ويقتلهم المسلمون معه #
حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله وهكذا يقال في
النبوة الثانية التي ذكروها عن أرميا النبي عليه السلم
فصل #قالوا وقال أرميا النبي عن ولدته في ذلك الزمان يقوم لداود ابن وهو
ضوء النور يملك الملك ويعلم ويفهم ويقيم الحق والعدل في الرض ويخلص من
آمن به من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم ويبقى بيت المقدس بغير مقاتل ويسمى
الله وأما قوله ابن لداود لن مريم كانت من نسل داود ولجل ذلك قال ويقوم لداود
ابن #والجواب أن يقال قد قال فيه ويخلص من آمن به من اليهود ومن بني
إسرائيل وهو كما فسرنا به التخليص الذي نقله عن عزرا الكاهن #وأما قوله
واسمه الله فهذا يدل على أنه ليس هو ال رب العالمين وإما لفظ الله اسم سمي به
كما سمي موسى إلها
وأضاف الفعل إلى هذا المخلوق ولو كان هذا هو ال رب العالمين قد اتحد بالناسوت
البشري لبين أرميا وغيره من النبياء ذلك بيانا قاطعا للعذر ولم يكتفوا بمثل هذه
اللفاظ التي هي إما صريحة أو ظاهرة في نقيض ذلك أو مجملة ل تدل على ذلك
فإنه من المعلوم أن إخبارهم بإتيان نبي من النبياء أمر معتاد ممكن ومع هذا
يذكرون فيه من البشارات والدلئل الواضحة ما يزيل الشبهة #وأما الخبار
بمجيء الرب نفسه وحلوله أو اتحاده بناسوت بشري فهو إما ممتنع غير ممكن كما
311
www.anassim.fr.st 312 الن سي ــــ ـــ ـم
يقوله أكثر العقلء من بني آدم ويقولون يعلم بصريح العقل أن هذا ممتنع #وإما
ممكن كما يقوله بعض الناس وحينئذ فإمكانه خفي على أكثر العقلء وهو أمر غير
معتاد وإتيان الرب بنفسه أعظم من إتيان كل رسول ونبي ل سيما إذا كان إتيانه
باتحاده ببشر لم يظهر على يديه من اليات ما يختص باللهية بل لم يظهر على يديه
إل ما ظهر على يد غيره من النبياء ما هو مثله أو أعظم منه وال تعالى لما كان
يكلم موسى ولم يكن موسى يراه ول يتحد ل بموسى ول بغيره ومع هذا فقد أظهر
من اليات على ذلك وعلى نبوة موسى ما لم يظهر مثله ول قريب منه على يد
المسيح #فلو كان هو بذاته متحدا بناسوت بشري لكان النبياء يخبرون بذلك إخبارا
صريحا بينا ل يحتمل التأويلت ولكان الرب يظهر على ذلك من اليات ما لم يظهر
على يد رسول ول نبي فكيف والنبياء
لم ينطقوا في ذلك بلفظ صريح بل النصوص الصريحة تدل على أن المسيح مخلوق
ولم تأت آية على خلف ذلك بل إنما تدل اليات على نبوة المسيح
فصل #قالوا وقال أشعيا النبي قل لصهيون هنا تفرح وتتهلل فإن ال يأتي ويخلص
الشعوب ويخلص من آمن به وبشعبه ويخلص مدينة بيت المقدس ويظهر ال ذراعه
الطاهر فيها لجميع المم المبددين ويجعلهم أمة واحدة ويبصرون جميع أهل الرض
من خلص ال لنه يمشي معهم وبين يديهم ويجمعهم إله إسرائيل #فيقال هذا
محتاج أول أن يعلم من هذه النبوة أن هذا الكلم نقل بل تحريف للفظه ول غلط في
الترجمة ولم يثبت ذلك
وإذا ثبت ذلك فحينئذ هو نظير ما في التوراة من قوله جاء ال من طور سينا
وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران #ومعلوم أنه ليس في هذا ما يدل
على أن ال حال في موسى بن عمران ومتحد به ول أنه حال في جبل فاران ول أنه
متحد بشيء من طور سينا ول ساعير #وكذلك هذا اللفظ ل يدل على أنه حال في
المسيح ومتحد به إذ كلهما سواء وإذا قيل المراد بذلك قربه ودنوه كتكليم موسى
وظهور نوره وهداه وكتابه ودينه ونحو ذلك من المور التي وقعت قيل وهكذا في
المسيح عليه السلم #وقوله ويظهر ال ذراعه الطاهر لجميع المم المبددين قد قال
في التوراة مثل هذا في غير موضع ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى عليه السلم #
وأما قوله عن المم المبددين فيجعلهم أمة واحدة فهم الذين اتبعوا المسيح فإنهم كانوا
متفرقين مبددين فجعلهم أمة واحدة #وأما قوله ويبصرون جميع أهل الرض
خلص ال لنه يمشي معهم وبين يديهم ويجمعهم إله إسرائيل فمثل هذا في التوراة
في غير موضع ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى ول حلوله فيه كقوله في السفر
الخامس من التوراة يقول موسى لبني إسرائيل ل تهابوهم
ول تخافوهم لن ال ربكم السائر بين أيديكم هو يحارب عنكم #وفي موضع قال
312
www.anassim.fr.st 313 الن سي ــــ ـــ ـم
موسى إن الشعب هو شعبك فقال أنا أمضي أمامك فارتحل فقال إن لم تمض أنت
أمامنا وإل فل تصعدنا من هاهنا وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك
نعمة كذا إل بسيرك معنا #وفي السفر الرابع من الفصل الثالث عشر إن أصعدت
هؤلء من بينهم بقدرتك فيقولون لهل هذه الرض الذين سمعوا أنك ال فيما بين
هؤلء القوم يرونه عينا بعين وغمامك يقيم عليهم وبعمود غمام يسير بين أيديهم
نهارا وبعمود نار ليل
وفي التوراة أيضا يقول ال لموسى إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم #
مخاطبتي لك #ثم قوله اجمع سبعين رجل من شيوخ بني إسرائيل وخذهم إلى خباء
العزب يقفون معك حتى أخاطبهم
فصل #قالوا وقال زكريا النبي افرحي يا بيت صهيون لني آتيك وأحل فيك
وأترايا قال ال ويؤمن بال في ذلك اليوم المم الكثيرة ويكونون له شعبا واحدا
ويحل هو وهم فيك وتعرفين أني أنا ال القوي الساكن فيك ويأخذ ال في ذلك اليوم
الملك من يهوذا ويملك عليهم إلى البد #فيقال مثل هذا قد ذكر عندهم عن إبراهيم
وغيره من النبياء أن ال تجلى له واستعلن له وترايا له ونحو هذه العبارات ولم يدل
ذلك على حلوله فيه واتحاده به
وكذلك إتيانه وهو لم يقل إني أحل في المسيح وأتحد به وإنما قال عن بيت #
صهيون آتيك وأحل فيك كما قال مثل ذلك عندهم في غير هذا ولم يدل على حلوله
في بشر وكذلك قوله وتعرفين أني أنا ال القوي الساكن فيك لم يرد بهذا اللفظ حلوله
في المسيح فإن المسيح لم يسكن بيت المقدس وهو قوي بل كان يدخلها وهو مغلوب
مقهور حتى أخذ وصلب أو شبهه وال سبحانه إذا حصلت معرفته واليمان به في
القلوب اطمأنت وسكنت #وكان بيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح عليه السلم
بعد رفعه حصل فيه من اليمان بال ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك #وجماع هذا أن
النبوات المتقدمة والكتب اللهية كالتوراة والنجيل والزبور وسائر نبوات النبياء لم
تخص المسيح بشيء يقتضي اختصاصه باتحاد اللهوت به وحلوله فيه كما يقوله
النصارى بل لم تخصه إل بما خصه ال به على لسان محمد في قول ال تعالى ^ #
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ #
فكتب النبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما أخبر به محمد يصدق بعضها
بعضا وسائر ما تستدل به
النصارى على إلهيته من كلم النبياء قد يوجد مثل تلك الكلمات في حق غير
المسيح فتخصيص المسيح باللهية ودون غيره باطل وذلك مثل اسم البن والمسيح
ومثل حلول روح القدس فيه ومثل تسميته إلها ومثل ظهور الرب أو حلوله فيه أو
سكونه فيه أو في مكانه #فهذه الكلمات وما أشبهها موجودة في حق غير المسيح
313
www.anassim.fr.st 314 الن سي ــــ ـــ ـم
عندهم ولم يكونوا بذلك آلهة #ولكن القائلون بالحلول والتحاد في حق جميع
النبياء والصالحين قد يحتجون بهذه الكلمات #وهذا المذهب باطل باتفاق المسلمين
واليهود والنصارى وهو باطل في نفسه عقل ونقل وإن كان طوائف من أهل اللحاد
والبدع المنتسبين إلى المسلمين واليهود والنصارى تقول به فهؤلء اشتبه عليهم ما
يحل في قلوب العارفين به من أهل اليمان به ومعرفته ونوره وهداه والروح منه
وما يعبر عنه بالمثل العلى والمثال العلمي #وظنوا أن ذلك ذات الرب كمن يظن
أن نفس اللفظ بالسم هو المعنى الذي في القلب أو نفس الخط هو نفس اللفظ ومن
يظن أن ذات المحبوب حلت في ذات المحب واتحدت به أو نفس المعروف المعلوم
حل في ذات العالم العارف به واتحد به مع العلم اليقيني أن نفس المحبوب المعلوم
باين عن ذات المحب روحه وبدنه لم يحل واحد منها في ذات المحب #وقد قال ال
تعالى
وله المثل العلى في السماوات والرض ^ #وقال تعالى ^ #وهو الذي في ^ #
السماء إله وفي الرض إله ^ #وقال تعالى ^ #وهو ال في السماوات وفي
الرض ^ #فالمؤمنون يعرفون ال ويحبونه ويعبدونه ويذكرونه ويقال هو في
قلوبهم والمراد معرفته ومحبته وعبادته وهو المثل العلمي ليس المراد نفس ذاته كما
يقول النسان لغيره أنت في قلبي
وما زلت في قلبي وبين عيني ويقال %ساكن في القلب يعمره %لست أنساه
%فأذكره
%ويقال % #إن بيتا أنت ساكنه %غير محتاج إلى السرج #
ومن قول القائل % #ومن عجبي أن أحن إليهم %وأسأل عنهم من لقيت وهم #
%معي
%وتطلبهم عيني وهم في سوادها %ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي # %
%وقال %مثالك في عيني وذكرك في فمي %ومثواك في قلبي فأين تغيب
والمساجد هي بيوت ال التي فيها يظهر ذلك ولهذا قال تعالى ^ #ال نور #
السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ^ #قال أبي بن كعب مثل نوره
في قلوب المؤمنين #ثم قال ^ نور على نور ^ #ثم قال ^ #في بيوت أذن ال أن
ترفع ويذكر فيها اسمه ^ #فذكر سبحانه نوره في قلوب المؤمنين ثم ذكر ذلك في
بيوته كذلك ما ذكر في الكتب الولى #وأما التيان والمجيء والتجلي فعندهم في
التوراة يقول ال لموسى إني آتي إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك
ثم قوله اجمع سبعين رجل من شيوخ بني إسرائيل وخذهم
إلى خباء العرب يقفون معك حتى أخاطبهم #وفي السفر الرابع لما تكلم مريم
وهارون في موسى حينئذ تجلى ال بعمود الغمام قائما على باب الخباء ونادى يا
هارون ويا مريم فخرجا كلهما فقال اسمعا كلمي إني أنا ال فيما بينكم #وفي
314
www.anassim.fr.st 315 الن سي ــــ ـــ ـم
الفصل الثالث عشر إن أصعدت هؤلء من بينهم بقدرتك فيقولون لهل هذه الرض
الذين سمعوا أنك ال فيما بين هؤلء القوم يرونه عينا بعين وغمامك يقيم عليهم
وبعمود غمام يسير بين أيديهم نهارا وبعمود نار ليل #وفي السفر الخامس قول
موسى لبني إسرائيل ل تهابوهم ول تخافوهم لن ال ربكم السائر بين أيديكم وهو
يحارب عنكم #وفي موضع آخر قال موسى إن الشعب هو شعبك فقال يا موسى أنا
أمضي أمامك فارتحل فقال إن لم تمض أنت معنا وإل فل تصعدنا من ههنا وكيف
أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك نعمة كذا بعلمك إل بسيرك معنا
وفي المزمور الرابع من الزبور عندهم يقول وليفرح المتكلون عليك إلى البد #
ويبتهجون ويحل فيهم ويفتخرون فأخبر أنه يحل في جميع الصديقين أي معرفته
ومحبته فإنهم متفقون على أن ذات ال لم تحل في الصديقين وكذلك في رسائل يوحنا
النجيلي إذا أخفا بعضنا بعضا نعلم أن ال يلبث فينا أي محبته ونظائره كثيرة
فصل #قالوا وقال عاموص النبي ستشرق الشمس على الرض ويهتدي بها
الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل قالوا فالشمس هو السيد المسيح والضالون الذين
اهتدوا به هم النصارى المختلفة ألسنتهم الذين كانوا من قبله عابدين الصنام
وضالين عن معرفة ال فلما أتوهم التلميذ وأنذروهم بما أوصاهم السيد المسيح
فتركوا عبادة الصنام واهتدوا باتباعهم السيد المسيح #فيقال هذا مما ل ينازع فيه
المسلمون وإنما ينازع في مثل هذا وأمثاله اليهود المكذبون للمسيح عليه السلم كما
ينازع كفار أهل الكتاب في محمد #وأما المسلمون فيؤمنون بجميع كتب ال ورسله
وأن المسيح
عليه الصلة والسلم أشرق نوره على الرض كما أشرق قبله نور موسى عليه
الصلة والسلم وأشرق بعده نور محمد #وقد قال ال تعالى لمحمد ^ #إنا
أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى ال بإذنه وسراجا منيرا ^ #فسماه ال
سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا والسراج المنير أكمل من السراج الوهاج
فإن الوهاج له حرارة تؤذي والمنير يهتدي بنوره من غير أذى بوهجه #وقال
تعالى لمحمد ^ #فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه
أولئك هم المفلحون ^ #وقال تعالى ^ #وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما
كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط ال الذي له ما في السماوات وما في الرض
^ أل إلى ال تصير المور
والمسلمون مقرون بأن كل من كان متبعا لدين المسيح عليه السلم الذي لم يغير #
ولم يبدل فإنه اهتدى بالمسيح من الضللة ومن كفر به من بني إسرائيل فإنه ضال
بل كافر كما قال تعالى #سورة آل عمران اليات # 57 55وقال تعالى ^ #يا
315
www.anassim.fr.st 316 الن سي ــــ ـــ ـم
أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري
إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ #وقوله ستشرق الشمس على
الرض ويهتدي بها الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل يناسب قوله في التوراة جاء
ال من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران فإن إشراقه من
ساعير هو ظهور نوره بالمسيح كما أن مجيئه من طور سينا هو ظهور نوره
بموسى واستعلنه من جبال فاران هو ظهور نوره بمحمد #وبهذه الماكن الثلثة
أقسم ال في القرآن بقوله ^ #والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين ^ #
فبلد التين والزيتون هي الرض المقدسة التي بعث منها المسيح وكان بها أنبياء بني
إسرائيل وأسري بمحمد إليها وظهرت بها نبوته وطور سينين المكان الذي كلم ال
فيه موسى بن عمران وهذا البلد المين هو بلد مكة التي بعث ال منه محمدا وأنزل
عليه القرآن
فصل #قالوا وقال في السفر الثالث من أسفار الملوك والن يا رب إله إسرائيل
لتحقق كلمك لداود لنه حق أن يكون إنه سيسكن ال مع الناس على الرض
اسمعوا أيتها الشعوب كلكم ولتنصت الرض وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدا
من بيته القدوس ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشاريق الرض في شأن
خطيئة بني يعقوب هذا كله #فيقال هذا السفر يحتاج إلى أن يثبت أن الذي تكلم به
نبي وأن ألفاظه ضبطت وترجمت إلى العربية ترجمة مطابقة ثم بعد ذلك يقال فيه ما
يقال في امثاله من اللفاظ الموجودة عندهم وليس فيها ما يدل على اتحاده بالمسيح
فإن قوله إن ال سيسكن مع الناس في الرض ل يدل على المسيح إذ كان المسيح لم
يسكن مع الناس في الرض بل لما أظهر الدعوة لم يبق في الرض إل مدة قليلة
ولم يكن ساكنا في موضع معين وقبل ذلك لم يظهر عنه شيء من دعوى النبوة
فضل عن اللهية ثم إنه بعد ذلك رفع إلى السماء فلم يسكن مع الناس في الرض
وأيضا فإذا قالوا سكونه هو ظهوره في المسيح عليه السلم قيل لهم أما الظهور
الممكن المعقول كظهور معرفته ومحبته ونوره وذكره وعبادته فهذا ل فرق فيه بين
المسيح وغيره #وحينئذ فليس في هذا اللفظ ما يدل على أن هذا السكون كان
بالمسيح دون غيره وإن كان بالمسيح فليس هذا من خصائصه عليه السلم وليس في
ظهوره فيه أو حلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي ما يوجب اتحاد ذاته به #وأما
قوله فيكون الرب عليها شاهدا فيقال أول شهود ال على عباده ل يستلزم حلوله أو
اتحاده ببعض مخلوقاته بل هو شهيد على العباد بأعمالهم كما قال ^ #ثم ال شهيد
على ما يفعلون ^ #ولفظ النص ولتنصت الرض وكل من فيها فيكون الرب عليها
شاهدا وهذا كما في التوراة أن موسى لما خاطب بني إسرائيل أشهد عليهم وكذلك
محمد كان يقول لمته لما بلغ الناس بقول #أل هل بلغت فيقولون نعم فيقول
316
www.anassim.fr.st 317 الن سي ــــ ـــ ـم
اللهم اشهد #وحينئذ فليس في هذا تعرض لكون المسيح هو ال وقد يقال أيضا ليس
فيه أن المراد بلفظ الرب هنا هو ال ولفظ الرب يراد به السيد المطاع وقد غاير بين
اللفظين فقال هناك أنه سيسكن ال مع الناس فقال فيكون الرب عليها شاهدا والنبياء
يشهدون على أممهم كما قال المسيح عليه السلم ^ #وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ^ #وقال تعالى ^ #إنا أرسلنا إليكم
رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسول ^ #وقال تعالى ^ #فكيف إذا
^ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا
وقال تعالى ^ #ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا #
على هؤلء ^ #وحينئذ فيكون الرب الشهيد هو المسيح الذي هو الناسوت وهو
الذي جاء من بيت المقدس وخرج من موضعه ونزل ووطىء على الرض من أجل
خطيئة بني يعقوب فإنهم لما أخطأوا وبدلوا أرسل ال إليهم المسيح عليه السلم
يدعوهم إلى عبادة ال وحده وطاعته فمن آمن به كان سعيدا مستحقا للثواب ومن
كفر به كان شقيا مستحقا للعذاب
فصل #قالوا وقال ميخا النبي وأنت يا بيت لحم قرية يهودا بيت أفراتا يخرج لي
رئيس الذي يرعى شعبي إسرائيل وهو من قبل أن تكون الدنيا لكنه ل يظهر إل في
اليام التي تلده فيها الوالدة وسلطانه من أقاصي الرض إلى أقاصيها #والجواب أن
عامة ما يذكرونه عن النبياء عليهم الصلة
والسلم حجة عليهم ل لهم كما ذكروه عن المسيح عليه السلم في أمر التثليث فإنه
حجة عليهم ل لهم وهكذا تأملنا عامة ما يحتج به أهل البدع والضللة من كلم
النبياء فإنه إذا تدبر حق التدبر وجد حجة عليهم ل لهم فإن كلم النبياء عليهم
الصلة والسلم هدى وبيان وهم معصومون ل يتكلمون بباطل #فمن احتج بكلمهم
على باطل فل بد أن يكون في كلمهم ما يبين به أنهم أرادوا الحق ل الباطل وهذا
مثل قوله في هذه النبوة منك يخرج لي رئيس فهذا صريح في أن هذا الذي يخرج
هو رئيس ال ليس هو ال بل هو رئيس له كسائر الرؤساء الذين ل وهم الرسل
والنبياء المطاعون مثل داود موسى وغيرهما #ولهذا قال الذي يرعي شعبي
إسرائيل ولو كان هو لكان هو راعي شعب نفسه وأما قوله وهو من قبل أن تكون
الدنيا فهذا مثل قول النبي في حديث ميسرة الفجر وقد قيل له يا رسول ال متى كنت
نبيا قال #وآدم بين الروح والجسد وفي لفظ متى كتبت نبيا قال #وآدم بين الروح
والجسد وفي
مسند المام أحمد عن العرباض بن سارية عن النبي أنه قال #إني عند ال لمكتوب
خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بأول أمري أنا دعوة أبي إبراهيم
317
www.anassim.fr.st 318 الن سي ــــ ـــ ـم
وبشرى عيسى ورؤيا أمي رأت حين ولدتني أنه خرج منها نور أضاء له قصور
الشام فقد أخبر أنه كان نبيا وكتب نبيا وآدم بين الروح والجسد وأنه مكتوب عند ال
خاتم النبيين وآدم منجدل في طينته #ومراده أن ال كتب نبوته وأظهرها وذكر
اسمه ولهذا جعل ذلك في ذلك الوقت بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ
الروح فيه كما يكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقي هو أو سعيد بعد خلق جسده
وقبل نفخ الروح فيه #وكذلك قول القائل في المسيح عليه السلم وهو من قبل أن
تكون الدنيا فإنه مكتوب مذكور من قبل أن تكون الدنيا #فإنه قد ثبت في الصحيح
عن عبد ال بن عمرو عن النبي أنه قال #قدر ال مقادير الخلئق قبل أن يخلق
السماوات والرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء #وفي صحيح
البخاري عن عمران بن حصين عن النبي أنه قال #كان ال ولم يكن شيء قبله
وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات
والرض #وهو قد قال قبل أن تكون الدنيا ولم يقل إنه كان قديما أزليا مع ال لم
يزل كما يقول النصارى إنه صفة ال الزلية بل وقت ذلك بقوله قبل أن تكون الدنيا
ول يحسن أن يقال في رب العالمين كان قبل أن تكون الدنيا فإنه سبحانه قديم أزلي
ول ابتداء لوجوده فل يوقت بهذا المبدأ ل سيما إن أريد بكون الدنيا عمارتها بآدم
وذريته فإن الدنيا قد ل تدخل فيها السماوات والرض بل يجعل من الخرة وأرواح
المؤمنين في الجنة في السماوات ويراد بالدنيا الحياة الدنيا أو الدار الدنيا #ولهذا
قال لكنه ل يظهر إل في اليام التي تلده فيها الوالدة كما يظهر غيره أن النبياء بعد
أن تلده أمه #والوالدة إنما ولدت الناسوت وأما اللهوت فهو عندهم مولود من ال
القديم الزلي وإذا قالوا فهي ولدت اللهوت مع الناسوت كان هذا معلوم الفساد من
وجوه كثيرة وإذا قيل لم خص عيسى المسيح عليه السلم بالذكر قيل كما خص
محمد بالذكر لن أمر المسيح كان أظهر وأعظم ممن قبله من النبياء بعد موسى #
وكذلك أمر محمد كان أظهر وأعظم من
أمر جميع النبياء قبله وإذا عظم الشيء كان ظهوره في الكتاب أعظم #وظن
بعض النصارى أن المراد بذلك وجود ذات المسيح يضاهي ظن طائفة من غلة
المنتسبين إلى السلم وغيرهم الذين يقولون إن ذات النبي كانت موجودة قبل خلق
آدم #ويقولون إنه خلق من نور رب العالمين ووجد قبل خلق آدم وأن الشياء
خلقت منه حتى قد يقولون في محمد من جنس قول النصارى في المسيح حتى قد
يجعلون مدد العالم منه ويروون في ذلك أحاديث وكلها كذب مع أن هؤلء ل يقولون
إن المتقدم هو اللهوت بل يدعون تقدم حقيقته وذاته ويشيرون إلى شيء ل حقيقة له
كما تشير النصارى إلى تقدم لهوت اتحد به ل حقيقة له #ومن هؤلء الغلة من
يروي عن النبي أنه قال #من قال إني كلي بشر فقد كفر ومن قال لست ببشر فقد
كفر ويحتجون بقوله تعالى ^ #ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ^ #فيجعلون فيه
318
www.anassim.fr.st 319 الن سي ــــ ـــ ـم
شيئا من اللهوت مضاهاة للنصارى #وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم بالحديث
وقد ثبت عنه في الحديث الذي في الصحيحين أنه قال ل تطروني كما أطرت
النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد ال ورسوله #وقد قال تعالى عنه
^ #قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول ^ #وهذا من جنس الغلة الذين
يقولون إن الرب يحل في الصالحين ويتكلم على ألسنتهم وأن الناطق في أحدهم هو
ال ل نفسه وقول هؤلء من جنس قول النصارى في المسيح ويقول أحدهم إن
الموحد هو الموحد وينشدون
ما وحد الواحد من واحد %إذ كل من وحده جاحد % %توحيد من ينطق عن %
نعته %عارية أبطالها الواحد % %توحيده إياه توحيده %ونعت من ينعته لحد
%
وهو من جنس قول الذين يجعلون روح النسان قديمة أزلية ويقولون هي صفة #
ال فيجعلون نصف النسان لهوتا ونصفه ناسوتا لكن اللهوت عندهم هو روحه ل
لهوت واحد كما يقوله النصارى وعلى قول هؤلء مع قول النصارى يكون في
المسيح وأمثاله ممن ادعى فيه اتحاد اللهوت به لهوتان روحه لهوت والكلمة
لهوت ثان ومن جنس هؤلء من ينشد ما يحكى عن الحلج أنه أنشد %سبحان من
أظهر ناسوته %سر سنا لهوته الثاقب % %ثم بدا في خلقه ظاهرا %في
%صورة الكل والشارب % %حتى لقد عابته خلقه %كلحظة الحاجب للحاجب
ولو قدر أن نفسه هي التي كانت قبل أن تكون الدنيا فهذا ل يدل على أنه ال أو
صفة ال بل إذا قال من يدعي أن روحه كانت موجودة حينئذ المراد روحه كان هذا
أقرب من قول النصارى وفي الجملة ما يخبر عن المسيح أنه كان قبل أن تكون
الدنيا بمنزلة ما عند أهل الكتاب عن سليمان أنه قال كنت قبل أن تكون الدنيا ثم قد
ثبت
باتفاق الخلئق أن سليمان لم يكن اللهوت متحدا به فعلم أن مثل هذا الكلم ل
يوجب اتحاد اللهوت به بل المسلمون يعدلون في القول ويفسرون كلم ال في كتبه
بعضه ببعض ويجعلون كلمه يصدق بعضه بعضا ل يناقض بعضه بعضا #وأما
أهل الضلل من النصارى وغيرهم فيفضلون المفضول على من هو أفضل منه
ويبخسون الفاضل حقه ويغلون في المفضول ويبخسون النبياء حقوقهم مثل تنقصهم
لسليمان فإن كثيرا من اليهود والنصارى يطعنون فيه #منهم من يقول كان ساحرا
وأنه سحر الجن بسحره #ومنهم من يقول سقط عن درجة النبوة فيجعلونه حكيما ل
نبيا ولهذا ذكر ال في القرآن تبرئة سليمان عن ذلك وذلك أن سليمان سأل ال ملكا
ل ينبغي لحد من بعده فسخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب
والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الصفاد فسخر له الريح غدوها
شهر ورواحها شهر ولما طلب من المل أن يأتوه بعرش بلقيس ملكة اليمن وكان هو
بالشام
319
www.anassim.fr.st 320 الن سي ــــ ـــ ـم
سورة النمل اليات # 40 38فلما مات سليمان عمدت الشياطين إلى أنواع من #
الشرك فكتبوها ووضعوها تحت كرسيه وقالوا كان سليمان يسخر الجن بهذا فصار
هذا فتنة لمن صدق بذلك وصاروا طائفتين طائفة علمت أن هذا من الشرك والسحر
وأنه ل يجوز فطعنت في سليمان كما فعل ذلك كثير من أهل الكتاب اليهود
والنصارى #وطائفة قالت سليمان نبي وإذا كان قد سخر الجن بهذا دل على أن هذا
جائز فصاروا يقولون ويكتبون من القوال التي فيها الشرك والتعزيم والقسام
بالشرك والشياطين ما تحبه الشياطين وتختاره ويساعدونهم لجل ذلك على بعض
مطالب النس إما إخبارا بأمورغائبة يخلطون فيها كذبا كثيرا وإما تصرف في
بعض الناس كما يقتل الرجل أو يمرض بالسحر أو تسرق الشياطين له بعض
الموال ونحو ذلك مما فيه إعانة الشياطين للنس على امور تريدها النس لجل
مطاوعة النس وموافقتهم للشياطين على ما تريده الشياطين من الكفر والفسوق
والعصيان
وكثير منهم يضيف ذلك إلى سليمان وإلى آصف بن برخيا ويصورون خاتم #
سليمان وقد يأخذون الرجل الذي صار من إخوانهم إلى مواضع فيرونه شخصا
ويقولون هذا سليمان بن داود كما قد جرى مثل ذلك لمن نعرفه من المشايخ الذين
كانت تقترن بهم الشياطين وكان لهم خوارق شيطانية من جنس خوارق السحرة
والكهان #فنزه ال تعالى سليمان من كذب هؤلء وهؤلء الذين جعلوه يسخر
الشياطين بنوع من الشرك والسحر هؤلء جرحوه وهؤلء زعموا أنهم يتبعونه فقال
تعالى #سورة البقرة اليتان 103 102
ومثل هذا كثير يحكى عن بعض النبياء أو بعض أهل العلم والدين من أمور #
ليست من شرع ال فيصدق بها بعض الناس وتصير فتنة لطائفتين مصدقتين بها #
طائفة تقدح في ذلك النبي أو الرجل الصالح بما هو منه بريء #وطائفة تقول إنها
تتبعه فيم يقول وهذا موجود في كثير مما يحكيه أهل الكتاب عن النبياء فإن اليهود
تذكر عنهم ما يقدح في نبوتهم #والنصارى تجعل ذلك قدوة لهم فيما يبتدعونه وهذا
مبسوط في موضع آخر فالمقصود هنا أن الكلم الذي وصف به المسيح إما وصفه
به النبياء قبله أو أخبر به عن نفسه موجود مثله في حق غيره ولم يكن أحدهم بذلك
لهوتا وناسوتا ول اتحد اللهوت بالناسوت ول استحق أحدهم بذلك أن يعبد ويصلى
له ويسجد ويدعا كما يدعا ال ويضاف إليه ما يضاف إلى ال من الخلق والبعث
والثواب والعقاب وليس للمسيح صلوات ال عليه آية خارقة إل ولغيره مثلها وأعظم
منها ول قيل فيه كلمة إل قيل في غيره مثلها وأعظم منها إل ما خصه فيه القرآن
320
www.anassim.fr.st 321 الن سي ــــ ـــ ـم
فيقول أنا ال رب الرباب #والجواب أن هذا يحتاج إلى تثبيت نبوة هذين وإلى
ثبوت النقل عنهما وثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة وبعد هذا يكون حكم هذا
الكلم حكم نظائره ففي التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين
واليهود والنصارى على أن ال حل في موسى ول في غيره من أنبياء بني إسرائيل
بل قوله يتراءى هو بمنزلة يتجلى ويظهر وقد ذكر في التوراة أنه تجلى وتراءى
لبراهيم وغيره من النبياء
عليهم السلم من غير أن تكون ذاته حلت بأحد منهم وما في القلوب من المثال
العلمي وبمعرفته ومحبته وذكره يطلق عليه ما يطلق على المعروف بنفسه لعلم
الناس أن المراد به المثال العلمي #وما في القلوب من معرفة المعروف ومحبته
ليس المراد به نفس المعروف المحبوب فإذا قال القائل أنت وال في قلبي أو في
سويداء قلبي أو قال له وال ما زلت في قلبي وما زلت في عيني ونحو ذلك علم
جميع الناس أنه لم يرد ذاته فإذا رأوا من يذكر عالما مشهورا أو شيخا مشهورا
فيذكر علمه وعمله ويحيى ذلك بين الناس قالوا قد صار فلن يعني المعروف
المذكور عندنا وبين أظهرنا لعلم المخاطبين بالمراد #ويقول أحدهم لمن مات والده
أنا والدك أي قائم مقامه ويقولون للولد القائم مقام أبيه من خلف مثلك ما مات وإذا
رأوا عكرمة مولى ابن عباس الذي معه علمه يقولون جاء ابن عباس وابن عباس
بين الناس لن موله نائب عنه وقائم مقامه وإذا بعث الملك نائبا قائما مقامه يقولون
جاء الملك الفلني لن هذا النائب قائم مقامه مظهر لمره ونهيه وأحواله #وفي
الحديث الصحيح عن النبي يقول ال #عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد يا رب
كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا مرض
فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده عبدي جعت فلم تطعمني فيقول يا رب كيف
أطعمك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا جاع فلو أطعمته لوجدت
ذلك عندي عبدي عطشت فلم تسقني فيقول رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين
فيقول أما علمت أن عبدي استسقاك فلم تسقه أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي #
فجعل جوع عبده جوعه ومرضه مرضه لن العبد موافق ل فيما يحبه ويرضاه
ويأمر به وينهى عنه وقد عرف أن الرب نفسه ل يجوع ول يمرض #ومعلوم أن
وصفه بالجوع والمرض أبعد من وصفه بالمشي بين الناس والختلط بهم ولهذا
نظائر كثيرة موجودة في كلم النبياء وغير النبياء من الخاصة والعامة ول يفهم
عاقل من ذلك أن ذات المذكور اتحدت بالخر أو حلت فيه إل من هو جاهل
كالنصارى #والناس يرون الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك في الماء الصافي
وفي المرآة المجلوة ونحو ذلك #ويقول أحدهم رأيت وجه فلن في هذه المرآة
ورأيت الشمس والقمر في المرآة أو في الماء مع علم كل عاقل أن نفس
الشمس والقمر وغيرهما لم تحل ل في المرآة ول في الماء ولكن هذه رؤية مقيدة
رآها بواسطة المثال الذي تمثل في المرآة أو الماء سواء كان ذلك شعاعا منعكسا أو
321
www.anassim.fr.st 322 الن سي ــــ ـــ ـم
غير ذلك ومن هذا الباب قول القائل %إذا ظهر الغدير على صفاء %وجنب أن
يحركه النسيم % %ترى فيه السماء بل امتراء %كذاك الشمس تبدو والنجوم %
% %كذاك قلوب أرباب التجلي %يرى في صفوها ال العظيم
فقد أخبر أن ال يرى في قلوب العارفين كما ترى الشمس والنجوم في الماء #
الصافي بل يتصور أحدهم صورة من يعرفه بحمرة أو خضرة أو سواد فيقول وال
هذا هو فلن بعينه مع علمه وعلم كل من سمعه أنه مثاله المطابق لصورته ل عينه
وذلك لمماثلة تلك الصورة لصورته يريد أن هذا تمثيل مطابق له ل مخالف #ومن
هذا قول النبي #من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في
صورتي لم يرد أنه رأى جسدي الذي في القبر وروحي التي في الجنة حالة في ذاته
فإن هذا ممتنع لوجوه كثيرة فلهذا قال فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي
ولما دخل جماعة من الصحابة على المقوقس ملك النصارى بمصر واستخبرهم #
عن دينهم فأخبروه بذلك فإذا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة وإذا فيها أبواب صغار
ففتح منها بابا فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل طوال
أكثر الناس شعرا فقال أتعرفون هذا قالوا قلنا ل فقال هذا آدم #ثم أعاد وفتح بابا
آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل ضخم الرأس عظيم له
شعر كشعر النبط أحمر العين فقال أتعرفون هذا فقلنا ل فقال هذا نوح #ثم أعاد
وفتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل أبيض الرأس
واللحية كأنه يبتسم فقال أتعرفون هذا فقلنا ل فقال هذا إبراهيم #ثم أعاد وفتح بابا
آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء قال أتعرفون هذا قلنا النبي
قال هذا وال محمد رسول ال #قال وال يعلم أنه قام ثم قعد ثم قال ال بدينكم إنه
نبيكم قلنا ال بديننا إنه نبينا كأنما ننظر إليه #ثم قال أما إنه كان آخر البواب
ولكني عجلته لكم لنظر ما عندكم #ثم أعاد وفتح بابا بابا وهو يقول هذا موسى
هذا هارون هذا داود هذا سليمان هذا عيسى #وهذا كله لظهور المراد به ومعرفة
الناس بمقصود المتكلم كما يقال لمن كتب اسمه في كتاب هذا فلن #ومعلوم أن
الموجود في الكتاب اسمه المكتوب ل ذاته الموجودة في الخارج ومن هذا الباب قوله
تعالى ^ #وكل شيء فعلوه في الزبر ^ #وإنما في الزبر ذكر أعمالهم وكتابة ذلك
ويقال في كتابة الوثائق هذا ما أصدق فلن وهذا ما يقاضي عليه فلن وفلن ويقال
هذا ذكر ما أصدق فلن أو يقاضي عليه فلن وفلن فيشار إلى الموجود تارة وإلى
ذكره تارة
ومعلوم أن الموجود في الكتاب ذكره ل عينه بل ذلك وجود الخط في الذهان #
المطابق لذكره باللفظ #والشيء له وجود في العيان ووجود في الذهان ووجود
في اللسان ووجود في البنان ووجود عيني وعلمي ورسمي ولفظي وفي كل من
الربعة يذكر ويشار إليه مع القرائن والضمائر التي تبين تارة أن المشار إليه هو
الخط المطابق للفظ وتارة تكون الشارة إلى اللفظ المطابق للمعنى #ومعلوم أن
322
www.anassim.fr.st 323 الن سي ــــ ـــ ـم
المعنى الذي في القلب أقرب إلى الموجود في الخارج من اللفظ والخط فإذا أشير إلى
ما في قلب العارف بعين المحب له الذاكر له بأنه المعروف المحبوب كان أقرب ل
سيما وقد يغلب الذكرو المعرفة والمحبة على القلب حتى يغيب بموجوده عن وجوده
وبمعروفه عن معرفته وبمذكوره عن ذكره حتى يقول أحدهم في هذه الحال سبحاني
أو ما في هذه الجبة إل ال #ومعلوم أن ذات ال تبارك وتعالى ليست الذي في قلبه
بل في قلبه مثاله العلمي ومعرفته ومحبته فغاب بذلك عن نفسه هذا وإن كان يقوله
الغالط فيقول من ليس بغالط ال في قلب فلن وفلن ما عنده إل ال ومن أراد ال
فليذهب إلى فلن وليس مرادهم أن
ذات ال في قلبه بل مثاله العلمي ومعرفته وذكره ومحبته وأنه ليعبد إل ال ول
يرجو إل إياه ول يخاف إل إياه ول يعمل إل ل وليأمر إل بطاعته فيفنى بعبادته
عن عبادة ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه #فما
قيل في المسيح عليه السلم وأمثاله من هذا فهو حق لكن ل اختصاص للمسيح بهذا
#وإذا كان مثل هذا الكلم كثيرا موجودا في كلم النبياء وغيرهم بل هو المعروف
في كلمهم ول يوجد قط على أحد من النبياء أنه جعل ذات ال في قلب أحد من
البشر علم أن النصارى تركوا المحكم من كلم النبياء عليهم السلم وتمسكوا
بالمتشابه كأمثالهم من الضلل فاشتبه عليهم المعلوم بالقلوب المذكور باللسن
بالموجود في نفسه فظنوا أن نفس المثال العلمي هو الموجود العيني كما يظن ذلك
كثير من الغالطين وهؤلء يقولون بالحلول تارة وبالتحاد أخرى ول يفرقون بين
حلول اليمان والمعرفة والمحبة والمثال العلمي في القلب وبين حلول الذات
المعلومة المحبوبة #ولهذا يعتقد كثير من هؤلء أنهم يكلمون ال ويكلمهم ويقول
أحدهم أوقفني وقال لي وقلت له وتكون مخاطبته ومناجاته مع
هذا المثال العلمي بحسب ما عندهم من العتقاد في ال تعالى وكثير منهم يتمثل له
الشيطان ويقول أنا ربك فيخاطبة ويظنه ربه وإنما هو الشيطان #ومنهم من يرى
عرشا عليه نور أو يرى ما يظنه الملئكة وهم شياطين وذلك شيطان #وكثير من
هؤلء يظن أنه أفضل من النبياء وأنه يدخل إلى ال بل إذن خلف النبياء ويكون
ذلك الله الذي يعتقده هو الشيطان والدين ل يتمثل لهم الشيطان يخاطب أحدهم من
في قلبه فتخاطبه تلك الصورة العلمية ويقدر أنها تخاطبه ويظن ذلك مخاطبة الحق
له #وهذا كالرجل يذكر بعض أصحابه فيمثله في قلبه ويخاطبه مخاطبة من يعاتبه
أو يعتذر إليه ويقدر خطاب تلك الصورة ويقول قلت لك كذا وقلت لي كذا #ونفس
الشخص ل يكلمه ول يسمع كلمه وإنما هو المثال كما قد يصور صورة النسان
ويخاطبها النسان ويقدر ذلك مخاطبة لصاحب الصورة #والنصارى أدخل في هذا
من غيرهم فإنهم يخاطبون الصور الممثلة في الكنائس كصورة مريم والمسيح
والقديسين ويقولون إنما
نقصد خطاب أصحاب تلك الصور نستشفع بهم #وهذا مما حرمه ال على ألسن
323
www.anassim.fr.st 324 الن سي ــــ ـــ ـم
جميع النبيين ولم يشرع لحد أن يدعو الملئكة ول النبياء ول الصالحين الموات
فكيف بالصور الممثلة لهم كما قد بسط في موضع آخر #والمقصود هنا أنه كثيرا
ما يوجد في كلم الناس النبياء وغيرهم من ذكر ظهور ال عز وجل والمراد به
ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر #ولهذا لما كان يقصد بذكر اسمه
ذكر المسمى صار يقول من يقول إن السم هو المسمى أن المراد المقصود من
السم هو المسمى ل أن نفس اللفظ هو المسمى فإن هذا ل يقوله عاقل وتنزيه السم
وتسبيحه تنزيه للمسمى وتسبيح له #كما قال تعالى ^ #سبح اسم ربك العلى ^
^ وقال ^ #فسبح باسم ربك العظيم
وقال ^ #تبارك اسم ربك ذي الجلل والكرام ^ #وجاء في الحديث #ل تقوم #
القيامة حتى ل يعبد ال اسم أي ل يعبد ال باسم من أسمائه فإنه إذا قيل دعوت ال
وعبدته فإنما في اللفظ السم والمقصود هو المسمى #وهذا الذي ذكرناه من تفسير
ظهور اللهوت في المسيح وغيره بأن المراد ظهور ما في القلوب من توحيد ال
ومعرفته ومحبته وذكره ونوره وهداه وروحه هو مما يفسر به ذلك كثير من علماء
النصارى فإنهم يفسرون اتحاد اللهوت بالناسوت بظهور اللهوت فيه كظهور نقش
الخاتم في الشمع والطين #ومعلوم أن الحال في الشمع والطين هو مثال نقش الخاتم
ل أن في الشمع والطين شيئا من الخاتم بل ظهر فيه نقش الخاتم #وكذلك يظهر
نور ال وروحه في النبياء والصالحين وهذا المعنى ل يختص به المسيح عليه
السلم بل يشترك هو فيه وسائر الرسل بل وكل مؤمن له من هذا نصيب بحسب
إيمانه
فصل #قالوا وقال أشعيا النبي ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه
عمانويل #وعمانويل كلمة عبرانية تفسيرها بالعربي إلهنا معنا فقد شهد النبي أن
مريم ولدت اللهوت المتحد بالناسوت كلهما #فيقال ليس في هذا الكلم أن مريم
ولدت اللهوت المتحد بالناسوت وأنها ولدت خالق السماوات والرض بل هذا
الكلم يدل على أن المولود ليس هو خالق السماوات والرض فإنه قال تلد ابنا #
وهذا نكرة في الثبات كما يقال في سائر النساء إن فلنة ولدت ابنا وهذا دليل على
أنه ابن من البنين ليس هو خالق السماوات
والرضين ثم قال ويدعى اسمه عمانويل فدل بذلك على أن هذا اسم يوضع له
ويسمى به كما يسمي الناس أبناءهم بأسماء العلم أو الصفات التي يسمونهم بها #
ومن تلك السماء ما يكون مرتجل ارتجلوه #ومنها ما يكون جملة يحكونها ولهذا
كثير من أهل الكتاب يسمى ابنه عمانويل ثم منهم من يقول العذراء المراد بها غير
مريم ويذكرون في ذلك قصة جرت #ومنهم من يقول بل المراد بها مريم وعلى
هذا التقدير فيكون المراد أحد معنيين #إما أنه يريد أن إلهنا معنا بالنصر والعانة
فإن بني إسرائيل كانوا قد خذلوا بسبب تبديلهم فلما بعث المسيح عليه السلم بالحق
324
www.anassim.fr.st 325 الن سي ــــ ـــ ـم
كان ال مع من اتبع المسيح والمسيح نفسه لم يبق معهم بل رفع إلى السماء ولكن ال
كان مع من اتبعه بالنصر والعانة #كما قال تعالى ^ #فأيدنا الذين آمنوا على
عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ #وقال تعالى ^ #وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين
^ كفروا إلى يوم القيامة
وهذا أظهر وإما أن يكون يسمى المسيح إلها كما يقولون إنه يسمى موسى إله #
فرعون أي هو المر الناهي له المسلط عليه #وقد حرف بعضهم معنى هذه الكلمة
فقال معناها ال معنا فقال من رد عليهم من علمائهم يقال لهم أهذا هو القائل أنا الرب
ل إله غيري أنا أميت وأنا أحيي أم هو القائل ل إنك أنت الله الحق وحدك والذي
أرسلت يسوع المسيح وإذا كان الول باطل والثاني هو الذي شهد به النجيل وجب
تصديق النجيل وتكذيب من كتب في النجيل أن عمانويل وتأويله ال معنا بل تأويل
عمانويل معنا إله وليس المسيح مخصوصا بهذا السم بل عمانويل اسم يسمى به
النصارى واليهود من قبل النصارى #وهذا موجود في عصرنا هذا في أهل الكتاب
من سماه أبوه عمانويل يعني شريف القدر وكذلك السريان أكثرهم يسمون أولدهم
عمانويل
فصل #قالوا وقال أشعيا أيضا إن غلما ولد لنا وابنا اعطيناه الذي رياسته على
عاتقيه وبين منكبيه ويدعى اسمه ملكا عظيم المشية مسيرا عجيبا إلها قويا مسلطا
رئيس السلمة في كل الدهور وسلطانه كامل ليس له فناء #فيقال ليس في هذه
البشارة دللة بينة أن المراد به المسيح عليه السلم ولو كان المراد به المسيح لم يدل
على مطلوبهم بل قد يقال المراد بها محمد فإنه الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه
من جهتين #من جهة خاتم النبوة على بعض كتفيه وهو علمة من أعلم النبوة
الذي أخبرت به النبياء وعلمة ختمهم
ومن جهة أنه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه إذا ضرب به على #
عاتقه ويدل على ذلك قوله مسلط رئيس قوي السلمة #وهذه صفة محمد المؤيد
المنصور المسلط رئيس السلمة فإن دينه السلم ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا
وعذاب الخرة ومن استيلء عدوه عليه #والمسيح عليه السلم لم يسلط على
أعدائه كما سلط محمد بل كان أعداؤه بحيث يقدرون على صلبه وعند النصارى قد
صلبوه وعند المسلمين ألقى ال شبهه على غيره فصلب ذاك المشبه فبهذه الطريق
دفع ال الصلب عنه ل بقهر أعدائه وإهلكهم وذلهم له كما نصر ال محمدا على
325
www.anassim.fr.st 326 الن سي ــــ ـــ ـم
أعدائه #وقال في كل الدهور سلطانه كامل ليس له فناء وهذا صفة خاتم الرسل
الذي ل يأتي بعده نبي ينسخ شرعه وسلطانه بالحجة واليد كامل ل يحتاج فيه إلى
الستعانة بشرع آخر وشرعه ثابت باق إلى آخر الدهر
فصل #قالوا وقال أشعيا أيضا يخرج عصاه من بيت يسي ينبت نور منها ويحل
فيه روح القدس روح ال روح الحكمة والفهم روح الحيل والقوة روح العلم وخوف
ال #وفي تلك اليام يكون أصل يسي آية للمم وبه يؤمنون وعليه يتوكلون ويكون
لهم التاج والكرامة إلى دهر الداهرين
والجواب إن هذا الكلم بعد المطالبة بصحة نقله عن النبي وصحة الترجمة له #
باللسان العربي هو حجة على النصارى ل لهم فإنه ل يدل على أن المسيح هو خالق
السماوات والرض بل يدل على مثل ما دل عليه القرآن من أن المسيح عليه السلم
أيد بروح القدس فإنه قال ويحل فيه روح القدس وروح ال وروح الحكمة والفهم
وروح الحيل والقوة روح العلم وخوف ال ولم يقل تحل فيه حياة ال فضل عن أن
يقول حل فيه ال أو اتحد به ولكن جعل روح القدس هي روح ال وهي روح الحكمة
والفهم والعلم وهي روح الحيل والقوة #كما أن عندهم في التوراة أن الذين كانوا
يعملون في قبة الزمان حلت فيهم روح الحكمة روح الفهم روح العلم
فهي ما يحصل به الهدى والنصر كما قال تعالى ^ #واذكر عبادنا إبراهيم #
وإسحاق ويعقوب أولي اليدي والبصار ^ #فقال هي روح ال وهذا كقوله تعالى
^ #أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ #وقوله تعالى ^ #وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا
نهدي به من نشاء من عبادنا ^ #وقال تعالى ^ ينزل الملئكة بالروح من أمره ^
#فما أنزله يسمى هدي ال وروح ال ووحي ال ونور ال ونحو ذلك #وقال تعالى
لما ذكر أنبياءه من ذرية إبراهيم فقال #سورة النعام اليات 88 84
وقال تعالى ^ #فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل يضل ول يشقى ^ # #
وسماه نور ال كقوله تعالى ^ #ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها
مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة
زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور
يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكل شيء عليم ^ #فهذا
هدي ال ونور ال هو روح ال كما قال تعالى ^ #وكذلك أوحينا إليك روحا من
أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من
^ عبادنا ^ #وقال تعالى ^ #أولئك كتاب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه
326
www.anassim.fr.st 327 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا وقال أشعيا أيضا من أعجب العاجيب أن رب الملئكة سيولد من
البشر #فيقال مثل هذا الكلم ل بد أن يكون قبله كلم وبعده كلم وهو منقول من
لغة إلى لغة ونحن نعلم قطعا أنه لم يرد أن رب العالمين يولد من البشر ولو أراد
ذلك لم يقل رب الملئكة فقط فإن ال رب كل شيء لكن قد يريد أنه يولد من البشر
من سيكون سيد الملئكة تخدمه وتكرمه كما سجدت الملئكة لبي البشر آدم #
والنصارى يسلمون أن اللهوت ما هو متولد من البشر وإنما المتولد من البشر هو
الناسوت وليس هو رب العالمين بالتفاق فعلم أنه ل حجة لهم في ظاهر اللفظ إن
قدر سلمته من التغيير #ونظير هذا ما عندهم في إنجيل متى أن ابن النسان
يرسل ملئكته ويجمعون كل الملوك ربا على المم فيلقونهم في أتون النار قال
بعض علماء أهل الكتاب لم يرد بذلك أن المسيح هو رب
وقال للذي ضرب عبد رئيس الكهنة أغمد سيفك ول تظن أن ل أستطيع أن أدعو #
ال الب فيقدم لي أكثر من اثني عشر جوقا من الملئكة
فصل #قالوا ومثل هذا القول في كتب ال المنزلة على أفواه النبياء والرسل شيء
كثير عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم المفرقين في سبعة أقاليم العالم
المتمسكين بدين النصرانية قول واحد ونص واحد على ما تسلموه من الحواريين
حين أنذروهم وردوهم عن عبادة الصنام إلى معرفة ال تعالى سلموها إليهم كل أمة
بلسانها وهي على هيئتها إلى يومنا هذا #والجواب على هذا من وجوه #أحدها أن
القول في سائر ما يذكرونه من النصوص كما تقدم وقد تكلم على هذا من تكلم عليه
من علماء النصارى الذين هداهم ال وبينوا ما وقع في ذلك من تحريفهم لمعاني
الكتب التي عندهم وذكروا مما عندهم من النصوص الصريحة بأن المسيح عبد ال
ليس هو ال ما يتبين به بطلن قولهم وأنهم ممن تركوا المحكم من اليات واتبعوا
المتشابه ولهذا أنزل ال فيهم ^ #فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا
^ به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب
وهذا كقول المسيح عليه السلم لما سئل عن علم الساعة فقال ل يعلمها إنسان ول #
327
www.anassim.fr.st 328 الن سي ــــ ـــ ـم
الملئكة الذين في السماء ول البن إل الب فقط فنفى عن نفسه علم الساعة وهذا
يدل على شيئين على أن اسم البن إنما يقع على الناسوت دون اللهوت فإن
اللهوت ل يجوز أن ينفى عنه علم الساعة ويدل على أن البن لم يكن يعلم ما يعلمه
ال وهذا يبطل قولهم بالتحاد فإنه لو كان التحاد حقا كما يزعمون لكان البن يعلم
ما يعلمه ال ويقدر على ما يقدر عليه فإنه هو ال عندهم والناسوت ل يتميز عندهم
عن اللهوت فيما يوصف به المسيح من كونه عالما قادرا يحيي ويميت #وقال
المسيح لتلميذه آمنوا بال وآمنوا بي وقال أيضا من يؤمن بي فليس يؤمن بي فقط
بل وبالذي أرسلني وهم يذكرون أن المسيح عليه السلم استصرخ ال قائل إلهي
إلهي
انظر لماذا تركتني وتباعدت عن خلصي #الوجه الثاني أن قولهم إن هذه الكتب
التي بأيديهم من التوراة والنجيل وسائر النبوات تسلموها من الحواريين كل أمة
بلسانها وهي على هيئتها قول لم يقيموا على صحته دليل بل ادعوا ذلك دعوى
مجردة #ومثل هذا النقل إن لم يثبت بالتواتر لم يحتج به في المسائل العلمية ل سيما
إذا قيل في الوجه الثالث إن هذا كذب ظاهر فإن كثيرا من اللسنة ليس عند أهله
إنجيل قديم ومن ذلك لسان العرب فإن العرب النصارى كثيرون قبل السلم ول
تعرف توراة ول إنجيل ول نبوات عربية إل ما عرب من النسخ العبرية والرومية
والسريانية ونحن نطالبهم بهذه الكتب التي هي بالعربية التي في زمن الحواريين أين
هي ومن رآها ولو قدر أنها كانت بالعربية
فهذه النسخ اليوم العربية الموجودة بأيدي الناس هي مما عرب مما بأيديهم وحينئذ
فل تعرف صحتها إن لم تعرف صحة الترجمة ويثبت نقل تلك عن المسيح عليه
السلم وهكذا القول في سائر اللسن #الوجه الرابع أن االتوراة والنبوات التي نقلت
من نسخ اليهود والناجيل هي أربعة كتب بعد المسيح عليه السلم اثنان ممن كتبها
لم يريا المسيح وهما لوقا ومرقس واثنان رأياه وهما يوحنا ومتى #والنسخ إنما
كثرت عن الربعة ومما ينقله الربعة ل يجب أن يكون متواترا معلوما وإذا كثرت
اللسن بها فمن بعد الربعة ل أن الذين سمعوها من المسيح عليه السلم تكلموا
باثنين وسبعين لسانا فإن هذا لم يقله أحد ول يقوله عاقل إذ الحواريون كانوا اثني
عشر لم يكونوا اثنين وسبعين فإذا قيل إنه نقلها اثنان
وسبعون فهم نقلوها عمن نقلها إليهم من الحواريين وهم إنما يسندون نقلها إلى أربعة
#الوجه الخامس أن الحواريين ليسوا معصومين بل يجوز على أحدهم الغلط في
بعض ما ينقله وما ينقل من خوارقهم للعادات فمن الناس من يكذبه ومنهم من
يصدقه ول دللة فيه على عصمتهم إل أن يثبت أنهم ادعوا النبوة وأقاموا المعجزات
الدالة على نبوتهم ولم يكن المر كذلك وإل فالصالحون إذا كانت لهم كرامات لم
تدل كراماتهم على أنهم معصومون كالنبياء بل يجوز عليهم الغلط مع ثبوت
كراماتهم #والحواريون عندهم ليسوا بأنبياء وإن سموهم رسل فهم رسل المسيح ل
328
www.anassim.fr.st 329 الن سي ــــ ـــ ـم
رسل ال تبارك وتعالى #الوجه السادس أن في هذه الكتب التي بأيديهم ما يناقض
قولهم من القوال الصريحة الكثيرة ما هو أكثر وأصرح مما احتجوا به على قولهم
#والواجب حينئذ التمسك بالصريح المحكم ورد المتشابه إليه ول يجوز التمسك
بالمتشابه ورد المحكم إليه #الوجه السابع أنه بتقدير أن يكون في الرض هذه
الكتب باثنين وسبعين لسانا سواء كانت كلها منقولة عن الحواريين نقل صحيحا
أو كان نقل أكثرها أو أكثر منها مترجمة من لغة إلى لغة #فمعلوم أنه بكل لسان
عدة نسخ ولو لم يكن بها إل لسان واحد مع كثرة النسخ بها في مشارق الرض
ومغاربها لم يمكن أحدا أن يقطع بأن جميع النسخ على لفظ واحد ونص واحد كما
ادعاه هؤلء في الثنين وسبعين لسانا حيث قالوا #ومثل هذا القول في كتب ال
المنزلة على أفواه النبياء والرسل كثير عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم
المتفرقين في سبعة أقاليم العالم المتمسكين بدين النصرانية قول واحد ونص واحد
على ما تسلموه من الحواريين وردوهم عن عبادة الصنام فسلموها إليهم كل أمة
بلسانها وهي على هيئتها إلى يومنا هذا #فإن هذا الكلم يتضمن عدة دعاوى ليس
فيها ما يمكن قائله أن يكون عالما به فعلم أن هؤلء تكلموا بهذا الكلم بل علم بل
بالجهل والضلل كما هو عادتهم فإنه يقال لهم من الذي جمع كل نسخة في العالم
من جميع التوراة والنجيل والزبور وسائر النبوات الربعة والعشرين بلسان واحد
كالعربي مثل وهل ميز جميع النسخ
فلم يجد نسخة تزيد على نسخة ول تنقص عنها #ومعلوم إن كان هذا ممكنا أمكن
أن يقال جمعها جامع وغير بعض ألفاظها فل يمكنهم دعوى بقائها بل تغيير وإن لم
يمكن ذلك لم يمكن أحد أن يقول أنا أعلم موافقة كل نسخة من نسخ هذه الكتب لكل
نسخة توجد في سبعة أقاليم العالم بذلك اللسان فضل عن اثنين وسبعين لسانا فضل
عن أن يقال أنا أعلم أن هذه اللسن كلها تكلمت بها الحواريون وهي باقية على
لفظهم إلى اليوم #ومعلوم أن النسان إذا أمكنه جمع نسخ كتاب واحد من جميع
الفنون من كتب الطب والحساب والهندسة والنحو والفقه والحديث كان إمكان تغيير
بعض ألفاظ تلك النسخ أيسر عليهم من مقابلة ألفاظ كل نسخة بألفاظ تلك النسخ مثلها
#فإن هذا ل يقدر عليه في العادة بل هو متعذر أو متعسر ول سيما والمقابلة إن
كانت بين اثنين فكل منهما ينقل للخر لفظ
نسخته فيكون مدار المقابلة على خبر واحد لم يقترن بخبره ما يعلم به صدقه فقد
يغلطان أو يكذبان جميعا #وإن كانت بين عدد يحصل بهم العلم احتاجت كل نسخة
بكل لسان إلى أن يشهد بلفظها جمع يحصل بهم العلم وأولئك بأعيانهم يشهدون بلفظ
كل نسخة بكل لسان ويشهدون بلفظ كل نسخة ويشهد لهم من هو مثلهم بلفظ النسخة
الخرى وموافقتها لها وهؤلء أو مثلهم بموافقة النسخة الثانية #ومعلوم أن هذا لم
يفعله أحد ول يقدر عليه أحد بل لو اجتمع جميع ملوك النصارى على ذلك وعلماء
بلدهم على ذلك لم يقدروا عليه فإن من النسخ ما هو عند المسلمين ومنها ما هو في
329
www.anassim.fr.st 330 الن سي ــــ ـــ ـم
بلد ل حكم لهم عليها وأيضا فقد يكون في بلدهم من النسخ ما لم يظهرها أصحابها
#فكل من شهد من النصارى وغيرهم بأن كل نسخة في العالم بهذه الكتب توافق
جميع النسخ فهو شاهد زور شهد بما ل يعلم بل شهد بما يعلم أنه كاذب فيه
وكذلك لو شهد بمثل هذا لنسخ أي كتاب كان فإن العادة المعروفة أن نسخ الكتب #
تختلف ويزيد بعضها وينقص بعضها والقرآن المنقول بالتواتر لم يكن العتماد في
نقله على نسخ المصاحف بل العتماد على حفظ أهل التواتر له في صدورهم #
ولهذا إذا وجد مصحف يخالف حفظ الناس أصلحوه وقد يكون في بعض نسخ
المصاحف غلط فل يلتفت إليه مع أن المصاحف التي كتبها الصحابة قد قيد الناس
صورة الخط ورسمه وصار ذلك أيضا منقول بالتواتر فنقلوا بالتواتر لفظ القرآن
حفظا ونقلوا رسم المصاحف أيضا بالتواتر #ونحن ل ندعي اتفاق جميع نسخ
المصاحف كما ل ندعي أن كل من يحفظ القرآن ل يغلط بل ألفاظه منقولة بالتواتر
حفظا ورسما فمن خرج عن ذلك علم الناس أنه غلط لمخالفته النقل المتواتر بخلف
هذه الكتب فإن النصارى لم يحفظوها كلها في قلوبهم تلقيا لها عن الحوارين حفظا
منقول بالتواتر بل لم يمكن أحد منهم يحفظها كلها فضل عن أن يحفظها كلها أهل
التواتر فضل عن أن يحفظ كل لسان منها من تواتر بهم ذلك اللسان
وهذا أمر معلوم لجميع النصارى وغيرهم أنه لم يحفظها كلها بكل لسان من زمن #
الحواريين عدد التواتر بل ول في زمن من الزمان بل بعد انتشار النصارى
وكثرتهم وتفرقهم في القاليم السبعة ل يكاد يوجد فيهم من يحفظها كلها عن قلبه كما
يحفظ صبيان مكاتب المسلمين القرآن فكيف يحفظها في كل زمان أهل التواتر فكيف
يحفظ كل لسان من الثنين وسبعين أهل التواتر #وإذا كان اعتمادهم إنما هو على
الكتب وهم ل يمكنهم معرفة اتفاق جميع النسخ بلسان واحد فضل عن جميع اللسنة
علم أن دعواهم أنها لم تزل متفقة على نص واحد ولفظ واحد وأن جميع نسخها
متفقة في هذا الزمان وفيما قبله كلم مجازف يتكلم بل علم بل يتكلم بما يعلم أنه
باطل #الوجه الثامن أن هذا لو قدر إمكانه فإنما يكون منقول لو لم يعلم أنه كذب
فكيف مع العلم بأنه كذب فإنه يوجد في هذا الزمان نسخ التوراة والنجيل والزبور
والنبوات مختلفة متناقضة #والنسخ التي عند النصارى مختلفة وهي أيضا تخالف
نسخ اليهود والسامرة في مواضع وحينئذ فإذا قالت النصارى نسخنا هي الصحيحة
لم يكن هذا أولى من قول اليهود نسخنا هي الصحيحة #بل معلوم أن اعتناء اليهود
بالتوراة أعظم من اعتناء النصارى ثم بعد هذا ما ذكروه ل يكفي إن لم يعلم أن
نسخهم توافق النسخ التي عند اليهود حتى السامرة وهذا غير معلوم #وإن قالوا إذا
خالف نقل اليهود لنقل الحواريين لم يلتفت إليه
لنهم معصومون كل هذا مبينا على دعوى عصمتهم وقد عرف فساده وإذا قالت
النصارى نحن ننقلها عن الحواريين المعصومين قالت اليهود نحن ننقلها عن موسى
المعصوم باتفاق أهل الملل أو عن العارف المعصوم باتفاق اليهود والنصارى وكثير
330
www.anassim.fr.st 331 الن سي ــــ ـــ ـم
من المسلمين فالتوراة باتفاق الخلق مأخوذة عن موسى بن عمران وهو معصوم
وإنما يطعن من يطعن في نقل بعضها لنقطاع التواتر في أثناء المدة لما خرب بيت
المقدس ولم يبق فيه ساكن أكثر من سبعين سنة فيقول بعض الناس إن بعض ألفاظها
غير حينئذ ويقول بعضهم لم تغير ألفاظ جميع النسخ وإنما غير ألفاظ بعض النسخ
وانتشرت النسخ المغيرة عند كثير من الناس حتى ل يعرفوا غيرها #ثم بنوا
إسرائيل لم يزل فيهم نبي بعد نبي حتى جاء المسيح وبعد المسيح فلم يزالوا خلقا
كثيرا ل يمكن تواطؤهم في مشارق الرض ومغاربها على تغيير نسخ التوراة
بخلف النجيل فإنه إنما نقله أربعة ومن كتب التوراة والزبور والنبوات من أتباع
المسيح فإنما كتبوها من النسخ التي كانت بأيدي اليهود
وإذا قالوا كانوا معصومين فهذا ممنوع عند المسلمين واليهود وعلى تقدير تسليمه #
فاليهود ينقلونها أيضا عن المعصوم قبل هؤلء فل يمكن مع هذا أن يدعي مدع أن
النبوات التي عند النصارى تواترت عن المعصوم أعظم من تواتر ما عند اليهود بل
ل يشك العقلء العادلون أن نقل حروف التوراة أصح من نقل حروف النجيل #
وهذا أمر يعرف من وجوه متعددة فإن التوراة أخذت عن المعصوم باتفاق أهل الملل
وكانت منقولة قبل المسيح بين النبياء وبين بني إسرائيل أعظم من نقل النجيل
وبعد المسيح نقلها اليهود والنصارى #وإذا كان كذلك فإذا وجد ما عند اليهود
والسامرة من نسخ النبوات يخالف ما عند النصارى في بعض اللفاظ كان هذا دليل
على أن هذه الكتب ليست ألفاظها منقولة عن نص واحد وأنه ليس كل لفظ من
ألفاظها متواترا وال أعلم
الوجه التاسع أن جميع ما عندهم من النصوص الصحيحة ل يدل على مذهبهم #
ألبتة نصا بل غاية ما يدعون فيها الظهور وهم منازعون في ذلك حتى يقال بل
الظاهر فيما يحتجون به خلف قولهم #ومعلوم أن أصول اليمان التي يؤمن أهل
اليمان بها ويكفرون من خالفها ل بد أن تكون معلومة عندهم عن النبياء والعلم ل
يحصل بلفظ محتمل فعلم أنه ل علم عندهم عن النبياء عليهم السلم وهو محل
النزاع #الوجه العاشر أن أصرح ما عندهم من التثليث هو قوله عمدوا الناس باسم
الب والبن وروح القدس وعلى هذا القول بنوا قولهم بالتثليث وأثبتوا ل ثلثة أقانيم
#ولفظ القانيم لم ينطق به أحد من النبياء ول أحد من الحواريين باتفاقهم بل هو
مما ابتدعوه قيل إنه لفظ رومي معناه الصل ثم أقنوم البن تارة يقولون هو علم ال
وتارة يقولون هو حكمة ال وتارة يقولون هو كلمة ال وتارة يقولون هو نطق ال
وروح القدس تارة يقولون هو حياة ال وتارة يقولون هو قدرة ال #والكتب المنقولة
عن النبياء عندهم ليس فيها تسمية شيء من صفات ال ل باسم ابن ول باسم روح
القدس فل يوجد أن أحدا من النبياء سمى علم ال وحكمته وكلمه ابنا ول سمى
حياة ال أو قدرته روح القدس بل روح القدس في كلم النبياء يراد بها معنى ليس
هو حياة ال كما يراد بها ملك ال أو ما ينزله في قلوب النبياء والصالحين من هداه
331
www.anassim.fr.st 332 الن سي ــــ ـــ ـم
ونوره وتأييده ونحو ذلك #وإذا كان كذلك علم أن ما فسروا به قول المسيح عليه
السلم عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس كذب صريح عليه وكذلك ما
فسروا به كلم النبياء من إثبات القانيم الثلثة كذب صريح عليهم كقولهم إله
إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرادوا به إثبات ثلثة آلهة فإن هذا مما يعلم
بالضرورة ضللهم فيه وافتراءهم على النبياء ويعلم أن إله الثلثة هو إله واحد
ليس إله إبراهيم إلها آخر غير إله إسحاق حتى لو قيل بالقانيم فل يقول عاقل إن
أحد القانيم إله هذا والقنوم الخر إله الخر فإن هذا
لم يقله أحد من العقلء ل النصارى ول غيرهم ل يقولون إن الب إله إبراهيم مثل
والبن إله إسحاق وروح القدس إله يعقوب بل هم متفقون مع قولهم بالتثليث أن
الجميع إله واحد لجميع المرسلين ليس إله هذا أقنوما وإله الخر أقنوما آخر فعلم أن
ما يفسرون به كلم النبياء كذب ل يصح ل على تثيلثهم الذي ابتدعوه ول قول أهل
التوحيد المتبعين لرسل ال تعالى
فصل #قال الحاكي عنهم فقلت لهم إذا كانت هذه النبوات عند اليهود وهم مقرون
معترفون بها أنها حق وأنها عتيدة أن تكمل عند مجيء المسيح فأي حجة لهم
يحتجون بها عن اليمان به #أجابوا قائلين إن ال اختار بني إسرائيل واصطفاهم
على الناس له شعبا في ذلك الزمان وحيث كانوا في أرض مصر في عبودية
فرعون أرسل إليهم موسى النبي دلهم على معرفة ال ووعدهم أن ال يخلصهم من
عبودية فرعون ويخرجهم من مصر ويريهم أرض الميعاد التي هي أرض بيت
المقدس فطلب موسى من ال وعمل العجائب قدام عيونهم #وضرب أهل مصر
العشر ضربات وهم يرون ذلك جميعه ويعلمون أن ال يصنعه لجلهم وأخرجهم من
مصر بيد قوية وشق لهم البحر وأدخلهم فيه وصار لهم الماء حائطا عن يمينهم
وحائطا عن شمالهم ودخل فرعون وجميع جنوده في البحر وبنو إسرائيل ينظرون
ذلك فلما برز موسى وبنو إسرائيل من البحر وخلفهم فرعون بجنوده فيه أمر ال
لموسى أن يرد عصاه إلى الماء فعاد الماء كما كان وغرق فرعون وجميع جنوده
في البحر وبنو إسرائيل يشهدون ذلك
فلما غاب عنهم موسى إلى الجبل ليناجي ربه وأخذ لهم التوراة من يد ال تركوا #
عبادة ال ونسوا جميع أفعاله وكفروا به وعبدوا رأس العجل من بعد ذلك ثم عبدوا
الصنام مرارا كثيرة ليس مرة واحدة وذبحوا لها الذبائح ليست حيوانات بل بنيهم
مع البنات حسبما ذكر فيما قبل ذلك وجميع أفعالهم مكتوبة في أخبار بني إسرائيل
فلما رأى ال قساوة قلوبهم وغلظ رقابهم وكفرهم به ورأى أفعالهم النجسة الخبيثة
غضب عليهم وجعلهم مرذولين وطبع على قلوبهم فل يؤمنون وجعلهم مهانين في
جميع المم وليس لهم ملك ول بلد ول نبي ول كاهن إلى البد حسبما تنبئت عليهم
النبياء على ما ذكرناه قبل وتشهد به كتبهم التي في أيديهم إلى يومنا هذا #وكذا
332
www.anassim.fr.st 333 الن سي ــــ ـــ ـم
قال ال لشعيا اذهب إلى هذا الشعب فقل لهم تسمعون سماعا ول تفهمون وينظرون
نظرا ول تبصرون لن قلب هذا الشعب قد غلظ وقد سمعوا بأفهامهم سمعا ثقيل وقد
غمضوا أعينهم لئل يبصروا بها وسمعوا بآذانهم ول يفهمون بقلوبهم ويرجعون إلي
فأرحمهم
وقال أشعيا قال ال هكذا مقتت نفسي سبوتكم ورؤوس شهوركم صارت عندي #
مرذولة وقال وفي ذلك اليوم يقول ال سأبطل السبوت والعياد كلها وأعطيكم سنة
جديدة مختارة ل كالسنة التي أعطيتها لموسى عبدي يوم حوريب يوم الجمع الكثير
بل سنة جديدة مختارة أمر بها وأخرجها من صهيون فصهيون هي أورشليم والسنة
الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها نحن معشر النصارى من يدي الرسل
الحواريين الطهار الذين خرجوا من أورشليم وداروا في سبعة أقاليم العالم وأنذروا
بهذه السنة الجديدة فأي بيان يكون أوضح وأصح من هذا البيان إذ قد أوردناه من
قول ال ول سيما وأعداؤنا اليهود المخالفون لديننا شهدوا لنا بصحة ذلك جميعه #
وأما حجة اليهود في هذه النبوات يقولون ويعتقدون أنها حق وأنها قول ال لكن
يقولون إنها عتيدة فهذه النبوات مثلما هي عند اليهود كذلك هي عندنا معشر
النصارى في اثنين وسبعين لسانا فيراهم جميع
المم قول واحدا وأنها قول ال وقالت اليهود نحن مصدقون بها أن تكمل وتتم عند
مجيء المسيح لكن المسيح لم يجيء بعد وأن الذي جاء ليس هو المسيح هذا قولهم
وكفاهم أنهم يكفرون ويفجرون مع الكفر ويقولون إن المسيح كان ضال مضل وأما
المسيح الحق فعتيد أنه يأتي ويكمل نبوات النبياء إذا جاء وإذا جاء اتبعناه وكنا
أنصاره وهذا رأيهم واعتقادهم في السيد المسيح فماذا يكون أعظم من هذا الكفر
الذي هم عليه #ولجل ذلك في هذا الكتاب سماهم المغضوب عليهم لجل خلفهم
لقول ال الذي أرسل نطقه على أفواه النياء ولما كنا نحن النصارى متمسكين بما
أمرتنا به الرسل الطهار سمانا في هذا الكتاب المنعم عليهم وأما قولنا في ال ثلثة
أقانيم إله واحد فهو أن ال نطق به وأوضحه في التوراة وفي كتب النبياء ومن ذلك
ما جاء في السفر الول من التوراة يقول حيث شاء ال أن يخلق
آدم قال لنخلق خلقا على شبهنا ومثالنا فمن هو شبههه ومثاله سوى كلمته وروح
قدسه وحين خالف آدم وعصى ربه ها آدم قد صار كواحد منا #وهذا واضح أن ال
قال هذا القول لبنه أي كلمته وروح قدسه وقال هذا القول يستهزىء بآدم أي طلب
أن يصير كواحد منا صار عريا مفتضحا #وقال ال عندما أخسف بسدوم وعامورة
قال في التوراة وأمطر الرب عند الرب من السماء على سدوم وعامورة نارا
وكبريتا
أوضح بهذا ربوبية الب والبن بذكر ثالث #والجواب أن يقال أما كفر اليهود كلهم
لما أرسل المسيح عليه السلم إليهم فلم يؤمنوا به وكفر من كفر منهم قبل ذلك إما
333
www.anassim.fr.st 334 الن سي ــــ ـــ ـم
بقتل النبيين وإما بتكذيبهم إما بالشرك وإما بغير ذلك مما كفروا فيه بما أنزل ال
فهذا حق #وهذا هو نظير كفر النصارى كلهم الذين بلغتهم دعوة محمد وأقام ال
عليهم الحجة به فلم يؤمنوا به وكفر من كفر منهم قبل ذلك بما أنزل ال إما بتكذيب
بعض ما أنزله وإما بتبديله بغيره وإما بجعل ما لم ينزله ال منزل منه وإما بغير
ذلك مما فيه كفر بما أنزل ال عز وجل #وكذلك ما ذكر من أن ال أقام سنة جديدة
وعهدا جديدا وهو ما بعث به المسيح عليه السلم من الشريعة التي بعث بها وفيها
تحليل بعض ما حرم ال في التوراة كما قال في القرآن عن المسيح ^ #ولحل لكم
بعض الذي حرم عليكم ^ #فهذا أيضا حق
فصل #وأما قولكم السنة الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها من يدي الرسل
الطهار على ما تسلموها هم من المسيح عليه السلم #فيقال لو كنتم على تلك
السنة لم تغيروها لم ينفعكم المقام عليها إذا كذبتم الرسول النبي المي الذي بعث
إليكم وإلى سائر الخلق بسنة أخرى أكمل من السنن التي كانت قبله كما لم ينفع
اليهود ولو تمسكوا بسنة التوراة ولم يتبعوا سنة المسيح الذي أرسل إليهم بل من
كذب برسول واحد فهو كافر #كما قال تعالى ^ #إن الذين يكفرون بال ورسله
ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن
^ يتخذوا بين ذلك سبيل
فإنه وإن كانت السنة التي جاء بها المسيح عليه السلم حقا وكل من كان متبعا له #
فهو مؤمن مسلم من أولياء ال من أهل الجنة الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون
كما قال تعالى ^ #إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال
واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون
^ #وقال تعالى ^ #كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال
الحواريون نحن أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين
آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ #فمن اتبع المسيح كان مؤمنا ومن كفر به
كان كافرا #وقال تعالى #سورة آل عمران اليات 57 55
لكن غيرتموها وبدلتموها قبل مبعث محمد فصرتم كفارا بتبديل شريعة المسيح #
وتكذيب شريعة محمد كما كفرت اليهود بتبديل شريعة التوراة وتكذيب شريعة
النجيل ثم كفروا بتكذيب شريعة محمد وعلى سائر رسل ال أجمعين #فإن المسيح
لم يسن لكم التثليث والقول بالقانيم ول القول بأنه رب العالمين ول سن لكم
استحلل الخنزير وغيره من المحرمات ول ترك الختان ول الصلة إلى المشرق
ول اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ول الشرك واتخاذ التماثيل
والصليب ودعاء الموتى والغائبين من النبياء والصالحين وغيرهم وسؤالهم الحوائج
ول الرهبانية وغير ذلك من المنكرات التي أحدثتموها ولم يسنها لكم المسيح ول ما
أنتم عليه هي السنة التي تسلمتموها من رسل المسيح #بل عامة ما أنتم عليه من
334
www.anassim.fr.st 335 الن سي ــــ ـــ ـم
السنن أمور محدثة مبتدعة بعد الحواريين كصومكم خمسين يوما زمن الربيع
واتخاذكم عيدا يوم الخميس والجمعة والسبت فإن هذا لم يسنه المسيح ول أحد من
الحواريين وكذلك عيد الميلد والغطاس وغير ذلك من أعيادكم #بل عيد الصليب
إنما ابتدعته هيلنة الحرانية القندقانية
أم قسطنطين فأنتم تقولون إنها هي التي أظهرت الصليب وصنعت لوقت ظهوره
عيدا وذلك بعد المسيح والحواريين بمدة طويلة زمن الملك قسطنطين بعد المسيح
بأكثر من ثلثمائة سنة #وفي ذلك الزمان أحدثتم المانة لنصوص النبياء في غير
موضع وأظهرتم استحلل الخنزير وعقوبة من لم يأكله وابتدعتم في ذلك الزمان
تعظيم الصليب وغير ذلك من بدعكم وكذلك كتب القوانين التي عندكم جعلتموها سنة
وشريعة فيها شيء عن النبياء والحواريين وكثير مما فيها ابتدعه من بعدهم ل
ينقلونه ل عن المسيح ول عن الحواريين فكيف تدعون أنكم على السنة والشريعة
التي كان عليها المسيح عليه السلم وهذا مما يعلم بالضطرار والتواتر أنه كذب
بين
فصل #قالوا وأما قولنا في ال ثلثة أقانيم إله واحد فهو أن ال نطق به وأوضحه
في التوراة وفي كتب النبياء ومن ذلك ما جاء في السفر الول من التوراة يقول
حيث شاء ال أن يخلق آدم قال ال لنخلق خلقا على شبهنا ومثالنا فمن هو شبهه
ومثاله سوى كلمته وروحه #وحين خالف آدم وعصى ربه قال ال تعالى ها آدم قد
صار كواحد منا وهو قول واضح أن ال قال هذا القول لبنه وروح قدسه #
والجواب أن استدللهم بهذا على قولهم في المسيح هو في غاية الفساد والضلل فإن
لفظ التوراة نصنع آدم كصورتنا وشبهنا وبعضهم يترجمه نخلق بشرا على صورتنا
وشبهنا #والمعنى واحد وهذا كما قال النبي #أن ال خلق آدم على صورته وفي
رواية على صورة
الرحمن فقولهم من هو شبهه ومثاله سوى كلمته وروحه من أبطل الباطل من وجوه
#أحدها أن ال ليس كمثله شيء وليس لفظ النص على مثالنا #الثاني أنه ل
اختصاص للمسيح بما ذكر على تقدير حق وباطل فإنه بأي تفسير فسر قوله سنخلق
بشرا على صورتنا شبهنا لم يخص ذلك المسيح #الثالث أنهم إن أرادوا بالكلمة التي
هي شبهه ومثاله صفته التي هي العلم القائم به والحياة القائمة به مثل فالصفة ل
تكون مثل للموصوف إذ الموصوف هو الذات القائمة بنفسها والصفة قائمة بها
والقائم بغيره ل يكون مثل القائم بنفسه #وإن أرادوا به شيئا غير صفاته مثل بدن
المسيح وروحه
فذلك مخلوق له والمخلوق ل يكون مثل الخالق وكذلك روح القدس سواء أريد به
ملك أو هدي وتأييد ليس مثل ل عز وجل #الرابع أنه قال لنخلق خلقا أو قال نخلق
335
www.anassim.fr.st 336 الن سي ــــ ـــ ـم
آدم أو نخلق بشرا على صورتنا وشبهنا وعلى ما قالوه نخلق خلقا على شبهنا ومثالنا
وبكل حال فهذا وكلمة ال وروحه عندهم غير مخلوق فامتنع أن يكون المراد بذلك
كلمته وروحه #وإن قالوا أراد بذلك الناسوت المسيحي فل فرق بين ذلك الناسوت
وسائر النواسيت مع أن المراد بذلك النص آدم أبو البشر باتفاق المم والناسوت
نفسه ليس هو كلمة ال وروحه #الخامس أنه لو قدر أنه أريد بذلك أن كلم ال
يشبه ذاته من بعض الوجوه مثل كونه قديما بقدمه لم يكن في ذلك ما يدل على
القانيم الثلثة #وكذلك اللفظ المعروف وهو قوله سنخلق بشرا على صورتنا شبهنا
فهذا ل يدل على التثليث بوجه من الوجوه وشبه الشيء بالشيء يكون لمشابهته له
من بعض الوجوه وذلك ل يقتضي التماثل الذي يوجب أن يشتركا فيما يجب ويجوز
ويمتنع وإذا قيل هذا حي
عليم قدير وهذا حي عليم قدير فتشابها في مسمى الحي والعليم والقدير لم يوجب
ذلك أن يكون هذا المسمى مماثل لهذا المسمى فيما يجب ويجوز ويمتنع #بل هنا
ثلثة أشياء #أحدها القدر المشترك الذي تشابها فيه وهو معنى كلي ل يختص به
أحدهما ول يوجد كليا عاما مشتركا إل في علم العالم #والثاني ما يختص به هذا
كما يختص الرب بما يقوم به من الحياة والعلم والقدرة #والثالث ما يختص به ذاك
كما يختص به العبد من الحياة والعلم والمقدرة فما اختص به الرب عز وجل ل
يشركه فيه العبد ول يجوز عليه شيء من النقائص التي تجوز على صفات العبد وما
يختص به العبد ل يشركه فيه الرب ول يستحق شيئا من صفات الكمال التي يختص
بها الرب عز وجل #وأما القدر المشترك كالمعنى الكلي الثابت في ذهن النسان
فهذا ل يستلزم خصائص الخالق ول خصائص المخلوق فالشتراك فيه ل محذور
فيه
ولفظ التوراة فيه سنخلق بشرا على صورتنا يشبهنا لم يقل على مثالنا وهو كقول #
النبي في الحديث الصحيح #ل يقولن أحدكم قبح ال وجهك ووجه من أشبه وجهك
فإن ال تعالى خلق آدم على صورته فلم يذكر النبياء صلوات ال وسلمه عليهم
كموسى ومحمد إل لفظة شبه دون لفظ مثل #وقد تنازع الناس هل لفظ الشبه
والمثل بمعنى واحد أو معنيين على قولين #أحدهما أنهما بمعنى واحد وأن ما دل
عليه لفظ المثل مطلقا ومقيدا يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار #
والثاني أن معناها مختلف عند الطلق لغة وشرعا وعقل وإن كان مع التقيد
والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالخر وهذا قول أكثر الناس وهذا الختلف مبني
على مسألة عقلية وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه
وللناس في ذلك قولن فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال المثل والشبه واحد
ومن قال إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه فرق بينهما عند الطلق
وهذا قول جمهور الناس فإن العقل يعلم أن العراض مثل اللوان تشتبه في كونها
ألوانا مع أن السواد ليس مثل البياض وكذلك الجسام والجواهر عند جمهور العقلء
336
www.anassim.fr.st 337 الن سي ــــ ـــ ـم
تشتبه في مسمى الجسم والجوهر وإن كانت حقائقها ليست متماثلة فليست حقيقة
الماء مماثلة لحقيقة التراب ول حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان ول حقيقة النار
مماثلة لحقيقة الماء وإن اشتركا في أن كل منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه #
وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال هذا يشبه هذا وفيه شبه من هذا إذا أشبهه من بعض
الوجوه وإن كان مخالفا له في الحقيقة #قال ال تعالى ^ وأتوا به متشابها ^ #وقال
^ #منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ
فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ^ #وقال الذين ل يعلمون لول
^ يكلمنا ال أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم
فوصف القولين بالتماثل والقلوب بالتشابه ل بالتماثل فإن القلوب وإن اشتركت في #
هذا القول فهي مختلفة ل متماثلة وقال النبي #الحلل بين والحرام بين وبين ذلك
أمور متشابهات ل يعلمهن كثير من الناس #فدل على أنه يعلمها بعض الناس وهي
في نفس المر ليست متماثلة بل بعضها حرام وبعضها حلل #والوجه السادس أن
قوله سنخلق خلقا على شبهنا ل يتناول صفته مثل كلمه وحياته القائمة به فإن ذلك
ليس بمخلوق وحينئذ فهذا ل يتناول اللهوت الذي يزعمون أنه تدرع بالناسوت فإن
اللهوت ليس بمخلوق #وأما الناسوت فهو كسائر نواسيت الناس ل اختصاص له
بأن يكون شبيها ل دون سائر النواسيت فقوله فمن هو الشبه المخلوق سوى كلمته
وروحه باطل على كل تقدير #وأما قوله ها آدم قد صار كواحد منا وقولهم إن هذا
قول
واضح أن ال قال هذا القول لبنه روح قدسه فإن أرادوا أن يجعل الذي صار كواحد
منا لبنه كان هذا من أبطل الكلم فإن هذا البن إن كان المراد به الكلمة التي هي
صفة ل فتلك لم يخلق لها أمر يصير كواحد منهم وتلك ل تسمى آدم ول سماها ال
ابنا #وإن أريد به ناسوت المسيح فذاك مخلوق مبتدع يمتنع أن يكون كالقديم
الزلي وأيضا فإن ال قال عن آدم وآدم ليس هو المسيح ول يجوز أن يقال آدم
ويراد به المسيح كما ل يجوز أن يقال عصى آدم ويراد به المسيح وأيضا فإنه قال
ها آدم قد صار كواحد منا هذه إشارة إلى أمر قد كان في الزمن الماضي ليس هو
إشارة إلى ما سيكون بعد ذلك بألوف من السنين وإن أرادوا أن ال قال لبنه الذي
هو كلمته وروحه وهذا هو مرادهم كقولهم إنه قال هذا القول يستهزىء بآدم أي أنه
طلب أن يصير كواحد منا صار هكذا عريانا مفتضحا ويكون شبهتم قوله منا لنه
عبر بصيغة الجمع وكذلك إن أرادوا هذا بقوله نخلق بشرا على صورتنا وشبهنا
فاحتجوا على التثليث بصيغة الجمع
وهذا مما احتج به نصارى نجران على النبي فاحتجوا بقوله تعالى إنا نحن قالوا #
وهذا يدل على أنهم ثلثة وكان هذا من المتشابه الذي اتبعوه ابتغاء الفتنة وابتغاء
تأويله وتركوا المحكم المبين الذي ل يحتمل إل واحدا فإن ال في جميع كتب اللهية
قد بين أنه إله واحد وأنه ل شريك له ول مثل له #وقوله إنا نحن لفظ يقع في جميع
337
www.anassim.fr.st 338 الن سي ــــ ـــ ـم
اللغات على من كان له شركاء وأمثال وعلى الواحد المطاع العظيم الذي له أعوان
يطيعونه وإن لم يكونوا شركاء ول نظراء وال تعالى خلق كل ما سواه فيمتنع أن
يكون له شريك أو مثل والملئكة وسائر العالمين جنوده تعالى #قال تعالى ^ #
وما يعلم جنود ربك إل هو ^ #وقال تعالى ^ #ول جنود السماوات والرض
وكان ال عزيزا حكيما ^ #فإذا كان الواحد من الملوك يقول إنا ونحن ول يريدون
أنهم ثلثة ملوك فمالك الملك رب العالمين رب كل شيء ومليكه هو أحق بأن يقول
إنا ونحن مع أنه ليس له شريك ول مثيل بل له جنود السماوات والرض
وأيضا فمن المعلوم أن آدم لم يطلب أن يصير مثل ال ول مثل صفاته كعلمه #
وحياته وأيضا فليس في ظاهر اللفظ أن ال خاطب صفاته بتلك #وأيضا فالصفة
القائمة بالموصوف ل تخاطب ول تخاطب وإنما يخاطب الموصوف ولم يكن قد
خلق آدم ناسوت المسيح ول غيره من البشر حتى يخاطبه فعلم أن دعواهم أن ال
خاطب صفته التي سموها ابنا وروح قدس كلم باطل بل قد يخاطب ملئكته #وآدم
عليه السلم أراد ما أطمعه الشيطان من الخلد والملك كما قال تعالى ^ #فوسوس
^ إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى
فصل #قالوا وقال ال عندما أخسف بسدوم وعامورة قال في التوراة وأمطر الرب
من عند الرب من السماء على سدوم وعامورة نارا وكبريتا أوضح بهذا ربوبية
الب والبن #والجواب أن احتجاجهم بهذا من أبطل الباطل لوجوه #أحدها أن
تسمية ال علمه وحياته ابنا وربا تسمية باطلة لم يسم موسى في التوراة شيئا من
صفات ال باسم البن ول باسم الب فدعوى المدعي أن موسى عليه السلم أراد
بالرب شيئا من صفات ال أو أن له صفة تسمى ابنه كلم باطل #الثاني أنه لو قدر
أن صفة ال تسمى بذلك فمعلوم أن الذي أمطر هو الذي كان المطر عنده لم يكن
المطر عند أحدهما والخر هو الممطر كما ل يجوز أن يقال خلق أحدهما من شيء
عند الخر ول أنزل أحدهما المطر من سحاب الخر
الثالث أن الصفة ل تفعل شيئا ول عندها شيء بل هي قائمة بالموصوف والذات #
المتصفة بالصفة هي التي تفعل وعندها يكون ما يكون #الرابع أن هذا بمنزلة قوله
أمطر الرب من عنده لكن جعل السم الظاهر موضع المضمر إظهارا لن المر له
وحده في هذا وهذا #ومثل هذا في القرآن كقوله ^ #الحاقة ما الحاقة ^ ^ #
القارعة ما القارعة ^ #وقال تعالى ^ #تنزيل الكتاب من ال العزيز العليم ^ ^ #
تنزيل من الرحمن الرحيم ^ #وال هو المنزل ولم يقل مني
فصل #قالوا نذكر ثالثا وقال داود في الزبور في المزمور المئة والتسعة قائل قال
لرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطأ قدميك #والجواب من
338
www.anassim.fr.st 339 الن سي ــــ ـــ ـم
وجوه #أحدها أنه ل يجوز أن يراد بربي شيئا من صفات ال فإنه لم يسم داود ول
أحد من النبياء شيئا من صفات ال ربا ول ابنا ول قال أحد لشيء من صفات ال يا
رب ارحمني ول قال لعلم ال أو كلمه أو قدرته يا رب وإذا لم يكونوا يسمون
صفات ال ربا ولو كان المسيح صفة من صفاته لم يجز أن يكون هو المراد بلفظ
الرب فكيف وناسوته أبعد عن اللهوت أن يراد بذلك #فعلم أنهم لم يريدوا بذلك ل
اللهوت ول الناسوت #الثاني أنه قال قال الرب لربي فأضاف إليه الثاني دون
الول
وأنه هو ربه الذي خلقه وعامة ما عند النصارى من الغلو أن يقولوا إله حق من إله
حق ويجعلونه خالقا أما أن يجعلوه أحق من الب بكونه رب داود فهذا لم يقولوه
وهو ظاهر البطلن #الثالث أنه ليس في هذا ذكر القانيم الثلثة غايته لو كان كما
تألوه أن يكون فيه ذكر البن وأما القانيم الثلثة فلم ينطق بها شيء من كتب ال
التي بأيديهم فضل عن القرآن ل بلفظها ول معناها بل ابتدعوا لفظ القنوم وعبروا
به عن ما جعلوه مدلول كتب ال وهي ل تدل على ذلك فكانوا في ذلك مترجمين
لكلم ال وهم لم يفهموا معناه ول عبروا عنه بعبارة تدل على المراد #الرابع أنه
قال لربي وهذا يراد به السيد كما قال يوسف ^ #إنه ربي أحسن مثواي ^ #وقال
لغلم الملك ^ #اذكرني عند ربك ^ #وقال تعالى ^ #فأنساه الشيطان ذكر ربه ^
#ولهذا ذكر الول مطلقا والثاني مقيدا فيكون المعنى وقال ال لسيدي قال رب
العالمين لسيدي وسماه سيدا تواضعا من داود وتعظيما له لعتقاده أنه أفضل منه
فصل #قالوا نذكر رابعا وقال في المزمور الثاني الذي قال لي أنت ابني وأنا اليوم
ولدتك #والجواب من وجوه #أحدها أن هذا ليس فيه تسمية صفات ال علمه
وحياته ابنا ول فيه ذكر القانيم الثلثة فليس فيه حجة لشيء مما تدعونه #والثاني
أن هذا حجة عليهم فإنه هو سمى داود ابنه فعلم أن اسم البن ليس مختصا بالمسيح
عليه السلم بل سمى غيره من عباده ابنا فعلم أن اسم البن ليس اسما لصفاته بل هو
اسم لمن رباه من عبيده
وحينئذ فل تكون تسمية المسيح ابنا لكون الرب أو صفته اتحدت به بل كما سمى #
داود ابنا وكما سمى إسرائيل ابنا فقال أنت ابني بكري #وهذا في كتبهم كما ذكر
فإن كان ما في كتبهم قول ال فل حجة فيه لنه أراد المربى وإن لم يكن قول ال
ورسله فل حجة فيه لن قول غير المعصوم ليس بحجة #الثالث أن قوله وأنا اليوم
ولدتك يدل على حدوث هذا الفعل وعندهم تولد الكلمة التي يسمونها البن من الب
قديم أزلي كما قالوا في أمانتهم وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود
من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود
غير مخلوق مساو الب في الجوهر الذي به كان كل شيء #فهذا البن عندهم
مولود من الب قبل كل الدهور وذاك ولد
339
www.anassim.fr.st 340 الن سي ــــ ـــ ـم
في يوم خاطبه بعد خلق داود فلم يكن في هذا المحدث دليل على وجود ذلك القديم #
الوجه الرابع أنه إذا كان الب في لغتهم هو الرب الذي يربي عبده أعظم مما يربي
الب ابنه كان معنى لفظ الولدة مما يناسب معنى هذه البوة فيكون المعنى اليوم
جعلتك مرحوما مصطفى مختارا #والنصارى قد يجعلون الخطاب الذي هو ضمير
لغير المسيح يراد به المسيح فقد يقولون المراد بهذا المسيح وهذا باطل ل يدل اللفظ
عليه وبتقدير صحته فهو يدل على أن المسيح هو الناسوت المخلوق وهو المسمى
بالبن لقوله وأنا اليوم ولدتك #واللهوت عندهم مولود من قبل الدهور وحينئذ فإن
كان المراد به يوم ولدته فالمعنى خلقتك وإن كان يوم اصطفاه فالمراد اليوم
اصطفيتك وأحببتك كأنه قال اليوم جعلتك ولدا وابنا على لغتهم
فصل #قالوا نذكر خامسا وفي السفر الثاني من التوراة وكلم ال موسى من العليقة
قائل أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق
ويعقوب بل كرر اسم الله ثلث دفوع قائل أنا إله وإله لتحقق مسألة الثلث أقانيم
في لهوته #والجواب أن الحتجاج بهذا على القانيم الثلثة من أفسد الشياء وذلك
يظهر من وجوه #أحدها أنه لو أريد بلفظ الله أقنوم الوجود وبلفظ الله مرة ثانية
أقنوم الكلمة وبالثالث أقنوم الحياة لكان القنوم الواحد إله إبراهيم والقنوم الثاني إله
إسحاق والقنوم الثالث إله يعقوب فيكون
كل من القانيم الثلثة إله أحد النبياء الثلثة والقنومين ليسا بإلهين له #وهذا كفر
عندهم وعند جميع أهل الملل وأيضا فيلزم من ذلك أن يكون اللهة ثلثة وهم
يقولون آله واحد ثم هم إذا قالوا كل من القانيم إله واحد فيجعلون الجميع إله كل نبي
فإذا احتجوا بهذا النص على قولهم لزم أن يكون إله كل نبي ليس هو إله النبي الخر
مع كون اللهة ثلثة #الوجه الثاني أنه يقال إن ال رب العالمين ورب السماوات
ورب الرض ورب العرش ورب كل شيء أفيلزم أن يكون رب السماوات ليس هو
رب الرض رب كل شيء #وكذلك يقال إله موسى وإله محمد مع قولنا إله إبراهيم
وإسحاق ويعقوب أفتكون اللهة خمسة وقد قال يعقوب لبنيه ما تعبدون من بعدي
قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
أفتراه أثبت إلهين أحدهما إلهه والخر إله الثلثة #الوجه الثالث أن العطف #
يكون تارة لتغاير الذوات وتارة لتغاير الصفات كقوله تعالى ^ #سبح اسم ربك
العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى
^ #والذي خلق هو الذي قدر وأخرج وكذلك قوله ^ #إلهك وإله آبائك ^ #وهو
هو سبحانه وقال إبراهيم الخليل صلوات ال عليه وسلمه لقومه #سورة الشعراء
اليات # 82 75والذي خلقه هو الذي يطعمه ويسقيه وهو الذي يميته ثم يحييه
340
www.anassim.fr.st 341 الن سي ــــ ـــ ـم
فقوله في التوراة إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب هو من هذا الباب ول #
يختص هذا بثلثة بل يقال في الثنين والربعة والخمسة بحسب ما يقصد المتكلم
ذكره من الصفات وفي هذا من الفائدة ما ليس في قوله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب
فإنه لو قيل ذلك لم يفد إل أنه معبود الثلثة ل يدل على أنهم عبدوه مستقلين كل منهم
عبده عبادة اختص بها لم تكن هي نفس عبادة الول #وأيضا فإنه إذا قيل إله
إبراهيم وإسحاق ويعقوب دل على عبادة كل منهم باللزوم وإذا قال وإله دل على أنه
معبود كل من الثلثة فأعاده باسم الله الذي يدل على العبادة دللة باللفظ المتضمن
لها وفي ذلك من ظهور المعنى للسامع وتفرعه بصورة له من غير فكر ما ليس في
دللة الملزوم
فصل #قالوا وكذلك شهد أشعيا بتحقق الثالوث بوحدانية جوهره وذلك بقوله رب
القوات وبقوله رب السماوات والرض ومثل هذا القول في التوراة والمزامير شيء
كثير حتى اليهود يقرون هذه النبوات ول يعرفون لها تأويل وهم معترفون بذلك ول
ينكرون منه كلمة واحدة وإنما قلوبهم مغلوقة عن فهمه لقساوتها على ما ذكرنا قبل
ذلك وأنهم إذا اجتمعوا في كنيستهم كل سبت يقف
الحران أمامهم ويقول كلما عبرانيا هذا تفسيره ول يجحدونه نقدسك ونعظمك
ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان نبيك #فيصرخ الجميع مجاوبين قدوس
قدوس قدوس رب القوات ورب السماوات والرض #فما أوضح إقرارهم بالثالوث
وأشد كفرهم بمعناه فنحن لجل هذا البيان الواضح الذي قاله ال في التوراة وفي
كتب النبياء فجعلوه ثلثة أقانيم جوهرا واحدا طبيعة واحدة إلها واحدا ربا واحدا
خالقا واحدا وهو الذي نقوله أب وابن وروح قدس #ووالجواب أما ما في كتب
النبياء عليهم السلم من تثنية اسم الرب عند إضافته إلى مخلوق آخر فهو من نمط
تثنية اسم الله
وهذا ل يقتضي تعدد الرباب واللهة ولهذا ليقتضي جعلهم اثنين وأربعة إذا ذكر
اللفظ مرتين وأربعة #فكذلك إذا ذكر ثلث مرات ل يقتضي أن الرباب ثلثة وهم
أيضا ل يقولون بثلثة أرباب وثلثة آلهة فلو كان هذا يدل على ثلثة أرباب وثلثة
آلهة لدل على نقيض قولهم بل هم يزعمون أنهم إنما يثبتون إلها واحدا ولكنهم
يناقضون فيصرحون بثلثة آلهة ويقولون هم إله واحد #والكتب ل تدل على قولهم
المتناقض بوجه من الوجوه وأما ما ذكروه من اعتراف اليهود بألفاظ هذه النبوات
ودعواه أنهم ل يعرفون لها تأويل فإن أرادوا بالتأويل تفسيرها وما يدل عليه لفظها
فهذا ظاهر ل يخفى على الصبيان من اليهود وغيرهم #ولكن النصارى ادعوا ما ل
يدل عليه اللفظ وإن أرادوا بالتأويل معنى يخالف ظاهر اللفظ فهذا إنما يحتاج إليه إن
كان
341
www.anassim.fr.st 342 الن سي ــــ ـــ ـم
يحتاج إليه إذا كان ظاهره معنى باطل ل يجوز إرادته وليس ما ذكروا هنا من هذا
الباب بل الكتب اللهية يكثر فيها مثل هذا الكلم عند أهل الكتاب وعند المسلمين
وليفهم منها ثلثة أرباب أو ثلثة آلهة إل من اتبع هواه بغير هدى من ال وقال
قول مختلفا يؤفك عنه من أفك ومثل هذا موجود في سائر الكلم يقال هذا أمير البلد
الفلني وأمير البلد الفلني وأمير البلد الفلني وهو أمير واحد #ويقال هذا رسول
ال إلى الميين ورسول إلى أهل الكتاب ورسول إلى الجن والنس وهو رسول
واحد
فصل #وأما قولهم نقدسك ونعظمك ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان
نبيك أشعيا #وقولهم قدوس قدوس قدوس رب القوات ورب السماوات والرض
فيقال هذا الكلم صريح في أن المثلث هو نفس التقديس ل نفس الله المقدس #
وكذلك قولهم قدوس قدوس قدوس قدسوه ثلث مرات فإنه قال نقدسك ونثلث لك
تقديسا مثلثا فنصب التثليث على المصدر الذي ينصب بفعل التقديس فقال نقدسك
تقديسا مثلثا #فنصب التقديس على المصدر كما تقول سبحتك تسبيحا مثلثا أي
سبحتك ثلث مرات وقال نثلث لك أي نثلث تقديسا لك لم يقل أنت ثلثة بل جعلوا
أنفسهم هم الذين يقدسون التقديس المثلث وهم يثلثون له وهذا صريح في أنهم
يسبحونه ثلث مرات ول يسبحون ثلثة آلهة ول ثلثة أقانيم
وهذا كما في السنن عن ابن مسعود عن النبي أنه قال إذا قال العبد في ركوعه #
سبحان ربي العظيم ثلثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا قال في سجوده سبحان ربي
العلى ثلثا فقد تم سجوده وذلك أدناه والتسبيح هو تقديس الرب وأدناه أن يقدسه
ثلث مرات فمعناه قدسوه ثلث مرات ل تقتصروا على مرة واحدة #ولهذا يقولون
مجاوبين قدوس قدوس قدوس فيقدسونه ثلث مرات فعلم أن المراد تثليث التقديس
حيث ما دل عليه لفظه وما يفعلونه ممتثلين لهذا المر وما يفعل في نظير ذلك من
تثليث تقديسه وأن يقدس ثلث مرات ل أن يكون المقدس ثلث أقانيم فإن هذا أمر لم
ينطق نبي من النبياء به ل لفظا
ول معنى بل جميع النبياء عليهم السلم أثبتوا إلها واحدا له السماء الحسنى #
وأسماؤه متعددة تدل على صفاته المتعددة ول يختص ذلك بثلثة أسماء ول بثلث
صفات وليست الصفات أقنوما هو ذات وصفة بل ليس إل ذات واحدة لها صفات
متعددة فالتعدد في الصفات ل في الذات التي يسمونها الجوهر ول في الذات والصفة
التي يسمونها القنوم
فصل #قالوا فما أعظم إقرارهم في الثالوث وأشد كفرهم بمعناه #فيقال هذا من
الفتراء الظاهر على اليهود وإن كان اليهود كفارا فلم يكن كفرهم لجل إنكار
342
www.anassim.fr.st 343 الن سي ــــ ـــ ـم
يبطل تثليثكم ما ل يخفى إل عمن أعرض عن ذكر ال الذي أنزله وهداه الذي هدى
به عباده
فصل #قالوا فمن أجل هذا البيان الواضح الذي قاله ال في التوراة وفي كتب
النبياء نجعل ثلثة أقانيم جوهرا واحدا إلها واحدا خالقا واحدا #وهو الذي نقوله
أب وابن وروح قدس #والجواب من وجوه #أحدها أن في التوراة والكتب اللهية
من إثبات وحدانية ال ونفي تعدد اللهة ونفي إلهية ما سواه ما هو صريح في إبطال
قول النصارى ونحوهم وليس فيها ذكر القانيم ل لفظا ول معنى حيث يجعلون
القنوم اسما للذات مع الصفة والذات واحدة والتعدد في الصفات ل في الذات #ول
يمكن أن تتحد صفة دون الخرى ول دون الذات فيمتنع اتحاد أقنوم أو حلوله بشيء
من المخلوقات دون القنوم الخر ول إثبات ثلثة أقانيم ول إثبات ثلث صفات دون
ما سواها في شيء من الكتب اللهية ول كلم الحواريين ول إثبات إله حق من إله
حق ول تسمية صفات ال مثل كلمه وحياته ل ابنا ول إلها ول ربا ول إثبات
اتحاد الرب خالق السماوات والرض بشيء من الدميين ول حلول ذات وصفة
دون ذات مع الصفات الخرى بل ول حلول نفس الصفة القائمة به في غيره ل
علمه ول كلمه ول حياته ول غير ذلك #بل جميع ما أثبتوه من التثليث والحلول
والتحاد ليس في كتب النبياء التي بأيديهم ما يدل عليه بل فيها أقوال كثيرة
صريحة بنقيض ذلك مع القرآن والعقل فهم مخالفون للمعقول وكتب ال المنزلة #
الثاني أنهم يقولون إنما نثبت إلها واحدا ثم يقولون في أمانتهم وأدلتهم وغير ذلك من
كلمهم ما هو صريح بإثبات ثلثة آلهة فينقضون كلمهم بعضهم ببعض ويقولون
من القوال المتناقضة ما يعلم بطلنه كل عاقل تصوره #وهذا ل ينضبط لهم قول
مطرد كما يقول من يقول من عقلء الناس إن النصارى ليس لهم قول يعقله عاقل
وليس أقوالهم منصوصة
عن النبياء فليس معهم ل سمع ول عقل كما قال ال تعالى عن أصحاب النار ^ #
لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ #وهم أيضا يبطنون خلف ما
يظهرون ويفهم جمهور الناس من مقالتهم خلف ما يزعم بعضهم أنه مرادهم فإنه
قد تقدم آنفا من استدللهم بالتوراة وقوله وكلم ال موسى من العليقة قائل أنا إله
343
www.anassim.fr.st 344 الن سي ــــ ـــ ـم
إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب قالوا ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب بل
كرر اسم آله ثلث دفوع قائل أنا إله وإله وإله لتحقق مسألة الثلث أقانيم في لهوته
فيقال لهم وإن كان هذا التكرير ل يقتضي إل إثبات إله واحد فل حجة لكم فيه كما
لو قال أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإن كان يقتضي إثبات ثلثة آلهة فقد أثبتم
ثلثة آلهة وأنتم تقولون ل نثبت إل إلها واحدا وإن كان المعنى إنه إله واحد
موصوف بأنه معبود إبراهيم ومعبود إسحاق ومعبود يعقوب فل حجة لكم فيه على
التثليث والقانيم بحيث تجعلون القنوم اسما للذات مع صفة والذات واحدة فالتعدد
في
الصفات ل في الذات ول يمكن أن تتحد صفة دون أخرى ول دون الذات فيمتنع
اتحاد أقنوم وحلوله بشيء من المخلوقات دون القنوم الخر #الوجه الثالث قولهم
وهو الذي نقوله أب وابن وروح القدس قد تقدم أن هذا القول هم معترفون بأنهم لم
يقولوه ابتداء ول علموا بالعقل التثليث الذي قالوه في امانتهم ثم عبروا عنه بهذه
العبارة بل هذه العبارة منقولة عندهم في بعض الناجيل أن المسيح عليه الصلة
والسلم أمر أن يعمدوا الناس بها وحينئذ فالواجب إذا كان المسيح قالها أن ينظر ما
أراد بها وينظر سائر ألفاظه ومعانيها فيفسر كلمه بلغته التي تكلم بها تفسيرا يناسب
سائر كلمه #وهؤلء حملوا كلم المسيح والنبياء عليهم السلم على شيء ل يدل
عليه كلمهم بل يدل على نقيضه فسموا كلم ال أو علمه أو حكمته أو نطقه ابنا
وهذه تسمية ابتدعوها لم يسم أحد من النبياء شيئا من صفات ال باسم البن ول
باسم الرب ول باسم الله ثم لما أحدثوا هذه التسمية قالوا مراد المسيح بالبن هو
الكلمة وهذا افتراء على المسيح عليه السلم وحمل لكلمه على معنى ل يدل عليه
لفظه
ولفظ البن عندهم في كتبهم يراد به من رباه ال تبارك وتعالى فل يطلق عندهم #
في كلم النبياء لفظ البن قط إل على مخلوق محدث وليطلق إل على الناسوت
دون اللهوت فيسمى عندهم إسرائيل ابنا وداود ابنا ل والحواريون كذلك بل عندهم
في إنجيل يوحنا في ذكر المسيح إلى خاصته أي وخاصته لم يقبلوه والذين قبلوه
أعطاهم ليكونوا أبناء ال الذي ليس من دم ول من مشبه لحم ول من مشبه رجل بل
من ال ولد #فهذا إخبار بأنهم يكونون جميعا أبناء ال وهم معترفون بأنه ليس فيهم
لهوت يتحد بناسوت بل كل منهم ناسوت محض فعلم أن الكتب ناطقة بأن لفظ ابن
ال يتناول الناسوت فقط وليس معهم لفظ ابن ال والمراد به صفة من صفات ال #
فقولهم إن المسيح أراد بلفظ البن اللهوت كذب بين عليه والمسيح ل يسمى ابنا
بهذا العتبار وروح القدس لم يعبر
بها أحد من النبياء عن حياة ال التي هي صفته بل روح القدس في كتب ال يراد
بها الملك ويراد بها الهدى والوحي والتأييد فيقال روح ال كما يقال نور ال وهدى
ال ووحي ال وملك ال ورسول ال لم يرد به أحد من النبياء بقوله روح ال وروح
344
www.anassim.fr.st 345 الن سي ــــ ـــ ـم
القدس ما يريده النسان بقوله روحي #فالنسان مركب من روح وبدن وفي بدنه
بخار يخرج من القلب ويسري في بدنه وله جوف يخرج منه هواء ويدخل فيه فإذا
قيل روح النسان فقد يراد بها الروح التي بها البخار اللطيف الذي في البدن وقد
يراد بها الريح الذي يخرج من جوف البدن ويدخل فيه #وال تبارك وتعالى بإجماع
المسلمين واليهود والنصارى ليس هو روحا وبدنا كالنسان وهو سبحانه أحد صمد
ل جوف له ول يدخل فيه شيء ول يخرج منه شيء ل بخار ول هواء متردد #وقد
يعبر بعض الناس بلفظ الروح عن الحياة وال تعالى حي له حياة لكن لم ترد النبياء
عليهم السلم بقولهم روح القدس حياة ال بل أرادوا به ما يجعله ال في قلوب
النبياء
ويؤيدهم به كما يراد بنور ال ذلك قال ال تعالى ^ #ال نور السماوات والرض
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري
يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم
تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال
بكل شيء عليم ^ #فضرب ال مثل للمؤمن الذي جعل صدره كالمشكاة وقلبه
كالزجاجة في المشكاة ونور اليمان الذي في قلبه وهو نور ال كالمصباح الذي في
الزجاجة وذلك النور الذي في قلبه ليس هو نفس صفة ال القائمة به #فتبين أن
العارف كلما تدبر ما قالته النبياء وما قاله أهل البدع من النصارى وغيرهم لم يجد
لهم في كلم النبياء إل ما يدل على نقيض ضللهم ل ما يدل على ضللهم
فصل #قالوا وقد علمنا أنه ليلزمنا إذا قلنا هذا عبادة ثلثة آلهة بل إله واحد كما ل
يلزمنا إذا قلنا النسان ونطقه وروحه ثلثة أناسي بل إنسان واحد ول إذا قلنا لهيب
النار وضوء النار وحرارة النار ثلثة نيران ول إذا قلنا قرص الشمس وضوء
الشمس وشعاع الشمس ثلثة شموس وإذا كان هذا رأينا في ال تقدست أسماؤه
وجلت آلؤه فل لوم علينا ول ذنب لنا إذ لم نهمل ما تسلمناه ول نرفض ما تقلدناه
ونتبع ما سواه ول سيما أن لنا هذه الشهادات البينات والدلئل الواضحات من الكتاب
الذي أتى به هذا الرجل #والجواب من وجوه #أحدها أنكم صرحتم بتعدد اللهة
والرباب في عقيدة إيمانكم وفي استدللكم وغير ذلك من كلمكم فليس ذلك شيئا
ألزمكم الناس به بل أنتم تصرحون بذلك كما تقدم من قولكم نؤمن بإله واحد أب
ضابط الكل خالق ما يرى وما ل يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد
المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه
يولد غير مخلوق مساو الب في الجوهر وبروح القدس الرب المحيي المنبثق من
الب الذي مع الب مسجود له وممجد #فهذا تصريح بالثلثة أرباب وأن البن إله
حق من إله حق ومع تصريحكم بثلثة أرباب وتصريحكم بأن هذا إله حق من إله
حق تقولون إن ذلك إله واحد وهذا تصريح بتعدد اللهة مع القول بإله واحد #ولو
345
www.anassim.fr.st 346 الن سي ــــ ـــ ـم
لم تذكروا ما يقتضي أنه جوهر آخر لمكن أن يحمل كلمكم على عطف الصفة لكن
يكون كلمكم أعظم كفرا فتكونون قد جعلتم المسيح هو نفس الله الواحد الب خالق
ما يرى وما ل يرى وهذا أعظم من كفركم مع أن هذا حقيقة قولكم فإنكم تقولون
المسيح هو ال وتقولون هو ابن ال كما ذكر ال القولين عنكم في كلمه وكفركم
بذلك وليس هذا هذا قول طائفة وهذا قول
طائفة كما يقوله بعض الناس بل القولن جميعا يقولهما فرق النصارى كالنسطورية
واليعقوبية والملكية ونحوهم وهذا أيضا من تناقضكم فإنه إن كان هو ال لم يكن هو
ابن ال سواء عبر بالبن عن الصفة أو غيرها فإن الب هو الذات والذات ليست
هي الصفة وإن عنى بالبن الذات مع صفة الكلم كما تفسرون القنوم بذلك فهذه
الذات متصفة مع ذلك بالحياة والكلم سواء عنوا به العلم أو البيان مع العلم هو مع
الحياة قائم بالب والصفة ليست عين الموصوف بل ول يعبر عنها بأنها ابن
الموصوف ول عبر بذلك أحد من النبياء عليهم السلم #والمقصود أنهم لم يريدوا
بقولهم وبرب واحد يسوع المسيح عطف الصفة وأن هذا هو الب كما قال إله
إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب فهذا إله واحد والعطف لتغاير الصفة فلو كان
المراد بالبن نفس الب لكان هذا خلف مذهبهم ويكونون قد جعلوه إلها من نفسه
فقالوا إلهان بل ثلثة وهو واحد
فهذا لو أرادوه لكان أعظم في الكفر بل قالوا وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال #
الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر
أبيه مولود غير مخلوق فصرحوا بأنه رب وأنه إله حق من إله حق وصرحوا بإله
ثان مع الله الول #وقالوا مع ذلك إنه مولود من الب قبل كل الدهور وأنه مولود
غير مخلوق فامتنع أن يريدوا بذلك الناسوت فإن الناسوت مخلوق #وهم يقولون إن
الكلمة هي المتولدة من الب والكلمة صفة المتكلم وقائمة به والكلم ليس برب ول
بإله بل هو كلم الرب الله كما أن سائر كلم ال كالتوراة والنجيل والقرآن ليس
هو الرب والله ثم قلتم مساو الب في الجوهر فاقتضى هذا أن يكون المولود الذي
هو الكلمة جوهرا وأنه مساو الب في الجوهر والمساوى ليس هو المساوي #وهذا
يقتضي إثبات جوهر ثان مساو الجوهر الول وهو
صريح بإثبات إلهين ويقولون مع ذلك إنه إله واحد جوهر واحد ول يقال الجوهر مع
العلم الذي يعبرون عنه بالقنوم مساو الجوهر الذي هو الذات فإن الجوهر هو الذات
وليس هنا جوهران أحدهما مجرد عن العلم والخر متصف به حتى يقال إن أحدهما
مساو للخر بل الرب تعالى هو الذات المتصفة بالعلم فإن كان الب هو الذات
المجردة فالبن أكمل من الب وهو الذات مع العلم والب بعض البن #وكذلك
يلزمهم أن يكون البن هو بعض روح القدس فإنهم في أمانتهم جعلوا روح القدس
هو الرب المحيي والرب المحيي هو الذات المتصفة بالحياة والذات المجردة بعض
ذلك فإن كان الب هو الذات المجردة فالبن بعض روح القدس #ثم قلتم في أقنوم
346
www.anassim.fr.st 347 الن سي ــــ ـــ ـم
روح القدس الذي جعلتموه الرب المحيي أنه منبثق من الب مسجود له ممجد ناطق
في النبياء فإن كان المنبثق ربا حيا فهذا إثبات إله ثالث وقد جعلتم الذات الحية
منبثقة من الذات المجردة وفي كل منهما من الكفر والتناقض ما ل يخفى #ثم جعلتم
هذا الثالث مسجودا له والمسجود له هو الله المعبود وهذا تصريح بالسجود لله
ثالث مع ما فيه من التناقض ثم جعلتموه ناطقا بالنبياء وهذا تصريح بحلول هذا
القنوم الثالث
بجميع النبياء فيلزمكم أن تجعلوا كل نبي مركبا من لهوت وناسوت وأنه إله تام
وإنسان تام كما قلتم في المسيح إذ ل فرق بين حلول الكلمة وحلول روح القدس
كلهما أقنوم #وأيضا فيمتنع حلول إحدى الصفتين دون الخرى وحلول الصفة
دون الذات فيلزم أن يكون الله الحي الناطق بأقانيمه الثلثة حال في كل نبي ويكون
كل نبي هو رب العالمين ويقال مع ذلك هو ابنه وفي هذا من الكفر الكبير والتناقض
العظيم ما ل يخفى وهذا لزم للنصارى لزوما ل محيد عنه فإن ما ثبت للشيء ثبت
لنظيره ول يجوز التفريق بين المتماثلين وليس لهم أن يقولوا الحلول أو التحاد في
المسيح ثبت بالنص ول نص في غيره لوجوه #أحدها أن النصوص لم تدل على
شيء من ذلك كما قد تبين #الثاني أن في غير المسيح من النصوص ما شابه
النصوص الواردة فيه كلفظ البن ولفظ حلول روح القدس فيه ونحو ذلك #الثالث
أن الدليل ل ينعكس فليلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول وليس كل ما علمه
ال وأكرم به أنبياءه أعلم به الخلق بنص صريح بل من جملة الدللت دللة اللتزام
#وإذا ثبت الحلول والتحاد في أحد النبيين بمعنى مشترك بينه وبين النبي الخر
وجب التسوية بين المتماثلين كما إذا ثبت أن النبي
يجب تصديقه لنه نبي #ويكفر من كذبه لنه نبي فيلزم من ذلك أنه يجب تصديق
كل نبي وتكفير من كذبه #الرابع هب أنه ل دليل على ثبوت ذلك في الغير فيلزم
تجويز ذلك في الغير إذ ل دليل على انتفائه كما يقولون إن ذلك كان ثابتا في المسيح
قبل إظهاره اليات على قولهم وحينئذ فيلزمهم أن يجوزوا في كل نبي أن يكون ال
قد جعله إلها تاما وإنسانا تاما كالمسيح وإن لم يعلم ذلك #الخامس أنه لو لم يقع ذلك
لكنه جائز عندهم إذ ل فرق في قدرة ال بين اتحاده بالمسيح واتحاده بسائر الدميين
فيلزمهم تجويز أن يجعل ال كل إنسان إلها تاما وإنسانا تاما ويكون كل إنسان مركبا
من لهوت وناسوت وقد تقرب إلى هذا اللزم الباطل من قال بأن أرواح بني آدم
من ذات ال وأنها لهوت قديم أزلي فيجعلون نصف كل آدمي لهوتا ونصفه ناسوتا
وهؤلء يلزمهم من المحالت أكثر مما يلزم النصارى من بعض الوجوه والمحالت
التي تلزم النصارى أكثرمن بعض الوجوه #الوجه الثاني قولهم ول يلزمنا إذا قلنا
هذه عبادة ثلثة آلهة بل
إله واحد كما ل يلزمنا إذا قلنا النسان وروحه ونطقه ثلثة أناسي ول إذا قلنا النار
وحرها وضوءها ثلث نيران ول إذا قلنا الشمس وضوؤها وشعاها ثلث شموس #
347
www.anassim.fr.st 348 الن سي ــــ ـــ ـم
فيقال هذا تمثيل باطل لوجوه #أحدها أن حر النار وضؤها القائم بها ليس نارا من
نار ول جوهرا من جوهر ول هو مساوي النار والشمس في الجوهر وكذلك نطق
النسان ليس هو إنسانا من إنسان ول هو مساو النسان في الجوهر وكذلك الشمس
وضوؤها القائم بها وشعاعها القائم بها ليس شمسا ول جوهرا قائما بنفسه وأنتم قلتم
إله حق من إله حق فقلتم في المانة نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل وبرب واحد
يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق
من إله حق من جوهر أبيه مساوي الب في الجوهر وقلتم في روح القدس إنه رب
ممجد مسجود له فأثبتم ثلثة أرباب #والثاني أن الضوء في الشمس والنار يراد به
نفس الضوء القائم بها ويراد به الشعاع القائم بالرض والجدران وهذا مباين لها
ليس قائما بها ولفظ النور يعبر به عن هذا وهذا وكلهما صفة قائمة بغيرها
وعرض وقد يراد بلفظ النور نفس النار ونفس الشمس والقمر
فيكون النور جوهرا قائما بنفسه وإذا كان كذلك فهم جعلوا الب ربا جوهرا قائما
بنفسه والبن أيضا ربا جوهرا قائما بنفسه وروح القدس ربا جوهرا قائما بنفسه #
ومعلوم أن ضوء النار والشمس وحرارتها ليس كل منهما شمسا ونارا قائما بنفسها
ول جوهرا قائما بنفسه فلو أثبتوا حياة ال وعلمه أو كلمه صفتين قائمتين به ولم
يجعلوا هذا ربا جوهرا قائما بنفسه وهذا ربا جوهرا قائما بنفسه لكان قولهم حقا
وتمثيلهم مطابقا ولكنهم لم يقتصروا على مجرد جعلهما صفتين ل حتى جعلوا كل
منهما ربا وجوهرا وخالقا بل صرحوا بأن المسيح الذي يزعمون اتحاد أحدهما به
إلها واحدا وخالقا فلو كان نفس كلمة ال وعلمه لم يكن إلها خالقا فإن كلم ال وعلمه
ليس إلها خالقا فكيف والمسيح مخلوق بكلمة ال ليس هو نفس كلمة ال #الوجه
الثالث أن قولهم الشمس وشعاعها وضوؤها إن أرادوا بالضوء ما يقوم بها وبالشعاع
ما ينفصل عنها فليس هذا مثال النار وحرها ولهبها إذ كلهما يقوم بها وعلى هذا
فالشمس لم تقم بها إل صفة واحدة ل صفتين فل يكون التمثيل بها مطابقا وإن أرادوا
بالضوء والشعاع كلهما ما يقوم بها أو كلهما ما ينفصل عنها فكلهما صفة
واحدة ليس هما صفتان كالحياة والعلم فعلم أن تمثيلهم بالشمس خطأ وبعضهم يقول
الشمس وحرها وضوؤها كما يقولون مثل ذلك في النار #وهذا التمثيل أصح لو
ثبت أن في جرم الشمس حرارة تقوم بها فإن هذا لم يقم عليه دليل وكثير من العقلء
ينكره ويزعم أن جرم الشمس والقمر والكواكب ل توصف بحرارة ول برودة وهو
قول أرسطو وأتباعه #وأما تمثيلهم بروح النسان ونطقه فإن أرادوا بالروح حياته
فليس هذا هو مفهوم الروح وإن أرادوا بالروح التي تفارق بدنه بالموت وتسمى
النفس الناطقة فهذه جوهر قائم بنفسه ليس عرضا من أعراضه وحينئذ فيلزم أن
تكون روح ال جوهرا قائما بنفسه مع جوهر آخر نظير بدن النسان ويكون الرب
سبحانه وتعالى مركبا من بدن وروح كالنسان وليس هذا قول أهل الملل ل
المسلمين ول اليهود ول النصارى بل هو كفر عندهم فتبين أن تمثيلهم بالثلثة باطل
#والوجه الرابع أن التمثيل إما أن يقع بصفات الشمس والنار والنسان أو النفس
348
www.anassim.fr.st 349 الن سي ــــ ـــ ـم
الذي يقع على الرض والحيطان والهواء وغير ذلك من الجسام إذا قابلت الشمس
أو النار أو النسان أو النفس القائمة بهذه الجواهر فإن أريد هذا فهذا شعاع منعكس
وضوء منقلب وليس صفة قائمة بالشمس والنار #وإذا أريد بما حل في المسيح هذا
وهذا يسمى نورا وروحا ويسمى نور ال كما قال تعالى ^ #ال نور السماوات
والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب
دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم
تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ^ #وقال تعالى ^ #وكذلك
أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا
نهدي به من نشاء من عبادنا ^ #فأخبرنا أنه جعل الروح الذي أوحاه نورا يهدي به
من يشاء
وقال تعالى ^ #أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ #وقال تعالى #
^ #فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ^ #وقال
تعالى ^ #ويجعل لكم نورا تمشون به ^ #وقال تعالى ^ #ومن لم يجعل ال له
نورا فما له من نور ^ #فإذا أريد ما حل في المسيح من الروح والكلمة بهذا المعنى
فل اختصاص للمسيح بذلك فإن هذا يحل في جميع النبياء والمؤمنين وإن كانوا
متفاضلين فيه بحسب درجاتهم وليس هذا الحال فيهم نفس صفة ال القائمة به وإن
كان ذلك حاصل عنها ومسببا عنها لكن ليس هو نفس صفة ال وإن كان من الناس
من يقول بل صفة ال التي اتصف بها حلت في العبد فهذا القول خطأ فإن صفة
الموصوف القائمة به يمتنع قيامها بعينها بغيره ولكن النسان إذا تعلم علم
غيره وبلغ كلم غيره يقال هذا علم فلن وكلمه لن هذا الثاني بلغه عنه والمقصود
هو علم الول وكلمه مع العلم بأن نفس ما قام بذات الول ليس هو عين ما قام
بذات الثاني وإن كان قد يكون مثله وقد يكون الول هو المقصود بالثاني مثل من
بلغ كلم غيره فكلم المبلغ هو المقصود بالتبليغ #وصفات المبلغ كحركته وصوته
التي بها يحصل التبليغ ليس هو نفس المقصود وإذا قيل هذا كلم المبلغ عنه
فالشارة إلى حقيقة الكلم المقصود بالتبليغ ل إلى ما يختص به المبلغ من أفعاله
وصفاته ولهذا شبه الناس من قال بحلول صفة الرب في عبده بالنصارى القائلين
بالحلول وهو شبيه بهم من بعض الوجوه #لكن النصارى ل يقولون بحلول صفة
مجردة بل بحلول القنوم الذي هو ذات متصفة بالصفة ويقولون إن المسيح خالق
ورازق وهو خالق آدم ومريم وهو ولد آدم ومريم وهو خالق لهم بلهوته ابن لهما
بناسوته #ويقولون هو ابن ال وهو ال بلهوته ويقولون أيضا باللهوت والناسوت
لجل التحاد وال كفرهم بقولهم ^ إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ونحو ذلك #وإن
أرادوا بتمثيلهم بصفات الشمس والنار والنفس التمثيل بنفس ما يقوم بالشمس والنار
والنفس من الضوء والحياة والنطق وجعلوا ما يثبتونه من الب والبن وروح القدس
349
www.anassim.fr.st 350 الن سي ــــ ـــ ـم
صفات لهذه المخلوقات #قيل لهم أول لم يعبر أحد من النبياء عليهم السلم عن
صفات ال باسم الب والبن وروح القدس فليس لكم إذا وجدتم في كلم المسيح
عليه السلم أو غيره من النبياء ذكر اليمان بالب والبن وروح القدس أن تقولوا
مرادهم بذلك صفة ال التي هي الكلمة والعلم ول حياة ال إذ كانوا لم يريدوا هذا
المعنى بهذا اللفظ وإنما أرادوا باسم البن وروح القدس ما هو بائن عن ال عز
وجل #والبائن عن ال ليس صفة ل فضل عن أن يكون هو الخالق فضل عن أن
يكون البشر المتحد به خالقا فقد ضللتم ضلل بعد ضلل ضلل حيث جعلتم مراد
المسيح وغيره بالبن وروح القدس صفة الرب ثم ضلل ثانيا حيث جعلتم الصفة
خالقا وربا ثم ضلل ثالثا حيث جعلتم الصفة تتحد ببشر هو عيسى ويسمى المسيح
ويكون هو الخالق رب العالمين فضللتم في الحلول ضلل مثلثا بعد ضللكم في
التثليث أيضا ضللت أخر حيث أثبتم ثلث صفات دون غيرها وجعلتموها جواهرا
أربابا ثم قلتم إله واحد فضللتم ضلل مثلثا في التثليث وضلل مثلثا في التحاد #
وقيل لكم ثانيا إذا جعلتم ذلك صفات ل كما أن الضوء والنطق والحرارة صفات لما
تقوم بها امتنع أن تحل بغيرها وامتنع مع
الحلول أن تكون فاعلة فعل النار والشمس والنفس وأنتم جعلتم الكلمة والحياة حالة
بغير ال وجعلتم ما يحل به إلها خالقا بل هو الله الخالق ومعلوم أن أحدا من العقلء
ل يجعل ما يحصل فيه ضوء النار نارا ول ما يحصل فيه شعاع الشمس شمسا ول
ما يحصل فيه نطق زيد وعلمه هو نفس زيد فكان جعلكم المسيح هو الخالق للعالم
مخالفا لتمثيلكم #وتبين بذلك أن ما ذكرتموه ل يطابقه شيء من المثلة إذ كان
كامل باطل متناقضا يمتنع تحققه فل تمثيل بشيء من الموجودات الثابتة المعلومة
إل إذا كان تمثيل غير مطابق #ولهذا يشبهون الحلول والتحاد تارة بحلول الماء
في الظرف وتارة بحلول النار في الحديد وتارة بالنفس والبدن وتارة يقولون بأنهما
جوهر واحد اختلطا كاختلط الماء واللبن وكل هذه المثال التي ضربوها ل أمثال
باطلة فإن الماء في الظرف وغيره من الوعية محتاج إلى وعائه لو انخرق وعاؤه
لتبدد وهو محيط به ول يتصف الظرف بشيء من صفات الماء والرب تعالى يمتنع
أن يحتاج إلى شيء من مخلوقاته ل إلى العرش ول إلى غيره أو يحيط به شيء من
الموجودات إذ هو الظاهر فليس فوقه شيء #كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه
قال أنت الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء
وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء فهو غني عن كل ما
سواه وكل ما سواه فقير إليه ولهذا لم يكن ما وصف ال به نفسه مماثل لصفات
المخلوقين كما لم تكن ذاته كذوات المخلوقين فهو مستو على عرشه كما أخبرنا عن
نفسه مع غناه عن العرش #والمخلوق المستوي على السرير أو الفلك أو الدابة لو
ذهب ما تحته لسقط لحاجته إليه وال غني عن كل ما سواه وهو الحامل بقدرته
350
www.anassim.fr.st 351 الن سي ــــ ـــ ـم
للعرش ولحملة العرش #وفرق النصارى الثلثة يقولون بالتحاد فل ينفعهم التمثيل
بحلول الماء في الظرف ولو قدر أنهم قالوا بالحلول المجرد مع أن الرب ل يحتاج
إلى الناسوت ل يحويه ول يمسه بل كما خاطب موسى من الشجرة فهذا يوجب أن
الناسوت ل يتصف بشيء من اللهية كالشجرة
ثم إنه معلوم بالضرورة أن الصوت الذي كان يسمع هو صوت الناسوت فالتمثيل
بالشجرة أيضا باطل كما بسط في موضعه #وأما الحديد والخشب وغيرهما إذا
ألقى في النار فإنه يستحيل نارا لتصاله بالنار ل أن النار الذي استحال إليها كانت
موجودة فحلت به فهذا استحالة بل حلول والنار الذي صارت في الحديد حادثة عن
تلك النار ليست إياها ثم تلك الحديدة إذا طرقت وقع التطريق على النار وكذلك إذا
ألقيت في الماء فلو كان هذا تمثيل مطابقا لكان الضرب والصلب والهانة وقع على
اللهوت وكان اللهوت هو الذي يغتسل بالماء وهو الذي يأكل ويشرب وهذا من
أعظم الكفر #ويحكى عن بعض طائفة منهم كاليعقوبية أنه يقول بهذا الكفر وإن
كان كثير منهم كالملكية والنسطورية ينكره فهو لزم لهم وكذلك إذا شبهوه بالنفس
والبدن فإن النفس تتألم تألم البدن وتستحيل صفاتها بكونها في البدن وتكتسب عن
البدن أخلقا وصفات فلو كان هذا تمثيل مطابقا لزم تألم اللهوت بآلم البدن وأن
يكون متألما بجوع البدن وعطشه وضربه وصلبه وأن يكون مستحيل لما
اكتسبه من صفات الناسوت الذي هو عندهم بمنزلة البدن للنفس وأما قولهم إذ لم
نهمل ما تسلمناه ولم نرفض ما تقلدناه فقولهم في ذلك بمنزلة قول اليهود للمسيح إنا
ل نهمل ما تسلمناه ول نرفض ما تقلدناه من موسى عليه السلم #وجواب
الطائفتين من وجهين #أحدهما أنكم بدلتم وحرفتم الكتاب الذي أنزل إليكم والشرع
الذي شرع لكم وتبديل المعاني والحكام ل ريب فيه عند جميع عقلء النام وما كان
عليه اليهود بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه موسى عليه السلم وما كان
عليه النصارى بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه المسيح عليه السلم #
والثاني أنكم كذبتم بالكتاب الخر والرسول الخر الذي أرسل إليكم ومن كذب ما
أنزل إليه من ربه والرسول الذي أرسل إليه كان كافرا مستحقا لعذاب الدنيا والخرة
وإن كان قبل ذلك متبعا لشرع رسول وكتاب غير مبدل فكيف إذا كان قد بدل ما بدل
من أحكامه ومعانيه
فصل #وأما قولهم ولنا هذه الشهادات والدلئل من الكتاب الذي في أيدي هؤلء
القوم #فيقال ل يصح استشهادهم بهذا الكتاب واستدللهم بوجه من الوجوه فإن
الذي قد جاء به قد تواتر عنه أنه أخبر أنه مرسل إليهم وأنهم كفار إذا لم يؤمنوا به
مستحقون للجهاد ومن لم يستحل جهادهم فهو كافر والقرآن مملوء بكفرهم فإن كان
هذا رسول من ال وقد أخبر بكفرهم ثبت أنهم كفار #فإن الرسول ليقول على ال
إل حقا ل يكذب على ال في شيء ومن كذب على ال ولو في كلمة واحدة فهو من
351
www.anassim.fr.st 352 الن سي ــــ ـــ ـم
تعالى ^ #ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين
فما منكم من أحد عنه حاجزين ^ ^ #أم يقولون افترى على ال كذبا فإن يشإ ال
يختم على قلبك ويمح ال الباطل ويحق الحق بكلماته ^ #وقال تعالى ^ #وإذا بدلنا
آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم ل يعلمون قل نزله
روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ^ #وقال
تعالى #سورة يونس اليتان # 16 15فمتى كانت كلمة من كلمات هذا الكتاب
كذبا على ال لم يكن كتاب ال ولم يكن جاء به رسول ال فإن الكاذب قد يصدق في
أكثر
ما يقوله لكن إذا كذب في بعض ما يقوله كان كاذبا وال تعالى ليرسل من يكذب
عليه فإن المخلوق ل يرضى أن يرسل من يعلم أنه يكذب عليه ولو فعل ذلك دل
على جهله أو عجزه فكيف يرسل رب العالمين من يعلم أنه يكذب عليه #وحينئذ
فمتى كذبوا بكلمة واحدة مما في الكتاب لم يصح استشهادهم واستدللهم بشيء مما
في الكتاب وإن صدقوا بالكتاب كله لزمهم اليمان بما جاء به واتباع شريعته
والعتراف بكفر الذين كذبوه وكفر الذين يقولون إن ال هو المسيح ابن مريم وإن
ال ثالث ثلثة #وهذا بخلف من آمن بالرسول ولم يثبت عنده بعض ما نقل عنه أو
لم يعرف معناه فإن هذا ل يقدح في أصل إيمانه بالرسول #فالمسلمون إذا كذبوا
ببعض ما نقل عن موسى والمسيح فهو لطعنهم في الناقل ل في النبي المنقول عنه #
وأما النصارى فيعلمون أن محمدا جاء بالقرآن فطعنهم في بعضه طعن في الرسول
نفسه وكفر به وليس هذا بمنزلة ما مثلوا به من الوثيقة التي كتب وفاؤها في ظهرها
فإن الذي له الدين أقر بالستيفاء المسقط له فلم يبق هناك حق له يدعيه بخلف ما
يخبر به الذي
يقول إنه رسول ال فإنه يقول إن ال أنزل علي هذا الكتاب كله وأرسلني بكذا وكذا
إلى كذا وكذا فإن كذب في شيء مما أخبر به عن ال لم يكن ال أرسله فإن الذي
أرسله هو الذي جعله يبلغ عنه ما يقوله بل زيادة ول نقص وإرسال ال للرسول
يتضمن شيئين #إنشاء ال للرسالة وال حكيم وهو أعلم حيث يجعل رسالته ل
يجعلها إل فيمن هو من أكمل الخلق وأصدقهم #ويتضمن إخبار ال عنه بأنه صادق
عليه فيما يبلغه عنه مما يقول إن ال أرسله به فكما صدقه باليات المعجزات في
قوله إنه أرسلني فقد صدقه بما يقول إنه أرسلني به إذ التصديق بكونه أرسله من
غير معرفة بصدقه فيما يخبر به ل فائدة فيه ول يحصل به مقصود الرسال #وال
تعالى عليم بما يشهد به لمن أرسله بخلف المخلوق الذي يبعث من يظنه يصدق
فيما يبلغه عنه فيظهر أنه كذب عليه وال يعلم عواقب المور والرسالة صادرة من
علمه وحكمته وهو عليم حكيم ومن يكذب على ال ولو في كلمة لم يبلغ عنه ما يقوله
على هذا الوجه فل يكون رسوله #ولهذا اتفق أهل الملل على أن الرسل
352
www.anassim.fr.st 353 الن سي ــــ ـــ ـم
معصومون فيما يبلغونه عن ال ل يكذبون عليه عمدا ول خطأ فإن هذا مقصود
الرسالة فكان تمثيل هذا بالوثيقة تمثيل باطل فإن المدعى للسقاط لم يدع كلما
متناقضا بل قال أقررت بهذا الدين ثم وفيتك إياه وأنت تقر بوفائه وإقرارك مكتوب
في ظهرها فليس لك أن تحتج بإقراري بالدين دون إقرارك بالوفاء بل إما أن تعتبر
ما في الوثيقة من إقراري وإقرارك وإما أن تبطل المرين المتعارضين #وهذا
كلم عدل كالشريكين المتفاوضين مثل شريكي العنان إذا قال لصاحبه إن حصل
ربح فهو لي ولك وإن لم يحصل ربح فل لي ول لك #وكذلك البائع والمؤاجر الذي
يقول إن كان بيننا معاوضة فعليك تسليم ما بذلته وعلي تسليم ما بذلته ليستحق هذا
إل بهذا فهذا كله كلم عادل وإنصاف بخلف الشخص الذي يقال فيه إنه رسول ال
والكتاب الذي يقال إنه كلم ال وأن ال أنزله فإن هذا إن كان رسول صادقا فجميع
ما بلغه من ال حق وإن كان كاذبا لم يكن ال أرسله فجميع ما بلغه عن ال كذب
على ال فل يجوز بمجرد خبره أن ينسب إلى ال شيء ول يحتج بما يخبر به عن
ال على شيء #أل ترى أن من ادعى الرسالة وعلم أنه كاذب كالسود العنسي
ومسيلمة الكذاب وطليحة السدي والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغير هؤلء ل
يجوز لحد أن يحتج بشيء مما ذكروا أن ال أرسلهم به وإن كان ذلك القول قد علم
أنه حق من جهة أخرى فإنه قد علم بكذبهم أن ال لم يرسلهم فأي شيء قالوا إن ال
أنزله عليهم كانوا كاذبين فيه ومتى علم أنه كاذب في نفس الخبر المعين لم يجز أن
يحتج بجنس الذي علم أنه كذب فيه #وكذلك لو قال رجل عندي أن موسى أو داود
أو المسيح كذبوا على ال في بعض ما يخبرون به عن ال كانوا بمنزلة من لم
يرسلهم ال بشيء لكن كذبوا في قولهم إن ال أرسلهم فإذا أراد مع هذا أن يحتج بما
ينقل من التوراة والزبور والنجيل عن ال كان متناقضا وكان احتجاجه باطل غير
مقبول بل لو قال أنا أشك في بعض ما أخبروا به عن ال هل كذبوا فيه أم ل كان
كذلك شكا في أن ال أرسلهم فإن من أرسله ال ل يكذب في شيء ل خطأ ول عمدا
ومع شكه في
ذلك ل يجوز أن يحتج بشيء مما ينقلونه عن ال لتجويز ان يكونوا كاذبين في نفس
ذلك الذي نقلوه عن ال وليس هذا مثل رسول الواحد من الدميين فإنه قد يكون
أرسله ثم أن الرسول صدق في بعض ما بلغه عن مرسله وكذب في البعض #
ويجوز على الدمي أن يرسل من يكذب عليه لعدم علمه بكذبه أو عدم حكمته في
إرساله #وأما الرب تعالى فل يجوز أن يرسل نبيا يكذب عليه ل عمدا ول خطأ
وكذلك الشاهد والمخبر الذي قد علم أنه تارة يصدق وتارة يكذب يمكن أن يستدل
ببعض أخباره الذي يظهر فيها صدقه لدللت تقترن بذلك بخلف الرسول فإنه إذا
كذب كذبة واحدة امتنع أن يكون ال أرسله فصار جميع ما يبلغه عن ال هو كاذب
في أن ال أرسله به فكذبه في كلمة واحدة يوجب أنه كاذب في جميع ما بلغه عن ال
وأن جميع ما حكاه ورواه عن ال قد كذب فيه وإن قدر أن ذلك الكلم في نفسه حق
353
www.anassim.fr.st 354 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد أخبر ال أنه ينسخ ما يلقيه الشيطان مما يناقض مقصود التبليغ بقوله تعالى # #
سورة الحج اليات # 55 52وإن قالوا خبره يناقض بعضه بعضا كان الجواب من
وجهين #أحدهما أن هذا أيضا إن كان حقا فإنه يقدح في رسالته فإن الرسول ل
يناقض بعض خبره بعضا ومن كان كذلك لم يصح لكم أن تحتجوا بشيء مما جاء به
وإن كان باطل لم يرد عليه #فعلم أن استدللهم بما في هذا الكتاب على صحة
دينهم الذي خالفوا به هذا الكتاب في غاية الفساد وهو جمع بين النقيضين واستدلل
بما في الكتاب على ما يوجب بطلن الستدلل بشيء مما في الكتاب #وإذا كانت
النتيجة تستلزم فساد بعض مقدمات الدليل بطل
الستدلل بذلك الدليل الذي ل يصح إل بصحة مقدماته فإذا كانت مقدمته ل تصح
إل مع فساد نتيجته ونتيجه مستلزمة لفساد مقدمته كان الجمع بين صحة المقدمة
والنتيجة جمعا بين النقيضين #وكذلك من استدل بشيء من الكتاب على ما يناقض
ما في الكتاب كاستدلل النصارى بآيات فيه على صحة دينهم كان تناقضا فإنه إن
صح ذلك الدليل بأن مدح دينهم مع ذمه كان متناقضا والكتاب المتناقض ل يكون
كتاب ال #وإن فسد أحدهما إما فساد دينهم وإما فساد مدحه فالكتاب الذي فيه فساد
ل يكون كتاب ال فيلزم أن ل يكون كتاب ال على التقديرين فل يصح الستدلل به
من جهة كونه خبر ال وأما الستدلل به من جهة كون المتكلم به رجل عالما حكيما
وهذا ل يفيد العلم إذ ليس معصوما إل النبياء عليهم السلم #والنصارى يجوزون
أن يكون معصوما غير النبياء فبتقدير أن يكون كذلك فهو حجة عليهم وإن قالوا هو
رجل عالم ليس برسول من ال قيل لهم فهذا قوله ليس بحجة لجواز أن يخطىء
ولكن يعتضد بقوله وأما إذا ادعى أن ال أرسله وهو لم يرسله بهذا الكتاب كله فهذا
كذاب ليحتج بشيء من كلمه ول يكون مثل هذا عدل
فضل عن أن يكون حكيما بل هو من الذين افتروا على ال كذبا ^ #ومن أظلم ممن
افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ^ #والجواب الثاني أنا قد
بينا أن ما ذكروه ل يناقض شيئا مما أخبر به وأنه ليس في هذا الكتاب تناقض
يحتجون به بوجه من الوجوه #وأما قولهم وأعظم حجتنا ما وجدناه فيه من الشهادة
لنا بأن ال جعلنا فوق الذي كفروا إلى يوم القيامة #فيقال بل ما ذكروه حجة عليهم
ل لهم فإن ال أخبر المسيح أنه جاعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة
وخبر ال حق ووعد ال صدق وال ل يخلف الميعاد فلما اتبع المسيح من آمن به
جعلهم ال فوق الذين كفروا به من اليهود وغيرهم #ثم لما بعث ال محمدا بالدين
الذي بعث به المسيح وسائر النبياء قبله وكان محمد مصدقا لما جاء به المسيح
وكان المسيح مبشرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد صارت أمة محمد أتبع
للمسيح عليه السلم من النصارى الذين غيروا شريعته وكذبوه فيما بشر به فجعل
ال أمة محمد فوق النصارى إلى يوم القيامة
354
www.anassim.fr.st 355 الن سي ــــ ـــ ـم
كما جعلهم أيضا فوق اليهود إلى يوم القيامة والنصارى بعد النسخ والتبديل ليسوا #
متبعين المسيح لكنهم أتبع لهم من اليهود الذين بالغوا في تكذيبه وسبه فإنهم كذبوه
أول وكذبوا محمدا ثانيا فصاروا أبعد عن متابعة المسيح من النصارى فكانوا
مجعولين فوق اليهود #والمؤمنون أمة محمد هم المتبعون للمسيح عليه السلم ومن
سواهم كافر به فأمة محمد فوق اليهود والنصارى إلى يوم القيامة #ولهذا لما جاء
المسلمون يقاتلون النصارى غلبوهم وأخذوا منهم خيار الرض الرض المقدسة وما
حولها من مصر والجزيرة وأرض المغرب ولم يزل المسلمون منتصرين على
النصارى ول يزالون إلى يوم القيامة لم تنتصر النصارى قط على جميع المسلمين
وإنما تنتصر على طائفة من المسلمين بسبب ذنوبهم ثم يؤيد ال المؤمنين عليهم #
ولو كان النصارى هم المتبعين للمسيح عليه السلم والمسلمون كفارا به لوجب أن
ينتصروا على جميع المسلمين لن جميع المسلمين ينكرون إلهية المسيح ويكفرون
النصارى فعلم أن المتبعين للمسيح هم المسلمون دون النصارى #انتهى المجلد
#الثالث #ويليه المجلد الرابع وأوله
فصل تفسيرهم لتجسيم كلمة ال
فصل #قالوا وأما تجسم كلمة ال الخالقة التي بها خلق كل شيء وتجسدها بإنسان
مخلوق وهو الذي أخذ من مريم العذراء المصطفاة التي فضلت على نساء العالمين
واتحدت الكلمة به اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو استحالة وخاطب الناس كما
خاطب ال موسى النبي من العوسجة ففعل المعجز بلهوته وأظهر العجز بناسوته
والفعلن هما من المسيح الواحد #والجواب إن في هذا الكلم من أنواع الكذب
والكفر والتناقض أمورا كثيرة وذلك يظهر بوجوه #الول أن قولهم كلمة ال
الخالقة التي بها خلق كل شيء كلم متناقض فإن الخالق هو الله الخالق وهو خلق
الشياء بكلمه وهو قوله كن فالخالق لم يخلق به الشياء بل هو خلقها والكلم الذي
به خلقت الشياء ليس هو الخالق لها بل خلق الخالق الشياء والفرق بين الخالق
والمخلوق وبين ما به خلق الخالق معقول #وهؤلء جعلوا الخالق هو الذي به
خلقت المخلوقات فجعلوا الكلمة هي الخالق وجعلوا المخلوقات خلقت بها
وإيضاح هذا أن الكلمة إن كانت مجرد الصفة فإن الصفة ليست خالقة وإن كانت #
الصفة مع الموصوف فهذا هو الخالق ليس هذا هو المخلوق به #والثاني قولهم
تجسدها بإنسان مخلوق وقولهم تجسم كلمة ال فإن قولهم 2تجسمت وتجسدت
يقتضي أن الكلمة صارت جسدا وجسما بالنسان المخلوق وذلك يقتضي انقلبها
جسدا وجسما وهذا يقتضي استحالتها وتغيرها وهم قالوا اتحادا بريا من تغير
واستحالة #الثالث قولهم اتحدت الكلمة به اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو
استحالة كلم متناقض أيضا فإن التحاد يصير الثنين واحدا فيقال قبل التحاد كان
355
www.anassim.fr.st 356 الن سي ــــ ـــ ـم
اللهوت جوهرا والناسوت جوهرا آخر #وإن شئت قلت كان هذا شيئا وهذا شيئا
أو هذا عينا قائمة بنفسها وهذا عينا قائمة بنفسها فبعد التحاد إما أن يكونا اثنين كما
كانا أو صار الثنان واحدا فإن كانا اثنين كما كانا فل اتحاد بل هما متعددان كما
كانا متعددين وإن كانا قد صارا شيئا واحدا فإن كان هذا الواحد هو أحدهما فالخر
قد عدم وهذا عدم لحدهما ل اتحاده وإن كان هذا الذي صار واحدا ليس هو أحدهما
فل بد من تغييرهما واستحالتهما وإل فلو كانا بعد التحاد اثنين باقيين بصفاتهما لم
يكن هناك اتحاد #فإذا قيل اتحد اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو استحالة كان
هذا كلما متناقضا ينقض بعضه بعضا فإن هذا إنما يكون مع التمدد والمباينة ل مع
التحاد يوضح ذلك أنه إذا اتحد الماء واللبن أو الماء والخمر ونحو ذلك كان
الحاصل من اتحادهما شيئا ثالثا ليس ماء محضا ول لبنا محضا بل هو نوع ثالث
وكل من من الماء واللبن قد استحال وتغير واختلط وأما اتحاد بدون ذلك فغير
معقول #ولهذا عظم اضطراب النصارى في هذا الموضع وكثر اختلفهم وصار
كل منهم يرد على الخر ما يقوله ويقول هو قول يكون مردودا فكانت أقوالهم كلها
باطلة مردودة إذ كانوا قد اشتركوا في أصل فاسد يستلزم أحد أمور كلها باطلة فأي
شيء أخذ من تلك اللوازم كان باطل ول بد له منها فيأخذ هذا بعض اللوازم فيرده
الخر ويأخذ الخر لزما آخر فيرده الخر #وهذا شأن جميع المقالت الباطلة إذا
اشترك فيها طائفة لزمها لوازم باطلة وفساد اللزم يدل على فساد الملزوم فإنه إذا
تحقق الملزوم تحقق اللزم وإذا انتفى اللزم انتفى الملزوم #وهذا يتبين بالوجه
الرابع وهو أن يقال كثير من النصارى يقول إنهما بعد التحاد جوهر واحد وطبيعة
واحدة ومشيئة واحدة وهذا القول يضاف إلى اليعقوبية #ويقولون إن اللهوت
والناسوت اختلطا وامتزجا كما يختلط الماء واللبن والماء والخمر وهذا القول هو
حقيقة التحاد ل يعقل
التحاد إل هكذا لكن فساده ظاهر لعقول الناس فإذا كان هذا لزما لقول النصارى
وفساده ظاهرا كان فساد اللزم يدل على فساد الملزوم فإن حقيقة هذا القول أن الذي
كان يأكل ويشرب ويبول ويتغوط والذي ضرب وبصق في وجهه ووضع الشوك
على رأسه هو رب العالمين #ونفس تصور هذا القول مما يوجب العلم ببطلنه
وتنزيه ال عن ذلك وأن قائله من أعظم المفترين على ال قال تعالى ^ #وقالوا
اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض
وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من
في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه
يوم القيامة فردا ^ #الوجه الخامس قولهم وخاطب الناس كما خاطب ال موسى من
العوسجة يوجب أن يكون الذين كلمهم المسيح ممن آمن به وكفر به بمنزلة موسى
بن عمران الذي كلمه ال تكليما #ومعلوم أن تكليم ال لموسى عليه الصلة والسلم
مما فضله به على غيره من النبيين فإن كان آحاد الناس بمنزلة موسى بن عمران
لزم أن يكون كل من آحاد الناس في ذلك بمنزلة موسى بن عمران وهذا مما يعلم
356
www.anassim.fr.st 357 الن سي ــــ ـــ ـم
الوجه السادس أنه من المعلوم أن خطاب ال لنبيائه ورسله أفضل من خطابه #
لمن ليس بنبي ول رسول والمسيح عليه السلم لم يكلم عامة النبيين والمرسلين بل
لم يكلم إل ناسا منهم من آمن به ومنهم من كفر به #والتحقيق أنه لم يكلم أحدا من
رسل ال ولكن النصارى يزعمون أن الحواريين رسل ال وهذا باطل ولو سلم فلم
يكلم إل اثني عشر رسول وقد بعث ال قبله رسل كثيرين وقد روى في حديث أبي
ذر أن عدتهم ثلثمائة وثلثة عشر #وقد قال ال في القرآن ^ #ولقد بعثنا في كل
أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت
عليه الضللة ^ #وقال تعالى ^ #وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ #وفي الحديث
الذي في المسند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال أنتم توفون
سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على ال عز وجل وهذه
السبعون سواء كانت هي التي هداها أو هي الجميع فإنه يدل على كثرة الرسل ولم
يكلم ال أحدا من هؤلء من بشر حل فيه فلو كان المكلم للناس في عيسى هو ال
لكان تكليم ال للذين كلمهم عيسى من الكفار والمؤمنين أكمل من تكليمه رسل ال
الذين أرسلهم #الوجه السابع أن الناسوت ناسوت المسيح هو من جنس سائر
النواسيت والنسان ل يستطيع أن يرى ال في الدنيا كما أخبر بذلك موسى وعيسى
ومحمد فإذا لم يستطع أن يراه كان أن ل يستطيع التصال به ومماسته فضل عن
التحاد به أولى وأحرى #الوجه الثامن أن ال لما كلم موسى عليه السلم من
الشجرة كان الكلم المسموع مخالفا لما يسمع من كلم الناس ولهذا لم تطق بنو
إسرائيل سماع ذلك الصوت بل قالوا لموسى صف لنا ذلك وهذا عندهم في التوراة
كما روى الخلل في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل فيما رواه من حديث الزهري #
قال لما سمع موسى كلم ال قال يا رب هذا الكلم الذي أسمع هو كلمك قال نعم يا
موسى هو كلمي وإنما كلمتك بقوة عشرة آلف لسان ولي قوة اللسن كلها وأنا
أقوى من ذلك وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك ولو كلمتك بأكثر من هذا لمت
فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلم ربك فقال سبحان ال وهل أستطيع
أن أصفه لكم قالوا فشبهه لنا قال هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى
حلوة سمعتموها فكأنه مثله #وأما المسيح عليه السلم فكان كل أحد يسمع صوته
كصوت سائر الناس لم يتميز عنهم بما يوجب أن يكونوا سمعوا كلم ال كما سمعه
موسى بن عمران #الوجه التاسع أن الجني إذا حل في النسي كما يحل في
المصروع ويتكلم على لسانه فإنه يتغير الكلم ويعرف الحاضرون أنه ليس هو كلم
النسي مع أنه يتكلم بلسان النسي وحركة أعضائه فيعلم أن الصوت حصل بحركة
بدن النسي مع العلم بأنه قد تغير تغيرا خالف به المعهود من كلم النسي والنسان
الذي حل فيه الجني يغيب عنه عقله ول يشعر بما تكلم الجني على لسانه فرب
357
www.anassim.fr.st 358 الن سي ــــ ـــ ـم
وفي الصحيحين عن عائشة أن الحارث بن هشام قال يا رسول ال كيف يأتيك #
الوحي قال أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد
وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجل فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد
رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا #
وموسى عليه السلم لما سمع كلم ال مقت الدميين لما وقر في سمعه من كلم ال
وكان النور يظهر على وجهه حتى كان
يتبرقع والمسيح عند النصارى قد اتحد به اللهوت من حين علقت به مريم ولم يزل
متحدا به وهو حمل في بطنها يعظم اتحاده به كلما كبر ثم كذلك كان متحدا به وهو
صبي إلى أن رفع إلى السماء وقعد عن يمين أبيه وهو متحد به عندهم واللهوت
والناسوت جميعا ومع هذا لم يتغير بدن المسيح تغيرا يناسب ذلك ول ظهر من
النوار ما يناسب ذلك بل عندهم أن المسيح قبل أن يعمده يوحنا ويرى شبه الحمامة
نازل عليه لم يظهر اليات بل كان كآحاد الناس وأول ما ظهر من اليات قلب الماء
خمرا #وموسى عليه السلم بمجرد ما سمع الكلم ظهر عليه النور وأين سمع
الكلم من التحاد به #وموسى لما سمع الكلم وكلمه ال من الشجرة نزلت
الملئكة وظهر له من آيات ال وعظمته ما يناسب تكليم ال عز وجل #والرب
دائما عند النصارى متحد ببدن المسيح ولم يظهر من آيات الربوبية والعظمة إل ما
يظهر أكثر منه لبعض النبياء #الوجه العاشر أن المخاطب للناس إن كان هو
مجموع اللهوت والناسوت فكلمه صريح في أنه مخلوق مربوب يدعو ويسأل
والمجموع ليس بمخلوق يسأل ال ويعبده وإن كان هو اللهوت وحده
كما يقتضيه كلمهم هذا فهو أبعد وأبعد وإن كان هو الناسوت وحده فلم يكن
اللهوت مخاطبا للناس ولم يكلم ال الناس من الناسوت كما كلم ال موسى من
الشجرة #وأيضا فلم يكن فرق بين حقيقة كلم الناسوت وكلم اللهوت وكلم
المسيح الصريح في أنه مخلوق كثير وهم يقرون به لكن يقولون ذلك كلم الناسوت
فيقال لهم حينئذ فالمخاطب للناس هو الناسوت دون اللهوت وأنتم قلتم أن ال
خاطب الخلق من بدن المسيح كما خاطب موسى من الشجرة #والخطاب الذي
سمعه موسى من الشجرة هو كله كلم اللهوت والكلم الذي كان يسمع من المسيح
358
www.anassim.fr.st 359 الن سي ــــ ـــ ـم
ليس فيه شيء يختص باللهوت بل عامته صريح في أنه كلم الناسوت #الوجه
الحادي عشر أن ال لما كلم موسى من الشجرة كان
الكلم كلم ال وحده لم يكن للشجرة كلما أصل بوجه من الوجوه فإن كان هذا
المثل مطابقا كان الذي يكلم الناس من ناسوت المسيح هو اللهوت وحده #ومعلوم
أن في النجيل وغيره من النصوص الصريحة ما يدل على أن الناسوت كان هو
المتكلم مما يبين الفرق الواضح بين هذا وهذا #الوجه الثاني عشر أن الذي نادى
موسى من الشجرة لم يتكلم إل بكلم الربوبية فقال ^ #إني أنا ال رب العالمين ^
^ #إنني أنا ال ل إله إل أنا فاعبدني وأقم الصلة لذكري إن الساعة آتية أكاد
أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى فل يصدنك عنها من ل يؤمن بها واتبع هواه
فتردى ^ #وسائر ما تكلم به كله يقتضي أنه كلم رب العالمين وأما المتكلم على
لسان المسيح فلم يقل كلمة من هذا أصل بل كان في كلمه من القرار بأنه رسول
وأنه مخلوق محتاج وأنه ابن البشر وغير ذلك مما يناقض من كل وجه كلم المنادي
لموسى من الشجرة فمن سوى بين هذا وهذا كان قد سوى بين رب العالمين وبين
إنسان من
الدميين وهو أضل من الذين قال ال فيهم ^ #تال إن كنا لفي ضلل مبين إذ
نسويكم برب العالمين ^ #فإن أولئك جعلوهم أندادا ل في بعض المور مع
اعترافهم بأنهم مخلوقون وهؤلء الضلل جعلوا هذا النسان الذي يتكلم هو رب
العالمين الذي كلم موسى من الشجرة وقالوا إن هذا الذي كلم العباد هو ذاك الذي
نادى موسى من الشجرة #الوجه الثالث عشر أن يقال معلوم أن ال أجل وأعظم
وأكبر من رسله بما ل يقدر المخلوق قدره فلو كان هو الذي كلم الخلق على لسان
المسيح وكان الحواريون رسله الذين سمعوا كلمه منه بل واسطة لكان الحواريون
إما مثل موسى وإما أعظم #ومعلوم أن المسيح نفسه لم تكن له آيات مثل آيات
موسى فضل عن الحواريين فإن أعظم آيات المسيح عليه السلم إحياء الموتى وهذه
الية قد شاركه فيها غيره من النبياء كإلياس وغيره #وأهل الكتاب عندهم في
كتبهم أن غير المسيح أحيا ال على يديه الموتى وموسى بن عمران من جملة آياته
العصا التي انقلبت فصارت ثعبانا مبينا حتى بلعت الحبال والعصي التي للسحرة
وكان غير مرة يلقيها فتصير ثعبانا ثم يمسكها فتعود عصا
ومعلوم أن هذه آية لم تكن لغيره وهي أعظم من إحياء الموتى فإن النسان كانت #
فيه الحياة فإذا عاش فقد عاد إلى مثل حاله الول وال تعالى يحيي الموتى بإقامتهم
من قبورهم وقد أحيا غير واحد من الموتى في الدنيا #وأما انقلب خشبة تصير
حيوانا ثم تعود خشبة مرة بعد مرة وتبتلع الحبال والعصي فهذا أعجب من حياة
الميت #وأيضا فال قد أخبر أنه أحيا من الموتى على يد موسى وغيره من أنبياء
بني إسرائيل أعظم ممن أحياهم على يد المسيح قال تعالى ^ #وإذ قلتم يا موسى لن
نؤمن لك حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد
359
www.anassim.fr.st 360 الن سي ــــ ـــ ـم
موتكم لعلكم تشكرون ^ #وقال تعالى ^ #فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي ال
الموتى ^ #وقال تعالى ^ #ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
^ الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم
وأيضا فموسى عليه الصلة والسلم كان يخرج يده بيضاء من غير سوء وهذا #
أعظم من إبراء أثر البرص الذي فعله المسيح عليه السلم فإن البرص مرض معتاد
وإنما العجب البراء منه وأما بياض اليد من غير برص ثم عودها إلى حالها الول
ففيه أمران عجيبان ل يعرف لهما نظير #وأيضا فموسى فلق ال له البحر حتى
عبر فيه بنو إسرائيل وغرق فيه فرعون وجنوده وهذا أمر باهر فيه من عظمة هذه
الية ومن إهلك ال لعدو موسى ما لم يكن مثله للمسيح #وأيضا فموسى كان ال
يطعمهم على يده المن والسلوى مع كثرة بني إسرائيل ويفجر لهم بضربه للحجر كل
يوم اثني عشر عينا يكفيهم #وهذا أعظم من إنزال المسيح عليه السلم للمائدة ومن
قلب الماء خمرا ونحو ذلك مما يحكى عنه صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين #
وكان لموسى في عدوه من القمل والضفادع والدم وسائر اليات ما لم يكن مثله
للمسيح فلو كان الحواريون رسل قد كلمهم ال مثل ما كلم موسى من الشجرة كانوا
مثل موسى فكيف والمسيح نفسه لم يكن له آيات مثل آيات موسى ولو كان المسيح
هو اللهوت
الذي كلم موسى لكان يظهر من قدرته أعظم مما أظهره على يد موسى فإنه لم يحل
في بدن موسى ول كان اللهوت يكلم الخلق من موسى كما يزعمه هؤلء في
المسيح ومع هذه فاليات التي أيد بها عبده موسى تلك اليات العظيمة فكيف تكون
آياته إذا كان هو نفسه الذي قد حل في بدن المسيح وهو الذي يخاطب الناس على
لسان المسيح #الوجه الرابع عشر أن يقال إن قولهم إن ال خاطب الناس في
المسيح كما خاطب موسى النبي من العوسجة من أبطل الباطل فإن ال بإتفاق المم
كلها لم يحل في الشجرة ولم يتحد بها كما يزعمون هم أنه حل بالمسيح واتحد به فإنه
عندهم حل بباطن المسيح بل وبظاهره واتحد به باطنا وظاهرا والرب تعالى لم يكن
في باطن الشجرة ول حل فيها ول اتحد بها وقول ال إنه كلمه منها وناداه منها
كقوله أنه ^ #نودي من شاطىء الواد اليمن ^ #وذلك مثل قوله ^ #هل أتاك
حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ^ #وفي البقعة المباركة ونحو ذلك
وليس في شيء من ذلك أن
الرب تعالى حل في باطن الوادي المقدس أو البقعة المباركة أو الجانب اليمن ول
أنه اتحد بشيء من ذلك ول صار هو وشيء من ذلك جوهرا واحدا ول شخصا
واحدا كما يقول بعض النصارى إن اللهوت والناسوت صارا جوهرا واحدا
وبعضهم يقول صارا شخصا واحدا بل ول قال أحد أنه حل في شيء من ذلك
كحلول الماء في اللبن أو النار في الحديد كما يقول بعضهم إن اللهوت حل في
الناسوت كذلك ولو قدر أن بعض الناس قد قال شيئا من المقالت التي ل تدل عليها
360
www.anassim.fr.st 361 الن سي ــــ ـــ ـم
الكتب اللهية ول تعلم بالعقل لم يكن قوله حجة إذ ل يحتج إل بنقل ثابت عن النبياء
أو بما يعلم بالعقل #الوجه الخامس عشر أن الذي كلم موسى وناداه هو ال رب
العالمين وتكليمه له من الشجرة من جنس ما أخبر بنزوله إلى السماء الدنيا ونزوله
يوم القيامة لحساب الخلق والكلم على ذلك مبسوط في غير هذا الموضع #وأما
حلوله في البشر أو اتحاده به فيمتنع من وجوه كثيرة عقل وسمعا مع أنه لم يخبر به
نبي #وما تقوله النصارى في غاية التناقض فإنهم يزعمون أن المسيح
هو الكلمة وهو الخالق لن الكلمة والذات شيء واحد فل يفرقون بين الصفة
والموصوف ثم يقولون المتحد بالمسيح هو الكلمة دون الذات التي يسمونها الب
ويقولون مع ذلك إنه لم يتبعض ولم يتجزأ #ومعلوم بصريح العقل أن الكلمة التي
هي الصفة ل يمكن مفارقتها للموصوف فل تتحد وتحل دون الموصوف ل سيما
والمتحد الحال عندهم هو الخالق فيجب أن يكون هو الب وهم ل يقولون المتحد
الحال هو الب بل هو البن وإذا قالوا إن البن هو المتحد الحال دون الب فالمتحد
ليس هو الذي ما اتحد والبن اتحد والب ما اتحد #ويقولون إن المتحد اتخذ عيسى
حجابا احتجب به ومسكنا يسكن فيه خاطب الناس فيه ويقولون في ذلك إنه اتحد به
الب لم يحتجب به ولم يسكن فيه ولم يتحد به فلزم قطعا أن يكون منه شيء اتحد
ومنه شيء لم يتحد فالب لم يتحد والبن اتحد وهذا يناقض قولهم لم يتبعض ويبطل
تمثيلهم بالمخاطب من الشجرة فإن ذاك هو ال رب العالمين ليس هو البن دون
الب مع ما ذكر من الفروق الكثيرة المبينة التي تبين بطلن تمثيل هذا بهذا #
الوجه السادس عشر أن الرب عز وجل إذا تكلم تكلم
بكلم الربوبية فلو كان في المسيح اللهوت الذي أرسل موسى وغيره لم يخضع
لموسى ولتوراته ويذكر أنه إنما جاء ليكملها ل لينقضها ول كان يقوم بشرائعها فإن
رب العالمين أعظم وأجل من ذلك بل لو كان ملكا من الملئكة لم يفعل مثل ذلك
فكيف برب العالمين #وإذا قالت النصارى فعل ذلك خوفا من بني إسرائيل أو خوفا
أن يكذبوه كان عذرهم أقبح من ذنبهم فرب العالمين ممن يخاف سبحانه وتعالى #
وموسى لما كان فرعون يكذبه كان يظهر من اليات يذل بها فرعون وقومه مع
عتوه وعتو قومه ولم تكن بنو إسرائيل أعتى من فرعون وقومه فلو كان هو رب
العالمين كان ما يؤيد به نفسه من اليات أعظم مما يؤيد به عبده موسى #ومن
عجائب النصارى أنهم يدعون فيه اللهية مع ادعائهم فيه غاية العجز حتى صلب #
وأما المسلمون فيقولون هو رسول مؤيد لم يصلب وهذه سنة ال سبحانه في رسله
فإنه يؤيدهم وينصرهم على عدوهم كما نصر نوحا وإبراهيم ومحمدا صلوات ال
عليهم وسلمه فإذا
كان ل يجوز أن يكون رسول مغلوبا فكيف يكون ربا مغلوبا مصلوبا #الوجه
السابع عشر قولهم فعل المعجزات بلهوته وأظهر العجز بناسوته فيقال لهم إن ال
فعل من المعجزات ما هو أعظم من المعجزات التي ظهرت على يد المسيح عليه
361
www.anassim.fr.st 362 الن سي ــــ ـــ ـم
السلم ولم يكن متحدا بشيء من البشر فأي ضرورة له إلى أن يتحد بالبشر إذا فعل
معجزات دون ذلك #الوجه الثامن عشر أن المسيح ظهرت على يديه معجزات كما
ظهر لسائر المرسلين ومعجزات بعضهم أعظم من معجزاته ومع هذا فلم تكن
المعجزات دليل على اتحاد اللهوت بالنبي الذي ظهرت على يديه فعلم أن
الستدلل بظهور المعجزات على يديه في غاية الفساد #الوجه التاسع عشر أن
اللهوت إن كان متحدا بالناسوت لم يتميز فعله عن فعل الناسوت فإنهما إذا صارا
شيئا واحدا كان كل ما فعله من عجز ومعجز هو ذلك الواحد كالمثال التي
يضربونها ل سبحانه وتعالى فإنهم يمثلون ذلك بالنار مع الحديد والماء مع اللبن
والخمر
ومعلوم أن الحديدة إذا أدخلت النار حتى صارت بيضاء كالنار البيضاء ففعلها #
فعل واحد ليس لها فعلن متميزان أحدهما بالحديد والخر بالنار بل فيها قوة الحديد
وقوة النار بل فيها قوة ثالثة ليست قوة الحديد ول قوة النار إذ ليست حديدا محضا
ول نارا محضا #وكذلك الماء إذا اختلط باللبن والخمر فالمتحد منهما شيء واحد
فعله فعل واحد منه ما ليس ماء محضا ول لبنا محضا ل يقول عاقل أن له فعلين
يتميز أحدهما عن الخر فعل بكونه لبنا محضا وفعل بكون ماء محضا فقولهم
بالتحاد يوجب استحالة اللهوت بالناسوت وأن يصير فعل المتحد شيئا واحدا #
وإن كان اللهوت لم يتحد به فهما اثنان شخصان وجوهران وطبيعتان ومشيئتان
وليس هذا دين النصارى مع أن حلول الرب عز وجل في البشر ممتنع كما قد بسط
في موضوع آخر #وكذلك إذا مثلوه بالنفس مع البدن فإن النفس تتغير صفاتها
بمفارقة البدن وكذلك البدن تتغير صفاته بمفارقة الروح له #والنسان الذي نفخت
فيه الروح فصارت بدنا فيه الروح هو
نوع ثالث ليس فيه بدن محض وروح محض حتى يقال إنه يفعل كذا ببدنه وكذا
بنفسه بل أفعاله تشترك فيها الروح فهو إذا أكل وشرب فالروح تتلذذ بالكل
والشرب وبها صار آكل شاربا وإل فالبدن الميت ل يأكل ول يشرب وإذا نظر
واستدل وسمع ورأى وتعلم فالنفس فعلت ذلك بالبدن والبدن يظهر فيه ذلك والروح
وحدها ل تفعل ذلك وعندهم أن فعل اللهوت بعد التحاد كفعله قبله وكذلك فعل
الناسوت وهذا يناقض التحاد #والقول بهذا مع التحاد في غاية التناقض والفساد
ول يعقل نظير هذا في شيء من الموجودات ونفس المتكلم بهذا من النصارى ل
يتصور ما يقول ول يمكنه أن يمثله بشيء معقول
فصل #قالوا وقد جاء في هذا الكتاب الذي جاء به هذا النسان يقول ^ #إنما
المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ #وهذا
يوافق قولنا إذ قد شهد أنه إنسان مثلنا أي بالناسوت الذي أخذ من مريم وكلمة ال
وروحه المتحدة فيه وحاشا أن تكون كلمة ال وروحه الخالقة مثلنا نحن المخلوقين
362
www.anassim.fr.st 363 الن سي ــــ ـــ ـم
وأيضا قال في سورة النساء ^ #وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ^ #فأشار
بهذا القول إلى اللهوت الذي هو كلمة ال التي لم يدخل
عليها ألم ول عرض وقال أيضا ^ #يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك
من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ #وقال
في سورة المائدة عن عيسى أنه قال ^ #وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما
توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ^ #فأعنى بموته عن
موت الناسوت الذي أخذ من مريم العذراء #وقال أيضا في سورة النساء ^ #وما
قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه ^ #فأشار بهذا إلى اللهوت الذي هو كلمة ال الخالقة
وعلى هذا القياس نقول إن المسيح صلب وتألم بناسوته ولم يصلب ول تألم بلهوته
#والجواب من وجوه #أحدها أن يقال دعواهم على محمد أنه أثبت في المسيح
اللهوت والناسوت كما يزعمه هؤلء النصارى فيه هو من الكذب الواضح المعلوم
على محمد
الذي يعلم من دينه بالضطرار كما يعلم من دينه تصديق المسيح عليه السلم وإثبات
رسالته فلو ادعى اليهود على محمد أنه كان يكذب المسيح ويجحد رسالته كان
كدعوى النصارى عليه أنه كان يقول إنه رب العالمين وأن اللهوت اتحد بالناسوت
ومحمد قد أخبر فيما بلغه عن ال عز وجل بكفر من قال ذلك وبما يناقض ذلك في
غير موضع كقوله تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل
فمن يملك من ال شيئا إن إراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض
جميعا ول ملك السماوات والرض وما بينهما يخلق ما يشاء وال على كل شيء
قدير ^ #و قولة تعالى #سورة المائدة اليات من # 77 72وقال تعالى #سورة
التوبة اليات من 34 30
وقال تعالى #سورة الزخرف اليات # 65 57وقال تعالى #سورة المائدة #
اليتان # 117 116فأخبر عن المسيح أنه لم يقل لهم إل ما أمره ال به بقوله أن
اعبدوا ال ربي وربكم وكان عليهم شهيدا ما دام فيهم وبعد وفاته كان ال هو الرقيب
عليهم فإذا كان بعضهم قد غلط في النقل عنه
أو في تفسير كلمه أو تعمد تغيير دينه لم يكن على المسيح عليه السلم من ذلك
درك وإنما هو رسول عليه البلغ المبين #وقد أخبر ال سبحانه وتعالى أن أول ما
تكلم به المسيح أنه قال ^ #قال إني عبد ال آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني
مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم
يجعلني جبارا شقيا ^ #ثم طلب لنفسه السلم فقال ^ #والسلم علي يوم ولدت
ويوم أموت ويوم أبعث حيا ^ #والنصارى يقولون علينا منه السلم كما تقوله
الغالية فيمن يدعون فية اللهية كالنصيرية في علي والحاكمية في الحاكم #الوجه
الثاني أن يقال إن ال لم يذكر أن المسيح مات ول قتل
363
www.anassim.fr.st 364 الن سي ــــ ـــ ـم
إنما قال ^ #يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ^ #
وقال المسيح ^ #فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ^
#وقال تعال #سورة النساء اليات # 161 155فذم ال اليهود بأشياء منها قولهم
على مريم بهتانا عظيما حيث زعموا أنها بغي ومنها قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى
^ بن مريم رسول ال #قال تعالى ^ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم
وأضاف هذا القول إليهم وذمهم عليه #ولم يذكر النصارى لن الذين تولوا صلب #
المصلوب المشبه به هم اليهود ولم يكن أحد من النصارى شاهدا هذا معهم بل كان
الحواريون خائفين غائبين فلم يشهد أحد منهم الصلب وإنما شهده اليهود وهم الذين
أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح والذين نقلوا أن المسيح صلب من النصارى
وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود وهم شرط من أعوان الظلمة لم يكونوا خلقا
كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب #قال تعالى ^ #وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه
لهم ^ #فنفى عنه القتل ثم قال ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^
#وهذا عند اكثر العلماء معناه قبل موت المسيح وقد قيل قبل موت اليهودي وهو
ضعيف كما قيل أنه قبل موت محمد وهو أضعف فإنه لو آمن به قبل الموت لنفعه
إيمانه به فإن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر #وإن قيل المراد به اليمان الذي
يكون بعد الغرغرة لم يكن في
هذا فائدة فإن كل أحد بعد موته يؤمن بالغيب الذي كان يجحده فل اختصاص للمسيح
به ولنه قال قبل موته ولم يقل بعد موته ولنه ل فرق بين إيمانه بالمسيح وبمحمد
صلوات ال عليهما وسلمه واليهودي الذي يموت على اليهودية يموت كافرا بمحمد
والمسيح عليهما الصلة والسلم ولنه قال ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به
قبل موته ^ #وقوله ^ ليؤمنن به ^ فعل مقسم عليه وهذا إنما يكون في المستقبل
فدل ذلك على أن هذا اليمان بعد إخبار ال بهذا ولو أريد به قبل موت الكتابي لقال
وإن من أهل الكتاب إل من يؤمن به لم يقل ^ ليؤمنن به ^ #وأيضا فإنه قال وإن
من أهل الكتاب وهذا يعم اليهود والنصارى فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب
اليهود والنصارى يؤمنون بالمسيح قبل موت المسيح وذلك إذا نزل آمنت اليهود
والنصارى بأنه رسول ال ليس كاذبا كما تقول اليهود ول هو ال كما تقوله
النصارى #والمحافظة على هذا العموم أولى من أن يدعى أن كل كتابي ليؤمنن به
قبل أن يموت الكتابي فإن هذا يستلزم إيمان كل يهودي
ونصراني وهذا خلف الواقع وهو لما قال ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به
قبل موته ^ #دل على أن المراد بإيمانهم قبل أن يموت هو علم أنه أريد بالعموم
عموم من كان موجودا حين نزوله أي ل يتخلف منهم أحد عن اليمان به ل إيمان
من كان منهم ميتا #وهذا كما يقال إنه ل يبقى بلد إل دخله الدجال ال مكة والمدينة
أي من المدائن الموجودة حينئذ وسبب إيمان أهل الكتاب به حينئذ ظاهر فإنه يظهر
364
www.anassim.fr.st 365 الن سي ــــ ـــ ـم
لكل أحد أنه رسول مؤيد ليس بكذاب ول هو رب العالمين #فال تعالى ذكر إيمانهم
به إذا نزل إلى الرض فإنه تعالى لما ذكر رفعه إلى ال بقوله ^ #إني متوفيك
ورافعك إلي ^ #وهو ينزل إلى الرض قبل يوم القيامة ويموت حينئذ أخبر
بإيمانهم به قبل موته كما قال تعالى في آية أخرى #سورة الزخرف اليات 59
65
وفي الصحيحين عن النبي أنه قال يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدل #
وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية #وقوله تعالى ^ #
وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من
^ علم إل اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه وكان عزيزا حكيما
بيان أن ال رفعه حيا وسلمه من القتل وبين أنهم يؤمنون به قبل أن يموت # #
وكذلك قوله ^ ومطهرك من الذين كفروا ^ #ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره
#ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الستيفاء والقبض وذلك ثلثة أنواع أحدها
توفي النوم والثاني توفي الموت والثالث توفي الروح والبدن جميعا فإنه بذلك خرج
عن حال أهل الرض الذين يحتاجون إلى الكل والشرب واللباس والنوم ويخرج
منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلم توفاه ال وهو في السماء الثانية إلى أن
ينزل إلى الرض ليست حاله كحالة أهل الرض في الكل والشرب واللباس والنوم
والغائط والبول ونحو ذلك #الوجه الثالث قولهم إنه عني بموته عن موت الناسوت
كان ينبغي لهم أن يقولوا على أصلهم عني بتوفيته عن توفي الناسوت وسواء قيل
موته أو توفيته فليس هو شيئا غير الناسوت فليس هناك شيء غيره لم يتوف وال
تعالى قال
وقوله تعالى ^ وما قتلوه يقينا ^ معناه أن نفي قتله هو يقين ل ريب فيه بخلف #
365
www.anassim.fr.st 366 الن سي ــــ ـــ ـم
الذين اختلفوا فإنهم في شك منه من قتله وغير قتله فليسوا مستيقنين أنه قتل إذ ل
حجة معهم بذلك #ولذلك كانت طائفة من النصارى يقولون لم يصلب فإن الذين
صلبوا المصلوب هم اليهود وكان قد اشتبه عليهم المسيح بغيره كما دل عليه القرآن
وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك حتى
قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه وقول من قال معنى الكلم ما قتلوه علما بل
ظنا قول ضعيف #الوجه الرابع أنه قال تعالى ^ #إذ قال ال يا عيسى إني متوفيك
ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ^ #فلو كان المرفوع هو اللهوت لكان
رب العالمين قال لنفسه أو لكلمته إني أرفعك إلي وكذلك قوله ^ بل رفعه ال إليه ^
فالمسيح عندهم هو ال #ومن المعلوم أنه يمتنع رفع نفسه إلى نفسه وإذا قالوا هو
الكلمة فهم يقولون مع ذلك إنه الله الخالق ل يجعلونه بمنزلة التوراة
والقرآن ونحوهما مما هو من كلم ال الذي قال فيه إليه يصعد الكلم الطيب بل
عندهم هو ال الخالق الرازق رب العالمين ورفع رب العالمين إلى رب العالمين
ممتنع #الوجه الخامس قوله ^ #وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني
كنت أنت الرقيب عليهم ^ #دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إل ال
دون المسيح فإن قوله كنت أنت يدل على الحصر كقوله إن كان هذا هو الحق ونحو
ذلك فعلم أن المسيح بعد توفيته ليس رقيبا على أتباعه بل ال هو الرقيب المطلع
عليهم المحصي أعمالهم المجازي عليها والمسيح ليس برقيب فل يطلع على أعمالهم
ول يحصيها ول يجازيهم بها
فصل #قالوا وقد سماه ال أيضا في هذا الكتاب خالقا حيث قال ^ #وإذ تخلق من
الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ^ #فأشار بالخالق إلى كلمة
ال المتحدة بالناسوت المأخوذ من مريم لنه كذا قال على لسان داود النبي #بكلمة
ال خلقت السماوات والرض ليس خالق إل ال وكلمته وروحه #وهذا مما يوافق
رأينا واعتقادنا في السيد المسيح لذكره لنه حيث قال وتخلق من الطين كهيئة الطير
فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال أي بإذن لهوت الكلمة المتحدة في الناسوت
والجواب أن جميع ما يحتجون به من هذه اليات وغيرها فهو حجة عليهم ل لهم #
وهكذا شأن جميع أهل الضلل إذا احتجوا بشيء من كتب ال وكلم أنبيائه كان في
نفس ما احتجوا به ما يدل على فساد قولهم وذلك لعظمة كتب ال المنزلة وما أنطق
به أنبياءه فإنه جعل ذلك هدى وبيانا للخلق وشفاء لما في الصدور فل بد أن يكون
في كلم النبياء صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين من الهدى والبيان ما يفرق ال
به بين الحق والباطل والصدق والكذب لكن الناس يؤتون من قبل أنفسهم ل من قبل
أنبياء ال تعالى #إما من كونهم لم يتدبروا القول الذي قالته النبياء حق التدبر حتى
يفقهوه ويفهموه #وإما من جهة أخذهم ببعض الحق دون بعض مثل أن يؤمنوا
ببعض ما أنزله ال دون بعض فيضلون من جهة ما لم يؤمنوا به كما قال تعالى عن
366
www.anassim.fr.st 367 الن سي ــــ ـــ ـم
النصارى ^ #ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به
فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ^ #وإما من جهة نسبتهم إلى
النبياء ما لم يقولوه من أقوال كذبت عليهم ومن جهة ترجمة أقوالهم بغير ما تستحقه
من الترجمة وتفسيرها بغير ما تستحقه من التفسير الذي دل عليه كلم النبياء
صلوات ال
وسلمه عليهم أجمعين فإنه يجب أن يفسر كلم المتكلم بعضه ببعض ويؤخذ كلمه
هاهنا وهاهنا وتعرف ما عادته يعينه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به وتعرف المعاني
التي عرف أنه أرادها في موضع آخر فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه
كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده #وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر
عادته باستعماله فيه وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادتة باستعمالة فية
وحمل كلمة على خلف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلمه
متناقضا وترك حمله على ما يناسب سائر كلمه كان ذلك تحريفا لكلمه عن
موضعه وتبديل لمقاصده وكذبا عليه #فهذا أصل من ضل في تأويل كلم النبياء
على غير مرادهم فإذا عرف هذا فنقول #الجواب عما ذكروه هنا من وجوه #
أحدها أن ال لم يذكر عن المسيح خلقا مطلقا ول خلقا عاما كما ذكر عن نفسه تبارك
وتعالى فأول ما أنزل ال على نبيه محمد ^ #اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق
^ النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم
