You are on page 1of 758

‫‪www.anassim.fr.

st‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح‬


‫لبن تيمية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫ل إله إل ال محمد رسول ال الحمد ل رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين‬
‫‪ #‬و ^ الحمد ل الذي خلق السموات والرض وجعل الظلمت والنور ثم الذين كفروا‬
‫بربهم يعدلون ^ ‪ #‬و ^ الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم‬
‫يكن له ولي من الذل ^ ‪ #‬وال أكبر ال أكبر ل إله إل ال وال أكبر ال أكبر ول‬
‫الحمد ال أكبر كبيرا والحمد ل كثيرا وسبحان ال بكرة وأصيل‬

‫سورة الكهف اليات ‪ # 5 1‬وسورة سبأ اليتان ا ‪ # 2‬وسورة فاطر الية ‪# 2 1‬‬
‫‪ #‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له الحي القيوم الذي ل تأخذه سنة ول نوم‬
‫‪ #‬سورة البقرة الية ‪ # 255‬الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‬
‫الول الخر الظاهر الباطن الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز‬

‫الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى يسبح له ما في السموات‬


‫والرض وهو العزيز الحكيم ‪ #‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين‬
‫الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا أرسله بالحق بين يدي الساعة بشيرا‬
‫ونذيرا وداعيا إلى ال بإذنه وسراجا منيرا أرسله إلى جميع الثقلين الجن والنس‬
‫عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم وأنزل عليه ‪ #‬سورة الزمر الية ‪ # 23‬كتاب أنزله‬
‫ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم ‪ #‬سورة إبراهيم الية ‪21‬‬
‫‪ #‬هداهم به إلى صراط مستقيم صراط الذي له ما في السموات وما في الرض‬
‫وهو صراط الذين أنعم ال عليم من‬

‫النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهو دين ال الذي بعث به الرسل قبله كما‬
‫قال تعالى ‪ #‬سورة الشورى الية ‪ # 13‬وقال تعالى سورة المؤمنون اليتان ‪51‬‬
‫‪ # 52‬وقال في الية الخرى سورة النبياء الية ‪ # 92‬سورة المؤمنون الية ‪53‬‬
‫قال تعالى‬

‫سورة النبياء الية ‪ # 25‬وقال تعالى سورة النحل الية ‪ # 36‬أنزل عليه ‪#‬‬
‫الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فصدق كتابه ما بين يديه‬
‫من كتب السماء وأمر باليمان بجميع النبياء كما قال تعالى سورة البقرة اليتان‬
‫‪137 136‬‬

‫وهيمن على ما بين يديه من الكتاب وذلك يعم الكتب كلها شاهدا وحاكما ومؤتمنا ‪#‬‬
‫يشهد بمثل ما فيها من الخبار الصادقة ‪ #‬وقرر ما في الكتاب الول من أصول‬
‫الدين وشرائعه الجامعة التي اتفقت عليها الرسل كالوصايا المذكورة في آخر النعام‬

‫‪1‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأول العراف وسورة سبحان ونحوها من السور المكية ‪ #‬قال تعالى سورة النعام‬
‫اليات ‪153 150‬‬

‫وقال تعالى سورة العراف اليات ‪ 32 29‬وقال تعالى ‪#‬‬

‫سورة السراء اليات ‪ # 39 23‬فدين النبياء والمرسلين دين واحد وإن كان لكل‬
‫من التوراة والنجيل والقرآن شرعة ومنهاج ولهذا قال صلى ال عليه‬

‫وسلم في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إنا معشر النبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه نبي‬
‫‪ #‬فدين المرسلين يخالف دين المشركين المبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا‬

‫قال تعالى سورة الروم اليات ‪ # 32 30‬وقال تعالى سورة المؤمنون اليات ‪#‬‬
‫‪ # 53 50‬وقال تعالى سورة الشورى الية ‪ # 13‬وقد خص ال تبارك وتعالى‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم‬

‫بخصائص ميزه بها على جميع النبياء والمرسلين وجعل له شرعة ومنهاجا أفضل‬
‫شرعة وأكمل منهاج ‪ #‬كما جعل أمته خير أمة أخرجت للناس فهم يوفون سبعين‬
‫أمة هم خيرها وأكرمها على ال من جميع الجناس هداهم ال بكتابه ورسوله لما‬
‫اختلفوا فيه من الحق قبلهم وجعلهم وسطا عدل خيارا فهم وسط في توحيد ال‬
‫وأسمائه وصفاته وفي اليمان برسله وكتبه وشرائع دينه من المر والنهي والحلل‬
‫والحرام ‪ #‬فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم‬
‫الخبائث لم يحرك عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود ولم يحل لهم شيئا‬
‫من الخبائث كما استحلتها النصارى ولم يضيق عليهم باب الطهارة والنجاسة كما‬
‫ضيق على اليهود ولم يرفع عنهم طهارة الحدث والخبث كما رفعته النصارى فل‬
‫يوجبون الطهارة من الجنابة ول الوضوء للصلة ول اجتناب النجاسة في الصلة‬
‫بل يعد كثير من عبادهم مباشرة النجاسات من أنواع القرب والطاعات حتى يقال في‬
‫فضائل الراهب له أربعةن سنة ما مس الماء ولهذا تركوا الختان‬

‫مع أنه شرع إبراهيم الخليل عليه السلم وأتباعه ‪ #‬واليهود إذا حاضت عندهم‬
‫المرأة ل يؤاكلونها ول يشاربونها ول يقعدون معها في بيت واحد والنصارى ل‬
‫يحرمون وطء الحائض ‪ #‬وكان اليهود ل يرون إزالة النجاسة بل إذا أصاب ثوب‬
‫أحدهم قرضه بالمقراض والنصارى ليس عندهم شيء نجس يحرم أكله أو تحرم‬
‫الصلة معه‬

‫ولذلك المسلمون وسط في الشريعة فلم يجحدوا شرعه الناسخ لجل شرعه ‪#‬‬
‫المنسوخ كما فعلت اليهود ول غيروا شيئا من شرعه المحكم ول ابتدعوا شرعا لم‬

‫‪2‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يأذن به ال كما فعلت النصارى ول غلوا في النبياء والصالحين كغلو النصارى ول‬
‫بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود ول جعلوا الخالق سبحانه متصفا بخصائص المخلوق‬
‫ونقائضه ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود ول المخلوق متصفا‬
‫بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى ولم يستكبروا‬
‫عن عبادته كفعل اليهود ول أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى ‪ #‬وأهل السنة‬
‫والجماعة في السلم كأهل السلم في أهل الملل فهم وسط في باب صفات ال عز‬
‫وجل بين أهل الجحد والتعطيل وبين أهل التشبيه والتمثيل يصفون ال بما وصف به‬
‫نفسه وبما وصفه به رسله من غير تعطيل ول تمثيل إثباتا لصفات الكمال وتنزيها‬
‫له عن أن يكون له فيها أندادا وأمثال إثبات بل تمثيل وتنزيه بل تعطيل ‪ #‬كما قال‬
‫^ تعالى ^ ليس كمثله شيء ^ ‪ #‬رد على الممثلة ^ وهو السميع البصير‬

‫رد على المعطلة ‪#‬‬

‫وقال تعالى سورة الخلص كلها ‪ #‬فالصمد السيد المستوجب لصفات الكمال ‪#‬‬
‫والحد الذي ليس له كفو ول مثال وهم وسط في باب أفعال ال عز وجل بين‬
‫المعتزلة المكذبين للقدر والجبرية النافين لحكمة ال ورحمته‬

‫وعدله والمعارضين بالقدر أمر ال ونهيه وثوابه وعقابه ‪ #‬وفي باب الوعد والوعيد‬
‫بين الوعيدية الذين يقولون بتخليد‬

‫عصاة المسلمين في النار وبين المرجئة الذين يجحدون بعض الوعيد وما فضل ال‬
‫به البرار على الفجار ‪ #‬وهم وسط في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بين الغالي في بعضهم الذي يقول بإلهية أو نبوة أو عصمة والجافي فيهم الذي يكفر‬
‫بعضهم أو يفسقه وهم خيار هذه المة‬

‫وال سبحانه أرسل محمدا صلى ال عليه وسلم للناس رحمة وأنعم به نعمة يا لها ‪#‬‬
‫من نعمة ‪ #‬قال تعالى ^ وما أرسلناك إل رحمة للعالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ^ ألم ترك‬
‫إلى الذين بدلوا نعمت ال كفرا ^ ‪ #‬وهم الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫فإرساله أعظم نعمة أنعم ال بها على عباده يجمع ال لمته بخاتم المرسلين وإمام‬
‫المتقين وسيد ولد آدم أجمعين ما فرقه في غيرهم من الفضائل وزادهم من فضله‬
‫أنواع الفواضل بل أتاهم كفلين من رحمته كما قال تعالى‬

‫سورة الحديد الية ‪ # 29 28‬وفي الصحيحين عن ابن عمر وأبي موسى عن ‪#‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إنما أجلكم في أجل من خل من المم ما بين‬
‫صلة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل‬
‫استعمل عمال فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط ‪ #‬فعملت‬
‫اليهود إلى نصف النهار ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلة العصر‬

‫‪3‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على قيراط قيراط ‪ #‬فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلة العصر على‬
‫قيراط قيراط ثم قال من يعمل من صلة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين‬
‫قيراطين ‪ #‬أل فأنتم الذين يعملون من صلة العصر إلى مغرب الشمس أل لكم‬
‫الجر مرتين ‪ #‬فغضبت اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عمل وأقل عطاء‬

‫فقال ال تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا ل قال ال تعالى فإنه فضلي أعطيه‬
‫من شئت ‪ #‬أما بعد فإن ال تبارك وتعالى جعل محمدا صلى ال عليه وسلم خاتم‬
‫النبيين وأكمل له ولمته الدين وبعثه على حين فترة من الرسل وظهور الكفر‬
‫وانطماس السبل فأحيا به ما درس من معالم اليمان وقمع به أهل الشرك من عباد‬
‫الوثان والنيران والصلبان وأذل به كفار أهل الكتاب أهل الشك والرتياب وأقام به‬
‫منار دينه الذي ارتضاه وشاد به ذكر من اجتباه من عباده واصطفاه وأظهر به ما‬
‫كان مخفيا عند أهل الكتاب وأبان به ما عدلوا فيه عن منهج الصواب وحقق به‬
‫صدق التوراة الزبور والنجيل وأماط به عنها ما ليس بحقها من باطل التحريف‬
‫والتبديل‬

‫وكان من سنة ال تبارك وتعالى مواترة الرسل وتعميم الخلق بهم بحيث يبعث في ‪#‬‬
‫كل أمة رسول ليقيم هداه وحجته كما قال تعالى سورة النحل الية ‪ # 36‬وقال‬
‫تعالى سورة فاطر الية ‪ # 24‬وقال تعالى سورة المؤمنون الية ‪ # 44‬وقال تعالى‬
‫سورة النساء اليات ‪ # 165 163‬ولما أهبط آدم إلى الرض قال تعالى‬

‫سورة طه اليات ‪ # 127 123‬وقال تعالى عن أهل النار سورة الملك اليات ‪# 8‬‬
‫‪ # 10‬وقال تعالى سورة السراء الية ‪ # 15‬وقال تعالى سورة النعام اليتان‬
‫‪131 130‬‬

‫فصل & ‪ #‬وكان دينه الذي ارتضاه ال لنفسه هو دين السلم الذي بعث ال به &‬
‫الولين والخرين من الرسل ول يقبل من أحد دينا غيره ل من الولين ول من‬
‫الخرين ‪ #‬وهو دين النبياء وأتباعهم كما أخبر ال تعالى بذلك عن نوح ومن بعده‬
‫إلى الحواريين ‪ #‬قال تعالى سورة يونس اليتان ‪ # 72 71‬وقال تعالى عن إبراهيم‬
‫سورة البقرة اليات ‪132 130‬‬

‫وقال تعالى عن يوسف الصديق سورة يوسف الية ‪ # 101‬وقال تعالى عن موسى‬
‫أنه قال سورة يونس الية ‪ # 84‬وأخبر تعالى عن السحرة أنهم قالوا لفرعون سورة‬
‫العراف الية ‪ # 126‬وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن‬

‫سورة النمل الية ‪ # 44‬وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل سورة المائدة الية ‪44‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى عن المسيح سورة آل عمران ‪ # 52‬وقال تعالى سورة المائدة الية‬
‫‪ # 111‬فهذا دين الولين والخرين من النبياء وأتباعهم هو دين السلم وهو عبادة‬

‫‪4‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪5‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال وحده ل شريك له وعبادته تعالى في كل زمان ومكان بطاعة رسله عليهم السلم‬
‫‪ #‬فل يكون عابدا له من عبده بخلف ما جاءت به رسله كالذين قال فيهم‬

‫سورة الشورى الية ‪ # 21‬فل يكون مؤمنا به إل من عبده بطاعة رسله ول يكون‬
‫مؤمنا به ول عابدا له إل من آمن بجميع رسله وأطاع من أرسل إليه فيطاع كل‬
‫رسول إلى أن يأتي الذي بعده فتكون الطاعة للرسول الثاني ‪ #‬قال تعالى سورة‬
‫النساء الية ‪ # 64‬ومن فرق بين رسله فآمن ببعض وكفر ببعض كان كافرا كما‬
‫قال تعالى سورة النساء اليات ‪ # 152 150‬فلما كان محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫خاتم النبيين ولم يكن بعده رسول ول من يجدد الدين لم يزل ال سبحانه وتعالى‬

‫يقيم لتجديد الدين من السباب ما يكون مقتضيا لظهوره كما وعد به في الكتاب‬
‫فيظهر به محاسن اليمان ومحامده ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده ‪ #‬ومن أعظم‬
‫أسباب ظهور اليمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من‬
‫أهل الفك المبين ‪ #‬كما قال تعالى سورة النعام اليات ‪ # 115 112‬وقال تعالى‬
‫سورة الفرقان اليات ‪ # 31 27‬وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام‬
‫ال تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من اليات البينات‬

‫بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة‬
‫‪ #‬فالقرآن لما كذب به المشركون واجتهدوا على ابطاله بكل طريق مع أنه تحداهم‬
‫بالتيان بمثله ثم بالتيان بعشر سور ثم بالتيان بسورة واحدة كان ذلك مما دل ذوي‬
‫اللباب على عجزهم عن المعارضة مع شدة الجتهاد وقوة السباب ولو اتبعوه من‬
‫غير معارضة وإصرار على التبطيل لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم‬
‫الدليل ‪ #‬وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلم وأبطل ال ما جاؤا به كان‬
‫ذلك مما بين ال تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلم وهذا من‬
‫الفروق بين آيات النبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات وبين ما قد يشتبه بها من‬
‫خوارق السحرة وما للشيطان من التصرفات فإن بين هذين فروقا متعددة منها ما‬
‫ذكره ال تعالى في قوله سورة الشعراء اليتان ‪ # 222 221‬ومنها ما بينه في‬
‫آيات التحدي من آيات النبياء عليهم السلم ل يمكن أن تعارض بالمثل فضل عن‬
‫القوى ول يمكن أحدا إبطالها بخلف خوارق السحرة والشياطين فإنه يمكن‬
‫معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها‬

‫وكذلك سائر أعداء النبياء من المجرمين شياطين النس والجن الذين يوحي ‪#‬‬
‫بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به‬
‫على دينهم المخالف لدين الرسول ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول‬
‫كان ذلك من أسباب ظهور اليمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة‬
‫والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان ‪ #‬قال ال تعالى سورة الحديد الية ‪ # 25‬وذلك‬
‫بما يقيمه ال تبارك وتعالى من اليات والدلئل التي يطهر بها الحق من الباطل‬

‫‪5‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والخالي من العاطل والهدى من الضلل والصدق من المحال والغي من الرشاد‬


‫والصلح من الفساد والخطأ من السداد وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث‬
‫والطيب قال تعالى سورة آل عمران الية ‪179‬‬

‫وقال تعالى سورة العنكبوت اليات ‪ # 4 1‬والفتنة هي المتحان والختبار كما ‪#‬‬
‫قال موسى عليه السلم سورة العراف الية ‪ # 155‬أي امتحانك واختبارك تضل‬
‫بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم ‪ #‬والفتنة للنسان كفتنة الذهب إذا أدخل‬
‫كير المتحان فإنها تميز جيده من رديئه فالحق كالذهب الخالص كلما امتحن ازداد‬
‫جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده ‪ #‬فالدين الحق كلما نظر‬
‫فيه الناظر وناظر عنه المناظر ظهرت له البراهين وقوي به اليقين وازداد به إيمان‬
‫المؤمنين وأشرق نوره في صدور العالمين ‪ #‬والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل‬
‫ورام أن يقيم عوده المائل أقام ال تبارك وتعالى من يقدف بالحق على الباطل‬

‫فيدمغه فإذا هو زاهق وتبين أن صاحبه الحمق كاذب مائق وظهر فيه من القبح‬
‫والفساد والحلول والتحاد والتناقض‬

‫واللجاد والكفر والضلل والجهل والمحال ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من‬
‫أضل الضلل حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد ويتنبه بذلك من‬
‫سنة الرقاد من كان ل يميز الغي من الرشاد ويحيى بالعلم واليمان من كان ميت‬
‫القلب ل يعرف معروف الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين ول ينكر منكر المغضوب عليهم والضالين فإن ما ذم ال به اليهود‬
‫والنصارى في كتابه مثل تكذيب الحق المخالف للهوى والستكبار عن قبوله وحسد‬
‫أهله والبغي عليهم واتباع سبيل الغي والبخل والجبن وقسوة القلوب ووصف ال‬
‫سبحانه وتعالى بمثل عيوب المخلوقين ونقائصهم وجحد ما وصف به نفسه من‬
‫صفات‬

‫الكمال المختصة به التي ل يماثله فيها مخلوق ويمثل الغلو في النبياء والصالحين‬
‫والشراك في العبادة لرب العالمين والقول بالحلول والتحاد الذي يجعل العبد‬
‫المخلوق هو رب العباد والخروج في أعمال الدين عن شرائع النبياء والمرسلين‬
‫والعمل بمجرد هوى القلب وذوقه ووجده في الدين من غير اتباع العلم الذي أنزله‬
‫ال في كتابه المبين واتخاذ أكابر العلماء والعباد أربابا يتبعون فيما يبتدعونه من‬
‫الدين المخالف للنبياء عليهم السلم كما قال تعالى سورة التوبة الية ‪# 32‬‬
‫ومخالفة صريح المعقول وصحيح المنقول بما يظن أنه من التنزلت اللهية‬
‫والفتوحات القدسية مع كونه من وساوس اللعين حتى يكون صاحبها ممن قال ال فيه‬
‫سورة الملك الية ‪ # 10‬وقال تعالى‬

‫سورة العراف الية ‪ # 179‬إلى غير ذلك من أنواع البدع والضللت التي ذم ال‬

‫‪6‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بها أهل الكتابين فإنها مما حذر ال منه هذه المة الخيار وجعل ما حل بها عبرة‬
‫لولي البصار ‪ #‬وقد أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنه ل بد من وقوعها في‬
‫بعض هذه المة وإن كان قد أخبر صلى ال عليه وسلم أنه ل يزال في أمته أمة‬
‫قائمة على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم الساعة وأن أمته ل‬
‫تجتمع على ضللة ول يغلبها من سواها من المم بل ل تزال منصورة متبعة لنبيها‬
‫المهدي المنصور ‪ #‬لكن ل بد أن يكون فيها من يتتبع سنن اليهود والنصارى‬
‫والروم والمجوس كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال لتتبعن سنن‬

‫من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول‬
‫ال اليهود والنصارى قال فمن ‪ #‬وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد رضي ال‬
‫عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لتأخذ أمتي مأخذ المم قبلها شبرا بشبر‬
‫وذراعا بذراع قالوا يا رسول ال فارس والروم قال فمن الناس إل أولئك‬

‫وفي المظهرين للسلم منافقون والمنافقون في الدرك السفل من النار تحت ‪#‬‬
‫اليهود والنصارى فلهذا كان ما ذم ال به اليهود والنصارى قد يوجد في المنافقين‬
‫المنتسبين للسلم الذين يظهرون اليمان بجميع ما جاء به الرسول ويبطنون خلف‬
‫ذلك كالملحدة الباطنية فضل عمن يظهر اللحاد منهم‬

‫ويوجد بعض ذلك في أهل البدع ممن هو مقر بعموم رسالة النبي صلى ال عليه ‪#‬‬
‫وسلم باطنا وظاهرا لكن اشتبه عليه بعض ما اشتبه على هؤلء فاتبع المتشابه وترك‬
‫المحكم كالخوارج وغيرهم من أهل الهواء ‪ #‬وللنصارى في صفات ال سبحانه‬
‫وتعالى واتحاده بالمخلوقات ضلل شاركهم فيه كثير من هؤلء بل من الملحدة من‬
‫هو أعظم ضلل من النصارى ‪ #‬والحلول والتحاد نوعان عام وخاص ‪ #‬فالعام‬
‫كالذين يقولون إن ال بذاته حال في كل مكان أو أن وجوده عين وجود المخلوقات ‪#‬‬
‫والخاص كالذين يقولون بالحلول والتحاد في بعض أهل البيت كعلي وغيره مثل‬
‫النصيرية وأمثالهم أو بعض من ينتسب‬

‫إلى أهل البيت كالحاكم وغيره مثل الدرزية وأمثالهم‬

‫أو بعض من يعتقد فيه المشيخة كالحلجية وأمثالهم ‪ #‬فمن قال إن ال سبحانه‬
‫وتعالى حل أو اتحد بأحد من الصحابة أو القرابة أو المشايخ فهو من هذا الوجه أكفر‬
‫من النصارى الذين قالوا بالتحاد والحلول في المسيح فإن المسيح عليه السلم‬
‫أفضل من هؤلء كلهم‬

‫ومن قال بالحلول والتحاد العام فضلله أعم من ضلل النصارى وكذلك من قال ‪#‬‬
‫بقدم أرواح بني آدم أو أعمالهم أو كلمهم أو أصواتهم أو مداد مصاحفهم أو نحو‬

‫‪7‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذلك ففي قوله شعبة من قول النصارى ‪ #‬فبمعرفة حقيقة دين النصارى وبطلنه‬
‫يعرف به بطلن ما يشبه أقوالهم من أقوال أهل اللحاد والبدع ‪ #‬فإذا جاء نور‬
‫اليمان والقرآن أزهق ال به ما خالفه كما قال تعالى سورة السراء الية ‪# 81‬‬
‫وأبان ال سبحانه وتعالى من فضائل الحق ومحاسنه ما كان به محقوقا ‪ #‬وكان من‬
‫أسباب نصر الدين وظهوره أن كتابا ورد من قبرص فيه الحتجاج لدين النصارى‬
‫بما يحتج به علماء دينهم وفضلء ملتهم قديما وحديثا من الحجج السمعية والعقلية‬
‫فاقتضى ذلك أن نذكر من الجواب ما يحصل به فصل الخطاب وبيان الخطأ من‬
‫الصواب لينتفع بذلك أولو اللباب ويظهر ما بعث ال به رسله من الميزان والكتاب‬

‫وأنا أذكر ما ذكروه بألفاظهم بأعيانها فصل فصل وأتبع كل فصل بما يناسبه من ‪#‬‬
‫الجواب فرعا وأصل وعقدا وحل ‪ #‬وما ذكروه في هذا الكتاب هو عمدتهم التي‬
‫يعتمد عليها علماؤهم في مثل هذا الزمان وقبل هذا الزمان وإن كان قد يزيد بعضهم‬
‫على بعض بحسب الحوال فإن هذه الرسالة وجدناهم يعتمدون عليها قبل ذلك‬
‫ويتناقلها علماؤهم بينهم والنسخ بها موجودة قديمة وهي مضافة إلى بولص الراهب‬
‫أسقف‬

‫صيدا النطاكي كتبها إلى بعض أصدقائه وله مصنفات في نصر النصرانية وذكر‬
‫أنه لما سافر إلى بلد الروم والقسطنطينية وبلد الملفطة وبعض أعمال الفرنج‬

‫ورومية واجتمع بأجلء أهل تلك الناحية وفاوض أفاضلهم وعلماءهم وقد عظم هذه‬
‫الرسالة وسماها الكتاب المنطيقي الدولة خاني المبرهن عن العتقاد الصحيح‬
‫والرأي المستقيم ‪ #‬ومضمون ذلك ستة فصول ‪ #‬الفصل الول دعواهم أن محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم لم يبعث إليهم بل إلى أهل الجاهلية من العرب ودعواهم أن في‬
‫القرآن ما يدل على ذلك والعقل يدل على ذلك ‪ #‬الفصل الثاني دعواهم أن محمدا‬
‫صلى ال عليه وسلم أثنى في القرآن على دينهم الذي هم عليه ومدحه بما أوجب لهم‬
‫أن يثبتوا عليه ‪ #‬الفصل الثالث دعواهم أن نبوات النبياء المتقدمين كالتوراة‬
‫والزبور والنجيل وغير ذلك من‬

‫النبوات تشهد لدينهم الذي هم عليه من القانيم‬

‫والتثليث والتحاد وغير ذلك بأنه حق وصواب فيجب التمسك به ول يجوز العدول‬
‫عنه إذا لم يعارضه شرع يرفعه ول عقل يدفعه ‪ #‬والفصل الرابع فيه تقرير ذلك‬
‫بالمعقول وأن ما هم عليه من التثليث ثابت بالنظر المعقول والشرع المنقول موافق‬
‫للصول ‪ #‬والفصل الخامس دعواهم أنهم موحدون والعتذار عما يقولونه من ألفاظ‬
‫يظهر منها تعدد اللهة كألفاظ القانيم فإن ذلك من جنس ما عند المسلمين من‬
‫النصوص التي يظهر منها التشبيه والتجسيم‬

‫‪8‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪9‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والفصل السادس أن المسيح عليه السلم جاء بعد موسى عليه السلم بغاية الكمال ‪#‬‬
‫فل حاجة بعد النهاية إلى شرع يزيد على الغاية بل يكون ما بعد ذلك شرعا غير‬
‫مقبول ‪ #‬ونحن ول الحمد والمنة نبين أن كل ما احتجوا به من حجة سمعية من‬
‫القرآن أو من الكتب المتقدمة على القرآن أو عقلية فل حجة لهم في شيء منها بل‬
‫الكتب كلها مع القرآن والعقل حجة عليهم ل لهم بل عامة ما يحتجون به من‬
‫نصوص النبياء ومن المعقول فهو نفسه حجة عليهم ويظهر منه فساد قولهم مع ما‬
‫يفسده من سائر النصوص النبوية والموازين التي هي مقاييس عقلية ‪ #‬وهكذا يوجد‬
‫عامة ما يحتج به أهل البدع من كتب ال عز وجل ففي تلك النصوص ما يتبين أنه‬
‫ل حجة لهم فيها بل‬

‫هي بعينها حجة عليهم كما ذكر أمثال ذلك في الرد على أهل البدع والهواء‬
‫وغيرهم من أهل القبلة ‪ #‬وإنما عامة ما عند القوم ألفاظ متشابهة تمسكوا بما ظنوها‬
‫تدل عليه وعدلوا عن اللفاظ المحكمة الصريحة المبينة مع ما يقترن بذلك من‬
‫الهواء ‪ #‬وهذه حال أهل الباطن كما قال تعالى فيهم سورة النجم الية ‪ # 23‬فهم‬
‫في جهل وظلم كما قال تعالى سورة الحزاب الية ‪ # 73 72‬فالمؤمنون الذين تاب‬
‫ال عليهم من الجهل والظلم هم أتباع النبياء عليهم السلم فإن النبياء بعثوا بالعلم‬
‫والعدل كما قال تعالى سورة النجم اليات ‪4 1‬‬

‫فبين سبحانه وتعالى أنه ليس ضال جاهل ول غاويا متبعا هواه ول ينطق عن ‪#‬‬
‫هواه إنما نطقه وحي أوحاه ال سبحانه وتعالى ‪ #‬وقال تعالى سورة الفتح الية ‪28‬‬
‫‪ #‬فالهدى يتضمن العلم النافع ودين الحق يتضمن العمل الصالح ومبناه على العدل‬
‫كما قال تعالى سورة الحديد الية ‪ # 25‬وأصل العدل العدل في حق ال تعالى وهو‬
‫عبادته وحده ل شريك له فإن الشرك ظلم عظيم كما قال لقمان لبنه سورة لقمان‬
‫الية ‪13‬‬

‫وفي الصحيحين عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه لما نزلت ^ الذين ءامنوا ‪#‬‬
‫ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ^ الية ‪ #‬شق ذلك على أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليس هو كما‬
‫تظنون إنما هو الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم ‪#‬‬
‫ولما كان أتباع النبياء هم أهل العلم والعدل كان كلم أهل السلم والسنة مع الكفار‬
‫وأهل البدع بالعلم والعدل ل بالظن وما تهوى النفس ولهذا قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم القضاة ثلثة قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل علم الحق وقضى به فهو‬
‫في الجنة ورجل علم الحق وقضى بخلفه فهو في النار ورجل قضى‬

‫للناس على جهل فهو في النار رواه أبو داود وغيره ‪ #‬فإذا كان من يقضي بين‬
‫الناس في الموال والدماء والعراض إذا لم يكن عالما عادل كان في النار فكيف‬
‫بمن يحكم في الملل والديان وأصول اليمان والمعارف اللهية والمعالم الكلية بل‬

‫‪9‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪10‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫علم ول عدل كحال أهل البدع والهواء الذين يتمسكون بالمتشابه المشكوك ويدعون‬
‫المحكم الصريح من نصوص‬

‫النبياء ويتمسكون بالقدر المشترك المتشابه في المقاييس والراء ويعرضون عما‬


‫بينهما من الفروق المانعة من اللحاق والستواء كحال الكفار وسائر أهل البدع‬
‫والهواء الذين يمثلون المخلوق بالخالق والخالق بالمخلوق ويضربون ل المثل‬
‫بالقول الهزء ‪ #‬وذلك أن دين النصارى الباطل إنما هو دين مبتدع ابتدعوه بعد‬
‫المسيح عليه السلم وغيروا به دين المسيح فضل منهم من عدل عن شريعة المسيح‬
‫إلى ما ابتدعوه‬

‫ثم لما بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم كفروا به فصار كفرهم وضللهم من ‪#‬‬
‫هذين الوجهين تبديل دين الرسول الول وتكذيب الرسول الثاني ‪ #‬كما كان كفر‬
‫اليهود بتبديلهم أحكام التوراة قبل مبعث المسيح ثم تكذيبهم المسيح عليه السلم ‪#‬‬
‫ونبين إن شاء ال أن ما عليه النصارى من التثليث والتحاد لم يدل عليه شيء من‬
‫كتب ال ل النجيل ول غيره بل دلت على نقيض ذلك ول دل على ذلك عقل بل‬
‫العقل الصريح مع نصوص النبياء تدل على نقيض ذلك بل وكذلك عامة شرائع‬
‫دينهم محدثة مبتدعة لم يشرعها المسيح عليه السلم ‪ #‬ثم التكذيب لمحمد صلى ال‬
‫عليه وسلم هو كفرهم المعلوم لكل مسلم مثل كفر اليهود بالمسيح عليه السلم وأبلغ‬
‫‪ #‬وهم يبالغون في تكفير اليهود بأعظم مما يستحقه اليهود من التكفير إذ كان اليهود‬
‫يزعمون أن المسيح ساحر كذاب بل يقولون إنه ولد غية كما أخبر ال عنهم بقوله‬

‫سورة النساء الية ‪ # 156‬والنصارى يدعون أن ال الذي خلق الولين والخرين‬


‫وأنه ديان يوم الدين فكانت المتان فيه على غاية التناقض والتعادي والتقابل ولهذا‬
‫كل أمة تذم الخرى بأكثر مما تستحقه كما قال تعالى سورة البقرة الية ‪# 113‬‬
‫ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي‬

‫محمد مولى زيد بن ثابت ‪ #‬عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس‬

‫رضي ال عنهما أنه قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال رافع‬
‫بن حريملة ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والنجيل جميعا فقال رجل من أهل‬
‫نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة‬
‫فأنزل ال ذلك في قولهما ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت‬
‫^ النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب‬

‫قال كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر أي تكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ‪#‬‬
‫ما أخذ ال عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلم وفي النجيل‬

‫‪10‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بإجابة عيسى بتصديق موسى وبما جاء به من التوراة من عند ال وكل يكفر بما في‬
‫يدي صاحبه ‪ #‬قال قتادة ^ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ^ قال بلى قد‬
‫كان أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا‬

‫وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ^ قال بلى قد كانت أوائل اليهود على ^ ‪#‬‬
‫شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ‪ #‬فاليهود كذبوا بدين النصارى وقالوا ليسوا على‬
‫شيء والنصارى كذبوا بجميع ما تميز به اليهود عنهم حتى في شرائع التوراة التي‬
‫لم ينسخها المسيح بل أمرهم بالعمل بها وكذبوا بكثير من الذين تميزوا به عنهم حتى‬
‫كذبوا بما جاء به عيسى عليه السلم من الحق ‪ #‬لكن النصارى وإن بالغوا في تكفير‬
‫اليهود ومعاداتهم على الحد الواجب عما ابتدعوه من الغلو والضلل فل ريب أن‬
‫اليهود لما كذبوا المسيح صاروا كفارا كما قال تعالى للمسيح سورة آل عمران الية‬
‫‪ # 55‬وقال تعالى سورة الصف الية ‪14‬‬

‫وكفر النصارى بتكذيب محمد صلى ال عليه وسلم وبمخالفة المسلمين أعظم من ‪#‬‬
‫كفر اليهود بمجرد تكذيب المسيح فإن المسيح لم ينسخ من شرع التوراة إل قليل‬
‫وسائر شرعه إحالة على التوراة ولكن عامة دين النصارى أحدثوه بعد المسيح فلم‬
‫يكن في مجرد تكذيب اليهود له من مخالفة شرع ال الذي جاء بكتاب مستقل من عند‬
‫ال لم يحل شيئا من شرعه على شرع غيره ‪ #‬قال ال تعالى سورة العنكبوت الية‬
‫‪ # 51‬والقرآن أصل كالتوراة وإن كان أعظم منها ولهذا علماء النصارى يقرنون‬
‫بين موسى ومحمد صلى ال عليه وسلم كما قال النجاشي ملك النصارى لما سمع‬
‫القرآن إن هذا والذي جاء به‬

‫موسى ليخرج من مشكاة واحدة ‪ #‬وكذلك قال ورقة بن نوفل وهو من أحبار‬
‫نصارى العرب لما سمع كلم النبي صلى ال عليه وسلم فقال له إنه يأتيك الناموس‬
‫الذي يأتي موسى يا ليتني فيها جذعا حين يخرجك‬

‫قومك فقال النبي صلى ال عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت أحد بمثل ما‬
‫اتيت به إل عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ‪ #‬ولهذا يقرن سبحانه‬
‫بين التوراة والقرآن في مثل قوله ^ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل‬
‫ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا ^ ويعني‬
‫التوراة والقرآن وفي القراءة الخرى ^ قالوا ساحران ^ أي محمد‬

‫وموسى سورة القصص الية ‪ # 49 48‬فلم ينزل كتاب من عند ال أهدى من‬
‫التوراة والقرآن ثم قال تعالى سورة القصص الية ‪ # 50‬وهؤلء النصارى ذكر‬
‫كاتب كتابهم في كتابه أنه لما سأله سائل أن يفحص له فحصا بينا عما يعتقده‬
‫النصارى المسيحيون المختلفة ألسنتهم المتفرقة في أربع زوايا العالم من المشرق‬
‫إلى المغرب ومن الجنوب الى الشمال والقاطنون بجزائر البحر والمقيمون بالبر‬

‫‪11‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪12‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المتصل إلى مغيب الشمس وإن السقف‬

‫دميان الملك الرومي اجتمع بمن اجتمع به من أجلئهم ورؤسائهم وفاوض من‬
‫فاوض من أفاضلهم وعلمائهم فيما علمه من رأي القوم الذين رآهم بجزائر البحر‬
‫قبل دخوله إلى قبرص وخاطبهم في دينهم وما يعتقدونه ويحتجون به عن أنفسهم‬
‫قال الكاتب على لسان السقف إنهم يقولون إنا سمعنا أن قد ظهر إنسان من العرب‬
‫اسمه محمد يقول إنه رسول ال وأتى بكتاب فذكر أنه منزل عليه من ال فلم نزل‬
‫إلى أن حصل الكتاب عندنا قال فقلت لهم إذا كنتم قد سمعتم بهذا الكتاب وهذا‬
‫النسان واجتهدتم على تحصيل هذا الكتاب الذي أتى به عندكم فلي حال لم تتبعوه‬
‫ول سيما وفي الكتاب يقول‬

‫سورة آل عمران الية ‪ # 85‬أجابوا قائلين لحوال شتى قال فقت وما هي قالوا ‪#‬‬
‫منها أن الكتاب عربي وليس بلساننا حسب ما جاء فيه يقول سورة يوسف الية ‪# 2‬‬
‫وقال سورة الشعراء الية ‪ # 195‬وقال في سورة الشعراء الية ‪# 199 198‬‬
‫وقال في سورة البقرة الية ‪ # 151‬وقال في سورة آل عمران الية ‪ # 164‬وقال‬
‫تعالى في سورة القصص الية ‪46‬‬

‫وقال في سورة السجدة الية ‪ # 3‬وقال في سورة يس الية ‪ # 6‬قالوا فلما رأينا ‪#‬‬
‫هذا علمنا أنه لم يأت إلينا بل إلى جاهلية العرب الذين قال إنه لم يأتهم رسول ول‬
‫نذير من قبله وإنه ل يلزمنا اتباعه لننا نحن قد أتانا رسل من قبله خاطبونا بألسنتنا‬
‫وأنذرونا بديننا الذي نحن متمسكون به يومنا هذا وسلموا إلينا التوراة والنجيل‬
‫بلغاتنا على ما يشهد لهم هذا الكتاب الذي أتى به هذا الرجل حيث يقول في سورة‬
‫إبراهيم الية ‪ # 5‬وقال في سورة النحل الية ‪ # 36‬وقال في سورة الروم الية‬
‫‪47‬‬

‫فقد صح في هذا الكتاب أنه لم يأت إل في الجاهلية من العرب وأما قوله سورة آل ‪#‬‬
‫عمران الية ‪ # 85‬فيريد بحسب مقتضى العدل قومه الذين أتاهم بلغتهم ل غيرهم‬
‫ممن لم يأتهم بما جاء فيه ‪ #‬ونعلم أن ال عدل وليس من عدله أن يطالب يوم القيامة‬
‫أمة باتباع إنسان لم يأت إليهم ول وقفوا له على كتاب بلسانهم ول من جهة داع من‬
‫قبله ‪ #‬هذه ألفاظهم بأعيانها في الفصل الول وهذا الفصل لم يتعرضوا فيه ل‬
‫لتصديقه ول لتكذيبه بل زعموا أن في نفس هذا الكتاب أنه لم يقل إنه مرسل إليهم‬
‫بل إلى جاهلية العرب وإن العقل أيضا يمنع أن يرسل إليهم ‪ #‬فنحن نبدأ بالجواب‬
‫عن هذا ونبين أنه صلى ال عليه‬

‫وسلم أخبر أنه مرسل إليهم وإلى جميع النس والجن وأنه لم يقل قط أنه لم يرسل‬
‫إليهم ول في كتابه ما يدل على ذلك ‪ #‬وأن ما احتجوا به من اليات التي غلطوا في‬
‫معرفة معناها فتركوا النصوص الكثيرة الصريحة في كتابه التي تبين أنه مرسل‬

‫‪12‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إليهم من جنس ما فعلوه في التوراة والنجيل والزبور وكلم النبياء حيث تركوا‬
‫النصوص الكثيرة الصريحة وتمسكوا بقليل من المتشابه الذي لم يفهموا معناه ‪#‬‬
‫ومعلوم أن الكلم في صدق مدعي الرسالة وكذبه متقدم على الكلم في عموم‬
‫رسالته وخصوصها وإن كان قد يعلم أحدهما قبل الخر لكن هؤلء القوم ادعوا‬
‫خصوص رسالته وذكروا أن القرآن يدل على ذلك فنجيب عما ذكروه على حسب‬
‫ترتيبهم فصل فصل فنقول وبال التوفيق ‪ #‬الكلم فيمن خاطب الخلق بأنه رسول‬
‫ال إليهم كما فعل محمد صلى ال عليه وسلم وغيره ممن قال أنه رسول ال‬
‫كإبراهيم وموسى ونحوهما من الرسل الصادقين صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين‬
‫وآل كل من الصالحين وكمسيلمة الكذاب‬

‫والسود العنسي ونحوهما من المتنبئين الكذابين ينبني على أصلين ‪ #‬أحدهما أن‬
‫نعرف ما يقوله في خبره وأمره فنعرف ما يخبر به ويأمر به وهل قال إنه رسول‬
‫ال إلى جميع الناس أو قال إنه لم يرسل إل إلى طائفة معينة ل إلى غيرها ‪#‬‬
‫والثاني أن يعرف هل هو صادق أو كاذب ‪ #‬وبهذين الصلين يتم اليمان المفصل‬
‫وهو معرفة صدق الرسول ومعرفة ما جاء به ‪ #‬وأما اليمان المجمل فيحصل‬
‫بالول وهو معرفة صدقه فيما جاء به كإيماننا بالرسل المتقدمة وقد نعلم صدقه أو‬
‫كذبه‬

‫وهؤلء بدأوا في كتابهم هذا بما ذكره الرسول مما زعموا أنه حجة لهم على عدم ‪#‬‬
‫وجوب اتباعه وعلى مدح دينهم الذي هم اليوم عليه بعد النسخ والتبديل ثم ذكروا‬
‫حججا مستقلة على صحة دينهم ثم ذكروا ما يقدح فيه وفي دينه فلهذا قدمنا الجواب‬
‫عما احتجوا به من القرآن كما قدموه في كتابهم‬

‫فصل & ‪ #‬ودلئل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جدا فإن من &‬
‫ادعى النبوة وكان صادقا فهو من أفضل خلق ال وأكملهم في العلم والدين فإنه ل‬
‫أحد أفضل من رسل ال وأنبيائه صلوات ال عليهم وسلمه وإن كان بعضهم افضل‬
‫من بعض كما قال تعالى سورة البقرة الية ‪ # 253‬وقال تعالى سورة السراء الية‬
‫‪ # 55‬وان كان المدعي للنبوة كاذبا فهو من أكفر خلق ال وشرهم كما قال تعالى‬
‫سورة النعام الية ‪93‬‬

‫وقال تعالى سورة الزمر اليات ‪ # 34 32‬وقال تعالى سورة الزمر الية ‪# # 60‬‬
‫فالكذب أصل للشر وأعظمه الكذب على ال عز وجل والصدق أصل للخير وأعظمه‬
‫الصدق على ال تبارك وتعالى ‪ #‬وفي الصحيحين عن عبد ال بن مسعود رضي ال‬
‫عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ #‬عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى‬
‫البر وإن البر يهدي إلى الجنة ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب‬
‫عند ال صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى‬
‫النار ول يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا‬

‫‪13‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪14‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات كان بينهما من الفروق ‪#‬‬
‫والدلئل والبراهين التي تدل على صدق أحدها وكذب الخر ما يظهر لكل من‬
‫عرف حالهما ولهذا كانت دلئل النبياء وأعلمهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة‬
‫كما أن دلئل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة كما قد بسط في موضع آخر‬

‫فصل & ‪ #‬إذا عرف هذا فهؤلء القوم في هذا المقام ادعوا أن محمدا صلى ال &‬
‫عليه وسلم لم يرسل إليهم بل إلى أهل الجاهلية من العرب فهذه الدعوى على وجهين‬
‫‪ #‬إما أن يقولوا إنه بنفسه لم يدع أنه أرسل إليهم ولكن أمته ادعوا له ذلك ‪ #‬وإما أن‬
‫يقولوا إنه ادعى أنه أرسل إليهم وهو كاذب في هذه الدعوى وكلمهم في صدر هذا‬
‫الكتاب يقتضي الوجه الول ‪ #‬وفي آخره قد يقال أنهم اشاروا إلى الوجه الثاني‬
‫لكنهم في الحقيقة لم ينكروا رسالته إلى العرب وإنما أنكروا رسالته إليهم ‪ #‬وأما‬
‫رسالته إلى العرب فلم يصرحوا بتصديقه فيها ول بتكذيبه وإن كان ظاهر لفظهم‬
‫يقتضي القرار برسالته إلى العرب بل صدقوا بما وافق قولهم وكذبوا بما خالق‬
‫قولهم ‪ #‬ونحن نبين أنه ل يصح احتجاجهم بشيء مما جاء به النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ثم نتكلم على الوجهين جميعا ونبين أنه ل يصح احتجاجهم بشيء من القرآن‬
‫على صحة دينهم بوجه من‬

‫الوجوه ونبين أن القرآن ل حجة فيه لهم ول فيه تناقض ‪ #‬وكذلك كتب النبياء‬
‫المتقدمين التي يحتجون بها هي حجة عليهم ليس في شيء منها حجة لهم ولو لم‬
‫يبعث محمد صلى ال عليه وسلم فكيف والكتاب الذي جاء به محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم موافق لسائر كلم النبياء عليهم السلم في إبطال دينهم وقولهم في التثليث‬
‫والتحاد وغير ذلك مع العقل الصريح ‪ #‬فهم احتجوا في كتابهم هذا بالقرآن وبما‬
‫جاءت به النبياء قبل محمد صلى ال عليه وسلم مع العقل ‪ #‬ونحن نبين أنه ل حجة‬
‫لهم فيما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ول فيما جاءت به النبياء قبله ول في‬
‫العقل بل ما جاء به محمد وما جاءت به النبياء قبله مع صريح العقل كلها براهين‬
‫قطعية على فساد دينهم ولكن نذكر قبل ذلك أن احتجاجهم بما جاء عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ل يصح بوجه من الوجوه وأنه ل يجوز أن يحتج بمجرد المنقول عن‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم من يكذبه في كلمة واحدة مما جاء به ‪ #‬وكذلك سائر‬
‫النبياء عليهم السلم بخلف الحتجاج بكلم غير النبياء فإن ذلك يمكن موافقة‬
‫بعضه دون بعض وأما ما أخبرت به النبياء عليهم السلم أو من قال إنه نبي‬

‫فل يمكن الحتجاج ببعضه دون بعض سواء قدر صدقهم أو كذبهم ‪ #‬فيقال لهم على‬
‫كل تقدير سواء أقروا بنبوته إلى العرب أو غيرهم أو كذبوه في قوله إنه رسول ال‬
‫أو سكتوا عن هذا وهذا أو صدقوه في البعض دون البعض ‪ #‬إن احتجاجكم على‬
‫صحة ما تخالفون فيه المسلمين مما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ل يصح‬
‫بوجه من الوجوه فاحتجاجكم على أنه لم يرسل إليكم أو على صحة دينكم بشيء من‬

‫‪14‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪15‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫القرآن حجة داحضة على كل تقدير ‪ #‬مع أنا سنبين إن شاء ال تعالى أن الكتب‬
‫اللهية كلها مع المعقول ل حجة لكم في شيء منها بل كلها حجة عليكم ‪ #‬وهذا‬
‫بخلف المسلمين فإنه يصح احتجاجهم على أهل الكتاب اليهود والنصارى بما‬
‫جاءت به النبياء قبل محمد صلى ال عليه وسلم وأهل الكتاب ل يصح احتجاجهم‬
‫بما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم وذلك أن المسلمين مقرون بنبوة موسى‬
‫وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من النبياء عليهم السلم وعندهم يجب اليمان بكل‬
‫كتاب أنزله ال وبكل نبي أرسله ال وهذا أصل دين المسلمين فمن كفر بنبي واحد‬
‫أو كتاب واحد فهو عندهم كافر بل من سب نبيا من النبياء فهو عندهم كافر‬

‫مباح الدم كما قال تعالى سورة البقرة اليتان ‪ # 137 136‬وقال تعالى سورة البقرة‬
‫الية ‪ # 285‬وقال تعالى سورة البقرة الية ‪ # 177‬والكتاب اسم جنس لكل كتاب‬
‫أنزله ال يتناول التوراة والنجيل كما يتناول القرآن كقوله تعالى سورة الشورى‬
‫الية ‪ # 15‬وقوله تعالى سورة البقرة الية ‪285‬‬

‫وفي القراءة الخرى وكتابه كقوله تعالى سورة الشورى الية ‪ # 15‬وقوله تعالى ‪#‬‬
‫سورة البقرة اليات ‪ # 5 1‬فذكر أن هذا الكتاب الذي أنزل عليه هدى للمتقين الذين‬
‫يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة والذين يؤمنون بما أنزل إليه وما‬
‫أنزل من قبله وبالخرة هم يوقنون ثم أخبر أن هؤلء هم المفلحون فحصر الفلح‬
‫في هؤلء فل يكون مفلحا إل من كان من هؤلء ‪ #‬وقوله تعالى ^ والذين يؤمنون‬
‫بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ^ ‪ #‬هو صفة للمذكورين ليس هؤلء صنفا آخر‬
‫فإن عطف الشيء على الشيء قد يكون لتغاير الصفات وإن كانت الذات واحدة هذا‬
‫هو الصحيح هنا وإن كان قد قيل إن الصنف الثاني مؤمنوا أهل الكتاب‬

‫والول هم المسلمون فهذا ضعيف وأفسد منه قول هؤلء‬

‫النصارى إن الكتاب المراد به النجيل كما سيأتي الكلم على ذلك إن شاء ال تعالى‬
‫‪ #‬والعطف لتغاير الصفات كقوله تعالى سورة العلى اليات ‪ # 5 1‬وهو سبحانه‬
‫الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى ‪#‬‬
‫وقوله تعالى سورة المؤمنون الية ‪ # 5 1‬إلى آخر اليات ‪ #‬وكذلك قوله سورة‬
‫البقرة الية ‪4‬‬

‫هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون وهم الذين على ‪#‬‬
‫هدى من ربهم وهم المفلحون ‪ #‬ولكن فصل إيمانهم بعد أن أجمله لئل يظن ظان أن‬
‫مجرد دعوى اليمان بالغيب ينفع وإن لم يؤمن بما أنزل إلى محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم وما أنزل إلى من قبله فلو قال أحد من الناس أنا أؤمن بالغيب وهو مع ذلك ل‬
‫يؤمن ببعض ما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم أو ببعض ما أنزل على من‬
‫قبله لم يكن مؤمنا حتى يؤمن بجميع ما أنزل إليه وما أنزل إلى من قبله ولو كانوا‬

‫‪15‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪16‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صنفا آخر لكان المفلحون قسمين قسما يؤمنون بالغيب ول يؤمنون بما أنزل إليه وما‬
‫أنزل إلى من قبله وقسما يؤمنون بما أنزل إليه وما أنزل إلى من قبله ول يؤمنون‬
‫بالغيب وهذا باطل عند جميع المم المؤمنين واليهود والنصارى فإن اليمان بما‬
‫أنزل إليه وإلى من قبله يتضمن اليمان بالغيب واليمان بالغيب ل يتم إل باليمان‬
‫بجميع ما أنزله ال تبارك وتعالى ‪ #‬والمسلمون ل يستجيز أحد منهم التكذيب بشيء‬
‫مما أنزل على من قبل محمد صلى ال عليه وسلم لكن الحتجاج بذلك عليهم يحتاج‬
‫إلى ثلث مقدمات ‪ #‬إحداها ثبوت ذلك على النبياء عليهم السلم ‪ #‬والثانية صحة‬
‫الترجمة إلى اللسان العربي أو اللسان الذي‬

‫يخاطب فيه كالرومي والسرياني فإن لسان موسى وداود والمسيح وغيرهم من أنبياء‬
‫بني إسرائيل كانت عبرانية ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيا أو روميا فقد‬
‫غلط ‪ #‬والثالثة تفسير ذلك الكلم ومعرفة معناه ‪ #‬فلهذا كان المسلمون ل يردون‬
‫شيئا من الحجج بتكذيب أحد من النبياء في شيء قاله ولكن قد يكذبون الناقل عنهم‬
‫أو يفسرون المنقول عنهم بما أرادوه أو بمعنى آخر على وجه الغلط ‪ #‬وإن كان‬
‫بعض المسلمين قد يغلط في تكذيب بعض النقل أو تأويل بعض المنقول عنهم فهو‬
‫كما يغلط من يغلط منهم ومن سائر أهل الملل في التكذيب على وجه الغلط ببعض ما‬
‫ينقل عمن يقر بنبوته أو في تأويل المنقول عنه ‪ #‬وهذا بخلف تكذيب نفس النبي‬
‫فإنه كفر صريح بخلف أهل الكتاب فإنه ل يتم مرادهم إل بتكذيبهم ببعض ما أنزل‬
‫ال ومتى كذب بكلمة واحدة مما أخبر به من قال إنه رسول ال بطل احتجاجه بسائر‬
‫كلمه فكانت حجتهم التي يحتجون بها داحضة وذلك أن الذي يقول إنه رسول ال‬
‫إما أن يكون صادقا في قوله إني رسول ال وفي جميع ما يخبر به عن ال وإما أن‬
‫يكون كاذبا ولو في كلمة واحدة عن ال ‪ #‬فإن كان صادقا في ذلك امتنع أن يكذب‬
‫على ال في شيء مما يبلغه عن ال فإن من كذب على ال ولو في كلمة واحدة كان‬
‫ممن‬

‫افترى على ال الكذب ولم يكن رسول من رسل ال ومن افترى على ال الكذب تبين‬
‫أنه من المتنبئين الكذابين ‪ #‬ومثل هذا ل يجوز أن يحتج بخبره عن ال فإنه قد علم‬
‫أن ال لم يرسله وإذا قال هو قول وكان صدقا كان كما يقوله غيره يقبل ل لنه بلغه‬
‫عن ال ول لنه رسول عن ال بل كما يقبل من المشركين وسائر الكفار ما يقولونه‬
‫من الحق فإن عباد الوثان إذا قالوا عن ال ما هو حق مثل إقرار مشركي العرب‬
‫بأن ال خلق السموات والرض لم نكذبهم في ذلك وإن كانوا كفارا وكذلك إذا قال‬
‫الكافر إن ال حي قادر خالق لم نكذبه في هذا القول ‪ #‬فمن كذب على ال في كلمة‬
‫واحدة قال إن ال أنزلها عليه ولم يكن ال أنزلها عليه فهو من الكذابين الذين ل‬
‫يجوز أن يحتج بشيء من أقوالهم التي يقولون إنهم يبلغونها عن ال تبارك وتعالى‬
‫وما قالوه غير ذلك فهم فيه كسائر الناس بل كأمثالهم من الكذابين إن عرف صحة‬
‫ذلك القول من جهة غيرهم قبل لقيام الدليل على صحته ل لكونهم قالوه وإن لم‬
‫يعرف صحته من جهة غيرهم لم يكن في قولهم له مع ثبوت كذبهم على ال حجة ‪#‬‬

‫‪16‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪17‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وحينئذ فهؤلء إن اقروا برسالة محمد صلى ال عليه وسلم وأنه صادق فيما بلغه‬
‫عن ال من الكتاب والحكمة وجب عليهم اليمان بكل ما ثبت عنه من الكتاب‬
‫والحكمة كما يجب اليمان بكل ما جاءت به الرسل ‪ #‬وإن كذبوه في كلمة واحدة أو‬
‫شكوا في صدقه فيها امتنع مع‬

‫ذلك أن يقروا بأنه رسول ال وإذا لم يقروا بأنه رسول ال كان احتجاجهم بما قاله‬
‫كاحتجاجهم بسائر ما يقوله من ليس من النبياء بل من الكذابين أو من المشكوك في‬
‫صدقهم ‪ #‬ومعلوم أن من عرف كذبه على ال فيما يقول إنه يبلغه عن ال أو شك‬
‫في صدقه ل يعلم أنه رسول ال ول أنه صادق في كل ما يقوله ويبلغه عن ال وإذا‬
‫لم يعلم ذلك منه لم يعرف أن ال أنزل إليه شيئا بل إذا عرف كذبه عرف أن ال لم‬
‫ينزل إليه شيئا ول أرسله كما عرف كذب مسيلمة الكذاب والسود العنسي وطليحة‬
‫السدي وكما عرف كذب ماني وأمثاله‬

‫وغيرهم من المتنبئين الكذابين ‪ #‬وإذا شك في صدقه في كلمة واحدة بل جوز أن‬


‫يكون كذبها عمدا أو خطأ لم يجز تصديقه مع ذلك في سائر ما يبلغه عن ال لن‬
‫تصديقه فيما يخبر به عن ال إنما يكون إذا كان رسول صادقا ل يكذب عمدا ول‬
‫خطأ فإن كل من أرسله ال ل بد أن يكون صادقا في كل ما يبلغه عن ال ل يكذب‬
‫فيه عمدا ول خطأ ‪ #‬وهذا أمر اتفق عليه الناس كلهم المسلمون اليهود والنصارى‬
‫وغيرهم اتفقوا على أن الرسول ل بد أن يكون صادقا معصوما فيما يبلغه عن ال ل‬
‫يكذب على ال خطأ ول عمدا فإن مقصود الرسالة ل يحصل بدون ذلك كما قال‬
‫موسى عليهم السلم لفرعون سورة العراف اليتان ‪ # 105 104‬وفي القراءة‬
‫المشهورة يخبر أنه جدير وحري وثابت ومستقر على أن ل يقول على ال إل الحق‬
‫وعلى القراءة الخرى أخبر أنه واجب عليه أن ل يقول على ال إل الحق‬

‫وقال تعالى سورة الحاقة اليات ‪ # 47 44‬وقال تعالى سورة الشورى الية ‪# 24‬‬
‫وقال تعالى سورة النحل اليتان ‪ # 102 101‬وقال تعالى سورة يونس الية ‪# 15‬‬
‫وهذا لبسطه موضع آخر ‪ #‬وإنما المقصود هنا أن احتجاجهم بكلمة واحدة مما جاء‬
‫به‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم ل يصح بوجه من الوجوه فإنه إن كان رسول صادقا في‬
‫كل ما يخبر به عن ال عز وجل فقد علم كل واحد أنه جاء بما يخالف دين النصارى‬
‫فيلزم إذا كان رسول صادقا أن يكون دين النصارى باطل وإن قالوا في كلمة واحدة‬
‫مما جاء به أنها باطلة لزم أن ل يكون عندهم رسول صادقا مبلغا عن ال وحينئذ‬
‫فسواء قالوا هو ملك عادل أو هو عالم من العلماء أو هو رجل صالح من الصالحين‬
‫أو جعلوه قديسا عظيما من أعظم القديسين فمهما عظموه به ومدحوه به لما رأوه من‬
‫محاسنه الباهرة وفضائله الظاهرة وشريعته الطاهرة متى كذبوه في كلمة واحدة مما‬
‫جاء به أو شكوا فيها كانوا مكذبين له في قوله إنه رسول ال وأنه بلغ هذا القرآن عن‬

‫‪17‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال ومن كان كاذبا في قوله إنه رسول ال لم يكن من النبياء والمرسلين ومن لم‬
‫يكن منهم لم يكن قوله حجة البتة لكن له أسوة أمثاله ‪ #‬فإن عرف صحة ما يقوله‬
‫بدليل منفصل قبل القول لنه عرف صدقه من غير جهته ل لنه قاله وإن لم يعرف‬
‫صحة القول لم يقبل ‪ #‬فتبين أنه إن لم يقر المقر لمن ذكر أنه رسول ال بأنه صادق‬
‫في كل ما يبلغه عن ال معصوم عن استقرار الكذب خطأ أو عمدا لم يصح‬
‫احتجاجهم بقوله‬

‫وهذا الصل يبطل قول عقلء أهل الكتاب وهو لقول جهالهم أعظم إبطال فإن ‪#‬‬
‫كثيرا من عقلء أهل الكتاب وأكثرهم يعظمون محمدا صلى ال عليه وسلم لما دعا‬
‫إليه من توحيد ال تعالى ولما نهى عنه من عبادة الوثان ولما صدق التوارة‬
‫والنجيل والمرسلين قبله ولما ظهر من عظمة القرآن الذي جاء به ومحاسن‬
‫الشريعة التي جاء بها وفضائل أمته التي آمنت به ولما ظهر عنه وعنهم من اليات‬
‫البراهين والمعجزات والكرامات لكن يقولون مع ذلك إنه بعث غيرنا وإنه ملك عادل‬
‫له سياسة عادلة وإنه مع ذلك حصل علوما من علوم أهل الكتاب وغيرهم ووضع‬
‫لهم ناموسا بعلمه ورتبه كما وضع أكابرهم لهم القوانين والنواميس التي بأيديهم ‪#‬‬
‫ومهما قالوه من هذا فإنهم ل يصيرون به مؤمنين به ول يسوغ لهم بمجرد ذلك‬
‫الحتجاج بشيء مما قاله لنه قد عرف بالنقل المتواتر الذي يعلمه جميع المم من‬
‫جميع الطوائف أنه قال إنه رسول ال إلى جميع الناس وأن ال أنزل عليه القرآن فإن‬
‫كان صادقا في ذلك فمن كذبه في كلمة واحدة فقد كذب رسول ال ومن كذب رسول‬
‫ال فهو كافر وإن لم يكن صادقا في ذلك لم يكن رسول ل بل كان كاذبا ومن كان‬
‫كاذبا على ال يقول ال أرسلني بذلك ولم يرسله به ل يجوز أن يحتج بشيء من‬
‫أقواله‬

‫وأما من كان من جهلء أهل الكتاب الذين يقولون أنه كان ملكا مسلطا عليهم وأنه ‪#‬‬
‫رسول غضب أرسله ال إرسال كونيا لينتقم به منهم كما أرسل بختنصر وسنحاريب‬
‫على بني إسرائيل وكما أرسل جنكس خان وغيره من الملوك الكافرين والظالمين‬
‫مما‬

‫ينتقم به ممن عصاه فهؤلء أعظم تكذيبا له وكفرا به من أولئك فإن هؤلء الملوك لم‬
‫يقل أحد منهم إن ال أنزل عليه كتابا ول أن هذا الكلم الذي ابلغه إليكم هو كلم ال‬
‫ول أن ال أمركم أن تصدقوني فيما أخبرتكم به وتطيعوني فيما أمرتكم به ومن لم‬
‫يصدقني باطنا وظاهرا فإن ال يعذبه في الدنيا والخرة بل هؤلء أرسلهم إرسال‬
‫كونيا قدره وقضاه كما يرسل الريح بالعذاب وكما يرسل الشياطين قال تعالى سورة‬
‫مريم الية ‪ # 83‬وقال تعالى سورة السراء اليتان ‪ # 5 4‬وهذا بخلف قوله‬
‫سورة نوح الية ‪ # 1‬وقوله تعالى سورة المزمل الية ‪15‬‬

‫وقوله تعالى سورة النساء اليات ‪ # 165 163‬فإن هذا يعني به الرسال الديني ‪#‬‬

‫‪18‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪19‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الذي يحبه تعالى ويرضاه الذي هدى به من اتبعهم وأدخله في رحمته وعاقب من‬
‫عصاهم وجعله من المستوجبين للعذاب وهو الرسال الذي أوجب ال به طاعة من‬
‫أرسله كما قال تعالى سورة النساء الية ‪ # 64‬وقال تعالى سورة النساء الية ‪80‬‬
‫‪ #‬وهذه الرسالة التي أقام بها الحجة على الخلق كما قال تعالى سورة النساء الية‬
‫‪ # 165‬وقال تعالى سورة الحج الية ‪75‬‬

‫وهذا كما اصطفى روح القدس جبريل عليه السلم لنزوله بالقرآن على من ‪#‬‬
‫اصطفاه من البشر وهو محمد صلى ال عليه وسلم ‪ #‬قال تعالى سورة البقرة الية‬
‫‪ # 97‬وقال تعالى سورة الشعراء اليات ‪ # 195 192‬وقال تعالى سورة النحل‬
‫اليتان ‪ # 102 101‬فأخبر انه نزل به جبريل وسماه الروح المين وسماه روح‬
‫القدس وقد ذكره أيضا في قوله سورة التكوير اليات ‪ # 21 19‬ثم قال‬

‫سورة التكوير اليات ‪ # 29 22‬فهذا الرسول جبريل عليه السلم وقال تعالى سورة‬
‫الحاقة اليات ‪ # 47 40‬فهذا الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ‪ #‬وأما الرسال‬
‫الكوني الذي قدره وقضاه مثل إرسال الرياح وإرسال الشياطين فذلك نوع آخر قال‬
‫تعالى سورة مريم الية ‪ # 83‬وقال تعالى سورة العراف الية ‪ # 57‬وال تعالى‬
‫له الخلق والمر فلفظ الرسال والبعث والرادة والمر والذن والكتاب والتحريم‬
‫والقضاء والكلم ينقسم إلى خلقي وأمري وكوني وديني وقد ذكرنا الرسال ‪ #‬وأما‬
‫البعث فقال تعالى سورة الجمعة الية ‪2‬‬

‫وقال في الكوني سورة السراء الة ‪ # 5‬وقال تعالى سورة المائدة الية ‪# # 31‬‬
‫وأما الرادة فقال تعالى في الكونية سورة النعام الية ‪ # 135‬وقال نوح عليه‬
‫السلم سورة هود الية ‪ # 34‬وقال تعالى في الرادة الدينية سورة البقرة الية‬
‫‪ # 185‬وقال تعالى سورة النساء اليات ‪ # 28 26‬وقال تعالى سورة المائدة الية‬
‫‪6‬‬

‫وقال تعالى سورة الحزاب الية ‪ # 33‬وقال تعالى في المر الكوني سورة يس ‪#‬‬
‫الية ‪ # 82‬وكذلك في أظهر القولين قوله تعالى سورة السراء الية ‪16‬‬

‫وأما المر الديني مثل قوله سورة النساء الية ‪ # 58‬وأما الذن الكوني مثل قوله ‪#‬‬
‫في السحرة سورة البقرة الية ‪ # 102‬والديني مثل قوله سورة الحزاب اليتان‬
‫‪ # 46 45‬والكتاب الكوني مثل قوله سورة المجادلة الية ‪ # 21‬وقوله سورة‬
‫التوبة الية ‪ # 51‬والديني مثل قوله سورة النساء الية ‪ # 24‬وقوله سورة البقرة‬
‫الية ‪ # 183‬وقوله سورة البقرة الية ‪178‬‬

‫والقضاءالكوني كقوله سورة فصلت الية ‪ # 12‬والديني سورة السراء الية ‪# 23‬‬
‫‪ #‬أي أمر ‪ #‬والتحريم الكوني مثل قوله سورة القصص الية ‪ # 12‬وقوله سورة‬

‫‪19‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪20‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المائدة الية ‪ # 26‬وقوله سورة النبياء الية ‪ # 95‬والديني مثل قوله سورة المائدة‬
‫الية ‪ # 3‬وقوله سورة النساء الية ‪ # 23‬والكلمات الكونية مثل قول النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أعوذ بكلمات ال التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر ومنه‬

‫قوله تعالى سورة التحريم الية ‪ # 12‬والدينية مثل قول النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫اتقوا ال في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة ال واستحللتم فروجهن بكلمة ال ومنه‬
‫قوله تعالى سورة آل عمران الية ‪64‬‬

‫وهذا مبسوط في موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أنه تفرق أهل الكتاب في النبي ‪#‬‬
‫صلى ال عليه وسلم كل يقول فيه قول هو نظير تفرق سائر الكفار فإن الكفار‬
‫بالنبياء من عاداتهم أن تقول كل طائفة فيه قول يناقض قول الطائفة الخرى وكذلك‬
‫قولهم في الكتاب الذي أنزل عليه وأقوالهم كلها أقوال مختلفة باطلة وهذا هو‬
‫الختلف المذموم الذي ذكره ال تعالى في قوله سورة هود اليتان ‪# 119 118‬‬
‫وفي قوله سورة الذاريات اليتان ‪ # 8 7‬وقوله تعالى سورة البقرة الية ‪# 176‬‬
‫وقوله سورة آل عمران اليتان ‪ # 106 105‬وقوله تعالى سورة المائدة الية ‪14‬‬

‫ومثال أقوال الكفار في النبياء ما ذكره تعالى في قوله تعالى سورة الفرقان ‪#‬‬
‫اليات ‪ # 9 1‬فبين سبحانه أن الكفار ضربوا له أمثال كلها باطلة ضلوا فيها عن‬
‫الحق فل يستطيعون مع الضلل سبيل إلى الحق وضرب المثال له يتضمن تمثيله‬
‫بأناس آخرين وجعله في تلك النواع التي ليس هو منها ول مماثل لفرادها مثل‬
‫قولهم سورة الفرقان الية ‪ # 4‬مثلوه بالكاذب المستعين بمن يعينه على ما يفتريه‬
‫ومثلوه بمن‬

‫يستكتب أساطير الولين من غيره فتقرأ عليه طرفي النهار وهو يتعلم من أولئك ما‬
‫يقوله ومثلوه بالمسحور وكذلك قوله تعالى سورة السراء اليات ‪ # 48 45‬وقال‬
‫تعالى سورة الحجر اليات ‪ # 96 87‬قال كثير من السلف الذين جعلوا القرآن‬
‫عضين هم الذين‬

‫عضهوه فقالوا سحر وشعر وكهانة ونحو ذلك كما قال تعالى سورة الحاقة اليات‬
‫‪ # 52 38‬وقال سورة الطور اليات ‪ # 34 29‬وقال تعالى سورة الشعراء اليات‬
‫‪209 192‬‬

‫ثم قال تعالى سورة الشعراء اليات ‪ # 227 210‬وقال تعالى ‪#‬‬

‫سورة العنكبوت اليات ‪ # 55 46‬وقال تعالى سورة الطور اليتان ‪# 34 33‬‬


‫وقال تعالى سورة هود اليتان ‪ # 14 13‬وقال تعالى سورة البقرة اليتان ‪24 23‬‬

‫‪20‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪21‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقال تعالى سورة الذاريات اليات ‪ # 51 49‬وقد أخبر تعالى أن هذه سنة الكفار ‪#‬‬
‫في النبياء قبله كما قال سورة الذاريات اليتان ‪ # 53 52‬وقال تعالى سورة‬
‫فصلت الية ‪ # 43‬وقال تعالى سورة النعام الية ‪ # 112‬وقد أخبر سبحانه أن‬
‫الكفار قالوا عن موسى عليه السلم أنه ساحر وأنه مجنون فقال فرعون سورة‬
‫الشعراء الية ‪ # 27‬وقوله سورة الزخرف الية ‪ # 49‬وقال‬

‫سورة طه الية ‪ # 71‬وكذلك قالوا عن المسيح بن مريم كما قال تعالى سورة‬
‫الصف الية ‪ # 6‬وذكر تعالى عن اليهود أنهم قالوا على مريم بهتانا عظيما فقول‬
‫اليهود في المسيح من جنس أقوال الكفار في النبياء وكذلك قول كفار أهل الكتاب‬
‫في خاتم النبياء محمد صلى ال عليه وسلم تسليما ‪ #‬فإذا علم هذا فنقول بعد ذلك‬
‫لمن قال أنه رسول أرسل إلى العرب الجاهلية دون أهل الكتاب ‪ #‬إنه من المعلوم‬
‫بالضرورة لكل من علم أحواله بالنقل المتواتر الذي هو أعظم تواترا مما ينقل عن‬
‫موسى وعيسى وغيرهما وبالقرآن المتواتر عنه وسنته المتواترة عنه وسنة خلفائه‬
‫الراشدين من بعده أنه صلى ال عليه وسلم ذكر أنه أرسل إلى أهل الكتاب اليهود‬
‫والنصارى كما ذكر أنه أرسل إلى الميين بل ذكر أنه أرسل الى جميع بني آدم‬
‫عربهم وعجمهم من الروم والفرس‬

‫والترك والهند والبربر والحبشة وسائر المم بل أنه أرسل إلى الثقلين الجن والنس‬
‫جميعا ‪ #‬وهذا كله من المور الظاهرة المتواترة عنه التي اتفق على نقلها عنه‬
‫أصحابه مع كثرتهم وتفرق ديارهم وأحوالهم وقد صحبه عشرات ألوف ل يحصى‬
‫عددهم على الحقيقة إل ال تعالى ونقل ذلك عنهم التابعون وهم أضعاف الصحابة‬
‫عددا ثم ذلك منقول قرنا بعد قرن‬

‫إلى زمننا مع كثرة المسلمين وانتشارهم في مشارق الرض ومغاربها كما أخبر‬
‫بذلك قبل أن يكون فقال في الحديث الصحيح زويت لي الرض فرأيت مشارقها‬
‫ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها وكان كما أخبر فبلغ ملك أمته طرفي‬
‫العمارة شرقا وغربا وانتشرت دعوته في وسط الرض كالقليم الثالث والرابع‬
‫والخامس لنهم أكمل عقول وأخلقا وأعدل أمزجة بخلف طرفي الجنوب والشمال‬
‫فإن هؤلء نقصت عقولهم وأخلقهم وانحرفت أمزجتهم ‪ #‬أما طرف الجنوب فإنه‬
‫لقوة الحرارة احترقت أخلطهم فاسودت ألوانهم وتجعدت شعورهم‬

‫وأما أهل طرق الشمال فلقوة البرد لم تنضج أخلطهم بل صارت فجة فأفرطوا ‪#‬‬
‫في سبوطة الشعر والبياض البادر الذي ل يستحسن ‪ #‬ولهذا لما ظهر السلم غلب‬
‫أهله على وسط المعمورة وهم أعدل بني آدم وأكملهم والنصارى الذين تربوا تحت‬
‫ذمة المسلمين أكمل من غيرهم من النصارى عقول وأخلقا وأما النصارى‬
‫المحاربون للمسلمين الخارجون عن ذمتهم من أهل الجنوب والشمال فهم أنقص‬
‫عقول وأخلقا ولما فيهم من نقص العقول والخلق ظهرت فيهم النصرانية دون‬

‫‪21‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪22‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السلم ‪ #‬والقصود أن محمدا صلى ال عليه وسلم هو نفسه دعا أهل الكتاب من‬
‫اليهود والنصارى إلى اليمان به وبما جاء به كما دعا من ل كتاب له من العرب‬
‫وسائر المم‬

‫وهو الذي أخبر عن ال تبارك وتعالى بكفر من لم يؤمن به من أهل الكتاب ‪#‬‬
‫وغيرهم وبأنهم يصلون جهنم وساءت مصيرا وهو الذي أمر بجهادهم ودعاهم‬
‫بنفسه ونوابه وحينئذ فقولهم في الكتاب لم يأت إلينا بل إلى الجاهلية من العرب سواء‬
‫أرادوا أن ال بعثه إلى العرب ولم يبعثه إلينا أو أرادوا أنه ادعى أنه أرسل إلى‬
‫العرب ل إلينا فإنه قد علم جميع الطوائف أن محمدا دعا اليهود والنصارى إلى‬
‫اليمان به وذكر أن ال أرسله إليهم وأمره بجهاد من لم يؤمن به منهم فإذا قيل مع‬
‫هذا أنه قال لم أبعث إل إلى العرب كان كاذبا كذبا ظاهرا عليه سواء صدقه النسان‬
‫أو كذبه فإن المقصود هنا أنه نفسه دعا جميع أهل الرض إلى اليمان به فدعا أهل‬
‫الكتاب كما دعا الميين ‪ #‬أما اليهود فإنهم كانوا جيرانه في الحجاز بالمدينة وما‬
‫حولها وخيبر فإن المهاجرين والنصار كلهم آمنوا به من غير سيف ول قتال بل لما‬
‫ظهر لهم من براهين نبوته ودلئل صدقه آمنوا به وقد حصل من الذى في ال لمن‬
‫آمن بال ما هو معروف في السيرة وقد آمن به في حياته كثير من اليهود والنصارى‬
‫بعضهم بمكة وبعضهم بالمدينة وكثير‬

‫منهم كانوا بغير مكة والمدينة فلما قدم المدينة عاهد من لم يؤمن به من اليهود ثم‬
‫نقضوا العهد فأجلى بعضهم وقتل بعضهم لمحاربتهم ل ورسوله ‪ #‬وقد قاتلهم مرة‬
‫بعد مرة قاتل بني النضير وأنزل ال تعالى فيهم سورة الحشر وقاتل قريظة عام‬
‫الحزاب وذكرهم ال في سورة الحزاب وقاتل قبلهم بني قينقاع وبعد هؤلء‬

‫غزا خيبر هو وأهل بيعة الرضوان الذين بايعوه تحت الشجرة وكانوا ألفا وأربعمائة‬
‫ففتح ال عليهم خيبر واقر اليهود فيها فلحين وأنزل ال تعالى سورة الفتح يذكر فيها‬
‫ذلك فكيف يقال إنه لم يذكر أنه أرسل إل إلى مشركي العرب وهذه حال اليهود معه‬

‫وأما النصارى فإن أهل نجران التي باليمن كانوا نصارى فقدم عليه وفدهم ستون ‪#‬‬
‫راكبا وناظرهم في مسجده وأنزل ال فيهم صدر سورة آل عمران ولما ظهرت‬
‫حجته عليهم وتبين لهم أنه رسول ال إليهم أمره ال إن لم يجيبوه أن يدعوهم إلى‬
‫المباهلة فقال تعالى سورة آل عمران الية ‪ # 61‬فلما دعاهم إلى المباهلة طالبوا أن‬
‫يمهلهم حتى يشتوروا‬

‫فاشتوروا فقال بعضهم لبعض تعلمون أنه نبي وأنه ما باهل قوم نبيا إل نزل بهم‬
‫العذاب ‪ #‬فاستعفوا من المباهلة فصالحوه وأقروا له بالجزية عن يد وهم صاغرون‬
‫لما خافوا من دعائه عليهم لعلمهم أنه نبي فدخلوا تحت حكمه كما يدخل أهل الذمة‬
‫الذين في بلد المسلمين تحت حكم ال ورسوله وأدوا إليه الجزية عن يد وهم‬

‫‪22‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪23‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صاغرون وهم أول من أدى الجزية من النصارى ‪ #‬واستعمل عليهم وعلى من أسلم‬
‫منهم عمرو بن حزم النصاري وكتب له كتابا مشهورا يذكر فيه شرائع الدين فكانوا‬
‫في ذمة المسلمين تحت حكم ال ورسوله ونائب رسوله عمرو بن حزم النصاري‬
‫رضي ال عنه وقصتهم مشهورة متواترة نقلها أهل السير‬

‫وأهل الحديث وأهل الفقه وأصل حديثهم معروف في الصحاح والسنن كما سنذكره‬
‫إن شاء ال تعالى ‪ #‬ووفد نجران لما قدموا أنزل ال تبارك وتعالى بسبب ما جرى‬
‫صدر سورة آل عمران وذكر تعالى فرض الحج بقوله سورة آل عمران الية ‪# 97‬‬
‫وهذا نزل إما سنة تسع وإما سنة عشر كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء منهم‬
‫القاضي أبو يعلى وغيره ‪ #‬قالوا وجوب الحج ثبت بقوله ^ ول على الناس حج‬
‫^ البيت‬

‫وروي أنه نزل في سنة عشر وروي أنه نزل في سنة تسع وهذا قول جمهور ‪#‬‬
‫العلماء ‪ #‬قالوا إن فرض الحج إنما ثبت بهذه الية وقال بعضهم بل ثبت ذلك بقوله‬
‫تعالى سورة البقرة الية ‪ # 196‬وهذه الية نزلت سنة ست عام الحديبية لما صد‬
‫المشركون رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البيت وصالحهم ذلك العام وبايع‬
‫المسلمين تحت الشجرة وأنزل ال فيها سورة الفتح ثم رجع إلى المدينة وفتح ال‬
‫عليهم خيبر سنة سبع وفيها قدم عليه جعفر بن أبي طالب مع وفد الحبشة ثم أرسل‬
‫جعفرا‬

‫وزيدا وعبد ال بن رواحة لغزو النصارى لمؤتة ثم فتح مكة سنة ثمان في رمضان‬
‫ثم في أثناء سنة تسع غزا النصارى إلى تبوك وفيها حج أبو بكر الصديق رضي ال‬
‫عنه وأمر أن ل يحج بعد العام مشرك ول يطوف بالبيت عريان‬

‫وأردفه بعلي بن أبي طالب رضي ال عنه لنبذ العهود وأنزل ال آية السيف ‪#‬‬
‫المطلقة بجهاد المشركين وجهاد أهل الكتاب فقال تعالى سورة التوبة الية ‪5‬‬

‫وهذه الشهر عند جمهور العلماء هي المذكورة في قوله تعالى سورة التوبة الية ‪#‬‬
‫‪ # 2‬فإن المشركين كانوا على نوعين نوعا لهم عهد مطلق غير مؤقت وهو عقد‬
‫جائز غير لزم ونوعا لهم عهد مؤقت فأمر ال رسوله أن ينبذ إلى المشركين أهل‬
‫العهد المطلق لنه هذا العهد جائز غير لزم وأمره أن يسيرهم أربعة اشهر ومن‬
‫كان له عهد مؤقت فهو عهد لزم فأمره ال أن يوفي له إذا كان مؤقتا وقد ذهب‬
‫بعض الفقهاء‬

‫إلى الهدنة ل تجوز إل مؤقتة وذهب بعضهم إلى أنه يجوز للمام أن يفسخ الهدنة‬
‫مع قيامهم بالواجب والصواب هو القول الثالث وهو أنها تجوز مطلقة ومؤقتة ‪#‬‬
‫فأما المطلقة فجائزة غير لزمة يخير بين إمضائها وبين نقضها ‪ #‬والمؤقتة لزمة‬

‫‪23‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪24‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال تعالى‬

‫سورة التوبة اليات ‪ # 13 1‬والمقصود هنا ذكر قدوم وفد نجران النصارى السيد‬
‫والعاقب ومن معهما ‪ #‬قال أبو الفرج بن الجوزي ثم دخلت سنة عشر من الهجرة‬

‫فمن الحوادث فيها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى بني‬
‫الحارث بن كعب فروى ابن اسحاق قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خالدا‬
‫في ربيع الخر أو جمادى الول في سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران‬
‫وأمره أن يدعوهم إلى السلم قبل أن يقاتلهم وذكر القصة ثم قال وفيها قدم وفد‬
‫الزد وفيها قدم‬

‫وفد غسان وفيها قدم وفد زبيد وفيها قدم وفد عبد القيس قال ابن إسحاق قدم على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس وكان نصرانيا‬
‫فأسلموا وفيها قدم وفد‬

‫كندة فأسلموا وفيها قدم وفد بني حنيفة وفيها قدم وفد بجيلة قال وفيها قدم العاقب‬
‫والسيد من نجران فكتب لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم كتاب صلح ‪ #‬وذكر‬
‫محمد بن سعد في الطبقات قدومهم في‬

‫الوفود فقال ‪ #‬ذكر بعث النبي صلى ال عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع‬
‫الول سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب ذكره بإسناده أنبأنا محمد بن عمر حدثني‬
‫إبراهيم بن موسى المخزومي عن عبد ال بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث‬
‫عن أبيه ثم ذكر قدوم نصارى نجران من طريق علي بن محمد فقال أنا علي بن‬
‫محمد وهو المدائني عن أبي معشر عن يزيد بن‬

‫رومان ومحمد بن كعب قال وأنا علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الزهري‬
‫وعكرمة بن خالد وعاصم بن عمر بن قتادة أنا يزيد بن عايض بن جعدية عن عبد‬
‫ال بن‬

‫أبي بكر بن حزم وعن غيرهم من أهل العلم يزيد بعضهم على بعض قالوا ووفد‬
‫فلن وفلن في رجال من خثعم إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بعدما هدم‬
‫جرير بن عبد ال رضي ال عنه ذا الخلصة وقتل من قتل من خثعم فقالوا آمنا بال‬
‫ورسوله‬

‫فاكتب لنا كتابا وذكروا القصة وقدوم وفود متعددة ‪ #‬قالوا وقدم وفد نجران وكتب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى أهل نجران فخرج إليه أربعة عشر من أشرافهم‬
‫نصارى وفيهم ثلثة نفر يتولون أمورهم ‪ #‬العاقب واسمه عبد المسيح رجل من‬

‫‪24‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪25‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كندة وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث‬
‫أسقفهم وإمامهم وصاحب مدارسهم والسيد وهو صاحب رحلتهم فدخلوا‬

‫المسجد وعليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير فقاموا‬

‫يصلون في المسجد نحو المشرق فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم دعوهم ثم‬
‫أتوا النبي صلى ال عليه وسلم فأعرض عنهم فلم يكلمهم فقال لهم عثمان ذلك من‬
‫أجل زيكم هذا فانصرفوا يومهم ذلك ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا عليه فرد‬
‫عليهم ودعاهم إلى السلم فأبوا وكثر الكلم والحجاج بينهم وتل عليهم القرآن وقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك‬
‫فغدا عبد المسيح ورجلن من ذوي رأيهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‬
‫قد بدا لنا أن ل نباهلك فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك فصالحهم على ألفي‬
‫حلة في رجب وألف في صفر أو قيمة كل حلة من الواقي وعلى عارية ثلثين‬
‫درعا وثلثين رمحا وثلثين بعيرا وثلثين فرسا أن كان باليمن كيد ‪ #‬ولنجران‬
‫وحاشيتهم جوار ال وذمة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم على أنفسهم وملتهم‬
‫وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم ل يغير أسقف من سقيفاه ول راهب‬
‫من رهبانيته ول واقف من وقفانيته وأشهد على ذلك شهودا منهم‬

‫أبو سفيان بن حرب والقرع بن حابس والمغيرة بن شعبة فرجعوا إلى بلدهم فلم‬
‫يلبث السيد والعاقب إل يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأسلما‬
‫وأنزلهما دار أبي أيوب النصاري وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي‬
‫صلى ال‬

‫عليه وسلم حتى قبضه ال صلوات ال عليه ورحمته ورضوانه ‪ #‬ثم ولي أبو بكر‬
‫الصديق رضي ال عنه فكتب بالوصاة بهم عند وفاته ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر‬
‫بن الخطاب من أرضهم وكتب لهم هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران أنه من‬
‫سار منهم أنه آمن بأمان ال ل يضرهم أحد من المسلمين ووفى لهم بما كتب لهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر أما بعد فمن وقعوا به من أمراء الشام‬
‫وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الرض فما اعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة‬
‫وعقبة لهم فكان أرضهم ل سبيل عليهم فيه لحد ول مغرم‬

‫أما بعد فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم ‪#‬‬
‫الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن يقدموا ول يكلفوا إل من‬
‫ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ول معنوف عليهم شهد عثمان بن عفان رضي‬
‫ال عنه ومعيقيب ابن أبي فاطمة فوقع ناس منهم العراق فنزلوا النجرانية التى‬
‫بناحية الكوفة‬

‫‪25‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪26‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وما ذكره ابن سعد عن علي بن محمد المدائني عن أشياخه في حديث وفد نجران ‪#‬‬
‫فهو يوافق ما ذكره ابن إسحاق فإن قوله أربعة عشر من أشرافهم يوافق قول ابن‬
‫إسحاق عن محمد بن جعفر قال ‪ #‬قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم وفد‬
‫نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم في الربعة عشر ثلثة نفر إليهم‬
‫يئول أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي ل يصدرون إل‬
‫عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ونجعتهم واسمه اليهم‬
‫وأبو حارثة بن علقمة أخو بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب‬
‫مدارسهم وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم‬
‫فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس‬
‫وبسطوا له الكرامات لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم فلما وجهوا إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم من نجران جلس‬

‫أبو حارثة على بغلة له موجها وإلى جنبه أخ له يقال له كرز ابن علقمة فعثرت بغلة‬
‫أبي حارثة فقال كرز تعس البعد يريد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له أبو‬
‫حارثة بل أنت تعست فقال لم يا أخي قال وال إنه للنبي الذي كنا ننتظره فقال له‬
‫كرز فما منعك منه وأنت تعلم هذا قال ما صنع بنا هؤلء القوم شرفونا ومولونا‬
‫وأكرمونا وقد أبوا إل خلفه فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه‬
‫أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك وهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني‬
‫‪ #‬قال ابن هشام ‪ #‬وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتابا عندهم فكلما مات‬

‫رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي‬
‫قبله ولم يكسرها فخرج الرئيس الذي كان على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يمشي فعثر فقال بنه تعس البعد يريد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له أبوه ل‬
‫تفعل فإنه نبي واسمه في الوضائع يعني الكتب ‪ #‬فلما مات لم تكن لبنه همة إل أن‬
‫شد فكسر الخواتم فوجد فيها ذكر النبي صلى ال عليه وسلم فأسلم فحسن إسلمه‬
‫وحج وهو يقول ‪ %‬إليك تغدو قلقا وضينها ‪ %‬معترضا في بطنها جنينها ‪ %‬مخالفا‬
‫‪ %‬لدين النصارى دينها‬
‫قال ابن إسحاق ‪ #‬وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال قدموا على رسول ال ‪#‬‬
‫صلى ال عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب‬
‫الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني‬

‫الحارث بن كعب قال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يومئذ ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم وقد حانت صلتهم فقاموا في مسجد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال دعوهم فصلوا إلى المشرق قال ابن إسحاق وكان تسمية‬
‫الربعة عشر الذين يئول إليهم أمرهم العاقب وهو عبد المسيح والسيد وهو اليهم‬
‫وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل وأوس والحارث وزيد وقيس ويزيد ونبيه‬
‫وخويلد وعمر وخالد وعبد ال ويحنس في ستين راكبا فكلم رسول ال صلى ال‬

‫‪26‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪27‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح واليهم السيد وهم من‬
‫النصرانية على دين الملك مع اختلفهم من أمرهم يقولون هو ال ويقولون هو ولد‬
‫ال ويقولون هو ثالث ثلثة وكذلك قول النصرانية ‪ #‬فهم يحتجون في قولهم هو ال‬
‫بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ السقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير‬
‫ثم ينفخ فيه فيكون طائرا وذلك كله بأمر ال وليجعله آية الناس ‪ #‬ويحتجون في‬
‫قولهم إنه ولد ال فإنهم يقولون لم يكن له أب‬

‫يعلم وقد تكلم في المهد وهذا شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم ‪ #‬ويحتجون في قولهم‬
‫ثالث ثلثة بقول ال فعلمنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ما قال إل‬
‫فعلت وقضيت وأمرت وخلقت ولكنه هو عيسى ومريم ففي كل ذلك من قولهم قد‬
‫نزل القرآن فلما كلمه الحبران قال لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ #‬أسلما قال‬
‫قد أسلمنا قال إنكما لم تسلما فأسلما قال بلى قد أسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من‬
‫السلم دعواكما ل ولد وعبادتكما للصليب وأكلكما للخنزير قال فمن أبوه يا محمد‬
‫فصمت رسول ال صلى ال عليه وسلم عنهما فلم يجبهما فأنزل ال في ذلك من‬
‫قولهم واختلفهم في أمرهم كله صدرا من سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية‬

‫وذكر نزول اليات بسببهم غير واحد مثلما ذكره محمد بن جرير الطبري في ‪#‬‬
‫تفسيره قال حدثنا المثنى حدثنا إسحاق حدثنا ابن أبي جعفر يعني عبد ال بن أبي‬
‫جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع في قوله تعالى سورة آل عمران اليتان ‪# 2 1‬‬
‫قال إن النصارى أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم فخاصموه في عيسى بن مريم‬
‫وقالوا له من أبوه وقالوا على ال الكذب‬

‫والبهتان ل إله إل هو لم يتخذ صاحبة ول ولدا فقال لهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ألستم تعلمون أنه ل يكون ولد إل وهو يشبه أباه قالوا نعم قال ألستم تعلمون أن ربنا‬
‫حي ل يموت وأن عيسى يأتي عليه الفناء قالوا بلى قال ألستم تعملون أن ربنا قيم‬
‫على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه قالوا بلى فهل يملك عيسى من ذلك شيئا قالوا‬
‫ل قال ألستم تعلمون أن ال ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء قالوا بلى‬
‫قال فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إل ما علم قالوا ل قال فإن ربنا صور عيسى في‬
‫لرحم كيف شاء قال ألستم تعلمون أن ربنا ل يأكل الطعام ول يشرب الشراب ول‬
‫يحدث الحدث قالوا بلى قال ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم‬
‫وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يتغذى الصبي ثم كان يطعم الطعام‬
‫ويشرب الشراب ويحدث الحدث قالوا بلى قال فكيف يكون هذا كما زعمتم قال‬
‫^ فعرفوا ثم أبوا إل الجحود فأنزل ال ^ آلم ال ل إله إل هو الحي القيوم‬

‫وقد ثبت في الصحاح حديث وفد نجران ففي البخاري ومسلم عن حذيفة وأخرجه ‪#‬‬
‫مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الية سورة آل عمران الية ‪# 61‬‬
‫دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلء‬

‫‪27‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪28‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أهلي ‪ #‬وفي البخاري عن حذيفة بن اليمان قال جاء السيد والعاقب صاحبا نجران‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدان أن يلعناه فقال أحدهما لصاحبه ل تفعل‬
‫فوال لئن كان نبيا فلعننا ل نفلح نحن ول عقبنا من بعدنا قال إنما نعطيك ما سألتنا‬
‫وابعث معنا رجل أمينا ول تبعث معنا إل أمينا قال لبعثن معكم رجل أمينا حق‬
‫أمين‬

‫قال فاستشرف لها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن‬
‫الجراح فلما قام قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا أمين هذه المة ‪ #‬وفي سنن‬
‫أبي داوود وغيره قال أبو داوود أخبرنا مصرف بن عمرو اليامي حدثنا يونس يعني‬
‫ابن بكير حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي عن‬
‫ابن عباس قال صالح رسول ال صلى ال عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة‬

‫النصف في صفر والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلثين درعا‬
‫وثلثين فرسا وثلثين بعيرا وثلثين من كل صنف من أصناف السلح يغزون بها‬
‫والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمين كيد ذات غدر على أن‬
‫ل يهدم لهم بيعة ول يخرج لهم قس ول يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو‬
‫يأكلوا الربا ‪ #‬قال إسماعيل فقد أكلوا الربا قال أبو داوود إذا نقضوا بعض ما شرط‬
‫عليهم فقد أحدثوه ‪ #‬وما ذكره أبو داوود وأهل السير من مصالحته لهل نجران‬
‫على‬

‫الجزية المذكورة معروف عند أهل العلم وقد ذكر ذلك أبو عبيد القاسم بن سلم في‬
‫كتاب الموال ذكره من طريقين ‪ #‬قال أبو عبيد رحمه ال حدثنا أبو أيوب الدمشقي‬
‫قال حدثني سعدان بن يحيى عن عبد ال بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صالح أهل نجران فكتب لهم كتابا بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم هذا ما كتب محمد النبي صلى ال عليه وسلم لهل نجران إذ كان له‬

‫حكمه عليهم أن في كل سوداء وبيضاء وصفراء وحمراء أو ثمرة ورقيق وأفضل‬


‫عليهم وترك ذلك لهم ألفي حلة في كل صفر ألف حلة وفي كل رجب ألف حلة كل‬
‫حلة أوقية ما زاد الخراج أو نقص فعلى الواقي فليحسب وما قضوا من ركاب أو‬
‫خيل أو دروع أخذ منهم بالحساب وعلى أهل نجران مقرى رسلي عشرين ليلة فما‬
‫دونها وعليهم عارية ثلثين فرسا وثلثين بعيرا وثلثين درعا إذا كان كيد باليمن ذو‬
‫مغدرة وما هلك مما أعاروا رسلي فهو ضامن على رسلي حتى يؤدوه إليهم‬
‫ولنجران وحاشيتها ذمة ال وذمة رسوله على دمائهم وأموالهم وملتهم وبيعهم‬
‫ورهبانهم وأساقفهم وشاهدهم وغائبهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وعلى‬
‫أن ل يغيروا أسقفا من سقيفاه ول واقها من وقيهاه ول راهبا من رهابنه وعلى أن ل‬
‫يخسروا ول يعشروا ول يطأ أرضهم جيش ومن ملك منهم حقا فالنصف بينهم‬
‫بنجران على أن ل يأكلوا الربا فمن أكل الربا من ذي قبل فذمتي منهم بريئة وعليهم‬

‫‪28‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪29‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الجهد والنصح فيما استقبلوا غير مظلومين ول معنوف عليهم شهد عثمان بن عفان‬
‫ومعيقيب‬

‫قال أبو عبيد الواقة ولي العهد في لغة بلحارث بن كعب يقول إذا مات هذا ‪#‬‬
‫السقف قام الخر مكانه ‪ #‬قال أبو عبيد قال أبو أيوب وحدثني عيسى بن يونس عن‬
‫عبد ال بن أبي حميد عن أبي المليح عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل ذلك وزاد‬
‫في حديثه قال فلما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم أتوا أبا بكر فوفى لهم بذلك‬
‫وكتب لهم كتابا نحوا من كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما ولى عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه أصابوا الربا في زمانه فأجلهم عمر وكتب لهم أما بعد فمن‬
‫وقعوا به من أمراء الشام أو العراق فليوسعهم من جريب الرض وما اعتملوا من‬
‫شيء فهو لهم لوجه ال وعقبى من أرضهم قال فأتوا العراق فاتخذوا النجرانية قال‬
‫أبو عبيد وهي قرية بالكوفة ‪ #‬وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة أما بعد فإن العاقب‬

‫والسقف وسراة أهل نجران أتوني بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأروني‬
‫شرط عمر رضي ال عنه وقد سألت عثمان بن حنيف فأنبأني أنه قد كان بحث على‬
‫ذلك فوجده صار للدهاقين ليردعهم عن أرضهم وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم‬
‫مائتي حلة لوجه ال وعقبي لهم من أرضهم وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة ‪#‬‬
‫قال أبو عبيد وحدثنا عثمان بن صالح عن عبد ال بن‬

‫لهيعة عن أبي السود عن عروة بن الزبير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كتب‬
‫لهل نجران من محمد النبي رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم ذكر نحو هذه‬
‫النسخة وليس في حديثه قصة أبي بكر وعمر رضي ال عنهما وفي آخره شهد أبو‬
‫سفيان بن حرب وغيلن بن عمرو ومالك بن‬

‫عوف من بني نضر والقرع بن حابس الحنظلي والمغيرة بن شعبة ‪ #‬قال أبو عبيد‬
‫حدثني سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد اليلي عن ابن شهاب‬
‫قال أول من أعطى الجزية أهل نجران وكانوا نصارى‬

‫فإن قيل قوله تعالى سورة آل عمران الية ‪ # 64‬وقد ثبت في الصحيحين أن ‪#‬‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‬

‫قد كتب إلى هرقل مع دحية الكلبي مدة هدنته للمشركين وكان أبو سفيان إذ ذاك لم‬
‫يسلم وقد حضر عند هرقل وسأله هرقل عن النبي صلى ال عليه وسلم وأبو سفيان‬
‫أسلم عام الفتح فدل ذلك على أن هذا الكتاب كان قبل الفتح ونزول آية الجزية كان‬
‫بعد الفتح سنة تسع فدل ذلك على أن هذه الية نزلت قبل آية الجزية وقبل آية‬
‫المباهلة وآية المباهله قد علم يقينا أنها نزلت في قصة قدوم وفد نجران والمفسرون‬
‫وأهل السير ذكروا أن آل عمران نزلت بسبب مناظرة أهل نجران وقد ذكرناه من‬

‫‪29‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪30‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نقل أهل الحديث بالسناد المتصل‬

‫ونقل أهل المغازي والسير أن وفد نجران صالحهم على الجزية وهم أول من ‪#‬‬
‫أداها فعلم أن قدومهم كان بعد نزول آية الجزية وآية الجزية نزلت بعد فتح مكة فعلم‬
‫أن قدوم وفد نجران كان بعد آية السيف التي هي آية الجزية ‪ #‬قال الزهري أهل‬
‫نجران أول من أدى الجزية ‪ #‬وقوله تعالى سورة آل عمران ‪ # 63‬بعدها آيات‬
‫نزلت قبل ذلك كقوله سورة آل عمران ‪ # 71 70‬فيكون هذا مما تقدم نزوله وتلك‬
‫مما تأخر نزوله وجمع بينهما‬

‫للمناسبة كما في نظائره فإن اليات كانت إذا نزلت يأمر النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يضعها في مواضع تناسبها وإن كان ذلك مما تقدم ومما يبين ذلك أن هذه الية‬
‫وهي قوله تعالى ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ^ ‪ #‬لفظها‬
‫يعم اليهود والنصارى وكذلك ذكر أهل العلم أنها دعاء لطائفتين وأن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم دعا بها اليهود فدل ذلك على أن نزولها متقدم فإن دعاءه لليهود كان قبل‬
‫نزول آية الجزية ولهذا لم يضرب الجزية على أهل خيبر وغيرهم من يهود الحجاز‬
‫ولكن لما بعث معاذا إلى اليمن وكان كثيرا من أهلها يهود أمره أن يأخذ من كل حالم‬
‫دينارا أو عدله معافرا وهذا كان متأخرا بعد غزوة تبوك وتوفي النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ومعاذ باليمن قال ابن أبي حاتم‬

‫في تفسيره حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد حدثنا الضحاك بن عبد‬
‫الرحمن بن أبي حوشب وغيره أن عمر ابن عبد العزيز‬

‫كتب إلى أليون طاغية الروم قال فيما أنزل ال على محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫سورة آل عمران اليه ‪ # 64‬وروى بإسناده عن ابن جريج في قوله تعالى‬

‫تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ^ ‪ #‬قال بلغني أن النبي صلى ال عليه وسلم ^‬
‫دعا يهود أهل الكتاب فأبوا عليه فجاهدهم وكذلك سائر اليات التي فيها خطاب‬
‫للطائفتين كقوله تعالى سورة آل عمران الية ‪ # 67 65‬ومما ينبغي أن يعلم أن‬
‫أهل نجران كان منهم نصارى أهل ذمة وكان منهم مسلمون وهم الكثرون والنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بعث أبا عبيدة لهؤلء وهؤلء واستعمل عمرو بن حزم على‬
‫هؤلء وهؤلء كما أخرجا في الصحيحين عن أنس بن مالك قال قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها المة أبو عبيدة بن الجراح‬

‫وعن أنس أيضا أن أهل اليمن قدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪#‬‬
‫ابعث معنا رجل أمينا يعلمنا السنة والسلم فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال هذا‬
‫أمين هذه المة ‪ #‬وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال جاء أهل نجران إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال ابعث إلينا رجل أمينا فقال‬

‫‪30‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪31‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لبعثن إليكم رجل أمينا حق أمين حق أمين‬

‫قال فاستشرف لها الناس قال فبعث أبا عبيدة بن الجراح ‪ #‬وللبخاري عن حذيفة قال‬
‫جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدان أن‬
‫يلعناه قال فقال أحدهما لصاحبه ل تفعل فوال لئن كان نبيا فلعنا ل نفلح نحن ول‬
‫عقبنا من بعدنا قال إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجل أمينا فقال لبعثن معكم‬
‫رجل أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قم‬
‫يا ابا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هذا أمين هذه‬
‫المة ‪ #‬وكذلك استعمل النبي صلى ال عليه وسلم عليهم عمرو بن حزم وكتب له‬
‫الكتاب المشهور الذي فيه الفرائض والسنن وقد رواه النسائي بطوله وروى الناس‬
‫بعضه مفرقا‬

‫ومحمد بن سعد لم يذكر بعد وفد نجران إل وفد جيشان فدل على أن قدومهم كان ‪#‬‬
‫متأخرا ومحمد‬
‫بن إسحاق ذكر قدومهم في أوائل السيرة مع قصة اليهود ليجمع بين خبر اليهود‬
‫والنصارى وذكر في سنة عشر فتح نجران وإرسال النبي صلى ال عليه وسلم خالد‬
‫بن الوليد وإرسال خالد ذكروا أنه كان متأخرا قبل وفاته صلى ال عليه‬

‫وسلم بأربعة أشهر وأنه قدم وفد منهم بالسلم وهذا إنما كان بعد قدوم وفد‬
‫النصارى فإنه قد ذكر ابن سعد أن العاقب والسيد أسلما بعد ذلك والعهد بالجزية إنما‬
‫كان مع النصارى وآية الجزية هي قوله تعالى سورة التوبة الية ‪ # 29‬وهذه آية‬
‫السيف مع أهل الكتاب وقد ذكر فيها قتالهم إذا لم يؤمنوا حتى يعطوا الجزية والنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لم يأخذ من أحد الجزية إل بعد هذه الية بل وقالوا إن أهل‬
‫نجران أول من أخذت منهم الجزية كما ذكر ذلك أهل العلم كالزهري وغيره فإنه‬
‫باتفاق أهل العلم لم يضرب النبي صلى ال عليه وسلم على أحد قبل نزول هذه الية‬
‫جزية ل من الميين ول من اهل الكتاب ولهذا لم يضربها على يهود قينقاع‬
‫والنضير وقريظة ول ضربها على أهل خيبر فإنها فتحت سنة سبع قبل نزول آية‬

‫الجزية وأقرهم فلحين وهادنهم هدنة مطلقة قال فيها نقركم ما أقركم ال ‪ #‬فإذا كان‬
‫أول ما أخذها من وفد نجران علم أن قدومهم عليه ومناظرته لهم ومحاجته إياهم‬
‫وطلبه المباهلة معهم كانت بعد آية السيف التي فيها قتالهم ‪ #‬وعلم بذلك أن ما ذكره‬
‫ال تعالى من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا محكم لم ينسخه‬
‫شيء وكذلك ما ذكره تعالى من مجادلة الخلق مطلقا بقوله سورة النحل الية ‪125‬‬

‫فإن من الناس من يقول آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف ‪#‬‬
‫لعتقاده ان المر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإن النسخ‬
‫إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ كمناقضة المر باستقبال‬

‫‪31‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪32‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المسجد الحرام في الصلة للمر باستقبال بيت المقدس بالشام ومناقضة المر‬
‫بصيام رمضان للمقيم للتخيير بين الصيام وبين إطعام كل يوم مسكينا ومناقضة نهيه‬
‫عن تعدي الحدود التي فرضها للورثة للمر بالوصية للوالدين والقربين ومناقضة‬
‫قوله لهم كفوا أيديكم عن القتال لقوله قاتلوهم كما قال تعالى سورة النساء الية ‪77‬‬
‫‪ #‬فأمره لهم بالقتال ناسخ لمره لهم بكف أيديهم عنهم فأما قوله تعالى سورة النحل‬
‫الية ‪ # 125‬وقوله سورة العنكبوت الية ‪46‬‬

‫فهذا ل يناقضة المر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن المر بالقتال يناقض ‪#‬‬
‫النهي عنه والقتصار على المجادلة ‪ #‬فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به‬
‫والقتال المأمور به فل منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم‬
‫بالنسخ ومعلوم أن كل منهما ينفع حيث ل ينفع الخر وأن استعمالهما جميعا أبلغ في‬
‫إظهار الهدى ودين الحق ومما يبين ذلك وجوه ‪ #‬أحدها أن من كان من أهل الذمة‬
‫والعهد والمستأمن منهم ل يجاهد بالقتال فهو داخل فيمن أمر ال بدعوته ومجادلته‬
‫بالتي هي أحسن وليس هو داخل فيمن أمر ال بقتاله ‪ #‬الثاني أنه قال سورة‬
‫العنكبوت الية ‪ # 46‬فالظالم لم يؤمر بجداله بالتي هي أحسن فمن كان ظالما‬
‫مستحقا للقتال غير طالب للعلم والدين فهو من هؤلء الظالمين الذين ل يجادلون‬
‫بالتي هي أحسن بخلف من طلب العلم والدين ولم يظهر منه ظلم سواء كان قصده‬
‫السترشاد أو كان يظن أنه على حق يقصد نصر ما يظنه حقا ومن كان قصده العناد‬
‫يعلم أنه على باطل ويجادل عليه فهذا لم يؤمر بمجادلته بالتي هي أحسن لكن قد‬
‫نجادله بطرق أخرى نبين فيها عناده وظلمه وجهله جزاء له بموجب عمله ‪ #‬الثالث‬
‫انه سبحانه قال‬

‫سورة التوبة الية ‪ # 6‬فهذا مستجير مستأمن وهو من أهل الحرب أمر ال بإجارته‬
‫حتى تقوم حجة ال عليه ثم يبلغه مأمنه وهذا في سورة براءة التي فيها نقض العهود‬
‫وفيها آية السيف وذكر هذه الية في ضمن المر بنقض العهود ليبين سبحانه أنه‬
‫مثل هذا يجب أمانه حتى تقوم عليه الحجة ل تجوز محاربته كمحاربة من لم يطلب‬
‫أن يبلغ حجة ال عليه ‪ #‬قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ^ ثم أبلغه مأمنه ^ إن لم‬
‫يوافقه ما نقص عليه ونخبر به فأبلغه مأمنه قال وليس هذا بمنسوخ ‪ #‬وقال مجاهد‬
‫من جاءك واستمع ما أنزل إليك فهو آمن حتى‬

‫يأتيك ‪ #‬وقال عطاء في الرجل من أهل الشرك يأتي المسلمين بغير عهد قال تخيره‬
‫إما أن تقره وإما ان تبلغه مأمنه ‪ #‬وقوله تعالى سورة التوبة الية ‪ # 6‬قد علم أن‬
‫المراد أنه يسمعه سمعا يتمكن معه من فهم معناه إذ المقصود ل يقوم بمجرد سمع‬
‫لفظ ل يتمكن معه من فهم المعنى فلو كان غير عربي وجب أن يترجم له ما يقوم به‬
‫عليه الحجة‬

‫ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته وجب أن يبين له معناها ولو‬

‫‪32‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪33‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين‬
‫له معناه فعلينا ذلك ‪ #‬وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه كما كان النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين‬
‫سؤال يوردونه على القرآن فإنه كان يجيبه عنه كما أجاب ابن الزبعري لما قاس‬
‫المسيح على آلهة المشركين وظن أن العلة في الصل بمجرد كونهم معبودين وأن‬
‫ذلك يقتضي كل معبود غير ال فإنه يعذب في الخرة فجعل المسيح مثل للهة‬
‫المشركين قاسهم عليه قياس الفرع على الصل‬

‫قال تعالى سورة الزخرف اليتان ‪ # 58 57‬فبين سبحانه الفرق المانع من إلحاق ‪#‬‬
‫بقوله تعالى سورة النبياء الية ‪ # 101‬وبين أن هؤلء القائسين ما قاسوه إل جدل‬
‫محضا ل يوجب علما لن الفرق حاصل بين الفرع والصل فإن الصنام إذا جعلوا‬
‫حصبا لجهنم كان ذلك إهانة وخزيا لعابديها من غير تعذيب من ل يستحق التعذيب‬
‫بخلف ما إذا عذب عباد ال الصالحون بذنب غيرهم فإن هذا ل يفعله ال تعالى ل‬
‫سيما عند جماهير المسلمين وسائر أهل الملل سلفهم وخلفهم الذين يقولون إن ال ل‬
‫يخلق ويأمر إل لحكمة ول يظلم أحدا فينقصه شيئا من حسناته ول يحمل عليه‬
‫شيئات غيره بل ول يعذب أحدا إل بعد إرسال رسول اليه كما قال تعالى‬

‫سورة طه الية ‪ # 112‬وقال تعالى سورة الجن الية ‪ # 13‬وقال تعالى سورة ‪#‬‬
‫النمل الية ‪ # 90‬وقال تعالى سورة السراء الية ‪ # 5‬ومن قال من المسلمين‬
‫وغيرهم من أهل الملل إنه يجوز منه تعالى فعل كل شيء وأن الظلم هو الممتنع‬
‫الذي ل يدخل تحت القدرة فهؤلء يقولون إنما يعلم ما يفعله وما ل يفعله بدللة خبر‬
‫الصادق أو بالعادة وإن كان الجمهور يستدلون بخبر الصادق وبغيره على ما يمتنع‬
‫من ال‬

‫وقد أخبر ال تعالى أن عباده الصالحين في الجنة ل يعذبهم في النار بل يتقبل ‪#‬‬
‫عنهم أحسن ما عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة فضل أن يعاقبهم‬
‫بذنب غيرهم مع كراهية لفعلهم ونهيهم عن ذلك ومن زعم أن لفظ ما كانت تتناول‬
‫المسيح وأخر بيان العام أو أجاب بأن لفظ ما ل يتناول إل ما ل يعقل فالقولن‬
‫ضعيفان كما قد بسط في موضعه ‪ #‬وإنما المشركون عارضوا النص الصحيح‬
‫بقياس فاسد فبين ال تعالى فساد القياس وذكر الفرق بين الصل والفرع ‪ #‬وكذلك‬
‫لما أورد بعض النصارى على قوله تعالى سورة ( مريم الية ‪ ) 28‬ظنا منه أن‬
‫هارون هذا هو هارون أخو موسى بن‬

‫عمران وأن عمران هذا هو عمران أبو مريم أم المسيح فسئل النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم عن ذلك أجاب بأن هارون هذا ليس هو ذاك ولكنهم كانوا يسمون بأسماء‬
‫النبياء والصالحين ‪ #‬وبعض جهال النصارى يقدح في القرآن بمثل هذا ول يعلم‬
‫هذا المفرط في جهله أن آحاد الناس يعلمون أن بين موسى وعيسى مدة طويلة جدا‬

‫‪33‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪34‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يمتنع معها أن يكون موسى وهارون خالي المسيح وأن هذا مما ل يخفى على أقل‬
‫أتباع محمد صلى ال عليه وسلم فضل عن أن يخفى على محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ #‬وهذا السؤال مما أورده أهل نجران كما ثبت عن المغيرة بن شعبة قال‬
‫بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا ألستم تقرأون ^ يا أخت‬
‫هارون ^ وقد علمتم ما بين موسى وعيسى فلم أدر ما أجيبهم فرجعت إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته فقال أل أخبرتهم أنهم كانوا يسمون باسماء أنبيائهم‬
‫والصالحين قبلهم ‪ #‬وهذا السؤال الذي هو سؤال الطاعن في القرآن لما أورده أهل‬
‫نجران الكفار على رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يجبهم‬

‫عنه أجاب عنه النبي صلى ال عليه وسلم ولم يقل لهم ليس لكم عندي إل السيف‬
‫وقال ل قد نقضتم العهد إن كانوا قد عاهدوه وقد عرف أن أهل نجران لم يرسل‬
‫إليهم رسول إل والجهاد مأمور به ‪ #‬وكان المسلمون يوردون السئلة عليه كما‬
‫أورد عليه عمر عام الحديبية لما صالح المشركين ولم يدخل مكة فقال له ألم تكن‬
‫تحدثنا أن نأتي البيت ونطوف به قال بلى اقلت لك أنك تأتيه في هذا العام قال ل قال‬
‫فإنك آتيه ومطوف به ‪ #‬وكذلك أجابه أبو بكر ولم يكن سمع جواب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم له معلوم أنه ليس في ظاهر اللفظ توقيت ذلك بعام ولكن السائل ظن ما ل‬
‫يدل اللفظ عليه ‪ #‬وكذلك لما قال من نوقش الحساب عذب قالت له عائشة ألم يقل ال‬
‫سورة النشقاق اليتان ‪8 7‬‬

‫فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذب ‪ #‬ومعلوم أن الحساب اليسير ل ‪#‬‬
‫يتناول من نوقش وقد زادها بيانا فأخبر أنه العرض ل المقابلة المتضمنة للمناقشة ‪#‬‬
‫وكذلك لما قال إنه ل يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة قالت له حفصة الم يقل ال‬
‫سورة مريم الية ‪ # 71‬فأجابها بأنه قال سورة مريم الية ‪72‬‬

‫فبين صلى ال عليه وسلم أن هؤلء هم الذين يدخلون جهنم وهذا الدخول هو الذي ‪#‬‬
‫نفاه عن أهل الحديبية وأما الورود فهو مرور الناس على الصراط كما فسره في‬
‫الحديث الصحيح حديث جابر بن عبد ال وهذا المرور ل يطلق عليه اسم الدخول‬
‫الذي يجزي به العصاة وينفي عن المتقين ومثل هذا كثير ‪ #‬وأما ما في القرآن من‬
‫ذكر أقوال الكفار وحججهم وجوابها فهذا كثير جدا فإنه يجادلهم تارة في التوحيد‬
‫وتارة في النبوات وتارة في المعاد وتارة في الشرائع بأحسن الحجج وأكملها كما قال‬
‫تعالى سورة الفرقان اليتان ‪33 32‬‬

‫وقد أخبر ال تبارك وتعالى عن أولي العزم من الرسل بمجادلة الكفار فقال تعالى ‪#‬‬
‫عن قوم نوح سورة هود الية ‪ # 32‬وقال عن الخليل سورة النعام اليات ‪83 80‬‬
‫‪ #‬وأمر ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم بالمجادلة بالتي هي أحسن وذم‬
‫سبحانه من جادل بغير علم أو في الحق بعدما تبين ومن جادل بالباطل فقال تعالى‬
‫سورة آل عمران الية ‪ # 66‬وقال تعالى سورة النفال الية ‪ # 6‬وقال تعالى‬

‫‪34‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪35‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سورة غافر الية ‪ # 5‬وهذا هو الجدال المذكور في قوله سورة غافر الية ‪# 4‬‬
‫وإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم يحاج الكفار بعد نزول المر بالقتال وقد أمره‬
‫ال تعالى أن يجير المستجير حتى يسمع كلم ال ثم يبلغه مأمنه والمراد بذلك تبليغ‬
‫رسالت ال وإقامة الحجة عليه وذلك قد ل يتم إل بتفسيره له الذي تقوم به الحجة‬
‫ويجاب به عن المعارضة وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‬

‫علم بطلن قول من ظن أن المر بالجهاد ناسخ المر بالمجادلة مطلقا ‪ #‬الوجه‬
‫الرابع إن القائل إذا قال إن آية مجادلة الكفار أو غيرها مما يدعي نسخه منسوخة‬
‫بآية السيف قيل له ما تعني بآية السيف اتعني آية بعينها أم تعني كل آية فيها المر‬
‫بالجهاد ‪ #‬فإن أراد الول كان جوابه من وجهين ‪ #‬أحدهما أن اليات التي فيها ذكر‬
‫الجهاد متعددة فل يجوز تخصيص بعضها ‪ #‬وإن قال أريد قوله تعالى سورة التوبة‬
‫الية ‪ # 5‬قيل له هذه في قتال المشركين وقد قال بعدها في قتال أهل الكتاب‬

‫سورة التوبة الية ‪ # 29‬فلو لم تكن آية السيف إل واحدة لم تكن هذه أولى من هذه‬
‫وإن قال كل آية فيها ذكر الجهاد ‪ #‬وقيل له الجهاد شرع على مراتب فأول ما أنزل‬
‫ال تعالى فيه الذن بقوله سورة الحج الية ‪ # 39‬فقد ذكر غير واحد من العلماء أن‬
‫هذه أول آية نزلت في الجهاد ثم بعد ذلك نزل وجوبه بقوله سورة البقرة الية ‪216‬‬

‫ولم يؤمروا بقتال من طلب مسالمتهم بل قال سورة النساء اليتان ‪# # 90 89‬‬
‫وكذلك من هادنهم لم يكونوا مأمورين بقتاله وإن كانت الهدنة عقدا جائزا غير لزم‬
‫‪ #‬ثم أنزل في براءة المر بنبذ العهود وأمرهم بقتال المشركين كافة وأمرهم بقتال‬
‫أهل الكتاب إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ولم يبح لهم‬
‫ترك قتالهم وإن سالموهم وهادنوهم هدنة مطلقة مع إمكان جهادهم‬

‫فإن قال آية السيف التي نسخت المجادلة هي آية الذن ‪ #‬قيل فآية الذن نزلت في ‪#‬‬
‫أول مقدمه المدينة قبل أن يبعث شيئا من السرايا وقد جادل بعد هذا الكفار ‪ #‬وكذلك‬
‫إن قيل آيات فرض القتال قيل فقوله سورة البقرة الية ‪ # 216‬نزلت في أول المر‬
‫قبل بدر ول ريب أن الجهاد كان واجبا‬

‫والخندق وفتح خيبر ومكة وقد ذكر ال آيات فرض الجهاد في هؤلء المغازي كما‬
‫ذكر ذلك في سورة آل عمران والحزاب وإن قيل بل الجدال إنما نسخ لما أمر‬
‫بجهاد من سالم ومن لم يسالم ‪ #‬قيل هذا باطل فإن الجدال إن كان منافيا للجهاد فهو‬
‫مناف لباحته وليجابه ولو للمسالم وإن لم يناف الجهاد لم يناف إيجاب الجهاد‬
‫للمسالمين كما لم يناف إيجاب جهاد غيرهم ‪ #‬فإن المسالم قد ل يجادل ول يجالد وقد‬
‫يجادل ول يجالد كما أن غيره قد يجالد و يجادل وقد يفعل أحدهما‬

‫‪35‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪36‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فإن كان إيجابه لجهاد المحارب المبتدئ بالقتال ل ينافي مجادلته فلن يكون جهاد ‪#‬‬
‫من ل يبدأ القتال ل ينافي مجادلته أولى وأحرى فإن من كان أبعد عن القتال كانت‬
‫مجادلته أقل منافاة للقتال ممن يكون أعظم قتال يبين هذا ‪ #‬الوجه الخامس وهو أن‬
‫يقال المنسوخ هو القتصار على الجدال فكان النبي صلى ال عليه وسلم في أول‬
‫المر مأمورا أن يجاهد الكفار بلسانه ل بيده فيدعوهم ويعظهم ويجادلهم بالتي هي‬
‫أحسن ويجاهدهم بالقرآن جهادا كبيرا قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية الية‬
‫‪ # 52 51‬وكان مأمورا بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك ثم لما‬
‫هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد ثم لما قووا كتب عليهم‬
‫القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم لنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار ‪#‬‬
‫فلما فتح ال مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب ووفدت إليه وفود العرب بالسلم‬
‫أمره ال تعالى بقتال الكفار كلهم إل من كان له عهد مؤقت وأمره بنبذ العهود‬
‫المطلقة فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال ‪ #‬وأما مجاهدة الكفار باللسان فما زال‬
‫مشروعا من أول المر إلى آخره‬

‫فإنه إذا شرع جهادهم باليد فباللسان أولى وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم جاهدوا‬
‫المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم ‪ #‬وكان ينصب لحسان منبرا في مسجدا يجاهد‬
‫فيه المشركين بلسانه جهاد هجو وهذا كان بعد نزول آيات القتال وأين منفعة الهجو‬
‫من منفعة إقامة الدلئل والبراهين على صحة السلم وإبطال حجج الكفار من‬
‫المشركين وأهل الكتاب ‪ #‬الوجه السادس أنه من المعلوم أن القتال إنما شرع‬
‫للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان واليات لما احتيج إلى القتال فبيان آيات‬
‫السلم وبراهينه واجب مطلقا وجوبا أصليا ‪ #‬وأما الجهاد فمشروع للضرورة‬
‫فكيف يكون هذا مانعا من ذلك ‪ #‬فإن قيل السلم قد ظهرت أعلمه وآياته فلم يبق‬
‫حاجة إلى‬

‫إظهار آياته وإنما يحتاج إلى السيف ‪ #‬قيل معلوم أن ال وعد بإظهاره على الدين‬
‫كله ظهور علم وبيان وظهور سيف وسنان فقال تعالى سورة الصف الية ‪ # 9‬وقد‬
‫فسر العلماء ظهوره بهذا وهذا ولفظ الظهور يتناولهما فإن ظهور الهدي بالعلم‬
‫والبيان وظهور الدين باليد والعمل وال تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله ‪ #‬ومعلوم أن ظهور السلم بالعلم والبيان قبل ظهوره باليد‬
‫والقتال فإن النبي صلى ال عليه وسلم مكث بمكة ثلث عشرة سنة يظهر السلم‬
‫بالعلم والبيان واليات والبراهين فآمنت به المهاجرون والنصار طوعا واختيارا‬
‫بغير سيف لما بان لهم من اليات البينات والبراهين والمعجزات ثم أظهره بالسيف‬
‫فإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداء ودفعا فلن يجب علينا بيان السلم‬
‫وإعلمه ابتداء ودفعا لمن يطعن فيه بطريق الولى والحرى ‪ #‬فإن وجوب هذا قبل‬
‫وجوب ذاك ومنفعته قبل منفعته ومعلوم أنه يحتاج كل وقت إلى السيف فكذلك هو‬
‫محتاج إلى العلم والبيان وإظهاره بالعلم والبيان من جنس إظهاره بالسيف وهو‬
‫ظهور مجمل عل به على كل دين مع أن كثيرا من الكفار لم يقهره سيفه فكذلك كثير‬

‫‪36‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪37‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من الناس لم يظهر لهم آياته وبراهينه بل قد يقدحون فيه ويقيمون الحجج على‬
‫بطلنه ل سيما والمقهور بالسيف فيهم منافقون كثيرون فهؤلء جهادهم بالعلم‬
‫والبيان دون السيف والسنان يؤكد هذا ‪ #‬الوجه السابع وهو أن القتال ل يكون إل‬
‫لظالم فإن من قاتل المسلمين لم يكن إل ظالما معتديا ومن قامت عليه الحجة فشاق‬
‫الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين لم يكن إل ظالما ‪ #‬وأما‬
‫المجادلة فقد تكون لظالم إما طاعن في الدين بالظلم وإما من قامت عليه الحجة‬
‫الظاهرة فامتنع من قبولها وقد تكون لمسترشد طالب حق لم يبلغه ‪ #‬وإما من بلغه‬
‫بعض أعلم نبوة محمد صلى ال عليه وسلم ودلئل نبوته ولكن عورض ذلك عنده‬
‫بشبهات تنافي ذلك فاحتاج إلى جواب تلك المعارضات ‪ #‬وإما طالب لمعرفة دلئل‬
‫النبوة على الوجه الذي يعلم به ذلك ‪ #‬فإذا كان القتال الذي ل يكون إل لدفع ظلم‬
‫المقاتل مشروعا‬

‫فالمجادلة التي تكون لدفع ظلمه ولنتفاعه وانتفاع غيره مشروعة بطريق الولى ‪#‬‬
‫قال مجاهد سورة العنكبوت الية ‪ # 46‬قال الذين ظلموا من قاتلك ولم يعطك‬
‫الجزية وفي لفظ آخر عنه قال الذين ظلموا منهم أهل الحرب من ل عهد لهم‬
‫المجادلة لهم بالسيف ‪ #‬وفي رواية عنه قال ل تقاتل إل من قاتلك ولم يعطك الجزية‬
‫‪ #‬وفي رواية عنه قال من أدى منهم الجزية فل تقولوا له إل خيرا وعن مجاهد إل‬
‫بالتي هي أحسن فإن قالوا شرا فقولوا خيرا فهذا مجاهد ل يجعلها منسوخة وهي‬
‫قول أكثر المفسرين‬

‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم سورة العنكبوت الية ‪ # 46‬ليست منسوخة ‪#‬‬
‫ولكن عن قتادة قال نسختها ^ اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ^ ول مجادلة اشد‬
‫من السيف ‪ #‬والول أصح لن هؤلء من الذين ظلموا فل‬

‫نسخ ‪ #‬ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناء على ظهور دلئل‬
‫النبوة نجده هو ومن يعظمه من شيوخه الذين يعتمد في أصول الدين على نظرهم‬
‫ومناظرتهم ويزعمون أنهم قرروا دلئل النبوة قد أوردوا من الشبهات والشكوك‬
‫والمطاعن على دلئل النبوة ما يبلغ نحو ثمانين سؤال وأجابوا عنه بأجوبة ل تصلح‬
‫أن تكون جوابا في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى‬
‫تقرير أصول الدين ‪ #‬وهم كما مثلهم الغزالي وغيره بمن يضرب شجرة ضربا‬
‫يزلزلها به وهو يزعم أنه يريد أن يثبتها وكثير من أئمة هؤلء مضطرب في‬
‫اليمان بالنبوة اضطرابا ليس هذا موضع بسطه وهم مع ذلك يدعون‬

‫أنه قد ظهر عند أهل الكتاب مالم يظهر عند شيوخ هؤلء النظار وينهون عن إظهار‬
‫آيات ال وبراهينه التي هي غاية مطالب مشايخهم وهم لم يعطوها حقها إما عجزا‬
‫وإما تفريطا ‪ #‬الوجه الثامن أن كثيرا من أهل الكتاب يزعم أن محمدا صلى ال‬

‫‪37‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪38‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عليه وسلم وأمته إنما أقاموا دينهم بالسيف ل بالهدى والعلم واليات فإذا طلبوا العلم‬
‫والمناظرة فقيل لهم ليس لكم جواب إل السيف كان هذا مما يقرر ظنهم الكاذب وكان‬
‫هذا من أعظم ما يحتجون به عند أنفسهم على فساد السلم وأنه ليس دين رسول‬
‫من عند ال وإنما هو دين ملك أقامه بالسيف‬

‫الوجه التاسع أنه من المعلوم أن السيف ل سيما سيف المسلمين وأهل الكتاب هو ‪#‬‬
‫تابع للعلم والحجة بل وسيف المشركين هو تابع لرائهم واعتقادهم والسيف من‬
‫جنس العمل والعمل أبدا تابع للعلم والرأي ‪ #‬وحينئذ فبيان دين السلم بالعلم وبيان‬
‫أن ما خالفه ضلل وجهل هو تثبيت لصل دين السلم واجتناب لصل غيره من‬
‫الديان التي يقاتل عليها أهلها ومتى ظهر صحته وفساد غيره كان الناس أحد رجلين‬
‫‪ #‬إما رجل تبين له الحق فاتبعه فهذا هو المقصود العظم من إرسال الرسل ‪ #‬وإما‬
‫رجل لم يتبعه فهذا قامت عليه الحجة إما لكونه لم ينظر في أعلم السلم أو نظر‬
‫وعلم فاتبع هواه أو قصر ‪ #‬وإذا قامت عليه الحجة كان أرضى ل ولرسوله وأنصر‬
‫لسيف السلم وأذل لسيف الكفار وإذا قدر أن فيهم من يعجز عن فهم الحجة فهذا إذا‬
‫لم يكن معذورا مع عدم قيامها فهو مع قيامها أولى أن ل يعذر وإن كان معذورا مع‬
‫قيامها فهو مع عدمها أعذر فعلى‬

‫التقديرين قيام الحجة أنصر وأعذر وقد قال تعالى سورة السراء الية ‪ # 15‬وقال‬
‫تعالى سورة النساء الية ‪ # 165‬وقال تعالى سورة المرسلت اليتان ‪ # 6 5‬وقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ما أحد أحب إليه العذر من ال من أجل ذلك أرسل الرسل‬
‫مبشرين ومنذرين‬

‫فصل & ‪ #‬وكان قبل قصة نجران قد آمن به كثير من اليهود والنصارى &‬
‫رؤساؤهم وغير رؤساؤهم لما تبين لهم أنه رسول ال إليهم كما آمن به النجاشي ملك‬
‫الحبشة وكان نصرانيا هو وقومه وكان إيمانه به في أول أمر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لما كان أصحابه مستضعفين بمكة وكان الكفار يظلمونهم ويؤذونهم ويعاقبونهم‬
‫على اليمان بال ورسوله فهاجر منهم طائفة مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن‬
‫عوف والزبير بن العوام وعبد ال بن مسعود وجعفر بن‬

‫أبي طالب وغيرهم من الرجال والنساء إليه وكان ملكا عادل فأرسل الكفار خلفهم‬
‫رسل بهدايا ليردهم إليهم فامتنع من عدله أن يسلمهم إليهم حتى يسمع كلمهم فلما‬
‫سمع كلمهم وما أخبروه به من أمر النبي صلى ال عليه وسلم آمن بالنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وآواهم ‪ #‬ولما سمع القرآن قال إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من‬
‫مشكاة واحدة ولما سألهم عن قولهم في المسيح عليه السلم قالوا نشهد أنه عبد ال‬
‫ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها رجل فقال النجاشي‬
‫لجعفر بن أبي طالب وال ما زاد عيسى بن مريم على ما قلت هذا العود فنخرت‬
‫أصحابه فقال وإن نخرتم وإن نخرتم وبعث ابنه وطائفة من أصحابه إلى النبي‬

‫‪38‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪39‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صلى ال عليه وسلم مع جعفر بن أبي طالب وقدم جعفر على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم عام خيبر وقد ذكر قصتهم جماعة من العلماء والحفاظ كأحمد بن حنبل في‬
‫المسند وابن سعد في الطبقات وأبي نعيم في الحلية وغيرهم وذكرها أهل التفسير‬
‫والحديث والفقه وهي متواترة عند العلماء ‪ #‬قال أحمد حدثني يعقوب بن إبراهيم بن‬
‫سعيد عن أبيه قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن مسلم بن عبد‬

‫ال بن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‬


‫المخزومي عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ورضي ال عنها قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ( النجاشي )‬
‫أمنا على ديننا وعبدنا ال ل نؤذى ول نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا‬
‫أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف‬
‫من متاع مكة وكان أعجب ما يأتيه منها إليه الدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا‬
‫من بطارقته بطريقا إل أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد ال بن أبي ربيعة بن‬
‫المغيرة‬

‫المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وأمروهما أمرهم وقالوا لهما ادفعا‬
‫إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم‬
‫اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم قالت فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده‬
‫بخير دار عند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق إل دفعا إليه هديته قبل أن يكلما‬
‫النجاشي ثم قال لكل بطريق منهم أنه قد صبأ‬

‫إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين‬
‫مبتدع ل نعرفه نحن ول أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم اشراف قومهم لنردهم إليهم‬
‫فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ول يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم‬
‫عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها‬
‫منهما ثم كلماه فقال له أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين‬
‫قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع ل نعرفه نحن ول أنت وقد بعثنا‬
‫إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعل بهم‬
‫عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ‪ #‬قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبد ال‬
‫بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلمنا‬

‫فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك قومهم أعل بهم عينا وأعلم بما عابوا ‪#‬‬
‫عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلدهم وقومهم قالت فغضب النجاشي ثم قال ل‬
‫ها ال أيم ال إذا ل أسلمهم إليهما ول أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلدي واختاروني‬
‫على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولون‬
‫أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت‬

‫‪39‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪40‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جوارهم ما جاوروني ‪ #‬قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا‬
‫جئتموه قالوا نقول وال ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى ال عليه وسلم كائن في‬
‫ذلك ما هو كائن ‪ #‬فلما جاءوه زاد أبو نعيم وقد دعى النجاشي أساقفته‬

‫ومعهم مصاحفهم حوله فلما جاءوه فسألهم فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم‬
‫ولم تدخلوا في ديني ول في دين أحد من هذه المم ‪ #‬قالت فكان الذي كلمه جعفر‬
‫بن أبي طالب فقال ‪ #‬أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الصنام ونأكل الميتة‬
‫ونأتي الفواحش ونقطع الرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على‬
‫ذلك حتى بعث ال إلينا رسول منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى‬
‫ال لنوحده ونعبده نخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والوثان‬
‫وأمرنا بصدق الحديث وأداء المانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن‬
‫المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف‬
‫المحصنات وأمرنا أن نعبد ال ل نشرك به شيئا وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام‬
‫قالت فعدد عليه أمور السلم قال فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا‬
‫ال وحده فلم نشرك به‬

‫شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ‪#‬‬
‫ديننا ليردونا إلى عبادة الوثان عن عبادة ال وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث‬
‫فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك‬
‫على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن ل نظلم عندك أيها الملك قالت فقال‬
‫له النجاشي هل معك مما جاء به عن ال من شيء ‪ #‬قالت فقال له جعفر نعم فقال له‬
‫النجاشي فأقرأه علي فقرأ عليه صدرا من سورة مريم‬

‫سورة مريم اليات ‪40 1‬‬

‫قالت أم سلمة رضي ال عنها فبكى وال النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت ‪#‬‬
‫أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ثم قال النجاشي إن هذا‬
‫والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ثم قال لعبد ال بن أبي ربيعة وعمرو‬
‫بن العاص انطلقا فوال ل أسلمهم إليكما أبدا ول أكاد ‪ #‬قالت أم سلمة فلما خرج من‬
‫عنده قال عمرو بن العاص وال لتينه غدا أعيبهم عنده ثم استأصل به خضراءهم ‪#‬‬
‫قالت فقال له عبد ال بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا ل تفعل فإن لهم أرحاما‬
‫وإن كانوا قد خالفونا قال وال لخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ‪#‬‬
‫قالت ثم غدا عليه الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في‬

‫عيسى بن مريم قول عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه ‪ #‬قالت فأرسل‬
‫إليهم يسألهم عنه ‪ #‬قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ما‬

‫‪40‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪41‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول وال فيه ما قاله ال وما جاء به نبينا‬
‫كائنا في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم‬
‫فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد ال ورسوله وروحه‬
‫وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ‪ #‬قالت فضرب النجاشي يده إلى الرض‬
‫فأخذ منها عودا ثم قال ما عدى عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته‬
‫حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم وال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم‬
‫المنون من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم فما أحب أن لي دبرا‬
‫ذهبا وإني آذيت رجل منكم والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما فل‬
‫حاجة لنا بها فوال ما أخذ ال مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما‬
‫أطاع الناس في فأطيعهم فيه‬

‫قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به وأقمنا عنده بخير دار ‪#‬‬
‫مع خير جار ‪ #‬قالت فوال إنا على ذلك إذ نزل به يعني من ينازعه في ملكه قالت‬
‫فوال ما علمنا حزنا قط كان اشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفنا أن يظهر ذلك‬
‫على النجاشي فيأتي رجل ل يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه ‪ #‬وروى‬
‫عبد ال بن عامر بن الزبير عن أبيه قال لما نزل بالنجاشي عدوه من أرضه جاء‬
‫المهاجرون فقالوا إنا نحن نخرج إليهم فنقاتل معك وترى جزاءنا ونجزيك بما‬
‫صنعت بنا فقال ذو ينصره ال خير من الذي ينصره الناس يقول الذي ينصره ال‬
‫خير من الذي ينصره الناس فأبى ذلك عليهم ‪ ( #‬رجعنا إلى ) حديث أم سلمة قالت‬
‫وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر‬

‫قالت فقال الزبير بن العوام أنا ‪ #‬قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخنا له ‪#‬‬
‫قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى‬
‫القوم ثم انطلق حتى حضرهم ‪ #‬قالت ودعونا ال للنجاشي بالظهور على عدوه‬
‫والتمكين له في بلده ‪ #‬قالت فوال إنا لعلى ذلك متوقعين لما هو كائن إذ طلع‬
‫الزبير يسعى ويلوح بثوبه ويقول أل أبشروا قد ظهر النجاشي وقد أهلك ال عدوه ‪#‬‬
‫فوال ما علمت فرحنا فرحة مثلها قط ‪ #‬قالت فرجع النجاشي وقد أهلك ال عدوه‬
‫ومكن له في بلده واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ #‬وقد روى جمل هذه القصة أبو داود في سننه‬
‫من حديث أبي موسى‬

‫وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال بلغنا مخرج رسول ال صلى ال عليه ‪#‬‬
‫وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أنا أصغرهما في اثنين‬
‫وخمسين رجل من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا‬
‫جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده قال جعفر إن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بعثنا وأمرنا يعني بالقامة فأقيموا معنا قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا قال فوافقنا‬

‫‪41‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪42‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين فتح خيبر فأسهم لنا منها وما قسم لحد غائب‬
‫عن فتح خيبر غيرنا إل لمن شهد معنا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم‬
‫معهم ‪ #‬قال فلما رأى ناس من الناس يقولون لنا يعني أهل السفينة سبقناكم لهجرة‬
‫قال ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زائرة وقد كانت‬
‫هاجرت إلى النجاشي فيمن‬

‫هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من‬
‫هذه قالت أسماء بنت عميس فقال عمر الحبشية هذه البحرية هذه قالت أسماء نعم‬
‫فقال عمر سبقناكم بالهجرة نحن أحق برسول ال صلى ال عليه وسلم فغضبت‬
‫وقالت يا عمر كل وال كنتم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ‬
‫جاهلكم وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في ال تبارك وتعالى وفي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وأيم ال ل أطعم طعاما ول أشرب شرابا حتى أذكر‬
‫ما قلت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم وأسأله وال ل أكذب ول أزيغ ول أزيد على ذلك ‪#‬‬
‫فلما جاء النبي صلى ال عليه وسلم قالت يا رسول ال إن عمر قال كذا وكذا قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فماذا‬

‫قلت له قالت قلت كذا وكذا قال ليس بأحق بي منكم وله ولصحابه هجرة واحدة‬
‫ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ‪ #‬قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة‬
‫يأتونني أرسال يسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ول أعظم‬
‫في أنفسهم مما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ #‬قال أبو بردة قالت أسماء فلقد‬
‫رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني أخرجاه في الصحيحين البخاري‬
‫ومسلم ‪ #‬وأخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم نعى‬
‫لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه‬

‫قال استغفروا لخيكم ‪ #‬وعنه رضي ال عنه قال نعى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫النجاشي يوم توفي وقال استغفروا لخيكم ثم خرج بالناس إلى المصلى فصفوا‬
‫وراءه وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات أخرجاه ‪ #‬وقال جابر بن عبد ال رضي ال‬
‫عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه‬

‫أربعا أخرجاه في الصحيحين‬

‫فصل & ‪ #‬وكان أول ما أنزل ال تعالى عليه صلى ال عليه وسلم الوحي &‬
‫عرضت خديجة امرأته أمره على عالم كبير من علماء النصارى يقال له ورقة بن‬
‫نوفل وكان من العرب المتنصرة فقال هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى بن‬
‫عمران يا ليتني أكون فيها جذعا حين يخرجك قومك يعني ليتني أكون شابا فإنه كان‬
‫شيخا كبيرا قد كف بصره فقال له النبي صلى ال عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم‬

‫‪42‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪43‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم يأت أحد بمثل ما أتيت به إل عودي وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا‬
‫رواه أصحاب الصحيح ‪ #‬وقدم إليه بمكة طائفة من أهل الكتاب من النصارى فآمنوا‬
‫به فآذاهم المشركون فصبروا واحتملوا أذاهم فأنزل ال فيهم‬

‫سورة القصص اليات ‪ # 55 52‬وروى البيهقي في كتاب دلئل النبوة وأعلم ‪#‬‬
‫الرسالة فقال انبأنا أبو عبد ال الحافظ أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب‬

‫أنبأنا أحمد بن عبد الجبار أنبأنا يونس عن ابن اسحاق قال ثم قدم على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عشرون رجل وهو بمكة أو قريب من ذلك من النصارى حين‬
‫ظهر خبره في الحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه ورجال من قريش في‬
‫أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مساءلتهم رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى ال‬
‫وتل عليهم القرآ فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به‬
‫وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا من عنده‬
‫اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا خيبكم ال من ركب بعثكم من وراءكم‬
‫من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى‬
‫فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قال لهم فقالوا‬
‫سلم عليكم ل نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل نألوا لنفسنا إل خيرا ويقال وال‬
‫أعلم أن فيهم نزلت هؤلء اليات‬

‫سورة القصص اليات ‪ # 55 52‬ولما كان بعد عام الحديبية ومهادنة قريش أرسل‬
‫صلى ال عليه وسلم رسله إلى جميع الطوائف فأرسل إلى النصارى نصارى الشام‬
‫ومصر فأرسل إلى هرقل ملك الروم وقد قيل إن هرقل هذا هو الذي زادت‬
‫النصارى له في صومهم عشرة أيام لما اقتتلت الروم‬

‫والفرس وقتل اليهود بعد أن كان قد أمنهم فطلبت منه النصارى قتلهم وضمنوا له أن‬
‫يكفروا خطيئته بما زادوه في الصوم وكانت الفرس مجوسا والروم نصارى وكانت‬
‫المجوس الفرس غلبت النصارى أول وكان هذا في أوائل مبعث النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وهو بمكة وأتباعه قليل ففرح المشركون بانتصار الفرس لنهم أقرب‬
‫إليهم فدخل أبو بكر الصديق رضي ال عنه على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأخبره بانتصار الفرس على الروم فأنزل ال تعالى سورة الروم اليات ‪# 5 1‬‬
‫وكان هذا مما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم قبل أن يكون فكان كما أخبر ولما‬
‫ذكر أبو بكر الصديق رضي ال عنه كذبوه فراهنهم أبو بكر الصديق رضي ال عنه‬
‫كما ذكر هذا المفسرون والمحدثون‬

‫قال سنيد في تفسيره وهو شيخ البخاري حدثنا حجاج عن ابن أبي الزناد عن أبيه ‪#‬‬
‫عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم السلمي أنه قال لما أنزل ال على رسوله‬
‫^ صلى ال عليه وسلم ^ آلم غلبت الروم‬

‫‪43‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪44‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلى قوله ^ وهو العزيز الرحيم ^ ‪ #‬خرج أبو بكر وهو يقرؤها بمكة رافعا بها‬
‫صوته سورة الروم اليات ‪ # 4 1‬فقال له رؤوس أهل مكة ما هذا يا ابن ابي قحافة‬
‫لعله مما يأتي به صاحبك قال ل وال ولكنه كلم ال وقوله تبارك وتعالى قالوا فذلك‬
‫بيننا وبينك إن ظهرت الروم على فارس في بضع سنين فراهنهم أبو بكر ففتح ال‬
‫للروم على فارس دون التسع فأسلم عند ذلك خلق كثير من المشركين ‪ #‬قال ابن‬
‫مكرم وإنما كانت قريش تستفتح يومئذ بالفرس لنهم وإياهم أهل تكذيب بالبعث‬
‫وأهل أصنام وإنما كان المؤمنون يستفتحون يومئذ بالروم لنهم وإياهم أهل نبوة‬
‫وتصديق بالبعث فأنزل ال تعالى‬

‫سورة الروم اليتان ‪ # 5 4‬وهذا الحديث رواه الترمذي في جامعه فقال حدثنا محمد‬
‫بن إسماعيل حدثنا اسماعيل بن اويس قال حدثني ابن ابي الزناد عن أبي الزناد عن‬
‫عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم السلمي قال لما نزلت سورة الروم اليات ‪4 1‬‬
‫‪ #‬فكانت فارس يوم نزلت هذه الية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور‬
‫الروم عليهم لنهم وإياهم أهل كتاب ‪ #‬وذلك قوله تعالى سورة الروم اليتان ‪5 4‬‬

‫وكانت قريش تحب ظهور فارس لنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ول إيمان ببعث ‪#‬‬
‫فلما أ نزل ال هذه الية خرج أبو بكر الصديق رضي ال عنه يصيح في نواحي‬
‫مكة سورة الروم الية ‪ # 4 1‬قال ناس من قريش لبي بكر فذلك بيننا وبينكم زعم‬
‫صاحبكم أن الروم ستغلب فارسا في بضع سنين أفل نراهنك على ذلك فارتهن أبو‬
‫بكر والمشركون فظهرت الروم على فارس في بضع سنين وأسلم عند ذلك ناس‬
‫كثير من المشركين ‪ #‬قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب ل نعرفه إل من‬
‫حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد يعني غريبا من هذا الوجه وإل فهو مشهور‬
‫متواتر عن أهل التفسير والمغازي والحديث والفقه والقصة متواترة عند الناس‬

‫وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيره عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن ‪#‬‬
‫سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم على‬
‫فارس لنهم أهل كتاب وكان المشركون يحبون أن تغلب أهل فارس لنهم أهل‬
‫أوثان قال فذكروا ذلك لبي بكر فذكره أبو بكر للنبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال‬

‫سورة الروم اليات ‪ # 4 1‬فذكره أبو بكر للمشركين فقالوا اجعل بيننا وبينك أجل‬
‫فإن غلبوا كان لك كذا وكذا وإن غلبوا كان لنا كذا وكذا فجعلوا بينهم أجل خمس‬
‫سنين فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى ال عليه وسلم فقال له هل احتطت أفل جعلته‬
‫دون العشرة قال سعيد بن جبير والبضع ما دون العشر قال فغلبت الروم ثم غلبت‬
‫فذلك قوله ^ ألم غلبت الروم ^ ‪ #‬وهذا أيضا أخرجه الترمذي حدثنا الحسين بن‬
‫حريث حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن‬

‫‪44‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال هذا حديث‬
‫حسن صحيح غريب إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة‬
‫‪ #‬ورواه ايضا من حديث الزهري عن عبيد ال بن عبد ال بن عتبة عن ابن عباس‬
‫وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ #‬ورواه أيضا من حديث العمش عن عطية‬
‫عن أبي سعيد‬

‫وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ‪ #‬وذهبت طائفة من العلماء إلى أن‬
‫الخبر جاء بظهور الروم على فارس يوم بدر وذهب آخرون أنه يوم الحديبية وهذا‬
‫هو الصحيح وهرقل كان قد مشى شكرا ل من حمص إلى بيت المقدس لما نصره‬
‫على الفرس فوافاه كتاب النبي صلى ال عليه وسلم يدعوه إلى السلم عقب نصر‬
‫ال للروم على فارس ففرح النبي صلى ال عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ‪ #‬قال‬
‫علماء السير فلما انتصرت الروم وخرج هرقل ملك الروم من منزله من حمص‬
‫ماشيا على قدميه إلى بيت المقدس متشكرا ل‬

‫عز وجل حين رد عليه ما رد ليصلي فيه فلما انتهى إلى بيت المقدس وصلى فيه قدم‬
‫عليه حينئذ كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم مع دحية الكلبي يدعوه إلى السلم‬
‫‪ #‬قال ابن إسحاق حدثني الزهري عن عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود عن‬
‫عبد ال بن عباس قال حدثني أبو سفيان قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب بيننا‬
‫وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم قد حصرتنا حتى هلكت أموالنا فلما كانت‬
‫الهدنة بيننا وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم يعني التي عقدت يوم الحديبية فلما‬
‫عقدت الهدنة أمنا فخرجت في نفر من قريش تاجرا إلى الشام وكان وجه متجرنا‬
‫فقدمتها حين ظهر هرقل على من كان عارضه من فارس فأخرجهم منها وانتزع له‬
‫صليبه العظم وقد كانوا سلبوه إياه فلما بلغه ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ له‬
‫وكانت حمص منزله فخرج منها على قدميه متشكرا ل عز وجل حين رد عليه ما‬
‫رد ليصلي في بيت المقدس وبسط له الطريق بالبسط ويلقى عليها الرياحين فلما‬
‫انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلته ومعه بطارقته وأساقفته قال وقدم عليه كتاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم مع دحية بن خليفة الكلبي فيه بسم ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى‬
‫هرقل عظيم الروم السلم على من اتبع الهدى أما بعد فأسلم تسلم واسلم يؤتك ال‬
‫أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الريسيين يعني الكارين‬

‫قال ابن اسحاق وقال ابن شهاب حدثني أسقف النصارى في زمان عبد الملك بن ‪#‬‬
‫مروان زعم لي أنه أدرك ذلك من أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمر هرقل‬
‫وعقله قال لما قدم عليه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم مع دحية أخذه فجعله‬
‫على خاصرته ثم كتب إلى رجل برومية كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ يذكر له‬
‫أمره ويصف له شأنه ويخبره ما جاء منه قال فكتب إليه صاحب رومية أنه النبي‬

‫‪45‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪46‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الذي ننتظره ل شك فيه فاتبعه وصدقه فأمر هرقل ببطارقة الروم فجمعوا له في‬
‫دسكرة ملكه وأمر بها فأشرجت عليهم أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على‬
‫نفسه وقال يا معشر الروم إني قد جمعتكم لخير إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل‬
‫يدعوني إلى‬

‫دينه وإنه وال للرجل الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا فهلم فلنتبعه لنصدقه فتسلم لنا‬
‫دنيانا وآخرتنا فنخروا نخرة رجل واحد ثم ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها‬
‫فوجدوها قد أغلقت دونهم فقال كروهم علي وخافهم على نفسه فكروا عليه وقال يا‬
‫معشر الروم إنما قلت لكم هذه المقالة التي قلت لكم لنظر كيف صلبتكم على دينكم‬
‫لهذا المر الذي حدث فقد رأيت منكم الذي اسر به فوقعوا سجودا وأمر بأبواب‬
‫الدسكرة ففتحت لهم فانطلقوا ‪ #‬وهذا حديث مشهور من حديث محمد بن إسحاق‬
‫وهو ذو علم وبصيرة بهذا الشأن حفظ مال يحفظه غيره قال ابن إسحاق وأخذ هرقل‬
‫كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعله في قصبة من ذهب وأمسكها عنده‬
‫تعظيما له وهذه القصة مشهورة ذكرها أصحاب الصحاح ‪ #‬ففي البخاري ومسلم‬
‫والسياق للبخاري عن الزهري قال أخبرني عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود‬
‫أن عبد ال بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في‬
‫ركب من قريش وكانوا‬

‫تجارا بالشام في المدة التي كان رسول ال صلى ال عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان‬
‫بن حرب وكفار قريش فأتوه وهو بإيليا فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم‬
‫دعاهم بالترجمان فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو‬
‫سفيان فقلت أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال‬
‫لترجمانه إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه قال أبو سفيان‬
‫فوال لول الحياء من أن يأثروا علي الكذب لكذبت عليه ثم كان أول ما سألني عنه‬
‫أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول أحد منكم قط‬
‫قبله قلت ل قال فهل كان من آبائه من ملك قلت ل قال فاشراف الناس اتبعوه أم‬
‫ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم فقال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل‬
‫يرتد منهم أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت ل قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب‬
‫قبل أن يقول ما قال قلت ل قال فهل يغدر قلت ل ونحن منه في مدة ل ندري ما هو‬
‫فاعل فيها قال ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت‬
‫نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال‬
‫بماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا ال وحده ول تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم‬
‫ويأمرنا بالصلة والصدق والعفاف والصلة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه‬
‫فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في أنساب قومها وسألتك هل قال أحد‬
‫منكم هذا القول‬

‫قبله فذكرت أن ل فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل‬

‫‪46‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪47‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن ل فقلت لو كان في آبائه من ملك‬
‫قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‬
‫فذكرت أن ل فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على ال وسألتك‬
‫أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل‬
‫وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر اليمان حتى يتم‬
‫وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن ل وكذلك اليمان حين‬
‫يخالط بشاشته القلوب ل يسخطه أحد وسألتك هل يغدر فذكرت أن ل وكذلك الرسل‬
‫ل تغدر وسألتك بم يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئا‬
‫وينهاكم عن عبادة الوثان ويأمركم بالصلة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا‬
‫فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم فلو أني‬
‫أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ‪ #‬ثم دعى‬
‫بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم‬
‫بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل‬

‫فقرأه فإذا فيه بسم ال الرحمن الرحيم من محمد عبد ال ورسوله إلى هرقل عظيم‬
‫الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم أسلم‬
‫يؤتك ال أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا‬
‫إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن ل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا‬
‫بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‪ #‬قال أبو سفيان فلما‬
‫قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الصوات وأخرجنا‬
‫فقلت لصحابي حين أخرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافة ملك بني الصفر‬
‫فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل ال علي السلم‬

‫وكان ابن الناطور صاحب إيلياء أسقفا على نصارى أهل ‪#‬‬

‫الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس فقال له بعض بطارقته‬
‫قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم‬
‫حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن‬
‫يختتن من هذه المة قالوا ليس يختتن إل اليهود فل يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن‬
‫ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود فبيناهم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك‬
‫غسان يخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال اذهبوا‬
‫فانظروا أمختتن هو أم ل فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن وسأله عن العرب قال هم‬
‫مختتنون فقال هرقل هذا ملك هذه المة قد ظهر ثم كتب هرقل إلى صاحب له‬
‫برومية وكان هرقل نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص حتى أتاه كتاب من‬
‫صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى ال عليه‬

‫وسلم وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها‬

‫‪47‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪48‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فغلقت ثم اطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلح والرشد وأن يثبت‬
‫ملككم فتتابعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى البواب فوجدوها قد‬
‫غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم ويئس من اليمان منهم قال ردوهم علي وقال إني قلت‬
‫مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عليه فكان هذا‬
‫آخر شأن هرقل ‪ #‬قلت وكان هرقل من أجل ملوك النصارى في ذلك الوقت وقد‬
‫أخبر غير واحد أن هذا الكتاب إلى الن باق عند ذرية هرقل في أرفع صوان وأعز‬
‫مكان يتوارثونه كابرا عن كابر وأخبر غير واحد أن هذا الكتاب باق إلى الن عند‬
‫الفنش‬

‫صاحب قشتالة وبلد الندلس يفتخرون به وهذا أمر مشهور معروف ‪ #‬وقد روى‬
‫سنيد وهو شيخ البخاري في تفسيره قال حدثنا هشام قال أخبرنا حصين عن عبد ال‬
‫بن شداد بن الهاد قال لما كتب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هرقل فقرأ كتابه‬
‫وجمع الروم فأبوا عليه قال فلما كان يوم الحد لم يحضر أسقفهم‬

‫الكبير وتمارض فأرسل إليه فأبى ثم أرسل إليه فأبى ثلث مرات فركب إليه فقال له‬
‫أليس قد عرفت أنه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال بلى قال أليس قد رأيت ما‬
‫ركبوا مني فأنت أطوع فيهم مني فتعال فادعهم قال وتأذن لي في ذلك قال نعم قال‬
‫اذهب هو ذا أجيء قال فجاء بسواده إلى كنيستهم العظمى فلما رأوه خروا له سجدا‬
‫الملك وغيره فقام في المذبح فقال يا أبناء الموتى هذا النبي الذي بشر به عيسى وأنا‬
‫أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فنخروا ووثبوا إليه فعضوه بأفواههم‬
‫حتى قتلوه قال وجعلوا يخرجون أضلعه بالكلبتين حتى مات‬

‫فصل & ‪ #‬وأرسل النبي صلى ال عليه وسلم رسول أيضا إلى ملك مصر &‬
‫المقوقس ملك النصارى في ذلك الوقت بالسكندرية وكان رسوله إليه حاطب بن‬
‫أبي بلتعة رضي ال عنه قال حاطب قدمت على المقوقس واسمه جريح بن مينا‬
‫بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت له إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب‬
‫العلى فأخذه ال نكال الخرة والولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر‬

‫بغيرك ول يعتبر بك قال هات قلت إن لك دينا لن تدعه إل لما هو خير منه وهو‬
‫السلم الكافي بعد ما سواه إن هذا النبي دعا الناس إلى ال فكان اشدهم عليه قريش‬
‫وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إل‬
‫كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إل كدعائك أهل التوراة إلى‬
‫النجيل وكل من أدرك نبيا فهو من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركت‬
‫هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به ثم ناوله كتاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فلما قرأه قال خيرا قد نظرت في هذا فوجدته ل يأمر بمزهود‬
‫فيه ول ينهى عن مرغوب فيه ولم أجده بالساحر الضال ول الكاهن الكاذب ووجدت‬
‫معه آلة النبوة ثم جعل الكتاب في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى خازنه وكتب‬

‫‪48‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪49‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جوابه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد علمت أن نبيا قد بقي وقد أكرمت‬
‫رسولك وأهدي للنبي صلى ال عليه وسلم جاريتين وبغلة تسمى الدلدل فقبل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم هديته واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه‬
‫فولدت منه إبراهيم وأعطى الخرى لحسان بن ثابت فولدت منه عبد الرحمن‬
‫وعاشت البغلة إلى زمن معاوية فقال النبي صلى ال‬

‫عليه وسلم ضن الخبيث بملكه ول بقاء لملكه ‪ #‬قال محمد بن سعد حدثنا محمد بن‬
‫عمر قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال لما رجع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من الحديبية في ذي القعدة سنة ست من‬

‫الهجرة بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس القبطي صاحب السكندرية وكتب‬
‫إليه معه كتابا يدعوه فيه إلى السلم فلما قرأ الكتاب قال له خيرا وأخذ الكتاب وكان‬
‫مختوما فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى خازنه وكتب إلى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم جواب كتابه ولم يسلم وأهدى إلى النبي صلى ال عليه وسلم ما تقدم‬
‫ذكره ‪ #‬فكل من الملكين عظم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وتواضع له‬
‫ولكتابه واعترف بأنه الرسول المنتظر الذي بشرت به النبياء عليهم السلم ‪ #‬وقد‬
‫كان المقوقس يعرف أنه حق بما يسمع من صفاته من أهل الكتاب ولكن ضن بملكه‬
‫ولم يؤمن وكان قد خرج إليه المغيره قبل إسلم المغيرة فحدثه بذلك ‪ #‬قال محمد بن‬
‫عمر الوقدي حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الملك‬
‫بن عيسى وعبد ال بن‬

‫عبد الرحمن ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم كل قد حدثني من هذا‬


‫الحديث بطائفة منه قال قال المغيرة بن شعبة في خروجه إلى المقوقس مع بني مالك‬
‫وأنهم لما دخلوا على المقوقس قال كيف خلصتم إلي من طائفتكم ومحمد وأصحابه‬
‫بيني وبينكم قالوا لصقنا بالبحر وقد خفناه على ذلك قال فكيف صنعتم فيما دعاكم‬
‫إليه قالوا ما تبعه منا رجل واحد ‪ #‬قال ولم ذاك قالوا جاءنا بدين مجدد ل تدين به‬
‫الباء ول يدين به الملك ونحن على ما كان عليه آباؤنا قال فكيف صنع قومه قالوا‬
‫تبعه أحداثهم وقد لقاه من خلفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن مرة تكون‬
‫عليهم الدائرة ومرة تكون له قال أل تخبروني إلى ماذا يدعو إليه قالوا يدعونا إلى‬
‫أن نعبد ال وحده ل شريك له ونخلع ما كان يعبد الباء ويدعو إلى الصلة والزكاة‬
‫قال وما الصلة والزكاة ألها وقت يعرف وعدد تنتهي إليه قالوا يصلون في اليوم‬
‫والليلة خمس صلوات كلها لمواقيت وعدد قد سموه‬

‫له ويؤدون من كل مال بلغ عشرين مثقال نصف مثقال وأخبروه بصدقة الموال‬
‫كلها قال أفرأيتم أذا أخذها أين يضعها قالوا يردها على فقرائهم ويأمر بصلة الرحم‬
‫ووفاء العهد وتحريم الزنا والخمر ول يأكل مما ذبح لغير ال فقال المقوقس هذا نبي‬
‫مرسل إلى الناس ولو أصاب القبط والروم اتبعوه وقد أمرهم بذلك عيسى بن مريم‬

‫‪49‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪50‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا الذي تصفون منه بعث به النبياء من قبله وستكون له العاقبة حتى ل ينازعه‬
‫أحد ويظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومنقطع البحور ويوشك قومه أن‬
‫يدافعون بالراح قالوا فلو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا قال المغيرة فأنغض‬
‫المقوقس رأسه وقال أنتم في اللعب ثم قال كيف نسبه في قومه قلنا هو أوسطهم نسبا‬
‫قال كذلك والمسيح النبياء تبعث في نسب قومها ثم قال فكيف حديثه قال قلنا ما‬
‫يسمى إل المين من صدقه قال انظروا في أمركم أترونه يصدق فيما بينكم وبينه‬
‫ويكذب على ال قال فمن تبعه قلنا الحداث قال هم والمسيح أتباع النبياء قبله قال‬
‫فما فعلت‬

‫يهود يثرب فهم أهل التوراة قلنا خالفوه فأوقع بهم فقتلهم وسباهم وتفرقوا في كل‬
‫وجه قال هم قوم حسدة حسدوه أما انهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف قال المغيرة‬
‫فقمنا من عنده وقد سمعنا كلما ذللنا لمحمد صلى ال عليه وسلم وخضعنا له وقلنا‬
‫ملوك العجم يصدقونه ويخافونه في بعد أرحامهم منه ونحن أقرباؤه وجيرانه ولم‬
‫ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا قال المغيرة فرجعت إلى منزلنا فأقمت‬
‫بالسكندرية ل أدع كنيسة إل دخلتها وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون‬
‫من صفة محمد صلى ال عليه وسلم وكان أسقف من القبط هو رأس كنيسة يوحنا‬
‫كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم لم أر قط أشد اجتهادا منه فأتيته فقلت هل بقي أحد‬
‫من النبياء قال نعم هو آخر النبياء ليس بينه وبين عيسى بن مريم أحد وهو نبي‬
‫مرسل وقد أمرنا عيسى باتباعه وهو النبي المي العربي اسمه أحمد ليس بالطويل‬
‫ول بالقصير في عينيه حمرة وليس بالبيض ول بالدم يعفي شعره ويلبس ما غلظ‬
‫من الثياب ويجتزي بما‬

‫لقي من الطعام سيفه على عاتقه ول يبالي من لقى يباشر القتال بنفسه ومعه‬
‫اصحابه يفدونه بأنفسهم هم له أشد حبا من أولدهم وآبائهم يخرج من أرض حرم‬
‫ويأتي إلى حرم يهاجر إلى أرض سباخ ونخل يدين بدين إبراهيم عليه السلم قال‬
‫المغيرة فقلت له زدني في صفته قال يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه ويخص بما‬
‫ل تخص به النبياء قبله كان النبي يبعث إلى قومه ويبعث هو إلى الناس كافة‬
‫وجعلت له الرض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلة تيمم وصلى ومن كان قبله‬
‫مشددا عليهم ل يصلون إل في الكنائس والبيع قال المغيرة بن شعبة فوعيت ذلك كله‬
‫من قوله وقول غيره وما سمعت من ذلك ‪ #‬فذكر الواقدي حديثا طويل في رجوعه‬
‫وإسلمه وما أخبر به من‬

‫صفات النبي صلى ال عليه وسلم وكان ذلك يعجب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ويحب أن يسمعه أصحابه قال المغيرة فكنت أحدثهم بذلك وهذا أمر معروف عند‬
‫علماء أهل الكتاب وعظمائهم ‪ #‬وقد أخرج أبو حاتم في صحيحه عن عمرو بن‬
‫العاص أنه قال خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا السكندرية فقال‬
‫عظيم من عظمائهم أخرجوا إلي رجل يكلمني وأكلمه فقلت ل يخرج إليه غيري قال‬

‫‪50‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪51‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فخرجت إليه ومعي ترجماني ومعه ترجمانه فقال ما أنتم فقلت نحن العرب ونحن‬
‫أهل الشوك ونحن أهل بيت ال الحرام كنا أضيق الناس أرضا وأجهدهم عيشا نأكل‬
‫الميتة والدم ويغير بعضنا على بعض حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ ول‬
‫بأكثرنا مال فقال أنا رسول ال إليكم فأمرنا بما ل نعرف ونهانا عما كنا عليه وكان‬
‫عليه آباؤنا فكذبناه ورددنا عليه مقالته حتى خرج إليه قوم غيرنا فقاتلنا وظهر علينا‬
‫وغلبنا وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم ولو يعلم من ورائي من‬
‫العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إل جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من‬
‫العيش فضحك ثم قال إن رسولكم قد صدق قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به‬
‫رسولكم فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إل غلبتموه ولن يشارككم أحد إل‬
‫ظهرتم عليه وإن فعلتم مثل الذي فعلنا وتركتم أمر نبيكم لم تكونوا أكثر عددا منا ول‬
‫أشد منا قوة‬

‫فصل & ‪ #‬ثم بعد الرسال إلى الملوك أخذ صلى ال عليه وسلم في غزو &‬
‫النصارى فأرسل أول زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد ال بن رواحة في‬
‫جيش فقاتلوا النصارى بمؤتة من أرض الكرك وقال لصحابه وقال لصحابه‬
‫أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد ال بن رواحة فقتل الثلثة وأخبر النبي‬
‫صلى ال عليه‬

‫وسلم بقتل الثلثة في اليوم الذي قتلوا فيه وأخبر أنه أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح‬
‫ال على يديه ثم أنه بعد هذا غزا النصارى بنفسه وأمر جميع المسلمين أن يخرجوا‬
‫معه في الغزاة ولم يأذن في التخلف عنه لحد وغزا في عشرات ألوف غزوة تبوك‬
‫فقدم تبوك وأقام بها عشرين ليلة ليغزو النصارى عربهم ورومهم وغيرهم وأقام‬
‫ينتظرهم ليقاتلهم فسمعوا به وأحجموا عن قتاله ولم يقدموا عليه ‪ #‬وأنزل ال تعالى‬
‫في ذلك أكثر سورة براءة وذم تعالى الذين تخلفوا عن جهاد النصارى ذما عظيما ‪#‬‬
‫والذين لم يروا جهادهم طاعة جعلهم منافقين كافرين ل يغفر ال لهم إذا لم يتوبوا‬
‫وقال لنبيه صلى ال عليه وسلم‬

‫سورة المنافقون الية ‪ # 6‬وقال تعالى سورة التوبة الية ‪ # 84‬فإذا كان هذا ‪#‬‬
‫حكم ال ورسوله فيمن تخلف عن جهادهم إذ لم يره طاعة ول رآه واجبا فكيف‬
‫حكمه فيهم أنفسهم حتى قال تعالى سورة التوبة الية ‪24‬‬

‫ثم عند موته صلى ال عليه وسلم أمرنا بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة ‪#‬‬
‫العرب ‪ #‬ففي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب قال سمعت النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول لخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى ل أدع إل مسلما ‪#‬‬
‫وروى المام أحمد وأبو عبيد عن أبي عبيدة بن الجراح رضي ال عنه قال آخر ما‬
‫تكلم به رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أخرجوا يهود أهل الحجاز ونصارى‬
‫أهل نجران من جزيرة العرب‬

‫‪51‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪52‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقام خلقاؤه رضي ال عنهم بعده بدينه صلى ال عليه وسلم فأرسل أبو بكر ‪#‬‬
‫الصديق الجيوش لغزو النصارى بالشام وجرت بين المسلمين وبينهم عدة غزوات‬
‫ومات أبو بكر وهم محاصرو دمشق ثم ولي عمر بن الخطاب ففتح عامة الشام‬
‫ومصر العراق وبعض خراسان في خلفته وقدم إلى الشام في خلفته وسلم إليه‬
‫النصارى بيت المقدس لما رأوه من صفته عندهم ‪ #‬قال أبو عبد ال محمد بن عائذ‬
‫في كتاب الفتوح قال قال‬

‫عطاء الخراساني لما نزل المسلمون بيت المقدس قال لهم رؤساؤهم إنا قد أجمعنا‬
‫لمصالحتكم وقد عرفتم منزل بيت المقدس وأنه المسجد الذي أسري بنبيكم إليه ونحن‬
‫نحب أن يفتحها ملككم وكان الخليفة عمر بن الخطاب فبعث المسلمون وفدا وبعث‬
‫الروم أيضا وفدا مع المسلمين حتى أتوا المدينة فجعلوا يسألون عن أمير المؤمنين‬
‫فقال الروم لترجمانهم عمن يسألون قالوا عن أمير المؤمنين فاشتد عجبهم وقالوا هذا‬
‫الذي غلب فارس والروم وأخذ كنوز كسرى وقيصر وليس له مكان يعرف به بهذا‬
‫غلب المم فوجدوه قد ألقى نفسه حين أصابه الحر نائما فازدادوا تعجبا فلما قرأ‬
‫كتاب أبي عبيدة أقبل حتى نزل بيت المقدس وفيها اثنا عشر ألفا من الروم وخمسون‬
‫ألفا من أهل الرض فصالحهم وكان من جملة المصالحة أن ل يدخل عليهم من‬
‫اليهود أحد ثم دخل المسجد فوجد‬

‫زبالة عظيم على الصخرة فأمر بكنس الزبالة وتنظيف المسجد وأمر ببنائه وجعل‬
‫مصله في مقدمه ثم رجع إلى المدينة وقصته مشهورة في كتاب الفتوحات ثم قدم‬
‫مرة ثانية إلى أرض الشام لما تم فتحه فشارط بوضع الخراج وفرض الموال‬
‫وشارط أهل الذمة على شروط المسلمين فأتم بها المسلمون بعده ‪ #‬وقد ذكرها أهل‬
‫السير وغيرهم فروى سفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال‬
‫كتبت لعمر بن الخطاب رضي ال عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه‬
‫أن ل يحدثوا في مدينتهم ول حولها ديرا ول كنيسة‬

‫ول قلية ول صومعة راهب ول يجددوا ما خرب ول يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد‬
‫من المسلمين ثلث ليال يطعمونهم ول يؤوا جاسوسا ول يكتموا غشا للمسلمين ول‬
‫يعلموا أولدهم القرآن ول يظهروا شركا ول يمنعوا ذوي قرابتهم من السلم أن‬
‫أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم إذا أرادوا الجلوس ول يتشبهوا‬
‫بالمسلمين بشيء من لباسهم في قلنسوة ول عمامة ول نعلين ول فرق شعر ول‬
‫يتسموا بأسماء المسلمين ول يكتنوا بكناهم ول يركبوا سرجا ول يتقلدوا سيفا ول‬
‫يتخذوا شيئا من سلح‬

‫ول ينقشوا خواتيمهم بالعربية ول يبيعوا الخمور وأن يجذوا مقادم رؤوسهم وأن‬
‫يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير ول يجاوروا المسلمين بموتاهم ول‬

‫‪52‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪53‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يضربوا بالناقوس إل ضربا خفيفا ‪ #‬ول يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في‬
‫شيء من حضرة المسلمين ول يخرجوا شعانين ول يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ول‬
‫يظهروا النيران معهم ول يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين فإن‬
‫خالفوا في شيء مما شرطوه فل ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل‬
‫المعاندة والشقاق أخرجه ابو داوود في سننه‬

‫وقال أبو عبيد في كتاب الموال حدثنا النضر بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن ‪#‬‬
‫إسحاق عن خليفة بن‬

‫قيس قال كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يأمر فأكتب إلى أهل المصار في‬
‫أهل الكتاب أن يجزوا نواصيهم وأن يربطوا الكستيجات في أوساطهم ليعرف زيهم‬
‫من زي أهل الكتاب ‪ #‬وحدثنا أبو المنذر ومصعب بن المقدام كلهما عن سفيان‬

‫عن عبيد ال بن عمر عن نافع عن أسلم قال كتب عمر إلى أمراء الجناد أن يختموا‬
‫رقاب أهل الذمة ‪ #‬قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن عبد ال بن عمر عن نافع‬
‫عن أسلم أن عمر أمر في أهل الذمة أن يجزوا نواصيهم وأن يركبوا على الكف‬
‫وأن يركبوا عرضا ل يركبوا كما يركب المسلمون وأن يوثقوا المناطق ‪ #‬قال أبو‬
‫عبيد يعني الزنانير‬

‫وكما كتب عمر بن الخطاب رضي ال عنه على أهل الذمة هذه الشروط ‪#‬‬
‫والتزموها أوصى بهم نوابه ومن يأتي بعده من الخلفاء وغيرهم وهذا هو العدل‬
‫الذي أمر ال به ورسوله ‪ #‬ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال في‬
‫خطبته عند وفاته وأوصي الخليفة من بعدي بذمة ال وذمة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم ول يكلفوا إل طاقتهم ‪ #‬وهذا‬
‫امتثال لقول النبي صلى ال عليه وسلم أل من ظلم معاهدا أو انتقصه من حقه أو‬
‫كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة رواه أبو‬
‫داود‬

‫فكان هذا في النصارى الذين أدوا إليه الجزية ‪ #‬وعمر بن الخطاب لما فتح الشام ‪#‬‬
‫وأدوا إليه الجزية عن يد وهم صاغرون أسلم منهم خلق كثير ل يحصي عددهم إل‬
‫ال تبارك وتعالى فإن العامة والفلحين وغيرهم كان عامتهم نصارى ولم يكن في‬
‫المسلمين من يعمل فلحة ولم يكن للمسلمين في دمشق مسجد يصلون فيه إل مسجد‬
‫واحد لقلتهم ثم صار أكثر أهل الشام وغيرهم مسلمين طوعا ل كرها فإن إكراه أهل‬
‫الذمة على السلم غير جائز كما قال تعالى سورة البقرة اليتان ‪257 256‬‬

‫قال أبو عبيد في كتاب الموال عن ابن الزبير قال كتب النبي صلى ال عليه ‪#‬‬
‫وسلم إلى أهل اليمن أنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم‬

‫‪53‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪54‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وعليه ما عليهم ومن كان على يهودية أو نصرانية فإنه ل يفتن عنها وعليه الجزية‬

‫فصل & ‪ #‬وقاتل عمر بن الخطاب الفرس المجوس وفتح أرضهم وظهر تصديق &‬
‫خبر رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال إذا هلك كسرى فل كسرى بعده وإذا‬
‫هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل ال عز وجل‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ #‬وهذا بعد أن بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم رسوله‬
‫إلى المجوس وكتب كتابا إلى كسرى ملك الفرس كما كتب إلى ملوك النصارى كما‬
‫تقدم عن قيصر والمقوقس ولكن ملوك النصارى تأدبوا معه وخضعوا له فبقي ملكهم‬
‫وأما ملك الفرس فمزق كتابه فدعا‬

‫عليهم فقال اللهم مزق ملكهم كل ممزق فلم يبق لهم ملك ‪ #‬قال ابن عباس بعث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عبد ال بن حذافة بكتابه إلى كسرى فدفعه إلى عظيم‬
‫البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه يعني كسرى مزقه فدعا عليهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق ‪ #‬وقال ابن إسحاق كتب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فأما كسرى فلما قرأ الكتاب‬
‫مزقه وأما قيصر لما قرأ الكتاب طواه ووضعه عنده فبلغ ذلك رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال أما هؤلء يعني كسرى فيمزقون وأما هؤلء فستكون لهم بقية ‪ #‬قال‬
‫ابن إسحاق بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم‬

‫عبد ال بن حذافة بن قيس السهمي إلى كسرى بن هرمز ملك الفرس وكتب ‪ #‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم من محمد رسول ال إلى كسرى عظيم فارس سلم على من اتبع‬
‫الهدى وآمن بال ورسوله واشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده‬
‫ورسوله فإني أدعوك بدعاية ال فإني رسول ال إلى الناس كافة لنذر من كان حيا‬
‫ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ‪ #‬فلما قرأ‬
‫كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم شققه وقال يكتب إلي بهذا الكتاب وهو عبدي‬

‫قلت وسبب قول كسرى هذا استعلئه أن الحبشة كانوا قد ملكوا اليمن وملكهم ‪#‬‬
‫سار إلى مكة بالفيل ليخرب البيت وكانوا نصارى فأرسل ال عليهم من ناحية البحر‬
‫طيرا أبابيل وهي جماعات في تفرقة تحمل حجارة من طين فألقتها على الحبشة‬
‫النصارى فأهلكتهم وكان هذا آية عظيمة خضعت بها المم للبيت وجيران البيت ‪#‬‬
‫وعلم العقلء أن هذا لم يكن نصرا من ال لمشركي العرب فإن دين النصارى خير‬
‫من دينهم وإنما كان نصرا للبيت وللمة المسلمة التي تعظمه وللنبي المبعوث من‬
‫البيت وكان ذلك عام مولد النبي صلى ال عليه وسلم فأنزل ال في ذلك سورة الفيل‬
‫‪ #‬ثم أن سيف بن ذي يزن ذهب إلى كسرى وطلب منه جيشا‬

‫يغزو به الحبشة فأرسل معه عسكرا من الفرس والمجوس فأخرجوا الحبشة من‬
‫اليمن فصارت بيد العرب وبها نائب كسرى وسيف بن ذي يزن هذا ممن بشر‬

‫‪54‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪55‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالنبي صلى ال عليه وسلم قبل ظهوره وأخبر بذلك جده عبد المطلب لما وفد عليه‬
‫‪ #‬فلما كانت اليمن مطيعة لكسرى لهذا أرسل إلى نائبه على اليمن أن يأتيه بالنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم لن عسكر اليمن في العادة يقهر أهل مكة والمدينة ‪ #‬قال ابن‬
‫إسحاق فبلغني أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال مزق ال ملكه حين بلغه أنه‬
‫شقق كتابه ‪ #‬ثم كتب كسرى إلى باذان وهو على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل‬
‫الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتياني به قال فبعث‬

‫باذان قهرمانه وهو بابويه وقال غيره فيروز الديلمي وكان حاسبا كاتبا وبعث معه‬
‫برجل من الفرس وكتب معهما إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمره ان‬
‫ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه ويلك أنظر ما الرجل وكلمه وائتني بخبره‬
‫‪ #‬قال فخرجا حتى قدما إلى الطائف فسأل عن النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا هو‬
‫بالمدينة واستبشروا يعني الكفار وقالوا قد نصب له كسرى كفيتم الرجل فخرجا حتى‬
‫قدما المدينة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فكلمه بابويه وقال إن شاهنشاه ملك‬
‫الملوك كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني‬
‫إليك فانطلق معي فإن فعلت كتب معك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به‬
‫وإن أبيت فهو من قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلدك ‪ #‬وكانا قد‬
‫دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأبقيا شواربهما فكره‬
‫النظر إليهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال لهما ويلكما من أمركما بهذا قال‬
‫أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى فقال لهما رسول ال صلى ال عليه وسلم‬

‫لكن ربي عز وجل أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى‬
‫تأتياني الغد ‪ #‬قال وجاء الخبر من السماء أن ال عز وجل سلط على كسرى ابنه‬
‫شيرويه فقتله في شهر كذا في ليلة كذا في ساعة كذا فلما أتيا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال لهما إن ربي قتل ربكما ليلة كذا في شهر كذا بعدما مضى من الليل‬
‫كذا سلط عليه ابنه شيرويه فقتله فقال له هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا منك ما هو‬
‫أيسر من هذا فنكتب بهذا عنك ونخبر الملك به قال نعم أخبراه ذلك عني وقول له إن‬
‫ديني وسلطاني سيلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهي إلى منتهي الخف والحافر وقول له‬
‫إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من البناء وأعطى رفيقه‬
‫منطقة من ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على‬
‫باذان وأخبراه الخبر‬

‫فقال وال ما هذا بكلم ملك وإني لرى الرجل نبيا كما يقول ولننظرن ما قد قال ‪#‬‬
‫فلئن كان ما قد قال حقا ما بقي فيه كلم إنه لنبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه‬
‫رأينا فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه ‪ #‬أما بعد فإنني قد قتلت كسرى ولم‬
‫أقتله إل غضبا لفارس لما كان قد استحل قتل أشرافهم وتجهيزهم في بعوثهم فإذا‬
‫جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب‬
‫إليك فيه فل تهجه حتى يأتيك أمري فيه فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال إن‬

‫‪55‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪56‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا الرجل لرسول ال وأسلم ل وأسلمت أبناء فارس من كان منهم باليمن‬

‫وقال أبو معشر حدثني المقبري قال جاء فيروز الديلمي إلى رسول ال صلى ال ‪#‬‬
‫عليه وسلم فقال إن كسرى كتب إلى باذان بلغني أن في أرضك رجل تنبأ فاربطه‬
‫وابعث به إلي فقال له‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إن ربي غضب على ربك فقتله فدمه بنحره سخن‬
‫الساعة فخرج من عنده فسمع الخبر فأسلم وحسن إسلمه وكان رجل صالحا له في‬
‫السلم آثار جميلة منها قتل السود العنسي الكذاب الذي ادعى النبوة في عهد النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وكان السود جبارا استدعى بأبي مسلم الخولني فقال له أتشهد‬
‫أني رسول ال فقال أبو مسلم ما أسمع فقال له أتشهد أن محمدا رسول ال قال نعم‬
‫فردد ذلك عليه مرارا فأمر بنار عظيمة فأضرمت ثم أمر بإلقاء أبي مسلم فيها فلم‬
‫تضره فأخمدها ال تعالى حين ألقي فيها فقيل له أخرج هذا عنك من أرضك لئل‬
‫يفسد عليك أتباعك فأخرجه ‪ #‬فقدم أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول ال صلى ال‬
‫عليه‬

‫وسلم واستخلف أبو بكر فأناخ راحلته بباب المسجد ثم دخل المسجد فقام يصلي إلى‬
‫سارية فبصر به عمر فقام إليه فقال ممن الرجل قال من أهل اليمن قال ما فعل الذي‬
‫حرقه الكذاب قال ذلك عبد ال بن ثوب قال نشدتك بال أنت هو قال اللهم نعم‬
‫فاعتنقه ثم بكى ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر فقال الحمد ل الذي لم‬
‫يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى ال عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم‬
‫خليل الرحمن‬

‫ثم خرج فيروز الديلمي على السود العنسي فقتله وجاء الخبر إلى رسول ال ‪#‬‬
‫صلى ال عليه وسلم بقتله وهو في مرض موته فخرج فأخبر أصحابه وقال قتل‬
‫السود العنسي الليلة رجل صالح من قوم صالحين وقصته مشهورة وكذلك قصة‬
‫مسيلمة الكذاب ونحوهما من المتنبئين الكذابين‬

‫فصل & ‪ #‬ولما فتح خلفاء النبي صلى ال عليه وسلم عمر وعثمان العراق &‬
‫وخراسان ضربوا الجزية على المجوس كما ضربوها على النصارى بعد أن دعوهم‬
‫إلى السلم كما دعاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكما ضرب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم الجزية على اليهود والنصارى والمجوس بعد أن دعاهم إلى ال عز وجل‬
‫فإنه صلى ال عليه وسلم بعث العلء بن الحضرمي إلى‬

‫المنذر بن ساوى العبدي صاحب هجر وهي قرية بالبحرين بكتابه صلى ال عليه‬
‫وسلم يدعوه إلى السلم قال العلء فلما دخلت عليه قلت يا منذر إنك عظيم العقل‬
‫في الدنيا فل تصغرن عن الخرة إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب‬

‫‪56‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪57‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ول علم أهل الكتاب ينكحون ما يستحى من نكاحه ويأكلون ما يتكرم عن أكله‬
‫ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ولست بعديم عقل ول رأي فانظر هل‬
‫ينبغي لمن ل يكذب أن تصدقه ولمن ل يخون أن تأمنه ولمن ل يخلف أن تتثق به‬
‫فإن كان هذا هكذا فهذا هو‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم المي الذي وال ل يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر‬
‫به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إن ذلك‬
‫منه على أمنية اهل العقل وفكر أهل البصر ‪ #‬فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي‬
‫في يدي فوجدته للدنيا دون الخرة ونظرت في دينكم فوجدته للخرة والدنيا فما‬
‫يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الممات ولقد عجبت أمس ممن يقبله‬
‫وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر ثم‬
‫اسلم المنذر وكتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم بالسلم والتصديق ‪ #‬وقال عمرو‬
‫بن عوف بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا عبيدة إلى البحرين فأتى بجزيتها‬
‫وكان رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلء بن الحضرمي فقدم‬
‫أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت النصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلة الصبح‬
‫مع النبي صلى ال عليه وسلم فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حين رآهم وقال أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء‬
‫بشيء قالوا أجل يا رسول ال قال أبشروا وأملوا ما يسركم فوال ل الفقر أخشى‬
‫عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها‬
‫كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم أخرجاه في الصحيحين ‪ #‬وأخرج البخاري عن‬
‫بجالة بن عبدة أنه قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي‬
‫محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد‬

‫الرحمن بن عوف أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ‪#‬‬
‫وقال ابن شهاب أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية من مجوس هجر وأخذ‬
‫عمر بن الخطاب الجزية من مجوس فارس وأخذها عثمان بن عفان من البربر ‪#‬‬
‫قال ابن شهاب أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما بلغنا وكانوا‬
‫نصارى وقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا‬
‫مجوسا ثم أدى أهل أيلة‬

‫وأهل أذرح إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الجزية في غزوة تبوك وبعث خالد‬
‫بن الوليد إلى أهل دومة الجندل فأسروا رئيسهم أكيدر فبايعوه على الجزية‬

‫قال أبو عبيد الجزية مأخوذه من أهل الكتاب بالتنزيل ومن المجوس والبربر ‪#‬‬
‫وغيرهم بالسنة‬

‫‪57‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪58‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل & ‪ #‬وأخرج مسلم عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم كتب إلى كسرى &‬
‫وقيصر والنجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى ال عز وجل وليس بالنجاشي الذي‬
‫نعاه لصحابه في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف وصلى عليه‬
‫بل النجاشي آخر تملك بعده ‪ #‬وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال فضلت على النبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب‬
‫وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الناس كافة‬
‫وختم بي النبيون‬

‫وقال صلى ال عليه وسلم كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس ‪#‬‬
‫عامة ‪ #‬وقال تعالى سورة العراف الية ‪ # 158‬وقال تعالى سورة سبأ الية ‪28‬‬
‫‪ #‬وفي القرآن من دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن دعوة المشركين‬
‫وعباد الوثان وجميع النس والجن ما ل يحصى إل بكلفة‬

‫وهذا كله معلوم بالضطرار من دين السلم فكيف يقال إنه لم يذكر أنه بعث إل ‪#‬‬
‫إلى العرب خاصة وهذه دعوته ورسله وجهاده لليهود والنصارى والمجوس بعد‬
‫المشركين وهذه سيرته صلى ال عليه وسلم فيهم ‪ #‬وأيضا فالكتاب المتواتر عنه‬
‫وهو القرآن يذكر فيه دعاءه لهل الكتاب إلى اليمان به في مواضع كثيرة جدا بل‬
‫يذكر ال تبارك وتعالى فيه كفر من كفر من اليهود والنصارى ويأمر فيه بقتالهم‬
‫كقوله تعالى سورة المائدة الية ‪ # 17‬وقوله في هذه السورة أيضا‬

‫سورة المائدة الية ‪ # 77 72‬وقال تعالى في سورة النساء الية ‪# 173 171‬‬
‫وقال تعالى سورة التوبة الية ‪29‬‬

‫وقال تعالى سورة التوبة الية ‪# 32 30‬‬

‫فصل & ‪ #‬فهذه الدلئل وأضعافها مما تبين أنه نفسه صلى ال عليه وسلم أخبر &‬
‫أنه رسول ال إلى النصارى وغيرهم من أهل الكتاب وأنه دعاهم وجاهدهم وأمر‬
‫بدعوتهم وجهادهم وليس هذا مما فعلته أمته بعده بدعة ابتدعوها كما فعلت النصارى‬
‫بعد المسيح عليه السلم فإن المسلمين ل يجوزون لحد بعد محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يغيروا شيئا من شريعته فل يحلل ما حرم ول يحرم ما حلل ول يوجب ما‬
‫أسقط ول يسقط ما أوجب بل الحلل عندهم ما حلله ال ورسوله والحرام ما حرم‬
‫ال ورسوله والدين ما شرعه ال ورسوله بخلف النصارى الذين ابتدعوا بعد‬
‫المسيح بدعا لم يشرعها المسيح عليه السلم ول نطق بها شيء من الناجيل ول‬
‫كتب النبياء المتقدمة وزعموا أن ما شرعه أكابرهم من الدين فإن المسيح يمضيه‬
‫لهم وهذا موضع تنازع فيه الملل الثلث المسلمون واليهود والنصارى كما تنازعوا‬
‫في المسيح عليه السلم وغير ذلك‬

‫‪58‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪59‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فاليهود ل يجوزون ال سبحانه وتعالى أن ينسخ شيئا شرعه والنصارى يجوزون ‪#‬‬
‫لكابرهم أن ينسخوا شرع ال بآرائهم ‪ #‬وأما المسلمون فعندهم أن ال له الخلق‬
‫والمر ل شرع إل ما شرع ال على ألسنة رسله وله أن ينسخ ما شاء كما نسخ‬
‫المسيح ما كان شرعه للنبياء قبله ‪ #‬فالنصارى تضع لهم عقائدهم وشرائعهم‬
‫أكابرهم بعد المسيح كما وضع لهم الثلث مائة وثمانية عشر الذين كانوا في زمن‬
‫قسطنطين الملك المانة التي اتفقوا عليها ولعنوا من خالفها من الريوسية وغيرهم‬
‫وفيها أمور لم ينزل ال بها كتابا بل تخالف ما أنزله ال من الكتب مع مخالفتها للعقل‬
‫الصريح فقالوا فيها نؤمن بآله واحد آب ضابط الكل خالق السموات والرض كل ما‬
‫يرى وما ل يرى وبرب واحد‬

‫يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق‬
‫من إله حق مولود غير مخلوق مساوي الب في الجوهر الذي به كان كل شيء‬
‫الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح‬
‫القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب على عهد يبلطس البنطي وتألم وقبر وقام‬
‫في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الب وأيضا‬
‫فسيأتي بمجده ليدين الحياء والموات الذي ل فناء لملكه وبروح القدس الرب‬
‫المحيي المنبثق من الب مع الب‬

‫والبن مسجود له وبمجد الناطق في النبياء وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية‬
‫واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ونترجى قيامة الموتى وحياة الدهر التي‬
‫آمين ‪ #‬ووضعوا لهم من القوانين والناموس ما لم يوجد في كتب النبياء ول تدل‬
‫عليه بل يوجد بعضه في كتب النبياء وزاد أكابرهم أشياء من عندهم ل توجد في‬
‫كتب النبياء وغيروا كثيرا مما شرعه النبياء فما عند النصارى من القوانين‬
‫والنواميس التي هي شرائع دينهم وبعضه عن الحواريين وكثير منه من ابتداع‬
‫أكابرهم مع مخالفته لشرع النبياء فدينهم من جنس دين اليهود قد لبسوا الحق‬
‫بالباطل ‪ #‬وكان المسيح عليه السلم بعث بدين ال الذي بعث به النبياء قبله وهو‬
‫عبادة ال وحده ل شريك له والنهي عن عبادة كل ما سواه وأحل لهم بعض ما حرم‬
‫ال في التوراة فنسخ بعض شرع التوراة‬

‫وكان الروم واليونان وغيرهم مشركين يعبدون الهياكل العلوية والصنام ‪#‬‬
‫الرضية فبعث المسيح عليه السلم رسله يدعونهم إلى دين ال تعالى فذهب بعضهم‬
‫في حياته في الرض وبعضهم بعد رفعه إلى السماء فدعوهم إلى دين ال تعالى‬
‫فدخل من دخل في دين ال واقاموا على ذلك مدة ثم زين الشيطان لمن زين له أن‬
‫يغير دين المسيح فابتدعوا دينا مركبا من دين ال ورسله دين المسيح عليه السلم‬
‫ومن دين المشركين ‪ #‬وكان المشركون يعبدون الصنام المجسدة التي لها ظل وهذا‬
‫كان دين الروم واليونان وهو دين الفلسفة أهل مقدونية وأثينة‬

‫‪59‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪60‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كأرسطو وأمثاله من الفلسفة المشائين وغيرهم وكان أرسطو قبل المسيح بنحو‬
‫ثلثمائة سنة وهو وزير السكندر بن فيلبس اليوناني المقدوني التي تؤرخ له التاريخ‬
‫الرومي من اليهود والنصارى وهذا كان مشركا يعبد هو وقومه الصنام ولم يكن‬
‫يسمى ذا القرنين ول هو ذا القرنين المذكور في القرآن ول وصل هذا المقدوني إلى‬
‫أرض‬

‫الترك ول بنى السد وإنما وصل إلى بلد الفرس ‪ #‬ومن ظن أن أرسطو كان وزير‬
‫ذي القرنين المذكور في القرآن فقد غلط غلطا تبين أنه ليس بعارف بأديان هؤلء‬
‫القوم ول بأزمانهم ‪ #‬فلما ظهر دين المسيح عليه السلم بعد أرسطو بنحو ثلثمائة‬
‫سنة في بلد الروم واليونان كانوا على التوحيد إلى أن ظهرت فيهم البدع فصوروا‬
‫الصور المرقومة في الحيطان جعلوا هذه الصور عوضا عن تلك الصور ‪ #‬وكان‬
‫أولئك يسجدون للشمس والقمر والكواكب فصار هؤلء يسجدون إليها إلى جهة‬
‫الشرق التي تظهر منها الشمس والقمر والكواكب وجعلوا السجود إليها بدل عن‬
‫السجود لها ولهذا جاء خاتم الرسل صلوات ال عليه وسلمه الذي ختم ال به‬
‫الرسالة وأظهر به من كمال التوحيد ما لم يظهر بمن قبله فأمر صلى ال عليه وسلم‬
‫أن يتحرى أحد بصلته طلوع الشمس ول غروبها لن‬

‫المشركين يسجدون لها تلك الساعة فإذا صلى الموحدون ل عز وجل في تلك‬
‫الساعة صار في ذلك نوع مشابهة لهم فيتخذ ذريعة إلى السجود لها وكان من أعظم‬
‫أسباب عبادة الصنام تصوير الصور وتعظيم القبور ‪ #‬ففي صحيح مسلم وغيره‬
‫عن أبي الهيا‬
‫ج السدي قال قال لي علي بن أبي طالب أل أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فأمرني أن ل أدع قبرا مشرفا إل سويته ول تمثال إل طمسته‬
‫‪ #‬وفي الصحيحين أنه صلى ال عليه وسلم قال في مرض موته لعن ال اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا‬

‫وفي الصحيحين أنه قال قبل موته بخمس ليال إن من كان قبلكم كانوا يتخذون ‪#‬‬
‫القبور مساجد أل فل تتخذوا القبور مساجد وإني أنهاكم عن ذلك ‪ #‬ولما ذكروا‬
‫الكنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال إن أولئك كانوا إذا‬
‫مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا تلك التصاوير أولئك‬
‫شرار الخلق عند ال يوم القيامة‬

‫ونهى أن يستقبل الرجل القبر في الصلة حتى ل يتشبه بالمشركين الذين يسجدون ‪#‬‬
‫للقبور ففي الصحيح أنه قال ل تجلسوا على القبور ول تصلوا إليها إلى أمثال ذلك‬
‫مما فيه تجريد التوحيد ل رب العالمين الذي أنزل ال به كتبه وأرسل به رسله ‪#‬‬
‫فأين هذا ممن يصور صور المخلوقين في الكنائس ويعظمها ويستشفع بمن صورت‬

‫‪60‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪61‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على صورته وهل كان أصل عبادة الصنام في بني آدم من عهد نوح عليه السلم‬
‫إل هذا والصلة إلى الشمس والقمر والكواكب والسجود إليها ذريعة إلى السجود لها‬
‫ولم يأمر أحد من النبياء باتخاذ الصور والستشفاع بأصحابها ول بالسجود إلى‬
‫الشمس والقمر والكواكب وإن كان يذكر عن بعض النبياء تصوير صورة لمصلحة‬
‫فإن هذا من المور التي قد تتنوع فيها الشرائع‬

‫بخلف السجود لها والستشفاع بأصحابها فإن هذا لم يشرعه نبي من النبياء ول‬
‫أمر قط أحد من النبياء أن يدعى غير ال عز وجل ل عند قبره ول في مغيبه ول‬
‫يشفع به في مغيبه بعد موته بخلف الستشفاع بالنبي صلى ال عليه وسلم في حياته‬
‫ويوم القيامة وبالتوسل به بدعائه واليمان به فهذا من شرع النبياء عليهم السلم‬
‫ولهذا قال تعالى سورة الزخرف الية ‪ # 45‬وقال تعالى سورة النبياء الية ‪# 25‬‬
‫وقال تعالى سورة النحل الية ‪36‬‬

‫وقال تعالى سورة يونس الية ‪ # 18‬وقال تعالى سورة الزمر اليات ‪# # 4 1‬‬
‫وذلك أن المشركين من جميع المم لم يكن أحد منهم يقول إن للمخلوقات خالقين‬
‫منفصلين متماثلين في الصفات فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم ولكن‬
‫الثنوية من المجوس ونحوهم يقولون إن العالم صادر عن أصلين النور والظلمة‬
‫والنور عندهم هو إله الخير المحمود والظلمة هي الله الشرير المذموم ‪ #‬وبعضهم‬
‫يقول أن الظلمة هي الشيطان وهذا ليجعلوا ما في العالم من الشر صادرا عن الظلمة‬

‫ومنهم من قال إن الظلمة قديمة أزلية مع أنها مذمومة عندهم ليست مماثلة للنور ‪#‬‬
‫‪ #‬ومنهم من قال بل هي حادثة وأن النور فكر فكرة رديئة فحدثت الظلمة عن تلك‬
‫الفكرة الرديئة ‪ #‬فقال لهم أهل التوحيد أنتم بزعمكم كرهتم أن تضيفوا إلى الرب‬
‫سبحانه وتعالى خلق ما في العالم من الشر وجعلتموه خالقا لصل الشر وهؤلء مع‬
‫إثباتهم اثنين وتسمية الناس لهم بالثنوية فهم ل يقولون إن الشرير مماثل للخير ‪#‬‬
‫وكذلك الدهرية دهرية الفلسفة وغيرهم منهم من ينكر الصانع للعالم كالقول الذي‬
‫أظهره فرعون لعنه ال ومنهم من يقر بعلة يتحرك الفلك للتشبه بها كأرسطو‬
‫وأتباعه ومنهم من يقول بالموجب بالذات المستلزم للفلك كابن سينا‬

‫والسهروردي المقتول بحلب وأمثالهما من متفلسفة الملل ‪ #‬وأما مشركو العرب‬


‫وأمثالهم فكانوا مقرين بالصانع وبأنه خلق السموات والرض فكانت عقيدة مشركي‬
‫العرب خيرا من عقيدة هؤلء الفلسفة الدهرية إذ كانوا مقرين بأن هذه السموات‬
‫مخلوقة ل حادثة بعد أن لم تكن وهذا مذهب جماهير أهل الرض ومن أهل الملل‬
‫الثلثة المسلمون واليهود والنصارى ومن المجوس والمشركين وهؤلء الدهرية من‬
‫الفلسفة وغيرهم يزعمون أن السموات أزلية قديمة لم تزل وكان مشركو العرب‬
‫يقرون بأن ال قادر يفعل بمشيئته ويجيب دعاء الداعي إذا دعاه وهؤلء المتفلسفة‬
‫الدهرية عندهم أن ال ل يفعل شيئا بمشيئته ول يجيب دعاء الداعي بل ول يعلم‬

‫‪61‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪62‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الجزئيات ول يعرف هذا الداعي من هذا الداعي ول يعرف إبراهيم من موسى من‬
‫محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله بل منهم من ينكر علمه مطلقا كأرسطو وأتباعه‬
‫ومنهم من يقول إنما يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله‬

‫ومعلوم أن كل موجود في الخارج فهو جزء معين فإن لم يعلم إل الكليات لم يعلم ‪#‬‬
‫شيئا من الموجودات المعينة ل الفلك ول الملك ول غير ذلك من الموجودات‬
‫بأعيانها والدعاء عندهم هو تصوف النفس القوية في هيولي العالم كما ذكر ذلك ابن‬
‫سينا وأمثاله وزعموا أن اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية وأن حوادث الرض كلها‬
‫إنما تحدث عن حركة الفلك كما قد بسط الرد عليهم في غير هذا الموضع ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أن المشركين لم يكونوا يثبتون مع ال إلها آخر مساويا له في‬
‫الصفات والفعال بل ول كانوا يقولون إن الكواكب والشمس والقمر خلقت العالم ول‬
‫أن الصنام تخلق شيئا من العالم ومن ظن أن قوم إبراهيم الخليل كانوا يعتقدون أن‬
‫النجم أو الشمس أو القمر رب العالمين أو أن الخليل عليه السلم لما قال هذا ربي‬
‫أراد به رب العالمين فقد غلط غلطا بينا بل قوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع وكانوا‬
‫يشركون بعبادته كأمثالهم من المشركين‬

‫قال تعالى عن الخليل سورة الشعراء اليات ‪ # 99 69‬فأخبر تعالى عن الخليل ‪#‬‬
‫أنه عدو لكل ما يعبدونه إل لرب العالمين وأخبر أنهم يقولون يوم القيامة سورة‬
‫الشعراء اليتان ‪98 97‬‬

‫كما قال تعالى في الموضع الخر سورة الزخرف اليتان ‪ # 27 26‬وقال سورة ‪#‬‬
‫النعام الية ‪ # 79‬ولم يقل من المعطلين فإن قومه كانوا يشركون ولم يكونوا‬
‫معطلين كفرعون اللعين فلم يكونوا جاحدين للصانع بل عدلوا به وجعلوا له أندادا‬
‫في العبادة والمحبة والدعاء وهذا كما قال تعالى سورة النعام الية ‪ # 1‬وقال تعالى‬
‫سورة البقرة الية ‪ # 165‬وقال تعالى سورة الفرقان الية ‪68‬‬

‫وقال تعالى سورة الشعراء الية ‪ # 312‬وقال سورة السراء الية ‪ # 22‬وقال ‪#‬‬
‫تعالى فيما حكاه عن قوم نوح سورة نوح اليتان ‪ # 24 23‬قال ابن عباس وغيره‬
‫من العلماء هؤلء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم‬
‫صوروا تماثيلهم ثم عبدوها‬

‫وهكذا عند النصارى عن المسيح عليه السلم في كتاب سر بطرس الذي يسمى ‪#‬‬
‫بشمعون وسمعان والصفا وبطرس والربعة لمسمى واحد عندهم عنه كتاب عن‬
‫المسيح فيه أسرار العلوم وهذا فيه عندهم عن المسيح ‪ #‬فالذي تفعله النصارى اصل‬
‫عبادة الوثان وهكذا قال عالمهم الكبير الذي يسمونه فم الذهب وهو من أكبر‬
‫علمائهم لما ذكر‬

‫‪62‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪63‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تولد الذنوب الكبار عن الصغار قال وهكذا هجمت عبادة الصنام فيما سلف لما‬
‫أكرم الناس أشخاصا يعظم بعضهم بعضا فوق المقدار الذي ينبغي الحياء منهم‬
‫والموات ‪ #‬وقد قال تعالى سورة السراء اليتان ‪ # 57 56‬قال طائفة من العلماء‬
‫كان أقوام يدعون الملئكة والنبياء كالعزير والمسيح وغيرهما فبين ال تبارك‬
‫وتعالى أن هؤلء عباده كما أنتم عباده يرجون رحمته كما ترجون رحمته ويخافون‬
‫عذابه كما تخافون عذابه ويتقربون إليه كما تتقربون إليه وقال تعالى سورة آل‬
‫عمران اليتان ‪ # 80 79‬فبين تعالى أن من يتخذ الملئكة والنبيين أربابا فهو كافر‬
‫مع اعتقاده أنهم مخلوقون فإنه لم يقل أحد قط أن جميع الملئكة‬

‫والنبيين مشاركون ل سبحانه في خلق العالم وقد قال تعالى سورة يوسف الية‬
‫‪ # 106‬قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما تسألهم من خلق السموات والرض‬
‫يقولون ال وهم يعبدون غيره وقد قال تعالى سورة لقمان الية ‪ # 25‬في غير‬
‫موضع فأخبر تعالى عن المشركين أنهم كانوا يقرون بأن خالق العالم واحد مع‬
‫اتخاذهم آلهة يعبدونهم من دونه سبحانه يتخذونهم شفعاء إليه ويتقربون بهم إليه‬

‫فصل & ‪ #‬وكذلك تعظيمهم للصليب واستحللهم لحم الخنزير وتعبدهم بالرهبانية &‬
‫وامتناعهم من الختان وتركهم طهارة الحدث والخبث فل يوجبون غسل جنابة ول‬
‫وضوءا ول يوجبون اجتناب شيء من الخبائث في صلتهم ل عذرة ول بول ول‬
‫غير ذلك من الخبائث إلى غير ذلك ‪ #‬كلها شرائع أحدثوها وابتدعوها بعد المسيح‬
‫عليه السلم ودان بها ائمتهم وجمهورهم ولعنوا من خالفهم فيها حتى صار المتمسك‬
‫فيهم بدين المسيح المحض مغلوبا مقموعا قبل أن يبعث ال محمدا صلى ال عليه‬
‫وسلم وأكثر ما هم عليه من الشرائع والدين ل يوجد منصوصا عن المسيح عليه‬
‫السلم ‪ #‬وأما المسلمون فكل ما أجمعوا عليه إجماعا ظاهرا يعرفه العامة والخاصة‬
‫فهو منقول عن نبيهم صلى ال عليه وسلم لم يحدث ذلك أحد ل باجتهاده ول بغير‬
‫اجتهاده بل ما قطعنا بإجماع أمة محمد صلى ال عليه وسلم فإنه يوجد مأخوذا عن‬
‫نبيهم ‪ #‬وأما ما يظن فيه إجماعهم ول يقطع به‬

‫فمنه ما يكون ذلك الظن خطأ ويكون بينهم فيه نزاع ثم قد يكون نص الرسول ‪#‬‬
‫صلى ال عليه وسلم مع هذا القول وقد يكون مع هذا القول ‪ #‬ومنه ما يكون ظن‬
‫الجماع عليه صوابا ويكون فيه عن النبي صلى ال عليه وسلم أثر خفيت دللته أو‬
‫معرفته على بعض الناس ‪ #‬وذلك أن ال تبارك وتعالى أكمل الدين بمحمد صلى ال‬
‫عليه وسلم خاتم النبيين وبينه وبلغه البلغ المبين فل تحتاج أمته إلى أحد بعده يغير‬
‫شيئا من دينه وإنما تحتاج إلى معرفة دينه الذي بعث به فقط وأمته ل تجتمع على‬
‫ضللة بل ل يزال في أمته طائفة قائمة بالحق حتى تقوم الساعة فإن ال أرسله‬
‫بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فأظهره بالحجة والبيان وأظهره باليد‬
‫والسنان ول يزال في أمته أمة ظاهرة بهذا وهذا حتى تقوم الساعة ‪ #‬والمقصود هنا‬
‫أن ما اجتمعت عليه المة إجماعا ظاهرا تعرفه العامة والخاصة فهو منقول عن‬

‫‪63‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪64‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نبيهم صلى ال عليه وسلم ونحن ل نشهد بالعصمة إل لمجموع المة وأما كثير من‬
‫طوائف المة ففيهم بدع مخالفة للرسول وبعضها من جنس بدع اليهود والنصارى‬
‫وفيهم فجوز ومعاصي لكن رسول ال صلى ال عليه وسلم بريء من ذلك كما قال‬
‫تعالى له‬

‫سورة الشعراء الية ‪ # 216‬وقال تعالى سورة النعام الية ‪ # 159‬وقال صلى ال‬
‫عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني وذلك مثل إجماعهم على أن محمدا صلى‬
‫ال عليه وسلم أرسل إلى جميع المم أهل الكتاب وغير أهل الكتاب فإن هذا تلقوه‬
‫عن نبيهم صلى ال عليه وسلم وهو منقول عندهم نقل متواترا يعلمونه بالضرورة ‪#‬‬
‫وكذلك إجماعهم على استقبال الكعبة البيت الحرام في صلتهم فإن هذا الجماع‬
‫منهم على ذلك مستند إلى النقل المتواتر عن نبيهم وهو مذكور في كتابهم ‪ #‬وكذلك‬
‫الجماع على وجوب الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت العتيق‬
‫الذي بناه إبراهيم خليل الرحمن ودعا الناس إلى حجه وحجته النبياء حتى حجه‬
‫موسى بن عمران ويونس بن‬

‫متى وغيرهما وإجماعهم على وجوب الغتسال من الجنابة وتحريم الخبائث‬


‫وإيجاب الطهارة للصلة فإن هذا كله مما تلقوه عن نبيهم وهو منقول عنه صلى ال‬
‫عليه وسلم نقل متواترا وهو مذكور في القرآن ‪ #‬وأما النصارى فليست الصلوات‬
‫التي يصلونها منقولة عن المسيح عليه السلم ول الصوم الذي يصومونه منقول عن‬
‫المسيح بل جعل أولهم الصوم أربعين يوما ثم زادوا فيه عشرة أيام ونقلوه إلى الربيع‬
‫وليس هذا منقول عندهم عن المسيح عليه السلم ‪ #‬وكذلك حجهم للقمامة وبيت لحم‬
‫وكنيسة‬

‫صيدنايا ليس شيء من ذلك منقول عن المسيح عليه السلم بل وكذلك عامة أعيادهم‬
‫مثل عيد القلندس وعيد الميلد وعيد الغطاس وهو القداس وعيد الخميس‬

‫وعيد الصليب الذي جعلوه في وقت ظهور الصليب لما أظهرته هيلنة الحرانية‬
‫الفندقانية أم قسطنطين بعد المسيح عليه السلم بمائتين من السنين وعيد الخميس‬
‫والجمعة والسبت التي‬

‫في آخر صومهم وغير ذلك من أعيادهم التي رتبوها على أحوال المسيح والعياد‬
‫التي ابتدعوها لكبرائهم فإن ذلك كله من بدعهم التي ابتدعوها بل كتاب نزل من ال‬
‫تعالى بل هم يبنون الكنائس على اسم بعض من يعظمونه كما في السنن عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنهم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا‬
‫وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند ال يوم القيامة وهذا بخلف‬
‫المساجد التي تبنى ل عز وجل كما قال تعالى سورة الجن الية ‪ # 18‬وقال سورة‬
‫النور الية ‪ # 36‬وقال تعالى سورة العراف الية ‪ # 29‬وقال تعالى سورة التوبة‬

‫‪64‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪65‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الية ‪ # 18‬والنصارى كأشباههم من المشركين يخشون غير ال ويدعون غير ال‬

‫فصل & ‪ #‬والمقصود هنا أن الذي يدين به المسلمون من أن محمدا صلى ال &‬
‫عليه وسلم رسول إلى الثقلين النس والجن أهل الكتاب وغيرهم وأن من لم يؤمن به‬
‫فهو كافر مستحق لعذاب ال مستحق للجهاد وهو مما أجمع أهل اليمان بال‬
‫ورسوله عليه لن الرسول صلى ال عليه وسلم هو الذي جاء بذلك وذكره ال في‬
‫كتابه وبينه الرسول أيضا في الحكمة المنزلة عليه من غير الكتاب فإنه تعالى أنزل‬
‫عليه الكتاب والحكمة ولم يبتدع المسلمون شيئا من ذلك من تلقاء أنفسهم كما ابتدعت‬
‫النصارى كثيرا من دينهم بل أكثر دينهم ‪ #‬وبدلوا دين المسيح وغيروه ولهذا كان‬
‫كفر النصارى لما بعث محمد صلى ال عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح‬
‫عليه السلم فإن اليهود كانوا قد بدلوا شرع التوراة قبل مجيء المسيح فكفروا بذلك‬
‫ولما بعث المسيح إليهم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الول وأحكامه‬
‫وبتكذيب الكتاب الثاني ‪ #‬وكذلك النصارى كانوا بدلوا دين المسيح قبل أن يبعث‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم فابتدعوا من التثليث والتحاد وتغيير شرائع النجيل‬
‫أشياء لم يبعث بها المسيح عليه السلم بل‬

‫تخالف ما بعث به وافترقوا في ذلك فرقا متعددة وكفر فيها بعضهم بعضا فلما بعث‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الول‬
‫وأحكامه وتكذيب الكتاب الثاني كما يقول علماء المسلمين إن دينهم مبدل منسوخ‬
‫وإن كان قليل من النصارى كانوا عند مبعث محمد صلى ال عليه وسلم متمسكين‬
‫بدين المسيح كما كان الذين لم يبدلوا دين المسيح كله على الحق فهذا كما أن من كان‬
‫متبعا شرع التوراة عند مبعث المسيح كان متمسكا بالحق كسائر من اتبع موسى فلما‬
‫بعث المسيح صار كل من لم يؤمن به كافرا وكذلك لما بعث محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم صار كل من لم يؤمن به كافرا ‪ #‬والمقصود في هذا المقام بيان ما بعث به‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم من عموم رسالته وأنه نفسه الذي أخبر أن ال تعالى‬
‫أرسله إلى أهل الكتاب وغيرهم وأنه نفسه صلى ال عليه وسلم دعا أهل الكتاب‬
‫وجاهدهم وأمر بجهادهم فمن قال بعد هذا من أهل الكتاب اليهود والنصارى أنه لم‬
‫يبعث إلينا بمعنى أنه لم يقل إنه مبعوث إلينا كان مكابرا جاحدا للضرورة مفتريا‬
‫على الرسول فرية ظاهرة تعرفها الخاصة والعامة ‪ #‬وكان جحده لهذا كما لو جحد‬
‫أنه جاء بالقرآن أو شرع الصلوات الخمس وصوم رمضان وحج البيت الحرام‬
‫وجحد محمد صلى ال عليه وسلم وما تواتر عنه أعظم من جحد أتباع الحواريين‬

‫المسيح عليه السلم وإرساله لهم إلى المم ومجيئه بالنجيل وجحد مجيء موسى‬
‫عليه السلم بالتوراة وجحد أنه كان يسبت فإن النقل عن محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫مدته قريبة والناقلون عنه أضعاف أضعاف من نقل دين المسيح عنه واضعاف‬
‫أضعاف أضعاف من اتصل به نقل دين موسى عليه السلم فأن أمة محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ما زالوا كثيرين منتشرين في مشارق الرض ومغاربها وما زال فيهم‬

‫‪65‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪66‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من هو ظاهر بالدين منصور على العداء بخلف بني إسرائيل فإنهم زال ملكهم في‬
‫أثناء المر لما خرب بيت المقدس الخراب الول بعد داود عليه السلم ونقص عدد‬
‫من نقل دينهم حتى قد قيل إنه لم يبق من يحفظ التوراة إل واحد ‪ #‬والمسيح عليه‬
‫السلم لم ينقل دينه عنه إل عدد قليل لكن النصارى يزعمون أنهم رسل ال‬
‫معصمون مثل إبراهيم وموسى وسيأتي الكلم على هذا إن شاء ال تعالى إذا وصلنا‬
‫إليه إذ المقصود هنا بيان من زعم أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان يقول إنه لم‬
‫يبعث إل إلى مشركي العرب فإنه في غاية الجهل والضلل أو غاية المكابرة‬
‫والمعاندة فإن هذا أعظم جهل وعنادا ممن ينكر أنه كان يأمر بالطهارة والغسل من‬
‫الجنابة ويحرم الخمر والخنزير وأعظم جهل وعنادا ممن ينكر ما تواتر من أمر‬
‫المسيح وموسى عليهما السلم وقد ظهر بهذا بطلن قولهم علمنا أنه لم يأت إلينا بل‬
‫إلى جاهلية العرب‬

‫فصل & ‪ #‬فإذا عرف هذا فاحتجاج هؤلء باليات التي ظنوا دللتها على أن &‬
‫نبوته خاصة بالعرب تدل على أنهم ليسوا ممن يجوز لهم الستدلل بكلم أحد على‬
‫مقصوده ومراده وأنهم ممن قيل فيه سورة النساء الية ‪ # 78‬فليسوا أهل أن‬
‫يحتجوا بالتوراة والنجيل والزبور على مراد النبياء وسائر الكلم المنقول عن‬
‫النبياء على مراد النبياء عليهم السلم بل ول يحتجون بكلم الطباء والفلسفة‬
‫والنحاة وعلم أهل الحساب والهيئة على مقاصدهم ‪ #‬فإن الناس كلهم متفقون على أن‬
‫لغة العرب من أفصح لغات الدميين وأوضحها ومتفقون على أن القرآن في أعل‬
‫درجات البيان والبلغة والفصاحة وفي القرآن من الدللت الكثيرة على مقصود‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم التي يذكر فيها أن ال تعالى أرسله إلى أهل الكتاب‬
‫وغيرهم مال يحصى إل بكلفة ثم مع ذلك من‬

‫النقول المتواترة عن سيرته صلى ال عليه وسلم في دعائه لهل الكتاب وأمره لهم‬
‫باليمان به وجهاده لهم إذا كفروا به ما ل يخفى على من له أدنى خبرة بسيرته‬
‫صلى ال عليه وسلم وهذا أمر قد امتل العالم به وسمعه القاصي والداني فإذا كان‬
‫الناس المؤمن به وغير المؤمن به يعلمون أنه كان يقول إنه رسول ال إلى أهل‬
‫الكتاب وغيرهم وأن ظهور مقصوده بذلك مما يعلمه بالضطرار الخاصة والعامة‬
‫ثم شرعوا يظنون أنه كان يقول إني لم أبعث إل إلى العرب واستمر على ذلك حتى‬
‫مات دل على فساد نظرتهم وعقلهم أو على عنادهم ومكابرتهم وكان الواجب إذ لم‬
‫يكن له معرفة معاني هذه اليات التي استدلوا بها على خصوص رسالته أن يعتقدوا‬
‫أحد أمرين ‪ #‬إما أن لها معاني توافق ما كان يقوله أو أنها من المنسوخ فقد علمت‬
‫الخاصة والعامة أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان يصلي بعد هجرته إلى بيت‬
‫المقدس نحو سنة ونصف ثم أمر بالصلة إلى الكعبة البيت الحرام والنصارى‬
‫يوافقون على أن شرائع‬

‫النبياء فيها ناسخ ومنسوخ مع أن ما ذكروه من اليات ليس منسوخا ولكن المقصود‬

‫‪66‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪67‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أن المعلوم من حال الرسول صلى ال عليه وسلم علما ضروريا يقينيا متواترا ل‬
‫يجوز دفعه فإن العلم بأنه كان يقول إنه رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جميع‬
‫الخلق معلوم لكل من عرف أخباره صلى ال عليه وسلم سواء صدقه أو كذبه والعلم‬
‫بأنه كان يقول إنه رسول ال إلى جميع الناس ممكن قبل أن يعلم أنه نبي أو ليس‬
‫بنبي كما أن العلم بنبوته وصدقه ممكن قبل أن يعلم عموم رسالته فليس العلم‬
‫بأحدهما موقوفا على الخر ولهذا كان كثير ممن يكذبه يعلم أنه كان يقول إنه رسول‬
‫ال إلى جميع الخلق وطائفة ممن تقر بنبوته وصدقه ل تقر بأنه رسول إلى جميع‬
‫الخلق ‪ #‬والمقصود هنا الكلم مع هؤلء بأن العلم بعموم دعوته لجميع الخلق أهل‬
‫الكتاب وغيرهم هو متواتر معلوم بالضطرار كالعلم بنفس مبعثه ودعائه الخلق إلى‬
‫اليمان به وطاعته وكالعلم بهجرته من مكة إلى المدينة ومجيئه بهذا القرآن‬
‫والصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت العتيق وإيجاب الصدق والعدل‬
‫وتحريم الظلم والفواحش وغير ذلك مما جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ‪ #‬وإن‬
‫قيل بل في القرآن ما يقتضي أن رسالته خاصة وفيه ما يقتضي أن رسالته عامة‬
‫وهذا تناقض‬

‫قيل هذا باطل ويعلم بطلنه قبل العلم بنبوته فإنه من المعلوم لكل أحد آمن به أو ‪#‬‬
‫كذبه أنه كان من أعظم الناس عقل وسياسة وخبرة وكان مقصوده دعوة الخلق إلى‬
‫طاعته واتباعه وكان يقرأ القرآن على جميع الناس ويأمر بتبليغه إلى جميع المم‬
‫وكان من طلب منه أن يؤمنه حتى يقرأ عليه القرآن من الكفار وجب عليه أن يجيبه‬
‫ولو كان مشركا فكيف إذا كان كتابيا كما قال تعالى سورة التوبة الية ‪ # 6‬وكان قد‬
‫أظهر أنه مبعوث إلى أهل الكتاب وسائر الخلق وأنه رسول إلى الثقلين الجن والنس‬
‫فيمتنع مع هذا أن يظهر ما يدل على أنه لم يبعث إليهم فإن هذا ل يفعله من له أدنى‬
‫عقل لمناقضته لمراده فكيف يفعله من اتفقت عقلء المم على أنه أعقل الخلق‬
‫وأحسنهم سياسة وشريعة ‪ #‬وأيضا فكان أصحابه والمقاتلون معه بعد ذلك ينفرون‬
‫عنه وقد كان عادتهم أن يستشكلوا ما هو دون هذا وهذا لم يستشكله أحد ثم بعد هذا‬
‫فلو قدر أن في القرآن ما يدل على أنه لم يبعث إل إلى‬

‫العرب وفيه ما يدل على أنه بعث إلى سائر الخلق كان هذا دليل على أنه أرسل إلى‬
‫غيرهم بعد أن لم يرسل إل إليهم وأن ال عم بدعوته بعد أن كانت خاصة فل‬
‫مناقضة بين هذا وهذا فكيف وليس في القرآن آية واحدة تدل على اختصاص رسالته‬
‫بالعرب وإنما فيه إثبات رسالته إليهم كما أن فيه إثبات رسالته إلى قريش وليس هذا‬
‫مناقضا لهذا وفيه إثبات رسالته إلى أهل الكتاب كقوله تعالى سورة النساء الية ‪47‬‬
‫‪ #‬كما فيه أثبات رسالته إلى بني إسرائيل كقوله سورة البقرة الية ‪ 47 40‬والية و‬
‫‪ 122‬والية وسورة طه الية ‪ # 80‬وليس هذا التخصص لليهود منافيا لذلك التعميم‬
‫وفي رسالته خطاب لليهود تارة وللنصارى تارة وليس خطابه لحدى الطائفتين‬
‫ودعوته لها مناقضا لخطابه للخرى ودعوته لها وفي كتابه خطاب للذين آمنوا من‬
‫أمته في دعوته لهم إلى شرائع دينه وليس في ذلك مناقضة بأن يخاطب أهل الكتاب‬

‫‪67‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪68‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويدعوهم وفي كتابه أمر بقتال أهل الكتاب النصارى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون ‪ #‬قال تعالى‬

‫سورة التوبة الية ‪ # 29‬ثم لم يكن هذا مانعا أن يأمر بقتال غيرهم من اليهود‬
‫والمجوس حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بل هذا الحكم ثابت في‬
‫المجوس بسنته واتفاق أمته ‪ #‬وإن قيل إنهم ليسوا من أهل الكتاب فهذا كله مما يعلم‬
‫بالضطرار من دينه قبل العلم بنبوته فكيف ونحن نتكلم على تقدير نبوته والنبي ل‬
‫يتناقض قوله وإذا كان العلم بعموم دعوته ورسالته معلوما بالضطرار قبل العلم‬
‫بنبوته وبعد العلم بنبوته فالعلم الضروري اليقيني ل يعارضه شيء ولكن هذا شأن‬
‫الذين في قلوبهم زيغ من أهل البدع النصارى وغيرهم يتبعون المتشابه ويدعون‬
‫المحكم وبسبب مناظرة النصارى للنبي صلى ال عليه وسلم بالمتشابه وعدولهم عن‬
‫المحكم أنزل ال تبارك وتعالى فيهم سورة آل عمران الية ‪7‬‬

‫فالتأويل يراد به تفسير القرآن ومعرفة معانيه وهذا يعلمه الراسخون ويراد به ما ‪#‬‬
‫استأثر الرب سبحانه وتعالى بعلمه من معرفة كنهه وكنه ما وعد به ووقت الساعة‬
‫ونحو ذلك مما ل يعلمه إل ال‬

‫والضلل يذكرون آيات تشتبه عليهم معرفة معانيها فيتبعون تأويلها ابتغاء الفتنة ‪#‬‬
‫وابتغاء تأويلها وليسوا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويلها مع أن هؤلء‬
‫اليات من أوضح اليات ‪ #‬وهذا الذي سلكوه في القرآن هو نظير ما سلكوه في‬
‫الكتب المتقدمة وكلم النبياء من التوراة والنجيل والزبور وغيرها فإن فيها من‬
‫النصوص الكثيرة الصريحة بتوحيد ال وعبودية المسيح مال يحصى إل بكلفة وفيها‬
‫كلمات قليلة فيها اشتباه فتمسكوا بالقليل المتشابه الخفي المشكل من الكتب المتقدمة‬
‫وتركوا الكثير المحكم المبين الواضح فهم سلكوا في القرآن ما سلكوه في الكتب‬
‫المتقدمة لكن تلك الكتب يقرون بنبوة أصحابها ومحمد صلى ال عليه وسلم هم فيه‬
‫مضطربون متناقضون فأي قول قالوه فيه ظهر فساده وكذبهم فيه إذا لم يؤمنوا‬
‫بجميع ما أنزل إليه ‪ #‬وإن قالوا كلمه متناقض ونحن نحتج بما يوافق قولنا إذ‬
‫مقصودنا بيان تناقضه ‪ #‬قيل لهم عن هذا أجوبة ‪ #‬أحدها أنه في الكتب المتقدمة مما‬
‫يظن أنه متعارض أضعاف ما في القرآن وأقرب إلى التناقض فإذا كانت تلك الكتب‬
‫متفقة ل تناقض فيها وإنما يظن تناقضها من يجهل معانيها ومراد الرسل فيكون كما‬
‫قيل‬

‫وكم من غائب قول صحيحا وآفته من الفهم السقيم فكيف القرآن الذي هو أفضل ‪#‬‬
‫الكتب ‪ #‬الثاني أنهم متمسكون بالمتشابه في تلك الكتب ومخالفون المحكم منها كما‬
‫فعلوه بالقرآن وأبلغ ‪ #‬الثالث أنه إذا كان ما جاء به متناقضا لم يكن رسول ال فإن‬
‫ما جاء به من عند ال ل يكون مختلفا متناقضا وإنما يتناقض ما جاء من عند غير‬
‫ال قال تعالى سورة النساء الية ‪ # 82‬فكل كتاب ليس من عند ال ل بد أن يكون‬

‫‪68‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪69‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيه تناقض وما كان من عند ال ل يتناقض وحينئذ فإن كان متناقضا لم يجز لهم‬
‫الحتجاج بشيء منه فإنه ليس من عند ال وإن لم يكن متناقضا ثبت أن ما فيه من‬
‫عموم رسالته وأنه رسول إليهم فليس فيه شيء يناقضه فإن ما جاء من عند ال ل‬
‫يتناقض ‪ #‬الرابع أنا نبين أن ما فيه من عموم رسالته ل ينافي ما فيه من أنه أرسل‬
‫إلى العرب كما أن ما فيه من إنذار عشيرته القربين وأمر قريش ل ينافي ما فيه من‬
‫دعوة سائر العرب فإن تخصيص بعض العام بالذكر‬

‫إذا كان له سبب يقتضي التخصيص لم يدل على أن ما سوى المذكور مخالفة وهذا‬
‫الذي يسمى مفهوم المخالفة ودليل الخطاب ‪ #‬والناس كلهم متفقون على أن‬
‫التخصيص بالذكر متى كان له سبب يوجب الذكر غير الختصاص بالحكم لم يكن‬
‫للسم اللقب مفهوم بل ول للصفة كقوله تعالى سورة السراء الية ‪31‬‬

‫فإنه نهاهم عن ذلك لنه هو الذي كانوا يفعلونه وقد حرم في موضع آخر قتل ‪#‬‬
‫النفس بغير الحق سواء كان ولدا أو غيره ولم يكن ذلك مناقضا لتخصيص الولد‬
‫بالذكر ‪ #‬الخامس أنه في ذلك أسوة بالمسيح عليه السلم فإن المسيح خص أول‬
‫بالدعوة ثم عم كما قيل في النجيل ما بعثت وأرسلت إل لبني إسرائيل وقال أيضا‬
‫في النجيل ما بعثت إل‬

‫لهذا الشعب الخبيث ثم عم فقال لتلمذته حين أرسلهم كما في النجيل كما بعثني أبي‬
‫أبعث بكم فمن قبلكم فقد قبلني وقال أرسلني أبي وأنا أرسلكم وقال كما أفعل أنا بكم‬
‫كذلك افعلوا أنتم بعباد ل فسيروا في البلد وعمدوا الناس باسم الب والبن والروح‬
‫القدس ول يكون لحدكم ثوبان ول يحمل معه فضة ول ذهبا ول عصا ول حرابة‬
‫ونحو ذلك مما هو في الناجيل التي بين أيديهم من تخصيص الدعوة ثم تعميمها‬
‫وهو صادق في ذلك كله فكيف يسوغ لهم إنكار ما في النجيل عن المسيح نظيره ‪#‬‬
‫ثم يقال في بيان الحال إن ال تعالى بعث محمدا‬

‫صلى ال عليه وسلم كما بعث المسيح وغيره وإن كانت رسالته أكمل وأشمل كما‬
‫نذكر في موضعه فأمره بتبليغ رسالته بحسب المكان إلى طائفة بعد طائفة وأمر‬
‫بتبليغ القرب منه مكانا ونسبا ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة حتى تبلغ النذارة إلى جميع‬
‫أهل الرض كما قال تعالى سورة النعام الية ‪ # 19‬أي من بلغه القرآن فكل من‬
‫بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى ال عليه وسلم ‪ #‬ونبين هنا أن النذارة ليست‬
‫مختصة بمن شافههم بالخطاب بل ينذرهم به وينذر من بلغهم القرآن فأمره ال‬
‫تبارك وتعالى أول بإنذار عشيرته القربين وهو قريش فقال تعالى سورة الشعراء‬
‫الية ‪ # 214‬ولماأنزل ال عليه هذه الية انطلق صلى ال عليه وسلم إلى مكان‬
‫عال فعل عليه ثم جعل ينادي يا بني عبد مناف إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‬
‫إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه فجعل‬
‫يهتف يا صاحباه يا صاحباه‬

‫‪69‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪70‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذه القصة رواها ابن عباس وأبو هريرة وعائشة وغيرهم في الصحيحين ‪#‬‬
‫وغيرهما من كتب السنن والمسانيد والتفسير ‪ #‬قال ابن عباس لما نزلت هذه الية‬
‫سورة الشعراء الية ‪ # 214‬ورهطك منهم المخلصين خرج رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حتى صعد الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش‬
‫حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج‬

‫أرسل رسول لينظر ما هو فاجتمعوا إليه فقال ارأيتكم لو أخبرتكم أن خيل تريد أن‬
‫تغير عليكم أكنتم مصدقي قالوا نعم ما جربنا عليك إل صدقا ما جربنا عليك كذبا قال‬
‫فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ‪ #‬وقال أبو هريرة لما نزلت هذه الية سورة‬
‫الشعراء الية ‪ # 214‬دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم‬
‫وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا‬
‫أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا‬
‫أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا‬
‫أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار‬

‫فإني ل أملك لكم من ال شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببللها ‪ #‬وقالت عائشة‬
‫رضي ال عنها لما نزلت هذه الية سورة الشعراء الية ‪ # 214‬قام رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على الصفا فقال يا فاطمة بنت محمد يا صفية عمة رسول ال‬
‫يا عباس عم رسول ال ل أملك لكم من ال شيئا ‪ #‬وقال ابن إسحاق لما نزلت هذه‬
‫الية جعل النبي صلى ال عليه وسلم ينادي يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا‬
‫بني زهرة حتى عدد الفخاذ من قريش ثم قال إن ال أمرني أن أنذر عشيرتي‬
‫القربين وإني ل أملك لكم من ال شيئا إل أن تقولوا ل إله إل ال فقال أبو لهب ألهذا‬
‫جمعتنا‬

‫تبا لك سائر اليوم فأنزل ال سورة المسد كلها ‪ #‬ودعا قريشا إلى ال وأمرهم ‪#‬‬
‫بعبادة ال وحده ل شريك له وأنزل تعالى سورة قريش كلها ‪ #‬وقد أنزل ال عليه‬
‫في غير موضع أمر جميع الخلق بعبادته كقوله تعالى سورة البقرة الية ‪# 21‬‬
‫وقوله سورة الذاريات الية ‪ # 56‬وقريش هم قومه الذين كذبه جمهورهم أول كما‬
‫قال تعالى سورة النعام الية ‪66‬‬

‫كما أن جمهور بني إسرائيل وهم قوم المسيح كذبوه أول ‪ #‬ثم أمره ال تعالى أن ‪#‬‬
‫يدعو سائر العرب فكان يخرج بنفسه ومعه أبو بكر صديقه إلى قبائل العرب قبيلة‬
‫قبيلة وكانت العرب لم تزل تحج البيت من عهد إبراهيم الخليل عليه السلم فكان‬
‫صلى ال عليه وسلم يأتيهم في منازلهم بمنى وعكاظ ومجنة وذي المجاز فل يجد‬
‫أحدا إل دعاه إلى ال ويقول يا أيها الناس إني رسول ال آمركم أن تعبدوا ال ول‬
‫تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما يعبد دونه من هذه النداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوني‬

‫‪70‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪71‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وتمنعوني حتى أبين عن ال ما بعثني به يا أيها الناس إن قريشا منعوني أن أبلغ‬


‫كلم ربي فمن يمنعني أن أبلغ كلم ربي إل رجل‬

‫يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلم ربي يا أيها الناس قولوا ل إله إل‬
‫ال تفلحوا وتملكوا بها العرب وتذل لكم بها العجم فيقولون يا محمد أتريد أن تجعل‬
‫اللهة إلها واحدا إن أمرك هذا لعجب ‪ #‬وما زال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يعلن دعوته ويظهر رسالته ويدعو الخلق إليها وهم يؤذونه ويجادلونه ويكلمونه‬
‫ويردون عليه بأقبح الرد وهو صابر على أذاهم ويقول اللهم لك الحمد لو شئت لم‬
‫يكونوا هكذا ‪ #‬فلما اشتد عليه أمر قريش خرج إلى الطائف وهي مدينة معروفة‬

‫شرقي مكة بينهما نحو ليلتين ومعه زيد بن حارثة ومكث بها عشرة أيام ل يدع أحدا‬
‫من أشرافهم إل جاءه في منزله وكلمه ودعاه إلى التوحيد فلم يجبه أحد منهم وخافوه‬
‫على أحداثهم وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة إذا مشى حتى أن رجليه‬
‫لتدميان وزيد موله يقيه بنفسه حتى ألجأوا إلى ظل كرمة في حائط لعتبة وشيبة ابني‬
‫ربيعة فرجع عنه ما كان تبعه من سفهائهم فدعا فقال اللهم إليك أشكو ضعف قوتي‬
‫وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي‬
‫إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي‬
‫فل أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات‬
‫وصلح عليه أمر الدنيا والخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك‬
‫العتبى حتى ترضى ول حول ول قوة إل بك ‪ #‬فلما رأى ابنا ربيعة ما صنع به رثيا‬
‫له وقال لغلم لهما يقال له‬

‫عداس وكان نصرانيا خذ قطفا من عنب ثم اجعله في طبق ثم اذهب إلى ذلك الرجل‬
‫يأكله ففعل عداس وأقبل به حتى وضعه بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فلما وضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده قال بسم ال ثم أكل فنظر عداس إلى‬
‫وجهه ثم قال له وال إن هذا الكلم ما يقوله أهل هذه البلدة فقال له رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم من أي البلد أنت وما دينك فقال عداس أنا نصراني وأنا رجل من‬
‫أهل نينوى فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح موسى‬
‫بن متى فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى وال لقد خرجت من نينوى وما‬
‫فيها عشرة يعرفون متى من أين عرفت أنت متى وأنت أمي وفي أمة أمية فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هو أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على رسول‬
‫ال صلى ال‬

‫عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه فلما رجع عداس فقال ويلك يا عداس مالك تقبل‬
‫رأس هذا الرجل ويديه ورجليه فقال يا سيدي ما في الرض خير من هذا الرجل لقد‬
‫خبرني بأمر ل يعلمه إل نبي ‪ #‬ثم انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫الطائف راجعا إلى مكة وهو محزون إذ لم يستجب له رجل واحد ول امرأة فقال له‬

‫‪71‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪72‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم يا رسول ال وقد فعلوا وفعلوا فقال يا زيد إن ال‬
‫عز وجل جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وإن ال ناصر دينه ومظهر نبيه‬

‫ثم ذكر ابن إسحاق دخوله إلى مكة وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم لما لقي ‪#‬‬
‫من أهل مكة والطائف ما لقي ودعا بالدعاء المتقدم نزل عليه جبريل ومعه ملك‬
‫الجبال كما في صحيح البخاري أن عائشة رضي ال عنها قالت للنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما‬
‫لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني‬
‫إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب‬
‫فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها‬

‫جبريل فناداني إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال‬
‫لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن ال قد‬
‫سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أن‬
‫أطبق عليهم الخشبين فقال النبي صلى ال عليه وسلم بل أرجو أن يخرج ال من‬
‫أصلبهم من يعبد ال وحده ل شريك له ‪ #‬وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي‬
‫هريرة أنه قيل للنبي صلى ال عليه وسلم ادع ال على المشركين فقال إني لم أبعث‬
‫لعانا وإنما بعثت رحمة ‪ #‬وفي الصحيحين عن خباب بن الرت أنه قال لما اشتد‬
‫البلء‬

‫علينا من المشركين أتينا النبي صلى ال عليه وسلم فقلنا أل تدعو ال لنا أل تستنصر‬
‫ال لنا فقال لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الرض ثم يجاء بالمنشار‬
‫فيجعل فوق رأسه حتى يجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط‬
‫الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ما يصرفه عن دينه وليتمن ال هذا المر‬
‫حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخشى إلى ال ولكنكم تستعجلون‬
‫‪ #‬وذكر ما لقي النبي صلى ال عليه وسلم من قومه من الذى والستهزاء والغراء‬
‫وهو صابر محتسب مظهر لمر ال بتبليغ رسالته ل تأخذه في ال لومة لئم مواجه‬
‫لقومه بما يكرهون من عيب دينهم وآلهتهم وتضليل آبائهم وتسفيه أحلمهم وإظهار‬
‫عداوته وقتاله إياهم ما بلغ مبلغ القطع‬

‫قال عكرمة عن ابن عباس ولما رجع النبي صلى ال عليه وسلم إلى مكة فلما ‪#‬‬
‫حضر الموسم حج نفر من النصار فانتهى النبي صلى ال عليه وسلم إلى فريق‬
‫منهم فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى ال وأخبرهم بالذي آتاه ال فأيقنوا واطمأنت‬
‫قلوبهم إلى دعوته وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته‬
‫وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به وكان من أسباب الخير الذي ساق ال للنصار‬
‫إلى ما كانوا يسمعون من الخبار في صفته فلما رجعوا إلى قومهم جعلوا يدعونهم‬
‫سرا ويخبرونهم بأقوال رسول ال صلى ال عليه وسلم والذي بعثه ال به من النور‬

‫‪72‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪73‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والهدى والقرآن فأسلموا حتى قل أن يوجد دار من دورهم إل أسلم فيها ناس ل‬
‫محالة ‪ #‬وقد ذكر ال ذلك في القرآن وأخبر أن أهل الكتاب كانوا يخبرون العرب به‬
‫ويستفتحون به عليهم فكان أهل الكتاب مقرين بنبوته مخبرين بها مبشرين بها قبل‬
‫أن يبعث فقال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب‬

‫سورة البقرة اليات ‪ # 91 87‬فقد أخبر تعالى أن أهل الكتاب كانوا يستفتحون على‬
‫العرب بمحمد صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعث أي يستنصرون به وكانوا هم‬
‫والعرب يقتتلون فيغلبهم العرب فيقولون سوف يبعث‬

‫النبي المي من ولد إسماعيل فنتبعه ونقتلكم معه شر قتلة وكانوا ينعتونه بنعوته ‪#‬‬
‫وأخبارهم بذلك كثيرة متواترة وكما قال تعالى سورة البقرة الية ‪ # 89‬وأخبر بما‬
‫كانت عليه اليهود من أنه كلما جاءهم رسول ال بما ل تهوى أنفسهم كذبوا بعضهم‬
‫وقتلوا بعضهم وأخبر أنهم باءوا بغضب على غضب فإنهم ما زالوا يفعلون ما‬
‫يغضب ال عليهم فأما أن يراد بالتثنية تأكيد غضب ال عليهم وأما أن يراد به مرتان‬
‫والغضب الول تكذيبهم المسيح والنجيل والغصب الثاني لمحمد والقرآن‬

‫فصل & ‪ #‬وكان يأتيهم باليات الدالة على نبوته صلى ال عليه وسلم ومعجزاته &‬
‫تزيد على ألف معجزة مثل انشقاق القمر وغيره من اليات ومثل القرآن المعجز‬
‫ومثل أخبار أهل الكتاب قبله وبشارة‬

‫النبياء به ومثل أخبار الكهان والهواتف به ومثل قصة الفيل التي جعلها ال آية عام‬
‫مولده وما جرى عام مولده من العجائب الدالة على نبوته ومثل امتلء السماء‬
‫ورميها بالشهب التي ترجم بها الشياطين بخلف ما كانت العادة عليه قبل مبعثه‬
‫وبعد مبعثه ومثل أخباره بالغيوب التي ل يعلمها أحد إل بتعليم ال عز وجل من غير‬
‫أن يعلمه إياها بشر ‪ #‬فأخبرهم بالماضي مثل قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى‬
‫والمسيح وهود وشعيب وصالح وغيرهم وبالمستقبلت وكان قومه يعلمون أنه لم‬
‫يتعلم من أهل الكتاب ول غيرهم ولم يكن بمكة أحد من علماء أهل الكتاب ممن يتعلم‬
‫هو منه بل ول كان يجتمع بأحد منهم يعرف اللسان العربي ول كان هو يحسن لسانا‬
‫غير العربي ول كان يكتب كتابا ول يقرأ كتابا مكتوبا ‪ #‬ول سافر قبل نبوته إل‬
‫سفرتين سفرة وهو صغير مع عمه أبي طالب‬

‫لم يفارقه ول اجتمع بأحد من أهل الكتاب ول غيرهم وسفرة أخرى وهو كبير مع‬
‫ركب من قريش لم يفارقهم ول اجتمع بأحد من أهل الكتاب ‪ #‬وأخبر من كان معه‬
‫بأخبار أهل الكتاب بنبوته مثل إخبار بحيرى الراهب بنبوته وما ظهر منه مما دلهم‬
‫على نبوته ولهذا تزوجت‬

‫به خديجة قبل نبوته لما أخبرت به من أحواله ‪ #‬وهذه المور مبسوطة في موضع‬

‫‪73‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪74‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫آخر ولكن المقصود هنا التنبيه بأن محمدا صلى ال عليه وسلم له معجزات كثيرة‬
‫مثل نبع الماء من بين أصابعه غير مرة ومثل تكثير الطعام القليل حتى أكل منه‬
‫الخلق العظيم وتكثير الماء القليل حتى شرب منه الخلق الكثير ‪ #‬وهذا ما جرى غير‬
‫مرة له ولمته من اليات ما يطول وصفه فكان بعض أتباعه يحيي ال له الموتى‬
‫من الناس والدواب وبعض أتباعه يمشي بالعسكر الكثير على البحر حتى يعبروا إلى‬
‫الناحية الخرى‬

‫ومنهم من ألقي في النار فصارت عليه بردا وسلما وأمثال ذلك كثير ‪ #‬ولكن‬
‫المقصود هنا ذكر بعض ما في القرآن من أنه كان يخبرهم بالمور الماضية خبرا‬
‫مفصل ل يعلمه أحد إل أن يكون نبيا أو من أخبره نبي وقومه يعلمون أنه لم يخبره‬
‫بذلك أحد من البشر وهذا مما قامت به الحجة عليهم وهم مع قوة عداوتهم له‬
‫وحصرهم على ما يطعنون به عليه لم يمكنهم أن يطعنوا طعنا يقبل منهم وكان علم‬
‫سائر المم بأن قومه المعادين له المجتهدين في الطعن عليه لم يمكنهم أن يقولوا إن‬
‫هذه الغيوب علمها إياه بشر فوجب على جميع الخلق أن هذا لم يعلمه إياها بشر‬
‫ولهذا قال تعالى سورة هود الية ‪ # 49‬فأخبر أنه لم يكن يعلم ذلك هو ول قومه‬
‫وقومه تقر بذلك ولم يتعلم من أحد غير قومه ولهذا زعم بعضهم أنه تعلم من بشر‬
‫ظهر‬

‫كذبه لكل أحد كما قال تعالى سورة النحل اليات ‪ # 103 98‬فكان بمكة رجل‬
‫أعجمي مملوك لبعض قريش فادعى بعض الناس أن محمدا كان يتعلم من ذلك‬
‫العجمي فبين ال أن هذا كذب ظاهر فإن ذلك رجل أعجمي ل يمكنه أن يتكلم بكلمة‬
‫من هذا القرآن العربي ومحمد صلى ال عليه وسلم عربي ل يعرف شيئا من ألسنة‬
‫العجم فمن كلمه بغير العربية ل يفقه كلمه فل ذلك‬

‫الرجل يحسن التكلم بالعربية ول محمد صلى ال عليه وسلم يفهم كلما بغير العربية‬
‫فلهذا قال تعالى سورة النحل الية ‪ # 103‬أي يميلون إليه ويضيفون إليه أنه علم‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم سورة النحل الية ‪ # 103‬وكذلك قال بعض الناس عن‬
‫القرآن سورة الفرقان الية ‪ # 4‬قال تعالى سورة الفرقان اليات ‪ # 6 4‬فبين‬
‫سبحانه أن قول هذا من الكذب الظاهر المعلوم لعدائه فضل عن أوليائه فإنهم‬
‫يعلمون أنه ليس عنده أحد يعينه على ذلك‬

‫وليس في قومه ول في بلده من يحسن ذلك ليعينه عليه فلهذا قال تعالى ^ فقد جاءوا‬
‫ظلما وزورا ^ ‪ #‬فإن جميع أهل بلده وقومه المعادين له يعلمون أن هذا ظلم له‬
‫وزور ولهذا لم يقل هذا أحد من عقلئهم المعروفين وكذلك قولهم أساطير الولين‬
‫اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيل فإن قومه المكذبين له يعلمون أنه ليس عنده من‬
‫يملي عليه كتابا وقد بين ما يظهر كذبهم بقوله ^ قل أنزله الذي يعلم السر في‬
‫السموات والرض ^ ‪ #‬فإن في القرآن من السرار ما ل يعلمه بشر إل بإعلم ال‬

‫‪74‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪75‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إياه فإن ال يعلم السر في السموات والرض ثم لما تبين بطلم قولهم هذا ذكر ما‬
‫قدحوا به في نبوته فقال تعالى سورة الفرقان اليتان ‪ # 8 7‬فهذا كلم المعارضين‬
‫له الذين أنكروا أكله ومشيه في السواق التي يباع فيها ما يؤكل وما يلبس وقالوا‬
‫هل أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يستغني عن ذلك بكنز ينفق منه أو جنة يأكل‬
‫منها وقال الظالمون إن تتبعون إل رجل مسحورا‬

‫قال تعالى سورة الفرقان الية ‪ # 9‬يقول مثلوك بالكاذب والمسحور والناقل عن ‪#‬‬
‫غيره وكل من هذه القوال يظهر كذبه لكل من عرفك ولهذا قال تعالى ^ فضلوا فل‬
‫يستطيعون سبيل ^ ‪ #‬والضال الجاهل العادل عن الطريق فل يستطيع الطريق‬
‫الموصلة إلى المقصود بل ظهر عجزهم وانقطاعهم في المناظرة وقال تعالى سورة‬
‫طه الية ‪ # 133‬فإنه أتاهم بجلية ما في الصحف الولى كالتوراة والنجيل مع‬
‫علمهم بأنه لم يأخذ عن أهل الكتاب شيئا فإذا أخبرهم بالغيوب التي ل يعلمها إل نبي‬
‫أو من أخبره نبي وهم يعلمون أنه لم يعلم ذلك بخبر أحد من النبياء تبين لهم أنه‬
‫نبي وتبين ذلك لسائر المم فإنه إذا‬

‫كان قومه المعادون وغير المعادين له مقرين بأنه لم يجتمع بأحد يعلمه ذلك صار‬
‫هذا منقول بالتواتر وكان مما أقر به مخالفوه مع حرصهم على الطعن لو أمكن ‪#‬‬
‫فهذه الخبار بالغيوب المتقدمة قامت بها الحجة على قومه وعلى جميع من بلغه خبر‬
‫ذلك وقد أخبر بالغيوب المستقبلة وهذه تقوم بها الحجة على من عرف تصديق ذلك‬
‫الخبر كما قال تعالى سورة الروم اليات ‪ # 3 2‬ثم قال سورة الروم اليات ‪# 5 2‬‬
‫وقال تعالى سورة البقرة اليتان ‪ # 24 23‬فأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك في المستقبل‬
‫وكان كما أخبر وقال تعالى‬

‫سورة السراء الية ‪ # 88‬فأخبر أنه ل يقدر النس والجن إلى يوم القيامة أن يأتوا‬
‫بمثل هذا القرآن وهذا الخبر قد مضى له أكثر من سبعمائة سنة ولم يقدر أحد من‬
‫النس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن وقال عن الكفار وهو بمكة سورة القمر الية‬
‫‪ # 45‬وظهر تصديق ذلك يوم بدر وغيره وبعد ذلك بسنين كثيرة وقال تعالى سورة‬
‫النور الية ‪ # 55‬وكان المر كما وعده وظهر تصديق ذلك بعد سنين كثيرة وكذلك‬
‫قوله سورة الفتح الية ‪ # 28‬فأظهر ال ما بعثه به باليات والبرهان واليد والسنان‬
‫وقال تعالى سورة آل عمران الية ‪12‬‬

‫فكان كما أخبرهم غلبوا في الدنيا كما شاهده الناس وهذا يصدق الخبر الخير ‪#‬‬
‫وهو أنهم يحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ‪ #‬وقد أيده تأييدا ل يؤيد به إل النبياء بل‬
‫لم يؤيد أحد من النبياء كما أيد به كما أنه بعث بأفضل الكتب إلى أفضل المم‬
‫بأفضل الشرائع وجعله سيد ولد آدم صلى ال عليه وسلم فل يعرف قط أحد ادعى‬
‫النبوة وهو كاذب إل قطع ال دابره وأذله وأظهر كذبه وفجوره ‪ #‬وكل من أيده ال‬
‫من المدعين للنبوة لم يكن إل صادقا كما أيد نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وداود‬

‫‪75‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪76‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسليمان بل وأيد شعيبا وهودا وصالحا فإن سنة ال أن ينصر رسله والذين آمنوا في‬
‫الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد وهذا هو الواقع فمن كان ل يعلم ما يفعله ال إل‬
‫بالعادة فهذه عادة ال وسنته يعرف بها ما يصنع ومن كان يعلم ذلك بمقتضى حكمته‬
‫فإنه يعلم أنه ل يؤيد من ادعى النبوة وكذب علي‬

‫تأييدا ل يمكن أحدا معارضته وهكذا أخبرت النبياء قبله أن الكذاب ل يتم ال أمره‬
‫ول ينصره ول يؤيده فصار هذا معلوما من هذه الجهات ولهذا أمر سبحانه أن نعتبر‬
‫بما فعله في المم الماضية من جعل العاقبة للنبياء وأتباعهم وانتقامه ممن كذبهم‬
‫وعصاهم ‪ #‬قال تعالى سورة غافر الية ‪ # 51‬وقال تعالى سورة الصافات اليات‬
‫‪ # 173 171‬وقال تعالى سورة غافر الية ‪ # 5‬وقال تعالى‬

‫سورة الحج اليات ‪ # 46 40‬وقال تعالى سورة الروم اليتان ‪ # 10 9‬وقال تعالى‬
‫سورة غافر اليتان ‪ # 5 4‬وقال تعالى سورة غافر اليتان ‪22 21‬‬

‫وقال تعالى سورة غافر اليات ‪ # 85 81‬وقال تعالى سورة ص اليات ‪# 14 12‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى سورة الشعراء اليتان ‪ # 6 5‬فأخبر بأن المكذبين له سيأتيهم في‬
‫المستقبل أخبار القرآن الذي استهزءوا به وبين أن ما أخبرهم به حق بوقوع الخبر‬
‫مطابقا للخبر وكان المر كذلك ومثله قوله سورة فصلت الية ‪53‬‬

‫أخبر أنه سيريهم في أنفسهم وفي الفاق ما يبين أن القرآن حق بأن يروا ما أخبر ‪#‬‬
‫به كما أخبر به ثم قال سورة فصلت الية ‪ # 53‬فإنه قد يشهد للقرآن بأنه حق‬
‫باليات البينات والبراهين الدالة على صدقه التي تتبين بشهادة الرب تعالى بأنه حق‬
‫فل يحتاج مع الشهادة الحاضرة إلى انتظار اليات المستقبلة وقال تعالى سورة القمر‬
‫اليات ‪ # 5 1‬أخبر باقتراب الساعة وانشقاق القمر وانشقاق القمر قد عاينوه‬
‫وشاهدوه وتواترت به الخبار وكان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ هذه السورة في‬
‫المجامع الكبار مثل الجمع والعياد ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلئلها‬
‫والعتبار وكل الناس يقر ذلك ول ينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند‬
‫الناس عامة ثم ذكر حال النبياء ومكذبيهم فقال‬

‫سورة القمر اليات ‪ # 15 9‬فأخبر أنه أبقى السفن آية على قدرة الرب وعلى ما‬
‫جرى لنوح مع قومه ثم قال فكيف كان عذابي لمن كذب ونذري وكذلك ذكر قصة‬
‫عاد وثمود ولوط وغيرهم يقول في عقب كل قصة فكيف كان عذابي ونذر ونذره‬
‫وإنذاره وهو ما بلغته عنه الرسل من النذار وكيف كانت عقوبته للمنذرين ‪#‬‬
‫والنذار هو العلم بالمخوف فتبين بذلك صدق ما أخبرت به الرسل من النذار‬
‫وشدة عذابه لمن كذب رسله وذكر قصة فرعون فقال سورة القمر اليات ‪45 41‬‬
‫‪ #‬وذكر في قصة محمد صلى ال عليه وسلم مع الناس أنواعا من ذلك فقال‬

‫‪76‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪77‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سورة آل عمران الية ‪ # 13‬وقال تعالى سورة الحشر اليات ‪ # 4 2‬ومثل هذا ‪#‬‬
‫كثير في القرآن من ذكر دلئل النبوة وأعلم الرسالة ليس هذا موضع بسطه وإنما‬
‫المقصود هنا التنبيه على جنس ذلك وما يذكره بعض أهل الكتاب أو غيرهم من أنه‬
‫نصر فرعون ونمرود‬

‫وسنحاريب وجنكسان وغيرهم من الملوك الكافرين جوابه ظاهر فإن هؤلء لم يدع‬
‫أحد منهم النبوة وأن ال أمره أن يدعو إلى عبادة ال وطاعته ومن أطاعه دخل الجنة‬
‫ومن عصاه دخل النار بخلف من ادعى أن ال أرسله بذلك فإنه ل يكون إل رسول‬
‫صادقا ينصره ال ويؤيده وينصر أتباعه ويجعل العاقبة لهم أو يكون كذابا فينتقم ال‬
‫منه ويقطع دابره ويتبين أن ما جاءه به ليست من اليات والبراهين التي ل تقبل‬
‫المعارضة بل هي من جنس مخارق السحرة والكهان والكذابين التي تقبل المعارضة‬
‫فإن معجزات النبياء من خواصها أنه ل يقدر أحد أن يعارضها ويأتي بمثلها‬
‫بخلف غيرها فإن معارضتها ممكنة فيبطل دللتها ‪ #‬والمسيح الدجال يدعي اللهية‬
‫ويأتي بخوارق ولكن نفس دعواه ال لهية دعوى ممتنعة في نفسها ويرسل ال عليه‬
‫المسيح بن مريم فيقتله ويظهر كذبه ومعه ما يدل على كذبه من وجوه ‪ #‬منها أنه‬
‫مكتوب بين عينيه كافر ‪ #‬ومنها أنه أعور وال ليس بأعور‬

‫ومنها أن أحدا لن يرى ربه حتى يموت ويريد أن يقتل الذي قتله أول فيعجز عن ‪#‬‬
‫قتله ‪ #‬فمعه من الدلئل الدالة على كذبه ما يبين أن ما معه ليس آية على صدقه‬
‫بخلف معجزات النبياء فإنه ل يمكن أحد من النس والجن أن يأتي ينظيرها ول‬
‫يبطلها مثل قلب العصل حية لموسى وإخراج ناقة لصالح من الرض وإحياء‬
‫الموتى للمسيح وانشقاق القمر وأنزال القرآن وغير ذلك لمحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫فإن المشركين لما سألوا النبي صلى ال عليه وسلم آية واقترحوا عليه انشقاق القمر‬
‫فأراهم ذلك ‪ #‬وقد أخبر ال تعالى بذلك في القرآن فقال تعالى سورة القمر اليات ‪1‬‬
‫‪ # 7‬ثم ذكر تعالى ما جرى قبله للمكذبين فذكر قصة قوم نوح وهود وصالح ولوط‬
‫ثم فرعون وهذه السورة كان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ بها في أعظم‬
‫اجتماعات الناس عنده وهي العياد والناس كلهم يسمعون ما يذكره من انشقاق‬
‫القمر وقول المكذبين أنه سحر‬

‫والناس كلهم المؤمن به والمنافق والكافر يقرون على هذا لم يقل أحد منهم أن القمر‬
‫لم ينشق ول أنكره أحد ‪ #‬وفي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫سأل أبا واقد الليثي ما يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم في الضحى والفطر‬
‫فقال كان يقرأ فيهما بقاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ‪ #‬ومعلوم‬
‫بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لسرع الناس المؤمنون به إلى‬
‫تكذيب ذلك فضل عن أعدائه من الكفار والمنافقين ل سيما وهو يقرأ عليهم ذلك في‬
‫أعظم مجامعهم ‪ #‬وأيضا فمعلوم أن محمدا صلى ال عليه وسلم كان من أحرص‬
‫الخلق على تصديق الناس له واتباعهم إياه مع أنه كان أخبر الناس بسياسة الخلق فلو‬

‫‪77‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪78‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم يكن القمر انشق لما كان يخبر بهذا ويقرأه على جميع الخلق ويستدل به ويجعله‬
‫آية له فإن من يكون من أقل الناس خبرة بالسياسة ل يتعمد إلى ما يعلم جميع الناس‬
‫أنه كاذب به فيجعله من أعظم آياته الدالة على صدقه ويقرأه على الناس في أعظم‬
‫المجاميع‬

‫وقال اقتربت الساعة وانشق القمر بصيغة الفعل الماضي ولم يقل قامت الساعة ‪#‬‬
‫ول ستقوم بل قال اقتربت أي دنت وقربت وانشق القمر الذي هو دليل على نبوة‬
‫محمد وعلى إمكان انحراق الفلك الذي هو قيام القيامة وهو سبحانه قرن بين خبره‬
‫باقتراب الساعة وخبره بانشقاق القمر فإن مبعث محمد صلى ال عليه وسلم هو من‬
‫أشراط الساعة وهو دليل على قربها كما قال صلى ال عليه وسلم في الحديث‬
‫الصحيح بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى وقد قال‬
‫تعالى سورة محمد الية ‪ # 18‬وعلم الساعة أخفاها ال عن جميع خلقه كما يذكر‬
‫ذلك عن‬

‫المسيح في النجيل أنه لما سئل عنها فقال إنها ل يعلمها أحد من الناس ول الملئكة‬
‫ول البن وإنما يعلمها الب وحده وهذا مما يدل على أنه ليس هو رب العالم وكذلك‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم أخبر بذلك لما سئل عنها ‪ #‬قال تعالى ^ يسئلونك عن‬
‫الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ل يجليها لوقتها إل هو ثقلت في‬
‫السموات والرض ^ ‪ #‬أي خفيت على أهل السموات والرض سورة العراف‬
‫الية ‪ # 187‬وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال تسألوني عن‬
‫الساعة وإنما علمها عند ال فانشقاق القمر كان آية‬

‫على شيئين على صدق الرسول وعلى مجيء الساعة وإمكان انشقاق الفلك فإن‬
‫المنكرين لقيام القيامة الكبرى قيام الناس من قبورهم لرب العالمين وانشقاق‬
‫السموات وانفطارها سواء أقروا بالقيامة الصغرى وأن الرواح بعد الموت تنعم أو‬
‫تعذب كما هو قول الفلسفة الل آلهيين أو أنكروا المعاد مطلقا كما أنكر ذلك من‬
‫أنكره من مشركي العرب والفلسفة الطبيعيين وغيرهم ينكرون انشقاق السموات‬

‫ويزعم هؤلء الدهرية أن الفلك ل يجوز عليها النشقاق كما ذكر ذلك أرسطو‬
‫وأتباعه وزعموا أن النشقاق يقتضي حركة مستقيمة وهي ممتنعة بزعمهم في الفلك‬
‫المحدد إذ ل خلء وراءه عندهم وهذا لو دل فإنما يدل على ذلك في الفلك الطلس ل‬
‫فيما دونه فكيف وهو باطل فإن الحركة المستقيمة هناك بمنزلة جعل الفلك ابتداء‬
‫في هذه الحياز التي هي فيها سواء سمي خلء أو لم يسم كما هو مذكور في غير‬
‫هذا الموضع‬

‫والمقصود هنا أنه تعالى أخبر بانشقاق القمر مع اقتراب الساعة لنه دليل على ‪#‬‬
‫إمكان انشقاق الفلك وانفطارها الذي هو قيام الساعة الكبرى وهو آية على نبوة‬

‫‪78‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪79‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫محمد صلى ال عليه وسلم الذي هو من أشراط الساعة وال تعالى في كتابه يجمع‬
‫بين ذكر القيامة الكبرى والصغرى كما في سورة الواقعة ذكر في أولها القيامة‬
‫الكبرى وفي آخرها القيامة الصغرى وذلك كثير في سور القرآن مثل سورة ق‬
‫وسورة القيامة وسورة التكاثر وسورة الفجر وغير ذلك ‪ #‬وقد استفاضت الحاديث‬
‫بانشقاق القمر ففي الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال انشق القمر على عهد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم اشهدوا وفي لفظ ونحن معه بمنى فقال كفار قريش سحركم ابن أبي‬
‫كبشة فقال جل منهم إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه ل يبلغ من سحره أن يسحر‬
‫الرض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فأتوا فسألوهم فأخبروهم‬
‫أنهم رأوا مثل ذلك‬

‫وعن أنس بن مالك أنه قال سأل أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية ‪#‬‬
‫فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما فنزلت سورة القمر اليتان ‪2 1‬‬
‫‪ #‬وهذا حديث صحيح مستفيض رواه ابن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس وهو‬
‫أيضا معروف عن حذيفة قال أبو الفرج بن الجوزي والروايات في الصحيح بانشقاق‬
‫القمر عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأنس رضي ال عنهم‬

‫ولما زعموا أن هذا القرآن هو ألفه ‪ #‬قال ال تعالى سورة الطور اليتان ‪# 34 33‬‬
‫‪ #‬ثم تحداهم بعشر سور فقال تعالى سورة هود اليتان ‪ # 14 13‬ثم تحداهم بسورة‬
‫واحدة فقال سورة البقرة اليتان ‪ # 24 23‬وقال تعالى أيضا سورة يونس الية ‪38‬‬
‫‪ #‬فعجز جميع الخلق أن يعارضوا ما جاء به ثم سجل على جميع الخلق العجز إلى‬
‫يوم القيامة بقوله‬

‫سورة السراء الية ‪ # 88‬فأخبرمن ذلك الزمان أن النس والجن إذا اجتمعوا ل‬
‫يقدرون على معارضة القرآن بمثله فعجز لفظه ومعناه ومعارفه وعلومه أكمل‬
‫معجزة وأعظم شأنا والمر كذلك فإنه لم يقدر أحد من العرب وغيرهم مع قوة‬
‫عداوتهم وحرصهم على إبطال أمره بكل طريق وقدرتهم على أنواع الكلم أن يأتوا‬
‫بمثله وأنزل ال إذ ذاك آيات بين فيها أنه رسول إليهم ولم يذكر فيها أنه لم يرسل‬
‫إلى غيرهم ‪ #‬فقال تعالى في سورة القصص اليات ‪47 43‬‬

‫وقال في سورة السجدة الية ‪ # 3‬وقال في سورة يس اليات ‪ # 6 1‬ذكر تعالى ‪#‬‬
‫في هذه اليات الثلث نعمته على هؤلء وحجته عليهم بإرساله وذكر بعض حكمته‬
‫في إرساله وذلك ل يقتضي أنه لم يرسل إل لهذا بل مثل هذا كثير معروف في لسان‬
‫العرب وغيرهم‬

‫قال تعالى سورة النحل الية ‪ # 8‬ومعلوم أن في هذه الدواب منافع غير الركوب ‪#‬‬
‫وقال تعالى سورة غافر اليتان ‪ # 16 15‬فقد أخبر أنه ينزل الملئكة بالوحي على‬

‫‪79‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪80‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النبياء لينذروا يوم القيامة وذلك ل يمنع أن يكونوا نزلوا بالبشارة للمؤمنين والمر‬
‫والنهي بالشرائع وقال تعالى سورة الطلق الية ‪ # 12‬فأخبر تعالى أنه خلق العالم‬
‫العلوي والسفلي ليعلم العباد قدرته وعلمه ومع هذا ففي خلق ذلك له من الحكمة‬
‫أمرو أخرى غير علم العباد ومثل ذلك قوله تعالى سورة المائدة الية ‪ # 97‬ومعلوم‬
‫أن في جعل الكعبة قياما للناس والهدى والقلئد حكما ومنافع أخرى‬

‫وقال تعالى سورة النجم الية ‪ # 31‬ومعلوم أن في ملك ال حكما أخرى غير ‪#‬‬
‫جزاء المحسن والمسيء وكذلك قوله سورة الجاثية الية ‪ # 22‬وقال تعالى سورة‬
‫النساء اليات ‪ # 165 163‬ومعلوم أن في إرسال الرسل سعادة من آمن بهم‬
‫وغيرها حكم أخرى غير دفع حجة الخلق على ال وكذلك قوله تعالى سورة الحج‬
‫الية ‪ # 37‬ومعلوم أن في تسخيرها حكما ومنافع غير التكبير وقوله سورة البقرة‬
‫الية ‪185‬‬

‫وقال تعالى سورة إبراهيم اليات ‪ # 34 32‬ومعلوم أن ل حكما في خلق الشمس ‪#‬‬
‫والقمر والليل والنهار غير انتفاع بني آدم وكذلك قوله سورة يونس الية ‪# 67‬‬
‫وقوله سورة الفرقان الية ‪ # 62‬وفيها حكم أخرى وقال سورة البقرة الية ‪# 213‬‬
‫وفي إنزال الكتاب من هدى من اهتدى به واتعاظه وغير ذلك مقاصد غير الحكم بين‬
‫الناس فيما اختلفوا فيه ‪ #‬وقال تعالى‬

‫سورة النحل اليتان ‪ # 39 38‬ومعلوم أن في مبعث الخلق يوم القيامة مقاصد غير‬
‫بيان المختلف في علم هؤلء ومما يبين ذلك أنه قال في الية التي احتجوا بها سورة‬
‫يس الية ‪ # 6‬ومعلوم أنه لم يبعث لمجرد النذار بل وليبشر من آمن به ولمرهم‬
‫بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث وغير ذلك من‬
‫مقاصد الرسل كما قال تعالى سورة النساء الية ‪ # 165‬وقوله سورة النعام الية‬
‫‪ # 48‬ل ينافي كونه لم يصفهم في موضع آخر إل بالنذار وقد قال سورة الكهف‬
‫اليات ‪ # 5 1‬وكان المسلمون مرة صلوا صلة العيد بحضرة حصار النصارى‬
‫فقام خطيبهم فخطب بهذه الية ولما قرأ قوله‬

‫سورة الكهف الية ‪ # 2‬أشار إلى جند اليمان ولما قرأ قوله سورة الكهف الية ‪4‬‬
‫‪ #‬أشار إلى جند الصلبان ‪ #‬وقال تعالى سورة الحديد الية ‪ # 25‬وفي إنزال‬
‫الكتاب والميزان حكم أخرى من البشارة والنذار وغير ذلك وكذلك قوله عن أهل‬
‫الكهف سورة الكهف الية ‪ # 12‬وفي بعثهم حكم أخرى بدليل قوله سورة الكهف‬
‫الية ‪ # 21‬وقال تعالى سورة الجن اليتان ‪ # 28 27‬ومعلوم أن في ذلك مقاصد‬
‫أخرى من هداية الخلق وقيام‬

‫الحجة على من بلغهم وغير ذلك وقوله سورة ص الية ‪ # 29‬وفيه حكم أخرى من‬
‫قيام الحجة على الخلق وضلل من ضل به ومثله قوله سورة إبراهيم الية ‪# 52‬‬

‫‪80‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪81‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومعلوم أن في ذلك مقاصد أخرى من البشارة والمر والنهي وغير ذلك وكذلك قوله‬
‫سورة الحديد الية ‪ # 29 28‬ومعلوم أن في جزاء المؤمنين مقاصد أخرى غير‬
‫علم أهل الكتاب وما معه وقال تعالى سورة النعام الية ‪ # 92‬ومعلوم أن فيه حكما‬
‫أخرى مثل تبشير من آمن به والمر والنهي وإنذار غير هؤلء من العرب‬

‫وقال تعالى سورة يس اليتان ‪ # 70 69‬ومعلوم أن فيه حكمة أخرى غير ‪#‬‬
‫النذار وقال تعالى سورة الحقاف الية ‪ # 12‬ومعلوم أن فيه حكمة أخرى من‬
‫إنذار الخلق كلهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وتبشير المؤمنين فقال تعالى‬
‫سورة الحزاب اليتان ‪ # 8 7‬ومعلوم أن في أخذ الميثاق حكما أخرى وقال تعالى‬
‫سورة الفتح اليتان ‪2 1‬‬

‫وقوله سورة السراء الية ‪ # 1‬وقوله سورة السراء الية ‪ # 12‬وكذلك قوله ‪#‬‬
‫سورة يونس الية ‪ # 5‬وفي ذلك كله حكم أخرى وكذلك قوله سورة القصص الية‬
‫‪ # 8‬وإن كانت هذه لم العاقبة فليست العاقبة منحصرة في ذلك بل في ذلك من‬
‫الحسان إلى موسى وتربيته وغير ذلك حكم أخرى ومثل قوله سورة النعام الية‬
‫‪137‬‬

‫وقال تعالى سورة الصف الية ‪ # 9‬وفي إرساله حكم أخرى وكذلك قوله سورة ‪#‬‬
‫النساء الية ‪ # 105‬وفي أنزاله تبشير وإنذار وأمر ونهي ووعد ووعيد وكذلك قوله‬
‫في عيسى بن مريم سورة مريم الية ‪ # 21‬وكذلك قوله سورة الجاثية الية ‪# 12‬‬
‫وفيه حكم أخرى كما قال في الية الخرى سورة النحل الية ‪ # 14‬وقال سورة‬
‫فاطر الية ‪12‬‬

‫وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين النس والجن يوحي بعضهم ‪#‬‬
‫إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ^ ‪ #‬إلى قوله سورة النعام اليتان‬
‫‪ # 113 112‬وكذلك قوله سورة البقرة الية ‪ # 143‬وفي كونهم وسطا حكم أخرى‬
‫‪ #‬وقوله سورة الملك الية ‪ # 2‬وفيهما حكم أخرى وكذلك قوله سورة الفرقان الية‬
‫‪ # 1‬وفي ذلك حكم أخرى من البشارة والمر والنهي‬

‫وقال تعالى سورة آل عمران اليتان ‪ # 141 140‬وفي ذلك حكم أخرى ومثل ‪#‬‬
‫ذلك كثير في كلم ال عز وجل وغير كلم ال إذا ذكر حكمة للفعل لم يلزم أن ل‬
‫تكون له حكمة أخرى لكن ل بد لتخصيص تلك الحكمة بالذكر في ذلك الموضع من‬
‫مناسبته وهذا كالمناسبة في قوله سورة يس الية ‪ # 6‬فإن هؤلء كانوا أول‬
‫المنذرين وأحقهم بالنذار فكان في تخصيصهم بالذكر فائدة ل أنه خصهم لنتفاء‬
‫إنذار من سواهم ‪ #‬وقال تعالى سورة الشعراء اليات ‪ # 195 193‬ومعلوم أنه‬
‫نزل به ليكون بشيرا وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم‬
‫الخبائث ويضع الصار والغلل صلى ال عليه وسلم‬

‫‪81‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪82‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل & ‪ #‬وأما احتجاجهم بقوله تعالى سورة البقرة الية ‪ # 151‬وقوله تعالى &‬
‫سورة آل عمران الية ‪ # 164‬فهذا كقوله تعالى سورة التوبة الية ‪ # 128‬وهذا‬
‫في عمومه نزاع فإنه إما أن يكون خطابا لجميع الناس ويكون المراد إنا بعثنا إليكم‬
‫رسول من البشر إذ كنتم ل تطيقون أن تأخذوا عن ملك من الملئكة فمن ال عليكم‬
‫بأن أرسل إليكم رسول بشريا ‪ #‬قال تعالى سورة النعام اليتان ‪9 8‬‬

‫وأما أن يكون الخطاب للعرب وعلى التقديرين فإن ما تضمن ذكر أنعامه على ‪#‬‬
‫المخاطبين بإرساله رسول من جنسهم وليس في هذا ما يمنع أن يكون مرسل إلى‬
‫غيرهم فإنه إن كان خطابا للنس كلهم فهو أيضا مرسل إلى الجن وليس من جنسهم‬
‫فكيف يمتنع إذا كان خطابا للعرب بما امتن به عليهم أن يكون قد امتن على غيرهم‬
‫بذلك فالعجم أقرب إلى العرب من الجن إلى النس وقد أخبر في الكتاب العزيز أن‬
‫الجن لما سمعوا القرآن آمنوا به ‪ #‬قال تعالى سورة الحقاق اليات ‪ # 32 29‬وقال‬

‫سورة الجن كلها ‪ #‬ونظير هذا قوله سورة الزخرف الية ‪ # 44‬وقومه قريش ول‬
‫يمنع أنه ذكر لسائر العرب بل لسائر الناس‬

‫كما قال تعالى سورة القلم اليتان ‪ # 52 51‬وقال تعالى سورة الفرقان الية ‪# 1‬‬
‫وقال تعالى سورة ص اليات ‪ # 88 86‬وقال تعالى سورة التكوير اليات ‪29 19‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى سورة النساء الية ‪ # 79‬وهذا على أصح القولين وأن المراد بقوله ^‬
‫^ وإنه لذكر لك ولقومك‬

‫أنه ذكر لهم يذكرونه فيهتدون به ‪ #‬وقيل أن المراد أنه شرف لهم وليس بشيء فإن‬
‫القرآن هو شرف لمن آمن به من قومه وغيرهم وليس شرفا لجميع قومه بل من‬
‫كذب به منهم كان أحق بالذم كما قال تعالى سورة المسد الية ‪ # 1‬وقال تعالى‬
‫سورة النعام الية ‪ # 66‬بخلف كونه تذكرة وذكرى فإنه تذكرة لهم ولغيرهم كما‬
‫قال تعالى سورة النعام الية ‪ # 90‬فعم العالمين جميعهم فقال سورة يوسف الية‬
‫‪104‬‬

‫فصل & ‪ #‬هذا الكلم على الوجه الول وهو قول من يقول أنه لم يقل أنه أرسل &‬
‫إل إلى العرب ‪ #‬وأما الوجه الثاني وهو أن نقول هو ذكر أنه رسول إلى الناس كافة‬
‫كما نطق به القرآن في غير موضع كقوله تعالى سورة سبأ الية ‪ # 28‬وقوله سورة‬
‫العراف الية ‪ # 158‬وقد صرح فيه بدعوة أهل الكتاب وبدعوة الجن في غير‬
‫موضع فإذا سلموا أنه ذكر ذلك ولكن كذبوه في ذلك ‪ #‬فإما أن يقروا برسالته إلى‬
‫العرب أو ل يقروا ‪ #‬فإن أقروا بأنه رسول أرسله ال لم يمكن مع ذلك تكذيبه كما‬
‫تقدم بل يجب القرار برسالته إلى جميع الخلق كما أخبر بذلك كما تقدم أن من ذكر‬
‫أنه رسول ال ل يكون إل من أفضل الخلق وأصدقهم أو من شر الخلق وأكذبهم فإنه‬

‫‪82‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪83‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إن كان صادقا فهو من أفضلهم وإن كان‬

‫كاذبا فهو من شرهم وإذا كان ال قد أرسله ولو إلى قرية كما أرسل يونس بن متى‬
‫إلى أهل نينوى كان من أفضل الخلق وكان صادقا ل يكذب على ال ول يقول عليه‬
‫إل الحق ولو كذب على ال ولو في كلمة واحدة لكان من الكاذبين لم يكن من رسل‬
‫ال الصادقين فإن الكاذب ل يكذب في كل شيء بل في البعض فمن كذب على ال‬
‫في كلمة واحدة فقد افترى على ال الكذب وكان من القسم الكاذبين في دعوى‬
‫الرسالة ل من الصادقين ‪ #‬وأيضا فإن مقصود الرسالة تبليغ رسالت ال على‬
‫وجهها فإذا خلط الكذب بالصدق لم يحصل مقصود الرسالة ‪ #‬وأيضا فإذا علم أنه‬
‫كذب في بعضها لم يتميز ما صدق فيه مما كذب فيه إل بدليل آخر غير رسالته فل‬
‫يحصل المقصود برسالته ‪ #‬ولهذا أجمع أهل الملل قاطبة على أن الرسل‬
‫معصومون فيما يبلغونه عن ال تبارك وتعالى لم يقل أحد قط أن من أرسله ال‬
‫يكذب عليه وقد قال تعالى ما يبين أنه ل يقر كاذبا عليه قال تعالى سورة الحاقة‬
‫اليات ‪47 44‬‬

‫وقال تعالى سورة الشورى الية ‪ # 24‬ثم قال تعالى سورة الشورى الية ‪# # 24‬‬
‫فقوله تعالى سورة الشورى الية ‪ # 24‬كلم مستأنف ليس داخل في جواب الشرط‬
‫فإنه لو كان معطوفا على جواب الشرط لقال ويحق الحق بالكسر للتقاء الساكنين‬
‫كما في قوله ^ قم الليل ^ ‪ #‬فلما قال ويحق الحق بالضم دل على أنه جملة مستأنفة‬
‫أخبر فيها أنه تعالى يمحو الباطل كباطل الكاذبين عليه ويحق الحق كحق الصادقين‬
‫عليه فمحو الباطل نظير إحقاق الحق ليس مما علق بالمشيئة بل ل بد منه بخلف‬
‫الختم على قلبه فإنه معلق بالمشيئة ول يجوز أن يعلق بالمشيئة محو الباطل كتعليق‬
‫الختم بل يقذف بالحق على الباطل فيدمغه‬

‫وقال تعالى في صيانته وإحكامه لما تبلغه رسله سورة الحج اليات ‪# # 54 52‬‬
‫وأيضا فإذا لم يكن أرسل إل إلى العرب وقد دعا اليهود والنصارى إلى اليمان به‬
‫وكفرهم إذا لم يؤمنوا به وجاهدهم وقتل مقاتلهم وسبى ذرياتهم كان ذلك ظلما ل‬
‫يفعله إل من هو من أظلم الناس ومن كان نبيا قد أرسله ال فهو منزه عن هذا وهذا‬
‫‪ #‬فالقرار برسالته إلى العرب دون غيرهم مع ما ظهر من عموم دعوته للخلق‬
‫كلهم قول متناقض ظاهر الفساد وكل ما دل عليه أنه رسول فإنه يستلزم رسالته إلى‬
‫جميع الخلق وكل من اعترف بأنه رسول لزمه العتراف بأنه رسول إلى جميع‬
‫الخلق وإل لزم أن يكون ال أرسل رسول يفتري عليه الكذب ويقول للناس إن ال‬
‫أمركم باتباعي وأمرني‬

‫بجهادكم إذا لم تفعلوا وهو كاذب في ذلك ومعلوم أن كل ما دل على أن ال أرسله‬


‫فإنه يدل على أنه صادق في الرسالة وإل فل فالرسول الكاذب ل يحصل به مقصود‬
‫الرسالة بل يكون من جملة المفترين على ال الكذب وأولئك ليسوا من رسل ال ول‬

‫‪83‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪84‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يجوز تصديقهم في قولهم إن ال أرسلهم انتهى المجلد الول ويليه المجلد الثاني‬
‫[ وأوله فصل [ وأما أن ل يقروا برسالته‬