وقال تعالى #سورة الحشر اليات # 24 22فذكر نفسه بأنه الخالق البارىء #
المصور ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا ل ملكا ول نبيا وكذلك قال تعالى #
^ ال خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والرض #
وقال تعالى ^ #وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم
سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ #ووصف نفسه بأنه رب العالمين
وبأنه مالك يوم الدين وأنه له الملك وله الحمد وأنه الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم
وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ونحو ذلك من خصائص الربوبية ولم
يصف شيئا من مخلوقاته ل ملكا مقربا ول نبيا مرسل بشيء من
الخصائص التي يختص بها التي وصف بها نفسه سبحانه وتعالى #وأما المسيح
عليه السلم فقال فيه ^ #وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون
طيرا بإذني وتبرىء الكمه والبرص بإذني ^ #وقال المسيح عن نفسه ^ #إني
أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال وأبرىء الكمه
والبرص وأحي الموتى بإذن ال ^ #فلم يذكر إل خلق شيء معين خاص بإذن ال
فكيف يكون هذا الخالق هو ذاك #الوجه الثاني أنه خلق من الطين كهيئة الطير
والمراد به تصويره بصورة الطير وهذا الخلق يقدر عليه عامة الناس فإنه يمكن
أحدهم أن يصور من الطين كهيئة الطير وغير الطير من الحيوانات ولكن هذا
367
www.anassim.fr.st 368 الن سي ــــ ـــ ـم
التصوير محرم بخلف تصوير المسيح فإن ال أذن له فيه #والمعجزة أنه ينفخ فيه
الروح فيصير طيرا بإذن ال عز وجل ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين فإن هذا
مشترك وقد لعن
النبي المصورين وقال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون #الوجه الثالث
أن ال أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى وأخبر المسيح عليه
السلم أنه فعله بإذن ال وأخبر ال أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه
السلم كما قال تعالى ^ #إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل ^
#وقال تعالى #سورة المائدة من الية 110
وهذا كله صريح في أنه ليس هو ال وإنما هو عبد ال فعل ذلك بإذن ال كما فعل #
مثل ذلك غيره من النبياء وصريح بأن الذن غير المأذون له والمعلم ليس هو
المعلم والمنعم عليه وعلى والدته ليس هو إياه كما ليس هو والدته #الوجه الرابع
أنهم قالوا أشار بالخالق إلى كلمة ال المتحدة في الناسوت ثم قالوا في قوله ^ بإذن
ال ^ أي بإذن الكلمة المتحدة في الناسوت وهذا يبين تناقضهم وافتراءهم على
القرآن لن ال أخبر في القرآن أن المسيح خلق من الطين كهيئة الطير بإذن ال
ففرق بين المسيح وبين ال وبين أن ال هو الذن للمسيح وهؤلء زعموا أن مراده
بذلك أن اللهوت المتحد بناسوت المسيح هو الخالق وهو الذن فجعلوا الخالق هو
الذن وهو تفسير للقرآن بما يخالف صريح القرآن #الوجه الخامس أن اللهوت إذا
كان هو الخالق لم يحتج إلى أن يأذن لنفسه فإنهم يقولون هو إلة واحد وهو الخالق
قكيف يحتاج أن يأذن لنفسة وينعم على نفسه #الوجه السادس أن الخالق إما أن
يكون هو الذات الموصوفة بالكلم أو الكلم الذي هو صفة للذات فإن كان هو الكلم
فالكلم
صفة ل تكون ذاتا قائمة بنفسها خالقة ولو لم تتحد بالناسوت واتحادها بالناسوت دون
الموصوف ممتنع لو كان التحاد ممكنا فكيف وهو ممتنع #فقد تبين امتناع كون
الكلمة تكون خالقة من وجوه #وإن كان الخالق هو الذات المتصفة بالكلم فذاك هو
ال الخالق لكل شيء رب العالمين وعندهم هو الب والمسيح عندهم ليس هو الب
فل يكون هو الخالق لكل شيء والقرآن يبين أن ال هو الذي أذن للمسيح حتى خلق
من الطين كهيئة الطير فتبين أن الذي خلق من الطين كهيئة الطير ليس هو ال ول
صفة من صفاته فليس المسيح هو ال ول ابن قديم أزلي ل ولكن عبده فعل بإذنه #
الوجه السابع قولهم فأشار بالخالق إلى كلمة ال المتحدة في الناسوت المأخوذ من
مريم لنه كذا قال على لسان داود النبي بكلمة ال خلقت السماوات والرض #يقال
لهم هذا النص عن داود حجة عليكم كما أن التوراة والقرآن وسائر ما ثبت عن
النبياء حجة عليكم فإن داود عليه السلم قال بكلمة ال خلقت السماوات والرض
ولم يقل إن كلمة ال هي الخالقة كما قلتم أنتم أنه أشار بالخالق إلى كلمة ال #
والفرق بين الخالق للسماوات والرض وبين الكلمة التي بها خلقت السماوات
368
www.anassim.fr.st 369 الن سي ــــ ـــ ـم
والقدرة فإن القادر هو الخالق وقد خلق الشياء بقدرته وليست القدرة هي الخالقة
وكذلك الفرق بين المريد والرادة فإن ال خلق الشياء بمشيئته وليست مشيئته هي
الخالقة #وكذلك الدعاء والعبادة هو للله الخالق ل لشيء من صفاته فالناس كلهم
يقولون يا ال يا ربنا يا خالقنا ارحمنا واغفر لنا ول يقول أحد يا كلم ال اغفر لنا
وارحمنا ول يا قادرة ال ويا مشيئة ال ويا علم ال اغفر لنا وارحمنا وال تعالى
يخلق بقدرته ومشيئته وكلمه وليست صفاته هي الخالقة #الوجه الثامن أن قول
داود عليه السلم بكلمة ال خلقت السماوات والرض يوافق ما جاء في القرآن
والتوراة وغير ذلك من كتب النبياء أن ال يقول للشيء كن فيكون وهذا في القرآن
في غير موضع وفي التوراة قال ال ليكن كذا ليكن كذا #الوجه التاسع قولهم لنه
ليس خالق إل ال وكلمته وروحه إن أرادوا بكلمته كلمه وبروحه حياته فهذه من
صفات ال كعلمه وقدرته فلم يعبر أحد من النبياء عن حياة اللة بأنها روح اللة فمن
حمل كلم أحد من النبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة ال فقد كذب فالخالق هو ال
وحده وصفاته داخلة في مسمى اسمه ل يحتاج أن تجعل
معطوفة على اسمه بواو التشريك التي تؤذن أن ل شريكا في خلقه فإن ال ل شريك
له #ولهذا لما قال ال تعالى ال خالق كل شيء دخل كل ما سواه في مخلوقاته ولم
تدخل صفاته كعلمه وقدرته ومشيئته وكلمه لن هذه داخلة في مسمى اسمه ليست
أشياء مباينة له بل أسماؤه الحسنى متناولة لذاته المقدسة المتصفة بهذه الصفات ل
يجوز أن يراد بأسمائه ذاتا مجردة عن صفات الكمال فإن تلك ل حقيقة لها ويمتنع
وجود ذات مجردة عن صفة فضل عن وجود ذاته تعالى مجردة عن صفات كماله
التي هي لزمة لذاته فيمتنع تحقق ذاته دونها ولهذا ل يقال ال وعلمه خلق وال
وقدرته خلق #وإن أرادوا بكلمته وروحه المسيح أو شيئا اتحد بناسوت المسيح
فالمسيح عليه السلم كله مخلوق كسائر الرسل وال وحده هو الخالق وإن شئت قلت
إن أريد بالروح والكلمة ما هو صفة ال فتلك داخلة في مسمى اسمه وإن أريد ما
ليس بصفة فذلك مخلوق له كالناسوت #الوجه العاشر أن داود عليه السلم ل يجوز
أن يريد بكلمة ال المسيح لن المسيح عند جميع الناس هو اسم للناسوت
وهو عندهم اسم للهوت والناسوت لما اتحدا والتحاد فعل حادث عندهم فقبل
التحاد لم يكن هناك ناسوت ول ما يسمى مسيحا فعلم أن داود لم يرد بكلمة ال
المسيح ولكن غايتهم أن يقولوا أراد الكلمة التي اتحدت فيما بعد بالمسيح لكن الذي
خلق بإذن ال هو المسيح كما نطق به القرآن بقوله ^ #يبشرك بكلمة منه اسمه
المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين ^ #فالكلمة التي
ذكرها وأنها هي التي خلقت السماوات والرض ليست هي المسيح الذي خلق من
الطين كهيئة الطير بإذن ال فاحتجاجهم بهذا على هذا احتجاج باطل بل تلك الكلمة
التي بها خلقت السماوات والرض لم يكن معها ناسوت حين خلقت باتفاق المم
369
www.anassim.fr.st 370 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا وقال أيضا في موضع آخر ^ #إن مثل عيسى عند ال كمثل ءادم
خلقه من تراب ^ #فأعنى بقوله مثل عيسى إشارة إلى البشرية المأخوذة من مريم
الطاهرة لنه لم يذكر ها هنا اسم المسيح إنما ذكر عيسى فقط #كما أن آدم خلق من
غير جماع ول مباضعة فكذلك جسد السيد المسيح خلق من غير جماع ول مباضعة
وكما أن جسد آدم ذاق الموت فكذلك جسد المسيح ذاق الموت وقد يبرهن بقوله أيضا
قائل إن ال ألقى كلمته إلى مريم وذلك حسب قولنا معشر النصارى إن كلمة ال
الزلية الخالقة حلت في مريم وتجسدت بإنسان كامل وعلى هذا المثال نقول في
السيد المسيح طبيعتان طبيعة لهوتية
التي هي طبيعة كلمة ال وروحه وطبيعة ناسوتية التي أخذت من مريم العذراء
واتحدت به ولما تقدم به القول من ال تعالى على لسان موسى النبي إذ يقول أليس
هذا الب الذي خلقك وبراك واقتناك قيل وعلى لسان داود النبي روحك القدس ل
تنزع مني وأيضا على لسان داود النبي بكلمة ال تشددت السماوات وبروح فاه
جميع قواهن وليس يدل هذا القول على ثلثة خالقين بل خالق واحد الب ونطقه أي
كلمته وروحه أي حياته #والجواب من وجوه #أحدها أن قوله تعالى ^ #إن مثل
عيسى عند ال كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^ #كلم حق فإنه
سبحانه خلق هذا النوع البشري على القسام الممكنة ليبين عموم قدرته فخلق آدم من
غير ذكر ول أنثى وخلق زوجته حواء من ذكر بل أنثى كما قال تعالى ^ وخلق
منها زوجها ^ #وخلق المسيح من أنثى بل ذكر وخلق سائر الخلق من ذكر
سورة آل عمران اليات # 64 61وقد امتثل النبي قول ال فدعاهم إلى المباهلة #
370
www.anassim.fr.st 371 الن سي ــــ ـــ ـم
فعرفوا أنهم إن باهلوه أنزل ال عليهم لعنته فأقروا بالجزية وهم صاغرون ثم كتب
النبي إلى هرقل ملك الروم بقوله تعالى ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا ^ إلى آخرها #
وكان أحيانا يقرأ بها في الركعة الثانية من ركعتي الفجر ويقرأ في الولى بقوله ^ #
قولوا ءامنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد
^ منهم ونحن له مسلمون
وهذا كله يبين به أن المسيح عبد ليس بإله وأنه مخلوق كما خلق آدم وقد أمر أن #
يباهل من قال إنه إله فيدعو كل من المتباهلين أبناءه ونساءه وقريبه المختص به ثم
يبتهل هؤلء وهؤلء ويدعون ال أن يجعل لعنته على الكاذبين فإن كان النصارى
كاذبين في قولهم هو ال حقت اللعنة عليهم وإن كان من قال ليس هو ال بل عبد ال
كاذبا حقت اللعنة عليه وهذا إنصاف من صاحب يقين يعلم أنه على الحق #
والنصارى لما لم يعلموا أنهم على الحق نكلوا عن المباهلة وقد قال عقب ذلك ^ #
إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل ال وإن ال لهو العزيز الحكيم ^ #تكذيبا
للنصارى الذين يقولون هو إله حق من إله حق فكيف يقال إنه أراد أن المسيح فيه
لهوت وناسوت وأن هذا هو الناسوت فقط دون اللهوت وبهذا ظهر الجواب عن
قولهم قال في موضع آخر إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم فأعنى بقوله عيسى
إشارة إلى البشرية المأخوذة من مريم الطاهرة لنه لم يذكر ها هنا اسم المسيح
إنما ذكر عيسى فقط فإنه يقال عيسى هو المسيح بدليل أنه قال ^ #ما المسيح ابن
مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل ^ #فأخبر أنه ليس المسيح إل رسول ليس
هو بإله وأنه ابن مريم والذي هو ابن من مريم هو الناسوت وقال #سورة النساء
من اليتين # 172 171وقال تعالى ^ #وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك
قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ #وقال
تعالى ^ #لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا
^ إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض جميعا
الوجه الثاني أن ما ذكروه من موته قد بينا أن ال لم يذكر ذلك وأن المسيح لم #
يمت بعد وما ذكروه من أنه صلب ناسوته دون لهوته باطل من وجهين #فإن
ناسوته لم يصلب وليس فيه لهوت وهم ذكروا ذلك دعوى مجردة فيكتفى في
مقابلتها بالمنع #لكن نقول في الوجه الثالث إنهم في اتحاد اللهوت بالناسوت
يشبهونه تارة باتحاد الماء باللبن وهذا تشبيه اليعقوبية وتارة باتحاد النار بالحديد أو
النفس بالجسم وهذا تشبيه الملكانية وغيرهم #ومعلوم أنه ل يصل إلى الماء شيء
إل وصل إلى اللبن فإنه ل يتميز أحدهما عن الخر وكذلك النار التي في الحديد متى
طرق الحديد أو بصق عليه لحق ذلك بالنار التي فيه والبدن إذا ضرب وعذب لحق
ألم الضرب والعذاب بالنفس فكأن حقيقة تمثيلهم يقتضي أن اللهوت أصابه ما
أصاب الناسوت من إهانة اليهود وتعذيبهم له وإيلمهم له والصلب الذي ادعوه #
371
www.anassim.fr.st 372 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا لزم على القول بالتحاد فإن التحاد لو كان ما يصيب أحدهما ل يشركه
الخر فيه لم يكن هنا اتحاد بل تعدد
الرابع أن هؤلء الضلل لم يكفهم أن جعلوا إله السماوات والرض متحدا ببشر #
في جوف امرأة وجعلوة له مسكنا ثم جعلوا أخابث خلق ال أمسكوه وبصقوا في
وجهه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه بين لصين وهو في ذلك يستغيث بال
ويقول إلهي إلهي لم تركتني وهم يقولون الذي كان يسمع الناس كلمه هو اللهوت
كما سمع موسى كلم ال من الشجرة ويقولون هما شخص واحد ويقول بعضهم لهما
مشيئة واحدة وطبيعة واحدة #والكلم إنما يكون بمشيئة المتكلم فيلزم أن يكون
المتكلم الداعي المستغيث المصلوب هو اللهوت وهو المستغيث المتضرع وهو
المستغاث به وأيضا فهم يقولون إن اللهوت والناسوت شخص واحد فمع القول
بأنهما شخص واحد إما أن يكون مستغيثا وإما أن يكون مستغاثا به وإما أن يكون
داعيا وإما أن يكون مدعوا فإذا قالوا إن الداعي هو غير المدعو لزم أن يكونا اثنين
ل واحدا وإذا قالوا هما واحد فالداعي هو المدعو #الوجه الخامس أن يقال ل يخلو
إما أن يقولوا إن اللهوت كان قادرا على دفعهم على ناسوته وإما أن يقولوا لم يكن
قادرا فإن قالوا لم يكن قادرا لزم أن يكون أولئك اليهود أقدر من رب العالمين
وأن يكون رب العالمين مقهورا مأسورا مع قوم من شرار اليهود وهذا من أعظم
الكفر والتنقص برب العالمين وهذا أعظم من قولهم إن ل ولدا وأنه بخيل وأنه فقير
ونحو ذلك مما يسب به الكفار رب العالمين #وإن قالوا كان قادرا فإن كان ذلك من
عدوان الكفار على ناسوته وهو كاره لذلك فسنة ال في مثل ذلك نصر رسله
المستغيثين به فكيف لم يغث ناسوته المستصرخ به وهذا بخلف من قتل من النبيين
وهو صابر فإن أولئك صبروا حتى قتلوا شهداء والناسوت عندهم استغاث وقال
إلهي إلهي لماذا تركتني وإن كان هو قد فعل ذلك مكرا كما يزعمون أنه مكر
بالشيطان وأخفى نفسه حتى يأخذه بوجه حق فناسوته أعلم بذلك من جميع الخلق
فكان الواجب أن ل يجزع ول يهرب لما في ذلك من الحكمة وهم يذكرون من جزع
الناسوت وهربه ودعائه ما يقتضي أن كل ما جرى عليه كان بغير اختياره ويقول
بعضهم مشيئتهما واحدة فكيف شاء ذلك وهرب مما يكرهه الناسوت بل لو يشاء
اللهوت ما يكرهه كانا متباينين وقد اتفقا على المكر بالعدو ولم يجزع الناسوت كما
جرى ليوسف مع
أخيه لما وافقه على أنه يحمل الصواع في رحله ويظهر أنه سارق لم يجزع أخوه
لما ظهر الصواع في رحله كما جزع إخوته حيث لم يعلموا وكثير من الشطار
العيارين يمسكون ويصلبون وهم ثابتون صابرون فما بال هذا يجزع الجزع العظيم
الذي يصفون به المسيح وهو يقتضي غاية النقص العظيم مع دعواهم فيه اللهية #
الوجه السادس قولهم إنه كلمته وروحه تناقض منهم لن عندهم أقنوم الكلمة فقط ل
أقنوم الحياة #الوجه السابع قولهم وقد برهن بقوله رأينا أيضا في موضع آخر قائل
372
www.anassim.fr.st 373 الن سي ــــ ـــ ـم
إن ال ألقى كلمته إلى مريم وذلك حسب قولنا معشر النصارى إن كلمة ال الخالقة
الزلية حلت في مريم واتحدت بإنسان كامل # #فيقال لهم أما قول ال في القرآن
فهو حق ولكن ضللتم في تأويليه كما ضللتم في تأويل غيره من كلم النبياء وما
بلغوه عن ال
وذلك أن ال تعالى قال #سورة آل عمران اليات # 47 45ففي هذا الكلم وجوه
تبين أنه مخلوق وليس هو ما يقوله النصارى #منها أنه قال بكلمة منه وقوله بكلمة
منه نكرة في الثبات تقتضي أنه كلمة من كلمات ال ليس هو كلمه كله كما يقول
النصارى #ومنها أنه يبين مراده بقوله بكلمة منه وأنه مخلوق حيث قال ^ #كذلك
ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ #كما قال في الية
الخرى ^ #إن مثل عيسى عند ال كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
^ #وقال تعالى في سورة كهيعص ^ #ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه
يمترون ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
^
فهذه ثلث آيات في القرآن تبين أنه قال له كن فيكون وهذا تفسير كونه كلمة منه #
#وقال اسمه المسيح عيسى بن مريم أخبر أنه ابن مريم وأخبر أنه وجيه في الدنيا
والخرة ومن المقربين وهذه كلها صفة مخلوق وال تعالى وكلمه الذي هو صفته
ل يقال فيه شيء من ذلك وقالت مريم ^ أنى يكون لي ولد ^ #فبين أن المسيح
الذي هو الكلمة هو ولد مريم ل ولد ال سبحانه وتعالى #وقال في سورة النساء #
سورة النساء اليات # 173 171فقد نهى النصارى عن الغلو في دينهم وأن
يقولوا على ال غير الحق وبين أن المسيح عيسى بن مريم رسول ال وكلمته ألقاها
إلى
مريم وروح منه وأمرهم أن يؤمنوا بال ورسله فبين أنه رسولة ونهاهم أن يقولوا
ثلثة وقال انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد وهذا تكذيب لقولهم في المسيح أنه إله
حق من إله حق من جوهر أبيه ثم قال سبحانه أن يكون له ولد فنزه نفسه وعظمها
أن يكون له ولد كما تقوله النصارى ثم قال له ما في السماوات وما في الرض
فأخبر أن ذلك ملك له ليس فيه شيء من ذاته ثم قال لن يستنكف المسيح أن يكون
عبدا ل ول الملئكة المقربون أي لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا ل تبارك وتعالى
فمع هذا البيان الواضح الجلي هل يظن ظان أن مراده بقوله وكلمته أنه إله خالق أو
أنه صفة ل قائمة به وأن قوله وروح منه المراد به أنه حياته أو روحه منفصلة عن
ذاته #ثم نقول أيضا أما قوله وكلمته فقد بين مراده أنه خلقه بكن وفي لغة العرب
التي نزل بها القرآن أن يسمى المفعول باسم المصدر فيسمى المخلوق خلقا لقوله هذا
خلق ال ويقال درهم ضرب المير أي مضروب المير ولهذا يسمى المأمور به
أمرا والمقدور قدرة وقدرا والمعلوم علما والمرحوم به رحمة كقوله تعالى ^ #
^ وكان أمر ال قدرا مقدورا
373
www.anassim.fr.st 374 الن سي ــــ ـــ ـم
وقوله ^ #أتى أمر ال فل تستعجلوه ^ #وقال النبي يقول ال للجنة أنت رحمتي #
أرحم بك من أشاء من عبادي ويقول للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي
وقال إن ال خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة أنزل منها رحمة واحدة فيها يتراحم
الخلق ويتعاطفون وأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة جمع هذه
إلى تلك فرحم بها الخلق ويقال للمطر هذه قدرة عظيمة ويقال غفر ال لك علمه فيك
أي معلومه فتسمية المخلوق بالكلمة كلمة من هذا الباب #وقد ذكر المام أحمد في
كتاب الرد على الجهمية وذكره غيره أن النصارى الحلولية والجهمية المعطلة
اعترضوا على أهل السنة فقالت النصارى القرآن كلم ال غير مخلوق والمسيح
كلمة ال فهو غير مخلوق وقالت الجهمية المسيح كلمة ال وهو مخلوق والقرآن كلم
ال فيكون مخلوقا
وأجاب أحمد وغيره بأن المسيح نفسه ليس هو كلما فإن المسيح إنسان وبشر #
مولود من امرأة وكلم ال ليس بإنسان ول بشر ول مولود من امرأة ولكن المسيح
خلق بالكلم وأما القرآن فهو نفسه كلم ال فأين هذا من هذا #وقد قيل أكثر
اختلف العقلء من جهة اشتراك السماء وما من عاقل إذا سمع قوله تعالى في
المسيح عليه السلم أنه كلمته ألقاها إلى مريم إل يعلم أنه ليس المراد أن المسيح
نفسه كلم ال ول أنه صفة ال ول خالق #ثم يقال للنصارى فلو قدر أن المسيح
نفس الكلم فالكلم ليس بخالق فإن القرآن كلم ال وليس بخالق والتوراة كلم ال
وليست بخالقة وكلمات ال كثيرة وليس منها شيء خالق فلو كان المسيح نفس الكلم
لم يجز أن يكون خالقا فكيف وليس هو الكلم وإنما خلق بالكلمة وخص باسم الكلمة
فإنه لم يخلق على الوجه المعتاد الذي خلق عليه غيره بل خرج عن العادة فخلق
بالكلمة من غير السنة المعروفة في البشر #وقوله بروح منه ل يوجب أن يكون
منفصل من ذات ال كقوله تعالى ^ #وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض
^ جميعا منه
وقوله تعالى ^ #وما بكم من نعمة فمن ال ^ #وقال تعالى ^ #ما أصابك من #
حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك ^ ^ #لم يكن الذين كفروا من أهل
الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من ال يتلوا صحفا مطهرة فيها
كتب قيمة ^ #فهذه الشياء كلها من ال وهي مخلوقة وأبلغ من ذلك روح ال التي
أرسلها إلى مريم وهي مخلوقة #فالمسيح الذي هو روح من تلك الروح أولى أن
يكون مخلوقا قال تعالى ^ #فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني
أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ #
وقد قال تعالى ^ #ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا
^
وقال ^ #والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها ءاية #
374
www.anassim.fr.st 375 الن سي ــــ ـــ ـم
للعالمين ^ #فأخبر أنه نفخ في مريم من روحه كما أخبر أنه نفخ في آدم من روحه
وقد بين أنه أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن
كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا قالت أنى يكون لي غلم ولم
يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس
ورحمة منا وكان أمرا مقضيا حملته #فهذا الروح الذي أرسله ال إليها ليهب لها
غلما زكيا مخلوق وهو روح القدس الذي خلق المسيح منه ومن مريم فإذا كان
الصل مخلوقا فكيف الفرع الذي حصل منه وهو روح القدس وقوله عن المسيح
وروح منه خص المسيح بذلك لنه نفخ في أمه من الروح فحبلت به من ذلك النفخ
وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر فامتاز بأن حبلت به من نفخ الروح
فلهذا سمى روحا منه #ولهذا قال طائفة من المفسرين روح منه أي رسول منه
سماه باسم الروح الرسول الذي نفخ فيها فكما يسمى كلمة يسمى
روحا لنه كون بالكلمة ل كما يخلق الدميون غيره ويسمى روحا لنه حبلت به أمه
بنفخ الروح الذي نفخ فيها لم تحبل به من ذكر كغيره من الدميين وعلى هذا فيقال
لما خلق من نفخ الروح ومن مريم سمى روحا بخلف سائر الدميين فإنه يخلق من
ذكر وأنثى ثم ينفخ فيه الروح بعد مضي أربعة أشهر #والنصارى يقولون في
أمانتهم تجسد من مريم ومن روح القدس ولو اقتصروا على هذا وفسروا روح
القدس بالملك الذي نفخ فيها وهو روح ال لكان هذا موافقا لما أخبر ال به لكنهم
جعلوا روح القدس حياة ال وجعلوه ربا وتناقضوا في ذلك فإنه على هذا كان ينبغي
فيه أقنومان أقنوم الكلمة وأقنوم الروح وهم يقولون ليس فيه إل أقنوم الكلمة وكما
يسمى المسيح كلمة لنه خلق بالكلمة يسمى روحا لنه حل به من الروح #فإن قيل
فقد قال في القرآن ^ #والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك ^ #وقال
^ ^ #تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم
وقد قال أئمة المسلمين وجمهورهم القرآن كلم ال غير مخلوق منه بدا وقال في #
المسيح وروح منه قيل هذا بمنزلة سائر المضاف إلى ال إن كان عينا قائمة بنفسها
أو صفة فيها كان مخلوقا وإن كان صفة مضافا إلى ال كعلمه وكلمه ونحو ذلك
كان إضافة صفة وكذلك ما كان منه إن كان عينا قائمة أو صفة قائمة بغيرها كما
في السماوات والرض والنعم والروح الذي أرسله إلى مريم وقال إنما أنا رسول
ربك كان مخلوقا وإن كان صفة ل تقوم بنفسها ول يتصف بها المخلوق كالقرآن لم
يكن مخلوقا فإن ذلك قائم بال وما يقوم بال ل يكون مخلوقا والمقصود هنا بيان
بطلن احتجاج النصارى وأنه ليس لهم في ظاهر القرآن ول باطنه حجة في سائر
كتب ال وإنما تمسكوا بآيات متشابهات وتركوا المحكم كما أخبر ال عنهم بقوله #
^ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ^ #
والية نزلت في النصارى فهم مرادون من الية قطعا ثم قال ^ #وما يعلم تأويله
^ إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا
375
www.anassim.fr.st 376 الن سي ــــ ـــ ـم
وفيها قولن وقراءتان منهم من يقف عند قوله إل ال ويقول الراسخون في العلم #
ل يعلمون تأويل المتشابه ل يعلمه إل ال #ومنهم من ل يقف بل يصل بذلك قوله
تعالى ^ #والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ^ #ويقول
الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه وكل القولين مأثور عن طائفة من السلف
وهؤلء يقولون قد يكون الحال من المعطوف دون المعطوف عليه كما في قوله
تعالى ^ #والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا ^ #أي قائلين
وكل القولين حق باعتبار فإن لفظ التأويل يراد به التفسير ومعرفة معانيه #
والراسخون في العلم يعلمون تفسير القرآن قال الحسن البصري لم ينزل ال آية إل
وهو يحب أن يعلم في ماذا نزلت وماذا عنى بها #وقد يعنى بالتأويل ما استأثر ال
بعلمه من كيفية ما أخبر به عن نفسه وعن اليوم الخر ووقت الساعة ونزول عيسى
ونحو ذلك
فهذا التأويل ل يعلمه إل ال وأما لفظ التأويل إذا أريد به صرف اللفظ عن ظاهره
إلى ما يخالف ذلك لدليل يقترن به فلم يكن السلف يريدون بلفظ التأويل هذا ول هو
معنى التأويل في كتاب ال عز وجل #ولكن طائفة من المتأخرين خصوا لفظ
التأويل بهذا بل لفظ التأويل في كتاب ال يراد به ما يؤول إليه الكلم وإن وافق
ظاهره كقوله تعالى ^ #هل ينظرون إل تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من
قبل ^ #ومنه تأويل الرؤيا كقول يوسف الصديق ^ #هذا تأويل رءياى من قبل ^
2#وكقوله ^ #إل نبأتكما بتأويله ^ #وقوله ^ #ذلك خير وأحسن تأويل ^ #
وهذا مبسوط في موضع آخر #والمقصود هنا أنه ليس للنصارى حجة ل في ظاهر
النصوص ول في باطنها كما قال تعالى
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ # ^ #
والكلمة عندهم هي جوهر وهي رب ل يخلق بها الخالق بل هي الخالقة لكل شيء
كما قالوا في كتابهم إن كلمة ال الخالقة الزلية حلت في مريم وال تعالى قد أخبر
أنه سبحانه ألقاها إلى مريم والرب سبحانه هو الخالق والكلمة التي ألقاها ليست
خالقة إذ الخالق ل يلقيه شيء بل هو يلقي غيره وكلمات ال نوعان كونية ودينية #
فالكونية كقوله للشيء كن فيكون #والدينية أمره وشرعه الذي جاءت به الرسل
وكذلك أمره وإرادته وإذنه وإرساله وبعثه ينقسم إلى هذين القسمين وقد ذكر ال
تعالى إلقاء القول في غير هذا وقد قال تعالى ^ #ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم
لست مؤمنا ^ #وقال تعالى ^ #وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلء
شركاؤنا
الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى ال يومئذ السلم
^ #وقال تعالى ^ #يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة ^ #وأما لقنته القول ولقيته فتلقاه فذلك إذا أردت أن تحفظه بخلف ما
376
www.anassim.fr.st 377 الن سي ــــ ـــ ـم
إذا ألقيته إليه فإن هذا يقوله فيما يخاطبه به وإن لم يحفظه كمن ألقيت إليه القول
بخلف القول إنكم لكاذبون وألقوا إليهم السلم وليس هنا إل خطاب سمعوه لم
يحصل نفس صفة المتكلم في المخاطب فكذلك مريم إذا ألقى ال كلمته إليها وهي
قول كن لم يلزم أن تكون نفس صفته القائمة به حلت في مريم كما لم يلزم أن تكون
صفته القائمة به حلت في سائر من ألقى إليه كلمه كما ل تحصل صفة كل متكلم
فيمن يلقى إليه كلمه
فصل #وأما قولهم وعلى هذا المثال نقول في السيد المسيح طبيعتان #طبيعة
لهوتية التي هي طبيعة كلمة ال وروحه #وطبيعة ناسوتية التي أخذت من مريم
العذراء واتحدت به #فيقال لهم كلم النصارى في هذا الباب مضطرب مختلف
متناقض وليس لهم في ذلك قول اتفقوا عليه ول قول معقول ول قول دل عليه كتاب
بل هم فيه فرق وطوائف كل فرقة تكفر الخرى كاليعقوبية والملكانية والنسطورية
ونقل القوال عنهم في ذلك مضطربة كثيرة الختلف #ولهذا يقال لو اجتمع عشرة
نصارى لتفرقوا على أحد عشر قول وذلك أن ما هم عليه من اعتقادهم من التثليث
والتحاد كما هو مذكور في أمانتهم لم ينطق به شيء من كتب النبياء ول يوجد ل
في كلم
النصاري وغيرهما أن القديم واحد بالجوهر ثلثة بالقنوم وأنهم يعنون بالقنوم
الوجود والحياة والعلم #ونقلوا عنهم أن الحياة والعلم ليسا بوصفين زائدين على
الذات موجودين بل هما صفتان نفسيتان للجوهر قالوا ولو مثل مذهبهم بمثال لقيل
إن القانيم عندهم تنزل منزلة الحوال والصفات النفسية عند مثبتيها من المسلمين
فإن سوادية اللون ولونيته صفتان نفسيتان للعرض قال وربما يعبرون عن القانيم
بالب وروح القدس فيعنون بالب الوجود وبالبن المسيح والكلمة وربما سمو العلم
كلمة والكلمة علما ويعبرون عن الحياة بالروح قال ول يريدون بالكلمة الكلم فإن
377
www.anassim.fr.st 378 الن سي ــــ ـــ ـم
الكلم عندهم من صفات الفعل ول يسمون العلم قبل تدرعه بالمسيح واتحاده به ابنا
بل المسيح عندهم مع ما تدرع به ابن قالوا ومن مذهبهم أن الكلمة اتحدت بالمسيح
وتدرعت بالناسوت ثم اختلفوا في معنى التحاد فمنهم من فسره بالختلط
والمتزاج وهذا مذهب طوائف من اليعقوبية والنسطورية والملكانية قالوا إن الكلمة
خالطت جسد المسيح ومازجته كما مازج الخمر الماء أو اللبن قالوا وهذا مذهب
الروم ومعظمهم الملكانية قالوا فمازجت الكلمة جسد المسيح فصارت شيئا واحدا
وصارت الكثرة قلة #وذهبت طائفة من اليعاقبة إلى أن الكلمة انقلبت لحما ودما
وقالوا وصارت شرذمة من كل صنف إلى أن المراد بالتحاد ظهور اللهوت على
الناسوت كظهور الصورة في المرآة والنقش في الخاتم #ومنهم من قال ظهور
اللهوت على الناسوت كاستواء الله على العرش عند المسلمين وذهب كثير من
هذه الطوائف إلى أن المراد بالتحاد الحلول قالوا وقد اختلفوا أيضا في الجوهر
والقانيم
فذهبت اليعقوبية والنسطورية إلى أن الجوهر ليس بغير القانيم #ول يقال إنه هي
وصرحت الملكانية بأنه غير القانيم وآخرون قالوا هو القانيم #قالوا وافترقت
النصارى من وجه آخر فذهبت الروم إلى التصريح بإثبات ثلثة آلهة وامتنعت
اليعقوبية والنسطورية من ذلك في وجه والتزموه من وجه وذلك أنهم قالوا الكلمة إله
والروح إله والب إله والثلثة القانيم التي كل أقنوم إله إله واحد #قالوا وذهبت
شرذمة من النصارى إلى أن عيسى كان ابنا ل على جهة الكرامة فكما اتخذ ال
إبراهيم خليل كذلك اتخذ عيسى ابنا #قالوا وهؤلء يقال لهم الريوسية فهذا نقل
طائفة من نظار المسلمين وهذا قول لمن قاله من النصارى وفيه ما هو مخالف
لصريح أمانتهم وما عليه جمهورهم مثل قوله إنهم ل يسمون العلم قبل تدرعه
بالمسيح ابنا بل المسيح مع ما تدرع به ابن فإن هذا خلف ما عليه فرق النصارى
من الملكانية واليعقوبية والنسطورية وخلف ما تضمنته أمانتهم إذ صرحوا فيها بأن
الكلمة ابن قديم أزلي مولود قبل الدهور وهذا صفة اللهوت عندهم وفيها أشياء
يقولها بعض النصارى ل كلهم وكذلك نقلهم عنهم أنهم ل يريدون بالكلمة الكلم فإن
الكلم عندهم صفة فعل وهذا قول طائفة منهم ومن
اليهود وكثير منهم أو أكثرهم يقولون إن كلم ال غير مخلوق وينكرون على من
يقول إنه مخلوق #ونقلت طائفة أخرى منهم أبو الحسن بن الزاغوني عنهم ما
يوافق هذا من وجه دون وجه فقالوا اتفقت طوائف النصارى على أن ال ليس بجسم
واتفقوا على أنه جوهر واحد ثلثة أقانيم وأن كل واحد من القانيم جوهر خاص
يجمعها الجوهر العام ثم اختلفوا فقال بعضهم إن القانيم مختلفة في القنومية متفقة
في الجوهرية #وقال آخرون ليست مختلفة في القنومية بل متغايرة وقال فريق
منهم إن كل واحد منها ل هو الخر ول هو غيره وليست متغايرة ول مختلفة
وزعموا أن الجوهر ليس هو غيرها إل ما ذكر عن طائفة من الملكانية فإنهم قالوا
إن القانيم هي الجوهر غير القانيم وزعموا أن الجوهر هو الب والقانيم الحياة
378
www.anassim.fr.st 379 الن سي ــــ ـــ ـم
وهي روح القدس والقدرة والعلم وأن ال اتحد بأحد القانيم الذي هو البن بعيسى
ابن مريم وكان مسيحا عند التحاد لهوتا وناسوتا حمل وولد ونشأ وقتل وصلب
ودفن
واختلفوا أيضا فقالت النسطورية إن المسيح جوهران أقنومان قديم ومحدث # 2
وأن اتحاده إنما هو بالمشيئة وأن مشيئتهما واحدة وإن كانا جوهرين #وقالت
اليعقوبية لما اتحدا صار الجوهران الجوهر القديم والجوهر المحدث جوهرا واحدا
#واختلفوا هاهنا فقال بعضهم الجوهر المحدث صار قديما وزعم آخرون أنهما لما
اتحدا صارا جوهرا واحدا قديما من وجه محدثا من وجه آخر #وقالت الملكانية إن
المسيح جوهران أقنوم واحد وحكى عن بعضهم أنه أقنومان جوهر واحد وقالت
الريوسية إن ال ليس بجسم ول أقانيم له وأن المسيح لم يصلب ولم يقتل وأنه نبي
وحكى عن بعضهم أنه قال المسيح ليس بابن ال وحكى عن بعضهم أنه ابن ال على
التسمية والتقريب #واختلفوا في الكلمة الملقاة إلى مريم فقالت طائفة منهم إن الكلمة
حلت في مريم حلول الممازجة كما يحل الماء في اللبن فيمازجه ويخالطه وقالت
طائفة منهم إنها حلت في مريم من غير ممازجة كما أن شخص النسان يحل في
المرآة وفي الجسام الصقيلة من غير ممازجة
وقال قوم منهم التحاد مثل ظهور صورة النسان في المرآة وكظهور الطابع في #
المطبوع مثل الخاتم في الشمع وقال قوم منهم الكلمة اتحدت بجسد المسيح على
معنى أنها حلته من غير مماسة ول ممازجة كما نقول ال في السماء على العرش
من غير مماسة ول ممازجة وكما نقول إن العقل جوهر حال في النفس من غير
مخالطة للنفس ول مماسة لها وقالت الملكانية التحاد أن الثنين صارا واحدا
وصارت الكثرة قلة #وهذا الذي نقله عنهم أبو الحسن الزاغوني هو نحو ما نقله
عنهم القاضي أبو بكر ابن الطيب والقاضي أبو يعلى وغيرهما وقال أبو محمد بن
379
www.anassim.fr.st 380 الن سي ــــ ـــ ـم
حزم النصارى فرق منهم أصحاب أريوس وكان قسيسا بالسكندرية ومن قوله
التوحيد المجرد وأن عيسى عبد
مخلوق وأنه كلمة ال التي بها خلق السماوات والرض وكان في زمن قسطنطين
الول باني القسطنطينية وأول من تنصر من ملوك الروم وكان على مذهب أريوس
هذا #قال ومنهم أصحاب بولس الشمشاطي وكان بطرياركا بأنطاكية قبل ظهور
النصرانية وكان قوله بالتوحيد المجرد الصحيح وأن عيسى عبد ال ورسوله كأحد
النبياء عليهم السلم خلقه ال في بطن أمه مريم من غير ذكر وأنه إنسان ل إلهية
فيه البتة وكان يقول ل أدري ما الكلمة ول الروح القدس قال وكان منهم أصحاب
مقدنيوس كان بطرياركا بالقسطنطينية بعد ظهور النصرانية أيام قسطنطين بن
قسطنطين باني القسطنطينية وكان هذا الملك أريوسيا كأبيه وكان من قول
مقدونيوس هذا التوحيد المجرد وأن عيسى عليه السلم عبد مخلوق إنسان نبي
رسول كسائر النبياء عليهم السلم وأن عيسى هو روح القدس وكلمة ال وأن روح
القدس والكلمة مخلوقان خلق ال كل ذلك قال وكان منهم البربرانية وهم يقولون إن
عيسى وأمه إلهان من دون ال تعالى قال وهذه الفرق قد بادت وعمدتهم اليوم ثلث
فرق وأعظمها فرق الملكانية وهي مذهب جميع ملوك النصارى حيث كانوا حاشا
الحبشة والنوبة ومذهب عامة أهل كل مملكة النصارى حاشا النوبة والحبشة وهو
مذهب جميع نصارى إفريقية وصقلية
والندلس وجمهور الشام وقولهم أن ال تعالى عن قولهم ثلثة أشياء أب وابن وروح
القدس كلها لم تزل وأن عيسى إله تام كله وإنسان تام ليس أحدهما غير الخر وأن
النسان منه هو الذي صلب وقتل وأن الله منه لم ينله شيء من ذلك وأن مريم
ولدت الله والنسان وأنهما معا شيء واحد ابن ال تعالى ال عن كفرهم #وقالت
النسطورية مثل ذلك سواء بسواء إل أنهم قالوا إن مريم لم تلد الله وإنما ولدت
النسان وأن ال لم يلد النسان وإنما ولد الله تعالى ال عن كفرهم وهذه الفرقة
غالبة على الموصل والعراق وفارس وخراسان وهم منسوبون إلى نسطور وكان
بطرياركا بالقسطنطينية #وقالت اليعقوبية إن المسيح هو ال نفسه وأن ال تعالى
ال عن عظيم كفرهم مات وصلب وقتل وأن العالم بقي ثلثة أيام بل
مدبر والفلك بل مدبر ثم قام ورجع كما كان وال تعالى عاد محدثا والمحدث عاد
قديما وال تعالى كان في بطن مريم محمول به وهم في اعمال مصر وجميع النوبة
وجميع الحبشة وملوك المتين المذكورتين #قلت ومن أخبر الناس بمقالتهم من
كان من علمائهم وأسلم على بصيرة بعد الخبرة بكتبهم ومقالتهم كالحسن بن أيوب
الذي كتب رسالة إلى أخيه علي بن أيوب يذكر فيها سبب إسلمه ويذكر الدلة على
بطلن دين النصارى وصحة دين السلم قال في رسالته إلى أخيه لما كتب إليه
يسأله عن سبب إسلمه بعد أن ذكر خطبته ثم أعلمك أرشدك ال أن ابتداء أمري في
380
www.anassim.fr.st 381 الن سي ــــ ـــ ـم
من عشرين سنة لما كنت أقف عليه في المقالة من فساد التوحيد ل عز وجل بما
أدخل فيه من القول بالثلثة القانيم وغيرها مما تضمنته شريعة النصارى ووضع
الحتجاجات التي ل تزكو ول تثبت في تقرير ذلك وكنت إذا تبحرته وأجلت الفكر
فيه بان لي عواره ونفرت نفسي من قبوله وإذا فكرت في دين السلم الذي من ال
علي به وجدت أصوله ثابتة وفروعه مستقيمة وشرائعه جميلة #وأصل ذلك ما ل
يختلف فيه أحد ممن عرف ال عز وجل منكم ومن غيركم وهو اليمان بال الحي
القيوم السميع البصير الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل إله إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والسباط وإله موسى وعيسى وسائر النبيين والخلق أجمعين الذي
ل ابتداء له ول انتهاء ول ضد ول ند ولم يتخذ صاحبة ول ولدا الذي خلق الشياء
كلها ل من شيء ول على مثال بل كيف شاء وبأن قال لها كوني فكانت على ما قدر
وأراد وهو العليم القدير الرؤوف الرحيم الذي ل يشبهه شيء وهو الغالب فل يغلب
والجواد فل يبخل ل يفوته مطلوب ول تخفى عليه خافية يعلم خائنة العين وما
تخفي الصدور وما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج
فيها وكل مذكور أو موهوم هو منه وكل ذلك به وكل له قانتون ثم نؤمن بأن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون ونؤمن بموسى وعيسى وسائر النبياء عليهم الصلة والسلم ل نفرق
بين أحد منهم ونؤمن بالتوراة والنجيل والزبور والقرآن وسائر الكتب التي أنزلها
ال تعالى على أنبيائه وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور وأن
البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ذلك بما كسبت أيديهم
وأن ال ليس بظلم للعبيد #قال وكان يحملني إلف ديني وطول المدة والعهد عليه
والجتماع مع الباء والمهات والخوة والخوات والقارب والخوان والجيران
وأهل المودات على التسويف بالعزم والتلبث على إبرام المر ويعرض مع ذلك
الفكر في إمعان النظر والزدياد في البصيرة فلم أدع كتابا من كتب أنبياء التوراة
والنجيل والزبور وكتب النبياء والقرآن إل نظرت فيه وتصفحته ول شيئا من
مقالت النصرانية إل تأملته فلما لم أجد للحق مدفعا ول للشك فيه موضعا ول للناة
والتلبث وجها خرجت مهاجرا إلى ال عز وجل بنفسي هاربا بديني عن نعمة وأهل
مستقر ومحل وعز ومتصرف في عمل فأظهرت ما أظهرته عن نية صحيحة
وسريرة صادقة ويقين ثابت فالحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا
ال لقد جاءت رسل ربنا بالحق
وإياه تعالى نسأل أن ل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو
الوهاب #قال ولما نظرت في مقالت النصارى وجدت صنفا منهم يعرفون
بالريوسية يجردون توحيد ال ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلم ول يقولون
فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ول بنوة خاصة ول غيرهما وهم متمسكون
381
www.anassim.fr.st 382 الن سي ــــ ـــ ـم
بإنجيل المسيح مقرون بما جاء به تلميذه والحاملون عنه فكانت هذه الطبقة قريبة
من الحق مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد ودفع ما جاء به من الكتاب والسنة #
قال ثم وجدت منهم صنفا يعرفون باليعقوبية يقولون إن المسيح طبيعة واحدة من
طبيعيتين إحداهما طبيعة الناسوت والخرى طبيعة اللهوت وأن هاتين الطبيعتين
تركبتا كما تركبت النفس مع البدن فصارتا إنسانا واحدا وجوهرا واحدا وشخصا
واحدا وأن هذه الطبيعة الواحدة والشخص والواحد هو المسيح وهو إله كله وإنسان
كله وهو شخص واحد وطبيعة واحدة من طبيعتين #وقالوا إن مريم ولدت ال
تعالى ال عما يقولون وإن ال مات وتألم وصلب متجسدا ودفن وقام من بين
الموات وصعد إلى
السماء فجاءوا من القول بما لو عرض على السماء لنفطرت أو على الرض
لنشقت أو على الجبال لنهدت فلم يكن لمحاجة هؤلء وجه إذ كان كفرهم بما
صرحوا به أوضح من أن يقع فيه الشك وكان غيرهم من النصارى كالمالكانية
والنسطورية يشهدون بذلك عليهم #قال ثم نظرت في قول الملكانية وهم الروم وهم
أكثر النصارى فوجدتهم قالوا إن البن الزلي الذي هو ال الكلمة تجسد من مريم
تجسدا كامل كسائر أجساد الناس وركب في ذلك الجسد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة
والعلم كسائر أنفس الناس وأنه صار إنسانا بالنفس والجسد اللذين هما من جوهر
الناس وإلها بجوهر اللهوت كمثل أبيه لم يزل وهو إنسان بجوهر الناسوت مثل
إبراهيم وداود وهو شخص واحد لم يزد عدده وثبت له جوهر اللهوت كما لم يزل
يصح له جوهر الناسوت الذي لبسه من مريم وهو شخص واحد لم يزد عدده
وطبيعتان ولكل واحدة من الطبيعتين مشيئة كاملة فله بلهوته مشيئة مثل الب
والروح وله بناسوته مشيئة مثل مشيئة إبراهيم وداود #وقالوا إن مريم ولدت إلها
وأن المسيح وهو اسم يجمع
اللهوت والناسوت مات وقالوا إن ال لم يمت والذي ولدت مريم قد مات بجوهر
ناسوته فهو إله تام بجوهر لهوته وإنسان تام بجوهر ناسوته وله مشيئة اللهوت
ومشيئة الناسوت وهو شخص واحد ل نقول شخصان لئل يلزمنا القول بأربعة أقانيم
#قال فهؤلء أتوا من ذلك بمثل ما أتت به اليعقوبية في ولدة مريم ال تعالى ال
عما يقول الظالمون وقالوا إن المسيح وهو اسم ل تشك جماعة النصارى أنه واقع
على اللهوت والناسوت مات وأن ال لم يمت فكيف يكون ميتا لم يمت وقائما قاعدا
في حال واحدة وهل بين المقالتين فرق إل ما اختلفوا فيه من الطبائع #قال ثم
نظرت في قول النسطورية فوجدتهم قالوا إن المسيح شخصان وطبيعتان لهما مشيئة
واحدة وأن طبيعة اللهوت التي للمسيح غير طبيعة ناسوته وأن طبيعة اللهوت لما
توحدت بالناسوت بشخصها
الكلمة التي صارت الطبيعتان بجهة واحدة وإرادة واحدة واللهوت ل يقبل زيادة
ول نقصان ول يمتزج بشيء والناسوت يقبل الزيادة والنقصان فكان المسيح بتلك
382
www.anassim.fr.st 383 الن سي ــــ ـــ ـم
إلها وإنسانا فهو إله بجوهر اللهوت الذي ل يزيد ول ينقص وهو إنسان بجوهر
الناسوت القابل للزيادة والنقصان #وقالوا إن مريم ولدت المسيح بناسوته وإن
اللهوت لم يفارقه قط منذ توحدت بناسوته #وقال فوجدنا اليعقوبية قد صرحوا بأن
مريم ولدت ال تعالى عما يصفه المبطلون ويقوله العادلون وأنه تألم وصلب ومات
وقام بعد ثلثة أيام من بين الموتى وهذا الكفر الذي تشهد به عليهم سائر ملل
النصارى وغيرهم ووجدنا الملكانية قد حادوا عن هذا التصريح إلى ما هو دونه في
الظاهر فقالوا إن المسيح شخص واحد و طبيعتان فلكل واحدة من الطبيعتين مشيئة
فله بلهوته مشيئة مثل الب والروح وله بناسوته مشيئة كمشيئة إبراهيم وداود
وأوهموا الواقف على قولهم أنهم بما اخترعوه من هذا الختيار قد فرقوا بين
اللهوت والناسوت ثم عادوا إلى قول اليعقوبية فقالوا إن مريم ولدت إلها وأن
المسيح وهو اسم يجمع اللهوت والناسوت عند جماعتهم ل يشكون في ذلك مات
بالجسد وأن ال لم يمت والذي قد ولدته مريم قد مات بجوهر ناسوته فكيف يكون
ميت لم يمت وهل بين المقالتين إل ما اختلفوا فيه من الطبائع فرق
وإذا كانوا قد اعترفوا بأن مريم ولدت ال وأن الذي ولدته مريم وهو المسيح #
السم الجامع للجوهرين للهوت والناسوت قد مات فهل وقعت الولدة والموت
وسائر الفعال التي تحكي النصارى أنها فعلت بالمسيح إل عليهما #فكيف يصح
لذي عقل عبادة مولود من امرأة بشرية قد مات ونالته العلل والفات #قلت ومما
يوضح تناقضهم أنهم يقولون إن المسيح وهو اللهوت والناسوت شخص واحد
وأقنوم واحد مع قولهم أنهما جوهران بطبيعتين ومشيئتين فيثبتون للجوهرين أقنوما
واحدا ويقولون هو شخص واحد ثم يقولون إن رب العالمين إله واحد وأقنوم واحد
وجوهر واحد وهو ثلثة أقانيم فيثبتون للجوهر الواحد ثلثة أقانيم وللجوهرين
المتحدين أقنوما واحدا مع أن مشيئة القانيم الثلثة عندهم واحدة والناسوت
واللهوت يثبتون لهما مشيئتين وطبيعتين ومع هذا هما عندهم شخص واحد أقنوم
واحد وهذا يقتضي غاية التناقض سواء فسروا القنوم بالصفة أو الشخص أو الذات
مع الصفة أو أي شيء قالوه #وهو يبين أن الذين تكلموا بهذا الكلم ما تصوروا ما
قالوه
بل كانوا ضلل جهال بخلف ما يقوله النبياء فإنه حق فلهذا ل يوجد عن المسيح
ول غيره من النبياء ما يوافق قولهم في التثليث والقانيم والتحاد ونحو ذلك مما
ابتدعوه بغير سمع وعقل بل ألقوا أقوال مخالفة للشرع والعقل #ثم قال الحسن بن
أيوب ثم وجدنا النصارى المعروفين بالنسطورية قد خالفوا اليعقوبية والملكانية في
قولهم بشخصين لهما مشيئة واحدة وأن الطبيعتين اتحدتا فصارتا بجهة واحدة ثم
عادوا إلى شبيه قولهم في أن مريم ولدت المسيح فإذا كانت ولدت المسيح فقد لزمهم
ووجب عليه القرار بأنها ولدت هذا اللهوت والناسوت المتحدين #وقد رجع
المعنى إلى قول اليعقوبية إل أنهم اختاروا لذلك ألفاظا زوقوها وقدروا بها التمويه
على السامع ولم يصرحوا بالقول كتصريح اليعقوبية لن المتحد بالشيء هو الممازج
383
www.anassim.fr.st 384 الن سي ــــ ـــ ـم
له والمجتمع معه حتى صار مازجه وهو شيئا واحدا ثم أكدوا القول بإقرارهم أن
الناسوت منذ اتحد باللهوت لم يفارقه فما لم يفارق الشيء هل هو إل يجري مجراه
في سائر متفرقاته من ضر ونفع وخير وشر وحاجة وغنى #قال وأما قولهم إن
مريم ولدت المسيح بناسوته فهذه أغلوطة وإل فكيف يولد ولد متحد بشيء آخر
مجامع له دون ذلك الشيء وكيف يكون ذاك وهم يقولون إنه لم يفارقه قط وهل
يصح
هذا عند أهل النظر أو ليس الحكم عند كل ناظر ومن كل ذي عقل يوجب أن تكون
الولدة واقعة على اللهوت والناسوت معا بمعنى التحاد وبمعنى السم الجامع
للهوت والناسوت وهو المسيح وكذلك الحمل بهما جميعا وأن يكون البطن قد
حواهما #قال فإن لجوا في الباطل ودافعوا عن قبيح هذه المقالة ومالوا إلى تحسينها
بالتمويهات المشككة لمن قصرت معرفته فنحن نقيم عليهم شاهدا من أنفسهم ل
يمكنهم دفعه وذلك أن شريعة إيمانهم التي ألفها لهم رؤساؤهم من البطاركة
والمطارنة والساقفة والحبار في دينهم وذوي العلم منهم بحضرة الملك عند
اجتماعهم من آفاق الرض بمدينة قسطنطينية وكانوا ثلثمائة وثمانية عشر رجل
يصفون أنهم نطقوا بها بروح القدس وهي التي لم تختلف جماعتهم عند اختلفهم في
المقالت فيها ول يتم لهم قربان إل بها على هذا النسق الذي نبينه نؤمن بال الب
مالك كل شيء صانع ما يرى وما ل يرى وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن ال
الواحد بكر الخلئق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي
بيده أتقنت العوالم وخلق كل شيء الذي من أجلنا معشر البشر ومن
أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وحبل به وولد
من مريم البتول وتألم وصلب أيام قيطوس بن بيلطوس ودفن وقام في اليوم الثالث
كما هو مكتوب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة
أخرى للقضاء بين الموات والحياء ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي
يخرج من أبية روح ومجيئه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة
قديسية سليخية جاثليقية وبقيامة أبداننا وبالحياة الدائمة إلى أبد البدين #قال فهذه
الشريعة يجتمع على اليمان بها وبذل المهج فيها وإخراج النفس دونها جماهيرهم
من الملكانية واليعقوبية والنسطورية #وقد اعترفوا فيها جميعا بأن الرب المسيح
الذي هذه صفته على ما اقتصصناه منها الله الحق من الله الحق نزل من السماء
وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول وتألم وصلب
قال فهل في هذا القرار شبهة أو علقة يتعلق بها العنت المدافع عن الحجة #
فتدبروا هذا القول يا معشر النصارى فإنه ل يمكن أحد منكم أن يخرج عنه ول أن
يدفع ما صرح به فإنكم إن قلتم إن المقتول المصلوب هو ال فمريم على قولكم
ولدت ال سبحانه وتعالى عما يقولون وإن قلتم أنه إنسان فمريم ولدت إنسانا وفي
ذلك أجمع بطلن شريعة إيمانكم فاختاروا أي القولين شئتم فإن فيه نقض الدين #
384
www.anassim.fr.st 385 الن سي ــــ ـــ ـم
قال وقد يجب على ذوي العقول أن تزجرهم عقولهم عن عبادة إله ولدته مريم وهي
امرأة آدمية ثم مكث على الرض ثلثين سنة تجري عليه أحكام الدميين من غذاء
وتربية وصحة وسقم وخوف وأمن وتعلم وتعليم ل يتهيأ لكم أن تدعوا أنه كان منه
في تلك المدة من أسباب اللهوتية شيء ول له من أحوال الدميين كلها من حاجتهم
وضروراتهم وهمومهم ومحنهم وتصرفاتهم مخرج ثم أحدث بعد هذه المدة الطويلة
ما أحدثه من إظهار أمر ال تعالى والنبوات واليات الباهرة المعجزة بقوة ال تعالى
وقد كان من غيره من النبياء مثلها وما هو أعلى منها فكانت مدته في ذلك أقل من
ثلث سنين ثم انقضى أمره بما يصفون أنه انقضى به وينسبونه إليه من حبس
وضرب وقذف وصلب وقتل فهل تقبل العقول ما يقولون من
أن إلها نال عباده منه مثل ما تذكرون أنه نيل منه #فإن تأولتم أن ذلك حل بالجسم
وليس بالقياس يحتمل ذلك لما شرحناه من معنى اتحاد اللهوت به أفليس قد وقع
بجسم توحدت اللهوتية به وحلت الروح فيه وقد أنجبه ال على ما تزعمون
وتصفون لخلص الخلق وفوض إليه القضاء بين العباد في اليوم الذي يجتمع فيه
الولون والخرون للحساب وقد وجدناكم تؤثرون أخبارا في قوم عرضوا التوابيت
فيها شهداء لكم بأن اليدي التي بسطت إليها جفت أو هل نال أحدا من الجزع والهلع
والغم والقلق والتضرع إلى ال في إزالة ما حل به مثل ما يحكى في النجيل أنه ناله
ووجدنا الكتب تنبىء بأنه نيل من جورجيس أحد من كان على دين المسيح من
العذاب الشديد بالقتل والحرق والنشر بالمناشير ما لم يسمع بمثله في أحد من الخلق
ونال خلقا كثيرا من تلمذته أيضا عذاب شديد #وقيل لما كان الملوك المحاربون
لهم يسومونهم إياه من الرجوع عن أديانهم إلى الكفر الذي كان أولئك الملوك عليه
فصبروا على ذلك واحتسبوا أنفسهم فلم يهربوا من الموت وقد كان يمكنهم الهرب
من
بلد إلى بلد والستتار وإخفاء أشخاصهم وما أظهروا في حال من تلك الحوال جزعا
ول هلعا وهم بعض الدميين التابعين له لنه خفف عنهم ما كانوا ينالون به بتأييد
ال عز وجل إياهم #قال ثم نقول قول آخر قد نستدل على صحة هذه الشريعة من
سقمها بأربعة أوجه ل يقع في شيء منها شك ول طعن ول زيادة ول نقصان وهي
أصل أمر المسيح عندكم #فأولها البشرى التي أتى بها جبريل عليه السلم #
والثانية قول يحيى بن زكريا الذي شهد له المسيح بأنه لم تقم النساء عن مثله #
والثالثة النداء المسموع من السماء #والرابعة قول المسيح عن نفسه حين سأله
يحيى عن شأنه #والذي قال جبريل على ما ثبت في إنجيلكم لمريم حين بشرها
السلم عليك أيتها الممتلئة نعما ربنا معك أيتها المباركة في النساء فلما رأته مريم
ذعرت منه فقال ل ترهبي يا مريم فقد فزت بنعمة من ربك فها أنت تحبلين وتلدين
ابنا وتسميه يسوع ويكون كبيرا ويسمى ابن ال العلي ويعطيه ال الرب كرسي أبيه
داود ويكون ملكا على آل يعقوب إلى البد فقالت مريم أنى يكون لي ذلك ولم
385
www.anassim.fr.st 386 الن سي ــــ ـــ ـم
يمسسني رجل قال له الملك إن روح القدس يأتيك أو قال يحل فيك وقوة العلي تحبلك
من أجل ذلك يكون الذي يولد منك قديسا ويسمى ابن ال العلي #قال فلم نر الملك
قال لها إن الذي تلدين هو خالقك وهو الرب كما سميتموه بل أزال الشك في ذلك بأن
قال إن ال الرب يعطية كرسي أبيه داود ويصطفيه ويكرمه وأن داود النبي أبوه
وأنه يسمى ابن ال وما قال أيضا أنه يكون ملكا على الرض وإنما جعل له الملك
على بني إسرائيل فقط وقد علمتم أن من يسمى بابن ال كثير ل يحصون فمن ذلك
إقراركم بأنكم جميعا أبناء ال
بالمحبة وقول المسيح أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم في غير موضع من النجيل ثم
تسمية ال يعقوب وغيره بنيه خصوصا فالسبيل في المسيح إذا لم تلحقوه في هذا
السم بالجمهور أن يجري في هذه التسمية مجرى الجماعة الذين اختصوا بها من
النبياء والبرار ونسبة الملك إياه إلى أبيه داود تحقق أن أباه داود وأن التسمية
الولى على جهة الصطفاء والمحبة وأن حلول الروح عليه على الجهة التي قالها
متى التلميذ للشعب عن المسيح في النجيل لستم أنتم متكلمين بل روح ال تأتيكم
تتكلم فيكم #فأخبر أن الروح تحل في القوم أجمعين وتتكلم فيهم وقال الملك في
بشارته لمريم بالمسيح عليه السلم إنه يكون ملكا على آل يعقوب فخص آل يعقوب
بتملكه عليهم دون غيرهم من الناس ولم يقل إنه يكون إلها للخلئق ومعنى قول
جبريل عليه السلم
لمريم ربنا معك مثل معنى قول ال عز وجل لموسى وغيره من النبياء إني معكم
فقد قال ليوشع بن نون إني أكون معك كما كنت مع موسى عبدي فقول النصارى
كلهم في مجاري لغتهم ومعاني ألفاظهم أن ال عز وجل وروح القدس مع كل
خطيب وراهب وفاضل في دينه على هذه السبيل #قال وأما النداء الذي سمعه
يحيى بن زكريا من السماء في المسيح وشهادة يحيى له فإن متى قال في إنجيله إن
المسيح عليه السلم لما خرج من الردن تفتحت له السماء فنظر يحيى إلى روح
القدس قد نزلت على المسيح كهيئة حمامة وسمع نداء من السماء إن هذا ابني
الحبيب الذي اصطفيته
فقد علمنا وعلمتم أن المصطفى مفعول والمفعول مخلوق وليس يستنكف المسيح #
عليه السلم من العتراف بذلك عن العتراف بذلك في كل كلمه وما زال يقول
إلهي وإلهكم وأبي وأبيكم وكلما يصحح به أنه عبد مرسل مربوب مبعوث مأمور
يؤدي ما سمع ويفعل ما حد له ونحن نشرح هذا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء
ال تعالى #ثم قال وقد وجدنا المسيح عليه السلم أحتاج إلى تكميل أمرة بمعمودية
يحيى له فصار إليه لذلك وسأله إياه فليس مرتبة المقصود بدون مرتبة القاصد
الراغب وقال لوقا التلميذ في إنجيله إن يحيى المعمداني أرسل إلى المسيح بعد أن
عمده وسأله أنت ذلك الذي تجيء أو نتوقع غيرك فكان جواب المسيح
386
www.anassim.fr.st 387 الن سي ــــ ـــ ـم
لرسله أن ارجعوا فأخبروه بما ترون من عميان يبصرون وزمن ينهضون وصم
يسمعون فطوبى لمن لم يغتر بي أو يذل في أمري #قال فوجدنا يحيى مع محله
وجللة قدره عند ال عز وجل ثم ما شهد به للمسيح له من أنه ما قامت النساء عن
مثله قد شك فيه فاحتاج إلى أن يسأله عن شأنه ثم لم يكن من جواب المسيح له بشيء
مما تصفون من الربوبية ول قال إني خالقك وخالق كل شيء كما في شريعة إيمانكم
بل حذر الغلط في أمره والغترار ول كان من قوله أكثر مما ذكر أنه أظهر بنبوته
من هذه اليات التي سبق إلى مثلها أكثر النبياء #قال ول رأينا يحيى زاد في
وضعه إياه لما قرظه وأعل ذكره مع تشككه في أمره وحاجته إلى مسألته عن حاله
على أن قال هو أقوى مني وأني ل أستحق أن أحل معقد خفه ولم يقل إنه
خالقي وقد يقول الرجل الخير فيمن هو دونه مثل الذي قال يحيى فيه تواضعا ل
وخشوعا كما قال المسيح في يحيى إنه ما قامت النساء عن مثله #قال فتركتم ما
أتت به الرسل والنبوات في المسيح وهو أصلكم الذي وقع عليه بناؤكم وجعلتم
لنفسكم شريعة غيرها ومثل الذين عقدوا هذه الشريعة لكم مثل من آمن بنبوة رجل
ينتفي من النبوة لن المسيح عليه السلم يقول إنه مربوب مبعوث ويقول جبريل إنه
مكرم مصطفى وأن أباه داود وأن ال جعله ملكا على آل يعقوب وينادي مناد من
السماء بمثل ذلك ويشهد يحيى بن زكريا على مثله وتقولون بل هو خالق أزلي إل
أنه يستر نفسه ويقول المسيح وغيره ممن سمينا أنه معطى وأن ال معطيه وتقولون
بل رازق النعم وواهبها ويقول إن ال أرسله وتقولون بل هو الذي نزل لخلصنا
وتعتقدون سبب نزوله من السماء أنه أراد أن يخلصكم ويحتمل الخطيئة ويربط
الشيطان فقد وجدنا الخلص
لم يقع والخطيئة قائمة لم تزل والشيطان أعتى ما كان يربط بل سلطه ال عليه على
ما تقولون فحصره في الجبل أربعين يوما يمتحنه وقال لة في بعض أحواله معه إن
كنت ابن ال فقل لهذه الصخور تصير خبزا فقال له المسيح مجيبا له إنه مكتوب أن
حياة النسان ل تكون بالخبز بل بكل كلمة تخرج من ال ثم ساقه الشيطان إلى مدينة
بيت المقدس وأقامه على قرنة الهيكل وقال له إن كنت ابن ال فارم بنفسك من هاهنا
فإنه مكتوب إن الملئكة توكل بك لئل تعثر رجلك بالحجر قال يسوع ومكتوب أيضا
ل تجرب الرب إلهك ثم ساقه إلى جبل عال وأراه جميع مملكات الدنيا وزخارفها
وقال له إن خررت على وجهك ساجدا لي جعلت هذا الذي ترى كله لك قال لة
المسيح اغرب أيها الشيطان فإنه مكتوب اسجد للرب إلهك ول تعبد شيئا سواه ثم
بعث ال عز وجل ملكا اقتلع العدو من مكانه ورمى به في البحر وأطلق السبيل
للمسيح
وقال أفل يعلم من كان في عقله أدنى مسكة أن هذا الفعل ل يكون من شيطان إلى #
إله ولو كان إلها لزالة عن نفسه قبل أن يأتيه الملك من عند ربه ولما قال أمرنا أن
ل نجرب ال وأن نسجد للرب ول نعبد شيئا سواه وكيف لم يربط الشيطان عن نفسه
387
www.anassim.fr.st 388 الن سي ــــ ـــ ـم
قبل أن يربط عن أمته قال فهذه أمور إذا تأملها المتأمل قبحت جدا وكثر اختلفها
واشتد تناقضها واضطرابها #قال ومما يعجب منه أنكم تعتقدون أن البن الزلي
اتحد بالمسيح فصارا بجهة واحدة ولم يفارقه قط منذ اتحد به ومكث على ذلك في
بطن أمه تسعة أشهر ثم أقام مولودا وتغذى باللبن ومربوبا صبيا مغذى بالغذية إلى
أن بلغ ثلثين سنة ل يظهر منه شيء من آلة الربوبية ول أمر يوجب هذا المحل ول
كان بينه وبين نظرائه من الدميين فرق ول سطع منه نور ول ظهرت له سكينة
ول حفته الملئكة بالتهليل ول ألم به الشعث بعد ذلك فوق ما كان من النبياء قبله
فقد كلم ال موسى من العوسجة كيف شاء فأشرق ما حولها نورا وكلمه من طور
سيناء فاضطربت في الجبل النيران والتبس وجهة النور الساطع حتى كان يتبرقع إذا
جلس مع بني إسرائيل بعد ذلك لنهم كانوا ل يستطيعون النظر إليه ثم سأل موسى
ربه عز وجل لما قرب
منه فقال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه
فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق من
صعقته استغفر ربه فتاب عليه وتجلى مجد ال لجماعة من النبياء فرأوا حول مجده
ربوات الملئكة #وقال داود يا رب إنك حيث عبرت ببلد سنين تزلزلت الرض
منك وانفطرت من هيبتك وقال أيضا كالمخاطب للبحر والجبال والمتعجب منها ما
لك أيها البحر هاربا وأنت يا نهر الردن لم وليت راجعا وما لك أيتها الجبال تنفرين
كالبابيل وما لكن أيتها الشوامخ والهضبات تنزو نزو الشياء ثم قال كالمجيب عنهم
من قدام الرب تزلزلت البقاع #قال فإن كان المسيح هو الزلي الخالق أو كان
متحدا به فكيف لم ترجف بين يديه الجبال ولم تتصرف عن مشيئته النهار والبحار
أو كيف لم تظهر منه آيات باهرات أجل من آيات النبياء قبله مثل المشي على
متون الهواء والضطجاع على أكتاف الرياح والستغناء عن
المآكل والمشارب وإحراق من قرب منه من الشياطين والجن كما أحرق إيليا من
قرب منه من جند أحاب الملك ويمنع الدميين من نفسه وما فعلوا على زعمكم
بجسمه ليعلم الناس أنه خالقهم أو أنه هيكل الخالق #قال ووجدناكم تقولون أن البن
إنما يسمى ابن ال وكلمه لنه تولد من الب وظهر منه فلم نقف على معنى ذلك
لن شريعة إيمانكم تقول إن الروح أيضا تخرج من الب فإن كان المر كما تقولون
فالروح أيضا ابن لنها تخرج عن ال تعالى وإل فما الفرق بينهما #قال ولم نفهم
أيضا قولكم أن البن تجسد من روح القدس وأن روح القدس ساقه إلى البر ليمتحنه
الشيطان فما كانت حاجة البن إلى أن تكون الروح وهي في قولكم مثله تدبره
وتغيره من حال إلى حال أو ما علتم أن الغير السابق المدبر فاعل والمسبوق
المدبر مفعول به فالبن إذن دون الروح وليس مثله لن الزلي ل ينفك من الزلي
وهو مثله #قال وإن كان المسيح من روح القدس كما قال جبريل الملك لمه مريم
فلم سميتموه كلمة ال وابنه ولم تسموه روحه فإنما قال لها الملك إن الذي تلدين من
388
www.anassim.fr.st 389 الن سي ــــ ـــ ـم
روح القدس والروح غير البن ولو كان المعنى واحدا لما قالت الشريعة إنه تجسد
من روح القدس وإن روح القدس ساقه إلى البر وإن روح القدس نزل عليه ولم
تثلثون به في إيمانكم فتقولون نؤمن بالب والبن والروح القدس #قال ووجدناكم
تقولون أيتها النسطورية إن ل علما وحكمة هما البن وحياة هي الروح قديمين
ولعلمه وحياته ذات كذات ال وذلك أن علم ال له علم وحياة ولحياته التي هي روحه
علم وحياة وأن ال الب لما رأى استيلء العدو على خلقه ونكول النبياء عن
مناوأته أرسل إليه ابنه الفرد وحبيبه وجعله فداء ووفاء للناس أجمعين وأن ابنه نزل
من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا ثم ولد ونشأ وعاش ثلثين سنة
يتقلب بين بني إسرائيل كواحد منهم يصلي
في كنائسهم ويستن بسننهم ل يدعى دينا غير دينهم ول ينتحل رسالة ول نبوة ول
بنوة حتى إذا انقضت تلك السنون أظهر الدعوة وجاء باليات الباهرة والبراهين
المشهورة فأنكرته اليهود وقتلته وصلبته ثم صعد إلى السماء #وصدقتم بشريعة
اليمان وكفرتم من خالفها ثم لم تلبثوا أن خلعتموها وانسلختم منها وقلتم إن المسيح
جوهران وأقنومان جوهر قديم وجوهر حديث ولكل جوهر أقنوم على حياله وإن ال
جوهر قديم يقوم بمعنيين فهو واحد يقوم بثلثة معان وثلثة لها معنى واحد كالشمس
التي هي شيء واحد ولها ثلثة معان القرص والحر والنور فالمسيح هو ال وهو
مبعوث غير أنه ليس يعبد #فكان معنى قولكم هذا أن المسيح مولود لكنه ليس
مفعول به وهو مبعوث مرسل لكنكم تستحيون أن تسموه رسول إذ كنتم ل تفرقون
بين ال وبينه في شيء من الشياء وأقبلتم على الملكانية واليعقوبية بالتكفير واللعن
لقولهم إن ال والمسيح شيء واحد ثم لم تلبثوا أن قدمتم المسيح على ال تبارك
وتعالى وبدأتم به في التمجيد ورفعتم إليه تهاليلكم ورغائبكم في أوقات القرابين
خاصة وهي أجل صلواتكم وأفضل محافلكم عندكم فإنه يقوم المام منكم على المذبح
من مذابحكم
وأهله مرعوبون فتتوقعون نزول روح القدس بزعمكم من السماء بدعائه #فيفتح
دعاءه ويقول ليتم علينا وعليكم نعمة يسوع المسيح ومحبة ال الب ومشاركة روح
القدس إلى دهر الداهرين ثم يختم صلته بمثل ذلك فهذا تصريح بالشرك وتصغير
لعظمة ال وعزته أن جعلتم النعم والمواهب لمن هو دونه وهو معطى ومخول من
عند ال على قولكم وجعلتم ل بعد المسيح محبة ولروحه مشاركة #قال ووجدناكم
قد عبتم على اليعقوبية قولهم إن مريم ولدت ال عز اللة وجل عن ذلك وفي شريعة
اليمان التي بيناها المجتمع عليها أن المسيح إله حق وأنه ولد من مريم فما معنى
المنافرة وما الفرق وما تنكرون من قولهم إن المقتول المصلوب هو ال عز اللة
وجل عن ذلك #وشريعة إيمانكم تقول نؤمن بالرب المسيح الذي من خبره وحاله
الذي ولد من مريم وتألم وصلب على عهد الملك بيلطس
النبطي ودفن وقام في اليوم الثالث أليس هذا إقرارا بمثل قولهم فتدبروا هذا القول يا
389
www.anassim.fr.st 390 الن سي ــــ ـــ ـم
أولي اللباب #فإنكم إن قلتم إن المقتول المصلوب هو ال فإن مريم عندكم ولدت
ال #وإن قلتم إنه إنسان فإن مريم ولدت إنسانا وبطلت الشريعة فأي القولين
اخترتموه ففيه نقض دينكم ثم عبتم على الملكانية قولهم إنه ليس للمسيح إل أقنوما
واحدا لنه صار مع الزلي الخالق شيئا واحدا ل فرق بينهما وقلتم بأن له أقنومين
لكل جوهر أقنوم على حياله ثم لم تلبثوا أن رجعتم إلى مثل قولهم فقلتم إن المسيح
وإن كان مخلوقا من مريم مبعوثا فإنه هيكل لبن ال الزلي ونحن ل نفرق بينهما
فإذا كان المر عندكم على هذا فما تنقمون على الملكية وما معنى الفتراق وقد
رجعتم في التحاد إلى مثل قولهم إن هذا المر تحار فيه الفهام #فإن كانت
الشريعة بمعنى المانة عندكم حقا فالقول ما قال يعقوب وذلك أنا إذا ابتدأنا من
الشريعة في ذكر المسيح ثم نسقنا المعاني نسقا واحدا وانحدرنا فيها إلى آخرها
وجدنا القوم الذين ألقوها لكم قد صححوا أن يسوع المسيح هو ابن ال وهو بكر
الخلئق كلها وهو الذي ولد من مريم ليس بمصنوع وهو إله حق من إله حق
من جوهر أبيه وهو الذي أتقن العوالم وخلق كل شيء على يده وهو الذي نزل
لخلصكم فتجسد وحملته مريم وولدته وقتل وصلب فمن أنكر قول اليعقوبية لزمه
أن ينكر هذه الشريعة التي تشهد بصحة قولهم ويلعن من ألفها #قال وإنما أخذت
تلك الطائفة يعني الذين وضعوا المانة بكلمات وذكروا أنهم وجدوها في النجيل
مشكلت تأولت فيها ما وقع بهواها وتركت ما في النجيل من الكلم البين الواضح
الذي يشهد بعبودية المسيح وشهادته بذلك على نفسه وشهادة تلميذه به عليه فأخذت
بالمشكل اليسير وجعلت له ما أحبت من التأويل وألغت الواضح الكثير الذي ل
يحتاج إلى تأويل #قال فأما احتجاجكم بالشمس وأنها شيء واحد له ثلثة معان
وتشبيهكم ما يقولونه في الثلثة القانيم بها فإن ذلك تمويه ل يصح لن نورا الشمس
ل يحد بحد الشمس وكذلك حرها ل يحد بحد الشمس إذ كان حد الشمس جسما
مستديرا مضيئا مسخنا دائرا في وسط الفلك دورانا دائما وليتهيأ أن يحد نورها
وحرها بمثل هذه الصفة ول يقال إن نورها أو حرها جسم مستدير مضيء مسخن
دائم الدوران ولو كان نورها وحرها شمسا حقا من شمس حق من جوهر الشمس
كما قالت الشريعة في المسيح إنه إله حق من إله حق من
جوهر أبيه لكان ما قلتم له مثل تاما والمر مخالف لذلك فل يشبهه ول يقع القياس
عليه والحجة منكم فيه باطلة #قال ووجدناكم تذكرون أن المسيح نزل من السماء
فأبطل بنزوله الموت والثام فإن العجب ليطول من هذا القول وأعجب منه من قبله
ولم يتفكر فيه وممن لم يستقبح أن يعتقد ديانة ل تبارك وتعالى على مثل هذا القول
المحال البائن عما تشهد به العقول وتنبىء به المشاهدة ويدعو الناس إليها فما هو
ببعيد من عقد ما هو أمحل وأبطل منها لنه إن كانت الخطيئة بطلت بمجيئه فالذين
قتلوه إذا ليسوا خاطئين ول مأثومين لن ل خاطىء بعد مجيئه ول خطيئة #وكذلك
أيضا الذين قتلوا حواريه وأحرقوا أسفاره غير خاطئين وكذلك من نراه من جماعتكم
منذ ذلك الدهر إلى هذا الوقت يقتل ويسرق ويزني ويلوط ويسكر ويكذب ويركب
390
www.anassim.fr.st 391 الن سي ــــ ـــ ـم
كل ما نهى عنه من الكبائر وغيرها غير خاطئين ول مأثومين #فمن جحد ذلك
فليرجع إلى التسبيحة التي تقرأ بعقب كل قربان وهو أن يا ربنا الذي غلب بوجعه
الموت الطاغي
وفي الخرى التي تقال في يوم الجمعة الثانية من الفصح إن فخرنا بالصليب الذي #
بطل به سلطان الموت وصرنا إلى المن والنجاة بسببه وفي بعض التسابيح
بصلوات ربنا يسوع المسيح بطل الموت وانطفأت فتن الشيطان ودرست آثارها فأي
خطيئة بطلت وأي فتنة للشيطان انطفأت أو أي أمر كان الناس عليه قبل مجيئه من
المحارم والثام تغير عن حاله #قال فإذا كان التمويه يقع فيما يلحقه كل أحد
بالمعرفة والبيان فهو فيما أشكل من المور وفعل بالتأويلت التي تأولها أولئك
المتأولون أوقع #وإذا كنتم قد قبلتم هذا المحال الظاهر الذي ل خفاء به عن
الصبيان فأنتم لما هو أعظم منه من المحال أقبل وهذا إنجيلكم يكذب هذا القول حيث
يقول المسيح فيه ما أكثر من يقول لي يوم القيامة يا سيدنا أليس باسمك أخرجنا
الشيطان فأقول اغربوا عني أيها الفجرة الغاوون فما عرفتكم قط فهذا خلف قول
علمائكم ما قالوا ووضعهم لكم ما وضعوا ومثله قوله إني جامع الناس يوم القيامة
عن ميمنتي وميسرتي وقائل لهل الميسرة إني جعت فلم تطعموني وعطشت فلم
تسقوني وكنت غريبا فلم تأووني ومحبوسا فلم تزوروني ومريضا فلم تعودوني
فاذهبوا إلى النار المعدة لكم من قبل تأسيس الدنيا #وأقول لهل الميمنة فعلتم بي
هذه الشياء فاذهبوا إلى النعيم المعد لكم من قبل تأسيس الدنيا فهل أدخل أولئك النار
إل خطاياهم التي ركبوها وهل صار هؤلء إلى النعيم إل بأعمالهم الجميلة التي
قدموها بتوفيق ال إياهم فمن قال إن الخطيئة قد بطلت فقد بهت وقد خالف قول
المسيح وكان هو من الكاذبين #وقال و يا أيها القوم الذين هم أولوا اللباب
والمعرفة حيث ينسبونه إلى الربوبية وينحلونه اللهوتية ويجعلونه خالق الخلق
أجمعين وإلههم بماذا ساغ ذلك لكم وما الحجة فيه عندكم #هل قالت كتب النبوات
فيه ذلك أو هل قاله عن نفسه أو قاله أحد عن تلمذته والناقلين عنه الذين هم عماد
دينكم وأساسه ومن أخذتم الشرائع والسنن عنه ومن كتب النجيل وبينه قد أفصح في
كل النجيل من كلمه ومخاطبته ووصاياه بما ل يحصى كثرة بأنه عبد
مثلكم ومربوب معكم ومرسل من عند ربه وربكم ومبدي ما أمر به فيكم وحكى مثل
ذلك من أمره حواريوه وتلمذته ووصفوه لمن سأل عنه #وفي كلمهم بأنه رجل
جاء من عند ال عز وجل ونبي له قوة وفضل فتأولتم في ذلك أنه أخرج كلمه على
معنى الناسوت ولو كان كما تقولون لفصح عن نفسه بأنه إله كما أفصح بأنه عبد
ولكنه ما ذكره ول ادعاه ول دعا إليه ول ادعته له كتب النبياء قبلة ول كتب
تلمذته ول حكى عنهم ول أوجبه كلم جبريل الذي أداه إلى مريم ول قول يحيى بن
زكريا #قال فإن قلتم إنكم استدللتم على ربوبيته بأنه أحيا الموتى وأبرأ الكمه
والبرص ومشى على الماء وصعد إلى السماء وصير الماء خمرا وكثر القليل
391
www.anassim.fr.st 392 الن سي ــــ ـــ ـم
فيجب الن أن ينظر إلى كل من فعل من هذه المور فعل فنجعله ربا وإلها وإل فما
الفرق #فمن ذلك أن كتاب سفر الملوك يخبر أن إلياس أحيا ابن الرملة وأن اليسع
أحيا ابن السرائيلية وأن حزقيال أحيا بشرا كثيرا ولم يكن أحد ممن ذكرنا بإحيائه
الموتى إلها #واما إبراء الكمه فهذه التوراة تخبر أن يوسف أبرأ عين أبيه يعقوب
بعد أن ذهبت وهذا موسى طرح العصا فصارت حية لها عينان تبصر بهما وضرب
بها الرمل فصار قمل لكل واحدة منها عينان تبصر بهما ولم يكن واحد منهم بذلك
إلها
وأما إبراء البرص فإن كتاب سفر الملوك يخبر بأن رجل من عظماء الروم #
برص فرحل من بلده قاصدا اليسع عليه السلم ليبرئه من برصه فأخبر الكتاب بأن
الرجل وقف بباب اليسع أياما ل يؤذن له فقبل لليسع إن ببابك رجل يقال له نعمان
وهو أجل عظماء الروم به برص وقد قصدك لتبرئه من مرضه فإن أذنت له دخل
إليك فلم يأذن له وقال لرجل من أصحابه اخرج إلى هذا الرجل فقل له ينغمس في
الردن سبع مرات فأبلغ الرسول لنعمان ما أمره به اليسع ففعل ذلك فذهب عنه
البرص ورجع قافل إلى بلده فأتبعه خادم ليسع فأوهمه أن اليسع وجه به إلية يطلب
منه مال فسر الرجل بذلك ودفع إلى الخادم مال وجوهرا ورجع فأخفى ذلك وستره
#ثم دخل إلى اليسع فلما مثل بين يديه قال له تبعت نعمان وأوهمته عني كذا وكذا
وأخذت منه كذا وأخفيته في موضع كذا إذ فعلت الذي فعلت به فليصر برصه عليك
وعلى نسلك فبرص ذلك الخادم على المكان #قال فهذا اليسع قد أبرأ أبرصا
وأبرص صحيحا وهو أعظم
مما فعل المسيح عليه السلم فلم يكن في فعله ذلك إلها #قال وأما قولكم أنه مشى
على الماء فإن كتاب سفر الملوك يخبر بأن إلياس عليه السلم صار إلى الردن
ومعه اليسع تلميذه فأخذ عمامته فضرب بها الردن فاستييس له الماء حتى مشى
عليه هو واليسع ثم صعد إلى السماء على فرس من نور واليسع يراه ودفع عمامته
إلى اليسع فلما رجع اليسع إلى الردن ضرب بها الماء فاستييس له حتى مشى عليه
راجعا ولم يكن واحد منهما بمشيه على الماء إلها ول كان إلياس بصعوده إلى
السماء إلها #قال وأما قولكم أنه صير الماء خمرا فهذا كتاب سفر الملوك يخبر بأن
اليسع نزل بامرأة إسرائيلية فأضافته وأحسنت إليه فلما أراد النصراف قال لها هل
لك من حاجة فقالت المرأة يا نبي ال إن على زوجي دينا قد فدحه فإن رأيت أن
تدعو ال لنا بقضاء ديننا فافعل #فقال لها اليسع اجمعي كل ما عندك من النية
واستعيري من جيرانك جميع ما قدرت عليه من آنيتهم ففعلت ثم أمرها فملت النية
كلها ماء فقال اتركيه ليلتك هذه ومضى من عندها فأصبحت المرأة وقد صار ذلك
الماء كله زيتا فباعوه فقضوا دينهم
وتحويل الماء زيتا أبدع من تحويله خمرا ولم يكن اليسع بذلك إلها #وأما قولكم #
392
www.anassim.fr.st 393 الن سي ــــ ـــ ـم
المسيح عليه السلم كثر القليل حتى أكل خلق كثير من أرغفة يسيرة فإن كتاب سفر
الملوك يخبر بأن إلياس نزل بامرأة أرملة وكان القحط قد عم الناس وأجدبت البلد
ومات الخلق ضرا وهزل وكان الناس في ضيق فقال للرملة هل عندك طعام فقالت
وال ما عندي إل كف من دقيق في قلة أردت أن أخبزه لطفل لي وقد أيقنا بالهلك
لما الناس فيه من القحط #فقال لها أحضريه فل عليك فأتته به فبارك عليه فمكث
عندها ثلث سنين وستة أشهر تأكل هي وأهلها وجيرانها منه حتى فرج ال عن
الناس فقد فعل إلياس في ذلك أكثر مما فعل المسيح لن إلياس كثر القليل وأدامه
والمسيح كثر القليل في وقت واحد ولم يكن إلياس بفعله هذا إلها #قال فإن قلتم إن
هؤلء النبياء ليس لهم صنع في هذه الفعال وإن الصنع فيها والقدرة ل عز وجل
إذ كان هو الذي أجراها على أيديهم فقد صدقتم ونقول لكم أيضا كذلك المسيح ليس
له صنع فيما ظهر على يديه من هذه العاجيب إذ كان ال هو الذي أظهرها على
يديه فما الفرق بين المسيح وسائر النبياء وما الحجة في ذلك #قال وإن قلتم أن
النبياء كانت إذا أرادت أن يظهر ال على أيديهم آية تضرعت إلى ال ودعته
وأقرت له بالربوبية وشهدت على أنفسها بالعبودية
قيل لكم وكذلك سبيل المسيح سبيل سائر النبياء قد كان يدعو ويتضرع ويعترف #
بربوبية ال ويقر له بالعبودية فمن ذلك أن النجيل يخبر بأن المسيح أراد أن يحيى
رجل يقال له العازر فقال يا أبي أدعوك كما كنت أدعوك من قبل فتجيبني وتستجيب
لي وأنا أدعوك من أجل هؤلء القيام ليعلموا وقال بزعمكم وهو على الخشبة إلهي
إلهي لم تركتني وقال يا أبي اغفر لليهود ما يعملون فإنهم ل يدرون ما يصنعون #
وقال في إنجيل متى يا أبي أحمدك وقال يا أبي إن كان بد أن يتعداني هذا الكأس
ولكن ليس كما أريد أنا فلتكن مشيئتك وقال أيضا أنا أذهب إلى إلهي الذي هو أعظم
مني وقال ل أستطيع أن أصنع شيئا ول أتفكر فيه إل باسم إلهي وقال يعني نفسه ل
ينبغي للعبد أن يكون أعظم من سيده ول للرسول أن يكون أعظم ممن أرسله #
وقال إن ال لم يلد ولم يولد ولم يأكل ولم يشرب ولم ينم ولم يره أحد من خلقه
وليراه أحد إل مات #والمسيح قد أكل وشرب وولد ورآه الناس فما ماتوا من
رؤيته ول مات أحد منهم وقد لبث فيهم ثلثا وثلثين سنة #قلت وعامة ما ذكرة
هذا عن الكتب تعترف به النصارى ولكن بعضهم ينازعه في يسير من اللفاظ
فنازعه هنا في قوله
ل ينبغي للعبد أن يكون أعظم من سيده وقال هذا إنما قاله المسيح للحواريين وذكر
أنه ل يعرف عنه لفظ لم يولد ولم يأكل ولم يشرب #قال وقال في إنجيل يوحنا إنكم
متى رفعتم ابن البشر فحينئذ تعلمون أني انا هو وشيء من قبل نفسي ل أفعل ولكن
كل شيء كالذي علمني أبي وقال في موضع آخر من عند ال أرسلت معلما وقال
لصحابه اخرجوا بنا من هذه المدينة فإن النبي ل يجل في مدينته وأخبر النجيل أن
امرأة رأت المسيح فقالت إنك لذلك النبي الذي كنا ننتظر مجيئه فقال لها المسيح
393
www.anassim.fr.st 394 الن سي ــــ ـــ ـم
صدقت طوبى لك وقال لتلمذته كما بعثني أبي كذلك أبعث بكم #قال فاعترف بأنه
نبي وأنه مألوه ومربوب و مبعوث وقال
لتلمذته إن من قبلكم وآواكم فقد قبلني ومن قبلني فإنما يقبل من أرسلني ومن قبل
نبيا باسم نبي فإنما يفوز بأجر من قبل النبي #فبين ها هنا في غير موضع أنه نبي
مرسل وأن سبيله مع ال سبيلهم معه وقال متى التلميذ في إنجيله يستشهد على
المسيح بنبوة أشعيا عن ال عز وجل هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي
ارتاحت إليه نفسي أنا واضع روحي عليه ويدعو المم إلى الحق فلن يحتاج إلى
حجة أوضح من هذا القول الذي جعلتموه حجة لكم فقد أوضح ال أمره وسماه عبدا
وأعلم أنه يضع عليه روحه ويؤيده بها كما أيد سائر النبياء بالروح فأظهروا اليات
المذكورة عنهم وهذا القول يوافق ما بشر به جبريل الملك مريم حين ظهر لها وقال
القول الذي سقناه في صدر كتابنا #وقال يوحنا التلميذ في النجيل عن المسيح عليه
السلم إن كلمي الذي تسمعون هو كلم من أرسلني وقال في موضع
آخر إن أبي أجل وأعظم مني وقال أيضا كما أمرني أبي كذلك أفعل أنا أنا الكرم
وأبي هو الفلح وقال يوحنا كما للب حياة في جوهره فكذلك أعطى البن أن تكون
له حياة في قينومه قال فالمعطي خلف المعطى ل محالة والفاعل خلف المفعول #
قال وقال المسيح في إنجيل يوحنا إني لو كنت أنا الشاهد لنفسي على صحة دعواي
لكانت شهادتي باطلة لكن غيري يشهد لي فأنا أشهد لنفسي ويشهد لي أبي الذي
أرسلني وقال المسيح لبني
إسرائيل تريدون قتلي وأنا رجل قلت لكم الحق الذي سمعت ال يقوله #قال وقال
في الرجل الذي أقامه من الموتى يا أبي أشكرك على استجابتك دعائي وأعترف لك
بذلك وأعلم أنك كل وقت تجيب دعوتي لكن أسألك من أجل هذه الجماعة ليؤمنوا
بأنك أنت أرسلتني قال فأي تضرع وإقرار بالرسالة والمسألة والطلب للجابة من
ال عز وجل أشد من هذا أو أكثر #قال وقال في بعض مخاطبته لليهود وقد نسبوه
إلى الجنون أنا لست بمجنون ولكن أكرم أبي ول أحب مدح نفسي بل مدح أبي لني
أعرفه ولو قلت إني ل أعرفه لكنت كذابا مثلكم بل أعرفه وأتمسك بأمره
قال وقال داود في مزموره المائة وعشرة قال الرب اجلس عن يميني حتى أضع #
أعداءك موطئا لرجليك عصا العظمة تبعث الرب من صهيون ويبسط على أعدائك
شعبك يا مسيح يوم الرعب في بهاء القدس من اليوم الذي ولدتك يا صبي عهد الرب
ول يكذب أنك أنت الكاهن المؤيد يشبه ملكيز داق #قال فهذه مخاطبة ينسبونها إلى
اللهوت وقد أبان داود في مخاطبته أن لربه الذي ذكره ربا هو أعظم منه وأعلى
أعطاه ما حكيناه ومنحه ذلك وشهد عليه إن عصا العظمة تبعث ربه هذا من
صهيون وسماه صبيا محققا لقوله الول اليوم ولدتك ونسقا على أول كلمه وهو ربه
ووصف أنه الكاهن المؤيد الذي يشبه ملكليز داق
394
www.anassim.fr.st 395 الن سي ــــ ـــ ـم
قلت قالوا وهذا الكاهن هو الذي ذكر في التوراة أن الخليل أعطاه القربان وإذا كان
المسيح مشبها به مع تسميته كاهنا كان ذلك من أعظم الدلة على أنه مخلوق قال
فأما قوله من البدىء ولدتك فهو يشبه قول داود تبنني على نفسه من البدء ذكرتك
وهديت كل أعمالك وبعضهم يقول لفظ النص إن الرب يبعث عصاه من صهيون #
قال وقال شمعون الصفا رئيس الحواريين في الفصل الثاني من قصصهم يا رجال
بني إسرائيل اسمعوا مقالتي إن يسوع الناصري رجل ظهير لكم من عند ال بالقوة
واليدي والعجائب التي أجراها على يديه وأنكم أسلمتموه وقتلتموه فأقام ال يسوع
هذا من
بين الموات #قال فأي شهادة أبين وأوضح من هذا القول وهو أوثق التلميذ عندكم
يخبر كما ترون أن المسيح رجل وأنه من عند ال وأن اليات التي ظهرت منه بأمر
ال أجراها على يديه وأن الذي بعثه من بين الموتى هو ال عز وجل #قال وقال
في هذا الموضع اعلموا أن ال جعل يسوع الذي قتلتموه ربا ومسيحا ومسيحا قال
فهذا القول يزيل تأويل من لعله يتأول في الفصل الول أنه أراد بقوله الناسوت لنه
يقول أن ال جعله ربا ومسيحا والمجعول مخلوق مفعول قال أبو نصر وإنما سمى
ناصري لن أمه كانت من قرية يقال لها ناصرة
في الردن وبها سميت النصرانية #قال وقد سمى ال جل ثناؤه يوسف ربا قال
داود في مزمور مئة وخمسة وللعبودية بيع يوسف وشدوا بالكبول رجليه وبالحديد
دخلت نفسه حتى صدقت كلمته قول الرب جربه بعث الملك فخله وصيره مسلطا
على شعبه وربا على بنيه ومسلطا على فتيانه #وقال لوقا في آخر إنجيله إن
المسيح عرض له وللوقا تلميذه جبريل في الطريق وهما محزونان فقال لهما وهما
ل يعرفانه ما بالكما محزونين فقال كأنك أنت وحدك غريب ببيت المقدس إذ كنت ل
تعلم ما حدث فيها في هذه اليام من أمر يسوع الناصري فإنه رجل نبيا قويا في
قوله وفعله عند ال وعند المة أخذوه وقتلوه على قولهم فيه
قال فهذا قوله وأقوال تلميذه قد تركتموها وعقدتم على بدع ابتدعها لكم أولوكم #
تؤدي إلى الضللة والشرك بال جل ثناؤه وقال داود في المزمور الثاني في زبوره
مخاطبا ل ومثنيا على المسيح من الرجل الذي ذكرته والنسان الذي أمرته وجعلته
دون الملئكة قليل وألبسته المجد والكرامات وقال في المزمور الثاني قال لي الرب
أنت ابني وأنا اليوم ولدتك سلني فأعطيك فقوله ولدتك دليل على أنه حديث غير قديم
وكل حادث فهو مخلوق ثم أكد ذلك بقوله اليوم فحد باليوم حدا لولدته أزال به الشك
في أنه ما كان قبل اليوم ودل بقوله سلني فأعطيك على أنه محتاج إلى المسألة غير
مستغن عن العطية قال فهذا ما حضرنا من اليات في تصحيح خلق المسيح
وعبوديته وبطلن ما يدعونه من ربوبيته ومثله كثير في النجيل ل يحصى فإذا
كانت الشهادات منه على نفسه ومن النبياء عليه ومن تلميذه بمثل ما قد بيناه في
395
www.anassim.fr.st 396 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا الكتاب وإنما اقتصرنا على الحتجاج عليكم من كتبكم فما الحجة فيما تدعونه له
ومن أي جهة أخذتم ذلك واخترتم الكلم الشنيع الذي يخرج عن
المعقول وتنكره النفوس وتنفر منه القلوب الذي ل يصح بحجة ول قياس ول تأويل
على القول الجميل الذي تشهد به العقول وتسكن إليه النفوس ويشاكل عظمة ال
وجلله #قال وإذا تأملتم كل ما بيناه تأمل إنصاف من أنفسكم وإشفاق عليها علمتم
أنه قول ل يحتمل أن يتأول فيه للناسوت شيئا دون اللهوت #قال فإن قلتم إنه يثبت
للمسيح البنوة بقوله أبي وأبيكم ويا أبي وبعثني أبي قلنا فإن كان النجيل أنزل على
هذه اللفاظ لم تبدل ولم تغير فإن اللغة قد أجازت أن يسمى الولي ابنا وقد سماكم ال
جميعا بنيه وأنتم لستم في مثل حاله #ومن ذلك أن ال عز وجل قال لسرائيل في
التوراة أنت ابني بكري وقال لداود في الزبور أنت ابني وحبيبي وقال المسيح في
النجيل للحواريين أريد أن أذهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم فسمى الحواريين
أبناء ال وأقر بأن له إلها هو ال
ومن كان له إله فليس بإله كما تقولون فإن زعمتم أن المسيح إنما استحق اللهية بأن
ال سماه ابنا فنلتزم ذلك ونشهد باللهية لكل من سماه ابنا وإل فما الفرق #قال فإن
قلتم إن إسرائيل وداود ونظراءهم إنما سموا أبناء ال على جهة الرحمة من ال لهم
والمسيح ابن ال على الحقيقة تعالى ال عن ذلك #قلنا يجوز لمعارض أن
يعارضكم فيقول لكم ما تنكرون أن يكون إسرائيل وداود ابني ال على الحقيقة
والمسيح ابن رحمة وما الفرق #فإن قلتم إن الفرق بين المسيح وسائر النبياء من
قبل أن المسيح جاء إلى مقعد فقال قم قم فقد غفرت لك فقام الرجل ولم يدع ال في
ذلك الوقت #قلنا لكم هذا إلياس أمر السماء أن تمطر فأمطرت ولم يدع ال في ذلك
الوقت وكذلك اليسع أمر نعمان الرومي أن ينغمس في
الردن من غير دعاء ول تضرع على أنا قد وجدناه في النجيل قد تضرع وسأل
مسائل قد تقدم ذكرها #وقال في بعض النجيل يا أبي أشكرك على استجابتك
دعائي واعلم أنك في كل وقت تجيب دعوتي لكن أسألك من أجل هذه الجماعة
ليؤمنوا بأنك أنت أرسلتني #فإن قلتم إن الغفران من ال عز وجل وأن المسيح قال
لبعض بني إسرائيل قم فقد غفرت لك وال هو الذي يغفر الذنوب #قلنا فقد قال ال
في السفر الخامس من التوراة لموسى أخرج أنت وشعبك الذي أخرجت من مصر
وأنا أجعل معكم ملكا يغفر ذنوبكم #فإن زعمتم أن المسيح إله لنه غفر ذنوب
المقعد فالملك إذا إله لنه يغفر ذنوب بني إسرائيل وإل فما الفرق
فإن قلتم إن الفرق بين المسيح وسائر النبياء من قبل أن ال سماه ربا فقال ابن #
البشر رب السبت #قلنا فهذه التوراة تخبر بأن لوطا عليه السلم لما رأى الملكين قد
أقبل من البرية لهلك قومه قال لهما يا ربي ميل إلى منزل عبدكما وقد تقدم لنا
احتجاج في هذا الكتاب بذكر من سمى في الكتب ربا من يوسف وغيره فإن كان
396
www.anassim.fr.st 397 الن سي ــــ ـــ ـم
المسيح إلها لنه سمى ربا فهؤلء إذا آلهة لنهم سموا بمثل ذلك #فإن قلتم إن
النبياء قد تنبأت بإلهية المسيح فقال أشعيا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه
عمانويل وتفسيره معنا إلهنا #قلنا إن هذا اسم يعاره السيد الشريف من الناس وإن
كان
ال عز وجل المنفرد بمعنى اللهية جل ثناؤه فقد قال ال في التوراة لموسى عليه
السلم قد جعلتك لهارون إلها وجعلته لك نبيا #وقال في موضع آخر قد جعلتك يا
موسى إلها لفرعون وقال داود في الزبور لمن كانت عنده حكمة كلكم آلهة ومن
العلية تدعون #فإن قلتم إن ال عز وجل جعل موسى إلها لهارون على معنى
الرياسة عليه #قلنا وكذلك قال أشعيا في المسيح أنه إله لمته على هذا المعنى وإل
فما الفرق #فإن قلتم إن المسيح قد قال في النجيل من رآني فقد رأى أبي وأنا وأبي
واحد #قلنا إن قوله أنا وأبي واحد إنما يريد به أن قبولكم لمري هو قبولكم لمر
ال كما يقول رسول الرجل أنا ومن أرسلني واحد
ويقول الوكيل أنا ومن وكلني واحد لنه يقوم فيما يؤديه مقامه ويؤدي عنه ما أرسله
به ويتكلم بحجتة ويطالب له بحقوقه وكذلك قوله من رآني فقد رأى أبي يريد بذلك
أن من رأى هذه الفعال التي أظهرها فقد رأى أفعال أبي #فإن قلتم إن المسيح قد
قال في النجيل أنا قبل إبراهيم فكيف يكون قبل إبراهيم وإنما هو من ولده ولكن لما
قال قبل إبراهيم علمنا ما أراد أنه قبل إبراهيم من جهة اللهية #قلنا هذا سليمان بن
داود يقول في حكمته أنا قبل الدنيا وكنت مع ال حيث بدأ الرض فما الفرق بينه
وبين من قال إن سليمان ابن ال وأنه إنما قال أنا قبل الدنيا باللهية وقد قال داود
أيضا في الزبور ذكرتك يا رب من البدء وهديت بكل أعمالك
فإن قلتم إن كلم سليمان بن داود متأول لنهما من ولد إسرائيل وليس يجوز أن #
يكونا قبل الدنيا #قلنا وكذلك قول المسيح أنا قبل الدنيا متأول لنه من ولد إبراهيم
ول يجوز أن يكون قبل إبراهيم فإن تأولتم تأولنا وإن تعلقتم بظاهر الخبر في المسيح
تعلقنا بظاهر الخبر في سليمان وداود وإل فما الفرق #وقد قدمنا هذا الحتجاج على
تأويلكم لتعلموا بطلن ما ذهبتم إليه على أنه تأويل غير واقع بحقه وإنما حقه أن
يكون هذا السم يعني عمانويل لما وقع على المسيح كان معناه أنه أخبر عن نفسه
بأن إلهنا معنا يعني أن ال معه ومع شعبه معينا وناصرا #ومما يصحح ذلك أنكم
تتسمون به ولو كان المعنى ما ذهبتم إليه لما جاز لحد أن يتسمى به كما لم يجز أن
يتسمى بالمسيح لنه مخصوص بمعناه #فإن قلتم إن تلميذ المسيح كانوا يعلمون
اليات باسم المسيح #قلنا لكم فقد قال ال جل ثناؤه ليحيى بن زكريا قد أيدتك بروح
القدس وبقوة إلياس وهي قوة تفعل اليات فأضاف القوة إلى إلياس
فإن زعمتم أن المسيح إله لنه فعلت اليات باسمه فما الفرق بينكم وبين من قال #
إن إلياس إله فإنه فعلت بقوته اليات فإن قلتم إن الخشبة التي صلب عليها المسيح
397
www.anassim.fr.st 398 الن سي ــــ ـــ ـم
على زعمكم ألصقت بميت فعاش فإن هذا دليل على أنه إله قلنا لكم فما الفرق بينكم
وبين من قال إن اليسع إله واحتج في ذلك بأن كتاب سفر الملوك يخبر بأن رجل
مات فحمله أهله إلى المقبرة فلما كانوا بين القبور رأوا عدوا لهم يريد أنفسهم
فطرحوا الميت عن رقابهم وبادروا إلى المدينة وكان الموضع الذي ألقوا عليه الميت
قبر اليسع فلما أصاب ذلك الميت تراب قبر اليسع عاش وأقبل يمشي إلى المدينة فإن
زعمتم أن المسيح إله لن الخشبة التي ذكروا أنه صلب عليها ألصقت بميت ف
عاش فاليسع إله لن تراب قبره لصق بميت فعاش #فإن قلتم أن المسيح كان من
غير فحل قلنا لكم قد كان ذلك وليس أعجوبة الولدة توجب اللهية ول الربوبية لن
القدرة في
ذلك للخالق تبارك وتعالى ل للمخلوق وعلى أنه يوجدكم لن حواء خلقت من فحل
بل أنثى وخلق أنثى من ذكر بل أنثى أعجب من ذكر من أنثى بغير ذكر وأعجب
من ذلك أن آدم خلقه ال من تراب وخلق بشر من تراب وأعجب وأبدع من خلق
ذكر من أنثى بل فحل فما الفرق #قال وهذه السباب التي ذكرناها كلها هي
السباب التي تتعلقون بها في نحلتكم المسيح الربوبية وإضافتكم إليه اللهية وقد
وصفناها على حقائقها عندكم وقبلنا فيها قولكم وإن كنا ل نشك في أن أهل الكتاب قد
حرفوا بعض ما فيها من الكلم عن مواضعه وأوجدناكم بطول ما تنتحلونه وفساد ما
تتأولونه من الكتب التي في أيديكم التوراة والزبور والنبياء والنجيل فما الذي يثبت
الحجة بعد ذلك لكم #قال وقد قال السيد المسيح في النجيل لتلميذه لما سألوه عن
الساعة والقيامة إن ذلك اليوم وتلك الساعة ل يعرفه أحد ول الملئكة الذين في
السماء ول البن أيضا ولكن الب وحده
يعرفه قال فهذا إقرار منه بأنه منقوص العلم وأن ال تبارك وتعالى أعز وأعلم منه
وأنه خلفه وأعل منه وقد بين بقوله أحد عمومه بذلك الخلق جميعا ثم قال ول
الملئكة وعندهم من علم ال ما ليس عند أهل الرض ثم قال ول البن وله من القوة
ما ليس لغيره وشهد قوله هذا شهادة واضحة عليه بأنه ل يعلم كل ما يعلمه ال بل ما
علمه ال إياه وأطلعه على معرفته وجعله له وأنه لقصور معرفته بكل الشياء ليس
بحيث يصفونه من الربوبية وأنه هو ال ومن جوهر أبيه تعالى ال الخالق لكل شيء
علوا كبيرا ولو كان إلها كما يقولون لعلم ما يعلمه ال من سائر الشياء وسرائر
المور وعلنيتها إذا كان هذا المعنى ليس من الكلم الذي إذا سئلتم عنه تعلقتم بأنه
قيل للناسوت دون اللهوت #قلت مقصوده بذلك أنه صرح بأنه ل يعلمه أحد ثم
خص
الملئكة بالذكر لئل يظن أن أحدا منهم يعلمه فقال ول الملئكة الذين في السماء ثم
قال ول البن يعرفه وأن الب وحده يعرفه فنفى معرفة البن وأثبت أن الب وحده
يعرفه ومراده بالبن المسيح فعرف أن المسيح ل يعرفه وأثبت أن الرب يعرفه دون
البن ودل ذلك على أن لفظ البن عند المسيح إنما يراد بها الناسوت وحده إذ كان ل
398
www.anassim.fr.st 399 الن سي ــــ ـــ ـم
يجوز نفي العلم عن اللهوت فإن اللهوت يعلم كل شيء وقد دل ذلك على أن قوله
عمدوا الناس باسم الب والبن المراد به الناسوت وحده كما أريد بلفظ البن في
سائر كلمه وكلم غيره لم يرد قط أحد منهم بلفظ البن اللهوت بل إطلق البن
على اللهوت مما ابتدعته النصارى وحملوا عليها كلم المسيح فابتدعوا لصفات ال
أسماء ما أنزل ال بها من سلطان وحملوا عليها كلم المسيح وإنما يحمل كلم
النبياء عليهم السلم وغيرهم على معنى لغتهم التي جرت عادتهم بالتكليم بها ل
على لغة يحدثها من بعدهم ويحمل كلمهم عليها #قلت فإن هذا الذي فعلته
النصارى وأشباههم يفتح باب اللحاد في كتب ال المنزلة وقد قال تعالى ^ #إن
الذين يلحدون في ءاياتنا ليخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي ءامنا
^ يوم القيامة
وذلك أن كل من اعتقد معاني برأيه يمكنه أن يعبر عنها بألفاظ تناسبها بنوع #
مناسبة وتلك اللفاظ موجودة في كلم النبياء عليهم السلم لها معان أخر ويجعل
تلك اللفاظ دالة على معانيه التي رآها ثم يجعل اللفاظ التي تكلمت بها النبياء
وجاءت بها الكتب اللهية أرادوا بها معانيه هو وهكذا فعل سائر أهل اللحاد في
سائر الكتب اللهية كما فعلته النصارى مثل ما عمدت الملحدة المتبعون لفلسفة
اليونان القائلون بأن هذه الفلك قديمة أزلية لم تزل ول تزال وأن ال لم يتكلم
بالتوراة ول غيرها من الكتب اللهية ول هو عالم بالجزئيات ل بموسى بن عمران
ول بغيره ول هو قادر أن يفعل بمشيئه ول يقيم الناس من قبورهم فقالوا خلق
وأحدث وفعل وصنع ونحو ذلك يقال على الحداث الذاتي والحداث الزماني #
فالول هو إيجاب العلة لمعلولها المقارن لها في الزمان #والثاني إيجاد الشيء بعد
أن لم يكن ثم قالوا ونحن نقول إن ال خلق السماوات والرض وما بينهما وأحدث
ذلك وأبدعه وصنعه كما أخبرت بذلك النبياء عليهم السلم لكن مرادهم بذلك
الحداث الذاتي وهو أن ذلك معلول لة لم يزل معه #فيقال لهم لم يستعمل أحد من
النبياء عليهم الصلة
والسلم بل ول أحد من سائر المم لفظ الخلق والحداث إل فيما كان بعد عدمه وهو
ما كان مسبوقا بعدمه ووجود غيره ومعنى هذا اللفظ معلوم بالضطرار في جميع
لغات المم وأيضا فاللفظ المستعمل في لغة العامة والخاصة ل يجوز أن يكون معناه
ما ل يعرفه إل بعض الناس وهذا المعنى الذي يدعونه لو كان حقا لم يتصوره إل
بعض الناس فل يجوز أن يكون اللفظ العام الذي تداوله العامة والخاصة موضوعا
له إذا كان هذا يبطل مقصود اللغات ويبطل تعريف النبياء للناس فكيف وهو باطل
في صريح المعقول كما هو باطل في صحيح المنقول فإنه لم يعرف أن أحدا قط عبر
عن القديم الزلي الذي لم يزل موجودا ول يزال بأنه محدث أو مخلوق أو مصنوع
أو مفعول فهذا الذي ذكرتموه كذب صريح على النبياء عليهم السلم لتوهموا الناس
أنكم موافقون لهم والكتب اللهية كالتوراة والقرآن مصرحة بأن ال خلق السماوات
والرض وما بينهما في ستة أيام والقديم الزلي ل يكون مخلوقا في ستة أيام وكذلك
399
www.anassim.fr.st 400 الن سي ــــ ـــ ـم
الكتب اللهية كالتوراة والقرآن قد أخبرت بتكليم ال لموسى وبندائه إياه من الطور
من الشجرة وفي التوراة أنها شجرة العليق #وأخبرت بأن موسى عليه السلم كان
يلقي عصاه فتصير حية
تسعى ويخبر بأن ال فلق البحر فقالت الملحدة إن الشيء الثابت يسمى طورا فإنه
ثابت كالجبل والقلوب تسمى أودية وإظهار العلوم بتفجير ينابيع العلم والحجة
المبتلعة كلم أهل الباطل هي عصا معنوية فمراد الكتب بالطور العقل الفعال الذي
فاض منه العلم على قلب موسى عليه السلم والوادي قلب موسى والكلم الذي
سمعه موسى سمعه من سماء عقله وتلك الصوات كانت في نفسه ل في الخارج
والملئكة التي رآها كانت أشخاصا نورانية تمثلت في نفسه ل في الخارج والبحر
الذي فلقه هو بحر العلم والعصا كانت حجته غلب على السحرة بحجته العلمية
فابتلعت حجته شبههم التي جعلوها حبال يتوسلون بها إلى نيل أغراضهم وعصيا
يقهرون بها من يجادلونه #أفليس من قال مثل هذا الكلم يعلم بالضطرار أنه
يكذب على الكتب اللهية التي أخبرت بقصة موسى كالتوراة والقرآن وأنه ليس
مراد الرسل بما أخبروا به من قصة موسى هذا بل صرحوا بأن موسى سمع نداء
ال له وأنه كلمه من الطور طور سينا الذي هو الجبل وقلب عصاه التي كان يهش
بها على غنمه ثعبانا عظيما وفلق له البحر وأغرق فيه آل فرعون فغرقوا وماتوا فيه
وهلكوا وأمثال هذا من تحريفات الملحدة كثير #فهكذا النصارى حرفوا كتب ال
وسموا صفة ال القديمة الزلية
التي هي علمه أو حكمته ابنا وسموها أيضا كلمة وسموا صفته القديمة الزلية التي
هي حياته روح القدس وتسمية هذه الصفات بهذه السماء ل توجد في شيء من كلم
النبياء ول غيرهم ول يعرف أن أحدا قط ل من النبياء ول غيرهم سمى علم ال
القائم به ابنه بل ولسمى علم أحد من العالمين القائم به ابنه ولكن لفظ البن يعبر به
عمن ولد الولدة المعروفة ويعبر به عمن كان هو سببا في وجوده كما يقال ابن
السبيل لمن ولدته الطريق فإنه لما جاء من جهة الطريق جعل كأنه ولده #ويقال
لبعض الطير ابن الماء لنه يجيء من جهة الماء ويقال كونوا من أبناء الخرة ول
تكونوا من أبناء الدنيا فإن البن ينتسب إلى أبيه ويحبه ويضاف إليه أي كونوا ممن
ينتسب إلى الخرة ويحبها ويضاف إليها وهذا اللفظ موجود في الكتب التي بأيدي
أهل الكتاب في حق الصالحين الذين يحبهم ال ويربيهم كما ذكروا أن المسيح قال
أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وفي التوراة أن ال قال ليعقوب أنت ابني بكري #ونحو
ذلك مما يراد به إذا كان صحيحا له معنى صحيح وهو المحبة له والصطفاء له
والرحمة له وكان المعنى مفهوما عند
النبياء عليهم السلم ومن يخاطبونه وهو من اللفاظ المتشابهة فصار كثير من
أتباعهم يريدون به المعنى الباطل #وزعم كثير من الكفار أن ل سبحانه وتعالى
بنين وبنات وأن الملئكة بناته وبعض من يقول بقدم العالم من المتفلسفة يقولون
400
www.anassim.fr.st 401 الن سي ــــ ـــ ـم
العقول العشرة هي بنوه والنفوس الفلكية هي بناته وهي متولدة عنه لزمة لذاته
فجاء القرآن الذي هو أفضل الكتب وأكملها بإبطال هذه المعاني ومنع استعمال هذا
اللفظ في حق ال تعالى فنزه ال عن أن يتخذ ولدا كما نزهه عن أن يكون له ولد
والول من باب تنزيهه عن الفعال المذمومة وهذا على قول جماهير المسلمين
وغيرهم الذين ينزهون ال ويقدسونه عن الفعال القبيحة التي ل تليق به بل تنافي ما
وجب له من الكمال في أفعاله كما وجب له الكمال في ذاته وصفاته وأما من كان
من المسلمين وغيرهم ل ينزه ال عن فعل من الفعال إل ما كان ممتنعا لذاته فاما
الممكن المقدور فيقول ل يعلم انتفاؤه إل بالخبر أو بالعادة المطردة التي يمكن
انتقاضها فهذا ل يبقى معه ما ينفي به عن ال الفعال المذمومة القبيحة والكتب
اللهية قد نزهت الرب عز وجل عن الفعال المذمومة كما نزهته عن صفات
النقص كقوله تعالى
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم ^ #
بأمره يعملون ^ #وقال تعالى ^ #إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما
في السماوات وما في الرض وكفى بال وكيل ^ #كما قال تعالى ^ #وجعلوا ل
شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون
^ #وقال تعالى ^ #وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك
ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ^ #وقال تعالى عن المؤمنين ^ #
ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل ^ #وقال تعالى #
^ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك
السماوات والرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء
فقدره تقديرا ^ #وقال تعالى ^ #ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من إله إذا
لذهب كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض سبحان ال عما يصفون عالم الغيب
والشهادة فتعالى عما يشركون ^ #وقال تعالى ^ #أل إنهم من إفكهم ليقولون ولد
ال وإنهم لكاذبون ^ #وقال تعالى ^ #قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفوا أحد ^ #فكما نزه نفسه عن الولدة نزه نفسه عن اتخاذ الولد #
وقال تعالى ^ #وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن
منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا
401
www.anassim.fr.st 402 الن سي ــــ ـــ ـم
الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وفي الصحيح عن النبي أنه قال ما أحد أصبر على أذى سمعه من ال إنهم #
ليجعلون له ولدا وشريكا وهو يرزقهم ويعافيهم #ولهذا كان معاذ بن جبل يقول ل
ترحموا النصارى فإنهم سبوا ال مسبة ما سبه إياها أحد من البشر فجاءت هذه
الشريعة الحنيفية القرآنية وحرمت أن يتكلم في حق ال باسم ابن أو ولد سدا للذريعة
كما منعت أن يسجد أحد لغير ال وإن كان على وجه التحية كما منعت أن يصلي
أحد عند طلوع الشمس وغروبها لئل يشبه عباد الشمس والقمر فكانت بسدها
للبواب التي تجعل ل فيها
الشريك والولد أكمل من غيرها من الشرائع كما سدت غير ذلك من الذرائع مثل
تحريمها قليل المسكر لنه يجر إلى كثيره فإن أصول المحرمات التي قال ال فيها #
^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن
تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ #مما اتفقت
عليه شرائع النبياء بخلف تحريم الطيبات عقوبة فإن هذا جاء في شرع التوراة
دون شرع القرآن فإن ال أحل لمة محمد الطيبات وحرم عليهم الخبائث وكذلك
تكميل التوحيد من كل الوجوه وسد أبواب الشرك من كل الوجوه جاءت به هذه
الشريعة مع اتفاق النبياء على إيجاب التوحيد وتحريم أن يجعل ل شريك أو ولد #
فإذا كان مراد المسيح عليه السلم بالبن هو الناسوت وهو لم يسم اللهوت ابنا وقد
ذكر أن البن ل يعلم الساعة فتبين بذلك أن المسيح هو الناسوت وحده وأنه ل يعلم
الساعة وهذا هو الحق وإن قالوا مراده بالبن اللهوت أو اللهوت والناسوت لزم
من ذلك أن اللهوت أو اللهوت والناسوت ل يعلم الساعة وهذا باطل
وكذب وهو أيضا مناقض لقولهم #فدل هذا النص من المسيح مع سائر نصوصه
ونصوص النبياء على أن مسمى البن هو الناسوت وحده وأنه ل يعلم ما يعلمه ال
وذلك صريح في أنه مخلوق ليس بخالق ول يجوز أن يكون هذا خطابا للناسوت
المتحد باللهوت دون اللهوت كما يتأوله عليه بعض النصارى لن كل ما علمه
اللهوت المتحد بالمسيح علمه الناسوت ولن الناسوت ليس هو البن عندهم دون
اللهوت المتحد به بل اسم البن عندهم هو اللهوت ولجل التحاد دخل فيه
الناسوت ولنه لم يثبت إل علم الب وحده لم يستثن علم البن الزلي عندهم بل نفى
علم ما سوى الب به وهذا مناقض لقولهم من كل وجه
فصل #قال الحسن بن أيوب ومثل هذا أنه لما خاطبه الرجل على ما كتب في
النجيل فقال له أيها الخير فقال ليس الخير إل ال وحده قلت وبعضهم يترجمه أيها
الصالح فقال ليس الصالح إل ال وحده قال ومثله قوله في النجيل إني لم آت لعمل
بمشيئتي لكن بمشيئته من أرسلني قال ولو كانت له مشيئة لهوتية كما يقولون لما
402
www.anassim.fr.st 403 الن سي ــــ ـــ ـم
قال هذا القول فقد أبطل به ما تدعونه في ذلك #قال ثم أنتم مع ذلك تدعون أن
المسيح كلمة ال ومن قوة ال غير بائنة منه ول منفصلة عنه وتشهدون عليه في
النجيل بقوله إنه يصعد إلى السماء ويجلس عن يمين أبيه ويدين الناس
يوم القيامة ويجازيهم بأعمالهم ويتولى الحكم بينهم وأن ال عز وجل منحه ذلك إذ
كان ل يراه أحد من خلقه في الدنيا ول في الخرة فإن كان هذا الجالس للحكومة بين
العالمين يوم الدين والقاعد عن يمين أبيه وهو شخص قائم بذاته ل يشك فيه هو
الجسد الذي كان في الرض المتوحد به الربوبية فقد فصلتم بين ال تبارك وتعالى
وبينه وبعضتموه باجتماعهما في السماء شخصين متباينين أحدهما عن يمين صاحبه
وهذا كفر وشرك بال عز وجل وإن كان جسدا خاليا من اللهية وهي الكلمة وقد
عادت إلى ال كما بدت منه فقد زال عنه حكم الربوبية التي تنتحلونه إياها #قال
ونسألكم عن واحدة نحب أن تخبرونا بها هي أصل ما وضعتموه من عبادة الثلثة
القانيم التي ترجع بزعمكم إلى جوهر واحد وهو اللهوت ما هو ومن أين أخذتموه
ومن أمركم به وفي أي كتاب نزل وأي نبي تنبأ به أو أي قول للمسيح تدعونه فيه
وهل بنيتم أمركم في ذلك إل عل قول متى التلميذ على المسيح
عليه السلم أنه قال لتلميذه حيث أراد أن يفارقهم اذهبوا فعمدوا الناس باسم الب
والبن وروح القدس #قال وهذا كلم يحتمل معناه إن كان صحيحا أن يكون ذهب
فيه بأن يجمع هذه اللفاظ إلى أن تجتمع لهم بركات ال وبركة نبيه المسيح وروح
القدس التي يؤيد بها النبياء والرسل وقد نراكم إذا أردتم الدعاء بعضكم لبعض قلتم
صلة فلن القديس تكون معك ومعنى الصلة الدعاء واسم فلن النبي يعينك على
أمورك #وكما قال ال تبارك وتعالى ^ #يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا ال وأطيعوا
الرسول وأولي المر منكم ^ #يقرن طاعته نبيه وأولي المر من المسلمين أفنقول
لذلك إنهم جميعا آلهة #قال وقد يجوز أن يكون له معنى يدق عن الوقوف عليه
بغير التأويل إن لم يكن معناه ما قلناه أو يكون المسيح عليه السلم ذهب فيه إلى ما
هو أعلم به فلم حكمتم بأنه ذهب إلى أن هذه
السماء لما أضافها إلى ال عز وجل صارت آلهة وجعلتم لها أقانيم لكل اسم أقنوم
يخصه بعينه وهو شخص واحد وكيف استجزتم ما أشركتموه مع ال عز وجل
بالتأويل الذي ل يصح #وإذا قلتم بثلثة أقانيم كل أقنوم بذاته فل بد من أن تعترفوا
ضرورة بأن كل أقنوم منها حي سميع بصير عالم حكيم منفرد بذاته كما يقولون في
المسيح أنه جالس عن يمين أبيه فنراكم أخذتم القنومين اللذين أحدثتموها مع ال من
جهة أن ال حكيم حي فحكمته الكلمة وهي المسيح وروحه روح القدس وهذه صفة
من صفات ال مثلها كثير لنه يقال حكيم عليم سميع بصير حي قدير #وكذلك ربنا
تبارك وتعالى وإن كانت صفاتنا إياه ل تلحق صفاته ول تبلغ كنه مجده إل بالتمثيل
لعظمته وعزته وجلله وعلوه فنحلتم صفاته التي هي معناه وليست سواه غيره
وجعلتموه
403
www.anassim.fr.st 404 الن سي ــــ ـــ ـم
أقانيم لكل واحد من الحياة والحكمة وسائر الصفات مثل الذي له وما منها أقنوم له
صفة إل ويحتمل على قياس قولكم أن تكون صفته مثله فإذا كانت هذه القانيم آلهة
وكل صفة إله وهي من جوهره فيجب أن تكون كل صفة لكل واحد من الثلثة
القانيم إلها مثله إذ كان من جوهره فيتسع المر في ذلك حتى ل يكون له غاية ول
نهاية #قال وإذا قلتم بثلثة أقانيم هي في السماء من جوهر قديم أفليس يلزمكم
القرار بثلثة آلهة لن القانيم أشخاص يومأ إليها ويقع الحد عليها وإل فما الحجة
وأنتم تذكرون في بعض احتجاجكم أنها ثلثة ترجع إلى واحد غير متبعضة ول
منفصلة وتشبهونها في اجتماعها وظهور ما يظهر منها بالشمس وقد نراكم عقدتم
شريعة إيمانكم على أن المسيح إله وإنسان متحدين وأنه يصعد إلى السماء ويجلس
عن يمين أبيه والجالس عن يمين صاحبه أليس هو منفصل
عنه مفروزا عنه فكيف يصح على هذا القول قياس أو يصح به عقد دين تقولون 2
مرة مجتمع ومرة منفصل وما شبهتموه به من الشمس فقد تقدم شرحنا لبطلن
الحجة فيه وأنه ل يكون قياسه القياس الذي تعلقتم به #على أنا وجدناكم تقولون في
معنى التثليث إن الذي دعاكم إليه ما ذكرتم أن متى التلميذ حكاه في النجيل عن
المسيح عليه السلم إذ قال لتلميذه سيروا في البلد وعمدوا الناس باسم الب
والبن والروح القدس وأنكم فكرتم في هذا القول بعقولكم فعلمتم أن المراد بذلك أنه
لما أن ثبت حدوث العالم علمتم أن له محدثا فتوهمتموه شيئا موجودا ثم توهمتموه
حيا ثم ناطقا لن الشيء ينقسم لحي ول حي والحي ينقسم لناطق ول ناطق #وأنكم
علمتم بذلك أنه شيء حي ناطق فأثبتم له حياة ونطقا غيره في الشخص وهما هو في
الجوهرية #فنقول لكم في ذلك إذا كان الحي له حياة ونطق فأخبرونا عنه أتقولون
أنه قادر عزيز أم عاجز ذليل #فإن قلتم ل بل هو قادر عزيز قلنا فأثبتوا له قدرة
وعزة كما أثبتم له حياة وحكمة
فإن قلتم ل يلزمنا ذلك لنه قادر بنفسه عزيز بنفسه قلنا لكم وكذلك فقولوا إنه حي #
بنفسه وناطق بنفسه ول بد لكم مع ذلك من إبطال التثليث أو إثبات التخميس وإل فما
الفرق وهيهات من فرق #وقال الحسن بن أيوب أيضا إنا كلما تأملنا معكم في نسبة
المسيح عليه السلم إلى اللهية وعبادتكم له مع ال على الجهة التي تذهبون إليها
وطلبنا لكم الحجة في ذلك من كتبكم ازددنا بصيرة في استحالة ذلك ووضعكم له من
القول ما ليثبت لكم به حجة ول يشهد به لكم شيء من كتبكم ووجدنا أبين ما جاء
في المسيح وصحة أمره فيما أتى به ما قال متى التلميذ إنه لما جاء يسوع إلى أرض
قيسارية سأل تلميذه فقال ماذا يقول الناس في أني ابن البشر فقالوا منهم من يقول
إنك يوحنا المعمداني وآخرون يقولون إنك أرميا أو أحد النبياء فقال لهم يسوع فأنتم
ماذا تقولون فأجابه سمعان الصفا وهو رئيسهم فقال أنت المسيح ابن ال الحق فأجابه
المسيح وقال طوبى لك يا سمعان ابن يونان إنه لم يطلعك على
404
www.anassim.fr.st 405 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا لحم ول دم ولكن أبي الذي السماء #وحكى لوقا في إنجيله هذا الخبر فقال إن
سمعان أجابه فقال أنت مسيح ال ولم يقل ابن ال فهذا كلم تلميذه الرئيس فيه
وأرضاه ما قال #وقوله إنه لم ينطق بذلك إل ما أوحاه ال في قلبه ولم ندفعكم قط
عن أنه مسيح ال ول عن أنه كما تقولون في لغتكم أنه ابن ال بالرحمة والصفوة مع
هذا الختلف الواقع في ذلك في النجيلين وقد قال مثل ذلك فيكم جميعا إن ال إلهي
وإلهكم وأبي وأبيكم فنعمل على احتجاجكم بأنه ليس مثلكم في معنى
النبوة ونجعله مثل من سمى في الكتب ابنا على جهة الصطفاء والمحبة مثل
إسرائيل وغيره بل قد خص إسرائيل بأن قال عز وجل أنت ابني بكرى وهذا كلم
له مذهب في اللغة القديمة التي جاءت بها الكتب وليست بموجبة اللهية إذ كان قد
شاركه في هذا السم غيره فلم ل جعلتموه كما جعل نفسه #ومما يؤكد المعنى في
ذلك ويزيل تأويل من يتأوله له ما لم يدعه ولم يرض به قوله في علم الساعة أن ذلك
شيء ل يعلمه أحد من الخلق ول الملئكة المقربون ول البن يعني نفسه إل الب
وحده ثم قال للرجل الذي أتاه فقال لة أيها العالم الصالح أي العمال خير لي الذي
تكون لي حياة إلى يوم الدين فقال له لم تقول لي صالحا ليس الصالح إل ال وحده
فاعترف ل بأنه واحد ل شريك له ونفى عن نفسه فلم يجعلها ول أحد من الخلق
أهل لذلك #وقوله للمرأة التي جاءته فقالت أنت ذلك النبي الذي كنا ننتظر مجيئه
فقال لها المسيح صدقت طوبى لك ثم قال للشيطان حين اختبره فسامه أن يلقي #
نفسه من رأس الهيكل فقال أمرنا أن ل نجرب الرب ثم سامه أن يسجد له فقال أمرنا
أن ل نسجد إل ل وحده ول نعبد سواه ثم صلته في غير وقت ل وآخرها الليلة
التي أخذته اليهود فيها فإذا كان إلها كما زعمتم فلمن كان يصلي ويسجد #ثم قول
الجموع الذين كانوا معه حين دخل أورشليم وهي مدينة بيت المقدس على التان لمن
كان يسأله عن أمره لما راجت المدينة به هذا هو يسوع الناصري النبي الذي من
الناصرة ثم قوله في بعض النجيل أخرجوا بنا من هذه المدينة فإن النبي ل يبجل
في مدينته وفي موضع آخر أنه قال ل يهان نبي إل في مدينته وفي بيته وأقاربه #
وقوله في بعض خطبه إن هذا الجيل السوء يريد آية وأنه
ل يعطى إل آية يونس كما كان يونس لهل نينوى كذلك يكون ابن البشر لهذا الجيل
رجال نينوى يقومون في الدين مع هذا الجيل فيخصمونهم لنهم تابوا على قول
يونس النبي وإن هاهنا أفضل من يونس #ثم قول داود في نبوته عليه من هذا
الرجل الذي ذكرته وجعلته
دون الملئكة قليل ثم قول تلميذه فيه ما شرحناه في صدر كتابنا هذا ما تقدم
ووصفهم أنه رجل أتى من عند ال باليدي والقوة #ومما يشبه ذلك أنه لما قدم
تلمذته فركبوا السفينة وقال لهم امضوا فإني ألحق بكم فأتاهم يمشي على البحر فلما
رأوه في تلك الحال قالوا ما هذا الحال ويح ومن الغرق صاحوا فقال لهم يسوع
405
www.anassim.fr.st 406 الن سي ــــ ـــ ـم
اطمئنوا ول تخافوا أنا هو فأجابه شمعون الصفا وقال له يا رب إن كنت أنت هو
فاذن لي آتيك على الماء فقال له تعال فنزل سمعان إلى الماء ليمشي عليه فلم يستطع
وجعل يغرق فصاح وقال يا رب أغثني فبسط يده يسوع فأخذه وقال له لم تشككت يا
قليل المانة قال فبان بذلك عجز المسيح عن إتمام ما سأله شمعون الصفا ومثله أمر
الرجل الذي قال ليسوع خبر ابنته وما ينالها من الشيطان وأنه قد قدمها إلى تلميذه
فلم يستطيعوا أن يخرجوه وقد كان جعل لهم ذلك وغيره فأخرجه هو منها #وقال
في النجيل وهو يذكر المثال التي ضربها لرؤساء الكهنة أنهم لما سمعوها منه
علموا أنها في شأنهم فهموا أن يأخذوه ثم فرقوا
من الجموع لنهم كانوا ينزلونه مثل النبي #وقال في النجيل لما جاءته أم ابني
زندا وكانت من تلمذته مع ابنيها فقال لها ما تريدين قالت أريد أن تجلس ابناي
أحدهما عن يمينك والخر عن شمالك في ملكوتك فقال ليس إلى ذلك سبيل لنه ليس
لي أن أعطيه ولكن من وعد له من أبي #قال الحسن بن أيوب فما يكون يا هؤلء
أفصح وأبين وأوضح من اجتماع هذه الشواهد لكم في كتبكم ما رضيتم بقوله في
نفسه ول بقول تلمذته فيه ول بقول من تنبأ عليه من النبياء ول قول جموعه الذين
تولوه لمن سألهم من مخالفيهم عنه وتركتم ذلك كله
وأخذتم بآراء قوم تأولوا لكم على علمكم بأنهم قد اختلفوا أيضا في الرأي فقال كل
قوم في المسيح ما اختاروا واتبع كل منهم طائفة قالوا بقولهم ثم سلك من بعدهم
سبيل الباء في القتداء بهم #فبينوا لنا حجتكم في ذلك وهيهات من حجة ونحن
نستوهب ال العصمة والتوفيق منه #قال ومما يشبه ما تقدم قوله لتلميذه في إنجيل
لوقا فأما أنتم الذين صبرتم معي في بلئي وتجاربي فإني أعدكم كما وعدني أبي
الملكوت لتأكلوا وتشربوا معي على مائدتي في ملكوتي فبين أن ال عز وجل ثناؤه
وعده أن يجعله في ملكوت السماء يأكل ويشرب مع تلميذه على مائدته وهذا ما ل
شك لكم فيه وهو مخالف لقولكم فيما يصير إليه وفي الكل والشرب
والنعيم هناك ثم قوله لشمعون حين أتته الجموع فأخذوه أم تظن أني لست قادرا أن
أطلب إلى أبي فيقيم لي اثني عشر جندا من ملئكته أو أكثر ولكن كيف تتم الكتب
أنه هكذا ينبغي أن يكون ولم يقل إني قادر أن أدفعهم عن نفسي ول أني آمر الملئكة
أن يمنعوا عني كما يقول من له القدرة والمر #قال ونجدكم تقولون في المسيح
عليه السلم إنه مولود من أبيه أزلي ويجب على المدعي القول أن يثبت الحجة فيه
ويعلم أنه مطالب بإيضاحها ل سيما في مثل هذا الخطب الجليل الذي ل يقع التلعب
به ول تجترىء النفوس على ركوب الشبهات فيه والويل الطويل لمن تأول في ذلك
تأويل ل حقيقة له فإنه يهلك نفسه ومن كان من الناس معه ممن يتبع قوله إن كان
هذا البن أزليا على ما في شريعة إيمانكم فليس هذا بمولود وإن كان مولودا فليس
بأزلي لن اسم الزلية إنما يقع على من ل أول له ول آخر #ومعنى المولود أنه
حادث مفعول وكل مفعول فله أول فكيف
406
www.anassim.fr.st 407 الن سي ــــ ـــ ـم
ما أردتم القول فيه كان بطلن الشريعة #قال ونسألكم أيضا عن واحدة لم سميتم
الب أبا والبن ابنا فإنه إن كان وجب للب اسم البوة لقدمه فالبن أيضا يستحق
هذا السم بعينه إذ كان قديما مثله وإن كان الب عالما عزيزا فهو أيضا عالم عزيز
تشهد شريعة اليمان له بذلك في قولها إنه خلق الخلئق كلها وأتقنت على يده وأنه
نزل لخلصكم ومن قدر على ذلك لم يكن إل عالما عزيزا فهذه المعاني التي
ذكرناها تبطل اسم البوة والبنوة وفي إبطالها بطلن الشريعة التي تقول ولد من أبيه
وإل فإن كان الب والبن متكافئين في القدم والقدرة فبأي فضل وسلطان للب عليه
أمره ونهاه فصار الب باعثا والبن مبعوثا والب متبوعا مطاعا والبن تابعا
مطيعا #ومما يشهد بصحة قولنا وبطلن ما تأوله أولوكم في عبودية المسيح أن
متى التلميذ حين بنى كتابه النجيل أول ما ابتدأ به أن قال كتاب مولد يسوع المسيح
ابن داود بن إبراهيم فنسبه إلى من كان منه على الصحة ولم يقل إنه ابن ال ول إنه
إله من إله كما يقولون فإن قلتم إن تسمية يسوع للناسوت الذي قد جعلتموه حجة
بينكم وبين
كل من التمس الحجة منكم عند النقطاع فيما يعترف به للمسيح من العبودية فقد
نسق متى على اسم يسوع الذي هو عندكم اسم للناسوت المسيح الذي هو جامع
الناسوت واللهوت فأي حجة في إبطال هذا التأويل أوضح من هذا #ومما يصحح
قولنا ويؤكده قول جبريل الملك لمريم عند مخاطبته إياها إنه ابن داود على ما ثبت
من ذلك في النجيل #قال ووجدناكم قد ذكرتم في شريعة اليمان أن يسوع المسيح
بكر الخلئق فإن كنتم ذهبتم في ذلك إلى أنه على نحو ما يسمى أول ولد الرجل
وكبيرهم فجائز وهو محقق لقولنا في عبوديته وإن كنتم أردتم بذكر البكر أنه أول
قديم فلسنا نعرف للبكر معنى في لغة من اللغات إل للكبر من الخوة والول من
الولد وبكر الخلئق ل يكون إل من الخلئق #كما أن بكر الرجل والمرأة ل يكون
إل من جنسهما وباكورة الثمار ل تكون إل ثمرة ولن من المحال أن يقول قائل بكر
ولد آدم ملك من الملئكة وكذلك من المحال أن يكون بكر المصنوعات ليس
بمصنوع وبكر المخلوقات ليس بمخلوق #وقد قال ال تعالى في التوراة
يا ابني بكري أي إسرائيل وقال في موضع آخر إنه نظر بنو ال إلى بنات الناس
فشغفوا بهن فهل يوجب لل إسرائيل إلهية بهذا القول #قال وقلتم إن المسيح ولد
من أبيه قبل العوالم وليس بمصنوع فليس يخلو الب من أن يكون أولد شيئا موجودا
أو غير موجود فإن كان لم يزل موجودا فإن الب لم يلد شيئا وإن كان غير موجود
وإنما هو حادث لم يكن فهو مخلوق كما قلنا #قال ومما يبين قولنا في خلق المسيح
أن هذا السم إنما وقع له لنه مسح للنبوة والخير وماسحه ال تبارك وتعالى وقد قال
داود في زبوره قول يشهد على ذلك بعينه من أجل هذا البر مسحك ال إلهك أكثر
مما مسح به نظراءك فأبان داود بهذه الية معنى المسح بإنجيله وأن ماسحه ال إلهه
وأنه مصطفى مكرم بزيادة على نظرائه وقال داود أيضا في مزمور إحدى وثلثين
407
www.anassim.fr.st 408 الن سي ــــ ـــ ـم
يخاطب ال من
أجل داود عبدك ل يغلب وجه مسيحك عهد الرب لداود بالحق ول يرجع عنه يعني
بمسيحه نفسه لن ال مسحه للنبوة والملك وقد قال مثل هذا في غير موضع من
زبوره فسمى نفسه مسيح ال #قال وإذا نظر في النجيل وكتب بولس وغيره ممن
يحتج به النصارى وجد نحوا من عشرين ألف آية مما فيه اسم المسيح وكلها تنطق
بعبودية المسيح وأنه مبعوث مربوب وأن ال اختصه بالكرامات ما خل آيات يسيرة
مشكلت قد تأولها كل فريق من أولئك الذين وضعوا الشريعة باختيارهم على هواهم
فأخذوا بذلك التأويل الفاسد وتركوا المعظم الذي ينطق بعبوديته فلو كانوا قصدوا
الحق لردوا تلك المشكلت الشاذة اليسيرة التي يوجد لها من التأويل خلف ما
يتأولونه على الواضحات الكثيرة التي قد بانت بغير تأويل لنه إنما يجب أن يقاس
الجزء على الكل ويستدل على ما غاب بما حضر وعلى ما أشكل بما ظهر فمن تلك
اليات المشكلت ما ذكرناه في
كتابنا هذا وبينا معناه والحجة فيه وأنه ليس كما تأولوه #ومنها ما يحكون عن
المسيح أنه قال أنا بأبي وقد فسر المسيح عليه السلم ذلك وكشفه قال يوحنا في
إنجيله إن المسيح تضرع إلى ال في تلميذه وقال يا أيها الرب القدوس احفظهم
باسمك الذي أعطيتني ليكونوا هم أيضا شيئا واحدا كما أنا شيء واحد وكما أنك
أرسلتني إلى العالم وكذلك أرسلهم أنا أيضا ثم قال بعد هذا أيضا إني قد منحتهم من
المجد الذي أعطيتني ومنحتني ليكونوا أيضا شيئا واحدا كما أنا شيء واحد فأنا بهم
وأنت بي #قال هو معنى ذلك أنه قال أنت معي وأنت لي كما أنا مع تلميذي ولهم
#قلت أو أراد أنك بي هديت الخلق وعلمتهم وأنا أهديهم
وأعلمهم والباء للسببية فإن ال برسله هدى عباده وعلمهم والرسل علموا الغائبين
عنهم بالحاضرين الذين بلغوا عنهم وقوله ليكونوا شيئا واحدا أراد به اتفاق صدقهم
وأمرهم ومرادهم وهذا مفسر وقد قال ليكونوا هم شيئا واحدا كما أنا شيء واحد فقد
طلب لهم مثل ما حصل له ولربه #وهذا يبين أن قوله كما أنا شيء واحد أي أنا
موافقك في أمرك ونهيك ومحبتك ورضاك لم يرد بذلك اتحاد ذاته به كما لم يرد أن
تتحد ذوات بعضهم ببعض فإنه طلب لهم مثل ما حصل له من الموافقة لمر ال
ونهيه ومحبته ورضاه #قال أو يكون ذهب فيه إلى معنى دقيق ل يعرفه إل أنه قد
بطل على كل حال بهذا القول تأويلكم ممازجته عز وجل في اللهوت بقوله في
تلميذه أنه بهم كما أن أباه به لنه إن تأول متأول في هذا المعنى أنه ذهب في
وصفه أنه أبيه وأن أباه به إلى مشاركته في
اللهوت فقد قال في تلمذته مثل هذا القول فيجب أن يكونوا على هذا القياس
شركاء في المحل وهذا ما ل يكون ول يجترىء على القول به أحد #قال ومن
أعجب العجب أن تكون أمة كتابها ودعوتها ومعبودها واحدا يتمسكون بأمر المسيح
408
www.anassim.fr.st 409 الن سي ــــ ـــ ـم
عليه السلم وتلمذته وإنجيله وسنته وشرائعه وهم مع ذلك مختلفون فيه أشد
الختلف فمنهم من يقول إنه عبد ومنهم من يقول إنه إله ومنهم من يقول إنه ولد
ومنهم من يقول إنه أقنوم وطبيعة ومنهم من يقول إنه أقنومان وطبيعتان #وكل
منهم يكفر صاحبه ويقول إن الحق في يده وكلهم ل يأتي من الكتاب بحجة واضحة
يثبت بها دعواه ول من قياسه لنفسه وتأوله بما يصح له عند المناظرة وإنما يرجع
في دينه واعتقاده إلى ما تأوله لة المتأولون بما يخالف إنجيلهم وكتبهم بالهوى
والعناد من بعضهم لبعض فهم يشركون بال على التأويل ول شريك له ويدعون له
ولدا من جهة ما أحدثوا لنفسهم سبحانه أنى يكون له ولد #قال الحسن بن أيوب
وقد بينا الحجج في بطلن كل قول لكم
مما عقدتم به شريعة إيمانكم ووجدنا قوما منكم إذا نوظروا في ذلك قالوا قد وجدنا
أكثر الديان يختلف أهلها فيها ويتفرقون على مقالت شتى هم عليها وكل منهم
يدعي أن الصواب في يده #وهذا أيضا من سوء الختيار وذهاب القلوب عن
رشدها وانصرافها عن سبيل حقها #فلم يختلف أهل دين من الديان في عقد
معبودهم ول شكوا فيه ول تفرقوا القول فيما اختاروه إل أهل ملل النصرانية فقط #
وسائر من سواهم إنما اختلفوا في فروع من فروع الدين وشرائعه مثل اختلف
اليهود في أعيادهم وسنن لهم ومثل اختلف المسلمين في القدر #فمنهم من قال به
ومنهم من دفعه #وفي تفضيل قوم من أصحاب محمد على نظرائهم بعد اتفاق
جماعتهم على إلههم ومعبودهم وخالقهم وأن ال إله الخلق كلهم واحد ل شريك له
ول ولد #ثم اتفاقهم بعد ذلك على نبيهم محمد ل يشكون فيه وعلى القرآن وأنه
كتاب ال المنزل على محمد المرسل ل يختلفون فيه #فإذا صح اتفاقهم على هذه
الصول كان ما سواها خلل ل يقع معه كفر ول يبطل به دين
والبلء العظيم الختلف في المعبود #فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ول دينا ثم #
عرض عليهم دين النصرانية لوجب أن يتوقفوا عنه إذ كان أهله لم يتفقوا على شيء
فيه #ودل اختلفهم في مقالتهم ومباينتها ما في كتبهم على باطله #فأما قولنا في
باب التوحيد واعترافنا بوحدانية ال تعالى ونفينا عنه الشركاء والنداد والمثال
والولد فهو قول ل يشكون في صحته ول يشك فيه أحد من أهل الكتب وسائر
الملل ول غيرهم من أهل القول بالدهر وسائر عبدة الصنام والوثان وكل منهم يقر
به ويرجع إليه #إل أن منهم من يتابعنا على تحديد التوحيد ومنهم من يدخل العلل
فيه بأن يقول ثلثة ترجع إلى واحد وصنما نعبده إجلل ل ليقربنا إلى ربنا وربه
ومدبر للمور قديم ل بد أن نعترف به خالقها وباريها #وكل منهم مقر بقولنا
وذاهب إلى مذهبنا على العتراف بال على الجهة التي يذهب إليها وأنه واحد ل
شريك له #فقد صح عقدنا بل شك منكم ول من أحد من المم فيه
ول في شيء منه بل تقودكم الضرورة إلى القرار به والجتماع معنا عليه #
والحمد ل رب العالمين على توفيقه وإياه نسأل أن يتم علينا فضله ويديم لنا تسديده
409
www.anassim.fr.st 410 الن سي ــــ ـــ ـم
بقدرته وأن يحيينا ويميتنا على السلم غير مشركين ول جاحدين ول مبدلين إنه
على كل شيء قدير وكل مستصعب عليه يسير وهو بمن خافه واتقاه وطلب ما عنده
ولم يلحد في دينه رؤوف رحيم اه #قلت هذا آخر ما كتبته من كلم الحسن بن
أيوب وهو ممن كان من أجلء علماء النصارى وأخبر الناس بأقوالهم فنقله لقولهم
أصح من نقل غيره #وقد ذكر في كتابه من الرد على ما يحتجون به من الحجج
العقلية والسمعية وما يبطل قولهم من الحجج السمعية والعقلية ما يبين ذلك #ونحن
نذكر مع ذلك كلم من نقل مذاهبهم من أئمتهم المنتصرين لدين النصرانية ونذكر ما
ذكروه من حججهم مثل ابن البطريق
بترك السكندرية فإنه صنف كتابه الذي سماه نظم الجوهر وذكر فيه أخبار
النصارى ومجامعهم واختلفهم وسبب إحداثهم ما أحدثوه مع انتصاره لقول الملكية
والرد على من خالفهم #قال سعيد بن البطريق بطريرك السكندرية في تاريخه
المعروف عند النصارى الذي سماه نظم الجوهر وذكر فيه مبدأ الخلق وتواريخ
النبياء والملوك والمم وأخبار ملوك الروم وأصحاب الكراسي برومية
وقسطنطينية وغيرهما ووصف دين النصرانية وفرق أهلها وهو ملكي رد على
سائر طوائف النصارى لما ذكر مولد المسيح صلوات ال عليه وأنه ولد في عهد
ملك الروم قيصر المسمى أغسطس لثنتين وأربعين سنة من ملكه قال وملك ستا
وخمسين سنة
قال وملك بعدة ابنه طيباريوس قيصر برومية وللمسيح خمس عشرة سنة #وكان #
لقيصر هذا صديق يقال له بلطس من قرية على شط البحر الذي تحت قسطنطينية
ويسمى ذلك البحر السطس ولذلك يسمى بلطس النبطي فوله على أرض يهوذا #
قال وفي خمس عشرة سنة من ملك طيباريوس قيصر هذا ظهر يحيى ابن زكريا
المعمداني فعمد اليهود في الردن لغفران الخطايا #فجاء المسيح إلى يحيى بن
زكريا فعمده يحيى في الردن
ولسيدنا المسيح ثلثون سنة وذكر قصة قتل يحيى وقصة الصلب المعروفة عند
النصارى #إلى أن قال وكتب بلطس إلى طيباريوس الملك بخبر سيدنا المسيح
وما تفعل تلميذه من العجائب الكثيرة من إبراء المرضى وإحياء الموتى #فأراد أن
يؤمن بسيدنا المسيح ويظهر دين النصرانية فلم يتابعه أصحابه على ذلك وملك
اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر #وذكر أن في عصره بنيت مدينة طبرية مشتقة
من اسمه #قال وملك بعده قيصر آخر أربع سنين وثلثة أشهر قتل بلطس وولى
شخصا كان شديدا على تلميذ المسيح وقتل رئيس الشهداء والشمامسة فرجم
بالحجارة حتى مات #وذكر أنه لقي التلميذ من اليهود ومن الروم شدة شديدة وقتل
منهم خلق كثيرة وأنه مات هذا وولي بعده قيصر آخر وفي زمنه وقع جوع ووباء
وفي زمنه كتب متى وبين إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس وفسره من العبرانية إلى
410
www.anassim.fr.st 411 الن سي ــــ ـــ ـم
الرومية يوحنا صاحب النجيل #قال وفي تسع سنين من ملكه كان مرقس صاحب
النجيل بمدينة السكندرية يدعوا الناس إلى اليمان بالمسيح وأنه أول شخص جعل
بطريركا على السكندرية وأنه صير معه اثني عشر قسيسا وأمرهم إذا مات
البطريرك أن يختاروا واحدا من الثني
عشر قسيسا ويضع الثنا عشر قسيسا أيديهم على رأسه ويباركونه ويصلحونه
بطريركا ثم يختارون رجل فاضل قسيسا ويصيرونه معهم بدل القسيس الذي
أصلحوه بتركا ليكون اثني عشر أبدا #فلم يزل رسمهم بالسكندرية على هذا إلى
زمن الثلثمائة وثمانية عشر #فأمرهم بطريرك السكندرية الذي كان من جملة
الثلثمائة وثمانية عشر أن ل يفعل هذا فيما بعد ومنع أن يصلح القساء البترك بل
يختاروا من أي بلد كان رجل فاضل وإذا مات البترك اجتمع الساقفة فأصلحوا
البترك من أي بلد كان من أولئك القسة أو من غيرهم #فانقطع الرسم الول من
إصلح القساء البترك وجعل التيسير لهم في إصلح البترك بابا ثم سمى بترك
السكندرية بابا ومعناه الجد
ومن حنانيا الذي أصلحه مرقس البشير إلى حادي عشر بطركا بالسكندرية لم #
يكن في عمل مصر أسقف ولم يكن البطاركة قبله أصلحوا أسقفا وأن العامة لما
سمعت الساقفة يسمون البطريرك أبا قالوا إذا كنا نحن نسمي السقف أبا والسقف
يسمى البطريك أبا فيجب علينا أن نسمي البطريرك بابا أي الجد إذ كان أبا لبينا
فسمي بطريرك السكندرية من وقت هرقل بابا أي الجد #قال وخرج مرقس إلى
برقة يدعو الناس إلى اليمان بالسيد المسيح ومات قلوديوس قيصر وملك بعده ابنه
نارون ثلث عشرة سنة #قال وهو أول من أهاج على النصارى الشر والبلء
والعذاب #قال وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين النجيل
إنجيل مرقس عن مرقس بمدينة رومية ونسبه إلى مرقس #قال وفي عصر هذا
الملك كتب لوقا إنجيله بالرومية إلى رجل شريف من عظماء الروم يقال له فوفيل
فكتب له أيضا البركسس الذي فيه أخبار التلميذ #وقد كان لوقا البشير صاحب
بولس الرسول يقول في بعض رسائله أن لوقا الطبيب يقول عليكم السلم #وقال
وأخذ ثارون قيصر لبطرس فصلبه منكسا ثم قتله لن بطرس قال له إن أردت أن
تصلبني فاصلبني منكسا لئل أكون مثل سيدي المسيح فإنه صلب قائما وضرب عنق
بولس الرسول بالسيف #وأقام بطرس بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة
قال وكان مرقس صاحب النجيل بالسكندرية وبرقة يدعو الناس إلى اليمان #
فأقام سبع سنين #وفي أول سنة من ملك نارون قيصر قتل مرقس بالسكندرية
وأحرق جسده بالنار وذكر بعده عدة قياصرة وذكر أن طيطس خرب البيت المقدس
بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها وأصاب أهلها جوع عظيم وقتل كل من
كان فيها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى ويضربون بأطفالهم
411
www.anassim.fr.st 412 الن سي ــــ ـــ ـم
الصخور #وخرب المدينة والهيكل وأضرم بها النار وأحصى القتلى على يديه
فكانوا ثلثة آلف ألف #وذكر عدة قياصرة بعد ذلك وأنه ولي واحد منهم خمس
عشرة سنة يقال له ذوما طيانوس وكان شديدا جدا على اليهود وأنه بلغه أن
النصارى يقولون أن المسيح ملكهم وأن ملكه إلى الدهر #فغضب غضبا شديدا
وأمر بقتل النصارى وأن ل يكون في ملكه نصراني
وكان يوحنا صاحب النجيل هناك فسمع بهذا فخاف وهرب إلى أفسس #ثم إنه #
أمر بأكرامهم وترك العتراض عليهم #ثم تولى بعده قيصر آخر سنة وبعض
أخرى ثم ملك آخر بعده تسع عشرة سنة يسمى طرايانوس #قال وهذا الملك أثار
على النصارى بلء عظيما وحزنا طويل وقتل شهداء كثيرة وقتل بطريرك إنطاكية
برومية وقتل أسقف بيت المقدس وصلبه وله مائة وعشرون سنة وأمر أن يستعبد
النصارى إذ ليس لهم دين ول شريعة
فلشدة ما استعبد النصارى وغلظ ما نالهم من القتل رحمتهم الروم وشهد وزراء #
الملك عنده أن النصارى لهم شريعة ودين وأنه ل يحل أن يستعبدوا فكف عنهم
الذية #قال وفي عصره كتب يوحنا إنجيله بالرومية في جزيرة يقال لها تيمرا من
أرض الروم من أرض أثينة في عصر رجل من عظماء الروم فيلسوف يقال له
مومودس #قال وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس #فلما كثروا
وامتلت منهم المدينة عزموا على أن يملكوا منهم ملكا فبلغ الخبر طيباريوس قيصر
فوجه بقائد من قواده بجيش عظيم إلى بيت المقدس فقتل من اليهود ما ل يحصى
كثرة
قال وخرج على قيصر هذا خارجي مقاتل ببابل فخرج إليه بنفسه فوقعت بينهم #
حرب شديدة وقتل من الفريقين خلق عظيم وقتل قيصر في الحرب #وملك بعده
أندريانوس قيصر عشرين سنة فخرج إلى ذلك الخارجي ببابل فهزمه وصار إلى
مصر فلقي منه أهل مصر شدة شديدة وأخذ الناس بعبادة الصنام وقتل من
النصارى خلقا كثيرا وأصاب إيليا ابنه علة في بدنه فكان ينفذ إلى البلدان يطلب
شفاء لعلته فوصفوا له بيت المقدس #فلما وافاها رآها خرابا ليس فيها أحد إل
كنيسة للنصارى فأمر أن تبنى المدينة وتحصن بحصن قوي #فلما سمع اليهود
أقبلوا من كل بلد وكل مدينة فما كان إل زمان قليل حتى امتلت منهم المدينة فلما
كثروا
ملكوا عليهم ملكا #فاتصل الخبر بإيليا بن قيصر اندريانوس فوجه إليهم بقائد من
قواده مع خلق كثير فحاصر المدينة فمات كل من فيها من الجوع والعطش ثم فتحها
فقتل من اليهود ما ل يحصى وهدم الحصن وخرب المدينة حتى صيرها صحراء #
قال وهذا آخر خراب بيت المقدس وهرب من اليهود من هرب إلى مصر وإلى
الشام وإلى الجبال وإلى الغور #وأمر الملك أن ل يسكن المدينة يهودي وأن يقتل
412
www.anassim.fr.st 413 الن سي ــــ ـــ ـم
اليهود ويستأصلوا وأن يسكن المدينة اليونانيون ويبنوا على باب الهيكل برجا
ويجعل فوقه ألواحا ويكتبوا عليه اسم إيليا الملك وذلك من ثمان سنين من ملكه #
قال والبرج اليوم على باب مدينة القدس وسمي محراب داود #قال فسمى بيت
المقدس إلى هذا الوقت إيليا #فمن الخراب الول الذي أخربه طيطس إلى هذا
الخراب ثلث وخمسون سنة #وامتلت بيت المقدس من اليونانيين فنظروا إلى
النصارى يأتون
إلى تلك المزبلة التي فيها القبر والقرانيون فيصلون فمنعوهم من ذلك #وبنى
اليونانيون على تلك المزبلة هيكل على اسم الزهرة فلم يقدر أحد من النصارى بعد
ذلك أن يقرب ذلك الموضع #قال ثم مات إيليا الملك وملك بعده أنطونيوس قيصر
برومية اثنين وعشرين سنة #قال وفي إحدى عشرة سنة من ملكه صير يهودا أسقفا
على بيت المقدس فأقام سنتين ومات #قال فمن يعقوب أسقف المقدس الول إلى
يهودا أسقف بيت المقدس هذا كانت الساقفة الذين صيروا على بيت المقدس
مختونين #وذكر أنه ولي بعد هذا قيصر آخر اسمه مرقس تسع عشرة سنة وأنه
أثار على النصار بلء عظيما وحزنا شديدا واستشهد في زمانه شهداء كثيرون
قال وكان في أيامه جوع شديد ووباء عظيم لم تمطر السماء سنين وكاد الملك #
وجميع أهل مملكته أن يهلكوا من الجوع #فسألوا النصارى أن يبتهلوا إلى إلههم
فدعوا فأمطر ال عليهم مطرا عظيما وارتفع الوباء والقحط #قال وكان بأيامه
بأرض اليونانيين مغنوس الحكيم #قال وفي خمس سنين من ملكه صير لولياثوس
بطريركا وهو أول بطريرك أصلح الساقفة في عمل مصر أقام ثلثا وأربعين سنة
ومات
فصل #قال وفي ذلك العصر كتب بطريرك السكندرية إلى أسقف بيت المقدس
وبطرك إنطاكية وبطرك رومية في كتاب فصح النصارى وصومهم وكيف يستخرج
من فصح اليهود فوضعوا في ذلك كتبا كثيرة على ما هو عليه اليوم #قال وذلك أن
النصارى كانوا بعد صعود سيدنا المسيح إلى
السماء إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما ويفطرون كما فعل
سيدنا يسوع المسيح لن سيدنا المسيح لما اعتمد بالردن خرج إلى البرية فأقام بها
صائما أربعين يوما وكان النصارى إذا أفصح اليهود عيدوا هم الفصح #فوضع
هؤلء البطاركة حسابا للفصح ليصوم النصارى أربعين يوما ويكون فطرهم يوم
الفصح ليتم فرحهم بذلك #قلت فقد أخبر عن المسيح أنه لما صام أربعين يوما عقب
المعمودية وكان يعيد مع اليهود في عيدهم ل يعيد عقب صومه شاركه النصارى في
ذلك مدة فصاروا يصومون أربعين عقب الغطاس الذي هو نظير المعمودية
ويعيدون مع اليهود العيد #ثم إنهم بعد هذا ابتدعوا تغيير الصوم فلم يصوموا عقب
413
www.anassim.fr.st 414 الن سي ــــ ـــ ـم
الغطاس بل نقلوا الصوم إلى وقت يكون عيدهم مع عيد اليهود فيكون عيدهم مع عيد
اليهود وهو فصح المسيح ويكون ذلك وقت قيامته من قبره #قال ومات مرقص
الملك وملك بعده قمودوس قيصر برومية اثني عشرة سنة وفي أيامه كان في أرض
اليونانيين في مدينة أفرغامس جالينوس الحكيم صاحب صناعة الطب #وذكر
جالينوس في فهرست كتبه أنه ربى قمودوس الملك
وذكر جالينوس في المقالة الولى من الكتاب المعروف بكتاب أخلق النفس أنه #
كان في عصر قمودوس الملك رجل يقال له بولس طلبه قمودوس الملك ليقتله فهرب
منه وكان له غلمان فقبضهما الملك فضربهما الملك وطلب منهما أن يدله على
مولهما فلم يفعل لكرم أنفسهما ونخوتهما وشدة محاماتهما على مولهما فقتلهما
وأن من السكندر إلى بولس خمسمائة سنة وست عشرة سنة وذلك في السنة التاسعة
من ملك قمودوس قيصر فهذا ما ذكر جالينوس #قال وكان أيضا في أيام
ديمقراطيس الحكيم #قلت هذه المدة أكثر مما ذكره سعيد هذا فإنه لم يذكر من
المسيح إلى هنا مائتا سنة بل ذكر إلى الخراب مائة وثلثة وعشرين سنة وقد تقدم
ذكره لديمقراطيس قبل هذا
قال وفي عشر سنين من ملكه ظهرت الفرس فغلبت على بابل وأمدوا فارس #
وتملك أزدشير بن ساسان بابل من أهل أصطخر وهو أول ملك ملك على فارس في
المرة الثانية #قال ومات قمودوس قيصر ملك الروم وملك بعده قيصر آخر ثلثة
أشهر ثم آخر وملك بعده برومية سويرس قيصر سبع عشرة سنة وذلك في أربع
سنين من ملك أزدشير #وكان هذا الملك شديدا قد أثار على النصارى بلء عظيما
وعذابا كبيرا وقتل كل عالم منهم وقتل خلقا كثيرا واستشهد في أيامه خلق كثير من
النصارى في كل موضع ثم قتل كل من كان بمصر والسكندرية من النصارى
وهدم الكنائس وبنى بالسكندرية هيكل
وسماه هيكل اللهة #وملك بعده قيصر وهو أنطونيوس الصلع ست سنين وملك
بعده قيصر آخر ثلث عشرة سنة كانت النصارى في أيامه في هدوء وسلمه
وكانت أمه تحب النصارى وفي أيامه سمى بطرك السكندرية بابا أي الجد وملك
بعده قيصر آخر ثلث سنين وهذا أثار على النصارى بلء طويل وحزنا عظيما
وقتل منهم خلقا كثيرا وأخذ الناس بعبادة الصنام وقتل من الساقفة خلقا كثيرا وقتل
بترك أنطاكية فلما سمع أسقف بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي #قال ومات
قيصر هذا في السنة الثانية من ملك بهرام بن هرمز وملك بعده قيصر آخر ثلثة
أشهر ثم بعده آخر أربع سنين
واسمه غرديانوس وفي ثلث سنين من ملكه مات بهرام بن هرمز وملك بعده بهرام
بن بهرام على الفرس تسع عشرة سنة #وفي أيامه ظهر رجل فارسي يقال له ماني
فأظهر دين المانية وزعم أنه نبي فأخذه بهرام بن بهرام ملك الفرس فشقه نصفين
414
www.anassim.fr.st 415 الن سي ــــ ـــ ـم
وأخذ من أصحابه وممن يقول بقوله مائتي رجل فغرس رؤوسهم في الطين منكسين
حتى ماتوا منكسين #وملك بعد قيصر هذا فيلبس قيصرا برومية سبع سنين وآمن
بالسيد المسيح ووثب عليه قائد من قواده فقتله #ثم ملك بعده قيصر آخر اسمه
داقنوس وهو دقيانوس وذلك من عشر سنين من ملك بهرام بن بهرام فلقي النصارى
منه حزنا طويل وعذابا شديدا وقتل منهم من ل يحصى واستشهد في أيامه من
الشهداء خلق كثير وقتل بطرق رومية ثم خرج إلى مدينة أفسس فبنى
في وسطها هيكل عظيما وصير فيه الصنام وأمر أن يسجد للصنام ويذبح لها ومن
لم يفعل ذلك قتل فقتل من النصارى بأفسس خلقا عظيما وصلبهم على الحصن واتخذ
من أولد عظماء أفسس سبعة غلمان من خواصه وعلى كسوته وقدمهم على جميع
من عنده وذكر أسماءهم أسماء أصحاب أهل الكهف #قال وهؤلء السبعة الغلمان
لم يسجدوا للصنام فأعلموا الملك بخبرهم فأمر بحبسهم ثم خرج إلى بعض
المواضع وأطلق سبيلهم إلى حين رجوعه #فلما خرج من المدينة أخذ الغلمان كل
ما لهم فتصدقوا به ثم خرجوا إلى جبل عظيم يقال له جاوس شرقي أفسس فيه كهف
كبير فاختفوا في الكهف فكان واحد منهم في كل يوم يتنكر ويدخل المدينة فيسمع ما
يقول الناس في شأنهم ويشتري لهم طعاما ويرجع فيعلمهم #فقدم دقيانوس الملك
فسأل عنهم فقيل له إنهم في جبل جاوس في الكهف مختفين #فأمر الملك أن يبنى
باب الكهف عليهم ليموتوا وصب ال عليهم النعاس فناموا كالموات
وأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس وكتب فيها خبرهم وقصتهم مع دقيانوس #
الملك وصير الصفيحة في صندوق نحاس ودفنه داخل الكهف وبنى الكهف #ومات
الملك دقيانوس قيصر وملك بعده قيصران برومية سنتين ثم قيصر آخر اسمه
غنيونوس خمس عشرة سنة وملك بعده قيصر آخر سنة واحدة ومات وذلك من
ثلث سنين من ملك هرمز #وفي أول سنة من ملك هذا صير بولس بطركا على
أنطاكية ويسمى بولوس الشمشاطي قال وهو الذي ابتدع دين البوليانية فسمي
التابعون لدينه والقائلون بمقالته بوليانيين #قال وكانت مقالته أن سيدنا المسيح خلق
من اللهوت إنسانا كواحد منا في جوهره فإن ابتداء البن من مريم وأنه اصطفي
ليكون مخلصا للجوهر النسي صحبته النعمة اللهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة
ولذلك سمي ابن ال
وقال إن ال جوهر واحد وأقنوم واحد ول نؤمن بالكلمة ول بروح القدس #قال #
وبعد موته اجتمع ثلثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية ونظروا في مقالة بولس
فأوجبوا على هذا الشمشاطي اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول مقالته وانصرفوا #قال
وبعده ملك قيصر آخر ست سنين اسمه أوراغوس قيصر #قال وكان النصارى
بالسكندرية في أيامه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم ولم يكن يظهر
بترك بالسكندرية لئل يقتلوهم #فلما صار نارون بطركا ظهر ولم يزل يداري
الروم حتى بنى بالسكندرية كنيسة حنا ومار مريم وملك بعده
415
www.anassim.fr.st 416 الن سي ــــ ـــ ـم
قيصران ثم قيصر اسمه فاروس وذلك في تسع سنين من ملك سابور بن هرمز
وكان شديدا على النصارى قتل الخوين قزمان ودميان الشهيدين وملك بعده
دقيطيانوس #قال فمن خراب طيطس لبيت المقدس إلى ملك دقيطيانوس مائتان
وست سنين ومن مولد سيدنا المسيح إلى دقيطيانوس مائتان وست وسبعون سنة
ومن السكندر إلى دقيطيانوس خمسمائة وخمس وتسعون سنة ومن سبي بابل إلى
دقيطيانوس ألف وثلثمائة وخمس وثلثون سنة ومن داود إلى دقيطيانوس ألف
وتسعمائة وإحدى وأربعون سنة #قال وملك دقيطيانوس في إحدى عشرة سنة من
ملك
سابور بن هرمز ملك الفرس وملك معه اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة
وهؤلء أثاروا على النصارى بلء عظيما وحزنا طويل وعذابا أليما وشدة شديدة
تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الموال واستشهدوا ألوفا من الشهداء
وعذبوا ماري جرجس أصناف العذاب وقتلوه بفلسطين وقتلوا ماري مينا وماري
بقطر وأيتماخوس ومركورس وغيرهما #قال وفي عشر سنين من ملكهما صير
بطرس بطركا على السكندرية فأقام عشر سنين وقتل
وفي عشرين سنة من ملكهما ضرب عنق بطرس هذا البطرك بالسكندرية #قال #
وكان لبطرس تلميذان اسم أحدهما أشل والخر الكصندروس وكان بالسكندرية
رجل يقال له أوريوس يقول إن الب وحده ال الفرد والبن مخلوق مصنوع وقد
كان الب إذ لم يكن البن #فقال بطرس البطرك لتلميذيه إن المسيح لعن أريوس
فاحذرا أن تقبل قوله فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب فقلت له يا سيدي
من شق ثوبك فقال لي أريوس فاحذروا أن تقبلوه ويدخل معكم الكنيسة كنيسة ال #
قال وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أشيل بطركا على السكندرية فأقام ستة
أشهر ومات #وكان أريوس قد استعان على أشل بأصدقائه فأورى أنه قد رجع عن
تلك المقالة فقبله أشل وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا
قال وأما دقيطيانوس الملك فكان يطلب النصارى فيقتلهم #فبينما هو يسير في #
طلبهم إذ بلغ إلى موضع يقال له ملطية فصب ال عليه نقمته فوقع في علل عظيمة
وأمراض عظيمة حتى ذاب جسمه وكان الدود يتساقط من بدنه إلى الرض وسقط
لسانه من حنكه ومات #وملك بعده قيصران أحدهما المشرق والشام وأرض الروم
والخر رومية ونحوها وكان أحدهما اسمه علنيوس والخر مقصطيوس فكانا
كالسباع الضارية على النصارى وأثارا عليهم البلء والجلء وما ل يصفه واصف
وفعل بهم ما لم يفعله أحد من الملوك قبلهم #وملك معهما على بزنطية وما والها
قسطس أبو قسطنطين
وكان رجل دينا مبغضا للصنام محبا للنصارى #فخرج قسطس إلى ناحية
416
www.anassim.fr.st 417 الن سي ــــ ـــ ـم
الجزيرة والرها فنزل في قرية من قرى الرها يقال لها كفرجاث فنظر فيها امرأة
حسنة جميلة يقال لها هيلنة وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها وتعلمت
قراءة الكتب #وولدت هيلنة قسطنطين فتربى بالرها وتعلم حكم اليونانيين وكان
غلما حسن الوجه قليل الشر وديعا محبا للحكمة #وأما علنيوس فكان رجل
وحشيا شديد البأس مبغضا للنصارى جدا كثير القتل لهم محبا للنساء ولم يترك
للنصارى بنتا بكرا إل أخذها وأفسدها وقتلها وكذلك أصحابه وهكذا كانوا يفعلون
بالنصارى وكان النصارى في شدة شديدة جدا معهم #وبلغه خبر قسطنطين وأنه
غلم هاد قليل الشر كثير العلم والخير #وأخبره الحكماء الذين له والمنجمون أن
قسطنطين سيملك ملكا عظيما فهم بقتله
وعلم قسطنطين بذلك فهرب من الرها وذهب إلى مدينة بزنطية ووصل إلى أبيه #
قسطس فسلم إليه الملك #وبعد قليل مات قسطس وصب ال على علنيوس الملك
علل عظيمة حتى تقطع لحمه وتهرأ وبقي مطروحا ل يقدر أحد أن يقترب منه #
فعجب الناس مما ناله ورحمه أعداؤه مما حل به #فرجع إلى نفسه وقال لعل هذا
الذي بي مما أقتل النصارى #فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من
الحبوس وأن يكرموهم ول يؤذوهم ويسألونهم أن يدعوا له في صلتهم #فصلى
النصارى على الملك ودعوا له فوهب ال له العافية ورجع إلى أفضل مما كان عليه
من الصحة والقوة #فلما صح وقوي رجع إلى أشر مما كان عليه من الردى #
وكتب إلى جميع عماله أن يقتلوا النصارى ول يعيش في مملكته نصراني ول
يسكنوا مدينة ول قرية له #فمن كثرة القتلى كانوا يحملون على العجل ويرمون بهم
في البحار والصحارى وقتل مار جرجس وأخاه بمدينة قباذوقية
وهما من أهلها وقتل بربارة وذكر حربا جرت بينه وبين سابور لما تنكر سابور
وجاء إليه متنكرا وعرفه #قال وأما مقسطيوس فكان شريرا على أهل رومية
واستبعد كل من كان برومية وخاصة النصارى فكان ينهب أموالهم ويقتل رجالهم
ونساءهم وصبيانهم #فلما سمع أهل رومية بملك قسطنطين وأنه مبغض للشر
محب للخير وأن أهل مملكته معه في هدوء وسلمة كتب رؤساء رومية إلى
قسطنطين يسألونه ويطلبون إليه أن يخلصهم من عبودية مقسطيوس عدو ال #فلما
قرأ كتبهم اغتم غما شديدا وبقي متحيرا ول يدري كيف يصنع #فبينما هو متفكر إذ
ظهر له من نصف النهار في السماء صليب من كواكب تضيء مكتوبا حوله بهذا
تغلب #فقال لصحابه رأيتم ما رأيت قالوا نعم #فآمن من ذلك الوقت بالنصرانية
وذلك لست سنين من بعد موت أبيه
فتجهر قسطنطين واستعد لمحاربة مقسطيوس ملك رومية وعمل صليبا كبيرا من #
ذهب وصيره على رأس البند وخرج يريد مقسطيوس #فلما سمع مقسطيوس أن
قسطنطين قد وافاه لمحاربته استعد لحربه وعقد جسرا على النهر الذي قدام رومية
وخرج مع جميع أصحابه يحارب قسطنطين #فأعطى قسطنطين النصرة عليه فقتل
417
www.anassim.fr.st 418 الن سي ــــ ـــ ـم
من أصحاب مقسطيوس مقتلة عظيمة وهرب مقسطيوس وغرق هو وأصحابه حتى
امتل البحر وهو النهر الذي عند رومية غرقى وقتلى #وخرج أهل رومية إلى
قسطنطين بالكليل الذهب وكل أنواع اللهو واللعب فلقوا قسطنطين وفرحوا فرحا
عظيما #فلما دخل المدينة أمر أن تدفن أجساد النصارى الشهداء المصاليب وكل
من كان من النصارى هرب أو نفاه مقسطيوس يرجع إلى بلده وموضعه ومن أخذ
له شيء رد إليه #وأقام أهل رومية سبعة أيام يعيدون للملك وللصليب ويفرحون #
فلما سمع الخبر علنيوس جمع ما قدر عليه وتجهز لقتال قسطنطين
فلما عاينه انهزموا من بين يديه وأخذهم بالسيف وقتل منهم مقتلة عظيمة ومنهم #
من أسر ومنهم من استأمن #وأفلت علنيوس عريانا فلم يزل يتقوى موضعا
موضعا حتى وافى مدينته فجمع الكهنة والسحرة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل
منهم فضرب أعناقهم لئل يقعوا في يد قسطنطين #وصب ال على علنيوس نارا
في جوفه حتى كانت أحشاؤه تتقطع من الحر الذي كان يجده في جوفه وسقط على
الرض وتهرأ لحمه على عظمه ومات #وملك قسطنطين الدنيا في هدوء وسلمة
وذلك في إحدى وأربعين سنة من ملك سابور بن هرمز ملك الفرس #قال وتنصر
قسطنطين في مدينة يقال لها نيقوميديا وذلك في اثني عشرة سنة من ملكه وأمر ببناء
الكنائس في كل بلد وأن يخرج من بيت المال الخراج مما يعمل به أبنية الكنائس
قال وفي خمس سنين من ملكه صير الكصندروس بطريركا على السكندرية #
وهو تلميذ بطركها بطرس الذي قتل وهو رفيق أشل فأقام ست عشرة سنة وفي
خمس عشرة سنة من رياسته كان المجمع بمدينة نيقية الذي رتبت فيها المانة
الرثذكسية #فمنع الكصندروس بترك السكندرية أريوس من دخول الكنيسة
ولعنه وقال إن أريوس ملعون لن بطرس البترك قبل أن يستشهد قال انا إن ال لعن
أريوس فل تقبلوه ول تدخلوه الكنيسة #وكان على مدينة أسيوط من عمل مصر
أسقف يرى رأي أريوس فلعنه أيضا #وكان بالسكندرية هيكل عظيم كانت
كلوبطرة الملكة بنته
على اسم زحل وكان فيه صنم من نحاس عظيم يسمى ميكائيل وكان أهل
السكندرية ومصر في اثني عشر يوما في شهر هتور وهو تشرين الثاني يعيدون
لذلك الصنم عيدا عظيما ويذبحون الذبائح الكثيرة #فلما صار هذا بطركا على
السكندرية وظهرت النصرانية أراد أن يكسر الصنم ويبطل الذبائح #فامتنع عليه
أهل السكندرية فاحتال لهم بأن قال إن هذا صنم ل منفعة فيه ول مضرة فلو
صيرتم العيد لميكائيل الملك وجعلتم هذه الذبائح له كان أنفع لكم عند ال وكان خيرا
لكم من هذا الصنم فأجابوه إلى ذلك #فكسر الصنم وأصلح منه صليبا وسمى الهيكل
كنيسة ميكائيل وهي الكنيسة التي تسمى قيسارية احترقت بالنار وقت موافاة الجيوش
من المغاربة القرامطة مع المسمى
418
www.anassim.fr.st 419 الن سي ــــ ـــ ـم
أبو عبيد ال وكان معه أمير من أصحابه يسمى حباسة وذلك في خلفة المعتضد
بال #وكان عامله على مصر يومئذ موله المعروف بتكين الحاجب رجل تركي
فنفر إلى المغاربة وجاءه مدد من الشرق مع الخادم الملقب مونس الستاذ
فهرب منه أبو عبيد ال وحباسة وجنودهما وصير العيد لميكائيل الملك والذبائح #
#وإلى اليوم القبط بمصر والسكندرية يعيدون في هذا اليوم عيد ميكائيل الملك
ويذبحون فيه الذبائح الكثيرة وكذلك الملكية يعيدون في هذا اليوم عيد ميكائيل الملك
وصار رسما إلى اليوم #قال فلما منع بترك السكندرية أريوس من دخول الكنيسة
ولعنه خرج أريوس مستعديا عليه ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين الملك #
وقال أريوس إنه تعدى علي وأخرجني من الكنيسة ظلما #وسأل الملك أن يشخص
الكصندروس بطرك السكندرية ليناظره قدام الملك #فوجه قسطنطين برسول إلى
السكندرية فأشخص البطرك وجمع بينه وبين أريوس ليناظره فقال قسطنطين
لريوس اشرح مقالتك
قال أريوس أقول إن الب كان إذ لم يكن البن ثم ال أحدث البن فكان كلمة له #
إل أنه محدث مخلوق ثم فوض المر إلى ذلك البن المسمى كلمة فكان هو خالق
السماوات والرض وما بينهما كما قال في إنجيله إذ يقول وهب لي سلطانا على
السماء والرض فكان هو الخالق لهما بما أعطى من ذلك #ثم إن الكلمة تجسدت
من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسيحا واحدا #فالمسيح الن معنيان
كلمة وجسد إل أنهما جميعا مخلوقان #قال فأجابه عند ذلك بطرك السكندرية وقال
تخبرنا الن أيما أوجب علينا عندك عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا #قال
أريوس بل عبادة من خلقنا #قال له البطرك فإن كان خالقنا البن كما وصفت وكان
البن مخلوقا فعبادة البن المخلوق أوجب من عبادة الب الذي ليس بخالق بل تصير
عبادة الب الخالق للبن كفرا وعبادة البن المخلوق إيمانا وذلك من أقبح القاويل
#فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البطرك وشنع عندهم
مقالة أريوس ودار بينهما أيضا مسائل كثيرة #فأمر قسطنطين البطرك
الكصندروس أن يلعن أريوس وكل من قال بمقالته #فقال له بل يوجه الملك
فيشخص البطاركة والساقفة حتى يكون لنا مجمع ونضع فيه قضية ونلعن أريوس
ونشرح الدين ونوضحه للناس #فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع
البطاركة والساقفة فاجتمع في مدينة زيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون
أسقفا وكانوا مختلفي الراء مختلفي الديان #فمنهم من يقول المسيح ومريم إلهان
من دون ال وهم المريمانية ويسمون المريميين
ومنهم من كان يقول إن المسيح من الب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار #
فلم تنقص الولى ليقاد الثانية منها وهي مقالة سبارينون وأشياعه #ومنهم من كان
يقول لم تحبل مريم لتسعة أشهر وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في
419
www.anassim.fr.st 420 الن سي ــــ ـــ ـم
وزعموا أن مرقيون رئيس الحواريين وأنكروا بطرس السليح #ومنهم من كان #
يقول ربنا هو المسيح وهي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا
#قال فلما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا وتقدم لهم
بالكرام والضيافة وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه #
فاتفق منهم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا على دين واحد ورأي واحد فناظروا بقية
الساقفة المختلفين فأفلجوا عليهم حججهم وأظهروا الدين المستقيم وكان أيضا باقي
الساقفة مختلفي الديان والراء #وصنع الملك للثلثمائة والثمانية عشر أسقفا
مجلسا خاصا عظيما وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفعها إليهم
وقال لهم قد سلطتكم اليوم على المملكة لتصنعوا ما بدا لكم لتصنعوا ما ينبغي لكم أن
تصنعوا مما فيه قوام الدين وصلح المؤمنين #فباركوا على الملك وقلدوه سيفه
وقالوا له أظهر دين النصرانية وذب عنه
ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع وفيها ما يصلح أن يعمل به #
الساقفة وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها #وكان رئيس المجمع والمقدم فيه
الكصندروس بطريرك السكندرية وبطرك النطاكية وأسقف بيت المقدس #
ووجه بطرك رومية من عنده رجلين فاتفقوا على نفي أريوس وأصحابه ولعنوهم
وكل من قال مقالته ووضعوا تلك المانة وثبتوا أن البن مولود من الب قبل كل
الخلئق وأن البن من طبيعة الب غير مخلوق #واتفقوا على أن يكون فصح
النصارى في يوم الحد الذي يكون بعد فصح اليهود وأن ل يكون فصح اليهود مع
فصح النصارى في يوم واحد وثبتوا ما وضعه من تقدم ذكره من حساب الصوم
والفصح
وأن يكون فطر النصارى يوم فصحهم يوم الحد الذي يكون بعد فصح اليهود #لن
النصارى كما قلنا من قبل كانوا إذا عيدوا عيد الحميم وهو عيد الغطاس صاموا من
الغد أربعين يوما ويفطرون #فإذا كان عيد اليهود عيدوا معهم الفصح فصيروا يوم
الفصح للفطر ومنعوا أن يكون للسقف زوجة وذلك أن الساقفة منذ وقت
الحواريين إلى مجمع الثلثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء لنه كان إذا اختير واحد
أسقفا وكانت له زوجة تبيت معه ولم تنتح عنه ما خل البطاركة فإنه لم يكن لهم
420
www.anassim.fr.st 421 الن سي ــــ ـــ ـم
نساء ول كانوا أيضا يصيرون أحدا بطركا له زوجة #قال وانصرفوا مكرمين
محظوظين وذلك في سبع عشرة سنة من ملك قسطنطين #قال وسن قسطنطين
الملك ثلث سنن #أحدها كسر الصنام وقتل كل من يعبدها #والثانية أن ل يثبت
في الديوان إل أولد النصارى ويكونون أمراء وقواد
والثالثة أن يقيم الناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها ل يعملون فيها عمل ول #
يكون فيها حرب #قال وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع
المقبرة والصليب ويبني الكنائس ويبدأ ببناء القيامة المقدسة #فقالت هيلنة أم
قسطنطين للملك إني نذرت أن أصير إلى بيت المقدس فأطلب المواضع المقدسة
فأبنيها فدفع الملك إليها أموال كثيرة جزيلة #وسارت إلى بيت المقدس مع أسقف
بيت المقدس فلما وصلت لم يكن لها حرص ول همة إل طلب الصليب #فجمعت
اليهود والسكان في بيت المقدس واختارت منهم عشرة ومن العشرة ثلثة كان واحد
منهم يقال له يهوذا فسألتهم أن يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا وقالوا ليس
عندنا علم منه ول خبرة بالموضع #فأمرت بهم فطرحتهم في جب ليس فيه ماء
فأقاموا سبعة أيام لم يطعموا ولم يسقوا فقال أحدهم الذي اسمه يهوذا لصاحبيه إن أباه
عرفه بالموضع الذي تطلب هذه المرأة وإن جده عرف أباه #فصاح الثنان من
الجب أخرجونا حتى نعلم الملكة بحال هذا الرجل
فأخرجوهم فأخبروا الملكة بما قال لهما يهوذا فأمرت بضربه بالسياط فأقر أنه #
يعرف الموضع فخرج حتى جاء إلى الموضع الذي فيه المقبرة والقرانيون وكانت
مزبلة عظيمة هناك فصلى وقال اللهم إن كان في هذا الموضع المقبرة فأسألك أن
تزلزل المكان وتخرج منه دخانا حتى نؤمن فزلزل الموضع وخرج منه دخان كما
سأل فآمن #فأمرت هيلنة بكنس الموضع من التراب فظهرت المقبرة والقرانيون
ووجد ثلثة صلبان قالت هيلنة كيف لنا أن نعلم بصليب السيد المسيح وكان بالقرب
منهم عليل شديد العلة قد يئس منه فوضع الصليب الول عليه والثاني والثالث فقام
المريض وليس به شيء يكره #فعلمت هيلنة أنه الصليب الذي لسيدنا المسيح
فجعلته في غلف من ذهب وحملته معها وجملته بما تقدر عليه وأظهرت كل ما كان
مدفونا من آثار سيدنا المسيح وحملته إلى ابنها قسطنطين وبنت كنيسة القيامة في
موضع الصليب والقرانيون وكنيسة قسطنطين وانصرفت وأمرت أسقف بيت
المقدس أن يبني باقي الكنائس وذلك في اثنين وعشرين سنة من ملك قسطنطين #
قال فمن ميلد سيدنا المسيح إلى أن وجد الصليب ثلثمائة وثمانية وعشرون سنة
وذكر أنه بعد هذا اجتمعوا بمجمع عظيم ببيت
المقدس #وكان معهم رجل قد دسه بطرك القسطنطينية وجماعة معه ليسألوا بطرك
السكندرية وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك أظهر أنه مخالف لريوس وكان
يرى رأيه ويقول بمقالته فقام هذا الرجل واسمه مانيوس فقال إن أريوس لم يقل إن
المسيح خلق الشياء ولكن قال به خلقت الشياء لن كلمة ال التي بها خلق
421
www.anassim.fr.st 422 الن سي ــــ ـــ ـم
السماوات والرض وإنما خلق ال الشياء بكلمته ولم تخلق الشياء كلمته كما قال
سيدنا المسيح في النجيل المقدس كل بيده كان ومن دونه لم يكن شيء فقال به كانت
الحياة والحياة نور البشر وقال في هذا العالم والعالم به تكون فأخبر أن الشياء به
تكونت ولم يخبر أنها كونت له قال فهذه كانت مقالة أريوس ولكن الثلثمائة وثمانية
عشر أسقفا تعدوا عليه وظلموه وحرموه ظلما وعدوانا #فرد عليه بطرك
السكندرية وقال أما أريوس فلم يكذب عليه الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا ول ظلموه
لنه إنما قال إن البن خالق الشياء دون الب #وإذا كانت الشياء إنما خلقت
بالبن دون أن يكون الب لها خالقا فقد يجب أن يكون ما خلق منها شيئا وفي ذلك
تكذيب للمسيح قوله الب يخلق وأنا أخلق وقال إن أنا لم أعمل عمل أبي
فل تصدقوني وقال كما أن الب يحيي من يشاء ويميته كذلك البن يحيي من يشاء
ويميته #فدل على أنه يحيي ويخلق وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق وإنما
خلقت به دون أن يكون خالقا له وأما قولك إن الشياء كونت به فإنما كنا ل نشك أن
المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله إثما أفعل الخلق والحياة كان قولك به كونت
الشياء إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها فكانت به مكونة ولو لم يكن ذلك
كذلك لتناقض القولن #قال ورد عليه أيضا فقال أما قول من قال من أصحاب
أريوس إن الب يريد الشيء فيكونه البن والرادة للب والتكوين للبن فإن ذلك
يفسد أيضا إذ كان البن عنده مخلوقا فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من
حظ الخالق فيه وذلك أن هذا أراد وفعل وذاك أراد ولم يفعل فهذا أوفر حظا في فعله
من ذاك ول بد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما
يريد الخالق منه ويكون حكمه كحكمه في الجبر والختيار فإن كان
مجهول فل شيء له في الفعل وإن كان مختارا فجائز أن يطاع وجائز أن يعصى
وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب وهذا أشنع في القول #قال ورد عليه أيضا وقال
إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق فالمخلوق غير الخالق بل شك فقد زعمتم أن
الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان ل يتم له الفعل
إل به والمحتاج إلى غيره منقوص والخالق يتعالى عن هذا كله #قال فلما دحض
بطرك السكندرية حجج أولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلن قولهم تحيروا
وخجلوا فوثبوا على بطرك السكندرية فضربوه حتى كاد أن يقتل فخلصه من أيديهم
ابن أخت قسطنطين وهرب بطرك السكندرية المحتج على أصحاب أريوس وصار
إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الساقفة ثم أصلح دهن الميرون وقدس
الكنائس ومسحها بدهن الميرون وسار إلى الملك فأعلمه بالخبر فصرفه الملك إلى
السكندرية
فصل #قال وأمر الملك أن ل يسكن يهودي بيت المقدس ول يجوز بها ومن لم
يتنصر يقتل فتنصر من اليهود خلق كثير وظهر دين النصرانية #فقيل لقسطنطين
422
www.anassim.fr.st 423 الن سي ــــ ـــ ـم
الملك إن اليهود يتنصرون من فزع القتل وهم على دينهم قال الملك كيف لنا أن نعلم
ذلك منهم #قال بولس البترك إن الخنزير في التوراة حرام واليهود ل يأكلون لحم
الخنزير فأمر أن تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتطعمهم منها فمن لم يأكل منه
علمنا أنه مقيم على دين اليهودية #فقال الملك إذا كان الخنزير في التوراة حراما
فكيف يجوز لنا أن نأكل لحم الخنزير ونطعمه للناس #فقال له بولس البترك إن
سيدنا المسيح قد أبطل كل ما في التوراة وجاء بناموس آخر وبتوراة جديدة وهو
النجيل وفي إنجيله المقدس أن كل ما يدخل البطن ليس بحرام ول ينجس وإنما
ينجس النسان الذي يخرج من فيه
وقال بولس الرسول في رسالته إلى أهل مدينة فورينيوس الولى الطعام للبطن #
آلته لها والبطن للطعام وله يلعن ومكتوب في البركسس يعني أخبار الحواريين أن
بطرس رئيس الحواريين كان في مدينة يافا في منزل رجل دباغ يقال له سيمون
وأنه صعد إلى المنزل ليصلي وقت ست ساعات من النهار فوقع عليه سبات فنظر
إلى السماء قد تفتحت وإذا إزار قد نزل من السماء حتى بلغ الرض #وفيه كل ذي
أربع قوائم على الرض من السباع والذئاب وغير ذلك من طير السماء وسمع
صوتا يقول له يا بطرس قم فاذبح وكل فقال بطرس يا رب ما أكلت شيئا نجسا قط
ول وسخا قط فجاء
صوت ثان كل ما طهره ال فليس بنجس وفي نسخة أخرى ما طهره ال فل تنجسه
أنت #ثم جاء الصوت بهذا ثلث مرات ثم إن الزار ارتفع إلى السماء فعجب
بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه #فبهذا المنظر وبما قال سيدنا المسيح في إنجيله
المقدس أمر بطرس وبولس أن نأكل كل ذي أربع قوائم من الخنزير وغيره من
جميع الحيوان حلل لنا #فأمر الملك أن تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتقطع
صغارا صغارا وتصير على أبواب الكنائس في كل مملكته يوم أحد الفصح وكل من
خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنزير فمن لم يأكل منه يقتل فقتل لجل ذلك
خلق كثير
قال سعيد وكان لقسطنطين ثلثة أولد أكبرهم قسطنطين بن قسطنطين وذلك حين #
ملك أزدشير بن سابور بن هرمز على الفرس وملك بعده سابور بن سابور لخمس
سنين من ملك قسطنطين #قال وفي ذلك العصر اجتمع أصحاب أريوس وكل من
قال بمقالته إلى الملك قسطنطين فحملوا له دينهم ومقالتهم وقالوا إن الثلثمائة
وثمانية عشر أسقفا الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن الحق في قولهم
إن البن متفق مع الب في الجوهر فتأمر أن ل يقال هذا فإنه خطأ فأراد الملك أن
يفعل ذلك #قال وفي ذلك العصر ظهر على القرانيون وهو الجلجلة نصف النهار
صليب من نور من الرض إلى السماء يفوق ضوؤه ضوء الشمس فكان يبلغ إلى
طور زيتا فرأى ذلك كل من كان في بيت المقدس من كبير وصغير
423
www.anassim.fr.st 424 الن سي ــــ ـــ ـم
فكتب أسقف بيت المقدس إلى قسطنطين بن قسطنطين بالخبر وقال في أيام أبيك #
السعيد ظهر صليب كواكب من السماء في نصف النهار وفي أيامك ظهر أيها الملك
على القرانيون صليب من نور يفوق نوره نور الشمس في نصف النهار #وكتب
إليه أن ل يقبل قول أصحاب أريوس فإنهم حائدون عن الحق كفار قد لعنهم
الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا ولعنوا كل من يقول بمقالتهم فقيل قوله #قال وفي ذلك
الوقت غلبت مقالة أريوس على قسطنطينية وأنطاكية وبابل والسكندرية #فسمى
التابعون لريوس والقائلون بمقالته أريوسيين مشتقا من اسمه #قال وفي ثاني سنة
من ملك قسطنطين صير على أنطاكية بطرك أريوسي ثم بعده آخر أريوسي ثم بعده
آخر مناني وصير على قسطنطينية بترك مناني
قال ففي عشر سنين من ملكه صير على قسطنطينية بطرك وكان يقول روح #
القدس مخلوقة وأقام عشر سنين ومات #ونقل بعد ذلك بطرك أنطاكية فصير على
قسطنطينية وكان منانيا #قال وأما أهل مصر والسكندرية فكان أكثرهم أريوسيين
ومنانيين فغلبوا على كنائس مصر فأخذوها ووثبوا على بترك السكندرية ليقتلوه
فهرب منهم واستخفى وصيروا على إسكندرية بترك منانيا #وفي ذلك الزمان قدم
من القسطنطينية إلى السكندرية قائد وكان أريوسيا فنفى الملكي وأقام بطركا
أريوسيا #فلما خرج القائد قتل الملكيون ذلك البترك الريوسي وأحرقوه بالنار
ومات الملك قسطنطين بن قسطنطين وله في الملك أربع وعشرون سنة #وملك #
بعده يوليانوس الملك الكافر على الروم سنين وأراد أن يرد الناس إلى عبادة الصنام
وقتل من الشهداء خلقا كثيرا #وفي أول سنة من ملكه وثب الريوسيون ببيت
المقدس على أسقفها الملكي الذي كتب بظهور الصليب ليقتلوه فهرب منهم فصيروا
أسقفا أريوسيا #قال وفي ثاني سنة من ملكه صير على أنطاكية بطركا على المانة
أقام خمسا وعشرين سنة #وفي إحدى وعشرين سنة من رياسته كان المجمع الثاني
بقسطنطينية #قال وكان في عصره أهل مدينة نيريار كلهم صابئون فوضع
أسقف نيريار ميمرا في ميلد المسيح ويقول في ابتدائه الميمر السيد ولد مختونا
فخذوا المسيح من السماء واستقبلوه على الرض فلما قرأه عليهم استهزأوا به
وأقبلوا يضحكون منه فلما كان عيد الحميم وضع ميمرا في عيد الحميم هتك فيه دين
الصابئين وفضحهم فيه ومكن فيه دين النصرانية #قال وكان في عصر يوليانوس
الملك الكافر أول راهب سكن برية مصر وبنى الديارات وجمع الرهبان #وكان
آخر بالشام وهو أول من سكن برية الردن وجمع الرهبان وبنى الديارات #قال
وخرج هذا الملك الكافر لقتال سابور ملك الفرس فلسوء مذهبه ورداءة دينه وما أراد
أن يأخذ بعبادة الصنام ظفر به ملك
الفرس فقتله وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة #وذكر أسقف قيسارية أنه كان جالسا
في محرابه وحذاؤه لوح فيه صورة ماري مركورس الشاهد فنظر إلى اللوح فلم ير
424
www.anassim.fr.st 425 الن سي ــــ ـــ ـم
فيه صورة الشاهد فعجب من ذلك إذ غابت فلم يكن إل ساعة حتى عادت صورة
الشاهد إلى اللوح وفي طرف الحربة المصورة التي في يد الشاهد شبيه بالدم فتعجب
من ذلك وبقي متحيرا حتى بلغه أن الملك الكافر قتل في الحرب #فعلم أن ماري
مركوس الشاهد قتله لشدة بغضه الذي كان للنصارى وما كان عزم عليه من عبادة
الصنام #وذكر بعد هذا جماعة من البتاركة والساقفة كان بعضهم أريوسيا
وبعضهم منانيا وبعضهم ملكيا وذكر فتنا بينهم وتعصب كل طائفة لبتركها حتى يقتل
بعضهم بعضا وينفي بعضهم بعضا #وذكر أنه اختلفت آراء النصارى وكثرت
مقالتهم وغلبت عليهم مقالة أريوس وأنهم ملكوا عليهم ملكا اسمه تذوس وأن
الوزراء والقواد اجتمعوا إليه ذاكرين أن مقالت الناس اختلفت وفسدت وغلبت
عليهم مقالة أريوس ومقدينوس فينظر الملك في هذا ويذب عن النصرانية ويوضح
المانة المستقيمة #وكتب إلى بطرك إسكندرية وأنطاكية ورومية وأسقف بيت
المقدس فحضروا مع أساقفتهم بقسطنطينية إل بطرك رومية فإنه كتب وأنفذ بالمانة
المستقيمة #فاجتمع بقسطنطينية ماية وخمسون أسقفا وكان المقدم البطاركة الثلثة
فدفع الملك إليهم كتاب بطرك رومية فكان صحيحا موافقا وكان يزعم أن روح
القدس إله ولكن مخلوق مصنوع #فقال بطرك السكندرية ليس روح القدس عندي
معنى غير
حياته فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق فقد قلنا إن حياته مخلوقة وإذا قلنا إن حياته
مخلوقة فقد زعمنا أنه غير حي وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا ومن كفر وجب
عليه اللعن #فاتفقوا على لعن مقدونيوس فلعنوه وأشياعه ولعنوا البطاركة الذين
كانوا بعده يقولون بقوله ولعنوا أسقف لونيه وأشياعه ولعنوا بوليناريوس وأشياعه
لنه كان يقول إن الب والبن وجه واحد #ولعنوا بوليناريوس وأشياعه لنه كان
يقول إن جسد سيدنا المسيح بغير فعل #وثبتوا أن روح القدس خالقة غير مخلوقة
إله حق وأن طبيعة الب والبن جوهر واحد وطبيعة واحدة #وزاد في المانة التي
وضعها الثلثمائة والثمانية عشر أسقفا الذين اجتمعوا في مدينة نيقية وبروح القدس
المحيي المميت المنبثق من الب
وثبتوا أن الب وحده والبن وروح القدس ثلثة أقانيم وثلثة وجوه وثلثة #
خواص في وحدانية واحدة وكيان واحد وثلثة أقانيم إله واحد جوهر واحد طبيعة
واحدة #وثبتوا أن جسد سيدنا المسيح بنفس ناطقة عقلية #قال فمن المجمع الول
إلى هذا المجمع الثاني ثمان وخمسون سنة #قال وأطلق بطرك السكندرية
للبطاركة والساقفة والرهبان أكل اللحم من أجل المنانية ليعرف المناني منهم لن
المنانية ليرون أكل اللحم ول شيئا من الحيوان البتة #وكان أكثر أساقفة مصر
منانية فأكل بطاركة مصر وأسقفهم اللحم #وأما بطاركة رومية وقسطنطينية
وأساقفتها ورهبانها فلم يأكلوا اللحم وأكلوا بدل اللحم السمك وأقاموه مقام اللحم إذ
كان حيوانا #قال سعيد بن البطريق لم يطلق أكل اللحم على أنهم يعتاضون منه
425
www.anassim.fr.st 426 الن سي ــــ ـــ ـم
بالسمك إذ ليس بذبيحة ويمنعون أكل اللحم إذ كان قد أخطأ الذين أقاموا السمك مقام
اللحم وسيدنا المسيح فقد أكل
اللحم فوجب ضرورة أكل اللحم اقتداء بالسيد المسيح ولو يوما واحدا في السنة
ليزيلوا الشك من مذهب المنانية #قال وفي البركسس مكتوبا ما نظره بطرس
السليح بيافا من تنزل السبنية وفيها كل ذي أربع قوائم ولهذا الحكم كل من لم يأكل
اللحم مخالف لشريعة النصرانية ومضاهاه لمذهب الصابئة الروم وهم ل يغتسلون
إلى اليوم لن المنانية ل يرون الغسل بالماء فلما طال بهم الزمان أقاموه على هذه
السنة #وقال قوم إنما تركوا الغسل بالماء لشدة برد بلدهم وبرد الماء عندهم وأنه
ل يتهيأ لهم بالجملة أن يقربوا الماء في الشتاء لثلجه وبرده فصار سنة جارية شتاء
وصيفا #والمنانية صنفان السماعون والصديقون #فالسماعون يصومون في كل
شهر أياما معلومة #والصديقون يصومون الدهر كله ول يأكلون إل ما نبت من
الرض
فلما تنصروا خافوا أن يتركوا أكل اللحم فيعلم بهم فجعلوا لنفسهم صياما فصاموا #
الميلد والحواريين #فلما طال بهم الزمان وتربوا في هذا الصوم أكلوا اللحم
فتبعتهم في ذلك النساطرة واليعاقبة والمارونية وصارت سنة استحسنتها الملكية
فتبعوهم وخاصة المقيمون ببلد السلم #وأما الروم فما تركوا أكل اللحم في أيام
صوم الميلد وصوم الحواريين وتلك اليام التي يظن أنها من جملة الصوم الكبير #
فمن أحب أن يصوم الميلد والحواريي
ن والسيدة ول يأكل لحما فليس بواجب وليس لحد قطع اللحم طول السنة إل في
صوم الربعين المقدسة فقط ومن فعل بضد ذلك مخالف راجع إلى أصحاب الراء
المختلفة #قال وفي ثمان سنين من ملك ثذوس ظهرت الفتية الذين كانوا هربوا من
ذاقيوس الملك واختفوا في الكهف
وذلك أن الرعاة على طول الزمان كانوا إذا جازوا بذلك الموضع الذي هو الكهف #
قلعوا الطوب المبني على باب الكهف حتى عاد مفتوحا كالباب #فلما انتبهت الفتية
توهموا أنهم كانوا نياما ليلة واحدة فقالوا لصاحبهم الذي كان يذهب يبتاع لهم الطعام
امض واشتر لنا طعاما واستعلم خبر ذاقنوس #فلما خرج إلى باب الكهف نظر إلى
البنيان والهدم ثم مضى حتى بلغ باب المدينة وهي أفسس فرأى باب المدينة عليه
صليب كبير منصوب فانكر ذلك في نفسه وقال أحسب أني نائم فأقبل يمسح عينيه
وينظر يمينا وشمال هل يرى من يعرفه فلم ير فبقي متحيرا وقال لعلي أخطأت
الطريق ولعل هذه مدينة أخرى #ثم دخل المدينة فدفع دراهم مما كان معه عليها
صورة ذاقيوس الملك فأنكر عليه وقالوا لعله أصاب كنزا ثم قالوا من أين لك هذه
الدراهم وإل قتلناك فلم يكلمهم #وصاح الناس فاجتمع إليه خلق كثير وكلموه فلم
يكلمهم فصاروا به إلى بطريق المدينة وكلمه فلم يتكلم فهدده فلم يتكلم فجاء إلى
أسقف المدينة فكلمه وخوفه وقال إنك إن لم تكلمني وتقل لي من أين لك هذه الدراهم
426
www.anassim.fr.st 427 الن سي ــــ ـــ ـم
وإل قتلتك
وإنما كان يمتنع من الكلم خوفا من ذاقيوس الملك #فقالوا لة إنه قد مات وملك #
بعده جماعة ملوك فضربوه حتى آلمه الضرب فخبرهم بحاله على جليتها #فقالوا له
إن دقيانوس قد مات وملك بعده ملوك كثيرة والملك اليوم ثذوس الكبير وقد ظهر
دين النصرانية #ثم سار معهم إلى الكهف فنظروا إلى أصحابه والصندوق النحاس
الذي في الصحيفة الرصاص مكتوب فيها قصتهم وخبرهم #فكثر تعجبهم وكتبوا
إلى الملك يعلمونه بخبرهم فركب وسار إلى مدينة أفسس فنظر إليهم وكلمهم #وبعد
ثلثة أيام دخل إليهم فوجدهم أمواتا فأمر أن يتركوا في الكهف ول يخرجوا ولكن
يدفنوا فيه وتبنى عليهم كنيسة وتسمى بأسمائهم ويعيد لها عيد في كل سنة في ذلك
اليوم وانصرف إلى قسطنطينية #قال فمن وقت هرب الفتية من ذاقيوس إلى الكهف
إلى الوقت الذي ظهروا فيه وماتوا مائة وسبع أو تسعة وأربعون سنة #قلت هذا
مما أخطأ فيه فإن ال تعالى أخبر أنهم لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا
لكن بعض المفسرين زعموا أن هذا قول بعض أهل الكتاب لقوله ال أعلم بما #
لثبوا وليس كذلك فإن ال لم يذكر هذا عن أهل الكتاب بل ذكره كلما منه تعالى #
قال سعيد وفي زمنه كانت قصة بترك قسطنطينية يوحنا الملقب ب فم الذهب وتولى
بعده ابنه ثذوس الصغير اثنين وأربعين سنة لحدى عشرة سنة من ملك يزدجرد بن
بهرام #وفي زمنه جعل نسطورس الذي تنسب إليه مقالة النسطورية بطركا على
قسطنطينية #قال وكان نسطورس يقول إن مريم العذراء ليست بوالدة إلها على
الحقيقة ولذلك كان اثنان #أحدهما الذي هو إله مولود من الب والخر الذي هو
إنسان مولود من مريم وأن هذا النسان الذي يقول إنه مسيح بالمحبة متوحد مع ابن
إله ويقال له إله وابن إله ليس بالحقيقة ولكن موهبة واتفاق السمين والكرامة شبيها
بأحد النبياء #فبلغ قوله بطرك السكندرية فأنكر ذلك وكتب إليه يقبح عليه
فعله ومقالته ويعرفه فساد ما هو عليه ويسأله الرجوع إلى الحق فجرت بينهما
رسائل كثيرة ولم يرجع نسطورس عن مقالته #فكتب إلى بطرك أنطاكية يسأله أن
يكتب إلى نسطورس ويعرفه قبح فعله ورأيه وفساد مقالته ويسأله الرجوع إلى الحق
#فكتب إلى نسطورس إن هو لم يرجع اجتمعوا ولعنوه وجرت بينهما رسائل كثيرة
فلم يرجع #فكتبوا إلى بطرك رومية وأنطاكية وبطرك بيت المقدس أن يجتمعوا في
مدينة أفسس لينظروا في مقالة نسطورس #فاجتمع بالمدينة مايتا أسقف مقدمهم
بطرك السكندرية وتأخر بطرك أنطاكية فلم ينتظروه وبعثوا إلى نسطورس فلم
يحضر معهم فنظروا في مقالته وأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ونفوه وثبتوا أن مريم
العذراء والدة الله وأن المسيح إله حق وإنسان معروف بطبيعتين متوحدة في
القنوم #وهذا هو خلف المحبة لن نسطورس كان يقول إن التحيد أي التحاد
اتفاق الوجهين وأما التحيد أي التحاد المستقيم فإنما هو أن يكون أقنوما واحدا من
طبيعتين #فلما لعنوا نسطورس قدم يوحنا بطرك أنطاكية فلما وجدهم قد لعنوه قبل
427
www.anassim.fr.st 428 الن سي ــــ ـــ ـم
وتعصب مع نسطورس فجمع الساقفة الذين قدموا معه فقطع بطرك إسكندرية
وقطع أسقف أفسس #فلما رأى أصحاب بطرك إسكندرية قبح فعاله وقع بينهم شر
عظيم وخرجوا من أفسس وصار أصحاب بطرك إسكندرية والمشرقيون حزبين فلم
يزل ثذوس الملك حتى أصلح بينهم #وكتب المشرقيون صحيفة وثبتوا فيها المانة
الصحيحة وقالوا فيها إن مريم العذراء القديسة ولدت إلها ربنا يسوع المسيح الذي
هو مع أبيه في الطبيعة ومع الناس في الناسوت وأقروا بطبيعتين ووجه واحد وأقنوم
واحد ولعنوا نسطورس ووجهوا بالصحيفة إلى بطرك إسكندرية فقبل الصحيفة
وأجابهم عنها بموافقتهم على ذلك #وقال قوم لما قبل صحيفة المشرقيين بدا له ولم
يقبل طبيعتين ووجها واحدا #قال سعيد بن البطريق وهم في ذلك كاذبون لن كتبه
تنطق بذلك #ثم أرسل نسخة صحيفة المشرقيين إلى جماعة من الساقفة يعلمهم أن
المشرقيين رجعوا إلى اليمان وأنهم غير موافقين لنسطورس #قال فمن المجمع
الثاني إلى المائة والخمسين أسقفا المجتمعين بمدينة قسطنطين ولعنوا مقدونيوس إلى
هذا المجمع المائتين أسقفا المجتمعين بأفسس على نسطورس إحدى وخمسون سنة
قال ولما نفي نسطورس صار إلى مصر فأقام بضيعة في صعيد مصر يقال لها #
أخميم ومات ودفن بها #وكانت مقالته قد اندرست فأحياها من بعده بزمن طويل
مطران نصيبين في عصر بوسيطيانوس ملك الروم وقباد بن فيروز ملك الفرس
فبثها بالمشرق فلذلك كثر النسطورية بالمشرق وخاصة أرض فارس بالعراق
والموصل ونصيبين والفرات والجزيرة #قال سعيد بن البطريق رأيت أن أرد على
النسطورية في هذا الموضع وأبين بطلن قولهم وفساده لن النسطورية في عصرنا
هذا خالفوا قول نسطور القديم وزعموا أن نسطور كان يقول إن المسيح جوهران
وأقنومان إله تام بأقنومه وجوهره وإنسان تام بأقنومه وجوهره #وإن مريم ولدت
المسيح من جهة ناسوته ل من جهة لهوته لن الب عندهم ولد إلها ولم يلد إنسانا
ومريم ولدت إنسانا ولم تلد إلها
فيقال لهم إن كان المر على ما تقولون فالمسيح مسيحان وابنان فمسيح إله وابن #
إله ومسيح إنسان وابن إنسان لنه ل بد لمريم من أن تكون ولدت المسيح أو لم تلده
#فإن كانت ولدته فل بد أن يكون ولدا روحانيا أو جسمانيا #فإن كان جسمانيا
فهو غير الذي ولده الب وذلك يوجب أن يكون مسيحان #وإن كان روحانيا
فالمسيح ابن واحد أقنوم واحد مسيح واحد #والدليل على ذلك صفيحة الحديد التي
تتحد بها النار فإنها سيف واحد تحرف وتمنع وتقطع وتضيء #ول يجوز أن يكون
من الجهة الحديدية هي المحرقة المضيئة من غير جهة النار إذ كان ما لم يكن فيه
نار من الحديد غير محرق #ول الجهة النارية هي القاطعة المانعة إذ كان شأن
النار الضاءة والحراق ل القطع #فقد ثبت بهذا وصح ما تعتقده الملكية من أن
المسيح أقنوم واحد وبان زيف قول النسطورية إن المسيح أقنومان
428
www.anassim.fr.st 429 الن سي ــــ ـــ ـم
قلت يقال لهذا إن قول النسطورية والملكية وإن كانا باطلين فقول الملكية أشد #
بطلنا وأعظم كفرا وتناقضا وما ذكره هذا باطل #أما قوله لو كان المر على ما
تقولون فالمسيح مسيحان #فيقال له هذا إنما يلزم أن لو كان اللهوت بمجرده
يسمى مسيحا فإن النسطورية وافقوهم على باطل وهو أن الرب ولد إلها وهذا باطل
ولم يقل أحد قط من النبياء ل في النجيل ول غيره إن صفة ال القائمة به مولودة
ول أن الرب له مولود قديم أزلي #ولكن إذا قدر أن المر كذلك فصفة ال لم يسمها
أحد مسيحا #فإذا قدر أن اللهوت والناسوت جوهران أقنومان ل اتحاد بينهما لم
يلزم أن يكون اللهوت مسيحا ول هناك مسيح هو إله ول مسيح هو ابن إله #وقد
تقدم عن نسطور أنه كان يقول إن هذا النسان الذي نقول إنه مسيح متوحد بالمحبة
مع ابن إله ويقال له إله وابن إله ليس بالحقيقة ولكن موهبه #فقد صرح بأن المسيح
هو النسان فقط دون اللهوت وأن
المسيح ليس بإله ول ابن إله في الحقيقة #فبطل ما ألزمه إياه من أنه يلزم أن يكون
هنا مسيحان #وأما قوله ل بد لمريم من أن تكون ولدت المسيح أو لم تلده #فيقال
بل ولدت المسيح وهو النسان وهو غير اللهوت الذي تزعمون أن الب ولده
وليس في ذلك مسيحان بل مسيح واحد إنسان مخلوق #وأيضا فقوله فإن كان ولدته
فل بد أن يكون ولدا روحانيا أو جسمانيا فإن كان روحانيا فالمسيح ابن واحد أقنوم
واحد مسيح واحد تقسيم باطل وحجة فاسدة داحضة #فإن مريم لم تلد ولدة
روحانية بل خرج الولد من فرجها كما تخرج أولد النساء من فروجهن سواء كانت
عذرتها باقية أو لم تكن #وأما ما ذكره من التمثيل بصفيحة الحديد فلو قدر أنه مثل
مطابق لم يدل على صحة قولهم بل غايته أنه يدل على إمكانه #فأين الدليل على أن
هذا هو الواقع فليس فيه ما يدل على صحة قول الملكية وفساد قول خصومهم فكيف
وهو تمثيل غير مطابق #فإن الحديد إذا اتحدت به النار كان الحديد قد استحال عن
صفته فلم يبق حديدا محضا وليست نارا محضا والخشب
وغيره إذا أحرق وصار نارا فليس هو خشبا محضا وليس هو نارا محضة بسيطة
#فمن شأن الشيئين إذا اتحدا أن يستحيل كل منها إلى جوهر ثالث وطبيعة ثالثة
ليست ل هذا ول هذا كالماء واللبن إذا اتحدا فإن ذلك يصير جوهرا ثالثا وطبيعة
ثالثة ل لبنا محضا ول ماء محضا وكذلك النار مع الحديد أو الخشب أو غير ذلك
فإن ذلك يصير جوهرا ثالثا ليس حديدا محضا ول خشبا محضا ول نارا محضة
لكن الحديد إذا برد هو حديد لكنة تغيرت حقيقته فالنار تلينه وتذهب خبثه ول يبقى
بعد اتحاده بالنار كما كان قبل والخشب يصير فحما وهو جوهر ثالث إذ كان من
طبع النار أنها تؤثر في كل جسد بحسبه فتؤثر في الحديد بحسبه وفي الخشب بحسبه
#وكل شيئين اتحدا فإنهما يصيران جوهرا ثالثا وأقنوما ثالثا وطبيعة ثالثة #فإن
كان اللهوت والناسوت قد اتحدا كما زعموا فقد استحالت صفة اللهوت واستحالت
صفة الناسوت فلم يبق اللهوت لهوتا ول الناسوت ناسوتا بل صارا جوهرا ثالثا ل
429
www.anassim.fr.st 430 الن سي ــــ ـــ ـم
لهوت ول ناسوت وهم ينكرون هذا القول وهو باطل #فإن رب العالمين ل يتبدل
ول تستحيل صفاته بصفات
متحدان بالمشيئة بمعنى أن مشيئة هذا عين مشيئة هذا #بخلف ما إذا قالوا إن
مشيئته موافقة لمشيئته ليست إياها ولهذا قال تعالى #سورة المائدة اليات 75 72
#فذكر سبحانه وتعالى أنهما كانا يأكلن الطعام لن ذلك من أظهر الدلة على
أنهما مخلوقان مربوبان إذ الخالق أحد صمد ل يأكل ول يشرب #وذكر مريم مع
المسيح لن من النصارى من اتخذها إلها آخر فعبدها كما عبد المسيح #والذين ل
يقولون بهذا كثير منهم يطلب منها كل ما يطلب
من ال حتى يقول لها اغفري لي وارحميني وغير ذلك بناء على أنها تشفع في ذلك
إلى ابنها #فتارة يقولون يا والدة الله اشفعي لنا إلى الله وتارة يسألونها الحوائج
التي تطلب من ال ول يذكرون شفاعة وآخرون يعبدونها كما يعبدون المسيح #وقد
ذكر سعيد بن البطريق هذا عنهم لما ذكر اجتماعهم عند قسطنطين بنيقية #قال
وكانوا مختلفي الراء مختلفي الديان #فمنهم من يقول المسيح وأمه إلهان من دون
ال وهم المريمانيون ويسمون المريمانية كذلك قال ابن حزم وقد قال تعالى #سورة
المائدة اليتان # 117 116وهو سبحانه لم يحك هذا عن جميع النصارى بل سأل
المسيح سؤال يقرع به من اتخذه وأمه إلهين من دون ال # 2قال ابن البطريق
ويقال للنسطورية أيضا أخبرونا عن الناسوت التي اتحدت بها اللهوت وسمى
مسيحا هل لم يزل مسيحا منذ كان في بطن مريم إلى حين وضعته وأرضعته وشب
وصلب وقتل أم كان ثلثين سنة وهو واحد من الناس ثم اتحد بعد ذلك اللهوت
بالناسوت فكان مسيحا #فإن قالوا لم يكن مسيحا وهو في بطن مريم وإنما ولدت
430
www.anassim.fr.st 431 الن سي ــــ ـــ ـم
مريم إنسانا كان ثلثين سنة وهو واحد من الناس ثم اتحد بعد ذلك اللهوت
بالناسوت فكان مسيحا تركوا قولهم وكذبوا النجيل وبولص وجميع كتب الكنيسة
وخرجوا عن مقالة النصرانية #وإن قالوا إن اللهوت اتحد في الناسوت عند الحمل
وأنه كان مسيحا وهو محمول ومولود ومرضع إلى أن صلب وقتل قد أقروا أن
مريم ولدت إلها مسيحا واحدا أقنوما واحدا #فيقال له هذا التقسيم يدل على بطلن
قول النصارى الذي ابتدعه طوائفهم الثلثة وغيرهم فإن التحاد يزعمون أنه كان
من حين حملت به مريم وأنه كان ينمو قليل قليل كنمو جسد المسيح
والتحاد باطل كما قد قرر غير مرة ولو قدر أنه ممكن لظهر أثر ذلك #فإن ال لما
كلم موسى من الشجرة ظهر من اليات والعظمة ما دل على ذلك ولذلك كان إذا كلم
موسى يظهر آيات ذلك #وكذلك ما أخبر به في التوراة وغيرها من مصاحبته لبني
إسرائيل وهو مما ظهر أثره وإن لم يكن متحدا ول حال في شيء من ذلك #ولما
تجلى من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران بما أنزله من كتبه
ظهر آثار ذلك وإن لم تكن ذاته متحدة ول حالة بفاران ول طور سينا باتفاق المم #
فكيف تكون ذاته متحدة بما في بطن مريم أو حالة فيه ول يظهر أثر ذلك #وأيضا
فيقال له قد يقول النسطورية له الناسوت كان مسيحا من حين الحمل بمعنى أنه كان
طاهرا مقدسا ل بمعنى اتحاد اللهوت به #وإن قالوا المسيح اسم اللهوت
والناسوت جميعا فيقال ليس في كتب النبياء ما يقتضي هذا والنسطورية يسلمون
ذلك لكن قد يقولون إن المسيح اسم لهما كما أن النسان اسم للروح والجسد #ثم قد
يقال لجسد النسان الميت هذا النسان فيقال وهو في بطن مريم أمه قبل نفخ الروح
فيه هذا الجنين وهذا الحمل فكذلك إذا قيل له مسيح بدون اللهوت #وأيضا فقد
تقول النساطرة باقتران اللهوت من حين الحمل ول يلزم أن يكون قد ولدت إلها إذ
لم يقولوا بالتحاد بل قالوا هما
جوهران أقنومان ولدت أحدهما ولم تلد الخر كما تقول الملكية معهم إنه صلب
أحدهما ولم يصلب الخر ومات أحدهما ولم يمت الخر وتألم أحدهما ولم يتألم
الخر #فكيف جوز الملكية حين الموت أن يحل الموت والصلب والكل والشرب
وسائر المور البشرية بأحد الجوهرين دون الخر ولم يجوزوا حين الولدة أن تلد
مريم أحد الجوهرين دون الخر وهل هذا إل من تناقضهم كقولهم جميعا إنه صعد
إلى السماء وقعد عن يمين أبيه مع قولهم إن اللهوت مع الناسوت قعد عن يمين
الب #ويقولون مع ذلك إن اللهوت القاعد عن يمين الخر هو ذلك الخر وهما
جوهر واحد وإله واحد مع قوله إنه إله حق من إله حق فمناقضتهم كثيرة #ول
ريب أن قول النسطورية أيضا متناقض لكن ل يمكن أن نصحح قول الملكية دون
قولهم بل قول الملكية أعظم فسادا وتناقضا #فالنسطورية يقولون الله لم يولد ولم
يصلب #واليعقوبية يقولون ولد وصلب #والملكية يقولون ولد ولم يصلب #ومتى
جاز أن يولد جاز أن يموت ويصلب وإن لم يجز أن يصلب ويموت لم يجز أن يولد
431
www.anassim.fr.st 432 الن سي ــــ ـــ ـم
فتجويز أحدهما ومنع الخر تناقض #ويقال للملكية أنتم تقولون إن اللهوت #
اتحد بالناسوت عند الحمل وكان مسيحا وهو مصفوع ومصلوب وميت ومتألم
وتقولون هذا كان بالناسوت دون اللهوت فهذا التناقض من جنس تناقض النساطرة
#قال ابن البطريق ويقال للنساطرة أيضا متى اتحدت الكلمة بالنسان أقبل الولدة
أم في حال الولدة #فإن قالوا قبل الولدة قلنا لهم قبل الولدة قبل الحمل أو قبل
الولدة وهو حمل #فإن قالوا قبل الولدة وقبل الحمل فقد زعموا أنه اتحد قبل أن
يكون إنسانا وقبل أن يصور فإن كان كذلك فسد قول النسطورية إن القديم اتحد
بإنسان جزئي لن النسان الجزئي إنما كان إنسانا جزئيا لما صار مصورا بشريا #
فيقال له هذا السؤال لزم للطوائف الثلثة فإنهم يقولون بالتحاد أعظم من النساطرة
#فإن قيل هم يقولون إنه اتحد بإنسان كلي كان هذا من أفسد القاويل فإن المسيح
بشر معين جزئي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه لم يكن إنسانا كليا
ثم قال ويلزمهم أن يزعموا أن اللهوت قد كان حل مع الناسوت تسعة أشهر #
ونحوها من بدء الحمل مقيما معه في الموضع الذي يحمل فيه الجنين ثم ولدا معا
وهذا خلف قولهم إن مريم ولدت المسيح من جهة ناسوته ل من جهة لهوته #
فيقال قد يقولون إنه ولد الناسوت دون اللهوت كما يقول الملكية إنه صلب الناسوت
دون اللهوت #وإن كان هذا متناقضا فالنساطرة أقل تناقضا لن الملكية يقولون
إنهما شخص واحد أقنوم واحد فقد اتحد أحدهما بالخر #فإذا جاز مع هذا أن يفارق
أحدهما الخر في الكل والشرب والصلب والموت فمن قال إنهما جوهران أقنومان
هو أولى أن يقول ولدت أحدهما دون الخر #ثم قال وإن قالوا اتحد به وهو حمل
صورة تامة #قلنا لهم فقد كان الله حمل قبل الولدة وإذا جاز أن يحمل جاز أن
يولد #فيقال هم ل يقولون بأنهما صارا شخصا واحدا أقنوما واحدا بل يقولون
جوهران أقنومان وحينئذ فل يقولون حملت بإله
ول ولدت إلها كما ل يقول الملكية صلب اللهوت ومات اللهوت مع قولهم بأن
اللهوت والناسوت اتحدا #قال فإن قالوا كان التحاد في حال الولدة #قلنا فقد
ولدت مريم الكلمة إذا مع النسان والكلمة عندنا وعندهم إله فقد ولدت مريم إلها #
فإن قالوا نعم قلنا فإذا جاز أن يولد فلم ل يجوز أن يكون حمل فإذا أجازوا ذلك
تركوا قولهم وإن لم يجيزوه قلنا فما الفرق بين أن يكون مولودا وبين أن يكون
محمول فإن قالوا ليس الله مولودا ولم يكن التحاد قبل الولدة وهو أن يكون
محمول ول في حال كونه ولدا في حال الولدة #قلنا فهذا نقض قولكم إن مريم
ولدت المسيح لن المسيح عندكم ليس هو النسان وحده ومريم عندكم إنما ولدت
النسان وحده #وإذا كان المسيح ليس هو النسان وحده وعندكم إنما ولدت النسان
وحده قبل التحاد فإنما ولدت إذا ما ليس بمسيح إذ كان إنما كان مسيحا بالتحاد
وكان التحاد بعد الولدة فإنما كان مسيحا بعد الولدة #فإذا كان هذا عندكم فاسدا
وكانت مريم ولدت المسيح فمريم لم تلد النسان وحده وهذا يوجب أنها قد ولدت
الله مع النسان ويوجب أن التحاد كان قبل الولدة
432
www.anassim.fr.st 433 الن سي ــــ ـــ ـم
قال فقد تبين زائف ما تعتقده النسطورية من أن مريم ولدت المسيح من جهة #
ناسوته ل من جهة لهوته وصح أن مريم ولدت إلها مسيحا واحدا #قال ويقال لهم
إذا زعمتم أن المسيح جوهران جوهر قديم وجوهر محدث ثم زعمتم أن مريم ولدت
المسيح فقد أقررتم أن مريم ولدت هذين الجوهرين اللذين هما المسيح وإذا ولدتهما
وأحدهما إله فقد ولدت إلها قديما ول يجوز أن تلد إل ما كان محمول فهذا يوجب
أنها قد كانت حاملة لذلك الله #فقد تبين زائف ما تعتقده النسطورية أن مريم لم
تحمل إلها ولم تلده وصح ما تعتقده الملكية أن مريم ولدت إلها مسيحا واحدا وابنا
واحدا أقنوما واحدا #فيقال له ليس هذا التناقض من النسطورية بأعظم من تناقض
الملكية فإنهم مع قولهم باتحاد اللهوت والناسوت وأنهما شخص واحد يقولون إن
أحدهما كان يأكل ويشرب ويصوم ويصلي ويتصرف وأنه أخذ وصفع ووضع
الشوك على رأسه وصلب وتألم ومات دون الخر #فإذا كان قول النسطورية
متناقضا فقول الملكية أعظم تناقضا فإذا منعوا أن تحمل المرأة وتلد الناسوت دون
اللهوت لجل التحاد الذي بينهما وجب أن يمنعوا أن يأكل ويشرب ويصلب ويقتل
أحدهما
دون الخر لجل التحاد بطريق الولى #وكون الصلب والقتل أعظم منافاة
للربوبية من حمل مريم به وولدته إياه ل يمنع كون كل ذلك ممتنعا على ال #ومن
جوز عقله أن يكون رب العالمين خرج من فرج مريم وهي بكر فقد جعل رب
العالمين يخرج من ثقب صغير وهذا أعظم ما يكون من المتناع #ومن جوز عليه
هذا جوز عليه أن يخرج من كل ثقب مثل ذلك الثقب وأكبر منه وجوز أن يخرج
رب العالمين من فم كل حيوان وفرجه ومن شقوق البواب وغير ذلك من الثقوب #
وإن قالوا ذاك مكان طاهر قيل أفواه النبياء والصالحين أطهر من كل فرج في
العالم فيجوز أن يخرج من فم كل نبي وولي ل ومن أذنه ومن أنفه فإن هذه الخروق
والثقوب أفضل من فروج النساء تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا #فهؤلء
النصارى يقولون إن كون ال مولودا من فرج مريم غير كونه مولودا في الزل من
الب بل هما ولدتان روحانية وجسمانية #وهم إذا طولبوا بتفهيم ما يقولونه وقيل
لهم هذا ل يتصور أن يكون رب العالمين يخرج من ثقب ضيق ل فرج ول فم ول
أذن ول غير ذلك من الثقاب قالوا هذا فوق العقل واعترفوا بأن هذا ل يتصوره
العقل #فيقال لهم هذا الكلم لم يقله نبي من النبياء ولم ينطق به نبي من النبياء
بأن مريم حملت برب العالمين وولدته بل ول نطق
نبي من النبياء بأن ال مولود ول شيء من صفاته مولود ل علمه ول حياته ول
غير ذلك #ول نطق نبي من النبياء ل المسيح ول غيره بأن ال اتحد بشيء من
المخلوقات #وليس في النجيل وغيره مما ينقل عن النبياء شيء من ذلك بل غاية
ما فيها كلمات مجملة متشابهة كقوله أنا وأبي واحد كما قال ال لمحمد ^ #إن الذين
يبايعونك إنما يبايعون ال ^ #وقوله ^ من يطع الرسول فقد أطاع ال ^ #فإذا قال
433
www.anassim.fr.st 434 الن سي ــــ ـــ ـم
أو غيرهم إن ال اتحد بمحمد لقوله ^ #إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال ^ #
كان هذا من جنس قول النصارى #والية لم تدل على ذلك بل مبايعة الرسول
مبايعة ل لن الرسول أمر بما أمر ال ونهى عما نهى ال عنه #فليس في كلم
النبياء أن ال ول شيئا من صفاته مولود الولدة التي يسمونها ولدة عقلية
وروحانية ول في كتبهم أن شيئا من صفات ال تسمى ابنا ل ول أن اللهوت ابن
ال فضل عن أن ينطقوا بأن ال مولود من امرأة ولدة وخرج من فرجها فيكون
مولودا ولدة جسمانية #ولهذا لما تنازعت النصارى في ذلك لم يكن لمن ادعاه
على من نفاه حجة من نصوص النبياء غاية ما عندهم التمسك بألفاظ متشابهة
وتغيير ألفاظ صريحة محكمة تبين أن المولود إنما هو بشر #فإذا قالوا في اللفاظ
المتشابهة ل نعلم مراد الرسول بها كان هذا مما قد يعذرون به فإن المتشابه من
النصوص ل يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم #فإذا قالوا لسنا من الراسخين
في العلم الذين يعلمون تأويله
كانوا شاهدين على أنفسهم بعدم العلم وشهادة النسان على نفسه مقبولة #بخلف
القول الذي تكلموا به هم وزعموا أن معناه يدل عليه كلم النبياء أو يدل عليه العقل
فإن عليهم أن يبينوا معناه الذي عنوه به وعليهم أن يبينوا أنه قد دل على ذلك شرع
أو عقل #فإذا قالوا نفس الكلم الذي قلناه ل نتصور معناه كانوا معترفين أنهم
يقولون على ال ما ل يعلمون وهذا حرام عليهم #وإن قالوا إن كلم النبياء دل
على ذلك كان غاية ما عندهم التمسك بالمتشابه وحينئذ فيطالبون بتفسير المتشابه
والجمع بينه وبين المحكم على وجه صحيح معلوم وإل فإذا قالوا هذا فوق العقل ل
نفهمه #قيل لهم فدعوا المتشابه ل تحتجوا به ول تذكروا له معنى تزعمون أنكم ل
تعقلونه #فمتى ثبت عن النبياء قول وقال قوم إنا ل نفهمه فإنهم يصدقون على
أنفسهم وأما إذا فسروا كلم النبياء بقول عبروا به على مراد النبياء وقالوا هذا
مرادهم مع تعبيرهم عنه بعبارات أخرى طولبوا بأن يبينوا ذلك المعنى وقيل لهم إن
فهمتم ما قلتموه فبينوه وإن لم تفهموه فل تتكلموا بل علم
قال سعيد بن البطريق أن أئمة الضللة أعني نسطوريوس وأرطيوس وديسقورس #
وسورس ويعقوب البرادعي وأشياعهم الذين أرادوا أن يقيم الزيف والمحال ولم
يرجعوا إلى خشية ال وزاغوا عن سبيل الحق لسوء رأيهم فقد تورطوا في بحر
الضللة #وهم جميعا فيما ارتطموا فيه من ضللتهم يضمرون جهل منهم باتحاد
لهوت سيدنا المسيح بناسوته ويتورط كل واحد منهم في وجه من وجوه الخلطة
ويتمسك به #فقد رأيت أن أوضح وجه الخلطة وأبين ذلك لتقف على فساد قولهم إن
من عظيم تدبير ال وكمال عدله وجليل رحمته أن بعث كلمته الخالقة التي بها خلق
كل شيء وهي التي من جوهره ليست مخلوقة ولكن مولودة منه قبل كل الدهور ولم
يكن ال بل كلمته ول روحه قط ول كانت الكلمة برية منه قط ول من روحه الخالقة
434
www.anassim.fr.st 435 الن سي ــــ ـــ ـم
ول من جوهره فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم الثابت الذي لم يزل ول
يزال فالتحمت من مريم العذراء وهي جارية طاهرة
مختارة من نسل داود اصطفاها ال لهذا التدبير من نساء العالمين وطهرها بروح
القدس روحه الجوهرية حتى جعلها أهل لحلول كلمة ال الجوهرية بها فاحتجبت
الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح القدس خلقا
جديدا من غير نطفة آدمية جرت عليها الخطيئة ومن غير مجامعة بشرية ول انفكاك
عذرة تلك الجارية المقدسة فهو إنسان تام بجسده ونفسه الدموية وروحه الكلمانية
التي من صورة ال في النسان وشبهه فكانت مسكنا ل في حلوله واحتجابه للطفها
عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم #واعلم أنه ل يرى شيء من لطيف الخلق إل
في غليظ الخلق ول يرى ما هو لطيف من اللطيف إل مع ما هو أغلظ منه فيما
يظهر لهل الثقال من غليظ الخلق #وإنا وجدنا روح النسان العاقلة الكلمانية
ألطف من لطيف الخلق فلذلك كانت أولى خلق ال بحجاب ال فكانت لها حجابا
ولمن هو ألطف منها وكانت النفس الدموية لها حجابا والجسد الغليظ حجابا #فعلى
هذا خالطت كلمة ال الخالقة لنفس النسان الكاملة بجسدها ودمها وروحه العاقلة
الكلمانية وصارت كلمة ال بقوامها قواما لتثليث الناسوت التي كمل جوهرها بتقويم
قوام كلمة ال إياها لنها لم تخلق ولم تك شيئا إل بقوام من كلمة ال الذي خلقها
وكونها
ل من شيء ل سبق قبل ذلك في بطن مريم ول من شيء كان لها من نطفة ول من
غير ذلك غير قوام الكلمة الخالقة الذي هو أحد التثليث اللهي فذلك القوام معدود
معروف مع الناس لما ضم إليه وخلقه له التحم به من جوهر النسان فهو بتوحيد
ذلك القوام الواحد قوام لكلمة ال الخالقة واحد في التثليث بجوهر لهوته واحد في
الناس بجوهر ناسوته وليس باثنين ولكن واحد مع الب والروح وهو إياه واحد مع
الناس جميعا بجوهرين مختلفين من جوهر اللهوت الخالق وجوهر الناسوت
المخلوق بتوحيد القوام الواحد قوام الكلمة التي هي البن المولود من ال قبل الدهار
كلها وهو إياه المولود من مريم العذراء في آخر الزمان من غير مفارقة من الب
ول من روح القدس #قلت فهذا كلم سعيد بن البطريق الذي قرر به دين النصارى
وفيه من الباطل ما يطول وصفه لكن نذكر من ذلك وجوها #الوجه الول قوله إن
من عظيم تدبير ال أن بعث كلمته الخالقة التي بها خلق كل شيء من جوهره ليست
مخلوقة ولكن مولودة منه فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم فالتحمت من
مريم العذراء #فيقال قد جعلت الكلمة الخالقة وقلت بعد هذا ول كانت الكلمة برية
منه ول من روحه الخالقة وقلت بعدها
فاحتجبت الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح
القدس جميعا خلقا جديدا #فيقال لهم أخالق العالم عندكم خالق واحد وهو إله واحد
أم للعالم ثلثة آلهة خالقون #فإن قالوا إن الخالق واحد وهم ثلثة آلهة خالقون كما
435
www.anassim.fr.st 436 الن سي ــــ ـــ ـم
أنهم في كثير من كلمهم يصرحون بثلثة آلهة وثلثة خالقين ثم يقولون إله واحد
وخالق واحد #فيقال هذا تناقض ظاهر فإما هذا وإما هذا #وإذا قلتم الخالق واحد
له ثلث صفات لم ننازعكم في أن الخالق له صفات لكن ل يختص بثلثة #فإن
قالوا بثلثة آلهة خالقين كما قد كثر منهم في كثير من كلمهم بان كفرهم وعظم
شركهم وبان أن شركهم أعظم من كل شرك في العالم فغاية المجوس الثنوية إثبات
اثنين نور وظلمة وهؤلء يثبتون ثلثة #ثم الدلة السمعية في التوراة والنجيل
والزبور وسائر كلم النبياء مع الدلة العقلة المبينة لكون الخالق واحدا كثيرة جدا
ل يمكن حصرها هنا
وإن قالوا إن الخالق واحد له صفات قيل لهم فهذا مناقض لقولكم إنه بعث كلمته #
الخالقة وقولكم ول كانت الكلمة برية منه ول من روحه الخالقة وقولكم فهبطت
الكلمة الخالقة وقولكم فاحتجبت الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة
الب ومؤازرة الروح فهذا يقتضي أن الكلمة خالقة وأن الروح خالقة وأنها خلقت
بمسرة الب الخالق ومؤازرة الروح الخالقة وهذا الخلق هبط والب لم يهبط #فإذا
كان الخالق واحدا له صفات لم يكن هنا إل خالق واحد #الوجه الثاني قولكم بعث
كلمته الخالقة التي بها خلق كل شيء وقد نطقت الكتب بأن ال يخلق الشياء بكلمه
فيقول لها كن فيكون هكذا في القرآن والتوراة وغيرهما #لكن الخالق هو ال تعالى
يخلق بكلمه ليس كلمة خالقا #ول يقول أحد قط إن كلم ال خلق السماوات
والرض #والتوراة كلم ال والنجيل كلم ال ول يقل أحد إن شيئا من ذلك خلق
السماوات والرض ول يقول أحدا يا كلم ال اغفر لي وارحمني #فقول هؤلء إن
كلمته هي الخالقة وإنه خلق بها كلم متناقض #فإنها إن كانت هي الخالقة لم تكن
هي المخلوق به فالمخلوق به ليس هو الخالق #الوجه الثالث أن يقال قولكم كلمة ال
الخالقة أهي
كلم ال كله أم هي بعض كلم ال أم هي المعنى القائم بالذات القديم الزلي الذي
يثبته ابن كلب أم حروف وأصوات قديمة أزلية كما يقوله بعض الناس أم هي الذات
المتكلمة #فإن كانت هي الذات المتكلمة فهي الب والرب وتكون هي الموصوفة
بالحياة فل يكون هناك كلم مولود ول كلمة أرسلت ول غير ذلك مما ذكره وهذا
خلف قولهم كلهم فإن الكلمة المتحدة بالمسيح ليست هي الب عندهم #وإن قالوا
بل هي كلم ال كله #قيل لهم فيكون المسيح هو التوراة والنجيل والقرآن وسائر
كلم ال وهذا ل يقولونه ولم يقله أحد ول يقوله عاقل #وإن قالوا إنها هي المعنى
الواحد القديم الزلي أو الحروف والصوات القديمة الزلية #قيل لهم هذان القولن
وإن كانا باطلين فإن قلتم بهما لزمكم أن يكون المسيح هو كلم ال كله فإن هذين
عند من يقول بهما هما جميع كلم ال #والتوراة والنجيل وسائر كلم ال عبارة
عن ذلك المعنى القائم بذات ال وهو الحروف والصوات القديمة القائمة بالذات عند
من يقول بهذين
436
www.anassim.fr.st 437 الن سي ــــ ـــ ـم
إن قلتم إن المسيح بعض كلمات ال فحينئذ ل كلمات أخر غير المسيح فاجعلوا #
كل كلمة خلقا كما جعلتم الكلمة المتحدة بالمسيح خالقا إذ كنتم تقولون الكلمة هي
الخالقة وهي المخلوق بها فقولوا عن سائر كلمات ال إنها خالقة مخلوق بها وحينئذ
فيتعدد الخالق بتعدد كلمات ال #وإذا كانت كلمات ال ل نهاية لها كان الخلق
خالقون ل نهاية لهم وهذا غاية الباطل والكفر #وبالجملة أي شيء فسروا به الكلمة
تبين به فساد قولهم ولكنهم يتكلمون بما ل يفهمونه ويقولون الكذب والكفر المتناقض
وإنما عندهم تقليد من أضلهم كما قال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم
غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء
السبيل ^ #الوجه الرابع أن يقال لهم ما لم يعلم بالمعقول فليس في المنقول ما يدل
عليه وأنتم ل تدعون أنكم عرفتموه بالعقل لكن بما نقل عن النبياء وأنتم قد فسرتم
كلمته بعلمه وحكمته وروح القدس بحياته فمن أي نبي تنقلون أن علم ال وحكمته
مولودة منه وأنه يسمى ابنا وأن علمه أو حكمته خلق كل شيء وأن حياته خلقت كل
شيء وأن علمه خالق وإله ورب وحياته خالقة وإله ورب وليس
في النبياء من سمى شيئا من صفات الرب ولدا له ول ابنا ول ذكر أن ال ولد شيئا
من صفاته فدعواكم أن صفته القديمة الزلية ولدت مرتين مرة ولدة قديمة أزلية
وولدة حادثة من فرج مريم كذب معلوم على النبياء لم يقل أحد منهم إن ال ولد
ول إن شيئا من صفاته ولده ل ولدة روحانية ول ولدة جسمانية #وهذا وإن أبطل
قول الملكية فهو لقول اليعقوبية أشد إبطال وهو مبطل أيضا لقول النسطورية فإنهم
يقولون بالمانة التي فيها أنه مولود قديم أزلي فإن طوائفهم الثلثة متفقون على
المانة التي ابتدعوها في زمن قسطنطين بعد أكثر من ثلثمائة سنة من المسيح #
الوجه الخامس قولكم بعث كلمته الخالقة فهبطت كلمة ال الخالقة التي بها خلق كل
شيء ليست مخلوقة ولكن مولودة منه ولم يكن ال بل كلمته ول روحه قط #من
قال من النبياء أنه لم يكن بل روحه قط أو أن روحه صفة له قديمة أو أنها حياته #
وكلم النبياء كله ينطق بأن روح ال وروح القدس ونحو ذلك هو ما ينزله على
النبياء كالوحي والتأييد أو الملئكة فليست روح ال صفة قائمة به ول غيرها
ولكنها أمر بائن عنه #الوجه السادس أنه إذا كان قد بعث كلمته الخالقة وهبطت
والتحمت من مريم فهو نفسه رب العالمين هبط والتحم من مريم أم
رب العالمين نفسه لم يهبط ولم يلتحم من مريم وإنما هبط والتحم الكلمة التي أرسلها
#فإن قلتم هو نفسه هبط والتحم كان الب الوالد للكلمة هو الذي هبط والتحم وكان
الب هو الكلمة وهذا مناقض لقوالكم #وإن قلتم إن المبعوث الهابط الملتحم ليس
هو الب بل هو كلمة الرب فقد جعلتموه الخالق فيكون هناك خالقان خالق أرسل
فهبط والتحم وخالق أرسل ذلك ولم يهبط ولم يلتحم وقد أثبتم خالقا ثالثا وهو الروح
وهذا تصريح بثلثة آلهة خالقين #الوجه السابع أنه قال إن ال بعث كلمته الخالقة
التي بها خلق كل شيء فمع كونه جعلها خالقة جعل أنه بها خلق كل شيء والذي
خلق بها كل شيء هو خالق فجعلها خالقة وجعل خالقا آخر وجعل أحد الخالقين قد
437
www.anassim.fr.st 438 الن سي ــــ ـــ ـم
خلق الخر به كل شيء وجعل هذا الخالق قد بعث ذاك الخالق الذي به خلق كل
شيء وجعل الكلمة الخالقة احتجبت بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب
ومؤازرة روح القدس خلقا جديدا #وإذا كانت هي الخالقة بمسرة الب الخالق على
الخلق فالب لم يخلقه بل سر بذلك وروح القدس وازرت ذلك والخالق خلق الخلق #
ومعلوم أنه إذا كان للخالق من يوازره على الخلق لم يكن مستقل بالخلق بل يكون له
فيه شريك #فهذه الكلمة تارة يقولون هي الخالقة وتارة يقولون خلق بها
الخالق فخلقت وتارة يقولون إن روح القدس وازرها في الخلق فهذه أربعة أقوال
ينقض بعضها بعضا #فإن كان ال هو الخالق لكل شيء فالخالق واحد فليس هناك
خالق آخر ول شريك له في الخلق #والخالق إذا خلق الشياء بقوله كن لم يكن
كلمه خالقا ولو كانت كل كلمة إلها خالقا لكان اللهة الخالقون كثيرين ل نهاية لهم
#ثم قال ليست بمخلوقة ولكن مولودة منه من قبل كل الدهور #فيقال من من
النبياء سمى شيئا من صفات ال مولودا قديما أزليا فكيف يكون مولود قديم أزلي
وهل يعقل مولود إل محدثا #وأيضا فإذا جاز أن تكون الكلمة التي يفسرونها بالعلم
أو الحكمة مولودة منه فكذلك حياته مولودة منه وإن كانت حياته منبثقة منه فكلمته
منبثقة منه #فجعل إحدى الصفتين الزليتين مولودة من الزل غير منبثقة والخرى
ليست مولودة من الزل بل منبثقة مع كونه باطل فهو متناقض وتفريق بين
المتماثلين #فإنه إن جاز أن يقال للصفة القديمة الزلية إنها مولودة منه فالحياة
مولودة
وإن جاز أن يقال إنها منبثقة فالكلمة منبثقة #وأيضا فكون الصفة إلها خالقا #
وإثبات ثلثة آلهة خالقين مع قولهم إن الخالق واحد تناقض آخر #وأيضا فقوله ولم
يكن ال بل كلمته ول روحه قط إن إراد بروحه حياته فهذا صحيح لكن من من
النبياء سمى حياة ال روحه ومن الذي جعل ال روحا قديمة أزلية وهل هذا إل
افتراء على النبياء #وليس لقائل أن يقول إن هذا نزاع لفظي فل اعتبار به لن هذا
تفسير لكلم النبياء فهم الذين تكلموا بروح ال وروح القدس ونحو ذلك ولم يرد أحد
بذلك حياة ال قط #فتسمية حياة ال روحا وتفسير مراد النبياء بذلك افتراء على
ال ورسله #الوجه الثامن قوله فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم الثابت
الذي لم يزل ول يزول فالتحمت من مريم العذراء وهي جارية طاهرة مختارة من
نسل داود اصطفاها ال لهذا التدبير من نساء العالمين وطهرها بروح القدس روحه
الجوهرية التي جعلها أهل لحلول كلمة ال الجوهرية بها فاحتجبت الكلمة الخالقة
بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح القدس خلقا جديدا #فيقال
إن الكتب دلت على أن المسيح تجسد من روح القدس ومن مريم العذراء البتول
وهكذا هو في المانة التي لهم وبهذا أخبر القرآن حيث أخبر في غير موضع أنه نفخ
في مريم من روحه مع إخباره أنه أرسل إليها روحه #قال تعالى
سورة مريم اليات # 23 16وقال تعالى ^ #والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها #
438
www.anassim.fr.st 439 الن سي ــــ ـــ ـم
من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ #وقال تعالى ^ #ومريم ابنت عمران
التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من
القانتين ^ #فالكتب اللهية يصدق بعضها بعضا #لكن دعواكم أن روح القدس
روح ال الجوهرية أي حياته القديمة الزلية أمر مخالف لجميع كتب ال وأنبيائه #
فلم يفسر أحد منهم روح القدس بصفة ال ل جوهرية ول غير
جوهرية ول قديمة ول غير قديمة ول أرادوا بذلك حياة ال #فقولكم هذا تبديل
لكلم ال وكلم أنبيائه ورسله كما أنكم في قولكم إن كلمة ال أو علمه أو حياته
مولودة منه وإن صفته القديمة الزلية هي ابنه مما حرفتم فيه كلم النبياء فلم يرد
أحد منهم هذا المعنى بهذا اللفظ قط ولم يطلق في جميع الكتب التي عندكم لفظ البن
المولود إل على محدث مخلوق ل على شيء قديم أزلي ل موصوف ول صفة ل
علم ول كلم ول حكمة ول غير ذلك #وكل ولدة في الكتب اللهية التي عندكم
وغيرها فهي ولدة حادثة زمانية وكل مولود فهو محدث مخلوق زماني ليس في
الكتب ولدة قديمة أزلية ول مولود قديم أزلي كما أنكم ذكرتم ذلك في امانتكم
وغيرها #فلو كان ما ذكرتموه ممكنا في العقول لم يجز أن تجعلوه موجودا واقعا
وتقولوا النبياء أرادوا ذلك إل أن يكونوا بينوا أن ذلك مرادهم #فإذا كان كلمهم
صريحا في أنهم لم يريدوا ذلك والمعقول الصريح يناقض ذلك كان ما قلتموه كذبا
على ال وعلى أنبيائه ورسله ومسيحه وكان باطل في المعقول وكنتم ممن قيل فيه
^ ^ #وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير
ثم يقال أنتم قلتم إن الكلمة الخالقة هبطت فالتحمت من مريم واحتجبت بإنسان #
مخلوق خلقته لنفسها وقلتم إن مريم حملت بالله الخالق وولدته الذي هو البن #
فإذا جوزتم أن تكون مريم هي أما للخالق الذي هو البن حملته وولدته فلم ل يجوز
أن تكون زوجة للخالق الذي هو الب مع أن الخالق التحم من مريم وقد قلتم لم يكن
ال بل كلمته ول روحه قط ول كانت الكلمة برية منه قط ول من روحه الخالقة ول
من جوهره #فجعلتم الروح خالقة وال الذي هو الب خالقا والمسيح قد تجسد من
الروح الخالقة ومن مريم فكما أن مريم أمه فالروح الخالقة بمنزلة أبيه #وأيضا
فمريم لها اتصال بالب وبروح القدس وكلهما أب للمسيح على ما ذكرتموه #فإذا
كانت مريم متصلة بكل واحد ممن جعلتموه أبا للمسيح وقلتم إن الخالق التحم من
مريم فهذا أبلغ ما يكون من جعل الخالق زوج مريم #ومهما فسرتم به اتحاد
اللهوت بناسوت المسيح المخلوق منها كان تفسير التحام اللهوت بناسوت مريم
حتى يصير زوجا لمريم أولى وأحرى وليس في ذلك نقص ول عيب إل وفي كون
اللهوت ابن مريم ما هو أبلغ منه في النقص والعيب #ومعلوم أن أم النسان أعلى
قدرا عنده من زوجته وأن تسلطه
على زوجته أعظم منه على أمه فإن الرجل مالك للزوجة قوام عليها والمرأة أسيرة
عند زوجها بخلف أمه #فإذا جعلتم اللهوت الخالق القديم الزلي ابنا لناسوت
439
www.anassim.fr.st 440 الن سي ــــ ـــ ـم
مريم بحكم التحاد مع كونه خالقا لها بلهوته وابنا لها بناسوته ولم يكن هذا ممتنعا
عندكم ول قبيحا فأن تكون مريم صاحبة له وزوجة وامرأة بحكم اللتحام بالناسوت
أولى وأحرى #وإن كان هذا ممتنعا وقبيحا فذاك أشد امتناعا وقبحا #ولهذا ذهب
طوائف من النصارى إلى أن مريم امرأة ال وزوجته وقالوا أبلغ من ذلك حتى
ذكروا شهوته للنكاح #ولقد قال بعض أكابر عقلء الملوك ممن كان نصرانيا إنهم
كانوا إذا نبهوا على قولهم إن عيسى بن ال لم يفهم من ذلك إل أن ال أحبل أمه
وولدت له المسيح ابنه كما يحبل الرجل المرأة وتلد له الولد فيكون قد انفصل من ال
جزء في مريم بعد أن نكحها وذلك الجزء الذي من ال ومن مريم ولدته مريم كما تلد
المرأة الولد الذي منها ومن زوجها وقد قالت الجن المؤمنون ^ #وأنه تعالى جد
^ ربنا ما اتخذ صاحبة ول ولدا
فنزهوه عن هذا وهذا وهؤلء الجن المؤمنون أكمل عقل ودينا من هؤلء #
النصارى #وقال تعالى ^ #بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ #فقوله أنى يكون له ولد تقديره من
أين يكون له ولد ف أنى في اللغة بمعنى من أين ذلك وهذا استفهام إنكار #فبين
سبحانه أنه يمتنع أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة مع أنه خالق كل شيء وأن هذا
الولد يمتنع أن يكون وأن هذا المتناع مستقر في صريح المعقول #ثم إذا كانت
الكلمة التي هي الخالق المخلوق به قد حلت في جوف مريم والتحمت من مريم
وخلقت منها إنسانا هو المسيح خلقته لنفسها واحتجبت به واتحدت به فهل كان خلقها
لهذا النسان قبل التحاد والحتجاب أم حين ذلك #فإنه بعد ذلك ظاهر المتناع
محال أنها بعد الحتجاب به والتحاد خلقته بل ل بد أن تكون خلقته قبله أو معه #
فإن كان معه لزم كون المخلوق متحدا بالخالق دائما لم تمر
عليه لحظة إل وهو متحد به #فإذا أمكن أن يقارن المخلوق خالقه وعندهم أنه أقام
تسعة أشهر حمل كعامة الناس وقد ذكر ذلك سعيد بن البطريق هذا فإذا كان كذلك
كان الرب متحدا بالمضغة والجماد الذي ل روح فيه #وإذا جاز عليه هذا جاز أن
يتحد بسائر الجمادات وهذا على قول الكثرين الذين يقولون إن الروح إنما نفخت
فيه بعد أربعة أشهر ومن قال أنها نفخت فيه من حين أخذ الجسد من مريم وهذا
يشبه قول جمهور النصارى الذين يقولون إن المسيح مات وصلب وفارقته الروح
الناطقة المنفوخة فيه والله المتحد به لم يفارقه أبدا فإنهم يقولون إنه من حين اتحد
بناسوت المسيح لم يفارقه بل هو الن متحد به وهو في السماء قاعد عن يمين أبيه
وذلك القاعد هو الخالق القديم والب هو الله الخالق القديم الزلي وهما مع ذلك إله
واحد #والمقصود هنا أنهم يقولون باتحاد اللهوت بجسد ل روح فيه قبل النفخ
وبعد الموت إلى أن قام من قبره فعادت الروح إليه وحينئذ
لم يظهر من تلك المضغة شيء من العجائب #وهم يستدلون على إلهية المسيح
بالعجائب مع أنه كان الله متحدا به قبل أن يظهر العجائب وحينئذ فل يلزم من عدم
440
www.anassim.fr.st 441 الن سي ــــ ـــ ـم
ظهور العجائب من شيء الجزم بأن الرب لم يتحد به مع إمكان التحاد #ويلزم أن
كل جامد وحي ظهرت منه العجائب أن يكون ذلك دليل على أن الرب اتحد به #
وحينئذ فعباد العجل أعذر من النصارى وإن كان من عباد الصنام من يقول إن
الصنم خلق السماوات والرض فهو أعذر من النصارى لن ظهور العجائب من
الحيوان العجم والجماد أعظم من ظهورها من النسان الناطق ل سيما النبياء
والرسل فإن النبياء والرسل معروفون بظهور العجائب على أيديهم فإذا ظهرت
على يد من يقول إني نبي مرسل كانت دليل على نبوته ل على إلهيته #والمسيح
كان يقول إني نبي مرسل كما ذكر ذلك في النجيل في غير موضع فأما الحيوان
العجم والجماد فل يجوز أن يكون نبيا #فإن جاز التحاد بالمضغة والجسم
المقبور الذي ل روح فيه فاتحاده بالعجل وبالصنم أولى وحينئذ فخوار العجل عجيب
منه #فاستدلل عباد العجل بذلك على أنه إله خير من استدلل النصارى على إلهية
المضغة إن قدر ظهور شيء من العجائب التي قد يستدلون بها
وإن كانت تلك ل تدل إل على نبوته تسليما #الوجه التاسع قوله فاحتجبت الكلمة #
الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها وقوله فكانت مسكنا في حلوله واحتجابه للطفها
عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم #يقال لهم أول من أين لك أن روح النسان
ألطف من جميع المخلوقات وأنها ألطف من الملئكة والروح الذي قال ال فيه ^ #
يوم يقوم الروح والملئكة صفا ل يتكلمون إل من أذن له الرحمن ^ #وإنها ألطف
من الروح التي نفخ في آدم منه بقوله ^ #ونفخت فيه من روحي ^ #وبتقدير أن
تكون ألطف فأنت ل تقول إن الحتجاب والتحاد كان بروح النسان مجردة بل
بالجسد الناسوتي الدموي الغليظ وتقول إن الخالق التحم من مريم العذراء فتجعل
الخالق قد التحم من لحم مريم ومن رحمها الذي هو لحم ودم
وهذه أجساد كثيفة بل جمهورهم يقول إنه اتحد بجسد ل روح فيه قبل النفخ وبعد
الموت وقبل أن يقوم من قبره #وحينئذ فقولك فكانت مسكنا ل في حلوله واحتجابه
للطفها عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم وصف ممنوع والتعليل به باطل فإنه لو
كان مسكنا للطفه لم يجز أن يسكن إل في الروح اللطيفة فلما أثبت اتحادا بالجسد
الكثيف بطل قولك إنه اتحد بالنسان للطفه #الوجه العاشر قولكم واعلم أنه ليرى
شيئا من لطيف الخلق إل في غليظ الخلق ول يرى ما هو لطيف من اللطيف إل مع
ما هو أغلط منه #يقال لهم إما أن يكون ال لما اتحد بالمسيح عندكم قد رآه الناس
وعاينوه أو لم يره أحد #فإن قلتم قد رآه الناس وعاينوه فهذا مخالف للحس والشرع
والعقل #أما الحس فإن أحدا ممن رأى المسيح لم ير شيئا يتميز به المسيح عن
غيره من البشر غير العجائب التي ظهرت على غيره منها ما هو أعظم مما ظهر
عليه ولم ير إل بدن المسيح الظاهر لم ير باطنه ل قلبه ول كبده ول طحاله فضل
عن أن يرى روحه فضل عن
أن يرى الملئكة الذين يوحون إليه فضل عن أن يرى ال إن قدر أنه كان متحدا به
441
www.anassim.fr.st 442 الن سي ــــ ـــ ـم
أو حال فيه #فدعوى المدعي أن من رأى المسيح فقد رأى ال عيانا ببصره في
غاية المباهتة والمكابرة والكذب لو قدر أن ال حال فيه أو متحد به #فإنه من
المعلوم أن الملئكة تنزل على المسيح وغيره وتتصل بأرواحهم والناس ل يرون
الملئكة بل الجن تدخل في بني آدم والناس ل يرونهم وإنما يرون جسد المصروع
#وكل إنسان معه قرينه من الملئكة وقرينه من الجن وهو نفسه ل يرى ذلك ول
يراه من حوله #وتحضره الملئكة وقت الموت ول يراهم من حوله مع أنه هو
يراهم قال تعالى ^ #فلول إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه
منكم ولكن ل تبصرون فلول إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ^ #
فإذا كانت هذه المخلوقات التي اتفق أهل الملل على اقترانها بالنسان واتصالها بهم
وأن رؤيتها ممكنة ل يراها الناس فكيف يقال إن المسيح الذي لم ير الناس منه إل ما
رأوه من أمثاله من الرسل كإبراهيم وموسى ولم يكن له قط شيء يتميز به عن
جنس الرسل فكيف يقال إن الذين رأوه رأوا ال عيانا بأبصارهم
وأما الشرع فموسى والمسيح وغيرهما من النبياء أخبروا أن أحدا ل يرى ال #
في الدنيا #وأم 4ا العقل فإن رؤية بعض ملئكة اللة أو بعض الجن يظهر لرائيها
من الدلئل والحوال ما يطول وصفه فكيف بمن رأى ال #والذين رأوا المسيح لم
يكن حالهم إل كحال سائر من رأى الرسل منهم الكافر به المكذب له ومنهم المؤمن
به المصدق له بل هم يذكرون من إهانة ناسوته ما ل يعرف عن نظرائه من الرسل
مثل ضربه والبصاق في وجهه ووضع الشوك على رأسه وصلبه وغير ذلك #
وأيضا فمعلوم أن من رأى ال إما أن يعرف أنه ال أو ل يعرف #فإن عرف أنه
رأى ال كان الذين رأوا المسيح قد علموا أنه ال ولو علموا ذلك لحصل لهم من
الضطراب ما يقصر عنه الخطاب #وإن كانوا لم يعرفوه فهذا في غاية المتناع
حيث صار رب العالمين ل يميز بينه وبين غيره من مخلوقاته بل يكون كواحد منهم
وليميز بينه وبينهم ول يعرف الرائي أن هذا هو ال #ولوازم هذا القول الفاسدة
كثيرة جدا #وإن قالوا إن ال لم ير لما اتحد بالمسيح وإنما رئي جسد المسيح الذي
احتجب به ال فقولهم بعد ذلك واعلم أنه ل يرى شيء من لطيف الخلق إل في غليظ
الخلق ول يرى ما هو لطيف من
اللطيف إل مع ما هو أغلظ منه كلم ل فائدة فيه إذ كان هذا مثل ضربوه ل ليبينوا
أنه يرى #فإذا سلموا أنه لم ير لم يكن في هذا المثل فائدة بل كان هذا استدلل على
شيء يعلمون أنه باطل #وأيضا فما ذكروه من أن اللطيف ل يرى إل في الغليظ
باطل فإن اللطيف كروح النسان ل ترى في الدنيا وإن علم وجودها وأحس النسان
بروحه وصفاتها فرؤيتها بالبصر غير هذا يبين ذلك #الوجه الحادي عشر قولهم
وإنا وجدنا روح النسان العاقلة الكلمانية يعنون النفس الناطقة ألطف من لطيف
الخلق فلذلك كانت أولى خلق ال بحجاب ال فكانت له حجابا وكانت النفس الدموية
لها حجابا والجسد الغليظ حجابا #فعلى هذا خالطت كلمة ال الخالقة نفس النسان
الكاملة لجسدها ودمها وروحها العاقلة الكلمانية وصارت كلمة ال بقوامها قواما
442
www.anassim.fr.st 443 الن سي ــــ ـــ ـم
لتثليث الناسوت التي كمل جوهرها بتقويم قوام كلمة ال إياها لنها لم تخلق ولم تك
شيئا إل بقول من كلمة ال الذي خلقها وقومها ل من شيء سبق قبل ذلك في بطن
مريم ول من سبب كان لها من غير ذلك غير قوام الكلمة الخالقة الذي هو أحد
التثليث اللهي
فيقال لهم هذا الكلم يقتضي أن الخالق احتجب بالنفس الناطقة والنفس الناطقة #
احتجبت بالبدن #وأنتم تصرحون بأن نفس الكلمة التي هي الخالق وهي ال عندكم
التي خلقت لنفسها إنسانا احتجبت به وقلتم هو إنسان تام بجسده ونفسه الدموية
وروحه الكلمانية أي نفسه الناطقة التي هي صورة ال في النسان وشبهه فكانت
مسكنا ل في حلوله واحتجابه #فصرحتم بأن البدن مع الروح مسكن ل في حلوله
واحتجابه وأنه هو الذي خلق ذلك البدن والروح وقلتم إن هذه الكلمة الخالقة
المحتجبة التي قلتم إنها ال التحمت من مريم العذراء #فإذا كان ال الخالق قد التحم
من مريم العذراء فمعلوم أن ذلك قبل نفخ النفس الناطقة التي سميتموها الروح
الكلمانية في المسيح #وإذا كان الخالق تعالى قد التحم بجسد ل روح فيه والتحامه
به أبلغ من حلوله فيه ثم اتخذ الجسد حجابا قبل نفخ الروح الكلمانية فيه فكيف يقال
إنما حل في الروح ل في البدن وهو قد التحم بالبدن واتخذ منه جزءا مسكنا له
وحجابا قبل أن ينفخ فيه الروح الكلمانية #وقلتم أيضا فعلى هذا خالطت كلمة ال
الخالقة لنفس النسان الكاملة بجسدها ودمها وروحها العاقلة الكلمانية #وهذا
تصريح بأن الخالق خالط النسان بجسده ودمه وروحه
فكيف تقولون إنما احتجبت بالروح اللطيفة مع تصريحكم بأن الخالق اختلط #
بالجسد والدم #وهذا أيضا يناقض قول من قال إنه اتحد به اتحادا بريا من الختلط
#فقد صرحتم هنا أنه اختلط به وسيأتي نظائر هذا في كلمهم يصرحون فيه
باختلط اللهوت بالناسوت #الوجه الثاني عشر قولكم غير قوام الكلمة الخالقة
الذي هو أحد التثليث اللهي فذلك القوام معدود معروف مع الناس لما ضم إليه
وخلقه له التحم به من جوهر النسان فهو بتوحيد ذلك القوام الواحد قوام الكلمة ال
الخالقة واحد في التثليث بجوهر لهوته واحد من الناس بجوهر ناسوته وليس باثنين
ولكن واحد مع الب والروح وهو إياه واحد مع الناس جميعا بجوهرين مختلفين من
جوهر اللهوت الخالق وجوهر الناسوت المخلوق بتوحيد القوام الواحد قوام الكلمة
التي هي البن المولود من ال من قبل كل الدهور وهو إياه المولود من مريم
العذراء في آخر الزمان من غير مفارقة من الب ول من روح القدس #فيقال في
هذا الكلم بل فيما تقدم ذكره ما يطول تعداده ووصفه من التناقض والفساد والكلم
الباطل والكلم الذي تكلم به قائله وهو ل يتصور ما يقول مع سوء التعبير عنه
كقوله وهو إياه
فيضع الضمير المنفصل موضع المتصل ويعطف أحدهما على الخر بل واو عطف
إلى أمثال ذلك مما يطول ذكر معانيه وذلك أن قولهم في نفسه باطل ل حقيقة له وهم
443
www.anassim.fr.st 444 الن سي ــــ ـــ ـم
لم يتصوروا معنى معقول ثم عبروا عنه حتى يقال قصروا في التعبير بل هم في
ضلل وجهل ل يتصورون معقول ول يعرفون ما يقولون بل ول لهم اعتقاد يثبتون
عليه في المسيح بل مهما قالوه من بدعهم كان باطل وكانوا هم معترفون بأنهم ل
يفقهون ما يقولون #لهذا يقولون هذا فوق العقل ويقولون قد اتحد به بشر ل يدرك
فما ل يدرك وما هو فوق العقل ليس لحد أن يعتقده ول يقوله برأيه #لكن إذا
أخبرت الرسل الصادقون بما يعجز عقل النسان عنه علم صدقهم وإن نقل عنهم
ناقل ما يعلم بصريح العقل بطلنه علم أنه يكذب عليهم إما في اللفظ والمعنى وإما
في أحدهما #وأما إذا كان هو يقول القول الذي يذكر أنه علم صحته أو أنه فسر به
كلم النبياء وهو ل يتصور ما يقوله ول يفقهه فهذا قائل على ال وعلى رسله ما ل
يعلم وهذا قد ارتكب أعظم المحرمات قال تعالى ^ #قل إنما حرم ربي الفواحش ما
ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا
^ وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون
وقال تعالى عن الشيطان ^ #إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال #
ما ل تعلمون ^ #وقال تعالى #سورة النساء اليات # 173 171وقد اتفق أهل
الملل على أن القول على ال بغير علم حرام وال سبحانه نهاهم أن يقولوا على ال
إل الحق فكان هذا نهيا أن يقولوا الباطل سواء علموا أنه باطل أو لم يعلموا #فإنهم
إن لم يعلموا أنه باطل فلم يعلموا أنه حق أيضا إذ الباطل يمتنع أن يعلم أنه حق وإن
اعتقد معتقد اعتقادا فاسدا أنه حق فذلك
ليس بعلم فل تقولوا على ال ما ل تعلمون #وإن علموا أنه باطل فهو أجدر أن ل
يقولوه #وعامة النصارى ضلل ل يعلمون أن ما يقولونه حق بل يقولون على ال
ما ل يعلمون #والمقصود أن الباطل في كلمهم كثير كقولهم فهو بتوحيد ذلك القوام
الواحد قوام لكلمة ال الخالقة #والمسيح عندهم اسم للهوت والناسوت جميعا اسم
للخالق والمخلوق وأحدهما متحد بالخر فهو بتوحيد ذلك القوام قوام لكلمة ال
الخالقة #وسواء أريد بذلك أن الناسوت واللهوت قوام للهوت أو أن الناسوت
قوام للهوت وهم يمثلون ذلك بالروح والجسد والنار والحديد فيكون كما لو قيل إن
الجسد والروح أو الجسد قوام للروح أو النار والحديد أو الحديد قوام للنار #فيقال
الخالق الزلي الذي لم يزل ول يزال هل يكون المحدث المخلوق قواما له فيكون
المخلوق المصنوع المحدث المفتقر إلى ال من كل وجه قواما للخالق الغني عنه من
كل وجه وهل هذا إل من أظهر الدور الممتنع #فإنه من المعلوم بصريح العقل
واتفاق العقلء أن المخلوق
ل قوام له إل بالخالق فإن كان الخالق قوامه بالمخلوق لزم أن يكون كل من الخالق
والمخلوق قوامه بالخر فيكون كل منهما محتاجا إلى الخر إذ ما كان قوام الشيء
به فإنه محتاج إليه #وهذا مع كونه يقتضي أن الخالق يحتاج إلى مخلوقه وهو من
الكفر الواضح فإنه يظهر امتناعه بصريح العقل وهذا لزم للنصارى سواء قالوا
444
www.anassim.fr.st 445 الن سي ــــ ـــ ـم
بالتحاد أو بالحلول بل اتحاد وإن كانت فرقهم الثلث يقولون بنوع من التحاد فإنة
مع التحاد كل من المتحدين ل بد لة من الخر فهو محتاج إلية كما يمثلون بة في
الروح مع البدن والنار مع الحديد #فإن الروح التي في البدن محتاجة إلى البدن كما
أن النار في الحديد محتاجة إلى الحديد #وكذلك الحلول فإن كل حال محتاج إلى
محلول فيه وهو من الكفر الواضح فإنه يظهر امتناعه بصريح العقل #فإن ذلك
المخلوق إن قدر أنه موجود بنفسه قديم أزلي فليس هو مخلوقا ومع هذا فيمتنع أن
يكون كل من القديمين الزليين محتاجا إلى الخر سواء قدر أنه فاعل له أو تمام
الفاعل له أو كان
مفتقرا إليه بوجه من الوجوه لنه إذا كان مفتقرا إليه بوجه من الوجوه لم يكن
موجودا إل به #فإن الموجود ل يكون موجودا إل بوجود لوازمه ول يتم وجوده إل
به فكل ما قدر أنه محتاج إليه لم يكن موجودا إل به #فإذا كان كل من القديمين
محتاجا إلى الخر لزم أن ل يكون هذا موجودا إل بخلق ذلك ما به تتم حاجة الخر
وأن ل يكون هذا موجودا إل بخلق ذلك ما بة تتم حاجة الخر #والخالق ل يكون
خالقا حتى يكون موجودا ول يكون موجودا إل بلوازم وجوده فيلزم أن ل يكون هذا
موجودا حتى يجعله الخر موجودا ول يكون ذاك موجودا حتى يجعله الخر
موجودا إذ كان جعله لما لم يتم به وجوده يتوقف وجوده عليه فل يكون موجودا إل
به فل فرق بين أن يحتاج أحدهما إلى الخر في وجوده أو فيما ل يتم وجوده إل به
وهذا هو الدور القبلي الممتنع باتفاق العقلء #وأما الدور المعي وهو أنه ل يوجد
هذا إل مع هذا ول هذا إل مع هذا كالبوة مع البنوة وكصفات الرب بعضها مع
بعض وصفاته مع ذاته فإنه ل يكون عالما إل مع كونه قادرا ول يكون عالما قادرا
إل مع كونه حيا ول يكون حيا إل مع كونه عالما قادرا ول تكون صفاته موجودة إل
بذاته ول ذاته موجودة إل بصفاته فهذا جائز في المخلوقين اللذين يفتقران إلى
الخالق الذي يحدثهما جميعا كالبوة والبنوة وجائز في الرب الملزم لصفاته تعالى
#وأما إذا قدر قديمان أزليان ربان فاعلن امتنع أن يكون أحدهما محتاجا إلى
الخر إذ كان وجوده ل يتم إل بما يحتاج وجوده إليه ول يكون فاعل لشيء إن لم
يتم وجوده فيمتنع مع نقص كل منهما عن
تمام وجوده أن يكون فاعل لغيره تمام وجود ذلك الغير ولهذا لم يقل بهذا أحد من
المم #ولكن الذي قاله النصارى أنهم جعلوا قوام الخالق تعالى بالمخلوق #فيقال
لهم هذا أيضا ممتنع في صريح العقل أعظم من امتناع قيام كل من الخالقين بالخر
وإن كان هذا أيضا ممتنعا فإن المخلوق مفتقر في جميع أموره إلى الخالق فيمتنع مع
فقره في وجوده وتمام وجوده إلى الخالق أن يكون قوام الخالق به لن ذلك يقتضي
أن يكون مقيما له وأن يكون تمام وجوده به فيكون المخلوق ل وجود لشيء منه إل
بالخالق #فالقدر الذي يقال إنه يقيم به الخالق هو من الخالق والخالق خالقه وخالق
كل مخلوق فل وجود له ول قيام إل بالخالق فكيف يكون به قيام الخالق #وليس هذا
كالجوهر وأعراضه اللزمة أو كالمادة والصورة عند من يزعم أن الصورة جوهر
445
www.anassim.fr.st 446 الن سي ــــ ـــ ـم
إذا كانا متلزمين فإن هذا من باب الدور المعي كالنبوة مع البوة وهذا جائز كما
تقدم إذ كان الخالق لهما جميعا هو ال #وأما مع كون كل منهما هو الخالق فهو
ممتنع ومع كون أحدهما خالقا والخر مخلوقا فهو أشد امتناعا #والرب تعالى غني
عن كل ما سواه من كل وجه وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه وهذا معنى اسمه
الصمد فإن الصمد الذي يصمد إليه كل شيء لفتقاره إليه وهو غني عن كل شيء ل
يصمد
إلى شيء ول يسأله شيئا سبحانه وتعالى فكيف يكون قوامه بشيء من المخلوقات #
وهذا التحاد الخاص من النصارى يشبه من بعض الوجوه قول أهل الوحدة والتحاد
العام الذين يقولون كما يقوله ابن عربي صاحب الفصوص والفتوحات المكية إن
أعيان المخلوقات ثابتة في العدم ووجود الحق فاض عليها فهي مفتقرة إليه من حيث
الوجود المشترك العام وهو وجوده وهو مفتقر إليها من حيث العيان الثابتة في
العدم وهو ما يختص به كل عين عين فيجعل كل واحد من الخالق والمخلوق مفتقرة
إلى الخر #ويقولون الوجود واحد ثم يثبتون تعدد العيان ويقولون هي مظاهر
ومجالي #فإن كان المظهر والمجلى غير الظاهر فقد ثبت التعدد وإن كان
هو إياه فل تعدد فلهذا يضطرون إلى التناقض كما يضطر إليه النصارى حيث
يثبتون الوحدة مع الكثرة وينشدون فيعبدني وأعبده ويحمدني وأحمده وهؤلء بنوا
قولهم على أصلين فاسدين #أحدهما أن أعيان الممكنات ثابتة في العدم كقول من
يقول من أهل الكلم إن المعدوم شيء ثابت في العدم وهذا القول فاسد عند جماهير
العقلء #وإنما حقيقة المر أن المعدوم يراد إيجاده ويتصور ويخبر به ويكتب قبل
وجوده فله وجود في العلم والقول والخط وأما في الخارج فل وجود له #والوجود
هو الثبوت فل ثبوت له في الوجود العيني الخارجي وإنما ثبوته في العلم أي يعلمه
العالم قبل وجوده #والصل الثاني أنهم جعلوا نفس وجود رب العالمين الخالق
القديم الزلي الواجب بنفسه هو نفس وجود المربوب المصنوع الممكن كما قال ابن
عربي ومن عرف ما قررناه في العداد وأن نفيها عين إثباتها علم أن الحق المنزه
هو الخلق المشبه فالمر
446
www.anassim.fr.st 447 الن سي ــــ ـــ ـم
شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن
فليس دونك
شيء فجاء هذا الملحد وفسر قول أبي سعيد بأن المخلوق هو الخالق فقال قال أبو
سعيد وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن ال ل يعرف
إل بجمعه بين الضداد في الحكم عليه بها فهو الول والخر والظاهر والباطن فهو
عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من
بطن عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عن نفسه وهو المسمى أبو سعيد الخراز
وغير ذلك من أسماء المحدثات ولهذا قال بعض النصارى لمن يقول مثل هذا
ويحكيه عن شيوخه ويقول إنه مسلم أنتم كفرتمونا لجل أن قلنا إن ال هو المسيح
وشيوخكم يقولون إن ال هو أبو سعيد الخراز والمسيح خير من أبي سعيد #وهؤلء
يجيبون النصارى بجواب يتبين به أنهم أعظم إلحادا من النصارى #فيقولون
للنصارى أنتم خصصتموه بالمسيح ونحن نقول هو وجود كل شيء ل نخص المسيح
#ولهذا قال بعضهم لحذق هؤلء التلمساني الملقب بالعفيف أنت نصيري
فقال نصير جزء مني فإن النصيرية أتباع أبي شعيب محمد بن نصير يقولون في #
علي بن أبي طالب نظير ما يقوله النصارى في المسيح كذلك سائر الغلة في علي
أو في أحد من أهل بيته أو في السماعيلية بني عبيد المنتسبين إلى محمد بن
إسماعيل بن جعفر كالحاكم وغيره
أحدا لم يعبد غيره كما يقول ابن عربي مصوبا لقوم نوح الكفار ومكروا مكرا كبارا
قال لن الدعوة إلى ال مكر بالمدعو فإنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ادعوا
إلى ال فهذا عين المكر فأجابوه مكرا كما دعاهم مكرا فقالوا في مكرهم ل تذرن
آلهتكم ول تذرن ودا ول سوعا ول يغوث ويعوق ونسرا إذا تركوهم جهلوا عن
الحق على قدر ما تركوا من هؤلء #فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من
عرفه ويجهله من جهله كما قال في المحمديين ^ وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ^
أي حكم فما حكم ال بشيء إل وقع فالعارف يعرف من عبد وفي أي صورة ظهر
حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية
447
www.anassim.fr.st 448 الن سي ــــ ـــ ـم
في الصور الروحانية فما عبد غير ال في كل معبود وصوب هذا الملحد فرعون في
^ قوله ^ أنا ربكم العلى
قال ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن
جار في العرف الناموسي لذلك قال ^ أنا ربكم العلى ^ أي وإن كان الكل أربابا
بنسبة ما فأنا العلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم #قال ولما علمت
السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك وقالوا له إنما تقضي هذه
الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض فالدولة لك #قال فصح قول فرعون أنا ربكم
العلى وإن كان فرعون عين الحق #وصوب أيضا أهل العجل في عبادتهم العجل
وزعم أن موسى رضي بذلك فقال ولما كان موسى أعلم بالمر من هارون لعلمه
بأن ال قضى أن ل نعبد إل إياه وما حكم ال بشيء إل وقع كان عتبه على هارون
لنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل من يراه عين كل
شيء #ومن هؤلء طائفة ل يقولون بثبوت العيان في العدم بل يقولون ما ثم
وجود إل وجود الحق #لكن يفرقون بين المطلق والمعين فيقولون هو الوجود
المطلق الساري في الموجودات المعينة كالحيوانية الثابتة في كل حيوان والنسانية
الثابتة في كل إنسان وهذا الذي يسمى الكلي الطبيعي
ويسمون هذا الوجود الحاطة فيقولون هو الوجود المطلق إما بشرط الطلق عن #
كل قيد وهذا يسمى الكلي العقلي #وهذا عند عامة العقلء ل يوجد إل في الذهن ل
في الخارج ولكن يحكى عن شيعة أفلطون أنهم أثبتوا هذه الكليات المجردة عن
العيان في الخارج وقالوا إنها قديمة أزلية إنسانية مطلقة وحيوانية مطلقة ويسمونها
المثل الفلطونية والمثل المعلقة #وقد رد ذلك عليهم إخوانهم أرسطو وشيعته
وجماهير العقلء وبينوا أن هذه إنما هي متصورة في الذهان ل موجودة في
العيان كما يتصور الذهن عددا مطلقا ومقادير مطلقة كالنقطة والخط والسطح
والجسم التعليمي ونحو ذلك مما يتصوره الذهن وليس من ذلك شيء في الموجودات
الثابتة في الخارج #وهذا المطلق بشرط الطلق يظن هؤلء ثبوته في الخارج وقد
يسمونه الحاطة وهو الوجود المجرد عن جميع القيود ثم بعده الوجود المطلق ل
بشرط وهو العام المنقسم إلى واجب وممكن
إلى قديم وحادث ونحو ذلك كانقسام الحيوان إلى ناطق وأعجم #وهذا المطلق ل
بشرط يوجد في الخارج فإن السم المفرد يصدق عليه فيقال هذا حيوان هذا إنسان
وإن كان السم العام شامل لنواعه وأشخاصه لكن ل يوجد في الخارج إل مقيدا
معينا #ومن قال إنه يوجد في الخارج كليا فقد غلط فإن الكلي ل يكون كليا قط إل
في الذهان ل في العيان وليس في الخارج إل شيء معين إذا تصور منع نفس
تصوره من وقوع الشركة فيه ولكن العقل يأخذ القدر المشترك الكلي بين المعينات
فيكون كليا مشتركا في الذهان #وهؤلء يجعلون الوجود الواجب هذا وقد يجعلونه
بعد هذا فيقولون هذا فرق الواجب #وهذا الوجود الكلي إذا قيل إنه ل يوجد في
448
www.anassim.fr.st 449 الن سي ــــ ـــ ـم
الموصوف وأن جزء الشيء ل يخلق الشيء بل جزء الشيء جزء من الشيء #فإذا
كان هو الخالق للجملة كان خالقا لنفسه وكان بعض الشيء خالقا لكله #ومن هؤلء
من يقول إن الرب في العالم كالزبد في اللبن والدهن في السمسم ونحو ذلك فيجعلونه
جزءا من العالم المخلوق ونفس تصور هذا يكفي في العلم بفساده #لكن هؤلء
يقولون لمن تبعهم إن لم تترك العقل والنقل لم يحصل لك التحقيق والتجلي الذي
حصل لنا ويقولون ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل #فقلت لبعضهم
إن النبياء صلوات ال عليهم وسلمه أكمل الناس كشفا وهم يخبرون بما يعجز
عقول الناس عن معرفته ل بما يعرف في عقولهم أنه باطل فيخبرون بمحارات
العقول ل بمحالت العقول #فمن دونهم إذا أخبر عن شهود وكشف يعلم بصريح
العقل بطلنه علم أن كشفه باطل #وأما إن كان لم يعلم بطلنه فهذا قد يمكن فيه
إصابته وقد
يمكن خطؤه لن غير النبياء ليس بمعصوم #وهؤلء سمعوا باسم ال وقصدوا
عبادته ومعرفته فوقفوا على أثره في مصنوعاته فظنوا أنه هو كمن سمع بالشمس
فلما أن رأى الشعاع المنبسط في الهواء والرض ظن أن ذلك هو الشمس ولم يصعد
بصره وبصيرته إلى الشمس التي في السماء #وكذلك هؤلء لم تصمد بصائر
قلوبهم إلى رب العالمين الذي فوق كل شيء المباين لمخلوقاته #وسر ذلك أنهم
يشهدون بقلوبهم وجودا مطلقا بسيطا ليس له اسم خاص كالحي والعليم والقدير ول
له صفة ول يتميز فيه شيء عن شيء وهذا هو الوجود المشترك #لكن هذا الشهود
هو في نفوسهم ل حقيقة له في الخارج وكثير ممن يخاطبهم ل يتصور ما يشهدونه
فيظنون أنه لم يفهم ما شهدوه #وقد خاطبت غير واحد منهم وبينت له أن هذا الذي
يشهدونه هو في الذهن وبتقدير أن يكون موجودا في الخارج فهو صفة للموجودات
أو جزء منها ويظنون مع ظنهم أنه موجود في الخارج أنه لم يبق في الخارج غير
ما شهدوه فإنهم يغيبون عن الحس الذي يدرك المعينات ويغيبون عقولهم عن
تصورها حتى ل يميزوا بين موجود وموجود ويقولون الحس فيه تفرقة ثم يشهدون
هذا الوجود
المطلق مع عزلهم الحس فيظنون أن هذا المطلق هو نفس المعينات وأنه ما بقي
موجودا أصل #فيقال لهم لو قدر أن الوجود الكلي ثابت في الخارج كليا وأنكم
شهدتم ذلك فمعلوم عند كل عاقل أن وجود الكلي المشترك ل يناقض وجود المعين
المختص #فالحيوانية والنسانية المشتركة المطلقة ل تناقض أعيان الحيوان
449
www.anassim.fr.st 450 الن سي ــــ ـــ ـم
وأعيان النسان وحينئذ فثبوت أعيان الموجودات حاصل في الخارج #وهب أنكم
غبتم عن هذا ولم تشهدوه فالغيبة عن شهود الشيء ل يوجب عدمه في نفسه #فإذا
لم يشهد للعبد الشيء أو لم يرده أو لم يعلمه أو لم يخطر بقلبه أو فنى عن شهوده أو
اصطلم أو غاب لم يلزم من ذلك أن يكون الشيء صار في نفسه معدوما فانيا ل
حقيقة له بل الفرق ثابت بين أن يعدم الشيء في نفسه ويفنى ويتلشى وبين أن يعدم
شهود النسان له وذكره ومعرفته #وهؤلء من ضللهم يظنون أنه إذا فنى
شهودهم للموجودات كانت فانية في أنفسها فلم يكن موجودا إل
ما تخيلوه من الوجود المطلق #ويقولون الكثرة والتفرقة في الحس فإذا فني شهود
القلب عن الحس لم يبق تفرقة ول كثرة ويظنون أن شهود الحس حينئذ خطأ والعقل
هو الذي يشهد الكليات والمطلقات دون الحس فإذا أبطلوا ما شهده الحس لم يبق
معهم إل الوجود الكلي #ثم يظنون مع ذلك أنه هو ال فيبقى الرب عندهم وهما
وخيال في نفوسهم ل حقيقة له في الخارج كما قال بعض حذاقهم وهو التستري
صاحب ابن سبعين وهمك هو بتشخيص ما تحته
شيء وقال % #ترى الوجود واحدا وأنت ذاك %وليس عليك زائد ما ثم سواك
%
وقلت لبعض حذاقهم هب أن هذا الوجود المطلق ثابت في الخارج وأنه عين #
الموجودات المشهودة فمن أين لك أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السماوات
والرض وكل شيء #فاعترف بذلك وقال هذا ما فيه حيلة #والحس الباطن أو
الظاهر إن لم يقترن به العقل الذي يميز بين المحسوس وغيره وإل دخل فيه من
الغلط من جنس ما يدخل على النائم والممرور والمبرسم وغيرهم ممن يحكم بمجرد
الحس الذي ل عقل معه #والبهائم قد تكون أهدى من هؤلء كما قال تعالى ^ #
ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والنس لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين ل
يبصرون بها ولهم ءاذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم
^ الغافلون
وهؤلء يصرحون برفض السمع والعقل فدخلوا في قوله ^ #أم تحسب أن #
أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ^ #ويلزمون
أنفسهم الغيبة عن العقل والحس الظاهر والشرع فلهذا يقول أحذقهم التلمساني % #
فقل لحسك غب وجدا وذب طربا %فيها وقل لزوال العقل ل تزل % # %
%واصمت إلى أن تراها فيك ناطقة %فإن وجدت لسانا قائل فقل
وهؤلء لبسط الكلم عليهم موضع آخر #والمقصود هنا أن النصارى زعموا #
أن اللهوت محتاج إلى ما اتحد به من الناسوت وهؤلء زعموا أن رب العالمين
محتاج إلى كل ما سواه من العيان الثابتة في العدم #فإن كل من قال إن رب
العالمين اتحد بغيره فكل من المتحدين مفتقر إلى الخر مع استحالة كل منهما وتغير
حقيقته ول كذلك الحلول المعقول فإن الحلول ل يعقل إل إذا كان الحال قائما بالمحل
450
www.anassim.fr.st 451 الن سي ــــ ـــ ـم
محتاج إليه سواء أريد بذلك حلول الصفات والعراض في الموصوفات والجواهر
أو أريد به حلول العيان
فإن كون أحد الجسمين محل للخر كحلول الماء في الظرف هو يوجب افتقاره #
إليه #وما يحل في قلوب المؤمنين من معرفة الرب واليمان به هو قائم بقلوبهم
محتاج إليه #وكذلك ما يثبته الفلسفة من الهيولي والصورة ويقولون إن الهيولي
محل للصورة ويعترفون مع ذلك بان الصورة محتاجة إلى الهيولي #والقائلون
بوحدة الوجود قد يجعلون الخالق مع المخلوقات كالصورة مع الهيولي كما يشير إليه
ابن سبعين ويقول هو في الماء ماء وفي النار نار وفي كل شيء بصورة ذلك الشيء
كما قد بسط الكلم على هؤلء في مواضع غير هذا الكتاب #وإذا قالوا إن الرب
حل في المسيح كما حل في غيره وهو الحلول الموجود في كلم داود عندهم حيث
قالوا أنت تحل في قلوب القديسين فقد عرف أن هذا حلول اليمان به ومعرفته وهداه
ونوره والمثال العلمي كما قد بسط في موضع آخر ولهذا يسمى ظهورا والشعاع
الحال على الرض والهواء عرض قائم بذلك وهو مفتقر إلى الرض والهواء #
والرسل صلوات ال عليهم أخبروا بأن ال فوق العالم بعبارات متنوعة تارة يقولون
هو العلي وهو العلى وتارة يقولون هو في السماء كقوله ^ #أم أمنتم من في
السماء أن يرسل عليكم حاصبا ^ #وليس مرادهم بذلك أن ال في جوف السماوات
أو أن ال يحصره شيء من المخلوقات بل كلم الرسل كله يصدق بعضه بعضا كما
قال تعالى ^ #سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد
ل رب العالمين ^ #وقد قال تعالى ^ #هو الول والخر والظاهر والباطن وهو
بكل شيء عليم ^ #وثبت في الصحيح عن النبي أنه قال أنت الول فليس قبلك
شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء و أنت
الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء فأخبر أنه ل يكون شيء
فوقه #ولهذا قال غير واحد من أئمة السلف إنه ينزل إلى السماء الدنيا ول يخلو
العرش منه فل يصير تحت المخلوقات وفي جوفها قط بل العلو عليها صفة لزمة
له حيث وجد مخلوق فل يكون الرب إل عاليا عليه #وقول الرسل في السماء أي
في العلو ليس مرادهم أنه في جوف الفلك بل السماء العلو وهو إذا كان فوق
العرش فهو العلي العلى وليس هناك مخلوق حتى يكون الرب محصورا في شيء
من المخلوقات ول هو في جهة موجودة بل ليس موجودا إل الخالق والمخلوق
والخالق بائن عن مخلوقاته عال عليها فليس هو في مخلوق أصل سواء سمى ذلك
المخلوق جهة أو لم يسم جهة #ومن قال إنه في جهة موجودة تعلو عليه أو تحيط
به أو يحتاج إليها بوجه من الوجوه فهو مخطىء #كما أن من قال ليس فوق
السماوات رب ول على العرش إله ومحمد لم يعرج به إلى ربه ول تصعد الملئكة
إليه ول تنزل الكتب منه ول يقرب منه شيء ول يدنو إلى شيء فهو أيضا مخطيء
#ومن سمى ما فوق العالم جهة وجعل العدم المحض جهة وقال
451
www.anassim.fr.st 452 الن سي ــــ ـــ ـم
هو في جهة بهذا المعنى أي هو نفسه فوق كل شيء فهذا معنى صحيح #ومن نفى
هذا المعنى بقوله ليس في جهة فقد أخطأ #بل طريق العتصام أن ما أثبته الرسل
ل أثبت له وما نفته الرسل عن ال نفى عنه #واللفاظ التي لم تنطق الرسل فيها
بنفي ول إثبات كلفظ الجهة والحيز ونحو ذلك ل يطلق نفيا ول إثباتا إل بعد بيان
المراد #فمن أراد بما أثبت معنى صحيحا فقد أصاب في المعنى وإن كان في اللفظ
خطأ #ومن أراد بما نفاه معنى صحيحا فقد أصاب في المعنى وإن كان في لفظه
خطأ #وأما من أثبت بلفظه حقا وباطل أو نفى بلفظه حقا وباطل فكلهما مصيب
فيما عناه من الحق مخطىء فيما عناه من الباطل قد لبس الحق بالباطل وجمع في
كلمه حقا وباطل #والنبياء كلهم متطابقون على أنه في العلو #وفي القرآن
والسنة ما يقارب ألف دليل على ذلك وفي كلم النبياء المتقدمين ما ل يحصى
فصل #قال سعيد بن البطريق وذلك مثل ما أن الشعاع المولود من عين الشمس
الذي يمل ضوؤه ما بين السماء والرض نورا وفي بيت من البيوت يكون فيه ضياء
بنوره من غير مقارنة لعين الشمس التي تولد منها حقا لنه لم ينقطع من العين ول
من الضوء فكذلك سكن ال في الناسوت من غير أن يفارقه الب فهو مع الناسوت
وهو مع الب وروح القدس حقا #فيقال هذا التمثيل لو قدر أنه صحيح فإنما يشبه
من بعض الوجوه قول من يقول إنه بذاته في كل مكان كشعاع الشمس الذي يظهر
في الهواء والرض #وأما النصارى فإنهم يخصونه بناسوت المسيح دون سائر
النواسيت ولو مثل بهذا من يقول إنه بذاته في كل مكان لكان باطل فكيف النصارى
فإن الضوء إنما يكون في الهواء وسطوح الرض ل يكون تحت السقوف والغيران
وباطن الرض
ثم هذا التمثيل باطل من وجوه #أحدها أن الشعاع ليس متولدا من جرم الشمس #
ول شعاع النار متولد من جرم النار بل هو حادث بائن عن جرم الشمس ولكنها
سبب في حصوله #ولهذا يشبه به العلم الحاصل في قلب المتعلم بسبب تعلم العلم
من غير أن يكون من ذات علم العالم #ولهذا يشبه علم العالم بالسراج الذي يقتبس
كل أحد من نوره وهو لم ينقص #بخلف تولد المولود عن والده فإنه متولد عن
عينه #والشعاع القائم بالهواء والرض ليس هو قائما بذات الشمس والنار بل هو
عرض قائم بمحل آخر والعرض الواحد ل يكون في محلين #والنصارى يقولون
إن الكلمة التي هي علم ال أو حكمته متولدة منه وهي قديمة أزلية والصفة قائمة
بالموصوف فالصفة مثل ما يقوم بذات الشمس من استدارة وضوء فذاك صفة لها
وهو غير الشعاع القائم بالهواء فإن ذاك بائن عنها فكيف يجعل هذا هو هذا #فإن
قالوا نحن مقصودنا أن حكمة ال وعلمه ونوره أنزله إلى المسيح وأفاضه على
المسيح كما يفيض الشعاع عن الشمس #قيل لهم فهذا قدر مشترك بين المسيح
وسائر النبياء فل اختصاص للمسيح بذلك
452
www.anassim.fr.st 453 الن سي ــــ ـــ ـم
الوجه الثاني قولهم الذي يمل ضوؤه ما بين السماء والرض نورا وفي بيت من #
البيوت يكون فيه حقا من غير مقارنة لعين الشمس التي تولد منها حقا #فيقال لهم
الشعاع الذي بين السماء والرض هو الضوء وهو النور #فقولكم إن الشعاع يمل
ضوؤه ما بين السماء والرض نورا يقتضي أنه شعاع وضوء شعاع ونور حدث
عن ذلك وهذا غلط بل ليس هنا إل جرم الشمس التي في السماء وشعاعها وهو
الضوء والنور الذي ما بين السماء والرض #الثالث قولكم من غير مفارقة عين
الشمس يقتضي أن هذا الشعاع هو مفس ما قام بالشمس وهذا مكابرة للحس والعقل
بل الشعاع الذي قام بالهواء والرض عرض لم يقم بالشمس فقط #وكل شعاع بقعة
فليس هو عين الشعاع الذي في البقعة الخرى وإن كان هو نظيره ومثله وجنس
الشعاع يجمعهما كما أن شعاع هذا السراج ليس هو شعاع هذا السراج وإن قدر
اختلطهما حتى يقوى الضوء ول حركة هذا الهواء هي حركة هذا الهواء ونظائر
ذلك متعددة #الرابع قولكم كذلك ال سكن في الناسوت من غير أن يفارقه الب
تمثيل باطل
فإن الشمس نفسها لم تكن في الهواء والرض وإنما سكن شعاعها #فوزانه أن #
يقال فكذلك سكن نور ال وبرهانه وهداه وروحه #وهذا إذا قلته فهو منقول عن
النبياء تنطق كتبهم بأن نور ال وروحه وهداه في قلوب المؤمنين لكن ل اختصاص
للمسيح بذلك #قال ال تعالى ^ #ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة
فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ^ #قال أبي بن كعب
مثل نوره في قلب المؤمن #وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي أنه قال اتقوا
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ال ثم قرأ قوله
إن في ذلك ليات للمتوسمين ^ #الخامس إنكم إذا جعلتم ال نفسه ساكنا في ^ #
المسيح فوزانه أن تكون الشمس نفسها ساكنة في موضع صغير من الرض #وهذا
التمثيل يبطل قولكم إن ال أعل وأعظم وأجل وأكبر وال أجل وأكبر وأعظم من كل
شيء والشمس آية من آياته ومخلوق من مخلوقاته ومع هذا فلو قال قائل إن الشمس
سكنت في جوف امرأة وخرجت من فرج تلك المرأة لكان كل عاقل يعلم فساد قوله
وينسبه
إلى الجهل العظيم أو الجنون وسواء قال إن الشمس نفسها نزلت أو لم تنزل #
وأنتم تقولون إن رب العالمين سكن في بطن مريم ويقول أكثركم كالملكية واليعقوبية
إنه خرج من فرج مريم #ولو قال قائل عما هو من أصغر مخلوقات ال كوكب من
الكواكب أو جبل من الجبال أو صخرة عظيمة إن ذلك كان في بطن امرأة وخرج
من فرجها لضحك الناس من قوله فكيف بمن يدعي مثل ذلك في رب العالمين #
وإذا قالوا إن ال نزل إلى السماء الدنيا أو نزل إلى الطور وكلم موسى من العليقة أو
في عمود الغمام ونحو ذلك فليس في شيء من
453
www.anassim.fr.st 454 الن سي ــــ ـــ ـم
ذلك أنه اتحد بمخلوق ل سماء ول طور ول شجرة ول كان كلمه قائما بشيء
مخلوق ل شجرة ول غيرها #وعندهم أنه اتحد بالمسيح وكان صوت المسيح القائم
به هو صوت رب العالمين بل واسطة
فصل #قال سعيد بن البطريق ومثلما أن كلمة النسان المولودة من عقله تكتب في
قرطاس فهي في القرطاس كلها حقا من غير أن تفارق العقل الذي منه ولدت ول
يفارقها العقل الذي ولدها لن العقل بالكلمة يعرف لنها فيه والكلمة كلها في العقل
الذي ولدها وكلها في نفسها وكلها في القرطاس الذي التحمت به فكذلك كلمة ال
كلها في الب الذي ولدت منه وكلها في نفسها وفي الروح وكلها في الناسوت التي
حلت فيها والتحمت بها #فيقال هذا التمثيل حجة عليكم وعلى فساد قولكم ل حجة
لكم وذلك يظهر بوجوه #أحدها أن يقال إن كان حلول كلمة ال التي هي المسيح في
الناسوت مثل كتابة الكلم في القرطاس فحينئذ يكون المسيح من جنس سائر كلم ال
كالتوراة وزبور داود والنجيل والقرآن وغير ذلك فإن هذا كله كلم ال وهو
مكتوب في القراطيس باتفاق أهل
الملل بل الخلق كلهم متفقون على أن كلم كل متكلم يكتب في القراطيس وقد قال
تعالى في القرآن ^ #بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ ^ #وقال تعالى ^ #إنه
لقرءان كريم في كتاب مكنون ل يمسه إل المطهرون ^ #وقال ^ #يتلوا صحفا
مطهرة فيها كتب قيمة ^ #وقال ^ #كل إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف
مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ^ #وقال تعالى ^ #والطور
وكتاب مسطور في رق منشور ^ #وإذا كانت الكلمة التي هي المسيح عندكم هكذا
فمعلوم أن كلم ال المكتوب في القراطيس ليس هو إلها خالقا وهو كلم كثير ل
ينحصر في كلمة ول كلمتين #ولو قال قائل يا كلم ال اغفر لي وارحمني أو يا
توراة
أو يا إنجيل أو يا قرآن اغفر لي وارحمني كان قد تكلم بباطل عند جميع أهل الملل
والعقلء #وأنتم تقولون المسيح إله خالق وهو يدعى ويعبد فكيف تشبهونه بكلم ال
المكتوب في القراطيس #الثاني أن الكلم المكتوب صفة للمتكلم يقوم به ويكتب في
القراطيس عند سلف أهل الملل وجماهيرهم #وعند بعضهم هو عرض مخلوق
يخلقه في غيره #فالجميع متفقون على أن الكلم صفة تقوم بغيرها ليس جوهرا
قائما بنفسه #والمسيح عندكم لهوته جوهر قائم بنفسه وهو إله حق من إله حق
وهو عندكم إله تام وإنسان تام #فكيف تجعلون الله الذي هو عين قائمة بنفسها
كالصفة التي ل تقوم إل بغيرها #الثالث قولكم إن كلمة النسان مولودة من عقله لو
كان صحيحا فالتولد ل يكون إل حادثا #وأنتم تقولون إن كلمة ال القديمة الزلية
متولدة منه قبل
454
www.anassim.fr.st 455 الن سي ــــ ـــ ـم
الدهور وتقولون مع هذا هي إله #وهذا كما أن بطلنه معلوم بصريح العقل فهي
بدعة وضللة في الشرع فإنه لم يسم أحد من النبياء شيئا من صفات ال ابنا له ول
قال إن صفته متولدة منه ولفظ البن ل يوجد عندكم عن النبياء إل اسما لناسوت
مخلوق ل لصفة ال القديمة فقد بدلتم كلم النبياء بهذا الفتراء #الرابع قولكم
مولودة من عقله إن أردتم بعقله العين القائمة بنفسها التي يسميها قلبا وروحا ونفسا
أو نفسا ناطقة فتلك إنما تقوم بها المعاني وأما اللفاظ فإنما تقوم بفمه ولسانه #وإن
أردتم بعقله مصدر عقل يعقل عقل فالمصدر عرض قائم بالعقل وهو عرض من
جنس العلم والكلمة والعمل الصالح #وإن أردتم بالعقل الغريزة التي في النسان
فهو أيضا عرض #الخامس أن تسميتكم تكلم النسان بالمعنى أو اللفظ تولدا أمر
اخترعتموه ل يعرف عن نبي من النبياء ول أمة من المم ول في لغة من اللغات
#وإنما ابتدعتم هذا لتقولوا إذا كان كلم النسان متولدا منه فكلم ال متولد منه #
ولم ينطق أحد من النبياء بأن كلم ال تولد منه ول أنه ابنه ول أن علمه تولد منه
ول أنه ابنه
السادس قولكم إن كلمة النسان المولودة من عقله تكتب في القرطاس فهي في #
القرطاس كلها حقا من غير أن تفارق العقل الذي منه ولدت إلى قولكم الكلمة كلها
في العقل الذي ولدها وكلها في القرطاس الذي التحمت به مكابرة ظاهرة معلومة
الفساد بصريح العقل فإن وجود الكلم في القلب واللسان ليس هو عين وجوده
مكتوبا في القرطاس بل القائم بقلب المتكلم معان طلب وخبر وعلم وإرادة والقائم
بنفسه حروف مؤلفة هي أصوات مقطعة أو هي حدود أصوات مقطعة وليس في
قلب النسان ول فمه مداد كالمداد الذي في القرطاس #والكلم مكتوب في
القرطاس باتفاق العقلء مع علمهم بأنه ليس في القرطاس علم وطلب وخبر قائم به
كما تقوم بقلوب المتكلم ول قام به أصوات مقطعة مؤلفة ول حروف كالصوات
القائمة بفم المتكلم بل لفظ الحرف يقال على الحرف المكتوب إما المداد المصور
وإما صورة المداد وشكله ويقال على الحرف المنطوق إما الصوت المقطع وإما حد
الصوت ومقطعة وصورته #وكل عاقل يميز بحسه وعقله بين الصوت المسموع
من المتكلم وبين المداد المرئي بالبصر ول يقول عاقل إن هذا هو هذا ول يقال إن
هذا وهذا هو نفس المعنى القائم بقلب المتكلم فكيف تقولون إن الكلمة في القرطاس
كلها وكلها في العقل الذي ولدها وكلها في نفسها
السابع أن حرف في التي يسميها النحاة ظرفا يستعمل في كل موضع بالمعنى #
المناسب لذلك الموضع #فإذا قيل إن الطعم واللون والريح حال في الفاكهة أو العلم
والقدرة والكلم حال في المتكلم فهذا معنى معقول #وإذا قيل إن هذا حال في داره
أو إن الماء حال في الظرف فهذا معنى آخر #فإن ذاك حلول صفة في موصوفها
وهذا حلول عين قائمة تسمى جسما وجوهرا في محلها ومنه يقال لمكان القوم المحلة
ويقال فلن حل بالمكان الفلني #وإذا قيل الشمس والقمر في الماء أو في المرآة أو
وجه فلن في المرآة أو كلم فلن في هذا القرطاس فهذا له معنى يفهمه الناس
455
www.anassim.fr.st 456 الن سي ــــ ـــ ـم
يعلمون أنه قد ظهرت الشمس والقمر والوجه في المرآة ورؤيت فيها وأنه لم يحل
بها ذات ذلك وإنما حل فيها مثال شعاعي عند من يقول ذلك #وكذلك الكلم إذا
كتب في القرطاس فالناس يعلمون أنه مكتوب فيه ومقروء فيه ومنظور فيه ويقولون
نظرت في كلم فلن وقرأته وتدبرته وفهمته ورأيته ونحو ذلك كما يقولون رأيت
وجهه في المرآة وتأملته ونحو ذلك #وهم في ذلك كله صادقون يعلمون ما يقولون
ويعلمون أن نفس جرم الشمس والقمر والوجه لم يحل في المرآة وأن نفس ما قام به
من المعاني والصوات لم تقم بالقرطاس بل كانت المرآة واسطة
في رؤية الوجه فهو المقصود بالرؤية وكان القرطاس واسطة في معرفة الكلم فهو
المقصود بالرؤية ويعلمون أن حاسة البصر باشرت ما في المرآة من الشعاع
المنعكس ولكن المقصود بالرؤية هو الشمس وحاسة البصر باشرت ما في القرطاس
من المداد المكتوب ولكن المقصود بالرؤية هو الكلم المكتوب #ويعلمون أن نفس
المثال الذي في المرآة ليس هو الوجه وأن نفس المداد المكتوب به ليس هو الكلم
المكتوب بل يفرقون بينهما كما قال تعالى ^ #قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي
لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ^ #ففرق سبحانه بين
الكلمات وبين المداد الذي يكتب به الكلمات #فكيف يقال إن هذا هو هذا وأن الكلمة
في القرطاس كلها وهي في المتكلم كلها #الثامن أن الكلم له معنى في المتكلم يعبر
عنه بلفظه واللفظ يكتب في القرطاس فالمكتوب في القرطاس هو اللفظ المطابق
للمعنى ل يكتب المعنى بدون كتابة اللفظ الذي كتب بالخط ليعرف ما كتب #
فدعوى هؤلء أن نفس المعنى الذي في القلب كله هو في القرطاس كلة جعل لنفس
المعنى هو الخط وهذا باطل
التاسع أنه ل ريب أن كلم المتكلم يقال إنه قائم به #ويقال مع ذلك إنه مكتوب #
في القرطاس ويقال هذا هو كلم فلن بعينه وهذا هو ذاك ونحو ذلك من العبارات
التي تبين أن هذا المكتوب في القرطاس هو هذا الكلم الذي تكلم به المتكلم بعينه لم
يزد فيه ولم ينقص لم يكتب كلم غيره #ول يريدون بذلك أن نفس الخط نفس
الصوت أو نفس المعنى فإن هذا ل يقوله عاقل #فإن قيل ففي المسلمين من يقول
إن كلم ال القديم الزلي أو كلم ال الذي ليس بمخلوق هو حال في الصدور
والمصاحف من غير مفارقة #ومن هؤلء من يقول إنه يسمع من النسان الصوت
القديم أو الصوت الذي ليس بمخلوق #ومنهم من يقول إن الحرف القديم أو الذي
ليس بمخلوق هو في القرطاس وحكى عن بعضهم أنه يقول ذلك في المداد #ومن
هؤلء من يقول إن القديم حل في المصحف ونحو ذلك #فتقول النصارى نحن مثل
هؤلء #قيل الجواب من وجوه #أحدهما أن المقصود بيان الحق الذي بعث ال به
رسله وأنزل
به كتبه والرد على من خالف ذلك من النصارى وغيرهم #ونحن ل ننكر أن في
المنتسبين إلى السلم طوائفا منهم منافقون ملحدون وزنادقة ومنهم جهال ومبتدعة
456
www.anassim.fr.st 457 الن سي ــــ ـــ ـم
ومنهم من يقول مثل قول النصارى ومنهم من يقول شرا منه فالرد على هؤلء كلهم
والعصمة ثابتة لكتاب ال وسنة رسوله #وما اجتمع عليه عباده المؤمنون فهذا ل
يكون إل حقا وما تنازع فيه المسلمون ففيه حق وباطل #الوجه الثاني أن يقال
هؤلء الذين قالوا في القرآن ما قالوه ليس قولهم مثل قول النصارى #فإن
النصارى جعلوا ل ولدا قديما أزليا سموه كلمة وقالوا إنه إله يخلق ويرزق وإنه اتحد
بالمسيح فجعلوا المسيح الذي هو الكلمة عندهم إلها يخلق ويرزق #وليس في
طوائف المسلمين المعروفة من يقول إن كلم ال إله يخلق ويرزق #ولكن محمد
وغيره من الرسل عليهم السلم بلغوا إلى الخلق كلم ال الذي تكلم به #فكان
الصحابة والتابعون لهم بإحسان على أن القرآن والتوراة والنجيل وغير ذلك من
كلم ال هو كلم اللةالذي تكلم به وأن ال أنزله وأرسل به ملئكته ليس هو مخلوقا
بائنا عنه خلقه في غيره
ويقولون إن هذا القرآن هو كلم ال الذي بلغه رسوله والمسلمون يقرؤونه ويسمع #
من القارىء كلم ال لكن يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم ويسمعونه من القارىء الذي
يقرؤه بصوت نفسه فالكلم كلم البارىء والصوت صوت القارىء #ويقولون إن
ال تكلم به وكلم به موسى وأن موسى سمع نداء ال بأذنه فكلمه ال بالصوت الذي
سمعه موسى كما بين ذلك في كتب ال القرآن والنجيل والتوراة وغير ذلك #
فحدث بعد الصحابة وأكابر التابعين طائفة معطلة يقولون إن ال لم يكلم موسى
تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليل فقتل المسلمون مقدمهم الجعد وصار لهم مقدم يقال له
الجهم فنسبت إليهم الجهمية نفاة السماء والصفات #تارة يقولون إن ال لم يتكلم
ولم يكلم موسى وإنما أطلق ذلك مجازا
وتارة يقولون تكلم ويتكلم حقيقة ولكن معنى ذلك أنه خلق كلما في غيره سمعه #
موسى ل أنه نفسه قام به كلم وهذا قول من يقوله من المعتزلة ونحوهم #وزين
هذا القول بعض ذوي المارة فدعوا إليه مدة وأظهروه وعاقبوا من خالفهم ثم
أطفىء ذلك وأظهر ما كان عليه سلف المة أن القرآن والتوراة والنجيل كلم ال
تكلم هو به منه بدا ليس ببائن منه وليس بمخلوق خلقه في غيره #ولما أظهر ال
هذا والناس يتلون قول ال تعالى ^ #وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى
يسمع كلم ال ^ #صار بعض أهل الهواء يقول إنما سمع صوت القارىء
وصوته مخلوق وهو كلم ال فكلم ال مخلوق #ولم يميز هذا بين أن يسمع الكلم
من المتكلم به كما سمعه موسى من ال بل واسطة وبين أن يسمع من المبلغ عنه #
ومعلوم أنه لو سمع كلم النبياء وغيرهم من المبلغين لم يكن صوت المبلغ هو
صوت المبلغ عنه وإن كان الكلم كلم المبلغ عنه ل كلم المبلغ #فكلم ال إذا
سمع من المبلغين عنه أولى أن يكون هو كلم ال
ل كلم المبلغين وإن بلغوه بأصواتهم #فجاءت طائفة ثانية فقالوا هذا المسموع
ألفاظنا وأصواتنا وكلمنا ليس هو كلم ال لن هذا مخلوق وكلم ال ليس بمخلوق
457
www.anassim.fr.st 458 الن سي ــــ ـــ ـم
#وكان مقصود هؤلء تحقيق أن كلم ال غير مخلوق فوقعوا في إنكار أن يكون
هذا القرآن كلم ال ولم يهتدوا إلى أنه وإن كان كلم ال فهو كلم ال مبلغا عنه
ليس هو كلمه مسموعا منه ول يلزم إذا كانت أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة ليست
هي كلم ال أن يكون الكلم الذي يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم كلمهم ويكون
مخلوقا ليس هو كلم ال #وهؤلء الذين قالوا ليس هذا كلم ال منهم من قال هو
حكاية لكلم ال وطردوا ذلك في كل من بلغ كلم غيره أن يكون ما بلغه حكاية
لكلم المبلغ عنه ل كلمه #وأهل الحكاية منهم من يقول إن كلم الرب يتضمن
حروفا مؤلفة إما قائما بذاته على قول بعضهم أو مخلوقة في غيره على قول بعضهم
والقائم بذاته معنى واحد #ومن هؤلء من قال الحكاية تماثل المحكي عنه فل نقول
هو حكاية بل هو عبارة عنه والتقدير عندهم فأجره حتى يسمع كلم عبارته أو
حكايته #فجاءت طائفة ثالثة فقالت بل قد ثبت أن هذا المسموع
كلم ال وكلم ال ليس بمخلوق وهذا المسموع هو الصوت فالصوت غير مخلوق
#ثم من هؤلء من قال إنه قديم ومنهم من قال ليس بقديم ومنهم من قال يسمع
صوت الرب والعبد ومنهم من قال إنما يسمع صوت الرب #ثم منهم من قال إنه
قديم ومنهم من قال إنما يسمعه من العبد #وهؤلء منهم من قال إن صوت الرب
حل في العباد فضاهوا النصارى #ومنهم من قال بل نقول ظهر فيه من غير حلول
ومنهم من يقول ل يطلق ل هذا ول هذا #وكل هذه القوال محدثة مبتدعة لم يقل
شيئا منها أحد من الصحابة ول التابعين لهم بإحسان ول إمام من أئمة المسلمين
كمالك والثوري
والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن عيينة وغيرهم #بل هؤلء
كلهم متفقون على أن القرآن منزل غير مخلوق وأن ال أرسل به جبريل فنزل به
جبريل على نبيه محمد فبلغه محمد إلى الناس فقرأه الناس بحركاتهم وأصواتهم
وليس شيء من أفعال العباد وأصواتهم قديما ول غير مخلوق ولكن كلم ال غير
مخلوق ولم يكن السلف يقولون القرآن قديم #ولما أحدث الجهمية وموافقوهم من
المعتزلة وغيرهم أنه مخلوق بائن من ال قال السلف والئمة إنه كلم ال غير
مخلوق
ولم يقل أحد من السلف إن ال تكلم بغير قدرته ومشيئته ول أنه معنى واحد قائم #
بالذات ول أنه تكلم بالقرآن أو التوراة أو النجيل في الزل بحرف وصوت قديم
فحدث بعد ذلك طائفة فقالوا إنه قديم #ثم منهم من قال القديم هو معنى واحد قائم
بالذات هو معنى جميع كلم ال #وذلك المعنى إن عبر عنه بالعبرية كان توراة
وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيل وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا والمر والنهي
والخبر صفات له ل أنواع له #ومن هؤلء من قال بل هو قديم وهو حروف أو
458
www.anassim.fr.st 459 الن سي ــــ ـــ ـم
حروف وأصوات أزلية قديمة وأنها هي التوراة والنجيل والقرآن #فقال الناس
لهؤلء خالفتم الشرع والعقل في قولكم إنه قديم وابتدعتم بدعة لم يسبقكم إليها أحد
من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وفررتم من محذور إلى محذور كالمستجير
من الرمضاء بالنار #ثم قولكم إنه معنى واحد وهو مدلول جميع العبارات مكابرة
للعقل والشرع فإنا نعلم بالضطرار أنه ليس معنى آية
الكرسي هو معنى آية الدين ول معنى ^ تبت يدا أبي لهب ^ هو معنى سورة
الخلص #والتوراة إذا عربناها لم تصر هي القرآن العربي الذي جاء به محمد
وكذلك إذا ترجمنا القرآن بالعبرية لم يكن هو توراة موسى #وقول من قال منكم إنه
حروف أو حروف وأصوات أزلية ظاهر الفساد فإن الحروف متعاقبة فيسبق بعضها
بعضا والمسبوق بغيره ل يكون قديما لم يزل والصوت المعين ل يبقى زمانين فكيف
يكون قديما أزليا #والسلف والئمة لم يقل أحد منهم بقولكم لكن قالوا إن ال تكلم
بالقرآن وغيره من الكتب المنزلة وإن ال نادى موسى بصوت سمعه موسى بأذنه
كما دلت على ذلك النصوص #ولم يقل أحد منهم إن ذلك النداء الذي سمعه موسى
قديم أزلي ولكن قالوا إن ال لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء لن الكلم صفة
كمال ل صفة نقص وإنما تكون صفة كمال إذا قام به ل إذا كان مخلوقا بائنا عنه
فإن الموصوف إل بما قام به ل يتصف بما هو بائن عنه فل يكون الموصوف حيا
عالما قادرا متكلما رحيما مريدا بحياة قامت بغيره ول بعلم وقدرة قامت بغيره ول
بكلم ورحمة وإرادة قامت بغيره #والكلم بمشيئة المتكلم وقدرته أكمل ممن ل
يكون بمشيئته وقدرته #وأما كلم يقوم بذات المتكلم بل مشيئته وقدرته فإما أنه
ممتنع
أو هو صفة نقص كما يدعى مثل ذلك في المصروع #وإذا كان كمال فدوام الكمال
له وأنه لم يزل موصوفا بصفات الكمال أكمل من كونه صار متكلما بعد أن لم يكن
لو قدر أن هذا ممكن فكيف إذا كان ممتنعا #وكان أئمة السنة والجماعة كلما ابتدع
في الدين بدعة أنكروها ولم يقروها ولهذا حفظ ال دين السلم فل يزال في أمة
محمد طائفة هادية مهدية ظاهرة منصورة #بخلف أهل الكتاب فإن النصارى
ابتدعوا بدعا خالفوا بها المسيح وقهروا من خالفهم ممن كان متمسكا بشرع المسيح
حتى لم يبق حين بعث ال محمدا من هو متمسك بدين المسيح إل بقايا من أهل
الكتاب كما قال النبي في الحديث الصحيح إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم
عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب #فلما أظهر قوم من الولة أن القرآن
مخلوق ودعوا الناس إلى ذلك ثبت ال أئمة السنة وجمهور المة فلم يوافقوهم وكان
المشار إليه من الئمة إذ ذاك أحمد بن حنبل #ثم بقي ذلك القول المحدث ظاهرا
نحو أربع عشر سنة وأئمة المة وجمهورها ينكرونه حتى جاء من الولة من منع
من إظهاره
والقول به فصار مخفيا كغيره من البدع وشاع عند العامة والخاصة أن القرآن كلم
459
www.anassim.fr.st 460 الن سي ــــ ـــ ـم
ال غير مخلوق #فأراد بعض الناس أن يجيب عن شبهة من قال إن هذا الذي يقوم
بنا مخلوق فقال القرآن كلم ال غير مخلوق ولكن ألفاظنا بة مخلوقة وتلوتنا لة
مخلوقة #وربما قالوا هذا الذي نقرأه مخلوق أو هذا ليس هو كلم ال فقصدوا
معنى صحيحا وهو كون صفات العباد وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة #لكن غلطوا
حيث أطلقوا القول أو أفهموا الناس بأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون مخلوق ولم
يهتدوا إلى أنا إذا أشرنا إلى كلم متكلم قد بلغ عنه فقلنا مثل لما روي عن النبي
كقوله إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى هذا كلم رسول ال أو لقول
الشاعر أل
كل شيء ما خل ال باطل هذا كلم لبيد بن ربيعة ونحو ذلك #فإنا نشير إلى نفس
الكلم معانيه ونظمه وحروفه ل إلى ما يختص بالمبلغ من حركته وصوته بل ول
صوت المبلغ عنه وفعله #فإن كون الحي متحركا أو مصوتا قدر مشترك بين
الناطق والعجم وليس هذا صفة له #والكلم الذي يتميز به الناطق عن العجم
إنما يتميز بالمعاني القائمة به وباللفظ المطابق لها من الحروف المنظومة بالصوات
المقطعة #وهذا أمر يختص به المتكلم بالكلم ل المبلغ عنه فليس للمبلغ إل تأدية
ذلك #ولهذا لو قال قائل لشعر لبيد أل كل شيء ما خل ال باطل فقال هذا شعري
أو كلمي لكونه أنشده بصوته لكذبه الناس #ولو قال هذا الذي أقوله مثل شعر لبيد
لكذبه الناس وقالوا بل هو شعره نفسه ولكن أديته بصوتك
بخلف ما إذا قال قائل قول نظما أو نثرا وقال آخر مثله فإن الناس يقولون هذا #
مثل قول فلن كما قال تعالى ^ #كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ^ #وقال
عن القرآن ^ #قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل
يأتون بمثله ^ #ولهذا لو قال قارىء أنا آتي بقرآن مثل قرآن محمد وتله نفسه
وقال هذا مثله لنكر الناس ذلك وضحكوا منه وقالوا هذا القرآن الذي جاء به هو
ليس هو كلم آخر مماثل له #فإذا كان القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلم ال
الذي بلغه الرسول لم يجز أن يقال ليس هو بكلم ال بل هو مثل له أو حكاية عنه أو
عبارة #وإذا كان معلوما إنما هو كلم ال فقد تكلم ال به سبحانه لم يخلقه بائنا عنه
ولم يجز أن يقال لما هو كلمه إنه مخلوق #فإذا قيل عن ما يقرؤه المسلمون إنه
مخلوق والمخلوق بائن
عن ال ليس هو كلمه فقد جعل مخلوقا ليس هو بكلم ال فصار المة يقولون هذا
كلم ال وهذا غير مخلوق ل يشيرون بذلك إلى شيء من صفات المخلوق بل إلى
كلم ال الذي تكلم به وبلغه عنه رسوله #والمبلغ إنما بلغه بصفات نفسه والشارة
في مثل هذا يراد بها الكلم المبلغ ل يراد بها ما به وقع التبليغ #وقد يراد بهذا
الثاني مع التقييد كما في مثل السم إذا قيل عبدت ل ودعوت ال فليس المراد أن
المعبود المدعو هو السم الذي هو اللفظ بل المعبود المدعو هو المسمى باللفظ
فصار بعضهم يقول السم هو غير المسمى حتى قيل لبعضهم أقول دعوت ال فقال
460
www.anassim.fr.st 461 الن سي ــــ ـــ ـم
ل تقل هكذا ولكن قل دعوت المسمى بال وظن هذا الغالط أنك إذا قلت ذلك فالمراد
دعوت هذا اللفظ ومثل هذا يرد عليه في اللفظ الثاني #فما من شيء عبر عنه باسم
إل والمراد بالسم هو المسمى فإن السماء لم تذكر إل لبيان المسميات ل أن السم
نفسه هو ذات المسمى #فمن قال إن اللفظ والمعنى القائم بالقلب هو عين المسمى
فغلطه واضح #ومن قال إن المراد بالسم في مثل قولك دعوت ال وعبدته
هو نفس اللفظ فغلطه واضح ولكن اشتبه على الطائفتين ما يراد بالسم ونفس اللفظ
#كذلك أولئك اشتبه عليهم نفس كلم المتكلم المبلغ عنه الذي هو المقصود بلفظ
المبلغ وكتابته بنفس صوت المبلغ ومداده #والفرق بين هذا وهذا واضح عند عامة
العقلء #وإذا كتب كاتب اسم ال في ورقة ونطق باسم ال في خطابه وقال قائل أنا
كافر بهذا ومؤمن بهذا كان مفهوم كلمه أنه مؤمن أو كافر بالمسمى المراد باللفظ
والخط ل أنه يؤمن ويكفر بصوت أو مداد #فكذلك من قال لما يسمعه من القراء
ولما يكتب في المصاحف أن هذا كلم ال #أو قال لما يسمع من جميع المبلغين
لكلم غيرهم ولما يوجد في الكتب هذا كلم زيد فليس مرادهم ذلك الصوت والمداد
إنما هو المعنى واللفظ الذي بلغه زيد بصوته وكتب في القرطاس بالمداد #فإذا قيل
عن ذلك إنه مخلوق فقد قيل إنه ليس كلم ال ولم يتكلم به #ومن قصد نفس
الصوت أو المداد وقال إنه مخلوق فقد أصاب كما أن من قصد نفس الصوت أو
الخط وقال ليس هذا هو كلم ال بل هو مخلوق فقد أصاب لكن ينبغي أن يبين مراده
بلفظ ل لبس فيه
فلهذا كان الئمة كأحمد بن حنبل وغيره ينكرون على من أطلق القول بأن اللفظ #
بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق ويقولون من قال إنه مخلوق فهو جهمي ومن قال إنه
غير مخلوق فهو مبتدع ومن قال إنه مخلوق هنا فقد يقولون ليس هو كلم ال وهذا
خلف المتواتر عن الرسول وخلف ما يعلم بمثل ذلك بصريح المعقول #فإن
الناس يعلمون بعقولهم أن من بلغ كلم غيره فالكلم كلم المبلغ عنه الذي قاله مبتديا
أمرا بأمره مخبرا بخبره ل كلم من قاله مبلغا عنه مؤديا #ولهذا كان النبي يقول
في المواسم أل رجل يحملني إلى قومه لبلغ كلم ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ
كلم ربي رواه أبو داود وغيره عن جابر #ولما أنزل ال تعالى ^ #الم غلبت
^ الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون
قال بعض الكفار لبي بكر الصديق هذا كلمك أم كلم صاحبك قال ليس بكلمي #
ول كلم صاحبي ولكنه كلم ال #فلهذا اشتد به إنكار أحمد بن حنبل وغيره من
أئمة السلم وبالغ قوم في النكار عليهم وقالوا لفظنا بالقرآن غير مخلوق وأطلقوا
عبارات تتضمن وتشعر أن يكون شيء من صفات العباد غير مخلوقة فأنكر ذلك
أحمد وغيره كما أنكر ذلك ابن المبارك وإسحاق بن راهويه والبخاري وغير هؤلء
من أئمة السنة وبينوا أن الورق والمداد وأصوات العباد وأفعالهم مخلوقة وأن كلم
ال الذي يحفظه العباد ويقرؤونه ويكتبونه غير مخلوق #فكلم أئمة السنة والجماعة
461
www.anassim.fr.st 462 الن سي ــــ ـــ ـم
ولكن قد يبين بعضهم في بعض الوقات ما ل يبينه غيره لحاجته في ذلك #فمن #
ابتلي بمن يقول ليس هذا كلم ال كالمام أحمد كان كلمه في ذم من يقول هذا
مخلوق أكثر من ذمه لمن يقول لفظي مخلوق #ومن ابتلي بمن يجعل بعض صفات
العباد غير مخلوق كالبخاري صاحب الصحيح كان كلمه في ذم من يجعل ذلك غير
مخلوق أكثر مع نص أحمد والبخاري وغيرهما على خطأ الطائفتين
فصل #قال سعيد بن البطريق وليس حلول كلمة ال الخالقة والتحامها بجوهر
الناسوت عن انتقال ول تغير ول احتيال من واحد من الجوهرين عن كثافة فل
اللهي احتال أن يكون إلها خالقا ول الناسي احتال عن أن يكون ناسيا مخلوقا #
والحتيال والتغير إنما يلزم الخلطة إذا كانت من خلقين ثقيلين غليظين مثل الماء
والخمر أو الماء والعسل أو السمن والعسل والذهب والورق والنحاس والرصاص
وما أشبه ذلك لن كله ثقيل غليظ وكل ثقل تخالطه ثقلة ل محالة يلزمه التغير حتى
يصير إلى ما كانت عليه الثقال فل الخمر خمرا ول الماء ماء بعد اختلطهما
ولكنهما احتال جميعا عن جوهرهما فصار إلى أمر متغير ليس هو أحدهما بعينه ول
أحدهما خالص من الفساد والحتيال عن حاله #فأما إذا كانت الخلطة من خلق
لطيف وخلق غليظ لم يخالط تلك الخلطة تغير ول احتيال مثل خلطة النفس والجسد
إنسانا واحدا
أحدهما يلتحم بالخر من غير أن تكون النفس تغيرت واحتالت أي استحالت عن
جوهرها أن تكون نفسا تعرفها بفعالها ول الجسد تغير ول احتال عن حاله وأفعاله
ومثل ما كان تخالط النار والحديد فيلتحمان جميعا فيكونان جمرة واحدة من غير أن
تكون النار قد تغيرت إلى أن تكون حديدة ثقيلة تشج وتقطع ول الحديدة تغيرت
واحتالت إلى أن تكون نارا تحرق فكذلك تفعل كل خلطة مؤلفة من شيئين مختلفين
أحدهما روحاني لطيف والخر ثقلي غليظ مثل النفس والجسد والنار والحديد ومثل
الشمس المخالطة للماء والطين وكل رطوبة وحمأة فهي ل تتغير ول تحتال عن
نورها ونقائها وضوئها مع مخالطتها كل سواد وسخ ونتن ونجس #قال والخلطة
تكون على ثلثة أوجه #أحدها خلطة باختلط من الطبيعتين الثقيلتين واحتيالهما
وفسادهما مثل خلطة الخمر والماء والخل والعسل والذهب والورق والرصاص
والنحاس فإن في ذلك كله وما أشبهه احتيال وفسادا لن مزاج الخمر والماء ليس
بخمر ول ماء لحتيال كل واحد منهما عن طبعه واختلطهما بفسادهما وتغيرهما
عن حالهما
وكذلك خلطة الخل والعسل قد صارت ل خل ول عسل لحتيال كل واحد منهما #
وخلطة الذهب والورق على مثل ذلك صارت على غير صحة ل من الذهب ول من
462
www.anassim.fr.st 463 الن سي ــــ ـــ ـم
الورق وخلطة الورق والنحاس على غير صحة ل من الورق ول من النحاس فهذا
وجه من الوجه الثلثة #والوجه الثاني خلطة افتراق من الطبيعتين الثقيلتين وقد
تعرف من تلك الخلطة كل واحدة من الطبيعتين ثابتة في الخرى بقوامها ووجهها
مثل الزيت والماء في قنديل واحد ومثل الكتان والقز في ثوب واحد منسوج بكتان
مضلع بقز ومثل صنم نحاس رأسه من ذهب وما أشبه ذلك مما ل ينبغي أن يسمى
خلطة مع افتراق الطبيعتين والقوامين مثل ما ل ينبغي أن يكون بين الماء والقلة
التي هو فيها خلطة لن طبيعة القلة فخار قوامها قلة وليس بينهما وبين الماء خلطة
بل أشد الفرقة #وكذلك الماء والزيت لول أن وعاء القنديل الذي هما فيه ضمهما ما
اجتمعا #وكذلك الكتان والقز ليس بينهما خلطة وإن كانا في ثوب واحد ول بين
الذهب والنحاس ولم يسبكا خلطة وإن جمعها صنم واحد #فهاتان الخلطتان ل تكونا
أبدا إل في أثقات جسمانيات غليظة #فإن التحم بعضهما ببعض مثلما يذاب الذهب
والنحاس ويفرغان جميعا وقعت في وجه خلطة الحتيال والفساد لن تلك النقرة
ليست بذهب صحيح ول بنحاس صحيح
فإن لم تلحم وألزم بعضها بعضا مثل طوق يكون من نحاس وذهب وقعت من #
وجه خلطة الفتراق التي ل يحق لها أن تسمى خلطة #وفي هذين الوجهين وقع
نسطورس وأشياعه فلزموا خلطة الحتيال والفساد فزعموا أن الطبيعة اللهية
والطبيعة الناسية اختلطا في المسيح الواحد فهو ذو قوام واحد بطبيعة واحدة مختلطة
من طبيعتين مختلفتين إلهية وناسية فأقروا أنهما قد احتال والحتيال فساد #وألزموا
على هذا القول الكافر طبيعة ال المصائب والموت وصيروا المسيح ل إلها صحيحا
ول إنسانا مثل الذهب والنحاس #فنسطورس وأشياعه لزموا خلطة الفرقة
والنقطاع فزعموا أن المسيح الواحد ذو طبيعتين مختلفتين اللهية وناسية وذو
قوامين معروفين إلهي وناسي فصيروا الفرقة خلطة كالطوق الملون نصفين أحدهما
ذهب والخر نحاس والثوب المبطن ظاهره خز وباطنه قطن ليس بينهما خلطة في
طبيعة ول قوام #وليس لهم على هذا أن يؤمنوا بمسيح واحد لن الطوق الملون
طوقان والثوب المبطن ثوبان #فالمسيح مثل ذلك مسيحان واحد إلهي بطبيعته
وقوامه مثل قضيب الذهب في الطوق الملون ومثل ظهارة الخز في الثوب المبطن
#والخر ناسي مثل قضيب النحاس في الطوق وبطانة القطن في الثوب
والعجب كل العجب كيف لم يفصل أهل الخلف والشقاق بين الصنفين كليهما ولم #
يفهموا أن هاتين الخلقتين أنهما خلقتان ذواتا أثقال جسمانية غليظة ليس فيهما شيء
من الخلق الروحاني اللطيف الخفيف ولذلك ل تقدر الثقال الغليظة على الخروج من
هذين الوجهين من وجوه الخلطة لنهما إن اختلطا خلطة ملتحمة ممتزجة صارت
إلى احتيال وفساد وإن قامت على حالها ل تلتحم ول يمتزج بعضها ببعض فهي
على وجه خلطة الفتراق ومنقطعة بعضها من بعض وإن جمعها صنم واحد أو
ثوب واحد فليس يوجد لشيء من الثقال الجسمانية وجه خلطة سوى هذين الوجهين
أبدا إما فساد وإما انقطاع إل أن تكون الخلطة في اثنين أحدهما ثقيل جسماني
463
www.anassim.fr.st 464 الن سي ــــ ـــ ـم
والخر لطيف روحاني فإن ذلك هو #الوجه الثالث من الخلطة وهي خلطة الحلول
بل اختلط ول احتيال ول فساد ول فرقة ول انقطاع لكنها نفاذ الطبيعة الروحانية
في الطبيعة الثقيلة السفلية حتى تنتشر في جميعها وتحل بكلها فل يبقى موضع من
الطبيعة الثقيلة السفلية خلوا من الطبيعة الروحانية ول احتيال من الثقيلة الجسمانية
عن طبيعتها الغليظة الثقيلة ول تغيير ول فساد لحداهما مثل خلطة النفس والجسد
ومثل خلطة النار والحديد في قوام جمرة واحدة فهي جمرة واحدة بالقوام من طبيعة
نار ملتحمة مخالطة لطبيعة الحديدة بل فرقة من انقطاع ول تخليط احتيال وفساد
وقد انتشرت النار في جميع الحديدة ولبستها وأنالت النار الحديدة من قوامها وقوتها
حتى أنارت الحديدة وأحرقت ولم تنل النار من ضعف الحديدة شيئا من السواد ول
البرودة #فعلى هذا الوجه من الخلطة دبرت كلمة ال الخالقة خلطتها للطبيعة
البشرية #فهو مسيح واحد ابن ال الوحيد المولود من الب قبل الدهار كلها نور
من نور إله حق من إله حق مولود ليس بمخلوق من سوس أبيه وجوهره وطبيعته
وهو إياه من مريم العذراء المولود منها في آخر الزمان بقوام واحد قوام ابن ال
الوحيد الجامع للطبيعتين كلتيهما اللهية التي لم تزل في البدء قبل كل بدء والناسية
التي كونت في آخر الزمان المقوم بالقوام الزلي #فهو مسيح واحد بقوام واحد
أزلي ذو طبيعتين إلهية لم تزل وناسية خلقها له والتحم بها من مريم العذراء فقوامه
ذلك قوام الطبيعة اللهية والطبيعة الناسية جامعا لهما بل اختلط ول فساد ول فرقة
انقطاع لم يزل قوام الطبيعة اللهية ثم هو قوام الطبيعة الناسية قد خلقها وكونها
وقومها بقوامه الذي لم يزل يقيم إل به ولم يعرف إل له #والجواب عن هذا الكلم
بعد أن يقال إنه تناقض
فجعل هذا تارة اختلطا وتارة يقول ليس هو اختلطا أن يقال إنه أول قد يجعل هذا
الحلول واللتحام اختلطا ويقول إنه ل يكون فيه استحالة ول تغير ويقول الستحالة
والتغيير إنما يلزم الخلطة إذا كانت من خلقين غليظين كالماء والخمر فأما إذا كانت
من لطيف وكثيف لم يخالط تلك الخلطة تغير ول احتيال أي استحالة ويقول والخلطة
تكون على ثلثة أوجه ثم يقول أحدهما كالخمر والماء والثاني كالزيت والماء
والكتان والقز ثم يقول وما أشبه ذلك مما لينبغي أن يسمى خلطة مع افتراق
الطبيعتين فيجعله من أقسام الخلطة ثم يقول ول ينبغي أن يسمى خلطة #وليس
المقصود المنازعات اللفظية بل يقول دعواه أن أحد نوعي الختلط يكون عن تغير
واستحالة بخلف النوع الخر الذي هو اختلط لطيف وغليظ دعوى ممنوعة ولم
يقم عليها دليل بل يقول هي باطلة بل ل يكون الختلط بين شيئين إل مع تغير
واستحالة #وما ذكره من المثال والشواهد فهي حجة عليه لقوله فأما إذا كانت
الخلطة من خلق لطيف وخلق غليظ لم يخالط تلك الخلطة تغير
ول احتيال مثل خلطة النفس والجسد إنسانا واحدا أحدهما ملتحم بالخر من غير أن
تكون النفس تغيرت واحتالت عن جوهرها أن تكون نفسا تعرفها بفعالها ول الجسد
464
www.anassim.fr.st 465 الن سي ــــ ـــ ـم
تغير واستحال عن حاله وفعاله #فيقال هذا قول باطل ظاهر البطلن لكن من
تصوره فإن الجسد إذا خل عن النفس مثل ما يكون قبل نفخ الروح فيه وما يكون
بعد مفارقة الروح له بالموت بل آدم عليه السلم أبو البشر خلق من تراب وماء
وصار صلصال كالفخار ثم نفخت فيه الروح فصار جسدا هو لحم وعظم وعصب
ودم #فهل يقول عاقل إن جسد آدم قبل النفس وبعدها على صفة واحدة لم يتغير ولم
تستحل وذريته من بعده يخلق أحدهم من نطفة ثم علقة ثم مضغة فيكون جسدا ميتا
ثم ينفخ فيه الروح فيصير الجسد حيا بعد أن كان ميتا #وأي تغيير أعظم من انتقال
الجسد من الموت إلى الحياة #ومعلوم بالحس والعقل الفرق بين الحي والميت كما
قال تعالى ^ #وما يستوي الحياء ول الموات ^ #والجسد إذا لم ينفخ فيه الروح
فهو موات ليس له حس ول حركة إرادية ول يسمع ول يبصر ول ينطق ول يعقل
ول يبطش ول يأكل
يقولون إن المسيح وكل أحد إذا ضرب وصفع وصلب فتألم بدنه تألمت نفسه أيضا
#فإن كل اللم مع نفس المسيح وجسده كالنفس مع الجسد وجب أن يكون الرب
يتألم بتألم الناسوت ويجوع بجوعه ويشبع بشبعه فإن ألم الجوع ولذة الشبع يحصل
للنفس إذا جاع البدن وشبع #وأيضا فالمسيح عندهم إله تام وإنسان تام والله إله
قبل التحاد والنسان إنسان قبل التحاد #فهم يقولون إنهما بعد التحاد إله تام كما
كان وإنسان تام كما كان #فنظير هذا أن يكون النسان المركب من بدن ونفس نفسا
تامة وبدنا تاما وأن تكون الحديدة المحماة حديدا تاما ونارا تامة وهو باطل بل
النسان مركب من نفس وبدن والنسان اسم لمجموع ليس النسان روحا والنسان
بدنا #فلو كان التحاد حقا لوجب أن يقال إن المسيح نصفه لهوت ونصفه ناسوت
وهو مركب من هذا وهذا #ول يقال إن المسيح نفسه إنسان تام والمسيح نفسه إله
465
www.anassim.fr.st 466 الن سي ــــ ـــ ـم
تام فإن تصور هذا القول على الوجه التام يوجب العلم الضروري حيث جعلوا
المسيح الذي هو المبتدأ الموضوع المخبر عنه المحكوم عليه هو إنسان تام وإله تام
يوجب أن يكون نفس النسان هو نفس الله #ولو قيل هذا في مخلوقين فقيل نفس
الملك نفس البشر لكان ظاهر البطلن فكيف إذا قيل في رب العالمين ل سيما وكثير
من النصارى ل يقولون إن جسد المسيح مخلوق بل يصفون الجميع باللهية وهذا
مقتضى قول أئمتهم القائلين إن المسيح إله تام لكنهم تناقضوا فقالوا مع ذلك وهو
إنسان تام فكأنهم قالوا هو الخالق ليس هو الخالق هو مخلوق ليس هو مخلوق
فجمعوا بين النقيضين وهذا حقيقة قول النصارى ل سيما واتحاد اللهوت بناسوت
المسيح عندهم اتحاد لزم لم يفارقه البتة فيكون ذلك أبلغ من التحاد العارض ومن
أن الرب كان متحدا بجسد ل روح فيه ثم بالجسد مع نفخ الروح فيه ثم بالجسد بعد
مفارقة الروح له وحيث دفن في القبر ووضع التراب عليه #ومعلوم أن النسان إذا
كانت فيه النفس وجعلت في التراب معه تألمت النفس ألما شديدا ثم تفارق البدن #
ومن العجائب أنهم يقولون إن المسيح صلب ومات ففارقته النفس الناطقة وصار
الجسد ل روح فيه واللهوت مع هذا متحد لم يفارقه وهو في القبر واللهوت متحد
به فيجعلون اتحاده به أبلغ من اتحاد النفس بالبدن
والنفس عند اتصالها بالبدن تتغير وتتبدل صفاتها وأحوالها ويصير لها من #
الصفات والفعال ما لم يكن بدون البدن وعند مفارقة البدن تتغير صفاتها وأفعالها #
فإن كان تمثيلهم مطابقا لزم أن يكون الرب قد تغيرت أوصافه وأفعاله لما اختلط
بالمسيح كما تتغير صفات النفس وأفعالها ويكون الرب قبل هذا الختلط كالنفس
المجردة التي لم تقترن ببدن #وأيضا فالنفس والبدن شريكان في العمال الصالحة
والفاسدة لهما الثواب وعليهما العقاب والثواب والعقاب على النفس أكمل منه على
البدن فإن كان الرب كذلك كان جميع ما يفعله المسيح باختياره فعل الرب كما أن
جميع ما يفعله البدن باختيار فعل النفس عن التي تخاطب بالمر والنهي فيقال لها
كلي واشربي وانكحي ول تأكلي ول تشربي ول تنكحي #فإن كان الرب مع
الناسوت كذلك كان الرب هو المأمور والمنهي بما يأمر به المسيح وكان الرب هو
المصلي الصائم العابد الداعي وبطل قومهم يخلق ويرزق بلهوته ويأكل ويعبد
بناسوته #فإن النفس والبدن لما اتحدا كانت جميع الفعال الختيارية للنفس والبدن
فإذا صلى النسان وصام ودعا فالنفس والبدن يوصفان بذلك جميعا بل النفس أخص
بذلك وكذلك إذا أمر أو نهى فكلهما موصوف بذلك وكذلك إذا ضرب فألم الضرب
يصل
إليهما كما تصل إليهما لذة الكل والجماع #بل أبلغ من ذلك أن الجني إذا دخل في
النسي وصرعه وتكلم على لسانه فإن النسي يتغير حتى يبقى الصوت والكلم
الذي يسمع منه ليس هو صوته وكلمه المعروف #وإذا ضرب بدن النسي فإن
الجني يتألم بالضرب ويصيح ويصرخ ويخرج منه ألم الضرب كما قد جرب الناس
466
www.anassim.fr.st 467 الن سي ــــ ـــ ـم
من ذلك ما ل يحصى ونحن قد فعلنا من ذلك ما يطول وصفه #فإذا كان الجني
تتغير صفاته وأحواله لحلوله في النسي فكيف بنفس النسان #وعندهم اتحاد
اللهوت بالناسوت أتم وأكمل من اتحاد النفس بالجسد #فهل يقول عاقل مع هذا
التحاد إنهما جوهران لكل منهما أفعال اختيارية ل يشركه الخر فيها #ويقولون
مع قولهم بالتحاد إن الذي كان يصلي ويصوم ويدعو ويتضرع ويتكلم ويتألم
ويضرب ويصلب هو نظير البدن والذي كان يأمر وينهي ويخلق ويرزق هو نظير
النفس #هذا مع قولهم إن مريم ولدت اللهوت مع الناسوت وأنه اتحد به مع كونه
حيا وقبل حياته وعند مماته والجسد في ذلك كله كسائر أجساد الدميين لم يظهر فيه
شيء من خصائص الرب أصل بل ول بعد إتيانه باليات فإن تلك كان يجري مثلها
وأعظم منها على يد
النبياء فهذا أقرب أمثالهم وقد ظهر فساده #وأبعد منه وأشد فسادا تمثيلهم ذلك
بالنار والحديد #ومعلوم عند كل من له خبرة أن النار إذا اتصلت بشيء من
الجسام الحيوانية والنباتية والمعدنية مثل جسد النسان وغيره ومثل الخشب
والقصب والقطن وغيره ومثل الحديد والذهب والفضة فإنها تغير ذلك الجسد وتبدل
صفاته عما كانت فتحرقه أو تذيبه أو تلينه والنار المختلطة به ل تبقى نارا محضة
بل تستحيل وتتغير أيضا #فقول هؤلء ومثل ما تختلط النار والحديد فيلتحمان
جميعا فيكونان جمرة واحدة من غير أن تكون النار تغيرت إلى أن تكون حديدة ثقيلة
تشج وتقطع ول الحديدة تغيرت واستحالت إلى أن تكون نارا تحرق كلم باطل
ملبس فإن الجمرة ليست حديدة محضة ول نارا محضة بل نوعا ثالث #وقوله لم
تتغير النار إلى أن تصير حديدة ول الحديدة إلى أن تصير نارا تلبيس #فإن
الختلط ل يتضمن الستحالة والتغير كاختلط الكثيفين الذي سلمه مثل الماء
والخمر والماء والعسل والسمن والعسل والذهب والورق والنحاس والرصاص قد
قال فيه إنه ل الخمر خمر ول الماء ماء بعد اختلطهما ولكنهما استحال جميعا عن
جوهرهما فصارا إلى أمر متغير ليس هو أحدهما بعينه ول أحدهما خالصا من
الفساد والستحالة عن حاله #فيقال له فهذا الذي سلمت فيه الفساد والستحالة لم
يصر
الخمر فيه ماء ول الماء فيه خمرا فكذلك مورد النزاع إذا لم تصر النار حديدة ول
الحديدة نارا لم ينفعك هذا النفي ولم يكن هذا مانعا من الستحالة إلى نوع ثالث ومن
الستحالة والفساد كما ذكرته في اختلط الكثيفين فإنه معلوم أن ما خالطته النار
واتحدت به غيرته وأحالته وأفسدت صورته الولى والنار الملتحمة به ليست نارا
محضة #ومعلوم أيضا أن الجمرة التي ضربتها مثل للمسيح فقلت إن ال وعيسى
اتحدا كاتحاد النار والحديد حتى صارا جمرة فمعلوم أن الجمرة إذا ضربت
بالمطرقة أو وضعت في الماء أو مدت فإن هذه الفعال تقع بالمجموع ل تقع على
حديدة بل نار ول نار بل حديدة #فيلزم من ذلك أن يكون ما حل بالمسيح من
ضرب وبصاق في الوجه ووضع الشوك على الرأس ومن أكل وشرب وعبادة ومن
467
www.anassim.fr.st 468 الن سي ــــ ـــ ـم
مشي وركوب ومن حمل وولدة وغير ذلك مما حل بالمسيح ومن موت إما متقدم
وإما متأخر إذا نزل إلى الرض ومن صلب على قولهم أن يكون جميع ذلك حل
بالمسيح الذي هو عندهم إله تام وإنسان تام من غير فرق بين لهوته ول ناسوته كما
يكون ما يحل بجمرة النار من حمل ووضع وطرق بالمطرقة ومد وتصوير بشكل
مخصوص وإلقاء في الماء وغير ذلك حال بمجموع الجمرة ل يقول عاقل إن ذلك
يحل بالحديد دون النار بل هو حال بالجمرة المستحيلة من حديدة ونار ومن خشبة
ونار وليست حديدة محضة
ول نارا محضة ول مجموع حديد محض ونار محضة بل جوهر ثالث مستحيل من
حديد ونار كسائر ما يستحيل بالتحاد والختلط إلى حقيقة ثالثة #فل فرق بين
الشيئين إذا اتحدا واختلطا وصارا شيئا واحدا من أن يكونا كثيفين أو يكون أحدهما
كثيفا والخر لطيفا ل بد في ذلك كله أن يحصل لكل منهما من التغير والستحالة ما
يوجب التحاد وأن يكون المتحد المختلط المركب منهما شيئا ثالثا ليس هو احدهما
فقط ول هو مجموع كل منهما على حاله #فقولهم إنه مع التحاد إنسان تام وإله تام
كلم فاسد معلوم الفساد بصريح العقل #وكلما ضربوا له مثل كان المثل حجة على
فساد قولهم بل مع التحاد ليس بإنسان تام ول إله تام لكنه شيء ثالث مركب من
إنسان استحال وتغير وإله استحال وتغير #وإذا كان كل من هذين باطل بل إنسانية
المسيح باقية تامة كما كانت لم تستحل ولم تتغير ورب العالمين باق بصفات كماله لم
يستحل ولم يتصف بشيء من خصائص المخلوقات ول استحال عما كان عليه قبل
ذلك كان قولهم ظاهر الفساد
فهذا مثلهم الثاني الذي ضربوه ل حيث شبهوا المسيح أو ال مع النسان بالنفس #
مع الجسد وشبهوه بالنار مع الحديد وهذا المثل أشد فسادا وأظهر #وأما المثل
الثالث وهو تمثيل ذلك بالشمس مع الماء والطين فهو أشد فسادا فإنهم قالوا كما تقدم
ومثل الشمس المخالطة للماء والطين وكل رطوبة وحمأة فهي ل تتغير ول تستحيل
عن نورها وبقائها وضوئها مع مخالطتها كل سواد ووسخ ونتن ونجس #فيقال أما
جرم الشمس الذي في السماء فلم يخالط شيئا من الماء والطين ول اتحد به ول حل
فيه بوجه من الوجوه بل بينهما من البعد ما ل يقدر قدره إل ال وال تعالى أجل
وأعظم وأبعد من مخالطة النسان من الشمس للماء والطين #فإذا كانت الشمس
نفسها لم تتحد ولم تختلط ول حلت في الماء والطين بل ول بغيرها من المخلوقات
فرب العالمين أولى أن ينزه عن التحاد والختلط والحلول بشيء من المخلوقات #
ولكن شعاع الشمس حل بالماء والطين والهواء وغير ذلك مما يقوم به الشعاع كما
يحل شعاع النار في الرض والحيطان وإن كان نفس جرم النار القائم بنفسه الذي
في ذبالة المصباح هو جوهر قائم بنفسه لم تحل ذاته في شيء من تلك المواضع
ولفظ الضياء والنور ونحو ذلك يراد به الشيء بنفسه المستنير كالشمس والقمر #
وكالنار قال تعالى ^ #هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ^ #وقال ^
468
www.anassim.fr.st 469 الن سي ــــ ـــ ـم
وجعلنا سراجا وهاجا ^ #وسمى سبحانه الشمس سراجا وضياء لن فيها مع
النارة والشراق تسخينا وإحراقا فهي بالنار أشبه بخلف القمر فإنه ليس فيه مع
النارة تسخينا فلهذا قال ^ جعل الشمس ضياء والقمر نورا ^ #والمقصود هنا أن
لفظ الضياء والنور ونحو ذلك يراد به الشيء المستنير المضيء القائم بنفسه
كالشمس والقمر والنار ويراد به الشعاع الذي يحصل بسبب ذلك في الهواء
والرض وهذا الثاني عرض قائم بغيره ليس هو الول ول صفة قائمة بالول ولكنه
حادث بسببه #فالشعاع الذي هو الضوء والنور الحاصل على الماء والطين والهواء
وغير ذلك هو عرض قائم بغيره وليس هو متحدا به البتة #فهذا المثل لو ضربته
النسطورية الذين يقولون إن الناسوت واللهوت جوهران بطبيعتين حل أحدهما
بالخر لكان تمثيل باطل فإن الشمس لم تحل بغيرها ول صارت مشيئتها ومشيئة
غيرها
واحدة كما تقوله النسطورية بل شعاعها حل بغيره والشعاع حادث وكائن عنها #
فإذا قيل إن ما يكون عن الرب من نوره وروح قدسه وهداه وكلمه ومعرفته يحل
بقلوب أنبيائه والمؤمنين من عباده ومثل ذلك بحلول الشعاع بالرض كان أقرب إلى
العقول ولهذا قال تعالى ^ #ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها
مصباح المصباح في زجاجة ^ #قال أبي بن كعب مثل نوره في قلوب المؤمنين
بهذا #وكذلك إذا قيل نوره أو هداه أو كلمه وسمى ذلك روحا يحل في قلوب
المؤمنين فهو بهذا العتبار وال قد سمى ذلك روحا فقال تعالى ^ #وكذلك أوحينا
إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي
به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ^ #وقال تعالى ^ #يلقي
^ الروح من أمره على من يشاء من عباده
وقال تعالى ^ #أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ #وما جاء #
في الكتب المتقدمة من أن روح ال أو روح القدس يحل في النبياء والمؤمنين فهو
حق بهذا العتبار #وإذا قيل كلم ال يحل في قلوب القارئين فهو حق بهذا العتبار
#وأما نفس ما يقوم بالرب فل يتصور أن يقوم هو نفسه بغير الرب بل ما يقوم
بالمخلوق من الصفات والعراض يمتنع أن يقوم هو نفسه بغيره #فيمتنع في
صفات الشمس القائمة بها من شكلها واستدارتها وما قام بها من نور أو غيره أن
يقوم بغيرها وكذلك ما قام بجرم النار من حرارة وضوء فل يقوم بغيرها بل إذا
جاورت النار هواء أو غير هواء حصل في ذلك المحل سخونة أخرى غير السخونة
القائمة بنفس النار تسخن الهواء الذي يجاورها كما تسخن القدر الذي يوقد تحتها
النار فيسخن ثم يسخن الماء الذي فيها مع أن سخونة النار باقية فيها وسخونة القدر
باقية فيها وسخونة الماء سخونة أخرى حصلت في الماء ليست واحدة من تينك وإن
كانت حادثة عنها وجنس السخونة يجمع ذلك كله
ولهذا ذكر المام أحمد عن السلف أنهم كرهوا أن يتكلم أحد في حلول كلم ال في #
469
www.anassim.fr.st 470 الن سي ــــ ـــ ـم
العباد بنفي أو إثبات فإن لفظ الحلول لفظ مجمل يراد به معنى باطل ويراد به معنى
حق #وقد جاء في كلم النبياء لفظ الحلول بالمعنى الصحيح فتأوله من في قلبه
زيغ كالنصارى وأشباههم على المعنى الباطل وقابلهم آخرون أنكروا هذا السم
بجميع معانيه وكل المرين باطل #وقد قدمنا أن الناس يقولون أنت في قلبي أو
ساكن في قلبي وأنت حال في قلبي ونحو ذلك وهم ل يريدون أن ذاته حلت فيه ولكن
يريدون أن تصوره وتمثله وحبه وذكره حل في قلبه كما تقدم نظائر ذلك #
والمقصود هنا أن النسطورية لو شبهوا ما يدعونه من اتحاد وحلول بالشعاع مع
الطين كان تمثيلهم باطل فكيف بالملكية الذين هم أعظم باطل وضلل فقولهم ومثل
الشمس المخالطة للطين والماء وكل رطوبة وحمأة تمثيل باطل من وجوه #منها أن
الشمس نفسها لم تتحد ولم تحل بغيرها بل ذلك شعاعها #ومنها أن الشعاع نفسه لم
يتحد بالماء والطين ولكن حل به وقام به
ومنها أن ذلك عام في المخلوقات من وجه وبعباده المؤمنين من وجه ل يختص #
المسيح به فالمخلوقات كلها مشتركة في أن ال خلقها بمشيئته وقدرته وأنه ل قوام
لها إل به فل حول ول قوة إل به وهي كلها مفتقرة إليه محتاجة إليه مع غناه عنها
ولهذا كانت من آيات ربوبيته وشواهد إلهيته #ومن سماها مظاهر ومجالي بمعنى
أن ذاته نفسها تظهر فيها فهو مفتر على ال ومن أراد بذلك أنه أظهر بها مشيئته
وقدرته وعلمه وحكمته فأراد بالمظاهر والمجالي ما يراد بالدلئل والشواهد فقد
أصاب #وكذلك إذا قال هي آثاره ومقتضى أسمائه وصفاته #وأما المؤمنون فإن
اليمان بال ومعرفته ومحبته ونوره وهداه يحل في قلوبهم وهو المثل العلى
والمثال العلمي فل اختصاص للمسيح بهذا وكذلك كلمه في قلوب عباده المؤمنين ل
اختصاص للمسيح بذلك #ومنها أن الشعاع لم يخالط الماء والطين ول يخالط شيئا
من العيان ول ينفذ فيه ول يتحد به بل يكون على سطحه الظاهر فقط لكن الشعاع
يسخن ما يحل فيه فإذا سخن ذلك سخن جوفه
بالمجاورة كما يسخن الماء بسخونة القدر من غير أن تكون النار خالطت القدر ول
الماء #فأين هذا من قولهم إن رب العالمين اتحد بابن امرأة فصار إلها تاما وإنسانا
تاما #وهل يقول عاقل إن الماء والطين صار شعاعا تاما وطينا تاما بل الطين طين
لكن أثر الشعاع فيه بتجفيفه لم يتحد به الشعاع ول نفذ فيه ول حل في باطنه #فهذا
المثل أبعد عن مذهبهم من تمثيلهم بالنار مع الحديد ومن تمثيلهم بالنفس مع الجسد
فإن هناك اتصال بباطن الحديد والبدن وهنا لم يتصل الشعاع إل بظاهر الطين
وغيره #وأيضا فالنفس جوهر قائم بنفسه والشعاع عرض وكذلك النار جوهر
فالشمس هنا لم تتحد ولم تحل بالطين بل شعاعها بل ول يوصف الطين باتحاده
بالشعاع ول باختلط الشعاع بباطنه ول بحلول الشمس نفسها فيه #وحينئذ فقول
القائل إن الشمس لم تتغير ولم تستحل عن نورها ونقائها وضوئها مع مخالطتها كل
وسخ ونتن ونجس إن أريد به نفس الشمس أو صفاتها القائمة بها فتلك لم تتحد
بغيرها ول حلت فيه ول قامت بغيرها #فإذا كانت الشمس كذلك ول المثل العلى
470
www.anassim.fr.st 471 الن سي ــــ ـــ ـم
وإن أريد فشعاعها فشعاها ليس هو الشمس فل ينفعهم التمثيل به فإنهم يقولون إن #
ال نفسه اتحد بالمسيح والمسيح عندهم هو رب العالمين مع أنه إنسان تام فهو
عندهم إله تام إنسان تام والطين ليس بشعاع تام ول طين تام والشعاع نفسه ل يخالط
شيئا ولكن يقوم به وقيام العرض بالمحل غير مخالطته له فإن المخالطة تكون
باختلط كل من المرين بالخر كاختلط الماء بالطين ونحو ذلك #وأما ما يقوم
بالسطح الظاهر فليقال إنه مخالط بجميع الجزاء فل يقال للشعاع الذي على الجبال
والبحر إنه مخالط لجميع الجبال والبحر ول لشعاع النار إنه مخالط للحيطان وداخل
للرض وقد تقدم أنهم قسموا هذا الباب ثلثة أقسام #أحدها اختلط أحد الشيئين
بالخر كالماء والخمر #والثاني اتصال من غير اختلط كالماء والزيت والناء
الذي بعضه فضة وبعضه ذهب وقالوا إن هذا ل ينبغي أن يسمى اختلطا مع افتراق
الطبيعتين والقوامين مثل ما ل ينبغي أن يكون بين الماء والقلة التي هو فيها خلطة
لن طبيعة الفخار ليس بينها وبين الماء خلطة #وهذا الفرق موجود في الشعاع
والطين بل بينهما من الفرق
أشد مما بين الماء والقلة فإن الماء جرم قائم بنفسه وهذا عرض قائم بغيره والجسم
بالجسم أشبه من الجسم بالعرض #والله عندهم مخالط لجميع ناسوت المسيح لم
يخل جزء منه من اتحاد الله به فأين هذا من هذا #وإذا قيل إن الشعاع لم يستحل
عن نوره ونقائه وضوئه مع مخالطته كل سواد ووسخ ونتن ونجس لم يكن مثل
يطابقه مع أنه لم يخالط الشعاع غيره #ثم يقال إن أراد بما لم يتغير نفس الشعاع
القائم بالمحل فهذا ممنوع فإن الشعاع يتغير بتغير محله فيرى في الحمر أحمر وفي
السود أسود وفي الزرق أزرق حتى أن الزجاج المختلف اللوان إذا صار مطرحا
للشعاع ظهر الشعاع متلونا بتلون الزجاج فيرى أحمر وأزرق وأصفر #وقد
ضرب أهل اللحاد القائلون بوحدة الوجود وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق ل
أمثال باطلة شر من أمثال النصارى ولهم مثل السوء ول المثل العلى وكان مما
ضربوه ل من المثال أن شبهوه بالشعاع في الزجاج #فالعيان الثابتة في العدم
عندهم هي الممكنات ووجود الحق قاض عليها فشبهوا وجوده بالشعاع وأعيانهم
بالزجاج وهذا باطل من وجوه #منها أن القول بأن أعيان الممكنات ثابتة في العدم
قول باطل
ومنها أن قولهم إن وجود الخالق هو عين وجود المخلوق هو أيضا باطل #ومنها #
أن حلول الشعاع بالزجاج يقتضي حلول أحدهما بالخر وهم ينكرون الحلول
ويقولون الوجود واحد #ومنها أن الشعاع الذي على نفس الزجاج ليس وجوده
وجود الزجاج وعندهم وجود الرب وجود الممكنات #ومنها أن الشعاع الحال بهذا
الزجاج ليس هو بعينه ذلك الشعاع الحال بالزجاج الخر وإن كان نظيره وهؤلء
عندهم أن الوجود واحد بالعين ل يتعدد #ومنها أن الشعاع عرض مفتقر إلى
471
www.anassim.fr.st 472 الن سي ــــ ـــ ـم
الزجاج فهو مفتقر إليه افتقار العرض إلى محله فيلزم إذا مثلوا به الرب أن يكون
الرب مفتقرا إلى كل ما سواه مع غنى كل ما سواه عنه وهذا قلب كل حقيقة وأعظم
كفر بالخالق تعالى فإنه سبحانه الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه مفتقر إليه #
وكل من قال بحلول ال في شيء من المخلوقات من النصارى وغيرهم يلزمهم أن
يكون مفتقرا إلى ما حل فيه فإنه ل حقيقة للحلول إل هذا #ولهذا كان ما حل بقلوب
المؤمنين من اليمان والهدى والنور والمعرفة مفتقرا إلى قلوب المؤمنين ول يقوم
إل بها
وجميع الصور الذهنية القائمة بالذهان مفتقرة إلى الذهان ل تقوم إل بها #
والشعاع مفتقر إلى محله ل يقوم إل به وهكذا سائر النظائر #وهؤلء الذين شابهوا
النصارى وزادوا عليهم من الكفر بقولهم إن وجود الخالق وجود كل مخلوق وإنه
قائم بأعيان الممكنات يقولون إنه مفتقر إلى العيان في وجوده وهي مفتقرة إليه في
ثباتها فيجعلون الخالق محتاجا إلى كل مخلوق والمخلوق محتاجا إلى الخالق
ويصرحون بذلك كما يصرح بعض النصارى بأن اللهوت محتاج إلى الناسوت
والناسوت محتاج إلى اللهوت #ومعلوم أن ال غني عن كل ما سواه وكل ما سواه
فقير إليه من كل وجه فهو الصمد المستغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه #
فمن قال إنه مفتقر إلى مخلوق بوجه ما فهو كاذب مفتر كافر فكيف بمن قال إنه
مفتقر إلى كل شيء #والمثل الذي ضربوه له يقتضي أن يكون مفتقرا إلى غيره
وغيره مستغن عنه كالمثل الذي ضربه النصارى له لما مثلوه بشعاع الشمس مع
محله فإن محل الشعاع مستغن عن الشعاع والشعاع مفتقر إلى محله #فمقتضى هذا
التمثيل أن الله محتاج إلى النسان والنسان
فصل #وهذا الذي قد ذكره هذا البترك سعيد بن البطريق المعظم عند النصارى
المحب لهم المتعصب لهم في أخبارهم التي بين بها أحوالهم في دينهم معظما لدينهم
مع ما في بعض الخبار من زيادة فيها تحسين لما فعلوه وكثير من الناس ينكر ذلك
ويكذبه مثل ما ذكره من ظهور الصليب ومن مناظرة أريوس وغير ذلك فإن كثيرا
من الناس يخالفه فيما ذكر ويذكر أن أمر ظهور الصليب كان بتدليس وتلبيس وحيلة
ومكر ويذكر أن أريوس لم يقل قط إن المسيح خالق #ولكن المقصود أنه إذا صدق
هذا فيما ذكره فإنه بين أن عامة الدين الذي عليه النصارى ليس مأخوذا عن المسيح
بل هو مما ابتدعه طائفة منهم وخالفهم في ذلك آخرون وأنه كان بينهم من العداوة
والختلف في إيمانهم وشرائعهم ما يصدق قوله تعالى ^ #ومن الذين قالوا إنا
نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى
472
www.anassim.fr.st 473 الن سي ــــ ـــ ـم
والنصارى يقرون بما ذكره هذا البترك أن أول ملك أظهر دين النصارى هو #
قسطنطين وذلك بعد المسيح بأكثر من ثلثمائة سنة وهو نصف الفترة التي بين
المسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم فإنها كانت ستمائة سنة أو ستمائة وعشرين #
وإذا كان النصارى مقرين بأن ما هم عليه من اليمان صنعه طائفة منهم مع مخالفة
آخرين لهم فيه ليس منقول عن المسيح وكذلك ما هم عليه من تحليل ما حرمه ال
ورسوله وكذلك قتال من خالف دينه وقتل من حرم الخنزير مع أن شريعة النجيل
تخالف هذا وكذلك الختان وكذلك تعظيم الصليب #وقد ذكروا مستندهم في ذلك أن
قسطنطين رأى صورة صليب كواكب #ومعلوم أن هذا ل يصلح أن ينبني عليه
شريعة فإن مثل هذا يحصل للمشركين عباد الصنام والكواكب ما هو أعظم منه
وبمثل هذا بدل دين الرسل وأشرك الناس بربهم وعبدوا الوثان فإن الشيطان يخيل
هذا وأعظم منه #وكذلك الزار الذي رآه من رآه والصوت الذي سمعه هل يجوز
لعاقل أن يغير شرع ال الذي بعثت به رسله بمثل هذا الصوت والخيال الذي يحصل
للمشركين عباد الكواكب والصنام ما هو أعظم منه مع أن هذا الذي ذكروه عن
بطرس رئيس الحواريين ليس فيه
تحليل كل ما حرم بل قال ما طهره اللة فل تنجسه وما نجسه ال في التوراة فقد
نجسه ولم يطهره إل أن ينسخه المسيح والحواري لم يبح لهم الخنزير وسائر
المحرمات إن كان قوله معصوما كما يظنون #والمسيح لم يحل كل ما حرمه ال
في التوراة وإنما أحل بعض ما حرم عليهم ولهذا كان هذا من الوصاف المؤثرة في
قتال النصارى كما قال تعالى ^ #قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول
يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ^ #وقد ذكر من لعن بعض طوائف النصارى
لبعض في مجامعهم السبعة وغير مجامعهم ما يطول وصفه ويصدق قوله تعالى #
^ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ^ #وحينئذ فقول هؤلء من
خالفنا لعناه كلم ل فائدة فيه فإن كل طائفة منهم لعنة ملعونة #فليس في لعنتهم
لمن خالفهم إحقاق حق ول إبطال باطل وإنما يحق الحق بالبراهين واليات التي
جاءت بها الرسل كما قال تعالى ^ #كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين
مبشرين ومنذرين وأنزل معهم
الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من
بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى ال الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق
بإذنه وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ^ #وقد تقدم ما ذكره سعيد بن
البطريق من أخبارهم أنه كان يأتي البترك العظيم منهم إلى كنيسة مبنية لصنم من
الصنام يعبده المشركون فيحتال حتى يجعلهم يعبدون مكان الصنم مخلوقا أعظم منه
كملك من الملئكة أو نبي من النبياء كما كان بالسكندرية للمشركين كنيسة فيها
473
www.anassim.fr.st 474 الن سي ــــ ـــ ـم
صنم اسمه ميكائيل فجعلها النصارى كنيسة باسم ميكائيل الملك وصاروا يعبدون
الملك بعد أن كانوا يعبدون الصنم ويذبحون له #وهذا نقل لهم من الشرك بمخلوق
إلى الشرك بمخلوق أعلى منه أولئك كانوا يبنون الهياكل ويجعلون فيها الصنام
بأسماء الكواكب كالشمس والزهرة وغير ذلك #فنقلهم المبتدعون من النصارى إلى
عبادة بعض الملئكة أو بعض النبياء ولهذا قال تعالى ^ #ما كان لبشر أن يؤتيه
ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا
ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة
^ والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون
وقال تعالى ^ #قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم #
ول تحويل أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته
^ ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا
فصل #وقد حصل بما ذكرناه الجواب عن قولهم وعلى هذا المثال نقول في السيد
المسيح طبيعتان طبيعة لهوتية التي هي طبيعة كلمة ال وروحه وطبيعة ناسوتية
التي أخذت من مريم العذراء واتحدت به #وعرف أن هذا قول من أقوال النصارى
وأن لهم أقوال أخر تناقض هذا #وكل فريق منهم يكفر الخر إذ كانوا ليسوا على
مقالة تلقوها عن المسيح والحواريين بل هي مقالت ابتدعها من ابتدعها منهم فضلوا
بها وأضلوا كما قال تعالى ^ #يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول
تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ #
فذكر سبحانه أنهم أضلوا من قبل مبعث محمد
والنصارى أمة يلزمهم الضلل الذي أصله الجهل #ول يوجد قط من هو #
نصراني باطنا وظاهرا إل وهو ضال جاهل بمعبوده وبأصل دينه ل يعرف من يعبد
ول بماذا يعبد مع اجتهاد من يجتهد منهم في العبادة والزهد ومكارم الخلق #ثم
يقال على هؤلء قولهم طبيعتان ويقولون أيضا له مشيئتان ويقولون أيضا إنه شخص
لم يزد عدده فإنهم يقولون إنهما اتحدا كما ذكروه في كتابهم هذا ل يقولون بشخصين
لئل يلزمهم القول بأربعة أقانيم #ومنهم من يقول هما جوهران ومنهم من يقول
جوهر واحد #فإن قالوا هو جوهر واحد صار قولهم من جنس قول اليعقوبية ل
سيما وهم يقولون إن مريم ولدت اللهوت والناسوت وإن المسيح اسم يجمع
اللهوت والناسوت وهو إله تام وإنسان تام #فإذا كان جوهرا واحدا لزم من ذلك
أن يكون اللهوت قد استحال وتغير وكذلك الناسوت فإن الثنين إذا صارا شيئا
واحدا فذلك الشيء الثالث ليس هو إنسانا محضا ول إلها محضا بل اجتمعت فيه
النسانية واللهية مع أنه قد كان النسان والله اثنين
474
www.anassim.fr.st 475 الن سي ــــ ـــ ـم
جوهرين فقد لزم ضرورة أن يكون هذا الثالث ليس هو إلها محضا ول إنسانا
محضا ول جوهران إنسانا وإلها فإن هذين جوهران ل جوهر واحد بل هو شيء
ثالث اختلط وامتزج واستحال من هذا وهذا فتبدلت حقيقة الهوت وحقيقة الناسوت
حتى صار هذا الجوهر الثالث الذي ليس لهوتا محضا ول ناسوتا محضا كسائر ما
يعرف من التحاد #فإن كل اثنين اتحدا فصارا جوهرا واحدا فل بد في ذلك من
الستحالة كما في اتحاد الماء واللبن والخمر وسائر ما يختلط بالماء بخلف الماء
والزيت فإنهما جوهران كما كانا لكن الزيت لصق بالماء وطفا عليه لم يتحد به
ومثل اختلط النار والحديد فإن الحديد استحال عما كان ولهذا إذا برد عاد إلى ما
كان وهكذا اتحاد الهواء مع الماء والتراب حتى يصير بخارا أو غبارا وأمثال ذلك
#وفي الجملة فجميع ما يعرفه الناس من التحاد إذا صار الثنان واحدا وارتفعت
الثنوية فل بد من استحالة الثنين #وإذا قيل فيه طبيعة الثنين ومشيئة الثنين كما
في الماء واللبن قوة الماء وقوة اللبن #قيل ل بد مع ذلك أن تتغير كل قوة عما
كانت عليه
فتنكسر الخرى كما يعرف في سائر صور التحاد إذا اتحد هذا مع هذا كسر كل
منهما قوة الخر عما كانت عليه #كما إذا اتحد الماء البارد بالماء الحار انكسرت
قوة الحر وقوة البرد عما كانت فيبقى المتحد مرتبة متوسطة بين البرد المحض
والحر المحض #وكذلك الماء واللبن وسائر صور التحاد وعلى هذا فيجب إذا
اتحد أن تتغير قوة اللهوت وطبيعته ومشيئته عما كانت وتنكسر قوة الناسوت
وطبيعته ومشيئته عما كانت عليه ويبقى هذا المتحد ممتزجا من لهوت وناسوت
وذلك يستلزم نقص اللهوت عما كان وبطلن كماله كما أنه يوجب من كمال
الناسوت ما لم يكن #فكل ما يصفون به الناسوت من اتحاد اللهوت به فهو مستلزم
من نقص اللهوت وسلب كماله الذي يختص به وبطلن صفاته التامة بحسب ما
حصل له من ذلك الناسوت بحكم التحاد وإل فإن كان اللهوت كما كان فل اتحاد
بوجه من الوجوه بل الناسوت كما كان #ثم هما اثنان لم يتحد أحدهما بصاحبه ول
صارا شيئا واحدا #وأيضا فمع كون الجوهر واحدا يجب أن تكون مشيئته واحدة
وطبيعته واحدة فإنه لو كان مشيئتين لكان محل إحدى المشيئتين إن كان هو محل
الخرى مع تضاد موجب المشيئتين لزم اجتماع
الضدين في محل واحد #فإن الرادة الناسوتية تطلب الكل والشرب وأن تعبد
وتصوم وتصلي #واللهوتية توجب امتناعه من إرادة هذه الشياء #وإرادته أن
يخلق ويرزق ويدبر العالم والناسوتية تمتنع من هذه الرادة #فإذا قامت الرادتان
والكراهتان بمحل واحد لزم أن يكون ذلك الجوهر الموصوف بهذا وهذا مريدا
للشيء ممتنعا من إرادته غير مريد له كارها للشيء غير كاره له وذلك جمع بين
النقيضين من وجوه متعددة #ويمتنع أن يقوم بالموصوف الواحد إرادتان جازمتان
بالشيء ونقيضه أو كراهتان جازمتان للشيء أو نقيضه والفعل ل يقع إل بإرادة
جازمة مع القدرة فاللهوت ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ومتى شاء شيئا مشيئة
475
www.anassim.fr.st 476 الن سي ــــ ـــ ـم
جازمة فإنه على ما شاء قادر #والناسوت ل يفعل شيئا من خصائص البشرية حتى
يريد ذلك إرادة جازمة #والناسوت يمتنع أن يريد إرادة اللهوت ويكره ذلك
فيصير الشيء الواحد مريدا للشيء إرادة جازمة قادرا عليه ليس مريدا له إرادة
جازمة بل هو عاجز عنه
ويلزم أيضا إذا كانا جوهرا واحدا وقد ولد وصفع وضرب وصلب ومات وتألم #
أن يكون نفس اللهوت ضرب وصلب ومات وتألم كما تقوله اليعقوبية وهذا لزم
لجميع النصارى وهو موجب عقيدة إيمانهم #فإن قالوا بل هما جوهران مع كونهما
عندهم شخصا واحدا ل تعدد فيه كما يقوله من يقوله من الملكية كان هذا كلما
متناقضا فإن الشخص الواحد الذي ل تعدد فيه جوهر واحد ولهذا حد بأنه جسم #
وإن شبهوا ذلك بالنفس مع الجسد لزمهم المحدود #فإن النسان كما يقال فيه إنه
شخص واحد يقال إنه جوهر واحد بما بينهما من التحاد ولهذا يحد بأنه جسم
حساس تام متحرك بالرادة ناطق هذا يتناول جسده وروحه وللنفس والبدن مشيئة
واحدة #ومتى شاء النسان الفعل مشيئة جازمة مع قدرته عليه فعله ولم يكن معه
جوهر آخر له مشيئة غير مشيئته #فإذا شبهوا اتحاد اللهوت بالناسوت بهذا لزمهم
أن يكونا جوهرا واحدا ومشيئة واحدة وهذا قول اليعقوبية #ولهذا تألم النفس بما
يحدث في الجسد من اللم ويتألم
الجسم الذي هو القلب الصنوبري بما يحدث في النفس من اللم #فإذا تألمت النفس
تألم قلب الجسد وغير قلب الجسد وكذلك إذا تألم الجسد وإذا صفع الجسد وصلب
وبصق في وجهه ووضع الشوك عليه وتألم ومات كان ذلك كله حال بالنفس ونالها
منه إهانة الصفع وألم النزع ما ينالها كما يسلمون ل أنه حل بنفس المسيح وبدنه
فإنهم ل يتنازعون أن الله حل ببدن المسيح ونفسه وإنما يتنازعون في اللهوت مع
أن النفس مفارقة للبدن بالموت #واللهوت عندهم لم يفارق الناسوت بالموت بل
صعد إلى السماء #والمسيح الذي هو إله تام وإنسان تام يقعد عن يمين أبيه وكذلك
يجيء يوم القيامة #وأيضا فالبدن إذا كانت فيه النفس تتغير صفاته وأحكامه
وتختلف أحواله باجتماعها وافتراقها والنفس إذا كانت في البدن تختلف صفاتها
وأحكامها #فيلزم أن يكون ناسوت المسيح مخالفا في الصفات والحكام لسائر
النواسيت وأن يكون اللهوت لما اتحد به تغيرت صفاته وأحكامه وهذا هو
الستحالة والتغير والتبدل للصفات مع أن ناسوت
المسيح كان من جنس نواسيت البشر لم يظهر عليه إل ما ظهر مثله على غيره بل
ظهر على غيره من خوارق العادات أكثر مما ظهر عليه #وبالجملة فأي مثل
ضربوه للتحاد كان حجة عليهم وظهر به فساد قولهم #وإن قالوا هذا أمر ل يعقل
بل هو فوق العقول كان الجواب من وجهين #أحدهما أنه يجب الفرق بين ما يعلم
العقل بطلنه وامتناعه وبين ما يعجز العقل عن تصوره ومعرفته #فالول من
محالت العقول والثاني من محارات العقول والرسل يخبرون بالثاني #وأما الول
476
www.anassim.fr.st 477 الن سي ــــ ـــ ـم
فل يقوله إل كاذب ولو جاز أن يقول هذا لجاز أن يقال إن الجسم الواحد يكون
أبيض أسود في حال واحدة وإنه بعينه يكون في مكانين وإن الشيء الواحد يكون
موجودا معدوما في حال واحدة وأمثال ذلك مما يعلم العقل امتناعه #وقول
النصارى مما يعلم بصريح العقل أنه باطل ليس هو مما يعجز عن تصوره #
يوضح هذا أنه لو قال قائل في مريم أم المسيح امرأة ال وزوجته وأنه نكحها نكاحا
عقليا كما يقولون إن المسيح ولده ولدة عقلية لم يكن هذا القول أفسد في العقل من
قولهم في المسيح كما
قد بسطناه في موضعه وهم يكفرون من يقول ذلك ويحتجون بالعقل على فساده #
وإذا قال هذا فوق العقل لم يقبلوه وكذلك كل طائفة من طوائفهم احتجت على
الخرى بالعقل وإذا قالوا قولنا فوق العقل لم يقبلوا هذا الجواب #فإن كان هذا
جوابا صحيحا فيجب أن ل يبحث في شيء من اللهيات بالعقل بل يقول كل مبطل
ما شاء من الباطل ويقول كلمي فوق العقل كما يقول أصحاب الحلول والتحاد
والوحدة الذين يقولون إن وجود الخالق وجود المخلوق ويقولون إن هذا فوق العقل
وإنه يعلم بالذوق ل بالسمع ول بالعقل #الوجه الثاني أن يقال ما يعجز العقل عن
تصوره إذا أخبرت به النبياء عليهم السلم قبل منهم لنهم يعلمون ما يعجز غيرهم
من معرفته #وهذه القوال لم يقل النبياء شيئا منها بل نفس فرق النصارى قالوها
بآرائهم وزعموا أنهم استنبطوها من بعض ألفاظ الكتب #فيقال لمن قالها منهم أنت
تتصور ما تقول أم ل تتصوره وتفهمه وتعقله
فإن قال ل أتصور ما أقول ول أفقهه ول أعقله قيل له فقد قلت على ال ما ل تعلم #
وقفوت ما ليس لك به علم #ومن أعظم القبائح المحرمة في جميع الشرائع أن يقول
النسان برأيه على ال قول ل يتصوره ول يفهمه #وجميع العقلء يعلمون أن من
قال قول وهو ل يتصوره ول يفقهه فإن قوله مردود عليه غير مقبول منه وإن قوله
من الباطل المذموم #وإن قال قائلهم إني أفقه ما أقول وأتصوره وأعقله قيل له بينه
لغيرك حتى يفقهه ويعقله ويتصوره ول تقل هو فوق العقل بل هو قول قد عقلته
وفقهته وهذا تقسيم ل محيد لهم عنه #فإنهم إن كانوا يفقهون ما يقولون ويعقلونه
لزم أن يكون معقول #وإن كانوا ل يفقهونه ول يعقلونه لزم أنهم قالوا على ال ما
ل يفقهونه ول يعقلونه قول برأيهم وعقلهم ل نقل للفاظ النبياء فإن من نقل ألفاظ
النبياء الثابتة عنهم لم يكن عليه أن يفقه ويعقل ما يقول #ولهذا قال النبي نضر ال
امرءا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل
فقه إلى من هو أفقه منه فقد يحفظ الرجل كلما فيبلغه غيره وهو ل يفقه معناه ول
يعقله
فمن نقل لفظ التوراة أو النجيل أو القرآن أو ألفاظ سائر النبياء لم نطالبه ببيان #
معناه #بخلف من ادعى أنه فهم ما قاله النبياء وعبر عن ذلك بعبارة أخرى فإنه
يقال له إن كنت فهمت ما قالوه فهو معنى واحد عبروا عنه بعبارة وعبرت عنه
477
www.anassim.fr.st 478 الن سي ــــ ـــ ـم
بعبارة أخرى كالترجمان فهذا يعقل ما يقول ويفقهه #وإن قال إني لم أفهم كلمهم
أو لم أفهم ما قلته فقد اعترف بجهله وضلله وأنه من الذين لم يفهموا كلم النبياء
عليهم السلم ولم يفقهوا ما قالوه هم #فلو قالوا لم نفهم كلم النبياء وسكتوا لكانوا
أسوة أمثالهم من الجهال بمعاني كلم النبياء #وأما إذا وضعوا عبارة وكلما
ابتدعوه وأمروا الناس باعتقاده وقالوا هذا هو اليمان والتوحيد وقالوا إنا مع هذا ل
نتصور ما قلناه ول نفقهه ول نعقله فهؤلء من الذين يقولون على ال ما ل يعلمون
ويفترون على ال وعلى كتب ال وأنبياء ال بغير علم بل يقولون الكذب المفترى
والكفر الواضح ويقولون مع ذلك إنا ل نعقله وهذا حال النصارى بل ريب #وهذا
الموضع غلط فيه طائفتان من الناس غالية غلت في
المعقولت حتى جعلت ما ليس معقول من المعقول وقدمته على الحس ونصوص
الرسول #وطائفة جفت عنه فردت المعقولت الصريحة وقدمت عليها ما ظنته من
السمعيات والحسيات #وهكذا الناس في السمعيات نوعان وكذلك هم في الحسيات
الباطنة والظاهرة نوعان #فيجب أن يعلم أن الحق ل ينقض بعضه بعضا بل
يصدق بعضه بعضا #بخلف الباطل فإنه مختلف متناقض كما قال تعالى في
المخالفين للرسل ^ #والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك
^ #وإن ما علم بمعقول صريح ل يخالفه قط ل خبر صحيح ول حس صحيح #
وكذلك ما علم بالسمع الصحيح ل يعارضه عقل ول حس #وكذلك ما علم بالحس