‫فصل ‪ #‬وإما أن ل يقروا برسالته إلى العرب ول غيرهم بل قالوا فيه ما كان يقوله‬
‫مشركو العرب من أنه شاعر أو ساحر أو مفتر كاذب ونحو ذلك فيقال لهم على هذا‬
‫التقدير فدليلكم أيضا باطل ول يجوز أن تحتجوا بتقدير تكذيبكم لمحمد بشيء من‬
‫كلم النبياء قبله سواء صدقتم محمدا في جميع ما يقوله أو في بعضه أو كذبتموه‬
‫فدليلكم باطل فيلزم بطلن دينكم على كل تقدير وما ثبت بطلنه على كل تقدير فهو‬
‫باطل في نفس المر فيثبت أنه باطل في نفس المر وذلك أنكم إذا كذبتم محمدا لم‬
‫يبق لكم طريق تعلمون به صدق غيره من النبياء فيمتنع مع تكذيبه القول بصدق‬
‫غيره بل من اعتقد كذبه وصدق غيره لم يكن عالما بصدق غيره بل يكون مصدقا‬
‫لهم بغير علم وإذا لم يكن عالما بصدقهم لم يجز احتجاجه قط بأقوالهم بل ذلك قول‬
‫منه بل علم ومحاجة فيما ل علم له بها فإن الدلئل الدالة على صدق محمد أعظم‬
‫وأكثر من الدلئل الدالة على صدق موسى وعيسى ومعجزاته أعظم من معجزات‬
‫غيره والكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره والشريعة التي‬
‫جاء بها‬

‫أكمل من شريعة موسى وعيسى عليهما السلم وأمته أكمل في جميع الفضائل من‬
‫أمة هذا وهذا ول يوجد في التوراة والنجيل علم نافع وعمل صالح إل وهو في‬
‫القرآن أو مثله أو منه وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما ل يوجد مثله‬
‫في التوراة والنجيل فما من مطعن من مطاعن أعداء النبياء يطعن به على محمد‬
‫إل ويمكن توجيه ذلك الطعن وأعظم منه على موسى وعيسى ‪ #‬وهذه جملة‬
‫مبسوطة في موضع آخر لم نبسطها هنا لن جواب كلمهم ل يحتاج إلى ذلك فيمتنع‬
‫القرار بنبوة موسى وعيسى عليهما السلم مع التكذيب بنبوة محمد ول يفعل ذلك‬
‫إل من هو من أجهل الناس وأضلهم أو من أعظمهم عنادا واتباعا لهواه وذلك أن‬
‫هؤلء القوم احتجوا بما نقلوه عن النبياء ولم يذكروا الدلة الدالة على صدقهم بل‬
‫أخذوا ذلك مسلما وطلبوا ان يحتجوا بما نقلوه عن النبياء قبله وبما نقلوه عنه على‬
‫صحة دينهم‬

‫وهذه حجة داحضة سواء صدقوه أو كذبوه فإن صدقوه بطل دينهم وإن كذبوه بطل‬
‫دينهم فإنهم إن صدقوه فقد علم أنه دعاهم وجميع أهل الرض إلى اليمان به‬
‫وطاعته كما دعا المسيح وموسى وغيرهما من الرسل وأنه أبطل ما هم عليه من‬
‫التحاد وغيره وكفرهم في غير موضع ولهذا كان مجرد التصديق بأن محمدا‬
‫رسول ال ولو إلى العرب يوجب بطلن دين النصارى واليهود وكل دين يخالف‬
‫دينه فإن من كان رسول ل فإنه ل يكذب على ال ومحمد قد علم منه أنه دعا‬
‫النصارى واليهود إلى اليمان به وطاعته كما دعا غيرهم وأنه كفر من لم يؤمن به‬

‫‪84‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪85‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ووعده النار وهذا متواتر عنه تواترا تعلمه العامة والخاصة وفي القرآن من ذلك ما‬
‫يكثر ذكره كما قال تعالى ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين‬
‫منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من ال يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما‬
‫تفرق الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جآءتهم البينة ومآ أمروا إل ليعبدوا ال‬
‫مخلصين له الدين حنفآء ويقيموا الصلوة ويؤتوا الزكوة وذلك دين القيمة إن الذين‬
‫كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيهآ أولئك هم شر البرية إن‬
‫الذين امنوا وعملوا الصلحت أولئك هم خير البرية جزآؤهم عند ربهم جنت عدن‬
‫تجري من تحتها النهار خلدين فيهآ أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك لمن‬
‫^ خشي ربه‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم قآئما بالقسط ل ‪#‬‬
‫إله إل هو العزيز الحكيم إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل‬
‫من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بايت ال فإن ال سريع الحساب فإن‬
‫حآجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والمين أسلمتم‬
‫فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد ^ ‪ #‬وقد ذكر‬
‫كفر اليهود والنصارى في غير موضع كقوله تعالى عن النصارى ‪ ^ #‬لقد كفر‬
‫الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن يهلك‬
‫المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض جميعا ^ ‪ #‬وقال تعالى أيضا ‪ ^ #‬لقد كفر‬
‫الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يبني إسرائيل اعبدوا ال ربي‬
‫وربكم إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأونه النار وما للظالمين من‬
‫أنصار لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم ينتهوا‬
‫عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفل يتوبون إلى ال‬

‫ويستغفرونه وال غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله‬
‫الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف نبين لهم اليات ثم انظر أنى‬
‫يؤفكون قل اتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم‬
‫قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من‬
‫قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب ل‬
‫تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال‬
‫وكلمته ألقهآ إلى مريم وروح منه فأمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم‬
‫إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض وكفى‬
‫بال وكيل لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن يستنكف‬
‫عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين إمنوا وعملوا الصالحات‬
‫فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا‬
‫أليما ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا يا أيها الناس قد جآءكم برهان من‬
‫ربكم وأنزلنآ إليكم نورا مبينا فأما الذين إمنوا بال واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة‬
‫منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ^ ‪ #‬وقال تعالى‬

‫‪85‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪86‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقالت اليهود عزيز ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم ^ ‪#‬‬
‫بأفواههم يضهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل‬
‫إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال ال يا عيسى ابن‬
‫مريم ءأنت قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي‬
‫أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ول أعلم ما في‬
‫نفسك إنك أنت علم الغيوب ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم‬
‫وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل‬
‫شيء شهيد ^ ‪ #‬فقد قال تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم‬
‫^ ‪ #‬في الموضعين ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ ‪#‬‬
‫^ وقال تعالى ^ ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وقالت النصارى المسيح ابن ال ^ ‪ #‬والنصارى قالت القوال ‪#‬‬
‫الثلثة فذكر ال عنهم هذه القوال لكن من الناس من يظن أن هذا قول طائفة منهم‬
‫وهذا قول طائفة منهم ‪ #‬كما ذكره طائفة من المفسرين كابن جرير الطبري والثعلبي‬
‫وغيرهما ثم تارة يحكون عن اليعقوبية أن عيسى هو ال‬

‫وعن النسطورية أنه ابن ال وعن المريوسية أنه ثالث ثلثة وتارة يحكون عن‬
‫النسطورية انه ثالث ثلثة وعن الملكية انه ال ويفسرون قولهم ثالث ثلثة بالب‬
‫والبن وروح القدس ‪ #‬والصواب ان هذه القوال جميعها قول طوائف النصارى‬
‫المشهورة الملكية واليعقوبية والنسطورية فإن هذه الطوائف كلها تقول بالقانيم‬
‫الثلثة الب والبن وروح القدس فتقول غن ال ثالث ثلثة وتقول عن المسيح إنه‬
‫ال وتقول أنه إبن ال وهم متفقون على إتحاد اللهوت والناسوت وأن المتحد هو‬
‫الكلمة وهم متفقون على عقيدة إيمانهم التي تتضمن ذلك وهو قولهم نؤمن بإله واحد‬
‫اب ضابط الكل خالق السموات والرض كل ما يرى وما ل يرى وبرب واحد‬
‫يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب‬

‫قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق ‪ #‬وأما قوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬ول تقولوا ثلثة ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^‬
‫‪ #‬فقد فسروه بالتثليث المشهور عنهم المذكور في أمانتهم ومن الناس من يقول إن‬
‫ال هو المسيح ابن مريم قول اليعقوبية وقولهم ثالث ثلثة هو قول النصارى الذين‬
‫يقولون بالب والبن والروح القدس وهم قد جعلوا ال فيها ثالث ثلثة وسموا كل‬
‫واحد من الثلثة بالله والرب وقد فسره طائفة بجعلهم عيسى وأمه إلهين يعبدان من‬
‫دون ال ‪ #‬قال السدي في قوله تعالى‬

‫لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ ‪ #‬قال قالت النصارى إن ال هو ^ ‪#‬‬

‫‪86‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪87‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المسيح وأمه فذلك قوله ‪ ^ #‬ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال ^‬
‫‪ #‬وقد قيل قول ثالث أغرب من ذلك عن أبي صخر قال ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن‬
‫ال ثالث ثلثة ^ ‪ #‬قال هو قول اليهود عزيز ابن ال وقول النصارى المسيح ابن‬
‫ال فجعلوا ال ثالث ثلثة وهذا ضعيف وقد ذكر سعيد بن البطريق في أخبار‬
‫النصارى ان منهم طائفة يقال لهم‬

‫المريميون يقولون إن مريم إله وإن عيسى إله ‪ #‬وأما الول فمتوجه فإن النصارى‬
‫المتفقين على المانة كلهم يقولون إن ال ثالث ثلثة وال تعالى قد نهاهم عن أن‬
‫يقولوا ذلك فقال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل‬
‫الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‬
‫فأمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم ^ ‪ #‬فذكر سبحانه في هذه الية‬
‫التثليث والتحاد ونهاهم عنهما وبين أن المسيح إنما هو رسول ال وكلمته ألقاها إلى‬
‫مريم وروح منه ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬فأمنوا بال ورسوله ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬ول تقولوا ثلثة‬
‫^ انتهوا خيرا لكم‬

‫لم يذكر هنا أمه وقوله تعالى ‪ ^ #‬وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪ #‬قال ‪#‬‬
‫معمر عن قتادة وكلمته ألقاها إلى مريم هو قوله كن فكان ‪ #‬وكذلك قال قتادة ليس‬
‫الكلمة صار عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى ‪ #‬وكذلك قال المام أحمد في مصنفه‬
‫الذي صنفه في كتابه في الرد على الجهمية وذكره عنه الخلل والقاضي أبو يعلى‬
‫قال أحمد‬

‫ثم إن الجهم ادعى أمرا فقال إنا وجدنا في كتاب ال آية تدل على أن القرآن مخلوق‬
‫قلنا أي آية قال قول ال ‪ ^ #‬إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ^ ‪#‬‬
‫فقلنا إن ال منعكم الفهم في القرآن عيسى عليه السلم تجري عليه ألفاظ ل تجري‬
‫على القرآن لن عيسى يجري عليه نسمة ومولود وطفل وصبي وغلم يأكل‬
‫ويشرب وهو يخاطب بالمر والنهي يجري عليه الوعد والوعيد هو من ذرية نوح‬
‫ومن ذرية إبراهيم ول يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى هل سمعتم ال‬
‫يقول في القرآن ما قال عيسى ولكن المعنى في قوله جل ثناؤه ‪ ^ #‬إنما المسيح‬
‫عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪ #‬فالكلمة التي‬
‫ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان عيسى ب كن وليس عيسى هو الكن ولكن‬
‫بالكن كان فالكن من ال قوله وليس الكن مخلوقا وكذبت النصارى والجهمية على‬
‫ال في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا عيسى روح ال وكلمته لن الكلمة مخلوقة‬

‫وقالت النصارى روح ال من ذات ال وكلمة ال من ذات ال كما يقال هذه ‪#‬‬
‫الخرقة من هذا الثوب وقلنا نحن إن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة ‪#‬‬
‫قال أحمد وأما قوله جل ثناؤه ‪ ^ #‬وروح منه ^ ‪ #‬يقول من أمره كان الروح فيه‬
‫كقوله ‪ ^ #‬وسخر لكم ما في السموات وما في الرض جميعا منه ^ ‪ #‬يقول من‬

‫‪87‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪88‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمره وتفسير روح ال إنما معناها أنها روح بكلمة ال خلقهم ال كما يقال عبدال‬
‫وسماء ال وفي نسخة روح يملكها ال خلقها ال ‪ #‬وقال الشعبي في قوله تعالى‬

‫وكلمته ألقاها إلى مريم ^ ‪ #‬الكلمة حين قال له كن فكان عيسى ب كن وليس ^ ‪#‬‬
‫عيسى هو الكن ولكن بالكن كان ‪ #‬وقال ليث عن مجاهد روح منه قال رسول منه‬
‫يريد مجاهد قوله ‪ ^ #‬فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ‬
‫^ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك‬

‫والمعنى أن عيسى خلق من الروح وهو جبريل روح القدس سمي روحا كما ‪#‬‬
‫سمي كلمة لنه خلق بالكلمة والنصارى يقولون في أمانتهم تجسد من مريم ومن‬
‫روح القدس لنه كذلك في الكتب المتقدمة لكن ظنوا أن روح القدس هو صفة ل‬
‫وجعلوها حياته وقدرته وهو رب وهذا غلط منهم فإنه لم يسم أحد من النبياء حياة‬
‫ال ول قدرته ول شيئا من صفاته روح القدس بل روح القدس في غير موضع من‬
‫كلم النبياء عليهم السلم يراد بها ما ينزله ال على قلوب النبياء كالوحي والهدى‬
‫والتأييد ويراد بها الملك وهكذا في تفسير ابن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس‬
‫أن عيسى بن مريم استقبل رهطا من اليهود فلما رأوه قالوا قد جاء الساحر ابن‬
‫الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وأمه فلما سمع عيسى ذلك‬

‫قال اللهم أنت ربي وأنا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي‬
‫وذكر تمام الحديث ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من‬
‫روحنا وجعلناها وابنها داية للعالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ^ ومريم ابنت عمران التي‬
‫أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ^ ‪ #‬فهذا يوافق قوله تعالى ‪ ^ #‬فأرسلنا إليها‬
‫روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا‬
‫رسول ربك ^ ‪ #‬والمقصود هنا أنهم سواء صدقوا محمدا أو كذبوه فإنه يلزم بطلن‬
‫دينهم على التقديرين فإنه إن كان نبيا صادقا فقد بلغ عن ال‬

‫في هذا الكتاب كفر النصارى في غير موضع ودعاهم إلى اليمان به وأمر بجهادهم‬
‫فمن علم أنه نبي ولو إلى طائفة معينة يجب تصديقه في كل ما أخبر به وقد أخبر‬
‫بكفر النصارى وضللهم وإذا ثبت هذا لم يغن عنهم الحتجاج بشيء من الكتب‬
‫والمعقول بل يعلم من حيث الجملة أن كل ما يحتجون به على صحة دينهم فهو باطل‬
‫وإن لم يبين فساد حججهم على التفصيل لن النبياء ل يقولون إل حقا كما أن‬
‫المسيح عليه السلم لما حكم بكفر من كذبه من اليهود كان كل ما يحتج به اليهود‬
‫على خلف ذلك باطل فكل ما عارض قول النبي المعصوم فهو باطل وإن كذبوا‬
‫محمدا تكذيبا عاما مطلقا وقالوا ليس هو نبي أصل ول أرسل إلى أحد ل إلى العرب‬
‫ول إلى غيرهم بل كان كذابا امتنع مع هذا أن يصدقوا بنبوة غيره فإن الطريق الذي‬
‫يعلم به نبوة موسى وعيسى يعلم به نبوة محمد بطريق الولى فإذا قالوا علمت نبوة‬
‫موسى والمسيح بالمعجزات وعرفت المعجزات بالنقل المتواتر إلينا قيل لهم‬

‫‪88‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪89‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫معجزات محمد أعظم وتواترها أبلغ والكتاب الذي جاء به محمد أكمل وأمته أفضل‬
‫وشرائع دينه أحسن وموسى جاء بالعدل وعيسى جاء بتكميلها بالفضل وهو‬

‫قد جمع في شريعته بين العدل والفضل ‪ #‬فإن ساغ لقائل أن يقول هو مع هذا كاذب‬
‫مفتر كان على هذا التقدير الباطل غيره أولى أن يقال فيه ذلك فيبطل بتكذيبهم محمدا‬
‫جميع ما معهم من النبوات إذ حكم أحد الشيئين حكم مثله فكيف بما هو أولى منه فلو‬
‫قال قائل إن هارون ويوشع وداوود وسليمان كانوا أنبياء وموسى لم يكن نبيا أو أن‬
‫داوود وسليمان ويوشع كانوا أنبياء والمسيح لم يكن نبيا أو قال ما تقوله السامرة أن‬
‫يوشع كان نبيا ومن بعده كداوود وسليمان والمسيح لم يكونوا أنبياء أو قال ما يقوله‬
‫اليهود إن داوود وسليمان‬

‫وأشعيا وحبقوق ومليخا وعاموص ودانيال كانوا أنبياء‬

‫والمسيح بن مريم لم يكن نبيا كان هذا قول متناقضا معلوم البطلن فإن الذين نفى‬
‫هؤلء عنهم النبوة أحق بالنبوة وأكمل نبوة ممن أثبتوها له ودلئل نبوة الكمل‬
‫أفضل فكيف يجوز إثبات النبوة للنبي المفضول دون الفاضل وصار هذا كما لو قال‬
‫قائل أن زفر وابن القاسم والمزني‬

‫والثرم كانوا فقهاء وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء أو قال إن‬
‫الخفش وابن النباري والمبرد كانوا نحاة‬

‫والخليل وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة أو قال إن صاحب الملكي والمسيحي‬


‫ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء وبقراط‬

‫وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء أو‬


‫قال إن كوشيار والخرقي ونحوهما كانوا يعرفون علم الهيئة وبطليموس ونحوه لم‬
‫يكن لهم علم بالهيئة ‪ #‬ومن قال إن داوود وسليمان ومليخا وعاموص ودانيال كانوا‬
‫أنبياء ومحمد بن عبدال لم يكن نبيا فتناقضه أظهر وفساد قوله أبين من هذا جميعه‬
‫بل وكذلك من قال إن موسى وعيسى رسولن والتوراة والنجيل كتابان منزلن من‬
‫عند ال ومحمد ليس برسول والقرآن‬

‫لم ينزل من ال فبطلن قوله في غاية الظهور والبيان لمن تدبر ما جاء به محمد وما‬
‫جاء به من قبله وتدبر كتابه والكتب التي قبله وآيات نبوته وآيات نبوة هؤلء‬
‫وشرائع دينه وشرائع دين هؤلء وهذه الجملة مفصلة مشروحة في غير هذا‬
‫الموضع لكن المقصود هنا التنبيه على مجامع جوابهم وهؤلء القوم لم يأتوا بدليل‬
‫واحد يدل على صدق من احتجوا به من النبياء فلو ناظرهم من يكذب بهؤلء‬
‫النبياء كلهم من المشركين والملحدة لم يكن فيما ذكروه حجة لهم ول حجة لهم‬

‫‪89‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪90‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أيضا على المسلمين الذين يقرون بنبوة هؤلء فإن جمهور المسلمين إنما عرفوا‬
‫صدق هؤلء النبياء بإخبار محمد أنهم أنبياء فيمتنع أن يصدقوا بالفرع مع القدح في‬
‫الصل الذي به علموا صدقهم ‪ #‬وأيضا فالطريق الذي به علمت نبوة هؤلء بما‬
‫ثبت من معجزاتهم وأخبارهم فكذلك تعلم نبوة محمد بما ثبت من معجزاته وأخباره‬
‫بطريق الولى فيمتنع أن يصدق أحد من المسلمين بنبوة واحد من هؤلء مع تكذيبه‬
‫لمحمد في كلمة مما جاء به‬

‫فصل ‪ #‬ومما ينبغي أن يعلم أن كثيرا من النصارى إنما يعتمدون في النبوات على‬
‫بشارة النبياء بمن يأتي بعدهم فيقولون المسيح عليه السلم بشرت به النبياء قبله‬
‫بخلف محمد فإنه لم يبشر به نبي وجواب هؤلء من وجهين ‪ #‬أحدهما أن يقال بل‬
‫البشارة بمحمد في الكتب المتقدمة أعظم من البشارة بالمسيح وكما أن اليهود يتأولون‬
‫البشارة بالمسيح على أنه ليس هو عيسى بن مريم بل هو آخر ينتظرونه وهم في‬
‫الحقيقة إنما ينتظرون المسيح الدجال فإنه الذي يتبعه اليهود ويخرج معه سبعون‬
‫ألف مطيلس من يهود أصبهان ويقتلهم المسلمون معه حتى يقول الشجر‬

‫والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي‬
‫وثبت أيضا في الصحيح عن النبي أنه قال ينزل عيسى بن مريم من السماء على‬
‫المنارة البيضاء شرقي دمشق فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويقتل‬
‫مسيح الهدى عيسى بن مريم مسيح الضللة العور الدجال على بضع عشرة خطوة‬
‫من باب لد ليتبين‬

‫للناس أن البشر ل يكون إلها فيقتل من ادعى فيه أنه ال وهو بريء مما ادعى فيه‬
‫لمن ادعى في نفسه أنه ال وهو دجال كذاب فهكذا البشارات بمحمد في الكتب‬
‫المتقدمة وقد يتأولها بعض أهل الكتاب على غير تأويلها كما قد بسط في موضع‬
‫آخر فإن بسط الكلم في ذكر محمد في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب له موضع آخر‬
‫‪ #‬الجواب الثاني أن يقال ليس من شرط النبي أن يبشر به من تقدمه كما أن موسى‬
‫كان رسول إلى فرعون ولم يتقدم لفرعون به بشارة وكذلك الخليل عليه السلم‬
‫أرسل إلى نمرود ولم يتقدم به بشارة نبي إليه وكذلك نوح وهود وصالح وشعيب‬
‫ولوط لم يتقدم هؤلء بشارة إلى قومهم بهم مع كونهم أنبياء صادقين فإن دلئل نبوة‬
‫النبي ل تنحصر في أخبار من تقدمه بل دلئل النبوة منها المعجزات ومنها غير‬
‫المعجزات كما قد بسط في موضع آخر وهؤلء النصارى إنما مستند دينهم في‬
‫التثليث والتحاد وغير ذلك هو السمع وهو دعواهم أن الكتب اللهية جاءت بذلك‬
‫ليس مستندهم فيه العقل فإذا تبين أنهم مع تكذيبهم بمحمد يمتنع أن‬

‫تثبت نبوة غيره امتنع استدللهم بالسمعيات وأما العقليات فإن تشبثوا ببعضها فهم‬
‫معترفون بأن حجتهم فيها ضعيفة وأنها على نقيض مذهبهم أدل منها على مذهبهم‬

‫‪90‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪91‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسنبين إن شاء ال تعالى أن ل حجة لهم في سمع ول عقل بل ذلك كله حجة عليهم‬
‫‪ #‬وأما تمثيلهم الكتاب بالوثيقة التي كتب الوفاء في ظهرها فتمثيل باطل غير مطابق‬
‫لن القرار بالوفاء إقرار بسقوط الدين ول مناقضة بين ثبوت الدين أول وسقوطه‬
‫آخرا بالوفاء بل أمكن مع هذا دعواه وأما من يذكر أنه رسول ال فل يمكن أن يقر‬
‫بأنه رسول ال في بعض ما أنبأ به عن ال دون بعض ول يمكن اتباع بعض كتابه‬
‫الذي ذكر انه منزل من عند ال دون بعض فإنه إن كان صادقا في قوله إنه رسول‬
‫ال كان معصوما في ما يخبر به عن ال ل يجوز أن يكذب في شيء منه ل عمدا‬
‫ول خطأ ووجب اتباع الكتاب الذي جاء به من عند ال ولم يمكن رد شيء مما ذكر‬
‫أنه جاء به من ال وإن كان كاذبا في كلمة واحدة مما أخبر به عن ال فهو من‬
‫الكاذبين المفترين فل يجوز أن يحتج بشيء من دينهم ول دين غيرهم بمجرد إخباره‬
‫عن ال بل ول بمجرد خبره وقوله وإن لم يذكر أنه خبر عن ال كما ل يجوز مثل‬
‫ذلك في سائر من عرف أنه كاذب في قوله إني رسول ال كمسيلمة الحنفي والسود‬
‫العنسي وطليحة السدي والحارث الدمشقي وبابا‬

‫الرومي وأمثالهم من الكذابين ‪ #‬والواحد من المسلمين وإن كان ال ل يؤاخذه‬


‫بالنسيان والخطأ بل والرسول أيضا وإن لم يكن يؤاخذ بالنسيان والخطأ في غير ما‬
‫يبلغه عن ال عند السلف والئمة وجمهور المسلمين لكن ما يبلغه عن ال ل يجوز‬
‫أن يستقر فيه خطأ فإنه لو جاز أن يبلغ عن ال ما لم يقله ويستقر ذلك ويأخذه الناس‬
‫عنه معتقدين أن ال قاله ولم يقله ال كان هذا مناقضا لمقصود الرسالة ولم يكن‬
‫رسول ل في ذلك بل كان كاذبا في ذلك وإن لم يتعمده وإذا بلغ عن ال ما لم يقله‬
‫وصدق في ذلك كان قد صدق من قال على ال غير الحق ومن تقول عليه ما لم يقله‬
‫وإن لم يكن متعمدا ويمتنع في مثل هذا أن يصدقه ال في كل ما يخبر به عنه أو أن‬
‫يقيم له من اليات والبراهين ما يدل على صدقه في كل ما يخبر به عنه مع أن‬
‫المر ليس كذلك ومن قامت البراهين واليات على صدقه فيما يبلغه عن ال كان‬
‫صادقا في كل ما يخبر به عن ال ل يجوز أن يكون في خبره عن ال شيء من‬
‫الكذب ل عمدا ول خطأ وهذا مما اتفق عليه جميع الناس من المسلمين واليهود‬
‫والنصارى‬

‫وغيرهم لم يتنازعوا أنه ل يجوز أن يستقر في خبره عن ال خطأ وإنما تنازعوا هل‬
‫يجوز أن يقع من الغلط ما يستدركه ويبينه فل ينافي مقصود الرسالة كما نقل من‬
‫ذكر تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتها لترتجى هذا فيه قولن للناس منهم من‬

‫يمنع ذلك أيضا وطعن في وقوع ذلك ومن هؤلء من قال إنهم سمعوا ما لم يقله‬
‫فكان الخطأ في سمعهم والشيطان ألقى في سمعهم ‪ #‬ومن جوز ذلك قال إذا حصل‬
‫البيان ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور وكان ذلك دليل على صدقه‬
‫وأمانته وديانته وأنه غير متبع هواه ول مصر على غير الحق كفعل طالب الرياسة‬
‫المصر على خطئه ‪ #‬وإذا كان نسخ ما جزم بأن ال أنزله ل محذور فيه فنسخ مثل‬

‫‪91‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪92‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا أولى أن ل يكون فيه محذور واستدل على ذلك بقوله ‪ ^ #‬وما أرسلنا من قبلك‬
‫من رسول ول نبي إل إذا تمنى ألقى الشيطن في أمنيته فينسخ ال ما يلقي الشيطن ثم‬
‫يحكم ال ءايته وال عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض‬
‫والقاسية قلوبهم وإن الظلمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من‬
‫^ ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن ال لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم‬

‫وعلى كل قول فالناس متفقون على أن من أرسله ال وأقام اليات على صدقه ‪#‬‬
‫فيما يبلغه عن ال لم يكن ما يبلغه عنه إل حقا وإل كانت اليات الدالة على صدقه‬
‫دلت على صدق من ليس بصادق وبطلن مدلول الدلة اليقينية ممتنع ‪ #‬والصدق‬
‫الذي هو مدلول آيات النبياء وبراهينهم هو أن يكون خبره عن ال مطابقا لمخبره ل‬
‫يخالفه عمدا ول خطأ ولو قال قائل أنا ل أسمي الخطأ كذبا أو قال إن المخطىء ل‬
‫إثم عليه في خطئه ‪ #‬قيل له هذا ل ينفع هنا فإن اليات دلت على أن ال أرسله ليبلغ‬
‫عنه رسالته وال ل يرسل من يعلم أنه يخبر عنه بخلف ما قال له كما ل يجوز‬
‫إرسال من يتعمد عليه الكذب بل الواحد من الناس ل يرسل من يعلم أنه يبلغ خلف‬
‫ما أرسله به ولو علم أنه يقول عليه ما لم يقل وأرسله مع ذلك لكان جاهل سفيها‬
‫ليس بعليم حكيم فكيف يجوز ذلك على أعلم العالمين وأحكم الحاكمين ‪ #‬وأيضا فإن‬
‫اليات والبراهين دلت على صدقه في كل ما يبلغه عن ال وأن ال مصدقه في كل‬
‫ما يبلغه عنه فيمتنع أن ل يكون صادقا في شيء من ذلك ويمتنع أن يصدق ال في‬
‫كل ذلك من ل يصدق في كل ذلك فإن تصديق من ل يصدق كذب والكذب ممتنع‬
‫على ال ‪ #‬وإذا تبين أن من ذكر أنه رسول ال إما أن يكون رسول صادقا في‬

‫جميع ما يبلغه فيمتنع مع هذا تناقض أخباره لنها كلها صادقة وإما أن يكون غير‬
‫صادق ولو في كلمة فل يكون رسول ل فل يحتج بشيء مما يخبر به عن ال كان‬
‫تمثيل من ذكر أنه رسول ال بالمقر باستيفاء وثيقته تمثيل باطل فإن صاحب الوثيقة‬
‫الذي أقر بوفائها بعد كانت له حجة ثم استوفاها ‪ #‬ومن ذكر أنه رسول ال إما‬
‫صادق وإما كاذب وعلى التقديرين ل يجوز أن يحتج ببعض كلمه دون بعض وإذا‬
‫قال القائل مقصودي أبين أنه متناقض وأن نفس كلمه يبين أنه لم يرسل إلينا وأن‬
‫ديننا حق كما أن نفس كلم الذي كان له الحق هو المقر بالوفاء قيل إن كان كلمه‬
‫متناقضا فليس برسول وحينئذ فل يجوز لك أن تحتج بشيء مما بلغه عن ال بخلف‬
‫المقر بالوفاء فإن إقراره مقبول على نفسه فإنه شاهد على نفسه بالوفاء وإقرار المقر‬
‫على نفسه وشهادته على نفسه مقبولة ولو كان كافرا وفاسقا بخلف شهادته وخبره‬
‫عن ال ‪ #‬فمن شبه إقرار المقر على نفسه بقول الذي يقول إنه رسول ال دل ذلك‬
‫على غاية جهله بالقياس والعتبار والتمثيل فإن إقرار المقر‬

‫على نفسه حجة عليه ولو كان فاسقا معروفا بالكذب ليس هو مثل شهادة النسان‬
‫على غيره فإن شهادته على غيره ل تقبل إذا كان معروفا بالكذب فكيف بمن شهد‬
‫على ال بأن ال أرسله فالمقر على نفسه يمكن قبول إقراره على نفسه ول يقبل‬

‫‪92‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪93‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫دعواه على غيره وكذلك الشاهد قد تقبل شهادته فيما ليس هو خصما فيه ول تقبل‬
‫شهادته بما ادعاه ‪ #‬وأما من يقول إنه رسول ال فل يمكن أن يصدق في بعض ما‬
‫يخبر به عن ال ويكذب في بعض بل إن كان كاذبا في كلمة واحدة فليس هو رسول‬
‫ل فل يحتج بكلمه وإن قدر أن الكلم في نفسه صدق لكن نسبته إلى ال أن ال‬
‫أرسله به وأوحاه ل يكون صادقا فيه إذا كذب في كلمة واحدة لن ال ل يرسل كاذبا‬
‫‪ #‬وإن لم يكن كاذبا في كلمة واحدة وجب تصديقه في كل ما يخبر به فل يمكن‬
‫تصديقه في بعض ما يخبر به عن ال دون بعض بخلف المقر والشاهد ‪ #‬وإن كان‬
‫المقصود بيان تناقضه كان هذا احتجاجا على أنه ليس برسول فل ينفعهم ذلك مع أنه‬
‫تبين أنه ليس بمتناقض ‪ #‬وإن كان المقصود إلزام المسلمين به فقد بينا أنه ل يلزمهم‬
‫من وجوه متعددة فهذا بيان أنهم ل يجوز لهم الحتجاج بشيء من كلم محمد سواء‬
‫صدقوه أو كذبوه‬

‫ثم يقال لهم ثانيا في الجواب عن التمثيل بالوثيقة إن القرار بالستيفاء يناقض ‪#‬‬
‫استيفاء الحق وأما القرآن الذي جاء به محمد فليس في إخباره بأنه أرسل إلى قريش‬
‫ثم إلى العرب ما يناقض إخباره بأنه أرسل إلى جميع الناس أهل الكتاب وغيرهم ‪#‬‬
‫كما أنه ليس في إخباره أنه أرسل إلى بني إسرائيل ومخاطبة ال لهم بقوله ^ يا بني‬
‫إسرائيل ^ ما يمنعه أن يكون مرسل إلى اليهود من غير بني إسرائيل وإلى‬
‫النصارى والمشركين وهو لم يقل قط إني لم أرسل إل إلى العرب ول قال ما يدل‬
‫على هذا بل ثبت عنه بالنقل المتواتر أنه قال إنه مرسل إلى جميع الجن والنس إلى‬
‫أهل الكتاب وغيرهم ولو قدر أنه قال إنه لم يرسل إل إلى العرب ثم قال إني أرسلت‬
‫إلى أهل الكتاب لكان قد أرسل إلى أهل الكتاب بعد إرساله إلى العرب كما قال ‪^ #‬‬
‫قل ل أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إل أن يكون ميتة أو دما‬
‫^ مسفوحا أو لحم خنزير‬

‫وقال أيضا ‪ ^ #‬إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ^ ‪ #‬ثم إنه بعد هذا ‪#‬‬
‫حرم ال أشياء فلم يكن بين نفي تحريمها في الزمن الول وإثبات تحريمها في الزمن‬
‫الثاني منافاة ‪ #‬ولكن يظهر الدين إذا أوجب شيئا ثم نسخ إيجابه كما نسخ إيجاب‬
‫الصدقة بين يدي النجوى ففي مثل هذا يتمسك بالنص الناسخ دون المنسوخ كما‬
‫يتمسك بالقرار بالوفاء الناسخ للقرار بالدين‬

‫فصل ‪ #‬وقد ذكرنا أنه ل يجوز أن يحتجوا بشيء من القرآن وما نقل عن محمد إل‬
‫مع التصديق برسالته وأنه مع التكذيب برسالته ل يمكن القرار بنبوة غيره ول‬
‫الحتجاج بشيء من كلم النبياء فتكذيبهم يستلزم تكذيبهم بغيره فإذا ثبتت نبوة غيره‬
‫ثبتت نبوته وذلك يستلزم بطلن دينهم فكان صحة دليلهم يستلزم بطلن المدلول‬
‫وفساد المدلول يستلزم فساد الدليل فإن الدليل ملزوم للمدلول عليه وإذا تحقق الملزوم‬
‫تحقق اللزم وإذا انتفى اللزم انتفى ! الملزوم فإذا ثبت الدليل ثبت المدلول عليه‬

‫‪93‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪94‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وإذا فسد المدلول عليه لزم فساد الدليل فإن الباطل ل يقوم عليه دليل صحيح ‪ #‬فإن‬
‫كان محمد رسول ال لزم بطلن دينهم وإذا بطل دينهم لم يجز أن يقوم دليل صحيح‬
‫على صحته وإن لم يكن رسول ال لم يجز الستدلل بقوله فثبت أن استدللهم بقوله‬
‫باطل على التقديرين‬

‫ونحن نذكر هنا أنه ل يجوز استدللهم بقول أحد من النبياء أو الرسل على صحة ‪#‬‬
‫دينهم وأيضا فإن الذين احتجوا بقولهم مثل موسى وداود والمسيح وغيرهم إما أن‬
‫يكونوا عرفوا أنهم أنبياء بدليل على نبوتهم كالستدلل بآياتهم وبراهينهم التي تسمى‬
‫بالمعجزات وإما أن يكونوا قد اعتقدوا ذلك بل علم ول دليل وإما أن يكونوا احتجوا‬
‫بذلك على المسلمين لنهم يسلمون نبوة هؤلء وعلى كل تقدير ل يصح استدللهم‬
‫بقولهم ‪ #‬أما على الول فلنه أي طريق ثبتت بها نبوة واحد من هؤلء النبياء‬
‫عليهم السلم فإنه تثبت نبوة محمد بمثلها وأعظم منها وحينئذ فإن لم يقروا بنبوة‬
‫محمد مع أن كل دليل يدل على نبوة موسى وداود وعيسى وغيرهم يدل على نبوة‬
‫محمد لزم أن يكونوا قد نقضوا دليلهم فجعلوه قائما مع انتفاء مدلوله وإذا انتقض‬
‫الدليل بطلت دللته فإنه إنما يدل إذا كان مستلزما للمدلول ‪ #‬فإذا كان تارة يوجد مع‬
‫المدلول وتارة ل يوجد لم يكن مستلزما له فل يكون دليل فإن من جعل المعجزات‬
‫دليل على نبوة نبي وقال المعجزة هي الفعل الخارق للعادة المقرون بالتحدي السالم‬
‫من المعارضة ونحو ذلك مما يذكر في هذا المقام وجعلوا ذلك دليل على نبوة موسى‬
‫وعيسى وغيرهما من النبياء ‪ #‬قيل له إن كان هذا دليل فهو دليل على نبوة محمد‬
‫وإن لم يكن دليل لم يكن دليل على نبوة موسى‬

‫وعيسى فإنه قد ثبت عن محمد من المعجزات ما لم يثبت مثله عن غيره ونقل‬


‫معجزاته متواتر أعظم من نقل معجزات عيسى وغيره فيمتنع التصديق بآياته مع‬
‫التكذيب بآيات محمد ‪ #‬وإن قالوا معجزات محمد لم تتواتر عندنا قيل ليس من شرط‬
‫التواتر أن يتواتر عند طائفة معينة بل هذا كما يقول المشركون والمجوس وغيرهم‬
‫لم يتواتر عندنا معجزات موسى والمسيح عليهما السلم وإنما تتواتر أخبار كل‬
‫إنسان عند من رأى المشاهدين له أو رأى من رآهم وهلم جرا ‪ #‬ومعلوم أن‬
‫أصحاب محمد الذين رأوه ونقلوا معجزاته أضعاف أصحاب المسيح عليه السلم‬
‫والتابعون الذين نقلوا ذلك عن الصحابة كذلك فيلزم من التصديق بمعجزات المسيح‬
‫عليه السلم التصديق بمعجزات محمد ومن التكذيب بمعجزات محمد التكذيب‬
‫بمعجزات المسيح ‪ #‬وإن قالوا عرفت نبوة المسيح ببشارات النبياء قبله قيل وفي‬
‫الكتب المتقدمة من البشارات بمحمد مثل ما فيها من البشارات بالمسيح وأكثر كما‬
‫سيأتي بعضها إن شاء ال تعالى‬

‫وإن تأولوا تلك البشارات بمحمد بما يمنع دللتها قيل لهم واليهود يتأولون ‪#‬‬
‫بشارات المسيح بما يمنع دللتها على المسيح ‪ #‬فإذا قالوا تلك التأويلت باطلة من‬
‫وجوه معروفة بين لهم أن هذه باطلة أيضا بمثل تلك الوجوه وأقوى فما من جنس‬

‫‪94‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪95‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من الدلة يدل على نبوة موسى والمسيح إل ودللته على نبوة محمد أقوى وأكثر‬
‫فيلزم من ثبوت نبوة موسى والمسيح ثبوت نبوة محمد ومن الطعن في نبوة محمد‬
‫الطعن في نبوة موسى والمسيح ‪ #‬وإن قالوا إن المسيح إله قيل لهم ثبوت كونه إلها‬
‫لو كان ممكنا أبعد من ثبوت كونه رسول فكيف إذا كان ممتنعا ‪ #‬وذلك أنه ليس‬
‫معهم ما يدل على إلهيته إل ما ينقلونه من أقوال النبياء أو الخوارق والخوارق ل‬
‫تدل على اللهية فإن النبياء ما زالوا يأتون باليات الخارقة للعادة ولم تدل على‬
‫إلهية أحد منهم ‪ #‬وأما أقوال النبياء عليهم السلم فل ريب أن دللتها على رسالته‬
‫ورسالة محمد أظهر من دللتها على إلهية المسيح فيمتنع الحتجاج بها على إلهية‬
‫المسيح دون رسالة محمد ورسالة المسيح ومتى ثبت أن‬

‫محمدا رسول ال بطلت إلهية المسيح فإنه كفر من قال إنه ال أو ابن ال بل وكذلك‬
‫متى ثبت أن المسيح رسول ال بطل كونه إلها فإن كونه هو ال مع كونه رسول ال‬
‫متناقض ‪ #‬وقولهم إنه إله بلهوته ورسول بناسوته كلم باطل من وجوه ‪ #‬منها أن‬
‫الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو ال أو هو رسول ال فإن كان هو ال بطل‬
‫كونه رسول ال وإن كان رسول ال بطل كونه هو ال ‪ #‬ولهذا لما كان الذي كلم‬
‫موسى عليه السلم من الشجرة هو ال لم تنطق الكتب بأنه رسول ال وهذا وارد‬
‫بأي وجه فسروا التحاد فإنه من المعلوم أن الناس كانوا يسمعون من المسيح كلما‬
‫بصوته المعروف وصوته لم يختلف ول حاله عند الكلم تغيرت كما يختلف النسان‬
‫وحاله عند الكلم إذا حل فيه الجني وإذا فارقه الجني فإن الجني إذا تكلم على لسان‬
‫المصروع ظهر الفرق بين ذلك المصروع وبين غيره من الناس بل اختلف حال‬
‫المصروع وحال كلمه وسمع منه من الكلم ما يعلم يقينا أنه ل يعرفه وغاب عقله‬
‫بحيث‬

‫يظهر ذلك للحاضرين واختلف صوته ونغمته فكيف بمن يكون رب العالمين هو‬
‫الحال فيه المتحد به المتكلم بكلمه ‪ #‬فإنه ل بد أن يكون بين كلمه وصوته وكلم‬
‫سائر البشر وصوتهم من الفرق أعظم من الفرق الذي بين المصروع وغير‬
‫المصروع بما ل نسبة بينهما ‪ #‬يبين هذا أن موسى لما سمع كلمه سمع صوتا‬
‫خارقا للعادة مخالفا لما يعهد من الصوات ورأى من اليات الخارقة والعجائب ما‬
‫يبين أن ذلك الذي سمعه ل يقدر على التكلم به إل ال وأما المسيح فلم يكن بين‬
‫كلمه وصوته مع طول عمره وكلم سائر الناس فرق يدل على أنه نبي فضل عن‬
‫أن يدل على أنه إله وإنما علم أنه نبي بأدلة منفصلة ولم يكن حاله يختلف مع أنهم‬
‫يقولون أن التحاد ملزم له من حين خلق ناسوته في بطن أمه مريم وإلى البد ل‬
‫يفارق اللهوت لذلك الناسوت أبدا وحينئذ فمن المعلوم أن خطابه للناس إن كان‬
‫خطاب رب العالمين لم يكن هو رسوله وإن كان خطاب رسوله لم يكن ذلك صوت‬
‫رب العالمين ‪ #‬الوجه الثاني أن خطابه خطاب رسول ونبي كما ثبت ذلك عنه في‬
‫عامة المواضع‬

‫‪95‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪96‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الثالث أن مصير الشيئين شيئا واحدا مع بقائهما على حالهما بدون الستحالة ‪#‬‬
‫والختلط ممتنع في صريح العقل وإنما المعقول مع التحاد أن يستحيل ويختلطا‬
‫كالماء مع الخمر واللبن فإنهما إذا صار شيئا واحدا استحال واختلطا ‪ #‬الرابع أنه‬
‫مع التحاد يصير الشيئان شيئا واحدا فيكون الله هو الرسول والرسول هو الله إذ‬
‫هذا هو هذا وإن كان الله غير الرسول فهما شيئان ومهما مثلوا به قولهم كتشبيههم‬
‫ذلك بالنار في الحديد والروح في البدن فإنه يدل على فساد قولهم فإن الحديد متى‬
‫طرق أو وضع في الماء كان ذلك مصيبا للنار وكذلك البدن إذا جاع أو صلب وتألم‬
‫كان ذلك اللم مصيبا للروح فيلزم أن يكون رب العالمين قد أصابه ألم الجوع‬
‫والعطش وكذلك الضرب والصلب على قولهم وهذا شر من قول اليهود أنه فقير‬
‫وأنه بخيل وأنه مسه اللغوب‬

‫فصل ‪ #‬وإن كان مقصودهم الحتجاج بذلك على المسلمين قيل لهم ‪ #‬أول هذه‬
‫حجة جدلية فما مستندكم فيما بينكم وبين ال في تصديق شخص وتكذيب آخر مع أن‬
‫دللة الصدق فيهما واحدة بل هي في الذي كذبتموه أظهر فإن كانت حقا لزم تصديق‬
‫من كذبتموه وفسد دينكم وإن كانت باطلة بطل استدللكم بها على دينكم فثبت أنهم‬
‫مع تكذيب محمد ل يستقيم لهم الستدلل بكلم أحد من النبياء عليهم السلم ‪ #‬وقيل‬
‫لهم ثانيا المسلمون إنما عرفوا صدق هؤلء النبياء بما دلهم على صدق محمد فإن‬
‫لم يكن محمد صادقا لم يعرفوا صدق هؤلء فيبطل دليلكم وإن كان صادقا بطل دين‬
‫النصارى فيبطل دليل صحته فثبت بطلن دليلهم على كل تقدير ‪ #‬وقيل لهم ثالثا‬
‫المسلمون لم يصدقوا نبوة أحد من هؤلء إل مع نبوة محمد وإن قيل أنهم عرفوا ذلك‬
‫بطريق آخر فإن الدليل الذي يدل على صدق واحد منهم يدل على صدق محمد‬
‫بطريق الولى فل يمكنهم تصديق نبي مع تكذيب محمد‬

‫وقيل لهم رابعا هم إنما يصدقون موسى وعيسى اللذين بشرا بمحمد فإن كانا قد ‪#‬‬
‫بشرا به فثبتت نبوته وإن لم يكونا بشرا به فهم ل يؤمنون إل بالمبشرين به وبالتوراة‬
‫والنجيل اللذين هو مكتوب فيهما ‪ #‬فإن قدر عدم ذلك فهم ل يسلمون وجود موسى‬
‫وعيسى وتوراة وإنجيل منزلين من ال ليس فيهما ذكره ‪ #‬وإن قالوا نحن صدقنا‬
‫هؤلء النبياء بل علم لنا بصدقهم وطريق يدل على صدقهم لن هذا دين آبائنا‬
‫وجدناهم يعظمون هؤلء ويقولون هم أنبياء فاتبعنا آباءنا في ذلك من غير علم وهذا‬
‫هو الواقع من أكثرهم قيل فإذا كان هذا قولكم في النبياء وفيما شهدوا به إن كانوا‬
‫شهدوا فيلزم أن ل يكونوا عالمين به بل متبعين فيه لبائهم بغير علم بطريق الولى‬
‫وبهذا يحصل المقصود وهو أن ما أنتم عليه من اعتقاد دين النصرانية ل علم لكم‬
‫ول دليل لكم على صحته بل أنتم فيه متبعون لبائكم كاتباع اليهود والمشركين‬
‫لبائهم ‪ #‬ول ريب أن هذا حال النصارى ولهذا سماهم ال ضلل في قوله ‪ ^ #‬ول‬
‫^ تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل‬

‫‪96‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪97‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وينذر الذين قالوا اتخذ ال ولدا ما لهم به من علم ول لبائهم ^ ‪#‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ^ ‪ #‬ولهذا كان‬
‫النصارى معروفين بالجهل والضلل كما أن اليهود معروفون بالظلم والقسوة‬
‫والعناد فتبين بما ذكرناه أنه ل يمكنهم مع تكذيب محمد في كلمة واحدة الحتجاج‬
‫بقول واحد من النبياء على شيء من دينهم ول دين غيرهم‬

‫فصل ‪ #‬وأما كون القرآن أنزل باللسان العربي وحده فعنه أجوبة ‪ #‬أحدها أن يقال‬
‫والتوراة إنما أنزلت باللسان العبري وحده وموسى عليه السلم لم يكن يتكلم إل‬
‫بالعبرية وكذلك المسيح لم يكن يتكلم بالتوراة والنجيل وغيرهما إل بالعبرية وكذلك‬
‫سائر الكتب ل ينزلها ال إل بلسان واحد بلسان الذي أنزلت عليه ولسان قومه الذين‬
‫يخاطبهم أول ثم بعد ذلك تبلغ الكتب وكلم النبياء لسائر المم إما بأن يترجم لمن ل‬
‫يعرف لسان ذلك الكتاب وإما بأن يتعلم الناس لسان ذلك الكتاب فيعرفون معانيه‬
‫وإما بأن يبين للمرسل إليه معاني ما أرسل به الرسول إليه بلسانه وإن لم يعرف‬
‫سائر ما أرسل به ‪ #‬وقد أخبر ال في القرآن ما قالته الرسل لقومهم وما قالوا لهم‬

‫وأكثرهم لم يكونوا عربا وأنزله ال باللسان العربي وحينئذ فإن شرط التكليف تمكن‬
‫العباد من فهم ما أرسل به الرسول إليهم وذلك يحصل بأن يرسل بلسان يعرف به‬
‫مراده ثم جميع الناس متمكنون من معرفة مراده بأن يعرفوا ذلك اللسان أو يعرفوا‬
‫معنى الكتاب بترجمة من يترجم معناه وهذا مقدور للعباد ومن لم يمكنه فهم كلم‬
‫الرسول إل بتعلم اللغة التي أرسل بها وجب عليه ذلك فإن ما ل يتم الواجب إل به‬
‫فهو واجب بخلف ما ل يتم الوجوب إل به فإنه ليس بواجب ول يكلف ال نفسا إل‬
‫وسعها ل في الصل ول في التمام فل نحتاج أن نقول مال يتم الواجب إل به وكان‬
‫مقدورا للمكلف فهو واجب فإن ما ليس مقدورا عليه ل يكلف به العباد بل وقد يكون‬
‫مقدورا عليه ول يكلفون به ‪ #‬فلما كانت الستطاعة شرطا في وجوب الحج لم يجب‬
‫تحصيل الستطاعة بخلف قطع المسافات فإنه ليس شرطا في الوجوب فلهذا يجب‬
‫الحج على النسان من المسافة البعيدة والقريبة إذا كان مستطيعا ‪ #‬وجمهور الناس‬
‫ل يعرفون معاني الكتب اللهية التوراة والنجيل والقرآن إل بمن يبينها ويفسرها‬
‫لهم وإن كانوا يعرفون اللغة فهؤلء يجب عليهم طلب علم ما يعرفون به ما أمرهم‬
‫ال به ونهاهم عنه وهذا‬

‫هو طلب العلم المفروض على الخلق وكذلك ما بينه الرسول من معاني الكتاب الذي‬
‫أنزله ال عليه يجب على الخلق طلب علم ذلك ممن يعرفه إذا كان معرفة ذلك ل‬
‫تحصل بمجرد اللسان ‪ #‬كما يروى عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال تفسير‬
‫القرآن على أربعة أوجه تفسير تعرفه العرب من كلمها وتفسير ل يعذر أحد‬
‫بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير ل يعلمه إل ال تبارك وتعالى فمن ادعى علمه‬

‫‪97‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪98‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فهو كاذب ‪ #‬وال تعالى قال ‪ ^ #‬وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم ^‬
‫‪ #‬لم يقل وما أرسلنا من رسول إل إلى قومه لكن لم يرسله إل بلسان قومه الذين‬
‫خاطبهم أول ليبين لقومه فإذا بين لقومه ما أراده حصل بذلك المقصود لهم ولغيرهم‬
‫فإن قومه الذين بلغ إليهم أول يمكنهم أن‬

‫يبلغوا عنه اللفظ ويمكنهم أن ينقلوا عنه المعنى لمن ل يعرف اللغة ويمكن غيرهم أن‬
‫يتعلم منهم لسانه فيعرف مراده فالحجة تقوم على الخلق ويحصل لهم الهدى بمن‬
‫ينقل عن الرسول تارة المعنى وتارة اللفظ ولهذا يجوز نقل حديثه بالمعنى والقرآن‬
‫يجوز ترجمة معانيه لمن ل يعرف العربية باتفاق العلماء‬

‫وجوز بعضهم أن يقرأ بغير العربية عند العجز عن قراءته بالعربية وبعضهم ‪#‬‬
‫جوزه مطلقا وجمهور العلماء منعوا أن يقرأ بغير العربية وإن جاز أن يترجم للتفهم‬
‫بغير العربية كما يجوز تفسيره وبيان معانيه وإن كان التفسير ليس قرآنا متلوا‬
‫وكذلك الترجمة وقد قال النبي نضر ال امرءا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه‬
‫فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه‬

‫وقال أيضا في الحديث الصحيح مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل غيث ‪#‬‬
‫أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكل والعشب الكثير وكانت‬
‫منها طائفة أمسكت الماء فنفع ال به الناس فزرعوا وسقوا وكانت منها طائفة إنما‬
‫هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل فذلك مثل من تفقه في دين ال ونفعه ما بعثني‬
‫ال به من الهدى والعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى ال الذي أرسلت‬
‫به ‪ #‬فدعا النبي لمن يبلغ حديثه وإن لم يتفقه فيه وقال رب حامل فقه غير فقيه‬
‫ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ‪ #‬وقد كان العارفون باللغة العربية حين بعث‬
‫ال محمدا إنما يوجدون في جزيرة العرب وما والها كأرض الحجاز واليمن‬
‫وبعض الشام والعراق ثم انتشر فصار أكثر الساكنين في وسط المعمورة العربية‬
‫حتى اليهود والنصارى الموجودون في وسط الرض يتكلمون بالعربية كما يتكلم‬
‫بها أكثر المسلمين بل‬

‫كثير من اليهود والنصارى يتكلمون بالعربية أجود مما يتكلم بها كثير من المسلمين‬
‫‪ #‬وقد انتشرت هذه اللغة أكثر مما انتشرت سائر اللغات حتى أن الكتب القديمة من‬
‫كتب أهل الكتاب ومن كتب الفرس والهند واليونان والقبط وغيرهم عربت بهذه اللغة‬
‫‪ #‬ومعرفة الكتب المصنفة بالعربية والكلم العربي أيسر على جمهور الناس من‬
‫معرفة الكتب المصنفة بغير العربية فإن اللسان العبري والسرياني والرومي‬
‫والقبطي وغيرها وإن عرفه طائفة من الناس فالذين يعرفون اللسان العربي أكثر‬
‫ممن يعرف لسانا من هذه اللسنة ‪ #‬وأيضا فمعرفة ما أمر ال عباده أمرا عاما هو‬
‫مما نقله المة عن نبيها نقل متواترا وأجمعت عليه مثل المر‬

‫‪98‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪99‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بشهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وأنه أرسل إلى جميع الناس أميهم‬
‫وغير أميهم وإقام الصلوات الخمس وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت‬
‫العتيق من استطاع إليه سبيل وإيجاب الصدق وتحريم الفواحش والظلم والمر‬
‫باليمان بال وملئكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت هو ما يعرفه المسلمون‬
‫معرفة عامة ول يحتاج النسان في معرفة ذلك إلى أن يحفظ ا لقرآن بل يمكن‬
‫النسان معرفة ما أمر ال به على لسان رسوله وإن لم يعرف اللغة العربية ويكفيه‬
‫أن يقرأ فاتحة الكتاب وسورا معها يصلي بهن وكثير من الفرس والروم والترك‬
‫والهند والحبشة والبربر وغيرهم ل يعرفون أن يتكلموا بالعربية الكلم المعتاد وقد‬
‫أسلموا وصاروا من أولياء ال المتقين ومنهم من يحفظ القرآن كله وإذا كلم الناس ل‬
‫يستطيع أن يكلمهم إل بلسانه ل بالعربية وإذا خوطب بالعربية لم يفقه ما قيل له ‪#‬‬
‫الوجه الثاني أن المسيح عليه السلم كان لسانه عبريا وكذلك ألسنة الحواريين الذين‬
‫اتبعوه أول ثم إنه أرسلهم إلى المم يخاطبونهم ويترجمون لهم ما قاله المسيح عليه‬
‫السلم فإن قالوا إن رسل المسيح حولت ألسنتهم إلى ألسنة من أرسل إليهم ‪ #‬قيل‬
‫هذا منقول في رسل المسيح وفي رسل محمد الذين أرسلهم إلى المم ول ريب أن‬
‫رسل رسل ال‬

‫كرسل محمد والمسيح عليه السلم إلى المم ل بد أن يعرفوا لسان من أرسلهم‬
‫الرسول إليهم أو أن يكون عند أولئك من يفهم لسانهم ولسان الرسول ليترجم لهم فإذا‬
‫لم يكن عند من أرسل المسيح إليهم من يعرف بالعربية فل بد أن يكون رسوله ينطق‬
‫بلسانهم ‪ #‬وكذلك رسل النبي الذين أرسلهم إلى المم فإن النبي لما رجع من الحديبية‬
‫أرسل رسله إلى أهل الرض فبعث إلى ملوك العرب باليمن والحجاز والشام‬
‫والعراق وأرسل إلى ملوك النصارى بالشام ومصر قبطهم ورومهم وعربهم‬
‫وغيرهم وأرسل إلى الفرس المجوس ملوك العراق وخراسان ‪ #‬قال محمد بن سعد‬
‫في الطبقات ذكر بعثة رسول ال الرسل بكتبه إلى الملوك وغيرهم يدعوهم وذكر ما‬
‫كتب به رسول ال لناس من العرب وغيرهم ثم قال أخبرنا محمد بن عمر السلمي‬
‫قال حدثني معمر‬

‫بن راشد ومحمد بن عبدال عن الزهري عن عبيدال بن عبدال عن ابن عباس قال‬
‫وعن الواقدي حدثنا أبو بكر بن عبدال بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة وحدثنا‬
‫عبدالحميد بن جعفر عن أبيه عن جدته‬

‫الشفاء وحدثنا أبو بكر بن عبدال بن أبي سبرة عن محمد بن يوسف عن السائب بن‬
‫يزيد عن العلء بن الحضرمي وحدثنا ابن محمد النصاري عن جعفر بن عمرو بن‬
‫جعفر بن‬

‫عمرو بن أمية الضمري عن أهله عن عمرو بن أمية الضمري دخل حديث بعضهم‬
‫في حديث بعض قالوا إن رسول ال لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست‬

‫‪99‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪100‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى السلم وكتب إليهم كتبا فقيل يا رسول ال إن الملوك‬
‫ل يقرأون كتابا إل مختوما فاتخذ رسول ال يومئذ خاتما من فضة فصه منه نقشه‬
‫ثلثة أسطر محمد رسول ال وختم به الكتب فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد‬
‫وذلك في المحرم سنة سبع وأصبح كل واحد منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم‬

‫أرسل النبي إلى هرقل دحية بن خليفة الكلبي وإلى المقوقس صاحب مصر‬
‫والسكندرية حاطب بن أبي بلتعة وإلى كسرى عبدال بن حذافة السهمي وأرسل إلى‬
‫الحارث بن أبي شمر الغساني وكان نصرانيا بظاهر دمشق فبعث إليه شجاع بن‬
‫وهب السدي وأرسل إلى غير هؤلء ‪ #‬وقال أيضا أخبرنا الهيثم بن عدي قال‬
‫أخبرنا دلهم بن‬

‫صالح وأبو بكر الهذلي عن عبدال بن بريدة بن الحصيب السلمي قال وحدثنا محمد‬
‫بن إسحاق عن يزيد بن رومان والزهري وحدثنا الحسن بن عمارة عن فراس عن‬
‫الشعبي دخل حديث بعضهم في حديث بعض أن رسول ال قال لصحابه ائتوني‬
‫بأجمعكم بالغداة وكان رسول ال إذا صلى الفجر يجلس في مصله قليل يسبح‬
‫ويدعو ثم التفت إليهم فبعث عدة إلى عدة وقال‬

‫انصحوا ل في أمر عباده فإن من أخبر عن شيء من أمور المسلمين ثم لم ينصح‬


‫حرم ال عليه الجنة انطلقوا ول تصنعوا كما صنعت رسل عيسى بن مريم فإنهم أتوا‬
‫القريب وتركوا البعيد فأصبحوا يعني الرسل وكل منهم يعرف بلسان القوم الذين‬
‫أرسل إليهم وذكر ذلك النبي فقال هذا أعظم ما كان من حق ال عز وجل عليهم في‬
‫أمر عباده ‪ #‬الوجه الثالث أن النصارى فيهم عرب كثير من زمن النبي وكل من‬
‫يفهم اللسان العربي فإنه يمكن فهمه للقرآن وإن كان أصل لسانه فارسيا أو روميا أو‬
‫تركيا أو هنديا أو قبطيا وهؤلء الذين أرسلوا هذا الكتاب من علماء النصارى قد‬
‫قرأوا المصحف وفهموا منه ما فهموا وهم يفهمونه بالعربية واحتجوا بآيات من‬
‫القرآن فكيف يسوغ لهم مع هذا أن يقولوا كيف تقوم الحجة علينا بكتاب لم نفهمه ‪#‬‬
‫الوجه الرابع أن حكم أهل الكتاب في ذلك حكم المشركين ومعلوم أن المشركين فيهم‬
‫عرب وفيهم عجم ترك وهند وغيرهما‬

‫فكما أن جميع المشركين كمشركي العرب وكذلك جميع أهل الكتاب كأهل الكتاب‬
‫من العرب وفي اليهود والنصارى ممن يعرف بلسان العرب من ل يحصيه إل ال‬
‫عز وجل ‪ #‬الوجه الخامس أنه ليس فهم كل آية من القرآن فرضا على كل مسلم‬
‫وإنما يجب على المسلم أن يعلم ما أمره ال به وما نهاه عنه بأي عبارة كانت وهذا‬
‫ممكن لجميع المم ولهذا دخل في السلم جميع أصناف العجم من الفرس والترك‬
‫والهند والصقالبة والبربر ومن هؤلء من يعلم اللسان العربي ومنهم من يعلم ما‬
‫فرض ال عليه الترجمة وقد قدمنا أنه يجوز ترجمة القرآن في غير الصلة والتعبير‬
‫كما يجوز تفسيره باتفاق المسلمين وإنما تنازعوا هل يقرأ بغير العربية تلوة كما‬

‫‪100‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪101‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يقرأ في الصلة فجمهور العلماء منعوا من ذلك وحينئذ فإذ قرأ العجمي فاتحة‬
‫الكتاب وسورتين معها‬

‫بالعربية أجزأه وكذلك التشهد وغيره من الذكر المأمور به وهذا أمر يسير أيسر من‬
‫أكثر الواجبات فكيف يمتنع أن يأمر ال تبارك وتعالى عباده بذلك ‪ #‬وأما جمل ما‬
‫أمر به الرسول من الصلة والزكاة والصوم والحج وصدق الحديث وأداء المانة‬
‫وصلة الرحم وما حرمه ال من الشرك والفواحش والظلم وغير ذلك فهذا مما يمكن‬
‫أن يعرفه كل واحد بتعريف من يعرفه إما باللسان العربي وإما بلسان آخر ل يتوقف‬
‫تعريف ذلك على لسان العرب‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ^ إنا أنزلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون ^ ‪ #‬وقوله ‪^ #‬‬
‫ولو جعلناه قرءانا أعجميا لقالوا لول فصلت ءايته ءاعجمي وعربي ^ ‪ #‬وقوله ^ إنا‬
‫جعلناه قرءانا عربيا ^ ‪ #‬فهذا يتضمن إنعام ال على عباده لن اللسان العربي أكمل‬
‫اللسنة وأحسنها بيانا للمعاني فنزول الكتاب به أعظم نعمة على الخلق من نزوله‬
‫بغيره وهو إنما خوطب به أول العرب ليفهموه ثم من يعلم لغتهم يفهمه كما فهموه ثم‬
‫من لم يعلم لغتهم ترجمه له من عرف لغتهم وكان إقامة الحجة به على العرب أول‬
‫والنعام به عليهم أول لمعرفتهم بمعانيه قبل أن يعرفه غيرهم ‪ #‬قال تعالى ‪^ #‬‬
‫^ فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون‬

‫وقال ‪ ^ #‬فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ^ ‪ #‬واللد جمع ‪#‬‬
‫اللد وهو العوج في المناظرة الذي يروغ عن الحق كما قال النبي إن أبغض‬
‫الرجال إلى ال اللد الخصم وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان‬
‫قومه ليبين لهم ^ ‪ #‬فهو كما قال تعالى وقوم محمد هم قريش وبلسانهم أرسل وهو‬
‫سبحانه لم يقل وما أرسلنا من رسول إل إلى قومه بل الرسول يبعثه ال إلى قومه‬
‫وغير قومه كما تقول النصارى أنه بعث المسيح عليه السلم والحواريين إلى غير‬
‫بني إسرائيل وليسوا من قومه فكذلك بعث محمدا إلى قومه وغير قومه ولكن إنما‬
‫يبعث بلسان قومه ليبين لهم ثم يحصل البيان لغيرهم بتوسط البيان لهم اما بلغتهم‬

‫ولسانهم وإما بالترجمة لهم ولو لم يتبين لقومه أول لم يحصل مقصود الرسالة ل لهم‬
‫ول لغيرهم وإذا تبين لقومه أول حصل البيان لهم ولغيرهم بتوسطهم وقومه إليهم‬
‫بعث أول ولهم دعا أول وأنذر أول وليس في هذا أنه لم يرسل إلى غيرهم لكن إذا‬
‫تبين لقومه لكونه بلسانهم أمكن بعد هذا أن يعرفه غير قومه إما بتعلمه بلسانهم وإما‬
‫بتعريف بلسان يفهم به والرجل يكتب كتاب علم في طب أو نحو أو حساب بلسان‬
‫قومه ثم يترجم ذلك الكتاب وينقل إلى لغات أخر وينتفع به أقوام آخرون كما ترجمت‬
‫كتب الطب والحساب التي صنفت بغير العربي وانتفع بها العرب وعرفوا مراد‬
‫أصحابها وإن كان المصنف لها أول إنما صنفها بلسان قومه وإذا كان هذا في بيان‬

‫‪101‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪102‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المور التي ل يتعلق بها سعادة الخرة والنجاة من عذاب ال فكيف يمتنع في العلوم‬
‫التي يتعلق بها سعادة الخرة والنجاة من العذاب أن ينقل من لسان إلى لسان حتى‬
‫يفهم أهل اللسان الثاني بها ما أراده بها المتكلم بها أول باللسان الول ‪ #‬وأبناء‬
‫فارس المسلمون لما كان لهم من عناية بهذا ترجموا مصاحف كثيرة فيكتبونها‬
‫بالعربي ويكتبون الترجمة بالفارسية وكانوا قبل السلم أبعد عن المسلمين من الروم‬
‫والنصارى فإذا كان الفرس المجوس قد وصل إليهم معاني القرآن بالعربي وترجمته‬
‫فكيف ل يصل إلى أهل الكتاب وهم أقرب إلى المسلمين منهم وعامة الصول التي‬

‫يذكرها القرآن عندهم شواهدها ونظائرها في التوراة والنجيل والزبور وغير ذلك‬
‫من النبوات بل كل من تدبر نبوات النبياء وتدبر القرآن جزم يقينا بأن محمدا‬
‫رسول ال حقا وأن موسى رسول ال صدقا لما يرى من تصادق الكتابين التوراة‬
‫والقرآن مع العلم بأن موسى عليه السلم لم يأخذ عن محمد وأن محمدا لم يأخذ عن‬
‫موسى فإن محمدا بإتفاق أهل المعرفة بحاله كان أميا من قوم أميين مقيما بمكة ولم‬
‫يكن عندهم من يحفظ التوراة والنجيل ول الزبور ومحمد لم يخرج من بين‬
‫ظهرانيهم ولم يسافر قط إل سفرتين إلى الشام خرج مرة مع عمه أبي طالب قبل‬
‫الحتلم ولم يكن يفارقه ومرة أخرى مع ميسرة في تجارته وكان ابن بضع‬
‫وعشرين سنة مع رفقة كانوا يعرفون جميع أحواله ولم يجتمع قط بعالم أخذ عنه‬
‫شيئا ل من علماء اليهود ول النصارى ول من غيرهم ل بحيرى ول غيره ولكن‬
‫كان بحيرى الراهب لما رآه عرفه لما كان عنده من ذكره ونعته فأخبر أهله بذلك‬
‫وأمرهم بحفظه من اليهود ولم يتعلم ل من بحيرى ول من غيره كلمة واحدة وسنبين‬
‫إن‬

‫شاء ال الدلئل الكثيرة على أنه لم يأخذ عن أحد من أهل الكتاب كلمة واحدة وقصة‬
‫بحيرى مذكورة ذكرها أرباب السير وأصحاب المسانيد والسنن ‪ #‬قال الحافظ أبو‬
‫عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي في جامعه حدثنا الفضل أبو العباس‬
‫البغدادي قال حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أنا يونس بن أبي إسحاق عن‬
‫أبي بكر بن أبي موسى الشعري عن أبيه قال خرج أبو طالب‬

‫إلى الشام وخرج معه النبي في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا‬
‫فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فل يخرج إليهم ول‬
‫يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول ال‬
‫فقال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه ال رحمة للعالمين فقال له‬
‫أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ول حجر‬
‫إل خر ساجدا ول يسجدن إل لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غرضوف‬
‫كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية البل‬
‫فقال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى‬
‫فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه عليه فقال انظروا الى فيء الشجرة‬

‫‪102‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪103‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم يناشدهم أن ل يذهبوا به إلى الروم فإن الروم أن‬
‫رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم الراهب‬
‫فقال ما جاء بكم قالوا جئنا لن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إل‬
‫بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بطريقك هذا‬

‫فقال أفرأيتم أمرا أراد ال أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا ل قال ‪#‬‬
‫فتابعوه وأقاموا معه قال أنشدكم ال يا معشر العرب أيكم وليه فقال أبو طالب أنا فلم‬
‫يزل يناشده حتى رده أبو طالب وزوده الراهب من الكعك والزيت ‪ #‬قال الترمذي‬
‫هذا حديث حسن غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ورواه البيهقي في كتاب دلئل‬
‫النبوة من حديث العباس بن محمد عن قراد بن نوح وقال العباس لم يحدث به يعني‬
‫بهذا السناد غير قراد وسمعه يحيى وأحمد من قراد ‪ #‬قال البيهقي أراد أنه لم‬
‫يحدث بهذا السناد سوى هؤلء فأما القصة فهي عند أهل المغازي مشهورة‬

‫وقال ابن سعد في الطبقات حدثنا محمد بن عمر قال حدثني محمد بن صالح وعبد ‪#‬‬
‫ال بن جعفر وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قال لما بلغ‬
‫رسول ال اثني عشرة سنة خرج به أبو طالب إلى الشام في العير التي خرج فيها‬
‫للتجارة فنزلوا بالراهب‬

‫بحيرى فقال بحيرى لبي طالب في النبي ما قال وأمره أن يحتفظ به فرده أبو طالب‬
‫معه إلى مكة وشب رسول ال مع أبي طالب يكلؤه ال ويحفظه ويحوطه من أمور‬
‫الجاهلية ومعايبها لما يريده به من كرامته حتى بلغ أن كان رجل أفضل قومه‬
‫مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأعظمهم حلما وأمانة وأصدقهم حديثا‬
‫وأبعدهم من الفحش والذى فما رؤي ملحيا ول مماريا أحدا حتى سماه قومه‬
‫المين لما جمع فيه من المور الصالحة ‪ #‬وقال ابن الجوزي خرج أبو طالب إلى‬
‫الشام ومعه رسول ال وهو ابن اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام فنزل الركب‬
‫ببصرى وبها راهب يقال له بحيرى في صومعة له وكان ذا علم بالنصرانية ولم‬
‫يزل في تلك الصومعة راهب تنتهي إليه علم النصرانية صاغرا عن كابر وفيها‬
‫كتب يدرسونها وكان كثيرا ما يمر الركب فل يكلمهم حتى إذا كان في ذلك العام‬
‫نزلوا منزل قريبا من الصومعة فصنع لهم الراهب طعاما ودعاهم وإنما حمله على‬
‫ذلك لشيء رآه فلما رآى بحيرى ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فحضر‬
‫وأرسل إلى القوم فقال يا معشر قريش أحب أن‬

‫تحضروا طعامي ول يتخلف منكم أحدا فقال وهذا شيء تكرموني فلما حضروا عنده‬
‫جعل يلحظ النبي لحظا شديدا وينظر إلى جسده وجعل أبو طالب يخاف عليه من‬
‫الراهب ثم قال الراهب لبي طالب أرجع بابن أخيك فإنه كائن له شأن عظيم فإنا‬
‫نجد صفته في كتبنا ويروونه عن آبائنا فلما فرغوا من التجارة رجع أبو طالب‬
‫سريعا إلى مكة فما خرج بعدها به أبو طالب خوفا عليه ‪ #‬هذا مع أن في القرآن من‬

‫‪103‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪104‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الرد على أهل الكتاب في بعض ما حرفوه مثل دعواهم أن المسيح عليه السلم‬
‫صلب وقول بعضهم أنه إله وقول بعضهم أنه ساحر وطعنهم على سليمان عليه‬
‫السلم وقولهم أنه كان ساحرا وأمثال ذلك ما يبين أنه لم يأخذ عنهم ‪ #‬وفي القرآن‬
‫من قصص النبياء عليه السلم ما ل يوجد في التوراة والنجيل مثل قصة هود‬
‫وصالح وشعيب وغير ذلك‬

‫وفي القرآن من ذكر المعاد وتفصيله وصفة الجنة والنار والنعيم والعذاب ما ل ‪#‬‬
‫يوجد مثله في التوراة والنجيل بل التوراة ليس فيها تصريح بذكر المعاد وعامة ما‬
‫فيها من الوعد والوعيد فهو في الدنيا كالوعد بالرزق والنصر والعاقبة والوعيد‬
‫بالقحط والمراض والعداء وإن كان ذكر المعاد موجودا في غير التوراة من‬
‫النبوات ولهذا كان أهل الكتاب يقرون بالمعاد وقيام القيامة الكبرى وقد قيل إن ذلك‬
‫مذكور في التوراة أيضا لكن لم يبسط كما بسط في غير التوراة‬

‫فصل ‪ #‬فإن قالوا إن الكتب التي عندنا من التوراة والنجيل وغيرهما ترجمها لنا‬
‫الحواريون وهم عندنا رسل معصومون وترجموها لجميع المم بخلف القرآن فإنه‬
‫إنما يترجمه من ليس بمعصوم فعن هذا أجوبة ‪ #‬أحدها أن هذا كذب بين فإن من‬
‫العرب من النصارى من ل يحصي عدده إل ال تعالى وكان فيهم نصارى كثيرون‬
‫تنصروا قبل مبعث محمد وكان فيهم قوم على دين المسيح الذي لم يبدل وهم‬
‫مؤمنون من أهل الجنة كسائر من كان على دين المسيح عليه السلم فإن كل من‬
‫كان على دين المسيح الذي لم يبدل قبل مبعث محمد فإنه مؤمن مسلم من أهل الجنة‬
‫‪ #‬ومع هذا فليس على وجه الرض توراة ول إنجيل معرب من عهد الحواريين بل‬
‫التوراة العبرية تنقل من اللسان العبري أو غيره إلى العربية وكذلك النجيل ينقل من‬
‫اللسان الرومي أو السرياني‬

‫أو اليوناني أو غيرها إلى اللغة العربية فلو كان عند كل أمة من المم توراة وإنجيل‬
‫ونبوات بلسانهم لكان نصارى العرب أحق بهذا من نصارى الحبشة والصقالبة‬
‫والهند فإنهم جيران البيت المقدس وهم بنو إسماعيل عليه السلم والناجيل عندهم‬
‫أربعة وهم يدعون أن كل واحد كتبها بلسان كتبت بلسان العبري والرومي واليوناني‬
‫مع أن في بعض الناجيل ما ليس في بعض مثل قولهم عمدوا الناس باسم الب‬
‫والبن وروح القدس الذي جعلوه أصل دينهم وهذا إنما هو قوله في إنجيل متى وإذا‬
‫كان كل واحد من الربعة كتب إنجيل بلسانه لم يكن هناك إنجيل واحد أصلي ترجع‬
‫إليه الناجيل كلها ثم هم مع هذا يدعون أنها ترجمت باثنين وسبعين لسانا وهذا فيه‬
‫من الكذب والتناقض أمور سننبه إن شاء ال على بعضها لكن غاية ما يدعون أنه‬
‫ترجم باثنين وسبعين لسانا ومعلوم أن اللسنة الموجودة في بني آدم في جميع‬
‫المعمورة في زماننا وقبل زماننا أكثر من هذا كما يعرفه من عرف أحوال العالم بل‬
‫اللسان الواحد كالعربي والفارسي والتركي جنس تحته أنواع مختلفة ل يفهم بعضهم‬

‫‪104‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪105‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لسان‬

‫بعض إل أن يتعلمه منهم والعرب أقرب المم إلى بني إسحاق بني إسرائيل والعيص‬
‫فإنهم بنو إسماعيل وجيرانهم فإن أهل الحجاز جيران الشام ومكة لم تزل تحج إليها‬
‫العرب ولم يكن قط عند العرب توراة ول إنجيل عربيان من عهد المسيح عليه‬
‫السلم بل ول كان بمكة ل توراة ول إنجيل ل معرب ول غير معرب ولهذا قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك ^ ‪ #‬فكيف يدعى أن التوراة‬
‫والنجيل ترجمها الحواريون لكل قوم من جميع بني آدم شرقا وغربا وجنوبا وشمال‬
‫بلسان يفهمونه به وهل يقول هذا إل من هو من أكذب الناس وأجهلهم ‪ #‬الوجه‬
‫الثاني أن يقال ترجمة الكلم من لغة إلى لغة ل تحتاج إلى معصوم بل هذا أمر‬
‫تعلمه المم فكل من عرف اللسانين أمكنه الترجمة ويحصل العلم بذلك إذا كان‬
‫المترجمون كثيرين متفرقين‬

‫ل يتواطؤون على الكذب وبقرائن تقترن بخبر أحدهم وبغير ذلك وهذا موجود‬
‫معلوم بل إذا ترجمه إثنان كل منهما ل يعرف ما يقوله الخر ولم يتواطؤوا حصل‬
‫بذلك المقصود في الغالب وهم يذكرون أن التوراة ترجمها إثنان وسبعون حبرا من‬
‫اليهود ولم يكونوا معصومين وأن الملك فرقهم لئل يتواطؤوا على الكذب واتفقوا‬
‫على ترجمة واحدة وهذا كان بعد الخراب الول فهكذا يمكن ترجمة غير التوراة ‪#‬‬
‫وهذه التوراة في زماننا والنجيل والزبور يترجم باللغة العربية ويعرف المقصود به‬
‫بل ريب فكيف بالقرآن الذي يفهم أهله معناه ويفسرونه ويترجمونه أكمل وأحسن‬
‫مما يترجم اهل التوراة والنجيل التوراة والنجيل ‪ #‬الوجه الثالث أن دعوى‬
‫العصمة في كل واحد من الحواريين وأنهم رسل ال بمنزلة إبراهيم وموسى عليهما‬
‫السلم دعوى ممنوعة وهي باطلة وإنما هم رسل المسيح عليه السلم بمنزلة رسل‬
‫موسى ورسل إبراهيم ورسل محمد وأكثر النصارى أو كثير منهم أو كلهم يقولون‬
‫هم رسل ال وليسوا بأنبياء وكل من ليس بنبي فليس برسول ال وليس بمعصوم وإن‬
‫كانت له خوارق عادات كأولياء ال من المسلمين وغيرهم فإنه وإن كانت لهم‬
‫كرامات من الخوارق فليسوا معصومين من الخطأ‬

‫والخوارق التي تجري على يدي غير النبياء ل تدل على أن أصحابها أولياء ال‬
‫عند أكثر العلماء فضل عن كونهم معصومين فإن ولي ال من يموت على اليمان‬
‫ومجرد الخارق ل يدل على أنه يموت على اليمان بل قد يتغير عن ذلك الحال وإذا‬
‫قطعنا بأن الرجل ولي ال كمن أخبر النبي بأنه من أهل الجنة فل يجب اليمان بكل‬
‫ما يقوله إن لم يوافق ما قالته النبياء بخلف النبياء عليهم السلم فإنهم معصومون‬
‫ل يجوز أن يستقر فيما يبلغونه خطأ ولهذا أوجب ال اليمان بهم ومن كفر بواحد‬
‫منهم فهو كافر ومن يسب واحدا منهم وجب قتله في شرع السلم كما قال تعالى ‪#‬‬
‫^ قولوا ءامنا بال ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‬
‫والسباط ومآ أوتي موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد‬

‫‪105‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪106‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫منهم ونحن له مسلمون فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم‬
‫في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ءامن الرسول بمآ‬
‫أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد‬
‫^ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‬

‫وهذا مبسوط في موضع آخر‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم ل يلزمنا اتباعه لننا نحن قد أتانا رسل من قبله خاطبونا‬
‫بألسنتنا وأنذرونا بديننا الذي نحن متمسكون به يومنا هذا وسلموا إلينا التوراة‬
‫والنجيل بلغتنا على ما يشهد لهما الكتاب الذي أتى به هذا الرجل حيث يقول في‬
‫سورة إبراهيم ‪ ^ #‬ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ ‪ #‬وقال في سورة النحل‬
‫‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول ^ ‪ #‬فالجواب عنه من وجوه ‪ #‬أحدها أن إثبات‬
‫رسول من قبله إليكم ل يمنع إتيان رسول ثان فإن بني إسرائيل قد بعث ال إليهم‬
‫موسى عليه السلم وكانوا على شريعة التوراة ثم بعث ال تبارك وتعالى إليهم‬
‫المسيح عليه السلم ووجب عليهم اليمان به ومن لم يؤمن به كان كافرا وإن قال‬

‫إني متمسك بالكتاب الذي أنزل إلي ‪ #‬فكذلك إذا أرسل ال رسول بعد المسيح وجب‬
‫اليمان به ومن لم يؤمن به كان كافرا كما أن من لم يؤمن بالمسيح من بني إسرائيل‬
‫كان كافرا ‪ #‬وبنو إسرائيل أكثر إختصاصا بموسى والتوراة من الروم وغيرهم‬
‫فالمسيح والنجيل فإنهم كانوا عبرانيين والتوراة عبرانية ‪ #‬الوجه الثاني دعواهم‬
‫أنهم متمسكون في هذا الوقت بالدين الذي نقله الحواريون عن المسيح عليه السلم‬
‫كذب ظاهر بل هم عامة ما هم عليه من الدين عقائده وشرائعه كالمانة والصلة إلى‬
‫المشرق واتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس واتخاذها وسائط والستشفاع‬
‫بأصحابها وجعل العياد بأسمائهم وبناء الكنائس على أسمائهم واستحلل الخنزير‬
‫وترك الختان والرهبانية وجعل الصيام في الربيع وجعله خمسين يوما والصلوات‬
‫والقرابين والناموس‬

‫لم ينقله الحواريون عن المسيح ول هو موجود ل في التوراة ول في النجيل وإنما‬


‫هم متمسكون بقليل مما جاءت به النبياء وأما كفرياتهم وبدعهم فكثيرة جدا لم ينقل‬
‫أحد عن المسيح والحواريين أنهم أمروهم أن يقولوا ما يقولونه في صلتهم السحرية‬
‫تعالوا بنا‬

‫نسجد للمسيح إلهنا وفي الصلة الثانية والثالثة يا والدة الله مريم العذراء افتحي لنا‬
‫أبواب الرحمة ‪ #‬الوجه الثالث قولهم أنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل بلغاتهم إنما‬
‫يستقيم إن كان صحيحا في بعض النصارى ل في جميعهم فإن العرب من النصارى‬
‫وغير العرب لم يسلم أحد إليهم توراة ول إنجيل بلسانهم وهذا أمر معروف ول‬

‫‪106‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪107‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫توجد قط توراة ول إنجيل معرب من زمن الحواريين وإنما عربت في الزمان‬


‫المتأخرة فإذا كانت النصارى من العرب تقوم عليهم الحجة قبل محمد بكتاب نزل‬
‫بغير لسانهم ثم عرب لهم فكيف ل تقوم على الروم وغيرهم الحجة بكتاب نزل بغير‬
‫لسانهم ثم ترجم بلسانهم ‪ #‬الوجه الرابع أن يقال المة إذا غيرت دين رسولها الذي‬
‫أرسل إليها وبدلته أرسل ال إليها من يدعوها إلى الدين الذي يحبه ال ويرضاه كما‬
‫أن بني إسرائيل لما غيروا دين موسى وبدلوه بعث ال إليهم وإلى غيرهم المسيح‬
‫بالدين الذي يحبه ويرضاه وكذلك النصارى لما بدلوا دين المسيح وغيروه بعث ال‬
‫إليهم وإلى غيرهم محمدا بالدين الذي يحبه ويرضاه ‪ #‬وقد ثبت في الصحيح عن‬
‫النبي أنه قال إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا‬

‫من أهل الكتاب ‪ #‬وأولئك البقايا الذين كانوا متمسكين بدين المسيح قبل مبعث محمد‬
‫كانوا على دين ال عز وجل وأما من حين بعث محمد فمن لم يؤمن به فهو من أهل‬
‫النار كما قال في الحديث الصحيح والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة‬
‫يهودي ول نصراني ثم يموت ول يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار‬
‫‪ #‬الوجه الخامس أن يقال دعواهم أن الرسل سلموا إليهم التوراة والنجيل وسائر‬
‫النبوات باثنين وسبعين لسانا وأنها باقية إلى اليوم على لفظ واحد دعوى يعلم أن‬
‫قائلها يتكلم بل علم بل مفتر كذاب وذلك أن هذا يقتضي أنه الن في الرض هذه‬
‫الكتب باثنين وسبعين لسانا كلها منقولة عن الحواريين وكلها متفقة غير مختلفة البتة‬
‫فهذا أربع دعاوي أنها موجودة باثنين وسبعين لسانا وأنها متفقة وأنها كلها منقولة‬
‫عن الحواريين الرابعة أنهم معصومون ‪ #‬فيقال من الذي منكم لو قدر أن هذه الكتب‬
‫التي باثنين‬

‫وسبعين لسانا هي عن الحواريين وهي موجودة اليوم فمن الذي يمكنه أن يشهد‬
‫بموافقة بعضها بعضا وذلك ل يمكن إل لمن يعلم الثنين وسبعين لسانا ويكون ما‬
‫عنده من الكتب يعلم أنها مأخوذة عن الحواريين ويعلم أن كل نسخة في العالم بهذا‬
‫اللسان توافق النسخة التي عنده وإل فلو جمع اثنين وسبعين نسخة باثنين وسبعين‬
‫لسانا لم يعلم أن كل نسخة من هذه هي المأخوذة عن الحواريين إن قدر أنه أخذ عنهم‬
‫اثنان وسبعون لسانا ول يعلم أن كل نسخة في العالم توافق تلك النسخة فإنه من‬
‫المعلوم أنه في زماننا وقبل زماننا لم تزل هذه الكتب تنقل من لسان إلى لسان كما‬
‫يترجم من العبرانية إلى العربية ومن السريانية والرومية واليونانية إلى العربية‬
‫وغيرها ‪ #‬وحينئذ فإذا وجدت نسخة بالعربية لم يعلم أنها مما عربت بعد الحواريين‬
‫أو هي من المأخوذ عن الحواريين إذا قدر أنه أخذ عنهم نسخة بالعربية ول يمكن‬
‫لحد أن يجمع جميع النسخ المعربة ويقابل بينها بل وقد وجدنا النسخ المعربة يخالف‬
‫بعضها بعضا في الترجمة مخالفة شديدة تمنع الثقة ببعضها وقد رأيت أنا بالزبور‬
‫عدة نسخ معربة بينها من الختلف ما ل يكاد ينضبط وما يشهد بأنها مبدلة مغيرة‬
‫ل يوثق بها ورأيت من التوراة المعربة من النسخ ما يكذب بكثير من ترجمتها طائفة‬
‫من أهل الكتاب فكيف يمكنه أن يجمع جميع النسخ التي بالثنين وسبعين لسانا‬

‫‪107‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪108‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويقابل بين نسخ كل لسان حتى يكون فيها النسخة‬

‫القديمة المأخوذة عن الحواريين ثم يقابل بين نسخ جميع اللسنة ول يمكن ذلك إل‬
‫لمن يكون عارفا بالثنين وسبعين لسانا معرفة تامة وليس في بني آدم من يقدر على‬
‫ذلك ولو قدر وجود ذلك فلم يعرف أن القادر على ذلك فعل ذلك وأخبرنا باتفاقها ‪#‬‬
‫ولو وجد ذلك لكان هذا خبر واحد أو أن يترجم كل لسان من يعلم صحة ترجمته‬
‫حتى تنتهي الترجمة إلى لسان واحد كالعربي مثل ويعلم حينئذ اتفاقها وإل فإذا ترجم‬
‫هذا الكتاب بلسان أو لسانين أو أكثر وترجم الخر كذلك لم يعلم اتفاقها إن لم يعلم أن‬
‫المعنى بهذا اللسان هو المعنى بهذا اللسان وهذا ل يكون إل ممن يعرف اللسانين أو‬
‫من يترجم له اللسانين باللسان الذي يعرفه ‪ #‬ومعلوم أن أحدا لم يترجم له الثنان‬
‫وسبعون لسانا بلسان واحد أو ألسنة يعرفها ول يعرف أحد باثنين وسبعين لسانا ‪#‬‬
‫وحينئذ فالجزم باتفاق جميع الكتب المكتوبة باثنين وسبعين لسانا أو الجزم بأن نسخ‬
‫كل لسان متفقة جزم بما ل يعلم صحته لو لم يكن في الرض اليوم الثنان وسبعون‬
‫لسانا منقولة عن الحواريين لم تختلط بالمترجم بعد ذلك فكيف وأكثر ما بأيدي الناس‬
‫هو مما ترجم بعد ذلك بالعربي وغيره ‪ #‬هذا إذا ثبت أن الحواريين سلموها باثنين‬
‫وسبعين لسانا وأنها باقية‬

‫إلى اليوم وهذا أمر ل يمكن أحدا معرفته فليس اليوم توراة وإنجيل ونبوات يشهد لها‬
‫أحد أنها مترجمة باللسان العربي من عهد الحواريين بل ول بأكثر اللسنة وإل فإذا‬
‫قدر أن الحواريين سلموها باثنين وسبعين لسانا مع حصول الترجمة بعد ذلك وكثرة‬
‫المترجمات أمكن وقوع التغيير في بعض المترجمات وحينئذ فالعلم بأن تلك النسخ‬
‫القديمة ل تتغير فيها ل يمنع وقوع التغيير في بعض ما ترجم بعدها أو في بعض ما‬
‫نسخ منها ول سبيل إلى العلم باتفاقها مع كونها باثنين وسبعين لسانا بخلف القرآن‬
‫الذي هو بلسان العرب وخط العرب فإن العلم باتفاق ما يوجد من نسخة ممكن وهو‬
‫محفوظ في الصدور ول يحتاج إلى حفظ في الكتب فهو منقول بالتواتر لفظا وخطا‬
‫‪ #‬الوجه السادس قولهم وسلموا إلينا التوراة والنجيل بلساننا على ما يشهد لهما‬
‫الكتاب الذي أتى به هذا الرجل فيقال لهم ليس في القرآن ما يشهد لكم بأن التوراة‬
‫والنجيل سلمت إليكم بلسانكم فاستشهادكم بالقرآن على هذه الدعوى من جنس‬
‫استشهادكم به على أن دينكم حق ‪ #‬ومن جنس استشهادكم بالنبوات على ما‬
‫أحدثتموه وغيرتم به دين‬

‫المسيح عليه السلم من التثليث والتحاد وغير ذلك وقولهم حيث يقول ال ‪ ^ #‬ومآ‬
‫أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول‬
‫^ ‪ #‬فيقال ل ريب أن قوم موسى عليه السلم هم بنو إسرائيل وبلسانهم نزلت‬
‫التوراة وكذلك بنو إسرائيل هم قوم المسيح عليه السلم وبلسانهم كان المسيح يتكلم‬
‫فلم يخاطب أحد من الرسولين أحد إل باللسان العبراني لم يتكلم أحد منهما ل برومية‬
‫ول سريانية ول يونانية ول قبطية ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول‬

‫‪108‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪109‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ ‪ #‬كلم مطلق عام كقوله ‪ ^ #‬وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ ‪ #‬ليس في هذا‬
‫تعرض لكون التوراة والنجيل سلمت إليهم بألسنتهم ‪ #‬الوجه السابع أن يقال عمدتهم‬
‫في هذه الحجة أنهم يقولون‬

‫الحواريون هم عندنا رسل ال كإبراهيم وموسى والمسيح عندنا هو ال وهو أرسل‬


‫إلينا هؤلء فيجب أن يكونوا أرسلوا إلينا بلساننا وأن يكونوا سلموا إلينا التوراة‬
‫والنجيل بلساننا ‪ #‬فيقال لهم هب أنكم تدعون هذا وتعتقدونه ونحن سنبين إن شاء‬
‫ال تعالى أن هذه دعاوي باطلة لكن أنتم في هذا المقام تذكرون ان هذا الكتاب الذي‬
‫هو القرآن الذي جاء به محمد يشهد لكم بذلك وهذا كذب ظاهر على محمد وعلى‬
‫كتابه وانتم صدرتم كتابكم بأن كتابه يشهد لكم ونحن نبين كذبكم وافتراءكم عليه‬
‫سواء أقررتم بنبوته أو لم تقروا بها فإنه من المعلوم يقينا عنه أنه لم يشهد للمسيح‬
‫بأنه ال بل كفر من قال ذلك ول يشهد للحواريين بأنهم رسل أرسلهم ال بل إنما شهد‬
‫للحواريين بأنهم قالوا إنا مؤمنون مسلمون وأنهم قالوا نحن أنصار ال كما شهد لمن‬
‫آمن به بأنهم مؤمنون مسلمون ينصرون ال ورسوله بل وأنهم أفضل من الحواريين‬
‫لكون أمته خير المم كما قال تعالى ‪ ^ #‬فلمآ أحس عيسى منهم الكفر قال من‬
‫^ أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال ءامنا بال واشهد بأنا مسلمون‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ أوحيت إلى الحوارين أن ءامنوا بي وبرسولي قالوا ءامنا ‪#‬‬
‫واشهد بأننا مسلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار ال كما‬
‫قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال‬
‫فامنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم‬
‫فأصبحوا ظاهرين ^ ‪ #‬وسيأتي الكلم على هذا مبسوطا ونبين أن الرسل‬
‫المذكورين في سورة يس ليس هم الحواريين ول كانوا رسل للمسيح بل كان هذا‬
‫الرسال قبل المسيح وأهل القرية كذبوا أولئك الرسل فأهلكهم ال كما قال تعالى ‪#‬‬
‫^ ومآ أنزلنا على قومه من بعده من جند من السمآء وما كنا منزلين إن كانت إل‬
‫صيحة واحدة فإذا هم خامدون ^ ‪ #‬والرسل المذكورون في سورة يس هم ثلثة‬
‫وكان في القرية رجل آمن بهم وهذه وإن كانت أنطاكية فكان هذا الرسال قبل‬
‫المسيح والمسيح عليه السلم ذهب إلى أنطاكية اثنان من أصحابه بعد رفعه‬

‫إلى السماء ولم يعززوا بثالث ول كان حبيب النجار موجودا إذ ذاك وآمن أهل‬
‫أنطاكية بالمسيح عليه السلم وهي أول مدينة آمنت به كما قد بسط في غير هذا‬
‫الموضع ‪ #‬والمقصود هنا أن محمدا لم يشهد للمسيح باللهية ول للحواريين بأنهم‬
‫رسل ال ول أنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل بلسانهم ول بأنهم معصومون وما‬
‫ذكروه من قوله تعالى ‪ ^ #‬ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ ‪ #‬إنما يتناول‬
‫رسل ال ل رسل رسل ال بل رسل رسل ال يجوز أن يبلغوا رسالت الرسل بلسان‬
‫الرسل إذا كان هناك من يترجم لهم ذلك اللسان وإن لم يكن هناك من يترجم ذلك‬
‫اللسان كانت رسل الرسل‬

‫‪109‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪110‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تخاطبهم بلسانهم لكن ل يلزم من هذا أن يكونوا قد كتبوا الكتب اللهية بلسانهم بل‬
‫يكفي أن يقرأوها بلسان النبياء عليهم السلم ثم يترجموها بلسان أولئك وهو سبحانه‬
‫قال ‪ ^ #‬ومآ أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ^ ‪ #‬ولم يقل وما أرسلنا من رسول‬
‫إل إلى قومه بل محمد أرسل بلسان قومه وهم قريش وأرسل إلى قومه وغير قومه‬
‫كما يذكرون ذلك عن المسيح عليه السلم‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول ^ ‪ #‬فحق وتمام الية‬
‫‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى‬
‫ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة‬
‫المكذبين ^ ‪ #‬وهذا كقوله تعالى في الية الخرى ‪ ^ #‬إنآ أرسلناك بالحق بشيرا‬
‫ونذيرا وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬إنمآ أنت منذر ولكل قوم هاد‬
‫^ ‪ #‬في أصح القوال أي ولكل قوم داع يدعوهم إلى توحيد ال‬

‫وعبادته كما أنت هاد أي داع لمن أرسلت إليه والهادي بمعنى الداعي المعلم المبلغ‬
‫ل بمعنى الذي يجعل الهدى في القلوب كقوله ‪ ^ #‬وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم‬
‫صراط ال الذي له ما في السموات وما في الرض ^ ‪ #‬وقوله ^ وأما ثمود‬
‫فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ^ ‪ #‬ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا أكثر المم‬
‫أنبياء بعث إليهم موسى وبعث إليهم بعده أنبياء كثيرون حتى قيل إنهم ألف نبي‬
‫وكلهم يأمرون بشريعة التوراة ول يغيرون منها شيئا ثم جاء المسيح بعد ذلك‬
‫بشريعة أخرى غير فيها بعض شرع التوراة بأمر ال عز وجل ‪ #‬فإذا كان إرسال‬
‫موسى والنبياء بعده إليهم لم يمنع إرسال المسيح إليهم فكيف يمتنع إرسال محمد‬
‫إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى ولهم من حين المسيح لم يأتهم رسول من ال‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل‬
‫أن تقولوا‬

‫ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير ^ ‪#‬‬
‫وهذه الفترة التي كانت بين المسيح ومحمد صلوات ال عليهما وسلمه وهي فيما‬
‫ذكره غير واحد من العلماء كسلمان الفارسي وغيره كانت ستمائة سنة وقد قيل‬
‫ستمائة سنة شمسية وهي ستمائة وعشرون أو ثمانية عشر هللية وذلك أن كل مائة‬
‫سنة شمسية تكون مائة وثلث سنين هللية كما قال تعالى ‪ ^ #‬ولبثوا في كهفهم‬
‫ثلث مئة سنين وازدادوا تسعا ^ ‪ #‬وهذه التسع وبعض العاشرة والتاريخ قد تحسب‬
‫فيه التامة وتحسب فيه الناقصة فمن قال عشرين حسب الناقصة ومن قال ثمانية‬
‫عشر حسب التامة فقط‬

‫‪110‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪111‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم نعلم أن ال عدل وليس من عدله أن يطالب أمة يوم القيامة‬
‫باتباع إنسان لم يأت إليهم ول وقفوا له على كتاب بلسانهم ول من جهة داع من قبله‬
‫فيقال الجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن هذا الكلم ل يجوز أن يقوله من كتب هذا‬
‫الكتاب ول أحد يفهم بالعربية فإن هؤلء يفهمون هذا الكتاب بالعربية وقد قرءوه‬
‫وناظروا بما فيه وإذا كانوا مع ذلك يفهمون بغير العربية كان ذلك أبلغ في قيام‬
‫الحجة عليهم فإنهم يمكنهم فهم ما قال بالعربية وتفهيم ذلك لقومهم باللسان الخر ‪#‬‬
‫الثاني كما أنهم يفهمون ما في كتبهم الرومية والسريانية والقبطية وغيرها‬
‫ويترجمونها للعرب من النصارى بالعربية فإذا قامت الحجة على عرب النصارى‬
‫باللسان الرومي فلن تقوم على الروم باللسان العربي أولى فإن اللسان العربي أكثر‬
‫انتشارا في العالم من اللسان الرومي والناطقون به بعد ظهور السلم أكثر من‬
‫الناطقين بغيره وهو أكمل بيانا وأتم تفهما‬

‫وحينئذ فيكون وصول المعاني به إلى غير أهل لسانه أيسر لكمال معناه ولكثرة ‪#‬‬
‫العارفين به وهؤلء علماء النصارى يقرءون كتب الطب والحساب والفلسفة وغير‬
‫ذلك باللسان العربي مع أن مصنفيها كانوا عجما من رومي ويوناني وغير ذلك فما‬
‫المانع أن يقرأ القرآن العربي وتفسيره وحديث النبي باللسان العبري مع أنه أخذ عن‬
‫الرسول بالعربي فهو أولى بأن يعرف به مراد المتكلم به ‪ #‬الوجه الثالث أن يقال‬
‫الناس لهم في عدل ال ثلثة أقوال قيل كل ما يكون مقدورا فهو عدل وقيل العدل‬
‫منه نظير العدل من عباده وهما قولن ضعيفان وقيل من عدله أن يجزي المحسن‬
‫بحسناته ل ينقصه شيئا منها ول يعاقبه بل ذنب ‪ #‬ومعلوم أنه إذا أمر العبد بما يقدر‬
‫عليه كان جائزا باتفاق طوائف أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وإن كان‬
‫الفعل مكروها للنسان فإن الجنة حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات وقد كلفت‬
‫بنو إسرائيل والنصارى من العمال ما هو مكروه لهم وشاق عليهم فكيف يمتنع أن‬
‫يأمرهم وينهاهم بلغة يبين بعض المسلمين معناها لهم والعرب الذي نزل القرآن‬
‫بلسانهم طبقوا الرض ومنهم نصارى ل يحصون فكل من عرف بالعربية من‬
‫النصارى أمكنه فهم ما يقال بالعربي ومن كان منهم روميا كان له أسوة من أسلم من‬
‫سائر طوائف العاجم كالفرس والترك والهند والبربر والحبشة وغيرهم وهو متمكن‬
‫من معرفة ما أمره ال والعمل به كما يمكن هؤلء كلهم بل‬

‫الروم أقدر على ذلك من غيرهم فلي وجه يمتنع أن يأمرهم ال بذلك وما ل يتم‬
‫الواجب إل به إذا كان مقدورا للعبد فعليه أن يفعله باتفاق أهل الملل المسلمين‬
‫واليهود والنصارى ‪ #‬وإنما تنازع الناس فيه هل يسمى واجبا فقيل يسمى واجبا‬
‫وقيل ل يسمى واجبا فإن المر لم يقصده بالمر وقد ل يخطر بباله إذا كان المر‬
‫مخلوقا ‪ #‬قال هؤلء ولن الواجب ما يذم تاركه شرعا أو يعاقب تاركه شرعا أو ما‬
‫يستحق تاركه الذم أو ما يكون تركه سببا للذم أو العقاب وقالوا وما ل يتم الواجب‬
‫إل به ل يستحق تاركه الذم والعقاب فإن الحج إذا وجب على شخصين أحدهما بعيد‬
‫والخر قريب ولم يفعله لم تكن عقوبة البعيد على الترك أعظم من عقوبة القريب‬

‫‪111‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪112‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مع أن المسافة التي ل بد لهما من قطعها أكثر ‪ #‬وكذلك من وجب عليه قضاء دينه‬
‫من غير احتياج إلى بيع شيء من ماله ليست عقوبته على الترك بأقل من عقوبة من‬
‫يحتاج إلى بيع مال له ليقضي به دينه ‪ #‬وفصل الخطاب أن مال يتم الواجب إل به‬
‫هو من لوازم وجود الواجب ووجود الملزوم بدون لزمه ممتنع فالمأمور به ل‬
‫يمكن فعله إل بلوازمه والمنهي عنه ل يمكن تركه إل بترك ملزوماته لكن هذا‬
‫الملزوم لزوم عقلي أو عادي فوجوبه وجوب عقلي عادي ل أن المر‬

‫نفسه قصد إيجابه والذم والعقاب على تركه ‪ #‬وتنازع الناس هل يقال مال يتم‬
‫الواجب إل به فهو واجب سواء كان وجوبه شرعيا أو عقليا أو يحتاج أن يقال ما ل‬
‫يتم الواجب إل به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب ‪ #‬فالجمهور أطلقوا العبارة‬
‫الولى وبعض المتأخرين قيدوها بالقدرة ول حاجة إلى ذلك فإن ما لم يكن مقدورا‬
‫ينتفي الوجوب مع انتفائه فيكون شرطا في الوجوب ل في فعل الواجب والجمهور‬
‫قالوا ما ل يتم الواجب إل به فإنه يجب ‪ #‬والمقصود هنا أن ال إذا أوجب على‬
‫العباد شيئا واحتاج أداء الواجب إلى تعلم شيء من العلم كان تعلمه واجبا فإذا كان‬
‫معرفة العبد لما أمره ال به تتوقف على أن يعرف معنى كلم تكلم به بغير لغته‬
‫وهو قادر على تعلم معنى تلك اللفاظ التي ليست بلغته أو على معرفة ترجمتها‬
‫بلغته وجب عليه تعلم ذلك ‪ #‬ولو جاءت رسالة من ملك إلى ملك بغير لسانه لطلب‬
‫من يترجم مقصود الملك المرسل ولم يجز أن يقول أنت لم تبعث إلي من يخاطبني‬
‫بلغتي مع قدرته على أن يفهم مراده بالترجمة فكيف يجوز أن يقال ذلك لرب‬
‫العالمين ولو أمر به بعض الملوك بعض رعاياه وجنوده بلغته وهم قادرون على‬
‫معرفة ما أمرهم به إما بتعلم لغته وإما‬

‫بمن يترجم لهم ما قاله لم يكن ذلك ظلما فكيف يكون ظلما من رب العالمين مع أنه‬
‫ليس بظلم من المخلوقين ‪ #‬ولو وجب لبعض الرعية حق على بعض أو ظلم بعضهم‬
‫بعضا لوجب على الملك أن ينصف المظلوم ويرسل إلى الظالم من يأمره بالعدل‬
‫والنصاف ويعاقبه إذا لم ينصف إذا كان الظالم متمكنا من معرفة أمر الملك‬
‫بالترجمة أو غيرها وهذا هو العدل ليس العدل أن يترك الناس ظالمين في حق ال‬
‫وحق عباده وال تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط كما قال تعالى ‪#‬‬
‫^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ^ ‪#‬‬
‫فليس لحد ممن أرسل إليه رسول وهو قادر على معرفة ما أرسل به إليه بالترجمة‬
‫أو غير الترجمة أن يمتنع من شرع ال الذي أنزله وهو القسط الذي بعث به رسوله‬
‫لكون الرسول ليس لغته لغته مع قدرته على أن يعرف مراده بطرق متعددة ‪#‬‬
‫والناس في مصالح دنياهم يتوسل أحدهم إلى معرفة مراد الخر بالترجمة وغيرها‬
‫فيتبايعون وبينهم ترجمان يبلغ بعضهم عن بعض ويتراسلون في عمارة بلدهم‬
‫وأغراض نفوسهم بالتراجم الذين يترجمون لهم وأمر الدين أعظم من أمر الدنيا‬
‫فكيف ل يتوسلون إلى معرفة مراد بعضهم من بعض وكيف يكون أمر الدنيا أهم من‬
‫أمر الدين إل عند من أغفل ال قلبه عن ذكر ربه واتبع هواه وأعرض عن‬

‫‪112‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪113‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذكر ربه ولم يرد إل الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬فأعرض‬
‫عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إل الحياة الدنيا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬واصبر نفسك‬
‫مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ول تعد عيناك عنهم تريد‬
‫زينة الحياة الدنيا ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ^‬
‫‪ #‬الوجه الرابع أنه من العجب أن تعد النصارى مثل هذا ظلما خارجا عن العدل‬
‫وهم قد نسبوا إلى ال من الظلم العظيم على هذا الصل ما لم ينسبه إليه أحد من‬
‫المم كما سبوه وشتموه مسبة ما سبه إياها أحد من المم فهم من أبعد المم عن‬
‫توحيده وتمجيده وحمده والثناء عليه وذلك أنهم يزعمون أن آدم لما أكل من الشجرة‬
‫غضب الرب عليه وعاقبه وأن تلك العقوبة بقيت في ذريته إلى أن جاء المسيح‬
‫وصلب وأنه كانت الذرية في حبس إبليس فمن مات منهم ذهبت روحه إلى جهنم في‬
‫حبس إبليس حتى قالوا ذلك في النبياء نوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان‬
‫وغيرهم ‪ #‬ومعلوم أن إبراهيم كان أبوه كافرا ولم يؤاخذه ال بذنب أبيه فكيف‬

‫يؤاخذه بذنب آدم وهو أبوه البعد هذا لو قدر أن آدم لم يتب فكيف وقد أخبر ال عنه‬
‫بالتوبة ثم يزعمون أن الصلب الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا به خلص ال آدم‬
‫وذريته من عذاب الجحيم وبه عاقب إبليس مع أن إبليس ما زال عاصيا ل مستحقا‬
‫للعقاب من حين امتنع من السجود لدم ووسوس لدم إلى حين مبعث المسيح والرب‬
‫قادر على عقوبته وبنو آدم ل عقوبة عليهم في ذنب أبيهم فمن كان قولهم مثل هذه‬
‫الخرافات التي هي مضاحك العقلء والتي ل تصلح أن تضاف إلى أجهل الملوك‬
‫وأظلمهم فكيف يدعون مع هذا أنهم يصفون ال بالعدل ويجعلون من عدله أنه ل‬
‫يأمر النسان بتعلم ما يقدر على تعلمه وفيه صلح معاشه ومعاده ويجعلون مثل هذا‬
‫موجبا لتكذيب كتابه ورسله والصرار على تبديل الكتاب الول وتكذيب الكتاب‬
‫الخر وعلى أنه يتضمن مخالفة موسى وعيسى وسائر النبياء والرسل ‪#‬‬
‫والنصارى يقولون إن المسيح الذي هو عندهم اللهوت والناسوت جميعا إنما مكن‬
‫الكفار من صلبه ليحتال بذلك على عقوبة إبليس قالوا فأخفى نفسه عن إبليس لئل‬
‫يعلم ومكن أعداءه من أخذه وضربه والبصاق في وجهه ووضع الشوك على رأسه‬
‫وصلبه وأظهر الجزع من الموت وصار يقول يا إلهي لم سلطت أعدائي علي‬
‫ليختفي بذلك عن إبليس فل يعرف إبليس أنه ال أو ابن ال ويريد إبليس أن يأخذ‬
‫روحه إلى الجحيم كما أخذ أرواح نوح وإبراهيم‬

‫وموسى وغيرهم من النبياء والمؤمنين فيحتج عليه الرب حينئذ ويقول بماذا‬
‫استحللت يا إبليس أن تأخذ روحي فيقول له إبليس بخطيئتك فيقول ناسوتي ل خطيئة‬
‫له كنواسيت النبياء فإنه كان لهم خطايا استحقوا بها أن تؤخذ أرواحهم إلى جهنم‬
‫وأنا ل خطيئة لي ‪ #‬وقالوا فلما أقام ال الحجة على إبليس جاز للرب حينئذ أن يأخذ‬
‫إبليس ويعاقبه ويخلص ذرية آدم من إذهابهم إلى الجحيم وهذا الكلم فيه من الباطل‬
‫ونسبة الظلم إلى ال ما يطول وصفه فمن هذا قوله فقد قدح في علم الرب وحكمته‬

‫‪113‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪114‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وعدله قدحا ما قدحه فيه أحد وذلك من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال إبليس إن كان أخذ‬
‫الذرية بذنب أبيهم فل فرق بين ناسوت المسيح وغيره وإن كان بخطاياهم فلم‬
‫يأخذهم بذنب أبيهم وهم قالوا إنما أخذهم بذنب آدم ‪ #‬الثاني أن يقال من خلق بعد‬
‫المسيح من الذرية كمن خلق قبله فكيف جاز أن يمكن إبليس من الذرية المتقدمين‬
‫دون المتأخرين وكلهم بالنسبة إلى آدم سواء وهم أيضا يخطئون أعظم من خطايا‬
‫النبياء المتقدمين فكيف جاز تمكين إبليس من عقوبة النبياء المتقدمين ولم يمكن من‬
‫عقوبة الكفار والجبابرة الذين كانوا بعد المسيح ‪ #‬الوجه الثالث أن يقال أخذ إبليس‬
‫لذرية آدم وإدخالهم جهنم إما أن يكون ظلما من إبليس وإما أن يكون عدل فإن كان‬
‫عدل‬

‫فل لوم على إبليس ول يجوز أن يحتال عليه ليمتنع من العدل الذي يستحقه بل يجب‬
‫تمكينه من المتأخرين والمتقدمين ‪ #‬وإن كان ظلما فلم ل يمنعه الرب منه قبل‬
‫المسيح ‪ #‬فإن قيل لم يقدر فقد نسبوه إلى العجز وإن قيل قدر على دفع ظلم إبليس‬
‫ولم يفعله فل فرق بين دفعه في زمان دون زمان إن جاز ذلك جاز في كل زمان‬
‫وإن امتنع امتنع في كل زمان ‪ #‬الوجه الرابع أن إبليس إن كان معذورا قبل المسيح‬
‫فل حاجة إلى عقوبته ول ملم عليه وإن لم يكن معذورا استحق العقوبة ول حاجة‬
‫إلى أن يحتال عليه بحيلة تقام بها الحجة عليه ‪ #‬الوجه الخامس إنه بتقدير أنه لم يقم‬
‫عليه الحجة قبل الصلب فلم يقم عليه حجة بالصلب فإنه يمكنه أن يقول أنا ما علمت‬
‫أن هذا الناسوت هوناسوت الرب وأنت يا رب قد أذنت لي أن آخذ جميع ذرية آدم‬
‫فأوديهم إلى الجحيم فهذا واحد منهم وما علمت أنك أو ابنك اتحد به ولو علمت ذلك‬
‫لعظمته فأنا معذور في ذلك فل يجوز أن تظلمني ‪ #‬الوجه السادس أن نقول أن‬
‫إبليس يقول حينئذ يا رب فهذا‬

‫الناسوت الواحد أخطأت في أخذ روحه لكن سائر بني آدم الذين بعده لي أن أحبس‬
‫أرواحهم في جهنم كما حبست أرواح الذين كانوا قبل المسيح إما بذنب أبيهم وإما‬
‫بخطاياهم أنفسهم وحينئذ فإن كان ما يقوله النصارى حقا فل حجة ل على إبليس ‪#‬‬
‫الوجه السابع أن يقال هب أن آدم أذنب وبنوه أذنبوا بتزيين الشيطان فعقوبة بني آدم‬
‫على ذنوبهم هي إلى ال أو إلى إبليس فهل يقول عاقل أن إبليس له أن يغوي بني آدم‬
‫بتزيينه لهم ثم له أن يعاقبهم جميعا بغير إذن من ال في ذلك وهل هذا القول إل من‬
‫قول المجوس الثنوية الذين يقولون إن كل ما في العالم من الشر من الذنوب والعقاب‬
‫وغير ذلك هو من فعل إبليس لم يفعل ال شيئا من ذلك ول عاقب ال أحدا على ذنب‬
‫‪ #‬ول ريب أن هذا القول سرى إلى النصارى من المجوس لهذا ل ينقلون هذا القول‬
‫في كتاب منزل ول عن أحد من الحواريين ولهذا كان المانوية دينهم مركبا من دين‬
‫النصارى والمجوس وكان رأسهم ماني نصرانيا مجوسيا فالنسب بين النصارى‬
‫والمجوس بل وسائر المشركين نسب معروف‬

‫الوجه الثامن أن يقال إبليس عاقب بني آدم وأدخلهم جهنم بإذن ال أو بغير إذنه ‪# #‬‬

‫‪114‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪115‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إن قالوا بإذنه فل ذنب له ول يستحق أن يحتال عليه ليعاقب ويمتنع وإن كان بغير‬
‫إذنه فهل جاز في عدل ال أن يمكنه من ذلك أم لم يجز فإن جاز ذلك في زمان جاز‬
‫في جميع الزمنة وإن لم يجز في زمان لم يجز في جميع الزمنة فل فرق بين ما‬
‫قبل المسيح وما بعده ‪ #‬الوجه التاسع أن يقال هل كان ال قادرا على منع إبليس‬
‫وعقوبته بدون هذه الحيلة وكان ذلك عدل منه لو فعله أم ل فإن كان ذلك مقدورا له‬
‫وهو عدل منه لم يحتج أن يحتال على إبليس ول يصلب نفسه أو إبنه ثم إن كان هذا‬
‫العدل واجبا عليه وجب منع إبليس وإن لم يكن واجبا جاز تمكينه في كل زمان فل‬
‫فرق بين زمان وزمان ‪ #‬وإن قيل لم يكن قادرا على منع إبليس فهو تعجيز للرب‬
‫عن منع إبليس وهذا من أعظم الكفر باتفاق أهل الملل من جنس قول‬

‫الثنوية الذين يقولون لم يكن يقدر النور أن يمنع الظلمة من الشر ومن جنس قول‬
‫ديمقراطيس والحنانين الذين يقولون لم يمكن واجب الوجود أن يمنع النفس من‬
‫ملبسه الهيولي بل تعلقت النفس بها بغير اختياره ‪ #‬الوجه العاشر أن ما فعله به‬
‫الكفار اليهود الذين صلبوه طاعة ل أو معصية فإن كان طاعة ل استحق اليهود‬
‫الذين صلبوه أن يثيبهم ويكرمهم على طاعته كما يثيب سائر المطيعين له والنصارى‬
‫متفقون على أن أولئك من أعظم الناس إثما وهم من شر الخلق وهم يستحلون من‬
‫دمهم ولعنتهم ما ل يستحلونه من غيرهم بل‬

‫يبالغون في طلب اليهود وعقوبتهم في آخر صومهم اليام التي تشبه أيام الصليب‬
‫وإن كان أولئك اليهود عصاة ل فهل كان قادرا على منعهم من هذه المعصية أم ل‬
‫فإن لم يكن قادرا لم يكن قادرا على منع إبليس من ظلم الذرية في الزمن المستقبل‬
‫وإن كان قادرا على منعهم من المعاصي ولم يمنعهم كان قادرا على منع إبليس بدون‬
‫هذه الحيلة وإذا كان حسنا منه تمكينهم من هذه المعصية كان حسنا منه تمكين إبليس‬
‫من ظلم الذرية في الماضي والمستقبل فل حاجة إلى الحيلة عليه ‪ #‬واعلم أن الوجوه‬
‫الدالة على فساد دين النصارى كثيرة جدا وكلما تصور العاقل مذهبهم وتصور‬
‫لوازمه تبين له فساده لكن المقصود هنا بيان تناقضهم في أنهم يقيمون عذر أنفسهم‬
‫في ترك اليمان بكتابه ورسوله ودينه لكونه سبحانه عدل ل يأمر الناس بما‬
‫يعجزون عنه وهو سبحانه لم يأمرهم إل بما يقدرون عليه وقد نسبوا إليه من الظلم‬
‫ما لم ينسبه إليه أحد من بني آدم يوضح هذا ‪ #‬الوجه الحادي عشر وهو أنه إما أن‬
‫يقال في الظلم بقول الجهمية المجبرة الذين يقولون يفعل ما يشاء بل حكمة ول سبب‬

‫ول مراعاة عدل وإما أن يقال بقول القدرية أنه يجب عليه العدل الذي يجب على‬
‫المخلوقين وإما أن يقال هو عادل منزه عن الظلم ولكن ليس عدله كعدل المخلوق‬
‫فهذه أقوال الناس الثلثة ‪ #‬فإن قيل بالول جاز أن يسلط إبليس على جميع الذرية‬
‫بل ذنب وأن يعاقبهم جميعا بل ذنب ول حاجة حينئذ إلى الحيلة على إبليس ‪ #‬وإن‬
‫قيل بالثاني فمعلوم أن الواحد من الناس لو علم أن بعض مماليكه أمر غيره بذنب‬
‫يكرهه السيد ففعله كان العدل منه أن يعاقب المر والمأمور جميعا ‪ #‬وأما تسليطه‬

‫‪115‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪116‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫للمر على عقوبة المأمور فليس من العدل وكذلك تسليط المر الظالم على جميع‬
‫ذرية المأمور الذين لم يذنبوا ذنب أبيهم ليس من العدل ‪ #‬وإن قيل بل هو إستحق أن‬
‫يستعبدهم لكون أبيهم أطاعه قيل فحينئذ يستحق أن يأسر الولين والخرين فل‬
‫يجوز أن يمنع من حقه بالحتيال عليه ‪ #‬وإن قيل إنما يستحق أخذهم خطاياهم قيل‬
‫فله أن يأخذ الولين والخرين ‪ #‬وإن قيل هو لما طلب أخذ روح ناسوت المسيح‬
‫منع بهذا الذنب قيل هذا إن كان ذنبا فهو أخف ذنوبه فإنه لم يعلم أنه ناسوت الله‬
‫وإذا إستحق الرجل أن يسترق أولد غيره فطلب رجل‬

‫ليسترقه لظنه أنه منهم ولم يكن منهم لم يكن هذا ذنبا يمنع استرقاق الباقين ‪ #‬وإن‬
‫قيل إن عدل الرب ليس كعدل المخلوقين بل من عدله أن ل ينقص أحدا من حسناته‬
‫ول يعاقبه إل بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم ولم يجز أن يعاقب‬
‫النبياء الذين ليس لهم ذنب إل ذنب تابوا منه بذنب غيرهم فإن النبياء معصومون‬
‫أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة‬
‫فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم إن قدر أنه مات مصرا على الذنب مع أن هذا‬
‫تقدير باطل ولو قدر أن النبياء لهم خطايا يستحقون بها العقوبة بعد الموت وتسليط‬
‫إبليس على عقوبتهم مع أن هذا تقدير باطل فمن بعد المسيح من غير النبياء أولى‬
‫بذلك فكيف يجوز في العدل الذي يوجب التسوية بين المتماثلين عقوبة النبياء ومنع‬
‫عقوبة من هو دونهم بل من هو من الكفار ‪ #‬الوجه الثاني عشر أن الرب إذا قصد‬
‫بهذا دفع ظلم إبليس فهل اتحد بناسوت بعض أولد آدم ليحتال على إبليس فيمنعه من‬
‫ظلم من تقدم فإن المنع من الشر الكثير أولى من المنع من الشر القليل أتراه ما كان‬
‫يعلم أن إبليس يعمل هذا الشر كله فهذا تجهيل له أو كان يعرف وعجز عن دفعه‬
‫فهذا تعجيز له ثم ما الفرق بين زمان وزمان أم كان ترك منعه عدل منه فهو عدل‬
‫في كل زمان‬

‫فصل ‪ #‬وأما تفسيرهم لقوله تعالى ‪ ^ #‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه‬
‫وهو في الخرة من الخاسرين ^ ‪ #‬بأن مراده قومه كما قالوا ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪#‬‬
‫^ ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين ^ ‪ #‬يريد‬
‫بحسب مقتضى العدل قومه الذين أتاهم بلغتهم ل غيرهم ممن لم يأتهم بما جاء فيه ‪#‬‬
‫فيقال لهم من فسر مراد متكلم أي متكلم كان بما يعلم الناس أنه خلف مراده فهو‬
‫كاذب مفتر عليه وإن كان المتكلم من آحاد العامة ولو كان المتكلم من المتنبئين‬
‫الكذابين فإن من عرف كذبه إذا تكلم بكلم وعرف مراده به لم يجز أن يكذب عليه‬
‫فيقال أراد كذا‬

‫وكذا فإن الكذب حرام قبيح على كل أحد سواء كان صادقا أو كاذبا فكيف بمن يفسر‬
‫مراد ال ورسوله بما يعلم كل من خبر حاله علما ضروريا أنه لم يرد ذلك بل يعلم‬
‫علما ضروريا أنه أراد العموم ‪ #‬فإن قوله تعالى ^ ومن يبتغ غير السلم دينا ^‬

‫‪116‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪117‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صيغة عامة وصيغة من الشرطية من أبلغ صيغ العموم كقوله تعالى ‪ ^ #‬فمن يعمل‬
‫مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ^ ‪ #‬ثم إن سياق الكلم يدل على‬
‫أنه أراد أهل الكتاب وغيرهم فإن هذا في سورة آل عمران في أثناء مخاطبته لهل‬
‫الكتاب ومناظرته للنصارى فإنها نزلت لما قدم على النبي وفد نجران النصارى‬
‫وروى أنهم كانوا ستين راكبا وفيهم السيد واليهم والعاقب وقصتهم مشهورة‬
‫معروفة كما تقدم ذكرها ‪ #‬وقد قال قبل هذا الكلم بذم دين النصارى الذي ابتدعوه‬
‫وغيروا به دين المسيح ولبسوا الحق الذي بعث به المسيح بالباطل الذي ابتدعوه‬

‫حتى صار دينهم مركبا من حق وباطل واختلط أحدهما بالخر فل يكاد يوجد معه‬
‫من يعرف ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره والمسيح قرر أكثر شرع‬
‫التوراة وغير المعنى وعامة النصارى ل يميزون ما قرره مما غيره فل يعرف دين‬
‫المسيح ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬ما كان لبشر أن يؤتيه ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول‬
‫للناس كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا ربانين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما‬
‫كنتم تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ‬
‫أنتم مسلمون ^ ‪ #‬فقد بين أن من اتخذ الملئكة والنبيين أربابا فهو كافر فمن اتخذ‬
‫من دونهم أربابا كان أولى بالكفر وقد ذكر أن النصارى اتخذوا من هو دون‬
‫هم أربابا بقوله تعالى ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح‬
‫ابن مريم ومآ أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪#‬‬
‫ثم قال تعالى في سورة آل عمران ‪ ^ #‬وإذ أخذ ال ميثاق النبين لمآ ءاتيتكم من‬
‫كتاب وحكمة ثم‬

‫جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم‬
‫إصرى قالوآ أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ^ ‪ #‬قال ابن عباس وغيره‬
‫من السلف ما بعث ال نبيا إل أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به‬
‫ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به‬
‫ولينصرنه والية تدل على ما قالوا فإن قوله تعالى ‪ ^ #‬وإذ أخذ ال ميثاق النبين ^‬
‫يتناول جميع النبيين ‪ ^ #‬لمآ ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما‬
‫معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ^ ‪ #‬وهذه اللم الولى تسمى اللم الموطئة للقسم واللم‬
‫الثانية تسمى لم جواب القسم والكلم إذا إجتمع فيه شرط وقسم وقدم القسم سد‬
‫جواب القسم مسد جواب الشرط والقسم كقوله تعالى ‪ ^ #‬لئن أخرجوا ل يخرجون‬
‫معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون ^ ‪#‬‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ ^ #‬ومنهم من عاهد ال لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من‬
‫^ الصالحين‬

‫وقوله ‪ ^ #‬وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جآءتهم ءاية ليؤمنن بها ^ ‪ #‬وقوله ‪# ^ #‬‬
‫وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل ل تقسموا ^ ‪ #‬وقوله ‪^ #‬‬
‫وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جآءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم ^ ‪ #‬ومنه‬

‫‪117‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪118‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قوله ‪ ^ #‬ولئن سألتهم من خلق السموات والرض ليقولن ال ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ولئن‬


‫سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا‬
‫لنكونن من الخاسرين ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض‬
‫^ والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم‬

‫وقوله ‪ ^ #‬ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينآ إليك ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وإن لم ينتهوا ‪#‬‬
‫عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ولئن لم يفعل مآ‬
‫أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين‬
‫كفروا إن أنتم إل مبطلون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ولئن جآء نصر من ربك ليقولن إنا كنا‬
‫معكم ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ^‬
‫‪ #‬ومثل هذا كثير وحيث لم يذكر القسم فهو محذوف مراد تقدير‬

‫الكلم وال ^ لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ^ وال ^ ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ^‬
‫‪ #‬ومن محاسن لغة العرب أنها تحذف من الكلم ما يدل المذكور عليه إختصارا‬
‫وإيجازا ل سيما فيما يكثر إستعماله كالقسم وقوله ‪ ^ #‬لمآ ءاتيتكم من كتب وحكمة‬
‫^ ‪ #‬هي ما الشرطية والتقدير أي شيء أعطيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول‬
‫مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ول تكتفوا بما عندكم عما جاء به ول يحملنكم‬
‫ما آتيتكم من كتاب وحكمة على أن تتركوا متابعته بل عليكم أن تؤمنوا به وتنصروه‬
‫وإن كان معكم من قبله من كتاب وحكمة فل يغنيكم ما آتيتكم عما جاء به فإن ذلك ل‬
‫ينجيكم من عذاب ال ‪ #‬فدل ذلك على انه من أدرك محمدا من النبياء وأتباعهم وإن‬
‫كان معه كتاب وحكمة فعليه أن يؤمن بمحمد وينصره كما قال ‪ ^ #‬لمآ ءاتيتكم من‬
‫^ كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لمآ معكم لتؤمنن به ولتنصرنه‬

‫وقد أقر النبياء بهذا الميثاق وشهد ال عليهم به كما قال تعالى ‪ ^ #‬أأقررتم ‪#‬‬
‫وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ^ ‪ #‬ثم‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ^ ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬أفغير‬
‫دين ال يبغون وله أسلم من في السماوات والرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ^‬
‫‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين‬
‫أحد منهم ونحن له مسلمون ^ ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن‬
‫^ يقبل منه وهو في الخرة من الخاسري‬

‫قالت طائفة من السلف لما أنزل ال هذه الية قال من قال من اليهود والنصارى ‪#‬‬
‫نحن مسلمون فقال تعالى ‪ ^ #‬ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ^ ‪#‬‬
‫فقالوا ل نحج فقال تعالى ‪ ^ #‬ومن كفر فإن ال غني عن العالمين ^ ‪ #‬فكل من لم‬
‫ير حج البيت واجبا عليه مع الستطاعة فهو كافر باتفاق المسلمين كما دل عليه‬
‫القرآن ‪ #‬واليهود والنصارى ل يرونه واجبا عليهم فهم من الكفار حتى أنه روى في‬

‫‪118‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪119‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حديث مرفوع إلى النبي من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت ال ولم يحج فليمت إن‬
‫شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا‬

‫وهو محفوظ من قول عمر بن الخطاب رضي ال عنه وقد اتفق المسلمون على ‪#‬‬
‫أن من جحد وجوب مباني السلم الخمس الشهادتين والصلوات الخمس والزكاة‬
‫وصيام شهر رمضان وحج البيت فإنه كافر ‪ #‬وأيضا فقد قال تعالى في أول السورة‬
‫‪ ^ #‬شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم فائما بالقسط ل إله إل هو‬
‫العزيز الحكيم إن الدين عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما‬
‫جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب فإن حاجوك فقل‬
‫أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم فإن أسلموا‬
‫^ فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد‬

‫فقد أمره تعالى بعد قوله ‪ ^ #‬إن الدين عند ال السلم ^ ‪ #‬أن يقول أسلمت ‪#‬‬
‫وجهي ل ومن اتبعن وأن يقول للذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى والميين‬
‫وهم الذين ل كتاب لهم من العرب وغيرهم أأسلمتم فالعرب الميون يدخلون في لفظ‬
‫الميين باتفاق الناس ‪ #‬وأما من سواهم فإما أن يشمله هذا اللفظ أو يدخل في معناه‬
‫بغيره من اللفاظ المبينة أنه أرسل إلى جميع الناس ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬فإن أسلموا‬
‫فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ وال بصير بالعباد ^ ‪ #‬فقد أمر أهل الكتاب‬
‫بالسلم كما أمر به الميين وجعلهم إذا أسلموا مهتدين وإن لم يسلموا فقد قال إنما‬
‫عليك البلغ أي تبلغهم رسالت ربك إليهم وال هو الذي يحاسبهم فدل هذا كله على‬
‫أنه عليه أن يبلغ أهل الكتاب ما أمرهم به من السلم كما يبلغ الميين وأن ال‬
‫يحاسبهم على ترك السلم كما يحاسب الميين ‪ #‬وفي الصحيحين عن النبي في‬
‫الكتاب الذي كتبه إلى هرقل ملك النصارى من محمد رسول ال إلى هرقل‬

‫عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم‬
‫وأسلم يؤتك ال أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك إثم الريسيين ‪ #‬و ^ يا أهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ‬
‫بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ ‪ #‬وأبلغ من‬
‫ذلك أن ال تعالى أخبر في كتابه أن السلم دين النبياء كنوح وإبراهيم ويعقوب‬
‫وأتباعهم إلى الحواريين وهذا تحقيق لقوله تعالى ‪ ^ #‬ومن يبتغ غيرالسلم دينا فلن‬
‫يقبل منه ^ ‪ #‬وإن الدين عند ال السلم في كل زمان ومكان ‪ #‬قال تعالى عن نوح‬
‫أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض ‪ ^ #‬واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم‬
‫إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركم‬
‫وشركاءكم ثم ل يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ول تنظرون فإن توليتم فما‬
‫سألتكم من أجر إن أجري إل على ال وأمرت أن أكون من المسلمين ^ ‪ #‬فهذا نوح‬
‫الذي غرق أهل الرض بدعوته وجعل جميع الدميين‬

‫‪119‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪120‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من ذريته يذكر أنه أمر أن يكون من المسلمين ‪ #‬وأما الخليل فقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ‬
‫يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا‬
‫واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت‬
‫التواب الرحيم ^ ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬ومن يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه‬
‫ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الخرة لمن الصالحين إذا قال له ربه أسلم قال‬
‫أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن ال اصطفى لكم‬
‫الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون ^ ‪ #‬فقد أخبر تعالى أنه أمر الخليل بالسلم وانه‬
‫قال أسلمت لرب العالمين وأن إبراهيم وصى بنيه ويعقوب وصى بنيه أن ل يموتن‬
‫إل وهم مسلمون ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان‬
‫حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي‬
‫والذين آمنوا وال ولي المؤمنين ^ ‪ #‬وقال تعالى عن يوسف الصديق بن يعقوب أنه‬
‫قال‬

‫رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السماوات ^ ‪#‬‬


‫والرض أنت ولي في الدنيا والخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى عن موسى ‪ ^ #‬وقال موسى يا قوم أن كنتم آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم‬
‫مسلمين ^ ‪ #‬وقال عن السحرة الذين آمنوا بموسى ‪ ^ #‬قالوا ل ضير إنا إلى ربنا‬
‫منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ^ ‪ #‬وقالوا أيضا ‪#‬‬
‫^ وما تنقم منا إل أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا‬
‫مسلمين ^ ‪ #‬وقال تعالى في قصة سليمان ‪ ^ #‬إنه من سليمان وإنه بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم أل تعلوا علي وأتونى مسلمين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني‬
‫بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين‬
‫^‬

‫وقال عن بلقيس التي آمنت بسليمان ‪ ^ #‬رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع ‪#‬‬
‫سليمان ل رب العالمين ^ ‪ #‬وقال عن أنبياء بني إسرائيل ‪ ^ #‬إنا أنزلنا التوراة فيها‬
‫هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ ‪ #‬وقال تعالى عن‬
‫الحواريين ‪ ^ #‬وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد‬
‫بأننا مسلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع‬
‫الشاهدين ^ ‪ #‬فهؤلء النبياء وأتباعهم كلهم يذكر تعالى أنهم كانوا مسلمين وهذا‬
‫مما يبين أن قوله تعالى ‪ ^ #‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه ^ ‪ #‬وقوله ‪#‬‬
‫^ إن الدين عند ال السلم ^ ‪ #‬ل يختص بمن بعث إليه محمد بل‬

‫هو حكم عام في الولين والخرين ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ومن أحسن دينا ممن أسلم‬
‫وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ ال إبراهيم خليل ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا‬
‫برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره عند ربه ول‬

‫‪120‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪121‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ خوف عليهم ول هم يحزنون‬

‫فصل ‪ #‬قولهم ثم وجدنا في هذا الكتاب من تعظيم السيد المسيح وأمه حيث يقول‬
‫في سورة النبياء ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنهآ‬
‫ءاية للعالمين ^ ‪ #‬وقال في سورة آل عمران ‪ ^ #‬وإذ قالت الملئكة يا مريم إن ال‬
‫إصطفاك وطهرك وإصطفاك على نسآء العالمين ^ ‪ #‬مع الشهادات للسيد المسيح‬
‫بالمعجزات وأنه حبلت به أمه من غير مباضعة رجل لبشارة ملئكة ال لمه وأنه‬
‫تكلم في المهد وأحيا الميت وأبرأ الكمه ونقى البرص وأنه خلق من الطين كهيئة‬
‫الطير فنفخ فيه فكان طائرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في‬
‫الناسوت ووجدنا أيضا في الكتاب أن ال رفعه إليه ‪ #‬وقال في سورة النساء‬

‫وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه ^ ‪ #‬وفي سورة آل عمران ‪ ^ #‬إني متوفيك ^ ‪#‬‬
‫ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى‬
‫يوم القيامة ^ ‪ #‬وقال في سورة البقرة ‪ ^ #‬واءتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه‬
‫بروح القدس ^ ‪ #‬وقال في سورة الحديد ‪ ^ #‬وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه‬
‫النجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها‬
‫عليهم إل إبتغآء رضوان ال فما رعوها حق رعايتها فاتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم‬
‫^ ‪ #‬وقال في سورة آل عمران ‪ ^ #‬من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون ءايات ال‬
‫ءانآء الليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون‬
‫عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ ‪ #‬ثم وجدناه يعظم‬
‫إنجيلنا ‪ #‬الجواب أما تعظيم المسيح وأمه فهو حق وكذلك مدح من كان‬

‫على دينه الذي لم يبدل قبل أن يبعث أو بقي على ذلك إلى أن بعث محمد فآمن به‬
‫فإن هؤلء مؤمنون مسلمون مهتدون وكذلك من كان على دين موسى الذي لم يبدل‬
‫إلى أن بعث المسيح فآمن به فهؤلء مؤمنون مسلمون مهتدون وقد قدمنا أن‬
‫المسلمين هم عدل متوسطون ل ينحرفون إلى غلو ول إلى تقصير ‪ #‬وأما اليهود‬
‫والنصارى فهم على طرفي نقيض هؤلء ينحرفون إلى جهة وهؤلء إلى الجهة التي‬
‫تقابلها كما ذكرنا تقابلهم في النسخ وكذلك تقابلهم في التحريم والتحليل والطهارة‬
‫والنجاسة فإن اليهود حرمت عليهم الطيبات وهم يبالغون في اجتناب النجاسات‬

‫حتى أن الحائض ل يؤاكلونها ول يساكنونها ول يجامعونها وكانوا ل يرون إزالة‬


‫النجاسة من الثوب بل يقرض موضعها ويستخرجون الدم من العروق إلى غير ذلك‬
‫من الصار والغلل التي كانت عليهم ‪ #‬وأما النصارى ففي مقابلتهم تجد عامتهم‬
‫ل يرون شيئا حراما ول نجسا إل ما كرهه النسان بطبعه ويصلون مع الجنابة‬
‫والحدث وحمل النجاسات ويأكلون الخبائث كالدم والميتة ولحم الخنزير إل من كره‬
‫منهم شيئا فتركه والمسلمون وسط كما قال تعالى فيهم ‪ ^ #‬وكذلك جعلناكم أمة‬

‫‪121‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪122‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ^ ‪ #‬أي عدل خيارا‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة‬
‫والذين هم باياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا‬
‫عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف‬

‫وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم‬
‫والغلل التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي‬
‫أنزل معه أولئك هم المفلحون ^ ‪ #‬ولهذا كان من انحرف من المسلمين إلى شبه‬
‫اليهود والنصارى مأمورا بترك ذلك النحراف واتباع الصراط المستقيم صراط‬
‫الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‬
‫غير المغضوب عليهم كاليهود وغير الضالين كالنصارى ‪ #‬وذلك مثل من يبالغ في‬
‫اجتناب النجاسات فينجس ما لم ينجسه ال ورسوله ويحرم ما لم يحرمه ال ورسوله‬
‫ويأخذه الوسواس في اجتناب النجاسات ويحرم طيبات أحلها ال للمسلمين مثل من‬
‫يرى أن القياس أن النجاسة ل تزول ل بماء ول بغيره أو يرى أنها وإن زالت فلم‬
‫يبق لها أثر فالمحل نجس إذا لم تزل بما يشترطه هو من الماء أو غيره أو يرى أن‬
‫الطيبات التي‬

‫أحلها ال حرام خبيثة لنها مستحيلة عن المحرم مع أن الخل حلل وإن كان قد كان‬
‫خمرا باتفاق المسلمين إذا بدا إلى حالته أو يرى أن الماء الطيب والمائعات الطيبة‬
‫التي ليس فيها اثر من الخبيث حرام لكون الخبيث لقاها أو استهلك فيها مع انها من‬
‫الطيبات ل من الخبائث أو يرى تحريم ما سوى موضع الدم الذي هو أذى إلى غير‬
‫ذلك من أقوال قالها بعض العلماء ولكن غيرهم نازعهم في ذلك واتبع ما دل عليه‬
‫الكتاب والسنة ‪ #‬وأعظم من ذلك من يكفر من خالفه من المسلمين ويرى نجاسة‬
‫الكفار كما عليه كثير من أهل البدع من الرافضة والخوارج وغيرهم فإذا أكل‬
‫غيرهم من وعائهم نجسه عندهم وأما ما يفعله كثير من الناس من غير أن يقوله‬
‫عالم مثل من يغسل يديه وثيابه وحصر بيته بتوهم نجاستها أو يأمر الحائض إذا‬
‫طهرت أن تبدل ثيابها الول أو تغسلها أو يمنع الجنب أن يأكل أو يشرب حتى‬
‫يغتسل فهذا كثير فيمن يشبه اليهود بل يشبه سامرة اليهود ‪ #‬وأما من يشبه النصارى‬
‫فمثل من يحسن الظن بمن ل يتطهر ول‬

‫يصلي من المنسوبين إلى الفقر والزهد والعبادة مثل من يكون في مواضع الشياطين‬
‫والنجاسات كالحمام والتاتين والمزابل وهو متلوث بالبول والعذرة ويعاشر الكلب‬
‫ول يتوضأ ول يغتسل من الجنابة بل ول يصلي أو يصلي بل وضوء وقد علم‬
‫بالضطرار من دين السلم أن الصلوات الخمس فرض على كل أحد وأن الوضوء‬
‫من الحدث والغتسال من الجنابة فرض ل يصلي إل به مع القدرة ول يتيمم مع‬
‫القدرة فمن أنكر وجوب ذلك فهو كافر باتفاق المسلمين‬

‫‪122‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪123‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومن جعل الزاهد العابد الذي له نوع من الخوارق مثل نوع من الكشف ‪#‬‬
‫والتصرف الذي يكون من الشياطين والجهال يظنون أنه من كرامات أولياء ال إذا‬
‫لم يكن يصلي الصلوات الخمس ويتوضأ ويغتسل من الجنابة من المؤمنين أو من‬
‫أولياء ال فهو كافر باتفاق المسلمين ومن لم يحرم الخبائث التي حرمها ال ورسوله‬
‫كالبول والعذرة والدم والميتة ولحم الخنزير والخمر فهو كافر باتفاق المسلمين ومن‬
‫جعل مستحل ذلك مع العلم بمخالفته لدين الرسول وليا ل فهو كافر باتفاق المسلمين‬
‫وكذلك فيمن ينتحل السلم ويذم أهل الكتاب من يكون منافقا في الدرك السفل من‬
‫النار ويكون كثير من اليهود والنصارى أخف عذابا في الخرة منه قال ال تعالى ‪#‬‬
‫^ إن المنافقين في الدرك السفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إل الذين تابوا‬
‫وأصلحوا واعتصموا بال وأخلصوا دينهم ل فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت ال‬
‫المؤمنين أجرا عظيما ^ ‪ #‬وكذلك المسلمون وأهل السنة في المسلمين وكذلك في‬
‫التوحيد فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق فيما يختص بالمخلوق وهو صفات‬
‫النقص الذي يجب تنزيه الرب عنها والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق فيما يختص‬
‫بالخالق وهو صفات الكمال التي ل يستحقها إل ال تبارك تعالى فقال من قال من‬
‫اليهود‬

‫إن ال فقير ونحن اغنياء ^ ‪ #‬وقالوا ‪ ^ #‬يد ال مغلولة ^ ‪ #‬وهو بخيل وقالوا ^ ‪#‬‬
‫إنه خلق العالم فتعب فاستراح ‪ #‬وحكى عن بعضهم أنه قال بكى على الطوفان حتى‬
‫رمد وعادته الملئكة وأنه ناح على بعض من أهلكه من عباده كما ينوح المصاب‬
‫على ميته وأمثال ذلك مما يتعالى ال عنه ويتقدس سبحانه وتعالى ‪ #‬وأيضا فهم‬
‫يستكبرون عن عبادة ال وطاعة رسله ويعصون أمره ويتعدون حدوده ول يجوزون‬
‫له أن ينسخ ما شرعه بل يحجرون عليه ‪ #‬والنصارى يصفون المخلوق بما يتصف‬
‫به الخالق فيجعلونه رب‬

‫العالمين خالق كل شيء ومليكه الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير‬
‫واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل‬
‫ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون واتخذوا الملئكة والنبيين‬
‫أربابا وصوروا تماثيل المخلوقات واتخذوهم شفعاء يشفعون لهم عند ال كما فعل‬
‫عباد الوثان كما قال ال تعالى ‪ ^ #‬ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم‬
‫ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال قل أتنبئون ال بما ل يعلم في السموات ول في‬
‫الرض ^ ‪ #‬ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم‬
‫ليس لهم من دونه ولي ول شفيع لعلهم يتقون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ال الذي خلق‬
‫السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه‬
‫من ولي ول شفيع ^ ‪ #‬والمسلمون وسط يصفون ال بما وصف به نفسه ووصفه به‬
‫رسله من غير تحريف ول تعطيل ول تكييف ول تمثيل يصفونه بصفات الكمال‬
‫وينزهونه عن النقائص التي تمتنع على الخالق ول يتصف بها‬

‫‪123‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪124‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إل المخلوق فيصفونه بالحياة والعلم والقدرة والرحمة والعدل والحسان وينزهونه‬
‫عن الموت والنوم والجهل والعجز والظلم والفناء ويعلمون مع ذلك أنه ل مثيل له‬
‫في شيء من صفات الكمال فل أحد يعلم كعلمه ول يقدر كقدرته ول يرحم كرحمته‬
‫ول يسمع كسمعه ول يبصر كبصره ول يخلق كخلقه ول يستوي كاستوائه ول يأتي‬
‫كإتيانه ول ينزل كنزوله كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم‬
‫يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬ول يصفون أحدا من المخلوقين بخصائص الخالق‬
‫جل جلله بل كل ما سواه من الملئكة والنبياء وسائر الخلق فقير إليه عبد له وهو‬
‫الصمد الذي يحتاج إليه كل شيء ويسأله كل أحد وهو غني بنفسه ل يحتاج إلى أحد‬
‫في شيء من الشياء كما قال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا‬
‫تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا‬
‫وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والرض إل آتي الرحمن‬
‫عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا‬
‫أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق‬

‫إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪#‬‬
‫فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد سبحانه أن‬
‫يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض وكفى بال وكيل لن يستنكف‬
‫المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر‬
‫فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم‬
‫من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من‬
‫دون ال وليا ول نصيرا ^ ‪ #‬وكذلك هم في المسيح فالنصارى يقولون هو ال‬
‫ويقولون أيضا هو ابن ال وهو إله تام وإنسان تام واليهود يقولون هو ولد زنا وهو‬
‫ابن يوسف النجار ويقولون عن مريم إنها بغى بعيسى كما قال تعالى ^ وقولهم على‬
‫مريم بهتانا عظيما ^ ‪ #‬ويقولون هو ساحر كذاب ‪ #‬وأما المسلمون فيقولون هو‬
‫عبدال ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه وهو وجيه في‬
‫الدنيا والخرة ومن المقربين ويصفونه بما وصفه ال به في كتابه ل يغلون فيه غلو‬
‫النصارى ول يقصرون في حقه تقصير اليهود وكذلك قولهم في سائر النبياء‬
‫والمرسلين وفي أولياء ال فاليهود قتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس‬
‫والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من‬

‫دون ال والمسيح بن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه‬
‫عما يشركون ومع هذا فقد شارك النصارى اليهود في نقص حق كثير من النبياء‬
‫فيقولون أن سليمان لم يكن نبيا ويقولون إن الحواريين مثل موسى وإبراهيم ويقولون‬
‫إن من عمل بوصايا ال من غير النبياء صار مثل النبياء وكان له أن يشرع‬
‫شريعة وبعض اليهود غلوا في العزير حتى قالوا إنه ابن ال ‪ #‬ولهذا قال نبينا في‬
‫الحديث الصحيح ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبدال‬
‫فقولوا عبدال ورسوله‬

‫‪124‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪125‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وال تعالى ذكر في القرآن في سورة ( كهيعص ) قصة ابني الخالة يحيى وعيسى ‪#‬‬
‫ويحيى يسمونه النصارى يوحنا وهو يوحنا المعمداني عندهم فقال تعالى بعد أن ذكر‬
‫قصة يحيى ‪ ^ #‬واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من‬
‫دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك‬
‫إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا قالت أنى يكون لي غلم‬
‫ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس‬
‫ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى‬
‫جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها أل تحزني‬
‫قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي‬
‫واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن‬
‫أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت‬
‫هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من‬
‫كان في المهد صبيا قال إني عبدال آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما‬
‫كنت‬

‫وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا‬
‫والسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ^ ‪ #‬ثم قال ال تعالى ‪ ^ #‬ذلك‬
‫عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا‬
‫قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن ال ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم‬
‫فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر‬
‫يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ ‪ #‬فذكر سبحانه قصة مريم‬
‫والمسيح في هذه السورة المكية التي أنزلها في أول المر بمكة في السور التي ذكر‬
‫فيها أصول الدين المدنية التي يخاطب فيها من اتبع النبياء من أهل الكتاب‬
‫والمؤمنين لما قدم عليه نصارى نجران فكان فيها الخطاب لهل الكتاب فقال تعالى‬
‫‪ ^ #‬إن ال اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها‬
‫من بعض وال سميع عليم إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني‬
‫محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى‬
‫وال أعلم بما وضعت وليس الذكر كالنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك‬
‫وذريتها من الشيطان الرجيم ^ ‪ #‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال‬
‫ما من مولود إل يمسه الشيطان فيستهل صارخا من‬

‫الشيطان إل مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة اقرأوا إن شئتم ^ وإني أعيذها بك‬
‫وذريتها من الشيطان الرجيم ^ ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها‬
‫نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا‬
‫مريم أنى لك هذا قالت هو من عند ال إن ال يرزق من يشاء بغير حساب ^ ‪ #‬ثم‬
‫ذكر قصة زكريا ويحيى ثم قال ‪ ^ #‬هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من‬

‫‪125‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪126‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملئكة وهو قآئم يصلي في المحراب أن‬
‫ال يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من ال وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال‬
‫رب أنى يكون لي غلم وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك ال يفعل ما يشاء‬
‫قال رب اجعل لي آية قال آيتك أل تكلم الناس ثلثة أيام إل رمزا واذكر ربك كثيرا‬
‫وسبح بالعشي والبكار وإذ قالت الملئكة يا مريم إن ال اصطفاك وطهرك‬
‫واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي‬

‫مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم‬
‫يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملئكة يا مريم إن ال يبشرك‬
‫بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين‬
‫ويكلم الناس في المهد وكهل ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم‬
‫يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون‬
‫ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل ورسول إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم‬
‫بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال‬
‫وأبرىء الكمه والبرص وأحيى الموتى بإذن ال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون‬
‫في بيوتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة‬
‫ولحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا ال وأطيعون إن ال‬
‫ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من‬
‫أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال آمنا بال واشهد بأنا مسلمون ربنا‬
‫آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر ال وال خير‬
‫الماكرين إذ قال ال يا عيسى إن متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا‬
‫وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم‬
‫فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والخرة وما‬
‫لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم وال ل يحب‬
‫الظالمين ذلك نتلوه عليك من اليات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم‬
‫خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فل تكن من الممترين فمن حاجك‬
‫فيه من بعد ما جاءك‬

‫من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل‬
‫فنجعل لعنة ال على الكاذبين إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل ال وإن ال‬
‫لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن ال عليم بالمفسدين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى‬
‫كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا‬
‫أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يا أهل الكتاب لم تحاجون‬
‫في إبراهيم وما أنزلت التوراة والنجيل إل من بعده أفل تعقلون ها أنتم هؤلء‬
‫حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وال يعلم وأنتم ل تعلمون‬
‫ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين‬
‫إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا وال ولي المؤمنين ^‬

‫‪126‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪127‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬فهو سبحانه قد ذكر قصة مريم والمسيح في هاتين السورتين إحداهما مكية نزلت‬
‫في أول المر مع السور الممهدة لصول الدين وهي سورة ( كهيعص ) والثانية‬
‫مدنية نزلت بعد أن أمر بالهجرة والجهاد ولهذا تضمنت مناظرة أهل الكتاب‬
‫ومباهلتهم كما نزلت في براءة مجاهدتهم فأخبر في السورة المكية أنها لما انفردت‬
‫للعبادة أرسل ال إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا فقالت ‪ ^ #‬إني أعوذ بالرحمن‬
‫منك إن كنت تقيا ^ ‪ #‬قال أبو وائل علمت أن المتقي ذو نهية أي تقواه ينهاه عن‬
‫الفاحشة وأنها خافت منه أن يكون قصده الفاحشة فقالت أعوذ‬

‫بالرحمن منك إن كنت تقيا أي تتقي ال وما يقول بعض الجهال من أنه كان فيهم‬
‫رجل فاجر اسمه تقي فهو من نوع الهذيان وهو من الكذب الظاهر الذي ل يقوله إل‬
‫جاهل ثم قال ‪ ^ #‬إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلما زكيا ^ ‪ #‬وفي القراءة‬
‫الخرى ^ لهب لك غلما زكيا ^ ‪ #‬فأخبر هذا الروح الذي تمثل لها بشرا سويا‬
‫أنه رسول ربها فدل الكلم على أن هذا الروح عين قائمة بنفسها ليست صفة لغيرها‬

‫وأنه رسول من ال ليس صفة من صفات ال ولهذا قال جماهير العلماء أنه جبريل‬
‫عليه السلم فإن ال سماه الروح المين وسماه روح القدس وسماه جبريل وهكذا عند‬
‫أهل الكتاب أنه تجسد من مريم ومن روح القدس لكن ضللهم حيث يظنون أن روح‬
‫القدس حياة ال وأنه إله يخلق ويرزق ويعبد وليس في شيء من الكتب اللهية ول‬
‫في كلم النبياء أن ال سمى صفته القائمة به روح القدس ول سمى كلمه ول شيئا‬
‫من صفاته ابنا وهذا أحد ما يثبت به ضلل النصارى وأنهم حرفوا كلم النبياء‬
‫وتأولوه على غير ما أرادت النبياء فإن أصل تثليثهم مبني على ما في أحد الناجيل‬
‫من أن المسيح عليه السلم قال لهم عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس‬
‫فيقال لهم هذا إذا كان قد قاله المسيح وليس في لغة المسيح ول لغة أحد من النبياء‬
‫أنهم يسمون صفة ال القائمة به ول كلمته ول حياته ل ابنا ول روح قدس ول‬
‫يسمون كلمته ابنا ول يسمونه نفسه ابنا ول روح قدس ولكن يوجد فيما ينقلونه عنهم‬
‫أنهم يصفون المصطفى المكرم ابنا وهذا موجود في حق المسيح وغيره كما يذكرون‬
‫أنه قال تعالى لسرائيل أنت ابني بكري‬

‫أي بني إسرائيل ‪ #‬وروح القدس يراد به الروح التي تنزل على النبياء كما نزلت‬
‫على داود وغيره فإن في كتبهم أن روح القدس كانت في داود وغيره وأن المسيح‬
‫قال لهم أبي وأبيكم وإلهي وإلهمكم فسماه أبا للجميع لم يكن المسيح مخصوصا‬
‫عندهم باسم البن ول يوجد عندهم لفظ البن إل اسما للمصطفى المكرم ل اسما‬
‫لشيء من صفات ال ول في كتب النبياء أن صفةال تولدت منه ‪ #‬وإذا كان كذلك‬
‫كان في هذا ما يبين أنه ليس المراد بالبن كلمة ال القديمة الزلية التي يقولون أنها‬
‫تولدت من ال عندهم مع كونها أزلية ول بروح القدس حياة ال بل المراد بالبن‬
‫ناسوت المسيح وبروح القدس ما أنزل عليه من الوحي والملك الذي نزل به فيكون‬
‫قد أمرهم باليمان بال وبرسوله وبما أنزله على رسوله والملك الذي نزل به وبهذا‬

‫‪127‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪128‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمرت النبياء كلهم وليس للمسيح خاصة استحق بها أن يكون فيه شيء من اللهوت‬
‫لكن ظهر فيه نور ال وكلم ال وروح ال كما ظهر في غيره من النبياء والرسل‬
‫فإن غيره أيضا فيما‬

‫ينقلونه عن النبياء يسمى إبنا وروح القدس حلت فيه وهذا مبسوط في غير هذا‬
‫الموضع ‪ #‬والمقصود هنا التنبيه على أن كلم النبياء عليهم السلم يصدق بعضه‬
‫بعضا وأنه ليس مع النصارى ل حجة سمعية ول عقلية توافق ما ابتدعوه ولكن‬
‫فسروا كلم النبياء بما ل يدل عليه وعندهم في النجيل أنه قال إن الساعة ل يعلمها‬
‫الملئكة ول البن وإنما يعلمها الب وحده فبين أن البن ل يعلم الساعة فعلم أن‬
‫البن ليس هو القديم الزلي وإنما هو المحدث الزماني‬

‫فصل ‪ #‬والمضاف إلى ال نوعان فإن المضاف إما أن يكون صفة ل تقوم بنفسها‬
‫كالعلم والقدرة والكلم والحياة وإما أن يكون عينا قائمة بنفسها ‪ #‬فالول إضافة‬
‫صفة كقوله ‪ ^ #‬ول يحيطون بشيء من علمه ^ ‪ #‬وقوله ^ إن ال هو الرزاق ذو‬
‫القوة المتين ^ ‪ #‬وقوله ^ أولم يروا أن ال الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ ‪ #‬وقول‬
‫النبي في الحديث الصحيح حديث الستخارة إذا هم أحدكم بالمر فليركع ركعتين من‬
‫غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من‬
‫فضلك‬

‫وقوله تعالى ^ وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ ‪ #‬وقوله ^ ذلكم حكم ال يحكم ‪#‬‬
‫بينكم ^ ‪ #‬وقوله ^ ذلك أمر ال أنزله إليكم ^ ‪ #‬والثاني إضافة عين كقوله تعالى ‪#‬‬
‫^ وطهر بيتي للطائفين ^ ‪ #‬وقوله ^ ناقة ال وسقياها ^ ‪ #‬وقوله ^ عينا يشرب بها‬
‫عباد ال ^ ‪ #‬فالمضاف في الول صفة ل قائمة به ليست مخلوقة له بائنة عنه‬
‫والمضاف في الثاني مملوك ل مخلوق له بائن عنه لكنه مفضل مشرف لما خصه‬
‫ال به من الصفات التي اقتضت إضافته إلى ال‬

‫تبارك وتعالى كما خص ناقة صالح من بين النوق وكما خص بيته بمكة من البيوت‬
‫وكما خص عباده الصالحين من بين الخلق ومن هذا الباب قوله تعالى ^ فأرسلنآ‬
‫إليها روحنا ^ ‪ #‬فإنه وصف هذا الروح بإنه تمثل لها بشرا سويا وأنها إستعاذت بال‬
‫منه إن كان تقيا وأنه قال ^ إنما أنا رسول ربك ^ ‪ #‬وهذا كله يدل على أنها عين‬
‫قائمة بنفسها وهي التي تسمى في اصطلح النظار جوهرا وقد تسمى جسما إذا‬
‫كانت مشارا إليها مع إختلف الناس في الجسم هل هو مركب من الجواهر المفردة‬
‫أم من المادة والصورة أم ليس مركبا ل من هذا ول من هذا وإذا كان ال قد بين أن‬
‫المضاف هنا ليس من الصفات القائمة بغيرها بل من العيان القائمة بنفسها علم أن‬
‫المضاف مملوك ل مخلوق له لكن إضافته إلى ال تدل على تخصيص ال له من‬
‫الصطفاء والكرام بما أوجب التخصيص بالضافة وقد ذكرت فيما كنت كتبته قبل‬

‫‪128‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪129‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا من الرد على النصارى الكلم في ذلك وغيره وبينت أن المضافات إلى ال‬
‫نوعان أعيان وصفات‬

‫فالصفات إذا أضيفت إليه كالعلم والقدرة والكلم والحياة والرضا والغضب ونحو ‪#‬‬
‫ذلك دلت الضافة على أنها إضافة وصف له قائم به ليست مخلوقة لن الصفة ل‬
‫تقوم بنفسها فل بد لها من موصوف تقوم به فإذا أضيفت إليه علم أنها صفة له لكن‬
‫قد يعبر باسم الصفة عن المفعول بها فيسمى المقدور قدرة والمخلوق بالكلمة كلما‬
‫والمعلوم علما والمرحوم به رحمة كقول النبي إن ال خلق الرحمة يوم خلقها مائة‬
‫رحمة ‪ #‬وقوله تعالى فيما يروي عنه نبيه أنه قال للجنة ( أنت رحمتي أرحم بك من‬
‫( أشاء‬

‫ويقال للمطر والسحاب هذه قدرة قادر وهذه قدرة عظيمة ويقال في الدعاء غفر ‪#‬‬
‫ال لك علمه فيك أي معلومه ‪ #‬وأما العيان إذا أضيفت إلى ال تعالى فإما أن‬
‫تضاف بالجهة العامة التي يشترك فيها المخلوق مثل كونها مخلوقة ومملوكة له‬
‫ومقدورة ونحو ذلك فهذه إضافة عامة مشتركة كقوله ^ هذا خلق ال ^ ‪ #‬وقد‬
‫يضاف لمعنى يختص بها يميز به المضاف عن غيره مثل بيت ال وناقة ال وعبد‬
‫ال وروح ال فمن المعلوم إختصاص ناقة صالح بما تميزت به عن سائر النياق‬
‫وكذلك إختصاص الكعبة وإختصاص العبد الصالح الذي عبد ال وأطاع أمره وكذلك‬
‫الروح المقدسة التي إمتازت بما فارقت به غيرها من الرواح فإن المخلوقات‬
‫إشتركت في كونها مخلوقة مملوكة مربوبة ل يجري عليها حكمه وقضاؤه وقدره‬
‫وهذه الضافة ل اختصاص فيها ول فضيلة للمضاف على غيره ‪ #‬وامتاز بعضها‬
‫بأن ال يحبه ويرضاه ويصطفيه ويقربه إليه ويأمر به أو يعظمه ويحبه فهذه‬
‫الضافة يختص بها بعض المخلوقات كإضافة البيت والناقة والروح وعباد ال من‬
‫هذا الباب ‪ #‬وقد قال تعالى في سورة النبياء ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها‬
‫من روحنا وجعلناها‬

‫وابنهآ آية للعالمين ^ ‪ #‬وقال في سورة التحريم ‪ ^ #‬وضرب ال مثل للذين آمنوا‬
‫امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله‬
‫ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من‬
‫روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ ‪ #‬فذكر امرأة فرعون‬
‫التي ربت موسى ابن عمران وجمعت بينه وبين أمه حتى أرضعته أمه عندها وذكر‬
‫مريم أم المسيح التي ولدته وربته فهاتان المرأتان ربتا هذين الرسولين الكريمين فلما‬
‫قال هنا ^ فنفخنا فيها ^ أي في المرأة ^ وفيه ^ أي في فرجها من روحنا‬

‫وقال هنا ^ فأرسلنا إليها روحنا ^ إلى قوله ^ إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلما‬
‫زكيا ^ دل على ان قوله روحنا ليس المراد به أنه صفة ل ل الحياة ول غيرها ول‬
‫هو رب خالق فل هو الرب الخالق ول صفة الرب الخالق بل هو روح من الرواح‬

‫‪129‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪130‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التي اصطفاها ال وأكرمها كما تقدم في قوله ^ فأرسلنا إليها روحنا ^ وأن الكثرين‬
‫على أنه جبريل ‪ #‬وهذا الصل الذي ذكرناه من الفرق فيما يضاف إلى ال بين‬
‫صفاته وبين مملوكاته أصل عظيم ضل فيه كثير من أهل الرض من أهل الملل‬
‫كلهم فإن كتب النبياء التوراة والنجيل والقرآن وغيرها أضافت إلى ال أشياء على‬
‫هذا الوجه وأشياء على هذا الوجه فاختلف الناس في هذه الضافة فقالت المعطلة نفاة‬
‫الصفات من أهل الملل إن الجميع إضافة ملك وليس ل حياة قائمة به ول علم قائم به‬
‫ول قدرة قائمة به ول كلم قائم به ول حب ول بغض ول غضب ول رضى بل‬
‫جميع ذلك مخلوق من مخلوقاته ‪ #‬وهذا أول ما ابتدعته في السلم الجهمية وإنما‬
‫إبتدعوه بعد إنقراض عصر الصحابة وأكابر التابعين لهم بإحسان وكان مقدمهم‬
‫رجل يقال له الجهم بن صفوان‬

‫فنسبت الجهمية إليه ونفوا السماء والصفات واتبعهم المعتزلة وغيرهم فنفوا‬
‫الصفات دون السماء ووافقهم طائفة من الفلسفة أتباع أرسطو ‪ #‬وقالت الحلولية‬
‫بل ما يضاف إلى ال قد يكون هو صفة له وإن كان بائنا عنه بل قالوا هو قديم أزلي‬
‫فقالوا روح ال قديمة أزلية صفة ل حتى قال كثير منهم إن أرواح بني آدم قديمة‬
‫أزلية وصفة ل وقالوا إن ما يسمعه الناس من أصوات القراء ومداد المصاحف قديم‬
‫أزلي وهو صفة ل ‪ #‬وقال حذاق هؤلء بل غضبه ورضاه وحبه وبغضه وإرادته‬
‫لما يخلقه قديم أزلي وهو صفة ال وكلمه الذي سمعه موسى قديم أزلي وأنه لم يزل‬
‫راضيا محبا لمن علم أنه يطيعه قبل أن يخلق ولم يزل غضبانا ساخطا على من علم‬
‫أنه يكفر قبل أن يخلق ولم يزل‬

‫ول يزال قائل يا آدم يا نوح يا ابراهيم قبل أن يوجدوا وبعد موتهم ولم يزل ول‬
‫يزال يقول يا معشر الجن والنس قبل أن يخلقوا وبعد ما يدخلون الجنة والنار ‪#‬‬
‫وأما سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين المشهورون‬
‫بالمامة فيهم كالربعة وغيرهم وأهل العلم بالكتاب والسنة فيفرقون بين مملوكاته‬
‫وبين صفاته فيعلمون أن العباد مخلوقون وصفات العباد مخلوقة وأجسادهم‬
‫وأرواحهم وكلمهم وأصواتهم بالكتب اللهية وغيرها ومدادهم وأوراقهم والملئكة‬
‫والنبياء وغيرها ويعلمون أن صفات ال القائمة به ليست مخلوقة كعلمه وقدرته‬
‫وكلمه وإرادته وحياته وسمعه وبصره ورضاه وغضبه وحبه وبغضه بل هو‬
‫موصوف بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ول تعطيل‬
‫ومن غير تكييف ول تمثيل فل ينفون عنه ما وصف به نفسه ووصفه به رسله ول‬
‫يحرفون الكلم عن مواضعه ول يتأولون كلم ال بغير ما أراده ول يمثلون صفات‬
‫الخالق بصفات المخلوق بل يعلمون أن ال‬

‫سبحانه ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله بل هو موصوف‬


‫بصفات الكمال منزه عن النقائص وليس له مثل في شيء من صفاته ويقولون إنه لم‬
‫يزل ول يزال موصوفا بصفات الكمال لم يزل متكلما إذا شاء بمشيئته وقدرته ولم‬

‫‪130‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪131‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يزل عالما ولم يزل قادرا ولم يزل حيا سميعا بصيرا ولم يزل مريدا فكل كمال ل‬
‫نقص فيه يمكن اتصافه به فهو موصوف به لم يزل ول يزال متصفا بصفات الكمال‬
‫منعوتا بنعوت الجلل والكرام سبحانه وتعالى ‪ #‬والنصارى من أعظم الناس‬
‫اضطرابا في هذا الصل فتارة يجعلون كلمه الذي تكلم به كالتوراة والنجيل‬
‫مخلوقا منفصل عنه وينفون عنه الصفات وتارة يجعلون كلمته قديمة أزلية متولدة‬
‫عنه لم تزل ول تزال ثم يقولون هذه الكلمة هي ابنه ويجعلون هذه الكلمة علمه أو‬
‫حكمته ويقولون إن هذه الكلمة هي إله خالق وهو الذي خلق السموات والرض وأن‬
‫هذه الكلمة هي المسيح والمسيح إله خالق العالم ‪ #‬ويقولون مع هذا أن هذه الكلمة‬
‫ليست هي الب الذي خلق السموات والرض فيجعلون كلمته صفة قديمة أزلية‬
‫ويجعلونها ابنا له ويجعلون الصفة إلها خالقا ويجعلون المسيح هو الله الخالق‬
‫ويقولون مع هذا هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه ‪ #‬ولهم في كلم ال وصفاته‬
‫من التناقض والضطراب ومخالفة كلم النبياء وتفسيره بغير ما أرادوه ومخالفة‬
‫صريح المعقول‬

‫وصحيح المنقول ما سنذكر إن شاء ال منه ما ييسره ال سبحانه وتعالى إذ بيان‬


‫فساد أقوال النصارى بالستقصاء ل يتسع له هذا الكتاب ولما قص تعالى قصة‬
‫المسيح قال ‪ ^ #‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ^ ‪ #‬أي يشكون‬
‫ويتمارون كتماري اليهود والنصارى ‪ #‬ثم قال تعالى ^ فاختلف الحزاب من بينهم‬
‫^ ‪ #‬فاختلف اليهود والنصارى فيه ثم اختلفت النصارى فيه وصاروا أحزابا كثيرة‬
‫جدا كالنسطوري واليعقوبية والملكية والباروبية والمريمانية والسمياطية وأمثال هذه‬
‫الطوائف كما سنذكر إن شاء ال كثيرا من طوائفهم واختلفهم في مجامعهم كما‬
‫حكى ذلك عنهم أحد أكابرهم سعيد بن البطريق وغيره فإنه ليس في المم أكثر‬
‫اختلفا في رب العالمين منهم فويل للذين كفروا من هذه الطوائف كلها من مشهد‬
‫يوم عظيم‬

‫أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ^ ‪ #‬يقول تعالى ما أسمعهم وما أبصرهم يوم ^ ‪#‬‬
‫يأتوننا لكن الظالمون اليوم كالنصارى الذين ظلموا بإفكهم وشركهم في ضلل مبين‬
‫ضلوا عن الحق في المسيح وقد وصف ال النصارى بالضلل في مثل قوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا‬
‫من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وينذر الذين‬
‫قالوا اتخذ ال ولدا ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن‬
‫يقولون إل كذبا ^ ‪ #‬لن الغالب عليهم الجهل بالدين وأنهم يتكلمون بكلم ل يعقلون‬
‫معناه ليس منقول عن النبياء حتى يسلم لقائله بل هم ابتدعوه وإذا سألتهم عن معناه‬
‫قالوا هذا ل يعرف بالعقول فيبتدعون كلما يعرفون بأنهم ل يعقلونه وهو كلم‬
‫متناقض ينقض أوله آخره ولهذا ل تجدهم يتفقون على قول واحد في معبودهم حتى‬
‫قال بعض الناس لو اجتمع عشرة نصارى افترقوا على أحد عشر قول ‪ #‬وقال‬
‫الربعي النصارى أشد الناس اختلفا في مذاهبهم‬

‫‪131‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪132‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأقلهم تحصيل لها ل يمكن أن يعرف لهم مذهب ولو سألت قسا من أقسائهم عن‬
‫مذهبهم في المسيح وسألت أباه وأمه لختلفوا عليك الثلثة ولقال كل واحد منهم قول‬
‫ل يشبه قول الخر ‪ #‬وقال بعض النظار وما من قول يقوله طائفة من العقلء إل إذا‬
‫تأملته تصورت منه معنى معقول وإن كان باطل إل قول النصارى فإنك كلما تأملته‬
‫لم تتصور له حقيقة تعقل لكن غايتهم أن يحفظوا المانة أو غيرها وإذا طولبوا‬
‫بتفسير ذلك فسره كل منهم بتفسير يكفر به الخر كما يكفر اليعقوبية والملكانية‬
‫والنسطورية بعضهم بعضا لختلفهم في أصل التوحيد والرسالة إذ كان قولهم في‬
‫التوحيد والرسالة من أفسد القوال وأعظمها تناقضا كما بين في موضع آخر‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم فكان طيرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال‬
‫المتحدة في الناسوت فهذا إذا قالوه على أنه مذهبهم من غير أن يقولوا أن محمدا‬
‫أراده تكلمنا معهم في ذلك وبينا فساد ذلك عقل ونقل ‪ #‬وأما قولهم أن محمدا كان‬
‫يقول أن المراد إذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في الناسوت فهذا من البهتان‬
‫الظاهر على محمد وهو من جنس قولهم أن قوله ‪ ^ #‬اهدنا الصراط المستقيم‬
‫صراط الذين أنعمت عليهم ^ ‪ #‬أراد به النصارى ومن جنس قولهم أن قوله ‪^ #‬‬
‫ومن يبتغ غير السلم دينا ^ ‪ #‬أراد به العرب ومن جنس قولهم ‪ ^ #‬لقد أرسلنا‬
‫رسلنا بالبينات ^ ‪ #‬أراد بهم الحواريين ومن جنس قولهم‬

‫الم ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين ^ ‪ #‬اراد به النجيل فهذه المواضع ^ ‪#‬‬
‫التي فسروا بها القرآن وزعموا أن محمدا الذي بين للناس ما أنزل إليهم كان يريد‬
‫بما يتلوه من القرآن هذه المعاني التي ذكروها هي من الكذب الظاهر الذي يدل على‬
‫غاية جهل قائلها أو غاية معاندته ولكن مثل هذا التأويل غير مستنكر من النصارى‬
‫فإنهم قد فسروا مواضع كثيرة من التوراة والنجيل والزبور والنبوات بنحو هذه‬
‫التفاسير التي حرفوا فيها الكلم الذي جاءت به النبياء عن مواضعه تحريفا ظاهرا‬
‫فبدلوا بذلك كتب ال ودين ال وضاهوا بذلك اليهود الذين حرفوا وبدلوا وإن اختلفت‬
‫جهة التحريف والتبديل فتحريفهم للقرآن من جنس تحريفهم للتوراة والنجيل وهم‬
‫من الذين يدعون المحكم ويتبعون ما نشأ به منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله لكن في‬
‫هذه المواضع حرفوا المحكم الذي معناه ظاهر ل يحتمل إل معنى واحد فكانوا من‬
‫الجهل والمعاندة أبعد عن الصواب ممن حرف معنى المتشابه وذلك أنه قد علم‬
‫بالضطرار من دين محمد أنه كان يقول أن المسيح عبد ال مخلوق كسائر‬
‫المرسلين وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو ال أو ابن ال ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬لقد‬
‫كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا إن أراد أن‬
‫يهلك المسيح ابن مريم وأمه‬

‫ومن في الرض جميعا ول ملك السموات والرض وما بينهما يخلق ما يشاء وال‬

‫‪132‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪133‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على كل شيء قدير ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن‬
‫مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا ال ربي وربكم إنه من يشرك بال فقد‬
‫حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن ال‬
‫ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا‬
‫منهم عذاب أليم أفل يتوبون إلى ال ويستغفرونه وال غفور رحيم ما المسيح ابن‬
‫مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف‬
‫نبين لهم اليات ثم انظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون ال مال يملك لكم ضرا‬
‫ول نفعا وال هو السميع العليم قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول‬
‫تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬فقد‬
‫ذكر كفر النصارى في قولهم هو ال مرتين وذكر أنه ليس المسيح إل رسول قد‬
‫خلت من قبله الرسل فغايته الرسالة كما قال في محمد ‪ ^ #‬وما محمد إل رسول قد‬
‫^ خلت من قبله الرسل‬

‫وغاية أمه أن تكون صديقة ودل بهذا أنها ليست بنبية ثم قال ^ كانا يأكلن الطعام ‪#‬‬
‫^ ‪ #‬وهذا من أظهر الصفات النافية لللهية لحاجة الكل إلى ما يدخل في جوفه‬
‫ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلت ‪ #‬والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم‬
‫يكن له كفوا أحد‬

‫والنصارى يقولون إنه يلد وأنه يولد وأن له كفوا كما قد بين في موضع آخر وقد ‪#‬‬
‫أخبر بعبودية المسيح في غير موضع كقوله تعالى ‪ ^ #‬ولما ضرب ابن مريم مثل‬
‫إذا قومك منه يصدون وقالوا ءألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إل جدل بل هم قوم‬
‫خصمون إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل ^ ‪ #‬وأخبر تعالى‬
‫أن أول شيء نطق به المسيح قوله ‪ ^ #‬إني عبد ال أتاني الكتاب وجعلني نبيا ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي‬
‫إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ^ اليات إلى‬
‫قوله ^ شهيد ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على‬
‫ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم ^ اليات كلها ‪ #‬فإذا كان قد علم‬
‫بالضطرار من دين محمد وبالنقل المتواتر عنه وبإجماع أمته إجماعا يستندون فيه‬

‫إلى النقل عنه وبكتابه المنزل عليه وسنته المعروفة عنه أنه كان يقول أن المسيح‬
‫عبد ال ورسوله ليس هو إل رسول وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو ال وهو‬
‫ابن ال والذين يقولون ثالث ثلثة وأمثال ذلك كان بعد هذا تفسيرهم لقول ال الذي‬
‫بلغه نبيه محمد فيكون طيرا بإذن ال أي بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة‬
‫بالناسوت كذبا ظاهرا على محمد ‪ #‬وهذا مما يعرف كذبهم فيه على محمد جميع‬
‫أهل الرض العالم بحال محمد سواء أقروا بنبوته أو أنكروها ‪ #‬فالمقصود في هذا‬
‫المقام أن هؤلء كذبوا على محمد كذبا ظاهرا معلوما للخلق المؤمنين به والمكذبين‬
‫له ليس هو كذبا خفيا ‪ #‬وإن قدر أن ما قالوه يكون معقول فكيف إذا كان ممتنعا في‬

‫‪133‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪134‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صرائح العقول بل هو قول غير معقول أي غير معقول ثبوته في الخارج وإن كان‬
‫يعقل ما يختلفون ويعلم به فساد عقولهم لمن قال سائر القوال المتناقضة الفاسدة‬
‫التي يمتنع ثبوتها في الخارج وذلك كما قد بسط في موضع آخر فإن قولهم بإذن‬
‫اللهوت الذي هو‬

‫كلمة ال المتحدة في الناسوت باطل من وجوه ‪ #‬منها أن تلك الكلمة إما أن تكون‬
‫هي ال أو صفة لذاته أو ل هي ذاته ول صفة له أو الذات والصفة جميعا ‪ #‬فإن لم‬
‫تكن هي ذات ال ول صفته ول الذات والصفة كانت بائنة عنه مخلوقة له ولم يكن‬
‫لهوتا بل ول خالقه وحينئذ فلم يتحد بالمسيح لهوت بل إن لم يتحد به إنه كان اتحد‬
‫به إل مخلوق ‪ #‬وإن كانت الكلمة هي الذات أو الذات والصفة فهي رب العالمين‬
‫وهي الب عندهم وهم متفقون على أن المسيح ليس هو الب ولم يتحد به الب بل‬
‫البن ‪ #‬وإن كانت الكلمة صفة ل عز وجل فصفة ال ليست هي الله الخالق‬
‫والمسيح عندهم هو الله الخالق وأيضا فصفة ال قائمة بذاته ل تفارق ذاته وتحل‬
‫بغيره وتتحد به وكلمة ال عندهم اتحدت بالمسيح ‪ #‬وإن قالوا قولنا هذا كما تقول‬
‫طائفة من المسلمين إن القرآن أو التوراة أو النجيل حل في القراء أو اتحد بهم وأن‬
‫القديم حل في المخلوق أو اتحد به ونحو ذلك ‪ #‬قيل لو كان قول هؤلء صوابا لم‬
‫يكن لهم فيه حجة فإنه على هذا التقدير ل فرق بين المسيح وبين سائر من يقرأ‬
‫التوراة والنجيل والزبور والقرآن وأنتم تدعون أن المسيح هو ال أو ابن ال‬
‫مخصوصا بذلك دون غيره وأيضا فهؤلء وجميع المم متفقون على أن قراء‬

‫القرآن وسائر الكتب اللهية ليس واحد منهم هو ال ول هو ابن ال ول أنه خالق‬
‫للعالم فإذا جعلتم قولكم مثل قول هؤلء لزمكم أن ل يكون المسيح هو ال ول ابن ال‬
‫ول ربا للعالم وأيضا فلم نعلم أحدا من هؤلء قال أن اللهوت اتحد بالناسوت ول أن‬
‫القديم اتحد بالمحدث ول أن كلم ال صار هو والمخلوق شيئا واحدا فالتحاد باطل‬
‫باتفاق هؤلء وغيرهم ‪ #‬ولكن طائفة منهم أطلقت لفظ الحلول وطائفة أنكرت لفظ‬
‫الحلول وقالوا إنما نقول ظهر القديم في المحدث ل حل فيه لكن قالوا ما يستلزم‬
‫الحلول ‪ #‬وسلف المسلمين وجمهورهم يخطئون هؤلء ويبينون خطأهم عقل ونقل‬
‫وقولهم ليس هو قول أحد من أئمة المسلمين ول قول طائفة مشهورة من طوائف‬
‫المسلمين كالمالكية والشافعية‬

‫والحنفية والحنبلية والثورية والداودية والسحاقية‬

‫وغيرهم ول قول طائفة من طوائف المتكلمين من المسلمين ل المنتسبين إلى السنة‬


‫كالشعرية والكرامية ول غيرهم كالمعتزلة والشيعة وأمثالهم وإنما قال ذلك طائفة‬
‫قليلة انتسبت إلى بعض علماء المسلمين مثل قليل من المالكية والشافعية والحنبلية‬
‫وهؤلء غايتهم أن يقولوا بحلول صفة من صفات ال وكذلك من قال بحلول الرب‬
‫واتحاده في العبد من طوائف الغلة المنتسبين إلى التشيع والتصوف أو غيرهم فهم‬

‫‪134‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪135‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ضلل كالنصارى مع أنه ل حجة للنصارى على هؤلء إذ كان ما يقولونه ل‬


‫يختص به المسيح بل هو مشترك بينه وبين غيره من النبياء والصالحين ‪#‬‬
‫والنصارى تدعي اختصاص المسيح بالتحاد مع أن المتحد بالناسوت صار هو‬
‫والناسوت شيئا واحدا ومع التحاد فيمتنع أن يكون لحدهما فعل أو صفة خارج عن‬
‫الخر والنصارى يدعون التحاد ثم يتناقضون فمنهم من يقول جوهر واحد ومنهم‬
‫من يقول جوهران ومنهم من يقول مشيئة واحدة ومنهم من يقول مشيئتان كما سيأتي‬
‫الكلم إن شاء ال تعالى على ذلك‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من‬
‫الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ ‪ #‬فهذا حق‬
‫كما أخبر ال به فمن اتبع المسيح عليه السلم جعله ال فوق الذين كفروا إلى يوم‬
‫القيامة وكان الذين اتبعوه على دينه الذي لم يبدل قد جعلهم ال فوق اليهود وأيضا‬
‫فالنصارى فوق اليهود الذين كفروا به إلى يوم القيامة ‪ #‬وأما المسلمون فهم مؤمنون‬
‫به ليسوا كافرين به بل لما بدل النصارى دينه وبعث ال محمدا بدين ال الذي بعث‬
‫به المسيح وغيره من النبياء جعل ال محمدا وأمته فوق النصارى إلى يوم القيامة‬
‫كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد‬
‫وإن اولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه نبي ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬شرع‬
‫لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫^ وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون ‪#‬‬
‫عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل‬
‫حزب بما لديهم فرحون ^ ‪ #‬فكل من كان أتم إيمانا بال ورسله كان أحق بنصر ال‬
‫تعالى فإن ال يقول في كتابه ‪ ^ #‬إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا‬
‫ويوم يقوم الشهاد ^ ‪ #‬وقال في كتابه ‪ ^ #‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم‬
‫لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^ ‪ #‬واليهود كذبوا المسيح ومحمدا كما قال‬
‫ال فيهم ‪ ^ #‬بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل ال بغيا أن ينزل ال من‬
‫فضله على من يشاء من عباده فباءو بغضب على غضب ^ ‪ #‬فالغضب الول‬
‫بتكذيبهم المسيح والثاني بتكذيبهم لمحمد والنصارى لم يكذبوا المسيح فكانوا‬
‫منصورين على اليهود والمسلمون منصورون على اليهود‬

‫والنصارى فإنهم آمنوا بجميع كتب ال ورسله ولم يكذبوا بشيء من كتبه ول كذبوا‬
‫أحدا من رسله بل اتبعوا ما قال ال لهم حيث قال ‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا‬
‫وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى‬
‫وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال‬

‫‪135‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪136‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا‬
‫وإليك المصير ^ ‪ #‬ولما كان المسلمون هم المتبعون لرسل ال كلهم المسيح وغيره‬
‫وكان ال قد وعد أن ينصر الرسل وأتباعهم قال النبي في الحديث الصحيح ل تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرة على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى تقوم‬
‫الساعة ‪ #‬وقال أيضا سألت ربي أن ل يسلط على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم‬
‫فأعطانيها الحديث ‪ #‬فكان ما احتجوا به حجة عليهم ل لهم‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^‬
‫‪ #‬فهو حق كما أخبر ال به وقد ذكر تعالى تأييد عيسى بن مريم بروح القدس في‬
‫عدة مواضع فقال تعالى في سورة البقرة ‪ ^ #‬ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من‬
‫بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫^ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات‬
‫وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من‬
‫بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو‬
‫شاء ال ما اقتتلوا ولكن ال يفعل ما يريد ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا عيسى ابن مريم‬
‫اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهل‬
‫وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير‬
‫بإذني فتنفخ فيها فتكون‬

‫طيرا بإذني وتبرئ الكمه والبرص بإذني ^ ‪ #‬وقال تعالى في القرآن ‪ ^ #‬وإذ‬
‫بدلنا آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم ل يعلمون قل‬
‫نزله روح القدس من ربك بالحق ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬نزل به الروح المين على‬
‫قلبك لتكون من المنذرين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله‬
‫على قلبك بإذن ال مصدقا ^ ‪ #‬فروح القدس الذي نزل بالقرآن من ال هو الروح‬
‫المين وهو جبريل ‪ #‬وثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه سمع النبي يقول لحسان‬
‫بن ثابت أجب عني اللهم أيده بروح القدس‬

‫وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي ال عنها قالت سمعت النبي يقول ‪#‬‬
‫لحسان بن ثابت إن روح القدس ل يزال يؤيدك ما نافحت عن ال ورسوله ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن البراء بن عازب قال سمعت رسول ال يقول لحسان بن ثابت اهجهم‬
‫أو هاجهم وجبريل معك‬

‫فهذا حسان بن ثابت واحد من المؤمنين لما نافح عن ال ورسوله وهجا المشركين ‪#‬‬
‫الذين يكذبون الرسول أيده ال بروح القدس وهو جبريل عليه السلم وأهل الرض‬
‫يعلمون أن محمدا لم يكن يجعل اللهوت متحدا بناسوت حسان بن ثابت فعلم أن‬
‫إخباره بأن ال أيده بروح القدس ل يقتضي اتحاد اللهوت بالناسوت فعلم أن التأييد‬

‫‪136‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪137‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بروح القدس ليس من خصائص المسيح وأهل الكتاب يقرون بذلك وأن غيره من‬
‫النبياء كان مؤيدا بروح القدس كداود وغيره بل يقولون إن الحواريين كانت فيهم‬
‫روح القدس وقد ثبت باتفاق المسلمين واليهود والنصارى أن روح القدس يكون في‬
‫غير المسيح بل في غير النبياء كما سيأتي إن شاء ال ‪ #‬وإنما المقصود في هذا‬
‫المقام بيان كذبهم على محمد وهذا التأييد نظير قوله تعالى ‪ ^ #‬ل تجد قوما يؤمنون‬
‫بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو‬
‫إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬فهذا‬
‫التأييد بروح منه عام لكل من لم يحب أعداء الرسل وإن كانوا أقاربه بل يحب من‬
‫يؤمن بالرسل وإن كانوا أجانب ويبغض من لم يؤمن بالرسل وإن كانوا أقارب وهذه‬
‫ملة إبراهيم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم ‪#‬‬
‫إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة‬
‫والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال إبراهيم لبيه‬
‫وقومه إنني برآء مما تعبدون إل الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في‬
‫عقبه لعلهم يرجعون ^ ‪ #‬وقال ^ فلما تبين له أنه عدو ل تبرأ منه ^ ‪ #‬وهذا التأييد‬
‫بروح القدس لمن ينصر الرسل عام في كل من نصرهم على من خالفهم من‬
‫المشركين وأهل الكتاب كما تقدم وليس في القرآن ول في النجيل ول غير ذلك من‬
‫كتب النبياء أن روح القدس الذي أيد به المسيح هو صفة ال القائمة به وهي حياته‬
‫ول أن روح القدس رب يخلق ويرزق فليس روح القدس هي ال ول صفة من‬
‫صفات ال بل ليس في شيء من كلم النبياء أن صفة ال القائمة به تسمى ابنا ول‬
‫روح القدس ‪ #‬فإذا تأول النصارى قول المسيح عمدوا الناس باسم الب والبن‬
‫وروح القدس على أن البن صفته التي هي العلم وروح‬

‫القدس صفته التي هي الحياة كان هذا كذبا بينا على المسيح فل يوجد قط في كلمه‬
‫ول كلم غيره من النبياء تسمية ال ول شيئا من صفاته ابنا ول حياته روح القدس‬
‫‪ #‬وأيضا فهم يذكرون في المانة أن المسيح تجسد من مريم ومن روح القدس وهذا‬
‫يوافق ما أخبر ال به من أنه أرسل روحه الذي هو جبريل وهو روح القدس فنفخ‬
‫في مريم فحملت بالمسيح فكان المسيح متجسدا مخلوقا من أمه ومن ذلك الروح‬
‫وهذا الروح ليس صفة ل ل حياته ول غيرها بل روح القدس قد جاء ذكرها كثيرا‬
‫في كلم النبياء ويراد بها إما الملك وإما ما يجعله ال في قلوب أنبيائه وأوليائه من‬
‫الهدى والتأييد ونحو ذلك كما قال تعالى ‪ ^ #‬أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم‬
‫بروح منه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري‬
‫^ ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن ‪#‬‬
‫أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ذو العرش يلقي الروح من‬

‫‪137‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪138‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلق ^ ‪ #‬فسمى الملك روحا وسمى ما‬
‫ينزل به الملك روحا وهما متلزمان والمسيح عليه السلم مؤيد بهذا وهذا ‪ #‬ولهذا‬
‫قال كثير من المفسرين إنه جبريل وقال بعضهم إنه الوحي وهذا كلفظ الناموس يراد‬
‫به صاحب سر الخير كما يراد بالجاسوس صاحب سر الشر فيكون الناموس جبريل‬
‫ويراد به الكتاب الذي نزل به وما فيه من المر والنهي والشرع ولما قال ورقة بن‬
‫نوفل للنبي هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى فسر الناموس بهذا وهذا وهما‬
‫متلزمان‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب‬
‫والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال‬
‫من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في‬
‫ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا‬
‫وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه النجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة‬
‫ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال فما رعوها حق رعايتها‬
‫فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون ^ ‪ #‬فهو حق كما قال تعالى‬
‫وليس في ذلك مدح للرهبانية ول لمن بدل دين المسيح وإنما فيه مدح لمن اتبعه بما‬
‫جعل ال في قلوبهم من الرحمة والرأفة حيث يقول ^ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه‬
‫رأفة ورحمة ^ ‪ #‬ثم قال ^ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ^ ‪ #‬أي وابتدعوا‬
‫رهبانية ما كتبناها عليهم وهذه الرهبانية لم يشرعها ال ولم يجعلها مشروعة لهم بل‬
‫نفى جعله عنها كما نفى ذلك عما ابتدعه المشركون بقوله ‪ ^ #‬ما جعل ال من‬
‫^ بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام‬

‫وهذا الجعل المنفي عن البدع هو الجعل الذي أثبته للمشروع بقوله تعالى ^ لكل ‪#‬‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ^ ‪ #‬وقوله ^ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ^ ‪#‬‬
‫فالرهبانية ابتدعوها لم يشرعها ال وللناس في قوله ^ ورهبانية ^ قولن ‪ #‬أحدهما‬
‫أنها منصوبة يعني ابتدعوها إما بفعل مضمر يفسره ما بعده أو يقال هذا الفعل عمل‬
‫في المضمر والمظهر كما هو‬

‫قول الكوفيين حكاه عنهم ابن جرير وثعلب وغيرهما ونظيره قوله ^ يدخل من يشاء‬
‫في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ^ ‪ #‬وقوله ^ فريقا هدى وفريقا حق عليهم‬
‫الضللة ^ ‪ #‬وعلى هذا القول فل تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة ‪#‬‬
‫والقول الثاني إنها معطوفة عليها فيكون ال قد جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة‬
‫والرهبانية المبتدعة ويكون هذا جعل‬

‫خلقيا كونيا والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله تعالى ‪ ^ #‬وجعلناهم أئمة‬
‫يدعون إلى النار ^ ‪ #‬وعلى هذا القول فل مدح للرهبانية بجعلها في القلوب فثبت‬

‫‪138‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪139‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية ‪ #‬ثم قال ^ إل ابتغاء رضوان ال‬
‫^ ‪ #‬أي لم يكتب عليهم إل ابتغاء رضوان ال وابتغاء رضوان ال بفعل ما أمر به‬
‫ل بما يبتدع وهذا يسمى استثناء منقطعا‬

‫كما في قوله ‪ ^ #‬اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إل اتباع الظن وما ‪#‬‬
‫قتلوه ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن‬
‫تكون تجارة عن تراض منكم ول ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬ل يذوقون فيها الموت إل‬
‫الموتة الولى ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬فما لهم ل يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن ل‬
‫يسجدون بل الذين كفروا يكذبون وال أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إل الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬ل يسمعون‬
‫فيها لغوا ول تأثيما إل قيل سلما سلما ^ ‪ #‬وقوله ^ وما كان لمؤمن أن يقتل‬
‫مؤمنا إل خطأ ^ ‪ #‬وهذا أصح القوال في هذه الية كما هو مبسوط في موضع‬
‫آخر‬

‫ول يجوز أن يكون المعنى أن ال كتبها عليهم ابتغاء رضوان ال فإن ال ل يفعل ‪#‬‬
‫شيئا ابتغاء رضوان نفسه ول أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا‬
‫وهذا بعض الغالطين كما قد بسط في موضع آخر ‪ #‬وذكر أنهم ابتدعوا الرهبانية‬
‫وما رعوها حق رعايتها وليس في ذلك مدح لهم بل هو ذم ثم قال تعالى ‪ ^ #‬فآتينا‬
‫الذين آمنوا منهم أجرهم ^ ‪ #‬وهم الذين آمنوا بمحمد وكثير منهم فاسقون ولو أريد‬
‫الذين آمنوا بالميسح أيضا فالمراد من اتبعه على دينه الذي لم يبدل وإل فكلهم‬
‫يقولون إنهم مؤمنون بالمسيح وبكل حال فلم يمدح سبحانه إل من اتبع المسيح على‬
‫دينه الذي لم يبدل ومن آمن بمحمد لم يمدح النصارى الذين بدلوا دين المسيح ول‬
‫الذين لم يؤمنوا بمحمد ‪ #‬فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله تعالى ورهبانية‬
‫ابتدعوها عطف على رأفة ورحمة وإن المعنى أن ال جعل في قلوب الذين اتبعوه‬
‫رأفة ورحمة ورهبانية أيضا ابتدعوها وجعلوا الجعل شرعيا‬

‫ممدوحا قيل هذا غلظ لوجوه ‪ #‬منها أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين‬
‫صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب وإنما ابتدعت الرهبانية بعد ذلك بخلف‬
‫الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه ‪ #‬ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا‬
‫الرهبانية بخلف الرأفة والرحمة فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد‬
‫شرعها لهم فإن كان المراد هوالجعل الشرعي الديني ل الجعل الكوني القدري فلم‬
‫تدخل الرهبانية في ذلك وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني فل مدح للرهبانية في‬
‫ذلك ‪ #‬ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية ل تختص بالقلوب بل‬
‫الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك وقد كان طائفة من الصحابة‬
‫رضوان ال عليهم هموا بالرهبانية فأنزل ال تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى ‪^ #‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا إن ال ل يحب‬
‫المعتدين ^ ‪ #‬وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي قال أحدهم أما أنا‬

‫‪139‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪140‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فأصوم ل أفطر وقال آخر أما أنا‬

‫فأقوم ل أنام وقال آخر أما أنا فل أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فل آكل اللحم ‪#‬‬
‫فقام النبي خطيبا فقال ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم‬
‫وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني ‪ #‬وفي صحيح‬
‫البخاري أن النبي رأى رجل قائما في الشمس فقال ما هذا قالوا هذا أبو إسرائيل نذر‬
‫أن يقوم في الشمس ول يستظل ول يتكلم ويصوم فقال مروه فليجلس وليستظل‬
‫وليتكلم وليتم صومه‬

‫وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته خير الكلم كلم ال ‪#‬‬
‫وخير الهدى هدي محمد وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة ‪ #‬وفي السنن عن‬
‫العرباض بن سارية أن النبي صلى ال عليه‬

‫وسلم قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها‬
‫وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل بدعة ضللة ‪ #‬قال‬
‫الترمذي حديث حسن صحيح ‪ #‬وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة‬
‫وضللة وما كان بدعة وضللة لم يكن هدى ولم يكن ال جعلها بمعنى أنه شرعها‬
‫كما لم يجعل ال ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام‬

‫فإن قيل قد قال طائفة معناها ما فعلوها إل ابتغاء رضوان ال ما كتبناها عليهم إل ‪#‬‬
‫ابتغاء رضوان ال ‪ #‬وقالت طائفة ما فعلوها أو ما ابتدعوها إل ابتغاء رضوان ال‬
‫‪ #‬قيل كل القولين خطأ والول أظهر خطأ فإن الرهبانية لم يكتبها ال عليهم بل لم‬
‫يشرعها ل إيجابا ول استحبابا ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب عليهم‬
‫إتمامها وليس في الية ما يدل على ذلك فإنه قال ‪ ^ #‬ما كتبناها عليهم إل ابتغاء‬
‫رضوان ال فما رعوها حق رعايتها ^ ‪ #‬فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية‬
‫ول إتمامها ول رعايتها بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة وأن تلك البدعة لم يرعوها حق‬
‫رعايتها ‪ #‬فإن قيل قوله تعالى ^ فما رعوها حق رعايتها ^ ‪ #‬يدل على أنهم لو‬
‫رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين ‪ #‬قيل ليس في الكلم ما يدل على ذلك بل يدل‬
‫على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من الذم ما ل يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من‬
‫ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد‬
‫منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب‬

‫ونحوهم ممن دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق‬
‫أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم والنار دركات كما أن‬
‫الجنة درجات ‪ #‬وأيضا فال تعالى إذا كتب شيئا على عباده لم يكتب ابتغاء رضوانه‬
‫بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان ال ‪ #‬وأيضا فتخصيص الرهبانية بأنه‬
‫كتبها ابتغاء رضوان ال دون غيرها تخصيص بغير موجب فإن ما كتبه ابتداء لم‬

‫‪140‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪141‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يذكر أنه كتبه ابتغاء رضوانه فكيف بالرهبانية ‪ #‬وأما قول من قال ما فعلوها إل‬
‫ابتغاء رضوان ال فهذا المعنى لو دل عليه الكلم لم يكن في ذلك مدح للرهبانية فإن‬
‫من فعل ما لم يأمر ال به بل نهاه عنه مع حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده‬
‫ل يثاب على ما نهى عنه ول على ما ليس بواجب ول مستحب فكيف والكلم ل يدل‬
‫عليه فإن ال قال ‪ ^ #‬ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال ^ ‪ #‬ولم يقل ما‬
‫فعلوها إل ابتغاء رضوان ال ول قال ما ابتدعوها إل ابتغاء رضوان ال ولو كان‬
‫المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إل‬

‫ابتغاء رضوان ال لكان منصوبا على المفعولية ولم يتقدم لفظ الفعل ليعمل فيه ول‬
‫نفي البتداع بل أثبته لهم وإنما تقدم لفظ الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو‬
‫الصواب وأنه استثناء منقطع فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا‬
‫عليهم ابتغاء رضوان ال فإن إرضاء ال واجب مكتوب على الخلق وذلك يكون‬
‫بفعل المأمور وبترك المحظور ل بفعل ما لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه‬
‫والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل‬
‫وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ ‪ #‬فهذه الية ل اختصاص فيها‬
‫للنصارى بل هي مذكورة بعد قوله تعالى ‪ ^ #‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون‬
‫بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم‬
‫منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار‬
‫ثم ل ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس‬
‫وباءوا بغضب من ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال‬
‫ويقتلون النبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬ليسوا‬
‫^ سواء من أهل الكتاب أمة قائمة‬

‫ومعلوم أن الصفة المذكورة في قوله ‪ ^ #‬ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ‪#‬‬
‫ويقتلون النبياء بغير حق ^ ‪ #‬صفة اليهود وكذلك قوله ^ وضربت عليهم المسكنة‬
‫^ ‪ #‬فقوله عقب ذلك ^ من أهل الكتاب أمة قائمة ^ ‪ #‬لبد أن يكون متناول لليهود‬
‫ثم قد اتفق المسلمون والنصارى على أن اليهود مع كفرهم بالمسيح ومحمد ليس فيهم‬
‫مؤمن وهذا معلوم بالضطرار من دين محمد والية إذا تناولت النصارى كان‬
‫حكمهم في ذلك حكم اليهود وال تعالى إنما أثنى على من آمن من أهل الكتاب كما‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم‬
‫خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن ال سريع‬
‫الحساب ^ ‪ #‬وقد ذكر أكثر العلماء أن هذه الية الخرى في آل عمران نزلت في‬
‫النجاشي ونحوه ممن آمن بالنبي لكنه لم تمكنه الهجرة إلى النبي ول العمل‬

‫‪141‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪142‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بشرائع السلم لكون أهل بلده نصارى ل يوافقونه على إظهار شرائع السلم وقد‬
‫قيل أن النبي إنما صلى عليه لما مات لجل هذا فإنه لم يكن هناك من يظهر الصلة‬
‫عليه في جماعة كثيرة ظاهرة كما يصلي المسلمون على جنائزهم ‪ #‬ولهذا جعل من‬
‫أهل الكتاب مع كونه آمن بالنبي بمنزلة من يؤمن بالنبي في بلد الحرب ول يتمكن‬
‫من الهجرة إلى دار السلم ول يمكنه العمل بشرائع السلم الظاهرة بل يعمل ما‬
‫يمكنه ويسقط عنه ما يعجز عنه كما قال تعالى ‪ ^ #‬فإن كان من قوم عدو لكم وهو‬
‫مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ^ ‪ #‬فقد يكون الرجل في الظاهر من الكفار وهو في‬
‫الباطن مؤمن كما كان مؤمن آل فرعون ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وقال رجل مؤمن من آل‬
‫فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل أن يقول ربي ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم‬
‫وإن يك كاذبا فعليه كذبه‬

‫وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن ال ل يهدي من هو مسرف كذاب يا‬
‫قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الرض فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا قال‬
‫فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سبيل الرشاد وقال الذي آمن يا قوم إني‬
‫أخاف عليكم مثل يوم الحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما‬
‫ال يريد ظلما للعباد ويا قوم إنى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم‬
‫من ال من عاصم ومن يضلل ال فما له من هاد ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات‬
‫فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث ال من بعده رسول كذلك‬
‫يضل ال من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات ال بغير سلطان أتاهم كبر‬
‫مقتا عند ال وعند الذين آمنوا كذلك يطبع ال على كل قلب متكبر جبار وقال‬
‫فرعون يا همان ابن لي صرحا لعلي أبلغ السباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله‬
‫موسى وأني لظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد‬
‫فوعون إل في تباب وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما‬
‫هذه الحياةالدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها‬
‫ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها‬
‫بغير حساب ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لكفر‬
‫بال وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ل جرم أنما‬
‫تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ول في الخرة وأن مردنا إلى ال وأن‬
‫المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى ال إن ال‬
‫بصير بالعباد‬

‫فوقاه ال سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها‬
‫غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ^ ‪ #‬فقد أخبر سبحانه‬
‫أنه حاق بآل فرعون سوء العذاب وأخبر أنه كان من آل فرعون رجل مؤمن يكتم‬
‫إيمانه وأنه خاطبهم بالخطاب الذي ذكره فهو من آل فرعون باعتبار النسب والجنس‬
‫والظاهر وليس هو من آل فرعون الذين يدخلون أشد العذاب وكذلك أمرأة فرعون‬

‫‪142‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪143‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ليست من آل فرعون هؤلء قال ال تعالى ‪ ^ #‬وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأت‬
‫فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني‬
‫من القوم الظالمين ^ ‪ #‬وامرأة الرجل من آله بدليل قوله ‪ ^ #‬إل آل لوط إنا‬
‫لمنجوهم أجمعين إل أمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ^ ‪ #‬وهكذا أهل الكتاب فيهم من‬
‫هو في الظاهر منهم وهو في الباطن يؤمن بال ورسوله محمد يعمل بما يقدر عليه‬
‫ويسقط عنه ما يعجز عنه علما وعمل و ^ ل يكلف ال نفسا إل وسعها ^ وهو‬
‫عاجز عن الهجرة إلى دار السلم كعجز النجاشي‬

‫وكما أن الذين يظهرون السلم فيهم من هم في الظاهر مسلمون وفيهم من هو ‪#‬‬


‫منافق كافر في الباطن إما يهودي وإما نصراني وإما مشرك وإما معطل ‪ #‬كذلك‬
‫في أهل الكتاب والمشركين من هو في الظاهر منهم ومن هو في الباطن من أهل‬
‫اليمان بمحمد يفعل ما يقدر على علمه وعمله ويسقط ما يعجز عنه في ذلك ‪ #‬وفي‬
‫حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال لما مات النجاشي قال النبي استغفروا‬
‫لخيكم فقال بعض القوم تأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة فنزلت ‪#‬‬
‫^ ^ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم‬

‫ذكره ابن أبي حاتم وغيره بأسانيدهم وذكره حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن ‪#‬‬
‫البصري أن رسول ال قال استغفروا لخيكم النجاشي فذكر مثله ‪ #‬وكذلك ذكر‬
‫طائفة من المفسرين عن جابر بن عبد ال وابن عباس وأنس وقتادة أنهم قالوا نزلت‬
‫هذه الية في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما‬
‫مات نعاه جبريل للنبي في اليوم الذي مات فيه فقال‬

‫رسول ال لصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم قالوا من هو‬
‫قال النجاشي فخرج رسول ال إلى البقيع وزاد بعضهم وكشف له من المدينة إلى‬
‫أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له‬
‫وقال لصحابه استغفروا له فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي‬
‫نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل ال تعالى ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب لمن‬
‫يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين ل ل يشترون بآيات ال ثمنا قليل‬
‫أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن ال سريع الحساب ^ ‪ #‬وقد ذهبت طائفة من العلماء‬
‫إلى أنها نزلت فيمن كان على دين المسيح عليه السلم إلى أن بعث محمد فأمن به‬
‫كما نقل ذلك عن عطاء ‪ #‬وذهبت طائفة إلى أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم‬

‫والقول الول أجود فإن من آمن بمحمد وأظهر اليمان به وهو من أهل دار ‪#‬‬
‫السلم يعمل ما يعمله المسلمون ظاهرا وباطنا فهذا من المؤمنين وإن كان قبل ذلك‬
‫مشركا بعبد الوثان فكيف إذا كان كتابيا وهذا مثل عبد ال بن سلم وسلمان‬
‫الفارسي وغيرهما وهؤلء ل يقال إنهم من أهل الكتاب كما ل يقال في المهاجرين‬
‫والنصار إنهم من المشركين وعباد الوثان ول يمكن أحد من المنافقين ول من‬

‫‪143‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪144‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫غيرهم من أن يصلي على واحد منهم بخلف من هو في الظاهر منهم وفي الباطن‬
‫من المؤمنين ‪ #‬وفي بلد النصارى من هذا النوع خلق كثير يكتمون إيمانهم إما‬
‫مطلقا وإما يكتمونه عن العامة ويظهرونه لخاصتهم وهؤلء قد‬

‫يتناولهم قوله تعالى ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال ^ الية ‪ #‬فهؤلء ل‬
‫يدعون اليمان بكتاب ال ورسوله لجل مال يأخذونه كما يفعل كثير من الحبار‬
‫والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدونهم عن سبيل ال فيمنعونهم‬
‫اليمان بمحمد ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون آيات ال أنآء‬
‫اليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ^ ‪ #‬فهذه الية تتناول اليهود‬
‫أقوى مما تتناول النصارى ونظيرها قوله تعالى ^ ومن قوم موسى أمة يهدون‬
‫بالحق وبه يعدلون ^ ‪ #‬وهذا مدح مطلق لمن تمسك بالتوراة ليس في ذلك مدح لمن‬
‫كذب المسيح ول فيها مدح لمن كذب محمدا ‪ #‬وهذا الكلم يفسره سياق الكلم فإنه‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر‬
‫^ وتؤمنون بال‬

‫ثم قال تعالى ‪ ^ #‬ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم ‪#‬‬
‫الفاسقون ^ ‪ #‬فقد جعلهم نوعين نوعا مؤمنين ونوعا فاسقين وهم أكثرهم وقوله‬
‫تعالى ^ منهم المؤمنون ^ ‪ #‬يتناول من كان منهم مؤمنا قبل مبعث محمد كما‬
‫يتناولهم قوله تعالى ‪ ^ #‬وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ^ ‪ #‬إلى قوله ^‬
‫وكثير منهم فاسقون ^ ‪ #‬وكذلك قوله تعالى ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا‬
‫في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ^ ‪ #‬وقوله عن إبراهيم‬
‫الخليل ‪ ^ #‬وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ^ ‪#‬‬
‫ثم لما قال ^ وأكثرهم الفاسقون ^ ‪ #‬قال ‪ ^ #‬لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم‬
‫يولوكم الدبار ثم ل ينصرون‬

‫ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءوا بغضب من‬
‫ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيت ال ويقتلون النبياء بغير‬
‫حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ ‪ #‬وضرب الذلة عليهم أينما ثقفوا ومباؤهم‬
‫بغضب ال وما ذكر معه من قتل النبياء بغير حق وعصيانهم واعتداؤهم كان‬
‫اليهود متصفين به قبل مبعث محمد كما قال تعالى في سورة البقرة ‪ ^ #‬وإذ قلتم يا‬
‫موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الرض من‬
‫بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير‬
‫اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من‬
‫ال ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا‬
‫وكانوا يعتدون ^ ‪ #‬ثم قال بعد ذلك ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى‬
‫والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول‬

‫‪144‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪145‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫خوف عليهم ول هم يحزنون ^ ‪ #‬فتناولت هذه الية من كان من أهل هذه الملل‬
‫الربع متمسكا بها قبل النسخ بغير تبديل كذلك آية آل عمران لما وصف أهل‬

‫الكتاب بما كانوا متصفا به أكثرهم قبل محمد من الكفر قال ‪ ^ #‬ليسوا سواء من‬
‫أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بال واليوم‬
‫الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من‬
‫الصالحين ^ ‪ #‬وهذا يتناول من كان متصفا منهم بهذا قبل النسخ فإنهم كانوا على‬
‫الدين الحق الذي لم يبدل ولم ينسخ كما قال في العراف ‪ ^ #‬ومن قوم موسى أمة‬
‫يهدون بالحق وبه يعدلون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬و‬
‫قطعناهم في الرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات‬
‫والسيئات لعلهم يرجعون فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا‬
‫الدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق‬
‫الكتاب أن ل يقولوا على ال إل الحق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خير للذين‬
‫يتقون أفل تعقلون والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلة إنا ل نضيع أجر‬
‫المصلحين ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ^ ‪#‬‬
‫فهذا خبر من ال عمن كان متصفا بهذا الوصف قبل مبعث محمد ومن أدرك من‬
‫هؤلء محمدا فآمن به كان له أجره مرتين‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ثم وجدناه يعظم إنجيلنا ويقدم صوامعنا ويشرف مساجدنا ويشهد بأن‬
‫اسم ال يذكر فيها كثيرا وذلك مثل قوله تعالى ‪ ^ #‬ولول دفع ال الناس بعضهم‬
‫ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا ^ ‪#‬‬
‫والجواب أن فيها ذكر الصوامع والبيع وأما قوله ^ ويذكر فيها اسم ال كثيرا ^ فإنما‬
‫ذكره عقب ذكره المساجد والمساجد للمسلمين وليس المراد بها كنائس النصارى‬
‫فإنها هي البيع ثم قوله تعالى ^ يذكر فيها اسم ال كثيرا ^ ‪ #‬إما أن يكون مختصا‬
‫بالمساجد فل يكون في ذلك إخبار بأن اسم ال يذكر كثيرا في البيع والصوامع وإما‬
‫أن يكون ذكر اسم ال في الجميع فل ريب أن الصوامع والبيع قبل أن يبعث ال‬
‫محمدا كان فيها من يتبع دين المسيح الذي لم يبدل ويذكر فيها اسم ال كثيرا وقد قيل‬
‫إنها بعد النسخ والتبديل‬

‫يذكر فيها اسم ال كثيرا وإن ال يحب أن يذكر اسمه ‪ #‬قال الضحاك إن ال يحب أن‬
‫يذكر اسمه وإن كان يشرك به يعني أن المشرك به خير من المعطل الجاحد الذي ل‬
‫يذكر اسم ال بحال ‪ #‬وأهل الكتاب خير من المشركين وقد ذكرنا أنه لما اقتتل‬
‫فارس والروم وانتصرت الفرس ساء ذلك اصحاب رسول ال وكرهوا انتصار‬
‫الفرس على النصارى لن النصارى أقرب إلى دين ال من المجوس والرسل بعثوا‬
‫بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وتقديم خير الخيرين على‬
‫أدناهما حسب المكان ودفع شر الشرين بخيرهما فهدم صوامع النصارى وبيعهم‬

‫‪145‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪146‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فساد إذا هدمها المجوس والمشركون وأما إذا هدمها المسلمون وجعلوا‬

‫أماكنها مساجد يذكر فيها اسم ال كثيرا فهذا خير وصلح ‪ #‬وهذه الية ذكرت في‬
‫سياق الذن للمسلمين بالجهاد بقوله تعالى ‪ ^ #‬أذن للدين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن‬
‫ال على نصرهم لقدير ^ ‪ #‬وهذه الية أول آية نزلت في الجهاد ولهذا قال ‪^ #‬‬
‫الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال ^ ‪ #‬ثم قال ^ ولول دفع‬
‫ال الناس بعضهم ببعض ^ ‪ #‬فيدفع بالمؤمنين الكفار ويدفع شر الطائفتين بخيرهما‬
‫كما دفع المجوس بالروم النصارى ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد وهذا كما‬
‫قال تعالى في سورة البقرة ‪ ^ #‬وقتل داود جالوت وآتاه ال الملك والحكمة وعلمه‬
‫مما يشاء ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل‬
‫على العالمين ^ ‪ #‬وأما التقديم في اللفظ فإنه يكون للنتقال من الدنى إلى العلى‬
‫كقوله تعالى ‪ ^ #‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي‬
‫بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال مال تعلمون‬
‫^‬

‫وقوله ^ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ^ ‪ #‬وقوله ‪# ^ #‬‬
‫والذاريات ذروا فالحاملت وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ^ ‪ #‬ونظائره‬
‫متعددة ‪ #‬وكذلك في قوله تعالى ‪ ^ #‬لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر‬
‫فيها اسم ال كثيرا ^ ‪ #‬فبين سبحانه أنه لول دفع ال الناس بعضهم ببعض لهدمت‬
‫مواضع العبادات وهدمها فساد إذا هدمها من ل يبدلها بخير منها وأدناها هي‬
‫الصوامع فإن الصومعة تكون لواحد أو لطائفة قليلة فبدأ بأدنى المعابد وختم بأشرفها‬
‫وهي المساجد التي يذكر فيها اسم ال كثيرا ففي الجملة حكم هذه المعابد حكم أهلها‬
‫وأهلها قبل النسخ والتبديل مؤمنون مسلمون وهدم معابد المؤمنين المسلمين فساد‬
‫وبعد النسخ والتبديل إذا غلب أهل الكتاب من هو شر منهم كالمجوس والمشركين‬
‫وهدموا معابدهم كان ذلك فسادا وإذا هدمها من هو خير منهم كأمة محمد وأبدلوها‬
‫مساجد يذكر فيها‬

‫اسم ال كثيرا ول يشرك به ويذكر فيها اليمان بجميع كتبه ورسله كان ذلك صلحا‬
‫ل فسادا ‪ #‬ولهذا أمر النبي أن يتخذ المساجد مواضع معابد الكفار كما كان لثقيف‬
‫أهل الطائف معبد يعبدون فيه اللت التي قال ال فيها ^ أفرأيتم اللت والعزى ^ ‪#‬‬
‫فأمر النبي أن يهدم ذلك المعبد ويتخذ مكانه المسجد الذي يعبد ال وحده فيه فإن‬
‫المساجد هي‬

‫بيوت ال في الرض قال تعالى ‪ ^ #‬قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل‬
‫مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ^ ‪ #‬وقال تعالى ^ وأن المساجد‬
‫ل فل تدعوا مع ال أحدا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد‬
‫ال شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم ^ الية إلى قوله ^ المهتدين ^‬

‫‪146‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪147‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السموات والض مثل نوره ^ الية إلى قوله ^ بغير‬
‫حساب ^ ‪ #‬ثم لما ذكر المؤمنين ذكر الكفار من أهل الكتاب والمشركين فذكر أهل‬
‫الجهل المركب والبسيط فقال تعالى ‪ ^ #‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه‬
‫الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع‬
‫الحساب أو كظلمات‬

‫في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض‬
‫إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور ^ ‪ #‬فقد تبين‬
‫أنه ليس لهم حجة في شيء مما جاء به محمد بل ما جاء به حجة عليهم من وجوه‬
‫متعددة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وهذا وغيره أوجب لنا التمسك بديننا وأن ل نهمل ما معنا ول نرفض‬
‫مذهبنا ول نتبع غير السيد المسيح كلمة ال وروحه وحوارييه الذين أرسلهم إلينا ‪#‬‬
‫والجواب إنهم احتجوا بحجتين باطلتين ‪ #‬إحداهما أن محمدا لم يرسل إليهم بل إلى‬
‫العرب وقد تبين أن الحتجاج بها من أعظم الكذب والفتراء على محمد فإنه لم يقل‬
‫قط إني لم أرسل إلى أهل الكتاب ول قال قط إني لم أرسل إل إلى العرب بل‬
‫نصوصه المتواترة عنه وأفعاله تبين أنه مرسل إلى جميع أهل الرض أميهم‬
‫وكتابيهم ‪ #‬والحجة الثانية قولهم أن محمدا أثنى على دين النصارى بعد التبديل‬
‫والنسخ وهي أيضا أعظم كذبا عليه من التي قبلها كيف يثني عليهم وهو يكفرهم في‬
‫غير موضع من كتابه ويأمر بجهادهم وقتالهم ويذم المتخلفين عن جهادهم غاية الذم‬
‫ويصف من لم ير طاعته في قتالهم بالنفاق والكفر ويذكر أنه‬

‫يدخل جهنم وهذا كله يخبر به عن ال ويذكره تبليغا لرسالة ربه وإنما يضاف إليه‬
‫لنه بلغه وأداه ل لنه أنشأه وابتدأه ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬إنه لقول رسول كريم وما‬
‫هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب‬
‫العالمين ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما‬
‫منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه‬
‫لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم ^ ‪ #‬وأما ثناء ال‬
‫ورسوله على المسيح وأمه وعلى من اتبعه وكان على دينه الذي لم يبدل فهذا حق‬
‫وهو ل ينافي وجوب اتباع محمد على من بعث إليه فلو قدر أن شريعة المسيح لم‬
‫تبدل وأن محمدا أثنى على كل من اتبعها وقال مع ذلك إن ال أرسلني إليكم لم يكن‬
‫ذلك متناقضا وإذا كفر من لم يؤمن به لم يناقض ذلك ثناؤه عليهم قبل أن يكذبوه‬

‫فكيف وهو إنما مدح من اتبع دينا لم يبدل وأما الذين بدلوا دين المسيح فلم يمدحهم ‪#‬‬
‫بل ذمهم كما قال ‪ ^ #‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما‬
‫ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا‬

‫‪147‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪148‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يصنعون ^ ‪ #‬وقد قدمنا أن النصارى كفروا كما كفرت اليهود كفروا بتبديلهم ما في‬
‫الكتاب الول وكفروا بتكذيبهم بالكتاب الثاني ‪ #‬وأما من لم يبدل الكتاب أو أدرك‬
‫محمدا فآمن به فهؤلء مؤمنون ومما يبين ذلك أن تعظيم المسيح للتوراة واتباعه لها‬
‫وعمله بشرائعها أعظم من تعظيم محمد للنجيل ومع هذا فلم يكن ذلك مسقطا عن‬
‫اليهود وجوب اتباعهم للمسيح فكيف يكون تعظيم محمد للنجيل مسقطا عن‬
‫النصارى وجوب اتباعه‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم وحوارييه الذين أرسلهم إلينا أنذرونا بلغتنا وسلموا لنا ديننا‬
‫الذين قد عظموا في هذا الكتاب بقوله في سورة الحديد ‪ ^ #‬لقد أرسلنا رسلنا‬
‫بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ^ ‪ #‬وقال في سورة‬
‫البقرة ‪ ^ #‬فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين‬
‫الناس فيما اختلفوا فيه ^ ‪ #‬فأعني بقوله أنبياءه المبشرين ورسله ينحو بذلك‬
‫الحواريين الذين داروا في سبعة أقاليم العالم وبشروا بالكتاب الواحد الذي هو‬
‫النجيل الطاهر لنه لو عني عن إبراهيم وداود وموسى ومحمد لكان قال معهم‬
‫الكتب لن كل واحد منهم جاء بكتاب دون‬

‫غيره ولم يقل إل الكتاب الواحد لنه ما أتى جماعة مبشرين بكتاب واحد غير‬
‫الحواريين الذين أتوا بالنجيل الطاهر وجاء أيضا في الكتاب ‪ ^ #‬وجاء من أقصا‬
‫المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ^ ‪ #‬يعني الحواريين لم يقل رسول‬
‫إنما قال المرسلين والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أنه ليس فيما ذكر ول في غيره ما‬
‫يوجب تكذيب الرسول الذي أرسل إليكم وإلى غيركم وتمسككم بدين مبدل منسوخ‬
‫كما أنه ليس فيما يعظم به موسى والتوراة ومن اتبع موسى ما يوجب لليهود تكذيب‬
‫الرسول الذي أرسل إليهم وتمسكهم بدين مبدل منسوخ ‪ #‬الثاني أن قولهم ول نتبع‬
‫غير المسيح وحوارييه قول باطل فإنهم ليسوا متبعين ل للمسيح ول لحوارييه‬
‫لوجهين ‪ #‬أحدهما أن دينهم مبدل ليس كله عن المسيح والحواريين بل أكثر‬
‫شرائعهم أو كثير منها ليست عن المسيح والحواريين ‪ #‬الثاني أن المسيح بشر‬
‫بأحمد كما قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال عيسى ابن مريم يبني إسرائيل إني رسول ال‬
‫^ إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد‬

‫فإذا لم يتبعوا أحمد كانوا مكذبين للمسيح وعندهم من البشارات عن المسيح ‪#‬‬
‫وغيره من النبياء بأحمد ما هو مبسوط في موضع آخر كما سيأتي إن شاء ال ‪#‬‬
‫وإنما المقصود هنا منع احتجاجهم بشيء مما جاء به محمد وبيان أنه حجة عليهم ل‬
‫لهم إذ زعموا أن في بعضه حجة لهم ‪ #‬الثالث أن قولهم عن الحواريين أنهم الرسل‬
‫الذين عظموا في هذا الكتاب قول باطل فسروا به القرآن تفسيرا باطل من جنس‬
‫تفسيرهم ^ الذين أنعمت عليهم ^ بالنصارى وتفسيرهم ^ بإذني ^ أي ينفخ فيه‬
‫فيكون طيرا بإذن اللهوت الذي هو كلمة ال المتحدة في الناسوت وتفسيرهم ‪^ #‬‬

‫‪148‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪149‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الم ذلك الكتاب ^ ‪ #‬بالنجيل وتفسيرهم ‪ ^ #‬الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة‬
‫ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم‬
‫يوقنون ^ هم النصارى ‪ #‬وتفسيرهم قوله ^ ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي‬
‫أحسن ^ هم النصارى‬

‫إل الذين ظلموا ^ هم اليهود ‪ #‬وأمثال ذلك من تفسيرهم القرآن مثل ما ^ ‪#‬‬
‫يفسرون به التوراة والنجيل والزبور من التفاسير التي هي من تحريف الكلم عن‬
‫مواضعه واللحاد في آيات ال والكذب على أنبيائه بما يظهر أنه كذب على النبياء‬
‫لكل من تدبر ذلك وبطلن ذلك يظهر من وجوه ‪ #‬أحدها أن ال قال ‪ ^ #‬لقد أرسلنا‬
‫رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه‬
‫بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ^‬
‫‪ #‬وقوله تعالى ^ لقد أرسلنا رسلنا ^ ‪ #‬اسم جمع مضاف يعم جميع من أرسله ال‬
‫تعالى ‪ #‬الثاني أن أحق الرسل بهذا الحكم الذين سماهم في القرآن كما قال تعالى ‪#‬‬
‫^ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم‬
‫وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهرون وسليمان‬
‫وآتينا داود زبورا ورسل قد قصصناهم عليك من قبل‬

‫ورسل لم نقصصهم عليك وكلم ال موسى تكليما رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون‬
‫للناس على ال حجة بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما ^ ‪ #‬وقال في سورة‬
‫الشعراء ‪ ^ #‬كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح أل تتقون إني لكم‬
‫رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب‬
‫العالمين فاتقوا ال وأطيعون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم‬
‫هود أل تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن‬
‫أجري إل على رب العالمين ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم‬
‫أخوهم صالح أل تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه‬
‫من أجر إن أجري إل على رب العالمين ^ ‪ #‬وقوله‬

‫كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط أل تتقون إني لكم رسول أمين ^ ‪#‬‬
‫فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب العالمين ^ ‪#‬‬
‫وقوله ‪ ^ #‬كذب أصحاب ليكة المرسلين إذ قال لهم شعيب أل تتقون إني لكم‬
‫رسول أمين فاتقوا ال وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إل على رب‬
‫العالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إنا أرسلنا إليكم رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى‬
‫فرعون رسول فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫كذبت قبلهم قوم نوح والحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا‬
‫بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد‬
‫^ أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون‬

‫‪149‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪150‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وذكر قصته ثم قال بعد ذلك ‪ ^ #‬ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم ‪#‬‬
‫رسول منهم أن اعبدوا ال ما لكم من إله غيره أفل تتقون ^ ‪ #‬ثم لما قضى قصته‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما‬
‫يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا‬
‫وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم ل يؤمنون ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا‬
‫وسلطان مبين إلى فرعون ومليه فاستكبروا وكانوا قوما عالين ^ ‪ #‬فذكر إرسال‬
‫رسله تترى أي متواترة ثم ذكر إرسال موسى وهارون وإرسال موسى وهارون قبل‬
‫المسيح بمدة طويلة ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال‬
‫واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في‬
‫الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ ‪ #‬فهذا إخبار منه سبحانه وتعالى بأنه‬
‫بعث في كل أمة رسول يدعوهم إلى عبادة ال وحده وقال تعالى في المسيح صلوات‬
‫ال عليه‬

‫ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ^ ‪ #‬فأخبر ^ ‪#‬‬
‫أن المسيح رسول من هؤلء الرسل ‪ ^ #‬قد خلت من قبله الرسل ^ ‪ #‬وقبله قد بعث‬
‫في كل أمة رسول ‪ #‬وقد روي في حديث أبي ذر عن النبي أن النبياء مائة ألف‬
‫نبي وأن الرسل منهم ثلثمائة وثلثة عشر وبعض الناس يصحح هذا الحديث‬
‫وبعضهم يضعفه فإن‬

‫كان صحيحا فالرسل ثلثمائة وثلثة عشر وإن لم تعرف صحته أمكن أن يكونوا بقدر‬
‫ذلك وأن يكونوا أكثر كما يمكن أن يكونوا أقل فإن ال تعالى أخبر أنه بعث في كل‬
‫أمة رسول ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إنآ أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إل خل‬
‫فيها نذير ^ ‪ #‬وروى أن النبي قال أنتم توفون سبعين أمة أنتم أكرمها وأفضلها على‬
‫ال وهو حديث جيد ‪ #‬وقد قال تعالى في سورة الزمر ‪ ^ #‬وسيق الذين كفروا إلى‬
‫جهنم زمرا حتى إذا جآءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم‬
‫يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم‬

‫لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ^ ‪ #‬وقال تعالى في‬
‫سورة تبارك ‪ ^ #‬وللذين كفروا عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها‬
‫شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم‬
‫نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء إن أنتم إل في ضلل‬
‫كبير ^ ‪ #‬فهذا إخبار منه بأن كل فوج يلقى في النار وقد جاءهم نذير كما قال تعالى‬
‫‪ ^ #‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ومنذرين لئل يكون‬
‫للناس على ال حجة بعد الرسل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا معشر الجن والنس ألم‬
‫يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على‬
‫^ أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين‬

‫‪150‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪151‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فقد أرسل ال قبل المسيح رسل كثيرين إلى جميع المم فكيف يجوز أن يدعي أن ‪#‬‬
‫المراد بقوله تعالى ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ هم الحواريون فقط الذين أرسلهم‬
‫المسيح مع أن الحواريين رسل المسيح بمنزلة رسل موسى وإبراهيم ورسل محمد ‪#‬‬
‫ومن أرسله رسول ال وجبت طاعته على الناس فيما يبلغه عن رسول ال كما في‬
‫الصحيحين عن النبي ص = أنه قال من أطاعني فقد أطاع ال ومن أطاع أميري فقد‬
‫أطاعني ومن عصاني فقد عصى ال ومن عصى أميري فقد عصاني ‪ #‬فبين أن‬
‫أميره إنما تجب طاعته في المعروف الذي أمر ال به ورسوله ل في كل ما يأمر به‬
‫ففي الصحيحين عن علي أن‬

‫رسول ال بعث جيشا وأمر عليهم رجل وأمرهم أن يسمعوا ويطيعوا فأغضبوه فقال‬
‫اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا نارا ثم قال ألم يأمركم رسول‬
‫ال أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا‬
‫إنما فررنا إلى رسول ال من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه فلما رجعوا ذكروا‬
‫ذلك لرسول ال وقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا وقال ل طاعة في معصية ال‬
‫إنما الطاعة في المعروف وفي الصحيحين عن عبدال بن عمر عن النبي أنه قال‬
‫على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إل أن يؤمر بمعصية فإن أمر‬
‫بمعصية فل سمع وطاعة‬

‫وفي مسلم عن أم الحصين سمعت رسول ال في حجة الوداع يقول ولو استعمل ‪#‬‬
‫عليكم عبد أسود يقودكم بكتاب ال فاسمعوا وأطيعوا ‪ #‬وفي الصحيحين عنه أنه قال‬
‫ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى له من سامع ‪ #‬وفي صحيح البخاري عن‬
‫عبدال بن عمرو عن النبي‬

‫أنه قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج ومن كذب علي‬
‫متعمدا فليتبوأ مقعده من النار‬

‫وفي السنن عنه أنه قال نضر ال امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه ‪#‬‬
‫فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ‪ #‬فالحواريون في‬
‫تبليغهم عن المسيح كسائر أصحاب النبياء في تبليغهم عنهم وقال ال تعالى في‬
‫كتابه ‪ ^ #‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن‬
‫تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك‬
‫خير وأحسن تأويل ^ ‪ #‬وأولوا المر هم العلماء والمراء فإذا أمروا بما أمر ال به‬
‫ورسوله وجبت طاعتهم وإن تنازع الناس في شيء وجب رده إلى ال والرسول ل‬
‫يرد إلى أحد دون الرسل الذين أرسلهم ال كما قال في الية الخرى ‪ ^ #‬كان الناس‬
‫أمة واحدة فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين‬
‫الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا‬
‫بينهم فهدى ال الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وال يهدي من يشاء إلى‬

‫‪151‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪152‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ صراط مستقيم‬

‫والكتاب اسم جنس لكل كتاب أنزله ال ليس المراد به كتابا معينا كما قال تعالى ‪#‬‬
‫‪ ^ #‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال‬
‫واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين ^ ‪ #‬ولم يرد بهذا أن يؤمن بكتاب معين‬
‫واحد بل وهذا يتضمن اليمان بالتوراة والنجيل والقرآن وكل ما أنزله ال من كتاب‬
‫كما قال في سورة الشورى ‪ ^ #‬فلذلك فادع واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم‬
‫وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل بينكم ^ ‪ #‬فأمره ال تعالى أن‬
‫يؤمن بكل ما أنزله ال من كتاب وأن يعدل بين من بلغتهم رسالته كما قال ‪^ #‬‬
‫لنذركم به ومن بلغ ^ ‪ #‬فكل من بلغه القرآن فهو مخاطب به يتناوله خطاب القرآن‬
‫وفي الصحيحين عن النبي أنه قال بلغوا عني ولو آية‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال ‪#‬‬
‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ^ ‪ #‬وفي القراءة الخرى وكتابه‬
‫ورسله وكل القراءتين موافقة للخرى وقوله تعالى ^ كان الناس أمة واحدة ^ ‪ #‬أي‬
‫فاختلفوا بعد ذلك كما قال في السورة الخرى ‪ ^ #‬وما كان الناس إل أمة واحدة‬
‫فاختلفوا ^ ‪ #‬فلما اختلف بنو آدم بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب‬
‫‪ #‬وذلك يتناول كل كتاب أنزله ال ليحكم ال ويحكم كتابه بين الناس بالحق فالحاكم‬
‫بين الناس هو ال تعالى وحكمه في كتبه المنزلة فلهذا أمر ال المؤمنين إذا تنازعوا‬
‫في شيء أن يردوه إلى ال والرسول ‪ #‬والرد إلى ال هو الرد إلى كتابه فأمرهم‬
‫بالرد إلى كتابه ورسوله وقد ذم تعالى من لم يتحاكم إلى كتابه ورسوله فقال تعالى ‪#‬‬
‫^ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن‬
‫يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد‬

‫الشيطان أن يضلهم ضلل بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول‬
‫رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم‬
‫جاءوك يحلفون بال إن أردنا إل إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم ال ما في قلوبهم‬
‫فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قول بليغا وما أرسلنا من رسول إل‬
‫ليطاع بإذن ال ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا ال واستغفر لهم‬
‫الرسول لوجدوا ال توابا رحيما فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ^ ‪ #‬فقد تبين أن الرسل‬
‫الذين ذكرهم ال في قوله ‪ ^ #‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ ‪ #‬يتناول الرسل الذين‬
‫أرسلهم ال تعالى كلهم ومن احقهم بذلك الرسل الذين أخبر في القرآن أنه أرسلهم‬
‫إلى عباده فظهر بطلن قولهم أنهم الحواريون ‪ #‬الوجه الثالث أنه قال ‪ ^ #‬لقد‬
‫أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا‬
‫الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره ورسله بالغيب إن ال قوي‬
‫عزيز ^ ‪ #‬فذكر أنه أنزل الحديد أيضا ليتبين من يجاهد في سبيل ال بالحديد‬

‫‪152‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪153‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والنصارى يزعمون أن الحواريين والنصارى لم يؤمروا بقتال أحد بالحديد ‪# #‬‬


‫الوجه الرابع أنه قال بعد ذلك ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما‬
‫النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا‬
‫بعيسى ابن مريم وآتيناه النجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ^ ‪#‬‬
‫وإخباره بإرسال نوح وإبراهيم بعد قوله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات من باب ذكر‬
‫الخاص بعد العام وبيان ما اختص به الخاص من الحكام التي امتاز بها عن غيره‬
‫مما دخل في العام كما يأمر السلطان العسكر بالجهاد ويأمر فلنا وفلنا بأن يفعلوا‬
‫كذا وكذا ومثل أن يقال أرسل رسله إلى فلن وأرسل إليهم فلنا وأمره بكذا وكذا‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ^ ‪#‬‬
‫فنوح هو أبو الدميين الذين حدثوا بعد الطوفان فإن ال أغرق ولد آدم إل أهل‬
‫^ السفينة وقال في نوح ^ وجعلنا ذريته هم الباقين‬

‫وإبراهيم جعل النبياء بعده من ذريته كما قال تعالى في إبراهيم ‪ ^ #‬ووهبنا له ‪#‬‬
‫إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في‬
‫الخرة لمن الصالحين ^ ‪ #‬ثم قال بعد أن ذكر إرسال نوح وإبراهيم وأنه جعل في‬
‫ذريتهما النبوة والكتاب ‪ ^ #‬ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم‬
‫وآتيناه النجيل ^ ‪ #‬فأخبر أنه قفى على آثارهم برسله وقفى بعيسى بن مريم وآتاه‬
‫النجيل وهؤلء رسل قبل المسيح وآخرهم المسيح ولم يذكر أنه أرسل أحدا من‬
‫أتباع المسيح بل أخبر أنه جعل في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة فكيف يجوز أن‬
‫يقال أن مراده بالرسل الذين أرسلهم بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان هم‬
‫الحواريون دون الرسل الذين ذكرهم وأرسلهم قبل المسيح‬

‫الوجه الخامس أنه ليس في القرآن آية تنطق بأن الحواريين رسل ال بل ول ‪#‬‬
‫صرح في القرآن بأنه أرسلهم لكن قال في سورة يس ‪ ^ #‬واضرب لهم مثل‬
‫أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث‬
‫فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن‬
‫أنتم إل تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إل البلغ المبين قالوا إنا‬
‫تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن‬
‫ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا‬
‫المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ومالي ل أعبد الذي فطرني وإليه‬
‫ترجعون أأتحذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر ل تغن عني شفاعتهم شيئا ول‬
‫ينقذون إني إذا لفي ضلل مبين إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا‬
‫ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين وما أنزلنا على قومه من‬
‫بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إل صيحة واحدة فإذا هم خامدون‬
‫يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إل كانوا به يستهزءون ^ ‪ #‬فهذا كلم ال‬
‫ليس فيه ذكر أن هؤلء المرسلين كانوا من الحواريين ول أن الذين أرسلوا إليهم‬

‫‪153‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪154‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫آمنوا بهم وفيه أن هؤلء القوم الذين أرسل إليهم هؤلء الثلثة أنزل ال عليهم‬
‫صيحة واحدة فإذا هم خامدون‬

‫وقد ذكر طائفة من المفسرين أن هؤلء كانوا من الحواريين وأن القرية أنطاكية ‪#‬‬
‫وأن هذا الرجل اسمه حبيب النجار ثم إن بعضهم يقول إن المسيح أرسلهم في حياته‬
‫لكن المعروف عند النصارى أن أهل إنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم لم يهلك ال‬
‫أهل إنطاكية ‪ #‬والقرآن يدل على أن ال أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل ‪#‬‬
‫وأيضا فالنصارى يقولون إنما جاءوا إلى أهل إنطاكية بعد رفع المسيح وأن الذين‬
‫جاءوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث قيل أحدهما شمعون الصفا والخر بولص‬
‫ويقولون إن أهل إنطاكية آمنوا بهم ول يذكرون حبيب النجار ول مجيء رجل من‬
‫أقصى المدينة بل يقولون إن شمعون وبولص دعوا ال حتى أحيا ابن الملك فالمر‬
‫المنقول عند النصارى أن هؤلء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين وهذا‬
‫أصح القولين عند علماء‬

‫المسلمين وأئمة المفسرين وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس ليسوا من‬


‫الحواريين بل كانوا قبل المسيح وسموهم بأسماء غير الحواريين كما ذكر محمد بن‬
‫إسحاق قال سلمة بن الفضل كان من حديث صاحب يس فيما حدثني محمد بن‬
‫إسحاق عن ابن عباس وعن كعب وعن وهب بن منبه أنه كان رجل من أهل‬
‫إنطاكية وكان اسمه حبيبا وكان يعمل الحرير وكان رجل سقيما قد أسرع فيه الجذام‬
‫وكان منزله عند باب من أبواب المدينة‬

‫يتاجر وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون فيقسمه نصفين‬
‫فيطعم نصفه عياله ويتصدق بنصفه وكان بالمدينة التي هو بها مدينة إنطاكية‬
‫فرعون من الفراعنة يقال له إنطخس بن إنطنخس يعبد الصنام صاحب شرك فبعث‬
‫ال إليه المرسلين وهم ثلثة صادق وصدوق وشلوم فقدم ال إليه وإلى أهل المدينة‬
‫منهم اثنين فكذبوهما ثم عزز ال بالثالث ‪ #‬وروى الربيع بن أنس عن أبي العالية‬
‫في قوله تعالى ‪ ^ #‬واضرب لهم مثل أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا‬
‫إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ^ ‪ #‬لكي تكون الحجة عليهم أشد فأتوا أهل‬
‫القرية فدعوهم إلى ال وحده وعبادته ل شريك له فكذبوهم فأتوا على رجل في‬
‫ناحية القرية في زرع له فسألهم الرجل ما أنتم قالوا نحن رسل رب العالمين‬

‫ارسلنا إلى أهل هذه القرية ندعوهم إلى عبادة ال وحده ل شريك له قال لهم أتسألون‬
‫على ذلك أجرا قالوا ل قال فألقى ما في يده ثم أتى أهل المدينة فقال ‪ ^ #‬يا قوم‬
‫اتبعوا المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ^ ‪ #‬وهذا القول هو‬
‫الصواب وأن هؤلء المرسلين كانوا رسل ل قبل المسيح وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى‬
‫إنطاكية وآمن بهم حبيب النجار فهم كانوا قبل المسيح ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل‬
‫بل أهلكهم ال تعالى كما أخبر في القرآن ثم بعد هذا عمرت إنطاكية وكان أهلها‬

‫‪154‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪155‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين فآمنوا بالمسيح على أيديهم ودخلوا‬
‫دين المسيح ‪ #‬ويقال إن إنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح عليه السلم‬
‫وذلك بعد رفعه إلى السماء ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في‬
‫القرآن هم رسل المسيح وهم من‬

‫الحواريين وهذا غلط لوجوه ‪ #‬منها أن ال قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم‬
‫الرسل وأهل إنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا ‪#‬‬
‫ومنها أن الرسل في القرآن ثلثة وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى والذين‬
‫جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ولم يأتهم رجل يسعى ل حبيب ول غيره ‪#‬‬
‫ومنها أن هؤلء جاءوا بعد المسيح فلم يكن ال أرسلهم وهذا كما أن ال ذكر في‬
‫القرآن أنه أهلك أهل مدين بالظلة لما جاءهم شعيب وذكر في القرآن أن موسى أتاها‬
‫وتزوج ببنت واحد منها فظن بعض الناس أنه شعيب النبي وهذا غلط عند علماء‬
‫المسلمين مثل ابن عباس والحسن البصري وابن جريج وغيرهم كلهم ذكروا أن‬
‫الذي صاهره موسى ليس هو شعيبا النبي وحكى أنه شعيب عمن ل يعرف من‬
‫العلماء ولم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين كما بسطناه في موضعه‬

‫وأهل الكتاب يقرون بأن الذي صاهره موسى ليس هو شعيبا بل رجل من أهل ‪#‬‬
‫مدين ومنهم من يقول إنها غير مدين التي أهلك ال أهلها وال أعلم ‪ #‬وكذلك ذكر‬
‫المفسرون في المرسلين هل أرسلهم ال أو أرسلهم المسيح قولين ‪ #‬أحدهما أن ال‬
‫هو الذي أرسلهم ‪ #‬قال أبو الفرج ابن الجوزي وهذا ظاهر القرآن وهو مروي عن‬
‫ابن عباس وكعب ووهب بن منبه قال وقال المفسرون في قوله‬

‫إن كانت إل صيحة واحدة ^ ‪ #‬أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم ^ ‪#‬‬
‫صيحة واحدة فإذا هم ميتون ل يسمع لهم حس كالنار إذا أطفئت وذلك قوله ‪ ^ #‬فإذا‬
‫هم خامدون ^ ‪ #‬أي ساكنون كهيئة الرماد الخامد ‪ #‬ومعلوم عند الناس أن أهل‬
‫إنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح بل آمنوا قبل أن يبدل دينه وكانوا مسلمين‬
‫مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك ومما يبين ذلك أن المعروف عند‬
‫أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك ال مكذبي المم بعذاب من السماء يعمهم‬
‫كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم بل أمر المؤمنين بجهاد‬
‫الكفار كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة وهذه القرية أهلك ال‬
‫أهلها بعذاب من السماء فدل ذلك على أن هؤلء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل‬
‫موسى عليه السلم وأيضا فإن ال لم يذكر في القرآن رسول‬

‫أرسله غيره وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو وأيضا فإنه قال ‪ ^ #‬إذ أرسلنا إليهم‬
‫اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ^ ‪ #‬فأخبر أنه أرسلهم كما أخبر أنه أرسل نوحا‬
‫وموسى وغيرهما وفي الية ^ قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من‬
‫^ شيء‬

‫‪155‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪156‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال إن ال أرسله وأنزل عليه الوحي ل لمن ‪#‬‬
‫جاء رسول من عند رسول وقد قال بعد هذا ‪ ^ #‬يا حسرة على العباد ما يأتيهم من‬
‫رسول إل كانوا به يستهزءون ) ‪ #‬وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند‬
‫ال ل من عند رسله وأيضا فإن ال ضرب هذا مثل لمن أرسل إليه محمدا يحذرهم‬
‫أن ينتقم ال منهم كما انتقم من هؤلء ومحمد إنما يضرب له المثل برسول نظيره ل‬
‫بمن أصحابه أفضل منهم فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أفضل من الحواريين‬
‫باتفاق علماء المسلمين ولم يبعث ال بعد المسيح رسول بل جعل ذلك الزمان زمان‬
‫فترة كقوله ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ^ ‪#‬‬
‫وأيضا فإنه قال تعالى ‪ ^ #‬إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا‬
‫إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إل بشر مثلنا ^ ‪ #‬ولو كانوا رسل رسول لكان التكذيب‬
‫لمن أرسلهم ولم يكن في قولهم إن أنتم إل بشر مثلنا شبهة فإن أحدا ل ينكر أن يكون‬
‫رسل رسل ال بشرا وإنما أنكروا أن يكون رسول ال بشرا وأيضا فلو كان‬

‫التكذيب لهما وهما رسل الرسول لمكنهما أن يقول فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى‬
‫اصحابه فإنهم يعلمون صدقنا في البلغ عنه بخلف ما إذا كانا رسل ال وأيضا‬
‫فقوله ^ إذ أرسلنا إليهم اثنين ^ ‪ #‬صريح في أن ال هو المرسل ومن أرسلهم غيره‬
‫إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم ال كما ل يقال لمن أرسله محمد بن عبدال أنهم رسل‬
‫ال فل يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن ال أرسله ول يقال ذلك للمغيرة بن شعبة‬
‫وعبدال بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول وذلك أن النبي أرسل رسله إلى‬
‫ملوك الرض كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر وأرسل عبدال بن حذافة إلى‬
‫كسرى وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس كما تقدم ذكر ذلك ‪ #‬ومعلوم أنه‬
‫ل يقال في هؤلء إن ال أرسلهم ول يسمون عند المسلمين رسل ال ول يجوز‬
‫باتفاق المسلمين أن يقال هؤلء داخلون في قوله ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ^ ‪#‬‬
‫فإذا كانت رسل محمد لم يتناولهم اسم رسل ال في الكتاب الذي جاء به فكيف يجوز‬
‫أن يقال إن هذا السم يتناول رسل رسول غيره والمقصود هنا بيان معاني القرآن‬
‫^ وما أراده ال تبارك وتعالى بقوله ‪ ^ #‬إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين‬

‫هل مراد ال ورسوله محمد من أرسلهم ال أو من أرسلهم رسوله وقد علم يقينا ‪#‬‬
‫أن محمد لم يدخل في مثل هذا فمن قال إن محمدا أراد بذلك من أرسله رسول فقد‬
‫كذب على محمد عمدا أو خطأ‬

‫فصل ‪ #‬وقد تبين بما ذكرناه فساد قولهم في تفسير آية البقرة فإنهم قالوا وقال في‬
‫سورة البقرة ‪ ^ #‬فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق‬
‫ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ^ ‪ #‬قالوا فأعني بقوله أنبياءه المبشرين ورسله‬
‫ينحو بذلك عن الحواريين الذين داروا في سبعة أقاليم العالم وبشروا بالكتاب الذي‬

‫‪156‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪157‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هو النجيل الطاهر لنه لو كان أعني عن إبراهيم وموسى وداود ومحمد لكان قال‬
‫ومعهم الكتب لن كل واحد منهم جاء بكتاب دون غيره ولم يقل إل الكتاب الواحد‬
‫لنه ما أتي جماعة مبشرين بكتاب واحد غير الحواريين الذين أتوا بالنجيل الطاهر‬
‫‪ #‬فيقال لهم قد تقدم بعض ما يدل على فساد هذا التفسير ‪ #‬وأيضا فإنه قال تعالى ^‬
‫كان الناس أمة واحدة ^ ‪ #‬أي فاختلفوا ^ فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين ^ ‪#‬‬
‫والحواريون ليسوا من النبيين وإن كان المسيح أرسلهم ول يلزم من إرساله لهم أن‬
‫يكونوا أنبياء كمن أرسلهم موسى ومحمد وغيرهما ولهذا تسميهم عامة النصارى‬
‫رسل ول يسمونهم أنبياء‬

‫وأيضا فإنه قال ^ وأنزل معهم الكتب ^ ‪ #‬والحواريون لم ينزل معهم الكتاب إنما ‪#‬‬
‫أنزل الكتاب مع المسيح ولكن النبياء أنزل معهم جنس الكتاب فإن الكتاب اسم جنس‬
‫فيدخل فيه الكتب المنزلة كلها كما في قوله ‪ ^ #‬ولكن البر من آمن بال واليوم‬
‫الخر والملئكة والكتاب والنبيين ^ ‪ #‬وفي قوله ^ كل آمن بال وملئكته وكتبه‬
‫ورسله ^ ‪ #‬وفي القراءة الخرى ( وكتابه ورسله ) وكذلك قوله عن مريم ^‬
‫وصدقت بكلمات ربها وكتبه ^ ‪ #‬وفي القراءة الخرى ( وكتابه ) وأيضا قال تعالى‬
‫^ ‪ ^ #‬كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبين مبشرين ومنذرين‬

‫وقال تعالى في سورة يونس ‪ ^ #‬وما كان الناس إل أمة واحدة فاختلفوا ^ ‪# #‬‬
‫وهذا يدل أنه لما اختلفت بنو آدم بعث ال النبيين واختلفهم كان قبل المسيح بل قبل‬
‫موسى بل قبل الخليل بل قبل نوح كما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة‬
‫قرون كلهم على السلم ثم حدث فيهم الشرك والختلف على وجهين تارة يختلفون‬
‫فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم كما قال تعالى ‪ ^ #‬ولو شاء ال ما اقتتل الذين من‬
‫بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ^ هذان خصمان اختصموا في ربهم ^ ‪ #‬يعني أهل اليمان والكفر وقد‬
‫يكون المختلفون كلهم على باطل كقوله‬

‫وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ول يزالون ^ ‪#‬‬
‫مختلفين إل من رحم ربك ^ ‪ #‬وأيضا فالنجيل ليس فيه حكم بين الناس فيما اختلفوا‬
‫فيه بل عامته مواعظ ووصايا وأخبار المسيح بخلف التوراة والقرآن فإن فيهما من‬
‫الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ما ليس في النجيل ‪ #‬وأيضا فإنه قال ‪ ^ #‬وما‬
‫اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى ال الذين آمنوا‬
‫لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ^ ‪ #‬وذلك يقتضي أن ال هدى الذين آمنوا بعد‬
‫اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم لما اختلفوا فيه من الحق وهذا ذم لمن اوتوا‬
‫الكتاب فاختلفوا ‪ #‬والنصارى داخلون في هذا الذم ولو كان المراد النجيل لكانوا هم‬
‫المذمومين دون غيرهم وليس كذلك بل اليهود وغيرهم من المختلفين مذمومون‬
‫أيضا وإنما الممدوح هم المؤمنون الذين هداهم ال لما اختلف أولئك فيه من الحق‬
‫بإذنه‬

‫‪157‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪158‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا يتناول أمة محمد قطعا وقد يتناول كل من آمن من المم المتقدمة كالذين ‪#‬‬
‫كانوا على دين موسى والمسيح وإبراهيم الخليل كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا‬
‫والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم‬
‫أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون ^ ‪ #‬وأما أمة محمد فإن ال‬
‫هداهم لما اختلف فيه المم قبلهم من الحق بإذنه وهذا بين فإنهم على الحق والعدل‬
‫الوسط بين طرفي الباطل وهذا ظاهر في اتباعهم الحق الذي اختلفت فيه اليهود‬
‫والنصارى في التوحيد والنبياء والخبار والتشريع والنسخ والحلل والحرام‬
‫والتصديق والتكذيب وغير ذلك ‪ #‬أما التوحيد فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق‬
‫فوصفوا الرب سبحانه بصفات النقص الذي يختص بها المخلوق فقالوا إن ال فقير‬
‫وبخيل وإنه يتعب وغير ذلك ‪ #‬والنصارى وصفوا المخلوق بصفات الخالق صفات‬
‫الكمال الذي يختص بها الخالق فقالوا عن المسيح إنه خالق السموات والرض القديم‬
‫الزلي علم الغيوب القادر على كل شيء و‬

‫اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ^ الية ‪ #‬والمسلمون هداهم ال ^ ‪#‬‬


‫لما اختلفوا فيه من الحق فلم يشبهوا الخالق بالمخلوق ول المخلوق بالخالق بل أثبتوا‬
‫ل ما يستحقه من صفات الكمال ونزهوه عن النقائص وأقروا بأنه أحد ليس كمثله‬
‫شيء وليس له كفوا أحد في شيء من صفات الكمال فنزهوه عن النقائص خلفا‬
‫لليهود وعن مماثلة المخلوق له خلفا للنصارى ‪ #‬وأما النبياء عليهم السلم فإن‬
‫اليهود قتلوا بعضا وكذبوا بعضا كما قال تعالى ‪ ^ #‬أفكلما جاءكم رسول بما ل‬
‫تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ^ ‪ #‬والنصارى أشركوا بهم‬
‫وبمن هو دونهم فعبدوا المسيح بل اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال‬
‫وجعلوا الحواريين رسل ل وزعموا أن النسان يصير بطاعته بمنزلة النبياء‬
‫وصوروا تماثيل النبياء والصالحين وصاروا يدعونهم ويستشفعون بهم بعد موتهم‬
‫وإذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تماثيلهم ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين أن النبي ذكر له كنيسة‬

‫بأرض الحبشة وذكر من حسنها وتصاوير فيها فقال أولئك إذا مات فيهم الرجل‬
‫الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند‬
‫ال يوم القيامة ‪ #‬وأما المسلمون فهداهم ال لما اختلف فيه من الحق بإذنه فآمنوا‬
‫بأنبياء ال كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم ولم يغلوا فيهم غلو النصارى ول قصروا‬
‫في حقهم تقصير اليهود وكذلك قتل اليهود الذين يأمرون بالقسط من الناس‬
‫والنصارى يطيعون من يأمر بالشرك وإن الشرك لظلم عظيم ويطيعون من يحرم‬
‫الحلل ويحلل الحرام والمسلمون يطيعون من يأمر بطاعة ال ول يطيعون من يأمر‬
‫بمعصية ال والنصارى فيهم الشرك بال واليهود فيهم الستكبار عن عبادة ال كما‬
‫قال تعالى في النصارى ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح‬
‫ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪#‬‬

‫‪158‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪159‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقال في اليهود ‪ ^ #‬أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم‬
‫وفريقا تقتلون ^ ‪ #‬والسلم هو أن يستسلم العبد ل وحده فيعبده وحده بما أمره به‬
‫فمن استسلم له ولغيره كان مشركا وال ل يغفر أن يشرك به ومن‬

‫لم يستسلم له بل استكبر عن عبادته كان ممن قيل فيه ‪ ^ #‬ادعوني أستجب لكم إن‬
‫الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ^ ‪ #‬فلهذا كان جميع النبياء‬
‫وأممهم مسلمين ل يعبدونه وحده بما أمرهم به وإن تنوعت شرائعهم فالمسيح لم‬
‫يزل مسلما لما كان متبعا لشرع التوراة ولما نسخ ال له نسخة منها ‪ #‬ومحمد لم‬
‫يزل مسلما لما كان يصلي إلى بيت المقدس ثم لما صلى إلى الكعبة ولما بعثه ال‬
‫إلى الخلق كانوا كلهم مأمورين بطاعته وكانت عبادة ال طاعته فمن لم يطعه لم يكن‬
‫عابدا ل فلم يكن مسلما ‪ #‬وأما التشريع فإن اليهود زعموا أن ما أمر ال به يمتنع‬
‫منه أن ينسخه ‪ #‬والنصارى زعموا أن ما أمر ال به يسوغ لكابرهم أن ينسخوه‬
‫فهدى ال المؤمنين لما اختلفوا فيه من الحق فقالوا إن ال سبحانه له أن ينسخ ما‬
‫شرعه خلفا لليهود وليس للمخلوق أن يغير شيئا من شرع الخالق خلفا للنصارى‬
‫‪ #‬وأما الحلل والحرام والطهارة والنجاسة فإن اليهود حرمت عليهم الطيبات‬
‫وشددت عليهم من أمر النجاسات حتى منعوا من‬

‫مؤاكلة الحائض والجلوس معها في بيت ومن إزالة النجاسة وحرم عليهم شحم‬
‫الثرب والكليتين وكل ذي ظفر وغير ذلك ‪ #‬والمسيح عليه السلم أحل لهم بعض‬
‫الذي حرم عليهم فقابلهم النصارى فقالوا ليس شيء محرم ل الخنزير ول غيره بل‬
‫ول شيء نجس ل البول ول غيره وزعموا أن بعض أكابرهم رأى ملءة صور له‬
‫فيها صور الحيوان وقيل له كل ما طابت نفسك ودع ما تكره وأنه أبيح لهم جميع‬
‫الحيوان ونسخوا شرع التوراة بمجرد ذلك فالحلل عندهم ما اشتهته أنفسهم والحرام‬
‫عندهم ما كرهته أنفسهم فهدى ال الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق فأحل لهم ال‬
‫الطيبات وحرم عليهم الخبائث وأزال عنهم الصار والغلل التي كانت على بني‬
‫إسرائيل خلفا لليهود وأمرهم بالطهارة طهارة الحدث والخبث خلفا للنصارى‬
‫والمسيح عليه السلم جعلته اليهود ولد زنا كذابا ساحرا وجعلته النصارى هو ال‬
‫خالق السموات والرض فهدى ال الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه‬

‫فشهدوا أنه عبدال مخلوق خلفا للنصارى وأنه رسول وجيه في الدنيا والخرة ومن‬
‫المقربين خلفا لليهود وأما التصديق والتكذيب فإن اليهود من شأنهم التكذيب بالحق‬
‫والنصارى من شأنهم التصديق بالباطل فإن اليهود كذبوا من كذبوه من النبياء وقد‬
‫جاءوا بالحق كما قال تعالى ‪ ^ #‬أفكلما جاءكم رسول بما ل تهوى أنفسكم استكبرتم‬
‫ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ^ ‪ #‬والنصارى يصدقون بمحالت العقول والشرائع كما‬
‫صدقوا بالتثليث والتحاد ونحوهما من الممتنعات‬

‫‪159‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪160‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬ثم قالوا عن القرآن أنه يشهد لهم أنهم أنصار ال حيث يقول كما قال عيسى‬
‫بن مريم من أنصاري إلى ال قال الحواريون ‪ ^ #‬نحن أنصار ال فآمنت طائفة من‬
‫بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ‪#‬‬
‫فيقال هذا حق والحواريون مؤمنون مسلمون وهم أنصار ال لكن ليس في هذا أنهم‬
‫رسل ال ول في هذا أن كل ما أنتم عليه من الدين مأخوذ عنهم ول في هذا أن‬
‫الواحد من الحواريين معصوم من الغلط بل أمر ال المؤمنين من أمة محمد أن‬
‫يكونوا أنصار ال كما طلب المسيح ذلك بقوله ( من أنصاري إلى ال ) ‪ #‬وقد‬
‫وصل ال المؤمنين أصحاب النبي من أهل المدينة النبوية بأنهم أنصار ال بقوله‬
‫تعالى‬

‫والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال ^ ‪#‬‬


‫عنهم ورضوا عنه ^ ‪ #‬والمهاجرون أفضل من النصار وهم أيضا من أنصار ال‬
‫نصروه كما نصره النصار لكن لما كان لهم اسم يخصهم وهو المهاجرون وهو‬
‫أفضل السمين خص النصار بهذا السم والمهاجرون والنصار أفضل ممن آمن‬
‫بموسى ومن آمن بعيسى عند المسلمين ‪ #‬ومع هذا فليس فيهم عندهم نبي ول رسول‬
‫ل ولكن فيهم رسل رسول ال تسليما‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأما تعظيمه لنجيلنا وكتبنا التي بأيدينا فيقول ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك‬
‫الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ^ ‪ #‬وقال في سورة آل عمران ‪ ^ #‬الم ال ل إله‬
‫إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة‬
‫والنجيل من قبل هدى للناس ^ ‪ #‬وقال في سورة البقرة ‪ ^ #‬الم ذلك الكتاب ل‬
‫ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون‬
‫والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون أولئك على‬
‫هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ^ ‪ #‬فأعني بالكتاب النجيل والذين يؤمنون‬
‫بالغيب نحن‬

‫النصارى الذين آمنا بالمسيح وما رأيناه ثم اتبع بالقول والذين يؤمنون بما أنزل إليك‬
‫وما أنزل من قبلك فأعني بهم المسلمين الذين آمنوا بما أتى به وما أتى من قبله وقال‬
‫في سورة المائدة ‪ ^ #‬وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن‬
‫لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ ‪ #‬وقال في سورة آل عمران ‪ ^ #‬فإن‬
‫كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ ‪ #‬فأعني‬
‫أيضا بالكتاب المنير الذي هو النجيل المقدس ‪ #‬وقال أيضا ‪ ^ #‬فإن كنت في شك‬
‫مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فل‬
‫تكونن من الممترين ^ ‪ #‬فثبت بهذا ما معنا ونفي عن إنجيلنا وكتبنا التي في أيدينا‬
‫التهم والتبديل والتغيير لما فيها بتصديقه إياها‬

‫‪160‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪161‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والجواب بعد أن تعرف أن لفظ الية الولى من سورة المائدة ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك ‪#‬‬
‫الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ^ ‪ #‬أن يقال أما تصديق‬
‫خاتم الرسل محمد رسول ال لما أنزل ال قبله من الكتب ولمن جاء قبله من النبياء‬
‫فهذا معلوم بالضطرار من دينه متواترا تواترا ظاهرا كتواتر إرساله إلى الخلق‬
‫كلهم وهذا من أصول اليمان ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما‬
‫أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى‬
‫وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل‬
‫ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل آمنا بال وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم ل نفرق بين‬
‫أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في‬
‫^ الخرة من الخاسرين‬

‫وقال ‪ ^ #‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن ‪#‬‬
‫بال واليوم الخر والملئكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى‬
‫واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلة وآتى الزكاة‬
‫والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك‬
‫الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬آمن الرسول بما أنزل إليه‬
‫من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله‬
‫وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ل يكلف ال نفسا إل وسعها لها ما‬
‫كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تحمل علينا‬
‫إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا مال طاقة لنا به واعف عنا‬
‫واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين ^ ‪ #‬وتصديقه للتوراة‬
‫والنجيل مذكور في مواضع من القرآن وقد قال ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق‬
‫^ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ال نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ^ ‪ #‬وقال ^ نحن ‪#‬‬
‫نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ^ ‪ #‬فبين أنه أنزل هذا‬
‫القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتب والمهيمن الشاهد المؤتمن الحاكم يشهد بما‬
‫فيها من الحق وينفي ما حرف فيها ويحكم بإقرار ما أقره ال من أحكامها وينسخ ما‬
‫نسخه ال منها وهو مؤتمن في ذلك عليها وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص‬
‫وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من‬
‫أحكامها فإنه من أهل اليمان والهدى وكذلك من كان متمسكا بالنجيل من غير‬
‫تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ فهو من أهل اليمان والهدى وليس في ذلك مدح‬
‫لمن تمسك بشرع مبدل فضل عمن تمسك بشرع منسوخ ولم يؤمن بما أرسل ال‬
‫إليه من الرسل وما أنزل إليه من الكتب بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل‬
‫الكتاب الول وبترك اليمان بمحمد في غير موضع ‪ #‬وأما تأويلهم قوله ^ ذلك‬

‫‪161‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪162‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكتاب ^ إنه النجيل و ^ إن الذين‬

‫يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون ^ عنى بهم النصارى فهو من‬
‫تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل كلم ال كما فعلوه في قوله ^ ومن يبتغ غير‬
‫السلم دينا ^ وفي قوله ^ بإذني ^ أي باللهوت وفي قوله ^ اهدنا الصراط‬
‫المستقيم ^ ‪ #‬وفي غير ذلك مما ذكروه وتأولوه من القرآن على غير المعنى الذي‬
‫أراد ال به وهذا مما يؤيد أنهم فعلوا كذلك بالتوراة والنجيل فإنه إذا كان القرآن‬
‫الذي قد عرف تفسيره والمراد به العام والخاص ونقل ذلك عن الرسول نقل متواترا‬
‫حتى عرف معناه علما يقينا اضطراريا فيبدلون معناه ويحرفون الكلم عن مواضعه‬
‫فماذا يصنعون بالتوراة والنجيل ولم ينقل لفظ ذلك ومعناه كما نقل القرآن وليس في‬
‫أهل تلك الكتب من يذب عن لفظها ومعناها كما يذب المسلمون عن لفظ القرآن‬
‫ومعناه ‪ #‬وهؤلء غرهم قوله ^ ذلك الكتاب ^ فظنوا أن لفظ ^ ذلك ^ لما كان يشار‬
‫بها إلى الغائب أشير بها إلى النجيل ‪ #‬فيقال لهم هذا كقوله ^ ذلك نتلوه عليك من‬
‫اليات والذكر الحكيم ^ ‪ #‬وأشار بذلك إلى ما تله قبل هذه الية وقوله ‪ ^ #‬وسئلوا‬
‫^ ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم ال يحكم بينكم‬

‫وقوله ‪ ^ #‬فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ‪#‬‬
‫ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة ل ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بال واليوم الخر ^‬
‫‪ #‬ومثله قوله تعالى بعد أن ذكر خبر يوسف الصديق ‪ ^ #‬ذلك من أنباء الغيب‬
‫نوحيه إليك ^ ‪ #‬وقال أيضا لما ذكر خبر مريم ‪ ^ #‬ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‬
‫وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم ^ ‪ #‬كما قال لما ذكر آيات يخبر فيها عن نوح ‪^ #‬‬
‫تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬الر تلك آيات الكتاب المبين إنا‬
‫أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ^ ‪ #‬وتلك في المؤنث مثل ذلك في المذكر ومع هذا‬
‫فأشار إلى‬

‫القرآن ومنه قوله ^ الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ^ ‪ #‬وقوله ^ طس تلك آيات‬
‫القرآن وكتاب مبين ^ ‪ #‬ومنه قوله ^ طسم تلك آيات الكتاب المبين ^ ‪ #‬ومنه قوله‬
‫‪ ^ #‬حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ال العزيز الحكيم ^ ‪ #‬وقوله‬
‫^ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬المر تلك آيات الكتاب والذي‬
‫أنزل إليك من ربك الحق ^ الية ‪ #‬ومثل هذا كثير وذلك أنه لما أنزل قوله ^ ذلك‬
‫الكتاب ^ ^ وتلك آيات الكتاب ^ ونحو ذلك لم يكن الكتاب المشار إليه قد أنزل تلك‬
‫الساعة وإنما كان قد أنزل قبل ذلك فصار كالغائب الذي يشار إليه كما يشار إلى‬
‫الغائب وهو باعتبار حضوره عند النبي يشار إليه كما يشار إلى الحاضر كما قال‬
‫^ تعالى ‪ ^ #‬وهذا ذكر مبارك أنزلناه‬

‫ولهذا قال غير واحد من السلف ذلك الكتاب أي هذا الكتاب يقولون المراد هذا ‪#‬‬
‫الكتاب وإن كانت الشارة تكون تارة إشارة غائب وتارة إشارة حاضر وقد قال ‪^ #‬‬

‫‪162‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪163‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ^ ‪ #‬وقد وصف النصارى بأنهم ل يؤمنون بال‬
‫ول باليوم الخر وأنهم كافرون ظالمون فكيف يجعلهم المتقين الذين يؤمنون بالغيب‬
‫‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم‬
‫ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد‬
‫وهم صاغرون ^ ‪ #‬وأول التقوى تقوى الشرك وقد وصف النصارى بالشرك في‬
‫قوله‬

‫اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ^ ‪#‬‬
‫ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬وقال تعالى لما ذكر‬
‫المسيح ‪ ^ #‬فاختلف الحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم‬
‫أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ ‪ #‬وقال تعالى‬
‫‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ‪ #‬وقوله ^ لقد كفر الذين‬
‫قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ ‪ #‬ونهى عن موالتهم فقال ‪ ^ #‬يا أيها الذين آمنوا ل‬
‫تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ^‬
‫‪ #‬وقد أخبر أن ال ولي المتقين فقال ‪ ^ #‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها‬
‫ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من ال شيئا وإن الظالمين‬
‫^ بعضهم أولياء بعض وال ولي المتقين‬

‫فلو كانوا من المتقين فضل عن أن يكونوا هم المتقين لكان ال وليهم ولكانت ‪#‬‬
‫موالتهم واجبة على المؤمنين وهو قد نهى عن موالتهم وجعل من يتولهم ظالما‬
‫وجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض والكفار بعضهم أولياء بعض ولهذا لما قطع‬
‫ال الموالة بين المؤمنين وبين الكافرين ‪ #‬قال النبي في الحديث الصحيح ل يرث‬
‫المسلم الكافر ول الكافر المسلم ‪ #‬واتفق المسلمون على أن اليهودي والنصراني ل‬
‫يرث مسلما ولو كان ابنه وأباه لن ال قطع الموالة بينهما وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ل‬
‫تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو‬
‫أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^‬
‫^ ‪ #‬وأيضا فإنه قال تعالى ‪ ^ #‬الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة‬

‫وهي الصلة التي أمر بها في قوله ‪ ^ #‬أقم الصلة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ‪#‬‬
‫وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ^ ‪ #‬وقد قال ل يقبل ال صلة بغير‬
‫طهور والنصارى يصلون بغير طهور ‪ #‬وقال ل صلة إل بفاتحة الكتاب وهم ل‬
‫يقرؤونها والصلة التي فرضها وأثنى عليها مشتملة‬

‫على استقبال الكعبة وعلى ركوع وسجدتين في كل ركعة وغير ذلك مما ل يفعله‬
‫النصارى فكيف يمدحهم بإقامة الصلة وهم ل يقيمون الصلة التي أمر بإقامتها ‪#‬‬
‫ثم لو قال اليهودي المراد بقوله ^ ذلك الكتاب ^ التوراة و ^ بالمتقين ^ اليهود لكان‬
‫هذا مع بطلنه أقرب من قول القائل أن المراد بالكتاب النجيل لن التوراة أحق‬

‫‪163‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪164‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بذلك من النجيل فإنها الصل وال تعالى يقرن بينها وبين القرآن في غير موضع‬
‫كقوله ‪ ^ #‬أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى‬
‫إماما ورحمة ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬قل أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد‬
‫شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^‬
‫‪ #‬وقد قالت الجن لما سمعت القرآن ‪ ^ #‬قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد‬
‫موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ^ ‪ #‬وقال النجاشي‬
‫لما سمع القرآن إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة وكذلك ورقة‬
‫بن نوفل قال هذا‬

‫هو الناموس الذي كان ينزل على موسى بن عمران ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قالوا لول‬
‫أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران‬
‫تظاهرا ^ ‪ #‬أي التوراة والقرآن وقالوا ساحران تظاهرا أي موسى ومحمد وقالوا إنا‬
‫بكل كافرون ‪ #‬قال ال ‪ ^ #‬قل فأتوا بكتاب من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن‬
‫كنتم صادقين ^ ‪ #‬فقد بين انه لم يأت من عند ال كتاب أهدى من التوراة والقرآن ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل‬
‫من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها‬
‫وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ول آباؤكم قل ال ثم ذرهم في خوضهم‬
‫يلعبون وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها‬
‫^ والذين يؤمنون بالخرة يؤمنون به وهم على صلتهم يحافظون‬

‫وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ^ ‪ #‬فهي ‪#‬‬
‫صفة ثانية للذين يؤمنون بالغيب مجمل ثم وصفهم بإيمان مفصل بما أنزل إليك وما‬
‫أنزل من قبله والعطف بالواو يكون لتغاير الذوات ويكون لتغاير الصفات كقوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬سبح اسم ربك العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج‬
‫المرعى فجعله غثاء أحوى ^ ‪ #‬والذي خلق فسوى هو الذي قدر فهدى وهو الذي‬
‫أخرج المرعى وكذلك قوله تعالى ‪ ^ #‬ولئن سألتهم من خلق السموات والرض‬
‫ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الرض مهدا وجعل لكم فيها سبل لعلكم‬
‫تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي‬
‫خلق الزواج كلها وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون ^ ‪ #‬ومثله قوله ‪ ^ #‬قد‬
‫أفلح المؤمنون الذين هم في صلتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين‬
‫هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت‬
‫أيمانهم فإنهم غير ملومين‬

‫فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لماناتهم وعهدهم راعون‬
‫والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم‬
‫فيها خالدون ^ ‪ #‬فهم صنف واحد وصفهم بهذه الصفات بحرف الواو وكذلك في‬
‫قوله ‪ ^ #‬إن النسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إل‬

‫‪164‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪165‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المصلين الذين هم على صلتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل‬


‫والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب‬
‫ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إل على أزواجهم أو ما ملكت‬
‫أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم‬
‫لماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلتهم‬
‫يحافظون أولئك في جنات مكرمون ^ ‪ #‬وقد فسر قبل قوله يؤمنون بالغيب صفة‬
‫المؤمنين من غير أهل الكتاب كمشركي العرب والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما‬
‫أنزل من قبلك صفة من آمن به من أهل الكتاب ‪ #‬وعلى هذا القول هؤلء غير‬
‫هؤلء لكن هذا ضعيف فإنه ل بد في المؤمنين من غير أهل الكتاب أن يؤمنوا بما‬
‫أنزل إليه وما أنزل من قبله ول بد في مؤمن أهل الكتاب أن يؤمن بالغيب فكل من‬
‫اليمانين‬

‫واجب على كل واحد ول يكون أحد على هدى من ربه مفلحا إل بهذا وهذا ‪ #‬وأما‬
‫قول النصارى نحن الذين آمنا بالسيد المسيح وما رأيناه فهكذا اليهود آمنوا بموسى‬
‫عليه السلم وما رأوه والمسلمون آمنوا بمحمد وما رأوه بل المسلمون آمنوا بموسى‬
‫وعيسى وسائر النبيين وما رأوهم بخلف اليهود والنصارى الذين آمنوا ببعض‬
‫وكفروا ببعض ثم الغيب ليس المراد به صورة النبي عليه السلم فإن صورة النبي‬
‫ليست من الغيب فإن الناس يرونها وليس في رؤيتها ما يوجب إيمانا ول كفرا ولكن‬
‫الغيب ما غاب عن مشاهدة الخلق وهو ما أخبرت به النبياء من الغيب فيدخل فيه‬
‫اليمان بال وملئكته وكتبه ورسله وهو اليمان بأنهم رسل ال وسواء رؤيت‬
‫أبدانهم أو لم تر فقد يراهم من لم يؤمن برسالتهم وقد يؤمن برسالتهم من لم يرهم ‪#‬‬
‫والمقصود اليمان برسالتهم ل بنفس صورهم حتى يقول القائل آمنا بنبي ولم نره‬
‫وقد يعلم من دلئل نبوته وأعلم رسالته من لم يره أكثر مما يعلمها من رآه‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله في سورة المائدة ‪ ^ #‬وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم‬
‫مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه‬
‫من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم‬
‫يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ ‪ #‬فهذا ثناء منه على المسيح والنجيل‬
‫وأمر للنصارى بالحكم بما أنزل فيه كما أثنى على موسى والتوراة بأعظم مما عظم‬
‫به المسيح والنجيل فقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الرسول ل يحزنك الذين يسارعون في‬
‫الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون‬
‫للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ^ ‪ #‬أي قائلون للكذب مصدقون مستجيبون‬
‫مطيعون لقوم آخرين‬

‫لم يأتوك فهم مصدقون للكذب مطيعون لمن يخالفك وأنت رسول ال ‪ #‬فكل من‬
‫تصديق الكذب والطاعة لمن خالف رسول ال من أعظم الذنوب ‪ #‬ولفظ السميع‬

‫‪165‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪166‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يراد به الحساس بالصوت ويراد به فهم المعنى ويراد به قبوله فيقال فلن سمع ما‬
‫يقول فلن أي يصدقه أو يطيعه ويقبل منه ‪ #‬فقوله سماعون للكذب أي مصدقون به‬
‫وإل مجرد سماع صوت الكاذب وفهم كلمه ليس مذموما على الطلق ‪ #‬وكذلك‬
‫سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي مستجيبون لهم مطيعون كما قال في حق المنافقين‬
‫^ وفيكم سماعون لهم ^ أي مستجيبون مطيعون لهم ومن قال إن المراد به‬
‫الجاسوس فهو غالط كغلط من قال سماعون لهم هم الجواسيس فإن الجاسوس إنما‬
‫ينقل خبر القوم إلى من ل يعرفه ومعلوم أن النبي كان ما يذكره ويأمر به ويفعله‬
‫يراه ويسمعه كل من بالمدينة مؤمنهم ومنافقهم ولم يكن يقصد أن يكتم يهود المدينة‬
‫ما يقوله ويفعله خلف من كان يأتيه من اليهود وهم يصدقون الكذب ويطيعون‬
‫لليهود‬

‫الخرين الذين لم يأتوه وال نهى نبيه أن يحزنه المسارعون في الكفر من هاتين‬
‫الطائفتين المنافقتين الذين أظهروا اليمان به ولم تؤمن قلوبهم ومن أهل الكتاب‬
‫الذين يطلبون أن يحكم بينهم وليس مقصودهم أن يطيعوه ويتبعوا حكمه بل إن حكم‬
‫بما يهوونه قبلوه وإن حكم بخلف ذلك لم يقبلوه لكونهم مطيعين لقوم آخرين لم يأتوه‬
‫‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ^ ‪ #‬أي لم يأتك أولئك القوم‬
‫الخرون يقولون أي يقول السماعون ‪ ^ #‬إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه‬
‫فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر‬
‫قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الخرة عذاب عظيم ^ ‪ #‬والحكم يفتقر إلى‬
‫الصدق والعدل فل بد أن يكون الشاهد صادقا والحاكم عادل وهؤلء يصدقون‬
‫الكاذبين من الشهود ويتبعون حكم المخالفين للرسل الذين يحكمون بغير ما أنزل ال‬
‫وإذا لم يكن قصدهم اتباع الصدق والعدل فليس عليك أن تحكم بينهم بل إن شئت‬
‫فاحكم بينهم وإن شئت فل تحكم‬

‫ولكن إذا حكمت فل تحكم إل بما أنزل ال إليك إذ هو العدل ‪ #‬قال تعالى ‪# ^ #‬‬
‫سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن‬
‫تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن ال يحب‬
‫المقسطين ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم يتولون‬
‫من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون‬
‫الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال وكانوا‬
‫عليه شهداء فل تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآيتي ثمنا قليل ومن لم يحكم بما‬
‫أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين‬
‫والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو‬
‫كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون ^ ‪ #‬فهذا ثناؤه على التوراة‬
‫وإخباره أن فيها حكم ال وأنه أنزل التوراة وفيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين‬
‫أسلموا للذين هادوا وقال عقب ذكرها ‪ ^ #‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم‬
‫^ الكافرون‬

‫‪166‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪167‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا أعظم مما ذكره في النجيل فإنه قال في النجيل ‪ ^ #‬وآتيناه النجيل فيه ‪#‬‬
‫هدى ونور ^ ‪ #‬وقال فيه ‪ ^ #‬وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم‬
‫بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون ^ ‪ #‬وقال في التوراة ‪ ^ #‬يحكم بها النبيون الذين‬
‫أسلموا للذين هادوا ^ ‪ #‬وقال عقب ذكرها ‪ ^ #‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك‬
‫هم الكافرون ^ ‪ #‬فهو سبحانه مع إخباره بإنزال الكتابين يصف التوراة بأعظم مما‬
‫يصف به النجيل ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها‬
‫النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ ‪ #‬وإذا كان ما ذكره من مدح موسى والتوراة لم‬
‫يوجب ذلك مدح اليهود الذين كذبوا المسيح ومحمدا‬

‫وليس فيه ثناء على دين اليهود المبدل المنسوخ باتفاق المسلمين والنصارى فكذلك‬
‫أيضا ما ذكره من مدح المسيح والنجيل ليس فيه مدح النصارى الذين كذبوا محمدا‬
‫وبدلوا أحكام التوراة والنجيل واتبعوا المبدل المنسوخ واليهود توافق المسلمين على‬
‫أنه ليس فيما ذكر مدح للنصارى والنصارى توافق المسلمين على أنه ليس فيما ذكر‬
‫مدح لليهود بعد النسخ والتبديل فعلم اتفاق أهل الملل كلها المسلمون واليهود‬
‫والنصارى على أنه ليس فيما ذكر في القرآن من ذكر التوراة والنجيل وموسى‬
‫وعيسى مدح لهل الكتاب الذين كذبوا محمدا ول مدح لدينهم المبدل قبل مبعثه فليس‬
‫في ذلك مدح لمن تمسك بدين مبدل ول بدين منسوخ فكيف بمن تمسك بدين مبدل‬
‫منسوخ‬

‫فصل ‪ #‬وهنا أصل ل بد من بيانه وهو أنه قد دلت النصوص على أن ال ل يعذب‬
‫إل من أرسل إليه رسول تقوم به الحجة عليه ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وكل إنسان ألزمناه‬
‫طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك‬
‫اليوم عليك حسيبا من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ول تزر‬
‫وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسول ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬رسل‬
‫مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل ^ ‪ #‬وقال تعالى عن‬
‫أهل النار ‪ ^ #‬كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا‬
‫نذير فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وسيق الذين كفروا إلى جهنم‬
‫زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها‬

‫وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم‬
‫هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا معشر‬
‫الجن والنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا‬
‫قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول يتلو‬
‫عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولول أن‬