الصحيح ل يناقضه خبر ول معقول #والمقصود هنا الكلم مع من يعارض
المعقولت بسمع أو حس #فنقول لفظ المعقول يراد به المعقول الصريح الذي
يعرفه الناس بفطرهم التي فطروا عليها من غير أن يتلقاه بعضهم عن بعض
كما يعلمون تماثل المتماثلين واختلف المختلفين أعني اختلف التنوع ل اختلف
التضاد والتباين فإن لفظ الختلف يراد به هذا وهذا #وهذه المعقولت في
العلميات والعمليات هي التي ذم ال من خالفها بقوله ^ #وقالوا لو كنا نسمع أو
نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ #وقوله ^ #أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم
قلوب يعقلوب بها أو آذان يسمعون بها ^ #وأما ما يسميه بعض الناس معقولت
ويخالفه فيه كثير من العقلء مثل القول بتماثل الجسام وبقاء العراض وأن
الجسام مركبة من الجواهر المنفردة التي ل تقبل القسمة أو من المادة والصورة
وأن ما ل يتناهى من المور المتعاقبة شيئا بعد شيء يمتنع وجوده إما في الماضي
والمستقبل أو في الماضي فقط أو أن الكليات موجودة في الخارج جواهر قائمة
بأنفسها أو أن لنا دهرا أو مادة هي جوهر عقلي قائم بنفسه أو أنه يمكن وجود جوهر
قائم بنفسه ل يشار إليه ونحو ذلك مما يعده من يعده من النظار أنه عقليات
وينازعهم فيه آخرون #فليس هذا هو العقليات التي ل يجب لجلها رد الحس
والسمع وتبنى عليها علوم بني آدم بل المعقولت الصحيحة الدقيقة الخفية ترد إلى
معقولت بديهية أولية بخلف العقليات الصريحة مثل كون الجسم الواحد ل يكون
478
www.anassim.fr.st 479 الن سي ــــ ـــ ـم
في مكانين في وقت واحد معا فإن هذا معلوم بفطرة ال التي فطر الناس عليها #
فإذا جاء في الحس أو الخبر الصحيح ما يظن أنه يخالف ذلك مثل أن يرى الشخص
الواحد في عرفات وهو في بلده لم يبرح أو يرى قاعدا في مكانه وهو في مكان آخر
أو يرى أنه أغاث من استغاث به أو جاء طائرا في الهواء مع العلم بأنه في مكانه لم
يتغير منه فهذا إنما هو جني تصور بصورة ذلك الشخص ليس هو نفسه فهذا يشبهه
ليس هو إياه #والحسيات إن لم يميز بينها بالعقل وإل فالحس يغلط كثيرا فكذلك من
ادعى فيما حصل له من المكاشفة والمخاطبة أمرا يخالف صريح العقل يعلم أنه
غالط فيه كمن قال من القائلين بوحدة الوجود إني أشهد بباطني وجودا مطلقا مجردا
عن السماء والصفات
ل اختصاص فيه ول قيد البتة فل يتنازع في هذا كما قد ينازعه بعض الناس #لكن
يقال له من أين لك أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السماوات والرض فإن كون
ما شهدته بقلبك هو ال أمر ل يدرك بحس القلب وإذا ادعيت أنه حصل لك في
الكشف ما يناقض صريح العقل علم أنك غالط كما قال شيخ هؤلء الملحدة
التلمساني % #يا صاحبي أنت تنهاني وتأمرني %والوجد أصدق نهاء وأمار %
% #فإن أطعك وأعص الوجد عدت عما %عن العيان إلى أوهام أخبار % # %
%وعين ما أنت تدعوني إليه إذا %حققت فيه تراه النهي يا جار
فيقال له وجدك وذوقك لم يفدك إل شهود وجود مطلق بسيط لكن من أين لك أن #
هذا هو رب العالمين بل من أين لك أن هذا ثابت في الخارج عن نفسك كليا مطلقا
مجردا بل إنما تشهده كليا مطلقا مجردا في نفسك #ولست تعلم بحس ول عقل ول
خبر أن هذا هو في الخارج #كما أن النائم إذا شهد حسه الباطن أشياء لم يكن معه
يقين أن هذا في الخارج #فإذا عاد إليه عقله علم أن هذا كان في خياله في المنام
وكذلك السكران وغيره ممن يضعف عقله فهذا يشهد بحسه الباطن أو الظاهر #
أشياء وقد ضعف عقله عن كنه ذلك لما ورد عليه وإذا ثاب إليه عقله علم أن ما
شهده كان في نفسه وخياله ل في الخارج عن ذلك #فكل من أخبر بما يخالف
صحيح المنقول أو صريح المعقول يعلم أنه وقع له غلط وإن كان صادقا فيما يشهده
في الحس الباطن أو الظاهر لكن الغلط وقع في ظنه الفاسد المخالف لصريح العقل
ل في مجرد الحس فإن الحس ليس فيه علم بنفي أو إثبات #فمن رأى شخصا فليس
في الحس إل رؤيته #وأما كونه زيدا أو عمرا فهذا ل بد فيه من عقل يميز بين هذا
وهذا ولهذا كان الصغير والمجنون والبهيم والسكران والنائم ونحوهم لهم حس ولكن
لعدم العقل ل يميزون أن هذا المشهود هو كذا أم كذا بل قد يظنون ظنونا غير
مطابقة #قال تعالى ^ #والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء
حتى إذا جاءه
لم يجده شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب ^ #فالظمآن يرى أن
ما ظنه ماء ولم يكن ماء لشتباهه بالماء والحس لم يغلط لكن غلط عقله #والنبياء
479
www.anassim.fr.st 480 الن سي ــــ ـــ ـم
فإذا أخبر مثل هذا بشيء علم بطلنه بصريح العقل علم أنه غالط #وإذا أخبر #
غير النبياء بما يعجز عقل كثير من الناس عن معرفته لم يلزم أن يكون صادقا ول
كاذبا بل ل نحكم بصدقه ول كذبه إل بدليل لحتمال أن يكون غالطا واحتمال أن
يكون قد علم ما يعجز غيره عن معرفته #وإذا قال القول المعلوم فساده بصريح
العقل من ليس بنبي وقال إن هذا فوق العقل أو هذا وراء طور العقل والنقل أو هذا
ل نعرفه إن لم نترك العقل والنقل أو قال % #هم معشر حلو النظام وأحرقوا ال
%سياج فل فرض لديهم ول نفل % # %مجانين إل أن سر جنونهم %عزيز
%على أبوابه يسجد العقل
قيل وهذا يمتنع أن يقوله نبي أو ينقله صادق عن نبي فإن أقوال النبياء ل #
تناقض العقل الصريح فكيف يقبل هذا ممن ليس بنبي #وإن قال كما يقوله
النصارى أو غيرهم إن هذا دل عليه كلم النبياء أو فهمناه من كلم النبياء #قيل
لهم الكلم في معاني اللفاظ التي نطقت بها النبياء شيء والكلم الذي فهمتموه
عنهم شيء آخر
ولو قدر أن ما ذكرتموه أنتم أو غيركم فهمتموه من كلم النبياء ليس مخالفا #
لصريح العقل لم نجزم بأن قائل ذلك يتصور ما قال بل قد يكون فهم من كلمهم ما
لم يريدوه #فكيف إذا كان هو نفسه لم يتصور ما قال بل هم معترفون بأنه غير
معقول له وهو ل يفهمه فكيف إذا كان الذي قاله معلوم الفساد بصريح العقل #فهذه
ثلث مقدمات لو فهمه ثم قال إني فهمت كلمه لم يكن فهمه حجة #فكيف إذا قال
إني لم أفهمه وإن هذا فوق طور العقل #ولو قال هذا لم يكن قوله حجة ولم يجب
تصديقه من أن النبياء عنوا بكلمهم المعنى الذي اعترف أنه فوق طور العقل
فكيف إذا عرف أن ذلك المعنى باطل يمتنع أن يقوله عاقل ل نبي ول غير نبي
فصل #قال الحاكي عنهم فقلت لهم إنهم يقولون لنا إذا كان اعتقادكم في الباري
تعالى أنه واحد فما حملكم على أن تقولوا أب وابن وروح قدس فتوهمون السامعين
480
www.anassim.fr.st 481 الن سي ــــ ـــ ـم
أنكم تعتقدون في ال ثلثة أشخاص مركبة أو ثلثة آلهة أو ثلثة أجزاء وأن له ابنا
ويظن من ل يعرف اعتقادكم أنكم تريدون بذلك ابن المباضعة والتناسل فتطرقون
على أنفسكم تهمة أنتم منها بريئون #قالوا وهم أيضا لما كان اعتقادهم في الباري
جلت عظمته أنه غير ذي جسم وغير ذي جوارح وأعضاء وغير محصور في
مكان فما حملهم على أن يقولوا إن له عينين يبصر بهما ويدين يبسطهما وساق
ووجهه يوليه إلى كل مكان وجنب وأنه يأتي في ظلل من الغمام فيوهمون السامعين
أن ال ذو جسم وذو أعضاء وجوارح وأنه ينتقل من مكان إلى مكان في ظلل من
الغمام فيظن من ل يعرف اعتقادهم أنهم يجسمون الباري حتى إن قوما منهم اعتقدوا
ذلك واتخذوه مذهبا ومن لم يتحقق اعتقادهم يتهمهم بما هم بريئون منه
قال فقلت لهم إنهم يقولون إن العلة في قولهم هذا أن ال له عينان ويدان ووجه #
وساق وجنب وأنه يأتي في ظلل من الغمام فهو أن القرآن نطق به وأن ذلك غير
ظاهر اللفظ وكل من يحمل ذلك على ظاهر اللفظ ويعتقد أن ال له عينان ويدان
ووجه وجنب وجوارح وأعضاء وأن ذاته تنتقل فهم يلعنونه ويكفرونه فإذا كفروا من
يعتقد هذا فليس لمخالفيهم أن يلزموهم هذا بعد أن ل يعتقدوه #قالوا وكذلك نحن
أيضا النصارى العلة ف
ي قولنا إن ال ثلثة أقانيم أب وابن وروح قدس أن النجيل نطق به والمراد
بالقانيم غير الشخاص المركبة والجزاء والبعاض وغير ذلك مما يقتضي الشرك
والتكثير وبالب والبن غير أبوة وبنوة نكاح أو تناسل أو جماع أو مباضعة #وكل
من يعتقد أن الثلثة أقانيم ثلثة آلهة مختلفة أو ثلثة آلهة متفقة أو ثلثة أجسام مؤلفة
أو ثلثة أجزاء متفرقة أو ثلثة أشخاص مركبة أو أعراض أو قوى أو غير ذلك مما
يقتضي الشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه أو بنوة نكاح أو تناسل أو مباضعة أو
جماع أو ولدة زوجة أو من بعض الجسام أو من بعض الملئكة أو من بعض
المخلوقين فنحن نلعنه ونكفره ونجرمه #وإذا لعنا أو كفرنا من يعتقد ذلك فليس
لمخالفينا أن يلزمونا بعد أن ل نعتقده وإن ألزمونا الشرك والتشبيه لجل قولنا أب
وابن وروح
قدس لن ظاهر ذلك يقتضي التكثير والتشبيه ألزمناهم أيضا نحن التجسيم والتشبيه
لقولهم إن ال له عينان ويدان ووجه وساق وجنب وأن ذاته تنتقل من مكان إلى
مكان وأنه استوى على العرش من بعد أن لم يكن عليه وغير ذلك مما يقتضي
ظاهره التجسيم والتشبيه #والجواب من وجوه #أحدها أن يقال من آمن بما جاءت
به الرسل وقال ما قالوه من غير تحريف للفظه ول معناه فهذا ل إنكار عليه بخلف
من ابتدع أقوال لم تقلها الرسل بل هي تخالف ما قالوه وحرف ما قالوه إما لفظا
ومعنى وإما معنى فقط فهذا يستحق النكار عليه باتفاق الطوائف #وأصل دين
المسلمين أنهم يصفون ال بما وصف به نفسه في كتبه وبما وصفته به رسله من
غير تحريف ول تعطيل ومن غير تكييف ول تمثيل بل يثبتون له تعالى ما أثبته
لنفسه وينفون عنه ما نفاه عن نفسه ويتبعون في ذلك أقوال رسله ويجتنبون ما خالف
481
www.anassim.fr.st 482 الن سي ــــ ـــ ـم
أقوال الرسل كما قال تعالى ^ #سبحان ربك رب العزة عما يصفون ^ #أي عما
^ يصفه الكفار المخالفون للرسل ^ #وسلم على المرسلين
فوصفته الرسل بأنه حي منزه عن الموت عليم منزه عن الجهل قدير قوي عزيز #
منزه عن العجز والضعف والذل واللغوب سميع بصير منزه عن الصم والعمى غني
منزه عن الفقر جواد منزه عن البخل حكيم حليم منزه عن السفه صادق منزه عن
الكذب إلى سائر صفات الكمال مثل وصفه بأنه ودود رحيم لطيف وقد قال تعالى #
^ قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ #فالصمد اسم
يتضمن إثبات صفات الكمال ونفي النقائص وهو العليم الكامل في علمه القدير
الكامل في قدرته الحكيم الكامل في حكمته #ولنا مصنف مبسوط في تفسير هذه
السورة وآخر في بيان أنها تعادل ثلث القرآن وذكرنا كلم علماء المسلمين من
الصحابة والتابعين في معنى الصمد وأن عامة ما قالوه حق كقول من قال
منهم إن الصمد الذي ل جوف له ومن قال منهم إنه السيد الذي انتهى سؤدده كما قيل
إنه المستغني عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه وكما قيل إنه العليم الكامل
في علمه والقدير الكامل في قدرته إلى سائر صفات الكمال #وذكر تعالى في هذه
السورة أنه أحد ليس له كفوا أحد فنفى بذلك أن يكون شيئا من الشياء له كفوا وبين
أنه أحد ل نظير له #وقال في آية أخرى ^ #فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له
سميا ^ #وقال ^ #ليس كمثله شيء ^ #وقال ^ #فل تضربوا ل المثال ^ #
وقال ^ #فل تجعلوا ل أندادا ^ #وما ورد في القرآن والسنة من إثبات صفات ال
فقد ورد في التوراة وغيرها من كتب ال مثل ذلك #فهو أمر اتفقت عليه الرسل
وأهل الكتاب في ذلك كالمسلمين
وإذا كان كذلك فهم في أمانتهم لم يقولوا ما قاله المسيح والنبياء بل ابتدعوا #
اعتقادا ل يوجد في كلم النبياء فليس في كلم النبياء ل المسيح ول غيره ذكر
أقانيم ل ل ثلثة ول أكثر ول إثبات ثلث صفات ول تسمية شيء من صفات ال
ابنا ل ول ربا ول تسمية حياته روحا ول أن ل ابنا هو إله حق من إله حق من
جوهر أبيه وأنه خالق كما أن ال خالق إلى غير ذلك من القوال المتضمنة لنواع
من الكفر لم تنقل عن نبي من النبياء #فقالوا في شريعة إيمانهم نؤمن بال الب
482
www.anassim.fr.st 483 الن سي ــــ ـــ ـم
مالك كل شيء صانع ما يرى وما ليرى وهذا حق #ثم قالوا وبالرب الواحد يسوع
المسيح ابن ال الواحد بكر الخليق كلها مولود ليس بمصنوع إله حق من إله حق
من جوهر أبيه نور من نور مساو للب في الجوهر الذي بيده أتقنت العوالم وخلق
كل شيء الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من
روح القدس ومن مريم العذراء البتول وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول
وتألم وصلب ودفن وقام في اليوم الثالث كما هو مكتوب وصعد إلى
السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الموات
والحياء #ونؤمن بروح القدس المحيي وروح الحق المنبثق من أبيه أو الذي خرج
من أبيه روح محييه #فأين في كلم النبياء أن شيئا من صفات ال أو من مخلوقاته
يقال فيه إنه أقنوم وإنه حق من إله حق من جوهر أبيه وإنه مساو ل في الجوهر
وإنه خالق خلق كل شيء وإنه قعد عن يمين ال فوق العرش وإنه الذي يقضي بين
الناس يوم القيامة #وأين في كلم النبياء أن ل ولدا قديما أزليا #ومن الذي سمى
كلم ال أو علمه أو حكمته مولودا له أو ابنا له أو شيئا من صفاته مولودا له أو ابنا
له #ومن الذي قال من النبياء إنه مولود وهو مع ذلك قديم أزلي #وأين في
كلمهم أن ل أقنوما ثالثا هو حياته ويسمى بروح القدس وأنه أيضا رب حي محيي
#فلو كان النصارى آمنوا بنصوص النبياء كما آمن المؤمنون
لم يكن عليهم ملم #ومن اعترض على نصوص النبياء كان لفساد فهمه ونقص
معرفته #ولكن هم ابتدعوا أقوال وعقائد ليست منصوصة عن أحد من النبياء
عليهم السلم وفيها كفر ظاهر وتناقض بين #فلو قدر أنهم أرادوا بها معنى
صحيحا لم يكن لحد أن يبتدع كلما لم يأت به نبي يدل على الكفر المتناقض الذي
يخالف الشرع والعقل ويقول إني أردت به معنى صحيحا من غير أن يكون لفظه
دال على ذلك فكيف والمراد الذي يفسرون به كلمهم فاسد متناقض كما تقدم #فهم
ابتدعوا أقوال منكرة وفسروها بتفسير منكر فكان الرد عليهم من كل واحد من
الوجهين وهم في ذلك نظير بعض ملحدة المسلمين الذين يعتقدون إلهية بعض أهل
البيت أو بعض المشايخ ويصفون ال بصفات لم ينطق بها كتاب وهؤلء ملحدون
عند المسلمين #بخلف المؤمنين الذين آمنوا بال ورسله الذين آمنوا بما قالت
النبياء ولم يبتدعوا أقوال لم يأت بها النبياء وجعلوها أصل دينهم #الوجه الثاني
أن يقال ما ذكرتموه عن المسلمين كذب ظاهر عليهم #فهذا النظم الذي ذكروه ليس
هو في القرآن ول في الحديث
483
www.anassim.fr.st 484 الن سي ــــ ـــ ـم
وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق
كيف يشاء ^ #واليهود أرادوا بقولهم يد ال مغلولة أنه بخيل فكذبهم ال في ذلك
وبين أنه جواد ل يبخل فأخبر أن يديه مبسوطتان كما قال ^ #ول تجعل يدك
مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ^ #فبسط اليدين
المراد به الجواد والعطاء ليس المراد ما توهموه من بسط مجرد #ولما كان العطاء
باليد يكون ببسطها صار من المعروف في اللغة التعبير ببسط اليد عن العطاء
فلما قالت اليهود يد ال مغلولة وأرادوا بذلك أنه بخيل كذبهم ال في ذلك وبين أنه #
جواد ماجد #وإثبات اليدين له موجود في التوراة وسائر النبوات كما هو موجود
في القرآن #فلم يكن في هذا شيء يخالف ما جاءت به الرسل ول ما يناقض العقل
وقد قال تعالى لبليس ^ #ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ #فأخبر أنه خلق
آدم بيديه وجاءت الحاديث الصحيحة توافق ذلك #وأما لفظ العينين فليس هو في
القرآن ولكن جاء في حديث #وذكر الشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون
إن ل عينين #ولكن الذي جاء في القرآن ^ #ولتصنع على عيني ^ ^ #واصنع
^ الفلك بأعيننا ووحينا
وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا ^ #وأما قولهم له وجه يوليه ^ #
إلى كل مكان فليس هذا في القرآن ولكن في القرآن ^ #كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلل والكرام ^ #وقوله ^ #كل شيء هالك إل وجهه له الحكم
وإليه ترجعون ^ #وقوله ^ #ول المشرب والمغرب فأينما تولوا فثم وجه ال ^ #
وهذا قد قال فيه طائفة من السلف فثم قبلة ال أي فثم جهة ال والجهة كالوعد والعدة
والوزن والزنة #والمراد بوجه ال وجهة ال الوجه والجهة والوجهة الذي ل
يستقبل في الصلة كما قال في أول الية ^ #ول المشرق والمغرب ^ #ثم قال #
^ فأينما تولوا فثم وجه ال ^ #كما قال تعالى ^ #سيقول السفهاء من الناس ما
ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل ل المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى
^ صراط مستقيم
فإذا كان ل المشرق والمغرب ولكل وجهة هو موليها وقوله موليها أي متوليها أم #
مستقبلها فهذا كقوله ^ فأينما تولوا فثم وجه ال أي فأينما تستقبلوا فثم وجهه ال وقد
قيل إنه يدل على صفة ال لكن يدل على أن ثم وجه ل وأن العباد أينما يولون فثم
وجه ال فهم الذين يولون ويستقبلون ل أنه هو يولي وجهه إلى كل مكان فهذا
تحريف منهم للفظ القرآن عن معناه وكذب على المسلمين #ومن قال بالقول الثاني
من المسلمين فإن ذلك يقتضي أن ال محيط بالعالم كله كما قد بسطت هذه المور
في غير هذا الموضع #إذ المقصود هنا بيان ضلل هؤلء في دينهم فيما ابتدعوا
من الكفر والتثليث والتحاد دون الذين آمنوا بال ورسله وما أخبرت به الرسل عن
ال تبارك وتعالى #وأما قولهم وجنب فإنه ل يعرف عالم مشهور عند المسلمين ول
طائفة مشهورة من طوائف المسلمين أثبتوا ل جنبا نظير جنب النسان وهذا اللفظ
484
www.anassim.fr.st 485 الن سي ــــ ـــ ـم
جاء في القرآن في قوله ^ #أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب ال
^ #فليس في مجرد الضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى ال
صفة له بل قد يضاف إليه من العيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة
له باتفاق الخلق كقوله تعالى ^ بيت ال ^ و ^ ناقة ال ^ و ^ عباد ال ^ بل وكذلك
^ روح ال ^ عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم #ولكن إذا أضيف إليه ما
هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلم ال وعلم ال ويد ال ونحو ذلك كان صفة
له #وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب النسان فإنه قال
^ #أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب ال ^ #والتفريط ليس في
شيء من صفات ال عز وجل #والنسان إذا قال فلن قد فرط في جنب فلن أو
جانبه ل يريد به أن التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص بل يريد به أنه
فرط في جهته وفي حقه #فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق ل يكون
ظاهره أن التفريط في نفس جنب النسان المتصل بأضلعه بل ذلك التفريط لم
يلصقه فكيف يظن أن ظاهره في حق ال أن التفريط كان في ذاته #وجنب الشيء
وجانبه قد يراد به منتهاه وحده ويسمى جنب النسان جنبا بهذا العتبار قال تعالى
تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ^ #وقال تعالى # ^ ^ #
الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ^ #وقال النبي لعمران بن حصين
صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب #وإذا قدر أن الضافة
هنا تتضمن صفة ال كان الكلم في هذا كالكلم في سائر ما يضاف إليه تعالى من
الصفات وفي التوراة من ذلك نظير ما في القرآن #وهذا يتبين بالوجه الثالث وهو
أن يقال ما في القرآن والحديث عن النبي من وصف ال بهذه الصفات التي يسميها
بعض الناس تجسيما هو مثل ما في التوراة وسائر كتب النبياء وهذا الذي في
التوراة وكتب النبياء ليس مما أحدثه أهل الكتاب
ولو كانوا هم ابتدعوا ذلك ووصفوا الخالق بما يمتنع عليه من التجسيم لكان النبي #
ذمهم على ذلك كما ذمهم على ما وصفوه به من النقائص في مثل قوله تعالى ^ #
لقد سمع ال قول الذين قالوا إن ال فقير ونحن أغنياء ^ #وقوله ^ #وقالت اليهود
يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ^ #
وقال تعالى ^ #ولقد خلقنا السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب ^ #فنفى عنه اللغوب الذي يظن في لفظ الستراحة الذي في التوراة فإن فيها
أن ال خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في يوم السبت فظن بعض الناس أنه تعب
فاستراح #ثم من علماء المسلمين من قال إن هذا اللفظ حرفوا معناه دون لفظه
وهذا لفظ التوراة المنزلة قاله ابن قتيبة
وغيره وقالوا معناه ثم ترك الخلق فعبر عن ذلك بلفظ استراح #ومنهم من قال بل
حرفوا لفظه كما قال أبو بكر النباري وغيره #وقالوا ليس هذا لفظ التوراة المنزلة
485
www.anassim.fr.st 486 الن سي ــــ ـــ ـم
وأما ما في التوراة من إثبات الصفات فلم ينكر النبي شيئا من ذلك بل كان علماء
اليهود إذا ذكروا شيئا من ذلك يقرهم عليه ويصدقهم عليه كما في الصحيحين عن
عبد ال بن مسعود أن حبرا من اليهود جاء إلى رسول ال فقال يا محمد إن ال عز
وجل يوم القيامة يحمل السماوات على إصبع
والرض على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر
الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا املك قال فضحك النبي حتى بدت نواجذه
تعجبا وتصديقا لقول الحبر ثم قرأ ^ #وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا
قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ^ الية #وفي التوراة إن ال كتب
التوراة بإصبعه #وإذا ثبت أن مثل هذه النصوص في التوراة والكتب المتقدمة
باتفاق أهل الكتاب وبما يشهد على ذلك من أخبار الرسول بنظير ذلك وترك إنكاره
لما في التوراة وتصديقه على ما كانوا يذكرونه من ذلك لم يكن المسلمون مختصين
بذكر ما سموه تجسيما بل يلزم أهل الكتاب اليهود والنصارى من ذلك نظير ما يلزم
المسلمين
وقد افترق أهل الكتاب في ذلك كما افترق فيه المسلمون منهم الغالي في النفي #
والتعطيل ومنهم الغالي في التشبيه والتمثيل #والمسلمون أئمتهم وجمهورهم
مقتصدون بين التعطيل والتمثيل وكذلك طائفة من أهل الكتاب #والمقصود أنه إذا
كانت هذه الصفات قد جاءت في الكتب اللهية التوراة وغيرها كما جاءت في القرآن
لم يكن للمسلمين بذلك اختصاص #ولم يجز للنصارى أن يجعلوا ذلك نظير ما
اختصوا به من التثليث والتحاد فإن ذلك مختص بهم #وهذه الصفات قد اشترك
فيها أهل الملل الثلث لن التثليث والتحاد ليس منصوصا عن أحد من النبياء
عليهم السلم وهذه الصفات منصوصة في القرآن والتوراة وغيرهما من كتب
النبياء فكيف يجوز تشبيه هذا بهذا #الوجه الرابع قولهم فيوهمون السامعين أن ال
ذو جسم وأعضاء وجوارح كلم باطل وذلك أن ال سمى نفسه وصفاته بأسماء
وسمى بعض عباده وصفات عباده بأسماء هي في حقهم نظير تلك السماء في حقه
سبحانه وتعالى #فسمى نفسه حيا كقوله ^ #ال ل إله إل هو الحي القيوم ^ الية
وتوكل على الحي الذي ل يموت ^ #وسمى بعض عباده حيا كقوله # ^ ^ #
يخرج الحي من الميت ^ #مع العلم بأنه ليس الحي كالحي وسمى نفسه عليما كقوله
^ #إن ربك حكيم عليم ^ #وسمى بعض عباده عليما كقوله ^ وبشروه بغلم عليم
^ #مع العلم بأنه ليس العليم كالعليم #وسمى نفسه حليما بقوله ^ #وال غني حليم
^ ^ #وسمى بعض عباده حليما بقوله ^ #فبشرناه بغلم حليم
وسمى نفسه رؤوفا رحيما بقوله ^ #إن ال بالناس لرءوف رحيم ^ #وسمى #
بعض عباده رؤوفا رحيما بقوله ^ بالمؤمنين رءوف رحيم ^ #وليس الرؤوف
كالرؤف ول الرحيم كالرحيم #وكذلك سمى نفسه ملكا جبارا متكبرا عزيزا وسمى
486
www.anassim.fr.st 487 الن سي ــــ ـــ ـم
بعض عباده ملكا وبعضهم عزيزا وبعضهم جبارا متكبرا وليس هو في ذلك مماثل
لخلقه #وكذلك سمى بعض صفاته علما وقوة وأيدا وقدرة ورحمة وغضبا ورضى
ويدا وغير ذلك وسمى بعض صفات عباده بذلك وليس علمه كعلمهم ول قدرته
كقدرتهم ول رحمته وغضبه كرحمتهم وغضبهم ول يده كأيديهم #وكذلك ما أخبر
به عن نفسه من استوائه على العرش ومجيئه في ظلل من الغمام وغير ذلك من هذا
الباب ليس استواؤه كاستوائهم ول مجيئه كمجيئهم #وهذه المعاني التي تضاف إلى
الخالق تارة وإلى المخلوق أخرى تذكر على ثلثة أوجه #تارة تقيد بالضافة إلى
الخالق أو بإضافته إليها كقوله
قيل إنها حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق كقول أبي العباس الناشىء #وقيل #
بالعكس كقوله غلة الجهمية والباطنية والفلسفة #وقيل حقيقة فيهما وهو قول
الجمهور #ثم قيل هي مشتركة اشتراكا لفظيا وقيل متواطئة وهو قول الجمهور #
ثم من جعل المشككة نوعا من المتواطئة لم يمتنع عنده إذا قيل مشككة أن تكون
متواطئة ومن جعل ذلك نوعا آخر جعلها مشككة ل متواطئة #وهذا نزاع لفظي فإن
المتواطئة التواطؤ العام يدخل فيها المشككة #إذ المراد بالمشككة ما يتفاضل
معانيها في مواردها كلفظ البيض الذي يقال على البياض الشديد كبياض الثلج
والخفيف كبياض العاج والشديد أولى به #ومعلوم أن مسمى البياض في اللغة ل
يختص بالشديد دون الخفيف فكان اللفظ دال على ما به الشتراك وهو المعنى العام
الكلي وهو متواطىء بهذا العتبار وهو اعتبار التفاضل يسمى مشككا #وأما إذا
أريد بالواطىء ما تستوي معانيه كانت المشككة نوعا آخر
لكن تخصيص لفظ المتواطئة بهذا عرف حادث وهو خطأ أيضا #فإن عامة #
المعاني العامة تتفاضل والتماثل فيها في جميع مواردها بحيث ل تتفاضل في شيء
من مواردها إما قليل وإما معدوم #فلو لم تكن هذه السماء متواطئة بل مشككة كان
عامة السماء الكلية غير متواطئة وهذا مبسوط في موضع آخر #والمقصود هنا
أن ال سبحانه وتعالى إذا أضاف إلى نفسه ما أضافه إضافة يختص بها وتمنع أن
يدخل فيها شيء من خصائص المخلوقين وقد قال مع ذلك إنه ليس كمثله شيء وإنه
487
www.anassim.fr.st 488 الن سي ــــ ـــ ـم
لم يكن له كفوا أحد وأنكر أن يكون له سمي كان من فهم من هذه ما يختص به
المخلوق قد أتي من سوء فهمه ونقص عقله ل من قصور في بيان ال ورسوله ول
فرق في ذلك بين صفة وصفة #فمن فهم من علم ال ما يختص به المخلوق من أنه
عرض محدث باضطرار أو اكتساب فمن نفسه أتي وليس في قولنا علم ال ما يدل
على ذلك #وكذلك من فهم من قوله ^ #بل يداه مبسوطتان ^ الية ^ #ما منعك
أن تسجد لما خلقت بيدي ^ #ما يختص به المخلوق من جوارحه وأعضائه فمن
نفسه أوتي
فليس في ظاهر هذا اللفظ ما يدل على ما يختص به المخلوق كما في سائر الصفات
#وكذلك إذا قال ^ #ثم استوى على العرش ^ #من فهم من ذلك ما يختص
بالمخلوق كما يفهم من قوله ^ #فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ^ #فمن
نفسه أتي فإن ظاهر اللفظ يدل على استواء يضاف إلى ال عز وجل كما يدل في
تلك الية على استواء يضاف إلى العبد #وإذا كان المستوي ليس مماثل للمستوي
لم يكن الستواء مماثل للستواء #فإذا كان العبد فقيرا إلى ما استوى عليه يحتاج
إلى حمله #وكان الرب عز وجل غنيا عن كل ما سواه والعرش وما سواه فقيرا
إليه وهو الذي يحمل العرش وحملة العرش لم يلزم إذا كان الفقير محتاجا إلى ما
استوى عليه أن يكون الغني عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه محتاجا إلى ما
استوى عليه #وليس في ظاهر كلم ال عز وجل ما يدل على ما يختص به
المخلوق من حاجة إلى حامل وغير ذلك بل توهم هذا من سوء الفهم ل من دللة
اللفظ
لكن إذا تخيل المتخيل في نفسه أن ال مثله تخيل أن يكون استواؤه كاستوائه وإذا #
عرف أن ال ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله علم أن
استواءه ليس كاستوائه ولمجيئه كمجيئه كما أن علمه وقدرته ورضاه وغضبه ليس
كعلمه وقدرته ورضاه وغضبه #وما بين السماء من المعنى العام الكلي كما بين
قولنا حي وحي وعالم وعالم وهذا المعنى العام الكلي المشترك ل يوجد عاما كليا
مشتركا إل في العلم والذهن وإل فالذي في الخارج أمر يختص بالموصوف #
فصفات الرب عز وجل مختصة به وصفات المخلوق مختصة به ليس بينهما
اشتراك ول بين مخلوق ومخلوق #الوجه الخامس قولهم لما كان اعتقادهم في
الباري جلت قدرته أنه غير ذي جسم استعمال منهم للفظ الجسم في القدر والغلظ ل
في ذي القدر والغلظ وهذا أحد موردي استعماله وهو الشهر في لغة العامة فيقولون
هذا الثوب له جسم وهذا ليس له جسم أي هذا له غلظ وكثافة دون هذا #ولكن
النظار أكثر ما يستعملون لفظ الجسم في نفس ذي القدر فيقولون للقائم بنفسه ذي
القدر إنه جسم #وهذا اللفظ لما كثر استعماله في كلم النظار تفرقوا في معانيه لغة
وعقل وشرعا تفرقا ضل به كثير من الناس فإن هذا اللفظ أصله في اللغة هو الجسد
قال غير واحد من أهل اللغة كالصمعي وأبي زيد وغيرهما الجسم هو الجسد # #
488
www.anassim.fr.st 489 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا إنما يستعمله أهل اللغة فيما كان غليظا كثيفا فل يسمون الهواء جسما ول جسدا
ويسمون بدن النسان جسدا #وقد تقدم أن الجسم يراد به نفس الجسد ويراد به قدر
الجسد وغلظه قال تعالى ^ #وزاده بسطة في العلم والجسم ^ #وقال تعالى ^ #
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ^ #وقد
يراد به هذا وهذا #ثم إن أهل النظر استعملوا لفظ الجسد في أعم من معناه في
اللغة كما فعلوا مثل ذلك في لفظ الجوهر ولفظ العرض ولفظ الوجود ولفظ الذات
وغير ذلك #فاستعملوا لفظ الجسم فيما يقوم بنفسه وتمكن الشارة إليه الحسية
المختلفة #ثم تنازعوا نزاعا عقليا فيما يشار إليه كالهواء والنار والتراب والماء
وغير ذلك هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي ل تقبل القسمة أو من المادة
والصورة أو ليس مركبا ل من هذا ول من هذا على ثلثة أقوال قد بسط الكلم
عليها في غير هذا الموضع #فمن اعترف أنها مركبة من هذا أو هذا يلزمه إذا قال
إن ال جسم أن يكون ال مركبا من هذا أو هذا #ولهذا قالوا إن هذا باطل وأوجبوا
على أصلهم نفي مسمى هذا السم وهذا هو المشهور عند هؤلء #ومن اعتقد أنه
ليس مركبا ل من هذا ول من هذا قال يلزمني إذا قلت هو جسم أن يكون مركبا #
فمن هؤلء من أطلق عليه لفظ الجسم وأراد به القائم بنفسه أو الموجود كما أطلق
هؤلء لفظ الجوهر وقالوا أردنا بالجوهر القائم بنفسه وكما قال هؤلء ليس في
الوجود إل جوهر أو عرض #فإن الوجود إما قائم بنفسه وهو الجوهر أو بغيره
وهو العرض والجوهر أشرف القسمين
وقال الخرون ليس في الوجود إل قائم بنفسه وهو الجسم أو قائم بغيره وهو #
العرض والجسم أشرف القسمين وقال فما سماه أولئك جوهرا سماه أولئك جسما
وكلهما ليست تسميته لغوية ول شرعية #وإذا قال هؤلء هو جوهر ل كالجواهر
كما يقال هو شيء ل كالشياء #قال أولئك هو جسم ل كالجسام كما يقال هو شيء
ل كالشياء #وإذا قال هؤلء الجوهر ينقسم إلى كثيف ولطيف قال أولئك والجسم
ينقسم إلى لطيف وكثيف #والمقصود هنا أن هؤلء الذين نزهوه عما يمتنع عليه
من مماثلة المخلوقين وسموه جسما نزاعهم مع النفاة قد يكون لفظيا كنزاع النصارى
في لفظ الجوهر وقد يكون عقليا كنزاعهم في المشار إليه هل هو مركب من
الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة أو ل من هذا ول من هذا #ومن قال من
القائلين بأنه جسم فيقول إنه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة
فهؤلء مذمومون لفظا ومعنى عند
جماهير المسلمين وغيرهم وإن كان النصارى وغيرهم يعجزون عن الرد على
هؤلء إذ كان ما يعتمدون عليه في تنزيه ال عن خصائص الجسام طرقا ضعيفة ل
تثبت على المعيار العقلي كما قد بسط في موضع آخر #بخلف من كان نزاعه
لفظيا فهذا يذم إما لغة وإما لغة وشرعا لكونه أطق لفظا لم يأذن به الشرع أو
استعمله في خلف معناه اللغوي كما قد يذم النافي لمثل ذلك لغة وشرعا إذا كان
489
www.anassim.fr.st 490 الن سي ــــ ـــ ـم
معناه صحيحا #وأما من كان من النفاة أو المثبتة نفى حقا أو أثبت باطل فهذا
مذموم ذما معنويا شرعا وعقل #وأما الشرع فالرسل وأتباعهم الذين من أمة
موسى وعيسى ومحمد لم يقولوا إن ال جسم ول إنه ليس بجسم ول إنه جوهر ول
إنه ليس بجوهر #لكن النزاع اللغوي والعقلي والشرعي في هذه السماء هو مما
أحدث في الملل الثلث بعد انقراض الصدر الول من هؤلء وهؤلء وهؤلء #
والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم ما جاء به القرآن والتوراة من أن ال موصوف
بصفات الكمال وأنه ليس كمثله شيء فل تمثل صفاته بصفات المخلوقين مع إثبات
ما أثبته لنفسه من الصفات ول يدخل في صفاته ما ليس منها وليخرج منها ما هو
داخل فيها
إذا تبين هذا فالمسلمون لما كان اعتقادهم بأن ال تعالى موصوف بما وصف به #
نفسه وأنه ليس كمثله شيء وكان ما أثبتوه له من الصفات مما جاءت به الرسل لم
يكن عليهم ملم لنهم أثبتوا ما أثبته الرسل ونفوا ما نفته الرسل فكان في هذا النفي
ما ينفي الوهم الباطل #بخلف من أثبت أمورا لم تأت بها الرسل وضم إليها ما
يؤكد المعنى الباطل ل ما ينفيه وكان مما نفوا عنه أنه ليس بجسم مركب من
الجواهر المنفردة ول من المادة والصورة #أما على أحد قولي النظار بل أظهرهما
فإن ما سواه من الموجودات القائمة بأنفسها ليس مركبا ل من هذا ول من هذا #
فهو سبحانه أحق بتنزيهه عن مثل هذا إذ كل نقص نفي عن المخلوق فالخالق أحق
بتنزيهه منه #وأما على القول الخر فتارة يقولون لن المركب من الجواهر
المنفردة يمكن افتراق أجزائه وذلك ممتنع في حق ال تعالى وتارة يقولون لنه
مفتقر إلى أجزائه وذلك ممتنع في حق ال
تعالى إذ جزؤه غيره والمفتقر إلى غيره ل يكون واجبا بنفسه قديما أزليا كما قد
بسط الكلم على هذه المور في موضع آخر #ثم منهم من ل يطلق من النفي
والثبات إل اللفاظ الشرعية فكما ل يقول هو جسم وجوهر ل يقول ليس بجسم ول
جوهر #ومنهم من يطلق هذه اللفاظ وهؤلء منهم من ينفيها ومنهم من يثبتها #
وكل من الطائفتين قد يدخل في ذلك ما يوافق الشرع وقد يدخل في ذلك ما يخالف
الشرع #وكل من الطائفتين يدعي النظر العقلي أو اللغوي وربما اعتصم بعضهم
بما يظنه دليل شرعيا #والغالب عليهم أنهم ل يعتصمون في ذلك بشرع إذ لم يكن
في ذلك شرع وإنما يتكلفون تغيير اللغة التي بعث بها الرسول ثم يحملون ألفاظه
على ما ابتدعوه من اللغة كما فعلته النصارى في حمل كلم النبياء على ما ابتدعوه
من اللغة #فإن النبياء لم يسموا علم ال وحياته ابنا وروح قدس ول ربا فسمى
النصارى علمه وحياته ابنا وروح قدس وربا ثم حملوا كلم النبياء على ذلك #
كذلك طائفة من أهل الكلم كان السلف يسمونهم الجهمية أحدثوا تسمية الواحد
والحد ونحوهما لما ل يشار إليه ويميز الحس منه
شيئا عن شيء وهذا خلف اللغة فإن أهل اللغة يسمون بالواحد والوحيد والحد في
490
www.anassim.fr.st 491 الن سي ــــ ـــ ـم
النفي لما يشار إليه ويميز الحس منه شيئا من شيء قال تعالى ^ #ذرني ومن
خلقت وحيدا ^ #فسمى النسان وحيدا وقال تعالى ^ #وإن كانت واحدة فلها
النصف ^ #فسمى المرأة واحدة ^ #وما أمرنا إل واحدة ^ #وقال ^ #وإن أحد
من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ^ #فسمى المستجير وهو
النسان أحدا #وكذلك قوله تعالى ^ #ولم يكن له كفوا أحد ^ #فنفى أن يكون أحد
كفوا له
فلو كان ما يشار إليه ل يسمى أحدا لم يكن قد نزهه عن مماثلة المخلوقات له فإن #
المشهود من المخلوقات كلها يشار إليها فإن لم يدخل في أحد لم يكن قد نزه نفسه
عن مماثلتها #فهؤلء لما أحدثوا أن مسمى الحد والواحد ل يكون مشارا إليه قالوا
والرب قد سمى نفسه أحدا وواحدا فيجب أن ل يكون مشارا إليه #ولغة الرسول
التي خاطب بها الناس لم تكن موافقة لما ابتدعوه من اللغة #وكذلك الذين قالوا هو
جسم غيروا اللغة وجعلوا الجسم اسما لما يشار إليه أو لكل موجود ولكل قائم بنفسه
#ثم قالوا هو موجود أو قائم بنفسه أو مشار إليه فيكون جسما #ول يوجد في اللغة
اسم الجسم ل لهذا ول لهذا ول لهذا #وقالوا ل يلزم من كونه مشارا إليه أن يكون
مركبا من الجواهر المفردة ول من المادة والصورة #وقال أولئك بل يلزم أن كل
مركب يسمى في اللغة جسما فيلزم أن يسمى جسما إذا قلنا هو مشار إليه أو يرى
بالبصار أو متصفا بصفات تقوم به #وليس ما ذكروه عن اللغة بمستقيم فإن أهل
اللغة ل يعنون بالجسم المركب بل الجسم عندهم هو الجسد ول يسمون الهواء جسما
إذا تبين هذا فتمثيل هؤلء النصارى باطل على قول كل طائفة من طوائف #
المسلمين #فمنهم من يقول الجسم في اللغة هو المركب وال ليس بمركب فليس
بجسم ل يقولون بما ذكروه من أن ال له وجه يوليه إلى كل مكان وجنب ونحو ذلك
#وكذلك من قال إن ال ليس بمركب وسماه جسماه بمعنى أنه قائم بنفسه أو لم يسمه
جسما ل يقول بذلك أيضا ومن حكى عنه يثبت له خصائص الجسام المركبة فهؤلء
إن أطلقوا ما نفاه فل حجة للنصارى عليهم وإن لم يطلقوه فحجتهم أبعد #فقد تبين
أنه ليس لهم حجة على أفسد الناس قول في التجسيم فضل عن غيرهم #الوجه
السادس أن يقال لهؤلء النصارى إما أن تعنوا بلفظ الجسم المعنى اللغوي وهو
الجسد وإما أن تعنوا به المعنى الصطلحي عند أهل الكلم كالمشار إليه مثل #
فإن عنيتم الول لم يلزم من نفي ذلك نفي ما ذكرتموه من الصفات ل سيما وأنتم
تقولون إنه جوهر وقسمتم الجوهر إلى لطيف وكثيف #فإذا كان الكثيف هو الجسم
واللطيف جوهر ليس بجسم لم يمتنع على مثل هذا أن يكون له ما يناسبه من
الصفات كالملئكة
فإن الملئكة ل يمتنع وصفها بذلك وإن لم تكن أجساما على هذا الصطلح بل هي
جواهر روحانية وكذلك روح النسان التي تخرج منه ل يمتنع وصفها بما يناسبها
من ذلك وإن كانت ليست بجسم على هذا التقدير #فتبين أن نفي مسمى الجسم
491
www.anassim.fr.st 492 الن سي ــــ ـــ ـم
اللغوي عن الشيء ل يمتنع اتصافه بما ذكر من الصفات وأمثالها #وإن عنيتم
بالجسم القائم بنفسه أو المشار إليه لم يمتنع عندكم أن يكون جسما فإنكم سميتموه
جوهرا وعنيتم القائم بنفسه #فإن قام الدليل على أن كل قائم بنفسه يشار إليه كان
أيضا مشارا إليه #وإن قام دليل على أنه قائم بنفسه ل يشار إليه كان جوهرا
وجسما عند من يفسر الجسم بالقائم بنفسه ومن فسره بالمشار إليه لم يسم عنده جسما
فتبين أنه على أصلكم ل يمتنع أن يسمى جسما مع تسميتكم له جوهرا إل إذا ثبت أن
من الموجودات ما هو جوهر قائم بنفسه ل يشار إليه وهذا لم يقيموا عليه دليل
وليس هذا قول أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وإنما هو قول طائفة من
الفلسفة وقليل من أهل الملل وافقوهم #ثم يقال لكم أنتم قلتم إنه حي ناطق وله حياة
ونطق بل زدتم على ذلك حتى جعلتموه أقانيم ثلثة
ومعلوم أن الحياة والنطق ل تعقل إل صفة قائمة بموصوف ول يعلم موصوف #
بالحياة والنطق إل ما هو مشار إليه بل ما هو جسم كالنسان #فإن جاز لكم أن
تثبتوا هذه العراض في غير جسم جاز لغيركم أن يثبت المجيء واليد ونحو ذلك
لغير الجسم #وإن قلتم هذا ل يعقل إل لجسم قيل لكم وذلك ل يعقل إل لجسم فإن
رجعتم إلى الشاهد كان حجة عليكم وإن جاز لكم أن تثبتوا في الغائب حكما على
خلف الشاهد جاز لغيركم وحينئذ فل تناقض بين ما نفاه المسلمون وأثبتموه لو كان
ما ذكرتموه عنهم من النفي والثبات حقا على وجهه فكيف وقد وقع التحريف في
الطرفين #الوجه السابع أن يقال غاية مقصودكم أن تقولوا إن المسلمين لما أطلقوا
ألفاظا ظاهرها كفر عندهم لمجيء النص بها وهم ل يعتقدون ظاهر مدلولها كذلك
نحن أطلقنا هذه اللفاظ التي ظاهرها كفر لمجيء النص بها ونحن ل نعتقد مدلولها
#فيقال لكم أول إن ما أطلقه المسلمون من نصوص الصفات أطلقتموه أنتم كما
وردت به التوراة فهذا مشترك بينكم وبينهم وما اختصصتم به من التثليث والتحاد
لم يشركوكم فيه #ثم يقال ثانيا إن المسلمين أطلقوا ألفاظ النصوص وأنتم أطلقتم
ألفاظا لم يرد بها نص
والمسلمون قرنوا تلك اللفاظ بما جاءت به النصوص من نفي التمثيل #وأنتم لم #
تقرنوا بألفاظكم ما ينفي ما أثبتموه من التثليث والتحاد #والمسلمون لم يعتقدوا
معنى باطل #وأنتم اعتقدتم من التثليث في القانيم والتحاد ما هو معنى باطل #
والمسلمون لم يسموا صفات ال بأسماء أحدثوا تسمية الصفات بها وحملوا كلم
الرسل عليها #وأنتم أحدثتم لصفات ال أسماء سميتموه أنتم بها لم تسمعه الرسل
وحملتم كلم الرسل عليها #والمسلمون لم يعدلوا عن النصوص الكثيرة المحكمة
البينة الواضحة إلى ألفاظ قليلة متشابهة #وأنتم عدلتم عن هذا إلى هذا #
والمسلمون لم يضعوا لهم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل #وأنتم وضعتم
شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل #والمسلمون لم يقولوا قول ل يعقل #وأنتم
قلتم قول ل يعقل #والمسلمون لم يتناقضوا فيجعلوا الله واحدا ويجعلونه
492
www.anassim.fr.st 493 الن سي ــــ ـــ ـم
اثنين بل ثلثة وأنتم تناقضتم #فهذه الفروق وغيرها مما يبين فساد تشبيهكم أنفسكم
بالمسلمين #الوجه الثامن قولكم وكذلك نحن النصارى العلة في قولنا إن ال ثلثة
أقانيم أب وابن وروح قدس أن النجيل نطق به #فيقال لكم هذا باطل فإنه لم ينطق
ل النجيل ولشيء من النبوات بأن ال ثلثة أقانيم ول خص أحد من النبياء الرب
بثلث صفات دون غيرها ول قال المسيح ول غيره إن ال هو الب والبن وروح
القدس ول إن له أقنوما هو البن وأقنوما هو روح القدس ول قال إن البن كلمته أو
علمه أو حكمته أو نطقه وإن روح القدس حياته ول سمى شيئا من صفاته ابنا ول
ولدا ول قال عن شيء من صفات الرب إنه مولود ول جعل القديم الزلي مولودا
ول قال ل عن قديم ول مخلوق إنه إله حق من إله حق ول قال عن صفات ال إنها
آلهة وإن الكلمة إله والروح إله ول قال إن ال اتحد ل بذاته ول بصفاته بشيء من
البشر بل هذا كله مما ابتدعتموه وخرجتم به عن الشرع والعقل فخالفتم الكتب
المنزلة والعقول الصريحة وكنتم ممن قيل فيهم ^ #وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما
^ كنا في أصحاب السعير
فإنكم أنتم الذين سميتم نطق ال ابنا وقلتم سميناه ابنا لنه تولد منه كما يتولد الكلم #
من العقل فكان ينبغي أيضا أن تسموا حياته ابنا لنها منبثقة منه ومتولدة عنه أيضا
إذ ل فرق بين علم الرب وحياته #فعلمه لزم له وحياته لزمة له فلماذا جعلتم هذا
ابنا دون هذا #وقلتم إنه مولود من ال وإنه قديم أزلي وأنتم تعترفون بأن أحدا من
النبياء لم يسم علم ال ول كلمه ول حكمته مولودا منه #والذي يعقله الخلق في
المولود الذي يولد من غيره كما يتولد العلم والكلم من نفس النسان أنه حادث فيه
أو منفصل عنه ل يعقل أنه قائم به وأنه متولد منه قديم أزلي #ثم قلتم في أمانتكم
إنه تجسم من روح القدس أو منه ومن مريم #وهو إنما تجسم عندكم من الكلمة
التي سميتموها البن دون روح القدس #وإن كان تجسم من روح القدس فيكون هو
روح القدس ل يكون هو الكلمة التي هي البن #ثم تقولون هو كلمة ال وروحه
فيكون حينئذ أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم الروح وإنما هو عندكم أقنوم واحد
فهذا تناقض وحيرة تجعلونه البن الذي هو الكلمة وهو أقنوم الكلمة فقط # #
وتقولون تجسم من روح القدس ول تقولون إنه تجسم من الكلمة #وتقولون هو كلمة
ال وروحه والكلمة والروح أقنومان #ول تقولون إنه أقنومان بل أقنوم واحد #
وتقولون إنه خالق العالم والخالق هو الب وتقولون ليس هو الب وتقولون إله حق
من إله حق وتقولون إله واحد ساوى الب في الجوهر #وتقولون ليس له مثل
وليس شيء من هذا في كلم أحد من النبياء فكيف تشبهون أنفسكم بمن اتبع
نصوص النبياء ولم يحرفها #وغاية ما عندكم ما وجد في إنجيل متى دون سائر
الناجيل من أن المسيح عليه السلم قال عمدوا الناس باسم الب والبن والروح
القدس #وأنتم قد عرفتم في كلم المسيح وغيره من النبياء أنهم ليريدون بالبن
صفة ال ل كلمه ول علمه ول حكمته #ول يريدون بالبن إله حق من إله حق
ول مولود قديم أزلي
493
www.anassim.fr.st 494 الن سي ــــ ـــ ـم
بل يريدون به وليه وهو ناسوت ل لهوت كيعقوب والحواريين #ول يريدون
بروح القدس نفس حياة ال ول يريدون به أنه رب حي وإنما يريدون بها الملك أو
ما ينزله ال على قلوب أنبيائه وأصفيائه من الهدى والتأييد ونحو ذلك #فروح
القدس يكون عندكم وعند المسلمين في النبياء وغيرهم كما كانت في داود وغيره
وكانت في الحواريين #فلو قدر أن لفظ البن وجد في كلم المسيح مستعمل تارة
في كلمة ال وتارة في وليه الناسوت وروح القدس مستعمل تارة في حياته وتارة
فيما ينزله على قلوب أنبيائه كان جزمكم بأنه أراد بذلك هنا صفات ال جزما باطل
#فما وصف به المسيح من أنه ابن ال ومن أن روح القدس فيه قد وصف به غيره
من النبياء والصالحين #فإن كان البن وروح القدس صفتين ل وجب أن يكون
غير المسيح لهوتا وناسوتا كالمسيح إذ الذي حل في المسيح حل في غيره #ثم
جزمكم بأن هذه الصفات أقانيم وأنه ليس ل صفات ذاتية أو جوهرية أو نحو ذلك إل
هذه الثلثة ثم تفرقتم في الثلثة هل المراد بالقانيم الوجود والعلم والحياة أو الحكمة
والكلم أو النطق
بدل لفظ العلم أو المراد الوجود والعلم والقدرة بدل الحياة أو المراد الوجود والحياة
والقدرة أو المراد الوجود مع الحياة والعلم والقدرة إلى أقوال أخرى يطول أمرها #
فيا ليت شعري ما الذي أراد المسيح بلفظ الب والبن وروح القدس من هذه المور
التي اختلفتم فيها لو كان مراده ما ادعيتموه من القانيم #والقانيم لفظا ومعنى
ليوجد في كلم أحد من النبياء بل قيل فيها إنها لفظة رومية يفسرونها تارة
بالصل وتارة بالشخص وتارة بالذات مع الصفة ويفسرونها تارة بالخاصة وتارة
بالصفة #فهل تركتم كلم المسيح على حاله ولم تحرفوه هذه التحريفات #ولقد
أحسن بعض الفضلء إذ قال لو سألت نصرانيا وابنه وابن ابنه عما يعتقدونه
لخبرك كل واحد بعقيدة تخالف عقيدة الخر إذ كان أصل اعتقادهم جهل وضلل
ليس معهم علم ل نقل ول عقل فهم كما قال ال تعالى ^ #ومن الناس من يجادل في
ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير ^ #وليس معهم بما اعتقدوه من التثليث
والتحاد علم بوجه من الوجوه فضل عما هو أخص من ذلك وهو علم يهتدون به
فليسوا
بمهدتين فضل عما هو أخص من الهدى وهو كتاب منير فليس معهم به كتاب منير
#ولو تكلمتم بهذا الكلم وقلتم ل نفهم معناه أو ظاهره باطل وله تأويل مقبول كما
حكيتموه عمن تشبهتم به من المسلمين من أنه يقوله في الصفات لكان هذا أقرب إلى
القياس #فكيف والمر بعكس ما ذكرتم #وذلك يتبين بالوجه التاسع وهو أنكم إنما
ضللتم بعدولكم عن صريح كلم النبياء وظاهره إلى ما تأولتموه عليه من التأويلت
التي ل يدل عليها لفظه ل نصا ول ظاهرا فعدلتم عن المحكم واتبعتم المتشابه ابتغاء
الفتنة وابتغاء تأويله #فلو تمسكتم بظاهر هذا الكلم لم تضلوا فإن البن ظاهره في
كلم النبياء ل يراد به شيء من صفات ال بل يراد به وليه وحبيبه ونحو ذلك
494
www.anassim.fr.st 495 الن سي ــــ ـــ ـم
وروح القدس ليراد به صفته بل يراد به وحيه وملكه ونحو ذلك فعدلتم عن ظاهر
اللفظ ومفهومه إلى معنى ل يدل عليه اللفظ البتة فكيف تدعون أنكم اتبعتم نصوص
النبياء #الوجه العاشر أنكم بالغتم في ذم المسيح وإنجيله كما بالغتم في سب ال
وشتمه وإن كنتم ل تعلمون أن ذلك ذم فلم ترضوا أن تجعلوا ظاهر كلم المسيح ما
أنتم عليه من الكفر حتى جعلتم ظاهره كفر ل ترضونه مثل ثلثة آلهة متفقة أو
متفرقة أو ثلثة أجسام مؤلفة أو ثلثة أجزاء مفرقة أو ثلثة أشخاص مركبة #فهذا
ونحوه هو الذي ادعيتم أنه ظاهر كلم المسيح عليه السلم
وأنتم ل تقولون بهذا الظاهر بل تكفرون قائله كما يكفر المسلمون من يقول #
بالظاهر الذي هو التجسيم والتمثيل #وهذا ما يتضمن أن كلم المسيح ظاهر في
إثبات ثلثة آلهة وثلثة أشخاص مؤلفة وثلثة أجزاء متفرقة وثلثة أشخاص مركبة
#كما زعمتم أن ظاهر القرآن التجسيم وأنكم عدلتم عن هذا الظاهر إلى إثبات
القانيم الثلثة التي جعلتم فيها كلمة ال هي ابنه وهو جوهر خالق يساويه في
الجوهر وأن المسيح هو هذا البن المساوي للب في الجوهر خالق العالمين وديان
يوم الدين والجالس فوق العرش عن يمين الرب وأنه إله حق من إله حق والروح
أيضا إله ثالث واللهة الثلثة إله واحد #وهذا الذي ذكرتموه فيه من عيب المسيح
وذمه ما ينتصر ال به للمسيح وممن افترى عليه منكم ومن غيركم #فإن المسيح
عليه السلم على قولكم لم يفصح لكم بأمانة تعتقدونها ول بتوحيد تعرفون به ربكم
عز وجل بل تكلم بما ظاهره إثبات ثلثة آلهة وثلثة أجسام مركبة وثلثة أجزاء
متفرقة وأنكم أنتم أصلحتم ذلك حتى جعلتموه ثلثة أقانيم ووضعتم تلك المانة
المخالفة لعقول ذوي العقول ولكل كتاب جاء به رسول مع أن المسيح لم ينطق
بتثليث قط ول باتحاد ول بما يدل على ذلك #وعمدتم على ما نقله متى عنه دون
الثلثة أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس
وهذا الكلم ظاهر بل نصه حجة على خلف قولكم وأنه أراد بالبن نفسه وهو #
الناسوت ولم يرد به صفة ال وأراد بروح القدس ما أيده ال به أو روح القدس الذي
نفخ في امه حتى حبلت به لم يرد به صفة ال تعالى #فتأولتم كلمه على خلف
ظاهره تأويل يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول فكيف تدعون أنكم تمسكتم
بظاهر كلمه #ولما كان قول النصارى في التثليث متناقضا في نفسه ل حقيقة له
صار مجرد تصوره التام كافيا في العلم بفساده من غير احتياج إلى دليل وإن كانت
الدلة تظهر بفساده #ولهذا سلك طائفة من العلماء في الكلم معهم هذا المسلك وهو
أن مجرد تصور مذهبهم كاف في العلم بفساده فإنه غير معقول #وقالوا إن
النصارى ناقضت في اللفظ وأحالت في المعنى فل يجوز أن يعتقد ما يدعون انتحاله
لتناقضه #وذلك أنهم يزعمون أن الثلثة واحد والواحد ثلثة وهذا ل يصح اعتقاده
لنه ل يجوز أن يعتقد المعتقد في شيء أنه ثلثة مع اعتقادة فيه أنه واحد لن ذلك
متضاد #وإذا كان ذلك كذلك فليس يخلو من أن يعتقد أنه ثلثة أو أنه واحد #
وليس يحتاج أن يعرف بدليل بطلن قول من ادعى أن الواحد ثلثة وأن الثلثة
495
www.anassim.fr.st 496 الن سي ــــ ـــ ـم
وهو كمن ادعى في الشيء أنه موجود معدوم أو قديم محدث أو في الجسم أنه #
قائم قاعد متحرك ساكن #وإذا كان كذلك فتناقضه أظهر من أن يحتاج فيه إلى دللة
#وإذا قال النصارى إنه أحدي الذات ثلثي الصفات #قيل لو اقتصرتم على قولكم
إنه واحد له صفات متعددة لم يكنر ذلك عليكم جمهور المسلمين بل ينكرون
تخصيص الصفات بثلث فإن هذا باطل من وجود متعددة #منها أن الب عندكم
هو الجوهر ليس هو صفة فل يكون له صفة إل الحياة والعلم فيكون جوهرا واحدا
له أقنومان وأنتم جعلتم ثلثة أقانيم #ومنها أن صفات الرب ل تنحصر في العلم
والحياة بل هو موصوف بالقدرة وغيرها #ومنها أنكم تارة تفسرون روح القدس
بالحياة وتارة بالقدرة وتارة بالوجود #وتفسرون الكلمة تارة بالعلم وتارة بالحكمة
وتارة بالكلم #فبطلن قولكم في إثبات ثلث صفات كثير وأنتم مع هذا تجعلون
كل واحدة منها إلها #فتجعلون الحياة إلها والعلم إلها وهذا باطل #وأما من لم يثبت
الصفات من المسلمين وغيرهم فيردون عليكم من وجوه أخرى كقول بعضهم إذا
قيل ألستم تقولون إن البعاض
الكثيرة تكون إنسانا واحدا والحاد الكثيرة عشرة واحدة والجسام الكثيرة دارا
واحدة ومدينة واحدة وما جرى هذا المجرى مما هو أكثر من أن يحصى وأظهر من
أن يخفى #فكيف عبتم ذلك من النصارى ولم أنكرتم أن يكون ثلثة أقانيم جوهرا
واحدا #قيل إن قولنا إنسان واحد ودار واحدة وعشرة واحدة وما يجري هذا
المجرى أسماء تنبىء عن الجمل ل عن آحاد #وإذا قلنا إنسان واحد فكأنا قلنا جملة
واحدة وكذلك إذا قلنا عشرة واحدة ل أنا نثبته واحدا في الحقيقة #كيف ونحن نقول
إن أبعاض النسان متغايرة فكل بعض منها غير سائرها وكذلك كل واحد من
العشرة غير سائرها #فنحن وإن قلنا إنسان واحد فلسنا نثبته شيئا واحدا في نفسه
ولو أثبتنا ذلك لتناقضنا مناقضة النصارى وإنما قلنا هي جملة واحدة ولو قالت
النصارى مثل ذلك لم تتناقض حتى يزعموا أنها ثلثة أشياء جملة واحدة #فيكون
مرادهم في ذلك بوصفهم القانيم الثلثة بأنها جوهر واحد مما نريد بقولنا البعاض
الكثيرة أنه إنسان واحد #فيكون وصفهم لها بأنها جوهر إنما ينبىء أنها جملة وليس
هذا مما يذهبون إليه ول يعتقدونه ول يجعلون له معنى لنهم ل يعطون
حقيقة التثليث فيثبتون القانيم الثلثة متغايرة ول حقيقة التوحيد فيثبتون القديم واحدا
ليس باثنين ول أكثر من ذلك #وإذا كان ذلك كذلك فما قالوه هو شيء ل يعقل ول
يصلح اعتقاده ويمكن أن يعارضوا على قولهم بكل حال #فيقال لهم إذا جاز عندكم
أن تكون ثلثة أقانيم جوهرا واحدا فلم ل يجوز أن تكون ثلثة آلهة جوهرا واحدا
وثلثة فاعلين جوهرا واحدا وثلثة أغيار جوهرا واحدا وثلثة أشياء جوهرا واحدا
وثلثة قادرين جوهرا واحدا وكل ثلثة أشياء جوهرا واحدا وكل ما يجري هذا
المجرى من المعارضة فل يجدون فصل #الوجه الحادي عشر أن غلة المجسمة
496
www.anassim.fr.st 497 الن سي ــــ ـــ ـم
الذين يكفرهم المسلمون أحسن حال منكم شرعا وعقل وهم أقل مخالفة للشرع
والعقل منكم #فإذا كان هؤلء خيرا منكم فكيف تشبهون أنفسكم بمن هو خير من
هؤلء من أهل السنة من المسلمين الذين ل يقولون ل بتمثيل ول بتعطيل #وبيان
ذلك أن التوراة والنجيل وسائر كتب ال وغير ذلك مما هو مأثور عن النبياء فيه
نصوص كثيرة صريحة ظاهرة واضحة في وحدانية ال وأنه ل إله غيره وهو
مسمى فيها بالسماء الحسنى موصوف بالصفات العلى وأن كل ما سواه مخلوق له
ليس فيه
النبياء الكثيرة إلى ما يحتمله بعض اللفاظ لموافقته لهواهم فلم يتبعوا ^ #إل الظن
وما تهوى النفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ^ #وأما كفار المجسمة فهؤلء
أعذر وأقل كفرا من النصارى فإن هؤلء يقولون كما يقوله معهم النفاة إن ظواهر
جميع الكتب هو التجسيم #ففي التوراة والقرآن من اليات التي ظاهرها التجسيم ما
ل يحصى #وليس فيها نص بما يقوله النفاة من أن ال ليس بداخل العالم ول
خارجه ول متصل به ول منفصل عنه ول هو فوق العرش ول يشار إليه ول يصعد
إليه شيء ول ينزل منه شيء ول يقرب منه شيء ول يدنو من شيء ول يدنو إليه
شيء إلى نحو ذلك من النفي الذي يقوله نفاة الصفات #فمعلوم أنه ليس في الكتب
اللهية ل التوراة ول النجيل ول الزبور ول القرآن ول غير ذلك من النبوات من
هذا حرف واحد وكلها مملوءة مما يقول هؤلء إنه تجسيم #فيقول هؤلء نحن
اتبعنا نصوص النبياء ولم نعدل عنها إلى غيرها ولم نجد في نصوصهم نصا
محكما صريحا بالنفي الذي يقوله نفاة الصفات
ووجدنا نصوصهم كلها بالثبات الذي يقولون إنه تجسيم #فكان على قولنا #
وقولهم نصوص النبياء ظاهرة في التجسيم وليس لهم نص يناقض ذلك فاتبعنا
497
www.anassim.fr.st 498 الن سي ــــ ـــ ـم
فنحن نقول أيضا إنه حل في بعض الجساد المخلوقة كما يقوله النصارى #أو #
نقول إنه تجسد كما تتجسد الملئكة والجن وهذا أقرب من قول النصارى إنه اتحد
بجسم المسيح #فإنا قد عهدنا اللطائف من الملئكة تتصور في صورة بشرية ولم
نعهد ملكا صار هو والبشر شيئا واحدا #فإذا لم يجز أن يتحد الملك بالبشر فكيف
يجوز أن يتحد رب الخلئق كلهم بالبشر #قالوا وقد يحل الجني في بدن النسي
ويتكلم على لسانه إل أنهما جوهران ومشيئتان وطبيعتان ليس بينهما اتحاد لكنه دخل
فيه وتكلم على لسانه #والنصارى يقولون إن رب العالمين اتحد بالبشر فمنهم من
يقول جوهر واحد ومنهم من يقول شخص واحد وأقنوم واحد ومنهم من يقول مشيئة
واحدة فلبد لكل منهم من نوع اتحاد وهذا أبعد من حلول الجني في النسي فإذا كان
ما يقولونه ممتنعا في الجن والملئكة فكيف برب العالمين
ومن غلة المجسمة اليهود من يحكي عنه أنه قال إن ال بكى على الطوفان حتى #
رمد وعادته الملئكة وأنه ندم حتى عض يده وجرى منه الدم وهذا كفر واضح
صريح ولكن يقولون قولنا خير من قول النصارى فإن النصارى يقولون إنه أخذ
وضرب بالسياط وبصق في وجهه ووضع الشوك على رأسه كالتاج وصلب بين
لصين وفعل به من أقبح ما يفعل باللصوص قطاع الطرق #وقد صرح كثير منهم
بأن هذا فعل باللهوت والناسوت جميعا #وشريعة إيمانهم تدل على ذلك وهو لزم
لمن أنكر ذلك منهم فإنه مع القول بالتحاد الذي ل بد لطوائفهم الثلثة منه يمتنع أن
تحل هذه العقوبات في هذا دون ذاك فل يمكن أن يحل في الناسوت دون اللهوت
فإن هذا إنما يتصور إذا كان اثنين ومن قال بالتحاد امتنع عنده أن يكون هناك اثنان
#وفي الجملة فالنصارى المثلثة إما أن يصرحوا بالتحاد من كل وجه كاليعقوبية
وهؤلء يصرحون بأن اللم حلت باللهوت #وإما أن يقولوا بالتحاد من وجه
كقول الملكية إنهما شخص
498
www.anassim.fr.st 499 الن سي ــــ ـــ ـم
واحد وقول النسطورية هما مشيئة واحدة #وحينئذ فما قالوه من التعدد الذي يوجب
المباينة وأنه ل يتصف أحدهما بما يتصف به الخر ول يحل به ما حل به فيكون
متناقضا لهذا #فأحسن أحوالهم أن يتناقضوا في التحاد كما تناقضوا في التثليث
وهذا حقيقة قول خيار هؤلء يتكلمون بالكفر وبما يناقضه وبالتوحيد وبما يناقضه #
ومعلوم أن ما يفعله بنفسه من ندم وبكاء وحزن هو دون ما يفعله أعداؤه به من
ضرب وصفع وجعل الشوك على رأسه وصلبه بين لصين وأن استغاثته بمن
يخلصه من ذلك أشد نقصا من ندمه وحزنه #وإن قالوا فعل هذا حتى يعلم عباده
التشبه به أمكن أولئك المجسمة الكفرة أن يقولوا بكى وندم وعض يده ندما حتى
جرى الدم حتى يعلم عباده التوبة من الذنوب #ففي الجملة ما قال قوم من أهل
الملل قول في ال إل وقول النصارى أقبح منه #ولهذا كان معاذ بن جبل رضي ال
عنه يقول ل ترحموهم فلقد سبوا ال مسبة ما سبه إياها أحد من البشر ولهذا يعظم
ال فريتهم
على ال في القرآن أشد من تعظيم افتراء غيرهم كقوله ^ #وقالوا اتخذ الرحمن
ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا
أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات
والرض إل ءاتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم ءاتيه يوم القيامة
فردا ^ #وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي قال يقول ال
عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك فأما شتمه
إياي فقوله اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما
تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته #
ورواه البخاري عن ابن عباس عن النبي قال قال ال عز وجل كذبني ابن آدم ولم
يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني ل أقدر أن أعيده
كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة ول ولدا
وفي الصحيحين عن أبي موسى قال قال رسول ال ما أحد أصبر على أذى سمعه #
من ال عز وجل إنه يشرك به ويجعل له ند وهو يعافيهم ويرزقهم ويدفع عنهم #
الوجه الثاني عشر أن كل من يعتقد في التجسيم ما يعتقد يمكنه أن يقول كما يقوله
النصارى فإن النصارى عمدوا إلى ما هو جسد من جنس سائر أجساد بني آدم قالوا
إنه إله تام وإنسان تام وليس فيه من اللهية شيء فما بقي مع هذا يمتنع أن يعتقد في
نظائره ما يعتقد فية #فلو قال القائل إن موسى بن عمران كان هو ال لم يكن هذا
أبعد من قول النصارى فإن معجزات موسى كانت أعظم وانتصاره على عدوه
أظهر وقد سماه ال في التوراة إلها لهارون ولفرعون #فإذا قيل فيه ما قالوه في
المسيح إنه أظهر المعجز بلهوته وأظهر العبودية بناسوته لم يكن بطلن هذا أظهر
من بطلن قول النصارى بل متى جوزوا اتحاد اللهوت بالناسوت لم يمكنهم دفع
ذلك عن أحد ممن يدعى فيه إل بدليل خاص بل إذا قيل لهم حل في كثير من النبياء
499
www.anassim.fr.st 500 الن سي ــــ ـــ ـم
والقداديس لم يمكنهم نفي ذلك #وإذا قالوا لم يخبر بذلك أحد ولم يبشر به نبي أو
هذا غير معلوم
قيل لهم غاية هذا كله أنكم ل تعلمون ذلك ولم يقم عندكم دليل عليه وعدم العلم #
ليس علما بالعدم فعدم علمكم وعدم علم غيركم بالشيء ليس علما بعدم ذلك الشيء
#وكذلك عدم الدليل المعين ل يستلزم عدم المدلول عليه فإن كل ما خلقه ال دليل
عليه ثم إذا عدم ذلك لم يلزم عدم الخالق فل يجوز نفي الشيء لعدم الدليل الدال عليه
إل أن يكون عدم الدليل مستلزما لعدمه كالمور التي تتوفر الهمم على نقلها إذا لم
ينقل علم انتفاؤها #والمقصود أنكم مع العدم ليمكنكم النفي العام عن غير المسيح
لعدم الدليل الدال عليه فإنه ل يلزم من عدم الدليل عدم المدلول في نفس المر ل
سيما وهو كان متحدا بالمسيح عندهم أكثر من ثلثين سنة ومع هذا فكان يخفي نفسه
ول يظهر إل العبودية #فإذا قيل لهم هكذا كان متحدا بغيره من النبياء والصالحين
ولكن أخفى نفسه لحكمة له في ذلك أو أظهر على نفسه بعض خواص عباده أو
أظهر لطائفة لم ينقل إلينا خبرهم ونحو ذلك لم يمكن مع تصديق النصارى فيما
يدعونه الجزم بكذب هؤلء بل من جوز قول النصارى جوز أن يكون متحدا بغير
ذلك من الجسام فيجعل كثيرا من الجسام المخلوقة هي رب العالمين إذ كانت ليس
هو متحدا بها في نفس المر
فإذا اعتقدوا التحاد فيها كما اعتقدته النصارى في المسيح لم يكن ثم إله في #
الحقيقة إل ذلك الجسم الناسوتي المخلوق #لكن ظن الضال أنه رب العالمين كما
ظن عباد العجل أن العجل إله موسى فإذا جاز أن يتحد الرب عز وجل ببعض
الجسام لم ينكر على أصحاب العجل إذا جوزوا أن يكون رب العالمين اتحد بالعجل
وقد رأوا منه نوع خرق عادة فليس للنصارى أن ينكروا على عباد العجل ول عباد
شيء من الصنام إذا أمكن أن يكون الرب عز وجل حل فيها عندهم إن لم يقموا
دليل على أن الرب لم يحل في ذلك #فإذا قيل إن موسى عليه السلم أنكر على
عباد العجل #قيل نعم وموسى ينكر على كل من عبد شيئا من المخلوقات حتى لو
عبد أحد الشجرة التي كلمه ال منها لنكر عليه فإنكاره على النصارى أعظم #
وموسى عليه السلم لم يقل قط إن ال يتحد بشيء مع المخلوقات ويحل فيه بل أخبر
من عظمة ال عز وجل بما يناقض ذلك #ففي التوراة من نهيه عن عبادة ما سوى
ال ومن تعظيم أمره وعقوبة المشركين به وبما أخبر به من صفات ال عز وجل ما
يناقض قول النصارى
ولهذا كان من تدبر التوراة وغيرها من كلم النبياء عليهم السلم من النصارى #
تبين له أن دينهم يناقض دين النبياء كلهم وأن ما هم عليه من التثليث والتحاد
والشرك لم يبعث به أحد من النبياء عليهم السلم #وما يفعلونه من دعاء
المخلوقين كالملئكة أو كالنبياء والصالحين الذين ماتوا مثل دعائهم مريم وغيرها
وطلبهم من الموات الشفاعة لهم عند ال لم يبعث به أحد من النبياء فكيف وقد
500
www.anassim.fr.st 501 الن سي ــــ ـــ ـم
صوروا تماثيلهم ليكون تذكيرا لهم بأصحابها ويدعون تلك الصور #وإن قصدوا
دعاء أصحابها فهم إذا صرحوا بدعاء أصحابها وطلبوا منهم الشفاعة وهم موتى
وغائبون كانوا مشركين #فكيف إذا كان الدعاء في الظاهر لتماثيلهم المصورة وهذا
مما يعترف حذاق علمائهم بأنه مخالف لدين النبياء كلهم #ولهذا وقع بينهم تنازع
في اتخاذ الصور في الكنائس لما ابتدعه بعضهم كما هو مذكور في أخبارهم ولم
يأت من ابتدع ذلك بحجة شرعية #والمجسمة يعتقدون أن ال قديم أزلي وأنه عظيم
جدا ل يقولون إنه متحد بشيء من الجسام المخلوقة ول يحل فيها فمن
قال باتحاده وحلوله فيها كان قوله شرا من قول هؤلء المجسمة #كما أن المتفلسفة
الذين يقولون بأن الفلك أجسام قديمة أزلية واجبة بنفسها أولها علة تتشبه بها كما
يقوله أرسطو وذووه أو يثبتون لها علة فاعلة لم تزل مقارنة لها كما يقوله ابن سينا
وأمثاله #وهؤلء قولهم شر من قول اليهود والنصارى ومشركي العرب الذين
يثبتون للسموات والرض خالقا خلقها بمشيئته وقدرته #ولو قال من قال منهم إن
ذلك جسم فغايته أن يثبت جسما قديما أزليا موصوفا بصفات الكمال #فمن أثبت
جسما قديما أزليا ليس موصوفا بصفات الكمال كان قوله شرا من قول هذا #فتبين
أن المجسمة الذين يثبتون جسما قديما أزليا واجب الوجود بنفسه عالما بكل شيء
قادرا على كل شيء مع قولهم إنه تحله الحوادث وتقوم به الحركة والسكون خيرا
من قول الفلسفة الذين يقولون إن الفلك أجسام قديمة أزلية واجبة الوجود بنفسها
كما يقوله أرسطو وذووه وخير من النصارى أيضا #الوجه الثالث عشر قولهم من
قال ثلثة آلهة مختلفة أو متفقة أو ثلثة أشخاص مركبة أو غير ذلك مما يقتضي
الشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه فنحن نلعنه ونكفره #فيقال لهم وأنتم أيضا
تلعنون من قال إن المسيح ليس هو إله حق من إله حق ول هو مساوي الب في
الجوهر ومن قال إنه
ليس بخالق ومن قال إنه ليس بجالس عن يمين أبيه ومن قال أيضا إن روح القدس
ليس برب حق محيي ومن قال إنه ليس ثلثة أقانيم #وتلعنون أيضا مع قولكم إنه
الخالق من قال إنه الب والب هو الخالق فتلعنون من قال هو الب الخالق ومن
قال ليس هو الخالق فتجمعون بين النقيضين #فتلعنون من جرد التوحيد بل شرك
ول تثليث ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الخر وتجمعون بين
النقيضين #فمن أثبت أحدكما منفكا عن الخر لعنتموه كمن قال عندي واحد ثلثة
#فمن قال هو واحد ليس بثلثة كذبه ومن قال هو ثلثة ليس واحدا كذبه #ومن
قال عندي شيء موجود معدوم فمن قال هو موجود ليس بمعدوم كذبه ومن قال
معدوم ليس بموجود كذبه #ومن قال عندي شيء هو حي ميت هو عالم جاهل هو
قادر عاجز فمن قال هو حي ليس بميت كذبه ومن قال هو ميت ليس بحي كذبه #
فهكذا أنتم تجمعون بين قولين متناقضين أحدهما حق والخر باطل #فمن قال الحق
ونفى الباطل لعنتموه ومن قال الباطل ونفى
501
www.anassim.fr.st 502 الن سي ــــ ـــ ـم
كلمه في غير هذا الموضع #وفيهم من يقول إن مريم زوجة ال وفيهم من يجعلها
إلها آخر كالمسيح #وفيهم من يثبت أن المسيح ابن ال الولدة المعقولة المعروفة
من الحيوان #والمانة التي جعلوها عقيدتهم وأصل إيمانهم في زمن قسطنطين بعد
المسيح بأكثر من ثلثمائة سنة هي وغيرها من أقوالهم الظاهرة تدل على هذه
المور المنكرة القبيحة دللة بينة #لكن علماؤهم يتأولونها بتأويلت تناقض مدلولها
مع فساد تلك المعاني التي يحملونها عليها عقل وشرعا #وليست تلك ألفاظ النبياء
حتى يقال حكمهم في ذلك حكم سائر الطوائف من المسلمين وغيرهم الذين يقولون
ما يرونه متشابها من كلم النبياء ويقولون إن النبياء تكلموا بما ل يعرف أحد
معناه أو أنهم خاطبوا الجمهور بما أرادوا به تفهيمهم أمورا ينتفعون بها وإن كان
502
www.anassim.fr.st 503 الن سي ــــ ـــ ـم
ذلك كذبا باطل في نفس المر #فإن هؤلء الطوائف وإن كان فيهم من الضلل
والجهل ما قد بسط في غير هذا الموضع فقد فعلوا ذلك في ألفاظ النبياء التي لها
حرمة النبوة
بخلف النصارى فإنهم وضعوا عقيدة وشريعة ليست ألفاظها منقولة عن أحد من #
النبياء #الوجه الرابع عشر قولهم ويراد بالب والبن غير أبوة وبنوة نكاح ومن
أراد ولدة زوجة لعناه #فيقال لفظ الولدة المعروفة إنما يكون من أصلين وإنما
يكون بانفصال جزء من الصلين وإنما يكون بحدوث المولود سواء أريد ولدة
الحيوان أو غيرها كما تتولد النار من بين الزنادين فإذا قدح أحدهما بالخر خرج
منهما جزء لطيف فاستحال نارا ثم سقط على الحراق #وقد توسع بعض الناس في
الولدة حتى عبر به عما يحدث عن الشيء وإن لم يكن بانفصال جزء منه كتولد
الشعاع عن النار والشمس وغيرها لن هذا يحدث بشيئين أحدهما ما يصدر عنه من
الشمس والنار والثاني المحل القابل له الذي ينعكس عليه وهو الجرم المقابل له الذي
يقوم به الشعاع #فأما ما يحدث عن شيء واحد فل يعرف أنه يسمى ولدة إن قدر
وجود ذلك وكذلك ل يعرف ما يلزم الشيء الواحد أنه يسمى ولدا #فأما ما يقوم
بالموصوف من صفاته اللزمة له فهذا أبعد
شيء عن أن يسمى هذا الملزوم ولدة بل ل تكون الولدة إل عن أصلين #وكل من
قال إن ل ولدا لزمه أن يكون له صاحبة بأي وجه فسر الولدة وأن يكون له ولد
حادثا ولهذا قال تعالى ^ #وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات
بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم
تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ #فاستفهم تعالى استفهام
إنكار ليبين امتناع أن يكون له ولد إذ لم تكن له صاحبة فإن الولد ل يكون إل من
أصلين وهذا مما ينبغي أن يتفطن له فإن جعل ما يلزم الشيء الواحد متولدا عنه ل
يعرف ل سيما صفاته القائمة به اللزمة له كعلمه وحياته ل سيما الصفات القديمة
الزلية اللزمة لذات رب العالمين الذي لم يزل ول يزال موصوفا بها فإن صفات
العبد اللزمة له كحياته وقدرته ونحو ذلك ليست متولدة عنه عند جميع العقلء #
ول يقول عاقل يعقل ما يقول إن لون السماء وقدرها متولد عنها ول إن قدر الشمس
وضوءها القائم بها اللزم لها متولد عنها ول يقول أحد إن حرارة النار وضوءها
القائم بها متولد عنها
وإنما يقال إن قيل فيما ليس بقائم بها بل قائم بغيرها أو فيما هو حادث بعد أن لم #
يكن كالشعاع القائم بالرض والحيطان وهذا ليس بقائم بها بل قائم بغيرها هو حادث
متولد عن أصلين ل عن أصل واحد #فأما صفات المخلوق القائمة به اللزمة له
فل يقول أحد من العقلء إنها متولدة عنه #والنصارى يزعمون أن كلمة ال التي
يفسرونها بعلمه أو حكمته وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته هي صفة له
قديمة أزلية لم يزل ول يزال موصوفا بها #ويقولون مع ذلك إن الكلمة هي مولودة
503
www.anassim.fr.st 504 الن سي ــــ ـــ ـم
منه فيجعلون علمه القديم الزلي متولدا عنه ول يجعلون حياته القديمة الزلية
متولدة عنه #وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه لكن ظهر بذلك
بعض مناقضاتهم وضللهم فإنه أنواع كثيرة فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة
اللزمة لذاته يقال إنها ابنه وولده ومتولد عنه ونحو ذلك فتكون حياته أيضا ابنه
وولده ومتولدا عنه وإن لم يكن كذلك فل يكون علمه ابنه ول ولده ول متولدا عنه #
وأبلغ من ذلك أن روح القدس المنفصلة عنه القائمة بالنبياء والصديقين ليقولون
إنها ولده ول إنها متولدة عنه بل يخصون
ذلك بالكلمة فل ينقلون عن أحد من النبياء أنه سمى شيئا من صفات ال ابنا ول
ولدا ول قال إن علم ال أو كلمه أو حكمته ولده أو ابنه أو هو متولد عنه #فعلم أن
القوم في غاية التناقض في المعاني واللفاظ وأنهم مخالفون للكتب اللهية كلها ولما
فطر ال عليه عباده من المعقولت التي يسمونها نواميس عقلية ومخالفون لجميع
لغات الدميين وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم فإنهم قالوا تولدت الكلمة عنه كما
تولد الكلمة والحكمة فينا عن العقل #فيقال لهم لو قدر أن النبياء سموا ذلك تولدا
فما يتولد فينا حادث بعد أن لم يكن وحدوثه يتسبب من فعلنا وقدرتنا ومشيئتنا #فاما
صفاتنا اللزمة لنا التي ل اختيار لنا في اتصافنا بها ولم نزل متصفين بها فل يقول
عاقل إنها متولدة فينا وعنا #وأنتم تجعلون صفة ال القديمة اللزمة له التي لم يزل
ول يزال متصفا بها متولدة عنه #فلو قدر أن ما ذكرتموه من التولد العقلي أمرا
معروفا في اللغة والعقل والشرع لم يكن لكم أن تجعلوا علم ال وحكمته التي فسرتم
بها كلمته ابنا له ومولودا منه لم يزل مولودا منه لن هذا باطل عقل وشرعا ولغة #
اما العقل فإن صفة الموصوف اللزمة له وإن كان مخلوقا
ليست متولدة عنه فكيف الصفة القديمة للموصوف القديم #ولو جاز هذا جاز أن
يجعل ما كان لزما لغيره ولدا له ومولودا منه فيجعل كيفيات الشياء وكمياتها
متولدة عنها وأمثالها #ويقال إن طول الجسم وعرضه وعمقه متولد عنه وإن حياة
الحي متولدة عنه وإن القوى والطبايع التي جعلها ال في المخلوقات متولدة عنها #
وأما الشرع فإن هذا لو كان متولدا وهو في بعض اللغات يسمى ولدا لم يجز أن
يحمل على ذلك كلم النبياء إل أن يكون في لغتهم يسمى ولدا #وكل من نظر في
كتب النبياء من علماء النصارى وغيرهم لم يجد أحدا من النبياء يسمى علم ال
وكلمته وحياته ولدا له ول ابنا له ول قال إن ذلك يتولد عنه #فقولهم عن المسيح
عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس أنه أراد بالبن كلمة ال القديمة الزلية
وأنها متولدة منه وأنه أراد بروح القدس حياة ال القديمة الزلية كذب محض على
المسيح عليه السلم ل يوجد قط في كلمه ول كلم غيره من النبياء أنهم سموا علم
ال وحكمته ول شيئا من صفاته القائمة به ابنا ول سموا حياته روح القدس #وأما
اللغة فإن هذا التعبير الذي ذكروا وهو تسمية صفات
الموصوف اللزمة له ولدا وابنا ومتولدا ل يعرف في لغات بني آدم المعروفة #
504
www.anassim.fr.st 505 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد يتبنى الرجل ولد غيره فيتخذه ولدا ويجعله بمنزلة الولد وإن لم يكن متولدا عنه
كما كانت تفعله أهل الجاهلية من العرب وغيرهم ولهذا نزه ال تعالى نفسه عن
الولدة وعن اتخاذ الولد فقال تعالى ^ #أل إنهم من إفكهم ليقولون ولد ال وإنهم
لكاذبون ^ #وقال تعالى ^ #وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين
وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له
ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ #وقال تعالى ^ #
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ #وأما اتخاذ الولد ففي مواضع متعددة كقوله
تعالى ^ #وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ^ #وقوله
تعالى
وأما تسمية شيء من صفات ال ابنا أو ولدا فهذا ل يعرف عن أحد من النبياء #
ول المم أهل اللغات سوى مبتدعة النصارى ولم يبق للتولد إل معنيان أحدهما أن
ينفصل عنه جزء والثاني أن يحدث عنه شيء إما باختياره وإما بغير اختياره
وقدرته كحدوث الشعاع عن النار والشمس #وكل من المرين ل يكون إل عن
أصلين ول بد أن يكون حادثا ل يكون من صفاته اللزمة له فيمتنع أن يتولد عنه
شيء إن لم يكن معه أصل آخر يتولد عنهما #والتولد عنه بغير قدرته ومشيئته
ممتنع عند أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى وسائر المم سوى طائفة من
المتفلسفة يقولون إنه موجب بذاته مستلزما لما يصدر عنه فهؤلء قولهم يناسب هذا
التولد #والنصارى تكفر هؤلء لكن قد ضاهوهم في القول كما قال تعالى ^ #
وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم
يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ #وهذا قاله طائفة من
اليهود وهو معروف عن شخص يقال له فنحاص بن عازورا وأتباعه
قال أبو محمد بن حزم والصدوقية طائفة من اليهود نسبوا إلى رجل يقال له #
صدوق وهم يقولون من بين سائر اليهود إن العزير بن ال وكانوا بجهة اليمن #
505
www.anassim.fr.st 506 الن سي ــــ ـــ ـم
ولكن المتفلسفة الذين يقولون بصدور العقول والفلك عنه وإن سمي ذلك تولدا فهم
يجعلون ولده منفصل عنه لكن يثبتون ولدا قديما أزليا صدر عنه بغير اختياره
ويجعلون الشيء الواحد متولدا عنه #وسائر الطوائف الذين أثبتوا ل ولدا جعلوه
حادثا منفصل عنه #فأما جعل صفته القائمة به ولدا له ومولودا فهذا ل يعرف عن
غير النصارى فإذا أثبتوا له ولدا وابنا غير مخلوق والصفة القائمة به اللزمة له لم
تتولد عنه ول تسمى ابنا ول ولدا عند أحد من النبياء وغيرهم تعين أن يكون الولد
إما جزءا منفصل عنه وإما معلول له صادرا عنه بغير قدرته ومشيئته وأي القولين
قالوه فهم فيه كفار مضاهئون لقول الذين كفروا من قبل
وبعض علمائهم وإن أنكر ذلك لكنهم يقولون ما يستلزم ذلك ويشبهونه بالشعاع #
من الشمس ويقولون عن الروح هو منبثق من ال خارج منه #وهذا كله يناسب
الولدة التي هى خروج شيء منه أو حدوث شيء عنه بغير اختياره ومشيئته ول بد
له مع ذلك من محل يقوم به فإن الشعاع ل يقوم إل بالرض #والمر المنبثق
الخارج من غيره إما أن يكون جوهرا قائما بنفسه أو صفة قائمة بغيرها #فإن كان
جوهرا فقد انفصل من الرب جزء #وإن كان عرضا فل بد له من محل فيكون
متولدا عن أصلين #وتشبيههم بتولد الكلم عن العقل تشبيه باطل فإن ذلك يحصل
بقدرة النسان ومشيئته وهو حادث بعد أن لم يكن #هذا إذا عرف أن ما يقوم بقلب
النسان من علم وحكمة يقال إنه يتولد عنه ويقال إنه ابنه مع أن هذا أمر غير
معروف في اللغات ولو كان معروفا في لغة بعض المم لم يجز أن يفسر به كلم
النبياء إن لم يكن معروفا في لغتهم #وأما ما يدعونه فإنهم يقولون إن الكلمة لزمة
لذات ال أزل وأبدا وهي مولودة منه مع أنها غير مصنوعة فهذا كلم متناقض
باطل من وجوه
فإن المتولد عن الشيء ل يتولد إل عنه وعن غيره وأما الشيء الواحد فل يتولد #
عنه وحده شيء وأيضا فإن ما تولد عن غيره لم يكن حادثا وأما الصفة القديمة
اللزمة لذات الرب فليست مولودة له ول متولدة عنه بل هي قائمة به لزمة لذاته #
وأيضا فإن المولود اسم مفعول يقال ولده يلده فهو مولود وهذا ل يقال إل في الحادث
المتجدد فإنه مفعول فعل الوالد #والقديم الزلي ل يكون مفعول مولودا #وأيضا
فتسمية الصفة القديمة الزلية مولودا وابنا ل يوجد في كلم أحد من النبياء عليهم
السلم #فهب أن هذا مما يسوغ لنا في اللغة أن نقوله لكن ل يجوز أن نحدث لغة
غير لغة النبياء ونحمل كلم النبياء عليها فإن هذا كذب عليهم #وهكذا تفعل
النصارى وأمثالهم من أهل التحريف بكلم النبياء يحدثون لهم لغة مخالفة للغة
النبياء ويحملون كلم النبياء عليه #مثال ذلك أن النبياء أخبروا بأن ال إله واحد
وكفروا من أثبت إلهين اثنين وأمروا بالتوحيد ودعوا إليه وحرموا الشرك وكفروا
أهله وأخبروا أن ال واحد أحد وكان مرادهم بذلك توحيده وأنه ل يجوز أن
يعبد إل ال وأنه ل يستحق العبادة إل هو ليس مقصودهم بذلك نفي صفاته #فلم
506
www.anassim.fr.st 507 الن سي ــــ ـــ ـم
يقصدوا بلفظ الحد والواحد أنه ليس له علم ول قدرة ول شيء من الصفات #فجاء
طائفة من أهل البدع ففسروا لفظ اسم الواحد والحد بما جعلوه اصطلحا لهم فقالوا
الواحد الذي ليس فيه تركيب ول ينقسم ولو كان له صفات لكان مركبا ولو قامت به
الصفات لكان جسما والجسم مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة فل
يكون أحدا ول واحدا #فيقال هذا الذي قالوه لو قدر أنه صحيح في العقل واللغة
فليس هو لغة النبياء التي خاطبوا بها الخلق فكيف إذا لم يكن هذا الواحد من لغة
أحد من المم #بل جميع المم تسمي ما قام به الصفات واحدا بل يسمونه وحيدا
وقد يسمونه في غير الثبات أحدا كقوله ^ #وإن أحد من المشركين استجارك
فأجره حتى يسمع كلم ال ^ #وقوله ^ #ذرني ومن خلقت وحيدا ^ #وأمثال
ذلك
وأما البحث العقلي في هذا فقد بسطناه في غير هذا الموضع وبينا أن ما يسميه #
هؤلء المتفلسفة تركيبا كقولهم إن الشيء مركب من وجود وماهية وقولهم إن
النواع مركبة من الجناس والفصول هو باطل عند جميع جمهور العقلء #وليس
في الخارج إل ذات متصفة بصفات ليس في الخارج وجود القائم بنفسه وماهية
أخرى غير هذا الشيء الموجود القائم بنفسه مثل #ولكن قد يعنى بلفظ ماهية ما
يتصور في الذهان وبالوجود ما يوجد في العيان وحينئذ فهذه الماهية غير هذا
الموجود وحينئذ فيقال هذه الماهية غير هذا الوجود #وكذلك قولهم إن النسان
الموجود في الخارج مركب من الجنس والفصل فإن النسان الموجود هو ذات
متصفة بصفات هو وغيره من الموجودات #ولكن يتصور في الذهن ما هو مركب
من الحيوان والناطق كما يتصور ما هو مركب من الحيوان والضاحك وهذا تركيب
ذهني ل تركيب في الخارج وقد بسط هذا في غير هذا الموضع #وتبين أن ما
جعلوه من الصفات داخل في الماهية وما جعلوه خارجا عنها لزما لها وما هو
مجموع أجزاء الماهية يرجع عند التحقيق إلى ما هو مدلول عليه بالتضمن واللتزام
والمطابقة
ومن ذلك تركيب الجسم من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة #وأكثر #
العقلء ينكرون تركيب الجسم من هذا وهذا كما قد بسط في موضع آخر #
والمقصود هنا أن كلم النبياء ل يجوز أن يحمل إل على لغتهم التي من عادتهم أن
يخاطبوا بها الناس ل يجوز أن يحدث لغة غير لغتهم ويحمل كلمهم عليها #بل إذا
كان لبعض الناس عادة ولغة يخاطب بها أصحابه وقدر أن ذلك يجوز له فليس له أن
يحمل ذلك لغة النبي ويحمل كلم النبي على ذلك #ومن هذا إخبار النبياء بأن ال
يقول ويتكلم وينادي ويناجي وإنه قال كذا وتكلم بكذا ونادى موسى ونحو ذلك #
والمعروف في لغتهم ولغة سائر المم أن المتكلم من قام به الكلم وإن كان متكلما
بقدرته ومشيئته ل يعرف في لغتهم أن المتكلم من أحدث كلما منفصل عنه ول أن
المتكلم من قام به الكلم بدون قدرته ومشيئته #فليس لحد إذا جعل اسم المتكلم لمن
يحدث كلما بائنا عنه أو من قام به بدون قدرته ومشيئته أن يحمل كلم النبياء على
507
www.anassim.fr.st 508 الن سي ــــ ـــ ـم
هذا #بل المتكلم عند الطلق من تكلم بقدرته ومشيئته مع قيام الكلم به
وهذا هو المعروف في لغة النبياء وسائر المم عند الطلق ونظائر هذا متعددة #
#فمن فسر كلم النبياء بغير لغتهم المعروفة فهم ممن بدل كلمهم وحرفه
والنصارى من هؤلء #وكذلك اسم العادل والظالم ونحوهما فإن المعروف من
كلم النبياء وغيرهم أن العادل من قام به العدل وفعل العدل بمشيئته وقدرته #
والظالم من قام به الظلم وفعله بقدرته ومشيئته ل يسمون من لم يقم به الظلم ولكن
قام بغيره لكون قد جعل ذلك فاعل له ول يسمون من لم يفعل الظلم ولكن فعله غيره
فيه ظالما #فمن جعل الظالم والكافر والفاسق من لم يفعل شيئا من ذلك ولكن فعله
غيره فيه أو جعل الظالم من لم يقم به ظلم فعله ولكن جعل غيره متصفا به ظالما فقد
خرج عن المعروف من كلم النبياء وغيرهم #وأبلغ من ذلك أن المحدث
والحادث في لغة جميع المم ل يسمى به إل ما كان بعد أن لم يكن والمخلوق أبلغ
من المحدث والحادث #فليس لحد إذا أحدث اصطلحا سمى به القديم الزلي الذي
لم يزل موجودا ولكنه زعم أنه معلول لغيره فسماه محدثا بهذا العتبار أن يقول أنا
أحمل كلم النبياء الذي أخبروا به أن السماوات والرض
وما بينهما مخلوق أو مصنوع أو معقول أو محدث أو نحو ذلك من العبارات على
أن مرادهم بذلك أنه معلول مع كونه قديما أزليا لم يزل #وأما لفظ القديم فهو في
اللغة المشهورة التي خاطبنا بها النبياء يراد به ما كان متقدما على غيره تقدما
زمانيا سواء سبقه عدم أو لم يسبقه كما قال تعالى ^ #حتى عاد كالعرجون القديم ^
#وقال تعالى ^ #تال إنك لفي ضللك القديم ^ #وقال الخليل ^ #أفرأيتم ما
كنتم تعبدون أنتم وآ
باؤكم القدمون فإنهم عدو لي إل رب العالمين ^ #فلهذا كان القديم الزلي الذي لم
يزل موجودا ولم يسبقه عدم أحق باسم القديم من غيره #وليس لحد أن يجعل
القديم والمتقدم اسما لما قارن غيره في الزمان لزعمه أنه متقدم عليه بالعلة ويقول
إنه متقدم على غيره وسابق له بهذا العتبار وإن ذلك المعلول متأخر عنه بهذا
العتبار ثم يحمل ما جاء من كلم النبياء وأتباع النبياء وعموم الخلق على هذا
الصطلح لو كان حقا فكيف إذا كان باطل
وما ذكره من التقدم والسبق والتأخر بغير الزمان أمر غير موجود ول معقول ول #
يعرف في الوجود من فعل شيئا وكان علة فاعلة له إل وهو متقدم عليه سابق له
ليس مقارنا له في الزمان ألبتة بل متقدم عليه تقدما زمانيا #وكل من يعرف أنه
سبب أو علة فاعلة فإنه متقدم على مسببه ومعلوله لكن قد يكون متصل به ليس
بينهما زمان آخر #فيقال ليس هذا متأخرا عن هذا أي هو متصل به ليس بينهما
فصل #ويقال ليس ذلك متقدما على هذا أي ليس بينهما زمان بل هو متصل به إذ
قد يراد بلفظ التقدم هذا كقول النبي الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس منها من
تقدمها أي من كان قد تقدمها حتى لم يكن قريبا منها لم يكن تابعا لها كما جاء في
508
www.anassim.fr.st 509 الن سي ــــ ـــ ـم
الحديث الخر الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها ووراءها وعن يمينها ويسارها
قريبا منها رواه أبو داود وغيره وهو أبين حديث
روي في هذا الباب في هذا الحكم ومنه قوله تعالى ^ #ول اليل سابق النهار ^ #
أي ل يتقدم عليه بحيث يكون بينهما انفصال بل كال منهما متصل بالخر #
والمقصود هنا أن معرفة اللغة التي خاطبنا بها النبياء وحمل كلمهم عليها أمر
واجب متعين ومن سلك غير هذا المسلك فقد حرف كلمهم عن مواضعه وكذب
عليهم وافترى #ومثل هذا التحريف والتبديل قد اتفق المسلمون واليهود والنصارى
على أنه وقع فيه خلق كثير من أهل الكتب الثلثة وأن التوراة والنجيل حرفا بهذا
العتبار وكذلك القرآن حرفه أهل اللحاد والبدع بهذا العتبار #فأهل الكتاب نقلوا
عن النبياء أنهم تكلموا بلفظ الب والبن ومرادهم عندهم بالب الرب وبالبن
المصطفى المختار المحبوب #ولم ينقل أحد منهم عن النبياء أنهم سموا شيئا من
صفات ال ابنا ول قالوا عن شيء من صفاته أنه تولد عنه ول أنه مولود له #فإذا
وجد في كلم المسيح عليه السلم أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح
القدس ثم فسروا البن بصفة ال
القديمة الزلية كان هذا كذبا بينا على المسيح حيث لم يكن في لغته أن لفظ البن
يراد به صفة ال القديمة الزلية #وكذلك إذا لم يكن في كلم النبياء أن حياة ال
تسمى روح القدس وإنما يريدون بروح القدس ما ينزله ال تبارك وتعالى على
النبياء والصالحين ويؤيدهم كان تفسير قول المسيح روح القدس أنه أراد حياة ال
كذبا على المسيح #وهذا من بعض الوجوه أفسد من قول بعض المتفلسفة إن العقول
والنفوس والفلك معلولة له متولدة عنه لزمة له أزل وأبدا وإن كان هذا أيضا
باطل في صريح العقل كما هو كفر بما أخبرت به النبياء كما قد بسط في موضع
آخر فإنه ل يصدر شيء عن فاعل الشياء بعد شيء ل يتصور أن يكون المفعول
مقارنا للفاعل ل يتأخر عنه ول يكون التولد إل عن أصلين #والواحد من كل وجه
الذي ليس له صفة ثبوتية ل وجود له ولو كان له وجود لم يصدر عنه وحده شيء
كما قد بسط الكلم على ذلك في مواضع أخر #ومما يوضح ذلك أن خواص
النصارى وعلماءهم مع تجويزهم أن يقال أن المسيح ابن ال يلزمهم أن تكون مريم
صاحبة ال وامرأته كما قال ذلك من يغلو منهم ومنهم من يجعل مريم إلها مع ال
كما جعل المسيح إلها #فإن قالوا بذلك جعلوا ل صاحبة وولدا وجعلوا المسيح بن
مريم وأمه إلهين من دون ال كما فعل ذلك من فعله منهم #فإنهم يعبدون مريم
ويدعونها بما يدعون به ال سبحانه والمسيح ويجعلونها إلها كما يجعلون المسيح إلها
فيقولون يا والدة الله اغفري لنا وارحمينا ونحو ذلك فيطلبون منها ما يطلبونه من
ال عز وجل #ومنهم من يقول عن مريم إنها صاحبة ال سبحانه وتعالى #وبيان
لزوم ذلك أن المسيح عندهم إنسان تام وإله تام ناسوت ولهوت فناسوته من مريم
ولهوته الكلمة القديمة الزلية وهي الخالق عندهم #فالمسيح بين أصلين ناسوت
509
www.anassim.fr.st 510 الن سي ــــ ـــ ـم
ولهوت فإذا كان الب هو ال عندهم والكلمة المولودة عن الب ابن ال فمعلوم أن
اللهوت لما التحم بالناسوت ليصير منهما المسيح ازدوج به وقارنه وهذا معنى
الزوجية #فكما أنهم قالوا إن الولدة عقلية ل حسية فكذلك الزدواج والنكاح عقلي
ل حسي فإن اللهوت على قولهم ازدوج بناسوت مريم ونكحها نكاحا عقليا وخلق
المسيح من هذا و هذا #وهم يقولون في المانة إن المسيح تجسد من مريم ومن
روح القدس #فإن فسروا روح القدس بجبريل كما يقوله المسلمون فهو
الحق وبطل قولهم لكنهم يقولون روح القدس هو القنوم الثالث كما يقولون في
الكلمة وهو اللهوت عندهم #فهم قد ذكروا أنه تجسد من الناسوت واللهوت
فيلزمهم على هذا أن يكون المسيح هو البن وهو روح القدس فيكون أقنومين ل
أقنوما واحدا وقد تقدم تناقضهم في هذا #والمقصود هنا أنهم إذا قالوا إن الرب أو
بعض صفاته اتحد بما خلق من مريم فل بد أن يحصل له اتصال بمريم قبل اتصاله
بما خلق منها وذلك هو معنى النكاح والزدواج #وعند جمهور النصارى أن مريم
ولدت اللهوت كما ولدت الناسوت وهي أم اللهوت ويقولون في دعائهم يا والدة
الله #واللهوت الذي ولدته مريم هو عندهم رب العالمين واللهوت اتحد
بالناسوت عندهم من حين خلق الناسوت في بطن مريم لم يحدث بعد الولدة #فإذا
جاز أن يكون لرب العالمين عندهم أم ولدته بوجه من الوجوه فإمكان أن يكون له
صاحبة وزوجة أولى وأحرى وليس في ذلك ما يحيله العقل والشرع إل وهو لكونها
أما للهوت أشد إحالة #فإن جاز أن يكون اللهوت أم والم أصل فلن يكون له
صاحبة هي زوجة ونظير أقرب وأولى فإن من المعلوم أن ولد ذلك الشيء وهو
المتفرع المتولد عنه أنقص بالنسبة إليه من نظيره #فإذا قالوا إن لرب العالمين ولدا
اتحد بالناسوت هو نظيره المساوي له في الجوهر وقالوا إن الناسوت أم هذا المسيح
الذي
هو ال وهو ابن ال وقالوا إن الناسوت مريم ولد اللهوت كما ولد الناسوت ولم يكن
هذا عيبا ينزه الرب عنه فلن يجعلوا له أم هذا الولد الذي حبلت به واتحد به
اللهوت وهو منها وولدت اللهوت صاحبة وزوجة للب أولى وأحرى و إل فكيف
تلد ابنه الذي هو اللهوت ول تكون صاحبته وامرأته #وهم يقولون نحن سمينا
علمه مولودا عنه لكونه تولد عنه تولد الكلمة عن العقل وهذا الولد اتحد بالناسوت
فسمينا المجموع ولدا #وبهذا يفرقون بين كون المسيح ابنا وغيره من النبياء
يسمى ابنا #فإنهم يقولون هؤلء أبناء بالوضع والمسيح ابن بالطبع أي أولئك سموا
أبناء بمشيئة الرب وقدرته لنه اصطفاهم والكلمة التي جعلوها متحدة بالمسيح هي
عندهم متولدة عن ال تولدا قديما أزليا ل يتعلق بمشيئته وقدرته ولهذا قالوا مولود
غير مصنوع فإن القديم الزلي مع كونه قائما بذاته ل يكون مصنوعا عند أحد من
العقلء ول القائلين بقدم العالم #فإذا كانت الكلمة التحدث بالمسيح المخلوق من
مريم والتحمت به فإذا قيل مع ذلك أن القديم مس المحدث أو لصقه أو باشره كان
أيسر من هذا كله #والمسيح ولد ولدة حادثة عندهم غير الولدة القديمة التي للكلمة
510
www.anassim.fr.st 511 الن سي ــــ ـــ ـم
حادثا يناسب تلك الولدة المحدثة قال تعالى ^ #أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ #ولهذا كان الحلول أسهل من
التحاد #فمن قال إنه حل في جسد المسيح وماسه وباشره كما يحل الماء في اللبن
كان أهون ممن يقول إنه اتحد به والتحم به #فإذا قيل إن مريم امرأة القديم
وصاحبته وزوجته كان ما في هذا من إثبات مباشرته لها ومماسته لها واتصاله بها
#ومهما قدر من اتصال الزوج بزوجته أهون مما قالوه من اتحاد القديم بالمحدث
ومصيره إياه إما جوهرا واحدا وإما شخصا واحدا وإما مشيئة واحدة #ولهذا كان
كل عاقل يعلم أن النكاح الحسي أسهل من الولدة الحسية #فالذكر من الحيوان إذا
نكح النثى فإنما مس الذكر للنثى لم تصر النثى متولدة عنه فإذا جوزوا أن يكون
للرب القديم الزلي ما يتولد عنه ويتحد به وهو محدث مخلوق فلن يكون له ما
يمسه أولى وأحرى
وإذا قالوا إن المسيح إنما كان ابنا لن الكلمة القديمة التي هي ابن اتحدت به قبل #
فقد يسمى الناسوت الذي اتحد به القديم ابنا عندكم باسم القديم وجعلتموه إلها خالقا
فما المانع من جعل أم ذلك الناسوت الذي جعلتموه ابن ال صاحبة ل وزوجة
باعتبار أن القديم الزلي حصل منه ومنها ما هو ابن القديم الزلي #الوجه الخامس
عشر أن يقال لفظ البن وروح القدس قد جاء في حق غير المسيح عندكم حتى
الحواريين عندكم يقولون إن المسيح قال لهم إن ال أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم
ويقولون إن روح القدس تحل فيهم #وفيما عندكم من التوراة أن الرب قال لموسى
اذهب إلى فرعون فقل له يقول لك الرب إسرائيل ابني بكري أرسله يعبدني فإن
أبيت أن ترسل ابني بكري قتلت ابنك بكرك فلما لم يرسل فرعون بني إسرائيل كما
قال ال قتل اللة أبكار فرعون وقومه من بكر فرعون الجالس على السرير إلى
الول من أولد الدميين إلى ولد الحيوان إليهم #فهذه التوراة تسمي بني إسرائيل
كلهم أبناء ال وأبكاره وتسمي
أبناء أهل مصر أبناء فرعون فتوسع بتسمية سخال الحيوان أولد المالك للحيوان #
وفي مزامير داود يقول أنت ابني سلني أعطك وفي النجيل يقول عن المسيح أنا
ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وقال إذا صليتم فقولوا يا أبانا الذي في السماء
قدوس اسمك افعل بنا كذا وكذا #ويقولون عن القديسين إن روح القدس يحل فيهم
وكذلك حلت في داود وغيره من النبياء بل عندهم إن ال يحل في الصديقين كلهم
فإن كان البن وروح القدس يقتضي اتحاد اللهوت بالناسوت وجب أن يكون كل #
من الحواريين لهوتا وناسوتا وكذلك النبياء فيكون النبي لهوتا وناسوتا لنه قد
سمي عندكم ابن ال ونطقت فيه روح القدس ل سيما وأنتم قلتم في المانة إنه روح
ممجد مسجود له ناطق في النبياء #فإن كان هذا يوجب حلول اللهوت في
511
www.anassim.fr.st 512 الن سي ــــ ـــ ـم
ل يقتضي خروجه عن جنس الرسل كما قال تعالى ^ #ما المسيح ابن مريم إل
رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف نبين لهم
اليات ثم انظر أنى يؤفكون ^ ^ #وقال تعالى #سورة المائدة من اليات 75 72
#وجماع هذا الجواب أن ما يوصف به المسيح عندهم من كونه ابن ال وكون ال
حل فيه أو ظهر أو سكن وكون روح القدس أو روح ال حلت فيه وكونه مسيحا كل
ذلك موجود عندهم في حق غير المسيح #فليس للمسيح اختصاص بشيء من هذه
اللفاظ وإنما يوجد اختصاصه بلفظ الكلمة وكونه تجسد من روح القدس وهذا هو
الذي خصه به القرآن فإن ال قال
إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ # ^ #
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال من شهد أن ل إله إل ال
وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد ال ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم
وروح منه أدخله ال الجنة على ما كان من عمل فهذا الذي خصه به القرآن هو
الذي خصته الكتب المتقدمة إذ كان القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا
عليه #وأما سائر ما يوصف به ويدعون اختصاصه به من كونه ابنا ل وكونه
مسيحا فغيره أيضا في كتب ال يسمى ابنا ل ومسيحا ولذلك ما يذكر من اللفاظ
التي يحتجون بها على الحلول مثل كون الرب ظهر فيه أو حل أو سكن فإن هذه
اللفاظ موجودة عندهم في حق غير المسيح بخلف لفظ التحاد فإنه ل يوجد عندهم
عن النبياء ل في حق المسيح ول غيره كما ل يوجد عندهم عن النبياء لفظ
512
www.anassim.fr.st 513 الن سي ــــ ـــ ـم
العلمي في قلوب عباده الصالحين كما قد بسط الكلم على ذلك في غير هذا الموضع
وقد تقدم #ومن قال من ضلل المسلمين إن الرب يتحد أو يحل في النبياء
والولياء وإن هذا من السر الذي ل يباح به فقوله من جنس قول النصارى في
المسيح وهذا كثير في كلم كثير من المشايخ والمدعين للمعرفة والتحقيق والتوحيد
فيجعلون توحيد العارفين أن يصير الموحد هو الموحد ومنهم من يقول إن ال يحل
في قلب العارف ويتكلم بلسانه كما يتكلم الجني على لسان المصروع ويقول الول #
% %ما وحد الواحد من واحد %إذ كل من وحده جاحد
وغلة هؤلء ومحققوهم يقولون إنه عين الوجود والوجود واحد #فيجعلون #
الوجود الخالق القديم الواجب هو عين وجود المخلوق المحدث الممكن #وهؤلء
مثل ابن عربي الطائي وصاحبه الصدر القونوي وصاحبه العفيف التلمساني وابن
سبعين وصاحبه الششتري وعبد ال البلياني وعامر البصري وطوائف غير هؤلء
#وهؤلء يقولون إن النصارى إنما كفروا لنهم خصوا ذلك بالمسيح
وحقيقة قول هؤلء هو جحد الخالق وتعطيله كما قال فرعون وما رب العالمين #
وقال ما علمت لكم من إله غيري #فإن فرعون ما كان ينكر هذا الوجود المشهود
لكن ينكر أن له صانعا مباينا له خلقه وهؤلء موافقون لفرعون في ذلك #لكن
فرعون أظهر الجحود والنكار فلم يقل الوجود المخلوق هو الخالق #وهؤلء ظنوا
أنهم يقرون بالخالق وأن الوجود المخلوق هو الخالق وقد بسط الكلم على هؤلء في
آخر هذا الكتاب #وهؤلء لهم شعر نظموا قصائد على مذهبهم كابن الفارض في
قصيدته المسماة بنظم السلوك حيث يقول % #لها صلواتي بالمقام أقيمها %وأشهد
فيها أنها لي صلت % # %كلنا مصل واحد ساجد إلى %حقيقته بالجمع في كل
%سجدة
%وما كان لي صلى سواي ولم تكن %صلتي لغيري في أدا كل ركعة # %
513
www.anassim.fr.st 514 الن سي ــــ ـــ ـم
إلى أن قال % #وما زلت إياها وإياي لم تزل %ول فرق بل ذاتي لذاتي #
%أحبب
وقوله % #إلى رسول كنت مني مرسل %وذاتي بآياتي علي استدلت # # %
%فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن %منادى أجابت من دعاني ولبت % # %
%وقد رفعت ياء المخاطب بيننا %وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعت
إلى أمثال هذه البيات #وكذلك ابن إسرائيل في شعره قطعة من هذا كقوله # #
% %وما أنت غير الكون بل أنت عينه %ويفهم هذا السر من هو ذائق
والتلمساني الملقب بالعفيف كان من أفجر الناس وكان أحذق هؤلء الملحدة # #
ولما قرىء عليه كتاب فصوص الحكم لبن عربي قيل له هذا الكلم يخالف القرآن
قال القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلمنا
فقيل له إذا كان الوجود واحدا فلماذا تحرم على أمي وتباح لي امرأتي #فقال #
الجميع عندنا حلل ولكن هؤلء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم #وكلم
هؤلء كله متناقض ينقض بعضه بعضا #فإن قوله هؤلء المحجوبون وقوله قلنا
حرام عليكم يقتضي الفرق بينه وبين المحجوبين وبين المخاطب والمخاطب وهذا
يناقض وحدة الوجود #وإذا قالوا هذه مظاهر للحق ومجال فإن كان الظاهر غير
المظهر والمجلى غير المتجلي فقد ثبت التعدد وأن في الوجود اثنين ظاهرا ومظهرا
وإن جعلوهما واحدا فقد بطل جوابهم # #انتهى المجلد الرابع ويليه المجلد الخامس
#وأوله فصل مناقشة النصارى #في إطلق لفظ الجوهر على ال تعالى
فصل #قال الحاكي عنهم فقلت فإنهم ينكرون علينا قولنا إن ال تعالى جوهر قالوا
إننا نسمع عن هؤلء القوم أنهم ذو فضل وأدب ومعرفة ومن هذا صورته وقد قرأ
شيئا من كتب الفلسفة والمنطق فما حقهم ينكرون هذا علينا وذلك أنه ليس
في الوجود شيء إل وهو إما جوهر وإما عرض لن أي أمر نظرناه وجدناه إما
قائما بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر وإما مفتقر في وجوده إلى
غيره ل قوام له بنفسه وهو العرض ول يمكن أن يكون لهذين القسمين قسم ثالث
فأشرف هذين القسمين القائم بذاته الغير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر #
ولما كان الباري تقدست أسماؤه أشرف الموجودات إذ هو سبب سائرها أوجب أن
يكون أشرف المور وأعلها الجوهر ولهذا قلنا إنه جوهر ل كالجواهر المخلوقة
كما نقول إنه شيء ل كالشياء المخلوقة وإل لزم أن يكون قوامه بغيره ومفتقر في
وجوده إلى غيره وهذا من القبيح أن يقال على ال تعالى فقلت
لهم إنهم يقولون إنا إنما نمتنع من تسميه جوهرا لن الجوهر ما قبل عرضا وما
شغل الحيز ولهذا ما يطلق عليه القول بأنه تعالى جوهر قالوا إن الذي يقبل عرضا
ويشغل حيزا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فما يقبل عرضا ول يشغل
514
www.anassim.fr.st 515 الن سي ــــ ـــ ـم
حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء وما يجري هذا المجرى من
الجواهر اللطيفة المخلوقة #فإذا كانت الجواهر اللطيفة المخلوقة ل تقبل عرضا ول
تشغل حيزا فيكون خالق الجواهر اللطائف والكثائف ومركب اللطائف بالكثائف يقبل
عرضا ويشغل حيزا كل #والجواب من وجوه #أحدها أن يقال أما تسمية الباري
جوهرا فهو من أهون ما ينكر على النصارى ولهذا كان من الناس من ينكره من
جهة الشرع فقط أو اللغة ومنهم من ينكره من جهة العقل أيضا ومنهم من يراه نزاعا
لفظيا وطائفة من المسلمين يسمونه جوهرا وجسما أيضا وذلك أن المسلمين في
أسماء ال تعالى على طريقتين فكثير منهم يقول إن أسماءه سمعية شرعية فل يسمى
إل بالسماء التي جاءت بها الشريعة فإن هذه عبادة والعبادات مبناها على التوفيق
والتباع #ومنهم من يقول ما صح معناه في اللغة وكان معناه ثابتا له
لم يحرم تسميته به فإن الشارع لم يحرم علينا ذلك فيكون عفوا والصواب القول
الثالث وهو أن يفرق بين أن يدعى بالسماء أو يخبر بها عنه فإذا دعي لم يدع إل
بالسماء الحسنى كما قال تعالى ^ #ول السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين
يلحدون في أسمائه ^ #واما الخبار عنه فهو بحسب الحاجة فإذا احتيج في تفهيم
الغير المراد إلى أن يترجم أسماؤه بغير العربية أو يعبر عنه باسم له معنى صحيح
لم يكن ذلك محرما #وأما الذين منعوه من جهة العقل فكثير منهم من يقولون إن
الجوهر ما شغل الحيز وحمل العراض وال سبحانه وتعالى ليس كذلك وهذا قول
من نفى ذلك من أهل الكلم ومنهم من يقول الجوهر ما إذا وجد كان وجوده ل في
موضوع وهذا إنما يكون فيما وجوده زائد على ذاته وواجب الوجود وجوده عين
ذاته فل يكون
جوهرا وهذا قول ابن سينا وأمثاله من متأخري المتفلسفة #وأما قدماء الفلسفة
كأرسطو وأمثاله فكانوا يسمونه جوهرا وعنهم أخذت النصارى هذه التسمية فإن
أرسطو كان قبل المسيح
بأكثر من ثلثمائة سنة ولهذا قال هؤلء في كتابهم نعجب ممن ينكر ذلك وهو قد قرأ
شيئا من كتب الفلسفة والمنطق #وأما اللغة فإن لفظ الجوهر ليس من العربية
العرباء ولهذا ل يعرف في كلم العرب المحض وإنما هو معرب كما ذكر ذلك
الجوهري وغيره قال الجوهري الجوهر معرب الواحدة
جوهرة فهو من العربية المعربة ل من العربية العرباء كلفظ سجيل واستبرق وأمثال
ذلك من اللفاظ المعربة وهذا اللفظ ليس موجودا في القرآن ومع هذا فلما عرب كان
معناه في اللغة هو الجوهر المعروف وتسمية القائم بنفسه أو الشاغل للحيز جوهرا
فهو أمر اصطلحي ليس هو من السماء اللغوية ول العرفية العامة ول السماء
الشرعية #وقد قيل إنه مأخوذ من كلم الوائل كاليونان وغيرهم فإنه
515
www.anassim.fr.st 516 الن سي ــــ ـــ ـم
يوجد في كلمهم تسمية القائم بنفسه جوهرا وقد قيل سموه بذلك لن جوهر الشيء
أصله والقائم بنفسه هو الصل وقد يسمون العرض القائم بغيره جوهرا وقيل لن
لفظ الجوهر فوعل من الجهر وهو الظهور والوضوح والقائم بنفسه يظهر ويعرف
قبل أن يعرف ما قام به من العراض #والناس متفقون على إثبات العيان القائمة
بنفسها التي تسمى جواهر أو أجساما وتنازعوا في ثبوت العراض القائمة بها
والنزاع عند محققيهم لفظي فإن عاقل ل ينازع أن الجسم يتحرك بعد سكونه لكن
منهم من يقول حركته ليست زائدة على ذاته ومنهم من يقول هي زائدة على ذاته
وهو نظير نزاعهم في الصفات هل هي زائدة على الذات أو ليست زائدة #
والتحقيق أن مسمى النسان إذا أطلق دخل فيه صفاته وإذا ميز بين هذا وهذا قيل
الذات والصفات ومن الناس من يخص بلفظ العرض ما لم يكن من الصفات لزما
للموصوف والصفات اللزمة يسميها صفات ذاتية جوهرية ومنهم من يخص
بالعرض
ما ل يبقى عنده زمانين ويقول صفات المخلوق تسمى أعراضا لنها ل تقبل زمانين
بخلف صفات ال فإنها عنده باقية فل تسمى أعراضا #ومن نظار المسلمين من
يسمي صفات كل موصوف أعراضا وإذا كان كذلك فل يدخل في أسماء ال التي
تذكر في أصول اليمان التي يجب اعتقادها من السماء ما هو اصطلح طائفة من
الناس مع أنه يوهم معنى باطل وهذا الوضع مما اضطرب فيه مع النصارى كثير
من الناس #منهم من يجعل الصفات أعيانا قائمة بنفسها وجواهر قائمة بنفسها #
ومنهم من يجعل العيان القائمة بنفسها صفات والصفات ل تقوم بأنفسها بل ل بد
لها من موصوف تقوم به #والولون نوعان #منهم من نفى الصفات وقال لو أثبتنا
له حياة وعلما وقدرة
لزم أن تكون هذه آلهة فإن القدم أخص وصفه فلو أثبتنا قديما ليست هي الذات لزم
أن يشارك الذات في أخص وصفها فتكون ذاتا أخرى قائمة بنفسها وهذه طريقة
كثير من نفاة الصفات من مبتدعة المسلمين واليهود والنصارى احتجوا على نفي
الصفات بأنا لو أثبتناها لزم أن تكون آلهة #وقال من قال من المنتسبين إلى السلم
أنا لو أثبتنا الصفات لقلنا بقول النصارى حيث أثبتوا ل القانيم وحجة هؤلء قائمة
على النصارى وهم النوع الثالث فإنهم أثبتوا ل صفات جعلوها جوهرا
قائما بنفسه وقالوا إن ال موجود حي ناطق ثم قالوا حياته جوهر قائم بنفسه ونطقه
وهو الكلمة جوهر قائم بنفسه وقالوا في هذا إنه إله من إله وهذا إله من إله فأثبتوا
صفات ل وجعلوها جواهر قائمة بنفسها ثم قالوا الجميع جوهر فكان في كلمهم
أمور كثيرة من الباطل المتناقض منهم من جعل الصفات جوهرا ومنهم من جعل
الجواهر المتعددة جوهرا واحدا #والذين قالوا من نفاة الصفات المعتزلة والجهمية
إن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى هو متوجه على من جعل الصفات
جواهر وهؤلء هم النصارى يزعمون أن الصفات جواهر آلهة ثم قال هؤلء ول إله
516
www.anassim.fr.st 517 الن سي ــــ ـــ ـم
إل ال فل صفة له وقالت النصارى بل الب جوهر إله والبن جوهر إله وروح
القدس جوهر إله ثم قالوا والجميع إله واحد نفس تصور هذه القوال التصور التام
يوجب العلم بفسادها وأما الرسل وأتباعهم فنطقوا أن ل علما وقدرة وغير ذلك من
الصفات وثبتوا أن الله إله واحد فإذا قال القائل عبدت ال ودعوت ال فإنما دعا
وعبد إلها واحدا وهو ذات متصفة بصفات الكمال لم يعبد ذاتا ل حياة لها ول علم
ول قدرة ول عبد ثلثة آلهة ول ثلثة جواهر بل نفس اسم ال يتضمن ذاته المقدسة
المتصفة
بصفاته سبحانه وليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ول زائدة على مسمى اسمه
بل إذا قدر ذات مجردة عن الصفات فالصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في
الذهن المجردة عن الصفات ليست الصفات زائدة عن الذات المتصفة بالصفات فإن
تلك ل تحقق إل بصفاتها فتقديرها مجردة عن صفاتها تقدير ممتنع #وقد تنازع
المثبتة هل يقال الصفات عين الذات أم يقال ليست عين الذات أم يقال ل يقال هن
غير الذات ول يقال ليست غير الذات وتنازعوا في مسمى الغيرين هل هما ما جاز
مفارقة أحدهما الخر مطلقا أو ما جاز مفارقته بوجود أو زمان أو مكان أو هما ما
جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالخر وغاية ذلك منازعات لفظية #وكثير منهم
فرق في الصفات اللزمة بين بعضها وبعض فجعل بعضها زائدا على الذات
وبعضها ليس بزائد على الذات وكان الفرق بحسب ما يتصوره ل بحسب ما المر
عليه في نفسه فإذا
أمكنهم تصور الذات بدون صفة قالوا هذه زائدة وإل قالوا ليست زائدة وهذا يقتضي
أنها زائدة على ما تصوروه هم من الذات ل أنه في الخارج ذات مجردة عن تلك
الصفة وصفة زائدة عليها بل ليس إل الذات المتصفة بتلك الصفات #ولكن يجب
الفرق بين أن يقال إن الصفات غير الذات وبين أن يقال إنها غير ال فإن اسم ال
متناول لذاته المتصفة بصفاته فإذا قال القائل دعوت ال وعبدت ال فلم يدع ذاتا
مجردة ول صفات مجردة بل دعا الذات المتصفة بصفاتها فاسمه تعالى يتناول ذلك
فليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ول زائدة على ذلك وإن قيل إنها زائدة على
الذات المجردة ومن ظن أنها زائدة على الذات المتصفة بصفاتها التي تدخل صفاتها
في مسماها فقد غلط ولكن في الذهان واللسنة زلق في هذا الموضع كثيرا #فإذا
قيل الصفات مغايرة للذات لم يكن في هذا من المحذور ما في قولنا إن صفات ال
غير ال فإن اسم ال يتناول صفاته #فإذا قيل إنها غيره فهم من ذلك أنها مباينة له
وهذا باطل ولهذا كان النفاة إذا ناظروا أئمة المسلمين كما ناظروا المام
أحمد بن حنبل في محنته المشهورة فقالوا له ما تقول في القرآن وكلم ال أهو ال أم
غير ال عارضهم بالعلم وقال لهم ما تقولون في علم ال أهو ال أم غير ال وأجاب
أيضا
517
www.anassim.fr.st 518 الن سي ــــ ـــ ـم
بأن الرسل لم تنطق بواحد من المرين فل حجة لهم في كلم ال ورسوله فإن ال لم
يقل لكلمه هو أنا ول قال إنه غيري حتى يقول القائل إذا كان قد جعل كلمه غيره
وسواه فقد أخبر أنه خالق لكل ما سواه #فإن كان الحتجاج بالسمع فل حجة فيه
وإن كان الحتجاج بالعقل فالمرجع في ذلك إلى المعاني ل إلى العبارات فإن أراد
المريد بقوله هل كلمه وعلمه غيره أنه مباين له فليس هو غيرا له بهذا العتبار
وإن أراد بذلك أن نفس الكلم والعلم ليس هو العالم المتكلم فهو غير له بهذا العتبار
وإذا كان اللفظ مجمل لم يجز إطلقه على الوجه الذي يفهم المعنى الفاسد واما الذين
جعلوا العيان القائمة بأنفسها صفات فهم هؤلء المتفلسفة النفاة للصفات ومن
أشبههم فإنهم قالوا إن رب العالمين عقل وعاقل ومعقول #ولفظ العقل عندهم وإن
كانوا يقولون هو جوهر قائم بنفسه فقد صرحوا أيضا بأنه نفسه علمه حتى صرحوا
بأن رب العالمين علم كما صرح بذلك ابن رشد وغيره ونقلوه عن أرسطو
وأن العقول العشرة كل منها علم فهو علم وعالم ومعلوم بل قالوا عقل وعاقل
ومعقول وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة فجعلوه نفسه لذة وعقل وعشقا
وجعلوا ذلك هو العالم العاشق الملتذ وجعلوا نفس العلم نفس العشق ونفس اللذة
فجعلوه نفسه صفات وجعلوه ذاتا قائمة بنفسها وجعلوا كل صفة هي الخرى وهذا
مما يعلم بصريح العقل بطلنه #ومنهم من ل يصرح بأنه نفسه علم فإنه يقول هو
عاقل ومعقول وعقل يقول إنه يعلم نفسه بل علم علمه بل هو العالم وهو المعلوم
وهو العلم وحقيقة كلمهم تعود إلى قول أولئك فإنهم إذا قالوا إن العلم الذي يعلم به
ذاته هو العالم وهو المعلوم فقد جعلوا نفس العلم نفس العالم ونفس العلم نفس المعلوم
وهي حقيقة قول أولئك وهذه المور مبسوطة في غير هذا الموضع
الوجه الثاني أن يقال لهم أنتم تقولون إنكم متبعون للكتب اللهية وإذا كان كذلك لم #
ينبغ لكم في شريعة إيمانكم من السماء إل ما جاءت به النبياء عليهم السلم #
والنبياء لم يسم ال أحد منهم جوهرا وإنما سماه بذلك أرسطو وأمثاله وهؤلء كانوا
مشركين يعبدون الصنام ولم يكونوا يعرفون ال المعرفة الصحيحة ول يقولون إنه
خالق السماوات والرض ول إنه بكل شيء عليم ول على كل شيء قدير وإنما
كانوا يعبدون الكواكب العلوية والصنام السفلية ويعبدون الشياطين ويؤمنون بالجبت
والطاغوت وإنما صاروا مؤمنين لما دخل إليهم دين المسيح صلوات ال عليه
وسلمه بعد السكندر المقدوني
صاحب أرسطو بنحو ثلثمائة سنة ويقال إنه آخر ملوكهم كان بطليموس وكانوا
يسمون الملك من ملوكهم بطليموس كما يسمون القبط ملكها فرعون والحبشة ملكها
النجاشي والفرس كسرى ونحو ذلك وحينئذ فعدولكم عن طريقة النبياء والمرسلين
إلى طريقة الكفار والمشركين المعطلين من الضلل المبين #وفي كتبهم أن بولص
لما صار إلى أيثينية دار الفلسفة وفيها دار الصنام وجد مكتوبا على باب دار
العلماء الله الخفي
518
www.anassim.fr.st 519 الن سي ــــ ـــ ـم
الذي ل يعرف هو الذي خلق العالم #فكانوا ل يعرفون رب العالمين فكيف يعدل
عن طريقة رسل ال وأنبيائه كموسى وداود والمسيح إلى طريقة هؤلء الكفار
المشركين المعطلين #ولكن النصارى ركبوا دينا من دينين من دين النبياء
الموحدين ودين المشركين فصار في دينهم قسط مما جاءت به النبياء وقسط مما
ابتدعوه من دين المشركين في أقوالهم وأفعالهم كما أحدثوا ألفاظ القانيم وهي ألفاظ
ل توجد في كلم النبياء وكما أحدثوا الصنام المرقومة بدل الصنام المجسدة
والصلة إلى الشمس والقمر والكواكب بدل الصلة لها والصيام في وقت الربيع
ليجمعوا بين الدين الشرعي والمر الطبيعي وغير ذلك #الوجه الثالث قولهم إن
الذي يشغل حيزا ويقبل عرضا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فما يقبل
عرضا ول يشغل حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء فيقال الكلم
في
الجواهر هل هي منقسمة إلى متحيز وغير متحيز أو كلها متحيزة متصل بالكلم
على نفس النسان الناطقة #فنقول إن المسلمين من أعظم الناس معرفة بوجود
الملئكة والجن كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع المة وكذلك سلف المة
وأئمتها يعرفون وجود النفس التي هي روح النسان التي تفارق بدنه حين الموت
كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف والئمة وإن كان كثير من أهل
الكتاب يزعم أنها عرض من
أعراض البدن أو جزء من أجزائه فهذا قول محدث في السلم لم يذهب إليه أحد
من السلف والئمة وإن كان محكيا عن أكثر المتكلمين فليس الذين قالوا هذا من
سلف المة ول أئمتها بل هم من أهل الكلم المحدث المذموم عند السلف وأئمة المة
وكثير من المتفلسفة الداخلين في أهل الملل يقولون إن الذوات التي تسميها النبياء
الملئكة هي التي تسميها المتفلسفة المشاؤون عقول أو عقول ونفوسا وهذا غلط
عظيم كما قد بسط في موضعه #فإن العقول التي يثبتها هؤلء المتفلسفة ل حقيقة
لها عند الرسل وأتباعهم بل ول حقيقة لها في المعقول الصريح بل حقيقة كلمهم
أنها أعراض قائمة بنفسها وقد صرحوا بأن واجب الوجود نفسه هو علم وجعلوا
نفس العلم هو نفس العالم ونفس تصور هذا القول يكفي في العلم بفساده كما أن
هؤلء المتفلسفة
أتباع أرسطو ل يعرفون الملئكة بل ول الجن وإنما علمهم معرفة الجسام الطبيعية
وتكلموا في اللهيات بكلم قليل نزر باطله أكثر من حقه كما قد بسط في موضع
آخر #وهؤلء يزعمون أن العقل الول أبدع ما دونه من العقول والفلك إلى أن
ينتهي المر إلى العقل العاشر فهو مبدع ما تحت فلك القمر وهذا كله من أعظم
الكفر عند الرسل وأتباعهم أهل الملل فإن مضمون هذا أن ملكا من الملئكة خلق كل
ما تحت السماء وملكا فوقه خلق كل ما سوى ال سبحانه وهذا من أعظم الكفر في
519
www.anassim.fr.st 520 الن سي ــــ ـــ ـم
دين المرسلين وأهل الملل المسلمين واليهود والنصارى قال تعالى ^ #وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ليسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما
بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ^ #
فأخبر أن الملئكة ل تسبقه بالقول ول تعمل إل بأمره فضل عن أن يكون ملك خلق
كل شيء
وهؤلء يقولون إن الوحي والكلم الذي جاءت به الرسل إنما هو فيض من هذا #
العقل الفعال على قلوب النبياء وال تعالى عند هؤلء لم يكن يعرف موسى ول
عيسى ول إبراهيم ول محمدا ول غيرهم من الرسل ول يعرف الجزئيات بل عند
أرسطو وأتباعه أنه ل يعلم شيئا من الشياء بل ول خلق عندهم شيئا بل وليقدر
عندهم على خلق شيء فضل عن أن يكون على كل شيء قدير وأن يكون أحاط بكل
شيء علما #وأرسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الصنام بمقدونية وأثينية
وغيرهما من مدائن فلسفة اليونان وكان وزيرا للسكندر بن فيلبس المقدوني وكان
هذا قبل المسيح عليه السلم بنحو ثلثمائة سنة ولم يكن وزيرا لذي القرنين الذي
بنى سد يأجوج ومأجوج
وعامة علم القوم علم الطبيعيات والحسابيات وأما العلم اللهي وهو الذي يسمونه
علم ما بعد الطبيعة وهو منتهى فلسفتهم فإنما تكلموا فيه على أمور كلية قسموا
الوجود إلى جوهر وتسعة أعراض يجمعها بيتان % #زيد الطويل السود بن مالك
%في داره بالمس كان متكى % # %في يده سيف نضاه فانتضى %فهذه عشر
%مقولت سوا
وهي الجوهر والكم والكيف والين ومتى والضافة والملك والوضع وأن يفعل #
وأن ينفعل #وقد نازعه أتباعه وغيرهم في هذا الحصر وقالوا إنه ل دليل
عليه ومنهم من جعلها ثلثة ومنهم من قال غير ذلك وأثبت العلة الولى بناء على
حركة الفلك وأنه يتحرك حركة شوقية فل بد له مما يتشبه به فالعلة الولى هي غاية
لحاجة الفلك إليها من جهة أنه متحرك ليتشبه بها كحركة المؤتم بإمامه والمقتدي
بقدوته وقد يقولون كتحريك المعشوق لعاشقه #وكلم أرسطو في ذلك موجود وقد
نقلته بألفاظه وتكلمت عليه في غير هذا الموضع وقد ذكر ذلك في مقالة اللم وهي
آخر فلسفته ومنتهى حكمته #وفي كتاب أثولوجيا ولم يثبت أن الرب مبدع لفلك
وعلة فاعلة ول يسمى واجب الوجود #ول قسم الموجودات إلى واجب قديم وممكن
قديم بل ذلك فعل المتأخرين كابن سينا وأمثاله وقد بسطنا الكلم عليهم في غير هذا
الموضع #والمتأخرون الذين سمعوا كلم أهل الملل أرادوا إصلح كلمه وتقريبه
إلى العقول لعله يوافق ما علم بصريح المعقول وصحيح المنقول فتكلم عليه ثابت بن
قرة وبين أن الفلك ل قوام له إل بطبيعته ول قوام لطبيعته إل بحركته ول قوام
لحركته الرادية إل بمحرك لها #وزعموا أن المحرك يجب أن ل يكون متحركا
520
www.anassim.fr.st 521 الن سي ــــ ـــ ـم
فاسدة قد بسط الكلم عليها في غير هذا الموضع فقالوا إنه إنما تحرك الفلك من جهة
نسبة الفلك به وإن لم يكن هو القادر على تحريك الفلك بل ول شعور منه بالفلك
وعبر عن ذلك ابن رشد الفيلسوف وأمثاله فقالوا إنه يأمر الفلك بالحركة وقوام الفلك
بطاعته لمر ال مع أنه عندهم ل إرادة له ول علم له بما يأمر به بل كونه آمرا وهو
معنى كون الفلك يتشبه به كما يأمر المعشوق عاشقه أن يحبه وإن كان المعشوق ل
شعور له ول إرادة في أن يحبه ذلك #ثم لو قدر أنه هو المر فإنما يصدر بسبب
أمره مجرد حركة الفلك ولهذا شبهوا ذلك بأمر السلطان لعسكره بأمر يطيعونه فيه
فجعلوا الحركات معلولة بهذا العتبار لم يثبتوا أنه أبدع شيئا من الفلك والعناصر
والمولدات ول العقول ول النفوس ل أبدع أعيانها ول صفاتها ول أفعالها بل غايته
أن يكون آمرا لها بالحركة كأمر الملك لعسكره مع أنه عندهم ليس آمرا بالحقيقة بل
ول علم له بشيء من الموجودات بل غاية ما يزعم أرسطو وأتباعه أن للفلك حاجة
إليه من جهة تشبهه به واما كونه هو علية موجبة للفلك فإنما يقول هذا من يقوله من
متأخريهم كابن سينا #وأما الفارابي فهو الذي وسع القول في هذا الباب
وقسم الوجود إلى واجب وممكن وجعل الفلك ممكنة واجبة به وفي ذلك من الفساد
والضطراب ما قد بسط في غير هذا الموضع وبنى ابن سينا الكلم في نفي صفاته
على كونه واجب الوجود #وأما الفارابي في كتاب آراء المدينة الفاضلة وغير ذلك
فاعتمد على كونه أول وكذا أرسطو في كتاب أثولوجيا اعتمد على كونه هو الول
وشبهه بالول في العدد وعلى ذلك بنوا نفي
الصفات وإنما لو أثبتناها لخرج عن كونه أول مع أنهم لم يقيموا حجة على كونه
أول بهذا المعنى الذي زعموه كما لم يقيموا حجة على كونه واجب الوجود بالمعنى
الذي ادعوه بل تكلموا بألفاظ مجملة متشابهة تحتمل حقا وباطل فإنه معلوم أن ال
واجب الوجود بذاته موجود بنفسه وأنه الول الذي ليس قبله شيء وهو القديم
الزلي الذي لم يزل ول يزال وهؤلء جعلوا وجوب الوجود بمعنى أنه ل يتعلق
بغيره فل يكون له صفة وكونه أول بمعنى أول العداد الذي ل تعدد فيه فمعلوم أن
الواحد والول المجرد عن كل شيء إنما يقدر في الذهان ل في العيان #فالذهن
يقدر واحدا واثنين وثلثة وأربعة إلى سائر العداد المجردة والعدد المجرد عن
المعدود إنما يوجد في الذهان ل في العيان فأما الموجود في الخارج فإنما هي
أعيان قائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها والول منها هو ذات متصفة بصفاتها ل
توجد في العيان ليس بذات قائمة بنفسها ول صفة قائمة بغيرها بل
ل توجد ذات مجردة عن صفاتها وهذه المور مبسوطة في غير هذا الموضع ولكن
نبهنا هنا عليها لن هؤلء القوم قالوا إنا نعجب من هؤلء القوم أنهم ذو فضل وأدب
ومعرفة ومن هذا صورته وقد قرأ شيئا من كتب الفلسفة والمنطق فما حقهم
521
www.anassim.fr.st 522 الن سي ــــ ـــ ـم
ينكرون علينا هذا #فكل كلم هؤلء النصارى يتضمن تعظيم الفلسفة وأهل
المنطق وأن من قرأ كتبهم عرف بها من الحق في اللهيات ما ل يعرفه سائر أهل
الملل وهذا يدل على جهل هؤلء النصارى بما جاءت به الرسل وبما يعرف بالعقل
المحض #أما الول فلن المسيح وأتباعه كالحواريين ومن اتبعهم ليس
فيهم من عظم هؤلء الفلسفة ول استعان بهم ول التفت إليهم بل وهم عندهم من
أئمة الكفر ورؤوس الضلل وكذلك موسى وأتباعه وكذلك محمد وأتباعه فليس في
رسل ال وأنبيائه ول في أتباعهم من يعظمهم ول يستعين بكلمهم بل الرسل
وأتباعهم متفقون على تضليلهم وتجهيلهم #وأما العقليات فإنما يعظم كلم هؤلء
الفلسفة في العلوم الكلية واللهية من هو من أجهل الناس بالمعارف اللهية والعلوم
الكلية إذ كان كلمهم في ذلك فيه من الجهل والضلل ما ل يحيط به إل ذو الجلل
وإنما كان القوم يعرفون ما يعرفونه من الطبيعيات والرياضيات كالهندسة وبعض
الهيئة وشيئا من علوم الخلق والسياسات المدنية والمنزلية التي هي جزء مما
جاءت به الرسل واليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أعلم من هؤلء بالعلوم
اللهية والخلق والسياسات فضل عما وراء ذلك #فإعضاد هؤلء النصارى
هؤلء المتفلسفة يدل على عظيم جهلهم بالشرعيات والعقليات وهذا قد بسط الكلم
عليه في مواضع متعددة إذ كان الرد على الفلسفة ل يختص به النصارى بل الكلم
في ذلك معهم ومع من يعظمهم من أهل الملل عموما
ومعلوم أن المنتسبين إلى السلم من أتباع الفلسفة كالفارابي وابن سينا #
والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد إمامهم أحذق بهم وأعلم من النصارى #
وكتب الفلسفة التي صارت إلى السلم من الطب والحساب والمنطق وغير ذلك
هذبها المنتسبون إلى السلم فجاء كلمهم فيها خيرا من كلم أولئك اليونان #
والنصارى واليهود إنما يعتمدون في هذه العلوم على ما وصفه هؤلء المنتسبون
إلى السلم مع أن هؤلء عند علماء المسلمين جهال
ضلل في اللهيات والكليات فكيف يكون سلفهم ومن يعظمهم من اليهود والنصارى
#ولما صار أولئك اليونان عارفين بال موحدين له عابدين له مؤمنين بملئكته
وكتبه ورسله لما دخل إليهم أتباع المسيح يدعونهم إلى دين ال الذي بعث به المسيح
وكل من كان من أتباع المسيح غير مبدل لشيء من دينه قبل النسخ فإنه من
المؤمنين المهتدين وهم من أولياء ال وهم من أهل الجنة #ومن ظن أن كلم
الرسل يوافق هؤلء اليونان فإن ذلك يدل على جهله بما جاءت به الرسل وبما يقول
هؤلء وإنما يوجد مثل هذا في كلم الملحدة من أهل الملل ملحدة اليهود
والنصارى وغيرهم كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم من الملحدة المنتسبين
إلى
522
www.anassim.fr.st 523 الن سي ــــ ـــ ـم
وابن سبعين وأمثالهما وفي الكتب المضنون بها على غير أهلها ونحو ذلك من
الكلم المنسوب إلى أبي حامد قطعة من ذلك #وهؤلء يحتجون بالحديث المأثور
أول ما خلق ال العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت
خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب
وهذا الحديث كذب موضوع على النبي كما ذكر ذلك أهل العلم بالحديث كأبي #
جعفر العقيلي
وأبي حاتم بن حبان البستي وأبي الحسن الدارقطني وأبي الفرج بن الجوزي
وغيرهم #ثم لفظه لو كان صحيحا حجة على نقيض مطلوبهم فإنه قال أول ما خلق
ال العقل بنصب أول وفي لفظ لما خلق ال العقل قال له #فلفظه يقتضي أنه خاطبه
في أول ما خلقه فحرفوا لفظه وقالوا أول ما خلق ال العقل بالضم وليس هذا لفظه
ولكن لفظه يقتضي أنه خاطبه في أول أوقات خلقه ولهذا قال ما خلقت خلقا أكرم
علي منك وهذا يقتضي أنه خلق قبله غيره #وعندهم هو أول المبدعات يمتنع أن
يتقدمه شيء مع أنه وسائر العقول والفلك عندهم قديمة أزلية لم تزل ول تزال
ثم قال فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب فجعل به هذه النواع #
الربعة #وعندهم أن العقل صدر عنه جميع العالم العلوي والسفلي وذلك أن لفظ
العقل في الحديث سواء كان صحيحا أو ضعيفا هو العقل في لغة النبياء والمرسلين
هو عقل النسان وهو عرض قائم به وهذه صفة قائمة بالنسان ليس هو جوهرا
قائما بنفسه #والعقل في لغة هؤلء الفلسفة هو جوهر قائم بنفسه وأما النفس
الفلكية فلهم فيها قولن قيل إنها عرض قائم بالفلك وهو قول أكثرهم وقيل بل جوهر
قائم بنفسه ولهذا يميل ابن سيناء وهذه المور مبسوطة في موضع آخر #
والمقصود هنا ذكر هؤلء النصارى أن ثم جوهرا لطيفا غير الجوهر الكثيف ومثلوا
ذلك بالنفس والعقل والضوء ثم لم يقيموا على ثبوت شيء من ذلك دليل ول دليل
مما دلت عليه الكتب اللهية فإن النفس الفلكية والعقول العشرة لم ينطق بها كتاب
ول رسول بل ول دل عليها دليل عقلي وأدلة المتفلسفة عليها ضعيفة وإنما دل العقل
على ما أخبرت به الرسل من الملئكة #ولكن هؤلء الذين حملوا كلم الرسل على
ما يوافق قول المتفلسفة يجعلون اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية كما يجعلون العقل
والقلم هو العقل الول والعرش هو الفلك التاسع وغير ذلك مما قد بسط الكلم عليه
في موضع آخر #وإذا لم يقيموا حجة شرعية ول عقلية ما مثلوا به من الجواهر
اللطيفة لم يكن لهم حجة على من قال إن الجوهر ما يشغل حيزا ويقبل عرضا ولما
قرنوا النفس بالعقل كان ذلك ظاهرا في أنهم أرادوا النفس الفلكية #فاما إن أرادوا
النفس النسانية فهذه ثابتة أخبرت بها الرسل وأتباعهم كما قد بسط في موضعه لكن
هذه ل تقرن بالعقل الذي هو جوهر والعقل صفة هذه وهو مصدر عقل يعقل عقل
523
www.anassim.fr.st 524 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد يراد بالعقل غريزة قائمة بها ويراد بالعقل العمل بالعلم كما قد بسط في موضع
آخر #الوجه الرابع قولم وجوهر الضوء فيقال لهم إن أردتم بالضوء نفس الشمس
والنار فهذا جسم متحيز يشغل حيزا ويقبل عرضا ليس هو من الجواهر اللطيفة الذي
مثلتم بها وإن أردتم
بالضوء الشعاع القائم بالهواء والجدران ونحو ذلك فليس هذا بجوهر ل لطيف ول
كثيف بل هو عرض قائم بغيره #الوجه الخامس قولكم إن الجوهر اللطيف ل يقبل
عرضا كلم ممنوع وهو باطل أيضا فإن نفس النسان تقبل العراض القائمة بها
وكذلك النفس الفلكية عند من أثبتها تقوم بها إرادات وتصورات متجددة ولفظ
العرض في اصطلح النظار يراد به ما قام بغيره سواء كان صفة لزمة أو
عارضة وهذا موجب تقسيم النصارى كما هو قول الفلسفة #فإنهم قالوا ليس في
الوجود شيء إل وهو إما جوهر وإما عرض لنه أي أمر نظرناه وجدناه إما قائما
بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر وإما مفتقر في وجوده إلى غيره
ل قوام له بنفسه وهو العرض قالوا ول يمكن أن يكون لهذين قسم ثالث #وهذا
الذي قالوه هو تقسيم أرسطو وأتباعه وهو يسمي المبدأ الول جوهرا وهذا تقسيم
سائر النظار لكن أكثرهم ل يدخلون رب العالمين في مسمى الجوهر ومنهم من
يدخله فيه وبعض النزاع في ذلك لفظي #وإذا كان المر على ما قالوه فالضوء
القائم بالرض والهواء عرض ليس جوهرا قائما بنفسه وهم قد جعلوه جوهرا وهذا
تناقض بين وأيضا فالجواهر اللطيفة تقوم بها العراض كالحياة والعلم بل والرب
على قولهم تقوم به الحياة والعلم
فإذا سموه جوهرا لزمهم أن يسموا صفاته أعراضا إذا قالوا ل موجود إل جوهر #
أو عرض #فهذا يناقض قولهم الموجود إما جوهر وإما عرض فليس في
الموجودات إل هذا أو هذا بل موجب كلمهم أنها قائمة بذات ال فكيف بذات غيره
#وإذا قالوا ويعنى بالعراض الصفات العارضة أو القائمة بالجسام كان هذا
مناقضا لقولهم الموجود إما جوهر وإما عرض مع قولهم إن الرب جوهر ثلثة
أقانيم والقنوم ذات وصفة ومع قولهم إن الرب جوهر فقولهم يقتضي أن الرب
جوهر تقوم به العراض فكيف غيره #ثم يقال إذا قدر أنهم يدعون ثبوت جوهر ل
يقوم به العراض فهذا اصطلح لهم وافقوا فيه نفاة الصفات من الفلسفة كأرسطو
وذويه فإنهم يقولون إن الرب جوهر ل يتصف بشيء من
الصفات الثبوتية لكن ليس هذا قول النصارى فتبين أنهم في قولهم إن الرب جوهر
وفي قولهم إن من الجواهر ما ل يقوم به الصفات موافقون للمشركين الفلسفة
أرسطو وأتباعه ل موافقين للمسيح والحواريين وأنهم أثبتوا الصفات ل موافقة
للمسيح والحواريين ثم جعلوه جوهرا ثم قالوا إن الجوهر اللطيف ل تقوم به الصفات
وهذا قول الفلسفة المشركين المعطلين وهذا تحقيق ما ذكرناه عنهم من أنهم ركبوا
دينا من دين المسيح والحواريين ومن دين الكفار المشركين #فهؤلء إن عنوا
524
www.anassim.fr.st 525 الن سي ــــ ـــ ـم
بالعرض هذا فكل جوهر يقبل الصفات وإن أرادوا بالعرض ما تعنيه المتفلسفة
بالصفات العرضية التي يفرقون بينها وبين الذاتية مع أن هذا ليس مقتضى كلمهم
فقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن تقسيم هؤلء الصفات اللزمة للموصوف إلى
ذاتية وعرضية تقسيم باطل وتقدير أن يكون حقا فالنفس أيضا تقبل الصفات
العرضية بل وكذلك كل جوهر سواء كان لطيفا أو كثيفا فقولكم إن الجوهر اللطيف
ل يقبل عرضا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء وما يجري هذا
المجرى من الجواهر اللطيفة كلم باطل على كل تقدير
وإن عنوا بلفظ العرض شيئا آخر لم ينفعهم ذلك فإن المتكلمين الذين قالوا الجوهر #
هو ما يشغل حيزا ويقبل عرضا إنما أرادوا بالعرض ما يقوم بغيره من المعاني
سواء كان لزما له أو عارضا له ومعلوم أن كل جوهر فإنه يقوم به المعاني
والخالق تعالى عندهم يقوم به الحياء والعلم فإذا كان الخالق تعالى يقوم به المعاني
وهم يسمونه جوهرا فكيف ل تقوم المعاني بغيره #وهؤلء يثبتون جوهرا لطيفا ل
تقوم به العراض مع قولهم إنه تقوم به المعاني وهذا اصطلح لهم ل يوافقهم عليه
أحد ثم يتناقضون فيقولون الموجود إما جوهر وإما عارض وهذا تناقض #ونظار
المسلمين لهم في تسمية صفات ال القائمة به أعراضا نزاع بعضهم يسميها أعراضا
وبعضهم ينكر هذه التسمية مع اتفاق هاتين الطائفتين على قيام الصفات به وجمهور
نظار المسلمين
ل يسمونه جوهرا وبعضهم يسميه جوهرا وأما من أنكر قيام الصفات به فذاك ل
يسمي ال جوهرا ول جسما #وهؤلء النصارى متناقضون تناقضا بينا ولهذا كان
لهم طريقة ل يوافقهم عليها أحد من طوائف العقلء ذلك يظهر بالوجه السادس وهو
أن الناس لهم في إثبات الصفات القائمة بذات ال تعالى قولن فسلف المسلمين
وأئمتهم وجمهور الخلق من أهل الملل وغير أهل الملل يثبتون قيام الصفات بال
تبارك وتعالى وهل تسمى أعراضا على قولين #والقول الثاني قول من ينفي
الصفات مثل الملحدة الجهمية ونحوهم من مبتدعة المسلمين ومن وافقهم من
الفلسفة وبعض اليهود والنصارى فهؤلء ل تقوم به المعاني والصفات عندهم فل
يقولون تقوم به العراض ثم من هؤلء من يسميه جوهرا كأرسطو وأتباعه ومنهم
من ل يسميه جوهرا كمتأخري الفلسفة ابن سينا
وأمثاله مع جمهور نظار المسلمين وغيرهم سواء سموه جوهرا أو لم يسموه #وأما
الجمهور القائلون بقيام المعاني به فبعضهم يسميها أعراضا وإن لم يسمه جوهرا وقد
سماه بعضهم جوهرا وبعضهم ينفي أن يكون أعراضا وبعضهم يسكت عن النفي
والثبات فل يسميها أعراضا ول ينفي تسميتها بذلك أو يستفصل القائل عن كونها
أعراضا #وأما هؤلء النصارى فقالوا جوهر ثلثة أقانيم ووصفوه بالصفات
الثبوتية وهي الحياة والنطق وقالوا الموجود إما جوهر وإما عرض فلزمهم أن تكون
صفات ال أعراضا عندهم ثم قالوا الجوهر اللطيف ل يقوم به العراض ونزهوا
525
www.anassim.fr.st 526 الن سي ــــ ـــ ـم
الرب أن تقوم به العراض مع قولهم إنه جوهر تناقضوا تناقضا بينا حيث جمعوا
بين كلم الرسل وأتباعهم وبين كلم المشركين
المعطلين الفلسفة فيما تلقوه عن المسيح فهو حق وما ابتدعوه من قول من خالف
الرسل فهو باطل فجمعوا في قولهم بين الحق والباطل وسلكوا مسلكا ل يعرف عن
غيرهم وإيضاح هذا أن يقال في #الوجه السابع أن هذا الذي ذكروه تناقض بين
فإنهم قالوا الموجود إما جوهر وإما عرض القائم بذاته هو الجوهر والقائم بغيره هو
العرض #ثم قالوا إنه موجود حي ناطق له حياة ونطق فيقال لهم حياته ونطقه إما
جوهر وإما عرض وليس جوهرا لن الجوهر ما قام بنفسه والحياة والنطق ل
يقومان بأنفسهما بل بغيرهما فهما من العراض فتعين أنه عندهم جوهر يقوم به
العراض مع قولهم إنه جوهر ل يقبل عرضا
فإن قيل أرادوا بقولهم ل يقبل عرضا ما كان حادثا قيل فهذا ينقض تقسيمهم #
الموجود إلى جوهر وعرض فإن المعنى القديم الذي يقوم به ليس جوهرا وليس
حادثا فإن كان عرضا فقد قام به العرض وقبله وإن لم يكن عرضا بطل التقسيم #
يبين هذا أنه يقال أنتم قلتم إنه شيء حي ناطق وقلتم هو ثلثة أقانيم وقلتم المتحد
بالمسيح أقنوم الكلمة وقلتم في المانة نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل وبرب واحد
يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور إله حق من إله حق
من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو للب في الجوهر #ثم قلتم إن الرب
جوهر وقلتم إن الذي يشغل حيزا
أو يقبل عرضا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فل يقبل عرضا ول يشغل
حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وما يجري هذا المجرى من الجواهر اللطيفة
فإذا كانت الجواهر اللطيفة المخلوقة ل تقبل عرضا ول تشغل حيزا فيكون خالق
الجواهر اللطائف والكثائف ومركب اللطائف بالكثائف يقبل عرضا ويشغل حيزا كل
فصرحتم بأنه جوهر ل يقبل عرضا وقلتم ليس في الموجود شيء إل وهو إما
جوهر وإما عرض فإن كان قائما بنفسه غير محتاج في وجوده إلى غيره فهو
الجوهر وإن كان مفتقرا في وجوده إلى غيره ل قوام له بنفسه فهو العرض #فيقال
لكم البن القديم الزلي المولود من جوهر أبيه الذي هو مولود غير مخلوق الذي
تجسد ونزل جوهر قائم بنفسه أم هو عرض قائم بغيره والموجود عندكم إما جوهر
وإما عرض #فإن قلتم هو جوهر فقد صرحتم بإثبات جوهرين الب جوهر والبن
جوهر ويكون حينئذ أقنوم الحياة جوهرا ثالثا فهذا تصريح بإثبات ثلثة جواهر قائمة
بنفسها وحينئذ فيبطل قولهم إنه إله واحد وإنه أحدي الذات ثلثي الصفات وإنه واحد
بالجوهر ثلثة بالقنوم إذ كنتم قد صرحتم على هذا التقدير بإثبات ثلثة جواهر
وإن قلتم بل البن القديم الزلي الذي هو الكلمة التي هي العلم والحكمة عرض #
قائم بجوهر الب ليس هو جوهرا ثانيا فقد صرحتم بأن الرب جوهر تقوم به
526
www.anassim.fr.st 527 الن سي ــــ ـــ ـم
العراض وقد أنكرتم هذا في كلمكم وقلتم هو جوهر ل تقوم به العراض وقلم إن
من المخلوقات جواهر ل تقوم بها العراض فالخالق أولى وهذا تناقض بين ل حيلة
فيه لمن تدبر كلمهم أوله وآخره #فإن كلمهم هذا يوجب أنه جوهر واحد ل يقوم
به شيء من العراض #وهم يقولون جوهر واحد ثلثة أقانيم وسواء سموها
صفات أو خواص أو أعراضا أو قالوا القنوم هو الذات والصفة فيقال لهم الرب مع
القانيم ثلثة جواهر أو جوهر واحد له ثلثة صفات أو جوهر ل صفة له فإن قالوا
ثلثة جواهر أثبتوا ثلثة وبطل قولهم إن الرب جوهر واحد وإله واحد وصرحوا
بإثبات ثلثة آلهة #وإن قالوا بل جوهر واحد له ثلث صفات فقد صرحوا أن هذا
الجوهر تقوم به الصفات وإذا قامت به الصفات وقد سموه جوهرا وقالوا كل موجود
إما جوهر وإما عرض لزمهم قطعا أن تكون صفاته
أعراضا فبطل قولهم إنه جوهر ل يقوم به العراض وإن قالوا جوهر واحد ل تقوم
به الصفات بطل قولهم له حياة ونطق وإذا نفوا الصفات أبطلوا التثليث والتحاد
وبطلت المانة مع مخالفتهم لكتب النبياء فإنها مصرحة بإثبات الصفات ومع
مخالفتهم لصريح العقل #والمقصود أنهم يتناقضون تناقضا بينا لنهم أثبتوا جوهرا
ل تقوم به العراض مع قولهم الموجود إما جوهر وإما عرض ومع قولهم إنه
جوهر ثلثة أقانيم فإذا لم تقم به العراض لم يكن له صفات فإن الصفة قائمة
بغيرها ليست جوهرا بل هي إذا كان الموجود إما جوهر وإما عرض من قسم
العراض ل من قسم الجواهر فكان هذا الكلم نافيا لقيام الصفات به مطلقا #ثم
قالوا بالقانيم التي توجب إما إثبات صفات وإما إثبات جواهر ثلثة قائمة بنفسها مع
أنها إذا قامت بنفسها لزم اتصافها بالصفات ول ريب أن القوم يجمعون في قولهم
بين النقيضين بين إثبات الصفات ونفيها وبين إثبات ثلثة جواهر ثلثة آلهة وبين
قولهم الله الواحد #وسبب ذلك أنهم ركبوا لهم اعتقادا بعضه من نصوص النبياء
المحكمة كقولهم إله واحد وبعضه من متشابه كلمهم كلفظ
البن وروح القدس وبعضهم من كلم الفلسفة المشركين المعطلين كقولهم جوهر ل
تقوم به الصفات #ومما يوضح ذلك أنك تجد عامة علماء النصارى فضل عن
عامتهم ل يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره مع اتفاقهم على أن
المسيح لم ينسخها كلها ولم يقرها كلها بل أخبرهم أنه إنما جاء ليتمها ل ليبطلها وقد
أحل بعض ما حرم فيها كالعمل في السبت #ومعلوم أن المقصود بالرسل تصديقهم
فيما أخبروا وطاعتهم فيما أمروا فإذا كان عامة النصارى ل يميزون ما أمرهم به
مما لم يأمرهم به ول ما نهاهم عنه مما لم ينههم عنه مع اعترافهم بأنه أقر كثيرا من
شريعة التوراة بل أكثرها وأحل بعضها فنسخه ورفعه وهم ل يعرفون هذا من هذا
لم يكونوا عارفين بما جاء به المسيح ول يعرفون ما أمرهم ال على لسان موسى
وسائر النبياء فإنهم ل يجوز لهم العمل بكل ما في التوراة بل قد نسخ المسيح بعض
ذلك باتفاقهم واتفاق المسلمين على ذلك #ول يجوز لهم تعطيل جميع شريعة
التوراة بل يجب عليهم العمل بما لم ينسخه المسيح وعامتهم ل يعرفون ما نسخه مما
527
www.anassim.fr.st 528 الن سي ــــ ـــ ـم
لم ينسخه فل يمكنهم العمل بالتوراة والنتفاع بها في الشرع حتى يعرفوا المنسوخ
منها من غير المنسوخ #وعامتهم ل يعرفون ذلك فلم يكونوا حينئذ على شريعة
منزلة من ال ل من جهة المسيح ول من جهة موسى فلم يعلموها بل كان ذلك
مجهول عند عامتهم وجمهورهم أو جميعهم فكانوا محتاجين إلى أن يعرفوا ما
شرعه ال مما لم يشرعه فأرسل ال محمدا بشرع أمر فيه بمحاسن ما في الكتابين
وعوض عما نسخه بما هو خير منه
فصل #ثم قالوا إنا نعجب من هؤلء القوم الذين مع أدبهم وما يأخذون به أنفسهم
من الفضل كيف لم يعلموا أن الشرائع شريعتان شريعة عدل وشريعة فضل لنه لما
كان الباري عدل وجوادا وجب أن يظهر عدله على خلقه فأرسل موسى إلى بني
إسرائيل فوضع شريعة العدل وأمرهم بفعلها إلى أن استقرت في نفوسهم ولما كان
الكمال الذي هو الفضل ل يمكن أن يضعه إل أكمل الكمال وجب أن يكون هو
تقدست أسماؤه وجلت آلؤه الذي يضعه لنه ليس شيء أكمل منه ولنه جواد وجب
أن يجود بأجل الموجودات وليس في الموجودات أكمل من كلمته لذلك وجب أن
يجود بكلمته فلهذا وجب أن يجود بكلمته فلهذا وجب أن يتحد بذات محسوسة يظهر
منها قدرته وجوده ولما لم يكن في المخلوقات أجل من النسان اتحد بالطبيعة
البشرية من السيدة الطاهرة من مريم البتول المصطفاة على نساء العالمين وبعد هذا
الكمال ما تبقى شيء يوضع لن
جميع ما يتقدمه وما يأتي مقتضيه وما يأتي بعد الكمال غير محتاج إليه لن ليس
شيء يأتي بعد الكمال فيكون فاضل بل دون أو أخذ منه فهو فاضل ل يحتاج إليه
وفي هذا القول نفع والسلم على من اتبع الهدى وهذا مما عرفته من أن القوم الذين
رأيتهم وخاطبتهم في محمد عليه السلم وما يحتجون به عن أنفسهم فإن يكن ما
ذكروه صحيحا فلله الحمد وإن كان خلف ذلك فمولنا يكتب ذلك فقد جعلوني سفيرا
والحمد ل رب العالمين #والجواب على هذا من وجوه #أحدها أن يقال بل
الشرائع ثلثة شريعة عدل فقط وشريعة فضل فقط وشريعة تجمع العدل والفضل
فتوجب العدل وتندب إلى الفضل وهذه أكمل الشرائع الثلث وهي شريعة القرآن
الذي
جمع فيه بين العدل والفضل مع أنا ل ننكر أن يكون موسى عليه السلم أوجب
العدل وندب إلى الفضل وكذلك المسيح أيضا أوجب العدل وندب إلى الفضل #وأما
من يقول إن المسيح أوجب الفضل وحرم على كل مظلوم أن يقتص من ظالمه أو أن
موسى لم يندب إلى الحسان فهذا فيه غضاضة بشريعة المرسلين لكن قد يقال إن
ذكر العدل في التوراة أكثر وذكر الفضل في النجيل أكثر والقرآن جمع بينهما على
غاية الكمال #والقرآن بين أن السعداء أهل الجنة وهم أولياء ال نوعان أبرار
528
www.anassim.fr.st 529 الن سي ــــ ـــ ـم
مقتصدون ومقربون سابقون فالدرجة الولى تحصل بالعدل وهي أداء الواجبات
وترك المحرمات والثانية ل تحصل إل بالفضل وهو أداء الواجبات والمستحبات
وترك المحرمات والمكروهات #فالشريعة الكاملة تجمع العدل والفضل كقوله
تعالى ^ #وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ^ #فهذا عدل واجب من خرج
عنه استحق العقوبة في الدنيا والخرة #ثم قال ^ #وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم
^ تعلمون
فهذا فضل مستحب مندوب إليه من فعله أثابه ال ورفع درجته ومن تركه لم #
يعاقبه #وقال تعالى ^ #ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى
أهله ^ #فهذا عدل #ثم قال تعالى ^ إل أن يصدقوا ^ #فهذا فضل #وقال تعالى
^ #والجروح قصاص ^ #فهذا عدل #ثم قال ^ #فمن تصدق به فهو كفارة له
^ #فهذا فضل #وقال تعالى ^ #وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
^ لهن فريضة فنصف ما فرضتم
فهذا عدل #ثم قال ^ #إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا #
أقرب للتقوى ^ #فهذا فضل #وقال تعالى ^ #وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم
به ^ #فهذا عدل #ثم قال ^ #ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ #فهذا فضل #
وقال تعالى ^ #وجزاء سيئة سيئة مثلها ^ #فهذا عدل #ثم قال ^ #فمن عفا
وأصلح فأجره على ال ^ #فهذا فضل
وهو سبحانه دائما يحرم الظلم ويوجب العدل ويندب إلى الفضل كما في آخر #
سورة البقرة لما ذكر حكم الموال والناس فيها إما محسن وإما عادل وإما ظالم
فالمحسن المتصدق والعادل المعاوض كالبايع والظالم كالمرابي #فبدأ بالحسان
والصدقة فذكر ذلك ورغب فيه فقال #سورة البقرة اليات # 263 261ثم ذكر
تحريم الربا فقال ^ #الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون ^ #ثم لما أحل البيع ذكر المداينات وحكم البيع
الحال والمؤجل وحفظ ذلك بالكتاب والشهود أو الرهن وختم السورة بأصول
اليمان من اليمان بالكتب والرسل وهو سبحانه بعد أن افتتحها بذكر أصناف الناس
وهم ثلثة إما مؤمن وإما كافر وإما منافق فذكر نعت المؤمنين ثم ذكر نعت
الكافرين ثم ذكر نعت المنافقين ثم مهد أصول اليمان فأمر بعبادة ال تعالى وذكر
آياته وآلئه ثم قرر نبوة رسله ثم ذكر اليوم الخر والوعد والوعيد ثم ذكر بدء العالم
وخلق السماوات والرض ثم خلق آدم وإسجاد الملئكة له وخروجه من الجنة
وهبوطه إلى الرض #ثم بعد أن عم بالدعوة جميع الخلق خص أهل الكتاب
فخاطبهم خاطب اليهود أول بني إسرائيل ثم النصارى ثم خاطب المؤمنين فقرر لهم
529
www.anassim.fr.st 530 الن سي ــــ ـــ ـم
قواعد دينه فذكر أصل ملة إبراهيم وبناءه للبيت ودعاءه لهل مكة ووكد المر بملة
إبراهيم ثم ذكر ما يتعلق بالبيت من اتخاذه قبلة ومن تعظيم شعائر ال التي عنده
كالصفا والمروة ثم ذكر التوحيد والحلل والحرام والمطاعم للناس عموما ثم للذين
آمنوا خصوصا #ثم ذكر ما يتعلق بالقتل من القصاص وبالموت من الوصية ثم
ذكر شرائع الدين فذكر صيام شهر رمضان وما يكون فيه من العتكاف ثم ذكر ما
يتصل بشهر الصيام وهو أشهر الحج فذكر الحج وذكر حكم القتال عموما
وخصوصا في البلد الحرام ولما ذكر الصلة والصيام والحج والجهاد والصدقة ذكر
بعد ذلك الحلل والحرام في الفروج فذكر أحكام وطء النساء والحيض واليلء
منهن والطلق لهن واختلعهن وذكر حكم الولد وإرضاعهم واعتداد النساء
وخطبتهن في العدة وطلقهن قبل الدخول وبعده ثم ذكر الصلوات والمحافظة عليهن
ثم قرر المعاد وما يدل عليه من إحياء الموتى في الدنيا مرة بعد مرة #فتضمنت
هذه السورة الواحدة جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين وأصوله وفروعه وافتتحها
باليمان بالكتب والرسل ووسطها باليمان بالكتب والرسل وختمها باليمان بالكتب
والرسل فإن اليمان بالكتب والرسل هو عمود اليمان وقاعدته وجماعه #وأمر
فيها الخلق عموما وخصوصا وذكر فيها اليمان بالخالق وآيات ربوبيته واليمان
بالمعاد والدار الخرة والعمال الصالحة التي أمر بها وأن من كان من أتباع الرسل
من المؤمنين واليهود والنصارى
والصابئين قائما بهذه الصول وهو اليمان بال واليوم الخر والعمل الصالح فهو
السعيد في الخرة الذي له أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون #
بخلف من بدل منهم الكتاب أو كذب بكتاب فإن هؤلء من الكفار فمن كان متبعا
لشرع التوراة قبل مبعث المسيح غير مبدل له فهو من السعداء وكذلك من كان متبعا
لشرع النجيل قبل مبعث محمد غير مبدل له فهو من السعداء ومن بدل شرع
التوراة أو كذب بالمسيح فهو كافر كاليهود بعد مبعث المسيح عليه السلم وكذلك من
بدل شرع النجيل أو كذب محمدا فهو كافر كالنصارى بعد مبعث محمد #فقدماء
اليهود والنصارى الذين اتبعوا الدين قبل النسخ والتبديل سعدوا وأما اليهود
والنصارى الذين تمسكوا بشرع مبدل منسوخ وتركوا اتباع الكتب والرسول الذي
أرسل إليهم وإلى غيرهم وعدلوا عن الشرع المنزل المحكم فهم كفار
ورد دعاوى اليهود والنصارى الكاذبة مثل قول هؤلء ^ #لن يدخل الجنة إل #
من كان هودا ^ #وقول هؤلء لن يدخل الجنة إل من كان نصارى فقال ^ #بلى
من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون
^ #وبين من كفر اليهود والنصارى مما عرف بهم حالهم #لكن أكثر ما ذكر في
هذه السورة اليهود كما أن أكثر ما ذكر في سورة آل عمران النصارى فإن هذه
نزلت أول مقدمه المدينة وكان اليهود جيرانه وآل عمران تأخر نزولها إلى آخر
المر لما قدم عليه نصارى نجران وفيها فرض الحج لما طهر ال مكة من
530
www.anassim.fr.st 531 الن سي ــــ ـــ ـم
بمكة ثم لليهود لنهم جيرانه بالمدينة ثم للنصارى لنهم كانوا أبعد عنه من ناحية
الشام واليمن والمجوس أيضا لنهم كانوا أبعد عنه بأرض العراق وخراسان #وهذا
هو الترتيب المناسب يدعو القرب إليه فالقرب ثم يرسل رسله إلى البعد وهو كان
أول مشغول بجهاد المشركين واليهود فلما صالح المشركين صلح
الحديبية وحارب يهود خيبر عقيب ذلك ففتحها ال عليه وقسمها بين الذين بايعوه
تحت الشجرة الذين شهدوا صلح الحديبية تفرغ لمن بعد عنه فأرسل رسله إلى جميع
من حواليه من المم #أرسل إلى ملوك النصارى بمصر والشام والحبشة فإنه كان
قد مات ملك الحبشة النجاشي الذي أسلم وأخبر الناس بموته يوم مات وخرج
بأصحابه إلى ظاهر المدينة فصلى عليه بهم صلة الجنازة كما كان يصلي على
سائر موتى المسلمين وتولى بعد النجاشي آخر فأرسل إليه كما ذكره مسلم في
صحيحه وأرسل إلى ملوك اليمن من المشركين واليهود والى ملوك العرب وكان في
العرب خلق كثير يهود وخلق كثير نصارى وخلق كثير مجوس فدعا جميع الخلق
من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين عربهم وعجمهم
الوجه الثاني أن يقال لهم الناس لهم في أمر ال ونهيه قولن مشهوران #أحدهما #
أنه يرجع إلى محض المشيئة ليعتبر فيه أن يكون المأمور به مصلحة للخلق وإن
اتفق أن يكون مصلحة وإن كان الواقع كونه مصلحة وهذا قول من يقول ل يفعل
ول يحكم بسبب ول لحكمة ول لغرض #والقول الثاني وهو قول جمهور الناس إن
ال إنما أرسل الرسل ليأمروا بما يصلحهم وينفعهم إذا فعلوه كما قال تعالى ^ #وما
أرسلناك إل رحمة للعالمين ^ #وقال تعالى ^ #فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع
هداي فل يضل ول يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم
القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا
فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ^ #فإن قيل بالول لم يسأل عن حكمة إرسال الرسل
وإن قيل بالثاني ففي إرسال محمد من الحكم
والمصالح أعظم مما كان في إرسال موسى والمسيح والذي حصل به من صلح
العباد في المعاش والمعاد أضعاف ما حصل بإرسال موسى والمسيح من جهة المر
والخلق فإن في شريعته من الهدى ودين الحق أكمل مما في الشريعتين المتقدمتين
وتيسير ال من اتباع الخلق له واهتدائهم به ما لم يتيسر مثله لمن قبله فحصل فضيلة
شريعته من جهة فضلها في نفسها ومن جهة كثرة من قبلها وكمال قبولهم لها
بخلف شريعة من قبله فإن موسى بعث إلى بني إسرائيل وكان فيهم من الرد
والعناد في حياة موسى وبعد موته ما هو معروف وقد ذكر النصارى في كتابهم هذا
من ذلك ما تقدم #ولم تكن شريعة التوراة في الكمال مثل شريعة القرآن فإن القرآن
531
www.anassim.fr.st 532 الن سي ــــ ـــ ـم
فيه ذكر المعاد وإقامة الحجج عليه وتفصيله ووصف الجنة والنار ما لم يذكر مثله
في التوراة وفيه من ذكر قصة هود وصالح وشعيب وغيرهم من النبياء ما لم يذكر
في التوراة وفيه من ذكر أسماء ال الحسنى وصفاته ووصف ملئكته وأصنافهم
وخلق النس والجن ما لم يفصل مثله في التوراة وفيه من تقرير التوحيد بأنواع
الدلة مالم يذكر مثله في التوراة وفيه من ذكر أديان أهل الرض ما لم يذكره مثله
في التوراة وفيه من مناظرة المخالفين وإقامة البراهين على أصول الدين ما لم يذكر
مثله في التوراة مع أنه لم ينزل كتاب من السماء أهدى من القرآن والتوراة وفي
شريعة القرآن تحليل الطيبات وتحريم الخبائث وشريعة التوراة فيها تحريم كثير من
الطيبات عليهم حرمت عليهم عقوبة لهم وفي شريعة القرآن من قبول الدية في
الدماء ما لم يشرع في التوراة وفيها من وضع الصار والغلل التي في التوراة ما
يظهر به أن نعمة ال على أهل القرآن أكمل #وأما النجيل فليس فيه شريعة مستقلة
ول فيه الكلم على التوحيد وخلق العالم وقصص النبياء وأممهم بل أحالهم على
التوراة في أكثر المر ولكن أحل المسيح بعض ما حرم عليهم وأمرهم
بالحسان والعفو عن الظالم واحتمال الذى والزهد في الدنيا وضرب المثال لذلك
#فعامة ما امتاز به النجيل عن التوراة بمكارم الخلق المستحسنة والزهد
المستحب وتحليل بعض المحرمات وهذا كله في القرآن وهو في القرآن أكمل فليس
في التوراة والنجيل والنبوات ما هو من العلوم النافعة والعمال الصالحة إل وهو
في القرآن أو ما هو أفضل منه وفي القرآن من العلوم النافعة والعمال الصالحة من
الهدى ودين الحق ما ليس في الكتابين لكن النصارى لم يتبعوا ل التوراة ول
النجيل بل أحدثوا شريعة لم يبعث بها نبي من النبياء كما وضعوا لقسطنطين
المانة ووضعوا له أربعين كتابا فيها القوانين فيها بعض ما جاءت به النبياء وفيها
شيء كثير مخالف لشرع النبياء وصاروا إلى كثير من دين المشركين الذين عبدوا
مع ال آلهة أخرى وكذبوا رسله فصار في دينهم من الشرك وتغيير دين الرسل ما
غيروا به شريعة النجيل ولهذا التبست عند عامتهم شريعة النجيل بغيرها فل
يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره ول ما شرعه مما أحدث بعده
#فالمسيح لم يأمرهم بتصوير الصور وتعظيمها ول دعاء من صورت تلك التماثيل
على صورته ول أمر بهذا أحد من النبياء
ل يوجد قط عن نبي أنه أمر بدعاء الملئكة والستشفاع بهم ول بدعاء الموتى من
النبياء والصالحين والستشفاع بهم فضل عن دعاء تماثيلهم والستشفاع بها فإن
هذا من أصول الشرك الذي نبهت عليه الرسل وهذا كان أصل الشرك في بني آدم
من عهد نوح عليه السلم #قال ال تعالى عن قوم نوح ^ #ل تذرن آلهتكم ول
تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعقوب ونسرا وقد أضلوا كثيرا ^ #قال كثير من
العلماء منهم ابن عباس وغيره وهؤلء كانوا قوما
532
www.anassim.fr.st 533 الن سي ــــ ـــ ـم
صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم
وقد ذكر ذلك المسيح وعلماء النصارى #والمسيح عليه السلم لم يأمرهم بعبادته
ول قال إنه ال ول بما ابتدعوه من التثليث والتحاد والمسيح لم يأمرهم باستحلل
كل ما حرمه ال في التوراة من الخبائث كالخنزير وغيره فاستحلوا الخبائث
المحرمة وغيروا شريعة التوراة والنجيل والمسيح لم يأمرهم بأن يصلوا إلى
المشرق ولم يأمرهم أن يعظموا الصليب ولم
يأمرهم بترك الختان ول بالرهبانية ول بسائر ما ابتدعوه بعده #ولهذا لما ظهر
فساد دين النصارى صار بعض الناس كأبي عبد ال الرازي يقول لم يظهر النتفاع
بدين المسيح إلفي طائفة قليلة كانوا قبل محمد فإن الدين الذي كان عليه جمهور
النصارى ليس هو دين المسيح #وتبين هذا #بالوجه الثالث وهو أن يقال هب إن
شريعة الكتاب كانت كافية فإنما ذاك إذا كانت محفوظة معمول بها ولم يكن المر
كذلك بل كانت قد درس كثير من معالمها #وقد اختلف أهل الكتاب في المسيح
وغيره اختلفا عظيما كما قال تعالى
ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا ^ #
بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا يصنعون ^ #
وقد قال تعالى ^ كان الناس أمة واحدة ^ #أي فاختلفوا ^ #فبعث ال النبيين
مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما
اختلف فيه ^ #والوقت الذي بعث ال فيه محمدا لم يكن قد بقي أحد مظهرا لما بعث
ال به الرسل قبله #فبعثه على حين فترة من الرسل وطموس من السبل أحوج ما
كان الناس إلى رسول كما في صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال قال رسول ال
إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب
وكان الناس حين مبعث محمد إما أميين ل كتاب لهم يشركون بالرحمن ويعبدون #
الوثان وإما أهل كتاب قد بدلوا معانيه وأحكامه وحرفوا حلله وحرامه ولبسوا حقه
بباطله كما هو الموجود فلو أراد الرجل أن يميز له أهل ل كتاب ما جاءت به
النبياء مما هم عليه مما أحدثوه بعدهم لم يعرف جمهورهم ذلك بل قد صار الجميع
عندهم دينا واحدا #فبعث ال تبارك وتعالى محمدا بالكتاب الذي أنزله عليه مصدقا
لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا فميز به الحق من الباطل والهدى من الضلل
والغي من الرشاد قال تعالى #سورة المائدة اليات 19 15
إلى قوله ^ #يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن #
تقولوا ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير
^ #الوجه الرابع إن شريعة التوراة تغلب عليها الشدة وشريعة النجيل يغلب عليها
اللين وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وهذا كما قال تعالى ^ وكذلك جعلناكم
امة وسطا ^ #وقال في وصف أمته ^ #محمد رسول ال والذين معه أشداء على
533
www.anassim.fr.st 534 الن سي ــــ ـــ ـم
الكفار رحماء بينهم ^ #وقال أيضا ^ #فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة
^ على المؤمنين أعزة على الكافرين
فوصفهم بالرحمة للمؤمنين والذلة لهم والشدة على الكفار والعزة عليهم #وكذلك #
كان صفة محمد نبيهم أكمل النبيين وأفضل الرسل بحيث قال أنا محمد وأنا أحمد
وأنا نبي الرحمة وأنا نبي الملحمة وأنا نبي التوبة وأنا الضحوك القتال
فوصف نفسه بأنه نبي الرحمة والتوبة وأنه نبي الملحمة وأنه الضحوك القتال وهذا
أكمل ممن نعت بالشدة والبأس غالبا أو باللين غالبا وقد قيل بسبب ذلك أن بني
إسرائيل كانت نفوسهم قد ذلت لقهر فرعون لهم واستعباد فرعون لهم فشرعت لهم
الشدة لتقوى أنفهسم ويزول عنهم ذلك الذل #ولهذا لما أمروا بالجهاد نكلوا عنه
وقال لهم موسى #سورة المائدة اليات 24 21
وأما أصحاب محمد فقال له قائلهم يوم بدر وال ل نقول لك كما قال قوم موسى # #
^ فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون ^ #لكن نقاتل أمامك ووراءك وعن
يمينك وعن يسارك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه
معك ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك
وكان الكلم قريبا من بدر والبحر من جهة الغرب وبرك الغماد مكان من يماني #
مكة بينه وبين مكة عدة ليال والكفار كانوا إذ ذاك بمكة وأصحابه من نايحة المدينة
شامي مكة فمكة جنوبهم والبحر غربهم تقول لو طلبت أن ندخل بلد العدو ونذهب
إلى تلك الناحية لفعلناه قالوا فلما نصر ال بني إسرائيل وأظهرهم ظهرت فيهم
الحداث بعد ذلك وتجبروا وقست قلوبهم وصاروا شبها بآل فرعون فبعث ال
المسيح عليه السلم باللين والصفح والعفو عن المسيء واحتمال أذاه ليلين أخلقهم
ويزيل ما كانوا فيه من الجبرية والقسوة #فأفرط هؤلء في اللين حتى تركوا المر
بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ال وتركوا الحكم بين الناس بالعدل
وإقامة الحدود وترهب عبادهم منفردين مع أن في ملوك النصارى من الجبرية
والقسوة والحكم بغير ما أنزل ال وسفك الدماء بغير حق مما يأمرهم به علماؤهم
وعبادهم ومما لم يأمروهم به ما شاركوا فيه اليهود #فبعث ال محمدا بالشريعة
الكاملة العادلة وجعل أمته عدل خيارا ل ينحرفون إلى هذا الطرف ول إلى هذا
الطرف بل يشتدون على أعداء ال ويلينون لولياء ال ويستعملون العفو والصفح
فيما كان لنفوسهم ويستعملون النتصار والعقوبة فيما كان حقا ل
وهذا كان خلق نبيهم كما في الصحيحين عن عائشة قالت ما ضرب رسول ال #
بيده خادما ول امرأة ول دابة ول شيئا قط إل أن يجاهد في سبيل ال ول نيل منه
شيء قط فانتقم لنفسه إل أن تنتهك محارم ال فإذا انتهكت محارم ال لم يقم لغضبه
شيء حتى ينتقم ل #وفي الصحيح عن أنس أنه قال خدمت رسول ال عشر سنين
534
www.anassim.fr.st 535 الن سي ــــ ـــ ـم
فما قال لي أف قط ول قال لشيء فعلته لم فعلته ول لشيء لم أفعله لم ل فعلته وكان
بعض أهله
إذا عتبوني على شيء يقول دعوه فلو قدر شيء لكان هذا مع قوله في الحديث
الصحيح لما سرقت امرأة كانت من أشرف قريش من بني مخزوم فأمر بقطع يدها
فقالوا من يكلم فيها رسول ال فقالوا من يجترىء عليه إل أسامة بن زيد فكلموه
فكلمه فيها فقال يا أسامة أتشفع في حد من حدود ال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم
كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي
نفس محمد بيده لو أن فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها #ففي شريعته من اللين والعفو والصفح ومكارم
الخلق أعظم مما في النجيل وفيها من الشدة والجهاد وإقامة الحدود على الكفار
والمنافقين أعظم مما في التوراة وهذا هو غاية الكمال ولهذا قال بعضهم بعث موسى
بالجلل وبعث عيسى بالجمال وبعث محمد بالكمال #الوجه الخامس إن نعم ال
على عباده تتضمن نفعهم والحسان إليهم وذلك نوعان #أحدهما أن يدفع بذلك
مضرتهم ويزيل حاجتهم وفاقتهم مثل رزقهم الذي لول هو لماتوا جوعا ونصرهم
الذي لول هو لهلكهم عدوهم ومثل هداهم الذي لول هو لضلوا ضلل يضرهم في
آخرتهم وهذا النوع من النعمة ل بد لهم منه وإن فقدوه حصل لهم ضرر إما في
الدنيا وإما في الخرة وإما فيهما ولهذا كان في سورة النحل وهي
سورة النعم في أولها أصول النعم وفي أثنائها كمال النعم #والنوع الثاني النعم التي
تحصل بها من كمال النعم وعلو الدرجة ما ل يحصل بدونها كما أنهم في الخرة
نوعان أبرار أصحاب يمين ومقربون سابقون ومن خرج عن هذين كان من
أصحاب الجحيم #وإذا كانت النعمة نوعين فالخلق كانوا محتاجين إلى إرسال محمد
من هذين الوجهين وحصل بإرساله هذان النوعان من النعمة فإن الناس بدونه كانوا
جهال ضالين أميين وأهل الكتاب منهم #ولم يكن قد بقي من أهل الكتاب أتباع
المسيح من هو قائم بالدين الذي يوجب السعادة عند ال في الخرة بل كانوا قد بدلوا
وغيروا وأيضا فلو قدر أنهم لم يبدلوا شيئا ففي إرساله من كمال النعم وتواصلها
وعلو الدرجات في السعادة ما لم يكن حاصل بالكتاب الول فكان إرساله أعظم
نعمة أنعم ال بها على أهل الرض من نوعي النعيم
ومن استقرأ أحوال العالم تبين له أن ال لم ينعم على أهل الرض نعمة أعظم من #
إنعامه بإرساله وإن الذين ردوا رسالته هم من قال ال فيهم ^ #ألم تر إلى الذين
بدلوا نعمت ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ^ #ولهذا وصف بالشكر من قبل
هذه النعمة فقال تعالى ^ #وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء من ال عليهم
من بيننا أليس ال بأعلم الشاكرين ^ #وقال تعالى ^ #وما محمد إل رسول قد
خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه
535
www.anassim.fr.st 536 الن سي ــــ ـــ ـم
فلن يضر ال شيئا وسيجزي ال الشاكرين ^ #الوجه السادس أن يقال قولهم إنا
نعجب من هؤلء القوم إلى آخر الفصل قول جاهل ظالم يستحق أن يقال له بل