‫‪167‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪168‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لول أرسلت إلينا رسول ^ ‪ #‬إلى قوله‬
‫‪ ^ #‬فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا‬
‫^ بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون ‪#‬‬
‫من الكتاب ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من‬
‫الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل‬
‫شيء قدير ^ ‪ #‬وإذا كان كذلك فمعلوم أن الحجة إنما تقوم بالقرآن على من بلغه‬
‫كقوله ^ لنذركم به ومن بلغ ^ فمن بلغه بعض القرآن دون بعض قامت عليه الحجة‬
‫بما بلغه دون ما لم يبلغه فإذا اشتبه معنى بعض اليات وتنازع الناس في تأويل الية‬
‫وجب رد ما تنازعوا فيه إلى ال ورسوله فإذا اجتهد الناس في فهم ما أراده الرسول‬
‫فالمصيب له أجران والمخطىء له أجر فل يمنع أن يقال ذلك في أهل الكتاب قبلنا‬
‫فمن لم يبلغه جميع نصوص الكتاب قبلنا لم تقم عليه الحجة إل بما بلغه وما خفي‬
‫عليهم معناه منه فاجتهد في معرفته فإن‬

‫أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وخطأه محطوط عنه فأما من تعمد تحريف‬
‫الكتاب لفظه أو معناه وعرف ما جاء به الرسول فعانده فهذا مستحق للعقاب وكذلك‬
‫من فرط في طلب الحق واتباعه متبعا لهواه مشتغل عن ذلك بدنياه ‪ #‬وعلى هذا فإذا‬
‫كان بعض أهل الكتاب قد حرفوا بعض الكتاب وفيهم آخرون لم يعلموا ذلك فهم‬
‫مجتهدون في اتباع ما جاء به الرسول لم يجب أن يجعل هؤلء من المستوجبين‬
‫للوعيد وإذا جاز أن يكون في أهل الكتاب من لم يعرف جميع ما جاء به المسيح بل‬
‫خفي عليه بعض ما جاء به أو بعض معانيه فاجتهد لم يعاقب على ما لم يبلغه وقد‬
‫تحمل أخبار اليهود الذين كانوا مع تبع والذين كانوا ينتظرون اليمان بمحمد من‬
‫أهل المدينة كابن التيهان وغيره على هذا وإنهم لم يكونوا مكذبين للمسيح تكذيب‬
‫غيرهم من اليهود‬

‫وقد تنازع الناس هل يمكن مع الجتهاد واستفراغ الوسع أن ل يبين للناظر ‪#‬‬
‫المستدل صدق الرسول أم ل ‪ #‬وإذا لم يبين له ذلك هل يستحق العقوبة في الخرة‬
‫أم ل ‪ #‬وتنازع بعض الناس في المقلد منهم أيضا والكلم في مقامين ‪ #‬المقام الول‬
‫في بيان خطأ المخالف للحق وضلله وهذا مما يعلم بطرق متعددة عقلية وسمعية‬
‫وقد يعرف الخطأ في أقوال كثيرة من أهل القبلة المخالفين للحق وغير أهل القبلة‬
‫بأنواع متعددة من الدلئل ‪ #‬والمقام الثاني الكلم في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في‬
‫الخرة ‪ #‬فهذا فيه ثلثة أقوال للناس من أصحاب الئمة المشهورين مالك‬

‫والشافعي وأحمد لهم القوال الثلثة ‪ #‬قيل إنه يعذب في النار من لم يؤمن وإن لم‬
‫يرسل إليه رسول لقيام الحجة عليه بالعقل وهذا قول كثير ممن يقول بالحكم العقلي‬
‫من أهل الكلم والفقه من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم وهو اختيار أبي الخطاب ‪#‬‬

‫‪168‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪169‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقيل ل حجة عليه بالعقل بل ل يجوز أن يعذب من لم يقم عليه حجة ل بالشرع ول‬
‫بالعقل وهذا قول من يجوز تعذيب أطفال الكفار ومجانينهم وهذا قول كثير من أهل‬
‫الكلم كالجهم وأبي الحسن الشعري وأصحابه والقاضي‬

‫أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم ‪ #‬والقول الثالث وعليه السلف والئمة إنه ل يعذب إل‬
‫من بلغته الرسالة ول يعذب إل من خالف الرسل كما دل عليه الكتاب والسنة ‪ #‬قال‬
‫تعالى لبليس ‪ ^ #‬لملن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ^ ‪ #‬وإذا كان كذلك‬
‫فنحن فيما نناظر فيه أهل الكتاب متقدميهم ومتأخريهم تارة نتكلم في المقام الول‬
‫وهو بيان مخالفتهم للحق وجهلهم وضللهم فهذا تنبيه لجميع الدلة الشرعية والعقلية‬
‫وتارة نبين كفرهم الذي يستحقون به العذاب في الدنيا والخرة فهذا‬

‫أمره إلى ال ورسوله ل يتكلم فيه إل بما أخبرت به الرسل كما أنا أيضا ل نشهد‬
‫باليمان والجنة إل لمن شهدت له الرسل ومن لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة‬
‫كالطفال والمجانين وأهل الفترات فهؤلء فيهم أقوال أظهرها ما جاءت به الثار‬
‫أنهم يمتحنون يوم القيامة فيبعث ال إليهم من يأمرهم بطاعته فإن أطاعوه استحقوا‬
‫الثواب وإن عصوه استحقوا العقاب‬

‫وإذا كان كذلك فنحن نشهد لمن كان مؤمنا بموسى متبعا له أنه مؤمن مسلم ‪#‬‬
‫مستحق للثواب ‪ #‬وكذلك من كان مؤمنا بالمسيح متبعا له ونشهد لمن قامت عليه‬
‫الحجة بموسى فلم يتبعه كآل فرعون أنهم من أهل النار ‪ #‬وكذلك من قامت عليه‬
‫الحجة بالمسيح الذين قال ال فيهم ‪ ^ #‬قال إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم‬
‫فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين ^ ‪ #‬والذين قال فيهم ‪ ^ #‬يا عيسى إني‬
‫متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين‬
‫كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين‬
‫كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم وال ل يحب الظالمين ^ ‪ #‬وأما من بعد عهده‬
‫بالمسيح وبلغته بعض أخباره دون بعض أو بموسى وبلغه أخباره دون بعض فهؤلء‬
‫قامت عليهم الحجة بما بلغهم من أخبارهم دون ما لم يبلغهم من أخبارهم وإذا اختلفوا‬
‫في تأويل بعض التوراة والنجيل فمن قصد الحق واجتهد في طلبه لم يجب‬

‫أن يعذب وإن كان مخطئا للحق جاهل به ضال عنه كالمجتهد في طلب الحق من‬
‫أمة محمد ‪ #‬وعلى هذا فإذا قيل أن الحواريين أو بعضهم أو كثيرا من أهل الكتاب‬
‫أو أكثرهم كانوا يعتقدون أن المسيح نفسه صلب كانوا مخطئين في ذلك ولم يكن هذا‬
‫الخطأ مما يقدح في إيمانهم بالمسيح إذا آمنوا بما جاء به ول يوجب لهم النار فإن‬
‫الناجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ذكر صلب المسيح وعندهم أنها مأخوذة عن‬
‫الربعة مرقس ولوقا ويوحنا‬

‫‪169‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪170‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومتى ولم يكن في الربعة من شهد صلب المسيح ول من الحواريين بل ول في‬


‫أتباعه من شهد صلبه وإنما الذين شهدوا الصلب طائفة من اليهود فمن الناس من‬
‫يقول أنهم علموا أن المصلوب غيره وتعمدوا الكذب في أنهم صلبوه وشبه صلبه‬
‫على من أخبروهم وهذا قول طائفة من أهل الكلم المعتزلة وغيرهم وهو قول ابن‬
‫حزم‬

‫وغيره ومنهم من يقول بل اشتبه على الذين صلبوه وهذا قول أكثر الناس والولون‬
‫يقولون أن قوله ‪ ^ #‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ^ ‪ #‬أي شبه للناس الذين‬
‫أخبرهم أولئك بصلبه ‪ #‬الجمهور يقولون بل شبه للذين يقولون صلبوه كما قد ذكرت‬
‫القصة في غير هذا الموضع والمقصود هنا أن الناس في هذا المقام على طرفين‬
‫ووسط‬

‫أما الطرف الواحد فهم الغلة من النصارى الذين يدعون أن الحواريين كانوا ‪#‬‬
‫معصومين فيما يقولونه ويروونه ويرونه وكذلك يقولون بتصويب علماء النصارى‬
‫فيما يقولونه من تأويل النجيل ‪ #‬والطرف الخر يقول بل كل من غلط وأخطأ في‬
‫شيء من ذلك فإنه مستحق للوعيد بل كافر ‪ #‬والثالث الوسط أنهم ل يعصمون ول‬
‫يؤثمون بل قد يكونون مخطئين خطأ مغفورا لهم إذا كانوا مجتهدين في معرفة الحق‬
‫واتباعه بحسب وسعهم وطاقتهم وعلى هذا تدل الدلة الصحيحة وكتب ال تدل على‬
‫ذم الضال والجاحد ومقته مع أنه ل يعاقب إل بعد إنذاره ‪ #‬وقد ثبت في الصحيح‬
‫عن عياض بن حمار عن النبي‬

‫أنه قال إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب‬
‫‪ #‬فأخبر أنه مقتهم إل هؤلء البقايا والمقت هو البغض بل أشد البغض ومع هذا فقد‬
‫أخبر في القرآن أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسول فقال ^ وما كنا معذبين‬
‫حتى نبعث رسول ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لول‬
‫أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ^ ‪ #‬فدل ذلك على أن‬
‫المقتضي لعذابهم قائم ولكن شرط العذاب هو بلوغ الرسالة ولهذا قال ‪ ^ #‬لئل يكون‬
‫للناس على ال حجة بعد الرسل ^ ‪ #‬وفي الصحيحين عن النبي أنه قال ما أحد أحب‬
‫إليه العذر من ال من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب ‪ #‬وفي رواية من أجل‬
‫ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين‬

‫وما أحد أحب إليه المدح من ال من أجل ذلك مدح نفسه وما أحد أغير من ال من‬
‫أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ #‬وقد تنازع الناس في حسن‬
‫الفعال وقبحها كحسن العدل والتوحيد والصدق وقبح الظلم والشرك والكذب هل‬
‫يعلم بالعقل أم ل يعلم إل بالسمع وإذا قيل أنه يعلم بالعقل فهل يعاقب من‬

‫فعل ذلك قبل أن يأتيه رسول على ثلثة أقوال معروفة في أصحاب الئمة وغيرهم‬

‫‪170‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪171‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهي ثلثة أقوال لصحاب المام أحمد وغيرهم فقالت طائفة ل يعرف ذلك إل‬
‫بالشرع ل بالعقل وهذا قول نظار المجبرة كالجهم بن صفوان وأمثاله وهو قول أبي‬
‫الحسن الشعري وأتباعه من أصحاب الئمة الربعة كالقاضي أبي بكر بن الطيب‬
‫وأبي عبدال بن حامد والقضي أبي يعلى وأبي المعالي‬

‫وأبي الوفاء بن عقيل وغيرهم وقيل بل قد يعلم حسن الفعال وقبحها بالعقل ‪ #‬قال‬
‫أبو الخطاب محفوظ بن أحمد وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين ‪ #‬وهذا هو المنقول‬
‫عن أبي حنيفة نفسه وعليه عامة أصحابه وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد‬
‫وأهل الحديث كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب وأبي بكر القفال وأبي نصر‬

‫السجزي وأبي القاسم سعد بن علي الزنجاني وهو قول الكرامية وغيرهم من نظار‬
‫المثبتة للقدر وهو قول المعتزلة وغيرهم‬

‫من نظار القدرية ثم هؤلء على قولين ‪ #‬منهم من يقول يستحقون عذاب الخرة‬
‫بمجرد مخالفتهم للعقل كقول المعتزلة والحنفية وأبي الخطاب وقول هؤلء مخالف‬
‫للكتاب والسنة ‪ #‬ومنهم من يقول بل ل يعذبون حتى يبعث إليهم رسول كما دل عليه‬
‫الكتاب والسنة لكن أفعالهم تكون مذمومة ممقوتة يذمها ال ويبغضها ويوصفون‬
‫بالكفر الذي يذمه ال ويبغضه وإن كان ل يعذبهم حتى يبعث إليهم رسول كما قال‬
‫النبي في الحديث الصحيح كما تقدم إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم‬
‫وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب وإن ربي قال لي قم في قريش فأنذرهم قلت إذا‬
‫يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة ‪ #‬قال إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا ل‬
‫يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان فابعث جندا أبعث مثليهم وقاتل بمن أطاعك من‬
‫عصاك وأنفق أنفق عليك ‪ #‬وقال إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين‬
‫وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به‬

‫سلطانا ‪ #‬وقال النبي في الحديث الصحيح كل مولود يولد على الفطرة ‪ #‬وفي رواية‬
‫على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء‬
‫هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي ال عنه اقرءوا إن شئتم‬
‫فطرة ال التي فطر الناس عليها قيل يا رسول ال أرأيت من يموت من أطفال‬
‫المشركين وهو صغير قال ال أعلم بما كانوا عاملين ومع‬

‫مقت ال لهم فقد أخبر أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسول وهذا يدل على‬
‫إبطال قول من قال أنهم لم يكونوا مسيئين ول مرتكبين لقبيح حتى جاء السمع وقول‬
‫من قال أنهم كانوا معذبين بدون السمع إما لقيام الحجة بالعقل كما يقوله من يقوله‬
‫من القدرية وإما لمحض المشيئة كما يقوله المجبرة ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وما كان ربك‬
‫مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إل‬
‫وأهلها ظالمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولول أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم‬

‫‪171‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪172‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ فيقولوا ربنا لول أرسلت إلينا رسول فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لول أرسلت إلينا ‪#‬‬
‫رسول فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ^ ‪ #‬فهذا يبين أنه لم يكن ليعذب الكفار‬
‫حتى يبعث إليهم رسول وبين أنهم قبل الرسول كانوا قد اكتسبوا العمال التي توجب‬
‫المقت والذم وهي سبب للعذاب لكن شرط العذاب قيام الحجة عليهم بالرسالة‬

‫فصل ‪ #‬ومما ينبغي أن يعلم أن سبب ضلل النصارى وأمثالهم من الغالية كغالية‬
‫العباد والشيعة وغيرهم ثلثة أشياء ‪ #‬أحدها الفاظ متشابهة مجملة مشكلة منقولة عن‬
‫النبياء وعدلوا عن اللفاظ الصريحة المحكمة وتمسكوا بها وهم كلما سمعوا لفظا‬
‫لهم فيه شبهة تمسكوا به وحملوه على مذهبهم وإن لم يكن دليل على ذلك واللفاظ‬
‫الصريحة المخالفة لذلك إما أن يفوضوها وإما أن يتأولوها كما يصنع أهل الضلل‬
‫يتبعون المتشابه من الدلة العقلية والسمعية ويعدلون عن المحكم الصريح من‬
‫القسمين ‪ #‬والثاني خوارق ظنوها آيات وهي من أحوال الشياطين وهذا مما ضل به‬
‫كثير من الضلل المشركين وغيرهم مثل دخول الشياطين في الصنام وتكليمها‬
‫للناس ومثل إخبار الشياطين للكهان بأمور غائبة ول بد لهم مع ذلك من كذب ومثل‬
‫تصرفات تقع من الشياطين ‪ #‬والثالث أخبار منقولة إليهم ظنوها صدقا وهي كذب‬
‫وإل فليس مع النصارى ول غيرهم من أهل الضلل على باطلهم ل معقول‬

‫صريح ول منقول صحيح ول آية من آيات النبياء بل إن تكلموا بمعقول تكلموا‬


‫بألفاظ متشابهة مجملة فإذا استفسروا عن معاني تلك الكلمات وفرق بين حقها‬
‫وباطلها تبين ما فيها من التلبيس والشتباه ‪ #‬وإن تكلموا بمنقول فإما أن يكون‬
‫صحيحا لكن ل يدل على باطلهم ‪ #‬وإما أن يكون غير صحيح ثابت بل مكذوب ‪#‬‬
‫وكذلك ما يذكرونه من خوارق العادات إما أن يكون صحيحا قد ظهر على يد نبي‬
‫كمعجزات المسيح ومن قبله كإلياس واليسع وغيرهما من النبياء وكمعجزات‬
‫موسى فهذه حق ‪ #‬وإما أن تكون قد ظهرت على يد بعض الصالحين كالحواريين‬
‫وذلك ل يستلزم أن يكونوا معصومين كالنبياء فإن النبياء معصومون فيما يبلغونه‬
‫ل يتصور أن يقولوا على ال إل الحق ول يستقر في كلمهم باطل ل عمدا ول خطأ‬
‫‪ #‬وأما الصالحون فقد يغلط أحدهم ويخطىء مع ظهور الخوارق على يديه وذلك ل‬
‫يخرجه عن كونه رجل صالحا ول يوجب أن يكون معصوما إذا كان هو لم يدع‬
‫العصمة ولم يأت باليات دالة على ذلك‬

‫ولو ادعى العصمة وليس بنبي لكان كاذبا ل بد أن يظهر كذبه وتقترن به الشياطين‬
‫فتضله ويدخل في قوله تعالى ‪ ^ #‬هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل‬
‫أفاك أثيم ^ ‪ #‬والنصارى عندهم منقول في الناجيل ان الذي صلب ودفن في القبر‬
‫رآه بعض الحواريين وغيرهم بعد أن دفن قام من قبره رأوه مرتين أو ثلثا وأراهم‬

‫‪172‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪173‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫موضع المسامير وقال ل تظنوا إني شيطان‬

‫وهذا إذا كان صحيحا فذاك شيطان ادعى أنه المسيح والتبس على أولئك ومثل ‪#‬‬
‫هذا قد جرى لخلق عظيم في زماننا وقبل زماننا كناس كانوا بتدمر فرأوا شخصا‬
‫عظيما طائرا في الهواء وظهر لهم مرات بأنواع من اللباس وقال لهم أنا المسيح ابن‬
‫مريم وأمرهم بأمور يمتنع أن يأمر بها المسيح عليه السلم وحضروا إلى عند الناس‬
‫وبينوا لهم أن ذلك هو شيطان أراد أن يضلهم ‪ #‬وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من‬
‫يعظمه ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم فتارة يرى القبر قد انشق وخرج منه‬
‫إنسان على صورة ذلك الرجل وتارة يرى ذلك النسان قد دخل في القبر وتارة يراه‬
‫إما راكبا وإما ماشيا داخل إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر وتارة يراه‬
‫خارجا من ذلك المكان ويظن أن ذلك هو ذلك الرجل الصالح وقد يظن أن قوما‬
‫استغاثوا به فذهب إليهم ويكون ذلك شيطانا تصور بصورته وهذا جرى لغير واحد‬
‫ممن أعرفهم وتارة يستغيث‬

‫أقوام بشخص يحسنون به الظن إما ميت وإما غائب فيرونه بعيونهم قد جاء وقد‬
‫يكلمهم وقد يقضي بعض حاجاتهم فيظنونه ذلك الشخص الميت وإنما هو شيطان‬
‫زعم أنه هو وليس هو إياه وكثيرا ما يأتي الشخص بعد الموت في صورة الميت‬
‫فيحدثهم ويقضي ديونا ويرد ودائع ويخبرهم عن الموتى ويظنون أنه هو الميت نفسه‬
‫قد جاء إليهم وإنما هو شيطان تصور بصورته ‪ #‬وهذا كثير جدا ل سيما في بلد‬
‫الشرك كبلد الهند ونحوها ومن هؤلء من تراه أنت تحت سريره آخذ بيد اب‬
‫نه في الجنازة ومنهم من يقول إذا مت فل تدعوا أحدا يغلسني فأنا آتي من هذه‬
‫الناحية أغسل نفسي فيأتي بعد الموت شخص في الهواء على صورته يغسله هو‬
‫والذي أوصاه ويظن ذلك أنه جاء وإنما هو شيطان تصور بصورته وتارة يرى‬
‫أحدهم شخصا إما طائرا في الهواء وإما عظيم الخلقة وإما أن يخبره بأشياء غائبة‬
‫ونحو ذلك ويقول له أنا الخضر ويكون ذلك شيطانا كذب على ذلك الشخص وقد‬
‫يكون‬

‫الرائي من أهل الدين والزهد والعبادة وقد جرى هذا لغير واحد وتارة يرى عند قبر‬
‫نبي أو غيره أن الميت قد خرج إما من حجرته وإما من قبره وعانق ذلك الزائر‬
‫وسلم عليه ويكون شيطانا تصور بصورته وتارة يجيء من يجيء إلى عند قبر ذلك‬
‫الشخص فيستأذنه في أشياء ويسأله عن أمور فيخاطبه شخص يراه أو يسمع صوتا‬
‫ول يرى‬

‫شخصا ويكون ذلك شيطانا أضله ‪ #‬وقد يرى أشخاصا في اليقظة إما ركبانا وإما‬
‫غير ركبان ويقولون هذا فلن النبي إما إبراهيم وإما المسيح وإما محمد وهذا فلن‬
‫الصديق إما أبو بكر وإما عمر وإما بعض الحواريين وهذا فلن لبعض من يعتقد‬
‫فيه الصلح إما جرجس أو غيره ممن تعظمه النصارى وإما بعض شيوخ المسلمين‬

‫‪173‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪174‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويكون ذلك شيطانا ادعى أنه ذلك النبي أو ذلك الشيخ أو الصديق أو القديس ‪ #‬ومثل‬
‫هذا يجري كثيرا لكثير من المشركين والنصارى وكثير من المسلمين ويرى أحدهم‬
‫شيخا يحسن به الظن ويقول أنا الشيخ فلن ويكون شيطانا وأعرف من هذا شيئا‬
‫كثيرا وأعرف غير واحد ممن يستغيث ببعض الشيوخ الغائبين والموتى يراه قد أتاه‬
‫في اليقظة وأعانه ‪ #‬وقد جرى مثل هذا لي ولغيري ممن أعرفه ذكر غير واحد أنه‬

‫استغاث بي من بلد بعيدة وأنه رآني قد جئته ومنهم من قال رأيتك راكبا بلباسك‬
‫وصورتك ومنهم من قال رأيتك على جبل ومنهم من قال غير ذلك فأخبرتهم أني لم‬
‫أغثهم وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي ليضلهم لما أشركوا بال ودعوا غير ال ‪#‬‬
‫وكذلك غير واحد ممن أعرفه من أصحابنا استغاث به بعض من يحسن به الظن‬
‫فرآه قد جاءه وقضى حاجته قال صاحبي وأنا ل أعلم بذلك ومن هؤلء الشيوخ من‬
‫يقول إنه يسمع صوت ذلك الشخص المستغيث به ويجيبه وتكون الشياطين أسمعته‬
‫صوتا يشبه صوت الشيخ المستغيث له فأجابه الشيخ بصوته فأسمعت المستغيث‬
‫صوتا يشبه صوت الشيخ فيظن أنه صوت الشيخ ‪ #‬وهذا جرى لمن أعرفه واخبر‬
‫بذلك عن نفسه وقال بقي‬

‫الجني الذي يحدثني يبلغني مثل صوت المستغيثين بي ويبلغهم مثل صوتي ويريني‬
‫في شيء أبيض نظير ما أسأل عنه فأخبر به الناس أني رأيته وأنه سيأتي ول أكون‬
‫قد رأيته وإنما رأيت شبيهه ‪ #‬وهكذا تفعل الجن بمن يعزم عليهم ويقسم عليهم ‪#‬‬
‫وكذلك ما رآه قسطنطين من الصليب الذي رآه من نجوم والصليب الذي رآه مرة‬
‫أخرى هو مما مثله الشياطين وأراهم ذلك ليضلهم به كما فعلت الشياطين ما هو‬
‫أعظم من ذلك بعباد الوثان‬

‫وكذلك من ذكر أن المسيح جاءه في اليقظة وخاطبه بأمور كما يذكر عن بولس ‪#‬‬
‫فإنه إذا كان صادقا كان ذلك الذي رآه في اليقظة وقال إنه المسيح شيطانا من‬
‫الشياطين كما جرى مثل ذلك لغير واحد ‪ #‬والشيطان إنما يضل الناس ويغويهم بما‬
‫يظن أنهم يطيعونه فيه فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم ويخاطب من يخاطب من‬
‫ضلل المسلمين بما يوافق اعتقاده وينقله إلى ما يستجيب لهم فيه بحسب اعتقادهم ‪#‬‬
‫ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بجرجس في صورة جرجس أو بصورة من‬
‫يستغيث به النصارى من أكابر دينهم إما بعض البطاركة وإما بعض المطارنة وإما‬
‫بعض الرهبان ويتمثل لمن يستغيث به من ضلل المسلمين بشيخ من الشيوخ في‬
‫صورة ذلك الشيخ كما تمثل لجماعة ممن أعرفهم في صورتي وفي صورة جماعة‬
‫من الشيوخ الذين ذكروا في ذلك ويتمثل كثيرا في صورة‬

‫بعض الموتى تارة يقول أنا الشيخ عبدالقادر وتارة يقول أنا الشيخ أبو الحجاج‬
‫القصري وتارة يقول أنا الشيخ عدي وتارة يقول أنا احمد بن الرفاعي وتارة يقول‬
‫أنا أبو مدين‬

‫‪174‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪175‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المغربي وإذا كان يقول أنا المسيح أو إبراهيم أو محمد فغيرهم بطريق الولى‬
‫والنبي قال من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي وفي‬
‫رواية في صورة النبياء ‪ #‬فرؤيا النبياء في المنام حق وأما رؤية الميت في اليقظة‬
‫فهذا جني تمثل في صورته ‪ #‬وبعض الناس يسمي هذا روحانية الشيخ وبعضهم‬
‫يقول هي رفيقه وكثير من هؤلء يرى يقوم من مكانه ويدع في مكانه صورة‬

‫مثل صورته وكثير من هؤلء ومن هؤلء من يقول يرى في مكانين ويرى واقفا‬
‫بعرفات وهو في بلده لم يذهب فيبقى الناس الذين ل يعرفون حائرين ‪ #‬فإن العقل‬
‫الصريح يعلم أن الجسم الواحد ل يكون في الوقت الواحد في مكانين ‪ #‬والصادقون‬
‫قد رأوا ذلك عيانا ل يشكون فيه ولهذا يقع النزاع كثيرا بين هؤلء وهؤلء كما قد‬
‫جرى ذلك غير مرة ‪ #‬وهذا صادق فيما رأى وشاهد وهذا صادق فيما دل عليه‬
‫العقل الصريح ‪ #‬لكن ذلك المرئي كان جنيا تمثل بصورة النسان ‪ #‬والحسيات إن‬
‫لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإل وقع فيها غلط كبير ‪ #‬وهذا القسم المشهود‬
‫في الخارج غير ما يتخيله النسان في نفسه فإن هذا يعرفه جميع الناس ويصوبه‬
‫جميع العقلء يتخيلون أشياء في انفسهم كما يتخيله النائم في منامه وتكون تلك‬
‫الصورة موجودة في الخيال ل في الخارج‬

‫والفلسفة وسائر العقلء يعترفون بهذا لكن كثير من الفلسفة يظن أن ما رأته ‪#‬‬
‫النبياء من الملئكة وما سمعته من الكلم كان من هذا النوع ويظنون أن ما يرى‬
‫من الجن هو من هذا النوع وهؤلء جهال غالطون في هذا كما جهلوا وغلطوا في‬
‫ظنهم أن خوارق العادات سببها قوى نفسانية أو طبيعية أو قوى فلكية وأن الفرق بي‬
‫النبي والساحر إنما هو حسن قصد هذا وفساد قصد الخر وإل فكلهما خوارق‬
‫سببها قوى نفسانية أو فلكية وهذا النفي باطل كما قد بسطنا الكلم عليه وبينا جهل‬
‫هؤلء وضللهم في غير هذا الموضع ‪ #‬والذين شاهدوا ذلك في الخارج وثبت‬
‫عندهم بالخبار الصادقة المتواترة وجود ذلك في الخارج يعلمون أن هؤلء جاهلون‬
‫ضالون ويعلمون أن الملئكة تظهر في صورة البشر كما ظهرت لبراهيم‬

‫ولوط ومريم في صورة البشر وكما كان جبريل يظهر للنبي تارة في صورة دحية‬
‫الكلبي وتارة في صورة أعرابي ويراه كثير من الناس عيانا وما في خيال النسان‬
‫ل يراه غيره وكذلك كما ظهر إبليس للمشركين في صورة الشيخ النجدي وظهر لهم‬
‫يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فلما رأى الملئكة هرب‬

‫قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس ‪#‬‬
‫وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى‬
‫مال ترون إني أخاف ال وال شديد العقاب ^ ‪ #‬وروي عن ابن عباس وغيره قال‬
‫تبدى إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من مدلج والشيطان‬

‫‪175‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪176‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار‬
‫لكم وأقبل جبريل عليه السلم على إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من‬
‫المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك‬
‫لنا جار فقال إني أرى ما ل ترون إني أخاف ال وال شديد العقاب‬

‫قال ابن عباس وذلك لما رأى الملئكة قال الضحاك سار الشيطان معهم برايته ‪#‬‬
‫وجنوده وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دينكم ودين‬
‫آبائكم ‪ #‬وكثير من الناس تحمله الجن إلى مكان بعيد فتحمل كثيرا من الناس إلى‬
‫عرفات وغير عرفات وإذا رأى واحد من هؤلء في غير بلده يكون تارة محمول قد‬
‫حملته الجن وتارة تصورت على صورته‬

‫ول يكون هذا من أولياء ال المتقين الذين لهم كرامات بل قد يكون من الكافرين‬
‫أوالفاسقين وأعرف من ذلك قضايا كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها ‪ #‬وعند‬
‫المشركين والنصارى من ذلك شيء كثير يظنونه من جنس اليات التي للنبياء ‪#‬‬
‫إنما هي من جنس ما للسحرة والكهان ومن لم يفرق بين أولياءالرحمن وأولياء‬
‫الشيطان ويفرق بين معجزات لنبياء وكرامات الصالحين وبين خوارق السحرة‬
‫والكهان ومن تقترن بهم الشياطين وإل التبس عليه الحق بالباطل فأما أن يكذب‬
‫بالحق الذي جاء به النبياء الصادقون وأما أن يصدق بالباطل الذي يقوله الكاذبون‬
‫والغالطون ‪ #‬وهذه المور مبسوطة في موضع آخر والمقصود هنا التنبيه على هذا‬
‫الصل وعلماء النصارى يسلمون هذا وعندهم من ذلك أخبار كثيرة من حكايات‬
‫أولياء الشيطان الذين عارضهم أولياء الرحمن وأبطلوا أحوالهم كما أبطل موسى‬
‫صلوات ال عليه ما عارضته به‬

‫السحرة من الخوارق كما ذكر ذلك في التوراة وكما يذكرونه عن فلن وفلن مثل‬
‫حكاية سيمون الساحر مع الحواريين وغير ذلك وإذا كان هذا معلوما كان ما‬
‫يذكرونه من هذاالجنس إذا كان مخالفا لما ثبت عن النبياء من الشيطان فل يجوز‬
‫أن يحتج به على ما يخالف شرائع النبياءالثابتة عنهم بل هؤلء من جنس الدجال‬
‫الكبير الذي انذرت به النبياء كلهم حتى نوح أنذر قومه وقال خاتم الرسل ما من‬
‫نبي إل قد أنذر أمته حتى نوح أنذر‬

‫قومه وسأقول لكم فيه قول لم يقله نبي لمته إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب‬
‫بين عينيه كافر ( ك ف ر ) يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير قارىء وقال واعلموا أن‬
‫أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت ‪ #‬وقد أخبر أن المسيح عيسى بن مريم مسيح‬
‫الهدى ينزل إلى الرض على المنارة البيضاء شرقي دمشق فيقتل مسيح الضللة‬
‫وهذا هو الذي تنتظره اليهود ويجحدون المسيح عيسى بن مريم ويقولون هذا هو‬
‫الذي بشرت به النبياء ويتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفا مطيلسين ويقتلهم‬
‫المسلمون مع عيسى بن مريم شر قتلة حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا‬

‫‪176‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪177‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يهودي ورائي تعال‬

‫اقتله وكل هذا ثابت في الصحيح عن النبي ولهذا أمر أمته أن يستعيذوا بال من فتنته‬
‫فقال إذا قعد أحدكم في التشهد في الصلة فليتعوذ بال من أربع من عذاب جهنم ومن‬
‫عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ‪ #‬والنبياء كلهم‬
‫أنذروا بالكذابين الذين يتشبهون بالنبياء لكن من الناس من يتعمد الكذب وكثير منهم‬
‫ل يتعمد بل يلتبس عليه فيغلط فيخبر بما يظنه حقا ول يكون كذلك ويرى في اليقظة‬
‫ما يظنه فلنا الولي أو النبي أو الخضر ول يكون كذلك ‪ #‬والغلط جائز على كل‬
‫أحد إل النبياء عليهم السلم فإنهم معصومون ل يقرون على خطأ فمن لم يزن‬
‫علونه وأعماله وأقواله وأفعاله بالمعلوم عن النبياء وإل كان ضال فنسأل ال العظيم‬
‫أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا‬

‫والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على إثبات مسيحين مسيح هدى من ولد داود ‪#‬‬
‫ومسيح ضلل يقول أهل الكتاب إنه من ولد يوسف ومتفقون على أن مسيح الهدى‬
‫سوف يأتي كما يأتي مسيح الضللة لكن المسلمون والنصارى يقولون مسيح الهدى‬
‫هو عيسى بن مريم وإن ال أرسله ثم يأتي مرة ثانية لكن المسلمون يقولون إنه ينزل‬
‫قبل يوم القيامة فيقتل مسيح الضللة ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ول يبقى دين‬
‫إل دين السلم ويؤمن به أهل الكتاب اليهود والنصارى‬

‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ ‪ #‬والقول ‪#‬‬
‫الصحيح الذي عليه الجمهور قبل موت المسيح وقال تعالى ‪ ^ #‬وإنه لعلم للساعة‬
‫فل تمترن بها ^ ‪ #‬وأما النصارى فتظن أنه ال وأنه يأتي يوم القيامة لحساب‬
‫الخلئق وجزائهم وهذا مما ضلوا فيه واليهود تعترف بمجيء مسيح هدى يأتي لكن‬
‫يزعمون أن عيسى عليه السلم لم يكن مسيح هدى لظنهم أنه جاء بدين النصارى‬
‫المبدل ومن جاء به فهو كاذب وهم ينتظرون المسيحين‬

‫فصل ‪ #‬والخوارق التي تضل بها الشياطين لبني آدم مثل تصور الشيطان بصورة‬
‫شخص غائب أو ميت ونحو ذلك ضل بها خلق كثير من الناس من المنتسبين إلى‬
‫المسلمين أو إلى أهل الكتاب وغيرهم وهم بنو ذلك على مقدمتين ‪ #‬إحداهما أن من‬
‫ظهرت هذه على يديه فهو ولي ل وبلغة النصارى هو قديس عظيم ‪ #‬الثانية أن من‬
‫يكون كذلك فهو معصوم فكل ما يخبر به فهو حق وكل ما يأمر به فهو عدل وقد ل‬
‫يكون ظهرت على يديه خوارق ل رحمانية ول شيطانية ولكن صنع حيلة من حيل‬
‫أهل الكذب والفجور وحيل أهل الكذب والفجور كثيرة جدا فيظن أن ذلك من‬
‫العجائب الخارقة للعادة ول يكون كذلك مثل الحيل المذكورة عن الرهبان‬

‫‪177‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪178‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقد صنف بعض الناس مصنفا في حيل الرهبان مثل الحيلة المحكية عن أحدهم ‪#‬‬
‫في جعل الماء زيتا بأن يكون الزيت في جوف منارة فإذا نقص صب فيها ماء‬
‫فيطفو الزيت على الماء فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتا ‪ #‬ومثل الحيلة‬
‫المحكية عنهم في ارتفاع النخلة وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة‬
‫فأراه النخلة صعدت شيئا شيئا حتى حاذت الدير فأخذ من رطبها ثم نزلت حتى‬
‫عادت كما كانت فكشف الرجل الحيلة فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا‬
‫أرسل عليه الماء امتل حتى تصعد السفينة وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت‬
‫السفينة ‪ #‬ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة يضعون كحل في‬
‫ماء متحرك حركة لطيفة فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن‬
‫أنه دموع ‪ #‬ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة التي يسمونها القونة‬

‫بصيدنايا وهي أعظم مزاراتهم بعد القمامة وبيت لحم حيث ولد المسيح وحيث قبر‬
‫فإن هذه صورة السيدة مريم وأصلها خشبة نخلة سقيت بالدهان حتى تنعمت وصار‬
‫الدهن يخرج منها دهنا مصنوعا يظن أنه من بركة الصورة ‪ #‬ومن حيلهم الكثيرة‬
‫النار التي يظن عوامهم أنها تنزل من السماء في عيدهم في قمامة وهي حيلة قد‬
‫شهدها غير واحد من المسلمين والنصارى ورأوها بعيونهم أنها نار مصنوعة‬
‫يضلون بها عوامهم يظنون أنها نزلت من السماء ويتبركون بها وإنما هي صنعة‬
‫صاحب محال وتلبيس ‪ #‬ومثل ذلك كثير من حيل النصارى فجميع ما عند‬
‫النصارى المبدلين لدين المسيح من الخوارق إما حال شيطاني وإما محال‬

‫بهتاني ليس فيه شيء من كرامات الصالحين ‪ #‬وكذلك أهل اللحاد المبدلين لدين‬
‫محمد الذين يتخذون دينا لم يشرعه ال ورسوله ويجعلونه طريقا إلى ال وقد‬
‫يختارونه على الطريق التي شرعها ال ورسوله مثل أن يختاروا سماع الدفوف‬
‫والشبابات على سماع كتاب ال تعالى فقد يحصل لحدهم من الوجد والغرام‬
‫الشيطاني ما يلبسه معه الشيطان حتى يتكلم على لسان أحدهم بكلم ل يعرفه ذلك‬
‫الشخص إذا أفاق كما يتكلم الجني على لسان المصروع وقد يخبر بعض الحاضرين‬
‫بما في نفسه ويكون ذلك من الشيطان فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدر ما‬
‫قال ومنهم من يحمله الشيطان ويصعد به قدام الناس في الهواء ‪ #‬ومنهم من يشير‬
‫إلى بعض الحاضرين فيموت أو يمرض أو يصير مثل الخشبة ‪ #‬ومنهم من يشير‬
‫إلى بعض الحاضرين فيلبسه الشيطان ويزول عقله حتى يبقى دائرا زمانا طويل‬
‫بغير إختياره‬

‫ومنهم من يدخل النار ويأكلها ويبقى لهبها في بدنه وشعره ‪ #‬ومنهم من تحضر ‪#‬‬
‫له الشياطين طعاما أو شيئا من لدن أو سكر أو زعفران أو ماء ورد ومنهم من‬
‫تأتيه بدراهم تسرقها الشياطين من بعض المواضع ‪ #‬ثم من هؤلء من إذا فرق‬
‫الدراهم على الحاضرين أخذت منهم فل يمكنون من التصرف فيها إلى أمور يطول‬
‫وصفها وآخرون ليس لهم من يعينهم على ذلك من الشياطين فيصنعون حيل‬

‫‪178‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪179‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومخاريق ‪ #‬فالملحدون المبدلون لدين الرسل دين المسيح أو دين محمد صلى ال‬
‫عليهما وسلم هم كأمثالهم من أهل اللحاد‬

‫والضلل الكفار المرتدين والمشركين ونحوهم كمسيلمة الكذاب والسود العنسي‬


‫والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغيرهم ممن لهم خوارق شيطانية ‪ #‬وأما أهل‬
‫الحيل فيكثرون وهؤلء ليسوا أولياء ال بل خوارقهم إذا كانت شيطانية من جنس‬
‫خوارق الكهنة والسحرة لم يكن لهم حال شيطاني بل محال بهتاني فهم متعمدون‬
‫للكذب والتلبيس بخلف من تقترن به الشياطين فإن فيهم من يلتبس عليه فيظن أن‬
‫هذا من جنس كرامات الصالحين كما أن فيهم من يعرف أن ذلك من الشياطين‬
‫ويفعله لتحصيل أغراضه فالمقصود أنه كثير من الخوارق ما يكون من الشياطين أو‬
‫يكون حيل ومخاريق ويظن أنها من كرامات الصالحين فإن ما يكون شبيه الشرك‬
‫أو الفجور إنما يكون من الشيطان مثل أن يشرك الرجل بال فيدعو الكواكب أو‬
‫يدعو مخلوقا من البشر ميتا أو غائبا أو يعزم ويقسم بأسماء مجهولة ل يعرف‬
‫معناها أو يعرف أنها أسماء الشياطين أو يستعين بالفواحش والظلم فإن ما كان هذا‬
‫سببه من الخوارق فهو من الشيطان كما قد بسط الكلم على ذلك في غير هذا‬
‫الموضع‬

‫والصالحون لهم كرامات مثل كرامات صالحي هذه المة ومثل كرامات ‪#‬‬
‫الحواريين وغيرهم ممن كان على دين المسيح لكن وجود الكرامات على أيدي‬
‫الصالحين ل توجب أن يكونوا معصومين كالنبياء لكن يكون الرجل صالحا وليا ل‬
‫وله كرامات ومع هذا فقد يغلط ويخطىء فيما يظنه أو فيما يسمعه ويرويه أو فيما‬
‫يراه أو فيما يفهمه من الكتب ولهذا كان كل من سوى النبياء يؤخذ من قولهم ويترك‬
‫بخلف النبياء صلوات ال عليهم أجمعين فإنه يجب تصديقهم في كل ما أخبروا به‬
‫من الغيب وطاعتهم في كل ما أمروا به ولهذا أوجب ال اليمان بما أوتوه ولم‬
‫يوجب اليمان بجميع ما يأتي به غيرهم ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل‬
‫إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى‬
‫وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من‬
‫آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتب والنبيين ^ ‪ #‬ولهذا اتفق المسلمون على أن‬
‫من كذب نبيا معلوم النبوة فهو كافر مرتد ومن سب نبيا وجب قتله بل يجب اليمان‬
‫بجميع ما أوتيه النبيون‬

‫كلهم وأن ل نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض قال تعالى ‪ ^ #‬إن‬
‫الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض‬
‫ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا‬
‫للكافرين عذابا مهينا ^ ‪ #‬وليس هذا لحد غير النبياء ولو كان من رسل النبياء‬
‫وكانوا من أعظم الصديقين المقدمين ‪ #‬فضلل الضلل من هؤلء مبني على‬

‫‪179‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪180‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مقدمتين ‪ #‬إحداهما أن هذا له كرامة فيكون وليا ل ‪ #‬والثانية أن ولي ال ل يجوز‬


‫أن يخطىء بل يجب تصديقه في كل ما أخبر وطاعته في كل ما أمر وليس لحد من‬
‫البشر أن يصدق في كل ما أخبر به ويطاع في كل أمر إل أن يكون نبيا ‪#‬‬
‫والمقدمتان المذكورتان قد تكون إحداهما باطلة وقد يكون كلهما باطل فالرجل‬
‫المعين قد ل يكون من أولياء ال تكون خوارقه من الشياطين وقد يكون من أولياء‬
‫ال ولكن ليس بمعصوم بل يجوز عليه الخطأ وقد ل يكون من أولياء ال ول يكون‬
‫له خوارق ولكن له محالت وأكاذيب‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال في سورة آل عمران ‪ ^ #‬فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك‬
‫جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ ‪ #‬فأعني أيضا بالكتاب المنير الذي هو‬
‫النجيل المقدس ‪ #‬فيقال قد تقدم أن الرسل تتناول قطعا الرسل الذين ذكرهم ال في‬
‫القرآن ل سيما أولو العزم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم فإن هؤلء مع‬
‫محمد خاتم النبيين صلوات ال عليهم وسلمه خصهم ال وفضلهم بقوله تعالى ‪^ #‬‬
‫وإذ أخذنا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى‬

‫ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين‬
‫عذابا أليما ^ ‪ #‬وفي قوله تعالى ‪ ^ #‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي‬
‫أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه‬
‫^ ‪ #‬فالدين دين رسل ال دين واحد كما بينه ال في كتابه وكما ثبت في الصحيحين‬
‫عن النبي أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد وأن أولى الناس بابن مريم لنا إنه‬
‫ليس بيني وبينه نبي ‪ #‬ويتناول أيضا اسم الرسل من لم يسمهم بأعيانهم في القرآن‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى‬
‫إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون‬
‫وسليمان وآتينا داود زبورا ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم‬
‫عليك وكلم ال موسى تكليما رسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة‬
‫بعد الرسل وكان ال عزيزا حكيما‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا رسل من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم ‪#‬‬
‫نقصص عليك ^ ‪ #‬وأما الحواريون فإن ال تعالى ذكرهم في القرآن ووصفهم‬
‫بالسلم واتباع الرسول وباليمان بال كما أنزل في قوله تعالى ‪ ^ #‬فلما أحس‬
‫عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال آمنا بال‬
‫واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد‬
‫بأننا مسلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما قال‬
‫عيسى ابن مريم للحواريين من انصاري إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال‬
‫فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم‬

‫‪180‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪181‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ فأصبحوا ظاهرين‬

‫ولم يذكر ال تعالى في القرآن أنه أرسلهم البتة بل ذكر أنه ألهمهم اليمان به ‪#‬‬
‫وبرسوله وأنهم أمروا باتباع رسوله وقوله ‪ ^ #‬وإذ أوحيت إلى الحواريين ^ ‪ #‬ل‬
‫يدل على النبوة فإنه قال تعالى ‪ ^ #‬وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ^ ‪ #‬وأم‬
‫موسى لم تكن نبية بل ليس في النساء نبية كما تقوله عامة النصارى والمسلمين ‪#‬‬
‫وقد ذكر إجماعهم على ذلك غير واحد مثل القاضيين أبي بكر بن الطيب وابي يعلى‬
‫ابن أبي الفراء والستاذ أبي المعالى الجويني وغيرهم ويدل على ذلك قوله تعالى ‪#‬‬
‫^ وما أرسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪^ #‬‬
‫ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة ^ ‪ #‬فجعل غاية‬
‫مريم الصديقية كما جعل غاية المسيح الرسالة‬

‫وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من ‪#‬‬
‫النساء إل مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم يعني من نساء المم قبلنا وهذا يدل‬
‫على أن أم موسى ليست ممن كمل من النساء فكيف تكون نبية وقوله تعالى ^ جاءوا‬
‫بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ ‪ #‬والكتاب اسم جنس كما تقدم يتناول كل كتاب‬
‫أنزله ال تعالى وقال تعالى ‪ ^ #‬ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى‬
‫ول كتاب منير ^ ‪ #‬وقوله ول كتاب منير نكرة في سياق المعنى فيعم كل كتاب‬
‫منير ولو لم يكن إل النجيل لقيل ول الكتاب المنير وأيضا‬

‫فالتوراة أعظم من النجيل وقد بين ال أنه لم ينزل كتابا أهدى من التوراة والقرآن‬
‫فقال تعالى ‪ ^ #‬قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى‬
‫من قبل قالوا سحران وقرىء ساحران تظهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب‬
‫من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬وهذا تعجيز لهم أن يأتوا‬
‫بكتاب من عند ال هو أهدى منهما كقوله ^ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله ^‬
‫‪ #‬وهذا يبين أنه ليس النجيل ول الزبور أهدى من التوراة والقرآن فكيف يجعل‬
‫الكتاب المنير هو النجيل دون التوراة والزبور ‪ #‬وأيضا فإن ال تعالى إنما يخص‬
‫بالذكر من الكتب المتقدمة التوراة دون غيرها فهي التي يقرنها بالقرآن كقوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل‬
‫الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون‬
‫كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ول آباؤكم قل ال ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهذا‬

‫كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين‬
‫يؤمنون بالخرة يؤمنون به وهم على صلتهم يحافظون ^ ‪ #‬وقد وصف التوراة‬
‫بأن فيها نورا وهدى للناس فكيف يجعل النور في النجيل دونها وقال تعالى ‪ ^ #‬ثم‬
‫آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيل لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم‬
‫بلقاء ربهم يؤمنون وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا‬

‫‪181‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪182‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ^ ‪ #‬فقد ذكر‬
‫التوراة والقرآن وقولهم أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا فبين أن الكتاب اسم‬
‫جنس يتناول هنا التوراة والنجيل كقوله تعالى ^ يا أهل الكتاب ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪#‬‬
‫^ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات‬
‫والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ^ ‪ #‬فذكر الكتاب بلفظ المنفرد ومعلوم‬
‫أنه أراد بالذين أوتوا الكتاب من قبلنا اليهود والنصارى ل يختص ذلك بالنصارى‬
‫^ كما قال ^ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا‬

‫وقد تبين بطلن قول هؤلء الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويفسرون كلم ال ‪#‬‬
‫ورسوله بما يعلم كل من عرف حاله من مؤمن وكافر أنه لم يرده ‪ #‬وبين أن ال لم‬
‫يرد بالكتاب النجيل وحده كما لم يرد بالرسل الحواريين بل أراد بالكتاب المنير ما‬
‫أنزله ال من الكتب كالتوراة والنجيل كما أراد بالرسل من أرسله ال مطلقا كنوح‬
‫وإبراهيم وموسى والمسيح ابن مريم صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أيضا ‪ ^ #‬فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون‬
‫الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فل تكونن من الممترين ^ ‪ #‬فيقال لهم من‬
‫المعلوم بالضطرار أنه ليس المراد بهذا النصارى فقط كما تقدم بل اليهود يقرؤون‬
‫الكتاب من قبلنا والنصارى يقرؤون الكتاب من قبلنا والكتاب اسم جنس كما تقدم‬
‫نظائره في قوله ^ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ^ وقوله ^‬
‫وطعام الذين أوتوا الكتاب ^ وقوله ^ يا أهل الكتاب ^ في غير موضع وقوله ‪^ #‬‬
‫لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬شهد ال أنه‬
‫ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم قائما بالقسط ل إله إل هو العزيز الحكيم إن الدين‬
‫عند ال السلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم‬
‫ومن يكفر بآيات ال فإن ال سريع الحساب فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن‬
‫اتبعن وقل‬

‫للذين أوتوا الكتاب والميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك‬
‫البلغ وال بصير بالعباد ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا‬
‫بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم‬
‫كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر ال مفعول ^ ‪ #‬وتناول لفظ أهل الكتاب هنا‬
‫لليهود أظهر من تناوله للنصارى لذكره لعنة أصحاب السبت وكذلك قوله تعالى ‪^ #‬‬
‫وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا‬
‫آخره لعلهم يرجعون ^ ‪ #‬فهذا خبر عن طائفة من اليهود قالوا ذلك وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم‬
‫^ كافرين‬

‫‪182‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪183‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسبب نزولها أنه أراد طائفة من اليهود إلقاء الفتنة بين المسلمين فهم داخلون ‪#‬‬
‫قطعا وإن كان الخطاب مطلقا يتناول الطائفتين ‪ #‬وأمره تعالى بسؤال الذين يقرؤون‬
‫الكتاب من قبله على تقدير الشك ل يقتضي أن يكون الرسول شك ول سأل إن قيل‬
‫الخطاب له وإن قيل لغيره فهو أولى وأحرى فإن تعليق الحكم بالشرط ل يدل على‬
‫تحقيق الشرط بل قد يعلق بشرط ممتنع لبيان حكمه ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬ومن ذريته‬
‫داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا‬
‫ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكل‬
‫فضلنا على العالمين ^ ‪ #‬فأخبر أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون مع‬
‫انتفاء‬

‫الشرك عنهم بل مع امتناعه لنهم قد ماتوا لن النبياء معصومون من الشرك به ‪#‬‬


‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قل أفغير ال تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى‬
‫الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل ال فاعبد وكن‬
‫من الشاكرين ^ ‪ #‬فهذا خطاب للجميع وذكر هنا لفظ إن لنه خطاب لموجود وهناك‬
‫خبر عن ميت وكذلك قوله ^ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل ^ ل يدل على‬
‫وقوع الشك ول السؤال بل النبي لم يكن شاكا ول سأل أحدا منهم بل روي عنه أنه‬
‫قال وال ل أشك ول أسأل‬

‫ولكن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون ‪# #‬‬
‫كما قال تعالى في الية الخرى ‪ ^ #‬قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم‬
‫الكتاب ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل أرءيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد‬
‫من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق‬
‫من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى‬
‫عليهم يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول‬
‫^ ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ‪#‬‬
‫مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لكن‬
‫الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫وما أرسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ ‪ #‬فالمقصود‬
‫بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك فيما كذبك فيه الكافرون وذلك من وجوه ‪#‬‬
‫أحدها أن الكتب المتقدمة تنطق بأن موسى وغيره دعوا إلى عبادة ال وحده ونهوا‬
‫عن الشرك فكان في هذا حجة على من ظن أن الشرك دين ‪ #‬ومثل هذا قوله تعالى‬
‫^ ‪ #‬وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون‬

‫‪183‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪184‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا ‪#‬‬
‫فاعبدون ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا‬
‫الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة فسيروا في الرض‬
‫فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ ‪ #‬الوجه الثاني أن أهل الكتاب يعلمون أن ال‬
‫إنما أرسل إلى الناس بشرا مثلهم لم يرسل إليهم ملكا فإن من الكفار من كان يزعم‬
‫أن ال ل يرسل إل ملكا أو بشرا معه ملك ويتعجبون من إرسال بشر ليس معه ملك‬
‫ظاهر كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا‬
‫أبعث ال بشرا رسول قل لو كان في الرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم‬
‫من السماء ملكا رسول ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم‬
‫اعبدوا ال مالكم من إله غيره أفل تتقون فقال المل الذين كفروا من قومه ما هذا إل‬
‫بشر مثلكم يريد أن يتفضل‬

‫عليكم ولو شاء ال لنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الولين إن هو إل رجل به‬
‫جنة فتربصوا به حتى حين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا‬
‫واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلل وسعر ^ ‪ #‬وكذلك قال الذين من بعدهم ‪ ^ #‬ما هذا‬
‫إل بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم‬
‫إنكم إذا لخاسرون ^ ‪ #‬وكذلك قال قوم فرعون لموسى وهارون ‪ ^ #‬أنؤمن لبشرين‬
‫مثلنا وقومهما لنا عابدون ^ ‪ #‬وقال فرعون ‪ ^ #‬أم أنا خير من هذا الذي هو مهين‬
‫ول يكاد يبين فلول ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملئكة مقترنين ^ ‪#‬‬
‫وكذلك قالوا لمحمد وقال‬

‫تعالى ‪ ^ #‬الر تلك آيات الكتاب الحكيم أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم‬
‫أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا‬
‫لساحر مبين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا لول أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي‬
‫المر ثم ل ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجل وللبسنا عليهم ما يلبسون ^ ‪#‬‬
‫فبين سبحانه أنكم ل تطيقون التلقي عن الملك فلو أنزلناه ملكا لجعلناه في صورة‬
‫بشر وحينئذ كنتم تظنونه بشرا فيحصل اللبس عليكم فأمر ال تعالى بسؤال أهل‬
‫الكتاب عمن أرسل إليهم أكان بشرا أم كان ملكا ليقيم الحجة بذلك على من أنكر‬
‫إرسال بشر كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما أرسلنا قبلك إل رجال نوحي إليهم فسئلوا أهل‬
‫الذكر إن كنتم ل تعلمون وما جعلناهم جسدا ل يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم‬
‫صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ^ ‪ #‬وأهل الذكر هم أهل‬
‫الذكر الذي أنزله ال تعالى‬

‫الوجه الثالث أنهم يسألون أهل الكتاب عما جرى للرسل مع أممهم وكيف كان ‪#‬‬
‫عاقبة المؤمنين بهم وعاقبة المكذبين لهم ‪ #‬الوجه الرابع يسألون أهل الكتاب عن‬
‫الدين الذي بعث ال به رسله وهو دين السلم الذي اتفقت عليه الرسل كالمر‬

‫‪184‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪185‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالتوحيد والصدق والعدل وبر الوالدين وصلة الرحام والنهي عن الشرك والظلم‬
‫والفواحش ‪ #‬الوجه الخامس يسألونهم عما وصفت به الرسل ربهم هل هو موافق‬
‫لما وصفه به محمد أم ل وهذه المور المسؤول عنها متواترة عند أهل الكتاب‬
‫معلومة لهم ليست مما يشكون فيه وليس إذا كان مثل هذا معلوما لهم بالتواتر‬
‫فيسألون عنه يجب أن يكون كل ما يقولونه معلوما لهم بالتواتر ‪ #‬وأيضا فإنهم‬
‫يسألون أيضا عما عندهم من الشهادات والبشارات بنبوة محمد ‪ #‬وقد أخبر ال بذلك‬
‫في القرآن فقال تعالى ‪ ^ #‬ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون‬
‫الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه‬
‫مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم‬
‫^ الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم ‪#‬‬
‫مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما‬
‫جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ^ ‪ #‬فقد أخبر عن عيسى أنه صدق بالرسول‬
‫والكتاب الذي قبله وهو التوراة وبشر بالرسول الذي يأتي بعده وهو أحمد قال تعالى‬
‫‪ ^ #‬فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا‬
‫وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما ال بغافل‬
‫عما يعملون ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‬
‫وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإنه لتنزيل رب‬
‫العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين‬
‫وإنه لفي زبر الولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى عن من أثنى عليه من النصارى ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى‬
‫^ أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيل قل ‪#‬‬
‫آمنوا به أو ل تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للذقان‬
‫سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون للذقان يبكون‬
‫ويزيدهم خشوعا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أفغير ال أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم‬
‫الكتاب مفصل والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فل تكونن من‬
‫الممترين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم‬
‫الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا‬
‫من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة‬
‫ومما رزقناهم ينفقون ^ ‪ #‬وقال تعالى في سورة النعام ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب‬
‫^ يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم ل يؤمنون‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل ‪#‬‬
‫يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فعلنة ال على الكافرين‬

‫‪185‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪186‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ ‪ #‬والخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد عندهم في الكتب المتقدمة متواترة‬
‫عنهم ‪ #‬وكان قبل أن يبعث النبي تجري حروب وقتال بين العرب وبين أهل الكتاب‬
‫فتقول أهل الكتاب قد قرب مبعث هذا النبي المي الذي يبعث بدين إبراهيم فإذا ظهر‬
‫اتبعناه وقتلناهم معه شر قتلة فلما بعث النبي كان منهم من آمن به ومنهم من كفر به‬
‫فقال تعالى ‪ ^ #‬وكانوا من قبل يستفتحون ^ ‪ #‬أي يستنصرون بمحمد على الذين‬
‫كفروا ‪ ^ #‬فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ ‪ #‬ولهذا كان‬
‫النبي في خطابه لهل الكتاب يقول لهم وال الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أني‬

‫رسول ال وكذلك من أسلم منهم كعبدال بن سلم كان يقول لغيره من أهل الكتاب‬
‫وال الذي ل إله إل هو إنكم لتعلمون أنه رسول ال وهذا أمر معروف في الحاديث‬
‫الصحاح المخرجة في الصحيحين وغيرهما فظهر بما ذكرناه تحريف هؤلء لكلم‬
‫ال وأنه ل حجة لهم فيما أنزل على محمد كما تقدم نظائر ذلك‬

‫فصل ‪ #‬قالوا فثبت بهذا ما معنا نعم ونفى عن إنجيلنا وكتبنا التي في أيدينا التهم‬
‫والتبديل لها والتغيير لما فيها بتصديقه إياها ‪ #‬فيقال كلمكم الذي تحتجون به في‬
‫هذا الموضع وغيره إما أن يكون باطل محضا وإما أن يكون مما لبستم فيه الحق‬
‫بالباطل فإن قولكم بتصديقه إياها إن أردتم أنه صدق التوراة والنجيل والزبور التي‬
‫أنزلها ال على أنبيائه فهذا ل ريب فيه فإن هذا مذكور في القرآن في غير موضع‬
‫وقد أوجب على عباده أن يؤمنوا بكل كتاب أنزله وكل نبي من النبياء مع إخباره‬
‫أنه أنزل هذه الكتب قبل القرآن وأنزل القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب‬
‫ومهيمنا عليه ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬الم ال ل إله إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب‬
‫بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل‬
‫الفرقان ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من‬
‫^ الكتاب ومهيمنا عليه‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من ‪#‬‬
‫قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ^ ‪#‬‬
‫وقال ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ^‬
‫‪ #‬وقال ‪ ^ #‬والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن ال‬
‫بعباده لخبير بصير ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ولما جاءهم رسول من عند ال مصدق لما معهم‬
‫نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب ال وراء ظهورهم كأنهم ل يعلمون ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ^ ‪ #‬وقد أوجب على عباده أن‬
‫يؤمنوا بجميع كتبه ورسله وحكم بكفر‬

‫من آمن ببعض وكفر ببعض فقال تعالى ‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل‬
‫إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما‬

‫‪186‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪187‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما‬
‫آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال‬
‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين‬
‫يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر‬
‫ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين‬
‫عذابا مهينا والذين آمنوا بال ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم‬
‫أجورهم وكان ال غفورا رحيما ^ ‪ #‬فذم المفرق بينهم بأن يؤمن ببعض دون بعض‬
‫وبين أنه فضل بعضهم على بعض فقال تعالى ‪ ^ #‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على‬
‫^ بعض‬

‫فبين أنه فضل بعضهم على بعض وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد فضلنا بعض النبيين على ‪#‬‬
‫بعض ^ ‪ #‬وقد اتفق المسلمون على ما هو معلوم بالضطرار من دين السلم وهو‬
‫أنه يجب اليمان بجميع النبياء والمرسلين وبجميع ما أنزله ال من الكتب فمن كفر‬
‫بنبي واحد تعلم نبوته مثل إبراهيم ولوط وموسى وداود وسليمان ويونس وعيسى‬
‫فهو كافر عند جميع المسلمين حكمه حكم الكفار وإن كان مرتدا استتيب فإن تاب‬
‫وإل قتل ‪ #‬ومن سب نبيا واحدا من النبياء قتل أيضا باتفاق المسلمين وما علم‬
‫المسلمون أن نبيا من النبياء أخبر به فعليهم التصديق به كما يصدقون بما أخبر به‬
‫محمد وهم يعلمون أن أخبار النبياء ل تتناقض ول تختلف وما لم يعلموا أن النبي‬
‫أخبر به فهو كما لم يعلموا أن محمدا أخبر به صلى ال عليهم أجمعين ولكن ل‬
‫يكذبون إل بما علموا أنه كذب كما ل يجوز أن يصدقوا إل بما علموا أنه صدق وما‬
‫لم يعلموا أنه كذب ول صدق لم يصدقوا به ولم يكذبوا به كما أمرهم نبيهم محمد‬
‫وبهذا أمرهم‬

‫المسيح عليه السلم فقال المور ثلثة أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه‬
‫فاجتنبوه وأمر اشتبه عليكم فكلوه إلى عالمه‬

‫فصل ‪ #‬وإن أرادوا بتصديقه كتبهم أنه صدق ما هم عليه من العقائد والشرائع التي‬
‫ابتدعوها بغير إذن من ال وخالفوا بها ما تقدمه من شرائع المسلمين أو خالفوا بها‬
‫الشرع الذي بعث به مثل القول بالتثليث والقانيم والقول بالحلول والتحاد بين‬
‫اللهوت والناسوت وقولهم أن المسيح هو ال وابن ال وما هم عليه من إنكار ما‬
‫يجب اليمان به من اليمان بال واليوم الخر ومن تحليل ما حرمه ال ورسله‬
‫كالخنزير وغيره وبين أنهم ل يدينون بدين الحق الذي أنزل به كتابه وأرسل به‬
‫رسوله بل بدين مبتدع ابتدعه لهم أكابرهم كما قال تعالى ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم‬
‫^ ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم‬

‫‪187‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪188‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقد بين النبي ذلك لعدي بن حاتم وكان نصرانيا لما جاءه ليؤمن به وقد آمن به ‪#‬‬
‫عدي وكان من خيار الصحابة فسمعه يقرأ هذه الية ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو‬
‫سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬قال عدي قلت يا رسول ال ما عبدوهم ‪ #‬قال إنهم أحلوا‬
‫لهم الحرام وحرموا عليهم الحلل فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم إياهم‬

‫فإن أرادوا بتصديقهم في هذه المور أو أن محمدا صدق ما عندهم مما لم يأت به ‪#‬‬
‫النبياء عن ال فقد كذبوا على محمد كذبا ظاهرا معلوما بالضطرار من دينه وإنما‬
‫صدق ما جاءت به النبياء قبله ‪ #‬وأما ما أحدثوه وابتدعوه فلم يصدقوه كما أنه لم‬
‫يشرع لهم أن يستمروا على ما هم عليه من الشرع الول ولو لم يكن مبدل بل‬
‫دعاهم وجميع النس والجن إلى اليمان به وبما جاء به واتباع ما بعث به من‬
‫الكتاب والحكمة وحكم بكفر كل من لم يتبع كتابه المنزل عليه وأوجب مع خلودهم‬
‫في عذاب الخرة جهادهم في الدنيا حتى يكون الدين كله ل وحتى تكون كلمة ال‬
‫هي العليا ‪ #‬وقد دعا أهل الكتاب من اليهود والنصارى عموما ثم كل من الطائفتين‬
‫خصوصا في غير موضع مع دعائه الناس كلهم أهل الكتاب وغيرهم كقوله تعالى ‪#‬‬
‫^ ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون‬

‫الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه‬
‫مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم‬
‫الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم‬
‫فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‬
‫قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا الذي له ملك السموات والرض ل إله‬
‫إل هو يحيي ويميت فآمنوا بال ورسوله النبي المي الذي يؤمن بال وكلماته‬
‫واتبعوه لعلكم تهتدون ^ ‪ #‬وقال تعالى يخاطب النصارى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب ل‬
‫تغلوا في دينكم ول تقولوا على ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال‬
‫وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بال ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا‬
‫لكم إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الرض‬
‫وكفى بال وكيل لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ومن‬
‫يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا‬
‫^ فيعذبهم عذابا أليما ول يجدون لهم من دون ال وليا ول نصيرا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫‪ ^ #‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا‬
‫بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا يصنعون ^ ‪#‬‬
‫اخبر سبحانه أن النصارى تركوا حظا مما ذكرهم به وبسبب ذلك أغرى بينهم‬
‫العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة فعلم أنه سبحانه بين أنهم تركوا بعض ما جاء به‬

‫‪188‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪189‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المسيح ومن قبله من النبياء واستحقوا لذلك أن يغري بينهم العداوة والبغضاء إلى‬
‫يوم القيامة ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول‬
‫تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪#‬‬
‫فنهاهم عن الغلو في دينهم وعن اتباع أهواء الذين ابتدعوا بدعا غيروا بها شرع‬
‫المسيح فضلوا من قبل هؤلء التباع وأضلوا كثيرا من هؤلء التباع وغيرهم‬
‫وضلوا عن سواء السبيل وهو وسط السبيل بين الضلل وقيده بعد أن أطلقه وأجمله‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ‪#‬‬
‫ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد‬
‫وهم صاغرون ^ ‪ #‬وقد خرج النبي لقتالهم بنفسه عام تبوك واستنفر لقتالهم جميع‬
‫المؤمنين ولم يأذن لحد من القادرين على الغزو في التخلف ومن تخلف لنه لم ير‬
‫قتالهم واجبا كان كافرا وإن أظهر السلم كان منافقا ملعونا بين ال أنه ل يغفر لهم‬
‫ونهى نبيه عن الصلة عليهم وأنزل في ذلك جمهور سورة براءة بالنقل المتواتر‬
‫حتى بين كفر الذين استأذنوه في ترك الخروج معه لقتال النصارى ‪ #‬قال تعالى ‪#‬‬
‫^ يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل كم انفروا في سبيل ال اثاقلتم إلى الرض‬
‫أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما متاع الحياة الدنيا في الخرة إل قليل إل تنفروا‬
‫يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ول تضروه شيئا وال على كل شيء قدير‬
‫إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ‬
‫يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها‬
‫وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا وال عزيز حكيم‬

‫انفروا خفافا وثقال وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل ال ذلكم خير لكم إن كنتم‬
‫تعلمون لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة‬
‫وسيحلفون بال لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم وال يعلم إنهم لكاذبون عفا‬
‫ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ل يستئذنك الذين‬
‫يؤمنون بال واليوم الخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وال عليم بالمتقين إنما‬
‫يستأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون‬
‫ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة ولكن كره ال انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع‬
‫القاعدين لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خبال ولوضعوا خللكم يبغونكم الفتنة وفيكم‬
‫سماعون لهم وال عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك المور حتى‬
‫^ جاء الحق وظهر أمر ال وهم كارهون‬

‫فصل ‪ #‬فتبين أن قولهم فثبت بهذا ما معنا نعم ونفي عن إنجيلنا وكتبنا التي في‬
‫أيدينا التهم والتبديل لها والتغيير لما فيها بتصديقه إياها ‪ #‬إن أرادوا به أنه ثبت ما‬
‫جاءت النبياء قبله عن ال فهذا حق ‪ #‬وإن أرادوا به أنه ثبت ما هم عليه بعد مبعثه‬
‫من الشرع الذي خالف شرعه أو ما ابتدعوه مما لم يأت به النبياء عليهم السلم قبله‬

‫‪189‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪190‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فهذا باطل ‪ #‬وإن أرادوا بذلك أنه صدق ألفاظ الكتب التي بأيدينا أي التوراة‬
‫والنجيل فهذا مما يسلمه لهم بعض المسلمين وينازعهم فيه أكثر المسلمين وإن كان‬
‫أكثر ذلك مما يسلمه أكثر المسلمين ‪ #‬فأما تحريف معاني الكتب بالتفسير والتأويل‬
‫وتبديل أحكامها‬

‫فجميع المسلمين واليهود والنصارى يشهدون عليهم بتحريفها وتبديلها كما يشهدون‬
‫هم والمسلمون على اليهود بتحريف كثير من معاني التوراة وتبديل أحكامها وإن‬
‫كانوا هم واليهود يقولون إن التوراة لم تحرف ألفاظها ‪ #‬وحينئذ فل ينفعهم بقاء‬
‫حروف الكتب عندهم مع تحريف معانيها إل كما ينفع اليهود بقاء حروف التوراة‬
‫والنبوات عندهم مع تحريف معانيها بل جميع النبوات التي يقرون بها هي عند‬
‫اليهود وهم مع اليهود ينفون عنها التهم والتبديل للفاظها مع أن اليهود عندهم من‬
‫أعظم الخلق كفرا واستحقاقا لعذاب ال في الدنيا والخرة وهم عند النصارى الذين‬
‫يكفرون المسلمين أكثر من هؤلء وشر منهم فإن النصارى متفقون على أن‬
‫المسلمين خير من اليهود وكذلك اليهود متفقون على أن المسلمين خير من النصارى‬
‫بل جميع المم المخالفين للمسلمين يشهدون أن المسلمين خير من سائر المم‬
‫والطوائف إل أنفسهم وشهادتهم لنفسهم ل تقبل فصار هذا اتفاق أهل الرض على‬
‫تفضيل دين السلم ‪ #‬فعلم أن بقاء حروف الكتاب مع العراض عن اتباع معانيها‬
‫وتحريفها ل يوجب إيمان أصحابها ول يمنع كفرهم ‪ #‬وحينئذ فليس شهادة محمد‬
‫وأمته للمسيح عليه السلم ولما أنزل عليه من النجيل في تثبيت ما عند النصارى‬
‫بأعظم من شهادة المسيح عليه السلم والحواريين وسائر من اتبعه لموسى ولما‬
‫أنزل عليه من التوراة في تثبيت ما عند‬

‫اليهود فإن المسيح أمر أتباعه باتباع التوراة إل القدر اليسير الذي نسخه منها ‪ #‬وأما‬
‫محمد فبعث بكتاب مستقل وشرع مستقل كامل تام لم يحتج معه إلى شرع سابق‬
‫تتعلمه أمته من غيره ول إلى شرع لحق يكمل شرعه ولهذا قال النبي في الحديث‬
‫الصحيح أنه قد كان في المم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر ‪ #‬فجزم أن‬
‫من كان قبله كان فيهم محدثون وعلق المر في أمته وإن كان هذا المعلق قد تحقق‬
‫لن أمته ل تحتاج بعده إلى نبي آخر فلن ل تحتاج معه إلى محدث ملهم أولى‬
‫وأحرى‬

‫وأما من كان قبله فكانوا يحتاجون إلى نبي بعد نبي فأمكن حاجتهم إلى المحدثين ‪#‬‬
‫الملهمين ولهذا إذا نزل المسيح بن مريم في أمته لم يحكم فيهم إل بشرع محمد وإذا‬
‫كان مع هذا فشهادة المسيح والحواريين وكل من آمن بالمسيح للتوراة بأنها حق‬
‫ولموسى بأنه رسول ل يمنع كفر اليهود لكونهم بدلوا شرع التوراة وكذبوا بالمسيح‬
‫والنجيل ‪ #‬فكيف تكون شهادة محمد وأمته للنجيل بأنه منزل من عند ال وللمسيح‬
‫بأنه رسول ال مانعة من كفر النصارى مع تبديلهم شرع النجيل وتكذيبهم بمحمد‬
‫وشرع القرآن ‪ #‬وأما إيمان من يؤمن منهم بأن محمدا رسول ال إلى العرب أو‬

‫‪190‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪191‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بكثير مما جاء به القرآن فل يمنع كفرهم إذا كفروا ببعض ما جاء به بل من كذب‬
‫بشيء مما جاءت به الرسل عن ال فهو كافر وإن آمن بأكثر ما جاءت به الرسل‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين يكفرون بال ورسله ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله‬
‫ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم‬
‫الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أفتؤمنون ببعض‬
‫الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من‬

‫يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما ال‬
‫بغافل عما تعملون ^ ‪ #‬وقد صرح بكفر النصارى في غير موضع وأمر بجهادهم‬
‫وقتالهم وحكم بكفر من ل يوجب جهادهم وقتالهم أو ل يرى ذلك عبادة ل وطاعة له‬
‫كما تقدم التنبيه على ذلك فإذا كان من ل يرى جهادهم عبادة ل كافرا عند محمد‬
‫فكيف حالهم عنده‬

‫فصل ‪ #‬وإذا تبين للخاصة والعامة ممن آمن بمحمد ومن كفر به أنه كان مصدقا‬
‫لما بين يديه من الكتب والنبياء مصدقا للتوراة والنجيل شاهدا بأن موسى عليه‬
‫السلم ومن كان متبعا له على الحق وأن المسيح عليه السلم ومن اتبعه على الحق‬
‫وإن كان يكفر جميع اليهود والنصارى وغيرهم ممن بلغته رسالته ولم يؤمن به‬
‫وشهد عليهم بأنهم حرفوا كثيرا من معاني التوراة والنجيل قبل نبوته وأن أهل‬
‫الكتاب كلهم مع المسلمين يشهدون أيضا بأن كثيرا من معاني التوراة والنجيل‬
‫حرفها كثير من أهل الكتاب لم يجز لحد من أهل الكتاب أن يحتج بقول محمد على‬
‫صحة دينهم الذي شهد محمد بأنه باطل مبدل منسوخ وأهله من أهل النار كما تقدم‬
‫بسطه ‪ #‬وإذا قالوا نحن نذكر ذلك لنبين تناقضه حيث صدقها وهي تناقض بعض ما‬
‫أخبر به أو لنبين أن ما أخبرت به النبياء قبله يناقض خبره فيكون ذلك قدحا فيما‬
‫جاء به‬

‫أجاب المسلمون عن هذا بعدة طرق ‪ #‬أحدها أن يقولوا أما مناقضة بعض خبره ‪#‬‬
‫لبعض كما يزعمه هؤلء من أن كتابه يمدح أهل الكتاب مرة ويذمهم أخرى وأنه‬
‫يصدق الكتب المنزلة تارة ويذمها أخرى فهذا قد ظهر بطلنه فإنه إنما مدح من اتبع‬
‫موسى والمسيح على الدين الذي لم يبدل ولم ينسخ ‪ #‬وأما من اتبع الدين المبدل‬
‫المنسوخ فقد كفره ‪ #‬فأما دعواهم مناقضة خبره لخبر غيره فيقال هو مصدق‬
‫للنبياء فما أخبروا به ‪ #‬وأما ما بدل من ألفاظهم أو غيرها بالترجمة أو فسر بغير‬
‫مرادهم فلم يصدقه ويقال أيضا إن نبوة محمد تثبت بمثل ما تثبت به نبوات النبياء‬
‫قبله وبأعظم من ذلك كما قد بسط في موضع آخر وبين أن التكذيب بنبوة محمد مع‬
‫التصديق بنبوة غيره في غاية التناقض والفساد وانه ما من طريق يعلم بها نبوة‬
‫غيره إل ونبوته تعلم بمثل تلك الطريق وبأعظم منها فلو لم تكن نبوته وطريق‬
‫ثبوتها إل‬

‫‪191‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪192‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مثل نبوة غيره وطريق ثبوتها لوجب التصديق بنبوته كما وجب التصديق بنبوة‬
‫غيره ولكان تكذيبه كتكذيب ابراهيم وموسى وغيرهما من الرسل فكيف إذا كان ذلك‬
‫أعظم من وجوه متعددة ‪ #‬وحينئذ فالنبياء كلهم صادقون مصدقون معصومون فيما‬
‫يخبرون به عن ال ل يجوز أن يثبت في خبرهم عن ال خبر باطل ل عمدا ول‬
‫خطأ فل يجوز أن يخبر أحدهم بخلف ما أخبر به غيره بل ول يفترقون في الدين‬
‫الجامع كما قال تعالى ‪ ^ #‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك‬
‫وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم‬
‫وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما‬
‫لديهم فرحون ^ ‪ #‬وإنما يقع النسخ في بعض الشرائع كما يقع النسخ في شريعة‬
‫الرسول الواحد وحينئذ فيعلم أن كل ما ينقل عن النبياء المتقدمين مما يناقض ما‬
‫علم من أخبار محمد فهو باطل سواء كان اللفظ نفسه باطل لم يقله ذلك النبي أو قد‬
‫قال لفظا وغلط‬

‫المترجمون له من لغة إلى لغة أو كان اللفظ وترجمته صحيحين لكن وقع الغلط في‬
‫معرفة مراد ذلك النبي بذلك الكلم ‪ #‬فإن كل ما يحتج به من اللفاظ المنقولة عن‬
‫النبياء أنبياء بني إسرائيل وغيرهم ممن أرسل بغير اللغة العربية ل بد في‬
‫الحتجاج بألفاظه من هذه المقدمات أن يعلم اللفظ الذي قاله ويعلم ترجمته ويعلم‬
‫مراده بذلك اللفظ ‪ #‬والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على وقوع الغلط في تفسير‬
‫بعض اللفاظ وبيان مراد النبياء بها وفي ترجمة بعضها فإنك تجد بالتوراة عدة‬
‫نسخ مترجمة وبينها فروق يختلف بها المعنى المفهوم وكذلك في النجيل وغيره‬
‫فهذا الطريق في الجواب طريق عام لكل من آمن بمحمد وشهد أنه رسول ال باطنا‬
‫وظاهرا يخاطب به كل يهودي ونصراني على وجه الرض وإن لم يكن عارفا بما‬
‫عند اهل الكتاب فإنه ل يقدر أحد من أهل الرض يقيم دليل صحيحا على نبوة‬
‫موسى وعيسى وبطلن نبوة محمد فإن هذا ممتنع لذاته بل ول يمكنه أن يقيم دليل‬
‫صحيحا على نبوة أحدهما إل وإقامة مثل ذلك الدليل أو أعظم منه على نبوة محمد‬
‫أولى وحينئذ فل يمكن أحدا من أهل‬

‫الكتاب أن يحتج بشيء من المنقولت عن النبياء المخالفة لما ثبت عن محمد سواء‬
‫أقر بنبوته أو أنكرها بل إن احتج بشيء مما نقل عن محمد بين له بطلن احتجاجه‬
‫به وأنه حجة عليه ل له ‪ #‬وإن احتج بشيء من المنقول عن غيره من النبياء عليهم‬
‫السلم طولب بتقدير نبوة ذلك النبي مع تكذيب محمد وإل فبتقدير أن ينقل عن اثنين‬
‫ادعيا النبوة وأتيا باليات التي تثبت بها النبوات خبران مناقضان ل يجوز تصديق‬
‫هذا وتكذيب ذاك إن لم يتبين ما يدل على صدق هذا وكذب هذا وكذلك إذا عورض‬
‫أحدهما بجنس ما يعارض الخر ‪ #‬وهذا ل يرد على المسلمين إذا ردوا ما يحتج به‬
‫أهل الكتاب مما ينقلونه عن النبياء مخالفا لخبر محمد فإن المسلمين ل يطعنون في‬

‫‪192‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪193‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نبوة أحد من النبياء المعروفين وإنما يطعنون في أنهم أخبروا بما يخالف خبر‬
‫محمد فإن ذلك ل يثبت أي لم يثبت اللفظ والترجمة وتفسير اللفظ وهذه المقدمات‬
‫يمتنع أن تقوم على شيء يخالف خبر محمد ل جملة ول تفصيل ‪ #‬فأهل الكتاب‬
‫يطالبون فيما يعارضون به بثلث مقدمات ‪ #‬أحدها تقدير أن أولئك صادقون ومحمد‬
‫كاذب‬

‫والثاني ثبوت ما أتوا به لفظا ‪ #‬والثالث معرفة المراد باللفظ ترجمة وتفسيرا وإن ‪#‬‬
‫قال الكتابي للمسلم أنت توافقني على نبوة هؤلء المتقدمين إجابة المسلم بوجوه ‪#‬‬
‫منها أن يقول إني لم أوافقك على نبوة واحد منهم مع التكذيب بمحمد بل دين‬
‫المسلمين كلهم أنه من آمن ببعض النبياء وكفر ببعض فهو كافر فكيف بمن كفر‬
‫بمن هو عند المسلمين أفضل النبياء وخاتمهم بل قد يقول له أكثر المسلمين نحن لم‬
‫نعلم نبوة أولئك إل بأخبار محمد أنهم أنبياء فلو قدحنا في الصل الذي قد علمنا به‬
‫نبوتهم لزم القدح في نبوتهم والفرع إذا قدح في أصله دل على فساده في نفسه سواء‬
‫قدر اصله صحيحا أو فاسدا فإنه إن كان أصله فاسدا فسد هو وإن كان أصله‬
‫صحيحا وهو يناقضه بطل هو فإنه إن كان أصله فاسدا فسد هو وإن كان أصله‬
‫صحيحا وهو يناقضه بطل هو فهو إذا ناقض أصله باطل على كل تقدير ‪ #‬وكذلك‬
‫إذا قال له الكتابي قد اتفقنا على تصديق موسى والتوراة والمسيح والنجيل ‪ #‬قال له‬
‫المسلم إنما وافقتك على تصديق موسى وعيسى الذين‬

‫بشرا بمحمد كما أخبرنا به محمد عن ال حيث قال ال تعالى ‪ ^ #‬ورحمتي وسعت‬
‫كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون‬
‫الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم‬
‫بالمعروف وينهاهم عن المنكر ^ الية ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال عيسى ابن مريم‬
‫يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول‬
‫يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ ‪ #‬إلى أمثال ذلك ‪ #‬فأما اليمان بموسى الذي ذكر أن‬
‫شريعته مؤيدة ل ينسخ منها شيءأو بمسيح ادعى أنه ال أو أن ال اتحد به أو حل‬
‫فيه ونحو ذلك مما يدعيه أهل الكتاب في الرسولين والكتابين ويخالفهم فيه المسلمون‬
‫فهذا من موارد النزاع ل من مواقع الجماع فليس لحد من أهل الكتاب أن يحتج‬
‫على احد من المسلمين بموافقته له على ذلك ‪ #‬ومن تمام ذلك أن يقول المسلم نعم أنا‬
‫أقر بنبوة موسى والمسيح وإن التوراة والنجيل كلم ال لكن يمتنع عقل القرار‬
‫بنبوة واحد من هؤلء دون نبوة محمد فإن‬

‫البراهين واليات والدلة الدالة على صدق موسى والمسيح تدل على نبوة محمد‬
‫بطريق الولى فلو انتقضت تلك الدلة لزم فسادها وأن ل أصدق بأحد من النبياء‬
‫وإن كانت حقا لزم تصديقهم كلهم فلزم إما أن نصدقهم كلهم وإما أن نكذبهم كلهم‬
‫ولهذا كان من آمن ببعض وكذب ببعض كافرا ‪ #‬ومن الجوبة للمسلمين أن يقولوا‬
‫نحن نصدق النبياء المتقدمين في كل ما أخبروا به لكن من نقل عنهم أنهم أخبروا‬

‫‪193‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪194‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بما يناقض خبر محمد فل بد له من مقدمتين ثبوت ذلك اللفظ عن النبياء والعلم‬
‫بمعناه الذي يعلم أنه مناقض للمعنى الذي علم أن محمدا عناه ثم العلم باللفظ يحتاج‬
‫مع الخطاب بغير ألسن النبياء العربية سواء كانت عربية أو رومية أو سريانية أو‬
‫قبطية إلى أن يعرف أن هذا اللفظ الذي ترجم به لفظه مطابق للفظه ويمتنع ثبوت‬
‫المقدمتين لن في ثبوتهما تناقض الدلة العلمية والدلة العلمية ل تتناقض ‪ #‬الطريق‬
‫الثاني أن يقول المسلمون ما تذكرونه من المنقول عن النبياء مناقضة لما أخبر به‬
‫محمد أمور لم تعلم صحتها فل يجوز اعتقاد ثبوتها والجزم بها ولو لم يعلم‬

‫أن محمدا أخبر بخلفها فكيف إذا علم أنه أخبر بخلفها وذلك أن العلم بثبوتها مبني‬
‫على مقدمات ‪ #‬أحدها العلم بنبوتهم وهذا ممتنع مع تكذيب محمد ‪ #‬والثانية أنهم‬
‫قالوا هذه اللفاظ وهذا يحتاج إلى إثبات تواتر هذه اللفاظ عن النبياء ولم يثبت أنها‬
‫تواترت عنهم ‪ #‬والثالثة أن معناها هو المعنى المناقض لخبر محمد ولم يعلم ذلك ‪#‬‬
‫وكل واحدة من هذه المقدمات تمنع العلم بثبوت هذه المعاني المناقضة لخبر محمد‬
‫فكيف إذا اجتمعت ‪ #‬وهي تمنع العلم بصحتها ولو لم تناقض خبر محمد فكيف إذا‬
‫ناقضته ‪ #‬الطريق الثالث طريق من يبين أن ألفاظ هذه الكتب لم تتواتر ويثبتون ذلك‬
‫بانقطاع تواتر التوراة لما خرب بيت المقدس وانقطاع تواتر النجيل في أول المر‬
‫‪ #‬الطريق الرابع طريق من يبين أن بعض ألفاظ الكتب حرفت‬

‫ويقيم الدلة الشرعية والعقلية على تبديل بعض ألفاظها ‪ #‬الطريق الخامس أن يبين‬
‫أن اللفاظ التي بأيديهم ل تناقض ما أخبر به محمد بل تدل على صدق محمد ويتكلم‬
‫على تفسير تلك اللفاظ بأعيانها ‪ #‬وهذه الطريق يسلكها من ل ينازع في ثبوت‬
‫اللفاظ من المسلمين ‪ #‬وأما الجمهور الذين يقولون بتبديل هذه اللفاظ فيسلكون هذه‬
‫الطريق ويسلكون ايضا بيان عدم تواتر اللفاظ بل بيان التبديل في الفاظها‬

‫فصل ‪ #‬ومن حجة الجمهور الذين يمنعون أن تكون جميع ألفاظ هذه الكتب‬
‫المتقدمة الموجودة عند أهل الكتاب منزلة من عند ال لم يقع فيها تبديل ويقولون إنه‬
‫وقع التبديل في بعض ألفاظها ويقولون إنه لم يعلم أن ألفاظها منزلة من عند ال فل‬
‫يجوز أن يحتج بما فيها من اللفاظ في معارضة ما علم ثبوته أنهم قالوا التوراة‬
‫والنجيل الموجودة اليوم بيد أهل الكتاب لم تتواتر عن موسى وعيسى عليهما السلم‬
‫أما التوراة فإن نقلها انقطع لما خرب بيت المقدس أول وأجلى منه بنو إسرائيل ثم‬
‫ذكروا أن الذي أملها عليهم بعد ذلك شخص واحد يقال له عزرا وزعموا أنه نبي‬

‫ومن الناس من يقول إنه لم يكن نبيا وإنها قوبلت بنسخة وجدت عتيقة ‪ #‬وقد قيل ‪#‬‬
‫إنه أحضرت نسخة كانت بالمغرب وهذا كله ل يوجب تواتر جميع ألفاظها ول يمنع‬
‫وقوع الغلط في بعضها كما يجري مثل ذلك في الكتب التي يلي نسخها ومقابلتها‬
‫وحفظها القليل الثنان والثلثة‬

‫‪194‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪195‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأما النجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلم ول ‪#‬‬
‫أمله على من كتبه وإنما أملوه بعد رفع المسيح متى و يوحنا وكانا قد صحبا المسيح‬
‫ولم يحفظه خلق كثير يبلغون عدد التواتر و مرقس و لوقا وهما لم يريا المسيح عليه‬
‫السلم وقد ذكر هؤلء أنهم ذكروا بعض ما قاله المسيح وبعض أخباره وأنهم لم‬
‫يستوعبوا ذكر أقواله وأفعاله ‪ #‬ونقل اثنين وثلثة وأربعة يجوز عليه الغلط ل سيما‬
‫وقد غلطوا في المسيح نفسه حتى اشتبه عليهم بالمصلوب ولكن النصارى يزعمون‬
‫أن الحواريين رسل ال مثل عيسى بن مريم وموسى عليهما السلم وأنهم‬
‫معصومون وأنهم سلموا إليهم التوراة والنجيل وأن لهم معجزات وقالوا لهم هذه‬
‫التوراة وهذا النجيل ويقرون مع هذا بأنهم ليسوا بأنبياء فإذا لم يكونوا أنبياء فمن‬
‫ليس بنبي ليس بمعصوم من الخطأ ولو كان من أعظم أولياء ال ولو كان له خوارق‬
‫عادات فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من أفاضل الصحابة عند المسلمين‬
‫أفضل من الحواريين ول معصوم عندهم إل من كان نبيا ‪ #‬ودعوى أنهم رسل ال‬
‫مع كونهم ليسوا بأنبياء تناقض وكونهم رسل ال هو مبني على كون المسيح هو ال‬
‫فإنهم رسل المسيح وهذا‬

‫الصل باطل ولكن في طريق المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن نمنعهم في هذا‬
‫المقام ونطالبهم بالدليل على أنهم رسل ال وليس لهم على ذلك دليل فإنه ل يثبت‬
‫أنهم رسل ال إن لم يثبت أن المسيح هو ال وإثباتهم أن المسيح هو ال إما أن يكون‬
‫بالعقل أو بالسمع والعقل ل يثبت ذلك بل يحيله وهم ل يدعون ثبوت ذلك بالعقل ‪#‬‬
‫بل غاية ما يدعون إثبات إمكانه بالعقل ل إثبات وجوده مع أن ذلك أيضا باطل وإنما‬
‫يدعون ثبوت وجوده بالسمع وهو ما ينقلونه عن النبياء من ألفاظ يدعون ثبوتها عن‬
‫النبياء ودللتها على أن المسيح هو ال كسائر من يحتج بالحجة السمعية فإن عامة‬
‫بيان صحة السناد دون بيان دللة المتن وكل المقدمتين باطلة ‪ #‬ولكن يقال لهم في‬
‫هذا المقام أنتم ل يمكنكم إثبات كون المسيح هو ال إل بهذه الكتب ول يمكنكم‬
‫تصحيح هذه الكتب إل بإثبات أن الحواريين رسل ال معصومون ول يمكنكم إثبات‬
‫أنهم رسل ال إل بإثبات أن المسيح هو ال فصار ذلك دورا ممتنعا‬

‫فإنه ل تعلم إلهية المسيح إل بثبوت هذه الكتب ول تثبت هذه الكتب إل بثبوت أنهم ‪#‬‬
‫رسل ال ول يثبت ذلك إل بثبوت أنه ال فصار ثبوت اللهية متوقفا على ثبوت‬
‫إلهيته وثبوت كونهم رسل ال متوقفا على كونهم رسل ال فصار ذلك دورا ممتنعا‬
‫‪ #‬قد يدعون عصمة الحواريين وعصمة أهل المجامع بعد الحواريين كأهل المجمع‬
‫الول الذي كان بحضرة قسطنطين الذي حضره ثلثمائة وثمانية عشر ووضعوا لهم‬
‫المانة التي هي عقيدة النصارى التي ل يصح لهم قربان إل بها فيزعمون أن‬
‫الحواريين‬

‫أو هؤلء جرت علي أيديهم خوارق وقد يذكرون أن منهم من جرى إحياء الموتى‬

‫‪195‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪196‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على يديه وهذا إذا كان صحيحا مع ان صاحبه لم يذكر أنه نبي ل يدل على عصمته‬
‫فإن أولياء ال من الصحابة والتابعين بعدهم بإحسان وسائر أولياء ال من هذه المة‬
‫وغيرها لهم من خوارق العادات ما يطول وصفه وليس فيهم معصوم يجب قبول كل‬
‫ما يقول بل يجوز الغلط على كل واحد منهم وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل‬
‫النبياء عليهم السلم ‪ #‬ولهذا أوجب ال اليمان بما أوتيه النبياء ولم يجب اليمان‬

‫بكل ما يقوله كل ولي ل ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل‬
‫إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما‬
‫أوتي النبيون من ربهم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولكن البر من ىمن بال واليوم الخر‬
‫والملئكة والكتاب والنبيين ^ ‪ #‬ولهذا وجب اليمان بالنبياء جميعهم وما أوتوه‬
‫كلهم ‪ #‬ومن كذب نبيا واحدا تعلم نبوته فهو كافر باتفاق المسلمين ومن سبه وجب‬
‫قتله كذلك بخلف من ليس بنبي فإنه ل يكفر أحد بمخالفته ول يقتل بمجرد سبه إل‬
‫أن يقترن بالسب ما يكون مبيحا للدم ‪ #‬والذي عليه سلف المة كالصحابة والتابعين‬
‫لهم بإحسان وأئمة الدين وجماهير المسلمين أن أفضل هذه المة بعد نبيها أبو بكر ثم‬
‫عمر وليس بعد النبياء أفضل منهما وهذه المة أفضل المم وقد ثبت في‬
‫الصحيحين عن النبي أنه قال قد كان قبلكم في المم محدثون فإن يكن في أمتي أحد‬
‫فعمر والمحدث الملهم المخاطب‬

‫وكان عمر قد جعل ال الحق على قلبه ولسانه وما كان يقول لشيء إني لراه كذا ‪#‬‬
‫وكذا إل كان كما يقول وكانت السكينة تنطق على لسانه ومع هذا فلم يكن ل هو ول‬
‫غيره ممن ليس بنبي معصوما من الغلط ول يجب على المسلم قبول ما يقوله إن لم‬
‫يدل عليه الكتاب والسنة ول كان يجوز له العمل بما يلقى في قلبه إن لم يعرضه‬
‫على الكتاب والسنة فإن وافق ذلك قبله وإن خالف ذلك رده ‪ #‬وعند المسلمين أنه‬
‫ليس في أتباع المسيح عليه السلم مثل أبي بكر وعمر رضوان ال عليهما فإذا قالوا‬
‫عن الحواريين أنهم ليسوا معصومين فهم يقولون ذلك فيمن هو عندهم أفضل من‬
‫الحواريين كما أنهم إذا قالوا عن المسيح أنه عبد مخلوق ليس بإله فهم يقولون ذلك‬
‫فيمن هو عندهم أفضل من المسيح كمحمد وإبراهيم عليهما أفضل الصلة والسلم ‪#‬‬
‫وفي الملحدة المنتسبين إلى المة من فيه بدع من الغلو يشبه غلو النصارى كمن‬
‫يدعي اللهية‬

‫من السماعيلية كبني عبيد القداح‬

‫كالحاكم وغيره ويدعي اللهية في علي بن أبي طالب أو غيره كدعوى النصيرية‬
‫وهؤلء كفار عند المسلمين ‪ #‬وكذلك من يدعي اللهية في بعض المشايخ كغلة‬
‫العدوية والحلجية واليونسية وغيرهم وكذلك من يدعي عصمة بني عبيد او عصمة‬
‫الثني عشر أو عصمة بعض المشايخ ‪ #‬فإن النصارى يدعون عصمة الحواريين‬
‫الثني عشر وهؤلء يدعون عصمة الئمة الثني عشر‬

‫‪196‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪197‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهؤلء يسندون أصل دينهم إلى قول الحواريين المعصومين عندهم ويقولون أنهم ‪#‬‬
‫معصومون في النقل عن المسيح وفي الفتيا وإن ما قالوه فقد قاله المسيح عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ #‬وهؤلء يقولون عن أولئك إنهم معصومون في النقل والفتيا وإن‬
‫ما قالوه فقد قاله الرسول عليه الصلة والسلم وهذا مبسوط في موضع آخر ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أنه ليس مع النصارى نقل متواتر عن المسيح بألفاظ هذه الناجيل ول‬
‫نقل ل متواتر ول آحاد بأكثر ما هم عليه من الشرائع ول عندهم ول عند اليهود نقل‬
‫متواتر بألفاظ التوراة ونبوات‬

‫النبياء كما عند المسلمين نقل متواتر بالقرآن وبالشرائع الظاهرة المعروفة للعامة‬
‫والخاصة وهذا مثل المانة التي هي أصل دينهم وصلتهم إلى المشرق وإحلل‬
‫الخنزير وترك الختان وتعظيم الصليب واتخاد الصور في الكنائس وغير ذلك من‬
‫شرائعهم ليست منقولة عن المسيح ول لها ذكر في الناجيل التي ينقلونها عنه وهم‬
‫متفقون على أن المانة التي جعلوها اصل دينهم وأساس إعتقادهم ليست ألفاظها‬
‫موجودة في الناجيل ول هي مأثورة عن الحواريين وهم متفقون على أن الذين‬
‫وضعوها أهل المجمع الول الذين كانوا عند قسطنطين الذي حضره ثلثمائة‬
‫وثمانية عشر وخالفوا عبد ال بن أريوس الذي جعل المسيح عبدا ل كما يقول‬
‫المسلمون ووضعوا هذه المانة ‪ #‬وهذا المجمع كان بعد المسيح بمدة طويلة تزيد‬
‫على ثلثمائة سنة وبسط هذا له موضع آخر وإنما المقصود هنا الجواب عن قولهم‬
‫إن محمدا ثبت ما معهم وأنه نفى عن إنجيلهم وكتبهم التي بأيديهم التهم والتبديل لها‬
‫والتغيير لما فيها بتصديقه إياها‬

‫وقد تبين ان محمدا لم يصدق شيئا من دينهم المبدل والمنسوخ ولكن صدق ‪#‬‬
‫النبياء قبله وما جاؤوا به وأثنى على من اتبعهم ل على من خالفهم أو كذب نبيا من‬
‫النبياء وإن كفر النصارى من جنس كفر اليهود فإن اليهود بدلوا معاني الكتاب‬
‫الول وكذبوا بالكتاب الثاني وهو النجيل وكذلك النصارى بدلوا معاني الكتاب‬
‫الول التوراة والنجيل وكذبوا بالكتاب الثاني وهو القرآن وأنهم ادعوا أن محمدا‬
‫صدق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم ‪ #‬فجمهور المسلمين يمنعون هذا ويقولون إن‬
‫بعض ألفاظها بدل كما قد بدل كثير من معانيها ومن المسلمين من يقول التبديل إنما‬
‫وقع في معانيها ل في ألفاظها وهذا القول يقر به عامة اليهود والنصارى ‪ #‬وعلى‬
‫القولين فل حجة لهم في تصديق محمد لما هم عليه من الدين الباطل فإن الكتب‬
‫اللهية التي بأيديهم ل تدل على صحة ما كفرهم به محمد وأمته مثل التثليث‬
‫والتحاد والحلول وتغيير شريعة المسيح وتكذيب محمد فليس في الكتب التي بأيديهم‬
‫ما يدل ل نصا ول ظاهرا على المانة التي هي أصل دينهم وما في ذلك من التثليث‬
‫والتحاد والحلول ول فيها ما يدل على أكثر شرائعهم‬

‫كالصلة إلى الشرق واستحلل المحرمات من الخنزير والميتة ونحو ذلك كما قد‬

‫‪197‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪198‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بسط في موضع آخر ‪ #‬ويقال لهم أين ما معكم عن محمد مما يدل على أن ألفاظ‬
‫الكتب التي بأيديكم لم يغير فيها شيء ومعلوم أن المسلمين وغيرهم إذا إختلفوا لم‬
‫يكن قول فريق حجة على الفريق الخر ‪ #‬فإذا كان المسلمون قد إختلفوا في تبديل‬
‫بعض ألفاظ الكتب المتقدمة لم يكن قول فريق حجة على الخرى ول يجوز لحد‬
‫من المسلمين ول منكم أن يضيف إلى الرسول قول إل بدليل ‪ #‬فأين في القرآن‬
‫والسنة الثابتة عن محمد أن جميع ما بأيدي أهل الكتاب من التوراة والنجيل‬
‫والزبور ونبوات النبياء لم تبدل بشيء من ألفاظها حتى يقولوا إن محمدا نفى عن‬
‫كتبهم ذلك ‪ #‬وهؤلء بنوا كلمهم على أن ألفاظ كتبهم تدل على صحة دينهم الذي‬
‫هم عليه بعد مبعث محمد وبعد تكذيبهم لمحمد وأنه لم يبدل شيء من ألفاظها‬

‫وقد تبين فساد ذلك من وجوه متعددة ‪ #‬ثم زعموا أن المسلمين يدعون أن ألفاظ ‪#‬‬
‫هذه الكتب حرفت كلها بجميع لغاتها بعد مبعث محمد وهذا القول لم يقله أحد من‬
‫المسلمين فيما أعلم وظنوا أنهم بالجواب عن هذا يكونون قد أجابوا المسلمين‬

‫فصل ‪ #‬فقال الحاكي عنهم فقلت لهم إن قال قائل إن التبديل والتغيير يجوز أن‬
‫يكون بعد هذا القول فقالوا إنا نعجب من هؤلء القوم على علمهم وذكائهم ومعرفتهم‬
‫كيف يحتجون علينا بمثل هذا القول وذلك أنا أيضا إذا إحتججنا عليهم بمثل هذا‬
‫القول وقلنا إن الكتاب الذي في أيديهم يومنا هذا قد غيروه وبدلوه وكتبوا فيه ما‬
‫أرادوا واشتهوا هل كانوا يجوزون كلمنا قال الحاكي عنهم فقلت لهم هذا مما ل‬
‫يجوز ول يمكن أحدا أن يقوله ول يمكن أن يتغير منه إلى آخر الفصل وسيأتي‬
‫بألفاظ بعد هذا ‪ #‬والجواب أن هذا السائل النصراني الذي ذكر عن المسلمين سؤال‬
‫ل يقولونه وعن علماء النصارى جوابه هو وهم بنوا كلمهم على أصلين فاسدين ‪#‬‬
‫أحدهما أن الرسول ثبت ما معهم ونفى عن كتبهم التي بين أيديهم التهم والتبديل‬
‫والتغيير لها ومقصودهم بذلك ل يتم إل إذا نفى التبديل عن لفظها ومعناها وهذا مما‬
‫يعلم كل عاقل أن الرسول لم ينفه عنها بل النقل المتواتر عنه بنقيض ذلك وهم أيضا‬
‫وكل عاقل‬

‫يعلم أن الكتب التي بأيديهم في تفسيرها من الختلف والضطراب بين فرق‬


‫النصارى وبين النصارى واليهود ما يوجب القطع بأن كثيرا من ذلك مبدل محرف‬
‫وكذلك وقع في تغيير شرائع هذه الكتب فإن الكتب تضمنت أصلين الخبار والمر‬
‫واليمان بها ل يتم إل بتصديقها فيما أخبرت وإيجاب طاعتها فيما أوجبته ‪ #‬وأهل‬
‫الكتاب يكذبون بكثير مما أخبرت ول يوجبون طاعتها في كثير مما أوجبته وأمرت‬
‫به وكل فرقة منهم تشهد على الفرقة الخرى بمثل ذلك ‪ #‬والنصارى لهم سبع‬
‫مجامع مشهورة عندهم وهم في كل‬

‫مجمع يلعنون طائفة منهم كبيرة ويكفرونهم ويقولون عنهم إنهم كذبوا ببعض ما في‬

‫‪198‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪199‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تلك الكتب ولم يوجبوا طاعة بعض أمرها وتلك الطائفة تشهد على الخرى بأنها‬
‫كذبت ببعض ما فيها ثم فرقهم الثلثة المشهورة النسطورية والملكية واليعقوبية كل‬
‫طائفة تكفر الخرى وتلعنها وتشهد عليها أنها مكذبة ببعض ما في النبوات غير‬
‫موجبة لطاعة بعض ما فيها بل اختلفهم في نفس التوحيد والرسالة فزعم كل فريق‬
‫منهم أن المسيح جاء بما هم عليه والمسيح عليه السلم وجميع الرسل بريئون من‬
‫الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وبريئون ممن يقول على ال غير الحق أو يقول على‬
‫ال ما ل يعلم وبريئون من كل قول باطل يقال على ال عز وجل وإن كان قائله‬
‫مخطئا لم يتعمد الكذب ‪ #‬وفي مقالت النصارى من هذه النواع ما يطول وصفه‬
‫وقد بسط في غير هذا الموضع‬

‫وإذا عرفت أن جميع الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى يشهدون أنه قد ‪#‬‬
‫وقع في هذه الكتب تحريف وتبديل في معانيها وتفاسيرها وشرائعها فهذا القدر كاف‬
‫وهم من حين بعث محمد صار كل من لم يؤمن به كافرا بخلف حال النصارى قبل‬
‫مبعث محمد فإنه كان فيهم من هو متبع لدين المسيح والمسلمون وإن كان فيهم من‬
‫حرف الدين وبدله فجمهورهم خالفوا هؤلء فل يزال فيهم طائفة ظاهرة على الحق‬
‫ل يضرهم من خالفهم وخذلهم حتى تقوم الساعة بخلف النصارى فإنهم كفروا‬
‫جميعهم كما كفرت اليهود بتكذيب المسيح ‪ #‬والمسلمون يثبتون بالدلئل الكثيرة أنهم‬
‫بدلوا معاني التوراة والنجيل والزبور وغيرهم من نبوات النبياء وابتدعوا شرعا لم‬
‫يأت به المسيح ول غيره ول يقول عاقل مثل زعمهم أن جميع بني آدم من النبياء‬
‫والرسل وغيرهم كانوا في الجحيم في حبس الشيطان لجل أن أباهم آدم أكل من‬
‫الشجرة وأنهم إنما تخلصوا من ذلك لما صلب المسيح‬

‫فإن هذا الكلم لو نقله ناقل عن بعض النبياء لقطعنا بكذبه عليهم فكيف وهذا ‪#‬‬
‫الكلم ليس منقول عندهم عن أحد من النبياء وإنما ينقلونه عمن ليس قوله حجة‬
‫لزمة فإن كثيرا من دينهم مأخوذ عن رؤوسهم الذين ليسوا بأنبياء ‪ #‬فإذا قطعنا‬
‫بكذب من ينقله عن النبياء فكيف إذا لم ينقله عنهم وذلك أن النبياء عليهم السلم‬
‫يخبرون الناس بما تقصر عقولهم عن معرفته ل بما يعرفون أنه باطل ممتنع‬
‫فيخبرونهم‬

‫بمحيرات العقول ل محالت العقول وآدم عليه السلم وإن كان أكل من الشجرة فقد‬
‫تاب ال عليه واجتباه وهداه ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه‬
‫فتاب عليه وهدى ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو‬
‫التواب الرحيم ^ ‪ #‬وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفي توبته وإنما قد يقول‬
‫قائلهم إنا ل نعلم أنه تاب أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشيء ليس علما بعدمه‬
‫وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب ال ل ينفي أن يكون في كتاب آخر ففي‬
‫التوراة ما ليس في النجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي النجيل والزبور ما ليس‬
‫في التوراة وفي سائر النبوات ما ل يوجد في هذه الكتب والقرآن لو كان دون‬

‫‪199‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪200‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التوراة والنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لمكن أن يكون فيه ما ليس فيها‬
‫فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والنجيل وقد بين‬
‫ال تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى ‪ ^ #‬ال نزل أحسن الحديث‬
‫^ كتابا متشابها مثانى تقشعر منه‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬نحن نقص عليك أحسن القصص بمآ أوحينآ إليك هذا القرآن ^ ‪#‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وأنزلنآ إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب‬
‫ومهيمنا عليه ^ ‪ #‬وسواء تاب آدم أو لم يتب فكيف يجوز أن يكون رسل ال الذين‬
‫هم أفضل منه محبوسين في حبس الشيطان في جهنم بذنبه وإبراهيم خليل الرحمن‬
‫كان أبوه كافرا ولم يؤاخذه ال بذنبه فكيف يجعله في جهنم في حبس الشيطان بسبب‬
‫ذنب أبيه القصى آدم مع أنه كان نبيا ونوح عليه السلم قد مكث في قومه ألف سنة‬
‫إل خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة ال وحده وأغرق ال أهل الرض بدعوته وجعل‬
‫ذريته هم الباقين فكيف يكون في جهنم في حبس الشيطان لجل ذنب آدم ‪ #‬وموسى‬
‫بن عمران الذي كلمه ال تكليما وأظهر على يديه من البراهين واليات ما لم يظهر‬
‫مثله على يدي المسيح وقتل نفسا لم يؤمر بقتلها فغفر ال له ذلك وله من المنزلة عند‬
‫ال والكرامة ما ل يقدر قدره فكيف يكون في جهنم في حبس الشيطان ‪ #‬ثم أي‬
‫مناسبة بين الصلب الذي هو من أعظم الذنوب سواء‬

‫صلبوا المسيح أو المشبه به وبين تخليص هؤلء من الشيطان فإن الشيطان إن فعل‬
‫ذلك بالذرية كان ظالما معتديا وال عز وجل قادر على منعه من ظلمهم بل وعلى‬
‫عقوبته إذا لم ينته عن ظلمهم ‪ #‬فلماذا أخر منعه من ظلمهم إلى زمن المسيح وهو‬
‫سبحانه ولي المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم وهم رسله الذين نصرهم على من عاداهم‬
‫بل أهلك أعداءهم الذين هم جند الشيطان فكيف ل يمنع الشيطان بعد موتهم أن‬
‫يظلمهم ويجعل أرواحهم في جهنم هذا إن قدر أن الشيطان كان قادرا على ذلك‬
‫وكيف يجوز أن يجعل الشيطان بعد موت أنبيائه وأوليائه وسقوط التكليف عنهم‬
‫واستحقاقهم كرامته وإحسانه وجنته بحكم وعده ومقتضى حكمته فجعله مسلطا على‬
‫حبسهم في جهنم ‪ #‬وإن قالوا الرب عز وجل ما كان يقدر على تخليصهم من‬
‫الشيطان مع علمه بأنه ظالم معتد عليهم بعد الموت إل بأن يحتال عليه بإخفاء نفسه‬
‫ليتمكن الشيطان منه كما يزعمون فهذا مع ما فيه من الكفر العظيم وجعل الرب‬
‫سبحانه عاجزا كما جعلوه أول ظالما فيه من التناقض ما يقتضي عظيم جهلهم الذي‬
‫جعلوا به الرب جاهل فإنهم يقولون إنه إحتال على الشيطان ليأخذه بعدل كما إحتال‬
‫الشيطان على آدم بالحية فاختفى منه لئل يعلم أنه ناسوت الله‬

‫وناسوت الله لم يعمل خطيئة قط بخلف غيره ‪ #‬فلما أراد الشيطان أخذ روحه‬
‫ليحبسه في جهنم كسائر من مضى وهو لم يعمل خطيئة استحق الشيطان أن يأخذه‬
‫الرب ويخلص الذرية من حبسه ‪ #‬وهذا تجهيل منهم للرب سبحانه وتعالى عما‬
‫يقولون مع تعجيزه وتظليمه فإنه إن كان هو سلط الشيطان على بني آدم كما يقولون‬

‫‪200‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪201‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فل فرق بين ناسوت المسيح وغيره إذ الجميع بني آدم وأيضا فإذا قدر أن الناسوت‬
‫يدفع الشيطان عن نفسه بحق فإنهم يقولون إنه دخل الجحيم وأخرج منه ذرية آدم ‪#‬‬
‫فيقال إن كان تسلط الشيطان على حبسهم في الجحيم بحق لجل ذنوبهم مع ذنب‬
‫أبيهم لم يجز إخراجهم لجل سلمة ناسوت المسيح من الذنب وإن كانوا مظلومين‬
‫مع الشيطان وجب تخليصهم قبل صلب الناسوت ولم يجز تأخير ذلك فليس في‬
‫مجرد سلمة المسيح من الذنوب ما يوجب سلمة غيره وإن قالوا انه كان بدون‬
‫تسلطه على صلبه عاجزا عن دفعه فهو مع تسلطه على صلبه أعجز وأعجز ‪#‬‬
‫الصل الثاني الفاسد الذي بنوا عليه سؤالهم الذي جعلوه من جهة المسلمين وجوابهم‬
‫ظنهم أن المسلمين يقولون إن هذه الكتب حرفت ألفاظ جميع النسخ الموجودة منها‬
‫بعد مبعث محمد‬

‫وهذا مما ل يقوله المسلمون ولكن قد يقول بعضهم إنه حرف بعد مبعث محمد ‪#‬‬
‫ألفاظ بعض النسخ فإن الجمهور الذين يقولون إن بعض ألفاظها حرفت منهم من‬
‫يقول كان هذا قبل المبعث ‪ #‬ومنهم من يقول كان بعده ومنهم من يثبت المرين أو‬
‫يجوزهما ولكن ل يقول إنه حرفت ألفاظ جميع النسخ الموجودة في مشارق الرض‬
‫ومغاربها كما حكاه هذا الحاكي عنهم ولكن علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب‬
‫متفقون على وقوع التحريف في المعاني والتفسير ‪ #‬وإن كانت كل طائفة تزعم أن‬
‫الخرى هي التي حرفت المعاني ‪ #‬وأما ألفاظ الكتب فقد ذهبت طائفة من علماء‬
‫المسلمين إلى أن ألفاظها لم تبدل كما يقول ذلك من يقوله من أهل الكتاب ‪ #‬وذهب‬
‫كثير من علماء المسلمين وأهل الكتاب إلى أنه بدل بعض ألفاظها ‪ #‬وهذا مشهور‬
‫عند كثير من علماء المسلمين وقاله ايضا كثير من علماء اهل الكتاب ‪ #‬حتى في‬
‫صلب المسيح ذهبت طائفة من النصارى إلى أنه إنما‬

‫صلب الذي شبه بالمسيح كما اخبر به القرآن وإن الذين أخبروا بصلبه كانوا قد‬
‫أخبروا بظاهر المر فإنه لما ألقى شبهه على المصلوب ظنوا أنه هو المسيح أو‬
‫تعمدوا الكذب ثم هؤلء منهم الذين يقولون إن في ألفاظ الكتب ما هو مبدل ‪ #‬وفيهم‬
‫من يجعل المبدل من التوراة والنجيل كثيرا منهما وربما جعل بعضهم المبدل‬
‫أكثرهما ل سيما النجيل فإن الطعن فيه أكثر وأظهر منه في التوراة ‪ #‬ومن هؤلء‬
‫من يسرف حتى يقول أنه ل حرمة لشيء منهما بل يجوز الستنجاء بهما ‪ #‬ومنهم‬
‫من يقول الذي ب‬
‫دلت ألفاظه قليل منهما وهذا أظهر ‪ #‬والتبديل في النجيل أظهر بل كثير من الناس‬
‫يقول هذه الناجيل ليس فيها من كلم ال إل القليل ‪ #‬والنجيل الذي هو كلم ال‬
‫ليس هو هذه الناجيل‬

‫والصحيح أن هذه التوراة الذي بأيدي اهل الكتاب فيها ما هو حكم ال وإن كان قد ‪#‬‬
‫بدل وغير بعض ألفاظهما كقوله تعالى ‪ ^ #‬ياأيها الرسول ل يحزنك الذين‬
‫يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا‬

‫‪201‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪202‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم‬

‫الى قوله ‪ ^ #‬وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ^ ‪ #‬فعلم أن التوراة ‪#‬‬
‫التي كانت موجودة بعد خراب بيت المقدس وبعد مجيء بختنصر وبعد مبعث‬
‫المسيح وبعد مبعث محمد فيها حكم ال ‪ #‬والتوراة التي كانت عند يهود المدينة على‬
‫عهد رسول ال وإن قيل أنه غير بعض ألفاظها بعد مبعثه فل نشهد على كل نسخة‬
‫في العالم بمثل ذلك فإن هذا غير معلوم لنا وهو أيضا متعذر بل يمكن تغيير كثير‬
‫من النسخ وإشاعة ذلك عند التباع حتى ل يوجد عند كثير من الناس إل ما غير بعد‬
‫ذلك ومع هذا فكثير من نسخ التوراة والنجيل متفقة في الغالب إنما تختلف في‬
‫اليسير من ألفاظها فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن ل يمكن‬
‫أحد أن يجزم بنفيه ول يقدر أحد من اليهود والنصارى أن يشهد بأن كل نسخة في‬
‫العالم بالكاتبين متفقة اللفاظ إذ هذا ل سبيل لحد إلى علمه والختلف اليسير في‬
‫ألفاظ هذه الكتب‬

‫موجود في الكثير من النسخ كما قد تختلف نسخ بعض كتب الحديث أو تبدل بعض‬
‫ألفاظ بعض النسخ وهذا خلف القرآن المجيد الذي حفظت ألفاظه في الصدور بالنقل‬
‫المتواتر ل يحتاج أن يحفظ في كتاب كما قال تعالى ‪ ^ #‬إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له‬
‫لحافظون ^ ‪ #‬وذلك أن اليهود قبل النبي وعلى عهده وبعده منتشرون في مشارق‬
‫الرض ومغاربها وعندهم نسخ كثيرة من التوراة ‪ #‬وكذلك النصارى عندهم نسخ‬
‫كثيرة من التوراة ولم يتمكن أحد من جمع هذه النسخ وتبديلها ولو كان ذلك ممكنا‬
‫لكان هذا من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها وكذلك في النجيل قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ ‪ #‬فعلم أن في هذا النجيل حكما‬
‫أنزله ال تعالى لكن‬

‫الحكم هو من باب المر والنهي وذلك ل يمنع أن يكون التغيير في باب الخبار‬
‫وهو الذي وقع فيه التبديل لفظا وأما الحكام التي في التوراة فما يكاد أحد يدعي‬
‫التبديل في ألفاظها ‪ #‬وقد ذكر طائفة من العلماء ان قوله تعالى في النجيل ^‬
‫وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ هو خطاب لمن كان على دين المسيح قبل‬
‫النسخ والتبديل ل الموجودين بعد مبعث محمد ‪ #‬وهذا القول يناسب مناسبة ظاهرة‬
‫لقراءة من قرأ ^ وليحكم أهل النجيل ^ بكسر اللم كقراءة حمزة فإن هذه لم كي‬
‫فإنه تعالى قال ‪ ^ #‬وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من‬
‫التوراة وآتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى‬
‫وموعظة للمتقين وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ومن لم يحكم بما أنزل ال‬
‫^ فأولئك هم الفاسقون‬

‫فإذا قرىء وليحكم كان المعنى وأتيناه النجيل لكذا وكذا وليحكم أهل النجيل بما ‪#‬‬
‫أنزل ال فيه وهذا يوجب الحكم بما أنزل ال في النجيل الحق ل يدل على أن‬

‫‪202‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪203‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النجيل الموجود في زمن الرسول هو ذلك النجيل ‪ #‬وأما قراءة الجمهور ^‬


‫وليحكم أهل النجيل ^ فهو أمر بذلك فمن العلماء من قال هو أمر لمن كان النجيل‬
‫الحق موجودا عندهم أن يحكموا بما أنزل ال فيه وعلى هذا يكون قوله تعالى ^‬
‫وليحكم ^ أمر لهم قبل مبعث محمد وقال آخرون ل حاجة إلى هذا التكلف فإن القول‬
‫في النجيل كالقول في التوراة وقد قال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الرسول ل يحزنك الذين‬
‫يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا‬
‫سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد‬

‫مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد ال فتنته فلن‬
‫تملك له من ال شيئا أولئك الذين لم يرد ال أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي‬
‫ولهم في الخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم‬
‫بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم‬
‫بالقسط إن ال يحب المقسطين وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم ال ثم‬
‫يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها‬
‫النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والحبار بما استحفظوا من كتاب ال‬
‫وكانوا عليه شهداء فل تخشوا الناس واخشون ول تشتروا بآياتي ثمنا قليل ومن لم‬
‫يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين‬
‫بالعين والنف بالنف والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به‬
‫فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الظالمون وقفينا على آثارهم‬
‫بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه النجيل ^ ‪ #‬فهذا قد صرح‬
‫بأن أولئك الذين تحاكموا إلى النبي من اليهود عندهم التوراة فيها حكم ال ثم تولوا‬
‫عن حكم ال وقال بعد ذلك ^ وليحكم أهل النجيل بما أنزل ال فيه ^ وهذه لم‬
‫المر وهو أمر من ال أنزله على لسان محمد وأمر من مات قبل هذا الخطاب ممتنع‬
‫وإنما يكون المر أمرا لمن آمن‬

‫به من بعد خطاب ال لعباده بالمر فعلم أنه أمر لمن كان موجودا حينئذ أن يحكموا‬
‫بما أنزل ال في النجيل وال أنزل في النجيل المر باتباع محمد كما أمر به في‬
‫التوراة فليحكموا بما أنزل ال في النجيل مما لم ينسخه محمد كما أمر أهل التوراة‬
‫أن يحكموا بما أنزله مما لم ينسخه المسيح وما نسخه فقد أمروا فيها باتباع المسيح‬
‫وقد أمروا في النجيل باتباع محمد فمن حكم من أهل الكتاب بعد مبعث محمد بما‬
‫أنزل ال في التوراة والنجيل لم يحكم بما يخالف حكم محمد إذ كانوا مأمورين في‬
‫التوراة والنجيل باتباع محمد كما قال تعالى ‪ ^ #‬الذين يتبعون الرسول النبي المي‬
‫الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك‬
‫الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل ال‬
‫^ ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق‬

‫فجعل القرآن مهيمنا والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن فهو يحكم بما فيها مما لم ‪#‬‬

‫‪203‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪204‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ينسخه ال ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يبدل ولهذا قال ‪ ^ #‬لكل جعلنا منكم شرعة‬
‫ومنهاجا ^ ‪ #‬وقد ثبت في الصحاح والسنن والمساند هذا في الصحيحين عن عبدال‬
‫بن عمر رضي ال عنهما أنه قال إن اليهود جاءوا إلى رسول ال فذكروا له أن‬
‫امرأة منهم ورجل زنيا فقال لهم رسول ال ما تجدون في التوراة في شأن الرجم‬
‫قالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبدال بن سلم كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوارة‬
‫فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبدال بن‬
‫سلم ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فأمر بهما النبي‬
‫فرجما‬

‫وأخرج البخاري عن عبدال بن عمر أنه قال أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪#‬‬
‫بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من‬
‫زنى قالوا نسود وجوههما ويطاف بهما قال ^ فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين‬
‫^ قال فجاءوا بها فقرأوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على‬
‫آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها فقال عبدال بن سلم وهو مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مره فليرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم قالوا صدق فيها آية‬
‫الرجم ولكننا نتكاتمه بيننا وأن أحبارنا أحدثوا التحميم والتجبية فأمر رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم برجمهما فرجما ‪ #‬وأخرج مسلم عن البراء بن عازب رضي ال عنه‬
‫أنه قال مر على رسول ال صلى ال عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال‬
‫هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم فدعى رجل من علمائهم فقال أنشدك ال‬
‫الذي أنزل التوراة على‬

‫موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال ل ولول أنك نشدتني بهذا لم أخبرك‬
‫نجد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف‬
‫أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا‬
‫التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم إني أول من‬
‫أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل ال تعالى ^ يأيها الرسول ل يحزنك الذين‬
‫يسرعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ^ ‪ #‬إلى قوله ^ فأولئك هم‬
‫الكافرون إلى الظالمون إلى الفاسقون ^ ‪ #‬قال هي في الكفار كلها ‪ #‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن جابر بن عبدال رضي ال عنه أنه قال رجم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫رجل من أسلم ورجل‬

‫من اليهود ‪ #‬وأما السنن ففي سنن أبي داود عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي‬
‫ال عنهما أنه قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا يا أبا القاسم إن رجل منا زنى بامرأة فاحكم‬
‫بينهم فوضعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال أئتوني‬
‫التوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبمن‬
‫أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بشاب ثم ذكر قصة الرجم‬

‫‪204‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪205‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأخرج أيضا أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي ال عنه أنه قال زنى رجل ‪#‬‬
‫من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث‬
‫بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند ال فقلنا نبي من‬
‫أنبيائك قالوا فأتوا بالنبي صلى ال عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه‬
‫فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت‬
‫مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بال الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون‬
‫في التوراة على من زنى إذا أحصن ‪ #‬قالوا نحممه ونجبيه ونجلده والتجبية أن‬
‫يحمل الزانيان على حمار ويقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما‬
‫رآه النبي صلى ال عليه وسلم ساكتا أنشده فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة‬
‫الرجم فقال النبي صلى ال عليه وسلم فما أول ما ارتخصتم أمر ال قال زنى ذو‬
‫قرابة ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل في أسرة من الناس‬

‫فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا ل يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه‬
‫فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم قال النبي فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما‬
‫‪ #‬قال الزهري فبلغنا أن هذه الية نزلت فيهم ‪ ^ #‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور‬
‫يحكم بها النبيون الذين أسلموا ^ ‪ #‬فكان النبي منهم ‪ #‬وأيضا فقد تحاكموا إليه في‬
‫القود الذي كان بين بني قريظة والنضير وكان النضير أشرف من قريظة فكان إذا‬
‫قتل بعض إحدى القبيلتين قتيل من الخرى فيقتلونه ولم يضعفوا الدية وإذا قتل من‬
‫القبيلة الشريفة قتلوا به وأضعفوا الدية ‪ #‬قال أبو داود سليمان بن الشعث في سننه‬
‫حدثنا محمد بن‬

‫العلء حدثنا عبيد ال بن موسى عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن‬


‫عكرمة عن ابن عباس قال كان قريظة والنضير وكان النضير أشرف من قريظة‬
‫فكان إذا قتل رجل من قريظة رجل من النضير قتل به وإذا قتل رجل من النضير‬
‫رجل من قريظة ودي ماية وسق من تمر ‪ #‬فلما بعث النبي قتل رجل من النضير‬
‫رجل من قريظة فقالوا ادفعوه إلينا نقتله فقالوا بيننا وبينكم محمد فأتوه فنزلت‬

‫وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ^ ‪ #‬والقسط النفس بالنفس ثم نزلت ‪ ^ #‬أفحكم ^ ‪#‬‬
‫الجاهلية يبغون ^ ‪ #‬قال أبو داود قريظة والنضير من ولد هارون ‪ #‬وبسط هذا له‬
‫موضع آخر وعلى كل قول فقد أخبر ال عز وجل أن في التوراة الموجودة بعد‬
‫المسيح عليه السلم حكم ال وأن أهل الكتاب اليهود تركوا حكم ال الذي في التوراة‬
‫مع كفرهم بالمسيح وهذا ذم من ال لهم على ما تركوه من حكمه الذي جاء به‬
‫الكتاب الول ولم ينسخه الرسول الثاني ‪ #‬وهذا من التبديل الثاني الذي ذموا عليه‬
‫ودل ذلك على أن في التوراة الموجودة بعد مبعث المسيح حكما أنزله ال أمروا أن‬
‫يحكموا به وهكذا يمكن أن يقال في النجيل‬

‫‪205‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪206‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومعلوم أن الحكم الذي أمروا أن يحكموا به من أحكام التوراة ولم ينسخه النجيل ‪#‬‬
‫ول القرآن فكذلك ما أمروا أن يحكموا به من أحكام النجيل هو مما لم ينسخه القرآن‬
‫وذلك أن الدين الجامع أن يعبد ال وحده ويأمر بما أمر ال به ويحكم بما أنزله ال‬
‫في أي كتاب أنزله ولم ينسخه فإنه يحكم به ‪ #‬ولهذا كان مذهب جماهير السلف‬
‫والئمة أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلفه ومن حكم بالشرع‬
‫المنسوخ فلم يحكم‬

‫بما أنزل ال كما أن ال أمر أمة محمد أن يحكموا بما أنزل ال في القرآن وفيه‬
‫الناسخ والمنسوخ فهكذا القول في جنس الكتب المنزلة ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وأنزلنا‬
‫إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما‬
‫أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو‬
‫شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى ال‬
‫مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وأن احكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع‬
‫أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد‬
‫ال أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون‬
‫ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى‬
‫أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم‬
‫الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا‬
‫دائرة فعسى ال أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم‬
‫نادمين ويقول الذين آمنوا أهؤلء الذين أقسموا بال جهد أيمانهم‬

‫إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن‬
‫دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علىالمؤمنين أعزة على الكافرين‬
‫يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال‬
‫واسع عليم إنما وليكم ال ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‬
‫وهم راكعون ومن يتول ال ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ال هم الغالبون ^ ‪#‬‬
‫فقد أمر نبيه محمدا أن يحكم بما أنزل ال إليه وحذره اتباع أهوائهم وبين أن‬
‫المخالف لحكمه هو حكم الجاهلية حيث قال تعالى ‪ ^ #‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن‬
‫أحسن من ال حكما لقوم يوقنون ^ ‪ #‬وأخبره تعالى أنه جعل لكل من أهل التوراة‬
‫والنجيل والقرآن شرعة ومنهاجا وأمره تعالى بالحكم بما أنزل ال أمر عام لهل‬
‫التوراة والنجيل والقرآن ليس لحد في وقت من الوقات أن يحكم بغير ما أنزل ال‬
‫والذي أنزله ال هو دين واحد اتفقت عليه الكتب والرسل وهم متفقون في أصول‬
‫الدين وقواعد الشريعة وإن تنوعوا في الشرعة والمنهاج بين ناسخ ومنسوخ فهو‬
‫شبيه بتنوع حال الكتاب الواحد فإن المسلمين كانوا أول مأمورين بالصلة لبيت‬
‫المقدس ثم أمروا أن يصلوا إلى المسجد الحرام وفي كل المرين إنما اتبعوا ما أنزل‬
‫ال عز وجل‬

‫‪206‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪207‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وكذلك موسى عليه السلم كان مأمورا بالسبت محرما عليه ما حرمه ال في ‪#‬‬
‫التوراة وهو متبع ما أنزله ال عز وجل والمسيح أحل بعض ما حرمه ال في‬
‫التوراة وهو متبع ما أنزل ال عز وجل فليس في أمر ال لهل التوراة والنجيل أن‬
‫يحكموا بما أنزل ال أمر بما نسخ كما أنه ليس في أمر أهل القرآن أن يحكموا بما‬
‫أنزل ال أمر بما نسخ بل إذا كان ناسخ ومنسوخ فالذي انزل ال هو الحكم بالناسخ‬
‫دون المنسوخ فمن حكم بالمنسوخ فقد حكم بغير ما أنزل ال عز وجل ومما يوضح‬
‫هذا قوله تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل‬
‫وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا‬
‫فل تأس على القوم الكافرين ^ ‪ #‬فإن هذا يبين أن هذا أمر لمحمد أن يقول لهل‬
‫الكتاب الذي بعث إليهم إنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والنجيل وما أنزل‬
‫إليهم من ربهم فدل ذلك على أنهم عندهم ما يعلم أنه منزل من ال وأنهم مأمورون‬
‫بإقامته إذ كان ذلك مما‬

‫قرره محمد ولم ينسخه ومعلوم أن كل ما أمر ال به على لسان نبي ولم ينسخه النبي‬
‫الثاني بل أقره كان ال آمرا به على لسان نبي بعد نبي ولم يكن في بعثة الثاني ما‬
‫يسقط وجوب اتباع ما أمر به النبي الول وقرره النبي الثاني ‪ #‬ول يجوز أن يقال‬
‫إن ال ينسخ بالكتاب الثاني جميع ما شرعه بالكتاب الول وإنما المنسوخ قليل‬
‫بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والشرائع ‪ #‬وأيضا ففي التوراة والنجيل ما دل‬
‫على نبوة محمد فإذا حكم أهل التوراة والنجيل بما أنزل ال فيهما حكموا بما أوجب‬
‫عليهم اتباع محمد ‪ #‬وهذا يدل على أن في التوراة والنجيل ما يعلمون أن ال أنزله‬
‫إذ ل يؤمرون أن يحكموا بما أنزل ال ول يعلمون ما أنزل ال والحكم إنما يكون في‬
‫المر والنهي والعلم ببعض معاني الكتب ل ينافي عدم العلم ببعضها وهذا متفق‬
‫عليه في المعاني فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب اللهية‬
‫المر بعبادة ال وحده ل شريك له وأنه أرسل إلى الخلق رسل من البشر وأنه‬
‫أوجب العدل وحرم الظلم والفواحش والشرك وأمثال ذلك من الشرائع‬

‫الكلية وأن فيها الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب بل هم متفقون على اليمان باليوم‬
‫الخر وقد تنازعوا في بعض معانيها واختلفوا في تفسير ذلك كما اختلفت اليهود‬
‫والنصارى في المسيح المبشر به النبوات هل هو المسيح بن مريم عليه السلم أو‬
‫مسيح آخر ينتظر‬

‫والمسلمون يعلمون أن الصواب في هذا مع النصارى لكن ل يوافقونهم على ما‬


‫أحدثوا فيه من الفك والشرك ‪ #‬وكذلك يقال إذا بدل قليل من ألفاظها الخبرية لم‬
‫يمنع ذلك أن يكون أكثر ألفاظها لم يبدل ل سيما إذا كان في نفس الكتاب ما يدل على‬
‫المبدل وقد يقال أن ما بدل من ألفاظ التوراة والنجيل ففي نفس التوراة والنجيل ما‬
‫يدل على تبديله فبهذا يحصل الجواب عن شبهة من يقول إنه لم يبدل شيء من‬
‫ألفاظها فإنهم يقولون إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة والنجيل قبل مبعث‬

‫‪207‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪208‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫محمد لم يعلم الحق من الباطل فسقط الحتجاج بهما ووجوب العمل بهما على أهل‬
‫الكتاب فل يذمون حينئذ على ترك اتباعهما ‪ #‬والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما‬
‫فيهما واستشهد بهما في مواضع ‪ #‬وجواب ذلك أن ما وقع من التبديل قليل والكثر‬
‫لم يبدل والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة تبين بها المقصود من غلط ما خالفها ولها‬
‫شواهد ونظائر متعددة يصدق بعضها بعضا بخلف المبدل فإنه ألفاظ قليلة وسائر‬
‫نصوص الكتب يناقضها وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي ص =‬
‫فإنه إذا وقع في سنن أبي داود والترمذي أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة كان في‬
‫الحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ما يبين ضعف تلك‬

‫بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط وفي نفس الحاديث الصحيحة مع ‪#‬‬
‫القرآن ما يبين غلطها مثل ما روي أن ال خلق التربة يوم السبت وجعل خلق‬
‫المخلوقات في اليام السبعة فإن هذا الحديث قد بين أئمة الحديث كيحيى بن معين‬
‫وعبدالرحمن بن‬

‫مهدي والبخاري وغيرهم أنه غلط وأنه ليس في كلم النبي بل صرح البخاري في‬
‫تاريخه الكبير أنه من كلم كعب الحبار كما قد بسط في موضعه والقرآن يدل على‬

‫غلط هذا ويبين أن الخلق في ستة أيام وثبت في الصحيح أن آخر الخلق كان يوم‬
‫الجمعة فيكون أول الخلق يوم الحد ‪ #‬وكذلك ما روي أنه صلى الكسوف‬

‫بركوعين أو ثلثة ‪ #‬فإن الثابت المتواتر عن النبي في الصحيحين وغيرهما من‬


‫حديث عائشة وابن عباس وعبدال بن عمرو وغيرهم أنه صلى كل ركعة بركوعين‬
‫ولهذا لم يخرج‬

‫البخاري إل ذلك وضعف الشافعي والبخاري واحمد في أحد الروايتين عنه وغيرهم‬
‫حديث الثلث والربع فإن النبي إنما صلى الكسوف مرة واحدة وفي حديث الثلث‬
‫والربع أنه صلها يوم مات إبراهيم ابنه وأحاديث الركوعين كانت ذلك اليوم فمثل‬
‫هذا الغلط إذا وقع كان في نفس الحاديث الصحيحة ما يبين أنه غلط والبخاري إذا‬
‫روى الحديث بطرق في بعضها غلط في بعض اللفاظ ذكر معه الطرق التي تبين‬
‫ذلك الغلط كما قد بسطنا الكلم على ذلك في موضعه ‪ #‬فكذلك إذا قيل أنه وقع تبديل‬
‫في بعض ألفاظ الكتب المتقدمة كان في الكتب ما يبين لك الغلط وقد قدمنا أن‬
‫المسلمين ل يدعون أن كل نسخة في العالم من زمن محمد بكل لسان من التوراة‬
‫والنجيل والزبور بدلت ألفاظها فإن هذا ل أعرف‬

‫أحدا من السلف قاله وإن كان من المتأخرين من قد يقول ذلك كما في بعض‬
‫المتأخرين من يجوز الستنجاء بكل ما في العالم من نسخ التوراة والنجيل فليست‬
‫هذه القوال ونحوها من أقوال سلف المة وأئمتها وعمر بن الخطاب رضي ال عنه‬

‫‪208‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪209‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لما رأى بيد كعب الحبار نسخة من التوراة قال يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي‬
‫التوراة التي أنزلها ال على موسى بن عمران فاقرأها فعلق المر‬

‫على ما يمتنع العلم به ولم يجزم عمر رضي ال عنه بأن ألفاظ تلك مبدلة لما لم‬
‫يتأمل كل ما فيها ‪ #‬والقرآن والسنة المتواترة يدلن على أن التوراة والنجيل‬
‫الموجودين في زمن النبي فيهما ما أنزله ال عز وجل والجزم بتبديل ذلك في جميع‬
‫النسخ التي في العالم متعذر ول حاجة بنا إلى ذكره ول علم لنا بذلك ول يمكن أحدا‬
‫من أهل الكتاب أن يدعي أن كل نسخة في العالم بجميع اللسنة من الكتب متفقة على‬
‫لفظ واحد فإن هذا مما ل يمكن أحدا من البشر أن يعرفه باختباره وامتحانه وإنما‬
‫يعلم مثل هذا بالوحي وإل فل يمكن أحدا‬

‫من البشر أن يقابل كل نسخة موجودة في العالم بكل نسخة من جميع اللسنة بالكتب‬
‫الربعة والعشرين وقد رأيناها مختلفة في اللفاظ اختلفا بينا والتوراة هي أصح‬
‫الكتب وأشهرها عند اليهود والنصارى ومع هذا فنسخة السامرة مخالفة لنسخة‬
‫اليهود والنصارى حتى في نفس الكلمات العشر ذكر في نسخة السامرة منها من أمر‬
‫استقبال الطور ما ليس في نسخة اليهود والنصارى وهذا مما يبين أن التبديل وقع‬
‫في كثير من نسخ هذه الكتب فإن عند السامرة نسخا متعددة‬

‫وكذلك رأينا في الزبور نسخا متعددة تخالف بعضها بعضا مخالفة كثيرة في كثير ‪#‬‬
‫من اللفاظ والمعاني يقطع من رآها أن كثيرا منها كذب على زبور داود عليه السلم‬
‫وأما الناجيل فالضطراب فيها أعظم منه في التوراة ‪ #‬فإن قيل فإذا كانت الكتب‬
‫المتقدمة منسوخة فلماذا ذم أهل الكتاب على ترك الحكم بما أنزل ال منها قيل النسخ‬
‫لم يقع إل في قليل من الشرائع وإل فالخبار عن ال وعن اليوم الخر وغير ذلك ل‬
‫نسخ فيه ‪ #‬وكذلك الدين الجامع والشرائع الكلية ل نسخ فيها وهو سبحانه ذمهم على‬
‫ترك اتباع الكتاب الول لن أهل الكتاب كفروا من وجهين من جهة تبديلهم الكتاب‬
‫الول وترك اليمان والعمل ببعضه ومن جهة تكذيبهم بالكتاب الثاني وهو القرآن‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل ال قالوا نؤمن بما أنزل علينا‬
‫ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء ال من قبل إن‬
‫كنتم مؤمنين ^ ‪ #‬فبين أنهم كفروا قبل مبعثه بما أنزل عليهم وقتلوا النبياء كما‬

‫كفروا حين مبعثه بما أنزل عليه وقال تعالى ‪ ^ #‬الذين قالوا إن ال عهد إلينا أل‬
‫نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات‬
‫وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فإن كذبوك فقد كذب‬
‫رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فلما‬
‫جاءهم الحق من عندنا قالوا لول أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي‬
‫موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند‬
‫ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬وإذا كان المر كذلك فهو سبحانه‬

‫‪209‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪210‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يذمهم على ترك اتباع ما أنزله في التوراة والنجيل وعلى ترك اتباع ما أنزله في‬
‫القرآن ويبين كفرهم بالكتاب الول وبالكتاب الثاني وليس في شيء من ذلك أمرهم‬
‫أن يحكموا بالمنسوخ من الكتاب الول كما ليس فيه أمرهم أن يحكموا بالمنسوخ في‬
‫الكتاب الثاني‬

‫فصل ‪ #‬فحينئذ فقولهم إنا نعجب من هؤلء القوم على علمهم وذكائهم ومعرفتهم‬
‫كيف يحتجون علينا بمثل هذا القول ‪ #‬وذلك أنا أيضا إذا قلنا واحتججنا عليهم بمثل‬
‫هذا القول إن الكتاب الذي بأيديهم يومنا هذا قد غيروه وبدلوه وكتبوا فيه ما أرادوا‬
‫واشتهوا هل كانوا يجوزون كلمنا ‪ #‬قال الحاكي عنهم فقلت لهم هذا ما ل يجوز‬
‫ول يمكن لحد أن يقوله ول يمكن تغييره ول تبديل حرف واحد منه‬

‫فقالوا سبحان ال العظيم إذا كان الكتاب الذي لهم الذي هو باللسان الواحد ل يمكن ‪#‬‬
‫تبديله ول تغيير حرف واحد منه فكيف يمكن تغيير كتبنا التي هي مكتوبة باثنين‬
‫وسبعين لسانا وفي كل لسان منها كذا وكذا ألف نسخة وجاز عليها إلى مجيء محمد‬
‫أكثر من ستمائة سنة وصارت في أيدي الناس يقرؤونها باختلف ألسنتهم على‬
‫تشاسع بلدانهم ‪ #‬فمن الذي تكلم باثنين وسبعين لسانا ومن هو الذي حكم على الدنيا‬
‫جميعها ملوكها وقساوستها وغالبها حتى حكم على جميعها في أقطار الرض‬
‫وجمعها في أربع زوايا العالم حتى يغيرها ‪ #‬وإن كان غير بعضها وترك بعضها‬
‫فهذا ل يمكن أن يكون لن كلها قول واحد ولفظ واحد في جميع اللسن فهذا ما ل‬
‫يجوز لقائل أن يقوله أبدا‬

‫والجواب أن يقال ‪ #‬أول هذا الكلم منهم يدل على غاية جهلهم بما يقوله ‪#‬‬
‫المسلمون في كتبهم وتبين أنهم لفرط جهلهم يظنون أن المسلمين يقولون مقالة ل‬
‫يخفى فسادها على من له أدنى عقل ومعرفة والمسلمون ل يشك أحد من المم أنهم‬
‫أعظم المم عقول وأفهاما وأتمهم معرفة وبيانا وأحسن قصدا وديانة وتحريا للصدق‬
‫والعدل وأنهم لم يحصل في النوع النساني أمة أكمل منهم ول ناموس أكمل من‬
‫الناموس الذي جاء به نبيهم محمد وحذاق الفلسفة معترفون لهم بذلك وأنه لم يقرع‬
‫العالم ناموس أكمل من هذا الناموس ‪ #‬وقد جمع ال للمسلمين جميع طرق المعارف‬
‫النسانية وأنواعها فإن الناس نوعان‬

‫أهل كتاب وغير أهل كتاب كالفلسفة والهنود ‪ #‬والعلم ينال بالحس والعقل وما ‪#‬‬
‫يحصل بهما وبوحي ال إلى أنبيائه الذي هو خارج عما يشترك فيه الناس من الحس‬
‫والعقل ‪ #‬ولهذا قيل الطرق العلمية البصر والنظر والخبر الحس والعقل والوحي‬
‫الحس والقياس والنبوة ‪ #‬فأهل الكتاب امتازوا عن غيرهم بما جاءهم من النبوة مع‬
‫مشاركتهم لغيرهم فيما يشترك فيه الناس من العلوم الحسية والعقلية ‪ #‬والمسلمون‬
‫حصل لهم من العلوم النبوية والعقلية ما كان للمم قبلهم وامتازوا عنهم بما ل تعرفه‬

‫‪210‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪211‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المم وما اتصل إليهم من عقليات المم هذبوه لفظا ومعنى حتى صار أحسن مما‬
‫كان عندهم ونفوا عنه من الباطل وضموا إليه من الحق ما امتازوا به على من‬
‫سواهم ‪ #‬وكذلك العلوم النبوية أعطاهم ال ما لم يعطه أمة قبلهم وهذا ظاهر لمن‬
‫تدبر القرآن مع تدبر التوراة والنجيل فإنه يجد من فضل علم القرآن ما ل يخفى إل‬
‫على العميان ‪ #‬فكيف يظن مع هذا بالمسلمين أن يخفى عليهم فساد هذا الكلم الذي‬
‫ظنه بهم هؤلء الجهال‬

‫ويقال ثانيا الجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن المسلمين لم يدعوا أن هذه الكتب ‪#‬‬
‫حرفت بعد انتشارها وكثرة النسخ بها ولكن جميعهم متفقون على وقوع التبديل‬
‫والتغيير في كثير من معانيها وكثير من أحكامها ‪ #‬وهذا مما تسلمه النصارى‬
‫جميعهم في التوراة والنبوات المتقدمة فإنهم يسلمون أن اليهود بدلوا كثيرا من‬
‫معانيها وأحكامها ‪ #‬ومما تسلمه النصارى في فرقهم أن كل فرقة تخالف الخرى‬
‫فيما تفسر به الكتب المتقدمة ومما تسلمه اليهود أنهم متفقون على أن النصارى تفسر‬
‫التوراة والنبوات المتقدمة على النجيل بما يخالف معانيها وأنها بدلت أحكام التوراة‬
‫فصار تبديل كثير من معاني الكتب المتقدمة متفقا عليه بين المسلمين واليهود‬
‫والنصارى ‪ #‬وأما تغيير بعض ألفاظها ففيه نزاع بين المسلمين ‪ #‬والصواب الذي‬
‫عليه الجمهور أنه بدل بعض ألفاظها كما ذكر ذلك في مواضعه ‪ #‬الوجه الثاني أن‬
‫قياسهم كتبهم على القرآن وأنه كما‬

‫ل تسمع دعوى التبديل فيه فكذلك في كتبهم قياس باطل في معناه ولفظه ‪ #‬أما معناه‬
‫فكل ما أجمع المسلمون عليه من دينهم إجماعا ظاهرا معروفا عندهم فهو منقول عن‬
‫الرسول نقل متواترا بل معلوما بالضطرار من دينه فإن الصلوات الخمس والزكاة‬
‫وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق ووجوب العدل والصدق وتحريم الشرك‬
‫والفواحش والظلم بل وتحريم الخمر والميسر والربا وغير ذلك منقول عن النبي نقل‬
‫متواترا كنقل ألفاظ القرآن الدالة على ذلك ‪ #‬ومن هذا الباب عموم رسالته وأنه‬
‫مبعوث إلى جميع الناس أهل الكتاب وغير أهل الكتاب بل إلى الثقلين النس والجن‬
‫وأنه كان يكفر اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا ما أنزل ال عليه كما كان يكفر‬
‫غيرهم ممن لم يؤمن بذلك وأنه جاهدهم وأمر بجهادهم ‪ #‬فالمسلمون عندهم منقول‬
‫عن نبيهم نقل متواترا ثلثة أمور لفظ القرآن ومعانيه التي أجمع المسلمون عليها‬
‫والسنة المتواترة وهي الحكمة التي أنزلها ال عليه غير القرآن ‪ #‬كما قال تعالى‬

‫كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب ^ ‪#‬‬
‫والحكمة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫^ واذكر نعمت ال عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة ^ ‪ #‬وبذلك دعا الخليل حيث قال‬
‫لما بنى هو وإسماعيل الكعبة‬

‫‪211‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪212‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بأرض فاران المذكورة في الكتاب الول قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ يرفع إبراهيم ‪#‬‬
‫القواعد من البيت وغسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وبينا واجعلنا‬
‫مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب‬
‫الرحيم ربنا وابعث فيهم رسول منهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتاب والحكمة‬
‫ويركيهم إنك انت العزيز الحكيم ‪ #‬وقال أل إني أوتيت الكتاب ومثله معه‬

‫فالمسلمون عندهم نقل متواتر عن نبيهم بألفاظ القرآن ومعانيه المتفق عليها وبالسنة‬
‫المتواترة عنه مثل كون الظهر والعصر والعشاء أربعا وكون المغرب ثلث ركعات‬
‫وكون الصبح ركعتين ومثل الجهر في العشائين والفجر والمخافتة في الظهر‬
‫والعصر ومثل كون الركعة فيها سجدتين وكون الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة‬
‫سبعا ورمي الجمرات كل واحدة سبع حصيات وأمثال ذلك ‪ #‬وأيضا فالمسلمون‬
‫يحفظون القرآن في صدورهم حفظا يستغنون به عن المصاحف كما ثبت في‬
‫الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي أنه قال إن ربي قال لي إني منزل عليك كتابا ل‬
‫يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا ‪ #‬يقول ولو غسل بالماء من المصاحف لم يغسل من‬
‫القلوب كالكتب التقدمة فإنه لو عدمت نسخها لم يوجد من ينقلها نقل متواترا‬
‫محفوظة في الصدور ‪ #‬والقرآن ما زال محفوظا في الصدور نقل متواترا حتى لو‬
‫أراد مريد أن يغير شيئا من المصاحف وعرض ذلك على صبيان المسلمين‬

‫لعرفوا أنه قد غير المصحف لحفظهم للقرآن من غير أن يقابلوه بمصحف وأنكروا‬
‫ذلك ‪ #‬وأهل الكتاب يقدر النسان منهم أن يكتب نسخا كثيرا من التوراة والنجيل‬
‫ويغير بعضها ويعرضها على كثير من علمائهم ول يعرفون ما غير منها إن لم‬
‫يعرضوه على النسخ التي عندهم ‪ #‬ولهذا لما غير من نسخ التوراة راج ذلك على‬
‫طوائف منهم ولم يعلموا التغيير ‪ #‬وأيضا فالمسلمون لهم السانيد المتصلة بنقل‬
‫العدول الثقات لدقيق الدين كما نقل العامة جليله وليس هذا لهل الكتاب ‪ #‬وأيضا‬
‫فما ذكروه من أن كتبهم مكتوبة باثنين وسبعين لسانا هو أقرب إلى التغيير من‬
‫الكتاب الواحد باللغة الواحدة فإن هذا مما يحفظه الخلق الكثير فل يقدر أحد أن يغيره‬
‫‪ #‬وأما الكتب المكتوبة باثنين وسبعين لسانا فإذا قدر أن بعض النسخ الموجودة‬
‫ببعض اللسنة غير بعض ما فيها لم يعلم ذلك سائر أهل اللسن الباقية بل ولم يعلم‬
‫بذلك سائر أهل النسخ الخرى فالتغيير فيها ممكن كما يمكن في نظائر ذلك ‪ #‬وما‬
‫ادعوه من تعذر جمع جميع النسخ هو حجة عليهم فإن‬

‫ذلك إذا كان متعذرا لم يمكن الجزم باتفاق جميع النسخ لواحد حتى يشهد بأنها كلها‬
‫متفقة لفظا ومعنى بل إمكان التغيير فيها أيسر من إمكان الشهادة باتفاقها ‪ #‬ولهذا ل‬
‫يمكن أحدا تغيير القرآن مع كونه محفوظا في القلوب منقول بالتواتر مع أنا ل نشهد‬
‫لجميع المصاحف بالتفاق بل قد يقع في بعض نسخ المصاحف ما هو غلط يعلمه‬
‫حفاظ القرآن ول يحتاجون إلى اعتبار ذلك بمصحف آخر ‪ #‬وتلك الكتب ل يحفظ‬
‫كل منها قوم من أهل التواتر حتى تعتبر النسخ بها ولكن لما كان النبياء عليهم‬

‫‪212‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪213‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السلم فيهم موجودين كانوا هم المرجع للناس فيما يعتمدون عليه إذا غير بعض‬
‫الناس شيئا من الكتب فلما انقطعت النبوة فيهم أسرع فيهم التغيير ‪ #‬فلهذا بدل كثير‬
‫من النصارى كثيرا من دين المسيح عليه السلم بعد رفعه بقليل من الزمان وصاروا‬
‫يبدلون شيئا بعد شيء وتبقى فيهم طائفة متمسكة بدين الحق إلى أن بعث ال محمدا‬
‫‪ #‬وقد بقي من أولئك الذين على الدين الحق طائفة قليلة كما في الحديث الصحيح‬
‫الذي رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي عن النبي أنه قال‬

‫إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب ماتوا‬
‫قبيل مبعثه ‪ #‬وقد أدرك سلمان الفارسي وكان قد تنصر بعد أن كان مجوسيا طائفة‬
‫ممن كانوا متبعين لدين المسيح عليه السلم واحدا بالموصل وآخر بنصيبين وآخر‬
‫بعمورية ‪ #‬وكل منهم يخبره بأنه لم يبق على دين المسيح عليه‬

‫السلم إل قليل إلى أن قال له آخرهم لم يبق عليه أحد وأخبره أنه يبعث نبي بدين‬
‫إبراهيم من جهة الحجاز فكان ذلك سبب هجرة سلمان إليه وإيمانه به ‪ #‬فالدين الذي‬
‫اجتمع عليه المسلمون اجتماعا ظاهرا معلوما هو منقول عن نبيهم نقل متواترا نقلوا‬
‫القرآن ونقلوا سنته وسنته مفسرة للقرآن مبينة له كما قال تعالى له ‪ ^ #‬وأنزلنا إليك‬
‫الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ^ ‪ #‬فبين ما أنزل ال لفظه ومعناه فصار معاني‬
‫القرآن التي اتفق عليها المسلمون اتفاقا ظاهرا مما توارثته المة عن نبيها كما‬
‫توارثت عنه ألفاظ القرآن فلم يكن ول الحمد فيما اتفقت عليه المة شيء محرف‬
‫مبدل من المعاني فكيف بألفاظ تلك المعاني ‪ #‬فإن نقلها والتفاق عليها أظهر منه في‬
‫اللفاظ فكان الدين الظاهر للمسلمين الذي اتفقوا عليه مما نقلوه عن نبيهم لفظه‬
‫ومعناه فلم يكن فيه تحريف ول تبديل ل للفظ ول للمعنى بخلف التوراة والنجيل‬
‫فإن من ألفاظها ما بدل معانيه وأحكامه اليهود والنصارى أو مجموعهما تبديل‬
‫ظاهرا مشهورا في عامتهم كما‬

‫بدلت اليهود مافي الكتب المتقدمة من البشارة بالمسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم‬
‫وما في التوراة من الشرائع وأمره في بعض الخبار ‪ #‬وكما بدلت النصارى كثيرا‬
‫مما في التوراة والنبوات من الخبار ومن الشرائع التي لم يغيرها المسيح فإن ما‬
‫نسخه ال على لسان المسيح من التوراة يجب اتباع المسيح فيه ‪ #‬وأما ما بدل بعد‬
‫المسيح مثل استحلل احم الخنزير وغيره مما حرمه ال ولم يبحه المسيح ومثل‬
‫إسقاط الختان ومثل الصلة إلى المشرق وزيادة الصوم ونقله من زمان إلى زمان‬
‫واتخاذ الصور في الكنائس وتعظيم الصليب واتباع الرهبانية فإن هذه كلها شرائع لم‬
‫يشرعها نبي من النبياء ل المسيح ول غيره خالفوا بها شرع ال الذي بعث به‬
‫النبياء من غير أن يشرعها ال على لسان نبي ‪ #‬الوجه الثالث أن القرآن قد ثبت‬
‫بالنقل المتواتر المعلوم بالضرورة للموافق والمخالف أن محمدا كان يقول إنه كلم‬
‫ال ل كلمه وأنه مبلغ له عن ال وكان يفرق بين القرآن وبين ما يتكلم به من السنة‬
‫وإن كان ذلك مما يجب اتباعه فيه تصديقا وعمل ‪ #‬فإن ال أنزل عليه الكتاب‬

‫‪213‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪214‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والحكمة وعلم أمته الكتاب‬

‫والحكمة كما قال تعالى ‪ ^ #‬لقد من ال على المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من‬
‫أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫واذكروا نعمت ال عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات ال والحكمة ‪ #‬وقال تعالى عن الخليل وابنه‬
‫إسماعيل ‪ #‬سورة البقرة اليتان ‪129 128‬‬

‫وقال النبي ‪ #‬أل إني أوتيت الكتاب ومثله معه فكان يعلم أمته الكتاب وهو القرآن ‪#‬‬
‫العزيز الذي أخبرهم أنه كلم ال ل كلمه وهو الذي قال عنه ‪ ^ #‬قل لئن اجتمعت‬
‫النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض‬
‫ظهيرا ^ ‪ #‬وهو الذي شرع لمته أن تقرأه في صلتهم فل تصح صلة إل به‬
‫وعلمهم مع ذلك الحكمة التي أنزلها ال عليه وفرق بينها وبين القرآن من وجوه ‪#‬‬
‫منها أن القرآن معجز ‪ #‬ومنها أن القرآن هو الذي يقرأ في الصلة دونها ‪ #‬ومنها‬
‫أن ألفاظ القرآن العربية منزلة على ترتيب اليات فليس لحد أن يغيرها باللسان‬
‫العربي باتفاق المسلمين ولكن يجوز تفسيرها باللسان العربي وترجمتها بغير العربي‬
‫‪ #‬وأما تلوتها بالعربي بغير لفظها فل يجوز باتفاق المسلمين بخلف ما علمهم من‬
‫الحكمة فإنه ليس حكم ألفاظها حكم ألفاظ القرآن‬

‫ومنها أن القرآن ل يمسه إل طاهر ول يقرأه الجنب كما دلت عليه سنته عند ‪#‬‬
‫جماهير أمته بخلف ما ليس بقرآن ‪ #‬والقرآن تلقته المة منه حفظا في حياته وحفظ‬
‫القرآن جميعه في حياته غير واحد من أصحابه وما من الصحابة إل من حفظ بعضه‬
‫وكان يحفظ بعضهم ما ل يحفظه الخر فهو جميعه منقول سماعا منه بالنقل المتواتر‬
‫وهو يقول إنه مبلغ له عن ال وهو كلم ال ل كلمه ‪ #‬وفي القرآن ما يبين أنه كلم‬
‫ال نصوص كثيرة وكان الذين رأوا محمدا ونقلوا ما عاينوه من معجزاته وأفعاله‬
‫وشريعته وما سمعوه من القرآن وحديثه ألوفا مؤلفة أكثر من مائة ألف رأوه وآمنوا‬
‫به ‪ #‬وأما الناجيل الذي بأيدي النصارى فهي أربعة أناجيل إنجيل متى ويوحنا‬

‫ولوقا ومرقس وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح وإنما رآه متى‬
‫ويوحنا وأن هذه المقالت الربعة التي يسمونها النجيل وقد يسمون كل واحد منهم‬
‫إنجيل إنما كتبها هؤلء بعد أن رفع المسيح فلم يذكروا فيها أنها كلم ال ول أن‬
‫المسيح بلغها عن ال بل نقلوا فيها أشياء من كلم المسيح وأشياء من أفعاله‬
‫ومعجزاته ‪ #‬وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه فكانت من جنس ما‬
‫يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا‬
‫‪ #‬فالناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب وإن‬
‫كان غالبها صحيحا ‪ #‬وما قاله عليه السلم فهو مبلغ له عن ال يجب فيه تصديق‬

‫‪214‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪215‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫خبره وطاعة أمره كما قال الرسول من السنة فهو يشبه ما قاله الرسول من السنة‬
‫فإن منها ما يذكر الرسول أنه قول ال كقوله ‪ #‬يقول ال تعالى من عادى لي وليا فقد‬
‫آذنت بالحرب ونحو ذلك‬

‫ومنها ما يقوله هو ولكن هو أيضا مما أوحاه ال إليه فمن أطاع الرسول فقد أطاع ‪#‬‬
‫ال فهكذا ما ينقل في النجيل وهو من هذا النوع فإنه كان أمرا من المسيح فأمر‬
‫المسيح أمر ال ومن أطاع المسيح فقد أطاع ال ‪ #‬وما أخبر به المسيح عن الغيب‬
‫فال أخبره به فإنه معصوم أن يكذب فيما يخبر به ‪ #‬وإذا كان النجيل يشبه السنة‬
‫المنزلة فإنه يقع في بعض ألفاظها غلط كما يقع في كتب السيرة وسنن أبي داود‬
‫والترمذي وابن ماجه ثم هذه الكتب قد اشتهرت واستفاضت بين‬

‫المسلمين فل يمكن أحدا بعد اشتهارها وكثرة النسخ بها أن يبدلها كلها ‪ #‬لكن في‬
‫بعض ألفاظها غلط وقع فيها قبل أن تشتهر فإن المحدث وإن كان عدل فقد يغلط لكن‬
‫ما تلقاه المسلمون بالقبول والتصديق والعمل من الخبار فهو مما يجزم جمهور‬
‫المسلمين بصدقه عن نبيهم ‪ #‬هذا مذهب السلف وعامة الطوائف كجمهور الطوائف‬
‫الربعة وجمهور أهل الكلم من الكلبية والكرامية والشعرية وغيرهم لكن ظن‬
‫بعض أهل الكلم أنه ل يجزم بصدقها لكون الواحد قد يغلط أو يكذب وهذا الظن‬
‫إنما يتوجه في الواحد الذي لم يعرف صدقه وضبطه‬

‫أما إذا عرف صدقه وضبطه إما بالمعجزات كالنبياء وإما بتصديق النبي له فيما ‪#‬‬
‫يقول وإما باتفاق المة المعصومة على صدقه واتفاقهم على العمل بخبره أو اتفاقهم‬
‫على قبول خبره وإقراره وذكره من غير نكير أو ظهور دلئل وشواهد وقرائن‬
‫احتفت بخبره ونحو ذلك من الدلئل على صدق المخبر فهذه يجب معها الحكم‬
‫بصدقه وأنه لم يكذب ولم يغلط وإن كان خبره لو تجرد عن تلك الدلئل أمكن كذبه‬
‫أو غلطه كما أن الخبر المجرد ل يجزم بكذبه إل بدليل يدل على ذلك إما قيام دليل‬
‫عقلي قاطع أو سمعي قاطع على أنه بخلف مخبره فيجزم ببطلن خبره وحينئذ‬
‫فالمخبر إما كاذبا أو غالطا وقد يعلم أحدهما بدليل ‪ #‬فالمسلمون عندهم من الخبار‬
‫عن نبيهم ما هو متواتر وما اتفقت المة المعصومة على تصديقه وما قامت دلئل‬
‫صدقه من غير هذه الجهة مثل أن يخبر واحد أو اثنان أو ثلثة بحضرة جمع كثير‬
‫ل يجوز أن يتواطئوا على الكذب بخبر يقولون إن أولئك عاينوه وشاهدوه فيقرونهم‬
‫على هذا ول يكذب به منهم أحد فيعلم بالعادة المطردة أنه لو كان كاذبا لمتنع اتفاق‬
‫أهل التواتر على السكوت عن تكذيبه كما يمتنع اتفاقهم على تعمد الكذب ‪ #‬وإذا نقل‬
‫الواحد والثنان ما توجب العادة اشتهاره وظهوره ولم يظهر ونقلوه مستخفين بنقله‬
‫لم ينقلوه على رؤوس الجمهور علم أنهم كذبوا فيه‬

‫ودلئل صدق المخبر وكذبه كثيرة متنوعة ليس هذا موضع بسطها ولكن ‪#‬‬
‫المقصود هنا أن المسلمين تواتر عندهم عن نبيهم ألفاظ القرآن ومعانيه المجمع عليها‬

‫‪215‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪216‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والسنة المتواترة وعندهم عن نبيهم أخبار كثيرة معلومة الصدق بطرق متنوعة‬
‫كتصديق المة المعصومة ودللة العادات وغير ذلك وهم يحفظون القرآن في‬
‫صدورهم ل يحتاجون في حفظه إلى كتاب مسطور فلو عدمت المصاحف من‬
‫الرض لم يقدح ذلك فيما حفظوه ‪ #‬بخلف أهل الكتاب فإنه لو عدمت نسخ الكتب‬
‫لم يكن عندهم به نقل متواتر بألفاظها إذ ل يحفظها إن حفظها إل قليل ل يوثق‬
‫بحفظهم فلهذا كان أهل الكتاب بعد انقطاع النبوة عنهم يقع فيهم من تبديل الكتب إما‬
‫تبديل بعض أحكامها ومعانيها وإما تبديل بعض ألفاظها ما لم يقوموا بتقويمه ‪#‬‬
‫ولهذا ل يوجد فيهم السناد الذي للمسلمين ول لهم كلم في نقلة العلم وتعديلهم‬
‫وجرحهم ومعرفة أحوال نقلة العلم ما للمسلمين ول قام دليل سمعي ول عقلي على‬
‫أنهم ل يجتمعون على خطأ بل قد علم أنهم اجتمعوا على الخطأ لما كذبوا المسيح ‪#‬‬
‫ثم كذبوا محمدا فإذا كانت الكتب المنقولة عن النبياء من جنس الكتب المنقولة عن‬
‫محمد ولم تكن متواترة عنهم ولم يكن تصديق غير المعصوم حجة لم يكن عندهم من‬

‫العلم بالتمييز بين الصدق والكذب ما عند المسلمين ‪ #‬فهذه الناجيل التي بأيدي‬
‫النصارى من هذا الجنس فيها شيء كثير من أقوال المسيح وأفعاله ومعجزاته وفيها‬
‫ما هو غلط عليه بل شك والذي كتبها في الول إذا لم يكن ممن يتهم بتعمد الكذب‬
‫فإن الواحد والثنين والثلثة والربعة ل يمتنع وقوع الغلط والنسيان منهم ل سيما ما‬
‫سمعه النسان ورآه ثم حدث به بعد سنين كثيرة فإن الغلط في مثل هذا كثير ولم يكن‬
‫هناك أمة معصومة يكون تلقيها لها بالقبول والتصديق موجبا للعلم بها لئل تجتمع‬
‫المة المعصومة على الخطأ والحواريون كلهم اثنا عشر رجل ‪ #‬وقصة الصلب‬
‫مما وقع فيها الشتباه وقد قام الدليل على أن المصلوب لم يكن هو المسيح عليه‬
‫السلم بل شبهه وهم ظنوا أنه المسيح والحواريون لم ير أحد منهم المسيح مصلوبا‬
‫بل أخبرهم بصلبه بعض من شهد ذلك من اليهود ‪ #‬فبعض الناس يقولون إن أولئك‬
‫تعمدوا الكذب وأكثر الناس يقول اشتبه عليهم ولهذا كان جمهور المسلمين يقولون‬
‫في قوله ولكن شبه لهم عن أولئك ومن قال بالول جعل الضمير في شبه‬

‫لهم عن السامعين لخبر أولئك فإذا جاز أن يغلطوا في هذا ولم يكونوا معصومين في‬
‫نقله جاز أن يغلطوا في بعض ما ينقلونه عنه وليس هذا مما يقدح في رسالة المسيح‬
‫ول فيما تواتر نقله عنه بأنه رسول ال الذي يجب اتباعه سواء صلب أو لم يصلب‬
‫وما تواتر عنه فإنه يجب اليمان به سواء صلب أو لم يصلب ‪ #‬والحواريون‬
‫مصدقون فيما ينقلونه عنه ل يتهمون بتعمد الكذب عليه لكن إذا غلط بعهضم في‬
‫بعض ما ينقله لم يمنع ذلك أن يكون غيره معلوما ل سيما إذا كان الذي غلط فيه مما‬
‫تبين غلطه فيه في مواضع أخر ‪ #‬وقد اختلف النصارى في عامة ما وقع فيه الغلط‬
‫حتى في الصلب فمنهم من يقول المصلوب لم يكن المسيح بل الشبه كما يقوله‬
‫المسلمون ومنهم من يقر بعبوديته ل وينكر الحلول والتحاد كالريوسية ومنهم من‬
‫ينكر التحاد وإن أقر بالحلول كالنسطورية‬

‫‪216‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪217‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأما الشرائع التي هم عليها فعلماؤهم يعلمون أن أكثرها ليس عن المسيح عليه ‪#‬‬
‫السلم فالمسيح لم يشرع لهم الصلة إلى المشرق ول الصيام الخمسين ول جعله في‬
‫زمن الربيع ول عيد الميلد والغطاس وعيد الصليب وغير ذلك من‬

‫أعيادهم بل أكثر ذلك مما ابتدعوه بعد الحواريين مثل عيد الصليب فإنه مما ابتدعته‬
‫هيلنة الحرانية أم قسطنطين وفي زمن قسطنطين غيروا كثيرا من دين المسيح‬
‫والعقائد والشرائع فابتدعوا المانة التي هي عقيدة إيمانهم وهي عقيدة لم ينطق بها‬
‫شيء من كتب النبياء التي هي عندهم ول هي منقولة عن أحد النبياء ول عن أحد‬
‫من الحواريين الذين صحبوا المسيح بل ابتدعها لهم طائفة من أكابرهم قالوا كانوا‬
‫ثلث مائة وثمانية عشر ‪ #‬واستندوا في ذلك إلى ألفاظ متشابهة في الكتب وفي‬
‫الكتب ألفاظ محكمة تناقض ما ذكروه كما قد بسط في موضع آخر وكذلك عامة‬
‫شرائعهم التي وضعوها في كتاب القانون بعضها منقول عن النبياء وبعضها منقول‬
‫عن الحواريين وكثير منها مما ابتدعوه ليست منقولة عن أحد من النبياء ول عن‬
‫الحواريين وهم يجوزون لكابر أهل العلم والدين أن يغيروا ما رأوه من الشرائع‬
‫ويضعوا شرعا جديدا فلهذا كان أكثر شرعهم مبتدعا لم ينزل به كتاب ول شرعه‬
‫نبي‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم كيف يمكن تغيير كتبنا التي هي مكتوبة باثنين وسبعين لسانا‬
‫وفي كل لسان منها كذا وكذا ألف مصحف ومضى عليها إلى مجيء محمد أكثر من‬
‫ستمائة سنة ‪ #‬فيقال أما بعد انتشارها هذا النتشار فلم يقل المسلمون بل ول طائفة‬
‫معروفه منهم أن ألفاظ جميع كل نسخة في العالم غيرت لكن جمهور المسلمين الذين‬
‫يقولون إن في ألفاظها ما غير إنما يدعون تغيير بعض ألفاظها قبل المبعث أو تغيير‬
‫بعض النسخ بعد المبعث ل تغيير جميع النسخ فيعض الناس يقول إن ذلك التغيير‬
‫وقع في أول المر ويقول بعضهم إن منها ما غير بعد مبعث محمد ول يقولون إنه‬
‫غير كل نسخة في العالم بل يقولون غير بعض النسخ دون البعض وظهر عند كثير‬
‫من الناس النسخ المبدلة دون التي لم تبدل ‪ #‬والنسخ التي لم تبدل هي موجودة عند‬
‫بعض الناس ‪ #‬ومعلوم أن هذا ل يمكن نفيه فإنه ل يمكن أحدا أن يعلم أن كل‬

‫نسخة في العالم بكل لسان مطابق لفظها سائر النسخ بسائر اللسنة إل من أحاط‬
‫علما بذلك وهم قد سلموا أن أحدا ل يمكنه ذلك ‪ #‬وأما من ذكر أن التغيير وقع في‬
‫أول المر فهم يقولون إنما أخذت الناجيل عن أربعة اثنان منهم لم يريا المسيح بل‬
‫إنما رآه اثنان من نقلة النجيل متى ويوحنا ‪ #‬ومعلوم إمكان التغير في ذلك ‪ #‬وأما‬
‫قولهم أنها مكتوبة باثنين وسبعين لسانا فمعلوم باتفاق النصارى أن المسيح لم يكن‬
‫يتكلم إل بالعبرية كسائر أنبياء بني إسرائيل وأنه كان مختونا ختن بعد السابع كما‬
‫يختن بنو إسرائيل وأنه كان يصلي إلى قبلتهم لم يكن يصلي إلى الشرق ول أمر‬
‫بالصلة إلى الشرق ‪ #‬ومن قال إن لسانه كان سريانيا كما يظنه بعض الناس فهو‬

‫‪217‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪218‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫غالط فالكلم المنقول عنه في الناجيل إنما تكلم به عبريا ثم ترجم من تلك اللغة إلى‬
‫غيرها ‪ #‬والترجمة يقع فيها الغلط كثيرا كما وجدنا في زماننا من يترجم التوراة من‬
‫العبرية إلى العربية ويظهر في الترجمة من الغلط ما يشهد به الحذاق الصادقون‬
‫ممن يعرف اللغتين ‪ #‬والنصارى يقولون إنما كتبت بأربع لغات بالعبرية‬

‫والرومية واليونانية والسريانية ‪ #‬وأما قولهم إنها كتبت باثنين وسبعين لغة فهذا إن‬
‫كان صحيحا فإنما كتبت بعد أن كتبت تلك الربعة فإذا كان الغلط وقع في مواضع‬
‫من تلك الربعة لم يرفعه بعد ذلك كتابتها باثنين وسبعين لغة فإن المسلمين ل‬
‫يقولون أنها كتبت باثنين وسبعين لغة غير لفظها في جميع اللسن لثنين وسبعين‬
‫لغة في كل نسخة من ذلك ‪ #‬وإنما يقال التغيير وقع قبل ذلك كما يقال في سائر ما‬
‫ورد‬

‫عن المسيح وموسى ومحمد عليهم صلوات ال وسلمه من الحديث مثل سيرة ابن‬
‫إسحاق وأحاديث السنن والمساند المأثورة عن النبي فإن في ا لعالم بكل كتاب منها‬
‫نسخ كثيرة ل يمكن أن يغير منها فصل طويل ولكن في نفس السيرة وقع غلط في‬
‫مواضع وأحاديث وقعت في السنن هي غلط في الصل فاشتهار النسخ بها بعد ذلك‬
‫ل يمنع وقوع الغلط في الصل وهذه كتب التفسير والفقه والدقائق ما من كتاب إل‬
‫وبه نسخ كثيرة في العالم ل يمكن تغيير فصل طويل منها وفيها أحاديث غلط في‬
‫الصل ‪ #‬والناجيل التي بأيدي النصارى تشبه هذا ولهذا أمروا أن يحكموا بما فيها‬
‫فإن فيها أحكام ال وعامة ما فيها من الحكام لم يبدل لفظه وإنما بدلت بعض ألفاظ‬
‫الخبريات وبعض معاني المريات كما نؤمر نحن أن نعمل بأحاديث الحكام‬
‫المعروفة عن النبي فإن العلماء اعتنوا بضبطها أكثر من اعتنائهم بضبط الخبريات‬
‫كأحاديث الزهد والقصص والفضائل ونحو ذلك إذ حاجة المم إلى معرفة المر‬
‫والنهي أكثر من حاجتهم إلى معرفة التفاصيل بالخبريات التي يكتفى باليمان‬
‫المجمل بها ‪ #‬وأما المر والنهي فل بد من معرفته على وجه التفصيل إذ العمل‬
‫بالمأمور ل يكون إل مفصل والمحظور الذي يجب اجتنابه ل بد أن يميز بينه بين‬
‫غيره كما قال تعالى‬

‫وما كان ال ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ^ ‪ #‬والنصارى ^ ‪#‬‬
‫ل يحتاجون عند أنفسهم إلى هذا فإنه ل يجب عندهم أن يتمسكوا بشرع منقول عن‬
‫المسيح عليه السلم وعندهم لكابرهم أن يشرعوا دينا لم يشرعه المسيح ويقولون ما‬
‫شرعه هؤلء فقد شرعه المسيح فلم يكن لهم عناية ول معرفة بشرع المسيح كما‬
‫للمسلمين عناية ومعرفة بشرع محمد‬

‫فصل ‪ #‬وأما التوراة فمن المعلوم عند المسلمين واليهود والنصارى أن بيت‬
‫المقدس خرب الخراب الول وجل أهله منه وسبوا ولم يكن هناك من التوراة نسخ‬

‫‪218‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪219‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كثيرة ظاهرة بل إنما أخذت عن نفر قليل ‪ #‬كما يقولون إن عزيرا أملها وأنهم‬
‫وجدوا نسخة أخرى فقابلوها بها والمقابلة تحصل باثنين وقد يغلط أحدهما وهم‬
‫يذكرون‬

‫أن من الملوك من أمر اثنين وسبعين حبرا منهم بنقلها واعتبر بعض تلك النسخ‬
‫ببعض وهذا إذا كان صدقا ل يمنع أن يكون الغلط وقع في بعض ألفاظها قبل ذلك‬
‫إل أن يثبت أنها مأخوذة عن نبي معصوم أو أقر جميع ألفاظها نبي معصوم ‪ #‬فما‬
‫قاله المعصوم فهو حق وما ثبت بالنقل المتواتر فهو حق ‪ #‬وهؤلء القائلون إنه وقع‬
‫التغيير في بعض ألفاظها في ذلك الزمان يقولون لم تؤخذ عن نبي معصوم ول نقلت‬
‫بالتواتر ‪ #‬ومن نازع من المسلمين وأهل الكتاب يقولون أخذت عن العزير وهو نبي‬
‫معصوم وهذا مما يحتاج المثبت فيه والنافي إلى تحقيقه ‪ #‬وإذا قالت النصارى‬
‫فالمسيح عليه السلم أقرها قيل المسيح عليه السلم لم يمكن أن يلزمهم بما أوجبه ال‬
‫عليهم من اليمان به وطاعته فكيف كان يمكنه أن يغير نسخ التوراة التي عندهم مع‬
‫كثرتها وهم قد طلبوا قتله وصلبه لعجزه وضعفه وصلبوا شبيهه كما يقوله المسلمون‬
‫أو صلبوه نفسه كما يقول النصارى فكيف كان يمكنه أن يصلح ما غير منها ‪ #‬وأما‬
‫من بعد المسيح فليس معصوما والمسيح غير بعض‬

‫أحكامها وأقر أكثرها والحكام إنما يدعي المسلمون فيها النسخ وتبديلها بالعتقاد‬
‫بخلف موجبها والعمل بذلك ل يحتاجون إلى دعوى تبديل ألفاظها كما بدلوا شريعة‬
‫الرجم بغيرها وهو مكتوب في التوراة ‪ #‬بخلف الخبريات فإن هذه يقول أكثر‬
‫المسلمين إن التغيير وقع في بعض ألفاظها ‪ #‬وأما النبوات المنقولة عن الثنين‬
‫وعشرين نبيا فهذه ل تعلم منها نبوة واحدة تواترت جميع ألفاظها بل أحسن أحوالها‬
‫أن تكون بمنزلة النجيل وهو بمنزلة ما ينقل من أقوال النبياء وسيرهم كسيرة ابن‬
‫إسحاق أو بعض كتب المساند والسنن التي ينقل فيها ما ينقله الناقلون من أقوال النبي‬
‫وأفعاله وأكثره صدق وبعضه غلط ‪ #‬ولكن هذه المة حفظ ال لها ما أنزله كما قال‬
‫تعالى‬

‫إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ^ ‪ #‬فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث ^ ‪#‬‬
‫أو تفسيره من غلط فإن ال يقيم له من المة من يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط‬
‫وكذب الكاذب فإن هذه المة ل تجتمع على ضللة ول يزال فيها طائفة ظاهرة على‬
‫الحق حتى تقوم الساعة إذ كانوا آخر المم فل نبي بعد نبيهم بعدهم ول كتاب بعد‬
‫كتابهم ‪ #‬وكانت المم قبلهم إذا بدلوا وغيروا بعث ال نبيا يبين لهم ويأمرهم‬
‫وينهاهم ولم يكن بعد محمد نبي وقد ضمن ال أن يحفظ ما أنزله من الذكر وأن هذه‬
‫المة ل تجتمع على ضللة بل أقام ال لهذه المة في كل عصر من يحفظ به دينه‬
‫من أهل العلم والقرآن وينفي به تحريف الغالين وانتحال المضلين وتأويل الجاهلين‬

‫‪219‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪220‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬وأما من قال إنه غير بعض ألفاظها بعد مبعث محمد فهؤلء يقولون إنه‬
‫كان في التوراة والنجيل وغيرهما ألفاظ صريحة بأمور ‪ #‬منها اسم محمد وأنه‬
‫عمد بعض أهل الكتاب فغيروا بعض اللفاظ في النسخ التي كانت عندهم ‪ #‬ل‬
‫يقولون إن هؤلء غيروا كل نسخة كانت على وجه الرض لكن غيروا بعض ألفاظ‬
‫النسخ وكتب الناس من تلك النسخ المغيرة نسخا كثيرة انتشرت فصار أكثر ما يوجد‬
‫عند كثير من أهل الكتاب هو من تلك النسخ المغيرة ‪ #‬وفي العالم نسخ أخرى لم‬
‫تغير فذكر كثير من الناس أنه رآها وقرأها وفي تلك النسخ ما ليس في النسخ‬
‫الخرى ومما يدل على ذلك أنك في هذا الزمان إذا أخذت نسخ التوراة الموجودة‬
‫عند اليهود والنصارى والسامرة وجدت بينهما اختلفا في مواضع متعددة ‪ #‬وكذلك‬
‫نسخ النجيل وكذلك نسخ الزبور مختلفة اختلفا متباينا بحيث ل يعقل العاقل أن‬
‫جميع نسخ التوراة الموجودة متفقة على لفظ‬

‫واحد ول يعلم أن جميع نسخ النجيل متفقة على لفظ واحد ول يعلم أن جميع نسخ‬
‫الزبور متفقة على لفظ واحد فضل عن سائر النبوات ‪ #‬ومعلوم أنه ل يمكن أهل‬
‫الكتاب إقامة حجة على أن جميع النسخ بجميع اللغات في زوايا الرض متفقة على‬
‫لفظ واحد في جميع ما هو موجود من جميع النبوات والحجة التي احتجوا بها على‬
‫تعذر تغييرها كلها تدل على تعذر العلم بتساويها كلها ‪ #‬فإذا قالوا فمن هو الذي تكلم‬
‫باثنين وسبعين لسانا ومن هو الذي حكم على الدنيا كلها ملوكها وقساوستها وعلمائها‬
‫حتى حكم على جميع من بأقطار الرض وجمعها من أربع زوايا الرض حتى‬
‫يغيرها ‪ #‬قيل لهم ومن الذي يعلم اثنين وسبعين لغة ومن هو الذي حكم على الدنيا‬
‫ملوكها وقساوستها وعلمائها حتى حكم على جميع من بأقطار الرض وجمعها من‬
‫أربع زوايا الرض وأحضر كل نسخة موجودة في جميع الرض وقابل كل نسخة‬
‫موجودة في الرض بجميع النسخ فوجد جميع ألفاظ جميع النسخ التي باثنين وسبعين‬
‫لسانا من جميع أقطار الرض لفظا متفقا لم يختلف ألفاظها ‪ #‬فإن دعوى العلم بهذا‬
‫ممتنع أعظم من امتناع دعوى تغييرها فإنه‬

‫إن أمكن أحدا أن يجمع جميع النسخ كانت قدرته على تغيير بعض ألفاظها كلها أيسر‬
‫عليه من مقابلة كل ما في نسخة بجميع ما في سائر النسخ ‪ #‬فإنا إذا أحضرنا بكتاب‬
‫من الكتب عشرة نسخ كان تغيير بعض ألفاظ العشرة أيسر علينا من مقابلة كل واحد‬
‫من العشرة بالتسعة الباقية إذ المقابلة يحتاج فيها إلى معرفة جميع ألفاظ كل نسخة‬
‫ومساواتها للخرى ‪ #‬وأما التغيير فيكفي فيه أن يغير من كل نسخة ما يغيره من‬
‫الخرى فإن كان تغيير جميع النسخ ممتنعا في العادة فالعلم باتفاقها أشد امتناعا وإن‬
‫كان العلم باتفاقها ممكنا فإمكان تغيير بعض ألفاظها أيسر وأيسر ‪ #‬وأما قولهم إن‬
‫قيل إنه غير بعضها وترك بعضها فهذا ل يمكن أن يكون لنها كلها قول واحد ولفظ‬
‫واحد في جميع اللسن ‪ #‬فيقال أما إمكان قول هذا فظاهر ل ينازع فيه عاقل وهو‬
‫واقع فإنا قد رأينا التوراة التي عند السامرة تخالف توراة اليهود والنصارى حتى في‬
‫العشر الكلمات ‪ #‬فذكر السامرة فيها من أمر استقبال الطور ما ل يوجد في نسخ‬

‫‪220‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪221‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اليهود والنصارى وكذلك بين نسخ اليهود والنصارى اختلف‬

‫معروف ونسخ النجيل مختلفة ونسخ الزبور مختلفة اختلفا أكثر من ذلك وبكل‬
‫حال فل يقدر عاقل أن يقول يمتنع تغيير بعض النسخ ‪ #‬ولكن إذا قالوا لم يغير شيء‬
‫منها لن جميعها قول واحد ولفظ واحد في جميع اللسن كانت هذه الدعوى باطلة‬
‫من وجهين ‪ #‬أحدهما أن دعوى العلم بتساوي جميع النسخ أبلغ من دعوى إمكان‬
‫تغييرها فإن كان التغيير ممتنعا على جميعها كان علم الواحد بما في جميعها وأنها‬
‫متماثلة اللفاظ مع اختلف اللسن أولى بالمتناع ‪ #‬الثاني أن هذا دعوى خلف‬
‫الواقع فإن الختلف في نسخ التوراة والنجيل والزبور موجود قد رأيناه ونحن‬
‫بأعيننا ورآه غيرنا فرأيت عدة نسخ بالزبور يخالف بعضها بعضا اختلفا كثيرا‬
‫ورأينا بعض ألفاظ التوراة التي ينقلها هذه الطائفة وهي مكتوبة عندهم يدعون أنها‬
‫هي التوراة الصحيحة المنقولة عندهم بالتواتر تخالف بعض ألفاظ توراة الطائفة‬
‫الخرى وكذلك النجيل ‪ #‬وبالجملة قولهم هذا ل يمكن أن يكون لنها كلها قول‬
‫واحد ولفظ واحد في جميع اللسن تضمن شيئين ‪ #‬تضمن دعوى كاذبة وحجة‬
‫باطلة فإن قولهم هذا ليمكن مكابرة ظاهرة فإن إمكان تغيير بعض النسخ مما ل‬
‫ينازع عاقل في إمكانه لكن قد يقول القائل إذا غير بعض النسخ وأظهر ذلك شاع‬

‫ذلك فرأى سائر أهل النسخ تلك النسخة مغايرة لنسخهم فأنكروه فإن الهمم والدواعي‬
‫متوفرة على إنكار ذلك كما يوجد اليوم مثل ذلك لو أراد رجل أن يغير كتابا مشهورا‬
‫عند الناس به نسخ متعددة فإذا غيره فوصلت تلك النسخة إلى من يعرف ما في تلك‬
‫النسخ أنكروا ذلك ‪ #‬فيقال هذا يمكن إذا كانت تلك النسخة المغيرة وصلت إلى طائفة‬
‫يمتنع عليهم مواطأتهم على الكذب فإنه كما يمتنع في الخبار المتواترة التواطؤ على‬
‫الكذب فيمتنع التواطؤ على كتمان ما يتعذر كتمانه في العادة ‪ #‬ومعلوم أنه ل يمتنع‬
‫على الجماعة القليلة التواطؤ على تغيير بعض النسخ والنسخ إنما هي موجودة عند‬
‫علماء أهل الكتاب وليس عامتهم يحفظ ألفاظها كما يحفظ عوام المسلمين ألفاظ‬
‫القرآن فإذا قصد طائفة منهم تغيير نسخة أو نسخ عندهم أمكن ذلك ثم إذا تواطأت‬
‫طائفة أخرى على أن ل يذكروا ذلك أمكن ذلك ولكن إذا كانت الطوائف ممن ل‬
‫يمكن تواطؤها على الكذب أو الكتمان امتنع ذلك فيهم ‪ #‬وقد رأينا عند أهل الكتاب‬
‫كتبا يدعون أنها عندهم من النبي بخط علي بن أبي طالب فيها أمور تتعلق‬
‫بأغراضهم وقد التبس أمرها على كثير من المسلمين وعظموا ما فيها وأعطوا أهل‬
‫الكتاب ما كتب لهم فيها معتقدين أنهم ممتثلين ما فيها‬

‫فلما وصلت إلى من وصلت إليه من علماء المسلمين بينوا كذبها بطرق معلومة‬
‫بالتواتر مثل ذكرهم فيها شهد بما فيها كعب بن مالك الحبر على النبي يعنون كعب‬
‫الحبار ‪ #‬وكعب الحبار إنما أسلم على عهد عمر بن الخطاب لم يدرك النبي‬
‫واسمه كعب بن ماتع ولكن في النصار كعب بن مالك الشاعر الذي أنزل ال توبته‬
‫في سورة براءة فظن هؤلء الجهال أن هذا هو ذاك ‪ #‬ومثل ذكرهم شهادة سعد بن‬

‫‪221‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪222‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ذكروا شهادته عام خيبر وقد اتفق أهل العلم‬
‫أنه مات‬

‫عقب غزوة الخندق قبل غزوة خيبر بمدة وأمثال ذلك ‪ #‬وأما حجتهم الداحضة‬
‫فقولهم أن جميع كتب النبوات التي في العالم من التوراة والنجيل والزبور والنبوات‬
‫موجودة باثنين وسبعين لسانا بلفظ واحد وقول واحد فهل يقول عاقل من العقلء أنه‬
‫علم ذلك وأنه علم أن كل نسخة من النبوات الربعة وعشرين بأحد اللسنة الثنين‬
‫وسبعين موافقة لكل نسخة في سائر اللسنة ولو ادعى مدع أن كل نسخة من التوراة‬
‫في العالم باللسان العربي أو كل نسخة من النجيل في العالم باللسان العربي أو كل‬
‫نسخة في العالم من الزبور باللسان العربي موافقة لجميع النسخ العربية الموجودة‬
‫في زوايا العالم لكان قد ادعى ما ل يعلمه ول يمكنه علمه فمن أين له ذلك ‪ #‬وهل‬
‫رأى كل نسخة عربية بهذه الكتب أو أخبره من يعلم صدقه أن جميع النسخ العربية‬
‫الموجودة في العالم موافقة لهذه النسخة ‪ #‬وكذلك إذا ادعى ذلك في اللسان اليوناني‬
‫والسرياني والرومي‬

‫والعبراني والهندي فإن كان في العالم بكل كتاب من هذه اثنان وسبعون لسانا‬
‫فدعوى اتفاق نسخ كل لسان من جنس دعوى اتفاق النسخ العربية فكيف إذا ادعى‬
‫اتفاق النسخ بجميع اللسنة ‪ #‬وهب أنه يمكن أن يقال ذلك في نسخ لسان نقلها أهله‬
‫والناطقون به فكيف يمكن دعواه في لسان كثر الناطقون به وانتشر أهله ‪ #‬وليس‬
‫هذا كدعوى اتفاق مصاحف المسلمين بالقرآن فإن القرآن ل يتوقف نقله على‬
‫المصاحف بل القرآن محفوظ في قلوب ألوف مؤلفة من المسلمين ل يحصي عددهم‬
‫إل ال عز وجل فلو عدم كل مصحف في العالم لم يقدح ذلك في نقل لفظ من ألفاظ‬
‫القرآن بخلف الكتب المتقدمة فإنه قل أن نجد من أهل الكتاب أحدا يحفظ كتابا من‬
‫هذه الكتب فقل أن يوجد من اليهود من يحفظ التوراة ‪ #‬وأما النصارى فل يوجد‬
‫فيهم من يحفظ التوراة والنجيل والزبور والنبوات كلها فضل عن أن يحفظها باثنين‬
‫وسبعين لسانا وإن وجد ذلك فهو قليل ل يمتنع عليهم ل الكذب ول الغلط ‪ #‬فتبين أن‬
‫ما ذكروه من انتشار كتبهم باللسنة المختلفة هو من أقوى المور في عدم العلم‬
‫بتماثل ما فيها من اللفاظ وأن القرآن إذا كان منقول بلغة واحدة وذلك اللسان يحفظه‬
‫خلق كثير من المسلمين فكان ذلك مما يبين أن القرآن ل يمكن أحدا أن يغير شيئا من‬
‫ألفاظه وإن‬

‫أمكن تغيير بعض ألفاظ التوراة والنجيل عند كثير من أهل الكتاب ‪ #‬والمسلمون ل‬
‫يدعون أنه غير جميع ألفاظ جميع النسخ بعد مبعث النبي كما ظنه بهم هؤلء الجهال‬
‫بل إنما ادعوا ما يسوغه العقل بل ويظهر دليل صدقه ولكن هؤلء الجهال ادعوا‬
‫العلم بأن جميع النسخ بجميع اللسنة بجميع الكتب بلفظ واحد فادعوا ما ل يمكن‬
‫أحدا علمه وادعوا ما يعلم بطلنه‬

‫‪222‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪223‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬وقد ظهر الجواب عن قولهم فمن هو الذي تكلم باثنين وسبعين لسان أو من‬
‫هو الذي حكم على الدنيا جميعها ملوكها وقساوستها وعلمائها حتى حكم على الدنيا‬
‫جميعها من أربع زوايا العالم حتى غيرها وإن كان مما أمكنه جمعها كلها أو بعضها‬
‫‪ #‬فهذا ما ل يمكن إذ جميعها قول واحد ونص واحد واعتقاد واحد ا ه ‪ #‬وقد ظهر‬
‫الجواب عن ذلك من وجوه ‪ #‬أحدها أنا لم ندع تغييرها بعد صارت بهذه اللسن‬
‫وانتشرت بها النسخ بل ل ندعي التغيير بعد انتشار النسخ فيما ليس من كتب النبياء‬
‫مثل كتب النحو والطب والحساب والحاديث والسنن المنقولة عن النبياء مما نقل‬
‫في الصل نقل آحاد ثم صارت النسخ به كثيرة منتشرة فإن أحدا ل يدعي أنه بعد‬
‫انتشار النسخ بكتاب في مشارق الرض ومغاربها حكم إنسان على جميع المعمورة‬
‫وجمع النسخ‬

‫التي بها وغيرها ‪ #‬ول ادعى أحد مثل ذلك في التوراة والنجيل وإنما ادعى ذلك‬
‫فيها لما كانت النسخ قليلة إما نسخة وإما اثنتين وإما أربع ونحو ذلك ‪ #‬أو ادعى‬
‫تغيير بعض ألفاظ النسخ فإن بعض النسخ يمكن تغييرها ‪ #‬ونسخ التوراة والنجيل‬
‫والزبور موجودة اليوم وفي بعضها اختلف لكنه اختلف قليل والغالب عليها‬
‫التفاق ‪ #‬وذلك يظهر بالوجه الثاني أن قولهم إن جميعها قول واحد ونص واحد‬
‫واعتقاد واحد ليس كما قالوه بل نسخ التوراة مختلفة في مواضع ‪ #‬وبين توراة‬
‫اليهود والنصارى والسامرة اختلف وبين نسخ الزبور اختلف أكثر من ذلك وكذلك‬
‫بين الناجيل فكيف بنسخ النبوات ‪ #‬وقد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح‬
‫بنبوة محمد باسمه ورأيت نسخة أخرى بالزبور فلم أر‬

‫ذلك فيها وحينئذ فل يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي ما ليس في‬
‫أخرى ‪ #‬الوجه الثالث أن التبديل في التفسير أمر ل ريب فيه وبه يحصل المقصود‬
‫في هذا المقام فإنا نعلم قطعا أن ذكر محمد مكتوب فيما كان موجودا في زمنه من‬
‫التوراة والنجيل كما قال تعالى ‪ ^ #‬الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة‬
‫والنجيل ^ ‪ #‬ول ريب أن نسخ التوراة والنجيل على عهده كانت كثيرة منتشرة‬
‫في مشارق الرض ومغاربها فل بد من أحد المرين ‪ #‬إما أن يكون غير اللفظ من‬
‫بعض النسخ وانتشرت النسخ المغيرة ‪ #‬وإما أن يكون ذكره في جميع النسخ كما‬
‫استخرجه كثير من العلماء ممن كان من أحبار اليهود والنصارى وممن لم يكن من‬
‫أحبارهم استخرجوا ذكره والبشارة به في مواضع كثيرة متعددة من التوراة‬
‫والنجيل ونبوات النبياء كما هو مبسوط في موضع آخر ‪ #‬ومن قال إن ذكره‬
‫موجود فيها أكثر من هذا وأصرح في بعض النسخ ل يمكن هؤلء دفعه بأن يقولوا‬
‫قد اطلعنا على كل نسخة في‬

‫العالم بالتوراة والنجيل في مشارق الرض ومغاربها فوجدناها على لفظ واحد فإن‬
‫هذا ل يقوله إل كذاب فإنه ل يمكن بشرا أن يطلع على كل نسخة في مشارق‬

‫‪223‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪224‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الرض ومغاربها كما ل يمكنه أن يغير كل نسخة في مشارق الرض ومغاربها فلو‬
‫لم يعلم اختلف النسخ لم يمكنه الجزم باتفاقها في اللفظ فكيف وقد ذكر الناس‬
‫المطلعون عليها من اختلف لفظها ما تبين به كذب من ادعى اتفاق لفظها وكيف‬
‫يمكن اتفاق لفظها وهي بلغات مختلفة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ثم وجدنا في هذا الكتاب ما هو أعظم من هذا برهانا مثل قوله في‬
‫سورة الشورى ‪ ^ #‬وقل آمنت بما أنزل ال من كتب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا‬
‫وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا وبينكم ال يجمع بيننا وإليه المصير ^‬
‫‪ #‬وأما لغير أهل الكتاب فيقول ‪ ^ #‬قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم‬
‫عابدون مآ أعبد ^ السورة كلها ‪ #‬والجواب ‪ #‬أما قوله ‪ ^ #‬وقل آمنت بما أنزل ال‬
‫من كتب وأمرت لعدل بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ل حجة بيننا‬
‫وبينكم ^ ‪ #‬فهذه الية مذكورة بعد قوله تعالى ‪ #‬سورة الشورى اليات ‪15 13‬‬

‫فقد أخبرنا أنه شرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى أن ‪#‬‬
‫أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كما قال تعالى في الية الخرى ‪ #‬سورة الروم اليات‬
‫‪ # 32 30‬وقال تعالى ‪ #‬سورة المؤمنون اليات ‪53 51‬‬

‫ثم أخبر عن تفرق الذين أوتوا الكتاب كتفرق اليهود والنصارى وتفرق فرق ‪#‬‬
‫اليهود وفرق النصارى كالنسطورية واليعقوبية والملكية ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬وإن الذين‬
‫أورثوا الكتاب من بعدهم أولئك المفترقين لفي شك منه مريب ^ ‪ #‬وهكذا توجه‬
‫عامة اليهود والنصارى في شك من ذلك مريب ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد آتينا موسى‬
‫الكتاب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه‬
‫مريب ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا‬
‫فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إل اتباع الظن وما قتلوه يقينا ^ بل رفعه ال إليه‬
‫^ وكان عزيزا حكيما‬

‫ثم قال تعالى ‪ ^ #‬فلذلك فادع واستقم كما أمرت ^ ‪ #‬إلى الدين الذي شرعه لنا ‪# #‬‬
‫^ واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم ^ ‪ #‬وهذا يتناول أهواء أهل الكتاب كما‬
‫يتناول أهواء المشركين وقد صرح بذلك في قوله تعالى ‪ ^ #‬ولن ترضى عنك‬
‫اليهود ول النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ال هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم‬
‫بعد الذي جاءك من العلم ما لك من ال من ولي ول نصير ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما‬
‫بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن‬
‫الظالمين ^ ‪ #‬كما صرح بنهيه عن اتباع أهواء المشركين في قوله تعالى‬

‫قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن ال حرم هذا فإن شهدوا فل تشهد معهم ول ^ ‪#‬‬

‫‪224‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪225‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تتبع أهواءهم الذين كذبوا بآياتنا والذين ل يؤمنون بالخرة وهم بربهم يعدلون ^ ‪#‬‬
‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬وقل آمنت بما أنزل ال من كتب ^ ‪ #‬حق فإن ال أمره وجميع‬
‫الخلق أن يؤمنوا بجميع ما أنزل ال وكذلك قوله ‪ ^ #‬وأمرت لعدل بينكم ^ ‪ #‬فإن‬
‫ال أمره أن يعدل بين جميع الخلق وقوله ‪ ^ #‬ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم‬
‫أعمالكم ^ ‪ #‬هذه براءة منه لمن يخاطب بذلك من المشركين وأهل الكتاب كقوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء‬
‫^ مما تعملون‬

‫ومثل قوله تعالى ‪ ^ #‬قل أتحاجوننا في ال وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم ‪#‬‬
‫أعمالكم ونحن له مخلصون ^ ‪ #‬وكذلك قوله ‪ ^ #‬قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما‬
‫تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم عابدون ما أعبد لكم‬
‫دينكم ولي دين ^ ‪ #‬فإن هذه الكلمة كقوله ‪ ^ #‬لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون‬
‫مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ^ ‪ #‬وهي كلمة توجب براءته من عملهم‬
‫وبراءتهم من عمله فإن حرف اللم في لغة العرب يدل على الختصاص فقوله ‪^ #‬‬
‫لكم دينكم ولي دين ^ ‪ #‬يدل على أنكم مختصون بدينكم ل أشرككم فيه وأنا مختص‬
‫بديني ل تشركوني فيه كما قال ‪ ^ #‬لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل‬
‫^ وأنا بريء مما تعملون‬

‫ولهذا قال النبي في ^ قل يا أيها الكافرون ‪ ^ #‬هي براءة من الشرك وليس في ‪#‬‬
‫هذه الية أنه رضي بدين المشركين ول أهل الكتاب كما يظنه بعض الملحدين ول‬
‫أنه نهى عن جهادهم كما ظنه بعض الغالطين وجعلوها منسوخة بل فيها براءته من‬
‫دينهم وبراءتهم من دينه وأنه ل تضره أعمالهم ول يجزون بعمله ول ينفعهم ‪ #‬وهذا‬
‫أمر محكم ل يقبل النسخ ولم يرض الرسول بدين المشركين ول أهل الكتاب طرفة‬
‫عين قط ومن زعم أنه رضي بدين الكفار واحتج بقوله تعالى ‪ ^ #‬قل يا أيها‬
‫الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم‬
‫عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ^ ‪ #‬فظن هذا الملحد أن قوله ^ لكم دينكم ولي‬
‫دين ^ معناه‬

‫أنه رضي بدين الكفار ثم قال هذه الية منسوخة فيكون قد رضي بدين الكفار وهذا‬
‫من أبين الكذب والفتراء على محمد فإنه لم يرض قط إل بدين ال الذي أرسل به‬
‫رسله وأنزل به كتبه ما رضي قط بدين الكفار ل من المشركين ول من أهل الكتاب‬
‫‪ #‬وقوله ^ لكم دينكم ولي دين ^ ل يدل على رضاه بدينهم بل ول على إقرارهم‬
‫عليه بل يدل على براءته من دينهم ولهذا قال النبي إن هذه السورة براءة من الشرك‬
‫‪ #‬ونظير هذه الية قوله تعالى ‪ ^ #‬وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم‬
‫بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ^ ‪ #‬وكذلك قوله تعالى ‪ ^ #‬فلذلك فادع‬
‫واستقم كما أمرت ول تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل‬
‫بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ^ ‪ #‬وقد يظن بعض الناس أيضا أن‬

‫‪225‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪226‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قوله ^ لكم دينكم ولي دين ^ الية أني ل آمر بالقتال ول أنهي عنه ول أتعرض له‬
‫بنفي‬

‫ول إثبات وإنما فيها أن دينكم لكم أنتم مختصون به وأنا بريء منه وديني لي وأنا‬
‫مختص به وأنتم برآء منه ‪ #‬وهذا أمر محكم ل يمكن نسخه بحال كما قال تعالى عن‬
‫الخليل ‪ ^ #‬وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ^ إل الذي فطرني‬
‫فإنه سيهدين ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ^ ‪ #‬وهو‬
‫ما طار عنه من خير وشر وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ول تكسب كل نفس إل عليها ول‬
‫^ تزر وازرة وزر أخرى ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها ^ ‪ #‬بل قال تعالى ‪#‬‬
‫لنبيه ‪ ^ #‬واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما‬
‫تعملون ^ ‪ #‬فإذا كان قد برأه ال من معصية من عصاه من أتباعه المؤمنين فكيف‬
‫ل يبرئه من كفر الكافرين الذين هم أشد له معصية ومخالفة‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم‬
‫عابدون ما أعبد ول أنا عابد ما عبدتم ول أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ^‬
‫‪ #‬فهو أمر بالقول لجميع الكافرين من المشركين وأهل الكتاب فإن أهل الكتاب الذين‬
‫لم يؤمنوا بما أنزل إليه من ربه كافرون قد شهد عليهم بالكفر وأمرهم بجهادهم وكفر‬
‫من لم يجعلهم كافرين ويوجب جهادهم قال تعالى ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين‬
‫قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ‪ #‬وقال تعالى‬

‫لقد كفر الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قاتلوا الذين ل ^ ‪#‬‬
‫يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين‬
‫الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ^ ‪ #‬وحرف‬
‫من في هذه المواضع لبيان الجنس فتبين جنس المتقدم وإن كان ما قبلها يدخل في‬
‫جميع الجنس الذي بعدها بخلف ما إذا كان للتبعيض كقوله ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا‬
‫من أهل الكتاب ^ ‪ #‬فإنه يدخل في الذين كفروا بعد مبعث النبي جميع المشركين‬
‫وأهل الكتاب ‪ #‬وكذلك دخل في الذين ل يؤمنون بال وال باليوم الخر ول يحرمون‬
‫ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق جميع أهل الكتاب الذين بلغتهم دعوته ولم‬
‫يؤمنوا به وكذلك قوله‬

‫وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ^ ‪ #‬وإن كان جميعهم الذين آمنوا ^ ‪#‬‬
‫وعملوا الصالحات وهذا إذا كان الجنس يتناول المذكورين وغيرهم ولكن لم يبق في‬
‫الجنس إل المذكورون كما يقول هنا رجل من بني عبد المطلب وإن لم يكن بقي‬

‫‪226‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪227‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫منهم غيره ‪ #‬ووصفهم بالشرك وبأنهم يعبدون غير ال كما قال تعالى ‪ ^ #‬اتخذوا‬
‫أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها‬
‫واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬فأخبر أنهم اتخذوا من دون ال أربابا‬
‫واتخذوا المسيح ربا وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا وهؤلء باتخاذهم غيره أربابا‬
‫عبدوهم فأشركوا بال سبحانه وتعالى عما يشركون ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ما كان لبشر‬
‫أن يؤتيه ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس‬

‫كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم‬
‫تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم‬
‫مسلمون ^ ‪ #‬فقد أخبر أيضا أنه من اتخذ الملئكة والنبيين أربابا فإنه كافر ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ #‬سورة المائدة اليات ‪ # 76 73‬فقد وبخ أهل التثليث على أنهم يعبدون ما‬
‫ل يملك لهم ضرا ول نفعا وال هو السميع العليم فدخلوا في قوله‬

‫قل يا أيها الكافرون ل أعبد ما تعبدون ول أنتم عابدون ما أعبد ^ ‪ #‬كما دخل ^ ‪#‬‬
‫في ذلك غيرهم من الكفار ل سيما وقد دخل في ذلك اليهود وهم أولى بالدخول من‬
‫غيرهم فإن قوله ما تعبدون يتناول صفات المعبود والله الذي يعبده المؤمنون هو‬
‫الله الذي أنزل التوراة والنجيل والقرآن وأرسل موسى وعيسى ومحمد صلوات‬
‫ال عليهم وسلمه ‪ #‬والله المتصف بهذه الصفات ل يعبده اليهود والنصارى وهذا‬
‫كقوله ‪ ^ #‬قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن‬
‫له مسلمون ^ ‪ #‬فهذا الله الذي يعبده محمد وأمته وليس هو إله المشركين الذي‬
‫يعبدونه وإن كان هو المستحق لن يعبدوه فإنهم يشركون بعبادته ويصفونه بما هو‬
‫بريء منه فل يخلصون له الدين فيعبدوا معه آلهة أخرى إن لم يستكبروا عن عبادته‬
‫وإله العبد الذي يعبده بالفعل ليس حاله معه كحاله مع الذي يستحق أن يعبده وهو ل‬
‫يعبده بل يشرك به أو يستكبر عن عبادته فهذا هو الذي قال فيه ^ ل أعبد ما تعبدون‬
‫^ ‪ #‬والشرك غالب على النصارى والكبر غالب على اليهود‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله ^ ل حجة بيننا وبينكم ^ ‪ #‬الية فهذا ليس خطابا للنصارى‬
‫خصوصا بل هو خطاب للجميع وهؤلء النصارى ظنوا أن معنى هذا ل تحاجوا‬
‫أهل الكتاب كما ظنوا في قوله تعالى ‪ ^ #‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي‬
‫أحسن إل الذين ظلموا منهم ^ ‪ #‬أن معناه ل تجادلوا أهل الكتاب أي النصارى إل‬
‫بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا أي اليهود ا ه ‪ #‬وهذا تحريف كلم ال عن مواضعه‬
‫وهو شبيه بتحريفهم لما عندهم من التوراة والنجيل والزبور وسائر النبوات فإنهم‬
‫أعظم تسلطا على تحريف معانيها منهم على تحريف معاني‬

‫القرآن إذ كان القرآن له امة تحغظه وتعرف معانيه وتذب عنه من يحرف لفظه أو‬
‫معناه ‪ #‬وأما تلك الكتب فليس لها من يذب عن لفظها ومعناها فلهذا عظم تحريفهم‬

‫‪227‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪228‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لها وكان أعظم من تحريفهم للقرآن ‪ #‬ومما يبين أن هذا الخطاب ليس مختصا‬
‫بالنصارى أن هذه السورة مكية والسور المكية كانت تتناول من ل يقرأ الكتاب ل‬
‫تختص بأهل الكتاب بل كانت تعم المم أو تختص بالمشركين ‪ #‬والسور المدنية‬
‫خطابها تارة لهل الكتاب وتارة تختص بالمؤمنين وتارة تعم وقد قال تعالى ‪^ #‬‬
‫كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ال يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ^‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما تفرقوا إل من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولول كلمة‬
‫سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي‬
‫^ شك منه مريب‬

‫فالخطاب إما أن يعم المشركين وأهل الكتاب أو يخص المشركين وأهل الكتاب ‪#‬‬
‫اليهود والنصارى وبكل تقدير فل وجه لتخصيص النصارى به ‪ #‬وأما قوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬ل حجة بيننا وبينكم ^ ‪ #‬فهو نظير قوله تعالى ‪ ^ #‬قل أتحاجوننا في ال وهو‬
‫ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬فإن‬
‫حاجوك فقل أسلمت وجهي ل ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم‬
‫فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ ^ ‪ #‬فالحجة اسم لما يحتج به من‬
‫حق وباطل كقوله ‪ ^ #‬لئل يكون للناس عليكم حجة إل الذين ظلموا منهم ^ ‪ #‬فإن‬
‫الظالمين يحتجون عليكم بحجة باطلة كقول المشركين لما حولت القبلة إلى الكعبة قد‬
‫عاد إلى قبلتكم فسوف يعود إلى ملتكم‬

‫فهذه حجة داحضة من الظالمين ‪ #‬ومما يبين ذلك بعد قوله بعد ذلك ‪ ^ #‬والذين‬
‫يحاجون في ال من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب‬
‫ولهم عذاب شديد ^ ‪ #‬فسماها حجة وجعلها داحضة وهؤلء الذين يحاجون في ال‬
‫من بعد ما أستجيب له هم الكفار من المشركين وأهل الكتاب ‪ #‬فهم يحاجون‬
‫المؤمنين ليردوهم عن دينهم وقال عن النصارى ‪ ^ #‬فمن حاجك فيه من بعد ما‬
‫جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم‬
‫نبتهل فنجعل لعنت ال على الكاذبين ^ ‪ #‬فكان الكفار يحاجون المؤمنين حتى‬
‫يردوهم عن دينهم كما يؤذونهم فهؤلء حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب‬
‫ولهم عذاب شديد ‪ #‬ومحاجتهم للمؤمنين من باب الظلم لهم والعدوان عليهم وقول‬
‫الباطل فأمره تعالى أن يقول ^ ل حجة بيننا وبينكم ^ ‪ #‬أي ليس لكم أن تظلمونا‬
‫وتعتدوا علينا بحجتكم الداحضة‬

‫وليس المراد بذلك أنا نحن ل نحاجكم وندعوكم إلى الحق بالحجج الصحيحة ‪ #‬فإنه‬
‫تعالى قال ‪ ^ #‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي‬
‫أحسن ^ ‪ #‬فأمره تعالى أن يجادل أهل دعوته مطلقا من المشركين وأهل الكتاب‬
‫بالتي هي أحسن ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن‬
‫إل الذين ظلموا منهم ^ ‪ #‬فإن الظالم باغ مستحق للعقوبة فيجوز أن يقابل بما‬
‫يستحقه من العقوبة ل يجب القتصار معه على التي هي أحسن بخلف من لم يظلم‬

‫‪228‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪229‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فإنه ل يجادل إل بالتي هي أحسن ‪ #‬وأهل الكتاب اسم يتناول اليهود والنصارى كما‬
‫في نظائره في القرآن كقوله تعالى ‪ ^ #‬وطعام الذين أوتوا الكتاب ^ الية وقوله‬

‫لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ^ ‪ #‬وأمثال ذلك ‪# ^ #‬‬
‫والظالم يكون ظالما بترك ما تبين له من الحق واتباع ما تبين له أنه باطل والكلم‬
‫بل علم فإذا ظهر له الحق فعند عنه كان ظالما ‪ #‬وذلك مثل اللد في الخصام قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه‬
‫وهو ألد الخصام ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬يجادلونك في الحق بعد ما تبين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ها‬
‫^ أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم‬

‫فصل ‪ #‬وقولهم إنه لم يقل كونوا له مسلمين ولكن ونحن أي عنه وعن العرب‬
‫التابعين له ولما أتى به وجاء في كتابه ‪ #‬فيقال لهم هذا ونظائره كلم من لم يفهم‬
‫القرآن بل ول يفهم كلم سائر الناس فإنه إذا عرف من صاحب كتاب يقول إنه‬
‫منزل من ال أو يقول أنه صنفه هو أنه يدعو قوما بالقوال الصريحة الكثيرة‬
‫والعمال البينة الظاهرة كان سكوته عن دعائهم في بعض اللفاظ ل ينافي دعاءهم‬
‫له ‪ #‬لكن إن كان حكيما في كلمه كان للسكوت عن دعائهم في بعض المواضع‬
‫حكمة تناسب ذلك وهذا كقوله تعالى ‪ ^ #‬قل أتحاجوننا في ال وهو ربنا وربكم ولنا‬
‫^ أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون‬

‫أفتراه لما أمر أمته أن يقولوا ^ ونحن له مخلصون ^ لم يكن أهل الكتاب ‪#‬‬
‫مأمورين بالخلص ل وقد ذكر أمر أهل الكتاب بالخلص في غير موضع كقوله‬
‫تعالى ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إل من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إل‬
‫ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة‬
‫^ ‪ #‬وكذلك دعاهم إلى السلم وتوعدهم على التولي عنه في مثل ‪ #‬سورة آل‬
‫عمران اليات ‪ # 20 18‬وقال تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليات ‪133 130‬‬

‫فقد بين سبحانه أنه ل يرغب عن ملة إبراهيم إل من سفه نفسه أي سفه نفسا أي ‪#‬‬
‫كانت نفسه سفيهة جاهلة هذا أصح القولين في ذلك وهو مذهب الكوفيين من النحاة‬
‫يجوزون أن يكون المنصوب على التمييز معرفة كما يكون نكرة ثم أخبر عنه أنه ‪#‬‬
‫^ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ^ ‪ #‬وذكر أن إبراهيم وصى بها‬
‫بنيه ويعقوب وصى بها بنيه أيضا كلهما قال لبنيه ‪ ^ #‬يابني إن ال اصطفى لكم‬
‫الدين فل تموتن إل وأنتم مسلمون ^ ‪ #‬ثم ذكر أن يعقوب عند موته ‪ ^ #‬قال لبنيه‬
‫ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها‬
‫واحدا ونحن له مسلمون ^ ‪ #‬فهؤلء إبراهيم وإسم‬
‫اعيل وإسحاق ويعقوب كلهم على‬

‫‪229‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪230‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السلم وهم يأمرون بالسلم ثم قال بعد ذلك ‪ ^ #‬وقالوا كونوا هودا او نصارى‬
‫تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬قولوا آمنا‬
‫بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما‬
‫أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له‬
‫مسلمون ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم‬
‫في شقاق فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم ^ ‪ #‬فقد أخبر أنهم إن تولوا عن اليمان‬
‫بمثل ما آمنتم به المتضمن قولكم ونحن له مسلمون فإنما هم في شقاق أي مشاقون ل‬
‫ورسوله كما قال تعالى ‪ #‬سورة الحشر الية ‪2‬‬

‫إلى قوله ‪ ^ #‬ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله ومن يشاق ال فإن ال شديد العقاب ^ ‪#‬‬
‫‪ #‬وقوله تعالى ^ ونحن له مسلمون ^ في العنكبوت فهو مثل قوله ^ ونحن له‬
‫مسلمون ^ في البقرة مع دعائهم إلى السلم وكذلك في سورة آل عمران في قوله ‪#‬‬
‫^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به‬
‫شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‬
‫^ ‪ #‬فقد دعاهم أول إلى السلم وهو عبادة ال وحده ل شريك له وأن ل يتخذ‬
‫بعضهم بعضا أربابا من دون ال كما قال تعالى ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم‬
‫أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو‬
‫سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬ثم قال تعالى‬

‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ ‪ #‬وهذه الية هي التي كتب بها النبي ^ ‪#‬‬
‫إلى قيصر ملك الروم لما دعاه إلى السلم ‪ #‬وقال في كتابه ‪ #‬بسم ال الرحمن‬
‫الرحيم من محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما‬
‫بعد فإني أدعوك بدعاية السلم أسلم تسلم أسلم يؤتك أجرك مرتين وإن توليت فإنما‬
‫عليك إثم الريسيين و ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد‬
‫إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا‬
‫^ اشهدوا بأنا مسلمون‬

‫فدعاه النبي إلى السلم في كتابه الذي أرسله إليه وقال أيضا في آل عمران ‪# #‬‬
‫سورة آل عمران من اليتان ‪ # 80 79‬فذكر التوحيد في هذه الية وكفر من اتخذ‬
‫الملئكة والنبيين أربابا فكيف بمن اتخذ الحبار والرهبان أربابا ثم ذكر اليمان‬
‫بخاتم الرسل فقال ‪ #‬سورة آل عمران اليات ‪85 81‬‬

‫فقد ذكر أنه أخذ الميثاق على النبيين وأممهم مهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم ‪#‬‬
‫جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ‪ #‬وهذا يتناول المر لكل أهل‬
‫الكتاب إذا جاءهم رسول ثاني أن يؤمنوا به وينصرونه وإن كان عندهم من الكتاب‬
‫والحكمة ما كان ول يقولون نحن مستغنون بما عندنا من الكتاب والحكمة ل نؤمن‬
‫بالرسول الذي جاءنا ‪ #‬ونخص اليمان بمحمد فإنه خاتم الرسل وهو آخر رسول‬

‫‪230‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪231‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب فوجب على من جاءه أن يؤمن به وينصره وإن‬
‫كان عنده من الكتاب والحكمة ما كان ‪ #‬وهذا الميثاق أخذه ال على النبياء وأخذوه‬
‫على أممهم ثم قال ^ أفغير دين ال يبغون ^ ‪ #‬وهذا هو دين ال الذي أرسل به‬
‫رسله وأنزل به كتبه فمن ابتغى غيره فقد ابتغى دين ال وهو دين السلم الذي قال‬
‫^ فيه ‪ ^ #‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ‪ ^ #‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين‬
‫ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له‬
‫مسلمون ^ ‪ #‬فهو أمر للمؤمنين أن يقولوا الحق الذي أوجبه ال عليهم وعلى جميع‬
‫الخلق ليرضوا به ال وتقوم به الحجة على المخالفين فإن هذا من الجدال بالتي هي‬
‫أحسن وهو إن تقول كلما حقا يلزمك ويلزم المنازع لك أن يقوله فإن وافقك وإل‬
‫ظهر عناده وظلمه ‪ #‬كما قال تعالى في الية الخرى ‪ ^ #‬قل أتحاجوننا في ال‬
‫وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ^ ‪ #‬فإنا مشتركون‬
‫في أنه ربنا كلنا وأن عمل كل عامل له ل لغيره‬

‫وامتزنا نحن بأنا مخلصون له وأنتم لستم مخلصين له فأوجب هذا أن الحق معنا‬
‫دونكم وأن أعمالنا صالحة مقبولة وأعمالكم مردودة ‪ #‬ويشبه ذلك قوله تعالى ‪^ #‬‬
‫قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به‬
‫شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‬
‫^ ‪ #‬فأمره لهم أن يقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يتضمن إقامة الحجة عليهم كما كان‬
‫المسيح عليه السلم يقول‬

‫فصل ‪ #‬ثم قال فأما الذين ظلموا فما يشك أحد في أنهم اليهود الذين سجدوا لرأس‬
‫العجل وكفروا بال مرارا كثيرة ليست واحدة وقتلوا أنبياءه ورسله وعبدوا الصنام‬
‫وذبحوا للشياطين ليس حيوانات غير ناطقة فقط بل بنيهم وبناتهم حسب ما شهد ال‬
‫عليهم قائل على لسان داود النبي عليه السلم في كتاب الزبور في مزمور مائة‬
‫وخمسة يقول ذبحوا بنيهم وبناتهم للشياطين وأراقوا دما زكيا دم بنيهم وبناتهم الذين‬
‫ذبحوا للمنحوتات بكنعان وقد تنجست الرض بالدماء وتنجست أعمالهم وزنوا‬
‫بضعائنهم وسخط الرب عليهم ورذل ميراثهم ‪ #‬وقال أيضا على لسان أشعيا النبي‬
‫عليه السلم يقول ال في بني إسرائيل لم يسمعوا وصاياي لم يحفظوا كل ما‬
‫أوصيتهم به‬

‫بل غيروا ونقضوا الميثاق الذي كنت جعلته لهم إلى البد فلذلك أجلستهم عليهم‬
‫الحزن وأهلكتهم وانقطع ممن يبقى منهم الفرح والسرور ‪ #‬هكذا قال ال على سكان‬
‫بيت المقدس من بني إسرائيل سأبددهم بين المم وفي تلك اليام يرفعون المم‬

‫‪231‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪232‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أصواتهم ويسبحون ال ويمجدونه بأصوات عالية ويجتمعون من أقطار الرض‬


‫ومن جزائر البحر ومن البلدان البعيدة ويقدسون اسم ال ويرجعون إلى ال إله‬
‫إسرائيل ويكونون شعبة وأما بنو إسرائيل فيكونون مبددين في الرض ‪ #‬وقال‬
‫أشعيا النبي عليه السلم يقول ال يا بني إسرائيل نجستم جبلي المقدس فإني سأفنيكم‬
‫بالحرب وتموتون وذلك لني‬

‫دعوتكم فلم تجيبوا وكلمتكم فلم تسمعوا وعملتم الشيء بين يدي ‪ #‬وقال أشعيا أيضا‬
‫إن ال قد بغض بني إسرائيل وأخرجهم من بيوتهم ومن بيته ول يغفر لهم لنهم لعنة‬
‫وجعلوا لعنة الناس فلذلك أهلكهم ال وبددهم بين المم ول يعود يرحمهم ول ينظر‬
‫إليهم برحمة إلى أبد البدين ول يقربوا ل قربانا ول ذبيحة في ذلك اليوم وذلك‬
‫الزمان ول يفرح بنو إسرائيل لنهم قد ضلوا عن ال عز وجل ‪ #‬وقال أرميا النبي‬
‫عليه السلم كما أن الحبشي ل يستطيع أن يكون أبيضا فكذلك بنو إسرائيل ل‬
‫يتركون عادتهم الخبيثة ولذلك إني ل أرحم ول أشفق ول أرق على المة الخبيثة‬
‫ول أرثي لها‬

‫وقال حزقيل النبي عليه السلم قال ال إنما رفعت يدي عن بني إسرائيل وبددتهم ‪#‬‬
‫بين المم لنهم لم يعملوا بوصاياي ولم يطيعوا أمري وخالفوني فيها فيما قلت لهم‬
‫ولم يسمعوا لي ‪ #‬ومثل هذا القول في التوراة وكتب النبياء وزبور داود شيء كثير‬
‫يقرونها اليهود في كنائسهم ويقرأونها ول ينكرون منها حرفا واحدا ومثل ما هو‬
‫عندهم وكذلك عندنا في جميع اللسن ا ه ‪ #‬والجواب أن يقال أما كون اليهود‬
‫ظالمين كافرين معتدين مستحقين لعذاب ال وعقابه فهذا معلوم بالضطرار من دين‬
‫محمد منقول بالتواتر كما علم بالضطرار والنقل المتواتر عنه أن النصارى أيضا‬
‫ظالمون معتدون كافرون مستحقون لعذاب ال وعقابه وفي اليهود من الكفر ما ليس‬
‫في النصارى وفي النصارى ما ليس في اليهود فإن اليهود بدلوا شريعة التوراة قبل‬
‫أن يأتيهم المسيح ابن مريم فلما أتاهم كفروا به‬

‫وكذبوه فلما بعث محمد كذبوه فباءوا بغضب على غضب ‪ #‬كما قال تعالى عنهم ‪#‬‬
‫سورة البقرة اليات ‪93 85‬‬

‫فغضب عليهم أول بتكذيب المسيح وثانيا بتكذيب محمد ‪ #‬وقال تعالى ‪# ^ #‬‬
‫ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءوا بغضب من‬
‫ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبياء بغير‬
‫حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لعن الذين كفروا من بني‬
‫إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا ل‬
‫يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل هل أنبئكم‬
‫بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير‬
‫وعبد الطاغوت ^ ‪ #‬فتبين أن اليهود لعنهم ال وأنهم عبدوا الطاغوت وأنه جعل‬

‫‪232‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪233‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫منهم القردة والخنازير ومثل هذا في القرآن كثير لكن قول القائل أنهم‬

‫المرادون بقوله تعالى ‪ ^ #‬إل الذين ظلموا منهم ^ ‪ #‬في قوله ‪ ^ #‬ول تجادلوا أهل‬
‫الكتاب إل بالتي هي أحسن إل الذين ظلموا منهم ^ ‪ #‬غلط بين ولهذا كان باطل‬
‫باتفاق المسلمين ‪ #‬فإن قوله تعالى ‪ ^ #‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن‬
‫^ ‪ #‬نهى عن مجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى إل بالتي هي أحسن ‪#‬‬
‫وقوله ‪ ^ #‬إل الذين ظلموا ^ ‪ #‬من الطائفتين جميعا ‪ #‬ولهذا كان الواجب على‬
‫المسلمين إذا جادلهم اليهودي والنصراني أن يجادلوه بالتي هي أحسن إل من ظلم‬
‫من الطائفتين فإنه يعاقب باللسان تارة وباليد أخرى كما أمر ال ورسوله بجهاد‬
‫الظالمين من هؤلء فجاهد النبي اليهود الذين كانوا‬

‫بالمدينة النبوية وحولها وقريبا منها كما جاهد بني قينقاع والنضير وقريظة وأهل‬
‫خيبر وأهل وادي القرى وغيرهم‬

‫وكما جاهد النصارى عام تبوك غزاهم بالشام عربهم ورومهم وأغزاهم قبل ذلك ‪#‬‬
‫نوابه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد ال بن رواحة وأمرهم بغزوهم‬
‫فغزاهم بعده خلفاؤه الراشدون ‪ #‬والنبي لما قدم وفد نجران النصارى جادلهم في‬
‫مسجده بالتي هي أحسن ثم أمره ال سبحانه أن يدعوهم إلى المباهلة فامتنعوا عن‬
‫مباهلته وأقروا بأداء الجزية عن يد وهم صاغرون كما تقدم ذلك مفصل فجادل‬
‫بعضهم بالتي هي أحسن والظالم منهم عاقبه وجاهده كما عاقب الظالم من اليهود ‪#‬‬
‫ومن أعجب الشياء قولهم وأما الذين ظلموا فل يشك أحد أنهم اليهود فإن هذا من‬
‫جنس قولهم ثم وجدنا في الكتاب ما هو أعظم من هذا برهانا‬

‫وهو قوله في سورة الشورى ‪ ^ #‬وقل آمنت بما أنزل ال من كتاب وأمرت لعدل‬
‫بينكم ال ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ^ كما تقدم ‪ #‬وهي من جنس قولهم في‬
‫قوله ‪ ^ #‬ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون‬
‫الصلة ومما رزقناهم ينفقون ^ ‪ #‬أنه عني بالكتاب النجيل والذين يؤمنون بالغيب‬
‫النصارى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هم المسلمون وزعمهم‬
‫أن قولهم هذا بين ظاهر ‪ #‬وتفاسير النصارى للكتب اللهية فيها من التحريف لكتاب‬
‫ال واللحاد في أسماء ال وآياته ما يطول وصفه ول ينقضي التعجب منه لكن‬
‫إقدامهم على تفسير القرآن باللحاد والتحريف أعجب وأعجب كقولهم إن محمدا ذكر‬
‫أنه لم يرسل إليهم وأنه أثنى على الدين الذي هم عليه بعد النسخ والتبديل بعد مبعثه‬
‫وأن‬

‫قوله ^ صراط الذين أنعمت عليهم ^ أراد به النصارى ‪ #‬وقوله ^ لقد أرسلنا رسلنا‬
‫^ أراد به الحواريين ‪ #‬وقوله ^ وأنزلنا معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس ^ ‪#‬‬
‫أراد به النجيل فإن في هذا من الكذب الظاهر والفتراء على محمد بأنه أراد هذه‬

‫‪233‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪234‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المور ما هو من جنس افترائهم على النبياء فإنهم أخبروا أن المسيح هو خالق‬


‫السماوات والرض وأن التوراة والزبور وغيرهما من الكتب أخبرت بذلك ثم يأتون‬
‫إلى ما يعلم كل عاقل أن محمدا لم يرده فيقولون إنه ل يشك فيه أحد وأنه قول ظاهر‬
‫بين وكل من عرف حال محمد وما جاء به من القرآن والدين يعلم علما يقينيا‬
‫ضروريا أن محمدا لم يكن يجعل النصارى مؤمنين دون اليهود بل كان يكفر‬
‫الطائفتين ويأمر بجهادهم ويكفر من لم ير جهادهم واجبا عليه ‪ #‬وهذا مما اتفق عليه‬
‫المسلمون وهو منقول عندهم عن نبيهم نقل متواترا بل هذا يعلمه من حاله الموافق‬
‫والمخالف إل من هو مفرط في الجهل بحاله أو من هو معاند عنادا ظاهرا‬

‫فصل ‪ #‬وأما ما نقلوه عن النبياء مما يدل على كفر اليهود فهذا ل ننازعهم فيه ول‬
‫حاجة بنا إلى الستدلل بما نقلوه وإن كان فيما يثبت عن النبياء ما يبين كفرهم لما‬
‫بدلوا دين موسى عليه السلم كما كفر النصارى لما بدلوا دين المسيح فهذا حق‬
‫موافق لما أخبر به خاتم الرسل فإنا قد علمنا كفرهم من جهة ل نشك في صدقها ‪#‬‬
‫وما أخبرونا به عن النبياء إن علمنا صدقهم فيه صدقناهم فيه وإن علمنا كذبهم فيه‬
‫كذبناهم فيه وإن لم نعلم صدقه ول كذبه لم نصدقه ولم نكذبه بل نقول ‪ ^ #‬آمنا‬
‫بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ^ ‪ #‬فإن اليمان‬
‫بجميع ما أوتي النبيون حق واجب لكن وجوب التصديق في النبي المعين الذي لم‬
‫نعلمه من غيرهم يقف على مقدمتين ‪ 1#‬أن يكون اللفظ قد قاله النبي‬

‫وأن يكون المعنى الذي فسروه به مرادا للنبي الذي تكلم بذلك القول فل بد من ‪2 #‬‬
‫ثبوت السناد ودللة المتن ‪ #‬وهاتان المقدمتان ل بد منهما في جميع المنقول عن‬
‫النبياء ‪ #‬وقد يحتاج إلى مقدمة ثالثة في حق من لم يعرف اللغة العبرية فإن موسى‬
‫وداود والمسيح وغيرهم إنما تكلموا باللغة العبرية فمن لم يعرف بها وإنما يعرف‬
‫بالعربية أو الرومية ل بد أن يعرف أن المترجم من تلك اللغة إلى هذه قد ترجم‬
‫ترجمة مطابقة‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم وأما نحن النصارى فلم نعمل شيئا مما عملته اليهود فيقال لهم‬
‫الكفر والفسوق والعصيان لم ينحصر في ذنوب اليهود فإن لم تعملوا مثل أعمالهم‬
‫فلكم من القوال والعمال ما بعضه أعظم من كفر اليهود وإن كنتم أنتم ألين من‬
‫اليهود وأقرب مودة فأنتم أيضا أجهل وأضل من اليهود ‪ #‬قال تعالى ‪ #‬سورة مريم‬
‫اليات ‪ # 95 88‬وقال تعالى ‪ #‬سورة الكهف اليات ‪5 1‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما ‪#‬‬
‫حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية‬
‫عن يد وهم صاغرون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة التوبة اليتان ‪ # 31 30‬وقال‬

‫‪234‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪235‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تعالى ‪ #‬سورة التوبة اليات ‪34 32‬‬

‫وقال تعالى ‪ #‬سورة المائدة الية ‪ # 14‬وقال تعالى لما قص قصة المسيح عليه ‪#‬‬
‫السلم ‪ #‬سورة مريم اليات ‪ # 38 34‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا‬
‫في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا‬
‫^ عن سواء السبيل‬

‫فصل ‪ #‬ومن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين وجد اليهود والنصارى‬
‫متقابلين هؤلء في طرف ضلل وهؤلء في طرف يقابله والمسلمون هم الوسط ‪#‬‬
‫وذلك في التوحيد والنبياء والشرائع والحلل والحرام والخلق وغير ذلك ‪#‬‬
‫فاليهود يشبهون الخالق بالمخلوق في صفات النقص المختصة بالمخلوق التي يجب‬
‫تنزيه الرب سبحانه عنها كقول من قال منهم إنه فقير وإنه بخيل وإنه تعب لما خلق‬
‫السماوات والرض والنصارى يشبهون المخلوق بالخالق في صفات الكمال‬
‫المختصة بالخالق التي ليس له فيها مثل كقولهم إن المسيح هو ال وابن ال ‪ #‬وكل‬
‫من القولين يستلزم الخر ‪ #‬والنصارى أيضا يصفون اللهوت بصفات النقص التي‬
‫يجب تنزيه الرب عنها ويسبون ال سبا ما سبه إياه أحد من البشر كما كان معاذ بن‬
‫جبل يقول ل ترحموهم فإنهم قد سبوا ال سبة ما سبه‬

‫إياها أحد من البشر ‪ #‬واليهود تزعم أن ال يمتنع منه أن ينسخ ما شرعه كما يمتنع‬
‫ما ل يدخل في القدرة أو ينافي العلم والحكمة ‪ #‬والنصارى يجوزون لكابرهم أن‬
‫ينسخوا شرع ال الذي بعث به رسله فيحللوا ما حرم كما حللوا الخنزير وغيره من‬
‫الخبائث بل لم يحرموا شيئا ويحرمون ما حلل كما يحرمون في رهبانيتهم التي‬
‫ابتدعوها وحرموا فيها من الطيبات ما أحله ال ويسقطون ما أوجب كما أسقطوا‬
‫الختان وغيره وأسقطوا أنواع الطهارة من الغسل وإزالة النجاسة وغير ذلك ‪#‬‬
‫ويوجبون ما أسقط كما أوجبوا من القوانين ما لم يوجبه ال وأنبياؤه ‪ #‬والمسلمون‬
‫وصفوا الرب بما يستحقه من صفات الكمال ونزهوه عن النقص وأن يكون له مثل‬
‫فوصفوه بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله من غير تحريف ول تعطيل ومن‬
‫غير تكييف ول تمثيل مع‬

‫علمهم أنه ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله ‪ #‬وقالوا أل له‬
‫الخلق والمر فكما ل يخلق غيره ل يأمر غيره بل الدين كله له هو المعبود المطاع‬
‫الذي ل يستحق العبادة إل هو ول طاعة لحد إل طاعته وهو ينسخ ما ينسخه من‬
‫شرعه وليس لغيره أن ينسخ شرعه ‪ #‬واليهود بالغوا في اجتناب النجاسات وتحريم‬
‫الطيبات والنصارى استحلوا الخبائث وملبسة النجاسات والمسلمون أحل ال لهم‬
‫الطيبات خلفا لليهود وحرم عليهم الخبائث خلفا للنصارى ‪ #‬واليهود يبالغون في‬
‫طهارة أبدانهم مع خبث قلوبهم والنصارى يدعون أنهم يطهرون قلوبهم مع نجاسة‬

‫‪235‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪236‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أبدانهم والمسلمون يطهرون أبدانهم وقلوبهم جميعا ‪ #‬والنصارى لهم عبادات‬


‫وأخلق بل علم ومعرفة ول ذكاء واليهود لهم ذكاء وعلم ومعرفة بل عبادات ول‬
‫أخلق حسنة ‪ #‬والمسلمون جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح بين الزكا والذكاء‬
‫فإن ال أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فالهدى‬

‫يتضمن العلم النافع ودين الحق يتضمن العمل الصالح ليظهره على الدين كله‬
‫والظهور يكون بالعلم واللسان ليبين أنه حق وهدى ويكون باليد والسلح ليكون‬
‫منصورا مؤيدا وال أظهره هذا الظهور فهم أهل الصراط المستقيم صراط الذين‬
‫أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا غير‬
‫المغضوب عليهم الذين يعرفون الحق ول يعملون به كاليهود ول الضالين الذين‬
‫يعملون ويعبدون ويزهدون بل علم كالنصارى ‪ #‬واليهود قتلوا النبيين والذين‬
‫يأمرون بالقسط من الناس والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال‬
‫والمسيح ابن مريم ‪ #‬والمسلمون اعتدلوا فآمنوا بال وملئكته وكتبه ورسله ولم‬
‫يفرقوا بين أحد من رسله وآمنوا بجميع النبيين وبكل كتاب أنزله ال فلم يكذبوا‬
‫النبياء ول سبوهم ول غلوا فيهم ول عبدوهم وكذلك أهل العلم والدين ل يبخسونهم‬
‫حقهم ول غلوا فيهم ‪ #‬واليهود يغضبون لنفسهم وينتقمون والنصارى ل يغضبون‬
‫لربهم ول ينتقمون ‪ #‬والمسلمون المعتدلون المتبعون لنبيهم يغضبون لربهم ويعفون‬
‫عن حظوظهم كما في الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها أنها‬

‫قالت ما ضرب رسول ال بيده خادما له ول امرأة ول شيئا قط إل أن يجاهد في‬


‫سبيل ال ول نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إل أن تنتهك محارم ال فينتقم ل ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال خدمت رسول ال عشر سنين فما‬
‫قال لي أف قط وما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ول لشيء لم أفعله لم لم تفعله وكان‬
‫بعض أهله إذا عاتبني على شيء يقول ‪ #‬دعوه فلو قضي شيء لكان‬

‫هذا في حق نفسه وأما في حدود ال ففي الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها ‪#‬‬
‫‪ #‬أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول ال فقالوا‬
‫من يجترىء عليه إل أسامة بن زيد حب رسول ال فكلمه فيها أسامة فقال ‪ #‬يا‬
‫أسامة أتشفع في حد من حدود ال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم‬
‫الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدود والذي نفسي بيده لو أن‬
‫فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ‪ #‬ولقد وصف ال أمة محمد بأنهم أنفع المم‬
‫للخلق فقال ‪ ^ #‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬

‫المنكر وتؤمنون بال ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم‬
‫الفاسقون ^ ‪ #‬ففي أمة محمد من المر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فيه‬
‫صلح العباد في المعاش والمعاد ما لم يوجد مثله في المتين‬

‫‪236‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪237‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬ثم قالوا وكذلك جاء في هذا الكتاب يقول ‪ ^ #‬لتجدن أشد الناس عداوة‬
‫للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا‬
‫نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون ^ ‪ #‬فذكر القسيسين‬
‫والرهبان لئل يقال إن هذا قيل عن غيرنا ودل بهذا على أفعالنا وحسن نياتنا ونفى‬
‫عنا اسم الشرك بقوله اليهود والذين أشركوا أشد الناس عداوة للذين آمنوا والذين‬
‫قالوا إنا نصارى أقربهم مودة ‪ #‬والجواب أن يقال تمام الكلم ‪ #‬سورة المائدة‬
‫اليات ‪ # 85 83‬فهو سبحانه لم يعد بالثواب في الخرة إل لهؤلء الذين آمنوا‬
‫بمحمد الذين قال فيهم ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من‬
‫الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪ #‬والشاهدون هم‬
‫الذين شهدوا له بالرسالة فشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وهم الشهداء‬
‫الذين قال فيهم ‪ ^ #‬وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون‬
‫الرسول عليكم شهيدا ^ ‪ #‬ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله‬

‫فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪ #‬قال مع محمد وأمته ‪ #‬وكل من شهد للرسل ^ ‪#‬‬


‫بالتصديق فهو من الشاهدين كما قال الحواريون ‪ ^ #‬ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا‬
‫الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة الحج اليتان ‪ # 78 77‬وأما‬
‫قوله في أول الية ‪ ^ #‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا‬
‫ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ^ ‪ #‬فهو كما أخبر سبحانه‬
‫وتعالى فإن عداوة المشركين واليهود للمؤمنين أشد من عداوة النصارى والنصارى‬
‫أقرب مودة لهم وهذا معروف من أخلق اليهود فإن اليهود فيهم من البغض والحسد‬
‫والعداوة ما ليس في النصارى‬

‫وفي النصارى من الرحمة والمودة ما ليس في اليهود والعداوة أصلها البغض ‪#‬‬
‫فاليهود كانوا يبغضون أنبياءهم فكيف ببغضهم للمؤمنين ‪ #‬وأما النصارى فليس في‬
‫الدين الذي يدينون به عداوة ول بغض لعداء ال الذين حاربوا ال ورسوله وسعوا‬
‫في الرض فسادا فكيف بعداوتهم وبغضهم للمؤمنين المعتدلين أهل ملة إبراهيم‬
‫المؤمنين بجميع الكتب والرسل ‪ #‬وليس في هذا مدح للنصارى باليمان بال ول‬
‫وعد لهم بالنجاة من العذاب واستحقاق الثواب وإنما فيه أنهم أقرب مودة وقوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبرون ^ ‪ #‬أي بسبب هؤلء‬
‫وسبب ترك الستكبار يصير فيهم من المودة ما يصيرهم بذلك خيرا من المشركين‬
‫وأقرب مودة من اليهود والمشركين ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى‬
‫الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ^ ‪ #‬فهؤلء الذين مدحهم‬
‫باليمان ووعدهم بثواب الخرة والضمير وإن عاد إلى المتقدمين فالمراد جنس‬
‫المتقدمين ل كل واحد منهم كقوله تعالى‬

‫الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا ^ ‪#‬‬

‫‪237‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪238‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حسبنا ال ونعم الوكيل ^ ‪ #‬وكأن جنس الناس قالوا لهم إن جنس الناس قد جمعوا‬
‫ويمتنع العموم فإن القائل من الناس والمقول له من الناس والمقول عنه من الناس‬
‫ويمتنع أن يكون جميع الناس قال لجميع الناس إنه قد جمع لكم جميع الناس ‪ #‬ومثل‬
‫ذلك قوله تعالى ‪ ^ #‬وقالت اليهود عزير ابن ال ^ ‪ #‬أي جنس اليهود قال هذا لم‬
‫يقل هذا كل يهودي ومن هذا أن في النصارى من رقة القلوب التي توجب لهم‬
‫اليمان ما ليس في اليهود وهذا حق وأما قولهم ونفى عنا اسم الشرك فل ريب أن‬
‫ال فرق بين المشركين وأهل الكتاب في عدة مواضع ووصف من أشرك منهم في‬
‫بعض المواضع بل قد ميز بين الصابئين والمجوس وبين المشركين في بعض‬
‫المواضع وكل المرين حق فالول كقوله تعالى ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا من أهل‬
‫^ الكتاب والمشركين‬

‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس ‪#‬‬
‫والذين أشركوا ^ ‪ #‬وقال تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين‬
‫أشركوا ^ ‪ #‬وأما وصفهم بالشرك ففي قوله ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا‬
‫من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه‬
‫عما يشركون ^ ‪ #‬فنزه نفسه عن شركهم وذلك أن أصل دينهم ليس فيه شرك فإن‬
‫ال إنما بعث رسله بالتوحيد والنهي عن الشرك كما قال تعالى ‪ ^ #‬وسئل من أرسلنا‬
‫^ من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت ^ ‪#‬‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا‬
‫فاعبدون ^ ‪ #‬فالمسيح صلوات ال عليه وسلمه ومن قبله من الرسل إنما دعوا إلى‬
‫عبادة ال وحده ل شريك له وفي التوراة من ذلك ما يعظم وصفه لم يأمر أحد‬
‫النبياء بأن يعبد ملك ول نبي ول كوكب ول وثن ول أن تسأل ول تطلب الشفاعة‬
‫إلى ال من ميت ول غائب ل نبي ول ملك فلم يأمر أحد من الرسل بأن يدعو‬
‫الملئكة ويقول اشفعوا لنا إلى ال ول يدعو النبياء والصالحين الموتى والغائبين‬
‫ويقول اشفعوا لنا إلى ال ول تصور تماثيلهم ل مجسدة ذات ظل ول مصورة في‬
‫الحيطان ول بجعل دعاء تماثيلهم وتعظيمها قربة وطاعة سواء قصدوا دعاء‬
‫أصحاب التماثيل وتعظيمهم والستشفاع بهم وطلبوا منهم أن يسألوا ال تعالى‬
‫وجعلوا تلك التماثيل تذكرة بأصحابها أو قصدوا دعاء التماثيل ولم يستشعروا أن‬

‫المقصود دعاء أصحابها كما فعله جهال المشركين وإن كان في هذا جميعه إنما‬
‫يعبدون الشيطان وإن كانوا ل يقصدون عبادته فإنه قد يتصور لهم في صورة ما‬
‫يظنون أنها صورة الذي يعظمونه ويقول أنا الخضر أنا المسيح أنا جرجس أنا الشيخ‬
‫فلن ‪ #‬كما قد وقع هذا لغير واحد من المنتسبين إلى المسلمين والنصارى وقد يدخل‬
‫الشيطان في بعض التماثيل فيخاطبهم وقد يقضي بعض حاجاتهم فبهذا السبب وأمثاله‬
‫ظهر الشرك قديما وحديثا وفعل النصارى وأشباههم ما فعلوه من الشرك ‪ #‬وأما‬

‫‪238‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪239‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النبياء والرسل صلوات ال عليهم وسلمه فنهوا عن هذا كله ولم يشرع أحد منهم‬
‫شيئا من ذلك والنصارى ل يأمرون بتعظيم الوثان المجسدة ولكن بتعظيم التماثيل‬
‫المصورة فليسوا على التوحيد المحض وليسوا كالمشركين الذين يعبدون الوثان‬
‫ويكذبون الرسل فلهذا جعلهم ال نوعا من غير المشركين تارة وذمهم على ما‬
‫أحدثوه من الشرك تارة ‪ #‬وإذا أطلق لفظ الشرك فطائفة من المسلمين تدخل فيه‬
‫جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم كقوله تعالى ‪ ^ #‬ول تنكحو المشركات حتى‬
‫يؤمن ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا‬
‫^‬

‫فمن الناس من يجعل اللفظ عاما لجميع الكفار ول سيما النصارى ثم من هؤلء ‪#‬‬
‫من ينهي عن نكاح هؤلء كما كان عبد ال بن عمر ينهى عن نكاح النصرانية‬
‫ويقول ل أعلم شركا أعظم من أن تقول إن عيسى ربها ‪ #‬وهذا قول طائفة من‬
‫الشيعة وغيرهم ‪ #‬وأما جمهور السلف والخلف فيجوزون نكاح الكتابيات ويبيحون‬
‫ذبائحهم لكن إذا قالوا لفظ المشركين عام قالوا هذه الية‬

‫مخصوصة أو منسوخة بآية المائدة وهو قوله تعالى ‪ ^ #‬وطعام الذين أوتوا الكتاب‬
‫حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا‬
‫الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ول متخذي أخدان‬
‫^ ‪ #‬وطائفة أخرى تجعل لفظ المشركين إذا أطلق ل يدخل فيه أهل الكتاب ‪ #‬وأما‬
‫كون النصارى فيهم شرك كما ذكره ال فهذا متفق عليه بين المسلمين كما نطق به‬
‫القرآن كما أن المسلمين متفقون على أن قوله ‪ ^ #‬لتجدن أشد الناس عداوة للذين‬
‫آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى‬
‫^ ‪ #‬أن النصارى لم يدخلوا في لفظ الذين أشركوا كما لم يدخلوا في لفظ اليهود ‪#‬‬
‫وكذلك قوله ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ^ ‪ #‬ونحو ذلك‬
‫وهذا لن اللفظ الواحد تتنوع دللته بالفراد والقتران‬

‫فيدخل فيه مع الفراد والتجريد ما ل يدخل فيه عند القتران بغيره كلفظ المعروف‬
‫والمنكر في قوله تعالى ‪ ^ #‬يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ^ ‪ #‬فإنه هنا‬
‫يتناول جميع ما أمر ال به فإنه معروف وجميع ما نهى عنه فإنه منكر ‪ #‬وفي قوله‬
‫^ ل خير في كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس‬
‫^ ‪ #‬فهنا قرن الصدقة بالمعروف والصلح بين الناس ‪ #‬وكذلك المنكر في قوله ‪#‬‬
‫^ إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ^ ‪ #‬قرن الفحشاء بالمنكر وقوله ‪ ^ #‬إن‬
‫ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي‬
‫يعظكم لعلكم تذكرون ^ ‪ #‬قرن الفحشاء بالمنكر والبغي ‪ #‬وكذلك لفظ البر واليمان‬
‫إذا أفرده أدخل فيه العمال الصالحة والتقوى كقوله‬

‫ولكن البر من آمن بال واليوم الخرو والملئكة والكتاب والنبيين ^ ‪ #‬وقال ^ ^ ‪#‬‬

‫‪239‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪240‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إن البرار لفي نعيم ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم‬
‫وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ^ ‪ #‬وقد يقرنه بغيره كقوله‬
‫‪ ^ #‬وتعاونوا على البر والتقوى ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫^ ‪ #‬وكذلك لفظ الفقير والمسكين إذا أفرد أحدهما دخل فيه معنى الخر ‪ #‬وقد يجمع‬
‫^ بينهما في قوله ‪ ^ #‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين‬

‫فيكونان هنا صنفين وفي تلك المواضع صنف واحد فكذلك لفظ الشرك في مثل ‪#‬‬
‫قوله ‪ ^ #‬إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ^ ‪ #‬يدخل‬
‫فيه جميع الكفار أهل الكتاب وغيرهم عند عامة العلماء لنه أفرده وجرده وإن كانوا‬
‫إذا قرن بأهل الكتاب كانا صنفين ‪ #‬وفي صحيح مسلم عن بريدة أن النبي ‪ #‬كان إذا‬
‫أرسل أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى ال وأوصاه بمن‬
‫معه من المسلمين خيرا وقال لهم اغزوا بسم ال في سبيل ال قاتلوا من كفر بال‬
‫اغزوا ول تغلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من‬
‫المشركين فادعهم إلى إحدى خلل ثلث فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم‬
‫ادعهم إلى السلم فإن أجابوك إلى ذلك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول‬
‫من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فإن لهم ما للمهاجرين‬

‫وعليهم ما عليهم فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين‬
‫يجري عليهم حكم ال الذي يجري على المسلمين وليس لهم في الغنيمة والفيء‬
‫نصيب إل أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فإن هم أجابوا فاقبل‬
‫منهم وكف عنهم ‪ #‬وهذا الحديث كان بعد نزول آية الجزية وهي إنما نزلت عام‬
‫تبوك لما قاتل النبي النصارى بالشام واليهود باليمن ‪ #‬وهذا الحكم ثابت في أهل‬
‫الكتاب باتفاق المسلمين كما دل عليه الكتاب والسنة ولكن تنازعوا في الجزية هل‬
‫تؤخذ من غير أهل الكتاب وهذا مبسوط في موضعه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال في سورة البقرة ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى‬
‫والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون ^ ‪ #‬فساوى بهذا القول بين سائر الناس اليهود‬
‫والمسلمين وغيرهم ‪ #‬والجواب أن يقال ‪ #‬أول ل حجة لكم في هذه الية على‬
‫مطلوبكم فإنه يسوي بينكم وبين اليهود والصابئين وأنتم مع المسلمين متفقون على‬
‫أن اليهود‬

‫كفار من حين بعث المسيح إليهم فكذبوه ‪ #‬وكذلك الصابئون من حين بعث إليهم‬
‫رسول فكذبوه فهم كفار فإن كان في الية مدح لدينكم الذي أنتم عليه بعد مبعث‬
‫محمد ففيها مدح دين اليهود أيضا وهذا باطل عندكم وعند المسلمين ‪ #‬وإن لم يكن‬
‫فيها مدح اليهود بعد النسخ والتبديل فليس فيها مدح لدين النصارى بعد النسخ‬

‫‪240‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪241‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والتبديل ‪ #‬وكذلك يقال لليهودي إن احتج بها على صحة دينه ‪ #‬وأيضا فإن‬
‫النصارى يكفرون اليهود فإن كان دينهم حقا لزم كفر اليهود وإن كان باطل لزم‬
‫بطلن دينهم فل بد من بطلن أحد الدينين فيمتنع أن تكون الية مدحتهما وقد سوت‬
‫بينهما ‪ #‬فعلم أنها لم تمدح واحدا منهما بعد النسخ والتبديل وإنما معنى الية أن‬
‫المؤمنين بمحمد والذين هادوا الذين اتبعوا موسى عليه السلم وهم الذين كانوا على‬
‫شرعه قبل النسخ والتبديل والنصارى الذين اتبعوا المسيح عليه السلم وهم الذين‬
‫كانوا على شريعته قبل النسخ والتبديل‬

‫والصابئين وهم الصابئون الحنفاء كالذين كانوا من العرب وغيرهم على دين ‪#‬‬
‫إبراهيم وإسماعيل وإسحاق قبل التبديل والنسخ ‪ #‬فإن العرب من ولد إسماعيل‬
‫وغيره الذين كانوا جيران البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل كانوا حنفاء‬
‫على ملة إبراهيم إلى أن غير دينه بعض ولة خزاعة وهو عمرو بن لحي وهو أول‬
‫من غير دين إبراهيم بالشرك وتحريم ما لم يحرمه ال ولهذا قال النبي ‪ #‬رأيت‬
‫عمرو بن لحي يجر قصبه أي أمعاءه في النار وهو أول من بحر البحيرة وسيب‬

‫السوائب وغير دين إبراهيم ‪ #‬وكذلك بنو إسحاق الذين كانوا قبل مبعث موسى‬
‫متمسكين بدين إبراهيم كانوا من السعداء المحمودين فهؤلء الذين كانوا على دين‬
‫موسى والمسيح وإبراهيم ونحوهم هم الذين مدحهم ال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا‬
‫والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم‬
‫أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون ^ ‪ #‬فأهل الكتاب بعد النسخ‬
‫والتبديل ليسوا ممن آمن بال ول باليوم الخر وعمل صالحا كما قال تعالى ‪^ #‬‬
‫قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم‬

‫ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد‬
‫وهم صاغرون ^ ‪ #‬وقد تقدم أنه كفر أهل الكتاب الذين بدلوا دين موسى والمسيح‬
‫وكذبوا بالمسيح أو بمحمد في غير موضع وتلك آيات صريحة ونصوص كثيرة‬
‫وهذا متواتر معلوم بالضطرار من دين محمد ‪ #‬ولكن هؤلء النصارى سلكوا في‬
‫القرآن ما سلكوه في التوراة والنجيل يدعون النصوص المحكمة الصريحة البينة‬
‫الواضحة التي ل تحتمل إل معنى واحدا ويتمسكون بالمتشابه المحتمل وإن كان فيه‬
‫ما يدل على خلف مرادهم كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم ‪ #‬سورة آل عمران‬
‫الية ‪7‬‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ثم مدح قرابيننا وتوعدنا إن أهملنا ما معنا وكفرنا بما أنزل إلينا أن‬
‫يعذبنا عذابا أليما لم يعذبه أحد من العالمين بقوله ذلك في سورة المائدة ‪ #‬سورة‬
‫المائدة اليات ‪ # 115 112‬فالمائدة هي القربان المقدس الذي يتقرب به في كل‬
‫قداس‬

‫‪241‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪242‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والجواب أن يقال ‪ #‬هذا كذب ظاهر على القرآن في هذا الموضع كما كذبتم عليه ‪#‬‬
‫في غير هذا الموضع فإنه ليس في اليات ذكر قرابينكم البتة وإنما فيه ذكر المائدة‬
‫التي أنزلها ال تعالى في عهد المسيح عليه السلم وقولهم المائدة هي القربان الذي‬
‫يتقرب به في كل قداس هو أول قول ل دليل عليه وثانيا هو قول معلوم الفساد‬
‫بالضطرار من دين المسلمين الذين نقلوا هذا القرآن عن محمد لفظه ومعناه فإنهم‬
‫متفقون على أن المائدة مائدة أنزلها ال من السماء على عهد المسيح عليه السلم‬
‫وقصتها مشهورة في عامة الكتب تعرفها العامة والخاصة ولم يقل أحد إنها قرابين‬
‫النصارى وليس في لفظ الية ما يدل على ذلك بل يدل على خلف ذلك فإن الية‬
‫تبين أن المائدة منزلة من السماء وقرابينهم هي عندهم في الرض لم تنزل من‬
‫السماء ‪ #‬وفي الية أن عيسى قال ‪ ^ #‬اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون‬
‫لنا عيدا لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال ال إني منزلها‬
‫^ عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين‬

‫وفي أول الكلم ‪ ^ #‬إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ‪#‬‬
‫ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا ال إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها‬
‫وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ^ ‪ #‬فأين هذا من‬
‫قرابينهم الموجودة اليوم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ولما تقدم به القول لنه غير لئق عند ذوي اللباب أن نهمل روح‬
‫القدس وكلمة ال الذي شهد لهما في هذا الكتاب بالعظائم فقال عن كلمة ال ‪ ^ #‬وإن‬
‫من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ^ ‪#‬‬
‫والجواب ‪ #‬إن ال تعالى لم يبعث محمدا بإهمال ما يجب من حق المسيح عليه‬
‫السلم بل أمره باليمان بالمسيح وبما جاء به كما أمره باليمان بموسى وبما جاء به‬
‫وكما أمر المسيح باليمان بموسى وبما جاء به ولكنه أمر بإهمال ما ابتدع من الدين‬
‫الذي لم يشرعه ال على لسان المسيح عليه السلم وما نسخه ال من شرعه على‬
‫لسان محمد فيهمل المبدل والمنسوخ كما أمر ال‬

‫المسيح أن يهمل ما ابتدعته اليهود من الدين الذين لم يشرعه وما نسخه من شرع‬
‫موسى ‪ #‬فكما أمر المسيح أن يهمل المبدل والمنسوخ من التوراة التي جاء بها‬
‫موسى عليه السلم ولم يكن في ذلك إهمال لما يجب من حق التوراة وموسى عليه‬
‫السلم فكذلك إذا أهمل المبدل والمنسوخ من دين أهل النجيل لم يكن في ذلك إهمال‬
‫لما يجب من حق النجيل والمسيح بل ما جاء به محمد يتضمن اليمان بجميع الكتب‬
‫والرسل وأن ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون كما قال تعالى ‪ ^ #‬قولوا آمنا‬
‫بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما‬
‫أوتى موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له‬

‫‪242‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪243‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مسلمون ^ ‪ #‬والنصارى كاليهود آمنوا ببعض وكفروا ببعض فأيما هو اللئق عند‬
‫أولي اللباب أن نؤمن بجميع كتب ال ورسله أو نؤمن ببعض ونكفر ببعض وأيما‬
‫هو اللئق عند أولي اللباب أن نعبد ال وحده ل نشرك به شيئا ونعبده بما شرعه‬
‫على لسان رسوله أو نبتدع من الشرك والعبادات المبتدعة ما لم ينزل به ال كتابا‬
‫ول بعث به رسول ونضاهي المشركين عباد الوثان‬

‫قال تعالى ‪ ^ #‬وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك ‪#‬‬
‫قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬قل يآ أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول‬
‫نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا‬
‫بأنا مسلمون ^ ‪ #‬فالمسلمون لم يهملوا روح القدس وكلمة ال وقد قال تعالى عن‬
‫كلمة ال ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ ‪ #‬بل هم الذين اتبعوا‬
‫دينه ودين الرسل قبله فإن دين النبياء عليهم السلم جميعهم واحد كما ثبت في‬
‫الصحيحين عن النبي‬

‫أنه قال ‪ #‬إنا معاشر النبياء ديننا واحد ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬شرع لكم من الدين ما‬
‫وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬
‫الصلة ول تتفرقوا فيه ^ ‪ #‬فدين المرسلين كلهم دين واحد ويتنوع شرعهم‬
‫ومناهجهم كتنوع شريعة الرسول الواحد فإن دين المسيح هو دين موسى وهو دين‬
‫الخليل قبلهما ودين محمد بعدهما مع أن المسيح كان على شريعة التوراة ثم نسخ ال‬
‫على لسانه ما نسخ منها وهو قبل النسخ وبعده دينه دين موسى ولم يهمل دين موسى‬
‫‪ #‬كذلك المسلمون هم على دين المسيح وموسى وإبراهيم وسائر الرسل وهم الذين‬
‫اتبعوا المسيح ولهذا جعلهم ال فوق النصارى إلى يوم القيامة ‪ #‬والنصارى الذين‬
‫بدلوا دين المسيح وكذبوا محمدا‬

‫بريئون من دين المسيح والمسيح بريء منهم كبراءة موسى ممن بدل وغير دينه‬
‫وكذب المسيح ‪ #‬والمسلمون أشد تعظيما للمسيح عليه السلم واتباعا له بالحق ممن‬
‫بدل دينه وخالفه من النصارى فإن المسلمين يصدقونه في كل ما أخبر به عن نفسه‬
‫ول يحرفون ما قاله عن مواضعه ول يفسرون كلمه بغير مراده وكلم غيره من‬
‫النبياء كما فعلت النصارى فإنهم نقلوا عن المسيح أنه قال عمدوا الناس باسم الب‬
‫والبن وروح القدس وهذا إذا قاله المسيح فإنه يفسر بلغته وعادته في خطابه وعادة‬
‫سائر النبياء وليس في كلم المسيح ول في كلم سائر النبياء ول كلم غيرهم أن‬
‫كلمة ال القائمة بذاته سبحانه وتعالى تسمى ابنا ول روح قدس ول تسمى صفته‬
‫القديمة ابنا ول روح قدس ول يوجد قط في كلم النبياء اسم البن واقعا إل على‬
‫مخلوق ‪ #‬والمراد في تلك اللغة أنه مصطفى محبوب ل كما ينقلونه أنه قال‬
‫لسرائيل أنت ابني بكري ولداود أنت ابني‬

‫‪243‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪244‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وحبيبي وأن المسيح قال للحواريين أبي وأبيكم فجعله أبا للجميع وهم كلهم مخلوقون‬
‫فيكون اسم البن واقعا على المسيح الذي هو ناسوت مخلوق فعمد هؤلء الضلل‬
‫فجعلوا اسم البن واقعا على اللهوت قديم أزلي مولود غير مخلوق ‪ #‬وزعموا أن‬
‫البن يراد به البن بالوضع وهو المخلوق وهو البن بالطبع وهو القديم الزلي‬
‫المولود غير المخلوق وهذا التفريق هم أحدثوه وابتدعوه ول يوجد قط في كلم‬
‫المسيح ول غيره أنه سمى القديم الزلي ابنا ول جعل له ابنا قديما مولودا غير‬
‫مخلوق ول سمى شيئا من صفات ال قط ابنا ‪ #‬وكذلك لفظ روح القدس موجود في‬
‫غير موضع من كلم النبياء‬

‫عليهم السلم ل يراد بهذا قط حياة ال ول صفة قائمة به ‪ #‬وإنما يراد به ما أيد ال‬
‫به النبياء والولياء ويجعله في قلوبهم من هداه ونوره ووحيه وتأييده ومن ما ينزل‬
‫بذلك من الملئكة وهذا الذي تسميه النبياء روح القدس لم يختص به المسيح باتفاق‬
‫المسلمين وأهل الكتاب بل قد أنزله على غيره من النبياء والصالحين كما هو‬
‫موجود في كتبهم إن روح القدس كانت في داود وغيره وكانت أيضا عندهم في‬
‫الحواريين ‪ #‬وهكذا خاتم الرسل كان يقول لحسان بن ثابت إن روح القدس معك ما‬
‫دمت تدافع عن نبيه ويقول اللهم أيده بروح القدس ‪ #‬وقد قال ال تعالى عن عباده‬
‫المؤمنين ‪ ^ #‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله‬
‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان‬
‫^ وأيدهم بروح منه‬

‫فروح القدس ل اختصاص للمسيح عليه السلم بها بل ما يفسر به اسم البن واسم ‪#‬‬
‫روح القدس وغير ذلك مما وصف به المسيح فهو مشترك بينه وبين غيره من‬
‫الرسل وإذا فسروا الحلول بظهور نور ال وعلمه وهداه في النبياء فهذا حق وهو‬
‫مشترك بين المسيح وغيره ‪ #‬فأما نفس ذات ال فلم تحل في أحد من البشر ‪#‬‬
‫والمسلمون مع شهادتهم للمسيح بأنه عبد ال ورسوله يقولون إنه مؤيد منصور‬
‫عصمه ال من أعدائه وطهره منهم ولم يسلطهم عليه ‪ #‬والنصارى يدعون أن اسم‬
‫المسيح اسم اللهوت والناسوت وأنه إله تام وإنسان تام وهذا يمتنع شرعا وعقل ثم‬
‫يصفونه بالصفات المتناقضة يصفونه بأن طائفة من أشرار اليهود وضعوا الشوك‬
‫على رأسه وبصقوا في وجهه وأهانوه وصلبوه وفعلوا به ما ل يفعل بأخس الناس‬
‫ويقولون مع هذا إنه رب السماوات والرض وما بينهما‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ثم شهد لقرابيننا وذبائحنا أنها مقدسة مقبولة لدى ال من كتب اليهود‬
‫التي في أيديهم يومنا هذا المنزلة من ال على أفواه النبياء المرسلين ‪ #‬قال أشعيا‬
‫قال ال إني أعرف بني إسرائيل وقلوبهم القاسية الخبيثة فإذا أنا ظهرت إلى المم‬
‫فنظروا إلى كرامتي أقيم منها أنبياء وأبعث منهم مخلصين يخلصون المم من‬
‫البلدان القاصية الذين لم يسمعوا بسماعي ولم يعرفوا من قبل كرامتي ويكون اسمي‬

‫‪244‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪245‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيهم ويجلبون إخوتهم من المم كلها ويجيبون قرابين ال على الدواب والمراكب إلى‬
‫جبل قدسي بيت المقدس فيقربون لي القرابين بالسميد كما كان بنو إسرائيل من قبل‬
‫وكذلك باقي المم وتقرب القرابين بين يدي فهم وزرعهم إلى البد ويحجون في كل‬
‫سنة وفي كل شهر ومن سنة إلى سنة إلى بيت المقدس بيت ال ويقربون ل ربهم فيه‬
‫قرابين زكية نقية ينظرون إلى المة الخبيثة الماردة بني إسرائيل ل يبلى حزنها ول‬
‫ينقطع بلؤها إلى البد‬

‫وقال دانياك النبي عليه السلم وسيأتي على شعبك وقرية قدسك سبعون سابوعا ‪#‬‬
‫وتنقضي الذنوب وتفنى الخطايا وغفران الثم ويؤتى بالحق الذي لم ينزل من قبل‬
‫وتتم نبوات النبياء وكتب الرسل وتبيد قرية القدس وتخرب مع مجيء المسيح‬
‫ويفنى الميثاق العتيق من الناس ومن بعد أسبوع ونصف تبطل ذبائح اليهود‬
‫وقرابينهم وتصير على كف النجاسة والفساد إلى انقضاء الدهر‬

‫وقال ميخا النبي عليه السلم قال ال في آخر الزمان إذا أتى المسيح يدعو المم ‪#‬‬
‫المبددة ويضعهم شعبا واحدا ويبطل قتال بني إسرائيل وسلحهم وقرابينهم إلى البد‬
‫‪ #‬وقال عاموص النبي ل تذبحوا العجول بعد فإن الرب سيأتي صهيون ويحدث‬
‫وصية جديدة طاهرة من الخبز النقي والخمر الزكي ويصير بنو إسرائيل مطرودين‬

‫والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن ما يحتجون به من النقل عن النبياء صلوات ال ‪#‬‬


‫عليهم يحتاجون فيه إلى أربع مقدمات إلى أن تعلم نبوة المنقول عنه والى أن يعلم‬
‫لفظه الذي تكلم به وإلى أن يعلم ما ذكروه ترجمة صحيحة عنده فإن أولئك النبياء‬
‫لم يتكلموا بالعربية بل ول بالرومية والسريانية واليونانية وإنما تكلموا بالعبرية‬
‫كالمسيح عليه السلم ‪ #‬والرابع أن يعلم أن ما ذكروه من كلم النبياء دليل على ما‬
‫ادعوه من قبول قرابينهم في هذا الزمان ونحن في هذا المقام نقتصر على منازعتهم‬
‫في هذه المقدمة فليس فيما ذكروه دليل على مدح قرابينهم وذبائحهم بعد التبديل‬
‫والنسخ ولكن غايتها أن يدل على مدحها قبل النسخ والتبديل وهذا مما ل ينازع فيه‬
‫المسلمون ‪ #‬الوجه الثاني أن هذه النعوت المذكورة عن أشعيا وغيره من النبياء ل‬
‫توافق ما عليه النصارى فإن النصارى ل يقربون القرابين بالسميد كما كان بنو‬
‫إسرائيل من قبل ول يحجون في كل شهر ومن سنة إلى سنة إلى بيت المقدس بيت‬
‫ال ويقربون ل ربهم فيه قرابين نقية زكية وإنما يحجون إلى قمامة الخارجة عن‬
‫بيت ال الذي كانت النبياء تقصده وتصلي فيه فإن النبياء إنما كانوا يصلون في‬
‫بيت‬

‫المقدس ويزورون بيت المقدس نفسه وأما قمامة فليس لها ذكر في كتب النبياء‬
‫عليهم السلم بل إنما ظهرت قمامة في زمن قسطنطين الملك لما أظهرتها أمه‬
‫هيلنة الحرانية لما جاءت بيت المقدس واختارت من اليهود ثلثة وسألتهم أن‬
‫يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا فعاقبتهم بالحبس والجوع فدلوها على موضعه‬

‫‪245‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪246‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في مزبلة فاستخرجوه وجعلته في غلف من ذهب وحملته وبنت كنيسة القمامة في‬
‫موضعه كما ذكر ذلك ابن البطريق في تاريخه وغيره كما سيأتي وذلك بعد المسيح‬
‫بأكثر من ثلث مائة سنة ‪ #‬ومن ذلك الوقت أظهروا الصليب وجعلوا عيد الصليب‬
‫ولم يشرع ذلك ل المسيح ول الحواريون وهذا مذكور في كتبهم متفق عليه بين‬
‫علمائهم كما قد ذكر في موضع آخر ول هم يأتون بقرابين ل على الدواب‬
‫والمراكب إلى جبل قدس بيت ال المقدس‬

‫الوجه الثالث أن ما ذكروه عن دانيال ل يتضمن مدح دينهم بعد النسخ والتبديل ‪#‬‬
‫وإنما يتضمن أن ال يبعث المسيح عليه السلم بالحق الذي لم يزل من قبل وهو‬
‫الدين الذي بعث به الرسل قبله وهو عبادة ال وحده وأن بيت المقدس يخرب مع‬
‫مجيء المسيح ويفنى الميثاق العتيق يعني ما نسخ من شرع التوراة وأنه يبطل ذبائح‬
‫اليهود وقرابينهم ‪ #‬وهذا كله إنما يدل على نسخ شرع التوراة وبطلن دولة اليهود‬
‫ويدل على أن المسيح جاء بالحق ومن اتبع المسيح كان على الحق وهذا مما ل‬
‫ينازع فيه المسلمون فإنهم متفقون على أن من كان متمسكا بما أمر به المسيح فإنه‬
‫من عباد ال الصالحين ولكن من جاء بشرع لم يأت به المسيح أو أراد اتباع شرعه‬
‫بعد النسخ فهو بمنزلة اليهود الذين نسخ ال ما نسخه من شرعهم وأزال دولتهم‬
‫وكذلك فعل بالنصارى لما بعث ال محمدا أزال دولتهم عن وسط الرض وخيارها‬
‫وحيث بعثت النبياء كأرض الشام ومصر‬

‫والجزيرة والعراق وأرمينية وأذربيجان وأجلهم إلى طرفي الرض من جهة‬


‫الشمال والجنوب وصار الذين في وسط الرض منهم أحسن أحوالهم إذا لم يسلموا‬
‫أن يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ‪ #‬وكذلك ما ذكروه عن ميخا وعاموس إنما‬
‫يدل على مجيء المسيح عليه السلم وبطلن ما نسخه ال وأبطله من شرع اليهود‬

‫وملكهم ول يدل على صحة دين النصارى الذي لم يشرعه المسيح عليه السلم ول‬
‫على صحته بعد أن نسخ بشرع محمد نسخا هو أبلغ من نسخ بعض شرع موسى‬
‫بشرع المسيح عليه السلم ‪ #‬هذا إذا سمى الشرع المؤقت بغاية مجهولة نسخا فإن‬
‫الول لم يبشر بالثاني ‪ #‬وأما إذا كان الول بشر بالثاني وكانت شريعة الول مؤقتة‬
‫إلى مجيء الثاني لم يسم ذلك نسخا فالمسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم لم ينسخا‬
‫شيئا بل كان شرع موسى إلى مجيء المسيح وشرع المسيح إلى مجيء محمد صلى‬
‫ال عليهما وسلم ‪ #‬وأما ما حكي عن أشعيا عن ال أنه قال فإذا ظهرت إلى المم‬
‫فهذا قد يحتج به النصارى وبأمثاله من كلم النبياء عليهم السلم على الحلول الذي‬
‫ابتدعوه وهو باطل فإن مثل هذا اللفظ مذكور في كتب أهل الكتاب في غير موضع‬
‫ول يراد بشيء منها حلول ذات ال في أحد من البشر كما ذكر في التوراة أن ال‬
‫عز وجل‬

‫استعلن لبراهيم وغيره وأن ال يأتي من طور سيناء ويشرف من ساعير ويستعلن‬

‫‪246‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪247‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من جبال فاران ‪ #‬ومعلوم عند جميع أهل الملل أن ال سبحانه وتعالى لم يحل في‬
‫موسى ولغيره لما كلمه ول يحل في شيء من جبال فاران مع إخباره أنه استعلن‬
‫منها ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله ^ ‪ #‬فأظهره بالعلم والحجة والبيان وأظهره باليد والسنان كما قال تعالى ‪#‬‬
‫^ ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة‬
‫الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد‬
‫زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ^ ‪ #‬قال‬
‫أبي بن كعب وغيره مثل نوره في قلب‬

‫المؤمن ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين‬
‫من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك‬
‫روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من‬
‫نشاء من عبادنا ^ ‪ #‬وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال ‪ #‬اتقوا‬
‫فراسة المؤمن فإنه ينظر‬

‫بنور ال ثم قرأ ‪ ^ #‬إن في ذلك ليات للمتوسمين ^ ‪ #‬قال الترمذي حديث حسن‬
‫وقد جاء عن بعض السلف أن قلوب المؤمنين تضيء لهل السماوات كما تضي‬
‫الكواكب لهل الرض ‪ #‬والمخلوق الذي تظهر محبته وذكره وطاعته في بعض‬
‫البلد يقال فلن قد ظهر في هذه الرض فإذا ظهر ذكر ال وذكر أسمائه وصفاته‬
‫وتوحيده وآياته وعبادته حتى امتلت القلوب بذلك بعد أن كانت ممتلئة بظلمة الكفر‬
‫والشرك كان ذلك مما أخبر به من ظهوره وهذا أعظم ما يكون في بيوته التي يعبد‬
‫فيها ويذكر فيها اسمه ‪ #‬ولهذا لما ذكر تعالى آية النور وقال ‪ ^ #‬ال نور السماوات‬
‫والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب‬
‫دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم‬
‫تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب‬

‫ال المثال للناس وال بكل شيء عليم ^ ‪ #‬قال عقب ذلك ‪ #‬سورة النور اليات ‪36‬‬
‫‪ # 38‬وكذلك ما في الكتب من ظهوره ببيت المقدس فهو كظهوره بطور سيناء‬
‫وبجبل فاران ومع هذا فلم يره موسى ول غيره ل مجردا ول حال في غيره وقد‬
‫أخبر المسيح أنه لم يره أحد كما أخبر غيره وذلك نفي عام يوجب أنه ل يرى ل‬
‫مجردا ول حال في دار الدنيا كما قد بسط هذا في موضع آخر ‪ #‬ومعلوم أن ملبسة‬
‫الشيء أبلغ من رؤيته فإذا كان الرب تعالى ل يراه ناسوت فأن ل يلبسه ناسوت‬
‫بطريق الولى والحرى والنصارى يزعمون أنه اتحد هو والناسوت وهذا أعظم من‬
‫الرؤية‬

‫فصل ‪ #‬قالوا فماذا يكون أعظم من هذا برهانا وأقوى شهادة إذ هذه كتب أعدائنا‬

‫‪247‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪248‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المخالفين لديننا وهم يقرون بذلك ويقرأونه في كنائسهم ولم ينكروا منه كلمة واحدة‬
‫ول حرفا واحدا ‪ #‬والجواب أن المر إذا كان على ما قالوه من ثبوت هذه الكلمات‬
‫عن بعض النبياء فليس فيها مدح لدينهم بعد التبديل فكيف بعد النسخ والتبديل وإنما‬
‫فيها إخبار بزوال ملك بني إسرائيل وبنسخ ما نسخ من شرعهم بمجيء المسيح عليه‬
‫السلم وهذا دليل على نبوة المسيح وصدقه وهذامما اتفق عليه المسلمون ‪ #‬والمسيح‬
‫عليه السلم عندهم كما أخبر ال عنه بقوله تعالى لمريم ‪ ^ #‬إن ال يبشرك بكلمة‬
‫منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين ^ ويكلم‬
‫^ الناس في المهد كهل ومن الصالحين‬

‫وأما قولهم إن هذا وغيره موجود في كتب أعدائنا اليهود ‪ #‬فيقال لهم ل ريب أن ‪#‬‬
‫اليهود يخالفونكم في تفسير الكتب فأنتم تفسرونها بشيء وهم يفسرونها بشيء آخر‬
‫وقد يكون كل التفسيرين باطل وحينئذ فيقال لكم كما أن كتب النبياء شاهدة للمسيح‬
‫ولدينه وإن خالفتكم اليهود في تفسيرها فكذلك هي شاهدة لمحمد وأمته وإن خالف‬
‫أهل الكتاب في تفسيرها كما قد بين ال في كتب النبياء صفة محمد وأمته في غير‬
‫موضع ‪ #‬والواجب في الكتب إذا تنازعت المم في تفسيرها أن يبين الحق الذي‬
‫يقوم عليه الدليل الشرعي والعقلي وحينئذ تبين أنكم فسرتم كتب ال بأشياء تخالف‬
‫مراد ال في أمر التثليث والتحاد وغيره كما فعلت اليهود بتفسير الكتب كما قد بسط‬
‫في غير هذا الموضع‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأيضا في قول هذا النسان مما أتى في كتابه حيث اتبع القول أنه لم‬
‫يرسل إلينا مع تشككه فيما أتى به في هذا الكتاب في سورة سبأ حيث يقول ‪ ^ #‬وإنا‬
‫أو وإياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين ^ ‪ #‬وأيضا في سورة الحقاف يقول ‪^ #‬‬
‫وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ ‪ #‬والجواب أن نقلهم عنه أنه قال إنه لم يرسل‬
‫إليهم كذب ظاهر عليه فإن كتابه مملوء بدعوتهم وأمره لهم باليمان به واتباعه بل‬
‫وبعموم رسالته إلى جميع الناس بل وإلى الجن والنس وليس فيه قط أنه لم يرسل‬
‫إلى أهل الكتاب بل فيه التصريح بدعوة أهل الكتاب في غير موضع كقوله تعالى ‪#‬‬
‫^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به‬
‫شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال فإن تولوا فقولوا‬

‫فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ^ ‪ #‬وقد كتب النبي بهذه الية إلى قيصر ملك النصارى‬
‫الذي اسمه هرقل بالشام وقد تقدم ذكر ذلك وتقدم أيضا أن قوله تعالى ‪ ^ #‬لتنذر‬
‫قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ^ ‪ #‬يقتضي أنه لم ينذر الميين وليس فيه أنه ل‬
‫ينذر غيرهم كما أن قوله ‪ ^ #‬وأنذر عشيرتك القربين ^ ‪ #‬يقتضي إنذار قومه ول‬
‫ينافي أن ينذر غيرهم من العرب كما أن قوله في قريش ‪ ^ #‬فليعبدوا رب هذا البيت‬
‫الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ^ ‪ #‬ل يمنع أن يكون غير قريش‬
‫مأمورين بعبادة رب هذا البيت بل أمر ال جميع الثقلين الجن والنس أن يعبدوا رب‬

‫‪248‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪249‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا البيت ‪ #‬فإن قيل فقد سكت عن ما سوى الميين في هذا فيشعر بالنفي بدليل‬
‫الخطاب الذي يسمى مفهوم المخالفة قيل ذاك إنما يدل إذا‬