العجب من هذا العجب هو الواجب بل هو الذي ل ينقضي منه العجب وإن كل عاقل
ليعجب من عرف دين محمد وقصده الحق ثم اتبع غيره ويعلم أنه ل يفعل ذلك إل
مفرط في الجهل والضلل أو مفرط في الظلم واتباع الهوى #وذلك أن أهل
الرض نوعان أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وغير أهل الكتاب كالمشركين
من العرب والهند والترك وغيرهم كالمجوس من الفرس وغيرهم كالصابئة من
المتفلسفة وغيرهم #وأهل الكتاب يسلمون لنا أن من سوى أهل الكتاب انتفع بنبوة
محمد منفعة ظاهرة وأنه دعا جميع طوائف
المشركين والمجوس والصابئين إلى خير مما كانوا عليه بل كانوا أحوج الناس إلى
رسالته وأما أهل الكتاب فاليهود مسلمون لنا حاجة النصارى إليه وأنه دعاهم إلى
خير مما كانوا عليه والنصارى تسلم لنا حاجة اليهود إليه وأنه دعاهم إلى خير مما
كانوا عليه #فما من طائفة من طوائف أهل الرض إل وهم مقرون بأن محمدا دعا
سائر الطوائف غيرهم إلى خير مما كانوا عليه هذه شهادة من جميع أهل الرض
بأنه دعا أهل الرض إلى خير مما كانوا عليه فإن شهادة جميع الطوائف مقبولة
على غيرهم إذ كانوا غير متهمين عليهم فإنهم معادون لمحمد وأمته معادون لسائر
الطوائف وأما شهادتهم لنفسهم فغير مقبولة فإنهم خصومه وشهادة الخصم على
خصمه غير مقبولة #وقد اعترف الفلسفة بأنه لم يقرع العالم ناموس بأفضل من
ناموسه واعترفوا بأنه أفضل من ناموس موسى والمسيح عليهما الصلة والسلم بل
كان لهم من الطعن في نواميس غيره ما ليس
هذا موضع ذكره بخلف ناموس محمد فإنه لم يطعن فيه أحد منهم إل من كان
خارجا عن قانون الفلسفة التي توجب عندهم العدل والكلم بعلم وأما من التزم منهم
الكلم بعلم وعدل فهم متفقون على أن ناموس محمد أفضل ناموس طرق العالم
فكيف يعجب من مثل هذا الناموس #الوجه السابع أن يقال لهل الكتاب خصوصا
فيقال لليهود أنتم أذل المم فلو قدر أن ما أنتم عليه دين ال الذي لم يبدل فهو مغلوب
مقهور في جميع الرض فهل تعجبون من أن يبعث ال رسول يهدي إلى الحق وإلى
طريق مستقيم فيبعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله حتى يصير دين ال
الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه منصورا ظاهرا بالحجة والبيان والسيف والسنان
#ويقال للنصارى أنتم لم تخلصوا دين ال الذي بعث به رسله من دين المشركين
والمعطلين بل أخذتم من أصول المشركين والمعطلين من الفلسفة وغيرهم ما
أدخلتموه في دينكم وليس لكم على أكثر الكفار حجة علمية ول يد قهر
ية بل للكفار في
536
www.anassim.fr.st 537 الن سي ــــ ـــ ـم
محجة وأبعدها عن العلم والبيان وأعجزها عن إقامة الحجة والبرهان تارة تخافون
من الكفار والفلسفة وغيرهم من المشركين والمعطلين فإما أن توافقوهم على
أقوالهم وإما أن تخضعوا لهم متواضعين وتارة تخافون من سيوف المشركين فإما أن
تتركوا بعض دينكم لجلهم وإما أن تذلوا لهم خاضعين #ففيكم من ضعف سلطان
الحجة وضعف سلطان النصرة ما يظهر به حاجتكم إلى قيام الهدى ودين الحق الذي
بعث ال به رسله وأنزل به كتبه فالعجب منكم كيف تعدلون عما فيه سعادتكم في
الدنيا والخرة إلى ما فيه شقاؤكم في الدنيا والخرة هذا هو العجب ليس العجب ممن
آمن بما فيه سعادة الدنيا والخرة وفي خلفه شقاوة الدنيا والخرة #ومثل هذا ل
يرد على المسلمين فإنه لم يزل ول يزال فيه طائفة قائمة بالهدي ودين الحق ظاهرة
بالحجة والبيان واليد والسنان إلى أن يرث ال الرض ومن عليها وهو خير
الوارثين كما ثبت في الصحاح عن النبي أنه قال ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر
ال ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى تقوم الساعة وفي لفظ ل تزال طائفة
من أمتي ظاهرة حتي يأتي ال بأمره
الوجه الثامن أن يقال لهل الكتاب لليهود أنتم لما كنتم متبعين لموسى عليه السلم #
كنتم على الهدى ودين الحق وكنتم منصورين ثم كثرت فيكم الحداث التي تعرفونها
كما قال تعالى ^ #قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا
وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من
لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر
مكانا وأضل عن سواء السبيل ^ #وقوله تعالى ^ وعبد الطاغوت ^ معطوف على
لعنه ال أي من لعنه ال وغضب عليهم وعبد هو الطاغوت ليس هو داخل في خبر
جعل حتى يلزم إشكال كما ظنه بعض الناس #وأهل الكتاب معترفون بأن اليهود
عبدوا الصنام مرات وقتلوا النبياء
وقال تعالى #سورة السراء اليات # 8 4وهم معترفون بأن بيت المقدس #
خرب مرتين
فالخراب الول لما جاء بخت نصر وسباهم إلى بابل وبقي خرابا سبعين سنة #
والخراب الثاني بعد المسيح بنحو سبعين سنة وقد قيل هذا تأويل قوله ^ #لعن
الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ^ #فبعد الخراب
الثاني تفرقوا في الرض ولم يبق لهم ملك وبين الخرابين كانوا تحت قهر الملوك
الكفار وبعث المسيح عليه الصلة والسلم وهم كذلك #ويقال للنصارى أنتم ما زلتم
مقهورين مغلوبين مبددين في الرض حتى ظهر قسطنطين وأقام دين النصرانية
بالسيف وقتل من خالفه من المشركين واليهود لكن أظهر دينا مبدل مغيرا ليس هو
دين المسيح عليه السلم ومع هذا فكانت أرض العراق وفارس كفارا المجوس
وغيرهم مجوسا ومشركين وكانوا في بعض الزمنة يقهرون النصارى على بلدهم
وأما أرض المشرق والمغرب ففيهما من أنواع المشركين أمم وكان الشرك والكفر
537
www.anassim.fr.st 538 الن سي ــــ ـــ ـم
مما يطول وصفه ففيهم من الكفر بالنبياء من جنس ما كان في سلفهم الخبيث #
وأما النصارى فمع غلوهم في المسيح وأتباعه يستخفون بغيره فتارة يجعلون
الحواريين مثل إبراهيم وموسى أو أفضل منهم وتارة يقولون كما قال اليهود إن
سليمان لم يكن نبيا بل سقط من النبوة وتارة يجعلون ما خاطب ال به داود وغيره
من النبياء إنما أريد به المسيح مع أن اللفظ ل يدل على ذلك بل يتأولون كتب ال
بمجرد هوى أنفسهم وتارة يقولون إن الواحد منهم إذا أطاع ال بما يزعمون أنه
طاعة صار مثل واحد من النبياء ويسوغون لمثل هؤلء أن يغيروا شرائع النبياء
ويضعوا دينا ابتدعوه ومحمد وأمته أقاموا توحيد ال الذي كان عليه إبراهيم وموسى
وسائر الرسل وآمنوا بكل كتاب أنزله ال وكل رسول بعثه ال وأقاموا دين الرحمن
إقامة لم يقمها أحد من المم فعامة أهل الرض مع محمد إما مؤمن به باطنا
وظاهرا وهم أولياء ال المتقون وحزبه المفلحون وجنده الغالبون وإما مسلمون له
في الظاهر تقية وخوفا من أمته وهم المنافقون
وإما مسالمون له بالعهد والذمة والهدنة وهم أهل الذمة والهدنة في جميع الرض
وإما خائفون من أمته #وحيث كان الواحد والطائفة من أمته متمسكا بدينه كان
نوره ظاهرا وبرهانه باهرا معظما منصورا يعرف فضله على كل من سواه #وهذا
أمر يعرفه الناس في أرض الكفار من المشركين وأهل الكتاب لما خص ال به
محمدا وأمته من الهدى ودين الحق وقد أظهروا دين الرب في مشارق الرض
ومغاربها بالقول والعمل فهل يقول من عنده علم وعدل إنه ل فائدة في إرسال محمد
وأنه يستغنى بما عند أهل الكتاب عن رسالته #الوجه التاسع أن يقال هم معترفون
بانتفاع المشركين به غاية النتفاع فإنه أقام توحيد ال ودينه فيهم وأنه عظم المسيح
ورد على اليهود قولهم فيه وأهانهم وحينئذ فهذا من أعظم الفوائد وأجل المقاصد
وأعظم نعم ال على عباده ثم هو مع ذلك قال إن ال أرسله وأمره بذلك
538
www.anassim.fr.st 539 الن سي ــــ ـــ ـم
فإن كان كاذبا فالكذاب المفتري على ال من شر الكفار ومن يكون كذلك ل #
يحصل منه هذا الخير العظيم الذي ما حصل مثله من أحد من النبياء فإنه أزال دين
المشركين ودين المجوس وقمع اليهود وكل واحدة من هذه الثلث لم يقدر عليه أحد
قبله من النبياء والمرسلين #وإن كان صادقا فهو قد أخبر أنه رسول ال إلى
النصارى وغيرهم من المم وأخبر عن ال بكفر كل من لم يؤمن به وهذا الوجه
ممن يخاطب به كل صنف فيقال لكل صنف من المم أنتم معترفون بأن من سواكم
إذا اتبعوا دين محمد كان خيرا لهم مما هم عليه فاليهود معترفة بأن النصارى إذا
اتبعوه كان خيرا لهم من دين النصارى والنصارى معترفون بأن اليهود إذا اتبعوه
كان خيرا لهم من دين اليهود وأهل الكتاب اليهود والنصارى معترفون بأن من
سواهم إذا اتبعوا محمدا كان خيرا لهم مما هم عليه #فالمجوس والمشركون من
العرب والسودان والترك وأصناف
الخزر والصقالبة إذا اتبعوه كان خيرا لهم مما هم عليه وسائر أصناف الكفار
معترفون بأن أتباعه خير من غيرهم ومن ليس من أهل الكتاب عامتهم معترفون
بأن دين المسلمين خير من دين اليهود والنصارى وحينئذ فيقال من جاء بهذا الدين
الذي يفضله جميع أهل الرض على غيره يمتنع أن يكون من أكفر الناس وأحقهم
بغضب ال وعقابه وكل من قال إنه رسول ال فإن كان صادقا كان من خير أهل
الرض وأحقهم برضوان ال وثوابه وإن كان كاذبا كان من شر أهل الرض
وأحقهم بغضب ال وعقابه ومن حصل منه هذا الخير والعلم والهدى وما فيه صلح
الدنيا والخرة أعظم مما حصل من جميع الخلق يمتنع أن يكون من أكفر الناس
المستحقين لغضب ال وعقابه فوجب أن يكون من خير أهل الرض بل هو خير
أهل الرض وأحقهم برضوان ال وثوابه #الوجه العاشر إن ال سبحانه وتعالى
كانت سنته قبل إنزال
التوراة إذا كذب نبي من النبياء ينتقم ال من أعدائه بعذاب من عنده كما أهلك قوم
نوح بالغرق وقوم هود بالريح الصرصر وقوم صالح بالصيحة وقوم شعيب بالظلة
وقوم لوط بالحاصب وقوم فرعون بالغرق قال تعالى ^ #ولقد آتينا موسى الكتاب
من بعد ما أهلكنا القرون الولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ^ #
فلما أنزل التوراة أمر أهل الكتاب بالجهاد فمنهم من نكل ومنهم من أطاع #وصار
المقصود بالرسالة ل يحصل إل بالعلم والقدرة كما قال تعالى
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال ^ #
شهيدا ^ #فقول هؤلء إن التوراة جاءت بالعدل وإلنجيل بالفضل فل حاجة إلى
غيرهما لو قدر أنه حق إنما يستقيم إذا كان الكتابان لم يبدل بل كانا متبعين علما
وعمل وكان أهلهما مع ذلك منصورين مؤيدين على من خالفهم فكيف وكل منهما قد
بدل كثير مما فيه وأهلهما غير منصورين على سائر الكفار بل الكفار ظاهرون
عليهم في أكثر الرض كأرض اليمن والحجاز وسائر جزيرة العرب وأرض
539
www.anassim.fr.st 540 الن سي ــــ ـــ ـم
العراق وخراسان والمغرب وأرض الهند والسند والترك وكان بأيدي أهل الكتاب
الشام ومصر وغير ذلك ومع هذا فكانت الفرس قد غلبتهم على ذلك ثم إن ال أظهر
النصارى عليهم فكان ظهورهم توطئة وتمهيدا لظهار دين السلم #فإن الفرس
المجوس لما غلبوا الروم ساء ذلك النبي
والمؤمنين به وفرح بذلك مشركوا العرب وكانوا أكثر من المؤمنين لن أهل الكتاب
أقرب إلى المؤمنين من المجوس والمجوس أقرب إلى المشركين منهم إلى أهل
الكتاب ووعد ال المؤمنين أن تغلب الروم بعد ذلك وأنه يومئذ ^ #يفرح المؤمنون
بنصر ال ^ #فأضاف النصرة إلى اسم ال ولم يقل بنصر ال إياهم وذلك أنه حين
ظهرت الروم على فارس كان النبي وأصحابه قد ظهروا على المشركين واليهود #
وأرسل النبي إذ ذاك يدعو ملوك النصارى بالشام ومصر إلى اليمان به فعرفوه
وعرفوا أنه النبي المبشر به وكان ذلك أول ظهور دينه ثم أرسل طائفة من أصحابه
إلى غيرهم ثم خرج بالمسلمين بنفسه معهم عام تبوك إلى الشام ثم فتح هذه البلد
أصحابه فكان تأييد دين ال وظهوره وإذلل المشركين
والمجوس وغيرهم من الكفار على يديه ويدي أمته ل على يد اليهود والنصارى #
فلو قدر أن شرع أولئك كامل ل تبديل فيه لكان مغلوبا مقهورا وكان ال قد أرسل
من يؤيد دينه ويظهره فكيف وهو مبدل ولو لم يبدل فدين أحمد أكمل وأفضل منه
فذاك مفضول مبدل وهذا فاضل لم يبدل وذلك مغلوب مقهور هذا مؤيد منصور
وببعض هذا تحصل الفائدة في إرساله #فكان من أجل الفوائد إرسال محمد فكيف
يقال إنه ل فائدة في إرساله #الوجه الحادي عشر قولهم لما كان الباري عدل جوادا
أوجب أن يظهر عدله وجوده فيقال لهم جود الجواد غير إلزام الناس بترك حقوقهم
فإن الجواد هو الذي يحسن إلى الناس ليس هو الذي يلزم الناس بترك حقوقهم
وهؤلء يزعمون أن شريعة النجيل ألزمت الناس بترك حقوقهم وأنه ل ينصف
مظلوم من ظالمه ولهذا ليس عندهم حكم عدل يحكمون به بين الناس بل الحكم
عندهم حكمان حكم الكنسية وليس فيه إنصاف المظلوم من الظالم والثاني حكم
الملوك وليس هو شرعا منزل بل هو بحسب آراء الملوك #ولهذا تجدهم يردون
الناس إلى حكم شرع السلم في الدماء
والموال ونحو ذلك حتى في بعض بلدهم يكون الملك والعسكر كلهم نصارى
وفيهم طائفة قليلة مسلمون لهم حاكم فيردون الناس في الدماء والموال إلى حكم
شرع المسلمين وذلك أن الدماء والموال وإن كان يستحب للمظلوم أن يعفو فيها عن
ظالمه فالحاكم الذي يحكم بين الناس متى حكم على المظلوم بترك حقه كان حاكما
بالظلم ل بالعدل #ولو أمرنا كل ولي مقتول أن ل يقتص من القاتل وكل صاحب
دين أن ل يطالب غريمه بل يدعه على اختياره وكل مشتوم ومضروب أن ل
ينتصف من ظالمه لم يكن للظالمين زاجر يزجرهم وظلم القوياء الضعفاء وفسدت
الرض قال تعالى ^ #ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ^ #فل
540
www.anassim.fr.st 541 الن سي ــــ ـــ ـم
بد من شرع يتضمن الحكم بالعدل ول بد مع ذلك من ندب الناس إلى العفو والخذ
بالفضل #وهذه شريعة السلم كما تقدم ما ذكرنا من اليات مثل قوله ^ #
^ والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له
وقوله ^ #وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم ^ # #
وقوله ^ #وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على ال ^ #وقوله ^ #
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ #وقوله
^ #الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وال
^ يحب المحسنين ^ #وقوله ^ #ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا
وقوله ^ #ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور ^ #وقال أنس ما رفع #
للنبي أمر فيه القصاص إل أمر فيه بالعفو فكان يأمر بالعفو ول يلزم الناس به ولهذا
لما عتقت بريرة وكان لها أن تفسخ النكاح وطلب زوجها أن ل تفارقه شفع إليها أن
ل تفارقه فقالت أتأمرني قال ل إنما أنا شافع فلم يوجب عليها قبول شفاعته #الوجه
الثاني عشر قولهم ولما كان الكمال الذي هو الفضل
ل يمكن أن يضعه إل أكمل الكمال فيقال لهم العدل والفضل ل يشرعه إل ال
فشريعة التوراة لم يشرعها إل ال وشريعة النجيل لم يشرعها إل ال عز وجل #
يبين ذلك أن ال كلم موسى من الشجرة تكليما وهم غاية ما قرروا به إلهية المسيح
أن زعموا أن ال كلم الناس من ناسوت المسيح كما كلم موسى من الشجرة ومعلوم
عند كل عاقل لو كان هذا حقا أن تكليمه لموسى من الشجرة أعظم تكليم كلمه ال
لعباده فكيف يقال إن شريعة العدل لم يشرعها ال عز وجل #ثم يقال لهم بل شريعة
العدل أحق بأن تضاف إلى ال من شريعة الفضل فإن المر بالحسان والعفو يحسنه
كل أحد وأما معرفة العدل والحكم بين الناس به فل يقدر عليه إل آحاد الناس ولهذا
يوجد الذي يصلح بين الناس بالحسان خلق كثير وأما الذي يحسن أن يفصل بينهم
بالعدل فناس قليل فكيف يقال إن الذي يأمر بشرع الفضل هو ال دون الذي يأمر
بشرع العدل #وال تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط كما قال
تعالى ^ #لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان
ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره
ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ^ #وأمر المسيح عليه السلم للمظلوم بالعفو عن
الظالم ليس فيه ما يدل على أنه من الواجب الذي من تركه استحق الذم والعقاب بل
هو من المرغب فيه الذي من فعله استحق المدح والثواب وموسى عليه السلم
أوجب العدل الذي من تركه استحق الذم والعقاب وحينئذ فل منافاة بين إيجاب العدل
وبين استحباب الفضل #لكن إيجاب العدل يقترن به الترهيب والتخويف في تركه
واستحباب الفضل يقترن به الترغيب والتشويق إلى فعله فذاك فيه رهبة مع ما فيه
من الرغبة وهذا فيه رغبة بل رهبة ولهذا قال المسيح عليه السلم ^ #وكنت عليهم
541
www.anassim.fr.st 542 الن سي ــــ ـــ ـم
شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ^ #ولهذا قيل إن
المسيح عليه السلم بعث لتكميل التوراة فإن النوافل تكون بعد الفرائض كما في
صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي قال يقول ال تعالى من
عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت
عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل
حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي
يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن
سألني لعطينه ولئن استعاذ بي لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن
قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ول بد له منه #وإل فلو قيل
إن المسيح عليه السلم أوجب على المظلوم العفو عن الظالم بمعنى أنه يستحق
الوعيد والذم والعقاب إن
لم يعف عنه لزم من هذا أن يكون كل من انتصف من الظالم ظالما مستحقا للذم
والعقاب وهذا ظلم ثان للمظلوم الذي انتصف فإن الظالم ظلمه أول فلما انتصف منه
ظلم ظلما ثانيا فهو ظلم العادل انتصف من ظالمه #وما أحسن كلم ال حيث يقول
#سورة الشورة اليات # 43 36وقال ^ #ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم
بغى عليه لينصرنه ال إن ال لعفو غفور ^ #فهذا من أحسن الكلم وأعدله وأفضله
حيث شرع العدل فقال
وجزاء سيئة سيئة مثلها ^ #ثم ندب إلى الفضل فقال ^ #فمن عفا وأصلح ^ #
فأجره على ال إنه ل يحب الظالمين ^ #ولما ندب إلى العفو ذكر أنه ل لوم على
المنتصف لئل يظن أن العفو فرض فقال ^ #ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما
عليهم من سبيل ^ #ثم يبين أن السبيل إنما يكون على الظالمين فقال ^ #إنما
السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض بغير الحق أولئك لهم عذاب
أليم ^ #ثم لما رفع عنهم السبيل ندبهم مع ذلك إلى الصبر والعفو فقال ^ #ولمن
صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور ^ #فهذا أحسن شرع وأحكمه يرغب في
الصبر والغفر والعفو والصلح بغاية الترغيب ويذكر ما فيه من الفضائل
والمحاسن وحميد
العاقبة ويرفع عن المنتصف ممن ظلمه الملم والعذل ويبين أنه ل حرج عليه ول
سبيل إذا انتصر بعد ما ظلم #فهل يمكن أن تأتي شريعة بأن تجعل على المنتصف
سبيل مع عدله وهي ل تجعل على الظالم سبيل مع ظلمه #فعلم أن ما أمر به
المسيح من العفو لم يكن لن تاركه مستحق للذم والعقاب بل لنه محروم مما
يحصل للعافي المحسن من الجر والثواب وهذا حق ل يناقض شرع التوراة فعلم أن
شرع النجيل لم يناقض شرع التوراة إذ كان فرعا عليها ومكمل لها وحينئذ
542
www.anassim.fr.st 543 الن سي ــــ ـــ ـم
فزعمهم أن شرع النجيل شرعه ال دون شرع التوراة كلم من هو من أجهل الناس
وأضلهم ولهذا كان فرعا على قولهم بالتحاد وأن المسيح هو ال #فذاك الضلل
مما أوجب هذا القول المحال
الثاني أن من ثبت عند المسلمين نبوته كموسى وعيسى وداود وسليمان لم يثبت #
عندهم أنهم قالوا جميع ما ذكروه من الكلم وأن ترجمته بالعربية هو ما ذكروه وأن
مرادهم به ما فسروه #الثالث أن جمهور المسلمين ل يعلمون نبوة أحد من النبياء
قبل محمد إل بإخبار محمد بنبوتهم فل يمكنهم التصديق بنبوة أحد من هؤلء إل بعد
التصديق بنبوة محمد #فإذا طلب هؤلء من المسلمين أن يسلموا نبوة هؤلء دون
نبوة محمد لم يمكن المسلمون أن يسلموا ذلك لهم ول يشرع ذلك للمسلمين ل عقل
ول نقل وحينئذ إذا لم يقيموا الدلة على نبوة أولئك لم يكونوا قد ذكروا ل حجة
برهانية ول حجة جدلية #الرابع أن المسلمين لم يصدقوا بنبوة موسى وعيسى إل
مع إخبارهما بنبوة محمد فإن سلموا أنهما أخبرا بنبوة محمد ثبتت نبوته ونبوتهما
وإن جحدوا ذلك جحد المسلمون نبوة من يدعون أنه موسى
وعيسى الذين لم يخبرا بمحمد #الخامس أن المسلمين وكل عاقل يمنع بعد النظر
التام أن يقر بنبوة موسى وعيسى دون محمد إذ كانت نبوته أكمل وطرق معرفتها
أتم وأكثر وما من دليل يستدل به على نبوة غيره إل وهو على نبوته أدل فإن جحد
نبوته يستلزم جحد نبوة غيره بطريق الولى ولكن من قال ذلك هو متناقض كما
يتناقض سائر أهل الباطل ولهذا قال تعالى في الكفار ^ #إنكم لفي قول مختلف
^ يؤفك عنه من أفك
فصل #قد ذكرنا في جواب أول كتابهم بيان امتناع احتجاجهم بشيء من كلم
محمد أو غيره من النبياء عليهم السلم على ما يخالف دين المسلمين من دينهم
ونحن نبسط هذا هنا فنقول ل ريب أن الباطل ل يقوم عليه دليل صحيح ل عقلي ول
شرعي سواء كان من الخبريات أو الطلبيات فإن الدليل الصحيح يستلزم صحة
المدلول عليه فلو قام على الباطل دليل صحيح لزم أن يكون حقا مع كونه باطل
وذلك جمع بين النقيضين مثل كون الشيء موجودا معدوما #وأهل الكتاب معهم
543
www.anassim.fr.st 544 الن سي ــــ ـــ ـم
حق في الخبريات والطلبيات ومعهم باطل وهو ما بدلوه في الخبريات سواء كان
المبدل هو اللفظ أو معناه وما ابتدعوه أو ما نسخ من العمليات والمنسوخ الذي
تنوعت فيه الشرائع قليل بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والرسل فإن الذي اتفقت
عليه هو الذي ل بد للخلق منه في كل زمان ومكان وهو اليمان بال واليوم الخر
والعمل الصالح كما قال تعالى ^ #إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون
والنصارى من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم
^ يحزنون
وعامة السوره المكية كالنعام والعراف وآل حم وآل طس وآل آلر هي من #
الصول الكلية التي اتفقت عليها شرائع المرسلين كالمر بعبادة ال وحده ل شريك
له والصدق والعدل والخلص وتحريم الظلم والفواحش والشرك والقول على ال
بل علم وعامة ما عندهم من النقول الصحيحة عن النبياء من التوراة والنجيل
والزبور ونبوات النبياء توافق المنقول عن محمد شهد هذا لهذا وهذا لهذا وذلك من
دلئل نبوة أولئك النبياء ومن دلئل نبوة محمد #ولهذا يذكر ال ذلك بيانا لنعامه
بمحمد ودللة لنبوته كقوله تعالى #سورة آل عمران الية # 44 42وقال تعالى
لما قص قصة نوح ^ #تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول
قومك من قبل
هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ #فذكر الله نعمته وآيته بكونه لم يكن يعلمها هو
ول قومه أيضا كانوا يعلمونها لئل يظن أنه تعلم ذلك من قومه فإن قومه لم يكونوا
يعلمون ذلك #وقد علم بالنقل المتواتر أن محمدا ولد بمكة وبها نشأ بعد أن كان
مسترضعا في بادية سعد بن بكر قريبا من الطائف شرقي مكة وهو صغير ثم حملته
مرضعته حليمة السعدية
إلى أمه بمكة ل يعلم شيئا من ذلك ول هناك من يتعلم منه شيء من ذلك وأهل مكة
يعلمون حاله وأنه لم يتعلم ذلك من أحد ثم أخبرهم بالغيب الذي ل يعلمه أحد إل
بتعليم ال له #فكان هذا من أعلم رسالته ودلئل نبوته عليهم أول وعلى غيرهم
آخرا فإنهم كانوا مشاهدين له يعلمون أنه لم يتعلم ذلك من أحد وغيرهم يعلم ذلك
بالخبار المتواترة ويعلم أن قومه المكذبين له مع حرصهم على الطعن فيه ومع
علمهم بحاله لو كان قد تعلم من أهل الكتاب لقالوا هذا قد تعلمه منهم قال تعالى ^ #
قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل تعقلون
^ #والمقصود أنه نفى علم قومه بما أخبره فيه بيانا للء ال التي
هي آياته ونعمه فإن ذلك يدل على أنه لم يتعلم ذلك من قومه وفيه إنعام ال على
الخلق بذلك #وقال تعالى لما ذكر قصة يوسف ^ #ذلك من أنباء الغيب نوحيه
إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ #وقال تعالى #سورة
القصص الية # 46 43فنفى سبحانه شهادته لهذه المور الغائبة وحضوره لها
544
www.anassim.fr.st 545 الن سي ــــ ـــ ـم
تنبيها للناس على أنه أخبر بالغيب الذي لم يشهده ولم يعرفه من جهة أخبار الناس
فإن قومه لم يكونوا يعلمون ذلك ول عاشر غير قومه وكل من عرف حاله يعلم أنه
لم يتعلم شيئا من ذلك ل من أهل الكتاب ول ممن نقل عن أهل الكتاب #فإذا كان
محمد أخبر بمثل ما أخبرت
به النبياء قبله في باب أسماء ال وصفاته وتوحيده وملئكته وأوليائه وأعدائه مع
العلم بأن في هذه المور من التفاصيل الكثيرة ما يمتنع اتفاق اثنين عليه إل عن
مواطأة بينهما ومحمد وموسى صلوات ال عليهما وسلمه لم يتواطآ بل لم يواطىء
محمد أحدا من الرسل قبله ول واطؤه #والخبر الكذب إما أن يتعمد صاحبه الكذب
وإما أن يغلط فالكاذبان المتعمدان للكذب ل يتفقان في القصص الطويلة والتفاصيل
العظيمة #وكذلك الغالطان ل يتفق غلطهما في مثل ذلك بل الثنان من آحاد الناس
إذا أخبر كل منهما عن حال بلدة وأخبر الخر بمثل خبره من غير مواطأة عرف
صدقهما فكيف بالمور الغائبة التي ل يمكن العلم بها إل من جهة ال تعالى فهذا من
دلئل نبوة النبياء صلوات ال وسلمه عليهم #وأما القدر الذي يخالف ما جاء به
محمد مما ينقلونه عن النبياء فهو نوعان #أحدهما ما وقع فيه النسخ من الشرائع
وهذا ل يمنعه لكن
المنسوخ مثل هذا بالنسبة إلى ما لم ينسخ من الكتاب نظير المنسوخ من القرآن
والحاديث النبوية فإنه قليل جدا بالنسبة إلى ما لم ينسخ وكذلك عامة ما أمر به
موسى وداود والمسيح وغيرهم من النبياء إذا اعتبر بما أمر به محمد وجد عامة
ذلك متفقا لم ينسخ منه إل القليل #والثاني الخبريات وهذه قد ادعى بعض أهل
الكتاب أن محمدا خالف بعض ما أخبرت به النبياء قبله وهذا باطل فإن أخبار
النبياء ل يجوز أن تتناقض إذ هم كلهم صادقون مصدقون ومن علم أن محمدا
رسول ال وأن موسى رسول ال وأن المسيح رسول ال علم أن أخبارهم ل تتناقض
لكن قد يخبر هذا بما لم يخبر به هذا فيكون في أخبار أحدهم زيادات على أخبار
غيره ل ما يناقض خبر غيره #وما يذكره أهل الكتاب مما يناقض خبر محمد فهو
عامته مما حرفوا معناه وتأويله وقليل منه حرف لفظه وأهل الكتاب اليهود
والنصارى مع المسلمين متفقون على أن الكتب المتقدمة وقع التحريف بها إما عمدا
وإما خطأ في ترجمتها وفي تفسيرها وشرحها وتأويلها وإنما تنازع الناس هل وقع
التحريف في بعض ألفاظها وكل ما يدعي فيه مدع أن محمدا
ناقضه فل بد له من أن يثبت مقدمتين #إحداهما ثبوت ذلك اللفظ عن ذلك النبي #
والثاني ثبوت معناه #وكل من احتج بنقل عن نبي فل بد له من هاتين المقدمتين
السناد والمتن فل بد له من ثبوت اللفظ ول بد له من ثبوت معنى اللفظ وإذا كان
النقل ليس بلغة النبي بل بلغة أخرى فل بد من الترجمة الصحيحة وعامة النصارى
ليس عندهم كتب النبياء بلغة النبياء #فإن موسى والمسيح ومن بينهما من أنبياء
بني إسرائيل إنما كانوا يتكلمون باللغة العبرانية #والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم
545
www.anassim.fr.st 546 الن سي ــــ ـــ ـم
بغير العبرانية وإنما تكلم بغيرها كالسريانية واليونانية والرومية بعض من اتبعه
وجمهور
أيضا ما ليس بثابت لفظه مثل بعض الحاديث الضعيفة والموضوعة وفيما ثبت
لفظه ما ليس معناه صريحا في المناقضة بل ل يدل على ذلك #فكم ممن يفسر
القرآن بما ل يدل عليه لفظ القرآن بل ول قاله أحد من الصحابة بل ول التابعين #
كمن يقول إن شعيبا النبي هو كان حمو موسى وليس في القرآن والسنة وكلم
الصحابة إل ما يدل على نقيض ذلك وكمن يقول إن الرسل الذين أرسلوا إلى القرية
كانوا من أتباع المسيح وليس في القرآن والمنقول عن الصحابة إل ما يدل على
نقيض ذلك #وأما ما علم أن محمدا أخبر به فقد قامت الدلة القاطعة اليقينية على
صدقه وصدق ما أخبر به أعظم مما قامت على صدق غيره وصدق ما جاء به
فمهما عارض ذلك علم أنه كذب على النبياء ول يمكن أحدا من الخلق أن يذكر
دليل قطعيا على
صحة ذلك النقل بل غايتهم أن يذكروا طريقا ظنيا ل يفيدهم إل الظن والظن ل
يعارض اليقين #فما جاء به محمد يمكن صاحب النظر والستدلل أن يعلمه علما
يقينا ل يرتاب فيه #وما يناقضه ل سبيل لحد إلى العلم به ول يتصور أن يقوم
بقلبه منه إل الظن والتقليد وكلهما ل يناقض العلم فهذا أصل جامع ثم العارف يعبر
عنه مع كل إنسان بحسب ما يوصل معناه إلى ذلك المخاطب والمقصود هنا أن يقال
كل ما يحتجون به على مخالفة ما ثبت عن محمد ل يمكن أن يقوم لهم عليه دليل ل
شرعي ول عقلي وهذا نعلمه مجمل #ونحن نبين ذلك مفصل فنقول ما يحتجون به
إما أن يكون حجة عقلية وإما أن يكون سمعية أما العقليات فمعلوم أن الحجج العقلية
الدالة على فساد ما يقوله النصارى أظهر مما يحتجون به على صحة دينهم ومن
احتج منهم أو من اليهود بحجة عقلية على مخالفة شيء من دينه فلها أجوبة #أحدها
أن يبين أن ذلك يلزم غيره من النبياء فإنهم جاءوا بذلك أو بأعظم منه
فل يقدح أحد بحجة عقلية في محمد إل كان ذلك قد جاء بطريق الولى في غيره #
546
www.anassim.fr.st 547 الن سي ــــ ـــ ـم
من النبياء كما بينا في الرد على الرافضة أنه ل يقدح أحد في الخلفاء الثلثة أبي
بكر وعمر وعثمان إل أمكن أن يقدح بمثل ذلك وبأعظم منه في علي فيمتنع أن
يكون علي سليما من القوادح في إمامته إل والثلثة أسلم منه مما يقدح في إمامتهم #
ويمتنع أن يكون موسى وعيسى وداود برآء مما يقدح في نبوتهم إل ومحمد أبرأ مما
يقدح في نبوته وهذا كما لو احتج محتج بما في القرآن من إثبات الصفات فيقال له
في التوراة وغيرها من كتب النبياء مثل ذلك وأعظم وإذا احتج بإنزال المتشابهات
فيقال له في الكتب المتقدمة من التشابه أعظم مما في القرآن وهل ضلت
النصارى إل باتباع المتشابه من كلم النبياء وترك المحكم #والثاني أن يبين أن
تلك الحجة ل تصلح أن يعارض بها ما جاءت به النبياء كما إذا أخذ بعض الناس
يطعن في شيء من الشرائع بالرأي بين له أن ما ثبت عن النبياء ل يعارض برأي
ول قياس #الثالث أن يبين فساد تلك الحجة العقلية إن كانت من باب الخبريات بين
فسادها كما قد بسطنا القول في ذلك في كتاب درء تعارض العقل والشرع وذكرنا
أن جميع ما يحتج به على خلف نصوص النبياء من العقليات فإنه باطل وذكرنا ما
يعتمد عليه النفاة من هذا الباب #وإن كانت من باب الطلبيات فهي من باب المر
والنهي فمن
كان في مذهبه أنه ل يعلل أحكام ال ول يقول إن حسن الفعال وقبحها يعلم بالعقل
ول ينزه ال عن فعل ول عن حكم بل يجوز عليه كل شيء وإنما ينفي ذلك بالخبر
السمعي أو العادة فهذا يجيب بهذا الجواب لكن عامة القلوب والعقول ل تقبل هذا #
وأما على قول الجمهور فنبين ما في مأموراته من الحكم والمصالح وما في منهياته
من المفاسد والضرر ونبين رجحان ما جاء به على ما يعارض به بل ونبين رجحان
شرائع النبياء على سياسات سائر المم بل ونبين رجحان شريعة محمد على سائر
الشرائع وهذا مبسوط في مواضع #وأما إذا احتج أهل الكتاب على مناقضة محمد
بحجة سمعية سواء كانت من كلمه أو كلم غيره من النبياء عليهم السلم كان
الجواب من وجوه #أحدها أن يقال لهم ل يمكنكم أن تصدقوا بنبوة نبي من النبياء
مع التكذيب بمحمد والطريق
الذي بها تثبت نبوة محمد بمثلها وبأعظم منها بل نحن نبين أن التصديق بنبوته أولى
من التصديق بنبوة غيره وأن كل ما يستدل به على نبوة نبي فمحمد أحق بجنس ذلك
الدليل من غيره وما يعارض به نبوة نبي فالجواب عن محمد أولى من الجواب عن
غيره #فهو مقدم فيما يدل على النبوة وفيما يجاب به عن المعارضة وهذه أكمل في
ذلك فيمتنع مع العلم أو العدل أن يصدق بنبوة غيره مع التكذيب بنبوته كما يمتنع مع
العلم والعدل في كل اثنين أحدهما أكمل من الخر في فن أن يقر بمعرفة ذلك الفن
للمفضول دون الفاضل وقولنا مع العلم والعدل لن الظالم يفضل المفضول مع علمه
بأنه مفضول والجاهل قد يعرف المفضول ول يعرف الفاضل #فإن كثيرا من
الناس يعلمون فضيلة متبوعهم إما في العلم أو العبادة ول يعرفون أخبار غيره حتى
547
www.anassim.fr.st 548 الن سي ــــ ـــ ـم
التباع دون متبوعه الذي هو أفضل منه عند التابع وغيره ل يعرفونه فهؤلء ليس
عندهم علم ولهذا تجد كثيرا من هؤلء يرجح المفضول لعدم علمه بأخبار الفاضل
وهذا موجود في جميع الصناف حتى في المدائن يفضل النسان مدينة يعرفها على
مدينة هي أكمل منها لكونه ل يعرفها #والحكم بين الشيئين بالتماثل أو التفاضل
يستدعي معرفة كل منهما ومعرفة ما اتصف به من الصفات التي يقع بها التماثل
والتفاضل كمن يريد أن يعرف أن البخاري أعلم من مسلم وكتابه أصح أو أن
سيبويه أعلم من الخفش ونحو ذلك #وقد فضل ال بعض النبيين على بعض كما
^ قال تعالى ^ #ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض
وقال تعالى ^ #وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ^ #والكلم في شيئين #
#أحدهما في كون المفضول يستحق تلك المنزلة دون الفاضل وهذا غاية الجهل
والظلم كقول الرافضة الذين يقولون إن عليا كان إماما عالما عادل والثلثة لم
يكونوا كذلك #وكذلك اليهود والنصارى الذين يقولون إن موسى كان رسول
ومحمد لم يكن كذلك فإن هذا في غاية الجهل والظلم بخلف من اعترف باستحقاق
الثنين للمنزلة ولكن فضل المفضول فهذا أقل جهل وظلما #ومعلوم أن المرسلين
يتفاضلون تارة في الكتب المنزلة عليهم وتارة في اليات والمعجزات الدالة على
صدقهم وتارة في الشرائع وما جاءوا به من العلم والعمل وتارة في أممهم #فمن
عنده علم وعدل فينظر في القرآن وفي غيره من الكتب كالتوراة والنجيل أو في
معجزات محمد ومعجزات غيره أو في شريعته وشريعة غيره أو في أمته وأمة
غيره وجد له من التفضيل على غيره ما ل يخفى إل على مفرط في الجهل أو الظلم
#فكيف يمكن مع هذا أن يقال هو كاذب مفتر وغيره هو النبي الصادق
نعم كثير من أهل الكتاب لم يعرفوا من أخباره ما يبين لهم ذلك كما أن كثيرا من #
الرافضة لم يعرفوا من أخبار الثلثة ما يبين لهم فضيلتهم عن علي رضي ال عنه
فهؤلء في الجهل وطلب العلم عليهم فرض خصوصا أمر النبوة فإن النظر في أمر
من قال ^ #إني رسول ال إليكم ^ #مقدم على كل شيء إذ كان التصديق بهذا
مستلزما لغاية السعادة والتكذيب به مقتضيا لغاية الشقاوة فبالرسول يحصل الفرق
بين السعداء والشقياء وبين الحق والباطل والهدى والضلل والفرق بين أولياء ال
وأعدائه #وكما يسلك هذه الطريق العقلية في القياس والعتبار بأن يعتبر حال
محمد وكتابه وشرعه وأمته بحال غيره وكتابه وشرعه وينظر هل هما متماثلن أو
متفاضلن وأيهما أفضل وإذا تبين أن حاله أفضل كان تصديقه أولى وامتنع أن
يكون غيره صادقا وهو كاذب #بل لو كانا متماثلين وجب كونه صادقا بل وكذلك
لو كانا متقاربين وغيره أفضل فإن المتنبي الكذاب ل يقارب الصادق بل بينهما من
التباين ما ل يخفى إل على أعمى الناس #وكذلك نسلك هذه الطريق في جنس
النبياء عليهم
548
www.anassim.fr.st 549 الن سي ــــ ـــ ـم
السلم مطلقا وأممهم بأن تعرف أخبار من مضى من النبياء وأممهم وترى آثار
هؤلء وهؤلء كما قال تعالى ^ #أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون
بها أو آذان يسمعون بها فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور ^ #وقال تعالى #سورة يوسف اليات # 111 109وقال تعالى لما ذكر
آل فرعون ^ #وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ^ #
وكذلك قال تعالى عن عاد
وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة أل إن عادا كفروا ربهم أل بعدا لعاد ^ #
قوم هود ^ #وقال تعالى عن قوم شعيب ^ #أل بعدا لمدين كما بعدت ثمود ^ #
وإذا ذكر النبياء عليهم السلم قال تعالى ^ #وتركنا عليه في الخرين سلم على
^ نوح في العالمين ^ ^ #سلم على إبراهيم ^ ^ #سلم على موسى وهارون
سلم على آل ياسين ^ #وقال تعالى ^ #وجعلنا لهم لسان صدق عليا ^ # ^ #
ومثل هذا في القرآن كثير فيذكر من حال النبياء وأتباعهم وما حصل لهم من
الكرامة وما حصل للكفار بهم من الخزي والعذاب ما بين حسن حال هؤلء وقبح
حال هؤلء #ومما يوضح ذلك من أن من اعتبر حال أهل الملل من المسلمين
واليهود والنصارى وحال غيرهم في العلوم النافعة والعمال الصالحة تبين له أن
حال أهل الملل أكمل بما ل يحصى وإذا نظر ما عند غير أهل الملل من الحكمة
العلمية والعملية كحكمة الهند واليونان والعرب من الجاهلية والفرس
وغيرهم وجد ما عندهم بعض ما عند أهل الملل من الحكمة العلمية والعملية فيمتنع
أن يكون علماء اليونان والهند ونحوهم على حق وهدى وعلماء المسلمين واليهود
والنصارى على باطل وضلل وكذلك يمتنع أن تكون المة لها علم نافع وعمل
صالح وأهل الملل ليسوا كذلك #ففي الجملة ل يوجد في غير أهل الملل من علم
نافع وعمل صالح من حكمة علمية وعملية إل وذلك في أهل الملل اكمل ول يوجد
في أهل الملل شر إل وهو في غيرهم أكثر #وهؤلء فلسفة اليونان الذين قد
شهروا عند كثير من الناس باسم الحكمة وحكمتهم كحكمة سائر المم نوعان فطرية
وعملية والعملية في الخلق وسياسة المنزل وسياسة المدائن وكل من تأمل ما عند
اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل من سياسة الخلق والمنزل والمدائن وجده
خيرا مما عند أولئك بأضعاف مضاعفة #فإن أولئك عمدة أمرهم الكلم على قوى
النفس الشهوية
والغضبية وقوة العلم والعدل كأمور من جنس آداب العقلء ليس عندهم من معرفة
ال وملئكته وكتبه ورسله ومن عبادته وحده ل شريك له شيء له قدر والذي عندهم
من العلوم الطبيعية والحسابية ليس مما ينفع بعد الموت إل أن يستعان به على ما
ينفع بعد الموت والذي عندهم من العلم اللهي قليل جدا مع ما فيه من الخطأ الكثير
549
www.anassim.fr.st 550 الن سي ــــ ـــ ـم
#وكل ما عندهم من علم نافع وعمل صالح فهو جزء مما جاءت به النبياء عليهم
السلم فيمتنع أن يكون هؤلء المسمون بالحكماء وأتباعهم على حق في العتقاد
وصدق في القوال وخير في العمال كما هو غاية مطلوبهم والنبياء وأتباعهم
ليسوا كذلك #واعتبر ذلك بمن يعرف من خاصة هؤلء وعامتهم وخاصة هؤلء
وعامتهم وإن كان بينهما من التفاوت ما بين أهل الجنة وأهل النار فالعتبار في مثل
ذلك مما جاء به التنزيل #قال تعالى ^ #ال خير أما يشركون ^ #والمقصود أنه
بالعتبار والقياس العقلي والموازنة يوزن الشيء
بما يناظره ويعتبر به قياس الطرد وقياس العكس #فيظهر لكل من تدبر ذلك أن
أهل الملل أولى بالحق والصدق والخير من غيرهم وإن كان لولئك من الحكمة ما
يناسب أحوالهم وحكماؤهم أفضل من عوامهم وهم خير من الكفار بالرسل الذين
ليس فيهم خير أصل وهذا مما استفادوه أتباع النبياء منهم فيكون هذا من دلئل
نبوتهم وأعلم رسالتهم استدلل بالثر على المؤثر وبالمعلول على علته #وكذلك
من تدبر حال المسلمين وحال اليهود والنصارى تبين له رجحان حال المسلمين
فيكون هذا من دلئل نبوة محمد وأعلم رسالته #وقد ذكرنا في غير هذا الوضع أن
النبوة تعلم بطرق كثيرة وذكرنا طرقا متعددة في معرفة النبي الصادق والمتنبي
الكذاب غير طريق
المعجزات فإن الناس كما قويت حاجتهم إلى معرفة الشيء يسر ال أسبابه كما
يتيسر ما كانت حاجتهم إليه في أبدانهم أشد فلما كانت حاجتهم إلى النفس والهواء
أعظم منها إلى الماء كان مبذول لكل أحد في كل وقت ولما كانت حاجتهم إلى الماء
أكثر من حاجتهم إلى القوت كان وجود الماء أكثر #وكذلك لما كانت حاجتهم إلى
معرفة الخالق أعظم كانت آياته ودلئل ربوبيته وقدرته وعلمه ومشيئته وحكمته
أعظم من غيرها ولما كانت حاجتهم إلى معرفة صدق الرسل بعد ذلك أعظم من
حاجتهم إلى غير ذلك أقام ال سبحانه من دلئل صدقهم وشواهد نبوتهم وحسن حال
من اتبعهم وسعادته ونجاته وبيان ما يحصل له من العلم النافع والعمل الصالح وقبح
حال من خالفهم وشقاوته وجهله وظلمه ما يظهر لمن تدبر ذلك ^ #ومن لم يجعل
ال نورا فما له من نور ^ #وهذا الذي ذكرناه من اعتبار الشيء بنظرائه وموافقيه
وأشباهه واعتباره بأضداده ومخالفيه حتى يعرف في المتشابهين أيهم أكمل
وأفضل وفي المختلفين أيهم أولى بالحق والهدى والعدل موجود في سائر المور
علمها وعملها كعلم الطب والحساب والفقه وغير ذلك فيمتنع مع العلم والعدل أن
يقال جالينوس كان طبيبا وأبقراط لم يكن طبيبا أو أن يقال تاميطميوس كان فيلسوفا
وأرسطو لم يكن فيلسوفا أو أن يقال الخفش كان نحويا وسيبويه لم يكن نحويا أو أن
يقال زفر والحسن بن زياد ومحمد بن الحسن كانوا فقهاء وأبو حنيفة لم يكن فقيها أو
أن أشهب
550
www.anassim.fr.st 551 الن سي ــــ ـــ ـم
وابن القاسم وابن وهب كانوا فقهاء ومالك لم يكن فقيها أو أن المزني والبويطي
وحرملة كانوا فقهاء والشافعي لم يكن فقيها وأن أبا داود وإبراهيم الحربي
وأبا بكر الثرم كانوا فقهاء وأحمد بن حنبل لم يكن فقيها أو أن عليا كان إمام عدل
وأبا بكر وعمر لم يكونوا إمامي عدل أو أن نور الدين الشهيد كان عادل وعمر بن
عبد العزيز لم يكن عادل أو أن كوشيار كان يعلم الهيئة وبطليموس لم يكن يعرف
الهيئة أو أن النابغة الجعدي كان شاعرا والنابغة الذبياني لم يكن شاعرا أو أن يقال
إن القمر مستنير والشمس ليست مستنيرة أو أن عطارد نجم ثاقب وزحل ليس بنجم
ثاقب أو أن مسلما كان عالما بالحديث والبخاري لم يكن كذلك أو أن كتابه أصح من
كتاب البخاري ونحو ذلك مما يطول تعداده
فصل #والنصارى لهم سؤال مشهور بينهم وهو أن فيهم من يقول محمد لم تبشر
به النبوات بخلف المسيح فإنه بشرت به النبوات وزعموا أن من لم تبشر به فليس
بنبي وهذا السؤال يورد على وجهين #أحدهما أنه ل يكون نبيا حتى تبشر به #
والثاني أن من بشرت به أفضل أو أكمل ممن لم تبشر به أو أن هذا طريق يعرف به
نبوة المسيح اختص به #وأنتم قد قلتم ما من طريق تثبت به نبوة نبي إل ومحمد
تثبت نبوته بمثل تلك الطريق وأفضل فأما هذا الثاني فيستحق الجواب وأما الول
نجيبهم عنه أيضا لكن هل تجب الجابة عنه فيه قولن بناء على أصل وهو أنه هل
من شرط النسخ الشعار بالمنسوخ ولنظار المسلمين فيه قولن
أحدهما أنه ل بد إذا شرع حكما يريد أن ينسخه فل بد أن يشعر المخاطبين بأنه #
سينسخه لئل يظنوا دوامه فيكون ذلك تجهيل لهم #والثاني ل يشترط ذلك #وأيضا
فمن بعث بعد موسى هل يجب أن يكون مبشرا به فيه قولن #وبكل حال فل ريب
عند علماء المسلمين أن المسيح عليه السلم بشر بمحمد كما قال تعالى ^ #وإذ قال
عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة
ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ #وقد قال تعالى ^ #الذين يتبعون
الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع
عنهم إصرهم والغلل التي
كانت عليهم ^ #وقال تعالى #سورة الفتح الية # 29وقال تعالى ^ #الذين
آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ #في موضعين من القرآن أحدهما
في التوحيد والقرآن والخر في القبلة والقرآن ومحمد #فقال في الول #سورة
النعام اليتان 19و 20
551
www.anassim.fr.st 552 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا في سورة النعام وهي مكية #وقال في سورة البقرة وهي مدنية #سورة #
البقرة اليات 147 144
وقال تعالى ^ #وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما #
عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ #وقال تعالى ^ #أفغير ال أبتغي حكما
وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصل والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من
ربك الحق فل تكونن من الممترين ^ #وقال تعالى ^ #أو لم يكن لهم آية أن يعلمه
علماء بني إسرائيل ^ #وقال تعالى ^ #قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده
علم الكتاب ^ #وقال تعالى ^ #وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم
تفيض من الدمع مما
عرفوا من الحق ^ #وقال تعالى ^ #إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم
يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون
للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ^ #وقال تعالى ^ #الذين آتيناهم الكتاب من قبله
هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله
مسلمين أولئك يؤتون حدهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما
رزقناهم ينفقون ^ #وقال تعالى ^ #فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين
^ يقرؤون الكتاب من قبلك
وإذا كان كذلك فيقال معلوم باتفاق أهل الملل أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن #
يبشر به من قبله إذ النبوة ثابتة بدون ذلك ل سيما ونوح وإبراهيم وغيرهما لم يعلم
أنه بشر بهما من قبلهما وكذا عامة النبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم
بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود وأشعيا وغيرهما #وإنما قد يدعى
هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة وكذلك
محمد ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين وغيرهم هل يشترط أن
يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ على قولين #وحينئذ فالمسلمون يقولون شريعة
التوراة والنجيل لم تشرع شرعا مطلقا بل مقيدا إلى أن يأتي محمد وهذا مثل الحكم
المؤقت بغاية ل يعلم متى يكون كقوله تعالى ^ #فاعفوا واصفحوا حتى يأتي ال
بأمره ^ #وقوله تعالى ^ #فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل
^ ال لهن سبيل
ومثل هذا جائز باتفاق أهل الملل #وهل يسمى هذا نسخا فيه قولن قيل ل يسمى #
نسخا كالغاية المعلومة كقوله تعالى ^ #وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ^ #فإن ارتفاع
وجوب الصيام بمجيء الليل ل يسمى نسخا باتفاق الناس #فقيل إن الغاية المجهولة
كالمعلومة وقيل بل هذا يسمى نسخا ولكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل اليهود
وغيرهم وعلى هذا فثبوت نبوة المسيح ومحمد صلوات ال وسلمه عليهما ل تتوقف
552
www.anassim.fr.st 553 الن سي ــــ ـــ ـم
على جواز النسخ المتنازع فيه فإن ذلك إنما يكون في الحكم المطلق والشرائع
المتقدمة لم تشرع مطلقا #وسواء قيل إن الشعار بالناسخ واجب أو قيل إنه غير
واجب فعلى القولين قد أشعر أهل الشرع الول بأنه سينسخ فإن موسى بشر بالمسيح
وكذلك غيره من النبياء وموسى والمسيح وغيرهما من النبياء بشروا بمحمد وإذا
كان هذا هو الواقع فنبوة المسيح محمد صلى ال عليهما وسلم ل تتوقف على ثبوت
النسخ المتنازع فيه #وحينئذ فنقول العلم بنبوة محمد ونبوة المسيح ل تتوقف على
العلم بأن من قبلهما بشر بهما بل طرق العلم بالنبوة متعددة فإذا عرفت نبوته بطريق
من الطرق ثبتت نبوته عند من علم ذلك وإن لم يعلم أن من قبله بشر به لكن يقال إذا
كان الواجب أو الواقع أنه ل بد من إخبار من قبله بمجيئه وأن الشعار بنسخ شريعة
من قبله واجب أو واقع صار ذلك شرطا في النبوة ومن علم نبوته علم أن هذا قد
وقع وإن لم ينقل إليه #فإذا قال المعارض عدم إخبار من قبله به يقدح في نبوته
وأنه إذا قدر أنه لم يخبر به من قبله والخبار شرط في النبوة كان ذلك قدحا قيل
الجواب هنا من طريقين #أحدهما أن يقال إذا علمت نبوته بما قام عليها من أعلم
النبوة فإما أن يكون تبشير من قبله لزما لنبوته واجبا أو واقعا وإما أن ل يكون
لزما #فإن لم يكن لزما لم يجب وقوعه وإن كان لزما علم أنه قد وقع وإن كان
ذلك لم ينقل إلينا إذ ليس كل ما قالته النبياء المتقدمون علمناه ووصل إلينا وليس كل
ما أخبر به المسيح ومن قبله من النبياء وصل إلينا وهذا مما يعلم بالضطرار #
ولو قدر أن هذا ليس في الكتب الموجودة لم يلزم أن المسيح ومن قبله لم يذكروه بل
يمكن أنهم ذكروه وما نقل ويمكن أنه كان في كتب غير هذه ويمكن أنه كان في نسخ
غير هذه النسخ فأزيل من
بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه وتكون تلك النسخ التي هو موجود فيها غير هذه
فكل هذا ممكن في العادة ل يمكن الجزم بنفيه #فلو قدر أنه ليس في هذه الكتب
الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب لم يقطع بأن النبياء لم يبشروا به فإذا لم يمكن
لليهود أن يقطعوا بأن المسيح لم يبشر به النبياء ول يمكن أهل الكتاب أن يقطعوا
بأن محمدا لم يبشر به النبياء لم يكن معهم علم بعدم ذلك بل غاية ما يكون عند
أحدهم ظن لكونه طلب ذلك فلم يجده #ودلئل نبوة المسيح ومحمد قطعية يقينية ل
يمكن القدح فيها بظن فإن الظن ل يدفع اليقين ل سيما مع الثار الكثيرة المخبرة بأن
محمدا كان مكتوبا باسمه الصريح فيما هو منقول عن النبياء كما في صحيح
البخاري أنه قيل لعبد ال بن عمرو أخبرنا ببعض صفة رسول ال في التوراة فقال
إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا
ومبشرا ونذيرا وحرزا للميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لست بفظ ول
غليظ ول صخاب بالسواق ول تجزي بالسيئة السيئة ولكن تجزي بالسيئة الحسنة
وتعفو وتغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة
الموجاء فأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا ل إله إل ال #ولفظ
553
www.anassim.fr.st 554 الن سي ــــ ـــ ـم
التوراة والنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المعينة ويراد به الجنس فيعبر
بلفظ القرآن عن الزبور وغيره كما في الحديث الصحيح عن النبي خفف على داود
القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن والمراد به قرآنه وهو
الزبور ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إل على محمد #وكذلك ما جاء في
صفة أمة محمد أناجيلهم في صدورهم فسمى الكتب التي يقرؤونها وهي القرآن
أناجيل
وكذلك في التوراة إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل
توراة موسى فسمى الكتاب الثاني توراة #فقوله أخبرني بصفة رسول ال في
التوراة قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلها وكلها تسمى توراة ويكون هذا في
بعضها #وقد يراد به التوراة المعينة وعلى هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها
هذه النسخ فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا #لكن هذا
عندهم في نبوة أشعيا قال فيها عبدي الذي سرت به نفسي أنزل عليه وحيي فيظهر
في المم عدلي ويوصيهم بالوصايا ل يضحك ول يسمع صوته في السواق يفتح
العيون العور والذان الصم ويحيي القلوب الغلف وما أعطيه ل أعطي أحدا يحمد
ال حمدا جديدا يأتي من أقصى الرض وتفرح البرية وسكانها يهللون ال على كل
شرف ويكبرونه على كل رابية ل يضعف ول يغلب ول يميل إلى الهوى مشقح ول
يذل الصالحين الذين هم كالقصبة
الضعيفة بل يقوى الصديقين وهو ركن المتواضعين وهو نور ال الذي ل يطفى أثر
سلطانه على كتفيه #وهذه صفات منطبقة على محمد وأمته وهي من أجل بشارات
النبياء المتقدمين به #ولفظ التوراة قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقر بها
أهل الكتاب فيدخل في ذلك الزبور ونبوة أشعيا وسائر النبوات غير النجيل #فإن
كان المراد بلفظ التوراة والنجيل في القرآن هذا المعنى فل ريب أن ذكر النبي في
التوراة كثير متعدد #الطريق الثاني من الجواب أن نبين أن النبياء قبله بشروا به
وهذا هو دليل مستقل على نبوته وعلم عظيم من أعلم رسالته وهذا أيضا يدل على
نبوة ذلك النبي إذ أخبر بأنباء من الغيب مع دعوى
النبوة ويدل على نبوة محمد لخبار من تثبت نبوته بنبوته هذا إذا وجد الخبر ممن ل
نعلم نحن نبوته ولم يذكر في كتابنا #وأما من ثبتت نبوته بطرق أخرى كموسى
والمسيح فهذا مما تظاهر فيه الدلة على المدلول الواحد وهو أيضا يتضمن أن كل
ما ثبتت به نبوة غيره فإنه تثبت به نبوته وهو جواب ثان لمن يجعل ذلك شرطا
لزما لنبوته
فصل #ثم العلم بأن النبياء قبله بشروا به يعلم من وجوه #أحدها ما في الكتب
الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب من ذكره #الثاني إخبار من وقف على تلك الكتب
554
www.anassim.fr.st 555 الن سي ــــ ـــ ـم
وغيرها من كتب أهل الكتاب ممن أسلم ومن لم يسلم بما وجدوه من ذكره فيها #
وهذا مثل ما تواتر عن النصار أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه
وأنه رسول ال وأنه موجود عندهم وكان هذا من أعظم ما دعا النصار إلى اليمان
به لما دعاهم إلى السلم حتى آمن النصار به وبايعوه من غير رهبة ول رغبة #
ولهذا قيل إن المدينة فتحت بالقرآن لم تفتح بالسيف كما فتح غيرها
ومثل ما تواتر عن أخبار النصارى بوجوده في كتبهم مثل أخبار هرقل ملك #
الروم والمقوقس ملك مصر صاحب السكندرية والنجاشي ملك الحبشة والذين
جاؤوه بمكة وقد ذكر ال ذلك في القرآن في قوله عن اليهود ^ #وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ^ #وقال عن النصارى
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من ^ #
الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ #وقوله ^ #الذين آتيناهم الكتاب من
قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا ^ #وقال ابن
إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
أن يهود كانوا يستفتحون على الوس والخزرج برسول ال قبل مبعثه فلما بعثه ال
من العرب كفروا به وجحدوا
ما كانوا يقولون فيه فقال معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة يا
معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك
وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلم بن مشكم أخو بني النضير ما
جاءنا شيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم
فأنزل ال تعالى ^ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ # #
وقال أبو العالية وغيره كانوا يعني اليهود إذا استنصروا بمحمد على مشركي العرب
يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم
فلما بعث ال محمدا ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا
للعرب وهم يعلمون أنه رسول ال فأنزل ال هذه اليات ^ #فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به ^ #وروى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة النصاري ثم
الظفري عن رجال من قومه قالوا ومما دعانا إلى السلم مع رحمة ال وهداه أنا
كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل الكتاب عندهم
علم ليس عندنا وكانت ل تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون
قالوا لنا قد تقارب زمان نبي يبعث الن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا
ما نسمع ذلك منهم فلما بعث ال رسوله رسول من عند ال أجبنا حين دعانا إلى ال
وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت
هؤلء اليات
555
www.anassim.fr.st 556 الن سي ــــ ـــ ـم
التي في البقرة ^ #ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين
^ #قال ابن إسحاق وحدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثنا
يحيى بن عبد ال بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة النصاري قال حدثني من
شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت النصاري قال وال أني لغلم يفعة ابن
سبع سنين أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يقول على أطم
يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا عليه قالوا ما لك ويلك قال طلع نجم
أحمد الذي يبعث الليلة #وروى أبو زرعة بإسناد صحيح عن أسامة بن زيد عن
أبيه زيد بن حارثة قال خرج رسول ال وهو مردفي ثم أقبل رسول ال في يوم حار
من أيام مكة حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فقال له رسول
ال يا ابن عمرو ما لي أرى قومك قد شنفوك
قال أما وال إن ذلك لغير ثائرة كانت مني فيهم لكن أراهم على ضلل # #
فخرجت أبتغي هذا الدين فأتيت إلى أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون ال ويشركون به
فقلت ما هذا بالدين الذي أبتغي فخرجت حتى آتي أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون ال
ويشركون به فقلت ما هذا بالدين الذي أبتغي فقال لي حبر من أحبار الشام إنك
لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد ال به إل شيخ بالجزيرة فخرجت فقدمت عليه
فأخبرته بالذي خرجت له فقال إن كل من رأيت في ضللة فمن أنت قلت أنا من
أهل بيت ال ومن أهل الشوك والقرظ #فقال إنه قد خرج في بلدك نبي أو خارج قد
خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه وآمن به فرجعت فلم أحس شيئا بعد قال
فأناخ رسول ال بعيره فقدمنا إليه السفرة قال زيد ما آكل شيئا ذبح لغير ال فتفرقا
فجاء رسول ال فطاف بالبيت قال زيد وأنا معه وكان صنمان من نحاس يقال لهما
إساف ونائلة مستقبل الكعبة يتمسح بهما الناس إذا طافوا فقال رسول ال ل تمسهما
ول تمسح بهما #قال زيد فقلت في نفسي وقد طفنا لمسنهما حتى أنظر ما يقول
فمسستهما فقال رسول ال ألم تنهه فل والذي أكرمه ما مسستهما حتى أنزل ال عليه
الكتاب #ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل السلم فقال رسول ال إنه يبعث أمة
وحده #وروى البخاري حديث خروج زيد بن عمرو قريبا من هذا
اللفظ #وقال ابن إسحاق حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن
محمود بن لبيد عن سلمة بن سلمة بن وقش قال
كان بين أبياتنا يهودي فخرج على نادي قومه بني عبد الشهل ذات غداة فذكر
البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان فقال ذلك لصحاب وثن ل يرون
أن بعثا كائن بعد موت وذلك قبل مبعث رسول ال فقالوا ويحك يا فلن أو ويلك
556
www.anassim.fr.st 557 الن سي ــــ ـــ ـم
وهذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون من أعمالهم
قال نعم والذي يحلف به لوددت أن حظي من تلك النار أن توقدوا أعظم تنور في
داركم فتحمونه ثم تقذفوني فيه ثم تطينون علي وإني أنجو من تلك النار غدا فقيل يا
فلن فما علمة ذلك قال نبي يبعث من ناحية هذه البلد وأشار إلى مكة واليمن بيده
قالوا فمتى تراه فرمى بطرفه فرآني وأنا
مضطجع بفناء باب أهلي وأنا أحدث القوم فقال إن يستنفذ هذا الغلم عمره يدركه
فما ذهب الليل والنهار حتى بعث ال رسوله وإنه لحي بين أظهرهم فآمنا به
وصدقناه وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له يا فلن ألست الذي قلت ما قلت وأخبرتنا قال
ليس به #وعن أنس بن مالك رضي ال عنه أن غلما يهوديا كان يخدم النبي
فمرض فأتاه رسول ال يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة فقال له رسول ال يا
يهودي أنشدك بال الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة صفتي
ومخرجي قال ل قال الفتى بلى وال يا رسول ال إنا نجد في التوراة نعتك ومخرجك
وإني أشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال فقال النبي أقيموا هذا من عند
رأسه ولوا أخاكم رواه البيهقي بإسناد صحيح وقال ابن إسحاق حدثني عاصم بن
عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال هل تدري عما كان إسلم أسيد وثعلبة
ابني
سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل لم يكونوا من بني قريظة وبني النضير كانوا فوق
ذلك فقلت ل قال فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام
عندنا وال ما رأينا رجل قط ل يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي
بسنين وكنا إذا أقحطنا وقل علينا المطر نقول يا ابن الهيبان أخرج فاستسق لنا فيقول
ل وال حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم فيقول صاعا من تمر أو مدين
من شعير فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا ونحن معه
فنستقي فوال ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب قد فعل ذلك غير مرة ول مرتين
ول ثلثة فحضرته الوفاة واجتمعوا إليه فقال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من
أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع قالوا أنت أعلم قال فإنه إنما
أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلد مهاجره فاتبعوه ول تستبقن إليه
إذا خرج يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وبسبي الذراري والنساء ممن يخالفه
ول يمنعنكم ذلك منه ثم مات فلما كان الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الثلثة
الفتية وكانوا شبانا أحداثا يا معشر يهود وال إنه الذي ذكر لكم ابن الهيبان فقالوا ما
هو به قال بلى وال إنه لصفته ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولدهم
وأهاليهم قال ابن إسحاق فلما فتح الحصن رد ذلك عليهم #وفي الصحيحين من
حديث ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب لما حدثه عن هرقل وقد تقدم حديثه في
557
www.anassim.fr.st 558 الن سي ــــ ـــ ـم
أول الكتاب وذكر فيه أن هرقل لما سأله عن صفات رسول ال قال إن يكن ما تقول
حقا أنه نبي قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص إليه
لحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه #وزاد البخاري في حديثه وقال ابن
الناطور وكان هرقل
حزاء ينظر في النجوم فنظر فقال إن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه المة
قال تختتن اليهود فل يهمنك شأنهم وابعث إلى من في مملكتك من اليهود فيقتلوهم ثم
وجد إنسانا من العرب فقال انظروا أمختتن هو فنظروا فإذا هو مختتن وسأله عن
العرب فقال يختتنون وقال فيه وكان برومية صاحب له كان هرقل نظيره في العلم
فأرسل إليه وصار إلى حمص فلم يرم من حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق
رأيه على خروج النبي وأنه نبي #وكذلك النجاشي ملك الحبشة لما هاجر الصحابة
إليه لما آذاهم المشركون وخافوا أن يفتنوهم عن دينهم وقرؤوا عليه القرآن قال فأخذا
عودا بين أصبعيه فقال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته
فقال وإن نخرتم اذهبوا
فأنتم سيوم بأرضي يعني أنتم آمنون وقال هذا لن قريشا أرسلوا هدايا إليه وطلبوا
منه أن يرد هؤلء المسلمين وقالوا هؤلء فارقوا ديننا وخالفوا دينك #وفي الصحيح
حديث ورقة بن نوفل الذي ترويه عائشة رضي ال عنها في بدء الوحي قالت أول
ما بدىء به رسول ال من الوحي الرؤيا الصادقة من النوم وكان ل يرى رؤيا إل
جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو
التعبد الليالي ذوات العدد إلى أن قالت فأتت به خديجة ورقة بن نوفل وكان قد تنصر
في الجاهلية وكان يكتب من النجيل ما شاء ال أن يكتب فقال اسمع من ابن أخيك
فأخبره رسول ال خبر ما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل ال على موسى
ليتني
كنت جذعا أنصرك إذ يخرجك قومك قال أو مخرجي هم قال لم يأت أحد بمثل ما
جئت به إل عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن
توفي
وقال ابن إسحاق وقدم على رسول ال عشرون رجل أو قريب من ذلك وهو #
بمكة من النصارى حين ظهر خبره بالحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه
ورجال من قريش في أنديتهم فلما فرغوا من مسألتهم رسول ال عما أرادوا دعاهم
رسول ال إلى ال عز وجل وتل عليهم القرآن فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع
ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من
أمره فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا خيبكم ال من
ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم لترتادوا لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن
مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ما نعلم ركبا أحمق منكم أو
558
www.anassim.fr.st 559 الن سي ــــ ـــ ـم
كما قالوا لهم فقالوا سلم عليكم ل نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ويقال فيهم نزل
قوله تعالى ^ #الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا
آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ #وعن محمد بن عمر بن
إبراهيم بن محمد بن جبير حدثتني جدتي أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير عن
أبيها سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت أبي جبيرا يقول لما
بعث ال نبيه وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام فلما
كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي أمن الحرم أنت قلت نعم قالوا
فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم قلت نعم قال فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل
وصور فقالوا لي انظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم فنظرت فلم أر
صورته قلت ل أرى صورته #فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير فيه صور أكثر
مما في ذلك الدير فقالوا لي انظر هل ترى صورته فنظرت فإذا أنا بصفة رسول ال
وصورته وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول ال فقالوا لي
انظر هل ترى صفته قلت نعم قالوا هو هذا وأشاروا إلى
صفة رسول ال قلت اللهم نعم أشهد أنه هو #قالوا أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه قلت
نعم #قالوا نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده رواه البخاري في
تاريخه وقال فيه قال الذي أراه الصور لم يكن نبي إل كان بعده نبي إل هذا النبي
ورواه أبو نعيم في دلئل النبوة #وروى موسى بن عقبة أن هشام بن العاص ونعيم
بن
عبد ال ورجل آخر قد سماه بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر قال فدخلنا على
جبلة بن اليهم وهو بالغوطة فذكر الحديث
وأنه انطلق بهم إلى الملك وأنهم وجدوا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة وإذا فيها
أبواب صغار ففتح فيها بابا فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء
وذكر صفة آدم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة وفيها صورة نوح ثم إبراهيم
ثم أراهم حريرة فيها صورة محمد وقال هذا آخر البواب لكني عجلته لنظر ما
عندكم ثم فتح أبوابا أخر وأراهم صورة بقية النبياء موسى وهارون وداود وسليمان
وعيسى بن مريم عليهم السلم وصفة لوط وصفة إسحاق وذكر أن هذا عندهم قديما
من عهد آدم وأن دانيال صورها بأعيانها #وروى مثل هذا عن المغيرة بن شعبة
أنه لما دخل على المقوقس ملك مصر والسكندرية ملك النصارى أخرج له صور
النبياء وأخرج له صورة نبينا فعرفها #والوجه الثالث نفس إخباره بذلك في القرآن
مرة بعد مرة واستشهاده بأهل الكتاب وإخباره بأنه مذكور في كتبهم مما يدل العاقل
على أنه كان موجودا في كتبهم فإنه ل ريب عند كل من عرف حال محمد من
559
www.anassim.fr.st 560 الن سي ــــ ـــ ـم
مؤمن وكافر أنه كان من أعقل أهل الرض فإن المكذبين له ل يشكون في أنه كان
عنده من الخبرة والمعرفة والحذق ما أوجب أن يقيم مثل هذا المر العظيم الذي لم
يحصل لحد مثله ل قبله ول بعده فعلم ضرورة أنه ل يفعله ول يخبر به وهو من
أحرص الناس على تصديقه وأخبرهم بالطرق التي يصدق بها وأبعدهم عن أن يفعل
ما يعلم أنه يكذب به #فلو لم يعلم أنه مكتوب عندهم بل علم انتفاء ذلك لمتنع أن
يخبر بذلك مرة بعد مرة ويستشهد به ويظهر ذلك لموافقيه ومخالفيه وأوليائه وأعدائه
فإن هذا ليفعله إل من هو أقل الناس عقل لن فيه إظهار كذبه عند من آمن به منهم
عند من يخبرونه وهو ضد مقصوده وهو بمنزلة من يريد إقامة شهود على حقه
فيأتي إلى من يعلم أنه ل يكذب ويعلم أنه ليس بشاهد ول حضر قضيته ويقول هذا
يشهد لي وهذا يشهد لي #فإنهم كانوا حاضرين هذه القضية فيقول أولئك لسنا نشهد
له ول حضرنا هذه القضية فهذا ل يفعله عاقل يعلم أنهم لم يكونوا حاضرين وأنهم
يكذبونه ول يشهدون له #الرابع أن يقال لما قامت العلم على صدقه فقد أخبر أنه
مكتوب في الكتب المتقدمة وأن النبياء بشروا به علم أن المر كذلك لكن هذا ل
يذكر إل بعد أن يقام دليل منفصل على نبوته
والطريق الول هو من أظهر الحجج على أهل الكتاب وأظهر العلم على نبوته #
#وقد استخرج غير واحد من العلماء من الكتب الموجودة الن في أيدي أهل
الكتاب من البشارات بنبوته مواضع متعددة وصنفوا في ذلك مصنفات وهذه
البشارات في هذه الكتب من جنس البشارات بالمسيح #واليهود يقرون باللفظ لكن
يدعون أن المبشر به ليس هو المسيح عيسى ابن مريم وإنما هو آخر ينتظر وهم في
الحقيقة ل ينتظرون إل المسيح الدجال وينتظرون أيضا مجيء المسيح عيسى بن
مريم إذا نزل من السماء كما بسط في موضع آخر ويحرفون دللة اللفظ ويقولون
إنها ل تدل على نبي منتظر كما
قالوا في قوله سأقيم لبني إسرائيل من إخوتهم مثلك يا موسى أنزل عليه مثل توراة
موسى أجعل كلمي على فيه #قال بعضهم ليس هذا إخبارا بل هذا استفهام إنكار
وقدروا ألف استفهام وليس في النص شيء من ذلك #فاليهود يحرفون الدللت
المبشرة بالمسيح وذلك عند المسلمين والنصارى ل يقدح في البشارة بالمسيح بل
تبين دللة النصوص عليه وبطلن تحريف اليهود #وكذلك البشارات بمحمد في
الكتب المتقدمة ل يقدح فيها تحريف أهل الكتاب اليهود والنصارى بل تبين دللة
تلك النصوص على نبوة محمد وبطلن تحريف أهل الكتاب #الوجه الخامس أن
يقال معلوم أن ظهور دين محمد
في مشارق الرض ومغاربها أعظم حادث حدث في الرض فلم يعرف قط دين
انتشر ودام كانتشاره ودوامه فإن شرع موسى وإن دام فلم ينتشر انتشاره ودوامه بل
كان غاية ظهوره ببعض الشام وأما شرع المسيح فقبل قسطنطين لم يكن له ملك بل
كانوا يكونون ببعض بلد الروم وغيرها وكانوا مستضعفين تقتل أعيانهم أو عامتهم
560
www.anassim.fr.st 561 الن سي ــــ ـــ ـم
في كثير من الوقات ولما انتشر تفرق أهله فرقا متباينة يكفر فيها بعضهم بعضا #
ثم إن شرع محمد ظهر في مشارق الرض ومغاربها وفي وسط الرض المعمورة
القليم الثالث والرابع والخامس وظهرت أمته على النصارى في أفضل الرض
وأجلها عندهم كأرض الشام ومصر والجزيرة وغيرها ودام شرعه فله اليوم أكثر
من سبعمائة سنة #ومعلوم أن هذا المدعى للنبوة سواء كان صادقا أو كاذبا ل بد
أن يخبر به النبياء فإنهم أخبروا بظهور الدجال الكذاب تحذيرا للناس مع أن الدجال
مدته قليلة فلو كان ما يقوله المكذب لمحمد حقا وأنه كاذب ليس برسول لكانت فتنته
أعظم من فتنة الدجال من وجوه كثيرة لن الذين اتبعوه أضعاف أضعاف من يتبع
الدجال فلو كان كاذبا لكان الذين افتتنوا به أضعاف أضعاف من يفتتن بالدجال فكان
التحذير منه أولى من التحذير من الدجال إذ ليس في العالم من زمان آدم إلى اليوم
كذاب ظهر ودام هذا الظهور والدوام فكيف تغفل النبياء التحذير عن مثل هذا لو
كان كاذبا #وإذا كان صادقا فالبشارة لليمان به أولى ما يبشر به النبياء من
المستقبلت ويخبر به فعلم أنه ل بد أن يكون في الكتب ذكره ثم قد وجد مواضع
كثيرة في الكتب تزيد على مائة موضع استدلوا بها على أنه مذكور وتواتر عن خلق
كثير من أهل الكتاب أنه موجود في كتبهم وتواتر عن كثير ممن أسلم أنه كان سبب
إسلمهم أو من أعظم سبب إسلمهم علمهم بذكره في الكتب المتقدمة إما بأنه وجد
ذكره في الكتب كحال كثير ممن أسلم قديما وحديثا وإما بما ثبت عندهم من اخبار
أهل الكتاب كالنصار فإنه كان من أعظم أسباب
إسلمهم ما كانوا يسمعونه من جيرانهم أهل الكتاب من ذكره ونعته وانتظارهم إياه
وأن من خيارهم من لم يوجب له أن يسكن أرض يثرب مع شدتها ويدع أرض الشام
مع رخائها إل لنتظاره لهذا النبي العربي الذي يبعث من ولد إسماعيل #ولم يمكن
أحد قط أن ينقل عن شيء من الكتب أنه وجد فيها ذكره بالذم والتكذيب والتحذير
كما يوجد ذكر الدجال وعند أهل الكتاب من ذكر أصحابه كعمر بن الخطاب وغيره
وعدلهم وسيرتهم عن المسيح وغيره ما هو معروف عندهم فإذا كان الذين
استخرجوا ذكره من كتب أهل الكتاب والذين سمعوا خبره من علماء أهل الكتاب
إنما يذكرون نعته فيها بالمدح والثناء علم بذلك أن النبياء المتقدمين ذكروه بالمدح
والثناء ولم يذكروه بذم ول عيب #وكل من ادعى النبوة ومدحه النبياء وأثنوا عليه
لم يكن إل صادقا في دعوى النبوة إذ يمتنع أن النبياء يثنون على من يكذب في
دعوى النبوة ^ #ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح
إليه شيء ^ #وهذا مما يبين أنه ل بد أن يكون النبياء ذكروه وأخبروا به وأنهم لم
يذكروه إل بالثناء والمدح ل بالذم والعيب وذلك مع دعوى
النبوة ل يكون إل إذا كان صادقا في دعوى النبوة فتبين أنهم بشروا بنبوته وهو
المطلوب #يبين ذلك أن النبياء أخبروا أهل الكتاب بما سيكون منهم من الحداث
وما يسلط عليهم من الملوك الذين يقتلونهم ويخربون بلدهم ويسبونهم ك بخت نصر
561
www.anassim.fr.st 562 الن سي ــــ ـــ ـم
وسنجاريب ولكن هؤلء الملوك لم يدعوا أنهم أنبياء ولم يدعوا إلى دين فلم تحتج
النبياء إلى التحذير من اتباعهم وقد حذروا من اتباع من يدعي النبوة وهو كاذب #
ومحمد قد قهر أهل الكتاب وقتل من قتل وسبى من سبى وأخرجهم من ديارهم فل
بد أن يذكروه ويذكروا الحداث التي تجري عليهم في أيامه وإذا كان كاذبا مدعيا
للنبوة فل بد أن يحذرهم من اتباعه ومعلوم أن عامة أهل الكتاب
ومن نقل عنهم إما أن يقول ليس موجودا في كتبنا أو يقول إنه موجود بالمدح والثناء
ل يمكن أحد أن ينقل عن الكتب المتقدمة أنه موجود فيها بالذم والتحذير ولو كان
مذكورا عندهم بالذم والتحذير لكان من أعظم ما يحتجون به عليه في حياته وعلى
أمته بعد مماته ويحتج به من لم يسلم منهم على من أسلم #فإنه معلوم أن كثيرا من
أهل الكتاب كان عندهم من البغض له والعداوة وتكذيبه والحرص على إبطال أمره
ما أوجب أن يفتروا أشياء لم توجد وينسبوا إليه أشياء يعرف كذبها كل من عرف
أمره حتى آل المر ببعضهم إلى أن فسروا قول المسلمين ال أكبر بأن أكبر صنم
وأن النبي أمرهم بتعظيم هذا الصنم وقال بعضهم فيه إنه أوجب الزنا على المرأة
المطلقة ثلثا عقوبة لزوجها بأنه ل ينكحها حتى يزني بها غيره وقال بعضهم إنه
تعلم من بحيرى الراهب مع علم كل من عرف سيرته أنه لم يجتمع ببحيرى وحده
ولم يره إل بعض نهار مع أصحابه لما مروا به لما قدموا الشام في تجارة وأن
بحيرى سألهم عنه ولم يكلمه إل كلمات يستخبره فيها عن حاله
لم يخبره بشيء #ومع طعن بعض أهل الكتاب فيه بأنه بعث بالسيف حتى قد يقولوا
إنما قام دينه بالسيف وحتى يوهموا الناس أن الذين اتبعوه إنما اتبعوه خوفا من
السيف وحتى يقولوا إن الخطيب إنما يتوكأ على سيف يوم الجمعة إشارة إلى أنه إنما
يقوم الدين بالسيف إلى أمثال هذه المور التي هي من أظهر المور كذبا عليه
يعرف أدنى الناس معرفة بحاله أنها كذب وهم مع هذا يتشبثون بها #فلو كان
عندهم أخبار عن النبياء توجب ذمه والتحذير من متابعته لكان إظهارهم لذلك
واحتجاجهم به أقوى وأبلغ وكان ذلك مما يجب في العادة اشتهاره بين خاصتهم
وعامتهم قديما وحديثا وكان ظهور ذلك فيهم أولى من ظهور خبر الدجال فيهم وفي
المسلمين فإن هذا المر من اعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله واشتهاره #
فإذا لم يكن كذلك علم أنه ليس في كتب النبياء ما يوجب تكذيبه وقد قام الدليل على
أنه ل بد من أن تذكره النبياء وتخبر بحاله فإذا لم يخبروا أنه كاذب علم أنهم
أخبروا أنه نبي صادق كما
شاع ذلك وظهر واستفاض من وجوه كثيرة #فالكتاب الذي بعث به مملوء بشهادة
الكتب له والكتب الموجودة فيها مواضع كثيرة شاهدة له من وجوه متعددة والخبار
متواترة عمن أسلم لجل ذلك وهذا مما يوجب القطع بأنه مذكور فيها بما يدل على
صدقه في دعوى النبوة وليس فيها ما يخبر بكذبه والتحذير منه وهذا هو المطلوب
#وفي الجملة أمره أظهر وأشهر وأعجب وأبهر وأخرق للعادة من كل أمر ظهر
562
www.anassim.fr.st 563 الن سي ــــ ـــ ـم
في العالم من البشر ومثل هذا إذا كان كاذبا فلكذبه لوازم كثيرة جدا تفوق الحصر
متقدمة ومقارنة ومتأخرة فإن من هو أدنى دعوة منه إذا كان كاذبا لزم كذبه من
اللوازم ما يبين كذبه فكيف مثل هذا فإذا انتفت لوازم المكذوب انتفى الملزوم #
وصدقه لزم لمور كثيرة كلها تدل على صدقه وثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللزم
ماضيه ومقارنه ومتأخره ومدعي النبوة ل يخلو من الصدق أو الكذب وكل من
الصدق والكذب له لوازم وملزومات فأدلة الصدق مستلزمة له وأدلة الكذب مستلزمة
له والصدق له لوازم والكذب له لوازم فصدقه يعرف بنوعين بثبوت دلئل الصدق
المستلزمة لصدقه وبانتقاء لوازم الكذب الموجب انتفاؤها انتفاء كذبه كما أن كذب
الكذاب يعرف بأدلة كذبه
المستلزمة لكذبه وبانتفاء لوازم الصدق المستلزم انتفاؤها لنتفاء صدق وال أعلم #
والشيء يعرف تارة بما يدل على ثبوته وتارة بما يدل على انتفاء نقيضه وهو الذي
يسمى قياس الخلف فإن الشيء إذا انحصر في شيئين لزم من ثبوت أحدهما انتفاء
الخر ومن انتفاء أحدهما ثبوت الخر ومدعي النبوة إما صادق وإما كاذب وكل
منهما له لوازم يدل انتفاؤها على انتفائه وله ملزومات يدل ثبوتها على ثبوته #
فدليل الشيء مستلزم له كأعلم النبوة ودلئلها وآيات الربوبية وأدلة الحكام وغير
ذلك وانتفاء الشيء يعلم بما يستلزم نفيه كانتفاء لوازمه مثل صدق الكاذب يقال لو
كان صادقا لكان متصفا بما يتصف به الصادقون #وكذلك كذب الصادق يقال لو
كان كذابا لكان متصفا بما يتصف به الكذاب فإنه قد عرف حال النبياء الصادقين
والمتنبئين الكذابين فانتفاء لوازم الكذب دليل صدقه كما أن ثبوت ما يستلزم الصدق
دليل صدقه وكذلك الكذاب يستدل على كذبه بما يستلزم كذبه وبانتفاء لوازم صدقه
وهكذا سائر المور
فصل #ومما ينبغي أن يعرف ما قد نبهنا عليه غير مرة أن شهادة الكتب المتقدمة
لمحمد إما شهادتها بنبوته وإما شهادتها بمثل ما أخبر به هو من اليات البينات على
نبوته ونبوة من قبله وهو حجة على أهل الكتاب وعلى غير أهل الكتاب من أصناف
المشركين الملحدين كما قد ذكر ال هذا النوع من اليات في غير موضع من كتابه
^ #كما في قوله تعالى ^ #أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل
وقوله ^ #فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك #
^ #وقوله ^ قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ^ #وقوله ^ #
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ #وقوله ^ #وإذا سمعوا ما
أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا
آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا
ربنا مع القوم الصالحين #وقوله ^ #إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم
يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون
563
www.anassim.fr.st 564 الن سي ــــ ـــ ـم
وذلك مثل قوله في التوراة ما قد ترجم بالعربية جاء ال من طور سينا وبعضهم #
يقول تجلى ال من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران #قال
كثير من العلماء واللفظ لبي محمد بن قتيبة ليس بهذا خفاء على من تدبره ول
غموض لن مجيء ال من طور سينا إنزاله التوراة على موسى من طور سينا
كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله
النجيل على
المسيح وكان المسيح من ساعير أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها يسمى
من اتبعه نصارى #وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب
أن يكون استعلنه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد وجبال فاران هي جبال
مكة قال وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلف في أن فاران هي مكة فإن ادعوا
أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم #قلنا أليس في التوراة أن
إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران #وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن ال
منه واسمه فاران والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح أو ليس استعلن وعلن
وهما بمعنى واحد وهو ما ظهر وانكشف #فهل تعلمون دينا ظهر ظهور السلم
وفشا في مشارق الرض ومغاربها فشوه #وقال ابن ظفر ساعير جبل بالشام منه
ظهرت نبوة المسيح قلت وبجانب بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح قرية تسمى
إلى اليوم ساعير ولها جبل تسمى ساعير #وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكانا
بساعير وأمر ال
موسى أن ل يؤذيهم #وعلى هذا فيكون ذكر الجبال الثلثة حقا جبل حراء الذي
ليس حول مكة جبل أعلى منه ومنه كان نزول أول الوحي على النبي وحوله من
الجبال جبال كثيرة حتى قد قيل إن بمكى اثني عشر ألف جبل وذلك المكان يسمى
فاران إلى هذا اليوم وفيه كان ابتداء نزول القرآن #والبرية التي بين مكة وطور
سينا تسمى برية فاران ول يمكن أحدا أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء
من تلك الرض ول بعث نبي فعلم أنه ليس بالمراد باستعلنه من جبال فاران إل
إرسال محمد وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني فذكر إنزال
التوراة ثم النجيل ثم القرآن وهذه الكتب نور ال وهداه #وقال في الول جاء أو
ظهر وفي الثاني أشرق وفي الثالث استعلن وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر أو
ما هو أظهر من ذلك ونزول النجيل مثل إشراق الشمس زاد به النور والهدى
وأما نزول القرآن فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء ولهذا قال واستعلن من جبال
فاران فإن النبي ظهر به نور ال وهداه في مشرق الرض ومغربها أعظم مما ظهر
بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس إذا استعلت في مشارق الرض ومغاربها
564
www.anassim.fr.st 565 الن سي ــــ ـــ ـم
ولهذا سماه ال سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا #والخلق يحتاجون إلى
السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج فإن الوهاج يحتاجون إليه في
وقت دون وقت وكما قيل قد ينضرون به بعض الوقات وأما السراج المنير
فيحتاجون إليه كل وقت وفي كل مكان ليل ونهارا سرا وعلنية #وقد قال النبي
زويت لي الرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها
وهذه الماكن الثلث أقسم ال بها في القرآن في قوله تعالى ^ #والتين والزيتون #
وطور سينين وهذا البلد المين لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل
سافلين إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين
أليس ال بأحكم الحاكمين ^ #فأقسم بالتين والزيتون وهو الرض المقدسة الذي
ينبت فيها ذلك ومنها بعث المسيح وأنزل عليه فيها النجيل وأقسم بطور سينين وهو
الجبل الذي كلم ال فيه موسى وناداه من واديه اليمن من البقعة المباركة من
الشجرة وأقسم بالبلد المين وهي مكة وهو البلد الذي أسكن إبراهيم ابنه إسماعيل
وأمه وهو الذي جعله ال حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم خلقا وأمرا قدرا
وشرعا فإن إبراهيم حرمه ودعا لهله فقال ^ #ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد
غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا
ليقيموا الصلة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم
يشكرون ^ #وقال تعالى #سورة البقرة اليتان 125و # 126فأخبر ال تعالى
أن إبراهيم دعا ال بأن يجعل مكة بلدا آمنا واستجاب ال دعاء إبراهيم وذكر ذلك
في غير موضع وبها بنى إبراهيم البيت كما قال تعالى #سورة البقرة اليات 127
129
وقال تعالى ^ #إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه #
آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله
كان آمنا ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني
عن العالمين ^ #وقال تعالى ^ #ليلف قريش إيلفهم رحلة الشتاء والصيف
فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ^ #وقال تعالى #
^ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى
إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم ل يعلمون ^ #وقال تعالى ^ #
أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة
^ ال يكفرون
فقوله تعالى ^ #والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين ^ #إقسام منه #
بالمكنة الشريفة المعظمة الثلثة التي ظهر فيها نوره وهداه وأنزل فيها الثلثة
التوراة والنجيل والقرآن كما ذكر الثلثة في التوراة بقوله جاء ال من طور سينا
وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران #ولما كان ما في التوراة خبرا عنها
565
www.anassim.fr.st 566 الن سي ــــ ـــ ـم
أخبر بها على ترتيبها الزماني فقدم السبق فالسبق وأما القرآن فإنه أقسم بها
تعظيما لشأنها وذلك تعظيم لقدرته سبحانه وآياته وكتبه ورسله فأقسم بها على وجه
التدريج درجة بعد درجة فختمها بأعلى الدرجات فأقسم أول بالتين والزيتنون ثم
بطور سينا ثم بمكة أن أشرف الكتب
الثلثة القرآن ثم التوراة ثم النجيل وكذلك النبياء فأقسم بها على وجه التدريج كما
في قوله ^ #والذاريات ذروا فالحاملت وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ^
#فأقسم بطبقات المخلوقات طبقة بعد طبقة فأقسم بالرياح الذاريات ثم بالسحاب
الحاملت للمطر فإنها فوق الرياح ثم بالجاريات يسرا وقد قيل إنها السفن ولكن
النسب أن تكون هي الكواكب المذكورة في قوله ^ #فل أقسم بالخنس الجوار
الكنس ^ فسماها جوري كما سمى الفلك جواري في قوله ^ #ومن آياته الجوار في
البحر كالعلم ^ #والكواكب فوق السحاب
ثم قال ^ #فالمقسمات أمرا ^ #وهي الملئكة التي هي أعل درجة من هذا كله #
#وما ذكر ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين من تربية إسماعيل في برية فاران
فهكذا هو في التوراة قال فيها وغدا إبراهيم فأخذ الغلم وأخذ خبزا وسقاء من ماء
ودفعه إلى هاجر وحمله عليها وقال لها اذهبي فانطلقت هاجر فضلت في برية سبع
ونفد الماء الذي كان معها فطرحت الغلم تحت شجرة وجلست في مقابلته على
مقدار رمية بسهم لئل تبصر الغلم حين يموت ورفعت صوتها بالبكاء وسمع ال
صوت الغلم فدعا ملك ال هاجر وقال لها ما لك يا هاجر ل تخشي فإن ال قد سمع
صوت الغلم حيث هو فقومي فاحملي الغلم وشدي يدك به فإني جاعله لمة
عظيمة وفتح ال عينيها فبصرت بئر ماء فسقت الغلم وملت سقاءها وكان ال مع
الغلم فربى وسكن في برية فاران
فهذا خبر ال في التوراة أن إسماعيل ربى وسكن في برية فاران بعد أن كاد #
يموت من العطش وأن ال سقاه من بئر ماء وقد علم بالتواتر واتفاق المم أن
إسماعيل إنما ربي بمكة وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت فعلم أن أرض مكة فاران
وهذه البشارة في التوراة لهاجر بإسماعيل وقول ال إني جاعله لمة عظيمة #
ومعظمة جدا جدا وإن هاجر فتحت عينيها فرأت بئر ماء فدنت منها إلى آخر الكلم
#وفي موضع آخر قال عن إسماعيل إنه يجعل يده فوق يدي الجميع #ومعلوم
باتفاق المم والنقل أن إسماعيل تربى بأرض مكة
فعلم أنها فاران وأنه هو وإبراهيم بنيا البيت الذي ما زال محجوجا من عهد إبراهيم
تحجه العرب وغير العرب من النبياء وغيرهم كما حج إليه موسى بن عمران
ويونس بن متى كما في الصحيح من رواية ابن عباس أن رسول ال مر بوادي
الزرق فقال أي واد هذا فقالوا هذا وادي الزرق فقال كأني أنظر إلى موسى هابطا
566
www.anassim.fr.st 567 الن سي ــــ ـــ ـم
من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى ال عز وجل بالتلبية مارا بهذا
الوادي قال ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال أي ثنية هذه قالوا هرشى فقال كأني
أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته ليف خلبة مارا بهذا
الوادي ملبيا
وفي رواية أما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة #ولما بعث #
ال محمدا أوجب حجه على كل أحد فحجت إليه المم من مشارق الرض ومغاربها
والبئر
الذي شرب منها إسماعيل وأمه هي بئر زمزم وحديثها مذكور في صحيح البخاري
عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا
ليعفي أثرها على سارة #ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى
وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة
يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفا إبراهيم
منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه
أنس ول شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل ل يلتفت إليها فقالت له آل أمرك بهذا قال
نعم قالت إذا ل يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث
ليرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهذه الدعوات فقال ^ #ربنا إني أسكنت من
ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ^ حتى بلغ ^ يشكرون ^ #وجعلت أم
إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء وعطشت
وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى انطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا
أقرب جبل في الرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم
تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها
ثم سعت سعي النسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها
ونظرت هل ترى من أحد فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات #قال ابن عباس قال
النبي فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد
نفسها فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند
موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه وتقول
بيدها هكذا تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس قال
النبي يرحم ال أم
إسماعيل لو تركت زمزم لم تغرف من الماء لكان عينا معينا #قال فشربت
وأرضعت ولدها فقال لها الملك ل تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت ال يبني هذا
الغلم وأبوه وإن ال ل يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية تأتيه
السيول فتأخذه عن يمينه وشماله وذكر تمام الحديث
567
www.anassim.fr.st 568 الن سي ــــ ـــ ـم
وكانت بئر زمزم قد عميت ثم أحياها عبد المطلب جد النبي وصارت السقاية في #
ولده في
العباس وأولده يسقون منها ويسقون أيضا الشراب الحلو والشرب من ذلك سنة #
وال تعالى قال في إسماعيل إني جاعله لمة عظيمة ومعظمة جدا جدا وهذا التعظيم
المؤكد ب جدا جدا يقتضي أن يكون تعظيما مبالغا فيه فلو قدر أن البيت الذي بناه ل
يحج إليه أحد وأن ذريته ليس منهم نبي كما يقوله كثير من أهل الكتاب لم يكن هناك
تعظيم مبالغا فيه جدا جدا إذ أكثر ما في ذلك أن يكون له ذرية ومجرد كون الرجل
له نسل وعقب ل يعظم به إل إذا كان في الذرية مؤمنون مطيعون ل #وكذلك قوله
أجعله لمة عظيمة إن كانت تلك المة كافرة لم تكن عظيمة بل كان يكون أبا لمة
كافرة فعلم أن هذه المة
العظيمة كانوا مؤمنين وهؤلء يحجون البيت فعلم أن حج البيت مما يحبه ال ويأمر
به وليس في أهل الكتاب إل المسلمون فعلم أنهم الذين فعلوا ما يحبه ال ويرضاه
وأنهم وسلفهم الذين كانوا يحجون البيت أمة أثنى ال عليها وشرفها وأن إسماعيل
عظمه ال جدا جدا بما جعل في ذريته من اليمان والنبوة وهذا هو كما امتن ال
على نوح وإبراهيم بقوله ^ #ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة
والكتاب ^ #وقال في الخليل ^ #وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ^ #فعلم بذلك
أن في إسماعيل وذريته معظمون عند ال ممدوحون وأن إسماعيل معظم جدا جدا
كما عظم ال نوحا وإبراهيم وإن كان إبراهيم أفضل من إسماعيل لكن المقصود أن
هذا التعظيم له ولذريته إنما يكون إذا كانت ذريته معظمة على دين حق وهؤلء
يحجون إلى هذا البيت ول يحج إليه بعد مجيء محمد غيرهم
ولهذا لما قال ال تعالى ^ #ول على الناس حج البيت ^ #فقالوا ل نحج فقال # #
^ ومن كفر فإن ال غني عن العالمين ^ #وأيضا فهذا التعظيم المبالغ فيه الذي
صار به ولد إسماعيل فوق الناس لم يظهر إل بنبوة محمد فدل ذلك على أنها حق
ومبشر به #فهذا نعت محمد ل نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق
ملوك الرض وأممها حتى امتلت الرض منه ومن أمته من مشارق الرض
ومغاربها وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك
النصارى عن خيار الرض وأوسطها #ومثل هذا بشارة أخرى بمحمد من كلم
شمعون بما رضوه من ترجمتهم وهو جاء ال بالبينات من جبال فاران وامتلت
السماء والرض من تسبيحه وتسبيح أمته
فهذا تصريح بنبوة محمد الذي جاء بالنبوة من جبال فاران وامتلت السماوات #
والرض من تسبيحه وتسبيح امته #ولم يخرج أحد قط وامتلت السماوات
والرض من تسبيحه وتسبيح أمته مما يسمى فاران سوى محمد والمسيح لم يكن في
568
www.anassim.fr.st 569 الن سي ــــ ـــ ـم
أرض فاران ألبتة وموسى إنما كلم من الطور والطور ليس من أرض فاران وإن
كانت البرية التي بين الطور وأرض الحجاز من فاران فلم ينزل ال فيها التوراة
وبشارات التوراة قد تقدمت بجبل الطور وبشارة النجيل بجبل ساعير #ومثل هذا
كما نقل في نبوة حبقوق أنه قال جاء ال من التيمن وظهر القدس على جبال فاران
وامتلت الرض من
تحميد أحمد وملك بيمينه رقاب المم وأنارت الرض لنوره وحملت خيله في البحر
#ومن ذلك ما في التوراة التي بأيديهم في السفر الول منها وهي خمسة أسفار في
الفصل التاسع في قصة هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين
أقبلت وإلى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك
وزرعك حتى ل يحصون وها أنت تحبلين وتلدين ابنا نسميه إسماعيل لن ال قد
سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحشي الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الكل
به ويكون على تخوم جميع إخوته
قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد لم تكن #
فوق أيدي بني إسحاق بل كان في بني إسحاق النبوة والكتاب وقد دخلوا مصر زمن
يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسى
وكانوا مع موسى أعز أهل الرض لم يكن لحد عليهم يد ثم مع يوشع بعده إلى
زمن داود وملك سليمان الذي لم يؤت أحد مثله وسلط عليهم بعد ذلك بخت نصر فلم
يكن لبني إسماعيل عليهم يد ثم بعث المسيح وخرب بيت المقدس الخراب الثاني
حيث أفسدوا في الرض مرتين ومن حينئذ زال ملكهم وقطعهم ال في الرض أمما
وكانوا تحت حكم الروم والفرس لم يكن للعرب عليهم حكم أكثر من غيرهم فلم يكن
لولد إسماعيل سلطان على أحد من المم ل أهل الكتاب ول الميين فلم يكن يد ولد
إسماعيل فوق الجميع حتى بعث ال محمدا الذي دعا به إبراهيم وإسماعيل حيث قال
^ #ربنا وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة
^ ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
فلما بعث صار يد ولد إسماعيل فوق الجميع فلم يكن في الرض سلطان أعز من #
سلطانهم وقهروا فارس والروم وغيرهم من المم وقهروا اليهود والنصارى
والمجوس والمشركين والصابئين فظهر بذلك تحقيق قوله في التوراة وتكون يده
فوق الجميع ويد الكل به وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر #فإن قيل هذه بشارة
بملكه وظهوره قيل الملك ملكان ملك ليس فيه دعوى نبوة وهذا لم يكن لبني
إسماعيل على الجميع وملك صدر عن دعوى نبوة فإن كان مدعي النبوة كاذبا ^ #
ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إله شيء ^ #وهذا
من شر الناس وأكذبهم وأظلمهم وأفجرهم وملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع
نبوة ك بختنصر وسنجاريب #ومعلوم أن الخبار بهذه ل يكون بشارة ول تفرح
سارة وإبراهيم بهذا كما لو قيل يكون جبارا طاغيا يقهر الناس على طاعته ويقتلهم
569
www.anassim.fr.st 570 الن سي ــــ ـــ ـم
ويسبي حريمهم ويأخذ أموالهم بالباطل فإن الخبار بهذا ل يكون بشارة ول يسر
المخبر بذلك وإنما يكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل وكان علوه محمودا ل إثم
فيه وذلك في مدعي النبوة ل يكون إل وهو صادق ل كاذب
فصل #وقال داود في الزبور في قوله سبحوا ال تسبيحا جديدا وليفرح بالخالق من
اصطفى ال له أمته وأعطاه النصر وسدد الصالحين منهم بالكرامة يسبحونه على
مضاجعهم ويكبرون ال بأصوات مرتفعة بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم بهم من
المم الذين ل يعبدونه #وهذه الصفات إنما تنطبق على صفات محمد وأمته فهم
الذين يكبرون ال بأصوات مرتفعة في أذانهم
للصلوات الخمس وعلى الماكن العالية كما قال جابر بن عبد ال كنا مع رسول ال
إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلة على ذلك رواه أبو داود وغيره
وفي الصحيحين عن ابن عمر قال كان رسول ال إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو
الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلثا ثم قال ل إله إل ال وحده ل
شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون
ساجدون لربنا حامدون صدق ال وعده ونصر عبده وهزم الحزاب وحده
وفي صحيح البخاري عن أنس قال صلى رسول ال ونحن معه بالمدينة الظهر #
أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به
راحلته على البيداء حمد ال وسبح وكبر ثم أهل بعمرة وحج وذكر الحديث #وعن
أبي هريرة أن رجل قال يا رسول ال إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك بتقوى
ال والتكبير على كل شرف فلما أن ولى الرجل قال اللهم اطو له البعد وهون عليه
السفر رواه المام أحمد والترمذي والنسائي
وروى ابن ماجه منه أوصيك بتقوى ال والتكبير على كل شرف وروى أبو داود #
وغيره بإسناد صحيح عن ابن عمر عن النبي قال كان النبي وجيوشه إذا علوا شرفا
كبروا وإذا هبطوا سبحوا #وهم يكبرون ال بأصوات عالية مرتفعة في أعيادهم
عيد الفطر وعيد النحر في الصلة والخطبة وفي ذهابهم إلى الصلة وفي
أيام منى الحجاج وسائر أهل المصار يكبرون عقيب الصلوات فإمام الصلة يسن
له الجهر بالتكبير #وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى
فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره فيسمعهم أهل السواق فيكبرون حتى ترتج
منى تكبيرا #وكان ابن عمر وابن عباس يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران
ويكبر الناس بتكبيرهما ويكبرون على قرابينهم وهديهم وضحاياهم كما كان نبيهم
يقول عند الذبح بسم ال وال
570
www.anassim.fr.st 571 الن سي ــــ ـــ ـم
أكبر ويكبرون إذا رموا الجمار ويكبرون على الصفا والمروة ويكبرون في الطواف
عند محاذاة الركن وكل هذا يجهرون فيه بالتكبير غير ما يسرونه #قال تعالى لما
ذكر صوم رمضان الذي يقيمون له عيد الفطر قال تعالى ^ #ولتكملوا العدة
ولتكبروا ال على ما هداكم ولعلكم تشكرون ^ #ولما ذكر الهدي الذي يقرب في
عيد النحر وهو يوم الحج الكبر قال
سورة الحج اليتان 36و # 37والنصارى يسمون عيد المسلمين عيد ال أكبر #
لظهور التكبير فيه وليس هذا لحد من المم أهل الكتاب ول غيرهم غير المسلمين
وإنما كان موسى يجمع بني إسرائيل بالبوق والنصارى لهم الناقوس
وأما تكبير ال بأصوات مرتفعة فإنما هو شعائر المسلمين فإن الذان شعار #
المسلمين وبهذا يظهر تقصير من فسر ذلك بتلبية الحجاج #وفي الصحيحين عن
أنس عن النبي أنه كان إذا أراد الغارة إن سمع أذانا أو رأى مسجدا وإل أغار #
وفي لفظ مسلم كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الذان فإن سمع أذانا أمسك
وإل أغار #فسمع رجل يقول ال أكبر ال أكبر فقال رسول ال على الفطرة ثم قال
أشهد أن ل إله إل ال فقال خرجت من النار #وكذلك قوله بأيديهم سيوف ذات
شفرتين وهي السيوف العربية التي بها فتح الصحابة وأتباعهم البلد وقوله يسبحونه
على مضاجعهم بيان لنعت المؤمنين الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى
جنوبهم ويصلي أحدهم قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب فل
يتركون ذكر ال في حال بل يذكرونه حتى في هذه الحال ويصلون في البيوت على
المضاجع بخلف أهل الكتاب #والصلة أعظم التسبيح كما في قوله تعالى ^ #
فسبحان ال حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والرض وعشيا
وحين تظهرون ^ #وقوله ^ #وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها
^ #وفي الصحيحين عن جرير بن عبد ال قال كنا جلوسا عند رسول ال إذ نظر
القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته
فإن
استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وصلة قبل غروبها فافعلوا ثم
قرأ قوله تعالى ^ #وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء
الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ^ #وهذا معنى قول داود سبحوا ال
تسبيحا جديدا والتسابيح التي شرعها ال جديدا كالصلوات الخمس التي شرعها
للمسلمين جديدا ولما أقامها جبريل للنبي قال هذا وقتك ووقت النبياء قبلك #فكان
النبياء يسبحون في هذه الوقات كما يدل التسبيح المقدم والتسبيح الجديد كما يدل
عليه سائر الكلم ول يمكن أن يكون ذلك للنصارى لنهم ل يكبرون ال بأصوات
مرتفعة ول بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم ال بهم من المم بل أخبارهم تدل
على أنهم كانوا مغلوبين مع المم لم يكونوا يجاهدونهم بالسيف بل
571
www.anassim.fr.st 572 الن سي ــــ ـــ ـم
النصارى قد تعيب من يقاتل الكفار بالسيف #ومنهم من يجعل هذا من معايب محمد
وأمته ويغفلون ما عندهم من أن ال أمر موسى بقتال الكفار فقاتلهم بنو إسرائيل
بأمره وقاتلهم يوشع وداود وغيرهما من النبياء وإبراهيم الخليل قاتل لدفع الظلم عن
أصحابه
فصل #وقال داود في مزاميره وهي الزبور من أجل هذا بارك ال عليه إلى البد
فتقلد أيها الجبار بالسيف لن البهاء لوجهك والحمد الغالب عليك اركب كلمة الحق
وسيمه التأله فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك وسهامك مسنونة والمم
يخرون تحتك #قالوا فليس متقلد السيف من النبياء بعد داود سوى محمد وهو الذي
خرت المم تحته وقرنت شرائعه بالهيبة كما قال نصرت بالرعب مسيرة
شهر وقد أخبر داود أنه له ناموسا وشرائع وخاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته
وقهره لعداء ال بخلف المستضعف المقهور #وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة
وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
بخلف من كان ذليل للطائفتين من النصارى المقهورين مع الكفار أو كان عزيزا
على المؤمنين من اليهود بل كان مستكبرا كلما جاءهم رسول بما ل تهوى أنفسهم
كذبوا فريقا وقتلوا فريقا
فصل #قالوا وقال داود في مزمور له إن ربنا عظيم محمود جدا وفي ترجمته
إلهنا قدوس ومحمد قد عم الرض كلها فرحا قالوا فقد نص داود على اسم محمد
وبلده وسماها قرية ال وأخبر أن كلمته تعم الرض كلها #قلت قد تقدم الحديث
الصحيح لما قيل لعبد ال بن عمرو وروي أنه عبد ال بن سلم أخبرنا ببعض صفة
رسول ال
في التوراة فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن وذكر صفته
موجودة في نبوة أشعياء وليست موجودة في نفس كتاب موسى #وتقدم أن لفظ
التوراة يقصدون به جنس الكتب التي عند أهل الكتاب ل يخصون بذلك كتاب موسى
#وإذا كان هذا معروفا عندهم في التوراة والنجيل يراد بالتوراة جنس الكتب التي
عند أهل الكتاب يتناول ذلك كتاب موسى وزبور داود وصحف سائر النبياء سوى
النجيل فإنه ليس عند أهل الكتاب وإنما هو عند النصارى خاصة #واما سائر كتب
النبياء فالمتان تقر بها ويؤيد ذلك أن ال
كثيرا ما يقرن في القرآن بين التوراة والنجيل وبين القرآن وإنما يذكر الزبور
مفردا كقوله تعالى ^ #آلم ال ل إله إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق
572
www.anassim.fr.st 573 الن سي ــــ ـــ ـم
مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ^ #
وقوله ^ #إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في
سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والنجيل والقرآن ^ #وقوله
تعالى ^ #الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^ #وأهل الكتاب
يجدونه مكتوبا في الكتب التي بأيديهم وهو في كثير منها أصرح مما هو في كتاب
موسى خاصة #فإذا أريد بالتوراة جنس الكتب فل يستريب عاقل في كثرة ذكره
ونعته ونعت أمته في تلك الكتب ومعلوم أن ال أراد بذلك الستشهاد
بوجوده في تلك الكتب وإقامة الحجة بذكره فيها فإذا كان ذكره في غير كتاب موسى
أكبر وأظهر عندهم كان الستدلل بذلك أولى من تخصيص الستدلل بكتاب موسى
فإذا حمل لفظ التوراة في هذا على جنس الكتب كما هو موجود في لغة من تكلم بذلك
من الصحابة والتابعين كان هذا في غاية البيان والمدح للقرآن والكتب المتقدمة
وتصديق بعضها بعضا #وقد أمرنا أن نؤمن بما أوتي النبيون مطلقا كما قال تعالى
^ #قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين
أحد منهم ونحن له مسلمون ^ #وقال ^ ولكن البر من آمن بال واليوم الخر
والملئكة والكتاب والنبيين ^ #والزبور ذكره مفردا في موضعين من القرآن في
قوله #سورة النساء الية 163
وقال تعالى ^ #ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ^ # #
فذكره مفردا #وذكر كتاب موسى بهذه الضافة ل بلفظ التوراة في غير موضع
فقال ^ #أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما
ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده #وقال ^ #قل
أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن
واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^ #إلى قوله
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ^ #
ظلموا وبشرى للمحسنين ^ #وقوله تعالى ^ #وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما
أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى
للناس ^ #وقال تعالى ^ #ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ^ #وإذا
كان لفظ التوراة يتناول الكتب الذي عند أهل الكتابين جميعا والزبور وغيره داخل
في هذا السم وكان ظهور اسمه ونعته في التوراة ووجودهم ذلك فيما عندهم
وتكرره في غاية القوة وكان معرفتهم لذلك كما يعرفون أبناءهم واضحا بينا إن قدر
هذه الكتب التي يعترف بها عامتهم لم يكتم منها شيء بل هي باقية كما كانت
فصل #وقالوا قال داود في مزموره لترتاح البوادي وقراها ولتصر أرض قيذار
573
www.anassim.fr.st 574 الن سي ــــ ـــ ـم
مروجا وليسبح سكان الكهوف ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ويذيعوا تسابيحه
في الجزائر #فلمن البوادي من المم سوى أمة محمد ومن قيذار سوى ابن
إسماعيل جد رسول ال ومن سكان الكهوف وتلك الجبال سوى العرب
فصل #قال داود في مزمور له ويحوز من البحر إلى البحر ومن لدن النهار إلى
منقطع الرض ويخر أهل الجزائر بين يديه ويلحس أعداؤه التراب ويسجد له ملوك
الفرس وتدين له المم بالطاعة والنقياد ويخلص البائس المضطهد ممن هو أقوى
منه وينقذ الضعيف الذي ل ناصر له ويرأف بالمساكين والضعفاء ويصلى عليه
ويبارك في كل حين #وهذه الصفات منطبقة على محمد وأمته ل على المسيح فإنه
حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي ومن لدن النهار بجيحون وسيحون إلى
منقطع الرض بالمغرب كما قال زويت لي الرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك
أمتي ما زوي لي منها #وهو يصلى عليه ويبارك في كل حين في كل صلة في
الصلوات الخمس وغيرها يقول كل من أمته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
وبارك على محمد وعلى آل محمد فيصلي عليه ويبارك
ومنه خرت أهل الجزائر بين يديه أهل جزيرة العرب وأهل الجزيرة التي بين #
الفرات ودجلة وأهل جزيرة قبرص وأهل جزيرة الندلس #وخضعت له ملوك
الفرس فلم يبق منهم إل من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون بخلف ملوك
الروم فإن فيهم من لم يسلم ويؤدي الجزية فلهذا خص ملوك فارس ودانت له المم
التي تعرفه وتعرف أمته كانت إما مؤمنة به أو مسلمة له منافقة أو مهادنة مصالحة
أو خائفة منهم وأنقذ الضعفاء من الجبارين #وهذا بخلف المسيح فإنه لم يتمكن هذا
التمكن في حياته ول من اتبعه بعد موته تمكنوا هذا التمكن ول حازوا ما ذكر ول
صلي عليه وبورك عليه في اليوم والليلة فإن القوم يدعون إلهيته
فصل #وقالوا في نبوة أشعياء قال أشعياء قيل لي قم نظارا فانظر ماذا ترى فقلت
أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والخر على جمل يقول أحدهما لصاحبه
سقطت بابل وأصحابها للمنحر #قالوا فراكب الحمار هو المسيح وراكب الجمل هو
محمد وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار #وبمحمد سقطت
أصنام بابل
فصل #ومما ينبغي أن يعرف أن الكتب المتقدمة بشرت بالمسيح كما بشرت
بمحمد وكذلك أنذرت بالمسيح الدجال #والمم الثلثة المسلمون واليهود والنصارى
متفقون على أن النبياء أنذرت بالمسيح الدجال وحذرت منه كما قال النبي في
574
www.anassim.fr.st 575 الن سي ــــ ـــ ـم
الحديث الصحيح ما من نبي إل وقد أنذر أمته المسيح الدجال حتى نوح أنذره أمته
وسأقول لكم فيه قول لم يقله نبي لمته إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين
عينيه ك ف ر يقرأه كل مؤمن قارىء وغير قارىء #والمم الثلثة متفقون على
أن النبياء بشروا بمسيح من ولد داود فالمم الثلثة متفقون علىالخبار بمسيح
هدى من نسل داود
ومسيح ضللة وهم متفقون على أن مسيح الضللة لم يأت بعد ومتفقون على أن
مسيح الهدى سيأتي أيضا #ثم المسلمون والنصارى متفقون على أن مسيح الهدى
هو عيسى بن مريم واليهود ينكون أن يكون هو عيسى بن مريم مع إقرارهم بأنه من
ولد داود #قالوا لن المسيح المبشر به تؤمن به المم كلها وزعموا أن المسيح بن
مريم إنما بعث بدين النصارى وهو دين ظاهر البطلن #والنصارى تقر بأن
المسيح مسيح الهدى بعث ومقرون بأنه سيأتي مرة ثانية لكن يزعمون أن هذا
التيان الثاني هو يوم القيامة ليجزي الناس بأعمالهم وهو في زعمهم هو ال وال
الذي هو اللهوت يأتي في ناسوته كما زعموا أنه جاء قبل ذلك #وأما المسلمون
فآمنوا بما أخبرت به النبياء على وجهه وهو
موافق لما أخبر به خاتم الرسل حيث قال في الحديث الصحيح يوشك أن ينزل فيكم
ابن مريم حكما عدل وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية #
وأخبر في الحديث الصحيح أنه إذا خرج مسيح الضللة العور الكذاب نزل عيسى
بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا يديه على منكبي
ملكين فإذا رآه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء فيدركه فيقتله بالحربة عند
باب لد الشرقي على بضع عشرة خطوات منه وهذا تفسير قوله
تعالى ^ #وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ #أي يؤمن بالمسيح قبل
أن يموت حين نزوله إلى الرض وحينئذ ل يبقى يهودي ول نصراني وليبقى إل
دين السلم وهذا موجود في نعته عند أهل الكتاب #ولكن النصارى ظنوا مجيئه
بعد قيام القيامة وأنه هو ال فغلطوا في ذلك كما غلطوا في مجيئه الول حيث ظنوا
أنه هو ال واليهود أنكروا مجيئه الول وظنوا أن الذي بشر به ليس إياه وليس هو
الذي يأتي آخرا وصاروا ينتظرون غيره وإنما هو بعث إليهم أول فكذبوه وسيأتيهم
ثانيا فيؤمن به كل من على وجه الرض من يهودي ونصراني إل من قتل أو مات
ويظهر كذبا هؤلء الذين كذبوه ورموا أمه بالفرية وقالوا إنه ولد زنا وهؤلء الذين
غلوا فيه وقالوا إنه ال #ولما كان المسيح عليه السلم نازل في أمة محمد صار
بينه وبين محمد من التصال ما ليس بينه وبين غير محمد ولهذا قال النبي في
الحديث الصحيح إن أولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه
نبي وروي كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها وهذا مما يظهر به
مناسبة اقترانهما فيما رواه أشعيا حيث قال راكب الحمار وراكب الجمل
575
www.anassim.fr.st 576 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل #قالوا وقال أشعياء النبي عليه السلم متنبيا على مكة شرفها ال ارفعي إلى
ما حولك بصرك فستبتهجين وتفرحين من أجل أن يصير إليك ذخائر البحر وتحج
إليك عساكر المم حتى يعم بك قطر البل الموبلة وتضيق أرضك عن القطرات
التي تجتمع إليك وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ويسير إليك أغنام فاران
ويخدمك رجال مأرب يريد سدنة الكعبة وهم أولد مأرب بن إسماعيل
قالوا فهذه الصفات كلها حصلت بمكة فحملت إليها ذخائر البحرين وحج إليها #
عساكر المم وسيقت إليها أغنام فاران الهدايا والضاحي وفاران هي البرية
الواسعة التي فيها مكة وضاقت الرض عن قطرات البل الموبلة الحاملة للناس
وأزوادهم إليها وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن
فصل #قالوا وقال أشعياء النبي معلنا باسم رسول ال إني جعلت أمرك يا محمد يا
قدوس الرب اسمك موجود من البد قالوا فهل بقي بعد ذلك لزائغ فقال أو لطاعن
مجال وقول أشعياء إن اسم محمد موجود من البد موافق لقول داود الذي حكيناه أن
اسمه موجود قبل الشمس #وقوله يا قدوس الرب يعني يا من طهره الرب وخلصه
من بشريته واصطفاه لنفسه
فصل #قالوا وقال أشعياء وشهد لهذه المة بالصلح والديانة سأرفع علما لهل
الرض بعيدا فيصفر لهم من أقاصي الرض فيأتون سراعا #والنداء هو ما جاء به
النبي من التلبية في الحج وهم الذين جعلوا ل الكرامة فوحدوه وعبدوه وأفردوه
بالربوبية وكسروا الصنام وعطلوا الوثان والعلم المرفوع هو النبوة وصفيره
دعاؤهم إلى بيته ومشاعره فيأتونه سامعين مطيعين
فصل #قالوا وقال أشعياء النبي والمراد مكة شرفها ال تعالى سيري واهتزي أيتها
العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح وافرح إذ لم تحبلي فإن أهلك يكونون أكثر من
أهلي يعني بأهله بيت المقدس ويعني بالعاقر مكة شرفها ال لنها لم تلد قبل نبينا
عليه الصلة والسلم ول يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لنه بيت للنبياء
ومعدن الوحي فلم تزل تلك البقعة ولدة
فصل #قالوا وقال أشعياء النبي ونص على خاتم النبوة ولد لنا غلم يكون عجبا
وبشرا والشامة على كتفيه أركون السلم إله جبار وسلطانه سلطان السلم وهو ابن
576
www.anassim.fr.st 577 الن سي ــــ ـــ ـم
عالمه يجلس على كرسي داود #قالوا الركون هو العظيم بلغة النجيل والراكنة
المعظمون ولما أبرأ المسيح مجنونا من جنونه قال اليهود إن هذا ل يخرج الشياطين
من الدميين إل بأركون الشياطين يعنون عظيمهم وقال المسيح في النجيل إن
أركون العالم يدان يريد إما إبليس
أو الشرير العظيم الشر من الدميين وسماه إلها على نحو قول التوراة إن ال جعل
موسى إلها لفرعون أي حاكما عليه ومتصرفا فيه وعلى نحو قول داود للعظماء
من قومه إنكم آلهة #فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد ووصفه بأخص علماته
وأوضحها وهي شامته فلعمري لم تكن الشامة لسليمان ول للمسيح وقد وصفه
بالجلوس على كرسي داود يعني أنه سيرث بني إسرائيل نبوتهم وملكهم ويبتزهم
رياستهم
فصل #قالوا وقال أشعياء في وصف أمة محمد ستمتلىء البادية والمدن من أولد
قيدار يسبحون ومن رؤوس الجبال ينادون هم الذين يجعلون ل الكرامة ويسبحونه
في البر والبحر وقيدار هو ابن إسماعيل باتفاق الناس وربيعة ومضر من ولده
ومحمد من مضر #وهذا المتلء والتسبيح لم يحصل لهم إل بمبعث محمد
فصل #قالوا وقال أشعياء والمراد مكة أنا رسمتك على كفي وسيأتيك أولدك
سراعا ويخرج عنك من أراد أن يخيفك ويخونك فارفعي بصرك إلى ما حولك فإنهم
سيأتونك ويجتمعون إليك فتسمي باسمي إني أنا الحي لتلبسي الحلل وتزيني بالكليل
مثل العروس ولتضيقن خراباتك من كثرة سكانك والداعين فيك وليهابن كل من
يناوؤك وليكثرن أولدك حتى تقولي من رزقني هؤلء كلهم وأنا وحيدة فريدة يرون
رقوب فمن ربى لي هؤلء ومن تكفل لي بهم #قالوا وذلك إيضاح من أشعياء بشأن
الكعبة فهي التي ألبسها ال
الحلل الديباج الفاخرة ووكل بخدمتها الخلفاء والملوك ومكة هي التي ربا ال لها
الولد من حجاجها والقاطنين بها وذلك أن مكة هي التي أخرج عنها كل من أن
أراد أن يخيفها ويخربها فلم تزل عزيزة مكرمة محرمة لم يهنها أحد من البشر قط
بل أصحاب الفيل لما قصدوها عذبهم ال العذاب المشهور ولم تزل عامرة محجوجة
من لدن إبراهيم الخليل #بخلف بيت المقدس فإنه قد أخرب مرة بعد مرة وخل من
السكان واستولى العدو عليه وعلى أهله وكذلك إخباره بإهانة كل من يناويها هو
للكعبة دون بيت المقدس قال تعالى ^ #ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب
أليم ^ #والحجاج بن يوسف كان معظما للكعبة
لم يرمها بمنجنيق وإنما قصد ابن الزبير خاصة وأما كثرة أولدها وهم الذين
577
www.anassim.fr.st 578 الن سي ــــ ـــ ـم
يحجون إليها ويستقبلونها في صلتهم فهم أضعاف أضعاف أولد بيت المقدس
فصل #قالوا وقال أشعياء حاكيا عن ال تعالى أشكر حبي وابني أحمد فسماه ال
حبيبا وسماه ابنا وداود ابنا غير أن ال خصه عليهم بمزية فقال حبي ابني أشكره
فتعبد أشعياء بشكر محمد ووظف عليه وعلى قومه شكره وإجلله ليتبين قدره
ومنزلته عنده وتلك منقبة لم يؤتها غيره من الرسل #وقال أشعياء إنما سمعنا من
أطراف الرض صوت محمد وهذا إفصاح من أشعياء باسم رسول ال فليرنا أهل
الكتاب نبيا نصت النبياء على اسمه صريحا سوى رسول ال
فصل #قالوا وقال حبقوق وسمي محمد رسول ال صريحا مرتين في نبوته إن ال
جاء من التيمن والقدوس من جبل فاران لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلت
الرض من حمده شعاع منظره مثل النور يحوط بلده بعزه تسير المنايا أمامه
وتصحب سباع الطير أجناده قام فمسح الرض فتضعضعت له الجبال القديمة
وانخفضت الروابي وتزعزعت ستور أهل مدين
ثم قال زجرك في النهار وإقدام صوامك في البحار ركبت الخيول وعلوت #
مراكب اليفاد وستنزع في قسيك أعراقا ونزعا وترتوي السهام بأمرك يا محمد
ارتواء ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل وتغيرت المهاوي
تغيرا ورعبا رفعت أيديها وجل وخوفا وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان
نيازكك وتدوخ الرض غضبا وتدوس المم زجرا لنك ظهرت بخلص أمتك
وإنقاذ تراث آبائك #قالوا وهذا تصريح بمحمد ومن رام صرف نبوة حبقوق هذه
عن محمد فقد رام ستر النهار وحبس النهار وأنى يقدر على ذلك وقد سماه باسمه
مرتين وأخبر بقوة أمته وسير المنايا أمامهم واتباع جوارح الطير آثارهم وهذه النبوة
ل تليق إل بمحمد ول تصلح إل له ول تدل إل عليه فمن حاول صرفها عنه فقد
حاول ممتنعا وقد ذكر فيها مجيء نور ال من التيمن وهي ناحية مكة والحجاز فإن
أنبياء بني إسرائيل كانوا يكونون من ناحية الشام ومحمد جاء من ناحية
اليمن وجبال فاران هي جبال مكة كما قد تقدم بيان ذلك وهذا مما ل يمكن النزاع فيه
#وأما امتلء السماء من بهاء أحمد بأنوار اليمان والقرآن التي ظهرت منه ومن
أمته وامتلء الرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم فأمر ظاهر فإن أمته هم
الحمادون ل بد لهم من حمد ال في كل صلة وخطبة ول بد لكل مصل في كل
ركعة من أن يقول ^ الحمد ل رب العالمين مالك يوم الدين ^ #فإذا قال ^ #الحمد
^ ل رب العالمين ^ #قال ال حمدني عبدي #فإذا قال ^ #الرحمن الرحيم
578
www.anassim.fr.st 579 الن سي ــــ ـــ ـم
قال أثنى علي عبدي #فإذا قال ^ #مالك يوم الدين ^ #قال مجدني عبدي # #
فهم يفتحون القيام في الصلة بالتحميد ويختمونها بالتحميد وإذا رفعوا رؤوسهم من
الركوع يقول إمامهم سمع ال لمن حمده ويقولون جميعا ربنا ولك الحمد ويختمون
صلتهم بتحميد يجعل التحيات له والصلوات والطيبات وأنواع تحميدهم ل مما
يطول وصفه
فصل #قالوا وقال حزقيال وهو يهدد اليهود ويصف لهم أمة محمد وإن ال
مظهرهم عليكم وباعث فيكم نبيا ومنزل عليهم كتابا ومملكهم رباقكم فيقهرونكم
ويذلونكم بالحق ويخرج رجال بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملئكة على
خيل بيض متسلحين محيطون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار نعوذ بال من النار #
وذلك أن رجال بني قيدار هم ربيعة ومضر أبناء عدنان وهما جميعا من ولد قيدار
بن إسماعيل والعرب كلهم من
بني عدنان وبني قحطان فعدنان أبو ربيعة ومضر وأنمار من ولد إسماعيل باتفاق
الناس وأما قحطان فقيل هم من ولد إسماعيل وقيل هم من ولد هود ومضر ولد
إلياس بن مضر وقريش هم من ولد إلياس بن مضر وهوازن مثل عقيل وكلب
وسعد بن بكر وبنو نمير وثقيف وغيرهم هم من ولد إلياس بن مضر #وهؤلء
انتشروا في الرض فاستولوا على أرض الشام والجزيرة ومصر والعراق وغيرها
حتى إنهم لما سكنوا الجزيرة بين الفرات
ودجلة سكنت مضر في حران وما قرب منها فسميت ديار مضر وسكنت ربيعة في
الموصل وما قرب منها فسميت ديار ربيعة
فصل #وقال دانيال عليه السلم وذكر محمد رسول ال باسمه فقال ستنزع في
قسيك إغراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء #فهذا تصريح بغير تعريض
وتصحيح ليس فيه تمريض #فإن نازع في ذلك منازع فليوجدنا آخر اسمه محمد له
سهام تنزع وأمر مطاع ل يدفع #وقال دانيال النبي أيضا حين سأله بخت نصر عن
تأويل رؤيا رآها ثم نسيها رأيت أيها الملك صنما عظيما قائما بين يديك رأسه من
ذهب وساعداه من الفضة وبطنه وفخذاه من النحاس وساقاه من الحديد ورجله من
الخزف ورأيت حجرا لم تقطعه يد إنسان قد جاء وصك ذلك الصنم فتفتت وتلشى
وعاد رفاتا ثم نسفته الرياح فذهب وتحول ذلك الحجر فصار جبل عظيما حتى مل
الرض كلها فهذا ما رأيت أيها الملك #فقال بخت نصر صدق فما تأويلها #قال
دنيال أنت الرأس الذي رأيته من الذهب ويقوم بعدك ولداك اللذان رأيت من الفضة
وهما دونك ويقوم بعدهما مملكة أخرى هي دونهما
579
www.anassim.fr.st 580 الن سي ــــ ـــ ـم
وهي شبه النحاس والمملكة الرابعة تكون قوية مثل الحديد الذي يدق كل شيء فأما
الرجلن التي رأيت من خزف فمملكة ضعيفة وكلمتها مشتتة وأما الحجر الذي
رأيت قد صك ذلك الصنم العظيم ففتته فهو نبي يقيمه ال إله السماء والرض من
قبيلة بشريعة قوية فيدق جميع ملوك الرض وأممها حتى تمتلىء منه الرض ومن
أمته ويدوم سلطان ذلك النبي إلى انقضاء الدنيا فهذا تعبير عن رؤياك أيها الملك #
فهذا نعت محمد ل نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك
الرض وأممها حتى امتلت الرض منه ومن أمته في مشارق الرض ومغاربها
وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك النصارى عن
خيار الرض وأوسطها
فصل #وقال دانيال النبي أيضا سألت ال وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من
بني إسرائيل وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم النبياء أو يجعل ذلك
في غيرهم قال دانيال فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه فقال السلم
عليك يا دانيال إن ال تعالى يقول إن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي وعبدوا
من دوني آلهة أخرى وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ومن بعد الصدق إلى الكذب
فسلطت عليهم بخت نصر فقتل رجالهم وسبى ذراريهم وهدم بيت مقدسهم وحرق
كتبهم وكذلك فعل من بعده بهم وأنا غير راض عنهم ول مقيلهم عثراتهم فل يزالون
من سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم
عليهم عند ذلك باللعن والسخط فل يزالون ملعونين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث
نبي بني إسماعيل الذي بشرت به هاجر وأرسلت إليها ملكي فبشرها فأوحي إلى
ذلك النبي واعلمه السماء وأزينه بالتقوى وأجعل البر شعاره والتقوى ضميره
والصدق قوله والوفاء طبيعته والقصد سيرته والرشد سنته أخصه بكتاب مصدق لما
بين يديه من الكتب وناسخ لبعض ما فيها أسري به إلي وأرقيه من سماء إلى سماء
حتى يعلو فأدنيه وأسلم عليه وأوحي إليه ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة
حافظا لما استودع صادعا بما أمر يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة ل
فظ ول غليظ ول صخاب في السواق رؤوف بمن واله رحيم بمن آمن به خشن
على من عاداه فيدعو قومه إلى
توحيدي وعبادتي ويخبرهم بما رأى من آياتي فيكذبونه ويؤذونه #قال الناقل لهذه
البشارة قالوا ثم سرد دانيال قصة رسول ال حرفا حرفا مما أمله عليه الملك حتى
وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا ونبوته كثيرة وهي الن في أيدي
النصارى واليهود يقرأونها #ومهما وصفنا مما ذكره ال من وصف هذه المة
ونبيها واتصال مملكتهم بالقيامة قلت فهذه نبوة دانيال فيها البشارة بالمسيح والبشارة
بمحمد وفيها من وصف محمد
580
www.anassim.fr.st 581 الن سي ــــ ـــ ـم
وأمته بالتفصيل ما يطول وصفه وقد قرأها المسلمون لما فتحوا العراق كما ذكر ذلك
العلماء منهم أبو العالية ذكر أنهم لما فتحوا تستر وجدوا دانيال ميتا ووجدوا عنده
مصحفا #قال أبو العالية أنا قرأت ذلك المصحف وفيه صفتكم ولحون كلمكم وكان
أهل الناحية إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر
بن الخطاب
فكتب إليه عمر أن احفر بالنهار ثلثة عشر قبرا وادفنه بالليل في واحد منها لئل
يفتتن الناس به
فصل #قالوا وقال يوحنا النجيلي قال يسوع المسيح في الفصل الخامس عشر من
إنجيله أن الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء
وقال يوحنا التلميذ أيضا عن المسيح أنه قال لتلميذه إن كنتم تحبوني فاحفظوا #
وصاياي وأنا أطلب من الب أن يعطيكم فارقليطا لخر يثبت معكم إلى البد روح
الحق الذي لمم يطق العالم أن يقتلوه لنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاما لني سآتيكم
عن قريب #وقال يوحنا قال المسيح من يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي
وعنده يتخذ المنزل كلمتكم بهذا لني عندكم مقيم والفارقليط روح الحق الذي يرسله
أبي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلت لكم أستودعتكم سلمي ل تقلق
قلوبكم ول تجزع فإني منطلق وعائد إليكم لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضيي إلى
الب فإن أنتم ثبتم في كلمي وثبت كلمي فيكم كان لكم كل ما تريدون وبهذا يمجد
أبي #وقال أيضا إذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله روح الحق الذي من أبي هو
يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ول تشكوا فيه #وقال أيضا إن خيرا
لكم أن أنطلق لني إن لم أذهب
لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فهو يوبخ العالم على الخطيئة وإن لي
كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك
يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل
ما يأتي ويعرفكم جميع ما للب #وقال يوحنا الحواري قال المسيح إن أركون
العالم سيأتي وليس لي شيء #وقال متى التلميذ قال المسيح ألم يقرأوا أن الحجر
الذي أرذله البناءون صار رأسا للزاوية من عند ال كان هذا وهو عجيب في أعيننا
ومن أجل ذلك أقول لكم إن ملكوت ال سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تأكل
ثمرها ومن سقط على هذا الحجر
ينشرح وكل من سقط هو عليه يمحقه #وقال يوحنا التلميذ في كتاب رسائل التلميذ
المسمى بفراكسيس يا أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح لكن ميزوا الرواح التي من
581
www.anassim.fr.st 582 الن سي ــــ ـــ ـم
عند ال من غيرها واعلموا أن كل روح يؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء فكان
جسدانيا فهي من عند ال وكل روح ل تؤمن بأن يسوع المسيح جاء وكان جسدانيا
فليست من عند ال بل من المسيح الكذاب الذي سمعتم به وهو الن في العالم #
وقال شمعون الصفا رئيس الحواريين في كتاب فركسيس أنه قد حان أن يبتدىء
الحكم من بيت ال ابتداء #قلت وهذا اللفظ لفظ الفارقليط في لغتهم ذكروا فيه أقوال
قيل إنه الحماد وقيل إنه الحامد وقيل إنه المعز وقيل إنه الحمد ورجح هذا طائفة
وقالوا الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم إنه الحمد والدليل عليه قول يوشع من عمل
حسنة تكون له فارقليط
جيد أي حمد جيد وقولهم المشهور في تخاطبهم فارقليط وفارقليطان وما زاد على
الجميع أي حمد ومنه كما نقول نحن يد ومنة ومن قال معناه المخلص فيحتجون بأنها
كلمة سريانية ومعناها المخلص وقالوا هو مشتق من قولنا راوف ويقال بالسريانية
فاروق فجعل فارق قالوا ومعنى ليط كلمة تزاد والتقدير كما يقال في العربية رجل
هو وحجر هو وبدر هو وذكر هو قالوا وكذلك يزاد في السريانية ليط والذين قالوا
هو المعز قالوا هو في لسان اليونان المعز #ويعترض على هذين القولين بأن
المسيح لم تكن لغته سريانية ول يونانية بل عبرانية ويجاب عنه بأنه تكلم بالعبرانية
وترجم عنه بلغة أخرى كما أملوا أحد الناجيل باليونانية والخر بالرومية
وواحدا بقي عبرانيا وأكثر النصارى على أنه المخلص والمسيح نفسه يسمونه
المخلص وفي النجيل الذي بأيديهم أنه قال إني لم آتي لزين العالم بل لخلص
العالم والنصارى يقولون في صلتهم لقد ولدت لنا مخلصا #وقد اختلف فيه فمن
النصارى من قال هو روح نزلت على الحواريين وقد يقولون إنه ألسن نارية نزلت
من السماء على التلميذ ففعلت اليات والعجائب ولهذا يقول من خبر أحوال
النصارى إنه لم يرو أحدا منهم يحسن تحقيق مجيء هذا الفارقليط الموعود به #
منهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوما وكونه قام من
قبره وتفسيره بالروح باطل وأبطل منه
تفسيره بالمسيح لوجوه #منها أن روح القدس ما زالت تنزل على النبياء
والصالحين قبل المسيح وبعده وهذا مما اتفق عليه أهل الكتاب أن روح القدس نزلت
على النبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال
تعالى ^ #ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان
وأيدهم بروح منه ^ #وقال النبي لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين قال
اللهم أيده بروح القدس وقال إن روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه #وإذا كان
كذلك ولم يسم أحد هذه الروح فارقليطا دل على أن الفارقليط أمر غير هذا وأيضا
فمثل هذه ما زالت يؤيد بها النبياء
582
www.anassim.fr.st 583 الن سي ــــ ـــ ـم
والصالحون وما بشر به المسيح أمر عظيم يأتي بعده أعظم من هذا وأيضا فإنه
وصف الفارقليط بصفات ل تناسب هذا وإنما تناسب رجل يأتي بعده نظيرا له فإنه
قال إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الب أن يعطيكم فارقليطا آخر
يثبت معكم إلى البد فقوله فارقليطا آخر دل على أنه ثان لول كان قبله ولم يكن
معهم في حياة المسيح إل هو لم تنزل عليهم روح فعلم أن الذي يأتي بعده نظيرا له
ليس أمرا معتادا يأتي للناس #وأيضا فإنه قال يثبت معكم إلى البد وهذا إنما يكون
لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته فعلم أنه بقاء شرعه
وأمره فعلم أن الفارقليط الول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى البد وهذا يبين أن
الثاني صاحب شرع ل ينسخ بخلف الول وهذا إنما ينطبق على محمد #وأيضا
فإنه أخبر أن هذا الفارقليط الذي أخبر به يشهد له ويعلمهم كل شيء وأنه يذكركم كل
ما قال المسيح وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال والفارقليط الذي يرسله أبي هو
يعلمكم كل
شيء وهو يذكركم كل ما قلت لكم #وقال إذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله هو
يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ول تشكوا فيه #وقال إن خيرا لكم أن
أنطلق لني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فهو يوبخ العالم
على الخطيئة وإن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله لكن إذا
جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق من عند نفسه بل
يتكلم بما يسمع ويخبر بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للب #فهذه الصفات
والنعوت التي تلقوها عن المسيح ل تنطبق على شيء في قلب بعض الناس ل يراه
أحد ول يسمع كلمه وإنما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلمه فيشهد
للمسيح ويعلمهم كل شيء ويذكرهم كل ما قال لهم المسيح ويوبخ العالم على
الخطيئة ويرشد الناس إلى جميع الحق وهو ل ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع
ويخبرهم بكل ما يأتي ويعرفهم جميع ما لرب العالمين #وهذا ل يكون ملكا ل يراه
أحد ول يكون هدى ول علما في قلب بعض الناس بل ل يكون إل إنسانا عظيم القدر
يخاطب الناس
بما أخبر به المسيح وهذا ل يكون إل بشرا رسول بل يكون أعظم من المسيح بين
أنه يقدر على ما ل يقدر عليه المسيح ويعلم ما ل يعلمه المسيح ويخبر بكل ما يأتي
وبما يستحقه الرب حيث قال إن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون
حمله ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق
من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما يأتي ويعرفكم جميع ما للب #وهذه
الصفات ل تنطبق إل على محمد وذلك أن الخبار عن ال بما هو متصف به من
الصفات وعن ملئكته وعن ملكوته وعن ما أعده ال في الجنة لوليائه وفي النار
لعدائه أمر ل يحتمل عقول كثير من الناس معرفته على التفصيل ولهذا قال علي
رضي ال عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب ال
ورسوله #وقال ابن مسعود ما من رجل يحدث قوما بحديث ل يبلغه
583
www.anassim.fr.st 584 الن سي ــــ ـــ ـم
عقولهم إل كان فتنة لبعضهم وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى ^ #خلق سبع
سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن ^ #قال ما يؤمنك أن لو أخبرتك
بتفسيرها لكفرت وكفرك بها تكذيبك بها فقال لهم المسيح عليه السلم إن لي كلما
كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق في هذا لهذا
ليس في النجيل من صفات ال وصفات ملكوته ومن صفات اليوم الخر إل أمور
مجملة وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الخر إل أمور مجملة مع أن موسى
كان قد مهد المر للمسيح ومع هذا فقد قال لهم المسيح إن لي كلما كثيرا أريد أن
أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله ثم قال ولكن إذا جاء روح الحق ذلك الذي يرشدكم
إلى جميع الحق وقال إنه يخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم بجميع ما للرب #فدل هذا
على أن هذا الفارقليط هو الذي يفعل هذا دون المسيح وكذلك كان محمد أرشد الناس
إلى جميع الحق حتى أكمل ال له الدين وأتم به النعمة ولهذا كان خاتم النبياء فإنه لم
يبق شيء يأتي به غيره وأخبر محمد
بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن العمال والجنة
وأنواع نعيمها والنار وأنواع عذابها ولهذا كان في القرآن من تفصيل أمر الخرة
وذكر الجنة والنار وما يأتي من ذلك أمور كثيرة توجد ل في التوراة ول في النجيل
وذلك تصديق قول المسيح إنه يخبر بكل ما يأتي #ومحمد بعثه ال بين يدي الساعة
كما قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصابعه السبابة والوسطى وكان إذا ذكر
الساعة عل صوته واحمر وجهه واشتد غضبه كأنه منذر جيش وقال
إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ^ #وقال أنا النذير العريان #فأخبر من ^ #
المور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من النبياء كما نعته به المسيح
حيث قال إنه يخبركم بكل ما يأتي ول يوجد مثل هذا قط عن أحد من النبياء قبل
محمد
فضل عن أن يوجد شيء نزل على قلب بعض الحواريين #وأيضا فقال ويعرفكم
جميع ما للرب فبين أنه يعرف الناس جميع ما ل وذلك يتناول ما ل من السماء
والصفات وما له من الحقوق وما يجب من اليمان به وبملئكته وكتبه ورسله بحيث
يكون ما يأتي به جامعا لكل ما يستحقه الرب #وهذا لم يأت به أحد غير محمد
حيث يتضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة هذا كله ومعلوم أن ما نزل على
الحواريين لم يكن فيه هذا كله ول نصفه ول ثلثه بل ما جاء به المسيح أعظم مما
جاء به الحواريون وهذا الفارقليط الثاني جاء بأعظم مما جاء به المسيح #وأيضا
فالمسيح قال إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أبي هو يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا
كان تؤمنوا به ول تشكوا
فيه فبين أنه أخبرهم به ليؤمنوا به إذا جاء ول يشكوا فيه وأنه يشهد له وهذه صفة
584
www.anassim.fr.st 585 الن سي ــــ ـــ ـم
من بشر به المسيح ويشهد للمسيح كما قال تعالى ^ #وإذ قال عيسى ابن مريم يا
بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول
يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ #وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة ولم يوجد أحد
وبخ جميع العالم على الخطيئة إل محمد فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس
ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان وبخ جميع المشركين من
العرب والهند والترك وغيرهم ووبخ المجوس وكانت مملكتهم أعظم الممالك ووبخ
أهل الكتابين اليهود والنصارى وقال في الحديث الصحيح عنه إن ال نظر إلى أهل
الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل
الكتاب لم يقتصر على مجرد المر والنهي بل وبخهم وقرعهم وتهددهم #وأيضا
فإنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع وهذا إخبار بأن كل ما
يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئا تعلمه من الناس أو عرفه باستنباطه وهذه
خاصة محمد فإن المسيح ومن قبله من النبياء كانوا يتعلمون من غيرهم مع ما كان
يوحى إليهم فعندهم علم غير ما يسمعونه من الوحي #ومحمد لم ينطق إل بما
يسمعه من الوحي فهو مبلغ لما أرسل به وقد قيل له ^ #بلغ ما أنزل إليك من ربك
وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس ^ #فضمن ال له العصمة
إذا بلغ رسالته فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى إلى الناس ما لم يمكن غيره
من النبياء إلقاءه خوفا أن يقتلوه كما يذكرون عن المسيح وغيره #وقد أخبر
المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده وأنهم ل يطيقون حمله وهم معترفون بأنه
كان يخاف منهم إذا أخبرهم
بحقائق المور ومحمد أيده ال تأييدا لم يؤيده لغيره فعصمه من الناس حتى لم يخف
من شيء يقوله وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته غيره فالكتاب الذي بعث به فيه
من بيان حقائق الغيب ما ليس في كتاب غيره #وأيد أمته تأييدا أطاقت به حمل ما
ألقاه إليهم فلم يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ول كأهل
النجيل الذين قال لهم المسيح إن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكن ل
تستطيعون حمله ول ريب أن أمة محمد أكمل عقول وأعظم إيمانا وأتم تصديقا
وجهادا ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القلبية وإيمانهم أعظم #وكانت العبادات
البدنية لغيرهم أعظم قال تعالى #سورة البقرة اليتان # 286 285وقد ثبت في
الصحيح عن النبي أن ال
قال قد فعلت #وأيضا فإنه أخبر عن الفارقليط أنه يشهد له وأنه يعلمهم كل شيء
وأنه يذكرهم كل ما قاله المسيح ومعلوم أن هذا ل يكون إل إذا شهد له شهادة
يسمعها الناس ل يكون هذا شيئا في قلب طائفة قليلة ولم يشهد أحد للمسيح شهادة
سمعها عامة الناس إل محمد فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع
شهادته له عامة أهل الرض وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه
اليهود وعما غلت فيه النصارى فهو الذي شهد له بالحق ولهذا لما سمع النجاشي من
585
www.anassim.fr.st 586 الن سي ــــ ـــ ـم
الصحابة ما شهد به محمد للمسيح قال لهم ما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود #
وجعل ال أمة محمد شهداء على الناس يشهدون عليهم بما علموه من الحق إذ كانوا
وسطا
عدل ل يشهدون بباطل فإن الشاهد ل يكون إل عدل بخلف من جار في شهادته
فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود والنصارى في المسيح #وأيضا فإن
معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو الحمد أو المعز فهذا الوصف ظاهر
في محمد فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون ال على كل حال وهو صاحب لواء
الحمد والحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلته ولما كان حمادا جوزي بوصفه فإن
الجزاء من جنس العمل فكان اسمه محمد وأحمد وأما محمد فهو على وزن مكرم
ومعظم ومقدس وهو الذي يحمد حمدا كثيرا مبالغا فيه ويستحق ذلك فلما كان حمادا
ل كان محمدا وفي شعر حسان بن ثابت % #وشق له من اسمه ليجله %فذو
%العرش محمود وهذا محمد
وأما أحمد فهو أفعل التفضيل أي أحق بأن يكون محمودا أكثر من غيره يقال هذا #
أحمد من هذا أي هذا أحق بأن يحمد من هذا فيكون فيه تفضيل له على غيره في
كونه محمودا فلفظ محمد يقتضي فضله في الكمية ولفظ أحمد يقتضي فضله في
الكيفية ومن الناس من يقول أحمد أي أكثر حمدا من غيره فعلى هذا يكون بمعنى
الحامد والحماد #وقال من رجح أن معنى الفارقليط في لغتهم هو الحمد كما تقدم
فإذا كان كذلك فهو ما جاء في القرآن ^ #ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه
^ أحمد
قالوا ول شك عندهم أنه اسم مشتق من الحمد مثل ما نقول في لغتنا ضارب #
ومضروب وأما من فسره بالمعز فلم يعرف قط نبي أعز أهل التوحيد ل واليمان
كما أعزهم محمد فهو أحق باسم المعز من كل إنسان #وأما معنى المخلص فهو
أيضا ظاهر فيه فإن المسيح هو المخلص الول كما ذكر في النجيل وهو معروف
عند النصارى أن المسيح صلوات ال عليه سمي مخلصا فيكون المسيح هو
الفارقليط الول وقد بشر بفارقليط آخر فإنه قال وأنا أطلب من الب أن يعطيكم
فارقليطا آخر يثبت معكم إلى البد فهذه بشارة بمخلص ثان يثبت معهم إلى البد
والمسيح هو المخلص الول وأما ما ينزل في القلوب فلم يسمه أحد مخلصا ول
فارقليطا فل يجوز أن يفسر كلم المسيح إل بلغته ومعانيه المعروفة التي خاطب بها
وكذلك سائر النبياء بل وسائر الناطقين #وقد وصف هذا المخلص الثاني بأنه يثبت
معهم إلى البد ومحمد هو المخلص الذي جاء بشرع باق إلى البد ل ينسخ #
وأيضا فإن في النجيل إنجيل يوحنا أن المسيح قال أركون العالم سيأتي
وليس لي شيء #وقد ذكروا أن الركون بلغتهم العظيم القدر والراكنة العظماء
وقد كانوا يقولون عن المسيح إن أركون الشياطين يعينه أي عظيم الشياطين وهو
من افتراء اليهود على المسيح فقول المسيح عليه السلم أركون العالم إنما ينطبق
586
www.anassim.fr.st 587 الن سي ــــ ـــ ـم
على عظيم العالم وسيد العالم وكبير العالم وقد أخبر أنه سيأتي فامتنع أن يكون هذا
الركون المسيح أو أحدا مثله ولم يأت بعد المسيح من ساد العالم وأطاعه العالم غير
محمد وهذا من بشارة المسيح به #وقد سئل ما كان أول أمرك قال دعوة أبي
إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي رأت حين ولدتني أنه خرج منها نور أضاءت له
قصور الشام #وبالجملة فمعلوم باتفاق أهل الرض أنه لم يأت بعد المسيح من ساد
العالم باطنا وظاهرا وانقادت له القلوب والجساد وأطيع في
السر والعلنية في محياه وبعد مماته في جميع العصار وأفضل القاليم شرقا
وغربا غير محمد فإن الملوك يطاعون ظاهرا ل باطنا ول يطاعون بعد موتهم ول
يطيعهم أهل الدين طاعة يرجون بها ثواب ال في الدار الخرة ويخافون عقاب ال
في الدار الخرة بخلف النبياء #ومحمد أظهر دين الرسل قبله وصدقهم ونوه
بذكرهم وتعظيمهم فبه آمن بالنبياء والرسل قبل موسى والمسيح وغيرهما أمم
عظيمة لول محمد لم يؤمنوا بهم ومن كان يعرف هؤلء من أهل الكتاب كانوا
مختلفين فيهم كاختلف أهل الكتاب في المسيح وكانوا يقدحون في داود وسليمان
وغيرهما بما هو معروف عندهم #وأيضا فإنه ذكر لهم من الرسل ما لم يكونوا
يعرفونه مثل هود وصالح وشعيب وغيرهم #ومحمد صدق المسيح في أخباره بأنه
أركون العالم فقال أنا سيد ولد آدم ول فخر آدم فمن دونه تحت لوائي أنا خطيب
النبياء إذا وفدوا وإمام النبياء إذا اجتمعوا #وهو صاحب لواء الحمد وهو صاحب
المقام المحمود الذي يغبطه به الولون والخرون يوم القيامة فهو سيد العالمين حقا
وهذا
مطابق لقول المسيح إنه أركون العالم فهو أركون الخرين في الدنيا والخرة وهو
أركون الولين والخرين في الخرة #وقول المسيح إن أركون العالم سيأتي وليس
لي شيء تضمن الصلين إثبات الرسول وإثبات التوحيد وأن المر كله ل وهو
تحقيق شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وقول المسيح ليس لي شيء
تنزيه له مما نسب إليه من الربوبية وهذا النفي يشترك فيه جميع الخلق قال ال
تعالى لمحمد ^ #ليس لك من المر شيء ^ #وقال تعالى ^ #قل ل أقول لكم
عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول لكم إني ملك إن أتبع إل ما يوحى إلي ^
#وقال ^ #قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا قل إني لن يجيرني من ال أحد
ولن أجد من دونه ملتحدا ^ أي ملجأ وملذا ^ إل بلغا من ال ورسالته ومن
^ يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا
وقال تعالى ^ #قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء ال ^ #وأيضا ففي #
نبوة أشعياء أنه وصف محمدا بأنه أركون السلم والسلم والسلم السلم فهو يبين أنه
سيد دين السلم ول ريب أن النبياء كلهم بعثوا بدين السلم لكن لم يظهر هذا
الدين واسمه وانتشر ذكر دين السلم في الرض كما ظهر لمحمد فمحمد أركون
السلم الذي يجمع كل خير وبر كما أن إبليس أركون الشر قال تعالى عن نوح #
587
www.anassim.fr.st 588 الن سي ــــ ـــ ـم
فهذا نوح أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض يذكر أنه أمر أن يكون من #
المسلمين #وقالت السحرة لما أسلموا وأراد فرعون قتلهم ^ #ربنا أفرغ علينا
صبرا وتوفنا مسلمين ^ #وقال ^ #إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها
النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ #وقال ^ #وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا
^ بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون
فإن قيل فقد سمى المسيح الفارقليط روح الحق وسماه روح القدس وقال تعالى #
عن إبراهيم #سورة البقرة اليات ^ # 132 130وقال موسى يا قوم إن كنتم
آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ^ #وقالت بلقيس ^ #رب إني ظلمت
نفسي وأسلمت مع سليمان ل رب العالمين ^ #قيل قد قال يوحنا في كتاب أخبار
الحواريين المسمى افراكسيس يا أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح لكن ميزوا
الرواح التي من عند ال من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بأن
يسوع المسيح قد جاء فكان جسدانيا فهي من عند ال وكل روح ل تؤمن بأن المسيح
جاء وكان جسدانيا فليست من عند ال بل من المسيح الكذاب الذي هو الن في العالم
#وإذا كان كذلك علم أن الروح عندهم يتناول النبي المرسل من البشر وجبريل
الذي نزل بالوحي على محمد هو روح القدس وهو روح الحق كما قال تعالى ^ #
قل نزله روح القدس من ربك بالحق ^ #وقال ^ #نزل به الروح المين على
قلبك ^ #وقال ^ #من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ #وهذا
الروح إنما جعله بمجيء محمد والكلم الذي نزل به هو
الذي بلغه محمد ولهذا قال ال تعالى ^ #ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس
^ #فاصطفى ال جبريل من الملئكة واصطفى محمدا من البشر ولهذا يضاف
القول الذي هو القرآن إلى قول هذا تارة وإلى قول هذا تارة كما قال تعالى ^ #إنه
لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ^ #فهذا الرسول
هنا جبريل وقال تعالى في الية الخرى ^ #إنه لقول رسول كريم وما هو بقول
شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ^ #
فهذا الرسول هنا محمد وأضافه إلى كل منهما بلفظ الرسول لتضمنه أنه بلغه عن
مرسله لم يقل إنه لقول ملك ول نبي بل كفر من قال إنه قول البشر كما ذكر
ذلك عن التوحيد وقد قال تعالى في القرآن ^ #قد أنزل ال إليكم ذكرا رسول يتلو
عليكم آيات ال مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور
^ #ومعلوم أن الرسول نفسه لم ينزل بل أبدل الرسول من الذكر لن الرسول جاء
بالذكر #ولما كان الرسول الملكي والرسول البشري والذكر المنزل أمورا متلزمة
يلزم من ثبوت واحد ثبوت الخرين ومن اليمان بواحد اليمان بالخرين فيلزم من
588
www.anassim.fr.st 589 الن سي ــــ ـــ ـم
كون القرآن حقا كون جبريل ومحمد حقا وكذلك يلزم من كون محمد حقا كون
جبريل والقرآن حقا ويلزم من كون جبريل حقا كون القرآن ومحمد حقا #ولهذا
جمع ال بين اليمان بالملئكة والكتب والرسل في مثل قوله ^ #آمن الرسول بما
^ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله
فتعليم محمد وتذكيره وشهادته هو تعليم روح القدس وروحه والخبار بأن الملك #
ينطق على لسان البشر أو الجني ينطق على لسان البشر كثير كما في حديث ابن
عمر كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر ويقال ما ألقى هذا على لسانك إل
الشيطان ويكون مع هذا البشر ينطق بقدرته واختياره ليس هو كالمصروع الذي
يتكلم الجني على لسانه وهو ليدري ما يقول فلهذا يقال هذا قول الرسول البشري
وهو قول الرسول الملكي #ويقال الفارقليط روح الحق وروح القدس يشهد لي وهو
يعلمكم وهو يذكركم ونحو ذلك فإن الفارقليط يتضمن ذكر جبريل ومحمد جميعا
وقول أحدهما هو قول الخر ومعروف في اللغة بدل الشتمال كقوله ^ #يسئلونك
عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه ^ #والشهر ليس هو نفس القتال لكن لما
اشتمل على القتال أبدل أحدهما من الخر وقوله ^ #قد أنزل ال إليكم ذكرا رسول
^ #ومن هذا النمط أبدل الرسول من الذكر لشتماله عليه وهذا الثاني اشتمل على
الول والرسول البشري كان الرسول الملكي يتصل به في الباطن فيثقل عليه الوحي
حين ينزله #وفي الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها أن الحارث بن هشام قال
يا رسول ال كيف يأتيك الوحي قال أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو
أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجل فيكلمني
فأعي ما يقول قالت عائشة
ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا #
والفصم الفك والفصل من المور اللينة كما قال ^ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال
فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وال سميع عليم ^ #وبالقاف هو الكسر
الذي يكون في المور الصلبة #فبين أن الملك حين ينزل الوحي عليه يتصل به
ويلتبس به ثم بعد ذلك ينفصل عنه وينفك عنه وهذا الشتمال والنفصال أبلغ من
غيره فيحسن معه أن يكون إبدال أحدهما من الخر أحسن من غيره فيقال هذا
القرآن بلغه الرسول النبي وبلغه جبريل عن ال ونظائر هذا متعددة في جميع
بشارات المسيح يذكر أن الب وهو في لغتهم ال الذي يرسل الفارقليط وفي بعضها
قال أنا أطلب من الب
يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم إلى البد وفي بعضها والفارقليط روح الحق الذي
يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء فقد بين أن ال يرسله وأنه يطلب من ال أن يرسله
#وأما قوله في بعض اللفاظ فإذا انطلقت أرسلته إليكم فيكون معناه إني أرسله
بدعاء أبي وطلبي منه أن يرسله كما يطلب الطالب من ولي المر أن يرسل رسول
589
www.anassim.fr.st 590 الن سي ــــ ـــ ـم
أو يولي نائبا أو يعطي أحدا ويقول أنا أرسلت هذا ووليت هذا وأعطيت هذا أي كنت
سببا في ذلك ومما ينبغي أن يعلم أن ال إذا قضى ما يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابا
يكون بها ومن تلك السباب دعاء طائفة من عباده به فيكون في ذلك من النعمة في
إجابته دعاء هذا وهذا وهذا #ومحمد دعا به الخليل عليه السلم فقال ^ #ربنا
وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك
أنت العزيز الحكيم ^ #مع أن ال قضى بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك كما قيل له
يا رسول ال متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد وقال إني عند ال لمكتوب
خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته
وهذا كما أن ال قضى بنصره يوم بدر ومن أسباب ذلك استغاثته بال وكذلك بما #
يقضيه من إنزال الغيث يكون من أسبابه دعاء عباده له ونظائره كثيرة فل يمتنع أن
يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل محمدا ويكون هذا من أسباب إرساله
لكن إبراهيم سأل في الدنيا فذكر ال ذالك بخلف سؤال المسيح فإنه كان بعد صعوده
إلى السماء
فصل #والقرآن نفسه قد بين من آيات نبوته وبراهين رسالته أنواعا متعددة مع
اشتمال كل نوع على عدد من اليات والبراهين مثال ذلك إخباره لقومه بالغيب
الماضي الذي ل يمكن بشرا أن يعلمه إل أن يكون نبيا أو يكون ممن تلقاه عن نبي
وقومه يعلمون أنه لم يتعلم ذلك من بشر ول من أهل الكتاب ول غيرهم وهذا نوعان
#منه ما كان يسأله عنه المشركون وأهل الكتاب لينظر هل هو نبي أم ل #وكان
قومه يرسلون إلى أهل الكتاب البعيدين عنهم مثل من كان بالمدينة وغيرها من أهل
الكتاب يطلبون منهم ما يسألونه عنه فيرسلون إليهم ليسألوه عن ذلك ويمتحنون بذلك
هل هو نبي أم ل #ومنه ما كان ال يخبره به ابتداء ويجعله علما وآية لنبوته
وبرهانا لرسالته مع ما في ذكر هذه القصص من العتبار لمور أخرى فكان كل
من هذين النوعين دليل وعبرة على نبوته من طريقين فكان دليل وعبرة على نبوته
من جهة إخبار بالغيب الذي ل يعلمه إل نبي وكانت عبرة بما فيها من أحوال
المؤمنين والكافرين التي توجب اتباع سبيل المؤمنين الذين اتبعوا مثله وتجنب سبيل
الكافرين الذين خالفوا مثله وحكم الشيء حكم
نظيره فإذا كان من كان مثله ومثل من اتبعه سعيدا وحال من خالف مثله ومثل من
اتبعه شقيا كان في هذا دللة وعبرة توجب اتباعه وتنهى عن مخالفته وهذا أيضا
دليل على نبوة من قبله من النبياء من وجهين من جهة أنه أخبر بمثل ما أخبروا به
من غير مواطأة بينهم وبينه ول تشاعر لم يأخذوا عنه ولم يأخذ عنهم #وكل منهما
أخبر عن ال بأخبار مفصلة يمتنع التفاق عليها عادة إل بتواطىء فإذا لم يكن
تواطؤ وتشاعر وامتنع اتفاق ذلك من غير مواطأة علم أن كل من المخبرين صادق
قال تعالى ^ #لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ #وقص قصته في
590
www.anassim.fr.st 591 الن سي ــــ ـــ ـم
سورة يوسف اليات # 106 102إلى قوله #سورة يوسف اليات # 111 107
^ #وقال تعالى ^ #ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا
وقال ^ #ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل #
قليل ^ #وقال ^ #أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ^ #
وقال تعالى لما قص قصة نوح من سورة هود وهي أطول
ما قصه في قصة نوح ^ #تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول
قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ #فذكر سبحانه أن هذا الذي أوحاه
إليه من أنباء الغيب ما كان يعلمه هو ول قومه من قبل هذا فإذا لم يكن قومه يعلمون
ذلك ل من أهل الكتاب ول من غيرهم وهو لم يعاشر إل قومه وقومه يعلمون ذلك
منه ويعلمون أنهم لم يكونوا يعلمون ذلك ويعلمون أيضا أنه هو لم يكن تعلم ذلك
وأنه لم يكن يعاشر غيرهم وهم ل يعلمون ذلك صار هذا حجة على قومه وعلى من
بلغه خبر قومه ومثل ما أخبرهم عن قصة آدم وسجود الملئكة له وتزيين إبليس له
حتى أكل من الشجرة وهبط هو وزوجه #وأخبرهم عن قصة نوح ومكثه فيهم ألف
سنة إل خمسين
عاما وهذا في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب مقدار لبثه في قومه قبل الغرق
وبعده #وأخبرهم عن قصة الخليل وما جرى له مع قومه وإلقائه في النار وذبح
ولده ومجيء الملئكة إليه في صورة ضيفان وتبشيره بإسحاق ويعقوب وذهاب
الملئكة إلى لوط وما جرى للوط مع قومه وإهلك ال مدائن قوم لوط وقصة
إسرائيل مع بنيه كقصة يوسف وما جرى له بمصر وقصة موسى مع فرعون وتكليم
ال إياه مرة بعد مرة وآياته كالعصا واليد البيضاء والقمل والضفادع والدم وفلق
البحر وتظليل الغمام على بني إسرائيل وإطعامهم المن والسلوى وانفجار الماء من
الحجر اثني عشر عينا لسقيهم وعبادتهم العجل وقتل بعضهم بعضا لما تاب ال
عليهم وقصة البقرة ونتق الجبل فوقهم وقصة داود وقتله لجالوت وقصة الذين
خرجوا
من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم وقصة الذي أماته
ال مائة عام ثم بعثه وغير ذلك من أحوال بني إسرائيل #إلى أن ذكر قصة زكريا
وابنه يحيى وعيسى بن مريم وأحوال المسيح وآياته ودعائه لقومه واليات التي بعث
بها وتفاصيل ذلك وذكر قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وغير ذلك من
قصص النبياء والصالحين والكفار مفصلة مبينة بأحسن بيان وأتم معرفة مع علم
قومه الذين يعرفون أحواله من صغره إلى أن ادعى النبوة أنه لم يتعلم هذا من بشر
بل لم يجتمع هو بأحد من البشر يعرف ذلك ول كان عندهم بمكة من يعرف ذلك ل
591
www.anassim.fr.st 592 الن سي ــــ ـــ ـم
يهودي ول نصراني ول غيرهم #فكان هذا من أعظم اليات والبراهين لقومه بأن
هذا إنما أعلمه به وأنبأه به ال ومثل هذا الغيب ل يعلمه إل نبي أو من أخذ عن نبي
فإذا لم يكن هو أخذه عن نبي تعين أن يكون نبيا #ثم سائر أهل الرض يعلمون أنه
لم يتعلم ذلك من بشر من طرق #أحدها أن قومه المعادين له الذين هم من أحرص
الناس على
القدح في نبوته مع كمال علمهم لو علموا أنه تعلم ذلك من بشر لطعنوا عليه بذلك
وأظهروه فإنهم مع علمهم بحاله يمتنع أن ل يعلموا ذلك لو كان ومع حرصهم على
القدح فيه يمتنع أن ل يقدحوا فيه ويمتنع أن ل يظهر ذلك #الثاني أنه قد تواتر عن
قومه أنهم كانوا يقولون أنه لم يكن يجتمع به من يعلمه ذلك #الثالث أنه لو كانت
هذه القصص المتنوعة قد تعلمها من أهل الكتاب مع عداوته لهم لكانوا يخبرون
بذلك ويظهرونه ولو أظهروا ذلك لنقل ذلك وعرف فإن هذا من الحوادث التي تتوفر
الهمم والدواعي على نقله #الرابع أنه حيث بعث كان الناس إما مشركا وإما كتابيا
فلم يكن هناك أحد على الدين الذي دعا إليه وقد علم الناس بالتواتر أن المشركين من
قريش وغيرهم لم يكونوا يعرفون هذه القصص ولو قدر أنهم كانوا يعرفونها فهم
أول من دعاهم إلى دينه فعادوه وكذبوه فلو كان فيهم من علمه أو يعلم أنه تعلم من
غيره لظهر ذلك #الخامس أن مثل هذا لو كان فل بد أن يعرفه ولو خواص الناس
وكان في أصحابه الذين آمنوا به من يعرف ذلك وكان ذلك
يشيع ولو تواصوا بكتمانه كما شاع ما كتم من أمر الدول الباطنية ولكان خواصه في
الباطن يعلمون كذبه وكان علمهم بذلك يناقض تصديقه في الباطن كما عرف في
مثل ذلك #فكيف وكان أخص أصحابه وأعلمهم بحاله أعظمهم محبة وموالة
بخلف حال من يبطن خلف ما يظهر فإن خواص أصحابه ل يعظمونه في الباطن
#فإنه علم الناس أن قومه الذين كانوا معادين له غاية العداوة وكانوا يطلبون القدح
في نبوته بكل طريق يعلمون أنه لم يكن عندهم بشر يعلمه مثل هذا وأنه لم يكن في
قومه ول بلده من يعرف هذا #علم الناس ما علمه قومه أن هذا أنبأه به ال وكان
هذا من أعلمه وآياته وبراهينه وهذا مما يبين ال في القرآن أنه من آياته وأنه حين
أخبر قومه بهذا مع تكذيبهم وفرط عداوتهم له لم يمكن أحدا منهم أن يقول له بل فينا
من كان يعلم ذلك وأنت كنت تعلم ذلك وقد تعلمته منا أو من غيرنا فكان إقرارهم
بعدم علمه وعلمهم
ومع فرط عداوتهم له آية بينة لجميع المم أنه لم يكن هو ول هم يعلمون ذلك #
ولهذا لما كان بعضهم يفتري عليه فرية ظاهرة كانوا كلهم يعلمون كذبه وإذا
اجتمعوا وتشاوروا في أمره يعرفون أن هذا كذب ظاهر عليه كما كان بعضهم يقول
إنه مجنون وبعضهم يقول إنه كاهن وبعضهم يقول إنه ساحر وبعضهم يقول إنه
تعلمه من بشر وبعضهم يقول أضغاث أحلم #فحكى ال أقوالهم مبينا لظهور كذب
من قال ذلك وأنه قول ضال حائر قد بهره حال الرسول فحار فلم يدر ما يقول كما
592
www.anassim.fr.st 593 الن سي ــــ ـــ ـم
فأخبر عمن قال ذلك وهم يعلمون أن هذا من أظهر الكذب فإن هذه القصص #
المذكورة في القرآن لم يكن بمكة من يعرفها فضل عن أن يمليها كما قال ^ #وما
كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك ^ #وقال ^ #ما كنت تعلمها أنت
ول قومك من قبل هذا ^ #ولهذا قال ^ #أنزله الذي يعلم السر في السماوات
والرض ^ #فأخبر أن هذا من علم من يعلم السر إذ كان البشر ل يعلمون ذلك إل
من جهة اخبار النبياء وليس بمكة من يعلم ما أخبرت به النبياء #ثم ذكر ما
اقترحوه فقال
سورة الفرقان اليتان 6و # 7أمر بالنظر في كيفية ما ضربوه من المثال حيث #
شبهوه بمن يظهر الفرق بينه وبينه ظهورا ل يخفى على الناظر ولهذا قال ^ #
فضلوا فل يستطيعون سبيل ^ #إذا كان ظاهرا أن هذا ضلل عن طريق الحق فل
يستطيع الضال عن طريق الحق إليه سبيل #وقال تعالى #سورة النحل اليات
103 98
فأخبر عما افتراه بعضهم من قوله إنما يعلمه هذا القرآن بشر #وكان بمكة مولى #
أعجمي لبعض قريش قيل إنه مولى لبني الحضرمي والنبي ل يحسن أن يتكلم بلسان
العجمي وذاك ل يحسن أن يتكلم بهذا الكلم العربي فلما قالوا إنه افترى
هذا القرآن وأنه علمه إياه بشر قال تعالى ^ #لسان الذي يلحدون ^ #أي يضيفون
إليه هذا التعليم وينسبونه إليه وعبر عنه بلفظ اللحاد لما فيه من الميل فقال لسان
هذا الشخص الذي قالوا إنه يعلمه القرآن لسان أعجمي وهم لم يمكنهم أن يضيفوا
هذا التعليم إلى رجل عربي بل إلى هذا العجمي لكونه كان يجلس أحيانا إلى النبي
وذلك العجمي ل يمكنه التكلم بهذا الكلم العربي بل هو أعجمي ومحمد ل يعرف
بالعجمية لكن غاية ذلك العجمي كعبد بني الحضرمي أن يعرف قليل من كلم
العرب الذي يحتاج إليه في العادة مثل اللفاظ التي يحتاج إليها في غالب الوقات
كلفظ الخبز والماء والسماء والرض ول يعرف أن يقرأ سورة واحدة من القرآن #
فبين سبحانه ظهور كذبهم فيما افتروه ولم يقل أحد منهم ما يمكن أن يكون شبهة من
تعلمه أنباء الغيب من علماء أهل الكتاب ونحو ذلك وإنما قالوا ما ظهر بطلنه لكل
أحد ولم ينقل عن
أحد منهم أنه قال قول يخفى بطلنه بل ما يظهر كذبه لكل أحد #فتبين أنه لم
يمكنهم أن يقولوا إنه تعلم أخبار الغيوب من أحد وهذه القصة قصة نوح ل سيما
قصته في سورة هود كما تقدم ل يعلمها إل نبي أو من تلقاها عن نبي فإذا عرف أنه
لم يتلقاها عن أحد علم أنه نبي ولهذا قال تعالى في آخرها ^ #تلك من أنباء الغيب
نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^
593
www.anassim.fr.st 594 الن سي ــــ ـــ ـم
#والقول في سائر القصص كالقول فيها #وكما قال في سورة يوسف ^ #ذلك من
أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ #وقال في
سورة آل عمران لما ذكر قصة زكريا ومريم ^ #ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك
وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ^ #
وقال في قصة موسى
سورة القصص اليات # 46 44والنسان إنما يعلم مثل هذا بمشاهدة أو خبر #
فنبه بقوله وما كنت لديهم على أنه إنما علمت ذلك بإخبارنا وإيحائنا إليك وإعلمنا
لك بذلك إذ كان معلوما عند كل من عرفه أنه لم يسمع ذلك من بشر وأنه لم يكن هو
ول قومه يعلمون ذلك #وقد قال تعالى ^ #قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول
أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل تعقلون ^ #بين بذلك أن تلوته عليهم
هذا الكتاب وإدراءهم أي إعلمهم به هو بمشيئة ال وقدرته ل من تلقاء نفسه كما
قال تعالى
سورة يونس اليتان # 16 15فبين أنه لبث فيهم عمرا من قبله وهو ل يتلو شيئا #
من ذلك ول يعلمه ول يعلمهم به فليس المر من جهته ولكن من جهة ال الذي لو
شاء ما تله عليهم ول أدراهم به وتلوته عليهم وإدراؤهم به هو من العلم
بالغيوب الذي ل يعلمها إل نبي وبين أن ذلك من الرسال الذي يحبه ال ويرضاه ل
من الكوني الذي قدره وهو ل يحبه ول يرضاه كإرسال الشياطين ولهذا كان
يعرضون عليه أن يصير ملكا عليهم وأن يعطوه حتى يكون من أغناهم وأن يزوجوه
ما شاء من نسائهم فيقول لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن
أدع هذا المر لم أستطع أن أدعه وهذه الثلث هي
مطلوبا النفوس من الدنيا السلطان والمال والنساء فيعرض عن قبول الدنيا التي هي
غاية أماني طالبها ويبين أنه ل يقدر على أن يدع ما أمر به من تبليغ الرسالة #
وقال تعالى #سورة السراء اليات 77 73
بين سبحانه إنهم كادوا أن يمنعوه بكل طريق فإن النسان إنما يتم عمله بإرادته #
وقدرته فمع الدارة الجازمة والقدرة التامة يجب وجود المقدور وإذا تعذر أحدهما
امتنع فطلبوا تغيير إرادته ليركن إليهم فيغير ما أوحي إليه فعصمه ال وثبته #ثم
طلبوا تعجيزه بأن يستفزوه ويخرجوه حتى يعجز عن تبليغ رسالة ربه ولو كان ذلك
لعاجلهم ال بالعقوبة أسوة من تقدمه من الرسل فإن ال كان إذا أراد إهلك أمة
أخرج نبيها منها ثم أهلكها ل يهلكها وهو بين أظهرها كما قال تعالى ^ #وما كان
ال ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ال معذبهم وهم يستغفرون ^ #وهذا بعد قوله ^ #
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو
ائتنا بعذاب أليم ^ #قال تعالى ^ #وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ال
^ معذبهم وهم يستغفرون
594
www.anassim.fr.st 595 الن سي ــــ ـــ ـم
فلما خرج من بينهم بالهجرة أتاهم ال بعذاب أليم يوم بدر وغيره فقوله ^ #وإن #
كادوا ليفتنونك ^ #إشارة إلى سعيهم في إفساد إرادته #وقوله ^ #وإن كادوا
ليستفزونك من الرض ^ #إشارة إلى سعيهم في تعجيزه #وقال تعالى ^ #وما
كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون ^ #بين
سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه
متواتر عند من غاب عنه وبلغته أخباره من جميع الناس أنه كان أميا ل يقرأ كتابا
ول يحفظ كتابا من الكتب ل المنزلة ول غيرها ول يقرأ شيئا مكتوبا ل كتابا منزل
ول غيره ول يكتب بيمينه كتابا ول ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ول غيرها #
ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا وإما أن
يأخذ من كتابه وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه ول يقرأ مكتوبا والذي
يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه وهو لم يكن يقرأ ول ينسخ #وقال
تعالى ^ #وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من
المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء
بني إسرائيل ^ #إلى قوله #سورة الشعراء اليات 227 210
فقال تعالى ^ #وإنه لفي زبر الولين ^ #وقال ^ #أو لم يكن لهم آية أن يعلمه #
علماء بني إسرائيل ^ #وعلماء بني إسرائيل يعلمون ذكر إرسال محمد ونزول
الوحي عليه كما قال تعالى ^ #الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^
#وقال ^ #والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فل تكونن من
الممترين ^ #وقال
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ^ #وقال ^ #وإذا يتلى عليهم ^ #
قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ #ويعلمون المعاني التي
فيه أنها موافقة لقوال الرسل قبله في الخبر والمر #فإنه أخبر عن توحيد ال
وصفاته وعرشه وملئكته وخلقه السماوات والرض وغير ذلك ب
مثل ما أخبرت به الرسل قبله وأمر بتوحيد ال وعبادته وحده ل شريك له وبالعدل
والصدق والصلة والزكاة ونهى عن الشرك عن الشرك والظلم والفواحش كما
أمرت ونهت الرسل قبله #والسور المكية نزلت بالصول الكلية المشتركة التي
اتفقت عليها الرسل التي ل بد منها وهي السلم العام الذي ل يقبل ال من أحد من
الولين والخرين دينا غيره #وأما السور لمدنية ففيها هذا وفيها ما يختص به
محمد من الشرعة والمنهاج فإن دين النبياء واحد كما ثبت في الصحيح عن النبي
أنه قال إنا
معشر النبياء ديننا واحد قال ال تعالى ^ #شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا
والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول
595
www.anassim.fr.st 596 الن سي ــــ ـــ ـم
تتفرقوا فيه ^ #وقال تعالى ^ #يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا
إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم
بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ^ #وقال تعالى #سورة الروم اليات 30
# 32وأما الشرعة والمنهاج فقد قال عن أهل التوراة والنجيل والقرآن
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ^ #وقال ^ #ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا ^ #
اسم ال على ما رزقهم من بهيمة النعام فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك
سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال ال لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم
^ #إلى قوله ^ #لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ^ #وأما القبلة فلم يجعل ما
ابتدعه أهل الكتاب من القبلة فلذلك قال ^ #ولكل وجهة هو موليها ^ #لم يقل إنا
جعلنا لكل وجهة كما قال في المنسك والشرعة والمنهاج وقال تعالى
وقالوا لول يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الولى ^ #فإنه ^ #
إذا أتاهم ببيان ما في الصحف الولى مع علمهم بأنه لم يعاشر أحدا من أهل
الصحف الولى ول استفاد منهم علما كان هذا من أعظم اليات من ال #وكما أن
إخباره عن أمور الغيب يدل على نبوته فإنه يدل على أن النبوة إنباء من ال ليس
ذلك كما يقوله بعض المتفلسفة كابن سينا وأمثاله إنه فيض فاض عليه من النفس
الفلكية أو العقل الفعال ويقولون إن النفس أو العقل هو اللوح المحفوظ وأن من
اتصلت نفسه به علم ما علمته النبياء ويقولون النبوة مكتسبة لن هذه صفتها
ويقولون إن سبب علمه بالغيب هو اتصال نفسه بالنفس الفلكية وزعموا أنها اللوح
المحفوظ وأن تحريكها للفلك هو سبب حدوث الحوادث في الرض فتكون عالمة بما
يحدث في الرض لن العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب فإن هذا مبني على
مقدمات باطلة قد بسط الكلم على بطلنها في موضع آخر
منها إثبات العقل الفعال #ومنها دعواهم أنه ل سبب للحوادث إل حركة الفلك # #
ومنها أن المحرك له هو النفس #ومنها اتصال نفوسنا بتلك النفس #والمقصود هنا
أن هذا لو كان حقا فإنما يفيد علما بالمستقبل الذي تكون الحركة الحاضرة سببا له
أما ما قد مضى بمئين أو ألوف من السنين فليس شيء من حركات الفلك حين مبعث
الرسول كان سببا له وإنما تكون الحركة الموجودة في زمانه سببا للمستقبل ل
للماضي وحينئذ فل يكون تحريك النفس للفلك سببا للعلم بهذه المور ول يكون ذلك
هو اللوح المحفوظ بل القرآن المجيد في لوح محفوظ وهو في أم الكتاب وهو ^ #
في كتاب مكنون ل يمسه إل المطهرون ^ #وأخبر سبحانه أنه ^ #نزل به الروح
^ المين
وقال في آية أخرى ^ #قل نزله روح القدس من ربك بالحق ^ #وقال في #
موضع آخر ^ #قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ #وقال
#سورة التكوير اليات 28 19
596
www.anassim.fr.st 597 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال تعالى ^ #ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس ^ #فذكر أنه قول #
رسول اصطفاه من الملئكة نزله به على رسول اصطفاه من البشر فقال #سورة
الحاقة اليات # 52 40فنزه كل من الرسولين عما قد يشتبه به #نزه الملك أن
يكون شيطانا ونزه البشر أن يكون شاعرا أو كاهنا وبين برهان ذلك وآيته فقال
وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع ^ #
لمعزولون ^ #فبين أنه ما يصلح لهم النزول به بل هم منهيون عن ذلك وهم
ممتنعون عن ذلك ل يريدونه لمنافاه لمقصودهم وأنهم لو أرادوا لعجزوا عن ذلك فلم
يستطيعوه إذ كانوا معزولين عن أن يسمعوه من المل العلى وهم إنما يقدرون على
أن ينزلوا بما سمعوه ل بما لم يسمعوه وذلك أن الفاعل للفعل إنما يفعله إذا كان
مريدا له قادرا عليه #فبين قوله ^ #وما ينبغي لهم ^ #أنهم ل يريدون تنزيله #
وبقوله ^ #وما يستطيعون ^ #أنهم عاجزون عن تنزيله
أما كونهم ليريدون فلنه ل ينبغي لهم وينبغي مضارع بغى يبغي أي طلب وأراد #
فالذي ل ينبغي للفاعل هو الذي ل يطلبه ول يريده إما لكونه ممتنعا من ذلك أو
لكونه ممنوعا منه والشيطان إنما يريد الكذب والفجور ل يريد الصدق والصلح #
وما جاء به الرسول مناقض لمراد الشياطين غاية المناقضة فلم يحدث في الرض
أمر أعظم مناقضة لمراد الشياطين من إرسال محمد فنزول القرآن عليه فيمتنع أن
تفعل الشياطين ما ل يريدون إل نقيضه وهم أيضا ممنوعون من ذلك بحيث ل
يصلح لهم ذلك ول يتأتى منهم كما أن الساحر ل ينبغي له أن يكون نبيا والمعروف
بالكذب والفجور ل ينبغي له مع ذلك أن يكون نبيا ول أن يكون حاكما ول شاهدا
ول مفتيا إذ الكذب والفجور يناقض مقصود الحكم والشهادة والفتيا فكذلك ما في
طبع الشيطان من إرادة الكذب والفجور يناقض أن تتنزل بهذا الكلم الذي هو في
غاية الصدق والعدل لم يشتمل على كذبة واحدة ول ظلم لحد #ثم قال ^ #وما
^ يستطيعون
فإنهم عن سمع هذا الكلم لمعزولون بما حرست به السماء من الشهب كما قال #
عن الجن ^ #وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد
منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ^ #وقد ذكرنا تواتر هذا
الخبر وأن السماء حرست حرسا لم يعهده الناس قبل قبل ذلك ورأى الناس ذلك
بأبصارهم فكانوا قد عاينوا ما أخبرهم به من الرمي بالشهب التي يرمى بها لطرد
الشياطين فعزلوا بذلك عن سمع المل العلى وكان ما عاينه الكفار من الرمي
الشديد العام الذي انتقضت به العادة المعروفة من رمي الشهب دليل على سبب
خارق للعادة ولم يحدث إذ ذاك في الرض أمر لم تجر به العادة إل ادعاءه للرسالة
فلم يعرف قبله من نزل عليه الكلم كنزوله عليه إذ كان موسى عليه السلم إنما
أنزلت عليه التوراة مكتوبة لم تنزل عليه منجمة مفرقة ملقاة إليه
597
www.anassim.fr.st 598 الن سي ــــ ـــ ـم
حفظا حتى تحتاج السماء إلى حراستها عن استراق سمعها والزبور تابع لشرع
التوراة وكذلك النجيل فرع على التوراة لم ينزل كتاب مستقل إل التوراة والقرآن
كما قال تعالى ^ #قل فأتوا بكتاب من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم
صادقين ^ #ولهذا يقرن سبحانه بين التوراة والقرآن كثيرا كما في قوله ^ #وما
قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب
الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ^ #إلى قوله ^ #وهذا كتاب أنزلناه مبارك
مصدق الذي بين يديه ^ #وقال ^ #أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه
ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب
فالنار
موعده ^ #قال سعيد بن جبير وغيره والحزاب هي الملل كلها قال وهذا تصديق
قول النبي والذي نفسي بيده ل يسمع بي من هذه المة يهودي ول نصراني ثم ل
يؤمن بي إل دخل النار وقرأ هذه الية ^ #ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده
^ #وقالت الجن ^ #إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ^ #وقال النجاشي لما
سمع القرآن إن هذا والذي جاء به
موسى ليخرج من مشكاة واحدة #وأيضا فكان معروفا عندهم إخبار الكهان عن
الشياطين التي تسترق السمع فلما رأوا أن السماء قد حرست حرسا شديدا خلف
العادة علموا أن الشياطين منعوا استراق السمع وعلمت الجن ذلك كما تقدم وقد قالت
الجن ^ #وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها
مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ^ #وقد تواترت الخبار بأنه
حين المبعث كثر الرمي بالشهب وهذا أمر خارق للعادة حتى خاف بعض الناس أن
يكون ذلك لخراب العالم حتى نظروا هل الرمي بالكواكب التي في الفلك أم الرمي
بالشهب فلما رأوا أنه بالشهب علموا أنه لمر حدث وأرسلت
الجن تطلب سبب ذلك حتى سمعت القرآن فعلموا أنه كان لجل ذلك
وهذا من أعلم النبوة ودلئلها #وقبل زمان البعث وبعده كان الرمي خفيفا لم #
تمتلىء به السماء كما ملئت حين نزول القرآن وقال تعالى ^ #هل أنبئكم على من
تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ^ #والفاك
^ الكذاب والثيم الفاجر كما قال ^ #لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة
قال في الحديث المتفق على صحته عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى الجنة #
ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا وإياكم والكذب
فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يدعو إلى النار ول يزال الرجل يكذب
ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا #فالشياطين تنزل على من يحصل
598
www.anassim.fr.st 599 الن سي ــــ ـــ ـم
مقصودها بنزولها عله وهو المناسب لها في الكذب والفجور فأما الصادق البار فل
يحصل به مقصود الشياطين فإن الشيطان ل يطلب الصدق والبر وإنما يطلب الكذب
والفجور #ومحمد ما زال قومه يعرفونه بينهم بالصادق المين لم تجرب عليه كذبة
واحدة ولما جاءه الروح بالوحي لم يخبر بخبر واحد كذب ل عمدا ول خطأ #ومن
تنزلت عليه الشياطين ل بد أن يخبر بالكذب فإن الشياطين يلقون إليهم السمع ول
يلقون إليهم ما سمعوه على وجهه بل يكذبون فيه كثيرا إذ كان أكثر الشياطين الذين
ينزلون عليهم كاذبين فيما ينزلون به عليهم والشياطين وإن كان كلهم كاذبا فليس كل
من ألقى
السمع يكذب فيما يلقيه بل قد يصدق أحدهم فيما يلقيه من السمع ويسترقه ولكن
أكثرهم يكذبون والذي يصدق منهم مرة يكذب مرات والذي ينزل عليه الشياطين
أفاك أثيم #فالفرق بين الصادق البار الذي يأتيه الملك والكاذب الثيم الذي يأتيه
الشيطان الرجيم فرق بين يعرف بأدنى معرفة بحال الثنين ولما كان الكاهن الذي
يأتيه شيطان قد يخبر ببعض المور الغائبة بين سبحانه أن هذا يكون وإن صدق في
بعض الخبار كاذبا فاجرا والذي يأتيه بالكذب فل يشتبه بمن ل يكذب ول يفجر
وهذا مما يبين أن النبي ل يكون إل بارا معصوما أن يصر على ذنب
فصل #وقد ذكرنا أن قومه المعادين له غاية العداوة ما زالوا معترفين بصدقه
وأنهم لم يجربوا عليه كذبا بل ومعترفين بأن ما يقوله ليس بشعر ول كهانة وأنه
ليس بساحر وكانوا في أول أمره يرسلون إلى البلد التي فيها علماء أهل الكتاب
يسألونهم عنه لن مكة لم يكن بها ذلك #ففي الصحيحين عن ابن عباس أن أبا
سفيان بن حرب حدثه قال انطلقت إلى الشام في المدة التي كانت بيني وبين رسول
ال قال فبينما أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول ال إلى هرقل قال وكان دحية الكلبي
جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقال هرقل هل ها
هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم قال فدعيت في نفر من
قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي
يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي
فدعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن
كذبني فكذبوه
قال فقال وأيم ال لول مخافة أن يؤثر علي كذب لكذبت عليه ثم قال لترجمانه سله
كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان في آبائه من ملك قلت ل
قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت ل وذكر باقي الحديث #وفي
الصحيحين عن عبد ال بن مسعود حديث سعد بن معاذ لما قال لميه إنهم قاتلوك
يعني النبي وأصحابه وفزع منه لذلك وقال لمرأته ذلك فقالت وال ما يكذب محمد
وقال هو في رواية أخرى وال ما يكذب محمد وعزم أن ل يخرج خوفا من هذا
599
www.anassim.fr.st 600 الن سي ــــ ـــ ـم
وقال وال ل أخرج من مكة وأراد التخلف عن بدر حتى قال له أبو جهل إنك متى
يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد هذا الوادي تخلفوا معك فقال أما إذا غلبتني
فلشترين أجود بعير بمكة وذكرته امرأته بقول سعد فقال ما أريد أن
أكون معهم إل قريبا #وكذلك ما ذكره أهل المغازي وغيرهم أن أبي بن خلف لما
بلغه أن النبي قال أنا أقتله ثم طعنه رسول ال فخدشه وجعل أصحابه يجزعونه
ويقولون إنما هو خدش وليس بشيء فقال وال لو كان بمضر لقتلهم أليس قال
لقتلنك وعن مجاهد قال مولي السائب بن أبي السائب كنت فيمن بنى البيت وأن
قريشا اختلفوا في الحجر حين أرادوا أن يضعوه حتى كادوا يقع بينهم قتال بالسيوف
فقال اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول ال وكانوا يسمونه في
الجاهلية المين
فقالوا يا محمد قد رضينا بك #وعن عقيل بن أبي طالب قال جاءت قريش إلى أبي
طالب فقالوا له إن ابن أخيك يأتينا في كعبتنا ونادينا ويسمعنا
ما يؤذينا فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل قال فقال لي يا عقيل التمس ابن عمك قال
فأخرجته من كبس من أكباس شعب أبي طالب فأقبل يمشي حتى انتهى إلى أبي
طالب فقال له يا ابن أخي وال ما علمت إن كنت لي مطيعا وقد جاءني قومك
يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وناديهم فتسمعهم ما يؤذيهم فإن رأيت أن تكف عنهم
قال فحلق ببصره إلى السماء فقال وال ما أنا بأقدر على أن أدع ما بعثت به من أن
يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من النار فقال أبو طالب إنه وال ما كذب قط
فارجعوا راشدين رواه البخاري في تاريخه وأبو زرعة في الدلئل ورواه ابن
إسحاق قريبا من هذا اللفظ وقال فأخرجته من حفش وهو بيت صغير وقال فيه فظن
رسول ال أن قد بدا لعمه وأنه خاذله ومسلمه وضعف عن القيام معه فقال يا عم لو
وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا المر حتى يظهره ال أو
أهلك في طلبه #وفي الصحيحين عن عبد ال بن الصامت قال قال أبو ذر
خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا
فنزلنا على خال لنا فأكرمنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا إنك إذا خرجت عن
أهلك خالف إليهم أنيس فجاء خالنا فثنا علينا الذي قيل له فقلت له أما ما مضى من
معروفك فقد كدرته ول جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى
خالنا بثوبه يبكي وانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة #فنافر أنيس رجل عن صرمتنا
وعن مثلها فأتينا الكاهن فخير
أنيسا فأتى بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول ال
بثلث سنين قلت لمن قال ل قلت فأين توجه قال أتوجه حيث يوجهني ربي أصلي
600
www.anassim.fr.st 601 الن سي ــــ ـــ ـم
عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس فقال أنيس
إن لي حاجة بمكة فاكفني فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي ثم جاء فقلت ما
صنعت قال لقيت رجل بمكة على دينك يزعم أن ال أرسله قلت فما يقول الناس قال
يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة
فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء فما يلتئم على لسان أحد يقرى
بعدي أنه شعر وال إنه لصادق وإنهم لكاذبون قال قلت فاكفني حتى أذهب فأنظر
قال فأتيت مكة فضعفت رجل منهم فقلت أين هذا الذي
تدعونه الصابىء فأشار إلي فقال الصابىء فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم
حتى خررت مغشيا علي وذكر الحديث وصفة إسلمه رضي ال عنه بلفظ مسلم #
وفي حديث البخاري عن ابن عباس أن أبا ذر أرسل أخاه وقال اعلم لي علم هذا
الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء فاسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الخر
حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال رأيته يأمر بمكارم الخلق
وكلما ما هو بالشعر #فقال ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنه له فيها ماء
حتى قدم مكة فأتى المسجد وذكر تمام الحديث #وعن جابر بن عبد ال قال المل
وأبو جهل لبد غلبنا أمر
محمد فلو التمستم رجل عالما بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه وأتانا ببيان من
أمره #قال عتبة بن ربيعة وال لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك
علما فما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه فلما خرج إليه قال أنت يا محمد خير أم
هاشم وأنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد ال فيما تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا
فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك الرياسة فكنت رأسنا ما بقيت وإن كان بك الباه
زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك ما
تستغني به أنت وعقبك من بعد ورسول ال ساكت ل يتكلم فلما
601
www.anassim.fr.st 602 الن سي ــــ ـــ ـم
إلى قوله ^ #أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ^ #فأمسكت بفيه وناشدته #
الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم
العذاب رواه أبو بكر أحمد بن مردويه في كتاب التفسير عن محمد بن فضيل عن
الجلح عن الذيال بن حرملة عنه
ورواه يحيى ابن معين عن محمد بن فضيل ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده
ورواه عبد بن حميد عن شيخ أبي يعلى ابن أبي شيبة #وفي بعض الطرق إن كنت
تزعم أن هؤلء خيرا منك فقد عبدوا اللهة وإن كنت تزعم أنك خيرا منهم فتكلم
حتى نسمع ورواه ابن إسحاق قال حدثني يزيد بن زياد مولى لبني هاشم عن
محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما وذكر الحديث إلى أن
قال لما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني وال قد سمعت قول
ما سمعت بمثله قط وال ما هو بالشعر ول السحر ول الكهانة يا معشر قريش
أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فوال ليكونن
لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصيبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب
فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به فقالوا سحرك وال يا أبا الوليد بلسانه
قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم ثم ذكر شعر أبي طالب يمدح عتبة فيما قال
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال قدم ضماد مكة وهو رجل من أزد شنوءة #
وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون فقال
لو أني رأيت هذا الرجل لعل ال أن يشفيه على يدي قال فلقيت محمدا فقلت إني
أرقي من هذه الريح وإن ال يشفي على يدي من شاء فهلم فقال محمد إن الحمد ل
نحمد ونستعينه من يهد ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له أشهد أنه ل إله إل
ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد قال فقال أعد علي كلماتك
هؤلء فأعادهن عليه رسول ال ثلث مرات فقال وال لقد سمعت قول الكهنة وقول
السحرة وقول الشعراء فما سمعت بمثل كلماتك هؤلء ولقد بلغن ناعوس البحر
قال فقال هات يدك أبايعك على السلم قال فبايعه رسول ال فقال وعلى قومك #
فقال وعلى قومي الحديث #وعن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي
فقرأ عليه من القرآن ^ #إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى
عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ^ #قال أعد فأعاد النبي فقال
وال إن له الحلوة وإن عليه لطلوة وإن أعله لمثمر وإن أسفله
لمغدق وما يقول هذا البشر #وفي لفظ أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ
عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن
يجمعوا لك مال قال ولم قال ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعوض مما قبله قال قد
علمت قريش أني من أكثرها مال قال فقل فيه قول يبلغ قومك أنك منكر لها وأنك
602
www.anassim.fr.st 603 الن سي ــــ ـــ ـم
كاره له قال وماذا أقول فوال ما فيكم رجل أعلم بالشعار مني ول أعلم برجزه
ولبقصيده مني وال ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووال إن لقوله الذي يقوله
لحلوة وإن عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه
ليحطم
ما تحته قال ل ترضى عنك قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر
قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ^ #ذرني ومن خلقت وحيدا ^ #رواه
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة عنه #وفي رواية أخرى أن الوليد بن
المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال إن وفود
العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ول
تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد بعضكم قول بعض فقالوا
فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقوم به فقال بل أنتم فقولوا وأنا أسمع فقالوا
نقول كاهن فقال ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكهان فقالوا نقول
مجنون فقال ما هو بمجنون لقد رأينا المجنون وعرفناه فما هو بخنقه ول تخالجه ول
وسوسته قالوا فنقول شاعر فقال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه
وقريظه ومقبوضه ومبسوطه فما هو
بالشعر قالوا فنقول ساحر قال فما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه
ول عقده فقالوا ما نقول يا أبا عبد شمس قال وال إن لقوله حلوة وإن أصله لغدق
وإن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إل عرف أنه باطل وإن أقرب القول
أن تقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين المرء وبين أخيه وبين المرء
وزوجته وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا
الموسم ل يمر بهم أحد إل حذروه إياه وذكروا له أمره فأنزل ال تعالى في الوليد بن
المغيرة وذلك من قوله ^ #ذرني ومن خلقت وحيدا ^ #إلى قوله ^ #سأصليه
سقر ^ #وأنزل في النفر الذين كانوا معه ^ #الذين جعلوا القرآن عضين ^ #أي
أصنافا
وروى ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال قام #
النضر بن الحارث فقال يا معشر قريش وال لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله لقد
كان محمد فيكم غلما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا
رأيتم في صدغه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل وال ما هو بسحر قد
رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن ل وال ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة
وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر ل وال ما هو بشاعر لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه
كلها هزجه ورجزه وقريظه وقلتم مجنون ول وال ما هو بمجنون لقد رأينا المجنون
فما هو بخنقه ول تخليطه يا معشر قريش انظروا في
603
www.anassim.fr.st 604 الن سي ــــ ـــ ـم
شأنكم فإنه وال لقد نزل بكم أمر عظيم وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش
وممن يؤذي رسول ال وينصب له العداوة #قال وحدثني الزهري قال حدثت أن أبا
جهل وأبا سفيان والخنس ابن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول ال وهو
يصلي بالليل في بيته وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه وكل ل يعلم بمكان
صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق
فتلوموا وقال بعضهم لبعض ل تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لوقعتم في نفسه
شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا
يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل
ما قال أول مرة ثم انصرفوا فلما كانت الليلة
الثالثة فعلو كذلك ثم جمتعهم الطريق فتعاهدوا أو ل يعودوا فلما أصبح الخنس بن
شريق أخذ عصاه ثم أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما
سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة وال لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها
فقال الخنس وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه
بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد فقال ماذا سمعت تنازعنا نحن
وبنوا عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ثم إذا
تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى
ندرك هذه وال ل نؤمن به ول نصدقه أبدا #وكذلك وري عن المغيرة بن شعبة أن
أبا جهل قال له مثل ذلك وقال إني لعلم أن ما يقول حق ولكن بني قصي قالوا فينا
الندوة
فقلنا نعم فينا الحجابة فقلنا نعم فينا السقاية فقلنا نعم وذكر نحوه #وقد كانوا يرسلون
إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن أمره صلى ال عليه وسلم #قال محمد بن إسحاق
حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة مولى ابن عباس
عن ابن عباس قال بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار
يهود بالمدينة فقالوا لهم اسألوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم
أهل الكتاب الول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم النبياء فخرجا حتى قدما
المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ووصفوا لهم أمره
وبعض قوله وقال إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا قال فقالت
لهم أحبار يهود سلوه عن ثلث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم
يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الول ما كان من
أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الرض
ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه
وإن هو لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم #فأقبل النضر
وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقال يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم
وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها فجاؤوا رسول ال
فقالوا يا محمد خبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول ال أخبركم وجاءه
604
www.anassim.fr.st 605 الن سي ــــ ـــ ـم
جبريل من ال بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية الرجل الطواف
وقول ال ^ #ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل
^ قليل
قال ابن إسحاق بلغني أن رسول ال افتتح السورة فقال ^ #الحمد ل الذي أنزل #
على عبده الكتاب ^ #يعني محمدا أنك رسولي في تحقيق ما سألوه عنه من نبوته
^ #ولم يجعل له عوجا قيما ^ #أي أنزله قيما أي معتدل ل اختلف فيه وذكر
تفسير السورة إلى قوله ^ #أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا
عجبا ^ #أي وما قدروا من قدري وفيما صنعت من أمر الخلئق وما وضعت على
العباد من حجتي ما هو أعظم من ذلك #قال مجاهد ليس بأعجب من آياتنا من هو
أعجب من ذلك
وفي تفسير العوفي عن ابن عباس الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من #
شأن أصحاب الكهف #قلت والمر على ما ذكره السلف فإن قصة أصحاب الكهف
هي من آيات ال فإن مكثهم نياما ليموتون ثلثمائة سنة آية دالة قدرة ال ومشيئته
وأنه يخلق ما يشاء ليس كما يقوله أهل اللحاد وهي آية على معاد البدان كما قال
تعالى ^ #وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد ال حق وأن الساعة ل ريب فيها ^
#وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم هل تعاد الرواح دون البدان #وإخبار النبي
بقصتهم من غير أن يعلمه بشر آية على نبوته فكانت قصتهم آية على أصول اليمان
الثلثة اليمان بال واليوم الخر واليمان برسوله ومع هذا فليسوا من آيات ال
بعجب بل من آيات ال ما هو أعجب من ذلك
وقد ذكر ال تعالى سؤالهم عن اليات التي كانوا يسألونه عنها ليعلموا هل هو #
نبي صادق أم كاذب فقال تعالى ^ #ويسألونك عن ذي القرنين ^ #وقال ^ #لقد
كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ #إلى قوله ^ #ذلك من أنباء الغيب نوحيه
إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ #إلى قوله ^ #وكأين من
آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم
بال إل وهم مشركون ^ #إلى قوله
سورة الكهف اليات # 111 109وقال تعالى لما ذكر قصة أهل الكهف التي #
سألوه عنها ^ #يسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ^ #أي
يسألونك عن ذاك ويسألونك عن هذا #والقرآن مملوء من إخباره عن الغيب
الماضي الذي ل يعلمه أحد من البشر إل من جهة النبياء الذين أخبرهم ال بذلك
ليس هو الشيء الذي تزعمه ملحدة المتفلسفة فإن هذه المور الغيبية المعينة
المفصلة ل يؤخذ خبرها قط إل عن نبي كموسى ومحمد وليس أحد ممن يدعي
المكاشفات ل من أولياء ال ول من غير أولياء ال يخبر بشيء من ذلك ولهذا كان
هذا من أعلم النبياء وخصائصهم التي ل يشركهم فيها غيرهم #وأهل الملل
605
www.anassim.fr.st 606 الن سي ــــ ـــ ـم
ل يعلم إل بخبر نبي فإذا كان محمد قد أخبر من ذلك بما أخبر به موسى وغيره من
النبياء وأخبر بما يعلمونه مما ل يعلمه أحد إل بالتعلم منهم وقد عرف أن محمدا لم
يتعلم هذا من بشر كان هذا آية وبرهانا قاطعا على نبوته ثم العلم بأن محمدا لم يتعلم
هذا من بشر يحصل في حياته أما قومه المباشرون له الخبيرون بحاله فكانوا
يعلمون أنه لم يتعلم هذا من بشر فقامت عليهم الحجة بذلك وأما من لم يعرف حاله
إل بالسماع فيعلم ذلك بطرق #منها تواتر أخباره وكيف كان من حين ولد إلى أن
مات كما هي مستفيضة مشهورة متواترة يعلمها من كان له خبرة بذلك أعظم مما
يعلم به حال موسى وعيسى فإن محمدا ظهر امره وانتشرت أخباره وتواترت
أحواله أعظم من جميع بني آدم فما بقي ما دون هذا من أحواله يخفى على الناس
فكيف مثل هذا #ومنها أنه أخبر في القرآن بما ل يوجد عند أهل الكتاب مثل
قصة هود وصالح وشعيب وبعض التفاصيل في قصة إبراهيم وموسى وعيسى مثل
تكليم المسيح في المهد ومثل نزول المائدة فإن هذا ل يعرفه أهل الكتاب ومثل إيمان
امرأة فرعون وغير ذلك فيمتنع أن يقال إن هذا تعلمه من أهل الكتاب وقومه لم
يكونوا يعلمون ذلك بل قد أراهم وغيرهم آثار المنذرين الذين عاقبهم ال لما كذبوا
الرسل كقوم عاد وثمود وغيرهم #فيستدل الناس بالثار الموجودة على صدق
الرسل وعقوبة ال لمن يكذبهم ويستدل قومه وغيرهم على صدقه فيما أخبر به من
هذه المور التي لم يتعلمها من أهل الكتاب بتصديق أهل الكتاب له فيما وافقهم فيه
مع علمهم أنه لم يتعلم ذلك منهم ويكون هذا مما يدل على أنه لم يتعلم من أهل
الكتاب شيئا كما قد يظنه بعضهم وذلك من الوجهين كما تقدم #ومنها أن أكثر قومه
كانوا من أعظم الناس عداوة له وحرصا على تكذيبه والطعن فيه وبحثا عما به
يقدحون فيه فلو كان قد تعلم هذه الخبار من بشر لكانوا يعلمون ذلك ويقدحون به
فيه ويظهرونه ولكان هذا مما يظهر أعظم مما ظهر غيره فلما لم يقع ذلك دل على
أنهم لم يكونوا يعلمون ذلك ولم يتمكنوا من القدح به فيه مع
علمهم بحاله ورغبتهم في القدح به ومع كمال الداعي والقدرة يجب وجود المقدور
فلما كان داعيهم تاما ولم يقدحوا علم أن ذلك لعجزهم وعجزهم عن القدح مع علمهم
بحاله دليل على أنهم علموا أنه لم يتعلمه من بشر #ومنها أن يقال مثل هذا لو وقع
لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بل كان المتبعون له المؤمنون به
إذا اطلعوا على ذلك فل بد أن يشيعوه ويعلنوه فكيف المخالفون له المكذبون له فإن
القوم المتفرقين الذين لم يتواطأوا كما ل يجتمعون على تعمد الكذب فل يجتمعون
على كتمان مثل ذلك بل يجتهد الملوك والرؤساء في إخفاء ما يبطنونه من أمر
ملكهم الذي بنوه عليه ويحلفون أولياءهم على كتمان ذلك ويبذلون لهم الرغبة
والرهبة في ذلك ثم يظهر ذلك كما فعل القرامطة الباطنية من أهل
606
www.anassim.fr.st 607 الن سي ــــ ـــ ـم
البحرين بني عبيد ال بن ميمون القداح وكما عرف الناس أن النصيرية لهم خطاب
يسرونه إلى أوليائهم وإن لم يعلم أكثر الناس ما ذلك الخطاب الذي يسرونه #ل
سيما والذين آمنوا بحمده واتبعوه أول من المهاجرين كانوا مؤمنين به باطنا وظاهرا
هجروا لجله الوطان والهل والمال وصبروا على أنواع المكاره والذى طائفة
كبيرة ذهبت إلى الحبشة
مهاجرة بدينها لما عذبها المخالفون له حتى يرجعوا عن دينه وطائفة كانوا بمكة
يعذبون هذا يقتل وهذا يخرج به إلى بطحاء مكة في الحر وتوضع الصخرة على
بطنه حتى يكفر وهذا يمنع رزقه ويترك جائعا عريانا #ثم إنهم هجروا أحب البلد
إليهم وأفضلها عندهم مكة أم القرى إلى مدينة كانوا فيها محتاجين إلى أهلها وتركوا
أموالهم بمكة قال تعالى ^ #للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم
يبتغون فضل من ال ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون ^ #
وقال تعالى ^ #أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن ال على نصرهم لقدير الذين
^ أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال
وقال تعالى ^ #فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقتلوا #
لكفرن عنهم سيئاتهم ولدخلنهم جنات تجري من تحتها النهار ثوابا من عند ال
وال عنده حسن الثواب ^ #قوله ^ #يخرجون الرسول وإياكم ^ #وجميع
المهاجرين والنصار آمنوا به طوعا واختيارا قبل أن يؤمر أحد بقتال #فإنه مكث
بمكة بضع عشرة سنة ل يقاتل أحدا ولم يؤمر بقتال بل كان ل يكره أحد على الدين
كما قال تعالى ^ #ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ^ #وكانوا خلقا كثيرا
ومعلوم أن الخلق الكثير الذين اتبعوا شخصا قد جاء بدين ل يوافقه عليه أحد وطلب
منهم أن يؤمنوا به ويتبعوه ويفارقوا دين آبائهم ويصبروا على عداوة الناس وأذاهم
ويهجروا لجله ما ترغب النفوس فيه من الهل والمال والوطن وهو مع
ذلك لم يعط أحدا منهم مال ول كان له مال يعطيهم إياه ول ولي أحد ولية ولم يكن
عنده ولية يوليهم إياها ول أكره أحدا ول بقرصة في جلده فضل عن سوط أو
عصا أو سيف وهو مع ذلك يقول عما يخبرهم به من الغيب ال أخبرني به لم
يخبرني بذلك بشر #فلو كانوا مع ذلك يعلمون أن تعلمه من بشر لكان هذا مما
يقوله بعضهم لبعض ويمتنع في جبلة بني آدم وفطرهم أن يعلموا أنه كاذب وأنه قد
تعلم هذا من بشر وليس فيهم من يخبر بذلك مع أنهم كانوا كثيرين ل يمكن تواطؤهم
على الكذب والكتمان بل ول داعي لهم يدعوهم إلى ذلك ويمتنع أن ل يعلموا ذلك
وهم بطانته المطلعون على أحواله وهم يسمعون كلم أعدائه المطلعين على حاله #
والقرآن كان ينزل شيئا فشيئا لم ينزل جملة بل كانوا يسألونه عن الشيء بعد الشيء
من الغيب بين الذين آمنوا به وباطنوه واطلعوا على أسراره وهو ل يعلم شيئا من
ذلك ثم يخبرهم به وهم مطلعون على أمره خبرا بعد خبر وسؤال بعد سؤال وهذا
كان
607
www.anassim.fr.st 608 الن سي ــــ ـــ ـم
بمكة وليس بها أحد من علماء أهل الكتاب ل اليهود ول النصارى ثم هاجر إلى
المدينة وبها خلق كثير من اليهود قينقاع والنضير وقريظة ولعلهم كانوا بقدر نصف
أهلها أو أقل أو أكثر وهم أيضا يسألونه عن الغيوب التي ل يعلمها إل نبي فيخبرهم
بها ويتلو عليهم ما سأله عنه المشركون من الغيب وما أخبرهم به ويتلو عليهم هذا
الغيب الذي أوحاه ال إليه ويبين أن ال أعلمه ذلك لم يعلمه إياه بشر فآمن به طائفة
من أهل الكتاب وكفرت به طائفة أخرى والطائفتان ليس فيهم من يقول إن هذا تعلمه
منا أو من إخواننا أو نظرائنا ول إنك قرأته في كتبنا مع أنه لو كان قد تعلم ذلك
منهم لكان شيوخه منهم وشيوخهم إذا علموا أنه كاذب تعلمه منهم يمتنع أن يصدقوه
باطنا وظاهرا بل تصديقهم الكتاب الول وعلمهم بكذب من ادعى نزول كتاب ثان
وقد تعلم منهم يدعوهم إلى أن يبينوا أمره ويظهروا كذبه ويقولوا للناس تعلم منا نحن
أخبرناه بذلك ل سيما مع ما فعله باليهود من القتل والحصار والجلء والسبي وغير
ذلك #وهذا لو وقع لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ينقله الموافق
والمخالف فلما لم يقل ذلك أحد ولم ينقله أحد مع ما أظهره من الخبار المتواترة
التي علمها الخاص والعام
بأن هذا مما أنبأني ال لم يخبرني به بشر كان هذا دليل قاطعا بينا في أن هذه
الخبار الغيبية التي ل يعلمها إل نبي أعلمه ال بها أو من تعلمها من نبي هي مما
أنبأه ال به ولم يعلمه ذلك بشر وهذا من الغيب الذي قال ال فيه في السورة التي
فيها استماع الجن للقرآن وإنذار قومهم به حيث قال ^ #قل أوحي إلي أنه استمع
نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا
أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ول ولدا ^ #إلى قوله #سورة الجن
اليات 3 1ومن 28 19
فقوله تعالى ^ #فل يظهر على غيبه ^ #يبين أنه غيب يضاف إليه يختص به #
ل يعلمه أحد إل من جهته بخلف ما يغيب عن بعض الناس ويعلمه بعضهم فإن هذا
قد يتعلمه بعضهم من بعض #فمما سأله عنه أهل الكتاب في المدينة مسائل وهي
غير المسائل التي كان يسأل عنها وهو بمكة كما كان مشركوا قريش يرسلون إلى
اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فيرسل اليهود بمسائل يمتحنون بها نبوته وذلك
مثل ما في صحيح البخاري عن أنس قال جاء عبد ال بن سلم إلى رسول ال
مقدمه
المدينة فقال إني سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي ما أول أشراط الساعة وما أول
طعام يأكله أهل الجنة والولد ينزع إلى أمه تارة وإلى أبيه قال أخبرني جبريل آنفا
قال عبد ال ذاك عدو اليهود من الملئكة أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من
المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد
فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل
608
www.anassim.fr.st 609 الن سي ــــ ـــ ـم
نزع الولد إلى أمه فقال أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أنك رسول ال قال يا رسول
ال إن اليهود قوم بهت فإن علموا بإسلمي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك
فجاءت اليهود فقال لهم النبي أي رجل عبد ال فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا
وابن سيدنا وعالمنا وابن عالمنا قال أرأيتم إن أسلم عبد ال قالوا أعاذه ال من ذلك
فخرج إليهم عبد ال فقال أشهد أن ل إله إل ال وأشهد
أن محمدا رسول ال فقالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال فهذا ما كنت أخاف وأحذر
#وروى مسلم في صحيحه عن ثوبان قال كنت قائما عند رسول ال فجاء حبر من
أحبار اليهود وقال السلم عليك يا محد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني
قال قلت أل تقول يا رسول ال قال إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول
ال إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد فقال اليهودي جئت أسألك فقال رسول ال
ينفعك شيء إن حدثتك قال أسمع بأذني فنكت بعود معه فقال له سل فقال اليهودي
أين الناس يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات فقال رسول ال في الظلمة
دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة قال فقراء المهاجرين فقال اليهودي فما
تحفتهم حين يدخلون قال زيادة كبد نون قال وما غذاؤهم
على إثره قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم عليه
قال من عين فيها تسمى سلسبيل قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء ل يعلمه
أحد من أهل الرض إل نبي أو رجل أو رجلن قال ينفعك إذا حدثتك قال أسمع
بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا
اجتمعا فعل مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن ال وإذا عل مني المرأة مني الرجل
آنثا بإذن ال فقال اليهودي صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال النبي إنه سألني هذا
الذي سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني به ال تعالى #وروى أبو داود
الطيالسي حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن
شهر بن حوشب عن ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود يوما إلى النبي
فقالوا يا رسول ال حدثنا عن خلل نسألك عنها ل يعلمها إل نبي فقال سلوني عم
شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة ال وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء
تعرفونه صدقا لتتابعوني على السلم قالوا لك ذلك قل فسلوني عم شئتم قالوا
أخبرنا عن أربع خلل أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن
تنزل التوراة وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا وكيف
يكون النثى حتى يكون أنثى وأخبرنا كيف هذا النبي في النوم ومن وليك من
الملئكة قال فعليكم عهد ال وميثاقه لئن أنا حدثتكم لتتابعوني فأعطوه ما شاء من
عهد وميثاق قال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل
يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه فنذر ل نذرا لئن شفاه ال من سقمه
ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه وكان أحب الشراب إليه ألبان البل
وأحب الطعام إليه لحوم البل قالوا اللهم نعم فقال رسول ال اللهم اشهد عليهم قال
609
www.anassim.fr.st 610 الن سي ــــ ـــ ـم
فأنشدكم
بال الذي ل إله إل هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل
غليظ أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما عل كان الولد والشبه له بإذن ال
قالوا اللهم نعم فقال اللهم اشهد قال أنشدكم بال الذي ل إله إل هو وأنزل التوراة
على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ول ينام قلبه قالوا اللهم نعم قال اللهم
اشهد قالوا أنت الن حدثنا من وليك من الملئكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال
وليي جبريل عليه السلم ولم يبعث ال نبيا قط إل وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو
كان غيره لتبعناك وصدقناك قال فما يمنعكم أن تصدقوا قالوا إنه عدونا من
الملئكة فأنزل ال عز وجل ^ #من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن
^ ال مصدقا ^ #إلى قوله ^ #فإن ال عدو للكافرين
ففي هذه الحاديث أن علماء اليهود كعبد ال بن سلم وغيره كانوا يسألونه عن #
مسائل يقولون فيها ل يعلمها إل نبي أي ومن تعلمها من النبياء فإن السائلين كانوا
يعلمونها كما جاء أيضا ل يعلمها إل نبي أو رجل أو رجلن فكانوا يمتحنونه بهذه
المسائل ليتبين هل يعلمها وإذا كان يعلم ما ل يعلمه إل نبي كان نبيا ومعلوم أن
مقصودهم بذلك إنما يتم إذا علموا أنه لم يعلم هذه المسائل من أهل الكتاب ومن تعلم
منهم وإل فمعلوم أن هذه المسائل كان تعلمها بعض الناس لكن تعلمها هؤلء من
النبياء #وهذا يبين أن هؤلء السائلين له من أهل الكتاب كانوا يعلمون أن أحدا من
البشر لم يعلمه ما عند أهل الكتاب من العلم إذ لو جوزوا ذلك عليه لم يحصل
مقصودهم من امتحانه هل هو نبي أم ل فإنهم إذا جوزوا أن يكون تعلم ما ل يعلمه
إل نبي من أهل الكتاب كان من جنسهم فلم يكن في علمه بها وإجابتهم عنها دليل
على نبوته #فل بد أن يكون هؤلء السائلون يقطعون بأنه لم يتعلم من أهل
الكتاب وهذا كان بالمدينة بعد أن أقام بمكة بضعة عشرة سنة وانتشر أمره وكذبه
قومه وحرصوا على إبطال دعوته بكل طريق يقدرون عليه فلو كان بمكة أو
بالمدينة أحد من أهل الكتاب يتعلم منه أو لقي أحدا من أهل الكتاب في طريق فتعلم
منه لكان ذلك يقدح في مقصود هؤلء السائلين #فتبين أنه كان معلوما عند أهل
الكتاب أنه لم يتعلم شيئا من الغيب من بشر ل سيما ولو كان قد تعلمه من أهل
الكتاب وقد كذبهم وحاربهم لظهروا ذلك ولشاع في أهل الكتاب فكان إذا أجابهم
قالوا هذا تعلمته من فلن وفلن منا أو هذا علمكه بعض أهل ديننا وهذا كما كانوا
يرسلون إلى قومه من قريش ليسألوه عن مسائل ويقولون إن أخبركم بهن فهو نبي
مرسل وإل فهو متقول ويقولون سلوه عن مسائل ل يعلمها إل نبي #فهذا من أهل
المدينة ومن قريش قومه يبين أن قومه المشركين وأهل الكتاب كانوا متفقين على أنه
لم يتعلم شيئا من ذلك البشر إذ لو جوزوا ذلك لم يحصل مقصودهم بذلك ولم يجز أن
يقولوا ل يعلمها إل نبي فإنهم كانوا جميعا يعلمون أن من أهل الكتاب من يعلم هذه
المسائل وبذلك يعرف هل يجيب فيها بما قالته النبياء أو بخلف ذلك ويعلمون أن
610
www.anassim.fr.st 611 الن سي ــــ ـــ ـم
من كان تعلمها من أهل الكتاب ومن تعلم منهم ل يدل جوابه عنها على نبوته كما لو
أجاب عن تلك
المسائل بعض أهل الكتاب وكما لو سأل في زماننا بعض الناس لبعض المسلمين
عن تلك المسائل أو غيرها من أنباء الغيب التي ل يعلمها إل نبي فإن ذلك ل يدل
على نبوته لنه قد تعلم ذلك من النبياء #فدل على أن مرادهم بقولهم ل يعلمها إل
نبي أي ل يعلمها ابتداء بدون تعليم من بشر إل نبي ويدل على أن المشركين وأهل
الكتاب كانوا جميعا متفقين على أنه لم يتعلم من بشر مع انتشار أخباره ومع اطلع
قومه على أسراره ومع ظهور ذلك لو وجد ومع أنهم لو جوزوا تجويزا أن يكون قد
تعلمها من بشر في الباطن لم يجز أن يستدل بها على نبوته فدل على أنهم كانوا
قاطعين بأنه لم يتعلم ذلك من بشر ل في الباطن ول في الظاهر وهذا طريق بين يدل
على أنه لم يتعلم ذلك من بشر سوى الطرق المذكورة هنا
فصل #ولما كان محمد رسول إلى جميع الثقلين جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم
وهو خاتم النبياء ل نبي بعده كان من نعمة ال على عباده ومن تمام حجته على
خلقه أن تكون آيات نبوته وبراهين رسالته معلومة لكل الخلق الذين بعث إليهم وقد
يكون عند هؤلء من اليات والبراهين على نبوته ما ليس عند هؤلء #وكان يظهر
لكل قوم من اليات النفسية والفقية ما يبين به أن القرآن حق كما قال تعالى ^ #قل
أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم
آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل
شيء شهيد ^ #أخبر سبحانه أنه سيري عباده اليات في أنفسهم وفي الفاق حتى
يتبين لهم أن القرآن حق فإن الضمير عائد إليه إذ هو
الذي تقدم ذكره كما قال ^ #قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل
ممن هو في شقاق بعيد ^ #والضمير في كان عائد إلى معلوم #يقول أرأيتم إن
كان القرآن من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد فإنه على هذا
التقدير يكون الكافر في شقاق بعيد قد شاق ال ورسوله ول أحد أضل ممن هو في
مثل هذا الشقاق حيث كان في شق وال ورسوله في شق كما قال تعالى #سورة
البقرة اليتان 137 136
بين أن من تولى عن ذلك لم يكن متبعا للحق قاصدا له فإن هذا الذي قلتموه ل #
يتولى عنه من أهل الكتاب من قصده الحق وإنما يتولى عنه من قصده المشاقة
والمعاداة لهوى نفسه وهذا يكفيك ال أمره #والقرآن إن كان من عند ال ثم كفر به
من كفر فل أحد أضل ممن هو في مثل حاله إذ هو في شقاق بعيد وإن قدر أنه لم
يعلم أنه حق فهو ضال والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع الجهل فإن اليات
إذا ظهرت فأعرض عن النظر الموجب للعلم كان مشاقا ولهذا قال عقب ذلك ^ #
611
www.anassim.fr.st 612 الن سي ــــ ـــ ـم
سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^ #فأخبر أنه سيري
عباده من اليات الفقية والنفسية ما يبين أنه حق ثم قال ^ #أو لم يكف بربك أنه
على كل شيء شهيد ^ #فإن شهادته وحده كافية بدون ما ينتظر من اليات كما قال
تعالى ^ #قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ^ #وشهادته
للقرآن ولمحمد تكون بأقواله التي أنزلها قبل ذلك على أنبيائه كما قال تعالى عن أهل
الكتاب
ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من ال ^ #وتكون بأفعاله وهو ما يحدثه من ^ #
اليات والبراهين الدالة صدق رسله فإنه صدقهم بها فيما أخبروا به عنه وشهد لهم
بأنهم صادقون #والقرآن نفسه هو قول ال وفيه شهادة ال بما أخبر به الرسول
وإنزاله على محمد وإتيان محمد به هو آية وبرهان وذلك من فعل ال إذ كان البشر
ل يقدرون على مثله ل يقدر عليه أحد من النبياء ول الولياء ول السحرة ول
غيرهم كما قال تعالى ^ #قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا
القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ^ #ومحمد أخبر بهذا في أول
أمره إذ كانت هذه الية في سورة سبحان وهي مكية
صدرها بذكر السراء الذي كان بمكة باتفاق الناس وقد أخبر خبرا وأكده بالقسم عن
جميع الثقلين إنسهم وجنهم أنهم إذا اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون
بمثله بل يعجزون عن ذلك وهذا فيه آيات لنبوته #منها إقدامه على هذا الخبر
العظيم عن جميع النس والجن إلى يوم القيامة بأنهم ليفعلون هذا بل يعجزون عنه
هذا ل يقدم عليه من يطلب الناس أن يصدقوه إل وهو واثق بأن المر كذلك إذ لو
كان عنده شك في ذلك لجاز أن يظهر كذبه في هذا الخبر فيفسد عليه ما قصده وهذا
ل يقدم عليه عاقل مع اتفاق المم المؤمن بمحمد والكافر به على كمال عقله
ومعرفته وخبرته إذ ساس العالم سياسة لم يسسهم أحد بمثلها #ثم جعله هذا في
القرآن المتلو المحفوظ إلى يوم القيامة الذي يقرأ به في الصلوات ويسمعه العام
والخاص والولي والعدو دليل على كمال ثقته بصدق هذا الخبر وإل لو كان شاكا في
ذلك لخاف أن يظهر كذبه عند خلق كثير بل عند أكثر من اتبعه ومن عاداه وهذا
ل يفعله من يقصد أن يصدقه الناس فمن يقصد أن يصدقه الناس ل يقول مثل هذا
ويظهره هذا الظهار ويشيعه هذه الشاعة ويخلده هذا التخليد إل وهو جازم عند
نفسه بصدقه #ول يتصور أن بشرا يجزم بهذا الخبر إل أن يعلم أن هذا مما يعجز
عنه الخلق إذ علم العالم بعجز جميع النس والجن إلى يوم القيامة هو من أعظم
دلئل كونه معجزا وكونه آية على نبوته فهذا من دلئل نبوته في أول المر عند من
سمع هذا الكلم وعلم أنه من القرآن الذي أمر ببلغه إلى جميع الخلق وهو وحده
كاف في العلم بأن القرآن معجز #دع ما سوى ذلك من الدلئل الكثيرة على أنه
معجز مثل عجز جميع المم عن معارضته مع كمال الرغبة والحرص على
معارضته وعدم الفعل مع كمال الداعي يستلزم عدم القدرة فلما كان دواعي العرب
612
www.anassim.fr.st 613 الن سي ــــ ـــ ـم
وغيرهم على المعارضة تامة علم عجز جميع المم عند معارضته وهذا برهان ثان
يعلم به صدق هذا الخبر وصدق هذا الخبر آية لنبوته غير العلم بأن القرآن معجز
فإن ذلك آية مستقلة لنبوته وهي آية ظاهرة باقية إلى آخر الدهر معلومة لكل أحد
وهي من أعظم اليات #فإن كونه معجزا يعلم بأدلة متعددة والعجاز فيه وجوه
متعددة فتنوعت دلئل إعجازه وتنوعت وجوه إعجازه وكل وجه من الوجوه هو دال
على إعجازه وهذه جمل لبسطها تفصيل طويل ولهذا قال تعالى ^ #وقالوا لول
أنزل عليه آيات من ربه قل إنما اليات عند ال وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا
أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرىلقوم يؤمنون ^ #فهو
كاف في الدعوة والبيان وهو كاف في الحجة والبرهان
فصل #واليات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم
من آيات غيره من النبياء ويسميها من يسميها من النظار معجزات وتسمى دلئل
النبوة وأعلم النبوة #وهذه اللفاظ إذا سميت بها آيات النبياء كانت أدل على
المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة
وإنما فيه لفظ الية والبينة والبرهان كما قال تعالى في قصة موسى ^ #فذانك
برهان من ربك ^ #في العصا واليد وقال ال تعالى في حق محمد ^ #يا أيها
^ الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا
وقد قال في مطالبة أهل الدعاوى الكاذبة بالبرهان ^ #وقالوا لن يدخل الجنة إل #
من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ^ #وقال
تعالى ^ #أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والرض أإله مع ال
قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ^ #وقال ^ #ومن يدع مع ال إلها آخر ل
برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه ل يفلح الكافرون ^ #وقال تعالى ^ #ويوم
يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا
^ برهانكم فعلموا أن الحق ل وضل عنهم ما كانوا يفترون
وأما لفظ اليات فكثير في القرآن كقوله تعالى ^ #وكذلك جعلنا في كل قرية #
أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إل بأنفسهم وما يشعرون وإذا جاءتهم آية
قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل ال ال أعلم حيث يجعل رسالته ^ #
وقوله تعالى ^ #ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ^ #وقال تعالى ^ #وأدخل
يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ^ #آية أخرى وقول فرعون له ^ #
^ فأت به إن كنت من الصادقين
وقال قوم صالح له ^ #فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب #
ولكم شرب يوم معلوم ^ #وقال ^ #هذه ناقة ال لكم آية ^ #وقال المسيح ^ #قد
613
www.anassim.fr.st 614 الن سي ــــ ـــ ـم
جئتكم بآية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا
بإذن ال وأبرىء الكمه والبرص وأحيي الموتى بإذن ال وأنبئكم بما تأكلون وما
تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ^ #وقال في حق محمد #
^ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما
^ جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون
اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ^ # ^ #
وقال ^ #ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم
وقرا وإن يروا كل آية ل يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن
هذا إل أساطير الولين ^ #وقال تعالى ^ #وقالوا لول أنزل عليه آية من ربه قل
إنما اليات عند ال وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى
عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ^ #وقال ^ #سنريهم آياتنا في
الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^ #وقال تعالى
قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل ال وأخرى كافرة يرونهم ^ #
مثليهم رأي العين وال يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار ^ #
وقال تعالى ^ #وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ل يرجون لقاءنا ائت بقرآن
غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ^ #وقال تعالى ^ #قل
انظروا ماذا في السماوات والرض وما تغني اليات والنذر عن قوم ل يؤمنون ^
#وقال لما ذكر قصص النبياء في سورة الشعراء قال في آخر كل قصة ^ #إن
في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ^ #وقال ^ #
لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ #إلى أن قال في آخرها ^ #ذلك من
^ أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون
إلى قوله ^ #وكأين من آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها #
معرضون ^ #وقال تعالى ^ #وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه
وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ^ #وقال ^ #وجعلنا ابن مريم وأمه
آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ^ #وأما لفظ المعجز فإنما يدل على أنه
أعجز غيره كما قال تعالى ^ #وما هم بمعجزين ^ #وقال ^ #وما أنتم بمعجزين
^ في الرض ول في السماء
ومن ل يثبت فعل إل ل يقول المعجز هو ال وإنما سمي غيره معجزا مجازا #
وهذا اللفظ ل يدل على كون ذلك آية ودليل إل إذا فسر المراد به وذكر شرائطه
ولهذا كان كثير من أهل الكلم ل يسمي معجزا إل ما كان للنبياء فقط وما كان
للولياء إن أثبت لهم خرق عادة سماها كرامة #والسلف كأحمد وغيره كانوا
يسمون هذا وهذا معجزا ويقولون لخوارق الولياء إنها معجزات إذا لم يكن في
اللفظ مايقتضي اختصاص النبياء بذلك بخلف ما كان آية وبرهانا على نبوة النبي
614
www.anassim.fr.st 615 الن سي ــــ ـــ ـم
فإن هذا يجب اختصاصه #وقد يسمون الكرامات آيات لكونها تدل على نبوة من
اتبعه الولي فإن الدليل مستلزم للمدلول يمتنع ثبوته بدون ثبوت المدلول فكذلك ما
كان آية وبرهانا وهو الدليل والعلم على نبوة النبي يمتنع أن يكون لغير النبي وبسط
هذا له موضع آخر #والمقصود هنا أن دلئل نبوة محمد كثيرة متنوعة كما قد
تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب وبينا أن
من يخصص دلئل النبوة بنوع فقد غلط بل هي أنواع كثيرة لكن اليات نوعان #
ومنها ما مضى وصار معلوما بالخبر كمعجزات موسى وعيسى #ومنها ما هو باق
إلى اليوم كالقرآن الذي هو من أعلم نبوة محمد وكالعلم واليمان الذي في أتباعه
فإنه من أعلم نبوته وكشريعته التي أتى بها فإنها أيضا من أعلم نبوته وكاليات
التي يظهرها ال وقتا بعد وقت من كرامات الصالحين من أمته ووقوع ما أخبر
بوقوعه كقوله ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك وقوله ل تقوم الساعة حتى تخرج
نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل ببصرى وقد خرجت هذه النار سنة
خمسين وستين وستماية وشاهد الناس أعناق البل ببصرى
وظهر دينه وملته بالحجة والبرهان واليد والسنان ومثل المثلت والعقوبات التي #
تحيق بأعدائه وغير ذلك وكنعته الموجود في كتب النبياء قبله وغير ذلك
فصل #والقرآن كلم ال وفيه الدعوة والحجة فله به اختصاص على غيره كما
ثبت عنه في الصحيح أنه قال ما من نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن
على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إلي فأرجو أن أكون أكثرهم
تابعا يوم القيامة #والقرآن يظهر كونه آية وبرهانا له من وجوه جملة وتفصيل أما
الجملة فإنه قد علمت الخاصة والعامة من عامة المم علما متواترا أنه هو الذي أتى
بهذا القرآن وتواترت بذلك الخبار أعظم من تواترها بخبر كل أحد من النبياء
والملوك والفلسفة وغيرهم #والقرآن نفسه فيه تحدي المم بالمعارضة والتحدي
هو أن يحدوهم أي يدعوهم فيبعثهم إلى أن يعارضوه فيقال فيه حداني على هذا
المر أي بعثني عليه ومنه سمي حادي العيس لنه بحداه يبعثها على السير
وقد يريد بعض الناس بالتحدي دعوى النبوة ولكنه أصله الول قال تعالى في #
سورة الطور ^ #أم يقولون تقوله بل ل يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا
صادقين ^ #فهنا قال ^ #فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ^ #في أنه تقوله
فإنه إذا كان محمد قادرا على أن يتقوله كما يقدر النسان على أن يتكلم بما يتكلم به
من نظم ونثر كان هذا ممكنا للناس الذين هم من جنسه فأمكن الناس أن يأتوا بمثله
#ثم إنه تحداهم بعشر سور مثله فقال تعالى ^ #أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر
سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقين ^ #ثم
تحداهم بسورة واحدة منه فقال تعالى ^ #وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون
615
www.anassim.fr.st 616 الن سي ــــ ـــ ـم
ال ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين أم
يقولون افتراه قل فأتوا بسورة
أي ما كان لن يفتري يقول ما كان ليفعل هذا فلم ينف مجرد فعله بل نفي احتمال #
فعله وأخبر بأن مثل هذا ل يقع بل يمتنع وقوعه فيكون المعنى ما يمكن ول يحتمل
ول يجوز أن يفتري هذا القرآن من دون ال فإن الذي يفتريه من دون ال مخلوق
والمخلوق ل يقدر على ذلك وهذا التحدي كان بمكة فإن هذه السور مكية سورة
يونس وهود والطور #ثم أعاد التحدي في المدينة بعد الهجرة فقال في البقرة وهي
سورة مدنية ^ #وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله
وادعوا شهداءكم من دون ال إن كنتم صادقين ^ #ثم قال ^ #فإن لم تفعلوا ولن
تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ^ #فذكر أمرين #أحدهما قوله #
^ ^ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار
يقول إذا لم تفعلوا فقد علمتم أنه حق فخافوا ال أن تكذبوه فيحيق بكم العذاب الذي #
وعد به المكذبين وهذا دعاء إلى سبيل ربه بالموعظة الحسنة بعد أن دعاهم بالحكمة
وهو جدالهم بالتي هي أحسن #والثاني قوله ^ #ولن تفعلوا ^ #ولن لنفي
المستقبل فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان ل يأتون بسورة من مثله كما أخبر
قبل ذلك وأمره أن يقول في سورة سبحان وهي سورة مكية افتتحها بذكر السراء
وهو كان بمكة بنص القرآن والخبر المتواتر وذكر فيها من مخاطبته للكفار بمكة ما
يبين بذلك بقوله ^ #قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل
يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ^ #فعم بالخبر جميع الخلق معجزا لهم
قاطعا بأنهم إذا اجتمعوا كلهم ل يأتون بمثل هذا القرآن ولو تظاهروا وتعاونوا على
ذلك وهذا التحدي والدعاء هو لجميع الخلق وهذا قد سمعه كل من سمع القرآن
وعرفه الخاص والعام وعلم مع ذلك أنهم لم يعارضوه ول أتوا بسورة مثله ومن
حين بعث وإلى اليوم المر على ذلك مع ما علم
من أن الخلق كلهم كانوا كفارا قبل أن يبعث ولما بعث إنما تبعه قليل #وكان الكفار
من أحرص الناس على إبطال قوله مجتهدين بكل طريق يمكن تارة يذهبون إلى أهل
616
www.anassim.fr.st 617 الن سي ــــ ـــ ـم
الكتاب فيسئلونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها كما سألوه عن قصة يوسف
وأهل الكهف وذي القرنين كما تقدم وتارة يجتمعون في مجمع بعد مجمع على ما
يقولونه فيه وصاروا يضربون له المثال فيشبهونه بمن ليس مثله لمجرد شبه ما مع
ظهور الفرق فتارة يقولون مجنون وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون كاهن وتارة
يقولون شاعر إلى أمثال ذلك من القوال التي يعلمون هم وكل عاقل سمعها أنها
افتراء عليه #فإذا كان قد تحداهم بالمعارضة مرة بعد مرة وهي تبطل دعوته
فمعلوم أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلوها فإنه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد إذا
كانت القدرة حاصلة وجب وجود المقدور ثم هكذا القول في سائر أهل الرض #
فهذا القدر يوجب علما بينا لكل أحد بعجز جميع أهل الرض عن أن يأتوا بمثل هذا
القرآن بحيلة وبغير حيلة وهذا أبلغ من اليات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى فإن
هذا لم يأت أحد
بنظيره وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلغته فقط أو نظمه
وأسلوبه فقط ول من جهة إخباره بالغيب فقط ول من جهة صرف الدواعي عن
معارضته فقط ول من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط بل هو آية بينة معجزة
من وجوه متعددة من جهة اللفظ ومن جهة النظم ومن جهة البلغة في دللة اللفظ
على المعنى ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن ال تعالى وأسمائه وصفاته
وملئكته وغير ذلك #ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن
الغيب المستقبل ومن جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلئل
اليقينية والقيسة العقلية التي هي المثال المضروبة كما قال تعالى ^ #ولقد صرفنا
للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إل كفورا ^ #وقال تعالى ^ #
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان النسان أكثر شيء جدل ^ #
وقال ^ #ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون
قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ^ #وكل ما ذكره الناس من الوجوه في
إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ول تناقض في ذلك بل كل قوم تنبهوا لما
تنبهوا له #ومن أضعف القوال قول من يقول من أهل الكلم إنه معجز بصرف
الدواعي مع تمام الموجب لها أو بسلب القدرة التامة أو بسلبهم القدرة المعتادة في
مثله سلبا عاما مثل قوله تعالى لزكريا ^ #آيتك أل تكلم الناس ثلث ليال سويا ^ #
وهو أن ال صرف قلوب المم عن معارضته مع قيام المقتضي التام فإن هذا يقال
على سبيل التقدير والتنزيل وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلم يقدر الناس على التيان
بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة
من أبلغ اليات الخارقة للعادات بمنزلة من يقول إني آخذ أموال جميع أهل
هذا البلد العظيم وأضربهم جميعهم وأجوعهم وهم قادرون على أن يشكوا إلى ال أو
إلى ولي المر وليس فيهم مع ذلك من يشتكي فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة
#ولو قدر أن واحدا صنف كتابا يقدر أمثاله على تصنيف مثله أو قال شعرا يقدر
617
www.anassim.fr.st 618 الن سي ــــ ـــ ـم
أمثاله أن يقولوا مثله وتحداهم كلهم فقال عارضوني وإن لم تعارضوني فأنتم كفار
مأواكم النار ودماؤكم لي حلل امتنع في العادة أن ل يعارضه أحد فإذا لم يعارضوه
كان هذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة #والذي جاء بالقرآن قال للخلق كلهم أنا
رسول ال إليكم جميعا ومن آمن بي دخل الجنة ومن لم يؤمن بي دخل النار وقد
أبيح لي قتل رجالهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ووجب عليهم كلهم طاعتي ومن
لم يطعني كان من أشقى الخلق ومن آياتي هذا القرآن فإنه ل يقدر أحد على أن يأتي
بمثله وأنا أخبركم أن أحدا ل يأتي بمثله #فيقال ل يخلوا إما أن يكون الناس قادرين
على المعارضة أو عاجزين #فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه بل صرف ال
دواعي قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم أو سلبهم القدرة
التي كانت فيهم قبل تحديه فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل
معجزتي أنكم كلكم ل يقدر أحد منكم على الكلم ول على الكل والشرب فإن المنع
من المعتاد كإحداث غير المعتاد فهذا من أبلغ الخوارق #وإن كانوا عاجزين ثبت
أنه خارق للعادة فثبت كونه خارقا على تقدير النقيضين النفي والثبات فثبت أنه من
العجائب الناقضة للعادة في نفس المر #فهذا غاية التنزل وال فالصواب المقطوع
به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته ل يقدرون على ذلك ول يقدر محمد نفسه
من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر
كلمه لكل من له أدنى تدبر كما قد أخبر ال به في قوله ^ #قل لئن اجتمعت النس
والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
^ #وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة لكنهم يحسون من أنفسهم
العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه
وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلم فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما
أخبر به القرآن من عجز الخلق عن التيان بمثله مثل قرآن مسيلمة الكذاب كقوله يا
ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين ل الماء تكدرين ول الشارب تمنعين رأسك في
الماء وذنبك في الطين #وكذلك أيضا يعرفون أنه لم يختلف حال قدرتهم قبل
سماعه وبعد سماعه فل يجدون أنفسهم عاجزين عما كانوا قادرين عليه كما وجد
زكريا عجزه عن الكلم بعد قدرته عليه #وأيضا فل نزاع بين العقلء المؤمنين
بمحمد والمكذبين له إنه كان قصده أن يصدقه الناس ول يكذبوه وكان مع ذلك من
أعقل الناس وأخبرهم وأعرفهم بما جاء به ينال مقصوده سواء قيل إنه صادق أو
كاذب فإن من دعى الناس إلى مثل هذا المر العظيم ولم يزل حتى استجابوا له
طوعا وكرها وظهرت دعوته وانتشرت ملته هذا النتشار هو من عظماء الرجال
على أي حال كان فإقدامه مع هذا القصد في أول المر وهو بمكة وأتباعه قليل على
أن يقول خبرا يقطع به أنه لو اجتمع النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
ليأتون بمثله ل في ذلك العصر ول في سائر العصار
المتأخرة ل يكون إل مع جزمه بذلك وتيقنه له وإل فمع الشك والظن ل يقول ذلك
618
www.anassim.fr.st 619 الن سي ــــ ـــ ـم
من يخاف أن يظهر كذبه فيفتضح فيرجع الناس عن تصديقه #وإذا كان جازما
بذلك متيقنا له لم يكن ذلك إل عن إعلم ال له بذلك وليس في العلوم المعتادة أن
يعلم النسان أن جميع الخلق ل يقدرون أن يأتوا بمثل كلمه إل إذا علم العالم أنه
خارج عن قدرة البشر والعلم بهذا يستلزم كونه معجزا فإنا نعلم ذلك وإن لم يكن
علمنا بذلك خارقا للعادة ولكن يلزم من العلم ثبوت المعلوم وإل كان العلم جهل فثبت
أنه على كل تقدير يستلزم كونه خارقا للعادة #واما التفصيل فيقال نفس نظم القرآن
وأسلوبه عجيب بديع ليس من جنس أساليب الكلم المعروفة ولم يأت أحد بنظير هذا
السلوب فإنه ليس من جنس الشعر ول الرجز ول الخطابة ول الرسائل ول نظمه
نظم شيء من كلم الناس عربهم وعجمهم ونفس فصاحة القرآن وبلغته هذا عجيب
خارق للعادة ليس له نظير في كلم جميع الخلق وبسط هذا وتفصيله طويل يعرفه
من له نظر وتدبر
ونفس ما اخبر به القرآن في باب توحيد ال وأسمائه وصفاته أمر عجيب خارق #
للعادة لم يوجد مثل ذلك في كلم بشر ل نبي ول غير نبي #وكذلك ما أخبر به عن
الملئكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم وغير ذلك ونفس ما أمر به القرآن من
الدين والشرائع كذلك ونفس ما أخبر به من المثال وبينه من الدلئل هو أيضا كذلك
#ومن تدبر ما صنفه جميع العقلء في العلوم اللهية والخلقية والسياسية وجد بينه
وبين ما جاء في الكتب اللهية التوراة والنجيل والزبور وصحف النبياء وجد بين
ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظه ونظمه وبين سائر ألفاظ العرب
ونظمهم #فالعجاز في معناه أعظم وأكثر من العجاز في لفظه وجميع عقلء
المم عاجزون عن التيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن التيان بمثل
لفظه وما في التوراة والنجيل ولو قد أنه مثل القرآن ل يقدح في المقصود فإن تلك
كتب ال أيضا ول يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبي كما أتى المسيح بإحياء الموتى
وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره فكيف وليس ما في التوراة والنجيل مماثل
619
www.anassim.fr.st 620 الن سي ــــ ـــ ـم
الماء دونه ولكنه يوجد أكثر مما يوجد القوت وأيسر لن الحاجة إليه أشد #فكذلك
دلئل الربوبية حاجة الخلق إليها في دينهم أشد الحاجات ثم دلئل النبوة فلهذا يسرها
ال وسهلها أكثر مما ل يحتاج إليه العامة مثل تماثل الجسام واختلفها وبقاء
العراض أو فنائها وثبوت الجوهر الفرد أو انتفاؤه ومثل مسائل المستحاضة وفوات
الحج وفساده ونحو ذلك مما يتكلم فيه بعض ا لعلماء
فصل #وسيرة الرسول وأخلقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته وأمته من آياته
وعلم أمته ودينهم من آياته وكرامات صالح أمته من آياته وذلك يظهر بتدبر سيرته
من حين ولد وإلى أن بعث ومن حيث بعث إلى أن مات وتدبر نسبه وبلده وأصله
وفصله فإنه كان من أشرف أهل الرض نسبا من صميم سللة إبراهيم الذي جعل
ال في ذريته الكتاب والنبوة والكتاب فلم يأت نبي بعد إبراهيم إل من ذريته ونجعل
له ابنين إسماعيل وإسحاق وذكر في التوراة هذا وهذا وبشر في التوراة بما يكون
من ولد إسماعيل ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهرت فيما بشرت به النبوات غيره
ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسول منهم ثم من قريش صفوة بني
إبراهيم ثم من بني هاشم صفوة قريش ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه
إبراهيم ودعا الناس إلى حجه ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم مذكورا في كتب
النبياء بأحسن وصف
وكان من اكمل الناس تربية ونشأة لم يزل معروفا بالصدق والبر والعدل ومكارم #
الخلق وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم مشهودا له بذلك عند جميع من
يعرفه قبل النبوة وممن آمن به وممن كفر بعد النبوة ل يعرف له شيء يعاب به ل
في أقواله ول في أفعاله ول في أخلقه ول جرب عليه كذبة قط ول ظلم ول فاحشة
وكان خلقه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله
وكان أميا من قوم أميين ل يعرف ل هو ول هم ما يعرفه أهل الكتاب التوراة
والنجيل ولم يقرأ شيئا عن علوم الناس ول جالس أهلها ولم يدع نبوة إلى أن أكمل
ال له أربعين سنة فأتى بأمر هو أعجب المور وأعظمها وبكلم لم يسمع الولون
والخرون بنظيره وأخبرنا بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله #ثم اتبعه
أتباع النبياء وهم ضعفاء الناس وكذبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلكه
وهلك من اتبعه بكل طريق كما كان الكفار يفعلون بالنبياء وأتباعهم والذين اتبعوه
لم يتبعوه لرغبة ول لرهبة
فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ول جهات يوليهم إياها ول كان له سيف بل كان
السيف والمال والجاه مع أعدائه وقد آذوا أتباعه بأنواع الذى وهم صابرون
محتبسون ل يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلوة اليمان والمعرفة وكانت
مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فتجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم
620
www.anassim.fr.st 621 الن سي ــــ ـــ ـم
يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى ال صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء
الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود قد
سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تخبرهم به
اليهود وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر
وظهر في بعض عشرة سنة فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى
بلدهم وعلى الجهاد معه فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة وبها المهاجرون
والنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ول برهبة إل قليل من النصار أسلموا
في الظاهر ثم حسن إسلم بعضهم ثم أذن له في الجهاد ثم أمر به ولم يزل قائما
بأمر ال على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء ل يحفظ له كذبة
واحدة ول ظلم لحد ول غدر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع
اختلف الحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وقلة وكثرة
وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة وهو
على ذلك لزم لكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب
التي كانت مملوءة من عبادة الوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر
بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الرحام ل يعرفون آخرة ول معادا فصاروا
أعلم أهل الرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم حتى أن النصارى لما رأوهم حين
قدموا الشام قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلء وهذه آثار علمهم
وعملهم في الرض وآثار غيرهم يعرف العقلء فرق ما بين المرين #وهو مع
ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على النفس والموال مات ولم يخلف
درهما ول دينارا ول شاة ول بعيرا له إل بغلته وسلحه ودرعه مرهونة عند
يهودي على ثلثين صاعا من شعير ابتاعها لهله وكان بيده عقار ينفق منه على
أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين فحكم بأنه ل يورث ول يأخذ ورثته شيئا
من ذلك
وهو في كل وقت يظهر على يديه من عجائب اليات وفنون الكرامات ما يطول #
وصفه ويخبرهم بخبر ما كان وما يكون ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء حتى أكمل
ال دينه الذي بعث به وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول
أنه معروف إل أمر به ول منكر تعرف العقول أنه منكر إل نهى عنه لم يأمر بشيء
فقيل ليته لم يأمر به ول نهى عن شيء فقيل ليته لم ينه عنه وأحل الطيبات لم يحرم
شيئا منها كما حرم في شرع غيره وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحله
غيره وجمع محاسن ما عليه المم فل يذكر في التوراة والنجيل والزبور نوع من
الخبر عن ال وعن ملئكته وعن اليوم الخر إل وقد جاء به على أكمل وجه وأخبر
بأشياء ليست في الكتب #فليس في الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى
الفضائل وترغيب في الحسنات إل وقد جاء به وبما هو أحسن منه #وإذا نظر
اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من المم ظهر فضلها ورجحانها
621
www.anassim.fr.st 622 الن سي ــــ ـــ ـم
وكذلك في الحدود والحكام وسائر الشرائع #وأمته أكمل المم في كل فضيلة فإذا
قيس علمهم بعلم سائر المم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعباداتهم وطاعتهم
ل
بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل ال
وصبرهم على المكاره في ذات ال ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا وإذا قيس
سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم بغيرهم تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم وهذه
الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبله متبعين لكتاب
جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة #فكانت فضائل أتباع
المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات
وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده كالحواريين وقد استعانوا بكلم الفلسفة
وغيرهم حتى أدخلوا لما غيروا دين المسيح في دين المسيح أمورا من أمور الكفار
المناقضة لدين المسيح #واما أمة محمد فلم يكونوا قبله يقرؤون كتابا بل عامتهم ما
آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والنجيل والزبور إل من جهته فهو الذي
أمرهم أن يؤمنوا بجميع النبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند ال ونهاهم أن
يفرقوا بين أحد من الرسل فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به #سورة البقرة
اليتان 136و 137
وقال تعالى #سورة البقرة اليتان 285و # 286وامته ل يستحلون أن يأخذوا #
شيئا من الدين من غير ما جاء به ول يبتدعون بدعة ما أنزل ال بها من سلطان فل
يشرعون من الدين ما لم يأذن به ال #لكن ما قصه عليهم من أخبار النبياء
وأممهم اعتبروا به وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه وما لم يعلموا
صدقه ول كذبه أمسكوا عنه وما عرفوا أنه باطل كذبوه ومن ادخل في الدين ما ليس
منه من أقوال متفلسفة الهند أو الفرس أو اليونان
أو غيرهم كان عندهم من أهل اللحاد والبتداع وهذا هو الدين الذي كان عليه
أصحاب رسول ال والتابعون وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في المة لسان
صدق وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا
عند الجماعة وهو مذهب أهل السنة والجماعة الظاهرون إلى قيام الساعة الذين قال
فيم النبي ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من
خذلهم حتى تقوم الساعة #وقد تنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الصل
الذي هو دين الرسل عموما ودين محمد خصوصا #ومن خالف في هذا الصل
كان عندهم ملحدا مذموما ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا قام به أكابر علمائهم
وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم وهو دين مبتدع ليس هو دين
المسيح ول دين غيره من النبياء #وال سبحانه وتعالى أرسل رسله بالعلم النافع
والعمل
622
www.anassim.fr.st 623 الن سي ــــ ـــ ـم
الصالح فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والخرة وإنما دخل في البدع من
قصر في اتباع النبياء علما وعمل #ولما بعث ال محمدا بالهدى ودين الحق تلقى
ذلك عنه المسلمون أمته #فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد أخذوه عن
نبيهم مع ما يظهر لكل عاقل أن أمته اكمل المم في جميع الفضائل العلمية والعملية
ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو من الصل المعلم وهذا يقتضي أنه كان
أكمل الناس علما ودينا وهذه المور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في
قوله ^ #إني رسول ال إليكم جميعا ^ #لم يكن كاذبا مفتريا فإن هذا القول ل
يقوله إل من هو من خيار الناس وأكملهم إن كان صادقا أو هو من شر الناس
وأخبثهم إن كان كاذبا #وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث
والجهل فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين وهذا يستلزم أنه كان صادقا
^ في قوله ^ #إني رسول ال
لن الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والول يوجب أنه #
كان ظالما غاويا والثاني يقتضي أنه كان جاهل ضال وكمال علمه ينافي جهله
وكمال دينه ينافي تعمد الكذب فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن متعمدا للكذب
ولم يكن جاهل يكذب بل علم وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه
صادق ولهذا نزهه ال عن هذين المرين بقوله تعالى ^ #والنجم إذا هوى ما ضل
صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى ^ #وقال تعالى
عن الملك الذي جاء به ^ #إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين
مطاع ثم أمين ^ #ثم قال عنه ^ #وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالفق المبين
وما هو على الغيب بضنين ^ #أي بمتهم أو بخيل كالذي ل يعلم إل بجعل أو لمن
يكرمه
وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إل ذكر للعالمين ^ #وقال ^ #
تعالى ^ #وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من
المنذرين بلسان عربي مبين ^ #إلى قوله ^ #هل أنبئكم على من تنزل الشياطين
تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ^ #بين سبحانه أن الشيطان
إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه فإن الشيطان يقصد الشر وهو الكذب
والفجور ول يقصد الصدق والعدل فل يقترن إل بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ
فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة
أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان وال
ورسوله بريئان منه
فالرسول بريء من تنزل الشيطان عليه في العمد والخطأ بخلف غير الرسول #
فإنه قد يخطىء ويكون خطؤه من الشيطان وإن كان خطؤه مغفورا له فإذا لم يعرف
له خبر أخبر به كان فيه مخطئا ول أمر أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم
623
www.anassim.fr.st 624 الن سي ــــ ـــ ـم
ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم ولهذا قال في الية الخرى عن النبي ^ #إنه
لقول رسول كريم وما هو بق
ول شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين
^
فصل #وقد نقل الناس صفاته الظاهرة الدالة على كماله ونقلوا أخلقه من حلمه
وشجاعته وكرمه وزهده وغير ذلك ونحن نذكر بعض ذلك #ففي الصحيحين عن
البراء بن عازب قال كان رسول ال أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل
الذاهب ول بالقصير #وعنه قال كان بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى
شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه #وفي البخاري وسئل
البراء أكان وجه رسول ال مثل السيف قال ل بل مثل القمر #وفي الصحيحين من
حديث كعب بن مالك قال كان النبي إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر #وفي
الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رسول ال ضخم الرأس والقدمين لم أر قبله
ول بعده مثله وكان بسط الكفين ضخم اليدين
وسئل عن شعره فقال كان شعرا رجل ليس بالجعد ول بالسبط بين أذنيه وعاتقه #
#وفي الصحيحين عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال كان رسول ال
ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين وفسرها سماك بن حرب فقال واسع الفم
طويل شق العين قليل لحم العقب
وفي الصحيحن عن أنس قال كان رسول ال ليس بالطويل البائن ول بالقصير ول #
بالبيض المهق ول بالدم ول بالجعد القطط ول بالسبط #وفي الصحيحين عنه
قال كان رسول ال أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجة
ول حريرا ألين من كف رسول ال ول شممت مسكا ول عنبرة أطيب من رائحة
رسول ال
وروى الدارمي عن ابن عباس قال كان رسول ال أفلج الثنيتين إذا تكلم رئي #
النور يخرج من ثناياه #وروي عن ابن عمر قال ما رأيت أحدا أنجد ول أجود ول
أشجع ول أضوأ من رسول ال #وعن أنس قال دخل علينا رسول ال فقال عندنا
فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ رسول ال فقال أم
سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب
أخرجاه في الصحيحين #وروى الدارمي عن جابر قال كان رسول ال
ل يسلك طريقا فيتبعه أحد إل عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه #وفي حديث أم
624
www.anassim.fr.st 625 الن سي ــــ ـــ ـم
معبد المشهور لما مر بها النبي في الهجرة هو وأبو بكر وموله ودليلهم وجاء
زوجها فقال صفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رجل ظاهر الوضاءة حلو المنطق
فصل ل نزر ول هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن
وروى أبو زرعة عن محمد بن عمار بن ياسر قالت قلت للربيع بنت معوذ بن #
عفراء صفي لنا رسول ال فقالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة #وفي
الصحيحين عن أنس قال كان رسول ال أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع
الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم
رسول ال راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لبي
طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا وقال وجدناه بحرا وكان الفرس
قبل ذلك بطيئا فعاد ل يجارى #وفي الصحيحن عن ابن عباس قال كان رسول ال
أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه
القرآن فلرسول ال أجود بالخير من الريح المرسلة #وفي الصحيحين عن البراء
بن عازب قال كنا إذا احمر
البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به يعني رسول ال #وعن علي بن أبي
طالب قال لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول ال وكان أشد الناس بأسا وما
كان أحد أقرب إلى العدو منه ذكره البيهقي بإسناد صحيح #وفي الصحيحين عن
أنس قال خدمت رسول ال عشر سنين وال ما قال لي أفا قط ول قال لي
لشيء لم فعلت كذا وهل فعلت كذا #وفي رواية في الصحيحين أيضا قال خدمته
في السفر والحضر وال ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ول لشيء لم
أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا وكان أحسن الناس خلقا وفي الصحيحين عن جابر قال
ما سئل رسول ال شيئا فقال ل #وفي الصحيحين عن أنس قال ما سئل رسول ال
على السلم شيئا إل أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه
غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من ل
يخاف الفاقة #وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول ال أشد حياء
من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه #وفي الصحيحين عن
عبد ال بن عمرو وذكر رسول ال قال لم يكن فاحشا ول متفحشا
وروى البخاري عن أنس قال لم يكن رسول ال سبابا ول فحاشا ول لعانا كان #
يقول لحدنا عند المعتبة ماله تربت جبيبنه #وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها
قالت ما خير رسول ال بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما
كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول ال لنفسه قط إل أن تنتهك حرمة ال #وعنها
قالت ما ضرب رسول ال بيده شيئا قط ل امرأة ول خادما إل أن يجاهد في سبيل
625
www.anassim.fr.st 626 الن سي ــــ ـــ ـم
ال وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إل أن ينتهك شيء من محارم ال فينتقم
ل
وروى مسلم في صحيحه عنها وقد سئلت عن خلق رسول ال فقالت كان خلقه #
القرآن #وروى أبو داود الطيالسي عن شعبة حدثنا أبو إسحاق حدثنا أبو عبد ال
الجدلي قال سمعت عائشة وسألها عن خلق رسول ال فقالت لم يكن فاحشا ول
متفحشا ول سخابا في السواق ول يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أو يغفر
شك أبو داود
ورواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين #وفي الصحيحين عن علقمة قالت #
سألت عائشة كيف كان عمل رسول ال وهل كان يخص شيئا من اليام قالت ل كان
عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول ال يستطيع #وروى مسلم في صحيحه
عن سعد بن هشام وقد سأل عائشة رضي ال عنها عن خلق رسول ال
فقالت ألست تقرأ القرآن قال بلى قالت فإن خلق نبي ال القرآن #وفي صحيح
الحاكم عن أبي هريرة أن رسول ال قال بعثت لتمم صالح الخلق #وفي
الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال قام رسول ال حتى تورمت قدماه فقيل يا
رسول ال أليس قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفل أكون عبدا
شكورا #وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال ما عاب رسول ال
طعاما قط إن اشتهاه أكله وإل تركه #وروى المام أحمد وأبو داود والترمذي وأبو
الشيخ الصبهاني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أخاه أتى النبي فقال
جيراني على ما أخذوا فأعرض عنه النبي فقال إن الناس يزعمون أنك نهيت عن
الغي ثم تستخلي به فقال لن
كنت أفعل ذلك أنه لعلي وما هو عليهم خلوا له جيرانه #وروى المام أحمد وأبو
داود والترمذي عن أنس بن مالك قال ما كان شخص أحب إليهم من رسول ال
وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لم يعلمون من كراهته لذلك رواه عن عبد الرحمن بن
مهدي ثنا حماد بن سلمة عن حميد عنه #وروى عنه أبو نعيم وأبو الشيخ وغيرهما
عن ابن عباس أن ال أرسل إلى نبيه ملكا من الملئكة معه جبريل فقال الملك إن ال
خيره بين أن يكون عبدا وبين أن يكون ملكا
نبيا قال فالتفت رسول ال إلى جبريل كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع فقال
رسول ال ل بل أكون عبدا نبيا رواه النسائي والبخاري في تاريخه #وفي صحيح
مسلم عن أنس قال كان غلم يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي فقال أتشهد أن ل
إله إل ال فنظر الغلم إلى أبيه فقال له أبوه أطع أبا القاسم فأسلم فقال النبي الحمد ل
الذي أنقذه بي من النار #وعن أبي حازم أن النبي كلم
626
www.anassim.fr.st 627 الن سي ــــ ـــ ـم
رجل فأرعد فقال له رسول ال هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من
قريش كانت تأكل القديد رواه ابن الجوزي من طرق بعضها متصل عن ابن مسعود
قال ابن الجوزي وروي متصل والصواب إرساله كما تقدم
وفي الصحيح عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء قالت يا رسول ال إن لي #
إليك حاجة قال يا أم فلن خذي في أي الطرق شئت قومي فيه حتى أقوم معك فخل
معها يناجيها حتى قضت حاجتها رواه مسلم #وعن أنس قال كانت المة من إماء
أهل المدينة لتأخذ بيد رسول ال فتدور به في حوائجها حتى تفرغ ثم يرجع رواه
البخاري في الدب
وروي عن ابن أبي أوفى قال كان رسول ال يمشي مع الرملة والمسكين فيقضي #
له حاجته #وعنه قال كان رسول ال يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلة ويقصر
الخطبة ول يستنكف أن يمشي مع العبد ول مع الرملة حتى يفرغ من حاجتهم
ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه #وروى أبو داود الطيالسي عن أنس قال كان
رسول ال يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة
المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف #وروى مسلم في صحيحه
عن أنس قال ما رأيت أرحم بالعيال من رسول ال #وروى البخاري عنه قال مر
رسول ال على صبيان فسلم عليهم #وروى ابن عباس قال كان رسول ال يجلس
على الرض ويأكل على الرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك #وعن قدامة
بن عبد ال رأيت رسول ال
على بغلة شهباء ل ضرب ول طرد ول إليك رواهما أبو الشيخ #وعن عائشة قالت
ما رأيت رسول ال قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم وكان
إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه فقلت يا رسول ال الناس إذا رأوا الغيم
فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية قال يا
عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد أتى العذاب قوما
وتل قوله تعالى ^ #فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ^
#أخرجاه في الصحيحين
وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال كنت أمشي مع النبي وعليه برد نجراني #
غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق
رسول ال قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال
ال الذي عندك قال فالتفت إليه رسول ال فضحك ثم أمر له بعطاء #وفي صحيح
مسلم عن جابر بن سمرة قال كان رسول ال ل يقوم من مصله الذي يصلي فيه
حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون
627
www.anassim.fr.st 628 الن سي ــــ ـــ ـم
ويتبسم
وفي رواية أخرى صحيحة كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه ربما #
تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم فيضحكون ويتبسم #وفي صحيح البخاري
عن عائشة رضي ال عنها وسألها السود ما كان رسول ال يصنع في أهله فقالت
كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلة خرج #ومن رواية
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة
قال سأل رجل عائشة هل كان يعمل في بيته فقالت كان يخصف نعله ويخيط ثوبه
ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته #وروى الطيالسي ثنا شعبة ثنا العور
قال سمعت أنسا يقول كان رسول ال يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة
المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه من ليف #وروى مسلم في
صحيحه عن أنس قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول ال #وروى عنه
البخاري قال مر رسول ال على صبيان فسلم عليهم
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت ما شبع رسول ال ثلثة أيام #
من خبز بر تباعا حتى مضى لسبيله #وعنها قالت كنا آل محمد يمر بنا الهلل
والهلل ما نوقد بنار لطعام إل أنه التمر والماء إل أنه حولنا أهل دور من النصار
فيبعث أهل كل دار بفريزة شاتهم إلى رسول ال وكان النبي يشرب من ذلك اللبن
أخرجاه في الصحيحين #وفي صحيح البخاري قال أنس ما رأى رسول ال رغيفا
مرققا حتى لحق بال ول أرى شاة
سميطا بعينه قط #وفي صحيح البخاري عنه ما أكل رسول ال على خوان ول في
سكرجة ول خبز له مرقق فقيل له على ما كانوا يأكلون قال على السفر #وفي
صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب أنه خطب وذكر ما فتح على الناس فقال لقد
رأيت رسول ال يتلوى يومه من الجوع ما يجد من الدقل ما يمل بطنه
وفي صحيح البخاري عن أنس أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد #
رهن درعه عند يهودي فأخذ لهله شعيرا ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد
صاع بر ول صاع حب وإنهم يومئذ تسعة أبيات #وفيه عن عائشة قالت كان
فراش رسول ال من أدم حشوه ليف #وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن
الخطاب رضي ال عنه لما ذكر اعتزال رسول ال نساءه قال فدخلت على رسول
ال في خزانته فإذا هو مضطجع على حصير فأدنى إليه إزاره وجلس وإذا الحصير
قد أثر بجنبه وقلبت عيني في بيته فلم أجد شيئا يرد البصر غير قبضة من شعير
وقبضة من قرظ نحو الصاعين وإذا أفيق ملعقة فابتدرت عيناي فقال رسول ال ما
يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا رسول ال وما لي ل أبكي وأنت صفوة ال ورسوله
628
www.anassim.fr.st 629 الن سي ــــ ـــ ـم
وخيرته من خلقه وهذه خزانتك وهذه العاجم كسرى وقيصر في الثمار والنهار
فقال أو في شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا
وفي رواية أو ما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة قال بلى قال فالحمد ل عز
وجل قال فقلت أستغفر ال #وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال
اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا
وروى الطيالسي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال اضطجع النبي على حصير #
فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه عنه وأقول بأبي أنت وأمي يا رسول ال أل
آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه فقال ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا إل كراكب
استظل تحت شجرة ثم راح وتركها #ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس أن
عمر دخل على النبي وذكر نحوه
وفي الترمذي عن أنس بن مالك قال حج النبي على رحل رث وقطيفة ورواه #
البخاري أيضا عن أنس في كتاب الحج فقال حج أنس على رحل رث ولم يكن
شحيحا وحدث أن النبي حج على رحل وكانت زاملته #وفي صحيح الحاكم عن
أنس أن النبي
لبس خشنا وأكل خشنا ولبس الصوف واحتذى المخصوف قيل للحسن ما الخشن قال
غليظ الشعير ما كان يسيغه إل بجرعة ماء # #انتهى المجلد الخامس #ويليه
المجلد السادس #وأوله فصل في فضل أمة محمد على غيرها
فصل ومما يبين به فضل أمته على جميع المم وذلك مستلزم لكونه رسول &
صادقا كما تقدم وهو آية وبرهان على نبوته فإن كل ملزوم فإنه دليل على لزمه إن
المم نوعان نوع لهم كتاب منزل من عند ال كاليهود والنصارى ونوع ل كتاب لهم
كالهند واليونان والترك وكالعرب قبل مبعث محمد صلى ال عليه وسلم وما من أمة
إل ول بد لها من علم وعمل بحسبهم ويقوم به ما يقوم من مصالح دنياهم وهذا من
الهداية العامة التي جعلها ال لكل إنسان بل لكل حي كما يهدي الحيوان لجلب ما
ينفعه بالكل والشرب ودفع ما يضره باللباس والكن وقد خلق ال فيه حبا لهذا
وبغضا لهذا قال تعالى ^ سبح اسم ربك العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى
^
وقال موسى ^ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ^ وقال في أول ما أنزل
على محمد صلى ال عليه وسلم ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق
اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم ^ وقال تعالى ^ ألم نجعل
له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ^ ثم المم متفاضلون في معرفة الخالق
تعالى وفي القرار بالمعاد بعد الموت إما للرواح فقط وإما للبدان فقط وإما
لمجموعهما كما هو قول سلف المة المسلمين وأئمتهم وعامتهم أهل السنة والجماعة
629
www.anassim.fr.st 630 الن سي ــــ ـــ ـم
لكن عامة بني آدم على أن العدل خير من الظلم والصدق خير من الكذب والعلم خير
من الجهل فإن المحسن إلى الناس خير من الذي ل يحسن إليهم وأما المعاد فهو إما
للرواح أو للبدان وإن الناس بعد الموت يكونون سعداء أو أشقياء فيقر به كثير من
المم غير أهل الكتاب وإن كان على وجه قاصر كحكماء الهند واليونان والمجوس
وغيرهم وذلك أن أهل الرض في المعاد على أربعة أقوال
أحدها وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة
المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية
والنظار وهو إثبات معاد الواح والبدان جميعا وأن النسان إذا مات كانت روحه
منعمة أو معذبة ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى ولهذا يذكر ال في كثير
من السور أمر القيامتين القيامة الصغرى بالموت والقيامة الكبرى حين يقوم الناس
من قبورهم وتعاد أرواحهم إلى ابدانهم كما ذكر ال القيامتين في سورة الواقعة حيث
قال في أولها ^ إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت
الرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم
ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة أيحسب النسان ألن نجمع عظامه بل ^
قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد النسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القيامة فإذا
برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول النسان يومئذ أين المفر كل
ل وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا النسان يومئذ بما قدم وأخر ^ فذكر القيامة
الكبرى ثم قال في آخر السورة ^ كل إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه
الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ^ ولبسط هذا موضع آخر فإن
ذكر ما ينال الروح عند فراق البدن من النعيم والعذاب كثير في النصوص النبوية
وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة فكثير جدا لن محمدا صلى ال عليه
وسلم خاتم النبياء وقد بعث بين يدي الساعة فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به
غيره كما ذكر المسيح في صفته فقال إنه يخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما
للرب
630
www.anassim.fr.st 631 الن سي ــــ ـــ ـم
والقول الثاني قول من يثبت معاد البدان فقط كما يقول ذلك كثير من المتكلمين
الجهمية والمعتزلة المبتدعين من هذه المة وبعض المصنفين يحكي هذا القول عن
جمهور متكلمي المسلمين أو جمهور المسلمين وذلك غلط فإنه لم يقل ذلك أحد من
أئمة المسلمين ول هو قول جمهور نظارهم بل هو قول طائفة من متكلميهم المبتدعة
الذين ذمهم السلف والئمة
والقول الثالث المعاد للنفس الناطقة بالموت فقط وأن البدان ل تعاد وهذا لم يقله
أحد من أهل الملل ل المسلمين ول اليهود ول النصارى بل هؤلء كلهم متفقون على
إعادة البدان وعلى القيامة الكبرى ولكن من تفلسف من هؤلء فوافق سلفه من
الصابئة والفلسفة المشركين على ان المعاد للروح وحده فإنه يزعم أن النبياء
خاطبوا الجمهور بمعاد البدان وإن لم يكن له حقيقة وخاطبوهم بإثبات الصفات ل
وليس له حقيقة وأن النبياء لم يظهروا الحقائق للخلق
هنا أن كل ما عند أهل الكتاب بل وسائر أهل الرض من علم نافع وعمل صالح
فهو عند المسلمين وعند المسلمين ما ليس عند غيرهم في جميع المطالب التي تنال
بها السعادة والنجاة وعقلء جميع المم تأمر بالعدل ومكارم الخلق وتنهى عن
الظلم والفواحش ولهم علوم إليهة وعبادات بحسبهم ويعظمون أهل العلم والدين منهم
والهند واليونان والفرس في ذلك أكمل من كفار الترك والبربر ونحوهم مع أن
هؤلء أيضا فيهم قسط من ذلك ومعلوم عند العتبار أن المم الذين لهم كتاب
كاليهود والنصارى أكمل من المم الذين ل كتاب لهم في الفضائل العلمية والعملية
فإن ما لم يأخذه الناس عن النبياء يعلم بالعقل والعتبار أو بالمنام واللهام وأخبار
الجن ونحو ذلك من طرق المم وكل طريق صحيح من الطرق العقلية واللهامية
وغيرها شارك
أهل الكتاب فيه من ل كتاب له ويمتاز أهل الكتاب بعلوم وأعمال أخذوها عن
631
www.anassim.fr.st 632 الن سي ــــ ـــ ـم
النبياء ليس في قوة من ليس بنبي ان يعلمها وهذا ظاهر في الخلق والسياسات
المزلية فإن جنس أهل الكتاب ولو كان منسوخا مبدل أحسن حال ل كتاب له وأما
في العبادات واليمان بال واليوم الخر فرجحانهم فيه ظاهر واما علوم وأعمال
يكون ضررها راجحا كالسحر والطلسمات وما يتوسل به من الشرك إلى إستخدام
الشياطين ونحو ذلك فهذا وإن كان غير أهل الكتاب أقوم به فإنما ذاك لستغناء أهل
الكتاب بما هو أنفع لهم في الدنيا والخرة ولهذا لما ذكر ال سبحانه في قصة سليمان
براءته عن
ذلك وكانت الشياطين قد كتبت كتب كفر وسحر ودفنتها تحت كرسي سليمان فلما
مات أظهروا ذلك وقالوا إنما كان يسخر الجن بهذه السماء والعزائم فصدقهم
فريقان فريق قدحوا في سليمان بل كفروه من أهل الكتاب وقال من فعل ذلك فهو
كافر وفريق قالوا نحن نقتدي بسليمان ونفعل كما كان يفعل وهم أهل العزائم
والطلسم التي يستخدمون بها الجن ويقولون إن سليمان كان يستخدمهم بها حتى
يقولوا إن هذه السماء كانت مكتوبة على تاجه وهذا صورة خاتمه وهذا كلم آصف
بن برخيا إلى امثال ذلك مما يضيفونه إليه وهو كذب على سليمان وقد ذكر ذلك
علماء المسلمين في تفسير قوله تعالى ^ سورة البقرة اليتان 103 101
فذم سبحانه من عدل عن اتباع كتاب ال ورسله واتبع ما تتلوه الشياطين على عهد
سليمان وبين سبحانه أن سليمان لم يكفر ولكن الشياطين كفروا وأنهم يعلمون الناس
السحر وما أنزل على الملكين ببابل وأن الملكين هاروت وماروت ما يعلمان من
أحد حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر وأخبر سبحانه أنهم ل يضرون به احدا إل
بإذن ال
وأنهم يتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم ثم قال ^ ولقد علموا لمن اشتراه ما له في
الخرة من خلق ^ أي من نصيب أي هؤلء يعلمون أن صاحبه ل نصيب له في
الخرة وإنما يطلبون أنهم يقضون به أغراضهم الدنيوية لما لهم في ذلك من الهوى
وذلك ضار لهم ل نافع كما قال في المشرك ^ يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه ^
قال تعالى ^ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند ال خير لو كانوا يعلمون ^ فبين
سبحانه أنه باليمان والتقوى يحصل من ثواب ال ما هو خير لهم من هذا فإنهم إنما
يطلبونه لما يرجون به من الخير لهم وهذا خير لهم وهذا كقوله ^ إذ نودي للصلة
^ من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع ذلكم خير لكم
فإن ما تطلبه النفوس فيه لها لذة يجعل خيرا بذلك العتبار لكن إذا كان اللم زائدا
على اللذة كان شره أعظم من خيره والشرائع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها
وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تأمر بما تترجح مصلحته وإن كان فيه مفسدة
مرجوحة كالجهاد وتنهى عما ترجحت مفسدته وإن كان فيه مصلحة مرجوحة
كتناول المحرمات من الخمر وغيره ولهذا أمر تعالى أن نأخذ بأحسن ما أنزل إلينا
632
www.anassim.fr.st 633 الن سي ــــ ـــ ـم
من ربنا فالحسن إما واجب وإما مستحب قال تعالى ^ فخذها بقوة وأمر قومك
يأخذوا بأحسنها ^ وقال ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ فأمر باتباع
الحسن والخذ به وقال تعالى ^ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أولئك الذين هداهم ال ^ فاقتضى أن غيرهم لم يهده وهذا يقتضي وجوب الخذ
بالحسن وهو مشكل وقد تكلم الناس فيه ونظيره قوله تعالى
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ^ وقوله تعالى ^ ادفع ^
بالتي هي أحسن السيئة ^ مع قوله تعالى في موضع آخر ^ ويدرؤون بالحسنة
السيئة ^ وقال تعالى ^ وجادلهم بالتي هي أحسن ^ وقال ^ ول تجادلوا أهل الكتاب
إل بالتي هي أحسن ^ وقال تعالى ^ ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن ^ في
موضعين
وقد يقال هذا نظير قوله تعالى ^ فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع ذلكم خير لكم ^
وقوله تعالى ^ ءال خير أما يشركون ^ وقوله تعالى ^ تال إن كنا لفي ضلل مبين
إذ نسويكم برب العالمين ^ وقوله ^ وال خير وأبقى ^ وقوله ^ والخرة خير وأبقى
^ وقوله ^ فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير
^ وأحسن تأويل
وقوله ^ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ^ وقوله تعالى ^ ومن أحسن دينا ممن
أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ ال إبراهيم خليل ^ وقوله
تعالى ^ اعدلوا هو أقرب للتقوى ^ وقوله ^ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان
خيرا لهم واشد تثبيتا ^ ونظائر هذا كثيرة مما يذكر فيه أن المأمور به خير وأحسن
من المنهي عنه وإن كان الول واجبا والثاني محرما وذلك لن المأمور به قد
يشتمل على مفسدة مرجوحة والمنهي عنه يشتمل على مصلحة مرجوحة فيكون
باعتبار ذلك في
هذا خير وحسن وفي هذا شر وسيىء لكن هذا خير وأحسن وإن كان واجبا فقوله
تعالى ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ هو أمر بالحسن من فعل المأمور
أو ترك المحظور وهو يتناول المر بالواجب والمستحب فإن كلهما أحسن من
المحرم والمكروه لكن يكون المر أمر إيجاب وأمر استحباب كما امر بالحسان في
قوله تعالى ^ وأحسنوا إن ال يحب المحسنين ^ والحسان منه واجب ومنه مستحب
فصل وإذا كان جنس أهل الكتاب أكمل في العلوم النافعة والعمال الصالحة ممن &
ل كتاب له فمعلوم أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم أكمل من طائفتي أهل الكتاب
اليهود والنصارى وأعدل وقد جمع لهم محاسن ما في التوراة وما في النجيل فليس
عند أهل الكتاب فضيلة علمية وعملية إل وأمة محمد صلى ال عليه وسلم أكمل
منهم فيها فأما العلوم فهم أحذق في جميع العلوم من جميع المم حتى العلوم التي
633
www.anassim.fr.st 634 الن سي ــــ ـــ ـم
ليست بنبوية ول أخروية كعلم الطب مثل والحساب ونحو ذلك هم أحذق فيها من
المتين ومصنفاتهم فيها أكمل من مصنفات المتين بل أحسن علما وبيانا لها من
الولين الذين كانت هي غاية علمهم وقد يكون الحاذق فيها من هو عند المسلمين
منبوز بنفاق وإلحاد ول قدر له عندهم لكن حصل له بما يعلمه من
المسلمين من العقل والبيان ما اعانه على الحذق في تلك العلوم فصار حثالة
المسلمين أحسن معرفة وبيانا لهذه العلوم من اولئك المتقدمين وأما العلوم اللهية
والمعارف الربانية وما أخبرت به النبياء من الغيب كالعرش والملئكة والجن
والجنة والنار وتفاصيل المعاد فكل من نظر في كلم المسلمين فيها وكلم علماء
اليهود والنصارى وجد كلم المسلمين فيها اكمل وأتم ومعلوم أن علم أهل الكتاب
والملل بذلك أتم من علم غيرهم وأما العبادة والزهد والخلق والسياسة المنزلية
والمدنية فالكلم فيها مبني على أصل وهو معرفة المقصود بها وما به يحصل
المقصود فنقول للناس في مقصود العبادات مذاهب منهم من يقول المقصود بها
تهذيب أخلق النفوس وتعديلها لتستعد بذلك للعلم وليست هي مقصودة في نفسها
ويجعلونها من قسم الخلق وهذا قول متفلسفة اليونان وقول من اتبعهم من الملحدة
والسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة السلميين
كالفارابي وابن سينا وغيرهما ومن سلك طريقهم من متكلم ومتصوف ومتفقه كما
يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وابن
عربي وابن سبعين لكن أبو حامد يختلف كلمه تارة يوافقهم وتارة يخالفهم وهذا
القدر فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به النبياء وبين فلسفة
المشائين أرسطو وأمثاله ولهذا تكلموا في اليات وخوارق العادات وجعلوا لها ثلثة
أسباب القوى الفلكية والقوى النفسانية والطبيعية إذ كانت هذه هي المؤثرات في هذا
العالم عندهم وجعلوا ما للنبياء وغير النبياء من المعجزات والكرامات وما
للسحرة من العجائب هو من قوى النفس لكن الفرق بينهما أن ذلك قصده الخير هذا
قصده الشر وهذا المذهب من افسد مذاهب العقلء كما قد بسط الكلم عليه في
موضع آخر فإنه مبني على إنكار الملئكة وإنكار الجن وعلى أن ال ل يعلم
الجزئيات ول يخلق بمشيئته وقدرته ول يقدر على تغيير العالم ثم أن هؤلء ل
يقرون من المعجزات إلبما جرى على هذا
الصل وأمكن أن يقال فيه هذا مثل نزول المطر وتسخير السباع وإمراض الغير
وقتله ونحو ذلك وأما قلب العصا حية وإحياء الموتى وإخراج الناقة من الهضبة
وانشقاق القمر وأمثال ذلك فل يقرون به وقد علم بطرق متعددة ما يكون من
الخوارق بسبب افعال الجن وبسبب افعال الملئكة وأحوال الجن معلومة عند عامة
المم مسلمهم وكافرهم ل يجحد ذلك إل من هو من أجهل الناس وكذلك من فسرها
بقوى النفس وهذا غير إخبار ال عنهم فيما أنزله من الكتب وأما الملئكة فأمرهم
أجل وهم رسل ال في تدبير العالم كما قال تعالى ^ فالمدبرات أمرا ^ وقال
634
www.anassim.fr.st 635 الن سي ــــ ـــ ـم
ما يطول وصفه وآثارهم موجودة في العالم يعرف ذلك بالعتبار كما قد بسط في
موضعه إذ المقصود هنا ذكر مذاهب الناس في العبادات وهؤلء غاية ما عندهم في
العبادات والخلق والحكمة العملية أنهم رأوا النفس فيها شهوة وغضب من حيث
القوة العملية ولها نظر من جهة القوة العلمية فقالوا كمال الشهوة في العفة وكما
الغضب في الحلم والشجاعة وكما القوة النظرية في العلم والتوسط في جميع ذلك
بين الفراط والتفريط هو العدل وما ذكروه من العمل متعلق بالندب لم يثبتوا خاصية
النفس التي هي محبة ال وتوحيده بل ول عرفوا ذلك كما لم يكن عندهم من العلم
بال إل قليل مع كثير من الباطل كما بسط الكلم عنهم في موضعه ومحبة ال
وتوحيده هو الغاية التي فيها صلح للنفس وهو عبادة ال وحده ل شريك له فل
صلح للنفس ول كمال لها إل في ذلك وبدون ذلك تكون فاسدة ل صلح لها كما قد
بسط الكلم على ذلك
في موضع آخر ولهذا كان هذا هو دين السلم الذي اتفقت عليه الرسل قال ال
تعالى ^ ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت ^ وقال ^
وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحى إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون ^ وقال ^
ومن يتبغ غير السلم دينا فلن يقبل منه ^ وقال تعالى ^ وسئل من أرسلنا من قبلك
من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ^ وقال تعالى ^ يا أيها الرسل كلوا
من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم
وإن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما
لديهم فرحون ^ وقال لما ذكر قصص النبياء ^ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون ^ وقال تعالى ^ شرع لكم من الدين
ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن
أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه ^ وقال تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت ال التي
فطر الناس عليها ل تبديل
لخلق ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا
الصلة ول تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم كانوا شيعا كل حزب بما
لديهم فرحون ^ وقد قال تعالى ^ وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ^ فالغاية
الحميدة التي بها يحصل كمال بني آدم وسعادتهم ونجاتهم عبادة ال وحده وهي
حقيقة قول القائل ل إله إل ال ولهذا بعث ال جميع الرسل وأنزل جميع الكتب ول
تصلح النفس وتزكو وتكمل إل بهذا كما قال تعالى ^ وويل للمشركين الذين ل
يؤتون الزكاة ^ أي ل يؤتون ما تزكو به نفوسهم من التوحيد واليمان وكل من لم
يحصل له هذا الخلص لم يكن من أهل النجاة والسعادة كما قال تعالى ^ إن ال ل
^ يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
635
www.anassim.fr.st 636 الن سي ــــ ـــ ـم
في موضعين من كتابه وهذا أول الكلمات العشر التي أنزلها ال على موسى حيث
قال أنا ال ل إله إل انا آلهك الذي أخرجتك من أرض مصر من التعبد ل يكون لك
إله غيري ل تتخذ صورا ول تمثال ما في السموات من فوق ومن في الرض من
أسفل وما في الماء من تحت الرض ل تسجد لهن ول تعبدهن إني إنا ربك العزيز
وقد شهد المسيح عليه السلم أن هذا هو أعظم وصية في الناموس فعبادة ال وحده
ل شريك له وان يكون ال احب إلى العبد من كل ما سواه هو أعظم وصية وكلمة
جاء بها المرسلون كموسى والمسيح ومحمد صلوات ال عليهم أجمعين وضد هذا
هو الشرك الذي ل يغفره ال تعالى قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون ال
^ أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا اشد حبا ل
وقد بسط الكلم على هذا في غير هذا الموضع وبين أن النفس ليس لها نجاة ول
سعادة ول كمال إل بأن يكون ال معبودها ومحبوبها الذي ل أحب إليها منه ولهذا
كثر في الكتب اللهية المر بعبادة ال وحده ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال
الحب فل بد أن يكون العابد محبا للله المعبود كمال الحب ول بد أن يكون ذليل له
كمال الذل فمن احب شيئا ولم يذل له لم يعبده ومن خضع له ولم يحبه لم يعبده
وكمال الحب والذل ل يصلح إل ل وحده فهو الله المستحق للعبادة التي ل يستحقها
إل هو وذلك يتضمن كمال الحب والذل والجلل والكرام والتوكل والعبادة
فالنفوس محتاجة إلى ال من حيث هو معبودها ومنتهى مرادها وبغيتها ومن حيث
هو ربها وخالقها فمن آمن بال رب كل شيء وخالقه ولم يعبد إل ال وحده بحيث
يكون ال أحب إليه من كل ما سواه وأخشى عنده من كل ما سواه وأعظم عنده من
كل ما سواه وأرجى عنده من كل ما سواه بل من سوى بين ال وبين بعض
المخلوقات في الحب بحيث يحبه مثل ما يحب ال ويخشاه مثل ما يخشى ال ويرجوه
مثل ما يرجو ال ويدعوه مثل ما يدعوه فهو
مشرك الشرك الذي ل يغفره ال ولو كان مع ذلك عفيفا في طعامه ونكاحه وكان
حكيما شجاعا فما ذكره المتفلسفة من الحكمة العملية ليس فيها من العمال ما تسعد
به النفوس وتنجو من العذاب كما أن ما ذكروه من الحكمة النظرية ليس فيها اليمان
بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فليس عندهم من العلم ما تهتدي به النفوس
ول من الخلق ما هو دين حق ولهذا لم يكونوا داخلين في أهل السعادة في الخرة
المذكورين في قوله تعالى ^ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من
آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم
يحزنون ^ وهذه الفضائل الربع التي ذكرها المتفلسفة ل بد منها في كمال النفس
وصلحها وتزكيتها والمتفلسفة لم يحدوا ما يحتاج إليه بحد يبين مقدار ما تحصل به
النجاة والسعادة ولكن النبياء بينوا ذلك وقد قال سبحانه ^ قل إنما حرم ربي
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم
636
www.anassim.fr.st 637 الن سي ــــ ـــ ـم
ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ فهذه النواع الربعة هي التي
حرمها تحريما مطلقا لم يبح منها شيئا لحد من الخلق ول في حال من الحوال
بخلف الدم والميتة ولحم الخنزير وغير ذلك فإنه يحرم في حال وياح في حال وأما
الربعة فهي محرمة مطلقا فالفواحش متعلقة بالشهوة والبغي بغير الحق يتعلق
بالغضب والشرك بال فساد أصل العدل فإن الشرك ظلم عظيم والقول على ال بل
علم فساد في العلم فقد حرم سبحانه هذه الربعة وهي فساد الشهوة والغضب وفساد
العدل والعلم وقوله ^ وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا ^ يتضمن تحريم أصل
الظلم في حق ال وذلك يستلزم إيجاب العدل في حق ال تعالى وهو عبادته وحده ل
شريك له فإن
النفس لها القوتان العلمية والعملية وعمل النسان عمل اختياري والعمل الختياري
إنما يكون بإرادة العبد وكل إنسان له إرادة وعمل بإرادته فإن النسان حساس
يتحرك بالرادة ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم أصدق السماء الحارث وهمام
والرادة ل بد لها من مراد وكل مراد فأما أن يراد لنفسه وأما أن يراد لغيره والمراد
لغيره ل بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه فالقوة العملية تستلزم أن يكون للنسان مراد
وذلك المراد لنفسه هو علة فاعلة للعلة الفاعلة ولهذا قيل العامة تقول
قيمة كل امرىء ما يحسنه والعارفون يقولون قيمة كل امرىء ما يطلب وفي بعض
الكتب المتقدمة إني ل أنظر إلى كلم الحكيم وإنما أنظر إلى همته وهؤلء المتفلسفة
لم يذكروا هذا في كمال النفس وإنما جعلوا كمالها العملي في تعديل الشهوة والغضب
بالعفة والحلم وهذا غايته ترك السراف في الشهوة والغضب والشهوة هي جلب ما
ينفع البدن ويبقي النوع والغضب دفع ما يضر البدن ولم يتعرضوا لمراد الروح
الذي يحبه لذاته مع أنهم إنما تكلموا فيما يعود إلى البدن وجعلوا ذلك إصلحا للبدن
الذي هو آلة للنفس وجعلوا كمال النفس في مجرد العلم وقد بسطنا غلطهم في هذا
الصل من وجوه في غير هذا الموضع وبينا أن النفس لها كمال في العمل والرادة
كما أن لها
كمال في العلم وأن العلم المجرد ليس كمال لها ول صلحا ولو كان كمال لم يكن ما
عندهم من العلم ما هو كمال النفس وبينا غلط الجهمية الذين قالوا اليمان هو مجرد
العلم وأن الصواب قول السلف والئمة إن اليمان قول وعمل أصله قول القلب
وعمل القلب المتضمن علم القلب وإرادته وإذا كان ل بد للنفس من مراد محبوب
لذاته ل تصلح إل به ول تكمل إل به وذلك هو إلهها فليس لها إله يكون به صلحا
إل ال ولهذا قال ال تعالى ^ لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا ^ وليس ذلك للنسان
فقط بل للملئكة الجن فإنهم كلهم أحياء عقلء ناطقون لهم علم وعمل اختياري ول
صلح لهم إل بمرادهم المحبوب لذاته وهو معبودهم ول يجوز أن يكون معبودا
محبوبا لنفسه إل ال فلو كان في السموات والرض إله إلال لفسدتا فلهذا كان دين
جميع الرسل عبادة ال وحده لشريك له
637
www.anassim.fr.st 638 الن سي ــــ ـــ ـم
وهؤلء المتفلسفة ل يعرفون ذلك فليس عندهم من صلح النفس وكمالها في العلم
والعمل ما تنجو به من الشقاء فضل عما تسعد به ومما يبين ذلك أن أرسطو معلمهم
الول هو وأتباعه إنما أثبتوا العلة الولى بالحركة الفلكية فقالوا الحركة الدورية
حركة اختيارية نفسانية فقوامه بحركته الختيارية وفساده بعدمها وقوام حركته بما
يتحرك لجله فإن الفاعل بالختيار إنما قوامه بعلته الغائية التي يتحرك لجلها
وغايته التي يتحرك لجلها هو العلة الولى فإنه يتحرك للتشبه بها فجعلوا قوام العالم
كله بالعلة الولى من حيث هو متشبه به لن المتحرك باختياره ل بد له من مراد
ومعلوم أن الحركة الرادية تطلب مرادا محبوبا لنفسها وتستلزم ذلك اعظم من
استلزامها مشبها به فإن كل متحرك بإرادة لبد له من مراد محبوب لنفسه فإن
الرادة ل بد لها من مراد والمراد يكون إما مرادا لنفسه وإما لغيره والمراد لغيره
إنما يراد لذلك الغير بد أن يكون ذلك الغير مرادا لنفسه أو منتهى إلى مراد لنفسه
وإل لزم التسلسل في العلل الغائبة وذلك باطل كبطلن التسلسل في العلل الفاعلية
بصريح
العقل واتفاق العقلء وبسط هذا له موضع آخر وإذا كان الفاعل باختيار يستلزم
مرادا لنفسه محبوبا فلبد أن يكون لما يتحرك في السموات بإرادته سواء كان هؤلء
الملئكة أو ما يسمونه هم نفسا من محبوب مراد لذاته يكون هو الله المعبود المراد
بتلك الحركات وكذلك نفس النسان حركتها بالرادة من لوازم ذاتها فل بد لها من
محبوب مراد لذاته وهو الله وهذا المحبوب المراد لذاته هو ال تعالى ويمتنع أن
يكون غيره كما قد بسط هذا في موضع آخر وبين أن يمتنع أن يكون موجودا بغيره
بل هو واجب الوجود بنفسه فيمتنع أنه يكون مرادا لغيره بل مراد لنفسه وكما يمتنع
أن يكون للعالم ربان قادران يمتنع أن يكون للعالم إلهان معبودان فإن كون أحدهما
قادرا يناقض كون الخر قادرا لمتناع اجتماع القادرين على مقدور واحد وامتناع
كون أحدهما قادرا على الفعل حين يكون الخر قادرا عليه وامتناع ارتفاع قدرة
أحدهما بقدرة الخر مع التكافؤ
كذلك يمتنع أن يكون إلهان معبودان محبوبان لذاتهما لن كون أحدهما هو المعبود
لذاته يناقضه أن يكون غيره معبودا لذاته فإن ذلك يستلزم أن يكون بعض المحبة
والعمل لهذا وبعض ذلك لهذا وذلك يناقض كون الحب والعمل كله لهذا فإن الشركة
نقص في الحب فل تكون حركة المتحرك بإرادته له فل يكون أحدهما معبودا
معمول له إل إذا لم يكن الخر كذلك فإن العمل لهذا يناقض أن يكون له شريك
فضل عن أن يكون لغيره وكل من أحب شيئين فإنما يحبهما لثالث غيرهما وإل
فيمتنع أن يكون كل منهما محبوبا لذاته إذ المحبوب لذاته هو الذي تريده النفس
وتطلبه وتطمئن إليه بحيث ل يبقى لها مراد غيره وهذا يناقض أن يكون له شريك
والقول الثاني قول من يقول إن ال عوض الناس بالتكليف بالعبادات ليثيبهم على
ذلك بعد الموت فإن النعام بالثواب ل يحسن بدون التكليف لما فيه من الجلل
638
www.anassim.fr.st 639 الن سي ــــ ـــ ـم
والتعظيم الذي ل يستحقه إل مكلف كما يقول ذلك القدرية من المسلمين وغيرهم
وهؤلء قد يجعلون الواجبات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية وقد يقولون إن
الغاية المقصودة التي بها يحصل الثواب هو العمل والعلم ذريعة إليه حتى يقولوا
مثل ذلك في معرفة ال تعالى يقولون إنما وجبت لنها لطف في أداء الواجبات
العقلية العملية
والقول الثالث قول من يقول بل ال أمر بذلك ل لحكمة مطلوبة ول بسبب بل
لمحض المشيئة وهذا قول الجبرية المقابلين للقدرية كالجهم والشعري وخلق كثير
من
المشركين الهند وغيرهم وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى وكثير من مبتدعة
المسلمين والثاني قول من يقول إن أفضلها ما كان أدعى إلى تحصيل الواجبات
العقلية
والثالث قول من يقول فضل بعضها على بعض ل علة له بل يرجع إلى محض
المشيئة
والرابع وهو الصواب أن أفضلها ما كان ل أطوع وللعبد أنفع فما كان صاحبه
أكثر انتفاعا به وكان صاحبه أطوع ل به من غيره فهو أفضل كما جاء في الحديث
خير العمل أنفعه وعلى كل قول فعبادات المسلمين أكمل من عبادات غيرهم أما عن
الول فأولئك يقولون كلما كانت العمال اشق على النفس فهي أفضل ثم هؤلء قد
يفضلون الجوع والسهر والصمت والخلوة ونحو ذلك كما يفعل ذلك من يفعله من
المشركين الهند وغيرهم ومن النصارى ومبتدعة هذه المة ولكن يقال لهم الجهاد
أعظم مشقة من
هذا كله فإنه بذل النفس وتعريضها للموت ففيه غاية الزهد المتضمن لترك الدنيا
كلها وفيه جهاد النفس في الباطن وجهاد العدو في الظاهر ومعلوم ان المسلمين
أعظم جهادا من اليهود والنصارى فإن اليهود خالفوا موسى في الجهاد وعصوه
639
www.anassim.fr.st 640 الن سي ــــ ـــ ـم
والنصارى ل يجاهدون على دين وأما على قول من يجعل العبادات الشرعية لطفا
في الواجبات العقلية فلريب أن عبادات المسلمين كصلتهم وصيامهم وحجهم أدعى
إلى العدل الذي هو جماع الواجبات العقلية من عبادات غيرهم التي ابتدعوها فإنها
متضمنة للظلم المنافي للعدل وأما على قول نفاة التعليل ورد ذلك إلى مشيئة ال
فيكون المر في ذلك راجعا إلى محض مشيئة ال وتعبده للخلق وحينئذ فمن تكون
عباداته تابعة لمر ال الذي جاء به الرسل يكون متعبدا بما أمر ال به بخلف من
تكون عباداته قد ابتدعها أكابرهم من غير أن يأتيهم بها رسول ال من عند ال وأما
على القول الرابع فإن علم أن ال أمر به يتضمن طاعة ال وهذا إنما يكون في
عبادات أمر ال بها وهي عبادات المسلمين
دون من ابتدع كثيرا من عباداتهم أكابرهم وأما انتفاع العباد بها فهذا يعرف بثمراتها
ونتائجها وفوائدها ومن ذلك آثارها في صلح القلوب فليتدبر النسان عقول
المسلمين وأخلقهم وعدلهم يظهر له الفرق بينهم وبين غيرهم ثم صفات عباداتهم
فيها من الكمال والعتدال كالطهارة والصطفاف والركوع والسجود واستقبال بيت
إبراهيم الذي هو إمام الخلئق والمساك فيها عن الكلم وما فيها من الخشوع
وتلوة القرآن واستماعه الذي يظهر الفرق بينه وبين غيره من الكتب لكل متدبر
منصف إلى أمثال ذلك من المور التي يظهر بها فضل عبادات المسلمين على
عبادات غيرهم وأما حكم المسلمين في الحدود والحقوق فليخفى على عاقل فضله
حتى إن النصارى في طائفة من بلدهم ينصبون لهم من يقضي بينهم بشرع
المسلمين إذ لم يكن لهم شرع يحكم به الناس وليس في النجيل حكم عام بل عامته
وإنما فيه المر بالزهد ومكارم الخلق وهو مما يأمر به المسلمون أيضا وقد ذكرنا
في كون المسلمين معتدلين متوسطين بين اليهود
والنصارى في التوحيد والنبوات والحلل والحرام وغير ذلك مما يبين أنهم أفضل
من المتين مع أن دلئل هذا كثيرة جدا وإنما المقصود التنبيه على ذلك وحينئذ
ففضل المة يستلزم فضل متبوعها
فصل ومما يبين أمر محمد صلى ال عليه وسلم أن من دعا إلى مثل ما دعا إليه &
ل يخلو من ثلثة أقسام إما ان يكون نبيا صادقا مرسل من ال كما أخبر عن نفسه
بمنزلة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من النبياء الذين
ذكرهم ال في قوله تعالى ^ سورة النساء اليات ^ 166 162وإما أن يكون ملكا
مسلما عادل وضع ناموسا سياسيا
وقانونا عدليا ينفع به الخلق ويحملهم به على السيرة العادلة بمبلغ علمه كان ان للمم
من يضع لهم النواميس مثل واضعي النواميس من اليونان والهند والفرس وغيرهم
وإن كان واضع الناموس مختصا بقوة قدسية ينال بها العلم بسهولة وقوة نفسية
يتصرف فيها تصرفات خارجة عن العادة ويكون له قوة تخييلية تمثل له في نفسه
640
www.anassim.fr.st 641 الن سي ــــ ـــ ـم
أشكال نورانية وأصواتا يسمعها في داخل نفسه فإن هذه الخواص الثلثة هي التي
يقول ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة إنها خواص النبي ومن قامت به كان نبيا والنبوة
مكتسبة عندهم ولكن لما كانت هذه موجودة لكثير من الخلق ولم يصل بها إلى قريب
من درجة الصديقين أتباع النبياء كالخلفاء الراشدين وحواريي عيسى واصحاب
موسى جعلناها من هذا القسم إذ صاحب هذا قد يكون فيه عدل وسياسة بحسب ما
معه من العلم والعدل فهذا القسم الثاني وإما ان يكون رجل كاذبا فاجرا أفاكا أثيما
يتعمد الكذب والظلم أو يتكلم بل علم فيخطىء خطأ من يتكلم بل علم ومن يظن
الكذب صدقا والباطل حقا والضلل هدى والغي
رشدا والظلم عدل والفساد صلحا وكل من دعا الخلق إلى متابعته وطاعته على
سبيل الحتم واليجاب بأن يصدقوه بما اخبر ويطيعوه فيما أمر به وأوجبه باطنا
وظاهرا من غير أن يخير أحدا في اتباعه وتصديقه وطاعته ول يسوغ له مخالفته
بوجه من الوجوه ل في الباطن ول في الظاهر لم يخرج عن هذه القسام الثلثة
وذلك لنه إما أن يكون قصده الثم والعدوان أو قصده البر والعدل فإن كان قصده
الول فهو ظالم فاجر ومثل هذا ل يكون إل كاذبا عمدا أو خطأ وإن كان قصده البر
والعدل فليخلو مع ذلك إما أن يكون عالما بكل ما يخبر به من الغيوب جازما
بصدق نفسه جزما ل يحتمل النقيض عالما بأن ما يأمر به عدل ل يجوز لمن أمره
أن يعصيه بوجه من الوجوه وإما ان ل يكون جازما بذلك فإن كان جازما بذلك كان
هذا هو النبي المعصوم الذي ل يخبر إل بحق ول يأمر إل بعدل ^ وتمت كلمت
ربك صدقا وعدل ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم ^ بخلف القسم الذي يتحرى
العدل والصدق باجتهاده ورأيه فإن
هذا قد يأمر بأشياء يجوز ان تكون المصلحة والعدل والصدق في خلفها ويخبر
بأشياء باجتهاده يحوز أن يكون المر فيها بخلف ذلك ول بد ان يغلط في بعض ما
يخبر به من العلميات وما يأمرهم به من العمليات فإنه ل معصوم إل النبياء ولهذا
لم يجب اليمان بكل ما يقوله بشر إل أن يكون نبيا فإن اليمان واجب بكل ما يأتي
به النبي قال تعالى ^ قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل
نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ وقال تعالى ^ ليس البر ان تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب
والنبيين ^ وإذا كان المر كذلك فمعلوم بالتواتر أن محمدا ذكر أنه رسول
كإبراهيم وموسى وعيسى بل اخبر أنه سيد ولد آدم وأن آدم فمن دونه تحت لوائه
يوم القيامة وأنه لما اسري به وعرج إلى ربه عل على النبياء كلهم على إبراهيم
وموسى وهرون ويحيى وعيسى وغيرهم وأخبر أنه ل نبي بعده وأن امته هم
الخرون في الخلق السابقون يوم القيامة وأن الكتاب الذي انزل إليه أحسن الحديث
وأنه مهيمن على ما بين يديه من الكتب مع تصديقه لذلك وحينئذ فإن كان عالما
641
www.anassim.fr.st 642 الن سي ــــ ـــ ـم
بصدق نفسه فهو نبي رسول ومن قال هذا القول وهو يعلم أنه كاذب فهو من أظلم
الناس وأفجرهم ^ ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا او قال أوحي إلي ولم يوح
إليه شيء ^ وإن كان يظن صدق نفسه وليس كذلك فهو مخطىء غالط ملبوس عليه
وإذا كان كذلك فلبد ان يخطىء فيما يخبر به من الغيوب ويظلم فيما يأمر به من
العدل ول يتصور استمراره على هذا بل ل بد ان يتبين له ولغيره أنه صادق أو
كاذب فإن من ظن صدق نفسه في مثل هذه الدعوى وليس بصادق
يكون من أجهل الناس وأظلمهم وأبعدهم عن التمييز بين الحق والباطل والصدق
والكذب والخير والشر فإن هذا بمنزلة من اشتبه عليه النبي الصادق بالمتنبي الكذاب
وهذا من أجهل الناس وإذا اشتبه عليه حال غيره فكيف بمن اشتبه عليه حال نفسه
ولم يعلم ما يقوله أصدق هو أم كذب ومن كان جاهل مع هذه الدعوى العظيمة التي
لم يدع بشر مثلها ومع كثرة ما يخبر به من الغيوب الماضية والمستقبلة ويأمر به
وينهى عنه من المور الكلية والسنن العامة والشرائع والنواميس فل بد أن يكون
فيها من الضلل والغي ما يبين لكثر الخلق فإذا كانت أخباره عن الماضي
والمستقبل يصدق بعضها بعضا والذي يأمر به هو الطريق القوم والكتاب الذي
جاء به كتاب متشابه مثاني يشبه بعضه بعضا في الصدق قال تعالى ^ أفل يتدبرون
^ القرآن ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا
فإنه لو كان من عند غير ال لوجب أن يكون فيه تناقض لمتناع قدرة البشر على أن
تخبر بهذه الخبار وما فيها من الغيوب ويأمر بهذه الوامر مع سلمة ذلك من
التناقض ولهذا ل يوجد بشر غير نبي يسلم من ذلك وإذا كان محمد صلى ال عليه
وسلم قد علم بالضطرار من سيرته أنه كان يتحرى الصدق والعدل وأنه ما جربت
عليه كذبة قط وعلم أنه كان جازما بما يخبر به مع عظم الخبار وكثرتها وهو وحده
قام يدعو الناس إلى ما جاء به ومن عادة طالب الملك والرياسة ولو كان عادل أن
يستعين بمن يعينه كأقاربه وأصدقائه ونحوهم وأن يبذل للنفوس من العاجل ما
يرغبها به كالمال والرياسة ويرهب من خالفه ومحمد صلى ال عليه وسلم دعا
الناس وحده وهو بمكة فآمن به المهاجرون فتعين أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم
خير من النصارى ثم آمن به أهل البحرين ولم يعط أحدا منهم درهما ول كان معه
ما يخيفهم به ل سيف ول غيره بل مكث بمكة بضع عشرة سنة هو والمؤمنون به
مستضعفين لم يكن له مال يبذله لهم ول سيف يخيفهم به
وكان أعظم من آمن به أبو بكر الصديق مع كمال عقله وخلقه ودينه في قومه
ومحبتهم له وعلو قدره فيهم أنفق ماله كله في سبيل ال حتى قال له النبي صلى ال
عليه وسلم ما تركت لهلك قال تركت لهم ال ورسوله ولم يعطه النبي صلى ال
عليه وسلم درهما واحدا يخصه به ثم تولى المر بعده وترك ما كان معه للمسلمين
وتولى بعده عمر بن الخطاب وفتح أعظم ممالك العالم مملكة فارس والروم فقهر
الروم على بلد الشام والجزيرة ومصر وأميره الكبير أبو عبيدة أزهد الخلق في
642
www.anassim.fr.st 643 الن سي ــــ ـــ ـم
الموال وأعبدهم للخالق وأرحمهم للمخلوق وأبعدهم عن هوى النفس ولهذا قال
النبي صلى ال عليه وسلم فيه إن لكل أمة أمينا وأمين هذه
المة أبو عبيدة بن الجراح وأميره على فارس سعد بن أبي وقاص الذي كان
مستجاب الدعوة وكان من أزهد الناس وكان آخر من بقي من أهل الشورى والناس
يتنازعون في الولية وهو معتزل في قصره بالعقيق ل يزاحم أحدا فقال له ابنه عمر
تركت الناس يتنازعون الملك وجلست ههنا فقال سمعت رسول ال صلى ال عليه
وسلم يقول إن ال يحب العبد التقي الغني النقي الخفي
فصل ومن آيات محمد صلى ال عليه وسلم ودلئل نبوته التي في القرآن قصة &
الفيل قال تعالى ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل
وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ^ وقد
تواترت قصة أصحاب الفيل وأن أهل الحبشة النصارى ساروا بجيش عظيم معهم
فيل ليهدموا الكعبة لما أهان بعض العرب كنيستهم التي باليمن فقصدوا إهانة الكعبة
وتعظيم كنايسهم فارسل ال عليهم طيرا أهلكهم وكان ذلك عام مولد النبي صلى ال
عليه وسلم وكان جيران البيت مشركين يعبدون الوثان ودين النصارى خير من
دينهم
فعلم بذلك أن هذه الية لم تكن لجل جيران البيت حينئذ بل كانت لجل البيت أو
لجل النبي صلى ال عليه وسلم الذي ولد به في ذلك العام عند البيت أو لمجموعهما
وأي ذلك كان فهو من دلئل نبوته فإنه إذا قيل إنما كانت آية للبيت وحفظا له وذبا
عنه لنه بيت ال الذي بناه إبراهيم الخليل فقد علم أنه ليس من أهل الملل من يحج
إلى هذا البيت ويصلى إليه إل أمة محمد صلى ال عليه وسلم ومحمد هو الذي
فرض حجه والصلة إليه فإذا كان هذا البيت عند أهل الكنائس لما ارادوا تعظيم
الكنائس وإهانة البيت علم أن دين أهل هذا البيت خير من دين النصارى
والمشركون ليسوا خيرا من النصارى فتعين أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم خير
من النصارى وذلك يستلزم أن نبيهم صادق وإل فمن كانوا متبعين لنبي كاذب
فليسوا خيرا من النصارى بل هم شرار الخلق كأتباع مسيلمة الكذاب والسود
العنسي وغيرهما وقال في القرآن ^ الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل
^ كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل
والبابيل جماعات في تفرقة فوج بعد فوج ^ ترميهم بحجارة من سجيل ^ أي من
طين مستحجر ^ فجعلهم كعصف مأكول ^ كالتبن الذي أكل وقوله ^ ألم تر ^
إستفهام في معنى التقرير وهذا يقتضي أن هذا قد وقع وعلم به الناس ورأوه وقد
قررهم على ذلك لما فيه من الدللة والبيان والنعام على الخلق ومن آيته الظاهرة
التي في القرآن ما ذكره من أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا بخلف ما كانت
العادة جارية به قال تعالى ^ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا
643
www.anassim.fr.st 644 الن سي ــــ ـــ ـم
^ قرءآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا
إلى قوله ^ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها
مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا وأنا ل ندري أشد أريد بمن في
الرض أم أراد بهم ربهم رشدا ^ وقال تعالى ^ وما تنزلت الشياطين وما ينبغي لهم
وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ^ وهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم
يقرؤه على الناس وهم يقرؤنه ولم ينكره أحد ول ارتاب به مؤمن ول احتج به عليه
كافر فدل أن الناس علموا صدق ما أخبرت به الجن من أن السماء ملئت حرسا
شديدا وشهبا وانهم لم يتمكنوا حينئذ مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك من الستماع
ومعلوم ان هذا أمر يراه الناس بأبصارهم فإن امتل السماء بالشهب أمر يراه الناس
كلهم فلو لم يكن كذلك لكان الناس يكذبون بهذا مؤمنهم وكافرهم فإن الجماعة
العظيمة الذين لم يتواطئوا يمتنع اتفاقهم على الكذب وعلى التصديق بما يعلمون أنه
كذب وعلى كتمان ما يعلمونه وعلى ترك إنكار ما يعلمون أنه كذب
وقد سمع القرآن ألوف مؤلفة أدركوا مبعثه وشاهدوا أحوال السماء فلو لم يكن هذا
كان موجودا مع أن عامتهم كانوا مكذبين لهو لما آمنوا كانوا طوائف متباينين يمتنع
اتفاقهم على كذب أو كتمان أو سكوت فلما لم ينكر ذلك أحد بل تظاهرت الخبار
بمثل ما أخبر به القرآن من الرمي العظيم بالشهب الذي لم يعهده مثله حتى صاروا
يشكون هل ذلك في الكواكب التي في الفلك أو في غيرها وقالوا إن كان في كواكب
الفلك فهو خراب العالم فلما رواه فيما دونها علموا أنه لمر حدث ففي الصحيحين
من حديث ابن عباس قال انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم في طائفة من
أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت
عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين السماء
أرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إل من شيء حدث فاضربوا مشارق الرض
ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون
مشارق الرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهي بنخل عامدين إلى
سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا
هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومم فقالوا يا قومنا ^ إنا سمعنا
قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ^ فأنزل ال عز وجل
على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم ^ قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن ^ وفي
لفظ البخاري بنخلة قريبا من مكة وهو الصواب
وقد ظن بعض الناس أن الشهب لم يكن يرمي بها قبل ذلك بحال والصواب أنه كان
الرمي بها كما هو الن أحيانا كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس ورواه أيضا
أحمد في مسنده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بينما هو في نفر من النصار إذ
رمي بنجم فاستنار فقال لهم ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية
644
www.anassim.fr.st 645 الن سي ــــ ـــ ـم
قالوا كنا نقول حين رأيناها يرمي بها مات ملك ولد مولود فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن ال إذا قضى في خلقه أمرا يسمعه أهل العرش
فيسبحون فيسبح من تحتهم بتسبيحهم فيسبح من تحت ذلك فلم يزل التسنبيح يهبط
حتىينتهي إلى السماء الدنيا حتى يقول بعضهم لبعض لم سبحتم فيقولون سبح من
فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون أل تسألون من فوقكم مم سبحوا فيسألونهم فيقولون
قضى ال في خلقه كذا وكذا المر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء
حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيتحدثون به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم منهم
واختلف ثم يأتون به الكهان من أهل الرض فيحدثونهم فيخطئون ويصيبون
فيحدث الكهان وفي الصحيحين عن عائشة قالت قلت يا رسول ال إن
الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقا قال تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني
فيقذفها في أذن وليه فيزيد فيها اكثر من مائة كذبة وروى البخاري في صحيحه عن
عائشة أنها سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول إن الملئكة تنزل في العنان وهو
السحاب فتذكر المر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى
الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي
هريرة قال إن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال إذا قضى ال المرا في السماء
ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على
صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذ قال ربكم قالوا للذي قال ^ الحق وهو العلي
الكبير ^ فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض فيسمع
الكلمة فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما
ألقاها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا
وكذا الكلمة التي سمعت من السماء فيصدق بتلك الكلمة الي سمعت من السماء
ورواه محمد ابن إسحاق عن الزهري وقال في آخره ثم إن ال عز وجل حجب
الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فل كهانة ورواه معمر عن
الزهري وقال فقلت للزهري أو كان يرمي بها في الجاهلية قال نعم قلت يقول ال ^
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ^ الية قال غلظت واشتد أمرها حين بعث النبي
صلى ال عليه
وسلم وروى الطبري عن داود ثنا عاصم بن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي
وكان الوحي إذا أوحي سمعت الملئكة كهيئة الحديدة رمى بها على الصفوان فإذا
سمعت الملئكة صلصلة الوحي خر لجباههم من في السماء
من الملئكة فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي قالوا ماذا قال ربكم قال فينادون قال
ربكم ^ الحق وهو العلي الكبير ^ قال فإذا نزل إلى السماء الدنيا قالوا يكون في
الرض كذا وكذا موتا وكذا وكذا حياة وكذا وكذا جدوبة وكذا وكذا خصبا وما يريد
645
www.anassim.fr.st 646 الن سي ــــ ـــ ـم
أن يصنع وما يريد أن يبتدي تبارك وتعالى فنزلت الجن فأوحوا إلى أوليائهم من
النس ما يكون في الرض فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى ال عليه وسلم
فزجرت الشياطين ورموهم بالكواكب فمنعوا فجعل ل يصعد احد إل احترق وفزع
أهل الرض لما رأوا في الكواكب ولم يكن قبل ذلك فقالوا هلك من في السماء وكان
أهل الطائف أول من فزع فينطلق الرجل إلى إبله فينحر كل يوم بعيرا للهتهم
فينطلق صاحب الغنم فيذبح كل يوم شاة فينطلق صاحب البقر فيذبح كل يوم بقرة
فقال لهم رجل ويلكم ل تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من
الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء فأقلعوا وقد اسرعوا في أموالهم وقال
إبليس حدث في الرض حدث فأتوني من كل مكان في الرض بتربة فجعل ل يؤتى
بتربة أرض إل شمها فلما أتى بتربة تهامة قال ههنا حدث الحدث فصرف ال إليه
نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن فقالوا ^ إنا سمعنا قرآنا عجبا ^ حتى ختم الية فولوا
^ ^ إلى قومهم منذرين
فصل وقد ذكرنا بعض آياته التي في القرآن لن من أهل الكتاب من يقول ل &
نصدق إل بما في القرآن كما في التوراة والنجيل من آيات موسى والمسيح إذ كان
نقل القرآن عنه متواترا ل يستريب فيه احد فنبهنا على بعض ما في القرآن مع أن
آياته التي ليست في القرآن كثيرة جدا وليس من شرط المنقول المتواتر أن يكون في
القرآن بل كما تواتر عنه في شريعته ما ليس في القرآن وهو من الحكمة التي أنزلها
ال عليه كذلك وتواتر عنه من دلئل نبوته ما ليس في القرآن وهو من براهينه
وآياته وقد قال عتعالى في غير موضع ^ وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة ^
فالحكمة نزلت عليه وهي منقولة في غير القرآن وقد تواتر عنه كون الصلوات
خمسا والفجر ركعتين
والمغرب ثلثا والباقي اربعا اربعا والرباعية في السفر ركعتان وتواتر عنه سجود
السهو كذلك متواتر عنه أنواع من المعجزات والخبار المتواترة في أصناف آياته
وبراهينه كثيرة جدا ل يمكن إحصاؤها وهي مشتملة على جنسي العلم والقدرة على
انواع من الخبار بالغيوب المستقبلة مفصلة كأنما رآها بعينه لم يأت منها خبر إل
646
www.anassim.fr.st 647 الن سي ــــ ـــ ـم
كما أخبر به وهذا أمر لم يكن قط إل لنبي اما الكاهن والمنجم ونحو هؤلء فيكذبون
كثيرا كما يصدقون أحيانا ويخبرون بجمل غير مفصلة وأما أهل الولة والصلح
فأعظمهم كشفا يخبر عن ذلك بأمور قليلة ل تبلغ عشر معشار ما أخبر به النبي
صلى ال عليه وسلم وليخبرون بها مفصلة كخبره وعلى انواع من القدرة
والتصرف الخارق للعادة واليات إما من باب العلم والخبر والمكاشفة وإما من باب
القدرة والتأثير والتصرف
وفي القرآن من الخبار بالمستقبلت شيء كثير كقوله تعالى ^ الم غلبت الروم في
أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ل المر من قبل ومن بعد
^ فغلبت الروم فارس في بضع سنين وقد ذكرنا تفصيل ذلك فيما مضى وكقوله
تعالى ^ وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد
خوفهم أمنا ^ وكان كما أخبر وروى الدارمي
عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه المدينة
وآواهم النصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا ل يبيتون إل في السلح ول
يصبحون إل فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت مطمئنين ل نخاف إل ال عز
وجل فنزلت ^ وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ^ إلى آخر الية وكان
كذلك استخلف ال المؤمنين في الرض ومكن لهم دينهم في مشارق الرض
ومغاربها وقال تعالى ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله
وكفى بال شهيدا ^ وكان كما أخبر ووعد وقال تعالى ^ قل لئن اجتمعت النس
والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ليأتون بمثله ^ وكان كما أخبر وقال تعالى ^
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ^ إلى قواه ^ فإن لم
تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ^ فأخبر
أنهم لن يفعلوا وكان كما أخبر وأخبر أنه قال للمسيح ^ وجاعل الذين اتبعوك فوق
الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ وكان كما أخبر وأنزل في مكة
وسيهزم الجمع ويولون الدبر ^ وقال ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ^
ليجدون وليا ول نصيرا ^ فكان كما أخبر وقال ^ ومن الذين قالوا إنا نصارى
اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم
القيامة ^ وكانوا كما أخبر وقال ^ وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا
بما قالوا بل يداه مبسوطتان
ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا
بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال ^ وكان
647
www.anassim.fr.st 648 الن سي ــــ ـــ ـم
كما أخبر وقال ^ لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار ثم ل ينصرون
ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءو بغضب من
ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبياء بغير
^ حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ وقال ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار
وقال ^ قاتلوهم يعذبهم ال بأيديكم ^ وكان كذلك فلم يقاتلوهم بعد نزول الية إل
انتصر عليهم المسلمون وما زال السلم في عز وظهور حتى ظهر على اهل
المشرق والمغرب وقال تعالى خطابا لليهود ^ قل إن كانت لكم الدار الخرة عند ال
خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت
أيديهم وال عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ^
وقال ^ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الموت
^ إن كنتم صادقين