‫لم يكن في التخصيص فائدة سوى الختصاص بالحكم ولم يكن هنا تصريح بأن حكم‬
‫المسكوت كحكم المنطوق وهنا لما بعث ال محمدا أمره أن ينذر عشيرته القربين‬
‫أول ثم ينذر العرب الميين ثم أهل الكتاب والمجوس وغيرهم وقد تقدم بسط هذا‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم مع تشككه فيما أتى به فمن الكذب البين فإنه تعالى قال ‪ #‬سورة‬
‫سبأ اليات ‪ # 26 22‬فإنه لما دعاهم إلى التوحيد وبين أن ما يدعونه من دون ال‬
‫ل يملك مثقال ذرة في السماوات ول في الرض ول هو شريك ول هو ظهير ول‬
‫ينفع شفيع إل بإذنه نفى بذلك جميع وجوه الشرك فإن ما يشرك به إما أن يكون له‬
‫ملك أو شريك في الملك أو يكون معينا فإذا انتفت الثلثة لم يبق إل الشفاعة التي هي‬
‫دعاء لك‬

‫ومسألة وتلك ل تنفع عنده إل لمن أذن له ‪ #‬ثم ذكر بعد هذا أنه ل رازق يرزق من‬
‫السماء والرض إل ال دل بهذا وهذا على التوحيد كما في قوله ‪ ^ #‬وما بكم من‬
‫نعمة فمن ال ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ^ ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق‬
‫منكم بربهم يشركون ^ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ^ ‪ #‬فلما ذكر ما‬
‫دل على وجوب توحيده وبيان أن أهل التوحيد هم على الهدى وأن أهل الشرك على‬
‫الضلل قال ‪ ^ #‬وإنا أو وإياكم لعلى هدى أو في ضلل مبين ^ ‪ #‬يقول إن أحد‬
‫الفريقين أهل التوحيد الذين ل يعبدون إل ال وأهل الشرك لعلى هدى أو في ضلل‬
‫مبين ‪ #‬وهذا من النصاف في الخطاب الذي كل من سمعه من ولى وعدو قال لمن‬
‫خوطب به قد أنصفك صاحبك كما يقول العادل الذي ظهر عدله للظالم الذي ظهر‬
‫ظلمه الظالم إما أنا وإما أنت ل للشك في المر الظاهر ولكن لبيان أن أحدنا ظالم‬
‫ظاهر الظلم وهو أنت ل أنا‬

‫فإنه إذا قيل أهل التوحيد الذين يعبدون ال على هدى أو في ضلل مبين وأهل ‪#‬‬
‫الشرك الذين يعبدون ما ل يضر ول ينفع على هدى أو في ضلل مبين ‪ #‬تبين أن‬
‫أهل التوحيد على الهدى وأهل الشرك على الضلل وهذا مما يعلمه جميع الملل من‬
‫المسلمين واليهود والنصارى يعلمون أن أهل التوحيد على الهدى وأهل الشرك على‬
‫الضلل ‪ #‬وفي القرآن في بيان مثل هذا ما ل يحصى إل بكلفة بل قطب القرآن‬
‫وسائر الكتب ومدارها على عبادة ال وحده فكيف يقال إن الرسول كان يشك هل‬
‫المهتدى هم أهل التوحيد أم أهل الشرك وهل يقول هذا إل من هو في غاية الجهل‬
‫والعناد ‪ #‬ثم الية خطاب للمشركين ليست خطابا للنصارى خصوصا‬

‫‪249‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪250‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬وأما قوله تعالى ^ قل ما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ فلفظ الية ‪ ^ #‬قل‬
‫ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إلي وما‬
‫أنا إل نذير مبين ^ ‪ #‬وهذا بعد قوله ‪ ^ #‬أم يقولون افتراه قل إن افتريته فل تملكون‬
‫لي من ال شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور‬
‫الرحيم ^ ‪ #‬ونظير هذا قوله ‪ #‬قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول‬
‫أقول لكم إني ملك إن أتبع إل ما يوحى إلي قل هي يستوي العمى والبصير أفل‬
‫تتفكرون ^ ‪ #‬وهذا قاله نوح عليه السلم أول الرسل وأمر محمد‬

‫آخر الرسل أن يقوله ومثل قوله ‪ ^ #‬قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا قل إني لن‬
‫يجيرني من ال أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إل بلغا من ال ورسالته ومن يعص‬
‫ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ^ ‪ #‬وهذا ونحوه يتضمن اعترافه بأنه‬
‫عبد ال ورسول من ال ل يتعدى حد الرسالة ول يدعي المشاركة في اللوهية كما‬
‫ادعته النصارى في المسيح ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ما المسيح ابن مريم إل رسول قد‬
‫خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام ^ ‪ #‬فتبين أنه ل يتعدى حد‬
‫الرسالة وهو كقوله تعالى ‪ ^ #‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن‬
‫مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ^ ‪ #‬ولهذا قال وفي الحديث المتفق على صحته ‪#‬‬
‫ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد ال‬
‫ورسوله‬

‫فقال تعالى ‪ ^ #‬قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ ‪# #‬‬
‫يقول لست أول من أرسل أو ادعى الرسالة بل قد تقدم قبلي رسل ‪ ^ #‬وما أدري ما‬
‫يفعل بي ول بكم إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين ^ ‪ #‬يقول ل أدعي‬
‫علم الغيب إن أتبع إل ما يوحى إلي وما أنا إل نذير مبين أنذركم بما أمرني ال أن‬
‫أنذركم به ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول إني ملك وهذا من‬
‫كمال صدقه وعدله وعبوديته ل وطاعته وتمييز ما يستحقه الخالق وحده مما‬
‫يستحقه العبد فإن العلم بعواقب المور على وجه التفصيل مما استأثر ال بعلمه فل‬
‫يعلمه ملك مقرب ول نبي مرسل ‪ #‬وليس من شرط الرسول أن يعلم كل ما يكون‬
‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬وما أدري ما يفعل بي ول بكم ^ ‪ #‬نفي لعلمه بجميع ما يفعل به‬
‫وبهم وهذا ل يعلمه إل ال‬

‫تبارك وتعالى وهذا ل ينفي أن يكون عالما بأنه سعيد من أهل الجنة وإن لم يدر‬
‫تفاصيل ما يجري له في الدنيا من المحن والعمال وما يتجدد له من الشرائع وما‬
‫يكرم به في الخرة من أصناف النعيم فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال ‪#‬‬
‫يقول ال تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ول أذن سمعت ول خطر‬
‫على قلب بشر وأيضا هذا مأثور عن غيره من النبياء عليهم السلم ‪ #‬ول من‬
‫شرط النبي أن يعلم حال المخاطبين من يؤمن به ومن يكفر وتفصيل ما يصيرون‬
‫إليه هذا إن قيل إنه لم يعلم بعد هذه الية ما نفى فيها وإن قيل إنه أعلم بذلك فمعلوم‬

‫‪250‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪251‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أن ال لم يعلمه بكل شيء جملة بل أعلمه بالمور شيئا بعد شيء ‪ #‬وقد قال له بعد‬
‫ذلك‬

‫إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته ^ ‪#‬‬
‫عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك ال نصرا عزيزا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬هو‬
‫الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال شهيدا ^ ‪#‬‬
‫وفي القرآن والحاديث عنه من الخبار بما سيكون في الدنيا وفي الخرة أضعاف‬
‫أضعاف ما يوجد عن النبياء قبله حتى أنه ينبىء عن الشيء الذي يكون بعد ما يبين‬
‫من السنين خبرا أكمل من خبر من عاين ذلك كقوله في الحديث الصحيح ‪ #‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار العين ذلف النوف حمر الخدود ينتعلون الشعر‬
‫كأن وجوههم المجان المطرقة فمن رأى‬

‫هؤلء الترك الذين قاتلهم المسلمون من حين خرج جنكزخان ملكهم الكبر وأولده‬
‫وأولد أولده مثل هولكو وغيره من ملوك الترك الكفار الذي قاتلهم المسلمون لم‬
‫يحسن أن يصفهم بأحسن من هذه الصفة ‪ #‬وقد أخبر بهذا قبل ظهوره بأكثر من‬
‫ستمائة سنة وقوله ‪ #‬ل تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها‬
‫أعناق البل ببصرى وهذه النار ظهرت سنة‬

‫خمس وخمسين وستمائة بأرض الحجاز فكانت تحرق الحجر ول تنضج اللحم ورأى‬
‫أهل بصرى أعناق الجمال من ضوء تلك النار وكانت منذرة بما يكون بعدها ففي‬
‫سنة ست وخمسين وستمائة دخل هولكو ملك الكفار بغداد وقتل فيها مقتلة عظيمة‬
‫مشهورة وسيأتي إن شاء ال بعض أخبار أنه شاهد الناس وقوعها كما أخبرنا عند‬
‫ذكرنا معجزاته‬

‫فصل ‪ #‬ثم قالوا مع المر له في فاتحة الكتاب أن يسأل الهداية إلى الصراط‬
‫المستقيم صراط الذين أنعم ال عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين فإنه عنى‬
‫بقوله المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين الثلث أمم الذين كانوا في عصره‬
‫وهم النصارى واليهود وعباد الصنام ولم يكن في زمانه غير هؤلء الثلث أمم ‪#‬‬
‫فالمنعم عليهم نحن النصارى والمغضوب عليهم فل يشك أنهم اليهود الذين غضب‬
‫ال عليهم في كتب التوراة والنبياء وهذا الكتاب والضالين فهم عباد الصنام الذين‬
‫ضلوا عن ال فهذا أمر واضح بين ظاهر عند كل أحد ول سيما عند ذوي العقول‬
‫والمعرفة والصراط هو المذهب أي الطريق وهذه اللفظة رومية لن الطريق‬
‫بالرومية اسطراطا ‪ #‬والجواب ‪ #‬أما قولهم المنعم عليهم نحن النصارى فمن‬
‫العجائب التي تدل على فرط جهل صاحبها وأعجب من ذلك قولهم إن هذا شيء بين‬

‫واضح عند كل أحد ل سيما عند ذوي العقل والمعرفة فيا سبحان ال ‪ #‬ألم يعرف‬

‫‪251‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪252‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العام والخاص علما ضروريا ل تمكن المنازعة فيه من دين محمد ودين أمته الذي‬
‫تلقوه عنه من تكفير النصارى وتجهيلهم وتضليلهم واستحلل جهادهم وسبي‬
‫حريمهم وأخذ أموالهم ما يناقض كل المناقضة أن يكون محمدا وأمته في كل صلة‬
‫يقولون اللهم اهدنا صراط النصارى ‪ #‬وهل ينسب محمدا وأمته إلى أنهم في كل‬
‫صلة يطلبون من ال أن يهديهم صراط النصارى إل من هو من أكذب الكذابين‬
‫وأعظم الخلق افتراء ووقاحة وجهل وضلل ‪ #‬ولو كانوا يسألون ال هداية طريق‬
‫النصارى لدخلوا في دين النصارى ولم يكفروهم ويقاتلوهم ويضعوا عليهم الجزية‬
‫التي يؤدونها عن يد وهم صاغرون ولم يشهدوا عليهم بأنهم من أهل النار وأمته‬
‫أخذوا ذلك جميعه عنه منقول عنه بالنقل المتواتر بإجماعهم لم يبتدعوا ذلك كما‬
‫ابتدعت النصارى من العقائد والشرائع ما لم يأذن به ال فل يلم المسلمون في‬
‫اتباعهم لرسول ال الذي جاء بالبينات والهدى ‪ #‬ومحمد إن كان رسول صادقا فقد‬
‫كفر‬

‫النصارى وأمر بجهادهم وتبرأ منهم ومن دينهم وإن كان كاذبا لم يقبل شيء مما نقله‬
‫عن ال عز وجل ‪ #‬وقد تقدم غير مرة قوله تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال‬
‫ثالث ثلثة ^ ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ‪ ^ #‬وقالت‬
‫النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل‬
‫قاتلهم ال أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن‬
‫مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون ^ ‪ #‬فمن‬
‫يقول عن النصارى مثل هذه القوال هل يأمر أمته في كل صلة أن يقولوا اهدنا‬
‫طريقهم ‪ #‬ثم يقال أي شيء في الية مما يدل على أن قوله صراط الذين أنعمت‬
‫عليهم هم النصارى ‪ #‬وإنما المنعم عليهم هم الذين ذكرهم ال في قوله تعالى ‪^ #‬‬
‫ومن يطع ال والرسول فأولئك مع الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين‬
‫^ والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‬

‫فهؤلء هم الذين أمر ال عباده أن يسألوا هداية صراطهم ‪ #‬وأما النصارى الذين ‪#‬‬
‫كانوا على دين المسيح قبل النسخ والتبديل فهم من المنعم عليهم كما أن اليهود الذين‬
‫كانوا على دين موسى قبل النسخ والتبديل كانوا من المنعم عليهم ‪ #‬وأما النصارى‬
‫بعد النسخ والتبديل فهم من الضالين ل من المنعم عليهم عند ال ورسوله كما قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد‬
‫ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أسمع‬
‫بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين ^ ‪ #‬وعباد الصنام من‬
‫الضالين المغضوب عليهم وقد قال النبي ‪ #‬اليهود مغضوب عليهم والنصارى‬
‫ضالون رواه المام‬

‫أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم عن النبي وقال الترمذي هذا حديث صحيح ‪#‬‬
‫وسبب ذلك أن اليهود يعرفون الحق ول يعملون به والنصارى يعبدون بل علم وقد‬

‫‪252‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪253‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وصف ال اليهود بأعمال والنصارى بأعمال فوصف اليهود بالكبر والبخل والجبن‬
‫والقسوة وكتمان العلم وسلوك سبيل الغي وهو سبيل الشهوات والعدوان ‪ #‬وذكر عن‬
‫النصارى الغلو والبدع في العبادات والشرك والضلل واستحلل محارم ال فقال‬
‫تعالى ‪ #‬سورة النساء اليات ‪173 171‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان ال فما ‪#‬‬
‫رعوها حق رعايتها ^ ‪ #‬أي لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان ال لم نكتب عليهم‬
‫الرهبانية بل هم ابتدعوها ومع ابتداعهم إياها فما رعوها حق رعايتها وكل بدعة‬
‫ضللة فهم مذمومون على ابتداع الرهبانية وعلى أنهم لم يرعوها حق رعايتها‬

‫وأما ما كتب عليهم من ابتغاء رضوان ال فيحصل بفعل ما شرعه ال لهم من ‪#‬‬
‫واجب ومستحب فإن ذلك هو الذي يرضاه ومن فعل ما يرضاه ال فقد فعل ما كتب‬
‫عليه ويحصل رضوان ال أيضا بمجرد فعل الواجبات وهذا هو الذي كتب على‬
‫العباد فإذا لم يكتب عليهم إل ابتغاء رضوان ال كان ابتغاء رضوانه واجبا فما ليس‬
‫بواجب ل يشترط في حصول ما كتب عليهم ‪ #‬ولهذا ضعف أحمد بن حنبل وغيره‬
‫الحديث المروي أول الوقت رضوان ال وآخره عفو ال فإن من صلى في آخر‬
‫الوقت كما أمر فقد فعل الواجب وبذلك يرضى ال عنه وإن كان فعل المستحبات‬
‫والمسابقة إلى الطاعات أبلغ في إرضاء ال ويحصل له بذلك من رضوان ال‬
‫ومحبته ما ل يحصل بمجرد الواجبات ‪ #‬كما قال موسى عليه السلم ‪ ^ #‬وعجلت‬
‫إليك رب لترضى ^ ‪ #‬وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي‬
‫هريرة عن النبي أنه قال ‪ #‬يقول ال تعالى من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة‬
‫وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده‬
‫التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي‬
‫فلئن سألني لعطينه ولئن استعاذ بي لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي‬
‫عن قبض روح عبدي‬

‫المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ول بد له منه فقوله حتى أحبه يريد المحبة‬
‫المطلقة الكاملة ‪ #‬وأما أصل المحبة فهي حاصلة بفعل الواجبات فإن ال يحب‬
‫المتقين والمقسطين ومن أدى الواجبات فهو من المتقين المقسطين ‪ #‬وقال تعالى‬
‫فيهم ‪ ^ #‬وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين‬
‫كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال‬
‫والمسيح ابن مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما‬
‫يشركون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول‬
‫تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وهو‬
‫سبحانه خاطب النصارى بهذا لن النصارى يعتمدون في دينهم على ما يقوله‬
‫كبراؤهم الذين وضعوا لهم القوانين والنواميس‬

‫‪253‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪254‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويسوغون لكابرهم الذين صاروا عندهم عظماء في الدين أن يضعوا لهم شريعة‬
‫وينسخوا بعض ما كانوا عليه قبل ذلك ل يردون ما يتنازعون فيه من دينهم إلى ال‬
‫ورسله بحيث ل يمكنون أحدا من الخروج عن كتب ال المنزلة كالتوراة والنجيل‬
‫وعن اتباع ما جاء به المسيح ومن قبله من النبياء عليهم السلم ‪ #‬ولهذا قال تعالى‬
‫‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والنجيل وما أنزل إليكم‬
‫من ربكم ^ ‪ #‬بل ما وضعه لهم أكابرهم من القوانين الدينية والنواميس الشرعية‬
‫بعضها ينقلونه عن النبياء وبعضها عن الحواريين وكثير من ذلك ليس منقول ل‬
‫عن النبياء ول عن الحواريين بل من وضع أكابرهم وابتداعهم ‪ #‬كما ابتدعوا لهم‬
‫المانة التي هي أصل عقيدتهم وابتدعوا لهم الصلة إلى الشرق وابتدعوا لهم تحليل‬
‫لحم الخنزير وسائر‬

‫المحرمات وابتدعوا لهم الصوم وقت الربيع وجعلوه خمسين يوما وابتدعوا لهم‬
‫أعيادهم كعيد الصليب وغيره من العياد ‪ #‬وكذلك قال النبي لعدي بن حاتم لما‬
‫سمعه يقرأ هذه الية ‪ ^ #‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ^ ‪ #‬فقال لم‬
‫يعبدوهم فقال له النبي إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحرام‬
‫فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم ‪ #‬ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ول تتبعوا أهواء قوم قد‬
‫ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬فإنهم يتبعون أهواء‬
‫أكابرهم الذين مضوا من قبلهم وأولئك ضلوا من قبل هؤلء وأضلوا أتباعهم وهم‬
‫كثيرون وضلوا عن سواء السبيل وهو وسط السبيل وهو الصراط المستقيم فإن‬
‫كانوا هم وأتباعهم ضالين عن الصراط المستقيم فكيف يجوز أن يأمر ال عباده أن‬

‫يسألوه أن يهديهم الصراط المستقيم ويعني به صراط هؤلء الضالين المضلين عن‬
‫سواء السبيل وهو الصراط المستقيم ‪ #‬وقد قال سبحانه ^ ول تتبعوا أهواء ^ هؤلء‬
‫لن أصل ابتداعهم هذه البدعة من أنفسهم مع ظن كاذب فكانوا ممن قيل فيهم ‪^ #‬‬
‫إن يتبعون إل الظن وما تهوى النفس ولقد جاؤهم من ربهم الهدى ^ ‪ #‬وممن قيل‬
‫فيه ‪ ^ #‬ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال ^ ‪ #‬وسبب ذلك أن المسيح‬
‫لما رفع إلى السماء وعاداه اليهود وعادوا أتباعه عداوة شديدة وبالغوا في أذاهم‬
‫وإذللهم وطلب قتلهم ونفيهم صار في قلوبهم من بغض اليهود وطلب النتقام منهم‬
‫ما ل يوصف فلما صار لهم دولة وملك مثل ما صار لهم في دولة قسطنطين صاروا‬
‫يريدون مقابلة اليهود ‪ #‬كما جرت العادة في مثل ذلك بين الطوائف المتقابلة‬
‫المتنازعين في الملك والمتنازعين في البدع كالخوارج والروافض‬

‫والجبرية مع القدرية والمعطلة مع الممثلة وكالدولتين المتنازعتين على الملك‬


‫والهواء بمنزلة قيس ويمن وأمثال ذلك ‪ #‬إذا ظهرت طائفة على الخرى بعدما‬
‫آذتها الخرى وانتقمت منها تريد أن تأخذ بثأرها ول تقف عند حد العدل بل تعتدي‬
‫على تلك كما اعتدت تلك عليها ‪ #‬فصار النصارى يريدون مناقضة اليهود فأحلوا ما‬

‫‪254‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪255‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يحرمه اليهود كالخنزير وغيره وصاروا يمتحنون من دخل في دينهم بأكل الخنزير‬
‫فإن أكله وإل لم يجعلوه نصرانيا‬

‫وتركوا الختان وقالوا إن المعمودية عوض عنه وصلوا إلى قبلة غير قبلة اليهود ‪#‬‬
‫‪ #‬وكان اليهود قد أسرفوا في ذم المسيح عليه السلم وزعموا أنه ولد زنا وأنه كذاب‬
‫ساحر ‪ #‬فغلوا هؤلء في تعظيم المسيح وقالوا إنه ال وابن ال وأمثال‬

‫ذلك وصار من يطلب أن يقول فيه القول العدل مثل كثير من علمائهم وعبادهم‬
‫يجمعون له مجمعا ويلعنونه فيه على وجه التعصب واتباع الهوى والغلو فيمن‬
‫يعظمونه كما يجري مثل ذلك لهل الهواء كالفلة في بعض المشايخ وبعض أهل‬
‫البيت وبعض العلماء وبعض الملوك وبعض القبائل وبعض المذاهب وبعض‬
‫الطرائق فإنما كان مصدر ضللهم أهواء نفوسهم قال تعالى للنصارى الذين كانوا‬
‫في وقت النبي ومن بعدهم ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول‬
‫تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وأما‬
‫قولهم إن الصراط هو المذهب أي الطريق وهذه لفظة رومية لن الطريق بالرومية‬
‫اسطراطا ‪ #‬فيقال لهم الصراط في لغة العرب هو الطريق يقال هو الطريق الواضح‬
‫ويقال هو الطريق المحدود بجانبين الذي ل يخرج عنه ومنه الصراط المنصوب‬
‫على جهنم وهو الجسر الذي يعبر عليه المؤمنون إلى الجنة وإذا عبر عليه الكفار‬
‫سقطوا في جهنم ويقال فيه معنى الستواء والعتدال الذي يوجب سرعة العبور‬
‫عليه وفيه ثلث لغات هي ثلث قراءات الصراط والسراط والزراط وهي لغة‬

‫عربية عرباء ليست من المعرب ول مأخوذة من لغة الروم كما زعموا ‪ #‬ويقال‬
‫أصله من قولهم سرطت الشيء أسرطه سرطا إذا ابتلعته واسترطته ابتلعته فإن‬
‫المبتلع يجري بسرعة في مجرى محدود ‪ #‬ومن أمثال العرب ل تكن حلوا فتسترط‬
‫ول مرا فتعفى من قولهم أعفيت الشيء إذا أزلته من فيك لمرارته ويقال فلن‬
‫يسترط ما يأخذ من الدين ‪ #‬وحكى يعقوب بن السكيت الخذ سريط والقضاء صريط‬
‫والسرطاط الفالوذج لنه يسترط استراطا وسيف سراطي أي قاطع فإنه ماض سريع‬
‫المذهب في مضربه ‪ #‬فالصراط هو الطريق المحدود المعتدل الذي يصل سالكه إلى‬
‫مطلبه بسرعة وقد ذكر ال لفظ الصراط في كتابه في غير موضع ولم يسم ال سبيل‬
‫الشيطان سراطا بل سماها سبل وخص طريقه باسم الصراط كقوله تعالى‬

‫وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ^ ‪# ^ #‬‬
‫وفي السنن عن عبد ال بن مسعود قال خط لنا رسول ال خطا وخط خطوطا عن‬
‫يمينه وشماله ثم قاله ‪ #‬هذا سبيل ال وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو‬
‫إليه من أجابه قذفه في النار ثم قرأ ‪ ^ #‬وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول‬
‫تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ^ ‪ #‬فسمى سبحانه طريقه صراطا وسمى تلك‬
‫سبل ولم يسمها صراطا كما سماها سبيل وطريقه يسميه سبيل كما يسميه صراطا‬

‫‪255‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪256‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬وقال تعالى عن موسى وهارون‬

‫وأتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪# ^ ^ #‬‬


‫إنا فتحنا لك فتحا مبينا ^ ليغفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك‬
‫ويهديك صراطا مستقيما ^ وينصرك ال نصرا عزيزا ^ ‪ #‬وهذه الهداية الخاصة‬
‫التي أعطاه إياها بعد فتح الحديبية أخص مما تقدم فإن السالك إلى ال ل يزال يتقرب‬
‫إليه بشيء بعد شيء ويزيده ال هدى بعد هدى وأقوم الطريق وأكملها الطريق التي‬
‫^ بعث ال بها نبيه محمدا كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم‬

‫فصل ‪ #‬قال الحاكي عنهم فقلت إنهم ينكرون علينا في قولنا أب وابن وروح قدس‬
‫وأيضا في قولنا إنهم ثلثة أقانيم وأيضا في قولنا إن المسيح رب وإله وخالق وأيضا‬
‫يطلبون منا إيضاح تجسيد تجسم كلمة ال الخالق بإنسان مخلوق ‪ #‬أجابوا قائلين لو‬
‫علموا قولنا هذا إنما نريد به القول الذي يعني أن ال شيء حي ناطق لما أنكروا‬
‫علينا ذلك لننا معشر النصارى لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن شيئا غيرها‬
‫أحدثها إذ ل يمكن حدوثها من ذواتها لما فيها من التضاد والتقلب ‪ #‬فقلنا إنه شيء ل‬
‫كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء وذلك لننفي عنه العدم ورأينا الشياء‬
‫المخلوقة تنقسم قسمين شيء حي وشيء غير حي فوصفناه بأجملهما فقلنا هو شيء‬
‫حي لننفي‬

‫الموت عنه ورأينا الحي ينقسم قسمين حي ناطق وحي غير ناطق فوصفناه‬
‫بأفضلهما فقلنا هو شيء حي ناطق لننفي الجهل عنه ‪ #‬والثلثة أسماء وهي إله‬
‫واحد مسمى واحد ورب واحد خالق واحد شيء حي ناطق أي الذات والنطق والحياة‬
‫فالذات عندنا الب الذي هو ابتداء الثنين والنطق البن الذي هو مولود منه لولدة‬
‫النطق من العقل والحياة روح القدس وهذه أسماء لم نسمه نحن بها ‪ #‬والجواب من‬
‫وجوه ‪ #‬أحدها قولهم أما قولنا أب وابن وروح قدس فلو علموا قولنا هذا إنما نريد‬
‫به تصحيح القول بأن ال حي ناطق لما أنكروا ذلك علينا فيقال ليس المر كما‬
‫ادعوه فإن النصارى يقولون إن هذا القول تلقوه عن النجيل وإن في النجيل عن‬
‫المسيح صلوات ال عليه وسلمه أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح‬
‫القدس فكان أصل قولهم هو ما يذكرونه من أنه متلقى من الشرع المنزل ل أنهم‬
‫أثبتوا الحياة والنطق بمعقولهم ثم عبروا عنها بهذه العبارات كما ادعوه في مناظرتهم‬

‫ولو كان المر كذلك لما احتاجوا إلى هذه العبارة ول إلى جعل القانيم ثلثة بل ‪#‬‬
‫معلوم عندهم وعند سائر أهل الملل أن ال موجود حي عليم قدير متكلم ل تختص‬
‫صفاته بثلثة ول يعبر عن ثلثة منها بعبارة ل تدل على ذلك وهو لفظ الب والبن‬
‫وروح القدس فإن هذه اللفاظ ل تدل على ما فسروها به في لغة أحد من المم ول‬
‫يوجد في كلم النبياء أنه عبر بهذه اللفاظ عما ذكروه من المعاني بل إثبات ما‬

‫‪256‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪257‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ادعوه من التثليث والتعبير عنه بهذه اللفاظ هو مما ابتدعوه لم يدل عليه ل شرع‬
‫ول عقل ‪ #‬وهم يدعون أن التثليث والحلول والتحاد إنما صاروا إليه من جهة‬
‫الشرع وهو نصوص النبياء والكتب المنزلة ل من جهة العقل وزعموا أن الكتب‬
‫اللهية نطقت بذلك ثم تكلفوا لما ظنوه مدلول الكتاب طريقا عقلية فسروه بها تفسيرا‬
‫ظنوه جائزا في العقل ولهذا نجد النصارى ل يلجأون في التثليث والتحاد إل إلى‬
‫الشرع والكتب وهم يجدون نفرة عقولهم وقلوبهم عن التثليث والتحاد والحلول فإن‬
‫فطرة ال التي فطر الناس عليها وما جعله ال في قلوب الناس من المعارف العقلية‬
‫التي قد يسمونها ناموسا عقليا طبيعيا يدفع ذلك وينفيه وينفر عنه ولكن يزعمون أن‬
‫الكتب اللهية جاءت بذلك وأن ذلك أمر يفوق العقل وأن هذا الكلم من طور وراء‬
‫طور العقل‬

‫فينقلونه لظنهم أن الكتب اللهية أخبرت به ل لن العقول دلت عليه مع أنه ليس في‬
‫الكتب اللهية ما يدل على ذلك بل فيها ما يدل على نقيضه كما سنذكره إن شاء ال‬
‫تعالى ول يميزون بين ما يحيله العقل ويبطله ويعلم أنه ممتنع وبين ما يعجز عنه‬
‫العقل فل يعرفه ول يحكم فيه بنفي ول إثبات وأن الرسل أخبرت بالنوع الثاني ول‬
‫يجوز أن تخبر بالنوع الول فلم يفرقوا بين محالت العقول ومحارات العقول وقد‬
‫ضاهوا في ذلك من قبلهم من المشركين الذين جعلوا ل ولدا شريكا ‪ #‬قال تعالى ‪#‬‬
‫^ وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم‬
‫يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ ‪ #‬وقد ضاهاهم في‬
‫ذلك أهل البدع والضلل المشبهون لهم من المنتسبين إلى السلم الذين يقولون نحو‬
‫قولهم من الغلو في النبياء وأهل البيت والمشايخ وغيرهم ومن يدعي الوحدة أو‬
‫الحلول أو التحاد الخاص المعين كدعوى النصارى ودعوى الغالية من الشيعة في‬
‫علي وطائفة من أهل البيت كالنصيرية ونحوهم ممن يدعي‬

‫إلهية علي وكدعوى بعض السماعيلية اللهية في الحاكم وغيره من بني عبد ال بن‬
‫ميمون القداح المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر ‪ #‬ودعوى كثير من الناس‬
‫نحو ذلك في بعض الشيوخ إما المعروفين بالصلح وإما من يظن به الصلح وليس‬
‫من أهله فإن لهم أقوال من جنس أقوال النصارى وبعضها شر من أقوال النصارى‬
‫‪ #‬وعامة هؤلء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى هذا أمر‬
‫فوق العقل ويقول بعضهم ما كان يقوله التلمساني لشيخ أهل الوحدة يقول ثبت عندنا‬
‫في الكشف‬

‫ما يناقض صريح النقل ويقولون لمن أراد أن يسلك سبيلهم دع العقل والنقل أو‬
‫اخرج من العقل والنقل ‪ #‬وينشدون فيهم ‪ % #‬مجانين إل أن سر جنونهم ‪ %‬عزيز‬
‫على أقدامه يسجد العقل ‪ % # %‬هم معشر حلوا النظام وحرقوا ‪ %‬السياج فل‬
‫‪ %‬فرض لديهم ول نقل‬
‫وهؤلء مقلدون لمشايخهم متبعون لهم فيما يخرجون به عن شريعة الرسول وما ‪#‬‬

‫‪257‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪258‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ابتدعوه مما لم يأذن به ال باتخاذ البدع عبادات واستحلل المحرمات كتقليد بعض‬
‫النصارى لشيوخهم وإذا اعترض على أحد منهم يقولون الشيخ يسلم له حاله ول‬
‫يعترض عليه كما يقول النصارى لشيوخهم ومن هؤلء من يقول نحن أولد ال‬

‫ويقول المسيح هو ولد ال وينطق أيضا بلفظ الشهوة فيقول إنهم أولد شهوة ويقول‬
‫إنه زوج مريم كما يقول ذلك من يقوله من النصارى ‪ #‬وغاية ما عندهم أنهم‬
‫يحكون عن شيوخهم نوعا من خرق العادات قد يكون كذبا وقد يكون صدقا وإذا‬
‫كانت صدقا فقد يكون من أحوال أولياء الشيطان كالسحرة والكهان وقد يكون من‬
‫أحوال أولياء الرحمن وإذا كانت من أحوال أولياء الرحمن لم يكن في ذلك ما يوجب‬
‫تقليد الولي في كل ما يقوله إذ الولي ل يجب أن يكون معصوما ول يجب اتباعه في‬
‫كل ما يقوله ول اليمان بكل ما يقوله ‪ #‬وإنما هذا من خصائص النبياء الذين يجب‬
‫اليمان بكل ما يقولونه فيجب تصديقهم في كل ما يخبرون به من الغيب وطاعتهم‬
‫فيما أوجبوه على المم ومن كفر بشيء مما جاؤوا به فهو كافر ومن سب نبيا واحدا‬
‫وجب قتله وليس هذا لغير النبياء من الصالحين ‪ #‬فهؤلء المبتدعة الغلة‬
‫المشركون القائلون بنوع من الحلول هم‬

‫مضاهئون للنصارى بقدر ما شابهوهم فيه وخالفوا فيه دين المسلمين ومنهم من‬
‫تكون موافقته لدين المسلمين أكثر وأما الغلة منهم فموافقتهم للنصارى أكثر ومنهم‬
‫من هو أكفر من النصارى ولما كان مستند النصارى هو ما ينقلونه إما عن النبياء‬
‫وإما عن غيرهم ممن يوجبون اتباعه كانوا إذا أوردوا على علمائهم ما يقتضي‬
‫امتناع ذلك قالوا هكذا في الكتاب وبهذا نطق الكتاب وهذه الكتب جاءت بها الرسل‬
‫يعنون المؤيدين بالمعجزات ويعنون بالرسل الحواريين فاعتصامهم بها إنما هو لما‬
‫ظنوه مذكورا في الكتب اللهية وإن رأوه مخالفا لصريح المعقول ‪ #‬ولهذا ينهون‬
‫جمهورهم عن البحث والمناظرة في ذلك لعلمهم بأن العقل الصريح متى تصور‬
‫دينهم علم أنه باطل فدعوى المدعين أنا إنما قلنا أب وابن وروح قدس لتصحيح‬
‫القول بأن ال حي ناطق كذب ظاهر وهم يعلمون أنه كذب وتصحيح القول بأن ال‬
‫حي متكلم ل يقف على هذه العبارة بل يمكنه تصحيح ذلك بالدلة الشرعية والسمعية‬
‫والعقلية والتعبير عنه بالعبارات البين‬
‫ة كما يقوله المسلمون وغيرهم بدون قولنا أب وابن وروح قدس ‪ #‬ومما يبين ذلك‬
‫الوجه الثاني وهو أن النصارى المقرون بأن‬

‫هذه العبارة في النجيل المأخوذ عن المسيح مختلفون في تفسير هذا الكلم فكثير‬
‫منهم يقول الب هو الوجود والبن هو الكلمة وروح القدس هو الحياة ‪ #‬ومنهم من‬
‫يقول بل الب هو الوجود والبن هو الكلمة وروح القدس هو القدرة ‪ #‬وبعضهم‬
‫يقول إن القانيم الثلثة جواد حكيم قادر فيجعل الب هو الجواد والبن هو الحكيم‬
‫وروح القدس هو القادر ويزعمون أن جميع الصفات تدخل تحت هذه الثلثة‬
‫ويقولون إنا استدللنا على وجوده بإخراجه الشياء من العدم إلى الوجود وذلك من‬

‫‪258‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪259‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جوده ‪ #‬وقد رأيت في كتب النصارى هذا وهذا وهذا ومنهم من يعبر عن الكلمة‬
‫بالعلم فيقولون موجود حي عالم أو موجود عالم قادر كما يقول بعضهم ناطق ومنهم‬
‫من يقول موجود حي حكيم ومنهم من يقول قائم بنفسه حي حكيم وهم متفقون على‬
‫أن المتحد بالمسيح والحال فيه هو أقنوم الكلمة وهو الذي يسمونه البن دون الب‬
‫ومن انكر الحلول والتحاد منهم كالريوسية يقول إن المسيح عليه السلم عبد‬
‫مرسل كسائر الرسل صلوات ال عليهم وسلمه فوافقهم على لفظ الب والبن‬
‫وروح القدس ول يفسر ذلك بما يقوله منازعوه من الحلول والتحاد‬

‫كما أن النسطورية يوافقونهم أيضا على هذا اللفظ وينازعونهم في التحاد الذي ‪#‬‬
‫يقوله اليعقوبية والملكية فإذا كانوا متفقين على اللفظ متنازعين في معناه علم أنهم‬
‫صدقوا أول باللفظ لجل اعتقادهم مجيء الشرع به ثم تنازعوا بعد ذلك في تفسير‬
‫الكتاب كما يختلفون هم وسائر أهل الملل في تفسير بعض الكلم الذي يعتقدون أنه‬
‫منقول عن النبياء عليهم السلم وعلم بذلك أن أصل قولهم الب والبن وروح‬
‫القدس لم يكن لجل تصحيح القول بأن ال موجود حي ناطق الذي علموه أول‬
‫بالعقل ‪ #‬يوضح هذا الوجه الثالث وهو قولهم إنما لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن‬
‫شيئا غيرها أحدثها إن كان المتكلم بهذا طائفة معينة من النصارى فيقال لهؤلء‬
‫القول بالب والبن وروح القدس موجود عند النصارى قبل وجودكم وقبل نظركم‬
‫هذا واستدللكم فل يجوز أن يكون نظركم هو الموجب لقول النصارى هذا وإن كان‬
‫المراد به أن جميع النصارى من حين قالوا هذا الكلم نظروا واستدلوا حتى قالوا‬
‫ذلك فهذا كذب بين فإن هذا الكلم يقول النصارى إنهم تلقوه من النجيل وأن المسيح‬
‫عليه السلم قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس‬

‫والمسيح والحواريون لم يأمروهم بهذا النظر الموجب لهذا القول ول جعل المسيح ‪#‬‬
‫هذا القول موقوفا عندهم على هذا البحث فعلم أن جعلهم هذا القول ناشئا عن هذا‬
‫البحث قول باطل يعلمون هم بطلنه ‪ #‬الوجه الرابع إن هذا القول إن كان المسيح لم‬
‫يقله فل يجوز أن يقال ولو عنى به النسان معنى صحيحا فإن هذه العبارة إنما يفهم‬
‫منها عند الطلق المعاني الباطلة ولهذا يوجد كثير من عوام النصارى يعتقدون أن‬
‫المسيح ابن ال البنوة المعروفة في المخلوقات ويقولون إن مريم زوجة ال وهذا‬
‫لزم لعامة النصارى وإن لم يقولوه فإن الذي يلد ل بد له من زوجة ‪ #‬ولهذا قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء‬
‫عليم ^ ‪ #‬وجعل الرب والد المولود أنكر في العقول من إثبات صاحبة له سواء‬
‫فسرت الولدة بالولدة المعروفة أو بالولدة العقلية التي يقولها علماء النصارى فإن‬
‫من أثبت صاحبة له يمكنه تأويل ذلك كما تأولوا هم الولد ويقولون إن الب ولدت‬
‫منه الكلمة ومريم ولد منها الناسوت واتحد الناسوت باللهوت فكما أن الب أب‬
‫باللهوت ل بالناسوت ومريم أم للناسوت ل للهوت فكذلك هي صاحبة للب‬
‫بالناسوت واللهوت زوج مريم بلهوته كما أنه أب للمسيح‬

‫‪259‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪260‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بلهوته وإذا اتحد اللهوت بناسوت المسيح مدة طويلة فلماذا يمتنع أن يجتمع‬
‫اللهوت بناسوت مريم مدة قصيرة وإذا جعل الناسوت الذي ولدته ابنا للهوت فلي‬
‫شيء ل تجعل هي صاحبة وزوجة للهوت فإن المسيح عندهم اسم لمجموع‬
‫اللهوت والناسوت وهو عندهم إله تام وإنسان تام فلهوته من ال وناسوته من‬
‫مريم فهو من أصلين لهوت وناسوت فإذا كان أحد الصلين أباه والخر أمه فلماذا‬
‫ل تكون أمه زوجة أبيه بهذا العتبار مع أن المصاحبة قبل البنوة فكيف يثبت الفرع‬
‫الملزوم بدون ثبوت الصل اللزم ‪ #‬وليس في ذلك من المحال على أصلهم إل ما‬
‫هو من جنس إثبات بنوة المسيح وأقل امتناعا وإن كان المسيح عليه السلم قال هذا‬
‫الكلم فقد علمنا أن المسيح عليه السلم وغيره من النبياء معصومون ل يقولون إل‬
‫الحق وإذا قالوا قول فل بد له من معنى صحيح ‪ #‬ويمتنع أن يريدوا بقولهم ما يمتنع‬
‫بطلنه بسمع أو عقل فإذا كانت العقول ونصوص الكتب المتقدمة مع نصوص‬
‫القرآن تناقض ما ابتدعته النصارى في المسيح علم أن المسيح لم يرد معنى باطل‬
‫يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول ‪ #‬بل نقول في الوجه الخامس إن صحت‬
‫هذه العبارة عن المسيح‬

‫المعصوم عليه الصلة والسلم فإنه أراد بذلك ما يناسب سائر كلمه وفي الموجود‬
‫في كتبهم تسمية الرب أبا وتسمية عباده أبناء كما يذكرون أنه قال في التوراة‬
‫ليعقوب إسرائيل أنت ابني بكري وقال لداود في الزبور أنت ابني وحبيبي وفي‬
‫النجيل في غيرموضع يقول المسيح أبي وأبيكم كقوله إني أذهب إلى أبي وأبيكم‬
‫وإلهي وإلهكم فيسميه أبا لهم كما يسميهم أبناء له فإن كان هذا صحيحا فالمراد بذلك‬
‫أنه الرب المربي الرحيم فإن ال أرحم بعباده من الوالدة بولدها والبن هو المربى‬
‫المرحوم فإن تربية ال لعبده أكمل من تربية الوالدة لولدها فيكون المراد بالب الرب‬
‫والمراد بالبن عنده المسيح الذي رباه ‪ #‬وأما روح القدس فهي لفظة موجودة في‬
‫غير موضع من الكتب التي عندهم وليس المراد بها حياة ال باتفاقهم بل روح القدس‬
‫عندهم تحل في إبراهيم وموسى وداود وغيرهم من النبياء الصالحين‬

‫والقرآن قد شهد أن ال أيد المسيح بروح القدس كما قال تعالى ‪ ^ #‬وآتينا عيسى ‪#‬‬
‫ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ ‪ #‬في موضعين من البقرة ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫^ ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ^ ‪ #‬وقد‬
‫قال النبي لحسان بن ثابت ‪ #‬إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه وقال ‪#‬‬
‫اللهم أيده بروح القدس كما تقدم ذكره هذا كله مبسوطا ‪ #‬وروح القدس قد يراد بها‬
‫الملك المقدس كجبريل ويراد بها الوحي والهدى والتأييد الذي ينزله ال بواسطة‬
‫الملك أو بغير واسطته وقد يكونان متلزمين فإن الملك ينزل بالوحي والوحي ينزل‬
‫به الملك وال تعالى يؤيد رسله بالملئكة وبالهدى كما قال تعالى عن نبيه محمد ‪^ #‬‬
‫^ فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها‬

‫في موضعين من سورة براءة ‪ #‬وقال ال تعالى ‪ ^ #‬فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا ‪#‬‬

‫‪260‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪261‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم تروها ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إذ يوحي ربك إلى الملئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال‬
‫ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم‬
‫اليمان وأيدهم بروح منه ‪ #‬وقال ال تعالى ‪ ^ #‬ينزل الملئكة بالروح من أمره‬
‫على من يشاء من عباده ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يلقى الروح من أمره على من يشاء‬
‫من عباده لينذر يوم التلق ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما‬
‫كنت تدري ما الكتاب ول اليمان‬

‫ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ^ ‪ #‬وإذا كان روح القدس معروفا‬
‫في كلم النبياء المتقدمين والمتأخرين أنها أمر ينزله ال على أنبيائه وصالحي‬
‫عباده سواء كان ملئكة تنزل بالوحي والنصر أو وحيا وتأييدا مع الملك وبدون‬
‫الملك ليس المراد بروح القدس أنها حياة ال القائمة به كان المعصوم إن كان قال‬
‫عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس مراده مروا الناس أن يؤمنوا بال‬
‫ونبيه الذي أرسله وبالملك الذي أنزل عليه الوحي الذي جاء به فيكون ذلك أمرا لهم‬
‫باليمان بال وملئكته وكتبه ورسله وهذا هو الحق الذي يدل عليه صريح المعقول‬
‫وصحيح المنقول ‪ #‬فتفسير كلم المعصوم بهذا التفسير الذي يوافق سائر ألفاظ‬
‫الكتب التي عندهم ويوافق القرآن ويوافق العقل أولى من تفسيره بما يخالف صريح‬
‫المعقول وصحيح المنقول ‪ #‬وهذا تفسير ظاهر ليس فيه تكلف ول هو من التأويل‬
‫الذي هو صرف الكلم عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره بل هو تفسير له بما يدل‬
‫ظاهره عليه باللغة المعروفة والعبارة المألوفة في خطاب المسيح وخطاب سائر‬
‫النبياء ‪ #‬أما تفسير النصارى بأن البن مولود قديم أزلي هو العلم أو كلمة‬

‫ال فتفسير للفظ بما لم يستعمل هذا اللفظ فيه ل في كلم أحد من النبياء ول لغة أحد‬
‫من النبياء وكذلك تفسير روح القدس بحياة ال فالذي فسر النصارى به ظاهر كلم‬
‫المسيح هو تفسير ل تدل عليه لغة المسيح وعادته في كلمه ول لغة غيره من‬
‫النبياء والمم بل المعروف في لغته وكلمه وكلم سائر النبياء تفسيره بما فسرناه‬
‫وبذلك فسره أكابر علماء النصارى ‪ #‬وأما ضلل النصارى المحرفون لمعاني كتب‬
‫ال عز وجل فسروه بما يخالف معناه الظاهر وينكره العقل والشرع ‪ #‬وتمام هذا‬
‫بالوجه السادس وهو أن النصارى لما كان عندهم في الكتب تسمية المسيح عليه‬
‫السلم ابنا وتسمية غيره من النبياء ابنا كقوله ليعقوب أنت ابني بكري وتسمية‬
‫الحواريين أبناء قالوا هو ابنه بالطبع وغيره هو ابنه بالوضع فجعلوا لفظ البن‬
‫مشتركا بين معنيين وأثبتوا ل طبعا جعلوا المسيح ابنه باعتبار ذلك الطبع وهذا يقرر‬
‫قول من يفهم منهم أنه ابنه البنوة المعروفة في المخلوقين وأن مريم زوجة ال ‪#‬‬
‫وكذلك جعلوا روح القدس مشتركة بين حياة ال وبين روح القدس التي تنزل على‬
‫النبياء والصالحين ومعلوم أن الشتراك على‬

‫خلف الصل وأن اللفظ إذا استعمل في عدة مواضع كان جعله حقيقة متواطئا في‬

‫‪261‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪262‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫القدر المشترك أولى من جعله مشتركا اشتراكا لفظيا بحيث يكون حقيقة في‬
‫خصوص هذا أو يكون مجازا في أحدهما فإن المجاز والشتراك على خلف‬
‫الصل هذا إن قدر أن لفظ البن وروح القدس استعمل في نطق ال وحياته كما‬
‫يزعم النصارى فكيف إذا لم يوجد في كلم النبياء أنهم قالوا لفظ البن ولفظ روح‬
‫القدس وأرادوا به شيئا من صفات ال ل كلمه ول حياته ول علمه ول غير ذلك بل‬
‫لم يوجد استعمال لفظ البن في كلم النبياء إل في شيء مخلوق ولم يوجد استعمال‬
‫روح القدس كما هو من صفات ال القائمة به ونحن إذا فسرنا الب وروح القدس‬
‫ببنوة التربية وروح القدس بما ينزل على النبياء كنا قد جعلنا اللفظ مفردا متواطئا‬
‫وهم يحتاجون أن يجعلوا اللفظ مشتركا أو مجازا في أحد المعنيين فكان تفسيرهم‬
‫مخالفا لظاهر اللغة التي خوطبوا بها ولظاهر الكتب التي بأيديهم وتفسيرنا موافقا‬
‫لظاهر لغتهم وظاهر الكتب التي بأيديهم وحينئذ فقد تبين أنه ليس معهم بالتثليث ل‬
‫حجة سمعية ول عقلية بل هوباطل شرعا وعقل ‪ #‬ويؤيد هذا الوجه السابع وهو‬
‫أنهم في أمانتهم أثبتوا من‬

‫المعاني ولفظ القانيم وغير ذلك ما ل تدل عليه الكتب التي بأيديهم البتة بل فهموا‬
‫منها معنى باطل وضموا إليه معاني باطلة من عند أنفسهم فكانوا محرفين لكتب ال‬
‫في ذلك مفترين على ال الكذب وهذا مبسوط في موضع آخر ‪ #‬الوجه الثامن أن‬
‫قولهم بالقانيم مع بطلنه في العقل والشرع لم ينطق به عندهم كتاب ولم يوجد هذا‬
‫اللفظ في شيء من كتب النبياء التي بأيديهم ول في كلم الحواريين بل هي لفظة‬
‫ابتدعوها ويقال إنها رومية وقد قيل القنوم في لغتهم معناه الصل ولهذا يضطربون‬
‫في تفسير القانيم تارة يقولون أشخاص وتارة خواص وتارة صفات وتارة جواهر‬
‫وتارة يجعلون القنوم اسما للذات والصفة معا وهذا تفسير حذاقهم ‪ #‬الوجه التاسع‬
‫قولهم في المسيح عليه السلم إنه خالق قول مع بطلنه في الشرع والعقل قول لم‬
‫ينطق به شيء من النبوات التي عندهم ولكن يستدلون على ذلك بما ل يدل عليه كما‬
‫سنبينه إن شاء ال تعالى ‪ #‬الوجه العاشر قولهم في تجسد اللهوت أيضا هو قول‬
‫مع بطلنه في العقل والشرع قول ل يدل عليه شيء من كلم المعصوم من النبيين‬
‫والمرسلين‬

‫الوجه الحادي عشر إنا نقول ل ريب أن ال حي عالم قادر متكلم وللمسلمين على ‪#‬‬
‫ذلك من الدلئل العقلية التي دل الرسول عليها وأرشد إليها فصارت معروفة بالعقل‬
‫مدلول عليها بالشرع ما هو مبسوط في موضعه وأنتم مع دعواكم أنكم تثبتون ذلك‬
‫بالعقل لم تذكروا على ذلك دليل عقليا ‪ #‬فقولكم لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن‬
‫شيئا غيرها أحدثها إذ ل يمكن حدوثها من ذواتها لما فيها من التضاد والتقلب كلم‬
‫قاصر من وجوه ‪ #‬أحدها أنكم لم تروا حدوث جميع المخلوقات وإنما رأيتم حدوث‬
‫ما يشهد حدوثه كالسحاب والمطر والحيوان والنبات ونحو ذلك فأين دليلكم على‬
‫حدوث سائر الشياء ‪ #‬الثاني أنه كان ينبغي أن تقولوا لما علم حدوث المحدثات أو‬
‫حدوث المخلوقات أو حدوث ما سوى ال ونحو ذلك مما يبين أن المحدث ما سوى‬

‫‪262‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪263‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال فأما إطلق حدوث جميع الشياء فباطل فإن ال يسمى عندكم وعند جمهور‬
‫المسلمين شيئا من الشياء وهذا بخلف قوله تعالى ^ قل ال خالق كل شيء ^ ‪#‬‬
‫فإن هذا التركيب يبين أن الخالق غير المخلوق خلف قول القائل حدوث الشياء‬

‫الثالث أن العلم بأن المحدث ل بد له من محدث علم فطري ضروري ولهذا قال ‪#‬‬
‫ال تعالى في القرآن ‪ ^ #‬أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ^ ‪ #‬قال جبير بن‬
‫مطعم لما سمعت النبي يقرأ بها في صلة المغرب أحسست بفؤادي قد انصدع يقول‬
‫تعالى أخلقوا من غير خالق خلقهم أم هم الخالقون لنفسهم ‪ #‬ومعلوم بالفطرة التي‬
‫فطر ال عليها عباده بصريح العقل أن الحادث ل يحدث إل بمحدث أحدثه‬

‫وإن حدوث الحادث بل محدث أحدثه معلوم البطلن بضرورة العقل وهذا أمر ‪#‬‬
‫مركوز في بني آدم حتى الصبيان لو ضرب الصبي ضربة فقال من ضربني فقيل‬
‫ما ضربك أحد لم يصدق عقله أن الضربة حدثت من غير فاعل ‪ #‬ولهذا لو جوز‬
‫مجوز أن يحدث كتابة أو بناء أو غراس ونحو ذلك من غير محدث لذلك لكان عند‬
‫العقلء إما مجنونا وإما مسفسطا كالمنكر للعلوم البديهية والمعارف الضرورية‬
‫وكذلك معلوم أنه لم يحدث نفسه فإن كان معدوما قبل حدوثه لم يكن شيئا فيمتنع أن‬
‫يحدث غيره فضل عن أن يحدث نفسه ‪ #‬فقولكم لم يكن حدوثها من ذواتها لما فيها‬
‫من التضاد والتقلب تعليل باطل فإن علمنا بأن حدوثها لم يكن من ذواتها ليس لجل‬
‫ما فيها من التضاد والتقلب بل سواء كانت متماثلة أو مختلفة أو متضادة نحن نعلم‬
‫بصريح العقل أن المحدث ل يحدث نفسه وهذا من أظهر المعارف وأبينها للعقل كما‬
‫يعلم أن العدم ل يخلق موجودا وأن المحدث للحوادث الموجودة ل يكون معدوما ‪#‬‬
‫الوجه الرابع أنكم ذكرتم حجة على أنها لم تحدث نفسها وهي‬

‫حجة ضعيفة ولم تذكروا حجة على أنها حدثت بل محدث ل أنفسها ول غيرها فإن‬
‫كان امتناع كونها أحدثت نفسها محتاجا إلى دليل فكذلك امتناع حدوثها بل محدث‬
‫وإن كان معلوما ببديهة العقل وهو من العلوم الضرورية فكذلك الخر فذكر الدليل‬
‫على أحدهما دون الخر خطأ لو كنتم ذكرتم دليل صحيحا فكيف إذا كان الدليل‬
‫باطل ومن يكون مبلغهم من العلم بالدلة العقلية التي يثبتون بها العلم بالصانع‬
‫وصفاته هذا المبلغ ثم يريدون مع ذلك أن يثبتوا معاني عقلية ويزعمون أنها موافقة‬
‫لفهمهم الباطل من الكتب اللهية فهم ممن قال ال فيهم ‪ #‬سورة النور اليتان ‪39‬‬
‫‪ # 40‬الوجه الثاني عشر قولكم فقلنا إنه شيء ل كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق‬
‫لكل شيء لننفي عنه العدم ‪ #‬فيقال لهم ل ريب أن ال كما وصف نفسه بقوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ^ ‪ #‬وقوله ^ فاعبده واصطبر لعبادته‬
‫^ هل تعلم له سميا‬

‫أي مثل يستحق أن يسمى بأسمائه وقوله تعالى ‪ ^ #‬قل هو ال أحد ال الصمد لم ‪#‬‬
‫يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬وقد دل على ذلك العقل فإن المثلين اللذين يسد‬

‫‪263‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪264‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أحدهما مسد الخر يجب لحدهما ما يجب للخر ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ويجوز‬
‫عليه ما يجوز عليه فلو كان للخالق مثل للزم أن يشتركا فيما يجب ويجوز ويمتنع ‪#‬‬
‫والخالق يجب له الوجود والقدم ويمتنع عليه العدم فيلزم أن يكون المخلوق واجب‬
‫الوجود قديما أزليا لم يعدم قط وكونه محدثا مخلوقا يستلزم أن يكون كان معدوما‬
‫فيلزم أن يكون موجودا معدوما قديما محدثا وهو جمع بين النقيضين يمتنع في بداية‬
‫العقول وأيضا فالمخلوق يمتنع عليه القدم ويجب له سابقة العدم فلو وجب للخالق‬
‫القديم ما يجب له لوجب كون الواجب للقدم واجب الحدوث بعد العدم وهذا جمع بين‬
‫النقيضين فالعقل الصريح يجزم بأن ال ليس كمثله شيء والكلم على هذا مبسوط‬
‫في موضع آخر لكن أنتم لم تذكروا على ذلك حجة بل قلتم أنه شيء ل كالشياء‬
‫المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء فلم تذكروا حجة على أنه خالق كل شيء إذ كان‬
‫عمدتكم على ما شهدتم حدوثه وليس ذلك كل شيء ولم تذكروا‬

‫حجة مع كونه خالق كل شيء على أنه ليس كمثله شيء بل قلتم لننا معشر‬
‫النصارى لما رأينا حدوث الشياء علمنا أن شيئا غيرها أحدثها لما فيها منا التضاد‬
‫والتقلب فقلنا إنه شيء ل كالشياء المخلوقة إذ هو الخالق لكل شيء وذلك لننفي‬
‫العدم عنه ودليلكم لو دل على العلم بالصانع لم يدل إل على أنه خالق فكيف إذا لم‬
‫يدل ‪ #‬ول ريب أن الخالق سبحانه يجب أن يكون موجودا ل معدوما وهذا معلوم‬
‫بالضرورة ل يحتاج إلى دليل عند جمهور العقلء والنظار وإن كان بعضهم أثبت‬
‫وجوده بالدليل النظري لكن ليس في دليلكم ما يدل على أنه ليس كالشياء المخلوقة‬
‫وقولكم إذ هو الخالق لكل شيء يتضمن أنه خالق لكل ما سواه ليس فيه بيان نفي‬
‫للمماثلة عنه ولكن بينتم بهذا الكلم جهلكم بالدلئل العقلية كجهلكم بالكتب المنزلة‬
‫وكذلك أخبر تعالى عن أهل النار بأنهم يقولون ‪ ^ #‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما‬
‫^ كنا في أصحاب السعير‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولكم ورأينا الشياء المخلوقة تنقسم قسمين شيء حي وشيء غير‬
‫حي فوصفناه بأجل القسمين فقلنا إنه حي لننفي الموت عنه ‪ #‬فيقال ل ريب أن ال‬
‫حي كما نطقت بذلك كتبه المنزلة التي هي آياته القولية ودلت على ذلك آياته‬
‫كمخلوقاته التي هي آياته الفعلية قال تعالى ‪ ^ #‬سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم‬
‫حتى يتبين لهم أنه الحق ^ ‪ #‬أي القرآن حق وقد تقدم ذكر القرآن في قوله ‪ ^ #‬قل‬
‫أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد ^ ‪ #‬فال‬
‫تعالى يرى عباده من آياته المشاهدة المعاينة الفعلية ما يبين صدق آياته المنزلة‬
‫^ المسموعة القولية ‪ #‬قال تعالى ^ ال ل إله إل هو الحي القيوم‬

‫وقال تعالى ^ وتوكل على الحي الذي ل يموت ^ ‪ #‬والدلئل على حياته كثيرة ‪# #‬‬
‫منها أنه قد ثبت أنه عالم والعلم ل يقوم إل بحي وثبت أنه قدار مختار يفعل بمشيئته‬
‫والقادر المختار ل يكون إل حيا ‪ #‬ومنها أنه خالق الحياء وغيرهم والخالق أكمل‬

‫‪264‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪265‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من المخلوق فكل كمال ثبت للمخلوق فهو من الخالق فيمتنع أن يكون المخلوق أكمل‬
‫من خالقه وكماله أكمل منه ‪ #‬والمتفلسفة القائلون بالموجب بالذات يسلمون هذا‬
‫ويقولون كمال المعلول مستفاد من علته فإذا كان خالقا للحياء كان حيا بطريق‬
‫الولى والحرى ‪ #‬ومنها أن الحي أكمل من غير الحي كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما‬
‫يستوي الحياء ول الموات ^ ‪ #‬فلو كان الخالق غير حي لزم أن يكون الممكن‬
‫المحدث المخلوق أكمل من الواجب القديم الخالق فيكون أنقص الموجودين أكمل من‬
‫أكملها وهذا الوجه يتناول ما ذكروه من الدليل وإن كانوا لم يبينوه بيانا تاما لكن‬
‫قولهم قلنا أنه حي لننفي الموت عنه‬

‫كلم مستدرك فإن ال موصوف بصفات الكمال الثبوتية كالحياة والعلم والقدرة فيلزم‬
‫من ثبوتها سلب صفات النقص وهو سبحانه ل يمدح بالصفات السلبية إل لتضمنها‬
‫المعاني الثبوتية فإن العدم المحض والسلب الصرف ل مدح فيه ول كمال إذ كان‬
‫المعدوم يوصف بالعدم المحض والعدم نفي محض ل كمال فيه إنما الكمال في‬
‫الوجود ‪ #‬ولهذا جاء كتاب ال تعالى على هذا الوجه فيصف سبحانه نفسه بالصفات‬
‫الثبوتية صفات الكمال وبصفات السلب المتضمنة للثبوت كقوله ‪ ^ #‬ال ل إله إل‬
‫هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم ^ ‪ #‬فنفى أخذ السنة والنوم يتضمن كمال‬
‫حياته وقيوميته إذ النوم أخو الموت ولهذا كان أهل الجنة ل ينامون مع كمال الراحة‬
‫كما ل يموتون ‪ #‬والقيوم القائم المقيم لما سواه فلو جعلت له سنة أو نوم لنقصت‬
‫حياته وقيوميته فلم يكن قائما ول قيوما كما ضرب ال المثل لبني إسرائيل لما سألوا‬
‫موسى هل ينام ربك فأرقه ثلثا ثم أعطاه قوارير فأخذه النوم فتكسرت‬

‫بين بهذا المثل أن خالق العالم لو نام لنفد العالم ثم قال تعالى ‪ ^ #‬له ما في ‪#‬‬
‫السماوات وما في الرض من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه ^ ‪ #‬فإنكاره ونفيه أن‬
‫يشفع أحد عنده إل بإذنه يتضمن كمال ملكه لما في السماوات وما في الرض وأنه‬
‫ليس له شريك فإن من شفع عنده غيره بغير إذنه وقبل شفاعته كان مشاركا له إذ‬
‫صارت شفاعته سببا لتحريك المشفوع إليه بخلف من ل يشفع عنده أحد إل بإذنه‬
‫فإنه منفرد بالملك ليس له شريك بوجه من الوجوه ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬يعلم ما بين‬
‫أيديهم وما خلفهم ول يحيطون بشيء من علمه إل بما شاء ^ ‪ #‬فنفى أن يعلم أحد‬
‫شيئا من علمه إل بمشيئته ليس إل أنه منفرد بالتعليم فهو العالم بالمعلومات وليعلم‬
‫أحد شيئا إل بتعليمه كما قالت الملئكة ‪ ^ #‬ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم‬
‫الحكيم ^ ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ ^ #‬وسع كرسيه السماوات والرض ول يؤوده حفظهما‬
‫^‬

‫أي ل يكرثه ول يثقل عليه فبين بذلك كمال قدرته وأنه ل يلحقه أدنى مشقة ول ‪#‬‬
‫أيسر كلفة في حفظ المخلوقات كما قال تعالى في الية الخرى ‪ ^ #‬ولقد خلقنا‬
‫السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ^ ‪ #‬بين بذلك كمال‬
‫قدرته وأنه ل يلحقه اللغوب في العمال العظيمة مثل خلقه السماوات والرض كما‬

‫‪265‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪266‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يلحق المخلوق اللغوب إذا عمل عمل عظيما واللغوب النقطاع والعياء وهذا باب‬
‫واسع مبسوط في موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أنه موصوف بصفات الكمال التي‬
‫يستحقها بذاته ويمتنع اتصافه بنقائضها وإذا وصف بالسلوب فالمقصود هو إثبات‬
‫الكمال وهؤلء قالوا قد وصفناه بالحياة لننفي عنه الموت كما قالوا هو شيء لننفي‬
‫العدم عنه والحياة صفة كمال يستحقها بذاته والموت مناقض لها فلم يوصف بالحياة‬
‫لجل نفي الموت بل وصفه بالحياة يستلزم نفي الموت فينفي عنه الموت لنه حي ل‬
‫يثبت له الحياة لنفي الموت وكذلك لتثبت له أنه شيء موجود وذلك يستلزم نفي العدم‬
‫عنه ل أن إثبات وجوده لجل نفي العدم بل نفي العدم عنه‬

‫لجل وجوده كما أن نفي الموت عنه لجل حياته وكذلك قولهم قلنا إنه شيء ل‬
‫كالشياء المخلوقة وذلك لننفي العدم عنه لكن كان مرادهم وال أعلم وإن كانت‬
‫عبارتهم قاصرة إثبات الوجود ونفي العدم وإثبات الحياة ونفي الموت‬

‫فصل ‪ #‬ثم قالوا ورأينا الحي ينقسم قسمين حيا ناطقا وحيا غير ناطق فوصفناه‬
‫بأفضل الوصفين فقلنا إنه ناطق لننفي الجهل عنه ‪ #‬فيقال لهم ل ريب أن الرب‬
‫سبحانه موصوف بأنه حي عليم قدير متكلم مختار لكن قولهم فقلنا إنه ناطق لننفي‬
‫الجهل عنه يقتضي أنكم أردتم النطق المناقض للجهل وهذا هو العلم فإن العلم‬
‫يناقض الجهل لم تريدوا بذلك النطق الذي هو العبارة والبيان ولم تريدوا بذلك ما‬
‫جعله بعض النظار كلما وهي معاني قائمة بالنفس ليست من جنس العلوم ول من‬
‫جنس الرادات وحينئذ فيقال لكم ليس في الحياء إل ما هو شاعر فكل حي فله‬
‫شعور بحسبه ‪ #‬وكلما قويت الحياة قوي شعورها وشعور الحيوان قد يعبر عنه بلفظ‬
‫العلم كما يقول الناس علم الفهد والبازي والكلب ويقال كلب معلم وغير معلم وغير‬
‫معلم وبازي معلم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم ال ^ ‪# #‬‬
‫وقال النبي ‪ #‬إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم ال فقتل فكل ول ريب أن العلم‬
‫صفة كمال فالعالم أكمل من الجاهل والدلئل الدالة على علم ال كثيرة مثل أنه‬
‫سبحانه خالق كل شيء بإرادته ‪ #‬والرادة تستلزم تصور المراد فل بد أن يعلم‬
‫المخلوقات قبل أن يخلقها ‪ #‬وكلما وجد في الخارج فهو موجود وجودا معينا يمتاز‬
‫به عن غيره فإذا خلقها كذلك فل بد أن يعلمها علما مفصل يمتاز به كل معلوم عما‬
‫سواه ولو قدر أنه علمها على وجه كلي فقط لم يكن علم منها شيئا‬

‫لن الكلي إنما يكون كليا في الذهان وأما ما هو موجود في الخارج فهو معين‬
‫مختص بعينه ليس بكلي ‪ #‬وكل واحد من الفلك معين فلو لم يعلم إل الكليات لم‬
‫يكن عالما بشيء من الموجودات وقد بسط في غير هذا الموضع تمام الكلم على‬
‫هذا وبين فساد شبه نفاة ذلك بما ادعوه من لزوم التغيير أو التكثر وبين أنه ل يلزم‬

‫‪266‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪267‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من ثبوت علم ال بالشياء كلها على وجه التفصيل محذور ينفيه دليل صحيح ‪ #‬فإن‬
‫التكثر فيما يقوم به من المعاني هو مدلول الدلة العقلية والسمعية فإنه عالم قادر حي‬
‫وليس العلم هو القدرة ول القدرة هي الحياة ول الصفة هي الموصوف ومن جعل‬
‫كل صفة هي الخرى وجعل الصفات هو الموصوف فهو قول في غاية السفسطة ‪#‬‬
‫وأيضا فإنه خالق العالمين من الملئكة والجن والنس وجاعلهم علماء فيمتنع أن‬
‫يجعل غيره عالما من ليس هو في نفسه بعالم فإن العلم صفة كمال ومن يعلم أكمل‬
‫ممن ل يعلم وكل كمال للمخلوق فهو من الخالق فيمتنع أن يكون المخلوق أكمل من‬
‫الخالق وأيضا فإن في الممكنات المحدثة المخلوقة ما هو عالم والواجب القديم الخالق‬
‫أكمل من الممكن المحدث فيمتنع أن يتصف بالكمال الموجود‬

‫الناقص الخسيس دون الموجود الكامل الشريف وهذا يتناول معنى حجتهم ‪ #‬وأيضا‬
‫فإنه حي والحياة مستلزمة لجنس العلم وإذا كانت حياته أكمل من كل حياة فعلمه‬
‫أكمل من كل علم لكن يقال لكم كما أنه حي عالم فهو أيضا قادر فما ذكرتم بأن‬
‫الموجودات أو الحياء تنقسم إلى قادر وغير قادر فيجب أن يوصف بأجل القسمين‬
‫وهو القدرة ‪ #‬ل سيما ودلئل كونه قادرا أظهر من دلئل كونه عالما فإن نفس كونه‬
‫خالقا فاعل يستلزم كونه قادرا فإن الفعل بدون القدرة ممتنع حتى إذا قيل إن الجماد‬
‫يفعل فإنما يفعل بقوة فيه كالقوى الطبيعية التي في الجسام الطبيعية فيمتنع في خالق‬
‫العالم أن ل يكون له قوة ول قدرة قال تعالى ‪ ^ #‬إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أو لم يروا أن ال الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ^ ‪ #‬وفي‬
‫صحيح البخاري حديث الستخارة ‪ #‬اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك‬
‫وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ول أقدر وتعلم ول أعلم وأنت علم الغيوب‬

‫وكثير من نظار المسلمين المصنفين في أصول الدين الذين يقيمون الدليل على ‪#‬‬
‫كونه قادرا قبل كونه عالما وحيا ويقولون العلم بذلك أسبق في السلوك الستدللي‬
‫النظري لدللة الحداث والفعل على قدرة المحدث الفاعل فيجب أن يثبتوا له صفة‬
‫القدرة مع العلم ‪ #‬وكذلك يقولون إن الحي لما كان ينقسم إلى سميع وغير سميع‬
‫وبصير وغير بصير وصفناه بأشرف القسمين وهو السميع والبصير ‪ #‬وكذلك في‬
‫النطق إذا أريد به البيان والعبارة ولم يرد به مجرد العلم أو معنى من جنس العلم‬
‫فإن الحي ينقسم إلى متكلم ومبين معبر عما في نفسه وإلى ما ليس كذلك فيجب أن‬
‫تصفوه بأشرف القسمين وهو الكلم المبين المعبر عنه عما في النفس من المعاني ‪#‬‬
‫ومما يستدل به على ثبوت جميع صفات الكمال أنه لو لم يوصف بكونه حيا عالما‬
‫قادرا سميعا بصيرا متكلما لوصف بضد ذلك كالموت والجهل والعجز والصمم‬
‫والبكم والخرس ومعلوم وجوب تقدسه عن هذه النقائص بل هذا معلوم بالضرورة‬
‫العقلية فإنه أكمل الموجودات وأجلها وأعظمها ورب كل ما سواه وخالقه ومالكه‬
‫وجاعل كل ما سواه حيا عالما قادرا سميعا بصيرا متكلما فيمتنع أن يكون هو شيئا‬
‫عاجزا جاهل أصم أبكم أخرس بل من المعلوم بضرورة العقل أن المتصف بهذه‬
‫النقائص يمتنع أن يكون فاعل فضل عن أن يكون خالقا لكل شيء‬

‫‪267‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪268‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولبعض الملحدة من المتفلسفة ومن اتبعهم هنا سؤال مشهور وهو أنه إنما يلزم ‪#‬‬
‫إذا لم يتصف بصفات الكمال أن يوصف بأضدادها إذا كان قابل لها فأما إذا لم يكن‬
‫قابل لها لم يلزم ‪ #‬قالوا هذه الصفات متقابلة تقابل العدم والملكة وهو عدم الشيء‬
‫عما من شأنه أن يكون قابل له كعدم الحياة والسمع والبصر ‪ #‬والكلم عن الحيوان‬
‫الذي هو القابل له فإذا لم يكن قابل له كالجماد فل يسمى مع عدم الحياة والسمع‬
‫والبصر والكلم ميتا ول أصم ول أعمى ول أخرس ‪ #‬وجواب ذلك من أوجه ‪#‬‬
‫أحدها أنه إما أن يكون قابل للتصاف بصفات الكمال وإما أن ليكون ‪ #‬فإن لم يكن‬
‫قابل لزم أن يكون أنقص ممن قبلها ولم يتصف‬

‫بها فالجماد أنقص من الحيوان الذي لم يتصف بعد بصفات كماله وإن كان قابل لها‬
‫لزم إذا عدمها أن يتصف بأضدادها ‪ #‬وهؤلء قد يقولون في إثباتها تشبيه له‬
‫بالحيوان فيقال لهم وفي نفيها تشبيه له بالجماد الذي هو أنقص من الحيوان فإذا لم‬
‫يكن في نفيها تشبيه له بالجماد فكذلك ل يكون في إثباتها تشبيه له بالحيوان وإن كان‬
‫في ذلك تشبيه بالحيوان فهو محذور فالمحذور في تشبيهه بالجماد أعظم وإن لم يكن‬
‫مثل هذا التشبيه محذورا في ذلك فأن ل يكون محذورا في هذا بطريق الولى ‪#‬‬
‫الوجه الثاني أن جعلهم سلب الموت والصمم والبكم عن الجماد لزعمهم أنه غير‬
‫قابل لها إصطلح محض فإنه موجود في كلم ال تسمية الجماد ميتا كما قال تعالى‬
‫في الصنام ‪ ^ #‬أموات غير أحياء ^ ‪ #‬الوجه الثالث أنه يكفي عدم هذه الصفات‬
‫فإن مجرد عدم الحياة والعلم والقدرة صفة نقص سواء قدر الموصوف قابل لها أو‬
‫غير قابل بل إذا قدر أنه غير قابل لها كان ذلك أبلغ في النقص ‪ #‬فعلم أن نفي هذه‬
‫الصفات عنه ونفي قبولها يوجب أن يكون أنقص من الحيوان العمى الصم الذي‬
‫يقبلها وإن لم يتصف بها ‪ #‬الوجه الرابع أن الكمال في الوجود والنقص في العدم‬
‫فنفس‬

‫ثبوت هذه الصفات كمال ونفس نفيها نقص وإن لم يتصف بها لزم نقصه وأن يكون‬
‫المفعول أكمل من الفاعل وأن يكون المحدث الممكن المخلوق أكمل من القديم‬
‫الزلي الواجب الوجود الخالق وهذا ممتنع في بداية العقول وهذه المور مبسوطة‬
‫في غير هذا الموضع ولكن نبهنا عليها هنا لبيان بعض الطرق التي بها تعرف‬
‫صفات الرب وبيان أن هؤلء القوم من أجهل أهل الملل بالرب ‪ #‬والطرق التي‬
‫يعرف بها كماله فيها العقلية والسمعية وأن القوم عندهم من ألفاظ النبياء ما لم‬
‫يفهموا كثيرا منه وما حرفوا كثيرا منه وعندهم من المعقول في ذلك ما يفضلهم‬
‫اليهود فيه لكن اليهود وإن كانوا أعلم منهم فهم أعظم عنادا وكبرا وجحدا للحق‬
‫والنصارى أجهل وأضل من اليهود لكن هم أعبد وأزهد وأحسن أخلقا ولهذا كانوا‬
‫أقرب مودة للذين آمنوا من اليهود والمشركين‬

‫‪268‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪269‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا والثلثة أسماء فهي إله واحد ورب واحد وخالق واحد مسمى واحد لم‬
‫يزل ول يزال شيئا حيا ناطقا أي الذات والنطق والحياة ‪ #‬فالذات عندنا الب الذي‬
‫هو ابتداء الثنين ‪ #‬والنطق البن الذي هو مولود منه كولدة النطق من العقل ‪#‬‬
‫والحياة هي الروح القدس ‪ #‬والجواب عن هذا من وجوه ‪ #‬الول أن أسماء ال‬
‫تبارك وتعالى متعددة كثيرة فإنه ‪ #‬سورة الحشر اليات ‪24 22‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ول السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ‪#‬‬
‫سيجزون ما كانوا يعملون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا‬
‫ما تدعو فله السماء الحسنى ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة طه اليات ‪ # 8 1‬وفي‬
‫الصحيحين عن النبي أنه قال ‪ #‬إن ل تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة‬

‫وهذا معناه في أشهر قولي العلماء وأصحهما أن من أسمائه تعالى تسعة وتسعين ‪#‬‬
‫اسما من أحصاها دخل الجنة وإل فأسماؤه تبارك وتعالى أكثر من ذلك كما في‬
‫الحديث الخر الذي رواه أحمد في مسنده وأبو حاتم في صحيحه عن ابن مسعود‬
‫عن النبي أنه قال ‪ #‬ما أصاب عبدا قط هم ول حزن وقال اللهم إني عبدك ابن‬
‫عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو‬
‫لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في‬
‫علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلء حزني وذهاب‬
‫همي وغمي إل أذهب ال همه وغمه وأبدل مكانه فرحا قالوا يا رسول ال أفل‬
‫نتعلمهن قال بلى ‪ #‬ينبغي لمن‬

‫سمعهن أن يتعلمهن ‪ #‬وإذا كانت أسماء ال كثيرة كالعزيز والقدير وغيرها‬


‫فالقتصار على ثلثة أسماء دون غيرها باطل وأي شيء زعم الزاعم في‬
‫اختصاص هذه السماء به دون غيرها فهو باطل كما قد بسط في موضع آخر ‪#‬‬
‫الوجه الثاني قولهم الب الذي هو ابتداء الثنين والبن النطق الذي هو مولود منه‬
‫كولدة النطق من العقل كلم باطل فإن صفات الكمال لزمة لذات الرب عز وجل‬
‫أول وآخرا ولم يزل ول يزال حيا عالما قادرا لم يصر حيا بعد أن لم يكن حيا ول‬
‫عالما بعد أن لم يكن عالما ‪ #‬فإذا قالوا إن الب الذي هو الذات هو ابتداء الحياة‬
‫والنطق اقتضى ذلك أن يكون الب قبل الحياة والنطق وأن يكون فاعل للحياة‬
‫والنطق فإن ما كان ابتداء لغيره يكون متقدما عليه أو فاعل له ‪ #‬وهذا في حق ال‬
‫باطل ‪ #‬وكذلك قولهم إن النطق مولود منه كولدة النطق من العقل فإن المولود من‬
‫غيره متولد منه فيحدث بعد أن لم يكن كما يحدث النطق‬

‫شيئا فشيئا سواء أريد بالنطق العلم أو البيان فكلهما لم يكن لزما للنفس الناطقة بل‬
‫حدث فيها واتصفت به بعد أن لم يكن وإن كانت قابلة له ناطقة بالقوة فإذا مثلوا تولد‬
‫النطق من الرب كتولده عن العقل لزم أن يكون الرب كان ناطقا بالقوة ثم صار‬
‫ناطقا بالفعل فيلزم أنه صار عالما بعد أن لم يكن عالما وهذا من أعظم الكفر وأشده‬

‫‪269‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪270‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫استحالة فإنه ل شيء غيره يجعله متصفا بصفات الكمال بعد أن لم يكن متصفا بها‬
‫إذ كل ما سواه فهو مخلوق له وكماله منه فيمتنع أن يكون هو جاعل الرب سبحانه‬
‫وتعالى كامل ‪ #‬وذلك دور ممتنع في صريح العقل إذ كان الشيء ل يجعل غيره‬
‫متصفا بصفات الكمال حتى يكون هو متصفا بها فإذا لم يتصف بها حتى جعله غيره‬
‫متصفا بها لزم الدور الممتنع مثل كون كل من الشيئين فاعل للخر وعلة له أو‬
‫لبعض صفاته المشروطة في الفعل فتبين بطلن كون نطقه متولدا منه كتولد النطق‬
‫من العقل كما بطل أن يكون لصفاته اللزمة له ما هو مبدأ لها متقدم عليها أو فاعل‬
‫لها ‪ #‬الوجه الثالث أن قولهم في البن أنه مولود من ال إن أرادوا به أنه صفة‬
‫لزمة له فكذلك الحياة صفة لزمة ل فيكون روح القدس‬

‫أيضا ابنا ثانيا وإن أرادوا به أنه حصل منه بعد أن لم يكن صار عالما بعد أن لم‬
‫يكن عالما وهذا مع كونه باطل وكفرا فيلزم مثله في الحياة وهو أنه صار حيا بعد‬
‫أن لم يكن حيا ‪ #‬الوجه الرابع أن تسمية حياة ال روح القدس أمر لم ينطق به شيء‬
‫من كتب ال المنزلة فإطلق روح القدس على حياة ال من تبديلهم وتحريفهم ‪#‬‬
‫الوجه الخامس أنهم يدعون أن المتحد بالمسيح هو الكلمة الذي هو العلم وهذا إن‬
‫أرادوا به نفس الذات العالمة الناطقة كان المسيح هو الب وكان المسيح نفسه هو‬
‫الب وهو البن وهو روح القدس وهذا عندهم وعند جميع الناس باطل وكفر ‪ #‬وإن‬
‫قالوا المتحد به هو العلم فالعلم صفة ل تفارق العالم ول تفارق الصفة الخرى التي‬
‫هي حياة فيمتنع أن يتحد به العلم دون الذات ودون الحياة ‪ #‬الوجه السادس أن العلم‬
‫أيضا صفة والصفة ل تخلق ول ترزق والمسيح نفسه ليس هو صفة قائمة بغيرها‬
‫باتفاق العقلء وأيضا فهو عندهم خالق السماوات والرض فامتنع أن يكون المتحد‬
‫به صفة فإن الله المعبود هو الله الحي العالم القادر وليس هو نفس الحياة ول نفس‬
‫العلم والكلم ‪ #‬فلو قال قائل يا حياة ال أو يا علم ال أو يا كلم ال اغفر‬

‫لي وارحمني واهدني كان هذا باطل في صريح العقل ولهذا لم يجوز أحد من أهل‬
‫الملل أن يقال للتوراة أو النجيل وغير ذلك من كلم ال اغفر لي وارحمني وإنما‬
‫يقال للله المتكلم بهذا الكلم اغفر لي وارحمني ‪ #‬والمسيح عليه السلم عندكم هو‬
‫الله الخالق الذي يقال له اغفر لنا وارحمنا فلو كان هو نفس علم ال وكلمه لم يجز‬
‫أن يكون إلها معبودا فكيف إذا لم يكن هو نفس علم ال وكلمه بل هو مخلوق‬
‫بكلمه حيث قال له كن فيكون ‪ #‬فتبين من ذلك أن كلمات ال كثيرة ل نهاية لها‬
‫وفي الكتب اللهية كالتوراة أنه خلق الشياء بكلمه وكان في اول التوراة أنه قال‬
‫ليكن كذا ليكن كذا ‪ #‬ومعلوم أن المسيح ليس هو كلمات كثيرة بل غايته أن يكون‬
‫كلمة واحدة إذ هو مخلوق بكلمة من كلمات ال عز وجل ‪ #‬الوجه السابع أن أمانتكم‬
‫التي وضعها أكابركم بحضرة قسطنطين وهي عقيدة إيمانكم التي جعلتموها أصل‬
‫دينكم تناقض ما تدعونه من أن الله واحد وتبين أنكم تقولون لمن يناظركم خلف‬
‫ما تعتقدونه ‪ #‬وهذان أمران معروفان في دينكم تناقضكم وإظهاركم في المناظرة‬

‫‪270‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪271‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بخلف ما تقولونه من أصل دينكم فإن المانة التي اتفق عليها جماهير النصارى‬
‫يقولون فيها من أو بإله واحد أب ضابط الكل خالق السماوات والرض كل ما يرى‬
‫وما ل يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل‬
‫الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو‬
‫للب في الجوهر الذي به كان كل شيء الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل‬
‫خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب‬
‫وتألم وقبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب المقدسة وصعد إلى السماء‬
‫وجلس عن يمين الب وأيضا سيأتي بجده بمجده ليدين الحياء والموات الذي ل‬
‫فناء لملكه وبروح القد الرب المحيي المنبثق من الب الذي هو مع الب والبن‬
‫المسجود له وممجد ناطق في النبياء كنيسة واحدة جامعة رسولية واعترف‬
‫بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وابن جاء لقيامة الموتى وحياة الدهر العتيد كونه‬
‫أمين‬

‫ففي هذه المانة التي جعلتموها أصل دينكم ذكر اليمان بثلثة أشياء بإله واحد ‪#‬‬
‫خالق السماوات والرض خالق ما يرى وما ل يرى فهذا هو رب العالمين الذي ل‬
‫إله غيره ول رب سواه وهو إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسائر النبياء والمرسلين‬
‫وهو الذي دعت جميع الرسل إلى عبادته وحده ل شريك له ونهوا أن يعبد غيره كما‬
‫قال ال تعالى ‪ ^ #‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا‬
‫فاعبدون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون‬
‫الرحمن آلهة يعبدون ^ ‪ #‬ثم قلتم وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود‬
‫من‬

‫الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير‬
‫مخلوق مساو الب في الجوهر فصرحتم باليمان مع خالق السماوات والرض‬
‫برب واحد مخلوق مساو الب ابن ال الوحيد وقلتم هو إله حق من إله حق من‬
‫جوهر أبيه ‪ #‬وهذا تصريح باليمان بإلهين أحدهما من الخر وعلم ال القائم به أو‬
‫كلمه أو حكمته القائمة به الذي سميتوه ابنا ولم يسم أحد من الرسل صفة ال ابنا‬
‫ليس هو إله حق من إله حق بل إله واحد وهذا صفة الله وصفة الله ليست بإله كما‬
‫أن قدرته وسمعه وبصره وسائر صفاته ليس بآلهة ولن الله واحد وصفاته متعددة‬
‫والله ذات متصفة بالصفات قائمة بنفسها والصفة قائمة بالموصوف ولنكم سميتم‬
‫الله جوهرا وقلتم هو القائم بنفسه والصفة ليست جوهرا قائما بنفسه ‪ #‬وهم في هذه‬
‫المانة قد جعلوا ال والدا وهو الب ومولدا وهو البن وجعلوه مساويا له في‬
‫الجوهر وقد نزه ال نفسه عن النواع الثلثة فقالوا مولود غير مخلوق مساو الب‬
‫في الجوهر فصرحوا بأنه مساو له في الجوهر والمساوي ليس هو المساوي ‪ #‬ول‬
‫يساوي الب في الجوهر إل جوهر فوجب أن يكون البن جوهرا ثانيا وروح القدس‬
‫جوهرا ثالثا كما سيأتي ‪ #‬وهذا تصريح بإثبات ثلثة جواهر وثلثة آلهة ويقولون‬
‫مع ذلك إنما نثبت جوهرا واحدا وإلها واحدا وهذا جمع بين النقيضين‬

‫‪271‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪272‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فهو حقيقة قولهم يجمعون بين جعل اللهة واحدا وإثبات ثلثة آلهة وبين إثبات‬
‫جوهر واحد وبين إثباته ثلثة جواهر وقد نزه ال نفسه عن ذلك بقوله ‪ ^ #‬قل هو‬
‫ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬فنزه نفسه أن يلد كما‬
‫يقولون هو الب وأن يولد كما يقولون هو البن وأن يكون له كفوا أحد كما يقولون‬
‫إن له من يساويه في الجوهر ‪ #‬وإذا قلتم نحن نقول أحدي الذات ثلثي الصفات قيل‬
‫لكم قد صرحتم بإثبات إله حق من إله حق وبأنه مساو للب في الجوهر وهذا‬
‫تصريح بإثبات جوهر ثاني ل بصفة فجمعتم بين القولين بين إثبات ثلثة جواهر‬
‫وبين دعوى إثبات جوهر واحد ول ينجيكم من هذا اعتذار من اعتذر منكم كيحيى‬
‫بن عدي ونحوه حيث قالوا هذا بمنزلة قولك زيد الطبيب الحاسب الكاتب ثم تقول‬
‫زيد الطبيب وزيد الحاسب وزيد الكاتب ‪ #‬فهو مع كل صفة له حكم خلف حكمه‬
‫مع الصفة الخرى وقد يفسرون القنوم بهذا فيقولون القنوم هو الذات مع الصفة‬
‫فالذات مع‬

‫كل صفة أقنوم فصارت القانيم ثلثة لن هذا المثال ل يطابق قولكم فإن زيدا هنا‬
‫هو جوهر واحد له ثلث صفات الطب والحساب والكتابة وليس هنا ثلثة جواهر‬
‫ولكن لكل صفة حكم ليس للخرى ‪ #‬ول يقول عاقل إن الصفة مساوية للموصوف‬
‫في الجوهر ول أن الذات مع هذه الصفة تساوي الذات مع الصفة الخرى في‬
‫الجوهر لن الذات واحدة والمساوي ليس هو المساوي ولن الذات مع الصفة هي‬
‫الب فإن كان هذا هو الذي اتحد بالمسيح فالمتحد به هو الب ولنكم قلتم عن هذا‬
‫الذي قلتم إنه إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي هو مساو الب في الجوهر‬
‫وأنه نزل وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب وتألم فاقتضى‬
‫ذلك أن يكون الله الحق المساوي للب في الجوهر صلب وتألم فيكون اللهوت‬
‫مصلوبا متألما وهذا تقر به طوائف منكم وطوائف تنكره لكن مقتضى أمانتكم هو‬
‫الول ‪ #‬وأيضا فإذا كان تجسد من روح القدس ومريم فإن كان روح القدس هو‬
‫حياة ال كما زعمتم فيكون المسيح كلمة ال وحياته فيكون لهوته أقنومين من‬
‫القانيم الثلثة وعندهم إنما هو أقنوم الكلمة‬

‫فقط وإن كان روح القدس ليس هو حياة ال بطل تفسيركم لروح القدس بأنه حياة ال‬
‫‪ #‬وقيل لكم ل يجب أن يكون روح القدس صفة ل ول أقنوما ‪ #‬ثم ذكرتم في عقيدة‬
‫أمانتكم أنكم تؤمنون بروح القدس الرب المحيي فأثبتم ربا ثالثا قلتم المنبثق من الب‬
‫والنبثاق النفجار كالندفاق والنصباب ونحو ذلك يقال بثق السيل موضع كذا يبثقه‬
‫بثقا أي خرقه وشقه فانبثق أي انفجر فاقتضى ذلك أن يكون هذا الرب المحيي انفجر‬
‫من الب واندفق منه ‪ #‬ثم قلتم هو مع الب مسجود له وممجد ناطق في النبياء‬
‫فجعلتموه مع الب مسجودا له فأثبتم إلها ثالثا يسجد له ‪ #‬ومعلوم أن حياة ال التي‬
‫هي صفته ليست منبثقة منه بل هي قائمة به ل تخرج عنه ألبتة وهي صفة لزمة له‬
‫ل تتعلق بغيره فإن العلم يتعلق بالمعلومات والقدرة بالمقدورات والتكليم بالمخاطبين‬

‫‪272‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪273‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بخلف التكلم فإنه صفة لزمة يقال علم ال كذا وقدر ال على كل شيء وكلم ال‬
‫موسى ‪ #‬وأما الحياة فاللفظ الدال عليها لزم ل يتعلق بغير الحي يقال‬

‫حيا يحيا حياة ول يقال حيا كذا ول بكذا وإنما يقال أحيا كذا والحياء فعل غير كونه‬
‫حيا كما أن التعليم غير العلم والقدار غير القدرة والتكليم غير المتكلم ثم جعلتم روح‬
‫القدس هذا ناطقا في النبياء عليهم السلم وحياة ال صفة قائمة به ل تحل في غيره‬
‫وروح القدس الذي تكون في النبياء والصالحين ليس هو حياة ال القائمة به ولو‬
‫كان روح القدس الذي في النبياء هو أحد القانيم الثلثة لكان كل من النبياء إلها‬
‫معبودا قد اتحد ناسوته باللهوت كالمسيح عندكم فإن المسيح لما اتحد به أحد القانيم‬
‫صار ناسوتا ولهوتا فإذا كان روح القدس الذي هو أحد القانيم الثلثة ناطقا في‬
‫النبياء كان كل منهم فيه لهوت وناسوت كالمسيح وأنتم ل تقرون بالحلول والتحاد‬
‫إل للمسيح وحده مع إثباتكم لغيره ما ثبت له ‪ #‬وهم تارة يشبهون القنومين العلم‬
‫والحياة التي يسمونها الكلمة وروح القدس بالضياء والحرارة التي للشمس مع‬
‫الشمس ويشبهون ذلك بالحياة والنطق الذي للنفس مع النفس وهذا تشبيه فاسد فإنهم‬
‫إن أرادوا بالضياء والحرارة ما يقوم بذات الشمس فذلك صفة للشمس قائمة بها لم‬
‫تحل بغيرها ولم تتحد بغيرها كما أن صفة النفس كذلك هذا إن قيل إن الشمس تقوم‬
‫به حرارة وإل فهذا ممنوع‬

‫والمقصود هنا بيان فساد كلمهم وقياسهم ‪ #‬وإن أرادوا ما هو بائن عن الشمس ‪#‬‬
‫قائم بغيرها كالشعاع القائم بالهواء والرض والحرارة القائمة بذلك كان هذا دليل‬
‫على فساد قولهم من وجوه ‪ #‬منها أن هذه أعراض منفصلة بائنة عن الشمس قائمة‬
‫بغيرها ل بها ونظير هذا ما يقوم بقلوب النبياء من العلم والحكمة والوحي الذي‬
‫أنذروا به وعلى هذا التقدير فليس في الناسوت شيئا من اللهوت وإنما فيه آثار‬
‫حكمته وقدرته ‪ #‬ومنها أن الحرارة والضوء القائم بالهواء والجدران أعراض قائمة‬
‫بغير الشمس والكلمة وروح القدس عندهم هما جوهران ‪ #‬ومنها أن هذا ليس هو‬
‫الشمس ول صفة من صفات الشمس وإنما هو أثر حاصل في غير الشمس بسبب‬
‫الشمس ومثل هذا ل ينكر قيامه بالنبياء والصالحين ولكن ليس للمسيح عليه السلم‬
‫بذلك اختصاص فما حل بالمسيح حل بغيره من المرسلين وما لم يحل بغيره لم يحل‬
‫به فل اختصاص له بأمر يوجب أن يكون إلها دون غيره من الرسل ول هنا اتحاد‬
‫بين اللهوت والناسوت كما لم تتحد الشمس ول صفاتها القائمة بها بالهواء والرض‬
‫التي حصل بها الشعاع والحرارة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وهذه السماء لم نسمه نحن معشر النصارى بها من ذات أنفسنا بل‬
‫ال سمى لهوته بها وذلك أنه قال على لسان موسى النبي في التوراة مخاطبا بني‬
‫إسرائيل قائل أليس هذا الب الذي صنعك وبراك واقتناك وعلى لسانه أيضا قائل‬
‫وكان روح ال ترف على الماء وقوله على لسان داود النبي روحك القدس ل تنزع‬

‫‪273‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪274‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مني وأيضا على لسانه بكلمة ال تشددت السماوات والرض وبروح فاه جميع‬
‫قواتهن ‪ #‬وقوله على لسان أشعيا ييبس القتاد ويجف العشب وكلمة ال‬

‫باقية إلى البد وعلى لسان أيوب الصديق روح ال خلقني وهو يعلمني ‪ #‬وقال السيد‬
‫المسيح في النجيل المقدس للتلميذ الطهار اذهبوا إلى جميع العالم وعمدوهم باسم‬
‫الب والبن وروح القدس إله واحد وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وقد‬
‫قال في هذا الكتاب ‪ ^ #‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ^ ‪ #‬وقال أيضا ‪ ^ #‬يا‬
‫عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ^ ‪ #‬وقال‬
‫^ أيضا ‪ ^ #‬وكلم ال موسى تكليما‬

‫وقال في سورة التحريم ‪ ^ #‬ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه ‪#‬‬
‫من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ ‪ #‬وسائر المسلمين‬
‫يقولون إن الكتاب كلم ال ول يكون كلم إل لحي ناطق وهذه صفات جوهرية‬
‫تجري مجرى السماء وكل صفة منها غير الخرى والله واحد ل يتبعض ول‬
‫يتجزأ ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن تقول إن كلم النبياء صلوات ال وسلمه‬
‫عليهم ل يكون إل حقا وصدقا ول يكون فيه شيء يعلم بطلنه بصريح العقل وإن‬
‫كان فيه ما يعجز العقل عن معرفته بدون إخبار النبياء ول يكون كلم النبي الذي‬
‫يخبر به مناقضا لكلمه في موضع آخر ول لكلم سائر النبياء بل كل ما أخبرت به‬
‫النبياء فهو حق وصدق يصدق بعضه بعضا ‪ #‬وقد أوجب ال علينا أن نؤمن بكل‬
‫ما أخبروا به وحكم بكفر من آمن ببعض ذلك وكفر ببعضه فما علم بصريح العقل ل‬
‫يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن النبياء وما علم بالنقل الصحيح عن بعضهم ل‬
‫يناقض ما علم بالنقل الصحيح عن غيره ولكن قد يختلف بعض الشرع والمناهج في‬
‫المر والنهي ‪ #‬فأما ما يخبرون به عن ال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬

‫وغير ذلك فل يجوز أن يناقض بعضه بعضا ‪ #‬وإذا كان كذلك فما ينقلونه عن‬
‫النبياء إنما تتم الحجة به إذ علم إسناده ومتنه فيعلم أنه منقول عنهم نقل صحيحا‬
‫ونعلم أن ترجمته من العبرية إلى اللسان الخر كالرومية والعربية والسريانية‬
‫ترجمة صحيحة ويعلم بعد ذلك أنهم أرادوا به ذلك المعنى ‪ #‬وليس مع النصارى‬
‫حجة عن النبياء تثبت فيها هذه المقدمات الثلث ونحن في هذا المقام يكفينا المنع‬
‫والمطالبة لهم بتصحيح هذه المقدمات فإنهم ادعوا أن التثليث أخذوه عن النبياء‬
‫فنحن نطالبهم بتصحيح هذه المقدمات ‪ #‬والجواب الثاني أنا نبين تفسير ما ذكروه‬
‫من الكلمات أما قوله على لسان موسى عليه السلم مخاطبا بني إسرائيل قائل أليس‬
‫الب الذي صنعك وبراك واقتناك فهذا فيه أنه سماه أبا لغير المسيح عليه السلم‬
‫وهذا نظير قوله لسرائيل أنت ابني بكري وداود ابني حبيبي وقول المسيح أبي‬
‫وأبيكم وهم يسلمون أن المراد بهذا في حق غير المسيح بمعنى الرب ل معنى التولد‬
‫الذي يخصون به المسيح ‪ #‬الثالث أن هذا حجة عليهم فإذا كان في الكتب المتقدمة‬
‫تسميته أبا لغير المسيح وليس المراد بذلك إل معنى الرب علم أن هذا اللفظ في لغة‬

‫‪274‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪275‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكتب يراد به الرب فيجب حمله في حق المسيح على‬

‫هذا المعنى لن الصل عدم الشتراك في الكلم ‪ #‬الرابع أن استعماله في المعنى‬


‫الذي خصوا به المسيح إنما يثبت إذا علم أنه أريد المعنى الذي ادعوه في المسيح فلو‬
‫أثبت ذلك المعنى بمجرد إطلق لفظ الب لزم الدور فإنه ل يعلم أنه أريد به ذلك‬
‫المعنى من حيث يثبت أنه كان يراد به في حق ال هذا المعنى ول يثبت ذلك حتى‬
‫يعلم أنه أريد به ذلك المعنى في حق المسيح فإذا توقف العلم بكل منهما على الخر‬
‫لم يعلم واحد منهما فتبين أنه ل علم عندهم بأنه أريد في حق المسيح بلفظ الب ما‬
‫خصوه به في محل النزاع ‪ #‬الوجه الخامس أنه ليوجد في كتب النبياء وكلمهم‬
‫إطلق اسم الب والمراد به أب اللهوت ول إطلق اسم البن والمراد به شيء من‬
‫اللهوت ل كلمته ول حياته بل ل يوجد لفظ البن إل والمراد به المخلوق فل يكون‬
‫لفظ البن إل لبن مخلوق ‪ #‬وحينئذ فيلزم من ذلك أن يكون مسمى البن في حق‬
‫المسيح هو الناسوت وهذا يبطل قولهم إن البن وروح القدس أنهما صفتان ل وأن‬
‫المسيح اسم للهوت والناسوت فتبين أن نصوص كتب النبياء تبطل مذهب‬
‫النصارى وتناقض أمانتهم فهم بين أمرين ‪ #‬بين اليمان بكلم النبياء وبطلن‬
‫دينهم ‪ #‬وبين تصحيح دينهم وتكذيب النبياء وهذا هو المطلوب‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وعلى لسانه أيضا قائل وكان روح ال ترف على الماء ‪ #‬فيقال هذا‬
‫في السفر الول سفر الخليقة في أوله لما ذكر أنه في البدء خلق السماوات والرض‬
‫وأنه كانت الرض مغمورة بالماء وكانت روح ال ترف على الماء أخبر أنه كان‬
‫الماء فوق التراب والهواء فوق الماء وروح ال هي الريح التي كانت فوق الماء ‪#‬‬
‫هذا تفسير جميع المم من المسلمين واليهود وعقلء النصارى ولفظ الكلمة بالعبرية‬
‫روح بضم الراء وتشديد الواو وهي الروح والريح تسمى روحا وجمعها أرواح ولم‬
‫يرد بذلك أن حياة ال كانت ترف على الماء ‪ #‬فإن هذا ل يقوله عاقل فإن حياة ال‬
‫صفة قائمة به ل تفارقه ول تقوم بغيره فيمتنع أن تقوم بماء أو غيره فضل عن أن‬
‫ترف على الماء والذي يرف على الماء جسم قائم بنفسه وهذا إخبار عن الريح التي‬
‫كانت تتحرك فوق الماء ‪ #‬ومثل هذا قول النبي ‪ #‬ل تسبوا الريح‬

‫فإنها من روح ال تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فل تسبوها ولكن تعوذوا بال من‬
‫شرها وسلوا ال خيرها وقوله ‪ #‬إني لجد نفس الرحمن من قبل اليمن‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقوله على لسان داود روحك القدس ل تنزع مني ‪ #‬فيقال هذا دليل‬
‫على أن روح القدس كانت في داود فعلم بذلك أن روح القدس التي كانت في المسيح‬
‫من هذا الجنس فعل بذلك أن روح القدس ل تختص بالمسيح وهم يسلمون ذلك فإن‬
‫ما في الكتب التي بأيديهم في غير موضع أن روح القدس حلت في غير المسيح في‬

‫‪275‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪276‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫داود وفي الحواريين وفي غيرهم ‪ #‬وحينئذ فإن كان روح القدس هو حياة ال ومن‬
‫حلت فيه يكون لهوتا لزم أن يكون إلها ولزم أن يكون كل هؤلء فيهم لهوت‬
‫وناسوت كالمسيح وهذا خلف إجماع المسلمين والنصارى واليهود ‪ #‬ويلزم من‬
‫ذلك أيضا أن يكون المسيح فيه لهوتان الكلمة وروح القدس فيكون المسيح مع‬
‫الناسوت أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم روح القدس وأيضا فإن هذه ليست صفة ل‬
‫قائمة به فإن صفة ال القائمة به بل وصفة كل موصوف ل تفارقه وتقوم بغيره‬
‫وليس في‬

‫هذا أن ال اسمه روح القدس ول أن حياته اسمها روح القدس ول أن روح القدس‬
‫الذي تجسد المسيح منه ومن مريم هو حياة ال سبحانه وتعالى وأنتم قلتم إنا معاشر‬
‫النصارى لم نسمه بهذه السماء من ذات أنفسنا ولكن ال سمى لهوته بها وليس‬
‫فيما ذكرتموه عن النبياء أن ال سمى نفسه ول شيئا من صفاته بروح القدس ول‬
‫سمى نفسه ول شيئا من صفاته ابنا فبطل تسميتكم لصفته التي هي الحياة بروح‬
‫القدس ولصفته التي هي العلم بالبن ‪ #‬وأيضا فأنتم تزعمون أن المسيح مختص‬
‫بالكلمة والروح فإذا كانت روح القدس في داود عليه السلم والحواريين وغيرهم‬
‫بطل ما خصصتم به المسيح وقد علم بالتفاق أن داود عبد ل عز وجل وإن كانت‬
‫روح القدس فيه ‪ #‬وكذلك المسيح عبد ل وإن كانت روح القدس فيه فما ذكرتموه‬
‫عن النبياء حجة عليكم لهل السلم ل حجة لكم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأيضا على لسان داود النبي عليه السلم بكلمة ال تشددت السماوات‬
‫والرض وبروح فاه جميع قواتهن ‪ #‬فيقال أما قوله بكلمة ال تشددت السماوات‬
‫والرض فهو أيضا حجة عليكم لوجوه ‪ #‬أحدها أن ال خلق الشياء بكلمته التي هي‬
‫كن كما قال في التوراة ليكن كذا ليكن كذا ليكن كذا وكذلك في الزبور لنه قال‬
‫فكانوا وهو أمر فخلقوا فجعل كونهم عن قوله ‪ #‬ومثل قوله في الزبور الكل بحكمة‬
‫صنعت وفي القرآن ^ إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬وليس‬
‫المسيح هو هذه الكلمات‬

‫الثاني أن كلمة ال اسم جنس فإن كلمات ال ل نهاية لها قال تعالى ‪ ^ #‬قل لو ‪#‬‬
‫كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا‬
‫^ ‪ #‬والتوراة تدل على تعدد الكلمات وإذا كان كذلك فالمسيح ليس هو مجموع‬
‫الكلمات بل خلق بكلمة منها ‪ #‬الثالث أن المسيح عندكم هو الخالق وأنتم مع قولكم‬
‫إنه البن والكلمة تقولون إنه الله الخالق وتقولون إنه إله حق من إله حق وتقولون‬
‫إله واحد فتجمعون بين النقيضين وإذا كان هو الخالق فهو الذي يشدد السماوات‬
‫والرض ل يقال به تشددت السماوات والرض وإنما يقال به فيما كان صفة‬
‫للموصوف فيقال خلق ال الشياء بكن وخلق الشياء بقدرته ‪ #‬وقوله بكلمته تشددت‬
‫السماوات والرض يقتضي أن الكلمة صفة فعل بها لنها هي الخالقة والمسيح‬

‫‪276‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪277‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عندكم هو الخالق ليس هو صفة خلق ‪ #‬والرابع أن كلمة ال يراد بها جنس كلماته‬
‫^ كما قال تعالى ‪ ^ #‬وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا‬

‫وكقول النبي ‪ #‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال وحينئذ ‪#‬‬
‫فالمراد أن ال أقام السماوات والرض بكلمته كقوله كن وليس في هذا تعرض‬
‫للمسيح عليه السلم ‪ #‬وأما نقلكم أنه قال وبروح فاه جميع قواتهن فهذه الكلمة سواء‬
‫كانت حقا أو باطل ل حجة لكم فيها لنه إن أريد بهذه الكلمة حياة ال فإثبات حياة‬
‫ال حق وهو لم يسم حياة ال روح القدس كما زعمتم وإن أراد شيئا غير حياة ال لم‬
‫تنفعكم فأنتم ادعيتم إن حياة ال روح القدس حتى قلتم مراده في النجيل بقوله عمدوا‬
‫الناس باسم الب والبن والروح القدس هو حياة ال وادعيتم أن النبياء سموه بذلك‬
‫ولم تذكروا نقل عن النبياء أنهم سموا حياته روح القدس بل ذكرتم عنهم ما يوافق‬
‫ما في القرآن أن روح القدس ليس المراد بها حياة ال ولو قدر أن هذا اللفظ استعمل‬
‫في هذا وهذا لم يتعين أن المسيح أراد بقوله روح القدس حياة ال فكيف إذا لم‬
‫يستعمل في كلم النبياء صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين في حياة ال قط‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقوله على لسان أيوب الصديق روح ال خلقني وهو يعلمني ‪ #‬فيقال‬
‫هذا ل حجة فيه لنكم ادعيتم أن النبياء سمت حياة ال روح القدس وهذا لم يقل‬
‫روح القدس بل قال روح ال ‪ #‬وروح ال يراد بها الملك الذي هو روح اصطفاه ال‬
‫فأحبها كما قال في القرآن ‪ ^ #‬فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ^ قالت إني‬
‫أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ ‪#‬‬
‫فقد أخبر أنه أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا وتبين أنه رسوله ‪ #‬فعلم أن‬
‫المراد بالروح ملك هو روح اصطفاها فأضافها إليه كما يضاف إليه العيان التي‬
‫خصها بخصائص يحبها ‪ #‬كقوله ^ ناقة ال وسقياها ^ ‪ #‬وقوله ^ وطهر بيتي‬
‫^ للطائفين والقائمين والركع السجود‬

‫وقوله ^ عينا يشرب بها عباد ال ^ ‪ #‬والمضاف إلى ال إن كان صفة لم تقم ‪#‬‬
‫بمخلوق كالعلم والقدرة والكلم والحياة كان صفة له وإن كان عينا قائمة بنفسها أو‬
‫صفة لغيره كالبيت والناقة والعبد والروح كان مخلوقا مملوكا مضافا إلى خالقه‬
‫ومالكه ولكن الضافة تقتضي اختصاص المضاف بصفات تميز بها عن غيره حتى‬
‫استحق الضافة كما اختصت الكعبة والناقة والعباد الصالحون بأن يقال فيهم بيت‬
‫ال وناقة ال وعباد ال كذلك اختصت الروح المصطفاة بأن يقال لها روح ال ‪#‬‬
‫بخلف الرواح الخبيثة كأرواح الشياطين والكفار فإنها مخلوقة ل ول تضاف إليه‬
‫إضافة الرواح المقدسة كما ل تضاف إليه الجمادات كما تضاف الكعبة ول نوق‬
‫الناس كما تضاف ناقة صالح التي كانت آية من آياته ‪ #‬كما قال تعالى ^ هذه ناقة‬
‫^ ال لكم آية‬

‫‪277‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪278‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وإذا كان كذلك فهذا اللفظ إن كان ثابتا عن النبي وترجم ترجمة صحيحة فقد يكون ‪#‬‬
‫معناه أن الملك صورني في بطن أمي وهو يعلمني فإن النبي قال ‪ #‬إذا مر بالنطفة‬
‫ثنتان وأربعون ليلة بعث ال إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها‬
‫ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أو أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم‬
‫يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقول ربك‬
‫ما يشاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فل يزاد على أمر ول ينقص‬
‫رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري ‪ #‬وقد يقال من هذا قوله في الزبور‬
‫في مزمور الخليقة ترسل روحك فيخلقون وفي المزمور أيضا هو قال فكانوا وأمر‬
‫فخلقوا فقد يضاف الخلق إلى الملك ‪ #‬ومن هذا الباب قوله تعالى‬

‫أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال ^ ‪# ^ #‬‬
‫فأخبره أنه يخلق من الطين كهيئة الطير طيرا بإذن ال وكذلك الملك يخلق النطفة‬
‫في الرحم بإذن ال ‪ #‬ول يجوز أن يريد به أن حياة ال خلقتني وتعلمني فإن الصفة‬
‫ل تخلق ول تعلم إنما يخلق ويعلم الرب الموصوف الذي خلق النسان من علق الذي‬
‫علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم ولكن هو سبحانه يخلق بواسطة الملئكة فإن‬
‫الملئكة رسل ال في الخلق فجاز أن يضاف الفعل إلى الوسائط تارة وإلى الرب‬
‫أخرى وهذا موجود في الكتب اللهية في غير موضع كما في القرآن ‪ ^ #‬ال يتوفى‬
‫النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ^ ‪ #‬وفي موضع آخر ‪ ^ #‬حتى إذا‬
‫جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم ل يفرطون ^ ‪ #‬وفي موضع ثالث ‪ ^ #‬قل‬
‫^ يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون‬

‫والجميع حق فإذا وجد لفظ له معنى في كلم بعض النبياء ولم يوجد له معنى ‪#‬‬
‫يخالف ذلك من كلمهم كان حمله على ذلك المعنى أولى من حمله على معنى‬
‫يخالف كلمهم ول يوجد في كلمهم أن حياة ال تسمى روحا ول أن صفات ال‬
‫تخلق المخلوقات‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقوله على لسان أشعيا النبي ييبس القتاد ويجف العشب وكلمته باقية‬
‫إلى البد ‪ #‬فيقال إما أن يريد بكلمة ال علمه أو كلمة معينة أو تكون كلمة ال اسم‬
‫جنس وعلى التقديرات الثلثة ل حجة لكم في ذلك فإنه إن كان كلمة ال اسم جنس‬
‫لكل ما تكلم ال به كما قال ‪ ^ #‬وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا‬
‫^ ‪ #‬وقال النبي ‪ #‬من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال‬

‫ولهذا جمعها في قوله تعالى ‪ ^ #‬وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ ‪ #‬وفي قوله ‪# #‬‬
‫^ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا‬
‫بمثله مددا ^ ‪ #‬فالمراد بذلك أن ما قاله ال فهو حق ثابت ل يبطل ‪ #‬كما قال تعالى‬
‫‪ ^ #‬وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ^ ‪ #‬يعني بتمامها نفاذ‬

‫‪278‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪279‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ما وعدهم به من النصر على فرعون وإهلكه وإخراجهم إلى الشام ‪ #‬وقال تعالى‬
‫‪ ^ #‬وتمت كلمة ربك صدقا وعدل ^ ‪ #‬ومنه قوله ‪ ^ #‬واتل ما أوحي إليك من‬
‫^ كتاب ربك ل مبدل لكلماته‬

‫وقوله ‪ ^ #‬سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون ‪#‬‬
‫أن يبدلوا كلم ال قل لن تتبعونا كذلكم قال ال من قبل ^ ‪ #‬ومن هذا الباب قول‬
‫المسيح السماء والرض يزولن وكلمي ل يزول فإن أراد علم ال فعلم ال باق‬
‫سواء أراد به علمه القائم بذاته أو معلومه الذي أخبر ببقائه فل حجة لكم فيه وكذلك‬
‫إن أراد كلمة معينة فإن المسيح عندكم ليس كلمة معينة من كلمه بل هو عندكم هو‬
‫الكلمة وهو ال الخالق وليس في هذا اللفظ ما يدل على أنه أراد بالكلمة المسيح‬
‫والمسيح عندكم أزلي أبدي ل يوصف بالبقاء دون القدم ولو قدر أنه أراد بالكلمة‬
‫المسيح فنحن ل ننكر أنه يسمى بالكلمة لنه قال له كن فكان كما سيأتي بيان ذلك‬
‫ويريد‬

‫بذلك إما بقاؤه إلى أن ينزل إلى الرض وإما أن يريد بقاء ذكره والثناء عليه ولسان‬
‫صدق له إلى آخر الزمان ‪ #‬ومما يوضح هذا وأنه ليس المراد به ما يدعونه أنه قال‬
‫وكلمة ال باقية إلى البد فوصفها بالبقاء دون القدم ‪ #‬وعندهم أن الكلمة المولودة من‬
‫الب قديمة أزلية لم تزل ول تزال ومثل هذا ل يحتاج أن يوصف بالدوام والبقاء‬
‫بخلف ما وعد به من النعيم والرحمة والثواب فإنه يوصف بالبقاء والدوام كما في‬
‫القرآن ^ أكلها دائم ^ وقوله ^ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ^ ‪ #‬وفي الزبور‬
‫اعترفوا للرب فإنه صالح وإنه إلى البد رحمته‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال السيد المسيح في النجيل المقدس لتلميذه الطهار اذهبوا إلى‬
‫جميع المم وعمدوهم باسم الب والبن وروح القدس الله الواحد وعلموهم أن‬
‫يحفظوا جميع ما أوصيكم به ‪ #‬فيقال لهم هذا عمدتكم على ما تدعونه من القانيم‬
‫الثلثة وليس فيه شيء يدل على ذلك ل نصا ول ظاهرا فإن لفظ البن لم يستعمل‬
‫قط في الكتب اللهية في معنى صفة من صفات ال ولم يسم أحد من النبياء علم ال‬
‫ابنه ول سموا كلمه ابنه ولكن عندكم أنهم سموا عبده أو عباده ابنه أو بنيه وإذا كان‬
‫كذلك فدعواكم أن المسيح أراد بالعلم ابن ال وكلمه دعوى في غاية الكذب على‬
‫المسيح وهو حمل للفظه على ما لم يستعمله هو ول غيره فيه ل حقيقة ول مجازا‬
‫فأي كذب وتحريف لكلم النبياء أعظم من هذا ‪ #‬ولو كان لفظ البن يستعمل في‬
‫صفة ال لسميت حياته ابنا وقدرته ابنا فتخصيص العلم بلفظ البن دون الحياة خطأ‬
‫ثاني لو كان‬

‫لفظ البن يستعمل في صفة ال فكيف إذا لم يكن كذلك ‪ #‬وكذلك روح القدس لم‬
‫يستعملوها في حياة ال ول أرادوا بهذا اللفظ حياة ال التي هي صفته وإنما أرادوا‬

‫‪279‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪280‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بذلك ما ينزله على الصديقين والنبياء ويؤيدهم به كما في قول داود روحك القدس‬
‫ل تنزع مني وعندهم أن روح القدس حلت في الحواريين وقد قدمنا أن روح القدس‬
‫يراد به الملك ويراد به ما يجعله في القلوب من الهدى والقوة ومنه قوله في بعض‬
‫النبوات وفي تلك اليام أسكب من روحي على كل قديس وفي زبور داود روحك‬
‫الصالح يهديني في أرض مستقيمة ‪ #‬يوضح هذا أنهم قالوا في أمانتهم الذي من‬
‫أجلنا نحن البشر ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس ومن‬
‫مريم العذراء وذكروا أن ذلك في الكتب المقدسة والذي في الكتب‬

‫المقدسة ل يكون إل حقا ول ريب أن فيها مثل ما في القرآن وفي القرآن أن ال‬
‫أرسل روحه إلى مريم فنفخ فيها فحملت بالمسيح عليه السلم قال تعالى ‪ #‬سورة‬
‫مريم اليات ‪ # 22 17‬إلى آخر القصة وقال تعالى ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها‬
‫فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ومريم ابنة‬
‫عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه‬
‫^ وكانت من القانتين‬

‫وهذا الروح هو الرسول كما قال ‪ ^ #‬قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما ‪#‬‬
‫زكيا ^ ‪ #‬ونفخ فيها من هذا الروح فكان المسيح مخلوقا من هذا الروح ومن أمه‬
‫مريم كما قالوا في المانة أنه تجسد من مريم ومن روح القدس لكن اعتقدوا أن روح‬
‫القدس التي خلق المسيح منها ومن مريم هي حياة ال وهذا ليس في الكتب ما يدل‬
‫عليه بل الكتب كلها صريحة في نقيض هذا وهو أيضا مناقض لقولهم إن المتحد‬
‫بالمسيح هو أقنوم الكلمة وهو العلم فإن كان قد تجسد من مريم وأقنوم الكلمة لم يكن‬
‫متجسدا من روح القدس وإن كان من روح القدس لم يكن من الكلمة وإن كان منهما‬
‫جميعا كان المسيح أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم الروح ‪ #‬والنصارى بفرقهم الثلثة‬
‫كلهم يقولون إنما المتحد به أقنوم الكلمة ل أقنوم الحياة فتبين تناقضهم في أمانتهم‬
‫وتبين خطؤهم فيما فسروا به كلم النبياء ‪ #‬وتبين أن ما ثبت عن النبياء فهو حق‬
‫موافق لما أخبر به محمد خاتم النبيين ل يناقض شيئا من كلم النبياء كما أنه ل‬
‫يناقض‬

‫شيئا من كلمهم صريح المعقول وتبين أنهم حملوا كلم النبياء في لفظ البن وروح‬
‫القدس وغيره على ما لم يوجد استعمال هذا اللفظ فيه وتركوا حمله على المعنى‬
‫الموجود في كلمهم وهذا من أبلغ ما يكون من تحريف كلمهم عن مواضعه وتبديل‬
‫معاني كلم ال فكيف يجوز أن يحمل لفظ روح القدس على معنى لم يستعمله فيه‬
‫النبياء ول أرادوه به ويترك حمله على المعنى المعروف الذي يستعملونه فيه دائما‬
‫‪ #‬وهل هذا إل من فعل من يحرف كلم النبياء ويفتري الكذب عليهم بل ظاهر هذا‬
‫الكلم أن يعمدوهم باسم الب الذي يريدون به في لغتهم الرب والبن الذي يريدون‬
‫به في لغتهم المربي وهو هنا المسيح وروح القدس وهو روح القدس الذي أيد ال به‬
‫المسيح من الملك والوحي وغير ذلك وبهذا فسر هذا الكلم من فسره من أكابر‬

‫‪280‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪281‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫علمائهم‬

‫( ‪) 36‬‬
‫فصل ‪ #‬فهذا ما ذكروه في كتابهم يحتجون بها على ما يعتقدونه من القانيم الثلثة‬
‫قائلين إن تسمية ال أنه أب وابن وروح القدس أسماء لم نسمه نحن النصارى بها من‬
‫ذات أنفسنا بل ال سمى لهوته بها ‪ #‬وقد تبين أنه ليس فيما ذكروه عن النبياء ما‬
‫يدل ل نصا ول ظاهرا على أن أحدا من النبياء سمى ال ول شيئا من صفاته ابنا‬
‫ول روح قدس ‪ #‬وتبين أن تسميتهم لعلم ال وكلمه ابنا وتسميتهم لحياته روح‬
‫القدس أسماء ابتدعوها ما أنزل ال بها من سلطان وأنه ليس معهم على ما ادعوه من‬
‫القانيم حجة أصل ل سمعية ول عقلية وأنه ليس لقولهم بالتثليث وحصرهم لصفات‬
‫ال في ثلثة مستند شرعي ‪ #‬كما تبين أنه ليس له مستند عقلي وأن القوم ممن قيل‬
‫فيهم ‪ ^ #‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ ‪ #‬وممن قيل‬
‫فيهم ‪ ^ #‬أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل‬
‫^ سبيل‬

‫فصل ‪ #‬ثم أخذوا يزعمون أن فيما أنزل على محمد حجة لهم على القانيم التي‬
‫ادعوها وهم ابتدعوا القول بالقانيم والتثليث قبل أن يبعث محمد ‪ #‬وذلك معروف‬
‫عندهم من حين ابتدعوا المانة التي لهم التي وضعها الثلث مائة وثمانية عشر منهم‬
‫بحضرة قسطنطين الملك فإذا لم يكن لهم مستند عقلي ول سمعي عن النبياء قبل‬
‫محمد فكيف يكون لهم مستند فيما جاء به محمد بعد ابتداعهم المانة ‪ #‬ل سيما مع‬
‫العلم الظاهر المتواتر أن محمدا كفرهم في الكتاب الذي أنزل عليه وضللهم‬
‫وجاهدهم بنفسه وأمر بجهادهم كقوله تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو‬
‫المسيح ابن مريم ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم‬
‫بأفواههم‬

‫يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬لقد كفر‬
‫الذين قالوا إن ال ثالث ثلثة ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا لكم ^ ‪#‬‬
‫ونحو ذلك من اليات ‪ #‬وقالوا وقد قال في هذا الكتاب أيضا ^ ولقد سبقت كلمتنا‬
‫لعبادنا الصالحين ^ ‪ #‬فيقال لهم حرفتم لفظ الية ومعناها فإن لفظها ‪ ^ #‬ولقد سبقت‬
‫كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^ ‪ #‬فالكلمة‬
‫التي سبقت لعباده المرسلين قوله ‪ ^ #‬إنهم لهم المنصورون ^ ‪ #‬أخبر أنه سبق منه‬
‫كلمة لعباده المرسلين لينصرهم كما قال تعالى ‪ ^ #‬ولول كلمة سبقت من ربك لكان‬
‫^ لزاما وأجل مسمى‬

‫وقوله ‪ ^ #‬ولقد آتينا موسى الكتب فاختلف فيه ولول كلمة سبقت من ربك لقضي ‪#‬‬
‫بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وكذلك حقت كلمة ربك على الذين‬

‫‪281‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪282‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كفروا أنهم أصحاب النار ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وما تفرقوا إل من بعد ما جاءهم العلم‬
‫بغيا بينهم ولول كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ^ ‪ #‬وقوله ‪^ #‬‬
‫ولو شئنا لتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لملن جهنم من الجنة والناس‬
‫أجمعين ^ ‪ #‬والكلمة في لغة العرب هي الجملة المفيدة سواء كانت جملة اسمية أو‬
‫فعلية وهي القول التام وكذلك الكلم عندهم هو الجملة التامة ‪ #‬قال سيبويه واعلم‬
‫أنهم يحكون بالقول ما كان كلما ول يحكون به ما كان قول ولكن النحاة اصطلحوا‬
‫على أن يسموا‬

‫ما تسميه العرب حرفا يسمونه كلمة مثل زيد وعمرو ومثل قعد وذهب وكل حرف‬
‫جاء لمعنى ليس باسم و ل فعل مثل إن وثم وهل ولعل ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وينذر‬
‫الذين قالوا اتخذ ال ولدا ^ ما لهم به من علم ول لبائهم كبرت كلمة تخرج من‬
‫أفواههم ^ ‪ #‬فسمى هذه الجملة كلمة ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬مثل كلمة طيبة كشجرة‬
‫طيبة ^ ‪ #‬وهو قول ل إله إل ال ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل‬
‫الصالح يرفعه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا‬
‫وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون ال‬
‫^‬

‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ^ ‪ #‬وقال النبي ‪# #‬‬
‫كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان ال‬
‫وبحمده سبحان ال العظيم وقال ‪ #‬أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد ال كل شيء ما‬
‫خل ال باطل ‪ #‬وقال النبي ‪ #‬اتقوا النار ولو بشق‬

‫تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة ولما شاع عند المشتغلين بالنحو استعمال لفظ الكلمة‬
‫في السم أو الفعل وحرف المعنى صاروا يظنون أن هذا هو كلم العرب ثم لما‬
‫وجد بعضهم ما سمعه من كلم العرب أنه يراد بالكلمة الجملة التامة صار يقول‬
‫وكلمة بها كلم قد يؤم فيجعل ذلك من القليل ‪ #‬ومنهم من يجعل ذلك مجاز وليس‬
‫المر كذلك بل هذا اصطلح هؤلء النحاة فإن العرب لم يعرف عنهم أنهم استعملوا‬
‫لفظ الكلمة والكلم إل في الجملة التامة وهكذا نقل عنهم أئمة النحو كسيبويه وغيره‬
‫‪ #‬فكيف يقال إن هذا هو المجاز وإن هذا قليل وكثير ‪ #‬كما أن لفظ القديم في لغة‬
‫العرب هو المتقدم على غيره كما قال‬

‫تعالى ‪ ^ #‬حتى عاد كالعرجون القديم ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬وإذ لم يهتدوا به‬
‫فسيقولون هذا إفك قديم ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم‬
‫القدمون ^ ‪ #‬ثم إن من أهل الكلم من خص لفظ القديم بما لم يسبقه عدم أو ما لم‬
‫يسبقه غيره وصار هذا عندهم هو حقيقة اللفظ حتى صار كثير منهم يظن أن‬
‫استعمال القديم في المتقدم على غيره مطلقا مجاز ‪ #‬فتبين أن مراده تعالى بقوله ‪#‬‬
‫^ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ^ ‪ #‬من جنس قوله ‪ ^ #‬ولول كلمة سبقت من‬

‫‪282‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪283‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ربك لكان لزاما ^ ‪ #‬فسبق منه كلمته بما سيكون من نصر المرسلين وملء جهنم‬
‫من الجنة والناس أجمعين ونحو ذلك فحرف هؤلء الضلل لفظ الية فقالوا ^‬
‫لعبادنا الصالحين ^ وجعلوا ^ الكلمة ^ هي المسيح وليس في‬

‫اللفظ ما يدل على ذلك بوجه من الوجوه ول في كون المسيح سبق لعبادنا المرسلين‬
‫معنى صحيح وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم‬
‫^ المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أيضا ‪ ^ #‬ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك‬
‫إذ أيدتك بروح القدس ^ ‪ #‬فيقال هذا مما ل ريب فيه ول حجة لكم فيه بل هو حجة‬
‫عليكم فإن ال أيد المسيح عليه السلم بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الية وقال‬
‫تعالى في البقرة ‪ ^ #‬وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم‬
‫درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ ‪ #‬وهذا ليس مختصا‬
‫بالمسيح بل قد أيد غيره بذلك وقد ذكروا هم أنه قال لداود روحك القدس ل تنزع‬
‫مني وقد قال نبينا لحسان بن ثابت ‪ #‬اللهم أيده بروح‬

‫القدس وفي لفظ ‪ #‬روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه وكل اللفظين في‬
‫الصحيح ‪ #‬وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس وكذلك عندهم‬
‫روح القدس حلت في جميع النبياء ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ #‬سورة النحل اليات ‪98‬‬
‫‪ # 102‬وقد قال تعالى في موضع آخر ‪ ^ #‬نزل به الروح المين على قلبك ^ ‪#‬‬
‫وقال ‪ ^ #‬قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ ‪ #‬فقد تبين أن‬
‫روح القدس هنا جبريل وقال تعالى ‪ ^ #‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر‬
‫يوادون من حاد ال‬

‫ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم‬
‫اليمان وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا‬
‫ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعناه نورا فهدي به من نشاء من عبادنا‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ينزل الملئكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن‬
‫أنذروا أنه ل إله إل أنا فاتقون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬يلقى الروح من أمره على من يشاء‬
‫من عباده لينذر يوم التلق ^ ‪ #‬فهذه الروح التي أوحاها والتي تنزل بها الملئكة‬
‫على من يشاء من عباده غير الروح المين التي تنزل بالكتاب وكلهما يسمى روحا‬
‫وهما متلزمان فالروح التي ينزل بها الملك مع الروح المين التي ينزل بها روح‬
‫القدس يراد بها هذا وهذا ‪ #‬وبكل القولين فسر المفسرون قوله في المسيح ^ وأيدناه‬
‫بروح القدس ^ ولم يقل أحد أن المراد بذلك حياة ال ول اللفظ يدل على ذلك ول‬
‫استعمل فيه‬

‫‪283‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪284‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهم إما أن يسلموا أن روح القدس في حق غيره ليس المراد بها حياة ال فإذا ‪#‬‬
‫ثبت أن لها معنى غير الحياة فلو استعمل في حياة ال أيضا لم يتعين أن يراد بها‬
‫ذلك في حق المسيح فكيف ولم يستعمل في حياة ال في حق المسيح ‪ #‬وإما أن‬
‫يدعوا أن المراد بها حياة ال في حق النبياء والحواريين فإن قالوا ذلك لزمهم أن‬
‫يكون اللهوت حال في جميع النبياء والحواريين وحينئذ فل فرق بين هؤلء وبين‬
‫المسيح ‪ #‬ويلزمهم أيضا أن يكون في المسيح لهوتان لهوت الكلمة ولهوت‬
‫الروح فيكون قد اتحد به أقنومان ‪ #‬ثم في قوله تعالى ^ وأيدناه بروح القدس ^‬
‫يمتنع أن يراد بها حياة ال فإن حياة ال صفة قائمة بذاته ل تقوم بغيره ول تختص‬
‫ببعض الموجودات غيره وأما عندهم فالمسيح هو ال الخالق فكيف يؤيد بغيره‬
‫وأيضا فالمتحد بالمسيح هو الكلمة دون الحياة فل يصح تأييده بها ‪ #‬فتبين أنهم‬
‫يريدون أن يحرفوا القرآن كما حرفوا غيره من الكتب المتقدمة وأن كلمهم في‬
‫تفسير المتشابه من الكتب اللهية من جنس واحد‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أيضا ^ وكلم ال موسى تكليما ^ ‪ #‬فيقال لهم وأي حجة لكم في‬
‫هذا وإنما هو حجة عليكم فإنه قد ثبت أن ال كلم موسى تكليما وكلم ال الذي سمعه‬
‫منه موسى عليه السلم ليس هو المسيح فعلم أن المسيح ليس هو كلم ال وعندهم‬
‫هو كلمة ال وهو علم ال وهو ال ‪ #‬ومعلوم أن كلم ال كثير كالتوراة والنجيل‬
‫والقرآن وغير ذلك من كلمه وليس المسيح شيئا من ذلك والمسيح عندهم خالق ولو‬
‫كان المسيح نفس كلم ال لم يكن خالقا ول معبودا فإن كلم ال لم يخلق السماوات‬
‫والرض ول كلم ال هو الله المعبود بل كلمه كسائر صفاته مثل حياته وقدرته‬
‫ول يقول أحد يا علم ال اغفر لي ول يا كلم ال اغفر لي وإنما يعبد ويدعى الله‬
‫الموصوف بالعلم والقدرة والكلم الذي كلم به موسى تكليما‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أيضا في سورة التحريم ‪ ^ #‬ومريم ابنة عمران التي أحصنت‬
‫فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ^ ‪#‬‬
‫فيقال أما قوله تعالى ‪ ^ #‬فنفخنا فيه من روحنا ^ ‪ #‬وقوله في سورة النبياء ‪^ #‬‬
‫والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ ‪ #‬فهذا‬
‫قد فسره قوله تعالى ‪ ^ #‬فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ‬
‫بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ ‪ #‬وفي‬
‫القراءة الخرى ليهب لك غلما زكيا ‪ #‬فأخبر أنه رسوله وروحه وأنه تمثل لها‬
‫بشرا وأنه ذكر أنه‬

‫رسول ال إليها فعلم أن روحه مخلوق مملوك له ليس المراد حياته التي هي صفته‬
‫سبحانه وتعالى ‪ #‬وكذلك قوله ‪ ^ #‬فنفخنا فيها من روحنا ^ ‪ #‬وهو مثل قوله في‬

‫‪284‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪285‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫آدم عليه السلم ‪ ^ #‬فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ^ ‪ #‬وقد شبه المسيح بآدم‬
‫في قوله ‪ ^ #‬إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^‬
‫‪ #‬والشبهة في هذا نشأت عند بعض الجهال من أن النسان إذا قال روحي فروحه‬
‫في هذا الباب هي الروح التي في البدن وهي عين قائمة بنفسها وإن كان من الناس‬
‫من يعني بها الحياة والنسان مؤلف من بدن وروح وهي عين قائمة بنفسها عند‬
‫سلف المسلمين وأئمتهم وجماهير المم ‪ #‬والرب تعالى منزه عن هذا وأنه ليس‬
‫مركبا من بدن وروح وليجوز أن يراد بروحه ما يريد النسان بقوله روحي بل‬
‫تضاف إليه ملئكته وما ينزله على أنبيائه من الوحي والهدى والتأييد ونحو ذلك‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وسائر المسلمين يقولون إن الكتاب كلم ال ول يكون كلم إل لحي‬
‫ناطق وهذه صفات جوهرية تجري مجرى السماء وكل صفة منها غير الخرى‬
‫فالله واحد خالق واحد ورب واحد ل يتجزأ ‪ #‬فيقال لهم أما قول المسلمين أن‬
‫الكتاب أي القرآن كلم ال فهذا حق والكلم ل يكون إل لمتكلم ‪ #‬والمسلمون يقولون‬
‫إن ال حي متكلم وإنه تكلم بالتوراة والنجيل والقرآن وغير ذلك من كلمه والقرآن‬
‫قد أخبر بكلم ال في مواضع كثيرة وهل يسمى ناطقا وكلمه نطقا ‪ #‬فيه نزاع‬
‫فبعض المسلمين يجيزه وبعضهم يمنع منه لكونه لم يرد به الشرع وليس في التوراة‬
‫والنجيل والزبور تسمية ال ناطقا بخلف لفظ القول والكلم وقد تنازع المسلمون‬
‫بعد ظهور البدع فيهم كما تنازع أهل الكتاب في كلم ال هل هو قائم به أو مخلوق‬
‫منفصل عنه ‪ #‬والذي عليه سلف المة وأئمتها وجمهورها أن كلم ال قائم به‬

‫وكذلك سائر ما يوصف به من الحياة والقدرة وغير ذلك ‪ #‬وأحدث قوم منهم بعد‬
‫انقراض الصحابة وأكابر التابعين بعد أكثر من مائة سنة من موت النبي أنه مخلوق‬
‫خلقه في غيره وشاركهم في هذه البدعة كثير من اليهود والنصارى ‪ #‬وظهرت هذه‬
‫المقالة بعد المائة الثانية وانتصر لها قوم من الولة وغيرهم ثم أطفأها ال بمن أقامه‬
‫ال من أئمة السلم والسنة الذين بينوا فسادها وبينوا ما اتفق عليه السلف من أن‬
‫كلم ال منزل منه غير مخلوق بل منه بدأ لم يبتدىء من شيء من المخلوقات ومع‬
‫هذا فلم يقل أحد من المسلمين إن كلم ال يكون إلها ول ربا ‪ #‬وكذلك حياته لم يقل‬
‫أحد منهم إن حياته تكون إلها ول ربا ول أنه مساو للرب تعالى في الجوهر‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم هذه صفات جوهرية تجري مجرى أسماء ‪ #‬فإن أرادوا بقولهم‬
‫جوهرية أن كل صفة جوهر فهذا كلم ظاهر الفساد فإن الصفة القائمة بغيرها ل‬
‫تكون جوهرا قائما بنفسه ومن ظن أن حرارة النار القائمة بها جوهر قائم بنفسه‬
‫كالنار فهو إما مصاب في عقله وإما مسفسط معاند ‪ #‬والول يستحق علج‬
‫المجانين ‪ #‬والثاني يستحق العقوبة التي تردعه عن العناد ‪ #‬ثم إن جاز أن تكون‬
‫الصفة جوهرا كانت القدرة أيضا جوهرا ‪ #‬وإن أرادوا بقولهم جوهرية أنها صفات‬

‫‪285‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪286‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذاتية وغيرها صفات فعليه كالخالق والرازق فمعلوم أن صفاته الذاتية منها القدرة‬
‫وغيرها فلم تنحصر في هذه ‪ #‬وأيضا فالكلم وإن كان قائما بذاته فقيل هو متعلق‬
‫بمشيئته وقدرته وهو قول السلف والكثرين وقيل ليس كذلك ‪ #‬والمتكلم قيل هو من‬
‫فعل الكلم ولو كان منفصل عنه وقيل هو من قام به الكلم وإن لم يكن بمشيئته‬
‫وقدرته وقيل المتكلم من قام‬

‫به الكلم بمشيئته وقدرته وهذا قول السلف والكثرين فبطل قولهم على كل تقدير ‪#‬‬
‫وإن أرادوا بالجوهرية أنها ذاتية مقومة وباقي الصفات عرضية على رأي أهل‬
‫المنطق اليونان الذين يفرقون في الصفات اللزمة للموصوف بين هذا وهذا كان هذا‬
‫فاسدا من وجوه ‪ #‬منها أن تفريق هؤلء في الصفات اللزمة للموصوف بين صفة‬
‫وصفة وجعل بعضها ذاتيا مقوما داخل في الماهية وبعدها عرضيا لحقا خارجا عن‬
‫الماهية كلم باطل عند جماهير نظار المم من أهل الملل وغيرهم كما قد بسط‬
‫الكلم عليه في الرد على هؤلء المتفلسفة وبين أن ما يدعونه من تركيب النواع‬
‫من الجناس والفصول إنما هو تركيب في الذهان ل حقيقة له في العيان وأن ما‬
‫يقوم بالذهان يختلف باختلف تصور الذهان ‪ #‬فتارة يتصور الشيء مجمل وتارة‬
‫يتصوره مفصل وما سموه تمام الماهية والداخل في الماهية والخارج عنها اللزم‬
‫لها يعود عند التحقيق إلى ما يدل عليه اللفظ بالمطابقة والتضمن واللتزام ‪ #‬ومدلول‬
‫اللفظ هو بحسب ما يعنيه المتكلم ويقصده ويتصوره وهذا يختلف باختلف إرادات‬
‫الناس ل يرجع ذلك إلى حقيقة عقلية ول صفة ذاتية للموجودات ‪ #‬ولهذا لما كان‬
‫كلمهم باطل لم يمكنهم ذكر فرق صحيح بين‬

‫الذاتي والعرضي اللزم إذا كان كلهما لزما للموصوف بل ذكروا ثلثة فروق‬
‫والثلثة باطلة واعترف حذاقهم ببطلنها كقولهم إن الذاتي يثبت للموصوف بل‬
‫وسط والعرضي اللزم إنما يثبت بوسط ‪ #‬ثم حذاقهم يفسرون الوسط بالدليل كما‬
‫فسره ابن سينا ‪ #‬ومنهم من يفسر الوسط بصفة قائمة للموصوف كما يفسره الرازي‬
‫وغيره وهؤلء لم يفهموا مراد أولئك فزاد غلطهم وأولئك أرادوا بالوسط الدليل كما‬
‫يريدون بالحد الوسط ما ي‬
‫قرن باللم في قولك لنه فصار العرضي اللزم عندهم ما يعلم ثبوته للموصوف‬
‫بدليل وهذا ل يرجع إلى حقيقة ثابتة في نفس المر بل هذا أمر يتعلق بالعالم‬
‫بالصفات ‪ #‬فمنهم من يكون تام التصور فيعلم لزوم الصفة للموصوف بل دليل‬

‫ومنهم من ل يكون تام التصور فل يعلم ذلك إل بدليل ثم كل ما كان مستلزما ‪#‬‬
‫لشيء فإنه يمكن الستدلل به عليه إذا كان الدليل هو الذي يلزم من تحققه تحقيق‬
‫المدلول فيكون الوسط كل ما كان مستلزما للعرض فيكون العرض لزم اللزم ‪#‬‬
‫وهم معترفون بأن من العرضيات ما يلزم بل وسط وقد مثلوا ذلك بالزوجية‬
‫والفردية في العدد كالعلم بأن الربعة زوج والثلثة فرد وإن كان ظاهرا لكن العلم‬
‫بأن خمسمائة وثلثة وأربعين نصف ألف وستة وثمانين قد يفتقر إلى دليل وقد يفتقر‬

‫‪286‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪287‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلى تأمل وفكر ‪ #‬وهم يقولون ما يقول ابن سينا أفضل متأخريهم وغيره من أن‬
‫العرض المنقسم إلى الكيف والكم وغير ذلك هو ذاتي لموصوفاته ‪ #‬واللون المنقسم‬
‫إلى السوادء والبياض هو ذاتي للمتلون والسوادية والبياضية صفتان ذاتيتان بخلف‬
‫الزوجية والفردية ‪ #‬قالوا لن كون هذا أسود وأبيض وعرضا قائما بغيره ل يفتقر‬
‫إلى استدلل ونظر بخلف كون هذا العدد زوجا أو فردا فإن هذا قد يفتقر إلى نظر‬
‫واستدلل فإنه ينقسم إلى قسمين متساويين أو ل ينقسم‬

‫ومعلوم أن هذا فرق يعود إلى علم العالم بهذه الصفات هل هو جلي أو خفي وهل ‪#‬‬
‫يفتقر إلى نظر واستدلل أو ل يفتقر ليس هو فرقا يعود إلى الصفة في نفسها ول‬
‫إلى موصوفها فعلم أنه ليس بين ما جعلوه ذاتيا مقوما داخل في الماهية وما جعلوه‬
‫عرضيا لزما خارجا عن الماهية فرق يعود إلى نفس الماهية التي هي الذات‬
‫الموصوفة الموجودة في الخارج ول إلى صفاتها بل جميع صفاتها اللزمة لها سواء‬
‫في ذلك وليست الماهية مركبة من هذا دون هذا ول فيها شيء يتقدم على الماهية في‬
‫الوجود الخارجي كما يقولون أن الذاتي يتقدم على الماهية في الوجود والذهن ‪ #‬ول‬
‫الصفات جواهر موجودة في الخارج لها أجزاء كأجزاء الجسام المركبة وإنما هي‬
‫صفات قائمة بالموصوف يمتنع تقدم شيء منها على الموصوف ‪ #‬ولكن إذا قيل في‬
‫النسان هو جسم حساس تام متحرك بالرادة ناطق فهنا قد يتصور الذهن هذه‬
‫المور ويعبر عنها فكل واحد منهما جزء من الجملة التي في ذهنه ولسانه ‪#‬‬
‫والجملة التي في ذهنه ولسانه مركبة من هذه الجزاء ل أن النسان الموجود في‬
‫الخارج مركب من هذه الجزاء وأنها متقدمة عليه أو أنها جواهر فإن هذا كله مما‬
‫يعلم بصريح العقل أنه باطل لكن هؤلء المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم كثيرا ما يشتبه‬
‫عليهم ما يتصورونه في الذهان بما يوجد في العيان كما أثبت من أثبت من‬
‫قدمائهم مثل‬

‫فيثاغورس وأتباعه أعدادا مجردة موجودة في الخارج ‪ #‬وقد رد ذلك عليهم سائر‬
‫العقلء كما رده من بعده منهم ‪ #‬وقالوا إن العدد المجرد والمقدار المجرد إنما يوجد‬
‫في الذهن ل في الخارج وإنما يوجد في الخارج المعدودات والمقدرات مثل الجسام‬
‫المتفرقة التي تعد كالكواكب أو المتصلة التي تقدر كالفلك وذلك هو المتصف بالكم‬
‫المتصل والكم المنفصل الموجود في الخارج ‪ #‬وأثبت أصحاب أفلطون الكليات‬
‫العقلية في الخارج التي يسمونها المثل الفلطونية وزعموا أنها قديمة أزلية وأثبتوا‬
‫بعدا‬

‫موجودا مجردا جوهرا هو الخلء وجوهرا قائما بنفسه هو الدهر وجوهرا مجردا‬
‫قائما بنفسه هو المادة والهيولى الزلية ‪ #‬وهذه كلها إنما تتصور في الذهان ل في‬
‫العيان بل وما أثبتوه من العقول المجردة العشرة هي أيضا عند التحقيق ترجع إلى‬
‫ما يجرده الذهن ويقدره فيه ل إلى موجود في الخارج ‪ #‬وأصل قولهم المجردات‬
‫والمفارقات هو مأخوذ من مفارقة النفس الناطقة للبدن بالموت وهذا حق فإن الذي‬

‫‪287‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪288‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عليه النبياء وأتباعهم وجمهور العقلء أن الروح تفارق البدن وتبقى بعد فراق‬
‫البدن ومن قال من متكلمة أهل الملل أنه ل يبقى بعد البدن روح تفارقه وأن الروح‬
‫جزء من البدن أو عرض من أعراض البدن فقوله مع أنه خطأ في العقل الصريح‬
‫هو أيضا مخالف لكتب ال المنزلة ولرسله ولمن اتبعهم من جميع أهل الملل وهذه‬
‫المور مبسوطة في غير هذا الموضع ‪ #‬والمقصود هنا التنبيه على أن تفريق‬
‫هؤلء اليونانيين في الصفات اللزمة للموصوف بين الصفات الذاتية والعرضية‬
‫اللزمة وجعلهم اللزمة منها ما هو لزم للماهية ومنها ما هو لزم لوجودها هو‬
‫مبني على أصلين فاسدين لهم خالفهم فيها جمهور عقلء المم من نظار أهل الملل‬
‫وغيرهم ‪ #‬أحد الصلين هو ما تقدم من جعلهم الصفات اللزمة للموصوف هي في‬
‫الخارج منقسمة إلى ذاتي جزء من الماهية داخل فيها والى عرضي خارج عنها‬
‫لزم لها‬

‫والثاني زعمهم أن كل موجود ممكن وله في الخارج ماهية هي ذاته وحقيقته غير ‪#‬‬
‫الموجود المعلوم المعين الثابت في الخارج وهذا أيضا مما اشتبه عليهم فيه ما في‬
‫الذهن بما في الخارج ‪ #‬فإنه إذا أريد بالماهية ما يتصور في الذهن وهو المقول في‬
‫جواب ما هو وبالوجود ما هو ثابت متحقق في الخارج فمعلوم أن هذا غير هذا كما‬
‫يقولون إنا نتصور المثلث قبل أن نعلم وجوده في الخارج فعلم أن ماهية المثلث غير‬
‫المثلث الموجود في الخارج ‪ #‬فإنه يقال لهم إن أردتم أن ما يتصور في الذهن من‬
‫المثلث غير الموجود في الخارج فهذا حق لكن ليس في هذا ما يدل على أنه في‬
‫الخارج عن الذهن شيئين ‪ #‬أحدهما ماهية المثلث التي هي حقيقته وذاته ‪ #‬الثاني‬
‫المثلث الموجود الذي هو زاوية الحائط ‪ #‬وإن أردتم أن في الخارج شيئين فهذا غلط‬
‫وهذا الموضع مما اشتبه على كثير من النظار حتى صار بعض أكابرهم حائرا‬
‫متوقفا ‪ #‬وبعضهم يختلف قوله ويتناقض وسبب ذلك عدم تمييزهم بين ما يتصور‬
‫في الذهان وبين ما يوجد في العيان ثم هذا الموضوع‬

‫نقلوه إلى الكلم في صفات ال اللزمة له كحياته وعلمه وقدرته هل هي ذاتية أو‬
‫عرضية ‪ #‬فإن قيل ذاتية لزم أن تكون له أجزاء متقدمة عليه تركب منها وإن كانت‬
‫عرضية لزمة لزم أن يكون قابل وفاعل فإن كونه فاعل غير كونه قابل فلزم أن‬
‫يكون فيه جهتان وهذا من التركيب الذي زعموه منتفيا وذلك يستلزم التركيب وهو‬
‫التركيب من الذاتيات وقد بين فساد هذا من وجوه متعددة ‪ #‬منها أن التركيب‬
‫المعقول هو تركيب الحيوان والنبات والمعادن من أبعاضه وأخلطه وتركيب‬
‫المبنيات والملبوسات والطعمة والشربة من أبعاضها وأخلطها ‪ #‬وأما تركيب‬
‫الجسام من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة فهذا مما تنازع فيه جمهور‬
‫العقلء وكذلك تركيب الشيء من الموجود والماهية سواء كان واجبا أو ممكنا هو‬
‫مما تنازع فيه جمهور العقلء وكذلك تركبه من الصفات الذاتية المشتركة والمميزة‬
‫التي يسمونها الجنس والفصل‬

‫‪288‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪289‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأما اتصاف الذات بصفات تقوم بها فهذا هو الذي يعرفه عامة العقلء ولكن ل ‪#‬‬
‫يسمون هذا تركيبا فمن سماه تركيبا لم يكن نزاعه اللفظي قادحا فيما علم بالدلة‬
‫السمعية والعقلية ‪ #‬ثم هم يقولون المركب يفتقر إلى أجزائه وأجزاؤه غيره وواجب‬
‫الوجود ل يفتقر إلى غيره وهذه كلها ألفاظ مجملة فإن لفظ الفتقار هنا لم يعنوا به‬
‫افتقار المفعول إلى فاعله ول المعلول إلى علته الفاعلية فإن جزء الشيء ل يكون‬
‫فاعله ول علته الموجبة له بل يريدون به التلزم والشتراط فإن وجود المجموع‬
‫مستلزم لوجود أجزائه وهو مشروط بذلك ‪ #‬ومنها أن لفظ الجزء ليس مرادهم جزءا‬
‫مباينا للجملة فإن جزء الجملة ليس مباينا لها ‪ #‬ومنها لفظ الغير فإنه يراد بالغيرين‬
‫ما يجوز مباينة أحدهما لصاحبه أو مفارقته له بزمان أو مكان أو وجود ويراد بهما‬
‫ما يجوز العلم بأحدهما دون الخر وبعض المجموع وصفة الموصوف ل يجب أن‬
‫تفارقه وتباينه بل قد يجوز أن تباينه ويجوز أن ل تباينه ‪ #‬فصفات الرب عز وجل‬
‫اللزمة له ل يجوز أن تفارقه وتباينه وحينئذ فمن الناس من ل يسميها غيرا له ومن‬
‫سماها غيرا له فذاته مستلزمة لها ليست الصفات فاعلة للذات ول علة موجبة لها ‪#‬‬
‫ولفظ واجب الوجود يراد به الموجود بنفسه الذي ل فاعل له ول علة فاعلة له وذات‬
‫الرب عز وجل وصفاته واجبة الوجود بهذا العتبار ويراد به مع ذلك المستغني عن‬
‫محل يقوم به والذات‬

‫بهذا المعنى واجبة دون الصفات ويراد به ما ل تعلق له بغيره وهذا ل حقيقة له فإن‬
‫الرب تعالى له تعلق بمخلوقاته ل سيما عند هؤلء الفلسفة الدهرية الذين يقولون إنه‬
‫موجب بذاته للفلك مستلزم لها فيجعلونه ملزوما لمفعولته فكيف ينكرون أن تكون‬
‫ذاته ملزومة لصفاته ‪ #‬وهؤلء المتفلسفة اليونانيون الذين يسمون المشائين أتباع‬
‫أرسطو صاحب التعاليم المنطق الطبيعي والرياضي واللهي يقولون إن موضوع‬
‫العلم الطبيعي متعلق بالمادة في الذهن والخارج من الجسم وأحكامه ‪ #‬والثاني‬
‫الرياضي وهو متعلق بالمادة في الخارج ل في الذهن فإنه ل يوجد عددا ول مقدارا‬
‫في الخارج إل في جسم في الخارج أو عرض معدود أو مقدر منفصل بخلف‬
‫الذهن فإنه يجرد أعدادا ومقادير مجردة عن المعدودات والمقدرات ‪ #‬والثالث الذي‬
‫يسمونه علم ما بعد الطبيعة باعتبار السلوك العلمي وهو علم ما قبلها باعتبار الوجود‬
‫العيني ويسمونه أيضا العلم اللهي وموضوعه عندهم المجرد عن المادة في الذهن‬
‫والخارج وهو الموجود من حيث هو موجود وانقسامه إلى جوهر وعرض وانقسام‬
‫الجوهر إلى جسم وغير جسم وانقسام الجسم إلى المادة والصورة والعقول والنفوس‬

‫والعلة الولى يسميها أرسطو وأتباعه جوهرا ول يسميها واجب الوجود وأما ‪#‬‬
‫متأخروهم كابن سينا وأتباعه يسمونها واجب الوجود ول يسمونها جوهرا والكلم‬
‫على هؤلء مبسوط في موضع آخر إذ المقصود هنا أن هذه المور التي يقولون هي‬
‫موضوع العلم اللهي وهي المجردة عندهم عن المادة في الذهن والخارج هي عند‬
‫التحقيق وجودها في الذهان ل في العيان ‪ #‬فإن الوجود العام الكلي ل يوجد عاما‬
‫كليا إل في الذهان ل في العيان كما أن النسان العام الكلي والحيوان العام الكلي‬

‫‪289‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪290‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ل يوجد عاما كليا إل في الذهان ل في العيان ‪ #‬وقد بسط الكلم على هؤلء في‬
‫غير هذا الموضع وبين أن اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أقرب إلى الحق في‬
‫المور اللهية منهم ‪ #‬وهذه المور مبسوطة في موضع آخر ولكن نبهنا عليها‬
‫لتعلقها هنا بقول هؤلء النصارى إن صفات الرب الثلث هي جوهرية دون غيرها‬
‫وأنهم إن عنوا بذلك ما يعنيه هؤلء بالذاتية فقولهم باطل مبني على أصل باطل ‪#‬‬
‫فإن تفريق هؤلء اليونان في الصفات اللزمة بين الذاتي والعرضي اللزم للموجود‬
‫والعرضي اللزم للماهية والعرضي اللزم‬

‫للموصوف فرق باطل وقد ذكروا ثلث فروق كلها باطلة كما تقدم ‪ #‬الول الوسط‬
‫‪ #‬والفرق الثاني تقدم الذاتي ذهنا ووجودا بخلف اللزم العرضي ‪ #‬والثالث توقف‬
‫الحقيقة على الذات ‪ #‬وقد تبين بطلن هذا في غير هذا الموضع ‪ #‬والنصارى ليس‬
‫مرادهم بالجوهرية ما يريده هؤلء بالذاتية فلهذا لم نبسط الكلم عليه بل يقولون إن‬
‫الثلثة جواهر وهؤلء المنطقيون يفرقون بين اللزم للماهية واللزم لوجودها بناء‬
‫على أن في الخارج شيئين الوجود وماهية أخرى غير الوجود ‪ #‬والكلم على هذا‬
‫كله مبسوط في موضع آخر ‪ #‬ومنها أنه لو قدر أن صفات الموصوفات اللزمة لها‬
‫تنقسم إلى ذاتي مقوم وعرضي لزم وأن صفات الرب سبحانه كذلك لم يكن‬
‫تخصيص العلم بأنه ذاتي أولى من القدرة فليس ذكر القائم بنفسه الحي العالم بأولى‬
‫من ذكر القائم بنفسه الحي القادر ‪ #‬والنصارى لما كانت القانيم عندهم ثلثة‬
‫وزعموا أن الشرع المنزل دل على ذلك وكانوا في ذلك مخالفين للشرع المنزل إليهم‬

‫كما قد بسط في موضعه صار طائفة منهم يقولون موجود حي عالم وطائفة يقولون‬
‫موجود عالم قادر فيجعلون القادر مكان الحي ويجعلون روح القدس هو القدرة ‪#‬‬
‫وهذا القول وإن كان أحسن في المعنى لكن تفسير روح القدس بالقدرة في غاية البعد‬
‫الذي يظهر فساده لكل أحد ‪ #‬ول بد لهم من إثبات أقنوم الكلمة الذي يقولون تارة‬
‫هي العلم وتارة هي الحكمة ويسمونها تارة النطق كما سموها في كتابهم هذا لن‬
‫الذي اتحد بالمسيح عندهم هو أقنوم الكلمة فصاروا تارة يضمون إليها الحياة وتارة‬
‫يضمون إليها القدرة ‪ #‬والب تارة يقولون هو الوجود وتارة يقولون القائم بنفسه‬
‫وتارة يقولون الذات وتسمى القائم بنفسه بالسريانية الكيان وتارة يقولون الجود ‪#‬‬
‫وكل هذا من الحيرة والضلل لنهم ل يجدون ثلث معاني هي المستحقة لن تكون‬
‫جوهرية دون غيرها من الصفات سواء فسرت الجوهرية بأنها جواهر أو بأنها ذاتية‬
‫مقومة أو بغير ذلك ‪ #‬ومنها قولهم تجري مجرى أسماء فإن أرادوا بذلك أسماء‬
‫أعلم أو جامدة وسائرها صفات فاسم الحي والعالم اسم مشتق يدل على معنى العلم‬
‫والحياة كما يدل القدير على القدرة وإن أرادوا أنه يسمى بها فلله تعالى أسماء كثيرة‬
‫فإنه سبحانه له السماء الحسنى‬

‫ومن أسمائه القدير والقدرة تستلزم من قدرته على المخلوقات ما ل يدل عليه العلم ‪#‬‬
‫وخلقه للمخلوقات يدل على قدرته أبلغ من دللته على علمه واختصاصه بالقدرة‬

‫‪290‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪291‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أظهر من اختصاصه بالعلم حتى إن طائفة من النظار كأبي الحسن الشعري وغيره‬
‫يقول أخص وصفه القدرة على الختراع فل يوصف بذلك غيره ‪ #‬والجهم بن‬
‫صفوان قبله يقول ليس في الوجود قادر غيره ول لغيره قدرة والشعري وإن أثبت‬
‫للمخلوق قدرة لكن يثبت قدرة ل تؤثر في المقدور ولم يقل أحد من العقلء إن أخص‬
‫وصفه الحياة والعلم ول إن غيره ليس بحي ول عالم فكان جعل القدير اسما وغيره‬
‫صفة إن كان الفرق حقا أولى من العكس فكيف إذا كان الفرق باطل فإن أسماءه‬
‫تعالى التي يعرفها الناس هي أسماء وهي صفات في اصطلح أهل العربية تدل‬
‫على معاني هي صفاته القائمة به ‪ #‬فالحي يدل على الحياة والعليم يدل على العلم‬
‫والقدير يدل على القدرة هذا مذهب سلف المة وجماهير المم ومن الناس فرقة‬
‫شاذة تزعم أن هذه السماء ل تدل على معاني كأسماء العلم وقد تنازع الناس فيما‬
‫يسمى به سبحانه ويسمى به غيره كالحي والعليم والقدير ‪ #‬فالجمهور على أنه‬
‫حقيقة فيهما وقالت طائفة كأبي العباس الناشي إنها حقيقة في الرب عز وجل مجاز‬
‫في المخلوق‬

‫وقالت طائفة عكس هؤلء من الجهمية والملحدة والمتفلسفة إنها مجاز في الرب‬
‫عز وجل حقيقة في المخلوق والولون هي عندهم متواطئة وقد يسمونها مشككة لما‬
‫فيها من التفاضل وبعضهم يقول هي مشتركة اشتراكا لفظيا‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم كل صفة منها غير الخرى ‪ #‬فهذا إن أرادوا به أن صفات‬
‫الرب سبحانه وتعالى قد تباينه وتنفصل عنه وهو حقيقة قولهم ويقولون مع ذلك أنها‬
‫متصلة به فهو جمع بين النقيضين وتمثيلهم بشعاع الشمس تمثيل باطل وهو حجة‬
‫عليهم ل لهم ‪ #‬فإن الشعاع القائم بالهواء والرض والجبال والشجر والحيطان ليس‬
‫هو قائم بذات الشمس ‪ #‬والقائم بذات الشمس ليس هو قائما بالهواء والرض ‪ #‬فإن‬
‫قالوا بل ما يقوم به من العلم يفيض منه على قلوب النبياء علوم كما يفيض الشعاع‬
‫من الشمس ‪ #‬قيل لهم ل اختصاص للمسيح بهذا بل هذا قدر مشترك بينه وبين غيره‬
‫من النبياء وليس في هذا حلول ذات الرب ول صفته القائمة به بشيء من مخلوقاته‬
‫ول أن العبد بما حل فيه من العلم واليمان يصير إلها معبودا‬

‫وإن أرادوا أنها قائمة به وتسمى كل واحدة غير الخرى فهنا نزاع لفظي هل ‪#‬‬
‫تسمى غيرا أو ل تسمى غيرا ‪ #‬فإن من الناس من يقول كل صفة للرب عز وجل‬
‫فهي غير الخرى ويقول الغيران ما جاز وجود أحدهما مع عدم الخر أو ما جاز‬
‫العلم بأحدهما مع الجهل بالخر ‪ #‬ومنهم من يقول ليست هي الخرى ول هي هي‬
‫لن الغيرين ما جاز وجود أحدهما مع عدم الخر أو ما جاز مفارقة أحدهما الخر‬
‫بزمان أو مكان أو وجود ‪ #‬والذي عليه سلف المة وأئمتها إذا قيل لهم علم ال‬
‫وكلم ال هل هو غير ال أم ل لم يطلقوا النفي ول الثبات فإنه إذا قال غيره أوهم‬
‫أنه مباين له ‪ #‬وإذا قال ليس غيره أوهم أنه هو بل يستفصل السائل فإن أراد بقوله‬

‫‪291‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪292‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫غيره أنه مباين له منفصل عنه فصفات الموصوف ل تكون مباينة له منفصلة عنه‬
‫وإن كان مخلوقا فكيف بصفات الخالق ‪ #‬وإن أراد بالغير أنها ليست هي هو فليست‬
‫الصفة هي الموصوف فهي غيره بهذا العتبار واسم الرب تعالى إذا أطلق يتناول‬
‫الذات المقدسة بما يستحقه من صفات الكمال فيمتنع وجود الذات عرية عن صفات‬
‫الكمال ‪ #‬فاسم ال يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال وهذه الصفات ليست‬
‫زائدة على هذا المسمى بل هي داخلة في المسمى ولكنها‬

‫زائدة على الذات المجردة التي تثبتها نفاة الصفات فأولئك لما زعموا أنه ذات مجردة‬
‫قال هؤلء بل الصفات زائدة على ما أثبتموه من الذات ‪ #‬وأما في نفس المر فليس‬
‫هناك ذات مجردة تكون الصفات زائدة عليها بل الرب تعالى هو الذات المقدسة‬
‫الموصوفة بصفات الكمال وصفاته داخلة في مسمى أسمائه سبحانه وتعالى‬

‫فصل ‪ #‬وقولهم فالله واحد خالق واحد رب واحد ‪ #‬هو حق في نفسه لكن قد‬
‫نقضوه بقولهم في عقيدة إيمانهم نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد إله‬
‫حق من إله حق من جوهر أبيه مساو الب في الجوهر فأثبتوا هنا إلهين ثم أثبتوا‬
‫روح القدس إلها ثالثا وقالوا إنه مسجود له فصاروا يثبتون ثلثة آلهة ويقولون إنما‬
‫نثبت إلها واحدا وهو تناقض ظاهر وجمع بين النقيضين بين الثبات والنفي ‪ #‬ولهذا‬
‫قال طائفة من العقلء إن عامة مقالت الناس يمكن تصورها إل مقالة النصارى‬
‫وذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا بل تكلموا بجهل وجمعوا في كلمهم‬
‫بين النقيضين ولهذا قال بعضهم لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر‬
‫قول وقال آخر لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم لقال الرجل‬
‫قول وامرأته قول آخر وابنه قول ثالثا‬

‫فصل ‪ #‬وقولهم ل يتبعض ول يتجزأ مناقض لما ذكروه في أمانتهم ولما يمثلونه به‬
‫‪ #‬فإنه يمثلونه بشعاع الشمس والشعاع يتبعض ويتجزأ فإن ما يقوم منه بهذا‬
‫الموضع بعض وجزء منه ويمكن زوال بعضه مع بقاء بعض فإنه إذا وضع على‬
‫مطرح الشعاع شيء فصل ما بين جانبيه وصار الشعاع الذي كان بينهما على ذلك‬
‫الفوقاني فاصل بين الشعاعين السافلين ‪ #‬يبين ذلك أن الشعاع قائم بالرض والهواء‬
‫وكل منهما متجزىء متبعض وما قام بالمتبعض فهو متبعض فإن الحال يتبع المحل‬
‫وذلك يستلزم التبعض والتجزىء فيما قام به ‪ #‬ويقولون أيضا إنه اتحد بالمسيح وأنه‬
‫صعد إلى السماء وجلس عن يمين الب وعندهم أن اللهوت منذ اتحد بالناسوت لم‬
‫يفارقه بل لما صعد إلى السماء وجلس عن يمين الب كان الصاعد عندهم هو‬
‫المسيح الذي هو ناسوت ولهوت إله تام وإنسان تام فهم ل يقولون إن الجالس عن‬
‫يمين الب هو الناسوت فقط بل اللهوت المتحد‬

‫‪292‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪293‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالناسوت جلس عن يمين اللهوت فأي تبعيض وتجزئة أبلغ من هذا ‪ #‬وليس هذا‬
‫من كلم النبياء حتى يقال إن له معنى ل نفهمه بل هو من كلم أكابرهم الذي‬
‫وضعوه وجعلوه عقيدة إيمانهم فإن كانوا تكلموا بما ل يعقلونه فهم جهال ل يجوز أن‬
‫يتبعوا وإن كانوا يعقلون ما قالوه فل يعقل أحد من كون اللهوت المتحد بالناسوت‬
‫جلس عن يمين اللهوت المجرد عن التحاد إل أن هذا اللهوت المجرد منفصل‬
‫مباين للهوت المتحد وليس هو متصل به بل غايته أن يكون مماسا له بل يجب أن‬
‫يكون الذي يماس اللهوت المجرد هو الناسوت مع اللهوت المتحد به فهذا حقيقة‬
‫التبعيض والتجزئة مع انفصال أحد البعضين عن الخر ‪ #‬وأيضا فيقال لهم المتحد‬
‫بالمسيح أهو ذات رب العالمين أم صفة من صفاته فإن كان هو الذات فهو الب‬
‫نفسه ويكون المسيح هو الب نفسه وهذا مما اتفق النصارى على بطلنه فإنهم‬
‫يقولون هو ال وهو ابن ال كما حكى ال عنهم ول يقولون هو الب والبن والب‬
‫عندهم هو ال وهذا من تناقضهم ‪ #‬وإن قالوا المتحد بالمسيح صفة الرب فصفة‬
‫الرب ل تفارقه ول يمكن اتحادها ول حلولها في شيء دون الذات ‪ #‬وأيضا فالصفة‬
‫نفسها ليست هي الله الخالق رب العالمين بل هي صفته ول يقول عاقل إن كلم ال‬
‫أو علم ال أو حياة ال هي‬

‫رب العالمين الذي خلق السماوات والرض فلو قدر أن المسيح هو صفة ال نفسها‬
‫لم يكن هو ال ولم يكن هو رب العالمين ول خالق السماوات والرض ‪#‬‬
‫والنصارى يقولون إن المسيح رب العالمين خالق كل شيء وهو خالق آدم ومريم‬
‫وإن كان ابن آدم ومريم فإنه خالق ذلك بلهوته وهو ابن آدم ومريم بناسوته ‪ #‬فلو‬
‫قدر أن المسيح هو صفة الرب لم تكن الصفة هي الخالق فكيف والمسيح ليس هو‬
‫صفة ال نفسها بل هو مخلوق بكلمة ال وسمى كلمة ال لن ال كونه بكن ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل أن يتخذ من‬
‫ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬وسماه روحه لنه خلقه من‬
‫نفخ روح القدس في أمه لم يخلقه كما خلق غيره من أب آدمي ‪ #‬قال ال تعالى ‪^ #‬‬
‫إن ال يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة‬
‫ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهل ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي‬
‫ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن‬
‫^ فيكون‬

‫وإن قالوا المتحد به بعض ذلك دون بعض فقد قالوا بالتبعيض والتجزئة فهم بين ‪#‬‬
‫أمرين إما بطلن مذهبهم وإما اعترافهم بالتبعيض والتجزئة مع بطلنه ‪ #‬وأيضا‬
‫فقولهم إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو للب في‬
‫الجوهر ابن ال الوحيد المولود قبل كل الدهور ‪ #‬يقال لهم هذا البن المولود‬
‫المساوي للب في الجوهر الذي هو إله حق من إله حق هل هو صفة قائمة بغيرها‬
‫أو عين قائمة بنفسها ‪ #‬فإن كان الول فالصفة ليست إلها ول هي خالقة ول يقال لها‬
‫مولودة من ال ول أنها مساوية ل في الجوهر ولم يسم قط أحد من النبياء ول أتباع‬

‫‪293‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪294‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النبياء صفات ال ل ابنا له ول ولدا ول قال إن صفة ال تولدت منه ول قال عاقل‬
‫إن الصفة القديمة تولدت من الذات القديمة ‪ #‬وهم يقولون إن المسيح إله خلق‬
‫السماوات والرض لتحاد ناسوته بهذا البن المولود قبل كل الدهور المساوي الب‬
‫في الجوهر ‪ #‬وهذا كله نعت عين قائمة بنفسها كالجواهر القائمة بنفسها ل نعت‬
‫صفات قائمة بغيرها وإذا كان كذلك كان التبعيض والتجزئة‬

‫لزمة لقولهم فإن القول بالولدة الطبيعية مستلزم لن يكون خرج منه جزء قال‬
‫تعالى ‪ #‬سورة الزخرف اليات ‪ # 19 15‬وأما هذا المعنى الذي يثبته من يثبته من‬
‫علماء النصارى ويسمونه ولدة وبنوة فيسمونه الصفة القديمة الزلية القائمة‬
‫بالموصوف ابنا ويسمونها تارة النطق وتارة الكلمة وتارة العلم وتارة الحكمة‬
‫ويقولون هذا مولود من ال وابن ال ‪ #‬فهذا لم يقله أحد من النبياء وأتباعهم ول من‬
‫سائر العقلء غير هؤلء المبتدعة من النصارى ول يفهم أحد من العقلء من اسم‬
‫الولدة والبنوة هذا المعنى ‪ #‬والنبياء لم يطلقوا لفظ البن إل على مخلوق وهم‬
‫يقولون هو أب للمسيح بالطبع ولغيره بالوضع فل يعقل جمهور العقلء‬

‫وغيرهم من هذا المعنى إل البنوة المعقولة بانفصال جزء من الوالد وهذا ينكره من‬
‫ينكره من علمائهم ‪ #‬لكنهم لم يتبعوا النبياء ولم يقولوا ما تعقله العقلء فضلوا فيما‬
‫نقوله عن النبياء وأضلوا أتباعهم فيما قالوه وعوامهم وإن كانوا ل يقولون إن ولدة‬
‫ال مثل ولدة الحيوان بانفصال شيء يوجد فيقولون ولدة لهوتية بانفصال جزء‬
‫من اللهوت حل في الناسوت ل يعقل من الولدة غير هذا ‪ #‬وأيضا فقولهم ونؤمن‬
‫بروح القدس الرب المحي المنبثق من الب الذي هو مع الب مسجود له وممجد‬
‫ناطق في النبياء فقولهم المنبثق من الب الذي هو مع الب مسجود له وممجد‬
‫يمتنع أن يقال هذا في حياة الرب القائمة به فإنها ليست منبثقة منه كسائر الصفات إذ‬
‫لو كان القائم بنفسه منبثقا لكان علمه وقدرته وسائر صفاته منبثقة منه بل النبثاق‬
‫في الكلم أظهر منه في الحياة فإن الكلم يخرج من المتكلم وأما الحياة فل تخرج‬
‫من الحي فلو كان في‬

‫الصفات ما هو منبثق لكان الصفة التي يسمونها البن ويقولون هي العلم والكلم أو‬
‫النطق والحكمة أولى بأن تكون منبثقة من الحياة التي هي أبعد عن ذلك من الكلم ‪#‬‬
‫وقد قالوا أيضا إنه مع الب مسجود له وممجد والصفة القائمة بالرب ليست معه‬
‫مسجود لها وقالوا هو ناطق في النبياء وصفة الرب القائمة به ل تنطق في النبياء‬
‫بل هذا كله صفة روح القدس الذي يجعله ال في قلوب النبياء أو صفة ملك من‬
‫الملئكة كجبريل فإذا كان هذا منبثقا من الب والنبثاق الخروج فأي تبعيض‬
‫وتجزئة أبلغ من هذا ‪ #‬وإذا شبهوه بانبثاق الشعاع من الشمس كان هذا باطل من‬
‫وجوه ‪ #‬منها أن الشعاع عرض قائم بالهواء والرض وليس جوهرا قائما بنفسه‬
‫وهذا عندهم حي مسجود له وهو جوهر ‪ #‬ومنها أن ذلك الشعاع القائم بالهواء‬
‫والرض ليس صفة للشمس ول قائما بها وحياة الرب صفة قائمة به ‪ #‬ومنها أن‬

‫‪294‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪295‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النبثاق خصوا به روح القدس ولم يقولوا في الكلمة إنها منبثقة ‪ #‬والنبثاق لو كان‬
‫حقا لكان بالكلمة أشبه منه بالحياة وكلما تدبر العاقل كلمهم في المانة وغيرها وجد‬
‫فيه من التناقض والفساد‬

‫ما ل يخفى إل على أجهل العباد ووجد فيه من مناقضته التوراة والنجيل وسائر‬
‫كتب ال ما ل يخفى من تدبر هذا وهذا ‪ #‬ووجد فيه من مناقضة صريح المعقول ما‬
‫ل يخفى إل على معاند أو جهول فقولهم متناقض في نفسه مخالف لصريح المعقول‬
‫وصحيح المنقول عن جميع النبياء والمرسلين صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأما تجسم كلمة ال الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة‬
‫مع الناسوت فإنه لم يخاطب الباري أحدا من النبياء إل وحيا أو من وراء حجاب‬
‫حسب ما جاء في هذا الكتاب بقوله ‪ ^ #‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من‬
‫وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء ^ ‪ #‬وإذا كانت اللطائف ل‬
‫تظهر إل في الكثائف روح القدس وغيرها فكلمة ال التي بها خلقت اللطائف‬
‫والكثائف تظهر في غير كثيف كل ‪ #‬ولذلك ظهر في عيسى بن مريم إذ النسان‬
‫أجل ما خلقه ال ولهذا خاطب الخلق وشاهدوا منه ما شاهدوا‬

‫والجواب من طرق ‪ #‬أحدها أنه يقال هذا الذي ذكروه وادعوا أنه تجسم كلمة ال ‪#‬‬
‫الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة مع الناسوت وهو الذي يعبر عنه‬
‫باتحاد اللهوت بالناسوت هو أمر ممتنع في صريح العقل وما علم أنه ممتنع في‬
‫صريح العقل لم يجز أن يخبر به رسول فإن الرسل إنما تخبر بما ل يعلم بالعقل أنه‬
‫ممتنع فأما ما يعلم بصريح العقل أنه ممتنع فالرسل منزهون عن الخبار عنه ‪#‬‬
‫الطريق الثاني أن الخبار اللهية صريحة بأن المسيح عبد ال ليس بخالق العالم‬
‫والنصارى يقولون هو إله تام وإنسان تام ‪ #‬الطريق الثالث الكلم فيما ذكروه ‪ #‬فأما‬
‫الطريق الول فمن وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال المتحد بالمسيح إما أن يكون هو الذات‬
‫المتصفة بالكلم أو الكلم فقط وإن شئت قلت المتحد به إما الكلم مع الذات وإما‬
‫الكلم بدون الذات فإن كان المتحد به الكلم مع الذات كان المسيح هو الب وهو‬
‫البن وهو روح القدس وكان المسيح هو القانيم الثلثة ‪ #‬وهذا باطل باتفاق‬
‫النصارى وسائر أهل الملل وباتفاق الكتب اللهية وباطل بصريح العقل كما سنذكره‬
‫إن شاء ال ‪ #‬وإن كان المتحد به هو الكلمة فقط فالكلمة صفة والصفة ل تقوم‬

‫بغير موصوفها والصفة ليست إلها خالقا والمسيح عندهم إله خالق فبطل قولهم على‬
‫التقديرين وإن قالوا المتحد به الموصوف بالصفة فالموصوف هو الب والمسيح‬
‫عندهم ليس هو الب وإن قالوا الصفة فقط فالصفة ل تفارق الموصوف ول تقوم‬
‫بغير الموصوف والصفة ل تخلق ول ترزق وليست الله والصفة ل تقعد عن يمين‬
‫الموصوف والمسيح عندهم صعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه ‪ #‬وأما كونه هو‬

‫‪295‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪296‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الب فقط وهو الذات المجردة عن الصفات فهذا أشد استحالة وليس فيهم من يقول‬
‫بهذا ‪ #‬الوجه الثاني أن الذات المتحدة بناسوت المسيح مع ناسوت المسيح إن كانتا‬
‫بعد التحاد ذاتين وهما جوهران كما كانا قبل التحاد فليس ذلك باتحاد ‪ #‬وإن قيل‬
‫صارا جوهرا واحدا كما يقول من يقول منهم إنهما صارا كالنار مع الحديدة أو اللبن‬
‫مع الماء فهذا يستلزم استحالة كل منهما وانقلب صفة كل منهما بل حقيقته كما‬
‫استحال الماء واللبن إذا اختلطا والنار مع الحديدة وحينئذ فيلزم أن يكون اللهوت‬
‫استحال وتبدلت صفته وحقيقته والستحالة ل تكون إل بعدم شيء ووجود آخر فيلزم‬
‫عدم شيء من القديم الواجب الوجود بنفسه‬

‫وما وجب قدمه استحال عدمه وما وجب وجوده امتنع عدمه فإن القديم ل يكون‬
‫قديما إل لوجوبه بنفسه أو لكونه لزما للواجب بنفسه إذ لو لم يكن لزما له بل كان‬
‫غير لزم له لم يكن قديما بقدمه والواجب بنفسه يمتنع عدمه ولزمه ل يعدم إل‬
‫بعدمه فإنه يلزم من انتفاء اللزم انتفاء الملزوم ‪ #‬الوجه الثالث أن يقال الناس لهم‬
‫في كلم ال عز وجل عدة أقوال وقول النصارى باطل على جميع القوال التي قالها‬
‫الناس في كلم ال فثبت بطلنه على كل تقدير وذلك أن كلم ال سبحانه إما أن‬
‫يكون صفة له قائما به وإما أن يكون مخلوقا له بائنا عنه وإما أن يكون ل هذا ول‬
‫هذا بل هو ما يوجد في النفوس وهذا الثالث هو أبعد القوال عن أقوال النبياء وهو‬
‫قول من يقول من الفلسفة والصابئة إن الرب ل تقوم به الصفات وليس هو خالقا‬
‫باختياره ‪ #‬ويقولون مع ذلك إنه ليس عالما بالجزئيات ول قادرا على تغيير الفلك‬
‫بل كلمه عندهم ما يفيض على النفوس وربما سموه كلما بلسان الحال ‪ #‬وهؤلء‬
‫ينفون الكلم عن ال ويقولون ليس بمتكلم وقد يقولون متكلم مجازا لكن لما نطقت به‬
‫النبياء عليهم الصلة والسلم أطلقه من دخل في الملل منهم ثم فسره بمثل هذا وهذا‬
‫أحد قولي الجهمية‬

‫والقول الثاني أنه متكلم حقيقة لكن كلمه مخلوق خلقه في غيره وهو قول ‪#‬‬
‫المعتزلة وغيرهم والقول الخر للجهمية ‪ #‬وعلى هذين القولين فليس ل كلم قائم به‬
‫حتى يتحد بالمسيح أو يحل به والمخلوق عرض من العراض ليس بإله خالق‬
‫وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى من يقول بهذا وهذا ‪ #‬وأما القول الول‬
‫وهو قول سلف الئمة وأئمتها وجمهورها وقول كثير من سلف أهل الكتاب‬
‫وجمهورهم فإما أن يقال الكلم قديم النوع بمعنى أنه لم يزل يتكلم بمشيئته أو قديم‬
‫العين وإما أن يقال ليس بقديم بل هو حادث والول هو القول المعروف عن أئمة‬
‫السنة والحديث ‪ #‬وأما القائلون بقدم العين فهم يقولون الكلم ل يتعلق بمشيئته‬
‫وقدرته لعتقادهم أنه ل تحله الحوادث وما كان بمشيئته وقدرته ل يكون إل حادثا‬
‫‪ #‬ولهم قولن منهم قال القديم معنى واحد أو خمسة معان وذلك المعنى يكون أمرا‬
‫ونهيا وخبرا وهذه صفات له ل أقسام له وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر‬
‫عنه بالعبرية كان توراة ‪ #‬ومنهم من قال هو حروف أو حروف وأصوات قديمة‬
‫العيان ‪ #‬والقول الثالث إنه متكلم بمشيئته وقدرته كلما قائما بذاته قالوا وهو‬

‫‪296‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪297‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حادث ويمتنع أن يكون قديما لمتناع كون المقدور‬

‫المراد قديما وهذه الطوائف بنوا أقوالهم على أن ما لم يخل عن الحوادث فهو حادث‬
‫لمتناع وجود ما ل نهاية له عندهم وإذا امتنع ذلك تعين أن يكون لنوع الحوادث‬
‫ابتداء كما للحادث المعنى ابتداء ولم يسبق الحوادث كان معه أو بعده فيكون حادثا‬
‫فلهذا منع هؤلء أن تكون كلمات ال ل نهاية لها في الزل وإن كان من هؤلء من‬
‫يقول بدوام وجودها في البد ‪ #‬وأما القول بأن كلمات ال ل نهاية لها مع أنها قائمة‬
‫بذاته فهو القول المأثور عن أئمة السلف وهو قول أكثر أهل الحديث وكثير من أهل‬
‫الكلم ومن الفلسفة وهذه القوال قد بسط الكلم عليها في غير موضع ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أن قول النصارى باطل على كل قول من هذه القوال الربعة كما‬
‫تقدم بيان بطلنه على ذينك القولين فإنه على قول الجمهور الذين يجعلون ل كلمات‬
‫كثيرة إما كلمات ل نهاية لها ولم تزل وإما كلمات لها ابتداء وإذا كان له كلمات‬
‫كثيرة فالمسيح ليس هو الكلمات التي ل نهاية لها وليس هو كلمات كثيرة بل إنما‬
‫خلق بكلمة من كلمات ال كما في الكتب اللهية القرآن والتوراة إنه يخلق الشياء‬
‫بكلماته ‪ #‬قال تعالى في قصة بشارة مريم بالمسيح ‪ ^ #‬قالت رب أنى يكون لي ولد‬
‫ولم يمسسني بشر قال كذلك ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن‬
‫^ فيكون‬

‫وقال أيضا ‪ ^ #‬إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن‬
‫فيكون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان ل‬
‫أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬وقد أخبر ال‬
‫في القرآن بخلقه للشياء بكلماته في غير موضع بقوله ‪ ^ #‬إنما أمره إذا أراد شيئا‬
‫أن يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬وفي التوراة ليكن يوم الحد ليكن كذا ليكن كذا ‪ #‬وأيضا‬
‫فعلى قول هؤلء وعلى قول من يجعل كلمه إما معنى واحدا وإما خمسة معاني‬
‫وإما حروف وأصوات هي شيء واحد فكلهم يقولون إن الكلم صفة قائمة‬
‫بالموصوف ل يتصور أن يكون جوهرا قائما بنفسه ول يتصور أن يكون خالقا ول‬
‫للكلم مشيئة ول هو جوهر آخر غير جوهر المتكلم ول يتحد بغير المتكلم بل‬
‫جمهورهم يقولون إنه ل يحل أيضا بغير المتكلم ‪ #‬ومن قال بالحلول منهم فل يقول‬
‫إن الحال جوهر ول إله خالق فتبين أن ما قاله النصارى باطل على جميع القوال‬
‫التي قالها الناس‬

‫في كلم ال مع أن أكثر هذه القوال خطأ ولما كان قول النصارى فساده أظهر‬
‫للعقلء كان الخطأ الذي في أكثر هذه القوال قد خفي على العقلء الذين قالوها ولم‬
‫يخف عليهم فساد قول النصارى ‪ #‬وأيضا فالذين قالوا بالحلول من الغلة الذين‬
‫يكفرهم المسلمون كالذين يقولون بحلوله في بعض أهل البيت أو بعض المشايخ هم‬
‫وإن كانوا كفارا شاركوا النصارى في الحلول ولكن لم يقولوا أن الكلمة التي حلت‬
‫هي الله الخالق فيتناقضون تناقضا ظاهرا مثل ما في قول النصارى من التناقض‬

‫‪297‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪298‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫البين ما ليس في قول هؤلء وإن كانوا في بعض الوجوه قولهم شر من قول‬
‫النصارى ‪ #‬الوجه الرابع أن يقال لو كان المسيح نفس كلمة ال فكلمة ال ليست هي‬
‫الله الخالق للسماوات والرض ول هي تغفر الذنوب وتجزي الناس بأعمالهم سواء‬
‫كانت كلمته صفة له أو مخلوقة له كسائر صفاته ومخلوقاته فإن علم ال وقدرته‬
‫وحياته لم تخلق العالم ول يقول أحد يا علم ال اغفر لي ويا قدرة ال توبي علي ويا‬
‫كلم ال ارحمني ول يقول يا توراة ال‬

‫أو يا إنجيله أو يا قرآنه اغفر لي وارحمني وإنما يدعو ال سبحانه وهو سبحانه‬
‫متصف بصفات الكمال فكيف والمسيح ليس هو نفس الكلم ‪ #‬فإن المسيح جوهر‬
‫قائم بنفسه والكلم صفة قائمة بالمتكلم وليس هو نفس الرب المتكلم فإن الرب المتكلم‬
‫هو الذي يسمونه الب والمسيح ليس هو الب عندهم بل البن فضلوا في قولهم من‬
‫جهات ‪ #‬منها جعل القانيم ثلثة وصفات ال ل تختص بثلثة ‪ #‬ومنها جعل الصفة‬
‫خالقة والصفة ل تخلق ‪ #‬ومنها جعلهم المسيح نفس الكلمة والمسيح خلق بالكلمة‬
‫فقيل له كن فكان كما سيأتي إن شاء ال تعالى تفسير ذلك وإنما خص المسيح‬
‫بتسميته كلمة ال دون سائر البشر لن سائر البشر خلقوا على الوجه المعتاد في‬
‫المخلوقات يخلق الواحد من ذرية آدم من نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ينفخ فيه الروح‬
‫وخلقوا من ماء البوين الب والم ‪ #‬والمسيح عليه السلم لم يخلق من ماء رجل‬
‫بل لما نفخ روح القدس في أمه حبلت به وقال ال كن فكان ولهذا شبهه ال بآدم في‬
‫قوله‬

‫إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^ ‪ #‬فإن ^ ‪#‬‬
‫آدم عليه السلم خلق من تراب وماء فصار طينا ثم أيبس الطين ثم قال له كن فكان‬
‫وهو حين نفخ الروح فيه صار بشرا تاما لم يحتج بعد ذلك إلى ما احتاج إليه أولده‬
‫بعد نفخ الروح فإن الجنين بعد نفخ الروح يكمل خلق جسده في بطن أمه فيبقى في‬
‫بطنها نحو خمسة أشهر ثم يخرج طفل يرتضع ثم يكبر شيئا بعد شيء وآدم عليه‬
‫السلم حين خلق جسده قيل له كن فكان بشرا تاما بنفخ الروح فيه ولكن لم يسم كلمة‬
‫ال لن جسده خلق من التراب والماء وبقي مدة طويلة يقال أربعين سنة فلم يكن‬
‫خلق جسده إبداعيا في وقت واحد بل خلق شيئا فشيئا وخلق الحيوان من الطين معتاد‬
‫في الجملة ‪ #‬وأما المسيح عليه السلم فخلق جسده خلقا إبداعيا بنفس نفخ روح‬
‫القدس في أمه قيل له كن فكان فكان له من الختصاص بكونه خلق بكلمة ال ما لم‬
‫يكن لغيره من البشر ومن المر المعتاد في لغة العرب وغيرهم أن السم العام إذا‬
‫كان له نوعان خصت أحد النوعين باسم وأبقت السم العام مختصا بالنوع كلفظ‬
‫الدابة والحيوان فإنه عام في كل ما يدب وكل حيوان ثم لما كان للدمي اسم يخصه‬

‫بقي لفظ الحيوان يختص به البهيم ولفظ الدابة يختص به الخيل أو هي والبغال‬
‫والحمير ونحو ذلك وكذلك لفظ الجائز والممكن وذوي الرحام وأمثال ذلك فلما كان‬
‫لغير المسيح ما يختص به أبقي اسم الكلمة العامة مختصا بالمسيح ‪ #‬الطريق الثاني‬

‫‪298‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪299‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أن ما ذكروه حجة عليهم فإن ال إذا لم يكلم أحد من النبياء إل وحيا أو من وراء‬
‫حجاب فالمسيح عيسى بن مريم يجب أن ل يكلمه إل وحيا أو من وراء حجاب أو‬
‫يرسل إليه رسول ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من‬
‫وراء حجاب ^ ‪ #‬يعم كل بشر المسيح وغيره ‪ #‬وإذا امتنع أن يكلمه ال إل وحيا أو‬
‫من وراء حجاب فامتناع أن يتحد به أو يحل فيه أولى وأحرى ‪ #‬فإن ما اتحد به‬
‫وحل فيه كلمة ال من غير حجاب بين اللهوت والناسوت وهم قد سلموا أن ال ل‬
‫يكلم بشرا إل من وراء حجاب‬

‫الوجه الثالث أن قوله ‪ ^ #‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء ‪#‬‬
‫حجاب ^ ‪ #‬يقتضي أن يكون الحجاب حجابا يحجب البشر كما حجب موسى‬
‫فيقتضي ذلك أنهم ل يرونه في الدنيا وإن كلمهم كما أنه كلم موسى ولم يره موسى‬
‫بل سأل الرؤية فقال ‪ ^ #‬قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى‬
‫الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى‬
‫صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ^ ‪ #‬قيل أنا أول من آمن‬
‫أنه ل يراك أحد في الدنيا وعندهم في التوراة أن النسان ل يمكنه أن يرى ال في‬
‫الدنيا فيعيش‬

‫وكذلك قال عيسى لما سألوه عن رؤية ال فقال إن ال لم يره أحد قط وهذا معروف‬
‫عندهم وإذا كان كذلك فل بد أن يكون الحجاب الحاجب للبشر ليس هو من البشر‬
‫وهذا يبطل قول النصارى فإنهم يقولون إن الرب احتجب بحجاب بشري وهو الجسد‬
‫الذي ولدته مريم فاتخذه حجابا وكلم الناس من ورائه والقرآن يدل على أن الحجاب‬
‫ليس من البشر ‪ #‬يبين هذا الوجه الرابع وهو أن ذلك الجسد الذي ولدته مريم هو من‬
‫جنس أجسام بني آدم فإن جاز أن يتحد به ويحل فيه ويطيق الجسد البشري ذلك في‬
‫الدنيا بما يجعله ال فيه من القوة جاز أن يتحد بغيره من الجسام بما يجعله فيها من‬
‫القوة وإذا جاز أن يتحد بها جاز أن يكلمها بغير حجاب بينه وبينها بطريق الولى‬
‫والحرى وهذا خلف ما ذكروه وخلف القرآن ‪ #‬فتبين أن نفي النبياء لن يراه‬
‫المرء في الدنيا هو نفي لمماسته ببشر بطريق الولى والحرى والناسوت المسيحي‬
‫هو بشر فإذا لم يمكنه أن يرى ال فكيف يمكنه أن يتحد به ويماسه ويصير هو وإياه‬
‫كاللبن والماء والنار والحديد أو كالروح والبدن ‪ #‬الوجه الخامس أنه من المعلوم أن‬
‫رؤية الدمي له أيسر من‬

‫اتحاده به وحلوله فيه وأولى بالمكان فإذا كانت الرؤية في الدنيا قد نفاها ال ومنعها‬
‫على ألسن رسله موسى وعيسى ومحمد صلوات ال عليهم وسلمه فكيف يجوز‬
‫اتصاله بالبشر واتحاده به ‪ #‬الوجه السادس أنه لو كان حلوله في البشر مما هو‬
‫ممكن وواقع لم يكن لختصاص واحد من البشر بذلك دون من قبله وبعده معنى فإن‬
‫القدرة شاملة والمقتضى وهو وجود ال وحاجة الخلق موجودة ولهذا لما كانت‬
‫الرسالة ممكنة أرسل من البشر غير واحد ولما كان سماع كلمه للبشر ممكنا سمع‬

‫‪299‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪300‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كلمه غير واحد ورؤيته في الدنيا بالبصار لم تقع لحد باتفاق علماء المسلمين لكن‬
‫لهم في النبي قولن والذي عليه أكابر العلماء وجمهورهم أنه لم يره بعينه كما دل‬
‫على ذلك الكتاب والسنة ‪ #‬والخلة لما كانت ممكنة اتخذ إبراهيم خليل واتخذ محمد‬
‫أيضا خليل كما في الصحيح من غير وجه عن النبي أنه قال إن ال اتخذني خليل‬
‫كما اتخذ إبراهيم خليل وقال لو كنت متخذا من أهل الرض خليل‬

‫لتخذت أبا بكر خليل ولكن صاحبكم خليل ال يعني نفسه ‪ #‬الوجه السابع قولهم‬
‫وإذا كانت اللطائف ل تظهر إل في الكثائف مثل الروح وغيرها فكلمة ال التي بها‬
‫خلقت الكثائف تظهر في غير كثيف كل ‪ #‬فيقال لهم ظهور اللطائف في الكثائف‬
‫كلم مجمل فإن أردتم أن روح النسان تظهر في جسده أو الجني يتكلم على لسان‬
‫المصروع ونحو ذلك فليس هذا مما نحن فيه وإن أردتم أن ال تعالى نفسه يحل في‬
‫البشر فهذا محل النزاع فأين الدليل عليه وأنتم لم تذكروا إل ما يدل على نقيض ذلك‬
‫‪ #‬الوجه الثامن أن هذا أمر لم يدل عليه عقل ول نقل ول نطق نبي من النبياء بأن‬
‫ال يحل في بشر ول ادعى صادق قط حلول الرب فيه وإنما يدعي ذلك الكذابون‬
‫كالمسيح الدجال الذي يظهر في آخر الزمان ويدعي اللهية فينزل ال تبارك وتعالى‬
‫عيسى ابن مريم‬

‫مسيح الهدى فيقتل مسيح الهدى الذي ادعيت فيه اللهية بالباطل المسيح الدجال الذي‬
‫ادعى اللهية بالباطل ويبين أن البشر ل يحل فيه رب العالمين ‪ #‬ولهذا لما أنذر‬
‫النبي بالمسيح الدجال وقال ‪ #‬ما من نبي إل وقد أنذر أمته المسيح الدجال حتى نوح‬
‫أنذر قومه به ‪ #‬وذكر النبي له ثلث دلئل ظاهرة تظهر لكل مسلم تبين كذبه ‪#‬‬
‫أحدها قوله ‪ #‬مكتوب بين عينيه كافر ك ف ر يقرأه كل مؤمن قارىء وغير قارىء‬

‫الثاني قوله واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت فبين أن ال ل يراه ‪#‬‬
‫أحد في الدنيا بعينيه وكل بشر فإنه يرى في الدنيا بالعين فعلم أن ال ل يتحد ببشر ‪#‬‬
‫الثالث قوله أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور ودلئل نفي الربوبية عنه كثيرة ‪ #‬لكن‬
‫لما كان حلول اللهوت في البشر واتخاذه به مذهبا ضل به طوائف كثيرون من بني‬
‫آدم النصارى وغيرهم وكان المسيح الدجال يأتي بخوارق عظيمة والنصارى‬
‫احتجوا على إلهية المسيح بمثل ذلك ذكر النبي من علمات كذبه أمورا ظاهرة ل‬
‫يحتاج فيها إلى بيان موارد النزاع التي ضل فيها خلق كثير من الدميين فإن كثيرا‬
‫من الناس بل أكثرهم تدهشهم الخوارق حتى يصدقوا صاحبها قبل النظر في إمكان‬
‫دعواه وإذا صدقوه صدقوا النصارى في دعوى إلهية المسيح وصدقوا أيضا من‬
‫ادعى الحلول‬

‫والتحاد في بعض المشايخ أو بعض أهل البيت أو غيرهم من أهل الفك والفجور‬
‫‪ #‬وبهذا يظهر الجواب عما يورده بعض أهل الكلم كالرازي على هذا الحديث‬
‫حيث قالوا دلئل كون الدجال ليس هو ال ظاهرة فكيف يحتج النبي على ذلك بقوله‬

‫‪300‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪301‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وهذا السؤال يدل على جهل قائله بما يقع فيه بنو آدم‬
‫من الضلل وبالدلة البينة التي تبين فساد القوال الباطلة وإل فإذا كان بنو إسرائيل‬
‫في عهد موسى ظنوا أن العجل هو إله موسى فقالوا هذا إلهكم وإله موسى وظنوا أن‬
‫موسى نسيه ‪ #‬والنصارى مع كثرتهم يقولون أن المسيح هو ال وفي المنتسبين إلى‬
‫القبلة خلق كثير يقولون ذلك في كثير من المشايخ وأهل البيت حتى إن كثيرا من‬
‫أكابر شيوخ المعرفة والتصوف يجعلون هذا نهاية التحقيق والتوحيد وهو أن يكون‬
‫الموحد هو الموحد وينشدون ‪ %‬ما وحد الواحد من واحد ‪ %‬إذ كل من وحده جاحد‬
‫‪ % # %‬توحيد من يخبر عن نعته ‪ %‬عارية أبطلها الواحد ‪ % # %‬توحيده إياه‬
‫‪ %‬توحيده ‪ %‬ونعت من ينعته لحد‬
‫فكيف يستبعد مع إظهار الدجال هذه الخوارق العظيمة أن يعتقد فيه أنه ال وهو ‪#‬‬
‫يقول أنا ال وقد اعتقد ذلك فيمن لم يظهر فيه مثل خوارقه من الكذابين وفيمن لم يقل‬
‫أنا ال كالمسيح وسائر النبياء والصالحين‬

‫الوجه التاسع قولهم فكلمة ال التي بها خلقت اللطائف تظهر في غير كثيف كل ‪#‬‬
‫فيقال لهم كلمة ال التي يدعون ظهورها في المسيح أهي كلم ال الذي هو صفته أو‬
‫ذات ال المتكلمة أو مجموعها فإن قلتم الظاهر فيه نفس الكلم فهذا يراد به شيئان ‪#‬‬
‫إن أريد به أن ال أنزل كلمه على المسيح كما أنزله على غيره من الرسل فهذا حق‬
‫اتفق عليه أهل اليمان ونطق به القرآن ‪ #‬وإن أريد به أن كلم ال فارق ذاته وحل‬
‫في المسيح أو غيره فهو باطل مع أن هذا لينفع النصارى فإن المسيح عندهم إله‬
‫خلق السماوات والرض وهو عندهم ابن آدم وخالق آدم وابن مريم وخالق مريم‬
‫ابنها بناسوته وخالقها بلهوته ‪ #‬وإن أرادوا بظهور الكلمة ظهور ذات ال أو ظهور‬
‫ذاته وكلمه في الكثيف الذي هو النسان فهذا أيضا يراد به ظهور نوره في قلوب‬
‫المؤمنين كما قال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات والرض ^ إلى قوله ^ كوكب دري‬
‫^ الية ‪ #‬وكما ظهر ال من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من‬

‫جبال فاران وكما تجلى لبراهيم كما ذكره في التوراة فهذا ل يختص بالمسيح بل‬
‫هو لغيره كما هو له ‪ #‬وإن أرادوا أن ذات الرب حلت في المسيح أو في غيره فهذا‬
‫محل النزاع فأين دليلهم على إمكان ذلك ثم وقوعه مع أن جماهير العقلء من أهل‬
‫الملل وغيرهم يقولون هذا غير واقع بل هو ممتنع ‪ #‬الوجه العاشر قولهم فكلمة ال‬
‫التي بها خلقت اللطائف تظهر في غير كثيف كل كلم باطل ‪ #‬فإن ظهور ما يظهر‬
‫من المور اللهية إذا أمكن ظهوره فظهوره في اللطيف أولى من ظهوره في‬
‫الكثيف فإن الملئكة تنزل بالوحي على النبياء عليهم السلم وتتلقى كلم ال من ال‬
‫وتنزل به على النبياء عليهم السلم فيكون وصول كلم ال إلى ملئكة قبل وصوله‬
‫^ إلى البشر وهم الوسائط كما قال تعالى ‪ ^ #‬أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء‬

‫وال تعالى أيد رسله من البشر حتى أطاقوا التلقي عن الملئكة وكانت الملئكة ‪#‬‬
‫تأتيهم أحيانا في غير الصورة البشرية وأحيانا في الصورة البشرية فكان ظهور‬

‫‪301‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪302‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المور اللهية باللطائف ووصولها إليهم أولى منه بالكثائف ولو جاز أن يتحد الرب‬
‫سبحانه بحي من الحياء ويحل فيه لكان حلوله في ملك من الملئكة واتحاده به أولى‬
‫من حلوله واتحاده بواحد من البشر ‪ #‬الوجه الحادي عشر أن الناسوت المسيحي‬
‫عندهم الذي اتحد به هو البدن والروح معا فإن المسيح كان له بدن وروح كما لسائر‬
‫البشر واتحد به عندهم اللهوت فهو عندهم اسم يقع على بدن وروح آدميين وعلى‬
‫اللهوت وحينئذ فاللهوت على رأيهم إنما اتحد في لطيف وهو الروح وكثيف وهو‬
‫البدن لم يظهر في كثيف فقط ولول اللطيف الذي كان مع الكثيف وهو الروح لم يكن‬
‫للكثيف فضيلة ول شرف ‪ #‬الوجه الثاني عشر أنهم يشبهون اتحاد اللهوت‬
‫بالناسوت باتحاد الروح بالبدن كما شبهوا هنا ظهوره فيه بظهور الروح في البدن‬
‫وحينئذ فمن المعلوم أن ما يصيب البدن من اللم تتألم به الروح وما تتألم به الروح‬
‫يتألم به البدن فيلزمهم أن يكون الناسوت لما صلب وتألم وتوجع الوجع الشديد كان‬
‫اللهوت أيضا متألما متوجعا وقد خاطبت بهذا بعض النصارى فقال لي الروح‬
‫بسيطة أي ل يلحقها ألم فقلت له فما تقول في أرواح الكفار بعد الموت أمنعمة أو‬
‫معذبة فقال هي في العذاب فقلت فعلم أن الروح المفارقة تنعم وتعذب فإذا‬

‫شبهتم اللهوت في الناسوت بالروح في البدن لزم أن تتألم إذا تألم الناسوت كما تتألم‬
‫الروح إذا تألم البدن فاعترف هو وغيره بلزوم ذلك ‪ #‬الوجه الثالث عشر أن قولهم‬
‫وإذا كانت اللطائف لتظهر إل في الكثائف فكلمة ال ل تظهر إل في كثيف كل ‪#‬‬
‫تركيب فاسد ل دللة فيه وإنما يدل إذا بينوا أن كل لطيف يظهر في كثيف ول يظهر‬
‫في غيره حتى يقال فلهذا ظهر ال في كثيف ولم يظهر في لطيف وإل فإذا قيل إنه ل‬
‫يحل ل في لطيف ول كثيف أو قيل إنه يحل فيهما بطل قولهم بوجوب حلوله في‬
‫المسيح الكثيف دون اللطيف وهم لم يؤلفوا الحجة تأليفا منتجا ول دلوا على مقدماتها‬
‫بدليل فل أتوا بصورة الدليل ول مادته بل مغاليط ل تروج إل على جاهل يقلدهم ‪#‬‬
‫ول يلزم من حلول الروح في البدن أن يحل كل شيء في البدن بل هذه دعوى‬
‫مجردة فأرواح بني آدم تظهر في أبدانهم ول تظهر في أبدان البهائم بل ول في الجن‬
‫والملئكة تتصور في صورة الدميين وكذلك الجن والنسان ل يظهر في غير‬
‫صورة النسان فأي دليل من كلمهم على أن الرب يحل في النسان الكثيف ول‬
‫يحل في اللطيف ‪ #‬والقوم شرعوا يحتجون على تجسيم كلمة ال الخالقة فقالوا وأما‬
‫تجسيم كلمة ال الخالقة بإنسان مخلوق وولدتهما معا أي الكلمة مع‬

‫الناسوت فإن ال لم يكلم أحدا من النبياء إل وحيا أو من وراء حجاب وليس فيما‬
‫ذكروه قط دللة ل قطعية ول ظنية على تجسيم كلمة ال الخالقة وولدتها مع‬
‫الناسوت ‪ #‬الوجه الرابع عشر أنهم قالوا وأما تجسيم كلمة ال الخالقة ثم قالوا فكلمة‬
‫ال التي بها خلقت اللطائف فتارة يجعلونها خالقة وتارة يجعلونها مخلوقا بها ومعلوم‬
‫أن الخالق ليس هو المخلوق به والمخلوق به ليس هو الخالق فإن كانت الكلمة خالقة‬
‫فهي خلقت الشياء ولم تخلق الشياء بها وإن كانت الشياء خلقت بها فلم تخلق‬
‫الشياء بل خلقت الشياء بها ولو قالوا إن الشياء خلق بها بمعنى أن ال إذا أراد‬

‫‪302‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪303‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمرا فإنما يقول له كن فيكون لكان هذا حقا لكنهم يجعلونها خالقة مع قولهم بما‬
‫يناقض ذلك ‪ #‬الوجه الخامس عشر أن يقال لهم إذا كان ال لم يخاطب بشرا إل‬
‫وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء فتكليمه للبشر‬
‫بالوحي ومن وراء حجاب كما كلم موسى وبإرسال ملك كما أرسل الملئكة إما أن‬
‫يكون كافيا في حصول مراد الرب من الرسالة إلى عباده أو ليس كافيا بل ل بد من‬
‫حلوله نفسه في بشر فإن كان ذلك كافيا أمكن أن يكون المسيح مثل غيره فيوحي ال‬
‫إليه أو يرسل إليه ملكا فيوحي بإذن ال ما يشاء أو يكلمه من وراء حجاب كما كلم‬

‫موسى وحينئذ فل حاجة به إلى اتحاده ببشر مخلوق وإن كان التكلم ليس كافيا وجب‬
‫أن يتحد بسائر النبياء كما اتحد بالمسيح فيتحد بنوح وإبراهيم وموسى وداود‬
‫وغيرهم يبين هذا ‪ #‬الوجه السادس عشر وهو أنه من المعلوم أن النبياء الذين كانوا‬
‫قبل المسيح أفضل من عوام النصارى الذين كانوا بعد المسيح وأفضل من اليهود‬
‫الذين كذبوا المسيح فإذا كان الرب قد يفضل باتحاده في المسيح حتى كلم عباده‬
‫بنفسه فيتحد بالمسيح محتجبا ببدنه الكثيف وكلم بنفسه اليهود المكذبين للمسيح وعوام‬
‫النصارى وسائر من كلمه المسيح فكان أن يكلم من هم أفضل من هؤلء من النبياء‬
‫والصالحين بنفسه أولى وأحرى مثل أن يتحد بإبراهيم الخليل فيكلم إسحاق ويعقوب‬
‫ولوطا محتجبا ببدن الخليل أو يتحد بيعقوب فيكلم أولده أو غيرهم محتجبا ببدن‬
‫يعقوب أو يتحد بموسى بن عمران فيكلم هارون ويوشع بن نون وغيرهما محتجبا‬
‫ببدن موسى فإذا كان هو سبحانه لم يفعل ذلك إما لمتناع ذلك وإما لن عزته‬
‫وحكمته اعلى من ذلك مع عدم الحاجة إلى ذلك علم أنه ل يفعل ذلك في المسيح‬
‫بطريق الولى والحرى ‪ #‬الوجه السابع عشر أنه إذا أمكنه أن يتحد ببشر فاتحاده‬
‫بملك من الملئكة أولى وأحرى وحينئذ فقد كان اتحاده بجبريل الذي أرسله إلى‬
‫النبياء أولى من اتحاده ببشر يخاطب اليهود وعوام النصارى‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ولذلك ظهر في عيسى بن مريم إذ النسان أجل ما خلقه ال ولهذا‬
‫خاطب الخلق وشاهدوا منه ما شاهدوا ‪ #‬فيقال إن ادعيتم ظهوره في عيسى كما‬
‫ظهر في إبراهيم وموسى ومحمد صلوات ال عليهم وسلمه وكما يظهر في بيوته‬
‫التي أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه وذلك بظهور نوره ومعرفته وذكر أسمائه‬
‫وعبادته ونحو ذلك من غير حلول ذاته في البشر ول اتحاده به فهذا أمر مشترك بين‬
‫المسيح وغيره فل اختصاص للمسيح بهذا وهذا أيضا قد يسمى حلول وعندهم أن ال‬
‫يحل في الصالحين وهذا مذكور عندهم في بعض الكتب اللهية كما في كتبهم في‬
‫المزمور الرابع من الزبور يقول داود عليه السلم في مناجاته لربه وليفرح‬
‫المتوكلون عليك إلى البد ويبتهجون وتحل فيهم ويفتخرون فأخبر أنه يحل في‬
‫الصالحين المذكورين فعلم أن هذا ل اختصاص للمسيح به وليس المراد بهذا باتفاقهم‬
‫واتفاق المسلمين أن ذات ال نفسه تتحد بالبشر ويصير اللهوت والناسوت كالنار‬
‫والحديد والماء واللبن‬

‫‪303‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪304‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ونحو ذلك مما يمثلون به التحاد بل هذا يراد به حلول اليمان به ومعرفته ومحبته‬
‫وذكره وعبادته ونوره وهداه ‪ #‬وقد يعبر عن ذلك بحلول المثال العلمي كما قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وهو ال‬
‫في السماوات وفي الرض ^ ‪ ^ #‬وله المثل العلى في السماوات والرض ^ ‪#‬‬
‫فهو سبحانه له المثل العلى في قلوب أهل السماوات وأهل الرض ‪ #‬ومن هذا‬
‫الباب ما يرويه النبي عن ربه قال ‪ #‬يقول ال أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي‬
‫شفتاه فأخبر أن شفتيه تتحرك به أي باسمه وكذلك قوله في الحديث الصحيح ‪#‬‬
‫عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول‬
‫أما علمت أن عبدي فلنا مرض فلو عدته لوجدتني عنده‬

‫فقال لوجدتني عنده ولم يقل لوجدتني إياه وهو عنده أي في قلبه والذي في قلبه ‪#‬‬
‫المثال العلمي ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬عبدي جعت فلم تطعمني فيقول وكيف أطعمك وأنت‬
‫رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي‬
‫ولم يقل لوجدتني قد أكلته ‪ #‬وكذلك قوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري‬
‫عن أبي هريرة عن النبي قال يقول ال تعالى ‪ #‬من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب‬
‫وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده‬
‫التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ‪ #‬وفي رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي‬
‫يبطش وبي يمشي ولن سألني لعطينه ولن استعاذني لعيذنه وما ترددت عن‬
‫شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته‬

‫وهذا الحديث قد يحتج به القائلون بالحلول العام أو التحاد العام أو وحدة الوجود ‪#‬‬
‫وقد يحتج به من يقول بالخاص من ذلك كأشباه النصارى ‪ #‬والحديث حجة على‬
‫الفريقين فإنه قال ‪ #‬من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب فأثبت ثلثة وليا له وعدوا‬
‫يعادي وليه وميز بين نفسه وبين وليه وعدو وليه فقال ‪ #‬من عادى لي وليا فقد آذنته‬
‫بالحرب ولكن دل ذلك على أن وليه الذي واله فصار يحب ما يحب ويبغض ما‬
‫يبغض ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي فيكون الرب مؤذنا بالحرب لمن عاداه‬
‫بأنه معاد ل ‪ #‬ثم قال تعالى ‪ #‬وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه‬
‫ففرق بين العبد المتقرب والرب المتقرب إليه ثم قال ‪ #‬ول يزال عبدي يتقرب إلي‬
‫بالنوافل حتى أحبه فبين أنه يحبه بعد تقربه بالنوافل والفرائض ‪ #‬ثم قال فإذا أحببته‬
‫كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي‬
‫يمشي بها وعند أهل الحلول والتحاد العام أو الوحدة هو صدره وبطنه وظهره‬
‫ورأسه وشعره وهو كل شيء أو في كل شيء قبل التقرب وبعده وعند الخاص‬
‫وأهل الحلول صار هو وهو كالنار والحديد والماء واللبن ل يختص بذلك آلة‬
‫الدراك والفعل‬

‫‪304‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪305‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ثم قال تعالى ‪ #‬فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي وعلى قول هؤلء ‪#‬‬
‫الرب هو الذي يسمع ويبصر ويبطش ويمشي والرسول إنما قال ‪ #‬فبي ثم قال ‪#‬‬
‫ولئن سألني لعطيته ولئن استعاذني لعيذنه فجعل العبد سائل مستعيذا والرب‬
‫مسؤول مستعاذا به وهذا يناقض التحاد وقوله فبي يسمع مثل قوله ما تحركت بي‬
‫شفتاه يريد به المثال العلمي ‪ #‬وقول ال فيكون ال في قلبه أي معرفته ومحبته‬
‫وهداه وموالته وهو المثل العلمي فبذاك الذي في قلبه يسمع ويبصر ويبطش ويمشي‬
‫‪ #‬والمخلوق إذا أحب المخلوق أو عظمه أو أطاعه يعبر عنه بمثل هذا فيقول أنت‬
‫في قلبي وفي فؤادي وما زلت بين عيني ومنه قول القائل ‪ % #‬مثالك في عيني‬
‫‪ %‬وذكرك في فمي ‪ %‬ومثواك في قلبي فأين تغيب‬
‫وقول الخر ‪ % #‬ومن عجبي أني أحن إليهم ‪ %‬وأسأل عنهم من لقيت وهم ‪#‬‬
‫معي ‪ % # %‬وتطلبهم عيني وهم في سوادها ‪ %‬ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي‬
‫‪%‬‬

‫ومثل هذا كثير مع علم العقلء أن نفس المحبوب المعظم هو في نفسه ليست ذاته ‪#‬‬
‫في عين محبه ول في قلبه ولكن قد يشتبه هذا بهذا حتى يظن الغالطون أن نفس‬
‫المحبوب المعبود في ذات المحب العابد ‪ #‬ولذلك غلط بعض الفلسفة حتى ظنوا أن‬
‫ذات المعلوم المعقول يتحد بالعالم العاقل فجعلوا المعقول والعقل والعاقل شيئا واحدا‬
‫ولم يميزوا بين حلول مثال المعلوم وبين حلول ذاته وهذا يكون لضعف العقل وقوة‬
‫سلطان المحبة والمعرفة فيغيب النسان بمعبوده عن عبادته وبمحبوبه عن محبته‬
‫وبمشهوده عن شهادته وبمعروفه عن معرفته فيفنى من لم يكن عن شهود العبد ل‬
‫أنه نفسه يعدم ويفنى في من لم يزل في شهوده ومن هذا المقام إذا غلط قد يقول مثل‬
‫ما يحكى عن أبي يزيد البسطامي سبحاني أو ما في الجبة‬

‫إل ال وفي هذا تذكر حكاية وهو أن شخصا كان يحب آخر فألقى المحبوب نفسه في‬
‫ماء فألقى المحب نفسه خلفه فقال أنا وقعت فلم وقعت أنت فقال غبت بك عني‬
‫فظننت أنك أني فهذا العبد المحب لما استولى على قلبه سلطان المحبة صار قلبه‬
‫مستغرقا في محبوبه ل يشهد قلبه غير ما في قلبه وغاب عن شهود نفسه وأفعاله‬
‫فظن أنه هو نفس المحبوب وهذا أهون من أن يظن أن ذات المحبوب نفسه ‪ #‬فهذا‬
‫الظن لتحاد الذات أو لحلولها ظن غالط وقع فيه كثير من الناس فالذين قالوا إن‬
‫المسيح أو غيره من البشر هو ال أو أن ال حال فيه قد يكون غلطهم من هذا الجنس‬
‫لما سمعوا كلما يقتضي أن ال في ذات الشخص وجعلوا فعل هذا فعل هذا ظنوا‬
‫ذاك اتحاد الذات وحلولها ‪ #‬وإنما المراد أن معرفة ال فيه واتحاد المأمور به‬
‫والمنهي عنه والموالي والمعادي كقوله تعالى ‪ ^ #‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون‬
‫ال ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬من يطع الرسول فقد أطاع ال ^ ‪ #‬وليس ذلك لن الرسول هو‬
‫ال ول لن نفسه حال في‬

‫‪305‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪306‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الرسول بل لن الرسول يأمر بما أمر ال به وينهى عما ينهى ال عنه ويحب ما‬
‫يحبه ال ويبغض ما يبغضه ال ويوالي أولياء ال ويعادي أعداء ال ‪ #‬فمن بايعه‬
‫على السمع والطاعة فإنما بايع ال على السمع والطاعة ومن أطاعه فإنما أطاع ال‬
‫‪ #‬وكذلك المسيح وسائر الرسل إنما يأمرون بما يأمر ال به وينهون عما ينهى ال‬
‫عنه ويوالون أولياء ال ويعادون أعداء ال فمن أطاعهم فقد أطاع ال ومن صدقهم‬
‫فقبل منهم ما أخبروا به فقد قبل عن ال ومن والهم فقد والى ال ومن عاداهم‬
‫وحاربهم فقد عادى ال وحارب ال ومن تصور هذه المور تبين له أن لفظ الحلول‬
‫قد يعبر به عن معنى صحيح وقد يعبر به عن معنى فاسد ‪ #‬وكذلك حلول كلمه في‬
‫القلوب ولذلك كره أحمد بن حنبل‬

‫الكلم في لفظ حلول القرآن في القلوب كما قد ذكر في غير هذا الموضع ‪ #‬ومما‬
‫يوضح هذا أن الشيء له وجود في نفسه هو وله وجود في المعلوم والذهان ووجود‬
‫في اللفظ واللسان ووجود في الخط والبيان ووجود عيني شخصي وعلمي ولفظي‬
‫ورسمي وذلك كالشمس مثل فلها تحقق في نفسها وهي الشمس التي في السماء ثم‬
‫يتصور بالقلب الشمس ثم ينطق اللسان بلفظ الشمس ويكتب بالقلم الشمس ‪#‬‬
‫والمقصود بالكتابة مطابقة اللفظ وباللفظ مطابقة العلم وبالعلم مطابقة المعلوم فإذا‬
‫رأى النسان في كتاب خط الشمس أو سمع قائل يذكر قال هذه الشمس قد جعلها ال‬
‫سراجا وهاجا وهذه الشمس تطلع من المشرق وتغرب في المغرب فهو يشير إلى ما‬
‫سمعه من اللفظ ورآه من الخط وليس مراده نفس اللفظ والخط فإن ذلك ليس هو‬
‫الشمس التي تطلع وتغرب وإنما مراده ما يقصد بالخط واللفظ ويراد بهما وهو‬
‫المدلول المطابق لهما وكذلك قد يرى اسم ال مكتوبا في كتاب ومعه اسم صنم فيقول‬
‫آمنت بهذا وكفرت بهذا ومراده أنه مؤمن بال كافر بالصنم فيشير إلى اسمه‬
‫المكتوب ومراده المسمى بهذا السم وكذلك إذا سمع من يذكر أسماء ال الحسنى قال‬
‫هذا رب العالمين ومراده المسمى بتلك السماء ومن هذا قول أنس بن‬

‫مالك كان نقش خاتم النبي ثلثة أسطر محمد رسول ال محمد سطر ورسول سطر‬
‫وال سطر ‪ #‬ومراده بهذه السماء الخط لهذا وهذا وهذا ل اللفظ ول المسمى ‪#‬‬
‫ومما يشبه هذا ما يرى في المرآة أو الماء مثل أن يرى الشمس أو غيرها في ماء أو‬
‫مرآة فيشار إلى المرئي فيقال هذا الشمس وهذا وجهي أو وجه فلن وليس مراده أن‬
‫نفس الشمس أو وجهه أو وجه فلن حل في الماء أو المرآة ولكن لما كان المقصود‬
‫بتلك الرؤية هو الشمس وهو الوجه ذكره ثم قد يقال رآه رؤية مقيدة في الماء أو‬
‫المرآة وقد يقال رآه بواسطة الماء والمرآة وقد يقال رأى مثاله وخياله المحاكي له‬
‫ولكن المقصود بالرؤية هو نفسه ومثل هذا كثير ‪ #‬ومعلوم أن ما في القلوب من‬
‫المثال العلمي المطابق للمعلوم أقرب إليه من اللفظ واللفظ أقرب من الخط فإذا كان‬
‫قد يشار إلى اللفظ والخط والمراد هو نفسه وإن لم يكن الخط واللفظ هو ذاته بل به‬
‫ظهر وعرف فلن يشار إلى ما في القلب ويراد به المعروف الذي ظهر للقلب‬
‫وتجلى للقلب وصار نوره في القلب بطريق الولى‬

‫‪306‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪307‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والعقلء إنما تتوجه قلوبهم إلى المقصود المراد دون الوسائل ويعبرون بعبارات ‪#‬‬
‫تدل على ذلك لظهور مرادهم بها كما يقولون لمن يعرف علم غيره أو لمن يأمر‬
‫بأمره ويخبر بخبره هذا فلن فإذا كان مطلوبهم علم عالم أو طاعة أمير فجاء نائبه‬
‫القائم مقامه في ذلك قالوا هذا فلن أي المطلوب منه هو مع هذا فالتحاد المقصود‬
‫بهما يعبرون عن أحدهما بلفظ الخر ‪ #‬كما يقال عكرمة هو ابن عباس وأبو يوسف‬
‫هو‬

‫أبو حنيفة ومن هذا الباب ما يذكر عن المسيح عليه السلم أنه قال أنا وأبي واحد من‬
‫رآني فقد رأى أبي ‪ #‬وقوله تعالى فيما حكاه عن رسوله ‪ #‬عبدي مرضت فلم تعدني‬
‫عبدي جعت فلم تطعمني ويشبهه قوله ‪ ^ #‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال ^ ‪#‬‬
‫فينبغي أن يعرف هذا النوع من الكلم فإنه تنحل به إشكالت كثيرة فإن هذا موجود‬
‫في كلم ال ورسله وكلم المخلوقين في عامة الطوائف مع ظهور المعنى ومعرفة‬
‫المتكلم والمخاطب أنه ليس المراد أن ذات أحدهما اتحدت بذات الخر ‪ #‬بل أبلغ من‬
‫ذلك يطلق لفظ الحلول والتحاد ويراد به معنى صحيح كما يقال فلن وفلن بينهما‬
‫اتحاد إذا كانا متفقين فيما يحبان ويبغضان ويواليان ويعاديان فلما اتحد مرادهما‬
‫ومقصودهما صار يقال هما متحدان وبينهما اتحاد ول يعني بذلك أن ذات هذا‬
‫اتحدت بذات الخر كاتحاد النار والحديد والماء واللبن أو النفس والبدن وكذلك لفظ‬
‫الحلول والسكنى والتخلل وغير ذلك كما قيل‬

‫‪ %‬قد تخللت مسلك الروح مني ‪ %‬وبذا سمى الخليل خليل ‪# %‬‬
‫والمتخلل مسلك الروح منه هو محبته له وشعوره به ونحو ذلك ل نفس ذاته ‪#‬‬
‫‪ %‬وكذلك قول الخر ‪ % #‬ساكن في القلب يعمره ‪ %‬لست أنساه فأذكره‬
‫والساكن في القلب هو مثاله العلمي ومحبته ومعرفته فتسكن في القلب معرفته ‪#‬‬
‫ومحبته ل عين ذاته وكذلك قول الخر ‪ % #‬إذا سكن الغدير على صفاء ‪ %‬وجنب‬
‫أن يحركه النسيم ‪ % # %‬بدت فيه السماء بل امتراء ‪ %‬كذاك الشمس تبدو‬
‫‪ %‬والنجوم ‪ % # %‬كذاك قلوب أرباب التجلي ‪ %‬يرى في صفوها ال العظيم‬
‫وقد يقال فلن ما في قلبه إل ال وما عنده إل ال يراد بذلك إل ذكره ومعرفته ‪#‬‬
‫ومحبته وخشيته وطاعته وما يشبه ذلك أي ليس في قلبه ما في قلب غيره من‬
‫المخلوقين بل ما في قلبه إل ال وحده ويقال فلن ما عنده إل فلن إذا كان يلهج‬
‫بذكره ويفضله على غيره ‪ #‬وهذا باب واسع مع علم المتكلم والمستمع أن ذات فلن‬
‫لم تحل في هذا فضل عن أن تتحد به وهو كما يقال عن المرآة إذا‬

‫لم تقابل إل الشمس ما فيها إل الشمس أي لم يظهر فيها غير الشمس ‪ #‬وأيضا فلفظ‬
‫الحلول يراد به حلول ذات الشيء تارة وحلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي تارة‬
‫كما تقدم ذكره وعندهم في النبوات أن ال حل في غير المسيح من الصالحين وليس‬
‫المراد به أن ذات الرب حلت فيه بل يقال فلن ساكن في قلبي وحال في قلبي وهو‬

‫‪307‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪308‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في سري وسويداء قلبي ونحو ذلك وإنما حل فيه مثاله العلمي وإذا كان كذلك فمعلوم‬
‫أن المكان إذا خل ممن يعرف ال ويعبده لم يكن هناك ذكر ال ول حلت فيه عبادته‬
‫ومعرفته فإذا صار في المكان من يعرف ال ويعبده ويذكره ظهر فيه ذكره واليمان‬
‫به وحل فيه اليمان بال وعبادته وذكره وهو بيت ال عز وجل فيقال إن ال فيه‬
‫وهو حال فيه ‪ #‬كما يقال إن ال في قلوب العارفين وحال فيهم والمراد به حلول‬
‫معرفته واليمان به ومحبته ونحو ذلك وقد تقدم شواهد ذلك فإذا كان الرب في قلوب‬
‫عباده المؤمنين أي نوره ومعرفته وعبر عن هذا بأنه حال فيهم وهم حالون في‬
‫المسجد قيل إن ال في المسجد وحال فيه بهذا المعنى كما يقال ال في قلب فلن‬
‫وفلن ما عنده إل ال كما قال النبي في الحديث الصحيح أما علمت أن عبدي فلنا‬
‫مرض فلو عدته لوجدتني عنده ‪ #‬ومما يزيد ذلك إيضاحا ما يراه النائم من بعض‬
‫الشخاص في‬

‫منامه فيخاطبه ويأمره وينهاه ويخبره بأمور كثيرة وهو يقول رأيت فلنا في منامي‬
‫فقال لي كذا وقلت له كذا وفعل كذا وفعلت كذا ويذكر أنواعا من القوال والفعال ‪#‬‬
‫وقد يكون فيها علوم وحكم وآداب ينتفع بها غاية المنفعة وقد يكون ذلك الشخص‬
‫الذي رأى في المنام حيا وهو ل يشعر بأن ذاك رآه في منامه فضل عن أن يكون‬
‫شاعرا بأنه قال أو فعل وقد يقص الرائي عليه رؤياه ويقول له الرائي يا سيدي‬
‫رأيتك في المنام فقلت لي كذا وأمرتني بكذا ونهيتني عن كذا والمرئي ل يعرف ذلك‬
‫ول يشعر به لن المرئي الذي حل في قلب الرائي هو المثال العلمي المطابق للعيني‬
‫كما يرى الرائي في المرآة أو الماء الشخص الموجود في الخارج فهو المقصود‬
‫وبعض المرئيين في المنام قد يدري بأنه رؤى في المنام ويكاشف بذلك الرائي كما‬
‫قد يكاشفه بأمور أخرى ل لنه نفسه حل فيه ‪ #‬والرؤيا إذا كانت صادقة كان ذلك‬
‫القول والعمل مناسبا لحال المرئي مما هو عادته يقوله ويفعله بنفسه فمثل للرائي‬
‫مثاله قائل له وفاعل ليعلم أنه نفسه يقوله ويفعله فينتفع بذلك الرائي كما يحكى‬
‫للنسان قول غيره وعمله ليعرف بذلك نفس القول والعمل المحكي فإن كثيرا من‬
‫الشياء ل يعرفه الناس أو أكثرهم إل بالمثل المضروب له إما في اليقظة وإما في‬
‫المنام مع العلم بأن عين هذا ليس عين هذا‬

‫ومن توهم أنه إذا رأى شخصا في منامه بأن ذاته نفسها حلت فيه دل على جهله فإن‬
‫المرئي كثيرا ما يكون حيا وهو ل يشعر بمن رآه ذلك ل روحه تشعر ول جسمه فل‬
‫يتوهم أن ذات روحه تمثلت في صورته الجسمية للنائم بل الممثل في نفس الرائي‬
‫مثال مطابق له وجسمه وروحه حيث هما ‪ #‬ثم الرؤيا قد تكون من ال فتكون حقا‬
‫وقد تكون من الشيطان كما ثبت تقسيمها إلى هذين في الحاديث الصحيحة‬
‫والشيطان كما قد يتمثل في المنام بصورة شخص فقد يتمثل أيضا في اليقظة بصورة‬
‫شخص يراه كثير من الناس يضل بذلك من لم يكن من أهل العلم واليمان كما‬
‫يجري لكثير من مشركي الهند وغيرهم إذا مات ميتهم يرونه قد جاء بعد ذلك‬
‫وقضى ديونا ورد ودائع وأخبرهم بأمور عن موتاهم وإنما هو شيطان تصور في‬

‫‪308‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪309‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صورته وقد يأتيهم في صورة من يعظمونه من الصالحين ويقول أنا فلن وإنما هو‬
‫شيطان ‪ #‬وقد يقوم شيخ من الشيوخ ويخلف موضعه شخصا في صورته يسمونه‬
‫روحانية الشيخ ورفيقه وهو جني تصور في صورته وهذا‬

‫يقع لكثير من الرهبان وغير الرهبان من المنتسبين إلى السلم وقد يرى أحدهم في‬
‫اليقظة من يقول له أنا الخليل أو أنا موسى أو أنا المسيح أو محمد أو أنا فلن لبعض‬
‫الصحابة أو الحواريين ويراه طائرا في الهواء وإنما يكون ذلك من الشياطين ول‬
‫تكون تلك الصورة مثل صورة ذلك الشخص ‪ #‬وقد قال النبي ‪ #‬من رآني في المنام‬
‫فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي فرؤيته في المنام حق وأما في‬
‫اليقظة فل يرى بالعين هو ول أحد من الموتى مع أن كثيرا من الناس قد يرى في‬
‫اليقظة من يظنه نبيا من النبياء إما عند قبره وإما عند غير قبره ‪ #‬وقد يرى القبر‬
‫انشق وخرج منه صورة إنسان فيظن أن الميت نفسه خرج من قبره أو أن روحه‬
‫تجسدت وخرجت من القبر وإنما ذلك جني تصور في صورته ليضل ذلك الرائي‬
‫فإن الروح ليست مما‬

‫تكون تحت التراب وينشق عنها التراب فإنها وإن كانت قد تتصل بالبدن فل يحتاج‬
‫في ذلك إلى شق التراب والبدن لم ينشق عنه التراب وإنما ذلك تخييل من الشيطان‬
‫وقد جرى مثل هذا لكثير من المنتسبين إلى المسلمين وأهل الكتاب والمشركين ‪#‬‬
‫ويظن كثير من الناس أن هذا من كرامات عباد ال الصالحين ويكون من إضلل‬
‫الشياطين كما قد بسط الكلم في هذا الباب في غير هذا الكتاب مثل الفرقان بين‬
‫أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وغير ذلك‬

‫فصل ‪ #‬وإذا أردتم بقولكم ظهر في عيسى حلول ذاته واتحاده بالمسيح أو غيره‬
‫فهذه دعوى مجردة من غير دليل متقدم ول متأخر وكون النسان أجل ما خلقه ال‬
‫لو كان مناسبا لحلوله فيه أمر ل يختص به المسيح بل قد قام الدليل على أن غير‬
‫عيسى عليه السلم أفضل منه مثل إبراهيم ومحمد صلى ال عليهما وسلم وهذان‬
‫اتخذهما ال خليلين وليس فوق الخلة مرتبة فلو كان يحل في أجل ما خلقه ال من‬
‫النسان لكونه أجل مخلوقاته لحل في أجل هذا النوع وهو الخليل ومحمد صلى ال‬
‫عليهما وسلم وليس معهم قط حجة على أن الجسد المأخوذ من مريم إذا لم يتحد‬
‫باللهوت على أصلهم أنه أفضل من الخليل وموسى ‪ #‬وإذا قالوا إنه لم يعمل خطيئة‬
‫فيحيى بن زكريا لم يعمل خطيئة ومن عمل خطيئة وتاب منها فقد يصير بالتوبة‬
‫أفضل مما كان قبل الخطيئة وأفضل ممن لم يعمل تلك الخطيئة والخليل وموسى‬
‫أفضل من يحيى الذي يسمونه يوحنا المعمداني ‪ #‬وأما قولهم ولهذا خاطب الخلق‬
‫فالذي خاطب الخلق هو‬

‫عيسى بن مريم وإنما سمع الناس صوته لم يسمعوا غير صوته والجني إذا حل في‬

‫‪309‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪310‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النسان وتكلم على لسانه يظهر للسامعين أن هذا الصوت ليس هو صوت الدمي‬
‫ويتكلم بكلم يعلم الحاضرون أنه ليس كلم الدمي ‪ #‬والمسيح عليه السلم لم يكن‬
‫يسمع منه إل ما يسمع من مثله من الرسل ولو كان المتكلم على لسان الناسوت هو‬
‫جنيا أو ملكا لظهر ذلك وعرف أنه ليس هو البشر فكيف إذا كان المتكلم هو رب‬
‫العالمين فإن هذا لو كان حقا لظهر ظهورا أعظم من ظهور كلم الملك والجني على‬
‫لسان البشر بكثير كثير ‪ #‬وأما ما شاهدوه من معجزات المسيح عليه الصلة‬
‫والسلم فقد شاهدوا من غيره ما هو مثلها وأعظم منها وقد أحيا غيره الميت وأخبره‬
‫بالغيوب أكثر منه ومعجزات موسى أعظم من معجزاته أو أكثر وظهور المعجزات‬
‫على يديه يدل على نبوته ورسالته كما دلت المعجزات على نبوة غيره ورسالتهم ل‬
‫تدل على اللهية ‪ #‬والدجال لما ادعى اللهية لم يكن ما يظهر على يديه من‬
‫الخوارق دليل عليها لن دعوى اللهية ممتنعة فل يكون في ظهور العجائب ما يدل‬
‫على المر الممتنع‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقد قال ال على أفواه النبياء والمرسلين الذين تنبوا على ولدته من‬
‫العذراء الطاهرة مريم وعلى جميع أفعاله التي فعلها في الرض وصعوده إلى‬
‫السماء وهذه النبوات جميعها عند اليهود مقرين ومعترفين بها ويقرؤنها في كنائسهم‬
‫ولم ينكروا منها كلمة واحدة ‪ #‬فيقال هذا كله مما ل ينازع المسلمون فيه فإنه ل‬
‫ريب أنه ولد من مريم العذراء البتول التي لم يمسها بشر قط وأن ال أظهر على‬
‫يديه اليات وأنه صعد إلى السماء كما أخبر ال بذلك في كتابه كما تقدم ذكره فإذا‬
‫كان هذا مما أخبرت به النبياء في النبوات التي عند اليهود لم ينكروا ذلك وإن كان‬
‫اليهود يتأولون ذلك على غير المسيح كما في النبوات من البشارة بمحمد فهو حق‬
‫وإن كان الكافرون به من أهل الكتاب يتأولون ذلك على غيره‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وسبيلنا أن نذكر من بعض قول النبياء الذين تنبوا على السيد المسيح‬
‫ونزوله إلى الرض قال عزرا الكاهن حيث سباهم بختنصر الفريدي إلى أرض بابل‬
‫إلى أربعمائة واثنين وثمانين سنة يأتي المسيح ويخلص الشعوب والمم وفي كمال‬
‫هذه المدة أتى السيد المسيح وقال أرميا النبي عن ولدته في ذلك الزمان‬

‫يقوم لداودابن هو ضوء النور يملك الملك ويعلم ويفهم ويقيم الحق والعدل في‬
‫الرض ويخلص من آمن به من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم ويبقى بيت‬
‫المقدس بغير مقاتل ويسمى الله وأما قوله ابن لداود لن مريم كانت من نسل داود‬
‫ولجل ذلك قال النبي يقوم لداود ابن ‪ #‬فيقال أما قول عزرا الكاهن فليس فيه إل‬
‫إخباره بأنه يأتي المسيح ويخلص الشعوب والمم وهذا مما ل ينازع فيه المسلمون‬
‫فإنهم يقرون بما أخبر ال به في كتابه من إتيان المسيح عليه السلم وتخليص ال به‬
‫كل من آمن به من الشعوب والمم إلى أن بعث محمد ‪ #‬فكل من كان مؤمنا بالمسيح‬

‫‪310‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪311‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫متبعا لما أنزل عليه من غير تحريف ول تبديل فإن ال خلصه بالمسيح من شر الدنيا‬
‫والخرة كما خلص ال تعالى بموسى من اتبعه من بني إسرائيل‬

‫ومن حرف وبدل فلم يتبع المسيح ومن كذب محمدا فهو كمن كذب المسيح بعد أن ‪#‬‬
‫كان مقرا بموسى عليه السلم ‪ #‬ولكن هذا النص وأمثاله حجة على اليهود الذين‬
‫يتأولون ذلك على أن هذا ليس هو المسيح ابن مريم وإنما هو مسيح ينتظر وإنما‬
‫ينتظرون المسيح الدجال مسيح الضللة فإن اليهود يتبعونه ويقتلهم المسلمون معه ‪#‬‬
‫حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله وهكذا يقال في‬
‫النبوة الثانية التي ذكروها عن أرميا النبي عليه السلم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أرميا النبي عن ولدته في ذلك الزمان يقوم لداود ابن وهو‬
‫ضوء النور يملك الملك ويعلم ويفهم ويقيم الحق والعدل في الرض ويخلص من‬
‫آمن به من اليهود من بني إسرائيل وغيرهم ويبقى بيت المقدس بغير مقاتل ويسمى‬
‫الله وأما قوله ابن لداود لن مريم كانت من نسل داود ولجل ذلك قال ويقوم لداود‬
‫ابن ‪ #‬والجواب أن يقال قد قال فيه ويخلص من آمن به من اليهود ومن بني‬
‫إسرائيل وهو كما فسرنا به التخليص الذي نقله عن عزرا الكاهن ‪ #‬وأما قوله‬
‫واسمه الله فهذا يدل على أنه ليس هو ال رب العالمين وإما لفظ الله اسم سمي به‬
‫كما سمي موسى إلها‬

‫لفرعون عندهم في التوراة إذ لو كان هو ال رب العالمين لكان أجل من أن يقال‬


‫ويسمى الله فإن ال تبارك وتعالى ل يعرف بمثل هذا وليقال فيه إن ال يسمى‬
‫الله ولقال يأتي ال بنفسه فيظهر وقال يملك الملك ورب العالمين ما زال ول يزال‬
‫مالكا للملك سبحانه ‪ #‬وأيضا فإنه قال يقوم لداود ابن هو ضوء النور ومعلوم أن‬
‫البن الذي من نسل داود الذي اسم أمه مريم هو الناسوت فقط فإن اللهوت ليس هو‬
‫من نسل البشر وقد تبين أن هذا الناسوت الذي هو ابن داود يسمى الله فعلم أن هذا‬
‫اسم للناسوت المخلوق ل للله الخالق ‪ #‬وأيضا فإنه قال وهو ضوء النور لم يجعله‬
‫النور نفسه بل جعله ضوء النور وال تعالى منور كل نور فكيف يكون هو ضوء‬
‫النور وال تعالى قد سمى محمدا سراجا منيرا ولم يكن بذلك خالقا فكيف إذا سمي‬
‫ضوء النور ‪ #‬وأيضا فإنه لم يجعل القائم إل ابن داود وابن داود مخلوق‬

‫وأضاف الفعل إلى هذا المخلوق ولو كان هذا هو ال رب العالمين قد اتحد بالناسوت‬
‫البشري لبين أرميا وغيره من النبياء ذلك بيانا قاطعا للعذر ولم يكتفوا بمثل هذه‬
‫اللفاظ التي هي إما صريحة أو ظاهرة في نقيض ذلك أو مجملة ل تدل على ذلك‬
‫فإنه من المعلوم أن إخبارهم بإتيان نبي من النبياء أمر معتاد ممكن ومع هذا‬
‫يذكرون فيه من البشارات والدلئل الواضحة ما يزيل الشبهة ‪ #‬وأما الخبار‬
‫بمجيء الرب نفسه وحلوله أو اتحاده بناسوت بشري فهو إما ممتنع غير ممكن كما‬

‫‪311‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪312‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يقوله أكثر العقلء من بني آدم ويقولون يعلم بصريح العقل أن هذا ممتنع ‪ #‬وإما‬
‫ممكن كما يقوله بعض الناس وحينئذ فإمكانه خفي على أكثر العقلء وهو أمر غير‬
‫معتاد وإتيان الرب بنفسه أعظم من إتيان كل رسول ونبي ل سيما إذا كان إتيانه‬
‫باتحاده ببشر لم يظهر على يديه من اليات ما يختص باللهية بل لم يظهر على يديه‬
‫إل ما ظهر على يد غيره من النبياء ما هو مثله أو أعظم منه وال تعالى لما كان‬
‫يكلم موسى ولم يكن موسى يراه ول يتحد ل بموسى ول بغيره ومع هذا فقد أظهر‬
‫من اليات على ذلك وعلى نبوة موسى ما لم يظهر مثله ول قريب منه على يد‬
‫المسيح ‪ #‬فلو كان هو بذاته متحدا بناسوت بشري لكان النبياء يخبرون بذلك إخبارا‬
‫صريحا بينا ل يحتمل التأويلت ولكان الرب يظهر على ذلك من اليات ما لم يظهر‬
‫على يد رسول ول نبي فكيف والنبياء‬

‫لم ينطقوا في ذلك بلفظ صريح بل النصوص الصريحة تدل على أن المسيح مخلوق‬
‫ولم تأت آية على خلف ذلك بل إنما تدل اليات على نبوة المسيح‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعيا النبي قل لصهيون هنا تفرح وتتهلل فإن ال يأتي ويخلص‬
‫الشعوب ويخلص من آمن به وبشعبه ويخلص مدينة بيت المقدس ويظهر ال ذراعه‬
‫الطاهر فيها لجميع المم المبددين ويجعلهم أمة واحدة ويبصرون جميع أهل الرض‬
‫من خلص ال لنه يمشي معهم وبين يديهم ويجمعهم إله إسرائيل ‪ #‬فيقال هذا‬
‫محتاج أول أن يعلم من هذه النبوة أن هذا الكلم نقل بل تحريف للفظه ول غلط في‬
‫الترجمة ولم يثبت ذلك‬

‫وإذا ثبت ذلك فحينئذ هو نظير ما في التوراة من قوله جاء ال من طور سينا‬
‫وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران ‪ #‬ومعلوم أنه ليس في هذا ما يدل‬
‫على أن ال حال في موسى بن عمران ومتحد به ول أنه حال في جبل فاران ول أنه‬
‫متحد بشيء من طور سينا ول ساعير ‪ #‬وكذلك هذا اللفظ ل يدل على أنه حال في‬
‫المسيح ومتحد به إذ كلهما سواء وإذا قيل المراد بذلك قربه ودنوه كتكليم موسى‬
‫وظهور نوره وهداه وكتابه ودينه ونحو ذلك من المور التي وقعت قيل وهكذا في‬
‫المسيح عليه السلم ‪ #‬وقوله ويظهر ال ذراعه الطاهر لجميع المم المبددين قد قال‬
‫في التوراة مثل هذا في غير موضع ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى عليه السلم ‪#‬‬
‫وأما قوله عن المم المبددين فيجعلهم أمة واحدة فهم الذين اتبعوا المسيح فإنهم كانوا‬
‫متفرقين مبددين فجعلهم أمة واحدة ‪ #‬وأما قوله ويبصرون جميع أهل الرض‬
‫خلص ال لنه يمشي معهم وبين يديهم ويجمعهم إله إسرائيل فمثل هذا في التوراة‬
‫في غير موضع ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى ول حلوله فيه كقوله في السفر‬
‫الخامس من التوراة يقول موسى لبني إسرائيل ل تهابوهم‬

‫ول تخافوهم لن ال ربكم السائر بين أيديكم هو يحارب عنكم ‪ #‬وفي موضع قال‬

‫‪312‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪313‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫موسى إن الشعب هو شعبك فقال أنا أمضي أمامك فارتحل فقال إن لم تمض أنت‬
‫أمامنا وإل فل تصعدنا من هاهنا وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك‬
‫نعمة كذا إل بسيرك معنا ‪ #‬وفي السفر الرابع من الفصل الثالث عشر إن أصعدت‬
‫هؤلء من بينهم بقدرتك فيقولون لهل هذه الرض الذين سمعوا أنك ال فيما بين‬
‫هؤلء القوم يرونه عينا بعين وغمامك يقيم عليهم وبعمود غمام يسير بين أيديهم‬
‫نهارا وبعمود نار ليل‬

‫وفي التوراة أيضا يقول ال لموسى إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم ‪#‬‬
‫مخاطبتي لك ‪ #‬ثم قوله اجمع سبعين رجل من شيوخ بني إسرائيل وخذهم إلى خباء‬
‫العزب يقفون معك حتى أخاطبهم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال زكريا النبي افرحي يا بيت صهيون لني آتيك وأحل فيك‬
‫وأترايا قال ال ويؤمن بال في ذلك اليوم المم الكثيرة ويكونون له شعبا واحدا‬
‫ويحل هو وهم فيك وتعرفين أني أنا ال القوي الساكن فيك ويأخذ ال في ذلك اليوم‬
‫الملك من يهوذا ويملك عليهم إلى البد ‪ #‬فيقال مثل هذا قد ذكر عندهم عن إبراهيم‬
‫وغيره من النبياء أن ال تجلى له واستعلن له وترايا له ونحو هذه العبارات ولم يدل‬
‫ذلك على حلوله فيه واتحاده به‬

‫وكذلك إتيانه وهو لم يقل إني أحل في المسيح وأتحد به وإنما قال عن بيت ‪#‬‬
‫صهيون آتيك وأحل فيك كما قال مثل ذلك عندهم في غير هذا ولم يدل على حلوله‬
‫في بشر وكذلك قوله وتعرفين أني أنا ال القوي الساكن فيك لم يرد بهذا اللفظ حلوله‬
‫في المسيح فإن المسيح لم يسكن بيت المقدس وهو قوي بل كان يدخلها وهو مغلوب‬
‫مقهور حتى أخذ وصلب أو شبهه وال سبحانه إذا حصلت معرفته واليمان به في‬
‫القلوب اطمأنت وسكنت ‪ #‬وكان بيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح عليه السلم‬
‫بعد رفعه حصل فيه من اليمان بال ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك ‪ #‬وجماع هذا أن‬
‫النبوات المتقدمة والكتب اللهية كالتوراة والنجيل والزبور وسائر نبوات النبياء لم‬
‫تخص المسيح بشيء يقتضي اختصاصه باتحاد اللهوت به وحلوله فيه كما يقوله‬
‫النصارى بل لم تخصه إل بما خصه ال به على لسان محمد في قول ال تعالى ‪^ #‬‬
‫إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪#‬‬
‫فكتب النبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما أخبر به محمد يصدق بعضها‬
‫بعضا وسائر ما تستدل به‬

‫النصارى على إلهيته من كلم النبياء قد يوجد مثل تلك الكلمات في حق غير‬
‫المسيح فتخصيص المسيح باللهية ودون غيره باطل وذلك مثل اسم البن والمسيح‬
‫ومثل حلول روح القدس فيه ومثل تسميته إلها ومثل ظهور الرب أو حلوله فيه أو‬
‫سكونه فيه أو في مكانه ‪ #‬فهذه الكلمات وما أشبهها موجودة في حق غير المسيح‬

‫‪313‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪314‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عندهم ولم يكونوا بذلك آلهة ‪ #‬ولكن القائلون بالحلول والتحاد في حق جميع‬
‫النبياء والصالحين قد يحتجون بهذه الكلمات ‪ #‬وهذا المذهب باطل باتفاق المسلمين‬
‫واليهود والنصارى وهو باطل في نفسه عقل ونقل وإن كان طوائف من أهل اللحاد‬
‫والبدع المنتسبين إلى المسلمين واليهود والنصارى تقول به فهؤلء اشتبه عليهم ما‬
‫يحل في قلوب العارفين به من أهل اليمان به ومعرفته ونوره وهداه والروح منه‬
‫وما يعبر عنه بالمثل العلى والمثال العلمي ‪ #‬وظنوا أن ذلك ذات الرب كمن يظن‬
‫أن نفس اللفظ بالسم هو المعنى الذي في القلب أو نفس الخط هو نفس اللفظ ومن‬
‫يظن أن ذات المحبوب حلت في ذات المحب واتحدت به أو نفس المعروف المعلوم‬
‫حل في ذات العالم العارف به واتحد به مع العلم اليقيني أن نفس المحبوب المعلوم‬
‫باين عن ذات المحب روحه وبدنه لم يحل واحد منها في ذات المحب ‪ #‬وقد قال ال‬
‫تعالى‬

‫وله المثل العلى في السماوات والرض ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وهو الذي في ^ ‪#‬‬
‫السماء إله وفي الرض إله ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وهو ال في السماوات وفي‬
‫الرض ^ ‪ #‬فالمؤمنون يعرفون ال ويحبونه ويعبدونه ويذكرونه ويقال هو في‬
‫قلوبهم والمراد معرفته ومحبته وعبادته وهو المثل العلمي ليس المراد نفس ذاته كما‬
‫يقول النسان لغيره أنت في قلبي‬
‫وما زلت في قلبي وبين عيني ويقال ‪ %‬ساكن في القلب يعمره ‪ %‬لست أنساه‬
‫‪ %‬فأذكره‬
‫‪ %‬ويقال ‪ % #‬إن بيتا أنت ساكنه ‪ %‬غير محتاج إلى السرج ‪#‬‬
‫ومن قول القائل ‪ % #‬ومن عجبي أن أحن إليهم ‪ %‬وأسأل عنهم من لقيت وهم ‪#‬‬
‫‪ %‬معي‬

‫‪ %‬وتطلبهم عيني وهم في سوادها ‪ %‬ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي ‪# %‬‬
‫‪ %‬وقال ‪ %‬مثالك في عيني وذكرك في فمي ‪ %‬ومثواك في قلبي فأين تغيب‬
‫والمساجد هي بيوت ال التي فيها يظهر ذلك ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ال نور ‪#‬‬
‫السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ^ ‪ #‬قال أبي بن كعب مثل نوره‬
‫في قلوب المؤمنين ‪ #‬ثم قال ^ نور على نور ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬في بيوت أذن ال أن‬
‫ترفع ويذكر فيها اسمه ^ ‪ #‬فذكر سبحانه نوره في قلوب المؤمنين ثم ذكر ذلك في‬
‫بيوته كذلك ما ذكر في الكتب الولى ‪ #‬وأما التيان والمجيء والتجلي فعندهم في‬
‫التوراة يقول ال لموسى إني آتي إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك‬
‫ثم قوله اجمع سبعين رجل من شيوخ بني إسرائيل وخذهم‬

‫إلى خباء العرب يقفون معك حتى أخاطبهم ‪ #‬وفي السفر الرابع لما تكلم مريم‬
‫وهارون في موسى حينئذ تجلى ال بعمود الغمام قائما على باب الخباء ونادى يا‬
‫هارون ويا مريم فخرجا كلهما فقال اسمعا كلمي إني أنا ال فيما بينكم ‪ #‬وفي‬

‫‪314‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪315‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الفصل الثالث عشر إن أصعدت هؤلء من بينهم بقدرتك فيقولون لهل هذه الرض‬
‫الذين سمعوا أنك ال فيما بين هؤلء القوم يرونه عينا بعين وغمامك يقيم عليهم‬
‫وبعمود غمام يسير بين أيديهم نهارا وبعمود نار ليل ‪ #‬وفي السفر الخامس قول‬
‫موسى لبني إسرائيل ل تهابوهم ول تخافوهم لن ال ربكم السائر بين أيديكم وهو‬
‫يحارب عنكم ‪ #‬وفي موضع آخر قال موسى إن الشعب هو شعبك فقال يا موسى أنا‬
‫أمضي أمامك فارتحل فقال إن لم تمض أنت معنا وإل فل تصعدنا من ههنا وكيف‬
‫أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك نعمة كذا بعلمك إل بسيرك معنا‬

‫وفي المزمور الرابع من الزبور عندهم يقول وليفرح المتكلون عليك إلى البد ‪#‬‬
‫ويبتهجون ويحل فيهم ويفتخرون فأخبر أنه يحل في جميع الصديقين أي معرفته‬
‫ومحبته فإنهم متفقون على أن ذات ال لم تحل في الصديقين وكذلك في رسائل يوحنا‬
‫النجيلي إذا أخفا بعضنا بعضا نعلم أن ال يلبث فينا أي محبته ونظائره كثيرة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال عاموص النبي ستشرق الشمس على الرض ويهتدي بها‬
‫الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل قالوا فالشمس هو السيد المسيح والضالون الذين‬
‫اهتدوا به هم النصارى المختلفة ألسنتهم الذين كانوا من قبله عابدين الصنام‬
‫وضالين عن معرفة ال فلما أتوهم التلميذ وأنذروهم بما أوصاهم السيد المسيح‬
‫فتركوا عبادة الصنام واهتدوا باتباعهم السيد المسيح ‪ #‬فيقال هذا مما ل ينازع فيه‬
‫المسلمون وإنما ينازع في مثل هذا وأمثاله اليهود المكذبون للمسيح عليه السلم كما‬
‫ينازع كفار أهل الكتاب في محمد ‪ #‬وأما المسلمون فيؤمنون بجميع كتب ال ورسله‬
‫وأن المسيح‬

‫عليه الصلة والسلم أشرق نوره على الرض كما أشرق قبله نور موسى عليه‬
‫الصلة والسلم وأشرق بعده نور محمد ‪ #‬وقد قال ال تعالى لمحمد ‪ ^ #‬إنا‬
‫أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى ال بإذنه وسراجا منيرا ^ ‪ #‬فسماه ال‬
‫سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا والسراج المنير أكمل من السراج الوهاج‬
‫فإن الوهاج له حرارة تؤذي والمنير يهتدي بنوره من غير أذى بوهجه ‪ #‬وقال‬
‫تعالى لمحمد ‪ ^ #‬فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه‬
‫أولئك هم المفلحون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما‬
‫كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا‬
‫وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط ال الذي له ما في السماوات وما في الرض‬
‫^ أل إلى ال تصير المور‬

‫والمسلمون مقرون بأن كل من كان متبعا لدين المسيح عليه السلم الذي لم يغير ‪#‬‬
‫ولم يبدل فإنه اهتدى بالمسيح من الضللة ومن كفر به من بني إسرائيل فإنه ضال‬
‫بل كافر كما قال تعالى ‪ #‬سورة آل عمران اليات ‪ # 57 55‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا‬

‫‪315‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪316‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أيها الذين آمنوا كونوا أنصار ال كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري‬
‫إلى ال قال الحواريون نحن أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة‬
‫فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ‪ #‬وقوله ستشرق الشمس على‬
‫الرض ويهتدي بها الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل يناسب قوله في التوراة جاء‬
‫ال من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران فإن إشراقه من‬
‫ساعير هو ظهور نوره بالمسيح كما أن مجيئه من طور سينا هو ظهور نوره‬

‫بموسى واستعلنه من جبال فاران هو ظهور نوره بمحمد ‪ #‬وبهذه الماكن الثلثة‬
‫أقسم ال في القرآن بقوله ‪ ^ #‬والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين ^ ‪#‬‬
‫فبلد التين والزيتون هي الرض المقدسة التي بعث منها المسيح وكان بها أنبياء بني‬
‫إسرائيل وأسري بمحمد إليها وظهرت بها نبوته وطور سينين المكان الذي كلم ال‬
‫فيه موسى بن عمران وهذا البلد المين هو بلد مكة التي بعث ال منه محمدا وأنزل‬
‫عليه القرآن‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال في السفر الثالث من أسفار الملوك والن يا رب إله إسرائيل‬
‫لتحقق كلمك لداود لنه حق أن يكون إنه سيسكن ال مع الناس على الرض‬
‫اسمعوا أيتها الشعوب كلكم ولتنصت الرض وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدا‬
‫من بيته القدوس ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشاريق الرض في شأن‬
‫خطيئة بني يعقوب هذا كله ‪ #‬فيقال هذا السفر يحتاج إلى أن يثبت أن الذي تكلم به‬
‫نبي وأن ألفاظه ضبطت وترجمت إلى العربية ترجمة مطابقة ثم بعد ذلك يقال فيه ما‬
‫يقال في امثاله من اللفاظ الموجودة عندهم وليس فيها ما يدل على اتحاده بالمسيح‬
‫فإن قوله إن ال سيسكن مع الناس في الرض ل يدل على المسيح إذ كان المسيح لم‬
‫يسكن مع الناس في الرض بل لما أظهر الدعوة لم يبق في الرض إل مدة قليلة‬

‫ولم يكن ساكنا في موضع معين وقبل ذلك لم يظهر عنه شيء من دعوى النبوة‬
‫فضل عن اللهية ثم إنه بعد ذلك رفع إلى السماء فلم يسكن مع الناس في الرض‬
‫وأيضا فإذا قالوا سكونه هو ظهوره في المسيح عليه السلم قيل لهم أما الظهور‬
‫الممكن المعقول كظهور معرفته ومحبته ونوره وذكره وعبادته فهذا ل فرق فيه بين‬
‫المسيح وغيره ‪ #‬وحينئذ فليس في هذا اللفظ ما يدل على أن هذا السكون كان‬
‫بالمسيح دون غيره وإن كان بالمسيح فليس هذا من خصائصه عليه السلم وليس في‬
‫ظهوره فيه أو حلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي ما يوجب اتحاد ذاته به ‪ #‬وأما‬
‫قوله فيكون الرب عليها شاهدا فيقال أول شهود ال على عباده ل يستلزم حلوله أو‬
‫اتحاده ببعض مخلوقاته بل هو شهيد على العباد بأعمالهم كما قال ‪ ^ #‬ثم ال شهيد‬
‫على ما يفعلون ^ ‪ #‬ولفظ النص ولتنصت الرض وكل من فيها فيكون الرب عليها‬
‫شاهدا وهذا كما في التوراة أن موسى لما خاطب بني إسرائيل أشهد عليهم وكذلك‬
‫محمد كان يقول لمته لما بلغ الناس بقول ‪ #‬أل هل بلغت فيقولون نعم فيقول‬

‫‪316‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪317‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اللهم اشهد ‪ #‬وحينئذ فليس في هذا تعرض لكون المسيح هو ال وقد يقال أيضا ليس‬
‫فيه أن المراد بلفظ الرب هنا هو ال ولفظ الرب يراد به السيد المطاع وقد غاير بين‬
‫اللفظين فقال هناك أنه سيسكن ال مع الناس فقال فيكون الرب عليها شاهدا والنبياء‬
‫يشهدون على أممهم كما قال المسيح عليه السلم ‪ ^ #‬وكنت عليهم شهيدا ما دمت‬
‫فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إنا أرسلنا إليكم‬
‫رسول شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسول ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فكيف إذا‬
‫^ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلء شهيدا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا ‪#‬‬
‫على هؤلء ^ ‪ #‬وحينئذ فيكون الرب الشهيد هو المسيح الذي هو الناسوت وهو‬
‫الذي جاء من بيت المقدس وخرج من موضعه ونزل ووطىء على الرض من أجل‬
‫خطيئة بني يعقوب فإنهم لما أخطأوا وبدلوا أرسل ال إليهم المسيح عليه السلم‬
‫يدعوهم إلى عبادة ال وحده وطاعته فمن آمن به كان سعيدا مستحقا للثواب ومن‬
‫كفر به كان شقيا مستحقا للعذاب‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال ميخا النبي وأنت يا بيت لحم قرية يهودا بيت أفراتا يخرج لي‬
‫رئيس الذي يرعى شعبي إسرائيل وهو من قبل أن تكون الدنيا لكنه ل يظهر إل في‬
‫اليام التي تلده فيها الوالدة وسلطانه من أقاصي الرض إلى أقاصيها ‪ #‬والجواب أن‬
‫عامة ما يذكرونه عن النبياء عليهم الصلة‬

‫والسلم حجة عليهم ل لهم كما ذكروه عن المسيح عليه السلم في أمر التثليث فإنه‬
‫حجة عليهم ل لهم وهكذا تأملنا عامة ما يحتج به أهل البدع والضللة من كلم‬
‫النبياء فإنه إذا تدبر حق التدبر وجد حجة عليهم ل لهم فإن كلم النبياء عليهم‬
‫الصلة والسلم هدى وبيان وهم معصومون ل يتكلمون بباطل ‪ #‬فمن احتج بكلمهم‬
‫على باطل فل بد أن يكون في كلمهم ما يبين به أنهم أرادوا الحق ل الباطل وهذا‬
‫مثل قوله في هذه النبوة منك يخرج لي رئيس فهذا صريح في أن هذا الذي يخرج‬
‫هو رئيس ال ليس هو ال بل هو رئيس له كسائر الرؤساء الذين ل وهم الرسل‬
‫والنبياء المطاعون مثل داود موسى وغيرهما ‪ #‬ولهذا قال الذي يرعي شعبي‬
‫إسرائيل ولو كان هو لكان هو راعي شعب نفسه وأما قوله وهو من قبل أن تكون‬
‫الدنيا فهذا مثل قول النبي في حديث ميسرة الفجر وقد قيل له يا رسول ال متى كنت‬
‫نبيا قال ‪ #‬وآدم بين الروح والجسد وفي لفظ متى كتبت نبيا قال ‪ #‬وآدم بين الروح‬
‫والجسد وفي‬

‫مسند المام أحمد عن العرباض بن سارية عن النبي أنه قال ‪ #‬إني عند ال لمكتوب‬
‫خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته وسأنبئكم بأول أمري أنا دعوة أبي إبراهيم‬

‫‪317‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪318‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وبشرى عيسى ورؤيا أمي رأت حين ولدتني أنه خرج منها نور أضاء له قصور‬
‫الشام فقد أخبر أنه كان نبيا وكتب نبيا وآدم بين الروح والجسد وأنه مكتوب عند ال‬
‫خاتم النبيين وآدم منجدل في طينته ‪ #‬ومراده أن ال كتب نبوته وأظهرها وذكر‬
‫اسمه ولهذا جعل ذلك في ذلك الوقت بعد خلق جسد آدم وقبل نفخ‬

‫الروح فيه كما يكتب رزق المولود وأجله وعمله وشقي هو أو سعيد بعد خلق جسده‬
‫وقبل نفخ الروح فيه ‪ #‬وكذلك قول القائل في المسيح عليه السلم وهو من قبل أن‬
‫تكون الدنيا فإنه مكتوب مذكور من قبل أن تكون الدنيا ‪ #‬فإنه قد ثبت في الصحيح‬
‫عن عبد ال بن عمرو عن النبي أنه قال ‪ #‬قدر ال مقادير الخلئق قبل أن يخلق‬
‫السماوات والرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ‪ #‬وفي صحيح‬
‫البخاري عن عمران بن حصين عن النبي أنه قال ‪ #‬كان ال ولم يكن شيء قبله‬
‫وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات‬

‫والرض ‪ #‬وهو قد قال قبل أن تكون الدنيا ولم يقل إنه كان قديما أزليا مع ال لم‬
‫يزل كما يقول النصارى إنه صفة ال الزلية بل وقت ذلك بقوله قبل أن تكون الدنيا‬
‫ول يحسن أن يقال في رب العالمين كان قبل أن تكون الدنيا فإنه سبحانه قديم أزلي‬
‫ول ابتداء لوجوده فل يوقت بهذا المبدأ ل سيما إن أريد بكون الدنيا عمارتها بآدم‬
‫وذريته فإن الدنيا قد ل تدخل فيها السماوات والرض بل يجعل من الخرة وأرواح‬
‫المؤمنين في الجنة في السماوات ويراد بالدنيا الحياة الدنيا أو الدار الدنيا ‪ #‬ولهذا‬
‫قال لكنه ل يظهر إل في اليام التي تلده فيها الوالدة كما يظهر غيره أن النبياء بعد‬
‫أن تلده أمه ‪ #‬والوالدة إنما ولدت الناسوت وأما اللهوت فهو عندهم مولود من ال‬
‫القديم الزلي وإذا قالوا فهي ولدت اللهوت مع الناسوت كان هذا معلوم الفساد من‬
‫وجوه كثيرة وإذا قيل لم خص عيسى المسيح عليه السلم بالذكر قيل كما خص‬
‫محمد بالذكر لن أمر المسيح كان أظهر وأعظم ممن قبله من النبياء بعد موسى ‪#‬‬
‫وكذلك أمر محمد كان أظهر وأعظم من‬

‫أمر جميع النبياء قبله وإذا عظم الشيء كان ظهوره في الكتاب أعظم ‪ #‬وظن‬
‫بعض النصارى أن المراد بذلك وجود ذات المسيح يضاهي ظن طائفة من غلة‬
‫المنتسبين إلى السلم وغيرهم الذين يقولون إن ذات النبي كانت موجودة قبل خلق‬
‫آدم ‪ #‬ويقولون إنه خلق من نور رب العالمين ووجد قبل خلق آدم وأن الشياء‬
‫خلقت منه حتى قد يقولون في محمد من جنس قول النصارى في المسيح حتى قد‬
‫يجعلون مدد العالم منه ويروون في ذلك أحاديث وكلها كذب مع أن هؤلء ل يقولون‬
‫إن المتقدم هو اللهوت بل يدعون تقدم حقيقته وذاته ويشيرون إلى شيء ل حقيقة له‬
‫كما تشير النصارى إلى تقدم لهوت اتحد به ل حقيقة له ‪ #‬ومن هؤلء الغلة من‬
‫يروي عن النبي أنه قال ‪ #‬من قال إني كلي بشر فقد كفر ومن قال لست ببشر فقد‬

‫كفر ويحتجون بقوله تعالى ‪ ^ #‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ^ ‪ #‬فيجعلون فيه‬

‫‪318‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪319‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫شيئا من اللهوت مضاهاة للنصارى ‪ #‬وهذا الحديث كذب باتفاق أهل العلم بالحديث‬
‫وقد ثبت عنه في الحديث الذي في الصحيحين أنه قال ل تطروني كما أطرت‬
‫النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد ال ورسوله ‪ #‬وقد قال تعالى عنه‬
‫‪ ^ #‬قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول ^ ‪ #‬وهذا من جنس الغلة الذين‬
‫يقولون إن الرب يحل في الصالحين ويتكلم على ألسنتهم وأن الناطق في أحدهم هو‬
‫ال ل نفسه وقول هؤلء من جنس قول النصارى في المسيح ويقول أحدهم إن‬
‫الموحد هو الموحد وينشدون‬

‫ما وحد الواحد من واحد ‪ %‬إذ كل من وحده جاحد ‪ % %‬توحيد من ينطق عن ‪%‬‬
‫نعته ‪ %‬عارية أبطالها الواحد ‪ % %‬توحيده إياه توحيده ‪ %‬ونعت من ينعته لحد‬
‫‪%‬‬
‫وهو من جنس قول الذين يجعلون روح النسان قديمة أزلية ويقولون هي صفة ‪#‬‬
‫ال فيجعلون نصف النسان لهوتا ونصفه ناسوتا لكن اللهوت عندهم هو روحه ل‬
‫لهوت واحد كما يقوله النصارى وعلى قول هؤلء مع قول النصارى يكون في‬
‫المسيح وأمثاله ممن ادعى فيه اتحاد اللهوت به لهوتان روحه لهوت والكلمة‬
‫لهوت ثان ومن جنس هؤلء من ينشد ما يحكى عن الحلج أنه أنشد ‪ %‬سبحان من‬
‫أظهر ناسوته ‪ %‬سر سنا لهوته الثاقب ‪ % %‬ثم بدا في خلقه ظاهرا ‪ %‬في‬
‫‪ %‬صورة الكل والشارب ‪ % %‬حتى لقد عابته خلقه ‪ %‬كلحظة الحاجب للحاجب‬

‫ولو قدر أن نفسه هي التي كانت قبل أن تكون الدنيا فهذا ل يدل على أنه ال أو‬
‫صفة ال بل إذا قال من يدعي أن روحه كانت موجودة حينئذ المراد روحه كان هذا‬
‫أقرب من قول النصارى وفي الجملة ما يخبر عن المسيح أنه كان قبل أن تكون‬
‫الدنيا بمنزلة ما عند أهل الكتاب عن سليمان أنه قال كنت قبل أن تكون الدنيا ثم قد‬
‫ثبت‬

‫باتفاق الخلئق أن سليمان لم يكن اللهوت متحدا به فعلم أن مثل هذا الكلم ل‬
‫يوجب اتحاد اللهوت به بل المسلمون يعدلون في القول ويفسرون كلم ال في كتبه‬
‫بعضه ببعض ويجعلون كلمه يصدق بعضه بعضا ل يناقض بعضه بعضا ‪ #‬وأما‬
‫أهل الضلل من النصارى وغيرهم فيفضلون المفضول على من هو أفضل منه‬
‫ويبخسون الفاضل حقه ويغلون في المفضول ويبخسون النبياء حقوقهم مثل تنقصهم‬
‫لسليمان فإن كثيرا من اليهود والنصارى يطعنون فيه ‪ #‬منهم من يقول كان ساحرا‬
‫وأنه سحر الجن بسحره ‪ #‬ومنهم من يقول سقط عن درجة النبوة فيجعلونه حكيما ل‬
‫نبيا ولهذا ذكر ال في القرآن تبرئة سليمان عن ذلك وذلك أن سليمان سأل ال ملكا‬
‫ل ينبغي لحد من بعده فسخر لسليمان الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب‬
‫والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الصفاد فسخر له الريح غدوها‬
‫شهر ورواحها شهر ولما طلب من المل أن يأتوه بعرش بلقيس ملكة اليمن وكان هو‬
‫بالشام‬

‫‪319‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪320‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سورة النمل اليات ‪ # 40 38‬فلما مات سليمان عمدت الشياطين إلى أنواع من ‪#‬‬
‫الشرك فكتبوها ووضعوها تحت كرسيه وقالوا كان سليمان يسخر الجن بهذا فصار‬
‫هذا فتنة لمن صدق بذلك وصاروا طائفتين طائفة علمت أن هذا من الشرك والسحر‬
‫وأنه ل يجوز فطعنت في سليمان كما فعل ذلك كثير من أهل الكتاب اليهود‬
‫والنصارى ‪ #‬وطائفة قالت سليمان نبي وإذا كان قد سخر الجن بهذا دل على أن هذا‬
‫جائز فصاروا يقولون ويكتبون من القوال التي فيها الشرك والتعزيم والقسام‬
‫بالشرك والشياطين ما تحبه الشياطين وتختاره ويساعدونهم لجل ذلك على بعض‬
‫مطالب النس إما إخبارا بأمورغائبة يخلطون فيها كذبا كثيرا وإما تصرف في‬
‫بعض الناس كما يقتل الرجل أو يمرض بالسحر أو تسرق الشياطين له بعض‬
‫الموال ونحو ذلك مما فيه إعانة الشياطين للنس على امور تريدها النس لجل‬
‫مطاوعة النس وموافقتهم للشياطين على ما تريده الشياطين من الكفر والفسوق‬
‫والعصيان‬

‫وكثير منهم يضيف ذلك إلى سليمان وإلى آصف بن برخيا ويصورون خاتم ‪#‬‬
‫سليمان وقد يأخذون الرجل الذي صار من إخوانهم إلى مواضع فيرونه شخصا‬
‫ويقولون هذا سليمان بن داود كما قد جرى مثل ذلك لمن نعرفه من المشايخ الذين‬
‫كانت تقترن بهم الشياطين وكان لهم خوارق شيطانية من جنس خوارق السحرة‬
‫والكهان ‪ #‬فنزه ال تعالى سليمان من كذب هؤلء وهؤلء الذين جعلوه يسخر‬
‫الشياطين بنوع من الشرك والسحر هؤلء جرحوه وهؤلء زعموا أنهم يتبعونه فقال‬
‫تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليتان ‪103 102‬‬

‫ومثل هذا كثير يحكى عن بعض النبياء أو بعض أهل العلم والدين من أمور ‪#‬‬
‫ليست من شرع ال فيصدق بها بعض الناس وتصير فتنة لطائفتين مصدقتين بها ‪#‬‬
‫طائفة تقدح في ذلك النبي أو الرجل الصالح بما هو منه بريء ‪ #‬وطائفة تقول إنها‬
‫تتبعه فيم يقول وهذا موجود في كثير مما يحكيه أهل الكتاب عن النبياء فإن اليهود‬
‫تذكر عنهم ما يقدح في نبوتهم ‪ #‬والنصارى تجعل ذلك قدوة لهم فيما يبتدعونه وهذا‬
‫مبسوط في موضع آخر فالمقصود هنا أن الكلم الذي وصف به المسيح إما وصفه‬
‫به النبياء قبله أو أخبر به عن نفسه موجود مثله في حق غيره ولم يكن أحدهم بذلك‬
‫لهوتا وناسوتا ول اتحد اللهوت بالناسوت ول استحق أحدهم بذلك أن يعبد ويصلى‬
‫له ويسجد ويدعا كما يدعا ال ويضاف إليه ما يضاف إلى ال من الخلق والبعث‬
‫والثواب والعقاب وليس للمسيح صلوات ال عليه آية خارقة إل ولغيره مثلها وأعظم‬
‫منها ول قيل فيه كلمة إل قيل في غيره مثلها وأعظم منها إل ما خصه فيه القرآن‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال حبقوق النبي إن ال في الرض يتراءى ويختلط مع الناس‬


‫ويمشي معهم ‪ #‬وقال أرميا النبي ال بعد هذا في الرض يظهر وينقلب مع البشر‬

‫‪320‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪321‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيقول أنا ال رب الرباب ‪ #‬والجواب أن هذا يحتاج إلى تثبيت نبوة هذين وإلى‬
‫ثبوت النقل عنهما وثبوت الترجمة الصحيحة المطابقة وبعد هذا يكون حكم هذا‬
‫الكلم حكم نظائره ففي التوراة ما هو من هذا الجنس ولم يدل ذلك باتفاق المسلمين‬
‫واليهود والنصارى على أن ال حل في موسى ول في غيره من أنبياء بني إسرائيل‬
‫بل قوله يتراءى هو بمنزلة يتجلى ويظهر وقد ذكر في التوراة أنه تجلى وتراءى‬
‫لبراهيم وغيره من النبياء‬

‫عليهم السلم من غير أن تكون ذاته حلت بأحد منهم وما في القلوب من المثال‬
‫العلمي وبمعرفته ومحبته وذكره يطلق عليه ما يطلق على المعروف بنفسه لعلم‬
‫الناس أن المراد به المثال العلمي ‪ #‬وما في القلوب من معرفة المعروف ومحبته‬
‫ليس المراد به نفس المعروف المحبوب فإذا قال القائل أنت وال في قلبي أو في‬
‫سويداء قلبي أو قال له وال ما زلت في قلبي وما زلت في عيني ونحو ذلك علم‬
‫جميع الناس أنه لم يرد ذاته فإذا رأوا من يذكر عالما مشهورا أو شيخا مشهورا‬
‫فيذكر علمه وعمله ويحيى ذلك بين الناس قالوا قد صار فلن يعني المعروف‬
‫المذكور عندنا وبين أظهرنا لعلم المخاطبين بالمراد ‪ #‬ويقول أحدهم لمن مات والده‬
‫أنا والدك أي قائم مقامه ويقولون للولد القائم مقام أبيه من خلف مثلك ما مات وإذا‬
‫رأوا عكرمة مولى ابن عباس الذي معه علمه يقولون جاء ابن عباس وابن عباس‬
‫بين الناس لن موله نائب عنه وقائم مقامه وإذا بعث الملك نائبا قائما مقامه يقولون‬
‫جاء الملك الفلني لن هذا النائب قائم مقامه مظهر لمره ونهيه وأحواله ‪ #‬وفي‬
‫الحديث الصحيح عن النبي يقول ال ‪ #‬عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد يا رب‬
‫كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا مرض‬

‫فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده عبدي جعت فلم تطعمني فيقول يا رب كيف‬
‫أطعمك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلنا جاع فلو أطعمته لوجدت‬
‫ذلك عندي عبدي عطشت فلم تسقني فيقول رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين‬
‫فيقول أما علمت أن عبدي استسقاك فلم تسقه أما لو سقيته لوجدت ذلك عندي ‪#‬‬
‫فجعل جوع عبده جوعه ومرضه مرضه لن العبد موافق ل فيما يحبه ويرضاه‬
‫ويأمر به وينهى عنه وقد عرف أن الرب نفسه ل يجوع ول يمرض ‪ #‬ومعلوم أن‬
‫وصفه بالجوع والمرض أبعد من وصفه بالمشي بين الناس والختلط بهم ولهذا‬
‫نظائر كثيرة موجودة في كلم النبياء وغير النبياء من الخاصة والعامة ول يفهم‬
‫عاقل من ذلك أن ذات المذكور اتحدت بالخر أو حلت فيه إل من هو جاهل‬
‫كالنصارى ‪ #‬والناس يرون الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك في الماء الصافي‬
‫وفي المرآة المجلوة ونحو ذلك ‪ #‬ويقول أحدهم رأيت وجه فلن في هذه المرآة‬
‫ورأيت الشمس والقمر في المرآة أو في الماء مع علم كل عاقل أن نفس‬

‫الشمس والقمر وغيرهما لم تحل ل في المرآة ول في الماء ولكن هذه رؤية مقيدة‬
‫رآها بواسطة المثال الذي تمثل في المرآة أو الماء سواء كان ذلك شعاعا منعكسا أو‬

‫‪321‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪322‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫غير ذلك ومن هذا الباب قول القائل ‪ %‬إذا ظهر الغدير على صفاء ‪ %‬وجنب أن‬
‫يحركه النسيم ‪ % %‬ترى فيه السماء بل امتراء ‪ %‬كذاك الشمس تبدو والنجوم ‪%‬‬
‫‪ % %‬كذاك قلوب أرباب التجلي ‪ %‬يرى في صفوها ال العظيم‬
‫فقد أخبر أن ال يرى في قلوب العارفين كما ترى الشمس والنجوم في الماء ‪#‬‬
‫الصافي بل يتصور أحدهم صورة من يعرفه بحمرة أو خضرة أو سواد فيقول وال‬
‫هذا هو فلن بعينه مع علمه وعلم كل من سمعه أنه مثاله المطابق لصورته ل عينه‬
‫وذلك لمماثلة تلك الصورة لصورته يريد أن هذا تمثيل مطابق له ل مخالف ‪ #‬ومن‬
‫هذا قول النبي ‪ #‬من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان ل يتمثل في‬
‫صورتي لم يرد أنه رأى جسدي الذي في القبر وروحي التي في الجنة حالة في ذاته‬
‫فإن هذا ممتنع لوجوه كثيرة فلهذا قال فإن الشيطان ل يتمثل في صورتي‬

‫ولما دخل جماعة من الصحابة على المقوقس ملك النصارى بمصر واستخبرهم ‪#‬‬
‫عن دينهم فأخبروه بذلك فإذا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة وإذا فيها أبواب صغار‬
‫ففتح منها بابا فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل طوال‬
‫أكثر الناس شعرا فقال أتعرفون هذا قالوا قلنا ل فقال هذا آدم ‪ #‬ثم أعاد وفتح بابا‬
‫آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل ضخم الرأس عظيم له‬
‫شعر كشعر النبط أحمر العين فقال أتعرفون هذا فقلنا ل فقال هذا نوح ‪ #‬ثم أعاد‬
‫وفتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل أبيض الرأس‬
‫واللحية كأنه يبتسم فقال أتعرفون هذا فقلنا ل فقال هذا إبراهيم ‪ #‬ثم أعاد وفتح بابا‬
‫آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء قال أتعرفون هذا قلنا النبي‬

‫قال هذا وال محمد رسول ال ‪ #‬قال وال يعلم أنه قام ثم قعد ثم قال ال بدينكم إنه‬
‫نبيكم قلنا ال بديننا إنه نبينا كأنما ننظر إليه ‪ #‬ثم قال أما إنه كان آخر البواب‬
‫ولكني عجلته لكم لنظر ما عندكم ‪ #‬ثم أعاد وفتح بابا بابا وهو يقول هذا موسى‬
‫هذا هارون هذا داود هذا سليمان هذا عيسى ‪ #‬وهذا كله لظهور المراد به ومعرفة‬
‫الناس بمقصود المتكلم كما يقال لمن كتب اسمه في كتاب هذا فلن ‪ #‬ومعلوم أن‬
‫الموجود في الكتاب اسمه المكتوب ل ذاته الموجودة في الخارج ومن هذا الباب قوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وكل شيء فعلوه في الزبر ^ ‪ #‬وإنما في الزبر ذكر أعمالهم وكتابة ذلك‬
‫ويقال في كتابة الوثائق هذا ما أصدق فلن وهذا ما يقاضي عليه فلن وفلن ويقال‬
‫هذا ذكر ما أصدق فلن أو يقاضي عليه فلن وفلن فيشار إلى الموجود تارة وإلى‬
‫ذكره تارة‬

‫ومعلوم أن الموجود في الكتاب ذكره ل عينه بل ذلك وجود الخط في الذهان ‪#‬‬
‫المطابق لذكره باللفظ ‪ #‬والشيء له وجود في العيان ووجود في الذهان ووجود‬
‫في اللسان ووجود في البنان ووجود عيني وعلمي ورسمي ولفظي وفي كل من‬
‫الربعة يذكر ويشار إليه مع القرائن والضمائر التي تبين تارة أن المشار إليه هو‬
‫الخط المطابق للفظ وتارة تكون الشارة إلى اللفظ المطابق للمعنى ‪ #‬ومعلوم أن‬

‫‪322‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪323‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المعنى الذي في القلب أقرب إلى الموجود في الخارج من اللفظ والخط فإذا أشير إلى‬
‫ما في قلب العارف بعين المحب له الذاكر له بأنه المعروف المحبوب كان أقرب ل‬
‫سيما وقد يغلب الذكرو المعرفة والمحبة على القلب حتى يغيب بموجوده عن وجوده‬
‫وبمعروفه عن معرفته وبمذكوره عن ذكره حتى يقول أحدهم في هذه الحال سبحاني‬
‫أو ما في هذه الجبة إل ال ‪ #‬ومعلوم أن ذات ال تبارك وتعالى ليست الذي في قلبه‬
‫بل في قلبه مثاله العلمي ومعرفته ومحبته فغاب بذلك عن نفسه هذا وإن كان يقوله‬
‫الغالط فيقول من ليس بغالط ال في قلب فلن وفلن ما عنده إل ال ومن أراد ال‬
‫فليذهب إلى فلن وليس مرادهم أن‬

‫ذات ال في قلبه بل مثاله العلمي ومعرفته وذكره ومحبته وأنه ليعبد إل ال ول‬
‫يرجو إل إياه ول يخاف إل إياه ول يعمل إل ل وليأمر إل بطاعته فيفنى بعبادته‬
‫عن عبادة ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه ‪ #‬فما‬
‫قيل في المسيح عليه السلم وأمثاله من هذا فهو حق لكن ل اختصاص للمسيح بهذا‬
‫‪ #‬وإذا كان مثل هذا الكلم كثيرا موجودا في كلم النبياء وغيرهم بل هو المعروف‬
‫في كلمهم ول يوجد قط على أحد من النبياء أنه جعل ذات ال في قلب أحد من‬
‫البشر علم أن النصارى تركوا المحكم من كلم النبياء عليهم السلم وتمسكوا‬
‫بالمتشابه كأمثالهم من الضلل فاشتبه عليهم المعلوم بالقلوب المذكور باللسن‬
‫بالموجود في نفسه فظنوا أن نفس المثال العلمي هو الموجود العيني كما يظن ذلك‬
‫كثير من الغالطين وهؤلء يقولون بالحلول تارة وبالتحاد أخرى ول يفرقون بين‬
‫حلول اليمان والمعرفة والمحبة والمثال العلمي في القلب وبين حلول الذات‬
‫المعلومة المحبوبة ‪ #‬ولهذا يعتقد كثير من هؤلء أنهم يكلمون ال ويكلمهم ويقول‬
‫أحدهم أوقفني وقال لي وقلت له وتكون مخاطبته ومناجاته مع‬

‫هذا المثال العلمي بحسب ما عندهم من العتقاد في ال تعالى وكثير منهم يتمثل له‬
‫الشيطان ويقول أنا ربك فيخاطبة ويظنه ربه وإنما هو الشيطان ‪ #‬ومنهم من يرى‬
‫عرشا عليه نور أو يرى ما يظنه الملئكة وهم شياطين وذلك شيطان ‪ #‬وكثير من‬
‫هؤلء يظن أنه أفضل من النبياء وأنه يدخل إلى ال بل إذن خلف النبياء ويكون‬
‫ذلك الله الذي يعتقده هو الشيطان والدين ل يتمثل لهم الشيطان يخاطب أحدهم من‬
‫في قلبه فتخاطبه تلك الصورة العلمية ويقدر أنها تخاطبه ويظن ذلك مخاطبة الحق‬
‫له ‪ #‬وهذا كالرجل يذكر بعض أصحابه فيمثله في قلبه ويخاطبه مخاطبة من يعاتبه‬
‫أو يعتذر إليه ويقدر خطاب تلك الصورة ويقول قلت لك كذا وقلت لي كذا ‪ #‬ونفس‬
‫الشخص ل يكلمه ول يسمع كلمه وإنما هو المثال كما قد يصور صورة النسان‬
‫ويخاطبها النسان ويقدر ذلك مخاطبة لصاحب الصورة ‪ #‬والنصارى أدخل في هذا‬
‫من غيرهم فإنهم يخاطبون الصور الممثلة في الكنائس كصورة مريم والمسيح‬
‫والقديسين ويقولون إنما‬

‫نقصد خطاب أصحاب تلك الصور نستشفع بهم ‪ #‬وهذا مما حرمه ال على ألسن‬

‫‪323‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪324‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جميع النبيين ولم يشرع لحد أن يدعو الملئكة ول النبياء ول الصالحين الموات‬
‫فكيف بالصور الممثلة لهم كما قد بسط في موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أنه كثيرا‬
‫ما يوجد في كلم الناس النبياء وغيرهم من ذكر ظهور ال عز وجل والمراد به‬
‫ظهوره في قلوب عباده بالمعرفة والمحبة والذكر ‪ #‬ولهذا لما كان يقصد بذكر اسمه‬
‫ذكر المسمى صار يقول من يقول إن السم هو المسمى أن المراد المقصود من‬
‫السم هو المسمى ل أن نفس اللفظ هو المسمى فإن هذا ل يقوله عاقل وتنزيه السم‬
‫وتسبيحه تنزيه للمسمى وتسبيح له ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬سبح اسم ربك العلى ^‬
‫^ وقال ‪ ^ #‬فسبح باسم ربك العظيم‬

‫وقال ‪ ^ #‬تبارك اسم ربك ذي الجلل والكرام ^ ‪ #‬وجاء في الحديث ‪ #‬ل تقوم ‪#‬‬
‫القيامة حتى ل يعبد ال اسم أي ل يعبد ال باسم من أسمائه فإنه إذا قيل دعوت ال‬
‫وعبدته فإنما في اللفظ السم والمقصود هو المسمى ‪ #‬وهذا الذي ذكرناه من تفسير‬
‫ظهور اللهوت في المسيح وغيره بأن المراد ظهور ما في القلوب من توحيد ال‬
‫ومعرفته ومحبته وذكره ونوره وهداه وروحه هو مما يفسر به ذلك كثير من علماء‬
‫النصارى فإنهم يفسرون اتحاد اللهوت بالناسوت بظهور اللهوت فيه كظهور نقش‬
‫الخاتم في الشمع والطين ‪ #‬ومعلوم أن الحال في الشمع والطين هو مثال نقش الخاتم‬
‫ل أن في الشمع والطين شيئا من الخاتم بل ظهر فيه نقش الخاتم ‪ #‬وكذلك يظهر‬
‫نور ال وروحه في النبياء والصالحين وهذا المعنى ل يختص به المسيح عليه‬
‫السلم بل يشترك هو فيه وسائر الرسل بل وكل مؤمن له من هذا نصيب بحسب‬
‫إيمانه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعيا النبي ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه‬
‫عمانويل ‪ #‬وعمانويل كلمة عبرانية تفسيرها بالعربي إلهنا معنا فقد شهد النبي أن‬
‫مريم ولدت اللهوت المتحد بالناسوت كلهما ‪ #‬فيقال ليس في هذا الكلم أن مريم‬
‫ولدت اللهوت المتحد بالناسوت وأنها ولدت خالق السماوات والرض بل هذا‬
‫الكلم يدل على أن المولود ليس هو خالق السماوات والرض فإنه قال تلد ابنا ‪#‬‬
‫وهذا نكرة في الثبات كما يقال في سائر النساء إن فلنة ولدت ابنا وهذا دليل على‬
‫أنه ابن من البنين ليس هو خالق السماوات‬

‫والرضين ثم قال ويدعى اسمه عمانويل فدل بذلك على أن هذا اسم يوضع له‬
‫ويسمى به كما يسمي الناس أبناءهم بأسماء العلم أو الصفات التي يسمونهم بها ‪#‬‬
‫ومن تلك السماء ما يكون مرتجل ارتجلوه ‪ #‬ومنها ما يكون جملة يحكونها ولهذا‬
‫كثير من أهل الكتاب يسمى ابنه عمانويل ثم منهم من يقول العذراء المراد بها غير‬
‫مريم ويذكرون في ذلك قصة جرت ‪ #‬ومنهم من يقول بل المراد بها مريم وعلى‬
‫هذا التقدير فيكون المراد أحد معنيين ‪ #‬إما أنه يريد أن إلهنا معنا بالنصر والعانة‬
‫فإن بني إسرائيل كانوا قد خذلوا بسبب تبديلهم فلما بعث المسيح عليه السلم بالحق‬

‫‪324‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪325‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كان ال مع من اتبع المسيح والمسيح نفسه لم يبق معهم بل رفع إلى السماء ولكن ال‬
‫كان مع من اتبعه بالنصر والعانة ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬فأيدنا الذين آمنوا على‬
‫عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين‬
‫^ كفروا إلى يوم القيامة‬

‫وهذا أظهر وإما أن يكون يسمى المسيح إلها كما يقولون إنه يسمى موسى إله ‪#‬‬
‫فرعون أي هو المر الناهي له المسلط عليه ‪ #‬وقد حرف بعضهم معنى هذه الكلمة‬
‫فقال معناها ال معنا فقال من رد عليهم من علمائهم يقال لهم أهذا هو القائل أنا الرب‬
‫ل إله غيري أنا أميت وأنا أحيي أم هو القائل ل إنك أنت الله الحق وحدك والذي‬
‫أرسلت يسوع المسيح وإذا كان الول باطل والثاني هو الذي شهد به النجيل وجب‬
‫تصديق النجيل وتكذيب من كتب في النجيل أن عمانويل وتأويله ال معنا بل تأويل‬
‫عمانويل معنا إله وليس المسيح مخصوصا بهذا السم بل عمانويل اسم يسمى به‬
‫النصارى واليهود من قبل النصارى ‪ #‬وهذا موجود في عصرنا هذا في أهل الكتاب‬
‫من سماه أبوه عمانويل يعني شريف القدر وكذلك السريان أكثرهم يسمون أولدهم‬
‫عمانويل‬

‫قلت ومعلوم أن ال مع المتقين والمحسنين والمقسطين بالهداية والنصر والعانة ‪#‬‬


‫ويقال للرجل في الدعاء ال معك فإذا سمى الرجل بقول ال معك كان هذا تبركا‬
‫بمعنى هذا السم وإذا قيل إن المسيح سمى ال معنا أو إلهنا معنا ونحو ذلك كان ذلك‬
‫دليل على أن ال مع من اتبع المسيح وآمن به فيكون ال هاديه وناصره ومعينه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعيا أيضا إن غلما ولد لنا وابنا اعطيناه الذي رياسته على‬
‫عاتقيه وبين منكبيه ويدعى اسمه ملكا عظيم المشية مسيرا عجيبا إلها قويا مسلطا‬
‫رئيس السلمة في كل الدهور وسلطانه كامل ليس له فناء ‪ #‬فيقال ليس في هذه‬
‫البشارة دللة بينة أن المراد به المسيح عليه السلم ولو كان المراد به المسيح لم يدل‬
‫على مطلوبهم بل قد يقال المراد بها محمد فإنه الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه‬
‫من جهتين ‪ #‬من جهة خاتم النبوة على بعض كتفيه وهو علمة من أعلم النبوة‬
‫الذي أخبرت به النبياء وعلمة ختمهم‬

‫ومن جهة أنه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه إذا ضرب به على ‪#‬‬
‫عاتقه ويدل على ذلك قوله مسلط رئيس قوي السلمة ‪ #‬وهذه صفة محمد المؤيد‬
‫المنصور المسلط رئيس السلمة فإن دينه السلم ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا‬
‫وعذاب الخرة ومن استيلء عدوه عليه ‪ #‬والمسيح عليه السلم لم يسلط على‬
‫أعدائه كما سلط محمد بل كان أعداؤه بحيث يقدرون على صلبه وعند النصارى قد‬
‫صلبوه وعند المسلمين ألقى ال شبهه على غيره فصلب ذاك المشبه فبهذه الطريق‬
‫دفع ال الصلب عنه ل بقهر أعدائه وإهلكهم وذلهم له كما نصر ال محمدا على‬

‫‪325‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪326‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أعدائه ‪ #‬وقال في كل الدهور سلطانه كامل ليس له فناء وهذا صفة خاتم الرسل‬
‫الذي ل يأتي بعده نبي ينسخ شرعه وسلطانه بالحجة واليد كامل ل يحتاج فيه إلى‬
‫الستعانة بشرع آخر وشرعه ثابت باق إلى آخر الدهر‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعيا أيضا يخرج عصاه من بيت يسي ينبت نور منها ويحل‬
‫فيه روح القدس روح ال روح الحكمة والفهم روح الحيل والقوة روح العلم وخوف‬
‫ال ‪ #‬وفي تلك اليام يكون أصل يسي آية للمم وبه يؤمنون وعليه يتوكلون ويكون‬
‫لهم التاج والكرامة إلى دهر الداهرين‬

‫والجواب إن هذا الكلم بعد المطالبة بصحة نقله عن النبي وصحة الترجمة له ‪#‬‬
‫باللسان العربي هو حجة على النصارى ل لهم فإنه ل يدل على أن المسيح هو خالق‬
‫السماوات والرض بل يدل على مثل ما دل عليه القرآن من أن المسيح عليه السلم‬
‫أيد بروح القدس فإنه قال ويحل فيه روح القدس وروح ال وروح الحكمة والفهم‬
‫وروح الحيل والقوة روح العلم وخوف ال ولم يقل تحل فيه حياة ال فضل عن أن‬
‫يقول حل فيه ال أو اتحد به ولكن جعل روح القدس هي روح ال وهي روح الحكمة‬
‫والفهم والعلم وهي روح الحيل والقوة ‪ #‬كما أن عندهم في التوراة أن الذين كانوا‬
‫يعملون في قبة الزمان حلت فيهم روح الحكمة روح الفهم روح العلم‬

‫فهي ما يحصل به الهدى والنصر كما قال تعالى ‪ ^ #‬واذكر عبادنا إبراهيم ‪#‬‬
‫وإسحاق ويعقوب أولي اليدي والبصار ^ ‪ #‬فقال هي روح ال وهذا كقوله تعالى‬
‫‪ ^ #‬أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬وكذلك‬
‫أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا‬
‫نهدي به من نشاء من عبادنا ^ ‪ #‬وقال تعالى ^ ينزل الملئكة بالروح من أمره ^‬
‫‪ #‬فما أنزله يسمى هدي ال وروح ال ووحي ال ونور ال ونحو ذلك ‪ #‬وقال تعالى‬
‫لما ذكر أنبياءه من ذرية إبراهيم فقال ‪ #‬سورة النعام اليات ‪88 84‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل يضل ول يشقى ^ ‪# #‬‬
‫وسماه نور ال كقوله تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها‬
‫مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة‬
‫زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور‬
‫يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال بكل شيء عليم ^ ‪ #‬فهذا‬
‫هدي ال ونور ال هو روح ال كما قال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا إليك روحا من‬
‫أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من‬
‫^ عبادنا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أولئك كتاب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه‬

‫‪326‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪327‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعيا أيضا من أعجب العاجيب أن رب الملئكة سيولد من‬
‫البشر ‪ #‬فيقال مثل هذا الكلم ل بد أن يكون قبله كلم وبعده كلم وهو منقول من‬
‫لغة إلى لغة ونحن نعلم قطعا أنه لم يرد أن رب العالمين يولد من البشر ولو أراد‬
‫ذلك لم يقل رب الملئكة فقط فإن ال رب كل شيء لكن قد يريد أنه يولد من البشر‬
‫من سيكون سيد الملئكة تخدمه وتكرمه كما سجدت الملئكة لبي البشر آدم ‪#‬‬
‫والنصارى يسلمون أن اللهوت ما هو متولد من البشر وإنما المتولد من البشر هو‬
‫الناسوت وليس هو رب العالمين بالتفاق فعلم أنه ل حجة لهم في ظاهر اللفظ إن‬
‫قدر سلمته من التغيير ‪ #‬ونظير هذا ما عندهم في إنجيل متى أن ابن النسان‬
‫يرسل ملئكته ويجمعون كل الملوك ربا على المم فيلقونهم في أتون النار قال‬
‫بعض علماء أهل الكتاب لم يرد بذلك أن المسيح هو رب‬

‫الرباب ول أنه خالق الملئكة بل رب الملئكة أوصى الملئكة بحفظ المسيح‬


‫بشهادة النبي القائل إن ال يوصي ملئكته بك ليحفظوك ‪ #‬ثم شهادة لوقا أن ال‬
‫أرسل له ملكا من السماء ليقويه قال وإذا شهد النجيل باتفاق النبياء والرسل بأن ال‬
‫يوصي ملئكته بالمسيح فيحفظونه علم أن الملئكة تطيع للمسيح بالمر وهو‬
‫والملئكة في خدمة رب العالمين ‪ #‬وقال المسيح لتلميذه من قبلكم فقد قبلني ومن‬
‫قبلني فقد قبل من أرسلني ‪ #‬وقال المسيح من أنكرني قدام الناس أنكرته قدام ملئكة‬
‫ال‬

‫وقال للذي ضرب عبد رئيس الكهنة أغمد سيفك ول تظن أن ل أستطيع أن أدعو ‪#‬‬
‫ال الب فيقدم لي أكثر من اثني عشر جوقا من الملئكة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا ومثل هذا القول في كتب ال المنزلة على أفواه النبياء والرسل شيء‬
‫كثير عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم المفرقين في سبعة أقاليم العالم‬
‫المتمسكين بدين النصرانية قول واحد ونص واحد على ما تسلموه من الحواريين‬
‫حين أنذروهم وردوهم عن عبادة الصنام إلى معرفة ال تعالى سلموها إليهم كل أمة‬
‫بلسانها وهي على هيئتها إلى يومنا هذا ‪ #‬والجواب على هذا من وجوه ‪ #‬أحدها أن‬
‫القول في سائر ما يذكرونه من النصوص كما تقدم وقد تكلم على هذا من تكلم عليه‬
‫من علماء النصارى الذين هداهم ال وبينوا ما وقع في ذلك من تحريفهم لمعاني‬
‫الكتب التي عندهم وذكروا مما عندهم من النصوص الصريحة بأن المسيح عبد ال‬
‫ليس هو ال ما يتبين به بطلن قولهم وأنهم ممن تركوا المحكم من اليات واتبعوا‬
‫المتشابه ولهذا أنزل ال فيهم ‪ ^ #‬فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‬
‫ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا‬
‫^ به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب‬

‫وهذا كقول المسيح عليه السلم لما سئل عن علم الساعة فقال ل يعلمها إنسان ول ‪#‬‬

‫‪327‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪328‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الملئكة الذين في السماء ول البن إل الب فقط فنفى عن نفسه علم الساعة وهذا‬
‫يدل على شيئين على أن اسم البن إنما يقع على الناسوت دون اللهوت فإن‬
‫اللهوت ل يجوز أن ينفى عنه علم الساعة ويدل على أن البن لم يكن يعلم ما يعلمه‬
‫ال وهذا يبطل قولهم بالتحاد فإنه لو كان التحاد حقا كما يزعمون لكان البن يعلم‬
‫ما يعلمه ال ويقدر على ما يقدر عليه فإنه هو ال عندهم والناسوت ل يتميز عندهم‬
‫عن اللهوت فيما يوصف به المسيح من كونه عالما قادرا يحيي ويميت ‪ #‬وقال‬
‫المسيح لتلميذه آمنوا بال وآمنوا بي وقال أيضا من يؤمن بي فليس يؤمن بي فقط‬
‫بل وبالذي أرسلني وهم يذكرون أن المسيح عليه السلم استصرخ ال قائل إلهي‬
‫إلهي‬

‫انظر لماذا تركتني وتباعدت عن خلصي ‪ #‬الوجه الثاني أن قولهم إن هذه الكتب‬
‫التي بأيديهم من التوراة والنجيل وسائر النبوات تسلموها من الحواريين كل أمة‬
‫بلسانها وهي على هيئتها قول لم يقيموا على صحته دليل بل ادعوا ذلك دعوى‬
‫مجردة ‪ #‬ومثل هذا النقل إن لم يثبت بالتواتر لم يحتج به في المسائل العلمية ل سيما‬
‫إذا قيل في الوجه الثالث إن هذا كذب ظاهر فإن كثيرا من اللسنة ليس عند أهله‬
‫إنجيل قديم ومن ذلك لسان العرب فإن العرب النصارى كثيرون قبل السلم ول‬
‫تعرف توراة ول إنجيل ول نبوات عربية إل ما عرب من النسخ العبرية والرومية‬
‫والسريانية ونحن نطالبهم بهذه الكتب التي هي بالعربية التي في زمن الحواريين أين‬
‫هي ومن رآها ولو قدر أنها كانت بالعربية‬

‫فهذه النسخ اليوم العربية الموجودة بأيدي الناس هي مما عرب مما بأيديهم وحينئذ‬
‫فل تعرف صحتها إن لم تعرف صحة الترجمة ويثبت نقل تلك عن المسيح عليه‬
‫السلم وهكذا القول في سائر اللسن ‪ #‬الوجه الرابع أن االتوراة والنبوات التي نقلت‬
‫من نسخ اليهود والناجيل هي أربعة كتب بعد المسيح عليه السلم اثنان ممن كتبها‬
‫لم يريا المسيح وهما لوقا ومرقس واثنان رأياه وهما يوحنا ومتى ‪ #‬والنسخ إنما‬
‫كثرت عن الربعة ومما ينقله الربعة ل يجب أن يكون متواترا معلوما وإذا كثرت‬
‫اللسن بها فمن بعد الربعة ل أن الذين سمعوها من المسيح عليه السلم تكلموا‬
‫باثنين وسبعين لسانا فإن هذا لم يقله أحد ول يقوله عاقل إذ الحواريون كانوا اثني‬
‫عشر لم يكونوا اثنين وسبعين فإذا قيل إنه نقلها اثنان‬

‫وسبعون فهم نقلوها عمن نقلها إليهم من الحواريين وهم إنما يسندون نقلها إلى أربعة‬
‫‪ #‬الوجه الخامس أن الحواريين ليسوا معصومين بل يجوز على أحدهم الغلط في‬
‫بعض ما ينقله وما ينقل من خوارقهم للعادات فمن الناس من يكذبه ومنهم من‬
‫يصدقه ول دللة فيه على عصمتهم إل أن يثبت أنهم ادعوا النبوة وأقاموا المعجزات‬
‫الدالة على نبوتهم ولم يكن المر كذلك وإل فالصالحون إذا كانت لهم كرامات لم‬
‫تدل كراماتهم على أنهم معصومون كالنبياء بل يجوز عليهم الغلط مع ثبوت‬
‫كراماتهم ‪ #‬والحواريون عندهم ليسوا بأنبياء وإن سموهم رسل فهم رسل المسيح ل‬

‫‪328‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪329‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫رسل ال تبارك وتعالى ‪ #‬الوجه السادس أن في هذه الكتب التي بأيديهم ما يناقض‬
‫قولهم من القوال الصريحة الكثيرة ما هو أكثر وأصرح مما احتجوا به على قولهم‬
‫‪ #‬والواجب حينئذ التمسك بالصريح المحكم ورد المتشابه إليه ول يجوز التمسك‬
‫بالمتشابه ورد المحكم إليه ‪ #‬الوجه السابع أنه بتقدير أن يكون في الرض هذه‬
‫الكتب باثنين وسبعين لسانا سواء كانت كلها منقولة عن الحواريين نقل صحيحا‬

‫أو كان نقل أكثرها أو أكثر منها مترجمة من لغة إلى لغة ‪ #‬فمعلوم أنه بكل لسان‬
‫عدة نسخ ولو لم يكن بها إل لسان واحد مع كثرة النسخ بها في مشارق الرض‬
‫ومغاربها لم يمكن أحدا أن يقطع بأن جميع النسخ على لفظ واحد ونص واحد كما‬
‫ادعاه هؤلء في الثنين وسبعين لسانا حيث قالوا ‪ #‬ومثل هذا القول في كتب ال‬
‫المنزلة على أفواه النبياء والرسل كثير عند النصارى جميعهم المختلفة ألسنتهم‬
‫المتفرقين في سبعة أقاليم العالم المتمسكين بدين النصرانية قول واحد ونص واحد‬
‫على ما تسلموه من الحواريين وردوهم عن عبادة الصنام فسلموها إليهم كل أمة‬
‫بلسانها وهي على هيئتها إلى يومنا هذا ‪ #‬فإن هذا الكلم يتضمن عدة دعاوى ليس‬
‫فيها ما يمكن قائله أن يكون عالما به فعلم أن هؤلء تكلموا بهذا الكلم بل علم بل‬
‫بالجهل والضلل كما هو عادتهم فإنه يقال لهم من الذي جمع كل نسخة في العالم‬
‫من جميع التوراة والنجيل والزبور وسائر النبوات الربعة والعشرين بلسان واحد‬
‫كالعربي مثل وهل ميز جميع النسخ‬

‫فلم يجد نسخة تزيد على نسخة ول تنقص عنها ‪ #‬ومعلوم إن كان هذا ممكنا أمكن‬
‫أن يقال جمعها جامع وغير بعض ألفاظها فل يمكنهم دعوى بقائها بل تغيير وإن لم‬
‫يمكن ذلك لم يمكن أحد أن يقول أنا أعلم موافقة كل نسخة من نسخ هذه الكتب لكل‬
‫نسخة توجد في سبعة أقاليم العالم بذلك اللسان فضل عن اثنين وسبعين لسانا فضل‬
‫عن أن يقال أنا أعلم أن هذه اللسن كلها تكلمت بها الحواريون وهي باقية على‬
‫لفظهم إلى اليوم ‪ #‬ومعلوم أن النسان إذا أمكنه جمع نسخ كتاب واحد من جميع‬
‫الفنون من كتب الطب والحساب والهندسة والنحو والفقه والحديث كان إمكان تغيير‬
‫بعض ألفاظ تلك النسخ أيسر عليهم من مقابلة ألفاظ كل نسخة بألفاظ تلك النسخ مثلها‬
‫‪ #‬فإن هذا ل يقدر عليه في العادة بل هو متعذر أو متعسر ول سيما والمقابلة إن‬
‫كانت بين اثنين فكل منهما ينقل للخر لفظ‬

‫نسخته فيكون مدار المقابلة على خبر واحد لم يقترن بخبره ما يعلم به صدقه فقد‬
‫يغلطان أو يكذبان جميعا ‪ #‬وإن كانت بين عدد يحصل بهم العلم احتاجت كل نسخة‬
‫بكل لسان إلى أن يشهد بلفظها جمع يحصل بهم العلم وأولئك بأعيانهم يشهدون بلفظ‬
‫كل نسخة بكل لسان ويشهدون بلفظ كل نسخة ويشهد لهم من هو مثلهم بلفظ النسخة‬
‫الخرى وموافقتها لها وهؤلء أو مثلهم بموافقة النسخة الثانية ‪ #‬ومعلوم أن هذا لم‬
‫يفعله أحد ول يقدر عليه أحد بل لو اجتمع جميع ملوك النصارى على ذلك وعلماء‬
‫بلدهم على ذلك لم يقدروا عليه فإن من النسخ ما هو عند المسلمين ومنها ما هو في‬

‫‪329‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪330‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بلد ل حكم لهم عليها وأيضا فقد يكون في بلدهم من النسخ ما لم يظهرها أصحابها‬
‫‪ #‬فكل من شهد من النصارى وغيرهم بأن كل نسخة في العالم بهذه الكتب توافق‬
‫جميع النسخ فهو شاهد زور شهد بما ل يعلم بل شهد بما يعلم أنه كاذب فيه‬

‫وكذلك لو شهد بمثل هذا لنسخ أي كتاب كان فإن العادة المعروفة أن نسخ الكتب ‪#‬‬
‫تختلف ويزيد بعضها وينقص بعضها والقرآن المنقول بالتواتر لم يكن العتماد في‬
‫نقله على نسخ المصاحف بل العتماد على حفظ أهل التواتر له في صدورهم ‪#‬‬
‫ولهذا إذا وجد مصحف يخالف حفظ الناس أصلحوه وقد يكون في بعض نسخ‬
‫المصاحف غلط فل يلتفت إليه مع أن المصاحف التي كتبها الصحابة قد قيد الناس‬
‫صورة الخط ورسمه وصار ذلك أيضا منقول بالتواتر فنقلوا بالتواتر لفظ القرآن‬
‫حفظا ونقلوا رسم المصاحف أيضا بالتواتر ‪ #‬ونحن ل ندعي اتفاق جميع نسخ‬
‫المصاحف كما ل ندعي أن كل من يحفظ القرآن ل يغلط بل ألفاظه منقولة بالتواتر‬
‫حفظا ورسما فمن خرج عن ذلك علم الناس أنه غلط لمخالفته النقل المتواتر بخلف‬
‫هذه الكتب فإن النصارى لم يحفظوها كلها في قلوبهم تلقيا لها عن الحوارين حفظا‬
‫منقول بالتواتر بل لم يمكن أحد منهم يحفظها كلها فضل عن أن يحفظها كلها أهل‬
‫التواتر فضل عن أن يحفظ كل لسان منها من تواتر بهم ذلك اللسان‬

‫وهذا أمر معلوم لجميع النصارى وغيرهم أنه لم يحفظها كلها بكل لسان من زمن ‪#‬‬
‫الحواريين عدد التواتر بل ول في زمن من الزمان بل بعد انتشار النصارى‬
‫وكثرتهم وتفرقهم في القاليم السبعة ل يكاد يوجد فيهم من يحفظها كلها عن قلبه كما‬
‫يحفظ صبيان مكاتب المسلمين القرآن فكيف يحفظها في كل زمان أهل التواتر فكيف‬
‫يحفظ كل لسان من الثنين وسبعين أهل التواتر ‪ #‬وإذا كان اعتمادهم إنما هو على‬
‫الكتب وهم ل يمكنهم معرفة اتفاق جميع النسخ بلسان واحد فضل عن جميع اللسنة‬
‫علم أن دعواهم أنها لم تزل متفقة على نص واحد ولفظ واحد وأن جميع نسخها‬
‫متفقة في هذا الزمان وفيما قبله كلم مجازف يتكلم بل علم بل يتكلم بما يعلم أنه‬
‫باطل ‪ #‬الوجه الثامن أن هذا لو قدر إمكانه فإنما يكون منقول لو لم يعلم أنه كذب‬
‫فكيف مع العلم بأنه كذب فإنه يوجد في هذا الزمان نسخ التوراة والنجيل والزبور‬
‫والنبوات مختلفة متناقضة ‪ #‬والنسخ التي عند النصارى مختلفة وهي أيضا تخالف‬
‫نسخ اليهود والسامرة في مواضع وحينئذ فإذا قالت النصارى نسخنا هي الصحيحة‬
‫لم يكن هذا أولى من قول اليهود نسخنا هي الصحيحة ‪ #‬بل معلوم أن اعتناء اليهود‬
‫بالتوراة أعظم من اعتناء النصارى ثم بعد هذا ما ذكروه ل يكفي إن لم يعلم أن‬
‫نسخهم توافق النسخ التي عند اليهود حتى السامرة وهذا غير معلوم ‪ #‬وإن قالوا إذا‬
‫خالف نقل اليهود لنقل الحواريين لم يلتفت إليه‬

‫لنهم معصومون كل هذا مبينا على دعوى عصمتهم وقد عرف فساده وإذا قالت‬
‫النصارى نحن ننقلها عن الحواريين المعصومين قالت اليهود نحن ننقلها عن موسى‬
‫المعصوم باتفاق أهل الملل أو عن العارف المعصوم باتفاق اليهود والنصارى وكثير‬

‫‪330‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪331‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من المسلمين فالتوراة باتفاق الخلق مأخوذة عن موسى بن عمران وهو معصوم‬
‫وإنما يطعن من يطعن في نقل بعضها لنقطاع التواتر في أثناء المدة لما خرب بيت‬
‫المقدس ولم يبق فيه ساكن أكثر من سبعين سنة فيقول بعض الناس إن بعض ألفاظها‬
‫غير حينئذ ويقول بعضهم لم تغير ألفاظ جميع النسخ وإنما غير ألفاظ بعض النسخ‬
‫وانتشرت النسخ المغيرة عند كثير من الناس حتى ل يعرفوا غيرها ‪ #‬ثم بنوا‬
‫إسرائيل لم يزل فيهم نبي بعد نبي حتى جاء المسيح وبعد المسيح فلم يزالوا خلقا‬
‫كثيرا ل يمكن تواطؤهم في مشارق الرض ومغاربها على تغيير نسخ التوراة‬
‫بخلف النجيل فإنه إنما نقله أربعة ومن كتب التوراة والزبور والنبوات من أتباع‬
‫المسيح فإنما كتبوها من النسخ التي كانت بأيدي اليهود‬

‫وإذا قالوا كانوا معصومين فهذا ممنوع عند المسلمين واليهود وعلى تقدير تسليمه ‪#‬‬
‫فاليهود ينقلونها أيضا عن المعصوم قبل هؤلء فل يمكن مع هذا أن يدعي مدع أن‬
‫النبوات التي عند النصارى تواترت عن المعصوم أعظم من تواتر ما عند اليهود بل‬
‫ل يشك العقلء العادلون أن نقل حروف التوراة أصح من نقل حروف النجيل ‪#‬‬
‫وهذا أمر يعرف من وجوه متعددة فإن التوراة أخذت عن المعصوم باتفاق أهل الملل‬
‫وكانت منقولة قبل المسيح بين النبياء وبين بني إسرائيل أعظم من نقل النجيل‬
‫وبعد المسيح نقلها اليهود والنصارى ‪ #‬وإذا كان كذلك فإذا وجد ما عند اليهود‬
‫والسامرة من نسخ النبوات يخالف ما عند النصارى في بعض اللفاظ كان هذا دليل‬
‫على أن هذه الكتب ليست ألفاظها منقولة عن نص واحد وأنه ليس كل لفظ من‬
‫ألفاظها متواترا وال أعلم‬

‫الوجه التاسع أن جميع ما عندهم من النصوص الصحيحة ل يدل على مذهبهم ‪#‬‬
‫ألبتة نصا بل غاية ما يدعون فيها الظهور وهم منازعون في ذلك حتى يقال بل‬
‫الظاهر فيما يحتجون به خلف قولهم ‪ #‬ومعلوم أن أصول اليمان التي يؤمن أهل‬
‫اليمان بها ويكفرون من خالفها ل بد أن تكون معلومة عندهم عن النبياء والعلم ل‬
‫يحصل بلفظ محتمل فعلم أنه ل علم عندهم عن النبياء عليهم السلم وهو محل‬
‫النزاع ‪ #‬الوجه العاشر أن أصرح ما عندهم من التثليث هو قوله عمدوا الناس باسم‬
‫الب والبن وروح القدس وعلى هذا القول بنوا قولهم بالتثليث وأثبتوا ل ثلثة أقانيم‬
‫‪ #‬ولفظ القانيم لم ينطق به أحد من النبياء ول أحد من الحواريين باتفاقهم بل هو‬
‫مما ابتدعوه قيل إنه لفظ رومي معناه الصل ثم أقنوم البن تارة يقولون هو علم ال‬
‫وتارة يقولون هو حكمة ال وتارة يقولون هو كلمة ال وتارة يقولون هو نطق ال‬

‫وروح القدس تارة يقولون هو حياة ال وتارة يقولون هو قدرة ال ‪ #‬والكتب المنقولة‬
‫عن النبياء عندهم ليس فيها تسمية شيء من صفات ال ل باسم ابن ول باسم روح‬
‫القدس فل يوجد أن أحدا من النبياء سمى علم ال وحكمته وكلمه ابنا ول سمى‬
‫حياة ال أو قدرته روح القدس بل روح القدس في كلم النبياء يراد بها معنى ليس‬
‫هو حياة ال كما يراد بها ملك ال أو ما ينزله في قلوب النبياء والصالحين من هداه‬

‫‪331‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪332‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ونوره وتأييده ونحو ذلك ‪ #‬وإذا كان كذلك علم أن ما فسروا به قول المسيح عليه‬
‫السلم عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس كذب صريح عليه وكذلك ما‬
‫فسروا به كلم النبياء من إثبات القانيم الثلثة كذب صريح عليهم كقولهم إله‬
‫إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرادوا به إثبات ثلثة آلهة فإن هذا مما يعلم‬
‫بالضرورة ضللهم فيه وافتراءهم على النبياء ويعلم أن إله الثلثة هو إله واحد‬
‫ليس إله إبراهيم إلها آخر غير إله إسحاق حتى لو قيل بالقانيم فل يقول عاقل إن‬
‫أحد القانيم إله هذا والقنوم الخر إله الخر فإن هذا‬

‫لم يقله أحد من العقلء ل النصارى ول غيرهم ل يقولون إن الب إله إبراهيم مثل‬
‫والبن إله إسحاق وروح القدس إله يعقوب بل هم متفقون مع قولهم بالتثليث أن‬
‫الجميع إله واحد لجميع المرسلين ليس إله هذا أقنوما وإله الخر أقنوما آخر فعلم أن‬
‫ما يفسرون به كلم النبياء كذب ل يصح ل على تثيلثهم الذي ابتدعوه ول قول أهل‬
‫التوحيد المتبعين لرسل ال تعالى‬

‫فصل ‪ #‬قال الحاكي عنهم فقلت لهم إذا كانت هذه النبوات عند اليهود وهم مقرون‬
‫معترفون بها أنها حق وأنها عتيدة أن تكمل عند مجيء المسيح فأي حجة لهم‬
‫يحتجون بها عن اليمان به ‪ #‬أجابوا قائلين إن ال اختار بني إسرائيل واصطفاهم‬
‫على الناس له شعبا في ذلك الزمان وحيث كانوا في أرض مصر في عبودية‬
‫فرعون أرسل إليهم موسى النبي دلهم على معرفة ال ووعدهم أن ال يخلصهم من‬
‫عبودية فرعون ويخرجهم من مصر ويريهم أرض الميعاد التي هي أرض بيت‬
‫المقدس فطلب موسى من ال وعمل العجائب قدام عيونهم ‪ #‬وضرب أهل مصر‬
‫العشر ضربات وهم يرون ذلك جميعه ويعلمون أن ال يصنعه لجلهم وأخرجهم من‬
‫مصر بيد قوية وشق لهم البحر وأدخلهم فيه وصار لهم الماء حائطا عن يمينهم‬
‫وحائطا عن شمالهم ودخل فرعون وجميع جنوده في البحر وبنو إسرائيل ينظرون‬
‫ذلك فلما برز موسى وبنو إسرائيل من البحر وخلفهم فرعون بجنوده فيه أمر ال‬
‫لموسى أن يرد عصاه إلى الماء فعاد الماء كما كان وغرق فرعون وجميع جنوده‬
‫في البحر وبنو إسرائيل يشهدون ذلك‬

‫فلما غاب عنهم موسى إلى الجبل ليناجي ربه وأخذ لهم التوراة من يد ال تركوا ‪#‬‬
‫عبادة ال ونسوا جميع أفعاله وكفروا به وعبدوا رأس العجل من بعد ذلك ثم عبدوا‬
‫الصنام مرارا كثيرة ليس مرة واحدة وذبحوا لها الذبائح ليست حيوانات بل بنيهم‬
‫مع البنات حسبما ذكر فيما قبل ذلك وجميع أفعالهم مكتوبة في أخبار بني إسرائيل‬
‫فلما رأى ال قساوة قلوبهم وغلظ رقابهم وكفرهم به ورأى أفعالهم النجسة الخبيثة‬
‫غضب عليهم وجعلهم مرذولين وطبع على قلوبهم فل يؤمنون وجعلهم مهانين في‬
‫جميع المم وليس لهم ملك ول بلد ول نبي ول كاهن إلى البد حسبما تنبئت عليهم‬
‫النبياء على ما ذكرناه قبل وتشهد به كتبهم التي في أيديهم إلى يومنا هذا ‪ #‬وكذا‬

‫‪332‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪333‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال ال لشعيا اذهب إلى هذا الشعب فقل لهم تسمعون سماعا ول تفهمون وينظرون‬
‫نظرا ول تبصرون لن قلب هذا الشعب قد غلظ وقد سمعوا بأفهامهم سمعا ثقيل وقد‬
‫غمضوا أعينهم لئل يبصروا بها وسمعوا بآذانهم ول يفهمون بقلوبهم ويرجعون إلي‬
‫فأرحمهم‬

‫وقال أشعيا قال ال هكذا مقتت نفسي سبوتكم ورؤوس شهوركم صارت عندي ‪#‬‬
‫مرذولة وقال وفي ذلك اليوم يقول ال سأبطل السبوت والعياد كلها وأعطيكم سنة‬
‫جديدة مختارة ل كالسنة التي أعطيتها لموسى عبدي يوم حوريب يوم الجمع الكثير‬
‫بل سنة جديدة مختارة أمر بها وأخرجها من صهيون فصهيون هي أورشليم والسنة‬
‫الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها نحن معشر النصارى من يدي الرسل‬
‫الحواريين الطهار الذين خرجوا من أورشليم وداروا في سبعة أقاليم العالم وأنذروا‬
‫بهذه السنة الجديدة فأي بيان يكون أوضح وأصح من هذا البيان إذ قد أوردناه من‬
‫قول ال ول سيما وأعداؤنا اليهود المخالفون لديننا شهدوا لنا بصحة ذلك جميعه ‪#‬‬
‫وأما حجة اليهود في هذه النبوات يقولون ويعتقدون أنها حق وأنها قول ال لكن‬
‫يقولون إنها عتيدة فهذه النبوات مثلما هي عند اليهود كذلك هي عندنا معشر‬
‫النصارى في اثنين وسبعين لسانا فيراهم جميع‬

‫المم قول واحدا وأنها قول ال وقالت اليهود نحن مصدقون بها أن تكمل وتتم عند‬
‫مجيء المسيح لكن المسيح لم يجيء بعد وأن الذي جاء ليس هو المسيح هذا قولهم‬
‫وكفاهم أنهم يكفرون ويفجرون مع الكفر ويقولون إن المسيح كان ضال مضل وأما‬
‫المسيح الحق فعتيد أنه يأتي ويكمل نبوات النبياء إذا جاء وإذا جاء اتبعناه وكنا‬
‫أنصاره وهذا رأيهم واعتقادهم في السيد المسيح فماذا يكون أعظم من هذا الكفر‬
‫الذي هم عليه ‪ #‬ولجل ذلك في هذا الكتاب سماهم المغضوب عليهم لجل خلفهم‬
‫لقول ال الذي أرسل نطقه على أفواه النياء ولما كنا نحن النصارى متمسكين بما‬
‫أمرتنا به الرسل الطهار سمانا في هذا الكتاب المنعم عليهم وأما قولنا في ال ثلثة‬
‫أقانيم إله واحد فهو أن ال نطق به وأوضحه في التوراة وفي كتب النبياء ومن ذلك‬
‫ما جاء في السفر الول من التوراة يقول حيث شاء ال أن يخلق‬

‫آدم قال لنخلق خلقا على شبهنا ومثالنا فمن هو شبههه ومثاله سوى كلمته وروح‬
‫قدسه وحين خالف آدم وعصى ربه ها آدم قد صار كواحد منا ‪ #‬وهذا واضح أن ال‬
‫قال هذا القول لبنه أي كلمته وروح قدسه وقال هذا القول يستهزىء بآدم أي طلب‬
‫أن يصير كواحد منا صار عريا مفتضحا ‪ #‬وقال ال عندما أخسف بسدوم وعامورة‬
‫قال في التوراة وأمطر الرب عند الرب من السماء على سدوم وعامورة نارا‬
‫وكبريتا‬

‫أوضح بهذا ربوبية الب والبن بذكر ثالث ‪ #‬والجواب أن يقال أما كفر اليهود كلهم‬
‫لما أرسل المسيح عليه السلم إليهم فلم يؤمنوا به وكفر من كفر منهم قبل ذلك إما‬

‫‪333‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪334‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بقتل النبيين وإما بتكذيبهم إما بالشرك وإما بغير ذلك مما كفروا فيه بما أنزل ال‬
‫فهذا حق ‪ #‬وهذا هو نظير كفر النصارى كلهم الذين بلغتهم دعوة محمد وأقام ال‬
‫عليهم الحجة به فلم يؤمنوا به وكفر من كفر منهم قبل ذلك بما أنزل ال إما بتكذيب‬
‫بعض ما أنزله وإما بتبديله بغيره وإما بجعل ما لم ينزله ال منزل منه وإما بغير‬
‫ذلك مما فيه كفر بما أنزل ال عز وجل ‪ #‬وكذلك ما ذكر من أن ال أقام سنة جديدة‬
‫وعهدا جديدا وهو ما بعث به المسيح عليه السلم من الشريعة التي بعث بها وفيها‬
‫تحليل بعض ما حرم ال في التوراة كما قال في القرآن عن المسيح ‪ ^ #‬ولحل لكم‬
‫بعض الذي حرم عليكم ^ ‪ #‬فهذا أيضا حق‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولكم السنة الجديدة المختارة هي السنة التي تسلمناها من يدي الرسل‬
‫الطهار على ما تسلموها هم من المسيح عليه السلم ‪ #‬فيقال لو كنتم على تلك‬
‫السنة لم تغيروها لم ينفعكم المقام عليها إذا كذبتم الرسول النبي المي الذي بعث‬
‫إليكم وإلى سائر الخلق بسنة أخرى أكمل من السنن التي كانت قبله كما لم ينفع‬
‫اليهود ولو تمسكوا بسنة التوراة ولم يتبعوا سنة المسيح الذي أرسل إليهم بل من‬
‫كذب برسول واحد فهو كافر ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين يكفرون بال ورسله‬
‫ويريدون أن يفرقوا بين ال ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن‬
‫^ يتخذوا بين ذلك سبيل‬

‫فإنه وإن كانت السنة التي جاء بها المسيح عليه السلم حقا وكل من كان متبعا له ‪#‬‬
‫فهو مؤمن مسلم من أولياء ال من أهل الجنة الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بال‬
‫واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال‬
‫الحواريون نحن أنصار ال فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين‬
‫آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ‪ #‬فمن اتبع المسيح كان مؤمنا ومن كفر به‬
‫كان كافرا ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة آل عمران اليات ‪57 55‬‬

‫لكن غيرتموها وبدلتموها قبل مبعث محمد فصرتم كفارا بتبديل شريعة المسيح ‪#‬‬
‫وتكذيب شريعة محمد كما كفرت اليهود بتبديل شريعة التوراة وتكذيب شريعة‬
‫النجيل ثم كفروا بتكذيب شريعة محمد وعلى سائر رسل ال أجمعين ‪ #‬فإن المسيح‬
‫لم يسن لكم التثليث والقول بالقانيم ول القول بأنه رب العالمين ول سن لكم‬
‫استحلل الخنزير وغيره من المحرمات ول ترك الختان ول الصلة إلى المشرق‬
‫ول اتخاذ أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال ول الشرك واتخاذ التماثيل‬
‫والصليب ودعاء الموتى والغائبين من النبياء والصالحين وغيرهم وسؤالهم الحوائج‬
‫ول الرهبانية وغير ذلك من المنكرات التي أحدثتموها ولم يسنها لكم المسيح ول ما‬
‫أنتم عليه هي السنة التي تسلمتموها من رسل المسيح ‪ #‬بل عامة ما أنتم عليه من‬

‫‪334‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪335‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السنن أمور محدثة مبتدعة بعد الحواريين كصومكم خمسين يوما زمن الربيع‬
‫واتخاذكم عيدا يوم الخميس والجمعة والسبت فإن هذا لم يسنه المسيح ول أحد من‬
‫الحواريين وكذلك عيد الميلد والغطاس وغير ذلك من أعيادكم ‪ #‬بل عيد الصليب‬
‫إنما ابتدعته هيلنة الحرانية القندقانية‬

‫أم قسطنطين فأنتم تقولون إنها هي التي أظهرت الصليب وصنعت لوقت ظهوره‬
‫عيدا وذلك بعد المسيح والحواريين بمدة طويلة زمن الملك قسطنطين بعد المسيح‬
‫بأكثر من ثلثمائة سنة ‪ #‬وفي ذلك الزمان أحدثتم المانة لنصوص النبياء في غير‬
‫موضع وأظهرتم استحلل الخنزير وعقوبة من لم يأكله وابتدعتم في ذلك الزمان‬
‫تعظيم الصليب وغير ذلك من بدعكم وكذلك كتب القوانين التي عندكم جعلتموها سنة‬
‫وشريعة فيها شيء عن النبياء والحواريين وكثير مما فيها ابتدعه من بعدهم ل‬
‫ينقلونه ل عن المسيح ول عن الحواريين فكيف تدعون أنكم على السنة والشريعة‬
‫التي كان عليها المسيح عليه السلم وهذا مما يعلم بالضطرار والتواتر أنه كذب‬
‫بين‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأما قولنا في ال ثلثة أقانيم إله واحد فهو أن ال نطق به وأوضحه‬
‫في التوراة وفي كتب النبياء ومن ذلك ما جاء في السفر الول من التوراة يقول‬
‫حيث شاء ال أن يخلق آدم قال ال لنخلق خلقا على شبهنا ومثالنا فمن هو شبهه‬
‫ومثاله سوى كلمته وروحه ‪ #‬وحين خالف آدم وعصى ربه قال ال تعالى ها آدم قد‬
‫صار كواحد منا وهو قول واضح أن ال قال هذا القول لبنه وروح قدسه ‪#‬‬
‫والجواب أن استدللهم بهذا على قولهم في المسيح هو في غاية الفساد والضلل فإن‬
‫لفظ التوراة نصنع آدم كصورتنا وشبهنا وبعضهم يترجمه نخلق بشرا على صورتنا‬
‫وشبهنا ‪ #‬والمعنى واحد وهذا كما قال النبي ‪ #‬أن ال خلق آدم على صورته وفي‬
‫رواية على صورة‬

‫الرحمن فقولهم من هو شبهه ومثاله سوى كلمته وروحه من أبطل الباطل من وجوه‬
‫‪ #‬أحدها أن ال ليس كمثله شيء وليس لفظ النص على مثالنا ‪ #‬الثاني أنه ل‬
‫اختصاص للمسيح بما ذكر على تقدير حق وباطل فإنه بأي تفسير فسر قوله سنخلق‬
‫بشرا على صورتنا شبهنا لم يخص ذلك المسيح ‪ #‬الثالث أنهم إن أرادوا بالكلمة التي‬
‫هي شبهه ومثاله صفته التي هي العلم القائم به والحياة القائمة به مثل فالصفة ل‬
‫تكون مثل للموصوف إذ الموصوف هو الذات القائمة بنفسها والصفة قائمة بها‬
‫والقائم بغيره ل يكون مثل القائم بنفسه ‪ #‬وإن أرادوا به شيئا غير صفاته مثل بدن‬
‫المسيح وروحه‬

‫فذلك مخلوق له والمخلوق ل يكون مثل الخالق وكذلك روح القدس سواء أريد به‬
‫ملك أو هدي وتأييد ليس مثل ل عز وجل ‪ #‬الرابع أنه قال لنخلق خلقا أو قال نخلق‬

‫‪335‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪336‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫آدم أو نخلق بشرا على صورتنا وشبهنا وعلى ما قالوه نخلق خلقا على شبهنا ومثالنا‬
‫وبكل حال فهذا وكلمة ال وروحه عندهم غير مخلوق فامتنع أن يكون المراد بذلك‬
‫كلمته وروحه ‪ #‬وإن قالوا أراد بذلك الناسوت المسيحي فل فرق بين ذلك الناسوت‬
‫وسائر النواسيت مع أن المراد بذلك النص آدم أبو البشر باتفاق المم والناسوت‬
‫نفسه ليس هو كلمة ال وروحه ‪ #‬الخامس أنه لو قدر أنه أريد بذلك أن كلم ال‬
‫يشبه ذاته من بعض الوجوه مثل كونه قديما بقدمه لم يكن في ذلك ما يدل على‬
‫القانيم الثلثة ‪ #‬وكذلك اللفظ المعروف وهو قوله سنخلق بشرا على صورتنا شبهنا‬
‫فهذا ل يدل على التثليث بوجه من الوجوه وشبه الشيء بالشيء يكون لمشابهته له‬
‫من بعض الوجوه وذلك ل يقتضي التماثل الذي يوجب أن يشتركا فيما يجب ويجوز‬
‫ويمتنع وإذا قيل هذا حي‬

‫عليم قدير وهذا حي عليم قدير فتشابها في مسمى الحي والعليم والقدير لم يوجب‬
‫ذلك أن يكون هذا المسمى مماثل لهذا المسمى فيما يجب ويجوز ويمتنع ‪ #‬بل هنا‬
‫ثلثة أشياء ‪ #‬أحدها القدر المشترك الذي تشابها فيه وهو معنى كلي ل يختص به‬
‫أحدهما ول يوجد كليا عاما مشتركا إل في علم العالم ‪ #‬والثاني ما يختص به هذا‬
‫كما يختص الرب بما يقوم به من الحياة والعلم والقدرة ‪ #‬والثالث ما يختص به ذاك‬
‫كما يختص به العبد من الحياة والعلم والمقدرة فما اختص به الرب عز وجل ل‬
‫يشركه فيه العبد ول يجوز عليه شيء من النقائص التي تجوز على صفات العبد وما‬
‫يختص به العبد ل يشركه فيه الرب ول يستحق شيئا من صفات الكمال التي يختص‬
‫بها الرب عز وجل ‪ #‬وأما القدر المشترك كالمعنى الكلي الثابت في ذهن النسان‬
‫فهذا ل يستلزم خصائص الخالق ول خصائص المخلوق فالشتراك فيه ل محذور‬
‫فيه‬

‫ولفظ التوراة فيه سنخلق بشرا على صورتنا يشبهنا لم يقل على مثالنا وهو كقول ‪#‬‬
‫النبي في الحديث الصحيح ‪ #‬ل يقولن أحدكم قبح ال وجهك ووجه من أشبه وجهك‬
‫فإن ال تعالى خلق آدم على صورته فلم يذكر النبياء صلوات ال وسلمه عليهم‬
‫كموسى ومحمد إل لفظة شبه دون لفظ مثل ‪ #‬وقد تنازع الناس هل لفظ الشبه‬
‫والمثل بمعنى واحد أو معنيين على قولين ‪ #‬أحدهما أنهما بمعنى واحد وأن ما دل‬
‫عليه لفظ المثل مطلقا ومقيدا يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار ‪#‬‬
‫والثاني أن معناها مختلف عند الطلق لغة وشرعا وعقل وإن كان مع التقيد‬
‫والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالخر وهذا قول أكثر الناس وهذا الختلف مبني‬
‫على مسألة عقلية وهو أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه‬
‫وللناس في ذلك قولن فمن منع أن يشبهه من وجه دون وجه قال المثل والشبه واحد‬
‫ومن قال إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه فرق بينهما عند الطلق‬

‫وهذا قول جمهور الناس فإن العقل يعلم أن العراض مثل اللوان تشتبه في كونها‬
‫ألوانا مع أن السواد ليس مثل البياض وكذلك الجسام والجواهر عند جمهور العقلء‬

‫‪336‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪337‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تشتبه في مسمى الجسم والجوهر وإن كانت حقائقها ليست متماثلة فليست حقيقة‬
‫الماء مماثلة لحقيقة التراب ول حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان ول حقيقة النار‬
‫مماثلة لحقيقة الماء وإن اشتركا في أن كل منهما جوهر وجسم وقائم بنفسه ‪#‬‬
‫وأيضا فمعلوم في اللغة أنه يقال هذا يشبه هذا وفيه شبه من هذا إذا أشبهه من بعض‬
‫الوجوه وإن كان مخالفا له في الحقيقة ‪ #‬قال ال تعالى ^ وأتوا به متشابها ^ ‪ #‬وقال‬
‫‪ ^ #‬منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ‬
‫فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ^ ‪ #‬وقال الذين ل يعلمون لول‬
‫^ يكلمنا ال أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم‬

‫فوصف القولين بالتماثل والقلوب بالتشابه ل بالتماثل فإن القلوب وإن اشتركت في ‪#‬‬
‫هذا القول فهي مختلفة ل متماثلة وقال النبي ‪ #‬الحلل بين والحرام بين وبين ذلك‬
‫أمور متشابهات ل يعلمهن كثير من الناس ‪ #‬فدل على أنه يعلمها بعض الناس وهي‬
‫في نفس المر ليست متماثلة بل بعضها حرام وبعضها حلل ‪ #‬والوجه السادس أن‬
‫قوله سنخلق خلقا على شبهنا ل يتناول صفته مثل كلمه وحياته القائمة به فإن ذلك‬
‫ليس بمخلوق وحينئذ فهذا ل يتناول اللهوت الذي يزعمون أنه تدرع بالناسوت فإن‬
‫اللهوت ليس بمخلوق ‪ #‬وأما الناسوت فهو كسائر نواسيت الناس ل اختصاص له‬
‫بأن يكون شبيها ل دون سائر النواسيت فقوله فمن هو الشبه المخلوق سوى كلمته‬
‫وروحه باطل على كل تقدير ‪ #‬وأما قوله ها آدم قد صار كواحد منا وقولهم إن هذا‬
‫قول‬

‫واضح أن ال قال هذا القول لبنه روح قدسه فإن أرادوا أن يجعل الذي صار كواحد‬
‫منا لبنه كان هذا من أبطل الكلم فإن هذا البن إن كان المراد به الكلمة التي هي‬
‫صفة ل فتلك لم يخلق لها أمر يصير كواحد منهم وتلك ل تسمى آدم ول سماها ال‬
‫ابنا ‪ #‬وإن أريد به ناسوت المسيح فذاك مخلوق مبتدع يمتنع أن يكون كالقديم‬
‫الزلي وأيضا فإن ال قال عن آدم وآدم ليس هو المسيح ول يجوز أن يقال آدم‬
‫ويراد به المسيح كما ل يجوز أن يقال عصى آدم ويراد به المسيح وأيضا فإنه قال‬
‫ها آدم قد صار كواحد منا هذه إشارة إلى أمر قد كان في الزمن الماضي ليس هو‬
‫إشارة إلى ما سيكون بعد ذلك بألوف من السنين وإن أرادوا أن ال قال لبنه الذي‬
‫هو كلمته وروحه وهذا هو مرادهم كقولهم إنه قال هذا القول يستهزىء بآدم أي أنه‬
‫طلب أن يصير كواحد منا صار هكذا عريانا مفتضحا ويكون شبهتم قوله منا لنه‬
‫عبر بصيغة الجمع وكذلك إن أرادوا هذا بقوله نخلق بشرا على صورتنا وشبهنا‬
‫فاحتجوا على التثليث بصيغة الجمع‬

‫وهذا مما احتج به نصارى نجران على النبي فاحتجوا بقوله تعالى إنا نحن قالوا ‪#‬‬
‫وهذا يدل على أنهم ثلثة وكان هذا من المتشابه الذي اتبعوه ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫تأويله وتركوا المحكم المبين الذي ل يحتمل إل واحدا فإن ال في جميع كتب اللهية‬
‫قد بين أنه إله واحد وأنه ل شريك له ول مثل له ‪ #‬وقوله إنا نحن لفظ يقع في جميع‬

‫‪337‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪338‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اللغات على من كان له شركاء وأمثال وعلى الواحد المطاع العظيم الذي له أعوان‬
‫يطيعونه وإن لم يكونوا شركاء ول نظراء وال تعالى خلق كل ما سواه فيمتنع أن‬
‫يكون له شريك أو مثل والملئكة وسائر العالمين جنوده تعالى ‪ #‬قال تعالى ‪^ #‬‬
‫وما يعلم جنود ربك إل هو ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ول جنود السماوات والرض‬
‫وكان ال عزيزا حكيما ^ ‪ #‬فإذا كان الواحد من الملوك يقول إنا ونحن ول يريدون‬
‫أنهم ثلثة ملوك فمالك الملك رب العالمين رب كل شيء ومليكه هو أحق بأن يقول‬
‫إنا ونحن مع أنه ليس له شريك ول مثيل بل له جنود السماوات والرض‬

‫وأيضا فمن المعلوم أن آدم لم يطلب أن يصير مثل ال ول مثل صفاته كعلمه ‪#‬‬
‫وحياته وأيضا فليس في ظاهر اللفظ أن ال خاطب صفاته بتلك ‪ #‬وأيضا فالصفة‬
‫القائمة بالموصوف ل تخاطب ول تخاطب وإنما يخاطب الموصوف ولم يكن قد‬
‫خلق آدم ناسوت المسيح ول غيره من البشر حتى يخاطبه فعلم أن دعواهم أن ال‬
‫خاطب صفته التي سموها ابنا وروح قدس كلم باطل بل قد يخاطب ملئكته ‪ #‬وآدم‬
‫عليه السلم أراد ما أطمعه الشيطان من الخلد والملك كما قال تعالى ‪ ^ #‬فوسوس‬
‫^ إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك ل يبلى‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال ال عندما أخسف بسدوم وعامورة قال في التوراة وأمطر الرب‬
‫من عند الرب من السماء على سدوم وعامورة نارا وكبريتا أوضح بهذا ربوبية‬
‫الب والبن ‪ #‬والجواب أن احتجاجهم بهذا من أبطل الباطل لوجوه ‪ #‬أحدها أن‬
‫تسمية ال علمه وحياته ابنا وربا تسمية باطلة لم يسم موسى في التوراة شيئا من‬
‫صفات ال باسم البن ول باسم الب فدعوى المدعي أن موسى عليه السلم أراد‬
‫بالرب شيئا من صفات ال أو أن له صفة تسمى ابنه كلم باطل ‪ #‬الثاني أنه لو قدر‬
‫أن صفة ال تسمى بذلك فمعلوم أن الذي أمطر هو الذي كان المطر عنده لم يكن‬
‫المطر عند أحدهما والخر هو الممطر كما ل يجوز أن يقال خلق أحدهما من شيء‬
‫عند الخر ول أنزل أحدهما المطر من سحاب الخر‬

‫الثالث أن الصفة ل تفعل شيئا ول عندها شيء بل هي قائمة بالموصوف والذات ‪#‬‬
‫المتصفة بالصفة هي التي تفعل وعندها يكون ما يكون ‪ #‬الرابع أن هذا بمنزلة قوله‬
‫أمطر الرب من عنده لكن جعل السم الظاهر موضع المضمر إظهارا لن المر له‬
‫وحده في هذا وهذا ‪ #‬ومثل هذا في القرآن كقوله ‪ ^ #‬الحاقة ما الحاقة ^ ‪^ #‬‬
‫القارعة ما القارعة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬تنزيل الكتاب من ال العزيز العليم ^ ‪^ #‬‬
‫تنزيل من الرحمن الرحيم ^ ‪ #‬وال هو المنزل ولم يقل مني‬

‫فصل ‪ #‬قالوا نذكر ثالثا وقال داود في الزبور في المزمور المئة والتسعة قائل قال‬
‫لرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطأ قدميك ‪ #‬والجواب من‬

‫‪338‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪339‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وجوه ‪ #‬أحدها أنه ل يجوز أن يراد بربي شيئا من صفات ال فإنه لم يسم داود ول‬
‫أحد من النبياء شيئا من صفات ال ربا ول ابنا ول قال أحد لشيء من صفات ال يا‬
‫رب ارحمني ول قال لعلم ال أو كلمه أو قدرته يا رب وإذا لم يكونوا يسمون‬
‫صفات ال ربا ولو كان المسيح صفة من صفاته لم يجز أن يكون هو المراد بلفظ‬
‫الرب فكيف وناسوته أبعد عن اللهوت أن يراد بذلك ‪ #‬فعلم أنهم لم يريدوا بذلك ل‬
‫اللهوت ول الناسوت ‪ #‬الثاني أنه قال قال الرب لربي فأضاف إليه الثاني دون‬
‫الول‬

‫وأنه هو ربه الذي خلقه وعامة ما عند النصارى من الغلو أن يقولوا إله حق من إله‬
‫حق ويجعلونه خالقا أما أن يجعلوه أحق من الب بكونه رب داود فهذا لم يقولوه‬
‫وهو ظاهر البطلن ‪ #‬الثالث أنه ليس في هذا ذكر القانيم الثلثة غايته لو كان كما‬
‫تألوه أن يكون فيه ذكر البن وأما القانيم الثلثة فلم ينطق بها شيء من كتب ال‬
‫التي بأيديهم فضل عن القرآن ل بلفظها ول معناها بل ابتدعوا لفظ القنوم وعبروا‬
‫به عن ما جعلوه مدلول كتب ال وهي ل تدل على ذلك فكانوا في ذلك مترجمين‬
‫لكلم ال وهم لم يفهموا معناه ول عبروا عنه بعبارة تدل على المراد ‪ #‬الرابع أنه‬
‫قال لربي وهذا يراد به السيد كما قال يوسف ‪ ^ #‬إنه ربي أحسن مثواي ^ ‪ #‬وقال‬
‫لغلم الملك ‪ ^ #‬اذكرني عند ربك ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فأنساه الشيطان ذكر ربه ^‬
‫‪ #‬ولهذا ذكر الول مطلقا والثاني مقيدا فيكون المعنى وقال ال لسيدي قال رب‬
‫العالمين لسيدي وسماه سيدا تواضعا من داود وتعظيما له لعتقاده أنه أفضل منه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا نذكر رابعا وقال في المزمور الثاني الذي قال لي أنت ابني وأنا اليوم‬
‫ولدتك ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن هذا ليس فيه تسمية صفات ال علمه‬
‫وحياته ابنا ول فيه ذكر القانيم الثلثة فليس فيه حجة لشيء مما تدعونه ‪ #‬والثاني‬
‫أن هذا حجة عليهم فإنه هو سمى داود ابنه فعلم أن اسم البن ليس مختصا بالمسيح‬
‫عليه السلم بل سمى غيره من عباده ابنا فعلم أن اسم البن ليس اسما لصفاته بل هو‬
‫اسم لمن رباه من عبيده‬

‫وحينئذ فل تكون تسمية المسيح ابنا لكون الرب أو صفته اتحدت به بل كما سمى ‪#‬‬
‫داود ابنا وكما سمى إسرائيل ابنا فقال أنت ابني بكري ‪ #‬وهذا في كتبهم كما ذكر‬
‫فإن كان ما في كتبهم قول ال فل حجة فيه لنه أراد المربى وإن لم يكن قول ال‬
‫ورسله فل حجة فيه لن قول غير المعصوم ليس بحجة ‪ #‬الثالث أن قوله وأنا اليوم‬
‫ولدتك يدل على حدوث هذا الفعل وعندهم تولد الكلمة التي يسمونها البن من الب‬
‫قديم أزلي كما قالوا في أمانتهم وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود‬
‫من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه مولود‬
‫غير مخلوق مساو الب في الجوهر الذي به كان كل شيء ‪ #‬فهذا البن عندهم‬
‫مولود من الب قبل كل الدهور وذاك ولد‬

‫‪339‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪340‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في يوم خاطبه بعد خلق داود فلم يكن في هذا المحدث دليل على وجود ذلك القديم ‪#‬‬
‫الوجه الرابع أنه إذا كان الب في لغتهم هو الرب الذي يربي عبده أعظم مما يربي‬
‫الب ابنه كان معنى لفظ الولدة مما يناسب معنى هذه البوة فيكون المعنى اليوم‬
‫جعلتك مرحوما مصطفى مختارا ‪ #‬والنصارى قد يجعلون الخطاب الذي هو ضمير‬
‫لغير المسيح يراد به المسيح فقد يقولون المراد بهذا المسيح وهذا باطل ل يدل اللفظ‬
‫عليه وبتقدير صحته فهو يدل على أن المسيح هو الناسوت المخلوق وهو المسمى‬
‫بالبن لقوله وأنا اليوم ولدتك ‪ #‬واللهوت عندهم مولود من قبل الدهور وحينئذ فإن‬
‫كان المراد به يوم ولدته فالمعنى خلقتك وإن كان يوم اصطفاه فالمراد اليوم‬
‫اصطفيتك وأحببتك كأنه قال اليوم جعلتك ولدا وابنا على لغتهم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا نذكر خامسا وفي السفر الثاني من التوراة وكلم ال موسى من العليقة‬
‫قائل أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق‬
‫ويعقوب بل كرر اسم الله ثلث دفوع قائل أنا إله وإله لتحقق مسألة الثلث أقانيم‬
‫في لهوته ‪ #‬والجواب أن الحتجاج بهذا على القانيم الثلثة من أفسد الشياء وذلك‬
‫يظهر من وجوه ‪ #‬أحدها أنه لو أريد بلفظ الله أقنوم الوجود وبلفظ الله مرة ثانية‬
‫أقنوم الكلمة وبالثالث أقنوم الحياة لكان القنوم الواحد إله إبراهيم والقنوم الثاني إله‬
‫إسحاق والقنوم الثالث إله يعقوب فيكون‬

‫كل من القانيم الثلثة إله أحد النبياء الثلثة والقنومين ليسا بإلهين له ‪ #‬وهذا كفر‬
‫عندهم وعند جميع أهل الملل وأيضا فيلزم من ذلك أن يكون اللهة ثلثة وهم‬
‫يقولون آله واحد ثم هم إذا قالوا كل من القانيم إله واحد فيجعلون الجميع إله كل نبي‬
‫فإذا احتجوا بهذا النص على قولهم لزم أن يكون إله كل نبي ليس هو إله النبي الخر‬
‫مع كون اللهة ثلثة ‪ #‬الوجه الثاني أنه يقال إن ال رب العالمين ورب السماوات‬
‫ورب الرض ورب العرش ورب كل شيء أفيلزم أن يكون رب السماوات ليس هو‬
‫رب الرض رب كل شيء ‪ #‬وكذلك يقال إله موسى وإله محمد مع قولنا إله إبراهيم‬
‫وإسحاق ويعقوب أفتكون اللهة خمسة وقد قال يعقوب لبنيه ما تعبدون من بعدي‬
‫قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‬

‫أفتراه أثبت إلهين أحدهما إلهه والخر إله الثلثة ‪ #‬الوجه الثالث أن العطف ‪#‬‬
‫يكون تارة لتغاير الذوات وتارة لتغاير الصفات كقوله تعالى ‪ ^ #‬سبح اسم ربك‬
‫العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى‬
‫^ ‪ #‬والذي خلق هو الذي قدر وأخرج وكذلك قوله ‪ ^ #‬إلهك وإله آبائك ^ ‪ #‬وهو‬
‫هو سبحانه وقال إبراهيم الخليل صلوات ال عليه وسلمه لقومه ‪ #‬سورة الشعراء‬
‫اليات ‪ # 82 75‬والذي خلقه هو الذي يطعمه ويسقيه وهو الذي يميته ثم يحييه‬

‫‪340‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪341‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فقوله في التوراة إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب هو من هذا الباب ول ‪#‬‬
‫يختص هذا بثلثة بل يقال في الثنين والربعة والخمسة بحسب ما يقصد المتكلم‬
‫ذكره من الصفات وفي هذا من الفائدة ما ليس في قوله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب‬
‫فإنه لو قيل ذلك لم يفد إل أنه معبود الثلثة ل يدل على أنهم عبدوه مستقلين كل منهم‬
‫عبده عبادة اختص بها لم تكن هي نفس عبادة الول ‪ #‬وأيضا فإنه إذا قيل إله‬
‫إبراهيم وإسحاق ويعقوب دل على عبادة كل منهم باللزوم وإذا قال وإله دل على أنه‬
‫معبود كل من الثلثة فأعاده باسم الله الذي يدل على العبادة دللة باللفظ المتضمن‬
‫لها وفي ذلك من ظهور المعنى للسامع وتفرعه بصورة له من غير فكر ما ليس في‬
‫دللة الملزوم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وكذلك شهد أشعيا بتحقق الثالوث بوحدانية جوهره وذلك بقوله رب‬
‫القوات وبقوله رب السماوات والرض ومثل هذا القول في التوراة والمزامير شيء‬
‫كثير حتى اليهود يقرون هذه النبوات ول يعرفون لها تأويل وهم معترفون بذلك ول‬
‫ينكرون منه كلمة واحدة وإنما قلوبهم مغلوقة عن فهمه لقساوتها على ما ذكرنا قبل‬
‫ذلك وأنهم إذا اجتمعوا في كنيستهم كل سبت يقف‬

‫الحران أمامهم ويقول كلما عبرانيا هذا تفسيره ول يجحدونه نقدسك ونعظمك‬
‫ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان نبيك ‪ #‬فيصرخ الجميع مجاوبين قدوس‬
‫قدوس قدوس رب القوات ورب السماوات والرض ‪ #‬فما أوضح إقرارهم بالثالوث‬
‫وأشد كفرهم بمعناه فنحن لجل هذا البيان الواضح الذي قاله ال في التوراة وفي‬
‫كتب النبياء فجعلوه ثلثة أقانيم جوهرا واحدا طبيعة واحدة إلها واحدا ربا واحدا‬
‫خالقا واحدا وهو الذي نقوله أب وابن وروح قدس ‪ #‬ووالجواب أما ما في كتب‬
‫النبياء عليهم السلم من تثنية اسم الرب عند إضافته إلى مخلوق آخر فهو من نمط‬
‫تثنية اسم الله‬

‫وهذا ل يقتضي تعدد الرباب واللهة ولهذا ليقتضي جعلهم اثنين وأربعة إذا ذكر‬
‫اللفظ مرتين وأربعة ‪ #‬فكذلك إذا ذكر ثلث مرات ل يقتضي أن الرباب ثلثة وهم‬
‫أيضا ل يقولون بثلثة أرباب وثلثة آلهة فلو كان هذا يدل على ثلثة أرباب وثلثة‬
‫آلهة لدل على نقيض قولهم بل هم يزعمون أنهم إنما يثبتون إلها واحدا ولكنهم‬
‫يناقضون فيصرحون بثلثة آلهة ويقولون هم إله واحد ‪ #‬والكتب ل تدل على قولهم‬
‫المتناقض بوجه من الوجوه وأما ما ذكروه من اعتراف اليهود بألفاظ هذه النبوات‬
‫ودعواه أنهم ل يعرفون لها تأويل فإن أرادوا بالتأويل تفسيرها وما يدل عليه لفظها‬
‫فهذا ظاهر ل يخفى على الصبيان من اليهود وغيرهم ‪ #‬ولكن النصارى ادعوا ما ل‬
‫يدل عليه اللفظ وإن أرادوا بالتأويل معنى يخالف ظاهر اللفظ فهذا إنما يحتاج إليه إن‬
‫كان‬

‫‪341‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪342‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يحتاج إليه إذا كان ظاهره معنى باطل ل يجوز إرادته وليس ما ذكروا هنا من هذا‬
‫الباب بل الكتب اللهية يكثر فيها مثل هذا الكلم عند أهل الكتاب وعند المسلمين‬
‫وليفهم منها ثلثة أرباب أو ثلثة آلهة إل من اتبع هواه بغير هدى من ال وقال‬
‫قول مختلفا يؤفك عنه من أفك ومثل هذا موجود في سائر الكلم يقال هذا أمير البلد‬
‫الفلني وأمير البلد الفلني وأمير البلد الفلني وهو أمير واحد ‪ #‬ويقال هذا رسول‬
‫ال إلى الميين ورسول إلى أهل الكتاب ورسول إلى الجن والنس وهو رسول‬
‫واحد‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم نقدسك ونعظمك ونثلث لك تقديسا مثلثا كالمكتوب على لسان‬
‫نبيك أشعيا ‪ #‬وقولهم قدوس قدوس قدوس رب القوات ورب السماوات والرض‬
‫فيقال هذا الكلم صريح في أن المثلث هو نفس التقديس ل نفس الله المقدس ‪#‬‬
‫وكذلك قولهم قدوس قدوس قدوس قدسوه ثلث مرات فإنه قال نقدسك ونثلث لك‬
‫تقديسا مثلثا فنصب التثليث على المصدر الذي ينصب بفعل التقديس فقال نقدسك‬
‫تقديسا مثلثا ‪ #‬فنصب التقديس على المصدر كما تقول سبحتك تسبيحا مثلثا أي‬
‫سبحتك ثلث مرات وقال نثلث لك أي نثلث تقديسا لك لم يقل أنت ثلثة بل جعلوا‬
‫أنفسهم هم الذين يقدسون التقديس المثلث وهم يثلثون له وهذا صريح في أنهم‬
‫يسبحونه ثلث مرات ول يسبحون ثلثة آلهة ول ثلثة أقانيم‬

‫وهذا كما في السنن عن ابن مسعود عن النبي أنه قال إذا قال العبد في ركوعه ‪#‬‬
‫سبحان ربي العظيم ثلثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا قال في سجوده سبحان ربي‬
‫العلى ثلثا فقد تم سجوده وذلك أدناه والتسبيح هو تقديس الرب وأدناه أن يقدسه‬
‫ثلث مرات فمعناه قدسوه ثلث مرات ل تقتصروا على مرة واحدة ‪ #‬ولهذا يقولون‬
‫مجاوبين قدوس قدوس قدوس فيقدسونه ثلث مرات فعلم أن المراد تثليث التقديس‬
‫حيث ما دل عليه لفظه وما يفعلونه ممتثلين لهذا المر وما يفعل في نظير ذلك من‬
‫تثليث تقديسه وأن يقدس ثلث مرات ل أن يكون المقدس ثلث أقانيم فإن هذا أمر لم‬
‫ينطق نبي من النبياء به ل لفظا‬

‫ول معنى بل جميع النبياء عليهم السلم أثبتوا إلها واحدا له السماء الحسنى ‪#‬‬
‫وأسماؤه متعددة تدل على صفاته المتعددة ول يختص ذلك بثلثة أسماء ول بثلث‬
‫صفات وليست الصفات أقنوما هو ذات وصفة بل ليس إل ذات واحدة لها صفات‬
‫متعددة فالتعدد في الصفات ل في الذات التي يسمونها الجوهر ول في الذات والصفة‬
‫التي يسمونها القنوم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا فما أعظم إقرارهم في الثالوث وأشد كفرهم بمعناه ‪ #‬فيقال هذا من‬
‫الفتراء الظاهر على اليهود وإن كان اليهود كفارا فلم يكن كفرهم لجل إنكار‬

‫‪342‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪343‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الثالوث بل لو أقروا به لكان زيادة في كفرهم يزيد به عذابهم ‪ #‬كما أن النصارى‬


‫لما كفروا لم يكن كفرهم بإقرارهم بأن المسيح المبشر به الذي قد ظهر ليس هو‬
‫المسيح الدجال الذي تنتظره اليهود وإذا خرج كا‬
‫نوا شيعته ويقتلهم المسلمون معه شر قتلة حتى إن الشجر والحجر يقول يا مسلم هذا‬
‫يهودي ورائي تعال فاقتله ‪ #‬بل لو كفروا بالمسيح كما كفرت اليهود لكان ذلك زيادة‬
‫في كفرهم ‪ #‬وعند اليهود وعندهم في التوراة من التوحيد المحض الذي‬

‫يبطل تثليثكم ما ل يخفى إل عمن أعرض عن ذكر ال الذي أنزله وهداه الذي هدى‬
‫به عباده‬

‫فصل ‪ #‬قالوا فمن أجل هذا البيان الواضح الذي قاله ال في التوراة وفي كتب‬
‫النبياء نجعل ثلثة أقانيم جوهرا واحدا إلها واحدا خالقا واحدا ‪ #‬وهو الذي نقوله‬
‫أب وابن وروح قدس ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن في التوراة والكتب اللهية‬
‫من إثبات وحدانية ال ونفي تعدد اللهة ونفي إلهية ما سواه ما هو صريح في إبطال‬
‫قول النصارى ونحوهم وليس فيها ذكر القانيم ل لفظا ول معنى حيث يجعلون‬
‫القنوم اسما للذات مع الصفة والذات واحدة والتعدد في الصفات ل في الذات ‪ #‬ول‬
‫يمكن أن تتحد صفة دون الخرى ول دون الذات فيمتنع اتحاد أقنوم أو حلوله بشيء‬
‫من المخلوقات دون القنوم الخر ول إثبات ثلثة أقانيم ول إثبات ثلث صفات دون‬
‫ما سواها في شيء من الكتب اللهية ول كلم الحواريين ول إثبات إله حق من إله‬
‫حق ول تسمية صفات ال مثل كلمه وحياته ل ابنا ول إلها ول ربا ول إثبات‬

‫اتحاد الرب خالق السماوات والرض بشيء من الدميين ول حلول ذات وصفة‬
‫دون ذات مع الصفات الخرى بل ول حلول نفس الصفة القائمة به في غيره ل‬
‫علمه ول كلمه ول حياته ول غير ذلك ‪ #‬بل جميع ما أثبتوه من التثليث والحلول‬
‫والتحاد ليس في كتب النبياء التي بأيديهم ما يدل عليه بل فيها أقوال كثيرة‬
‫صريحة بنقيض ذلك مع القرآن والعقل فهم مخالفون للمعقول وكتب ال المنزلة ‪#‬‬
‫الثاني أنهم يقولون إنما نثبت إلها واحدا ثم يقولون في أمانتهم وأدلتهم وغير ذلك من‬
‫كلمهم ما هو صريح بإثبات ثلثة آلهة فينقضون كلمهم بعضهم ببعض ويقولون‬
‫من القوال المتناقضة ما يعلم بطلنه كل عاقل تصوره ‪ #‬وهذا ل ينضبط لهم قول‬
‫مطرد كما يقول من يقول من عقلء الناس إن النصارى ليس لهم قول يعقله عاقل‬
‫وليس أقوالهم منصوصة‬

‫عن النبياء فليس معهم ل سمع ول عقل كما قال ال تعالى عن أصحاب النار ‪^ #‬‬
‫لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ ‪ #‬وهم أيضا يبطنون خلف ما‬
‫يظهرون ويفهم جمهور الناس من مقالتهم خلف ما يزعم بعضهم أنه مرادهم فإنه‬
‫قد تقدم آنفا من استدللهم بالتوراة وقوله وكلم ال موسى من العليقة قائل أنا إله‬

‫‪343‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪344‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب قالوا ولم يقل أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب بل‬
‫كرر اسم آله ثلث دفوع قائل أنا إله وإله وإله لتحقق مسألة الثلث أقانيم في لهوته‬
‫فيقال لهم وإن كان هذا التكرير ل يقتضي إل إثبات إله واحد فل حجة لكم فيه كما‬
‫لو قال أنا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإن كان يقتضي إثبات ثلثة آلهة فقد أثبتم‬
‫ثلثة آلهة وأنتم تقولون ل نثبت إل إلها واحدا وإن كان المعنى إنه إله واحد‬
‫موصوف بأنه معبود إبراهيم ومعبود إسحاق ومعبود يعقوب فل حجة لكم فيه على‬
‫التثليث والقانيم بحيث تجعلون القنوم اسما للذات مع صفة والذات واحدة فالتعدد‬
‫في‬

‫الصفات ل في الذات ول يمكن أن تتحد صفة دون أخرى ول دون الذات فيمتنع‬
‫اتحاد أقنوم وحلوله بشيء من المخلوقات دون القنوم الخر ‪ #‬الوجه الثالث قولهم‬
‫وهو الذي نقوله أب وابن وروح القدس قد تقدم أن هذا القول هم معترفون بأنهم لم‬
‫يقولوه ابتداء ول علموا بالعقل التثليث الذي قالوه في امانتهم ثم عبروا عنه بهذه‬
‫العبارة بل هذه العبارة منقولة عندهم في بعض الناجيل أن المسيح عليه الصلة‬
‫والسلم أمر أن يعمدوا الناس بها وحينئذ فالواجب إذا كان المسيح قالها أن ينظر ما‬
‫أراد بها وينظر سائر ألفاظه ومعانيها فيفسر كلمه بلغته التي تكلم بها تفسيرا يناسب‬
‫سائر كلمه ‪ #‬وهؤلء حملوا كلم المسيح والنبياء عليهم السلم على شيء ل يدل‬
‫عليه كلمهم بل يدل على نقيضه فسموا كلم ال أو علمه أو حكمته أو نطقه ابنا‬
‫وهذه تسمية ابتدعوها لم يسم أحد من النبياء شيئا من صفات ال باسم البن ول‬
‫باسم الرب ول باسم الله ثم لما أحدثوا هذه التسمية قالوا مراد المسيح بالبن هو‬
‫الكلمة وهذا افتراء على المسيح عليه السلم وحمل لكلمه على معنى ل يدل عليه‬
‫لفظه‬

‫ولفظ البن عندهم في كتبهم يراد به من رباه ال تبارك وتعالى فل يطلق عندهم ‪#‬‬
‫في كلم النبياء لفظ البن قط إل على مخلوق محدث وليطلق إل على الناسوت‬
‫دون اللهوت فيسمى عندهم إسرائيل ابنا وداود ابنا ل والحواريون كذلك بل عندهم‬
‫في إنجيل يوحنا في ذكر المسيح إلى خاصته أي وخاصته لم يقبلوه والذين قبلوه‬
‫أعطاهم ليكونوا أبناء ال الذي ليس من دم ول من مشبه لحم ول من مشبه رجل بل‬
‫من ال ولد ‪ #‬فهذا إخبار بأنهم يكونون جميعا أبناء ال وهم معترفون بأنه ليس فيهم‬
‫لهوت يتحد بناسوت بل كل منهم ناسوت محض فعلم أن الكتب ناطقة بأن لفظ ابن‬
‫ال يتناول الناسوت فقط وليس معهم لفظ ابن ال والمراد به صفة من صفات ال ‪#‬‬
‫فقولهم إن المسيح أراد بلفظ البن اللهوت كذب بين عليه والمسيح ل يسمى ابنا‬
‫بهذا العتبار وروح القدس لم يعبر‬

‫بها أحد من النبياء عن حياة ال التي هي صفته بل روح القدس في كتب ال يراد‬
‫بها الملك ويراد بها الهدى والوحي والتأييد فيقال روح ال كما يقال نور ال وهدى‬
‫ال ووحي ال وملك ال ورسول ال لم يرد به أحد من النبياء بقوله روح ال وروح‬

‫‪344‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪345‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫القدس ما يريده النسان بقوله روحي ‪ #‬فالنسان مركب من روح وبدن وفي بدنه‬
‫بخار يخرج من القلب ويسري في بدنه وله جوف يخرج منه هواء ويدخل فيه فإذا‬
‫قيل روح النسان فقد يراد بها الروح التي بها البخار اللطيف الذي في البدن وقد‬
‫يراد بها الريح الذي يخرج من جوف البدن ويدخل فيه ‪ #‬وال تبارك وتعالى بإجماع‬
‫المسلمين واليهود والنصارى ليس هو روحا وبدنا كالنسان وهو سبحانه أحد صمد‬
‫ل جوف له ول يدخل فيه شيء ول يخرج منه شيء ل بخار ول هواء متردد ‪ #‬وقد‬
‫يعبر بعض الناس بلفظ الروح عن الحياة وال تعالى حي له حياة لكن لم ترد النبياء‬
‫عليهم السلم بقولهم روح القدس حياة ال بل أرادوا به ما يجعله ال في قلوب‬
‫النبياء‬

‫ويؤيدهم به كما يراد بنور ال ذلك قال ال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات والرض‬
‫مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري‬
‫يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم‬
‫تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ويضرب ال المثال للناس وال‬
‫بكل شيء عليم ^ ‪ #‬فضرب ال مثل للمؤمن الذي جعل صدره كالمشكاة وقلبه‬
‫كالزجاجة في المشكاة ونور اليمان الذي في قلبه وهو نور ال كالمصباح الذي في‬
‫الزجاجة وذلك النور الذي في قلبه ليس هو نفس صفة ال القائمة به ‪ #‬فتبين أن‬
‫العارف كلما تدبر ما قالته النبياء وما قاله أهل البدع من النصارى وغيرهم لم يجد‬
‫لهم في كلم النبياء إل ما يدل على نقيض ضللهم ل ما يدل على ضللهم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقد علمنا أنه ليلزمنا إذا قلنا هذا عبادة ثلثة آلهة بل إله واحد كما ل‬
‫يلزمنا إذا قلنا النسان ونطقه وروحه ثلثة أناسي بل إنسان واحد ول إذا قلنا لهيب‬
‫النار وضوء النار وحرارة النار ثلثة نيران ول إذا قلنا قرص الشمس وضوء‬
‫الشمس وشعاع الشمس ثلثة شموس وإذا كان هذا رأينا في ال تقدست أسماؤه‬
‫وجلت آلؤه فل لوم علينا ول ذنب لنا إذ لم نهمل ما تسلمناه ول نرفض ما تقلدناه‬
‫ونتبع ما سواه ول سيما أن لنا هذه الشهادات البينات والدلئل الواضحات من الكتاب‬
‫الذي أتى به هذا الرجل ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أنكم صرحتم بتعدد اللهة‬
‫والرباب في عقيدة إيمانكم وفي استدللكم وغير ذلك من كلمكم فليس ذلك شيئا‬

‫ألزمكم الناس به بل أنتم تصرحون بذلك كما تقدم من قولكم نؤمن بإله واحد أب‬
‫ضابط الكل خالق ما يرى وما ل يرى وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال الوحيد‬
‫المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر أبيه‬
‫يولد غير مخلوق مساو الب في الجوهر وبروح القدس الرب المحيي المنبثق من‬
‫الب الذي مع الب مسجود له وممجد ‪ #‬فهذا تصريح بالثلثة أرباب وأن البن إله‬
‫حق من إله حق ومع تصريحكم بثلثة أرباب وتصريحكم بأن هذا إله حق من إله‬
‫حق تقولون إن ذلك إله واحد وهذا تصريح بتعدد اللهة مع القول بإله واحد ‪ #‬ولو‬

‫‪345‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪346‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم تذكروا ما يقتضي أنه جوهر آخر لمكن أن يحمل كلمكم على عطف الصفة لكن‬
‫يكون كلمكم أعظم كفرا فتكونون قد جعلتم المسيح هو نفس الله الواحد الب خالق‬
‫ما يرى وما ل يرى وهذا أعظم من كفركم مع أن هذا حقيقة قولكم فإنكم تقولون‬
‫المسيح هو ال وتقولون هو ابن ال كما ذكر ال القولين عنكم في كلمه وكفركم‬
‫بذلك وليس هذا هذا قول طائفة وهذا قول‬

‫طائفة كما يقوله بعض الناس بل القولن جميعا يقولهما فرق النصارى كالنسطورية‬
‫واليعقوبية والملكية ونحوهم وهذا أيضا من تناقضكم فإنه إن كان هو ال لم يكن هو‬
‫ابن ال سواء عبر بالبن عن الصفة أو غيرها فإن الب هو الذات والذات ليست‬
‫هي الصفة وإن عنى بالبن الذات مع صفة الكلم كما تفسرون القنوم بذلك فهذه‬
‫الذات متصفة مع ذلك بالحياة والكلم سواء عنوا به العلم أو البيان مع العلم هو مع‬
‫الحياة قائم بالب والصفة ليست عين الموصوف بل ول يعبر عنها بأنها ابن‬
‫الموصوف ول عبر بذلك أحد من النبياء عليهم السلم ‪ #‬والمقصود أنهم لم يريدوا‬
‫بقولهم وبرب واحد يسوع المسيح عطف الصفة وأن هذا هو الب كما قال إله‬
‫إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب فهذا إله واحد والعطف لتغاير الصفة فلو كان‬
‫المراد بالبن نفس الب لكان هذا خلف مذهبهم ويكونون قد جعلوه إلها من نفسه‬
‫فقالوا إلهان بل ثلثة وهو واحد‬

‫فهذا لو أرادوه لكان أعظم في الكفر بل قالوا وبرب واحد يسوع المسيح ابن ال ‪#‬‬
‫الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق من إله حق من جوهر‬
‫أبيه مولود غير مخلوق فصرحوا بأنه رب وأنه إله حق من إله حق وصرحوا بإله‬
‫ثان مع الله الول ‪ #‬وقالوا مع ذلك إنه مولود من الب قبل كل الدهور وأنه مولود‬
‫غير مخلوق فامتنع أن يريدوا بذلك الناسوت فإن الناسوت مخلوق ‪ #‬وهم يقولون إن‬
‫الكلمة هي المتولدة من الب والكلمة صفة المتكلم وقائمة به والكلم ليس برب ول‬
‫بإله بل هو كلم الرب الله كما أن سائر كلم ال كالتوراة والنجيل والقرآن ليس‬
‫هو الرب والله ثم قلتم مساو الب في الجوهر فاقتضى هذا أن يكون المولود الذي‬
‫هو الكلمة جوهرا وأنه مساو الب في الجوهر والمساوى ليس هو المساوي ‪ #‬وهذا‬
‫يقتضي إثبات جوهر ثان مساو الجوهر الول وهو‬

‫صريح بإثبات إلهين ويقولون مع ذلك إنه إله واحد جوهر واحد ول يقال الجوهر مع‬
‫العلم الذي يعبرون عنه بالقنوم مساو الجوهر الذي هو الذات فإن الجوهر هو الذات‬
‫وليس هنا جوهران أحدهما مجرد عن العلم والخر متصف به حتى يقال إن أحدهما‬
‫مساو للخر بل الرب تعالى هو الذات المتصفة بالعلم فإن كان الب هو الذات‬
‫المجردة فالبن أكمل من الب وهو الذات مع العلم والب بعض البن ‪ #‬وكذلك‬
‫يلزمهم أن يكون البن هو بعض روح القدس فإنهم في أمانتهم جعلوا روح القدس‬
‫هو الرب المحيي والرب المحيي هو الذات المتصفة بالحياة والذات المجردة بعض‬
‫ذلك فإن كان الب هو الذات المجردة فالبن بعض روح القدس ‪ #‬ثم قلتم في أقنوم‬

‫‪346‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪347‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫روح القدس الذي جعلتموه الرب المحيي أنه منبثق من الب مسجود له ممجد ناطق‬
‫في النبياء فإن كان المنبثق ربا حيا فهذا إثبات إله ثالث وقد جعلتم الذات الحية‬
‫منبثقة من الذات المجردة وفي كل منهما من الكفر والتناقض ما ل يخفى ‪ #‬ثم جعلتم‬
‫هذا الثالث مسجودا له والمسجود له هو الله المعبود وهذا تصريح بالسجود لله‬
‫ثالث مع ما فيه من التناقض ثم جعلتموه ناطقا بالنبياء وهذا تصريح بحلول هذا‬
‫القنوم الثالث‬

‫بجميع النبياء فيلزمكم أن تجعلوا كل نبي مركبا من لهوت وناسوت وأنه إله تام‬
‫وإنسان تام كما قلتم في المسيح إذ ل فرق بين حلول الكلمة وحلول روح القدس‬
‫كلهما أقنوم ‪ #‬وأيضا فيمتنع حلول إحدى الصفتين دون الخرى وحلول الصفة‬
‫دون الذات فيلزم أن يكون الله الحي الناطق بأقانيمه الثلثة حال في كل نبي ويكون‬
‫كل نبي هو رب العالمين ويقال مع ذلك هو ابنه وفي هذا من الكفر الكبير والتناقض‬
‫العظيم ما ل يخفى وهذا لزم للنصارى لزوما ل محيد عنه فإن ما ثبت للشيء ثبت‬
‫لنظيره ول يجوز التفريق بين المتماثلين وليس لهم أن يقولوا الحلول أو التحاد في‬
‫المسيح ثبت بالنص ول نص في غيره لوجوه ‪ #‬أحدها أن النصوص لم تدل على‬
‫شيء من ذلك كما قد تبين ‪ #‬الثاني أن في غير المسيح من النصوص ما شابه‬
‫النصوص الواردة فيه كلفظ البن ولفظ حلول روح القدس فيه ونحو ذلك ‪ #‬الثالث‬
‫أن الدليل ل ينعكس فليلزم من عدم الدليل المعين عدم المدلول وليس كل ما علمه‬
‫ال وأكرم به أنبياءه أعلم به الخلق بنص صريح بل من جملة الدللت دللة اللتزام‬
‫‪ #‬وإذا ثبت الحلول والتحاد في أحد النبيين بمعنى مشترك بينه وبين النبي الخر‬
‫وجب التسوية بين المتماثلين كما إذا ثبت أن النبي‬

‫يجب تصديقه لنه نبي ‪ #‬ويكفر من كذبه لنه نبي فيلزم من ذلك أنه يجب تصديق‬
‫كل نبي وتكفير من كذبه ‪ #‬الرابع هب أنه ل دليل على ثبوت ذلك في الغير فيلزم‬
‫تجويز ذلك في الغير إذ ل دليل على انتفائه كما يقولون إن ذلك كان ثابتا في المسيح‬
‫قبل إظهاره اليات على قولهم وحينئذ فيلزمهم أن يجوزوا في كل نبي أن يكون ال‬
‫قد جعله إلها تاما وإنسانا تاما كالمسيح وإن لم يعلم ذلك ‪ #‬الخامس أنه لو لم يقع ذلك‬
‫لكنه جائز عندهم إذ ل فرق في قدرة ال بين اتحاده بالمسيح واتحاده بسائر الدميين‬
‫فيلزمهم تجويز أن يجعل ال كل إنسان إلها تاما وإنسانا تاما ويكون كل إنسان مركبا‬
‫من لهوت وناسوت وقد تقرب إلى هذا اللزم الباطل من قال بأن أرواح بني آدم‬
‫من ذات ال وأنها لهوت قديم أزلي فيجعلون نصف كل آدمي لهوتا ونصفه ناسوتا‬
‫وهؤلء يلزمهم من المحالت أكثر مما يلزم النصارى من بعض الوجوه والمحالت‬
‫التي تلزم النصارى أكثرمن بعض الوجوه ‪ #‬الوجه الثاني قولهم ول يلزمنا إذا قلنا‬
‫هذه عبادة ثلثة آلهة بل‬

‫إله واحد كما ل يلزمنا إذا قلنا النسان وروحه ونطقه ثلثة أناسي ول إذا قلنا النار‬
‫وحرها وضوءها ثلث نيران ول إذا قلنا الشمس وضوؤها وشعاها ثلث شموس ‪#‬‬

‫‪347‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪348‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيقال هذا تمثيل باطل لوجوه ‪ #‬أحدها أن حر النار وضؤها القائم بها ليس نارا من‬
‫نار ول جوهرا من جوهر ول هو مساوي النار والشمس في الجوهر وكذلك نطق‬
‫النسان ليس هو إنسانا من إنسان ول هو مساو النسان في الجوهر وكذلك الشمس‬
‫وضوؤها القائم بها وشعاعها القائم بها ليس شمسا ول جوهرا قائما بنفسه وأنتم قلتم‬
‫إله حق من إله حق فقلتم في المانة نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل وبرب واحد‬
‫يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور نور من نور إله حق‬
‫من إله حق من جوهر أبيه مساوي الب في الجوهر وقلتم في روح القدس إنه رب‬
‫ممجد مسجود له فأثبتم ثلثة أرباب ‪ #‬والثاني أن الضوء في الشمس والنار يراد به‬
‫نفس الضوء القائم بها ويراد به الشعاع القائم بالرض والجدران وهذا مباين لها‬
‫ليس قائما بها ولفظ النور يعبر به عن هذا وهذا وكلهما صفة قائمة بغيرها‬
‫وعرض وقد يراد بلفظ النور نفس النار ونفس الشمس والقمر‬

‫فيكون النور جوهرا قائما بنفسه وإذا كان كذلك فهم جعلوا الب ربا جوهرا قائما‬
‫بنفسه والبن أيضا ربا جوهرا قائما بنفسه وروح القدس ربا جوهرا قائما بنفسه ‪#‬‬
‫ومعلوم أن ضوء النار والشمس وحرارتها ليس كل منهما شمسا ونارا قائما بنفسها‬
‫ول جوهرا قائما بنفسه فلو أثبتوا حياة ال وعلمه أو كلمه صفتين قائمتين به ولم‬
‫يجعلوا هذا ربا جوهرا قائما بنفسه وهذا ربا جوهرا قائما بنفسه لكان قولهم حقا‬
‫وتمثيلهم مطابقا ولكنهم لم يقتصروا على مجرد جعلهما صفتين ل حتى جعلوا كل‬
‫منهما ربا وجوهرا وخالقا بل صرحوا بأن المسيح الذي يزعمون اتحاد أحدهما به‬
‫إلها واحدا وخالقا فلو كان نفس كلمة ال وعلمه لم يكن إلها خالقا فإن كلم ال وعلمه‬
‫ليس إلها خالقا فكيف والمسيح مخلوق بكلمة ال ليس هو نفس كلمة ال ‪ #‬الوجه‬
‫الثالث أن قولهم الشمس وشعاعها وضوؤها إن أرادوا بالضوء ما يقوم بها وبالشعاع‬
‫ما ينفصل عنها فليس هذا مثال النار وحرها ولهبها إذ كلهما يقوم بها وعلى هذا‬
‫فالشمس لم تقم بها إل صفة واحدة ل صفتين فل يكون التمثيل بها مطابقا وإن أرادوا‬
‫بالضوء والشعاع كلهما ما يقوم بها أو كلهما ما ينفصل عنها فكلهما صفة‬

‫واحدة ليس هما صفتان كالحياة والعلم فعلم أن تمثيلهم بالشمس خطأ وبعضهم يقول‬
‫الشمس وحرها وضوؤها كما يقولون مثل ذلك في النار ‪ #‬وهذا التمثيل أصح لو‬
‫ثبت أن في جرم الشمس حرارة تقوم بها فإن هذا لم يقم عليه دليل وكثير من العقلء‬
‫ينكره ويزعم أن جرم الشمس والقمر والكواكب ل توصف بحرارة ول برودة وهو‬
‫قول أرسطو وأتباعه ‪ #‬وأما تمثيلهم بروح النسان ونطقه فإن أرادوا بالروح حياته‬
‫فليس هذا هو مفهوم الروح وإن أرادوا بالروح التي تفارق بدنه بالموت وتسمى‬
‫النفس الناطقة فهذه جوهر قائم بنفسه ليس عرضا من أعراضه وحينئذ فيلزم أن‬
‫تكون روح ال جوهرا قائما بنفسه مع جوهر آخر نظير بدن النسان ويكون الرب‬
‫سبحانه وتعالى مركبا من بدن وروح كالنسان وليس هذا قول أهل الملل ل‬
‫المسلمين ول اليهود ول النصارى بل هو كفر عندهم فتبين أن تمثيلهم بالثلثة باطل‬
‫‪ #‬والوجه الرابع أن التمثيل إما أن يقع بصفات الشمس والنار والنسان أو النفس‬

‫‪348‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪349‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫القائمة بهذه الجواهر أو بما هو مباين لذلك كالضوء‬

‫الذي يقع على الرض والحيطان والهواء وغير ذلك من الجسام إذا قابلت الشمس‬
‫أو النار أو النسان أو النفس القائمة بهذه الجواهر فإن أريد هذا فهذا شعاع منعكس‬
‫وضوء منقلب وليس صفة قائمة بالشمس والنار ‪ #‬وإذا أريد بما حل في المسيح هذا‬
‫وهذا يسمى نورا وروحا ويسمى نور ال كما قال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات‬
‫والرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب‬
‫دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ل شرقية ول غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم‬
‫تمسسه نار نور على نور يهدي ال لنوره من يشاء ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك‬
‫أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا‬
‫نهدي به من نشاء من عبادنا ^ ‪ #‬فأخبرنا أنه جعل الروح الذي أوحاه نورا يهدي به‬
‫من يشاء‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫‪ ^ #‬فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬ويجعل لكم نورا تمشون به ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ومن لم يجعل ال له‬
‫نورا فما له من نور ^ ‪ #‬فإذا أريد ما حل في المسيح من الروح والكلمة بهذا المعنى‬
‫فل اختصاص للمسيح بذلك فإن هذا يحل في جميع النبياء والمؤمنين وإن كانوا‬
‫متفاضلين فيه بحسب درجاتهم وليس هذا الحال فيهم نفس صفة ال القائمة به وإن‬
‫كان ذلك حاصل عنها ومسببا عنها لكن ليس هو نفس صفة ال وإن كان من الناس‬
‫من يقول بل صفة ال التي اتصف بها حلت في العبد فهذا القول خطأ فإن صفة‬
‫الموصوف القائمة به يمتنع قيامها بعينها بغيره ولكن النسان إذا تعلم علم‬

‫غيره وبلغ كلم غيره يقال هذا علم فلن وكلمه لن هذا الثاني بلغه عنه والمقصود‬
‫هو علم الول وكلمه مع العلم بأن نفس ما قام بذات الول ليس هو عين ما قام‬
‫بذات الثاني وإن كان قد يكون مثله وقد يكون الول هو المقصود بالثاني مثل من‬
‫بلغ كلم غيره فكلم المبلغ هو المقصود بالتبليغ ‪ #‬وصفات المبلغ كحركته وصوته‬
‫التي بها يحصل التبليغ ليس هو نفس المقصود وإذا قيل هذا كلم المبلغ عنه‬
‫فالشارة إلى حقيقة الكلم المقصود بالتبليغ ل إلى ما يختص به المبلغ من أفعاله‬
‫وصفاته ولهذا شبه الناس من قال بحلول صفة الرب في عبده بالنصارى القائلين‬
‫بالحلول وهو شبيه بهم من بعض الوجوه ‪ #‬لكن النصارى ل يقولون بحلول صفة‬
‫مجردة بل بحلول القنوم الذي هو ذات متصفة بالصفة ويقولون إن المسيح خالق‬
‫ورازق وهو خالق آدم ومريم وهو ولد آدم ومريم وهو خالق لهم بلهوته ابن لهما‬
‫بناسوته ‪ #‬ويقولون هو ابن ال وهو ال بلهوته ويقولون أيضا باللهوت والناسوت‬
‫لجل التحاد وال كفرهم بقولهم ^ إن ال هو المسيح ابن مريم ^ ونحو ذلك ‪ #‬وإن‬
‫أرادوا بتمثيلهم بصفات الشمس والنار والنفس التمثيل بنفس ما يقوم بالشمس والنار‬
‫والنفس من الضوء والحياة والنطق وجعلوا ما يثبتونه من الب والبن وروح القدس‬

‫‪349‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪350‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صفات ال كما أن هذه‬

‫صفات لهذه المخلوقات ‪ #‬قيل لهم أول لم يعبر أحد من النبياء عليهم السلم عن‬
‫صفات ال باسم الب والبن وروح القدس فليس لكم إذا وجدتم في كلم المسيح‬
‫عليه السلم أو غيره من النبياء ذكر اليمان بالب والبن وروح القدس أن تقولوا‬
‫مرادهم بذلك صفة ال التي هي الكلمة والعلم ول حياة ال إذ كانوا لم يريدوا هذا‬
‫المعنى بهذا اللفظ وإنما أرادوا باسم البن وروح القدس ما هو بائن عن ال عز‬
‫وجل ‪ #‬والبائن عن ال ليس صفة ل فضل عن أن يكون هو الخالق فضل عن أن‬
‫يكون البشر المتحد به خالقا فقد ضللتم ضلل بعد ضلل ضلل حيث جعلتم مراد‬
‫المسيح وغيره بالبن وروح القدس صفة الرب ثم ضلل ثانيا حيث جعلتم الصفة‬
‫خالقا وربا ثم ضلل ثالثا حيث جعلتم الصفة تتحد ببشر هو عيسى ويسمى المسيح‬
‫ويكون هو الخالق رب العالمين فضللتم في الحلول ضلل مثلثا بعد ضللكم في‬
‫التثليث أيضا ضللت أخر حيث أثبتم ثلث صفات دون غيرها وجعلتموها جواهرا‬
‫أربابا ثم قلتم إله واحد فضللتم ضلل مثلثا في التثليث وضلل مثلثا في التحاد ‪#‬‬
‫وقيل لكم ثانيا إذا جعلتم ذلك صفات ل كما أن الضوء والنطق والحرارة صفات لما‬
‫تقوم بها امتنع أن تحل بغيرها وامتنع مع‬

‫الحلول أن تكون فاعلة فعل النار والشمس والنفس وأنتم جعلتم الكلمة والحياة حالة‬
‫بغير ال وجعلتم ما يحل به إلها خالقا بل هو الله الخالق ومعلوم أن أحدا من العقلء‬
‫ل يجعل ما يحصل فيه ضوء النار نارا ول ما يحصل فيه شعاع الشمس شمسا ول‬
‫ما يحصل فيه نطق زيد وعلمه هو نفس زيد فكان جعلكم المسيح هو الخالق للعالم‬
‫مخالفا لتمثيلكم ‪ #‬وتبين بذلك أن ما ذكرتموه ل يطابقه شيء من المثلة إذ كان‬
‫كامل باطل متناقضا يمتنع تحققه فل تمثيل بشيء من الموجودات الثابتة المعلومة‬
‫إل إذا كان تمثيل غير مطابق ‪ #‬ولهذا يشبهون الحلول والتحاد تارة بحلول الماء‬
‫في الظرف وتارة بحلول النار في الحديد وتارة بالنفس والبدن وتارة يقولون بأنهما‬
‫جوهر واحد اختلطا كاختلط الماء واللبن وكل هذه المثال التي ضربوها ل أمثال‬
‫باطلة فإن الماء في الظرف وغيره من الوعية محتاج إلى وعائه لو انخرق وعاؤه‬
‫لتبدد وهو محيط به ول يتصف الظرف بشيء من صفات الماء والرب تعالى يمتنع‬
‫أن يحتاج إلى شيء من مخلوقاته ل إلى العرش ول إلى غيره أو يحيط به شيء من‬
‫الموجودات إذ هو الظاهر فليس فوقه شيء ‪ #‬كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه‬
‫قال أنت الول فليس قبلك شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء‬

‫وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء فهو غني عن كل ما‬
‫سواه وكل ما سواه فقير إليه ولهذا لم يكن ما وصف ال به نفسه مماثل لصفات‬
‫المخلوقين كما لم تكن ذاته كذوات المخلوقين فهو مستو على عرشه كما أخبرنا عن‬
‫نفسه مع غناه عن العرش ‪ #‬والمخلوق المستوي على السرير أو الفلك أو الدابة لو‬
‫ذهب ما تحته لسقط لحاجته إليه وال غني عن كل ما سواه وهو الحامل بقدرته‬

‫‪350‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪351‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫للعرش ولحملة العرش ‪ #‬وفرق النصارى الثلثة يقولون بالتحاد فل ينفعهم التمثيل‬
‫بحلول الماء في الظرف ولو قدر أنهم قالوا بالحلول المجرد مع أن الرب ل يحتاج‬
‫إلى الناسوت ل يحويه ول يمسه بل كما خاطب موسى من الشجرة فهذا يوجب أن‬
‫الناسوت ل يتصف بشيء من اللهية كالشجرة‬

‫ثم إنه معلوم بالضرورة أن الصوت الذي كان يسمع هو صوت الناسوت فالتمثيل‬
‫بالشجرة أيضا باطل كما بسط في موضعه ‪ #‬وأما الحديد والخشب وغيرهما إذا‬
‫ألقى في النار فإنه يستحيل نارا لتصاله بالنار ل أن النار الذي استحال إليها كانت‬
‫موجودة فحلت به فهذا استحالة بل حلول والنار الذي صارت في الحديد حادثة عن‬
‫تلك النار ليست إياها ثم تلك الحديدة إذا طرقت وقع التطريق على النار وكذلك إذا‬
‫ألقيت في الماء فلو كان هذا تمثيل مطابقا لكان الضرب والصلب والهانة وقع على‬
‫اللهوت وكان اللهوت هو الذي يغتسل بالماء وهو الذي يأكل ويشرب وهذا من‬
‫أعظم الكفر ‪ #‬ويحكى عن بعض طائفة منهم كاليعقوبية أنه يقول بهذا الكفر وإن‬
‫كان كثير منهم كالملكية والنسطورية ينكره فهو لزم لهم وكذلك إذا شبهوه بالنفس‬
‫والبدن فإن النفس تتألم تألم البدن وتستحيل صفاتها بكونها في البدن وتكتسب عن‬
‫البدن أخلقا وصفات فلو كان هذا تمثيل مطابقا لزم تألم اللهوت بآلم البدن وأن‬
‫يكون متألما بجوع البدن وعطشه وضربه وصلبه وأن يكون مستحيل لما‬

‫اكتسبه من صفات الناسوت الذي هو عندهم بمنزلة البدن للنفس وأما قولهم إذ لم‬
‫نهمل ما تسلمناه ولم نرفض ما تقلدناه فقولهم في ذلك بمنزلة قول اليهود للمسيح إنا‬
‫ل نهمل ما تسلمناه ول نرفض ما تقلدناه من موسى عليه السلم ‪ #‬وجواب‬
‫الطائفتين من وجهين ‪ #‬أحدهما أنكم بدلتم وحرفتم الكتاب الذي أنزل إليكم والشرع‬
‫الذي شرع لكم وتبديل المعاني والحكام ل ريب فيه عند جميع عقلء النام وما كان‬
‫عليه اليهود بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه موسى عليه السلم وما كان‬
‫عليه النصارى بعد التبديل لم يكن هو الشرع الذي شرعه المسيح عليه السلم ‪#‬‬
‫والثاني أنكم كذبتم بالكتاب الخر والرسول الخر الذي أرسل إليكم ومن كذب ما‬
‫أنزل إليه من ربه والرسول الذي أرسل إليه كان كافرا مستحقا لعذاب الدنيا والخرة‬
‫وإن كان قبل ذلك متبعا لشرع رسول وكتاب غير مبدل فكيف إذا كان قد بدل ما بدل‬
‫من أحكامه ومعانيه‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم ولنا هذه الشهادات والدلئل من الكتاب الذي في أيدي هؤلء‬
‫القوم ‪ #‬فيقال ل يصح استشهادهم بهذا الكتاب واستدللهم بوجه من الوجوه فإن‬
‫الذي قد جاء به قد تواتر عنه أنه أخبر أنه مرسل إليهم وأنهم كفار إذا لم يؤمنوا به‬
‫مستحقون للجهاد ومن لم يستحل جهادهم فهو كافر والقرآن مملوء بكفرهم فإن كان‬
‫هذا رسول من ال وقد أخبر بكفرهم ثبت أنهم كفار ‪ #‬فإن الرسول ليقول على ال‬
‫إل حقا ل يكذب على ال في شيء ومن كذب على ال ولو في كلمة واحدة فهو من‬

‫‪351‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪352‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكذابين المفترين على ال الكذب مستحق لعقوبة الكذابين كما قال‬

‫تعالى ‪ ^ #‬ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين‬
‫فما منكم من أحد عنه حاجزين ^ ‪ ^ #‬أم يقولون افترى على ال كذبا فإن يشإ ال‬
‫يختم على قلبك ويمح ال الباطل ويحق الحق بكلماته ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذا بدلنا‬
‫آية مكان آية وال أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم ل يعلمون قل نزله‬
‫روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ #‬سورة يونس اليتان ‪ # 16 15‬فمتى كانت كلمة من كلمات هذا الكتاب‬
‫كذبا على ال لم يكن كتاب ال ولم يكن جاء به رسول ال فإن الكاذب قد يصدق في‬
‫أكثر‬

‫ما يقوله لكن إذا كذب في بعض ما يقوله كان كاذبا وال تعالى ليرسل من يكذب‬
‫عليه فإن المخلوق ل يرضى أن يرسل من يعلم أنه يكذب عليه ولو فعل ذلك دل‬
‫على جهله أو عجزه فكيف يرسل رب العالمين من يعلم أنه يكذب عليه ‪ #‬وحينئذ‬
‫فمتى كذبوا بكلمة واحدة مما في الكتاب لم يصح استشهادهم واستدللهم بشيء مما‬
‫في الكتاب وإن صدقوا بالكتاب كله لزمهم اليمان بما جاء به واتباع شريعته‬
‫والعتراف بكفر الذين كذبوه وكفر الذين يقولون إن ال هو المسيح ابن مريم وإن‬
‫ال ثالث ثلثة ‪ #‬وهذا بخلف من آمن بالرسول ولم يثبت عنده بعض ما نقل عنه أو‬
‫لم يعرف معناه فإن هذا ل يقدح في أصل إيمانه بالرسول ‪ #‬فالمسلمون إذا كذبوا‬
‫ببعض ما نقل عن موسى والمسيح فهو لطعنهم في الناقل ل في النبي المنقول عنه ‪#‬‬
‫وأما النصارى فيعلمون أن محمدا جاء بالقرآن فطعنهم في بعضه طعن في الرسول‬
‫نفسه وكفر به وليس هذا بمنزلة ما مثلوا به من الوثيقة التي كتب وفاؤها في ظهرها‬
‫فإن الذي له الدين أقر بالستيفاء المسقط له فلم يبق هناك حق له يدعيه بخلف ما‬
‫يخبر به الذي‬

‫يقول إنه رسول ال فإنه يقول إن ال أنزل علي هذا الكتاب كله وأرسلني بكذا وكذا‬
‫إلى كذا وكذا فإن كذب في شيء مما أخبر به عن ال لم يكن ال أرسله فإن الذي‬
‫أرسله هو الذي جعله يبلغ عنه ما يقوله بل زيادة ول نقص وإرسال ال للرسول‬
‫يتضمن شيئين ‪ #‬إنشاء ال للرسالة وال حكيم وهو أعلم حيث يجعل رسالته ل‬
‫يجعلها إل فيمن هو من أكمل الخلق وأصدقهم ‪ #‬ويتضمن إخبار ال عنه بأنه صادق‬
‫عليه فيما يبلغه عنه مما يقول إن ال أرسله به فكما صدقه باليات المعجزات في‬
‫قوله إنه أرسلني فقد صدقه بما يقول إنه أرسلني به إذ التصديق بكونه أرسله من‬
‫غير معرفة بصدقه فيما يخبر به ل فائدة فيه ول يحصل به مقصود الرسال ‪ #‬وال‬
‫تعالى عليم بما يشهد به لمن أرسله بخلف المخلوق الذي يبعث من يظنه يصدق‬
‫فيما يبلغه عنه فيظهر أنه كذب عليه وال يعلم عواقب المور والرسالة صادرة من‬
‫علمه وحكمته وهو عليم حكيم ومن يكذب على ال ولو في كلمة لم يبلغ عنه ما يقوله‬
‫على هذا الوجه فل يكون رسوله ‪ #‬ولهذا اتفق أهل الملل على أن الرسل‬

‫‪352‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪353‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫معصومون فيما يبلغونه عن ال ل يكذبون عليه عمدا ول خطأ فإن هذا مقصود‬
‫الرسالة فكان تمثيل هذا بالوثيقة تمثيل باطل فإن المدعى للسقاط لم يدع كلما‬

‫متناقضا بل قال أقررت بهذا الدين ثم وفيتك إياه وأنت تقر بوفائه وإقرارك مكتوب‬
‫في ظهرها فليس لك أن تحتج بإقراري بالدين دون إقرارك بالوفاء بل إما أن تعتبر‬
‫ما في الوثيقة من إقراري وإقرارك وإما أن تبطل المرين المتعارضين ‪ #‬وهذا‬
‫كلم عدل كالشريكين المتفاوضين مثل شريكي العنان إذا قال لصاحبه إن حصل‬
‫ربح فهو لي ولك وإن لم يحصل ربح فل لي ول لك ‪ #‬وكذلك البائع والمؤاجر الذي‬
‫يقول إن كان بيننا معاوضة فعليك تسليم ما بذلته وعلي تسليم ما بذلته ليستحق هذا‬
‫إل بهذا فهذا كله كلم عادل وإنصاف بخلف الشخص الذي يقال فيه إنه رسول ال‬
‫والكتاب الذي يقال إنه كلم ال وأن ال أنزله فإن هذا إن كان رسول صادقا فجميع‬
‫ما بلغه من ال حق وإن كان كاذبا لم يكن ال أرسله فجميع ما بلغه عن ال كذب‬
‫على ال فل يجوز بمجرد خبره أن ينسب إلى ال شيء ول يحتج بما يخبر به عن‬
‫ال على شيء ‪ #‬أل ترى أن من ادعى الرسالة وعلم أنه كاذب كالسود العنسي‬

‫ومسيلمة الكذاب وطليحة السدي والحارث الدمشقي وبابا الرومي وغير هؤلء ل‬
‫يجوز لحد أن يحتج بشيء مما ذكروا أن ال أرسلهم به وإن كان ذلك القول قد علم‬
‫أنه حق من جهة أخرى فإنه قد علم بكذبهم أن ال لم يرسلهم فأي شيء قالوا إن ال‬
‫أنزله عليهم كانوا كاذبين فيه ومتى علم أنه كاذب في نفس الخبر المعين لم يجز أن‬
‫يحتج بجنس الذي علم أنه كذب فيه ‪ #‬وكذلك لو قال رجل عندي أن موسى أو داود‬
‫أو المسيح كذبوا على ال في بعض ما يخبرون به عن ال كانوا بمنزلة من لم‬
‫يرسلهم ال بشيء لكن كذبوا في قولهم إن ال أرسلهم فإذا أراد مع هذا أن يحتج بما‬
‫ينقل من التوراة والزبور والنجيل عن ال كان متناقضا وكان احتجاجه باطل غير‬
‫مقبول بل لو قال أنا أشك في بعض ما أخبروا به عن ال هل كذبوا فيه أم ل كان‬
‫كذلك شكا في أن ال أرسلهم فإن من أرسله ال ل يكذب في شيء ل خطأ ول عمدا‬
‫ومع شكه في‬

‫ذلك ل يجوز أن يحتج بشيء مما ينقلونه عن ال لتجويز ان يكونوا كاذبين في نفس‬
‫ذلك الذي نقلوه عن ال وليس هذا مثل رسول الواحد من الدميين فإنه قد يكون‬
‫أرسله ثم أن الرسول صدق في بعض ما بلغه عن مرسله وكذب في البعض ‪#‬‬
‫ويجوز على الدمي أن يرسل من يكذب عليه لعدم علمه بكذبه أو عدم حكمته في‬
‫إرساله ‪ #‬وأما الرب تعالى فل يجوز أن يرسل نبيا يكذب عليه ل عمدا ول خطأ‬
‫وكذلك الشاهد والمخبر الذي قد علم أنه تارة يصدق وتارة يكذب يمكن أن يستدل‬
‫ببعض أخباره الذي يظهر فيها صدقه لدللت تقترن بذلك بخلف الرسول فإنه إذا‬
‫كذب كذبة واحدة امتنع أن يكون ال أرسله فصار جميع ما يبلغه عن ال هو كاذب‬
‫في أن ال أرسله به فكذبه في كلمة واحدة يوجب أنه كاذب في جميع ما بلغه عن ال‬
‫وأن جميع ما حكاه ورواه عن ال قد كذب فيه وإن قدر أن ذلك الكلم في نفسه حق‬

‫‪353‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪354‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لكن تبليغه عن ال ونقله وروايته وحكايته عن ال كذب على ال‬

‫وقد أخبر ال أنه ينسخ ما يلقيه الشيطان مما يناقض مقصود التبليغ بقوله تعالى ‪# #‬‬
‫سورة الحج اليات ‪ # 55 52‬وإن قالوا خبره يناقض بعضه بعضا كان الجواب من‬
‫وجهين ‪ #‬أحدهما أن هذا أيضا إن كان حقا فإنه يقدح في رسالته فإن الرسول ل‬
‫يناقض بعض خبره بعضا ومن كان كذلك لم يصح لكم أن تحتجوا بشيء مما جاء به‬
‫وإن كان باطل لم يرد عليه ‪ #‬فعلم أن استدللهم بما في هذا الكتاب على صحة‬
‫دينهم الذي خالفوا به هذا الكتاب في غاية الفساد وهو جمع بين النقيضين واستدلل‬
‫بما في الكتاب على ما يوجب بطلن الستدلل بشيء مما في الكتاب ‪ #‬وإذا كانت‬
‫النتيجة تستلزم فساد بعض مقدمات الدليل بطل‬

‫الستدلل بذلك الدليل الذي ل يصح إل بصحة مقدماته فإذا كانت مقدمته ل تصح‬
‫إل مع فساد نتيجته ونتيجه مستلزمة لفساد مقدمته كان الجمع بين صحة المقدمة‬
‫والنتيجة جمعا بين النقيضين ‪ #‬وكذلك من استدل بشيء من الكتاب على ما يناقض‬
‫ما في الكتاب كاستدلل النصارى بآيات فيه على صحة دينهم كان تناقضا فإنه إن‬
‫صح ذلك الدليل بأن مدح دينهم مع ذمه كان متناقضا والكتاب المتناقض ل يكون‬
‫كتاب ال ‪ #‬وإن فسد أحدهما إما فساد دينهم وإما فساد مدحه فالكتاب الذي فيه فساد‬
‫ل يكون كتاب ال فيلزم أن ل يكون كتاب ال على التقديرين فل يصح الستدلل به‬
‫من جهة كونه خبر ال وأما الستدلل به من جهة كون المتكلم به رجل عالما حكيما‬
‫وهذا ل يفيد العلم إذ ليس معصوما إل النبياء عليهم السلم ‪ #‬والنصارى يجوزون‬
‫أن يكون معصوما غير النبياء فبتقدير أن يكون كذلك فهو حجة عليهم وإن قالوا هو‬
‫رجل عالم ليس برسول من ال قيل لهم فهذا قوله ليس بحجة لجواز أن يخطىء‬
‫ولكن يعتضد بقوله وأما إذا ادعى أن ال أرسله وهو لم يرسله بهذا الكتاب كله فهذا‬
‫كذاب ليحتج بشيء من كلمه ول يكون مثل هذا عدل‬

‫فضل عن أن يكون حكيما بل هو من الذين افتروا على ال كذبا ‪ ^ #‬ومن أظلم ممن‬
‫افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ^ ‪ #‬والجواب الثاني أنا قد‬
‫بينا أن ما ذكروه ل يناقض شيئا مما أخبر به وأنه ليس في هذا الكتاب تناقض‬
‫يحتجون به بوجه من الوجوه ‪ #‬وأما قولهم وأعظم حجتنا ما وجدناه فيه من الشهادة‬
‫لنا بأن ال جعلنا فوق الذي كفروا إلى يوم القيامة ‪ #‬فيقال بل ما ذكروه حجة عليهم‬
‫ل لهم فإن ال أخبر المسيح أنه جاعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة‬
‫وخبر ال حق ووعد ال صدق وال ل يخلف الميعاد فلما اتبع المسيح من آمن به‬
‫جعلهم ال فوق الذين كفروا به من اليهود وغيرهم ‪ #‬ثم لما بعث ال محمدا بالدين‬
‫الذي بعث به المسيح وسائر النبياء قبله وكان محمد مصدقا لما جاء به المسيح‬
‫وكان المسيح مبشرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد صارت أمة محمد أتبع‬
‫للمسيح عليه السلم من النصارى الذين غيروا شريعته وكذبوه فيما بشر به فجعل‬
‫ال أمة محمد فوق النصارى إلى يوم القيامة‬

‫‪354‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪355‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كما جعلهم أيضا فوق اليهود إلى يوم القيامة والنصارى بعد النسخ والتبديل ليسوا ‪#‬‬
‫متبعين المسيح لكنهم أتبع لهم من اليهود الذين بالغوا في تكذيبه وسبه فإنهم كذبوه‬
‫أول وكذبوا محمدا ثانيا فصاروا أبعد عن متابعة المسيح من النصارى فكانوا‬
‫مجعولين فوق اليهود ‪ #‬والمؤمنون أمة محمد هم المتبعون للمسيح عليه السلم ومن‬
‫سواهم كافر به فأمة محمد فوق اليهود والنصارى إلى يوم القيامة ‪ #‬ولهذا لما جاء‬
‫المسلمون يقاتلون النصارى غلبوهم وأخذوا منهم خيار الرض الرض المقدسة وما‬
‫حولها من مصر والجزيرة وأرض المغرب ولم يزل المسلمون منتصرين على‬
‫النصارى ول يزالون إلى يوم القيامة لم تنتصر النصارى قط على جميع المسلمين‬

‫وإنما تنتصر على طائفة من المسلمين بسبب ذنوبهم ثم يؤيد ال المؤمنين عليهم ‪#‬‬
‫ولو كان النصارى هم المتبعين للمسيح عليه السلم والمسلمون كفارا به لوجب أن‬
‫ينتصروا على جميع المسلمين لن جميع المسلمين ينكرون إلهية المسيح ويكفرون‬
‫النصارى فعلم أن المتبعين للمسيح هم المسلمون دون النصارى ‪ #‬انتهى المجلد‬
‫‪ #‬الثالث ‪ #‬ويليه المجلد الرابع وأوله‬
‫فصل تفسيرهم لتجسيم كلمة ال‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وأما تجسم كلمة ال الخالقة التي بها خلق كل شيء وتجسدها بإنسان‬
‫مخلوق وهو الذي أخذ من مريم العذراء المصطفاة التي فضلت على نساء العالمين‬
‫واتحدت الكلمة به اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو استحالة وخاطب الناس كما‬
‫خاطب ال موسى النبي من العوسجة ففعل المعجز بلهوته وأظهر العجز بناسوته‬
‫والفعلن هما من المسيح الواحد ‪ #‬والجواب إن في هذا الكلم من أنواع الكذب‬
‫والكفر والتناقض أمورا كثيرة وذلك يظهر بوجوه ‪ #‬الول أن قولهم كلمة ال‬
‫الخالقة التي بها خلق كل شيء كلم متناقض فإن الخالق هو الله الخالق وهو خلق‬
‫الشياء بكلمه وهو قوله كن فالخالق لم يخلق به الشياء بل هو خلقها والكلم الذي‬
‫به خلقت الشياء ليس هو الخالق لها بل خلق الخالق الشياء والفرق بين الخالق‬
‫والمخلوق وبين ما به خلق الخالق معقول ‪ #‬وهؤلء جعلوا الخالق هو الذي به‬
‫خلقت المخلوقات فجعلوا الكلمة هي الخالق وجعلوا المخلوقات خلقت بها‬

‫وإيضاح هذا أن الكلمة إن كانت مجرد الصفة فإن الصفة ليست خالقة وإن كانت ‪#‬‬
‫الصفة مع الموصوف فهذا هو الخالق ليس هذا هو المخلوق به ‪ #‬والثاني قولهم‬
‫تجسدها بإنسان مخلوق وقولهم تجسم كلمة ال فإن قولهم ‪ 2‬تجسمت وتجسدت‬
‫يقتضي أن الكلمة صارت جسدا وجسما بالنسان المخلوق وذلك يقتضي انقلبها‬
‫جسدا وجسما وهذا يقتضي استحالتها وتغيرها وهم قالوا اتحادا بريا من تغير‬
‫واستحالة ‪ #‬الثالث قولهم اتحدت الكلمة به اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو‬
‫استحالة كلم متناقض أيضا فإن التحاد يصير الثنين واحدا فيقال قبل التحاد كان‬

‫‪355‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪356‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اللهوت جوهرا والناسوت جوهرا آخر ‪ #‬وإن شئت قلت كان هذا شيئا وهذا شيئا‬
‫أو هذا عينا قائمة بنفسها وهذا عينا قائمة بنفسها فبعد التحاد إما أن يكونا اثنين كما‬
‫كانا أو صار الثنان واحدا فإن كانا اثنين كما كانا فل اتحاد بل هما متعددان كما‬
‫كانا متعددين وإن كانا قد صارا شيئا واحدا فإن كان هذا الواحد هو أحدهما فالخر‬
‫قد عدم وهذا عدم لحدهما ل اتحاده وإن كان هذا الذي صار واحدا ليس هو أحدهما‬
‫فل بد من تغييرهما واستحالتهما وإل فلو كانا بعد التحاد اثنين باقيين بصفاتهما لم‬
‫يكن هناك اتحاد ‪ #‬فإذا قيل اتحد اتحادا بريا من اختلط أو تغير أو استحالة كان‬

‫هذا كلما متناقضا ينقض بعضه بعضا فإن هذا إنما يكون مع التمدد والمباينة ل مع‬
‫التحاد يوضح ذلك أنه إذا اتحد الماء واللبن أو الماء والخمر ونحو ذلك كان‬
‫الحاصل من اتحادهما شيئا ثالثا ليس ماء محضا ول لبنا محضا بل هو نوع ثالث‬
‫وكل من من الماء واللبن قد استحال وتغير واختلط وأما اتحاد بدون ذلك فغير‬
‫معقول ‪ #‬ولهذا عظم اضطراب النصارى في هذا الموضع وكثر اختلفهم وصار‬
‫كل منهم يرد على الخر ما يقوله ويقول هو قول يكون مردودا فكانت أقوالهم كلها‬
‫باطلة مردودة إذ كانوا قد اشتركوا في أصل فاسد يستلزم أحد أمور كلها باطلة فأي‬
‫شيء أخذ من تلك اللوازم كان باطل ول بد له منها فيأخذ هذا بعض اللوازم فيرده‬
‫الخر ويأخذ الخر لزما آخر فيرده الخر ‪ #‬وهذا شأن جميع المقالت الباطلة إذا‬
‫اشترك فيها طائفة لزمها لوازم باطلة وفساد اللزم يدل على فساد الملزوم فإنه إذا‬
‫تحقق الملزوم تحقق اللزم وإذا انتفى اللزم انتفى الملزوم ‪ #‬وهذا يتبين بالوجه‬
‫الرابع وهو أن يقال كثير من النصارى يقول إنهما بعد التحاد جوهر واحد وطبيعة‬
‫واحدة ومشيئة واحدة وهذا القول يضاف إلى اليعقوبية ‪ #‬ويقولون إن اللهوت‬
‫والناسوت اختلطا وامتزجا كما يختلط الماء واللبن والماء والخمر وهذا القول هو‬
‫حقيقة التحاد ل يعقل‬

‫التحاد إل هكذا لكن فساده ظاهر لعقول الناس فإذا كان هذا لزما لقول النصارى‬
‫وفساده ظاهرا كان فساد اللزم يدل على فساد الملزوم فإن حقيقة هذا القول أن الذي‬
‫كان يأكل ويشرب ويبول ويتغوط والذي ضرب وبصق في وجهه ووضع الشوك‬
‫على رأسه هو رب العالمين ‪ #‬ونفس تصور هذا القول مما يوجب العلم ببطلنه‬
‫وتنزيه ال عن ذلك وأن قائله من أعظم المفترين على ال قال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا‬
‫اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض‬
‫وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من‬
‫في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه‬
‫يوم القيامة فردا ^ ‪ #‬الوجه الخامس قولهم وخاطب الناس كما خاطب ال موسى من‬
‫العوسجة يوجب أن يكون الذين كلمهم المسيح ممن آمن به وكفر به بمنزلة موسى‬
‫بن عمران الذي كلمه ال تكليما ‪ #‬ومعلوم أن تكليم ال لموسى عليه الصلة والسلم‬
‫مما فضله به على غيره من النبيين فإن كان آحاد الناس بمنزلة موسى بن عمران‬
‫لزم أن يكون كل من آحاد الناس في ذلك بمنزلة موسى بن عمران وهذا مما يعلم‬

‫‪356‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪357‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فساده بالضطرار من دين الرسل‬

‫الوجه السادس أنه من المعلوم أن خطاب ال لنبيائه ورسله أفضل من خطابه ‪#‬‬
‫لمن ليس بنبي ول رسول والمسيح عليه السلم لم يكلم عامة النبيين والمرسلين بل‬
‫لم يكلم إل ناسا منهم من آمن به ومنهم من كفر به ‪ #‬والتحقيق أنه لم يكلم أحدا من‬
‫رسل ال ولكن النصارى يزعمون أن الحواريين رسل ال وهذا باطل ولو سلم فلم‬
‫يكلم إل اثني عشر رسول وقد بعث ال قبله رسل كثيرين وقد روى في حديث أبي‬
‫ذر أن عدتهم ثلثمائة وثلثة عشر ‪ #‬وقد قال ال في القرآن ‪ ^ #‬ولقد بعثنا في كل‬
‫أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت‬
‫عليه الضللة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإن من أمة إل خل فيها نذير ^ ‪ #‬وفي الحديث‬
‫الذي في المسند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال أنتم توفون‬
‫سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على ال عز وجل وهذه‬

‫السبعون سواء كانت هي التي هداها أو هي الجميع فإنه يدل على كثرة الرسل ولم‬
‫يكلم ال أحدا من هؤلء من بشر حل فيه فلو كان المكلم للناس في عيسى هو ال‬
‫لكان تكليم ال للذين كلمهم عيسى من الكفار والمؤمنين أكمل من تكليمه رسل ال‬
‫الذين أرسلهم ‪ #‬الوجه السابع أن الناسوت ناسوت المسيح هو من جنس سائر‬
‫النواسيت والنسان ل يستطيع أن يرى ال في الدنيا كما أخبر بذلك موسى وعيسى‬
‫ومحمد فإذا لم يستطع أن يراه كان أن ل يستطيع التصال به ومماسته فضل عن‬
‫التحاد به أولى وأحرى ‪ #‬الوجه الثامن أن ال لما كلم موسى عليه السلم من‬
‫الشجرة كان الكلم المسموع مخالفا لما يسمع من كلم الناس ولهذا لم تطق بنو‬
‫إسرائيل سماع ذلك الصوت بل قالوا لموسى صف لنا ذلك وهذا عندهم في التوراة‬

‫كما روى الخلل في كتاب السنة عن أحمد بن حنبل فيما رواه من حديث الزهري ‪#‬‬
‫قال لما سمع موسى كلم ال قال يا رب هذا الكلم الذي أسمع هو كلمك قال نعم يا‬
‫موسى هو كلمي وإنما كلمتك بقوة عشرة آلف لسان ولي قوة اللسن كلها وأنا‬
‫أقوى من ذلك وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك ولو كلمتك بأكثر من هذا لمت‬
‫فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلم ربك فقال سبحان ال وهل أستطيع‬
‫أن أصفه لكم قالوا فشبهه لنا قال هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى‬
‫حلوة سمعتموها فكأنه مثله ‪ #‬وأما المسيح عليه السلم فكان كل أحد يسمع صوته‬

‫كصوت سائر الناس لم يتميز عنهم بما يوجب أن يكونوا سمعوا كلم ال كما سمعه‬
‫موسى بن عمران ‪ #‬الوجه التاسع أن الجني إذا حل في النسي كما يحل في‬
‫المصروع ويتكلم على لسانه فإنه يتغير الكلم ويعرف الحاضرون أنه ليس هو كلم‬
‫النسي مع أنه يتكلم بلسان النسي وحركة أعضائه فيعلم أن الصوت حصل بحركة‬
‫بدن النسي مع العلم بأنه قد تغير تغيرا خالف به المعهود من كلم النسي والنسان‬
‫الذي حل فيه الجني يغيب عنه عقله ول يشعر بما تكلم الجني على لسانه فرب‬

‫‪357‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪358‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العالمين سبحانه وتعالى لو حل في بشر واتحد به و تكلم بكلمه وكان الكلم‬


‫المسموع كلم ال المسموع منه لكان يظهر من الفرق بين ذلك وبين المعهود من‬
‫كلم النسي ما هو في غاية الظهور وكان يتغير حال النسي غاية التغير فإن الرب‬
‫عز وجل لما تجلى للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فإذا كان البدن النسي ل‬
‫يثبت لتجليه للجبل فكيف يثبت لحلوله فيه وتكلمه على لسانه من غير تغير في البدن‬
‫‪ #‬وقد كان الوحي والملئكة إذا نزلت على النبياء في باطنهم يظهر التغير في‬
‫أبدانهم فكان النبي إذا نزل عليه الوحي ثقل حتى يبرك به البعير وإن كان فخذه على‬
‫فخذ أحد ثقل حتى كاد يرضه‬

‫وفي الصحيحين عن عائشة أن الحارث بن هشام قال يا رسول ال كيف يأتيك ‪#‬‬
‫الوحي قال أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد‬
‫وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجل فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد‬
‫رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا ‪#‬‬
‫وموسى عليه السلم لما سمع كلم ال مقت الدميين لما وقر في سمعه من كلم ال‬
‫وكان النور يظهر على وجهه حتى كان‬

‫يتبرقع والمسيح عند النصارى قد اتحد به اللهوت من حين علقت به مريم ولم يزل‬
‫متحدا به وهو حمل في بطنها يعظم اتحاده به كلما كبر ثم كذلك كان متحدا به وهو‬
‫صبي إلى أن رفع إلى السماء وقعد عن يمين أبيه وهو متحد به عندهم واللهوت‬
‫والناسوت جميعا ومع هذا لم يتغير بدن المسيح تغيرا يناسب ذلك ول ظهر من‬
‫النوار ما يناسب ذلك بل عندهم أن المسيح قبل أن يعمده يوحنا ويرى شبه الحمامة‬
‫نازل عليه لم يظهر اليات بل كان كآحاد الناس وأول ما ظهر من اليات قلب الماء‬
‫خمرا ‪ #‬وموسى عليه السلم بمجرد ما سمع الكلم ظهر عليه النور وأين سمع‬
‫الكلم من التحاد به ‪ #‬وموسى لما سمع الكلم وكلمه ال من الشجرة نزلت‬
‫الملئكة وظهر له من آيات ال وعظمته ما يناسب تكليم ال عز وجل ‪ #‬والرب‬
‫دائما عند النصارى متحد ببدن المسيح ولم يظهر من آيات الربوبية والعظمة إل ما‬
‫يظهر أكثر منه لبعض النبياء ‪ #‬الوجه العاشر أن المخاطب للناس إن كان هو‬
‫مجموع اللهوت والناسوت فكلمه صريح في أنه مخلوق مربوب يدعو ويسأل‬
‫والمجموع ليس بمخلوق يسأل ال ويعبده وإن كان هو اللهوت وحده‬

‫كما يقتضيه كلمهم هذا فهو أبعد وأبعد وإن كان هو الناسوت وحده فلم يكن‬
‫اللهوت مخاطبا للناس ولم يكلم ال الناس من الناسوت كما كلم ال موسى من‬
‫الشجرة ‪ #‬وأيضا فلم يكن فرق بين حقيقة كلم الناسوت وكلم اللهوت وكلم‬
‫المسيح الصريح في أنه مخلوق كثير وهم يقرون به لكن يقولون ذلك كلم الناسوت‬
‫فيقال لهم حينئذ فالمخاطب للناس هو الناسوت دون اللهوت وأنتم قلتم أن ال‬
‫خاطب الخلق من بدن المسيح كما خاطب موسى من الشجرة ‪ #‬والخطاب الذي‬
‫سمعه موسى من الشجرة هو كله كلم اللهوت والكلم الذي كان يسمع من المسيح‬

‫‪358‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪359‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ليس فيه شيء يختص باللهوت بل عامته صريح في أنه كلم الناسوت ‪ #‬الوجه‬
‫الحادي عشر أن ال لما كلم موسى من الشجرة كان‬

‫الكلم كلم ال وحده لم يكن للشجرة كلما أصل بوجه من الوجوه فإن كان هذا‬
‫المثل مطابقا كان الذي يكلم الناس من ناسوت المسيح هو اللهوت وحده ‪ #‬ومعلوم‬
‫أن في النجيل وغيره من النصوص الصريحة ما يدل على أن الناسوت كان هو‬
‫المتكلم مما يبين الفرق الواضح بين هذا وهذا ‪ #‬الوجه الثاني عشر أن الذي نادى‬
‫موسى من الشجرة لم يتكلم إل بكلم الربوبية فقال ‪ ^ #‬إني أنا ال رب العالمين ^‬
‫‪ ^ #‬إنني أنا ال ل إله إل أنا فاعبدني وأقم الصلة لذكري إن الساعة آتية أكاد‬
‫أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى فل يصدنك عنها من ل يؤمن بها واتبع هواه‬
‫فتردى ^ ‪ #‬وسائر ما تكلم به كله يقتضي أنه كلم رب العالمين وأما المتكلم على‬
‫لسان المسيح فلم يقل كلمة من هذا أصل بل كان في كلمه من القرار بأنه رسول‬
‫وأنه مخلوق محتاج وأنه ابن البشر وغير ذلك مما يناقض من كل وجه كلم المنادي‬
‫لموسى من الشجرة فمن سوى بين هذا وهذا كان قد سوى بين رب العالمين وبين‬
‫إنسان من‬

‫الدميين وهو أضل من الذين قال ال فيهم ‪ ^ #‬تال إن كنا لفي ضلل مبين إذ‬
‫نسويكم برب العالمين ^ ‪ #‬فإن أولئك جعلوهم أندادا ل في بعض المور مع‬
‫اعترافهم بأنهم مخلوقون وهؤلء الضلل جعلوا هذا النسان الذي يتكلم هو رب‬
‫العالمين الذي كلم موسى من الشجرة وقالوا إن هذا الذي كلم العباد هو ذاك الذي‬
‫نادى موسى من الشجرة ‪ #‬الوجه الثالث عشر أن يقال معلوم أن ال أجل وأعظم‬
‫وأكبر من رسله بما ل يقدر المخلوق قدره فلو كان هو الذي كلم الخلق على لسان‬
‫المسيح وكان الحواريون رسله الذين سمعوا كلمه منه بل واسطة لكان الحواريون‬
‫إما مثل موسى وإما أعظم ‪ #‬ومعلوم أن المسيح نفسه لم تكن له آيات مثل آيات‬
‫موسى فضل عن الحواريين فإن أعظم آيات المسيح عليه السلم إحياء الموتى وهذه‬
‫الية قد شاركه فيها غيره من النبياء كإلياس وغيره ‪ #‬وأهل الكتاب عندهم في‬
‫كتبهم أن غير المسيح أحيا ال على يديه الموتى وموسى بن عمران من جملة آياته‬
‫العصا التي انقلبت فصارت ثعبانا مبينا حتى بلعت الحبال والعصي التي للسحرة‬
‫وكان غير مرة يلقيها فتصير ثعبانا ثم يمسكها فتعود عصا‬

‫ومعلوم أن هذه آية لم تكن لغيره وهي أعظم من إحياء الموتى فإن النسان كانت ‪#‬‬
‫فيه الحياة فإذا عاش فقد عاد إلى مثل حاله الول وال تعالى يحيي الموتى بإقامتهم‬
‫من قبورهم وقد أحيا غير واحد من الموتى في الدنيا ‪ #‬وأما انقلب خشبة تصير‬
‫حيوانا ثم تعود خشبة مرة بعد مرة وتبتلع الحبال والعصي فهذا أعجب من حياة‬
‫الميت ‪ #‬وأيضا فال قد أخبر أنه أحيا من الموتى على يد موسى وغيره من أنبياء‬
‫بني إسرائيل أعظم ممن أحياهم على يد المسيح قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قلتم يا موسى لن‬
‫نؤمن لك حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد‬

‫‪359‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪360‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫موتكم لعلكم تشكرون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي ال‬
‫الموتى ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر‬
‫^ الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم‬

‫وأيضا فموسى عليه الصلة والسلم كان يخرج يده بيضاء من غير سوء وهذا ‪#‬‬
‫أعظم من إبراء أثر البرص الذي فعله المسيح عليه السلم فإن البرص مرض معتاد‬
‫وإنما العجب البراء منه وأما بياض اليد من غير برص ثم عودها إلى حالها الول‬
‫ففيه أمران عجيبان ل يعرف لهما نظير ‪ #‬وأيضا فموسى فلق ال له البحر حتى‬
‫عبر فيه بنو إسرائيل وغرق فيه فرعون وجنوده وهذا أمر باهر فيه من عظمة هذه‬
‫الية ومن إهلك ال لعدو موسى ما لم يكن مثله للمسيح ‪ #‬وأيضا فموسى كان ال‬
‫يطعمهم على يده المن والسلوى مع كثرة بني إسرائيل ويفجر لهم بضربه للحجر كل‬
‫يوم اثني عشر عينا يكفيهم ‪ #‬وهذا أعظم من إنزال المسيح عليه السلم للمائدة ومن‬
‫قلب الماء خمرا ونحو ذلك مما يحكى عنه صلوات ال وسلمه عليهم أجمعين ‪#‬‬
‫وكان لموسى في عدوه من القمل والضفادع والدم وسائر اليات ما لم يكن مثله‬
‫للمسيح فلو كان الحواريون رسل قد كلمهم ال مثل ما كلم موسى من الشجرة كانوا‬
‫مثل موسى فكيف والمسيح نفسه لم يكن له آيات مثل آيات موسى ولو كان المسيح‬
‫هو اللهوت‬

‫الذي كلم موسى لكان يظهر من قدرته أعظم مما أظهره على يد موسى فإنه لم يحل‬
‫في بدن موسى ول كان اللهوت يكلم الخلق من موسى كما يزعمه هؤلء في‬
‫المسيح ومع هذه فاليات التي أيد بها عبده موسى تلك اليات العظيمة فكيف تكون‬
‫آياته إذا كان هو نفسه الذي قد حل في بدن المسيح وهو الذي يخاطب الناس على‬
‫لسان المسيح ‪ #‬الوجه الرابع عشر أن يقال إن قولهم إن ال خاطب الناس في‬
‫المسيح كما خاطب موسى النبي من العوسجة من أبطل الباطل فإن ال بإتفاق المم‬
‫كلها لم يحل في الشجرة ولم يتحد بها كما يزعمون هم أنه حل بالمسيح واتحد به فإنه‬
‫عندهم حل بباطن المسيح بل وبظاهره واتحد به باطنا وظاهرا والرب تعالى لم يكن‬
‫في باطن الشجرة ول حل فيها ول اتحد بها وقول ال إنه كلمه منها وناداه منها‬
‫كقوله أنه ‪ ^ #‬نودي من شاطىء الواد اليمن ^ ‪ #‬وذلك مثل قوله ‪ ^ #‬هل أتاك‬
‫حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ^ ‪ #‬وفي البقعة المباركة ونحو ذلك‬
‫وليس في شيء من ذلك أن‬

‫الرب تعالى حل في باطن الوادي المقدس أو البقعة المباركة أو الجانب اليمن ول‬
‫أنه اتحد بشيء من ذلك ول صار هو وشيء من ذلك جوهرا واحدا ول شخصا‬
‫واحدا كما يقول بعض النصارى إن اللهوت والناسوت صارا جوهرا واحدا‬
‫وبعضهم يقول صارا شخصا واحدا بل ول قال أحد أنه حل في شيء من ذلك‬
‫كحلول الماء في اللبن أو النار في الحديد كما يقول بعضهم إن اللهوت حل في‬
‫الناسوت كذلك ولو قدر أن بعض الناس قد قال شيئا من المقالت التي ل تدل عليها‬

‫‪360‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪361‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكتب اللهية ول تعلم بالعقل لم يكن قوله حجة إذ ل يحتج إل بنقل ثابت عن النبياء‬
‫أو بما يعلم بالعقل ‪ #‬الوجه الخامس عشر أن الذي كلم موسى وناداه هو ال رب‬
‫العالمين وتكليمه له من الشجرة من جنس ما أخبر بنزوله إلى السماء الدنيا ونزوله‬
‫يوم القيامة لحساب الخلق والكلم على ذلك مبسوط في غير هذا الموضع ‪ #‬وأما‬
‫حلوله في البشر أو اتحاده به فيمتنع من وجوه كثيرة عقل وسمعا مع أنه لم يخبر به‬
‫نبي ‪ #‬وما تقوله النصارى في غاية التناقض فإنهم يزعمون أن المسيح‬

‫هو الكلمة وهو الخالق لن الكلمة والذات شيء واحد فل يفرقون بين الصفة‬
‫والموصوف ثم يقولون المتحد بالمسيح هو الكلمة دون الذات التي يسمونها الب‬
‫ويقولون مع ذلك إنه لم يتبعض ولم يتجزأ ‪ #‬ومعلوم بصريح العقل أن الكلمة التي‬
‫هي الصفة ل يمكن مفارقتها للموصوف فل تتحد وتحل دون الموصوف ل سيما‬
‫والمتحد الحال عندهم هو الخالق فيجب أن يكون هو الب وهم ل يقولون المتحد‬
‫الحال هو الب بل هو البن وإذا قالوا إن البن هو المتحد الحال دون الب فالمتحد‬
‫ليس هو الذي ما اتحد والبن اتحد والب ما اتحد ‪ #‬ويقولون إن المتحد اتخذ عيسى‬
‫حجابا احتجب به ومسكنا يسكن فيه خاطب الناس فيه ويقولون في ذلك إنه اتحد به‬
‫الب لم يحتجب به ولم يسكن فيه ولم يتحد به فلزم قطعا أن يكون منه شيء اتحد‬
‫ومنه شيء لم يتحد فالب لم يتحد والبن اتحد وهذا يناقض قولهم لم يتبعض ويبطل‬
‫تمثيلهم بالمخاطب من الشجرة فإن ذاك هو ال رب العالمين ليس هو البن دون‬
‫الب مع ما ذكر من الفروق الكثيرة المبينة التي تبين بطلن تمثيل هذا بهذا ‪#‬‬
‫الوجه السادس عشر أن الرب عز وجل إذا تكلم تكلم‬

‫بكلم الربوبية فلو كان في المسيح اللهوت الذي أرسل موسى وغيره لم يخضع‬
‫لموسى ولتوراته ويذكر أنه إنما جاء ليكملها ل لينقضها ول كان يقوم بشرائعها فإن‬
‫رب العالمين أعظم وأجل من ذلك بل لو كان ملكا من الملئكة لم يفعل مثل ذلك‬
‫فكيف برب العالمين ‪ #‬وإذا قالت النصارى فعل ذلك خوفا من بني إسرائيل أو خوفا‬
‫أن يكذبوه كان عذرهم أقبح من ذنبهم فرب العالمين ممن يخاف سبحانه وتعالى ‪#‬‬
‫وموسى لما كان فرعون يكذبه كان يظهر من اليات يذل بها فرعون وقومه مع‬
‫عتوه وعتو قومه ولم تكن بنو إسرائيل أعتى من فرعون وقومه فلو كان هو رب‬
‫العالمين كان ما يؤيد به نفسه من اليات أعظم مما يؤيد به عبده موسى ‪ #‬ومن‬
‫عجائب النصارى أنهم يدعون فيه اللهية مع ادعائهم فيه غاية العجز حتى صلب ‪#‬‬
‫وأما المسلمون فيقولون هو رسول مؤيد لم يصلب وهذه سنة ال سبحانه في رسله‬
‫فإنه يؤيدهم وينصرهم على عدوهم كما نصر نوحا وإبراهيم ومحمدا صلوات ال‬
‫عليهم وسلمه فإذا‬

‫كان ل يجوز أن يكون رسول مغلوبا فكيف يكون ربا مغلوبا مصلوبا ‪ #‬الوجه‬
‫السابع عشر قولهم فعل المعجزات بلهوته وأظهر العجز بناسوته فيقال لهم إن ال‬
‫فعل من المعجزات ما هو أعظم من المعجزات التي ظهرت على يد المسيح عليه‬

‫‪361‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪362‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السلم ولم يكن متحدا بشيء من البشر فأي ضرورة له إلى أن يتحد بالبشر إذا فعل‬
‫معجزات دون ذلك ‪ #‬الوجه الثامن عشر أن المسيح ظهرت على يديه معجزات كما‬
‫ظهر لسائر المرسلين ومعجزات بعضهم أعظم من معجزاته ومع هذا فلم تكن‬
‫المعجزات دليل على اتحاد اللهوت بالنبي الذي ظهرت على يديه فعلم أن‬
‫الستدلل بظهور المعجزات على يديه في غاية الفساد ‪ #‬الوجه التاسع عشر أن‬
‫اللهوت إن كان متحدا بالناسوت لم يتميز فعله عن فعل الناسوت فإنهما إذا صارا‬
‫شيئا واحدا كان كل ما فعله من عجز ومعجز هو ذلك الواحد كالمثال التي‬
‫يضربونها ل سبحانه وتعالى فإنهم يمثلون ذلك بالنار مع الحديد والماء مع اللبن‬
‫والخمر‬

‫ومعلوم أن الحديدة إذا أدخلت النار حتى صارت بيضاء كالنار البيضاء ففعلها ‪#‬‬
‫فعل واحد ليس لها فعلن متميزان أحدهما بالحديد والخر بالنار بل فيها قوة الحديد‬
‫وقوة النار بل فيها قوة ثالثة ليست قوة الحديد ول قوة النار إذ ليست حديدا محضا‬
‫ول نارا محضا ‪ #‬وكذلك الماء إذا اختلط باللبن والخمر فالمتحد منهما شيء واحد‬
‫فعله فعل واحد منه ما ليس ماء محضا ول لبنا محضا ل يقول عاقل أن له فعلين‬
‫يتميز أحدهما عن الخر فعل بكونه لبنا محضا وفعل بكون ماء محضا فقولهم‬
‫بالتحاد يوجب استحالة اللهوت بالناسوت وأن يصير فعل المتحد شيئا واحدا ‪#‬‬
‫وإن كان اللهوت لم يتحد به فهما اثنان شخصان وجوهران وطبيعتان ومشيئتان‬
‫وليس هذا دين النصارى مع أن حلول الرب عز وجل في البشر ممتنع كما قد بسط‬
‫في موضوع آخر ‪ #‬وكذلك إذا مثلوه بالنفس مع البدن فإن النفس تتغير صفاتها‬
‫بمفارقة البدن وكذلك البدن تتغير صفاته بمفارقة الروح له ‪ #‬والنسان الذي نفخت‬
‫فيه الروح فصارت بدنا فيه الروح هو‬

‫نوع ثالث ليس فيه بدن محض وروح محض حتى يقال إنه يفعل كذا ببدنه وكذا‬
‫بنفسه بل أفعاله تشترك فيها الروح فهو إذا أكل وشرب فالروح تتلذذ بالكل‬
‫والشرب وبها صار آكل شاربا وإل فالبدن الميت ل يأكل ول يشرب وإذا نظر‬
‫واستدل وسمع ورأى وتعلم فالنفس فعلت ذلك بالبدن والبدن يظهر فيه ذلك والروح‬
‫وحدها ل تفعل ذلك وعندهم أن فعل اللهوت بعد التحاد كفعله قبله وكذلك فعل‬
‫الناسوت وهذا يناقض التحاد ‪ #‬والقول بهذا مع التحاد في غاية التناقض والفساد‬
‫ول يعقل نظير هذا في شيء من الموجودات ونفس المتكلم بهذا من النصارى ل‬
‫يتصور ما يقول ول يمكنه أن يمثله بشيء معقول‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقد جاء في هذا الكتاب الذي جاء به هذا النسان يقول ‪ ^ #‬إنما‬
‫المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪ #‬وهذا‬
‫يوافق قولنا إذ قد شهد أنه إنسان مثلنا أي بالناسوت الذي أخذ من مريم وكلمة ال‬
‫وروحه المتحدة فيه وحاشا أن تكون كلمة ال وروحه الخالقة مثلنا نحن المخلوقين‬

‫‪362‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪363‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأيضا قال في سورة النساء ‪ ^ #‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ^ ‪ #‬فأشار‬
‫بهذا القول إلى اللهوت الذي هو كلمة ال التي لم يدخل‬

‫عليها ألم ول عرض وقال أيضا ‪ ^ #‬يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك‬
‫من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ ‪ #‬وقال‬
‫في سورة المائدة عن عيسى أنه قال ‪ ^ #‬وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما‬
‫توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ^ ‪ #‬فأعنى بموته عن‬
‫موت الناسوت الذي أخذ من مريم العذراء ‪ #‬وقال أيضا في سورة النساء ‪ ^ #‬وما‬
‫قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه ^ ‪ #‬فأشار بهذا إلى اللهوت الذي هو كلمة ال الخالقة‬
‫وعلى هذا القياس نقول إن المسيح صلب وتألم بناسوته ولم يصلب ول تألم بلهوته‬
‫‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال دعواهم على محمد أنه أثبت في المسيح‬
‫اللهوت والناسوت كما يزعمه هؤلء النصارى فيه هو من الكذب الواضح المعلوم‬
‫على محمد‬

‫الذي يعلم من دينه بالضطرار كما يعلم من دينه تصديق المسيح عليه السلم وإثبات‬
‫رسالته فلو ادعى اليهود على محمد أنه كان يكذب المسيح ويجحد رسالته كان‬
‫كدعوى النصارى عليه أنه كان يقول إنه رب العالمين وأن اللهوت اتحد بالناسوت‬
‫ومحمد قد أخبر فيما بلغه عن ال عز وجل بكفر من قال ذلك وبما يناقض ذلك في‬
‫غير موضع كقوله تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل‬
‫فمن يملك من ال شيئا إن إراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض‬
‫جميعا ول ملك السماوات والرض وما بينهما يخلق ما يشاء وال على كل شيء‬
‫قدير ^ ‪ #‬و قولة تعالى ‪ #‬سورة المائدة اليات من ‪ # 77 72‬وقال تعالى ‪ #‬سورة‬
‫التوبة اليات من ‪34 30‬‬

‫وقال تعالى ‪ #‬سورة الزخرف اليات ‪ # 65 57‬وقال تعالى ‪ #‬سورة المائدة ‪#‬‬
‫اليتان ‪ # 117 116‬فأخبر عن المسيح أنه لم يقل لهم إل ما أمره ال به بقوله أن‬
‫اعبدوا ال ربي وربكم وكان عليهم شهيدا ما دام فيهم وبعد وفاته كان ال هو الرقيب‬
‫عليهم فإذا كان بعضهم قد غلط في النقل عنه‬

‫أو في تفسير كلمه أو تعمد تغيير دينه لم يكن على المسيح عليه السلم من ذلك‬
‫درك وإنما هو رسول عليه البلغ المبين ‪ #‬وقد أخبر ال سبحانه وتعالى أن أول ما‬
‫تكلم به المسيح أنه قال ‪ ^ #‬قال إني عبد ال آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني‬
‫مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم‬
‫يجعلني جبارا شقيا ^ ‪ #‬ثم طلب لنفسه السلم فقال ‪ ^ #‬والسلم علي يوم ولدت‬
‫ويوم أموت ويوم أبعث حيا ^ ‪ #‬والنصارى يقولون علينا منه السلم كما تقوله‬
‫الغالية فيمن يدعون فية اللهية كالنصيرية في علي والحاكمية في الحاكم ‪ #‬الوجه‬
‫الثاني أن يقال إن ال لم يذكر أن المسيح مات ول قتل‬

‫‪363‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪364‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إنما قال ‪ ^ #‬يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ^ ‪#‬‬
‫وقال المسيح ‪ ^ #‬فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ^‬
‫‪ #‬وقال تعال ‪ #‬سورة النساء اليات ‪ # 161 155‬فذم ال اليهود بأشياء منها قولهم‬
‫على مريم بهتانا عظيما حيث زعموا أنها بغي ومنها قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى‬
‫^ بن مريم رسول ال ‪ #‬قال تعالى ^ وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‬

‫وأضاف هذا القول إليهم وذمهم عليه ‪ #‬ولم يذكر النصارى لن الذين تولوا صلب ‪#‬‬
‫المصلوب المشبه به هم اليهود ولم يكن أحد من النصارى شاهدا هذا معهم بل كان‬
‫الحواريون خائفين غائبين فلم يشهد أحد منهم الصلب وإنما شهده اليهود وهم الذين‬
‫أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح والذين نقلوا أن المسيح صلب من النصارى‬
‫وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود وهم شرط من أعوان الظلمة لم يكونوا خلقا‬
‫كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه‬
‫لهم ^ ‪ #‬فنفى عنه القتل ثم قال ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^‬
‫‪ #‬وهذا عند اكثر العلماء معناه قبل موت المسيح وقد قيل قبل موت اليهودي وهو‬
‫ضعيف كما قيل أنه قبل موت محمد وهو أضعف فإنه لو آمن به قبل الموت لنفعه‬
‫إيمانه به فإن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ‪ #‬وإن قيل المراد به اليمان الذي‬
‫يكون بعد الغرغرة لم يكن في‬

‫هذا فائدة فإن كل أحد بعد موته يؤمن بالغيب الذي كان يجحده فل اختصاص للمسيح‬
‫به ولنه قال قبل موته ولم يقل بعد موته ولنه ل فرق بين إيمانه بالمسيح وبمحمد‬
‫صلوات ال عليهما وسلمه واليهودي الذي يموت على اليهودية يموت كافرا بمحمد‬
‫والمسيح عليهما الصلة والسلم ولنه قال ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به‬
‫قبل موته ^ ‪ #‬وقوله ^ ليؤمنن به ^ فعل مقسم عليه وهذا إنما يكون في المستقبل‬
‫فدل ذلك على أن هذا اليمان بعد إخبار ال بهذا ولو أريد به قبل موت الكتابي لقال‬
‫وإن من أهل الكتاب إل من يؤمن به لم يقل ^ ليؤمنن به ^ ‪ #‬وأيضا فإنه قال وإن‬
‫من أهل الكتاب وهذا يعم اليهود والنصارى فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب‬
‫اليهود والنصارى يؤمنون بالمسيح قبل موت المسيح وذلك إذا نزل آمنت اليهود‬
‫والنصارى بأنه رسول ال ليس كاذبا كما تقول اليهود ول هو ال كما تقوله‬
‫النصارى ‪ #‬والمحافظة على هذا العموم أولى من أن يدعى أن كل كتابي ليؤمنن به‬
‫قبل أن يموت الكتابي فإن هذا يستلزم إيمان كل يهودي‬

‫ونصراني وهذا خلف الواقع وهو لما قال ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به‬
‫قبل موته ^ ‪ #‬دل على أن المراد بإيمانهم قبل أن يموت هو علم أنه أريد بالعموم‬
‫عموم من كان موجودا حين نزوله أي ل يتخلف منهم أحد عن اليمان به ل إيمان‬
‫من كان منهم ميتا ‪ #‬وهذا كما يقال إنه ل يبقى بلد إل دخله الدجال ال مكة والمدينة‬
‫أي من المدائن الموجودة حينئذ وسبب إيمان أهل الكتاب به حينئذ ظاهر فإنه يظهر‬

‫‪364‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪365‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لكل أحد أنه رسول مؤيد ليس بكذاب ول هو رب العالمين ‪ #‬فال تعالى ذكر إيمانهم‬
‫به إذا نزل إلى الرض فإنه تعالى لما ذكر رفعه إلى ال بقوله ‪ ^ #‬إني متوفيك‬
‫ورافعك إلي ^ ‪ #‬وهو ينزل إلى الرض قبل يوم القيامة ويموت حينئذ أخبر‬
‫بإيمانهم به قبل موته كما قال تعالى في آية أخرى ‪ #‬سورة الزخرف اليات ‪59‬‬
‫‪65‬‬

‫وفي الصحيحين عن النبي أنه قال يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدل ‪#‬‬
‫وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ‪ #‬وقوله تعالى ‪^ #‬‬
‫وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من‬
‫^ علم إل اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه وكان عزيزا حكيما‬

‫بيان أن ال رفعه حيا وسلمه من القتل وبين أنهم يؤمنون به قبل أن يموت ‪# #‬‬
‫وكذلك قوله ^ ومطهرك من الذين كفروا ^ ‪ #‬ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره‬
‫‪ #‬ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الستيفاء والقبض وذلك ثلثة أنواع أحدها‬
‫توفي النوم والثاني توفي الموت والثالث توفي الروح والبدن جميعا فإنه بذلك خرج‬
‫عن حال أهل الرض الذين يحتاجون إلى الكل والشرب واللباس والنوم ويخرج‬
‫منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلم توفاه ال وهو في السماء الثانية إلى أن‬
‫ينزل إلى الرض ليست حاله كحالة أهل الرض في الكل والشرب واللباس والنوم‬
‫والغائط والبول ونحو ذلك ‪ #‬الوجه الثالث قولهم إنه عني بموته عن موت الناسوت‬
‫كان ينبغي لهم أن يقولوا على أصلهم عني بتوفيته عن توفي الناسوت وسواء قيل‬
‫موته أو توفيته فليس هو شيئا غير الناسوت فليس هناك شيء غيره لم يتوف وال‬
‫تعالى قال‬

‫إني متوفيك ورافعك إلي ^ ‪ #‬فالمتوفى هو المرفوع إلى ال وقولهم إن ^ ‪#‬‬


‫المرفوع هو اللهوت مخالف لنص القرآن لو كان هناك موت فكيف إذا لم يكن‬
‫فإنهم جعلوا المرفوع غير المتوفى والقرآن أخبر أن المرفوع هو المتوفى وكذلك‬
‫قوله في الية الخرى ‪ ^ #‬وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه ^ ‪ #‬هو تكذيب لليهود‬
‫في قولهم ‪ ^ #‬إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول ال ^ ‪ #‬واليهود لم يدعوا قتل‬
‫لهوت ول أثبتوا ل لهوتا في المسيح وال تعالى لم يذكر دعوى قتله عن النصارى‬
‫حتى يقال إن مقصودهم قتل الناسوت دون اللهوت بل عن اليهود الذين ل يثبتون‬
‫إل الناسوت ‪ #‬وقد زعموا أنهم قتلوه فقال تعالى ^ وما قتلوه يقينا بل رفعه ال إليه‬
‫^ فأثبت رفع الذي قالوا إنهم قتلوه وإنما هو الناسوت فعلم أنه هو الذي نفي عنه‬
‫القتل وهو الذي رفع والنصارى معترفون برفع الناسوت لكن يزعمون أنه صلب‬
‫وأقام في القبر إما يوما وإما ثلثة أيام ثم صعد إلى السماء وقعد عن يمين الرب‬
‫الناسوت مع اللهوت‬

‫وقوله تعالى ^ وما قتلوه يقينا ^ معناه أن نفي قتله هو يقين ل ريب فيه بخلف ‪#‬‬

‫‪365‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪366‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الذين اختلفوا فإنهم في شك منه من قتله وغير قتله فليسوا مستيقنين أنه قتل إذ ل‬
‫حجة معهم بذلك ‪ #‬ولذلك كانت طائفة من النصارى يقولون لم يصلب فإن الذين‬
‫صلبوا المصلوب هم اليهود وكان قد اشتبه عليهم المسيح بغيره كما دل عليه القرآن‬
‫وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك حتى‬
‫قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه وقول من قال معنى الكلم ما قتلوه علما بل‬
‫ظنا قول ضعيف ‪ #‬الوجه الرابع أنه قال تعالى ‪ ^ #‬إذ قال ال يا عيسى إني متوفيك‬
‫ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ^ ‪ #‬فلو كان المرفوع هو اللهوت لكان‬
‫رب العالمين قال لنفسه أو لكلمته إني أرفعك إلي وكذلك قوله ^ بل رفعه ال إليه ^‬
‫فالمسيح عندهم هو ال ‪ #‬ومن المعلوم أنه يمتنع رفع نفسه إلى نفسه وإذا قالوا هو‬
‫الكلمة فهم يقولون مع ذلك إنه الله الخالق ل يجعلونه بمنزلة التوراة‬

‫والقرآن ونحوهما مما هو من كلم ال الذي قال فيه إليه يصعد الكلم الطيب بل‬
‫عندهم هو ال الخالق الرازق رب العالمين ورفع رب العالمين إلى رب العالمين‬
‫ممتنع ‪ #‬الوجه الخامس قوله ‪ ^ #‬وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني‬
‫كنت أنت الرقيب عليهم ^ ‪ #‬دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إل ال‬
‫دون المسيح فإن قوله كنت أنت يدل على الحصر كقوله إن كان هذا هو الحق ونحو‬
‫ذلك فعلم أن المسيح بعد توفيته ليس رقيبا على أتباعه بل ال هو الرقيب المطلع‬
‫عليهم المحصي أعمالهم المجازي عليها والمسيح ليس برقيب فل يطلع على أعمالهم‬
‫ول يحصيها ول يجازيهم بها‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقد سماه ال أيضا في هذا الكتاب خالقا حيث قال ‪ ^ #‬وإذ تخلق من‬
‫الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ^ ‪ #‬فأشار بالخالق إلى كلمة‬
‫ال المتحدة بالناسوت المأخوذ من مريم لنه كذا قال على لسان داود النبي ‪ #‬بكلمة‬
‫ال خلقت السماوات والرض ليس خالق إل ال وكلمته وروحه ‪ #‬وهذا مما يوافق‬
‫رأينا واعتقادنا في السيد المسيح لذكره لنه حيث قال وتخلق من الطين كهيئة الطير‬
‫فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال أي بإذن لهوت الكلمة المتحدة في الناسوت‬

‫والجواب أن جميع ما يحتجون به من هذه اليات وغيرها فهو حجة عليهم ل لهم ‪#‬‬
‫وهكذا شأن جميع أهل الضلل إذا احتجوا بشيء من كتب ال وكلم أنبيائه كان في‬
‫نفس ما احتجوا به ما يدل على فساد قولهم وذلك لعظمة كتب ال المنزلة وما أنطق‬
‫به أنبياءه فإنه جعل ذلك هدى وبيانا للخلق وشفاء لما في الصدور فل بد أن يكون‬
‫في كلم النبياء صلوات ال عليهم وسلمه أجمعين من الهدى والبيان ما يفرق ال‬
‫به بين الحق والباطل والصدق والكذب لكن الناس يؤتون من قبل أنفسهم ل من قبل‬
‫أنبياء ال تعالى ‪ #‬إما من كونهم لم يتدبروا القول الذي قالته النبياء حق التدبر حتى‬
‫يفقهوه ويفهموه ‪ #‬وإما من جهة أخذهم ببعض الحق دون بعض مثل أن يؤمنوا‬
‫ببعض ما أنزله ال دون بعض فيضلون من جهة ما لم يؤمنوا به كما قال تعالى عن‬

‫‪366‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪367‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النصارى ‪ ^ #‬ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به‬
‫فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ^ ‪ #‬وإما من جهة نسبتهم إلى‬
‫النبياء ما لم يقولوه من أقوال كذبت عليهم ومن جهة ترجمة أقوالهم بغير ما تستحقه‬
‫من الترجمة وتفسيرها بغير ما تستحقه من التفسير الذي دل عليه كلم النبياء‬
‫صلوات ال‬

‫وسلمه عليهم أجمعين فإنه يجب أن يفسر كلم المتكلم بعضه ببعض ويؤخذ كلمه‬
‫هاهنا وهاهنا وتعرف ما عادته يعينه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به وتعرف المعاني‬
‫التي عرف أنه أرادها في موضع آخر فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه‬
‫كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده ‪ #‬وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر‬
‫عادته باستعماله فيه وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادتة باستعمالة فية‬
‫وحمل كلمة على خلف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ بجعل كلمه‬
‫متناقضا وترك حمله على ما يناسب سائر كلمه كان ذلك تحريفا لكلمه عن‬
‫موضعه وتبديل لمقاصده وكذبا عليه ‪ #‬فهذا أصل من ضل في تأويل كلم النبياء‬
‫على غير مرادهم فإذا عرف هذا فنقول ‪ #‬الجواب عما ذكروه هنا من وجوه ‪#‬‬
‫أحدها أن ال لم يذكر عن المسيح خلقا مطلقا ول خلقا عاما كما ذكر عن نفسه تبارك‬
‫وتعالى فأول ما أنزل ال على نبيه محمد ‪ ^ #‬اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق‬
‫^ النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم‬

‫وقال تعالى ‪ #‬سورة الحشر اليات ‪ # 24 22‬فذكر نفسه بأنه الخالق البارىء ‪#‬‬
‫المصور ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا ل ملكا ول نبيا وكذلك قال تعالى ‪#‬‬
‫^ ال خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات والرض ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم‬
‫سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم تكن له‬
‫صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬ووصف نفسه بأنه رب العالمين‬
‫وبأنه مالك يوم الدين وأنه له الملك وله الحمد وأنه الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم‬
‫وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ونحو ذلك من خصائص الربوبية ولم‬
‫يصف شيئا من مخلوقاته ل ملكا مقربا ول نبيا مرسل بشيء من‬

‫الخصائص التي يختص بها التي وصف بها نفسه سبحانه وتعالى ‪ #‬وأما المسيح‬
‫عليه السلم فقال فيه ‪ ^ #‬وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون‬
‫طيرا بإذني وتبرىء الكمه والبرص بإذني ^ ‪ #‬وقال المسيح عن نفسه ‪ ^ #‬إني‬
‫أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن ال وأبرىء الكمه‬
‫والبرص وأحي الموتى بإذن ال ^ ‪ #‬فلم يذكر إل خلق شيء معين خاص بإذن ال‬
‫فكيف يكون هذا الخالق هو ذاك ‪ #‬الوجه الثاني أنه خلق من الطين كهيئة الطير‬
‫والمراد به تصويره بصورة الطير وهذا الخلق يقدر عليه عامة الناس فإنه يمكن‬
‫أحدهم أن يصور من الطين كهيئة الطير وغير الطير من الحيوانات ولكن هذا‬

‫‪367‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪368‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التصوير محرم بخلف تصوير المسيح فإن ال أذن له فيه ‪ #‬والمعجزة أنه ينفخ فيه‬
‫الروح فيصير طيرا بإذن ال عز وجل ليس المعجزة مجرد خلقه من الطين فإن هذا‬
‫مشترك وقد لعن‬

‫النبي المصورين وقال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ‪ #‬الوجه الثالث‬
‫أن ال أخبر المسيح أنه إنما فعل التصوير والنفخ بإذنه تعالى وأخبر المسيح عليه‬
‫السلم أنه فعله بإذن ال وأخبر ال أن هذا من نعمه التي أنعم بها على المسيح عليه‬
‫السلم كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل لبني إسرائيل ^‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة المائدة من الية ‪110‬‬

‫وهذا كله صريح في أنه ليس هو ال وإنما هو عبد ال فعل ذلك بإذن ال كما فعل ‪#‬‬
‫مثل ذلك غيره من النبياء وصريح بأن الذن غير المأذون له والمعلم ليس هو‬
‫المعلم والمنعم عليه وعلى والدته ليس هو إياه كما ليس هو والدته ‪ #‬الوجه الرابع‬
‫أنهم قالوا أشار بالخالق إلى كلمة ال المتحدة في الناسوت ثم قالوا في قوله ^ بإذن‬
‫ال ^ أي بإذن الكلمة المتحدة في الناسوت وهذا يبين تناقضهم وافتراءهم على‬
‫القرآن لن ال أخبر في القرآن أن المسيح خلق من الطين كهيئة الطير بإذن ال‬
‫ففرق بين المسيح وبين ال وبين أن ال هو الذن للمسيح وهؤلء زعموا أن مراده‬
‫بذلك أن اللهوت المتحد بناسوت المسيح هو الخالق وهو الذن فجعلوا الخالق هو‬
‫الذن وهو تفسير للقرآن بما يخالف صريح القرآن ‪ #‬الوجه الخامس أن اللهوت إذا‬
‫كان هو الخالق لم يحتج إلى أن يأذن لنفسه فإنهم يقولون هو إلة واحد وهو الخالق‬
‫قكيف يحتاج أن يأذن لنفسة وينعم على نفسه ‪ #‬الوجه السادس أن الخالق إما أن‬
‫يكون هو الذات الموصوفة بالكلم أو الكلم الذي هو صفة للذات فإن كان هو الكلم‬
‫فالكلم‬

‫صفة ل تكون ذاتا قائمة بنفسها خالقة ولو لم تتحد بالناسوت واتحادها بالناسوت دون‬
‫الموصوف ممتنع لو كان التحاد ممكنا فكيف وهو ممتنع ‪ #‬فقد تبين امتناع كون‬
‫الكلمة تكون خالقة من وجوه ‪ #‬وإن كان الخالق هو الذات المتصفة بالكلم فذاك هو‬
‫ال الخالق لكل شيء رب العالمين وعندهم هو الب والمسيح عندهم ليس هو الب‬
‫فل يكون هو الخالق لكل شيء والقرآن يبين أن ال هو الذي أذن للمسيح حتى خلق‬
‫من الطين كهيئة الطير فتبين أن الذي خلق من الطين كهيئة الطير ليس هو ال ول‬
‫صفة من صفاته فليس المسيح هو ال ول ابن قديم أزلي ل ولكن عبده فعل بإذنه ‪#‬‬
‫الوجه السابع قولهم فأشار بالخالق إلى كلمة ال المتحدة في الناسوت المأخوذ من‬
‫مريم لنه كذا قال على لسان داود النبي بكلمة ال خلقت السماوات والرض ‪ #‬يقال‬
‫لهم هذا النص عن داود حجة عليكم كما أن التوراة والقرآن وسائر ما ثبت عن‬
‫النبياء حجة عليكم فإن داود عليه السلم قال بكلمة ال خلقت السماوات والرض‬
‫ولم يقل إن كلمة ال هي الخالقة كما قلتم أنتم أنه أشار بالخالق إلى كلمة ال ‪#‬‬
‫والفرق بين الخالق للسماوات والرض وبين الكلمة التي بها خلقت السماوات‬

‫‪368‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪369‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والرض أمر ظاهر معروف كالفرق بين القادر‬

‫والقدرة فإن القادر هو الخالق وقد خلق الشياء بقدرته وليست القدرة هي الخالقة‬
‫وكذلك الفرق بين المريد والرادة فإن ال خلق الشياء بمشيئته وليست مشيئته هي‬
‫الخالقة ‪ #‬وكذلك الدعاء والعبادة هو للله الخالق ل لشيء من صفاته فالناس كلهم‬
‫يقولون يا ال يا ربنا يا خالقنا ارحمنا واغفر لنا ول يقول أحد يا كلم ال اغفر لنا‬
‫وارحمنا ول يا قادرة ال ويا مشيئة ال ويا علم ال اغفر لنا وارحمنا وال تعالى‬
‫يخلق بقدرته ومشيئته وكلمه وليست صفاته هي الخالقة ‪ #‬الوجه الثامن أن قول‬
‫داود عليه السلم بكلمة ال خلقت السماوات والرض يوافق ما جاء في القرآن‬
‫والتوراة وغير ذلك من كتب النبياء أن ال يقول للشيء كن فيكون وهذا في القرآن‬
‫في غير موضع وفي التوراة قال ال ليكن كذا ليكن كذا ‪ #‬الوجه التاسع قولهم لنه‬
‫ليس خالق إل ال وكلمته وروحه إن أرادوا بكلمته كلمه وبروحه حياته فهذه من‬
‫صفات ال كعلمه وقدرته فلم يعبر أحد من النبياء عن حياة اللة بأنها روح اللة فمن‬
‫حمل كلم أحد من النبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة ال فقد كذب فالخالق هو ال‬
‫وحده وصفاته داخلة في مسمى اسمه ل يحتاج أن تجعل‬

‫معطوفة على اسمه بواو التشريك التي تؤذن أن ل شريكا في خلقه فإن ال ل شريك‬
‫له ‪ #‬ولهذا لما قال ال تعالى ال خالق كل شيء دخل كل ما سواه في مخلوقاته ولم‬
‫تدخل صفاته كعلمه وقدرته ومشيئته وكلمه لن هذه داخلة في مسمى اسمه ليست‬
‫أشياء مباينة له بل أسماؤه الحسنى متناولة لذاته المقدسة المتصفة بهذه الصفات ل‬
‫يجوز أن يراد بأسمائه ذاتا مجردة عن صفات الكمال فإن تلك ل حقيقة لها ويمتنع‬
‫وجود ذات مجردة عن صفة فضل عن وجود ذاته تعالى مجردة عن صفات كماله‬
‫التي هي لزمة لذاته فيمتنع تحقق ذاته دونها ولهذا ل يقال ال وعلمه خلق وال‬
‫وقدرته خلق ‪ #‬وإن أرادوا بكلمته وروحه المسيح أو شيئا اتحد بناسوت المسيح‬
‫فالمسيح عليه السلم كله مخلوق كسائر الرسل وال وحده هو الخالق وإن شئت قلت‬
‫إن أريد بالروح والكلمة ما هو صفة ال فتلك داخلة في مسمى اسمه وإن أريد ما‬
‫ليس بصفة فذلك مخلوق له كالناسوت ‪ #‬الوجه العاشر أن داود عليه السلم ل يجوز‬
‫أن يريد بكلمة ال المسيح لن المسيح عند جميع الناس هو اسم للناسوت‬

‫وهو عندهم اسم للهوت والناسوت لما اتحدا والتحاد فعل حادث عندهم فقبل‬
‫التحاد لم يكن هناك ناسوت ول ما يسمى مسيحا فعلم أن داود لم يرد بكلمة ال‬
‫المسيح ولكن غايتهم أن يقولوا أراد الكلمة التي اتحدت فيما بعد بالمسيح لكن الذي‬
‫خلق بإذن ال هو المسيح كما نطق به القرآن بقوله ‪ ^ #‬يبشرك بكلمة منه اسمه‬
‫المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والخرة ومن المقربين ^ ‪ #‬فالكلمة التي‬
‫ذكرها وأنها هي التي خلقت السماوات والرض ليست هي المسيح الذي خلق من‬
‫الطين كهيئة الطير بإذن ال فاحتجاجهم بهذا على هذا احتجاج باطل بل تلك الكلمة‬
‫التي بها خلقت السماوات والرض لم يكن معها ناسوت حين خلقت باتفاق المم‬

‫‪369‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪370‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والمسيح ل بد أن يدخل فيه الناسوت فعلم أنه لم يرد بالكلمة المسيح‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أيضا في موضع آخر ‪ ^ #‬إن مثل عيسى عند ال كمثل ءادم‬
‫خلقه من تراب ^ ‪ #‬فأعنى بقوله مثل عيسى إشارة إلى البشرية المأخوذة من مريم‬
‫الطاهرة لنه لم يذكر ها هنا اسم المسيح إنما ذكر عيسى فقط ‪ #‬كما أن آدم خلق من‬
‫غير جماع ول مباضعة فكذلك جسد السيد المسيح خلق من غير جماع ول مباضعة‬
‫وكما أن جسد آدم ذاق الموت فكذلك جسد المسيح ذاق الموت وقد يبرهن بقوله أيضا‬
‫قائل إن ال ألقى كلمته إلى مريم وذلك حسب قولنا معشر النصارى إن كلمة ال‬
‫الزلية الخالقة حلت في مريم وتجسدت بإنسان كامل وعلى هذا المثال نقول في‬
‫السيد المسيح طبيعتان طبيعة لهوتية‬

‫التي هي طبيعة كلمة ال وروحه وطبيعة ناسوتية التي أخذت من مريم العذراء‬
‫واتحدت به ولما تقدم به القول من ال تعالى على لسان موسى النبي إذ يقول أليس‬
‫هذا الب الذي خلقك وبراك واقتناك قيل وعلى لسان داود النبي روحك القدس ل‬
‫تنزع مني وأيضا على لسان داود النبي بكلمة ال تشددت السماوات وبروح فاه‬
‫جميع قواهن وليس يدل هذا القول على ثلثة خالقين بل خالق واحد الب ونطقه أي‬
‫كلمته وروحه أي حياته ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن قوله تعالى ‪ ^ #‬إن مثل‬
‫عيسى عند ال كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ^ ‪ #‬كلم حق فإنه‬
‫سبحانه خلق هذا النوع البشري على القسام الممكنة ليبين عموم قدرته فخلق آدم من‬
‫غير ذكر ول أنثى وخلق زوجته حواء من ذكر بل أنثى كما قال تعالى ^ وخلق‬
‫منها زوجها ^ ‪ #‬وخلق المسيح من أنثى بل ذكر وخلق سائر الخلق من ذكر‬

‫وأنثى وكان خلق آدم وح‬


‫واء أعجب من خلق المسيح فإن حواء خلقت من ضلع آدم وهذا أعجب من خلق‬
‫المسيح في بطن مريم وخلق آدم أعجب من هذا وهذا وهو أصل خلق حواء ‪ #‬فلهذا‬
‫شبهه ال بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح فإذا كان سبحانه قادرا أن يخلقه‬
‫من تراب والتراب ليس من جنس بدن النسان أفل يقدر أن يخلقه من امرأة هي من‬
‫جنس بدن النسان وهو سبحانه خلق آدم من تراب ثم قال له كن فيكون لما نفخ فيه‬
‫من روحه فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه وقال له كن فيكون ولم يكن آدم بما نفخ‬
‫من روحه لهوتا وناسوتا بل كله ناسوت فكذلك المسيح كله ناسوت وال تبارك‬
‫وتعالى ذكر هذه الية في ضمن اليات التي أنزلها في شأن النصارى لما قدم على‬
‫النبي نصارى نجران وناظروه في المسيح وأنزل ال فيه ما أنزل فبين فيه قول‬
‫الحق الذي اختلفت فيه اليهود والنصارى فكذب ال الطائفتين هؤلء في غلوهم فية‬
‫وهؤلء في ذمهم له ‪ #‬وقال عقب هذه الية‬

‫سورة آل عمران اليات ‪ # 64 61‬وقد امتثل النبي قول ال فدعاهم إلى المباهلة ‪#‬‬

‫‪370‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪371‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فعرفوا أنهم إن باهلوه أنزل ال عليهم لعنته فأقروا بالجزية وهم صاغرون ثم كتب‬
‫النبي إلى هرقل ملك الروم بقوله تعالى ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا ^ إلى آخرها ‪#‬‬
‫وكان أحيانا يقرأ بها في الركعة الثانية من ركعتي الفجر ويقرأ في الولى بقوله ‪^ #‬‬
‫قولوا ءامنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‬
‫والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد‬
‫^ منهم ونحن له مسلمون‬

‫وهذا كله يبين به أن المسيح عبد ليس بإله وأنه مخلوق كما خلق آدم وقد أمر أن ‪#‬‬
‫يباهل من قال إنه إله فيدعو كل من المتباهلين أبناءه ونساءه وقريبه المختص به ثم‬
‫يبتهل هؤلء وهؤلء ويدعون ال أن يجعل لعنته على الكاذبين فإن كان النصارى‬
‫كاذبين في قولهم هو ال حقت اللعنة عليهم وإن كان من قال ليس هو ال بل عبد ال‬
‫كاذبا حقت اللعنة عليه وهذا إنصاف من صاحب يقين يعلم أنه على الحق ‪#‬‬
‫والنصارى لما لم يعلموا أنهم على الحق نكلوا عن المباهلة وقد قال عقب ذلك ‪^ #‬‬
‫إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إل ال وإن ال لهو العزيز الحكيم ^ ‪ #‬تكذيبا‬
‫للنصارى الذين يقولون هو إله حق من إله حق فكيف يقال إنه أراد أن المسيح فيه‬
‫لهوت وناسوت وأن هذا هو الناسوت فقط دون اللهوت وبهذا ظهر الجواب عن‬
‫قولهم قال في موضع آخر إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم فأعنى بقوله عيسى‬
‫إشارة إلى البشرية المأخوذة من مريم الطاهرة لنه لم يذكر ها هنا اسم المسيح‬

‫إنما ذكر عيسى فقط فإنه يقال عيسى هو المسيح بدليل أنه قال ‪ ^ #‬ما المسيح ابن‬
‫مريم إل رسول قد خلت من قبله الرسل ^ ‪ #‬فأخبر أنه ليس المسيح إل رسول ليس‬
‫هو بإله وأنه ابن مريم والذي هو ابن من مريم هو الناسوت وقال ‪ #‬سورة النساء‬
‫من اليتين ‪ # 172 171‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك‬
‫قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬لقد كفر الذين قالوا إن ال هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من ال شيئا‬
‫^ إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الرض جميعا‬

‫الوجه الثاني أن ما ذكروه من موته قد بينا أن ال لم يذكر ذلك وأن المسيح لم ‪#‬‬
‫يمت بعد وما ذكروه من أنه صلب ناسوته دون لهوته باطل من وجهين ‪ #‬فإن‬
‫ناسوته لم يصلب وليس فيه لهوت وهم ذكروا ذلك دعوى مجردة فيكتفى في‬
‫مقابلتها بالمنع ‪ #‬لكن نقول في الوجه الثالث إنهم في اتحاد اللهوت بالناسوت‬
‫يشبهونه تارة باتحاد الماء باللبن وهذا تشبيه اليعقوبية وتارة باتحاد النار بالحديد أو‬
‫النفس بالجسم وهذا تشبيه الملكانية وغيرهم ‪ #‬ومعلوم أنه ل يصل إلى الماء شيء‬
‫إل وصل إلى اللبن فإنه ل يتميز أحدهما عن الخر وكذلك النار التي في الحديد متى‬
‫طرق الحديد أو بصق عليه لحق ذلك بالنار التي فيه والبدن إذا ضرب وعذب لحق‬
‫ألم الضرب والعذاب بالنفس فكأن حقيقة تمثيلهم يقتضي أن اللهوت أصابه ما‬
‫أصاب الناسوت من إهانة اليهود وتعذيبهم له وإيلمهم له والصلب الذي ادعوه ‪#‬‬

‫‪371‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪372‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا لزم على القول بالتحاد فإن التحاد لو كان ما يصيب أحدهما ل يشركه‬
‫الخر فيه لم يكن هنا اتحاد بل تعدد‬

‫الرابع أن هؤلء الضلل لم يكفهم أن جعلوا إله السماوات والرض متحدا ببشر ‪#‬‬
‫في جوف امرأة وجعلوة له مسكنا ثم جعلوا أخابث خلق ال أمسكوه وبصقوا في‬
‫وجهه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه بين لصين وهو في ذلك يستغيث بال‬
‫ويقول إلهي إلهي لم تركتني وهم يقولون الذي كان يسمع الناس كلمه هو اللهوت‬
‫كما سمع موسى كلم ال من الشجرة ويقولون هما شخص واحد ويقول بعضهم لهما‬
‫مشيئة واحدة وطبيعة واحدة ‪ #‬والكلم إنما يكون بمشيئة المتكلم فيلزم أن يكون‬
‫المتكلم الداعي المستغيث المصلوب هو اللهوت وهو المستغيث المتضرع وهو‬
‫المستغاث به وأيضا فهم يقولون إن اللهوت والناسوت شخص واحد فمع القول‬
‫بأنهما شخص واحد إما أن يكون مستغيثا وإما أن يكون مستغاثا به وإما أن يكون‬
‫داعيا وإما أن يكون مدعوا فإذا قالوا إن الداعي هو غير المدعو لزم أن يكونا اثنين‬
‫ل واحدا وإذا قالوا هما واحد فالداعي هو المدعو ‪ #‬الوجه الخامس أن يقال ل يخلو‬
‫إما أن يقولوا إن اللهوت كان قادرا على دفعهم على ناسوته وإما أن يقولوا لم يكن‬
‫قادرا فإن قالوا لم يكن قادرا لزم أن يكون أولئك اليهود أقدر من رب العالمين‬

‫وأن يكون رب العالمين مقهورا مأسورا مع قوم من شرار اليهود وهذا من أعظم‬
‫الكفر والتنقص برب العالمين وهذا أعظم من قولهم إن ل ولدا وأنه بخيل وأنه فقير‬
‫ونحو ذلك مما يسب به الكفار رب العالمين ‪ #‬وإن قالوا كان قادرا فإن كان ذلك من‬
‫عدوان الكفار على ناسوته وهو كاره لذلك فسنة ال في مثل ذلك نصر رسله‬
‫المستغيثين به فكيف لم يغث ناسوته المستصرخ به وهذا بخلف من قتل من النبيين‬
‫وهو صابر فإن أولئك صبروا حتى قتلوا شهداء والناسوت عندهم استغاث وقال‬
‫إلهي إلهي لماذا تركتني وإن كان هو قد فعل ذلك مكرا كما يزعمون أنه مكر‬
‫بالشيطان وأخفى نفسه حتى يأخذه بوجه حق فناسوته أعلم بذلك من جميع الخلق‬
‫فكان الواجب أن ل يجزع ول يهرب لما في ذلك من الحكمة وهم يذكرون من جزع‬
‫الناسوت وهربه ودعائه ما يقتضي أن كل ما جرى عليه كان بغير اختياره ويقول‬
‫بعضهم مشيئتهما واحدة فكيف شاء ذلك وهرب مما يكرهه الناسوت بل لو يشاء‬
‫اللهوت ما يكرهه كانا متباينين وقد اتفقا على المكر بالعدو ولم يجزع الناسوت كما‬
‫جرى ليوسف مع‬

‫أخيه لما وافقه على أنه يحمل الصواع في رحله ويظهر أنه سارق لم يجزع أخوه‬
‫لما ظهر الصواع في رحله كما جزع إخوته حيث لم يعلموا وكثير من الشطار‬
‫العيارين يمسكون ويصلبون وهم ثابتون صابرون فما بال هذا يجزع الجزع العظيم‬
‫الذي يصفون به المسيح وهو يقتضي غاية النقص العظيم مع دعواهم فيه اللهية ‪#‬‬
‫الوجه السادس قولهم إنه كلمته وروحه تناقض منهم لن عندهم أقنوم الكلمة فقط ل‬
‫أقنوم الحياة ‪ #‬الوجه السابع قولهم وقد برهن بقوله رأينا أيضا في موضع آخر قائل‬

‫‪372‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪373‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إن ال ألقى كلمته إلى مريم وذلك حسب قولنا معشر النصارى إن كلمة ال الخالقة‬
‫الزلية حلت في مريم واتحدت بإنسان كامل ‪ # #‬فيقال لهم أما قول ال في القرآن‬
‫فهو حق ولكن ضللتم في تأويليه كما ضللتم في تأويل غيره من كلم النبياء وما‬
‫بلغوه عن ال‬

‫وذلك أن ال تعالى قال ‪ #‬سورة آل عمران اليات ‪ # 47 45‬ففي هذا الكلم وجوه‬
‫تبين أنه مخلوق وليس هو ما يقوله النصارى ‪ #‬منها أنه قال بكلمة منه وقوله بكلمة‬
‫منه نكرة في الثبات تقتضي أنه كلمة من كلمات ال ليس هو كلمه كله كما يقول‬
‫النصارى ‪ #‬ومنها أنه يبين مراده بقوله بكلمة منه وأنه مخلوق حيث قال ‪ ^ #‬كذلك‬
‫ال يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬كما قال في الية‬
‫الخرى ‪ ^ #‬إن مثل عيسى عند ال كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى في سورة كهيعص ‪ ^ #‬ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه‬
‫يمترون ما كان ل أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون‬
‫^‬

‫فهذه ثلث آيات في القرآن تبين أنه قال له كن فيكون وهذا تفسير كونه كلمة منه ‪#‬‬
‫‪ #‬وقال اسمه المسيح عيسى بن مريم أخبر أنه ابن مريم وأخبر أنه وجيه في الدنيا‬
‫والخرة ومن المقربين وهذه كلها صفة مخلوق وال تعالى وكلمه الذي هو صفته‬
‫ل يقال فيه شيء من ذلك وقالت مريم ^ أنى يكون لي ولد ^ ‪ #‬فبين أن المسيح‬
‫الذي هو الكلمة هو ولد مريم ل ولد ال سبحانه وتعالى ‪ #‬وقال في سورة النساء ‪#‬‬
‫سورة النساء اليات ‪ # 173 171‬فقد نهى النصارى عن الغلو في دينهم وأن‬
‫يقولوا على ال غير الحق وبين أن المسيح عيسى بن مريم رسول ال وكلمته ألقاها‬
‫إلى‬

‫مريم وروح منه وأمرهم أن يؤمنوا بال ورسله فبين أنه رسولة ونهاهم أن يقولوا‬
‫ثلثة وقال انتهوا خيرا لكم إنما ال إله واحد وهذا تكذيب لقولهم في المسيح أنه إله‬
‫حق من إله حق من جوهر أبيه ثم قال سبحانه أن يكون له ولد فنزه نفسه وعظمها‬
‫أن يكون له ولد كما تقوله النصارى ثم قال له ما في السماوات وما في الرض‬
‫فأخبر أن ذلك ملك له ليس فيه شيء من ذاته ثم قال لن يستنكف المسيح أن يكون‬
‫عبدا ل ول الملئكة المقربون أي لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا ل تبارك وتعالى‬
‫فمع هذا البيان الواضح الجلي هل يظن ظان أن مراده بقوله وكلمته أنه إله خالق أو‬
‫أنه صفة ل قائمة به وأن قوله وروح منه المراد به أنه حياته أو روحه منفصلة عن‬
‫ذاته ‪ #‬ثم نقول أيضا أما قوله وكلمته فقد بين مراده أنه خلقه بكن وفي لغة العرب‬
‫التي نزل بها القرآن أن يسمى المفعول باسم المصدر فيسمى المخلوق خلقا لقوله هذا‬
‫خلق ال ويقال درهم ضرب المير أي مضروب المير ولهذا يسمى المأمور به‬
‫أمرا والمقدور قدرة وقدرا والمعلوم علما والمرحوم به رحمة كقوله تعالى ‪^ #‬‬
‫^ وكان أمر ال قدرا مقدورا‬

‫‪373‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪374‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقوله ‪ ^ #‬أتى أمر ال فل تستعجلوه ^ ‪ #‬وقال النبي يقول ال للجنة أنت رحمتي ‪#‬‬
‫أرحم بك من أشاء من عبادي ويقول للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي‬
‫وقال إن ال خلق الرحمة يوم خلقها مئة رحمة أنزل منها رحمة واحدة فيها يتراحم‬
‫الخلق ويتعاطفون وأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة فإذا كان يوم القيامة جمع هذه‬
‫إلى تلك فرحم بها الخلق ويقال للمطر هذه قدرة عظيمة ويقال غفر ال لك علمه فيك‬
‫أي معلومه فتسمية المخلوق بالكلمة كلمة من هذا الباب ‪ #‬وقد ذكر المام أحمد في‬
‫كتاب الرد على الجهمية وذكره غيره أن النصارى الحلولية والجهمية المعطلة‬
‫اعترضوا على أهل السنة فقالت النصارى القرآن كلم ال غير مخلوق والمسيح‬
‫كلمة ال فهو غير مخلوق وقالت الجهمية المسيح كلمة ال وهو مخلوق والقرآن كلم‬
‫ال فيكون مخلوقا‬

‫وأجاب أحمد وغيره بأن المسيح نفسه ليس هو كلما فإن المسيح إنسان وبشر ‪#‬‬
‫مولود من امرأة وكلم ال ليس بإنسان ول بشر ول مولود من امرأة ولكن المسيح‬
‫خلق بالكلم وأما القرآن فهو نفسه كلم ال فأين هذا من هذا ‪ #‬وقد قيل أكثر‬
‫اختلف العقلء من جهة اشتراك السماء وما من عاقل إذا سمع قوله تعالى في‬
‫المسيح عليه السلم أنه كلمته ألقاها إلى مريم إل يعلم أنه ليس المراد أن المسيح‬
‫نفسه كلم ال ول أنه صفة ال ول خالق ‪ #‬ثم يقال للنصارى فلو قدر أن المسيح‬
‫نفس الكلم فالكلم ليس بخالق فإن القرآن كلم ال وليس بخالق والتوراة كلم ال‬
‫وليست بخالقة وكلمات ال كثيرة وليس منها شيء خالق فلو كان المسيح نفس الكلم‬
‫لم يجز أن يكون خالقا فكيف وليس هو الكلم وإنما خلق بالكلمة وخص باسم الكلمة‬
‫فإنه لم يخلق على الوجه المعتاد الذي خلق عليه غيره بل خرج عن العادة فخلق‬
‫بالكلمة من غير السنة المعروفة في البشر ‪ #‬وقوله بروح منه ل يوجب أن يكون‬
‫منفصل من ذات ال كقوله تعالى ‪ ^ #‬وسخر لكم ما في السماوات وما في الرض‬
‫^ جميعا منه‬

‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬وما بكم من نعمة فمن ال ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ما أصابك من ‪#‬‬
‫حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك ^ ‪ ^ #‬لم يكن الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من ال يتلوا صحفا مطهرة فيها‬
‫كتب قيمة ^ ‪ #‬فهذه الشياء كلها من ال وهي مخلوقة وأبلغ من ذلك روح ال التي‬
‫أرسلها إلى مريم وهي مخلوقة ‪ #‬فالمسيح الذي هو روح من تلك الروح أولى أن‬
‫يكون مخلوقا قال تعالى ‪ ^ #‬فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني‬
‫أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا ^ ‪#‬‬
‫وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا‬
‫^‬

‫وقال ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها ءاية ‪#‬‬

‫‪374‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪375‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫للعالمين ^ ‪ #‬فأخبر أنه نفخ في مريم من روحه كما أخبر أنه نفخ في آدم من روحه‬
‫وقد بين أنه أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن‬
‫كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لهب لك غلما زكيا قالت أنى يكون لي غلم ولم‬
‫يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس‬
‫ورحمة منا وكان أمرا مقضيا حملته ‪ #‬فهذا الروح الذي أرسله ال إليها ليهب لها‬
‫غلما زكيا مخلوق وهو روح القدس الذي خلق المسيح منه ومن مريم فإذا كان‬
‫الصل مخلوقا فكيف الفرع الذي حصل منه وهو روح القدس وقوله عن المسيح‬
‫وروح منه خص المسيح بذلك لنه نفخ في أمه من الروح فحبلت به من ذلك النفخ‬
‫وذلك غير روحه التي يشاركه فيها سائر البشر فامتاز بأن حبلت به من نفخ الروح‬
‫فلهذا سمى روحا منه ‪ #‬ولهذا قال طائفة من المفسرين روح منه أي رسول منه‬
‫سماه باسم الروح الرسول الذي نفخ فيها فكما يسمى كلمة يسمى‬

‫روحا لنه كون بالكلمة ل كما يخلق الدميون غيره ويسمى روحا لنه حبلت به أمه‬
‫بنفخ الروح الذي نفخ فيها لم تحبل به من ذكر كغيره من الدميين وعلى هذا فيقال‬
‫لما خلق من نفخ الروح ومن مريم سمى روحا بخلف سائر الدميين فإنه يخلق من‬
‫ذكر وأنثى ثم ينفخ فيه الروح بعد مضي أربعة أشهر ‪ #‬والنصارى يقولون في‬
‫أمانتهم تجسد من مريم ومن روح القدس ولو اقتصروا على هذا وفسروا روح‬
‫القدس بالملك الذي نفخ فيها وهو روح ال لكان هذا موافقا لما أخبر ال به لكنهم‬
‫جعلوا روح القدس حياة ال وجعلوه ربا وتناقضوا في ذلك فإنه على هذا كان ينبغي‬
‫فيه أقنومان أقنوم الكلمة وأقنوم الروح وهم يقولون ليس فيه إل أقنوم الكلمة وكما‬
‫يسمى المسيح كلمة لنه خلق بالكلمة يسمى روحا لنه حل به من الروح ‪ #‬فإن قيل‬
‫فقد قال في القرآن ‪ ^ #‬والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك ^ ‪ #‬وقال‬
‫^ ‪ ^ #‬تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم‬

‫وقد قال أئمة المسلمين وجمهورهم القرآن كلم ال غير مخلوق منه بدا وقال في ‪#‬‬
‫المسيح وروح منه قيل هذا بمنزلة سائر المضاف إلى ال إن كان عينا قائمة بنفسها‬
‫أو صفة فيها كان مخلوقا وإن كان صفة مضافا إلى ال كعلمه وكلمه ونحو ذلك‬
‫كان إضافة صفة وكذلك ما كان منه إن كان عينا قائمة أو صفة قائمة بغيرها كما‬
‫في السماوات والرض والنعم والروح الذي أرسله إلى مريم وقال إنما أنا رسول‬
‫ربك كان مخلوقا وإن كان صفة ل تقوم بنفسها ول يتصف بها المخلوق كالقرآن لم‬
‫يكن مخلوقا فإن ذلك قائم بال وما يقوم بال ل يكون مخلوقا والمقصود هنا بيان‬
‫بطلن احتجاج النصارى وأنه ليس لهم في ظاهر القرآن ول باطنه حجة في سائر‬
‫كتب ال وإنما تمسكوا بآيات متشابهات وتركوا المحكم كما أخبر ال عنهم بقوله ‪#‬‬
‫^ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات‬
‫فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ^ ‪#‬‬
‫والية نزلت في النصارى فهم مرادون من الية قطعا ثم قال ‪ ^ #‬وما يعلم تأويله‬
‫^ إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا‬

‫‪375‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪376‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وفيها قولن وقراءتان منهم من يقف عند قوله إل ال ويقول الراسخون في العلم ‪#‬‬
‫ل يعلمون تأويل المتشابه ل يعلمه إل ال ‪ #‬ومنهم من ل يقف بل يصل بذلك قوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ^ ‪ #‬ويقول‬
‫الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه وكل القولين مأثور عن طائفة من السلف‬
‫وهؤلء يقولون قد يكون الحال من المعطوف دون المعطوف عليه كما في قوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا ^ ‪ #‬أي قائلين‬
‫وكل القولين حق باعتبار فإن لفظ التأويل يراد به التفسير ومعرفة معانيه ‪#‬‬
‫والراسخون في العلم يعلمون تفسير القرآن قال الحسن البصري لم ينزل ال آية إل‬
‫وهو يحب أن يعلم في ماذا نزلت وماذا عنى بها ‪ #‬وقد يعنى بالتأويل ما استأثر ال‬
‫بعلمه من كيفية ما أخبر به عن نفسه وعن اليوم الخر ووقت الساعة ونزول عيسى‬
‫ونحو ذلك‬

‫فهذا التأويل ل يعلمه إل ال وأما لفظ التأويل إذا أريد به صرف اللفظ عن ظاهره‬
‫إلى ما يخالف ذلك لدليل يقترن به فلم يكن السلف يريدون بلفظ التأويل هذا ول هو‬
‫معنى التأويل في كتاب ال عز وجل ‪ #‬ولكن طائفة من المتأخرين خصوا لفظ‬
‫التأويل بهذا بل لفظ التأويل في كتاب ال يراد به ما يؤول إليه الكلم وإن وافق‬
‫ظاهره كقوله تعالى ‪ ^ #‬هل ينظرون إل تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من‬
‫قبل ^ ‪ #‬ومنه تأويل الرؤيا كقول يوسف الصديق ‪ ^ #‬هذا تأويل رءياى من قبل ^‬
‫‪ 2#‬وكقوله ‪ ^ #‬إل نبأتكما بتأويله ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ذلك خير وأحسن تأويل ^ ‪#‬‬
‫وهذا مبسوط في موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أنه ليس للنصارى حجة ل في ظاهر‬
‫النصوص ول في باطنها كما قال تعالى‬

‫إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪# ^ #‬‬
‫والكلمة عندهم هي جوهر وهي رب ل يخلق بها الخالق بل هي الخالقة لكل شيء‬
‫كما قالوا في كتابهم إن كلمة ال الخالقة الزلية حلت في مريم وال تعالى قد أخبر‬
‫أنه سبحانه ألقاها إلى مريم والرب سبحانه هو الخالق والكلمة التي ألقاها ليست‬
‫خالقة إذ الخالق ل يلقيه شيء بل هو يلقي غيره وكلمات ال نوعان كونية ودينية ‪#‬‬
‫فالكونية كقوله للشيء كن فيكون ‪ #‬والدينية أمره وشرعه الذي جاءت به الرسل‬
‫وكذلك أمره وإرادته وإذنه وإرساله وبعثه ينقسم إلى هذين القسمين وقد ذكر ال‬
‫تعالى إلقاء القول في غير هذا وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم‬
‫لست مؤمنا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلء‬
‫شركاؤنا‬

‫الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى ال يومئذ السلم‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين ءامنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون‬
‫إليهم بالمودة ^ ‪ #‬وأما لقنته القول ولقيته فتلقاه فذلك إذا أردت أن تحفظه بخلف ما‬

‫‪376‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪377‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إذا ألقيته إليه فإن هذا يقوله فيما يخاطبه به وإن لم يحفظه كمن ألقيت إليه القول‬
‫بخلف القول إنكم لكاذبون وألقوا إليهم السلم وليس هنا إل خطاب سمعوه لم‬
‫يحصل نفس صفة المتكلم في المخاطب فكذلك مريم إذا ألقى ال كلمته إليها وهي‬
‫قول كن لم يلزم أن تكون نفس صفته القائمة به حلت في مريم كما لم يلزم أن تكون‬
‫صفته القائمة به حلت في سائر من ألقى إليه كلمه كما ل تحصل صفة كل متكلم‬
‫فيمن يلقى إليه كلمه‬

‫فصل ‪ #‬وأما قولهم وعلى هذا المثال نقول في السيد المسيح طبيعتان ‪ #‬طبيعة‬
‫لهوتية التي هي طبيعة كلمة ال وروحه ‪ #‬وطبيعة ناسوتية التي أخذت من مريم‬
‫العذراء واتحدت به ‪ #‬فيقال لهم كلم النصارى في هذا الباب مضطرب مختلف‬
‫متناقض وليس لهم في ذلك قول اتفقوا عليه ول قول معقول ول قول دل عليه كتاب‬
‫بل هم فيه فرق وطوائف كل فرقة تكفر الخرى كاليعقوبية والملكانية والنسطورية‬
‫ونقل القوال عنهم في ذلك مضطربة كثيرة الختلف ‪ #‬ولهذا يقال لو اجتمع عشرة‬
‫نصارى لتفرقوا على أحد عشر قول وذلك أن ما هم عليه من اعتقادهم من التثليث‬
‫والتحاد كما هو مذكور في أمانتهم لم ينطق به شيء من كتب النبياء ول يوجد ل‬
‫في كلم‬

‫المسيح ول الحواريين ول أحد من النبياء ولكن عندهم في الكتب ألفاظا متشابهة‬


‫وألفاظا محكمة يتنازعون في فهمها ثم القائلون منهم بالمانة وهم عامة النصارى‬
‫اليوم من الملكانية والنسطورية واليعقوبية مختلفون في تفسيرها ونفس قولهم‬
‫متناقض يمتنع تصوره على الوجه الصحيح ‪ #‬فلهذا صار كل منهم يقول ما يظن أنه‬
‫أقرب من غيره فمنهم من يراعي لفظ أمانتهم وإن صرح بالكفر الذي يظهر فساده‬
‫لكل أحد كاليعقوبية ومنهم من يستر بعض ذلك كالنسطورية وكثير منهم وهم‬
‫الملكانية بين هؤلء وهؤلء ولما ابتدعوا ما ابتدعوا من التثليث والحلول كان فيهم‬
‫من يخالفهم في ذلك ‪ #‬وقد يوجد نقل الناس لمقالتهم مختلفا وذلك بحسب قول‬
‫الطائفة التي ينقل ذلك الناقل قولها والقول الذي يحكيه كثير من نظار المسلمين يوجد‬
‫كثير منهم على خلفه كما نقلوا عنهم ما ذكره أبو المعالي وصاحبه أبو القاسم‬

‫النصاري وغيرهما أن القديم واحد بالجوهر ثلثة بالقنوم وأنهم يعنون بالقنوم‬
‫الوجود والحياة والعلم ‪ #‬ونقلوا عنهم أن الحياة والعلم ليسا بوصفين زائدين على‬
‫الذات موجودين بل هما صفتان نفسيتان للجوهر قالوا ولو مثل مذهبهم بمثال لقيل‬
‫إن القانيم عندهم تنزل منزلة الحوال والصفات النفسية عند مثبتيها من المسلمين‬
‫فإن سوادية اللون ولونيته صفتان نفسيتان للعرض قال وربما يعبرون عن القانيم‬
‫بالب وروح القدس فيعنون بالب الوجود وبالبن المسيح والكلمة وربما سمو العلم‬

‫كلمة والكلمة علما ويعبرون عن الحياة بالروح قال ول يريدون بالكلمة الكلم فإن‬

‫‪377‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪378‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكلم عندهم من صفات الفعل ول يسمون العلم قبل تدرعه بالمسيح واتحاده به ابنا‬
‫بل المسيح عندهم مع ما تدرع به ابن قالوا ومن مذهبهم أن الكلمة اتحدت بالمسيح‬
‫وتدرعت بالناسوت ثم اختلفوا في معنى التحاد فمنهم من فسره بالختلط‬
‫والمتزاج وهذا مذهب طوائف من اليعقوبية والنسطورية والملكانية قالوا إن الكلمة‬
‫خالطت جسد المسيح ومازجته كما مازج الخمر الماء أو اللبن قالوا وهذا مذهب‬
‫الروم ومعظمهم الملكانية قالوا فمازجت الكلمة جسد المسيح فصارت شيئا واحدا‬
‫وصارت الكثرة قلة ‪ #‬وذهبت طائفة من اليعاقبة إلى أن الكلمة انقلبت لحما ودما‬
‫وقالوا وصارت شرذمة من كل صنف إلى أن المراد بالتحاد ظهور اللهوت على‬
‫الناسوت كظهور الصورة في المرآة والنقش في الخاتم ‪ #‬ومنهم من قال ظهور‬
‫اللهوت على الناسوت كاستواء الله على العرش عند المسلمين وذهب كثير من‬
‫هذه الطوائف إلى أن المراد بالتحاد الحلول قالوا وقد اختلفوا أيضا في الجوهر‬
‫والقانيم‬

‫فذهبت اليعقوبية والنسطورية إلى أن الجوهر ليس بغير القانيم ‪ #‬ول يقال إنه هي‬
‫وصرحت الملكانية بأنه غير القانيم وآخرون قالوا هو القانيم ‪ #‬قالوا وافترقت‬
‫النصارى من وجه آخر فذهبت الروم إلى التصريح بإثبات ثلثة آلهة وامتنعت‬
‫اليعقوبية والنسطورية من ذلك في وجه والتزموه من وجه وذلك أنهم قالوا الكلمة إله‬
‫والروح إله والب إله والثلثة القانيم التي كل أقنوم إله إله واحد ‪ #‬قالوا وذهبت‬
‫شرذمة من النصارى إلى أن عيسى كان ابنا ل على جهة الكرامة فكما اتخذ ال‬
‫إبراهيم خليل كذلك اتخذ عيسى ابنا ‪ #‬قالوا وهؤلء يقال لهم الريوسية فهذا نقل‬
‫طائفة من نظار المسلمين وهذا قول لمن قاله من النصارى وفيه ما هو مخالف‬
‫لصريح أمانتهم وما عليه جمهورهم مثل قوله إنهم ل يسمون العلم قبل تدرعه‬
‫بالمسيح ابنا بل المسيح مع ما تدرع به ابن فإن هذا خلف ما عليه فرق النصارى‬
‫من الملكانية واليعقوبية والنسطورية وخلف ما تضمنته أمانتهم إذ صرحوا فيها بأن‬
‫الكلمة ابن قديم أزلي مولود قبل الدهور وهذا صفة اللهوت عندهم وفيها أشياء‬
‫يقولها بعض النصارى ل كلهم وكذلك نقلهم عنهم أنهم ل يريدون بالكلمة الكلم فإن‬
‫الكلم عندهم صفة فعل وهذا قول طائفة منهم ومن‬

‫اليهود وكثير منهم أو أكثرهم يقولون إن كلم ال غير مخلوق وينكرون على من‬
‫يقول إنه مخلوق ‪ #‬ونقلت طائفة أخرى منهم أبو الحسن بن الزاغوني عنهم ما‬
‫يوافق هذا من وجه دون وجه فقالوا اتفقت طوائف النصارى على أن ال ليس بجسم‬
‫واتفقوا على أنه جوهر واحد ثلثة أقانيم وأن كل واحد من القانيم جوهر خاص‬
‫يجمعها الجوهر العام ثم اختلفوا فقال بعضهم إن القانيم مختلفة في القنومية متفقة‬
‫في الجوهرية ‪ #‬وقال آخرون ليست مختلفة في القنومية بل متغايرة وقال فريق‬
‫منهم إن كل واحد منها ل هو الخر ول هو غيره وليست متغايرة ول مختلفة‬
‫وزعموا أن الجوهر ليس هو غيرها إل ما ذكر عن طائفة من الملكانية فإنهم قالوا‬
‫إن القانيم هي الجوهر غير القانيم وزعموا أن الجوهر هو الب والقانيم الحياة‬

‫‪378‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪379‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهي روح القدس والقدرة والعلم وأن ال اتحد بأحد القانيم الذي هو البن بعيسى‬
‫ابن مريم وكان مسيحا عند التحاد لهوتا وناسوتا حمل وولد ونشأ وقتل وصلب‬
‫ودفن‬

‫واختلفوا أيضا فقالت النسطورية إن المسيح جوهران أقنومان قديم ومحدث ‪# 2‬‬
‫وأن اتحاده إنما هو بالمشيئة وأن مشيئتهما واحدة وإن كانا جوهرين ‪ #‬وقالت‬
‫اليعقوبية لما اتحدا صار الجوهران الجوهر القديم والجوهر المحدث جوهرا واحدا‬
‫‪ #‬واختلفوا هاهنا فقال بعضهم الجوهر المحدث صار قديما وزعم آخرون أنهما لما‬
‫اتحدا صارا جوهرا واحدا قديما من وجه محدثا من وجه آخر ‪ #‬وقالت الملكانية إن‬
‫المسيح جوهران أقنوم واحد وحكى عن بعضهم أنه أقنومان جوهر واحد وقالت‬
‫الريوسية إن ال ليس بجسم ول أقانيم له وأن المسيح لم يصلب ولم يقتل وأنه نبي‬
‫وحكى عن بعضهم أنه قال المسيح ليس بابن ال وحكى عن بعضهم أنه ابن ال على‬
‫التسمية والتقريب ‪ #‬واختلفوا في الكلمة الملقاة إلى مريم فقالت طائفة منهم إن الكلمة‬
‫حلت في مريم حلول الممازجة كما يحل الماء في اللبن فيمازجه ويخالطه وقالت‬
‫طائفة منهم إنها حلت في مريم من غير ممازجة كما أن شخص النسان يحل في‬
‫المرآة وفي الجسام الصقيلة من غير ممازجة‬

‫وزعمت طائفة من النصارى أن الناسوت مع اللهوت كمثل الخاتم مع الشمع ‪#‬‬


‫يؤثر فيه بالنقش ثم ل يبقى منه شيء إل أثره ‪ #‬قال أبو الحسن بن الزاغوني ومن‬
‫معه واختلفت النصارى في القانيم فقال قوم منهم هي جواهر وقال قوم هي خواص‬
‫وقال قوم هي صفات وقال قوم هي أشخاص والب عندهم الجوهر الجامع للقانيم‬
‫والبن هو الكلمة التي اتحدت عند مبدأ المسيح والروح هي الحياة واجتمعوا على أن‬
‫التحاد صفة فعل وليس بصفة ذات ‪ #‬قالوا واختلف قولهم في التحاد اختلفا متباينا‬
‫فزعم قوم منهم أن التحاد هو أن الكلمة التي هي البن حلت جسد المسيح وقيل هذا‬
‫قول الكثرين منهم ‪ #‬وزعم قوم منهم أن التحاد هو الختلط والمتزاج وقال قوم‬
‫من اليعقوبية هو أن كلمة ال قد انقلبت لحما ودما بالختلط وقال كثير من اليعقوبية‬
‫والنسطورية التحاد هو أن الكلمة والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلط الماء بالخمر‬
‫وامتزاجهما وكذلك الخمر باللبن ‪ #‬وقال قوم منهم التحاد هو أن الكلمة والناسوت‬
‫اتحدا فصارا هيكل واحدا‬

‫وقال قوم منهم التحاد مثل ظهور صورة النسان في المرآة وكظهور الطابع في ‪#‬‬
‫المطبوع مثل الخاتم في الشمع وقال قوم منهم الكلمة اتحدت بجسد المسيح على‬
‫معنى أنها حلته من غير مماسة ول ممازجة كما نقول ال في السماء على العرش‬
‫من غير مماسة ول ممازجة وكما نقول إن العقل جوهر حال في النفس من غير‬
‫مخالطة للنفس ول مماسة لها وقالت الملكانية التحاد أن الثنين صارا واحدا‬
‫وصارت الكثرة قلة ‪ #‬وهذا الذي نقله عنهم أبو الحسن الزاغوني هو نحو ما نقله‬
‫عنهم القاضي أبو بكر ابن الطيب والقاضي أبو يعلى وغيرهما وقال أبو محمد بن‬

‫‪379‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪380‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حزم النصارى فرق منهم أصحاب أريوس وكان قسيسا بالسكندرية ومن قوله‬
‫التوحيد المجرد وأن عيسى عبد‬

‫مخلوق وأنه كلمة ال التي بها خلق السماوات والرض وكان في زمن قسطنطين‬
‫الول باني القسطنطينية وأول من تنصر من ملوك الروم وكان على مذهب أريوس‬
‫هذا ‪ #‬قال ومنهم أصحاب بولس الشمشاطي وكان بطرياركا بأنطاكية قبل ظهور‬
‫النصرانية وكان قوله بالتوحيد المجرد الصحيح وأن عيسى عبد ال ورسوله كأحد‬
‫النبياء عليهم السلم خلقه ال في بطن أمه مريم من غير ذكر وأنه إنسان ل إلهية‬
‫فيه البتة وكان يقول ل أدري ما الكلمة ول الروح القدس قال وكان منهم أصحاب‬
‫مقدنيوس كان بطرياركا بالقسطنطينية بعد ظهور النصرانية أيام قسطنطين بن‬
‫قسطنطين باني القسطنطينية وكان هذا الملك أريوسيا كأبيه وكان من قول‬
‫مقدونيوس هذا التوحيد المجرد وأن عيسى عليه السلم عبد مخلوق إنسان نبي‬
‫رسول كسائر النبياء عليهم السلم وأن عيسى هو روح القدس وكلمة ال وأن روح‬

‫القدس والكلمة مخلوقان خلق ال كل ذلك قال وكان منهم البربرانية وهم يقولون إن‬
‫عيسى وأمه إلهان من دون ال تعالى قال وهذه الفرق قد بادت وعمدتهم اليوم ثلث‬
‫فرق وأعظمها فرق الملكانية وهي مذهب جميع ملوك النصارى حيث كانوا حاشا‬
‫الحبشة والنوبة ومذهب عامة أهل كل مملكة النصارى حاشا النوبة والحبشة وهو‬
‫مذهب جميع نصارى إفريقية وصقلية‬

‫والندلس وجمهور الشام وقولهم أن ال تعالى عن قولهم ثلثة أشياء أب وابن وروح‬
‫القدس كلها لم تزل وأن عيسى إله تام كله وإنسان تام ليس أحدهما غير الخر وأن‬
‫النسان منه هو الذي صلب وقتل وأن الله منه لم ينله شيء من ذلك وأن مريم‬
‫ولدت الله والنسان وأنهما معا شيء واحد ابن ال تعالى ال عن كفرهم ‪ #‬وقالت‬
‫النسطورية مثل ذلك سواء بسواء إل أنهم قالوا إن مريم لم تلد الله وإنما ولدت‬
‫النسان وأن ال لم يلد النسان وإنما ولد الله تعالى ال عن كفرهم وهذه الفرقة‬
‫غالبة على الموصل والعراق وفارس وخراسان وهم منسوبون إلى نسطور وكان‬
‫بطرياركا بالقسطنطينية ‪ #‬وقالت اليعقوبية إن المسيح هو ال نفسه وأن ال تعالى‬
‫ال عن عظيم كفرهم مات وصلب وقتل وأن العالم بقي ثلثة أيام بل‬

‫مدبر والفلك بل مدبر ثم قام ورجع كما كان وال تعالى عاد محدثا والمحدث عاد‬
‫قديما وال تعالى كان في بطن مريم محمول به وهم في اعمال مصر وجميع النوبة‬
‫وجميع الحبشة وملوك المتين المذكورتين ‪ #‬قلت ومن أخبر الناس بمقالتهم من‬
‫كان من علمائهم وأسلم على بصيرة بعد الخبرة بكتبهم ومقالتهم كالحسن بن أيوب‬
‫الذي كتب رسالة إلى أخيه علي بن أيوب يذكر فيها سبب إسلمه ويذكر الدلة على‬
‫بطلن دين النصارى وصحة دين السلم قال في رسالته إلى أخيه لما كتب إليه‬
‫يسأله عن سبب إسلمه بعد أن ذكر خطبته ثم أعلمك أرشدك ال أن ابتداء أمري في‬

‫‪380‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪381‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الشك الذي دخلني فيما كنت عليه والستبشاع بالقول به من أكثر‬

‫من عشرين سنة لما كنت أقف عليه في المقالة من فساد التوحيد ل عز وجل بما‬
‫أدخل فيه من القول بالثلثة القانيم وغيرها مما تضمنته شريعة النصارى ووضع‬
‫الحتجاجات التي ل تزكو ول تثبت في تقرير ذلك وكنت إذا تبحرته وأجلت الفكر‬
‫فيه بان لي عواره ونفرت نفسي من قبوله وإذا فكرت في دين السلم الذي من ال‬
‫علي به وجدت أصوله ثابتة وفروعه مستقيمة وشرائعه جميلة ‪ #‬وأصل ذلك ما ل‬
‫يختلف فيه أحد ممن عرف ال عز وجل منكم ومن غيركم وهو اليمان بال الحي‬
‫القيوم السميع البصير الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل إله إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وإله موسى وعيسى وسائر النبيين والخلق أجمعين الذي‬
‫ل ابتداء له ول انتهاء ول ضد ول ند ولم يتخذ صاحبة ول ولدا الذي خلق الشياء‬
‫كلها ل من شيء ول على مثال بل كيف شاء وبأن قال لها كوني فكانت على ما قدر‬
‫وأراد وهو العليم القدير الرؤوف الرحيم الذي ل يشبهه شيء وهو الغالب فل يغلب‬
‫والجواد فل يبخل ل يفوته مطلوب ول تخفى عليه خافية يعلم خائنة العين وما‬
‫تخفي الصدور وما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج‬
‫فيها وكل مذكور أو موهوم هو منه وكل ذلك به وكل له قانتون ثم نؤمن بأن محمدا‬
‫عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬

‫المشركون ونؤمن بموسى وعيسى وسائر النبياء عليهم الصلة والسلم ل نفرق‬
‫بين أحد منهم ونؤمن بالتوراة والنجيل والزبور والقرآن وسائر الكتب التي أنزلها‬
‫ال تعالى على أنبيائه وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن ال يبعث من في القبور وأن‬
‫البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ذلك بما كسبت أيديهم‬
‫وأن ال ليس بظلم للعبيد ‪ #‬قال وكان يحملني إلف ديني وطول المدة والعهد عليه‬
‫والجتماع مع الباء والمهات والخوة والخوات والقارب والخوان والجيران‬
‫وأهل المودات على التسويف بالعزم والتلبث على إبرام المر ويعرض مع ذلك‬
‫الفكر في إمعان النظر والزدياد في البصيرة فلم أدع كتابا من كتب أنبياء التوراة‬
‫والنجيل والزبور وكتب النبياء والقرآن إل نظرت فيه وتصفحته ول شيئا من‬
‫مقالت النصرانية إل تأملته فلما لم أجد للحق مدفعا ول للشك فيه موضعا ول للناة‬
‫والتلبث وجها خرجت مهاجرا إلى ال عز وجل بنفسي هاربا بديني عن نعمة وأهل‬
‫مستقر ومحل وعز ومتصرف في عمل فأظهرت ما أظهرته عن نية صحيحة‬
‫وسريرة صادقة ويقين ثابت فالحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا‬
‫ال لقد جاءت رسل ربنا بالحق‬

‫وإياه تعالى نسأل أن ل يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو‬
‫الوهاب ‪ #‬قال ولما نظرت في مقالت النصارى وجدت صنفا منهم يعرفون‬
‫بالريوسية يجردون توحيد ال ويعترفون بعبودية المسيح عليه السلم ول يقولون‬
‫فيه شيئا مما يقوله النصارى من ربوبية ول بنوة خاصة ول غيرهما وهم متمسكون‬

‫‪381‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪382‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بإنجيل المسيح مقرون بما جاء به تلميذه والحاملون عنه فكانت هذه الطبقة قريبة‬
‫من الحق مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد ودفع ما جاء به من الكتاب والسنة ‪#‬‬
‫قال ثم وجدت منهم صنفا يعرفون باليعقوبية يقولون إن المسيح طبيعة واحدة من‬
‫طبيعيتين إحداهما طبيعة الناسوت والخرى طبيعة اللهوت وأن هاتين الطبيعتين‬
‫تركبتا كما تركبت النفس مع البدن فصارتا إنسانا واحدا وجوهرا واحدا وشخصا‬
‫واحدا وأن هذه الطبيعة الواحدة والشخص والواحد هو المسيح وهو إله كله وإنسان‬
‫كله وهو شخص واحد وطبيعة واحدة من طبيعتين ‪ #‬وقالوا إن مريم ولدت ال‬
‫تعالى ال عما يقولون وإن ال مات وتألم وصلب متجسدا ودفن وقام من بين‬
‫الموات وصعد إلى‬

‫السماء فجاءوا من القول بما لو عرض على السماء لنفطرت أو على الرض‬
‫لنشقت أو على الجبال لنهدت فلم يكن لمحاجة هؤلء وجه إذ كان كفرهم بما‬
‫صرحوا به أوضح من أن يقع فيه الشك وكان غيرهم من النصارى كالمالكانية‬
‫والنسطورية يشهدون بذلك عليهم ‪ #‬قال ثم نظرت في قول الملكانية وهم الروم وهم‬
‫أكثر النصارى فوجدتهم قالوا إن البن الزلي الذي هو ال الكلمة تجسد من مريم‬
‫تجسدا كامل كسائر أجساد الناس وركب في ذلك الجسد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة‬
‫والعلم كسائر أنفس الناس وأنه صار إنسانا بالنفس والجسد اللذين هما من جوهر‬
‫الناس وإلها بجوهر اللهوت كمثل أبيه لم يزل وهو إنسان بجوهر الناسوت مثل‬
‫إبراهيم وداود وهو شخص واحد لم يزد عدده وثبت له جوهر اللهوت كما لم يزل‬
‫يصح له جوهر الناسوت الذي لبسه من مريم وهو شخص واحد لم يزد عدده‬
‫وطبيعتان ولكل واحدة من الطبيعتين مشيئة كاملة فله بلهوته مشيئة مثل الب‬
‫والروح وله بناسوته مشيئة مثل مشيئة إبراهيم وداود ‪ #‬وقالوا إن مريم ولدت إلها‬
‫وأن المسيح وهو اسم يجمع‬

‫اللهوت والناسوت مات وقالوا إن ال لم يمت والذي ولدت مريم قد مات بجوهر‬
‫ناسوته فهو إله تام بجوهر لهوته وإنسان تام بجوهر ناسوته وله مشيئة اللهوت‬
‫ومشيئة الناسوت وهو شخص واحد ل نقول شخصان لئل يلزمنا القول بأربعة أقانيم‬
‫‪ #‬قال فهؤلء أتوا من ذلك بمثل ما أتت به اليعقوبية في ولدة مريم ال تعالى ال‬
‫عما يقول الظالمون وقالوا إن المسيح وهو اسم ل تشك جماعة النصارى أنه واقع‬
‫على اللهوت والناسوت مات وأن ال لم يمت فكيف يكون ميتا لم يمت وقائما قاعدا‬
‫في حال واحدة وهل بين المقالتين فرق إل ما اختلفوا فيه من الطبائع ‪ #‬قال ثم‬
‫نظرت في قول النسطورية فوجدتهم قالوا إن المسيح شخصان وطبيعتان لهما مشيئة‬
‫واحدة وأن طبيعة اللهوت التي للمسيح غير طبيعة ناسوته وأن طبيعة اللهوت لما‬
‫توحدت بالناسوت بشخصها‬

‫الكلمة التي صارت الطبيعتان بجهة واحدة وإرادة واحدة واللهوت ل يقبل زيادة‬
‫ول نقصان ول يمتزج بشيء والناسوت يقبل الزيادة والنقصان فكان المسيح بتلك‬

‫‪382‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪383‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلها وإنسانا فهو إله بجوهر اللهوت الذي ل يزيد ول ينقص وهو إنسان بجوهر‬
‫الناسوت القابل للزيادة والنقصان ‪ #‬وقالوا إن مريم ولدت المسيح بناسوته وإن‬
‫اللهوت لم يفارقه قط منذ توحدت بناسوته ‪ #‬وقال فوجدنا اليعقوبية قد صرحوا بأن‬
‫مريم ولدت ال تعالى عما يصفه المبطلون ويقوله العادلون وأنه تألم وصلب ومات‬
‫وقام بعد ثلثة أيام من بين الموتى وهذا الكفر الذي تشهد به عليهم سائر ملل‬
‫النصارى وغيرهم ووجدنا الملكانية قد حادوا عن هذا التصريح إلى ما هو دونه في‬
‫الظاهر فقالوا إن المسيح شخص واحد و طبيعتان فلكل واحدة من الطبيعتين مشيئة‬
‫فله بلهوته مشيئة مثل الب والروح وله بناسوته مشيئة كمشيئة إبراهيم وداود‬
‫وأوهموا الواقف على قولهم أنهم بما اخترعوه من هذا الختيار قد فرقوا بين‬
‫اللهوت والناسوت ثم عادوا إلى قول اليعقوبية فقالوا إن مريم ولدت إلها وأن‬
‫المسيح وهو اسم يجمع اللهوت والناسوت عند جماعتهم ل يشكون في ذلك مات‬
‫بالجسد وأن ال لم يمت والذي قد ولدته مريم قد مات بجوهر ناسوته فكيف يكون‬
‫ميت لم يمت وهل بين المقالتين إل ما اختلفوا فيه من الطبائع فرق‬

‫وإذا كانوا قد اعترفوا بأن مريم ولدت ال وأن الذي ولدته مريم وهو المسيح ‪#‬‬
‫السم الجامع للجوهرين للهوت والناسوت قد مات فهل وقعت الولدة والموت‬
‫وسائر الفعال التي تحكي النصارى أنها فعلت بالمسيح إل عليهما ‪ #‬فكيف يصح‬
‫لذي عقل عبادة مولود من امرأة بشرية قد مات ونالته العلل والفات ‪ #‬قلت ومما‬
‫يوضح تناقضهم أنهم يقولون إن المسيح وهو اللهوت والناسوت شخص واحد‬
‫وأقنوم واحد مع قولهم أنهما جوهران بطبيعتين ومشيئتين فيثبتون للجوهرين أقنوما‬
‫واحدا ويقولون هو شخص واحد ثم يقولون إن رب العالمين إله واحد وأقنوم واحد‬
‫وجوهر واحد وهو ثلثة أقانيم فيثبتون للجوهر الواحد ثلثة أقانيم وللجوهرين‬
‫المتحدين أقنوما واحدا مع أن مشيئة القانيم الثلثة عندهم واحدة والناسوت‬
‫واللهوت يثبتون لهما مشيئتين وطبيعتين ومع هذا هما عندهم شخص واحد أقنوم‬
‫واحد وهذا يقتضي غاية التناقض سواء فسروا القنوم بالصفة أو الشخص أو الذات‬
‫مع الصفة أو أي شيء قالوه ‪ #‬وهو يبين أن الذين تكلموا بهذا الكلم ما تصوروا ما‬
‫قالوه‬

‫بل كانوا ضلل جهال بخلف ما يقوله النبياء فإنه حق فلهذا ل يوجد عن المسيح‬
‫ول غيره من النبياء ما يوافق قولهم في التثليث والقانيم والتحاد ونحو ذلك مما‬
‫ابتدعوه بغير سمع وعقل بل ألقوا أقوال مخالفة للشرع والعقل ‪ #‬ثم قال الحسن بن‬
‫أيوب ثم وجدنا النصارى المعروفين بالنسطورية قد خالفوا اليعقوبية والملكانية في‬
‫قولهم بشخصين لهما مشيئة واحدة وأن الطبيعتين اتحدتا فصارتا بجهة واحدة ثم‬
‫عادوا إلى شبيه قولهم في أن مريم ولدت المسيح فإذا كانت ولدت المسيح فقد لزمهم‬
‫ووجب عليه القرار بأنها ولدت هذا اللهوت والناسوت المتحدين ‪ #‬وقد رجع‬
‫المعنى إلى قول اليعقوبية إل أنهم اختاروا لذلك ألفاظا زوقوها وقدروا بها التمويه‬
‫على السامع ولم يصرحوا بالقول كتصريح اليعقوبية لن المتحد بالشيء هو الممازج‬

‫‪383‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪384‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫له والمجتمع معه حتى صار مازجه وهو شيئا واحدا ثم أكدوا القول بإقرارهم أن‬
‫الناسوت منذ اتحد باللهوت لم يفارقه فما لم يفارق الشيء هل هو إل يجري مجراه‬
‫في سائر متفرقاته من ضر ونفع وخير وشر وحاجة وغنى ‪ #‬قال وأما قولهم إن‬
‫مريم ولدت المسيح بناسوته فهذه أغلوطة وإل فكيف يولد ولد متحد بشيء آخر‬
‫مجامع له دون ذلك الشيء وكيف يكون ذاك وهم يقولون إنه لم يفارقه قط وهل‬
‫يصح‬

‫هذا عند أهل النظر أو ليس الحكم عند كل ناظر ومن كل ذي عقل يوجب أن تكون‬
‫الولدة واقعة على اللهوت والناسوت معا بمعنى التحاد وبمعنى السم الجامع‬
‫للهوت والناسوت وهو المسيح وكذلك الحمل بهما جميعا وأن يكون البطن قد‬
‫حواهما ‪ #‬قال فإن لجوا في الباطل ودافعوا عن قبيح هذه المقالة ومالوا إلى تحسينها‬
‫بالتمويهات المشككة لمن قصرت معرفته فنحن نقيم عليهم شاهدا من أنفسهم ل‬
‫يمكنهم دفعه وذلك أن شريعة إيمانهم التي ألفها لهم رؤساؤهم من البطاركة‬
‫والمطارنة والساقفة والحبار في دينهم وذوي العلم منهم بحضرة الملك عند‬
‫اجتماعهم من آفاق الرض بمدينة قسطنطينية وكانوا ثلثمائة وثمانية عشر رجل‬
‫يصفون أنهم نطقوا بها بروح القدس وهي التي لم تختلف جماعتهم عند اختلفهم في‬
‫المقالت فيها ول يتم لهم قربان إل بها على هذا النسق الذي نبينه نؤمن بال الب‬
‫مالك كل شيء صانع ما يرى وما ل يرى وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن ال‬
‫الواحد بكر الخلئق كلها وليس بمصنوع إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي‬
‫بيده أتقنت العوالم وخلق كل شيء الذي من أجلنا معشر البشر ومن‬

‫أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وحبل به وولد‬
‫من مريم البتول وتألم وصلب أيام قيطوس بن بيلطوس ودفن وقام في اليوم الثالث‬
‫كما هو مكتوب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة‬
‫أخرى للقضاء بين الموات والحياء ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي‬
‫يخرج من أبية روح ومجيئه وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة‬
‫قديسية سليخية جاثليقية وبقيامة أبداننا وبالحياة الدائمة إلى أبد البدين ‪ #‬قال فهذه‬
‫الشريعة يجتمع على اليمان بها وبذل المهج فيها وإخراج النفس دونها جماهيرهم‬
‫من الملكانية واليعقوبية والنسطورية ‪ #‬وقد اعترفوا فيها جميعا بأن الرب المسيح‬
‫الذي هذه صفته على ما اقتصصناه منها الله الحق من الله الحق نزل من السماء‬
‫وتجسد من روح القدس وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول وتألم وصلب‬

‫قال فهل في هذا القرار شبهة أو علقة يتعلق بها العنت المدافع عن الحجة ‪#‬‬
‫فتدبروا هذا القول يا معشر النصارى فإنه ل يمكن أحد منكم أن يخرج عنه ول أن‬
‫يدفع ما صرح به فإنكم إن قلتم إن المقتول المصلوب هو ال فمريم على قولكم‬
‫ولدت ال سبحانه وتعالى عما يقولون وإن قلتم أنه إنسان فمريم ولدت إنسانا وفي‬
‫ذلك أجمع بطلن شريعة إيمانكم فاختاروا أي القولين شئتم فإن فيه نقض الدين ‪#‬‬

‫‪384‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪385‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال وقد يجب على ذوي العقول أن تزجرهم عقولهم عن عبادة إله ولدته مريم وهي‬
‫امرأة آدمية ثم مكث على الرض ثلثين سنة تجري عليه أحكام الدميين من غذاء‬
‫وتربية وصحة وسقم وخوف وأمن وتعلم وتعليم ل يتهيأ لكم أن تدعوا أنه كان منه‬
‫في تلك المدة من أسباب اللهوتية شيء ول له من أحوال الدميين كلها من حاجتهم‬
‫وضروراتهم وهمومهم ومحنهم وتصرفاتهم مخرج ثم أحدث بعد هذه المدة الطويلة‬
‫ما أحدثه من إظهار أمر ال تعالى والنبوات واليات الباهرة المعجزة بقوة ال تعالى‬
‫وقد كان من غيره من النبياء مثلها وما هو أعلى منها فكانت مدته في ذلك أقل من‬
‫ثلث سنين ثم انقضى أمره بما يصفون أنه انقضى به وينسبونه إليه من حبس‬
‫وضرب وقذف وصلب وقتل فهل تقبل العقول ما يقولون من‬

‫أن إلها نال عباده منه مثل ما تذكرون أنه نيل منه ‪ #‬فإن تأولتم أن ذلك حل بالجسم‬
‫وليس بالقياس يحتمل ذلك لما شرحناه من معنى اتحاد اللهوت به أفليس قد وقع‬
‫بجسم توحدت اللهوتية به وحلت الروح فيه وقد أنجبه ال على ما تزعمون‬
‫وتصفون لخلص الخلق وفوض إليه القضاء بين العباد في اليوم الذي يجتمع فيه‬
‫الولون والخرون للحساب وقد وجدناكم تؤثرون أخبارا في قوم عرضوا التوابيت‬
‫فيها شهداء لكم بأن اليدي التي بسطت إليها جفت أو هل نال أحدا من الجزع والهلع‬
‫والغم والقلق والتضرع إلى ال في إزالة ما حل به مثل ما يحكى في النجيل أنه ناله‬
‫ووجدنا الكتب تنبىء بأنه نيل من جورجيس أحد من كان على دين المسيح من‬
‫العذاب الشديد بالقتل والحرق والنشر بالمناشير ما لم يسمع بمثله في أحد من الخلق‬
‫ونال خلقا كثيرا من تلمذته أيضا عذاب شديد ‪ #‬وقيل لما كان الملوك المحاربون‬
‫لهم يسومونهم إياه من الرجوع عن أديانهم إلى الكفر الذي كان أولئك الملوك عليه‬
‫فصبروا على ذلك واحتسبوا أنفسهم فلم يهربوا من الموت وقد كان يمكنهم الهرب‬
‫من‬

‫بلد إلى بلد والستتار وإخفاء أشخاصهم وما أظهروا في حال من تلك الحوال جزعا‬
‫ول هلعا وهم بعض الدميين التابعين له لنه خفف عنهم ما كانوا ينالون به بتأييد‬
‫ال عز وجل إياهم ‪ #‬قال ثم نقول قول آخر قد نستدل على صحة هذه الشريعة من‬
‫سقمها بأربعة أوجه ل يقع في شيء منها شك ول طعن ول زيادة ول نقصان وهي‬
‫أصل أمر المسيح عندكم ‪ #‬فأولها البشرى التي أتى بها جبريل عليه السلم ‪#‬‬
‫والثانية قول يحيى بن زكريا الذي شهد له المسيح بأنه لم تقم النساء عن مثله ‪#‬‬
‫والثالثة النداء المسموع من السماء ‪ #‬والرابعة قول المسيح عن نفسه حين سأله‬
‫يحيى عن شأنه ‪ #‬والذي قال جبريل على ما ثبت في إنجيلكم لمريم حين بشرها‬
‫السلم عليك أيتها الممتلئة نعما ربنا معك أيتها المباركة في النساء فلما رأته مريم‬
‫ذعرت منه فقال ل ترهبي يا مريم فقد فزت بنعمة من ربك فها أنت تحبلين وتلدين‬
‫ابنا وتسميه يسوع ويكون كبيرا ويسمى ابن ال العلي ويعطيه ال الرب كرسي أبيه‬

‫داود ويكون ملكا على آل يعقوب إلى البد فقالت مريم أنى يكون لي ذلك ولم‬

‫‪385‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪386‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يمسسني رجل قال له الملك إن روح القدس يأتيك أو قال يحل فيك وقوة العلي تحبلك‬
‫من أجل ذلك يكون الذي يولد منك قديسا ويسمى ابن ال العلي ‪ #‬قال فلم نر الملك‬
‫قال لها إن الذي تلدين هو خالقك وهو الرب كما سميتموه بل أزال الشك في ذلك بأن‬
‫قال إن ال الرب يعطية كرسي أبيه داود ويصطفيه ويكرمه وأن داود النبي أبوه‬
‫وأنه يسمى ابن ال وما قال أيضا أنه يكون ملكا على الرض وإنما جعل له الملك‬
‫على بني إسرائيل فقط وقد علمتم أن من يسمى بابن ال كثير ل يحصون فمن ذلك‬
‫إقراركم بأنكم جميعا أبناء ال‬

‫بالمحبة وقول المسيح أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم في غير موضع من النجيل ثم‬
‫تسمية ال يعقوب وغيره بنيه خصوصا فالسبيل في المسيح إذا لم تلحقوه في هذا‬
‫السم بالجمهور أن يجري في هذه التسمية مجرى الجماعة الذين اختصوا بها من‬
‫النبياء والبرار ونسبة الملك إياه إلى أبيه داود تحقق أن أباه داود وأن التسمية‬
‫الولى على جهة الصطفاء والمحبة وأن حلول الروح عليه على الجهة التي قالها‬
‫متى التلميذ للشعب عن المسيح في النجيل لستم أنتم متكلمين بل روح ال تأتيكم‬
‫تتكلم فيكم ‪ #‬فأخبر أن الروح تحل في القوم أجمعين وتتكلم فيهم وقال الملك في‬
‫بشارته لمريم بالمسيح عليه السلم إنه يكون ملكا على آل يعقوب فخص آل يعقوب‬
‫بتملكه عليهم دون غيرهم من الناس ولم يقل إنه يكون إلها للخلئق ومعنى قول‬
‫جبريل عليه السلم‬

‫لمريم ربنا معك مثل معنى قول ال عز وجل لموسى وغيره من النبياء إني معكم‬
‫فقد قال ليوشع بن نون إني أكون معك كما كنت مع موسى عبدي فقول النصارى‬
‫كلهم في مجاري لغتهم ومعاني ألفاظهم أن ال عز وجل وروح القدس مع كل‬
‫خطيب وراهب وفاضل في دينه على هذه السبيل ‪ #‬قال وأما النداء الذي سمعه‬
‫يحيى بن زكريا من السماء في المسيح وشهادة يحيى له فإن متى قال في إنجيله إن‬
‫المسيح عليه السلم لما خرج من الردن تفتحت له السماء فنظر يحيى إلى روح‬
‫القدس قد نزلت على المسيح كهيئة حمامة وسمع نداء من السماء إن هذا ابني‬
‫الحبيب الذي اصطفيته‬

‫فقد علمنا وعلمتم أن المصطفى مفعول والمفعول مخلوق وليس يستنكف المسيح ‪#‬‬
‫عليه السلم من العتراف بذلك عن العتراف بذلك في كل كلمه وما زال يقول‬
‫إلهي وإلهكم وأبي وأبيكم وكلما يصحح به أنه عبد مرسل مربوب مبعوث مأمور‬
‫يؤدي ما سمع ويفعل ما حد له ونحن نشرح هذا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء‬
‫ال تعالى ‪ #‬ثم قال وقد وجدنا المسيح عليه السلم أحتاج إلى تكميل أمرة بمعمودية‬
‫يحيى له فصار إليه لذلك وسأله إياه فليس مرتبة المقصود بدون مرتبة القاصد‬
‫الراغب وقال لوقا التلميذ في إنجيله إن يحيى المعمداني أرسل إلى المسيح بعد أن‬
‫عمده وسأله أنت ذلك الذي تجيء أو نتوقع غيرك فكان جواب المسيح‬

‫‪386‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪387‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لرسله أن ارجعوا فأخبروه بما ترون من عميان يبصرون وزمن ينهضون وصم‬
‫يسمعون فطوبى لمن لم يغتر بي أو يذل في أمري ‪ #‬قال فوجدنا يحيى مع محله‬
‫وجللة قدره عند ال عز وجل ثم ما شهد به للمسيح له من أنه ما قامت النساء عن‬
‫مثله قد شك فيه فاحتاج إلى أن يسأله عن شأنه ثم لم يكن من جواب المسيح له بشيء‬
‫مما تصفون من الربوبية ول قال إني خالقك وخالق كل شيء كما في شريعة إيمانكم‬
‫بل حذر الغلط في أمره والغترار ول كان من قوله أكثر مما ذكر أنه أظهر بنبوته‬
‫من هذه اليات التي سبق إلى مثلها أكثر النبياء ‪ #‬قال ول رأينا يحيى زاد في‬
‫وضعه إياه لما قرظه وأعل ذكره مع تشككه في أمره وحاجته إلى مسألته عن حاله‬
‫على أن قال هو أقوى مني وأني ل أستحق أن أحل معقد خفه ولم يقل إنه‬

‫خالقي وقد يقول الرجل الخير فيمن هو دونه مثل الذي قال يحيى فيه تواضعا ل‬
‫وخشوعا كما قال المسيح في يحيى إنه ما قامت النساء عن مثله ‪ #‬قال فتركتم ما‬
‫أتت به الرسل والنبوات في المسيح وهو أصلكم الذي وقع عليه بناؤكم وجعلتم‬
‫لنفسكم شريعة غيرها ومثل الذين عقدوا هذه الشريعة لكم مثل من آمن بنبوة رجل‬
‫ينتفي من النبوة لن المسيح عليه السلم يقول إنه مربوب مبعوث ويقول جبريل إنه‬
‫مكرم مصطفى وأن أباه داود وأن ال جعله ملكا على آل يعقوب وينادي مناد من‬
‫السماء بمثل ذلك ويشهد يحيى بن زكريا على مثله وتقولون بل هو خالق أزلي إل‬
‫أنه يستر نفسه ويقول المسيح وغيره ممن سمينا أنه معطى وأن ال معطيه وتقولون‬
‫بل رازق النعم وواهبها ويقول إن ال أرسله وتقولون بل هو الذي نزل لخلصنا‬
‫وتعتقدون سبب نزوله من السماء أنه أراد أن يخلصكم ويحتمل الخطيئة ويربط‬
‫الشيطان فقد وجدنا الخلص‬

‫لم يقع والخطيئة قائمة لم تزل والشيطان أعتى ما كان يربط بل سلطه ال عليه على‬
‫ما تقولون فحصره في الجبل أربعين يوما يمتحنه وقال لة في بعض أحواله معه إن‬
‫كنت ابن ال فقل لهذه الصخور تصير خبزا فقال له المسيح مجيبا له إنه مكتوب أن‬
‫حياة النسان ل تكون بالخبز بل بكل كلمة تخرج من ال ثم ساقه الشيطان إلى مدينة‬
‫بيت المقدس وأقامه على قرنة الهيكل وقال له إن كنت ابن ال فارم بنفسك من هاهنا‬
‫فإنه مكتوب إن الملئكة توكل بك لئل تعثر رجلك بالحجر قال يسوع ومكتوب أيضا‬
‫ل تجرب الرب إلهك ثم ساقه إلى جبل عال وأراه جميع مملكات الدنيا وزخارفها‬
‫وقال له إن خررت على وجهك ساجدا لي جعلت هذا الذي ترى كله لك قال لة‬
‫المسيح اغرب أيها الشيطان فإنه مكتوب اسجد للرب إلهك ول تعبد شيئا سواه ثم‬
‫بعث ال عز وجل ملكا اقتلع العدو من مكانه ورمى به في البحر وأطلق السبيل‬
‫للمسيح‬

‫وقال أفل يعلم من كان في عقله أدنى مسكة أن هذا الفعل ل يكون من شيطان إلى ‪#‬‬
‫إله ولو كان إلها لزالة عن نفسه قبل أن يأتيه الملك من عند ربه ولما قال أمرنا أن‬
‫ل نجرب ال وأن نسجد للرب ول نعبد شيئا سواه وكيف لم يربط الشيطان عن نفسه‬

‫‪387‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪388‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قبل أن يربط عن أمته قال فهذه أمور إذا تأملها المتأمل قبحت جدا وكثر اختلفها‬
‫واشتد تناقضها واضطرابها ‪ #‬قال ومما يعجب منه أنكم تعتقدون أن البن الزلي‬
‫اتحد بالمسيح فصارا بجهة واحدة ولم يفارقه قط منذ اتحد به ومكث على ذلك في‬
‫بطن أمه تسعة أشهر ثم أقام مولودا وتغذى باللبن ومربوبا صبيا مغذى بالغذية إلى‬
‫أن بلغ ثلثين سنة ل يظهر منه شيء من آلة الربوبية ول أمر يوجب هذا المحل ول‬
‫كان بينه وبين نظرائه من الدميين فرق ول سطع منه نور ول ظهرت له سكينة‬
‫ول حفته الملئكة بالتهليل ول ألم به الشعث بعد ذلك فوق ما كان من النبياء قبله‬
‫فقد كلم ال موسى من العوسجة كيف شاء فأشرق ما حولها نورا وكلمه من طور‬
‫سيناء فاضطربت في الجبل النيران والتبس وجهة النور الساطع حتى كان يتبرقع إذا‬
‫جلس مع بني إسرائيل بعد ذلك لنهم كانوا ل يستطيعون النظر إليه ثم سأل موسى‬
‫ربه عز وجل لما قرب‬

‫منه فقال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه‬
‫فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق من‬
‫صعقته استغفر ربه فتاب عليه وتجلى مجد ال لجماعة من النبياء فرأوا حول مجده‬
‫ربوات الملئكة ‪ #‬وقال داود يا رب إنك حيث عبرت ببلد سنين تزلزلت الرض‬
‫منك وانفطرت من هيبتك وقال أيضا كالمخاطب للبحر والجبال والمتعجب منها ما‬
‫لك أيها البحر هاربا وأنت يا نهر الردن لم وليت راجعا وما لك أيتها الجبال تنفرين‬
‫كالبابيل وما لكن أيتها الشوامخ والهضبات تنزو نزو الشياء ثم قال كالمجيب عنهم‬
‫من قدام الرب تزلزلت البقاع ‪ #‬قال فإن كان المسيح هو الزلي الخالق أو كان‬
‫متحدا به فكيف لم ترجف بين يديه الجبال ولم تتصرف عن مشيئته النهار والبحار‬
‫أو كيف لم تظهر منه آيات باهرات أجل من آيات النبياء قبله مثل المشي على‬
‫متون الهواء والضطجاع على أكتاف الرياح والستغناء عن‬

‫المآكل والمشارب وإحراق من قرب منه من الشياطين والجن كما أحرق إيليا من‬
‫قرب منه من جند أحاب الملك ويمنع الدميين من نفسه وما فعلوا على زعمكم‬
‫بجسمه ليعلم الناس أنه خالقهم أو أنه هيكل الخالق ‪ #‬قال ووجدناكم تقولون أن البن‬
‫إنما يسمى ابن ال وكلمه لنه تولد من الب وظهر منه فلم نقف على معنى ذلك‬
‫لن شريعة إيمانكم تقول إن الروح أيضا تخرج من الب فإن كان المر كما تقولون‬
‫فالروح أيضا ابن لنها تخرج عن ال تعالى وإل فما الفرق بينهما ‪ #‬قال ولم نفهم‬
‫أيضا قولكم أن البن تجسد من روح القدس وأن روح القدس ساقه إلى البر ليمتحنه‬
‫الشيطان فما كانت حاجة البن إلى أن تكون الروح وهي في قولكم مثله تدبره‬
‫وتغيره من حال إلى حال أو ما علتم أن الغير السابق المدبر فاعل والمسبوق‬

‫المدبر مفعول به فالبن إذن دون الروح وليس مثله لن الزلي ل ينفك من الزلي‬
‫وهو مثله ‪ #‬قال وإن كان المسيح من روح القدس كما قال جبريل الملك لمه مريم‬
‫فلم سميتموه كلمة ال وابنه ولم تسموه روحه فإنما قال لها الملك إن الذي تلدين من‬

‫‪388‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪389‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫روح القدس والروح غير البن ولو كان المعنى واحدا لما قالت الشريعة إنه تجسد‬
‫من روح القدس وإن روح القدس ساقه إلى البر وإن روح القدس نزل عليه ولم‬
‫تثلثون به في إيمانكم فتقولون نؤمن بالب والبن والروح القدس ‪ #‬قال ووجدناكم‬
‫تقولون أيتها النسطورية إن ل علما وحكمة هما البن وحياة هي الروح قديمين‬
‫ولعلمه وحياته ذات كذات ال وذلك أن علم ال له علم وحياة ولحياته التي هي روحه‬
‫علم وحياة وأن ال الب لما رأى استيلء العدو على خلقه ونكول النبياء عن‬
‫مناوأته أرسل إليه ابنه الفرد وحبيبه وجعله فداء ووفاء للناس أجمعين وأن ابنه نزل‬
‫من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا ثم ولد ونشأ وعاش ثلثين سنة‬
‫يتقلب بين بني إسرائيل كواحد منهم يصلي‬

‫في كنائسهم ويستن بسننهم ل يدعى دينا غير دينهم ول ينتحل رسالة ول نبوة ول‬
‫بنوة حتى إذا انقضت تلك السنون أظهر الدعوة وجاء باليات الباهرة والبراهين‬
‫المشهورة فأنكرته اليهود وقتلته وصلبته ثم صعد إلى السماء ‪ #‬وصدقتم بشريعة‬
‫اليمان وكفرتم من خالفها ثم لم تلبثوا أن خلعتموها وانسلختم منها وقلتم إن المسيح‬
‫جوهران وأقنومان جوهر قديم وجوهر حديث ولكل جوهر أقنوم على حياله وإن ال‬
‫جوهر قديم يقوم بمعنيين فهو واحد يقوم بثلثة معان وثلثة لها معنى واحد كالشمس‬
‫التي هي شيء واحد ولها ثلثة معان القرص والحر والنور فالمسيح هو ال وهو‬
‫مبعوث غير أنه ليس يعبد ‪ #‬فكان معنى قولكم هذا أن المسيح مولود لكنه ليس‬
‫مفعول به وهو مبعوث مرسل لكنكم تستحيون أن تسموه رسول إذ كنتم ل تفرقون‬
‫بين ال وبينه في شيء من الشياء وأقبلتم على الملكانية واليعقوبية بالتكفير واللعن‬
‫لقولهم إن ال والمسيح شيء واحد ثم لم تلبثوا أن قدمتم المسيح على ال تبارك‬
‫وتعالى وبدأتم به في التمجيد ورفعتم إليه تهاليلكم ورغائبكم في أوقات القرابين‬
‫خاصة وهي أجل صلواتكم وأفضل محافلكم عندكم فإنه يقوم المام منكم على المذبح‬
‫من مذابحكم‬

‫وأهله مرعوبون فتتوقعون نزول روح القدس بزعمكم من السماء بدعائه ‪ #‬فيفتح‬
‫دعاءه ويقول ليتم علينا وعليكم نعمة يسوع المسيح ومحبة ال الب ومشاركة روح‬
‫القدس إلى دهر الداهرين ثم يختم صلته بمثل ذلك فهذا تصريح بالشرك وتصغير‬
‫لعظمة ال وعزته أن جعلتم النعم والمواهب لمن هو دونه وهو معطى ومخول من‬
‫عند ال على قولكم وجعلتم ل بعد المسيح محبة ولروحه مشاركة ‪ #‬قال ووجدناكم‬
‫قد عبتم على اليعقوبية قولهم إن مريم ولدت ال عز اللة وجل عن ذلك وفي شريعة‬
‫اليمان التي بيناها المجتمع عليها أن المسيح إله حق وأنه ولد من مريم فما معنى‬
‫المنافرة وما الفرق وما تنكرون من قولهم إن المقتول المصلوب هو ال عز اللة‬
‫وجل عن ذلك ‪ #‬وشريعة إيمانكم تقول نؤمن بالرب المسيح الذي من خبره وحاله‬
‫الذي ولد من مريم وتألم وصلب على عهد الملك بيلطس‬

‫النبطي ودفن وقام في اليوم الثالث أليس هذا إقرارا بمثل قولهم فتدبروا هذا القول يا‬

‫‪389‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪390‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أولي اللباب ‪ #‬فإنكم إن قلتم إن المقتول المصلوب هو ال فإن مريم عندكم ولدت‬
‫ال ‪ #‬وإن قلتم إنه إنسان فإن مريم ولدت إنسانا وبطلت الشريعة فأي القولين‬
‫اخترتموه ففيه نقض دينكم ثم عبتم على الملكانية قولهم إنه ليس للمسيح إل أقنوما‬
‫واحدا لنه صار مع الزلي الخالق شيئا واحدا ل فرق بينهما وقلتم بأن له أقنومين‬
‫لكل جوهر أقنوم على حياله ثم لم تلبثوا أن رجعتم إلى مثل قولهم فقلتم إن المسيح‬
‫وإن كان مخلوقا من مريم مبعوثا فإنه هيكل لبن ال الزلي ونحن ل نفرق بينهما‬
‫فإذا كان المر عندكم على هذا فما تنقمون على الملكية وما معنى الفتراق وقد‬
‫رجعتم في التحاد إلى مثل قولهم إن هذا المر تحار فيه الفهام ‪ #‬فإن كانت‬
‫الشريعة بمعنى المانة عندكم حقا فالقول ما قال يعقوب وذلك أنا إذا ابتدأنا من‬
‫الشريعة في ذكر المسيح ثم نسقنا المعاني نسقا واحدا وانحدرنا فيها إلى آخرها‬
‫وجدنا القوم الذين ألقوها لكم قد صححوا أن يسوع المسيح هو ابن ال وهو بكر‬
‫الخلئق كلها وهو الذي ولد من مريم ليس بمصنوع وهو إله حق من إله حق‬

‫من جوهر أبيه وهو الذي أتقن العوالم وخلق كل شيء على يده وهو الذي نزل‬
‫لخلصكم فتجسد وحملته مريم وولدته وقتل وصلب فمن أنكر قول اليعقوبية لزمه‬
‫أن ينكر هذه الشريعة التي تشهد بصحة قولهم ويلعن من ألفها ‪ #‬قال وإنما أخذت‬
‫تلك الطائفة يعني الذين وضعوا المانة بكلمات وذكروا أنهم وجدوها في النجيل‬
‫مشكلت تأولت فيها ما وقع بهواها وتركت ما في النجيل من الكلم البين الواضح‬
‫الذي يشهد بعبودية المسيح وشهادته بذلك على نفسه وشهادة تلميذه به عليه فأخذت‬
‫بالمشكل اليسير وجعلت له ما أحبت من التأويل وألغت الواضح الكثير الذي ل‬
‫يحتاج إلى تأويل ‪ #‬قال فأما احتجاجكم بالشمس وأنها شيء واحد له ثلثة معان‬
‫وتشبيهكم ما يقولونه في الثلثة القانيم بها فإن ذلك تمويه ل يصح لن نورا الشمس‬
‫ل يحد بحد الشمس وكذلك حرها ل يحد بحد الشمس إذ كان حد الشمس جسما‬
‫مستديرا مضيئا مسخنا دائرا في وسط الفلك دورانا دائما وليتهيأ أن يحد نورها‬
‫وحرها بمثل هذه الصفة ول يقال إن نورها أو حرها جسم مستدير مضيء مسخن‬
‫دائم الدوران ولو كان نورها وحرها شمسا حقا من شمس حق من جوهر الشمس‬
‫كما قالت الشريعة في المسيح إنه إله حق من إله حق من‬

‫جوهر أبيه لكان ما قلتم له مثل تاما والمر مخالف لذلك فل يشبهه ول يقع القياس‬
‫عليه والحجة منكم فيه باطلة ‪ #‬قال ووجدناكم تذكرون أن المسيح نزل من السماء‬
‫فأبطل بنزوله الموت والثام فإن العجب ليطول من هذا القول وأعجب منه من قبله‬
‫ولم يتفكر فيه وممن لم يستقبح أن يعتقد ديانة ل تبارك وتعالى على مثل هذا القول‬
‫المحال البائن عما تشهد به العقول وتنبىء به المشاهدة ويدعو الناس إليها فما هو‬
‫ببعيد من عقد ما هو أمحل وأبطل منها لنه إن كانت الخطيئة بطلت بمجيئه فالذين‬
‫قتلوه إذا ليسوا خاطئين ول مأثومين لن ل خاطىء بعد مجيئه ول خطيئة ‪ #‬وكذلك‬
‫أيضا الذين قتلوا حواريه وأحرقوا أسفاره غير خاطئين وكذلك من نراه من جماعتكم‬
‫منذ ذلك الدهر إلى هذا الوقت يقتل ويسرق ويزني ويلوط ويسكر ويكذب ويركب‬

‫‪390‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪391‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كل ما نهى عنه من الكبائر وغيرها غير خاطئين ول مأثومين ‪ #‬فمن جحد ذلك‬
‫فليرجع إلى التسبيحة التي تقرأ بعقب كل قربان وهو أن يا ربنا الذي غلب بوجعه‬
‫الموت الطاغي‬

‫وفي الخرى التي تقال في يوم الجمعة الثانية من الفصح إن فخرنا بالصليب الذي ‪#‬‬
‫بطل به سلطان الموت وصرنا إلى المن والنجاة بسببه وفي بعض التسابيح‬
‫بصلوات ربنا يسوع المسيح بطل الموت وانطفأت فتن الشيطان ودرست آثارها فأي‬
‫خطيئة بطلت وأي فتنة للشيطان انطفأت أو أي أمر كان الناس عليه قبل مجيئه من‬
‫المحارم والثام تغير عن حاله ‪ #‬قال فإذا كان التمويه يقع فيما يلحقه كل أحد‬
‫بالمعرفة والبيان فهو فيما أشكل من المور وفعل بالتأويلت التي تأولها أولئك‬
‫المتأولون أوقع ‪ #‬وإذا كنتم قد قبلتم هذا المحال الظاهر الذي ل خفاء به عن‬
‫الصبيان فأنتم لما هو أعظم منه من المحال أقبل وهذا إنجيلكم يكذب هذا القول حيث‬
‫يقول المسيح فيه ما أكثر من يقول لي يوم القيامة يا سيدنا أليس باسمك أخرجنا‬
‫الشيطان فأقول اغربوا عني أيها الفجرة الغاوون فما عرفتكم قط فهذا خلف قول‬

‫علمائكم ما قالوا ووضعهم لكم ما وضعوا ومثله قوله إني جامع الناس يوم القيامة‬
‫عن ميمنتي وميسرتي وقائل لهل الميسرة إني جعت فلم تطعموني وعطشت فلم‬
‫تسقوني وكنت غريبا فلم تأووني ومحبوسا فلم تزوروني ومريضا فلم تعودوني‬
‫فاذهبوا إلى النار المعدة لكم من قبل تأسيس الدنيا ‪ #‬وأقول لهل الميمنة فعلتم بي‬
‫هذه الشياء فاذهبوا إلى النعيم المعد لكم من قبل تأسيس الدنيا فهل أدخل أولئك النار‬
‫إل خطاياهم التي ركبوها وهل صار هؤلء إلى النعيم إل بأعمالهم الجميلة التي‬
‫قدموها بتوفيق ال إياهم فمن قال إن الخطيئة قد بطلت فقد بهت وقد خالف قول‬
‫المسيح وكان هو من الكاذبين ‪ #‬وقال و يا أيها القوم الذين هم أولوا اللباب‬
‫والمعرفة حيث ينسبونه إلى الربوبية وينحلونه اللهوتية ويجعلونه خالق الخلق‬
‫أجمعين وإلههم بماذا ساغ ذلك لكم وما الحجة فيه عندكم ‪ #‬هل قالت كتب النبوات‬
‫فيه ذلك أو هل قاله عن نفسه أو قاله أحد عن تلمذته والناقلين عنه الذين هم عماد‬
‫دينكم وأساسه ومن أخذتم الشرائع والسنن عنه ومن كتب النجيل وبينه قد أفصح في‬
‫كل النجيل من كلمه ومخاطبته ووصاياه بما ل يحصى كثرة بأنه عبد‬

‫مثلكم ومربوب معكم ومرسل من عند ربه وربكم ومبدي ما أمر به فيكم وحكى مثل‬
‫ذلك من أمره حواريوه وتلمذته ووصفوه لمن سأل عنه ‪ #‬وفي كلمهم بأنه رجل‬
‫جاء من عند ال عز وجل ونبي له قوة وفضل فتأولتم في ذلك أنه أخرج كلمه على‬
‫معنى الناسوت ولو كان كما تقولون لفصح عن نفسه بأنه إله كما أفصح بأنه عبد‬
‫ولكنه ما ذكره ول ادعاه ول دعا إليه ول ادعته له كتب النبياء قبلة ول كتب‬
‫تلمذته ول حكى عنهم ول أوجبه كلم جبريل الذي أداه إلى مريم ول قول يحيى بن‬
‫زكريا ‪ #‬قال فإن قلتم إنكم استدللتم على ربوبيته بأنه أحيا الموتى وأبرأ الكمه‬
‫والبرص ومشى على الماء وصعد إلى السماء وصير الماء خمرا وكثر القليل‬

‫‪391‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪392‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيجب الن أن ينظر إلى كل من فعل من هذه المور فعل فنجعله ربا وإلها وإل فما‬
‫الفرق ‪ #‬فمن ذلك أن كتاب سفر الملوك يخبر أن إلياس أحيا ابن الرملة وأن اليسع‬

‫أحيا ابن السرائيلية وأن حزقيال أحيا بشرا كثيرا ولم يكن أحد ممن ذكرنا بإحيائه‬
‫الموتى إلها ‪ #‬واما إبراء الكمه فهذه التوراة تخبر أن يوسف أبرأ عين أبيه يعقوب‬
‫بعد أن ذهبت وهذا موسى طرح العصا فصارت حية لها عينان تبصر بهما وضرب‬
‫بها الرمل فصار قمل لكل واحدة منها عينان تبصر بهما ولم يكن واحد منهم بذلك‬
‫إلها‬

‫وأما إبراء البرص فإن كتاب سفر الملوك يخبر بأن رجل من عظماء الروم ‪#‬‬
‫برص فرحل من بلده قاصدا اليسع عليه السلم ليبرئه من برصه فأخبر الكتاب بأن‬
‫الرجل وقف بباب اليسع أياما ل يؤذن له فقبل لليسع إن ببابك رجل يقال له نعمان‬
‫وهو أجل عظماء الروم به برص وقد قصدك لتبرئه من مرضه فإن أذنت له دخل‬
‫إليك فلم يأذن له وقال لرجل من أصحابه اخرج إلى هذا الرجل فقل له ينغمس في‬
‫الردن سبع مرات فأبلغ الرسول لنعمان ما أمره به اليسع ففعل ذلك فذهب عنه‬
‫البرص ورجع قافل إلى بلده فأتبعه خادم ليسع فأوهمه أن اليسع وجه به إلية يطلب‬
‫منه مال فسر الرجل بذلك ودفع إلى الخادم مال وجوهرا ورجع فأخفى ذلك وستره‬
‫‪ #‬ثم دخل إلى اليسع فلما مثل بين يديه قال له تبعت نعمان وأوهمته عني كذا وكذا‬
‫وأخذت منه كذا وأخفيته في موضع كذا إذ فعلت الذي فعلت به فليصر برصه عليك‬
‫وعلى نسلك فبرص ذلك الخادم على المكان ‪ #‬قال فهذا اليسع قد أبرأ أبرصا‬
‫وأبرص صحيحا وهو أعظم‬

‫مما فعل المسيح عليه السلم فلم يكن في فعله ذلك إلها ‪ #‬قال وأما قولكم أنه مشى‬
‫على الماء فإن كتاب سفر الملوك يخبر بأن إلياس عليه السلم صار إلى الردن‬
‫ومعه اليسع تلميذه فأخذ عمامته فضرب بها الردن فاستييس له الماء حتى مشى‬
‫عليه هو واليسع ثم صعد إلى السماء على فرس من نور واليسع يراه ودفع عمامته‬
‫إلى اليسع فلما رجع اليسع إلى الردن ضرب بها الماء فاستييس له حتى مشى عليه‬
‫راجعا ولم يكن واحد منهما بمشيه على الماء إلها ول كان إلياس بصعوده إلى‬
‫السماء إلها ‪ #‬قال وأما قولكم أنه صير الماء خمرا فهذا كتاب سفر الملوك يخبر بأن‬
‫اليسع نزل بامرأة إسرائيلية فأضافته وأحسنت إليه فلما أراد النصراف قال لها هل‬
‫لك من حاجة فقالت المرأة يا نبي ال إن على زوجي دينا قد فدحه فإن رأيت أن‬
‫تدعو ال لنا بقضاء ديننا فافعل ‪ #‬فقال لها اليسع اجمعي كل ما عندك من النية‬
‫واستعيري من جيرانك جميع ما قدرت عليه من آنيتهم ففعلت ثم أمرها فملت النية‬
‫كلها ماء فقال اتركيه ليلتك هذه ومضى من عندها فأصبحت المرأة وقد صار ذلك‬
‫الماء كله زيتا فباعوه فقضوا دينهم‬

‫وتحويل الماء زيتا أبدع من تحويله خمرا ولم يكن اليسع بذلك إلها ‪ #‬وأما قولكم ‪#‬‬

‫‪392‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪393‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المسيح عليه السلم كثر القليل حتى أكل خلق كثير من أرغفة يسيرة فإن كتاب سفر‬
‫الملوك يخبر بأن إلياس نزل بامرأة أرملة وكان القحط قد عم الناس وأجدبت البلد‬
‫ومات الخلق ضرا وهزل وكان الناس في ضيق فقال للرملة هل عندك طعام فقالت‬
‫وال ما عندي إل كف من دقيق في قلة أردت أن أخبزه لطفل لي وقد أيقنا بالهلك‬
‫لما الناس فيه من القحط ‪ #‬فقال لها أحضريه فل عليك فأتته به فبارك عليه فمكث‬
‫عندها ثلث سنين وستة أشهر تأكل هي وأهلها وجيرانها منه حتى فرج ال عن‬
‫الناس فقد فعل إلياس في ذلك أكثر مما فعل المسيح لن إلياس كثر القليل وأدامه‬
‫والمسيح كثر القليل في وقت واحد ولم يكن إلياس بفعله هذا إلها ‪ #‬قال فإن قلتم إن‬
‫هؤلء النبياء ليس لهم صنع في هذه الفعال وإن الصنع فيها والقدرة ل عز وجل‬
‫إذ كان هو الذي أجراها على أيديهم فقد صدقتم ونقول لكم أيضا كذلك المسيح ليس‬
‫له صنع فيما ظهر على يديه من هذه العاجيب إذ كان ال هو الذي أظهرها على‬
‫يديه فما الفرق بين المسيح وسائر النبياء وما الحجة في ذلك ‪ #‬قال وإن قلتم أن‬
‫النبياء كانت إذا أرادت أن يظهر ال على أيديهم آية تضرعت إلى ال ودعته‬
‫وأقرت له بالربوبية وشهدت على أنفسها بالعبودية‬

‫قيل لكم وكذلك سبيل المسيح سبيل سائر النبياء قد كان يدعو ويتضرع ويعترف ‪#‬‬
‫بربوبية ال ويقر له بالعبودية فمن ذلك أن النجيل يخبر بأن المسيح أراد أن يحيى‬
‫رجل يقال له العازر فقال يا أبي أدعوك كما كنت أدعوك من قبل فتجيبني وتستجيب‬
‫لي وأنا أدعوك من أجل هؤلء القيام ليعلموا وقال بزعمكم وهو على الخشبة إلهي‬
‫إلهي لم تركتني وقال يا أبي اغفر لليهود ما يعملون فإنهم ل يدرون ما يصنعون ‪#‬‬
‫وقال في إنجيل متى يا أبي أحمدك وقال يا أبي إن كان بد أن يتعداني هذا الكأس‬
‫ولكن ليس كما أريد أنا فلتكن مشيئتك وقال أيضا أنا أذهب إلى إلهي الذي هو أعظم‬

‫مني وقال ل أستطيع أن أصنع شيئا ول أتفكر فيه إل باسم إلهي وقال يعني نفسه ل‬
‫ينبغي للعبد أن يكون أعظم من سيده ول للرسول أن يكون أعظم ممن أرسله ‪#‬‬
‫وقال إن ال لم يلد ولم يولد ولم يأكل ولم يشرب ولم ينم ولم يره أحد من خلقه‬
‫وليراه أحد إل مات ‪ #‬والمسيح قد أكل وشرب وولد ورآه الناس فما ماتوا من‬
‫رؤيته ول مات أحد منهم وقد لبث فيهم ثلثا وثلثين سنة ‪ #‬قلت وعامة ما ذكرة‬
‫هذا عن الكتب تعترف به النصارى ولكن بعضهم ينازعه في يسير من اللفاظ‬
‫فنازعه هنا في قوله‬

‫ل ينبغي للعبد أن يكون أعظم من سيده وقال هذا إنما قاله المسيح للحواريين وذكر‬
‫أنه ل يعرف عنه لفظ لم يولد ولم يأكل ولم يشرب ‪ #‬قال وقال في إنجيل يوحنا إنكم‬
‫متى رفعتم ابن البشر فحينئذ تعلمون أني انا هو وشيء من قبل نفسي ل أفعل ولكن‬
‫كل شيء كالذي علمني أبي وقال في موضع آخر من عند ال أرسلت معلما وقال‬
‫لصحابه اخرجوا بنا من هذه المدينة فإن النبي ل يجل في مدينته وأخبر النجيل أن‬
‫امرأة رأت المسيح فقالت إنك لذلك النبي الذي كنا ننتظر مجيئه فقال لها المسيح‬

‫‪393‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪394‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صدقت طوبى لك وقال لتلمذته كما بعثني أبي كذلك أبعث بكم ‪ #‬قال فاعترف بأنه‬
‫نبي وأنه مألوه ومربوب و مبعوث وقال‬

‫لتلمذته إن من قبلكم وآواكم فقد قبلني ومن قبلني فإنما يقبل من أرسلني ومن قبل‬
‫نبيا باسم نبي فإنما يفوز بأجر من قبل النبي ‪ #‬فبين ها هنا في غير موضع أنه نبي‬
‫مرسل وأن سبيله مع ال سبيلهم معه وقال متى التلميذ في إنجيله يستشهد على‬
‫المسيح بنبوة أشعيا عن ال عز وجل هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي‬
‫ارتاحت إليه نفسي أنا واضع روحي عليه ويدعو المم إلى الحق فلن يحتاج إلى‬
‫حجة أوضح من هذا القول الذي جعلتموه حجة لكم فقد أوضح ال أمره وسماه عبدا‬
‫وأعلم أنه يضع عليه روحه ويؤيده بها كما أيد سائر النبياء بالروح فأظهروا اليات‬
‫المذكورة عنهم وهذا القول يوافق ما بشر به جبريل الملك مريم حين ظهر لها وقال‬
‫القول الذي سقناه في صدر كتابنا ‪ #‬وقال يوحنا التلميذ في النجيل عن المسيح عليه‬
‫السلم إن كلمي الذي تسمعون هو كلم من أرسلني وقال في موضع‬

‫آخر إن أبي أجل وأعظم مني وقال أيضا كما أمرني أبي كذلك أفعل أنا أنا الكرم‬
‫وأبي هو الفلح وقال يوحنا كما للب حياة في جوهره فكذلك أعطى البن أن تكون‬
‫له حياة في قينومه قال فالمعطي خلف المعطى ل محالة والفاعل خلف المفعول ‪#‬‬
‫قال وقال المسيح في إنجيل يوحنا إني لو كنت أنا الشاهد لنفسي على صحة دعواي‬
‫لكانت شهادتي باطلة لكن غيري يشهد لي فأنا أشهد لنفسي ويشهد لي أبي الذي‬
‫أرسلني وقال المسيح لبني‬

‫إسرائيل تريدون قتلي وأنا رجل قلت لكم الحق الذي سمعت ال يقوله ‪ #‬قال وقال‬
‫في الرجل الذي أقامه من الموتى يا أبي أشكرك على استجابتك دعائي وأعترف لك‬
‫بذلك وأعلم أنك كل وقت تجيب دعوتي لكن أسألك من أجل هذه الجماعة ليؤمنوا‬
‫بأنك أنت أرسلتني قال فأي تضرع وإقرار بالرسالة والمسألة والطلب للجابة من‬
‫ال عز وجل أشد من هذا أو أكثر ‪ #‬قال وقال في بعض مخاطبته لليهود وقد نسبوه‬
‫إلى الجنون أنا لست بمجنون ولكن أكرم أبي ول أحب مدح نفسي بل مدح أبي لني‬
‫أعرفه ولو قلت إني ل أعرفه لكنت كذابا مثلكم بل أعرفه وأتمسك بأمره‬

‫قال وقال داود في مزموره المائة وعشرة قال الرب اجلس عن يميني حتى أضع ‪#‬‬
‫أعداءك موطئا لرجليك عصا العظمة تبعث الرب من صهيون ويبسط على أعدائك‬
‫شعبك يا مسيح يوم الرعب في بهاء القدس من اليوم الذي ولدتك يا صبي عهد الرب‬
‫ول يكذب أنك أنت الكاهن المؤيد يشبه ملكيز داق ‪ #‬قال فهذه مخاطبة ينسبونها إلى‬
‫اللهوت وقد أبان داود في مخاطبته أن لربه الذي ذكره ربا هو أعظم منه وأعلى‬
‫أعطاه ما حكيناه ومنحه ذلك وشهد عليه إن عصا العظمة تبعث ربه هذا من‬
‫صهيون وسماه صبيا محققا لقوله الول اليوم ولدتك ونسقا على أول كلمه وهو ربه‬
‫ووصف أنه الكاهن المؤيد الذي يشبه ملكليز داق‬

‫‪394‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪395‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قلت قالوا وهذا الكاهن هو الذي ذكر في التوراة أن الخليل أعطاه القربان وإذا كان‬
‫المسيح مشبها به مع تسميته كاهنا كان ذلك من أعظم الدلة على أنه مخلوق قال‬
‫فأما قوله من البدىء ولدتك فهو يشبه قول داود تبنني على نفسه من البدء ذكرتك‬
‫وهديت كل أعمالك وبعضهم يقول لفظ النص إن الرب يبعث عصاه من صهيون ‪#‬‬
‫قال وقال شمعون الصفا رئيس الحواريين في الفصل الثاني من قصصهم يا رجال‬
‫بني إسرائيل اسمعوا مقالتي إن يسوع الناصري رجل ظهير لكم من عند ال بالقوة‬
‫واليدي والعجائب التي أجراها على يديه وأنكم أسلمتموه وقتلتموه فأقام ال يسوع‬
‫هذا من‬

‫بين الموات ‪ #‬قال فأي شهادة أبين وأوضح من هذا القول وهو أوثق التلميذ عندكم‬
‫يخبر كما ترون أن المسيح رجل وأنه من عند ال وأن اليات التي ظهرت منه بأمر‬
‫ال أجراها على يديه وأن الذي بعثه من بين الموتى هو ال عز وجل ‪ #‬قال وقال‬
‫في هذا الموضع اعلموا أن ال جعل يسوع الذي قتلتموه ربا ومسيحا ومسيحا قال‬
‫فهذا القول يزيل تأويل من لعله يتأول في الفصل الول أنه أراد بقوله الناسوت لنه‬
‫يقول أن ال جعله ربا ومسيحا والمجعول مخلوق مفعول قال أبو نصر وإنما سمى‬
‫ناصري لن أمه كانت من قرية يقال لها ناصرة‬