فأخبر عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت أبدا وكان كما أخبر فل يتمنى اليهود الموت
ابدا وهذا دليل من وجهين من جهة إخباره بأنه ل يكون أبدا ومن جهة صرف ال
لدواعي اليهود عن تمني الموت مع أن ذلك مقدور لهم وهذا من أعجب المور
الخارقة للعادة وهم مع حرصهم على تكذيبه لم تنبعث دواعيهم لظهار تكذيبه
بإظهار تمني الموت وقال في سورة المدثر ^ ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له
مال ممدودا وبنين شهودا ^ ^ إلى قواه ^ سأصليه سقر وما أدراك ما سقر ل تبقي
ول تذر ^ وقال عن أبي لهب عمه ^ تبت يدآ ابي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما
كسب سيصلى نارا ذات لهب ^ وكان كما أخبر به مات الوليد كفارا ومات أبو لهب
كافرا
وقال في سورة الفتح ^ وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ايدي
الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ^ وقال ^ لتدخلن المسجد الحرام إن شا ال آمنين
محلقين رؤوسكم ومقصرين ل تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا
قريبا ^ وقال ^ قل للمخلفين من العراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد
تقاتلونهم أو يسملون فإن تطيعوا يؤتكم ال أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل
يعذبكم عذابا أليما ^ وهذا كله وقع كما أخبر فحصلت لهم الغنائم الكثيرة ودخلوا
المسجد الحرام آمنين ودعيت العراب إلى قتال الروم والفرس يقاتلونهم أو يسملون
فل بد من القتال أو السلم ليس هناك هدنة بل قتال كما كان يكون قبل نزول الية
وقال تعالى ^ إذا جاء نصر ال والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين ال أفواجا
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ^ فدخل الناس في دين ال أفواجا بعد الفتح
فما مات صلى ال عليه وسلم وفي بلد العرب كلها موضع لم يدخله السلم وقال
تعالى عن المنافقين ^ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لخوانهم الذين كفروا من أهل
الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولنطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم وال
648
www.anassim.fr.st 649 الن سي ــــ ـــ ـم
يشهد إنهم لكاذبون لئن اخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن
نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون ^ وكذلك كان فروى أهل التفسير والمغازي
والسير أن هذه الية نزلت في المنافقين كعبد ال بن أبي وعبد ال
بن نبتل ورفاعة بن تابوت ونحوهم كانوا يقولون لبني النضير وهم اليهود حلفاؤهم
^ لئن أخرجتم لنخرجن معكم ^ الية فأخبر ال عنهم انهم لن يفعلوا ذلك وكذلك كان
وضرب ال لهم مثل بالشيطان ^ إذ قال للنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك
إني أخاف ال رب العالمين ^ كذلك المنافقون وبنو النضير
فصل وآياته صلى ال عليه وسلم قد استوعبت جميع أنواع اليات الخبرية &
والفعلية وإخباره عن الغيب الماضي والحاضر والمستقبل بأمور باهرة ل يوجد
مثلها لحد من النبيين قبله فضل عن غير النبيين ففي القرآن من إخباره عن الغيوب
شيء كثير كما تقدم بعض ذلك وكذلك في الحاديث الصحيحة مما أخبر بوقوعه
فكان كما أخبر ففي الصحيحين عن حذيفة قال قام فينا رسول ال صلى ال عليه
وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إل حدث به حفظه من
حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلء وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته
فاراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه
وفي صحيح مسلم عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول ال صلى ال
عليه وسلم الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا ثم
صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا
حتى غربت الشمس قال وأخبرنا بما كان وما هو كائن فأحفظنا اعلمنا وفي صحيح
البخاري عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ جاءه رجل
فشكى إليه الفاقة ثم أتى آخر فشكى إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة
فقلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت
بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل تخاف أحدا إل ال
قال قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلد ولئن طالت بك
حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت
بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله عنه فل
يجد أحدا يقبله منه وليلقين ال أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له
فليقولن له الم أبعث إليك رسول فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم اعطك مال وأفضل
عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فل يرى إل جهنم وينظر عن يساره فل يرى إل
جهنم قال عدي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول
اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل
من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل تخاف إل ال وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن
649
www.anassim.fr.st 650 الن سي ــــ ـــ ـم
هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يخرج
الرجل ملء كفه قلت وهذا الذي أخبر به من خروج الرجل بملء كفه من ذهب أو
فضة فل يجد من يقبله ظهر كما أخبر في زمن عمر بن عبد العزيز
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال كنا مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم في غزوة قال فأتى النبي صلى ال عليه وسلم قوم من قبل المغرب
عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول ال صلى ال عليه وسلم
قاعد قال فقالت لي نفسي أئتهم فقم بينهم ل يغتالونه قال ثم قلت لعله نجي معهم
فأتيتهم فقمت بينهم وبينه قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال تغزون
جزيرة العرب فيفتحها ال ثم فارس فيفتحها ال ثم تغزون الروم فيفتحها ال ثم
تغزون الدجال فيفتحه ال
وروى البخاري عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة
تبوك وهو في قبة آدم فقال أعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس ثم
موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار
فيظل ساخطا ثم فتنة ل يبقى بيت من العرب إل دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني
الصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية كل غاية إثنا عشر الفا
قلت ففتح بيت المقدس بعد موته في خلفة عمر بن الخطاب ثم بعد ذلك وقع
الطاعون العظيم بالشام طاعون عمواس في خلفة عمر أيضا ومات فيه معاذ بن
جبل وأبو عبيدة بن الجراح وخلق كثير وكان ذلك أول طاعون وقع في السلم
فكان ما أخبر به حيث اخذهم طاعون كعقاص الغنم ثم استفاض المال في خلفة
عثمان بن عفان حتى كان أحدهم يعطى مائة دينار فيسخطها وكثر المال حتى كانت
الفرس تشتري بوزنها ثم وقعت الفتنة العامة التي لم يبق بيت من العرب إل دخلته
لما قتل عثمان ووقعت الفتنة بين المسلمين أو الملوك
يوم الجمل ويوم صفين وفي الصحيحين عن خباب بن الرت قال شكونا إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين
شدة فقلنا أل تدعو ال لنا ال تستنصر لنا قال فجلس محمرا وجهه ثم قال وال إن
من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحم وعصب ما يصرفه
ذلك عن دينه ويؤخذ فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين ما
يصرفه عن دينه وليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى
حضرموت ل يخشى إل ال عز وجل
أو الذئب على غنمه ولكنكم تعجلون وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي
صلى ال عليه وسلم قال ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار العين حمر
الوجوه ذلف النف كأن وجوههم المجان المطرقة ول تقوم الساعة حتى تقاتلون
650
www.anassim.fr.st 651 الن سي ــــ ـــ ـم
قوما نعالهم الشعر قلت وهؤلء الطوائف كلهم قاتلهم المسلمون كما أخبر صلى ال
عليه وسلم وامر هذه الطوائف معروف فإن قتال الترك
من التتار وغيرهم الذين هذه صفتهم معروف مشهور وحديثهم في أكثر من عشرة
آلف نسخة كبار وصغار من كتب المسلمين قبل قتال هؤلء الذي ظهروا من ناحية
المشرق الذين هذه صفتهم التي لو كلف من رآهم بعينه ان يصفهم لم يحسن مثل هذه
الصفة وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال ل
تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل ببصرى وقد
ظهرت هذه النار سنة بضع وخمسين وستماية ورآها الناس ورأوا أعناق البل قد
أضاءت ببصرى وكانت تحرق الحجر ول تنضج اللحم وفي الصحيحين عن أبي
سعيد وأسماء أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وفي الصحيحين عن أبي
هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هلك كسرى ثم ل يكون كسرى بعده
وقيصر ليهلكن ثم ل يكون قيصر بعده ولتنفقن كنوزهما في سبيل ال وفي
الصحيحين عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إذا هلك كسرى فل
كسرى بعده وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في
سبيل ال
وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول لتفتحن عصابة من المسلمين أو قال المؤمنين كنز آل كسرى الذي في البيض
والبيض قصر كان لكسرى وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي بكرة عن النبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال عن الحسن إن ابني هذا سيد
وسيصلح ال به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قلت فوقع هذا كما أخبر به بعد
موت الرسول بنحو ثلثين سنة وهو سنة أربعين من الهجرة لما أصلح ال بالحسن
بين الفئتين العظيمتين اللتين كانت متحاربتين بصفين عسكر علي وعسكر معاوية
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رجل أتي النبي صلى ال عليه وسلم فقال يا
رسول ال إني رأيت الليلة في
المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فمنهم المستكثر
والمستقل ثم إذا سبب واصل من الرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم اخذ
به رجل بعدك فعل ثم اخذ به رجل آخر فعل ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل
له فعل قال أبو بكر يا رسول ال بأبي أنت وأمي لتدعني فلعبره فقال اعبر فقال
أبو بكر أما الظلة فظلة السلم وأما الذي تنطف من السمن والعسل فهو القرآن
حلوته ولينه وأما ما يتكفف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من
السماء إلى الرض فالحق الذي انت عليه فأخذت به فيعليك ال ثم يأخذ به رجل من
651
www.anassim.fr.st 652 الن سي ــــ ـــ ـم
بعدك فيعلو ثم يأخذ به رجل فيعلو ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له
فيعلو به فأخبرني يا رسول ال أصبت أم أخطأت فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا
قال فوال يا رسول ال لتخبرني بالذي أخطأت قال ل تقسم
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال
عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء ال ثم
أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف وال يغفر له ثم
استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم ار عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى
ضرب الناس بعطن وفي رواية فاستحالت الدلو غربا في يد عمر قال الشافعي رؤيا
النبياء وحي وقوله في نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع
أهل الردة عن الفتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته وفي الصحيحين عن
محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم
شيئا فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت فلم أجدك يا رسول ال قال أي
كأنها تعني الموت قال إن لم تجديني فائتي أبا بكر وروى أبو داود الطيالسي عن
أبي ثعلبة الخشني وعن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى ال
عليه
وسلم قال إن ال بدأ هذا المر نبوة ورحمة وكائنا خلفة ورحمة وكائنا ملكا
عضوضا وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في المة يستحلون الفروج والخمور والحرير
وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا ال عز وجل وروى أبو داود عن
سمرة بن جندب ان رجل قال يا رسول ال إني رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء
أبو بكر رضي ال عنه فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر
فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم
جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء وفي السنن عن سفينة عن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال تكون خلفة النبوة ثلثين سنة ثم تصير ملكا فكان
هذا
العام تمام الثلثين سنة من موته ودخل في ذلك خلفة أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي وفي الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال زويت لي الرض مشارتها
ومغاربها وسيبلغ ملك امتي ما زوي لي منها وفي صحيح مسلم إن ال زوى لي
الرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت
الكنزين الحمر والبيض وإني سألت ربي لمتي أن ل يهلكها بسنة عامة وأن ل
يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وأن ربي قال لي يا محمد إذا
قضيت قضاء فإنه ل يرد
652
www.anassim.fr.st 653 الن سي ــــ ـــ ـم
وإني أعطيتك لمتك أن ل أهلكهم بسنة عامة وأل أسلط عليهم عدوا من سوى
أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك
بعضا وهذا اخبر به في أول المر وأصحابه في غاية القلة قبل فتح مكة وكان كما
أخبر فإن ملك أمته انتشر في الشرق والغرب ولم ينتشر في الجنوب والشمال
كانتشاره في الشرق والغرب إذ كانت أمته اعدل المم فانتشرت دعوته في القاليم
التي هي وسط المعمور من الرض كالثالث والرابع والخامس وقد تقدم قوله
هلك كسرى فل يكون كسرى بعده وذاك كسرى بن هرمز آخر الكاسرة المملكين
ثم ولي بعده ولة متضعفون فكان آخرهم يزدجرد وإليه الشارة باللفظ الخر إذا
هلك كسرى فل كسرى بعده وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لنتفقن
كنوزهما في سبيل ال وهذا أخبر به وملك كسرى وقيصر أعز ملك في الرض
فصدق ال خبره في خلفة عمر وعثمان فهلك كسرى وهو آخر الكاسرة في خلفة
عثمان بأرض فارس ولم يبق بعده كسرى ولم يبق
للمجوس والفرس ملك وهلك قيصر الذي بأرض الشام وغيرها ولم يبق بعده من هو
ملك على الشام ولمصر ول الجزيرة من النصارى وهو الذي يدعى قيصر قال
الشافعي كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه وتأتي
العراق فيقال لما دخلت في السلم ذكرت للنبي صلى ال عليه وسلم خوفها من
انقطاع معاشها بالتجار
ة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في السلم فقال مع خلف ملك الشام
والعراق لهل السلم النبي صلى ال عليه وسلم إذا هلك كسرى فل كسرى بعده
فلم يبق بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده وقال إذا هلك قيصر فل قيصر بعده
فلم يكن بأرض الشام قيصر فأجابهم على ما قالوا وكان كما قال قطع ال الكاسرة
عن
العراق وفارس وقيصر عن الشام وقال في كسرى مزق ال ملكه فلم يبق للكاسرة
ملك وقال في قيصر ثبت ملكه فثبت ملكهم ببلد الروم وتنحى
عن الشام وكل هذا يصدق بعضه بعضا وفي الصحيحين عن سفيان بن أبي زهير
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون
بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم
يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وفي رواية
فيخرج من المدينة فاخبر صلى ال عليه وسلم بفتح اليمن والشام والعراق قبل أن
يكون وأخبر أنه يخرج من المدينة أقوام يتحملون بأهليهم ومن
اطاعهم إلى هذه المصار ويطلبون الريف وسعة الرزق قال والمدينة خير لهم لو
كانوا يعلمون وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال
653
www.anassim.fr.st 654 الن سي ــــ ـــ ـم
ستفتح مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا وفي رواية
فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما فإذا رأيتم رجلين يقتتلن على موضع لبنة
فأخرج منها
فمر ابو ذر بعد فتح مصر بمدة بابني شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع
لبنة فخرج منها وفي صحيح البخاري عن سليمان بن صرد قال سمعت النبي صلى
ال عليه وسلم يقول حين أجلي الحزاب عنه الن نغزوهم ول يغزونا وكذلك كان
وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال إذا
فتحت عليكم فارس والروم أي قوم وأنتم قال عبد الرحمن بن
عوف نقول كما أمرنا ال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أو غير ذلك تتنافسون
ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتحملون
بعضهم على رقاب بعض وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه لما أنزل ال ^
هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين وآخرين منهم لم يلحقوا بهم وهو
العزيز الحكيم سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن هؤلء الخرين فقال لو كان الدين
معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس وفي لفظ لو كان اليمان وفي لفظ العلم
وكان كما أخبر فإنه حصل في
التابعين وتابعيهم وهلم جرا من أبناء فارس مثل الحسن البصري ومحمد بن سيرين
وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر وأضعاف هؤلء من
نالوا ذلك ولما نزل قوله تعالى ^ فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على
^ المؤمنين أعزة على الكافرين
سئل عنهم فقال هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الشعري وقال إني لجد نفس
الرحمن من قبل اليمن وفي الصحيحين عنه أنه قال أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا
وألين أفئدة اليمان يماني والفقه يماني والحكمة يمانية
فلما أرتد من ارتد عن السلم أتى ال بهؤلء الذين يحبهم ويحبونه فقاتل الصديق
بهم أهل الردة وغلب بهم أبو بكر وعمر كسرى وقيصر وقال لعثمان إن ال
مقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فل تخلعه وفي الصحيحين عن أبي موسى
قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ
يركز بعود
في الماء والطين إذ استفتح رجل فقال له افتح وبشره بالجنة فإذا هو أبو بكر ففتحت
له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة فذهبت فإذا هو
عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة
654
www.anassim.fr.st 655 الن سي ــــ ـــ ـم
على بلوى تصيبه فذهبت فإذا هو عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فقلت له الذي قال
فقال اللهم صبرا وال المستعان وفي الصحيحين حديث حذيفة عن النبي صلى ال
عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر وقال لعمر إن بينك وبينها بابا مغلقا
يوشك ذلك الباب أن يكسر فسأله مسروق من الباب
فقال عمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم
ستكون الفتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير
من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به ورواه أبو بكرة
وقال فيه فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه
ومن كانت له أرض فليلحق
بأرضه قال فقال رجل يا رسول ال ارأيت إن لم يكن له إبل ول غنم ول أرض قال
يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت اللهم
هل بلغت فقال رجل يا رسول ال أرأيت إن كرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين
أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك
ويكون من أصحاب النار وفي صحيح أبي حاتم قال النبي صلى ال عليه وسلم ويل
للعرب من شر قد اقترب او فتنة عمياء صماء بكماء القاعد فيها خير من الماشي
والماشي خير من الساعي ويل للساعي فيها من ال يوم القيامة
وفي الصحيحين عنه أنه قال إني لرى الفتن تقع خلل بيوتكم كمواقع القطر وفي
الصحيحين من غير وجه أنه لما قال له ذو الخويصرة يا محمد أعدل فإنك لم تعدل
فقال ويحك قد خبت وخسرت إن لم اعدل فقال بعض اصحابه دعني اضرب عنق
هذا المنافق فقال النبي صلى ال عليه وسلم إنه يخرج من ضئضيء هذا أقوام يحقر
احدكم صلته مع صلتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم
يقرؤن القرآن ل يجاوز حناجرهم يمرقون من السلم كما يمرق السهم من الرمية
آيتهم أن فيهم رجل مخدج اليد على عضده مثل البضعة من اللحم تدردر عليها
شعرات وفي رواية في الصحيحين تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم
أدنى الطائفتين إلى الحق وهؤلء ظهروا بعد موته ببضع وعشرين سنة في أواخر
خلفة علي لما افترق المسلمون وكانت الفئة بين عسكر علي وعسكر معاوية وقتلهم
علي بن أبي طالب وأصحابه وهم أدنى الطائفتين إلى الحق والطائفة الخرى قتلوا
عمار بن ياسر وهي الطائفة
الباغية وكان علي قد أخبرهم بهذا الحديث وبعلمتهم فطلبوا هذا المخدج فلم يجدوه
حتى قام علي بنفسه ففتش عليه فوجده مقتول فسجد شكرا ل وفي الصحيح عنه أنه
قال ستكون بعدي أمراء يؤخرون الصلة عن وقتها فصلوا الصلة لوقتها واجعلوا
صلتكم معهم نافلة وهؤلء ظهروا بعده بمدة فكانوا يؤخرون الظهر إلى وقت
655
www.anassim.fr.st 656 الن سي ــــ ـــ ـم
العصر ويؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس وفي الصحيحين عنه أنه قال إنكم
ستلقون بعدي أثرة فاصبروا
حتى تقلوني على الحوض فلقوا بعده من استأثر عليهم ولم يعطهم حقهم وفي
الصحيحين عنه انه قال ستكون بعدي امراء يطلبون منكم حقهم ويمنعونكم حقكم
قالوا فما تأمرنا يا رسول ال قال ادوا إليهم حقهم واسألوا ال حقكم وفي الصحيحين
عنه أنه سار فاطمة فقال لها وهو في مرضه الذي توفي فيه إني أقبض في مرضي
هذا ثم اخبرها أنها أول أهله لحوقا به وفي رواية وأخبرها أنها سيدة نساء المؤمنين
وفي الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أسرعكن بي
لحاقا أطولكن يدا قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا فكانت أطولنا يدا زينب لنها
كانت تعمل بيدها
وتصدق وفي صحيح البخاري وغيره عن أم حرام عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم وفي صحيح البخاري عن أم حرام
أيضا
قالت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر
قد أوجبوا قالت يا رسول ال أنا فيهم قال أنت فيهم قالت ثم قال النبي صلى ال عليه
وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت يا رسول ال أنا فيهم
قال ل وغزاها المسلمون في خلفة معاوية وكان يزيد أميرهم وكان في العسكر أبو
ايوب النصاري الذي نزل النبي صلى ال عليه وسلم في بيته لما قدم المدينة
مهاجرا ومات ودفن تحت سورها وذكروا أنهم كانوا إذا أجدبوا كشفوا عن قبره
فيسقون
ثم غزاها المسلمون مرة ثانية في خلفة عبد الملك غزاها ابنه مسلمة وحصروها
عدة سنين وبنوا فيها مسجدا وفي الصحيحين عن أنس قال كان النبي صلى ال عليه
وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن
الصامت فدخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه
فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت مم تضحك فقال عرض علي ناس من أمتي
يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة فقالت أم حرام
ادع ال أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت
مم تضحك فقال
عرض علي ناس من أمتي كما قال في الولى فقالت يا رسول ال أدع ال أن
يجعلني منهم قال أنت من الولين قال أنس فركبت البحر زمان معاوية بن أبي
سفيان فصرعت عن دابتها لما خرجت من البحر فماتت وهذا كان في خلفة عثمان
ومعاوية نائبه وكان المسلمون في خلفة عمر لم يغزوا في البحر وأول ما غزوا
656
www.anassim.fr.st 657 الن سي ــــ ـــ ـم
البحر في خلفة عثمان وفتحوا جزيرة قبرص وجاؤا بسبيها إلى دمشق وكان أبو
الدرداء حيا بدمشق فجعل يبكي فقيل له ما يبكيك يا أبا الدرداء هذا يوم قد أعز ال
فيه السلم فقال إنما أبكى أني رأيت هذه المة كانت قاهرة ظاهرة فأضاعت أمر
ال فيه فأصارها ال إلى ما ترون ما أهون العباد على ال إذا ضيعوا أمره وفي
الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال سألت ربي ثلثا فأعطاني اثنتين
ومنعني واحدة سألته ان ل يسلط
على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن ل يهلكهم بسنة عامة
فأعطانيها وسألته أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وثبت عنه في الصحيحين أنه قال
ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم
حتى تقوم الساعة وهذا أخبر به حين كانت أمته أقل المم فانتشرت المة في
مشارق الرض ومغاربها وكان كما أخبر به فإن هذه المة ول الحمد والمنة لم يزل
فيها طائفة ظاهرة بالعلم والدين والسيف لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني
إسرائيل وغيرهم حيث كانوا مقهورين مع العداء بل إن غلبت طائفة في قطر من
الرض كانت
في القطر الخر امة ظاهرة منصورة ولم يسلط على مجموعها عدوا من غيرهم
ولكن وقع بينهم اختلف وفتن وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم صنفان من أهل النار لم ارهما قوم معهم سياط كأذناب البقر
يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلت مائلت رؤوسهن كأسنمة
البخت المائلة ل يدخلن الجنة وليجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا
وهؤلء ظهروا بعده بمدة طويلة وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة وعلى رؤسهن
عمائم كأسنمة الجمال البخاتي يسمون العمامة سنام الجمل وفي حديث مسلم عن
أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب
ومبير
وظهر الكذاب من ثقيف وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي أظهر التشيع
والنتصار للحسين وقتل عبيد ال بن زياد وغيره من قتلة الحسين ثم أظهر أنه
يوحى إليه وأنه ينزل عليه حتى قيل لبن عمر
وابن عباس عنه قيل لحدهما أنه يوحى إليه وللخر إنه ينزل عليه فقال أحدهما ^
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ^ وقال الخر ^ هل أنبئكم على من تنزل
الشياطين تنزل على كل افاك أثيم ^ وأما المبير فكان هو الحجاج بن يوسف الثقفي
وكان مبيرا سفاكا للدماء بغير حق انتصارا لملك عبد الملك بن مروان الذي استنابه
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال لقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أيكم
يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي فيجمعه إلى صدره فإنه لن ينسى شيئا سمعه فبسطت
بردة علي حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا
657
www.anassim.fr.st 658 الن سي ــــ ـــ ـم
سمعته منه وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ليزال السلم عزيزا إلى اثني عشر
خليفة كلهم من قريش وفي لفظ إلى اثني عشر أميرا وفي رواية لبي داود الطيالسي
كلهم يجتمع عليهم المة وفي رواية فقالوا ثم يكون ماذا قال ثم يكون الهرج قال أبو
بكر البيهقي وفي الرواية الولى بيان العدد وفي الخرى بيان المراد بالعدد وقد بين
وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد
بن يزيد
ابن عبد الملك ثم وقع الهرج والفتنة العظمى وأنما يزيدون على العدد المذكور إذا
تركت الصفة المذكورة فيه أو عد معهم من كان بعد الهرج وفي الصحيحين عن
جابر قال قال لي رسول ال صلىال عليم وسلم هل لك من أنماط قلت يا رسول ال
وأني يكون لي أنماط فأنا أقول اليوم لمرأتي نحي عنك أنماطك فتقول ألم يقل
رسول ال صلى ال عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط وفي الصحيحين عن ابن
عباس ان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال بينا أنا نائم اريت أنه وضع في يدي
سواران من ذهب ففظعتهما فكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين
يخرجان بعدي قال عبيد ال أحدهما العنسي الذي قتله فيروز ياليمين والخر مسيلمة
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال
وهو مستقبل المشرق ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن
الشيطان وفي بعض طرق البخاري قام خطيبا فأشار بيده نحو مسكن عائشة فقال
وذكر الحديث فالمشرق عن مدينته فيه البحرين ومنها خرج مسيلمة
الكذاب الذي ادعى النبوة وهو أول حادث حدث بعده واتبعه خلئق وقاتله خليفته
الصديق وروى أبو حاتم في صحيحيه عن جابر بن عبد ال قال سمعت النبي صلى
ال عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين منهم صاحب اليمامة ومنهم صاحب
صنعاء العنسي ومنهم صاحب حمير ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة وصاحب
اليمامة هو مسيلمة قال وقال أصحابي قال هو قريب من ثلثين كذابا وفي صحيح
مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ل تقوم الساعة حتى يخرج
ثلثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول ال وحتى يفيض الما وتظهر الفتن
ويكثر
الهرج قالوا وما الهرج يا رسول ال قال القتل القتل وفي صحيح ابن حبان عن أبي
ذر قال ركب رسول ال صلى ال عليه وسلم حمارا واردفني خلفه ثم قال يا ابا ذر
اين أنت إن أصاب الناس جوع شديد حتى ل تستطيع أن تقوم من فراشك إلى
مسجدك كيف تصنع فقال ال ورسوله أعلم قال تعفف قال يا أبا ذر أرأيت إن أصاب
الناس موت شديد حتى يكون البيت بالعبد كيف تصنع قال ال ورسوله أعلم قال
658
www.anassim.fr.st 659 الن سي ــــ ـــ ـم
اصبر يا أبا ذر ارايت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من
الدماء كيف تصنع قال ال ورسوله أعلم قال اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك فقال
أرأيت إن لم اترك قال فأت من أنت منه فكن فيهم قال فآخذ سلحي قال إذا
تشاركهم فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فأطلق طرف ردائك على
وجهك يبوء بإثمك وإثمه وفيه عن ابن مسعود قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم
وهو في قبة من ادم فيها أربعون رجل فقال إنكم مفتوحون ومنصورون فمن أدرك
ذلك الزمان منكم فليتق ال وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي
متعمدا فليتبوا مقعده من النار وأما الفتوح التي فتحت عليهم والنصرة التي نصروا
فقد أخبر به في أوائل مبعثه كما تقدم ذكره ووقع ما أخبر به وروى أبو حاتم في
صحيحه عن ابن عباس قال مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه النبي صلى ال عليه
وسلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل فقام أبو جهل فقعد فيه فشكوا رسول ال صلى
ال عليه وسلم إلى ابي طالب فقالوا إن ابن أخيك يقع في آلهتنا قال ما شأن قومك
يشكونك يا ابن أخي قال يا عم
إنما أردتهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية
فقال وما هي قال ل إله إل ال فقاموا فقالوا أجعل اللهة إلها واحدا قال ونزلت ^
ص والقرآن ذي الذكر ^ إلى قوله ^ إن هذا لشيء عجاب ^ وفي صحيح ابن حبان
عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال لما اقبلت عائشة قربت ببعض
مياه
بني عامر طرقتهم ليل فسمعت نباح الكلب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب
قالت ما أظنني رافعة قالوا مهل يرحمك ال تقدمين فيراك المسلمون فيصلح ال بك
قالت ما أظنني رافعة أني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول كيف
بإحداكن ينبح عليها كلب الحوأب وفيه أيضا عن ابن أبي طالب قال قال لي عبد ال
بن سلم وقد وضعت رجلي في الغرز وأنا اريد العراق ل تأت
العراق فإنك إن تأتهم أصابك ذنب السيف قال علي وايم ال لقد قالها رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال أبو السود فقلت في نفسي ما رأيت كاليوم رجل محاربا
يحدث الناس بمثل هذا وهذا وأمثاله مما أخبر به صلى ال عليه وسلم من
المستقبلت فوقع بعده كما أخبر ورأى الناس ذلك وأما ما أخبر به مما لم يقع إلى
الن فكثير وقد أخبر بأشياء من المغيبات ووقعت في زمانه ووجدت كما أخبر كما
في الصحيحين عن سهل بن سعد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوم خيبر
لعطين هذه الراية غدا رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله يفتح ال على
يديه فكان كذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي السلم هذا من أهل النار فلما حضرنا
659
www.anassim.fr.st 660 الن سي ــــ ـــ ـم
القتال قاتل الرجل قتال شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول ال الرجل الذي قلت له
آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتال شديدا وقد مات فقال النبي صلى ال عليه
وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينا هم على ذلك إذ قيل فإنه لم يمت
ولكن به جرحا شديدا فلم كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي
صلى ال عليه وسلم بذلك فقال ال أكبر أشهد أني عبد ال ورسوله ثم أمر بلل
فنادى في الناس إنه ل يدخل الجنة إل نفس مسلمة وأن ال يؤيد هذا الدين بالرجل
الفاجر ورواه سهل بن
سعد وفي الصحيحين عن علي رضي ال عنه قال بعثني رسول ال صلى ال عليه
وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام والمقداد وكلنا فارس فقال إنطلقوا حتى
تأتوا روضة ناخ
فإن بها إمرأة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها
خبب فقلنا لها أين الكتاب فقالت ما معي كتاب قال فأنخنا بها فالتمسنا الكتاب في
رحلها فلم نر كتابا قال قلنا ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم لتخرجن الكتاب
أو لنجردنك قال فلما رأت أني أهويت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء أخرجت
الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا فيه
من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال ل
تعجل علي إني كنت أمرأ
ملصقا في قريش ولم اكن من أنفسها وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات
يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم إن أتخذ يدا يحمون بها
قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ول ارتدادا عن ديني ول رضاء بالكفر بعد السلم فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر دعني أضرب عنق هذا
المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل ال قد اطلع على أهل بدر فقال أعملوا
ما شئتم فقد غفرت لكم فكان في هذا الكتاب إخبار المشركين بأن النبي صلى ال
عليه وسلم يريد يغزوهم فأعلمه ال بذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال نعى
رسول ال صلى ال عليه وسلم للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى
المصلى وكبر اربع تكبيرات وفي رواية عن جابر قال إن رسول ال صلى ال عليه
وسلم صلى على أصحمة النجاشي وفي لفظ من رواية أبي هريرة قال قد مات اليوم
عبد ال
صالح أصحمة فأمنا وصلى عليه وفي رواية عمران بن حصين قال إن أخاكم قد
مات فصلوا عليه يعني النجاشي وروى موسى بن عقبة عن ابن شهاب ورواها
عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق بمعناه قال ثم إن المشركين اشتدوا على رسول
ال صلى ال عليه وسلم كأشد ما كانوا حتى بلغ بالمسلمين الجهد واشتد عليهم البلء
660
www.anassim.fr.st 661 الن سي ــــ ـــ ـم
وأجمعت قريش في مكرها ان يقتلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم علنية فلما
رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول ال
صلى ال عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك مسلمهم
وكافرهم فمنهم من فعله حمية ومنهم من فعله
إيمانا ويقينا فلما عرفت قريش ان القوم قد منعوا الرسول صلى ال عليه وسلم
واجتمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن ل يجالسوهم ول
يبايعوهم ول يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول ال صلى ال عليه وسلم للقتل وكتبوا
في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق ل يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ول تأخذهم
بهم رأفة حتى يسلموه للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلث سنين واشتد عليهم
البلء والجهد وقطعوا عنهم السواق فلم يتركوا طعاما يقدم مكة ول بيعا إل
بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول ال صلى ال عليه
وسلم زاد ابن إسحاق في روايته قال حتى كان يسمع صوت صبيانهم يتضاغون من
وراء الشعب من الجوع وعدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلء عليهم
وعظمت الفتنة وزلزلوا
زلزال شديدا قال موسى بن عقبة في تمام حديثه وكان أبو طالب إذا اخذ الناس
مضاجعهم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك
من أراد مكرا به واغتياله فإذا نوم الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه
فاضطجع على فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم وامر رسول ال صلى ال
عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه فلما كان رأس ثلث سنين تلوم رجال
من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء بني
هاشم ورأوا انهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على
نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث ال عز جل على صحيفتهم التي
فيها المكر برسول ال صلى ال عليه وسلم الرضة فلحست كل ما كان فيها من
عهد وميثاق ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك
إسما ل عز وجل فيها إل لحسته وبقي ما فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم
وأطلع ال رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول ال صلى ال عليه
وسلم لبي طالب فقال أبو طالب ل والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من
بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين
بجماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم أخرجوا من شدة البلء فأتوهم ليعطوهم رسول
ال صلى ال عليه وسلم فتكلم أبو طالب فقال قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم
فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بينكم وبيننا صلح وإنما قال ذلك
خشية أن ينظروا في صحيفتهم قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين بها ل
يشكون أن الرسول مدفوع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا
إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة
661
www.anassim.fr.st 662 الن سي ــــ ـــ ـم
قومكم وعشيرتكم وفسادهم فقال أبو طالب إنما أتيتكم لعطيكم أمرا فيه نصف فإن
ابن اخي أخبرني ولم يكذبني ان ال عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في
أيديكم ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا
بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فوال ل نسلمه أبدا حتى
نموت من عند آخرنا وإن كان الذي قال باطل دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه
قالوا قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى ال
عليه وسلم قد اخبر خبرها فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا وال إن
كان هذا إل سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم
والشدة على رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمين وعلى رهطه والقيام بما
تعاهدوا عليه فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب إن أولى بالسحر والكذب غيرنا
فكيف ترون فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر
من أمرنا ولول أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس
ال ما كان فيها من اسم وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم فقال عند
ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم
منهم أبو البختري والمطعم بن عدي
وزهير بن أبي أمية ابن المغيرة وزمعة بن السود وهشام بن عمرو وكانت
الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي في رجال من اشرافهم ووجهوهم نحن
براء مما في هذه الصحيفة فقال أبو جهل هذا أمر قد قضي بليل وأنشأ أبو طالب
يقول في ذلك الشعر في شأن صحيفتهم ويمتدح النفر الذين تبرؤا منها ونقضوا ما
كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي قال موسى بن عقبة فلما افسد ال صحيفة مكرهم
خرج
النبي صلى ال عليه وسلم فعاشوا وخالطوا الناس وفي صحيح البخاري عن عبد ال
بن مسعود قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان
وكان أمية بن خلف إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ فقال
لمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن اطوف بالبيت قال انتظر حتى إذا انتصف النهار
وغفل الناس انطلقت فطفت قال فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل
فقال يا أبا صفوان من هذا معك قال هذا سعد فقال أبو جهل ال أراك تطوف
بالبيت آمنا وقد أويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما وال لول انك
مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فقال له سعد وقد رفع صوته عليه لئن
منعتني من هذا لمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة قال فقال له امية
ل ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي فقال سعد دعنا منك يا أمية فوال
لقد سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول إنه قاتلك قال بمكة قال ل أدري
662
www.anassim.fr.st 663 الن سي ــــ ـــ ـم
ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال وال ما يكذب محمد فلما رجع أمية إلى أهله قال يا
أم صفوان الم تري إلى ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم
انه قاتلي فقلت له بمكة فقال ل أدري فقالت وال ما يكذب محمد فقال امية وال ل
أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنصر ابو جهل الناس فقال أدركوا عيركم قال
فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد
تخلفت وأنت سيد اهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل ابو جهل حتى قال إذ غلبتني
فوال لشترين أجود بعير بمكة قال يا ام صفوان
جهزيني فقالت له يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال ل وما اريد
أن أجوز معهم إل قريبا قال فلما خرج امية جعل ل ينزل منزل إل عقل بعيره فلم
يزل كذلك حتى قتله ال ببدر وعن كعب بن مالك قال كان أبي بن خلف أخو بني
جمع قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما بلغت رسول ال
صلى ال عليه وسلم حلفته قال رسول ال صلى ال عليه وسلم بل انا أقتله إن شاء
ال عز وجل فأقبل أبي مقنعا في الحديد وهو يقول ل نجوت إن نجا محمد فحمل
على رسول ال صلى ال عليه وسلم يريد
قته فاستقبله مصعب بن عمير من بني عبد الدار يقي رسول ال صلى ال عليه وسلم
بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر النبي صلى ال عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف
من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه فيها بحربته فوقع ابي عن فرسه ولم
يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا ال ما
أجزعك إنما هو خدش فذكر لهم قول رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا أقتل أبيا ثم
قال والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون
فمات إلى النار ورواه موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب
وذكره الواقدي بإسناده وهذا لفظه وهو مما ذكره عروة بن الزبير في مغازيه وابن
إسحاق وغيره وذكر موسى بن عقبة في مغازيه ان عمير بن وهب الجمحي لما
رجع فل المشركين إلى مكة وقد قتل ال من قتل منهم اقبل عمير
حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان قبح ال العيش بعد قتلى بدر
قال أجل وال ما في العيش خير بعدهم ولول دين علي ل أجد له قضاء وعيال ل
أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملت عيني منه فإن لي عنده علة أعتل بها
أقول قدمت على ابني أفدي هذا السير ففرح صفوان بقوله وقال له علي دينك
وعيالك أسوة عيالي في النفقة فحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف عمير فصقل وسم
فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل بباب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فعمد
لرسول ال صلى ال عليه وسلم فنظر عمر بن الخطاب إليه وهو في نفر من
النصار يتحدثون فقال عمر عندكم الكلب هذا عدو ال الذي حرش بيننا
663
www.anassim.fr.st 664 الن سي ــــ ـــ ـم
يوم بدر وحزرنا للقوم ثم قام عمر حتى دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم
إلى أن قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أقدمك قال أسيري عندكم ففادونا
في اسرائنا فإنكم العشيرة والهل قال فما بال السيف في عنقك قال عمير قبحها ال
من سيوف فهل أغنت عنا شيئا إنما نسيته في عنقي حين نزلت فقال له رسول ال
صلى ال عليه وسلم اصدقني ما أقدمك قال ما قدمت إل في أسيري قال فماذا
شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير وقال ماذا شرطت قال تحملت له
بقتلي على ان يعول بيتك ويقضي دينك وال حائل بينك وبين ذلك فقال عمير أشهد
أنك رسول ال وان ل إله إل ال كنا نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء وهذا
الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع عليه احد غيري وغيره فأخبرك
ال به وذكر بقية الحديث
وفي صحيح البخاري عن أنس قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أقواما من
بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني
حتى أبلغهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وإل كنتم مني قريبا فأمنوه فبينما هو
يحدثهم عن النبي صلى ال عليه وسلم إذ أومأوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه قال
فزت ورب الكعبة ثم مالوا
على بقية أصحابه فقتلوهم إل رجل أعرج صعد الجبل وآخر معه فأخبر جبريل
النبي صلى ال عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي ال عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن
بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ فدعا عليهم أربعين
صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا ال ورسوله وكان في
هؤلء عامر بن فهيرة
قال عنه عامر بن الطفيل لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لنظر إلى
السماء بينه وبين الرض وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي قال خرجنا
مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة
لمرأة فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم أخرصوها فخرصناها وخرصها رسول ال صلى ال عليه وسلم عشرة أوسق
قال أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء ال تعالى فانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال النبي
صلى ال عليه وسلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فل يقم فيها أحد فمن كان له
بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء
وروى المام أحمد عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب ابو
اليسر بن عمرو وهو كعب بن عمرو أحد
بني سلمة فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم كيف اسرته يا ابا اليسر فقال لقد
أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ول قبل هيئته كذا وكذا فقال رسول ال صلى ال
664
www.anassim.fr.st 665 الن سي ــــ ـــ ـم
عليه وسلم لقد اعانك عليه ملك كريم وقال للعباس يا عباس أفد نفسك وابن أخيك
عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم أخو بني الحارث بن
فهر قال فإني قد كنت مسلما
قبل ذلك وإنما استكرهوني قال ال أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فال يجزيك بذلك
واما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
قد أخذ منه عشرين أوقية ذهب فقال يا رسول ال أحسبها لي من فداي قال ل ذلك
شيء أعطانا ال منك قال فإنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته بمكة حين
خرجت عند أم الفضل وليس معك احد غيركما فقلت إن أصبت في سفري هذا
فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد ال كذا قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من
الناس غيري وغيرها وأني أعلم أنك لرسول ال
وفي صحيح البخاري لما أرسل النبي صلى ال عليه وسلم الجيش في غزوة مؤتة
وأمر عليهم زيد بن الحارثة وقال إن قتل فجعفر فإن قتل فعبد ال بن رواحة فروى
البخاري عن أنس بن مالك قال نعى رسول ال صلى ال عليه وسلم زيدا وجعفرا
وابن رواحة للناس قبل ان يأتيهم خبرهم فقال اخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها
جعفر فأصيب ثم أخذها عبد ال بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول ال صلى ال
عليه وسلم لتذرفان ثم اخذها خالد بن الوليد سيف من سيوف ال حتى فتح ال عليهم
فصل وآياته صلى ال عليه وسلم المتعلقة بالقدرة والفعل والتأثير أنواع الول منها
ما هو في العالم العلوي كانشقاق القمر وحراسة السماء بالشهب الحراسة التامة لما
بعث كمعراجه إلى السماء فقد ذكر ال انشقاق القمر وبين ان ال فعله وأخبر به
لحكمتين عظيمتين
أحدهما كونه من آيات النبوة لما سأله المشركون آية فأراهم انشقاق القمر
والثانية أنه دللة عل جواز انشقاق الفلك وأن ذلك دليل على ما أخبرت به النبياء
من انشقاق السموات ولهذا قال تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية
يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد
جاءهم من النباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع
الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الجداث كأنهم جراد منتشر ^
فذكر اقتراب الساعة وانشقاق القمر وجعل الية في انشقاق القمر دون الشمس
وسائر الكواكب لنه أقرب إلى الرض من الشمس والنجوم وكان النشقاق فيه دون
سائر أجزاء الفلك إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر فيه النشقاق لكل من يراه
ظهورا ل يتمارى فيه وأنه نفسه إذا قبل النشاق فقبول محله أولى بذلك وقد عاينه
الناس وشاهدوه وكان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في المجامع
الكبار مثل صلة الجمعة والعيدين ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلئلها
665
www.anassim.fr.st 666 الن سي ــــ ـــ ـم
والعتبار بما فيها وكل الناس يقر بذلك ولينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما
عند الناس عامة وفي صحيح مسلم ان عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي
ما كان يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم في الضحى والفطر فقال كان يقرأ
فيهما ب قاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ومعلوم بالضرورة في
مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضل عن
أعدائه الكفار والمنافقين ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له
واتباعهم إياه فو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به
ويجعله آية له وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال إن أهل مكة سألوا نبي ال
صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين
وعنه قال إن أهل مكة سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية فانشق
القمر فرقتين ورواه الترمذي وزاد فيه فنزلت ^ اقتربت الساعة وانشق القمر ^ إلى
قوله تعالى ^ سحر مستمر ^ يقول ذاهب وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال انشق
القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم شقتين فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم اشهدوا
وعن ابن مسعود أيضا قال رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى
ال عليه وسلم شقة على جبل أبي قبيس وشقة على السويداء فقال كفار قريش اهل
مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم
فقد صدق وإن لم يكونوا رأوا مثل ما رأيتم فهو سحر قال فسئل السفار وقدموا من
كل وجه فقالوا رأينا رواه والبخاري ومسلم
وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال انشق القمر على زمان رسول ال صلى ال
عليه وسلم وروى مسلم عن ابن عمر في قوله تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق القمر
^ قال قد كان ذلك على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم انشق القمر فلقتين فلقة
من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم
اشهد وعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن بمكة حتى صار فرقتين على هذا
الجبل وعلى هذا الجبل فقال الناس سحرنا محمد قال رجل إن كان سحركم فلم
يسحر الناس كلهم رواه
الترمذي وكذلك صعدوه ليلة المعراج إلى ما فوق السموات وهذا مما تواترت به
الحاديث وأخبر به القرآن أخبر بمسراه ليل من المسجد الحرام إلى المسجد
القصى وهو بيت المقدس وفي موضع آخر بصعوده إلى السموات فقال تعالى ^
سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصا الذي باركنا
حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ^ فأخبر هنا بمسراه ليل بين المسجدين
وأخبر أنه فعل ذلك ليريه من آياته ومعلوم أن الرض قد رأى سائر الناس ما فيها
666
www.anassim.fr.st 667 الن سي ــــ ـــ ـم
من اليات فعلم أن ذلك ليريه آيات لم يرها عموم الناس كما قال في السورة الخرى
^ أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى
عندها الجنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى مازاغ البصر وما طغى لقد رأى من
آيات ربه الكبرى ^ وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله تعالى ^ وما جعلنا
الرءيا التي أريناك إل فتنة للناس ^ قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى ال عليه
وسلم ليلة أسرى به فكان في إخباره بالمسرى لنريه من آياتنا بيان أنه رأى من آياته
ما لم يره الناس وقد بين ذلك في السورة الخرى فإنه رأى جبريل عند سدرة
^ المنتهى ^ عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى
وانه رأى بالبصر آيات ربه الكبرى وذكر في تلك السورة المسرى لنه أمكنه أن
يقيم عليه برهانا فإنه لما أخبرهم به فكذبه من كذبه وتعجبوا من ذلك سألوه عن نعته
وصفته فنعته لهم لم يخرم من النعت شيئا وأخبر خبر عيرهم التي كانت في الطريق
فظهر لهم صدقه وكان صدقه في هذا آية على صدقه فيما غاب عنهم وكان قطع
المسافة البعيدة في الزمان اليسير لجل ما أراه من اليات التي تختص برؤيتها
النبياء وبهذا تميز عمن يقطع المسافة كرامة لولي أو بتسخير الجن كما في قصة
بلقيس حيث ^ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه
لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ^ فإن
قطع الجسم للمسافة البعيدة أنما كان لما أوتيه سليمان من الملك كما كانت الريح ^
تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في
الصفاد ^ وهذا تسخير ملكي وقطع محمد صلى ال عليه وسلم كان لما أراه ال من
اليات التي ميزه بها على سائر النبيين وكان ذلك فتنة أي محنة وابتلء للناس ليتبين
من يؤمن به ممن يكذبه وأحاديث المعراج وصعوده إلى ما فوق السموات وفرض
الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ ورؤيته لما رآه من اليات والجنة والنار
والملئكة والنبياء في السموات والبيت المعمور وسدرة المنتهى وغير ذلك
معروف
متواتر في الحاديث وهذا النوع لم يكن لغيره من النبياء مثله يظهر به تحقيق قوله
تعالى ^ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم
درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ فالدرجات التي رفعها
محمد ليلة المعراج وسيرفعها في الخرة في المقام المحمود الذي يغبطه به الولون
والخرون الذي ليس لغيره مثله ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن مالك
بن صعصعة وأبي ذر ومن رواية ابن عباس وأبي حبة النصاري وغيرهم
فروى أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض
طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى بصره قال فركبته حتى
667
www.anassim.fr.st 668 الن سي ــــ ـــ ـم
أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي تربط بها النبياء قال ثم دخلت المسجد
فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت
اللبن فقال جبريل عليه السلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل
فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وقد
بعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم
عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من أنت قال جبريل قيل
ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وبعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح
لنا فإذا أنا بانبي الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهما السلم فرحبا بي ودعوا لي
بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل
ومن معك قال محمد صلى ال عليه
وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلم وإذا هو
قد أعطي شطر الحسن قال فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة
فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه
وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بإدريس صلى ال عليه
وسلم فرحب ودعا لي بخير قال ال عز وجل ^ ورفعناه مكانا عليا ^ ثم عرج بنا
إلي السماء الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن
معك قال محمد
صلى ال عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بهارون
صلى ال عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح
جبريل عليه السلم قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه
وسلم قيل أوقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بموسى عليه السلم فرحب
ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من
هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال
قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى ال عليه وسلم مسند ظهره إلى البيت
المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ل يعودون إليه ثم ذهب بي إلى
سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلل قال فلما غشيها من أمر ال
ما غشي تغيرت فما أحد من خلق ال يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى ال إلي
ما أوحى ففرض علي خمسين صلة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه
السلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلة قال ارجع إلى ربك فاسأله
التخفيف فإن أمتك ل تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت
إلي ربي فقلت رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى عليه السلم
فقلت حط عني خمس قال فإن أمتك ل يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف
قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلم حتى قال لي يا
محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وللية لكل صلة عشر فتلك خمسون صلة ومن
668
www.anassim.fr.st 669 الن سي ــــ ـــ ـم
هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم
يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى
موسى عليه السلم فأخبرته قال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه وفي رواية قال
فأتيت فانطلق بي إلى زمزم فشرح عن
صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت طست من ذهب مملوءة حكما وإيمانا فحشى
بها صدري وفي رواية فشق من النحر إلى مراق البطن وقال عن البيت المعمور
فقلت ما هذا قال بناء بناه ال لملئكته يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك يقدسون
ال ويسبحونه ل يعودون إليه وفي حديث أبي ذر فنزل جبريل ففرج صدري ثم
غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في
صدري ثم أطبقه ثم اخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال
جبريل لخازن سماء الدنيا افتح قال من هذا قال جبريل قال هل معك احد قال نعم
معي محمد صلى ال عليه وسلم فلما علونا السماء فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن
يساره أسودة قال فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى قال مرحبا
بالبن الصالح والنبي الصالح قال قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم وهذه السودة
عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة
والسودة التي عن شماله أهل النار قال الزهري وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس
وابا حبة النصاري يقولن قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم عرج بي حتى
ظهرت بمستوى أسمع منه صريف القلم وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن مسعود
قال لما أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في
السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما
^ يهبط به من فوقها فيقبض منها قال ^ إذ يغشى السدرة ما يغشى
قال فراش من ذهب قال فأعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا أعطي
الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بال شيئا من
أمته المقحمات وعنه في قوله عز وجل ^ فكان قاب قوسين أو أدنى ^ قال إن النبي
صلى ال عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح وفي الصحيحين عن
جابر بن عبد ال أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى ال لي بيت المقدس فطفقت
أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن
مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها
قط قال فرفعه ال لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إل أنبأتهم به وصعود الدمي
ببدنه إلى السماء قد ثبت في أمر المسيح
669
www.anassim.fr.st 670 الن سي ــــ ـــ ـم
عيسى بن مريم عليه السلم فإنه صعد إلى السماء وسوف ينزل إلى الرض وهذا
مما يوافق النصارى عليه المسلمين فإنهم يقولون إن المسيح صعد إلى السماء ببدنه
وروحه كما يقوله المسلمون ويقولون إنه سوف ينزل إلى الرض أيضا كما يقوله
المسلمون وكما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم في الحاديث الصحيحة لكن
كثيرا من النصارى يقولون إنه صعد بعد أن صلب وأنه قام من القبر وكثير من
اليهود يقولون إنه صلب ولم يصعد ولم يقم من قبره وأما المسلمون وكثير من
النصارى فيقولون إنه لم يصلب ولكن صعد إلى السماء بل صلب والمسلمون ومن
وافقهم من النصارى يقولون إنه ينزل إلى الرض قبل القيامة وأن نزوله من أشراط
الساعة كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكثير من النصارى يقولون إن نزوله هو
يوم القيامة وإنه هو ال الذي يحاسب الخلق وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه
وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه ومن أنكر صعود بدن إلى
السماء من المتفلسفة فعمدته شيئا
أحدهما أن الجسم الثقيل ل يصعد وهذا في غاية الضعف
فإن صعود الجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الخبار في أمور متعددة مثل
عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة ولما قال سليمان ^ يأيها
الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن انا آتيك به
قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك
به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني
ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم قال نكروا
لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين ل يهتدون ^ ومثل حمل الريح لسليمان
عليه السلم وعسكره لما كان يحمل البساط في الهواء وهو جالس عليه بأصحابه
ومثل حمل قرى قوم لوط ثم إلقائها في الهواء ومثل المسرى إلى بيت المقدس الذي
ظهر صدق الرسول بخبره وبهذا يظهر جوابهم عن انكارهم انشقاق القمر فإن
عمدتهم فيه
أن الفلك ل يقبل النشقاق وقد عرف فسد ذلك عقل وسمعا وتواتر عن النبياء أنهم
أخبروا بانشقاق السموات وإيضاح الرد على هؤلء أن ما يثبتونه من أن الحركة ل
بد لها من جهة ومحدد يحدد الجهات إنما يدل على الفتقار إلى جنس المحدد ل يدل
على الحتياج إلى محدد معين فإذا قدر أنه خلق وراء المحدد محددا آخر وخرق
الول حصل به المقصود وهكذا عامة أدلتهم أنما تدل على شيء مطلق لكن يعينونه
بل حجة فيغلطون في التعيين كدليلهم على دوام الفاعلية أو الحركة أو زمانها فإن
ذلك ل يدل على الحركة الفلكية وأن الزمان هو مقدار الحركة بل إذا كان ال قد
خلق السموات والرض وما بينهما في سنة أيام كما أخبرت به الرسل لم تكن تلك
اليام التي خلق ال فيها السموات والرض هي مقدار حركة الشمس التي هي مما
خلق في تلك اليام بل وقد أخبر ال تعالى أنه كان عرشه على الماء قبل أن يخلق
670
www.anassim.fr.st 671 الن سي ــــ ـــ ـم
السموات والرض وأخبر أنه خلق السموات من دخان وهو بخار الماء فإذا كان قبل
هذه الحركا المشهودة حركات أخر لجسام غير هذه الجسام المشهودة لم يكن هذا
مناقضا لما دل عليه العقل
ورجال كثير في زماننا وغير زماننا يحملون من مكان إلى مكان في الهواء وهذا
مما تواتر عندنا وعند من يعرف ذلك وايضا فمعلوم أن النار والهواء الخفيف تحرك
حركة قسرية فيهبط والتراب والماء الثقيلن يحركان حركة قسرية فيصعد وهذا مما
جرت به العادة
والشبهة الثانية ظن بعض المتفلسفة كأرسطو وشيعته أن الفلك ل تقبل النشقاق
وحجتهم على ذلك في غاية الضعف فإنهم قالوا لو كانت تقبل النشقاق لكان المحدد
للفلك المحرك لها يتحرك حركة مستقيمة والحركة المستقيمة تحتاج إلى خلء
خارج العالم ول خلء هناك
وهذه الحجة فاسدة من وجوه منها انها تدل على ذلك في الفلك العلى ل فيما دونه
كفلك القمر وغيره وهذا مما أجابهم به الرازي وغيره ومنها أن وجود أجسام خارج
الفلك كوجود الفلك في حيزه يحتاج إلى خلء وقوله بنفي الخلء خارجه كقوله بنفي
الخلء عن
حيزه فإن كان الخلء عدما محضا فهو منتف في الجانبين وإن قيل إنه أمر وجودي
لزم أن يحتاج إليه في الموضعين وحينئذ فيبطل القول بنفيه وكذلك ما يذكرونه في
قدم العالم فليس مع القوم دليل واحد عقلي صحيح يناقض ما أخبرت به الرسل ولكن
قد تناقض ما يظنه بعض أهل الكلم من دين الرسل كما قد بسط في غير هذا
الموضع
والنوع الثاني آيات الجو كاستسقائه صلى ال عليه وسلم واستصحائه وطاعة
السحاب له ونزول المطر بدعائه صلى ال عليه وسلم ففي الصحيحين عن أنس بن
مالك أن رجل دخل المسجد في
يوم جممة من باب كان نحو دار القضاء ورسول ال صلى ال عليه وسلم قائما
يخطب فاستقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول ال هلكت
الموال وانقطعت السبل فادع ال يغيثنا قال فرفع رسول ال صلى ال عليه وسلم
يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فل وال ما نرى في السماء
من سحاب ول من قزعة وأن السماء لمثل الزجاجة وما بيننا وبين سلع من دار
فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن
منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته وفي رواية أخرى فطلعت من ورائه
سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم
أمطرت قال فل وال ما رأينا الشمس سبتا قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في
الجمعة المقبلة ورسول ال صلى ال عليه وسلم قائما يخطب فاستقبله قائما فقال يا
671
www.anassim.fr.st 672 الن سي ــــ ـــ ـم
رسول ال هلكت الموال وانقطعت السبل فادع ال يمسكها عنا قال فرفع رسول ال
صلى ال عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ول علينا اللهم على الكام والظراب
وبطون لودية ومنابت الشجر قال فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت حتى رأيت
المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إل أخبر
بجود ومن هذا الباب نصر ال بالريح التي قال ال فيها ^ يا أيها الذين آمنوا اذكروا
نعمة ال عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان ال بما
^ تعملون بصيرا
قال مجاهد يعني ريح الصبا أرسلت على الحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم
على أفواهها ونزعت فساطيطهم وجنودا لم تروها يعني الملئكة وفي صحيح مسلم
عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد
بالدبور وفي المغازي والسير قصة الحزاب وكيف أرسلت عليهم الريح والملئكة
وانهزموا بغير قتال معروف
والنوع الثالث تصرفه في الحيوان النس والجن والبهائم
فروي عن عبد ال بن جعفر قال أردفني رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم
فأسر إلي حديثا ل أحدث به أحدا من الناس قال وكان أحب ما استتر به هدف أو
حائش نخل فدخل حائط رجل من النصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى ال عليه
وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى ال عليه وسلم فمسح رأسه وذفراه فسكن
قال لمن هذا الجمل فجاء فتى من النصار فقال هو لي يا رسول ال فقال له رسول
ال صلى ال عليه وسلم أل تتقي ال في هذه البهيمة التي ملكك ال إياها فإنه شكا
إلي أنك تجيعه وتدئبه روى مسلم بعضه
وبعضه على شرطه ورواه أبو داود وغيره وروى أحمد والدارمي وغيرهما عن
جابر قال أقبلنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط
من حيطان بني النجار إذا فيه جمل ل يدخل الحائط أحد إل شد عليه فذكروا ذلك
للنبي صلى ال عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره
إلى الرض حتى برك بين يديه قال فقال النبي صلى ال عليه وسلم هاتوا خطامه
فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس فقال
إنه ليس شيء بين السماء والرض إل يعلم أني رسول ال إل عاصي الجن والنس
وروى الطبراني عن جابر قال خرجنا في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بحرة واقم
عرضت امرأة بدوية بابن لها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول
ال هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان قال فأدنيه مني فأدنته فقال افتحي فمه فبصق
فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم
وقال اخسأ عدو ال وأنا رسول ال ثلث مرات ثم قال شأنك بابنك ليس عليه بأس
672
www.anassim.fr.st 673 الن سي ــــ ـــ ـم
فلن يعود إليه شيء مما كان يصيبه وذكر قصة الشجرتين إلى أن قال فنزلنا في واد
من أودية بني محارب فعرض له رجل من بني محارب يقال له غورث بن الحارث
والنبي صلى ال عليه وسلم متقلد سيفه فقال يا محمد اعطني سيفك هذا فسله فناوله
إياه ونظر إليه ساعة ثم أقبل على النبي صلى ال عليه وسلم فقال يا محمد من
يمنعك
مني فارتعدت يده حتى سقط السيف من يده فتناوله رسول ال صلى ال عليه وسلم
ثم قال يا غورث من يمنعك مني قال ل أحد قال ثم أقبلنا راجعين فجاء رجل من
أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بعش طير يحمله وفيه فراخ وأبواه يتبعانه
ويقعان على يد الرجل فأقبل النبي صلى ال عليه وسلم على من كان معه فقال
أتعجبون بفعل هذا الطير وبفراخهما زاد في رواية فربكم ارحم بكم من هذا الطير
بفراخه ثم اقبلنا راجعين حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت لنا المرأة التي جاءت بابنها
بوطب من لبن وشاة فأهدته له فقال ما فعل ابنك هل أصابه شيء مما كان يصيبه
قالت ل والذي بعثك بالحق ما أصابه شيء مما كان يصيبه وقبل هديتها ثم أقبلنا
راجعين حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل فقال أتدرون ما قال هذا
الجمل قالوا ال ورسوله أعلم قال هذا جمل جاءني يستعدي على سيده
يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى أذا اجربه وأعجفه وكبر سنه اراد نحره
اذهب معه يا جابر إلى صاحبه فائت به فقلت ما أعرف صاحبه يا رسول ال قال
إنه سيدلك عليه قال فخرج بين يدي معنقا حتى وقف بي في مجلس بني خطمة فقلت
أين رب هذا الجمل قالوا فلن فجئته فقلت اجب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فخرج معي حتى جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال
عليه وسلم إن جملك هذا يستعدي عليك يزعم أنك حرثت عليه زمانا حتى أجربته
وأعجفته وكبر سنه ثم اردت نحره قال والذي
بعثك بالحق إن ذلك كذلك فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم بعنيه قال نعم يا
رسول ال فابتاعه منه ثم سيبه في الشجر حتى نصب سناما فكان إذا اعتل على
بعض المهاجرين والنصار من نواضحهم شيء أعطاه أياه فمكث بذلك زمانا وهذا
الحديث له شواهد أخرج أهل الصحيح منه قصة الشجرتين وقصة الذي شهر السيف
على رسول ال صلى ال عليه وسلم وقصة الطير
رواها أبو داود الطيالسي وقصة الصبي ذكرها غير واحد وروى المام أحمد في
مسنده عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلثة أشياء رأيتهن من رسول ال صلى ال عليه
وسلم بينما نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع
جرانه بالرض فوقف عليه النبي صلى ال عليه وسلم فقال أين صاحب هذا البعير
فجاء فقال بعينه فقال بل
673
www.anassim.fr.st 674 الن سي ــــ ـــ ـم
نهبه لك وهو لهل بيت ما لهم معيشة غيره فقال أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه
يشتكي إلي كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه وفي رواية أنهم أرادوا نحره ثم
سرنا فنزلنا منزل فقال النبي صلى ال عليه وسلم إنطلق إلى هاتين الشجرتين فقل
لهما إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما
ذلك فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتفتا
جميعا فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم حاجته من ورائهما ثم لما فرغ عادت
كل واحدة منهما مكانها بأمره وأتته امرأة بصبي لها به لمم فقالت يا رسول ال إن
ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فتفل النبي صلى ال عليه
وسلم في فيه وقال أخرج عدو ال أنا رسول ال فبرىء فلما رجعنا جاءت أم الغلم
بكبشين وشيء من أقط قالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك فأخذ أحد
الكبشين والقط ورد الكبش الخر
وروى هذه القصة أبو يعلى الموصلي عن أسامة بن زيد رضي ال عنه ورواه
الحاكم في صحيحه قال سافرت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأيت منه عجبا
وذكر الحديث وفيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال للمرأة لما أخرج الشيطان
من ابنها إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع ورواه الدارمي أيضا وروى الدارمي عن ابن
عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول
ال إن ابني به جنون وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا فمسح رسول ال
صلى ال عليه وسلم صدره ودعا فثغ ثغة خرج من جوفه مثل الجرو السود فشفي
وروى أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود قال كنا مع رسول ال
صلى ال عليه وسلم في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت
الحمرة ترف على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه فقال أيكم فجع
هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضتها فقال رده رحمة لها وروى الحاكم في
صحيحه عن سفينة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ركبنا البحر في سفينة
فانكسرت السفينة فركبت لوحا من ألواحها فطرحني في أجمة فيها أسد فلم يرعني
إل به
فقلت يا ابا الحارث انا مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم فطأطأ رأسه وغمز
بمنكبه شقي فما زال يغمزني ويهديني الطريق حتى وضعني على الطريق فلما
وضعني على الطريق همهم فظننت أنه يودعني وروى المام أحمد في مسنده عن
عائشة قالت كان لل رسول ال صلى ال عليه وسلم وحش إذا خرج رسول ال
صلى ال عليه وسلم اشتد ولعب وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول ال صلى ال عليه
وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم كراهية ان يؤذيه ورواه أبو نعيم
وروى عنها أحمد أيضا ان رسول ال صلى ال عليه وسلم كان في نفر من
المهاجرين والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول ال تسجد لك
674
www.anassim.fr.st 675 الن سي ــــ ـــ ـم
البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال لو كنت آمرا احدا أن يسجد لحد
لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل اسود
ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله رواه أحمد عن عفان وابن
ماجه عن ابن أبي شيبة عن
عفان قال ثنا حماد بن سلمة ثنا أبي علي بن زيد ثنا سعيد عن عائشة وقصة هذا
الجمل رواها جماعة وروى المام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال عدا
الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى
الذئب على ذنبه فقال أل تتقي ال تنزع مني رزقا ساقه ال إلي فقال يا عجبا ذئب
مقع على ذنبه يكلمني كلم النس فقال الذئب ال أخبرك بأعجب من ذلك محمد
صلى ال عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال فأقبل الراعي يسوق
غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى النبي صلى ال عليه
وسلم فأخبر فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فنودي الصلة جامعة ثم خرج
فقال للعرابي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم صدق والذي
نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى تكلم السباع النس ويكلم الرجل عذبة سوطه
وشراك نعله ويخبره فخذه ما أحدث أهله بعده وروى الترمذي آخره وصححه قال
البيهقي إسناده
صحيح وله شاهد من وجه آخر ورواه أحمد عن أبي هريرة قال وكان الراعي
يهوديا فأسلم وقال فيه اعجب من هذا رجل في النخلت بين الحرتين يخبركم بما
مضى وما هو كائن بعدكم وفي الصحيحين عن أنس قال كان بالمدينة فزع فاستعار
النبي صلى ال عليه وسلم فرسا لبي طلحة وكان يقطف فلما رجع قال وجدنا
فرسكم هذا بحرا وكان بعد ذلك ل يجارى وفي الصحيحين عن سلمة بن الكوع
وسهل بن سعد عن
النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة خيبر انه أرسل إلى علي وهو ارمد العين فقال
لعطين الراية رجل يحبه ال ورسوله ويحب ال ورسوله يفتح ال على يديه فبصق
في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع قط وأعطاه الراية فقال علي يا رسول ال أقاتلهم
حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى السلم
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق ال تعالى فيه فوال لن يهدي ال بك رجل واحدا
خير لك من حمر النعم وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه قتادة بن النعمان أنه
أصيبت عينه يوم بدر فسألت على وجنته فأرادوا ان يقطعوها فسألوا رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقال ل ودعاه وغمز حدقته براحته فكان ل يدري أي عينيه
أصيبت فكانت أحسن عينيه وأحدهما وفي رواية فرفع حدقته حتى وضعها موضعها
ثم غمزها براحته وقال اللهم أكسبه جمال فمات وما يدري من لقيه أي عينيه
675
www.anassim.fr.st 676 الن سي ــــ ـــ ـم
وانشد ولده بحضرة عمر بن عبد العزيز وهو خليفة أقره من حضر ولم ينكروه %
%أنا ابن الذي سالت على الخد عينه %وردت بكف المصطفى أيما رد
فلول أنه كان معروفا عند التابعين لم يقروه وهم إنما تلقوا هذا عن الصحابة وفي
صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى
أبي رافع اليهودي رجال من النصار
وأمر عليهم عبد ال بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول ال صلى ال عليه وسلم
ويعين عليه وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس
وراح الناس قال عبد ال لصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي
أدخل قال وأقبل حتى دنا من الباب وذكر قصة قتله إلى أن
قال ثم وضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أنني قد قتلته فجعلت
أفتح البواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد
انتهيت إلى الرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي ثم
انطلقت حتى جلست عند الباب فقلت ل أبرح حتى اعلم أقتلته أم ل فلما صاح الديك
قام الناعي على السور فقال أنعي ابا رافع قال فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجا قد
قتل ال أبا رافع قال فانتهينا إلى النبي صلى ال عليه وسلم وحدثناه فقال ابسط
رجلك فبسطها فمسحها فكأنما لم اشتكها قط
وفي البخاري عن يزيد بن أبي عبيد قال رأيت في ساق سلمة بن الكوع أثر ضربة
فقلت يا ابا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة اصابتني يوم خيبر فقال الناس
اصيب سلمة قال فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فنفث فيه ثلث نفثات فما
اشتكيت منها حتى الساعة وفي الترمذي وغيره عن عثمان بن حنيف أن رجل
ضريرا أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ادع ال تعالى ان يعافيني قال إن
شئت صبرت فهو خير لك وإن شئت دعوت ال قال فادعه قال فأمره أن يتوضأ
فيحسن الوضوء فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني اسألك وأتوجه إليك
بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى
ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم فشفعه في وفي رواية قال يا رسول ال ليس
لي قائد وقد شق علي وذكر الحديث فقال عثمان وال ما تفرقنا ول طال الحديث بنا
حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط قال الترمذي حديث صحيح
النوع الثالث آثاره في الشجار والخشب ففي الصحيحين عن جابر بن عبد ال قال
كان المسجد مسقوفا على جذوع النخل فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا خطب
يقوم إلى جذع منها فلما صنع المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت
العشار حتى جاء النبي صلى ال عليه
676
www.anassim.fr.st 677 الن سي ــــ ـــ ـم
وسلم فوضع يده عليها فسكنت وفي رواية فصاحت النخلة صياح الصبي وفي
الصحيح عن جابر ان امرأة من النصار قالت يا رسول ال ال أجعل لك شيئا تقعد
عليه فإن لي غلما نجارا قال إن شئت فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد
النبي صلى ال عليه وسلم على المنبر الذي صنع له فصاحت النخلة التي كان
يخطب عليها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى ال عليه وسلم فضمها إليه
فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت
وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال سرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته
بإداوة من ماء فنظر رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا
شجرتان بشاطىء الوادي فانطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ
بغصنين من أغصانها فقال انقادي علي بإذن ال فانقادت معه كالبعير المخشوش
الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي
علي بإذن ال فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما فلم بينهما حتى
جمع بينهما فقال التئما علي بإذن ال تعالى فالتأمتا عليه فخرجت أحضر مخافة أن
يحس رسول ال
صلى ال عليه وسلم بقربي فيتباعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا
برسول ال صلى ال عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة
منهما على ساق وذكر الحديث وعن ابن عباس قال جاء رجل من بني عامر إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول ال أرني الخاتم الذي بين كتفيك فإنني
من أطب الناس قال أل أريك آية قال بلى فنظر إلى نخلة فقال ادع ذلك العذق فجاءه
ينقز حتى قام بين يديه فقال له ارجع فرجع
وفي رواية الترمذي جاء أعرابي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال بم أعرف
أنك نبي قال إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول ال قال نعم
فدعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي
صلى ال عليه وسلم ثم قال ارجع فعاد فأسلم العرابي وروى الدارمي عن عبد ال
بن عمر قال كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا
منه قال له النبي صلى ال عليه وسلم أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك في خير
قال ما هو قال تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله فقال ومن يشهد على
ما تقول قال هذه السلمة فدعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بشاطىء
الوادي فأقبلت تخد الرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلثا فشهدت ثلثا أنه
كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع العرابي
إليه فقال أن اتبعوني أتيتك بهم وإل رجعت فكنت معك ورواه الدارمي أيضا قال فيه
677
www.anassim.fr.st 678 الن سي ــــ ـــ ـم
فجاءت النخلة تنقز بين يديه ثم قال لها ارجعي فعادت إلى مكانها وفي الصحيحين
عن معن بن عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سألت مسروقا من آذن النبي صلى
ال عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه قال
آذنته بهم شجرة وفي الترمذي عن علي قال كنت مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ول جبل إل وهو يقول
السلم عليك يا رسول ال رواه الحاكم في صحيحه وروى المام أحمد عن أنس بن
مالك قال جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد
خضب بالدماء ضربه بعض أهل مكة فقال له ما لك قال فقال فعل هؤلء وفعلوا
فقال له جبريل أتحب أني أريك آية فقال نعم فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال
أدع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع إلى
مكانها فقال لها ارجعي فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال النبي صلى ال عليه
وسلم حسبي ورواه أبو يعلى االموصلي في مسنده
فصل &
والنوع الرابع الماء والطعام والثمار الذي كان يكثر ببركته فوق العادة وهذا باب
واسع نذكر منه ما تيسر أما الماء ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى ال عليه
وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضؤن قال فحزرت ما بين السبعين
إلى الثمانين وفي رواية عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج في بعض مخارجه
ومعه أناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلة فلم يجدوا ما يتوضؤن
به فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير فأخذه النبي صلى ال عليه وسلم
فتوضأ ثم مد أصابعه الربع على القدح ثم
قال قوموا فتوضؤا وكانوا سبعين أو نحوه وفيهما عن أنس أيضا أن النبي صلى ال
عليه وسلم وأصحابه بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد ثمة دعا بقدح
فيه ماء فوضع فيه كفه فجعل ينبع بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه وفي
الصحيحين عنه قال رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وحانت صلة العصر
فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم بوضوء
فوضع في ذلك الناء يده وأمر الناس أن يتوضؤا منه قال فرأيت الماء ينبع من
تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم
وفي الصحيحين عن جابر قال قد رأيتني مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد
حضرت صلة العصر وليس معنا ماء غير فضلة فجعل في إناء فأتى النبي صلى
ال عليه وسلم فأدخل يده فيه وفرج أصابعه وقال حي على الوضوء والبركة من ال
فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه فتوضأ الناس وشربوا فجعلت ل آلو ما
جعلت في بطني منه فعلمت أنه بركة قلت لجابر كم كنتم يومئذ قال ألفا وأربعمائة
وفي صحيح البخاري عن جابر أيضا قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى
678
www.anassim.fr.st 679 الن سي ــــ ـــ ـم
ال عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه قال ما لكم قالوا ليس عندنا
ما نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين
أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا
خمس عشرة مائة
وفي البخاري عن البراء بن عازب قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة
فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي
صلى ال عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم
تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن
وركابنا وكنا ألفا وأربعمائة أو أكثر من ذلك وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع
قال قدمنا الحديبية مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة أو
أكثر من ذلك وعليها خمسون شاة ل ترويها فقعد رسول ال صلى ال عليه وسلم
على جبا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال فجاشت فسقينا واستقينا
وعن ابن عباس قال ودعا النبي صلى ال عليه وسلم بلل فطلب بلل الماء ثم جاء
فقال ل وال ما وجدت الماء فقال النبي صلى ال عليه وسلم فهل من شن فأتاه بشن
فبسط كفيه فيها فانبعثت من يده عين قال فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ
وعن جابر بن عبد ال قال غزونا أو سافرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
ونحن يومئذ بضع عشرة ومائتين فحضرت الصلة فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم هل في القوم من طهور فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء وليس في
القوم ماء غيره فصبه رسول ال صلى ال عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن
الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس ذلك القدح وقالوا تمسحوا تمسحوا
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك فوضع
رسول ال صلى ال عليه وسلم كفه في الماء والقدح فقال بسم ال
ثم قال أسبغوا الطهور فوالذي ابتلني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء تخرج
من بين أصابعه فلم يرفعها حتى توضؤا أجمعون رواهما الدارمي في مسنده وفي
صحيح البخاري عن عبد ال بن مسعود قال كنا نعد اليات بركة وأنتم تعدونها
تخويفا كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة
من ماء فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الناء ثم قال حي على الوضوء
المبارك والبركة من ال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى ال عليه
وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وروى مسلم في صحيحه عن معاذ بن
جبل قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم عام غزوة تبوك فكان يجمع
الصلة فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوم
آخر الصلة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج بعد ذلك فصلى
المغرب والعشاء جميعا ثم قال
679
www.anassim.fr.st 680 الن سي ــــ ـــ ـم
إنكم ستأتون غدا إن شاء ال عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن
جاءها منكم فل يمس من مائها شيئا حتى آتي فجئناها وقد سبقنا إليها رجلن والعين
مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول ال صلى ال عليه وسلم هل مسيتما
من مائها شيئا قال نعم فسبهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ما شاء ال أن
يقول ثم غرفوا بأيديهم من العين قليل قليل حتى اجتمع شيء قال وغسل رسول ال
صلى ال عليه وسلم فيه يديه ووجهه ثم اعاده فيها فجرت العين بماء منهمر أو قال
غزير فسقى الناس ثم قال يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما ها هنا قد
ملىء جنانا
وفي صحيح مسلم حديث جابر الذي رواه عبادة بن الوليد وقد تقدم أوله في قصة
الشجرتين وانقيادهما ثم افتراقهما ووضع الغصن على القبرين وقال في آخره فأتينا
العسكر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم يا جابر ناد بوضوء فقال أل وضوء أل
وضوء قال قلت يا رسول ال ما وجدت في الركب من قطرة وكان رجل من
النصار يبرد لرسول ال صلى ال عليه وسلم الماء في أشجاب له فقال لي انطلق
إلى فلن فانظر هل في أشجابه من شيء قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها
إل قطرة في عزلء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه
فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت يا رسول ال لم أجد فيها إل قطرة في
عزلء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه قال اذهب فأتني به فأتيته به فأخذه بيده
فجعل يتكلم بشيء ل أدري ما هو ويغمزه بيده ثم أعطانيه ثم قال يا جابر ناد بجفنة
الركب فقلت يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم بيده في الجفنة فقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم ال
فصببت عليه وقلت بسم ال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى ال عليه وسلم
ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلت فقال يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء قال
فأتى الناس فاستقوا حتى رووا قال فقلت هل بقي أحد له حاجة فرفع رسول ال
صلى ال عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملى وفي الصحيحين عن عمران بن
حصين قال كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا
كان
وجه الصبح عرسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس فكان أول من استيقظ منا أبو
بكر الصديق وكنا ل نوقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم من منامه حتى يكون هو
الذي يستيقظ لنا ل ندري ما يحدث له في نومه ثم استيقظ عمر فجعل يكبر حتى
استيقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال
ارتحلوا فسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم
لم يصل معنا فلما انصرف قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما منعك أن تصلي
معنا قال أصابتني جنابة ول ماء قال له عليك بالصعيد فإنه يكفيك فتيمم بالصعيد
680
www.anassim.fr.st 681 الن سي ــــ ـــ ـم
فصلى ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن
نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء فقالت إيهاه إيهاه
ل ماء لكم فقلت كم بين أهلك وبين الماء قالت مسيرة يوم وليلة قلنا انطلقي إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت وما رسول ال فلم نملكها من أمرها شيئا حتى
انطلقنا بها واستقبلنا بها رسول ال
صلى ال عليه وسلم فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا وأخبرته أنها موتمة لها
صبيان أيتام فأمر براويتها فأنيخت فمج في العزلوين العلياوين ثم بعث براويتها
فشربنا ونحن أربعون رجل عطاشا حتى روينا وملنا كل راوية وملنا كل قربة
معنا وإداوة وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تتضرج من الماء يعني
المزادتين ثم قال هاتوا ما عندكم فجمعنا لها من كسر وتمر وصرلها صرة وقال
اذهبي فأطعمي عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا فلما أتت أهلها قالت لقد
رأيت أسحر البشر أو أنه النبي كما زعم كان من أمره ذيت وذيت فهدى ال عز
وجل ذلك القوم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا
وفي الصحيحين عن أبي قتادة قال خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال إنكم
تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء غدا إن شاء ال فانطلق الناس ل يلوي أحد
على أحد وذكر حديث النوم في الوادي فقال ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء
من ماء فتوضأ منها وضوءا دون وضوء وبقي فيها شيء من ماء ثم قال لبي قتادة
احفط علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر
وعمر إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس إن
رسول ال صلى ال عليه وسلم بين أيديكم فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا قال
فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون يا رسول ال هلكنا
عطشا فقال
ل هلك عليكم ثم قال أطلقوا لي غمري قال ودعا بالميضاة فجعل رسول ال صلى
ال عليه وسلم يصب وابو قتادة يسقيهم فلم يعد ان رأى الناس ما في الميضأة تكابوا
عليها فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أحسنوا الملء كلكم سيروى قال ففعلوا
فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير
رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم صب فقال لي اشرب فقلت ل أشرب حتى يشرب
رسول ال قال إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت وشرب رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال فأتى الناس الماء جامين رواء قال عبد ال بن رباح إني لحدث بهذا
الحديث في مسجد
الجامع إذ قال لي عمران بن حصين انظر كيف يحدث فأنا أحد الركب تلك الليلة
فقلت أنت أعلم فقال ممن أنت قلت من النصار قال أنتم أعلم بحديثكم قال عمران
لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته وفي مسند المام أحمد
681
www.anassim.fr.st 682 الن سي ــــ ـــ ـم
ورواه أبو يعلى الموصلي عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم فاتينا على ركي ذمة قال فنزل ستة أنا سابعهم او سبعة أنا ثامنهم قال
فأدليت إلي دلو ورسول ال صلى ال عليه وسلم على شفة الركي فجعلنا فيها نصفها
أو قريب ثلثيها فرفعت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال فكدت بإنائي أجد
سقيا اجعله في حلقي فما وجدت قال فغمس رسول ال صلى ال عليه وسلم يديه فيها
وقال ما شاء ال أن يقول فأعيدت إلينا الدلو وما فيها قال
فرأيت آخرنا أخرج بثوب مخافة الغرق قال وساحت وفي الحديث الذي رواه المام
أحمد والترمذي وابو داود وابن ماجه طرف منه عن زياد بن الحارث الصداي قال
في آخره ثم قلنا يا نبي ال إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها
وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو
فادع ال في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ول نتفرق فدعا بسبع حصيات
فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيت البئر فألقوا
واحدة واحدة واذكروا اسم ال عز وجل قال الصداي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا
بعد أن ننظر إلى قعرها
وروى المام أحمد عن ابن عباس قال أصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات
يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال يا رسول ال ليس في العسكر ماء قال هل
عندك شيء قال نعم قال فأتني به قال فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل قال فجعل
رسول ال صلى ال عليه وسلم اصابعه في فم الناء وفتح أصابعه قال فانفجرت من
بين أصابعه عيون وأمر بلل فقال ناد في الناس الوضوء المبارك
فصل وأما تكثير الطعام ففي الصحيحين عن جابر قال لما حفر الخندق رأيت &
رسول ال صلى ال عليه وسلم خمصا فانكفأت إلى امرأتي فقلت لها هل عندك شيء
فإني رأيت برسول ال صلى ال عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت لي جرابا فيه
صاع من شعير ولنا بهيمة داجن قال فذبحت وطحنت ففرغت إلى فراغي فقطعتها
في برمتها ثم وليت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ل تفضحني برسول
ال صلى ال عليه وسلم ومن معه قال فجئت فساورته فقلت يا رسول ال إنا
دبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح رسول
ال صلى ال عليه وسلم وقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي هل
بكم وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنزلن برمتكم ول تخبزن عجينكم حتى
أجيء فجئت وجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم يقدمم الناس حتى جئت امرأتي
فقالت بك وبك قال قد فعلت الذي قلت لي فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم
عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادع لي خابزة فلتخبز معي واقدحي من
برمتكم ول تنزلوها وهم ألف فأقسم بال لكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا
لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو
682
www.anassim.fr.st 683 الن سي ــــ ـــ ـم
وفي رواية قال جابر إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت فقال أنا نازل فقام وبطنه معصوب
بحجر ولبثنا ثلثا ل نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى ال عليه وسلم المعول فضرب
فعاد كثيبا أهيل فقلت يا رسول ال أئذن لي إلى البيت فقلت لمرأتي رأيت من
رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر ق
الت عندي شعير وعناق فذبحت
العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت إلى رسول ال صلى ال
عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الثافي قد كادت أن تنضج فقلت طعيم لي
فقم أنت يا رسول ال ورجل أو رجلن قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قال قل
لها ل تنزع البرمة ول الخبز من التنور حتى آتي قال قوموا فقام المهاجرون
والنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى ال عليه وسلم
بالمهاجرين والنصار ومن معهم إلى أن قال فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا
وبقي بقية قال كل هذا وأهد فإن الناس أصباتهم مجاعة وفي الصحيحين عن أنس بن
مالك قال قال أبو طلحة لم
سليم قد سمعت صوت رسول ال صلى ال عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل
عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت
الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال فذهبت به فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسلك ابو طلحة فقلت نعم فقال بالطعام فقلت
نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت معهم
حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول ال صلى ال
عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقال ال ورسوله أعلم قال فانطلق أبو
طلحة حتى لقي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأقبل رسول ال صلى ال عليه
وسلم معه حتى دخل فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك
فأتت بذلك الخبز ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول ال
صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى
شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن
لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم حتى أكل
القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجل أو ثمانون وفي طريق البخاري ثمانون وقال
في رواية ثم أكل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس وفضل
فضلة فأهديناها لجيراننا وفي صحيح مسلم عن سلمة قال كنا مع رسول ال صلى
ال عليه وسلم في غزوة خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا يعنى من التمر فبسط
ناطعا فنثرنا عليه أزوادنا قال فتمطيت وتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة
683
www.anassim.fr.st 684 الن سي ــــ ـــ ـم
ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا ثم تطاولت فنظرته فحزرته كربضة الشاة وفي
الصحيحين عن أبي هريرة وأبي سعيد وسلمة بن الكوع واللفظ لمسلم عن أبي
هريرة رضي ال عنه قال
كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في مسير قال فنفذت أزواد القوم حتى هموا
بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر يا رسول ال لو جمعت ما بقي من أزواد القوم
فدعوت ال عليها قال ففعل فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره وذو النوى بنواه قيل
وما كانوا يصنعون بالنوى قال يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى
مل القوم أزوادهم قال فقال عند ذلك أشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال ل يلقى
ال بهما عبد غير شاك فيها إل دخل الجنة وفي لفظ آخر قال لما كان يوم غزوة
تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا يا رسول ال لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا
وادهنا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم افعلوا قال فجاء عمر فقال يا رسول ال
إن فعلت قل الظهر وفي رواية ما بقاؤهم
بعد إبلهم ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعل ال أن يجعل في ذلك
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم
قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة وجعل الخر يجيء بكف تمر وجعل يجيء الخر
بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير قال فدعا رسول ال صلى ال
عليه وسلم بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا
في العسكر وعاء إل ملؤه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة الحديث وروى
البخاري من حديث سلمة بن الكوع قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا نبي ال صلى ال
عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع قال
فتطاولت لحزره كم هو فحزرته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا
حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم هل من وضوء
قال فجاء رجل بإدواة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع
عشرة مائة ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم فرغ الوضوء وفي صحيح مسلم عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي
صلى ال عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الدم وليس عندهم
شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي
صلى ال عليه وسلم فتجد فيها سمنا قال فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته
فأتت النبي صلى ال عليه وسلم فقال عصرتيها فقالت نعم قال لو تركتيها ما زال
قائما وروى مسلم في صحيحه عن جابر أيضا قال جاء رجل إلى النبي صلى ال
عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته
وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال لو لم تكله لكلتم منه ولقام
684
www.anassim.fr.st 685 الن سي ــــ ـــ ـم
لكم وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال تزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب
فدخل بأهله قال فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور من حجارة فقالت يا انس
اذهب
بهذا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقل بعثت بهذا أمي إليك وهي تقرئك السلم
وتقول إن هذا لك منا قليل يا رسول ال قال فذهبت بها إلى رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقلت إن أمي تقرئك السلم وتقول إن هذا لك منا قليل فقال ضعه ثم قال
اذهب فادع فلنا وفلنا وفلنا ومن لقيت وسمى رجال قال فدعوت من سمى ومن
لقيت قال الجعد وهو الراوي عن أنس عدد كم كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة وقال
لي رسول ال صلى ال عليه وسلم يا أنس هات التور قال فدخلوا حتى امتلت
الصفة والحجرة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليتحلق عشرة عشرة وليأكل
كل إنسان مما يليه قال فأكلوا حتى شبعوا قال فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى
أكلوا كلهم فقال يا أنس إرفع فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت
قال وجلس طوائف منهم يتحدثون وذكر نزول آية الحجاب
وروى البخاري عن أنس أيضا إن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت
منه خطيفة وعصرت عكة عندها ثم بعثتني إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال ومن معي فجئت فقلت إنه يقول ومن معي
فخرج إليه أبو طلحة فقال يا رسول ال أنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل فجيء به
وقال أدخل عشرة حتى عد أربعين ثم اكل النبي صلى ال عليه وسلم ثم قام فجعلت
أنظر هل نقص منها شيء وعن سمرة بن جندب قال كنا مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم نتداول قصعة من غدوة إلى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة فقلنا ما كان
يمد قال فمن أي شيء تعجب ما كانت
تمد إل من ههنا وأشار بيده إلى السماء رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن
صحيح ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه وفي البخاري عن أبي هريرة أنه كان
يقول وال الذي ل إله إل هو إن كنت لعتمد على الرض من الجوع وإن كنت
لشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه
فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب ال ما سألته إل ليستتبعني فلم يفعل ثم مر عمر
فسألته عن آية من كتاب ال ما سألته إل ليستتبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو
القاسم
صلى ال عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي وما في نفسي ثم قال أبا
هر قلت لبيك يا رسول ال قال الحق ومضى فاتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت
فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا هداه لك فلن أو فلنة قال أبا هر قلت
لبيك يا رسول ال قال الحق أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف
السلم ل يأوون إلى أهل ول إلى مال إذا اتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها
685
www.anassim.fr.st 686 الن سي ــــ ـــ ـم
شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم واصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما
هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا
جاؤا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة
ال وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت
فقال يا ابا هر قلت لبيك يا رسول ال قال خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه
الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الخر فيشرب حتى يروى ثم
يرد علي
القدح فأعطيه الخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي
صلى ال عليه وسلم وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي
فتبسم فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول ال قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول
ال قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى
قلت ل والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد ال
وسمى وشرب الفضلة وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال
كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثين ومائة فقال النبي صلى ال عليه وسلم
هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل
مشعان طويل بغنم
يسوقها فقال النبي صلى ال عليه وسلم أبيعا أم عطية أو قال هبة قال بل بيع
فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى ال عليه وسلم بسواد البطن أن يشوي
وأيم ال ما في الثلثين ومائة إل من قد حز له النبي صلى ال عليه وسلم حزة من
سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه وأن كان غائبا خبأ له فجعل منها قصعة فأكلوا
أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناها على البعير أو كما قال
فصل وأما تكثير الثمار ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد ال أن أباه &
استشهد وترك دينا وترك ست بنات فلما حضر جداد النخل قال أتيت النبي صلى ال
عليه وسلم فقلت قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا وإني أحب
أن يراك الغرماء قال اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت ثم دعوته فلما نظروا
إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا
ثلث مرات ثم جلس عليه ثم قال لي ادع لي أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى
ال عن والدي امانته وأنا أرضى أن يؤدي ال عن والدي أمانته ول أرجع إلى
أخواتي بتمرة
فسلم ال البيادر كلها حتى إني لنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى ال عليه
وسلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة وفي رواية أن أباه ترك عليه ثلثين وسقا لرجل
من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول ال صلى ال عليه وسلم
ليشفع إليه فجاءه وكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى فدخل رسول ال صلى
686
www.anassim.fr.st 687 الن سي ــــ ـــ ـم
ال عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جد له فأوف له فجد له بعد ما راح
رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثين وسقا وفضل له سبعة عشر وسقا فجاء جابر
ليخبره بالذي كان فوجده يصلي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال أخبر بذلك
ابن الخطاب فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال عمر لقد علمت حين مشى فيها
رسول ال صلى ال عليه وسلم ليباركن فيها وروى المام أحمد والترمذي وغيرهما
حديث مزود أبي
هريرة قال أحمد ثنا يونس ثنا حماد بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي
هريرة قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم بتمرات وقلت ادع ال لي فيهن بالبركة
قال فصفهن بين يديه قال ثم دعا فقال لي اجعلهن في مزودك فأدخل يدك ول تنثره
قال فجعلت منه كذا وكذا وسقا في سبيل ال ونأكل ونطعم وكان ل يفارق حقوي
فلما قتل عثمان انقطع من حقوي فسقط رواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز
عن
حماد بنحوه وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه ورواه الحافظ عبد الغني وغيره
من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال كان رسول ال صلى ال
عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال يا ابا هريرة عندك شيء قلت
شيء من التمر في مزود لي قال جىء به فجئت بالمزود وقال هات نطعا فجئت
بالنطع فبسطه فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرين تمرة قال ثم قال
بسم ال فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال
ادع فلنا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلنا وأصحابه فأكلوا
وشبعوا وخرجوا قال وفضل تمر قال فقال لي اقعد فقعدت فأكل وأكلت قال وفضل
تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل
يدك ول تكفأ فيكفأ عليك قال ما فكنت أريد تمرا إل أدخلت يدي فأخذت منه خمسين
وسقا في سبيل ال عز وجل وكان معلقا خلف ظهري فوقع زمان عثمان فذهب
ورواه من طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال أصبت بثلث
بموت النبي صلى ال عليه وسلم وكنت صويحبه وخويدمه وبقتل عثمان والمزود
وما المزود كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأصاب الناس مخمصة فقال لي
رسول ال صلى ال عليه وسلم هل من شيء يا ابا هريرة فقلت نعم شيء من تمر
في مزود قال فأتيني به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبض فبسطا ثم قال ادع لي
عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لي عشرة
فما زال يصنع كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل
يدك واقبض ول
تكفه قال أبو هريرة فقبضت على اكثر مما جئت به ثم قال أبو هريرة أل أحدثكم
عما أكلت منه أكلت حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأطعمت وحياة أبي بكر
687
www.anassim.fr.st 688 الن سي ــــ ـــ ـم
وأطعمت وحياة عمر واطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهب بيتي
وذهب المزود وروى المام أحمد في مسنده ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس
عن دكين بن سعيد المزني قال أتينا رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعين
وأربعمائة نسأله الطعام فقال لعمر إذهب فأطعمهم فقال يا رسول ال ما بقي إل
آصع من تمر ما أراه يقيظني قال قال فأطعمهم قال سمع وطاعة قال فأخرج عمر
المفتاح من حجزته ففتح الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال لنا خذوا فأخذ
كل رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ تمرة ورواه أبو
داود عن عبد الرحيم بن مطرف عن
عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن دكين قال أبو
عبد ال المقدسي وإسناده على شرط الصحيح
فصل &
وأما النوع الخامس تأثيره في الحجار وتصرفه فيها وتسخيرها له ففي صحيح
البخاري عن أنس قال صعد النبي صلى ال عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر
وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن وضربه برجله فليس عليك إل نبي وصديق
وشهيدان وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال
إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن وفي الترمذي
عن علي قال كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها
فما استقبله شجر ول جبل إل وهو يقول السلم عليك يا رسول ال ورواه الحاكم في
صحيحه
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع قال غزونا مع رسول ال صلى ال عليه
وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمته فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه
بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية
أخرى فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فولى أصحاب النبي صلى ال
عليه وسلم وارجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالخرى فاستطلق
إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول ال صلى ال عليه وسلم منهزما وهو
على بغلته الشهباء فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقد رأى
ابن الكوع فزعا فلما غشوا النبي صلى ال عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض
قبضة من الرض واستقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق ال منهم إنسانا
إل مل عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم ال وفي صحيح مسلم عن
العباس بن عبد المطلب قال شهدت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين
فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فلم نفارقه ورسول ال صلى ال عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن
688
www.anassim.fr.st 689 الن سي ــــ ـــ ـم
ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول ال صلى ال عليه وسلم يركض بغلته قبل
الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول ال صلى ال عليه وسلم أكفها وابو
سفيان آخذ بركاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إرادة أن ل تسرع فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب الشجرة فوال لكأن عطفتهم حين سمعوا
صوتي عطفة البقر على اولدها يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار والدعوة في
النصار يقولون يا معشر النصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج
فقالوا يا بني الحارث بن الخزرع فنظر رسول ال
صلى ال عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم هذا حين حمى الوطيس ثم أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم
حصيات فرمى وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب الكعبة قال فذهبت أنظر فإذا
القتال على هيئته فيما أرى فوال ما هو إل أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم
كليل وأمرهم مدبرا حتى هزمهم ال وقد قال ال تعالى عن يوم بدر ^ وما رميت إذ
^ رميت ولكن ال رمى
وروى ابن إسحاق عن جماعة منهم عروة والزهري وعاصم بن عمر وغيرهم قالوا
فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم في العريش هو وأبو بكر ما معهما غيرهما
وقد تدانى القوم بعضهم من بعض فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يناشد ربه
ما وعده من نصره ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة ل تعبد وأبو بكر يقول بعض
مناشدتك ربك يا رسول ال فإن ال سينجز لك ما وعدك من نصره وخفق رسول ال
صلى ال عليه وسلم خفقة ثم هب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أبشر يا أبا
بكر أتاك نصر ال عز وجل هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع
يقول الغبار ثم خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فعبأ اصحابه وهيأهم وقال ل
يعجلن رجل منكم بقتال حتى نؤذنه فإذا أكثبكم القوم يقول قربوا منكم فانضحوهم
عنكم بالنبل ثم تزاحم الناس فلما تدانى بعضهم من بعض خرج رسول ال صلى ال
عليه وسلم فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها قريشا فنفخ بها وجوههم وقال
شاهت الوجوه ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم احملوا عليهم يا معشر
المسلمين فحمل المسلمون
وهزم ال قريشا وقتل من قتل من أشرافهم وأسر من أسر منهم وفي حديث ابن أبي
طلحة عن ابن عباس فقال له جبريل خذ قبضة من تراب فأخذ قبضة من تراب
ورمى بها وجوههم فما في المشركين من أحد إل وأصاب عينيه ومنخريه وفمه
تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين
689
www.anassim.fr.st 690 الن سي ــــ ـــ ـم
فصل &
النوع السادس من آياته صلى ال عليه وسلم تأييد ال له بملئكته قال ال تعالى ^ إذ
تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين ^ الية وقال
تعالى ^ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة آلف من الملئكة
منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلف
من الملئكة مسومين ^ وقال تعالى في الخندق
يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا ^
وجنودا لم تروها وكان ال بما تعلمون بصيرا ^ وقال تعالى في حنين ^ ثم أنزل ال
سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا
وذلك جزاء الكافرين ^ وقال تعالى في الهجرة ^ ثاني اثنين إذ هما في الغار يقول
لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل
كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا ^ وقال تعالى في بدر ^ إذ يوحى ربك
إلى الملئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ^
وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس عن عمر ابن الخطاب قال لما كان يوم
بدر نظر رسول ال صلى ال عليه
وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وسبعة عشر رجل فاستقبل رسول
ال صلى ال عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما
وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد
في الرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى أسقط رداءه عن منكبيه
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي ال كفاك
مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل ال عز وجل ^ إذ تستغيثون ربكم
فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين ^ فأمده ال بالملئكة قال أبو
زميل فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من
المشركين امامه إذ سمع ضربة
سوط فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حيزرم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا
فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع فجاء
النصاري فحدث ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد
السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وذكر الحديث وذكر البخاري في
هذا الحديث فخرج يعني النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول ^ سيهزم الجمع
ويولون الدبر ^ وقال ابن إسحاق حدثني عبد ال بن أبي بكر بن حزم عن
بعض بني ساعدة قال سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول لو
كنت معكم ببدر الن ومعي بصري لخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة ل
أشك ول أتمارى فلما نزلت الملئكة ورآها إبليس وأوحى ال إليهم ^ أني معكم
690
www.anassim.fr.st 691 الن سي ــــ ـــ ـم
فثبتوا الذين آمنوا ^ وتثبيتهم أن الملئكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه
وتقول له أبشروا فإنهم ليسوا بشيء وال معكم كروا
عليهم فلما رأى إبليس الملئكة نكص على عقبيه وقال ^ إني برىء منكم إني أرى
ما ل ترون ^ وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول ل
يهولنكم خذلن سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه ثم قال واللت
والعزى ل نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فل تقتلوهم وخذوهم أخذا
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى
ال عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلن عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ول بعده ويعني جبرائيل
وميكائيل عليهما السلم وفي الصحيحين عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق
رماه رجل من قريش ابن العرقة رماه في الكحل فضرب عليه رسول ال صلى ال
عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول ال صلى ال عليه
وسلم من الخندق وضع السلح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلم وهو ينفض عن
رأسه الغبار فقال وضعت السلح وال ما وضعناه اخرج إليهم فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم فأين فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
فنزلوا على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فرد رسول ال صلى ال عليه وسلم
الحكم فيهم إلى سعد قال إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء
وتقسم أموالهم وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار
وروى البخاري عن أنس قال كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم
موكب جبريل صلوات ال عليه حين سار رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني
قريظة وفي المغازي من غير طريق أن الصحابة رأوا جبريل في صورة دحية
الكلبي وأنه معتم بعمامة أرخى طرفها بين كتفيه وقال النبي صلى ال عليه وسلم
بعثه ال إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويلقي الرعب في قلوبهم وروى
البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ
برأس فرسه عليه أداة الحرب وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول ال
صلى ال عليه
وسلم يا رسول ال هل أتى عليك يوم كأن أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك
وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد
كلل فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إل وأنا
بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل
فناداني فقال إن ال قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال
لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن ال قد
سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك ربك لتأمرني
691
www.anassim.fr.st 692 الن سي ــــ ـــ ـم
بأمرك ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم بل أرجو أن
فصل &
النوع السابع في كفاية ال له أعداءه وعصمته له من الناس وهذا فيه آية لنبوته من
وجوه منها أن ذلك تصديق لقوله تعالى ^ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون ^ فهذا إخبار
ال بأنه يكفيه المشركين المستهزئين وأخبر أنه يكفيه أهل الكتاب بقوله ^ قولوا آمنا
بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما
أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له
مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق
^ فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم
فأخبره ال أنه يكفيه هؤلء الشاقين له من أهل الكتاب وأخبره أنه يعصمه من جميع
الناس بقوله تعالى ^ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته وال يعصمك من الناس ^ فهذا خبر عام بأن ال يعصمه من جميع
الناس فكل من هذه الخبار الثلثة العامة قد وقع كما أخبز وفي هذا عدة آيات منها
أنه كفاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة ومنها أنه نصره مع كثرة
أعدائه وقوتهم وغلبتهم وأنه كان وحده جاهرا بمعاداتهم وسب آبائهم وشتم آلهتهم
وتسفيه أحلمهم والطعن في دينهم وهذا من المور الخارقة للعادة والمستهزئون
كانوا من أعظم سادات قريش وعظماء العرب وكان أهل مكة أهل الحرم أعز الناس
وأشرفهم يعظمهم جميع المم أما العرب فكانوا يدينون لهم وأما غيرهم من المم
فكانوا
يعظمونهم به ل سيما من حين ما جرى لهل الفيل ما جرى كما كانت المم تعظم
بني إسرائيل لما ظهر فيهم من اليات ما ظهر وهؤلء بنو إسرائيل ابن خليل ال
وهؤلء بنو إسحاق ابن خليل ال وكلهما ممن وعد ال إبراهيم في التوراة فيهم بما
وعده من إنعام ال عليه النعمة التي لم ينعم ال بها على غيرهم فكان أهل مكة
معظمين لنهم جيران البيت ولنهم أشرف بني إسماعيل فإن ال اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشم من قريش واصطفى محمدا
من بني هاشم وكان قد عاداه أشراف هؤلء كما عادى المسيح أشراف بني إسرائيل
وبدل هؤلء وهؤلء نعمة ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وكفى ال رسوله
المسيح من عاداه منهم ولم ينفعهم نسبهم ول فضل مدينتهم وكذلك كفى ال محمدا
من عاداه وانتقم منهم ولم ينفعهم أنسابهم ول فضل مدينتهم فإن ال إنما يثبت
باليمان والتقوى ل بالبلد والنسب وقال تعالى
692
www.anassim.fr.st 693 الن سي ــــ ـــ ـم
وكذب به قومك وهوالحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ^ ^
وقال ^ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فل ناصر
لهم ^ وقال ^ وضرب ال مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل
مكان فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد
جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ^ وقد سمى أهل العلم بعض
من كفاه ال إياه من المستهزئين وكانوا معروفين مشهورين عند الصحابة بالرياسة
والعظمة في الدنيا فذكروهم ليعرف هذا المر العظيم الذي أكرم ال نبيه به
ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم
قيل نعم قال واللت والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته فما فجأهم منه
إل وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال إن بيني وبينه لخندقا من
نار وهو ل وأجنحة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو دنا مني لختطفته
الملئكة عضوا عضوا وأنزل ال تعالى ^ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت
إن كان على الهدى أو أمر
بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن ال يرى كل لئن لم ينته لنسفعا بالناصية
ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كل ل تطعه واسجد واقترب ^ وفي
الصحيحين من حديث البراء بن عازب حديث هجرة النبي صلى ال عليه وسلم
وابي بكر من مكة إلى المدينة قال فيه واتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في
جدد من الرض فقلت يا رسول ال أتينا فقال ل تحزن إن ال معنا فدعا عليه رسول
ال صلى ال عليه وسلم فارتطمت فرسه إلى بطنها فقال إني قد علمت أنكما دعوتما
علي فادعوا لي وال لكما أن
أرد عنكما الطلب فدعا ال فنجا فرجع ل يلقى أحدا إل قال قد كفيتم ها ههنا فل يلقى
أحدا إل رده وفي لفظ فساخ فرسه في الرض إلى بطنه ووثب عنه فقال يا محمد قد
علمت أن هذا علك فادع ال أن يخلصني مما أنا فيه ولك علي لعمين على من
ورائي وفي الصحيحين عن ابن شهاب من رواية سراقة نفسه قال جاءنا رسل كفار
قريش يجعلون في رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما
لمن قتله أو اسره فبينما أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم
حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل
أراهما محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت ليسوا بهم ولكنك رأيت
فلنا وفلنا ثم لبثت ساعة ثم قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي
وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت
فخططت بزجه الرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي
حتى دنوت منهم وعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي
693
www.anassim.fr.st 694 الن سي ــــ ـــ ـم
فاستقسمت بها فخرج الذي اكره فركبت وعصيت الزلم فقربت بي حتى إذا سمعت
قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو ل يلتفت وأبو بكر يكثر اللتفات ساخت
يدا فرسي في الرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد
تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان
فاستقسمت بالزلم فخرج الذي أكره فناديتهم بالمان فوقفوا فركبت فرسي حتى
جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول
ال صلى ال عليه وسلم وذكر تمام الحديث
وفي الصحيحين عن جابر قال غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غزاة قبل
نجد فأدركنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في القائلة وفي واد كثير العضاة فنزل
رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها وتفرق
الناس في الوادي يستظلون بالشجر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن رجل
أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي والسيف صلتا في يده
فقال من
يمنعك مني قلت ال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول ال صلى
ال عليه وسلم وكان ملك قومه فانصرف حين عفا عنه فقال ل اكون في قوم هم
حرب لك وفي صحيح الحاكم عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال كان فلن
يجلس إلى النبي صلى ال عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى ال عليه وسلم اختلج
بوجهه فقال النبي صلى ال عليه وسلم كن كذلك فلم يزل يختلج حتى مات
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل
عمران وكان يكتب للنبي صلى ال عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري
محمد إل ما كتبت له فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم أجعله آية فأماته ال
فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن
صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا مثل
الول فحفروا له وأعمقوا فلفظته الثالثة فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه
منبوذا وروى المام أحمد من حديث ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة عن أبيه
عن عبد ال بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من
رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته قال حضرتهم وقد
اجتمع
أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل
ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط قد سفه احلمنا وشتم آبائنا وعاب ديننا وفرق
جماعاتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينما هم في ذلك
694
www.anassim.fr.st 695 الن سي ــــ ـــ ـم
إذ طلع عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر
بهم طائفا بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال فعرفت ذلك في وجهه
ثم مضى فلما مر الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فمر بهم
الثالثة فغمزوه بمثلها فقال تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد
جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إل كأنما على رأسه طائر واقع
حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول
انصرف يا أبا
القاسم انصرف راشدا فوال ما كنت جهول فانصرف رسول ال صلى ال عليه
وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم
ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك
طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون
له أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول
رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجل منهم
أخذ بمجمع ردائه وقام أبو بكر دونه يقول وهو يبكي ^ أتقتلون رجل أن يقول ربي
ال ^ ثم انصرفوا عنه وذكر البخاري بعد حديث عروة عن عبد ال بن عمرو قال
وقال عبدة
عن هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في
قوله تعالى ^ إنا كفيناك المستهزئين ^ قال والمستهزؤن الوليد بن المغيرة والسود
بن عبد يغوث الزهري والسود بن المطلب أبو زمعة من بني أسد بن
عبد العزى والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل فأومأ جبريل إلى أكحل
الوليد بن المغيرة فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى
السود بن المطلب إلى عينيه فقال ما صنعت فقال كفيته وأومأ إلى رأس السود بن
عبد يغوث فقال ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى الحارث السهمي إلى بطنه فقال وما
صنعت قال كفيته وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فقال ما صنعت قال كفيته فأما
الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبله فأصاب أكحله
فقطعها وأما السود بن المطلب فعمي فمنهم من يقول عمي هكذا ومنهم من يقول
نزل تحت سمرة فجعل يقول يا بني أل تدفعون عني ويقولون ما نرى شيئا فجعل
يقول هلكت ها هو ذا أطعن في عيني بالشوك فجعلوا يقولون ما نرى شيئا فلم يزل
كذلك حتى عميت عيناه وأما السود فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث
بن عيطل فأخذه الماء الصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات وأما العاص
بن وائل فركب إلى الطائف على حمار فربض به في شبرقة يعني شوكة فدخلت في
أخمص قدمه فمات وقيل دخلت في رأسه شبرقة فمات رواه ابن أبي حاتم في
تفسيره قال ثنا يونس بن
695
www.anassim.fr.st 696 الن سي ــــ ـــ ـم
حبيب ثنا أبو داود ثنا أبو عوانة ثنا أبو بشر عن سعيد وروى بإسناده عن الربيع بن
أنس قال أراد صاحب اليمن أن يؤي النبي صلى ال عليه وسلم فأتاه الوليد فزعم أن
محمدا ساحر وأتاه العاص بن وائل فأخبره أن محمدا تعلم أساطير الولين وأتاه آخر
فزعم أنه كاهن وآخر زعم أنه شاعر وآخر قال إنه مجنون فأهلكهم ال كل منهم
أصابه عذاب سوى عذاب صاحبه وذكر تفصيل عذابهم وروى مثله عن عكرمة
وقال محمد بن إسحاق ثنا يزيد بن رومان عن عروة وغيره من العلماء أن جبريل
أتى النبي صلى ال عليه وسلم وهم يطفون بالبيت فقام رسول ال صلى ال عليه
وسلم إلى جانبه فمر به السود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي
ومر به السود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات منها ومر به الوليد بن
المغيرة فأشار إلى جرح بأسفل كعبه كان أصابه لما مر برجل يريش نبله فخدش
رجله وليس بشيء فانتقض فمات ومر به العاص بن وائل فأشار إلى إخمص قدمه
فذكر مثل ما تقدم من رواية ابن عباس ورواه أبو زرعة من طرق كثيرة عن
جماعة من التابعين ومن المشهور عند أصحاب السير وغيرهم دعوته على عتيبة
بن أبي لهب وكان أبو لهب لما عادى النبي صلى ال عليه وسلم أمر ابنيه أن يطلقا
ابنتي النبي صلى ال عليه
وسلم رقية وام كلثوم قبل الدخول وقال عتيبة لرسول ال صلى ال عليه وسلم كفرت
بدينك وفارقت ابنتك ل تحبني ول أحبك ثم تسلط عليه بالذى وشق قميصه فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلبك فخرج في نفر من
قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليل فأطاف بهم السد تلك
الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أخي هو وال آكلي كما دعا محمد علي قتلني وهو
بمكة
وأنا بالشام فعدا عليه السد من بين القوم واخذ برأسه فذبحه وفي رواية هشام بن
عروة عن أبيه قال لما طاف السد بهم تلك الليلة وانصرف عنهم قاموا وجعلوا
عتيبة في وسطهم فأقبل السد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه وفي
الصحيحين عن عبد ال بن مسعود قال بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي
عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالمس فقال أبو جهل
أيكم يقوم إلى سلى جزور بني فلن فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد فانبعث
أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى ال عليه
وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم
انظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم والنبي
صلى ال عليه وسلم ساجد ما رفع رأسه حتى انطلق انسان إلى فاطمة فجاءت وهي
جويرية فطرحته ثم اقبلت عليهم تسبهم فلما قضى النبي صلى ال عليه وسلم صلته
696
www.anassim.fr.st 697 الن سي ــــ ـــ ـم
رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا ثلثا وإذا سأل سأل ثلثا ثم قال اللهم عليك
بقريش ثلث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال
اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة
وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع لم أحفظه فوالذي بعث محمدا
بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى
يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر وعنه قال استقبل رسول ال صلى ال عليه
وسلم القبلة ودعى على ستة نفر فذكره وفي رواية غير أن أمية بن خلف كان رجل
ضخما فقطعت أوصاله فلم يلق في البئر وقال غيرتهم الشمس وكان يوما حارا
ويدخل في هذا الباب ما لم يزل الناس يرونه ويسمعونه من انتقام ال ممن يسبه ويذم
دينه بأنواع من العقوبات وفي ذلك من القصص الكثيرة ما يضيق هذا الموضع عن
بسطه وقد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه من انتقام ال ممن يؤذيه بأنواع
من العقوبات العجيبة التي تبين كلءة ال لعرضه وقيامه بنصره وتعظيمه لقدره
ورفعه لذكره وما من طائفة من الناس إل وعندهم من هذا الباب ما فيه عبرة لولي
اللباب ومن المعروف المشهور المجرب عند عساكر المسلمين بالشام إذا حاصروا
بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسر عليهم فتح الحصن ويطول الحصار إلى أن
يسب العدو الرسول صلى ال عليه وسلم فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن
وانتقام ال من العدو فإنه يكون ذلك قريبا كما قد جربه المسلمون غير مرة تحقيقا
لقوله تعالى ^ إن شانئك هو البتر ^ ولما مزق كسرى كتابة مزق ال ملك الكاسرة
كل ممزق ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم لمكهم
النوع الثامن في إجابة دعوته وإجابة الدعاء منه ما تكون إجابته معتادة لكثير من
عباد ال كالغناء والعافية ونحو ذلك ومنه ما يكون المدعو به من خوارق العادات
كتكثير الطعام والشراب كثرة خارجة عن العادة وإطعام النخل في العام مرتين مع
أن العادة في
مثله مرة ورد بصر الذي عمي ونحو ذلك مما يأتي وما تقدم من أدعيته ومعلوم أن
من عوده ال إجابة دعائه ل يكون إل مع صلحه ودينه ومن ادعى النبوة ل يكون
إل من أبر الناس إن كان صادقا أو من أفرجهم إن كان كاذبا وإذا عوده ال إجابة
دعائه لم يكن فاجرا بل برا وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إل برا تعين أن يكون نبيا
صادقا فإن هذا يمتنع أن يتعمد الكذب ويمتنع أن يكون ضال يظن أنه نبي وأن الذي
يأتيه ملك ويكون ضال في ذلك والذي يأتيه الشيطان فإن هذا حال من هو جاهل
بحال نفسه وحال من يأتيه ومثل هذا ل يكون أضل منه ول أجهل منه لن ال تعالى
جعل بين الملئكة والشياطين وبين النبياء الصادقين وبين المتشبهين بهم من
الكذابين من الفرق ما ل يحصيه غيره من الفروق بل جعل بين البرار والفجار من
الفروق أعظم مما بين الليل والنهار ولن ما يأتي به النبياء من الخبار والوامر
مخالف من كل وجه لما يأتي به الشيطان ومن استقرأ أحوال الرسل وأتباعهم وحال
697
www.anassim.fr.st 698 الن سي ــــ ـــ ـم
والشيطان الذي يقول لمن ليس بنبي إنك نبي صادق وال أرسلني إليك يكون من
أعظم الناس كذبا والكذب يستلزم الفجور فل بد أن يأمره بما ليس برا بل إثما
ويخبره بما ليس صدقا بل كذبا كما هو الواقع ممن تضله الشياطين من جهلة العباد
وممن يزين له أنه نبي أو أنه المهدي أو خاتم الولياء وكل هؤلء ل بد أن تأمره
الشياطين بإثم ول بد أن يكذب في بعض ما تخبره به تحقيقا لقوله تعالى ^ هل أنبئكم
على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ^ وحينئذ فمثل هذا ل يكون مع
دعوى النبوة من البرار الذين عودهم ال إجابة دعائهم إجابة خارجة عن العادات
بل ل يكون مع دعوى النبوة إل من الفاكين الفجار وإذا كان صادقا في دعوى
النبوة عالما بأنه صادق ثبت أنه نبي والنبياء معصومون من القرار على الخطأ
فيما يبلغونه عن ال باتفاق الناس وحنيئذ فكل ما يبلغه عن ال فهو حق وهو
المطلوب ومن كان يأتيه صادق وكاذب مثل ابن صياد ومثل كثير
من العباد الذين لهم إلهام من الملك وسواس من الشيطان بأنه نبي ويقول أنا أرسلني
ال فل بد أن يتبين كذبه ولو ببعض الوجوه مثل أن يخبره بكذب فإن مثل هذا
الشيطان الذي قال له أنه نبي ل بد أن يكذب فيما يخبره به ومثل إخبار الصادق له
بأن هذا كذب فإذا أتاه الشيطان بالكذب ل بد أن يخبره الصادق الذي يأتيه بما يخالف
ذلك بخلف الخبار بأمور جزئية إذ إخباره بأنه نبي صادق مع أنه ليس كذلك يهلكه
هلكا عظيما ويفسد على الصادق جميع ما يأتيه به لن ذلك يستلزم أن يصدق ذلك
الكاذب في كل ما يخبره به إذ قد اعتقد أنه نبي وحينئذ فل يكون عنده كاذبا ول
يعرف أنه كاذب فل يكون مثل ابن صيد ونحوه ممن يعرف أنه يأتيه صادق وكاذب
بل أضل من هؤلء يظن أن كل ما يأتيه فهو صادق ولهذا كل من كان يأتيه إخبار
ملكي صادق وإخبار شيطاني كاذب فل بد أن يعرف أنه يأتيه كاذب لنه تبين له
الكذب فيما يخبره به الشيطان الكاذب كما هو الواقع
ولهذا يوجد الكهان يعرفون كذب من يخبرهم كثيرا وكذل العباد الذين لهم خطابات
وكاشفات بعضها شيطاني وبعضها ملكي يتبين لهم الكذب فيما يأتيهم به الشيطان
كما هو الواقع فل يوجد شيخ عابد له حال شيطاني إل ول بد أن يخبره بكذب يظهر
له أنه كذب وحينئذ فإذا صدق هذا الكاذب في إخباره النبوة كان مصدقا للكاذب ولن
الصادق الذي يأتيه مخبرا له بالصدق ناصحا له ل بد أن يبين له ذلك فل يصر على
اعتقاد أن من يأتيه صادق وهو في نفس المر كاذب ول يعلم أنه كاذب إل من هو
أفاك أثيم وال تعالى يقول ^ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك
أثيم ^ فتنزلها على الفاك الثيم وأما نزول الشيطان مرة أومرتين فقد يكون على
من ليس بأفاك أثيم فإن من لم يكن مدعيا للنبوة لم يكن من هذا الباب وإن كان مدعيا
للنبوة فيمتنع أن يقره الصادق الذي يأتيه على ذلك بل ل بد أن يبين له هذا إن جوز
698
www.anassim.fr.st 699 الن سي ــــ ـــ ـم
ذلك فإن الناس تنازعوا هل يجوز أن يلقي الشيطان على لسان النبي
ما ينسخه ال ويمحاه أم ل يجوز ذلك وعلى كل حال يمتنع أن يقر على خطأ
والمقصود هنا ذكر بعض أدعية النبي صلى ال عليه وسلم التي شوهد إجابتها وقد
تقدم ذكر بعض أدعيته مثل دعائه على المل من قريش فقتلوا يوم بدر وألقوا في
القليب ومثل دعائه على عتيبة بن أبي لهب ومثل دعائه على الذي كذب عليه بأن
يجعله آية ومثل دعائه لما قل الزاد وجمعوه على نطع فكثره ال ببركة دعوته حتى
كفى الجيش العظيم في غزوة تبوك ومثل دعائه في غزوة الخندق فكفى الطعام وهو
صاع من شعير للف نفر وكذلك دعاؤه لما نزحت بئر الحديبية فكثر ماؤها حتى
كفى الركب وهم ألف وخمسمائة وركابهم وقد تقدم دعاؤه للذي ذهب بصره فأبصر
ودعاؤه في الستسقاء فما رد يديه إل والسماء قد أمطرت ودعاؤه في الستصحاء
وإشارته إلى السحاب فتقطع من ساعته ودعوته على سراقة بن جعشم لما تبعهم في
الهجرة فغاصت فرسه في الرض ودعاؤه يوم بدر ويوم حنين وقال ال له يوم بدر
^ ^ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين
وامثال ذلك وفي الصحيحين عن جابر قال لما نزل ^ قل هو القادر على أن يبعث
عليكم عذابا من فوقكم ^ قال النبي صلى ال عليه وسلم أعوذ بوجهك ^ أو من تحت
أرجلكم ^ قال أعوذ بوجهك ^ أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ^ قال
هاتان أهون أو أيسر وفي الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم قال سألت ربي ثلثا
فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن ل يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها وسألته
أن ل يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن ل يجعل بأسهم
بينهم فمنعنيها فلن
يزال الهرج إلى يوم القيامة وفي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الكوع قال جعل
%عمي يرتجز ويقول %تا ال لول ال ما اهتدينا %ول تصدقنا ول صلينا
%ونحن من فضلك ما استغنيا %فثبت القدام أن لقينا %وأنزل سكينة علينا %
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا قالوا عامر قال غفر لك ربك قال وما
استغفر رسول ال صلى ال عليه وسلم لنسان يخصه إل استشهد قال فنادى عمر
بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي ال لول متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر
خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول %قد علمت خيبر أني مرحب %شاكي
السلح بطل مجرب %إذا الحروب أقبلت تلهب %قال وبرز له عمي عامر فقال
% %قد علمت خيبر أني عامر %شاكي السلح بطل مغامر
قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسل سيفه
699
www.anassim.fr.st 700 الن سي ــــ ـــ ـم
فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله وكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت في نفر من
أصحاب النبي صلى ال تعالى عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال
فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول ال بطل عمل عامر قال
رسول ال صلى ال تعالى عليه وسلم من قال ذلك قلت ناس من أصحابك قال كذب
من قال ذلك بل له أجره مرتين وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال قالت أم سليم
يا رسول ال خادمك أنس أدع ال له فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما
أعطيته وروى البخاري قال دخل النبي صلى ال تعالى عليه وسلم على أم سليم
فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه ثم قام إلى ناحية
البيت فصلى غير مكتوبة فدعى لم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول ال إن
لي خويصة فقال ما هي قالت خادمك أنس قال فما ترك آخرة ول دنيا إل دعا به
اللهم ارزقه مال وولدا وبارك له فيه فإني أكثر النصار مال وحدثتني ابنتي أمينة
أنه دفن لصلبي إلى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفي رواية لمسلم
دعا لي بثلث دعوات قد رأيت منها اثنتين وأنا أرجو الثالثة في الخرة وفي
الترمذي وحسنه عن أبي خلدة قال قلت لبي العالية سمع أنس من رسول ال صلى
ال عليه وسلم قال خدمه عشر سنين ودعا له النبي صلى ال تعالى عليه وسلم وكان
له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان
فيها ريحان يجيء منه ريح المسك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال كنت أدعو
أمي إلى السلم وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول ال صلى ال عليه
وسلم ما أكره فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وانا أبكي فقلت يا رسول ال
إني كنت أدعو أمي إلى السلم وتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره
فادع ال أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم أهد أم
أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم فصرت إلى
الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت
خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب فقالت
يا ابا هريرة أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فأتيته وأنا أبكي من الفرح
فقلت يا رسول ال أبشر فقد
استجاب ال دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد ال وقال خيرا فقلت يا رسول ال
أدع ال أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم اللهم حبب عبدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب
إليهما المؤمنين فما خلق ال مؤمنا يسمع بي ول يراني إل أحبني وفي الصحيحين
عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة
فقال ما هذا قال يا رسول ال إني تزوجت امرأة قال كم سقت إليها قال وزن نواة
من ذهب قال فبارك ال لك أولم ولو بشاة وفي الصحيحين أنه لما قدم آخى رسول
ال صلى ال عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع النصاري فعرض عليه سعد أن
700
www.anassim.fr.st 701 الن سي ــــ ـــ ـم
ومالك دلني على السوق فظهرت بركة دعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم فبلغ
من مال عبد الرحمن ما قاله الزهري أنه تصدق بأربعمائة ألف دينار وحمل على
خمسمائة فرس في سبيل ال وخمسمائة بعير في سبيل ال قال وكان عامة ماله من
التجارة وقال محمد بن سيرين اقتسم نساء عبد الرحمن بن عوف ثمنهن فكان
ثلثمائة وعشرين الفا وقال الزهري أوصى عبد الرحمن لمن شهد بدرا فوجدوا مائة
لكل رجل منهم أربعمائة دينار وقال عبد ال بن جعفر
حدثتني أم بكر بنت المسور ان عبد الرحمن باع أرضا بأربعين ألف دينار فقسمها
في فقراء بني زهرة وفي المهاجرين وأمهات المؤمنين وقال محمد بن عمرو عن
أبي سلمة ان عبد الرحمن أوصى لمهات المؤمنين بحديقة فقومت مائة ألف وفي
الترمذي
وصححه ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال اللهم اعز السلم بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن
هشام فكان عمر بن الخطاب أحبهما إلى ال فأسلم عمر وروى أن الدعوة كانت في
يوم الربعاء فأسلم يوم الخميس وأعز ال به السلم قال عبد ال بن مسعود ما زلنا
أعزة منذ أسلم عمر رواه البخاري وظهر من عز السلم في إمارته شرقا وغربا
وفتح الشام والعراق ومصر وكسر عساكر كسرى وقيصر ما تحقق به إجابة الدعوة
وفي الصحيحين ان ابن عباس وضع للنبي صلى ال عليه وسلم لما أتى الخلء
وضوءا فقال لما خرج من وضع هذا فقيل ابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل
وفي رواية قال ضمني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى صدره وقال اللهم علمه
الكتاب وفي رواية الحكمة وظهرت إجابة دعوته حتى كان يسمى البحر وقال فيه
ابن مسعود لو ادرك ابن عباس أسناننا لما عشره منا أحد وكان عمر يقدمه ويدخله
مع كبراء الصحابة وعلم ابن عباس مشهور في المة وفي الصحيحين عن جابر قال
كنت أسير على جمل قد
أعيا واردت أن أسيبه قال فلحقني رسول ال صلى ال عليه وسلم فضربه ودعا له
فسار سيرا لم يسر مثله وفي رواية فقال لي ما لبعيرك فقلت عليل قال فتخلف
رسول ال صلى ال عليه وسلم فزجره فدعا له فما زال يسير بين يدي البل قدامها
فقال كيف ترى بعيرك قلت بخير قد اصابته بركتك قال فتبعنيه وذكر الحديث وفي
الترمذي وغيره قال النبي صلى ال عليه وسلم اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي
لفظ اللهم أجب دعوته
701
www.anassim.fr.st 702 الن سي ــــ ـــ ـم
وسدد رميته فكان سعد ل يرمي إل يصيب ول يدعو إل أجيب وروى الحاكم في
صحيحه عن علي رضي ال عنه قال مرضت فعادني رسول ال صلى ال عليه
وسلم وأنا أقول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفعني وإن
كان بلء فصبرني فقال اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال لي قم فقمت فما عاد إلي ذلك
الوجع بعد وفي الصحيحين عن أم خالد قالت أتي رسول ال صلى ال عليه وسلم
بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال
من ترون نكسوه هذه الخميصة فسكت القوم فقال ائتوني بأم خالد فأتي بي رسول ال
صلى ال عليه وسلم فألبسنيها فقال أبلي وأخلقي مرتين فجعل ينظر إلى علم
الخميصة ويشير بيده إلي ويقول يا أم خالد هذا سنا والسنا بلسان الحبشة الحسن
فبقيت حتى دكن وعن أبي يزيد عمرو بن أخطب النصاري قال قال لي رسول ال
صلى ال عليه وسلم ادن مني فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال اللهم جمله وأدم
جماله
قال الراوي عنه فبلغ بضعا وثمانين سنة وما في لحيته بياض إل نزر يسير ولقد
كان منبسط الوجه ولم يتقبض وجهه حتى مات رواه المام أحمد وقال البيهقي
إسناده صحيح ورواه الترمذي وقال مسح رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على
وجهي فدعا لي قال عزرة إنه عاش مائة وعشرين سنة وليس في رأسه إل شعرات
بيض وقال حديث حسن وقال البخاري في تاريخه ثنا يعقوب بن إسحاق عن حنظلة