‫في الردن وبها سميت النصرانية ‪ #‬قال وقد سمى ال جل ثناؤه يوسف ربا قال‬
‫داود في مزمور مئة وخمسة وللعبودية بيع يوسف وشدوا بالكبول رجليه وبالحديد‬
‫دخلت نفسه حتى صدقت كلمته قول الرب جربه بعث الملك فخله وصيره مسلطا‬
‫على شعبه وربا على بنيه ومسلطا على فتيانه ‪ #‬وقال لوقا في آخر إنجيله إن‬
‫المسيح عرض له وللوقا تلميذه جبريل في الطريق وهما محزونان فقال لهما وهما‬
‫ل يعرفانه ما بالكما محزونين فقال كأنك أنت وحدك غريب ببيت المقدس إذ كنت ل‬
‫تعلم ما حدث فيها في هذه اليام من أمر يسوع الناصري فإنه رجل نبيا قويا في‬
‫قوله وفعله عند ال وعند المة أخذوه وقتلوه على قولهم فيه‬

‫قال فهذا قوله وأقوال تلميذه قد تركتموها وعقدتم على بدع ابتدعها لكم أولوكم ‪#‬‬
‫تؤدي إلى الضللة والشرك بال جل ثناؤه وقال داود في المزمور الثاني في زبوره‬
‫مخاطبا ل ومثنيا على المسيح من الرجل الذي ذكرته والنسان الذي أمرته وجعلته‬
‫دون الملئكة قليل وألبسته المجد والكرامات وقال في المزمور الثاني قال لي الرب‬
‫أنت ابني وأنا اليوم ولدتك سلني فأعطيك فقوله ولدتك دليل على أنه حديث غير قديم‬
‫وكل حادث فهو مخلوق ثم أكد ذلك بقوله اليوم فحد باليوم حدا لولدته أزال به الشك‬
‫في أنه ما كان قبل اليوم ودل بقوله سلني فأعطيك على أنه محتاج إلى المسألة غير‬
‫مستغن عن العطية قال فهذا ما حضرنا من اليات في تصحيح خلق المسيح‬
‫وعبوديته وبطلن ما يدعونه من ربوبيته ومثله كثير في النجيل ل يحصى فإذا‬
‫كانت الشهادات منه على نفسه ومن النبياء عليه ومن تلميذه بمثل ما قد بيناه في‬

‫‪395‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪396‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا الكتاب وإنما اقتصرنا على الحتجاج عليكم من كتبكم فما الحجة فيما تدعونه له‬
‫ومن أي جهة أخذتم ذلك واخترتم الكلم الشنيع الذي يخرج عن‬

‫المعقول وتنكره النفوس وتنفر منه القلوب الذي ل يصح بحجة ول قياس ول تأويل‬
‫على القول الجميل الذي تشهد به العقول وتسكن إليه النفوس ويشاكل عظمة ال‬
‫وجلله ‪ #‬قال وإذا تأملتم كل ما بيناه تأمل إنصاف من أنفسكم وإشفاق عليها علمتم‬
‫أنه قول ل يحتمل أن يتأول فيه للناسوت شيئا دون اللهوت ‪ #‬قال فإن قلتم إنه يثبت‬
‫للمسيح البنوة بقوله أبي وأبيكم ويا أبي وبعثني أبي قلنا فإن كان النجيل أنزل على‬
‫هذه اللفاظ لم تبدل ولم تغير فإن اللغة قد أجازت أن يسمى الولي ابنا وقد سماكم ال‬
‫جميعا بنيه وأنتم لستم في مثل حاله ‪ #‬ومن ذلك أن ال عز وجل قال لسرائيل في‬
‫التوراة أنت ابني بكري وقال لداود في الزبور أنت ابني وحبيبي وقال المسيح في‬
‫النجيل للحواريين أريد أن أذهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم فسمى الحواريين‬
‫أبناء ال وأقر بأن له إلها هو ال‬

‫ومن كان له إله فليس بإله كما تقولون فإن زعمتم أن المسيح إنما استحق اللهية بأن‬
‫ال سماه ابنا فنلتزم ذلك ونشهد باللهية لكل من سماه ابنا وإل فما الفرق ‪ #‬قال فإن‬
‫قلتم إن إسرائيل وداود ونظراءهم إنما سموا أبناء ال على جهة الرحمة من ال لهم‬
‫والمسيح ابن ال على الحقيقة تعالى ال عن ذلك ‪ #‬قلنا يجوز لمعارض أن‬
‫يعارضكم فيقول لكم ما تنكرون أن يكون إسرائيل وداود ابني ال على الحقيقة‬
‫والمسيح ابن رحمة وما الفرق ‪ #‬فإن قلتم إن الفرق بين المسيح وسائر النبياء من‬
‫قبل أن المسيح جاء إلى مقعد فقال قم قم فقد غفرت لك فقام الرجل ولم يدع ال في‬
‫ذلك الوقت ‪ #‬قلنا لكم هذا إلياس أمر السماء أن تمطر فأمطرت ولم يدع ال في ذلك‬
‫الوقت وكذلك اليسع أمر نعمان الرومي أن ينغمس في‬

‫الردن من غير دعاء ول تضرع على أنا قد وجدناه في النجيل قد تضرع وسأل‬
‫مسائل قد تقدم ذكرها ‪ #‬وقال في بعض النجيل يا أبي أشكرك على استجابتك‬
‫دعائي واعلم أنك في كل وقت تجيب دعوتي لكن أسألك من أجل هذه الجماعة‬
‫ليؤمنوا بأنك أنت أرسلتني ‪ #‬فإن قلتم إن الغفران من ال عز وجل وأن المسيح قال‬
‫لبعض بني إسرائيل قم فقد غفرت لك وال هو الذي يغفر الذنوب ‪ #‬قلنا فقد قال ال‬
‫في السفر الخامس من التوراة لموسى أخرج أنت وشعبك الذي أخرجت من مصر‬
‫وأنا أجعل معكم ملكا يغفر ذنوبكم ‪ #‬فإن زعمتم أن المسيح إله لنه غفر ذنوب‬
‫المقعد فالملك إذا إله لنه يغفر ذنوب بني إسرائيل وإل فما الفرق‬

‫فإن قلتم إن الفرق بين المسيح وسائر النبياء من قبل أن ال سماه ربا فقال ابن ‪#‬‬
‫البشر رب السبت ‪ #‬قلنا فهذه التوراة تخبر بأن لوطا عليه السلم لما رأى الملكين قد‬
‫أقبل من البرية لهلك قومه قال لهما يا ربي ميل إلى منزل عبدكما وقد تقدم لنا‬
‫احتجاج في هذا الكتاب بذكر من سمى في الكتب ربا من يوسف وغيره فإن كان‬

‫‪396‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪397‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المسيح إلها لنه سمى ربا فهؤلء إذا آلهة لنهم سموا بمثل ذلك ‪ #‬فإن قلتم إن‬
‫النبياء قد تنبأت بإلهية المسيح فقال أشعيا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه‬
‫عمانويل وتفسيره معنا إلهنا ‪ #‬قلنا إن هذا اسم يعاره السيد الشريف من الناس وإن‬
‫كان‬

‫ال عز وجل المنفرد بمعنى اللهية جل ثناؤه فقد قال ال في التوراة لموسى عليه‬
‫السلم قد جعلتك لهارون إلها وجعلته لك نبيا ‪ #‬وقال في موضع آخر قد جعلتك يا‬
‫موسى إلها لفرعون وقال داود في الزبور لمن كانت عنده حكمة كلكم آلهة ومن‬
‫العلية تدعون ‪ #‬فإن قلتم إن ال عز وجل جعل موسى إلها لهارون على معنى‬
‫الرياسة عليه ‪ #‬قلنا وكذلك قال أشعيا في المسيح أنه إله لمته على هذا المعنى وإل‬
‫فما الفرق ‪ #‬فإن قلتم إن المسيح قد قال في النجيل من رآني فقد رأى أبي وأنا وأبي‬
‫واحد ‪ #‬قلنا إن قوله أنا وأبي واحد إنما يريد به أن قبولكم لمري هو قبولكم لمر‬
‫ال كما يقول رسول الرجل أنا ومن أرسلني واحد‬

‫ويقول الوكيل أنا ومن وكلني واحد لنه يقوم فيما يؤديه مقامه ويؤدي عنه ما أرسله‬
‫به ويتكلم بحجتة ويطالب له بحقوقه وكذلك قوله من رآني فقد رأى أبي يريد بذلك‬
‫أن من رأى هذه الفعال التي أظهرها فقد رأى أفعال أبي ‪ #‬فإن قلتم إن المسيح قد‬
‫قال في النجيل أنا قبل إبراهيم فكيف يكون قبل إبراهيم وإنما هو من ولده ولكن لما‬
‫قال قبل إبراهيم علمنا ما أراد أنه قبل إبراهيم من جهة اللهية ‪ #‬قلنا هذا سليمان بن‬
‫داود يقول في حكمته أنا قبل الدنيا وكنت مع ال حيث بدأ الرض فما الفرق بينه‬
‫وبين من قال إن سليمان ابن ال وأنه إنما قال أنا قبل الدنيا باللهية وقد قال داود‬
‫أيضا في الزبور ذكرتك يا رب من البدء وهديت بكل أعمالك‬

‫فإن قلتم إن كلم سليمان بن داود متأول لنهما من ولد إسرائيل وليس يجوز أن ‪#‬‬
‫يكونا قبل الدنيا ‪ #‬قلنا وكذلك قول المسيح أنا قبل الدنيا متأول لنه من ولد إبراهيم‬
‫ول يجوز أن يكون قبل إبراهيم فإن تأولتم تأولنا وإن تعلقتم بظاهر الخبر في المسيح‬
‫تعلقنا بظاهر الخبر في سليمان وداود وإل فما الفرق ‪ #‬وقد قدمنا هذا الحتجاج على‬
‫تأويلكم لتعلموا بطلن ما ذهبتم إليه على أنه تأويل غير واقع بحقه وإنما حقه أن‬
‫يكون هذا السم يعني عمانويل لما وقع على المسيح كان معناه أنه أخبر عن نفسه‬
‫بأن إلهنا معنا يعني أن ال معه ومع شعبه معينا وناصرا ‪ #‬ومما يصحح ذلك أنكم‬
‫تتسمون به ولو كان المعنى ما ذهبتم إليه لما جاز لحد أن يتسمى به كما لم يجز أن‬
‫يتسمى بالمسيح لنه مخصوص بمعناه ‪ #‬فإن قلتم إن تلميذ المسيح كانوا يعلمون‬
‫اليات باسم المسيح ‪ #‬قلنا لكم فقد قال ال جل ثناؤه ليحيى بن زكريا قد أيدتك بروح‬
‫القدس وبقوة إلياس وهي قوة تفعل اليات فأضاف القوة إلى إلياس‬

‫فإن زعمتم أن المسيح إله لنه فعلت اليات باسمه فما الفرق بينكم وبين من قال ‪#‬‬
‫إن إلياس إله فإنه فعلت بقوته اليات فإن قلتم إن الخشبة التي صلب عليها المسيح‬

‫‪397‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪398‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على زعمكم ألصقت بميت فعاش فإن هذا دليل على أنه إله قلنا لكم فما الفرق بينكم‬
‫وبين من قال إن اليسع إله واحتج في ذلك بأن كتاب سفر الملوك يخبر بأن رجل‬
‫مات فحمله أهله إلى المقبرة فلما كانوا بين القبور رأوا عدوا لهم يريد أنفسهم‬
‫فطرحوا الميت عن رقابهم وبادروا إلى المدينة وكان الموضع الذي ألقوا عليه الميت‬
‫قبر اليسع فلما أصاب ذلك الميت تراب قبر اليسع عاش وأقبل يمشي إلى المدينة فإن‬
‫زعمتم أن المسيح إله لن الخشبة التي ذكروا أنه صلب عليها ألصقت بميت ف‬
‫عاش فاليسع إله لن تراب قبره لصق بميت فعاش ‪ #‬فإن قلتم أن المسيح كان من‬
‫غير فحل قلنا لكم قد كان ذلك وليس أعجوبة الولدة توجب اللهية ول الربوبية لن‬
‫القدرة في‬

‫ذلك للخالق تبارك وتعالى ل للمخلوق وعلى أنه يوجدكم لن حواء خلقت من فحل‬
‫بل أنثى وخلق أنثى من ذكر بل أنثى أعجب من ذكر من أنثى بغير ذكر وأعجب‬
‫من ذلك أن آدم خلقه ال من تراب وخلق بشر من تراب وأعجب وأبدع من خلق‬
‫ذكر من أنثى بل فحل فما الفرق ‪ #‬قال وهذه السباب التي ذكرناها كلها هي‬
‫السباب التي تتعلقون بها في نحلتكم المسيح الربوبية وإضافتكم إليه اللهية وقد‬
‫وصفناها على حقائقها عندكم وقبلنا فيها قولكم وإن كنا ل نشك في أن أهل الكتاب قد‬
‫حرفوا بعض ما فيها من الكلم عن مواضعه وأوجدناكم بطول ما تنتحلونه وفساد ما‬
‫تتأولونه من الكتب التي في أيديكم التوراة والزبور والنبياء والنجيل فما الذي يثبت‬
‫الحجة بعد ذلك لكم ‪ #‬قال وقد قال السيد المسيح في النجيل لتلميذه لما سألوه عن‬
‫الساعة والقيامة إن ذلك اليوم وتلك الساعة ل يعرفه أحد ول الملئكة الذين في‬
‫السماء ول البن أيضا ولكن الب وحده‬

‫يعرفه قال فهذا إقرار منه بأنه منقوص العلم وأن ال تبارك وتعالى أعز وأعلم منه‬
‫وأنه خلفه وأعل منه وقد بين بقوله أحد عمومه بذلك الخلق جميعا ثم قال ول‬
‫الملئكة وعندهم من علم ال ما ليس عند أهل الرض ثم قال ول البن وله من القوة‬
‫ما ليس لغيره وشهد قوله هذا شهادة واضحة عليه بأنه ل يعلم كل ما يعلمه ال بل ما‬
‫علمه ال إياه وأطلعه على معرفته وجعله له وأنه لقصور معرفته بكل الشياء ليس‬
‫بحيث يصفونه من الربوبية وأنه هو ال ومن جوهر أبيه تعالى ال الخالق لكل شيء‬
‫علوا كبيرا ولو كان إلها كما يقولون لعلم ما يعلمه ال من سائر الشياء وسرائر‬
‫المور وعلنيتها إذا كان هذا المعنى ليس من الكلم الذي إذا سئلتم عنه تعلقتم بأنه‬
‫قيل للناسوت دون اللهوت ‪ #‬قلت مقصوده بذلك أنه صرح بأنه ل يعلمه أحد ثم‬
‫خص‬

‫الملئكة بالذكر لئل يظن أن أحدا منهم يعلمه فقال ول الملئكة الذين في السماء ثم‬
‫قال ول البن يعرفه وأن الب وحده يعرفه فنفى معرفة البن وأثبت أن الب وحده‬
‫يعرفه ومراده بالبن المسيح فعرف أن المسيح ل يعرفه وأثبت أن الرب يعرفه دون‬
‫البن ودل ذلك على أن لفظ البن عند المسيح إنما يراد بها الناسوت وحده إذ كان ل‬

‫‪398‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪399‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يجوز نفي العلم عن اللهوت فإن اللهوت يعلم كل شيء وقد دل ذلك على أن قوله‬
‫عمدوا الناس باسم الب والبن المراد به الناسوت وحده كما أريد بلفظ البن في‬
‫سائر كلمه وكلم غيره لم يرد قط أحد منهم بلفظ البن اللهوت بل إطلق البن‬
‫على اللهوت مما ابتدعته النصارى وحملوا عليها كلم المسيح فابتدعوا لصفات ال‬
‫أسماء ما أنزل ال بها من سلطان وحملوا عليها كلم المسيح وإنما يحمل كلم‬
‫النبياء عليهم السلم وغيرهم على معنى لغتهم التي جرت عادتهم بالتكليم بها ل‬
‫على لغة يحدثها من بعدهم ويحمل كلمهم عليها ‪ #‬قلت فإن هذا الذي فعلته‬
‫النصارى وأشباههم يفتح باب اللحاد في كتب ال المنزلة وقد قال تعالى ‪ ^ #‬إن‬
‫الذين يلحدون في ءاياتنا ليخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي ءامنا‬
‫^ يوم القيامة‬

‫وذلك أن كل من اعتقد معاني برأيه يمكنه أن يعبر عنها بألفاظ تناسبها بنوع ‪#‬‬
‫مناسبة وتلك اللفاظ موجودة في كلم النبياء عليهم السلم لها معان أخر ويجعل‬
‫تلك اللفاظ دالة على معانيه التي رآها ثم يجعل اللفاظ التي تكلمت بها النبياء‬
‫وجاءت بها الكتب اللهية أرادوا بها معانيه هو وهكذا فعل سائر أهل اللحاد في‬
‫سائر الكتب اللهية كما فعلته النصارى مثل ما عمدت الملحدة المتبعون لفلسفة‬
‫اليونان القائلون بأن هذه الفلك قديمة أزلية لم تزل ول تزال وأن ال لم يتكلم‬
‫بالتوراة ول غيرها من الكتب اللهية ول هو عالم بالجزئيات ل بموسى بن عمران‬
‫ول بغيره ول هو قادر أن يفعل بمشيئه ول يقيم الناس من قبورهم فقالوا خلق‬
‫وأحدث وفعل وصنع ونحو ذلك يقال على الحداث الذاتي والحداث الزماني ‪#‬‬
‫فالول هو إيجاب العلة لمعلولها المقارن لها في الزمان ‪ #‬والثاني إيجاد الشيء بعد‬
‫أن لم يكن ثم قالوا ونحن نقول إن ال خلق السماوات والرض وما بينهما وأحدث‬
‫ذلك وأبدعه وصنعه كما أخبرت بذلك النبياء عليهم السلم لكن مرادهم بذلك‬
‫الحداث الذاتي وهو أن ذلك معلول لة لم يزل معه ‪ #‬فيقال لهم لم يستعمل أحد من‬
‫النبياء عليهم الصلة‬

‫والسلم بل ول أحد من سائر المم لفظ الخلق والحداث إل فيما كان بعد عدمه وهو‬
‫ما كان مسبوقا بعدمه ووجود غيره ومعنى هذا اللفظ معلوم بالضطرار في جميع‬
‫لغات المم وأيضا فاللفظ المستعمل في لغة العامة والخاصة ل يجوز أن يكون معناه‬
‫ما ل يعرفه إل بعض الناس وهذا المعنى الذي يدعونه لو كان حقا لم يتصوره إل‬
‫بعض الناس فل يجوز أن يكون اللفظ العام الذي تداوله العامة والخاصة موضوعا‬
‫له إذا كان هذا يبطل مقصود اللغات ويبطل تعريف النبياء للناس فكيف وهو باطل‬
‫في صريح المعقول كما هو باطل في صحيح المنقول فإنه لم يعرف أن أحدا قط عبر‬
‫عن القديم الزلي الذي لم يزل موجودا ول يزال بأنه محدث أو مخلوق أو مصنوع‬
‫أو مفعول فهذا الذي ذكرتموه كذب صريح على النبياء عليهم السلم لتوهموا الناس‬
‫أنكم موافقون لهم والكتب اللهية كالتوراة والقرآن مصرحة بأن ال خلق السماوات‬
‫والرض وما بينهما في ستة أيام والقديم الزلي ل يكون مخلوقا في ستة أيام وكذلك‬

‫‪399‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪400‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكتب اللهية كالتوراة والقرآن قد أخبرت بتكليم ال لموسى وبندائه إياه من الطور‬
‫من الشجرة وفي التوراة أنها شجرة العليق ‪ #‬وأخبرت بأن موسى عليه السلم كان‬
‫يلقي عصاه فتصير حية‬

‫تسعى ويخبر بأن ال فلق البحر فقالت الملحدة إن الشيء الثابت يسمى طورا فإنه‬
‫ثابت كالجبل والقلوب تسمى أودية وإظهار العلوم بتفجير ينابيع العلم والحجة‬
‫المبتلعة كلم أهل الباطل هي عصا معنوية فمراد الكتب بالطور العقل الفعال الذي‬
‫فاض منه العلم على قلب موسى عليه السلم والوادي قلب موسى والكلم الذي‬
‫سمعه موسى سمعه من سماء عقله وتلك الصوات كانت في نفسه ل في الخارج‬
‫والملئكة التي رآها كانت أشخاصا نورانية تمثلت في نفسه ل في الخارج والبحر‬
‫الذي فلقه هو بحر العلم والعصا كانت حجته غلب على السحرة بحجته العلمية‬
‫فابتلعت حجته شبههم التي جعلوها حبال يتوسلون بها إلى نيل أغراضهم وعصيا‬
‫يقهرون بها من يجادلونه ‪ #‬أفليس من قال مثل هذا الكلم يعلم بالضطرار أنه‬
‫يكذب على الكتب اللهية التي أخبرت بقصة موسى كالتوراة والقرآن وأنه ليس‬
‫مراد الرسل بما أخبروا به من قصة موسى هذا بل صرحوا بأن موسى سمع نداء‬
‫ال له وأنه كلمه من الطور طور سينا الذي هو الجبل وقلب عصاه التي كان يهش‬
‫بها على غنمه ثعبانا عظيما وفلق له البحر وأغرق فيه آل فرعون فغرقوا وماتوا فيه‬
‫وهلكوا وأمثال هذا من تحريفات الملحدة كثير ‪ #‬فهكذا النصارى حرفوا كتب ال‬
‫وسموا صفة ال القديمة الزلية‬

‫التي هي علمه أو حكمته ابنا وسموها أيضا كلمة وسموا صفته القديمة الزلية التي‬
‫هي حياته روح القدس وتسمية هذه الصفات بهذه السماء ل توجد في شيء من كلم‬
‫النبياء ول غيرهم ول يعرف أن أحدا قط ل من النبياء ول غيرهم سمى علم ال‬
‫القائم به ابنه بل ولسمى علم أحد من العالمين القائم به ابنه ولكن لفظ البن يعبر به‬
‫عمن ولد الولدة المعروفة ويعبر به عمن كان هو سببا في وجوده كما يقال ابن‬
‫السبيل لمن ولدته الطريق فإنه لما جاء من جهة الطريق جعل كأنه ولده ‪ #‬ويقال‬
‫لبعض الطير ابن الماء لنه يجيء من جهة الماء ويقال كونوا من أبناء الخرة ول‬
‫تكونوا من أبناء الدنيا فإن البن ينتسب إلى أبيه ويحبه ويضاف إليه أي كونوا ممن‬
‫ينتسب إلى الخرة ويحبها ويضاف إليها وهذا اللفظ موجود في الكتب التي بأيدي‬
‫أهل الكتاب في حق الصالحين الذين يحبهم ال ويربيهم كما ذكروا أن المسيح قال‬
‫أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وفي التوراة أن ال قال ليعقوب أنت ابني بكري ‪ #‬ونحو‬
‫ذلك مما يراد به إذا كان صحيحا له معنى صحيح وهو المحبة له والصطفاء له‬
‫والرحمة له وكان المعنى مفهوما عند‬

‫النبياء عليهم السلم ومن يخاطبونه وهو من اللفاظ المتشابهة فصار كثير من‬
‫أتباعهم يريدون به المعنى الباطل ‪ #‬وزعم كثير من الكفار أن ل سبحانه وتعالى‬
‫بنين وبنات وأن الملئكة بناته وبعض من يقول بقدم العالم من المتفلسفة يقولون‬

‫‪400‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪401‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العقول العشرة هي بنوه والنفوس الفلكية هي بناته وهي متولدة عنه لزمة لذاته‬
‫فجاء القرآن الذي هو أفضل الكتب وأكملها بإبطال هذه المعاني ومنع استعمال هذا‬
‫اللفظ في حق ال تعالى فنزه ال عن أن يتخذ ولدا كما نزهه عن أن يكون له ولد‬
‫والول من باب تنزيهه عن الفعال المذمومة وهذا على قول جماهير المسلمين‬
‫وغيرهم الذين ينزهون ال ويقدسونه عن الفعال القبيحة التي ل تليق به بل تنافي ما‬
‫وجب له من الكمال في أفعاله كما وجب له الكمال في ذاته وصفاته وأما من كان‬
‫من المسلمين وغيرهم ل ينزه ال عن فعل من الفعال إل ما كان ممتنعا لذاته فاما‬
‫الممكن المقدور فيقول ل يعلم انتفاؤه إل بالخبر أو بالعادة المطردة التي يمكن‬
‫انتقاضها فهذا ل يبقى معه ما ينفي به عن ال الفعال المذمومة القبيحة والكتب‬
‫اللهية قد نزهت الرب عز وجل عن الفعال المذمومة كما نزهته عن صفات‬
‫النقص كقوله تعالى‬

‫وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم ^ ‪#‬‬
‫بأمره يعملون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إنما ال إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما‬
‫في السماوات وما في الرض وكفى بال وكيل ^ ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬وجعلوا ل‬
‫شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك‬
‫ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ^ ‪ #‬وقال تعالى عن المؤمنين ‪^ #‬‬
‫ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫^ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك‬

‫السماوات والرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء‬
‫فقدره تقديرا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من إله إذا‬
‫لذهب كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض سبحان ال عما يصفون عالم الغيب‬
‫والشهادة فتعالى عما يشركون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أل إنهم من إفكهم ليقولون ولد‬
‫ال وإنهم لكاذبون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد‬
‫ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬فكما نزه نفسه عن الولدة نزه نفسه عن اتخاذ الولد ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن‬
‫منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا‬

‫وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والرض إل ءاتي الرحمن‬


‫عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬لن‬
‫يستنكف المسيح أن يكون عبدا ل ول الملئكة المقربون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ول‬
‫يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ^ ‪#‬‬
‫وفي الصحيح عن النبي أنه قال يقول ال تعالى كذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك‬
‫وشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله أنى يعيدني كما بدأني‬
‫وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله أني اتخذت ولدا وأنا‬

‫‪401‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪402‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‬

‫وفي الصحيح عن النبي أنه قال ما أحد أصبر على أذى سمعه من ال إنهم ‪#‬‬
‫ليجعلون له ولدا وشريكا وهو يرزقهم ويعافيهم ‪ #‬ولهذا كان معاذ بن جبل يقول ل‬
‫ترحموا النصارى فإنهم سبوا ال مسبة ما سبه إياها أحد من البشر فجاءت هذه‬
‫الشريعة الحنيفية القرآنية وحرمت أن يتكلم في حق ال باسم ابن أو ولد سدا للذريعة‬
‫كما منعت أن يسجد أحد لغير ال وإن كان على وجه التحية كما منعت أن يصلي‬
‫أحد عند طلوع الشمس وغروبها لئل يشبه عباد الشمس والقمر فكانت بسدها‬
‫للبواب التي تجعل ل فيها‬

‫الشريك والولد أكمل من غيرها من الشرائع كما سدت غير ذلك من الذرائع مثل‬
‫تحريمها قليل المسكر لنه يجر إلى كثيره فإن أصول المحرمات التي قال ال فيها ‪#‬‬
‫^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن‬
‫تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ ‪ #‬مما اتفقت‬
‫عليه شرائع النبياء بخلف تحريم الطيبات عقوبة فإن هذا جاء في شرع التوراة‬
‫دون شرع القرآن فإن ال أحل لمة محمد الطيبات وحرم عليهم الخبائث وكذلك‬
‫تكميل التوحيد من كل الوجوه وسد أبواب الشرك من كل الوجوه جاءت به هذه‬
‫الشريعة مع اتفاق النبياء على إيجاب التوحيد وتحريم أن يجعل ل شريك أو ولد ‪#‬‬
‫فإذا كان مراد المسيح عليه السلم بالبن هو الناسوت وهو لم يسم اللهوت ابنا وقد‬
‫ذكر أن البن ل يعلم الساعة فتبين بذلك أن المسيح هو الناسوت وحده وأنه ل يعلم‬
‫الساعة وهذا هو الحق وإن قالوا مراده بالبن اللهوت أو اللهوت والناسوت لزم‬
‫من ذلك أن اللهوت أو اللهوت والناسوت ل يعلم الساعة وهذا باطل‬

‫وكذب وهو أيضا مناقض لقولهم ‪ #‬فدل هذا النص من المسيح مع سائر نصوصه‬
‫ونصوص النبياء على أن مسمى البن هو الناسوت وحده وأنه ل يعلم ما يعلمه ال‬
‫وذلك صريح في أنه مخلوق ليس بخالق ول يجوز أن يكون هذا خطابا للناسوت‬
‫المتحد باللهوت دون اللهوت كما يتأوله عليه بعض النصارى لن كل ما علمه‬
‫اللهوت المتحد بالمسيح علمه الناسوت ولن الناسوت ليس هو البن عندهم دون‬
‫اللهوت المتحد به بل اسم البن عندهم هو اللهوت ولجل التحاد دخل فيه‬
‫الناسوت ولنه لم يثبت إل علم الب وحده لم يستثن علم البن الزلي عندهم بل نفى‬
‫علم ما سوى الب به وهذا مناقض لقولهم من كل وجه‬

‫فصل ‪ #‬قال الحسن بن أيوب ومثل هذا أنه لما خاطبه الرجل على ما كتب في‬
‫النجيل فقال له أيها الخير فقال ليس الخير إل ال وحده قلت وبعضهم يترجمه أيها‬
‫الصالح فقال ليس الصالح إل ال وحده قال ومثله قوله في النجيل إني لم آت لعمل‬
‫بمشيئتي لكن بمشيئته من أرسلني قال ولو كانت له مشيئة لهوتية كما يقولون لما‬

‫‪402‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪403‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال هذا القول فقد أبطل به ما تدعونه في ذلك ‪ #‬قال ثم أنتم مع ذلك تدعون أن‬
‫المسيح كلمة ال ومن قوة ال غير بائنة منه ول منفصلة عنه وتشهدون عليه في‬
‫النجيل بقوله إنه يصعد إلى السماء ويجلس عن يمين أبيه ويدين الناس‬

‫يوم القيامة ويجازيهم بأعمالهم ويتولى الحكم بينهم وأن ال عز وجل منحه ذلك إذ‬
‫كان ل يراه أحد من خلقه في الدنيا ول في الخرة فإن كان هذا الجالس للحكومة بين‬
‫العالمين يوم الدين والقاعد عن يمين أبيه وهو شخص قائم بذاته ل يشك فيه هو‬
‫الجسد الذي كان في الرض المتوحد به الربوبية فقد فصلتم بين ال تبارك وتعالى‬
‫وبينه وبعضتموه باجتماعهما في السماء شخصين متباينين أحدهما عن يمين صاحبه‬
‫وهذا كفر وشرك بال عز وجل وإن كان جسدا خاليا من اللهية وهي الكلمة وقد‬
‫عادت إلى ال كما بدت منه فقد زال عنه حكم الربوبية التي تنتحلونه إياها ‪ #‬قال‬
‫ونسألكم عن واحدة نحب أن تخبرونا بها هي أصل ما وضعتموه من عبادة الثلثة‬
‫القانيم التي ترجع بزعمكم إلى جوهر واحد وهو اللهوت ما هو ومن أين أخذتموه‬
‫ومن أمركم به وفي أي كتاب نزل وأي نبي تنبأ به أو أي قول للمسيح تدعونه فيه‬
‫وهل بنيتم أمركم في ذلك إل عل قول متى التلميذ على المسيح‬

‫عليه السلم أنه قال لتلميذه حيث أراد أن يفارقهم اذهبوا فعمدوا الناس باسم الب‬
‫والبن وروح القدس ‪ #‬قال وهذا كلم يحتمل معناه إن كان صحيحا أن يكون ذهب‬
‫فيه بأن يجمع هذه اللفاظ إلى أن تجتمع لهم بركات ال وبركة نبيه المسيح وروح‬
‫القدس التي يؤيد بها النبياء والرسل وقد نراكم إذا أردتم الدعاء بعضكم لبعض قلتم‬
‫صلة فلن القديس تكون معك ومعنى الصلة الدعاء واسم فلن النبي يعينك على‬
‫أمورك ‪ #‬وكما قال ال تبارك وتعالى ‪ ^ #‬يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم ^ ‪ #‬يقرن طاعته نبيه وأولي المر من المسلمين أفنقول‬
‫لذلك إنهم جميعا آلهة ‪ #‬قال وقد يجوز أن يكون له معنى يدق عن الوقوف عليه‬
‫بغير التأويل إن لم يكن معناه ما قلناه أو يكون المسيح عليه السلم ذهب فيه إلى ما‬
‫هو أعلم به فلم حكمتم بأنه ذهب إلى أن هذه‬

‫السماء لما أضافها إلى ال عز وجل صارت آلهة وجعلتم لها أقانيم لكل اسم أقنوم‬
‫يخصه بعينه وهو شخص واحد وكيف استجزتم ما أشركتموه مع ال عز وجل‬
‫بالتأويل الذي ل يصح ‪ #‬وإذا قلتم بثلثة أقانيم كل أقنوم بذاته فل بد من أن تعترفوا‬
‫ضرورة بأن كل أقنوم منها حي سميع بصير عالم حكيم منفرد بذاته كما يقولون في‬
‫المسيح أنه جالس عن يمين أبيه فنراكم أخذتم القنومين اللذين أحدثتموها مع ال من‬
‫جهة أن ال حكيم حي فحكمته الكلمة وهي المسيح وروحه روح القدس وهذه صفة‬
‫من صفات ال مثلها كثير لنه يقال حكيم عليم سميع بصير حي قدير ‪ #‬وكذلك ربنا‬
‫تبارك وتعالى وإن كانت صفاتنا إياه ل تلحق صفاته ول تبلغ كنه مجده إل بالتمثيل‬
‫لعظمته وعزته وجلله وعلوه فنحلتم صفاته التي هي معناه وليست سواه غيره‬
‫وجعلتموه‬

‫‪403‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪404‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أقانيم لكل واحد من الحياة والحكمة وسائر الصفات مثل الذي له وما منها أقنوم له‬
‫صفة إل ويحتمل على قياس قولكم أن تكون صفته مثله فإذا كانت هذه القانيم آلهة‬
‫وكل صفة إله وهي من جوهره فيجب أن تكون كل صفة لكل واحد من الثلثة‬
‫القانيم إلها مثله إذ كان من جوهره فيتسع المر في ذلك حتى ل يكون له غاية ول‬
‫نهاية ‪ #‬قال وإذا قلتم بثلثة أقانيم هي في السماء من جوهر قديم أفليس يلزمكم‬
‫القرار بثلثة آلهة لن القانيم أشخاص يومأ إليها ويقع الحد عليها وإل فما الحجة‬
‫وأنتم تذكرون في بعض احتجاجكم أنها ثلثة ترجع إلى واحد غير متبعضة ول‬
‫منفصلة وتشبهونها في اجتماعها وظهور ما يظهر منها بالشمس وقد نراكم عقدتم‬
‫شريعة إيمانكم على أن المسيح إله وإنسان متحدين وأنه يصعد إلى السماء ويجلس‬
‫عن يمين أبيه والجالس عن يمين صاحبه أليس هو منفصل‬

‫عنه مفروزا عنه فكيف يصح على هذا القول قياس أو يصح به عقد دين تقولون ‪2‬‬
‫مرة مجتمع ومرة منفصل وما شبهتموه به من الشمس فقد تقدم شرحنا لبطلن‬
‫الحجة فيه وأنه ل يكون قياسه القياس الذي تعلقتم به ‪ #‬على أنا وجدناكم تقولون في‬
‫معنى التثليث إن الذي دعاكم إليه ما ذكرتم أن متى التلميذ حكاه في النجيل عن‬
‫المسيح عليه السلم إذ قال لتلميذه سيروا في البلد وعمدوا الناس باسم الب‬
‫والبن والروح القدس وأنكم فكرتم في هذا القول بعقولكم فعلمتم أن المراد بذلك أنه‬
‫لما أن ثبت حدوث العالم علمتم أن له محدثا فتوهمتموه شيئا موجودا ثم توهمتموه‬
‫حيا ثم ناطقا لن الشيء ينقسم لحي ول حي والحي ينقسم لناطق ول ناطق ‪ #‬وأنكم‬
‫علمتم بذلك أنه شيء حي ناطق فأثبتم له حياة ونطقا غيره في الشخص وهما هو في‬
‫الجوهرية ‪ #‬فنقول لكم في ذلك إذا كان الحي له حياة ونطق فأخبرونا عنه أتقولون‬
‫أنه قادر عزيز أم عاجز ذليل ‪ #‬فإن قلتم ل بل هو قادر عزيز قلنا فأثبتوا له قدرة‬
‫وعزة كما أثبتم له حياة وحكمة‬

‫فإن قلتم ل يلزمنا ذلك لنه قادر بنفسه عزيز بنفسه قلنا لكم وكذلك فقولوا إنه حي ‪#‬‬
‫بنفسه وناطق بنفسه ول بد لكم مع ذلك من إبطال التثليث أو إثبات التخميس وإل فما‬
‫الفرق وهيهات من فرق ‪ #‬وقال الحسن بن أيوب أيضا إنا كلما تأملنا معكم في نسبة‬
‫المسيح عليه السلم إلى اللهية وعبادتكم له مع ال على الجهة التي تذهبون إليها‬
‫وطلبنا لكم الحجة في ذلك من كتبكم ازددنا بصيرة في استحالة ذلك ووضعكم له من‬
‫القول ما ليثبت لكم به حجة ول يشهد به لكم شيء من كتبكم ووجدنا أبين ما جاء‬
‫في المسيح وصحة أمره فيما أتى به ما قال متى التلميذ إنه لما جاء يسوع إلى أرض‬
‫قيسارية سأل تلميذه فقال ماذا يقول الناس في أني ابن البشر فقالوا منهم من يقول‬
‫إنك يوحنا المعمداني وآخرون يقولون إنك أرميا أو أحد النبياء فقال لهم يسوع فأنتم‬
‫ماذا تقولون فأجابه سمعان الصفا وهو رئيسهم فقال أنت المسيح ابن ال الحق فأجابه‬
‫المسيح وقال طوبى لك يا سمعان ابن يونان إنه لم يطلعك على‬

‫‪404‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪405‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا لحم ول دم ولكن أبي الذي السماء ‪ #‬وحكى لوقا في إنجيله هذا الخبر فقال إن‬
‫سمعان أجابه فقال أنت مسيح ال ولم يقل ابن ال فهذا كلم تلميذه الرئيس فيه‬
‫وأرضاه ما قال ‪ #‬وقوله إنه لم ينطق بذلك إل ما أوحاه ال في قلبه ولم ندفعكم قط‬
‫عن أنه مسيح ال ول عن أنه كما تقولون في لغتكم أنه ابن ال بالرحمة والصفوة مع‬
‫هذا الختلف الواقع في ذلك في النجيلين وقد قال مثل ذلك فيكم جميعا إن ال إلهي‬
‫وإلهكم وأبي وأبيكم فنعمل على احتجاجكم بأنه ليس مثلكم في معنى‬

‫النبوة ونجعله مثل من سمى في الكتب ابنا على جهة الصطفاء والمحبة مثل‬
‫إسرائيل وغيره بل قد خص إسرائيل بأن قال عز وجل أنت ابني بكرى وهذا كلم‬
‫له مذهب في اللغة القديمة التي جاءت بها الكتب وليست بموجبة اللهية إذ كان قد‬
‫شاركه في هذا السم غيره فلم ل جعلتموه كما جعل نفسه ‪ #‬ومما يؤكد المعنى في‬
‫ذلك ويزيل تأويل من يتأوله له ما لم يدعه ولم يرض به قوله في علم الساعة أن ذلك‬
‫شيء ل يعلمه أحد من الخلق ول الملئكة المقربون ول البن يعني نفسه إل الب‬
‫وحده ثم قال للرجل الذي أتاه فقال لة أيها العالم الصالح أي العمال خير لي الذي‬
‫تكون لي حياة إلى يوم الدين فقال له لم تقول لي صالحا ليس الصالح إل ال وحده‬
‫فاعترف ل بأنه واحد ل شريك له ونفى عن نفسه فلم يجعلها ول أحد من الخلق‬
‫أهل لذلك ‪ #‬وقوله للمرأة التي جاءته فقالت أنت ذلك النبي الذي كنا ننتظر مجيئه‬

‫فقال لها المسيح صدقت طوبى لك ثم قال للشيطان حين اختبره فسامه أن يلقي ‪#‬‬
‫نفسه من رأس الهيكل فقال أمرنا أن ل نجرب الرب ثم سامه أن يسجد له فقال أمرنا‬
‫أن ل نسجد إل ل وحده ول نعبد سواه ثم صلته في غير وقت ل وآخرها الليلة‬
‫التي أخذته اليهود فيها فإذا كان إلها كما زعمتم فلمن كان يصلي ويسجد ‪ #‬ثم قول‬
‫الجموع الذين كانوا معه حين دخل أورشليم وهي مدينة بيت المقدس على التان لمن‬
‫كان يسأله عن أمره لما راجت المدينة به هذا هو يسوع الناصري النبي الذي من‬
‫الناصرة ثم قوله في بعض النجيل أخرجوا بنا من هذه المدينة فإن النبي ل يبجل‬
‫في مدينته وفي موضع آخر أنه قال ل يهان نبي إل في مدينته وفي بيته وأقاربه ‪#‬‬
‫وقوله في بعض خطبه إن هذا الجيل السوء يريد آية وأنه‬

‫ل يعطى إل آية يونس كما كان يونس لهل نينوى كذلك يكون ابن البشر لهذا الجيل‬
‫رجال نينوى يقومون في الدين مع هذا الجيل فيخصمونهم لنهم تابوا على قول‬
‫يونس النبي وإن هاهنا أفضل من يونس ‪ #‬ثم قول داود في نبوته عليه من هذا‬
‫الرجل الذي ذكرته وجعلته‬

‫دون الملئكة قليل ثم قول تلميذه فيه ما شرحناه في صدر كتابنا هذا ما تقدم‬
‫ووصفهم أنه رجل أتى من عند ال باليدي والقوة ‪ #‬ومما يشبه ذلك أنه لما قدم‬
‫تلمذته فركبوا السفينة وقال لهم امضوا فإني ألحق بكم فأتاهم يمشي على البحر فلما‬
‫رأوه في تلك الحال قالوا ما هذا الحال ويح ومن الغرق صاحوا فقال لهم يسوع‬

‫‪405‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪406‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اطمئنوا ول تخافوا أنا هو فأجابه شمعون الصفا وقال له يا رب إن كنت أنت هو‬
‫فاذن لي آتيك على الماء فقال له تعال فنزل سمعان إلى الماء ليمشي عليه فلم يستطع‬
‫وجعل يغرق فصاح وقال يا رب أغثني فبسط يده يسوع فأخذه وقال له لم تشككت يا‬
‫قليل المانة قال فبان بذلك عجز المسيح عن إتمام ما سأله شمعون الصفا ومثله أمر‬
‫الرجل الذي قال ليسوع خبر ابنته وما ينالها من الشيطان وأنه قد قدمها إلى تلميذه‬
‫فلم يستطيعوا أن يخرجوه وقد كان جعل لهم ذلك وغيره فأخرجه هو منها ‪ #‬وقال‬
‫في النجيل وهو يذكر المثال التي ضربها لرؤساء الكهنة أنهم لما سمعوها منه‬
‫علموا أنها في شأنهم فهموا أن يأخذوه ثم فرقوا‬

‫من الجموع لنهم كانوا ينزلونه مثل النبي ‪ #‬وقال في النجيل لما جاءته أم ابني‬
‫زندا وكانت من تلمذته مع ابنيها فقال لها ما تريدين قالت أريد أن تجلس ابناي‬
‫أحدهما عن يمينك والخر عن شمالك في ملكوتك فقال ليس إلى ذلك سبيل لنه ليس‬
‫لي أن أعطيه ولكن من وعد له من أبي ‪ #‬قال الحسن بن أيوب فما يكون يا هؤلء‬
‫أفصح وأبين وأوضح من اجتماع هذه الشواهد لكم في كتبكم ما رضيتم بقوله في‬
‫نفسه ول بقول تلمذته فيه ول بقول من تنبأ عليه من النبياء ول قول جموعه الذين‬
‫تولوه لمن سألهم من مخالفيهم عنه وتركتم ذلك كله‬

‫وأخذتم بآراء قوم تأولوا لكم على علمكم بأنهم قد اختلفوا أيضا في الرأي فقال كل‬
‫قوم في المسيح ما اختاروا واتبع كل منهم طائفة قالوا بقولهم ثم سلك من بعدهم‬
‫سبيل الباء في القتداء بهم ‪ #‬فبينوا لنا حجتكم في ذلك وهيهات من حجة ونحن‬
‫نستوهب ال العصمة والتوفيق منه ‪ #‬قال ومما يشبه ما تقدم قوله لتلميذه في إنجيل‬
‫لوقا فأما أنتم الذين صبرتم معي في بلئي وتجاربي فإني أعدكم كما وعدني أبي‬
‫الملكوت لتأكلوا وتشربوا معي على مائدتي في ملكوتي فبين أن ال عز وجل ثناؤه‬
‫وعده أن يجعله في ملكوت السماء يأكل ويشرب مع تلميذه على مائدته وهذا ما ل‬
‫شك لكم فيه وهو مخالف لقولكم فيما يصير إليه وفي الكل والشرب‬

‫والنعيم هناك ثم قوله لشمعون حين أتته الجموع فأخذوه أم تظن أني لست قادرا أن‬
‫أطلب إلى أبي فيقيم لي اثني عشر جندا من ملئكته أو أكثر ولكن كيف تتم الكتب‬
‫أنه هكذا ينبغي أن يكون ولم يقل إني قادر أن أدفعهم عن نفسي ول أني آمر الملئكة‬
‫أن يمنعوا عني كما يقول من له القدرة والمر ‪ #‬قال ونجدكم تقولون في المسيح‬
‫عليه السلم إنه مولود من أبيه أزلي ويجب على المدعي القول أن يثبت الحجة فيه‬
‫ويعلم أنه مطالب بإيضاحها ل سيما في مثل هذا الخطب الجليل الذي ل يقع التلعب‬
‫به ول تجترىء النفوس على ركوب الشبهات فيه والويل الطويل لمن تأول في ذلك‬
‫تأويل ل حقيقة له فإنه يهلك نفسه ومن كان من الناس معه ممن يتبع قوله إن كان‬
‫هذا البن أزليا على ما في شريعة إيمانكم فليس هذا بمولود وإن كان مولودا فليس‬
‫بأزلي لن اسم الزلية إنما يقع على من ل أول له ول آخر ‪ #‬ومعنى المولود أنه‬
‫حادث مفعول وكل مفعول فله أول فكيف‬

‫‪406‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪407‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ما أردتم القول فيه كان بطلن الشريعة ‪ #‬قال ونسألكم أيضا عن واحدة لم سميتم‬
‫الب أبا والبن ابنا فإنه إن كان وجب للب اسم البوة لقدمه فالبن أيضا يستحق‬
‫هذا السم بعينه إذ كان قديما مثله وإن كان الب عالما عزيزا فهو أيضا عالم عزيز‬
‫تشهد شريعة اليمان له بذلك في قولها إنه خلق الخلئق كلها وأتقنت على يده وأنه‬
‫نزل لخلصكم ومن قدر على ذلك لم يكن إل عالما عزيزا فهذه المعاني التي‬
‫ذكرناها تبطل اسم البوة والبنوة وفي إبطالها بطلن الشريعة التي تقول ولد من أبيه‬
‫وإل فإن كان الب والبن متكافئين في القدم والقدرة فبأي فضل وسلطان للب عليه‬
‫أمره ونهاه فصار الب باعثا والبن مبعوثا والب متبوعا مطاعا والبن تابعا‬
‫مطيعا ‪ #‬ومما يشهد بصحة قولنا وبطلن ما تأوله أولوكم في عبودية المسيح أن‬
‫متى التلميذ حين بنى كتابه النجيل أول ما ابتدأ به أن قال كتاب مولد يسوع المسيح‬
‫ابن داود بن إبراهيم فنسبه إلى من كان منه على الصحة ولم يقل إنه ابن ال ول إنه‬
‫إله من إله كما يقولون فإن قلتم إن تسمية يسوع للناسوت الذي قد جعلتموه حجة‬
‫بينكم وبين‬

‫كل من التمس الحجة منكم عند النقطاع فيما يعترف به للمسيح من العبودية فقد‬
‫نسق متى على اسم يسوع الذي هو عندكم اسم للناسوت المسيح الذي هو جامع‬
‫الناسوت واللهوت فأي حجة في إبطال هذا التأويل أوضح من هذا ‪ #‬ومما يصحح‬
‫قولنا ويؤكده قول جبريل الملك لمريم عند مخاطبته إياها إنه ابن داود على ما ثبت‬
‫من ذلك في النجيل ‪ #‬قال ووجدناكم قد ذكرتم في شريعة اليمان أن يسوع المسيح‬
‫بكر الخلئق فإن كنتم ذهبتم في ذلك إلى أنه على نحو ما يسمى أول ولد الرجل‬
‫وكبيرهم فجائز وهو محقق لقولنا في عبوديته وإن كنتم أردتم بذكر البكر أنه أول‬
‫قديم فلسنا نعرف للبكر معنى في لغة من اللغات إل للكبر من الخوة والول من‬
‫الولد وبكر الخلئق ل يكون إل من الخلئق ‪ #‬كما أن بكر الرجل والمرأة ل يكون‬
‫إل من جنسهما وباكورة الثمار ل تكون إل ثمرة ولن من المحال أن يقول قائل بكر‬
‫ولد آدم ملك من الملئكة وكذلك من المحال أن يكون بكر المصنوعات ليس‬
‫بمصنوع وبكر المخلوقات ليس بمخلوق ‪ #‬وقد قال ال تعالى في التوراة‬

‫يا ابني بكري أي إسرائيل وقال في موضع آخر إنه نظر بنو ال إلى بنات الناس‬
‫فشغفوا بهن فهل يوجب لل إسرائيل إلهية بهذا القول ‪ #‬قال وقلتم إن المسيح ولد‬
‫من أبيه قبل العوالم وليس بمصنوع فليس يخلو الب من أن يكون أولد شيئا موجودا‬
‫أو غير موجود فإن كان لم يزل موجودا فإن الب لم يلد شيئا وإن كان غير موجود‬
‫وإنما هو حادث لم يكن فهو مخلوق كما قلنا ‪ #‬قال ومما يبين قولنا في خلق المسيح‬
‫أن هذا السم إنما وقع له لنه مسح للنبوة والخير وماسحه ال تبارك وتعالى وقد قال‬
‫داود في زبوره قول يشهد على ذلك بعينه من أجل هذا البر مسحك ال إلهك أكثر‬
‫مما مسح به نظراءك فأبان داود بهذه الية معنى المسح بإنجيله وأن ماسحه ال إلهه‬
‫وأنه مصطفى مكرم بزيادة على نظرائه وقال داود أيضا في مزمور إحدى وثلثين‬

‫‪407‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪408‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يخاطب ال من‬

‫أجل داود عبدك ل يغلب وجه مسيحك عهد الرب لداود بالحق ول يرجع عنه يعني‬
‫بمسيحه نفسه لن ال مسحه للنبوة والملك وقد قال مثل هذا في غير موضع من‬
‫زبوره فسمى نفسه مسيح ال ‪ #‬قال وإذا نظر في النجيل وكتب بولس وغيره ممن‬
‫يحتج به النصارى وجد نحوا من عشرين ألف آية مما فيه اسم المسيح وكلها تنطق‬
‫بعبودية المسيح وأنه مبعوث مربوب وأن ال اختصه بالكرامات ما خل آيات يسيرة‬
‫مشكلت قد تأولها كل فريق من أولئك الذين وضعوا الشريعة باختيارهم على هواهم‬
‫فأخذوا بذلك التأويل الفاسد وتركوا المعظم الذي ينطق بعبوديته فلو كانوا قصدوا‬
‫الحق لردوا تلك المشكلت الشاذة اليسيرة التي يوجد لها من التأويل خلف ما‬
‫يتأولونه على الواضحات الكثيرة التي قد بانت بغير تأويل لنه إنما يجب أن يقاس‬
‫الجزء على الكل ويستدل على ما غاب بما حضر وعلى ما أشكل بما ظهر فمن تلك‬
‫اليات المشكلت ما ذكرناه في‬

‫كتابنا هذا وبينا معناه والحجة فيه وأنه ليس كما تأولوه ‪ #‬ومنها ما يحكون عن‬
‫المسيح أنه قال أنا بأبي وقد فسر المسيح عليه السلم ذلك وكشفه قال يوحنا في‬
‫إنجيله إن المسيح تضرع إلى ال في تلميذه وقال يا أيها الرب القدوس احفظهم‬
‫باسمك الذي أعطيتني ليكونوا هم أيضا شيئا واحدا كما أنا شيء واحد وكما أنك‬
‫أرسلتني إلى العالم وكذلك أرسلهم أنا أيضا ثم قال بعد هذا أيضا إني قد منحتهم من‬
‫المجد الذي أعطيتني ومنحتني ليكونوا أيضا شيئا واحدا كما أنا شيء واحد فأنا بهم‬
‫وأنت بي ‪ #‬قال هو معنى ذلك أنه قال أنت معي وأنت لي كما أنا مع تلميذي ولهم‬
‫‪ #‬قلت أو أراد أنك بي هديت الخلق وعلمتهم وأنا أهديهم‬

‫وأعلمهم والباء للسببية فإن ال برسله هدى عباده وعلمهم والرسل علموا الغائبين‬
‫عنهم بالحاضرين الذين بلغوا عنهم وقوله ليكونوا شيئا واحدا أراد به اتفاق صدقهم‬
‫وأمرهم ومرادهم وهذا مفسر وقد قال ليكونوا هم شيئا واحدا كما أنا شيء واحد فقد‬
‫طلب لهم مثل ما حصل له ولربه ‪ #‬وهذا يبين أن قوله كما أنا شيء واحد أي أنا‬
‫موافقك في أمرك ونهيك ومحبتك ورضاك لم يرد بذلك اتحاد ذاته به كما لم يرد أن‬
‫تتحد ذوات بعضهم ببعض فإنه طلب لهم مثل ما حصل له من الموافقة لمر ال‬
‫ونهيه ومحبته ورضاه ‪ #‬قال أو يكون ذهب فيه إلى معنى دقيق ل يعرفه إل أنه قد‬
‫بطل على كل حال بهذا القول تأويلكم ممازجته عز وجل في اللهوت بقوله في‬
‫تلميذه أنه بهم كما أن أباه به لنه إن تأول متأول في هذا المعنى أنه ذهب في‬
‫وصفه أنه أبيه وأن أباه به إلى مشاركته في‬

‫اللهوت فقد قال في تلمذته مثل هذا القول فيجب أن يكونوا على هذا القياس‬
‫شركاء في المحل وهذا ما ل يكون ول يجترىء على القول به أحد ‪ #‬قال ومن‬
‫أعجب العجب أن تكون أمة كتابها ودعوتها ومعبودها واحدا يتمسكون بأمر المسيح‬

‫‪408‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪409‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عليه السلم وتلمذته وإنجيله وسنته وشرائعه وهم مع ذلك مختلفون فيه أشد‬
‫الختلف فمنهم من يقول إنه عبد ومنهم من يقول إنه إله ومنهم من يقول إنه ولد‬
‫ومنهم من يقول إنه أقنوم وطبيعة ومنهم من يقول إنه أقنومان وطبيعتان ‪ #‬وكل‬
‫منهم يكفر صاحبه ويقول إن الحق في يده وكلهم ل يأتي من الكتاب بحجة واضحة‬
‫يثبت بها دعواه ول من قياسه لنفسه وتأوله بما يصح له عند المناظرة وإنما يرجع‬
‫في دينه واعتقاده إلى ما تأوله لة المتأولون بما يخالف إنجيلهم وكتبهم بالهوى‬
‫والعناد من بعضهم لبعض فهم يشركون بال على التأويل ول شريك له ويدعون له‬
‫ولدا من جهة ما أحدثوا لنفسهم سبحانه أنى يكون له ولد ‪ #‬قال الحسن بن أيوب‬
‫وقد بينا الحجج في بطلن كل قول لكم‬

‫مما عقدتم به شريعة إيمانكم ووجدنا قوما منكم إذا نوظروا في ذلك قالوا قد وجدنا‬
‫أكثر الديان يختلف أهلها فيها ويتفرقون على مقالت شتى هم عليها وكل منهم‬
‫يدعي أن الصواب في يده ‪ #‬وهذا أيضا من سوء الختيار وذهاب القلوب عن‬
‫رشدها وانصرافها عن سبيل حقها ‪ #‬فلم يختلف أهل دين من الديان في عقد‬
‫معبودهم ول شكوا فيه ول تفرقوا القول فيما اختاروه إل أهل ملل النصرانية فقط ‪#‬‬
‫وسائر من سواهم إنما اختلفوا في فروع من فروع الدين وشرائعه مثل اختلف‬
‫اليهود في أعيادهم وسنن لهم ومثل اختلف المسلمين في القدر ‪ #‬فمنهم من قال به‬
‫ومنهم من دفعه ‪ #‬وفي تفضيل قوم من أصحاب محمد على نظرائهم بعد اتفاق‬
‫جماعتهم على إلههم ومعبودهم وخالقهم وأن ال إله الخلق كلهم واحد ل شريك له‬
‫ول ولد ‪ #‬ثم اتفاقهم بعد ذلك على نبيهم محمد ل يشكون فيه وعلى القرآن وأنه‬
‫كتاب ال المنزل على محمد المرسل ل يختلفون فيه ‪ #‬فإذا صح اتفاقهم على هذه‬
‫الصول كان ما سواها خلل ل يقع معه كفر ول يبطل به دين‬

‫والبلء العظيم الختلف في المعبود ‪ #‬فلو أن قوما لم يعرفوا لهم إلها ول دينا ثم ‪#‬‬
‫عرض عليهم دين النصرانية لوجب أن يتوقفوا عنه إذ كان أهله لم يتفقوا على شيء‬
‫فيه ‪ #‬ودل اختلفهم في مقالتهم ومباينتها ما في كتبهم على باطله ‪ #‬فأما قولنا في‬
‫باب التوحيد واعترافنا بوحدانية ال تعالى ونفينا عنه الشركاء والنداد والمثال‬
‫والولد فهو قول ل يشكون في صحته ول يشك فيه أحد من أهل الكتب وسائر‬
‫الملل ول غيرهم من أهل القول بالدهر وسائر عبدة الصنام والوثان وكل منهم يقر‬
‫به ويرجع إليه ‪ #‬إل أن منهم من يتابعنا على تحديد التوحيد ومنهم من يدخل العلل‬
‫فيه بأن يقول ثلثة ترجع إلى واحد وصنما نعبده إجلل ل ليقربنا إلى ربنا وربه‬
‫ومدبر للمور قديم ل بد أن نعترف به خالقها وباريها ‪ #‬وكل منهم مقر بقولنا‬
‫وذاهب إلى مذهبنا على العتراف بال على الجهة التي يذهب إليها وأنه واحد ل‬
‫شريك له ‪ #‬فقد صح عقدنا بل شك منكم ول من أحد من المم فيه‬

‫ول في شيء منه بل تقودكم الضرورة إلى القرار به والجتماع معنا عليه ‪#‬‬
‫والحمد ل رب العالمين على توفيقه وإياه نسأل أن يتم علينا فضله ويديم لنا تسديده‬

‫‪409‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪410‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بقدرته وأن يحيينا ويميتنا على السلم غير مشركين ول جاحدين ول مبدلين إنه‬
‫على كل شيء قدير وكل مستصعب عليه يسير وهو بمن خافه واتقاه وطلب ما عنده‬
‫ولم يلحد في دينه رؤوف رحيم اه ‪ #‬قلت هذا آخر ما كتبته من كلم الحسن بن‬
‫أيوب وهو ممن كان من أجلء علماء النصارى وأخبر الناس بأقوالهم فنقله لقولهم‬
‫أصح من نقل غيره ‪ #‬وقد ذكر في كتابه من الرد على ما يحتجون به من الحجج‬
‫العقلية والسمعية وما يبطل قولهم من الحجج السمعية والعقلية ما يبين ذلك ‪ #‬ونحن‬
‫نذكر مع ذلك كلم من نقل مذاهبهم من أئمتهم المنتصرين لدين النصرانية ونذكر ما‬
‫ذكروه من حججهم مثل ابن البطريق‬

‫بترك السكندرية فإنه صنف كتابه الذي سماه نظم الجوهر وذكر فيه أخبار‬
‫النصارى ومجامعهم واختلفهم وسبب إحداثهم ما أحدثوه مع انتصاره لقول الملكية‬
‫والرد على من خالفهم ‪ #‬قال سعيد بن البطريق بطريرك السكندرية في تاريخه‬
‫المعروف عند النصارى الذي سماه نظم الجوهر وذكر فيه مبدأ الخلق وتواريخ‬
‫النبياء والملوك والمم وأخبار ملوك الروم وأصحاب الكراسي برومية‬
‫وقسطنطينية وغيرهما ووصف دين النصرانية وفرق أهلها وهو ملكي رد على‬
‫سائر طوائف النصارى لما ذكر مولد المسيح صلوات ال عليه وأنه ولد في عهد‬
‫ملك الروم قيصر المسمى أغسطس لثنتين وأربعين سنة من ملكه قال وملك ستا‬
‫وخمسين سنة‬

‫قال وملك بعدة ابنه طيباريوس قيصر برومية وللمسيح خمس عشرة سنة ‪ #‬وكان ‪#‬‬
‫لقيصر هذا صديق يقال له بلطس من قرية على شط البحر الذي تحت قسطنطينية‬
‫ويسمى ذلك البحر السطس ولذلك يسمى بلطس النبطي فوله على أرض يهوذا ‪#‬‬
‫قال وفي خمس عشرة سنة من ملك طيباريوس قيصر هذا ظهر يحيى ابن زكريا‬
‫المعمداني فعمد اليهود في الردن لغفران الخطايا ‪ #‬فجاء المسيح إلى يحيى بن‬
‫زكريا فعمده يحيى في الردن‬

‫ولسيدنا المسيح ثلثون سنة وذكر قصة قتل يحيى وقصة الصلب المعروفة عند‬
‫النصارى ‪ #‬إلى أن قال وكتب بلطس إلى طيباريوس الملك بخبر سيدنا المسيح‬
‫وما تفعل تلميذه من العجائب الكثيرة من إبراء المرضى وإحياء الموتى ‪ #‬فأراد أن‬
‫يؤمن بسيدنا المسيح ويظهر دين النصرانية فلم يتابعه أصحابه على ذلك وملك‬
‫اثنتين وعشرين سنة وستة أشهر ‪ #‬وذكر أن في عصره بنيت مدينة طبرية مشتقة‬
‫من اسمه ‪ #‬قال وملك بعده قيصر آخر أربع سنين وثلثة أشهر قتل بلطس وولى‬
‫شخصا كان شديدا على تلميذ المسيح وقتل رئيس الشهداء والشمامسة فرجم‬
‫بالحجارة حتى مات ‪ #‬وذكر أنه لقي التلميذ من اليهود ومن الروم شدة شديدة وقتل‬

‫منهم خلق كثيرة وأنه مات هذا وولي بعده قيصر آخر وفي زمنه وقع جوع ووباء‬
‫وفي زمنه كتب متى وبين إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس وفسره من العبرانية إلى‬

‫‪410‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪411‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الرومية يوحنا صاحب النجيل ‪ #‬قال وفي تسع سنين من ملكه كان مرقس صاحب‬
‫النجيل بمدينة السكندرية يدعوا الناس إلى اليمان بالمسيح وأنه أول شخص جعل‬
‫بطريركا على السكندرية وأنه صير معه اثني عشر قسيسا وأمرهم إذا مات‬
‫البطريرك أن يختاروا واحدا من الثني‬

‫عشر قسيسا ويضع الثنا عشر قسيسا أيديهم على رأسه ويباركونه ويصلحونه‬
‫بطريركا ثم يختارون رجل فاضل قسيسا ويصيرونه معهم بدل القسيس الذي‬
‫أصلحوه بتركا ليكون اثني عشر أبدا ‪ #‬فلم يزل رسمهم بالسكندرية على هذا إلى‬
‫زمن الثلثمائة وثمانية عشر ‪ #‬فأمرهم بطريرك السكندرية الذي كان من جملة‬
‫الثلثمائة وثمانية عشر أن ل يفعل هذا فيما بعد ومنع أن يصلح القساء البترك بل‬
‫يختاروا من أي بلد كان رجل فاضل وإذا مات البترك اجتمع الساقفة فأصلحوا‬
‫البترك من أي بلد كان من أولئك القسة أو من غيرهم ‪ #‬فانقطع الرسم الول من‬
‫إصلح القساء البترك وجعل التيسير لهم في إصلح البترك بابا ثم سمى بترك‬
‫السكندرية بابا ومعناه الجد‬

‫ومن حنانيا الذي أصلحه مرقس البشير إلى حادي عشر بطركا بالسكندرية لم ‪#‬‬
‫يكن في عمل مصر أسقف ولم يكن البطاركة قبله أصلحوا أسقفا وأن العامة لما‬
‫سمعت الساقفة يسمون البطريرك أبا قالوا إذا كنا نحن نسمي السقف أبا والسقف‬
‫يسمى البطريك أبا فيجب علينا أن نسمي البطريرك بابا أي الجد إذ كان أبا لبينا‬
‫فسمي بطريرك السكندرية من وقت هرقل بابا أي الجد ‪ #‬قال وخرج مرقس إلى‬
‫برقة يدعو الناس إلى اليمان بالسيد المسيح ومات قلوديوس قيصر وملك بعده ابنه‬
‫نارون ثلث عشرة سنة ‪ #‬قال وهو أول من أهاج على النصارى الشر والبلء‬
‫والعذاب ‪ #‬قال وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين النجيل‬

‫إنجيل مرقس عن مرقس بمدينة رومية ونسبه إلى مرقس ‪ #‬قال وفي عصر هذا‬
‫الملك كتب لوقا إنجيله بالرومية إلى رجل شريف من عظماء الروم يقال له فوفيل‬
‫فكتب له أيضا البركسس الذي فيه أخبار التلميذ ‪ #‬وقد كان لوقا البشير صاحب‬
‫بولس الرسول يقول في بعض رسائله أن لوقا الطبيب يقول عليكم السلم ‪ #‬وقال‬
‫وأخذ ثارون قيصر لبطرس فصلبه منكسا ثم قتله لن بطرس قال له إن أردت أن‬
‫تصلبني فاصلبني منكسا لئل أكون مثل سيدي المسيح فإنه صلب قائما وضرب عنق‬
‫بولس الرسول بالسيف ‪ #‬وأقام بطرس بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة‬

‫قال وكان مرقس صاحب النجيل بالسكندرية وبرقة يدعو الناس إلى اليمان ‪#‬‬
‫فأقام سبع سنين ‪ #‬وفي أول سنة من ملك نارون قيصر قتل مرقس بالسكندرية‬
‫وأحرق جسده بالنار وذكر بعده عدة قياصرة وذكر أن طيطس خرب البيت المقدس‬
‫بعد المسيح بسبعين سنة بعد أن حاصرها وأصاب أهلها جوع عظيم وقتل كل من‬
‫كان فيها من ذكر وأنثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى ويضربون بأطفالهم‬

‫‪411‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪412‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الصخور ‪ #‬وخرب المدينة والهيكل وأضرم بها النار وأحصى القتلى على يديه‬
‫فكانوا ثلثة آلف ألف ‪ #‬وذكر عدة قياصرة بعد ذلك وأنه ولي واحد منهم خمس‬
‫عشرة سنة يقال له ذوما طيانوس وكان شديدا جدا على اليهود وأنه بلغه أن‬
‫النصارى يقولون أن المسيح ملكهم وأن ملكه إلى الدهر ‪ #‬فغضب غضبا شديدا‬
‫وأمر بقتل النصارى وأن ل يكون في ملكه نصراني‬

‫وكان يوحنا صاحب النجيل هناك فسمع بهذا فخاف وهرب إلى أفسس ‪ #‬ثم إنه ‪#‬‬
‫أمر بأكرامهم وترك العتراض عليهم ‪ #‬ثم تولى بعده قيصر آخر سنة وبعض‬
‫أخرى ثم ملك آخر بعده تسع عشرة سنة يسمى طرايانوس ‪ #‬قال وهذا الملك أثار‬
‫على النصارى بلء عظيما وحزنا طويل وقتل شهداء كثيرة وقتل بطريرك إنطاكية‬
‫برومية وقتل أسقف بيت المقدس وصلبه وله مائة وعشرون سنة وأمر أن يستعبد‬
‫النصارى إذ ليس لهم دين ول شريعة‬

‫فلشدة ما استعبد النصارى وغلظ ما نالهم من القتل رحمتهم الروم وشهد وزراء ‪#‬‬
‫الملك عنده أن النصارى لهم شريعة ودين وأنه ل يحل أن يستعبدوا فكف عنهم‬
‫الذية ‪ #‬قال وفي عصره كتب يوحنا إنجيله بالرومية في جزيرة يقال لها تيمرا من‬
‫أرض الروم من أرض أثينة في عصر رجل من عظماء الروم فيلسوف يقال له‬
‫مومودس ‪ #‬قال وفي ذلك العصر رجع اليهود إلى بيت المقدس ‪ #‬فلما كثروا‬
‫وامتلت منهم المدينة عزموا على أن يملكوا منهم ملكا فبلغ الخبر طيباريوس قيصر‬
‫فوجه بقائد من قواده بجيش عظيم إلى بيت المقدس فقتل من اليهود ما ل يحصى‬
‫كثرة‬

‫قال وخرج على قيصر هذا خارجي مقاتل ببابل فخرج إليه بنفسه فوقعت بينهم ‪#‬‬
‫حرب شديدة وقتل من الفريقين خلق عظيم وقتل قيصر في الحرب ‪ #‬وملك بعده‬
‫أندريانوس قيصر عشرين سنة فخرج إلى ذلك الخارجي ببابل فهزمه وصار إلى‬
‫مصر فلقي منه أهل مصر شدة شديدة وأخذ الناس بعبادة الصنام وقتل من‬
‫النصارى خلقا كثيرا وأصاب إيليا ابنه علة في بدنه فكان ينفذ إلى البلدان يطلب‬
‫شفاء لعلته فوصفوا له بيت المقدس ‪ #‬فلما وافاها رآها خرابا ليس فيها أحد إل‬
‫كنيسة للنصارى فأمر أن تبنى المدينة وتحصن بحصن قوي ‪ #‬فلما سمع اليهود‬
‫أقبلوا من كل بلد وكل مدينة فما كان إل زمان قليل حتى امتلت منهم المدينة فلما‬
‫كثروا‬

‫ملكوا عليهم ملكا ‪ #‬فاتصل الخبر بإيليا بن قيصر اندريانوس فوجه إليهم بقائد من‬
‫قواده مع خلق كثير فحاصر المدينة فمات كل من فيها من الجوع والعطش ثم فتحها‬
‫فقتل من اليهود ما ل يحصى وهدم الحصن وخرب المدينة حتى صيرها صحراء ‪#‬‬
‫قال وهذا آخر خراب بيت المقدس وهرب من اليهود من هرب إلى مصر وإلى‬
‫الشام وإلى الجبال وإلى الغور ‪ #‬وأمر الملك أن ل يسكن المدينة يهودي وأن يقتل‬

‫‪412‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪413‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اليهود ويستأصلوا وأن يسكن المدينة اليونانيون ويبنوا على باب الهيكل برجا‬
‫ويجعل فوقه ألواحا ويكتبوا عليه اسم إيليا الملك وذلك من ثمان سنين من ملكه ‪#‬‬
‫قال والبرج اليوم على باب مدينة القدس وسمي محراب داود ‪ #‬قال فسمى بيت‬
‫المقدس إلى هذا الوقت إيليا ‪ #‬فمن الخراب الول الذي أخربه طيطس إلى هذا‬
‫الخراب ثلث وخمسون سنة ‪ #‬وامتلت بيت المقدس من اليونانيين فنظروا إلى‬
‫النصارى يأتون‬

‫إلى تلك المزبلة التي فيها القبر والقرانيون فيصلون فمنعوهم من ذلك ‪ #‬وبنى‬
‫اليونانيون على تلك المزبلة هيكل على اسم الزهرة فلم يقدر أحد من النصارى بعد‬
‫ذلك أن يقرب ذلك الموضع ‪ #‬قال ثم مات إيليا الملك وملك بعده أنطونيوس قيصر‬
‫برومية اثنين وعشرين سنة ‪ #‬قال وفي إحدى عشرة سنة من ملكه صير يهودا أسقفا‬
‫على بيت المقدس فأقام سنتين ومات ‪ #‬قال فمن يعقوب أسقف المقدس الول إلى‬
‫يهودا أسقف بيت المقدس هذا كانت الساقفة الذين صيروا على بيت المقدس‬
‫مختونين ‪ #‬وذكر أنه ولي بعد هذا قيصر آخر اسمه مرقس تسع عشرة سنة وأنه‬
‫أثار على النصار بلء عظيما وحزنا شديدا واستشهد في زمانه شهداء كثيرون‬

‫قال وكان في أيامه جوع شديد ووباء عظيم لم تمطر السماء سنين وكاد الملك ‪#‬‬
‫وجميع أهل مملكته أن يهلكوا من الجوع ‪ #‬فسألوا النصارى أن يبتهلوا إلى إلههم‬
‫فدعوا فأمطر ال عليهم مطرا عظيما وارتفع الوباء والقحط ‪ #‬قال وكان بأيامه‬
‫بأرض اليونانيين مغنوس الحكيم ‪ #‬قال وفي خمس سنين من ملكه صير لولياثوس‬
‫بطريركا وهو أول بطريرك أصلح الساقفة في عمل مصر أقام ثلثا وأربعين سنة‬
‫ومات‬

‫فصل ‪ #‬قال وفي ذلك العصر كتب بطريرك السكندرية إلى أسقف بيت المقدس‬
‫وبطرك إنطاكية وبطرك رومية في كتاب فصح النصارى وصومهم وكيف يستخرج‬
‫من فصح اليهود فوضعوا في ذلك كتبا كثيرة على ما هو عليه اليوم ‪ #‬قال وذلك أن‬
‫النصارى كانوا بعد صعود سيدنا المسيح إلى‬

‫السماء إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما ويفطرون كما فعل‬
‫سيدنا يسوع المسيح لن سيدنا المسيح لما اعتمد بالردن خرج إلى البرية فأقام بها‬
‫صائما أربعين يوما وكان النصارى إذا أفصح اليهود عيدوا هم الفصح ‪ #‬فوضع‬
‫هؤلء البطاركة حسابا للفصح ليصوم النصارى أربعين يوما ويكون فطرهم يوم‬
‫الفصح ليتم فرحهم بذلك ‪ #‬قلت فقد أخبر عن المسيح أنه لما صام أربعين يوما عقب‬
‫المعمودية وكان يعيد مع اليهود في عيدهم ل يعيد عقب صومه شاركه النصارى في‬
‫ذلك مدة فصاروا يصومون أربعين عقب الغطاس الذي هو نظير المعمودية‬
‫ويعيدون مع اليهود العيد ‪ #‬ثم إنهم بعد هذا ابتدعوا تغيير الصوم فلم يصوموا عقب‬

‫‪413‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪414‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الغطاس بل نقلوا الصوم إلى وقت يكون عيدهم مع عيد اليهود فيكون عيدهم مع عيد‬
‫اليهود وهو فصح المسيح ويكون ذلك وقت قيامته من قبره ‪ #‬قال ومات مرقص‬
‫الملك وملك بعده قمودوس قيصر برومية اثني عشرة سنة وفي أيامه كان في أرض‬
‫اليونانيين في مدينة أفرغامس جالينوس الحكيم صاحب صناعة الطب ‪ #‬وذكر‬
‫جالينوس في فهرست كتبه أنه ربى قمودوس الملك‬

‫وذكر جالينوس في المقالة الولى من الكتاب المعروف بكتاب أخلق النفس أنه ‪#‬‬
‫كان في عصر قمودوس الملك رجل يقال له بولس طلبه قمودوس الملك ليقتله فهرب‬
‫منه وكان له غلمان فقبضهما الملك فضربهما الملك وطلب منهما أن يدله على‬
‫مولهما فلم يفعل لكرم أنفسهما ونخوتهما وشدة محاماتهما على مولهما فقتلهما‬
‫وأن من السكندر إلى بولس خمسمائة سنة وست عشرة سنة وذلك في السنة التاسعة‬
‫من ملك قمودوس قيصر فهذا ما ذكر جالينوس ‪ #‬قال وكان أيضا في أيام‬
‫ديمقراطيس الحكيم ‪ #‬قلت هذه المدة أكثر مما ذكره سعيد هذا فإنه لم يذكر من‬
‫المسيح إلى هنا مائتا سنة بل ذكر إلى الخراب مائة وثلثة وعشرين سنة وقد تقدم‬
‫ذكره لديمقراطيس قبل هذا‬

‫قال وفي عشر سنين من ملكه ظهرت الفرس فغلبت على بابل وأمدوا فارس ‪#‬‬
‫وتملك أزدشير بن ساسان بابل من أهل أصطخر وهو أول ملك ملك على فارس في‬
‫المرة الثانية ‪ #‬قال ومات قمودوس قيصر ملك الروم وملك بعده قيصر آخر ثلثة‬
‫أشهر ثم آخر وملك بعده برومية سويرس قيصر سبع عشرة سنة وذلك في أربع‬
‫سنين من ملك أزدشير ‪ #‬وكان هذا الملك شديدا قد أثار على النصارى بلء عظيما‬
‫وعذابا كبيرا وقتل كل عالم منهم وقتل خلقا كثيرا واستشهد في أيامه خلق كثير من‬
‫النصارى في كل موضع ثم قتل كل من كان بمصر والسكندرية من النصارى‬
‫وهدم الكنائس وبنى بالسكندرية هيكل‬

‫وسماه هيكل اللهة ‪ #‬وملك بعده قيصر وهو أنطونيوس الصلع ست سنين وملك‬
‫بعده قيصر آخر ثلث عشرة سنة كانت النصارى في أيامه في هدوء وسلمه‬
‫وكانت أمه تحب النصارى وفي أيامه سمى بطرك السكندرية بابا أي الجد وملك‬
‫بعده قيصر آخر ثلث سنين وهذا أثار على النصارى بلء طويل وحزنا عظيما‬
‫وقتل منهم خلقا كثيرا وأخذ الناس بعبادة الصنام وقتل من الساقفة خلقا كثيرا وقتل‬
‫بترك أنطاكية فلما سمع أسقف بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي ‪ #‬قال ومات‬
‫قيصر هذا في السنة الثانية من ملك بهرام بن هرمز وملك بعده قيصر آخر ثلثة‬
‫أشهر ثم بعده آخر أربع سنين‬

‫واسمه غرديانوس وفي ثلث سنين من ملكه مات بهرام بن هرمز وملك بعده بهرام‬
‫بن بهرام على الفرس تسع عشرة سنة ‪ #‬وفي أيامه ظهر رجل فارسي يقال له ماني‬
‫فأظهر دين المانية وزعم أنه نبي فأخذه بهرام بن بهرام ملك الفرس فشقه نصفين‬

‫‪414‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪415‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأخذ من أصحابه وممن يقول بقوله مائتي رجل فغرس رؤوسهم في الطين منكسين‬
‫حتى ماتوا منكسين ‪ #‬وملك بعد قيصر هذا فيلبس قيصرا برومية سبع سنين وآمن‬
‫بالسيد المسيح ووثب عليه قائد من قواده فقتله ‪ #‬ثم ملك بعده قيصر آخر اسمه‬
‫داقنوس وهو دقيانوس وذلك من عشر سنين من ملك بهرام بن بهرام فلقي النصارى‬
‫منه حزنا طويل وعذابا شديدا وقتل منهم من ل يحصى واستشهد في أيامه من‬
‫الشهداء خلق كثير وقتل بطرق رومية ثم خرج إلى مدينة أفسس فبنى‬

‫في وسطها هيكل عظيما وصير فيه الصنام وأمر أن يسجد للصنام ويذبح لها ومن‬
‫لم يفعل ذلك قتل فقتل من النصارى بأفسس خلقا عظيما وصلبهم على الحصن واتخذ‬
‫من أولد عظماء أفسس سبعة غلمان من خواصه وعلى كسوته وقدمهم على جميع‬
‫من عنده وذكر أسماءهم أسماء أصحاب أهل الكهف ‪ #‬قال وهؤلء السبعة الغلمان‬
‫لم يسجدوا للصنام فأعلموا الملك بخبرهم فأمر بحبسهم ثم خرج إلى بعض‬
‫المواضع وأطلق سبيلهم إلى حين رجوعه ‪ #‬فلما خرج من المدينة أخذ الغلمان كل‬
‫ما لهم فتصدقوا به ثم خرجوا إلى جبل عظيم يقال له جاوس شرقي أفسس فيه كهف‬
‫كبير فاختفوا في الكهف فكان واحد منهم في كل يوم يتنكر ويدخل المدينة فيسمع ما‬
‫يقول الناس في شأنهم ويشتري لهم طعاما ويرجع فيعلمهم ‪ #‬فقدم دقيانوس الملك‬
‫فسأل عنهم فقيل له إنهم في جبل جاوس في الكهف مختفين ‪ #‬فأمر الملك أن يبنى‬
‫باب الكهف عليهم ليموتوا وصب ال عليهم النعاس فناموا كالموات‬

‫وأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس وكتب فيها خبرهم وقصتهم مع دقيانوس ‪#‬‬
‫الملك وصير الصفيحة في صندوق نحاس ودفنه داخل الكهف وبنى الكهف ‪ #‬ومات‬
‫الملك دقيانوس قيصر وملك بعده قيصران برومية سنتين ثم قيصر آخر اسمه‬
‫غنيونوس خمس عشرة سنة وملك بعده قيصر آخر سنة واحدة ومات وذلك من‬
‫ثلث سنين من ملك هرمز ‪ #‬وفي أول سنة من ملك هذا صير بولس بطركا على‬
‫أنطاكية ويسمى بولوس الشمشاطي قال وهو الذي ابتدع دين البوليانية فسمي‬
‫التابعون لدينه والقائلون بمقالته بوليانيين ‪ #‬قال وكانت مقالته أن سيدنا المسيح خلق‬
‫من اللهوت إنسانا كواحد منا في جوهره فإن ابتداء البن من مريم وأنه اصطفي‬
‫ليكون مخلصا للجوهر النسي صحبته النعمة اللهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة‬
‫ولذلك سمي ابن ال‬

‫وقال إن ال جوهر واحد وأقنوم واحد ول نؤمن بالكلمة ول بروح القدس ‪ #‬قال ‪#‬‬
‫وبعد موته اجتمع ثلثة عشر أسقفا في مدينة أنطاكية ونظروا في مقالة بولس‬
‫فأوجبوا على هذا الشمشاطي اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول مقالته وانصرفوا ‪ #‬قال‬
‫وبعده ملك قيصر آخر ست سنين اسمه أوراغوس قيصر ‪ #‬قال وكان النصارى‬
‫بالسكندرية في أيامه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم ولم يكن يظهر‬
‫بترك بالسكندرية لئل يقتلوهم ‪ #‬فلما صار نارون بطركا ظهر ولم يزل يداري‬
‫الروم حتى بنى بالسكندرية كنيسة حنا ومار مريم وملك بعده‬

‫‪415‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪416‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قيصران ثم قيصر اسمه فاروس وذلك في تسع سنين من ملك سابور بن هرمز‬
‫وكان شديدا على النصارى قتل الخوين قزمان ودميان الشهيدين وملك بعده‬
‫دقيطيانوس ‪ #‬قال فمن خراب طيطس لبيت المقدس إلى ملك دقيطيانوس مائتان‬
‫وست سنين ومن مولد سيدنا المسيح إلى دقيطيانوس مائتان وست وسبعون سنة‬
‫ومن السكندر إلى دقيطيانوس خمسمائة وخمس وتسعون سنة ومن سبي بابل إلى‬
‫دقيطيانوس ألف وثلثمائة وخمس وثلثون سنة ومن داود إلى دقيطيانوس ألف‬
‫وتسعمائة وإحدى وأربعون سنة ‪ #‬قال وملك دقيطيانوس في إحدى عشرة سنة من‬
‫ملك‬

‫سابور بن هرمز ملك الفرس وملك معه اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة‬
‫وهؤلء أثاروا على النصارى بلء عظيما وحزنا طويل وعذابا أليما وشدة شديدة‬
‫تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الموال واستشهدوا ألوفا من الشهداء‬
‫وعذبوا ماري جرجس أصناف العذاب وقتلوه بفلسطين وقتلوا ماري مينا وماري‬
‫بقطر وأيتماخوس ومركورس وغيرهما ‪ #‬قال وفي عشر سنين من ملكهما صير‬
‫بطرس بطركا على السكندرية فأقام عشر سنين وقتل‬

‫وفي عشرين سنة من ملكهما ضرب عنق بطرس هذا البطرك بالسكندرية ‪ #‬قال ‪#‬‬
‫وكان لبطرس تلميذان اسم أحدهما أشل والخر الكصندروس وكان بالسكندرية‬
‫رجل يقال له أوريوس يقول إن الب وحده ال الفرد والبن مخلوق مصنوع وقد‬
‫كان الب إذ لم يكن البن ‪ #‬فقال بطرس البطرك لتلميذيه إن المسيح لعن أريوس‬
‫فاحذرا أن تقبل قوله فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب فقلت له يا سيدي‬
‫من شق ثوبك فقال لي أريوس فاحذروا أن تقبلوه ويدخل معكم الكنيسة كنيسة ال ‪#‬‬
‫قال وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أشيل بطركا على السكندرية فأقام ستة‬
‫أشهر ومات ‪ #‬وكان أريوس قد استعان على أشل بأصدقائه فأورى أنه قد رجع عن‬
‫تلك المقالة فقبله أشل وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا‬

‫قال وأما دقيطيانوس الملك فكان يطلب النصارى فيقتلهم ‪ #‬فبينما هو يسير في ‪#‬‬
‫طلبهم إذ بلغ إلى موضع يقال له ملطية فصب ال عليه نقمته فوقع في علل عظيمة‬
‫وأمراض عظيمة حتى ذاب جسمه وكان الدود يتساقط من بدنه إلى الرض وسقط‬
‫لسانه من حنكه ومات ‪ #‬وملك بعده قيصران أحدهما المشرق والشام وأرض الروم‬
‫والخر رومية ونحوها وكان أحدهما اسمه علنيوس والخر مقصطيوس فكانا‬
‫كالسباع الضارية على النصارى وأثارا عليهم البلء والجلء وما ل يصفه واصف‬
‫وفعل بهم ما لم يفعله أحد من الملوك قبلهم ‪ #‬وملك معهما على بزنطية وما والها‬
‫قسطس أبو قسطنطين‬

‫وكان رجل دينا مبغضا للصنام محبا للنصارى ‪ #‬فخرج قسطس إلى ناحية‬

‫‪416‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪417‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الجزيرة والرها فنزل في قرية من قرى الرها يقال لها كفرجاث فنظر فيها امرأة‬
‫حسنة جميلة يقال لها هيلنة وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها وتعلمت‬
‫قراءة الكتب ‪ #‬وولدت هيلنة قسطنطين فتربى بالرها وتعلم حكم اليونانيين وكان‬
‫غلما حسن الوجه قليل الشر وديعا محبا للحكمة ‪ #‬وأما علنيوس فكان رجل‬
‫وحشيا شديد البأس مبغضا للنصارى جدا كثير القتل لهم محبا للنساء ولم يترك‬
‫للنصارى بنتا بكرا إل أخذها وأفسدها وقتلها وكذلك أصحابه وهكذا كانوا يفعلون‬
‫بالنصارى وكان النصارى في شدة شديدة جدا معهم ‪ #‬وبلغه خبر قسطنطين وأنه‬
‫غلم هاد قليل الشر كثير العلم والخير ‪ #‬وأخبره الحكماء الذين له والمنجمون أن‬
‫قسطنطين سيملك ملكا عظيما فهم بقتله‬

‫وعلم قسطنطين بذلك فهرب من الرها وذهب إلى مدينة بزنطية ووصل إلى أبيه ‪#‬‬
‫قسطس فسلم إليه الملك ‪ #‬وبعد قليل مات قسطس وصب ال على علنيوس الملك‬
‫علل عظيمة حتى تقطع لحمه وتهرأ وبقي مطروحا ل يقدر أحد أن يقترب منه ‪#‬‬
‫فعجب الناس مما ناله ورحمه أعداؤه مما حل به ‪ #‬فرجع إلى نفسه وقال لعل هذا‬
‫الذي بي مما أقتل النصارى ‪ #‬فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من‬
‫الحبوس وأن يكرموهم ول يؤذوهم ويسألونهم أن يدعوا له في صلتهم ‪ #‬فصلى‬
‫النصارى على الملك ودعوا له فوهب ال له العافية ورجع إلى أفضل مما كان عليه‬
‫من الصحة والقوة ‪ #‬فلما صح وقوي رجع إلى أشر مما كان عليه من الردى ‪#‬‬
‫وكتب إلى جميع عماله أن يقتلوا النصارى ول يعيش في مملكته نصراني ول‬
‫يسكنوا مدينة ول قرية له ‪ #‬فمن كثرة القتلى كانوا يحملون على العجل ويرمون بهم‬
‫في البحار والصحارى وقتل مار جرجس وأخاه بمدينة قباذوقية‬

‫وهما من أهلها وقتل بربارة وذكر حربا جرت بينه وبين سابور لما تنكر سابور‬
‫وجاء إليه متنكرا وعرفه ‪ #‬قال وأما مقسطيوس فكان شريرا على أهل رومية‬
‫واستبعد كل من كان برومية وخاصة النصارى فكان ينهب أموالهم ويقتل رجالهم‬
‫ونساءهم وصبيانهم ‪ #‬فلما سمع أهل رومية بملك قسطنطين وأنه مبغض للشر‬
‫محب للخير وأن أهل مملكته معه في هدوء وسلمة كتب رؤساء رومية إلى‬
‫قسطنطين يسألونه ويطلبون إليه أن يخلصهم من عبودية مقسطيوس عدو ال ‪ #‬فلما‬
‫قرأ كتبهم اغتم غما شديدا وبقي متحيرا ول يدري كيف يصنع ‪ #‬فبينما هو متفكر إذ‬
‫ظهر له من نصف النهار في السماء صليب من كواكب تضيء مكتوبا حوله بهذا‬
‫تغلب ‪ #‬فقال لصحابه رأيتم ما رأيت قالوا نعم ‪ #‬فآمن من ذلك الوقت بالنصرانية‬
‫وذلك لست سنين من بعد موت أبيه‬

‫فتجهر قسطنطين واستعد لمحاربة مقسطيوس ملك رومية وعمل صليبا كبيرا من ‪#‬‬
‫ذهب وصيره على رأس البند وخرج يريد مقسطيوس ‪ #‬فلما سمع مقسطيوس أن‬
‫قسطنطين قد وافاه لمحاربته استعد لحربه وعقد جسرا على النهر الذي قدام رومية‬
‫وخرج مع جميع أصحابه يحارب قسطنطين ‪ #‬فأعطى قسطنطين النصرة عليه فقتل‬

‫‪417‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪418‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من أصحاب مقسطيوس مقتلة عظيمة وهرب مقسطيوس وغرق هو وأصحابه حتى‬
‫امتل البحر وهو النهر الذي عند رومية غرقى وقتلى ‪ #‬وخرج أهل رومية إلى‬
‫قسطنطين بالكليل الذهب وكل أنواع اللهو واللعب فلقوا قسطنطين وفرحوا فرحا‬
‫عظيما ‪ #‬فلما دخل المدينة أمر أن تدفن أجساد النصارى الشهداء المصاليب وكل‬
‫من كان من النصارى هرب أو نفاه مقسطيوس يرجع إلى بلده وموضعه ومن أخذ‬
‫له شيء رد إليه ‪ #‬وأقام أهل رومية سبعة أيام يعيدون للملك وللصليب ويفرحون ‪#‬‬
‫فلما سمع الخبر علنيوس جمع ما قدر عليه وتجهز لقتال قسطنطين‬

‫فلما عاينه انهزموا من بين يديه وأخذهم بالسيف وقتل منهم مقتلة عظيمة ومنهم ‪#‬‬
‫من أسر ومنهم من استأمن ‪ #‬وأفلت علنيوس عريانا فلم يزل يتقوى موضعا‬
‫موضعا حتى وافى مدينته فجمع الكهنة والسحرة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل‬
‫منهم فضرب أعناقهم لئل يقعوا في يد قسطنطين ‪ #‬وصب ال على علنيوس نارا‬
‫في جوفه حتى كانت أحشاؤه تتقطع من الحر الذي كان يجده في جوفه وسقط على‬
‫الرض وتهرأ لحمه على عظمه ومات ‪ #‬وملك قسطنطين الدنيا في هدوء وسلمة‬
‫وذلك في إحدى وأربعين سنة من ملك سابور بن هرمز ملك الفرس ‪ #‬قال وتنصر‬
‫قسطنطين في مدينة يقال لها نيقوميديا وذلك في اثني عشرة سنة من ملكه وأمر ببناء‬
‫الكنائس في كل بلد وأن يخرج من بيت المال الخراج مما يعمل به أبنية الكنائس‬

‫قال وفي خمس سنين من ملكه صير الكصندروس بطريركا على السكندرية ‪#‬‬
‫وهو تلميذ بطركها بطرس الذي قتل وهو رفيق أشل فأقام ست عشرة سنة وفي‬
‫خمس عشرة سنة من رياسته كان المجمع بمدينة نيقية الذي رتبت فيها المانة‬
‫الرثذكسية ‪ #‬فمنع الكصندروس بترك السكندرية أريوس من دخول الكنيسة‬
‫ولعنه وقال إن أريوس ملعون لن بطرس البترك قبل أن يستشهد قال انا إن ال لعن‬
‫أريوس فل تقبلوه ول تدخلوه الكنيسة ‪ #‬وكان على مدينة أسيوط من عمل مصر‬
‫أسقف يرى رأي أريوس فلعنه أيضا ‪ #‬وكان بالسكندرية هيكل عظيم كانت‬
‫كلوبطرة الملكة بنته‬

‫على اسم زحل وكان فيه صنم من نحاس عظيم يسمى ميكائيل وكان أهل‬
‫السكندرية ومصر في اثني عشر يوما في شهر هتور وهو تشرين الثاني يعيدون‬
‫لذلك الصنم عيدا عظيما ويذبحون الذبائح الكثيرة ‪ #‬فلما صار هذا بطركا على‬
‫السكندرية وظهرت النصرانية أراد أن يكسر الصنم ويبطل الذبائح ‪ #‬فامتنع عليه‬
‫أهل السكندرية فاحتال لهم بأن قال إن هذا صنم ل منفعة فيه ول مضرة فلو‬
‫صيرتم العيد لميكائيل الملك وجعلتم هذه الذبائح له كان أنفع لكم عند ال وكان خيرا‬
‫لكم من هذا الصنم فأجابوه إلى ذلك ‪ #‬فكسر الصنم وأصلح منه صليبا وسمى الهيكل‬
‫كنيسة ميكائيل وهي الكنيسة التي تسمى قيسارية احترقت بالنار وقت موافاة الجيوش‬
‫من المغاربة القرامطة مع المسمى‬

‫‪418‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪419‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أبو عبيد ال وكان معه أمير من أصحابه يسمى حباسة وذلك في خلفة المعتضد‬
‫بال ‪ #‬وكان عامله على مصر يومئذ موله المعروف بتكين الحاجب رجل تركي‬
‫فنفر إلى المغاربة وجاءه مدد من الشرق مع الخادم الملقب مونس الستاذ‬

‫فهرب منه أبو عبيد ال وحباسة وجنودهما وصير العيد لميكائيل الملك والذبائح ‪#‬‬
‫‪ #‬وإلى اليوم القبط بمصر والسكندرية يعيدون في هذا اليوم عيد ميكائيل الملك‬
‫ويذبحون فيه الذبائح الكثيرة وكذلك الملكية يعيدون في هذا اليوم عيد ميكائيل الملك‬
‫وصار رسما إلى اليوم ‪ #‬قال فلما منع بترك السكندرية أريوس من دخول الكنيسة‬
‫ولعنه خرج أريوس مستعديا عليه ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين الملك ‪#‬‬
‫وقال أريوس إنه تعدى علي وأخرجني من الكنيسة ظلما ‪ #‬وسأل الملك أن يشخص‬
‫الكصندروس بطرك السكندرية ليناظره قدام الملك ‪ #‬فوجه قسطنطين برسول إلى‬
‫السكندرية فأشخص البطرك وجمع بينه وبين أريوس ليناظره فقال قسطنطين‬
‫لريوس اشرح مقالتك‬

‫قال أريوس أقول إن الب كان إذ لم يكن البن ثم ال أحدث البن فكان كلمة له ‪#‬‬
‫إل أنه محدث مخلوق ثم فوض المر إلى ذلك البن المسمى كلمة فكان هو خالق‬
‫السماوات والرض وما بينهما كما قال في إنجيله إذ يقول وهب لي سلطانا على‬
‫السماء والرض فكان هو الخالق لهما بما أعطى من ذلك ‪ #‬ثم إن الكلمة تجسدت‬
‫من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسيحا واحدا ‪ #‬فالمسيح الن معنيان‬
‫كلمة وجسد إل أنهما جميعا مخلوقان ‪ #‬قال فأجابه عند ذلك بطرك السكندرية وقال‬
‫تخبرنا الن أيما أوجب علينا عندك عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا ‪ #‬قال‬
‫أريوس بل عبادة من خلقنا ‪ #‬قال له البطرك فإن كان خالقنا البن كما وصفت وكان‬
‫البن مخلوقا فعبادة البن المخلوق أوجب من عبادة الب الذي ليس بخالق بل تصير‬
‫عبادة الب الخالق للبن كفرا وعبادة البن المخلوق إيمانا وذلك من أقبح القاويل‬
‫‪ #‬فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البطرك وشنع عندهم‬

‫مقالة أريوس ودار بينهما أيضا مسائل كثيرة ‪ #‬فأمر قسطنطين البطرك‬
‫الكصندروس أن يلعن أريوس وكل من قال بمقالته ‪ #‬فقال له بل يوجه الملك‬
‫فيشخص البطاركة والساقفة حتى يكون لنا مجمع ونضع فيه قضية ونلعن أريوس‬
‫ونشرح الدين ونوضحه للناس ‪ #‬فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع‬
‫البطاركة والساقفة فاجتمع في مدينة زيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون‬
‫أسقفا وكانوا مختلفي الراء مختلفي الديان ‪ #‬فمنهم من يقول المسيح ومريم إلهان‬
‫من دون ال وهم المريمانية ويسمون المريميين‬

‫ومنهم من كان يقول إن المسيح من الب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار ‪#‬‬
‫فلم تنقص الولى ليقاد الثانية منها وهي مقالة سبارينون وأشياعه ‪ #‬ومنهم من كان‬
‫يقول لم تحبل مريم لتسعة أشهر وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في‬

‫‪419‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪420‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الميزاب لن كلمة ال دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها‬


‫وهي مقالة ألبان وأشياعه ‪ #‬ومنهم من كان يقول إن المسيح إنسان خلق من‬
‫اللهوت كواحد منا في جوهره وأن ابتداء البن من مريم وأنه اصطفى ليكون‬
‫مخلصا للجوهر النسي صحبته النعمة اللهية فحلت فيه المحبة والمشيئة فلذلك‬
‫سمي ابن ال ويقولون إن ال جوهر واحد وأقنوم واحد يسمونه بثلثة أسماء ول‬
‫يؤمنون بالكلمة ول بروح القدس وهي مقالة بولص الشمشاطي بطرك أنطاكية‬
‫وأشياعه وهم البوليانيون ‪ #‬ومنهم من كان يقول بثلثة آلهة لم يزل صالح وطالح‬
‫وعدل بينهما وهي مقالة مرقيون وأشياعه‬

‫وزعموا أن مرقيون رئيس الحواريين وأنكروا بطرس السليح ‪ #‬ومنهم من كان ‪#‬‬
‫يقول ربنا هو المسيح وهي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا‬
‫‪ #‬قال فلما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا وتقدم لهم‬
‫بالكرام والضيافة وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه ‪#‬‬
‫فاتفق منهم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفا على دين واحد ورأي واحد فناظروا بقية‬
‫الساقفة المختلفين فأفلجوا عليهم حججهم وأظهروا الدين المستقيم وكان أيضا باقي‬
‫الساقفة مختلفي الديان والراء ‪ #‬وصنع الملك للثلثمائة والثمانية عشر أسقفا‬
‫مجلسا خاصا عظيما وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفعها إليهم‬
‫وقال لهم قد سلطتكم اليوم على المملكة لتصنعوا ما بدا لكم لتصنعوا ما ينبغي لكم أن‬
‫تصنعوا مما فيه قوام الدين وصلح المؤمنين ‪ #‬فباركوا على الملك وقلدوه سيفه‬
‫وقالوا له أظهر دين النصرانية وذب عنه‬

‫ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع وفيها ما يصلح أن يعمل به ‪#‬‬
‫الساقفة وما يصلح للملك أن يعمل بما فيها ‪ #‬وكان رئيس المجمع والمقدم فيه‬
‫الكصندروس بطريرك السكندرية وبطرك النطاكية وأسقف بيت المقدس ‪#‬‬
‫ووجه بطرك رومية من عنده رجلين فاتفقوا على نفي أريوس وأصحابه ولعنوهم‬
‫وكل من قال مقالته ووضعوا تلك المانة وثبتوا أن البن مولود من الب قبل كل‬
‫الخلئق وأن البن من طبيعة الب غير مخلوق ‪ #‬واتفقوا على أن يكون فصح‬
‫النصارى في يوم الحد الذي يكون بعد فصح اليهود وأن ل يكون فصح اليهود مع‬
‫فصح النصارى في يوم واحد وثبتوا ما وضعه من تقدم ذكره من حساب الصوم‬
‫والفصح‬

‫وأن يكون فطر النصارى يوم فصحهم يوم الحد الذي يكون بعد فصح اليهود ‪ #‬لن‬
‫النصارى كما قلنا من قبل كانوا إذا عيدوا عيد الحميم وهو عيد الغطاس صاموا من‬
‫الغد أربعين يوما ويفطرون ‪ #‬فإذا كان عيد اليهود عيدوا معهم الفصح فصيروا يوم‬
‫الفصح للفطر ومنعوا أن يكون للسقف زوجة وذلك أن الساقفة منذ وقت‬
‫الحواريين إلى مجمع الثلثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء لنه كان إذا اختير واحد‬
‫أسقفا وكانت له زوجة تبيت معه ولم تنتح عنه ما خل البطاركة فإنه لم يكن لهم‬

‫‪420‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪421‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نساء ول كانوا أيضا يصيرون أحدا بطركا له زوجة ‪ #‬قال وانصرفوا مكرمين‬
‫محظوظين وذلك في سبع عشرة سنة من ملك قسطنطين ‪ #‬قال وسن قسطنطين‬
‫الملك ثلث سنن ‪ #‬أحدها كسر الصنام وقتل كل من يعبدها ‪ #‬والثانية أن ل يثبت‬
‫في الديوان إل أولد النصارى ويكونون أمراء وقواد‬

‫والثالثة أن يقيم الناس جمعة الفصح والجمعة التي بعدها ل يعملون فيها عمل ول ‪#‬‬
‫يكون فيها حرب ‪ #‬قال وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع‬
‫المقبرة والصليب ويبني الكنائس ويبدأ ببناء القيامة المقدسة ‪ #‬فقالت هيلنة أم‬
‫قسطنطين للملك إني نذرت أن أصير إلى بيت المقدس فأطلب المواضع المقدسة‬
‫فأبنيها فدفع الملك إليها أموال كثيرة جزيلة ‪ #‬وسارت إلى بيت المقدس مع أسقف‬
‫بيت المقدس فلما وصلت لم يكن لها حرص ول همة إل طلب الصليب ‪ #‬فجمعت‬
‫اليهود والسكان في بيت المقدس واختارت منهم عشرة ومن العشرة ثلثة كان واحد‬
‫منهم يقال له يهوذا فسألتهم أن يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا وقالوا ليس‬
‫عندنا علم منه ول خبرة بالموضع ‪ #‬فأمرت بهم فطرحتهم في جب ليس فيه ماء‬
‫فأقاموا سبعة أيام لم يطعموا ولم يسقوا فقال أحدهم الذي اسمه يهوذا لصاحبيه إن أباه‬
‫عرفه بالموضع الذي تطلب هذه المرأة وإن جده عرف أباه ‪ #‬فصاح الثنان من‬
‫الجب أخرجونا حتى نعلم الملكة بحال هذا الرجل‬

‫فأخرجوهم فأخبروا الملكة بما قال لهما يهوذا فأمرت بضربه بالسياط فأقر أنه ‪#‬‬
‫يعرف الموضع فخرج حتى جاء إلى الموضع الذي فيه المقبرة والقرانيون وكانت‬
‫مزبلة عظيمة هناك فصلى وقال اللهم إن كان في هذا الموضع المقبرة فأسألك أن‬
‫تزلزل المكان وتخرج منه دخانا حتى نؤمن فزلزل الموضع وخرج منه دخان كما‬
‫سأل فآمن ‪ #‬فأمرت هيلنة بكنس الموضع من التراب فظهرت المقبرة والقرانيون‬
‫ووجد ثلثة صلبان قالت هيلنة كيف لنا أن نعلم بصليب السيد المسيح وكان بالقرب‬
‫منهم عليل شديد العلة قد يئس منه فوضع الصليب الول عليه والثاني والثالث فقام‬
‫المريض وليس به شيء يكره ‪ #‬فعلمت هيلنة أنه الصليب الذي لسيدنا المسيح‬
‫فجعلته في غلف من ذهب وحملته معها وجملته بما تقدر عليه وأظهرت كل ما كان‬
‫مدفونا من آثار سيدنا المسيح وحملته إلى ابنها قسطنطين وبنت كنيسة القيامة في‬
‫موضع الصليب والقرانيون وكنيسة قسطنطين وانصرفت وأمرت أسقف بيت‬
‫المقدس أن يبني باقي الكنائس وذلك في اثنين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ‪#‬‬
‫قال فمن ميلد سيدنا المسيح إلى أن وجد الصليب ثلثمائة وثمانية وعشرون سنة‬
‫وذكر أنه بعد هذا اجتمعوا بمجمع عظيم ببيت‬

‫المقدس ‪ #‬وكان معهم رجل قد دسه بطرك القسطنطينية وجماعة معه ليسألوا بطرك‬
‫السكندرية وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك أظهر أنه مخالف لريوس وكان‬
‫يرى رأيه ويقول بمقالته فقام هذا الرجل واسمه مانيوس فقال إن أريوس لم يقل إن‬
‫المسيح خلق الشياء ولكن قال به خلقت الشياء لن كلمة ال التي بها خلق‬

‫‪421‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪422‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السماوات والرض وإنما خلق ال الشياء بكلمته ولم تخلق الشياء كلمته كما قال‬
‫سيدنا المسيح في النجيل المقدس كل بيده كان ومن دونه لم يكن شيء فقال به كانت‬
‫الحياة والحياة نور البشر وقال في هذا العالم والعالم به تكون فأخبر أن الشياء به‬
‫تكونت ولم يخبر أنها كونت له قال فهذه كانت مقالة أريوس ولكن الثلثمائة وثمانية‬
‫عشر أسقفا تعدوا عليه وظلموه وحرموه ظلما وعدوانا ‪ #‬فرد عليه بطرك‬
‫السكندرية وقال أما أريوس فلم يكذب عليه الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا ول ظلموه‬
‫لنه إنما قال إن البن خالق الشياء دون الب ‪ #‬وإذا كانت الشياء إنما خلقت‬
‫بالبن دون أن يكون الب لها خالقا فقد يجب أن يكون ما خلق منها شيئا وفي ذلك‬
‫تكذيب للمسيح قوله الب يخلق وأنا أخلق وقال إن أنا لم أعمل عمل أبي‬

‫فل تصدقوني وقال كما أن الب يحيي من يشاء ويميته كذلك البن يحيي من يشاء‬
‫ويميته ‪ #‬فدل على أنه يحيي ويخلق وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق وإنما‬
‫خلقت به دون أن يكون خالقا له وأما قولك إن الشياء كونت به فإنما كنا ل نشك أن‬
‫المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله إثما أفعل الخلق والحياة كان قولك به كونت‬
‫الشياء إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها فكانت به مكونة ولو لم يكن ذلك‬
‫كذلك لتناقض القولن ‪ #‬قال ورد عليه أيضا فقال أما قول من قال من أصحاب‬
‫أريوس إن الب يريد الشيء فيكونه البن والرادة للب والتكوين للبن فإن ذلك‬
‫يفسد أيضا إذ كان البن عنده مخلوقا فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من‬
‫حظ الخالق فيه وذلك أن هذا أراد وفعل وذاك أراد ولم يفعل فهذا أوفر حظا في فعله‬
‫من ذاك ول بد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما‬
‫يريد الخالق منه ويكون حكمه كحكمه في الجبر والختيار فإن كان‬

‫مجهول فل شيء له في الفعل وإن كان مختارا فجائز أن يطاع وجائز أن يعصى‬
‫وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب وهذا أشنع في القول ‪ #‬قال ورد عليه أيضا وقال‬
‫إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق فالمخلوق غير الخالق بل شك فقد زعمتم أن‬
‫الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان ل يتم له الفعل‬
‫إل به والمحتاج إلى غيره منقوص والخالق يتعالى عن هذا كله ‪ #‬قال فلما دحض‬
‫بطرك السكندرية حجج أولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلن قولهم تحيروا‬
‫وخجلوا فوثبوا على بطرك السكندرية فضربوه حتى كاد أن يقتل فخلصه من أيديهم‬
‫ابن أخت قسطنطين وهرب بطرك السكندرية المحتج على أصحاب أريوس وصار‬
‫إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الساقفة ثم أصلح دهن الميرون وقدس‬
‫الكنائس ومسحها بدهن الميرون وسار إلى الملك فأعلمه بالخبر فصرفه الملك إلى‬
‫السكندرية‬

‫فصل ‪ #‬قال وأمر الملك أن ل يسكن يهودي بيت المقدس ول يجوز بها ومن لم‬
‫يتنصر يقتل فتنصر من اليهود خلق كثير وظهر دين النصرانية ‪ #‬فقيل لقسطنطين‬

‫‪422‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪423‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الملك إن اليهود يتنصرون من فزع القتل وهم على دينهم قال الملك كيف لنا أن نعلم‬
‫ذلك منهم ‪ #‬قال بولس البترك إن الخنزير في التوراة حرام واليهود ل يأكلون لحم‬
‫الخنزير فأمر أن تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتطعمهم منها فمن لم يأكل منه‬
‫علمنا أنه مقيم على دين اليهودية ‪ #‬فقال الملك إذا كان الخنزير في التوراة حراما‬
‫فكيف يجوز لنا أن نأكل لحم الخنزير ونطعمه للناس ‪ #‬فقال له بولس البترك إن‬
‫سيدنا المسيح قد أبطل كل ما في التوراة وجاء بناموس آخر وبتوراة جديدة وهو‬
‫النجيل وفي إنجيله المقدس أن كل ما يدخل البطن ليس بحرام ول ينجس وإنما‬
‫ينجس النسان الذي يخرج من فيه‬

‫وقال بولس الرسول في رسالته إلى أهل مدينة فورينيوس الولى الطعام للبطن ‪#‬‬
‫آلته لها والبطن للطعام وله يلعن ومكتوب في البركسس يعني أخبار الحواريين أن‬
‫بطرس رئيس الحواريين كان في مدينة يافا في منزل رجل دباغ يقال له سيمون‬
‫وأنه صعد إلى المنزل ليصلي وقت ست ساعات من النهار فوقع عليه سبات فنظر‬
‫إلى السماء قد تفتحت وإذا إزار قد نزل من السماء حتى بلغ الرض ‪ #‬وفيه كل ذي‬
‫أربع قوائم على الرض من السباع والذئاب وغير ذلك من طير السماء وسمع‬
‫صوتا يقول له يا بطرس قم فاذبح وكل فقال بطرس يا رب ما أكلت شيئا نجسا قط‬
‫ول وسخا قط فجاء‬

‫صوت ثان كل ما طهره ال فليس بنجس وفي نسخة أخرى ما طهره ال فل تنجسه‬
‫أنت ‪ #‬ثم جاء الصوت بهذا ثلث مرات ثم إن الزار ارتفع إلى السماء فعجب‬
‫بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه ‪ #‬فبهذا المنظر وبما قال سيدنا المسيح في إنجيله‬
‫المقدس أمر بطرس وبولس أن نأكل كل ذي أربع قوائم من الخنزير وغيره من‬
‫جميع الحيوان حلل لنا ‪ #‬فأمر الملك أن تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتقطع‬
‫صغارا صغارا وتصير على أبواب الكنائس في كل مملكته يوم أحد الفصح وكل من‬
‫خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنزير فمن لم يأكل منه يقتل فقتل لجل ذلك‬
‫خلق كثير‬

‫قال سعيد وكان لقسطنطين ثلثة أولد أكبرهم قسطنطين بن قسطنطين وذلك حين ‪#‬‬
‫ملك أزدشير بن سابور بن هرمز على الفرس وملك بعده سابور بن سابور لخمس‬
‫سنين من ملك قسطنطين ‪ #‬قال وفي ذلك العصر اجتمع أصحاب أريوس وكل من‬
‫قال بمقالته إلى الملك قسطنطين فحملوا له دينهم ومقالتهم وقالوا إن الثلثمائة‬
‫وثمانية عشر أسقفا الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن الحق في قولهم‬
‫إن البن متفق مع الب في الجوهر فتأمر أن ل يقال هذا فإنه خطأ فأراد الملك أن‬
‫يفعل ذلك ‪ #‬قال وفي ذلك العصر ظهر على القرانيون وهو الجلجلة نصف النهار‬
‫صليب من نور من الرض إلى السماء يفوق ضوؤه ضوء الشمس فكان يبلغ إلى‬
‫طور زيتا فرأى ذلك كل من كان في بيت المقدس من كبير وصغير‬

‫‪423‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪424‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فكتب أسقف بيت المقدس إلى قسطنطين بن قسطنطين بالخبر وقال في أيام أبيك ‪#‬‬
‫السعيد ظهر صليب كواكب من السماء في نصف النهار وفي أيامك ظهر أيها الملك‬
‫على القرانيون صليب من نور يفوق نوره نور الشمس في نصف النهار ‪ #‬وكتب‬
‫إليه أن ل يقبل قول أصحاب أريوس فإنهم حائدون عن الحق كفار قد لعنهم‬
‫الثلثمائة وثمانية عشر أسقفا ولعنوا كل من يقول بمقالتهم فقيل قوله ‪ #‬قال وفي ذلك‬
‫الوقت غلبت مقالة أريوس على قسطنطينية وأنطاكية وبابل والسكندرية ‪ #‬فسمى‬
‫التابعون لريوس والقائلون بمقالته أريوسيين مشتقا من اسمه ‪ #‬قال وفي ثاني سنة‬
‫من ملك قسطنطين صير على أنطاكية بطرك أريوسي ثم بعده آخر أريوسي ثم بعده‬
‫آخر مناني وصير على قسطنطينية بترك مناني‬

‫قال ففي عشر سنين من ملكه صير على قسطنطينية بطرك وكان يقول روح ‪#‬‬
‫القدس مخلوقة وأقام عشر سنين ومات ‪ #‬ونقل بعد ذلك بطرك أنطاكية فصير على‬
‫قسطنطينية وكان منانيا ‪ #‬قال وأما أهل مصر والسكندرية فكان أكثرهم أريوسيين‬
‫ومنانيين فغلبوا على كنائس مصر فأخذوها ووثبوا على بترك السكندرية ليقتلوه‬
‫فهرب منهم واستخفى وصيروا على إسكندرية بترك منانيا ‪ #‬وفي ذلك الزمان قدم‬
‫من القسطنطينية إلى السكندرية قائد وكان أريوسيا فنفى الملكي وأقام بطركا‬
‫أريوسيا ‪ #‬فلما خرج القائد قتل الملكيون ذلك البترك الريوسي وأحرقوه بالنار‬

‫ومات الملك قسطنطين بن قسطنطين وله في الملك أربع وعشرون سنة ‪ #‬وملك ‪#‬‬
‫بعده يوليانوس الملك الكافر على الروم سنين وأراد أن يرد الناس إلى عبادة الصنام‬
‫وقتل من الشهداء خلقا كثيرا ‪ #‬وفي أول سنة من ملكه وثب الريوسيون ببيت‬
‫المقدس على أسقفها الملكي الذي كتب بظهور الصليب ليقتلوه فهرب منهم فصيروا‬
‫أسقفا أريوسيا ‪ #‬قال وفي ثاني سنة من ملكه صير على أنطاكية بطركا على المانة‬
‫أقام خمسا وعشرين سنة ‪ #‬وفي إحدى وعشرين سنة من رياسته كان المجمع الثاني‬
‫بقسطنطينية ‪ #‬قال وكان في عصره أهل مدينة نيريار كلهم صابئون فوضع‬

‫أسقف نيريار ميمرا في ميلد المسيح ويقول في ابتدائه الميمر السيد ولد مختونا‬
‫فخذوا المسيح من السماء واستقبلوه على الرض فلما قرأه عليهم استهزأوا به‬
‫وأقبلوا يضحكون منه فلما كان عيد الحميم وضع ميمرا في عيد الحميم هتك فيه دين‬
‫الصابئين وفضحهم فيه ومكن فيه دين النصرانية ‪ #‬قال وكان في عصر يوليانوس‬
‫الملك الكافر أول راهب سكن برية مصر وبنى الديارات وجمع الرهبان ‪ #‬وكان‬
‫آخر بالشام وهو أول من سكن برية الردن وجمع الرهبان وبنى الديارات ‪ #‬قال‬
‫وخرج هذا الملك الكافر لقتال سابور ملك الفرس فلسوء مذهبه ورداءة دينه وما أراد‬
‫أن يأخذ بعبادة الصنام ظفر به ملك‬

‫الفرس فقتله وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ‪ #‬وذكر أسقف قيسارية أنه كان جالسا‬
‫في محرابه وحذاؤه لوح فيه صورة ماري مركورس الشاهد فنظر إلى اللوح فلم ير‬

‫‪424‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪425‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيه صورة الشاهد فعجب من ذلك إذ غابت فلم يكن إل ساعة حتى عادت صورة‬
‫الشاهد إلى اللوح وفي طرف الحربة المصورة التي في يد الشاهد شبيه بالدم فتعجب‬
‫من ذلك وبقي متحيرا حتى بلغه أن الملك الكافر قتل في الحرب ‪ #‬فعلم أن ماري‬
‫مركوس الشاهد قتله لشدة بغضه الذي كان للنصارى وما كان عزم عليه من عبادة‬
‫الصنام ‪ #‬وذكر بعد هذا جماعة من البتاركة والساقفة كان بعضهم أريوسيا‬
‫وبعضهم منانيا وبعضهم ملكيا وذكر فتنا بينهم وتعصب كل طائفة لبتركها حتى يقتل‬
‫بعضهم بعضا وينفي بعضهم بعضا ‪ #‬وذكر أنه اختلفت آراء النصارى وكثرت‬
‫مقالتهم وغلبت عليهم مقالة أريوس وأنهم ملكوا عليهم ملكا اسمه تذوس وأن‬

‫الوزراء والقواد اجتمعوا إليه ذاكرين أن مقالت الناس اختلفت وفسدت وغلبت‬
‫عليهم مقالة أريوس ومقدينوس فينظر الملك في هذا ويذب عن النصرانية ويوضح‬
‫المانة المستقيمة ‪ #‬وكتب إلى بطرك إسكندرية وأنطاكية ورومية وأسقف بيت‬
‫المقدس فحضروا مع أساقفتهم بقسطنطينية إل بطرك رومية فإنه كتب وأنفذ بالمانة‬
‫المستقيمة ‪ #‬فاجتمع بقسطنطينية ماية وخمسون أسقفا وكان المقدم البطاركة الثلثة‬
‫فدفع الملك إليهم كتاب بطرك رومية فكان صحيحا موافقا وكان يزعم أن روح‬
‫القدس إله ولكن مخلوق مصنوع ‪ #‬فقال بطرك السكندرية ليس روح القدس عندي‬
‫معنى غير‬

‫حياته فإذا قلنا إن روح القدس مخلوق فقد قلنا إن حياته مخلوقة وإذا قلنا إن حياته‬
‫مخلوقة فقد زعمنا أنه غير حي وإذا زعمنا أنه غير حي فقد كفرنا ومن كفر وجب‬
‫عليه اللعن ‪ #‬فاتفقوا على لعن مقدونيوس فلعنوه وأشياعه ولعنوا البطاركة الذين‬
‫كانوا بعده يقولون بقوله ولعنوا أسقف لونيه وأشياعه ولعنوا بوليناريوس وأشياعه‬
‫لنه كان يقول إن الب والبن وجه واحد ‪ #‬ولعنوا بوليناريوس وأشياعه لنه كان‬
‫يقول إن جسد سيدنا المسيح بغير فعل ‪ #‬وثبتوا أن روح القدس خالقة غير مخلوقة‬
‫إله حق وأن طبيعة الب والبن جوهر واحد وطبيعة واحدة ‪ #‬وزاد في المانة التي‬
‫وضعها الثلثمائة والثمانية عشر أسقفا الذين اجتمعوا في مدينة نيقية وبروح القدس‬
‫المحيي المميت المنبثق من الب‬

‫وثبتوا أن الب وحده والبن وروح القدس ثلثة أقانيم وثلثة وجوه وثلثة ‪#‬‬
‫خواص في وحدانية واحدة وكيان واحد وثلثة أقانيم إله واحد جوهر واحد طبيعة‬
‫واحدة ‪ #‬وثبتوا أن جسد سيدنا المسيح بنفس ناطقة عقلية ‪ #‬قال فمن المجمع الول‬
‫إلى هذا المجمع الثاني ثمان وخمسون سنة ‪ #‬قال وأطلق بطرك السكندرية‬
‫للبطاركة والساقفة والرهبان أكل اللحم من أجل المنانية ليعرف المناني منهم لن‬
‫المنانية ليرون أكل اللحم ول شيئا من الحيوان البتة ‪ #‬وكان أكثر أساقفة مصر‬
‫منانية فأكل بطاركة مصر وأسقفهم اللحم ‪ #‬وأما بطاركة رومية وقسطنطينية‬
‫وأساقفتها ورهبانها فلم يأكلوا اللحم وأكلوا بدل اللحم السمك وأقاموه مقام اللحم إذ‬
‫كان حيوانا ‪ #‬قال سعيد بن البطريق لم يطلق أكل اللحم على أنهم يعتاضون منه‬

‫‪425‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪426‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالسمك إذ ليس بذبيحة ويمنعون أكل اللحم إذ كان قد أخطأ الذين أقاموا السمك مقام‬
‫اللحم وسيدنا المسيح فقد أكل‬

‫اللحم فوجب ضرورة أكل اللحم اقتداء بالسيد المسيح ولو يوما واحدا في السنة‬
‫ليزيلوا الشك من مذهب المنانية ‪ #‬قال وفي البركسس مكتوبا ما نظره بطرس‬
‫السليح بيافا من تنزل السبنية وفيها كل ذي أربع قوائم ولهذا الحكم كل من لم يأكل‬
‫اللحم مخالف لشريعة النصرانية ومضاهاه لمذهب الصابئة الروم وهم ل يغتسلون‬
‫إلى اليوم لن المنانية ل يرون الغسل بالماء فلما طال بهم الزمان أقاموه على هذه‬
‫السنة ‪ #‬وقال قوم إنما تركوا الغسل بالماء لشدة برد بلدهم وبرد الماء عندهم وأنه‬
‫ل يتهيأ لهم بالجملة أن يقربوا الماء في الشتاء لثلجه وبرده فصار سنة جارية شتاء‬
‫وصيفا ‪ #‬والمنانية صنفان السماعون والصديقون ‪ #‬فالسماعون يصومون في كل‬
‫شهر أياما معلومة ‪ #‬والصديقون يصومون الدهر كله ول يأكلون إل ما نبت من‬
‫الرض‬

‫فلما تنصروا خافوا أن يتركوا أكل اللحم فيعلم بهم فجعلوا لنفسهم صياما فصاموا ‪#‬‬
‫الميلد والحواريين ‪ #‬فلما طال بهم الزمان وتربوا في هذا الصوم أكلوا اللحم‬
‫فتبعتهم في ذلك النساطرة واليعاقبة والمارونية وصارت سنة استحسنتها الملكية‬
‫فتبعوهم وخاصة المقيمون ببلد السلم ‪ #‬وأما الروم فما تركوا أكل اللحم في أيام‬
‫صوم الميلد وصوم الحواريين وتلك اليام التي يظن أنها من جملة الصوم الكبير ‪#‬‬
‫فمن أحب أن يصوم الميلد والحواريي‬
‫ن والسيدة ول يأكل لحما فليس بواجب وليس لحد قطع اللحم طول السنة إل في‬
‫صوم الربعين المقدسة فقط ومن فعل بضد ذلك مخالف راجع إلى أصحاب الراء‬
‫المختلفة ‪ #‬قال وفي ثمان سنين من ملك ثذوس ظهرت الفتية الذين كانوا هربوا من‬
‫ذاقيوس الملك واختفوا في الكهف‬

‫وذلك أن الرعاة على طول الزمان كانوا إذا جازوا بذلك الموضع الذي هو الكهف ‪#‬‬
‫قلعوا الطوب المبني على باب الكهف حتى عاد مفتوحا كالباب ‪ #‬فلما انتبهت الفتية‬
‫توهموا أنهم كانوا نياما ليلة واحدة فقالوا لصاحبهم الذي كان يذهب يبتاع لهم الطعام‬
‫امض واشتر لنا طعاما واستعلم خبر ذاقنوس ‪ #‬فلما خرج إلى باب الكهف نظر إلى‬
‫البنيان والهدم ثم مضى حتى بلغ باب المدينة وهي أفسس فرأى باب المدينة عليه‬
‫صليب كبير منصوب فانكر ذلك في نفسه وقال أحسب أني نائم فأقبل يمسح عينيه‬
‫وينظر يمينا وشمال هل يرى من يعرفه فلم ير فبقي متحيرا وقال لعلي أخطأت‬
‫الطريق ولعل هذه مدينة أخرى ‪ #‬ثم دخل المدينة فدفع دراهم مما كان معه عليها‬
‫صورة ذاقيوس الملك فأنكر عليه وقالوا لعله أصاب كنزا ثم قالوا من أين لك هذه‬
‫الدراهم وإل قتلناك فلم يكلمهم ‪ #‬وصاح الناس فاجتمع إليه خلق كثير وكلموه فلم‬
‫يكلمهم فصاروا به إلى بطريق المدينة وكلمه فلم يتكلم فهدده فلم يتكلم فجاء إلى‬
‫أسقف المدينة فكلمه وخوفه وقال إنك إن لم تكلمني وتقل لي من أين لك هذه الدراهم‬

‫‪426‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪427‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وإل قتلتك‬

‫وإنما كان يمتنع من الكلم خوفا من ذاقيوس الملك ‪ #‬فقالوا لة إنه قد مات وملك ‪#‬‬
‫بعده جماعة ملوك فضربوه حتى آلمه الضرب فخبرهم بحاله على جليتها ‪ #‬فقالوا له‬
‫إن دقيانوس قد مات وملك بعده ملوك كثيرة والملك اليوم ثذوس الكبير وقد ظهر‬
‫دين النصرانية ‪ #‬ثم سار معهم إلى الكهف فنظروا إلى أصحابه والصندوق النحاس‬
‫الذي في الصحيفة الرصاص مكتوب فيها قصتهم وخبرهم ‪ #‬فكثر تعجبهم وكتبوا‬
‫إلى الملك يعلمونه بخبرهم فركب وسار إلى مدينة أفسس فنظر إليهم وكلمهم ‪ #‬وبعد‬
‫ثلثة أيام دخل إليهم فوجدهم أمواتا فأمر أن يتركوا في الكهف ول يخرجوا ولكن‬
‫يدفنوا فيه وتبنى عليهم كنيسة وتسمى بأسمائهم ويعيد لها عيد في كل سنة في ذلك‬
‫اليوم وانصرف إلى قسطنطينية ‪ #‬قال فمن وقت هرب الفتية من ذاقيوس إلى الكهف‬
‫إلى الوقت الذي ظهروا فيه وماتوا مائة وسبع أو تسعة وأربعون سنة ‪ #‬قلت هذا‬
‫مما أخطأ فيه فإن ال تعالى أخبر أنهم لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا‬

‫لكن بعض المفسرين زعموا أن هذا قول بعض أهل الكتاب لقوله ال أعلم بما ‪#‬‬
‫لثبوا وليس كذلك فإن ال لم يذكر هذا عن أهل الكتاب بل ذكره كلما منه تعالى ‪#‬‬
‫قال سعيد وفي زمنه كانت قصة بترك قسطنطينية يوحنا الملقب ب فم الذهب وتولى‬
‫بعده ابنه ثذوس الصغير اثنين وأربعين سنة لحدى عشرة سنة من ملك يزدجرد بن‬
‫بهرام ‪ #‬وفي زمنه جعل نسطورس الذي تنسب إليه مقالة النسطورية بطركا على‬
‫قسطنطينية ‪ #‬قال وكان نسطورس يقول إن مريم العذراء ليست بوالدة إلها على‬
‫الحقيقة ولذلك كان اثنان ‪ #‬أحدهما الذي هو إله مولود من الب والخر الذي هو‬
‫إنسان مولود من مريم وأن هذا النسان الذي يقول إنه مسيح بالمحبة متوحد مع ابن‬
‫إله ويقال له إله وابن إله ليس بالحقيقة ولكن موهبة واتفاق السمين والكرامة شبيها‬
‫بأحد النبياء ‪ #‬فبلغ قوله بطرك السكندرية فأنكر ذلك وكتب إليه يقبح عليه‬

‫فعله ومقالته ويعرفه فساد ما هو عليه ويسأله الرجوع إلى الحق فجرت بينهما‬
‫رسائل كثيرة ولم يرجع نسطورس عن مقالته ‪ #‬فكتب إلى بطرك أنطاكية يسأله أن‬
‫يكتب إلى نسطورس ويعرفه قبح فعله ورأيه وفساد مقالته ويسأله الرجوع إلى الحق‬
‫‪ #‬فكتب إلى نسطورس إن هو لم يرجع اجتمعوا ولعنوه وجرت بينهما رسائل كثيرة‬
‫فلم يرجع ‪ #‬فكتبوا إلى بطرك رومية وأنطاكية وبطرك بيت المقدس أن يجتمعوا في‬
‫مدينة أفسس لينظروا في مقالة نسطورس ‪ #‬فاجتمع بالمدينة مايتا أسقف مقدمهم‬
‫بطرك السكندرية وتأخر بطرك أنطاكية فلم ينتظروه وبعثوا إلى نسطورس فلم‬
‫يحضر معهم فنظروا في مقالته وأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ونفوه وثبتوا أن مريم‬
‫العذراء والدة الله وأن المسيح إله حق وإنسان معروف بطبيعتين متوحدة في‬
‫القنوم ‪ #‬وهذا هو خلف المحبة لن نسطورس كان يقول إن التحيد أي التحاد‬
‫اتفاق الوجهين وأما التحيد أي التحاد المستقيم فإنما هو أن يكون أقنوما واحدا من‬
‫طبيعتين ‪ #‬فلما لعنوا نسطورس قدم يوحنا بطرك أنطاكية فلما وجدهم قد لعنوه قبل‬

‫‪427‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪428‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حضوره غضب وقال ظلمتم نسطورس ولعنتموه باطل‬

‫وتعصب مع نسطورس فجمع الساقفة الذين قدموا معه فقطع بطرك إسكندرية‬
‫وقطع أسقف أفسس ‪ #‬فلما رأى أصحاب بطرك إسكندرية قبح فعاله وقع بينهم شر‬
‫عظيم وخرجوا من أفسس وصار أصحاب بطرك إسكندرية والمشرقيون حزبين فلم‬
‫يزل ثذوس الملك حتى أصلح بينهم ‪ #‬وكتب المشرقيون صحيفة وثبتوا فيها المانة‬
‫الصحيحة وقالوا فيها إن مريم العذراء القديسة ولدت إلها ربنا يسوع المسيح الذي‬
‫هو مع أبيه في الطبيعة ومع الناس في الناسوت وأقروا بطبيعتين ووجه واحد وأقنوم‬
‫واحد ولعنوا نسطورس ووجهوا بالصحيفة إلى بطرك إسكندرية فقبل الصحيفة‬
‫وأجابهم عنها بموافقتهم على ذلك ‪ #‬وقال قوم لما قبل صحيفة المشرقيين بدا له ولم‬
‫يقبل طبيعتين ووجها واحدا ‪ #‬قال سعيد بن البطريق وهم في ذلك كاذبون لن كتبه‬
‫تنطق بذلك ‪ #‬ثم أرسل نسخة صحيفة المشرقيين إلى جماعة من الساقفة يعلمهم أن‬
‫المشرقيين رجعوا إلى اليمان وأنهم غير موافقين لنسطورس ‪ #‬قال فمن المجمع‬
‫الثاني إلى المائة والخمسين أسقفا المجتمعين بمدينة قسطنطين ولعنوا مقدونيوس إلى‬
‫هذا المجمع المائتين أسقفا المجتمعين بأفسس على نسطورس إحدى وخمسون سنة‬

‫قال ولما نفي نسطورس صار إلى مصر فأقام بضيعة في صعيد مصر يقال لها ‪#‬‬
‫أخميم ومات ودفن بها ‪ #‬وكانت مقالته قد اندرست فأحياها من بعده بزمن طويل‬
‫مطران نصيبين في عصر بوسيطيانوس ملك الروم وقباد بن فيروز ملك الفرس‬
‫فبثها بالمشرق فلذلك كثر النسطورية بالمشرق وخاصة أرض فارس بالعراق‬
‫والموصل ونصيبين والفرات والجزيرة ‪ #‬قال سعيد بن البطريق رأيت أن أرد على‬
‫النسطورية في هذا الموضع وأبين بطلن قولهم وفساده لن النسطورية في عصرنا‬
‫هذا خالفوا قول نسطور القديم وزعموا أن نسطور كان يقول إن المسيح جوهران‬
‫وأقنومان إله تام بأقنومه وجوهره وإنسان تام بأقنومه وجوهره ‪ #‬وإن مريم ولدت‬
‫المسيح من جهة ناسوته ل من جهة لهوته لن الب عندهم ولد إلها ولم يلد إنسانا‬
‫ومريم ولدت إنسانا ولم تلد إلها‬

‫فيقال لهم إن كان المر على ما تقولون فالمسيح مسيحان وابنان فمسيح إله وابن ‪#‬‬
‫إله ومسيح إنسان وابن إنسان لنه ل بد لمريم من أن تكون ولدت المسيح أو لم تلده‬
‫‪ #‬فإن كانت ولدته فل بد أن يكون ولدا روحانيا أو جسمانيا ‪ #‬فإن كان جسمانيا‬
‫فهو غير الذي ولده الب وذلك يوجب أن يكون مسيحان ‪ #‬وإن كان روحانيا‬
‫فالمسيح ابن واحد أقنوم واحد مسيح واحد ‪ #‬والدليل على ذلك صفيحة الحديد التي‬
‫تتحد بها النار فإنها سيف واحد تحرف وتمنع وتقطع وتضيء ‪ #‬ول يجوز أن يكون‬
‫من الجهة الحديدية هي المحرقة المضيئة من غير جهة النار إذ كان ما لم يكن فيه‬
‫نار من الحديد غير محرق ‪ #‬ول الجهة النارية هي القاطعة المانعة إذ كان شأن‬
‫النار الضاءة والحراق ل القطع ‪ #‬فقد ثبت بهذا وصح ما تعتقده الملكية من أن‬
‫المسيح أقنوم واحد وبان زيف قول النسطورية إن المسيح أقنومان‬

‫‪428‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪429‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قلت يقال لهذا إن قول النسطورية والملكية وإن كانا باطلين فقول الملكية أشد ‪#‬‬
‫بطلنا وأعظم كفرا وتناقضا وما ذكره هذا باطل ‪ #‬أما قوله لو كان المر على ما‬
‫تقولون فالمسيح مسيحان ‪ #‬فيقال له هذا إنما يلزم أن لو كان اللهوت بمجرده‬
‫يسمى مسيحا فإن النسطورية وافقوهم على باطل وهو أن الرب ولد إلها وهذا باطل‬
‫ولم يقل أحد قط من النبياء ل في النجيل ول غيره إن صفة ال القائمة به مولودة‬
‫ول أن الرب له مولود قديم أزلي ‪ #‬ولكن إذا قدر أن المر كذلك فصفة ال لم يسمها‬
‫أحد مسيحا ‪ #‬فإذا قدر أن اللهوت والناسوت جوهران أقنومان ل اتحاد بينهما لم‬
‫يلزم أن يكون اللهوت مسيحا ول هناك مسيح هو إله ول مسيح هو ابن إله ‪ #‬وقد‬
‫تقدم عن نسطور أنه كان يقول إن هذا النسان الذي نقول إنه مسيح متوحد بالمحبة‬
‫مع ابن إله ويقال له إله وابن إله ليس بالحقيقة ولكن موهبه ‪ #‬فقد صرح بأن المسيح‬
‫هو النسان فقط دون اللهوت وأن‬

‫المسيح ليس بإله ول ابن إله في الحقيقة ‪ #‬فبطل ما ألزمه إياه من أنه يلزم أن يكون‬
‫هنا مسيحان ‪ #‬وأما قوله ل بد لمريم من أن تكون ولدت المسيح أو لم تلده ‪ #‬فيقال‬
‫بل ولدت المسيح وهو النسان وهو غير اللهوت الذي تزعمون أن الب ولده‬
‫وليس في ذلك مسيحان بل مسيح واحد إنسان مخلوق ‪ #‬وأيضا فقوله فإن كان ولدته‬
‫فل بد أن يكون ولدا روحانيا أو جسمانيا فإن كان روحانيا فالمسيح ابن واحد أقنوم‬
‫واحد مسيح واحد تقسيم باطل وحجة فاسدة داحضة ‪ #‬فإن مريم لم تلد ولدة‬
‫روحانية بل خرج الولد من فرجها كما تخرج أولد النساء من فروجهن سواء كانت‬
‫عذرتها باقية أو لم تكن ‪ #‬وأما ما ذكره من التمثيل بصفيحة الحديد فلو قدر أنه مثل‬
‫مطابق لم يدل على صحة قولهم بل غايته أنه يدل على إمكانه ‪ #‬فأين الدليل على أن‬
‫هذا هو الواقع فليس فيه ما يدل على صحة قول الملكية وفساد قول خصومهم فكيف‬
‫وهو تمثيل غير مطابق ‪ #‬فإن الحديد إذا اتحدت به النار كان الحديد قد استحال عن‬
‫صفته فلم يبق حديدا محضا وليست نارا محضا والخشب‬

‫وغيره إذا أحرق وصار نارا فليس هو خشبا محضا وليس هو نارا محضة بسيطة‬
‫‪ #‬فمن شأن الشيئين إذا اتحدا أن يستحيل كل منها إلى جوهر ثالث وطبيعة ثالثة‬
‫ليست ل هذا ول هذا كالماء واللبن إذا اتحدا فإن ذلك يصير جوهرا ثالثا وطبيعة‬
‫ثالثة ل لبنا محضا ول ماء محضا وكذلك النار مع الحديد أو الخشب أو غير ذلك‬
‫فإن ذلك يصير جوهرا ثالثا ليس حديدا محضا ول خشبا محضا ول نارا محضة‬
‫لكن الحديد إذا برد هو حديد لكنة تغيرت حقيقته فالنار تلينه وتذهب خبثه ول يبقى‬
‫بعد اتحاده بالنار كما كان قبل والخشب يصير فحما وهو جوهر ثالث إذ كان من‬
‫طبع النار أنها تؤثر في كل جسد بحسبه فتؤثر في الحديد بحسبه وفي الخشب بحسبه‬
‫‪ #‬وكل شيئين اتحدا فإنهما يصيران جوهرا ثالثا وأقنوما ثالثا وطبيعة ثالثة ‪ #‬فإن‬
‫كان اللهوت والناسوت قد اتحدا كما زعموا فقد استحالت صفة اللهوت واستحالت‬
‫صفة الناسوت فلم يبق اللهوت لهوتا ول الناسوت ناسوتا بل صارا جوهرا ثالثا ل‬

‫‪429‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪430‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لهوت ول ناسوت وهم ينكرون هذا القول وهو باطل ‪ #‬فإن رب العالمين ل يتبدل‬
‫ول تستحيل صفاته بصفات‬

‫المحدثات ول ينقلب القديم ول شيء من صفاته محدثا ول يستحيل القديم الرب‬


‫الخالق والمخلوق المحدث إلى شيء ثالث ‪ #‬بل صفات الرب التي لم يزل ول يزال‬
‫موصوفا بها ل تتبدل ول تنقلب ول تستحيل فضل عن أن تستحيل إلى أمر ثالث ‪#‬‬
‫ثم هذا الثالث إن كان قديما خالقا صار هنا خالقين قديمين ‪ #‬وإن كان مخلوقا محدثا‬
‫كان الخالق قد صار مخلوقا محدثا ومعلوم أن استحالة الخالق إلى خالق آخر أو إلى‬
‫مخلوق ممتنع ظاهر المتناع ‪ #‬ومما يوضح هذا أن ما مثلوا به من الحديدة المحماة‬
‫بالنار هي جوهر ثالث يجري على نارها ما يجري على حديدها فإذا طرقت‬
‫فالتطريق واقع على نارها كما هو واقع على حديدها وكذلك إذا مدت وكذلك إذا‬
‫بصق عليها وكذلك إذا ألقيت في الماء ‪ #‬فإن كان هذا التمثيل مطابقا لزم أن يكون‬
‫ما حل بالناسوت قد حل باللهوت ‪ #‬فيكون رب العالمين هو الذي يأكل ويشرب‬
‫ويبول ويتغوط وهو الذي صفع عندهم وبصق في وجهه وجعل الشوك على رأسه‬
‫وضرب بالسياط وصلب ومات وتألم كما يحكى مثل هذا عن اليعقوبية ‪ #‬وهذا لزم‬
‫لكل من قال بالتحاد حتى النسطورية إن قالوا إنهما‬

‫متحدان بالمشيئة بمعنى أن مشيئة هذا عين مشيئة هذا ‪ #‬بخلف ما إذا قالوا إن‬
‫مشيئته موافقة لمشيئته ليست إياها ولهذا قال تعالى ‪ #‬سورة المائدة اليات ‪75 72‬‬
‫‪ #‬فذكر سبحانه وتعالى أنهما كانا يأكلن الطعام لن ذلك من أظهر الدلة على‬
‫أنهما مخلوقان مربوبان إذ الخالق أحد صمد ل يأكل ول يشرب ‪ #‬وذكر مريم مع‬
‫المسيح لن من النصارى من اتخذها إلها آخر فعبدها كما عبد المسيح ‪ #‬والذين ل‬
‫يقولون بهذا كثير منهم يطلب منها كل ما يطلب‬

‫من ال حتى يقول لها اغفري لي وارحميني وغير ذلك بناء على أنها تشفع في ذلك‬
‫إلى ابنها ‪ #‬فتارة يقولون يا والدة الله اشفعي لنا إلى الله وتارة يسألونها الحوائج‬
‫التي تطلب من ال ول يذكرون شفاعة وآخرون يعبدونها كما يعبدون المسيح ‪ #‬وقد‬
‫ذكر سعيد بن البطريق هذا عنهم لما ذكر اجتماعهم عند قسطنطين بنيقية ‪ #‬قال‬
‫وكانوا مختلفي الراء مختلفي الديان ‪ #‬فمنهم من يقول المسيح وأمه إلهان من دون‬
‫ال وهم المريمانيون ويسمون المريمانية كذلك قال ابن حزم وقد قال تعالى ‪ #‬سورة‬
‫المائدة اليتان ‪ # 117 116‬وهو سبحانه لم يحك هذا عن جميع النصارى بل سأل‬

‫المسيح سؤال يقرع به من اتخذه وأمه إلهين من دون ال ‪ # 2‬قال ابن البطريق‬
‫ويقال للنسطورية أيضا أخبرونا عن الناسوت التي اتحدت بها اللهوت وسمى‬
‫مسيحا هل لم يزل مسيحا منذ كان في بطن مريم إلى حين وضعته وأرضعته وشب‬
‫وصلب وقتل أم كان ثلثين سنة وهو واحد من الناس ثم اتحد بعد ذلك اللهوت‬
‫بالناسوت فكان مسيحا ‪ #‬فإن قالوا لم يكن مسيحا وهو في بطن مريم وإنما ولدت‬

‫‪430‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪431‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مريم إنسانا كان ثلثين سنة وهو واحد من الناس ثم اتحد بعد ذلك اللهوت‬
‫بالناسوت فكان مسيحا تركوا قولهم وكذبوا النجيل وبولص وجميع كتب الكنيسة‬
‫وخرجوا عن مقالة النصرانية ‪ #‬وإن قالوا إن اللهوت اتحد في الناسوت عند الحمل‬
‫وأنه كان مسيحا وهو محمول ومولود ومرضع إلى أن صلب وقتل قد أقروا أن‬
‫مريم ولدت إلها مسيحا واحدا أقنوما واحدا ‪ #‬فيقال له هذا التقسيم يدل على بطلن‬
‫قول النصارى الذي ابتدعه طوائفهم الثلثة وغيرهم فإن التحاد يزعمون أنه كان‬
‫من حين حملت به مريم وأنه كان ينمو قليل قليل كنمو جسد المسيح‬

‫والتحاد باطل كما قد قرر غير مرة ولو قدر أنه ممكن لظهر أثر ذلك ‪ #‬فإن ال لما‬
‫كلم موسى من الشجرة ظهر من اليات والعظمة ما دل على ذلك ولذلك كان إذا كلم‬
‫موسى يظهر آيات ذلك ‪ #‬وكذلك ما أخبر به في التوراة وغيرها من مصاحبته لبني‬
‫إسرائيل وهو مما ظهر أثره وإن لم يكن متحدا ول حال في شيء من ذلك ‪ #‬ولما‬
‫تجلى من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران بما أنزله من كتبه‬
‫ظهر آثار ذلك وإن لم تكن ذاته متحدة ول حالة بفاران ول طور سينا باتفاق المم ‪#‬‬
‫فكيف تكون ذاته متحدة بما في بطن مريم أو حالة فيه ول يظهر أثر ذلك ‪ #‬وأيضا‬
‫فيقال له قد يقول النسطورية له الناسوت كان مسيحا من حين الحمل بمعنى أنه كان‬
‫طاهرا مقدسا ل بمعنى اتحاد اللهوت به ‪ #‬وإن قالوا المسيح اسم اللهوت‬
‫والناسوت جميعا فيقال ليس في كتب النبياء ما يقتضي هذا والنسطورية يسلمون‬
‫ذلك لكن قد يقولون إن المسيح اسم لهما كما أن النسان اسم للروح والجسد ‪ #‬ثم قد‬
‫يقال لجسد النسان الميت هذا النسان فيقال وهو في بطن مريم أمه قبل نفخ الروح‬
‫فيه هذا الجنين وهذا الحمل فكذلك إذا قيل له مسيح بدون اللهوت ‪ #‬وأيضا فقد‬
‫تقول النساطرة باقتران اللهوت من حين الحمل ول يلزم أن يكون قد ولدت إلها إذ‬
‫لم يقولوا بالتحاد بل قالوا هما‬

‫جوهران أقنومان ولدت أحدهما ولم تلد الخر كما تقول الملكية معهم إنه صلب‬
‫أحدهما ولم يصلب الخر ومات أحدهما ولم يمت الخر وتألم أحدهما ولم يتألم‬
‫الخر ‪ #‬فكيف جوز الملكية حين الموت أن يحل الموت والصلب والكل والشرب‬
‫وسائر المور البشرية بأحد الجوهرين دون الخر ولم يجوزوا حين الولدة أن تلد‬
‫مريم أحد الجوهرين دون الخر وهل هذا إل من تناقضهم كقولهم جميعا إنه صعد‬
‫إلى السماء وقعد عن يمين أبيه مع قولهم إن اللهوت مع الناسوت قعد عن يمين‬
‫الب ‪ #‬ويقولون مع ذلك إن اللهوت القاعد عن يمين الخر هو ذلك الخر وهما‬
‫جوهر واحد وإله واحد مع قوله إنه إله حق من إله حق فمناقضتهم كثيرة ‪ #‬ول‬
‫ريب أن قول النسطورية أيضا متناقض لكن ل يمكن أن نصحح قول الملكية دون‬
‫قولهم بل قول الملكية أعظم فسادا وتناقضا ‪ #‬فالنسطورية يقولون الله لم يولد ولم‬
‫يصلب ‪ #‬واليعقوبية يقولون ولد وصلب ‪ #‬والملكية يقولون ولد ولم يصلب ‪ #‬ومتى‬
‫جاز أن يولد جاز أن يموت ويصلب وإن لم يجز أن يصلب ويموت لم يجز أن يولد‬

‫‪431‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪432‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فتجويز أحدهما ومنع الخر تناقض ‪ #‬ويقال للملكية أنتم تقولون إن اللهوت ‪#‬‬
‫اتحد بالناسوت عند الحمل وكان مسيحا وهو مصفوع ومصلوب وميت ومتألم‬
‫وتقولون هذا كان بالناسوت دون اللهوت فهذا التناقض من جنس تناقض النساطرة‬
‫‪ #‬قال ابن البطريق ويقال للنساطرة أيضا متى اتحدت الكلمة بالنسان أقبل الولدة‬
‫أم في حال الولدة ‪ #‬فإن قالوا قبل الولدة قلنا لهم قبل الولدة قبل الحمل أو قبل‬
‫الولدة وهو حمل ‪ #‬فإن قالوا قبل الولدة وقبل الحمل فقد زعموا أنه اتحد قبل أن‬
‫يكون إنسانا وقبل أن يصور فإن كان كذلك فسد قول النسطورية إن القديم اتحد‬
‫بإنسان جزئي لن النسان الجزئي إنما كان إنسانا جزئيا لما صار مصورا بشريا ‪#‬‬
‫فيقال له هذا السؤال لزم للطوائف الثلثة فإنهم يقولون بالتحاد أعظم من النساطرة‬
‫‪ #‬فإن قيل هم يقولون إنه اتحد بإنسان كلي كان هذا من أفسد القاويل فإن المسيح‬
‫بشر معين جزئي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه لم يكن إنسانا كليا‬

‫ثم قال ويلزمهم أن يزعموا أن اللهوت قد كان حل مع الناسوت تسعة أشهر ‪#‬‬
‫ونحوها من بدء الحمل مقيما معه في الموضع الذي يحمل فيه الجنين ثم ولدا معا‬
‫وهذا خلف قولهم إن مريم ولدت المسيح من جهة ناسوته ل من جهة لهوته ‪#‬‬
‫فيقال قد يقولون إنه ولد الناسوت دون اللهوت كما يقول الملكية إنه صلب الناسوت‬
‫دون اللهوت ‪ #‬وإن كان هذا متناقضا فالنساطرة أقل تناقضا لن الملكية يقولون‬
‫إنهما شخص واحد أقنوم واحد فقد اتحد أحدهما بالخر ‪ #‬فإذا جاز مع هذا أن يفارق‬
‫أحدهما الخر في الكل والشرب والصلب والموت فمن قال إنهما جوهران أقنومان‬
‫هو أولى أن يقول ولدت أحدهما دون الخر ‪ #‬ثم قال وإن قالوا اتحد به وهو حمل‬
‫صورة تامة ‪ #‬قلنا لهم فقد كان الله حمل قبل الولدة وإذا جاز أن يحمل جاز أن‬
‫يولد ‪ #‬فيقال هم ل يقولون بأنهما صارا شخصا واحدا أقنوما واحدا بل يقولون‬
‫جوهران أقنومان وحينئذ فل يقولون حملت بإله‬

‫ول ولدت إلها كما ل يقول الملكية صلب اللهوت ومات اللهوت مع قولهم بأن‬
‫اللهوت والناسوت اتحدا ‪ #‬قال فإن قالوا كان التحاد في حال الولدة ‪ #‬قلنا فقد‬
‫ولدت مريم الكلمة إذا مع النسان والكلمة عندنا وعندهم إله فقد ولدت مريم إلها ‪#‬‬
‫فإن قالوا نعم قلنا فإذا جاز أن يولد فلم ل يجوز أن يكون حمل فإذا أجازوا ذلك‬
‫تركوا قولهم وإن لم يجيزوه قلنا فما الفرق بين أن يكون مولودا وبين أن يكون‬
‫محمول فإن قالوا ليس الله مولودا ولم يكن التحاد قبل الولدة وهو أن يكون‬
‫محمول ول في حال كونه ولدا في حال الولدة ‪ #‬قلنا فهذا نقض قولكم إن مريم‬
‫ولدت المسيح لن المسيح عندكم ليس هو النسان وحده ومريم عندكم إنما ولدت‬
‫النسان وحده ‪ #‬وإذا كان المسيح ليس هو النسان وحده وعندكم إنما ولدت النسان‬
‫وحده قبل التحاد فإنما ولدت إذا ما ليس بمسيح إذ كان إنما كان مسيحا بالتحاد‬
‫وكان التحاد بعد الولدة فإنما كان مسيحا بعد الولدة ‪ #‬فإذا كان هذا عندكم فاسدا‬
‫وكانت مريم ولدت المسيح فمريم لم تلد النسان وحده وهذا يوجب أنها قد ولدت‬
‫الله مع النسان ويوجب أن التحاد كان قبل الولدة‬

‫‪432‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪433‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال فقد تبين زائف ما تعتقده النسطورية من أن مريم ولدت المسيح من جهة ‪#‬‬
‫ناسوته ل من جهة لهوته وصح أن مريم ولدت إلها مسيحا واحدا ‪ #‬قال ويقال لهم‬
‫إذا زعمتم أن المسيح جوهران جوهر قديم وجوهر محدث ثم زعمتم أن مريم ولدت‬
‫المسيح فقد أقررتم أن مريم ولدت هذين الجوهرين اللذين هما المسيح وإذا ولدتهما‬
‫وأحدهما إله فقد ولدت إلها قديما ول يجوز أن تلد إل ما كان محمول فهذا يوجب‬
‫أنها قد كانت حاملة لذلك الله ‪ #‬فقد تبين زائف ما تعتقده النسطورية أن مريم لم‬
‫تحمل إلها ولم تلده وصح ما تعتقده الملكية أن مريم ولدت إلها مسيحا واحدا وابنا‬
‫واحدا أقنوما واحدا ‪ #‬فيقال له ليس هذا التناقض من النسطورية بأعظم من تناقض‬
‫الملكية فإنهم مع قولهم باتحاد اللهوت والناسوت وأنهما شخص واحد يقولون إن‬
‫أحدهما كان يأكل ويشرب ويصوم ويصلي ويتصرف وأنه أخذ وصفع ووضع‬
‫الشوك على رأسه وصلب وتألم ومات دون الخر ‪ #‬فإذا كان قول النسطورية‬
‫متناقضا فقول الملكية أعظم تناقضا فإذا منعوا أن تحمل المرأة وتلد الناسوت دون‬
‫اللهوت لجل التحاد الذي بينهما وجب أن يمنعوا أن يأكل ويشرب ويصلب ويقتل‬
‫أحدهما‬

‫دون الخر لجل التحاد بطريق الولى ‪ #‬وكون الصلب والقتل أعظم منافاة‬
‫للربوبية من حمل مريم به وولدته إياه ل يمنع كون كل ذلك ممتنعا على ال ‪ #‬ومن‬
‫جوز عقله أن يكون رب العالمين خرج من فرج مريم وهي بكر فقد جعل رب‬
‫العالمين يخرج من ثقب صغير وهذا أعظم ما يكون من المتناع ‪ #‬ومن جوز عليه‬
‫هذا جوز عليه أن يخرج من كل ثقب مثل ذلك الثقب وأكبر منه وجوز أن يخرج‬
‫رب العالمين من فم كل حيوان وفرجه ومن شقوق البواب وغير ذلك من الثقوب ‪#‬‬
‫وإن قالوا ذاك مكان طاهر قيل أفواه النبياء والصالحين أطهر من كل فرج في‬
‫العالم فيجوز أن يخرج من فم كل نبي وولي ل ومن أذنه ومن أنفه فإن هذه الخروق‬
‫والثقوب أفضل من فروج النساء تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ #‬فهؤلء‬
‫النصارى يقولون إن كون ال مولودا من فرج مريم غير كونه مولودا في الزل من‬
‫الب بل هما ولدتان روحانية وجسمانية ‪ #‬وهم إذا طولبوا بتفهيم ما يقولونه وقيل‬
‫لهم هذا ل يتصور أن يكون رب العالمين يخرج من ثقب ضيق ل فرج ول فم ول‬
‫أذن ول غير ذلك من الثقاب قالوا هذا فوق العقل واعترفوا بأن هذا ل يتصوره‬
‫العقل ‪ #‬فيقال لهم هذا الكلم لم يقله نبي من النبياء ولم ينطق به نبي من النبياء‬
‫بأن مريم حملت برب العالمين وولدته بل ول نطق‬

‫نبي من النبياء بأن ال مولود ول شيء من صفاته مولود ل علمه ول حياته ول‬
‫غير ذلك ‪ #‬ول نطق نبي من النبياء ل المسيح ول غيره بأن ال اتحد بشيء من‬
‫المخلوقات ‪ #‬وليس في النجيل وغيره مما ينقل عن النبياء شيء من ذلك بل غاية‬
‫ما فيها كلمات مجملة متشابهة كقوله أنا وأبي واحد كما قال ال لمحمد ‪ ^ #‬إن الذين‬
‫يبايعونك إنما يبايعون ال ^ ‪ #‬وقوله ^ من يطع الرسول فقد أطاع ال ^ ‪ #‬فإذا قال‬

‫‪433‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪434‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بعض ملحدة المسلمين من الشيعة أو المتصوفة‬

‫أو غيرهم إن ال اتحد بمحمد لقوله ‪ ^ #‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون ال ^ ‪#‬‬
‫كان هذا من جنس قول النصارى ‪ #‬والية لم تدل على ذلك بل مبايعة الرسول‬
‫مبايعة ل لن الرسول أمر بما أمر ال ونهى عما نهى ال عنه ‪ #‬فليس في كلم‬
‫النبياء أن ال ول شيئا من صفاته مولود الولدة التي يسمونها ولدة عقلية‬
‫وروحانية ول في كتبهم أن شيئا من صفات ال تسمى ابنا ل ول أن اللهوت ابن‬
‫ال فضل عن أن ينطقوا بأن ال مولود من امرأة ولدة وخرج من فرجها فيكون‬
‫مولودا ولدة جسمانية ‪ #‬ولهذا لما تنازعت النصارى في ذلك لم يكن لمن ادعاه‬
‫على من نفاه حجة من نصوص النبياء غاية ما عندهم التمسك بألفاظ متشابهة‬
‫وتغيير ألفاظ صريحة محكمة تبين أن المولود إنما هو بشر ‪ #‬فإذا قالوا في اللفاظ‬
‫المتشابهة ل نعلم مراد الرسول بها كان هذا مما قد يعذرون به فإن المتشابه من‬
‫النصوص ل يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم ‪ #‬فإذا قالوا لسنا من الراسخين‬
‫في العلم الذين يعلمون تأويله‬

‫كانوا شاهدين على أنفسهم بعدم العلم وشهادة النسان على نفسه مقبولة ‪ #‬بخلف‬
‫القول الذي تكلموا به هم وزعموا أن معناه يدل عليه كلم النبياء أو يدل عليه العقل‬
‫فإن عليهم أن يبينوا معناه الذي عنوه به وعليهم أن يبينوا أنه قد دل على ذلك شرع‬
‫أو عقل ‪ #‬فإذا قالوا نفس الكلم الذي قلناه ل نتصور معناه كانوا معترفين أنهم‬
‫يقولون على ال ما ل يعلمون وهذا حرام عليهم ‪ #‬وإن قالوا إن كلم النبياء دل‬
‫على ذلك كان غاية ما عندهم التمسك بالمتشابه وحينئذ فيطالبون بتفسير المتشابه‬
‫والجمع بينه وبين المحكم على وجه صحيح معلوم وإل فإذا قالوا هذا فوق العقل ل‬
‫نفهمه ‪ #‬قيل لهم فدعوا المتشابه ل تحتجوا به ول تذكروا له معنى تزعمون أنكم ل‬
‫تعقلونه ‪ #‬فمتى ثبت عن النبياء قول وقال قوم إنا ل نفهمه فإنهم يصدقون على‬
‫أنفسهم وأما إذا فسروا كلم النبياء بقول عبروا به على مراد النبياء وقالوا هذا‬
‫مرادهم مع تعبيرهم عنه بعبارات أخرى طولبوا بأن يبينوا ذلك المعنى وقيل لهم إن‬
‫فهمتم ما قلتموه فبينوه وإن لم تفهموه فل تتكلموا بل علم‬

‫قال سعيد بن البطريق أن أئمة الضللة أعني نسطوريوس وأرطيوس وديسقورس ‪#‬‬
‫وسورس ويعقوب البرادعي وأشياعهم الذين أرادوا أن يقيم الزيف والمحال ولم‬
‫يرجعوا إلى خشية ال وزاغوا عن سبيل الحق لسوء رأيهم فقد تورطوا في بحر‬
‫الضللة ‪ #‬وهم جميعا فيما ارتطموا فيه من ضللتهم يضمرون جهل منهم باتحاد‬
‫لهوت سيدنا المسيح بناسوته ويتورط كل واحد منهم في وجه من وجوه الخلطة‬
‫ويتمسك به ‪ #‬فقد رأيت أن أوضح وجه الخلطة وأبين ذلك لتقف على فساد قولهم إن‬
‫من عظيم تدبير ال وكمال عدله وجليل رحمته أن بعث كلمته الخالقة التي بها خلق‬
‫كل شيء وهي التي من جوهره ليست مخلوقة ولكن مولودة منه قبل كل الدهور ولم‬
‫يكن ال بل كلمته ول روحه قط ول كانت الكلمة برية منه قط ول من روحه الخالقة‬

‫‪434‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪435‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ول من جوهره فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم الثابت الذي لم يزل ول‬
‫يزال فالتحمت من مريم العذراء وهي جارية طاهرة‬

‫مختارة من نسل داود اصطفاها ال لهذا التدبير من نساء العالمين وطهرها بروح‬
‫القدس روحه الجوهرية حتى جعلها أهل لحلول كلمة ال الجوهرية بها فاحتجبت‬
‫الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح القدس خلقا‬
‫جديدا من غير نطفة آدمية جرت عليها الخطيئة ومن غير مجامعة بشرية ول انفكاك‬
‫عذرة تلك الجارية المقدسة فهو إنسان تام بجسده ونفسه الدموية وروحه الكلمانية‬
‫التي من صورة ال في النسان وشبهه فكانت مسكنا ل في حلوله واحتجابه للطفها‬
‫عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم ‪ #‬واعلم أنه ل يرى شيء من لطيف الخلق إل‬
‫في غليظ الخلق ول يرى ما هو لطيف من اللطيف إل مع ما هو أغلظ منه فيما‬
‫يظهر لهل الثقال من غليظ الخلق ‪ #‬وإنا وجدنا روح النسان العاقلة الكلمانية‬
‫ألطف من لطيف الخلق فلذلك كانت أولى خلق ال بحجاب ال فكانت لها حجابا‬
‫ولمن هو ألطف منها وكانت النفس الدموية لها حجابا والجسد الغليظ حجابا ‪ #‬فعلى‬
‫هذا خالطت كلمة ال الخالقة لنفس النسان الكاملة بجسدها ودمها وروحه العاقلة‬
‫الكلمانية وصارت كلمة ال بقوامها قواما لتثليث الناسوت التي كمل جوهرها بتقويم‬
‫قوام كلمة ال إياها لنها لم تخلق ولم تك شيئا إل بقوام من كلمة ال الذي خلقها‬
‫وكونها‬

‫ل من شيء ل سبق قبل ذلك في بطن مريم ول من شيء كان لها من نطفة ول من‬
‫غير ذلك غير قوام الكلمة الخالقة الذي هو أحد التثليث اللهي فذلك القوام معدود‬
‫معروف مع الناس لما ضم إليه وخلقه له التحم به من جوهر النسان فهو بتوحيد‬
‫ذلك القوام الواحد قوام لكلمة ال الخالقة واحد في التثليث بجوهر لهوته واحد في‬
‫الناس بجوهر ناسوته وليس باثنين ولكن واحد مع الب والروح وهو إياه واحد مع‬
‫الناس جميعا بجوهرين مختلفين من جوهر اللهوت الخالق وجوهر الناسوت‬
‫المخلوق بتوحيد القوام الواحد قوام الكلمة التي هي البن المولود من ال قبل الدهار‬
‫كلها وهو إياه المولود من مريم العذراء في آخر الزمان من غير مفارقة من الب‬
‫ول من روح القدس ‪ #‬قلت فهذا كلم سعيد بن البطريق الذي قرر به دين النصارى‬
‫وفيه من الباطل ما يطول وصفه لكن نذكر من ذلك وجوها ‪ #‬الوجه الول قوله إن‬
‫من عظيم تدبير ال أن بعث كلمته الخالقة التي بها خلق كل شيء من جوهره ليست‬
‫مخلوقة ولكن مولودة منه فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم فالتحمت من‬
‫مريم العذراء ‪ #‬فيقال قد جعلت الكلمة الخالقة وقلت بعد هذا ول كانت الكلمة برية‬
‫منه ول من روحه الخالقة وقلت بعدها‬

‫فاحتجبت الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح‬
‫القدس جميعا خلقا جديدا ‪ #‬فيقال لهم أخالق العالم عندكم خالق واحد وهو إله واحد‬
‫أم للعالم ثلثة آلهة خالقون ‪ #‬فإن قالوا إن الخالق واحد وهم ثلثة آلهة خالقون كما‬

‫‪435‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪436‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أنهم في كثير من كلمهم يصرحون بثلثة آلهة وثلثة خالقين ثم يقولون إله واحد‬
‫وخالق واحد ‪ #‬فيقال هذا تناقض ظاهر فإما هذا وإما هذا ‪ #‬وإذا قلتم الخالق واحد‬
‫له ثلث صفات لم ننازعكم في أن الخالق له صفات لكن ل يختص بثلثة ‪ #‬فإن‬
‫قالوا بثلثة آلهة خالقين كما قد كثر منهم في كثير من كلمهم بان كفرهم وعظم‬
‫شركهم وبان أن شركهم أعظم من كل شرك في العالم فغاية المجوس الثنوية إثبات‬
‫اثنين نور وظلمة وهؤلء يثبتون ثلثة ‪ #‬ثم الدلة السمعية في التوراة والنجيل‬
‫والزبور وسائر كلم النبياء مع الدلة العقلة المبينة لكون الخالق واحدا كثيرة جدا‬
‫ل يمكن حصرها هنا‬

‫وإن قالوا إن الخالق واحد له صفات قيل لهم فهذا مناقض لقولكم إنه بعث كلمته ‪#‬‬
‫الخالقة وقولكم ول كانت الكلمة برية منه ول من روحه الخالقة وقولكم فهبطت‬
‫الكلمة الخالقة وقولكم فاحتجبت الكلمة الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة‬
‫الب ومؤازرة الروح فهذا يقتضي أن الكلمة خالقة وأن الروح خالقة وأنها خلقت‬
‫بمسرة الب الخالق ومؤازرة الروح الخالقة وهذا الخلق هبط والب لم يهبط ‪ #‬فإذا‬
‫كان الخالق واحدا له صفات لم يكن هنا إل خالق واحد ‪ #‬الوجه الثاني قولكم بعث‬
‫كلمته الخالقة التي بها خلق كل شيء وقد نطقت الكتب بأن ال يخلق الشياء بكلمه‬
‫فيقول لها كن فيكون هكذا في القرآن والتوراة وغيرهما ‪ #‬لكن الخالق هو ال تعالى‬
‫يخلق بكلمه ليس كلمة خالقا ‪ #‬ول يقول أحد قط إن كلم ال خلق السماوات‬
‫والرض ‪ #‬والتوراة كلم ال والنجيل كلم ال ول يقل أحد إن شيئا من ذلك خلق‬
‫السماوات والرض ول يقول أحدا يا كلم ال اغفر لي وارحمني ‪ #‬فقول هؤلء إن‬
‫كلمته هي الخالقة وإنه خلق بها كلم متناقض ‪ #‬فإنها إن كانت هي الخالقة لم تكن‬
‫هي المخلوق به فالمخلوق به ليس هو الخالق ‪ #‬الوجه الثالث أن يقال قولكم كلمة ال‬
‫الخالقة أهي‬

‫كلم ال كله أم هي بعض كلم ال أم هي المعنى القائم بالذات القديم الزلي الذي‬
‫يثبته ابن كلب أم حروف وأصوات قديمة أزلية كما يقوله بعض الناس أم هي الذات‬
‫المتكلمة ‪ #‬فإن كانت هي الذات المتكلمة فهي الب والرب وتكون هي الموصوفة‬
‫بالحياة فل يكون هناك كلم مولود ول كلمة أرسلت ول غير ذلك مما ذكره وهذا‬
‫خلف قولهم كلهم فإن الكلمة المتحدة بالمسيح ليست هي الب عندهم ‪ #‬وإن قالوا‬
‫بل هي كلم ال كله ‪ #‬قيل لهم فيكون المسيح هو التوراة والنجيل والقرآن وسائر‬
‫كلم ال وهذا ل يقولونه ولم يقله أحد ول يقوله عاقل ‪ #‬وإن قالوا إنها هي المعنى‬
‫الواحد القديم الزلي أو الحروف والصوات القديمة الزلية ‪ #‬قيل لهم هذان القولن‬
‫وإن كانا باطلين فإن قلتم بهما لزمكم أن يكون المسيح هو كلم ال كله فإن هذين‬
‫عند من يقول بهما هما جميع كلم ال ‪ #‬والتوراة والنجيل وسائر كلم ال عبارة‬
‫عن ذلك المعنى القائم بذات ال وهو الحروف والصوات القديمة القائمة بالذات عند‬
‫من يقول بهذين‬

‫‪436‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪437‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إن قلتم إن المسيح بعض كلمات ال فحينئذ ل كلمات أخر غير المسيح فاجعلوا ‪#‬‬
‫كل كلمة خلقا كما جعلتم الكلمة المتحدة بالمسيح خالقا إذ كنتم تقولون الكلمة هي‬
‫الخالقة وهي المخلوق بها فقولوا عن سائر كلمات ال إنها خالقة مخلوق بها وحينئذ‬
‫فيتعدد الخالق بتعدد كلمات ال ‪ #‬وإذا كانت كلمات ال ل نهاية لها كان الخلق‬
‫خالقون ل نهاية لهم وهذا غاية الباطل والكفر ‪ #‬وبالجملة أي شيء فسروا به الكلمة‬
‫تبين به فساد قولهم ولكنهم يتكلمون بما ل يفهمونه ويقولون الكذب والكفر المتناقض‬
‫وإنما عندهم تقليد من أضلهم كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم‬
‫غير الحق ول تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء‬
‫السبيل ^ ‪ #‬الوجه الرابع أن يقال لهم ما لم يعلم بالمعقول فليس في المنقول ما يدل‬
‫عليه وأنتم ل تدعون أنكم عرفتموه بالعقل لكن بما نقل عن النبياء وأنتم قد فسرتم‬
‫كلمته بعلمه وحكمته وروح القدس بحياته فمن أي نبي تنقلون أن علم ال وحكمته‬
‫مولودة منه وأنه يسمى ابنا وأن علمه أو حكمته خلق كل شيء وأن حياته خلقت كل‬
‫شيء وأن علمه خالق وإله ورب وحياته خالقة وإله ورب وليس‬

‫في النبياء من سمى شيئا من صفات الرب ولدا له ول ابنا ول ذكر أن ال ولد شيئا‬
‫من صفاته فدعواكم أن صفته القديمة الزلية ولدت مرتين مرة ولدة قديمة أزلية‬
‫وولدة حادثة من فرج مريم كذب معلوم على النبياء لم يقل أحد منهم إن ال ولد‬
‫ول إن شيئا من صفاته ولده ل ولدة روحانية ول ولدة جسمانية ‪ #‬وهذا وإن أبطل‬
‫قول الملكية فهو لقول اليعقوبية أشد إبطال وهو مبطل أيضا لقول النسطورية فإنهم‬
‫يقولون بالمانة التي فيها أنه مولود قديم أزلي فإن طوائفهم الثلثة متفقون على‬
‫المانة التي ابتدعوها في زمن قسطنطين بعد أكثر من ثلثمائة سنة من المسيح ‪#‬‬
‫الوجه الخامس قولكم بعث كلمته الخالقة فهبطت كلمة ال الخالقة التي بها خلق كل‬
‫شيء ليست مخلوقة ولكن مولودة منه ولم يكن ال بل كلمته ول روحه قط ‪ #‬من‬
‫قال من النبياء أنه لم يكن بل روحه قط أو أن روحه صفة له قديمة أو أنها حياته ‪#‬‬
‫وكلم النبياء كله ينطق بأن روح ال وروح القدس ونحو ذلك هو ما ينزله على‬
‫النبياء كالوحي والتأييد أو الملئكة فليست روح ال صفة قائمة به ول غيرها‬
‫ولكنها أمر بائن عنه ‪ #‬الوجه السادس أنه إذا كان قد بعث كلمته الخالقة وهبطت‬
‫والتحمت من مريم فهو نفسه رب العالمين هبط والتحم من مريم أم‬

‫رب العالمين نفسه لم يهبط ولم يلتحم من مريم وإنما هبط والتحم الكلمة التي أرسلها‬
‫‪ #‬فإن قلتم هو نفسه هبط والتحم كان الب الوالد للكلمة هو الذي هبط والتحم وكان‬
‫الب هو الكلمة وهذا مناقض لقوالكم ‪ #‬وإن قلتم إن المبعوث الهابط الملتحم ليس‬
‫هو الب بل هو كلمة الرب فقد جعلتموه الخالق فيكون هناك خالقان خالق أرسل‬
‫فهبط والتحم وخالق أرسل ذلك ولم يهبط ولم يلتحم وقد أثبتم خالقا ثالثا وهو الروح‬
‫وهذا تصريح بثلثة آلهة خالقين ‪ #‬الوجه السابع أنه قال إن ال بعث كلمته الخالقة‬
‫التي بها خلق كل شيء فمع كونه جعلها خالقة جعل أنه بها خلق كل شيء والذي‬
‫خلق بها كل شيء هو خالق فجعلها خالقة وجعل خالقا آخر وجعل أحد الخالقين قد‬

‫‪437‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪438‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫خلق الخر به كل شيء وجعل هذا الخالق قد بعث ذاك الخالق الذي به خلق كل‬
‫شيء وجعل الكلمة الخالقة احتجبت بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب‬
‫ومؤازرة روح القدس خلقا جديدا ‪ #‬وإذا كانت هي الخالقة بمسرة الب الخالق على‬
‫الخلق فالب لم يخلقه بل سر بذلك وروح القدس وازرت ذلك والخالق خلق الخلق ‪#‬‬
‫ومعلوم أنه إذا كان للخالق من يوازره على الخلق لم يكن مستقل بالخلق بل يكون له‬
‫فيه شريك ‪ #‬فهذه الكلمة تارة يقولون هي الخالقة وتارة يقولون خلق بها‬

‫الخالق فخلقت وتارة يقولون إن روح القدس وازرها في الخلق فهذه أربعة أقوال‬
‫ينقض بعضها بعضا ‪ #‬فإن كان ال هو الخالق لكل شيء فالخالق واحد فليس هناك‬
‫خالق آخر ول شريك له في الخلق ‪ #‬والخالق إذا خلق الشياء بقوله كن لم يكن‬
‫كلمه خالقا ولو كانت كل كلمة إلها خالقا لكان اللهة الخالقون كثيرين ل نهاية لهم‬
‫‪ #‬ثم قال ليست بمخلوقة ولكن مولودة منه من قبل كل الدهور ‪ #‬فيقال من من‬
‫النبياء سمى شيئا من صفات ال مولودا قديما أزليا فكيف يكون مولود قديم أزلي‬
‫وهل يعقل مولود إل محدثا ‪ #‬وأيضا فإذا جاز أن تكون الكلمة التي يفسرونها بالعلم‬
‫أو الحكمة مولودة منه فكذلك حياته مولودة منه وإن كانت حياته منبثقة منه فكلمته‬
‫منبثقة منه ‪ #‬فجعل إحدى الصفتين الزليتين مولودة من الزل غير منبثقة والخرى‬
‫ليست مولودة من الزل بل منبثقة مع كونه باطل فهو متناقض وتفريق بين‬
‫المتماثلين ‪ #‬فإنه إن جاز أن يقال للصفة القديمة الزلية إنها مولودة منه فالحياة‬
‫مولودة‬

‫وإن جاز أن يقال إنها منبثقة فالكلمة منبثقة ‪ #‬وأيضا فكون الصفة إلها خالقا ‪#‬‬
‫وإثبات ثلثة آلهة خالقين مع قولهم إن الخالق واحد تناقض آخر ‪ #‬وأيضا فقوله ولم‬
‫يكن ال بل كلمته ول روحه قط إن إراد بروحه حياته فهذا صحيح لكن من من‬
‫النبياء سمى حياة ال روحه ومن الذي جعل ال روحا قديمة أزلية وهل هذا إل‬
‫افتراء على النبياء ‪ #‬وليس لقائل أن يقول إن هذا نزاع لفظي فل اعتبار به لن هذا‬
‫تفسير لكلم النبياء فهم الذين تكلموا بروح ال وروح القدس ونحو ذلك ولم يرد أحد‬
‫بذلك حياة ال قط ‪ #‬فتسمية حياة ال روحا وتفسير مراد النبياء بذلك افتراء على‬
‫ال ورسله ‪ #‬الوجه الثامن قوله فهبطت كلمة ال الخالقة بقوامها القائم الدائم الثابت‬
‫الذي لم يزل ول يزول فالتحمت من مريم العذراء وهي جارية طاهرة مختارة من‬
‫نسل داود اصطفاها ال لهذا التدبير من نساء العالمين وطهرها بروح القدس روحه‬
‫الجوهرية التي جعلها أهل لحلول كلمة ال الجوهرية بها فاحتجبت الكلمة الخالقة‬
‫بإنسان مخلوق خلقته لنفسها بمسرة الب ومؤازرة روح القدس خلقا جديدا ‪ #‬فيقال‬
‫إن الكتب دلت على أن المسيح تجسد من روح القدس ومن مريم العذراء البتول‬
‫وهكذا هو في المانة التي لهم وبهذا أخبر القرآن حيث أخبر في غير موضع أنه نفخ‬
‫في مريم من روحه مع إخباره أنه أرسل إليها روحه ‪ #‬قال تعالى‬

‫سورة مريم اليات ‪ # 23 16‬وقال تعالى ‪ ^ #‬والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها ‪#‬‬

‫‪438‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪439‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ومريم ابنت عمران‬
‫التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من‬
‫القانتين ^ ‪ #‬فالكتب اللهية يصدق بعضها بعضا ‪ #‬لكن دعواكم أن روح القدس‬
‫روح ال الجوهرية أي حياته القديمة الزلية أمر مخالف لجميع كتب ال وأنبيائه ‪#‬‬
‫فلم يفسر أحد منهم روح القدس بصفة ال ل جوهرية ول غير‬

‫جوهرية ول قديمة ول غير قديمة ول أرادوا بذلك حياة ال ‪ #‬فقولكم هذا تبديل‬
‫لكلم ال وكلم أنبيائه ورسله كما أنكم في قولكم إن كلمة ال أو علمه أو حياته‬
‫مولودة منه وإن صفته القديمة الزلية هي ابنه مما حرفتم فيه كلم النبياء فلم يرد‬
‫أحد منهم هذا المعنى بهذا اللفظ قط ولم يطلق في جميع الكتب التي عندكم لفظ البن‬
‫المولود إل على محدث مخلوق ل على شيء قديم أزلي ل موصوف ول صفة ل‬
‫علم ول كلم ول حكمة ول غير ذلك ‪ #‬وكل ولدة في الكتب اللهية التي عندكم‬
‫وغيرها فهي ولدة حادثة زمانية وكل مولود فهو محدث مخلوق زماني ليس في‬
‫الكتب ولدة قديمة أزلية ول مولود قديم أزلي كما أنكم ذكرتم ذلك في امانتكم‬
‫وغيرها ‪ #‬فلو كان ما ذكرتموه ممكنا في العقول لم يجز أن تجعلوه موجودا واقعا‬
‫وتقولوا النبياء أرادوا ذلك إل أن يكونوا بينوا أن ذلك مرادهم ‪ #‬فإذا كان كلمهم‬
‫صريحا في أنهم لم يريدوا ذلك والمعقول الصريح يناقض ذلك كان ما قلتموه كذبا‬
‫على ال وعلى أنبيائه ورسله ومسيحه وكان باطل في المعقول وكنتم ممن قيل فيه‬
‫^ ‪ ^ #‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير‬

‫ثم يقال أنتم قلتم إن الكلمة الخالقة هبطت فالتحمت من مريم واحتجبت بإنسان ‪#‬‬
‫مخلوق خلقته لنفسها وقلتم إن مريم حملت بالله الخالق وولدته الذي هو البن ‪#‬‬
‫فإذا جوزتم أن تكون مريم هي أما للخالق الذي هو البن حملته وولدته فلم ل يجوز‬
‫أن تكون زوجة للخالق الذي هو الب مع أن الخالق التحم من مريم وقد قلتم لم يكن‬
‫ال بل كلمته ول روحه قط ول كانت الكلمة برية منه قط ول من روحه الخالقة ول‬
‫من جوهره ‪ #‬فجعلتم الروح خالقة وال الذي هو الب خالقا والمسيح قد تجسد من‬
‫الروح الخالقة ومن مريم فكما أن مريم أمه فالروح الخالقة بمنزلة أبيه ‪ #‬وأيضا‬
‫فمريم لها اتصال بالب وبروح القدس وكلهما أب للمسيح على ما ذكرتموه ‪ #‬فإذا‬
‫كانت مريم متصلة بكل واحد ممن جعلتموه أبا للمسيح وقلتم إن الخالق التحم من‬
‫مريم فهذا أبلغ ما يكون من جعل الخالق زوج مريم ‪ #‬ومهما فسرتم به اتحاد‬
‫اللهوت بناسوت المسيح المخلوق منها كان تفسير التحام اللهوت بناسوت مريم‬
‫حتى يصير زوجا لمريم أولى وأحرى وليس في ذلك نقص ول عيب إل وفي كون‬
‫اللهوت ابن مريم ما هو أبلغ منه في النقص والعيب ‪ #‬ومعلوم أن أم النسان أعلى‬
‫قدرا عنده من زوجته وأن تسلطه‬

‫على زوجته أعظم منه على أمه فإن الرجل مالك للزوجة قوام عليها والمرأة أسيرة‬
‫عند زوجها بخلف أمه ‪ #‬فإذا جعلتم اللهوت الخالق القديم الزلي ابنا لناسوت‬

‫‪439‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪440‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مريم بحكم التحاد مع كونه خالقا لها بلهوته وابنا لها بناسوته ولم يكن هذا ممتنعا‬
‫عندكم ول قبيحا فأن تكون مريم صاحبة له وزوجة وامرأة بحكم اللتحام بالناسوت‬
‫أولى وأحرى ‪ #‬وإن كان هذا ممتنعا وقبيحا فذاك أشد امتناعا وقبحا ‪ #‬ولهذا ذهب‬
‫طوائف من النصارى إلى أن مريم امرأة ال وزوجته وقالوا أبلغ من ذلك حتى‬
‫ذكروا شهوته للنكاح ‪ #‬ولقد قال بعض أكابر عقلء الملوك ممن كان نصرانيا إنهم‬
‫كانوا إذا نبهوا على قولهم إن عيسى بن ال لم يفهم من ذلك إل أن ال أحبل أمه‬
‫وولدت له المسيح ابنه كما يحبل الرجل المرأة وتلد له الولد فيكون قد انفصل من ال‬
‫جزء في مريم بعد أن نكحها وذلك الجزء الذي من ال ومن مريم ولدته مريم كما تلد‬
‫المرأة الولد الذي منها ومن زوجها وقد قالت الجن المؤمنون ‪ ^ #‬وأنه تعالى جد‬
‫^ ربنا ما اتخذ صاحبة ول ولدا‬

‫فنزهوه عن هذا وهذا وهؤلء الجن المؤمنون أكمل عقل ودينا من هؤلء ‪#‬‬
‫النصارى ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم تكن له‬
‫صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬فقوله أنى يكون له ولد تقديره من‬
‫أين يكون له ولد ف أنى في اللغة بمعنى من أين ذلك وهذا استفهام إنكار ‪ #‬فبين‬
‫سبحانه أنه يمتنع أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة مع أنه خالق كل شيء وأن هذا‬
‫الولد يمتنع أن يكون وأن هذا المتناع مستقر في صريح المعقول ‪ #‬ثم إذا كانت‬
‫الكلمة التي هي الخالق المخلوق به قد حلت في جوف مريم والتحمت من مريم‬
‫وخلقت منها إنسانا هو المسيح خلقته لنفسها واحتجبت به واتحدت به فهل كان خلقها‬
‫لهذا النسان قبل التحاد والحتجاب أم حين ذلك ‪ #‬فإنه بعد ذلك ظاهر المتناع‬
‫محال أنها بعد الحتجاب به والتحاد خلقته بل ل بد أن تكون خلقته قبله أو معه ‪#‬‬
‫فإن كان معه لزم كون المخلوق متحدا بالخالق دائما لم تمر‬

‫عليه لحظة إل وهو متحد به ‪ #‬فإذا أمكن أن يقارن المخلوق خالقه وعندهم أنه أقام‬
‫تسعة أشهر حمل كعامة الناس وقد ذكر ذلك سعيد بن البطريق هذا فإذا كان كذلك‬
‫كان الرب متحدا بالمضغة والجماد الذي ل روح فيه ‪ #‬وإذا جاز عليه هذا جاز أن‬
‫يتحد بسائر الجمادات وهذا على قول الكثرين الذين يقولون إن الروح إنما نفخت‬
‫فيه بعد أربعة أشهر ومن قال أنها نفخت فيه من حين أخذ الجسد من مريم وهذا‬
‫يشبه قول جمهور النصارى الذين يقولون إن المسيح مات وصلب وفارقته الروح‬
‫الناطقة المنفوخة فيه والله المتحد به لم يفارقه أبدا فإنهم يقولون إنه من حين اتحد‬
‫بناسوت المسيح لم يفارقه بل هو الن متحد به وهو في السماء قاعد عن يمين أبيه‬
‫وذلك القاعد هو الخالق القديم والب هو الله الخالق القديم الزلي وهما مع ذلك إله‬
‫واحد ‪ #‬والمقصود هنا أنهم يقولون باتحاد اللهوت بجسد ل روح فيه قبل النفخ‬
‫وبعد الموت إلى أن قام من قبره فعادت الروح إليه وحينئذ‬

‫لم يظهر من تلك المضغة شيء من العجائب ‪ #‬وهم يستدلون على إلهية المسيح‬
‫بالعجائب مع أنه كان الله متحدا به قبل أن يظهر العجائب وحينئذ فل يلزم من عدم‬

‫‪440‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪441‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ظهور العجائب من شيء الجزم بأن الرب لم يتحد به مع إمكان التحاد ‪ #‬ويلزم أن‬
‫كل جامد وحي ظهرت منه العجائب أن يكون ذلك دليل على أن الرب اتحد به ‪#‬‬
‫وحينئذ فعباد العجل أعذر من النصارى وإن كان من عباد الصنام من يقول إن‬
‫الصنم خلق السماوات والرض فهو أعذر من النصارى لن ظهور العجائب من‬
‫الحيوان العجم والجماد أعظم من ظهورها من النسان الناطق ل سيما النبياء‬
‫والرسل فإن النبياء والرسل معروفون بظهور العجائب على أيديهم فإذا ظهرت‬
‫على يد من يقول إني نبي مرسل كانت دليل على نبوته ل على إلهيته ‪ #‬والمسيح‬
‫كان يقول إني نبي مرسل كما ذكر ذلك في النجيل في غير موضع فأما الحيوان‬
‫العجم والجماد فل يجوز أن يكون نبيا ‪ #‬فإن جاز التحاد بالمضغة والجسم‬
‫المقبور الذي ل روح فيه فاتحاده بالعجل وبالصنم أولى وحينئذ فخوار العجل عجيب‬
‫منه ‪ #‬فاستدلل عباد العجل بذلك على أنه إله خير من استدلل النصارى على إلهية‬
‫المضغة إن قدر ظهور شيء من العجائب التي قد يستدلون بها‬

‫وإن كانت تلك ل تدل إل على نبوته تسليما ‪ #‬الوجه التاسع قوله فاحتجبت الكلمة ‪#‬‬
‫الخالقة بإنسان مخلوق خلقته لنفسها وقوله فكانت مسكنا في حلوله واحتجابه للطفها‬
‫عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم ‪ #‬يقال لهم أول من أين لك أن روح النسان‬
‫ألطف من جميع المخلوقات وأنها ألطف من الملئكة والروح الذي قال ال فيه ‪^ #‬‬
‫يوم يقوم الروح والملئكة صفا ل يتكلمون إل من أذن له الرحمن ^ ‪ #‬وإنها ألطف‬
‫من الروح التي نفخ في آدم منه بقوله ‪ ^ #‬ونفخت فيه من روحي ^ ‪ #‬وبتقدير أن‬
‫تكون ألطف فأنت ل تقول إن الحتجاب والتحاد كان بروح النسان مجردة بل‬
‫بالجسد الناسوتي الدموي الغليظ وتقول إن الخالق التحم من مريم العذراء فتجعل‬
‫الخالق قد التحم من لحم مريم ومن رحمها الذي هو لحم ودم‬

‫وهذه أجساد كثيفة بل جمهورهم يقول إنه اتحد بجسد ل روح فيه قبل النفخ وبعد‬
‫الموت وقبل أن يقوم من قبره ‪ #‬وحينئذ فقولك فكانت مسكنا ل في حلوله واحتجابه‬
‫للطفها عن جميع ما لطف من الخلئق كلهم وصف ممنوع والتعليل به باطل فإنه لو‬
‫كان مسكنا للطفه لم يجز أن يسكن إل في الروح اللطيفة فلما أثبت اتحادا بالجسد‬
‫الكثيف بطل قولك إنه اتحد بالنسان للطفه ‪ #‬الوجه العاشر قولكم واعلم أنه ليرى‬
‫شيئا من لطيف الخلق إل في غليظ الخلق ول يرى ما هو لطيف من اللطيف إل مع‬
‫ما هو أغلط منه ‪ #‬يقال لهم إما أن يكون ال لما اتحد بالمسيح عندكم قد رآه الناس‬
‫وعاينوه أو لم يره أحد ‪ #‬فإن قلتم قد رآه الناس وعاينوه فهذا مخالف للحس والشرع‬
‫والعقل ‪ #‬أما الحس فإن أحدا ممن رأى المسيح لم ير شيئا يتميز به المسيح عن‬
‫غيره من البشر غير العجائب التي ظهرت على غيره منها ما هو أعظم مما ظهر‬
‫عليه ولم ير إل بدن المسيح الظاهر لم ير باطنه ل قلبه ول كبده ول طحاله فضل‬
‫عن أن يرى روحه فضل عن‬

‫أن يرى الملئكة الذين يوحون إليه فضل عن أن يرى ال إن قدر أنه كان متحدا به‬

‫‪441‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪442‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أو حال فيه ‪ #‬فدعوى المدعي أن من رأى المسيح فقد رأى ال عيانا ببصره في‬
‫غاية المباهتة والمكابرة والكذب لو قدر أن ال حال فيه أو متحد به ‪ #‬فإنه من‬
‫المعلوم أن الملئكة تنزل على المسيح وغيره وتتصل بأرواحهم والناس ل يرون‬
‫الملئكة بل الجن تدخل في بني آدم والناس ل يرونهم وإنما يرون جسد المصروع‬
‫‪ #‬وكل إنسان معه قرينه من الملئكة وقرينه من الجن وهو نفسه ل يرى ذلك ول‬
‫يراه من حوله ‪ #‬وتحضره الملئكة وقت الموت ول يراهم من حوله مع أنه هو‬
‫يراهم قال تعالى ‪ ^ #‬فلول إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه‬
‫منكم ولكن ل تبصرون فلول إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ^ ‪#‬‬
‫فإذا كانت هذه المخلوقات التي اتفق أهل الملل على اقترانها بالنسان واتصالها بهم‬
‫وأن رؤيتها ممكنة ل يراها الناس فكيف يقال إن المسيح الذي لم ير الناس منه إل ما‬
‫رأوه من أمثاله من الرسل كإبراهيم وموسى ولم يكن له قط شيء يتميز به عن‬
‫جنس الرسل فكيف يقال إن الذين رأوه رأوا ال عيانا بأبصارهم‬

‫وأما الشرع فموسى والمسيح وغيرهما من النبياء أخبروا أن أحدا ل يرى ال ‪#‬‬
‫في الدنيا ‪ #‬وأم ‪ 4‬ا العقل فإن رؤية بعض ملئكة اللة أو بعض الجن يظهر لرائيها‬
‫من الدلئل والحوال ما يطول وصفه فكيف بمن رأى ال ‪ #‬والذين رأوا المسيح لم‬
‫يكن حالهم إل كحال سائر من رأى الرسل منهم الكافر به المكذب له ومنهم المؤمن‬
‫به المصدق له بل هم يذكرون من إهانة ناسوته ما ل يعرف عن نظرائه من الرسل‬
‫مثل ضربه والبصاق في وجهه ووضع الشوك على رأسه وصلبه وغير ذلك ‪#‬‬
‫وأيضا فمعلوم أن من رأى ال إما أن يعرف أنه ال أو ل يعرف ‪ #‬فإن عرف أنه‬
‫رأى ال كان الذين رأوا المسيح قد علموا أنه ال ولو علموا ذلك لحصل لهم من‬
‫الضطراب ما يقصر عنه الخطاب ‪ #‬وإن كانوا لم يعرفوه فهذا في غاية المتناع‬
‫حيث صار رب العالمين ل يميز بينه وبين غيره من مخلوقاته بل يكون كواحد منهم‬
‫وليميز بينه وبينهم ول يعرف الرائي أن هذا هو ال ‪ #‬ولوازم هذا القول الفاسدة‬
‫كثيرة جدا ‪ #‬وإن قالوا إن ال لم ير لما اتحد بالمسيح وإنما رئي جسد المسيح الذي‬
‫احتجب به ال فقولهم بعد ذلك واعلم أنه ل يرى شيء من لطيف الخلق إل في غليظ‬
‫الخلق ول يرى ما هو لطيف من‬

‫اللطيف إل مع ما هو أغلظ منه كلم ل فائدة فيه إذ كان هذا مثل ضربوه ل ليبينوا‬
‫أنه يرى ‪ #‬فإذا سلموا أنه لم ير لم يكن في هذا المثل فائدة بل كان هذا استدلل على‬
‫شيء يعلمون أنه باطل ‪ #‬وأيضا فما ذكروه من أن اللطيف ل يرى إل في الغليظ‬
‫باطل فإن اللطيف كروح النسان ل ترى في الدنيا وإن علم وجودها وأحس النسان‬
‫بروحه وصفاتها فرؤيتها بالبصر غير هذا يبين ذلك ‪ #‬الوجه الحادي عشر قولهم‬
‫وإنا وجدنا روح النسان العاقلة الكلمانية يعنون النفس الناطقة ألطف من لطيف‬
‫الخلق فلذلك كانت أولى خلق ال بحجاب ال فكانت له حجابا وكانت النفس الدموية‬
‫لها حجابا والجسد الغليظ حجابا ‪ #‬فعلى هذا خالطت كلمة ال الخالقة نفس النسان‬
‫الكاملة لجسدها ودمها وروحها العاقلة الكلمانية وصارت كلمة ال بقوامها قواما‬

‫‪442‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪443‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لتثليث الناسوت التي كمل جوهرها بتقويم قوام كلمة ال إياها لنها لم تخلق ولم تك‬
‫شيئا إل بقول من كلمة ال الذي خلقها وقومها ل من شيء سبق قبل ذلك في بطن‬
‫مريم ول من سبب كان لها من غير ذلك غير قوام الكلمة الخالقة الذي هو أحد‬
‫التثليث اللهي‬

‫فيقال لهم هذا الكلم يقتضي أن الخالق احتجب بالنفس الناطقة والنفس الناطقة ‪#‬‬
‫احتجبت بالبدن ‪ #‬وأنتم تصرحون بأن نفس الكلمة التي هي الخالق وهي ال عندكم‬
‫التي خلقت لنفسها إنسانا احتجبت به وقلتم هو إنسان تام بجسده ونفسه الدموية‬
‫وروحه الكلمانية أي نفسه الناطقة التي هي صورة ال في النسان وشبهه فكانت‬
‫مسكنا ل في حلوله واحتجابه ‪ #‬فصرحتم بأن البدن مع الروح مسكن ل في حلوله‬
‫واحتجابه وأنه هو الذي خلق ذلك البدن والروح وقلتم إن هذه الكلمة الخالقة‬
‫المحتجبة التي قلتم إنها ال التحمت من مريم العذراء ‪ #‬فإذا كان ال الخالق قد التحم‬
‫من مريم العذراء فمعلوم أن ذلك قبل نفخ النفس الناطقة التي سميتموها الروح‬
‫الكلمانية في المسيح ‪ #‬وإذا كان الخالق تعالى قد التحم بجسد ل روح فيه والتحامه‬
‫به أبلغ من حلوله فيه ثم اتخذ الجسد حجابا قبل نفخ الروح الكلمانية فيه فكيف يقال‬
‫إنما حل في الروح ل في البدن وهو قد التحم بالبدن واتخذ منه جزءا مسكنا له‬
‫وحجابا قبل أن ينفخ فيه الروح الكلمانية ‪ #‬وقلتم أيضا فعلى هذا خالطت كلمة ال‬
‫الخالقة لنفس النسان الكاملة بجسدها ودمها وروحها العاقلة الكلمانية ‪ #‬وهذا‬
‫تصريح بأن الخالق خالط النسان بجسده ودمه وروحه‬

‫فكيف تقولون إنما احتجبت بالروح اللطيفة مع تصريحكم بأن الخالق اختلط ‪#‬‬
‫بالجسد والدم ‪ #‬وهذا أيضا يناقض قول من قال إنه اتحد به اتحادا بريا من الختلط‬
‫‪ #‬فقد صرحتم هنا أنه اختلط به وسيأتي نظائر هذا في كلمهم يصرحون فيه‬
‫باختلط اللهوت بالناسوت ‪ #‬الوجه الثاني عشر قولكم غير قوام الكلمة الخالقة‬
‫الذي هو أحد التثليث اللهي فذلك القوام معدود معروف مع الناس لما ضم إليه‬
‫وخلقه له التحم به من جوهر النسان فهو بتوحيد ذلك القوام الواحد قوام الكلمة ال‬
‫الخالقة واحد في التثليث بجوهر لهوته واحد من الناس بجوهر ناسوته وليس باثنين‬
‫ولكن واحد مع الب والروح وهو إياه واحد مع الناس جميعا بجوهرين مختلفين من‬
‫جوهر اللهوت الخالق وجوهر الناسوت المخلوق بتوحيد القوام الواحد قوام الكلمة‬
‫التي هي البن المولود من ال من قبل كل الدهور وهو إياه المولود من مريم‬
‫العذراء في آخر الزمان من غير مفارقة من الب ول من روح القدس ‪ #‬فيقال في‬
‫هذا الكلم بل فيما تقدم ذكره ما يطول تعداده ووصفه من التناقض والفساد والكلم‬
‫الباطل والكلم الذي تكلم به قائله وهو ل يتصور ما يقول مع سوء التعبير عنه‬
‫كقوله وهو إياه‬

‫فيضع الضمير المنفصل موضع المتصل ويعطف أحدهما على الخر بل واو عطف‬
‫إلى أمثال ذلك مما يطول ذكر معانيه وذلك أن قولهم في نفسه باطل ل حقيقة له وهم‬

‫‪443‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪444‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم يتصوروا معنى معقول ثم عبروا عنه حتى يقال قصروا في التعبير بل هم في‬
‫ضلل وجهل ل يتصورون معقول ول يعرفون ما يقولون بل ول لهم اعتقاد يثبتون‬
‫عليه في المسيح بل مهما قالوه من بدعهم كان باطل وكانوا هم معترفون بأنهم ل‬
‫يفقهون ما يقولون ‪ #‬لهذا يقولون هذا فوق العقل ويقولون قد اتحد به بشر ل يدرك‬
‫فما ل يدرك وما هو فوق العقل ليس لحد أن يعتقده ول يقوله برأيه ‪ #‬لكن إذا‬
‫أخبرت الرسل الصادقون بما يعجز عقل النسان عنه علم صدقهم وإن نقل عنهم‬
‫ناقل ما يعلم بصريح العقل بطلنه علم أنه يكذب عليهم إما في اللفظ والمعنى وإما‬
‫في أحدهما ‪ #‬وأما إذا كان هو يقول القول الذي يذكر أنه علم صحته أو أنه فسر به‬
‫كلم النبياء وهو ل يتصور ما يقوله ول يفقهه فهذا قائل على ال وعلى رسله ما ل‬
‫يعلم وهذا قد ارتكب أعظم المحرمات قال تعالى ‪ ^ #‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما‬
‫ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا‬
‫^ وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون‬

‫وقال تعالى عن الشيطان ‪ ^ #‬إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على ال ‪#‬‬
‫ما ل تعلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة النساء اليات ‪ # 173 171‬وقد اتفق أهل‬
‫الملل على أن القول على ال بغير علم حرام وال سبحانه نهاهم أن يقولوا على ال‬
‫إل الحق فكان هذا نهيا أن يقولوا الباطل سواء علموا أنه باطل أو لم يعلموا ‪ #‬فإنهم‬
‫إن لم يعلموا أنه باطل فلم يعلموا أنه حق أيضا إذ الباطل يمتنع أن يعلم أنه حق وإن‬
‫اعتقد معتقد اعتقادا فاسدا أنه حق فذلك‬

‫ليس بعلم فل تقولوا على ال ما ل تعلمون ‪ #‬وإن علموا أنه باطل فهو أجدر أن ل‬
‫يقولوه ‪ #‬وعامة النصارى ضلل ل يعلمون أن ما يقولونه حق بل يقولون على ال‬
‫ما ل يعلمون ‪ #‬والمقصود أن الباطل في كلمهم كثير كقولهم فهو بتوحيد ذلك القوام‬
‫الواحد قوام لكلمة ال الخالقة ‪ #‬والمسيح عندهم اسم للهوت والناسوت جميعا اسم‬
‫للخالق والمخلوق وأحدهما متحد بالخر فهو بتوحيد ذلك القوام قوام لكلمة ال‬
‫الخالقة ‪ #‬وسواء أريد بذلك أن الناسوت واللهوت قوام للهوت أو أن الناسوت‬
‫قوام للهوت وهم يمثلون ذلك بالروح والجسد والنار والحديد فيكون كما لو قيل إن‬
‫الجسد والروح أو الجسد قوام للروح أو النار والحديد أو الحديد قوام للنار ‪ #‬فيقال‬
‫الخالق الزلي الذي لم يزل ول يزال هل يكون المحدث المخلوق قواما له فيكون‬
‫المخلوق المصنوع المحدث المفتقر إلى ال من كل وجه قواما للخالق الغني عنه من‬
‫كل وجه وهل هذا إل من أظهر الدور الممتنع ‪ #‬فإنه من المعلوم بصريح العقل‬
‫واتفاق العقلء أن المخلوق‬

‫ل قوام له إل بالخالق فإن كان الخالق قوامه بالمخلوق لزم أن يكون كل من الخالق‬
‫والمخلوق قوامه بالخر فيكون كل منهما محتاجا إلى الخر إذ ما كان قوام الشيء‬
‫به فإنه محتاج إليه ‪ #‬وهذا مع كونه يقتضي أن الخالق يحتاج إلى مخلوقه وهو من‬
‫الكفر الواضح فإنه يظهر امتناعه بصريح العقل وهذا لزم للنصارى سواء قالوا‬

‫‪444‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪445‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالتحاد أو بالحلول بل اتحاد وإن كانت فرقهم الثلث يقولون بنوع من التحاد فإنة‬
‫مع التحاد كل من المتحدين ل بد لة من الخر فهو محتاج إلية كما يمثلون بة في‬
‫الروح مع البدن والنار مع الحديد ‪ #‬فإن الروح التي في البدن محتاجة إلى البدن كما‬
‫أن النار في الحديد محتاجة إلى الحديد ‪ #‬وكذلك الحلول فإن كل حال محتاج إلى‬
‫محلول فيه وهو من الكفر الواضح فإنه يظهر امتناعه بصريح العقل ‪ #‬فإن ذلك‬
‫المخلوق إن قدر أنه موجود بنفسه قديم أزلي فليس هو مخلوقا ومع هذا فيمتنع أن‬
‫يكون كل من القديمين الزليين محتاجا إلى الخر سواء قدر أنه فاعل له أو تمام‬
‫الفاعل له أو كان‬

‫مفتقرا إليه بوجه من الوجوه لنه إذا كان مفتقرا إليه بوجه من الوجوه لم يكن‬
‫موجودا إل به ‪ #‬فإن الموجود ل يكون موجودا إل بوجود لوازمه ول يتم وجوده إل‬
‫به فكل ما قدر أنه محتاج إليه لم يكن موجودا إل به ‪ #‬فإذا كان كل من القديمين‬
‫محتاجا إلى الخر لزم أن ل يكون هذا موجودا إل بخلق ذلك ما به تتم حاجة الخر‬
‫وأن ل يكون هذا موجودا إل بخلق ذلك ما بة تتم حاجة الخر ‪ #‬والخالق ل يكون‬
‫خالقا حتى يكون موجودا ول يكون موجودا إل بلوازم وجوده فيلزم أن ل يكون هذا‬
‫موجودا حتى يجعله الخر موجودا ول يكون ذاك موجودا حتى يجعله الخر‬
‫موجودا إذ كان جعله لما لم يتم به وجوده يتوقف وجوده عليه فل يكون موجودا إل‬
‫به فل فرق بين أن يحتاج أحدهما إلى الخر في وجوده أو فيما ل يتم وجوده إل به‬
‫وهذا هو الدور القبلي الممتنع باتفاق العقلء ‪ #‬وأما الدور المعي وهو أنه ل يوجد‬
‫هذا إل مع هذا ول هذا إل مع هذا كالبوة مع البنوة وكصفات الرب بعضها مع‬
‫بعض وصفاته مع ذاته فإنه ل يكون عالما إل مع كونه قادرا ول يكون عالما قادرا‬
‫إل مع كونه حيا ول يكون حيا إل مع كونه عالما قادرا ول تكون صفاته موجودة إل‬
‫بذاته ول ذاته موجودة إل بصفاته فهذا جائز في المخلوقين اللذين يفتقران إلى‬
‫الخالق الذي يحدثهما جميعا كالبوة والبنوة وجائز في الرب الملزم لصفاته تعالى‬
‫‪ #‬وأما إذا قدر قديمان أزليان ربان فاعلن امتنع أن يكون أحدهما محتاجا إلى‬
‫الخر إذ كان وجوده ل يتم إل بما يحتاج وجوده إليه ول يكون فاعل لشيء إن لم‬
‫يتم وجوده فيمتنع مع نقص كل منهما عن‬

‫تمام وجوده أن يكون فاعل لغيره تمام وجود ذلك الغير ولهذا لم يقل بهذا أحد من‬
‫المم ‪ #‬ولكن الذي قاله النصارى أنهم جعلوا قوام الخالق تعالى بالمخلوق ‪ #‬فيقال‬
‫لهم هذا أيضا ممتنع في صريح العقل أعظم من امتناع قيام كل من الخالقين بالخر‬
‫وإن كان هذا أيضا ممتنعا فإن المخلوق مفتقر في جميع أموره إلى الخالق فيمتنع مع‬
‫فقره في وجوده وتمام وجوده إلى الخالق أن يكون قوام الخالق به لن ذلك يقتضي‬
‫أن يكون مقيما له وأن يكون تمام وجوده به فيكون المخلوق ل وجود لشيء منه إل‬
‫بالخالق ‪ #‬فالقدر الذي يقال إنه يقيم به الخالق هو من الخالق والخالق خالقه وخالق‬
‫كل مخلوق فل وجود له ول قيام إل بالخالق فكيف يكون به قيام الخالق ‪ #‬وليس هذا‬
‫كالجوهر وأعراضه اللزمة أو كالمادة والصورة عند من يزعم أن الصورة جوهر‬

‫‪445‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪446‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إذا كانا متلزمين فإن هذا من باب الدور المعي كالنبوة مع البوة وهذا جائز كما‬
‫تقدم إذ كان الخالق لهما جميعا هو ال ‪ #‬وأما مع كون كل منهما هو الخالق فهو‬
‫ممتنع ومع كون أحدهما خالقا والخر مخلوقا فهو أشد امتناعا ‪ #‬والرب تعالى غني‬
‫عن كل ما سواه من كل وجه وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه وهذا معنى اسمه‬
‫الصمد فإن الصمد الذي يصمد إليه كل شيء لفتقاره إليه وهو غني عن كل شيء ل‬
‫يصمد‬

‫إلى شيء ول يسأله شيئا سبحانه وتعالى فكيف يكون قوامه بشيء من المخلوقات ‪#‬‬
‫وهذا التحاد الخاص من النصارى يشبه من بعض الوجوه قول أهل الوحدة والتحاد‬
‫العام الذين يقولون كما يقوله ابن عربي صاحب الفصوص والفتوحات المكية إن‬
‫أعيان المخلوقات ثابتة في العدم ووجود الحق فاض عليها فهي مفتقرة إليه من حيث‬
‫الوجود المشترك العام وهو وجوده وهو مفتقر إليها من حيث العيان الثابتة في‬
‫العدم وهو ما يختص به كل عين عين فيجعل كل واحد من الخالق والمخلوق مفتقرة‬
‫إلى الخر ‪ #‬ويقولون الوجود واحد ثم يثبتون تعدد العيان ويقولون هي مظاهر‬
‫ومجالي ‪ #‬فإن كان المظهر والمجلى غير الظاهر فقد ثبت التعدد وإن كان‬

‫هو إياه فل تعدد فلهذا يضطرون إلى التناقض كما يضطر إليه النصارى حيث‬
‫يثبتون الوحدة مع الكثرة وينشدون فيعبدني وأعبده ويحمدني وأحمده وهؤلء بنوا‬
‫قولهم على أصلين فاسدين ‪ #‬أحدهما أن أعيان الممكنات ثابتة في العدم كقول من‬
‫يقول من أهل الكلم إن المعدوم شيء ثابت في العدم وهذا القول فاسد عند جماهير‬
‫العقلء ‪ #‬وإنما حقيقة المر أن المعدوم يراد إيجاده ويتصور ويخبر به ويكتب قبل‬
‫وجوده فله وجود في العلم والقول والخط وأما في الخارج فل وجود له ‪ #‬والوجود‬
‫هو الثبوت فل ثبوت له في الوجود العيني الخارجي وإنما ثبوته في العلم أي يعلمه‬
‫العالم قبل وجوده ‪ #‬والصل الثاني أنهم جعلوا نفس وجود رب العالمين الخالق‬
‫القديم الزلي الواجب بنفسه هو نفس وجود المربوب المصنوع الممكن كما قال ابن‬
‫عربي ومن عرف ما قررناه في العداد وأن نفيها عين إثباتها علم أن الحق المنزه‬
‫هو الخلق المشبه فالمر‬

‫للخالق هو المخلوق والمر المخلوق هو الخالق كل ذلك من عين واحدة ل بل هو‬


‫العين الواحدة وهو العيون الكثيرة وهو يا أبت افعل ما تؤمر إلى أن قال وما ذبح‬
‫سوى نفسه وما نكح سوى نفسه ‪ #‬وقال ومن أسمائه الحسنى العلي على من يكون‬
‫عليا وما هو إل هو أو عن ماذا يكون عليا وما ثم إل هو فعلوه لنفسه وهو من حيث‬
‫الوجود عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلهو ‪ #‬وقد‬
‫نقل عن أبي سعيد الخراز أنه قيل بماذا عرفت ربك ‪ #‬قال بجمعه بين الضداد وقرأ‬
‫قوله ‪ ^ #‬هو الول والخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬أراد بذلك‬
‫أنه مجتمع في حقه سبحانه ما يتضاد في حق غيره فإن المخلوق ل يكون أول آخرا‬
‫باطنا ظاهرا ‪ #‬وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه كان يقول أنت الول فليس قبلك‬

‫‪446‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪447‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن‬
‫فليس دونك‬

‫شيء فجاء هذا الملحد وفسر قول أبي سعيد بأن المخلوق هو الخالق فقال قال أبو‬
‫سعيد وهو وجه من وجوه الحق ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن ال ل يعرف‬
‫إل بجمعه بين الضداد في الحكم عليه بها فهو الول والخر والظاهر والباطن فهو‬
‫عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من‬
‫بطن عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عن نفسه وهو المسمى أبو سعيد الخراز‬
‫وغير ذلك من أسماء المحدثات ولهذا قال بعض النصارى لمن يقول مثل هذا‬
‫ويحكيه عن شيوخه ويقول إنه مسلم أنتم كفرتمونا لجل أن قلنا إن ال هو المسيح‬
‫وشيوخكم يقولون إن ال هو أبو سعيد الخراز والمسيح خير من أبي سعيد ‪ #‬وهؤلء‬
‫يجيبون النصارى بجواب يتبين به أنهم أعظم إلحادا من النصارى ‪ #‬فيقولون‬
‫للنصارى أنتم خصصتموه بالمسيح ونحن نقول هو وجود كل شيء ل نخص المسيح‬
‫‪ #‬ولهذا قال بعضهم لحذق هؤلء التلمساني الملقب بالعفيف أنت نصيري‬

‫فقال نصير جزء مني فإن النصيرية أتباع أبي شعيب محمد بن نصير يقولون في ‪#‬‬
‫علي بن أبي طالب نظير ما يقوله النصارى في المسيح كذلك سائر الغلة في علي‬
‫أو في أحد من أهل بيته أو في السماعيلية بني عبيد المنتسبين إلى محمد بن‬
‫إسماعيل بن جعفر كالحاكم وغيره‬

‫أو في الحلج أو في بعض من الشيوخ الذين يقولون في واحد من هؤلء باتحاد‬


‫اللهوت به أو حلوله فيه نظير ما تقوله النصارى في المسيح ‪ #‬وهؤلء يقولون بأن‬
‫الحلول والتحاد محدث وأن القديم حل أو اتحد بالمحدث بعد أن لم يكونا متحدين ‪#‬‬
‫وأما أولئك فيقولون بالوحدة المطلقة فمحققوهم يقولون إنه وجود كل شيء ل يقولون‬
‫باتحاد وجودين ول بحلول أحدهما بالخر ‪ #‬بل قد يقولون إن الوجود هو ثبوت‬
‫وجود الحق وثبوت الشياء اتحدا وكل منهما مفتقر إلى الخر ‪ #‬فالحق إذا ظهر‬
‫كان عبدا والعبد إذا بطن كان ربا ‪ #‬ويقولون إذا حصل لك التجلي الذاتي وهو هذا‬
‫لم تضرك عبادة الوثان ول غيرها بل يصرحون بأنه عين الوثان والنداد وأن‬

‫أحدا لم يعبد غيره كما يقول ابن عربي مصوبا لقوم نوح الكفار ومكروا مكرا كبارا‬
‫قال لن الدعوة إلى ال مكر بالمدعو فإنه ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية ادعوا‬
‫إلى ال فهذا عين المكر فأجابوه مكرا كما دعاهم مكرا فقالوا في مكرهم ل تذرن‬
‫آلهتكم ول تذرن ودا ول سوعا ول يغوث ويعوق ونسرا إذا تركوهم جهلوا عن‬
‫الحق على قدر ما تركوا من هؤلء ‪ #‬فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من‬
‫عرفه ويجهله من جهله كما قال في المحمديين ^ وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ^‬
‫أي حكم فما حكم ال بشيء إل وقع فالعارف يعرف من عبد وفي أي صورة ظهر‬
‫حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية‬

‫‪447‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪448‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في الصور الروحانية فما عبد غير ال في كل معبود وصوب هذا الملحد فرعون في‬
‫^ قوله ^ أنا ربكم العلى‬

‫قال ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن‬
‫جار في العرف الناموسي لذلك قال ^ أنا ربكم العلى ^ أي وإن كان الكل أربابا‬
‫بنسبة ما فأنا العلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم ‪ #‬قال ولما علمت‬
‫السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك وقالوا له إنما تقضي هذه‬
‫الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض فالدولة لك ‪ #‬قال فصح قول فرعون أنا ربكم‬
‫العلى وإن كان فرعون عين الحق ‪ #‬وصوب أيضا أهل العجل في عبادتهم العجل‬
‫وزعم أن موسى رضي بذلك فقال ولما كان موسى أعلم بالمر من هارون لعلمه‬
‫بأن ال قضى أن ل نعبد إل إياه وما حكم ال بشيء إل وقع كان عتبه على هارون‬
‫لنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل من يراه عين كل‬
‫شيء ‪ #‬ومن هؤلء طائفة ل يقولون بثبوت العيان في العدم بل يقولون ما ثم‬
‫وجود إل وجود الحق ‪ #‬لكن يفرقون بين المطلق والمعين فيقولون هو الوجود‬
‫المطلق الساري في الموجودات المعينة كالحيوانية الثابتة في كل حيوان والنسانية‬
‫الثابتة في كل إنسان وهذا الذي يسمى الكلي الطبيعي‬

‫ويسمون هذا الوجود الحاطة فيقولون هو الوجود المطلق إما بشرط الطلق عن ‪#‬‬
‫كل قيد وهذا يسمى الكلي العقلي ‪ #‬وهذا عند عامة العقلء ل يوجد إل في الذهن ل‬
‫في الخارج ولكن يحكى عن شيعة أفلطون أنهم أثبتوا هذه الكليات المجردة عن‬
‫العيان في الخارج وقالوا إنها قديمة أزلية إنسانية مطلقة وحيوانية مطلقة ويسمونها‬
‫المثل الفلطونية والمثل المعلقة ‪ #‬وقد رد ذلك عليهم إخوانهم أرسطو وشيعته‬
‫وجماهير العقلء وبينوا أن هذه إنما هي متصورة في الذهان ل موجودة في‬
‫العيان كما يتصور الذهن عددا مطلقا ومقادير مطلقة كالنقطة والخط والسطح‬
‫والجسم التعليمي ونحو ذلك مما يتصوره الذهن وليس من ذلك شيء في الموجودات‬
‫الثابتة في الخارج ‪ #‬وهذا المطلق بشرط الطلق يظن هؤلء ثبوته في الخارج وقد‬
‫يسمونه الحاطة وهو الوجود المجرد عن جميع القيود ثم بعده الوجود المطلق ل‬
‫بشرط وهو العام المنقسم إلى واجب وممكن‬

‫إلى قديم وحادث ونحو ذلك كانقسام الحيوان إلى ناطق وأعجم ‪ #‬وهذا المطلق ل‬
‫بشرط يوجد في الخارج فإن السم المفرد يصدق عليه فيقال هذا حيوان هذا إنسان‬
‫وإن كان السم العام شامل لنواعه وأشخاصه لكن ل يوجد في الخارج إل مقيدا‬
‫معينا ‪ #‬ومن قال إنه يوجد في الخارج كليا فقد غلط فإن الكلي ل يكون كليا قط إل‬
‫في الذهان ل في العيان وليس في الخارج إل شيء معين إذا تصور منع نفس‬
‫تصوره من وقوع الشركة فيه ولكن العقل يأخذ القدر المشترك الكلي بين المعينات‬
‫فيكون كليا مشتركا في الذهان ‪ #‬وهؤلء يجعلون الوجود الواجب هذا وقد يجعلونه‬
‫بعد هذا فيقولون هذا فرق الواجب ‪ #‬وهذا الوجود الكلي إذا قيل إنه ل يوجد في‬

‫‪448‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪449‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الخارج إل معينا فل موجود في الخارج سوى الموجودات المعينة المشخصة بما‬


‫فيها من الصفات القائمة بها ‪ #‬وإن قدر وجوده في الخارج فهو إما جزء من‬
‫المعينات وإما صفة لها ‪ #‬فعلى الول ل يكون في الخارج موجود هو رب‬
‫الموجودات المعينة ‪ #‬وعلى الثاني يكون رب الموجودات جزءها أو صفة لها ‪#‬‬
‫ومعلوم بصريح العقل أن صفة الشيء القائمة به ل تخلق‬

‫الموصوف وأن جزء الشيء ل يخلق الشيء بل جزء الشيء جزء من الشيء ‪ #‬فإذا‬
‫كان هو الخالق للجملة كان خالقا لنفسه وكان بعض الشيء خالقا لكله ‪ #‬ومن هؤلء‬
‫من يقول إن الرب في العالم كالزبد في اللبن والدهن في السمسم ونحو ذلك فيجعلونه‬
‫جزءا من العالم المخلوق ونفس تصور هذا يكفي في العلم بفساده ‪ #‬لكن هؤلء‬
‫يقولون لمن تبعهم إن لم تترك العقل والنقل لم يحصل لك التحقيق والتجلي الذي‬
‫حصل لنا ويقولون ثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل ‪ #‬فقلت لبعضهم‬
‫إن النبياء صلوات ال عليهم وسلمه أكمل الناس كشفا وهم يخبرون بما يعجز‬
‫عقول الناس عن معرفته ل بما يعرف في عقولهم أنه باطل فيخبرون بمحارات‬
‫العقول ل بمحالت العقول ‪ #‬فمن دونهم إذا أخبر عن شهود وكشف يعلم بصريح‬
‫العقل بطلنه علم أن كشفه باطل ‪ #‬وأما إن كان لم يعلم بطلنه فهذا قد يمكن فيه‬
‫إصابته وقد‬

‫يمكن خطؤه لن غير النبياء ليس بمعصوم ‪ #‬وهؤلء سمعوا باسم ال وقصدوا‬
‫عبادته ومعرفته فوقفوا على أثره في مصنوعاته فظنوا أنه هو كمن سمع بالشمس‬
‫فلما أن رأى الشعاع المنبسط في الهواء والرض ظن أن ذلك هو الشمس ولم يصعد‬
‫بصره وبصيرته إلى الشمس التي في السماء ‪ #‬وكذلك هؤلء لم تصمد بصائر‬
‫قلوبهم إلى رب العالمين الذي فوق كل شيء المباين لمخلوقاته ‪ #‬وسر ذلك أنهم‬
‫يشهدون بقلوبهم وجودا مطلقا بسيطا ليس له اسم خاص كالحي والعليم والقدير ول‬
‫له صفة ول يتميز فيه شيء عن شيء وهذا هو الوجود المشترك ‪ #‬لكن هذا الشهود‬
‫هو في نفوسهم ل حقيقة له في الخارج وكثير ممن يخاطبهم ل يتصور ما يشهدونه‬
‫فيظنون أنه لم يفهم ما شهدوه ‪ #‬وقد خاطبت غير واحد منهم وبينت له أن هذا الذي‬
‫يشهدونه هو في الذهن وبتقدير أن يكون موجودا في الخارج فهو صفة للموجودات‬
‫أو جزء منها ويظنون مع ظنهم أنه موجود في الخارج أنه لم يبق في الخارج غير‬
‫ما شهدوه فإنهم يغيبون عن الحس الذي يدرك المعينات ويغيبون عقولهم عن‬
‫تصورها حتى ل يميزوا بين موجود وموجود ويقولون الحس فيه تفرقة ثم يشهدون‬
‫هذا الوجود‬

‫المطلق مع عزلهم الحس فيظنون أن هذا المطلق هو نفس المعينات وأنه ما بقي‬
‫موجودا أصل ‪ #‬فيقال لهم لو قدر أن الوجود الكلي ثابت في الخارج كليا وأنكم‬
‫شهدتم ذلك فمعلوم عند كل عاقل أن وجود الكلي المشترك ل يناقض وجود المعين‬
‫المختص ‪ #‬فالحيوانية والنسانية المشتركة المطلقة ل تناقض أعيان الحيوان‬

‫‪449‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪450‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأعيان النسان وحينئذ فثبوت أعيان الموجودات حاصل في الخارج ‪ #‬وهب أنكم‬
‫غبتم عن هذا ولم تشهدوه فالغيبة عن شهود الشيء ل يوجب عدمه في نفسه ‪ #‬فإذا‬
‫لم يشهد للعبد الشيء أو لم يرده أو لم يعلمه أو لم يخطر بقلبه أو فنى عن شهوده أو‬
‫اصطلم أو غاب لم يلزم من ذلك أن يكون الشيء صار في نفسه معدوما فانيا ل‬
‫حقيقة له بل الفرق ثابت بين أن يعدم الشيء في نفسه ويفنى ويتلشى وبين أن يعدم‬
‫شهود النسان له وذكره ومعرفته ‪ #‬وهؤلء من ضللهم يظنون أنه إذا فنى‬
‫شهودهم للموجودات كانت فانية في أنفسها فلم يكن موجودا إل‬

‫ما تخيلوه من الوجود المطلق ‪ #‬ويقولون الكثرة والتفرقة في الحس فإذا فني شهود‬
‫القلب عن الحس لم يبق تفرقة ول كثرة ويظنون أن شهود الحس حينئذ خطأ والعقل‬
‫هو الذي يشهد الكليات والمطلقات دون الحس فإذا أبطلوا ما شهده الحس لم يبق‬
‫معهم إل الوجود الكلي ‪ #‬ثم يظنون مع ذلك أنه هو ال فيبقى الرب عندهم وهما‬
‫وخيال في نفوسهم ل حقيقة له في الخارج كما قال بعض حذاقهم وهو التستري‬
‫صاحب ابن سبعين وهمك هو بتشخيص ما تحته‬

‫شيء وقال ‪ % #‬ترى الوجود واحدا وأنت ذاك ‪ %‬وليس عليك زائد ما ثم سواك‬
‫‪%‬‬
‫وقلت لبعض حذاقهم هب أن هذا الوجود المطلق ثابت في الخارج وأنه عين ‪#‬‬
‫الموجودات المشهودة فمن أين لك أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السماوات‬
‫والرض وكل شيء ‪ #‬فاعترف بذلك وقال هذا ما فيه حيلة ‪ #‬والحس الباطن أو‬
‫الظاهر إن لم يقترن به العقل الذي يميز بين المحسوس وغيره وإل دخل فيه من‬
‫الغلط من جنس ما يدخل على النائم والممرور والمبرسم وغيرهم ممن يحكم بمجرد‬
‫الحس الذي ل عقل معه ‪ #‬والبهائم قد تكون أهدى من هؤلء كما قال تعالى ‪^ #‬‬
‫ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والنس لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين ل‬
‫يبصرون بها ولهم ءاذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم‬
‫^ الغافلون‬

‫وهؤلء يصرحون برفض السمع والعقل فدخلوا في قوله ‪ ^ #‬أم تحسب أن ‪#‬‬
‫أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ^ ‪ #‬ويلزمون‬
‫أنفسهم الغيبة عن العقل والحس الظاهر والشرع فلهذا يقول أحذقهم التلمساني ‪% #‬‬
‫فقل لحسك غب وجدا وذب طربا ‪ %‬فيها وقل لزوال العقل ل تزل ‪% # %‬‬
‫‪ %‬واصمت إلى أن تراها فيك ناطقة ‪ %‬فإن وجدت لسانا قائل فقل‬
‫وهؤلء لبسط الكلم عليهم موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أن النصارى زعموا ‪#‬‬
‫أن اللهوت محتاج إلى ما اتحد به من الناسوت وهؤلء زعموا أن رب العالمين‬
‫محتاج إلى كل ما سواه من العيان الثابتة في العدم ‪ #‬فإن كل من قال إن رب‬
‫العالمين اتحد بغيره فكل من المتحدين مفتقر إلى الخر مع استحالة كل منهما وتغير‬
‫حقيقته ول كذلك الحلول المعقول فإن الحلول ل يعقل إل إذا كان الحال قائما بالمحل‬

‫‪450‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪451‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫محتاج إليه سواء أريد بذلك حلول الصفات والعراض في الموصوفات والجواهر‬
‫أو أريد به حلول العيان‬

‫فإن كون أحد الجسمين محل للخر كحلول الماء في الظرف هو يوجب افتقاره ‪#‬‬
‫إليه ‪ #‬وما يحل في قلوب المؤمنين من معرفة الرب واليمان به هو قائم بقلوبهم‬
‫محتاج إليه ‪ #‬وكذلك ما يثبته الفلسفة من الهيولي والصورة ويقولون إن الهيولي‬
‫محل للصورة ويعترفون مع ذلك بان الصورة محتاجة إلى الهيولي ‪ #‬والقائلون‬
‫بوحدة الوجود قد يجعلون الخالق مع المخلوقات كالصورة مع الهيولي كما يشير إليه‬
‫ابن سبعين ويقول هو في الماء ماء وفي النار نار وفي كل شيء بصورة ذلك الشيء‬
‫كما قد بسط الكلم على هؤلء في مواضع غير هذا الكتاب ‪ #‬وإذا قالوا إن الرب‬
‫حل في المسيح كما حل في غيره وهو الحلول الموجود في كلم داود عندهم حيث‬
‫قالوا أنت تحل في قلوب القديسين فقد عرف أن هذا حلول اليمان به ومعرفته وهداه‬

‫ونوره والمثال العلمي كما قد بسط في موضع آخر ولهذا يسمى ظهورا والشعاع‬
‫الحال على الرض والهواء عرض قائم بذلك وهو مفتقر إلى الرض والهواء ‪#‬‬
‫والرسل صلوات ال عليهم أخبروا بأن ال فوق العالم بعبارات متنوعة تارة يقولون‬
‫هو العلي وهو العلى وتارة يقولون هو في السماء كقوله ‪ ^ #‬أم أمنتم من في‬
‫السماء أن يرسل عليكم حاصبا ^ ‪ #‬وليس مرادهم بذلك أن ال في جوف السماوات‬
‫أو أن ال يحصره شيء من المخلوقات بل كلم الرسل كله يصدق بعضه بعضا كما‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم على المرسلين والحمد‬
‫ل رب العالمين ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬هو الول والخر والظاهر والباطن وهو‬
‫بكل شيء عليم ^ ‪ #‬وثبت في الصحيح عن النبي أنه قال أنت الول فليس قبلك‬
‫شيء وأنت الخر فليس بعدك شيء و أنت‬

‫الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء فأخبر أنه ل يكون شيء‬
‫فوقه ‪ #‬ولهذا قال غير واحد من أئمة السلف إنه ينزل إلى السماء الدنيا ول يخلو‬
‫العرش منه فل يصير تحت المخلوقات وفي جوفها قط بل العلو عليها صفة لزمة‬
‫له حيث وجد مخلوق فل يكون الرب إل عاليا عليه ‪ #‬وقول الرسل في السماء أي‬
‫في العلو ليس مرادهم أنه في جوف الفلك بل السماء العلو وهو إذا كان فوق‬
‫العرش فهو العلي العلى وليس هناك مخلوق حتى يكون الرب محصورا في شيء‬
‫من المخلوقات ول هو في جهة موجودة بل ليس موجودا إل الخالق والمخلوق‬
‫والخالق بائن عن مخلوقاته عال عليها فليس هو في مخلوق أصل سواء سمى ذلك‬
‫المخلوق جهة أو لم يسم جهة ‪ #‬ومن قال إنه في جهة موجودة تعلو عليه أو تحيط‬
‫به أو يحتاج إليها بوجه من الوجوه فهو مخطىء ‪ #‬كما أن من قال ليس فوق‬
‫السماوات رب ول على العرش إله ومحمد لم يعرج به إلى ربه ول تصعد الملئكة‬
‫إليه ول تنزل الكتب منه ول يقرب منه شيء ول يدنو إلى شيء فهو أيضا مخطيء‬
‫‪ #‬ومن سمى ما فوق العالم جهة وجعل العدم المحض جهة وقال‬

‫‪451‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪452‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هو في جهة بهذا المعنى أي هو نفسه فوق كل شيء فهذا معنى صحيح ‪ #‬ومن نفى‬
‫هذا المعنى بقوله ليس في جهة فقد أخطأ ‪ #‬بل طريق العتصام أن ما أثبته الرسل‬
‫ل أثبت له وما نفته الرسل عن ال نفى عنه ‪ #‬واللفاظ التي لم تنطق الرسل فيها‬
‫بنفي ول إثبات كلفظ الجهة والحيز ونحو ذلك ل يطلق نفيا ول إثباتا إل بعد بيان‬
‫المراد ‪ #‬فمن أراد بما أثبت معنى صحيحا فقد أصاب في المعنى وإن كان في اللفظ‬
‫خطأ ‪ #‬ومن أراد بما نفاه معنى صحيحا فقد أصاب في المعنى وإن كان في لفظه‬
‫خطأ ‪ #‬وأما من أثبت بلفظه حقا وباطل أو نفى بلفظه حقا وباطل فكلهما مصيب‬
‫فيما عناه من الحق مخطىء فيما عناه من الباطل قد لبس الحق بالباطل وجمع في‬
‫كلمه حقا وباطل ‪ #‬والنبياء كلهم متطابقون على أنه في العلو ‪ #‬وفي القرآن‬
‫والسنة ما يقارب ألف دليل على ذلك وفي كلم النبياء المتقدمين ما ل يحصى‬

‫فصل ‪ #‬قال سعيد بن البطريق وذلك مثل ما أن الشعاع المولود من عين الشمس‬
‫الذي يمل ضوؤه ما بين السماء والرض نورا وفي بيت من البيوت يكون فيه ضياء‬
‫بنوره من غير مقارنة لعين الشمس التي تولد منها حقا لنه لم ينقطع من العين ول‬
‫من الضوء فكذلك سكن ال في الناسوت من غير أن يفارقه الب فهو مع الناسوت‬
‫وهو مع الب وروح القدس حقا ‪ #‬فيقال هذا التمثيل لو قدر أنه صحيح فإنما يشبه‬
‫من بعض الوجوه قول من يقول إنه بذاته في كل مكان كشعاع الشمس الذي يظهر‬
‫في الهواء والرض ‪ #‬وأما النصارى فإنهم يخصونه بناسوت المسيح دون سائر‬
‫النواسيت ولو مثل بهذا من يقول إنه بذاته في كل مكان لكان باطل فكيف النصارى‬
‫فإن الضوء إنما يكون في الهواء وسطوح الرض ل يكون تحت السقوف والغيران‬
‫وباطن الرض‬

‫ثم هذا التمثيل باطل من وجوه ‪ #‬أحدها أن الشعاع ليس متولدا من جرم الشمس ‪#‬‬
‫ول شعاع النار متولد من جرم النار بل هو حادث بائن عن جرم الشمس ولكنها‬
‫سبب في حصوله ‪ #‬ولهذا يشبه به العلم الحاصل في قلب المتعلم بسبب تعلم العلم‬
‫من غير أن يكون من ذات علم العالم ‪ #‬ولهذا يشبه علم العالم بالسراج الذي يقتبس‬
‫كل أحد من نوره وهو لم ينقص ‪ #‬بخلف تولد المولود عن والده فإنه متولد عن‬
‫عينه ‪ #‬والشعاع القائم بالهواء والرض ليس هو قائما بذات الشمس والنار بل هو‬
‫عرض قائم بمحل آخر والعرض الواحد ل يكون في محلين ‪ #‬والنصارى يقولون‬
‫إن الكلمة التي هي علم ال أو حكمته متولدة منه وهي قديمة أزلية والصفة قائمة‬
‫بالموصوف فالصفة مثل ما يقوم بذات الشمس من استدارة وضوء فذاك صفة لها‬
‫وهو غير الشعاع القائم بالهواء فإن ذاك بائن عنها فكيف يجعل هذا هو هذا ‪ #‬فإن‬
‫قالوا نحن مقصودنا أن حكمة ال وعلمه ونوره أنزله إلى المسيح وأفاضه على‬
‫المسيح كما يفيض الشعاع عن الشمس ‪ #‬قيل لهم فهذا قدر مشترك بين المسيح‬
‫وسائر النبياء فل اختصاص للمسيح بذلك‬

‫‪452‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪453‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الوجه الثاني قولهم الذي يمل ضوؤه ما بين السماء والرض نورا وفي بيت من ‪#‬‬
‫البيوت يكون فيه حقا من غير مقارنة لعين الشمس التي تولد منها حقا ‪ #‬فيقال لهم‬
‫الشعاع الذي بين السماء والرض هو الضوء وهو النور ‪ #‬فقولكم إن الشعاع يمل‬
‫ضوؤه ما بين السماء والرض نورا يقتضي أنه شعاع وضوء شعاع ونور حدث‬
‫عن ذلك وهذا غلط بل ليس هنا إل جرم الشمس التي في السماء وشعاعها وهو‬
‫الضوء والنور الذي ما بين السماء والرض ‪ #‬الثالث قولكم من غير مفارقة عين‬
‫الشمس يقتضي أن هذا الشعاع هو مفس ما قام بالشمس وهذا مكابرة للحس والعقل‬
‫بل الشعاع الذي قام بالهواء والرض عرض لم يقم بالشمس فقط ‪ #‬وكل شعاع بقعة‬
‫فليس هو عين الشعاع الذي في البقعة الخرى وإن كان هو نظيره ومثله وجنس‬
‫الشعاع يجمعهما كما أن شعاع هذا السراج ليس هو شعاع هذا السراج وإن قدر‬
‫اختلطهما حتى يقوى الضوء ول حركة هذا الهواء هي حركة هذا الهواء ونظائر‬
‫ذلك متعددة ‪ #‬الرابع قولكم كذلك ال سكن في الناسوت من غير أن يفارقه الب‬
‫تمثيل باطل‬

‫فإن الشمس نفسها لم تكن في الهواء والرض وإنما سكن شعاعها ‪ #‬فوزانه أن ‪#‬‬
‫يقال فكذلك سكن نور ال وبرهانه وهداه وروحه ‪ #‬وهذا إذا قلته فهو منقول عن‬
‫النبياء تنطق كتبهم بأن نور ال وروحه وهداه في قلوب المؤمنين لكن ل اختصاص‬
‫للمسيح بذلك ‪ #‬قال ال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة‬
‫فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ^ ‪ #‬قال أبي بن كعب‬
‫مثل نوره في قلب المؤمن ‪ #‬وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي أنه قال اتقوا‬
‫فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ال ثم قرأ قوله‬

‫إن في ذلك ليات للمتوسمين ^ ‪ #‬الخامس إنكم إذا جعلتم ال نفسه ساكنا في ^ ‪#‬‬
‫المسيح فوزانه أن تكون الشمس نفسها ساكنة في موضع صغير من الرض ‪ #‬وهذا‬
‫التمثيل يبطل قولكم إن ال أعل وأعظم وأجل وأكبر وال أجل وأكبر وأعظم من كل‬
‫شيء والشمس آية من آياته ومخلوق من مخلوقاته ومع هذا فلو قال قائل إن الشمس‬
‫سكنت في جوف امرأة وخرجت من فرج تلك المرأة لكان كل عاقل يعلم فساد قوله‬
‫وينسبه‬
‫إلى الجهل العظيم أو الجنون وسواء قال إن الشمس نفسها نزلت أو لم تنزل ‪#‬‬
‫وأنتم تقولون إن رب العالمين سكن في بطن مريم ويقول أكثركم كالملكية واليعقوبية‬
‫إنه خرج من فرج مريم ‪ #‬ولو قال قائل عما هو من أصغر مخلوقات ال كوكب من‬
‫الكواكب أو جبل من الجبال أو صخرة عظيمة إن ذلك كان في بطن امرأة وخرج‬
‫من فرجها لضحك الناس من قوله فكيف بمن يدعي مثل ذلك في رب العالمين ‪#‬‬
‫وإذا قالوا إن ال نزل إلى السماء الدنيا أو نزل إلى الطور وكلم موسى من العليقة أو‬
‫في عمود الغمام ونحو ذلك فليس في شيء من‬

‫‪453‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪454‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذلك أنه اتحد بمخلوق ل سماء ول طور ول شجرة ول كان كلمه قائما بشيء‬
‫مخلوق ل شجرة ول غيرها ‪ #‬وعندهم أنه اتحد بالمسيح وكان صوت المسيح القائم‬
‫به هو صوت رب العالمين بل واسطة‬

‫فصل ‪ #‬قال سعيد بن البطريق ومثلما أن كلمة النسان المولودة من عقله تكتب في‬
‫قرطاس فهي في القرطاس كلها حقا من غير أن تفارق العقل الذي منه ولدت ول‬
‫يفارقها العقل الذي ولدها لن العقل بالكلمة يعرف لنها فيه والكلمة كلها في العقل‬
‫الذي ولدها وكلها في نفسها وكلها في القرطاس الذي التحمت به فكذلك كلمة ال‬
‫كلها في الب الذي ولدت منه وكلها في نفسها وفي الروح وكلها في الناسوت التي‬
‫حلت فيها والتحمت بها ‪ #‬فيقال هذا التمثيل حجة عليكم وعلى فساد قولكم ل حجة‬
‫لكم وذلك يظهر بوجوه ‪ #‬أحدها أن يقال إن كان حلول كلمة ال التي هي المسيح في‬
‫الناسوت مثل كتابة الكلم في القرطاس فحينئذ يكون المسيح من جنس سائر كلم ال‬
‫كالتوراة وزبور داود والنجيل والقرآن وغير ذلك فإن هذا كله كلم ال وهو‬
‫مكتوب في القراطيس باتفاق أهل‬

‫الملل بل الخلق كلهم متفقون على أن كلم كل متكلم يكتب في القراطيس وقد قال‬
‫تعالى في القرآن ‪ ^ #‬بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إنه‬
‫لقرءان كريم في كتاب مكنون ل يمسه إل المطهرون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬يتلوا صحفا‬
‫مطهرة فيها كتب قيمة ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬كل إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف‬
‫مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬والطور‬
‫وكتاب مسطور في رق منشور ^ ‪ #‬وإذا كانت الكلمة التي هي المسيح عندكم هكذا‬
‫فمعلوم أن كلم ال المكتوب في القراطيس ليس هو إلها خالقا وهو كلم كثير ل‬
‫ينحصر في كلمة ول كلمتين ‪ #‬ولو قال قائل يا كلم ال اغفر لي وارحمني أو يا‬
‫توراة‬

‫أو يا إنجيل أو يا قرآن اغفر لي وارحمني كان قد تكلم بباطل عند جميع أهل الملل‬
‫والعقلء ‪ #‬وأنتم تقولون المسيح إله خالق وهو يدعى ويعبد فكيف تشبهونه بكلم ال‬
‫المكتوب في القراطيس ‪ #‬الثاني أن الكلم المكتوب صفة للمتكلم يقوم به ويكتب في‬
‫القراطيس عند سلف أهل الملل وجماهيرهم ‪ #‬وعند بعضهم هو عرض مخلوق‬
‫يخلقه في غيره ‪ #‬فالجميع متفقون على أن الكلم صفة تقوم بغيرها ليس جوهرا‬
‫قائما بنفسه ‪ #‬والمسيح عندكم لهوته جوهر قائم بنفسه وهو إله حق من إله حق‬
‫وهو عندكم إله تام وإنسان تام ‪ #‬فكيف تجعلون الله الذي هو عين قائمة بنفسها‬
‫كالصفة التي ل تقوم إل بغيرها ‪ #‬الثالث قولكم إن كلمة النسان مولودة من عقله لو‬
‫كان صحيحا فالتولد ل يكون إل حادثا ‪ #‬وأنتم تقولون إن كلمة ال القديمة الزلية‬
‫متولدة منه قبل‬

‫‪454‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪455‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الدهور وتقولون مع هذا هي إله ‪ #‬وهذا كما أن بطلنه معلوم بصريح العقل فهي‬
‫بدعة وضللة في الشرع فإنه لم يسم أحد من النبياء شيئا من صفات ال ابنا له ول‬
‫قال إن صفته متولدة منه ولفظ البن ل يوجد عندكم عن النبياء إل اسما لناسوت‬
‫مخلوق ل لصفة ال القديمة فقد بدلتم كلم النبياء بهذا الفتراء ‪ #‬الرابع قولكم‬
‫مولودة من عقله إن أردتم بعقله العين القائمة بنفسها التي يسميها قلبا وروحا ونفسا‬
‫أو نفسا ناطقة فتلك إنما تقوم بها المعاني وأما اللفاظ فإنما تقوم بفمه ولسانه ‪ #‬وإن‬
‫أردتم بعقله مصدر عقل يعقل عقل فالمصدر عرض قائم بالعقل وهو عرض من‬
‫جنس العلم والكلمة والعمل الصالح ‪ #‬وإن أردتم بالعقل الغريزة التي في النسان‬
‫فهو أيضا عرض ‪ #‬الخامس أن تسميتكم تكلم النسان بالمعنى أو اللفظ تولدا أمر‬
‫اخترعتموه ل يعرف عن نبي من النبياء ول أمة من المم ول في لغة من اللغات‬
‫‪ #‬وإنما ابتدعتم هذا لتقولوا إذا كان كلم النسان متولدا منه فكلم ال متولد منه ‪#‬‬
‫ولم ينطق أحد من النبياء بأن كلم ال تولد منه ول أنه ابنه ول أن علمه تولد منه‬
‫ول أنه ابنه‬

‫السادس قولكم إن كلمة النسان المولودة من عقله تكتب في القرطاس فهي في ‪#‬‬
‫القرطاس كلها حقا من غير أن تفارق العقل الذي منه ولدت إلى قولكم الكلمة كلها‬
‫في العقل الذي ولدها وكلها في القرطاس الذي التحمت به مكابرة ظاهرة معلومة‬
‫الفساد بصريح العقل فإن وجود الكلم في القلب واللسان ليس هو عين وجوده‬
‫مكتوبا في القرطاس بل القائم بقلب المتكلم معان طلب وخبر وعلم وإرادة والقائم‬
‫بنفسه حروف مؤلفة هي أصوات مقطعة أو هي حدود أصوات مقطعة وليس في‬
‫قلب النسان ول فمه مداد كالمداد الذي في القرطاس ‪ #‬والكلم مكتوب في‬
‫القرطاس باتفاق العقلء مع علمهم بأنه ليس في القرطاس علم وطلب وخبر قائم به‬
‫كما تقوم بقلوب المتكلم ول قام به أصوات مقطعة مؤلفة ول حروف كالصوات‬
‫القائمة بفم المتكلم بل لفظ الحرف يقال على الحرف المكتوب إما المداد المصور‬
‫وإما صورة المداد وشكله ويقال على الحرف المنطوق إما الصوت المقطع وإما حد‬
‫الصوت ومقطعة وصورته ‪ #‬وكل عاقل يميز بحسه وعقله بين الصوت المسموع‬
‫من المتكلم وبين المداد المرئي بالبصر ول يقول عاقل إن هذا هو هذا ول يقال إن‬
‫هذا وهذا هو نفس المعنى القائم بقلب المتكلم فكيف تقولون إن الكلمة في القرطاس‬
‫كلها وكلها في العقل الذي ولدها وكلها في نفسها‬

‫السابع أن حرف في التي يسميها النحاة ظرفا يستعمل في كل موضع بالمعنى ‪#‬‬
‫المناسب لذلك الموضع ‪ #‬فإذا قيل إن الطعم واللون والريح حال في الفاكهة أو العلم‬
‫والقدرة والكلم حال في المتكلم فهذا معنى معقول ‪ #‬وإذا قيل إن هذا حال في داره‬
‫أو إن الماء حال في الظرف فهذا معنى آخر ‪ #‬فإن ذاك حلول صفة في موصوفها‬
‫وهذا حلول عين قائمة تسمى جسما وجوهرا في محلها ومنه يقال لمكان القوم المحلة‬
‫ويقال فلن حل بالمكان الفلني ‪ #‬وإذا قيل الشمس والقمر في الماء أو في المرآة أو‬
‫وجه فلن في المرآة أو كلم فلن في هذا القرطاس فهذا له معنى يفهمه الناس‬

‫‪455‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪456‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يعلمون أنه قد ظهرت الشمس والقمر والوجه في المرآة ورؤيت فيها وأنه لم يحل‬
‫بها ذات ذلك وإنما حل فيها مثال شعاعي عند من يقول ذلك ‪ #‬وكذلك الكلم إذا‬
‫كتب في القرطاس فالناس يعلمون أنه مكتوب فيه ومقروء فيه ومنظور فيه ويقولون‬
‫نظرت في كلم فلن وقرأته وتدبرته وفهمته ورأيته ونحو ذلك كما يقولون رأيت‬
‫وجهه في المرآة وتأملته ونحو ذلك ‪ #‬وهم في ذلك كله صادقون يعلمون ما يقولون‬
‫ويعلمون أن نفس جرم الشمس والقمر والوجه لم يحل في المرآة وأن نفس ما قام به‬
‫من المعاني والصوات لم تقم بالقرطاس بل كانت المرآة واسطة‬

‫في رؤية الوجه فهو المقصود بالرؤية وكان القرطاس واسطة في معرفة الكلم فهو‬
‫المقصود بالرؤية ويعلمون أن حاسة البصر باشرت ما في المرآة من الشعاع‬
‫المنعكس ولكن المقصود بالرؤية هو الشمس وحاسة البصر باشرت ما في القرطاس‬
‫من المداد المكتوب ولكن المقصود بالرؤية هو الكلم المكتوب ‪ #‬ويعلمون أن نفس‬
‫المثال الذي في المرآة ليس هو الوجه وأن نفس المداد المكتوب به ليس هو الكلم‬
‫المكتوب بل يفرقون بينهما كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي‬
‫لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ^ ‪ #‬ففرق سبحانه بين‬
‫الكلمات وبين المداد الذي يكتب به الكلمات ‪ #‬فكيف يقال إن هذا هو هذا وأن الكلمة‬
‫في القرطاس كلها وهي في المتكلم كلها ‪ #‬الثامن أن الكلم له معنى في المتكلم يعبر‬
‫عنه بلفظه واللفظ يكتب في القرطاس فالمكتوب في القرطاس هو اللفظ المطابق‬
‫للمعنى ل يكتب المعنى بدون كتابة اللفظ الذي كتب بالخط ليعرف ما كتب ‪#‬‬
‫فدعوى هؤلء أن نفس المعنى الذي في القلب كله هو في القرطاس كلة جعل لنفس‬
‫المعنى هو الخط وهذا باطل‬

‫التاسع أنه ل ريب أن كلم المتكلم يقال إنه قائم به ‪ #‬ويقال مع ذلك إنه مكتوب ‪#‬‬
‫في القرطاس ويقال هذا هو كلم فلن بعينه وهذا هو ذاك ونحو ذلك من العبارات‬
‫التي تبين أن هذا المكتوب في القرطاس هو هذا الكلم الذي تكلم به المتكلم بعينه لم‬
‫يزد فيه ولم ينقص لم يكتب كلم غيره ‪ #‬ول يريدون بذلك أن نفس الخط نفس‬
‫الصوت أو نفس المعنى فإن هذا ل يقوله عاقل ‪ #‬فإن قيل ففي المسلمين من يقول‬
‫إن كلم ال القديم الزلي أو كلم ال الذي ليس بمخلوق هو حال في الصدور‬
‫والمصاحف من غير مفارقة ‪ #‬ومن هؤلء من يقول إنه يسمع من النسان الصوت‬
‫القديم أو الصوت الذي ليس بمخلوق ‪ #‬ومنهم من يقول إن الحرف القديم أو الذي‬
‫ليس بمخلوق هو في القرطاس وحكى عن بعضهم أنه يقول ذلك في المداد ‪ #‬ومن‬
‫هؤلء من يقول إن القديم حل في المصحف ونحو ذلك ‪ #‬فتقول النصارى نحن مثل‬
‫هؤلء ‪ #‬قيل الجواب من وجوه ‪ #‬أحدهما أن المقصود بيان الحق الذي بعث ال به‬
‫رسله وأنزل‬

‫به كتبه والرد على من خالف ذلك من النصارى وغيرهم ‪ #‬ونحن ل ننكر أن في‬
‫المنتسبين إلى السلم طوائفا منهم منافقون ملحدون وزنادقة ومنهم جهال ومبتدعة‬

‫‪456‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪457‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومنهم من يقول مثل قول النصارى ومنهم من يقول شرا منه فالرد على هؤلء كلهم‬
‫والعصمة ثابتة لكتاب ال وسنة رسوله ‪ #‬وما اجتمع عليه عباده المؤمنون فهذا ل‬
‫يكون إل حقا وما تنازع فيه المسلمون ففيه حق وباطل ‪ #‬الوجه الثاني أن يقال‬
‫هؤلء الذين قالوا في القرآن ما قالوه ليس قولهم مثل قول النصارى ‪ #‬فإن‬
‫النصارى جعلوا ل ولدا قديما أزليا سموه كلمة وقالوا إنه إله يخلق ويرزق وإنه اتحد‬
‫بالمسيح فجعلوا المسيح الذي هو الكلمة عندهم إلها يخلق ويرزق ‪ #‬وليس في‬
‫طوائف المسلمين المعروفة من يقول إن كلم ال إله يخلق ويرزق ‪ #‬ولكن محمد‬
‫وغيره من الرسل عليهم السلم بلغوا إلى الخلق كلم ال الذي تكلم به ‪ #‬فكان‬
‫الصحابة والتابعون لهم بإحسان على أن القرآن والتوراة والنجيل وغير ذلك من‬
‫كلم ال هو كلم اللةالذي تكلم به وأن ال أنزله وأرسل به ملئكته ليس هو مخلوقا‬
‫بائنا عنه خلقه في غيره‬

‫ويقولون إن هذا القرآن هو كلم ال الذي بلغه رسوله والمسلمون يقرؤونه ويسمع ‪#‬‬
‫من القارىء كلم ال لكن يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم ويسمعونه من القارىء الذي‬
‫يقرؤه بصوت نفسه فالكلم كلم البارىء والصوت صوت القارىء ‪ #‬ويقولون إن‬
‫ال تكلم به وكلم به موسى وأن موسى سمع نداء ال بأذنه فكلمه ال بالصوت الذي‬
‫سمعه موسى كما بين ذلك في كتب ال القرآن والنجيل والتوراة وغير ذلك ‪#‬‬
‫فحدث بعد الصحابة وأكابر التابعين طائفة معطلة يقولون إن ال لم يكلم موسى‬
‫تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليل فقتل المسلمون مقدمهم الجعد وصار لهم مقدم يقال له‬
‫الجهم فنسبت إليهم الجهمية نفاة السماء والصفات ‪ #‬تارة يقولون إن ال لم يتكلم‬
‫ولم يكلم موسى وإنما أطلق ذلك مجازا‬

‫وتارة يقولون تكلم ويتكلم حقيقة ولكن معنى ذلك أنه خلق كلما في غيره سمعه ‪#‬‬
‫موسى ل أنه نفسه قام به كلم وهذا قول من يقوله من المعتزلة ونحوهم ‪ #‬وزين‬
‫هذا القول بعض ذوي المارة فدعوا إليه مدة وأظهروه وعاقبوا من خالفهم ثم‬
‫أطفىء ذلك وأظهر ما كان عليه سلف المة أن القرآن والتوراة والنجيل كلم ال‬
‫تكلم هو به منه بدا ليس ببائن منه وليس بمخلوق خلقه في غيره ‪ #‬ولما أظهر ال‬
‫هذا والناس يتلون قول ال تعالى ‪ ^ #‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى‬
‫يسمع كلم ال ^ ‪ #‬صار بعض أهل الهواء يقول إنما سمع صوت القارىء‬
‫وصوته مخلوق وهو كلم ال فكلم ال مخلوق ‪ #‬ولم يميز هذا بين أن يسمع الكلم‬
‫من المتكلم به كما سمعه موسى من ال بل واسطة وبين أن يسمع من المبلغ عنه ‪#‬‬
‫ومعلوم أنه لو سمع كلم النبياء وغيرهم من المبلغين لم يكن صوت المبلغ هو‬
‫صوت المبلغ عنه وإن كان الكلم كلم المبلغ عنه ل كلم المبلغ ‪ #‬فكلم ال إذا‬
‫سمع من المبلغين عنه أولى أن يكون هو كلم ال‬

‫ل كلم المبلغين وإن بلغوه بأصواتهم ‪ #‬فجاءت طائفة ثانية فقالوا هذا المسموع‬
‫ألفاظنا وأصواتنا وكلمنا ليس هو كلم ال لن هذا مخلوق وكلم ال ليس بمخلوق‬

‫‪457‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪458‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬وكان مقصود هؤلء تحقيق أن كلم ال غير مخلوق فوقعوا في إنكار أن يكون‬
‫هذا القرآن كلم ال ولم يهتدوا إلى أنه وإن كان كلم ال فهو كلم ال مبلغا عنه‬
‫ليس هو كلمه مسموعا منه ول يلزم إذا كانت أفعال العباد وأصواتهم مخلوقة ليست‬
‫هي كلم ال أن يكون الكلم الذي يقرؤونه بأفعالهم وأصواتهم كلمهم ويكون‬
‫مخلوقا ليس هو كلم ال ‪ #‬وهؤلء الذين قالوا ليس هذا كلم ال منهم من قال هو‬
‫حكاية لكلم ال وطردوا ذلك في كل من بلغ كلم غيره أن يكون ما بلغه حكاية‬
‫لكلم المبلغ عنه ل كلمه ‪ #‬وأهل الحكاية منهم من يقول إن كلم الرب يتضمن‬
‫حروفا مؤلفة إما قائما بذاته على قول بعضهم أو مخلوقة في غيره على قول بعضهم‬
‫والقائم بذاته معنى واحد ‪ #‬ومن هؤلء من قال الحكاية تماثل المحكي عنه فل نقول‬
‫هو حكاية بل هو عبارة عنه والتقدير عندهم فأجره حتى يسمع كلم عبارته أو‬
‫حكايته ‪ #‬فجاءت طائفة ثالثة فقالت بل قد ثبت أن هذا المسموع‬

‫كلم ال وكلم ال ليس بمخلوق وهذا المسموع هو الصوت فالصوت غير مخلوق‬
‫‪ #‬ثم من هؤلء من قال إنه قديم ومنهم من قال ليس بقديم ومنهم من قال يسمع‬
‫صوت الرب والعبد ومنهم من قال إنما يسمع صوت الرب ‪ #‬ثم منهم من قال إنه‬
‫قديم ومنهم من قال إنما يسمعه من العبد ‪ #‬وهؤلء منهم من قال إن صوت الرب‬
‫حل في العباد فضاهوا النصارى ‪ #‬ومنهم من قال بل نقول ظهر فيه من غير حلول‬
‫ومنهم من يقول ل يطلق ل هذا ول هذا ‪ #‬وكل هذه القوال محدثة مبتدعة لم يقل‬
‫شيئا منها أحد من الصحابة ول التابعين لهم بإحسان ول إمام من أئمة المسلمين‬
‫كمالك والثوري‬

‫والوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد‬

‫والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن عيينة وغيرهم ‪ #‬بل هؤلء‬
‫كلهم متفقون على أن القرآن منزل غير مخلوق وأن ال أرسل به جبريل فنزل به‬
‫جبريل على نبيه محمد فبلغه محمد إلى الناس فقرأه الناس بحركاتهم وأصواتهم‬
‫وليس شيء من أفعال العباد وأصواتهم قديما ول غير مخلوق ولكن كلم ال غير‬
‫مخلوق ولم يكن السلف يقولون القرآن قديم ‪ #‬ولما أحدث الجهمية وموافقوهم من‬
‫المعتزلة وغيرهم أنه مخلوق بائن من ال قال السلف والئمة إنه كلم ال غير‬
‫مخلوق‬

‫ولم يقل أحد من السلف إن ال تكلم بغير قدرته ومشيئته ول أنه معنى واحد قائم ‪#‬‬
‫بالذات ول أنه تكلم بالقرآن أو التوراة أو النجيل في الزل بحرف وصوت قديم‬
‫فحدث بعد ذلك طائفة فقالوا إنه قديم ‪ #‬ثم منهم من قال القديم هو معنى واحد قائم‬
‫بالذات هو معنى جميع كلم ال ‪ #‬وذلك المعنى إن عبر عنه بالعبرية كان توراة‬
‫وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيل وإن عبر عنه بالعربية كان قرآنا والمر والنهي‬
‫والخبر صفات له ل أنواع له ‪ #‬ومن هؤلء من قال بل هو قديم وهو حروف أو‬

‫‪458‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪459‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حروف وأصوات أزلية قديمة وأنها هي التوراة والنجيل والقرآن ‪ #‬فقال الناس‬
‫لهؤلء خالفتم الشرع والعقل في قولكم إنه قديم وابتدعتم بدعة لم يسبقكم إليها أحد‬
‫من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وفررتم من محذور إلى محذور كالمستجير‬
‫من الرمضاء بالنار ‪ #‬ثم قولكم إنه معنى واحد وهو مدلول جميع العبارات مكابرة‬
‫للعقل والشرع فإنا نعلم بالضطرار أنه ليس معنى آية‬

‫الكرسي هو معنى آية الدين ول معنى ^ تبت يدا أبي لهب ^ هو معنى سورة‬
‫الخلص ‪ #‬والتوراة إذا عربناها لم تصر هي القرآن العربي الذي جاء به محمد‬
‫وكذلك إذا ترجمنا القرآن بالعبرية لم يكن هو توراة موسى ‪ #‬وقول من قال منكم إنه‬
‫حروف أو حروف وأصوات أزلية ظاهر الفساد فإن الحروف متعاقبة فيسبق بعضها‬
‫بعضا والمسبوق بغيره ل يكون قديما لم يزل والصوت المعين ل يبقى زمانين فكيف‬
‫يكون قديما أزليا ‪ #‬والسلف والئمة لم يقل أحد منهم بقولكم لكن قالوا إن ال تكلم‬
‫بالقرآن وغيره من الكتب المنزلة وإن ال نادى موسى بصوت سمعه موسى بأذنه‬
‫كما دلت على ذلك النصوص ‪ #‬ولم يقل أحد منهم إن ذلك النداء الذي سمعه موسى‬
‫قديم أزلي ولكن قالوا إن ال لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء لن الكلم صفة‬
‫كمال ل صفة نقص وإنما تكون صفة كمال إذا قام به ل إذا كان مخلوقا بائنا عنه‬
‫فإن الموصوف إل بما قام به ل يتصف بما هو بائن عنه فل يكون الموصوف حيا‬
‫عالما قادرا متكلما رحيما مريدا بحياة قامت بغيره ول بعلم وقدرة قامت بغيره ول‬
‫بكلم ورحمة وإرادة قامت بغيره ‪ #‬والكلم بمشيئة المتكلم وقدرته أكمل ممن ل‬
‫يكون بمشيئته وقدرته ‪ #‬وأما كلم يقوم بذات المتكلم بل مشيئته وقدرته فإما أنه‬
‫ممتنع‬

‫أو هو صفة نقص كما يدعى مثل ذلك في المصروع ‪ #‬وإذا كان كمال فدوام الكمال‬
‫له وأنه لم يزل موصوفا بصفات الكمال أكمل من كونه صار متكلما بعد أن لم يكن‬
‫لو قدر أن هذا ممكن فكيف إذا كان ممتنعا ‪ #‬وكان أئمة السنة والجماعة كلما ابتدع‬
‫في الدين بدعة أنكروها ولم يقروها ولهذا حفظ ال دين السلم فل يزال في أمة‬
‫محمد طائفة هادية مهدية ظاهرة منصورة ‪ #‬بخلف أهل الكتاب فإن النصارى‬
‫ابتدعوا بدعا خالفوا بها المسيح وقهروا من خالفهم ممن كان متمسكا بشرع المسيح‬
‫حتى لم يبق حين بعث ال محمدا من هو متمسك بدين المسيح إل بقايا من أهل‬
‫الكتاب كما قال النبي في الحديث الصحيح إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم‬
‫عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب ‪ #‬فلما أظهر قوم من الولة أن القرآن‬
‫مخلوق ودعوا الناس إلى ذلك ثبت ال أئمة السنة وجمهور المة فلم يوافقوهم وكان‬
‫المشار إليه من الئمة إذ ذاك أحمد بن حنبل ‪ #‬ثم بقي ذلك القول المحدث ظاهرا‬
‫نحو أربع عشر سنة وأئمة المة وجمهورها ينكرونه حتى جاء من الولة من منع‬
‫من إظهاره‬

‫والقول به فصار مخفيا كغيره من البدع وشاع عند العامة والخاصة أن القرآن كلم‬

‫‪459‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪460‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال غير مخلوق ‪ #‬فأراد بعض الناس أن يجيب عن شبهة من قال إن هذا الذي يقوم‬
‫بنا مخلوق فقال القرآن كلم ال غير مخلوق ولكن ألفاظنا بة مخلوقة وتلوتنا لة‬
‫مخلوقة ‪ #‬وربما قالوا هذا الذي نقرأه مخلوق أو هذا ليس هو كلم ال فقصدوا‬
‫معنى صحيحا وهو كون صفات العباد وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة ‪ #‬لكن غلطوا‬
‫حيث أطلقوا القول أو أفهموا الناس بأن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون مخلوق ولم‬
‫يهتدوا إلى أنا إذا أشرنا إلى كلم متكلم قد بلغ عنه فقلنا مثل لما روي عن النبي‬
‫كقوله إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى هذا كلم رسول ال أو لقول‬
‫الشاعر أل‬

‫كل شيء ما خل ال باطل هذا كلم لبيد بن ربيعة ونحو ذلك ‪ #‬فإنا نشير إلى نفس‬
‫الكلم معانيه ونظمه وحروفه ل إلى ما يختص بالمبلغ من حركته وصوته بل ول‬
‫صوت المبلغ عنه وفعله ‪ #‬فإن كون الحي متحركا أو مصوتا قدر مشترك بين‬
‫الناطق والعجم وليس هذا صفة له ‪ #‬والكلم الذي يتميز به الناطق عن العجم‬
‫إنما يتميز بالمعاني القائمة به وباللفظ المطابق لها من الحروف المنظومة بالصوات‬
‫المقطعة ‪ #‬وهذا أمر يختص به المتكلم بالكلم ل المبلغ عنه فليس للمبلغ إل تأدية‬
‫ذلك ‪ #‬ولهذا لو قال قائل لشعر لبيد أل كل شيء ما خل ال باطل فقال هذا شعري‬
‫أو كلمي لكونه أنشده بصوته لكذبه الناس ‪ #‬ولو قال هذا الذي أقوله مثل شعر لبيد‬
‫لكذبه الناس وقالوا بل هو شعره نفسه ولكن أديته بصوتك‬

‫بخلف ما إذا قال قائل قول نظما أو نثرا وقال آخر مثله فإن الناس يقولون هذا ‪#‬‬
‫مثل قول فلن كما قال تعالى ‪ ^ #‬كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ^ ‪ #‬وقال‬
‫عن القرآن ‪ ^ #‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ^ ‪ #‬ولهذا لو قال قارىء أنا آتي بقرآن مثل قرآن محمد وتله نفسه‬
‫وقال هذا مثله لنكر الناس ذلك وضحكوا منه وقالوا هذا القرآن الذي جاء به هو‬
‫ليس هو كلم آخر مماثل له ‪ #‬فإذا كان القرآن الذي يقرؤه المسلمون هو كلم ال‬
‫الذي بلغه الرسول لم يجز أن يقال ليس هو بكلم ال بل هو مثل له أو حكاية عنه أو‬
‫عبارة ‪ #‬وإذا كان معلوما إنما هو كلم ال فقد تكلم ال به سبحانه لم يخلقه بائنا عنه‬
‫ولم يجز أن يقال لما هو كلمه إنه مخلوق ‪ #‬فإذا قيل عن ما يقرؤه المسلمون إنه‬
‫مخلوق والمخلوق بائن‬

‫عن ال ليس هو كلمه فقد جعل مخلوقا ليس هو بكلم ال فصار المة يقولون هذا‬
‫كلم ال وهذا غير مخلوق ل يشيرون بذلك إلى شيء من صفات المخلوق بل إلى‬
‫كلم ال الذي تكلم به وبلغه عنه رسوله ‪ #‬والمبلغ إنما بلغه بصفات نفسه والشارة‬
‫في مثل هذا يراد بها الكلم المبلغ ل يراد بها ما به وقع التبليغ ‪ #‬وقد يراد بهذا‬
‫الثاني مع التقييد كما في مثل السم إذا قيل عبدت ل ودعوت ال فليس المراد أن‬
‫المعبود المدعو هو السم الذي هو اللفظ بل المعبود المدعو هو المسمى باللفظ‬
‫فصار بعضهم يقول السم هو غير المسمى حتى قيل لبعضهم أقول دعوت ال فقال‬

‫‪460‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪461‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ل تقل هكذا ولكن قل دعوت المسمى بال وظن هذا الغالط أنك إذا قلت ذلك فالمراد‬
‫دعوت هذا اللفظ ومثل هذا يرد عليه في اللفظ الثاني ‪ #‬فما من شيء عبر عنه باسم‬
‫إل والمراد بالسم هو المسمى فإن السماء لم تذكر إل لبيان المسميات ل أن السم‬
‫نفسه هو ذات المسمى ‪ #‬فمن قال إن اللفظ والمعنى القائم بالقلب هو عين المسمى‬
‫فغلطه واضح ‪ #‬ومن قال إن المراد بالسم في مثل قولك دعوت ال وعبدته‬

‫هو نفس اللفظ فغلطه واضح ولكن اشتبه على الطائفتين ما يراد بالسم ونفس اللفظ‬
‫‪ #‬كذلك أولئك اشتبه عليهم نفس كلم المتكلم المبلغ عنه الذي هو المقصود بلفظ‬
‫المبلغ وكتابته بنفس صوت المبلغ ومداده ‪ #‬والفرق بين هذا وهذا واضح عند عامة‬
‫العقلء ‪ #‬وإذا كتب كاتب اسم ال في ورقة ونطق باسم ال في خطابه وقال قائل أنا‬
‫كافر بهذا ومؤمن بهذا كان مفهوم كلمه أنه مؤمن أو كافر بالمسمى المراد باللفظ‬
‫والخط ل أنه يؤمن ويكفر بصوت أو مداد ‪ #‬فكذلك من قال لما يسمعه من القراء‬
‫ولما يكتب في المصاحف أن هذا كلم ال ‪ #‬أو قال لما يسمع من جميع المبلغين‬
‫لكلم غيرهم ولما يوجد في الكتب هذا كلم زيد فليس مرادهم ذلك الصوت والمداد‬
‫إنما هو المعنى واللفظ الذي بلغه زيد بصوته وكتب في القرطاس بالمداد ‪ #‬فإذا قيل‬
‫عن ذلك إنه مخلوق فقد قيل إنه ليس كلم ال ولم يتكلم به ‪ #‬ومن قصد نفس‬
‫الصوت أو المداد وقال إنه مخلوق فقد أصاب كما أن من قصد نفس الصوت أو‬
‫الخط وقال ليس هذا هو كلم ال بل هو مخلوق فقد أصاب لكن ينبغي أن يبين مراده‬
‫بلفظ ل لبس فيه‬

‫فلهذا كان الئمة كأحمد بن حنبل وغيره ينكرون على من أطلق القول بأن اللفظ ‪#‬‬
‫بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق ويقولون من قال إنه مخلوق فهو جهمي ومن قال إنه‬
‫غير مخلوق فهو مبتدع ومن قال إنه مخلوق هنا فقد يقولون ليس هو كلم ال وهذا‬
‫خلف المتواتر عن الرسول وخلف ما يعلم بمثل ذلك بصريح المعقول ‪ #‬فإن‬
‫الناس يعلمون بعقولهم أن من بلغ كلم غيره فالكلم كلم المبلغ عنه الذي قاله مبتديا‬
‫أمرا بأمره مخبرا بخبره ل كلم من قاله مبلغا عنه مؤديا ‪ #‬ولهذا كان النبي يقول‬
‫في المواسم أل رجل يحملني إلى قومه لبلغ كلم ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ‬
‫كلم ربي رواه أبو داود وغيره عن جابر ‪ #‬ولما أنزل ال تعالى ‪ ^ #‬الم غلبت‬
‫^ الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون‬

‫قال بعض الكفار لبي بكر الصديق هذا كلمك أم كلم صاحبك قال ليس بكلمي ‪#‬‬
‫ول كلم صاحبي ولكنه كلم ال ‪ #‬فلهذا اشتد به إنكار أحمد بن حنبل وغيره من‬
‫أئمة السلم وبالغ قوم في النكار عليهم وقالوا لفظنا بالقرآن غير مخلوق وأطلقوا‬
‫عبارات تتضمن وتشعر أن يكون شيء من صفات العباد غير مخلوقة فأنكر ذلك‬
‫أحمد وغيره كما أنكر ذلك ابن المبارك وإسحاق بن راهويه والبخاري وغير هؤلء‬
‫من أئمة السنة وبينوا أن الورق والمداد وأصوات العباد وأفعالهم مخلوقة وأن كلم‬
‫ال الذي يحفظه العباد ويقرؤونه ويكتبونه غير مخلوق ‪ #‬فكلم أئمة السنة والجماعة‬

‫‪461‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪462‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كثير في هذا الباب متفق غير مختلف وكله صواب‬

‫ولكن قد يبين بعضهم في بعض الوقات ما ل يبينه غيره لحاجته في ذلك ‪ #‬فمن ‪#‬‬
‫ابتلي بمن يقول ليس هذا كلم ال كالمام أحمد كان كلمه في ذم من يقول هذا‬
‫مخلوق أكثر من ذمه لمن يقول لفظي مخلوق ‪ #‬ومن ابتلي بمن يجعل بعض صفات‬
‫العباد غير مخلوق كالبخاري صاحب الصحيح كان كلمه في ذم من يجعل ذلك غير‬
‫مخلوق أكثر مع نص أحمد والبخاري وغيرهما على خطأ الطائفتين‬

‫فصل ‪ #‬قال سعيد بن البطريق وليس حلول كلمة ال الخالقة والتحامها بجوهر‬
‫الناسوت عن انتقال ول تغير ول احتيال من واحد من الجوهرين عن كثافة فل‬
‫اللهي احتال أن يكون إلها خالقا ول الناسي احتال عن أن يكون ناسيا مخلوقا ‪#‬‬
‫والحتيال والتغير إنما يلزم الخلطة إذا كانت من خلقين ثقيلين غليظين مثل الماء‬
‫والخمر أو الماء والعسل أو السمن والعسل والذهب والورق والنحاس والرصاص‬
‫وما أشبه ذلك لن كله ثقيل غليظ وكل ثقل تخالطه ثقلة ل محالة يلزمه التغير حتى‬
‫يصير إلى ما كانت عليه الثقال فل الخمر خمرا ول الماء ماء بعد اختلطهما‬
‫ولكنهما احتال جميعا عن جوهرهما فصار إلى أمر متغير ليس هو أحدهما بعينه ول‬
‫أحدهما خالص من الفساد والحتيال عن حاله ‪ #‬فأما إذا كانت الخلطة من خلق‬
‫لطيف وخلق غليظ لم يخالط تلك الخلطة تغير ول احتيال مثل خلطة النفس والجسد‬
‫إنسانا واحدا‬

‫أحدهما يلتحم بالخر من غير أن تكون النفس تغيرت واحتالت أي استحالت عن‬
‫جوهرها أن تكون نفسا تعرفها بفعالها ول الجسد تغير ول احتال عن حاله وأفعاله‬
‫ومثل ما كان تخالط النار والحديد فيلتحمان جميعا فيكونان جمرة واحدة من غير أن‬
‫تكون النار قد تغيرت إلى أن تكون حديدة ثقيلة تشج وتقطع ول الحديدة تغيرت‬
‫واحتالت إلى أن تكون نارا تحرق فكذلك تفعل كل خلطة مؤلفة من شيئين مختلفين‬
‫أحدهما روحاني لطيف والخر ثقلي غليظ مثل النفس والجسد والنار والحديد ومثل‬
‫الشمس المخالطة للماء والطين وكل رطوبة وحمأة فهي ل تتغير ول تحتال عن‬
‫نورها ونقائها وضوئها مع مخالطتها كل سواد وسخ ونتن ونجس ‪ #‬قال والخلطة‬
‫تكون على ثلثة أوجه ‪ #‬أحدها خلطة باختلط من الطبيعتين الثقيلتين واحتيالهما‬
‫وفسادهما مثل خلطة الخمر والماء والخل والعسل والذهب والورق والرصاص‬
‫والنحاس فإن في ذلك كله وما أشبهه احتيال وفسادا لن مزاج الخمر والماء ليس‬
‫بخمر ول ماء لحتيال كل واحد منهما عن طبعه واختلطهما بفسادهما وتغيرهما‬
‫عن حالهما‬

‫وكذلك خلطة الخل والعسل قد صارت ل خل ول عسل لحتيال كل واحد منهما ‪#‬‬
‫وخلطة الذهب والورق على مثل ذلك صارت على غير صحة ل من الذهب ول من‬

‫‪462‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪463‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الورق وخلطة الورق والنحاس على غير صحة ل من الورق ول من النحاس فهذا‬
‫وجه من الوجه الثلثة ‪ #‬والوجه الثاني خلطة افتراق من الطبيعتين الثقيلتين وقد‬
‫تعرف من تلك الخلطة كل واحدة من الطبيعتين ثابتة في الخرى بقوامها ووجهها‬
‫مثل الزيت والماء في قنديل واحد ومثل الكتان والقز في ثوب واحد منسوج بكتان‬
‫مضلع بقز ومثل صنم نحاس رأسه من ذهب وما أشبه ذلك مما ل ينبغي أن يسمى‬
‫خلطة مع افتراق الطبيعتين والقوامين مثل ما ل ينبغي أن يكون بين الماء والقلة‬
‫التي هو فيها خلطة لن طبيعة القلة فخار قوامها قلة وليس بينهما وبين الماء خلطة‬
‫بل أشد الفرقة ‪ #‬وكذلك الماء والزيت لول أن وعاء القنديل الذي هما فيه ضمهما ما‬
‫اجتمعا ‪ #‬وكذلك الكتان والقز ليس بينهما خلطة وإن كانا في ثوب واحد ول بين‬
‫الذهب والنحاس ولم يسبكا خلطة وإن جمعها صنم واحد ‪ #‬فهاتان الخلطتان ل تكونا‬
‫أبدا إل في أثقات جسمانيات غليظة ‪ #‬فإن التحم بعضهما ببعض مثلما يذاب الذهب‬
‫والنحاس ويفرغان جميعا وقعت في وجه خلطة الحتيال والفساد لن تلك النقرة‬
‫ليست بذهب صحيح ول بنحاس صحيح‬

‫فإن لم تلحم وألزم بعضها بعضا مثل طوق يكون من نحاس وذهب وقعت من ‪#‬‬
‫وجه خلطة الفتراق التي ل يحق لها أن تسمى خلطة ‪ #‬وفي هذين الوجهين وقع‬
‫نسطورس وأشياعه فلزموا خلطة الحتيال والفساد فزعموا أن الطبيعة اللهية‬
‫والطبيعة الناسية اختلطا في المسيح الواحد فهو ذو قوام واحد بطبيعة واحدة مختلطة‬
‫من طبيعتين مختلفتين إلهية وناسية فأقروا أنهما قد احتال والحتيال فساد ‪ #‬وألزموا‬
‫على هذا القول الكافر طبيعة ال المصائب والموت وصيروا المسيح ل إلها صحيحا‬
‫ول إنسانا مثل الذهب والنحاس ‪ #‬فنسطورس وأشياعه لزموا خلطة الفرقة‬
‫والنقطاع فزعموا أن المسيح الواحد ذو طبيعتين مختلفتين اللهية وناسية وذو‬
‫قوامين معروفين إلهي وناسي فصيروا الفرقة خلطة كالطوق الملون نصفين أحدهما‬
‫ذهب والخر نحاس والثوب المبطن ظاهره خز وباطنه قطن ليس بينهما خلطة في‬
‫طبيعة ول قوام ‪ #‬وليس لهم على هذا أن يؤمنوا بمسيح واحد لن الطوق الملون‬
‫طوقان والثوب المبطن ثوبان ‪ #‬فالمسيح مثل ذلك مسيحان واحد إلهي بطبيعته‬
‫وقوامه مثل قضيب الذهب في الطوق الملون ومثل ظهارة الخز في الثوب المبطن‬
‫‪ #‬والخر ناسي مثل قضيب النحاس في الطوق وبطانة القطن في الثوب‬

‫والعجب كل العجب كيف لم يفصل أهل الخلف والشقاق بين الصنفين كليهما ولم ‪#‬‬
‫يفهموا أن هاتين الخلقتين أنهما خلقتان ذواتا أثقال جسمانية غليظة ليس فيهما شيء‬
‫من الخلق الروحاني اللطيف الخفيف ولذلك ل تقدر الثقال الغليظة على الخروج من‬
‫هذين الوجهين من وجوه الخلطة لنهما إن اختلطا خلطة ملتحمة ممتزجة صارت‬
‫إلى احتيال وفساد وإن قامت على حالها ل تلتحم ول يمتزج بعضها ببعض فهي‬
‫على وجه خلطة الفتراق ومنقطعة بعضها من بعض وإن جمعها صنم واحد أو‬
‫ثوب واحد فليس يوجد لشيء من الثقال الجسمانية وجه خلطة سوى هذين الوجهين‬
‫أبدا إما فساد وإما انقطاع إل أن تكون الخلطة في اثنين أحدهما ثقيل جسماني‬

‫‪463‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪464‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والخر لطيف روحاني فإن ذلك هو ‪ #‬الوجه الثالث من الخلطة وهي خلطة الحلول‬
‫بل اختلط ول احتيال ول فساد ول فرقة ول انقطاع لكنها نفاذ الطبيعة الروحانية‬
‫في الطبيعة الثقيلة السفلية حتى تنتشر في جميعها وتحل بكلها فل يبقى موضع من‬
‫الطبيعة الثقيلة السفلية خلوا من الطبيعة الروحانية ول احتيال من الثقيلة الجسمانية‬
‫عن طبيعتها الغليظة الثقيلة ول تغيير ول فساد لحداهما مثل خلطة النفس والجسد‬
‫ومثل خلطة النار والحديد في قوام جمرة واحدة فهي جمرة واحدة بالقوام من طبيعة‬
‫نار ملتحمة مخالطة لطبيعة الحديدة بل فرقة من انقطاع ول تخليط احتيال وفساد‬

‫وقد انتشرت النار في جميع الحديدة ولبستها وأنالت النار الحديدة من قوامها وقوتها‬
‫حتى أنارت الحديدة وأحرقت ولم تنل النار من ضعف الحديدة شيئا من السواد ول‬
‫البرودة ‪ #‬فعلى هذا الوجه من الخلطة دبرت كلمة ال الخالقة خلطتها للطبيعة‬
‫البشرية ‪ #‬فهو مسيح واحد ابن ال الوحيد المولود من الب قبل الدهار كلها نور‬
‫من نور إله حق من إله حق مولود ليس بمخلوق من سوس أبيه وجوهره وطبيعته‬
‫وهو إياه من مريم العذراء المولود منها في آخر الزمان بقوام واحد قوام ابن ال‬
‫الوحيد الجامع للطبيعتين كلتيهما اللهية التي لم تزل في البدء قبل كل بدء والناسية‬
‫التي كونت في آخر الزمان المقوم بالقوام الزلي ‪ #‬فهو مسيح واحد بقوام واحد‬
‫أزلي ذو طبيعتين إلهية لم تزل وناسية خلقها له والتحم بها من مريم العذراء فقوامه‬
‫ذلك قوام الطبيعة اللهية والطبيعة الناسية جامعا لهما بل اختلط ول فساد ول فرقة‬
‫انقطاع لم يزل قوام الطبيعة اللهية ثم هو قوام الطبيعة الناسية قد خلقها وكونها‬
‫وقومها بقوامه الذي لم يزل يقيم إل به ولم يعرف إل له ‪ #‬والجواب عن هذا الكلم‬
‫بعد أن يقال إنه تناقض‬

‫فجعل هذا تارة اختلطا وتارة يقول ليس هو اختلطا أن يقال إنه أول قد يجعل هذا‬
‫الحلول واللتحام اختلطا ويقول إنه ل يكون فيه استحالة ول تغير ويقول الستحالة‬
‫والتغيير إنما يلزم الخلطة إذا كانت من خلقين غليظين كالماء والخمر فأما إذا كانت‬
‫من لطيف وكثيف لم يخالط تلك الخلطة تغير ول احتيال أي استحالة ويقول والخلطة‬
‫تكون على ثلثة أوجه ثم يقول أحدهما كالخمر والماء والثاني كالزيت والماء‬
‫والكتان والقز ثم يقول وما أشبه ذلك مما لينبغي أن يسمى خلطة مع افتراق‬
‫الطبيعتين فيجعله من أقسام الخلطة ثم يقول ول ينبغي أن يسمى خلطة ‪ #‬وليس‬
‫المقصود المنازعات اللفظية بل يقول دعواه أن أحد نوعي الختلط يكون عن تغير‬
‫واستحالة بخلف النوع الخر الذي هو اختلط لطيف وغليظ دعوى ممنوعة ولم‬
‫يقم عليها دليل بل يقول هي باطلة بل ل يكون الختلط بين شيئين إل مع تغير‬
‫واستحالة ‪ #‬وما ذكره من المثال والشواهد فهي حجة عليه لقوله فأما إذا كانت‬
‫الخلطة من خلق لطيف وخلق غليظ لم يخالط تلك الخلطة تغير‬

‫ول احتيال مثل خلطة النفس والجسد إنسانا واحدا أحدهما ملتحم بالخر من غير أن‬
‫تكون النفس تغيرت واحتالت عن جوهرها أن تكون نفسا تعرفها بفعالها ول الجسد‬

‫‪464‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪465‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تغير واستحال عن حاله وفعاله ‪ #‬فيقال هذا قول باطل ظاهر البطلن لكن من‬
‫تصوره فإن الجسد إذا خل عن النفس مثل ما يكون قبل نفخ الروح فيه وما يكون‬
‫بعد مفارقة الروح له بالموت بل آدم عليه السلم أبو البشر خلق من تراب وماء‬
‫وصار صلصال كالفخار ثم نفخت فيه الروح فصار جسدا هو لحم وعظم وعصب‬
‫ودم ‪ #‬فهل يقول عاقل إن جسد آدم قبل النفس وبعدها على صفة واحدة لم يتغير ولم‬
‫تستحل وذريته من بعده يخلق أحدهم من نطفة ثم علقة ثم مضغة فيكون جسدا ميتا‬
‫ثم ينفخ فيه الروح فيصير الجسد حيا بعد أن كان ميتا ‪ #‬وأي تغيير أعظم من انتقال‬
‫الجسد من الموت إلى الحياة ‪ #‬ومعلوم بالحس والعقل الفرق بين الحي والميت كما‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬وما يستوي الحياء ول الموات ^ ‪ #‬والجسد إذا لم ينفخ فيه الروح‬
‫فهو موات ليس له حس ول حركة إرادية ول يسمع ول يبصر ول ينطق ول يعقل‬
‫ول يبطش ول يأكل‬

‫ول يشرب ول يمني ول ينكح ول يتفكر ول يحب ول يبغض ول يشتهي ول‬


‫يغضب ‪ #‬فإذا اتصلت به النفس تغيرت أحواله واستحالت صفاته وصار حساسا‬
‫متحركا بالرادة فكيف يقال مثل خلطة النفس والجسد إنسانا واحدا أحدهما يلتحم‬
‫بالخر من غير أن تكون النفس تغيرت واستحالت عن جوهرها أن تكون نفسا‬
‫يعرفها بفعالها ول الجسد تغير ول استحال عن حاله وأفعاله ‪ #‬فهل يقول عاقل‬
‫يتصور ما يقول إن الجسد كان حاله وفعاله مع مفارقة النفس له كحاله وفعاله مع‬
‫مخالطتها له ‪ #‬وهل يقول عاقل إن الجسد بعد موته ومفارقة النفس له حاله وفعاله‬
‫كحاله وفعاله إذا كانت النفس مختلطة به وهو إذا مات كالجماد ل يسمع ول يبصر‬
‫ول ينطق ول يبطش ول يمشي قد جمد دمه واسود ولم يبق سائل وتغير سحنته‬
‫ولونه وتغير الجسد بالحياة بعد الموت وبالموت بعد الحياة من أعظم التغيرات‬
‫والستحالت ‪ #‬وكذلك النفس فإن النفس عند اتصالها بالبدن تلتذ بلذته وتتألم بألمه‬
‫‪ #‬فإذا أكل البدن وشرب ونكح واشتم التذت النفس وإذا ضرب البدن وصفع وأهين‬
‫وحط الشوك على رأسه وبصق في وجهه تألمت النفس بذلك ‪ #‬فإذا شبهوا اتحاد‬
‫الرب بالمسيح باتحاد النفس بالبدن وهم‬

‫يقولون إن المسيح وكل أحد إذا ضرب وصفع وصلب فتألم بدنه تألمت نفسه أيضا‬
‫‪ #‬فإن كل اللم مع نفس المسيح وجسده كالنفس مع الجسد وجب أن يكون الرب‬
‫يتألم بتألم الناسوت ويجوع بجوعه ويشبع بشبعه فإن ألم الجوع ولذة الشبع يحصل‬
‫للنفس إذا جاع البدن وشبع ‪ #‬وأيضا فالمسيح عندهم إله تام وإنسان تام والله إله‬
‫قبل التحاد والنسان إنسان قبل التحاد ‪ #‬فهم يقولون إنهما بعد التحاد إله تام كما‬
‫كان وإنسان تام كما كان ‪ #‬فنظير هذا أن يكون النسان المركب من بدن ونفس نفسا‬
‫تامة وبدنا تاما وأن تكون الحديدة المحماة حديدا تاما ونارا تامة وهو باطل بل‬
‫النسان مركب من نفس وبدن والنسان اسم لمجموع ليس النسان روحا والنسان‬
‫بدنا ‪ #‬فلو كان التحاد حقا لوجب أن يقال إن المسيح نصفه لهوت ونصفه ناسوت‬
‫وهو مركب من هذا وهذا ‪ #‬ول يقال إن المسيح نفسه إنسان تام والمسيح نفسه إله‬

‫‪465‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪466‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تام فإن تصور هذا القول على الوجه التام يوجب العلم الضروري حيث جعلوا‬

‫المسيح الذي هو المبتدأ الموضوع المخبر عنه المحكوم عليه هو إنسان تام وإله تام‬
‫يوجب أن يكون نفس النسان هو نفس الله ‪ #‬ولو قيل هذا في مخلوقين فقيل نفس‬
‫الملك نفس البشر لكان ظاهر البطلن فكيف إذا قيل في رب العالمين ل سيما وكثير‬
‫من النصارى ل يقولون إن جسد المسيح مخلوق بل يصفون الجميع باللهية وهذا‬
‫مقتضى قول أئمتهم القائلين إن المسيح إله تام لكنهم تناقضوا فقالوا مع ذلك وهو‬
‫إنسان تام فكأنهم قالوا هو الخالق ليس هو الخالق هو مخلوق ليس هو مخلوق‬
‫فجمعوا بين النقيضين وهذا حقيقة قول النصارى ل سيما واتحاد اللهوت بناسوت‬
‫المسيح عندهم اتحاد لزم لم يفارقه البتة فيكون ذلك أبلغ من التحاد العارض ومن‬
‫أن الرب كان متحدا بجسد ل روح فيه ثم بالجسد مع نفخ الروح فيه ثم بالجسد بعد‬
‫مفارقة الروح له وحيث دفن في القبر ووضع التراب عليه ‪ #‬ومعلوم أن النسان إذا‬
‫كانت فيه النفس وجعلت في التراب معه تألمت النفس ألما شديدا ثم تفارق البدن ‪#‬‬
‫ومن العجائب أنهم يقولون إن المسيح صلب ومات ففارقته النفس الناطقة وصار‬
‫الجسد ل روح فيه واللهوت مع هذا متحد لم يفارقه وهو في القبر واللهوت متحد‬
‫به فيجعلون اتحاده به أبلغ من اتحاد النفس بالبدن‬

‫والنفس عند اتصالها بالبدن تتغير وتتبدل صفاتها وأحوالها ويصير لها من ‪#‬‬
‫الصفات والفعال ما لم يكن بدون البدن وعند مفارقة البدن تتغير صفاتها وأفعالها ‪#‬‬
‫فإن كان تمثيلهم مطابقا لزم أن يكون الرب قد تغيرت أوصافه وأفعاله لما اختلط‬
‫بالمسيح كما تتغير صفات النفس وأفعالها ويكون الرب قبل هذا الختلط كالنفس‬
‫المجردة التي لم تقترن ببدن ‪ #‬وأيضا فالنفس والبدن شريكان في العمال الصالحة‬
‫والفاسدة لهما الثواب وعليهما العقاب والثواب والعقاب على النفس أكمل منه على‬
‫البدن فإن كان الرب كذلك كان جميع ما يفعله المسيح باختياره فعل الرب كما أن‬
‫جميع ما يفعله البدن باختيار فعل النفس عن التي تخاطب بالمر والنهي فيقال لها‬
‫كلي واشربي وانكحي ول تأكلي ول تشربي ول تنكحي ‪ #‬فإن كان الرب مع‬
‫الناسوت كذلك كان الرب هو المأمور والمنهي بما يأمر به المسيح وكان الرب هو‬
‫المصلي الصائم العابد الداعي وبطل قومهم يخلق ويرزق بلهوته ويأكل ويعبد‬
‫بناسوته ‪ #‬فإن النفس والبدن لما اتحدا كانت جميع الفعال الختيارية للنفس والبدن‬
‫فإذا صلى النسان وصام ودعا فالنفس والبدن يوصفان بذلك جميعا بل النفس أخص‬
‫بذلك وكذلك إذا أمر أو نهى فكلهما موصوف بذلك وكذلك إذا ضرب فألم الضرب‬
‫يصل‬

‫إليهما كما تصل إليهما لذة الكل والجماع ‪ #‬بل أبلغ من ذلك أن الجني إذا دخل في‬
‫النسي وصرعه وتكلم على لسانه فإن النسي يتغير حتى يبقى الصوت والكلم‬
‫الذي يسمع منه ليس هو صوته وكلمه المعروف ‪ #‬وإذا ضرب بدن النسي فإن‬
‫الجني يتألم بالضرب ويصيح ويصرخ ويخرج منه ألم الضرب كما قد جرب الناس‬

‫‪466‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪467‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من ذلك ما ل يحصى ونحن قد فعلنا من ذلك ما يطول وصفه ‪ #‬فإذا كان الجني‬
‫تتغير صفاته وأحواله لحلوله في النسي فكيف بنفس النسان ‪ #‬وعندهم اتحاد‬
‫اللهوت بالناسوت أتم وأكمل من اتحاد النفس بالجسد ‪ #‬فهل يقول عاقل مع هذا‬
‫التحاد إنهما جوهران لكل منهما أفعال اختيارية ل يشركه الخر فيها ‪ #‬ويقولون‬
‫مع قولهم بالتحاد إن الذي كان يصلي ويصوم ويدعو ويتضرع ويتكلم ويتألم‬
‫ويضرب ويصلب هو نظير البدن والذي كان يأمر وينهي ويخلق ويرزق هو نظير‬
‫النفس ‪ #‬هذا مع قولهم إن مريم ولدت اللهوت مع الناسوت وأنه اتحد به مع كونه‬
‫حيا وقبل حياته وعند مماته والجسد في ذلك كله كسائر أجساد الدميين لم يظهر فيه‬
‫شيء من خصائص الرب أصل بل ول بعد إتيانه باليات فإن تلك كان يجري مثلها‬
‫وأعظم منها على يد‬

‫النبياء فهذا أقرب أمثالهم وقد ظهر فساده ‪ #‬وأبعد منه وأشد فسادا تمثيلهم ذلك‬
‫بالنار والحديد ‪ #‬ومعلوم عند كل من له خبرة أن النار إذا اتصلت بشيء من‬
‫الجسام الحيوانية والنباتية والمعدنية مثل جسد النسان وغيره ومثل الخشب‬
‫والقصب والقطن وغيره ومثل الحديد والذهب والفضة فإنها تغير ذلك الجسد وتبدل‬
‫صفاته عما كانت فتحرقه أو تذيبه أو تلينه والنار المختلطة به ل تبقى نارا محضة‬
‫بل تستحيل وتتغير أيضا ‪ #‬فقول هؤلء ومثل ما تختلط النار والحديد فيلتحمان‬
‫جميعا فيكونان جمرة واحدة من غير أن تكون النار تغيرت إلى أن تكون حديدة ثقيلة‬
‫تشج وتقطع ول الحديدة تغيرت واستحالت إلى أن تكون نارا تحرق كلم باطل‬
‫ملبس فإن الجمرة ليست حديدة محضة ول نارا محضة بل نوعا ثالث ‪ #‬وقوله لم‬
‫تتغير النار إلى أن تصير حديدة ول الحديدة إلى أن تصير نارا تلبيس ‪ #‬فإن‬
‫الختلط ل يتضمن الستحالة والتغير كاختلط الكثيفين الذي سلمه مثل الماء‬
‫والخمر والماء والعسل والسمن والعسل والذهب والورق والنحاس والرصاص قد‬
‫قال فيه إنه ل الخمر خمر ول الماء ماء بعد اختلطهما ولكنهما استحال جميعا عن‬
‫جوهرهما فصارا إلى أمر متغير ليس هو أحدهما بعينه ول أحدهما خالصا من‬
‫الفساد والستحالة عن حاله ‪ #‬فيقال له فهذا الذي سلمت فيه الفساد والستحالة لم‬
‫يصر‬

‫الخمر فيه ماء ول الماء فيه خمرا فكذلك مورد النزاع إذا لم تصر النار حديدة ول‬
‫الحديدة نارا لم ينفعك هذا النفي ولم يكن هذا مانعا من الستحالة إلى نوع ثالث ومن‬
‫الستحالة والفساد كما ذكرته في اختلط الكثيفين فإنه معلوم أن ما خالطته النار‬
‫واتحدت به غيرته وأحالته وأفسدت صورته الولى والنار الملتحمة به ليست نارا‬
‫محضة ‪ #‬ومعلوم أيضا أن الجمرة التي ضربتها مثل للمسيح فقلت إن ال وعيسى‬
‫اتحدا كاتحاد النار والحديد حتى صارا جمرة فمعلوم أن الجمرة إذا ضربت‬
‫بالمطرقة أو وضعت في الماء أو مدت فإن هذه الفعال تقع بالمجموع ل تقع على‬
‫حديدة بل نار ول نار بل حديدة ‪ #‬فيلزم من ذلك أن يكون ما حل بالمسيح من‬
‫ضرب وبصاق في الوجه ووضع الشوك على الرأس ومن أكل وشرب وعبادة ومن‬

‫‪467‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪468‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مشي وركوب ومن حمل وولدة وغير ذلك مما حل بالمسيح ومن موت إما متقدم‬
‫وإما متأخر إذا نزل إلى الرض ومن صلب على قولهم أن يكون جميع ذلك حل‬
‫بالمسيح الذي هو عندهم إله تام وإنسان تام من غير فرق بين لهوته ول ناسوته كما‬
‫يكون ما يحل بجمرة النار من حمل ووضع وطرق بالمطرقة ومد وتصوير بشكل‬
‫مخصوص وإلقاء في الماء وغير ذلك حال بمجموع الجمرة ل يقول عاقل إن ذلك‬
‫يحل بالحديد دون النار بل هو حال بالجمرة المستحيلة من حديدة ونار ومن خشبة‬
‫ونار وليست حديدة محضة‬

‫ول نارا محضة ول مجموع حديد محض ونار محضة بل جوهر ثالث مستحيل من‬
‫حديد ونار كسائر ما يستحيل بالتحاد والختلط إلى حقيقة ثالثة ‪ #‬فل فرق بين‬
‫الشيئين إذا اتحدا واختلطا وصارا شيئا واحدا من أن يكونا كثيفين أو يكون أحدهما‬
‫كثيفا والخر لطيفا ل بد في ذلك كله أن يحصل لكل منهما من التغير والستحالة ما‬
‫يوجب التحاد وأن يكون المتحد المختلط المركب منهما شيئا ثالثا ليس هو احدهما‬
‫فقط ول هو مجموع كل منهما على حاله ‪ #‬فقولهم إنه مع التحاد إنسان تام وإله تام‬
‫كلم فاسد معلوم الفساد بصريح العقل ‪ #‬وكلما ضربوا له مثل كان المثل حجة على‬
‫فساد قولهم بل مع التحاد ليس بإنسان تام ول إله تام لكنه شيء ثالث مركب من‬
‫إنسان استحال وتغير وإله استحال وتغير ‪ #‬وإذا كان كل من هذين باطل بل إنسانية‬
‫المسيح باقية تامة كما كانت لم تستحل ولم تتغير ورب العالمين باق بصفات كماله لم‬
‫يستحل ولم يتصف بشيء من خصائص المخلوقات ول استحال عما كان عليه قبل‬
‫ذلك كان قولهم ظاهر الفساد‬

‫فهذا مثلهم الثاني الذي ضربوه ل حيث شبهوا المسيح أو ال مع النسان بالنفس ‪#‬‬
‫مع الجسد وشبهوه بالنار مع الحديد وهذا المثل أشد فسادا وأظهر ‪ #‬وأما المثل‬
‫الثالث وهو تمثيل ذلك بالشمس مع الماء والطين فهو أشد فسادا فإنهم قالوا كما تقدم‬
‫ومثل الشمس المخالطة للماء والطين وكل رطوبة وحمأة فهي ل تتغير ول تستحيل‬
‫عن نورها وبقائها وضوئها مع مخالطتها كل سواد ووسخ ونتن ونجس ‪ #‬فيقال أما‬
‫جرم الشمس الذي في السماء فلم يخالط شيئا من الماء والطين ول اتحد به ول حل‬
‫فيه بوجه من الوجوه بل بينهما من البعد ما ل يقدر قدره إل ال وال تعالى أجل‬
‫وأعظم وأبعد من مخالطة النسان من الشمس للماء والطين ‪ #‬فإذا كانت الشمس‬
‫نفسها لم تتحد ولم تختلط ول حلت في الماء والطين بل ول بغيرها من المخلوقات‬
‫فرب العالمين أولى أن ينزه عن التحاد والختلط والحلول بشيء من المخلوقات ‪#‬‬
‫ولكن شعاع الشمس حل بالماء والطين والهواء وغير ذلك مما يقوم به الشعاع كما‬
‫يحل شعاع النار في الرض والحيطان وإن كان نفس جرم النار القائم بنفسه الذي‬
‫في ذبالة المصباح هو جوهر قائم بنفسه لم تحل ذاته في شيء من تلك المواضع‬

‫ولفظ الضياء والنور ونحو ذلك يراد به الشيء بنفسه المستنير كالشمس والقمر ‪#‬‬
‫وكالنار قال تعالى ‪ ^ #‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ^ ‪ #‬وقال ^‬

‫‪468‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪469‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وجعلنا سراجا وهاجا ^ ‪ #‬وسمى سبحانه الشمس سراجا وضياء لن فيها مع‬
‫النارة والشراق تسخينا وإحراقا فهي بالنار أشبه بخلف القمر فإنه ليس فيه مع‬
‫النارة تسخينا فلهذا قال ^ جعل الشمس ضياء والقمر نورا ^ ‪ #‬والمقصود هنا أن‬
‫لفظ الضياء والنور ونحو ذلك يراد به الشيء المستنير المضيء القائم بنفسه‬
‫كالشمس والقمر والنار ويراد به الشعاع الذي يحصل بسبب ذلك في الهواء‬
‫والرض وهذا الثاني عرض قائم بغيره ليس هو الول ول صفة قائمة بالول ولكنه‬
‫حادث بسببه ‪ #‬فالشعاع الذي هو الضوء والنور الحاصل على الماء والطين والهواء‬
‫وغير ذلك هو عرض قائم بغيره وليس هو متحدا به البتة ‪ #‬فهذا المثل لو ضربته‬
‫النسطورية الذين يقولون إن الناسوت واللهوت جوهران بطبيعتين حل أحدهما‬
‫بالخر لكان تمثيل باطل فإن الشمس لم تحل بغيرها ول صارت مشيئتها ومشيئة‬
‫غيرها‬

‫واحدة كما تقوله النسطورية بل شعاعها حل بغيره والشعاع حادث وكائن عنها ‪#‬‬
‫فإذا قيل إن ما يكون عن الرب من نوره وروح قدسه وهداه وكلمه ومعرفته يحل‬
‫بقلوب أنبيائه والمؤمنين من عباده ومثل ذلك بحلول الشعاع بالرض كان أقرب إلى‬
‫العقول ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ال نور السماوات والرض مثل نوره كمشكاة فيها‬
‫مصباح المصباح في زجاجة ^ ‪ #‬قال أبي بن كعب مثل نوره في قلوب المؤمنين‬
‫بهذا ‪ #‬وكذلك إذا قيل نوره أو هداه أو كلمه وسمى ذلك روحا يحل في قلوب‬
‫المؤمنين فهو بهذا العتبار وال قد سمى ذلك روحا فقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أوحينا‬
‫إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ول اليمان ولكن جعلناه نورا نهدي‬
‫به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يلقي‬
‫^ الروح من أمره على من يشاء من عباده‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬أولئك كتب في قلوبهم اليمان وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬وما جاء ‪#‬‬
‫في الكتب المتقدمة من أن روح ال أو روح القدس يحل في النبياء والمؤمنين فهو‬
‫حق بهذا العتبار ‪ #‬وإذا قيل كلم ال يحل في قلوب القارئين فهو حق بهذا العتبار‬
‫‪ #‬وأما نفس ما يقوم بالرب فل يتصور أن يقوم هو نفسه بغير الرب بل ما يقوم‬
‫بالمخلوق من الصفات والعراض يمتنع أن يقوم هو نفسه بغيره ‪ #‬فيمتنع في‬
‫صفات الشمس القائمة بها من شكلها واستدارتها وما قام بها من نور أو غيره أن‬
‫يقوم بغيرها وكذلك ما قام بجرم النار من حرارة وضوء فل يقوم بغيرها بل إذا‬
‫جاورت النار هواء أو غير هواء حصل في ذلك المحل سخونة أخرى غير السخونة‬
‫القائمة بنفس النار تسخن الهواء الذي يجاورها كما تسخن القدر الذي يوقد تحتها‬
‫النار فيسخن ثم يسخن الماء الذي فيها مع أن سخونة النار باقية فيها وسخونة القدر‬
‫باقية فيها وسخونة الماء سخونة أخرى حصلت في الماء ليست واحدة من تينك وإن‬
‫كانت حادثة عنها وجنس السخونة يجمع ذلك كله‬

‫ولهذا ذكر المام أحمد عن السلف أنهم كرهوا أن يتكلم أحد في حلول كلم ال في ‪#‬‬

‫‪469‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪470‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العباد بنفي أو إثبات فإن لفظ الحلول لفظ مجمل يراد به معنى باطل ويراد به معنى‬
‫حق ‪ #‬وقد جاء في كلم النبياء لفظ الحلول بالمعنى الصحيح فتأوله من في قلبه‬
‫زيغ كالنصارى وأشباههم على المعنى الباطل وقابلهم آخرون أنكروا هذا السم‬
‫بجميع معانيه وكل المرين باطل ‪ #‬وقد قدمنا أن الناس يقولون أنت في قلبي أو‬
‫ساكن في قلبي وأنت حال في قلبي ونحو ذلك وهم ل يريدون أن ذاته حلت فيه ولكن‬
‫يريدون أن تصوره وتمثله وحبه وذكره حل في قلبه كما تقدم نظائر ذلك ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أن النسطورية لو شبهوا ما يدعونه من اتحاد وحلول بالشعاع مع‬
‫الطين كان تمثيلهم باطل فكيف بالملكية الذين هم أعظم باطل وضلل فقولهم ومثل‬
‫الشمس المخالطة للطين والماء وكل رطوبة وحمأة تمثيل باطل من وجوه ‪ #‬منها أن‬
‫الشمس نفسها لم تتحد ولم تحل بغيرها بل ذلك شعاعها ‪ #‬ومنها أن الشعاع نفسه لم‬
‫يتحد بالماء والطين ولكن حل به وقام به‬

‫ومنها أن ذلك عام في المخلوقات من وجه وبعباده المؤمنين من وجه ل يختص ‪#‬‬
‫المسيح به فالمخلوقات كلها مشتركة في أن ال خلقها بمشيئته وقدرته وأنه ل قوام‬
‫لها إل به فل حول ول قوة إل به وهي كلها مفتقرة إليه محتاجة إليه مع غناه عنها‬
‫ولهذا كانت من آيات ربوبيته وشواهد إلهيته ‪ #‬ومن سماها مظاهر ومجالي بمعنى‬
‫أن ذاته نفسها تظهر فيها فهو مفتر على ال ومن أراد بذلك أنه أظهر بها مشيئته‬
‫وقدرته وعلمه وحكمته فأراد بالمظاهر والمجالي ما يراد بالدلئل والشواهد فقد‬
‫أصاب ‪ #‬وكذلك إذا قال هي آثاره ومقتضى أسمائه وصفاته ‪ #‬وأما المؤمنون فإن‬
‫اليمان بال ومعرفته ومحبته ونوره وهداه يحل في قلوبهم وهو المثل العلى‬
‫والمثال العلمي فل اختصاص للمسيح بهذا وكذلك كلمه في قلوب عباده المؤمنين ل‬
‫اختصاص للمسيح بذلك ‪ #‬ومنها أن الشعاع لم يخالط الماء والطين ول يخالط شيئا‬
‫من العيان ول ينفذ فيه ول يتحد به بل يكون على سطحه الظاهر فقط لكن الشعاع‬
‫يسخن ما يحل فيه فإذا سخن ذلك سخن جوفه‬

‫بالمجاورة كما يسخن الماء بسخونة القدر من غير أن تكون النار خالطت القدر ول‬
‫الماء ‪ #‬فأين هذا من قولهم إن رب العالمين اتحد بابن امرأة فصار إلها تاما وإنسانا‬
‫تاما ‪ #‬وهل يقول عاقل إن الماء والطين صار شعاعا تاما وطينا تاما بل الطين طين‬
‫لكن أثر الشعاع فيه بتجفيفه لم يتحد به الشعاع ول نفذ فيه ول حل في باطنه ‪ #‬فهذا‬
‫المثل أبعد عن مذهبهم من تمثيلهم بالنار مع الحديد ومن تمثيلهم بالنفس مع الجسد‬
‫فإن هناك اتصال بباطن الحديد والبدن وهنا لم يتصل الشعاع إل بظاهر الطين‬
‫وغيره ‪ #‬وأيضا فالنفس جوهر قائم بنفسه والشعاع عرض وكذلك النار جوهر‬
‫فالشمس هنا لم تتحد ولم تحل بالطين بل شعاعها بل ول يوصف الطين باتحاده‬
‫بالشعاع ول باختلط الشعاع بباطنه ول بحلول الشمس نفسها فيه ‪ #‬وحينئذ فقول‬
‫القائل إن الشمس لم تتغير ولم تستحل عن نورها ونقائها وضوئها مع مخالطتها كل‬
‫وسخ ونتن ونجس إن أريد به نفس الشمس أو صفاتها القائمة بها فتلك لم تتحد‬
‫بغيرها ول حلت فيه ول قامت بغيرها ‪ #‬فإذا كانت الشمس كذلك ول المثل العلى‬

‫‪470‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪471‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فهو أولى أن ل يتحد بغيره ول يحل فيه ول يقوم به‬

‫وإن أريد فشعاعها فشعاها ليس هو الشمس فل ينفعهم التمثيل به فإنهم يقولون إن ‪#‬‬
‫ال نفسه اتحد بالمسيح والمسيح عندهم هو رب العالمين مع أنه إنسان تام فهو‬
‫عندهم إله تام إنسان تام والطين ليس بشعاع تام ول طين تام والشعاع نفسه ل يخالط‬
‫شيئا ولكن يقوم به وقيام العرض بالمحل غير مخالطته له فإن المخالطة تكون‬
‫باختلط كل من المرين بالخر كاختلط الماء بالطين ونحو ذلك ‪ #‬وأما ما يقوم‬
‫بالسطح الظاهر فليقال إنه مخالط بجميع الجزاء فل يقال للشعاع الذي على الجبال‬
‫والبحر إنه مخالط لجميع الجبال والبحر ول لشعاع النار إنه مخالط للحيطان وداخل‬
‫للرض وقد تقدم أنهم قسموا هذا الباب ثلثة أقسام ‪ #‬أحدها اختلط أحد الشيئين‬
‫بالخر كالماء والخمر ‪ #‬والثاني اتصال من غير اختلط كالماء والزيت والناء‬
‫الذي بعضه فضة وبعضه ذهب وقالوا إن هذا ل ينبغي أن يسمى اختلطا مع افتراق‬
‫الطبيعتين والقوامين مثل ما ل ينبغي أن يكون بين الماء والقلة التي هو فيها خلطة‬
‫لن طبيعة الفخار ليس بينها وبين الماء خلطة ‪ #‬وهذا الفرق موجود في الشعاع‬
‫والطين بل بينهما من الفرق‬

‫أشد مما بين الماء والقلة فإن الماء جرم قائم بنفسه وهذا عرض قائم بغيره والجسم‬
‫بالجسم أشبه من الجسم بالعرض ‪ #‬والله عندهم مخالط لجميع ناسوت المسيح لم‬
‫يخل جزء منه من اتحاد الله به فأين هذا من هذا ‪ #‬وإذا قيل إن الشعاع لم يستحل‬
‫عن نوره ونقائه وضوئه مع مخالطته كل سواد ووسخ ونتن ونجس لم يكن مثل‬
‫يطابقه مع أنه لم يخالط الشعاع غيره ‪ #‬ثم يقال إن أراد بما لم يتغير نفس الشعاع‬
‫القائم بالمحل فهذا ممنوع فإن الشعاع يتغير بتغير محله فيرى في الحمر أحمر وفي‬
‫السود أسود وفي الزرق أزرق حتى أن الزجاج المختلف اللوان إذا صار مطرحا‬
‫للشعاع ظهر الشعاع متلونا بتلون الزجاج فيرى أحمر وأزرق وأصفر ‪ #‬وقد‬
‫ضرب أهل اللحاد القائلون بوحدة الوجود وأن وجود الخالق هو وجود المخلوق ل‬
‫أمثال باطلة شر من أمثال النصارى ولهم مثل السوء ول المثل العلى وكان مما‬
‫ضربوه ل من المثال أن شبهوه بالشعاع في الزجاج ‪ #‬فالعيان الثابتة في العدم‬
‫عندهم هي الممكنات ووجود الحق قاض عليها فشبهوا وجوده بالشعاع وأعيانهم‬
‫بالزجاج وهذا باطل من وجوه ‪ #‬منها أن القول بأن أعيان الممكنات ثابتة في العدم‬
‫قول باطل‬

‫ومنها أن قولهم إن وجود الخالق هو عين وجود المخلوق هو أيضا باطل ‪ #‬ومنها ‪#‬‬
‫أن حلول الشعاع بالزجاج يقتضي حلول أحدهما بالخر وهم ينكرون الحلول‬
‫ويقولون الوجود واحد ‪ #‬ومنها أن الشعاع الذي على نفس الزجاج ليس وجوده‬
‫وجود الزجاج وعندهم وجود الرب وجود الممكنات ‪ #‬ومنها أن الشعاع الحال بهذا‬
‫الزجاج ليس هو بعينه ذلك الشعاع الحال بالزجاج الخر وإن كان نظيره وهؤلء‬
‫عندهم أن الوجود واحد بالعين ل يتعدد ‪ #‬ومنها أن الشعاع عرض مفتقر إلى‬

‫‪471‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪472‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الزجاج فهو مفتقر إليه افتقار العرض إلى محله فيلزم إذا مثلوا به الرب أن يكون‬
‫الرب مفتقرا إلى كل ما سواه مع غنى كل ما سواه عنه وهذا قلب كل حقيقة وأعظم‬
‫كفر بالخالق تعالى فإنه سبحانه الغني عن كل ما سواه وكل ما سواه مفتقر إليه ‪#‬‬
‫وكل من قال بحلول ال في شيء من المخلوقات من النصارى وغيرهم يلزمهم أن‬
‫يكون مفتقرا إلى ما حل فيه فإنه ل حقيقة للحلول إل هذا ‪ #‬ولهذا كان ما حل بقلوب‬
‫المؤمنين من اليمان والهدى والنور والمعرفة مفتقرا إلى قلوب المؤمنين ول يقوم‬
‫إل بها‬

‫وجميع الصور الذهنية القائمة بالذهان مفتقرة إلى الذهان ل تقوم إل بها ‪#‬‬
‫والشعاع مفتقر إلى محله ل يقوم إل به وهكذا سائر النظائر ‪ #‬وهؤلء الذين شابهوا‬
‫النصارى وزادوا عليهم من الكفر بقولهم إن وجود الخالق وجود كل مخلوق وإنه‬
‫قائم بأعيان الممكنات يقولون إنه مفتقر إلى العيان في وجوده وهي مفتقرة إليه في‬
‫ثباتها فيجعلون الخالق محتاجا إلى كل مخلوق والمخلوق محتاجا إلى الخالق‬
‫ويصرحون بذلك كما يصرح بعض النصارى بأن اللهوت محتاج إلى الناسوت‬
‫والناسوت محتاج إلى اللهوت ‪ #‬ومعلوم أن ال غني عن كل ما سواه وكل ما سواه‬
‫فقير إليه من كل وجه فهو الصمد المستغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه ‪#‬‬
‫فمن قال إنه مفتقر إلى مخلوق بوجه ما فهو كاذب مفتر كافر فكيف بمن قال إنه‬
‫مفتقر إلى كل شيء ‪ #‬والمثل الذي ضربوه له يقتضي أن يكون مفتقرا إلى غيره‬
‫وغيره مستغن عنه كالمثل الذي ضربه النصارى له لما مثلوه بشعاع الشمس مع‬
‫محله فإن محل الشعاع مستغن عن الشعاع والشعاع مفتقر إلى محله ‪ #‬فمقتضى هذا‬
‫التمثيل أن الله محتاج إلى النسان والنسان‬

‫مستغن عن ال تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ ^ #‬تسبح له السماوات‬


‫السبع والرض ومن فيهن وإن من شيء إل يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم‬
‫^ إنه كان حليما غفورا‬

‫فصل ‪ #‬وهذا الذي قد ذكره هذا البترك سعيد بن البطريق المعظم عند النصارى‬
‫المحب لهم المتعصب لهم في أخبارهم التي بين بها أحوالهم في دينهم معظما لدينهم‬
‫مع ما في بعض الخبار من زيادة فيها تحسين لما فعلوه وكثير من الناس ينكر ذلك‬
‫ويكذبه مثل ما ذكره من ظهور الصليب ومن مناظرة أريوس وغير ذلك فإن كثيرا‬
‫من الناس يخالفه فيما ذكر ويذكر أن أمر ظهور الصليب كان بتدليس وتلبيس وحيلة‬
‫ومكر ويذكر أن أريوس لم يقل قط إن المسيح خالق ‪ #‬ولكن المقصود أنه إذا صدق‬
‫هذا فيما ذكره فإنه بين أن عامة الدين الذي عليه النصارى ليس مأخوذا عن المسيح‬
‫بل هو مما ابتدعه طائفة منهم وخالفهم في ذلك آخرون وأنه كان بينهم من العداوة‬
‫والختلف في إيمانهم وشرائعهم ما يصدق قوله تعالى ‪ ^ #‬ومن الذين قالوا إنا‬
‫نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى‬

‫‪472‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪473‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا يصنعون‬

‫والنصارى يقرون بما ذكره هذا البترك أن أول ملك أظهر دين النصارى هو ‪#‬‬
‫قسطنطين وذلك بعد المسيح بأكثر من ثلثمائة سنة وهو نصف الفترة التي بين‬
‫المسيح ومحمد صلى ال عليهما وسلم فإنها كانت ستمائة سنة أو ستمائة وعشرين ‪#‬‬
‫وإذا كان النصارى مقرين بأن ما هم عليه من اليمان صنعه طائفة منهم مع مخالفة‬
‫آخرين لهم فيه ليس منقول عن المسيح وكذلك ما هم عليه من تحليل ما حرمه ال‬
‫ورسوله وكذلك قتال من خالف دينه وقتل من حرم الخنزير مع أن شريعة النجيل‬
‫تخالف هذا وكذلك الختان وكذلك تعظيم الصليب ‪ #‬وقد ذكروا مستندهم في ذلك أن‬
‫قسطنطين رأى صورة صليب كواكب ‪ #‬ومعلوم أن هذا ل يصلح أن ينبني عليه‬
‫شريعة فإن مثل هذا يحصل للمشركين عباد الصنام والكواكب ما هو أعظم منه‬
‫وبمثل هذا بدل دين الرسل وأشرك الناس بربهم وعبدوا الوثان فإن الشيطان يخيل‬
‫هذا وأعظم منه ‪ #‬وكذلك الزار الذي رآه من رآه والصوت الذي سمعه هل يجوز‬
‫لعاقل أن يغير شرع ال الذي بعثت به رسله بمثل هذا الصوت والخيال الذي يحصل‬
‫للمشركين عباد الكواكب والصنام ما هو أعظم منه مع أن هذا الذي ذكروه عن‬
‫بطرس رئيس الحواريين ليس فيه‬

‫تحليل كل ما حرم بل قال ما طهره اللة فل تنجسه وما نجسه ال في التوراة فقد‬
‫نجسه ولم يطهره إل أن ينسخه المسيح والحواري لم يبح لهم الخنزير وسائر‬
‫المحرمات إن كان قوله معصوما كما يظنون ‪ #‬والمسيح لم يحل كل ما حرمه ال‬
‫في التوراة وإنما أحل بعض ما حرم عليهم ولهذا كان هذا من الوصاف المؤثرة في‬
‫قتال النصارى كما قال تعالى ‪ ^ #‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول‬
‫يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى‬
‫يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ^ ‪ #‬وقد ذكر من لعن بعض طوائف النصارى‬
‫لبعض في مجامعهم السبعة وغير مجامعهم ما يطول وصفه ويصدق قوله تعالى ‪#‬‬
‫^ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ^ ‪ #‬وحينئذ فقول هؤلء من‬
‫خالفنا لعناه كلم ل فائدة فيه فإن كل طائفة منهم لعنة ملعونة ‪ #‬فليس في لعنتهم‬
‫لمن خالفهم إحقاق حق ول إبطال باطل وإنما يحق الحق بالبراهين واليات التي‬
‫جاءت بها الرسل كما قال تعالى ‪ ^ #‬كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين‬
‫مبشرين ومنذرين وأنزل معهم‬

‫الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من‬
‫بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى ال الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق‬
‫بإذنه وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ^ ‪ #‬وقد تقدم ما ذكره سعيد بن‬
‫البطريق من أخبارهم أنه كان يأتي البترك العظيم منهم إلى كنيسة مبنية لصنم من‬
‫الصنام يعبده المشركون فيحتال حتى يجعلهم يعبدون مكان الصنم مخلوقا أعظم منه‬
‫كملك من الملئكة أو نبي من النبياء كما كان بالسكندرية للمشركين كنيسة فيها‬

‫‪473‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪474‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صنم اسمه ميكائيل فجعلها النصارى كنيسة باسم ميكائيل الملك وصاروا يعبدون‬
‫الملك بعد أن كانوا يعبدون الصنم ويذبحون له ‪ #‬وهذا نقل لهم من الشرك بمخلوق‬
‫إلى الشرك بمخلوق أعلى منه أولئك كانوا يبنون الهياكل ويجعلون فيها الصنام‬
‫بأسماء الكواكب كالشمس والزهرة وغير ذلك ‪ #‬فنقلهم المبتدعون من النصارى إلى‬
‫عبادة بعض الملئكة أو بعض النبياء ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬ما كان لبشر أن يؤتيه‬
‫ال الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون ال ولكن كونوا‬
‫ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ول يأمركم أن تتخذوا الملئكة‬
‫^ والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فل يملكون كشف الضر عنكم ‪#‬‬
‫ول تحويل أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته‬
‫^ ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا‬

‫فصل ‪ #‬وقد حصل بما ذكرناه الجواب عن قولهم وعلى هذا المثال نقول في السيد‬
‫المسيح طبيعتان طبيعة لهوتية التي هي طبيعة كلمة ال وروحه وطبيعة ناسوتية‬
‫التي أخذت من مريم العذراء واتحدت به ‪ #‬وعرف أن هذا قول من أقوال النصارى‬
‫وأن لهم أقوال أخر تناقض هذا ‪ #‬وكل فريق منهم يكفر الخر إذ كانوا ليسوا على‬
‫مقالة تلقوها عن المسيح والحواريين بل هي مقالت ابتدعها من ابتدعها منهم فضلوا‬
‫بها وأضلوا كما قال تعالى ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم غير الحق ول‬
‫تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ^ ‪#‬‬
‫فذكر سبحانه أنهم أضلوا من قبل مبعث محمد‬

‫والنصارى أمة يلزمهم الضلل الذي أصله الجهل ‪ #‬ول يوجد قط من هو ‪#‬‬
‫نصراني باطنا وظاهرا إل وهو ضال جاهل بمعبوده وبأصل دينه ل يعرف من يعبد‬
‫ول بماذا يعبد مع اجتهاد من يجتهد منهم في العبادة والزهد ومكارم الخلق ‪ #‬ثم‬
‫يقال على هؤلء قولهم طبيعتان ويقولون أيضا له مشيئتان ويقولون أيضا إنه شخص‬
‫لم يزد عدده فإنهم يقولون إنهما اتحدا كما ذكروه في كتابهم هذا ل يقولون بشخصين‬
‫لئل يلزمهم القول بأربعة أقانيم ‪ #‬ومنهم من يقول هما جوهران ومنهم من يقول‬
‫جوهر واحد ‪ #‬فإن قالوا هو جوهر واحد صار قولهم من جنس قول اليعقوبية ل‬
‫سيما وهم يقولون إن مريم ولدت اللهوت والناسوت وإن المسيح اسم يجمع‬
‫اللهوت والناسوت وهو إله تام وإنسان تام ‪ #‬فإذا كان جوهرا واحدا لزم من ذلك‬
‫أن يكون اللهوت قد استحال وتغير وكذلك الناسوت فإن الثنين إذا صارا شيئا‬
‫واحدا فذلك الشيء الثالث ليس هو إنسانا محضا ول إلها محضا بل اجتمعت فيه‬
‫النسانية واللهية مع أنه قد كان النسان والله اثنين‬

‫متباينين وهما في اصطلحهم جوهران فإذا صار الجوهران جوهرا واحدا ل‬

‫‪474‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪475‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جوهرين فقد لزم ضرورة أن يكون هذا الثالث ليس هو إلها محضا ول إنسانا‬
‫محضا ول جوهران إنسانا وإلها فإن هذين جوهران ل جوهر واحد بل هو شيء‬
‫ثالث اختلط وامتزج واستحال من هذا وهذا فتبدلت حقيقة الهوت وحقيقة الناسوت‬
‫حتى صار هذا الجوهر الثالث الذي ليس لهوتا محضا ول ناسوتا محضا كسائر ما‬
‫يعرف من التحاد ‪ #‬فإن كل اثنين اتحدا فصارا جوهرا واحدا فل بد في ذلك من‬
‫الستحالة كما في اتحاد الماء واللبن والخمر وسائر ما يختلط بالماء بخلف الماء‬
‫والزيت فإنهما جوهران كما كانا لكن الزيت لصق بالماء وطفا عليه لم يتحد به‬
‫ومثل اختلط النار والحديد فإن الحديد استحال عما كان ولهذا إذا برد عاد إلى ما‬
‫كان وهكذا اتحاد الهواء مع الماء والتراب حتى يصير بخارا أو غبارا وأمثال ذلك‬
‫‪ #‬وفي الجملة فجميع ما يعرفه الناس من التحاد إذا صار الثنان واحدا وارتفعت‬
‫الثنوية فل بد من استحالة الثنين ‪ #‬وإذا قيل فيه طبيعة الثنين ومشيئة الثنين كما‬
‫في الماء واللبن قوة الماء وقوة اللبن ‪ #‬قيل ل بد مع ذلك أن تتغير كل قوة عما‬
‫كانت عليه‬

‫فتنكسر الخرى كما يعرف في سائر صور التحاد إذا اتحد هذا مع هذا كسر كل‬
‫منهما قوة الخر عما كانت عليه ‪ #‬كما إذا اتحد الماء البارد بالماء الحار انكسرت‬
‫قوة الحر وقوة البرد عما كانت فيبقى المتحد مرتبة متوسطة بين البرد المحض‬
‫والحر المحض ‪ #‬وكذلك الماء واللبن وسائر صور التحاد وعلى هذا فيجب إذا‬
‫اتحد أن تتغير قوة اللهوت وطبيعته ومشيئته عما كانت وتنكسر قوة الناسوت‬
‫وطبيعته ومشيئته عما كانت عليه ويبقى هذا المتحد ممتزجا من لهوت وناسوت‬
‫وذلك يستلزم نقص اللهوت عما كان وبطلن كماله كما أنه يوجب من كمال‬
‫الناسوت ما لم يكن ‪ #‬فكل ما يصفون به الناسوت من اتحاد اللهوت به فهو مستلزم‬
‫من نقص اللهوت وسلب كماله الذي يختص به وبطلن صفاته التامة بحسب ما‬
‫حصل له من ذلك الناسوت بحكم التحاد وإل فإن كان اللهوت كما كان فل اتحاد‬
‫بوجه من الوجوه بل الناسوت كما كان ‪ #‬ثم هما اثنان لم يتحد أحدهما بصاحبه ول‬
‫صارا شيئا واحدا ‪ #‬وأيضا فمع كون الجوهر واحدا يجب أن تكون مشيئته واحدة‬
‫وطبيعته واحدة فإنه لو كان مشيئتين لكان محل إحدى المشيئتين إن كان هو محل‬
‫الخرى مع تضاد موجب المشيئتين لزم اجتماع‬

‫الضدين في محل واحد ‪ #‬فإن الرادة الناسوتية تطلب الكل والشرب وأن تعبد‬
‫وتصوم وتصلي ‪ #‬واللهوتية توجب امتناعه من إرادة هذه الشياء ‪ #‬وإرادته أن‬
‫يخلق ويرزق ويدبر العالم والناسوتية تمتنع من هذه الرادة ‪ #‬فإذا قامت الرادتان‬
‫والكراهتان بمحل واحد لزم أن يكون ذلك الجوهر الموصوف بهذا وهذا مريدا‬
‫للشيء ممتنعا من إرادته غير مريد له كارها للشيء غير كاره له وذلك جمع بين‬
‫النقيضين من وجوه متعددة ‪ #‬ويمتنع أن يقوم بالموصوف الواحد إرادتان جازمتان‬
‫بالشيء ونقيضه أو كراهتان جازمتان للشيء أو نقيضه والفعل ل يقع إل بإرادة‬
‫جازمة مع القدرة فاللهوت ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ومتى شاء شيئا مشيئة‬

‫‪475‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪476‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جازمة فإنه على ما شاء قادر ‪ #‬والناسوت ل يفعل شيئا من خصائص البشرية حتى‬
‫يريد ذلك إرادة جازمة ‪ #‬والناسوت يمتنع أن يريد إرادة اللهوت ويكره ذلك‬
‫فيصير الشيء الواحد مريدا للشيء إرادة جازمة قادرا عليه ليس مريدا له إرادة‬
‫جازمة بل هو عاجز عنه‬

‫ويلزم أيضا إذا كانا جوهرا واحدا وقد ولد وصفع وضرب وصلب ومات وتألم ‪#‬‬
‫أن يكون نفس اللهوت ضرب وصلب ومات وتألم كما تقوله اليعقوبية وهذا لزم‬
‫لجميع النصارى وهو موجب عقيدة إيمانهم ‪ #‬فإن قالوا بل هما جوهران مع كونهما‬
‫عندهم شخصا واحدا ل تعدد فيه كما يقوله من يقوله من الملكية كان هذا كلما‬
‫متناقضا فإن الشخص الواحد الذي ل تعدد فيه جوهر واحد ولهذا حد بأنه جسم ‪#‬‬
‫وإن شبهوا ذلك بالنفس مع الجسد لزمهم المحدود ‪ #‬فإن النسان كما يقال فيه إنه‬
‫شخص واحد يقال إنه جوهر واحد بما بينهما من التحاد ولهذا يحد بأنه جسم‬
‫حساس تام متحرك بالرادة ناطق هذا يتناول جسده وروحه وللنفس والبدن مشيئة‬
‫واحدة ‪ #‬ومتى شاء النسان الفعل مشيئة جازمة مع قدرته عليه فعله ولم يكن معه‬
‫جوهر آخر له مشيئة غير مشيئته ‪ #‬فإذا شبهوا اتحاد اللهوت بالناسوت بهذا لزمهم‬
‫أن يكونا جوهرا واحدا ومشيئة واحدة وهذا قول اليعقوبية ‪ #‬ولهذا تألم النفس بما‬
‫يحدث في الجسد من اللم ويتألم‬

‫الجسم الذي هو القلب الصنوبري بما يحدث في النفس من اللم ‪ #‬فإذا تألمت النفس‬
‫تألم قلب الجسد وغير قلب الجسد وكذلك إذا تألم الجسد وإذا صفع الجسد وصلب‬
‫وبصق في وجهه ووضع الشوك عليه وتألم ومات كان ذلك كله حال بالنفس ونالها‬
‫منه إهانة الصفع وألم النزع ما ينالها كما يسلمون ل أنه حل بنفس المسيح وبدنه‬
‫فإنهم ل يتنازعون أن الله حل ببدن المسيح ونفسه وإنما يتنازعون في اللهوت مع‬
‫أن النفس مفارقة للبدن بالموت ‪ #‬واللهوت عندهم لم يفارق الناسوت بالموت بل‬
‫صعد إلى السماء ‪ #‬والمسيح الذي هو إله تام وإنسان تام يقعد عن يمين أبيه وكذلك‬
‫يجيء يوم القيامة ‪ #‬وأيضا فالبدن إذا كانت فيه النفس تتغير صفاته وأحكامه‬
‫وتختلف أحواله باجتماعها وافتراقها والنفس إذا كانت في البدن تختلف صفاتها‬
‫وأحكامها ‪ #‬فيلزم أن يكون ناسوت المسيح مخالفا في الصفات والحكام لسائر‬
‫النواسيت وأن يكون اللهوت لما اتحد به تغيرت صفاته وأحكامه وهذا هو‬
‫الستحالة والتغير والتبدل للصفات مع أن ناسوت‬

‫المسيح كان من جنس نواسيت البشر لم يظهر عليه إل ما ظهر مثله على غيره بل‬
‫ظهر على غيره من خوارق العادات أكثر مما ظهر عليه ‪ #‬وبالجملة فأي مثل‬
‫ضربوه للتحاد كان حجة عليهم وظهر به فساد قولهم ‪ #‬وإن قالوا هذا أمر ل يعقل‬
‫بل هو فوق العقول كان الجواب من وجهين ‪ #‬أحدهما أنه يجب الفرق بين ما يعلم‬
‫العقل بطلنه وامتناعه وبين ما يعجز العقل عن تصوره ومعرفته ‪ #‬فالول من‬
‫محالت العقول والثاني من محارات العقول والرسل يخبرون بالثاني ‪ #‬وأما الول‬

‫‪476‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪477‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فل يقوله إل كاذب ولو جاز أن يقول هذا لجاز أن يقال إن الجسم الواحد يكون‬
‫أبيض أسود في حال واحدة وإنه بعينه يكون في مكانين وإن الشيء الواحد يكون‬
‫موجودا معدوما في حال واحدة وأمثال ذلك مما يعلم العقل امتناعه ‪ #‬وقول‬
‫النصارى مما يعلم بصريح العقل أنه باطل ليس هو مما يعجز عن تصوره ‪#‬‬
‫يوضح هذا أنه لو قال قائل في مريم أم المسيح امرأة ال وزوجته وأنه نكحها نكاحا‬
‫عقليا كما يقولون إن المسيح ولده ولدة عقلية لم يكن هذا القول أفسد في العقل من‬
‫قولهم في المسيح كما‬

‫قد بسطناه في موضعه وهم يكفرون من يقول ذلك ويحتجون بالعقل على فساده ‪#‬‬
‫وإذا قال هذا فوق العقل لم يقبلوه وكذلك كل طائفة من طوائفهم احتجت على‬
‫الخرى بالعقل وإذا قالوا قولنا فوق العقل لم يقبلوا هذا الجواب ‪ #‬فإن كان هذا‬
‫جوابا صحيحا فيجب أن ل يبحث في شيء من اللهيات بالعقل بل يقول كل مبطل‬
‫ما شاء من الباطل ويقول كلمي فوق العقل كما يقول أصحاب الحلول والتحاد‬
‫والوحدة الذين يقولون إن وجود الخالق وجود المخلوق ويقولون إن هذا فوق العقل‬
‫وإنه يعلم بالذوق ل بالسمع ول بالعقل ‪ #‬الوجه الثاني أن يقال ما يعجز العقل عن‬
‫تصوره إذا أخبرت به النبياء عليهم السلم قبل منهم لنهم يعلمون ما يعجز غيرهم‬
‫من معرفته ‪ #‬وهذه القوال لم يقل النبياء شيئا منها بل نفس فرق النصارى قالوها‬
‫بآرائهم وزعموا أنهم استنبطوها من بعض ألفاظ الكتب ‪ #‬فيقال لمن قالها منهم أنت‬
‫تتصور ما تقول أم ل تتصوره وتفهمه وتعقله‬

‫فإن قال ل أتصور ما أقول ول أفقهه ول أعقله قيل له فقد قلت على ال ما ل تعلم ‪#‬‬
‫وقفوت ما ليس لك به علم ‪ #‬ومن أعظم القبائح المحرمة في جميع الشرائع أن يقول‬
‫النسان برأيه على ال قول ل يتصوره ول يفهمه ‪ #‬وجميع العقلء يعلمون أن من‬
‫قال قول وهو ل يتصوره ول يفقهه فإن قوله مردود عليه غير مقبول منه وإن قوله‬
‫من الباطل المذموم ‪ #‬وإن قال قائلهم إني أفقه ما أقول وأتصوره وأعقله قيل له بينه‬
‫لغيرك حتى يفقهه ويعقله ويتصوره ول تقل هو فوق العقل بل هو قول قد عقلته‬
‫وفقهته وهذا تقسيم ل محيد لهم عنه ‪ #‬فإنهم إن كانوا يفقهون ما يقولون ويعقلونه‬
‫لزم أن يكون معقول ‪ #‬وإن كانوا ل يفقهونه ول يعقلونه لزم أنهم قالوا على ال ما‬
‫ل يفقهونه ول يعقلونه قول برأيهم وعقلهم ل نقل للفاظ النبياء فإن من نقل ألفاظ‬
‫النبياء الثابتة عنهم لم يكن عليه أن يفقه ويعقل ما يقول ‪ #‬ولهذا قال النبي نضر ال‬
‫امرءا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل‬
‫فقه إلى من هو أفقه منه فقد يحفظ الرجل كلما فيبلغه غيره وهو ل يفقه معناه ول‬
‫يعقله‬

‫فمن نقل لفظ التوراة أو النجيل أو القرآن أو ألفاظ سائر النبياء لم نطالبه ببيان ‪#‬‬
‫معناه ‪ #‬بخلف من ادعى أنه فهم ما قاله النبياء وعبر عن ذلك بعبارة أخرى فإنه‬
‫يقال له إن كنت فهمت ما قالوه فهو معنى واحد عبروا عنه بعبارة وعبرت عنه‬

‫‪477‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪478‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بعبارة أخرى كالترجمان فهذا يعقل ما يقول ويفقهه ‪ #‬وإن قال إني لم أفهم كلمهم‬
‫أو لم أفهم ما قلته فقد اعترف بجهله وضلله وأنه من الذين لم يفهموا كلم النبياء‬
‫عليهم السلم ولم يفقهوا ما قالوه هم ‪ #‬فلو قالوا لم نفهم كلم النبياء وسكتوا لكانوا‬
‫أسوة أمثالهم من الجهال بمعاني كلم النبياء ‪ #‬وأما إذا وضعوا عبارة وكلما‬
‫ابتدعوه وأمروا الناس باعتقاده وقالوا هذا هو اليمان والتوحيد وقالوا إنا مع هذا ل‬
‫نتصور ما قلناه ول نفقهه ول نعقله فهؤلء من الذين يقولون على ال ما ل يعلمون‬
‫ويفترون على ال وعلى كتب ال وأنبياء ال بغير علم بل يقولون الكذب المفترى‬
‫والكفر الواضح ويقولون مع ذلك إنا ل نعقله وهذا حال النصارى بل ريب ‪ #‬وهذا‬
‫الموضع غلط فيه طائفتان من الناس غالية غلت في‬

‫المعقولت حتى جعلت ما ليس معقول من المعقول وقدمته على الحس ونصوص‬
‫الرسول ‪ #‬وطائفة جفت عنه فردت المعقولت الصريحة وقدمت عليها ما ظنته من‬
‫السمعيات والحسيات ‪ #‬وهكذا الناس في السمعيات نوعان وكذلك هم في الحسيات‬
‫الباطنة والظاهرة نوعان ‪ #‬فيجب أن يعلم أن الحق ل ينقض بعضه بعضا بل‬
‫يصدق بعضه بعضا ‪ #‬بخلف الباطل فإنه مختلف متناقض كما قال تعالى في‬
‫المخالفين للرسل ‪ ^ #‬والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك‬
‫^ ‪ #‬وإن ما علم بمعقول صريح ل يخالفه قط ل خبر صحيح ول حس صحيح ‪#‬‬
‫وكذلك ما علم بالسمع الصحيح ل يعارضه عقل ول حس ‪ #‬وكذلك ما علم بالحس‬
‫الصحيح ل يناقضه خبر ول معقول ‪ #‬والمقصود هنا الكلم مع من يعارض‬
‫المعقولت بسمع أو حس ‪ #‬فنقول لفظ المعقول يراد به المعقول الصريح الذي‬
‫يعرفه الناس بفطرهم التي فطروا عليها من غير أن يتلقاه بعضهم عن بعض‬

‫كما يعلمون تماثل المتماثلين واختلف المختلفين أعني اختلف التنوع ل اختلف‬
‫التضاد والتباين فإن لفظ الختلف يراد به هذا وهذا ‪ #‬وهذه المعقولت في‬
‫العلميات والعمليات هي التي ذم ال من خالفها بقوله ‪ ^ #‬وقالوا لو كنا نسمع أو‬
‫نعقل ما كنا في أصحاب السعير ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم‬
‫قلوب يعقلوب بها أو آذان يسمعون بها ^ ‪ #‬وأما ما يسميه بعض الناس معقولت‬
‫ويخالفه فيه كثير من العقلء مثل القول بتماثل الجسام وبقاء العراض وأن‬
‫الجسام مركبة من الجواهر المنفردة التي ل تقبل القسمة أو من المادة والصورة‬
‫وأن ما ل يتناهى من المور المتعاقبة شيئا بعد شيء يمتنع وجوده إما في الماضي‬
‫والمستقبل أو في الماضي فقط أو أن الكليات موجودة في الخارج جواهر قائمة‬
‫بأنفسها أو أن لنا دهرا أو مادة هي جوهر عقلي قائم بنفسه أو أنه يمكن وجود جوهر‬
‫قائم بنفسه ل يشار إليه ونحو ذلك مما يعده من يعده من النظار أنه عقليات‬

‫وينازعهم فيه آخرون ‪ #‬فليس هذا هو العقليات التي ل يجب لجلها رد الحس‬
‫والسمع وتبنى عليها علوم بني آدم بل المعقولت الصحيحة الدقيقة الخفية ترد إلى‬
‫معقولت بديهية أولية بخلف العقليات الصريحة مثل كون الجسم الواحد ل يكون‬

‫‪478‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪479‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في مكانين في وقت واحد معا فإن هذا معلوم بفطرة ال التي فطر الناس عليها ‪#‬‬
‫فإذا جاء في الحس أو الخبر الصحيح ما يظن أنه يخالف ذلك مثل أن يرى الشخص‬
‫الواحد في عرفات وهو في بلده لم يبرح أو يرى قاعدا في مكانه وهو في مكان آخر‬
‫أو يرى أنه أغاث من استغاث به أو جاء طائرا في الهواء مع العلم بأنه في مكانه لم‬
‫يتغير منه فهذا إنما هو جني تصور بصورة ذلك الشخص ليس هو نفسه فهذا يشبهه‬
‫ليس هو إياه ‪ #‬والحسيات إن لم يميز بينها بالعقل وإل فالحس يغلط كثيرا فكذلك من‬
‫ادعى فيما حصل له من المكاشفة والمخاطبة أمرا يخالف صريح العقل يعلم أنه‬
‫غالط فيه كمن قال من القائلين بوحدة الوجود إني أشهد بباطني وجودا مطلقا مجردا‬
‫عن السماء والصفات‬

‫ل اختصاص فيه ول قيد البتة فل يتنازع في هذا كما قد ينازعه بعض الناس ‪ #‬لكن‬
‫يقال له من أين لك أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السماوات والرض فإن كون‬
‫ما شهدته بقلبك هو ال أمر ل يدرك بحس القلب وإذا ادعيت أنه حصل لك في‬
‫الكشف ما يناقض صريح العقل علم أنك غالط كما قال شيخ هؤلء الملحدة‬
‫التلمساني ‪ % #‬يا صاحبي أنت تنهاني وتأمرني ‪ %‬والوجد أصدق نهاء وأمار ‪%‬‬
‫‪ % #‬فإن أطعك وأعص الوجد عدت عما ‪ %‬عن العيان إلى أوهام أخبار ‪% # %‬‬
‫‪ %‬وعين ما أنت تدعوني إليه إذا ‪ %‬حققت فيه تراه النهي يا جار‬
‫فيقال له وجدك وذوقك لم يفدك إل شهود وجود مطلق بسيط لكن من أين لك أن ‪#‬‬
‫هذا هو رب العالمين بل من أين لك أن هذا ثابت في الخارج عن نفسك كليا مطلقا‬
‫مجردا بل إنما تشهده كليا مطلقا مجردا في نفسك ‪ #‬ولست تعلم بحس ول عقل ول‬
‫خبر أن هذا هو في الخارج ‪ #‬كما أن النائم إذا شهد حسه الباطن أشياء لم يكن معه‬
‫يقين أن هذا في الخارج ‪ #‬فإذا عاد إليه عقله علم أن هذا كان في خياله في المنام‬

‫وكذلك السكران وغيره ممن يضعف عقله فهذا يشهد بحسه الباطن أو الظاهر ‪#‬‬
‫أشياء وقد ضعف عقله عن كنه ذلك لما ورد عليه وإذا ثاب إليه عقله علم أن ما‬
‫شهده كان في نفسه وخياله ل في الخارج عن ذلك ‪ #‬فكل من أخبر بما يخالف‬
‫صحيح المنقول أو صريح المعقول يعلم أنه وقع له غلط وإن كان صادقا فيما يشهده‬
‫في الحس الباطن أو الظاهر لكن الغلط وقع في ظنه الفاسد المخالف لصريح العقل‬
‫ل في مجرد الحس فإن الحس ليس فيه علم بنفي أو إثبات ‪ #‬فمن رأى شخصا فليس‬
‫في الحس إل رؤيته ‪ #‬وأما كونه زيدا أو عمرا فهذا ل بد فيه من عقل يميز بين هذا‬
‫وهذا ولهذا كان الصغير والمجنون والبهيم والسكران والنائم ونحوهم لهم حس ولكن‬
‫لعدم العقل ل يميزون أن هذا المشهود هو كذا أم كذا بل قد يظنون ظنونا غير‬
‫مطابقة ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء‬
‫حتى إذا جاءه‬

‫لم يجده شيئا ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب ^ ‪ #‬فالظمآن يرى أن‬
‫ما ظنه ماء ولم يكن ماء لشتباهه بالماء والحس لم يغلط لكن غلط عقله ‪ #‬والنبياء‬

‫‪479‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪480‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صلوات ال عليهم وسلمه معصومون ل يقولون على ال إل الحق ول ينقلون عنه‬


‫إل الصدق ‪ #‬فمن ادعى في أخبارهم ما يناقض صريح المعقول كان كاذبا بل ل بد‬
‫أن يكون ذلك المعقول ليس بصريح أو ذلك المنقول ليس بصحيح ‪ #‬فما علم يقينا‬
‫أنهم أخبروا به يمتنع أن يكون في العقل ما يناقضه ‪ #‬وما علم يقينا أن العقل حكم به‬
‫يمتنع أن يكون في أخبارهم ما يناقضه ‪ #‬وقول أهل التحاد من النصارى وغيرهم‬
‫سواء ادعوا التحاد العام أو الخاص قد علم بصريح العقل بطلنه فيمتنع أن يخبر به‬
‫نبي من النبياء بل النبياء عليهم السلم قد يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ل‬
‫بما يعلم العقل بطلنه فيخبرون بمحارات العقول ل بمحالت العقول ‪ #‬ومن سوى‬
‫النبياء ليس معصوما فقد يغلط ويحصل له في كشفه وحسه وذوقه وشهوده أمور‬
‫يظن فيها ظنونا كاذبة‬

‫فإذا أخبر مثل هذا بشيء علم بطلنه بصريح العقل علم أنه غالط ‪ #‬وإذا أخبر ‪#‬‬
‫غير النبياء بما يعجز عقل كثير من الناس عن معرفته لم يلزم أن يكون صادقا ول‬
‫كاذبا بل ل نحكم بصدقه ول كذبه إل بدليل لحتمال أن يكون غالطا واحتمال أن‬
‫يكون قد علم ما يعجز غيره عن معرفته ‪ #‬وإذا قال القول المعلوم فساده بصريح‬
‫العقل من ليس بنبي وقال إن هذا فوق العقل أو هذا وراء طور العقل والنقل أو هذا‬
‫ل نعرفه إن لم نترك العقل والنقل أو قال ‪ % #‬هم معشر حلو النظام وأحرقوا ال‬
‫‪ %‬سياج فل فرض لديهم ول نفل ‪ % # %‬مجانين إل أن سر جنونهم ‪ %‬عزيز‬
‫‪ %‬على أبوابه يسجد العقل‬
‫قيل وهذا يمتنع أن يقوله نبي أو ينقله صادق عن نبي فإن أقوال النبياء ل ‪#‬‬
‫تناقض العقل الصريح فكيف يقبل هذا ممن ليس بنبي ‪ #‬وإن قال كما يقوله‬
‫النصارى أو غيرهم إن هذا دل عليه كلم النبياء أو فهمناه من كلم النبياء ‪ #‬قيل‬
‫لهم الكلم في معاني اللفاظ التي نطقت بها النبياء شيء والكلم الذي فهمتموه‬
‫عنهم شيء آخر‬

‫ولو قدر أن ما ذكرتموه أنتم أو غيركم فهمتموه من كلم النبياء ليس مخالفا ‪#‬‬
‫لصريح العقل لم نجزم بأن قائل ذلك يتصور ما قال بل قد يكون فهم من كلمهم ما‬
‫لم يريدوه ‪ #‬فكيف إذا كان هو نفسه لم يتصور ما قال بل هم معترفون بأنه غير‬
‫معقول له وهو ل يفهمه فكيف إذا كان الذي قاله معلوم الفساد بصريح العقل ‪ #‬فهذه‬
‫ثلث مقدمات لو فهمه ثم قال إني فهمت كلمه لم يكن فهمه حجة ‪ #‬فكيف إذا قال‬
‫إني لم أفهمه وإن هذا فوق طور العقل ‪ #‬ولو قال هذا لم يكن قوله حجة ولم يجب‬
‫تصديقه من أن النبياء عنوا بكلمهم المعنى الذي اعترف أنه فوق طور العقل‬
‫فكيف إذا عرف أن ذلك المعنى باطل يمتنع أن يقوله عاقل ل نبي ول غير نبي‬

‫فصل ‪ #‬قال الحاكي عنهم فقلت لهم إنهم يقولون لنا إذا كان اعتقادكم في الباري‬
‫تعالى أنه واحد فما حملكم على أن تقولوا أب وابن وروح قدس فتوهمون السامعين‬

‫‪480‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪481‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أنكم تعتقدون في ال ثلثة أشخاص مركبة أو ثلثة آلهة أو ثلثة أجزاء وأن له ابنا‬
‫ويظن من ل يعرف اعتقادكم أنكم تريدون بذلك ابن المباضعة والتناسل فتطرقون‬
‫على أنفسكم تهمة أنتم منها بريئون ‪ #‬قالوا وهم أيضا لما كان اعتقادهم في الباري‬
‫جلت عظمته أنه غير ذي جسم وغير ذي جوارح وأعضاء وغير محصور في‬
‫مكان فما حملهم على أن يقولوا إن له عينين يبصر بهما ويدين يبسطهما وساق‬
‫ووجهه يوليه إلى كل مكان وجنب وأنه يأتي في ظلل من الغمام فيوهمون السامعين‬
‫أن ال ذو جسم وذو أعضاء وجوارح وأنه ينتقل من مكان إلى مكان في ظلل من‬
‫الغمام فيظن من ل يعرف اعتقادهم أنهم يجسمون الباري حتى إن قوما منهم اعتقدوا‬
‫ذلك واتخذوه مذهبا ومن لم يتحقق اعتقادهم يتهمهم بما هم بريئون منه‬

‫قال فقلت لهم إنهم يقولون إن العلة في قولهم هذا أن ال له عينان ويدان ووجه ‪#‬‬
‫وساق وجنب وأنه يأتي في ظلل من الغمام فهو أن القرآن نطق به وأن ذلك غير‬
‫ظاهر اللفظ وكل من يحمل ذلك على ظاهر اللفظ ويعتقد أن ال له عينان ويدان‬
‫ووجه وجنب وجوارح وأعضاء وأن ذاته تنتقل فهم يلعنونه ويكفرونه فإذا كفروا من‬
‫يعتقد هذا فليس لمخالفيهم أن يلزموهم هذا بعد أن ل يعتقدوه ‪ #‬قالوا وكذلك نحن‬
‫أيضا النصارى العلة ف‬
‫ي قولنا إن ال ثلثة أقانيم أب وابن وروح قدس أن النجيل نطق به والمراد‬
‫بالقانيم غير الشخاص المركبة والجزاء والبعاض وغير ذلك مما يقتضي الشرك‬
‫والتكثير وبالب والبن غير أبوة وبنوة نكاح أو تناسل أو جماع أو مباضعة ‪ #‬وكل‬
‫من يعتقد أن الثلثة أقانيم ثلثة آلهة مختلفة أو ثلثة آلهة متفقة أو ثلثة أجسام مؤلفة‬
‫أو ثلثة أجزاء متفرقة أو ثلثة أشخاص مركبة أو أعراض أو قوى أو غير ذلك مما‬
‫يقتضي الشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه أو بنوة نكاح أو تناسل أو مباضعة أو‬
‫جماع أو ولدة زوجة أو من بعض الجسام أو من بعض الملئكة أو من بعض‬
‫المخلوقين فنحن نلعنه ونكفره ونجرمه ‪ #‬وإذا لعنا أو كفرنا من يعتقد ذلك فليس‬
‫لمخالفينا أن يلزمونا بعد أن ل نعتقده وإن ألزمونا الشرك والتشبيه لجل قولنا أب‬
‫وابن وروح‬

‫قدس لن ظاهر ذلك يقتضي التكثير والتشبيه ألزمناهم أيضا نحن التجسيم والتشبيه‬
‫لقولهم إن ال له عينان ويدان ووجه وساق وجنب وأن ذاته تنتقل من مكان إلى‬
‫مكان وأنه استوى على العرش من بعد أن لم يكن عليه وغير ذلك مما يقتضي‬
‫ظاهره التجسيم والتشبيه ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال من آمن بما جاءت‬
‫به الرسل وقال ما قالوه من غير تحريف للفظه ول معناه فهذا ل إنكار عليه بخلف‬
‫من ابتدع أقوال لم تقلها الرسل بل هي تخالف ما قالوه وحرف ما قالوه إما لفظا‬
‫ومعنى وإما معنى فقط فهذا يستحق النكار عليه باتفاق الطوائف ‪ #‬وأصل دين‬
‫المسلمين أنهم يصفون ال بما وصف به نفسه في كتبه وبما وصفته به رسله من‬
‫غير تحريف ول تعطيل ومن غير تكييف ول تمثيل بل يثبتون له تعالى ما أثبته‬
‫لنفسه وينفون عنه ما نفاه عن نفسه ويتبعون في ذلك أقوال رسله ويجتنبون ما خالف‬

‫‪481‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪482‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أقوال الرسل كما قال تعالى ‪ ^ #‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون ^ ‪ #‬أي عما‬
‫^ يصفه الكفار المخالفون للرسل ‪ ^ #‬وسلم على المرسلين‬

‫لسلمة ما قالوه من النقص والعيب ‪ ^ #‬والحمد ل رب العالمين ^ ‪ #‬فالرسل ‪#‬‬


‫وصفوا ال بصفات الكمال ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال ونزهوه عن أن‬
‫يكون له مثل في شيء من صفات الكمال وأثبتوا له صفات الكمال على وجه‬
‫التفصيل ونفوا عنه التمثيل فأتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل ‪ #‬فمن نفى عنه ما أثبته‬
‫لنفسه من الصفات كان معطل ومن جعلها مثل صفات المخلوقين كان ممثل‬
‫والمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬ليس كمثله شيء ^ ‪#‬‬
‫وهو رد على الممثلة ‪ ^ #‬وهو السميع البصير ^ ‪ #‬وهو رد على المعطلة‬

‫فوصفته الرسل بأنه حي منزه عن الموت عليم منزه عن الجهل قدير قوي عزيز ‪#‬‬
‫منزه عن العجز والضعف والذل واللغوب سميع بصير منزه عن الصم والعمى غني‬
‫منزه عن الفقر جواد منزه عن البخل حكيم حليم منزه عن السفه صادق منزه عن‬
‫الكذب إلى سائر صفات الكمال مثل وصفه بأنه ودود رحيم لطيف وقد قال تعالى ‪#‬‬
‫^ قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬فالصمد اسم‬
‫يتضمن إثبات صفات الكمال ونفي النقائص وهو العليم الكامل في علمه القدير‬
‫الكامل في قدرته الحكيم الكامل في حكمته ‪ #‬ولنا مصنف مبسوط في تفسير هذه‬
‫السورة وآخر في بيان أنها تعادل ثلث القرآن وذكرنا كلم علماء المسلمين من‬
‫الصحابة والتابعين في معنى الصمد وأن عامة ما قالوه حق كقول من قال‬

‫منهم إن الصمد الذي ل جوف له ومن قال منهم إنه السيد الذي انتهى سؤدده كما قيل‬
‫إنه المستغني عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه وكما قيل إنه العليم الكامل‬
‫في علمه والقدير الكامل في قدرته إلى سائر صفات الكمال ‪ #‬وذكر تعالى في هذه‬
‫السورة أنه أحد ليس له كفوا أحد فنفى بذلك أن يكون شيئا من الشياء له كفوا وبين‬
‫أنه أحد ل نظير له ‪ #‬وقال في آية أخرى ‪ ^ #‬فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له‬
‫سميا ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ليس كمثله شيء ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬فل تضربوا ل المثال ^ ‪#‬‬
‫وقال ‪ ^ #‬فل تجعلوا ل أندادا ^ ‪ #‬وما ورد في القرآن والسنة من إثبات صفات ال‬
‫فقد ورد في التوراة وغيرها من كتب ال مثل ذلك ‪ #‬فهو أمر اتفقت عليه الرسل‬
‫وأهل الكتاب في ذلك كالمسلمين‬

‫وإذا كان كذلك فهم في أمانتهم لم يقولوا ما قاله المسيح والنبياء بل ابتدعوا ‪#‬‬
‫اعتقادا ل يوجد في كلم النبياء فليس في كلم النبياء ل المسيح ول غيره ذكر‬
‫أقانيم ل ل ثلثة ول أكثر ول إثبات ثلث صفات ول تسمية شيء من صفات ال‬
‫ابنا ل ول ربا ول تسمية حياته روحا ول أن ل ابنا هو إله حق من إله حق من‬
‫جوهر أبيه وأنه خالق كما أن ال خالق إلى غير ذلك من القوال المتضمنة لنواع‬
‫من الكفر لم تنقل عن نبي من النبياء ‪ #‬فقالوا في شريعة إيمانهم نؤمن بال الب‬

‫‪482‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪483‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مالك كل شيء صانع ما يرى وما ليرى وهذا حق ‪ #‬ثم قالوا وبالرب الواحد يسوع‬
‫المسيح ابن ال الواحد بكر الخليق كلها مولود ليس بمصنوع إله حق من إله حق‬
‫من جوهر أبيه نور من نور مساو للب في الجوهر الذي بيده أتقنت العوالم وخلق‬
‫كل شيء الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد من‬
‫روح القدس ومن مريم العذراء البتول وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول‬
‫وتألم وصلب ودفن وقام في اليوم الثالث كما هو مكتوب وصعد إلى‬

‫السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الموات‬
‫والحياء ‪ #‬ونؤمن بروح القدس المحيي وروح الحق المنبثق من أبيه أو الذي خرج‬
‫من أبيه روح محييه ‪ #‬فأين في كلم النبياء أن شيئا من صفات ال أو من مخلوقاته‬
‫يقال فيه إنه أقنوم وإنه حق من إله حق من جوهر أبيه وإنه مساو ل في الجوهر‬
‫وإنه خالق خلق كل شيء وإنه قعد عن يمين ال فوق العرش وإنه الذي يقضي بين‬
‫الناس يوم القيامة ‪ #‬وأين في كلم النبياء أن ل ولدا قديما أزليا ‪ #‬ومن الذي سمى‬
‫كلم ال أو علمه أو حكمته مولودا له أو ابنا له أو شيئا من صفاته مولودا له أو ابنا‬
‫له ‪ #‬ومن الذي قال من النبياء إنه مولود وهو مع ذلك قديم أزلي ‪ #‬وأين في‬
‫كلمهم أن ل أقنوما ثالثا هو حياته ويسمى بروح القدس وأنه أيضا رب حي محيي‬
‫‪ #‬فلو كان النصارى آمنوا بنصوص النبياء كما آمن المؤمنون‬

‫لم يكن عليهم ملم ‪ #‬ومن اعترض على نصوص النبياء كان لفساد فهمه ونقص‬
‫معرفته ‪ #‬ولكن هم ابتدعوا أقوال وعقائد ليست منصوصة عن أحد من النبياء‬
‫عليهم السلم وفيها كفر ظاهر وتناقض بين ‪ #‬فلو قدر أنهم أرادوا بها معنى‬
‫صحيحا لم يكن لحد أن يبتدع كلما لم يأت به نبي يدل على الكفر المتناقض الذي‬
‫يخالف الشرع والعقل ويقول إني أردت به معنى صحيحا من غير أن يكون لفظه‬
‫دال على ذلك فكيف والمراد الذي يفسرون به كلمهم فاسد متناقض كما تقدم ‪ #‬فهم‬
‫ابتدعوا أقوال منكرة وفسروها بتفسير منكر فكان الرد عليهم من كل واحد من‬
‫الوجهين وهم في ذلك نظير بعض ملحدة المسلمين الذين يعتقدون إلهية بعض أهل‬
‫البيت أو بعض المشايخ ويصفون ال بصفات لم ينطق بها كتاب وهؤلء ملحدون‬
‫عند المسلمين ‪ #‬بخلف المؤمنين الذين آمنوا بال ورسله الذين آمنوا بما قالت‬
‫النبياء ولم يبتدعوا أقوال لم يأت بها النبياء وجعلوها أصل دينهم ‪ #‬الوجه الثاني‬
‫أن يقال ما ذكرتموه عن المسلمين كذب ظاهر عليهم ‪ #‬فهذا النظم الذي ذكروه ليس‬
‫هو في القرآن ول في الحديث‬

‫ول يعرف عالم مشهور من علماء المسلمين ول طائفة مشهورة من طوائفهم‬


‫يطلقون العبارة التي حكوها عن المسلمين حيث قالوا عنهم إنهم يقولون إن ل عينين‬
‫يبصر بهما ويدين يبسطهما وساقا ووجها يوليه إلى كل مكان وجنبا ‪ #‬ولكن هؤلء‬
‫ركبوا من ألفاظ القرآن بسوء تصرفهم وفهمهم تركيبا زعموا أن المسلمين يطلقونه‬
‫‪ #‬وليس في القرآن ما يدل ظاهره على ما ذكروه فإن ال تعالى قال في كتابه ‪^ #‬‬

‫‪483‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪484‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق‬
‫كيف يشاء ^ ‪ #‬واليهود أرادوا بقولهم يد ال مغلولة أنه بخيل فكذبهم ال في ذلك‬
‫وبين أنه جواد ل يبخل فأخبر أن يديه مبسوطتان كما قال ‪ ^ #‬ول تجعل يدك‬
‫مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ^ ‪ #‬فبسط اليدين‬
‫المراد به الجواد والعطاء ليس المراد ما توهموه من بسط مجرد ‪ #‬ولما كان العطاء‬
‫باليد يكون ببسطها صار من المعروف في اللغة التعبير ببسط اليد عن العطاء‬

‫فلما قالت اليهود يد ال مغلولة وأرادوا بذلك أنه بخيل كذبهم ال في ذلك وبين أنه ‪#‬‬
‫جواد ماجد ‪ #‬وإثبات اليدين له موجود في التوراة وسائر النبوات كما هو موجود‬
‫في القرآن ‪ #‬فلم يكن في هذا شيء يخالف ما جاءت به الرسل ول ما يناقض العقل‬
‫وقد قال تعالى لبليس ‪ ^ #‬ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ^ ‪ #‬فأخبر أنه خلق‬
‫آدم بيديه وجاءت الحاديث الصحيحة توافق ذلك ‪ #‬وأما لفظ العينين فليس هو في‬
‫القرآن ولكن جاء في حديث ‪ #‬وذكر الشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون‬
‫إن ل عينين ‪ #‬ولكن الذي جاء في القرآن ‪ ^ #‬ولتصنع على عيني ^ ‪ ^ #‬واصنع‬
‫^ الفلك بأعيننا ووحينا‬

‫وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا ^ ‪ #‬وأما قولهم له وجه يوليه ^ ‪#‬‬
‫إلى كل مكان فليس هذا في القرآن ولكن في القرآن ‪ ^ #‬كل من عليها فان ويبقى‬
‫وجه ربك ذو الجلل والكرام ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬كل شيء هالك إل وجهه له الحكم‬
‫وإليه ترجعون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ول المشرب والمغرب فأينما تولوا فثم وجه ال ^ ‪#‬‬
‫وهذا قد قال فيه طائفة من السلف فثم قبلة ال أي فثم جهة ال والجهة كالوعد والعدة‬
‫والوزن والزنة ‪ #‬والمراد بوجه ال وجهة ال الوجه والجهة والوجهة الذي ل‬
‫يستقبل في الصلة كما قال في أول الية ‪ ^ #‬ول المشرق والمغرب ^ ‪ #‬ثم قال ‪#‬‬
‫^ فأينما تولوا فثم وجه ال ^ ‪ #‬كما قال تعالى ‪ ^ #‬سيقول السفهاء من الناس ما‬
‫ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل ل المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى‬
‫^ صراط مستقيم‬

‫فإذا كان ل المشرق والمغرب ولكل وجهة هو موليها وقوله موليها أي متوليها أم ‪#‬‬
‫مستقبلها فهذا كقوله ^ فأينما تولوا فثم وجه ال أي فأينما تستقبلوا فثم وجهه ال وقد‬
‫قيل إنه يدل على صفة ال لكن يدل على أن ثم وجه ل وأن العباد أينما يولون فثم‬
‫وجه ال فهم الذين يولون ويستقبلون ل أنه هو يولي وجهه إلى كل مكان فهذا‬
‫تحريف منهم للفظ القرآن عن معناه وكذب على المسلمين ‪ #‬ومن قال بالقول الثاني‬
‫من المسلمين فإن ذلك يقتضي أن ال محيط بالعالم كله كما قد بسطت هذه المور‬
‫في غير هذا الموضع ‪ #‬إذ المقصود هنا بيان ضلل هؤلء في دينهم فيما ابتدعوا‬
‫من الكفر والتثليث والتحاد دون الذين آمنوا بال ورسله وما أخبرت به الرسل عن‬
‫ال تبارك وتعالى ‪ #‬وأما قولهم وجنب فإنه ل يعرف عالم مشهور عند المسلمين ول‬
‫طائفة مشهورة من طوائف المسلمين أثبتوا ل جنبا نظير جنب النسان وهذا اللفظ‬

‫‪484‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪485‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جاء في القرآن في قوله ‪ ^ #‬أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب ال‬
‫^ ‪ #‬فليس في مجرد الضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى ال‬

‫صفة له بل قد يضاف إليه من العيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة‬
‫له باتفاق الخلق كقوله تعالى ^ بيت ال ^ و ^ ناقة ال ^ و ^ عباد ال ^ بل وكذلك‬
‫^ روح ال ^ عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم ‪ #‬ولكن إذا أضيف إليه ما‬
‫هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلم ال وعلم ال ويد ال ونحو ذلك كان صفة‬
‫له ‪ #‬وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب النسان فإنه قال‬
‫‪ ^ #‬أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب ال ^ ‪ #‬والتفريط ليس في‬
‫شيء من صفات ال عز وجل ‪ #‬والنسان إذا قال فلن قد فرط في جنب فلن أو‬
‫جانبه ل يريد به أن التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص بل يريد به أنه‬
‫فرط في جهته وفي حقه ‪ #‬فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق ل يكون‬
‫ظاهره أن التفريط في نفس جنب النسان المتصل بأضلعه بل ذلك التفريط لم‬
‫يلصقه فكيف يظن أن ظاهره في حق ال أن التفريط كان في ذاته ‪ #‬وجنب الشيء‬
‫وجانبه قد يراد به منتهاه وحده ويسمى جنب النسان جنبا بهذا العتبار قال تعالى‬

‫تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪# ^ ^ #‬‬
‫الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ^ ‪ #‬وقال النبي لعمران بن حصين‬
‫صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ‪ #‬وإذا قدر أن الضافة‬
‫هنا تتضمن صفة ال كان الكلم في هذا كالكلم في سائر ما يضاف إليه تعالى من‬
‫الصفات وفي التوراة من ذلك نظير ما في القرآن ‪ #‬وهذا يتبين بالوجه الثالث وهو‬
‫أن يقال ما في القرآن والحديث عن النبي من وصف ال بهذه الصفات التي يسميها‬
‫بعض الناس تجسيما هو مثل ما في التوراة وسائر كتب النبياء وهذا الذي في‬
‫التوراة وكتب النبياء ليس مما أحدثه أهل الكتاب‬

‫ولو كانوا هم ابتدعوا ذلك ووصفوا الخالق بما يمتنع عليه من التجسيم لكان النبي ‪#‬‬
‫ذمهم على ذلك كما ذمهم على ما وصفوه به من النقائص في مثل قوله تعالى ‪^ #‬‬
‫لقد سمع ال قول الذين قالوا إن ال فقير ونحن أغنياء ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وقالت اليهود‬
‫يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد خلقنا السماوات والرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من‬
‫لغوب ^ ‪ #‬فنفى عنه اللغوب الذي يظن في لفظ الستراحة الذي في التوراة فإن فيها‬
‫أن ال خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في يوم السبت فظن بعض الناس أنه تعب‬
‫فاستراح ‪ #‬ثم من علماء المسلمين من قال إن هذا اللفظ حرفوا معناه دون لفظه‬
‫وهذا لفظ التوراة المنزلة قاله ابن قتيبة‬

‫وغيره وقالوا معناه ثم ترك الخلق فعبر عن ذلك بلفظ استراح ‪ #‬ومنهم من قال بل‬
‫حرفوا لفظه كما قال أبو بكر النباري وغيره ‪ #‬وقالوا ليس هذا لفظ التوراة المنزلة‬

‫‪485‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪486‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأما ما في التوراة من إثبات الصفات فلم ينكر النبي شيئا من ذلك بل كان علماء‬
‫اليهود إذا ذكروا شيئا من ذلك يقرهم عليه ويصدقهم عليه كما في الصحيحين عن‬
‫عبد ال بن مسعود أن حبرا من اليهود جاء إلى رسول ال فقال يا محمد إن ال عز‬
‫وجل يوم القيامة يحمل السماوات على إصبع‬

‫والرض على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر‬
‫الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا املك قال فضحك النبي حتى بدت نواجذه‬
‫تعجبا وتصديقا لقول الحبر ثم قرأ ‪ ^ #‬وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا‬
‫قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ^ الية ‪ #‬وفي التوراة إن ال كتب‬
‫التوراة بإصبعه ‪ #‬وإذا ثبت أن مثل هذه النصوص في التوراة والكتب المتقدمة‬
‫باتفاق أهل الكتاب وبما يشهد على ذلك من أخبار الرسول بنظير ذلك وترك إنكاره‬
‫لما في التوراة وتصديقه على ما كانوا يذكرونه من ذلك لم يكن المسلمون مختصين‬
‫بذكر ما سموه تجسيما بل يلزم أهل الكتاب اليهود والنصارى من ذلك نظير ما يلزم‬
‫المسلمين‬

‫وقد افترق أهل الكتاب في ذلك كما افترق فيه المسلمون منهم الغالي في النفي ‪#‬‬
‫والتعطيل ومنهم الغالي في التشبيه والتمثيل ‪ #‬والمسلمون أئمتهم وجمهورهم‬
‫مقتصدون بين التعطيل والتمثيل وكذلك طائفة من أهل الكتاب ‪ #‬والمقصود أنه إذا‬
‫كانت هذه الصفات قد جاءت في الكتب اللهية التوراة وغيرها كما جاءت في القرآن‬
‫لم يكن للمسلمين بذلك اختصاص ‪ #‬ولم يجز للنصارى أن يجعلوا ذلك نظير ما‬
‫اختصوا به من التثليث والتحاد فإن ذلك مختص بهم ‪ #‬وهذه الصفات قد اشترك‬
‫فيها أهل الملل الثلث لن التثليث والتحاد ليس منصوصا عن أحد من النبياء‬
‫عليهم السلم وهذه الصفات منصوصة في القرآن والتوراة وغيرهما من كتب‬
‫النبياء فكيف يجوز تشبيه هذا بهذا ‪ #‬الوجه الرابع قولهم فيوهمون السامعين أن ال‬
‫ذو جسم وأعضاء وجوارح كلم باطل وذلك أن ال سمى نفسه وصفاته بأسماء‬
‫وسمى بعض عباده وصفات عباده بأسماء هي في حقهم نظير تلك السماء في حقه‬
‫سبحانه وتعالى ‪ #‬فسمى نفسه حيا كقوله ‪ ^ #‬ال ل إله إل هو الحي القيوم ^ الية‬

‫وتوكل على الحي الذي ل يموت ^ ‪ #‬وسمى بعض عباده حيا كقوله ‪# ^ ^ #‬‬
‫يخرج الحي من الميت ^ ‪ #‬مع العلم بأنه ليس الحي كالحي وسمى نفسه عليما كقوله‬
‫‪ ^ #‬إن ربك حكيم عليم ^ ‪ #‬وسمى بعض عباده عليما كقوله ^ وبشروه بغلم عليم‬
‫^ ‪ #‬مع العلم بأنه ليس العليم كالعليم ‪ #‬وسمى نفسه حليما بقوله ‪ ^ #‬وال غني حليم‬
‫^ ^ ‪ #‬وسمى بعض عباده حليما بقوله ‪ ^ #‬فبشرناه بغلم حليم‬

‫وسمى نفسه رؤوفا رحيما بقوله ‪ ^ #‬إن ال بالناس لرءوف رحيم ^ ‪ #‬وسمى ‪#‬‬
‫بعض عباده رؤوفا رحيما بقوله ^ بالمؤمنين رءوف رحيم ^ ‪ #‬وليس الرؤوف‬
‫كالرؤف ول الرحيم كالرحيم ‪ #‬وكذلك سمى نفسه ملكا جبارا متكبرا عزيزا وسمى‬

‫‪486‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪487‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بعض عباده ملكا وبعضهم عزيزا وبعضهم جبارا متكبرا وليس هو في ذلك مماثل‬
‫لخلقه ‪ #‬وكذلك سمى بعض صفاته علما وقوة وأيدا وقدرة ورحمة وغضبا ورضى‬
‫ويدا وغير ذلك وسمى بعض صفات عباده بذلك وليس علمه كعلمهم ول قدرته‬
‫كقدرتهم ول رحمته وغضبه كرحمتهم وغضبهم ول يده كأيديهم ‪ #‬وكذلك ما أخبر‬
‫به عن نفسه من استوائه على العرش ومجيئه في ظلل من الغمام وغير ذلك من هذا‬
‫الباب ليس استواؤه كاستوائهم ول مجيئه كمجيئهم ‪ #‬وهذه المعاني التي تضاف إلى‬
‫الخالق تارة وإلى المخلوق أخرى تذكر على ثلثة أوجه ‪ #‬تارة تقيد بالضافة إلى‬
‫الخالق أو بإضافته إليها كقوله‬

‫تعالى ^ ول يحيطون بشيء من علمه ^ الية ‪ ^ #‬إن ال هو الرزاق ذو القوة ^ ‪#‬‬


‫وتارة تتقيد بالمخلوق كقوله ‪ ^ #‬شهد ال أنه ل إله إل هو والملئكة وأولوا العلم ^‬
‫‪ #‬وتارة تطلق مجردة ‪ #‬فإذا قيدت بالخالق لم تدل على شيء من خصائص‬
‫المخلوقين ‪ #‬فإذا قيل علم ال وقدرته واستواؤه ومجيئه ويده ونحو ذلك كانت هذه‬
‫الضافة توجب ما يختص به الرب الخالق وتمنع أن يدخل فيها ما يختص به‬
‫المخلوق ‪ #‬وكذلك إذا قيل ‪ ^ #‬فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ^ ‪ #‬كانت‬
‫هذه الضافة توجب ما يختص بالعبد وتمنع أن يدخل في ذلك ما يختص بالرب عز‬
‫وجل ‪ #‬وإذا جرد اللفظ عن القيود فذكر بوصف العموم والطلق تناول المرين‬
‫كسائر اللفاظ التي تطلق على الخالق والمخلوق ‪ #‬وهذه للناس فيها أقوال‬

‫قيل إنها حقيقة في الخالق مجاز في المخلوق كقول أبي العباس الناشىء ‪ #‬وقيل ‪#‬‬
‫بالعكس كقوله غلة الجهمية والباطنية والفلسفة ‪ #‬وقيل حقيقة فيهما وهو قول‬
‫الجمهور ‪ #‬ثم قيل هي مشتركة اشتراكا لفظيا وقيل متواطئة وهو قول الجمهور ‪#‬‬
‫ثم من جعل المشككة نوعا من المتواطئة لم يمتنع عنده إذا قيل مشككة أن تكون‬
‫متواطئة ومن جعل ذلك نوعا آخر جعلها مشككة ل متواطئة ‪ #‬وهذا نزاع لفظي فإن‬
‫المتواطئة التواطؤ العام يدخل فيها المشككة ‪ #‬إذ المراد بالمشككة ما يتفاضل‬
‫معانيها في مواردها كلفظ البيض الذي يقال على البياض الشديد كبياض الثلج‬
‫والخفيف كبياض العاج والشديد أولى به ‪ #‬ومعلوم أن مسمى البياض في اللغة ل‬
‫يختص بالشديد دون الخفيف فكان اللفظ دال على ما به الشتراك وهو المعنى العام‬
‫الكلي وهو متواطىء بهذا العتبار وهو اعتبار التفاضل يسمى مشككا ‪ #‬وأما إذا‬
‫أريد بالواطىء ما تستوي معانيه كانت المشككة نوعا آخر‬

‫لكن تخصيص لفظ المتواطئة بهذا عرف حادث وهو خطأ أيضا ‪ #‬فإن عامة ‪#‬‬
‫المعاني العامة تتفاضل والتماثل فيها في جميع مواردها بحيث ل تتفاضل في شيء‬
‫من مواردها إما قليل وإما معدوم ‪ #‬فلو لم تكن هذه السماء متواطئة بل مشككة كان‬
‫عامة السماء الكلية غير متواطئة وهذا مبسوط في موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا‬
‫أن ال سبحانه وتعالى إذا أضاف إلى نفسه ما أضافه إضافة يختص بها وتمنع أن‬
‫يدخل فيها شيء من خصائص المخلوقين وقد قال مع ذلك إنه ليس كمثله شيء وإنه‬

‫‪487‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪488‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم يكن له كفوا أحد وأنكر أن يكون له سمي كان من فهم من هذه ما يختص به‬
‫المخلوق قد أتي من سوء فهمه ونقص عقله ل من قصور في بيان ال ورسوله ول‬
‫فرق في ذلك بين صفة وصفة ‪ #‬فمن فهم من علم ال ما يختص به المخلوق من أنه‬
‫عرض محدث باضطرار أو اكتساب فمن نفسه أتي وليس في قولنا علم ال ما يدل‬
‫على ذلك ‪ #‬وكذلك من فهم من قوله ‪ ^ #‬بل يداه مبسوطتان ^ الية ‪ ^ #‬ما منعك‬
‫أن تسجد لما خلقت بيدي ^ ‪ #‬ما يختص به المخلوق من جوارحه وأعضائه فمن‬
‫نفسه أوتي‬

‫فليس في ظاهر هذا اللفظ ما يدل على ما يختص به المخلوق كما في سائر الصفات‬
‫‪ #‬وكذلك إذا قال ‪ ^ #‬ثم استوى على العرش ^ ‪ #‬من فهم من ذلك ما يختص‬
‫بالمخلوق كما يفهم من قوله ‪ ^ #‬فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ^ ‪ #‬فمن‬
‫نفسه أتي فإن ظاهر اللفظ يدل على استواء يضاف إلى ال عز وجل كما يدل في‬
‫تلك الية على استواء يضاف إلى العبد ‪ #‬وإذا كان المستوي ليس مماثل للمستوي‬
‫لم يكن الستواء مماثل للستواء ‪ #‬فإذا كان العبد فقيرا إلى ما استوى عليه يحتاج‬
‫إلى حمله ‪ #‬وكان الرب عز وجل غنيا عن كل ما سواه والعرش وما سواه فقيرا‬
‫إليه وهو الذي يحمل العرش وحملة العرش لم يلزم إذا كان الفقير محتاجا إلى ما‬
‫استوى عليه أن يكون الغني عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه محتاجا إلى ما‬
‫استوى عليه ‪ #‬وليس في ظاهر كلم ال عز وجل ما يدل على ما يختص به‬
‫المخلوق من حاجة إلى حامل وغير ذلك بل توهم هذا من سوء الفهم ل من دللة‬
‫اللفظ‬

‫لكن إذا تخيل المتخيل في نفسه أن ال مثله تخيل أن يكون استواؤه كاستوائه وإذا ‪#‬‬
‫عرف أن ال ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله علم أن‬
‫استواءه ليس كاستوائه ولمجيئه كمجيئه كما أن علمه وقدرته ورضاه وغضبه ليس‬
‫كعلمه وقدرته ورضاه وغضبه ‪ #‬وما بين السماء من المعنى العام الكلي كما بين‬
‫قولنا حي وحي وعالم وعالم وهذا المعنى العام الكلي المشترك ل يوجد عاما كليا‬
‫مشتركا إل في العلم والذهن وإل فالذي في الخارج أمر يختص بالموصوف ‪#‬‬
‫فصفات الرب عز وجل مختصة به وصفات المخلوق مختصة به ليس بينهما‬
‫اشتراك ول بين مخلوق ومخلوق ‪ #‬الوجه الخامس قولهم لما كان اعتقادهم في‬
‫الباري جلت قدرته أنه غير ذي جسم استعمال منهم للفظ الجسم في القدر والغلظ ل‬
‫في ذي القدر والغلظ وهذا أحد موردي استعماله وهو الشهر في لغة العامة فيقولون‬
‫هذا الثوب له جسم وهذا ليس له جسم أي هذا له غلظ وكثافة دون هذا ‪ #‬ولكن‬
‫النظار أكثر ما يستعملون لفظ الجسم في نفس ذي القدر فيقولون للقائم بنفسه ذي‬
‫القدر إنه جسم ‪ #‬وهذا اللفظ لما كثر استعماله في كلم النظار تفرقوا في معانيه لغة‬
‫وعقل وشرعا تفرقا ضل به كثير من الناس فإن هذا اللفظ أصله في اللغة هو الجسد‬

‫قال غير واحد من أهل اللغة كالصمعي وأبي زيد وغيرهما الجسم هو الجسد ‪# #‬‬

‫‪488‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪489‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا إنما يستعمله أهل اللغة فيما كان غليظا كثيفا فل يسمون الهواء جسما ول جسدا‬
‫ويسمون بدن النسان جسدا ‪ #‬وقد تقدم أن الجسم يراد به نفس الجسد ويراد به قدر‬
‫الجسد وغلظه قال تعالى ‪ ^ #‬وزاده بسطة في العلم والجسم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ^ ‪ #‬وقد‬
‫يراد به هذا وهذا ‪ #‬ثم إن أهل النظر استعملوا لفظ الجسد في أعم من معناه في‬

‫اللغة كما فعلوا مثل ذلك في لفظ الجوهر ولفظ العرض ولفظ الوجود ولفظ الذات‬
‫وغير ذلك ‪ #‬فاستعملوا لفظ الجسم فيما يقوم بنفسه وتمكن الشارة إليه الحسية‬
‫المختلفة ‪ #‬ثم تنازعوا نزاعا عقليا فيما يشار إليه كالهواء والنار والتراب والماء‬
‫وغير ذلك هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي ل تقبل القسمة أو من المادة‬
‫والصورة أو ليس مركبا ل من هذا ول من هذا على ثلثة أقوال قد بسط الكلم‬
‫عليها في غير هذا الموضع ‪ #‬فمن اعترف أنها مركبة من هذا أو هذا يلزمه إذا قال‬
‫إن ال جسم أن يكون ال مركبا من هذا أو هذا ‪ #‬ولهذا قالوا إن هذا باطل وأوجبوا‬
‫على أصلهم نفي مسمى هذا السم وهذا هو المشهور عند هؤلء ‪ #‬ومن اعتقد أنه‬
‫ليس مركبا ل من هذا ول من هذا قال يلزمني إذا قلت هو جسم أن يكون مركبا ‪#‬‬
‫فمن هؤلء من أطلق عليه لفظ الجسم وأراد به القائم بنفسه أو الموجود كما أطلق‬
‫هؤلء لفظ الجوهر وقالوا أردنا بالجوهر القائم بنفسه وكما قال هؤلء ليس في‬
‫الوجود إل جوهر أو عرض ‪ #‬فإن الوجود إما قائم بنفسه وهو الجوهر أو بغيره‬
‫وهو العرض والجوهر أشرف القسمين‬

‫وقال الخرون ليس في الوجود إل قائم بنفسه وهو الجسم أو قائم بغيره وهو ‪#‬‬
‫العرض والجسم أشرف القسمين وقال فما سماه أولئك جوهرا سماه أولئك جسما‬
‫وكلهما ليست تسميته لغوية ول شرعية ‪ #‬وإذا قال هؤلء هو جوهر ل كالجواهر‬
‫كما يقال هو شيء ل كالشياء ‪ #‬قال أولئك هو جسم ل كالجسام كما يقال هو شيء‬
‫ل كالشياء ‪ #‬وإذا قال هؤلء الجوهر ينقسم إلى كثيف ولطيف قال أولئك والجسم‬
‫ينقسم إلى لطيف وكثيف ‪ #‬والمقصود هنا أن هؤلء الذين نزهوه عما يمتنع عليه‬
‫من مماثلة المخلوقين وسموه جسما نزاعهم مع النفاة قد يكون لفظيا كنزاع النصارى‬
‫في لفظ الجوهر وقد يكون عقليا كنزاعهم في المشار إليه هل هو مركب من‬
‫الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة أو ل من هذا ول من هذا ‪ #‬ومن قال من‬
‫القائلين بأنه جسم فيقول إنه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة‬
‫فهؤلء مذمومون لفظا ومعنى عند‬

‫جماهير المسلمين وغيرهم وإن كان النصارى وغيرهم يعجزون عن الرد على‬
‫هؤلء إذ كان ما يعتمدون عليه في تنزيه ال عن خصائص الجسام طرقا ضعيفة ل‬
‫تثبت على المعيار العقلي كما قد بسط في موضع آخر ‪ #‬بخلف من كان نزاعه‬
‫لفظيا فهذا يذم إما لغة وإما لغة وشرعا لكونه أطق لفظا لم يأذن به الشرع أو‬
‫استعمله في خلف معناه اللغوي كما قد يذم النافي لمثل ذلك لغة وشرعا إذا كان‬

‫‪489‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪490‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫معناه صحيحا ‪ #‬وأما من كان من النفاة أو المثبتة نفى حقا أو أثبت باطل فهذا‬
‫مذموم ذما معنويا شرعا وعقل ‪ #‬وأما الشرع فالرسل وأتباعهم الذين من أمة‬
‫موسى وعيسى ومحمد لم يقولوا إن ال جسم ول إنه ليس بجسم ول إنه جوهر ول‬
‫إنه ليس بجوهر ‪ #‬لكن النزاع اللغوي والعقلي والشرعي في هذه السماء هو مما‬
‫أحدث في الملل الثلث بعد انقراض الصدر الول من هؤلء وهؤلء وهؤلء ‪#‬‬
‫والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم ما جاء به القرآن والتوراة من أن ال موصوف‬
‫بصفات الكمال وأنه ليس كمثله شيء فل تمثل صفاته بصفات المخلوقين مع إثبات‬
‫ما أثبته لنفسه من الصفات ول يدخل في صفاته ما ليس منها وليخرج منها ما هو‬
‫داخل فيها‬

‫إذا تبين هذا فالمسلمون لما كان اعتقادهم بأن ال تعالى موصوف بما وصف به ‪#‬‬
‫نفسه وأنه ليس كمثله شيء وكان ما أثبتوه له من الصفات مما جاءت به الرسل لم‬
‫يكن عليهم ملم لنهم أثبتوا ما أثبته الرسل ونفوا ما نفته الرسل فكان في هذا النفي‬
‫ما ينفي الوهم الباطل ‪ #‬بخلف من أثبت أمورا لم تأت بها الرسل وضم إليها ما‬
‫يؤكد المعنى الباطل ل ما ينفيه وكان مما نفوا عنه أنه ليس بجسم مركب من‬
‫الجواهر المنفردة ول من المادة والصورة ‪ #‬أما على أحد قولي النظار بل أظهرهما‬
‫فإن ما سواه من الموجودات القائمة بأنفسها ليس مركبا ل من هذا ول من هذا ‪#‬‬
‫فهو سبحانه أحق بتنزيهه عن مثل هذا إذ كل نقص نفي عن المخلوق فالخالق أحق‬
‫بتنزيهه منه ‪ #‬وأما على القول الخر فتارة يقولون لن المركب من الجواهر‬
‫المنفردة يمكن افتراق أجزائه وذلك ممتنع في حق ال تعالى وتارة يقولون لنه‬
‫مفتقر إلى أجزائه وذلك ممتنع في حق ال‬

‫تعالى إذ جزؤه غيره والمفتقر إلى غيره ل يكون واجبا بنفسه قديما أزليا كما قد‬
‫بسط الكلم على هذه المور في موضع آخر ‪ #‬ثم منهم من ل يطلق من النفي‬
‫والثبات إل اللفاظ الشرعية فكما ل يقول هو جسم وجوهر ل يقول ليس بجسم ول‬
‫جوهر ‪ #‬ومنهم من يطلق هذه اللفاظ وهؤلء منهم من ينفيها ومنهم من يثبتها ‪#‬‬
‫وكل من الطائفتين قد يدخل في ذلك ما يوافق الشرع وقد يدخل في ذلك ما يخالف‬
‫الشرع ‪ #‬وكل من الطائفتين يدعي النظر العقلي أو اللغوي وربما اعتصم بعضهم‬
‫بما يظنه دليل شرعيا ‪ #‬والغالب عليهم أنهم ل يعتصمون في ذلك بشرع إذ لم يكن‬
‫في ذلك شرع وإنما يتكلفون تغيير اللغة التي بعث بها الرسول ثم يحملون ألفاظه‬
‫على ما ابتدعوه من اللغة كما فعلته النصارى في حمل كلم النبياء على ما ابتدعوه‬
‫من اللغة ‪ #‬فإن النبياء لم يسموا علم ال وحياته ابنا وروح قدس ول ربا فسمى‬
‫النصارى علمه وحياته ابنا وروح قدس وربا ثم حملوا كلم النبياء على ذلك ‪#‬‬
‫كذلك طائفة من أهل الكلم كان السلف يسمونهم الجهمية أحدثوا تسمية الواحد‬
‫والحد ونحوهما لما ل يشار إليه ويميز الحس منه‬

‫شيئا عن شيء وهذا خلف اللغة فإن أهل اللغة يسمون بالواحد والوحيد والحد في‬

‫‪490‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪491‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النفي لما يشار إليه ويميز الحس منه شيئا من شيء قال تعالى ‪ ^ #‬ذرني ومن‬
‫خلقت وحيدا ^ ‪ #‬فسمى النسان وحيدا وقال تعالى ‪ ^ #‬وإن كانت واحدة فلها‬
‫النصف ^ ‪ #‬فسمى المرأة واحدة ‪ ^ #‬وما أمرنا إل واحدة ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وإن أحد‬
‫من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ^ ‪ #‬فسمى المستجير وهو‬
‫النسان أحدا ‪ #‬وكذلك قوله تعالى ‪ ^ #‬ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬فنفى أن يكون أحد‬
‫كفوا له‬

‫فلو كان ما يشار إليه ل يسمى أحدا لم يكن قد نزهه عن مماثلة المخلوقات له فإن ‪#‬‬
‫المشهود من المخلوقات كلها يشار إليها فإن لم يدخل في أحد لم يكن قد نزه نفسه‬
‫عن مماثلتها ‪ #‬فهؤلء لما أحدثوا أن مسمى الحد والواحد ل يكون مشارا إليه قالوا‬
‫والرب قد سمى نفسه أحدا وواحدا فيجب أن ل يكون مشارا إليه ‪ #‬ولغة الرسول‬
‫التي خاطب بها الناس لم تكن موافقة لما ابتدعوه من اللغة ‪ #‬وكذلك الذين قالوا هو‬
‫جسم غيروا اللغة وجعلوا الجسم اسما لما يشار إليه أو لكل موجود ولكل قائم بنفسه‬
‫‪ #‬ثم قالوا هو موجود أو قائم بنفسه أو مشار إليه فيكون جسما ‪ #‬ول يوجد في اللغة‬
‫اسم الجسم ل لهذا ول لهذا ول لهذا ‪ #‬وقالوا ل يلزم من كونه مشارا إليه أن يكون‬
‫مركبا من الجواهر المفردة ول من المادة والصورة ‪ #‬وقال أولئك بل يلزم أن كل‬
‫مركب يسمى في اللغة جسما فيلزم أن يسمى جسما إذا قلنا هو مشار إليه أو يرى‬
‫بالبصار أو متصفا بصفات تقوم به ‪ #‬وليس ما ذكروه عن اللغة بمستقيم فإن أهل‬
‫اللغة ل يعنون بالجسم المركب بل الجسم عندهم هو الجسد ول يسمون الهواء جسما‬

‫إذا تبين هذا فتمثيل هؤلء النصارى باطل على قول كل طائفة من طوائف ‪#‬‬
‫المسلمين ‪ #‬فمنهم من يقول الجسم في اللغة هو المركب وال ليس بمركب فليس‬
‫بجسم ل يقولون بما ذكروه من أن ال له وجه يوليه إلى كل مكان وجنب ونحو ذلك‬
‫‪ #‬وكذلك من قال إن ال ليس بمركب وسماه جسماه بمعنى أنه قائم بنفسه أو لم يسمه‬
‫جسما ل يقول بذلك أيضا ومن حكى عنه يثبت له خصائص الجسام المركبة فهؤلء‬
‫إن أطلقوا ما نفاه فل حجة للنصارى عليهم وإن لم يطلقوه فحجتهم أبعد ‪ #‬فقد تبين‬
‫أنه ليس لهم حجة على أفسد الناس قول في التجسيم فضل عن غيرهم ‪ #‬الوجه‬
‫السادس أن يقال لهؤلء النصارى إما أن تعنوا بلفظ الجسم المعنى اللغوي وهو‬
‫الجسد وإما أن تعنوا به المعنى الصطلحي عند أهل الكلم كالمشار إليه مثل ‪#‬‬
‫فإن عنيتم الول لم يلزم من نفي ذلك نفي ما ذكرتموه من الصفات ل سيما وأنتم‬
‫تقولون إنه جوهر وقسمتم الجوهر إلى لطيف وكثيف ‪ #‬فإذا كان الكثيف هو الجسم‬
‫واللطيف جوهر ليس بجسم لم يمتنع على مثل هذا أن يكون له ما يناسبه من‬
‫الصفات كالملئكة‬

‫فإن الملئكة ل يمتنع وصفها بذلك وإن لم تكن أجساما على هذا الصطلح بل هي‬
‫جواهر روحانية وكذلك روح النسان التي تخرج منه ل يمتنع وصفها بما يناسبها‬
‫من ذلك وإن كانت ليست بجسم على هذا التقدير ‪ #‬فتبين أن نفي مسمى الجسم‬

‫‪491‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪492‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اللغوي عن الشيء ل يمتنع اتصافه بما ذكر من الصفات وأمثالها ‪ #‬وإن عنيتم‬
‫بالجسم القائم بنفسه أو المشار إليه لم يمتنع عندكم أن يكون جسما فإنكم سميتموه‬
‫جوهرا وعنيتم القائم بنفسه ‪ #‬فإن قام الدليل على أن كل قائم بنفسه يشار إليه كان‬
‫أيضا مشارا إليه ‪ #‬وإن قام دليل على أنه قائم بنفسه ل يشار إليه كان جوهرا‬
‫وجسما عند من يفسر الجسم بالقائم بنفسه ومن فسره بالمشار إليه لم يسم عنده جسما‬
‫فتبين أنه على أصلكم ل يمتنع أن يسمى جسما مع تسميتكم له جوهرا إل إذا ثبت أن‬
‫من الموجودات ما هو جوهر قائم بنفسه ل يشار إليه وهذا لم يقيموا عليه دليل‬
‫وليس هذا قول أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وإنما هو قول طائفة من‬
‫الفلسفة وقليل من أهل الملل وافقوهم ‪ #‬ثم يقال لكم أنتم قلتم إنه حي ناطق وله حياة‬
‫ونطق بل زدتم على ذلك حتى جعلتموه أقانيم ثلثة‬

‫ومعلوم أن الحياة والنطق ل تعقل إل صفة قائمة بموصوف ول يعلم موصوف ‪#‬‬
‫بالحياة والنطق إل ما هو مشار إليه بل ما هو جسم كالنسان ‪ #‬فإن جاز لكم أن‬
‫تثبتوا هذه العراض في غير جسم جاز لغيركم أن يثبت المجيء واليد ونحو ذلك‬
‫لغير الجسم ‪ #‬وإن قلتم هذا ل يعقل إل لجسم قيل لكم وذلك ل يعقل إل لجسم فإن‬
‫رجعتم إلى الشاهد كان حجة عليكم وإن جاز لكم أن تثبتوا في الغائب حكما على‬
‫خلف الشاهد جاز لغيركم وحينئذ فل تناقض بين ما نفاه المسلمون وأثبتموه لو كان‬
‫ما ذكرتموه عنهم من النفي والثبات حقا على وجهه فكيف وقد وقع التحريف في‬
‫الطرفين ‪ #‬الوجه السابع أن يقال غاية مقصودكم أن تقولوا إن المسلمين لما أطلقوا‬
‫ألفاظا ظاهرها كفر عندهم لمجيء النص بها وهم ل يعتقدون ظاهر مدلولها كذلك‬
‫نحن أطلقنا هذه اللفاظ التي ظاهرها كفر لمجيء النص بها ونحن ل نعتقد مدلولها‬
‫‪ #‬فيقال لكم أول إن ما أطلقه المسلمون من نصوص الصفات أطلقتموه أنتم كما‬
‫وردت به التوراة فهذا مشترك بينكم وبينهم وما اختصصتم به من التثليث والتحاد‬
‫لم يشركوكم فيه ‪ #‬ثم يقال ثانيا إن المسلمين أطلقوا ألفاظ النصوص وأنتم أطلقتم‬
‫ألفاظا لم يرد بها نص‬

‫والمسلمون قرنوا تلك اللفاظ بما جاءت به النصوص من نفي التمثيل ‪ #‬وأنتم لم ‪#‬‬
‫تقرنوا بألفاظكم ما ينفي ما أثبتموه من التثليث والتحاد ‪ #‬والمسلمون لم يعتقدوا‬
‫معنى باطل ‪ #‬وأنتم اعتقدتم من التثليث في القانيم والتحاد ما هو معنى باطل ‪#‬‬
‫والمسلمون لم يسموا صفات ال بأسماء أحدثوا تسمية الصفات بها وحملوا كلم‬
‫الرسل عليها ‪ #‬وأنتم أحدثتم لصفات ال أسماء سميتموه أنتم بها لم تسمعه الرسل‬
‫وحملتم كلم الرسل عليها ‪ #‬والمسلمون لم يعدلوا عن النصوص الكثيرة المحكمة‬
‫البينة الواضحة إلى ألفاظ قليلة متشابهة ‪ #‬وأنتم عدلتم عن هذا إلى هذا ‪#‬‬
‫والمسلمون لم يضعوا لهم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل ‪ #‬وأنتم وضعتم‬
‫شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل ‪ #‬والمسلمون لم يقولوا قول ل يعقل ‪ #‬وأنتم‬
‫قلتم قول ل يعقل ‪ #‬والمسلمون لم يتناقضوا فيجعلوا الله واحدا ويجعلونه‬

‫‪492‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪493‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اثنين بل ثلثة وأنتم تناقضتم ‪ #‬فهذه الفروق وغيرها مما يبين فساد تشبيهكم أنفسكم‬
‫بالمسلمين ‪ #‬الوجه الثامن قولكم وكذلك نحن النصارى العلة في قولنا إن ال ثلثة‬
‫أقانيم أب وابن وروح قدس أن النجيل نطق به ‪ #‬فيقال لكم هذا باطل فإنه لم ينطق‬
‫ل النجيل ولشيء من النبوات بأن ال ثلثة أقانيم ول خص أحد من النبياء الرب‬
‫بثلث صفات دون غيرها ول قال المسيح ول غيره إن ال هو الب والبن وروح‬
‫القدس ول إن له أقنوما هو البن وأقنوما هو روح القدس ول قال إن البن كلمته أو‬
‫علمه أو حكمته أو نطقه وإن روح القدس حياته ول سمى شيئا من صفاته ابنا ول‬
‫ولدا ول قال عن شيء من صفات الرب إنه مولود ول جعل القديم الزلي مولودا‬
‫ول قال ل عن قديم ول مخلوق إنه إله حق من إله حق ول قال عن صفات ال إنها‬
‫آلهة وإن الكلمة إله والروح إله ول قال إن ال اتحد ل بذاته ول بصفاته بشيء من‬
‫البشر بل هذا كله مما ابتدعتموه وخرجتم به عن الشرع والعقل فخالفتم الكتب‬
‫المنزلة والعقول الصريحة وكنتم ممن قيل فيهم ‪ ^ #‬وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما‬
‫^ كنا في أصحاب السعير‬

‫فإنكم أنتم الذين سميتم نطق ال ابنا وقلتم سميناه ابنا لنه تولد منه كما يتولد الكلم ‪#‬‬
‫من العقل فكان ينبغي أيضا أن تسموا حياته ابنا لنها منبثقة منه ومتولدة عنه أيضا‬
‫إذ ل فرق بين علم الرب وحياته ‪ #‬فعلمه لزم له وحياته لزمة له فلماذا جعلتم هذا‬
‫ابنا دون هذا ‪ #‬وقلتم إنه مولود من ال وإنه قديم أزلي وأنتم تعترفون بأن أحدا من‬
‫النبياء لم يسم علم ال ول كلمه ول حكمته مولودا منه ‪ #‬والذي يعقله الخلق في‬
‫المولود الذي يولد من غيره كما يتولد العلم والكلم من نفس النسان أنه حادث فيه‬
‫أو منفصل عنه ل يعقل أنه قائم به وأنه متولد منه قديم أزلي ‪ #‬ثم قلتم في أمانتكم‬
‫إنه تجسم من روح القدس أو منه ومن مريم ‪ #‬وهو إنما تجسم عندكم من الكلمة‬
‫التي سميتموها البن دون روح القدس ‪ #‬وإن كان تجسم من روح القدس فيكون هو‬
‫روح القدس ل يكون هو الكلمة التي هي البن ‪ #‬ثم تقولون هو كلمة ال وروحه‬
‫فيكون حينئذ أقنومين أقنوم الكلمة وأقنوم الروح وإنما هو عندكم أقنوم واحد‬

‫فهذا تناقض وحيرة تجعلونه البن الذي هو الكلمة وهو أقنوم الكلمة فقط ‪# #‬‬
‫وتقولون تجسم من روح القدس ول تقولون إنه تجسم من الكلمة ‪ #‬وتقولون هو كلمة‬
‫ال وروحه والكلمة والروح أقنومان ‪ #‬ول تقولون إنه أقنومان بل أقنوم واحد ‪#‬‬
‫وتقولون إنه خالق العالم والخالق هو الب وتقولون ليس هو الب وتقولون إله حق‬
‫من إله حق وتقولون إله واحد ساوى الب في الجوهر ‪ #‬وتقولون ليس له مثل‬
‫وليس شيء من هذا في كلم أحد من النبياء فكيف تشبهون أنفسكم بمن اتبع‬
‫نصوص النبياء ولم يحرفها ‪ #‬وغاية ما عندكم ما وجد في إنجيل متى دون سائر‬
‫الناجيل من أن المسيح عليه السلم قال عمدوا الناس باسم الب والبن والروح‬
‫القدس ‪ #‬وأنتم قد عرفتم في كلم المسيح وغيره من النبياء أنهم ليريدون بالبن‬
‫صفة ال ل كلمه ول علمه ول حكمته ‪ #‬ول يريدون بالبن إله حق من إله حق‬
‫ول مولود قديم أزلي‬

‫‪493‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪494‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بل يريدون به وليه وهو ناسوت ل لهوت كيعقوب والحواريين ‪ #‬ول يريدون‬
‫بروح القدس نفس حياة ال ول يريدون به أنه رب حي وإنما يريدون بها الملك أو‬
‫ما ينزله ال على قلوب أنبيائه وأصفيائه من الهدى والتأييد ونحو ذلك ‪ #‬فروح‬
‫القدس يكون عندكم وعند المسلمين في النبياء وغيرهم كما كانت في داود وغيره‬
‫وكانت في الحواريين ‪ #‬فلو قدر أن لفظ البن وجد في كلم المسيح مستعمل تارة‬
‫في كلمة ال وتارة في وليه الناسوت وروح القدس مستعمل تارة في حياته وتارة‬
‫فيما ينزله على قلوب أنبيائه كان جزمكم بأنه أراد بذلك هنا صفات ال جزما باطل‬
‫‪ #‬فما وصف به المسيح من أنه ابن ال ومن أن روح القدس فيه قد وصف به غيره‬
‫من النبياء والصالحين ‪ #‬فإن كان البن وروح القدس صفتين ل وجب أن يكون‬
‫غير المسيح لهوتا وناسوتا كالمسيح إذ الذي حل في المسيح حل في غيره ‪ #‬ثم‬
‫جزمكم بأن هذه الصفات أقانيم وأنه ليس ل صفات ذاتية أو جوهرية أو نحو ذلك إل‬
‫هذه الثلثة ثم تفرقتم في الثلثة هل المراد بالقانيم الوجود والعلم والحياة أو الحكمة‬
‫والكلم أو النطق‬

‫بدل لفظ العلم أو المراد الوجود والعلم والقدرة بدل الحياة أو المراد الوجود والحياة‬
‫والقدرة أو المراد الوجود مع الحياة والعلم والقدرة إلى أقوال أخرى يطول أمرها ‪#‬‬
‫فيا ليت شعري ما الذي أراد المسيح بلفظ الب والبن وروح القدس من هذه المور‬
‫التي اختلفتم فيها لو كان مراده ما ادعيتموه من القانيم ‪ #‬والقانيم لفظا ومعنى‬
‫ليوجد في كلم أحد من النبياء بل قيل فيها إنها لفظة رومية يفسرونها تارة‬
‫بالصل وتارة بالشخص وتارة بالذات مع الصفة ويفسرونها تارة بالخاصة وتارة‬
‫بالصفة ‪ #‬فهل تركتم كلم المسيح على حاله ولم تحرفوه هذه التحريفات ‪ #‬ولقد‬
‫أحسن بعض الفضلء إذ قال لو سألت نصرانيا وابنه وابن ابنه عما يعتقدونه‬
‫لخبرك كل واحد بعقيدة تخالف عقيدة الخر إذ كان أصل اعتقادهم جهل وضلل‬
‫ليس معهم علم ل نقل ول عقل فهم كما قال ال تعالى ‪ ^ #‬ومن الناس من يجادل في‬
‫ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير ^ ‪ #‬وليس معهم بما اعتقدوه من التثليث‬
‫والتحاد علم بوجه من الوجوه فضل عما هو أخص من ذلك وهو علم يهتدون به‬
‫فليسوا‬

‫بمهدتين فضل عما هو أخص من الهدى وهو كتاب منير فليس معهم به كتاب منير‬
‫‪ #‬ولو تكلمتم بهذا الكلم وقلتم ل نفهم معناه أو ظاهره باطل وله تأويل مقبول كما‬
‫حكيتموه عمن تشبهتم به من المسلمين من أنه يقوله في الصفات لكان هذا أقرب إلى‬
‫القياس ‪ #‬فكيف والمر بعكس ما ذكرتم ‪ #‬وذلك يتبين بالوجه التاسع وهو أنكم إنما‬
‫ضللتم بعدولكم عن صريح كلم النبياء وظاهره إلى ما تأولتموه عليه من التأويلت‬
‫التي ل يدل عليها لفظه ل نصا ول ظاهرا فعدلتم عن المحكم واتبعتم المتشابه ابتغاء‬
‫الفتنة وابتغاء تأويله ‪ #‬فلو تمسكتم بظاهر هذا الكلم لم تضلوا فإن البن ظاهره في‬
‫كلم النبياء ل يراد به شيء من صفات ال بل يراد به وليه وحبيبه ونحو ذلك‬

‫‪494‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪495‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وروح القدس ليراد به صفته بل يراد به وحيه وملكه ونحو ذلك فعدلتم عن ظاهر‬
‫اللفظ ومفهومه إلى معنى ل يدل عليه اللفظ البتة فكيف تدعون أنكم اتبعتم نصوص‬
‫النبياء ‪ #‬الوجه العاشر أنكم بالغتم في ذم المسيح وإنجيله كما بالغتم في سب ال‬
‫وشتمه وإن كنتم ل تعلمون أن ذلك ذم فلم ترضوا أن تجعلوا ظاهر كلم المسيح ما‬
‫أنتم عليه من الكفر حتى جعلتم ظاهره كفر ل ترضونه مثل ثلثة آلهة متفقة أو‬
‫متفرقة أو ثلثة أجسام مؤلفة أو ثلثة أجزاء مفرقة أو ثلثة أشخاص مركبة ‪ #‬فهذا‬
‫ونحوه هو الذي ادعيتم أنه ظاهر كلم المسيح عليه السلم‬

‫وأنتم ل تقولون بهذا الظاهر بل تكفرون قائله كما يكفر المسلمون من يقول ‪#‬‬
‫بالظاهر الذي هو التجسيم والتمثيل ‪ #‬وهذا ما يتضمن أن كلم المسيح ظاهر في‬
‫إثبات ثلثة آلهة وثلثة أشخاص مؤلفة وثلثة أجزاء متفرقة وثلثة أشخاص مركبة‬
‫‪ #‬كما زعمتم أن ظاهر القرآن التجسيم وأنكم عدلتم عن هذا الظاهر إلى إثبات‬
‫القانيم الثلثة التي جعلتم فيها كلمة ال هي ابنه وهو جوهر خالق يساويه في‬
‫الجوهر وأن المسيح هو هذا البن المساوي للب في الجوهر خالق العالمين وديان‬
‫يوم الدين والجالس فوق العرش عن يمين الرب وأنه إله حق من إله حق والروح‬
‫أيضا إله ثالث واللهة الثلثة إله واحد ‪ #‬وهذا الذي ذكرتموه فيه من عيب المسيح‬
‫وذمه ما ينتصر ال به للمسيح وممن افترى عليه منكم ومن غيركم ‪ #‬فإن المسيح‬
‫عليه السلم على قولكم لم يفصح لكم بأمانة تعتقدونها ول بتوحيد تعرفون به ربكم‬
‫عز وجل بل تكلم بما ظاهره إثبات ثلثة آلهة وثلثة أجسام مركبة وثلثة أجزاء‬
‫متفرقة وأنكم أنتم أصلحتم ذلك حتى جعلتموه ثلثة أقانيم ووضعتم تلك المانة‬
‫المخالفة لعقول ذوي العقول ولكل كتاب جاء به رسول مع أن المسيح لم ينطق‬
‫بتثليث قط ول باتحاد ول بما يدل على ذلك ‪ #‬وعمدتم على ما نقله متى عنه دون‬
‫الثلثة أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس‬

‫وهذا الكلم ظاهر بل نصه حجة على خلف قولكم وأنه أراد بالبن نفسه وهو ‪#‬‬
‫الناسوت ولم يرد به صفة ال وأراد بروح القدس ما أيده ال به أو روح القدس الذي‬
‫نفخ في امه حتى حبلت به لم يرد به صفة ال تعالى ‪ #‬فتأولتم كلمه على خلف‬
‫ظاهره تأويل يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول فكيف تدعون أنكم تمسكتم‬
‫بظاهر كلمه ‪ #‬ولما كان قول النصارى في التثليث متناقضا في نفسه ل حقيقة له‬
‫صار مجرد تصوره التام كافيا في العلم بفساده من غير احتياج إلى دليل وإن كانت‬
‫الدلة تظهر بفساده ‪ #‬ولهذا سلك طائفة من العلماء في الكلم معهم هذا المسلك وهو‬
‫أن مجرد تصور مذهبهم كاف في العلم بفساده فإنه غير معقول ‪ #‬وقالوا إن‬
‫النصارى ناقضت في اللفظ وأحالت في المعنى فل يجوز أن يعتقد ما يدعون انتحاله‬
‫لتناقضه ‪ #‬وذلك أنهم يزعمون أن الثلثة واحد والواحد ثلثة وهذا ل يصح اعتقاده‬
‫لنه ل يجوز أن يعتقد المعتقد في شيء أنه ثلثة مع اعتقادة فيه أنه واحد لن ذلك‬
‫متضاد ‪ #‬وإذا كان ذلك كذلك فليس يخلو من أن يعتقد أنه ثلثة أو أنه واحد ‪#‬‬
‫وليس يحتاج أن يعرف بدليل بطلن قول من ادعى أن الواحد ثلثة وأن الثلثة‬

‫‪495‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪496‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫واحد لن ذلك ل يعقل‬

‫وهو كمن ادعى في الشيء أنه موجود معدوم أو قديم محدث أو في الجسم أنه ‪#‬‬
‫قائم قاعد متحرك ساكن ‪ #‬وإذا كان كذلك فتناقضه أظهر من أن يحتاج فيه إلى دللة‬
‫‪ #‬وإذا قال النصارى إنه أحدي الذات ثلثي الصفات ‪ #‬قيل لو اقتصرتم على قولكم‬
‫إنه واحد له صفات متعددة لم يكنر ذلك عليكم جمهور المسلمين بل ينكرون‬
‫تخصيص الصفات بثلث فإن هذا باطل من وجود متعددة ‪ #‬منها أن الب عندكم‬
‫هو الجوهر ليس هو صفة فل يكون له صفة إل الحياة والعلم فيكون جوهرا واحدا‬
‫له أقنومان وأنتم جعلتم ثلثة أقانيم ‪ #‬ومنها أن صفات الرب ل تنحصر في العلم‬
‫والحياة بل هو موصوف بالقدرة وغيرها ‪ #‬ومنها أنكم تارة تفسرون روح القدس‬
‫بالحياة وتارة بالقدرة وتارة بالوجود ‪ #‬وتفسرون الكلمة تارة بالعلم وتارة بالحكمة‬
‫وتارة بالكلم ‪ #‬فبطلن قولكم في إثبات ثلث صفات كثير وأنتم مع هذا تجعلون‬
‫كل واحدة منها إلها ‪ #‬فتجعلون الحياة إلها والعلم إلها وهذا باطل ‪ #‬وأما من لم يثبت‬
‫الصفات من المسلمين وغيرهم فيردون عليكم من وجوه أخرى كقول بعضهم إذا‬
‫قيل ألستم تقولون إن البعاض‬

‫الكثيرة تكون إنسانا واحدا والحاد الكثيرة عشرة واحدة والجسام الكثيرة دارا‬
‫واحدة ومدينة واحدة وما جرى هذا المجرى مما هو أكثر من أن يحصى وأظهر من‬
‫أن يخفى ‪ #‬فكيف عبتم ذلك من النصارى ولم أنكرتم أن يكون ثلثة أقانيم جوهرا‬
‫واحدا ‪ #‬قيل إن قولنا إنسان واحد ودار واحدة وعشرة واحدة وما يجري هذا‬
‫المجرى أسماء تنبىء عن الجمل ل عن آحاد ‪ #‬وإذا قلنا إنسان واحد فكأنا قلنا جملة‬
‫واحدة وكذلك إذا قلنا عشرة واحدة ل أنا نثبته واحدا في الحقيقة ‪ #‬كيف ونحن نقول‬
‫إن أبعاض النسان متغايرة فكل بعض منها غير سائرها وكذلك كل واحد من‬
‫العشرة غير سائرها ‪ #‬فنحن وإن قلنا إنسان واحد فلسنا نثبته شيئا واحدا في نفسه‬
‫ولو أثبتنا ذلك لتناقضنا مناقضة النصارى وإنما قلنا هي جملة واحدة ولو قالت‬
‫النصارى مثل ذلك لم تتناقض حتى يزعموا أنها ثلثة أشياء جملة واحدة ‪ #‬فيكون‬
‫مرادهم في ذلك بوصفهم القانيم الثلثة بأنها جوهر واحد مما نريد بقولنا البعاض‬
‫الكثيرة أنه إنسان واحد ‪ #‬فيكون وصفهم لها بأنها جوهر إنما ينبىء أنها جملة وليس‬
‫هذا مما يذهبون إليه ول يعتقدونه ول يجعلون له معنى لنهم ل يعطون‬

‫حقيقة التثليث فيثبتون القانيم الثلثة متغايرة ول حقيقة التوحيد فيثبتون القديم واحدا‬
‫ليس باثنين ول أكثر من ذلك ‪ #‬وإذا كان ذلك كذلك فما قالوه هو شيء ل يعقل ول‬
‫يصلح اعتقاده ويمكن أن يعارضوا على قولهم بكل حال ‪ #‬فيقال لهم إذا جاز عندكم‬
‫أن تكون ثلثة أقانيم جوهرا واحدا فلم ل يجوز أن تكون ثلثة آلهة جوهرا واحدا‬
‫وثلثة فاعلين جوهرا واحدا وثلثة أغيار جوهرا واحدا وثلثة أشياء جوهرا واحدا‬
‫وثلثة قادرين جوهرا واحدا وكل ثلثة أشياء جوهرا واحدا وكل ما يجري هذا‬
‫المجرى من المعارضة فل يجدون فصل ‪ #‬الوجه الحادي عشر أن غلة المجسمة‬

‫‪496‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪497‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الذين يكفرهم المسلمون أحسن حال منكم شرعا وعقل وهم أقل مخالفة للشرع‬
‫والعقل منكم ‪ #‬فإذا كان هؤلء خيرا منكم فكيف تشبهون أنفسكم بمن هو خير من‬
‫هؤلء من أهل السنة من المسلمين الذين ل يقولون ل بتمثيل ول بتعطيل ‪ #‬وبيان‬
‫ذلك أن التوراة والنجيل وسائر كتب ال وغير ذلك مما هو مأثور عن النبياء فيه‬
‫نصوص كثيرة صريحة ظاهرة واضحة في وحدانية ال وأنه ل إله غيره وهو‬
‫مسمى فيها بالسماء الحسنى موصوف بالصفات العلى وأن كل ما سواه مخلوق له‬
‫ليس فيه‬

‫تثليث ول اتحاد الخالق بشيء من المخلوقات ل المسيح ول غيره ‪ #‬وفيها ألفاظ‬


‫قليلة مشكلة متشابهة وهي مع ذلك ل تدل على ما ذكرتموه من التثليث والتحاد ل‬
‫نصا ول ظاهرا ولكن بعضها يحتمل بعض ما قلتم وليس فيها شيء يحتمل جميع ما‬
‫قلتم فضل عن أن يكون ظاهرا فيه أو نصا بل بعضها يحتمل بعض قولكم ‪ #‬فأخذتم‬
‫ذلك المحتمل وضممتم إليه من الكفر الصريح والتناقض القبيح ما صيرتموه أمانة‬
‫لكم أي عقيدة إيمان لكم ‪ #‬ولو كانت كلها تحتمل جميع ما قلتم لم يجز العدول عن‬
‫النص والظاهر إلى المحتمل ولو كان بعضها ظاهرا فيما قلتم لم يجز العدول عن‬
‫النصوص الصريحة إلى الظاهر المحتمل ‪ #‬ولو قدر أن فيها نصوصا صريحة قد‬
‫عارضتها نصوص أخرى صريحة لكان الواجب أن ينظروا بنور ال الذي أيد به‬
‫عباده المؤمنين فيتبعون أحسن ما أنزل ال وهو المعنى الذي يوافق صريح المعقول‬
‫وسائر كتب ال وذلك النص الخر إن فهموا تفسيره وإل فوضوا معناه إلى ال‬
‫تعالى إن كان ثابتا عن النبياء ‪ #‬وهؤلء عدلوا عما يعلم بصريح المعقول وعما‬
‫يعلم بنصوص‬

‫النبياء الكثيرة إلى ما يحتمله بعض اللفاظ لموافقته لهواهم فلم يتبعوا ‪ ^ #‬إل الظن‬
‫وما تهوى النفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ^ ‪ #‬وأما كفار المجسمة فهؤلء‬
‫أعذر وأقل كفرا من النصارى فإن هؤلء يقولون كما يقوله معهم النفاة إن ظواهر‬
‫جميع الكتب هو التجسيم ‪ #‬ففي التوراة والقرآن من اليات التي ظاهرها التجسيم ما‬
‫ل يحصى ‪ #‬وليس فيها نص بما يقوله النفاة من أن ال ليس بداخل العالم ول‬
‫خارجه ول متصل به ول منفصل عنه ول هو فوق العرش ول يشار إليه ول يصعد‬
‫إليه شيء ول ينزل منه شيء ول يقرب منه شيء ول يدنو من شيء ول يدنو إليه‬
‫شيء إلى نحو ذلك من النفي الذي يقوله نفاة الصفات ‪ #‬فمعلوم أنه ليس في الكتب‬
‫اللهية ل التوراة ول النجيل ول الزبور ول القرآن ول غير ذلك من النبوات من‬
‫هذا حرف واحد وكلها مملوءة مما يقول هؤلء إنه تجسيم ‪ #‬فيقول هؤلء نحن‬
‫اتبعنا نصوص النبياء ولم نعدل عنها إلى غيرها ولم نجد في نصوصهم نصا‬
‫محكما صريحا بالنفي الذي يقوله نفاة الصفات‬

‫ووجدنا نصوصهم كلها بالثبات الذي يقولون إنه تجسيم ‪ #‬فكان على قولنا ‪#‬‬
‫وقولهم نصوص النبياء ظاهرة في التجسيم وليس لهم نص يناقض ذلك فاتبعنا‬

‫‪497‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪498‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نصوصهم وكل من عارض إثبات الصفات لم يعارضها بنصوص صريحة عن‬


‫النبياء لكن بحجج عقلية ‪ #‬فيقول هؤلء إن النصارى خالفوا صريح المعقول‬
‫وصريح كلم النبياء واتبعوا قليل من متشابه كلمهم ونحن اتبعنا نصوص النبياء‬
‫ولم نخالف شيئا من صريح نصوصهم ولكن مخالفنا يقول إنا خالفنا العقل ‪ #‬ونحن‬
‫ننازعه في ذلك وندعي أن العقل معنا ل علينا وأن ما يدعيه من المعقولت التي‬
‫تعارض كلم النبياء فهي باطلة ‪ #‬أو يقولون نحن والنصارى متفقون على أنا ل‬
‫نعارض كلم النبياء بالشبه العقلية لكن نحن اتبعنا كلمهم المحكم الظاهر الكثير‬
‫الذين ل مخالف له من كلمهم ‪ #‬وهم خالفوا كلمهم الكثير المحكم واتبعوا قليل من‬
‫المتشابه ‪ #‬ويقول الغلة من هؤلء الذين يكفرهم أئمة المسلمين وجمهورهم الذي‬
‫يحكي عنهم أن ال ينزل إلى الرض عشية عرفة فيعانق المشاة ويصافح الركبان‬
‫وأنه يتمشى في الرض يكون موطىء أقدامه مروجا ونحو ذلك ‪ #‬ليس هذا القول‬
‫بأعجب من قول النصارى الذين يقولون إنه هو المسيح وأن اللهوت والناسوت‬
‫اتحدا‬

‫فنحن نقول أيضا إنه حل في بعض الجساد المخلوقة كما يقوله النصارى ‪ #‬أو ‪#‬‬
‫نقول إنه تجسد كما تتجسد الملئكة والجن وهذا أقرب من قول النصارى إنه اتحد‬
‫بجسم المسيح ‪ #‬فإنا قد عهدنا اللطائف من الملئكة تتصور في صورة بشرية ولم‬
‫نعهد ملكا صار هو والبشر شيئا واحدا ‪ #‬فإذا لم يجز أن يتحد الملك بالبشر فكيف‬
‫يجوز أن يتحد رب الخلئق كلهم بالبشر ‪ #‬قالوا وقد يحل الجني في بدن النسي‬
‫ويتكلم على لسانه إل أنهما جوهران ومشيئتان وطبيعتان ليس بينهما اتحاد لكنه دخل‬
‫فيه وتكلم على لسانه ‪ #‬والنصارى يقولون إن رب العالمين اتحد بالبشر فمنهم من‬
‫يقول جوهر واحد ومنهم من يقول شخص واحد وأقنوم واحد ومنهم من يقول مشيئة‬
‫واحدة فلبد لكل منهم من نوع اتحاد وهذا أبعد من حلول الجني في النسي فإذا كان‬
‫ما يقولونه ممتنعا في الجن والملئكة فكيف برب العالمين‬

‫ومن غلة المجسمة اليهود من يحكي عنه أنه قال إن ال بكى على الطوفان حتى ‪#‬‬
‫رمد وعادته الملئكة وأنه ندم حتى عض يده وجرى منه الدم وهذا كفر واضح‬
‫صريح ولكن يقولون قولنا خير من قول النصارى فإن النصارى يقولون إنه أخذ‬
‫وضرب بالسياط وبصق في وجهه ووضع الشوك على رأسه كالتاج وصلب بين‬
‫لصين وفعل به من أقبح ما يفعل باللصوص قطاع الطرق ‪ #‬وقد صرح كثير منهم‬
‫بأن هذا فعل باللهوت والناسوت جميعا ‪ #‬وشريعة إيمانهم تدل على ذلك وهو لزم‬
‫لمن أنكر ذلك منهم فإنه مع القول بالتحاد الذي ل بد لطوائفهم الثلثة منه يمتنع أن‬
‫تحل هذه العقوبات في هذا دون ذاك فل يمكن أن يحل في الناسوت دون اللهوت‬
‫فإن هذا إنما يتصور إذا كان اثنين ومن قال بالتحاد امتنع عنده أن يكون هناك اثنان‬
‫‪ #‬وفي الجملة فالنصارى المثلثة إما أن يصرحوا بالتحاد من كل وجه كاليعقوبية‬
‫وهؤلء يصرحون بأن اللم حلت باللهوت ‪ #‬وإما أن يقولوا بالتحاد من وجه‬
‫كقول الملكية إنهما شخص‬

‫‪498‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪499‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫واحد وقول النسطورية هما مشيئة واحدة ‪ #‬وحينئذ فما قالوه من التعدد الذي يوجب‬
‫المباينة وأنه ل يتصف أحدهما بما يتصف به الخر ول يحل به ما حل به فيكون‬
‫متناقضا لهذا ‪ #‬فأحسن أحوالهم أن يتناقضوا في التحاد كما تناقضوا في التثليث‬
‫وهذا حقيقة قول خيار هؤلء يتكلمون بالكفر وبما يناقضه وبالتوحيد وبما يناقضه ‪#‬‬
‫ومعلوم أن ما يفعله بنفسه من ندم وبكاء وحزن هو دون ما يفعله أعداؤه به من‬
‫ضرب وصفع وجعل الشوك على رأسه وصلبه بين لصين وأن استغاثته بمن‬
‫يخلصه من ذلك أشد نقصا من ندمه وحزنه ‪ #‬وإن قالوا فعل هذا حتى يعلم عباده‬
‫التشبه به أمكن أولئك المجسمة الكفرة أن يقولوا بكى وندم وعض يده ندما حتى‬
‫جرى الدم حتى يعلم عباده التوبة من الذنوب ‪ #‬ففي الجملة ما قال قوم من أهل‬
‫الملل قول في ال إل وقول النصارى أقبح منه ‪ #‬ولهذا كان معاذ بن جبل رضي ال‬
‫عنه يقول ل ترحموهم فلقد سبوا ال مسبة ما سبه إياها أحد من البشر ولهذا يعظم‬
‫ال فريتهم‬

‫على ال في القرآن أشد من تعظيم افتراء غيرهم كقوله ‪ ^ #‬وقالوا اتخذ الرحمن‬
‫ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هدا‬
‫أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات‬
‫والرض إل ءاتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم ءاتيه يوم القيامة‬
‫فردا ^ ‪ #‬وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي قال يقول ال‬
‫عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك فأما شتمه‬
‫إياي فقوله اتخذ ال ولدا وأنا الحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما‬
‫تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ‪#‬‬
‫ورواه البخاري عن ابن عباس عن النبي قال قال ال عز وجل كذبني ابن آدم ولم‬
‫يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني ل أقدر أن أعيده‬
‫كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة ول ولدا‬

‫وفي الصحيحين عن أبي موسى قال قال رسول ال ما أحد أصبر على أذى سمعه ‪#‬‬
‫من ال عز وجل إنه يشرك به ويجعل له ند وهو يعافيهم ويرزقهم ويدفع عنهم ‪#‬‬
‫الوجه الثاني عشر أن كل من يعتقد في التجسيم ما يعتقد يمكنه أن يقول كما يقوله‬
‫النصارى فإن النصارى عمدوا إلى ما هو جسد من جنس سائر أجساد بني آدم قالوا‬
‫إنه إله تام وإنسان تام وليس فيه من اللهية شيء فما بقي مع هذا يمتنع أن يعتقد في‬
‫نظائره ما يعتقد فية ‪ #‬فلو قال القائل إن موسى بن عمران كان هو ال لم يكن هذا‬
‫أبعد من قول النصارى فإن معجزات موسى كانت أعظم وانتصاره على عدوه‬
‫أظهر وقد سماه ال في التوراة إلها لهارون ولفرعون ‪ #‬فإذا قيل فيه ما قالوه في‬
‫المسيح إنه أظهر المعجز بلهوته وأظهر العبودية بناسوته لم يكن بطلن هذا أظهر‬
‫من بطلن قول النصارى بل متى جوزوا اتحاد اللهوت بالناسوت لم يمكنهم دفع‬
‫ذلك عن أحد ممن يدعى فيه إل بدليل خاص بل إذا قيل لهم حل في كثير من النبياء‬

‫‪499‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪500‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والقداديس لم يمكنهم نفي ذلك ‪ #‬وإذا قالوا لم يخبر بذلك أحد ولم يبشر به نبي أو‬
‫هذا غير معلوم‬

‫قيل لهم غاية هذا كله أنكم ل تعلمون ذلك ولم يقم عندكم دليل عليه وعدم العلم ‪#‬‬
‫ليس علما بالعدم فعدم علمكم وعدم علم غيركم بالشيء ليس علما بعدم ذلك الشيء‬
‫‪ #‬وكذلك عدم الدليل المعين ل يستلزم عدم المدلول عليه فإن كل ما خلقه ال دليل‬
‫عليه ثم إذا عدم ذلك لم يلزم عدم الخالق فل يجوز نفي الشيء لعدم الدليل الدال عليه‬
‫إل أن يكون عدم الدليل مستلزما لعدمه كالمور التي تتوفر الهمم على نقلها إذا لم‬
‫ينقل علم انتفاؤها ‪ #‬والمقصود أنكم مع العدم ليمكنكم النفي العام عن غير المسيح‬
‫لعدم الدليل الدال عليه فإنه ل يلزم من عدم الدليل عدم المدلول في نفس المر ل‬
‫سيما وهو كان متحدا بالمسيح عندهم أكثر من ثلثين سنة ومع هذا فكان يخفي نفسه‬
‫ول يظهر إل العبودية ‪ #‬فإذا قيل لهم هكذا كان متحدا بغيره من النبياء والصالحين‬
‫ولكن أخفى نفسه لحكمة له في ذلك أو أظهر على نفسه بعض خواص عباده أو‬
‫أظهر لطائفة لم ينقل إلينا خبرهم ونحو ذلك لم يمكن مع تصديق النصارى فيما‬
‫يدعونه الجزم بكذب هؤلء بل من جوز قول النصارى جوز أن يكون متحدا بغير‬
‫ذلك من الجسام فيجعل كثيرا من الجسام المخلوقة هي رب العالمين إذ كانت ليس‬
‫هو متحدا بها في نفس المر‬

‫فإذا اعتقدوا التحاد فيها كما اعتقدته النصارى في المسيح لم يكن ثم إله في ‪#‬‬
‫الحقيقة إل ذلك الجسم الناسوتي المخلوق ‪ #‬لكن ظن الضال أنه رب العالمين كما‬
‫ظن عباد العجل أن العجل إله موسى فإذا جاز أن يتحد الرب عز وجل ببعض‬
‫الجسام لم ينكر على أصحاب العجل إذا جوزوا أن يكون رب العالمين اتحد بالعجل‬
‫وقد رأوا منه نوع خرق عادة فليس للنصارى أن ينكروا على عباد العجل ول عباد‬
‫شيء من الصنام إذا أمكن أن يكون الرب عز وجل حل فيها عندهم إن لم يقموا‬
‫دليل على أن الرب لم يحل في ذلك ‪ #‬فإذا قيل إن موسى عليه السلم أنكر على‬
‫عباد العجل ‪ #‬قيل نعم وموسى ينكر على كل من عبد شيئا من المخلوقات حتى لو‬
‫عبد أحد الشجرة التي كلمه ال منها لنكر عليه فإنكاره على النصارى أعظم ‪#‬‬
‫وموسى عليه السلم لم يقل قط إن ال يتحد بشيء مع المخلوقات ويحل فيه بل أخبر‬
‫من عظمة ال عز وجل بما يناقض ذلك ‪ #‬ففي التوراة من نهيه عن عبادة ما سوى‬
‫ال ومن تعظيم أمره وعقوبة المشركين به وبما أخبر به من صفات ال عز وجل ما‬
‫يناقض قول النصارى‬

‫ولهذا كان من تدبر التوراة وغيرها من كلم النبياء عليهم السلم من النصارى ‪#‬‬
‫تبين له أن دينهم يناقض دين النبياء كلهم وأن ما هم عليه من التثليث والتحاد‬
‫والشرك لم يبعث به أحد من النبياء عليهم السلم ‪ #‬وما يفعلونه من دعاء‬
‫المخلوقين كالملئكة أو كالنبياء والصالحين الذين ماتوا مثل دعائهم مريم وغيرها‬
‫وطلبهم من الموات الشفاعة لهم عند ال لم يبعث به أحد من النبياء فكيف وقد‬

‫‪500‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪501‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صوروا تماثيلهم ليكون تذكيرا لهم بأصحابها ويدعون تلك الصور ‪ #‬وإن قصدوا‬
‫دعاء أصحابها فهم إذا صرحوا بدعاء أصحابها وطلبوا منهم الشفاعة وهم موتى‬
‫وغائبون كانوا مشركين ‪ #‬فكيف إذا كان الدعاء في الظاهر لتماثيلهم المصورة وهذا‬
‫مما يعترف حذاق علمائهم بأنه مخالف لدين النبياء كلهم ‪ #‬ولهذا وقع بينهم تنازع‬
‫في اتخاذ الصور في الكنائس لما ابتدعه بعضهم كما هو مذكور في أخبارهم ولم‬
‫يأت من ابتدع ذلك بحجة شرعية ‪ #‬والمجسمة يعتقدون أن ال قديم أزلي وأنه عظيم‬
‫جدا ل يقولون إنه متحد بشيء من الجسام المخلوقة ول يحل فيها فمن‬

‫قال باتحاده وحلوله فيها كان قوله شرا من قول هؤلء المجسمة ‪ #‬كما أن المتفلسفة‬
‫الذين يقولون بأن الفلك أجسام قديمة أزلية واجبة بنفسها أولها علة تتشبه بها كما‬
‫يقوله أرسطو وذووه أو يثبتون لها علة فاعلة لم تزل مقارنة لها كما يقوله ابن سينا‬
‫وأمثاله ‪ #‬وهؤلء قولهم شر من قول اليهود والنصارى ومشركي العرب الذين‬
‫يثبتون للسموات والرض خالقا خلقها بمشيئته وقدرته ‪ #‬ولو قال من قال منهم إن‬
‫ذلك جسم فغايته أن يثبت جسما قديما أزليا موصوفا بصفات الكمال ‪ #‬فمن أثبت‬
‫جسما قديما أزليا ليس موصوفا بصفات الكمال كان قوله شرا من قول هذا ‪ #‬فتبين‬
‫أن المجسمة الذين يثبتون جسما قديما أزليا واجب الوجود بنفسه عالما بكل شيء‬
‫قادرا على كل شيء مع قولهم إنه تحله الحوادث وتقوم به الحركة والسكون خيرا‬
‫من قول الفلسفة الذين يقولون إن الفلك أجسام قديمة أزلية واجبة الوجود بنفسها‬
‫كما يقوله أرسطو وذووه وخير من النصارى أيضا ‪ #‬الوجه الثالث عشر قولهم من‬
‫قال ثلثة آلهة مختلفة أو متفقة أو ثلثة أشخاص مركبة أو غير ذلك مما يقتضي‬
‫الشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه فنحن نلعنه ونكفره ‪ #‬فيقال لهم وأنتم أيضا‬
‫تلعنون من قال إن المسيح ليس هو إله حق من إله حق ول هو مساوي الب في‬
‫الجوهر ومن قال إنه‬

‫ليس بخالق ومن قال إنه ليس بجالس عن يمين أبيه ومن قال أيضا إن روح القدس‬
‫ليس برب حق محيي ومن قال إنه ليس ثلثة أقانيم ‪ #‬وتلعنون أيضا مع قولكم إنه‬
‫الخالق من قال إنه الب والب هو الخالق فتلعنون من قال هو الب الخالق ومن‬
‫قال ليس هو الخالق فتجمعون بين النقيضين ‪ #‬فتلعنون من جرد التوحيد بل شرك‬
‫ول تثليث ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الخر وتجمعون بين‬
‫النقيضين ‪ #‬فمن أثبت أحدكما منفكا عن الخر لعنتموه كمن قال عندي واحد ثلثة‬
‫‪ #‬فمن قال هو واحد ليس بثلثة كذبه ومن قال هو ثلثة ليس واحدا كذبه ‪ #‬ومن‬
‫قال عندي شيء موجود معدوم فمن قال هو موجود ليس بمعدوم كذبه ومن قال‬
‫معدوم ليس بموجود كذبه ‪ #‬ومن قال عندي شيء هو حي ميت هو عالم جاهل هو‬
‫قادر عاجز فمن قال هو حي ليس بميت كذبه ومن قال هو ميت ليس بحي كذبه ‪#‬‬
‫فهكذا أنتم تجمعون بين قولين متناقضين أحدهما حق والخر باطل ‪ #‬فمن قال الحق‬
‫ونفى الباطل لعنتموه ومن قال الباطل ونفى‬

‫‪501‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪502‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الحق لعنتموه ‪ #‬وأنتم تشبهون الملحدة من الجهمية والفلسفة والباطنية الذين‬


‫يسلبون عنه النقيضين أو يمتنعون عن إثبات أحد النقيضين فيقولون ل نقول هو حي‬
‫ول ليس بحي ول هو عالم ول ليس بعالم ول قادر ول ليس بقادر ‪ #‬بل منهم من‬
‫يقول ل نقول هو موجود ول معدوم ول نقول هو شيء ول نقول ليس بشيء ‪#‬‬
‫ومنهم من يقول ليس بحي ول ميت ول عالم ول جاهل ول قادر ول عاجز ‪ #‬ومنهم‬
‫من يقول ل نطلق ل هذا ول هذا ‪ #‬فيقال لهم رفع النقيضين كجمع النقيضين‬
‫والمتناع عن أثبات أحد النقيضين كالمتناع عن نفي أحد النقيضين ‪ #‬وكذلك من‬
‫وصفه بأنه موجود واجب الوجود لذاته ثم وصفه بصفات تستلزم عدمه فقد جمع بين‬
‫النقيضين ‪ #‬وكل قول يتضمن جمع النقيضين وإثبات الشيء ونفيه أو رفع النقيضين‬
‫الثبات والنفي فهو باطل ‪ #‬والنصارى في هذا الباب من أبلغ الناس تناقضا يقولون‬
‫الشيء ويقولون بما يناقضه ويلعنون من قال هذا ومن قال هذا ‪ #‬وأيضا فكل طائفة‬
‫منكم تلعن الخرى فإن أهل المانة تلعن الريوسية وغيرهم من طوائف النصارى‬
‫وهم يلعنونكم وكل من فرقكم‬

‫الثلثة النسطورية واليعقوبية والملكية تلعن الطائفتين الخريين ‪ #‬فأنتم واليعقوبية‬


‫تلعنون من يقول إن مريم لم تلد إلها ويقولون إن مريم ولدت إنسانا تاما إلها تاما ‪#‬‬
‫وأنتم النسطورية تلعنون من قال إنهما جوهر واحد بمشيئة واحدة وطبيعة واحدة ‪#‬‬
‫ومن قال إن اللهوت تألم مع قولكم إن اللهوت مولود من مريم ومع قولكم المسيح‬
‫الذي ولدته مريم مات وصلب وفي أقوالكم من العجائب المتناقضة التي توجب أنكم‬
‫ملعونون ما يطول وصفه فما منكم من أحد إل وهو ل عن ملعون فلعنكم من قال‬
‫بهذه المقالت ل يوجب أنكم على الحق بل يوجب أن يكون من جملة الملعونين‬
‫عندكم كطائفة من طوائفكم والنصارى طوائف كثيرون مختلفون اختلفا كثيرا ‪#‬‬
‫والطوائف الثلثة المشهورة في الزمان المتأخرة منهم بعض طوائفهم وإل فهم‬
‫طوائف كثيرون مختلفون في التثليث والتحاد ‪ #‬وتجد كل صنف منهم أو غيرهم‬
‫في مقالتهم يحكي أقوال غير القوال التي حكاها الخرون ‪ #‬ومن أجل من جمع‬
‫أخبارهم عندهم سعيد بن البطريق بترك السكندرية في أثناء المائة الرابعة من دولة‬
‫السلم وقد بحث لهم بحثا استقصى فيه بزعمه نصر مذهبهم وهو ملكي وقد ذكرت‬

‫كلمه في غير هذا الموضع ‪ #‬وفيهم من يقول إن مريم زوجة ال وفيهم من يجعلها‬
‫إلها آخر كالمسيح ‪ #‬وفيهم من يثبت أن المسيح ابن ال الولدة المعقولة المعروفة‬
‫من الحيوان ‪ #‬والمانة التي جعلوها عقيدتهم وأصل إيمانهم في زمن قسطنطين بعد‬
‫المسيح بأكثر من ثلثمائة سنة هي وغيرها من أقوالهم الظاهرة تدل على هذه‬
‫المور المنكرة القبيحة دللة بينة ‪ #‬لكن علماؤهم يتأولونها بتأويلت تناقض مدلولها‬
‫مع فساد تلك المعاني التي يحملونها عليها عقل وشرعا ‪ #‬وليست تلك ألفاظ النبياء‬
‫حتى يقال حكمهم في ذلك حكم سائر الطوائف من المسلمين وغيرهم الذين يقولون‬
‫ما يرونه متشابها من كلم النبياء ويقولون إن النبياء تكلموا بما ل يعرف أحد‬
‫معناه أو أنهم خاطبوا الجمهور بما أرادوا به تفهيمهم أمورا ينتفعون بها وإن كان‬

‫‪502‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪503‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذلك كذبا باطل في نفس المر ‪ #‬فإن هؤلء الطوائف وإن كان فيهم من الضلل‬
‫والجهل ما قد بسط في غير هذا الموضع فقد فعلوا ذلك في ألفاظ النبياء التي لها‬
‫حرمة النبوة‬

‫بخلف النصارى فإنهم وضعوا عقيدة وشريعة ليست ألفاظها منقولة عن أحد من ‪#‬‬
‫النبياء ‪ #‬الوجه الرابع عشر قولهم ويراد بالب والبن غير أبوة وبنوة نكاح ومن‬
‫أراد ولدة زوجة لعناه ‪ #‬فيقال لفظ الولدة المعروفة إنما يكون من أصلين وإنما‬
‫يكون بانفصال جزء من الصلين وإنما يكون بحدوث المولود سواء أريد ولدة‬
‫الحيوان أو غيرها كما تتولد النار من بين الزنادين فإذا قدح أحدهما بالخر خرج‬
‫منهما جزء لطيف فاستحال نارا ثم سقط على الحراق ‪ #‬وقد توسع بعض الناس في‬
‫الولدة حتى عبر به عما يحدث عن الشيء وإن لم يكن بانفصال جزء منه كتولد‬
‫الشعاع عن النار والشمس وغيرها لن هذا يحدث بشيئين أحدهما ما يصدر عنه من‬
‫الشمس والنار والثاني المحل القابل له الذي ينعكس عليه وهو الجرم المقابل له الذي‬
‫يقوم به الشعاع ‪ #‬فأما ما يحدث عن شيء واحد فل يعرف أنه يسمى ولدة إن قدر‬
‫وجود ذلك وكذلك ل يعرف ما يلزم الشيء الواحد أنه يسمى ولدا ‪ #‬فأما ما يقوم‬
‫بالموصوف من صفاته اللزمة له فهذا أبعد‬

‫شيء عن أن يسمى هذا الملزوم ولدة بل ل تكون الولدة إل عن أصلين ‪ #‬وكل من‬
‫قال إن ل ولدا لزمه أن يكون له صاحبة بأي وجه فسر الولدة وأن يكون له ولد‬
‫حادثا ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات‬
‫بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم‬
‫تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬فاستفهم تعالى استفهام‬
‫إنكار ليبين امتناع أن يكون له ولد إذ لم تكن له صاحبة فإن الولد ل يكون إل من‬
‫أصلين وهذا مما ينبغي أن يتفطن له فإن جعل ما يلزم الشيء الواحد متولدا عنه ل‬
‫يعرف ل سيما صفاته القائمة به اللزمة له كعلمه وحياته ل سيما الصفات القديمة‬
‫الزلية اللزمة لذات رب العالمين الذي لم يزل ول يزال موصوفا بها فإن صفات‬
‫العبد اللزمة له كحياته وقدرته ونحو ذلك ليست متولدة عنه عند جميع العقلء ‪#‬‬
‫ول يقول عاقل يعقل ما يقول إن لون السماء وقدرها متولد عنها ول إن قدر الشمس‬
‫وضوءها القائم بها اللزم لها متولد عنها ول يقول أحد إن حرارة النار وضوءها‬
‫القائم بها متولد عنها‬

‫وإنما يقال إن قيل فيما ليس بقائم بها بل قائم بغيرها أو فيما هو حادث بعد أن لم ‪#‬‬
‫يكن كالشعاع القائم بالرض والحيطان وهذا ليس بقائم بها بل قائم بغيرها هو حادث‬
‫متولد عن أصلين ل عن أصل واحد ‪ #‬فأما صفات المخلوق القائمة به اللزمة له‬
‫فل يقول أحد من العقلء إنها متولدة عنه ‪ #‬والنصارى يزعمون أن كلمة ال التي‬
‫يفسرونها بعلمه أو حكمته وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته هي صفة له‬
‫قديمة أزلية لم يزل ول يزال موصوفا بها ‪ #‬ويقولون مع ذلك إن الكلمة هي مولودة‬

‫‪503‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪504‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫منه فيجعلون علمه القديم الزلي متولدا عنه ول يجعلون حياته القديمة الزلية‬
‫متولدة عنه ‪ #‬وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه لكن ظهر بذلك‬
‫بعض مناقضاتهم وضللهم فإنه أنواع كثيرة فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة‬
‫اللزمة لذاته يقال إنها ابنه وولده ومتولد عنه ونحو ذلك فتكون حياته أيضا ابنه‬
‫وولده ومتولدا عنه وإن لم يكن كذلك فل يكون علمه ابنه ول ولده ول متولدا عنه ‪#‬‬
‫وأبلغ من ذلك أن روح القدس المنفصلة عنه القائمة بالنبياء والصديقين ليقولون‬
‫إنها ولده ول إنها متولدة عنه بل يخصون‬

‫ذلك بالكلمة فل ينقلون عن أحد من النبياء أنه سمى شيئا من صفات ال ابنا ول‬
‫ولدا ول قال إن علم ال أو كلمه أو حكمته ولده أو ابنه أو هو متولد عنه ‪ #‬فعلم أن‬
‫القوم في غاية التناقض في المعاني واللفاظ وأنهم مخالفون للكتب اللهية كلها ولما‬
‫فطر ال عليه عباده من المعقولت التي يسمونها نواميس عقلية ومخالفون لجميع‬
‫لغات الدميين وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم فإنهم قالوا تولدت الكلمة عنه كما‬
‫تولد الكلمة والحكمة فينا عن العقل ‪ #‬فيقال لهم لو قدر أن النبياء سموا ذلك تولدا‬
‫فما يتولد فينا حادث بعد أن لم يكن وحدوثه يتسبب من فعلنا وقدرتنا ومشيئتنا ‪ #‬فاما‬
‫صفاتنا اللزمة لنا التي ل اختيار لنا في اتصافنا بها ولم نزل متصفين بها فل يقول‬
‫عاقل إنها متولدة فينا وعنا ‪ #‬وأنتم تجعلون صفة ال القديمة اللزمة له التي لم يزل‬
‫ول يزال متصفا بها متولدة عنه ‪ #‬فلو قدر أن ما ذكرتموه من التولد العقلي أمرا‬
‫معروفا في اللغة والعقل والشرع لم يكن لكم أن تجعلوا علم ال وحكمته التي فسرتم‬
‫بها كلمته ابنا له ومولودا منه لم يزل مولودا منه لن هذا باطل عقل وشرعا ولغة ‪#‬‬
‫اما العقل فإن صفة الموصوف اللزمة له وإن كان مخلوقا‬

‫ليست متولدة عنه فكيف الصفة القديمة للموصوف القديم ‪ #‬ولو جاز هذا جاز أن‬
‫يجعل ما كان لزما لغيره ولدا له ومولودا منه فيجعل كيفيات الشياء وكمياتها‬
‫متولدة عنها وأمثالها ‪ #‬ويقال إن طول الجسم وعرضه وعمقه متولد عنه وإن حياة‬
‫الحي متولدة عنه وإن القوى والطبايع التي جعلها ال في المخلوقات متولدة عنها ‪#‬‬
‫وأما الشرع فإن هذا لو كان متولدا وهو في بعض اللغات يسمى ولدا لم يجز أن‬
‫يحمل على ذلك كلم النبياء إل أن يكون في لغتهم يسمى ولدا ‪ #‬وكل من نظر في‬
‫كتب النبياء من علماء النصارى وغيرهم لم يجد أحدا من النبياء يسمى علم ال‬
‫وكلمته وحياته ولدا له ول ابنا له ول قال إن ذلك يتولد عنه ‪ #‬فقولهم عن المسيح‬
‫عمدوا الناس باسم الب والبن وروح القدس أنه أراد بالبن كلمة ال القديمة الزلية‬
‫وأنها متولدة منه وأنه أراد بروح القدس حياة ال القديمة الزلية كذب محض على‬
‫المسيح عليه السلم ل يوجد قط في كلمه ول كلم غيره من النبياء أنهم سموا علم‬
‫ال وحكمته ول شيئا من صفاته القائمة به ابنا ول سموا حياته روح القدس ‪ #‬وأما‬
‫اللغة فإن هذا التعبير الذي ذكروا وهو تسمية صفات‬

‫الموصوف اللزمة له ولدا وابنا ومتولدا ل يعرف في لغات بني آدم المعروفة ‪#‬‬

‫‪504‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪505‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقد يتبنى الرجل ولد غيره فيتخذه ولدا ويجعله بمنزلة الولد وإن لم يكن متولدا عنه‬
‫كما كانت تفعله أهل الجاهلية من العرب وغيرهم ولهذا نزه ال تعالى نفسه عن‬
‫الولدة وعن اتخاذ الولد فقال تعالى ‪ ^ #‬أل إنهم من إفكهم ليقولون ولد ال وإنهم‬
‫لكاذبون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وجعلوا ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين‬
‫وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون بديع السماوات والرض أنى يكون له‬
‫ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ^ ‪ #‬وأما اتخاذ الولد ففي مواضع متعددة كقوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وقل الحمد ل الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ^ ‪ #‬وقوله‬
‫تعالى‬

‫وقالوا اتخذ ال ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والرض كل له قانتون بديع ^ ‪#‬‬


‫السماوات والرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وقالوا‬
‫اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون‬
‫يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون‬
‫ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ^ ‪ #‬وقوله‬
‫‪ ^ #‬ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعل‬
‫بعضهم على بعض ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬لو أراد ال إن يتخذ ولدا لصطفى مما يخلق ما‬
‫يشاء ^ ‪ #‬وأهل الكتاب يذكرون أن في كتبهم تسمية عباد ال الصالحين ابنا وتسمية‬
‫ال أبا وتسمية المصطفين أبناء وهذا إذا كان ثابتا عن النبياء فإنهم ل يعنون بة إل‬
‫معنى صحيحا ‪ #‬واللفظ قد يكون له في لغة معنى وله في لغة أخرى معنى غير ذلك‬
‫والمراد بهذا الولد والبن ل ينافي كونه مخلوقا مربوبا عبدا ل عز وجل‬

‫وأما تسمية شيء من صفات ال ابنا أو ولدا فهذا ل يعرف عن أحد من النبياء ‪#‬‬
‫ول المم أهل اللغات سوى مبتدعة النصارى ولم يبق للتولد إل معنيان أحدهما أن‬
‫ينفصل عنه جزء والثاني أن يحدث عنه شيء إما باختياره وإما بغير اختياره‬
‫وقدرته كحدوث الشعاع عن النار والشمس ‪ #‬وكل من المرين ل يكون إل عن‬
‫أصلين ول بد أن يكون حادثا ل يكون من صفاته اللزمة له فيمتنع أن يتولد عنه‬
‫شيء إن لم يكن معه أصل آخر يتولد عنهما ‪ #‬والتولد عنه بغير قدرته ومشيئته‬
‫ممتنع عند أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى وسائر المم سوى طائفة من‬
‫المتفلسفة يقولون إنه موجب بذاته مستلزما لما يصدر عنه فهؤلء قولهم يناسب هذا‬
‫التولد ‪ #‬والنصارى تكفر هؤلء لكن قد ضاهوهم في القول كما قال تعالى ‪^ #‬‬
‫وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم‬
‫يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون ^ ‪ #‬وهذا قاله طائفة من‬
‫اليهود وهو معروف عن شخص يقال له فنحاص بن عازورا وأتباعه‬

‫قال أبو محمد بن حزم والصدوقية طائفة من اليهود نسبوا إلى رجل يقال له ‪#‬‬
‫صدوق وهم يقولون من بين سائر اليهود إن العزير بن ال وكانوا بجهة اليمن ‪#‬‬

‫‪505‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪506‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولكن المتفلسفة الذين يقولون بصدور العقول والفلك عنه وإن سمي ذلك تولدا فهم‬
‫يجعلون ولده منفصل عنه لكن يثبتون ولدا قديما أزليا صدر عنه بغير اختياره‬
‫ويجعلون الشيء الواحد متولدا عنه ‪ #‬وسائر الطوائف الذين أثبتوا ل ولدا جعلوه‬
‫حادثا منفصل عنه ‪ #‬فأما جعل صفته القائمة به ولدا له ومولودا فهذا ل يعرف عن‬
‫غير النصارى فإذا أثبتوا له ولدا وابنا غير مخلوق والصفة القائمة به اللزمة له لم‬
‫تتولد عنه ول تسمى ابنا ول ولدا عند أحد من النبياء وغيرهم تعين أن يكون الولد‬
‫إما جزءا منفصل عنه وإما معلول له صادرا عنه بغير قدرته ومشيئته وأي القولين‬
‫قالوه فهم فيه كفار مضاهئون لقول الذين كفروا من قبل‬

‫وبعض علمائهم وإن أنكر ذلك لكنهم يقولون ما يستلزم ذلك ويشبهونه بالشعاع ‪#‬‬
‫من الشمس ويقولون عن الروح هو منبثق من ال خارج منه ‪ #‬وهذا كله يناسب‬
‫الولدة التي هى خروج شيء منه أو حدوث شيء عنه بغير اختياره ومشيئته ول بد‬
‫له مع ذلك من محل يقوم به فإن الشعاع ل يقوم إل بالرض ‪ #‬والمر المنبثق‬
‫الخارج من غيره إما أن يكون جوهرا قائما بنفسه أو صفة قائمة بغيرها ‪ #‬فإن كان‬
‫جوهرا فقد انفصل من الرب جزء ‪ #‬وإن كان عرضا فل بد له من محل فيكون‬
‫متولدا عن أصلين ‪ #‬وتشبيههم بتولد الكلم عن العقل تشبيه باطل فإن ذلك يحصل‬
‫بقدرة النسان ومشيئته وهو حادث بعد أن لم يكن ‪ #‬هذا إذا عرف أن ما يقوم بقلب‬
‫النسان من علم وحكمة يقال إنه يتولد عنه ويقال إنه ابنه مع أن هذا أمر غير‬
‫معروف في اللغات ولو كان معروفا في لغة بعض المم لم يجز أن يفسر به كلم‬
‫النبياء إن لم يكن معروفا في لغتهم ‪ #‬وأما ما يدعونه فإنهم يقولون إن الكلمة لزمة‬
‫لذات ال أزل وأبدا وهي مولودة منه مع أنها غير مصنوعة فهذا كلم متناقض‬
‫باطل من وجوه‬

‫فإن المتولد عن الشيء ل يتولد إل عنه وعن غيره وأما الشيء الواحد فل يتولد ‪#‬‬
‫عنه وحده شيء وأيضا فإن ما تولد عن غيره لم يكن حادثا وأما الصفة القديمة‬
‫اللزمة لذات الرب فليست مولودة له ول متولدة عنه بل هي قائمة به لزمة لذاته ‪#‬‬
‫وأيضا فإن المولود اسم مفعول يقال ولده يلده فهو مولود وهذا ل يقال إل في الحادث‬
‫المتجدد فإنه مفعول فعل الوالد ‪ #‬والقديم الزلي ل يكون مفعول مولودا ‪ #‬وأيضا‬
‫فتسمية الصفة القديمة الزلية مولودا وابنا ل يوجد في كلم أحد من النبياء عليهم‬
‫السلم ‪ #‬فهب أن هذا مما يسوغ لنا في اللغة أن نقوله لكن ل يجوز أن نحدث لغة‬
‫غير لغة النبياء ونحمل كلم النبياء عليها فإن هذا كذب عليهم ‪ #‬وهكذا تفعل‬
‫النصارى وأمثالهم من أهل التحريف بكلم النبياء يحدثون لهم لغة مخالفة للغة‬
‫النبياء ويحملون كلم النبياء عليه ‪ #‬مثال ذلك أن النبياء أخبروا بأن ال إله واحد‬
‫وكفروا من أثبت إلهين اثنين وأمروا بالتوحيد ودعوا إليه وحرموا الشرك وكفروا‬
‫أهله وأخبروا أن ال واحد أحد وكان مرادهم بذلك توحيده وأنه ل يجوز أن‬

‫يعبد إل ال وأنه ل يستحق العبادة إل هو ليس مقصودهم بذلك نفي صفاته ‪ #‬فلم‬

‫‪506‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪507‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يقصدوا بلفظ الحد والواحد أنه ليس له علم ول قدرة ول شيء من الصفات ‪ #‬فجاء‬
‫طائفة من أهل البدع ففسروا لفظ اسم الواحد والحد بما جعلوه اصطلحا لهم فقالوا‬
‫الواحد الذي ليس فيه تركيب ول ينقسم ولو كان له صفات لكان مركبا ولو قامت به‬
‫الصفات لكان جسما والجسم مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة فل‬
‫يكون أحدا ول واحدا ‪ #‬فيقال هذا الذي قالوه لو قدر أنه صحيح في العقل واللغة‬
‫فليس هو لغة النبياء التي خاطبوا بها الخلق فكيف إذا لم يكن هذا الواحد من لغة‬
‫أحد من المم ‪ #‬بل جميع المم تسمي ما قام به الصفات واحدا بل يسمونه وحيدا‬
‫وقد يسمونه في غير الثبات أحدا كقوله ‪ ^ #‬وإن أحد من المشركين استجارك‬
‫فأجره حتى يسمع كلم ال ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ‪ #‬وأمثال‬
‫ذلك‬

‫وأما البحث العقلي في هذا فقد بسطناه في غير هذا الموضع وبينا أن ما يسميه ‪#‬‬
‫هؤلء المتفلسفة تركيبا كقولهم إن الشيء مركب من وجود وماهية وقولهم إن‬
‫النواع مركبة من الجناس والفصول هو باطل عند جميع جمهور العقلء ‪ #‬وليس‬
‫في الخارج إل ذات متصفة بصفات ليس في الخارج وجود القائم بنفسه وماهية‬
‫أخرى غير هذا الشيء الموجود القائم بنفسه مثل ‪ #‬ولكن قد يعنى بلفظ ماهية ما‬
‫يتصور في الذهان وبالوجود ما يوجد في العيان وحينئذ فهذه الماهية غير هذا‬
‫الموجود وحينئذ فيقال هذه الماهية غير هذا الوجود ‪ #‬وكذلك قولهم إن النسان‬
‫الموجود في الخارج مركب من الجنس والفصل فإن النسان الموجود هو ذات‬
‫متصفة بصفات هو وغيره من الموجودات ‪ #‬ولكن يتصور في الذهن ما هو مركب‬
‫من الحيوان والناطق كما يتصور ما هو مركب من الحيوان والضاحك وهذا تركيب‬
‫ذهني ل تركيب في الخارج وقد بسط هذا في غير هذا الموضع ‪ #‬وتبين أن ما‬
‫جعلوه من الصفات داخل في الماهية وما جعلوه خارجا عنها لزما لها وما هو‬
‫مجموع أجزاء الماهية يرجع عند التحقيق إلى ما هو مدلول عليه بالتضمن واللتزام‬
‫والمطابقة‬

‫ومن ذلك تركيب الجسم من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة ‪ #‬وأكثر ‪#‬‬
‫العقلء ينكرون تركيب الجسم من هذا وهذا كما قد بسط في موضع آخر ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أن كلم النبياء ل يجوز أن يحمل إل على لغتهم التي من عادتهم أن‬
‫يخاطبوا بها الناس ل يجوز أن يحدث لغة غير لغتهم ويحمل كلمهم عليها ‪ #‬بل إذا‬
‫كان لبعض الناس عادة ولغة يخاطب بها أصحابه وقدر أن ذلك يجوز له فليس له أن‬
‫يحمل ذلك لغة النبي ويحمل كلم النبي على ذلك ‪ #‬ومن هذا إخبار النبياء بأن ال‬
‫يقول ويتكلم وينادي ويناجي وإنه قال كذا وتكلم بكذا ونادى موسى ونحو ذلك ‪#‬‬
‫والمعروف في لغتهم ولغة سائر المم أن المتكلم من قام به الكلم وإن كان متكلما‬
‫بقدرته ومشيئته ل يعرف في لغتهم أن المتكلم من أحدث كلما منفصل عنه ول أن‬
‫المتكلم من قام به الكلم بدون قدرته ومشيئته ‪ #‬فليس لحد إذا جعل اسم المتكلم لمن‬
‫يحدث كلما بائنا عنه أو من قام به بدون قدرته ومشيئته أن يحمل كلم النبياء على‬

‫‪507‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪508‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هذا ‪ #‬بل المتكلم عند الطلق من تكلم بقدرته ومشيئته مع قيام الكلم به‬

‫وهذا هو المعروف في لغة النبياء وسائر المم عند الطلق ونظائر هذا متعددة ‪#‬‬
‫‪ #‬فمن فسر كلم النبياء بغير لغتهم المعروفة فهم ممن بدل كلمهم وحرفه‬
‫والنصارى من هؤلء ‪ #‬وكذلك اسم العادل والظالم ونحوهما فإن المعروف من‬
‫كلم النبياء وغيرهم أن العادل من قام به العدل وفعل العدل بمشيئته وقدرته ‪#‬‬
‫والظالم من قام به الظلم وفعله بقدرته ومشيئته ل يسمون من لم يقم به الظلم ولكن‬
‫قام بغيره لكون قد جعل ذلك فاعل له ول يسمون من لم يفعل الظلم ولكن فعله غيره‬
‫فيه ظالما ‪ #‬فمن جعل الظالم والكافر والفاسق من لم يفعل شيئا من ذلك ولكن فعله‬
‫غيره فيه أو جعل الظالم من لم يقم به ظلم فعله ولكن جعل غيره متصفا به ظالما فقد‬
‫خرج عن المعروف من كلم النبياء وغيرهم ‪ #‬وأبلغ من ذلك أن المحدث‬
‫والحادث في لغة جميع المم ل يسمى به إل ما كان بعد أن لم يكن والمخلوق أبلغ‬
‫من المحدث والحادث ‪ #‬فليس لحد إذا أحدث اصطلحا سمى به القديم الزلي الذي‬
‫لم يزل موجودا ولكنه زعم أنه معلول لغيره فسماه محدثا بهذا العتبار أن يقول أنا‬
‫أحمل كلم النبياء الذي أخبروا به أن السماوات والرض‬

‫وما بينهما مخلوق أو مصنوع أو معقول أو محدث أو نحو ذلك من العبارات على‬
‫أن مرادهم بذلك أنه معلول مع كونه قديما أزليا لم يزل ‪ #‬وأما لفظ القديم فهو في‬
‫اللغة المشهورة التي خاطبنا بها النبياء يراد به ما كان متقدما على غيره تقدما‬
‫زمانيا سواء سبقه عدم أو لم يسبقه كما قال تعالى ‪ ^ #‬حتى عاد كالعرجون القديم ^‬
‫‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬تال إنك لفي ضللك القديم ^ ‪ #‬وقال الخليل ‪ ^ #‬أفرأيتم ما‬
‫كنتم تعبدون أنتم وآ‬
‫باؤكم القدمون فإنهم عدو لي إل رب العالمين ^ ‪ #‬فلهذا كان القديم الزلي الذي لم‬
‫يزل موجودا ولم يسبقه عدم أحق باسم القديم من غيره ‪ #‬وليس لحد أن يجعل‬
‫القديم والمتقدم اسما لما قارن غيره في الزمان لزعمه أنه متقدم عليه بالعلة ويقول‬
‫إنه متقدم على غيره وسابق له بهذا العتبار وإن ذلك المعلول متأخر عنه بهذا‬
‫العتبار ثم يحمل ما جاء من كلم النبياء وأتباع النبياء وعموم الخلق على هذا‬
‫الصطلح لو كان حقا فكيف إذا كان باطل‬

‫وما ذكره من التقدم والسبق والتأخر بغير الزمان أمر غير موجود ول معقول ول ‪#‬‬
‫يعرف في الوجود من فعل شيئا وكان علة فاعلة له إل وهو متقدم عليه سابق له‬
‫ليس مقارنا له في الزمان ألبتة بل متقدم عليه تقدما زمانيا ‪ #‬وكل من يعرف أنه‬
‫سبب أو علة فاعلة فإنه متقدم على مسببه ومعلوله لكن قد يكون متصل به ليس‬
‫بينهما زمان آخر ‪ #‬فيقال ليس هذا متأخرا عن هذا أي هو متصل به ليس بينهما‬
‫فصل ‪ #‬ويقال ليس ذلك متقدما على هذا أي ليس بينهما زمان بل هو متصل به إذ‬
‫قد يراد بلفظ التقدم هذا كقول النبي الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس منها من‬
‫تقدمها أي من كان قد تقدمها حتى لم يكن قريبا منها لم يكن تابعا لها كما جاء في‬

‫‪508‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪509‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الحديث الخر الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها ووراءها وعن يمينها ويسارها‬
‫قريبا منها رواه أبو داود وغيره وهو أبين حديث‬

‫روي في هذا الباب في هذا الحكم ومنه قوله تعالى ‪ ^ #‬ول اليل سابق النهار ^ ‪#‬‬
‫أي ل يتقدم عليه بحيث يكون بينهما انفصال بل كال منهما متصل بالخر ‪#‬‬
‫والمقصود هنا أن معرفة اللغة التي خاطبنا بها النبياء وحمل كلمهم عليها أمر‬
‫واجب متعين ومن سلك غير هذا المسلك فقد حرف كلمهم عن مواضعه وكذب‬
‫عليهم وافترى ‪ #‬ومثل هذا التحريف والتبديل قد اتفق المسلمون واليهود والنصارى‬
‫على أنه وقع فيه خلق كثير من أهل الكتب الثلثة وأن التوراة والنجيل حرفا بهذا‬
‫العتبار وكذلك القرآن حرفه أهل اللحاد والبدع بهذا العتبار ‪ #‬فأهل الكتاب نقلوا‬
‫عن النبياء أنهم تكلموا بلفظ الب والبن ومرادهم عندهم بالب الرب وبالبن‬
‫المصطفى المختار المحبوب ‪ #‬ولم ينقل أحد منهم عن النبياء أنهم سموا شيئا من‬
‫صفات ال ابنا ول قالوا عن شيء من صفاته أنه تولد عنه ول أنه مولود له ‪ #‬فإذا‬
‫وجد في كلم المسيح عليه السلم أنه قال عمدوا الناس باسم الب والبن وروح‬
‫القدس ثم فسروا البن بصفة ال‬

‫القديمة الزلية كان هذا كذبا بينا على المسيح حيث لم يكن في لغته أن لفظ البن‬
‫يراد به صفة ال القديمة الزلية ‪ #‬وكذلك إذا لم يكن في كلم النبياء أن حياة ال‬
‫تسمى روح القدس وإنما يريدون بروح القدس ما ينزله ال تبارك وتعالى على‬
‫النبياء والصالحين ويؤيدهم كان تفسير قول المسيح روح القدس أنه أراد حياة ال‬
‫كذبا على المسيح ‪ #‬وهذا من بعض الوجوه أفسد من قول بعض المتفلسفة إن العقول‬
‫والنفوس والفلك معلولة له متولدة عنه لزمة له أزل وأبدا وإن كان هذا أيضا‬
‫باطل في صريح العقل كما هو كفر بما أخبرت به النبياء كما قد بسط في موضع‬
‫آخر فإنه ل يصدر شيء عن فاعل الشياء بعد شيء ل يتصور أن يكون المفعول‬
‫مقارنا للفاعل ل يتأخر عنه ول يكون التولد إل عن أصلين ‪ #‬والواحد من كل وجه‬
‫الذي ليس له صفة ثبوتية ل وجود له ولو كان له وجود لم يصدر عنه وحده شيء‬
‫كما قد بسط الكلم على ذلك في مواضع أخر ‪ #‬ومما يوضح ذلك أن خواص‬
‫النصارى وعلماءهم مع تجويزهم أن يقال أن المسيح ابن ال يلزمهم أن تكون مريم‬
‫صاحبة ال وامرأته كما قال ذلك من يغلو منهم ومنهم من يجعل مريم إلها مع ال‬
‫كما جعل المسيح إلها ‪ #‬فإن قالوا بذلك جعلوا ل صاحبة وولدا وجعلوا المسيح بن‬

‫مريم وأمه إلهين من دون ال كما فعل ذلك من فعله منهم ‪ #‬فإنهم يعبدون مريم‬
‫ويدعونها بما يدعون به ال سبحانه والمسيح ويجعلونها إلها كما يجعلون المسيح إلها‬
‫فيقولون يا والدة الله اغفري لنا وارحمينا ونحو ذلك فيطلبون منها ما يطلبونه من‬
‫ال عز وجل ‪ #‬ومنهم من يقول عن مريم إنها صاحبة ال سبحانه وتعالى ‪ #‬وبيان‬
‫لزوم ذلك أن المسيح عندهم إنسان تام وإله تام ناسوت ولهوت فناسوته من مريم‬
‫ولهوته الكلمة القديمة الزلية وهي الخالق عندهم ‪ #‬فالمسيح بين أصلين ناسوت‬

‫‪509‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪510‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولهوت فإذا كان الب هو ال عندهم والكلمة المولودة عن الب ابن ال فمعلوم أن‬
‫اللهوت لما التحم بالناسوت ليصير منهما المسيح ازدوج به وقارنه وهذا معنى‬
‫الزوجية ‪ #‬فكما أنهم قالوا إن الولدة عقلية ل حسية فكذلك الزدواج والنكاح عقلي‬
‫ل حسي فإن اللهوت على قولهم ازدوج بناسوت مريم ونكحها نكاحا عقليا وخلق‬
‫المسيح من هذا و هذا ‪ #‬وهم يقولون في المانة إن المسيح تجسد من مريم ومن‬
‫روح القدس ‪ #‬فإن فسروا روح القدس بجبريل كما يقوله المسلمون فهو‬

‫الحق وبطل قولهم لكنهم يقولون روح القدس هو القنوم الثالث كما يقولون في‬
‫الكلمة وهو اللهوت عندهم ‪ #‬فهم قد ذكروا أنه تجسد من الناسوت واللهوت‬
‫فيلزمهم على هذا أن يكون المسيح هو البن وهو روح القدس فيكون أقنومين ل‬
‫أقنوما واحدا وقد تقدم تناقضهم في هذا ‪ #‬والمقصود هنا أنهم إذا قالوا إن الرب أو‬
‫بعض صفاته اتحد بما خلق من مريم فل بد أن يحصل له اتصال بمريم قبل اتصاله‬
‫بما خلق منها وذلك هو معنى النكاح والزدواج ‪ #‬وعند جمهور النصارى أن مريم‬
‫ولدت اللهوت كما ولدت الناسوت وهي أم اللهوت ويقولون في دعائهم يا والدة‬
‫الله ‪ #‬واللهوت الذي ولدته مريم هو عندهم رب العالمين واللهوت اتحد‬
‫بالناسوت عندهم من حين خلق الناسوت في بطن مريم لم يحدث بعد الولدة ‪ #‬فإذا‬
‫جاز أن يكون لرب العالمين عندهم أم ولدته بوجه من الوجوه فإمكان أن يكون له‬
‫صاحبة وزوجة أولى وأحرى وليس في ذلك ما يحيله العقل والشرع إل وهو لكونها‬
‫أما للهوت أشد إحالة ‪ #‬فإن جاز أن يكون اللهوت أم والم أصل فلن يكون له‬
‫صاحبة هي زوجة ونظير أقرب وأولى فإن من المعلوم أن ولد ذلك الشيء وهو‬
‫المتفرع المتولد عنه أنقص بالنسبة إليه من نظيره ‪ #‬فإذا قالوا إن لرب العالمين ولدا‬
‫اتحد بالناسوت هو نظيره المساوي له في الجوهر وقالوا إن الناسوت أم هذا المسيح‬
‫الذي‬

‫هو ال وهو ابن ال وقالوا إن الناسوت مريم ولد اللهوت كما ولد الناسوت ولم يكن‬
‫هذا عيبا ينزه الرب عنه فلن يجعلوا له أم هذا الولد الذي حبلت به واتحد به‬
‫اللهوت وهو منها وولدت اللهوت صاحبة وزوجة للب أولى وأحرى و إل فكيف‬
‫تلد ابنه الذي هو اللهوت ول تكون صاحبته وامرأته ‪ #‬وهم يقولون نحن سمينا‬
‫علمه مولودا عنه لكونه تولد عنه تولد الكلمة عن العقل وهذا الولد اتحد بالناسوت‬
‫فسمينا المجموع ولدا ‪ #‬وبهذا يفرقون بين كون المسيح ابنا وغيره من النبياء‬
‫يسمى ابنا ‪ #‬فإنهم يقولون هؤلء أبناء بالوضع والمسيح ابن بالطبع أي أولئك سموا‬
‫أبناء بمشيئة الرب وقدرته لنه اصطفاهم والكلمة التي جعلوها متحدة بالمسيح هي‬
‫عندهم متولدة عن ال تولدا قديما أزليا ل يتعلق بمشيئته وقدرته ولهذا قالوا مولود‬
‫غير مصنوع فإن القديم الزلي مع كونه قائما بذاته ل يكون مصنوعا عند أحد من‬
‫العقلء ول القائلين بقدم العالم ‪ #‬فإذا كانت الكلمة التحدث بالمسيح المخلوق من‬
‫مريم والتحمت به فإذا قيل مع ذلك أن القديم مس المحدث أو لصقه أو باشره كان‬
‫أيسر من هذا كله ‪ #‬والمسيح ولد ولدة حادثة عندهم غير الولدة القديمة التي للكلمة‬

‫‪510‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪511‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيلزم أن تكون مريم قد صارت زوجة وامرأة بل نكحت نكاحا‬

‫حادثا يناسب تلك الولدة المحدثة قال تعالى ‪ ^ #‬أنى يكون له ولد ولم تكن له‬
‫صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ^ ‪ #‬ولهذا كان الحلول أسهل من‬
‫التحاد ‪ #‬فمن قال إنه حل في جسد المسيح وماسه وباشره كما يحل الماء في اللبن‬
‫كان أهون ممن يقول إنه اتحد به والتحم به ‪ #‬فإذا قيل إن مريم امرأة القديم‬
‫وصاحبته وزوجته كان ما في هذا من إثبات مباشرته لها ومماسته لها واتصاله بها‬
‫‪ #‬ومهما قدر من اتصال الزوج بزوجته أهون مما قالوه من اتحاد القديم بالمحدث‬
‫ومصيره إياه إما جوهرا واحدا وإما شخصا واحدا وإما مشيئة واحدة ‪ #‬ولهذا كان‬
‫كل عاقل يعلم أن النكاح الحسي أسهل من الولدة الحسية ‪ #‬فالذكر من الحيوان إذا‬
‫نكح النثى فإنما مس الذكر للنثى لم تصر النثى متولدة عنه فإذا جوزوا أن يكون‬
‫للرب القديم الزلي ما يتولد عنه ويتحد به وهو محدث مخلوق فلن يكون له ما‬
‫يمسه أولى وأحرى‬

‫وإذا قالوا إن المسيح إنما كان ابنا لن الكلمة القديمة التي هي ابن اتحدت به قبل ‪#‬‬
‫فقد يسمى الناسوت الذي اتحد به القديم ابنا عندكم باسم القديم وجعلتموه إلها خالقا‬
‫فما المانع من جعل أم ذلك الناسوت الذي جعلتموه ابن ال صاحبة ل وزوجة‬
‫باعتبار أن القديم الزلي حصل منه ومنها ما هو ابن القديم الزلي ‪ #‬الوجه الخامس‬
‫عشر أن يقال لفظ البن وروح القدس قد جاء في حق غير المسيح عندكم حتى‬
‫الحواريين عندكم يقولون إن المسيح قال لهم إن ال أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم‬
‫ويقولون إن روح القدس تحل فيهم ‪ #‬وفيما عندكم من التوراة أن الرب قال لموسى‬
‫اذهب إلى فرعون فقل له يقول لك الرب إسرائيل ابني بكري أرسله يعبدني فإن‬
‫أبيت أن ترسل ابني بكري قتلت ابنك بكرك فلما لم يرسل فرعون بني إسرائيل كما‬
‫قال ال قتل اللة أبكار فرعون وقومه من بكر فرعون الجالس على السرير إلى‬
‫الول من أولد الدميين إلى ولد الحيوان إليهم ‪ #‬فهذه التوراة تسمي بني إسرائيل‬
‫كلهم أبناء ال وأبكاره وتسمي‬

‫أبناء أهل مصر أبناء فرعون فتوسع بتسمية سخال الحيوان أولد المالك للحيوان ‪#‬‬
‫وفي مزامير داود يقول أنت ابني سلني أعطك وفي النجيل يقول عن المسيح أنا‬
‫ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وقال إذا صليتم فقولوا يا أبانا الذي في السماء‬
‫قدوس اسمك افعل بنا كذا وكذا ‪ #‬ويقولون عن القديسين إن روح القدس يحل فيهم‬
‫وكذلك حلت في داود وغيره من النبياء بل عندهم إن ال يحل في الصديقين كلهم‬

‫فإن كان البن وروح القدس يقتضي اتحاد اللهوت بالناسوت وجب أن يكون كل ‪#‬‬
‫من الحواريين لهوتا وناسوتا وكذلك النبياء فيكون النبي لهوتا وناسوتا لنه قد‬
‫سمي عندكم ابن ال ونطقت فيه روح القدس ل سيما وأنتم قلتم في المانة إنه روح‬
‫ممجد مسجود له ناطق في النبياء ‪ #‬فإن كان هذا يوجب حلول اللهوت في‬

‫‪511‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪512‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الناسوت أو اتحاده لزم أن يكون غير المسيح من النبياء بل والحواريين بل وأبناء‬


‫إسرائيل لهوتا وناسوتا إذ كان الذي جعلتموه اللهوت حل بغير المسيح واتحد به‬
‫أو سكن فيه أو احتجب به أو ما قلتم من اللفاظ التي استدللتم بها على أن اللهوت‬
‫حل في المسيح كلفظ البن وروح القدس موجود عندكم في غير حق المسيح ‪#‬‬
‫والمعجزات التي احتججتم بها للمسيح قد وجدت لغير المسيح ‪ #‬ولو قدر أن المسيح‬
‫أفضل من بعض أولئك فل ريب أن المسيح عليه السلم أفضل من جمهور النبياء‬
‫أفضل من داود وسليمان وأصحاب النبوات الموجودة عندكم وأفضل من الحواريين‬
‫‪ #‬لكن مزيد الفضل يقتضي الفضيلة في النبوة والرسالة كفضيلة إبراهيم وموسى‬
‫ومحمد صلوات ال عليهم وسلمه وذلك‬

‫ل يقتضي خروجه عن جنس الرسل كما قال تعالى ‪ ^ #‬ما المسيح ابن مريم إل‬
‫رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلن الطعام انظر كيف نبين لهم‬
‫اليات ثم انظر أنى يؤفكون ^ ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة المائدة من اليات ‪75 72‬‬
‫‪ #‬وجماع هذا الجواب أن ما يوصف به المسيح عندهم من كونه ابن ال وكون ال‬
‫حل فيه أو ظهر أو سكن وكون روح القدس أو روح ال حلت فيه وكونه مسيحا كل‬
‫ذلك موجود عندهم في حق غير المسيح ‪ #‬فليس للمسيح اختصاص بشيء من هذه‬
‫اللفاظ وإنما يوجد اختصاصه بلفظ الكلمة وكونه تجسد من روح القدس وهذا هو‬
‫الذي خصه به القرآن فإن ال قال‬

‫إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ^ ‪# ^ #‬‬
‫وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال من شهد أن ل إله إل ال‬
‫وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد ال ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم‬
‫وروح منه أدخله ال الجنة على ما كان من عمل فهذا الذي خصه به القرآن هو‬
‫الذي خصته الكتب المتقدمة إذ كان القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا‬
‫عليه ‪ #‬وأما سائر ما يوصف به ويدعون اختصاصه به من كونه ابنا ل وكونه‬
‫مسيحا فغيره أيضا في كتب ال يسمى ابنا ل ومسيحا ولذلك ما يذكر من اللفاظ‬
‫التي يحتجون بها على الحلول مثل كون الرب ظهر فيه أو حل أو سكن فإن هذه‬
‫اللفاظ موجودة عندهم في حق غير المسيح بخلف لفظ التحاد فإنه ل يوجد عندهم‬
‫عن النبياء ل في حق المسيح ول غيره كما ل يوجد عندهم عن النبياء لفظ‬

‫القانيم ول لفظ التثليث ول اللهوت والناسوت ول تسمية ال جوهرا بل هذا كله‬


‫مما ابتدعوه كما ابتدعوا أيضا تسمية صفات ال ابنا وروح القدس فهم ابتدعوا ألفاظا‬
‫لم ينطق بها النبياء أثبتوا لها معاني وابتدعوا استعمال ألفاظ النبياء في غير‬
‫مرادهم وحملوا مرادهم عليها ‪ #‬واللفاظ المتشابهة التي يحتجون بها على اتحاد‬
‫اللهوت بالناسوت موجودة عندهم في حق غير المسيح ‪ #‬فليس للمسيح خاصة في‬
‫كلم النبياء توجب أن يكون هو ال أو ابن ال وتلك اللفاظ قد عرف باتفاقهم‬
‫واتفاق المسلمين أن المراد بها حلول اليمان بال ومعرفته وهداه ونوره ومثاله‬

‫‪512‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪513‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العلمي في قلوب عباده الصالحين كما قد بسط الكلم على ذلك في غير هذا الموضع‬
‫وقد تقدم ‪ #‬ومن قال من ضلل المسلمين إن الرب يتحد أو يحل في النبياء‬
‫والولياء وإن هذا من السر الذي ل يباح به فقوله من جنس قول النصارى في‬
‫المسيح وهذا كثير في كلم كثير من المشايخ والمدعين للمعرفة والتحقيق والتوحيد‬
‫فيجعلون توحيد العارفين أن يصير الموحد هو الموحد ومنهم من يقول إن ال يحل‬
‫في قلب العارف ويتكلم بلسانه كما يتكلم الجني على لسان المصروع ويقول الول ‪#‬‬
‫‪ % %‬ما وحد الواحد من واحد ‪ %‬إذ كل من وحده جاحد‬

‫توحيد من ينطق عن نعته ‪ %‬عارية أبطلها الواحد ‪ % # %‬توحيده إياه ‪# %‬‬


‫‪ %‬توحيده ‪ %‬ونعت من ينعته لحد‬
‫ومن هؤلء من يقول إن هذا هو السر الذي باح به الحلج وغيره وهذا عندهم ‪#‬‬
‫من السرار التي يكتمها العارفون فل يبوحون بها إل لخواصهم ‪ #‬ومنهم من يقول‬
‫إنما قتل الحلج لنه باح بهذا السر وينشدون ‪ % #‬من باح بالسر كان القتل شيمته‬
‫‪ % %‬بين الرجال ولم يؤخذ له ثار‬
‫وأمثال ذلك ‪ #‬وهؤلء في دعواهم التحاد والحلول بغير المسيح شر من ‪#‬‬
‫النصارى ‪ #‬فإن المسيح صلوات ال عليه أفضل من كل من ليس بنبي بل هو أفضل‬
‫من جماهير النبياء والمرسلين ‪ #‬فإذا كان من ادعى أن اللهوت اتحد به كافرا‬
‫فكيف بمن ادعى ذلك فيمن هو دونه ‪ #‬وهذا التحاد الخاص غير التحاد والحلول‬
‫العام لقول الذين يقولون إنه حال بذاته في كل مكان أو متحد بكل شيء‬

‫وغلة هؤلء ومحققوهم يقولون إنه عين الوجود والوجود واحد ‪ #‬فيجعلون ‪#‬‬
‫الوجود الخالق القديم الواجب هو عين وجود المخلوق المحدث الممكن ‪ #‬وهؤلء‬
‫مثل ابن عربي الطائي وصاحبه الصدر القونوي وصاحبه العفيف التلمساني وابن‬
‫سبعين وصاحبه الششتري وعبد ال البلياني وعامر البصري وطوائف غير هؤلء‬
‫‪ #‬وهؤلء يقولون إن النصارى إنما كفروا لنهم خصوا ذلك بالمسيح‬

‫وحقيقة قول هؤلء هو جحد الخالق وتعطيله كما قال فرعون وما رب العالمين ‪#‬‬
‫وقال ما علمت لكم من إله غيري ‪ #‬فإن فرعون ما كان ينكر هذا الوجود المشهود‬
‫لكن ينكر أن له صانعا مباينا له خلقه وهؤلء موافقون لفرعون في ذلك ‪ #‬لكن‬
‫فرعون أظهر الجحود والنكار فلم يقل الوجود المخلوق هو الخالق ‪ #‬وهؤلء ظنوا‬
‫أنهم يقرون بالخالق وأن الوجود المخلوق هو الخالق وقد بسط الكلم على هؤلء في‬
‫آخر هذا الكتاب ‪ #‬وهؤلء لهم شعر نظموا قصائد على مذهبهم كابن الفارض في‬
‫قصيدته المسماة بنظم السلوك حيث يقول ‪ % #‬لها صلواتي بالمقام أقيمها ‪ %‬وأشهد‬
‫فيها أنها لي صلت ‪ % # %‬كلنا مصل واحد ساجد إلى ‪ %‬حقيقته بالجمع في كل‬
‫‪ %‬سجدة‬

‫‪ %‬وما كان لي صلى سواي ولم تكن ‪ %‬صلتي لغيري في أدا كل ركعة ‪# %‬‬

‫‪513‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪514‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلى أن قال ‪ % #‬وما زلت إياها وإياي لم تزل ‪ %‬ول فرق بل ذاتي لذاتي ‪#‬‬
‫‪ %‬أحبب‬
‫وقوله ‪ % #‬إلى رسول كنت مني مرسل ‪ %‬وذاتي بآياتي علي استدلت ‪# # %‬‬
‫‪ %‬فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ‪ %‬منادى أجابت من دعاني ولبت ‪% # %‬‬
‫‪ %‬وقد رفعت ياء المخاطب بيننا ‪ %‬وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعت‬
‫إلى أمثال هذه البيات ‪ #‬وكذلك ابن إسرائيل في شعره قطعة من هذا كقوله ‪# #‬‬
‫‪ % %‬وما أنت غير الكون بل أنت عينه ‪ %‬ويفهم هذا السر من هو ذائق‬
‫والتلمساني الملقب بالعفيف كان من أفجر الناس وكان أحذق هؤلء الملحدة ‪# #‬‬
‫ولما قرىء عليه كتاب فصوص الحكم لبن عربي قيل له هذا الكلم يخالف القرآن‬
‫قال القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلمنا‬

‫فقيل له إذا كان الوجود واحدا فلماذا تحرم على أمي وتباح لي امرأتي ‪ #‬فقال ‪#‬‬
‫الجميع عندنا حلل ولكن هؤلء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ‪ #‬وكلم‬
‫هؤلء كله متناقض ينقض بعضه بعضا ‪ #‬فإن قوله هؤلء المحجوبون وقوله قلنا‬
‫حرام عليكم يقتضي الفرق بينه وبين المحجوبين وبين المخاطب والمخاطب وهذا‬
‫يناقض وحدة الوجود ‪ #‬وإذا قالوا هذه مظاهر للحق ومجال فإن كان الظاهر غير‬
‫المظهر والمجلى غير المتجلي فقد ثبت التعدد وأن في الوجود اثنين ظاهرا ومظهرا‬
‫وإن جعلوهما واحدا فقد بطل جوابهم ‪ # #‬انتهى المجلد الرابع ويليه المجلد الخامس‬
‫‪ #‬وأوله فصل مناقشة النصارى ‪ #‬في إطلق لفظ الجوهر على ال تعالى‬

‫فصل ‪ #‬قال الحاكي عنهم فقلت فإنهم ينكرون علينا قولنا إن ال تعالى جوهر قالوا‬
‫إننا نسمع عن هؤلء القوم أنهم ذو فضل وأدب ومعرفة ومن هذا صورته وقد قرأ‬
‫شيئا من كتب الفلسفة والمنطق فما حقهم ينكرون هذا علينا وذلك أنه ليس‬

‫في الوجود شيء إل وهو إما جوهر وإما عرض لن أي أمر نظرناه وجدناه إما‬
‫قائما بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر وإما مفتقر في وجوده إلى‬
‫غيره ل قوام له بنفسه وهو العرض ول يمكن أن يكون لهذين القسمين قسم ثالث‬
‫فأشرف هذين القسمين القائم بذاته الغير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر ‪#‬‬
‫ولما كان الباري تقدست أسماؤه أشرف الموجودات إذ هو سبب سائرها أوجب أن‬
‫يكون أشرف المور وأعلها الجوهر ولهذا قلنا إنه جوهر ل كالجواهر المخلوقة‬
‫كما نقول إنه شيء ل كالشياء المخلوقة وإل لزم أن يكون قوامه بغيره ومفتقر في‬
‫وجوده إلى غيره وهذا من القبيح أن يقال على ال تعالى فقلت‬

‫لهم إنهم يقولون إنا إنما نمتنع من تسميه جوهرا لن الجوهر ما قبل عرضا وما‬
‫شغل الحيز ولهذا ما يطلق عليه القول بأنه تعالى جوهر قالوا إن الذي يقبل عرضا‬
‫ويشغل حيزا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فما يقبل عرضا ول يشغل‬

‫‪514‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪515‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء وما يجري هذا المجرى من‬
‫الجواهر اللطيفة المخلوقة ‪ #‬فإذا كانت الجواهر اللطيفة المخلوقة ل تقبل عرضا ول‬
‫تشغل حيزا فيكون خالق الجواهر اللطائف والكثائف ومركب اللطائف بالكثائف يقبل‬
‫عرضا ويشغل حيزا كل ‪ #‬والجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال أما تسمية الباري‬
‫جوهرا فهو من أهون ما ينكر على النصارى ولهذا كان من الناس من ينكره من‬
‫جهة الشرع فقط أو اللغة ومنهم من ينكره من جهة العقل أيضا ومنهم من يراه نزاعا‬
‫لفظيا وطائفة من المسلمين يسمونه جوهرا وجسما أيضا وذلك أن المسلمين في‬
‫أسماء ال تعالى على طريقتين فكثير منهم يقول إن أسماءه سمعية شرعية فل يسمى‬
‫إل بالسماء التي جاءت بها الشريعة فإن هذه عبادة والعبادات مبناها على التوفيق‬
‫والتباع ‪ #‬ومنهم من يقول ما صح معناه في اللغة وكان معناه ثابتا له‬

‫لم يحرم تسميته به فإن الشارع لم يحرم علينا ذلك فيكون عفوا والصواب القول‬
‫الثالث وهو أن يفرق بين أن يدعى بالسماء أو يخبر بها عنه فإذا دعي لم يدع إل‬
‫بالسماء الحسنى كما قال تعالى ‪ ^ #‬ول السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين‬
‫يلحدون في أسمائه ^ ‪ #‬واما الخبار عنه فهو بحسب الحاجة فإذا احتيج في تفهيم‬
‫الغير المراد إلى أن يترجم أسماؤه بغير العربية أو يعبر عنه باسم له معنى صحيح‬
‫لم يكن ذلك محرما ‪ #‬وأما الذين منعوه من جهة العقل فكثير منهم من يقولون إن‬
‫الجوهر ما شغل الحيز وحمل العراض وال سبحانه وتعالى ليس كذلك وهذا قول‬
‫من نفى ذلك من أهل الكلم ومنهم من يقول الجوهر ما إذا وجد كان وجوده ل في‬
‫موضوع وهذا إنما يكون فيما وجوده زائد على ذاته وواجب الوجود وجوده عين‬
‫ذاته فل يكون‬

‫جوهرا وهذا قول ابن سينا وأمثاله من متأخري المتفلسفة ‪ #‬وأما قدماء الفلسفة‬
‫كأرسطو وأمثاله فكانوا يسمونه جوهرا وعنهم أخذت النصارى هذه التسمية فإن‬
‫أرسطو كان قبل المسيح‬

‫بأكثر من ثلثمائة سنة ولهذا قال هؤلء في كتابهم نعجب ممن ينكر ذلك وهو قد قرأ‬
‫شيئا من كتب الفلسفة والمنطق ‪ #‬وأما اللغة فإن لفظ الجوهر ليس من العربية‬
‫العرباء ولهذا ل يعرف في كلم العرب المحض وإنما هو معرب كما ذكر ذلك‬
‫الجوهري وغيره قال الجوهري الجوهر معرب الواحدة‬

‫جوهرة فهو من العربية المعربة ل من العربية العرباء كلفظ سجيل واستبرق وأمثال‬
‫ذلك من اللفاظ المعربة وهذا اللفظ ليس موجودا في القرآن ومع هذا فلما عرب كان‬
‫معناه في اللغة هو الجوهر المعروف وتسمية القائم بنفسه أو الشاغل للحيز جوهرا‬
‫فهو أمر اصطلحي ليس هو من السماء اللغوية ول العرفية العامة ول السماء‬
‫الشرعية ‪ #‬وقد قيل إنه مأخوذ من كلم الوائل كاليونان وغيرهم فإنه‬

‫‪515‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪516‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يوجد في كلمهم تسمية القائم بنفسه جوهرا وقد قيل سموه بذلك لن جوهر الشيء‬
‫أصله والقائم بنفسه هو الصل وقد يسمون العرض القائم بغيره جوهرا وقيل لن‬
‫لفظ الجوهر فوعل من الجهر وهو الظهور والوضوح والقائم بنفسه يظهر ويعرف‬
‫قبل أن يعرف ما قام به من العراض ‪ #‬والناس متفقون على إثبات العيان القائمة‬
‫بنفسها التي تسمى جواهر أو أجساما وتنازعوا في ثبوت العراض القائمة بها‬
‫والنزاع عند محققيهم لفظي فإن عاقل ل ينازع أن الجسم يتحرك بعد سكونه لكن‬
‫منهم من يقول حركته ليست زائدة على ذاته ومنهم من يقول هي زائدة على ذاته‬
‫وهو نظير نزاعهم في الصفات هل هي زائدة على الذات أو ليست زائدة ‪#‬‬
‫والتحقيق أن مسمى النسان إذا أطلق دخل فيه صفاته وإذا ميز بين هذا وهذا قيل‬
‫الذات والصفات ومن الناس من يخص بلفظ العرض ما لم يكن من الصفات لزما‬
‫للموصوف والصفات اللزمة يسميها صفات ذاتية جوهرية ومنهم من يخص‬
‫بالعرض‬

‫ما ل يبقى عنده زمانين ويقول صفات المخلوق تسمى أعراضا لنها ل تقبل زمانين‬
‫بخلف صفات ال فإنها عنده باقية فل تسمى أعراضا ‪ #‬ومن نظار المسلمين من‬
‫يسمي صفات كل موصوف أعراضا وإذا كان كذلك فل يدخل في أسماء ال التي‬
‫تذكر في أصول اليمان التي يجب اعتقادها من السماء ما هو اصطلح طائفة من‬
‫الناس مع أنه يوهم معنى باطل وهذا الوضع مما اضطرب فيه مع النصارى كثير‬
‫من الناس ‪ #‬منهم من يجعل الصفات أعيانا قائمة بنفسها وجواهر قائمة بنفسها ‪#‬‬
‫ومنهم من يجعل العيان القائمة بنفسها صفات والصفات ل تقوم بأنفسها بل ل بد‬
‫لها من موصوف تقوم به ‪ #‬والولون نوعان ‪ #‬منهم من نفى الصفات وقال لو أثبتنا‬
‫له حياة وعلما وقدرة‬

‫لزم أن تكون هذه آلهة فإن القدم أخص وصفه فلو أثبتنا قديما ليست هي الذات لزم‬
‫أن يشارك الذات في أخص وصفها فتكون ذاتا أخرى قائمة بنفسها وهذه طريقة‬
‫كثير من نفاة الصفات من مبتدعة المسلمين واليهود والنصارى احتجوا على نفي‬
‫الصفات بأنا لو أثبتناها لزم أن تكون آلهة ‪ #‬وقال من قال من المنتسبين إلى السلم‬
‫أنا لو أثبتنا الصفات لقلنا بقول النصارى حيث أثبتوا ل القانيم وحجة هؤلء قائمة‬
‫على النصارى وهم النوع الثالث فإنهم أثبتوا ل صفات جعلوها جوهرا‬

‫قائما بنفسه وقالوا إن ال موجود حي ناطق ثم قالوا حياته جوهر قائم بنفسه ونطقه‬
‫وهو الكلمة جوهر قائم بنفسه وقالوا في هذا إنه إله من إله وهذا إله من إله فأثبتوا‬
‫صفات ل وجعلوها جواهر قائمة بنفسها ثم قالوا الجميع جوهر فكان في كلمهم‬
‫أمور كثيرة من الباطل المتناقض منهم من جعل الصفات جوهرا ومنهم من جعل‬
‫الجواهر المتعددة جوهرا واحدا ‪ #‬والذين قالوا من نفاة الصفات المعتزلة والجهمية‬
‫إن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى هو متوجه على من جعل الصفات‬
‫جواهر وهؤلء هم النصارى يزعمون أن الصفات جواهر آلهة ثم قال هؤلء ول إله‬

‫‪516‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪517‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إل ال فل صفة له وقالت النصارى بل الب جوهر إله والبن جوهر إله وروح‬
‫القدس جوهر إله ثم قالوا والجميع إله واحد نفس تصور هذه القوال التصور التام‬
‫يوجب العلم بفسادها وأما الرسل وأتباعهم فنطقوا أن ل علما وقدرة وغير ذلك من‬
‫الصفات وثبتوا أن الله إله واحد فإذا قال القائل عبدت ال ودعوت ال فإنما دعا‬
‫وعبد إلها واحدا وهو ذات متصفة بصفات الكمال لم يعبد ذاتا ل حياة لها ول علم‬
‫ول قدرة ول عبد ثلثة آلهة ول ثلثة جواهر بل نفس اسم ال يتضمن ذاته المقدسة‬
‫المتصفة‬

‫بصفاته سبحانه وليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ول زائدة على مسمى اسمه‬
‫بل إذا قدر ذات مجردة عن الصفات فالصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في‬
‫الذهن المجردة عن الصفات ليست الصفات زائدة عن الذات المتصفة بالصفات فإن‬
‫تلك ل تحقق إل بصفاتها فتقديرها مجردة عن صفاتها تقدير ممتنع ‪ #‬وقد تنازع‬
‫المثبتة هل يقال الصفات عين الذات أم يقال ليست عين الذات أم يقال ل يقال هن‬
‫غير الذات ول يقال ليست غير الذات وتنازعوا في مسمى الغيرين هل هما ما جاز‬
‫مفارقة أحدهما الخر مطلقا أو ما جاز مفارقته بوجود أو زمان أو مكان أو هما ما‬
‫جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالخر وغاية ذلك منازعات لفظية ‪ #‬وكثير منهم‬
‫فرق في الصفات اللزمة بين بعضها وبعض فجعل بعضها زائدا على الذات‬
‫وبعضها ليس بزائد على الذات وكان الفرق بحسب ما يتصوره ل بحسب ما المر‬
‫عليه في نفسه فإذا‬

‫أمكنهم تصور الذات بدون صفة قالوا هذه زائدة وإل قالوا ليست زائدة وهذا يقتضي‬
‫أنها زائدة على ما تصوروه هم من الذات ل أنه في الخارج ذات مجردة عن تلك‬
‫الصفة وصفة زائدة عليها بل ليس إل الذات المتصفة بتلك الصفات ‪ #‬ولكن يجب‬
‫الفرق بين أن يقال إن الصفات غير الذات وبين أن يقال إنها غير ال فإن اسم ال‬
‫متناول لذاته المتصفة بصفاته فإذا قال القائل دعوت ال وعبدت ال فلم يدع ذاتا‬
‫مجردة ول صفات مجردة بل دعا الذات المتصفة بصفاتها فاسمه تعالى يتناول ذلك‬
‫فليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ول زائدة على ذلك وإن قيل إنها زائدة على‬
‫الذات المجردة ومن ظن أنها زائدة على الذات المتصفة بصفاتها التي تدخل صفاتها‬
‫في مسماها فقد غلط ولكن في الذهان واللسنة زلق في هذا الموضع كثيرا ‪ #‬فإذا‬
‫قيل الصفات مغايرة للذات لم يكن في هذا من المحذور ما في قولنا إن صفات ال‬
‫غير ال فإن اسم ال يتناول صفاته ‪ #‬فإذا قيل إنها غيره فهم من ذلك أنها مباينة له‬
‫وهذا باطل ولهذا كان النفاة إذا ناظروا أئمة المسلمين كما ناظروا المام‬

‫أحمد بن حنبل في محنته المشهورة فقالوا له ما تقول في القرآن وكلم ال أهو ال أم‬
‫غير ال عارضهم بالعلم وقال لهم ما تقولون في علم ال أهو ال أم غير ال وأجاب‬
‫أيضا‬

‫‪517‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪518‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بأن الرسل لم تنطق بواحد من المرين فل حجة لهم في كلم ال ورسوله فإن ال لم‬
‫يقل لكلمه هو أنا ول قال إنه غيري حتى يقول القائل إذا كان قد جعل كلمه غيره‬
‫وسواه فقد أخبر أنه خالق لكل ما سواه ‪ #‬فإن كان الحتجاج بالسمع فل حجة فيه‬
‫وإن كان الحتجاج بالعقل فالمرجع في ذلك إلى المعاني ل إلى العبارات فإن أراد‬
‫المريد بقوله هل كلمه وعلمه غيره أنه مباين له فليس هو غيرا له بهذا العتبار‬
‫وإن أراد بذلك أن نفس الكلم والعلم ليس هو العالم المتكلم فهو غير له بهذا العتبار‬
‫وإذا كان اللفظ مجمل لم يجز إطلقه على الوجه الذي يفهم المعنى الفاسد واما الذين‬
‫جعلوا العيان القائمة بأنفسها صفات فهم هؤلء المتفلسفة النفاة للصفات ومن‬
‫أشبههم فإنهم قالوا إن رب العالمين عقل وعاقل ومعقول ‪ #‬ولفظ العقل عندهم وإن‬
‫كانوا يقولون هو جوهر قائم بنفسه فقد صرحوا أيضا بأنه نفسه علمه حتى صرحوا‬
‫بأن رب العالمين علم كما صرح بذلك ابن رشد وغيره ونقلوه عن أرسطو‬

‫وأن العقول العشرة كل منها علم فهو علم وعالم ومعلوم بل قالوا عقل وعاقل‬
‫ومعقول وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة فجعلوه نفسه لذة وعقل وعشقا‬
‫وجعلوا ذلك هو العالم العاشق الملتذ وجعلوا نفس العلم نفس العشق ونفس اللذة‬
‫فجعلوه نفسه صفات وجعلوه ذاتا قائمة بنفسها وجعلوا كل صفة هي الخرى وهذا‬
‫مما يعلم بصريح العقل بطلنه ‪ #‬ومنهم من ل يصرح بأنه نفسه علم فإنه يقول هو‬
‫عاقل ومعقول وعقل يقول إنه يعلم نفسه بل علم علمه بل هو العالم وهو المعلوم‬
‫وهو العلم وحقيقة كلمهم تعود إلى قول أولئك فإنهم إذا قالوا إن العلم الذي يعلم به‬
‫ذاته هو العالم وهو المعلوم فقد جعلوا نفس العلم نفس العالم ونفس العلم نفس المعلوم‬
‫وهي حقيقة قول أولئك وهذه المور مبسوطة في غير هذا الموضع‬

‫الوجه الثاني أن يقال لهم أنتم تقولون إنكم متبعون للكتب اللهية وإذا كان كذلك لم ‪#‬‬
‫ينبغ لكم في شريعة إيمانكم من السماء إل ما جاءت به النبياء عليهم السلم ‪#‬‬
‫والنبياء لم يسم ال أحد منهم جوهرا وإنما سماه بذلك أرسطو وأمثاله وهؤلء كانوا‬
‫مشركين يعبدون الصنام ولم يكونوا يعرفون ال المعرفة الصحيحة ول يقولون إنه‬
‫خالق السماوات والرض ول إنه بكل شيء عليم ول على كل شيء قدير وإنما‬
‫كانوا يعبدون الكواكب العلوية والصنام السفلية ويعبدون الشياطين ويؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت وإنما صاروا مؤمنين لما دخل إليهم دين المسيح صلوات ال عليه‬
‫وسلمه بعد السكندر المقدوني‬

‫صاحب أرسطو بنحو ثلثمائة سنة ويقال إنه آخر ملوكهم كان بطليموس وكانوا‬
‫يسمون الملك من ملوكهم بطليموس كما يسمون القبط ملكها فرعون والحبشة ملكها‬
‫النجاشي والفرس كسرى ونحو ذلك وحينئذ فعدولكم عن طريقة النبياء والمرسلين‬
‫إلى طريقة الكفار والمشركين المعطلين من الضلل المبين ‪ #‬وفي كتبهم أن بولص‬
‫لما صار إلى أيثينية دار الفلسفة وفيها دار الصنام وجد مكتوبا على باب دار‬
‫العلماء الله الخفي‬

‫‪518‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪519‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الذي ل يعرف هو الذي خلق العالم ‪ #‬فكانوا ل يعرفون رب العالمين فكيف يعدل‬
‫عن طريقة رسل ال وأنبيائه كموسى وداود والمسيح إلى طريقة هؤلء الكفار‬
‫المشركين المعطلين ‪ #‬ولكن النصارى ركبوا دينا من دينين من دين النبياء‬
‫الموحدين ودين المشركين فصار في دينهم قسط مما جاءت به النبياء وقسط مما‬
‫ابتدعوه من دين المشركين في أقوالهم وأفعالهم كما أحدثوا ألفاظ القانيم وهي ألفاظ‬
‫ل توجد في كلم النبياء وكما أحدثوا الصنام المرقومة بدل الصنام المجسدة‬
‫والصلة إلى الشمس والقمر والكواكب بدل الصلة لها والصيام في وقت الربيع‬
‫ليجمعوا بين الدين الشرعي والمر الطبيعي وغير ذلك ‪ #‬الوجه الثالث قولهم إن‬
‫الذي يشغل حيزا ويقبل عرضا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فما يقبل‬
‫عرضا ول يشغل حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء فيقال الكلم‬
‫في‬

‫الجواهر هل هي منقسمة إلى متحيز وغير متحيز أو كلها متحيزة متصل بالكلم‬
‫على نفس النسان الناطقة ‪ #‬فنقول إن المسلمين من أعظم الناس معرفة بوجود‬
‫الملئكة والجن كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع المة وكذلك سلف المة‬
‫وأئمتها يعرفون وجود النفس التي هي روح النسان التي تفارق بدنه حين الموت‬
‫كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع السلف والئمة وإن كان كثير من أهل‬
‫الكتاب يزعم أنها عرض من‬

‫أعراض البدن أو جزء من أجزائه فهذا قول محدث في السلم لم يذهب إليه أحد‬
‫من السلف والئمة وإن كان محكيا عن أكثر المتكلمين فليس الذين قالوا هذا من‬
‫سلف المة ول أئمتها بل هم من أهل الكلم المحدث المذموم عند السلف وأئمة المة‬
‫وكثير من المتفلسفة الداخلين في أهل الملل يقولون إن الذوات التي تسميها النبياء‬
‫الملئكة هي التي تسميها المتفلسفة المشاؤون عقول أو عقول ونفوسا وهذا غلط‬
‫عظيم كما قد بسط في موضعه ‪ #‬فإن العقول التي يثبتها هؤلء المتفلسفة ل حقيقة‬
‫لها عند الرسل وأتباعهم بل ول حقيقة لها في المعقول الصريح بل حقيقة كلمهم‬
‫أنها أعراض قائمة بنفسها وقد صرحوا بأن واجب الوجود نفسه هو علم وجعلوا‬
‫نفس العلم هو نفس العالم ونفس تصور هذا القول يكفي في العلم بفساده كما أن‬
‫هؤلء المتفلسفة‬

‫أتباع أرسطو ل يعرفون الملئكة بل ول الجن وإنما علمهم معرفة الجسام الطبيعية‬
‫وتكلموا في اللهيات بكلم قليل نزر باطله أكثر من حقه كما قد بسط في موضع‬
‫آخر ‪ #‬وهؤلء يزعمون أن العقل الول أبدع ما دونه من العقول والفلك إلى أن‬
‫ينتهي المر إلى العقل العاشر فهو مبدع ما تحت فلك القمر وهذا كله من أعظم‬
‫الكفر عند الرسل وأتباعهم أهل الملل فإن مضمون هذا أن ملكا من الملئكة خلق كل‬
‫ما تحت السماء وملكا فوقه خلق كل ما سوى ال سبحانه وهذا من أعظم الكفر في‬

‫‪519‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪520‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫دين المرسلين وأهل الملل المسلمين واليهود والنصارى قال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا اتخذ‬
‫الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ليسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما‬
‫بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ^ ‪#‬‬
‫فأخبر أن الملئكة ل تسبقه بالقول ول تعمل إل بأمره فضل عن أن يكون ملك خلق‬
‫كل شيء‬

‫وهؤلء يقولون إن الوحي والكلم الذي جاءت به الرسل إنما هو فيض من هذا ‪#‬‬
‫العقل الفعال على قلوب النبياء وال تعالى عند هؤلء لم يكن يعرف موسى ول‬
‫عيسى ول إبراهيم ول محمدا ول غيرهم من الرسل ول يعرف الجزئيات بل عند‬
‫أرسطو وأتباعه أنه ل يعلم شيئا من الشياء بل ول خلق عندهم شيئا بل وليقدر‬
‫عندهم على خلق شيء فضل عن أن يكون على كل شيء قدير وأن يكون أحاط بكل‬
‫شيء علما ‪ #‬وأرسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الصنام بمقدونية وأثينية‬
‫وغيرهما من مدائن فلسفة اليونان وكان وزيرا للسكندر بن فيلبس المقدوني وكان‬
‫هذا قبل المسيح عليه السلم بنحو ثلثمائة سنة ولم يكن وزيرا لذي القرنين الذي‬
‫بنى سد يأجوج ومأجوج‬

‫وعامة علم القوم علم الطبيعيات والحسابيات وأما العلم اللهي وهو الذي يسمونه‬
‫علم ما بعد الطبيعة وهو منتهى فلسفتهم فإنما تكلموا فيه على أمور كلية قسموا‬
‫الوجود إلى جوهر وتسعة أعراض يجمعها بيتان ‪ % #‬زيد الطويل السود بن مالك‬
‫‪ %‬في داره بالمس كان متكى ‪ % # %‬في يده سيف نضاه فانتضى ‪ %‬فهذه عشر‬
‫‪ %‬مقولت سوا‬
‫وهي الجوهر والكم والكيف والين ومتى والضافة والملك والوضع وأن يفعل ‪#‬‬
‫وأن ينفعل ‪ #‬وقد نازعه أتباعه وغيرهم في هذا الحصر وقالوا إنه ل دليل‬

‫عليه ومنهم من جعلها ثلثة ومنهم من قال غير ذلك وأثبت العلة الولى بناء على‬
‫حركة الفلك وأنه يتحرك حركة شوقية فل بد له مما يتشبه به فالعلة الولى هي غاية‬
‫لحاجة الفلك إليها من جهة أنه متحرك ليتشبه بها كحركة المؤتم بإمامه والمقتدي‬
‫بقدوته وقد يقولون كتحريك المعشوق لعاشقه ‪ #‬وكلم أرسطو في ذلك موجود وقد‬
‫نقلته بألفاظه وتكلمت عليه في غير هذا الموضع وقد ذكر ذلك في مقالة اللم وهي‬
‫آخر فلسفته ومنتهى حكمته ‪ #‬وفي كتاب أثولوجيا ولم يثبت أن الرب مبدع لفلك‬

‫وعلة فاعلة ول يسمى واجب الوجود ‪ #‬ول قسم الموجودات إلى واجب قديم وممكن‬
‫قديم بل ذلك فعل المتأخرين كابن سينا وأمثاله وقد بسطنا الكلم عليهم في غير هذا‬
‫الموضع ‪ #‬والمتأخرون الذين سمعوا كلم أهل الملل أرادوا إصلح كلمه وتقريبه‬
‫إلى العقول لعله يوافق ما علم بصريح المعقول وصحيح المنقول فتكلم عليه ثابت بن‬
‫قرة وبين أن الفلك ل قوام له إل بطبيعته ول قوام لطبيعته إل بحركته ول قوام‬
‫لحركته الرادية إل بمحرك لها ‪ #‬وزعموا أن المحرك يجب أن ل يكون متحركا‬

‫‪520‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪521‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقرروا ذلك بأدلة‬

‫فاسدة قد بسط الكلم عليها في غير هذا الموضع فقالوا إنه إنما تحرك الفلك من جهة‬
‫نسبة الفلك به وإن لم يكن هو القادر على تحريك الفلك بل ول شعور منه بالفلك‬
‫وعبر عن ذلك ابن رشد الفيلسوف وأمثاله فقالوا إنه يأمر الفلك بالحركة وقوام الفلك‬
‫بطاعته لمر ال مع أنه عندهم ل إرادة له ول علم له بما يأمر به بل كونه آمرا وهو‬
‫معنى كون الفلك يتشبه به كما يأمر المعشوق عاشقه أن يحبه وإن كان المعشوق ل‬
‫شعور له ول إرادة في أن يحبه ذلك ‪ #‬ثم لو قدر أنه هو المر فإنما يصدر بسبب‬
‫أمره مجرد حركة الفلك ولهذا شبهوا ذلك بأمر السلطان لعسكره بأمر يطيعونه فيه‬
‫فجعلوا الحركات معلولة بهذا العتبار لم يثبتوا أنه أبدع شيئا من الفلك والعناصر‬
‫والمولدات ول العقول ول النفوس ل أبدع أعيانها ول صفاتها ول أفعالها بل غايته‬
‫أن يكون آمرا لها بالحركة كأمر الملك لعسكره مع أنه عندهم ليس آمرا بالحقيقة بل‬
‫ول علم له بشيء من الموجودات بل غاية ما يزعم أرسطو وأتباعه أن للفلك حاجة‬
‫إليه من جهة تشبهه به واما كونه هو علية موجبة للفلك فإنما يقول هذا من يقوله من‬
‫متأخريهم كابن سينا ‪ #‬وأما الفارابي فهو الذي وسع القول في هذا الباب‬

‫وقسم الوجود إلى واجب وممكن وجعل الفلك ممكنة واجبة به وفي ذلك من الفساد‬
‫والضطراب ما قد بسط في غير هذا الموضع وبنى ابن سينا الكلم في نفي صفاته‬
‫على كونه واجب الوجود ‪ #‬وأما الفارابي في كتاب آراء المدينة الفاضلة وغير ذلك‬
‫فاعتمد على كونه أول وكذا أرسطو في كتاب أثولوجيا اعتمد على كونه هو الول‬
‫وشبهه بالول في العدد وعلى ذلك بنوا نفي‬

‫الصفات وإنما لو أثبتناها لخرج عن كونه أول مع أنهم لم يقيموا حجة على كونه‬
‫أول بهذا المعنى الذي زعموه كما لم يقيموا حجة على كونه واجب الوجود بالمعنى‬
‫الذي ادعوه بل تكلموا بألفاظ مجملة متشابهة تحتمل حقا وباطل فإنه معلوم أن ال‬
‫واجب الوجود بذاته موجود بنفسه وأنه الول الذي ليس قبله شيء وهو القديم‬
‫الزلي الذي لم يزل ول يزال وهؤلء جعلوا وجوب الوجود بمعنى أنه ل يتعلق‬
‫بغيره فل يكون له صفة وكونه أول بمعنى أول العداد الذي ل تعدد فيه فمعلوم أن‬
‫الواحد والول المجرد عن كل شيء إنما يقدر في الذهان ل في العيان ‪ #‬فالذهن‬
‫يقدر واحدا واثنين وثلثة وأربعة إلى سائر العداد المجردة والعدد المجرد عن‬
‫المعدود إنما يوجد في الذهان ل في العيان فأما الموجود في الخارج فإنما هي‬
‫أعيان قائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها والول منها هو ذات متصفة بصفاتها ل‬
‫توجد في العيان ليس بذات قائمة بنفسها ول صفة قائمة بغيرها بل‬

‫ل توجد ذات مجردة عن صفاتها وهذه المور مبسوطة في غير هذا الموضع ولكن‬
‫نبهنا هنا عليها لن هؤلء القوم قالوا إنا نعجب من هؤلء القوم أنهم ذو فضل وأدب‬
‫ومعرفة ومن هذا صورته وقد قرأ شيئا من كتب الفلسفة والمنطق فما حقهم‬

‫‪521‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪522‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ينكرون علينا هذا ‪ #‬فكل كلم هؤلء النصارى يتضمن تعظيم الفلسفة وأهل‬
‫المنطق وأن من قرأ كتبهم عرف بها من الحق في اللهيات ما ل يعرفه سائر أهل‬
‫الملل وهذا يدل على جهل هؤلء النصارى بما جاءت به الرسل وبما يعرف بالعقل‬
‫المحض ‪ #‬أما الول فلن المسيح وأتباعه كالحواريين ومن اتبعهم ليس‬

‫فيهم من عظم هؤلء الفلسفة ول استعان بهم ول التفت إليهم بل وهم عندهم من‬
‫أئمة الكفر ورؤوس الضلل وكذلك موسى وأتباعه وكذلك محمد وأتباعه فليس في‬
‫رسل ال وأنبيائه ول في أتباعهم من يعظمهم ول يستعين بكلمهم بل الرسل‬
‫وأتباعهم متفقون على تضليلهم وتجهيلهم ‪ #‬وأما العقليات فإنما يعظم كلم هؤلء‬
‫الفلسفة في العلوم الكلية واللهية من هو من أجهل الناس بالمعارف اللهية والعلوم‬
‫الكلية إذ كان كلمهم في ذلك فيه من الجهل والضلل ما ل يحيط به إل ذو الجلل‬
‫وإنما كان القوم يعرفون ما يعرفونه من الطبيعيات والرياضيات كالهندسة وبعض‬
‫الهيئة وشيئا من علوم الخلق والسياسات المدنية والمنزلية التي هي جزء مما‬
‫جاءت به الرسل واليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل أعلم من هؤلء بالعلوم‬
‫اللهية والخلق والسياسات فضل عما وراء ذلك ‪ #‬فإعضاد هؤلء النصارى‬
‫هؤلء المتفلسفة يدل على عظيم جهلهم بالشرعيات والعقليات وهذا قد بسط الكلم‬
‫عليه في مواضع متعددة إذ كان الرد على الفلسفة ل يختص به النصارى بل الكلم‬
‫في ذلك معهم ومع من يعظمهم من أهل الملل عموما‬

‫ومعلوم أن المنتسبين إلى السلم من أتباع الفلسفة كالفارابي وابن سينا ‪#‬‬
‫والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد إمامهم أحذق بهم وأعلم من النصارى ‪#‬‬
‫وكتب الفلسفة التي صارت إلى السلم من الطب والحساب والمنطق وغير ذلك‬
‫هذبها المنتسبون إلى السلم فجاء كلمهم فيها خيرا من كلم أولئك اليونان ‪#‬‬
‫والنصارى واليهود إنما يعتمدون في هذه العلوم على ما وصفه هؤلء المنتسبون‬
‫إلى السلم مع أن هؤلء عند علماء المسلمين جهال‬

‫ضلل في اللهيات والكليات فكيف يكون سلفهم ومن يعظمهم من اليهود والنصارى‬
‫‪ #‬ولما صار أولئك اليونان عارفين بال موحدين له عابدين له مؤمنين بملئكته‬
‫وكتبه ورسله لما دخل إليهم أتباع المسيح يدعونهم إلى دين ال الذي بعث به المسيح‬
‫وكل من كان من أتباع المسيح غير مبدل لشيء من دينه قبل النسخ فإنه من‬
‫المؤمنين المهتدين وهم من أولياء ال وهم من أهل الجنة ‪ #‬ومن ظن أن كلم‬
‫الرسل يوافق هؤلء اليونان فإن ذلك يدل على جهله بما جاءت به الرسل وبما يقول‬
‫هؤلء وإنما يوجد مثل هذا في كلم الملحدة من أهل الملل ملحدة اليهود‬
‫والنصارى وغيرهم كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم من الملحدة المنتسبين‬
‫إلى‬

‫تشيع أو إلى تصوف كابن عربي‬

‫‪522‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪523‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وابن سبعين وأمثالهما وفي الكتب المضنون بها على غير أهلها ونحو ذلك من‬
‫الكلم المنسوب إلى أبي حامد قطعة من ذلك ‪ #‬وهؤلء يحتجون بالحديث المأثور‬
‫أول ما خلق ال العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت‬
‫خلقا أكرم علي منك فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب‬

‫وهذا الحديث كذب موضوع على النبي كما ذكر ذلك أهل العلم بالحديث كأبي ‪#‬‬
‫جعفر العقيلي‬

‫وأبي حاتم بن حبان البستي وأبي الحسن الدارقطني وأبي الفرج بن الجوزي‬
‫وغيرهم ‪ #‬ثم لفظه لو كان صحيحا حجة على نقيض مطلوبهم فإنه قال أول ما خلق‬
‫ال العقل بنصب أول وفي لفظ لما خلق ال العقل قال له ‪ #‬فلفظه يقتضي أنه خاطبه‬
‫في أول ما خلقه فحرفوا لفظه وقالوا أول ما خلق ال العقل بالضم وليس هذا لفظه‬
‫ولكن لفظه يقتضي أنه خاطبه في أول أوقات خلقه ولهذا قال ما خلقت خلقا أكرم‬
‫علي منك وهذا يقتضي أنه خلق قبله غيره ‪ #‬وعندهم هو أول المبدعات يمتنع أن‬
‫يتقدمه شيء مع أنه وسائر العقول والفلك عندهم قديمة أزلية لم تزل ول تزال‬

‫ثم قال فبك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وعليك العقاب فجعل به هذه النواع ‪#‬‬
‫الربعة ‪ #‬وعندهم أن العقل صدر عنه جميع العالم العلوي والسفلي وذلك أن لفظ‬
‫العقل في الحديث سواء كان صحيحا أو ضعيفا هو العقل في لغة النبياء والمرسلين‬
‫هو عقل النسان وهو عرض قائم به وهذه صفة قائمة بالنسان ليس هو جوهرا‬
‫قائما بنفسه ‪ #‬والعقل في لغة هؤلء الفلسفة هو جوهر قائم بنفسه وأما النفس‬
‫الفلكية فلهم فيها قولن قيل إنها عرض قائم بالفلك وهو قول أكثرهم وقيل بل جوهر‬
‫قائم بنفسه ولهذا يميل ابن سيناء وهذه المور مبسوطة في موضع آخر ‪#‬‬
‫والمقصود هنا ذكر هؤلء النصارى أن ثم جوهرا لطيفا غير الجوهر الكثيف ومثلوا‬
‫ذلك بالنفس والعقل والضوء ثم لم يقيموا على ثبوت شيء من ذلك دليل ول دليل‬
‫مما دلت عليه الكتب اللهية فإن النفس الفلكية والعقول العشرة لم ينطق بها كتاب‬

‫ول رسول بل ول دل عليها دليل عقلي وأدلة المتفلسفة عليها ضعيفة وإنما دل العقل‬
‫على ما أخبرت به الرسل من الملئكة ‪ #‬ولكن هؤلء الذين حملوا كلم الرسل على‬
‫ما يوافق قول المتفلسفة يجعلون اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية كما يجعلون العقل‬
‫والقلم هو العقل الول والعرش هو الفلك التاسع وغير ذلك مما قد بسط الكلم عليه‬
‫في موضع آخر ‪ #‬وإذا لم يقيموا حجة شرعية ول عقلية ما مثلوا به من الجواهر‬
‫اللطيفة لم يكن لهم حجة على من قال إن الجوهر ما يشغل حيزا ويقبل عرضا ولما‬
‫قرنوا النفس بالعقل كان ذلك ظاهرا في أنهم أرادوا النفس الفلكية ‪ #‬فاما إن أرادوا‬
‫النفس النسانية فهذه ثابتة أخبرت بها الرسل وأتباعهم كما قد بسط في موضعه لكن‬
‫هذه ل تقرن بالعقل الذي هو جوهر والعقل صفة هذه وهو مصدر عقل يعقل عقل‬

‫‪523‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪524‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقد يراد بالعقل غريزة قائمة بها ويراد بالعقل العمل بالعلم كما قد بسط في موضع‬
‫آخر ‪ #‬الوجه الرابع قولم وجوهر الضوء فيقال لهم إن أردتم بالضوء نفس الشمس‬
‫والنار فهذا جسم متحيز يشغل حيزا ويقبل عرضا ليس هو من الجواهر اللطيفة الذي‬
‫مثلتم بها وإن أردتم‬

‫بالضوء الشعاع القائم بالهواء والجدران ونحو ذلك فليس هذا بجوهر ل لطيف ول‬
‫كثيف بل هو عرض قائم بغيره ‪ #‬الوجه الخامس قولكم إن الجوهر اللطيف ل يقبل‬
‫عرضا كلم ممنوع وهو باطل أيضا فإن نفس النسان تقبل العراض القائمة بها‬
‫وكذلك النفس الفلكية عند من أثبتها تقوم بها إرادات وتصورات متجددة ولفظ‬
‫العرض في اصطلح النظار يراد به ما قام بغيره سواء كان صفة لزمة أو‬
‫عارضة وهذا موجب تقسيم النصارى كما هو قول الفلسفة ‪ #‬فإنهم قالوا ليس في‬
‫الوجود شيء إل وهو إما جوهر وإما عرض لنه أي أمر نظرناه وجدناه إما قائما‬
‫بنفسه غير مفتقر في وجوده إلى غيره وهو الجوهر وإما مفتقر في وجوده إلى غيره‬
‫ل قوام له بنفسه وهو العرض قالوا ول يمكن أن يكون لهذين قسم ثالث ‪ #‬وهذا‬
‫الذي قالوه هو تقسيم أرسطو وأتباعه وهو يسمي المبدأ الول جوهرا وهذا تقسيم‬
‫سائر النظار لكن أكثرهم ل يدخلون رب العالمين في مسمى الجوهر ومنهم من‬
‫يدخله فيه وبعض النزاع في ذلك لفظي ‪ #‬وإذا كان المر على ما قالوه فالضوء‬
‫القائم بالرض والهواء عرض ليس جوهرا قائما بنفسه وهم قد جعلوه جوهرا وهذا‬
‫تناقض بين وأيضا فالجواهر اللطيفة تقوم بها العراض كالحياة والعلم بل والرب‬
‫على قولهم تقوم به الحياة والعلم‬

‫فإذا سموه جوهرا لزمهم أن يسموا صفاته أعراضا إذا قالوا ل موجود إل جوهر ‪#‬‬
‫أو عرض ‪ #‬فهذا يناقض قولهم الموجود إما جوهر وإما عرض فليس في‬
‫الموجودات إل هذا أو هذا بل موجب كلمهم أنها قائمة بذات ال فكيف بذات غيره‬
‫‪ #‬وإذا قالوا ويعنى بالعراض الصفات العارضة أو القائمة بالجسام كان هذا‬
‫مناقضا لقولهم الموجود إما جوهر وإما عرض مع قولهم إن الرب جوهر ثلثة‬
‫أقانيم والقنوم ذات وصفة ومع قولهم إن الرب جوهر فقولهم يقتضي أن الرب‬
‫جوهر تقوم به العراض فكيف غيره ‪ #‬ثم يقال إذا قدر أنهم يدعون ثبوت جوهر ل‬
‫يقوم به العراض فهذا اصطلح لهم وافقوا فيه نفاة الصفات من الفلسفة كأرسطو‬
‫وذويه فإنهم يقولون إن الرب جوهر ل يتصف بشيء من‬

‫الصفات الثبوتية لكن ليس هذا قول النصارى فتبين أنهم في قولهم إن الرب جوهر‬
‫وفي قولهم إن من الجواهر ما ل يقوم به الصفات موافقون للمشركين الفلسفة‬
‫أرسطو وأتباعه ل موافقين للمسيح والحواريين وأنهم أثبتوا الصفات ل موافقة‬
‫للمسيح والحواريين ثم جعلوه جوهرا ثم قالوا إن الجوهر اللطيف ل تقوم به الصفات‬
‫وهذا قول الفلسفة المشركين المعطلين وهذا تحقيق ما ذكرناه عنهم من أنهم ركبوا‬
‫دينا من دين المسيح والحواريين ومن دين الكفار المشركين ‪ #‬فهؤلء إن عنوا‬

‫‪524‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪525‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالعرض هذا فكل جوهر يقبل الصفات وإن أرادوا بالعرض ما تعنيه المتفلسفة‬
‫بالصفات العرضية التي يفرقون بينها وبين الذاتية مع أن هذا ليس مقتضى كلمهم‬
‫فقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن تقسيم هؤلء الصفات اللزمة للموصوف إلى‬
‫ذاتية وعرضية تقسيم باطل وتقدير أن يكون حقا فالنفس أيضا تقبل الصفات‬
‫العرضية بل وكذلك كل جوهر سواء كان لطيفا أو كثيفا فقولكم إن الجوهر اللطيف‬
‫ل يقبل عرضا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وجوهر الضوء وما يجري هذا‬
‫المجرى من الجواهر اللطيفة كلم باطل على كل تقدير‬

‫وإن عنوا بلفظ العرض شيئا آخر لم ينفعهم ذلك فإن المتكلمين الذين قالوا الجوهر ‪#‬‬
‫هو ما يشغل حيزا ويقبل عرضا إنما أرادوا بالعرض ما يقوم بغيره من المعاني‬
‫سواء كان لزما له أو عارضا له ومعلوم أن كل جوهر فإنه يقوم به المعاني‬
‫والخالق تعالى عندهم يقوم به الحياء والعلم فإذا كان الخالق تعالى يقوم به المعاني‬
‫وهم يسمونه جوهرا فكيف ل تقوم المعاني بغيره ‪ #‬وهؤلء يثبتون جوهرا لطيفا ل‬
‫تقوم به العراض مع قولهم إنه تقوم به المعاني وهذا اصطلح لهم ل يوافقهم عليه‬
‫أحد ثم يتناقضون فيقولون الموجود إما جوهر وإما عارض وهذا تناقض ‪ #‬ونظار‬
‫المسلمين لهم في تسمية صفات ال القائمة به أعراضا نزاع بعضهم يسميها أعراضا‬
‫وبعضهم ينكر هذه التسمية مع اتفاق هاتين الطائفتين على قيام الصفات به وجمهور‬
‫نظار المسلمين‬

‫ل يسمونه جوهرا وبعضهم يسميه جوهرا وأما من أنكر قيام الصفات به فذاك ل‬
‫يسمي ال جوهرا ول جسما ‪ #‬وهؤلء النصارى متناقضون تناقضا بينا ولهذا كان‬
‫لهم طريقة ل يوافقهم عليها أحد من طوائف العقلء ذلك يظهر بالوجه السادس وهو‬
‫أن الناس لهم في إثبات الصفات القائمة بذات ال تعالى قولن فسلف المسلمين‬
‫وأئمتهم وجمهور الخلق من أهل الملل وغير أهل الملل يثبتون قيام الصفات بال‬
‫تبارك وتعالى وهل تسمى أعراضا على قولين ‪ #‬والقول الثاني قول من ينفي‬
‫الصفات مثل الملحدة الجهمية ونحوهم من مبتدعة المسلمين ومن وافقهم من‬
‫الفلسفة وبعض اليهود والنصارى فهؤلء ل تقوم به المعاني والصفات عندهم فل‬
‫يقولون تقوم به العراض ثم من هؤلء من يسميه جوهرا كأرسطو وأتباعه ومنهم‬
‫من ل يسميه جوهرا كمتأخري الفلسفة ابن سينا‬

‫وأمثاله مع جمهور نظار المسلمين وغيرهم سواء سموه جوهرا أو لم يسموه ‪ #‬وأما‬
‫الجمهور القائلون بقيام المعاني به فبعضهم يسميها أعراضا وإن لم يسمه جوهرا وقد‬
‫سماه بعضهم جوهرا وبعضهم ينفي أن يكون أعراضا وبعضهم يسكت عن النفي‬
‫والثبات فل يسميها أعراضا ول ينفي تسميتها بذلك أو يستفصل القائل عن كونها‬
‫أعراضا ‪ #‬وأما هؤلء النصارى فقالوا جوهر ثلثة أقانيم ووصفوه بالصفات‬
‫الثبوتية وهي الحياة والنطق وقالوا الموجود إما جوهر وإما عرض فلزمهم أن تكون‬
‫صفات ال أعراضا عندهم ثم قالوا الجوهر اللطيف ل يقوم به العراض ونزهوا‬

‫‪525‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪526‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الرب أن تقوم به العراض مع قولهم إنه جوهر تناقضوا تناقضا بينا حيث جمعوا‬
‫بين كلم الرسل وأتباعهم وبين كلم المشركين‬

‫المعطلين الفلسفة فيما تلقوه عن المسيح فهو حق وما ابتدعوه من قول من خالف‬
‫الرسل فهو باطل فجمعوا في قولهم بين الحق والباطل وسلكوا مسلكا ل يعرف عن‬
‫غيرهم وإيضاح هذا أن يقال في ‪ #‬الوجه السابع أن هذا الذي ذكروه تناقض بين‬
‫فإنهم قالوا الموجود إما جوهر وإما عرض القائم بذاته هو الجوهر والقائم بغيره هو‬
‫العرض ‪ #‬ثم قالوا إنه موجود حي ناطق له حياة ونطق فيقال لهم حياته ونطقه إما‬
‫جوهر وإما عرض وليس جوهرا لن الجوهر ما قام بنفسه والحياة والنطق ل‬
‫يقومان بأنفسهما بل بغيرهما فهما من العراض فتعين أنه عندهم جوهر يقوم به‬
‫العراض مع قولهم إنه جوهر ل يقبل عرضا‬

‫فإن قيل أرادوا بقولهم ل يقبل عرضا ما كان حادثا قيل فهذا ينقض تقسيمهم ‪#‬‬
‫الموجود إلى جوهر وعرض فإن المعنى القديم الذي يقوم به ليس جوهرا وليس‬
‫حادثا فإن كان عرضا فقد قام به العرض وقبله وإن لم يكن عرضا بطل التقسيم ‪#‬‬
‫يبين هذا أنه يقال أنتم قلتم إنه شيء حي ناطق وقلتم هو ثلثة أقانيم وقلتم المتحد‬
‫بالمسيح أقنوم الكلمة وقلتم في المانة نؤمن بإله واحد أب ضابط الكل وبرب واحد‬
‫يسوع المسيح ابن ال الوحيد المولود من الب قبل كل الدهور إله حق من إله حق‬
‫من جوهر أبيه مولود غير مخلوق مساو للب في الجوهر ‪ #‬ثم قلتم إن الرب‬
‫جوهر وقلتم إن الذي يشغل حيزا‬

‫أو يقبل عرضا هو الجوهر الكثيف فأما الجوهر اللطيف فل يقبل عرضا ول يشغل‬
‫حيزا مثل جوهر النفس وجوهر العقل وما يجري هذا المجرى من الجواهر اللطيفة‬
‫فإذا كانت الجواهر اللطيفة المخلوقة ل تقبل عرضا ول تشغل حيزا فيكون خالق‬
‫الجواهر اللطائف والكثائف ومركب اللطائف بالكثائف يقبل عرضا ويشغل حيزا كل‬
‫فصرحتم بأنه جوهر ل يقبل عرضا وقلتم ليس في الموجود شيء إل وهو إما‬
‫جوهر وإما عرض فإن كان قائما بنفسه غير محتاج في وجوده إلى غيره فهو‬
‫الجوهر وإن كان مفتقرا في وجوده إلى غيره ل قوام له بنفسه فهو العرض ‪ #‬فيقال‬
‫لكم البن القديم الزلي المولود من جوهر أبيه الذي هو مولود غير مخلوق الذي‬
‫تجسد ونزل جوهر قائم بنفسه أم هو عرض قائم بغيره والموجود عندكم إما جوهر‬
‫وإما عرض ‪ #‬فإن قلتم هو جوهر فقد صرحتم بإثبات جوهرين الب جوهر والبن‬
‫جوهر ويكون حينئذ أقنوم الحياة جوهرا ثالثا فهذا تصريح بإثبات ثلثة جواهر قائمة‬
‫بنفسها وحينئذ فيبطل قولهم إنه إله واحد وإنه أحدي الذات ثلثي الصفات وإنه واحد‬
‫بالجوهر ثلثة بالقنوم إذ كنتم قد صرحتم على هذا التقدير بإثبات ثلثة جواهر‬

‫وإن قلتم بل البن القديم الزلي الذي هو الكلمة التي هي العلم والحكمة عرض ‪#‬‬
‫قائم بجوهر الب ليس هو جوهرا ثانيا فقد صرحتم بأن الرب جوهر تقوم به‬

‫‪526‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪527‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العراض وقد أنكرتم هذا في كلمكم وقلتم هو جوهر ل تقوم به العراض وقلم إن‬
‫من المخلوقات جواهر ل تقوم بها العراض فالخالق أولى وهذا تناقض بين ل حيلة‬
‫فيه لمن تدبر كلمهم أوله وآخره ‪ #‬فإن كلمهم هذا يوجب أنه جوهر واحد ل يقوم‬
‫به شيء من العراض ‪ #‬وهم يقولون جوهر واحد ثلثة أقانيم وسواء سموها‬
‫صفات أو خواص أو أعراضا أو قالوا القنوم هو الذات والصفة فيقال لهم الرب مع‬
‫القانيم ثلثة جواهر أو جوهر واحد له ثلثة صفات أو جوهر ل صفة له فإن قالوا‬
‫ثلثة جواهر أثبتوا ثلثة وبطل قولهم إن الرب جوهر واحد وإله واحد وصرحوا‬
‫بإثبات ثلثة آلهة ‪ #‬وإن قالوا بل جوهر واحد له ثلث صفات فقد صرحوا أن هذا‬
‫الجوهر تقوم به الصفات وإذا قامت به الصفات وقد سموه جوهرا وقالوا كل موجود‬
‫إما جوهر وإما عرض لزمهم قطعا أن تكون صفاته‬

‫أعراضا فبطل قولهم إنه جوهر ل يقوم به العراض وإن قالوا جوهر واحد ل تقوم‬
‫به الصفات بطل قولهم له حياة ونطق وإذا نفوا الصفات أبطلوا التثليث والتحاد‬
‫وبطلت المانة مع مخالفتهم لكتب النبياء فإنها مصرحة بإثبات الصفات ومع‬
‫مخالفتهم لصريح العقل ‪ #‬والمقصود أنهم يتناقضون تناقضا بينا لنهم أثبتوا جوهرا‬
‫ل تقوم به العراض مع قولهم الموجود إما جوهر وإما عرض ومع قولهم إنه‬
‫جوهر ثلثة أقانيم فإذا لم تقم به العراض لم يكن له صفات فإن الصفة قائمة‬
‫بغيرها ليست جوهرا بل هي إذا كان الموجود إما جوهر وإما عرض من قسم‬
‫العراض ل من قسم الجواهر فكان هذا الكلم نافيا لقيام الصفات به مطلقا ‪ #‬ثم‬
‫قالوا بالقانيم التي توجب إما إثبات صفات وإما إثبات جواهر ثلثة قائمة بنفسها مع‬
‫أنها إذا قامت بنفسها لزم اتصافها بالصفات ول ريب أن القوم يجمعون في قولهم‬
‫بين النقيضين بين إثبات الصفات ونفيها وبين إثبات ثلثة جواهر ثلثة آلهة وبين‬
‫قولهم الله الواحد ‪ #‬وسبب ذلك أنهم ركبوا لهم اعتقادا بعضه من نصوص النبياء‬
‫المحكمة كقولهم إله واحد وبعضه من متشابه كلمهم كلفظ‬

‫البن وروح القدس وبعضهم من كلم الفلسفة المشركين المعطلين كقولهم جوهر ل‬
‫تقوم به الصفات ‪ #‬ومما يوضح ذلك أنك تجد عامة علماء النصارى فضل عن‬
‫عامتهم ل يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره مع اتفاقهم على أن‬
‫المسيح لم ينسخها كلها ولم يقرها كلها بل أخبرهم أنه إنما جاء ليتمها ل ليبطلها وقد‬
‫أحل بعض ما حرم فيها كالعمل في السبت ‪ #‬ومعلوم أن المقصود بالرسل تصديقهم‬
‫فيما أخبروا وطاعتهم فيما أمروا فإذا كان عامة النصارى ل يميزون ما أمرهم به‬
‫مما لم يأمرهم به ول ما نهاهم عنه مما لم ينههم عنه مع اعترافهم بأنه أقر كثيرا من‬
‫شريعة التوراة بل أكثرها وأحل بعضها فنسخه ورفعه وهم ل يعرفون هذا من هذا‬
‫لم يكونوا عارفين بما جاء به المسيح ول يعرفون ما أمرهم ال على لسان موسى‬
‫وسائر النبياء فإنهم ل يجوز لهم العمل بكل ما في التوراة بل قد نسخ المسيح بعض‬
‫ذلك باتفاقهم واتفاق المسلمين على ذلك ‪ #‬ول يجوز لهم تعطيل جميع شريعة‬
‫التوراة بل يجب عليهم العمل بما لم ينسخه المسيح وعامتهم ل يعرفون ما نسخه مما‬

‫‪527‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪528‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لم ينسخه فل يمكنهم العمل بالتوراة والنتفاع بها في الشرع حتى يعرفوا المنسوخ‬
‫منها من غير المنسوخ ‪ #‬وعامتهم ل يعرفون ذلك فلم يكونوا حينئذ على شريعة‬
‫منزلة من ال ل من جهة المسيح ول من جهة موسى فلم يعلموها بل كان ذلك‬
‫مجهول عند عامتهم وجمهورهم أو جميعهم فكانوا محتاجين إلى أن يعرفوا ما‬
‫شرعه ال مما لم يشرعه فأرسل ال محمدا بشرع أمر فيه بمحاسن ما في الكتابين‬
‫وعوض عما نسخه بما هو خير منه‬

‫فصل ‪ #‬ثم قالوا إنا نعجب من هؤلء القوم الذين مع أدبهم وما يأخذون به أنفسهم‬
‫من الفضل كيف لم يعلموا أن الشرائع شريعتان شريعة عدل وشريعة فضل لنه لما‬
‫كان الباري عدل وجوادا وجب أن يظهر عدله على خلقه فأرسل موسى إلى بني‬
‫إسرائيل فوضع شريعة العدل وأمرهم بفعلها إلى أن استقرت في نفوسهم ولما كان‬
‫الكمال الذي هو الفضل ل يمكن أن يضعه إل أكمل الكمال وجب أن يكون هو‬
‫تقدست أسماؤه وجلت آلؤه الذي يضعه لنه ليس شيء أكمل منه ولنه جواد وجب‬
‫أن يجود بأجل الموجودات وليس في الموجودات أكمل من كلمته لذلك وجب أن‬
‫يجود بكلمته فلهذا وجب أن يجود بكلمته فلهذا وجب أن يتحد بذات محسوسة يظهر‬
‫منها قدرته وجوده ولما لم يكن في المخلوقات أجل من النسان اتحد بالطبيعة‬
‫البشرية من السيدة الطاهرة من مريم البتول المصطفاة على نساء العالمين وبعد هذا‬
‫الكمال ما تبقى شيء يوضع لن‬

‫جميع ما يتقدمه وما يأتي مقتضيه وما يأتي بعد الكمال غير محتاج إليه لن ليس‬
‫شيء يأتي بعد الكمال فيكون فاضل بل دون أو أخذ منه فهو فاضل ل يحتاج إليه‬
‫وفي هذا القول نفع والسلم على من اتبع الهدى وهذا مما عرفته من أن القوم الذين‬
‫رأيتهم وخاطبتهم في محمد عليه السلم وما يحتجون به عن أنفسهم فإن يكن ما‬
‫ذكروه صحيحا فلله الحمد وإن كان خلف ذلك فمولنا يكتب ذلك فقد جعلوني سفيرا‬
‫والحمد ل رب العالمين ‪ #‬والجواب على هذا من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال بل‬
‫الشرائع ثلثة شريعة عدل فقط وشريعة فضل فقط وشريعة تجمع العدل والفضل‬
‫فتوجب العدل وتندب إلى الفضل وهذه أكمل الشرائع الثلث وهي شريعة القرآن‬
‫الذي‬

‫جمع فيه بين العدل والفضل مع أنا ل ننكر أن يكون موسى عليه السلم أوجب‬
‫العدل وندب إلى الفضل وكذلك المسيح أيضا أوجب العدل وندب إلى الفضل ‪ #‬وأما‬
‫من يقول إن المسيح أوجب الفضل وحرم على كل مظلوم أن يقتص من ظالمه أو أن‬
‫موسى لم يندب إلى الحسان فهذا فيه غضاضة بشريعة المرسلين لكن قد يقال إن‬
‫ذكر العدل في التوراة أكثر وذكر الفضل في النجيل أكثر والقرآن جمع بينهما على‬
‫غاية الكمال ‪ #‬والقرآن بين أن السعداء أهل الجنة وهم أولياء ال نوعان أبرار‬

‫‪528‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪529‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مقتصدون ومقربون سابقون فالدرجة الولى تحصل بالعدل وهي أداء الواجبات‬
‫وترك المحرمات والثانية ل تحصل إل بالفضل وهو أداء الواجبات والمستحبات‬
‫وترك المحرمات والمكروهات ‪ #‬فالشريعة الكاملة تجمع العدل والفضل كقوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ^ ‪ #‬فهذا عدل واجب من خرج‬
‫عنه استحق العقوبة في الدنيا والخرة ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم‬
‫^ تعلمون‬

‫فهذا فضل مستحب مندوب إليه من فعله أثابه ال ورفع درجته ومن تركه لم ‪#‬‬
‫يعاقبه ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى‬
‫أهله ^ ‪ #‬فهذا عدل ‪ #‬ثم قال تعالى ^ إل أن يصدقوا ^ ‪ #‬فهذا فضل ‪ #‬وقال تعالى‬
‫‪ ^ #‬والجروح قصاص ^ ‪ #‬فهذا عدل ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬فمن تصدق به فهو كفارة له‬
‫^ ‪ #‬فهذا فضل ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم‬
‫^ لهن فريضة فنصف ما فرضتم‬

‫فهذا عدل ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا ‪#‬‬
‫أقرب للتقوى ^ ‪ #‬فهذا فضل ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم‬
‫به ^ ‪ #‬فهذا عدل ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ ‪ #‬فهذا فضل ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وجزاء سيئة سيئة مثلها ^ ‪ #‬فهذا عدل ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬فمن عفا‬
‫وأصلح فأجره على ال ^ ‪ #‬فهذا فضل‬

‫وهو سبحانه دائما يحرم الظلم ويوجب العدل ويندب إلى الفضل كما في آخر ‪#‬‬
‫سورة البقرة لما ذكر حكم الموال والناس فيها إما محسن وإما عادل وإما ظالم‬
‫فالمحسن المتصدق والعادل المعاوض كالبايع والظالم كالمرابي ‪ #‬فبدأ بالحسان‬
‫والصدقة فذكر ذلك ورغب فيه فقال ‪ #‬سورة البقرة اليات ‪ # 263 261‬ثم ذكر‬
‫تحريم الربا فقال ‪ ^ #‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه‬
‫الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا‬
‫فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد فأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون ^ ‪ #‬ثم لما أحل البيع ذكر المداينات وحكم البيع‬
‫الحال والمؤجل وحفظ ذلك بالكتاب والشهود أو الرهن وختم السورة بأصول‬

‫اليمان من اليمان بالكتب والرسل وهو سبحانه بعد أن افتتحها بذكر أصناف الناس‬
‫وهم ثلثة إما مؤمن وإما كافر وإما منافق فذكر نعت المؤمنين ثم ذكر نعت‬
‫الكافرين ثم ذكر نعت المنافقين ثم مهد أصول اليمان فأمر بعبادة ال تعالى وذكر‬
‫آياته وآلئه ثم قرر نبوة رسله ثم ذكر اليوم الخر والوعد والوعيد ثم ذكر بدء العالم‬
‫وخلق السماوات والرض ثم خلق آدم وإسجاد الملئكة له وخروجه من الجنة‬
‫وهبوطه إلى الرض ‪ #‬ثم بعد أن عم بالدعوة جميع الخلق خص أهل الكتاب‬
‫فخاطبهم خاطب اليهود أول بني إسرائيل ثم النصارى ثم خاطب المؤمنين فقرر لهم‬

‫‪529‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪530‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قواعد دينه فذكر أصل ملة إبراهيم وبناءه للبيت ودعاءه لهل مكة ووكد المر بملة‬
‫إبراهيم ثم ذكر ما يتعلق بالبيت من اتخاذه قبلة ومن تعظيم شعائر ال التي عنده‬
‫كالصفا والمروة ثم ذكر التوحيد والحلل والحرام والمطاعم للناس عموما ثم للذين‬
‫آمنوا خصوصا ‪ #‬ثم ذكر ما يتعلق بالقتل من القصاص وبالموت من الوصية ثم‬

‫ذكر شرائع الدين فذكر صيام شهر رمضان وما يكون فيه من العتكاف ثم ذكر ما‬
‫يتصل بشهر الصيام وهو أشهر الحج فذكر الحج وذكر حكم القتال عموما‬
‫وخصوصا في البلد الحرام ولما ذكر الصلة والصيام والحج والجهاد والصدقة ذكر‬
‫بعد ذلك الحلل والحرام في الفروج فذكر أحكام وطء النساء والحيض واليلء‬
‫منهن والطلق لهن واختلعهن وذكر حكم الولد وإرضاعهم واعتداد النساء‬
‫وخطبتهن في العدة وطلقهن قبل الدخول وبعده ثم ذكر الصلوات والمحافظة عليهن‬
‫ثم قرر المعاد وما يدل عليه من إحياء الموتى في الدنيا مرة بعد مرة ‪ #‬فتضمنت‬
‫هذه السورة الواحدة جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين وأصوله وفروعه وافتتحها‬
‫باليمان بالكتب والرسل ووسطها باليمان بالكتب والرسل وختمها باليمان بالكتب‬
‫والرسل فإن اليمان بالكتب والرسل هو عمود اليمان وقاعدته وجماعه ‪ #‬وأمر‬
‫فيها الخلق عموما وخصوصا وذكر فيها اليمان بالخالق وآيات ربوبيته واليمان‬
‫بالمعاد والدار الخرة والعمال الصالحة التي أمر بها وأن من كان من أتباع الرسل‬
‫من المؤمنين واليهود والنصارى‬

‫والصابئين قائما بهذه الصول وهو اليمان بال واليوم الخر والعمل الصالح فهو‬
‫السعيد في الخرة الذي له أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون ‪#‬‬
‫بخلف من بدل منهم الكتاب أو كذب بكتاب فإن هؤلء من الكفار فمن كان متبعا‬
‫لشرع التوراة قبل مبعث المسيح غير مبدل له فهو من السعداء وكذلك من كان متبعا‬
‫لشرع النجيل قبل مبعث محمد غير مبدل له فهو من السعداء ومن بدل شرع‬
‫التوراة أو كذب بالمسيح فهو كافر كاليهود بعد مبعث المسيح عليه السلم وكذلك من‬
‫بدل شرع النجيل أو كذب محمدا فهو كافر كالنصارى بعد مبعث محمد ‪ #‬فقدماء‬
‫اليهود والنصارى الذين اتبعوا الدين قبل النسخ والتبديل سعدوا وأما اليهود‬
‫والنصارى الذين تمسكوا بشرع مبدل منسوخ وتركوا اتباع الكتب والرسول الذي‬
‫أرسل إليهم وإلى غيرهم وعدلوا عن الشرع المنزل المحكم فهم كفار‬

‫ورد دعاوى اليهود والنصارى الكاذبة مثل قول هؤلء ‪ ^ #‬لن يدخل الجنة إل ‪#‬‬
‫من كان هودا ^ ‪ #‬وقول هؤلء لن يدخل الجنة إل من كان نصارى فقال ‪ ^ #‬بلى‬
‫من أسلم وجهه ل وهو محسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم ول هم يحزنون‬
‫^ ‪ #‬وبين من كفر اليهود والنصارى مما عرف بهم حالهم ‪ #‬لكن أكثر ما ذكر في‬
‫هذه السورة اليهود كما أن أكثر ما ذكر في سورة آل عمران النصارى فإن هذه‬
‫نزلت أول مقدمه المدينة وكان اليهود جيرانه وآل عمران تأخر نزولها إلى آخر‬
‫المر لما قدم عليه نصارى نجران وفيها فرض الحج لما طهر ال مكة من‬

‫‪530‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪531‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المشركين فكان أكثر دعائه في أول المر للمشركين لنهم جيرانه‬

‫بمكة ثم لليهود لنهم جيرانه بالمدينة ثم للنصارى لنهم كانوا أبعد عنه من ناحية‬
‫الشام واليمن والمجوس أيضا لنهم كانوا أبعد عنه بأرض العراق وخراسان ‪ #‬وهذا‬
‫هو الترتيب المناسب يدعو القرب إليه فالقرب ثم يرسل رسله إلى البعد وهو كان‬
‫أول مشغول بجهاد المشركين واليهود فلما صالح المشركين صلح‬

‫الحديبية وحارب يهود خيبر عقيب ذلك ففتحها ال عليه وقسمها بين الذين بايعوه‬
‫تحت الشجرة الذين شهدوا صلح الحديبية تفرغ لمن بعد عنه فأرسل رسله إلى جميع‬
‫من حواليه من المم ‪ #‬أرسل إلى ملوك النصارى بمصر والشام والحبشة فإنه كان‬

‫قد مات ملك الحبشة النجاشي الذي أسلم وأخبر الناس بموته يوم مات وخرج‬
‫بأصحابه إلى ظاهر المدينة فصلى عليه بهم صلة الجنازة كما كان يصلي على‬
‫سائر موتى المسلمين وتولى بعد النجاشي آخر فأرسل إليه كما ذكره مسلم في‬
‫صحيحه وأرسل إلى ملوك اليمن من المشركين واليهود والى ملوك العرب وكان في‬
‫العرب خلق كثير يهود وخلق كثير نصارى وخلق كثير مجوس فدعا جميع الخلق‬
‫من اليهود والنصارى والمجوس والمشركين عربهم وعجمهم‬

‫الوجه الثاني أن يقال لهم الناس لهم في أمر ال ونهيه قولن مشهوران ‪ #‬أحدهما ‪#‬‬
‫أنه يرجع إلى محض المشيئة ليعتبر فيه أن يكون المأمور به مصلحة للخلق وإن‬
‫اتفق أن يكون مصلحة وإن كان الواقع كونه مصلحة وهذا قول من يقول ل يفعل‬
‫ول يحكم بسبب ول لحكمة ول لغرض ‪ #‬والقول الثاني وهو قول جمهور الناس إن‬
‫ال إنما أرسل الرسل ليأمروا بما يصلحهم وينفعهم إذا فعلوه كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع‬
‫هداي فل يضل ول يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم‬
‫القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا‬
‫فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ^ ‪ #‬فإن قيل بالول لم يسأل عن حكمة إرسال الرسل‬
‫وإن قيل بالثاني ففي إرسال محمد من الحكم‬

‫والمصالح أعظم مما كان في إرسال موسى والمسيح والذي حصل به من صلح‬
‫العباد في المعاش والمعاد أضعاف ما حصل بإرسال موسى والمسيح من جهة المر‬
‫والخلق فإن في شريعته من الهدى ودين الحق أكمل مما في الشريعتين المتقدمتين‬
‫وتيسير ال من اتباع الخلق له واهتدائهم به ما لم يتيسر مثله لمن قبله فحصل فضيلة‬
‫شريعته من جهة فضلها في نفسها ومن جهة كثرة من قبلها وكمال قبولهم لها‬
‫بخلف شريعة من قبله فإن موسى بعث إلى بني إسرائيل وكان فيهم من الرد‬
‫والعناد في حياة موسى وبعد موته ما هو معروف وقد ذكر النصارى في كتابهم هذا‬
‫من ذلك ما تقدم ‪ #‬ولم تكن شريعة التوراة في الكمال مثل شريعة القرآن فإن القرآن‬

‫‪531‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪532‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فيه ذكر المعاد وإقامة الحجج عليه وتفصيله ووصف الجنة والنار ما لم يذكر مثله‬
‫في التوراة وفيه من ذكر قصة هود وصالح وشعيب وغيرهم من النبياء ما لم يذكر‬
‫في التوراة وفيه من ذكر أسماء ال الحسنى وصفاته ووصف ملئكته وأصنافهم‬
‫وخلق النس والجن ما لم يفصل مثله في التوراة وفيه من تقرير التوحيد بأنواع‬
‫الدلة مالم يذكر مثله في التوراة وفيه من ذكر أديان أهل الرض ما لم يذكره مثله‬
‫في التوراة وفيه من مناظرة المخالفين وإقامة البراهين على أصول الدين ما لم يذكر‬
‫مثله في التوراة مع أنه لم ينزل كتاب من السماء أهدى من القرآن والتوراة وفي‬
‫شريعة القرآن تحليل الطيبات وتحريم الخبائث وشريعة التوراة فيها تحريم كثير من‬
‫الطيبات عليهم حرمت عليهم عقوبة لهم وفي شريعة القرآن من قبول الدية في‬
‫الدماء ما لم يشرع في التوراة وفيها من وضع الصار والغلل التي في التوراة ما‬
‫يظهر به أن نعمة ال على أهل القرآن أكمل ‪ #‬وأما النجيل فليس فيه شريعة مستقلة‬
‫ول فيه الكلم على التوحيد وخلق العالم وقصص النبياء وأممهم بل أحالهم على‬
‫التوراة في أكثر المر ولكن أحل المسيح بعض ما حرم عليهم وأمرهم‬

‫بالحسان والعفو عن الظالم واحتمال الذى والزهد في الدنيا وضرب المثال لذلك‬
‫‪ #‬فعامة ما امتاز به النجيل عن التوراة بمكارم الخلق المستحسنة والزهد‬
‫المستحب وتحليل بعض المحرمات وهذا كله في القرآن وهو في القرآن أكمل فليس‬
‫في التوراة والنجيل والنبوات ما هو من العلوم النافعة والعمال الصالحة إل وهو‬
‫في القرآن أو ما هو أفضل منه وفي القرآن من العلوم النافعة والعمال الصالحة من‬
‫الهدى ودين الحق ما ليس في الكتابين لكن النصارى لم يتبعوا ل التوراة ول‬
‫النجيل بل أحدثوا شريعة لم يبعث بها نبي من النبياء كما وضعوا لقسطنطين‬
‫المانة ووضعوا له أربعين كتابا فيها القوانين فيها بعض ما جاءت به النبياء وفيها‬
‫شيء كثير مخالف لشرع النبياء وصاروا إلى كثير من دين المشركين الذين عبدوا‬
‫مع ال آلهة أخرى وكذبوا رسله فصار في دينهم من الشرك وتغيير دين الرسل ما‬
‫غيروا به شريعة النجيل ولهذا التبست عند عامتهم شريعة النجيل بغيرها فل‬
‫يعرفون ما نسخه المسيح من شريعة التوراة مما أقره ول ما شرعه مما أحدث بعده‬
‫‪ #‬فالمسيح لم يأمرهم بتصوير الصور وتعظيمها ول دعاء من صورت تلك التماثيل‬
‫على صورته ول أمر بهذا أحد من النبياء‬

‫ل يوجد قط عن نبي أنه أمر بدعاء الملئكة والستشفاع بهم ول بدعاء الموتى من‬
‫النبياء والصالحين والستشفاع بهم فضل عن دعاء تماثيلهم والستشفاع بها فإن‬
‫هذا من أصول الشرك الذي نبهت عليه الرسل وهذا كان أصل الشرك في بني آدم‬
‫من عهد نوح عليه السلم ‪ #‬قال ال تعالى عن قوم نوح ‪ ^ #‬ل تذرن آلهتكم ول‬
‫تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعقوب ونسرا وقد أضلوا كثيرا ^ ‪ #‬قال كثير من‬
‫العلماء منهم ابن عباس وغيره وهؤلء كانوا قوما‬

‫‪532‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪533‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم‬
‫وقد ذكر ذلك المسيح وعلماء النصارى ‪ #‬والمسيح عليه السلم لم يأمرهم بعبادته‬
‫ول قال إنه ال ول بما ابتدعوه من التثليث والتحاد والمسيح لم يأمرهم باستحلل‬
‫كل ما حرمه ال في التوراة من الخبائث كالخنزير وغيره فاستحلوا الخبائث‬
‫المحرمة وغيروا شريعة التوراة والنجيل والمسيح لم يأمرهم بأن يصلوا إلى‬
‫المشرق ولم يأمرهم أن يعظموا الصليب ولم‬

‫يأمرهم بترك الختان ول بالرهبانية ول بسائر ما ابتدعوه بعده ‪ #‬ولهذا لما ظهر‬
‫فساد دين النصارى صار بعض الناس كأبي عبد ال الرازي يقول لم يظهر النتفاع‬
‫بدين المسيح إلفي طائفة قليلة كانوا قبل محمد فإن الدين الذي كان عليه جمهور‬
‫النصارى ليس هو دين المسيح ‪ #‬وتبين هذا ‪ #‬بالوجه الثالث وهو أن يقال هب إن‬
‫شريعة الكتاب كانت كافية فإنما ذاك إذا كانت محفوظة معمول بها ولم يكن المر‬
‫كذلك بل كانت قد درس كثير من معالمها ‪ #‬وقد اختلف أهل الكتاب في المسيح‬
‫وغيره اختلفا عظيما كما قال تعالى‬

‫ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا ^ ‪#‬‬
‫بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم ال بما كانوا يصنعون ^ ‪#‬‬
‫وقد قال تعالى ^ كان الناس أمة واحدة ^ ‪ #‬أي فاختلفوا ‪ ^ #‬فبعث ال النبيين‬
‫مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما‬
‫اختلف فيه ^ ‪ #‬والوقت الذي بعث ال فيه محمدا لم يكن قد بقي أحد مظهرا لما بعث‬
‫ال به الرسل قبله ‪ #‬فبعثه على حين فترة من الرسل وطموس من السبل أحوج ما‬
‫كان الناس إلى رسول كما في صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال قال رسول ال‬
‫إن ال نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل الكتاب‬

‫وكان الناس حين مبعث محمد إما أميين ل كتاب لهم يشركون بالرحمن ويعبدون ‪#‬‬
‫الوثان وإما أهل كتاب قد بدلوا معانيه وأحكامه وحرفوا حلله وحرامه ولبسوا حقه‬
‫بباطله كما هو الموجود فلو أراد الرجل أن يميز له أهل ل كتاب ما جاءت به‬
‫النبياء مما هم عليه مما أحدثوه بعدهم لم يعرف جمهورهم ذلك بل قد صار الجميع‬
‫عندهم دينا واحدا ‪ #‬فبعث ال تبارك وتعالى محمدا بالكتاب الذي أنزله عليه مصدقا‬
‫لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا فميز به الحق من الباطل والهدى من الضلل‬
‫والغي من الرشاد قال تعالى ‪ #‬سورة المائدة اليات ‪19 15‬‬

‫إلى قوله ‪ ^ #‬يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن ‪#‬‬
‫تقولوا ما جاءنا من بشير ول نذير فقد جاءكم بشير ونذير وال على كل شيء قدير‬
‫^ ‪ #‬الوجه الرابع إن شريعة التوراة تغلب عليها الشدة وشريعة النجيل يغلب عليها‬
‫اللين وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وهذا كما قال تعالى ^ وكذلك جعلناكم‬
‫امة وسطا ^ ‪ #‬وقال في وصف أمته ‪ ^ #‬محمد رسول ال والذين معه أشداء على‬

‫‪533‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪534‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكفار رحماء بينهم ^ ‪ #‬وقال أيضا ‪ ^ #‬فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة‬
‫^ على المؤمنين أعزة على الكافرين‬

‫فوصفهم بالرحمة للمؤمنين والذلة لهم والشدة على الكفار والعزة عليهم ‪ #‬وكذلك ‪#‬‬
‫كان صفة محمد نبيهم أكمل النبيين وأفضل الرسل بحيث قال أنا محمد وأنا أحمد‬
‫وأنا نبي الرحمة وأنا نبي الملحمة وأنا نبي التوبة وأنا الضحوك القتال‬

‫فوصف نفسه بأنه نبي الرحمة والتوبة وأنه نبي الملحمة وأنه الضحوك القتال وهذا‬
‫أكمل ممن نعت بالشدة والبأس غالبا أو باللين غالبا وقد قيل بسبب ذلك أن بني‬
‫إسرائيل كانت نفوسهم قد ذلت لقهر فرعون لهم واستعباد فرعون لهم فشرعت لهم‬
‫الشدة لتقوى أنفهسم ويزول عنهم ذلك الذل ‪ #‬ولهذا لما أمروا بالجهاد نكلوا عنه‬
‫وقال لهم موسى ‪ #‬سورة المائدة اليات ‪24 21‬‬

‫وأما أصحاب محمد فقال له قائلهم يوم بدر وال ل نقول لك كما قال قوم موسى ‪# #‬‬
‫^ فاذهب أنت وربك فقاتل إنا ها هنا قاعدون ^ ‪ #‬لكن نقاتل أمامك ووراءك وعن‬
‫يمينك وعن يسارك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه‬
‫معك ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك‬