بن حنيفة بن حذيم قال حذيم يا رسول ال إني رجل ذو
سن وهذا أصغر بني فسمت عليه قال تعالى يا غلم فأخذ بيدي ومسح برأسي وقال
بارك ال فيك أو بورك فيك فرأيت حنظلة يؤتى بالنسان الوارم فيمسح بيده ويقول
بسم ال فيذهب الورم وفي رواية والشاة والبعير ويذكر عن ابي سفيان واسمه
مدلولك أنه ذهب إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأسلم فدعا له النبي صلى ال عليه
وسلم ومسح رأسه بيده ودعا له بالبركة فكان مقدم رأسه موضع يد النبي صلى ال
عليه وسلم أسود وسائره أبيض ذكره أيضا البخاري في تاريخه
وروى أحمد في مسنده بإسناده عن أبي العل قال كنت عند قتادة بن ملحان في
مرضه الذي مات فيه فمر رجل في مؤخر الدار فرأيته في وجه قتادة قال كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم مسح وجهه قال وكنت قبل ما رأيته إل ورأيته كان
على وجهه الدهان وفي مسند المام أحمد عن عروة بن أبي الجعد قال عرض للنبي
صلى ال عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا وقال أي عروة ائت الجلب فاشتر شاة
فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما فلقيني
رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت
يا رسول ال هذا ديناركم وهذه شاتكم قال وصنعت كيف فحدثته الحديث فقال اللهم
702
www.anassim.fr.st 703 الن سي ــــ ـــ ـم
بارك له في صفقة يمينه فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل ان
أصل إلى أهلي ورواه المام أحمد وفي لفظ فكان لو اشترى التراب لربح فيه رواه
البخاري عن أهل داود عنه
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع ان رجل أكل عند رسول ال صلى ال عليه
وسلم بشماله فقال له كل بيمينك قال ل أستطيع قال ل استطعت ما منعه إل الكبر
قال فما رفعها إلى فيه وروى مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد
ال السلمي قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال
جابر فبينما أنا نازل تحت شجرة إذا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت هلم يا
رسول ال إلى الظل قال فنزل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال جابر فقمت إلى
غرارة لنا فالتمست فيها فوجدت فيها جرو قثا
فكسرته ثم قربته إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال من اين لكم هذا قلنا
خرجنا به من المدينة قال وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا قال
فجهزته ثم ادبر يذهب إلى الظهر وعليه ثوبان له قد خلقا فنظر رسول ال صلى ال
عليه وسلم فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول ال ثوبان في العيبة
كسوته إياهما قال ادعه فليلبسهما ثم ولى يذهب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
ماله ضرب ال عنقه أليس هذا خير له فسمعه الرجل فقال يا رسول ال في سبيل ال
فقال في سبيل ال فقتل الرجل في سبيل ال ورواه أبو زرعة عن سعيد بن سليمان
عن الليث عن هشام بن سعيد
فصل في الطرق التي تبين بها أن هذه الخبار تفيد العلم &
وهذه الخبار منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة
كنبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وحنين الجذع ونحو ذلك فإن كل من ذلك
تواترت به الخبار واستفاضت ونقلته المة جيل بعد جيل وخلفا عن سلف فما من
طبقة من طبقات المة إل وهذه اليات منقولة مشهورة مستفيضة فيها ينقلها أكثر
ممن ينقل كثيرا من القرآن وقد نقلها وسمعها من المة أكثر ممن سمع ونقل كثيرا
من آيات القرآن وأكثر ممن سمع ونقل أنه كان يسجد في الصلة سجدتي السهو
وممن سمع ونقل نصب الزكاة وفرائضها بل مواقيت الصلة وأعدادها إنما شاع
نقلها للعمل الدائم بها
وأما هذه اليات فنقلها أكثر ممن نقل مواقيت الصلة من جهة الخبار المعينة وذلك
أن آيات الرسول كان كثيرا منها يكون بمشهد من الخلق العظيم فيشاهدون تلك
اليات كما شاهد أهل الحديبية وهم ألف وخمسمائة نبع الماء من بين أصابعه
وظهور الماء
703
www.anassim.fr.st 704 الن سي ــــ ـــ ـم
الكثير من بئر الحديبية لما نزحوها ولم يتركوا فيها قطرة فكثر حتى روى العسكر
وكما شاهد العسكر في غزوة ذات الرقاع الماء اليسير لما صبه جابر في الجفنة
وامتلت ومل منها جميع العسكر وكما شاهد الجيش في رجوعهم من غزوة خيبر
المزادتين مع المرأة وقد ملؤوا كل وعاء معهم وشربوا وهي ملى كما هي وكما
شاهد أهل خيبر وهم الف وخمسمائة الطعام الذي كان كربضة الشاة فأشبع الجيش
كلهم وكما شاهد الجيش العظيم وهم نحو ثلثين ألفا في تبوك العين لما كانت قليلة
الماء فكثر ماؤها حتى كفاهم وشاهدوا الطعام الذي جمعوه على نطع فأخذوا منه
حتى كفاهم وكما شاهد أهل الخندق وهم أكثر من ألف كثرة الطعام في بيت جابر
بعد أن كان صاعا من شعير وعناقا فأكلوا كلهم بعد الجوع حتى شبعوا وفضلت
فضلة وكما شاهد الثمانون نفسا كثرة الطعام لما أكلوا في بيت أبي طلحة وكما شاهد
الثلثمائة كثرة الماء لما توضؤوا من قدح والماء ينبع من بين أصابعه حتى كفاهم
للوضوء وكذلك وليمة زينب كانوا ثلثمائة فأكلوا من طعام في تور من حجارة وهو
باق فظن أنس أنه أزيد مما كان وكانوا يتداولون قصعة من غدوة إلى الليل يقوم
عشرة ويقعد عشرة كما في حديث سمرة بن جندب وأهل الصفة لما شربوا كلهم من
اللبن القليل وكفاهم وفضل وكانوا ينقلون ذلك بينهم وهو مشهور ينقله بعض من
شاهده إلى من غاب عنه فكان استفاضة آياته وشهرتها وتواترها في المة أعظم من
تواتر سجود السهو في الصلة فإن هذا إنما كان مرات قليلة ولم يحضره إل
المصلون خلفه لتلك الصلة وكذلك نقلهم لنصب الزكاة وفرائضها فإن هذا إنما
سمعه منه طائفة قليلة ونقلوه وكذلك حكمه بالشفعة فيما ل يقسم وقضاؤه بأن دية
الخطأ على العاقلة وقضاؤه بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر ونهيه عن نكاح
الشغار وتحريمه لطلق الحائض وطلق الموطوءة قبل أن يتبين حملها وأن المعتقة
تحت عبد يثبت لها الخيار وتوريث
الجدة السدس ونهيه أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها وقوله فيما سقت السماء
العشر وما سقى بالدوالي والنواضح نصف العشر وأمثال ذلك إنما سمعها طائفة من
المة هم أقل بكثير ممن شاهدوا آياته ثم إن المة متفقة على نقل ذلك وهذه الحكام
متواترة عنه معلومة بالضطرار من دينه فإذا كان مثل هذه المور تواتر في المة
واتفقت على نقله فكيف بما كان أشهر وأظهر عند من عاينه وكان علم الذين رأوه
به أظهر من علمهم بهذه الحكام وقد نقلوا ذلك إلى من غاب عنهم فإنه قطعا يجب
أن يكون تواتر هذه اليات في المة أعظم وأظهر ولهذا ل يكاد يوجد مسلم إل وقد
عرف كثيرا من هذه اليات وسمعها ونقلها إلى غيره بخلف كثير من الحكام
المتواترة عنه المتفق على نقلها عند العلماء فإن كثيرا من الناس ل يعرفها ول
سمعها وإذا قال القائل هذه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها فلو كانت موجودة
لتوفرت الهمم والدواعي على نقلها ولو كان كذلك لتواترت قلنا وكذلك هو ول الحمد
توفرت الهمم و الدواعي
704
www.anassim.fr.st 705 الن سي ــــ ـــ ـم
على نقلها أكثر مما توفرت الهمم والدواعي على نقل أكثر آيات النبياء قبله وأكثر
مما توفرت الهمم والدواعي على نقل الخبار العجيبة من سير الملوك والخلفاء فإن
من تدبر نقل هذه اليات وجد شهرتها في كل زمان وظهور الخبار بها أعظم من
شهرة ما نقل من أخبار النبياء وسير الملوك والدول التي جرت العادة بتوفر الهمم
والدواعي على نقلها فإن مثل هذا ل يجب في كونه متواترا أن يتواتر عند كل أحد
من الناس فإن أكثر ما تواتر عند كل أمة من أحوال متقدميها قد ل يسمعه كثير من
المم من غيرهم فضل عن تواتره عندهم حتى أن كثيرا من المم الذين ل يعرفون
النبياء قد ل يكونوا قد سمعوا بأسماء النبياء ول بأخبارهم فضل عن تواترها
عندهم وأكثر أتباع النبياء لم يتواتر عندهم من أخبار الملوك وسيرهم ما تواتر عند
غيرهم حتى أن أكثر المسلمين لم يسمعوا بأسماء خلفاء بني أمية وبني العباس
وأسماء وزرائهم ونوابهم وقوادهم
وبالحروب التي جرت بينهم ول يعرفون الوقائع العظيمة من الحروب التي كانت
بين المسلمين وأعدائهم مثل يوم أجنادين ويوم مرج الصفر ويوم فحل ومثل يوم
الحرة ويوم مرج راهط وفتنة
ابن المهلب وفتنة ابن الشعث والقراء مع الحجاج وحرب مصعب بن الزبير مع
المختار بن أبي عبيد وفتنة
عبد ال بن عباس وما جرى لهما من الحروب مع عساكر مروان آخر خلفاء بني
أمية ولم يسمعوا أيضا بدخول عبد الرحمن بن هشام إلى الندلس وما جرى له فيها
ول بالفتنة التي بين ابني الرشيد المين
والمأمون مع ان هذه المور هي متواترة عند أهل العلم بالسير وأخبار الناس
والتواريخ وظهور هذه اليات التي هي دلئل النبوة وأعلمها مشهورة بين المة
عامتها وخاصتها في كل زمان أعظم من ظهور هذه الخبار المتواترة فهي احق أن
تجعل متواترة من هذه ونقلة هذه اليات من الخاصة اهل العلم وكتب الحديث
والتفسير والمغازي والسير وكتب الصول والفقه التي توجد فيها هذه الخبار أصح
نقل باتفاق أهل العقل والعلم من كتب التواريخ المرسلة فإن تلك كثير من أخبارها
منقطع السناد وفيها من الكاذيب ما ل يحصيه إل ال وإن كان أصل القصة قد
705
www.anassim.fr.st 706 الن سي ــــ ـــ ـم
يكون متواترا وهذه اليات المشهورة في المة كثير من أجناسها متواتر عند أهل
العلم وكثير من آحادها متواتر عند الخاصة
بل وكثير من الفقهاء والمتكلمين أو أكثرهم ل يعرفون عدد مغازي رسول ال صلى
ال عليه وسلم التي قاتل فيها أعداءه وهي وقائع مشهورة كل منها متواتر تواترا
ظاهرا عند أهل العلم مثل يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق وغزوة بني المصطلق
وغزوة خيبر وفتح مكة ويوم حنين وحصار الطائف فكثير من أهل العلم فضل عن
العامة وإن كانوا سمعوا بهذه السماء أو بعضها فل يعرفون أيها كان قبل الخر ول
يعرفون بأي بقعة كانت تلك الغزاة بل ول يعرفون من كان العدو فيها ول كيف
كانت بل أكثر العامة ل يميزون بين بدر وحنين بل يقول قائلهم يوم بدر وحنين
ويظنون أن ذلك يوم واحد وانها غزاة واحدة ول يعرفون أنهما غزاتان بينهما نحن
ست سنين كانت بدر في السنة الثانية من
الهجرة وكانت حنين في السنة الثامنة بعد فتح مكة وأن بدرا مكان بين مكة والمدينة
شامي مكة ويماني المدينة وحنين واد قريب من الطائف شرقي مكة وإنما قرن
بينهما في السم لن ال أنزل فيهما الملئكة وأيد بها نبيه والمؤمنين حتى غلبوا
عدوهم مع قوة العدو في بدر ومع هزيمة أكثر المسلمين أول بحنين وأمتن ال بذلك
في كتابه في قوله ^ ولقد نصركم ال ببدر وأنتم أذلة فاتقوا ال لعلكم تشكرون ^
وفي قوله ^ ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم
الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين
وأنزل جنودا لم تروها ^ حتى بعض أكابر أئمة الفتيا المشهورين قال له صاحبه لما
انكر عليه طلب السير تسكت وإل سألتك قدام الناس أيهما كانت قبل بدر أو أحد
فإني أعلم أنك ل تعلمه مع أنه من المتواتر الذي ل يستريب فيه من له أدنى معرفة
بالخبار أن أحدا
كانت بعد بدر وفي بدر انتصر المسلمون على الكفار ويوم أحد استظهر الكفار بل
وكثير من علماء المسلمين الكابر ل يعلمون ما هو متواتر عند أهل الكتاب بل
وعند غيرهم من علماء المسلمين مثل خراب بيت المقدس مرتين ومجيء بخت
نصر إلى بيت المقدس وال سبحانه قد ذكر في القرآن المرتين فقال ^ وقضينا إلى
بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد
أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا
مفعول ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن
أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة ليسؤا وجوهكم
^ وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا
وكانت الولى بعد سليمان وكانت الثانية بعد زكريا ويحيى والمسيح لما قتلوا يحيى
بن زكريا الذي يسميه أهل الكتاب يوحنا المعمداني وكثير من المذكورين بالعلم يظن
706
www.anassim.fr.st 707 الن سي ــــ ـــ ـم
أن بخت نصر هو الذي قدم الشام لما قتل يحيى بن زكريا وهذا عند أهل العلم من
أهل الكتاب وعند من له خبرة من علماء المسلمين باطل والمتواتر أن بخت نصر
هو الذي قدم في المرة الولى وكذلك كون شعيب النبي كان حمو موسى عليه السلم
كما تقوله طائفة من الجهال والمتواتر عند أهل الكتاب وعندالمسلمين من الصحابة
والتابعين وغيرهم خلف ذلك وعند النصارى من أخبارهم وأخبار علمائهم وملوكهم
المتواترة ما ل يعرفه المسلمون واليهود وعند
المسلمين من أخبار علمائهم وملوكهم المتواترة ما ل يعرفه أكثر المم بل عند كل
طائفة من المسلمين من أخبار شيوخهم وأمرائهم وبلدهم المتواترة ما لم تسمع من
غيرهم وليس هذا بمنزلة من ادعى خبرا لم يكن يعرف في الذين شاهدوا تلك
القضية كما لو ادعى مدع أن النبي صلى ال عليه وسلم حج بعد الهجرة أكثر من
حجة وأنه كان يصوم شهر رمضان بمكة وانه كان بمكة أذان أو أنه كان في
عساكره وعساكر خلفائه دبادب وبوقات او أنه كان يؤذن للعيدين او كان يخطب
للعيدين قبل الصلة او أنه كان يصلي بالمدينة أكثر من عيد أو أنه كان يصلي في
السفر أربعا أو أنه صلى بمنى صلة عيد النحر أو أنه نص على علي بن أبي طالب
رضي ال عنه أو غيره بالخلفة نصا ظاهرا مشهورا أو أنه عزل أبا بكر عن
المارة في الحجة وولى عليا أو أنه صلى في مرض موته غير أبي بكر ونحو ذلك
من الخبار التي يعرف أنها كذب باطل لتواتر
نقيضها ولنها لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله
واشتهاره ومع أنه لم يكن له ذكر في الزمن المتقدم وكذلك ما ينقله كثير من أهل
الجهل مثل ما يجعلونه من معجزات الرسول أو غيره ول يوجد منقول عند أهل
العلم بأحواله بل يكذبون ناقله مثل قول كثير من العامة أن الغمام كان يظله دائما
فهذا ل يوجد في شيء من كتب المسلمين المعروفة عند علمائهم ول نقله عالم من
علمائهم بل هو كذب عندهم وغإ كان كثير من الناس ينقله وإنما نقل أن الغمامة
أظلته لما كان صغيرا فقدم مع عمه إلى الشام تاجرا ورآه بحيرا الراهب ومع هذا
فهذا ل يجزم بصحته وكذلك ما ينقله بعضهم من أنه كان إذا وطيء أثر قدمه في
الحجر وفي الرمل لم يكن يؤثر فهذا لم ينقله أهل العلم بأحواله ول واحد منهم بل هو
كذب عليه وكذلك ما ينقله طائفة من الناس من كثرة القتل بحروبه أو المغازي
الكثيرة الذي يذكر مثلها صاحب الكتاب الذي سماه
بنقلت النوار ويقال له البكري فهذه لما كان أكثرها ل يوجد في كتب المسلمين
المعروفة ول نقلها علماؤهم بل قد تواتر ما يخالفها كانت كذبا ظاهرا عند أهل العلم
بأحواله وإن كان كثير من الناس الجهال بأحواله قد يصدق بها ومثل ما ينقله طائفة
أنه كان في غزوة خيبر نصب علي بن أبي طالب يده ليمر الجيش عليها وأن البغلة
مرت عليها فقال قطع ال نسلك فانقطع نسلها فهذا ليس في شيء من كتب أهل العلم
بأحواله ول نقل ذلك واحد منهم وإنما ينقل ذلك من هو معروف بالكذب او جاهل
707
www.anassim.fr.st 708 الن سي ــــ ـــ ـم
ولهذا كان هذا من الكذب الذي يقطع بكذبه علماء المسلمين ويعلمون أنه تواتر
نقيضه وأنه لم يكن في غزوة خيبر بغلة واحدة ولم يكن بالمدينة ول بمكة بغلة إل
بغلته التي أهداها له المقوقس النصراني ملك مصر والسكندرية وإنما أهداها له بعد
فتح خيبر لما كتب النبي صلى ال عليه وسلم إلى
ملوك الطوائف يدعوهم إلى السلم وهو إنما أرسل إلى ملوك الطوائف بعد
الحديبية وخيبر لما رجع من خيبر ويعلمون أن البغلة لم تزل مقطوعة النسل لم يكن
لها نسل قط وكذلك ما ينقله بعض الكذابين من أن طائفة من أهل البيت سبوا فأركبوا
جمال فنبت لها سنامان وأنها البخاتي فهذا مما اتفق أهل المعرفة بالخبار على أنه
كذب لم يسب المسلمون قط في وقت من الوقات أحدا من أهل بيت النبي صلى ال
عليه وسلم ل في خلفة بني أمية ول في خلفة بني العباس والجمال البخاتي
مازالت هكذا لم يتجدد لها السنام في السلم كما قال النبي صلى ال عليه وسلم لما
ذكر ما يحدث النساء بعده قال على رؤوسهن كأسنمة البخت وكذلك ما نقله طائفة
من أهل العلم من أن الشمس ردت لما فاتت عليا صلة العصر لكون النبي صلى ال
عليه وسلم نام في حجره وجعل بعضهم هذا من المعجزات وليس هذا الحديث في
شيء من كتب المسلمين التي يعتمدون على ما فيها من المنقولت
غزوة بدر ثم غزوة أحد وقتل يوم أحد شهيدا قتله وحشي بن حرب وهذا متواتر عند
أهل العلم وما كان من هذه اليات في الصحاح بل وكثير مما لم يخرجه البخاري
ومسلم فهذه عامتها مما يقطع أهل العلم بالحديث بصحتها ويتيقنون ذلك وهذا عندهم
مستفيض متواتر وإن كان بعض ذلك قد ل يتواتر ويستفيض عند غيرهم فإن
الخبار قد تتواتر وتستفيض عند قوم دون قوم بحسب عنايتهم وبها وطلبهم لها
وعلمهم بمن أخبر بها وصفاتهم ومقاديرهم وما دل من الدلئل على صدقهم وأهل
العلم بحديث النبي صلى ال عليه وسلم وأفعاله وسيرته وأسباب نزول القرآن
ومعانيه وغير ذلك لهم بهذا من العلم وعندهم به من اليقين ما ل يوجد مثله لغيرهم
كما أن أصحاب مالك والشافعي واحمد بن حنبل وأبي حنيفة وداود وغيرهم عند كل
708
www.anassim.fr.st 709 الن سي ــــ ـــ ـم
طائفة من أقوال متبوعهم ونصوصه وأخباره ما يقطعون به وإن كان غيرهم ل يعلم
ذلك والطباء عندهم من كلم أبقراط وجالينوس ومحمد بن
زكريا وأمثالهم ما يقطعون به وغيرهم ل يعلم ذلك وأهل الهيئة عندهم من كلم
بطليموس والرصد الممتحن المأموني وثابت بن قرة وأبي الحسين الصوفي ما
يعلمونه هم وغيرهم ل يعلم ذلك بحيث يجزم هؤلء وهؤلء بكثير من مذاهب أهل
الطب والحساب وتجارب الطباء وأرصاد أهل الحساب وغيرهم ل يعلم ذلك وعند
أهل الكتاب كاليهود من أخبار هلل وسمابي وغيرهما
من شيوخهم ما ل يعلمه غيرهم وعند النصارى من أخبار الحواريين ومن أخبار
قسطنطين والمجمع الول بنيقية والمجمع الثاني والثالث والرابع والخامس وغير
ذلك من مجامعهم وأخبارهم ما يقطع به علماؤهم وإن كان غيرهم ل يعلمون ذلك
وأهل العلم بأيام السلم يعلمون من سيرة أبي بكر وعمر وعثمان ومغازيهم كوقعة
أجنادين ومرج الصفر وغيرهما في خلفة أبي بكر وكوقعة اليرموك وخبر أبي
عبيدة
وهزيمة الفرس وفتح مصر وغير ذلك مما كان في زمن عمر بن الخطاب ما
يقطعون به وإن كان غيرهم ل يعرفون ذلك وكذلك ما كان بعد هؤلء من سير
الملوك وحوادث الوجود بل أهل العلم بالرجال يعلمون من حال آحاد الصحابة
والتابعين ومن بعدهم كعبد ال بن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد
ال بن مسعود وأنس بن مالك وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسعيد بن المسيب
والحسن البصري وعلقمة والسود وغير هؤلء ما ل يعلمه غيرهم وأهل العلم
بالنحو يعلمون من حال سيبويه والخفش والمبرد والزجاج والفراء
والكسائي ما ل يعلمه غيرهم والقراء يعلمون من قراءة أبي عمرو وابن كثير
وحمزة والكسائي وابن عامر ويعقوب بن إسحاق والعمش
وخلف بن هشام وأبي جعفر ما ليعلمه غيرهم فإذا كان آحاد أهل العلم من أهل الفقه
أو الطب أو الحساب أو النحو أو القراءات بل وآحاد الملوك يعلم الخاصة من
أمورهم ما ل يعلمه غيرهم ويقطعون بذلك فكيف بمن هو عند أتباعه أعل قدرا من
كل عالم وأرفع منزلة من كل ملك وهم أرغب الخلق في معرفة أحواله واعظم
تحريا للصدق فيها ولرد الكذب منها حتى قد صنفوا الكتب الكثيرة في أخبار جميع
من روى شيئا من أخباره وذكروا فيها أحوال نقلة حديثه وما يتصل بذلك من جرح
وتعديل ودققوا في ذلك وبالغوا مبالغة ل يوجد مثلها لحد من المم ول لحد من
هذه المة إل لهل الحديث فهذا يعطي أنهم أعلم بحال نبيهم من كل أحد بحال
متبوعهم وأنهم أعلم بصدق الناقل وكذبه من كل أحد بصدق من نقل عن متبوعهم
وكذبه
709
www.anassim.fr.st 710 الن سي ــــ ـــ ـم
فإذا كان أولئك فيما ينقلونه عن متبوعهم متفقين عليه جازمين بتصديقه ل يكون إل
صدقا فهؤلء مع جزمهم بالصدق واتفاقهم على التصديق اولى أن ل يكون ما
جزموا بصدقه إل صدقا وعامة أخبار الصحيحين مما اتفق علماء الحديث على
التصديق بها وجزموا بذلك وإنما تنازعوا في أحاديث قليلة منها وعامة ما ذكرناه
من آيات النبي صلى ال عليه وسلم التي في الصحاح هي من موارد إجماعهم
المستفيضة عندهم التي يجزمون بصدقها ليست من موارد نزاعهم فهذا طريق
يسلكه من عرفه من العلماء ويعلم خيرة أهله من كان خبيرا بهم فهذه طريقان في
تصديق هذه اليات التواتر العام والتواتر الخاص
الطريق الثالث التواتر المعنوي وهذا مما اتفق على معرفته عامة الطوائف فإن
الناس قد يسمعون أخبار متفرقة بحكايات يشترك مجموعها في أمر واحد كما سمعوا
أخبارا متفرقة تتضمن شجاعة عنترة وخالد بن الوليد وأمثالهما وتتضمن سخاء حاتم
ومعن بن زائدة وأمثالهما وتتضمن حلم الحنف بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان
وأمثالهما وتتضمن شعر امرىء القيس والنابغة ولبيد وأمثالهم من المتقدمين وشعر
الفرزدق وجرير
وعمر بن أبي ربيعة وأمثالهم من المولدين وشعر أبي نواس والمتنبي وأبي تمام
وأمثالهم من المحدثين بل وسمعوا أقوال وفتاوي متفرقة تتضمن فقه مالك والثوري
والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم
من العلماء وأخبارا متفرقة تتضمن العدل وحسن السيرة من عمر بن
الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما من ولة المور وسمعوا أخبارا متفرقة
تتضمن الزهد عن مثل الحسن البصري والفضيل بن عياض ومالك بن دينار
وإبراهيم بن أدهم وغيرهم من الزهاد وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن معرفة أبقراط
وجالينوس ونحوهما بالطب فيحصل بمجموع الخبار علم ضروري بأن الشخص
موصوف بذلك النعت وإن كان كل من الخبار لو تجرد وحده لم يفد العلم وإن كان
كل من الحكايات ليست وحدها منقولة بالتواتر ومن هذا الباب العلم القطعي باليمان
والموت ونحو ذلك مما يحصل به استقامة موجب العلم القطعي كعلم الناس بأن
خديجة وعائشة ونحوهما من أمهات المؤمنين وأن فاطمة وزينب من
بنات النبي صلى ال عليه وسلم وأن عائشة بنت أبي بكر وأن أبا بكر وعمر
وعثمان تولوا الخلفة بعده وأن أبا بكر وعمر دفنا في حجرته وإذا عرف هذا فهذه
الحاديث وأضعاف وأضعاف هي أضعاف أضعاف ما ينقل عن الواحد من هؤلء
ونقلتها أجل وأكثر وأفضل من نقلة أخبار هؤلء وهي كاملة تتضمن أن محمدا بن
عبد ال صلى ال عليه وسلم كان يجري على يديه من اليات الخارقة للعادة
والعجائب العظيمة ما ل يعرف نظيره عن أحد من الناس وعلم المسلمين بهذا اعظم
710
www.anassim.fr.st 711 الن سي ــــ ـــ ـم
من علم أهل الكتاب بما ينقلونه من آيات موسى وعيسى وغيرهما فإن نقلة آيات
محمد صلى ال عليه وسلم غير القرآن أضعاف أضعاف نقلة التوراة والنجيل
فضل عن غيرهما من أخبار النبياء فإن التوراة لم تكن جميعها محفوظة لعموم بني
إسرائيل كما يحفظ القرآن عامة المسلمين وعند خراب بيت المقدس قل من يحفظها
جدا حتى تنازع الناس في تواتر نقلها وكذلك النجيل نقلته أقل بكثير من نقلة آيات
محمد
صلى ال عليه وسلم وإذا قال النصارى هؤلء كانوا صالحين وكان لهم آيات كما
يذكرونه من آيات الحواريين فأصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وتابعوهم
صالحون ولهم من اليات أعظم مما للحواريين وغيرهم من المم وفيهم من كان
يحمل العسكر على الماء ومن كان يشرب السموم القاتلة ومن يحيي ال الموتى
بدعوته ومن يكثر الطعام والشراب وكتب كرامات الولياء فيها من ذلك اعظم مما
عند أهل الكتاب وهم ينقلون أخبار النبياء والصالحين من كتب عندهم مثل كتاب
أخبار الحواريين وكتاب سفر الملوك ونحو ذلك وما يذكرون من حجة في صحة
نقلها إل وحجة المسلمين فيما ينقلونه عن نبيهم وأصحابه والتابعين أظهر وأقوى
الطريق الرابع أن يقال هذه اليات التي ذكرنا بعضها كانت تكون بمحضر من
الخلق الكثير كتكثير الطعام يوم الخندق فإنه كان أهل الخندق رجالهم ونساؤهم ألوفا
وكذلك نبع الماء من بين أصابعه وفيضان البئر بالماء يوم الحديبية وكانوا يومئذ ألفا
وخمسمائة وكلهم صالحون من أهل
الجنة ل يعرف فيهم من تعمد كذبة واحدة على النبي صلى ال عليه وسلم وكذلك
تكثير الماء والطعام في غزوة خيبر كانوا ألفا وخمسمائة وفي تبوك كانوا ألوفا
مؤلفة وكان بعض من حضر هذه المشاهد نقل هذه اليات قدام آخرين ممن حضرها
وينقلها لقوام فيذهب أولئك فيخبرون بها أولئك ويصدق بعضهم بعضا ويحكي هذا
مثل ما حكى هذا من غير تواطىء وتشاعر وأدنى أحواله أن يقره ول ينكر عليه
روايتها ونحن نعلم بموجب العادة الفطرية التي جبل ال عليها عباده وبموجب ما
كان عليه سلف المة من اعتقاد الصدق وتحريه واعتقادهم أن ذلك واجب ومن شدة
توقيهم الكذب على نبيهم وتعظيمهم ذلك إذ قد تواتر عندهم عنه أنه قال من كذب
علي متعمدا فليتبوأ معقده من النار فنحن نعلم أنهم لم يكونوا يقرون من يعلمون أنه
يكذب عليه ومن أخبر عنه بما كانوا مشاهدين له وكذب عليه فقد علموا انه كذب
عليه فلما اتفقوا على القرار على ذلك وعلى تناقله بينهم من غير إنكار أحد منهم
لذلك علم قطعا أن القوم كانوا متفقين على نقل ذلك كما هم متفقون على نقل القرآن
والشريعة المتواترة وإن كان جمهورهم ليس منتصبا لتلقين القرآن بل هذا يلقنه وهذا
يسمعه من هذا المتلقن ل ينكر بعضهم على بعض القراءة وهذا يعلم هذا الصلة أن
الظهر في الحضر أربع ركعات والمغرب ثلثا والفجر ركعتان وهذا يقر هذا فلما
كان بعضهم يقر بعضا على نقل ذلك علم اتفاقهم على نقل ذلك وهذا غاية التواتر
711
www.anassim.fr.st 712 الن سي ــــ ـــ ـم
وكذلك ما نقلوه من شرائعه ومن آياته وبراهينه يبين ذلك أن ما أنكره بعضهم رده
على الخر ولم يوافقه وإن كانوا متأخرين عن زمن الصحابة فكيف بالمتقدمين
كتنازعهم هل كان يجهر بالبسملة ام ل يجهر بها وهل كان يداوم على القنوت في
الفجر ام كان يقنت أحيانا للنوازل أم قنت مرة ثم تركه فهذا من أهون المور
وأيسرها إذ كلهم متفقون على صحة صلة من قنت وعلى صحة صلة من لم يقنت
ومن جهر ومن خافت ولكن لما تنازعوا فيما فعله الرسول تنازعوا في الحكم فعلم
بذلك ان ما كان مشهورا في المة عن النبي صلى ال عليه وسلم ولم ينكره أحد من
علمائها كانت المة متفقة على نقله كنقلهم للقرآن وللشرائع الظاهرة
المشهورة وإن نقل ذلك أعظم من نقل سائر أخبار النبياء والعلماء والملوك والزهاد
وكذلك حجة فإنهم كلهم متفقون على ما تواتر عنه من أنه لم يحج بعد الهجرة إل
حجة واحدة وهي التي تسمى حجة الوداع وإنما عاش بعدها نحوا من ثلثة أشهر
وأنه لما حج أمر أصحابه كلهم إل من ساق الهدى منهم إذا طاف بالبيت وبين الصفا
والمروة أن يحل من عمرته وأنه لم يعتمر هو ول أحد من أصحابه الذين حجوا معه
بعد الحج إل عائشة وحدها وأنه هو نفسه لم يحل من حجته ول أحد ممن ساق
الهدي معه وإنما اشتبه على بعضهم بعض ألفاظه او بعض المور التي تخفى على
أكثر الناس وكان الصحابة ينقلون تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومرادهم
بالتمتع أنه قرن بين العمرة والحج فظن بعض الناس أنهم أرادوا أنه أخر الحرام
بالحج إلى ان قضى العمرة وقال بعض الصحابة إنه أفرد بالحج فظن بعض الناس
انه حج واعتمر بعد الحج
وهذا لم ينقله أحد من العلماء بل اتفقوا على أنه لم يعتمر بعد الحج وروى بعض
الصحابة أنه قرن فظن بعض الناس أنه طاف طوافين وسعى سعيين وهذا لم ينقله
أحد عنه وكان من أسباب غلط كثير من الناس أنهم كانوا يستعملون تلك اللفاظ في
معان غير ما استعملته فيها الصحابة فغلط بعض الناس على بعض الصحابة وأما ما
فعله في الحج مشهورا فهو
متواتر لم يختلف فيه النقل ول علماء النقل ومن تدبر هذه الطريق أفادته علما يقينيا
قطعيا بصحة هذه اليات عن محمد صلى ال عليه وسلم وكذلك الطرق المتقدمة فإنا
قد ذكرنا أن ما كان الناس أحوج إلى معرفته يسر ال دلئله للناس اعظم من تيسير
غيره وحاجة الخلق إلى تصديق الرسول أشد من حاجتهم إلى جميع الشياء إذ بذلك
تحصل سعادتهم في الخرة ونجاتهم من العذاب وبه يحصل صلح العباد في المعاد
والمعاش
الطريق الخامس أن ما من صنف من أصناف العلماء إل وقد تواتر عندهم من
اليات ما فيه كفاية فكتب التفسير مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب
الحديث مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب السير والمغازي والتواريخ
مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب الفقه مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك
فيها وإن لم يكن هذا مقصودا منها وإنما المقصود الحكام لكنهم في ضمن ما
712
www.anassim.fr.st 713 الن سي ــــ ـــ ـم
والشراب وعلى تواتر نوع نوع منها كتواتر نبع الماء من بين أصابعه وتواتر إشباع
الخلق العظيم من الطعام القليل وتواتر شخص شخص منها كتواتر حنين الجذع إليه
وأمثال ذلك وكلما أمعن النسان في ذلك النظر واعتبر ذلك وبأمثاله واعتبر وأعطاه
حقه من النظر والستدلل ازداد بذلك علما ويقينا وتبين له أن العلم بذلك اظهر من
جميع ما يطلب من العلم بالخبار المتواترة فليس في الدنيا علم مطلوب بالخبار
المتواترة إل والعلم بآيات الرسول وشرائع دينه أظهر من ذلك وما من حال احد من
النبياء والملوك والعلماء والمشايخ المتقدمين وأقواله وأفعاله وسيرته إل والعلم
بأحوال محمد صلى ال عليه وسلم أظهر من العلم به وما من علم يعلم بالتواتر مما
هو موجود الن كالعلم بالبلد البعيدة كعلم أهل الشام بالعراق وخراسان والهند
والصين والندلس وعلم أهل المغرب بالشام والعراق وخراسان والهند وعلم أهل
خراسان بالشام والعراق ومصر وعلم أهل الهند بالعراق والشام وأمثال ذلك من علم
أهل البلد بعضهم بحال بعض إل وعلم النسان بحال المسلمين من مشارق الرض
ومغاربها وما هم عليه من الدين وما ينقلونه عن نبيهم من آياته وشرائعه أظهر من
علمه بهذا كله وهذا مما يبين أنه ليس في الوجود أمر يعلم بالنقول المتواترة إل
وآيات الرسول وشرائعه تعلم بالنقول المتواترة أعظم مما يعلم ذلك
المر تحقيقا لقوله تعالى ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله وكفى بال شهيدا ^ وظهوره على الدين كله بالعلم والحجة والبيان إنما هو
بما يظهره من آياته وبراهينه وذلك إنما يتم بالعلم بما ينقل عن محمد من آياته التي
هي الدلة وشرائعه التي هي المدلول المقصود بالدلة فهذا قد أظهره ال علما
وحجة وبيانا على كل دين كما أظهره قوة ونصرا وتأييدا على كل دين والحمد ل
رب العالمين كما أنه ما من دليل يستدل به على مدلول إل والدلة على آيات الرب
أكبر وأكثر
الطريق السادس ان العلماء قد صنفوا مصنفات كثيرة في ذكر آياته وبراهينه
المنقولة في الخبار وجردوا لذلك كتبا مثل كتاب دلئل النبوة للفقيه الحافظ أبي بكر
البيهقي وقبله دلئل النبوة
للشيخ أبي نعيم الصبهاني وقبله دلئل النبوة لبي الشيخ الصبهاني ولبي القاسم
الطبراني وقبلهما دلئل النبوة للمام الحافظ أبي زرعة الرازي والشيخ المصنف
713
www.anassim.fr.st 714 الن سي ــــ ـــ ـم
أبي بكر عبد ال بن أبي الدينا وللمصنف الحافظ المام أبي إسحاق إبراهيم
الحربي وأبي بكر جعفر الفريابي وما صنفه الشيخ العالم أبو الفرج ابن الجوزي في
كتابه المسمى بالوفا في فضائل المصطفى وما صنفه الحافظ أبو عبد ال المقدسي
من دلئل النبوة وهؤلء وغيرهم يذكرون ما يذكرون من السانيد المعروفة
والطرق المتعددة الكثيرة المتواترة وهؤلء منهم من يميز ما يذكره من الحاديث
بين ما في صحيحي البخاري ومسلم وما في غيرهما وإن كان صحيحا
أيضا كالبيهقي وابن الجوزي والمقدسي ومنهم من يذكر ذلك جميعه بأسانيده وقد
يتكلم على السانيد والطرق ويذكر تعددها من غير احتياج منه أن يذكر ما رواه
البخاري ومسلم كأبي زرعة شيخ مسلم وأبي الشيخ وأبي نعيم وغيرهم وآخرون
يذكرونه معزوا مسندا إلى من رواه وإن لم يذكروا إسناده كما يفعله القاضي عياض
السبتي في كتابه المسمى بالشفا بتعريف حقوق المصطفى ومنهم من يقرر ذلك
بشهرة ذلك وطرق أخرى من صحته كما يفعله كثير من النظار كالقاضي عبد
الجبار
والجاحظ والماوردي القاضي وسليم الرازي الفقيه وغيرهم وهذه الكتب فيها من
الحاديث المتضمنة ليات نبوته وبراهين رسالته أضعاف اضعاف الحاديث
المأثورة فيما هو متواتر عنه مثل حجة الوداع وعمرة الحديبية وصد المشركين له
ومصالحته
إياهم وحله هو وأصحابه بالحديبية ورجوعهم ذلك العام وفتح خيبر وعمرة القضية
وعمرة الجعرانة ومثل حصاره لهل الطائف وفتح مكة قبل ذلك ومثل غزوة
النصارى عام تبوك وإرساله جيشا لغزوهم بمؤتة من مشارف الشام قريبا من
الحصن المسمى بالكرك ومثل
غزوة لليهود بخيبر وغزوة لليهود قبل ذلك لمن كان عند المدينة مثل بني قينقاع
والنضير وقريظة ومثل إرساله أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع ونبذه العهود
ومناداته أن ل يحج بعد العام مشرك وليطوف بالبيت عريان ومثل هجرته مع أبي
بكر وعامر بن فهيرة ورجل ثالث كان دليل لهم ومثل ما تواتر عنه أنه كان يصلي
بالمسلمين في العيدين بالمصلى خارج المدينة لم يكن يصلي العيد في مسجده إل
مرة نقل أنه صلى في المسجد لجل المطر ولم يكن على عهده يصلي أحد بالمدينة
صلة العيد إل خلفه لم يكن يصلي صلتي عيد على عهده وعهد أبي بكر وعمر
وعثمان وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب لما كثر الناس وضعف أقوام عن
الخروج إلى الصحراء استخلف من يصلي
بهم في المسجد وكما تواتر عنه أنه كان يصلي الجمعة بأذان وإقامة ل يؤذن لها إل
714
www.anassim.fr.st 715 الن سي ــــ ـــ ـم
إذا قعد على المنبر وكذلك كان المر على عهد أبي بكر وعمر فلما كان في أثناء
خلفة عثمان كثر الناس فأمر بالنداء الثالث على دار قريبة من المسجد من جهة
المشرق يقال لها الزوراء وكما تواتر أن مسجده كان باللبن وسقفه كان من جذوع
النخل وكانت حجر أزواجه قبلي المسجد وشرقيه فلما كثر الناس زاد فيه عمر ثم
زاد فيه عثمان وبناه بالقصة والحجارة ثم في إمارة الوليد أمر نائبه عمر بن عبد
العزيز أن يشتري الحجر ويزيدها في المسجد فدخلت حجرة عائشة التي دفن فيها
هو وأبو بكر وعمر في المسجد من حينئذ وإنما كانت في حياته خارجة عن المسجد
إلى سنة إحدى وتسعين وقال في مرض موته
لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة
ولول ذلك لبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وكما تواتر عنه أنه نهى عن
الصلة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها وتواتر عنه أنه كان يضحي في عيد
الضحى بل تواتر عند أهل العلم بأحواله تروكه المشهورة كما تواترت أفعاله
المشهورة فتواتر عنه أنه لم يكن يؤذن للعيدين ول الكسوف ول الستسقاء وأنه
صلى الكسوف بركوعين في كل ركعة صلة طويلة وتواتر عنه كان يطوف بالبيت
سبعا ويصلي ركعتين بعد الطواف ولم يكن يصلي بعد السعي بالصفا والمروة
ركعتين وتواتر أنه كان يواصل ونهى
أصحابه عن الوصال ويقول إني لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني
وأنه لم يفرض صوما إل صوم شهر رمضان ولم يفرض الحج على المستطيع إل
مرة وأنه فرض الصوات الخمس على كل بالغ عاقل إل الحائض والنفساء وأنه منع
الحائض والنفساء من الصوم والصلة وكان الحيض يؤمرن بقضاء الصوم ول
يؤمرن بقضاء الصلة وأنه أمر بالغتسال من الجنابة للصلة وأمر بالوضوء عند
الصلة لمن بال أو تغوط أو خرج منه ريح أو مذي وأنه رخص في الستجمار
بثلثة أحجار ونهى عن الستنجاء باليمين ونهى عن الستجمار بالعظم والبعر وقال
إنها زاد إخوانكم من الجن وأنه لم يكن يجمع المسلمين على سماع كف ول دف ول
رقص
ول صعق ل هو ول أصحابه عند سماع القرآن بل كانوا توجل قلوبهم وتقشعر
جلودهم وتدمع عيونهم وأنه لم يكن على عهده وعهد خلفائه تعاد امرأة مطلقة إلى
زوجها بنكاح يقصد به التحليل بل لعن المحلل والمحلل له لن ذلك ربما فعل سرا
وأنه أمر بعيادة المريض وتشييع الجنازة وإفشاء السلم وإجابة الدعوة وأنه كان
يصلي على الميت ويكبر أربع تكبيرات وقد كان أحيانا يكبر خمسا وسبعا وأمر
بتغسيل الميت وتكفينه والصلة عليه ودفنه وأنه حرم كل مسكر وحرم بيع الدرهم
بالدرهمين والدينار بالدينارين والصاع بالصاعين من الحنطة والشعير والتمر
والزبيب وأنه أمر بصدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير لما كان أهل
المدينة يقتاتون التمر والشعير وأنه أباح الدواء وقال تداووا عباد ال فإنه لم ينزل
715
www.anassim.fr.st 716 الن سي ــــ ـــ ـم
الموت وأنه كان يتداوى بالحجامة وغيرها وكذلك ما تواتر عنه من أحاديث سوى ما
في القرآن من صفة الجنة والنار وذكر العرش والملئكة والجن وإرساله إلى الثقلين
وما ذكره من أسماء ال وصفاته وما أخبر به من فتنة النسان في قبره ومن عذاب
القبر ونعيمه ومن دخول من يدخل النار من أهل الكبائر من أمته وخروجهم من
النار بشفاعته وشفاعة غيره ومن ذكر حوضه وما أخبر به من رؤية ال يوم القيامة
ومحاسبة ال للعباد وغير ذلك وما تواتر عنه من أنه كان يرسل رسل إلى الملوك
يدعوهم إلى اليمان بال وبما جاء به كما أرسل إلى ملوك اليمن وإلى ملوك الشام
ومصر والعراق وإلى ملوك المشركين واليهود والنصارى والمجوس بعد ما حارب
اليهود مرة بعد مرة وما تواتر عنه أنه كان يركب الخيل والبل والبغال والحمير
وأنه رجم الزاني المحصن مرة بعد مرة وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر وأنه
كان يصلي في السفر الرباعية ركعتين ركعتين وأنه جمع بين الصلتين الظهر
والعصر بعرفة وفي مزدلفة جمع بين المغرب والعشاء وأنه كان يصلي بمنى
ركعتين ركعتين وأمر
أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وغير
هؤلء كعبد ال بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسعد بن معاذ وسعد بن
عبادة وأبي طلحة وأبي أيوب وأسيد بن حضير وأضعاف هؤلء وأنه بايعه تحت
الشجرة ألف وأربعمائة وهم الذين أنزل ال فيهم ^ ^ لقد رضي ال عن المؤمنين إذ
يبايعونك تحت الشجرة ^ وأنه لما قدم المدينة بنى مسجده وكان في شماليه صفة
ينزلها العزباء وأن المهاجرين والنصار كلهم أسلموا طوعا بل رغبة ول
رهبة وأن المهاجرين آذاهم الكفار إيذاء عظيما حتى هاجر منهم طائفة إلى الحبشة
عند النجاشي وأن النجاشي آمن به وأنه لما مات أخبر النبي صلى ال عليه وسلم
716
www.anassim.fr.st 717 الن سي ــــ ـــ ـم
بموته يوم مات وأنه صلى عليه بأصحابه في المصلى كما يصلي على الميت
الحاضر وأنه كان يخطب يوم الجمعة قبل الصلة ويخطب في العيد بعد الصلة
وكان يؤذن للجمعة وللصلوات الخمس ول يؤذن للعيدين ول غير الصلوات الخمس
وأن بلل كان يؤذن له بالمدينة هو وابن أم مكتوم العمى وكان سعد القرظ يؤذن
لهل قباء وأبو محذورة يؤذن لهل مكة وكما تواتر عنه وعن خلفائه أنهم
لم يكونوا بمنى يصلون صلة عيد بل يرمون جمرة العقبة وينحرون كما أمر أهل
المصار أن يصلوا ثم ينحروا إلى أمثال هذه المور مما هو متواتر عند كل من
كان عالما بأحواله ومنها ما هو متواتر عند جميع المة ومنها ما هو متواتر عند
جمهورها وليس منها شيء إل وتواترت آياته وبراهينه صلى ال فيها عليه وسلم
التي لم تذكر في القرآن أعظم من تواتر هذه المور والكتب المصنفة في آياته
وبراهينه الخارجة عن القرآن فيها من الحاديث أضعاف أضعاف ما يوجد من
الحاديث في مثل هذه المور بل في كل صنف من أصناف آياته من الحاديث
أضعاف ما يوجد في مثل ذلك كتواتر إخباره بالغيوب المستقبلة وتواتر تكثيره
للطعام والشراب مرات متعددة وتكثيره الطهور إما بنبع الماء بين أصابعه وإما
بفيضان الينبوع الذي يضع فيه بعض آثاره وإما
بفيضان الماء من الوعاءالذي برك فيه والماء باق بحاله لم ينقص فالحاديث
المتواترة في مثل هذه النواع أكثر من الحاديث المتواترة في مثل تلك المور التي
هي متواترة ولهذا كان شهرة هذه المور في المة وفي أهل العلم بأحواله أعظم من
شهرة كثير من تلك المور والمقصود هنا أن تواتر آياته المستفيضة في الحاديث
أعظم من تواتر أمور كثيرة هي متواترة عند المة أو عند علمائها وعلماء أهل
الحديث وهذا غير اليات والبراهين المستفادة بالقرآن فإن تلك قد تجرد لها طوائف
من المسلمين ذكروا من أنواعها وصفاتها ما هو مبسوط في غير هذا الموضع حتى
بينوا أن ما في القرآن من اليات يزيد على عشرات ألوف من اليات وهذا غير ما
في كتب أهل الكتاب من الخبار به وهذه الجناس الثلثة غير ما في شريعته التي
بعث بها وغير صفات أمته وغير ما يدل من المعرفة بسيرته وأخلقه وصفاته
وأحواله وهذا كله غير نصر ال وإكرامه لمن آمن به وعقوبته وانتقامه ممن كفر به
كما فعل بالنبياء المتقدمين فإن تعداد أعيان دلئل النبوة
مما ل يمكن بشرا الحاطة به إذ كان اليمان به واجبا على كل أحد فيبين ال لكل
قوم بل لكل شخص من اليات والبراهين ما ل يبين لقوم آخرين كما أن دلئل
الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كل دليل على كل مدلول ولكل قوم بل ولكل إنسان
من الدلئل المعينة التي يريه ال إياها في نفسه وفي الفاق ما ل يعرف أعيانها قوم
آخرون قال تعال ^ سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^
والضمير في ذلك عائد إلى القرآن عند المفسرين والسلف وعامة العلماء كما يدل
على ذلك القرآن بقوله ^ قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن
717
www.anassim.fr.st 718 الن سي ــــ ـــ ـم
هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^
وقد قيل إن الضمير عائد إلى ال والصواب الول كما قال ^ قل أرأيتم إن كان من
^ عند ال ثم كفرتم به
وهذا هو القرآن ثم قال بعد ذلك ^ سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين
لهم أنه الحق ^ ثم قال ^ أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ^ فأخبر أنه
سيري الناس في أنفسهم وفي الفاق من اليات العيانيةالمشهورة المعقولة ما يبين أن
اليات القرآنية المسموعة المتلوة حق فيتطابق العقل والسمع ويتفق العيان والقرآن
وتصدق المعاينة للخبر وإذا كان القرآن حقا لزم كون الرسول الذي جاء به صادقا
وأن ال تعالى أنزله وأنه يجب التصديق بما أخبر به والطاعة لما أوجبه وأمر به
وذلك يتضمن إثبات الصانع وتوحيده وأسماءه وصفاته وإثبات النبوات وإثبات
المعاد وهذه هي أصول العلم واليمان التي علقت بها السعادة والنجاة
فصل وآيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول وقبيل مولده وبعد مماته ل &
تختص بحياته فضل عن أن تختص بحال دعوى النبوة أو حال التحدي كما ظنه
بعض أهل الكلم بل ل بد من آيات في حياته تدل على صدقه تقوم بها الحجة
وتظهر بها المحجة كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح ما من
نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي
اوتيته وحيا أوحاه ال إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة وقد قال تعالى
في سورة إبراهيم ^ الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن
^ ربهم إلى صراط العزيز الحميد
إلى قوله ^ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور
وذكرهم بأيام ال إن في ذلك ليات لكل صبار شكور ^ إلى قوله ^ الم يأتيكم نبؤا
الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل ال جاءتهم
رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك
مما تدعوننا إليه مريب قالت رسلهم أفي ال شك فاطر السموات والرض يدعوكم
ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ^ اليات فأخبر سبحانه أن قوم نوح
وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل ال أتتهم رسلهم بالبينات فعلم أنهم جاءوا
بالبينات وقال ^ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات والزبر والكتاب
^ المنير
وقال تعالى ^ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا
للظالمين عذابا أليما وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكل
ضربنا له المثال وكل تبرنا تتبيرا ^ فأخبر أنه سبحانه ضرب المثال لجميع
هؤلء الذين أرسل إليهم وأهلكهم فلم يعاقبهم إل بعد ان أقام عليهم الحجة وقال تعالى
^ وما ارسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون
718
www.anassim.fr.st 719 الن سي ــــ ـــ ـم
بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ^
فأخبر أنه لم يرسل إل رجال يوحى إليهم لم يرسل إليهم ملئكة ول نساء وأنه
أرسلهم بالبينات والزبر والزبر جمع زبور وهي الكتب فإن منهم من أنزل عليه
كتاب ومنهم من أرسل بتجديد الكتاب الذي قبله وقال تعالى ^ إنا أرسلناك بالحق
بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلخل فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم
جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان
نكير ^ أخبر أنه ليس أمة من المم إل خل فيها نذير كما قال ^ ولقد بعثنا في كل
أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت
عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ ثم أخبر أن
الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير وهذا من عطف
الخاص على العام لختصاصه بوصف يختص به كقوله
بنعمة من ال وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان ال وال ذو فضل عظيم إنما
ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ^ أي يخوفكم
أولياءه كما قاله جمهور العلماء ثم قال ^ ول يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم
لن يضروا ال شيئا ^ وسياق الكلم في بيان أن الكفار ل يضرون ال ول عباده
المؤمنين بل ضررهم على أنفسهم وأن ما حصل لهم من نعمة إنما هو استدراج
وإملء إلى أن قال ^ لقد سمع ال قول الذين قالوا إن ال فقير ونحن أغنياء سنكتب
ما قالوا وقتلهم النبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم
وأن ال ليس بظلم للعبيد الذين قالوا إن ال عهد إلينا ل نؤمن لرسول حتى يأتينا
بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن
كنت صادقين ^ بين سبحانه أن هذا القول منهم مع أنه كذب فلم يقولوه إل دفعا للحق
ل ليؤمنوا بمن جاءهم بذلك إذ قد جاءهم رسل من
قبله باليات البينات والقربان الذي تأكله النار ومع هذا قتلوهم والكلم في مثل هذا
الجنس الذي يوالي بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا كاليهود الذين هم على دين
719
www.anassim.fr.st 720 الن سي ــــ ـــ ـم
سلفهم الذين فعلوا ذلك ولهذا يذمهم بصيغة الخطاب كقوله ^ وإذ فرقنا بكم البحر
فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ^ إلى قوله ^ وإذ قلتم يا موسى لن
نؤمن لك حتى نرى ال جهرة ^ فالخطاب لجنس بني إسرائيل وإن كان الذين عاينوا
ذلك ماتوا ثم قال ^ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات والزبر
والكتاب المنير ^ فحذف هنا الفاعل وبنى الفعل للمفعول إذ المقصود هنا تسلية
الرسول وتعزيته ل ذكر عقوبة المذكبين فلهذا كانت هذه أخص من تلك
فصل ومن آيات النبياء إهلك ال لمكذبيهم ونصره للمؤمنين بهم فهذا من أعلم &
نبوتهم ودلئل صدقهم كإغراق ال قوم نوح لما كذبوه وكإهلكه قوم عاد بالريح
الصرصر وإهلك قوم صالح بالصيحة وإهلك قوم شعيب بالظلة وإهلك قوم لوط
بإقلب مداينهم ورجمهم بالحجارة وكإهلك قوم فرعون بالغرق وقد ذكر ال
القصص في القرآن في غير موضع وبين أنها من آيات النبياء الدالة على صدقهم
كما يذكره في سورة الشعراء لما ذكر قصة موسى قال ^ إن في ذلك لية وما كان
^ أكثرهم مؤمنين
ثم ذكر قصة إبراهيم وقال في آخرها ^ إن في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين ^
وكذلك ذكر مثل ذلك في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ومن ذلك ما جعله
من اللعنة الشائعة لمن كذبهم ومن لسان الصدق والثناء والدعاء لهم ولمن آمن بهم
كما قال تعالى في قصة نوح ^ وتركنا عليه في الخرين سلم على نوح في
العالمين ^ وكذلك في قصة إبراهيم ^ وتركنا عليه في الخرين سلم على إبراهيم
^ أي تركنا هذا القول الذي يقوله المتأخرون وكذلك في قصة موسى وهارون ^
^ وتركنا عليه في الخرين سلم على موسى وهارون ^ و ^ سلم على إل ياسين
وكذلك في قصة إبراهيم قال تعالى ^ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا له
إسحاق ويعقوب وكل جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا
^ وقال في قصة فرعون ^ واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا انهم
إلينا ل يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة ل ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا
لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ^ ولهذا قال تعالى ^ لقد كان في قصصهم عبرة
^ لولي اللباب ^ وقال لمحمد صلى ال عليه وسلم ^ فاصبر إن العاقبة للمتقين
فأخبر أن العاقبة للمتقين ثم إنه ما وقع لهؤلء وهؤلء يعلم بالسمع والنقل تارة ويعلم
بالعقل والعتبار بآثارهم تارة كما قال عن أهل النار ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا
في أصحاب السعير ^ كما ذكر ال الطريقين في قوله ^ ولينصرن ال من ينصره
إن ال لقوي عزيز الذين إن مكنهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور ^ ثم قال ^ وإن يكذبوك فقد كذبت
قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط واصحاب مدين وكذب موسى
720
www.anassim.fr.st 721 الن سي ــــ ـــ ـم
فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة
فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ^ ثم قال ^ أفلم يسيروا في
الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها ل تعمى البصار
ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ^ وقال تعالى
وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلد هل من محيص إن ^
في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ^ وقال تعالى ^ أو لم
يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة
وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان ال
ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا
بآيات ال وكانوا بها يستهزءون ^ وقال تعالى ^ أو لم يسيروا في الرض فينظروا
كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الرض
فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال من واق ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم
^ بالبينات فكفروا فأخذهم ال إنه قوي شديد العقاب
وقال تعالى ^ أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا
أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم
رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما
رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما
رأوا بأسنا سنت ال التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ^ وقال لما قص
قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى في سورة هود ^ ذلك
من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما
أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم
غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ^ ولما
ذكر قصة لوط في سورة الصافات قال ^ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفل
^ تعقلون
وفي سورة الحجر ^ إن في ذلك ليات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لية
للمؤمنين وإن كان أصحاب اليكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ^
والمام المبين هو الطريق المستبين الواضح بين سبحانه أن هذه وهذه كلهما بسبيل
للناس يرونها بأبصارهم فيعلمون بذلك ما فعل ال بمن كذب رسله وعصاهم ودللة
نصر ال المؤمنين وانتقامه من الكافرين على صدق النبياء من جنس دللة اليات
والمعجزات على صدقهم فكون هذا فعل لجل هذا وكون ذاك سبب هذا هو مما يعلم
بالضرار عند تصور المر على ما هو عليه كانقلب العصا حية عقب سؤال
فرعون الية وانشقاق القمر عند سؤال مشركي مكة آية وأمثال ذلك والسؤال
المشهور الذي يورد في هذا الموضع على قول من
721
www.anassim.fr.st 722 الن سي ــــ ـــ ـم
ينفي التعليل في أفعال ال ويجوز على ال كل فعل حيث قيل لهم على أصلكم ل
يفعل ال شيئا لجل شيء وحينئذ فلم يأت باليات الخارقة للعادة لجل تصديق
الرسول ول عاقب هؤلء لتكذيبهم له ول أنجى هؤلء ونصرهم ليمانهم به إذا كان
ل يفعل شيئا لشيء عندكم وقالوا لهم أيضا إذا جوزتم على الرب كل فعل جاز أن
يظهر الخوارق على يد الكاذب ويقال لهم أيضا أنتم ل تعلمون ما يفعل الرب إل
بعادة أو خبر النبياء فقبل العلم بصدق النبي ل يعلم شيء بخبره والعادة إنما تكون
فيما تكرر كطلوع الشمس ونزول المطر ونحو ذلك والتيان بالخارق للتصديق ليس
معتادا فيقال هذا السؤال إن كان متوجها فإنما يقدح في قول هؤلء الذين يقولون
ليفعل شيئا لجل شيء ويجوزون عليه فعل كل شيء ممكن ل ينزهونه عن فعل
سيء الفعال وليس عندهم قبيحا وظلما إل ما كان ممتنعا مثل جعل الشيء موجودا
معدوما وجعل
الجسم في مكانين ولهذا ذكر ذلك مخالفوهم حجة في إبطال مذهبهم وقالوا قولهم
يقدح في العلوم الضرورية ويسد باب العلم بصدق الرسل قالوا إذا جوزتم أن يفعل
كل شيء فجوزوا أن يكون الجبال انقلبت ياقوتا والبخار لبنا ونحو ذلك مما يعلم
بالضرورة بطلنه وجوزا أن يخلق المعجزات على يدي الكذابين وليس المقصود
هنا الجواب عن هؤلء ول بيان فسد قولهم ولكن المقصود أن هذا السؤال إن كان
متوجها فإنما يقدح في قوله هؤلء ل يقدح فيما علم بالضطرار من دللت اليات
المذكورة على حال ههؤلء وهؤلء وأن ال سبحانه وتعالى نجى موسى ونصره
لصدقه ونبوته وإيمانه وأهلك فرعون لتكذيبه وكذلك نصر محمدا ومن اتبعه على
من كذبه من قومه ونصر نوحا على من كفر به ونصر المسيح على من كذبه
ونصر سائر الرسل وأتباعهم المؤمنين كما قال تعالى ^ إنا لننصر رسلنا والذين
^ آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد
وقال ^ سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون
^ كما ل يقدح ما علم بالضطرار من أن ال ينزل المطر في إبانه لسقي المزارع
وأنه يسوق النيل لسقي أرض مصر وأنه جعل أعضاء النسان لما فيها من المنافع
كالبطش باليدين والمشي بالرجلين والنظر بالعينين والسمع بالذنين والنطق باللسان
وجعل ماء العين ملحا لكونها شحمة والملوحة تمنعها أن تذوب وماء الذن مرا
ليمنع الذباب من الولوج في الدماغ وماء الفم عذبا ليطيب الطعام والشراب وجعل
ماء البحر مالحا لبقاء النام فإنه لو كان عذبا فيموت فيه من الحيوان العظيم فيفسد
الريح فيموت الدميون والبهائم بهذه الريح إلى ما ل يحصى من حكمة ال المشهودة
في خلقه ونفاة التعليل يقولون نحن نعلم أن هذا مقارن لهذا بحكم العادة التي أجراها
ال وإن لم يخلق شيئا لشيء وكذلك من نفي
السباب مع نفي التعليل أيضا يقولون نحن نعلم أنه يخلق هذا عند هذا ل به فاقتران
المعجز بالتصديق من هذا الباب عندهم لكن يبقى عليهم أن هذا ل يعلم إل بالعادة
722
www.anassim.fr.st 723 الن سي ــــ ـــ ـم
ول عادة فل جرم رجعوا إلى فطرته من أن هذا أمر معلوم بالضطرار وإن كان
مناقضا لصلهم الفاسد وضربوا لذلك مثل بالملك الذي أظهر ما يناقض عادته
لتصديق رسوله لكن يقال لهم الملك يفعل فعل لمقصود فأمكن أن يقال أنه قام
ليصدق رسوله وأنتم عندكم أن ال ل يفعل شيئا لشيء فلم يبق المثل مطابقا ولهذا
صاروا مضطربين في هذا الموضع تارة يقولون المعجزات دليل على الصدق لئل
يفضي إلى تعجيز الرب فإنه ل دليل على الصدق إل خلق العجز فلو لم يكن دليل
لزم أن يكون الرب غير قادر على تصديق الرسول الصادق وهذه طريقة الشعري
في أكثر كتبه وأحد قوليه وسلكها القاضي أبو بكر وأبو إسحاق
السفرائيني وأبو بكر بن فورك وأبو محمد ن اللبان وأبو علي بن شاذان والقاضي
أبو يعلى وغيرهم والثاني قالوا نحن نعلم بالضطرار أنه فعل هذا لجل التصديق
كالمثل المضروب وهذا هو القول الخر وهي طريقة أبي الحسن الشعري في
أماليه وهي طريقة أبي المعالي وأتباعه
كالرازي وغيره وتنازعوا هل يمكن خلق ذلك على يد كذاب فقيل ل يمكن لنه لو
أمكن لجاز وقوعه وقيل بل هو مقدور لكن نعلم أنه ل يفعله كما نعلم أنه ل يفعل
كثيرا من الخوارق المقدورات كقلب الجبل ياقوتا والبحر زيتا قالوا فنحن نعلم
بالضرورة أنه ل يفعلها فل يلزم من كونها مقدورة ممكنة أن ل يعلم انتفاء وقوعها
بل قد يعلم عدم وقوعها بالضطرار وإن كنا نقول إنها ممكنة مقدورة وظهور
المعجزات على يد الكذاب في دعوى النبوة من هذا الباب عندنا وقالوا المعجز علم
على صدق النبياء فيمتنع أن يكون الدليل غير مستلزم للمدلول عليه وهذا القول
حق لكن منازعوهم يقولون هو يستلزم نقيض ما نفوه من كون ال يخلق شيئا لشيء
ويخلق شيئا بشيء وما قالوا من كونه يجوز عليه فعل كل شيء وكان ما ذكروه من
الحق دليل على أن الخلق يعلمون ما يعلمونه من حكمة الرب ومراده بما يخلقه
لمر آخر وأنه سبحانه منزه عن أن يفعل أشياء ل يجوز منه فعل كل شيء وهم
يقولون هنا قد يكون الشيء ممكنا جائزا مع العلم بأنه غير واقع كانقلب الجبال
ياقوتا
والبحر زئبقا وموت أهل البلد كلهم في لحظة ومصير الطفال علماء حكماء في
لحظة واحدة وعلى هذا الجواب يعتمدون كثيرا كما يذكره القاضي أبو بكر والقاضي
أبو يعلى وأبو المعالي والرازي وغيرهم ثم إنهم يقولون في العقل أنه علوم
ضرورية كالعلم بوجوب الواجبات وامتناع الممتنعات وجواز الجائزات فالممتنعات
كانقلب دجلة دما وأمثال ذلك في المور العادية فيجعلون العادات واجبة تارة
وممتنعة أخرى مع أنه ل سبب يوجب ل هذا ول هذا ويقولون نعلم أن هذا جائز
ممكن ليتوقف على سبب ول له مانع كالخر ثم نعلم أن هذا واقع وهذا غير واقع
لمجرد العادة مع أن خرق العادة ليس له عندهم ضابط بل كل ما يجري من العادات
معجزات للنبياء فيجوز أن يكون عندهم للولي وللساحر والفرق بينهما عندهم
723
www.anassim.fr.st 724 الن سي ــــ ـــ ـم
التحدي أو عدم المعارضة وكذلك المتفلسفة الملحدة الذين يقولون أسباب اليات
القوى الفلكية والقوى النفسانية والطبيعية وهذه كلها مشتركة عندهم بين النبياء
والسحرة لكن النبي يقصد الخير والعدل والساحر يقصد الشر والظلم
وكذلك أولئك الذين وافقوا جهما على أصله في القدر ل فرق عندهم بين كرامات
الولياء وخوارق السحرة لكن الولي مطيع ل والساحر غير مطيع ل هذا عمدة
هؤلء النفاة للحكمة والسباب في أفعال ال تعالى وجمهور الناس يخالفونهم
ويقولون هذا القول فاسد بل نفس تصوره كاف في العلم بفساده فإنه إذا تماثل هذا
وهذا من كل وجه فمن أين يعلم وجود هذا أو وجوبه وعدم هذا أو امتناعه وإذا قيل
مستندي العادة قيل له منازعوك يقولون هذا باطل من وجهين
أحدهما أنك أنت تجوز انتقاض العادة وليس لنتقاضها عندك سبب تختص به ول
حكمة انتقضت لجلها بل ل فرق عندك بين انتقاضها للنبياء والولياء والسحرة
وغير ذلك ولهذا قلتم ليس بين معجزات النبياء وبين كرامات الولياء والسحرة
فرق إل مجرد اقتران دعوى النبوة والتحدي بالمعارضة مع عدم المعارضة مع أن
التحدي بالمعارضة قد يقع من المشرك بل ومن الساحر فلم يثبتوا فرقا يعود إلى
جنس الخوارق المفعولة ول إلى قصد الفاعل والخالق ول قدرته ول حكمته
والثاني أن العادة ل بد لها من أسباب وموانع يعلم بها اطرادها تارة وانتفاضها
أخرى وبهذا يظهر الجواب عما قالوه من أن انقلب الجبل ذهبا والبحر زئبقا
والناسي قرودا ونحو ذلك ممكن معلوم
الجواز مع العلم بأنه لم يقع فإنهم يقال لهم جمهور الناس ل يعلمون لكم أن هذا
ممكن إل مع لوازمه وانتفاء أضداده وحينئذ يقال لم قلتم إن هذا ل يستلزم أسبابا
تكون قبله وموانع ترتفع كسائر ما يحدثه ال من المور الخارقة للعادة فإنه ل يحدث
شيئا إل بإحداث أسباب ودفع موانع مثال ذلك غرق قوم نوح لم يكن ماء وجد بل
سبب بل أنزل ال ماء السماء وأنبع ماء الرض كما قال تعالى ^ كذبت قبلهم قوم
نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا
أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر
وحملناه على ذات ألواح ودسر ^ وكذلك عاد لما أهلكهم أرسل الريح الصرصر
سبع ليال وثمانية أيام حسوما كما قال تعالى
فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ^ ^
وكذلك ثمود قال لهم صالح ^ ويا قوم هذه ناقة ال لكم آية فذروها تأكل في أرض
ال ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة
أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا
ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في
ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها أل إن ثمودا كفروا ربهم أل بعدا لثمود ^ وكل ما
وجد في العالم من خوارق العادات آيات النبياء وغيرها لم يأت منها شيء إل
724
www.anassim.fr.st 725 الن سي ــــ ـــ ـم
بأسباب تقدمته كآيات موسى من مثل مصير العصى حية كانت بعد أن ألقاها إما عند
أمر ال بذلك لما ناداه من الشجرة ورأى النار الخارقة للعادة وإما عند مطالبة
فرعون له
بالية وإما عند معارضة السحرة لتبتلع حبالهم وعصيهم وكذلك سائر آياته حتى
إغراق فرعون كان بعد مسير الجيش وضربه البحر بالعصا وكذلك تفجر الماء من
الحجر كان بعد أن ضرب الحجر بعصاه واستسقاء قومه إياه وهم في برية ل ماء
عندهم وكذلك آيات نبينا صلى ال عليه وسلم مثل تكثير الماء كان بوضع يده فيه
حتى نبع الماء من بين الصابع أي تفجر الماء من بين الصابع لم يخرج من نفس
الصابع وكذلك البئر كان ماؤها يكثر إما بإلقائه سهما من كنانته فيها وإما بصبه
الماء الذي بصق فيه فيها وكذلك المسيح كان يأخذ من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه
فيكون طيرا بإذن ال إلى أمثال ذلك فأما جبل ينقلب ياقوتا بل أسباب تقدمت ذلك
فهذا ل كان ول يكون وكذلك نهر يطرد يصبح لبنا بل أسباب تقتضي ذلك يخلقها
ال فهذا ل كان ول يكون ومن قال إن الشيء ممكن فهذا يعنى به شيئان يعني به
المكان الذهني والمكان الخارجي فالمكان الذهني هو عدم العلم بالمتناع وهذا
ليس فيه إل عدم العلم بالمتناع وعدم العلم بالمتناع غير العلم بالمكان فكل من لم
يعلم امتناع شيء كان عنده ممكنا بهذا العتبار لكن هذا ليس بعلم بإمكانه ومن
استدل على إمكان الشيء بأنه لو قدر لم يلزم منه محال من غير بيان انتفاء لزوم
كل محال كما يفعله طائفة من أهل الكلم كالمدي ونحوه لم يكن فيما ذكره إل
مجرد الدعوى
وأما الثاني وهو العلم بإمكان الشيء في الخارج فهذا يعلم بأن يعلم وجوده أو وجود
نظيره أو وجود ما هو أقرب إلى المتناع منه فإذا كان حمل البعير للقنطار ممكنا
كان حمله لتسعين رطل اولى بالمكان وبهذه الطريقة يبين ال في القرآن إمكان ما
يريد بيان إمكانه كإحياء الموتى والمعاد فإنه يبين ذلك تارة ببيان وقوعه كما أخبر
أن قوم موسى قالوا ^ لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة ^ فأخذتهم الصاعقة وهم
ينظرون ثم بعثهم ال من بعد موتهم لعلهم يشكرون وكما أخبر عن المقتول الذي
ضربوه بالبقرة فأحياه ال كما قال
وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها وال مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها ^
كذلك يحي ال الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ^ وكما أخبر عن الذين خرجوا من
ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم وكما أخبر عن الذي ^
مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه ال بعد موتها فأماته ال
مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام
فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر
إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء
قدير ^ وأخبر سبحانه بنظير ذلك في قصة إبراهيم حيث قال ^ رب أرني كيف
725
www.anassim.fr.st 726 الن سي ــــ ـــ ـم
تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير
فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان
ال عزيز حكيم ^ واستدل سبحانه بما هو أعظم من ذلك وهو النشأة الولى وخلق
السموات والرض كقوله
أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر على ان يخلق مثلهم ^ وقال ^ إن ^
كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من
مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم
نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ^ إلى قوله ^ وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها
الماء اهتزت وربت وأنبت من كل زوج بهيج ^ فاستدل سبحانه على إمكان الحياء
بابتداء خلق الحيوان وبخلق النبات وذكر ذلك في القرآن في غير موضع وبسط هذا
له موضع آخر والمقصود أن قول القائل هذا ممكن ل يحتاج إلى دليل ل يكفي في
العلم بإمكانه عدم العلم بامتناعه وال سبحانه على كل شيء قدير والممتنع ليس
بشيء باتفاق العقلء وكل ما خلقه ال فل بد أن يخلق لوازمه ويمتنع أضداده وإل
فيمتنع وجود الملزوم
دون اللزم ويمتنع اجتماع الضدين وليس للعباد اطلع على لوازم كل مخلوق ول
أضداده المنافية لوجوده فالجزم بإمكان وجوده بدون العلم بلوازمه وإمكانها
وأضدادها وانتفائها جهل وال سبحانه قادر على تغيير ما شاءه من العالم وهو يشق
السموات ويسير الجبال ويبسها بسا فيجعلها هباء منبثا إلى أمثال ذلك مما أخبر ال
به كما يخلق سائر ما يخلقه بما ييسره من السباب وهذا مبسوط في موضع آخر
والمقصود هنا أن آيات النبياء ودلئل صدقهم متنوعة قبل المبعث وحين المبعث
في حياتهم وبعد موتهم فقبل المبعث مثل إخبار من تقدم من النبياء به ومثل
الرهاصات الدالة عليه وأما حين المبعث فظاهر وأما في حياته فمثل نصره
وإنجائه وإهلك أعدائه وأما بعد موته فمثل نصر أتباعه وإهلك أعدائه كما قال
تعالى
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ^ وقال تعالى ^ ^
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^
وقال للمسيح ^ إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين
اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ وقال ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار
ال كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن
أنصار ال فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على
عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ومحمد صلى ال عليه وسلم جعلت له اليات البينات
قبل مبعثه وحين مبعثه وفي حياته وبعد موته إلى الساعة وإلى قيام
الساعة فإن ذكره وذكر كتابه والبشارة بذلك موجود في الكتب المتقدمة كما قد بسط
726
www.anassim.fr.st 727 الن سي ــــ ـــ ـم
في موضعه والخليل دعا به فقال في دعائه لذريته ^ ربنا وابعث فيهم رسول يتلوا
عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ^ ولما ولد اقترن بمولده من اليات
ما هو معروف وجرى ذلك
العام قصة أصحاب الفيل المشهورة وكان يحصل له في مدة نشأته من اليات
والدلئل أمور كثيرة قد ذكر طرف منها في كتب دلئل النبوة والسيرة وغيرها مثل
اليات التي حصلت لمرضعته لما صار عندها ومثل ما شوهد من أحواله في صغره
وأما انتصار ال له ولتباعه وإعلء ذكره ونشر لسان الصدق له وإهلك أعدائه
وإذلل من يحاده ويشاقه وإظهار دينه على كل دين باليد واللسان والدليل والبرهان
فهذا مما يطول وصف تفصيله قال تعالى ^ قد كان لكم ءآية في فئتين التقتا فئة تقاتل
في سبيل ال وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين وال يؤيد بنصره من يشاء إن
في ذلك لعبرة لولي البصار ^ وقال تعالى ^ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل
الكتاب من ديارهم لول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم
من ال فأتاهم ال من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم
^ بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي البصار
والنبياء صلوات ال عليهم وأتباعهم المؤمنون وإن كانوا يبتلون في أول المر
فالعاقبة لهم كما قال تعالى لما قص قصة نوح ^ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما
كنت تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ وفي الحديث
المتفق على صحته لما أرسل النبي صلى ال عليه وسلم رسول إلى ملك الروم
فطلب من يخبره بسيرته وكان المسؤولون حينئذ أعداءه لم يكونوا آمنوا به فقال
كيف الحرب بينكم وبينه قالوا الحرب بيننا وبينه سجال يدال علينا المرة وندال عليه
الخرى فقال كذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة فإنه كان يوم بدر نصر ال
المؤمنين ثم يوم أحد ابتلى المؤمنين ثم لم ينصر الكفار بعدها حتى أظهر ال السلم
فإن قيل ففي النبياء من قد قتل كما أخبر ال أن بني إسرائيل يقتلون النبيين بغير
حق وفي أهل الفجور من يؤتيه ال ملكا وسلطانا ويسلطه على مذنبين كما سلط
بخت نصر على بني إسرائيل وكما يسلط كفار المشركين وأهل الكتاب أحيانا على
المسلمين قيل أما من قتل من النبياء فهم كمن يقتل من المؤمنين في الجهاد شهيدا
قال تعالى ^ وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل
ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يحب الصابرين وما كان قولهم إل أن قالوا ربنا
اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فئاتاهم
ال ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة وال يحب المحسنين ^ ومعلوم أن من قتل من
المؤمنين شهيدا في القتال كان حاله أكمل من حال من يموت حتف أنفه قال تعالى ^
^ ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
ولهذا قال تعالى ^ قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ^ أي إما النصر والظفر
727
www.anassim.fr.st 728 الن سي ــــ ـــ ـم
وإما الشهادة والجنة ثم الدين الذي قاتل عليه الشهداء ينتصر ويظهر فيكون لطائفته
السعادة في الدنيا والخرة من قتل منهم كان شهيدا ومن عاش منهم كان منصورا
سعيدا وهذا غاية ما يكون من النصر إذ كان الموت ل بد منه فالموت على الوجه
الذي يحصل به سعادة الدنيا والخرة أكمل بخلف من يهلك هو وطائفته فل يفوز ل
هو ول هم بمطلوبهم ل في الدنيا ول في الخرة والشهداء من المؤمنين قاتلوا
باختيارهم وفعلوا السباب التي بها قتلوا كالمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم
اختاروا هذا الموت إما أنهم قصدوا الشهادة وإما أنهم قصدوا ما به يصيرون شهداء
عالمين بأن لهم السعادة في الخرة وفي الدنيا بانتصار طائفتهم وببقاء لسان الصدق
لهم ثناء ودعاء بخلف من هلك من الكفار فإنهم هلكوا بغير اختيارهم هلكا ل
يرجون معه سعادة الخرة ولم يحصل لهم ول لطائفتهم شيء من سعادة الدنيا بل
اتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين وقيل فيهم
كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك ^
وأورثناها قوما ءاخرين فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين ^ وقد
أخبر سبحانه أن كثيرا من النبياء قتل معه ربيون كثير أي ألوف كثيرة وانهم ما
ضعفوا ول استكانوا لذلك بل استغفروا من ذنوبهم التي كانت سبب ظهور العدو
وأن ال آتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة فإذا كان هذا قتلى المؤمنين فما الظن
بقتلى النبياء ففيه لهم ولتباعهم من سعادة الدنيا والخرة ما هو من أعظم الفلح
وظهور الكفار على المؤمنين أحيانا هو بسبب ذنوب المسلمين كيوم أحد فإن تابوا
انتصروا على الكفار وكانت العاقبة لهم كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة
ملحمهم مع الكفار وهذا من آيات النبوة وأعلمها ودلئلها فإن النبي إذا قاموا
بعهوده ووصاياه نصرهم
ال وأظهرهم على المخالفين له فإذا ضيعوا عهوده ظهر أولئك عليهم فمدار النصر
والظهور مع متابعة النبي وجودا وعدما من غير سبب يزاحم ذلك ودوران الحكم
مع الوصف وجودا وعدما من غير مزاحمة وصف آخر موجب للعلم بأن المدار
علة للدائر
وقولنا من غير مزاحمة وصف آخر يزيل النقوض الواردة فهذا الستقراء والتتبع
يبين أن نصر ال وإظهاره هو بسبب اتباع النبي وانه سبحانه يريد إعلء كلمته
ونصره ونصر أتباعه على من خالفه وأن يجعل لهم السعادة ولمن خالفهم الشقاء
وهذا يوجب العلم بنبوته وأن من اتبعه كان سعيدا ومن خالفه كان شقيا ومن هذا
ظهور بخت نصر على بني إسرائيل فإنه من دلئل نبوة موسى إذ كان ظهور بخت
نصر إنما كان لما غيروا عهود موسى وتركوا اتباعه فعوقبوا بذلك وكانوا إذ كانوا
متبعين لعهود موسى منصورين مؤيدين كما كانوا في زمن داود وسليمان وغيرهما
قال تعالى ^ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الرض مرتين ولتلعن
علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل
الديار وكان وعدا مفعول ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين
728
www.anassim.fr.st 729 الن سي ــــ ـــ ـم
وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة
ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما
دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ^
فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة وظهور عدوهم تارة من دلئل نبوة
موسى صلى ال عليه وسلم وكذلك ظهور أمة محمد صلى ال عليه وسلم على
عدوهم تارة وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلئل رسالته محمد وأعلم نبوته
وكان نصر ال لموسى وقومه على عدوهم في حياته وبعد موته كما جرى لهم مع
يوشع وغيره من دلئل نبوة موسى وكذلك انتصار المؤمنين مع محمد صلى ال
عليه وسلم في حياته وبعد مماته مع خلفائه من أعلم نبوته ودلئلها وهذا بخلف
الكفار الذين ينتصرون على أهل الكتاب أحيانا فإن أولئك ل يقول مطاعهم إني نبي
ول يقاتلون أتباع النبياء على دين ول يطلبون من أولئك أن يتبعوهم على دينهم بل
قد يصرحون بأنا إنما نصرنا عليكم بذنوبكم وأن لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم
وأيضا فل عاقبة لهم بل ال يهلك الظالم بالظالم ثم يهلك الظالمين جميعا ول قتيلهم
يطلب بقتله سعادة بعد الموت ول يختارون القتل ليسعدوا بعد الموت فهذا وأمثاله
مما يظهر به الفرق بين انتصار النبياء وأتباعهم ويبن ظهور بعض الكفار على
المؤمنين أو ظهور بعضهم على بعض
وبين أن ظهور محمد وأمته على أهل الكتاب اليهود والنصارى هو من جنس
ظهورهم على المشركين عباد الوثان وذلك من أعلم نبوته ودلئل رسالته ليس هو
كظهور بخت نصر على بني إسرائيل وظهور الكفار على المسلمين وهذه الية مما
أخبر بها موسى وبين أن الكذاب المدعي للنبوة ل يتم أمره وإنما يتم أمر الصادق
فإن من أهل الكتاب من يقول محمد وأمته سلطوا علينا بذنوبنا مع صحة ديننا الذي
نحن عليه كما سلط بخت نصر وغيره من الملوك وهذا قياس فاسد فإن بخت نصر
لم يدع نبوة ول قاتل على دين ول طلب من بني إسرائيل أن ينتقلوا عن شريعة
موسى إلى شريعته فلم يكن في ظهوره إتماما لما ادعاه من النبوة ودعا إليه من
الدين بل كان بمنزلة المحاربين قطاع الطريق إذا ظهروا على القوافل بخلف من
ادعى نبوة ودينا دعا إليه ووعد أهله بسعادة الدنيا والخرة وتوعد مخالفيه بشقاوة
الدنيا والخرة ثم نصره ال وأظهره وأتم دينه وأعل كلمته وجعل له العاقبة وأذل
مخالفيه فإن هذا من جنس خرق العادات المقترن بدعوى النبوة فإنه دليل عليها
وذلك من جنس خرق العادات التي لم تقترن بدعوى النبوة فإنه ليس دليل عليها وقد
يغرق في البحر أمم كثيرة فل يكون ذلك دليل على نبوة نبي بخلف غرق فرعون
وقومه فإنه كان آية بينة لموسى وهذا موافق لما أخبر به موسى عليه الصلة
والسلم من أن الكذاب ل يتم أمره وذلك أن ال حكيم ل يليق به تأييد الكذاب على
كذبه من غير أن يتبين كذبه ولهذا أعظم الفتن فتنة الدجال الكذاب لما اقترن بدعواه
اللهية بعض الخوارق كان معها ما يدل عل كذبه من وجوه منها دعواه اللهية وهو
729
www.anassim.fr.st 730 الن سي ــــ ـــ ـم
أعور وال ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير
قارىء وال تعالى ل يراه أحد حتى يموت وقد ذكر النبي صلى ال عليه وسلم هذه
العلمات الثلث في الحاديث الصحيحة فأما تأييد الكذاب ونصره وإظهار دعوته
دائما فهذا لم يقع قط فمن يستدل على ما يفعله الرب سبحانه بالعادة والسنة فهذا هو
الواقع ومن يستدل على ذلك بالحكمة فحكمته تناقض أن يفعل ذلك إذ الحكيم ل يفعل
هذا وقد قال تعالى ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ول
نصيرا سنة ال التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ فأخبر أن سنة ال
التي ل تبديل لها نصر المؤمنين على الكافرين واليمان المستلزم لذلك يتضمن
طاعة ال ورسوله فإذا نقض
اليمان بالمعاصي كان المر بحسبه كما جرى يوم أحد وقال تعالى ^ وأقسموا بال
جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم فلما جاءهم نذير ما
زادههم إل نفورا استكبارا في الرض ومكر السيئ ول يحيق المكر السيئ إل بأهله
فهل ينظرون إل سنت الولين فلن تجد لسنت ال تبديل ولن تجد لسنت ال تحويل ^
فأخبر أن الكفار ل ينظرون إل سنة الولين ول يوجد لسنة ال تبديل تستبدل بغيرها
ول تتحول فكيف النصر للكفار على المؤمنين الذين يستحقون هذا السم وكذلك قال
في المنافقين وهم الكفار في الباطن دون الظاهر ومن فيه شعبة نفاق ^ لئن لم ينته
المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة
لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل
سنة ال في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ والسنة هي العادة فهذه
عادة ال المعلومة فإذا نصر من ادعى النبوة واتباعه على من خالفه وإما ظاهرا
وباطنا وإما باطنا نصرا مستقرا كان ذلك دليل على انه نبي صادق إذ كانت سنة ال
وعادته نصر المؤمنين بالنبياء الصادقين على الكافرين والمنافقين كما أن سنته
تأييدهم باليات البينات وهذه منها ومن ادعى النبوة وهو كاذب فهو من أكفر الكفار
وأظلم الظالمين قال تعالى ^ ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي
ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل ال ^ وقال تعالى ^ فمن أظلم ممن
^ كذب على ال وكذب بالصدق إذ جاءه
وقال تعالى ^ فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا ليضل الناس بغير علم إن ال ل
يهدي القوم الظالمين ^ ومن كان كذلك كان ال يمقته ويبغضه ويعاقبه ول يدوم
أمره بل هو كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة
قال إن ال يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ^ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى
وهي ظلمة إن أخذه أليم شديد ^ وقال أيضا في الحديث الصحيح عن أبي موسى أنه
قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها
الرياح تقومها تارة وتمليها أخرى ومثل
730
www.anassim.fr.st 731 الن سي ــــ ـــ ـم
المنافق مثل شجرة الرز ل تزال ثابتة على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة
فالكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فل بد من زوالها بالكلية وبقاء ذمه ولسان السوء له
في العالم وهو يظهر سريعا ويزول سريعا كدولة السود العنسي ومسيلمة الكذاب
والحارث الدمشقي وبابا الرومي ونحوهم وأما النبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا
بالبلء فإن ال إنما يمكن العبد إذا ابتله ويظهر أمرهم شيئا فشيئا كالزرع قال تعالى
^ محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا
يبتغون فضل من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في
التوراة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطئه فئازره فاستغلظ فاستوى على
سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم
مغفرة وأجرا عظيما ^ ولهذا كان أول ما يتبعهم ضعفاء الناس فاعتبار هذه المور
وسنة ال في أوليائه وأنبيائه الصادقين وفي أعداء ال والمتنبئين الكذابين مما يوجب
الفرق بين النوعين وبين دلئل النبي الصادق ودلئل المتنبيء الكذاب وقد ذكر
ابتلء النبي والمؤمنين ثم كون العاقبة لهم في غير موضع كقوله تعالى ^ ولقد كذبت
رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولمبدل لكلمات ال
ولقد جاءك من نبإى المرسلين ^ وقال تعالى ^ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم
مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول
والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر ال قريب ^ وقال تعالى ^ وما أرسلنا
من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى أفلم
يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الخرة خير
للذين اتقوا أفل تعقلون حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا
فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لولي
اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى
^ ورحمة لقوم يؤمنون
731
www.anassim.fr.st 732 الن سي ــــ ـــ ـم
النجاة والسعادة والنصرة وحسن العاقبة وما جعله لهم من لسان الصدق وما فعله
بمكذبيه ومخالفيه من الهلك والعذاب وسوء العاقبة وإتباعهم
اللعنة في الدنيا مع عذاب الخرة فهذا يدل مع صدق النبياء على الرغبة في
اتباعهم والرهبة من مخالفتهم ففيه العلم بصدقهم والموعظة والوعظ هو أمر ونهي
بترغيب وترهيب قال تعالى ^ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ^ أي يؤمرون به
وقال ^ يعظكم ال أن تعودوا لمثله ابدا إن كنتم مؤمنين ^ أي ينهاكم ال أن تعودوا
لمثله وهذه الطريق أكمل وأبلغ في حصول المقصود فإنها تفيد العلم بصدقهم
والرغبة في اتباعهم والرهبة من خلفهم وتفيد صحة الدين الذي دعوا إليه وسعادة
أهله وفساد الدين المخالف لدينهم وشقاوة أهله ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم
يقرأ في صلة العيد
ب ( قاف ) واقتربت الساعة لما فيهما من بيان ذلك وسورة قاف كان يقرأ بها في
الجمعة فإنها جامعة لثبات النبوات والمعاد وبيان حال متبعي النبياء ومخالفيهم في
الدنيا كما قال تعالى فيها ^ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد
^ وفرعون وإخوان لوط وأصحاب اليكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد
فصل ومما ينبغي ان يعلم أن ال إذا أرسل نبيا وأتى بآية دالة على صدقه قامت &
بها الحجة وظهرت بها المحجة فمن طالبهم بآية ثانية لم تجب إجابته إلى ذلك بل
وقد ل ينبغي ذلك لنه إذا جاء بآية ثانية طولب بثالثة وإذا جاء بثالثة طولب برابعة
وطلب المتعنتين ل أمد له ومعلوم أنه قامت عليه حجة في مسألة علم أو حق من
حقوق العباد التي يتخاصمون فيها وقال أنا ل أقبل حتى تقوم عليه حجة ثانية وثالثة
كان ظالما متعديا ولم يجب إجابته إلى ذلك ول يمكن الحكام الخصوم من ذلك بل إذا
قامت البينة بحق المدعي حكم له بذلك ولو قال المطلوب أريد بينة ثانية وثالثة
ورابعة لم يجب إلى ذلك فحق ال الذي اوجبه على عباده من توحيده واليمان به
وبرسله أولى إذا أقام بينة أوجبت على الخلق اليمان برسله أن ل يجب إجابة
الطالب إلى ثانية وثالثة ثم قد يكون في تتابع اليات حكمة فيتابع تعالى بين اليات
كما أرسل محمدا صلى ال عليه وسلم بآيات متعددة لعموم دعوته وشمولها فإن
الدلة كلما كثرت وتواردت على مدلول واحد
كان أوكد وأظهر وأيسر لمعرفة الحق فقد يعرف دللة أحد الدلة من ل يعرف
الخر وقد يبلغ هذا ما لم يبلغ هذا وقد يرسل النبياء بآيات متتابعة وتقسى قلوب
الكفار عن اليمان لتتابع اليات اية بعد آية لينتشر ذلك ويظهر ويبلغ ذلك قوما
آخرين فيكون ذلك سببا ليمانهم كما فعل بآيات موسى وآيات محمد كما ذكر في
التوراة أنه يقسي قلب فرعون لتظهر عجائبه وآياته وكما صد المكذبين عن اليمان
بمحمد حتى يمانعوه ويسعوا في معارضته والقدح في آياته فيظهر بذلك عجزهم عن
معارضة القرآن وغيره من آياته فيكون ذلك من تمام ظهور آياته وبراهينه بخلف
732
www.anassim.fr.st 733 الن سي ــــ ـــ ـم
ما لو اتبع ابتداء بدون ذلك فإنه قد كان يظن أنهم قادرون على معارضته وكذلك
أيضا يكون في ذلك على يقينه وصبره وجهاده ويقين من آمن به وصبرهم وجهادهم
ما ينالون به عظيم الدرجات في الدنيا والخرة وقد تقتضي الحكمة أن ل يرسل
باليات التي توجب عذاب الستئصال كما ذكره ال في كتابه من أن الكفار كانوا
يقترحون على النبياء آيات غير اليات التي جاؤوا بها فتارة يجيبهم ال إلى ذك لما
فيه من الحكمة والمصلحة وتارة ل يجيبهم لما فيه في ذلك من المضرة والمفسدة
عند جمهور أهل الملل من المسلمين وغيرهم الذين يقولون إنه يفعل للحكمة ومن لم
يعلل أفعاله يرد ذلك إلى
محض المشيئة ويقول إقترن بالمراد والمفسدة عادة وسنة من ال وإن لم يفعل هذا
لهذا وقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم ربما طلب تلك اليات رغبة منه في
إيمانهم بها فيجاب بأن اليات ل تستلزم الهدى بل تستلزم إقامة الحجة وتوجب
عذاب الستئصال لمن كذب بها وال تعالى قد يظهر اليات الكثيرة مع طبعه على
قلب الكافر كما فعل بفرعون وأبي لهب وغيرهما لما في ذلك من الحكمة العظيمة
كما دل على ذلك القرآن والتوراة وغيرهما وقد بين أنه ل يظهرها لنتفاء الحكمة
فيها أو لوجود المفسدة قال تعالى ^ وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جاءتهم عليه
ليؤمنن بها قل إنما اليات عند ال وما يشعركم أنها إذا جاءت ل يؤمنون ونقلب
أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولو أننا
نزلنا إليهم الملئكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا إل
أن يشاء ال ولكن أكثرهم يجهلون ^ وقال تعالى ^ وما منعنا ان نرسل باليات إل
أن كذب بها الولون وآياتينا ثمود
الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل باليات إل تخويفا ^ بين سبحانه أنما منعه أن
يرسل باليات إل تكذيب الولين بها الذي استحقوا بها الهلك فإذا كذب بها هؤلء
استحقوا ما استحقه أولئك من عذاب الستئصال وهذا المعنى مذكور في عامة كتب
التفسير والحديث وغيرها من كتب المسلمين وهو معروف بالسانيد الثابتة عن
الصحابة والتابعين لهم بإحسان فقد ذكر المفسرون ما رواه أهل التفسير والحديث
والمسند وغيرهم من حديث العمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال سأل أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن
ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا قال فقيل له إن شئت تستأني بهم وإن شئت أن
تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم قال ل بل أستأني بهم
^ فأنزل ال هذه الية ^ وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن مالك بن دينار قال سمعت الحسن البصري في قوله
^ وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون ^ قال رحمة لكم ايتها المة
أنا لو أرسلنا باليات فكذبتم بها اصابكم ما أصاب من قبلكم وفي النجيل أن اليهود
طلبوا من المسيح آية من السماء فقال لهم المسيح المة الفاجرة تطلب آية ول تعطى
733
www.anassim.fr.st 734 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد كانت اليات يأتي بها محمد صلى ال عليه وسلم أية بعد آية فل يؤمنون بها قال
^ تعالى ^ سورة النعام اليات من 114
أخبر سبحانه بأن اليات تأتيهم وما تأتيهم من آية إل أعرضوا عنها وأنهم بتكذيبهم
الحق سوف يرون صدق ما جاء به الرسول كما أهلك من قبلهم بذنوبهم التي هي
تكذيب الرسول فإن ال يقول ^ وما ان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول
يتلوا عليهم آياتنا وما كان مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون ^ وأخبر بشدة كفرهم
بأنه لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا منهم إن هذا
إل سحر مبين وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكا لجعله على صورة الرجل إذ
كانوا ل يطيقون أن يروا الملئكة في صورهم وحينئذ فكان اللبس يقع لظنهم أن
^ الرسول بشر ل ملك وقال تعالى ^ سورة السراء اليات من 95 90
وهذه اليات التي اقترحوها لو أجيبوا بها ولم يؤمنوا أتاهم عذاب الستئصال كما
تقدم وأيضا فهي مما ل يصلح التيان بها فإن قولهم حتى تفجر لنا من الرض
ينبوعا يقتضي تفجير الينبوع بأرض مكة فيصير واديا ذا زرع وال من حكمته
جعل بيته بواد غير ذي زرع لئل يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا فيكون
حجهم للدنيا ل ل وإذا كان له جنة من نخيل وأعناب يفجر النهار خللها تفجيرا
كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته وانخفاض منزلته وكذلك
إذا كان له بيت من زخرف والزخرف الذهب وأما إسقاط السماء كسفا فهذا ل يكون
إلى يوم القيامة
وهو لم يخبرهم أن هذا ل يكون إل يوم القيامة فقولهم كما زعمت كذب عليه إل أن
يريدوا التمثيل فيكون القياس فاسدا وأما التيان بال والملئكة قبيل فهذا لما سأل قوم
موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة قال تعالى ^ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك
حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم
^ تشكرون ^ وأما إنزال الكتاب فقد قال تعالى ^ سورة النساء اليات 161 153
بين سبحانه أن المشركين سألوه إنزال كتاب وأن أهل الكتاب سألوه ذلك وبين
سبحانه أن الطائفتين ل تؤمن إذا
جاءهم ذلك وإنما سألوه تعنتا فقال عن المشركين ^ ولو نزلنا عليك كتابا في
قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إل سحر مبين ^ وذكر عن أهل
الكتاب أنهم سألوا موسى أكبر من ذلك وهو رؤية ال جهرة فقال ^ يسئلك أهل
الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا ال
جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا
734
www.anassim.fr.st 735 الن سي ــــ ـــ ـم
عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا
الباب سجدا وقلنا لهم ل تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ^ فهم مع هذا
نقضوا الميثاق وكفروا بآيات ال وقتلوا النبيين بغير حق إلى أمثال ذلك وأنه سبب
ظلمهم وصدهم عن سبيل ال حرم عليهم طيبات أحلت لهم فكان في هذا من
العتبار لمة محمد صلى ال عليه وسلم أن هذه المة المكذبة بك الذين ل يهتدون
إذا جاءتهم اليات المقترحة التي اقترحوها لم يك في مجيئها منفعة لهم بل فيها ما
يوجب استحقاقهم عقوبة الستئصال إذا جاءتهم فلم يؤمنوا بها وتغليظ المر عليهم
فكان أن ل ينزل مثل هذه اليات الموجبة لعذاب الستئصال أعظم رحمة وحكمة
وقد عرض ال على محمد صلى ال عليه وسلم أن يهلك قومه لما كذبوه فقال بل
استأني بهم لعل ال أن يخرج من أصلبهم من يعبد ال ل يشرك به شيئا كما في
الصحيحين عن عائشة أنها قالت للنبي صلى ال عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان
أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة
إذا عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما اردت فانطلقت
على وجهي وأنا مهموم فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا
بسحابة قد أظلنني فغذا فيها جبريل فناداني فقال إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا
عليك
وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي وقال
إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعثني إليك لتأمرني بما شئت إن
شئت أن أطبق عليهم الخشبين فقال بل أرجو أن يخرج من أصلبهم من يعبد ال ل
يشرك به شيئا أخرجاه ولما طلب من المسيح المائدة كانت من اليات الموجبة لمن
كفر بها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين قال تعالى ^ إذا قال الحواريون يا عيسى
ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا ال إن كنتم
مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من
الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا
لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال ال إني منزلها عليكم فمن
يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لعذبه أحدا من العالمين ^ وكان قبل نزول التوراة
يهلك ال المكذبين للرسل بعذاب
الستئصال عذابا عاجل يهلك ال به جميع المكذبين كما أهلك قوم نوح وكما أهلك
عادا وثمود وأهل مدين وقوم لوط وكما أهلك قوم فرعون وأظهر آيات كثيرة لما
أرسل موسى ليبقى ذكرها وخبرها في الرض إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك
أمة بعذاب الستئصال بل قال تعالى ^ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا
القرون الولى ^ بل كان بنو إسرائيل لما يفعلون ما يفعلون من الكفر والمعاصي
يعذب بعضهم ويبقى بعضهم إذ كانوا لم يتفقوا على الكفر ولهذا لم يزل في الرض
أمة من بني إسرائيل باقية قال تعالى لما ذكر بني إسرائيل ^ وقطعناهم في الرض
735
www.anassim.fr.st 736 الن سي ــــ ـــ ـم
أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون
^ وقد قال تعالى ^ من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء اليل وهم يسجدون
يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في
^ الخيرات وأولئك من الصالحين
وكان من حكمته ورحمته سبحانه وتعالى لما أرسل محمدا أن ليهلك قومه بعذاب
الستئصال كما أهلكت المم قبلهم بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كما عذب
طوائف ممن كذبه بأنواع من العذاب كالمستزئين الذين قال ال فيهم ^ إن كفيناك
المستهزئين الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون ^ فعذب ال كل واحد
بعذاب معروف وكالذي دعا عليه النبي صلى ال عليه وسلم أن يسلط عليه كلبا من
كلبه فكان يحترس بقومه فجاءه السد وأخذه من بينهم فقتله وأمثال ذلك وقد تقدم
ذلك وقال تعالى ^ قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن
^ يصيبكم ال بعذاب من عنده أو بأيدينا
فأخبر أنه يعذب الكفار تارة بأيدي عباده المؤمنين بالجهاد وإقامة الحدود وتارة
بعذاب غير ذلك فكان يعذبهم بمثل هذه السباب مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى
لقريش وغيرهم فإنهم لما كذبوه لو أهلكهم كما أهلك قوم فرعون ومن قبلهم لبادتا
وانقطعت المنفعة به عنهم ولم يبق لهم ذرية تؤمن به بخلف ما إذا عذب بعضهم
بأنواع من العذاب ولو بالهزيمة والسر وقتل بعضهم كما عذبوا يوم بدر فإن في
هذا من إذللهم وقهرهم ما يوجب عجزهم مع بقائهم والنفوس إذا كانت قادرة على
كمال أغراضها فل تكاد تنصرف عنها بخلف ما إذا عجزت عن كمال أغراضها
فإن ذلك مما يدعوها إلى التوبة كما يقال من العصمة أن ل تقدر فكان ما وقع بهم
تعجيزا وزاجرا وداعيا إلى التوبة ولهذا آمن عامتهم بعد ذلك لم يقتل منهم إل قليل
وهم صناديد الكفر الذين كان أحدهم في هذه المة كفرعون في تلك المة كما روى
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال عن أبي جهل هذا فرعون هذه المة وقد ذكر ال
لموسى في التوراة إني أقسي قلب فرعون فل يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي
بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الرض إذ كان
موسى قد أخبر بتكليم ال له وبكتابة التوراة له فأظهر ال من اليات ما يبقي ذكرها
في الرض وكان في ضمن ذلك من تقسيته قلب فرعون ما أوجب أن أهلكه وقومه
أجمعين وفرعون كان جاحدا للصانع منكرا لربوبيته ل يقر به فلذلك أتى من اليات
بما يناسب حاله وأما بنو إسرائيل مع المسيح فكانوا مقرين بالكتاب الول فلم
يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى ومحمد صلى ال عليه وسلم لم يكن محتاجا
إلى تقرير جنس النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما ثبت ذلك وقومه كانوا مقرين
بالصانع وإنما كانت الحاجة داعية إلى تثبيت نبوته ومع هذا فأظهر ال على يديه من
اليات مثل آيات من قبله وأعظم ومع هذا فلم يأت بآيات الستئصال التي يستحق
مكذبها العذاب العام العاجل كما استحقه قوم فرعون وهود وصالح وشعيب وغيرهم
736
www.anassim.fr.st 737 الن سي ــــ ـــ ـم
فلهذا يبين ال في القرآن أن هذه اليات إذا جاءت ل تنفعهم إذ كانوا ليؤمنون بها
ولكن تضرهم إذ كانوا يستحقون عذاب الستئصال إذا كذبوا حينئذ ومع وجود المانع
وعدم المقتضي ل يصلح الفعل على قول الجمهور القائلين بالحكمة ومن لم يعلل
فل يطلب سببا ول حكمة بل يرد المر إلى محض المشيئة قال تعالى ^ وما منعنا
أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون ^ وهو يعلم أن قلوب هؤلء كقلوب أولئك
الولين فيكذبون بها فيستحقون بها ما استحقه أولئك كقوم نوح وهود وصالح
وشعيب ولوط وغيرهم قال تعالى ^ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إل قالوا
ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر
فإن الذكرى تنفع المؤمنين ^ وقال تعالى ^ قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت
^ قلوبهم ^ وقال تعالى عن أهل الكتاب ^ يضاهئون قول الذين كفروا من قبل
وقال تعالى ^ أكفاركم خير من أولئك أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع
منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ^ ذكر
هذا في سورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر وإعراضهم عن اليات وقولهم
هذا سحر مستمر وتكذيبهم واتباعهم أهوائهم فقال تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق
القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر
مستقر ^ ثم قال ^ ولقد جاءهم من النبياء ما فيه مزدجر ^ أي من أنباء الغيب وما
أخبر به ما فيه مزدجر أي ما يزجرهم عن الكفر إذ كان في تلك النباءات بيان
صدق الرسول والنذار لمن كذبه بالعذاب كما عذب المتقدمون ولهذا يقول عقيب
القصة ^ فكيف كان عذابي ونذر ^ أي كيف كان عذابي لمن كذب رسلي وإنذاري
بذلك قبل مجيئه يبين صدق قوله الذي أخبرت به الرسل وعقوبته لمن كذبهم ثم ذكر
قصة المكذبين كنوح وهود وصالح ولوط إلى قوله ^ ولقد جاء آل فرعون النذر
كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ^ فإن قوم فرعون كذبوا بجميع آيات
موسى وجميع آيات النبياء قبله وكذبوا باليات الدالة على وجود الرب وقدرته
ومشيئته إذ كانوا جاحدين للخالق منكرين له فكذبوا بآياته كلها ثم قال أكفاركم أيتها
المة التي أرسل محمد إليها ^ خير من أولئكم ^ الذين كذبوا نوحا وهودا وصالحا
^ ولوطا وموسى ^ أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر
وذلك أن كونكم ل تعذبون مثل ما عذبوا إذا كذبتم إما أن يكون لكونكم خيرا منهم
فل تستحقون مثل ما استحقوا أو لكون ال أخبر أنه ل يعذبكم فتكون لكم براءة في
الزبر فتعلمون ذلك بخبره فإن ما يفعله ال تارة يعلم بخبره وتارة يعلم بسنته
وحكمته وعدله فإما أن تكونوا علمتم هذا من هذا الوجه أو من هذا الوجه هذا إن
نظر إلى ما فعل ال الذي ل طاقة للبشر به وإن نظر إلى قوة الرسول وأتباعه
فيقولون ^ نحن جميع منتصر ^ فإنهم أكثر وأقوى كما قال تعالى ^ وإذا تتلى عليهم
آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم
737
www.anassim.fr.st 738 الن سي ــــ ـــ ـم
أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا ^ أي اموال ومنظرا فقال تعالى ^ سيهزم
^ الجمع ويولون الدبر
أخبر بهزيمتهم وهو بمكة في قلة من التباع وضعف منهم ول يظن أحد بالعادة
المعروفة أن أمره يظهر ويعلو قبل أن يهاجر إلى المدينة وقبل أن يقاتلهم وكان كما
أخبر فإنهم يوم بدر وغيرها هزم جمعهم وولوا الدبار وتلك سنة ال في المؤمنين
والكافرين قال تعالى ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لول الدبار ثم ل يجدون وليا ول
نصيرا سنة ال التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ وحيث ظهر الكفار
فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم
نصرهم ال كما قال تعالى ^ ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين ^
وقال ^ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم
^ فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة أن ل يهلكهم هللء
استئصال كما اهلك المكذبين وكانت اليات التي اقترحوها موجبة لعذاب الستئصال
كما أهلكت المم قبلهم كما قال ^ أكفاركم خير من أولئكم ^ كان أن ل يأتي بموجب
عذاب الستئصال مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة ويوضح المحجة أكمل في
الحكمة والرحمة إذ كان ما أتى به من اليات حصل به كمال الخير والمنفعة والهدى
والبيان والحجة على من كفر وما امتنع منه دفع من عذاب الستئصال والهلك
والعذاب العام ما أوجب بقاء جمهور المة حتى يتوبوا ويؤمنوا ويهتدوا وكان في
إرسال محمد صلى ال عليه وسلم لما كان خاتم الرسل من الحكمة البالغة والمنن
السابغة ما لم يكن في رسالة رسول غيره صلوات ال عليهم أجمعين
فصل جماع الكلم في النبوة متصل بالكلم في جنس الخبر فإن قول القائل إني &
رسول ال إليكم خبر من الخبار وكذلك وصول كلمه وأفعاله وآياته إلينا هو
بالخبار والخبر تارة يكون مطابقا لمخبره كالصدق المعلوم أنه صدق وتارة ل
يكون مطابقا لمخبره كالكذب المعلوم أنه كذب وغير المطابق مع التعمد كذب ومع
اعتقاد أنه صدق إن لم يكن معذورا كالمفتي بل اجتهاد يسوغ والمحدث بل علم
يسمى كاذبا أيضا كقوله صلى ال عليه وسلم كذب أبو السنابل بن بعكك وقوله لمن
قال
بطل عمل عامر بن الكوع لما قتل نفسه خطأ كذب من قال ذلك إنه لجاهد مجاهد
وقد تكون المطابقة في عناية المتكلم وقد يكون في إفهام المخاطب إذا كان اللفظ
مطابقا لما عناه المتكلم ولم يطابق إفهام المخاطب فهذا أيضا قد يسمى كذبا وقد ل
يسمى ومنه المعاريض لكن يباح للحاجة وإن لم يحصل به المقصود بل يكون
مأمورا بالسكوت عنه إل مع البينة فقد يسمى كاذبا لقوله تعالى ^ لول جاؤا عليه
بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال هم
738
www.anassim.fr.st 739 الن سي ــــ ـــ ـم
الكاذبون ^ والمقصود هنا أن الخبر قد يعلم أنه صدق وقد يعلم أنه كذب وقد ل يعلم
واحد منهما والعلم بأنه صدق له معنيان
أحدهما أن يعلم أنه مطابق لمخبره من غير جهة المخبر كمن أخبرنا بأمور يعلم
أنها حق بدون خبره
والثاني أن يعلم أن المخبر به صادق فيه وقد يجتمع المران بأن يعلم ثبوت ما
أخبر به ويعلم أنه صادق فيه وقول محمد إني رسول ال هو من هذا الباب كما
سنبينه إن شاء ال وكذلك كونه كذبا قد يراد به أنه على خلف مخبره وإن كان
صاحبه لم يتعمد الكذب وقد يعنى به أن قائله يتعمد الكذب ولهذا كانت الحاديث
المعلوم بطلنها على نوعين تارة يعلم أن صاحبها تعمد الكذب وتارة يكون قد غلط
والصحابة لم يعرف فيهم من يتعمد الكذب على النبي صلى ال عليه وسلم وكذلك
جمهور التابعين لم يعرف فيهم من يتعمد الكذب ولكن طائفة قليلة من الشيعة عرف
أنه كان فيها من يتعمد الكذب بخلف غيرهم من أهل
الهواء كالخوارج فإنه لم يكن فيهم من يعرف بالكذب بل يقال هم من أصدق الناس
حديثا والرجل الفاسق المعروف أنه يكذب ل بد أن يصدق في بعض الخبار فل
يكون في الناس من ل يخبر إل بكذب ولهذا قال تعالى ^ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا
^ وفي القراءة الخرى ^ فتثبتوا ^ فأمر بالتبين والتثبت إذا أخبر الفاسق بخبر ولم
يأمر بتكذيبه بمجرد إخباره لنه قد يصدق أحيانا فلما أمر سبحانه بالتبين والتثبت في
خبر الفاسق دل ذلك على أنه ل يجوز تصديقه بمجرد إخباره إذ كان فاسقا قد يكذب
وليجوز أيضا تكذيبه قبل أن يعرف أنه قد كذب وإن كان فاسقا لن الفاسق قد
^ يصدق وهذا كما قال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل ال فتبينوا
وفي القراءة الخرى ( فتثبتوا ) ^ ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا
تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند ال مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن ال عليكم
فتبينوا ^ فأمرهم بالتبين والتثبت في الجهاد وأن ل يقولوا للمجهول حاله لست مؤمنا
يبتغون عرض الحياة الدنيا فيكون إخبارهم عن كونه ليس مؤمنا خبرا بل دليل بل
لهوى أنفسهم ليأخذوا ماله وإن كان ذلك في دار الحرب إذا ألقى السلم وفي القراءة
الخرى السلم فقد يكون مؤمنا يكتم إيمانه كما كنتم أنتم من قبل مؤمنين تكتمون
إيمانكم فإذا ألقى المسلم السلم فذكر أنه مسالم لكم ل محارب فتثبتوا وتبينوا ل
تقتلوه ول تأخذوا ماله حتى تكشفوا أمره هل هو صادق أو كاذب
وهذا خبر يتضمن دعوى له فإن المدعي مخبر والمنكر مخبر والشاهد مخبر والمقر
مخبر وكما نهاهم عن تكذيب المدعي بل علم نهاهم عن تصديق المنكر المتهم
ورمي البريء بل حجة وتبرئته وتزكيته بل علم فقال تعالى ^ سورة ^ 113 105
وكذلك نهاهم عن تصديق القاذف الرامي لمن عرف منه الخبر فقال ^ لول إذ
^ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين
739
www.anassim.fr.st 740 الن سي ــــ ـــ ـم
إلى قوله ^ ولول فضل ال عليكم ورحمته في الدنيا والخرة لمسكم في ما أفضتم
فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه
هينا وهو عند ال عظيم ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك
هذا بهتان عظيم ^ وقد قال تعالى ^ ول تقف ما ليس لك به علم ^ وهذا نهي عن
التكلم بل علم وهو عام في جميع أنواع الخبار وقد يتناول ما اخبر به النسان وما
قد يعتقده بغير الخبار من الدلئل واليات والعلمات ليس له أن يتكلم بل علم فل
ينفي شيئا إل بعلم ول يثبته إل بعلم ولهذا كان عامة العلماء على أن
النافي للشيء عليه الدليل على ما ينفيه كما أن المثبت للشيء عليه الدليل على ثبوته
وحكي عن بعض الناس أنه قال النافي ليس عليه دليل وفرق بعضهم بين العقليات
والشرعيات فأوجبه في العقليات دون الشرعيات وهؤلء اشتبه عليهم النافي بالمانع
المطالب فإن من أثبت شيئا فقال له آخر أنا ل أعلم هذا ول أوافقك عليه ول أسلمه
لك حتى تأتي بالدليل كان هذا مصيبا ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل
وإنما الدليل على المثبت بخلف من نفى ما أثبته غيره فقال له قولك خطأ والصواب
في نقيض قولك ولم يكن هذا كذا فإن هذا عليه الدليل على نفيه كما على ذلك المثبت
الدليل على إثباته وإذا لم يأت واحد منهما بدليل كان كلهما بل حجة ولهذا كان من
أثبت شيئا أو نفاه وطلب منه الحجة فلم يأت بها كان منقطعا في المناظرة وإذا
اعترض المعترض عليه بممانعة أو معارضة فأجاب عنها انقطع المعترض عليه
وثبت قول الول وإن لم يجب عن المعارضة انقطع المستدل إذ كان الدليل الذي
يجب اتباعه هو الدليل السالم عن المعارض المقاوم ولو أقام دليل قطعيا فعورض
بما ل يفيد القطع كان له أن يقول ما ذكرته يفيد العلم والعلم ل يعارضه الظن
والبينات ل تعارض بالشبهات التي هي من جنس كلم السوفسطائية فهو سبحانه
نهى عن الكلم بل علم
مطلقا وخص الكلم على ال بقوله تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر
منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن
تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ ونهى عن اتباع خطوات الشيطان وأخبر أنه يأمر
بالقول على ال بل علم فقال ^ يا أيها الناس كلوا مما في الرض حلل طيبا ول
تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا
على ال ما ل تعلمون وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه
^ آباءنا ولو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا وليهتدون
وكذلك ذم من يجادل ويحاج بل علم بقوله تعالى ^ ومن الناس من يجادل في ال
بغير علم ول هدى ول كتاب منير ^ وقال ^ ومن الناس من يجادل في ال بغير علم
ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من توله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير
^ وقال تعالى ^ ها أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به
علم وال يعلم وأنتم ل تعلمون ^ وقوله تعالى ^ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ^ يتناول
740
www.anassim.fr.st 741 الن سي ــــ ـــ ـم
خبر كل فاسق وإن كان كافرا ل يجوز تكذيبه إل ببينة كما ل يجوز تصديقه إل
ببينة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة
بالعبرية ويفسرونها بالعربية فقال النبي
صلى ال عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم فإما أن
يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه وقولوا ^ آمنا بالذي أنزل
إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ^ وهذا الذي دل عليه الكتاب
والسنة من إمساك النسان عما ل يعلم انتفاؤه وثبوته هو مأثور عن غيره من
النبياء كما جاء عن المسيح عليه السلم أنه قال المور ثلثة أمر تبين رشده
فاتبعوه وأمر تبين فيه فاجتنبوه وأمر اشتبه عليكم فكلوه إلى عالمه وعامة عقلء بني
آدم على هذا ولهذا ل يجوز أن يصدق بخبر منقول عن الرسول أو غيره إل بدللة
تدل على صدقه ول يجوز أن يكذبه إل بدللة تدل على كذبه وعلى هذا العلم والدين
وقد تكلم
العلماء وصنفوا كتبا كثيرة في الجرح والتعديل في الرجال والحاديث فمن الناس
من يعرف بالصدق والضبط فهذا هو العدل المقبول خبره ومنهم من يكون صدوقا
لكنه قد ل يحفظ ول يضبط فيقولون في مثل هذا هو صدوق تكلم فيه من قبل حفظه
ومنهم من عرف بالكذب وإذا روى الحديث من هو سيىء الحفظ أو من قد يكذب لم
يحكموا بذلك الحديث ولم يثبتوه ثم تارة يقوم الدليل على كذبه وتارة يتوقفون فيه ل
يعلمون أصدق هو أم كذب ومثل هذا ل يعتقد ول يثبت وليحتج به كالشاهد الذي
شهد للمدعي وليس بعدل مرضي أو هو خصم أو متهم ظنين فهذا إذا أردت شهادته
ولم تقبل لم يكن معنى ذلك الحكم بكذبه أو خطئه بل معنى ذلك أنه ل تقوم به حجة
ول يحكم به لعدم العلم بصدقه ل للعلم بكذبه والمدعى عليه إذا كان صحاب يد أو
ذمته بريئة فهو حجة ترجح جانبه وقد ضم إليها الشارع اليمين كما في صحيح
البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لو يعطى الناس
بدعواهم ل دعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه فإذا لم
يكن مع المدعي إل مجرد دعواه فجانب المنكر أقوى من جانبه لن معه أن الصل
في اليدي أنها محقة والصل براءة الذمة ولكن قد يكون المدعي صادقا ول يكون
له حجة وهذا كثير جدا فل يدفع بمجرد الصل بل يحلف المنكر فيكون يمينه مع
الصل بحجة فيكون إنكار هذا مقابل لدعوى هذا كلهما خبر لم يعلم صدقه
فتعارضا وترجح المنكر بالصل فيبقى على ما كان ل يسلم بحجة للمدعى ما ادعاه
بمجرد دعواه ول تنقطع مطالبته للمدعى عليه لنه لم يأت حجة تدفعه فإذا حلف
المنكر كانت يمينه حجة فصلت الخصومة وقطعت الدعوى وإذا لم يأت المنكر
باليمين بل نكل عنها ول أتى المدعى بحجة وقف للمر عند أكثر العلماء وعند
بعضهم يقضي على المنكر بالنكول فيجعل نكوله إما بدل لما طلب وإما إقرارا به
والكثرون يقولون بل ترد اليمين على المدعى الطالب الذي يقول إنه يعلم
741
www.anassim.fr.st 742 الن سي ــــ ـــ ـم
صدق نفسه فيما ادعاه وأنه عالم بما ادعاه فيقال له احلف وخذ فإن حلف أخذ وإل
دفعا ثم من العلماء من يرد اليمين في عامة الدعاوي ومنهم من يحكم بالنكول وإن
كان المنكر يقول ل أعلم ما ادعى به وكل من الطائفتين يذكر آثارا عن الصحابة
والمنقول عن الصحابة يدل على التفصيل وهو أظهر القاويل وهو أنه إن كان
المنكر هو العالم دون المدعي كما إذا ظهر في المبيع عيب وقد بيع بالبراءة فقال
المشتري أنا لم أعلم به فإنه هنا يقال له كما قال عثمان بن عفان لبن عمر رضي
ال عنهما احلف أنك بعته وما به داء تعلمه فإن حلف وإل قضي عليه بالنكول كما
قضى عثمان على ابن عمر بالنكول
وإن كان المدعي يقول إنه يعلم ما ادعى به كمن ادعى على آخر دينا أو عينا فقال
أنا ل أعلم ما ادعيته احلف وخذ فإن لم يحلف لم يعط شيئا والبينة في الدعاوي عند
أكثر العلماء هي ما يبين الحق ويظهره ويوضحه كالدليل والية والعلمة فمتى
ترجح جانب احدهما حلف مثل أن يقيم المدعي شاهدا فإنه يحلف مع شاهده ويقضي
به بشاهد ويمين كما مضت به سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهذا قول أكثر
العلماء ومنهم من يقول اليمين دائما في
جانب المدعى عليه وكذلك لو كان في دعوى القتل لوث ولطخ وشبهة وهو علمات
ترجح جانب المدعي فإن أولياء المقتول يحلفون خمسين يمينا ويقضي لهم بذلك عند
أكثر العلماء كما مضت بذلك السنة وكذلك في اللعان إذا حلف الزوج وشهد أربع
شهادات ال إنه لمن الصادقين ووكدها بالخامسة فقد أقام بينة على دعواه فإن التعنت
المرأة وشهدت أربع شهادات مؤكدة بالخامسة أنه كاذب
تعارضت البينتان والشهادتان فلم يحكم بقول واحد منهما ل يحكم بأنه قاذف ول
يحكم بأنها زانية وإن نكلت فلم تحلف فأكثر العلماء يقولون يحكم بأنها زانية وتعذب
على ذلك كما دل عليه القرآن لنه اجتمع شهادة الزوج ونكولها عن المعارضة كما
اجتمع في القسامة العلمة واليمان وكما اجتمع الشاهد واليمين وكما اجتمع في
جانب المنكر الصل واليمين فهذا ونحوه مما جاءت به الشريعة وبسطه له موضع
آخر والمقصود هنا أن الخبر إن قام دليل على صدقه أو كذبه وإل بقي مما لم
يصدقه ولم يكذبه وأهل العلم بالحديث إذا قالوا هذا الحديث رواه فلن وهو مجروح
أو ضعيف أو سيىء الحفظ أو ممن لم تقبل روايته ونحو ذلك فهو كقول القائل هذا
الشاهد مجروح أو سيىء الحفظ أو ممن ل تقبل شهادته وهذا يفيد أنه ل يحكم به ل
يفيد الحكم بأنه كاذب بل قد يمكن أنه صادق فل يقال إنه كاذب إل بحجة
وإن قالوا عن الحديث إنه ضعيف فهذا مرادهم أي أنه لم يثبت ول يحتج به ول
يجوز الحكم بصدقه ليس مرادهم أنه بمجرد ذلك يحكم بكذب الناقل وينفي ما نقله
ويقول إن هذا لم يكن من غير علم منا بهذا النفي بل إن قام دليل على انتفاء ما أخبر
742
www.anassim.fr.st 743 الن سي ــــ ـــ ـم
به حكمنا بذلك وإل سكتنا لم ننفه ولم نثبته فهذا أصل يجب معرفته فإن كثيرا من
الناس ل يميز بين ما ينفيه لقيام الدليل على نفيه وبين ما لم يثبته لعدم دليل إثباته بل
تراهم ما لم يعلموا إثباته فيكونون قد قفوا ما ليس لهم به علم وقالوا بأفواههم ما ليس
لهم به علم وهذا كثير من أهل الستدلل والنظر وأهل السناد والخبر فمن الولين
طوائف يطلبون الدليل على ثبوت الشيء فإذا لم يجدوه نفوه ومعلوم أن عدم العلم
ليس علما بالعدم وعدم الوجدان ل يستلزم عدم الوجود إل إذا كان الطالب ممن
يمكنه ذلك إما بعلم او ظن غالب فمن هؤلء من يقول في صفات ال ما لم يقم دليل
قطعي على إثباته وإل وجب القطع بنفيه لن صفات ال ل تثبت إل بالقطع وخالفهم
في ذلك جمهور الناس وقالوا كما ل يجوز القطع في الثبات إل بدليل قطعي فل
يجوز القطع في النفي إل بدليل قطعي على النفي فلما لم يجز أن نثبت إل بعلم فل
ننفي إل بعلم
والنافي عليه الدليل كما على المثبت الدليل قال هؤلء هذه المسائل مبناها على
القطع فإنه ل يجوز لنا التكلم فيها بالظن فإذا لم يقم القاطع قطعنا بالنفي فقيل لهم هذا
حجة عليكم فإنكم إذا نفيتم ما لم تعلموا نفيه تكلمتم بالظن وإذا قطعتم من غير قاطع
كنتم قد تكلمتم في القطعيات بل قاطع نفيا كان الكلم أو إثباتا وليس يعلم في الدلة
الشرعية أوالعقلية أن كل ما لم يقم دليل سمعي أو عقلي على إثباته فإنه يجب عليكم
نفيه والقطع بنفيه بل تكلمكم بهذا تكلم بل علم ومن هنا أخطأ كثير من النظار في
نفي كثير من صفات الرب وأحكامه وأفعاله حيث لم يعلموا دليل قطعيا يثبتها فنفوها
وكانت ثاتبة في نفس المر وقد يكون عند غيرهم دليل قطعي يثبتها ولو قدر عدم
علم الناس كلهم بها فلله علم لم يعلمه العباد ول اسماء استأثر بها في علم الغيب
عنده لم يعلمها الناس وليس إذا لم يعلم ثبوت الصفة يجب أن يعلم انتفاؤها بل قد
يظن ثبوتها أو انتفاؤها وقد يشك
في ذلك فل يعلم ول يظن واحد منهما والواجب على النسان أن يقول لما يعلمه
أعلمه ولما يظنه أظنه ولما يشك فيه أشك فيه وال تعالى لم يوجب على النسان أن
يقطع بانتفاء شيء إن لم يعلم أنه منتف فمن قال وجب علينا القطع بانتفاء فقد غلط
وهذا بخلف ما يناقض صفات الثبات فإن هذا يجب نفيه عن ال فقد علم بالدلة
القطعية أن ال موصوف بصفات الكمال المناقضة للنقص مثل إنه حي قيوم بكل
شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه غني عن كل
ما سواه بكل وجه فكل من قال قول يناقض هذا علم أنه باطل كالذين قالوا إن له
شريكا أو ولدا أو أنه يشفع عنده الشفعاء بغير إذنه ونحو ذلك مما يناقض الكمال
المعلوم له وما كان من المور مستلزما لوازم لو كان موجودا فإنه يستدل بانتفاء
اللزم على انتفاء الملزوم كالمور التي لو كانت موجودة لوجب أن تنقل نقل
متواترا شائعا فإنه يستدل بانتفاء اللزم على انتفاء الملزوم كما لو قال قائل إنه بني
بين العراق والشام أو بين الحجاز
743
www.anassim.fr.st 744 الن سي ــــ ـــ ـم
والشام مدينة أعظم من بغداد والموصل وأصبهان ومصر دورها ثلثة أيام ونحو
ذلك فإنه يعلم كذبه فإن هذا مما تتوفر همم الناس على نقله لو كان موجودا فإذا لم
يستفض هذا وينتشر علم أن المخبر به كاذب وكذا لو ادعى مدع أنه يوم الجمعة أو
العيد قتل الخطيب ولم يصل الناس يوم الجمعة ولم يستفض هذا وينتشر أو ادعى أنه
قتل بعض ملوك الناس ولم يستفض هذا ولم ينتشر أو ادعى أنه بعث نبي بين
المسيح ومحمد صلى ال عليه وسلم أو بعد محمد جاء بكتاب مثل القرآن أو النجيل
واتبعه خلق كثير وكذبه خلق كثير فإنه يعلم كذب هذا إذ مثل هذا ل بد أن يستفيض
وينتشر وكذلك لو ادعى أن قريشا أو غيرهم عارضوا القرآن وجاؤا بكتاب يماثل
القرآن وأنهم أظهروا ذلك وأبطلوا به حجة محمد صلى ال عليه وسلم فهذا مما
يقطع بكذبه لن مثل ذلك لو وقع لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله وكذلك
لو ادعى
أن محمدا أمر بحج بيت غير البيت العتيق أو أوجب صوم شهر غير شهر رمضان
أو أوجب صلة سادسة وقت الضحى أو أمر بالذن والقامة لغير الصلوات الخمس
أو أنه قال علنية بين الناس لبي بكر أو العباس أو علي أو غيرهم هذا هو الخليفة
من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا أو أن عليا دعا إلى نفسه في خلفة الثلثة وأمثال هذه
المور التي لو وقعت لكان لها لوازم يستدل بانتفاء اللزم على انتفاء الملزم ثم هذه
اللوازم منها جلي ومنها خفي يعرفه الخاصة فلهذا كان أهل العلم بأحوال الرسول
يقطعون بكذب أحاديث ل يقطع غيرهم بكذبها لعلمهم بلوازم تلك الحاديث وانتفاء
لوازمها كما يقطع من يعلم مغازي النبي صلى ال عليه وسلم أنه لم يقاتل في غزوة
تبوك وأن غزوات القتال إنما كانت تسعة مغازي وأنه لم يغز بنفسه إلى اليمن ول
العراق ول جاوز تبوك بعد النبوة وأنه لم يحج بعد الهجرة إل حجة الوداع ولم يصم
إل تسع رمضانات وهكذا يعلمون أن فلنا أخطأ في هذا الحديث على فلن لنهم قد
علموا من وجوه ثابتة أن ذلك الحديث إنما رواه على صورة معينة فإذا روى غير
الثقة ما يناقض ذلك علموا بطلن ذلك وأنه أخطأ أو تعمد الكذب مثل ما يعلمون
كذب من زاد في قول النبي
صلى ال عليه وسلم ل سبق إل في خف أو حافر أو نصل فزاد بعض الناس فيه أو
جناح لما رأى بعض المراء عنده حمام فعلموا أنه كذب تقربا إلى ذلك المير وكما
يعلمون كذب من روى أن مسيلمة وقومه كانوا مؤمنين بال ورسوله وإنما قاتلهم
الصديق لكونهم لم يعطوا الزكاة فإنهم قد علموا بالتواتر أن مسيلمة ادعى النبوة
واتبعه قومه على ذلك وأنه كتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم في حياته يقول من
مسيلمة رسول ال إلى محمد رسول ال فكتب إليه النبي صلى ال عليه وسلم من
محمد رسول ال إلى مسيلمة الكذاب ويعلمون أنه
كان له مخاريق وأنه ظهر كذبه من وجوه متعددة وأن أبا بكر الصديق والصحابة
قاتلوه على كذبه في دعوى النبوة وقاتلوا قومه على ردتهم عن السلم واتباعهم نبيا
744
www.anassim.fr.st 745 الن سي ــــ ـــ ـم
كاذبا لم يقاتلوهم على كونهم لم يؤدوا الزكاة لبي بكر وكذلك السود العنسي الذي
ادعى النبوة في حياة النبي صلى ال عليه وسلم وقتل في حياته كل منهما عرف
كذبه
بتكذيب النبي الصادق والمصدوق لهما ومما ظهر من دلئل كذبهما مثل الخبار
الكاذبة التي تناقض النبوة ومثل التيان بقرآن مختلق يعلم من سمعه أنه لم يتكلم ال
به وإنما هو تصنيف الدميين كما قال أبو بكر الصديق لهم لما تابوا من الردة
وعادوا إلى السلم أسمعوني قرآن مسيلمة فلما أسمعوه إياه قال ويحكم أين يذهب
بعقولكم إن هذا كلم لم يخرج من إل أي لم يخرج من رب ومثل ما كان يفعله
ويأمر به من الفجور والكذب ومثل اطلع أخص الناس به على أنه كان يكذب
ويستعين بمن يختلق له الكذب ومثل أنه كان يعدهم بأن جبريل أخبره أنه سينصر
فلما حقت الحقائق قال لهم إنه ل جبريل لكم فقاتلوا عن أحسابكم إلى أمثال هذه
المور التي تدل على كذب الكاذب
فالصدق له دلئل مستلزمة له تدل على الصدق والكذب له دلئل مستلزمة تدل على
الكذب ول يجوز الحكم بصدق مخبر ول بكذب مخبر إل بدليل وما لم يعلم صدقه
ول كذبه ول ثبوته ول انتفاؤه فإنه يجب المساك عنه ويقول القائل هذا لم أعلمه ولم
يثبت عندي ول أجزم به ول أحكم به ول أستدل به ول احتج به ول أبني عليه
مذهبي واعتقادي وعملي ونحو ذلك ل يقول هذا أقطع بكذبه وانتفائه وإن كنت أقطع
أن من أثبته تكلم بل علم فالقطع بجهل مثبته المعتقد له غير القطع بانتفائه فمن قطع
فيه بل دليل يوجب القطع قطعنا بجهله وضلله وخطئه وإن لم يقطع بانتفاء ما أثبته
في نفس المر كمن حكم بشهادة مجروح فاسق أمر ال بالتثبت في خبره فمن حكم
وقطع بخبره من غير دليل يدل على صدقه حكمنا بأن هذا متكلم حاكم بل علم وإن
لم يحكم بكذب الشاهد المخبر لكن ل يجوز للنسان أن ينفي علم غيره وقطع غيره
من غير علم منه بالسباب التي بها يعلم ويخبر فإنه كثيرا ما يكون للنسان دلئل
كثيرة تدل على صدق شخص معين وثبوت أمر معين وإن كان غيره ل يعرف شيئا
من تلك الدلئل وهذا أيضا مما يغلط فيه كثير من الناس ينظرون في أنفسهم
ومبلغ علمهم فإذا لم يجدوا عندهم ما يوجب العلم بذلك المر جعلوا غيرهم كذلك من
غير علم منهم بانتفاء أسباب العلم عند ذلك الغير وقد يقيمون حججا ضعيفة على أنه
غيرهم ل يعلم ذلك مثل ما يفعله كثير من الناس بالنظر والستدلل والعتبار ومن
لم يساوهم في نظرهم وأدلتهم وقوة أذهانهم ل يعلم ما علموه وكثير من الناس يعلم
بالخبار والنقل والستدلل بذلك أمورا كثيرة ومن لم يشاركهم فيما سمعوه وفيما
عرفوه من أحوال المخبرين والمخبر وكمال معرفتهم بذلك ل يعلم ما علموه فلهذا
كان لهل النظر العقلي طرق ل يعرفها أهل الخبار ولهل الخبار السمعية طرق
ل تعرف بمجرد العقول ولهذا كان لهؤلء من الطرق الدالة على صدق الرسول
ونبوته والستدلل على ذلك أمور كثيرة ل يعرفها أهل الحديث والخبار وعند
745
www.anassim.fr.st 746 الن سي ــــ ـــ ـم
لهؤلء الذين تواتر عندهم ما أخبروهم به من آياته وشرائعه غير المخبرين لولئك
كما كان الصحابة المخبرون لهل الشام بآيات الرسول وبالقرآن وشرائع السلم
غير الصحابة المخبرين لهل العراق ولكن خبر هؤلء يصد خبر هؤلء وإن كان
كل من الطائفتين ل يعلم أعيان أولئك الذين أخبروا أولئك وهكذا سائر العلوم قد
يكون الذي علم هؤلء الفقه أو النظر أو النحو أو الطب غير الذي علم هؤلء وإن
اشترك الجميع في جنس الفقه والنظر والنحو والطب وعلم ما علمه هؤلء من
العيان والنواع مع أن طريق هؤلء ليس طريق أولئك وإن اشتركوا في النوع
وعامة ما يعلمه الناس بالحس هو من هذا الباب فإن النسان يحس بأحوال نفسه من
جوعه وعطشه وشبعه وريه وحبه وبغضه وشهوته ونفرته وألمه ولذته بل يحس
بأعضائه كبطنه وفرجه ول يحس بأحوال غيره ولكن يشتركان في الجنس العام
فيشتركون في جنس الحساس بجوعهم وشبعهم وقد يشتركون في غير ما يحسونه
كاشتراكهم في رؤية الشمس والقمر والهلل والكواكب وقد غلط في مثل هذا طائفة
من المتكلمين في المنطق اليوناني فزعموا أن العلوم التجريبية والتواترية والحدسية
إن جعلوها قسما
غير التجريبية فإن فيهم من يجعل الحدسية نوعا من التجريبية ومنهم من يجعلها
جنسا آخر فزعم هؤلء ان هذه العلوم مختصة ل تقوم بها الحجة على من لم يعلمها
دون الحسيات والوجديات والعقليات وليس كذلك بل كما أن هذه تكون مشتركة تارة
ومختصة أخرى فكذلك الحسيات فإن كل أهل زمان ومكان يعلمون بالحس من
أحوال ذلك المكان والزمان وأحوال أهله ما ل يشركهم فيه غيرهم وكذلك الوجديات
فإن من ابتلى بالغرائب في المور السياسية والبدنية يعلم منها ما ل يشركه فيه غيره
وكذلك العقليات فإن من الناس من يكون له أصل يقيس به الفرع فيعلم القدر
المشترك الذي هو الحد الوسط ويعلم من تعلق الحكم به ما لم يعلمه غيره فأجناس
العلوم وطرقها منها ما هو مختص ومنها ما هو مشترك والمشترك منه ما يشترك
فيه جنس بني آدم ومنه ما يشترك فيه نوع منهم وطائفة فهذا أصل جامع ينبغي
معرفته لمن تكلم في هذا الباب
فصل وإذا كان جنس من يخبر قد يكون كاذبا وقد يكون صادقا فقد علم أنه ليس &
كل واحد أخبر بخبر يصدق مطلقا ول يكذب مطلقا فلم يقل أحد من العقلء إن كل
خبر واحد أو خبر كل واحد يكون صدقا او يفيد العلم ول أنه يكون كذبا بل الناس
يعلمون أن خبر الواحد قد يقوم دليل على صدقه فيعلم أنه صدق وإن كان خبر واحد
746
www.anassim.fr.st 747 الن سي ــــ ـــ ـم
وقد يقوم الدليل على كذبه فيعلم أنه كذب وإن أخبر به الوف إذا كان خبرهم على
غير علم منهم بما أخبروا به أو عن تواطئ منهم على الكذب مثل إخبار أهل
العتقادات الباطلة بالباطل الذي يعتقدونه وأما إذا أخبروا عن علم منهم بما أخبروا
به فهؤلء صادقون في نفس المر ويعلم صدقهم تارة بتوافق أخبارهم من غير
مواطأة ولو كانا اثنين فإن الثنين إذا أخبرا بخبر طويل أسنداه إلى علم وقد ما لم
يقطع بثبوته ول انتفائه قد يتفق في العادة تماثلهما فيه في الكذب أو الغلط علم أنه
صدق
وقد يعلم صدق الخبر الواحد بأنواع من الدلئل تدل على صدقه ويعلم صدق خبر
الواحد بقرائن تقترن بخبره يعلم بها صدقه وتلك الدلئل والقرائن قد تكون صفات
في المخبر من علمه ودينه وتحريه الصدق بحيث يعلم قطعا أنه ل يتعمد الكذب كما
يعلم علماء أهل الحديث قطعا أن ابن عمر وعائشة وأبا سعيد وجابر بن عبد ال
وأمثالهم لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فضل عن
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأمثالهم
بل يعلمون علما يقينيا أن الثوري ومالكا وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن
مهدي وأحمد بن حنبل والبخاري وأبا زرعة وأبا داود وأمثالهم ل يتعمدون الكذب
في الحديث وقد تكون الدلئل صفات في المخبر به مختصة بذلك الخبر أو بنوعه
يعلم بها أن ذلك المخبر ل يكذب مثل ذلك الخبر كحاجب
المير إذا قال بحضرته لعسكره أن المير قد أذن لكم في النصراف أو أمركم أن
تركبوا إذا غدا أو أمر عليكم فلنا ونحو ذلك فإنهم يعلمون أنه ل يتعمد الكذب في
مثل هذا وإن لم يكن بحضرته فكيف إذا كان بحضرته وإن كانوا قد يكذبونه في غير
هذا وقد تكون الدلئل سماع من شاركه في العلم بذلك الخبر وإقراره عليه فإن العادة
كما قد تمنع التواطؤ على الكذب فإنها قد تمنع التواطؤ على الكتمان وإقرار الكذب
والسكوت وعن إنكاره فما توافرت الهمم والدواعي على ذكره والخبر به يمتنع أن
يتواطأ أهل التواتر على كتمانه كما يمتنع في العادة أن تحدث حادثة عظيمة تتوفر
المهمم والدواعي على نقلها في الحج أو الجامع أو العسكر وحيث توجب العادة نقل
الحاضرين لما عاينوه ثم ل ينقل ذلك أحد وإقرار الكذب والسكوت على رده أعظم
امتناعا في العادة من الكتمان فإن النسان في العادة قد تدعوه نفسه إلى أن يسكت
على ما رآه وسمعه فل يخبر به ول تدعوه نفسه إلى أن يكذب عليه ويخبر عنه بما
يعلم أنه كذب عليه فيقره ول ينكره إذ كانت عادة الناس إلى
تكذيب مثل هذا أبلغ من عادتهم بالخبار به وكذلك إذا كذب في قصة وبلغ ذلك من
شاهدها فتوفر الهمم على تكذيب هذا أعظم من توفرها على إخبارهم بما وقع ابتداء
فإذا كانت من القضايا التي يمتنع السكوت عن إظهارها فالسكوت عن تكذيب الكاذب
فيها أشد امتناعا وقد تكون الدلئل صفات فيه تقترن بخبره فإن النسان قد يرى
حمرة وجهه فيميز بين حمرته من الخجل والحياء وبين حمرته من الحمى وزيادة
747
www.anassim.fr.st 748 الن سي ــــ ـــ ـم
الدم وبين حمرته من الحمام وبين حمرته من الغضب وكذلك يميز بين صفرته من
الفزع والوجل وبين صفرته من الحزن والخوف وبين صفرته من المرض فكما أن
سحنته ووجهه يعرف بها أحوال بدنه الطبيعية من أمراضه المختلفة حتى أن
الطباء الحذاق يعلمون حال المريض من سحنته فل يحتاجون مع ذلك إلى نبض
وقارورة وكذلك تعرف أحواله النفسانية هل هو فرح مسرور أو محزون مكروب
ويعلم هل هو محب صديق مريد للخبر
أو هو مبغض عدو مريد للشر كما %قيل تحدثني العينان ما القلب كاتم % %
%والعين تعرف من عيني محدثها %إن كان من حزبها أو من أعاديها
%وكما قيل %ول خير في الشحناء والنظر الشزر
ثم إذا تكلم مع ذلك دل كلمه على أبلغ مما يدل عليه سيما وجهه كما قال تعالى عن
المنافقين ^ ولو نشاء لريناكم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ^ فأخبر
أنه ل بد أن يعرف المنافقين في لحن القول وأن معرفتهم بالسيما معلقة بالمشيئة
والمنافق الكاذب يقول بلسانه ما ليس في قلبه فبين أنه في لحن قوله يعلم أنه كاذب
وقال في حق المؤمنين ^ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ^ وقال في حق
الكافر ^ عتل بعد ذلك زينم ^ أي له زنمة من الشر أي علمة يعرف بها
وقد روي عن عثمان بن عفان رضي ال عنه ما أسر أحد سريرة إل أبداها ال على
صفحات وجهه وفلتات لسانه وقد بسطنا الكلم على هذه في مسألة اليمان وبينا ان
ما يقوم بالقلب من تصديق وحب ال ورسوله وتعظيم ل بد أن يظهر على الجوارح
وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللزم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن كما
في الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إل أن في الجسد مضغة
إذا
صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ال وهي القلب وكما
قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه لمن رآه يعبث في الصلة لو خشع قلب هذا
لخشعت جوارحه ومن هذا الباب قوله تعالى ^ ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم
الخر يوادون من حاد ال ورسوله ^ وقوله ^ ولو كانوا يؤمنون بال والنبي وما
^ أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ^ وقوله ^ ولو ارادوا الخروج لعدوا له عدة
فإن الرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد والسفر في غزوة بعيدة ل
يكون إل بعده ومن هذا الباب أن عثمان قال لعمر لما شاوره في المرأة التي أقرت
بالزنا إني أراها تستهل به استهلل من ل يعرف أنه حرام فإنه لما رآها تجهر بما
فعلته وتحكيه من غير اكتراث تبين له أنها لم تعتقد تحريمه وأنه يذم وتعاقب عليه
ووافقه عمر وعلي وغيرهما على ذلك والرجل الصادق البار يظهر على وجهه من
748
www.anassim.fr.st 749 الن سي ــــ ـــ ـم
نور صدقه وبهجة وجهه سيما يعرف بها وكذلك الكاذب الفاجر وكلما طال عمر
النسان ظهر هذا الثر فيه حتى إن الرجل يكون في صغره جميل الوجه فإذا كان
من أهل الفجور مصرا على ذلك يظهر عليه في آخر عمره من قبح الوجه ما أثره
باطنه وبالعكس وقد روى عن ابن عباس أنه قال إن للحسنة لنورا في القلب وضياء
في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة
في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن وبغضة في قلوب الخلق وقد يكون
الرجل ممن ل يتعمد الكذب لكن يعتقد اعتقادات
قال ابن عباس وغيره تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة
والفرقة والمقصود أن ما في القلوب من قصد الصدق والمحبة والبر ونحو ذلك قد
يظهر على الوجه حتى يعلم ذلك علما ضروريا من أبلغ العلوم الضرورية وكذلك ما
فيها من قصد الكذب والبغض والفجور وغير ذلك والنسان يرافق في سفره من لم
يره قط إل تلك الساعة فل يلبث إذا رآه حدة وسمع كلمه أن يعرف هل هو مأمون
يطمئن إليه أو ليس كذلك وقد يشتبه عليه في أول المر وربما غلط لكن العادة
الغالبة أنه يتبين ذلك بعد لعامة الناس وكذلك الجار يعرف جاره والمعامل يعرف
معامله ولهذا لما شهد عند عمر بن الخاطب رجل فزكاه آخر قال هل أنت جاره
الدنى تعرف مساءه وصباحه قال ل قال هل عاملته في الدرهم والدينار الذين
تمتحن بهما أمانات الناس قال ل قال هل رافقته في السفر الذي ينكشف فيه أخلق
الناس قال ل قال فلست
تعرفه وروي أنه قال لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد وذلك أن المنافق قد
يظهر الصلة فمن لم يخبره ل يعرف باطن أمره كما قيل %ذئب %تراه مصليا
%فإذا مررت به ركع %يدعو وجل دعائه %ما للفريسة ل تقع وإذا الفريسة
%خليت %ذهب التنسك والورع
فإذا كان كذلك فمن نبأه واصطفاه للرسالة كان قلبه من أفضل القلوب صدقا وبرا
ومن افترى على ال الكذب كان قلبه من شر القلوب كذبا وفجورا كما قال عبد ال
بن مسعود إن ال نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه
749
www.anassim.fr.st 750 الن سي ــــ ـــ ـم
لرسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب
العباد فاتخذهم لصحبة نبيه وإقامة دينه فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند ال حسن
وما رآه المؤمنون سيئا فهو عند ال سيىء وقال عبد ال بن مسعود من كان منكم
مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي ل يؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر
هذه المة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم ال لصحبة نبيه وإقامة دينه
فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وإذا كان من
أعظم بل أعظم أهل زمانه صدقا وبر فإنه ل بد أن يظهر على فلتات لسانه
وصفحات وجهه ما يناسب ذلك كما أن الكاذب الكافر ل بد أن يظهر على وجهه
وفلتان لسانه ما يناسب ذلك وهذا يكون تارة حين إخباره بما يخبر به وتارة موجودا
في غير تلك الحال فإن الرجل إذا جاء وقال إن السلطان أو المير أو الحاكم أو
الشيخ أو فلنا أرسلني إليكم بكذا فإنه قد يقترن بنفس إخباره من كيفيته وحاله ما
يعلم به أنه صادق أو كاذب وإن كان معروفا قبل ذلك
بالصدق أو الكذب كان ذلك دللة أخرى وقد يكون ممن يكذب ولكن يعرف أنه
صادق في ذلك الخبر دع من يستمر على خبر واحد بضعا وعشرين سنة مع
أصناف الناس واختلف أحوالهم ومما ينبغي أن يعلم أن الناس تختلف أحوالهم في
المعرفة والخبرة والنظر والستدلل في جميع المعارف فقد يتفطن النسان لدللة ل
يتفطن لها غيره وقد يتبين له ما يخفى على غيره حتى النبياء يتفاضلون كما قال
تعالى ^ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم
شاهدين ففهمناها سليمان وكل آتينا حكما وعلما ^ والمقصود أن العلم بصدق
الصادق وكذب الكاذب كغيرهما من المعلومات قد يكون ضروريا وقد يكون نظريا
وهو ليس من الضروريات الكلية الولية كالعلم بأن الواحد نصف الثنين بل من
العلم بالمور المعينة كالعلم بحمرة الخجل وصفرة الوجل وعدل العادل وظلم الظالم
ونحو ذلك مما يعرفه الخبير بذلك علما ضروريا وإذا كان استدلليا فالمعرفة بالعلم
ل تحصل بمجرد وجود
750
www.anassim.fr.st 751 الن سي ــــ ـــ ـم
من بهجة الصدق ونوره ومن ظلمة الكذب وسواده وقبحه يتبين بذلك أن كثيرا من
الناس يحصل لهم علم ضروري بأن
هذا النبي صادق وهذا المتنبي كاذب بمثل ذلك من قبل أن يروا خارقا للعادة وقول
بعض المتكلمين ما لم يكن خارقا للعادة ل اختصاص للنبي به فل يدل فيقال له لفظ
خرق العادة لفظ مجمل وإن تعين دعوى النبوة صدقا وكذبا ليس هو أمرا معتادا ولم
يقع هذا إل في أفراد من العالم وهو أقل بكثير من الخبار بالمغيبات فإن هذا أكثر
في الوجود من دعوى النبوة إذ كل نبي يخبر بالمغيبات وليس كل من أخبر بها كان
نبيا وهؤلء الذين يقولون هذا يقول أكثرهم أو كثير منهم إن دعوى النبوة والتحدي
والمعجز مجموعها هو المختص بالنبي وإل فهم يقولون إن ما كان معجزة لنبي جاز
أن يظهر على يدي ولي أو ساحر وإنما يفرق بينهما التحدي وعدم المعارضة ومنهم
من ينكر هرق العادة أن يظهر علىخ يد غير نبي ومنهم من ل يفرق بين الولي
والساحر إل ببر هذا وفجور هذا ومنهم من يطرد ذلك في النبي ل سيما متفلسفة
اليونان فإنهم من أجهل
الناس بأمر النبوة إذ كانوا لم يأخذوها من العلم بصدق النبياء وبما جاؤوا به من
اليات والبراهين والعلم بصفاتهم وإنما أخذوها من القياس على المنامات فجوزا فيها
مثل ما يجوز على النائم من الحلم والتخيل وما يصيب أهل المرة السوداء مما
يشبه ذلك وهذا هو الموجود في عامة أتباع أرسطو ولكن متأخروهم كابن سينا ضم
إلى ذلك تصرفه في هيولي العالم لما بلغه من خوارقهم الفعلية التي لم يكن يعرفها
أولئك إذ كان علم أرسطو هو ما كان يعلمه قومه من اليونان وهم أمة أولد يافث لم
يكن
فيهم ما في أولد سام كهود وصالح وغيرهما ثم أولد إبراهيم الخليل الذي وعده ال
أن يجعل في ذريته النبوة والكتاب حتى يكون علم النبوة مشهورا فيهم وقد جعل ال
تعالى من زمن الخليل في ذريته النبوة والكتاب كما أخبر بذلك في القرآن وهم لم
يكونوا من ذريته ول كانوا خبيرين بأحوال ذريته وقد ذكر طائفة منهم كمحمد بن
يوسف العامري وصاعد بن صاعد الندلسي أن أساطينهم خمسة
ثم أربعة ابندقلس ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم أفلطن قدموا الشام واستفادوا من بني
إسرائيل ولهذا لم يكن من هؤلء من قال بقدم العالم بخلف أرسطو قالوا فإنه لم يقدم
الشام وذكر هؤلء كمحمد بن يوسف العامري وغيره أن أول من لقب بالحكمة لقمان
وأن ابندقلس استفاد منه ومن أتباع داود عليه السلم
فإنه كان في زمن داود وإذا كان هذا قول هؤلء النظار وأهل الكلم والفلسفة فمجرد
خارق العادة عندهم ليس وحده مستلزما للنبوة حتى يكون وحده دليل بل ل بد أن
ينضم إلى ذلك التحدي وعدم المعارضة ولهذا لما اختلف قول طائفة منهم كأبي
751
www.anassim.fr.st 752 الن سي ــــ ـــ ـم
الحسن وأتباعه هل يجوز ظهور الخارق على يدالكاذب فقيل ل يجوز لنه يعلم
النبوة فيمتنع أن يتخلف عنه مدلوله كسائر الدلة وقيل بل يجوز ولكن ال ل يفعله ثم
قيل لنه يستلزم عجزه عن تصديق الرسول إذ ل طريق إليه إل المعجز عندهم
وقيل بل هو مقدور ممكن ولكن نحن نعلم اضطرارا أنه ل يفعله مثل كثير مما يمكن
في العادة ونعلم أن ال ل يفعله وجميع من جمع بين القولين وقال مجموع ما يدل
على النبوة وهو الخارق السالم عن المعارض يمتنع أن يكون لغير نبي بخلف
جنس الخارق فقيل له هذا المتناع إما أن يكون عاديا وإما أن يكون لستلزامه
العجز عن تصديق النبي وذلك ممتنع فإذا كا ممتنعا لستلزامه العجز عن تصديق
النبي وذلك ممتنع فإذا كان ممتنعا لستلزامه أمرا ممتنعا وإذا كان انفلت
العادة ليس عندك ممتنعا فل بد لك من ذلك الجواب وهو القول بأنا نعلم ضرورة أن
ذلك لم يكن ثم إذا علمت أن هذا علم ضروري وأن العلم بدللتها على الصدق أمر
ضروري كالمثل الذي ضربته في إرسال الملك رسول وقول رسوله إن كنت صادقا
فغير عادتك بقيامك ثم قعودك ففعل ذلك عقب سؤال الرسول فإن ذلك يوجب العلم
الضروري بصدق الرسول وقيل لك الملك تعلم عادته ويعلم أنه فعل ذلك للتصديق
والرب عندك لم يخلق شيئا لشيء فقلت بل يخلق شيئا مقارنا لشيء كالعاديات وهذا
منها فقيل لك العادات قد تكررت فقلت قد نعلم ذلك بل تكرر وجعلت ذلك من باب
الدللة الوضعية كدللة اللفظ على قصد المتكلم وقلت قد نعلم قصده اضطرار من
غير سبق مواضعة وهذه العلوم الضرورية التي ذكرت أنه يعلم بها صدق الرسول
وإن كانت حقا فجمهور الناس يقولون إنك لم تقر بلوازمها من كونه يفعل لجل كذا
ويقولون القول بأنه خلق المعجزة لقصد التصديق مع القول بأنه ل يخلق شيئا لجل
شيء تناقضا فقلت ل يشترط في العلم الضروري العلم بأنه يفعل كذا لجل كذا فقيل
لك هب أنه كذلك لكن ل يحصل العلم الضروري مع العلم بما يناقضه والمقصود أن
ما يذكره هؤلء وأمثالهم من النظار بل وعامة الناس هم فيما يثبتونه من العلم
والحقائق المعلومة اسد منهم وأصوب فيما ينفونه فإن النسان لما يثبته أعلم منه بما
ينفيه وشهادته على الثبات أقوى من شهادته على النفي وإن كان النفي قد يكون
معلوما لكن غلط الناس فيما ينفونه ويكذبون به أكثر من غلطهم فيما يثبتونه
ويصدقون به ولهذا قال تعالى ^ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ^
ولهذا تجد من سلك طريقا من الطرق إما في إثبات العلم بالصانع وإما في العلم
بالنبوة أو العلم بالمعاد أو غير ذلك واحد يقول ل طريق إل هذا الطريق يخطىء في
النفي اكثر من خطئه في الثبات ومنهم هؤلء فإنهم قد ينفون من العلم والطرق ما
يعلمه غيرهم بالضطرار ويثبتون ما يقولون أنه معلوم بالضطرار وقد يكون
غيرهم اصوب فيما يثبته منهم فيما ينفونه بل وفيما يثبتونه
ولهذا الذين اتفقوا على أنه ل طريق إل المعجزات تنوعوا في وجه دللتها فيثبت
هؤلء وجها يستدلون به وينفون طريق غيرهم وبالعكس فإذا قالوا ما سوى الخارق
752
www.anassim.fr.st 753 الن سي ــــ ـــ ـم
للعادة ليس يختص بالنبي فل يدل على نبوته قيل لهم الدليل هو الذي يكون مستلزما
للمدلول يلزم من تحققه تحقق المدلول ولفظ الخارق للعادة فيه إجمال كما تقدم
وحينئذ فنفس إنباء ال للنبي واصطفائه لرسالته وإقداره على التلقي من الملك هو
من خوارق العادات وذلك من المعجزات التي أعجز ال الخلق أن يفعلوه وهو
مختص بالنبياء وهذا الوصف أجل وأعظم قدرا من غيره من الخوارق والمستلزم
لهذا الخارق ل يكون إل خارقا وهو الدليل إذ يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت اللزم
ومن انتفاء اللزم انتفاء الملزوم والمعتاد الذي يوجد بدون النبوة ل يكون دليل وأما
ما ل يوجد إل وجدت النبوة فهو دليل فقد تبين أن كل ما يدل على صدق الرسول
وهو خارق للعادة يكون آية ونبوة على صدقه وأما ما كان خارقا للعادة ول يستلزم
النبوة فليس يكون دليل وقد يكون الشيء معتادا بدون النبوة ومع النبوة يكون خرقا
للعادة بحيث يكون وجوده مع النبوة خرق للعادة بخلف وجوده مجردا عنها لن
النبوة خرق للعادة فل يكون مستلزما لها إل خارق للعادة فقول القائل ل يعلم صدقه
إل بالمعجزة وهو الخارق للعادة إن أراد به المعنى العام وهو ما يستلزم صدقه بطل
تخصيصه ذلك بما يخلقه منفصل عنه من اليات وإن أراد بذلك نوعا مخصوصا
مع اشتراك الجميع في الدللة ظهر بطلن نفيه وأما ما يوجد بدونها كنا يوجد معها
كالمور التي تكون للصادق في دعوى النبوة والكاذب في دعوى النبوة فهذه ل تدل
وما يظهره ال على يد النبي من النواع التي بها يعرف صدقه ليس فيها شيء يكون
للكاذب بل الكاذب ل يكون له من الدلة إل ما يستلزم كذبه فكل ما يدل على كذب
الكاذب ل يدل على صدق الصادق وبالعكس فإن دليل الكذب مستلزم له ودليل
الصدق مستلزم له وهما ضدان يمتنع ان يكون مدعي النبوة نبيا صادقا ومتنبئا كاذبا
والضدان ل يجتمعان فيمتنع أن يكون شيء واحد يدل على الضدين وهذه القاعدة
ينتفع بها في مواضع
منها أن كثيرا من الناس إذا رأوا الكاذب وسمعوا كلمه تبين لهم كذبه تارة بعلم
ضروري وتارة بعلم استدللي وتارة بظن قوي وكذلك النبي الصادق إذا رأوه
وسمعوا كلمه فقد تبين لهم صدقه بعلم ضروري أو نظري وقد يكون أول بظن
قوي ثم يقوى الظن حتى يصير يقينيا كما في العلوم بالخبار المتواترة والتجارب
فإن خبر الول يفيد نوعا من الظن ثم يقوى بخبر الثاني والثالث حتى يصير يقينا
وهذا الطريق سلكها طوائف من الناس وممن نبه على ذلك القاضي عياض قال
القاضي عياض إذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمنا من جميل أثره وحميد سيره
وبراعة علمه ورجاحة عقله وحلمه وجملة كماله وجميع خصاله وشاهد حاله
وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته قال وقد كفى هذا غير واحد
في إسلمه واليمان به فروينا عن الترمذي وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم أن عبد
ال بن سلم قال لمل قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة جئته لنظر إليه
فلما استبنت وجهه
753
www.anassim.fr.st 754 الن سي ــــ ـــ ـم
عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب رواه غير واحد كعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن
جعفر وابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة
العرابي عن زرارة بن أوفى عن عبد ال بن سلم وعن أبي رمثة البلوي قال أتيت
النبي صلى ال عليه وسلم ومعي لي ابن لي فأريته فلما رأيته قلت هذا نبي ال
وروى مسلم في صحيحه وغيره عن ابن عباس أن ضمادا قدم
مكة وكان من أزد شنؤة وكان يرقى من هذا الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون
إن محمدا مجنون فقال لو أني رأيت هذا الرجل لعل ال يشفيه على يدي قال فلقيه
فقال يا محمد إني ارقي من هذه الريح وإن ال يشفي على يدي من شاء ال فهل لك
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن الحمد ل نحمده ونستعينه من يهده ال فل
مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد ان ل إله إل ال وحده ل شريك له واشهد
أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فقال أعد علي كلماتك هؤلء فأعادهن رسول ال
صلى ال عليه وسلم ثلث مرات قال فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة
وقول الشعراء فما سمعت بمثل كلماتك هؤلء ولقد بلغن قاموس البحر هات يدك
أبايعك على السلم فبايعه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى قومك قال
وعلي قومي الحديث
وقال جامع بن شداد كان منا رجل يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي صلى ال
عليه وسلم بالمدينة فقال هل معكم شيء تبيعونه قلنا هذا البعير قال بكم قلنا بكذا
وكذا وسقا من تمر فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا رجل ل ندري من هو
ومعنا ظعينة فقالت أنا ضامنة لثمن البعير رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل
يخيس بكم فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال انا رسول رسول ال إليكم يأمركم أن
تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا
وفي خبر الجلندي ملك غسان لما بلغه رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعوه
إلى السلم فقال الجلندي وال لقد دلني على هذا النبي المي أنه ل يأمر بخير إل
كان أول آخذ به ول ينهى عن شر إل كان أول تارك له وأنه يغلب فل يبطر ويغلب
فل يضجر ويفي بالعهد وينجز بالموعود وأشهد أنه نبي وقال نفطويه في قوله تعالى
يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ^ هو مثل ضربه ال لنبيه يقول يكاد منظره ^
يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة %لو لم يكن فيه آيات مبينة
% %كانت بديهته تنبيك بالخبر
قلت وإيمان خديجة وأبو بكر وغيرهما من السابقين الولين كان قبل انشقاق القمر
وقبل إخباره بالغيوب وقبل تحديه بالقرآن لكن كان بعد سماعهم القرآن الذي هو
نفسه آية مستلزمة لصدقه ونفس كلمه وإخباره بأني رسول ال مع ما يعرف من
أحواله مستلزم لصدقه إلى غير ذلك من آيات الصدق وبراهينه بل خديجة قالت له
754
www.anassim.fr.st 755 الن سي ــــ ـــ ـم
كل وال ل يخزيك ال أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري
الضيف
وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق فكانت عارفة بأحواله التي تستلزم نفي
كذبه وفجوره وتلعب الشيطان به وأبو بكر كان من أعقل الناس وأخيرهم وكان
معظما في قريش لعلمه وإحسانه وعقله فلما تبين له حاله علم علما ضروريا أنه نبي
صادق وكان أكمل أهل الرض يقينا علما وحال وكذلك هرقل ملك النصارى لما
أرسل إليه النبي صلى ال عليه وسلم يدعوه إلى السلم سأل عن عشرة خصال كما
في الصحيحين عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في قال
انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول ال صلى ال علي وسلم قال فبينا أنا
بالشام إذ جيء بكتاب من رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هرقل قال وكان دحية
الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقال هرقل
هل هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم
قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب
نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه
وأجلسوا أصحابي خلفي فدعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل
الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه قال فقال ابو سفيان وأيم ال لول مخافة أن
يؤثر علي الكذب لكذبت عليه ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا
ذو حسب قال فهل كان من آبائه ملك قلت ل قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن
يقول ما قال قلت ل قال ومن اتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم
قال أيزيدون أم ينقصون قلت ل بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن
يدخل فيه سخطة له قال قلت ل قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه
قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجال يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قلت
ل ونحن منه على مدة ما ندري ما هو صانع فيها قال فوال ما أمكنني من كلمة
أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل قال هذا القول أحد قبله قال قلت ل قال لترجمانه
قل له إني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذا الرسل تبعث في
أحساب قومها وسألتك هل كان من آبائه من ملك فزعمت أن ل فقلت لو كان من
آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت
بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال
فزعمت أن ل فقد عرفت أنه لم يكن ليدع
الكذب على الناس ثم يذهب ويكذب على ال وسألتك هل يرتد احد منهم عن دينه بعد
ان يدخل فيه سخطة له فزعمت أن ل فكذلك اليمان إذا خالط بشاشة القلوب وسألتك
هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك اليمان حتى يتم وسألتك هل
قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجال ينال منكم وتنالون
755
www.anassim.fr.st 756 الن سي ــــ ـــ ـم
منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنه ل يغدر
وكذلك الرسل ل تغدر وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله فزعمت أن ل فقلت لو
قال هذا القول أحد قبله قلت رجل أئتم بقول قيل قبله ثم قال بم يأمركم قلت يأمرنا
بالصلة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يكن ما تقول فيه حقا إنه نبي وقد كنت
أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص إليه لحببت لقاءه ولو كنت
عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ثم دعا
بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم ال الرحمن الرحيم من
محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني
ادعوك بدعاية السلم أسلم تسلم وأسلم يؤتك ال أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك
إثم الريسيين و ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل
ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون ال فإن تولوا فقولوا
اشهدوا بأنا مسلمون ^ وفي رواية فماذا يأمركم به قال يأمرنا أن نعبد ال وحده ول
نشرك به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلة والصدقة والعفاف
والوفاء بالعهد وأداء المانة وقال فهذه صفة نبي وما استدل به ملك النصارى هرقل
من العلم بصفاته هو
استدلل على عينه فإن الناس في النبوة على درجات منهم من يحتاج إلى أن يعلم
جنس النبوة فيصدق بجنس الرسل من البشر ل يكذب بالجنس كما كذب بذلك من
كذب من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ولهذا يقول تعالى ^ كذبت قوم نوح
المرسلين ^ ^ كذبت عاد المرسلين ^ ^ كذبت ثمود المرسلين ^ لن تكذيبهم لم يكن
لشخص واحد بل كانوا مكذبين لجنس الرسل وهؤلء يخاطبهم ال في السور المكية
كقوله تعالى ^ وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ^ فاحتج بإنزال كتاب
موسى لما تواتر في خبره من اليات الباهرات الدالة على صدقه والنجيل تبع
للتوراة في الكتاب للتوراه ثم قال ^ وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه
^
لما قام من اليات الدالة على نزوله ولهذا يذكر سبحانه في السور المكية من تثبيت
أمر الرسل وآياتهم وبراهينهم وحسن عاقبتهم ومن ضلل مخالفيهم وجهلهم وغيهم
وخذلنهم وسوء عاقبتهم ما فيه عبرة ومن الناس من يقر بالرسل في الجملة لكن ل
يؤمن بما يجب من حقيقة إرسالهم كالملحدة وأهل البدع الذين يعظمون النبياء مع
اعتقادهم في الباطن ما يناقض بعض ما جاءوا به لشبهات انعقدت في قلوبهم ظنوها
علوما عقلية وهي مناقضة لما أخبرت به الرسل فيحتاجون إلى ان يوفقوا بينهما
وهؤلء يشبهون الذين قال ال فيهم ^ سزرة النساء اليات ^ 63 60وقد اخبر ال
أنه جعل للنبياء من يعاديهم من النس والجن فقال تعالى
756
www.anassim.fr.st 757 الن سي ــــ ـــ ـم
سورة لنعام اليات ^ 116 112وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من ^
المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ^ وهؤلء الذين عندهم ما يناقض بعض ما
أخبرت به الرسل هم ثلثة اصناف
أهل الخييل من الملحدة المتفلسفة والباطنية الذين يقولون إن الرسل أخبروا من
أمر اليمان بال واليوم الخر بما يخالف الحق في نفس المر ليخيلوا إلى الجمهور
ما ينتفعون به ويعدون هذا من فضائل الرسل وقد بسط الرد على هؤلء في غير
موضع
وأهل التحريف والتأويل الذين يؤلون كلمهم على ما يخالف مرادهم ويزعمون
أنهم أرادوا ذلك المعنى مع انه ليس في كلمهم ما يدل على إرادة ذلك المعنى بل
كلمهم يدل على إرادة خلفه
وأهل التجهيل الذين يقولون ذلك الكلم ليس له معنى يعلمه الرسل ول غيره وإنما
يعلمه ال وحده وهذان القولن يقول بكل منها طوائف معظمين للرسل وقد تبين
فسادهما في غير هذا الموضع وأما من قال إن الرسل وغيرهم يعلمون المعنى الذي
بينه ال لهم بكلمه ولكن استأثر ال بعلم امر آخر ل يعلمونه كما استأثر بعلم غيب
الساعة فهذا قول السلف والئمة وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن الكلم
في النبوات تارة في جنسها وتارة في شخص النبي المعين وهرقل ملك الروم لم يكن
محتاجا إلى اليمان بجنس النبوات فإنه كان من أهل الكتاب وأهل الكتاب يقرون
بجنس النبوة فإنهم يقرون نبوة نوح والخليل وموسى وأنبياء بني إسرائيل والنصارى
تقر مع ذلك بالمسيح والنجيل والذين يحتاجون إلى معرفة النبي المعين نوعان
نوع عرفوا أنه يبعث نبي وقد يعرفون بعض نعوته فيحتاجون أن يعرفوا عينه
وهرقل وأمثاله من أهل الكتاب كانوا من هذا النوع وكانوا يعلمون أن نبيا سيبعث
وإنما كانت حاجتهم أن يعرفوا
هل هو هذا النبي المذكور ام غيره فيكون ما يحتاجون إليه من دلئل صدقه أيسر ما
يحتاج إليه من ل يؤمن بالرسل او ل يعرف أن نبيا سيبعث ومن كان يعلم جنس
الرسل ول يدري هل يبعث نبي أم ل يحتاج إلى تعلم أن هذا المعين هل هو من
جنس النبياء الصادقين أو من جنس المتنبئين الكاذبين وهذا يعرف بما يخصه من
آيات صدقه وباعتبار ما جاء به النبياء قبله فإن أصول ذلك مما ل يمكن اختلف
النبياء فيه وهي المور التي ل تقبل النسخ كالخبار عن ال وملئكته وكتبه ولسله
واليوم الخر فهذا مما ل يمكن اختلف النبياء فيه إذ كان كل ما يخبر به النبي فهو
صدق والخبار الصادقة ل تتناقض ول تقبل النسخ ولكن قد يكون بعض النبياء
أعلم ببعض ذلك من بعض وفي كلم بعضهم من الخبار ببعض ذلك ما ليس في
كلم بعض وما أخبر به محمد صلى ال عليه وسلم هو أكمل وأكثر مما أخبر به
موسى والمسيح صلوات ال وسلمه عليهم وقد يظن بعض الغالطين تناقض بعض
أخبار النبياء كما يظن بعض الغالطين معارضة العقل لما أخبروا به وهذا ممتنع بل
757
www.anassim.fr.st 758 الن سي ــــ ـــ ـم
ل بد أن يكون المعارض العقلي خطأ ليس بمعقول صحيح أو السمعي لم يثبت عنهم
لفظه أو دللته وكذلك الخبار ل بد أن يكون أحد
الخبرين كذبا أو غير دال على مناقضة الخبر الخر وأما الصول الجامعة كالمر
بعبادة ال وحده ل شريك له وبر الوالدين والصدق والعدل وتحريم الجناس الربعة
وهي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق والشراك بال وأن
يقال عليه غير الحق وذلك مثل ما ذكره في سورة النعام والعراف وبني إسرائيل
وقد تنازع الناس في مثل هذا هل يمكن نسخه وتنوع الشرائع به على قولين فمن
جوز أن يأمر ال بكل شيء وينهى عن كل شيء رد ذلك إلى محض المشيئة ل إلى
صفات تقتضي المر بهذا دون هذا فإنهم جوزوا دخول النسخ في هذا وتنوع
الشرائع فيه كما يقوله جهم بن صفوان والشعري ومن وافقه من أصحاب مالك
والشافعي وأحمد وإن كانوا يقولون إنه لم يقع فيه نسخ وأما جمهور الناس من
السلف والخلف فإنهم ل يجوزون دخول النسخ في هذا ول تنوع الشرائع فيه ولهذا
كان دين النبياء واحدا كما قال تعالى ^ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا
صالحا إني بما تعملون عليم
وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ^ وقال تعالى ^ شرع لكم من الدين ما
وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا
الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ^ وقال تعالى ^ فأقم
وجهك للدين حنيفا فطرت ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين
القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون ^ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى
ال عليه وسلم أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد وهذا مبسوط في موضع آخر
758