‫وكان الكلم قريبا من بدر والبحر من جهة الغرب وبرك الغماد مكان من يماني ‪#‬‬
‫مكة بينه وبين مكة عدة ليال والكفار كانوا إذ ذاك بمكة وأصحابه من نايحة المدينة‬
‫شامي مكة فمكة جنوبهم والبحر غربهم تقول لو طلبت أن ندخل بلد العدو ونذهب‬
‫إلى تلك الناحية لفعلناه قالوا فلما نصر ال بني إسرائيل وأظهرهم ظهرت فيهم‬
‫الحداث بعد ذلك وتجبروا وقست قلوبهم وصاروا شبها بآل فرعون فبعث ال‬
‫المسيح عليه السلم باللين والصفح والعفو عن المسيء واحتمال أذاه ليلين أخلقهم‬
‫ويزيل ما كانوا فيه من الجبرية والقسوة ‪ #‬فأفرط هؤلء في اللين حتى تركوا المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ال وتركوا الحكم بين الناس بالعدل‬
‫وإقامة الحدود وترهب عبادهم منفردين مع أن في ملوك النصارى من الجبرية‬
‫والقسوة والحكم بغير ما أنزل ال وسفك الدماء بغير حق مما يأمرهم به علماؤهم‬
‫وعبادهم ومما لم يأمروهم به ما شاركوا فيه اليهود ‪ #‬فبعث ال محمدا بالشريعة‬
‫الكاملة العادلة وجعل أمته عدل خيارا ل ينحرفون إلى هذا الطرف ول إلى هذا‬
‫الطرف بل يشتدون على أعداء ال ويلينون لولياء ال ويستعملون العفو والصفح‬
‫فيما كان لنفوسهم ويستعملون النتصار والعقوبة فيما كان حقا ل‬

‫وهذا كان خلق نبيهم كما في الصحيحين عن عائشة قالت ما ضرب رسول ال ‪#‬‬
‫بيده خادما ول امرأة ول دابة ول شيئا قط إل أن يجاهد في سبيل ال ول نيل منه‬
‫شيء قط فانتقم لنفسه إل أن تنتهك محارم ال فإذا انتهكت محارم ال لم يقم لغضبه‬
‫شيء حتى ينتقم ل ‪ #‬وفي الصحيح عن أنس أنه قال خدمت رسول ال عشر سنين‬

‫‪534‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪535‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فما قال لي أف قط ول قال لشيء فعلته لم فعلته ول لشيء لم أفعله لم ل فعلته وكان‬
‫بعض أهله‬

‫إذا عتبوني على شيء يقول دعوه فلو قدر شيء لكان هذا مع قوله في الحديث‬
‫الصحيح لما سرقت امرأة كانت من أشرف قريش من بني مخزوم فأمر بقطع يدها‬
‫فقالوا من يكلم فيها رسول ال فقالوا من يجترىء عليه إل أسامة بن زيد فكلموه‬
‫فكلمه فيها فقال يا أسامة أتشفع في حد من حدود ال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم‬
‫كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي‬
‫نفس محمد بيده لو أن فاطمة‬

‫بنت محمد سرقت لقطعت يدها ‪ #‬ففي شريعته من اللين والعفو والصفح ومكارم‬
‫الخلق أعظم مما في النجيل وفيها من الشدة والجهاد وإقامة الحدود على الكفار‬
‫والمنافقين أعظم مما في التوراة وهذا هو غاية الكمال ولهذا قال بعضهم بعث موسى‬
‫بالجلل وبعث عيسى بالجمال وبعث محمد بالكمال ‪ #‬الوجه الخامس إن نعم ال‬
‫على عباده تتضمن نفعهم والحسان إليهم وذلك نوعان ‪ #‬أحدهما أن يدفع بذلك‬
‫مضرتهم ويزيل حاجتهم وفاقتهم مثل رزقهم الذي لول هو لماتوا جوعا ونصرهم‬
‫الذي لول هو لهلكهم عدوهم ومثل هداهم الذي لول هو لضلوا ضلل يضرهم في‬
‫آخرتهم وهذا النوع من النعمة ل بد لهم منه وإن فقدوه حصل لهم ضرر إما في‬
‫الدنيا وإما في الخرة وإما فيهما ولهذا كان في سورة النحل وهي‬

‫سورة النعم في أولها أصول النعم وفي أثنائها كمال النعم ‪ #‬والنوع الثاني النعم التي‬
‫تحصل بها من كمال النعم وعلو الدرجة ما ل يحصل بدونها كما أنهم في الخرة‬
‫نوعان أبرار أصحاب يمين ومقربون سابقون ومن خرج عن هذين كان من‬
‫أصحاب الجحيم ‪ #‬وإذا كانت النعمة نوعين فالخلق كانوا محتاجين إلى إرسال محمد‬
‫من هذين الوجهين وحصل بإرساله هذان النوعان من النعمة فإن الناس بدونه كانوا‬
‫جهال ضالين أميين وأهل الكتاب منهم ‪ #‬ولم يكن قد بقي من أهل الكتاب أتباع‬
‫المسيح من هو قائم بالدين الذي يوجب السعادة عند ال في الخرة بل كانوا قد بدلوا‬
‫وغيروا وأيضا فلو قدر أنهم لم يبدلوا شيئا ففي إرساله من كمال النعم وتواصلها‬
‫وعلو الدرجات في السعادة ما لم يكن حاصل بالكتاب الول فكان إرساله أعظم‬
‫نعمة أنعم ال بها على أهل الرض من نوعي النعيم‬

‫ومن استقرأ أحوال العالم تبين له أن ال لم ينعم على أهل الرض نعمة أعظم من ‪#‬‬
‫إنعامه بإرساله وإن الذين ردوا رسالته هم من قال ال فيهم ‪ ^ #‬ألم تر إلى الذين‬
‫بدلوا نعمت ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ^ ‪ #‬ولهذا وصف بالشكر من قبل‬
‫هذه النعمة فقال تعالى ‪ ^ #‬وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلء من ال عليهم‬
‫من بيننا أليس ال بأعلم الشاكرين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما محمد إل رسول قد‬
‫خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه‬

‫‪535‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪536‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فلن يضر ال شيئا وسيجزي ال الشاكرين ^ ‪ #‬الوجه السادس أن يقال قولهم إنا‬
‫نعجب من هؤلء القوم إلى آخر الفصل قول جاهل ظالم يستحق أن يقال له بل‬

‫العجب من هذا العجب هو الواجب بل هو الذي ل ينقضي منه العجب وإن كل عاقل‬
‫ليعجب من عرف دين محمد وقصده الحق ثم اتبع غيره ويعلم أنه ل يفعل ذلك إل‬
‫مفرط في الجهل والضلل أو مفرط في الظلم واتباع الهوى ‪ #‬وذلك أن أهل‬
‫الرض نوعان أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وغير أهل الكتاب كالمشركين‬
‫من العرب والهند والترك وغيرهم كالمجوس من الفرس وغيرهم كالصابئة من‬
‫المتفلسفة وغيرهم ‪ #‬وأهل الكتاب يسلمون لنا أن من سوى أهل الكتاب انتفع بنبوة‬
‫محمد منفعة ظاهرة وأنه دعا جميع طوائف‬

‫المشركين والمجوس والصابئين إلى خير مما كانوا عليه بل كانوا أحوج الناس إلى‬
‫رسالته وأما أهل الكتاب فاليهود مسلمون لنا حاجة النصارى إليه وأنه دعاهم إلى‬
‫خير مما كانوا عليه والنصارى تسلم لنا حاجة اليهود إليه وأنه دعاهم إلى خير مما‬
‫كانوا عليه ‪ #‬فما من طائفة من طوائف أهل الرض إل وهم مقرون بأن محمدا دعا‬
‫سائر الطوائف غيرهم إلى خير مما كانوا عليه هذه شهادة من جميع أهل الرض‬
‫بأنه دعا أهل الرض إلى خير مما كانوا عليه فإن شهادة جميع الطوائف مقبولة‬
‫على غيرهم إذ كانوا غير متهمين عليهم فإنهم معادون لمحمد وأمته معادون لسائر‬
‫الطوائف وأما شهادتهم لنفسهم فغير مقبولة فإنهم خصومه وشهادة الخصم على‬
‫خصمه غير مقبولة ‪ #‬وقد اعترف الفلسفة بأنه لم يقرع العالم ناموس بأفضل من‬
‫ناموسه واعترفوا بأنه أفضل من ناموس موسى والمسيح عليهما الصلة والسلم بل‬
‫كان لهم من الطعن في نواميس غيره ما ليس‬

‫هذا موضع ذكره بخلف ناموس محمد فإنه لم يطعن فيه أحد منهم إل من كان‬
‫خارجا عن قانون الفلسفة التي توجب عندهم العدل والكلم بعلم وأما من التزم منهم‬
‫الكلم بعلم وعدل فهم متفقون على أن ناموس محمد أفضل ناموس طرق العالم‬
‫فكيف يعجب من مثل هذا الناموس ‪ #‬الوجه السابع أن يقال لهل الكتاب خصوصا‬
‫فيقال لليهود أنتم أذل المم فلو قدر أن ما أنتم عليه دين ال الذي لم يبدل فهو مغلوب‬
‫مقهور في جميع الرض فهل تعجبون من أن يبعث ال رسول يهدي إلى الحق وإلى‬
‫طريق مستقيم فيبعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله حتى يصير دين ال‬
‫الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه منصورا ظاهرا بالحجة والبيان والسيف والسنان‬
‫‪ #‬ويقال للنصارى أنتم لم تخلصوا دين ال الذي بعث به رسله من دين المشركين‬
‫والمعطلين بل أخذتم من أصول المشركين والمعطلين من الفلسفة وغيرهم ما‬
‫أدخلتموه في دينكم وليس لكم على أكثر الكفار حجة علمية ول يد قهر‬
‫ية بل للكفار في‬

‫قلوبكم من الرعب والخوف والتعظيم ما أنتم به من أضعف المم حجة وأضيقها‬

‫‪536‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪537‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫محجة وأبعدها عن العلم والبيان وأعجزها عن إقامة الحجة والبرهان تارة تخافون‬
‫من الكفار والفلسفة وغيرهم من المشركين والمعطلين فإما أن توافقوهم على‬
‫أقوالهم وإما أن تخضعوا لهم متواضعين وتارة تخافون من سيوف المشركين فإما أن‬
‫تتركوا بعض دينكم لجلهم وإما أن تذلوا لهم خاضعين ‪ #‬ففيكم من ضعف سلطان‬
‫الحجة وضعف سلطان النصرة ما يظهر به حاجتكم إلى قيام الهدى ودين الحق الذي‬
‫بعث ال به رسله وأنزل به كتبه فالعجب منكم كيف تعدلون عما فيه سعادتكم في‬
‫الدنيا والخرة إلى ما فيه شقاؤكم في الدنيا والخرة هذا هو العجب ليس العجب ممن‬
‫آمن بما فيه سعادة الدنيا والخرة وفي خلفه شقاوة الدنيا والخرة ‪ #‬ومثل هذا ل‬
‫يرد على المسلمين فإنه لم يزل ول يزال فيه طائفة قائمة بالهدي ودين الحق ظاهرة‬
‫بالحجة والبيان واليد والسنان إلى أن يرث ال الرض ومن عليها وهو خير‬
‫الوارثين كما ثبت في الصحاح عن النبي أنه قال ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر‬
‫ال ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى تقوم الساعة وفي لفظ ل تزال طائفة‬
‫من أمتي ظاهرة حتي يأتي ال بأمره‬

‫الوجه الثامن أن يقال لهل الكتاب لليهود أنتم لما كنتم متبعين لموسى عليه السلم ‪#‬‬
‫كنتم على الهدى ودين الحق وكنتم منصورين ثم كثرت فيكم الحداث التي تعرفونها‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إل أن آمنا بال وما أنزل إلينا‬
‫وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من‬
‫لعنه ال وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر‬
‫مكانا وأضل عن سواء السبيل ^ ‪ #‬وقوله تعالى ^ وعبد الطاغوت ^ معطوف على‬
‫لعنه ال أي من لعنه ال وغضب عليهم وعبد هو الطاغوت ليس هو داخل في خبر‬
‫جعل حتى يلزم إشكال كما ظنه بعض الناس ‪ #‬وأهل الكتاب معترفون بأن اليهود‬
‫عبدوا الصنام مرات وقتلوا النبياء‬

‫وقال تعالى ‪ #‬سورة السراء اليات ‪ # 8 4‬وهم معترفون بأن بيت المقدس ‪#‬‬
‫خرب مرتين‬

‫فالخراب الول لما جاء بخت نصر وسباهم إلى بابل وبقي خرابا سبعين سنة ‪#‬‬
‫والخراب الثاني بعد المسيح بنحو سبعين سنة وقد قيل هذا تأويل قوله ‪ ^ #‬لعن‬
‫الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ^ ‪ #‬فبعد الخراب‬
‫الثاني تفرقوا في الرض ولم يبق لهم ملك وبين الخرابين كانوا تحت قهر الملوك‬
‫الكفار وبعث المسيح عليه الصلة والسلم وهم كذلك ‪ #‬ويقال للنصارى أنتم ما زلتم‬
‫مقهورين مغلوبين مبددين في الرض حتى ظهر قسطنطين وأقام دين النصرانية‬
‫بالسيف وقتل من خالفه من المشركين واليهود لكن أظهر دينا مبدل مغيرا ليس هو‬
‫دين المسيح عليه السلم ومع هذا فكانت أرض العراق وفارس كفارا المجوس‬
‫وغيرهم مجوسا ومشركين وكانوا في بعض الزمنة يقهرون النصارى على بلدهم‬
‫وأما أرض المشرق والمغرب ففيهما من أنواع المشركين أمم وكان الشرك والكفر‬

‫‪537‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪538‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ظاهرا في أرض اليمن والحجاز والشام والعراق فلما بعث ال محمدا‬

‫أظهر به توحيد ال وعبادته وحده ل شريك له ظهورا لم يعرف في أمة من المم‬


‫ولم يحصل مثله لنبي من النبياء وأظهر به من تصديق الكتب والرسل والتوراة‬
‫والنجيل والزبور وموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من الرسل ما لم يكن‬
‫ظاهرا ل عند أهل الكتاب ول غيرهم فأهل الكتاب وإن كانوا خيرا من غيرهم فلم‬
‫يكونوا قائمين بما يجب من اليمان بال ورسله ول باليوم الخر ول شرائع دينه ول‬
‫كانوا قاهرين لكثر الكفار ول كانوا منصورين عليهم ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬قاتلوا‬
‫الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله ول يدينون‬
‫دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ^ ‪ #‬أما اليهود ففيهم من التنقص من النبياء في‬
‫سبهم وذكر عيوب نزههم ال عنها ما هو معروف حتى إن منهم من يقول أن‬
‫سليمان كان ساحرا وداود كان منجما لم يكن نبيا إلى أمثال ذلك‬

‫مما يطول وصفه ففيهم من الكفر بالنبياء من جنس ما كان في سلفهم الخبيث ‪#‬‬
‫وأما النصارى فمع غلوهم في المسيح وأتباعه يستخفون بغيره فتارة يجعلون‬
‫الحواريين مثل إبراهيم وموسى أو أفضل منهم وتارة يقولون كما قال اليهود إن‬
‫سليمان لم يكن نبيا بل سقط من النبوة وتارة يجعلون ما خاطب ال به داود وغيره‬
‫من النبياء إنما أريد به المسيح مع أن اللفظ ل يدل على ذلك بل يتأولون كتب ال‬
‫بمجرد هوى أنفسهم وتارة يقولون إن الواحد منهم إذا أطاع ال بما يزعمون أنه‬
‫طاعة صار مثل واحد من النبياء ويسوغون لمثل هؤلء أن يغيروا شرائع النبياء‬
‫ويضعوا دينا ابتدعوه ومحمد وأمته أقاموا توحيد ال الذي كان عليه إبراهيم وموسى‬
‫وسائر الرسل وآمنوا بكل كتاب أنزله ال وكل رسول بعثه ال وأقاموا دين الرحمن‬
‫إقامة لم يقمها أحد من المم فعامة أهل الرض مع محمد إما مؤمن به باطنا‬
‫وظاهرا وهم أولياء ال المتقون وحزبه المفلحون وجنده الغالبون وإما مسلمون له‬
‫في الظاهر تقية وخوفا من أمته وهم المنافقون‬

‫وإما مسالمون له بالعهد والذمة والهدنة وهم أهل الذمة والهدنة في جميع الرض‬
‫وإما خائفون من أمته ‪ #‬وحيث كان الواحد والطائفة من أمته متمسكا بدينه كان‬
‫نوره ظاهرا وبرهانه باهرا معظما منصورا يعرف فضله على كل من سواه ‪ #‬وهذا‬
‫أمر يعرفه الناس في أرض الكفار من المشركين وأهل الكتاب لما خص ال به‬
‫محمدا وأمته من الهدى ودين الحق وقد أظهروا دين الرب في مشارق الرض‬
‫ومغاربها بالقول والعمل فهل يقول من عنده علم وعدل إنه ل فائدة في إرسال محمد‬
‫وأنه يستغنى بما عند أهل الكتاب عن رسالته ‪ #‬الوجه التاسع أن يقال هم معترفون‬
‫بانتفاع المشركين به غاية النتفاع فإنه أقام توحيد ال ودينه فيهم وأنه عظم المسيح‬
‫ورد على اليهود قولهم فيه وأهانهم وحينئذ فهذا من أعظم الفوائد وأجل المقاصد‬
‫وأعظم نعم ال على عباده ثم هو مع ذلك قال إن ال أرسله وأمره بذلك‬

‫‪538‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪539‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فإن كان كاذبا فالكذاب المفتري على ال من شر الكفار ومن يكون كذلك ل ‪#‬‬
‫يحصل منه هذا الخير العظيم الذي ما حصل مثله من أحد من النبياء فإنه أزال دين‬
‫المشركين ودين المجوس وقمع اليهود وكل واحدة من هذه الثلث لم يقدر عليه أحد‬
‫قبله من النبياء والمرسلين ‪ #‬وإن كان صادقا فهو قد أخبر أنه رسول ال إلى‬
‫النصارى وغيرهم من المم وأخبر عن ال بكفر كل من لم يؤمن به وهذا الوجه‬
‫ممن يخاطب به كل صنف فيقال لكل صنف من المم أنتم معترفون بأن من سواكم‬
‫إذا اتبعوا دين محمد كان خيرا لهم مما هم عليه فاليهود معترفة بأن النصارى إذا‬
‫اتبعوه كان خيرا لهم من دين النصارى والنصارى معترفون بأن اليهود إذا اتبعوه‬
‫كان خيرا لهم من دين اليهود وأهل الكتاب اليهود والنصارى معترفون بأن من‬
‫سواهم إذا اتبعوا محمدا كان خيرا لهم مما هم عليه ‪ #‬فالمجوس والمشركون من‬
‫العرب والسودان والترك وأصناف‬

‫الخزر والصقالبة إذا اتبعوه كان خيرا لهم مما هم عليه وسائر أصناف الكفار‬
‫معترفون بأن أتباعه خير من غيرهم ومن ليس من أهل الكتاب عامتهم معترفون‬
‫بأن دين المسلمين خير من دين اليهود والنصارى وحينئذ فيقال من جاء بهذا الدين‬
‫الذي يفضله جميع أهل الرض على غيره يمتنع أن يكون من أكفر الناس وأحقهم‬
‫بغضب ال وعقابه وكل من قال إنه رسول ال فإن كان صادقا كان من خير أهل‬
‫الرض وأحقهم برضوان ال وثوابه وإن كان كاذبا كان من شر أهل الرض‬
‫وأحقهم بغضب ال وعقابه ومن حصل منه هذا الخير والعلم والهدى وما فيه صلح‬
‫الدنيا والخرة أعظم مما حصل من جميع الخلق يمتنع أن يكون من أكفر الناس‬
‫المستحقين لغضب ال وعقابه فوجب أن يكون من خير أهل الرض بل هو خير‬
‫أهل الرض وأحقهم برضوان ال وثوابه ‪ #‬الوجه العاشر إن ال سبحانه وتعالى‬
‫كانت سنته قبل إنزال‬

‫التوراة إذا كذب نبي من النبياء ينتقم ال من أعدائه بعذاب من عنده كما أهلك قوم‬
‫نوح بالغرق وقوم هود بالريح الصرصر وقوم صالح بالصيحة وقوم شعيب بالظلة‬
‫وقوم لوط بالحاصب وقوم فرعون بالغرق قال تعالى ‪ ^ #‬ولقد آتينا موسى الكتاب‬
‫من بعد ما أهلكنا القرون الولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ^ ‪#‬‬
‫فلما أنزل التوراة أمر أهل الكتاب بالجهاد فمنهم من نكل ومنهم من أطاع ‪ #‬وصار‬
‫المقصود بالرسالة ل يحصل إل بالعلم والقدرة كما قال تعالى‬

‫هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بال ^ ‪#‬‬
‫شهيدا ^ ‪ #‬فقول هؤلء إن التوراة جاءت بالعدل وإلنجيل بالفضل فل حاجة إلى‬
‫غيرهما لو قدر أنه حق إنما يستقيم إذا كان الكتابان لم يبدل بل كانا متبعين علما‬
‫وعمل وكان أهلهما مع ذلك منصورين مؤيدين على من خالفهم فكيف وكل منهما قد‬
‫بدل كثير مما فيه وأهلهما غير منصورين على سائر الكفار بل الكفار ظاهرون‬
‫عليهم في أكثر الرض كأرض اليمن والحجاز وسائر جزيرة العرب وأرض‬

‫‪539‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪540‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العراق وخراسان والمغرب وأرض الهند والسند والترك وكان بأيدي أهل الكتاب‬
‫الشام ومصر وغير ذلك ومع هذا فكانت الفرس قد غلبتهم على ذلك ثم إن ال أظهر‬
‫النصارى عليهم فكان ظهورهم توطئة وتمهيدا لظهار دين السلم ‪ #‬فإن الفرس‬
‫المجوس لما غلبوا الروم ساء ذلك النبي‬

‫والمؤمنين به وفرح بذلك مشركوا العرب وكانوا أكثر من المؤمنين لن أهل الكتاب‬
‫أقرب إلى المؤمنين من المجوس والمجوس أقرب إلى المشركين منهم إلى أهل‬
‫الكتاب ووعد ال المؤمنين أن تغلب الروم بعد ذلك وأنه يومئذ ‪ ^ #‬يفرح المؤمنون‬
‫بنصر ال ^ ‪ #‬فأضاف النصرة إلى اسم ال ولم يقل بنصر ال إياهم وذلك أنه حين‬
‫ظهرت الروم على فارس كان النبي وأصحابه قد ظهروا على المشركين واليهود ‪#‬‬
‫وأرسل النبي إذ ذاك يدعو ملوك النصارى بالشام ومصر إلى اليمان به فعرفوه‬
‫وعرفوا أنه النبي المبشر به وكان ذلك أول ظهور دينه ثم أرسل طائفة من أصحابه‬
‫إلى غيرهم ثم خرج بالمسلمين بنفسه معهم عام تبوك إلى الشام ثم فتح هذه البلد‬
‫أصحابه فكان تأييد دين ال وظهوره وإذلل المشركين‬

‫والمجوس وغيرهم من الكفار على يديه ويدي أمته ل على يد اليهود والنصارى ‪#‬‬
‫فلو قدر أن شرع أولئك كامل ل تبديل فيه لكان مغلوبا مقهورا وكان ال قد أرسل‬
‫من يؤيد دينه ويظهره فكيف وهو مبدل ولو لم يبدل فدين أحمد أكمل وأفضل منه‬
‫فذاك مفضول مبدل وهذا فاضل لم يبدل وذلك مغلوب مقهور هذا مؤيد منصور‬
‫وببعض هذا تحصل الفائدة في إرساله ‪ #‬فكان من أجل الفوائد إرسال محمد فكيف‬
‫يقال إنه ل فائدة في إرساله ‪ #‬الوجه الحادي عشر قولهم لما كان الباري عدل جوادا‬
‫أوجب أن يظهر عدله وجوده فيقال لهم جود الجواد غير إلزام الناس بترك حقوقهم‬
‫فإن الجواد هو الذي يحسن إلى الناس ليس هو الذي يلزم الناس بترك حقوقهم‬
‫وهؤلء يزعمون أن شريعة النجيل ألزمت الناس بترك حقوقهم وأنه ل ينصف‬
‫مظلوم من ظالمه ولهذا ليس عندهم حكم عدل يحكمون به بين الناس بل الحكم‬
‫عندهم حكمان حكم الكنسية وليس فيه إنصاف المظلوم من الظالم والثاني حكم‬
‫الملوك وليس هو شرعا منزل بل هو بحسب آراء الملوك ‪ #‬ولهذا تجدهم يردون‬
‫الناس إلى حكم شرع السلم في الدماء‬

‫والموال ونحو ذلك حتى في بعض بلدهم يكون الملك والعسكر كلهم نصارى‬
‫وفيهم طائفة قليلة مسلمون لهم حاكم فيردون الناس في الدماء والموال إلى حكم‬
‫شرع المسلمين وذلك أن الدماء والموال وإن كان يستحب للمظلوم أن يعفو فيها عن‬
‫ظالمه فالحاكم الذي يحكم بين الناس متى حكم على المظلوم بترك حقه كان حاكما‬
‫بالظلم ل بالعدل ‪ #‬ولو أمرنا كل ولي مقتول أن ل يقتص من القاتل وكل صاحب‬
‫دين أن ل يطالب غريمه بل يدعه على اختياره وكل مشتوم ومضروب أن ل‬
‫ينتصف من ظالمه لم يكن للظالمين زاجر يزجرهم وظلم القوياء الضعفاء وفسدت‬
‫الرض قال تعالى ‪ ^ #‬ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ^ ‪ #‬فل‬

‫‪540‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪541‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بد من شرع يتضمن الحكم بالعدل ول بد مع ذلك من ندب الناس إلى العفو والخذ‬
‫بالفضل ‪ #‬وهذه شريعة السلم كما تقدم ما ذكرنا من اليات مثل قوله ‪^ #‬‬
‫^ والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له‬

‫وقوله ‪ ^ #‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم ^ ‪# #‬‬
‫وقوله ‪ ^ #‬وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على ال ^ ‪ #‬وقوله ‪^ #‬‬
‫وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ^ ‪ #‬وقوله‬
‫‪ ^ #‬الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وال‬
‫^ يحب المحسنين ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا‬

‫وقوله ‪ ^ #‬ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور ^ ‪ #‬وقال أنس ما رفع ‪#‬‬
‫للنبي أمر فيه القصاص إل أمر فيه بالعفو فكان يأمر بالعفو ول يلزم الناس به ولهذا‬
‫لما عتقت بريرة وكان لها أن تفسخ النكاح وطلب زوجها أن ل تفارقه شفع إليها أن‬
‫ل تفارقه فقالت أتأمرني قال ل إنما أنا شافع فلم يوجب عليها قبول شفاعته ‪ #‬الوجه‬
‫الثاني عشر قولهم ولما كان الكمال الذي هو الفضل‬

‫ل يمكن أن يضعه إل أكمل الكمال فيقال لهم العدل والفضل ل يشرعه إل ال‬
‫فشريعة التوراة لم يشرعها إل ال وشريعة النجيل لم يشرعها إل ال عز وجل ‪#‬‬
‫يبين ذلك أن ال كلم موسى من الشجرة تكليما وهم غاية ما قرروا به إلهية المسيح‬
‫أن زعموا أن ال كلم الناس من ناسوت المسيح كما كلم موسى من الشجرة ومعلوم‬
‫عند كل عاقل لو كان هذا حقا أن تكليمه لموسى من الشجرة أعظم تكليم كلمه ال‬
‫لعباده فكيف يقال إن شريعة العدل لم يشرعها ال عز وجل ‪ #‬ثم يقال لهم بل شريعة‬
‫العدل أحق بأن تضاف إلى ال من شريعة الفضل فإن المر بالحسان والعفو يحسنه‬
‫كل أحد وأما معرفة العدل والحكم بين الناس به فل يقدر عليه إل آحاد الناس ولهذا‬
‫يوجد الذي يصلح بين الناس بالحسان خلق كثير وأما الذي يحسن أن يفصل بينهم‬
‫بالعدل فناس قليل فكيف يقال إن الذي يأمر بشرع الفضل هو ال دون الذي يأمر‬
‫بشرع العدل ‪ #‬وال تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط كما قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان‬

‫ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم ال من ينصره‬
‫ورسله بالغيب إن ال قوي عزيز ^ ‪ #‬وأمر المسيح عليه السلم للمظلوم بالعفو عن‬
‫الظالم ليس فيه ما يدل على أنه من الواجب الذي من تركه استحق الذم والعقاب بل‬
‫هو من المرغب فيه الذي من فعله استحق المدح والثواب وموسى عليه السلم‬
‫أوجب العدل الذي من تركه استحق الذم والعقاب وحينئذ فل منافاة بين إيجاب العدل‬
‫وبين استحباب الفضل ‪ #‬لكن إيجاب العدل يقترن به الترهيب والتخويف في تركه‬
‫واستحباب الفضل يقترن به الترغيب والتشويق إلى فعله فذاك فيه رهبة مع ما فيه‬
‫من الرغبة وهذا فيه رغبة بل رهبة ولهذا قال المسيح عليه السلم ‪ ^ #‬وكنت عليهم‬

‫‪541‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪542‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد‬
‫إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ^ ‪ #‬ولهذا قيل إن‬
‫المسيح عليه السلم بعث لتكميل التوراة فإن النوافل تكون بعد الفرائض كما في‬
‫صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي قال يقول ال تعالى من‬
‫عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت‬
‫عليه ول يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل‬

‫حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي‬
‫يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن‬
‫سألني لعطينه ولئن استعاذ بي لعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن‬
‫قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ول بد له منه ‪ #‬وإل فلو قيل‬
‫إن المسيح عليه السلم أوجب على المظلوم العفو عن الظالم بمعنى أنه يستحق‬
‫الوعيد والذم والعقاب إن‬

‫لم يعف عنه لزم من هذا أن يكون كل من انتصف من الظالم ظالما مستحقا للذم‬
‫والعقاب وهذا ظلم ثان للمظلوم الذي انتصف فإن الظالم ظلمه أول فلما انتصف منه‬
‫ظلم ظلما ثانيا فهو ظلم العادل انتصف من ظالمه ‪ #‬وما أحسن كلم ال حيث يقول‬
‫‪ #‬سورة الشورة اليات ‪ # 43 36‬وقال ‪ ^ #‬ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم‬
‫بغى عليه لينصرنه ال إن ال لعفو غفور ^ ‪ #‬فهذا من أحسن الكلم وأعدله وأفضله‬
‫حيث شرع العدل فقال‬

‫وجزاء سيئة سيئة مثلها ^ ‪ #‬ثم ندب إلى الفضل فقال ‪ ^ #‬فمن عفا وأصلح ^ ‪#‬‬
‫فأجره على ال إنه ل يحب الظالمين ^ ‪ #‬ولما ندب إلى العفو ذكر أنه ل لوم على‬
‫المنتصف لئل يظن أن العفو فرض فقال ‪ ^ #‬ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما‬
‫عليهم من سبيل ^ ‪ #‬ثم يبين أن السبيل إنما يكون على الظالمين فقال ‪ ^ #‬إنما‬
‫السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الرض بغير الحق أولئك لهم عذاب‬
‫أليم ^ ‪ #‬ثم لما رفع عنهم السبيل ندبهم مع ذلك إلى الصبر والعفو فقال ‪ ^ #‬ولمن‬
‫صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور ^ ‪ #‬فهذا أحسن شرع وأحكمه يرغب في‬
‫الصبر والغفر والعفو والصلح بغاية الترغيب ويذكر ما فيه من الفضائل‬
‫والمحاسن وحميد‬

‫العاقبة ويرفع عن المنتصف ممن ظلمه الملم والعذل ويبين أنه ل حرج عليه ول‬
‫سبيل إذا انتصر بعد ما ظلم ‪ #‬فهل يمكن أن تأتي شريعة بأن تجعل على المنتصف‬
‫سبيل مع عدله وهي ل تجعل على الظالم سبيل مع ظلمه ‪ #‬فعلم أن ما أمر به‬
‫المسيح من العفو لم يكن لن تاركه مستحق للذم والعقاب بل لنه محروم مما‬
‫يحصل للعافي المحسن من الجر والثواب وهذا حق ل يناقض شرع التوراة فعلم أن‬
‫شرع النجيل لم يناقض شرع التوراة إذ كان فرعا عليها ومكمل لها وحينئذ‬

‫‪542‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪543‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فزعمهم أن شرع النجيل شرعه ال دون شرع التوراة كلم من هو من أجهل الناس‬
‫وأضلهم ولهذا كان فرعا على قولهم بالتحاد وأن المسيح هو ال ‪ #‬فذاك الضلل‬
‫مما أوجب هذا القول المحال‬

‫فصل ‪ #‬وجميع ما احتجوا به من التوراة والنجيل وغيرهما من كلم النبياء‬


‫عليهم السلم إنما يكون الحجة فيه علمية برهانية إذا أقاموا الدليل على نبوة من‬
‫احتجوا بكلمه بأن بينوا إمكان النبوة ثم بينوا وقوعها في الشخص المعين بالطرق‬
‫التي يستدل بها على نبوة النبي ‪ #‬وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك بل احتجوا بذلك بناء‬
‫على أنها مقدمة مسلمة يسلمها المسلمون لهم وهذا ل ينفعهم لوجوه ‪ #‬أحدها أن‬
‫فيمن ذكروه من لم يثبت عند المسلمين أنه نبي كميخا وعاموص‬

‫الثاني أن من ثبت عند المسلمين نبوته كموسى وعيسى وداود وسليمان لم يثبت ‪#‬‬
‫عندهم أنهم قالوا جميع ما ذكروه من الكلم وأن ترجمته بالعربية هو ما ذكروه وأن‬
‫مرادهم به ما فسروه ‪ #‬الثالث أن جمهور المسلمين ل يعلمون نبوة أحد من النبياء‬
‫قبل محمد إل بإخبار محمد بنبوتهم فل يمكنهم التصديق بنبوة أحد من هؤلء إل بعد‬
‫التصديق بنبوة محمد ‪ #‬فإذا طلب هؤلء من المسلمين أن يسلموا نبوة هؤلء دون‬
‫نبوة محمد لم يمكن المسلمون أن يسلموا ذلك لهم ول يشرع ذلك للمسلمين ل عقل‬
‫ول نقل وحينئذ إذا لم يقيموا الدلة على نبوة أولئك لم يكونوا قد ذكروا ل حجة‬
‫برهانية ول حجة جدلية ‪ #‬الرابع أن المسلمين لم يصدقوا بنبوة موسى وعيسى إل‬
‫مع إخبارهما بنبوة محمد فإن سلموا أنهما أخبرا بنبوة محمد ثبتت نبوته ونبوتهما‬
‫وإن جحدوا ذلك جحد المسلمون نبوة من يدعون أنه موسى‬

‫وعيسى الذين لم يخبرا بمحمد ‪ #‬الخامس أن المسلمين وكل عاقل يمنع بعد النظر‬
‫التام أن يقر بنبوة موسى وعيسى دون محمد إذ كانت نبوته أكمل وطرق معرفتها‬
‫أتم وأكثر وما من دليل يستدل به على نبوة غيره إل وهو على نبوته أدل فإن جحد‬
‫نبوته يستلزم جحد نبوة غيره بطريق الولى ولكن من قال ذلك هو متناقض كما‬
‫يتناقض سائر أهل الباطل ولهذا قال تعالى في الكفار ‪ ^ #‬إنكم لفي قول مختلف‬
‫^ يؤفك عنه من أفك‬

‫فصل ‪ #‬قد ذكرنا في جواب أول كتابهم بيان امتناع احتجاجهم بشيء من كلم‬
‫محمد أو غيره من النبياء عليهم السلم على ما يخالف دين المسلمين من دينهم‬
‫ونحن نبسط هذا هنا فنقول ل ريب أن الباطل ل يقوم عليه دليل صحيح ل عقلي ول‬
‫شرعي سواء كان من الخبريات أو الطلبيات فإن الدليل الصحيح يستلزم صحة‬
‫المدلول عليه فلو قام على الباطل دليل صحيح لزم أن يكون حقا مع كونه باطل‬
‫وذلك جمع بين النقيضين مثل كون الشيء موجودا معدوما ‪ #‬وأهل الكتاب معهم‬

‫‪543‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪544‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حق في الخبريات والطلبيات ومعهم باطل وهو ما بدلوه في الخبريات سواء كان‬
‫المبدل هو اللفظ أو معناه وما ابتدعوه أو ما نسخ من العمليات والمنسوخ الذي‬
‫تنوعت فيه الشرائع قليل بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والرسل فإن الذي اتفقت‬
‫عليه هو الذي ل بد للخلق منه في كل زمان ومكان وهو اليمان بال واليوم الخر‬
‫والعمل الصالح كما قال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون‬
‫والنصارى من آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فل خوف عليهم ول هم‬
‫^ يحزنون‬

‫وعامة السوره المكية كالنعام والعراف وآل حم وآل طس وآل آلر هي من ‪#‬‬
‫الصول الكلية التي اتفقت عليها شرائع المرسلين كالمر بعبادة ال وحده ل شريك‬
‫له والصدق والعدل والخلص وتحريم الظلم والفواحش والشرك والقول على ال‬
‫بل علم وعامة ما عندهم من النقول الصحيحة عن النبياء من التوراة والنجيل‬
‫والزبور ونبوات النبياء توافق المنقول عن محمد شهد هذا لهذا وهذا لهذا وذلك من‬
‫دلئل نبوة أولئك النبياء ومن دلئل نبوة محمد ‪ #‬ولهذا يذكر ال ذلك بيانا لنعامه‬
‫بمحمد ودللة لنبوته كقوله تعالى ‪ #‬سورة آل عمران الية ‪ # 44 42‬وقال تعالى‬
‫لما قص قصة نوح ‪ ^ #‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول‬
‫قومك من قبل‬

‫هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ ‪ #‬فذكر الله نعمته وآيته بكونه لم يكن يعلمها هو‬
‫ول قومه أيضا كانوا يعلمونها لئل يظن أنه تعلم ذلك من قومه فإن قومه لم يكونوا‬
‫يعلمون ذلك ‪ #‬وقد علم بالنقل المتواتر أن محمدا ولد بمكة وبها نشأ بعد أن كان‬
‫مسترضعا في بادية سعد بن بكر قريبا من الطائف شرقي مكة وهو صغير ثم حملته‬
‫مرضعته حليمة السعدية‬

‫إلى أمه بمكة ل يعلم شيئا من ذلك ول هناك من يتعلم منه شيء من ذلك وأهل مكة‬
‫يعلمون حاله وأنه لم يتعلم ذلك من أحد ثم أخبرهم بالغيب الذي ل يعلمه أحد إل‬
‫بتعليم ال له ‪ #‬فكان هذا من أعلم رسالته ودلئل نبوته عليهم أول وعلى غيرهم‬
‫آخرا فإنهم كانوا مشاهدين له يعلمون أنه لم يتعلم ذلك من أحد وغيرهم يعلم ذلك‬
‫بالخبار المتواترة ويعلم أن قومه المكذبين له مع حرصهم على الطعن فيه ومع‬
‫علمهم بحاله لو كان قد تعلم من أهل الكتاب لقالوا هذا قد تعلمه منهم قال تعالى ‪^ #‬‬
‫قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل تعقلون‬
‫^ ‪ #‬والمقصود أنه نفى علم قومه بما أخبره فيه بيانا للء ال التي‬

‫هي آياته ونعمه فإن ذلك يدل على أنه لم يتعلم ذلك من قومه وفيه إنعام ال على‬
‫الخلق بذلك ‪ #‬وقال تعالى لما ذكر قصة يوسف ‪ ^ #‬ذلك من أنباء الغيب نوحيه‬
‫إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة‬
‫القصص الية ‪ # 46 43‬فنفى سبحانه شهادته لهذه المور الغائبة وحضوره لها‬

‫‪544‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪545‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تنبيها للناس على أنه أخبر بالغيب الذي لم يشهده ولم يعرفه من جهة أخبار الناس‬
‫فإن قومه لم يكونوا يعلمون ذلك ول عاشر غير قومه وكل من عرف حاله يعلم أنه‬
‫لم يتعلم شيئا من ذلك ل من أهل الكتاب ول ممن نقل عن أهل الكتاب ‪ #‬فإذا كان‬
‫محمد أخبر بمثل ما أخبرت‬

‫به النبياء قبله في باب أسماء ال وصفاته وتوحيده وملئكته وأوليائه وأعدائه مع‬
‫العلم بأن في هذه المور من التفاصيل الكثيرة ما يمتنع اتفاق اثنين عليه إل عن‬
‫مواطأة بينهما ومحمد وموسى صلوات ال عليهما وسلمه لم يتواطآ بل لم يواطىء‬
‫محمد أحدا من الرسل قبله ول واطؤه ‪ #‬والخبر الكذب إما أن يتعمد صاحبه الكذب‬
‫وإما أن يغلط فالكاذبان المتعمدان للكذب ل يتفقان في القصص الطويلة والتفاصيل‬
‫العظيمة ‪ #‬وكذلك الغالطان ل يتفق غلطهما في مثل ذلك بل الثنان من آحاد الناس‬
‫إذا أخبر كل منهما عن حال بلدة وأخبر الخر بمثل خبره من غير مواطأة عرف‬
‫صدقهما فكيف بالمور الغائبة التي ل يمكن العلم بها إل من جهة ال تعالى فهذا من‬
‫دلئل نبوة النبياء صلوات ال وسلمه عليهم ‪ #‬وأما القدر الذي يخالف ما جاء به‬
‫محمد مما ينقلونه عن النبياء فهو نوعان ‪ #‬أحدهما ما وقع فيه النسخ من الشرائع‬
‫وهذا ل يمنعه لكن‬

‫المنسوخ مثل هذا بالنسبة إلى ما لم ينسخ من الكتاب نظير المنسوخ من القرآن‬
‫والحاديث النبوية فإنه قليل جدا بالنسبة إلى ما لم ينسخ وكذلك عامة ما أمر به‬
‫موسى وداود والمسيح وغيرهم من النبياء إذا اعتبر بما أمر به محمد وجد عامة‬
‫ذلك متفقا لم ينسخ منه إل القليل ‪ #‬والثاني الخبريات وهذه قد ادعى بعض أهل‬
‫الكتاب أن محمدا خالف بعض ما أخبرت به النبياء قبله وهذا باطل فإن أخبار‬
‫النبياء ل يجوز أن تتناقض إذ هم كلهم صادقون مصدقون ومن علم أن محمدا‬
‫رسول ال وأن موسى رسول ال وأن المسيح رسول ال علم أن أخبارهم ل تتناقض‬
‫لكن قد يخبر هذا بما لم يخبر به هذا فيكون في أخبار أحدهم زيادات على أخبار‬
‫غيره ل ما يناقض خبر غيره ‪ #‬وما يذكره أهل الكتاب مما يناقض خبر محمد فهو‬
‫عامته مما حرفوا معناه وتأويله وقليل منه حرف لفظه وأهل الكتاب اليهود‬
‫والنصارى مع المسلمين متفقون على أن الكتب المتقدمة وقع التحريف بها إما عمدا‬
‫وإما خطأ في ترجمتها وفي تفسيرها وشرحها وتأويلها وإنما تنازع الناس هل وقع‬
‫التحريف في بعض ألفاظها وكل ما يدعي فيه مدع أن محمدا‬

‫ناقضه فل بد له من أن يثبت مقدمتين ‪ #‬إحداهما ثبوت ذلك اللفظ عن ذلك النبي ‪#‬‬
‫والثاني ثبوت معناه ‪ #‬وكل من احتج بنقل عن نبي فل بد له من هاتين المقدمتين‬
‫السناد والمتن فل بد له من ثبوت اللفظ ول بد له من ثبوت معنى اللفظ وإذا كان‬
‫النقل ليس بلغة النبي بل بلغة أخرى فل بد من الترجمة الصحيحة وعامة النصارى‬
‫ليس عندهم كتب النبياء بلغة النبياء ‪ #‬فإن موسى والمسيح ومن بينهما من أنبياء‬
‫بني إسرائيل إنما كانوا يتكلمون باللغة العبرانية ‪ #‬والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم‬

‫‪545‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪546‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بغير العبرانية وإنما تكلم بغيرها كالسريانية واليونانية والرومية بعض من اتبعه‬
‫وجمهور‬

‫النصارى ل يعرفون بالعبرانية فل يحسنون أن يقرؤوا بالعبرانية ل توراة ول‬


‫إنجيل ول غير ذلك وإنما يتكلمون بذلك الرومية أو السريانية أو غيرهما وإن كان‬
‫فيهم قليل ممن يتكلم بالعبرانية بخلف اليهود فإن العبرانية فاشية فيهم وحينئذ فمن‬
‫احتج من أهل الكتاب بشيء من كلم النبياء المنقول بالرومية والسريانية أو‬
‫بالعربية فإنه يحتاج مع إثبات النقل إلى إثبات الترجمة وصحتها فإنهم كثيرا ما‬
‫يضطربون في الترجمة وصحتها ويختلفون في معناها ‪ #‬فهذه مقدمات ثلث لبد‬
‫لهم منها في كل ما يحتجون من كلم النبياء ولو لم يدعو أنه معارض لما أخبر به‬
‫محمد فكيف إذا ادعوا به تناقضه لما جاء به محمد فإن قدر أنه ثبت أن نبيا أخبر‬
‫بشيء امتنع قطعا أن يخبر محمد بنقيضه فإن فيما نقل عن محمد‬

‫أيضا ما ليس بثابت لفظه مثل بعض الحاديث الضعيفة والموضوعة وفيما ثبت‬
‫لفظه ما ليس معناه صريحا في المناقضة بل ل يدل على ذلك ‪ #‬فكم ممن يفسر‬
‫القرآن بما ل يدل عليه لفظ القرآن بل ول قاله أحد من الصحابة بل ول التابعين ‪#‬‬
‫كمن يقول إن شعيبا النبي هو كان حمو موسى وليس في القرآن والسنة وكلم‬
‫الصحابة إل ما يدل على نقيض ذلك وكمن يقول إن الرسل الذين أرسلوا إلى القرية‬
‫كانوا من أتباع المسيح وليس في القرآن والمنقول عن الصحابة إل ما يدل على‬
‫نقيض ذلك ‪ #‬وأما ما علم أن محمدا أخبر به فقد قامت الدلة القاطعة اليقينية على‬
‫صدقه وصدق ما أخبر به أعظم مما قامت على صدق غيره وصدق ما جاء به‬
‫فمهما عارض ذلك علم أنه كذب على النبياء ول يمكن أحدا من الخلق أن يذكر‬
‫دليل قطعيا على‬

‫صحة ذلك النقل بل غايتهم أن يذكروا طريقا ظنيا ل يفيدهم إل الظن والظن ل‬
‫يعارض اليقين ‪ #‬فما جاء به محمد يمكن صاحب النظر والستدلل أن يعلمه علما‬
‫يقينا ل يرتاب فيه ‪ #‬وما يناقضه ل سبيل لحد إلى العلم به ول يتصور أن يقوم‬
‫بقلبه منه إل الظن والتقليد وكلهما ل يناقض العلم فهذا أصل جامع ثم العارف يعبر‬
‫عنه مع كل إنسان بحسب ما يوصل معناه إلى ذلك المخاطب والمقصود هنا أن يقال‬
‫كل ما يحتجون به على مخالفة ما ثبت عن محمد ل يمكن أن يقوم لهم عليه دليل ل‬
‫شرعي ول عقلي وهذا نعلمه مجمل ‪ #‬ونحن نبين ذلك مفصل فنقول ما يحتجون به‬
‫إما أن يكون حجة عقلية وإما أن يكون سمعية أما العقليات فمعلوم أن الحجج العقلية‬
‫الدالة على فساد ما يقوله النصارى أظهر مما يحتجون به على صحة دينهم ومن‬
‫احتج منهم أو من اليهود بحجة عقلية على مخالفة شيء من دينه فلها أجوبة ‪ #‬أحدها‬
‫أن يبين أن ذلك يلزم غيره من النبياء فإنهم جاءوا بذلك أو بأعظم منه‬

‫فل يقدح أحد بحجة عقلية في محمد إل كان ذلك قد جاء بطريق الولى في غيره ‪#‬‬

‫‪546‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪547‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من النبياء كما بينا في الرد على الرافضة أنه ل يقدح أحد في الخلفاء الثلثة أبي‬
‫بكر وعمر وعثمان إل أمكن أن يقدح بمثل ذلك وبأعظم منه في علي فيمتنع أن‬
‫يكون علي سليما من القوادح في إمامته إل والثلثة أسلم منه مما يقدح في إمامتهم ‪#‬‬
‫ويمتنع أن يكون موسى وعيسى وداود برآء مما يقدح في نبوتهم إل ومحمد أبرأ مما‬
‫يقدح في نبوته وهذا كما لو احتج محتج بما في القرآن من إثبات الصفات فيقال له‬
‫في التوراة وغيرها من كتب النبياء مثل ذلك وأعظم وإذا احتج بإنزال المتشابهات‬
‫فيقال له في الكتب المتقدمة من التشابه أعظم مما في القرآن وهل ضلت‬

‫النصارى إل باتباع المتشابه من كلم النبياء وترك المحكم ‪ #‬والثاني أن يبين أن‬
‫تلك الحجة ل تصلح أن يعارض بها ما جاءت به النبياء كما إذا أخذ بعض الناس‬
‫يطعن في شيء من الشرائع بالرأي بين له أن ما ثبت عن النبياء ل يعارض برأي‬
‫ول قياس ‪ #‬الثالث أن يبين فساد تلك الحجة العقلية إن كانت من باب الخبريات بين‬
‫فسادها كما قد بسطنا القول في ذلك في كتاب درء تعارض العقل والشرع وذكرنا‬
‫أن جميع ما يحتج به على خلف نصوص النبياء من العقليات فإنه باطل وذكرنا ما‬
‫يعتمد عليه النفاة من هذا الباب ‪ #‬وإن كانت من باب الطلبيات فهي من باب المر‬
‫والنهي فمن‬

‫كان في مذهبه أنه ل يعلل أحكام ال ول يقول إن حسن الفعال وقبحها يعلم بالعقل‬
‫ول ينزه ال عن فعل ول عن حكم بل يجوز عليه كل شيء وإنما ينفي ذلك بالخبر‬
‫السمعي أو العادة فهذا يجيب بهذا الجواب لكن عامة القلوب والعقول ل تقبل هذا ‪#‬‬
‫وأما على قول الجمهور فنبين ما في مأموراته من الحكم والمصالح وما في منهياته‬
‫من المفاسد والضرر ونبين رجحان ما جاء به على ما يعارض به بل ونبين رجحان‬
‫شرائع النبياء على سياسات سائر المم بل ونبين رجحان شريعة محمد على سائر‬
‫الشرائع وهذا مبسوط في مواضع ‪ #‬وأما إذا احتج أهل الكتاب على مناقضة محمد‬
‫بحجة سمعية سواء كانت من كلمه أو كلم غيره من النبياء عليهم السلم كان‬
‫الجواب من وجوه ‪ #‬أحدها أن يقال لهم ل يمكنكم أن تصدقوا بنبوة نبي من النبياء‬
‫مع التكذيب بمحمد والطريق‬

‫الذي بها تثبت نبوة محمد بمثلها وبأعظم منها بل نحن نبين أن التصديق بنبوته أولى‬
‫من التصديق بنبوة غيره وأن كل ما يستدل به على نبوة نبي فمحمد أحق بجنس ذلك‬
‫الدليل من غيره وما يعارض به نبوة نبي فالجواب عن محمد أولى من الجواب عن‬
‫غيره ‪ #‬فهو مقدم فيما يدل على النبوة وفيما يجاب به عن المعارضة وهذه أكمل في‬
‫ذلك فيمتنع مع العلم أو العدل أن يصدق بنبوة غيره مع التكذيب بنبوته كما يمتنع مع‬
‫العلم والعدل في كل اثنين أحدهما أكمل من الخر في فن أن يقر بمعرفة ذلك الفن‬
‫للمفضول دون الفاضل وقولنا مع العلم والعدل لن الظالم يفضل المفضول مع علمه‬
‫بأنه مفضول والجاهل قد يعرف المفضول ول يعرف الفاضل ‪ #‬فإن كثيرا من‬
‫الناس يعلمون فضيلة متبوعهم إما في العلم أو العبادة ول يعرفون أخبار غيره حتى‬

‫‪547‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪548‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يوجد أقوام يعظمون بعض‬

‫التباع دون متبوعه الذي هو أفضل منه عند التابع وغيره ل يعرفونه فهؤلء ليس‬
‫عندهم علم ولهذا تجد كثيرا من هؤلء يرجح المفضول لعدم علمه بأخبار الفاضل‬
‫وهذا موجود في جميع الصناف حتى في المدائن يفضل النسان مدينة يعرفها على‬
‫مدينة هي أكمل منها لكونه ل يعرفها ‪ #‬والحكم بين الشيئين بالتماثل أو التفاضل‬
‫يستدعي معرفة كل منهما ومعرفة ما اتصف به من الصفات التي يقع بها التماثل‬
‫والتفاضل كمن يريد أن يعرف أن البخاري أعلم من مسلم وكتابه أصح أو أن‬
‫سيبويه أعلم من الخفش ونحو ذلك ‪ #‬وقد فضل ال بعض النبيين على بعض كما‬
‫^ قال تعالى ‪ ^ #‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ^ ‪ #‬والكلم في شيئين ‪#‬‬
‫‪ #‬أحدهما في كون المفضول يستحق تلك المنزلة دون الفاضل وهذا غاية الجهل‬
‫والظلم كقول الرافضة الذين يقولون إن عليا كان إماما عالما عادل والثلثة لم‬
‫يكونوا كذلك ‪ #‬وكذلك اليهود والنصارى الذين يقولون إن موسى كان رسول‬
‫ومحمد لم يكن كذلك فإن هذا في غاية الجهل والظلم بخلف من اعترف باستحقاق‬
‫الثنين للمنزلة ولكن فضل المفضول فهذا أقل جهل وظلما ‪ #‬ومعلوم أن المرسلين‬
‫يتفاضلون تارة في الكتب المنزلة عليهم وتارة في اليات والمعجزات الدالة على‬
‫صدقهم وتارة في الشرائع وما جاءوا به من العلم والعمل وتارة في أممهم ‪ #‬فمن‬
‫عنده علم وعدل فينظر في القرآن وفي غيره من الكتب كالتوراة والنجيل أو في‬
‫معجزات محمد ومعجزات غيره أو في شريعته وشريعة غيره أو في أمته وأمة‬
‫غيره وجد له من التفضيل على غيره ما ل يخفى إل على مفرط في الجهل أو الظلم‬
‫‪ #‬فكيف يمكن مع هذا أن يقال هو كاذب مفتر وغيره هو النبي الصادق‬

‫نعم كثير من أهل الكتاب لم يعرفوا من أخباره ما يبين لهم ذلك كما أن كثيرا من ‪#‬‬
‫الرافضة لم يعرفوا من أخبار الثلثة ما يبين لهم فضيلتهم عن علي رضي ال عنه‬
‫فهؤلء في الجهل وطلب العلم عليهم فرض خصوصا أمر النبوة فإن النظر في أمر‬
‫من قال ‪ ^ #‬إني رسول ال إليكم ^ ‪ #‬مقدم على كل شيء إذ كان التصديق بهذا‬
‫مستلزما لغاية السعادة والتكذيب به مقتضيا لغاية الشقاوة فبالرسول يحصل الفرق‬
‫بين السعداء والشقياء وبين الحق والباطل والهدى والضلل والفرق بين أولياء ال‬
‫وأعدائه ‪ #‬وكما يسلك هذه الطريق العقلية في القياس والعتبار بأن يعتبر حال‬
‫محمد وكتابه وشرعه وأمته بحال غيره وكتابه وشرعه وينظر هل هما متماثلن أو‬
‫متفاضلن وأيهما أفضل وإذا تبين أن حاله أفضل كان تصديقه أولى وامتنع أن‬
‫يكون غيره صادقا وهو كاذب ‪ #‬بل لو كانا متماثلين وجب كونه صادقا بل وكذلك‬
‫لو كانا متقاربين وغيره أفضل فإن المتنبي الكذاب ل يقارب الصادق بل بينهما من‬
‫التباين ما ل يخفى إل على أعمى الناس ‪ #‬وكذلك نسلك هذه الطريق في جنس‬
‫النبياء عليهم‬

‫‪548‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪549‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السلم مطلقا وأممهم بأن تعرف أخبار من مضى من النبياء وأممهم وترى آثار‬
‫هؤلء وهؤلء كما قال تعالى ‪ ^ #‬أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون‬
‫بها أو آذان يسمعون بها فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في‬
‫الصدور ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة يوسف اليات ‪ # 111 109‬وقال تعالى لما ذكر‬
‫آل فرعون ‪ ^ #‬وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ^ ‪#‬‬
‫وكذلك قال تعالى عن عاد‬

‫وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة أل إن عادا كفروا ربهم أل بعدا لعاد ^ ‪#‬‬
‫قوم هود ^ ‪ #‬وقال تعالى عن قوم شعيب ‪ ^ #‬أل بعدا لمدين كما بعدت ثمود ^ ‪#‬‬
‫وإذا ذكر النبياء عليهم السلم قال تعالى ‪ ^ #‬وتركنا عليه في الخرين سلم على‬
‫^ نوح في العالمين ^ ‪ ^ #‬سلم على إبراهيم ^ ‪ ^ #‬سلم على موسى وهارون‬

‫سلم على آل ياسين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وجعلنا لهم لسان صدق عليا ^ ‪# ^ #‬‬
‫ومثل هذا في القرآن كثير فيذكر من حال النبياء وأتباعهم وما حصل لهم من‬
‫الكرامة وما حصل للكفار بهم من الخزي والعذاب ما بين حسن حال هؤلء وقبح‬
‫حال هؤلء ‪ #‬ومما يوضح ذلك من أن من اعتبر حال أهل الملل من المسلمين‬
‫واليهود والنصارى وحال غيرهم في العلوم النافعة والعمال الصالحة تبين له أن‬
‫حال أهل الملل أكمل بما ل يحصى وإذا نظر ما عند غير أهل الملل من الحكمة‬
‫العلمية والعملية كحكمة الهند واليونان والعرب من الجاهلية والفرس‬

‫وغيرهم وجد ما عندهم بعض ما عند أهل الملل من الحكمة العلمية والعملية فيمتنع‬
‫أن يكون علماء اليونان والهند ونحوهم على حق وهدى وعلماء المسلمين واليهود‬
‫والنصارى على باطل وضلل وكذلك يمتنع أن تكون المة لها علم نافع وعمل‬
‫صالح وأهل الملل ليسوا كذلك ‪ #‬ففي الجملة ل يوجد في غير أهل الملل من علم‬
‫نافع وعمل صالح من حكمة علمية وعملية إل وذلك في أهل الملل اكمل ول يوجد‬
‫في أهل الملل شر إل وهو في غيرهم أكثر ‪ #‬وهؤلء فلسفة اليونان الذين قد‬
‫شهروا عند كثير من الناس باسم الحكمة وحكمتهم كحكمة سائر المم نوعان فطرية‬
‫وعملية والعملية في الخلق وسياسة المنزل وسياسة المدائن وكل من تأمل ما عند‬
‫اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل من سياسة الخلق والمنزل والمدائن وجده‬
‫خيرا مما عند أولئك بأضعاف مضاعفة ‪ #‬فإن أولئك عمدة أمرهم الكلم على قوى‬
‫النفس الشهوية‬

‫والغضبية وقوة العلم والعدل كأمور من جنس آداب العقلء ليس عندهم من معرفة‬
‫ال وملئكته وكتبه ورسله ومن عبادته وحده ل شريك له شيء له قدر والذي عندهم‬
‫من العلوم الطبيعية والحسابية ليس مما ينفع بعد الموت إل أن يستعان به على ما‬
‫ينفع بعد الموت والذي عندهم من العلم اللهي قليل جدا مع ما فيه من الخطأ الكثير‬

‫‪549‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪550‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬وكل ما عندهم من علم نافع وعمل صالح فهو جزء مما جاءت به النبياء عليهم‬
‫السلم فيمتنع أن يكون هؤلء المسمون بالحكماء وأتباعهم على حق في العتقاد‬
‫وصدق في القوال وخير في العمال كما هو غاية مطلوبهم والنبياء وأتباعهم‬
‫ليسوا كذلك ‪ #‬واعتبر ذلك بمن يعرف من خاصة هؤلء وعامتهم وخاصة هؤلء‬
‫وعامتهم وإن كان بينهما من التفاوت ما بين أهل الجنة وأهل النار فالعتبار في مثل‬
‫ذلك مما جاء به التنزيل ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬ال خير أما يشركون ^ ‪ #‬والمقصود أنه‬
‫بالعتبار والقياس العقلي والموازنة يوزن الشيء‬

‫بما يناظره ويعتبر به قياس الطرد وقياس العكس ‪ #‬فيظهر لكل من تدبر ذلك أن‬
‫أهل الملل أولى بالحق والصدق والخير من غيرهم وإن كان لولئك من الحكمة ما‬
‫يناسب أحوالهم وحكماؤهم أفضل من عوامهم وهم خير من الكفار بالرسل الذين‬
‫ليس فيهم خير أصل وهذا مما استفادوه أتباع النبياء منهم فيكون هذا من دلئل‬
‫نبوتهم وأعلم رسالتهم استدلل بالثر على المؤثر وبالمعلول على علته ‪ #‬وكذلك‬
‫من تدبر حال المسلمين وحال اليهود والنصارى تبين له رجحان حال المسلمين‬
‫فيكون هذا من دلئل نبوة محمد وأعلم رسالته ‪ #‬وقد ذكرنا في غير هذا الوضع أن‬
‫النبوة تعلم بطرق كثيرة وذكرنا طرقا متعددة في معرفة النبي الصادق والمتنبي‬
‫الكذاب غير طريق‬

‫المعجزات فإن الناس كما قويت حاجتهم إلى معرفة الشيء يسر ال أسبابه كما‬
‫يتيسر ما كانت حاجتهم إليه في أبدانهم أشد فلما كانت حاجتهم إلى النفس والهواء‬
‫أعظم منها إلى الماء كان مبذول لكل أحد في كل وقت ولما كانت حاجتهم إلى الماء‬
‫أكثر من حاجتهم إلى القوت كان وجود الماء أكثر ‪ #‬وكذلك لما كانت حاجتهم إلى‬
‫معرفة الخالق أعظم كانت آياته ودلئل ربوبيته وقدرته وعلمه ومشيئته وحكمته‬
‫أعظم من غيرها ولما كانت حاجتهم إلى معرفة صدق الرسل بعد ذلك أعظم من‬
‫حاجتهم إلى غير ذلك أقام ال سبحانه من دلئل صدقهم وشواهد نبوتهم وحسن حال‬
‫من اتبعهم وسعادته ونجاته وبيان ما يحصل له من العلم النافع والعمل الصالح وقبح‬
‫حال من خالفهم وشقاوته وجهله وظلمه ما يظهر لمن تدبر ذلك ‪ ^ #‬ومن لم يجعل‬
‫ال نورا فما له من نور ^ ‪ #‬وهذا الذي ذكرناه من اعتبار الشيء بنظرائه وموافقيه‬
‫وأشباهه واعتباره بأضداده ومخالفيه حتى يعرف في المتشابهين أيهم أكمل‬

‫وأفضل وفي المختلفين أيهم أولى بالحق والهدى والعدل موجود في سائر المور‬
‫علمها وعملها كعلم الطب والحساب والفقه وغير ذلك فيمتنع مع العلم والعدل أن‬
‫يقال جالينوس كان طبيبا وأبقراط لم يكن طبيبا أو أن يقال تاميطميوس كان فيلسوفا‬
‫وأرسطو لم يكن فيلسوفا أو أن يقال الخفش كان نحويا وسيبويه لم يكن نحويا أو أن‬
‫يقال زفر والحسن بن زياد ومحمد بن الحسن كانوا فقهاء وأبو حنيفة لم يكن فقيها أو‬
‫أن أشهب‬

‫‪550‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪551‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وابن القاسم وابن وهب كانوا فقهاء ومالك لم يكن فقيها أو أن المزني والبويطي‬
‫وحرملة كانوا فقهاء والشافعي لم يكن فقيها وأن أبا داود وإبراهيم الحربي‬

‫وأبا بكر الثرم كانوا فقهاء وأحمد بن حنبل لم يكن فقيها أو أن عليا كان إمام عدل‬
‫وأبا بكر وعمر لم يكونوا إمامي عدل أو أن نور الدين الشهيد كان عادل وعمر بن‬
‫عبد العزيز لم يكن عادل أو أن كوشيار كان يعلم الهيئة وبطليموس لم يكن يعرف‬

‫الهيئة أو أن النابغة الجعدي كان شاعرا والنابغة الذبياني لم يكن شاعرا أو أن يقال‬
‫إن القمر مستنير والشمس ليست مستنيرة أو أن عطارد نجم ثاقب وزحل ليس بنجم‬
‫ثاقب أو أن مسلما كان عالما بالحديث والبخاري لم يكن كذلك أو أن كتابه أصح من‬
‫كتاب البخاري ونحو ذلك مما يطول تعداده‬

‫فصل ‪ #‬والنصارى لهم سؤال مشهور بينهم وهو أن فيهم من يقول محمد لم تبشر‬
‫به النبوات بخلف المسيح فإنه بشرت به النبوات وزعموا أن من لم تبشر به فليس‬
‫بنبي وهذا السؤال يورد على وجهين ‪ #‬أحدهما أنه ل يكون نبيا حتى تبشر به ‪#‬‬
‫والثاني أن من بشرت به أفضل أو أكمل ممن لم تبشر به أو أن هذا طريق يعرف به‬
‫نبوة المسيح اختص به ‪ #‬وأنتم قد قلتم ما من طريق تثبت به نبوة نبي إل ومحمد‬
‫تثبت نبوته بمثل تلك الطريق وأفضل فأما هذا الثاني فيستحق الجواب وأما الول‬
‫نجيبهم عنه أيضا لكن هل تجب الجابة عنه فيه قولن بناء على أصل وهو أنه هل‬
‫من شرط النسخ الشعار بالمنسوخ ولنظار المسلمين فيه قولن‬

‫أحدهما أنه ل بد إذا شرع حكما يريد أن ينسخه فل بد أن يشعر المخاطبين بأنه ‪#‬‬
‫سينسخه لئل يظنوا دوامه فيكون ذلك تجهيل لهم ‪ #‬والثاني ل يشترط ذلك ‪ #‬وأيضا‬
‫فمن بعث بعد موسى هل يجب أن يكون مبشرا به فيه قولن ‪ #‬وبكل حال فل ريب‬
‫عند علماء المسلمين أن المسيح عليه السلم بشر بمحمد كما قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال‬
‫عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة‬
‫ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬الذين يتبعون‬
‫الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل يأمرهم‬
‫بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع‬
‫عنهم إصرهم والغلل التي‬

‫كانت عليهم ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة الفتح الية ‪ # 29‬وقال تعالى ‪ ^ #‬الذين‬
‫آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ ‪ #‬في موضعين من القرآن أحدهما‬
‫في التوحيد والقرآن والخر في القبلة والقرآن ومحمد ‪ #‬فقال في الول ‪ #‬سورة‬
‫النعام اليتان ‪ 19‬و ‪20‬‬

‫‪551‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪552‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا في سورة النعام وهي مكية ‪ #‬وقال في سورة البقرة وهي مدنية ‪ #‬سورة ‪#‬‬
‫البقرة اليات ‪147 144‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما ‪#‬‬
‫عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أفغير ال أبتغي حكما‬
‫وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصل والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من‬
‫ربك الحق فل تكونن من الممترين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬أو لم يكن لهم آية أن يعلمه‬
‫علماء بني إسرائيل ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده‬
‫علم الكتاب ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم‬
‫تفيض من الدمع مما‬

‫عرفوا من الحق ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم‬
‫يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون‬
‫للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب من قبله‬
‫هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله‬
‫مسلمين أولئك يؤتون حدهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما‬
‫رزقناهم ينفقون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين‬
‫^ يقرؤون الكتاب من قبلك‬

‫وإذا كان كذلك فيقال معلوم باتفاق أهل الملل أنه ليس من شرط نبوة كل نبي أن ‪#‬‬
‫يبشر به من قبله إذ النبوة ثابتة بدون ذلك ل سيما ونوح وإبراهيم وغيرهما لم يعلم‬
‫أنه بشر بهما من قبلهما وكذا عامة النبياء الذين قاموا في بني إسرائيل لم تتقدم بهم‬
‫بشارات إذ كانوا لم يبعثوا بشريعة ناسخة كداود وأشعيا وغيرهما ‪ #‬وإنما قد يدعى‬
‫هذا فيمن جاء بنسخ شرع من قبله كما جاء المسيح بنسخ بعض أحكام التوراة وكذلك‬
‫محمد ففي مثل هذا يتنازع المتنازعون من علماء المسلمين وغيرهم هل يشترط أن‬
‫يكون قد أخبر بذلك قبل النسخ على قولين ‪ #‬وحينئذ فالمسلمون يقولون شريعة‬
‫التوراة والنجيل لم تشرع شرعا مطلقا بل مقيدا إلى أن يأتي محمد وهذا مثل الحكم‬
‫المؤقت بغاية ل يعلم متى يكون كقوله تعالى ‪ ^ #‬فاعفوا واصفحوا حتى يأتي ال‬
‫بأمره ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل‬
‫^ ال لهن سبيل‬

‫ومثل هذا جائز باتفاق أهل الملل ‪ #‬وهل يسمى هذا نسخا فيه قولن قيل ل يسمى ‪#‬‬
‫نسخا كالغاية المعلومة كقوله تعالى ‪ ^ #‬وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط‬
‫البيض من الخيط السود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ^ ‪ #‬فإن ارتفاع‬
‫وجوب الصيام بمجيء الليل ل يسمى نسخا باتفاق الناس ‪ #‬فقيل إن الغاية المجهولة‬
‫كالمعلومة وقيل بل هذا يسمى نسخا ولكن هذا النسخ جائز باتفاق أهل الملل اليهود‬
‫وغيرهم وعلى هذا فثبوت نبوة المسيح ومحمد صلوات ال وسلمه عليهما ل تتوقف‬

‫‪552‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪553‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على جواز النسخ المتنازع فيه فإن ذلك إنما يكون في الحكم المطلق والشرائع‬
‫المتقدمة لم تشرع مطلقا ‪ #‬وسواء قيل إن الشعار بالناسخ واجب أو قيل إنه غير‬
‫واجب فعلى القولين قد أشعر أهل الشرع الول بأنه سينسخ فإن موسى بشر بالمسيح‬
‫وكذلك غيره من النبياء وموسى والمسيح وغيرهما من النبياء بشروا بمحمد وإذا‬
‫كان هذا هو الواقع فنبوة المسيح محمد صلى ال عليهما وسلم ل تتوقف على ثبوت‬
‫النسخ المتنازع فيه ‪ #‬وحينئذ فنقول العلم بنبوة محمد ونبوة المسيح ل تتوقف على‬

‫العلم بأن من قبلهما بشر بهما بل طرق العلم بالنبوة متعددة فإذا عرفت نبوته بطريق‬
‫من الطرق ثبتت نبوته عند من علم ذلك وإن لم يعلم أن من قبله بشر به لكن يقال إذا‬
‫كان الواجب أو الواقع أنه ل بد من إخبار من قبله بمجيئه وأن الشعار بنسخ شريعة‬
‫من قبله واجب أو واقع صار ذلك شرطا في النبوة ومن علم نبوته علم أن هذا قد‬
‫وقع وإن لم ينقل إليه ‪ #‬فإذا قال المعارض عدم إخبار من قبله به يقدح في نبوته‬
‫وأنه إذا قدر أنه لم يخبر به من قبله والخبار شرط في النبوة كان ذلك قدحا قيل‬
‫الجواب هنا من طريقين ‪ #‬أحدهما أن يقال إذا علمت نبوته بما قام عليها من أعلم‬
‫النبوة فإما أن يكون تبشير من قبله لزما لنبوته واجبا أو واقعا وإما أن ل يكون‬
‫لزما ‪ #‬فإن لم يكن لزما لم يجب وقوعه وإن كان لزما علم أنه قد وقع وإن كان‬
‫ذلك لم ينقل إلينا إذ ليس كل ما قالته النبياء المتقدمون علمناه ووصل إلينا وليس كل‬
‫ما أخبر به المسيح ومن قبله من النبياء وصل إلينا وهذا مما يعلم بالضطرار ‪#‬‬
‫ولو قدر أن هذا ليس في الكتب الموجودة لم يلزم أن المسيح ومن قبله لم يذكروه بل‬
‫يمكن أنهم ذكروه وما نقل ويمكن أنه كان في كتب غير هذه ويمكن أنه كان في نسخ‬
‫غير هذه النسخ فأزيل من‬

‫بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه وتكون تلك النسخ التي هو موجود فيها غير هذه‬
‫فكل هذا ممكن في العادة ل يمكن الجزم بنفيه ‪ #‬فلو قدر أنه ليس في هذه الكتب‬
‫الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب لم يقطع بأن النبياء لم يبشروا به فإذا لم يمكن‬
‫لليهود أن يقطعوا بأن المسيح لم يبشر به النبياء ول يمكن أهل الكتاب أن يقطعوا‬
‫بأن محمدا لم يبشر به النبياء لم يكن معهم علم بعدم ذلك بل غاية ما يكون عند‬
‫أحدهم ظن لكونه طلب ذلك فلم يجده ‪ #‬ودلئل نبوة المسيح ومحمد قطعية يقينية ل‬
‫يمكن القدح فيها بظن فإن الظن ل يدفع اليقين ل سيما مع الثار الكثيرة المخبرة بأن‬
‫محمدا كان مكتوبا باسمه الصريح فيما هو منقول عن النبياء كما في صحيح‬
‫البخاري أنه قيل لعبد ال بن عمرو أخبرنا ببعض صفة رسول ال في التوراة فقال‬
‫إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا‬
‫ومبشرا ونذيرا وحرزا للميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل لست بفظ ول‬
‫غليظ ول صخاب بالسواق ول تجزي بالسيئة السيئة ولكن تجزي بالسيئة الحسنة‬
‫وتعفو وتغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة‬

‫الموجاء فأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا ل إله إل ال ‪ #‬ولفظ‬

‫‪553‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪554‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التوراة والنجيل والقرآن والزبور قد يراد به الكتب المعينة ويراد به الجنس فيعبر‬
‫بلفظ القرآن عن الزبور وغيره كما في الحديث الصحيح عن النبي خفف على داود‬
‫القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن والمراد به قرآنه وهو‬
‫الزبور ليس المراد به القرآن الذي لم ينزل إل على محمد ‪ #‬وكذلك ما جاء في‬
‫صفة أمة محمد أناجيلهم في صدورهم فسمى الكتب التي يقرؤونها وهي القرآن‬
‫أناجيل‬

‫وكذلك في التوراة إني سأقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل‬
‫توراة موسى فسمى الكتاب الثاني توراة ‪ #‬فقوله أخبرني بصفة رسول ال في‬
‫التوراة قد يراد بها نفس الكتب المتقدمة كلها وكلها تسمى توراة ويكون هذا في‬
‫بعضها ‪ #‬وقد يراد به التوراة المعينة وعلى هذا فيكون هذا في نسخة لم ينسخ منها‬
‫هذه النسخ فإن النسخ الموجودة بالتوراة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا ‪ #‬لكن هذا‬
‫عندهم في نبوة أشعيا قال فيها عبدي الذي سرت به نفسي أنزل عليه وحيي فيظهر‬
‫في المم عدلي ويوصيهم بالوصايا ل يضحك ول يسمع صوته في السواق يفتح‬
‫العيون العور والذان الصم ويحيي القلوب الغلف وما أعطيه ل أعطي أحدا يحمد‬
‫ال حمدا جديدا يأتي من أقصى الرض وتفرح البرية وسكانها يهللون ال على كل‬
‫شرف ويكبرونه على كل رابية ل يضعف ول يغلب ول يميل إلى الهوى مشقح ول‬
‫يذل الصالحين الذين هم كالقصبة‬

‫الضعيفة بل يقوى الصديقين وهو ركن المتواضعين وهو نور ال الذي ل يطفى أثر‬
‫سلطانه على كتفيه ‪ #‬وهذه صفات منطبقة على محمد وأمته وهي من أجل بشارات‬
‫النبياء المتقدمين به ‪ #‬ولفظ التوراة قد عرف أنه يراد به جنس الكتب التي يقر بها‬
‫أهل الكتاب فيدخل في ذلك الزبور ونبوة أشعيا وسائر النبوات غير النجيل ‪ #‬فإن‬
‫كان المراد بلفظ التوراة والنجيل في القرآن هذا المعنى فل ريب أن ذكر النبي في‬
‫التوراة كثير متعدد ‪ #‬الطريق الثاني من الجواب أن نبين أن النبياء قبله بشروا به‬
‫وهذا هو دليل مستقل على نبوته وعلم عظيم من أعلم رسالته وهذا أيضا يدل على‬
‫نبوة ذلك النبي إذ أخبر بأنباء من الغيب مع دعوى‬

‫النبوة ويدل على نبوة محمد لخبار من تثبت نبوته بنبوته هذا إذا وجد الخبر ممن ل‬
‫نعلم نحن نبوته ولم يذكر في كتابنا ‪ #‬وأما من ثبتت نبوته بطرق أخرى كموسى‬
‫والمسيح فهذا مما تظاهر فيه الدلة على المدلول الواحد وهو أيضا يتضمن أن كل‬
‫ما ثبتت به نبوة غيره فإنه تثبت به نبوته وهو جواب ثان لمن يجعل ذلك شرطا‬
‫لزما لنبوته‬

‫فصل ‪ #‬ثم العلم بأن النبياء قبله بشروا به يعلم من وجوه ‪ #‬أحدها ما في الكتب‬
‫الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب من ذكره ‪ #‬الثاني إخبار من وقف على تلك الكتب‬

‫‪554‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪555‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وغيرها من كتب أهل الكتاب ممن أسلم ومن لم يسلم بما وجدوه من ذكره فيها ‪#‬‬
‫وهذا مثل ما تواتر عن النصار أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه‬
‫وأنه رسول ال وأنه موجود عندهم وكان هذا من أعظم ما دعا النصار إلى اليمان‬
‫به لما دعاهم إلى السلم حتى آمن النصار به وبايعوه من غير رهبة ول رغبة ‪#‬‬
‫ولهذا قيل إن المدينة فتحت بالقرآن لم تفتح بالسيف كما فتح غيرها‬

‫ومثل ما تواتر عن أخبار النصارى بوجوده في كتبهم مثل أخبار هرقل ملك ‪#‬‬
‫الروم والمقوقس ملك مصر صاحب السكندرية والنجاشي ملك الحبشة والذين‬
‫جاؤوه بمكة وقد ذكر ال ذلك في القرآن في قوله عن اليهود ‪ ^ #‬وكانوا من قبل‬
‫يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ^ ‪ #‬وقال عن النصارى‬

‫وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من ^ ‪#‬‬
‫الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب من‬
‫قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا ^ ‪ #‬وقال ابن‬
‫إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس‬
‫أن يهود كانوا يستفتحون على الوس والخزرج برسول ال قبل مبعثه فلما بعثه ال‬
‫من العرب كفروا به وجحدوا‬

‫ما كانوا يقولون فيه فقال معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور وداود بن سلمة يا‬
‫معشر يهود اتقوا ال وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك‬
‫وتخبرونا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلم بن مشكم أخو بني النضير ما‬
‫جاءنا شيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم‬

‫فأنزل ال تعالى ^ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين ^ ‪# #‬‬
‫وقال أبو العالية وغيره كانوا يعني اليهود إذا استنصروا بمحمد على مشركي العرب‬
‫يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم‬
‫فلما بعث ال محمدا ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا‬

‫للعرب وهم يعلمون أنه رسول ال فأنزل ال هذه اليات ‪ ^ #‬فلما جاءهم ما عرفوا‬
‫كفروا به ^ ‪ #‬وروى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة النصاري ثم‬
‫الظفري عن رجال من قومه قالوا ومما دعانا إلى السلم مع رحمة ال وهداه أنا‬
‫كنا نسمع من رجال يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل الكتاب عندهم‬
‫علم ليس عندنا وكانت ل تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون‬
‫قالوا لنا قد تقارب زمان نبي يبعث الن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا‬
‫ما نسمع ذلك منهم فلما بعث ال رسوله رسول من عند ال أجبنا حين دعانا إلى ال‬
‫وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت‬
‫هؤلء اليات‬

‫‪555‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪556‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التي في البقرة ‪ ^ #‬ولما جاءهم كتاب من عند ال مصدق لما معهم وكانوا من قبل‬
‫يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة ال على الكافرين‬
‫^ ‪ #‬قال ابن إسحاق وحدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثنا‬
‫يحيى بن عبد ال بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة النصاري قال حدثني من‬
‫شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت النصاري قال وال أني لغلم يفعة ابن‬
‫سبع سنين أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يقول على أطم‬

‫يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا عليه قالوا ما لك ويلك قال طلع نجم‬
‫أحمد الذي يبعث الليلة ‪ #‬وروى أبو زرعة بإسناد صحيح عن أسامة بن زيد عن‬
‫أبيه زيد بن حارثة قال خرج رسول ال وهو مردفي ثم أقبل رسول ال في يوم حار‬
‫من أيام مكة حتى إذا كنا بأعلى الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فقال له رسول‬
‫ال يا ابن عمرو ما لي أرى قومك قد شنفوك‬

‫قال أما وال إن ذلك لغير ثائرة كانت مني فيهم لكن أراهم على ضلل ‪# #‬‬
‫فخرجت أبتغي هذا الدين فأتيت إلى أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون ال ويشركون به‬
‫فقلت ما هذا بالدين الذي أبتغي فخرجت حتى آتي أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون ال‬
‫ويشركون به فقلت ما هذا بالدين الذي أبتغي فقال لي حبر من أحبار الشام إنك‬
‫لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد ال به إل شيخ بالجزيرة فخرجت فقدمت عليه‬
‫فأخبرته بالذي خرجت له فقال إن كل من رأيت في ضللة فمن أنت قلت أنا من‬
‫أهل بيت ال ومن أهل الشوك والقرظ ‪ #‬فقال إنه قد خرج في بلدك نبي أو خارج قد‬
‫خرج نجمه فارجع فصدقه واتبعه وآمن به فرجعت فلم أحس شيئا بعد قال‬

‫فأناخ رسول ال بعيره فقدمنا إليه السفرة قال زيد ما آكل شيئا ذبح لغير ال فتفرقا‬
‫فجاء رسول ال فطاف بالبيت قال زيد وأنا معه وكان صنمان من نحاس يقال لهما‬
‫إساف ونائلة مستقبل الكعبة يتمسح بهما الناس إذا طافوا فقال رسول ال ل تمسهما‬
‫ول تمسح بهما ‪ #‬قال زيد فقلت في نفسي وقد طفنا لمسنهما حتى أنظر ما يقول‬
‫فمسستهما فقال رسول ال ألم تنهه فل والذي أكرمه ما مسستهما حتى أنزل ال عليه‬
‫الكتاب ‪ #‬ومات زيد بن عمرو بن نفيل قبل السلم فقال رسول ال إنه يبعث أمة‬
‫وحده ‪ #‬وروى البخاري حديث خروج زيد بن عمرو قريبا من هذا‬

‫اللفظ ‪ #‬وقال ابن إسحاق حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن‬
‫محمود بن لبيد عن سلمة بن سلمة بن وقش قال‬

‫كان بين أبياتنا يهودي فخرج على نادي قومه بني عبد الشهل ذات غداة فذكر‬
‫البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان فقال ذلك لصحاب وثن ل يرون‬
‫أن بعثا كائن بعد موت وذلك قبل مبعث رسول ال فقالوا ويحك يا فلن أو ويلك‬

‫‪556‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪557‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهذا كائن أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون من أعمالهم‬
‫قال نعم والذي يحلف به لوددت أن حظي من تلك النار أن توقدوا أعظم تنور في‬
‫داركم فتحمونه ثم تقذفوني فيه ثم تطينون علي وإني أنجو من تلك النار غدا فقيل يا‬
‫فلن فما علمة ذلك قال نبي يبعث من ناحية هذه البلد وأشار إلى مكة واليمن بيده‬
‫قالوا فمتى تراه فرمى بطرفه فرآني وأنا‬

‫مضطجع بفناء باب أهلي وأنا أحدث القوم فقال إن يستنفذ هذا الغلم عمره يدركه‬
‫فما ذهب الليل والنهار حتى بعث ال رسوله وإنه لحي بين أظهرهم فآمنا به‬
‫وصدقناه وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له يا فلن ألست الذي قلت ما قلت وأخبرتنا قال‬
‫ليس به ‪ #‬وعن أنس بن مالك رضي ال عنه أن غلما يهوديا كان يخدم النبي‬
‫فمرض فأتاه رسول ال يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة فقال له رسول ال يا‬
‫يهودي أنشدك بال الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة صفتي‬
‫ومخرجي قال ل قال الفتى بلى وال يا رسول ال إنا نجد في التوراة نعتك ومخرجك‬
‫وإني أشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال فقال النبي أقيموا هذا من عند‬

‫رأسه ولوا أخاكم رواه البيهقي بإسناد صحيح وقال ابن إسحاق حدثني عاصم بن‬
‫عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال هل تدري عما كان إسلم أسيد وثعلبة‬
‫ابني‬

‫سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل لم يكونوا من بني قريظة وبني النضير كانوا فوق‬
‫ذلك فقلت ل قال فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام‬
‫عندنا وال ما رأينا رجل قط ل يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي‬
‫بسنين وكنا إذا أقحطنا وقل علينا المطر نقول يا ابن الهيبان أخرج فاستسق لنا فيقول‬
‫ل وال حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم فيقول صاعا من تمر أو مدين‬
‫من شعير فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا ونحن معه‬

‫فنستقي فوال ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب قد فعل ذلك غير مرة ول مرتين‬
‫ول ثلثة فحضرته الوفاة واجتمعوا إليه فقال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من‬
‫أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع قالوا أنت أعلم قال فإنه إنما‬
‫أخرجني أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلد مهاجره فاتبعوه ول تستبقن إليه‬
‫إذا خرج يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وبسبي الذراري والنساء ممن يخالفه‬
‫ول يمنعنكم ذلك منه ثم مات فلما كان الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الثلثة‬
‫الفتية وكانوا شبانا أحداثا يا معشر يهود وال إنه الذي ذكر لكم ابن الهيبان فقالوا ما‬
‫هو به قال بلى وال إنه لصفته ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولدهم‬

‫وأهاليهم قال ابن إسحاق فلما فتح الحصن رد ذلك عليهم ‪ #‬وفي الصحيحين من‬
‫حديث ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب لما حدثه عن هرقل وقد تقدم حديثه في‬

‫‪557‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪558‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أول الكتاب وذكر فيه أن هرقل لما سأله عن صفات رسول ال قال إن يكن ما تقول‬
‫حقا أنه نبي قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص إليه‬
‫لحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ‪ #‬وزاد البخاري في حديثه وقال ابن‬
‫الناطور وكان هرقل‬

‫حزاء ينظر في النجوم فنظر فقال إن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه المة‬
‫قال تختتن اليهود فل يهمنك شأنهم وابعث إلى من في مملكتك من اليهود فيقتلوهم ثم‬
‫وجد إنسانا من العرب فقال انظروا أمختتن هو فنظروا فإذا هو مختتن وسأله عن‬
‫العرب فقال يختتنون وقال فيه وكان برومية صاحب له كان هرقل نظيره في العلم‬
‫فأرسل إليه وصار إلى حمص فلم يرم من حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق‬
‫رأيه على خروج النبي وأنه نبي ‪ #‬وكذلك النجاشي ملك الحبشة لما هاجر الصحابة‬
‫إليه لما آذاهم المشركون وخافوا أن يفتنوهم عن دينهم وقرؤوا عليه القرآن قال فأخذا‬
‫عودا بين أصبعيه فقال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته‬
‫فقال وإن نخرتم اذهبوا‬

‫فأنتم سيوم بأرضي يعني أنتم آمنون وقال هذا لن قريشا أرسلوا هدايا إليه وطلبوا‬
‫منه أن يرد هؤلء المسلمين وقالوا هؤلء فارقوا ديننا وخالفوا دينك ‪ #‬وفي الصحيح‬
‫حديث ورقة بن نوفل الذي ترويه عائشة رضي ال عنها في بدء الوحي قالت أول‬
‫ما بدىء به رسول ال من الوحي الرؤيا الصادقة من النوم وكان ل يرى رؤيا إل‬
‫جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو‬
‫التعبد الليالي ذوات العدد إلى أن قالت فأتت به خديجة ورقة بن نوفل وكان قد تنصر‬
‫في الجاهلية وكان يكتب من النجيل ما شاء ال أن يكتب فقال اسمع من ابن أخيك‬
‫فأخبره رسول ال خبر ما رأى فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل ال على موسى‬
‫ليتني‬

‫كنت جذعا أنصرك إذ يخرجك قومك قال أو مخرجي هم قال لم يأت أحد بمثل ما‬
‫جئت به إل عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن‬
‫توفي‬

‫وقال ابن إسحاق وقدم على رسول ال عشرون رجل أو قريب من ذلك وهو ‪#‬‬
‫بمكة من النصارى حين ظهر خبره بالحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه‬
‫ورجال من قريش في أنديتهم فلما فرغوا من مسألتهم رسول ال عما أرادوا دعاهم‬
‫رسول ال إلى ال عز وجل وتل عليهم القرآن فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع‬
‫ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من‬
‫أمره فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا خيبكم ال من‬
‫ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم لترتادوا لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن‬
‫مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ما نعلم ركبا أحمق منكم أو‬

‫‪558‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪559‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كما قالوا لهم فقالوا سلم عليكم ل نجاهلكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ويقال فيهم نزل‬
‫قوله تعالى ‪ ^ #‬الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا‬

‫آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ ‪ #‬وعن محمد بن عمر بن‬
‫إبراهيم بن محمد بن جبير حدثتني جدتي أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير عن‬
‫أبيها سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت أبي جبيرا يقول لما‬
‫بعث ال نبيه وظهر أمره بمكة خرجت إلى الشام فلما‬

‫كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى فقالوا لي أمن الحرم أنت قلت نعم قالوا‬
‫فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم قلت نعم قال فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل‬
‫وصور فقالوا لي انظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم فنظرت فلم أر‬
‫صورته قلت ل أرى صورته ‪ #‬فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير فيه صور أكثر‬
‫مما في ذلك الدير فقالوا لي انظر هل ترى صورته فنظرت فإذا أنا بصفة رسول ال‬
‫وصورته وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول ال فقالوا لي‬
‫انظر هل ترى صفته قلت نعم قالوا هو هذا وأشاروا إلى‬

‫صفة رسول ال قلت اللهم نعم أشهد أنه هو ‪ #‬قالوا أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه قلت‬
‫نعم ‪ #‬قالوا نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده رواه البخاري في‬
‫تاريخه وقال فيه قال الذي أراه الصور لم يكن نبي إل كان بعده نبي إل هذا النبي‬
‫ورواه أبو نعيم في دلئل النبوة ‪ #‬وروى موسى بن عقبة أن هشام بن العاص ونعيم‬
‫بن‬

‫عبد ال ورجل آخر قد سماه بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر قال فدخلنا على‬
‫جبلة بن اليهم وهو بالغوطة فذكر الحديث‬

‫وأنه انطلق بهم إلى الملك وأنهم وجدوا عنده شبه الربعة العظيمة مذهبة وإذا فيها‬
‫أبواب صغار ففتح فيها بابا فاستخرج منه خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء‬
‫وذكر صفة آدم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة وفيها صورة نوح ثم إبراهيم‬
‫ثم أراهم حريرة فيها صورة محمد وقال هذا آخر البواب لكني عجلته لنظر ما‬
‫عندكم ثم فتح أبوابا أخر وأراهم صورة بقية النبياء موسى وهارون وداود وسليمان‬
‫وعيسى بن مريم عليهم السلم وصفة لوط وصفة إسحاق وذكر أن هذا عندهم قديما‬
‫من عهد آدم وأن دانيال صورها بأعيانها ‪ #‬وروى مثل هذا عن المغيرة بن شعبة‬
‫أنه لما دخل على المقوقس ملك مصر والسكندرية ملك النصارى أخرج له صور‬
‫النبياء وأخرج له صورة نبينا فعرفها ‪ #‬والوجه الثالث نفس إخباره بذلك في القرآن‬
‫مرة بعد مرة واستشهاده بأهل الكتاب وإخباره بأنه مذكور في كتبهم مما يدل العاقل‬

‫على أنه كان موجودا في كتبهم فإنه ل ريب عند كل من عرف حال محمد من‬

‫‪559‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪560‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مؤمن وكافر أنه كان من أعقل أهل الرض فإن المكذبين له ل يشكون في أنه كان‬
‫عنده من الخبرة والمعرفة والحذق ما أوجب أن يقيم مثل هذا المر العظيم الذي لم‬
‫يحصل لحد مثله ل قبله ول بعده فعلم ضرورة أنه ل يفعله ول يخبر به وهو من‬
‫أحرص الناس على تصديقه وأخبرهم بالطرق التي يصدق بها وأبعدهم عن أن يفعل‬
‫ما يعلم أنه يكذب به ‪ #‬فلو لم يعلم أنه مكتوب عندهم بل علم انتفاء ذلك لمتنع أن‬
‫يخبر بذلك مرة بعد مرة ويستشهد به ويظهر ذلك لموافقيه ومخالفيه وأوليائه وأعدائه‬
‫فإن هذا ليفعله إل من هو أقل الناس عقل لن فيه إظهار كذبه عند من آمن به منهم‬
‫عند من يخبرونه وهو ضد مقصوده وهو بمنزلة من يريد إقامة شهود على حقه‬
‫فيأتي إلى من يعلم أنه ل يكذب ويعلم أنه ليس بشاهد ول حضر قضيته ويقول هذا‬
‫يشهد لي وهذا يشهد لي ‪ #‬فإنهم كانوا حاضرين هذه القضية فيقول أولئك لسنا نشهد‬
‫له ول حضرنا هذه القضية فهذا ل يفعله عاقل يعلم أنهم لم يكونوا حاضرين وأنهم‬
‫يكذبونه ول يشهدون له ‪ #‬الرابع أن يقال لما قامت العلم على صدقه فقد أخبر أنه‬
‫مكتوب في الكتب المتقدمة وأن النبياء بشروا به علم أن المر كذلك لكن هذا ل‬
‫يذكر إل بعد أن يقام دليل منفصل على نبوته‬

‫والطريق الول هو من أظهر الحجج على أهل الكتاب وأظهر العلم على نبوته ‪#‬‬
‫‪ #‬وقد استخرج غير واحد من العلماء من الكتب الموجودة الن في أيدي أهل‬
‫الكتاب من البشارات بنبوته مواضع متعددة وصنفوا في ذلك مصنفات وهذه‬
‫البشارات في هذه الكتب من جنس البشارات بالمسيح ‪ #‬واليهود يقرون باللفظ لكن‬
‫يدعون أن المبشر به ليس هو المسيح عيسى ابن مريم وإنما هو آخر ينتظر وهم في‬
‫الحقيقة ل ينتظرون إل المسيح الدجال وينتظرون أيضا مجيء المسيح عيسى بن‬
‫مريم إذا نزل من السماء كما بسط في موضع آخر ويحرفون دللة اللفظ ويقولون‬
‫إنها ل تدل على نبي منتظر كما‬

‫قالوا في قوله سأقيم لبني إسرائيل من إخوتهم مثلك يا موسى أنزل عليه مثل توراة‬
‫موسى أجعل كلمي على فيه ‪ #‬قال بعضهم ليس هذا إخبارا بل هذا استفهام إنكار‬
‫وقدروا ألف استفهام وليس في النص شيء من ذلك ‪ #‬فاليهود يحرفون الدللت‬
‫المبشرة بالمسيح وذلك عند المسلمين والنصارى ل يقدح في البشارة بالمسيح بل‬
‫تبين دللة النصوص عليه وبطلن تحريف اليهود ‪ #‬وكذلك البشارات بمحمد في‬
‫الكتب المتقدمة ل يقدح فيها تحريف أهل الكتاب اليهود والنصارى بل تبين دللة‬
‫تلك النصوص على نبوة محمد وبطلن تحريف أهل الكتاب ‪ #‬الوجه الخامس أن‬
‫يقال معلوم أن ظهور دين محمد‬

‫في مشارق الرض ومغاربها أعظم حادث حدث في الرض فلم يعرف قط دين‬
‫انتشر ودام كانتشاره ودوامه فإن شرع موسى وإن دام فلم ينتشر انتشاره ودوامه بل‬
‫كان غاية ظهوره ببعض الشام وأما شرع المسيح فقبل قسطنطين لم يكن له ملك بل‬
‫كانوا يكونون ببعض بلد الروم وغيرها وكانوا مستضعفين تقتل أعيانهم أو عامتهم‬

‫‪560‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪561‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في كثير من الوقات ولما انتشر تفرق أهله فرقا متباينة يكفر فيها بعضهم بعضا ‪#‬‬
‫ثم إن شرع محمد ظهر في مشارق الرض ومغاربها وفي وسط الرض المعمورة‬
‫القليم الثالث والرابع والخامس وظهرت أمته على النصارى في أفضل الرض‬
‫وأجلها عندهم كأرض الشام ومصر والجزيرة وغيرها ودام شرعه فله اليوم أكثر‬
‫من سبعمائة سنة ‪ #‬ومعلوم أن هذا المدعى للنبوة سواء كان صادقا أو كاذبا ل بد‬

‫أن يخبر به النبياء فإنهم أخبروا بظهور الدجال الكذاب تحذيرا للناس مع أن الدجال‬
‫مدته قليلة فلو كان ما يقوله المكذب لمحمد حقا وأنه كاذب ليس برسول لكانت فتنته‬
‫أعظم من فتنة الدجال من وجوه كثيرة لن الذين اتبعوه أضعاف أضعاف من يتبع‬
‫الدجال فلو كان كاذبا لكان الذين افتتنوا به أضعاف أضعاف من يفتتن بالدجال فكان‬
‫التحذير منه أولى من التحذير من الدجال إذ ليس في العالم من زمان آدم إلى اليوم‬
‫كذاب ظهر ودام هذا الظهور والدوام فكيف تغفل النبياء التحذير عن مثل هذا لو‬
‫كان كاذبا ‪ #‬وإذا كان صادقا فالبشارة لليمان به أولى ما يبشر به النبياء من‬
‫المستقبلت ويخبر به فعلم أنه ل بد أن يكون في الكتب ذكره ثم قد وجد مواضع‬
‫كثيرة في الكتب تزيد على مائة موضع استدلوا بها على أنه مذكور وتواتر عن خلق‬
‫كثير من أهل الكتاب أنه موجود في كتبهم وتواتر عن كثير ممن أسلم أنه كان سبب‬
‫إسلمهم أو من أعظم سبب إسلمهم علمهم بذكره في الكتب المتقدمة إما بأنه وجد‬
‫ذكره في الكتب كحال كثير ممن أسلم قديما وحديثا وإما بما ثبت عندهم من اخبار‬
‫أهل الكتاب كالنصار فإنه كان من أعظم أسباب‬

‫إسلمهم ما كانوا يسمعونه من جيرانهم أهل الكتاب من ذكره ونعته وانتظارهم إياه‬
‫وأن من خيارهم من لم يوجب له أن يسكن أرض يثرب مع شدتها ويدع أرض الشام‬
‫مع رخائها إل لنتظاره لهذا النبي العربي الذي يبعث من ولد إسماعيل ‪ #‬ولم يمكن‬
‫أحد قط أن ينقل عن شيء من الكتب أنه وجد فيها ذكره بالذم والتكذيب والتحذير‬
‫كما يوجد ذكر الدجال وعند أهل الكتاب من ذكر أصحابه كعمر بن الخطاب وغيره‬
‫وعدلهم وسيرتهم عن المسيح وغيره ما هو معروف عندهم فإذا كان الذين‬
‫استخرجوا ذكره من كتب أهل الكتاب والذين سمعوا خبره من علماء أهل الكتاب‬
‫إنما يذكرون نعته فيها بالمدح والثناء علم بذلك أن النبياء المتقدمين ذكروه بالمدح‬
‫والثناء ولم يذكروه بذم ول عيب ‪ #‬وكل من ادعى النبوة ومدحه النبياء وأثنوا عليه‬
‫لم يكن إل صادقا في دعوى النبوة إذ يمتنع أن النبياء يثنون على من يكذب في‬
‫دعوى النبوة ‪ ^ #‬ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح‬
‫إليه شيء ^ ‪ #‬وهذا مما يبين أنه ل بد أن يكون النبياء ذكروه وأخبروا به وأنهم لم‬
‫يذكروه إل بالثناء والمدح ل بالذم والعيب وذلك مع دعوى‬

‫النبوة ل يكون إل إذا كان صادقا في دعوى النبوة فتبين أنهم بشروا بنبوته وهو‬
‫المطلوب ‪ #‬يبين ذلك أن النبياء أخبروا أهل الكتاب بما سيكون منهم من الحداث‬
‫وما يسلط عليهم من الملوك الذين يقتلونهم ويخربون بلدهم ويسبونهم ك بخت نصر‬

‫‪561‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪562‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسنجاريب ولكن هؤلء الملوك لم يدعوا أنهم أنبياء ولم يدعوا إلى دين فلم تحتج‬
‫النبياء إلى التحذير من اتباعهم وقد حذروا من اتباع من يدعي النبوة وهو كاذب ‪#‬‬
‫ومحمد قد قهر أهل الكتاب وقتل من قتل وسبى من سبى وأخرجهم من ديارهم فل‬
‫بد أن يذكروه ويذكروا الحداث التي تجري عليهم في أيامه وإذا كان كاذبا مدعيا‬
‫للنبوة فل بد أن يحذرهم من اتباعه ومعلوم أن عامة أهل الكتاب‬

‫ومن نقل عنهم إما أن يقول ليس موجودا في كتبنا أو يقول إنه موجود بالمدح والثناء‬
‫ل يمكن أحد أن ينقل عن الكتب المتقدمة أنه موجود فيها بالذم والتحذير ولو كان‬
‫مذكورا عندهم بالذم والتحذير لكان من أعظم ما يحتجون به عليه في حياته وعلى‬
‫أمته بعد مماته ويحتج به من لم يسلم منهم على من أسلم ‪ #‬فإنه معلوم أن كثيرا من‬
‫أهل الكتاب كان عندهم من البغض له والعداوة وتكذيبه والحرص على إبطال أمره‬
‫ما أوجب أن يفتروا أشياء لم توجد وينسبوا إليه أشياء يعرف كذبها كل من عرف‬
‫أمره حتى آل المر ببعضهم إلى أن فسروا قول المسلمين ال أكبر بأن أكبر صنم‬
‫وأن النبي أمرهم بتعظيم هذا الصنم وقال بعضهم فيه إنه أوجب الزنا على المرأة‬
‫المطلقة ثلثا عقوبة لزوجها بأنه ل ينكحها حتى يزني بها غيره وقال بعضهم إنه‬
‫تعلم من بحيرى الراهب مع علم كل من عرف سيرته أنه لم يجتمع ببحيرى وحده‬
‫ولم يره إل بعض نهار مع أصحابه لما مروا به لما قدموا الشام في تجارة وأن‬
‫بحيرى سألهم عنه ولم يكلمه إل كلمات يستخبره فيها عن حاله‬

‫لم يخبره بشيء ‪ #‬ومع طعن بعض أهل الكتاب فيه بأنه بعث بالسيف حتى قد يقولوا‬
‫إنما قام دينه بالسيف وحتى يوهموا الناس أن الذين اتبعوه إنما اتبعوه خوفا من‬
‫السيف وحتى يقولوا إن الخطيب إنما يتوكأ على سيف يوم الجمعة إشارة إلى أنه إنما‬
‫يقوم الدين بالسيف إلى أمثال هذه المور التي هي من أظهر المور كذبا عليه‬
‫يعرف أدنى الناس معرفة بحاله أنها كذب وهم مع هذا يتشبثون بها ‪ #‬فلو كان‬
‫عندهم أخبار عن النبياء توجب ذمه والتحذير من متابعته لكان إظهارهم لذلك‬
‫واحتجاجهم به أقوى وأبلغ وكان ذلك مما يجب في العادة اشتهاره بين خاصتهم‬
‫وعامتهم قديما وحديثا وكان ظهور ذلك فيهم أولى من ظهور خبر الدجال فيهم وفي‬
‫المسلمين فإن هذا المر من اعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله واشتهاره ‪#‬‬
‫فإذا لم يكن كذلك علم أنه ليس في كتب النبياء ما يوجب تكذيبه وقد قام الدليل على‬
‫أنه ل بد من أن تذكره النبياء وتخبر بحاله فإذا لم يخبروا أنه كاذب علم أنهم‬
‫أخبروا أنه نبي صادق كما‬

‫شاع ذلك وظهر واستفاض من وجوه كثيرة ‪ #‬فالكتاب الذي بعث به مملوء بشهادة‬
‫الكتب له والكتب الموجودة فيها مواضع كثيرة شاهدة له من وجوه متعددة والخبار‬
‫متواترة عمن أسلم لجل ذلك وهذا مما يوجب القطع بأنه مذكور فيها بما يدل على‬
‫صدقه في دعوى النبوة وليس فيها ما يخبر بكذبه والتحذير منه وهذا هو المطلوب‬
‫‪ #‬وفي الجملة أمره أظهر وأشهر وأعجب وأبهر وأخرق للعادة من كل أمر ظهر‬

‫‪562‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪563‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في العالم من البشر ومثل هذا إذا كان كاذبا فلكذبه لوازم كثيرة جدا تفوق الحصر‬
‫متقدمة ومقارنة ومتأخرة فإن من هو أدنى دعوة منه إذا كان كاذبا لزم كذبه من‬
‫اللوازم ما يبين كذبه فكيف مثل هذا فإذا انتفت لوازم المكذوب انتفى الملزوم ‪#‬‬
‫وصدقه لزم لمور كثيرة كلها تدل على صدقه وثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللزم‬
‫ماضيه ومقارنه ومتأخره ومدعي النبوة ل يخلو من الصدق أو الكذب وكل من‬
‫الصدق والكذب له لوازم وملزومات فأدلة الصدق مستلزمة له وأدلة الكذب مستلزمة‬
‫له والصدق له لوازم والكذب له لوازم فصدقه يعرف بنوعين بثبوت دلئل الصدق‬
‫المستلزمة لصدقه وبانتقاء لوازم الكذب الموجب انتفاؤها انتفاء كذبه كما أن كذب‬
‫الكذاب يعرف بأدلة كذبه‬

‫المستلزمة لكذبه وبانتفاء لوازم الصدق المستلزم انتفاؤها لنتفاء صدق وال أعلم ‪#‬‬
‫والشيء يعرف تارة بما يدل على ثبوته وتارة بما يدل على انتفاء نقيضه وهو الذي‬
‫يسمى قياس الخلف فإن الشيء إذا انحصر في شيئين لزم من ثبوت أحدهما انتفاء‬
‫الخر ومن انتفاء أحدهما ثبوت الخر ومدعي النبوة إما صادق وإما كاذب وكل‬
‫منهما له لوازم يدل انتفاؤها على انتفائه وله ملزومات يدل ثبوتها على ثبوته ‪#‬‬
‫فدليل الشيء مستلزم له كأعلم النبوة ودلئلها وآيات الربوبية وأدلة الحكام وغير‬
‫ذلك وانتفاء الشيء يعلم بما يستلزم نفيه كانتفاء لوازمه مثل صدق الكاذب يقال لو‬
‫كان صادقا لكان متصفا بما يتصف به الصادقون ‪ #‬وكذلك كذب الصادق يقال لو‬
‫كان كذابا لكان متصفا بما يتصف به الكذاب فإنه قد عرف حال النبياء الصادقين‬
‫والمتنبئين الكذابين فانتفاء لوازم الكذب دليل صدقه كما أن ثبوت ما يستلزم الصدق‬
‫دليل صدقه وكذلك الكذاب يستدل على كذبه بما يستلزم كذبه وبانتفاء لوازم صدقه‬
‫وهكذا سائر المور‬

‫فصل ‪ #‬ومما ينبغي أن يعرف ما قد نبهنا عليه غير مرة أن شهادة الكتب المتقدمة‬
‫لمحمد إما شهادتها بنبوته وإما شهادتها بمثل ما أخبر به هو من اليات البينات على‬
‫نبوته ونبوة من قبله وهو حجة على أهل الكتاب وعلى غير أهل الكتاب من أصناف‬
‫المشركين الملحدين كما قد ذكر ال هذا النوع من اليات في غير موضع من كتابه‬
‫^ ‪ #‬كما في قوله تعالى ‪ ^ #‬أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل‬

‫وقوله ‪ ^ #‬فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ‪#‬‬
‫^ ‪ #‬وقوله ^ قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ^ ‪ #‬وقوله ‪^ #‬‬
‫الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وإذا سمعوا ما‬
‫أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا‬
‫آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا ل نؤمن بال وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا‬
‫ربنا مع القوم الصالحين ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم‬
‫يخرون للذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعول ويخرون‬

‫‪563‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪564‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا‬

‫وذلك مثل قوله في التوراة ما قد ترجم بالعربية جاء ال من طور سينا وبعضهم ‪#‬‬
‫يقول تجلى ال من طور سينا وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ‪ #‬قال‬
‫كثير من العلماء واللفظ لبي محمد بن قتيبة ليس بهذا خفاء على من تدبره ول‬
‫غموض لن مجيء ال من طور سينا إنزاله التوراة على موسى من طور سينا‬
‫كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله‬
‫النجيل على‬

‫المسيح وكان المسيح من ساعير أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها يسمى‬
‫من اتبعه نصارى ‪ #‬وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب‬
‫أن يكون استعلنه من جبال فاران إنزاله القرآن على محمد وجبال فاران هي جبال‬
‫مكة قال وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلف في أن فاران هي مكة فإن ادعوا‬
‫أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم ‪ #‬قلنا أليس في التوراة أن‬
‫إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران ‪ #‬وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن ال‬
‫منه واسمه فاران والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح أو ليس استعلن وعلن‬

‫وهما بمعنى واحد وهو ما ظهر وانكشف ‪ #‬فهل تعلمون دينا ظهر ظهور السلم‬
‫وفشا في مشارق الرض ومغاربها فشوه ‪ #‬وقال ابن ظفر ساعير جبل بالشام منه‬
‫ظهرت نبوة المسيح قلت وبجانب بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح قرية تسمى‬
‫إلى اليوم ساعير ولها جبل تسمى ساعير ‪ #‬وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكانا‬
‫بساعير وأمر ال‬

‫موسى أن ل يؤذيهم ‪ #‬وعلى هذا فيكون ذكر الجبال الثلثة حقا جبل حراء الذي‬
‫ليس حول مكة جبل أعلى منه ومنه كان نزول أول الوحي على النبي وحوله من‬
‫الجبال جبال كثيرة حتى قد قيل إن بمكى اثني عشر ألف جبل وذلك المكان يسمى‬
‫فاران إلى هذا اليوم وفيه كان ابتداء نزول القرآن ‪ #‬والبرية التي بين مكة وطور‬
‫سينا تسمى برية فاران ول يمكن أحدا أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء‬
‫من تلك الرض ول بعث نبي فعلم أنه ليس بالمراد باستعلنه من جبال فاران إل‬
‫إرسال محمد وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني فذكر إنزال‬
‫التوراة ثم النجيل ثم القرآن وهذه الكتب نور ال وهداه ‪ #‬وقال في الول جاء أو‬
‫ظهر وفي الثاني أشرق وفي الثالث استعلن وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر أو‬
‫ما هو أظهر من ذلك ونزول النجيل مثل إشراق الشمس زاد به النور والهدى‬

‫وأما نزول القرآن فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء ولهذا قال واستعلن من جبال‬
‫فاران فإن النبي ظهر به نور ال وهداه في مشرق الرض ومغربها أعظم مما ظهر‬
‫بالكتابين المتقدمين كما يظهر نور الشمس إذا استعلت في مشارق الرض ومغاربها‬

‫‪564‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪565‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولهذا سماه ال سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا ‪ #‬والخلق يحتاجون إلى‬
‫السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج فإن الوهاج يحتاجون إليه في‬
‫وقت دون وقت وكما قيل قد ينضرون به بعض الوقات وأما السراج المنير‬
‫فيحتاجون إليه كل وقت وفي كل مكان ليل ونهارا سرا وعلنية ‪ #‬وقد قال النبي‬
‫زويت لي الرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها‬

‫وهذه الماكن الثلث أقسم ال بها في القرآن في قوله تعالى ‪ ^ #‬والتين والزيتون ‪#‬‬
‫وطور سينين وهذا البلد المين لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل‬
‫سافلين إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين‬
‫أليس ال بأحكم الحاكمين ^ ‪ #‬فأقسم بالتين والزيتون وهو الرض المقدسة الذي‬
‫ينبت فيها ذلك ومنها بعث المسيح وأنزل عليه فيها النجيل وأقسم بطور سينين وهو‬
‫الجبل الذي كلم ال فيه موسى وناداه من واديه اليمن من البقعة المباركة من‬
‫الشجرة وأقسم بالبلد المين وهي مكة وهو البلد الذي أسكن إبراهيم ابنه إسماعيل‬
‫وأمه وهو الذي جعله ال حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم خلقا وأمرا قدرا‬
‫وشرعا فإن إبراهيم حرمه ودعا لهله فقال ‪ ^ #‬ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد‬
‫غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا‬

‫ليقيموا الصلة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم‬
‫يشكرون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليتان ‪ 125‬و ‪ # 126‬فأخبر ال تعالى‬
‫أن إبراهيم دعا ال بأن يجعل مكة بلدا آمنا واستجاب ال دعاء إبراهيم وذكر ذلك‬
‫في غير موضع وبها بنى إبراهيم البيت كما قال تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليات ‪127‬‬
‫‪129‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ‪#‬‬
‫آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله‬
‫كان آمنا ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني‬
‫عن العالمين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ليلف قريش إيلفهم رحلة الشتاء والصيف‬
‫فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪#‬‬
‫^ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى‬
‫إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم ل يعلمون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة‬
‫^ ال يكفرون‬

‫فقوله تعالى ‪ ^ #‬والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد المين ^ ‪ #‬إقسام منه ‪#‬‬
‫بالمكنة الشريفة المعظمة الثلثة التي ظهر فيها نوره وهداه وأنزل فيها الثلثة‬
‫التوراة والنجيل والقرآن كما ذكر الثلثة في التوراة بقوله جاء ال من طور سينا‬
‫وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران ‪ #‬ولما كان ما في التوراة خبرا عنها‬

‫‪565‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪566‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أخبر بها على ترتيبها الزماني فقدم السبق فالسبق وأما القرآن فإنه أقسم بها‬
‫تعظيما لشأنها وذلك تعظيم لقدرته سبحانه وآياته وكتبه ورسله فأقسم بها على وجه‬
‫التدريج درجة بعد درجة فختمها بأعلى الدرجات فأقسم أول بالتين والزيتنون ثم‬
‫بطور سينا ثم بمكة أن أشرف الكتب‬

‫الثلثة القرآن ثم التوراة ثم النجيل وكذلك النبياء فأقسم بها على وجه التدريج كما‬
‫في قوله ‪ ^ #‬والذاريات ذروا فالحاملت وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ^‬
‫‪ #‬فأقسم بطبقات المخلوقات طبقة بعد طبقة فأقسم بالرياح الذاريات ثم بالسحاب‬
‫الحاملت للمطر فإنها فوق الرياح ثم بالجاريات يسرا وقد قيل إنها السفن ولكن‬
‫النسب أن تكون هي الكواكب المذكورة في قوله ‪ ^ #‬فل أقسم بالخنس الجوار‬
‫الكنس ^ فسماها جوري كما سمى الفلك جواري في قوله ‪ ^ #‬ومن آياته الجوار في‬
‫البحر كالعلم ^ ‪ #‬والكواكب فوق السحاب‬

‫ثم قال ‪ ^ #‬فالمقسمات أمرا ^ ‪ #‬وهي الملئكة التي هي أعل درجة من هذا كله ‪#‬‬
‫‪ #‬وما ذكر ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين من تربية إسماعيل في برية فاران‬
‫فهكذا هو في التوراة قال فيها وغدا إبراهيم فأخذ الغلم وأخذ خبزا وسقاء من ماء‬
‫ودفعه إلى هاجر وحمله عليها وقال لها اذهبي فانطلقت هاجر فضلت في برية سبع‬
‫ونفد الماء الذي كان معها فطرحت الغلم تحت شجرة وجلست في مقابلته على‬
‫مقدار رمية بسهم لئل تبصر الغلم حين يموت ورفعت صوتها بالبكاء وسمع ال‬
‫صوت الغلم فدعا ملك ال هاجر وقال لها ما لك يا هاجر ل تخشي فإن ال قد سمع‬
‫صوت الغلم حيث هو فقومي فاحملي الغلم وشدي يدك به فإني جاعله لمة‬
‫عظيمة وفتح ال عينيها فبصرت بئر ماء فسقت الغلم وملت سقاءها وكان ال مع‬
‫الغلم فربى وسكن في برية فاران‬

‫فهذا خبر ال في التوراة أن إسماعيل ربى وسكن في برية فاران بعد أن كاد ‪#‬‬
‫يموت من العطش وأن ال سقاه من بئر ماء وقد علم بالتواتر واتفاق المم أن‬
‫إسماعيل إنما ربي بمكة وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت فعلم أن أرض مكة فاران‬

‫وهذه البشارة في التوراة لهاجر بإسماعيل وقول ال إني جاعله لمة عظيمة ‪#‬‬
‫ومعظمة جدا جدا وإن هاجر فتحت عينيها فرأت بئر ماء فدنت منها إلى آخر الكلم‬
‫‪ #‬وفي موضع آخر قال عن إسماعيل إنه يجعل يده فوق يدي الجميع ‪ #‬ومعلوم‬
‫باتفاق المم والنقل أن إسماعيل تربى بأرض مكة‬

‫فعلم أنها فاران وأنه هو وإبراهيم بنيا البيت الذي ما زال محجوجا من عهد إبراهيم‬
‫تحجه العرب وغير العرب من النبياء وغيرهم كما حج إليه موسى بن عمران‬
‫ويونس بن متى كما في الصحيح من رواية ابن عباس أن رسول ال مر بوادي‬
‫الزرق فقال أي واد هذا فقالوا هذا وادي الزرق فقال كأني أنظر إلى موسى هابطا‬

‫‪566‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪567‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى ال عز وجل بالتلبية مارا بهذا‬
‫الوادي قال ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال أي ثنية هذه قالوا هرشى فقال كأني‬
‫أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف خطام ناقته ليف خلبة مارا بهذا‬
‫الوادي ملبيا‬

‫وفي رواية أما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة ‪ #‬ولما بعث ‪#‬‬
‫ال محمدا أوجب حجه على كل أحد فحجت إليه المم من مشارق الرض ومغاربها‬
‫والبئر‬

‫الذي شرب منها إسماعيل وأمه هي بئر زمزم وحديثها مذكور في صحيح البخاري‬
‫عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا‬
‫ليعفي أثرها على سارة ‪ #‬ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى‬
‫وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة‬

‫يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفا إبراهيم‬
‫منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي ليس فيه‬
‫أنس ول شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل ل يلتفت إليها فقالت له آل أمرك بهذا قال‬
‫نعم قالت إذا ل يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث‬
‫ليرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهذه الدعوات فقال ‪ ^ #‬ربنا إني أسكنت من‬
‫ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ^ حتى بلغ ^ يشكرون ^ ‪ #‬وجعلت أم‬
‫إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء وعطشت‬
‫وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى انطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا‬
‫أقرب جبل في الرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم‬
‫تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها‬

‫ثم سعت سعي النسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها‬
‫ونظرت هل ترى من أحد فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات ‪ #‬قال ابن عباس قال‬
‫النبي فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد‬
‫نفسها فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند‬
‫موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه وتقول‬
‫بيدها هكذا تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس قال‬
‫النبي يرحم ال أم‬

‫إسماعيل لو تركت زمزم لم تغرف من الماء لكان عينا معينا ‪ #‬قال فشربت‬
‫وأرضعت ولدها فقال لها الملك ل تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت ال يبني هذا‬
‫الغلم وأبوه وإن ال ل يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية تأتيه‬
‫السيول فتأخذه عن يمينه وشماله وذكر تمام الحديث‬

‫‪567‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪568‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وكانت بئر زمزم قد عميت ثم أحياها عبد المطلب جد النبي وصارت السقاية في ‪#‬‬
‫ولده في‬

‫العباس وأولده يسقون منها ويسقون أيضا الشراب الحلو والشرب من ذلك سنة ‪#‬‬
‫وال تعالى قال في إسماعيل إني جاعله لمة عظيمة ومعظمة جدا جدا وهذا التعظيم‬
‫المؤكد ب جدا جدا يقتضي أن يكون تعظيما مبالغا فيه فلو قدر أن البيت الذي بناه ل‬
‫يحج إليه أحد وأن ذريته ليس منهم نبي كما يقوله كثير من أهل الكتاب لم يكن هناك‬
‫تعظيم مبالغا فيه جدا جدا إذ أكثر ما في ذلك أن يكون له ذرية ومجرد كون الرجل‬
‫له نسل وعقب ل يعظم به إل إذا كان في الذرية مؤمنون مطيعون ل ‪ #‬وكذلك قوله‬
‫أجعله لمة عظيمة إن كانت تلك المة كافرة لم تكن عظيمة بل كان يكون أبا لمة‬
‫كافرة فعلم أن هذه المة‬

‫العظيمة كانوا مؤمنين وهؤلء يحجون البيت فعلم أن حج البيت مما يحبه ال ويأمر‬
‫به وليس في أهل الكتاب إل المسلمون فعلم أنهم الذين فعلوا ما يحبه ال ويرضاه‬
‫وأنهم وسلفهم الذين كانوا يحجون البيت أمة أثنى ال عليها وشرفها وأن إسماعيل‬
‫عظمه ال جدا جدا بما جعل في ذريته من اليمان والنبوة وهذا هو كما امتن ال‬
‫على نوح وإبراهيم بقوله ‪ ^ #‬ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة‬
‫والكتاب ^ ‪ #‬وقال في الخليل ‪ ^ #‬وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ^ ‪ #‬فعلم بذلك‬
‫أن في إسماعيل وذريته معظمون عند ال ممدوحون وأن إسماعيل معظم جدا جدا‬
‫كما عظم ال نوحا وإبراهيم وإن كان إبراهيم أفضل من إسماعيل لكن المقصود أن‬
‫هذا التعظيم له ولذريته إنما يكون إذا كانت ذريته معظمة على دين حق وهؤلء‬
‫يحجون إلى هذا البيت ول يحج إليه بعد مجيء محمد غيرهم‬

‫ولهذا لما قال ال تعالى ‪ ^ #‬ول على الناس حج البيت ^ ‪ #‬فقالوا ل نحج فقال ‪# #‬‬
‫^ ومن كفر فإن ال غني عن العالمين ^ ‪ #‬وأيضا فهذا التعظيم المبالغ فيه الذي‬
‫صار به ولد إسماعيل فوق الناس لم يظهر إل بنبوة محمد فدل ذلك على أنها حق‬
‫ومبشر به ‪ #‬فهذا نعت محمد ل نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق‬
‫ملوك الرض وأممها حتى امتلت الرض منه ومن أمته من مشارق الرض‬
‫ومغاربها وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك‬
‫النصارى عن خيار الرض وأوسطها ‪ #‬ومثل هذا بشارة أخرى بمحمد من كلم‬
‫شمعون بما رضوه من ترجمتهم وهو جاء ال بالبينات من جبال فاران وامتلت‬
‫السماء والرض من تسبيحه وتسبيح أمته‬

‫فهذا تصريح بنبوة محمد الذي جاء بالنبوة من جبال فاران وامتلت السماوات ‪#‬‬
‫والرض من تسبيحه وتسبيح امته ‪ #‬ولم يخرج أحد قط وامتلت السماوات‬
‫والرض من تسبيحه وتسبيح أمته مما يسمى فاران سوى محمد والمسيح لم يكن في‬

‫‪568‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪569‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أرض فاران ألبتة وموسى إنما كلم من الطور والطور ليس من أرض فاران وإن‬
‫كانت البرية التي بين الطور وأرض الحجاز من فاران فلم ينزل ال فيها التوراة‬
‫وبشارات التوراة قد تقدمت بجبل الطور وبشارة النجيل بجبل ساعير ‪ #‬ومثل هذا‬
‫كما نقل في نبوة حبقوق أنه قال جاء ال من التيمن وظهر القدس على جبال فاران‬
‫وامتلت الرض من‬

‫تحميد أحمد وملك بيمينه رقاب المم وأنارت الرض لنوره وحملت خيله في البحر‬
‫‪ #‬ومن ذلك ما في التوراة التي بأيديهم في السفر الول منها وهي خمسة أسفار في‬
‫الفصل التاسع في قصة هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين‬
‫أقبلت وإلى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فإني سأكثر ذريتك‬
‫وزرعك حتى ل يحصون وها أنت تحبلين وتلدين ابنا نسميه إسماعيل لن ال قد‬
‫سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحشي الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الكل‬
‫به ويكون على تخوم جميع إخوته‬

‫قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد لم تكن ‪#‬‬
‫فوق أيدي بني إسحاق بل كان في بني إسحاق النبوة والكتاب وقد دخلوا مصر زمن‬
‫يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسى‬
‫وكانوا مع موسى أعز أهل الرض لم يكن لحد عليهم يد ثم مع يوشع بعده إلى‬
‫زمن داود وملك سليمان الذي لم يؤت أحد مثله وسلط عليهم بعد ذلك بخت نصر فلم‬
‫يكن لبني إسماعيل عليهم يد ثم بعث المسيح وخرب بيت المقدس الخراب الثاني‬
‫حيث أفسدوا في الرض مرتين ومن حينئذ زال ملكهم وقطعهم ال في الرض أمما‬
‫وكانوا تحت حكم الروم والفرس لم يكن للعرب عليهم حكم أكثر من غيرهم فلم يكن‬
‫لولد إسماعيل سلطان على أحد من المم ل أهل الكتاب ول الميين فلم يكن يد ولد‬
‫إسماعيل فوق الجميع حتى بعث ال محمدا الذي دعا به إبراهيم وإسماعيل حيث قال‬
‫‪ ^ #‬ربنا وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة‬
‫^ ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم‬

‫فلما بعث صار يد ولد إسماعيل فوق الجميع فلم يكن في الرض سلطان أعز من ‪#‬‬
‫سلطانهم وقهروا فارس والروم وغيرهم من المم وقهروا اليهود والنصارى‬
‫والمجوس والمشركين والصابئين فظهر بذلك تحقيق قوله في التوراة وتكون يده‬
‫فوق الجميع ويد الكل به وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر ‪ #‬فإن قيل هذه بشارة‬
‫بملكه وظهوره قيل الملك ملكان ملك ليس فيه دعوى نبوة وهذا لم يكن لبني‬
‫إسماعيل على الجميع وملك صدر عن دعوى نبوة فإن كان مدعي النبوة كاذبا ‪^ #‬‬
‫ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إله شيء ^ ‪ #‬وهذا‬
‫من شر الناس وأكذبهم وأظلمهم وأفجرهم وملكه شر من ملك الظالم الذي لم يدع‬
‫نبوة ك بختنصر وسنجاريب ‪ #‬ومعلوم أن الخبار بهذه ل يكون بشارة ول تفرح‬
‫سارة وإبراهيم بهذا كما لو قيل يكون جبارا طاغيا يقهر الناس على طاعته ويقتلهم‬

‫‪569‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪570‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويسبي حريمهم ويأخذ أموالهم بالباطل فإن الخبار بهذا ل يكون بشارة ول يسر‬
‫المخبر بذلك وإنما يكون بشارة تسره إذا كان ذلك يعدل وكان علوه محمودا ل إثم‬
‫فيه وذلك في مدعي النبوة ل يكون إل وهو صادق ل كاذب‬

‫فصل ‪ #‬وقال داود في الزبور في قوله سبحوا ال تسبيحا جديدا وليفرح بالخالق من‬
‫اصطفى ال له أمته وأعطاه النصر وسدد الصالحين منهم بالكرامة يسبحونه على‬
‫مضاجعهم ويكبرون ال بأصوات مرتفعة بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم بهم من‬
‫المم الذين ل يعبدونه ‪ #‬وهذه الصفات إنما تنطبق على صفات محمد وأمته فهم‬
‫الذين يكبرون ال بأصوات مرتفعة في أذانهم‬

‫للصلوات الخمس وعلى الماكن العالية كما قال جابر بن عبد ال كنا مع رسول ال‬
‫إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلة على ذلك رواه أبو داود وغيره‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عمر قال كان رسول ال إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو‬
‫الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلثا ثم قال ل إله إل ال وحده ل‬
‫شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون‬
‫ساجدون لربنا حامدون صدق ال وعده ونصر عبده وهزم الحزاب وحده‬

‫وفي صحيح البخاري عن أنس قال صلى رسول ال ونحن معه بالمدينة الظهر ‪#‬‬
‫أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به‬
‫راحلته على البيداء حمد ال وسبح وكبر ثم أهل بعمرة وحج وذكر الحديث ‪ #‬وعن‬
‫أبي هريرة أن رجل قال يا رسول ال إني أريد أن أسافر فأوصني قال عليك بتقوى‬
‫ال والتكبير على كل شرف فلما أن ولى الرجل قال اللهم اطو له البعد وهون عليه‬
‫السفر رواه المام أحمد والترمذي والنسائي‬

‫وروى ابن ماجه منه أوصيك بتقوى ال والتكبير على كل شرف وروى أبو داود ‪#‬‬
‫وغيره بإسناد صحيح عن ابن عمر عن النبي قال كان النبي وجيوشه إذا علوا شرفا‬
‫كبروا وإذا هبطوا سبحوا ‪ #‬وهم يكبرون ال بأصوات عالية مرتفعة في أعيادهم‬
‫عيد الفطر وعيد النحر في الصلة والخطبة وفي ذهابهم إلى الصلة وفي‬

‫أيام منى الحجاج وسائر أهل المصار يكبرون عقيب الصلوات فإمام الصلة يسن‬
‫له الجهر بالتكبير ‪ #‬وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى‬
‫فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره فيسمعهم أهل السواق فيكبرون حتى ترتج‬
‫منى تكبيرا ‪ #‬وكان ابن عمر وابن عباس يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران‬
‫ويكبر الناس بتكبيرهما ويكبرون على قرابينهم وهديهم وضحاياهم كما كان نبيهم‬
‫يقول عند الذبح بسم ال وال‬

‫‪570‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪571‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أكبر ويكبرون إذا رموا الجمار ويكبرون على الصفا والمروة ويكبرون في الطواف‬
‫عند محاذاة الركن وكل هذا يجهرون فيه بالتكبير غير ما يسرونه ‪ #‬قال تعالى لما‬
‫ذكر صوم رمضان الذي يقيمون له عيد الفطر قال تعالى ‪ ^ #‬ولتكملوا العدة‬
‫ولتكبروا ال على ما هداكم ولعلكم تشكرون ^ ‪ #‬ولما ذكر الهدي الذي يقرب في‬
‫عيد النحر وهو يوم الحج الكبر قال‬

‫سورة الحج اليتان ‪ 36‬و ‪ # 37‬والنصارى يسمون عيد المسلمين عيد ال أكبر ‪#‬‬
‫لظهور التكبير فيه وليس هذا لحد من المم أهل الكتاب ول غيرهم غير المسلمين‬
‫وإنما كان موسى يجمع بني إسرائيل بالبوق والنصارى لهم الناقوس‬

‫وأما تكبير ال بأصوات مرتفعة فإنما هو شعائر المسلمين فإن الذان شعار ‪#‬‬
‫المسلمين وبهذا يظهر تقصير من فسر ذلك بتلبية الحجاج ‪ #‬وفي الصحيحين عن‬
‫أنس عن النبي أنه كان إذا أراد الغارة إن سمع أذانا أو رأى مسجدا وإل أغار ‪#‬‬
‫وفي لفظ مسلم كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الذان فإن سمع أذانا أمسك‬
‫وإل أغار ‪ #‬فسمع رجل يقول ال أكبر ال أكبر فقال رسول ال على الفطرة ثم قال‬
‫أشهد أن ل إله إل ال فقال خرجت من النار ‪ #‬وكذلك قوله بأيديهم سيوف ذات‬
‫شفرتين وهي السيوف العربية التي بها فتح الصحابة وأتباعهم البلد وقوله يسبحونه‬
‫على مضاجعهم بيان لنعت المؤمنين الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى‬

‫جنوبهم ويصلي أحدهم قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب فل‬
‫يتركون ذكر ال في حال بل يذكرونه حتى في هذه الحال ويصلون في البيوت على‬
‫المضاجع بخلف أهل الكتاب ‪ #‬والصلة أعظم التسبيح كما في قوله تعالى ‪^ #‬‬
‫فسبحان ال حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والرض وعشيا‬
‫وحين تظهرون ^ ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‬
‫^ ‪ #‬وفي الصحيحين عن جرير بن عبد ال قال كنا جلوسا عند رسول ال إذ نظر‬
‫القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ل تضامون في رؤيته‬
‫فإن‬

‫استطعتم أن ل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وصلة قبل غروبها فافعلوا ثم‬
‫قرأ قوله تعالى ‪ ^ #‬وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء‬
‫الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ^ ‪ #‬وهذا معنى قول داود سبحوا ال‬
‫تسبيحا جديدا والتسابيح التي شرعها ال جديدا كالصلوات الخمس التي شرعها‬
‫للمسلمين جديدا ولما أقامها جبريل للنبي قال هذا وقتك ووقت النبياء قبلك ‪ #‬فكان‬
‫النبياء يسبحون في هذه الوقات كما يدل التسبيح المقدم والتسبيح الجديد كما يدل‬
‫عليه سائر الكلم ول يمكن أن يكون ذلك للنصارى لنهم ل يكبرون ال بأصوات‬
‫مرتفعة ول بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم ال بهم من المم بل أخبارهم تدل‬
‫على أنهم كانوا مغلوبين مع المم لم يكونوا يجاهدونهم بالسيف بل‬

‫‪571‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪572‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النصارى قد تعيب من يقاتل الكفار بالسيف ‪ #‬ومنهم من يجعل هذا من معايب محمد‬
‫وأمته ويغفلون ما عندهم من أن ال أمر موسى بقتال الكفار فقاتلهم بنو إسرائيل‬
‫بأمره وقاتلهم يوشع وداود وغيرهما من النبياء وإبراهيم الخليل قاتل لدفع الظلم عن‬
‫أصحابه‬

‫فصل ‪ #‬وقال داود في مزاميره وهي الزبور من أجل هذا بارك ال عليه إلى البد‬
‫فتقلد أيها الجبار بالسيف لن البهاء لوجهك والحمد الغالب عليك اركب كلمة الحق‬
‫وسيمه التأله فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك وسهامك مسنونة والمم‬
‫يخرون تحتك ‪ #‬قالوا فليس متقلد السيف من النبياء بعد داود سوى محمد وهو الذي‬
‫خرت المم تحته وقرنت شرائعه بالهيبة كما قال نصرت بالرعب مسيرة‬

‫شهر وقد أخبر داود أنه له ناموسا وشرائع وخاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته‬
‫وقهره لعداء ال بخلف المستضعف المقهور ‪ #‬وهو نبي الرحمة ونبي الملحمة‬
‫وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين‬
‫بخلف من كان ذليل للطائفتين من النصارى المقهورين مع الكفار أو كان عزيزا‬
‫على المؤمنين من اليهود بل كان مستكبرا كلما جاءهم رسول بما ل تهوى أنفسهم‬
‫كذبوا فريقا وقتلوا فريقا‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال داود في مزمور له إن ربنا عظيم محمود جدا وفي ترجمته‬
‫إلهنا قدوس ومحمد قد عم الرض كلها فرحا قالوا فقد نص داود على اسم محمد‬
‫وبلده وسماها قرية ال وأخبر أن كلمته تعم الرض كلها ‪ #‬قلت قد تقدم الحديث‬
‫الصحيح لما قيل لعبد ال بن عمرو وروي أنه عبد ال بن سلم أخبرنا ببعض صفة‬
‫رسول ال‬

‫في التوراة فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن وذكر صفته‬
‫موجودة في نبوة أشعياء وليست موجودة في نفس كتاب موسى ‪ #‬وتقدم أن لفظ‬
‫التوراة يقصدون به جنس الكتب التي عند أهل الكتاب ل يخصون بذلك كتاب موسى‬
‫‪ #‬وإذا كان هذا معروفا عندهم في التوراة والنجيل يراد بالتوراة جنس الكتب التي‬
‫عند أهل الكتاب يتناول ذلك كتاب موسى وزبور داود وصحف سائر النبياء سوى‬
‫النجيل فإنه ليس عند أهل الكتاب وإنما هو عند النصارى خاصة ‪ #‬واما سائر كتب‬
‫النبياء فالمتان تقر بها ويؤيد ذلك أن ال‬

‫كثيرا ما يقرن في القرآن بين التوراة والنجيل وبين القرآن وإنما يذكر الزبور‬
‫مفردا كقوله تعالى ‪ ^ #‬آلم ال ل إله إل هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق‬

‫‪572‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪573‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ^ ‪#‬‬
‫وقوله ‪ ^ #‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في‬
‫سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والنجيل والقرآن ^ ‪ #‬وقوله‬
‫تعالى ‪ ^ #‬الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^ ‪ #‬وأهل الكتاب‬
‫يجدونه مكتوبا في الكتب التي بأيديهم وهو في كثير منها أصرح مما هو في كتاب‬
‫موسى خاصة ‪ #‬فإذا أريد بالتوراة جنس الكتب فل يستريب عاقل في كثرة ذكره‬
‫ونعته ونعت أمته في تلك الكتب ومعلوم أن ال أراد بذلك الستشهاد‬

‫بوجوده في تلك الكتب وإقامة الحجة بذكره فيها فإذا كان ذكره في غير كتاب موسى‬
‫أكبر وأظهر عندهم كان الستدلل بذلك أولى من تخصيص الستدلل بكتاب موسى‬
‫فإذا حمل لفظ التوراة في هذا على جنس الكتب كما هو موجود في لغة من تكلم بذلك‬
‫من الصحابة والتابعين كان هذا في غاية البيان والمدح للقرآن والكتب المتقدمة‬
‫وتصديق بعضها بعضا ‪ #‬وقد أمرنا أن نؤمن بما أوتي النبيون مطلقا كما قال تعالى‬
‫‪ ^ #‬قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‬
‫ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين‬
‫أحد منهم ونحن له مسلمون ^ ‪ #‬وقال ^ ولكن البر من آمن بال واليوم الخر‬
‫والملئكة والكتاب والنبيين ^ ‪ #‬والزبور ذكره مفردا في موضعين من القرآن في‬
‫قوله ‪ #‬سورة النساء الية ‪163‬‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ^ ‪# #‬‬
‫فذكره مفردا ‪ #‬وذكر كتاب موسى بهذه الضافة ل بلفظ التوراة في غير موضع‬
‫فقال ‪ ^ #‬أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما‬
‫ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬قل‬
‫أرأيتم إن كان من عند ال وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن‬
‫واستكبرتم إن ال ل يهدي القوم الظالمين ^ ‪ #‬إلى قوله‬

‫ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ^ ‪#‬‬
‫ظلموا وبشرى للمحسنين ^ ‪ #‬وقوله تعالى ‪ ^ #‬وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما‬
‫أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى‬
‫للناس ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ^ ‪ #‬وإذا‬
‫كان لفظ التوراة يتناول الكتب الذي عند أهل الكتابين جميعا والزبور وغيره داخل‬
‫في هذا السم وكان ظهور اسمه ونعته في التوراة ووجودهم ذلك فيما عندهم‬
‫وتكرره في غاية القوة وكان معرفتهم لذلك كما يعرفون أبناءهم واضحا بينا إن قدر‬
‫هذه الكتب التي يعترف بها عامتهم لم يكتم منها شيء بل هي باقية كما كانت‬

‫فصل ‪ #‬وقالوا قال داود في مزموره لترتاح البوادي وقراها ولتصر أرض قيذار‬

‫‪573‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪574‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مروجا وليسبح سكان الكهوف ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ويذيعوا تسابيحه‬
‫في الجزائر ‪ #‬فلمن البوادي من المم سوى أمة محمد ومن قيذار سوى ابن‬
‫إسماعيل جد رسول ال ومن سكان الكهوف وتلك الجبال سوى العرب‬

‫فصل ‪ #‬قال داود في مزمور له ويحوز من البحر إلى البحر ومن لدن النهار إلى‬
‫منقطع الرض ويخر أهل الجزائر بين يديه ويلحس أعداؤه التراب ويسجد له ملوك‬
‫الفرس وتدين له المم بالطاعة والنقياد ويخلص البائس المضطهد ممن هو أقوى‬
‫منه وينقذ الضعيف الذي ل ناصر له ويرأف بالمساكين والضعفاء ويصلى عليه‬
‫ويبارك في كل حين ‪ #‬وهذه الصفات منطبقة على محمد وأمته ل على المسيح فإنه‬

‫حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي ومن لدن النهار بجيحون وسيحون إلى‬
‫منقطع الرض بالمغرب كما قال زويت لي الرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك‬
‫أمتي ما زوي لي منها ‪ #‬وهو يصلى عليه ويبارك في كل حين في كل صلة في‬
‫الصلوات الخمس وغيرها يقول كل من أمته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد‬
‫وبارك على محمد وعلى آل محمد فيصلي عليه ويبارك‬

‫ومنه خرت أهل الجزائر بين يديه أهل جزيرة العرب وأهل الجزيرة التي بين ‪#‬‬
‫الفرات ودجلة وأهل جزيرة قبرص وأهل جزيرة الندلس ‪ #‬وخضعت له ملوك‬
‫الفرس فلم يبق منهم إل من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون بخلف ملوك‬
‫الروم فإن فيهم من لم يسلم ويؤدي الجزية فلهذا خص ملوك فارس ودانت له المم‬
‫التي تعرفه وتعرف أمته كانت إما مؤمنة به أو مسلمة له منافقة أو مهادنة مصالحة‬
‫أو خائفة منهم وأنقذ الضعفاء من الجبارين ‪ #‬وهذا بخلف المسيح فإنه لم يتمكن هذا‬
‫التمكن في حياته ول من اتبعه بعد موته تمكنوا هذا التمكن ول حازوا ما ذكر ول‬
‫صلي عليه وبورك عليه في اليوم والليلة فإن القوم يدعون إلهيته‬

‫فصل ‪ #‬وقالوا في نبوة أشعياء قال أشعياء قيل لي قم نظارا فانظر ماذا ترى فقلت‬
‫أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والخر على جمل يقول أحدهما لصاحبه‬
‫سقطت بابل وأصحابها للمنحر ‪ #‬قالوا فراكب الحمار هو المسيح وراكب الجمل هو‬
‫محمد وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار ‪ #‬وبمحمد سقطت‬
‫أصنام بابل‬

‫فصل ‪ #‬ومما ينبغي أن يعرف أن الكتب المتقدمة بشرت بالمسيح كما بشرت‬
‫بمحمد وكذلك أنذرت بالمسيح الدجال ‪ #‬والمم الثلثة المسلمون واليهود والنصارى‬
‫متفقون على أن النبياء أنذرت بالمسيح الدجال وحذرت منه كما قال النبي في‬

‫‪574‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪575‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الحديث الصحيح ما من نبي إل وقد أنذر أمته المسيح الدجال حتى نوح أنذره أمته‬
‫وسأقول لكم فيه قول لم يقله نبي لمته إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين‬
‫عينيه ك ف ر يقرأه كل مؤمن قارىء وغير قارىء ‪ #‬والمم الثلثة متفقون على‬
‫أن النبياء بشروا بمسيح من ولد داود فالمم الثلثة متفقون علىالخبار بمسيح‬
‫هدى من نسل داود‬

‫ومسيح ضللة وهم متفقون على أن مسيح الضللة لم يأت بعد ومتفقون على أن‬
‫مسيح الهدى سيأتي أيضا ‪ #‬ثم المسلمون والنصارى متفقون على أن مسيح الهدى‬
‫هو عيسى بن مريم واليهود ينكون أن يكون هو عيسى بن مريم مع إقرارهم بأنه من‬
‫ولد داود ‪ #‬قالوا لن المسيح المبشر به تؤمن به المم كلها وزعموا أن المسيح بن‬
‫مريم إنما بعث بدين النصارى وهو دين ظاهر البطلن ‪ #‬والنصارى تقر بأن‬
‫المسيح مسيح الهدى بعث ومقرون بأنه سيأتي مرة ثانية لكن يزعمون أن هذا‬
‫التيان الثاني هو يوم القيامة ليجزي الناس بأعمالهم وهو في زعمهم هو ال وال‬
‫الذي هو اللهوت يأتي في ناسوته كما زعموا أنه جاء قبل ذلك ‪ #‬وأما المسلمون‬
‫فآمنوا بما أخبرت به النبياء على وجهه وهو‬

‫موافق لما أخبر به خاتم الرسل حيث قال في الحديث الصحيح يوشك أن ينزل فيكم‬
‫ابن مريم حكما عدل وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ‪#‬‬
‫وأخبر في الحديث الصحيح أنه إذا خرج مسيح الضللة العور الكذاب نزل عيسى‬
‫بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا يديه على منكبي‬
‫ملكين فإذا رآه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء فيدركه فيقتله بالحربة عند‬
‫باب لد الشرقي على بضع عشرة خطوات منه وهذا تفسير قوله‬

‫تعالى ‪ ^ #‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به قبل موته ^ ‪ #‬أي يؤمن بالمسيح قبل‬
‫أن يموت حين نزوله إلى الرض وحينئذ ل يبقى يهودي ول نصراني وليبقى إل‬
‫دين السلم وهذا موجود في نعته عند أهل الكتاب ‪ #‬ولكن النصارى ظنوا مجيئه‬
‫بعد قيام القيامة وأنه هو ال فغلطوا في ذلك كما غلطوا في مجيئه الول حيث ظنوا‬
‫أنه هو ال واليهود أنكروا مجيئه الول وظنوا أن الذي بشر به ليس إياه وليس هو‬
‫الذي يأتي آخرا وصاروا ينتظرون غيره وإنما هو بعث إليهم أول فكذبوه وسيأتيهم‬
‫ثانيا فيؤمن به كل من على وجه الرض من يهودي ونصراني إل من قتل أو مات‬
‫ويظهر كذبا هؤلء الذين كذبوه ورموا أمه بالفرية وقالوا إنه ولد زنا وهؤلء الذين‬
‫غلوا فيه وقالوا إنه ال ‪ #‬ولما كان المسيح عليه السلم نازل في أمة محمد صار‬
‫بينه وبين محمد من التصال ما ليس بينه وبين غير محمد ولهذا قال النبي في‬
‫الحديث الصحيح إن أولى الناس بابن مريم لنا إنه ليس بيني وبينه‬

‫نبي وروي كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها وهذا مما يظهر به‬
‫مناسبة اقترانهما فيما رواه أشعيا حيث قال راكب الحمار وراكب الجمل‬

‫‪575‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪576‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء النبي عليه السلم متنبيا على مكة شرفها ال ارفعي إلى‬
‫ما حولك بصرك فستبتهجين وتفرحين من أجل أن يصير إليك ذخائر البحر وتحج‬
‫إليك عساكر المم حتى يعم بك قطر البل الموبلة وتضيق أرضك عن القطرات‬
‫التي تجتمع إليك وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ ويسير إليك أغنام فاران‬
‫ويخدمك رجال مأرب يريد سدنة الكعبة وهم أولد مأرب بن إسماعيل‬

‫قالوا فهذه الصفات كلها حصلت بمكة فحملت إليها ذخائر البحرين وحج إليها ‪#‬‬
‫عساكر المم وسيقت إليها أغنام فاران الهدايا والضاحي وفاران هي البرية‬
‫الواسعة التي فيها مكة وضاقت الرض عن قطرات البل الموبلة الحاملة للناس‬
‫وأزوادهم إليها وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء النبي معلنا باسم رسول ال إني جعلت أمرك يا محمد يا‬
‫قدوس الرب اسمك موجود من البد قالوا فهل بقي بعد ذلك لزائغ فقال أو لطاعن‬
‫مجال وقول أشعياء إن اسم محمد موجود من البد موافق لقول داود الذي حكيناه أن‬
‫اسمه موجود قبل الشمس ‪ #‬وقوله يا قدوس الرب يعني يا من طهره الرب وخلصه‬
‫من بشريته واصطفاه لنفسه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء وشهد لهذه المة بالصلح والديانة سأرفع علما لهل‬
‫الرض بعيدا فيصفر لهم من أقاصي الرض فيأتون سراعا ‪ #‬والنداء هو ما جاء به‬
‫النبي من التلبية في الحج وهم الذين جعلوا ل الكرامة فوحدوه وعبدوه وأفردوه‬
‫بالربوبية وكسروا الصنام وعطلوا الوثان والعلم المرفوع هو النبوة وصفيره‬
‫دعاؤهم إلى بيته ومشاعره فيأتونه سامعين مطيعين‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء النبي والمراد مكة شرفها ال تعالى سيري واهتزي أيتها‬
‫العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح وافرح إذ لم تحبلي فإن أهلك يكونون أكثر من‬
‫أهلي يعني بأهله بيت المقدس ويعني بالعاقر مكة شرفها ال لنها لم تلد قبل نبينا‬
‫عليه الصلة والسلم ول يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لنه بيت للنبياء‬
‫ومعدن الوحي فلم تزل تلك البقعة ولدة‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء النبي ونص على خاتم النبوة ولد لنا غلم يكون عجبا‬
‫وبشرا والشامة على كتفيه أركون السلم إله جبار وسلطانه سلطان السلم وهو ابن‬

‫‪576‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪577‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عالمه يجلس على كرسي داود ‪ #‬قالوا الركون هو العظيم بلغة النجيل والراكنة‬
‫المعظمون ولما أبرأ المسيح مجنونا من جنونه قال اليهود إن هذا ل يخرج الشياطين‬
‫من الدميين إل بأركون الشياطين يعنون عظيمهم وقال المسيح في النجيل إن‬
‫أركون العالم يدان يريد إما إبليس‬

‫أو الشرير العظيم الشر من الدميين وسماه إلها على نحو قول التوراة إن ال جعل‬
‫موسى إلها لفرعون أي حاكما عليه ومتصرفا فيه وعلى نحو قول داود للعظماء‬
‫من قومه إنكم آلهة ‪ #‬فقد شهد أشعياء بصحة نبوة محمد ووصفه بأخص علماته‬
‫وأوضحها وهي شامته فلعمري لم تكن الشامة لسليمان ول للمسيح وقد وصفه‬
‫بالجلوس على كرسي داود يعني أنه سيرث بني إسرائيل نبوتهم وملكهم ويبتزهم‬
‫رياستهم‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء في وصف أمة محمد ستمتلىء البادية والمدن من أولد‬
‫قيدار يسبحون ومن رؤوس الجبال ينادون هم الذين يجعلون ل الكرامة ويسبحونه‬
‫في البر والبحر وقيدار هو ابن إسماعيل باتفاق الناس وربيعة ومضر من ولده‬
‫ومحمد من مضر ‪ #‬وهذا المتلء والتسبيح لم يحصل لهم إل بمبعث محمد‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء والمراد مكة أنا رسمتك على كفي وسيأتيك أولدك‬
‫سراعا ويخرج عنك من أراد أن يخيفك ويخونك فارفعي بصرك إلى ما حولك فإنهم‬
‫سيأتونك ويجتمعون إليك فتسمي باسمي إني أنا الحي لتلبسي الحلل وتزيني بالكليل‬
‫مثل العروس ولتضيقن خراباتك من كثرة سكانك والداعين فيك وليهابن كل من‬
‫يناوؤك وليكثرن أولدك حتى تقولي من رزقني هؤلء كلهم وأنا وحيدة فريدة يرون‬
‫رقوب فمن ربى لي هؤلء ومن تكفل لي بهم ‪ #‬قالوا وذلك إيضاح من أشعياء بشأن‬
‫الكعبة فهي التي ألبسها ال‬

‫الحلل الديباج الفاخرة ووكل بخدمتها الخلفاء والملوك ومكة هي التي ربا ال لها‬
‫الولد من حجاجها والقاطنين بها وذلك أن مكة هي التي أخرج عنها كل من أن‬
‫أراد أن يخيفها ويخربها فلم تزل عزيزة مكرمة محرمة لم يهنها أحد من البشر قط‬
‫بل أصحاب الفيل لما قصدوها عذبهم ال العذاب المشهور ولم تزل عامرة محجوجة‬
‫من لدن إبراهيم الخليل ‪ #‬بخلف بيت المقدس فإنه قد أخرب مرة بعد مرة وخل من‬
‫السكان واستولى العدو عليه وعلى أهله وكذلك إخباره بإهانة كل من يناويها هو‬
‫للكعبة دون بيت المقدس قال تعالى ‪ ^ #‬ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب‬
‫أليم ^ ‪ #‬والحجاج بن يوسف كان معظما للكعبة‬

‫لم يرمها بمنجنيق وإنما قصد ابن الزبير خاصة وأما كثرة أولدها وهم الذين‬

‫‪577‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪578‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يحجون إليها ويستقبلونها في صلتهم فهم أضعاف أضعاف أولد بيت المقدس‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال أشعياء حاكيا عن ال تعالى أشكر حبي وابني أحمد فسماه ال‬
‫حبيبا وسماه ابنا وداود ابنا غير أن ال خصه عليهم بمزية فقال حبي ابني أشكره‬
‫فتعبد أشعياء بشكر محمد ووظف عليه وعلى قومه شكره وإجلله ليتبين قدره‬
‫ومنزلته عنده وتلك منقبة لم يؤتها غيره من الرسل ‪ #‬وقال أشعياء إنما سمعنا من‬
‫أطراف الرض صوت محمد وهذا إفصاح من أشعياء باسم رسول ال فليرنا أهل‬
‫الكتاب نبيا نصت النبياء على اسمه صريحا سوى رسول ال‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال حبقوق وسمي محمد رسول ال صريحا مرتين في نبوته إن ال‬
‫جاء من التيمن والقدوس من جبل فاران لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلت‬
‫الرض من حمده شعاع منظره مثل النور يحوط بلده بعزه تسير المنايا أمامه‬
‫وتصحب سباع الطير أجناده قام فمسح الرض فتضعضعت له الجبال القديمة‬
‫وانخفضت الروابي وتزعزعت ستور أهل مدين‬

‫ثم قال زجرك في النهار وإقدام صوامك في البحار ركبت الخيول وعلوت ‪#‬‬
‫مراكب اليفاد وستنزع في قسيك أعراقا ونزعا وترتوي السهام بأمرك يا محمد‬
‫ارتواء ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل وتغيرت المهاوي‬
‫تغيرا ورعبا رفعت أيديها وجل وخوفا وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان‬
‫نيازكك وتدوخ الرض غضبا وتدوس المم زجرا لنك ظهرت بخلص أمتك‬

‫وإنقاذ تراث آبائك ‪ #‬قالوا وهذا تصريح بمحمد ومن رام صرف نبوة حبقوق هذه‬
‫عن محمد فقد رام ستر النهار وحبس النهار وأنى يقدر على ذلك وقد سماه باسمه‬
‫مرتين وأخبر بقوة أمته وسير المنايا أمامهم واتباع جوارح الطير آثارهم وهذه النبوة‬
‫ل تليق إل بمحمد ول تصلح إل له ول تدل إل عليه فمن حاول صرفها عنه فقد‬
‫حاول ممتنعا وقد ذكر فيها مجيء نور ال من التيمن وهي ناحية مكة والحجاز فإن‬
‫أنبياء بني إسرائيل كانوا يكونون من ناحية الشام ومحمد جاء من ناحية‬

‫اليمن وجبال فاران هي جبال مكة كما قد تقدم بيان ذلك وهذا مما ل يمكن النزاع فيه‬
‫‪ #‬وأما امتلء السماء من بهاء أحمد بأنوار اليمان والقرآن التي ظهرت منه ومن‬
‫أمته وامتلء الرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم فأمر ظاهر فإن أمته هم‬
‫الحمادون ل بد لهم من حمد ال في كل صلة وخطبة ول بد لكل مصل في كل‬
‫ركعة من أن يقول ^ الحمد ل رب العالمين مالك يوم الدين ^ ‪ #‬فإذا قال ‪ ^ #‬الحمد‬
‫^ ل رب العالمين ^ ‪ #‬قال ال حمدني عبدي ‪ #‬فإذا قال ‪ ^ #‬الرحمن الرحيم‬

‫‪578‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪579‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال أثنى علي عبدي ‪ #‬فإذا قال ‪ ^ #‬مالك يوم الدين ^ ‪ #‬قال مجدني عبدي ‪# #‬‬
‫فهم يفتحون القيام في الصلة بالتحميد ويختمونها بالتحميد وإذا رفعوا رؤوسهم من‬
‫الركوع يقول إمامهم سمع ال لمن حمده ويقولون جميعا ربنا ولك الحمد ويختمون‬
‫صلتهم بتحميد يجعل التحيات له والصلوات والطيبات وأنواع تحميدهم ل مما‬
‫يطول وصفه‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال حزقيال وهو يهدد اليهود ويصف لهم أمة محمد وإن ال‬
‫مظهرهم عليكم وباعث فيكم نبيا ومنزل عليهم كتابا ومملكهم رباقكم فيقهرونكم‬
‫ويذلونكم بالحق ويخرج رجال بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملئكة على‬
‫خيل بيض متسلحين محيطون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار نعوذ بال من النار ‪#‬‬
‫وذلك أن رجال بني قيدار هم ربيعة ومضر أبناء عدنان وهما جميعا من ولد قيدار‬
‫بن إسماعيل والعرب كلهم من‬

‫بني عدنان وبني قحطان فعدنان أبو ربيعة ومضر وأنمار من ولد إسماعيل باتفاق‬
‫الناس وأما قحطان فقيل هم من ولد إسماعيل وقيل هم من ولد هود ومضر ولد‬
‫إلياس بن مضر وقريش هم من ولد إلياس بن مضر وهوازن مثل عقيل وكلب‬
‫وسعد بن بكر وبنو نمير وثقيف وغيرهم هم من ولد إلياس بن مضر ‪ #‬وهؤلء‬
‫انتشروا في الرض فاستولوا على أرض الشام والجزيرة ومصر والعراق وغيرها‬
‫حتى إنهم لما سكنوا الجزيرة بين الفرات‬

‫ودجلة سكنت مضر في حران وما قرب منها فسميت ديار مضر وسكنت ربيعة في‬
‫الموصل وما قرب منها فسميت ديار ربيعة‬

‫فصل ‪ #‬وقال دانيال عليه السلم وذكر محمد رسول ال باسمه فقال ستنزع في‬
‫قسيك إغراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء ‪ #‬فهذا تصريح بغير تعريض‬

‫وتصحيح ليس فيه تمريض ‪ #‬فإن نازع في ذلك منازع فليوجدنا آخر اسمه محمد له‬
‫سهام تنزع وأمر مطاع ل يدفع ‪ #‬وقال دانيال النبي أيضا حين سأله بخت نصر عن‬
‫تأويل رؤيا رآها ثم نسيها رأيت أيها الملك صنما عظيما قائما بين يديك رأسه من‬
‫ذهب وساعداه من الفضة وبطنه وفخذاه من النحاس وساقاه من الحديد ورجله من‬
‫الخزف ورأيت حجرا لم تقطعه يد إنسان قد جاء وصك ذلك الصنم فتفتت وتلشى‬
‫وعاد رفاتا ثم نسفته الرياح فذهب وتحول ذلك الحجر فصار جبل عظيما حتى مل‬
‫الرض كلها فهذا ما رأيت أيها الملك ‪ #‬فقال بخت نصر صدق فما تأويلها ‪ #‬قال‬
‫دنيال أنت الرأس الذي رأيته من الذهب ويقوم بعدك ولداك اللذان رأيت من الفضة‬
‫وهما دونك ويقوم بعدهما مملكة أخرى هي دونهما‬

‫‪579‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪580‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهي شبه النحاس والمملكة الرابعة تكون قوية مثل الحديد الذي يدق كل شيء فأما‬
‫الرجلن التي رأيت من خزف فمملكة ضعيفة وكلمتها مشتتة وأما الحجر الذي‬
‫رأيت قد صك ذلك الصنم العظيم ففتته فهو نبي يقيمه ال إله السماء والرض من‬
‫قبيلة بشريعة قوية فيدق جميع ملوك الرض وأممها حتى تمتلىء منه الرض ومن‬
‫أمته ويدوم سلطان ذلك النبي إلى انقضاء الدنيا فهذا تعبير عن رؤياك أيها الملك ‪#‬‬
‫فهذا نعت محمد ل نعت المسيح فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك‬
‫الرض وأممها حتى امتلت الرض منه ومن أمته في مشارق الرض ومغاربها‬
‫وسلطانه دائم لم يقدر أحد أن يزيله كما زال ملك اليهود وزال ملك النصارى عن‬
‫خيار الرض وأوسطها‬

‫فصل ‪ #‬وقال دانيال النبي أيضا سألت ال وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من‬
‫بني إسرائيل وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملكهم ويبعث فيهم النبياء أو يجعل ذلك‬
‫في غيرهم قال دانيال فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه فقال السلم‬
‫عليك يا دانيال إن ال تعالى يقول إن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي وعبدوا‬
‫من دوني آلهة أخرى وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ومن بعد الصدق إلى الكذب‬
‫فسلطت عليهم بخت نصر فقتل رجالهم وسبى ذراريهم وهدم بيت مقدسهم وحرق‬
‫كتبهم وكذلك فعل من بعده بهم وأنا غير راض عنهم ول مقيلهم عثراتهم فل يزالون‬
‫من سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم‬

‫عليهم عند ذلك باللعن والسخط فل يزالون ملعونين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث‬
‫نبي بني إسماعيل الذي بشرت به هاجر وأرسلت إليها ملكي فبشرها فأوحي إلى‬
‫ذلك النبي واعلمه السماء وأزينه بالتقوى وأجعل البر شعاره والتقوى ضميره‬
‫والصدق قوله والوفاء طبيعته والقصد سيرته والرشد سنته أخصه بكتاب مصدق لما‬
‫بين يديه من الكتب وناسخ لبعض ما فيها أسري به إلي وأرقيه من سماء إلى سماء‬
‫حتى يعلو فأدنيه وأسلم عليه وأوحي إليه ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة‬
‫حافظا لما استودع صادعا بما أمر يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة ل‬
‫فظ ول غليظ ول صخاب في السواق رؤوف بمن واله رحيم بمن آمن به خشن‬
‫على من عاداه فيدعو قومه إلى‬

‫توحيدي وعبادتي ويخبرهم بما رأى من آياتي فيكذبونه ويؤذونه ‪ #‬قال الناقل لهذه‬
‫البشارة قالوا ثم سرد دانيال قصة رسول ال حرفا حرفا مما أمله عليه الملك حتى‬
‫وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا ونبوته كثيرة وهي الن في أيدي‬
‫النصارى واليهود يقرأونها ‪ #‬ومهما وصفنا مما ذكره ال من وصف هذه المة‬
‫ونبيها واتصال مملكتهم بالقيامة قلت فهذه نبوة دانيال فيها البشارة بالمسيح والبشارة‬
‫بمحمد وفيها من وصف محمد‬

‫‪580‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪581‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأمته بالتفصيل ما يطول وصفه وقد قرأها المسلمون لما فتحوا العراق كما ذكر ذلك‬
‫العلماء منهم أبو العالية ذكر أنهم لما فتحوا تستر وجدوا دانيال ميتا ووجدوا عنده‬
‫مصحفا ‪ #‬قال أبو العالية أنا قرأت ذلك المصحف وفيه صفتكم ولحون كلمكم وكان‬
‫أهل الناحية إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر‬
‫بن الخطاب‬

‫فكتب إليه عمر أن احفر بالنهار ثلثة عشر قبرا وادفنه بالليل في واحد منها لئل‬
‫يفتتن الناس به‬

‫فصل ‪ #‬قالوا وقال يوحنا النجيلي قال يسوع المسيح في الفصل الخامس عشر من‬
‫إنجيله أن الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء‬

‫وقال يوحنا التلميذ أيضا عن المسيح أنه قال لتلميذه إن كنتم تحبوني فاحفظوا ‪#‬‬
‫وصاياي وأنا أطلب من الب أن يعطيكم فارقليطا لخر يثبت معكم إلى البد روح‬
‫الحق الذي لمم يطق العالم أن يقتلوه لنهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاما لني سآتيكم‬
‫عن قريب ‪ #‬وقال يوحنا قال المسيح من يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه وإليه يأتي‬
‫وعنده يتخذ المنزل كلمتكم بهذا لني عندكم مقيم والفارقليط روح الحق الذي يرسله‬
‫أبي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كل ما قلت لكم أستودعتكم سلمي ل تقلق‬
‫قلوبكم ول تجزع فإني منطلق وعائد إليكم لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضيي إلى‬
‫الب فإن أنتم ثبتم في كلمي وثبت كلمي فيكم كان لكم كل ما تريدون وبهذا يمجد‬
‫أبي ‪ #‬وقال أيضا إذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله روح الحق الذي من أبي هو‬
‫يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ول تشكوا فيه ‪ #‬وقال أيضا إن خيرا‬
‫لكم أن أنطلق لني إن لم أذهب‬

‫لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فهو يوبخ العالم على الخطيئة وإن لي‬
‫كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله لكن إذا جاء روح الحق ذاك‬
‫يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل‬
‫ما يأتي ويعرفكم جميع ما للب ‪ #‬وقال يوحنا الحواري قال المسيح إن أركون‬
‫العالم سيأتي وليس لي شيء ‪ #‬وقال متى التلميذ قال المسيح ألم يقرأوا أن الحجر‬
‫الذي أرذله البناءون صار رأسا للزاوية من عند ال كان هذا وهو عجيب في أعيننا‬
‫ومن أجل ذلك أقول لكم إن ملكوت ال سيؤخذ منكم ويدفع إلى أمة أخرى تأكل‬
‫ثمرها ومن سقط على هذا الحجر‬

‫ينشرح وكل من سقط هو عليه يمحقه ‪ #‬وقال يوحنا التلميذ في كتاب رسائل التلميذ‬
‫المسمى بفراكسيس يا أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح لكن ميزوا الرواح التي من‬

‫‪581‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪582‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عند ال من غيرها واعلموا أن كل روح يؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء فكان‬
‫جسدانيا فهي من عند ال وكل روح ل تؤمن بأن يسوع المسيح جاء وكان جسدانيا‬
‫فليست من عند ال بل من المسيح الكذاب الذي سمعتم به وهو الن في العالم ‪#‬‬
‫وقال شمعون الصفا رئيس الحواريين في كتاب فركسيس أنه قد حان أن يبتدىء‬
‫الحكم من بيت ال ابتداء ‪ #‬قلت وهذا اللفظ لفظ الفارقليط في لغتهم ذكروا فيه أقوال‬
‫قيل إنه الحماد وقيل إنه الحامد وقيل إنه المعز وقيل إنه الحمد ورجح هذا طائفة‬
‫وقالوا الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم إنه الحمد والدليل عليه قول يوشع من عمل‬
‫حسنة تكون له فارقليط‬

‫جيد أي حمد جيد وقولهم المشهور في تخاطبهم فارقليط وفارقليطان وما زاد على‬
‫الجميع أي حمد ومنه كما نقول نحن يد ومنة ومن قال معناه المخلص فيحتجون بأنها‬
‫كلمة سريانية ومعناها المخلص وقالوا هو مشتق من قولنا راوف ويقال بالسريانية‬
‫فاروق فجعل فارق قالوا ومعنى ليط كلمة تزاد والتقدير كما يقال في العربية رجل‬
‫هو وحجر هو وبدر هو وذكر هو قالوا وكذلك يزاد في السريانية ليط والذين قالوا‬
‫هو المعز قالوا هو في لسان اليونان المعز ‪ #‬ويعترض على هذين القولين بأن‬
‫المسيح لم تكن لغته سريانية ول يونانية بل عبرانية ويجاب عنه بأنه تكلم بالعبرانية‬
‫وترجم عنه بلغة أخرى كما أملوا أحد الناجيل باليونانية والخر بالرومية‬

‫وواحدا بقي عبرانيا وأكثر النصارى على أنه المخلص والمسيح نفسه يسمونه‬
‫المخلص وفي النجيل الذي بأيديهم أنه قال إني لم آتي لزين العالم بل لخلص‬
‫العالم والنصارى يقولون في صلتهم لقد ولدت لنا مخلصا ‪ #‬وقد اختلف فيه فمن‬
‫النصارى من قال هو روح نزلت على الحواريين وقد يقولون إنه ألسن نارية نزلت‬
‫من السماء على التلميذ ففعلت اليات والعجائب ولهذا يقول من خبر أحوال‬
‫النصارى إنه لم يرو أحدا منهم يحسن تحقيق مجيء هذا الفارقليط الموعود به ‪#‬‬
‫منهم من يزعم أنه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب بأربعين يوما وكونه قام من‬
‫قبره وتفسيره بالروح باطل وأبطل منه‬

‫تفسيره بالمسيح لوجوه ‪ #‬منها أن روح القدس ما زالت تنزل على النبياء‬
‫والصالحين قبل المسيح وبعده وهذا مما اتفق عليه أهل الكتاب أن روح القدس نزلت‬
‫على النبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو‬
‫كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم اليمان‬
‫وأيدهم بروح منه ^ ‪ #‬وقال النبي لحسان بن ثابت لما كان يهجو المشركين قال‬
‫اللهم أيده بروح القدس وقال إن روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه ‪ #‬وإذا كان‬
‫كذلك ولم يسم أحد هذه الروح فارقليطا دل على أن الفارقليط أمر غير هذا وأيضا‬
‫فمثل هذه ما زالت يؤيد بها النبياء‬

‫‪582‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪583‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والصالحون وما بشر به المسيح أمر عظيم يأتي بعده أعظم من هذا وأيضا فإنه‬
‫وصف الفارقليط بصفات ل تناسب هذا وإنما تناسب رجل يأتي بعده نظيرا له فإنه‬
‫قال إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الب أن يعطيكم فارقليطا آخر‬
‫يثبت معكم إلى البد فقوله فارقليطا آخر دل على أنه ثان لول كان قبله ولم يكن‬
‫معهم في حياة المسيح إل هو لم تنزل عليهم روح فعلم أن الذي يأتي بعده نظيرا له‬
‫ليس أمرا معتادا يأتي للناس ‪ #‬وأيضا فإنه قال يثبت معكم إلى البد وهذا إنما يكون‬
‫لما يدوم ويبقى معهم إلى آخر الدهر ومعلوم أنه لم يرد بقاء ذاته فعلم أنه بقاء شرعه‬
‫وأمره فعلم أن الفارقليط الول لم يثبت معهم شرعه ودينه إلى البد وهذا يبين أن‬
‫الثاني صاحب شرع ل ينسخ بخلف الول وهذا إنما ينطبق على محمد ‪ #‬وأيضا‬
‫فإنه أخبر أن هذا الفارقليط الذي أخبر به يشهد له ويعلمهم كل شيء وأنه يذكركم كل‬
‫ما قال المسيح وأنه يوبخ العالم على خطيئته فقال والفارقليط الذي يرسله أبي هو‬
‫يعلمكم كل‬

‫شيء وهو يذكركم كل ما قلت لكم ‪ #‬وقال إذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله هو‬
‫يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به ول تشكوا فيه ‪ #‬وقال إن خيرا لكم أن‬
‫أنطلق لني إن لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فإذا انطلقت أرسلته إليكم فهو يوبخ العالم‬
‫على الخطيئة وإن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله لكن إذا‬
‫جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق من عند نفسه بل‬
‫يتكلم بما يسمع ويخبر بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للب ‪ #‬فهذه الصفات‬
‫والنعوت التي تلقوها عن المسيح ل تنطبق على شيء في قلب بعض الناس ل يراه‬
‫أحد ول يسمع كلمه وإنما تنطبق على من يراه الناس ويسمعون كلمه فيشهد‬
‫للمسيح ويعلمهم كل شيء ويذكرهم كل ما قال لهم المسيح ويوبخ العالم على‬
‫الخطيئة ويرشد الناس إلى جميع الحق وهو ل ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع‬
‫ويخبرهم بكل ما يأتي ويعرفهم جميع ما لرب العالمين ‪ #‬وهذا ل يكون ملكا ل يراه‬
‫أحد ول يكون هدى ول علما في قلب بعض الناس بل ل يكون إل إنسانا عظيم القدر‬
‫يخاطب الناس‬

‫بما أخبر به المسيح وهذا ل يكون إل بشرا رسول بل يكون أعظم من المسيح بين‬
‫أنه يقدر على ما ل يقدر عليه المسيح ويعلم ما ل يعلمه المسيح ويخبر بكل ما يأتي‬
‫وبما يستحقه الرب حيث قال إن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون‬
‫حمله ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لنه ليس ينطق‬
‫من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بما يأتي ويعرفكم جميع ما للب ‪ #‬وهذه‬
‫الصفات ل تنطبق إل على محمد وذلك أن الخبار عن ال بما هو متصف به من‬
‫الصفات وعن ملئكته وعن ملكوته وعن ما أعده ال في الجنة لوليائه وفي النار‬
‫لعدائه أمر ل يحتمل عقول كثير من الناس معرفته على التفصيل ولهذا قال علي‬
‫رضي ال عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب ال‬
‫ورسوله ‪ #‬وقال ابن مسعود ما من رجل يحدث قوما بحديث ل يبلغه‬

‫‪583‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪584‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عقولهم إل كان فتنة لبعضهم وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى ‪ ^ #‬خلق سبع‬
‫سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن ^ ‪ #‬قال ما يؤمنك أن لو أخبرتك‬
‫بتفسيرها لكفرت وكفرك بها تكذيبك بها فقال لهم المسيح عليه السلم إن لي كلما‬
‫كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق في هذا لهذا‬
‫ليس في النجيل من صفات ال وصفات ملكوته ومن صفات اليوم الخر إل أمور‬
‫مجملة وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الخر إل أمور مجملة مع أن موسى‬
‫كان قد مهد المر للمسيح ومع هذا فقد قال لهم المسيح إن لي كلما كثيرا أريد أن‬
‫أقوله ولكنكم ل تستطيعون حمله ثم قال ولكن إذا جاء روح الحق ذلك الذي يرشدكم‬
‫إلى جميع الحق وقال إنه يخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم بجميع ما للرب ‪ #‬فدل هذا‬
‫على أن هذا الفارقليط هو الذي يفعل هذا دون المسيح وكذلك كان محمد أرشد الناس‬
‫إلى جميع الحق حتى أكمل ال له الدين وأتم به النعمة ولهذا كان خاتم النبياء فإنه لم‬
‫يبق شيء يأتي به غيره وأخبر محمد‬

‫بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن العمال والجنة‬
‫وأنواع نعيمها والنار وأنواع عذابها ولهذا كان في القرآن من تفصيل أمر الخرة‬
‫وذكر الجنة والنار وما يأتي من ذلك أمور كثيرة توجد ل في التوراة ول في النجيل‬
‫وذلك تصديق قول المسيح إنه يخبر بكل ما يأتي ‪ #‬ومحمد بعثه ال بين يدي الساعة‬
‫كما قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصابعه السبابة والوسطى وكان إذا ذكر‬
‫الساعة عل صوته واحمر وجهه واشتد غضبه كأنه منذر جيش وقال‬

‫إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ^ ‪ #‬وقال أنا النذير العريان ‪ #‬فأخبر من ^ ‪#‬‬
‫المور التي تأتي في المستقبل بما لم يأت به نبي من النبياء كما نعته به المسيح‬
‫حيث قال إنه يخبركم بكل ما يأتي ول يوجد مثل هذا قط عن أحد من النبياء قبل‬
‫محمد‬

‫فضل عن أن يوجد شيء نزل على قلب بعض الحواريين ‪ #‬وأيضا فقال ويعرفكم‬
‫جميع ما للرب فبين أنه يعرف الناس جميع ما ل وذلك يتناول ما ل من السماء‬
‫والصفات وما له من الحقوق وما يجب من اليمان به وبملئكته وكتبه ورسله بحيث‬
‫يكون ما يأتي به جامعا لكل ما يستحقه الرب ‪ #‬وهذا لم يأت به أحد غير محمد‬
‫حيث يتضمن ما جاء به من الكتاب والحكمة هذا كله ومعلوم أن ما نزل على‬
‫الحواريين لم يكن فيه هذا كله ول نصفه ول ثلثه بل ما جاء به المسيح أعظم مما‬
‫جاء به الحواريون وهذا الفارقليط الثاني جاء بأعظم مما جاء به المسيح ‪ #‬وأيضا‬
‫فالمسيح قال إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أبي هو يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا‬
‫كان تؤمنوا به ول تشكوا‬

‫فيه فبين أنه أخبرهم به ليؤمنوا به إذا جاء ول يشكوا فيه وأنه يشهد له وهذه صفة‬

‫‪584‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪585‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من بشر به المسيح ويشهد للمسيح كما قال تعالى ‪ ^ #‬وإذ قال عيسى ابن مريم يا‬
‫بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول‬
‫يأتي من بعدي اسمه أحمد ^ ‪ #‬وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة ولم يوجد أحد‬
‫وبخ جميع العالم على الخطيئة إل محمد فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس‬
‫ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان وبخ جميع المشركين من‬
‫العرب والهند والترك وغيرهم ووبخ المجوس وكانت مملكتهم أعظم الممالك ووبخ‬
‫أهل الكتابين اليهود والنصارى وقال في الحديث الصحيح عنه إن ال نظر إلى أهل‬
‫الرض فمقتهم عربهم وعجمهم إل بقايا من أهل‬

‫الكتاب لم يقتصر على مجرد المر والنهي بل وبخهم وقرعهم وتهددهم ‪ #‬وأيضا‬
‫فإنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع وهذا إخبار بأن كل ما‬
‫يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئا تعلمه من الناس أو عرفه باستنباطه وهذه‬
‫خاصة محمد فإن المسيح ومن قبله من النبياء كانوا يتعلمون من غيرهم مع ما كان‬
‫يوحى إليهم فعندهم علم غير ما يسمعونه من الوحي ‪ #‬ومحمد لم ينطق إل بما‬
‫يسمعه من الوحي فهو مبلغ لما أرسل به وقد قيل له ‪ ^ #‬بلغ ما أنزل إليك من ربك‬
‫وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وال يعصمك من الناس ^ ‪ #‬فضمن ال له العصمة‬
‫إذا بلغ رسالته فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى إلى الناس ما لم يمكن غيره‬
‫من النبياء إلقاءه خوفا أن يقتلوه كما يذكرون عن المسيح وغيره ‪ #‬وقد أخبر‬
‫المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده وأنهم ل يطيقون حمله وهم معترفون بأنه‬
‫كان يخاف منهم إذا أخبرهم‬

‫بحقائق المور ومحمد أيده ال تأييدا لم يؤيده لغيره فعصمه من الناس حتى لم يخف‬
‫من شيء يقوله وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته غيره فالكتاب الذي بعث به فيه‬
‫من بيان حقائق الغيب ما ليس في كتاب غيره ‪ #‬وأيد أمته تأييدا أطاقت به حمل ما‬
‫ألقاه إليهم فلم يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ول كأهل‬
‫النجيل الذين قال لهم المسيح إن لي كلما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكن ل‬
‫تستطيعون حمله ول ريب أن أمة محمد أكمل عقول وأعظم إيمانا وأتم تصديقا‬
‫وجهادا ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القلبية وإيمانهم أعظم ‪ #‬وكانت العبادات‬
‫البدنية لغيرهم أعظم قال تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليتان ‪ # 286 285‬وقد ثبت في‬
‫الصحيح عن النبي أن ال‬

‫قال قد فعلت ‪ #‬وأيضا فإنه أخبر عن الفارقليط أنه يشهد له وأنه يعلمهم كل شيء‬
‫وأنه يذكرهم كل ما قاله المسيح ومعلوم أن هذا ل يكون إل إذا شهد له شهادة‬
‫يسمعها الناس ل يكون هذا شيئا في قلب طائفة قليلة ولم يشهد أحد للمسيح شهادة‬
‫سمعها عامة الناس إل محمد فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع‬
‫شهادته له عامة أهل الرض وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افترته عليه‬
‫اليهود وعما غلت فيه النصارى فهو الذي شهد له بالحق ولهذا لما سمع النجاشي من‬

‫‪585‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪586‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الصحابة ما شهد به محمد للمسيح قال لهم ما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود ‪#‬‬
‫وجعل ال أمة محمد شهداء على الناس يشهدون عليهم بما علموه من الحق إذ كانوا‬
‫وسطا‬

‫عدل ل يشهدون بباطل فإن الشاهد ل يكون إل عدل بخلف من جار في شهادته‬
‫فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود والنصارى في المسيح ‪ #‬وأيضا فإن‬
‫معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو الحمد أو المعز فهذا الوصف ظاهر‬
‫في محمد فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون ال على كل حال وهو صاحب لواء‬
‫الحمد والحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلته ولما كان حمادا جوزي بوصفه فإن‬
‫الجزاء من جنس العمل فكان اسمه محمد وأحمد وأما محمد فهو على وزن مكرم‬
‫ومعظم ومقدس وهو الذي يحمد حمدا كثيرا مبالغا فيه ويستحق ذلك فلما كان حمادا‬
‫ل كان محمدا وفي شعر حسان بن ثابت ‪ % #‬وشق له من اسمه ليجله ‪ %‬فذو‬
‫‪ %‬العرش محمود وهذا محمد‬
‫وأما أحمد فهو أفعل التفضيل أي أحق بأن يكون محمودا أكثر من غيره يقال هذا ‪#‬‬
‫أحمد من هذا أي هذا أحق بأن يحمد من هذا فيكون فيه تفضيل له على غيره في‬
‫كونه محمودا فلفظ محمد يقتضي فضله في الكمية ولفظ أحمد يقتضي فضله في‬
‫الكيفية ومن الناس من يقول أحمد أي أكثر حمدا من غيره فعلى هذا يكون بمعنى‬
‫الحامد والحماد ‪ #‬وقال من رجح أن معنى الفارقليط في لغتهم هو الحمد كما تقدم‬
‫فإذا كان كذلك فهو ما جاء في القرآن ‪ ^ #‬ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه‬
‫^ أحمد‬

‫قالوا ول شك عندهم أنه اسم مشتق من الحمد مثل ما نقول في لغتنا ضارب ‪#‬‬
‫ومضروب وأما من فسره بالمعز فلم يعرف قط نبي أعز أهل التوحيد ل واليمان‬
‫كما أعزهم محمد فهو أحق باسم المعز من كل إنسان ‪ #‬وأما معنى المخلص فهو‬
‫أيضا ظاهر فيه فإن المسيح هو المخلص الول كما ذكر في النجيل وهو معروف‬
‫عند النصارى أن المسيح صلوات ال عليه سمي مخلصا فيكون المسيح هو‬
‫الفارقليط الول وقد بشر بفارقليط آخر فإنه قال وأنا أطلب من الب أن يعطيكم‬
‫فارقليطا آخر يثبت معكم إلى البد فهذه بشارة بمخلص ثان يثبت معهم إلى البد‬
‫والمسيح هو المخلص الول وأما ما ينزل في القلوب فلم يسمه أحد مخلصا ول‬
‫فارقليطا فل يجوز أن يفسر كلم المسيح إل بلغته ومعانيه المعروفة التي خاطب بها‬
‫وكذلك سائر النبياء بل وسائر الناطقين ‪ #‬وقد وصف هذا المخلص الثاني بأنه يثبت‬
‫معهم إلى البد ومحمد هو المخلص الذي جاء بشرع باق إلى البد ل ينسخ ‪#‬‬
‫وأيضا فإن في النجيل إنجيل يوحنا أن المسيح قال أركون العالم سيأتي‬

‫وليس لي شيء ‪ #‬وقد ذكروا أن الركون بلغتهم العظيم القدر والراكنة العظماء‬
‫وقد كانوا يقولون عن المسيح إن أركون الشياطين يعينه أي عظيم الشياطين وهو‬
‫من افتراء اليهود على المسيح فقول المسيح عليه السلم أركون العالم إنما ينطبق‬

‫‪586‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪587‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على عظيم العالم وسيد العالم وكبير العالم وقد أخبر أنه سيأتي فامتنع أن يكون هذا‬
‫الركون المسيح أو أحدا مثله ولم يأت بعد المسيح من ساد العالم وأطاعه العالم غير‬
‫محمد وهذا من بشارة المسيح به ‪ #‬وقد سئل ما كان أول أمرك قال دعوة أبي‬
‫إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي رأت حين ولدتني أنه خرج منها نور أضاءت له‬
‫قصور الشام ‪ #‬وبالجملة فمعلوم باتفاق أهل الرض أنه لم يأت بعد المسيح من ساد‬
‫العالم باطنا وظاهرا وانقادت له القلوب والجساد وأطيع في‬

‫السر والعلنية في محياه وبعد مماته في جميع العصار وأفضل القاليم شرقا‬
‫وغربا غير محمد فإن الملوك يطاعون ظاهرا ل باطنا ول يطاعون بعد موتهم ول‬
‫يطيعهم أهل الدين طاعة يرجون بها ثواب ال في الدار الخرة ويخافون عقاب ال‬
‫في الدار الخرة بخلف النبياء ‪ #‬ومحمد أظهر دين الرسل قبله وصدقهم ونوه‬
‫بذكرهم وتعظيمهم فبه آمن بالنبياء والرسل قبل موسى والمسيح وغيرهما أمم‬
‫عظيمة لول محمد لم يؤمنوا بهم ومن كان يعرف هؤلء من أهل الكتاب كانوا‬
‫مختلفين فيهم كاختلف أهل الكتاب في المسيح وكانوا يقدحون في داود وسليمان‬
‫وغيرهما بما هو معروف عندهم ‪ #‬وأيضا فإنه ذكر لهم من الرسل ما لم يكونوا‬
‫يعرفونه مثل هود وصالح وشعيب وغيرهم ‪ #‬ومحمد صدق المسيح في أخباره بأنه‬
‫أركون العالم فقال أنا سيد ولد آدم ول فخر آدم فمن دونه تحت لوائي أنا خطيب‬
‫النبياء إذا وفدوا وإمام النبياء إذا اجتمعوا ‪ #‬وهو صاحب لواء الحمد وهو صاحب‬
‫المقام المحمود الذي يغبطه به الولون والخرون يوم القيامة فهو سيد العالمين حقا‬
‫وهذا‬

‫مطابق لقول المسيح إنه أركون العالم فهو أركون الخرين في الدنيا والخرة وهو‬
‫أركون الولين والخرين في الخرة ‪ #‬وقول المسيح إن أركون العالم سيأتي وليس‬
‫لي شيء تضمن الصلين إثبات الرسول وإثبات التوحيد وأن المر كله ل وهو‬
‫تحقيق شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال وقول المسيح ليس لي شيء‬
‫تنزيه له مما نسب إليه من الربوبية وهذا النفي يشترك فيه جميع الخلق قال ال‬
‫تعالى لمحمد ‪ ^ #‬ليس لك من المر شيء ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل ل أقول لكم‬
‫عندي خزائن ال ول أعلم الغيب ول أقول لكم إني ملك إن أتبع إل ما يوحى إلي ^‬
‫‪ #‬وقال ‪ ^ #‬قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا قل إني لن يجيرني من ال أحد‬
‫ولن أجد من دونه ملتحدا ^ أي ملجأ وملذا ^ إل بلغا من ال ورسالته ومن‬
‫^ يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء ال ^ ‪ #‬وأيضا ففي ‪#‬‬
‫نبوة أشعياء أنه وصف محمدا بأنه أركون السلم والسلم والسلم السلم فهو يبين أنه‬
‫سيد دين السلم ول ريب أن النبياء كلهم بعثوا بدين السلم لكن لم يظهر هذا‬
‫الدين واسمه وانتشر ذكر دين السلم في الرض كما ظهر لمحمد فمحمد أركون‬
‫السلم الذي يجمع كل خير وبر كما أن إبليس أركون الشر قال تعالى عن نوح ‪#‬‬

‫‪587‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪588‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سورة يونس اليتان ‪ 71‬و ‪72‬‬

‫فهذا نوح أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض يذكر أنه أمر أن يكون من ‪#‬‬
‫المسلمين ‪ #‬وقالت السحرة لما أسلموا وأراد فرعون قتلهم ‪ ^ #‬ربنا أفرغ علينا‬
‫صبرا وتوفنا مسلمين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها‬
‫النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا‬
‫^ بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون‬

‫فإن قيل فقد سمى المسيح الفارقليط روح الحق وسماه روح القدس وقال تعالى ‪#‬‬
‫عن إبراهيم ‪ #‬سورة البقرة اليات ‪ ^ # 132 130‬وقال موسى يا قوم إن كنتم‬
‫آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ^ ‪ #‬وقالت بلقيس ‪ ^ #‬رب إني ظلمت‬
‫نفسي وأسلمت مع سليمان ل رب العالمين ^ ‪ #‬قيل قد قال يوحنا في كتاب أخبار‬
‫الحواريين المسمى افراكسيس يا أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح لكن ميزوا‬
‫الرواح التي من عند ال من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بأن‬

‫يسوع المسيح قد جاء فكان جسدانيا فهي من عند ال وكل روح ل تؤمن بأن المسيح‬
‫جاء وكان جسدانيا فليست من عند ال بل من المسيح الكذاب الذي هو الن في العالم‬
‫‪ #‬وإذا كان كذلك علم أن الروح عندهم يتناول النبي المرسل من البشر وجبريل‬
‫الذي نزل بالوحي على محمد هو روح القدس وهو روح الحق كما قال تعالى ‪^ #‬‬
‫قل نزله روح القدس من ربك بالحق ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬نزل به الروح المين على‬
‫قلبك ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ ‪ #‬وهذا‬
‫الروح إنما جعله بمجيء محمد والكلم الذي نزل به هو‬

‫الذي بلغه محمد ولهذا قال ال تعالى ‪ ^ #‬ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس‬
‫^ ‪ #‬فاصطفى ال جبريل من الملئكة واصطفى محمدا من البشر ولهذا يضاف‬
‫القول الذي هو القرآن إلى قول هذا تارة وإلى قول هذا تارة كما قال تعالى ‪ ^ #‬إنه‬
‫لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ^ ‪ #‬فهذا الرسول‬
‫هنا جبريل وقال تعالى في الية الخرى ‪ ^ #‬إنه لقول رسول كريم وما هو بقول‬
‫شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ^ ‪#‬‬
‫فهذا الرسول هنا محمد وأضافه إلى كل منهما بلفظ الرسول لتضمنه أنه بلغه عن‬
‫مرسله لم يقل إنه لقول ملك ول نبي بل كفر من قال إنه قول البشر كما ذكر‬

‫ذلك عن التوحيد وقد قال تعالى في القرآن ‪ ^ #‬قد أنزل ال إليكم ذكرا رسول يتلو‬
‫عليكم آيات ال مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور‬
‫^ ‪ #‬ومعلوم أن الرسول نفسه لم ينزل بل أبدل الرسول من الذكر لن الرسول جاء‬
‫بالذكر ‪ #‬ولما كان الرسول الملكي والرسول البشري والذكر المنزل أمورا متلزمة‬
‫يلزم من ثبوت واحد ثبوت الخرين ومن اليمان بواحد اليمان بالخرين فيلزم من‬

‫‪588‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪589‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كون القرآن حقا كون جبريل ومحمد حقا وكذلك يلزم من كون محمد حقا كون‬
‫جبريل والقرآن حقا ويلزم من كون جبريل حقا كون القرآن ومحمد حقا ‪ #‬ولهذا‬
‫جمع ال بين اليمان بالملئكة والكتب والرسل في مثل قوله ‪ ^ #‬آمن الرسول بما‬
‫^ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه ورسله‬

‫فتعليم محمد وتذكيره وشهادته هو تعليم روح القدس وروحه والخبار بأن الملك ‪#‬‬
‫ينطق على لسان البشر أو الجني ينطق على لسان البشر كثير كما في حديث ابن‬
‫عمر كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر ويقال ما ألقى هذا على لسانك إل‬
‫الشيطان ويكون مع هذا البشر ينطق بقدرته واختياره ليس هو كالمصروع الذي‬
‫يتكلم الجني على لسانه وهو ليدري ما يقول فلهذا يقال هذا قول الرسول البشري‬
‫وهو قول الرسول الملكي ‪ #‬ويقال الفارقليط روح الحق وروح القدس يشهد لي وهو‬

‫يعلمكم وهو يذكركم ونحو ذلك فإن الفارقليط يتضمن ذكر جبريل ومحمد جميعا‬
‫وقول أحدهما هو قول الخر ومعروف في اللغة بدل الشتمال كقوله ‪ ^ #‬يسئلونك‬
‫عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه ^ ‪ #‬والشهر ليس هو نفس القتال لكن لما‬
‫اشتمل على القتال أبدل أحدهما من الخر وقوله ‪ ^ #‬قد أنزل ال إليكم ذكرا رسول‬
‫^ ‪ #‬ومن هذا النمط أبدل الرسول من الذكر لشتماله عليه وهذا الثاني اشتمل على‬
‫الول والرسول البشري كان الرسول الملكي يتصل به في الباطن فيثقل عليه الوحي‬
‫حين ينزله ‪ #‬وفي الصحيحين عن عائشة رضي ال عنها أن الحارث بن هشام قال‬
‫يا رسول ال كيف يأتيك الوحي قال أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو‬
‫أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجل فيكلمني‬
‫فأعي ما يقول قالت عائشة‬

‫ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا ‪#‬‬
‫والفصم الفك والفصل من المور اللينة كما قال ^ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال‬
‫فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وال سميع عليم ^ ‪ #‬وبالقاف هو الكسر‬
‫الذي يكون في المور الصلبة ‪ #‬فبين أن الملك حين ينزل الوحي عليه يتصل به‬
‫ويلتبس به ثم بعد ذلك ينفصل عنه وينفك عنه وهذا الشتمال والنفصال أبلغ من‬
‫غيره فيحسن معه أن يكون إبدال أحدهما من الخر أحسن من غيره فيقال هذا‬
‫القرآن بلغه الرسول النبي وبلغه جبريل عن ال ونظائر هذا متعددة في جميع‬
‫بشارات المسيح يذكر أن الب وهو في لغتهم ال الذي يرسل الفارقليط وفي بعضها‬
‫قال أنا أطلب من الب‬

‫يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم إلى البد وفي بعضها والفارقليط روح الحق الذي‬
‫يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء فقد بين أن ال يرسله وأنه يطلب من ال أن يرسله‬
‫‪ #‬وأما قوله في بعض اللفاظ فإذا انطلقت أرسلته إليكم فيكون معناه إني أرسله‬
‫بدعاء أبي وطلبي منه أن يرسله كما يطلب الطالب من ولي المر أن يرسل رسول‬

‫‪589‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪590‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أو يولي نائبا أو يعطي أحدا ويقول أنا أرسلت هذا ووليت هذا وأعطيت هذا أي كنت‬
‫سببا في ذلك ومما ينبغي أن يعلم أن ال إذا قضى ما يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابا‬
‫يكون بها ومن تلك السباب دعاء طائفة من عباده به فيكون في ذلك من النعمة في‬
‫إجابته دعاء هذا وهذا وهذا ‪ #‬ومحمد دعا به الخليل عليه السلم فقال ‪ ^ #‬ربنا‬
‫وابعث فيهم رسول منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك‬
‫أنت العزيز الحكيم ^ ‪ #‬مع أن ال قضى بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك كما قيل له‬
‫يا رسول ال متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد وقال إني عند ال لمكتوب‬
‫خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته‬

‫وهذا كما أن ال قضى بنصره يوم بدر ومن أسباب ذلك استغاثته بال وكذلك بما ‪#‬‬
‫يقضيه من إنزال الغيث يكون من أسبابه دعاء عباده له ونظائره كثيرة فل يمتنع أن‬
‫يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل محمدا ويكون هذا من أسباب إرساله‬
‫لكن إبراهيم سأل في الدنيا فذكر ال ذالك بخلف سؤال المسيح فإنه كان بعد صعوده‬
‫إلى السماء‬

‫فصل ‪ #‬والقرآن نفسه قد بين من آيات نبوته وبراهين رسالته أنواعا متعددة مع‬
‫اشتمال كل نوع على عدد من اليات والبراهين مثال ذلك إخباره لقومه بالغيب‬
‫الماضي الذي ل يمكن بشرا أن يعلمه إل أن يكون نبيا أو يكون ممن تلقاه عن نبي‬
‫وقومه يعلمون أنه لم يتعلم ذلك من بشر ول من أهل الكتاب ول غيرهم وهذا نوعان‬
‫‪ #‬منه ما كان يسأله عنه المشركون وأهل الكتاب لينظر هل هو نبي أم ل ‪ #‬وكان‬
‫قومه يرسلون إلى أهل الكتاب البعيدين عنهم مثل من كان بالمدينة وغيرها من أهل‬
‫الكتاب يطلبون منهم ما يسألونه عنه فيرسلون إليهم ليسألوه عن ذلك ويمتحنون بذلك‬
‫هل هو نبي أم ل ‪ #‬ومنه ما كان ال يخبره به ابتداء ويجعله علما وآية لنبوته‬
‫وبرهانا لرسالته مع ما في ذكر هذه القصص من العتبار لمور أخرى فكان كل‬
‫من هذين النوعين دليل وعبرة على نبوته من طريقين فكان دليل وعبرة على نبوته‬
‫من جهة إخبار بالغيب الذي ل يعلمه إل نبي وكانت عبرة بما فيها من أحوال‬
‫المؤمنين والكافرين التي توجب اتباع سبيل المؤمنين الذين اتبعوا مثله وتجنب سبيل‬
‫الكافرين الذين خالفوا مثله وحكم الشيء حكم‬

‫نظيره فإذا كان من كان مثله ومثل من اتبعه سعيدا وحال من خالف مثله ومثل من‬
‫اتبعه شقيا كان في هذا دللة وعبرة توجب اتباعه وتنهى عن مخالفته وهذا أيضا‬
‫دليل على نبوة من قبله من النبياء من وجهين من جهة أنه أخبر بمثل ما أخبروا به‬
‫من غير مواطأة بينهم وبينه ول تشاعر لم يأخذوا عنه ولم يأخذ عنهم ‪ #‬وكل منهما‬
‫أخبر عن ال بأخبار مفصلة يمتنع التفاق عليها عادة إل بتواطىء فإذا لم يكن‬
‫تواطؤ وتشاعر وامتنع اتفاق ذلك من غير مواطأة علم أن كل من المخبرين صادق‬
‫قال تعالى ‪ ^ #‬لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ ‪ #‬وقص قصته في‬

‫‪590‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪591‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السورة إلى أن قال‬

‫سورة يوسف اليات ‪ # 106 102‬إلى قوله ‪ #‬سورة يوسف اليات ‪# 111 107‬‬
‫^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا‬

‫وقال ‪ ^ #‬ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل ‪#‬‬
‫قليل ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى لما قص قصة نوح من سورة هود وهي أطول‬

‫ما قصه في قصة نوح ‪ ^ #‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول‬
‫قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ ‪ #‬فذكر سبحانه أن هذا الذي أوحاه‬
‫إليه من أنباء الغيب ما كان يعلمه هو ول قومه من قبل هذا فإذا لم يكن قومه يعلمون‬
‫ذلك ل من أهل الكتاب ول من غيرهم وهو لم يعاشر إل قومه وقومه يعلمون ذلك‬
‫منه ويعلمون أنهم لم يكونوا يعلمون ذلك ويعلمون أيضا أنه هو لم يكن تعلم ذلك‬
‫وأنه لم يكن يعاشر غيرهم وهم ل يعلمون ذلك صار هذا حجة على قومه وعلى من‬
‫بلغه خبر قومه ومثل ما أخبرهم عن قصة آدم وسجود الملئكة له وتزيين إبليس له‬
‫حتى أكل من الشجرة وهبط هو وزوجه ‪ #‬وأخبرهم عن قصة نوح ومكثه فيهم ألف‬
‫سنة إل خمسين‬

‫عاما وهذا في التوراة الموجودة بأيدي أهل الكتاب مقدار لبثه في قومه قبل الغرق‬
‫وبعده ‪ #‬وأخبرهم عن قصة الخليل وما جرى له مع قومه وإلقائه في النار وذبح‬
‫ولده ومجيء الملئكة إليه في صورة ضيفان وتبشيره بإسحاق ويعقوب وذهاب‬
‫الملئكة إلى لوط وما جرى للوط مع قومه وإهلك ال مدائن قوم لوط وقصة‬
‫إسرائيل مع بنيه كقصة يوسف وما جرى له بمصر وقصة موسى مع فرعون وتكليم‬
‫ال إياه مرة بعد مرة وآياته كالعصا واليد البيضاء والقمل والضفادع والدم وفلق‬
‫البحر وتظليل الغمام على بني إسرائيل وإطعامهم المن والسلوى وانفجار الماء من‬
‫الحجر اثني عشر عينا لسقيهم وعبادتهم العجل وقتل بعضهم بعضا لما تاب ال‬
‫عليهم وقصة البقرة ونتق الجبل فوقهم وقصة داود وقتله لجالوت وقصة الذين‬
‫خرجوا‬

‫من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم وقصة الذي أماته‬
‫ال مائة عام ثم بعثه وغير ذلك من أحوال بني إسرائيل ‪ #‬إلى أن ذكر قصة زكريا‬
‫وابنه يحيى وعيسى بن مريم وأحوال المسيح وآياته ودعائه لقومه واليات التي بعث‬
‫بها وتفاصيل ذلك وذكر قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وغير ذلك من‬
‫قصص النبياء والصالحين والكفار مفصلة مبينة بأحسن بيان وأتم معرفة مع علم‬
‫قومه الذين يعرفون أحواله من صغره إلى أن ادعى النبوة أنه لم يتعلم هذا من بشر‬
‫بل لم يجتمع هو بأحد من البشر يعرف ذلك ول كان عندهم بمكة من يعرف ذلك ل‬

‫‪591‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪592‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يهودي ول نصراني ول غيرهم ‪ #‬فكان هذا من أعظم اليات والبراهين لقومه بأن‬
‫هذا إنما أعلمه به وأنبأه به ال ومثل هذا الغيب ل يعلمه إل نبي أو من أخذ عن نبي‬
‫فإذا لم يكن هو أخذه عن نبي تعين أن يكون نبيا ‪ #‬ثم سائر أهل الرض يعلمون أنه‬
‫لم يتعلم ذلك من بشر من طرق ‪ #‬أحدها أن قومه المعادين له الذين هم من أحرص‬
‫الناس على‬

‫القدح في نبوته مع كمال علمهم لو علموا أنه تعلم ذلك من بشر لطعنوا عليه بذلك‬
‫وأظهروه فإنهم مع علمهم بحاله يمتنع أن ل يعلموا ذلك لو كان ومع حرصهم على‬
‫القدح فيه يمتنع أن ل يقدحوا فيه ويمتنع أن ل يظهر ذلك ‪ #‬الثاني أنه قد تواتر عن‬
‫قومه أنهم كانوا يقولون أنه لم يكن يجتمع به من يعلمه ذلك ‪ #‬الثالث أنه لو كانت‬
‫هذه القصص المتنوعة قد تعلمها من أهل الكتاب مع عداوته لهم لكانوا يخبرون‬
‫بذلك ويظهرونه ولو أظهروا ذلك لنقل ذلك وعرف فإن هذا من الحوادث التي تتوفر‬
‫الهمم والدواعي على نقله ‪ #‬الرابع أنه حيث بعث كان الناس إما مشركا وإما كتابيا‬
‫فلم يكن هناك أحد على الدين الذي دعا إليه وقد علم الناس بالتواتر أن المشركين من‬
‫قريش وغيرهم لم يكونوا يعرفون هذه القصص ولو قدر أنهم كانوا يعرفونها فهم‬
‫أول من دعاهم إلى دينه فعادوه وكذبوه فلو كان فيهم من علمه أو يعلم أنه تعلم من‬
‫غيره لظهر ذلك ‪ #‬الخامس أن مثل هذا لو كان فل بد أن يعرفه ولو خواص الناس‬
‫وكان في أصحابه الذين آمنوا به من يعرف ذلك وكان ذلك‬

‫يشيع ولو تواصوا بكتمانه كما شاع ما كتم من أمر الدول الباطنية ولكان خواصه في‬
‫الباطن يعلمون كذبه وكان علمهم بذلك يناقض تصديقه في الباطن كما عرف في‬
‫مثل ذلك ‪ #‬فكيف وكان أخص أصحابه وأعلمهم بحاله أعظمهم محبة وموالة‬
‫بخلف حال من يبطن خلف ما يظهر فإن خواص أصحابه ل يعظمونه في الباطن‬
‫‪ #‬فإنه علم الناس أن قومه الذين كانوا معادين له غاية العداوة وكانوا يطلبون القدح‬
‫في نبوته بكل طريق يعلمون أنه لم يكن عندهم بشر يعلمه مثل هذا وأنه لم يكن في‬
‫قومه ول بلده من يعرف هذا ‪ #‬علم الناس ما علمه قومه أن هذا أنبأه به ال وكان‬
‫هذا من أعلمه وآياته وبراهينه وهذا مما يبين ال في القرآن أنه من آياته وأنه حين‬
‫أخبر قومه بهذا مع تكذيبهم وفرط عداوتهم له لم يمكن أحدا منهم أن يقول له بل فينا‬
‫من كان يعلم ذلك وأنت كنت تعلم ذلك وقد تعلمته منا أو من غيرنا فكان إقرارهم‬
‫بعدم علمه وعلمهم‬

‫ومع فرط عداوتهم له آية بينة لجميع المم أنه لم يكن هو ول هم يعلمون ذلك ‪#‬‬
‫ولهذا لما كان بعضهم يفتري عليه فرية ظاهرة كانوا كلهم يعلمون كذبه وإذا‬
‫اجتمعوا وتشاوروا في أمره يعرفون أن هذا كذب ظاهر عليه كما كان بعضهم يقول‬
‫إنه مجنون وبعضهم يقول إنه كاهن وبعضهم يقول إنه ساحر وبعضهم يقول إنه‬
‫تعلمه من بشر وبعضهم يقول أضغاث أحلم ‪ #‬فحكى ال أقوالهم مبينا لظهور كذب‬
‫من قال ذلك وأنه قول ضال حائر قد بهره حال الرسول فحار فلم يدر ما يقول كما‬

‫‪592‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪593‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قال تعالى ‪ #‬سورة الفرقان اليات ‪6 1‬‬

‫فأخبر عمن قال ذلك وهم يعلمون أن هذا من أظهر الكذب فإن هذه القصص ‪#‬‬
‫المذكورة في القرآن لم يكن بمكة من يعرفها فضل عن أن يمليها كما قال ‪ ^ #‬وما‬
‫كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ما كنت تعلمها أنت‬
‫ول قومك من قبل هذا ^ ‪ #‬ولهذا قال ‪ ^ #‬أنزله الذي يعلم السر في السماوات‬
‫والرض ^ ‪ #‬فأخبر أن هذا من علم من يعلم السر إذ كان البشر ل يعلمون ذلك إل‬
‫من جهة اخبار النبياء وليس بمكة من يعلم ما أخبرت به النبياء ‪ #‬ثم ذكر ما‬
‫اقترحوه فقال‬

‫سورة الفرقان اليتان ‪ 6‬و ‪ # 7‬أمر بالنظر في كيفية ما ضربوه من المثال حيث ‪#‬‬
‫شبهوه بمن يظهر الفرق بينه وبينه ظهورا ل يخفى على الناظر ولهذا قال ‪^ #‬‬
‫فضلوا فل يستطيعون سبيل ^ ‪ #‬إذا كان ظاهرا أن هذا ضلل عن طريق الحق فل‬
‫يستطيع الضال عن طريق الحق إليه سبيل ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة النحل اليات‬
‫‪103 98‬‬

‫فأخبر عما افتراه بعضهم من قوله إنما يعلمه هذا القرآن بشر ‪ #‬وكان بمكة مولى ‪#‬‬
‫أعجمي لبعض قريش قيل إنه مولى لبني الحضرمي والنبي ل يحسن أن يتكلم بلسان‬
‫العجمي وذاك ل يحسن أن يتكلم بهذا الكلم العربي فلما قالوا إنه افترى‬

‫هذا القرآن وأنه علمه إياه بشر قال تعالى ‪ ^ #‬لسان الذي يلحدون ^ ‪ #‬أي يضيفون‬
‫إليه هذا التعليم وينسبونه إليه وعبر عنه بلفظ اللحاد لما فيه من الميل فقال لسان‬
‫هذا الشخص الذي قالوا إنه يعلمه القرآن لسان أعجمي وهم لم يمكنهم أن يضيفوا‬
‫هذا التعليم إلى رجل عربي بل إلى هذا العجمي لكونه كان يجلس أحيانا إلى النبي‬
‫وذلك العجمي ل يمكنه التكلم بهذا الكلم العربي بل هو أعجمي ومحمد ل يعرف‬
‫بالعجمية لكن غاية ذلك العجمي كعبد بني الحضرمي أن يعرف قليل من كلم‬
‫العرب الذي يحتاج إليه في العادة مثل اللفاظ التي يحتاج إليها في غالب الوقات‬
‫كلفظ الخبز والماء والسماء والرض ول يعرف أن يقرأ سورة واحدة من القرآن ‪#‬‬
‫فبين سبحانه ظهور كذبهم فيما افتروه ولم يقل أحد منهم ما يمكن أن يكون شبهة من‬
‫تعلمه أنباء الغيب من علماء أهل الكتاب ونحو ذلك وإنما قالوا ما ظهر بطلنه لكل‬
‫أحد ولم ينقل عن‬

‫أحد منهم أنه قال قول يخفى بطلنه بل ما يظهر كذبه لكل أحد ‪ #‬فتبين أنه لم‬
‫يمكنهم أن يقولوا إنه تعلم أخبار الغيوب من أحد وهذه القصة قصة نوح ل سيما‬
‫قصته في سورة هود كما تقدم ل يعلمها إل نبي أو من تلقاها عن نبي فإذا عرف أنه‬
‫لم يتلقاها عن أحد علم أنه نبي ولهذا قال تعالى في آخرها ‪ ^ #‬تلك من أنباء الغيب‬
‫نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^‬

‫‪593‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪594‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫‪ #‬والقول في سائر القصص كالقول فيها ‪ #‬وكما قال في سورة يوسف ‪ ^ #‬ذلك من‬
‫أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ ‪ #‬وقال في‬
‫سورة آل عمران لما ذكر قصة زكريا ومريم ‪ ^ #‬ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‬
‫وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ^ ‪#‬‬
‫وقال في قصة موسى‬

‫سورة القصص اليات ‪ # 46 44‬والنسان إنما يعلم مثل هذا بمشاهدة أو خبر ‪#‬‬
‫فنبه بقوله وما كنت لديهم على أنه إنما علمت ذلك بإخبارنا وإيحائنا إليك وإعلمنا‬
‫لك بذلك إذ كان معلوما عند كل من عرفه أنه لم يسمع ذلك من بشر وأنه لم يكن هو‬
‫ول قومه يعلمون ذلك ‪ #‬وقد قال تعالى ‪ ^ #‬قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول‬
‫أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل تعقلون ^ ‪ #‬بين بذلك أن تلوته عليهم‬
‫هذا الكتاب وإدراءهم أي إعلمهم به هو بمشيئة ال وقدرته ل من تلقاء نفسه كما‬
‫قال تعالى‬

‫سورة يونس اليتان ‪ # 16 15‬فبين أنه لبث فيهم عمرا من قبله وهو ل يتلو شيئا ‪#‬‬
‫من ذلك ول يعلمه ول يعلمهم به فليس المر من جهته ولكن من جهة ال الذي لو‬
‫شاء ما تله عليهم ول أدراهم به وتلوته عليهم وإدراؤهم به هو من العلم‬
‫بالغيوب الذي ل يعلمها إل نبي وبين أن ذلك من الرسال الذي يحبه ال ويرضاه ل‬
‫من الكوني الذي قدره وهو ل يحبه ول يرضاه كإرسال الشياطين ولهذا كان‬
‫يعرضون عليه أن يصير ملكا عليهم وأن يعطوه حتى يكون من أغناهم وأن يزوجوه‬
‫ما شاء من نسائهم فيقول لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن‬
‫أدع هذا المر لم أستطع أن أدعه وهذه الثلث هي‬

‫مطلوبا النفوس من الدنيا السلطان والمال والنساء فيعرض عن قبول الدنيا التي هي‬
‫غاية أماني طالبها ويبين أنه ل يقدر على أن يدع ما أمر به من تبليغ الرسالة ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ #‬سورة السراء اليات ‪77 73‬‬

‫بين سبحانه إنهم كادوا أن يمنعوه بكل طريق فإن النسان إنما يتم عمله بإرادته ‪#‬‬
‫وقدرته فمع الدارة الجازمة والقدرة التامة يجب وجود المقدور وإذا تعذر أحدهما‬
‫امتنع فطلبوا تغيير إرادته ليركن إليهم فيغير ما أوحي إليه فعصمه ال وثبته ‪ #‬ثم‬
‫طلبوا تعجيزه بأن يستفزوه ويخرجوه حتى يعجز عن تبليغ رسالة ربه ولو كان ذلك‬
‫لعاجلهم ال بالعقوبة أسوة من تقدمه من الرسل فإن ال كان إذا أراد إهلك أمة‬
‫أخرج نبيها منها ثم أهلكها ل يهلكها وهو بين أظهرها كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما كان‬
‫ال ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ال معذبهم وهم يستغفرون ^ ‪ #‬وهذا بعد قوله ‪^ #‬‬
‫وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو‬
‫ائتنا بعذاب أليم ^ ‪ #‬قال تعالى ‪ ^ #‬وما كان ال ليعذبهم وأنت فيهم وما كان ال‬
‫^ معذبهم وهم يستغفرون‬

‫‪594‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪595‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فلما خرج من بينهم بالهجرة أتاهم ال بعذاب أليم يوم بدر وغيره فقوله ‪ ^ #‬وإن ‪#‬‬
‫كادوا ليفتنونك ^ ‪ #‬إشارة إلى سعيهم في إفساد إرادته ‪ #‬وقوله ‪ ^ #‬وإن كادوا‬
‫ليستفزونك من الرض ^ ‪ #‬إشارة إلى سعيهم في تعجيزه ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وما‬
‫كنت تتلوا من قبله من كتاب ول تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون ^ ‪ #‬بين‬
‫سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه‬
‫متواتر عند من غاب عنه وبلغته أخباره من جميع الناس أنه كان أميا ل يقرأ كتابا‬
‫ول يحفظ كتابا من الكتب ل المنزلة ول غيرها ول يقرأ شيئا مكتوبا ل كتابا منزل‬
‫ول غيره ول يكتب بيمينه كتابا ول ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ول غيرها ‪#‬‬
‫ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا وإما أن‬

‫يأخذ من كتابه وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه ول يقرأ مكتوبا والذي‬
‫يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه وهو لم يكن يقرأ ول ينسخ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من‬
‫المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء‬
‫بني إسرائيل ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ #‬سورة الشعراء اليات ‪227 210‬‬

‫فقال تعالى ‪ ^ #‬وإنه لفي زبر الولين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬أو لم يكن لهم آية أن يعلمه ‪#‬‬
‫علماء بني إسرائيل ^ ‪ #‬وعلماء بني إسرائيل يعلمون ذكر إرسال محمد ونزول‬
‫الوحي عليه كما قال تعالى ‪ ^ #‬الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والنجيل ^‬
‫‪ #‬وقال ‪ ^ #‬والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فل تكونن من‬
‫الممترين ^ ‪ #‬وقال‬

‫الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وإذا يتلى عليهم ^ ‪#‬‬
‫قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ^ ‪ #‬ويعلمون المعاني التي‬
‫فيه أنها موافقة لقوال الرسل قبله في الخبر والمر ‪ #‬فإنه أخبر عن توحيد ال‬
‫وصفاته وعرشه وملئكته وخلقه السماوات والرض وغير ذلك ب‬
‫مثل ما أخبرت به الرسل قبله وأمر بتوحيد ال وعبادته وحده ل شريك له وبالعدل‬
‫والصدق والصلة والزكاة ونهى عن الشرك عن الشرك والظلم والفواحش كما‬
‫أمرت ونهت الرسل قبله ‪ #‬والسور المكية نزلت بالصول الكلية المشتركة التي‬
‫اتفقت عليها الرسل التي ل بد منها وهي السلم العام الذي ل يقبل ال من أحد من‬
‫الولين والخرين دينا غيره ‪ #‬وأما السور لمدنية ففيها هذا وفيها ما يختص به‬
‫محمد من الشرعة والمنهاج فإن دين النبياء واحد كما ثبت في الصحيح عن النبي‬
‫أنه قال إنا‬

‫معشر النبياء ديننا واحد قال ال تعالى ‪ ^ #‬شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا‬
‫والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول‬

‫‪595‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪596‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تتفرقوا فيه ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا‬
‫إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم‬
‫بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ #‬سورة الروم اليات ‪30‬‬
‫‪ # 32‬وأما الشرعة والمنهاج فقد قال عن أهل التوراة والنجيل والقرآن‬

‫لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا ^ ‪#‬‬
‫اسم ال على ما رزقهم من بهيمة النعام فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك‬
‫سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال ال لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‬
‫^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ^ ‪ #‬وأما القبلة فلم يجعل ما‬
‫ابتدعه أهل الكتاب من القبلة فلذلك قال ‪ ^ #‬ولكل وجهة هو موليها ^ ‪ #‬لم يقل إنا‬
‫جعلنا لكل وجهة كما قال في المنسك والشرعة والمنهاج وقال تعالى‬

‫وقالوا لول يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الولى ^ ‪ #‬فإنه ^ ‪#‬‬
‫إذا أتاهم ببيان ما في الصحف الولى مع علمهم بأنه لم يعاشر أحدا من أهل‬
‫الصحف الولى ول استفاد منهم علما كان هذا من أعظم اليات من ال ‪ #‬وكما أن‬
‫إخباره عن أمور الغيب يدل على نبوته فإنه يدل على أن النبوة إنباء من ال ليس‬
‫ذلك كما يقوله بعض المتفلسفة كابن سينا وأمثاله إنه فيض فاض عليه من النفس‬
‫الفلكية أو العقل الفعال ويقولون إن النفس أو العقل هو اللوح المحفوظ وأن من‬
‫اتصلت نفسه به علم ما علمته النبياء ويقولون النبوة مكتسبة لن هذه صفتها‬
‫ويقولون إن سبب علمه بالغيب هو اتصال نفسه بالنفس الفلكية وزعموا أنها اللوح‬
‫المحفوظ وأن تحريكها للفلك هو سبب حدوث الحوادث في الرض فتكون عالمة بما‬
‫يحدث في الرض لن العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب فإن هذا مبني على‬
‫مقدمات باطلة قد بسط الكلم على بطلنها في موضع آخر‬

‫منها إثبات العقل الفعال ‪ #‬ومنها دعواهم أنه ل سبب للحوادث إل حركة الفلك ‪# #‬‬
‫ومنها أن المحرك له هو النفس ‪ #‬ومنها اتصال نفوسنا بتلك النفس ‪ #‬والمقصود هنا‬
‫أن هذا لو كان حقا فإنما يفيد علما بالمستقبل الذي تكون الحركة الحاضرة سببا له‬
‫أما ما قد مضى بمئين أو ألوف من السنين فليس شيء من حركات الفلك حين مبعث‬
‫الرسول كان سببا له وإنما تكون الحركة الموجودة في زمانه سببا للمستقبل ل‬
‫للماضي وحينئذ فل يكون تحريك النفس للفلك سببا للعلم بهذه المور ول يكون ذلك‬
‫هو اللوح المحفوظ بل القرآن المجيد في لوح محفوظ وهو في أم الكتاب وهو ‪^ #‬‬
‫في كتاب مكنون ل يمسه إل المطهرون ^ ‪ #‬وأخبر سبحانه أنه ‪ ^ #‬نزل به الروح‬
‫^ المين‬

‫وقال في آية أخرى ‪ ^ #‬قل نزله روح القدس من ربك بالحق ^ ‪ #‬وقال في ‪#‬‬
‫موضع آخر ‪ ^ #‬قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن ال ^ ‪ #‬وقال‬
‫‪ #‬سورة التكوير اليات ‪28 19‬‬

‫‪596‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪597‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬ال يصطفي من الملئكة رسل ومن الناس ^ ‪ #‬فذكر أنه قول ‪#‬‬
‫رسول اصطفاه من الملئكة نزله به على رسول اصطفاه من البشر فقال ‪ #‬سورة‬
‫الحاقة اليات ‪ # 52 40‬فنزه كل من الرسولين عما قد يشتبه به ‪ #‬نزه الملك أن‬
‫يكون شيطانا ونزه البشر أن يكون شاعرا أو كاهنا وبين برهان ذلك وآيته فقال‬

‫وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع ^ ‪#‬‬
‫لمعزولون ^ ‪ #‬فبين أنه ما يصلح لهم النزول به بل هم منهيون عن ذلك وهم‬
‫ممتنعون عن ذلك ل يريدونه لمنافاه لمقصودهم وأنهم لو أرادوا لعجزوا عن ذلك فلم‬
‫يستطيعوه إذ كانوا معزولين عن أن يسمعوه من المل العلى وهم إنما يقدرون على‬
‫أن ينزلوا بما سمعوه ل بما لم يسمعوه وذلك أن الفاعل للفعل إنما يفعله إذا كان‬
‫مريدا له قادرا عليه ‪ #‬فبين قوله ‪ ^ #‬وما ينبغي لهم ^ ‪ #‬أنهم ل يريدون تنزيله ‪#‬‬
‫وبقوله ‪ ^ #‬وما يستطيعون ^ ‪ #‬أنهم عاجزون عن تنزيله‬

‫أما كونهم ليريدون فلنه ل ينبغي لهم وينبغي مضارع بغى يبغي أي طلب وأراد ‪#‬‬
‫فالذي ل ينبغي للفاعل هو الذي ل يطلبه ول يريده إما لكونه ممتنعا من ذلك أو‬
‫لكونه ممنوعا منه والشيطان إنما يريد الكذب والفجور ل يريد الصدق والصلح ‪#‬‬
‫وما جاء به الرسول مناقض لمراد الشياطين غاية المناقضة فلم يحدث في الرض‬
‫أمر أعظم مناقضة لمراد الشياطين من إرسال محمد فنزول القرآن عليه فيمتنع أن‬
‫تفعل الشياطين ما ل يريدون إل نقيضه وهم أيضا ممنوعون من ذلك بحيث ل‬
‫يصلح لهم ذلك ول يتأتى منهم كما أن الساحر ل ينبغي له أن يكون نبيا والمعروف‬
‫بالكذب والفجور ل ينبغي له مع ذلك أن يكون نبيا ول أن يكون حاكما ول شاهدا‬
‫ول مفتيا إذ الكذب والفجور يناقض مقصود الحكم والشهادة والفتيا فكذلك ما في‬
‫طبع الشيطان من إرادة الكذب والفجور يناقض أن تتنزل بهذا الكلم الذي هو في‬
‫غاية الصدق والعدل لم يشتمل على كذبة واحدة ول ظلم لحد ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬وما‬
‫^ يستطيعون‬

‫فإنهم عن سمع هذا الكلم لمعزولون بما حرست به السماء من الشهب كما قال ‪#‬‬
‫عن الجن ‪ ^ #‬وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد‬
‫منها مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ^ ‪ #‬وقد ذكرنا تواتر هذا‬
‫الخبر وأن السماء حرست حرسا لم يعهده الناس قبل قبل ذلك ورأى الناس ذلك‬
‫بأبصارهم فكانوا قد عاينوا ما أخبرهم به من الرمي بالشهب التي يرمى بها لطرد‬
‫الشياطين فعزلوا بذلك عن سمع المل العلى وكان ما عاينه الكفار من الرمي‬
‫الشديد العام الذي انتقضت به العادة المعروفة من رمي الشهب دليل على سبب‬
‫خارق للعادة ولم يحدث إذ ذاك في الرض أمر لم تجر به العادة إل ادعاءه للرسالة‬
‫فلم يعرف قبله من نزل عليه الكلم كنزوله عليه إذ كان موسى عليه السلم إنما‬
‫أنزلت عليه التوراة مكتوبة لم تنزل عليه منجمة مفرقة ملقاة إليه‬

‫‪597‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪598‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حفظا حتى تحتاج السماء إلى حراستها عن استراق سمعها والزبور تابع لشرع‬
‫التوراة وكذلك النجيل فرع على التوراة لم ينزل كتاب مستقل إل التوراة والقرآن‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل فأتوا بكتاب من عند ال هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم‬
‫صادقين ^ ‪ #‬ولهذا يقرن سبحانه بين التوراة والقرآن كثيرا كما في قوله ‪ ^ #‬وما‬
‫قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب‬
‫الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬وهذا كتاب أنزلناه مبارك‬
‫مصدق الذي بين يديه ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه‬
‫ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الحزاب‬
‫فالنار‬

‫موعده ^ ‪ #‬قال سعيد بن جبير وغيره والحزاب هي الملل كلها قال وهذا تصديق‬
‫قول النبي والذي نفسي بيده ل يسمع بي من هذه المة يهودي ول نصراني ثم ل‬
‫يؤمن بي إل دخل النار وقرأ هذه الية ‪ ^ #‬ومن يكفر به من الحزاب فالنار موعده‬
‫^ ‪ #‬وقالت الجن ‪ ^ #‬إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ^ ‪ #‬وقال النجاشي لما‬
‫سمع القرآن إن هذا والذي جاء به‬

‫موسى ليخرج من مشكاة واحدة ‪ #‬وأيضا فكان معروفا عندهم إخبار الكهان عن‬
‫الشياطين التي تسترق السمع فلما رأوا أن السماء قد حرست حرسا شديدا خلف‬
‫العادة علموا أن الشياطين منعوا استراق السمع وعلمت الجن ذلك كما تقدم وقد قالت‬
‫الجن ‪ ^ #‬وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وإنا كنا نقعد منها‬
‫مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا ^ ‪ #‬وقد تواترت الخبار بأنه‬
‫حين المبعث كثر الرمي بالشهب وهذا أمر خارق للعادة حتى خاف بعض الناس أن‬
‫يكون ذلك لخراب العالم حتى نظروا هل الرمي بالكواكب التي في الفلك أم الرمي‬
‫بالشهب فلما رأوا أنه بالشهب علموا أنه لمر حدث وأرسلت‬

‫الجن تطلب سبب ذلك حتى سمعت القرآن فعلموا أنه كان لجل ذلك‬

‫وهذا من أعلم النبوة ودلئلها ‪ #‬وقبل زمان البعث وبعده كان الرمي خفيفا لم ‪#‬‬
‫تمتلىء به السماء كما ملئت حين نزول القرآن وقال تعالى ‪ ^ #‬هل أنبئكم على من‬
‫تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ^ ‪ #‬والفاك‬
‫^ الكذاب والثيم الفاجر كما قال ‪ ^ #‬لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة‬

‫قال في الحديث المتفق على صحته عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى الجنة ‪#‬‬
‫ول يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند ال صديقا وإياكم والكذب‬
‫فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يدعو إلى النار ول يزال الرجل يكذب‬
‫ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا ‪ #‬فالشياطين تنزل على من يحصل‬

‫‪598‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪599‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫مقصودها بنزولها عله وهو المناسب لها في الكذب والفجور فأما الصادق البار فل‬
‫يحصل به مقصود الشياطين فإن الشيطان ل يطلب الصدق والبر وإنما يطلب الكذب‬
‫والفجور ‪ #‬ومحمد ما زال قومه يعرفونه بينهم بالصادق المين لم تجرب عليه كذبة‬
‫واحدة ولما جاءه الروح بالوحي لم يخبر بخبر واحد كذب ل عمدا ول خطأ ‪ #‬ومن‬
‫تنزلت عليه الشياطين ل بد أن يخبر بالكذب فإن الشياطين يلقون إليهم السمع ول‬
‫يلقون إليهم ما سمعوه على وجهه بل يكذبون فيه كثيرا إذ كان أكثر الشياطين الذين‬
‫ينزلون عليهم كاذبين فيما ينزلون به عليهم والشياطين وإن كان كلهم كاذبا فليس كل‬
‫من ألقى‬

‫السمع يكذب فيما يلقيه بل قد يصدق أحدهم فيما يلقيه من السمع ويسترقه ولكن‬
‫أكثرهم يكذبون والذي يصدق منهم مرة يكذب مرات والذي ينزل عليه الشياطين‬
‫أفاك أثيم ‪ #‬فالفرق بين الصادق البار الذي يأتيه الملك والكاذب الثيم الذي يأتيه‬
‫الشيطان الرجيم فرق بين يعرف بأدنى معرفة بحال الثنين ولما كان الكاهن الذي‬
‫يأتيه شيطان قد يخبر ببعض المور الغائبة بين سبحانه أن هذا يكون وإن صدق في‬
‫بعض الخبار كاذبا فاجرا والذي يأتيه بالكذب فل يشتبه بمن ل يكذب ول يفجر‬
‫وهذا مما يبين أن النبي ل يكون إل بارا معصوما أن يصر على ذنب‬

‫فصل ‪ #‬وقد ذكرنا أن قومه المعادين له غاية العداوة ما زالوا معترفين بصدقه‬
‫وأنهم لم يجربوا عليه كذبا بل ومعترفين بأن ما يقوله ليس بشعر ول كهانة وأنه‬
‫ليس بساحر وكانوا في أول أمره يرسلون إلى البلد التي فيها علماء أهل الكتاب‬
‫يسألونهم عنه لن مكة لم يكن بها ذلك ‪ #‬ففي الصحيحين عن ابن عباس أن أبا‬
‫سفيان بن حرب حدثه قال انطلقت إلى الشام في المدة التي كانت بيني وبين رسول‬
‫ال قال فبينما أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول ال إلى هرقل قال وكان دحية الكلبي‬
‫جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقال هرقل هل ها‬
‫هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم قال فدعيت في نفر من‬
‫قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي‬
‫يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي‬
‫فدعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن‬
‫كذبني فكذبوه‬

‫قال فقال وأيم ال لول مخافة أن يؤثر علي كذب لكذبت عليه ثم قال لترجمانه سله‬
‫كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان في آبائه من ملك قلت ل‬
‫قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت ل وذكر باقي الحديث ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن عبد ال بن مسعود حديث سعد بن معاذ لما قال لميه إنهم قاتلوك‬
‫يعني النبي وأصحابه وفزع منه لذلك وقال لمرأته ذلك فقالت وال ما يكذب محمد‬
‫وقال هو في رواية أخرى وال ما يكذب محمد وعزم أن ل يخرج خوفا من هذا‬

‫‪599‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪600‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقال وال ل أخرج من مكة وأراد التخلف عن بدر حتى قال له أبو جهل إنك متى‬
‫يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد هذا الوادي تخلفوا معك فقال أما إذا غلبتني‬
‫فلشترين أجود بعير بمكة وذكرته امرأته بقول سعد فقال ما أريد أن‬

‫أكون معهم إل قريبا ‪ #‬وكذلك ما ذكره أهل المغازي وغيرهم أن أبي بن خلف لما‬

‫بلغه أن النبي قال أنا أقتله ثم طعنه رسول ال فخدشه وجعل أصحابه يجزعونه‬
‫ويقولون إنما هو خدش وليس بشيء فقال وال لو كان بمضر لقتلهم أليس قال‬
‫لقتلنك وعن مجاهد قال مولي السائب بن أبي السائب كنت فيمن بنى البيت وأن‬
‫قريشا اختلفوا في الحجر حين أرادوا أن يضعوه حتى كادوا يقع بينهم قتال بالسيوف‬
‫فقال اجعلوا بينكم أول رجل يدخل من الباب فدخل رسول ال وكانوا يسمونه في‬
‫الجاهلية المين‬

‫فقالوا يا محمد قد رضينا بك ‪ #‬وعن عقيل بن أبي طالب قال جاءت قريش إلى أبي‬
‫طالب فقالوا له إن ابن أخيك يأتينا في كعبتنا ونادينا ويسمعنا‬

‫ما يؤذينا فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل قال فقال لي يا عقيل التمس ابن عمك قال‬
‫فأخرجته من كبس من أكباس شعب أبي طالب فأقبل يمشي حتى انتهى إلى أبي‬
‫طالب فقال له يا ابن أخي وال ما علمت إن كنت لي مطيعا وقد جاءني قومك‬
‫يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وناديهم فتسمعهم ما يؤذيهم فإن رأيت أن تكف عنهم‬
‫قال فحلق ببصره إلى السماء فقال وال ما أنا بأقدر على أن أدع ما بعثت به من أن‬
‫يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من النار فقال أبو طالب إنه وال ما كذب قط‬
‫فارجعوا راشدين رواه البخاري في تاريخه وأبو زرعة في الدلئل ورواه ابن‬
‫إسحاق قريبا من هذا اللفظ وقال فأخرجته من حفش وهو بيت صغير وقال فيه فظن‬
‫رسول ال أن قد بدا لعمه وأنه خاذله ومسلمه وضعف عن القيام معه فقال يا عم لو‬
‫وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا المر حتى يظهره ال أو‬
‫أهلك في طلبه ‪ #‬وفي الصحيحين عن عبد ال بن الصامت قال قال أبو ذر‬

‫خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا‬
‫فنزلنا على خال لنا فأكرمنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا إنك إذا خرجت عن‬
‫أهلك خالف إليهم أنيس فجاء خالنا فثنا علينا الذي قيل له فقلت له أما ما مضى من‬
‫معروفك فقد كدرته ول جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى‬
‫خالنا بثوبه يبكي وانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة ‪ #‬فنافر أنيس رجل عن صرمتنا‬
‫وعن مثلها فأتينا الكاهن فخير‬

‫أنيسا فأتى بصرمتنا ومثلها معها قال وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول ال‬
‫بثلث سنين قلت لمن قال ل قلت فأين توجه قال أتوجه حيث يوجهني ربي أصلي‬

‫‪600‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪601‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس فقال أنيس‬
‫إن لي حاجة بمكة فاكفني فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي ثم جاء فقلت ما‬
‫صنعت قال لقيت رجل بمكة على دينك يزعم أن ال أرسله قلت فما يقول الناس قال‬
‫يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة‬
‫فما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعراء فما يلتئم على لسان أحد يقرى‬
‫بعدي أنه شعر وال إنه لصادق وإنهم لكاذبون قال قلت فاكفني حتى أذهب فأنظر‬
‫قال فأتيت مكة فضعفت رجل منهم فقلت أين هذا الذي‬

‫تدعونه الصابىء فأشار إلي فقال الصابىء فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم‬
‫حتى خررت مغشيا علي وذكر الحديث وصفة إسلمه رضي ال عنه بلفظ مسلم ‪#‬‬
‫وفي حديث البخاري عن ابن عباس أن أبا ذر أرسل أخاه وقال اعلم لي علم هذا‬
‫الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء فاسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الخر‬
‫حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال رأيته يأمر بمكارم الخلق‬
‫وكلما ما هو بالشعر ‪ #‬فقال ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنه له فيها ماء‬
‫حتى قدم مكة فأتى المسجد وذكر تمام الحديث ‪ #‬وعن جابر بن عبد ال قال المل‬
‫وأبو جهل لبد غلبنا أمر‬

‫محمد فلو التمستم رجل عالما بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه وأتانا ببيان من‬
‫أمره ‪ #‬قال عتبة بن ربيعة وال لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك‬
‫علما فما يخفى علي إن كان كذلك فأتاه فلما خرج إليه قال أنت يا محمد خير أم‬
‫هاشم وأنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد ال فيما تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا‬
‫فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا لك الرياسة فكنت رأسنا ما بقيت وإن كان بك الباه‬
‫زوجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش شئت وإن كان بك المال جمعنا لك ما‬
‫تستغني به أنت وعقبك من بعد ورسول ال ساكت ل يتكلم فلما‬

‫فرغ قرأ رسول ال ‪ ^ #‬بسم ال الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم‬


‫كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬فقل أنذرتكم صاعقة‬
‫مثل صاعقة عاد وثمود ^ ‪ #‬فأمسك عتبة على فيه وناشد بالرحم أن يكف ورجع‬
‫إلى أهله فلم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم عتبة فقال أبو جهل يا معشر قريش‬
‫وال ما نرى عتبة إل قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إل من حاجة‬
‫أصابته فانطلقوا بنا إليه فأتاه أبو جهل فقال يا عتبة ما حبسك عنا إل أنك صبوت‬
‫إلى محمد وأعجبك أمره فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن‬
‫طعام محمد فغضب وأقسم أن ل يكلم محمد أبدا وقال لقد علمتم أني من أكثر قريش‬
‫مال ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء وال ما هو بشعر ول كهانة‬
‫ول سحر ‪ ^ #‬حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربية لقوم‬
‫^ يعلمون‬

‫‪601‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪602‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلى قوله ‪ ^ #‬أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ^ ‪ #‬فأمسكت بفيه وناشدته ‪#‬‬
‫الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم‬
‫العذاب رواه أبو بكر أحمد بن مردويه في كتاب التفسير عن محمد بن فضيل عن‬
‫الجلح عن الذيال بن حرملة عنه‬

‫ورواه يحيى ابن معين عن محمد بن فضيل ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده‬
‫ورواه عبد بن حميد عن شيخ أبي يعلى ابن أبي شيبة ‪ #‬وفي بعض الطرق إن كنت‬
‫تزعم أن هؤلء خيرا منك فقد عبدوا اللهة وإن كنت تزعم أنك خيرا منهم فتكلم‬
‫حتى نسمع ورواه ابن إسحاق قال حدثني يزيد بن زياد مولى لبني هاشم عن‬

‫محمد بن كعب قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا حليما وذكر الحديث إلى أن‬
‫قال لما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني وال قد سمعت قول‬
‫ما سمعت بمثله قط وال ما هو بالشعر ول السحر ول الكهانة يا معشر قريش‬
‫أطيعوني واجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فوال ليكونن‬
‫لقوله الذي سمعت نبأ فإن تصيبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب‬
‫فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به فقالوا سحرك وال يا أبا الوليد بلسانه‬
‫قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم ثم ذكر شعر أبي طالب يمدح عتبة فيما قال‬

‫وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال قدم ضماد مكة وهو رجل من أزد شنوءة ‪#‬‬
‫وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون فقال‬
‫لو أني رأيت هذا الرجل لعل ال أن يشفيه على يدي قال فلقيت محمدا فقلت إني‬
‫أرقي من هذه الريح وإن ال يشفي على يدي من شاء فهلم فقال محمد إن الحمد ل‬
‫نحمد ونستعينه من يهد ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي له أشهد أنه ل إله إل‬
‫ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد قال فقال أعد علي كلماتك‬
‫هؤلء فأعادهن عليه رسول ال ثلث مرات فقال وال لقد سمعت قول الكهنة وقول‬
‫السحرة وقول الشعراء فما سمعت بمثل كلماتك هؤلء ولقد بلغن ناعوس البحر‬

‫قال فقال هات يدك أبايعك على السلم قال فبايعه رسول ال فقال وعلى قومك ‪#‬‬
‫فقال وعلى قومي الحديث ‪ #‬وعن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي‬
‫فقرأ عليه من القرآن ‪ ^ #‬إن ال يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى‬
‫عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ^ ‪ #‬قال أعد فأعاد النبي فقال‬
‫وال إن له الحلوة وإن عليه لطلوة وإن أعله لمثمر وإن أسفله‬

‫لمغدق وما يقول هذا البشر ‪ #‬وفي لفظ أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ‬
‫عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن‬
‫يجمعوا لك مال قال ولم قال ليعطوكه فإنك أتيت محمدا لتعوض مما قبله قال قد‬
‫علمت قريش أني من أكثرها مال قال فقل فيه قول يبلغ قومك أنك منكر لها وأنك‬

‫‪602‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪603‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كاره له قال وماذا أقول فوال ما فيكم رجل أعلم بالشعار مني ول أعلم برجزه‬
‫ولبقصيده مني وال ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ووال إن لقوله الذي يقوله‬
‫لحلوة وإن عليه لطلوة وإنه لمثمر أعله مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى وإنه‬
‫ليحطم‬

‫ما تحته قال ل ترضى عنك قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر‬
‫قال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ‪ ^ #‬ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ‪ #‬رواه‬
‫عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة عنه ‪ #‬وفي رواية أخرى أن الوليد بن‬
‫المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال إن وفود‬
‫العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ول‬
‫تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ويرد بعضكم قول بعض فقالوا‬

‫فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأيا نقوم به فقال بل أنتم فقولوا وأنا أسمع فقالوا‬
‫نقول كاهن فقال ما هو بكاهن لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكهان فقالوا نقول‬
‫مجنون فقال ما هو بمجنون لقد رأينا المجنون وعرفناه فما هو بخنقه ول تخالجه ول‬
‫وسوسته قالوا فنقول شاعر فقال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه‬
‫وقريظه ومقبوضه ومبسوطه فما هو‬

‫بالشعر قالوا فنقول ساحر قال فما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه‬
‫ول عقده فقالوا ما نقول يا أبا عبد شمس قال وال إن لقوله حلوة وإن أصله لغدق‬
‫وإن فرعه لجنى فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إل عرف أنه باطل وإن أقرب القول‬
‫أن تقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين المرء وبين أخيه وبين المرء‬
‫وزوجته وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا‬
‫الموسم ل يمر بهم أحد إل حذروه إياه وذكروا له أمره فأنزل ال تعالى في الوليد بن‬
‫المغيرة وذلك من قوله ‪ ^ #‬ذرني ومن خلقت وحيدا ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬سأصليه‬
‫سقر ^ ‪ #‬وأنزل في النفر الذين كانوا معه ‪ ^ #‬الذين جعلوا القرآن عضين ^ ‪ #‬أي‬
‫أصنافا‬

‫وروى ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال قام ‪#‬‬
‫النضر بن الحارث فقال يا معشر قريش وال لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله لقد‬
‫كان محمد فيكم غلما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا‬
‫رأيتم في صدغه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ل وال ما هو بسحر قد‬
‫رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم وقلتم كاهن ل وال ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة‬
‫وسمعنا سجعهم وقلتم شاعر ل وال ما هو بشاعر لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه‬
‫كلها هزجه ورجزه وقريظه وقلتم مجنون ول وال ما هو بمجنون لقد رأينا المجنون‬
‫فما هو بخنقه ول تخليطه يا معشر قريش انظروا في‬

‫‪603‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪604‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫شأنكم فإنه وال لقد نزل بكم أمر عظيم وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش‬
‫وممن يؤذي رسول ال وينصب له العداوة ‪ #‬قال وحدثني الزهري قال حدثت أن أبا‬
‫جهل وأبا سفيان والخنس ابن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول ال وهو‬
‫يصلي بالليل في بيته وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه وكل ل يعلم بمكان‬
‫صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق‬
‫فتلوموا وقال بعضهم لبعض ل تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لوقعتم في نفسه‬
‫شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا‬
‫يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل‬
‫ما قال أول مرة ثم انصرفوا فلما كانت الليلة‬

‫الثالثة فعلو كذلك ثم جمتعهم الطريق فتعاهدوا أو ل يعودوا فلما أصبح الخنس بن‬
‫شريق أخذ عصاه ثم أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما‬
‫سمعت من محمد فقال يا أبا ثعلبة وال لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها‬
‫فقال الخنس وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه‬
‫بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد فقال ماذا سمعت تنازعنا نحن‬
‫وبنوا عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ثم إذا‬
‫تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى‬
‫ندرك هذه وال ل نؤمن به ول نصدقه أبدا ‪ #‬وكذلك وري عن المغيرة بن شعبة أن‬
‫أبا جهل قال له مثل ذلك وقال إني لعلم أن ما يقول حق ولكن بني قصي قالوا فينا‬
‫الندوة‬

‫فقلنا نعم فينا الحجابة فقلنا نعم فينا السقاية فقلنا نعم وذكر نحوه ‪ #‬وقد كانوا يرسلون‬
‫إلى أهل الكتاب ليسألوهم عن أمره صلى ال عليه وسلم ‪ #‬قال محمد بن إسحاق‬
‫حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة مولى ابن عباس‬
‫عن ابن عباس قال بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار‬
‫يهود بالمدينة فقالوا لهم اسألوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم‬
‫أهل الكتاب الول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم النبياء فخرجا حتى قدما‬
‫المدينة فسألوا أحبار يهود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ووصفوا لهم أمره‬
‫وبعض قوله وقال إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا قال فقالت‬
‫لهم أحبار يهود سلوه عن ثلث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم‬
‫يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الول ما كان من‬
‫أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الرض‬
‫ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه‬
‫وإن هو لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم ‪ #‬فأقبل النضر‬
‫وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقال يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم‬
‫وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها فجاؤوا رسول ال‬
‫فقالوا يا محمد خبرنا فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول ال أخبركم وجاءه‬

‫‪604‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪605‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جبريل من ال بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية الرجل الطواف‬
‫وقول ال ‪ ^ #‬ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل‬
‫^ قليل‬

‫قال ابن إسحاق بلغني أن رسول ال افتتح السورة فقال ‪ ^ #‬الحمد ل الذي أنزل ‪#‬‬
‫على عبده الكتاب ^ ‪ #‬يعني محمدا أنك رسولي في تحقيق ما سألوه عنه من نبوته‬
‫‪ ^ #‬ولم يجعل له عوجا قيما ^ ‪ #‬أي أنزله قيما أي معتدل ل اختلف فيه وذكر‬
‫تفسير السورة إلى قوله ‪ ^ #‬أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا‬
‫عجبا ^ ‪ #‬أي وما قدروا من قدري وفيما صنعت من أمر الخلئق وما وضعت على‬
‫العباد من حجتي ما هو أعظم من ذلك ‪ #‬قال مجاهد ليس بأعجب من آياتنا من هو‬
‫أعجب من ذلك‬

‫وفي تفسير العوفي عن ابن عباس الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من ‪#‬‬
‫شأن أصحاب الكهف ‪ #‬قلت والمر على ما ذكره السلف فإن قصة أصحاب الكهف‬
‫هي من آيات ال فإن مكثهم نياما ليموتون ثلثمائة سنة آية دالة قدرة ال ومشيئته‬
‫وأنه يخلق ما يشاء ليس كما يقوله أهل اللحاد وهي آية على معاد البدان كما قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد ال حق وأن الساعة ل ريب فيها ^‬
‫‪ #‬وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم هل تعاد الرواح دون البدان ‪ #‬وإخبار النبي‬
‫بقصتهم من غير أن يعلمه بشر آية على نبوته فكانت قصتهم آية على أصول اليمان‬
‫الثلثة اليمان بال واليوم الخر واليمان برسوله ومع هذا فليسوا من آيات ال‬
‫بعجب بل من آيات ال ما هو أعجب من ذلك‬

‫وقد ذكر ال تعالى سؤالهم عن اليات التي كانوا يسألونه عنها ليعلموا هل هو ‪#‬‬
‫نبي صادق أم كاذب فقال تعالى ‪ ^ #‬ويسألونك عن ذي القرنين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬لقد‬
‫كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬ذلك من أنباء الغيب نوحيه‬
‫إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬وكأين من‬
‫آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم‬
‫بال إل وهم مشركون ^ ‪ #‬إلى قوله‬

‫سورة الكهف اليات ‪ # 111 109‬وقال تعالى لما ذكر قصة أهل الكهف التي ‪#‬‬
‫سألوه عنها ‪ ^ #‬يسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ^ ‪ #‬أي‬
‫يسألونك عن ذاك ويسألونك عن هذا ‪ #‬والقرآن مملوء من إخباره عن الغيب‬
‫الماضي الذي ل يعلمه أحد من البشر إل من جهة النبياء الذين أخبرهم ال بذلك‬
‫ليس هو الشيء الذي تزعمه ملحدة المتفلسفة فإن هذه المور الغيبية المعينة‬
‫المفصلة ل يؤخذ خبرها قط إل عن نبي كموسى ومحمد وليس أحد ممن يدعي‬
‫المكاشفات ل من أولياء ال ول من غير أولياء ال يخبر بشيء من ذلك ولهذا كان‬
‫هذا من أعلم النبياء وخصائصهم التي ل يشركهم فيها غيرهم ‪ #‬وأهل الملل‬

‫‪605‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪606‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫متفقون على ما دل عليه العقل الصريح من أن هذا‬

‫ل يعلم إل بخبر نبي فإذا كان محمد قد أخبر من ذلك بما أخبر به موسى وغيره من‬
‫النبياء وأخبر بما يعلمونه مما ل يعلمه أحد إل بالتعلم منهم وقد عرف أن محمدا لم‬
‫يتعلم هذا من بشر كان هذا آية وبرهانا قاطعا على نبوته ثم العلم بأن محمدا لم يتعلم‬
‫هذا من بشر يحصل في حياته أما قومه المباشرون له الخبيرون بحاله فكانوا‬
‫يعلمون أنه لم يتعلم هذا من بشر فقامت عليهم الحجة بذلك وأما من لم يعرف حاله‬
‫إل بالسماع فيعلم ذلك بطرق ‪ #‬منها تواتر أخباره وكيف كان من حين ولد إلى أن‬
‫مات كما هي مستفيضة مشهورة متواترة يعلمها من كان له خبرة بذلك أعظم مما‬
‫يعلم به حال موسى وعيسى فإن محمدا ظهر امره وانتشرت أخباره وتواترت‬
‫أحواله أعظم من جميع بني آدم فما بقي ما دون هذا من أحواله يخفى على الناس‬
‫فكيف مثل هذا ‪ #‬ومنها أنه أخبر في القرآن بما ل يوجد عند أهل الكتاب مثل‬

‫قصة هود وصالح وشعيب وبعض التفاصيل في قصة إبراهيم وموسى وعيسى مثل‬
‫تكليم المسيح في المهد ومثل نزول المائدة فإن هذا ل يعرفه أهل الكتاب ومثل إيمان‬
‫امرأة فرعون وغير ذلك فيمتنع أن يقال إن هذا تعلمه من أهل الكتاب وقومه لم‬
‫يكونوا يعلمون ذلك بل قد أراهم وغيرهم آثار المنذرين الذين عاقبهم ال لما كذبوا‬
‫الرسل كقوم عاد وثمود وغيرهم ‪ #‬فيستدل الناس بالثار الموجودة على صدق‬
‫الرسل وعقوبة ال لمن يكذبهم ويستدل قومه وغيرهم على صدقه فيما أخبر به من‬
‫هذه المور التي لم يتعلمها من أهل الكتاب بتصديق أهل الكتاب له فيما وافقهم فيه‬
‫مع علمهم أنه لم يتعلم ذلك منهم ويكون هذا مما يدل على أنه لم يتعلم من أهل‬
‫الكتاب شيئا كما قد يظنه بعضهم وذلك من الوجهين كما تقدم ‪ #‬ومنها أن أكثر قومه‬
‫كانوا من أعظم الناس عداوة له وحرصا على تكذيبه والطعن فيه وبحثا عما به‬
‫يقدحون فيه فلو كان قد تعلم هذه الخبار من بشر لكانوا يعلمون ذلك ويقدحون به‬
‫فيه ويظهرونه ولكان هذا مما يظهر أعظم مما ظهر غيره فلما لم يقع ذلك دل على‬
‫أنهم لم يكونوا يعلمون ذلك ولم يتمكنوا من القدح به فيه مع‬

‫علمهم بحاله ورغبتهم في القدح به ومع كمال الداعي والقدرة يجب وجود المقدور‬
‫فلما كان داعيهم تاما ولم يقدحوا علم أن ذلك لعجزهم وعجزهم عن القدح مع علمهم‬
‫بحاله دليل على أنهم علموا أنه لم يتعلمه من بشر ‪ #‬ومنها أن يقال مثل هذا لو وقع‬
‫لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بل كان المتبعون له المؤمنون به‬
‫إذا اطلعوا على ذلك فل بد أن يشيعوه ويعلنوه فكيف المخالفون له المكذبون له فإن‬
‫القوم المتفرقين الذين لم يتواطأوا كما ل يجتمعون على تعمد الكذب فل يجتمعون‬
‫على كتمان مثل ذلك بل يجتهد الملوك والرؤساء في إخفاء ما يبطنونه من أمر‬
‫ملكهم الذي بنوه عليه ويحلفون أولياءهم على كتمان ذلك ويبذلون لهم الرغبة‬
‫والرهبة في ذلك ثم يظهر ذلك كما فعل القرامطة الباطنية من أهل‬

‫‪606‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪607‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫البحرين بني عبيد ال بن ميمون القداح وكما عرف الناس أن النصيرية لهم خطاب‬
‫يسرونه إلى أوليائهم وإن لم يعلم أكثر الناس ما ذلك الخطاب الذي يسرونه ‪ #‬ل‬
‫سيما والذين آمنوا بحمده واتبعوه أول من المهاجرين كانوا مؤمنين به باطنا وظاهرا‬
‫هجروا لجله الوطان والهل والمال وصبروا على أنواع المكاره والذى طائفة‬
‫كبيرة ذهبت إلى الحبشة‬

‫مهاجرة بدينها لما عذبها المخالفون له حتى يرجعوا عن دينه وطائفة كانوا بمكة‬
‫يعذبون هذا يقتل وهذا يخرج به إلى بطحاء مكة في الحر وتوضع الصخرة على‬
‫بطنه حتى يكفر وهذا يمنع رزقه ويترك جائعا عريانا ‪ #‬ثم إنهم هجروا أحب البلد‬
‫إليهم وأفضلها عندهم مكة أم القرى إلى مدينة كانوا فيها محتاجين إلى أهلها وتركوا‬
‫أموالهم بمكة قال تعالى ‪ ^ #‬للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم‬
‫يبتغون فضل من ال ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن ال على نصرهم لقدير الذين‬
‫^ أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال‬

‫وقال تعالى ‪ ^ #‬فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقتلوا ‪#‬‬
‫لكفرن عنهم سيئاتهم ولدخلنهم جنات تجري من تحتها النهار ثوابا من عند ال‬
‫وال عنده حسن الثواب ^ ‪ #‬قوله ‪ ^ #‬يخرجون الرسول وإياكم ^ ‪ #‬وجميع‬
‫المهاجرين والنصار آمنوا به طوعا واختيارا قبل أن يؤمر أحد بقتال ‪ #‬فإنه مكث‬
‫بمكة بضع عشرة سنة ل يقاتل أحدا ولم يؤمر بقتال بل كان ل يكره أحد على الدين‬
‫كما قال تعالى ‪ ^ #‬ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ^ ‪ #‬وكانوا خلقا كثيرا‬
‫ومعلوم أن الخلق الكثير الذين اتبعوا شخصا قد جاء بدين ل يوافقه عليه أحد وطلب‬
‫منهم أن يؤمنوا به ويتبعوه ويفارقوا دين آبائهم ويصبروا على عداوة الناس وأذاهم‬
‫ويهجروا لجله ما ترغب النفوس فيه من الهل والمال والوطن وهو مع‬

‫ذلك لم يعط أحدا منهم مال ول كان له مال يعطيهم إياه ول ولي أحد ولية ولم يكن‬
‫عنده ولية يوليهم إياها ول أكره أحدا ول بقرصة في جلده فضل عن سوط أو‬
‫عصا أو سيف وهو مع ذلك يقول عما يخبرهم به من الغيب ال أخبرني به لم‬
‫يخبرني بذلك بشر ‪ #‬فلو كانوا مع ذلك يعلمون أن تعلمه من بشر لكان هذا مما‬
‫يقوله بعضهم لبعض ويمتنع في جبلة بني آدم وفطرهم أن يعلموا أنه كاذب وأنه قد‬
‫تعلم هذا من بشر وليس فيهم من يخبر بذلك مع أنهم كانوا كثيرين ل يمكن تواطؤهم‬
‫على الكذب والكتمان بل ول داعي لهم يدعوهم إلى ذلك ويمتنع أن ل يعلموا ذلك‬
‫وهم بطانته المطلعون على أحواله وهم يسمعون كلم أعدائه المطلعين على حاله ‪#‬‬
‫والقرآن كان ينزل شيئا فشيئا لم ينزل جملة بل كانوا يسألونه عن الشيء بعد الشيء‬
‫من الغيب بين الذين آمنوا به وباطنوه واطلعوا على أسراره وهو ل يعلم شيئا من‬
‫ذلك ثم يخبرهم به وهم مطلعون على أمره خبرا بعد خبر وسؤال بعد سؤال وهذا‬
‫كان‬

‫‪607‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪608‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بمكة وليس بها أحد من علماء أهل الكتاب ل اليهود ول النصارى ثم هاجر إلى‬
‫المدينة وبها خلق كثير من اليهود قينقاع والنضير وقريظة ولعلهم كانوا بقدر نصف‬
‫أهلها أو أقل أو أكثر وهم أيضا يسألونه عن الغيوب التي ل يعلمها إل نبي فيخبرهم‬
‫بها ويتلو عليهم ما سأله عنه المشركون من الغيب وما أخبرهم به ويتلو عليهم هذا‬
‫الغيب الذي أوحاه ال إليه ويبين أن ال أعلمه ذلك لم يعلمه إياه بشر فآمن به طائفة‬
‫من أهل الكتاب وكفرت به طائفة أخرى والطائفتان ليس فيهم من يقول إن هذا تعلمه‬
‫منا أو من إخواننا أو نظرائنا ول إنك قرأته في كتبنا مع أنه لو كان قد تعلم ذلك‬
‫منهم لكان شيوخه منهم وشيوخهم إذا علموا أنه كاذب تعلمه منهم يمتنع أن يصدقوه‬
‫باطنا وظاهرا بل تصديقهم الكتاب الول وعلمهم بكذب من ادعى نزول كتاب ثان‬
‫وقد تعلم منهم يدعوهم إلى أن يبينوا أمره ويظهروا كذبه ويقولوا للناس تعلم منا نحن‬
‫أخبرناه بذلك ل سيما مع ما فعله باليهود من القتل والحصار والجلء والسبي وغير‬
‫ذلك ‪ #‬وهذا لو وقع لكان من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ينقله الموافق‬
‫والمخالف فلما لم يقل ذلك أحد ولم ينقله أحد مع ما أظهره من الخبار المتواترة‬
‫التي علمها الخاص والعام‬

‫بأن هذا مما أنبأني ال لم يخبرني به بشر كان هذا دليل قاطعا بينا في أن هذه‬
‫الخبار الغيبية التي ل يعلمها إل نبي أعلمه ال بها أو من تعلمها من نبي هي مما‬
‫أنبأه ال به ولم يعلمه ذلك بشر وهذا من الغيب الذي قال ال فيه في السورة التي‬
‫فيها استماع الجن للقرآن وإنذار قومهم به حيث قال ‪ ^ #‬قل أوحي إلي أنه استمع‬
‫نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا‬
‫أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ول ولدا ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ #‬سورة الجن‬
‫اليات ‪ 3 1‬ومن ‪28 19‬‬

‫فقوله تعالى ‪ ^ #‬فل يظهر على غيبه ^ ‪ #‬يبين أنه غيب يضاف إليه يختص به ‪#‬‬
‫ل يعلمه أحد إل من جهته بخلف ما يغيب عن بعض الناس ويعلمه بعضهم فإن هذا‬
‫قد يتعلمه بعضهم من بعض ‪ #‬فمما سأله عنه أهل الكتاب في المدينة مسائل وهي‬
‫غير المسائل التي كان يسأل عنها وهو بمكة كما كان مشركوا قريش يرسلون إلى‬
‫اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فيرسل اليهود بمسائل يمتحنون بها نبوته وذلك‬
‫مثل ما في صحيح البخاري عن أنس قال جاء عبد ال بن سلم إلى رسول ال‬
‫مقدمه‬

‫المدينة فقال إني سائلك عن ثلث ل يعلمهن إل نبي ما أول أشراط الساعة وما أول‬
‫طعام يأكله أهل الجنة والولد ينزع إلى أمه تارة وإلى أبيه قال أخبرني جبريل آنفا‬
‫قال عبد ال ذاك عدو اليهود من الملئكة أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من‬
‫المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما الولد‬
‫فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل‬

‫‪608‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪609‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نزع الولد إلى أمه فقال أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أنك رسول ال قال يا رسول‬
‫ال إن اليهود قوم بهت فإن علموا بإسلمي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك‬
‫فجاءت اليهود فقال لهم النبي أي رجل عبد ال فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا‬
‫وابن سيدنا وعالمنا وابن عالمنا قال أرأيتم إن أسلم عبد ال قالوا أعاذه ال من ذلك‬
‫فخرج إليهم عبد ال فقال أشهد أن ل إله إل ال وأشهد‬

‫أن محمدا رسول ال فقالوا شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال فهذا ما كنت أخاف وأحذر‬
‫‪ #‬وروى مسلم في صحيحه عن ثوبان قال كنت قائما عند رسول ال فجاء حبر من‬
‫أحبار اليهود وقال السلم عليك يا محد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال لم تدفعني‬
‫قال قلت أل تقول يا رسول ال قال إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول‬
‫ال إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد فقال اليهودي جئت أسألك فقال رسول ال‬
‫ينفعك شيء إن حدثتك قال أسمع بأذني فنكت بعود معه فقال له سل فقال اليهودي‬
‫أين الناس يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات فقال رسول ال في الظلمة‬
‫دون الجسر قال فمن أول الناس إجازة قال فقراء المهاجرين فقال اليهودي فما‬
‫تحفتهم حين يدخلون قال زيادة كبد نون قال وما غذاؤهم‬

‫على إثره قال ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال فما شرابهم عليه‬
‫قال من عين فيها تسمى سلسبيل قال صدقت قال وجئت أسألك عن شيء ل يعلمه‬
‫أحد من أهل الرض إل نبي أو رجل أو رجلن قال ينفعك إذا حدثتك قال أسمع‬
‫بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا‬
‫اجتمعا فعل مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن ال وإذا عل مني المرأة مني الرجل‬
‫آنثا بإذن ال فقال اليهودي صدقت وإنك لنبي ثم انصرف فقال النبي إنه سألني هذا‬
‫الذي سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني به ال تعالى ‪ #‬وروى أبو داود‬
‫الطيالسي حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن‬

‫شهر بن حوشب عن ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود يوما إلى النبي‬
‫فقالوا يا رسول ال حدثنا عن خلل نسألك عنها ل يعلمها إل نبي فقال سلوني عم‬
‫شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة ال وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء‬
‫تعرفونه صدقا لتتابعوني على السلم قالوا لك ذلك قل فسلوني عم شئتم قالوا‬
‫أخبرنا عن أربع خلل أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن‬
‫تنزل التوراة وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا وكيف‬
‫يكون النثى حتى يكون أنثى وأخبرنا كيف هذا النبي في النوم ومن وليك من‬
‫الملئكة قال فعليكم عهد ال وميثاقه لئن أنا حدثتكم لتتابعوني فأعطوه ما شاء من‬
‫عهد وميثاق قال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل‬
‫يعقوب مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه فنذر ل نذرا لئن شفاه ال من سقمه‬
‫ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه وكان أحب الشراب إليه ألبان البل‬
‫وأحب الطعام إليه لحوم البل قالوا اللهم نعم فقال رسول ال اللهم اشهد عليهم قال‬

‫‪609‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪610‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فأنشدكم‬

‫بال الذي ل إله إل هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل‬
‫غليظ أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما عل كان الولد والشبه له بإذن ال‬
‫قالوا اللهم نعم فقال اللهم اشهد قال أنشدكم بال الذي ل إله إل هو وأنزل التوراة‬
‫على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ول ينام قلبه قالوا اللهم نعم قال اللهم‬
‫اشهد قالوا أنت الن حدثنا من وليك من الملئكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال‬
‫وليي جبريل عليه السلم ولم يبعث ال نبيا قط إل وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو‬
‫كان غيره لتبعناك وصدقناك قال فما يمنعكم أن تصدقوا قالوا إنه عدونا من‬
‫الملئكة فأنزل ال عز وجل ‪ ^ #‬من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن‬
‫^ ال مصدقا ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬فإن ال عدو للكافرين‬

‫ففي هذه الحاديث أن علماء اليهود كعبد ال بن سلم وغيره كانوا يسألونه عن ‪#‬‬
‫مسائل يقولون فيها ل يعلمها إل نبي أي ومن تعلمها من النبياء فإن السائلين كانوا‬
‫يعلمونها كما جاء أيضا ل يعلمها إل نبي أو رجل أو رجلن فكانوا يمتحنونه بهذه‬
‫المسائل ليتبين هل يعلمها وإذا كان يعلم ما ل يعلمه إل نبي كان نبيا ومعلوم أن‬
‫مقصودهم بذلك إنما يتم إذا علموا أنه لم يعلم هذه المسائل من أهل الكتاب ومن تعلم‬
‫منهم وإل فمعلوم أن هذه المسائل كان تعلمها بعض الناس لكن تعلمها هؤلء من‬
‫النبياء ‪ #‬وهذا يبين أن هؤلء السائلين له من أهل الكتاب كانوا يعلمون أن أحدا من‬
‫البشر لم يعلمه ما عند أهل الكتاب من العلم إذ لو جوزوا ذلك عليه لم يحصل‬
‫مقصودهم من امتحانه هل هو نبي أم ل فإنهم إذا جوزوا أن يكون تعلم ما ل يعلمه‬
‫إل نبي من أهل الكتاب كان من جنسهم فلم يكن في علمه بها وإجابتهم عنها دليل‬
‫على نبوته ‪ #‬فل بد أن يكون هؤلء السائلون يقطعون بأنه لم يتعلم من أهل‬

‫الكتاب وهذا كان بالمدينة بعد أن أقام بمكة بضعة عشرة سنة وانتشر أمره وكذبه‬
‫قومه وحرصوا على إبطال دعوته بكل طريق يقدرون عليه فلو كان بمكة أو‬
‫بالمدينة أحد من أهل الكتاب يتعلم منه أو لقي أحدا من أهل الكتاب في طريق فتعلم‬
‫منه لكان ذلك يقدح في مقصود هؤلء السائلين ‪ #‬فتبين أنه كان معلوما عند أهل‬
‫الكتاب أنه لم يتعلم شيئا من الغيب من بشر ل سيما ولو كان قد تعلمه من أهل‬
‫الكتاب وقد كذبهم وحاربهم لظهروا ذلك ولشاع في أهل الكتاب فكان إذا أجابهم‬
‫قالوا هذا تعلمته من فلن وفلن منا أو هذا علمكه بعض أهل ديننا وهذا كما كانوا‬
‫يرسلون إلى قومه من قريش ليسألوه عن مسائل ويقولون إن أخبركم بهن فهو نبي‬
‫مرسل وإل فهو متقول ويقولون سلوه عن مسائل ل يعلمها إل نبي ‪ #‬فهذا من أهل‬
‫المدينة ومن قريش قومه يبين أن قومه المشركين وأهل الكتاب كانوا متفقين على أنه‬
‫لم يتعلم شيئا من ذلك البشر إذ لو جوزوا ذلك لم يحصل مقصودهم بذلك ولم يجز أن‬
‫يقولوا ل يعلمها إل نبي فإنهم كانوا جميعا يعلمون أن من أهل الكتاب من يعلم هذه‬
‫المسائل وبذلك يعرف هل يجيب فيها بما قالته النبياء أو بخلف ذلك ويعلمون أن‬

‫‪610‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪611‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من كان تعلمها من أهل الكتاب ومن تعلم منهم ل يدل جوابه عنها على نبوته كما لو‬
‫أجاب عن تلك‬

‫المسائل بعض أهل الكتاب وكما لو سأل في زماننا بعض الناس لبعض المسلمين‬
‫عن تلك المسائل أو غيرها من أنباء الغيب التي ل يعلمها إل نبي فإن ذلك ل يدل‬
‫على نبوته لنه قد تعلم ذلك من النبياء ‪ #‬فدل على أن مرادهم بقولهم ل يعلمها إل‬
‫نبي أي ل يعلمها ابتداء بدون تعليم من بشر إل نبي ويدل على أن المشركين وأهل‬
‫الكتاب كانوا جميعا متفقين على أنه لم يتعلم من بشر مع انتشار أخباره ومع اطلع‬
‫قومه على أسراره ومع ظهور ذلك لو وجد ومع أنهم لو جوزوا تجويزا أن يكون قد‬
‫تعلمها من بشر في الباطن لم يجز أن يستدل بها على نبوته فدل على أنهم كانوا‬
‫قاطعين بأنه لم يتعلم ذلك من بشر ل في الباطن ول في الظاهر وهذا طريق بين يدل‬
‫على أنه لم يتعلم ذلك من بشر سوى الطرق المذكورة هنا‬

‫فصل ‪ #‬ولما كان محمد رسول إلى جميع الثقلين جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم‬
‫وهو خاتم النبياء ل نبي بعده كان من نعمة ال على عباده ومن تمام حجته على‬
‫خلقه أن تكون آيات نبوته وبراهين رسالته معلومة لكل الخلق الذين بعث إليهم وقد‬
‫يكون عند هؤلء من اليات والبراهين على نبوته ما ليس عند هؤلء ‪ #‬وكان يظهر‬
‫لكل قوم من اليات النفسية والفقية ما يبين به أن القرآن حق كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل‬
‫أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم‬
‫آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل‬
‫شيء شهيد ^ ‪ #‬أخبر سبحانه أنه سيري عباده اليات في أنفسهم وفي الفاق حتى‬
‫يتبين لهم أن القرآن حق فإن الضمير عائد إليه إذ هو‬

‫الذي تقدم ذكره كما قال ‪ ^ #‬قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل‬
‫ممن هو في شقاق بعيد ^ ‪ #‬والضمير في كان عائد إلى معلوم ‪ #‬يقول أرأيتم إن‬
‫كان القرآن من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد فإنه على هذا‬
‫التقدير يكون الكافر في شقاق بعيد قد شاق ال ورسوله ول أحد أضل ممن هو في‬
‫مثل هذا الشقاق حيث كان في شق وال ورسوله في شق كما قال تعالى ‪ #‬سورة‬
‫البقرة اليتان ‪137 136‬‬

‫بين أن من تولى عن ذلك لم يكن متبعا للحق قاصدا له فإن هذا الذي قلتموه ل ‪#‬‬
‫يتولى عنه من أهل الكتاب من قصده الحق وإنما يتولى عنه من قصده المشاقة‬
‫والمعاداة لهوى نفسه وهذا يكفيك ال أمره ‪ #‬والقرآن إن كان من عند ال ثم كفر به‬
‫من كفر فل أحد أضل ممن هو في مثل حاله إذ هو في شقاق بعيد وإن قدر أنه لم‬
‫يعلم أنه حق فهو ضال والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع الجهل فإن اليات‬
‫إذا ظهرت فأعرض عن النظر الموجب للعلم كان مشاقا ولهذا قال عقب ذلك ‪^ #‬‬

‫‪611‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪612‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^ ‪ #‬فأخبر أنه سيري‬
‫عباده من اليات الفقية والنفسية ما يبين أنه حق ثم قال ‪ ^ #‬أو لم يكف بربك أنه‬
‫على كل شيء شهيد ^ ‪ #‬فإن شهادته وحده كافية بدون ما ينتظر من اليات كما قال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬قل كفى بال شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ^ ‪ #‬وشهادته‬
‫للقرآن ولمحمد تكون بأقواله التي أنزلها قبل ذلك على أنبيائه كما قال تعالى عن أهل‬
‫الكتاب‬

‫ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من ال ^ ‪ #‬وتكون بأفعاله وهو ما يحدثه من ^ ‪#‬‬
‫اليات والبراهين الدالة صدق رسله فإنه صدقهم بها فيما أخبروا به عنه وشهد لهم‬
‫بأنهم صادقون ‪ #‬والقرآن نفسه هو قول ال وفيه شهادة ال بما أخبر به الرسول‬
‫وإنزاله على محمد وإتيان محمد به هو آية وبرهان وذلك من فعل ال إذ كان البشر‬
‫ل يقدرون على مثله ل يقدر عليه أحد من النبياء ول الولياء ول السحرة ول‬
‫غيرهم كما قال تعالى ‪ ^ #‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا‬
‫القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ^ ‪ #‬ومحمد أخبر بهذا في أول‬
‫أمره إذ كانت هذه الية في سورة سبحان وهي مكية‬

‫صدرها بذكر السراء الذي كان بمكة باتفاق الناس وقد أخبر خبرا وأكده بالقسم عن‬
‫جميع الثقلين إنسهم وجنهم أنهم إذا اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون‬
‫بمثله بل يعجزون عن ذلك وهذا فيه آيات لنبوته ‪ #‬منها إقدامه على هذا الخبر‬
‫العظيم عن جميع النس والجن إلى يوم القيامة بأنهم ليفعلون هذا بل يعجزون عنه‬
‫هذا ل يقدم عليه من يطلب الناس أن يصدقوه إل وهو واثق بأن المر كذلك إذ لو‬
‫كان عنده شك في ذلك لجاز أن يظهر كذبه في هذا الخبر فيفسد عليه ما قصده وهذا‬
‫ل يقدم عليه عاقل مع اتفاق المم المؤمن بمحمد والكافر به على كمال عقله‬
‫ومعرفته وخبرته إذ ساس العالم سياسة لم يسسهم أحد بمثلها ‪ #‬ثم جعله هذا في‬
‫القرآن المتلو المحفوظ إلى يوم القيامة الذي يقرأ به في الصلوات ويسمعه العام‬
‫والخاص والولي والعدو دليل على كمال ثقته بصدق هذا الخبر وإل لو كان شاكا في‬
‫ذلك لخاف أن يظهر كذبه عند خلق كثير بل عند أكثر من اتبعه ومن عاداه وهذا‬

‫ل يفعله من يقصد أن يصدقه الناس فمن يقصد أن يصدقه الناس ل يقول مثل هذا‬
‫ويظهره هذا الظهار ويشيعه هذه الشاعة ويخلده هذا التخليد إل وهو جازم عند‬
‫نفسه بصدقه ‪ #‬ول يتصور أن بشرا يجزم بهذا الخبر إل أن يعلم أن هذا مما يعجز‬
‫عنه الخلق إذ علم العالم بعجز جميع النس والجن إلى يوم القيامة هو من أعظم‬
‫دلئل كونه معجزا وكونه آية على نبوته فهذا من دلئل نبوته في أول المر عند من‬
‫سمع هذا الكلم وعلم أنه من القرآن الذي أمر ببلغه إلى جميع الخلق وهو وحده‬
‫كاف في العلم بأن القرآن معجز ‪ #‬دع ما سوى ذلك من الدلئل الكثيرة على أنه‬
‫معجز مثل عجز جميع المم عن معارضته مع كمال الرغبة والحرص على‬
‫معارضته وعدم الفعل مع كمال الداعي يستلزم عدم القدرة فلما كان دواعي العرب‬

‫‪612‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪613‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وغيرهم على المعارضة تامة علم عجز جميع المم عند معارضته وهذا برهان ثان‬
‫يعلم به صدق هذا الخبر وصدق هذا الخبر آية لنبوته غير العلم بأن القرآن معجز‬
‫فإن ذلك آية مستقلة لنبوته وهي آية ظاهرة باقية إلى آخر الدهر معلومة لكل أحد‬
‫وهي من أعظم اليات ‪ #‬فإن كونه معجزا يعلم بأدلة متعددة والعجاز فيه وجوه‬

‫متعددة فتنوعت دلئل إعجازه وتنوعت وجوه إعجازه وكل وجه من الوجوه هو دال‬
‫على إعجازه وهذه جمل لبسطها تفصيل طويل ولهذا قال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا لول‬
‫أنزل عليه آيات من ربه قل إنما اليات عند ال وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا‬
‫أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرىلقوم يؤمنون ^ ‪ #‬فهو‬
‫كاف في الدعوة والبيان وهو كاف في الحجة والبرهان‬

‫فصل ‪ #‬واليات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم‬
‫من آيات غيره من النبياء ويسميها من يسميها من النظار معجزات وتسمى دلئل‬
‫النبوة وأعلم النبوة ‪ #‬وهذه اللفاظ إذا سميت بها آيات النبياء كانت أدل على‬
‫المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة‬
‫وإنما فيه لفظ الية والبينة والبرهان كما قال تعالى في قصة موسى ‪ ^ #‬فذانك‬
‫برهان من ربك ^ ‪ #‬في العصا واليد وقال ال تعالى في حق محمد ‪ ^ #‬يا أيها‬
‫^ الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا‬

‫وقد قال في مطالبة أهل الدعاوى الكاذبة بالبرهان ‪ ^ #‬وقالوا لن يدخل الجنة إل ‪#‬‬
‫من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬وقال‬
‫تعالى ‪ ^ #‬أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والرض أإله مع ال‬
‫قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬ومن يدع مع ال إلها آخر ل‬
‫برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه ل يفلح الكافرون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬ويوم‬
‫يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا‬
‫^ برهانكم فعلموا أن الحق ل وضل عنهم ما كانوا يفترون‬

‫وأما لفظ اليات فكثير في القرآن كقوله تعالى ‪ ^ #‬وكذلك جعلنا في كل قرية ‪#‬‬
‫أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إل بأنفسهم وما يشعرون وإذا جاءتهم آية‬
‫قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل ال ال أعلم حيث يجعل رسالته ^ ‪#‬‬
‫وقوله تعالى ‪ ^ #‬ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وأدخل‬
‫يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ^ ‪ #‬آية أخرى وقول فرعون له ‪^ #‬‬
‫^ فأت به إن كنت من الصادقين‬

‫وقال قوم صالح له ‪ ^ #‬فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ‪#‬‬
‫ولكم شرب يوم معلوم ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬هذه ناقة ال لكم آية ^ ‪ #‬وقال المسيح ‪ ^ #‬قد‬

‫‪613‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪614‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫جئتكم بآية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا‬
‫بإذن ال وأبرىء الكمه والبرص وأحيي الموتى بإذن ال وأنبئكم بما تأكلون وما‬
‫تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين ^ ‪ #‬وقال في حق محمد ‪#‬‬
‫^ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما‬
‫^ جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون‬

‫اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ^ ‪# ^ #‬‬
‫وقال ‪ ^ #‬ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم‬
‫وقرا وإن يروا كل آية ل يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن‬
‫هذا إل أساطير الولين ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وقالوا لول أنزل عليه آية من ربه قل‬
‫إنما اليات عند ال وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى‬
‫عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬سنريهم آياتنا في‬
‫الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^ ‪ #‬وقال تعالى‬

‫قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل ال وأخرى كافرة يرونهم ^ ‪#‬‬
‫مثليهم رأي العين وال يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لولي البصار ^ ‪#‬‬
‫وقال تعالى ‪ ^ #‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ل يرجون لقاءنا ائت بقرآن‬
‫غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬قل‬
‫انظروا ماذا في السماوات والرض وما تغني اليات والنذر عن قوم ل يؤمنون ^‬
‫‪ #‬وقال لما ذكر قصص النبياء في سورة الشعراء قال في آخر كل قصة ‪ ^ #‬إن‬
‫في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ^ ‪ #‬وقال ‪^ #‬‬
‫لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ^ ‪ #‬إلى أن قال في آخرها ‪ ^ #‬ذلك من‬
‫^ أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون‬

‫إلى قوله ‪ ^ #‬وكأين من آية في السماوات والرض يمرون عليها وهم عنها ‪#‬‬
‫معرضون ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه‬
‫وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وجعلنا ابن مريم وأمه‬
‫آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ^ ‪ #‬وأما لفظ المعجز فإنما يدل على أنه‬
‫أعجز غيره كما قال تعالى ‪ ^ #‬وما هم بمعجزين ^ ‪ #‬وقال ‪ ^ #‬وما أنتم بمعجزين‬
‫^ في الرض ول في السماء‬

‫ومن ل يثبت فعل إل ل يقول المعجز هو ال وإنما سمي غيره معجزا مجازا ‪#‬‬
‫وهذا اللفظ ل يدل على كون ذلك آية ودليل إل إذا فسر المراد به وذكر شرائطه‬
‫ولهذا كان كثير من أهل الكلم ل يسمي معجزا إل ما كان للنبياء فقط وما كان‬
‫للولياء إن أثبت لهم خرق عادة سماها كرامة ‪ #‬والسلف كأحمد وغيره كانوا‬
‫يسمون هذا وهذا معجزا ويقولون لخوارق الولياء إنها معجزات إذا لم يكن في‬
‫اللفظ مايقتضي اختصاص النبياء بذلك بخلف ما كان آية وبرهانا على نبوة النبي‬

‫‪614‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪615‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فإن هذا يجب اختصاصه ‪ #‬وقد يسمون الكرامات آيات لكونها تدل على نبوة من‬
‫اتبعه الولي فإن الدليل مستلزم للمدلول يمتنع ثبوته بدون ثبوت المدلول فكذلك ما‬
‫كان آية وبرهانا وهو الدليل والعلم على نبوة النبي يمتنع أن يكون لغير النبي وبسط‬
‫هذا له موضع آخر ‪ #‬والمقصود هنا أن دلئل نبوة محمد كثيرة متنوعة كما قد‬
‫تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب وبينا أن‬

‫من يخصص دلئل النبوة بنوع فقد غلط بل هي أنواع كثيرة لكن اليات نوعان ‪#‬‬
‫ومنها ما مضى وصار معلوما بالخبر كمعجزات موسى وعيسى ‪ #‬ومنها ما هو باق‬
‫إلى اليوم كالقرآن الذي هو من أعلم نبوة محمد وكالعلم واليمان الذي في أتباعه‬
‫فإنه من أعلم نبوته وكشريعته التي أتى بها فإنها أيضا من أعلم نبوته وكاليات‬
‫التي يظهرها ال وقتا بعد وقت من كرامات الصالحين من أمته ووقوع ما أخبر‬
‫بوقوعه كقوله ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك وقوله ل تقوم الساعة حتى تخرج‬
‫نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل ببصرى وقد خرجت هذه النار سنة‬
‫خمسين وستين وستماية وشاهد الناس أعناق البل ببصرى‬

‫وظهر دينه وملته بالحجة والبرهان واليد والسنان ومثل المثلت والعقوبات التي ‪#‬‬
‫تحيق بأعدائه وغير ذلك وكنعته الموجود في كتب النبياء قبله وغير ذلك‬

‫فصل ‪ #‬والقرآن كلم ال وفيه الدعوة والحجة فله به اختصاص على غيره كما‬
‫ثبت عنه في الصحيح أنه قال ما من نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن‬
‫على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه ال إلي فأرجو أن أكون أكثرهم‬
‫تابعا يوم القيامة ‪ #‬والقرآن يظهر كونه آية وبرهانا له من وجوه جملة وتفصيل أما‬
‫الجملة فإنه قد علمت الخاصة والعامة من عامة المم علما متواترا أنه هو الذي أتى‬
‫بهذا القرآن وتواترت بذلك الخبار أعظم من تواترها بخبر كل أحد من النبياء‬
‫والملوك والفلسفة وغيرهم ‪ #‬والقرآن نفسه فيه تحدي المم بالمعارضة والتحدي‬
‫هو أن يحدوهم أي يدعوهم فيبعثهم إلى أن يعارضوه فيقال فيه حداني على هذا‬
‫المر أي بعثني عليه ومنه سمي حادي العيس لنه بحداه يبعثها على السير‬

‫وقد يريد بعض الناس بالتحدي دعوى النبوة ولكنه أصله الول قال تعالى في ‪#‬‬
‫سورة الطور ‪ ^ #‬أم يقولون تقوله بل ل يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا‬
‫صادقين ^ ‪ #‬فهنا قال ‪ ^ #‬فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ^ ‪ #‬في أنه تقوله‬
‫فإنه إذا كان محمد قادرا على أن يتقوله كما يقدر النسان على أن يتكلم بما يتكلم به‬
‫من نظم ونثر كان هذا ممكنا للناس الذين هم من جنسه فأمكن الناس أن يأتوا بمثله‬
‫‪ #‬ثم إنه تحداهم بعشر سور مثله فقال تعالى ‪ ^ #‬أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر‬
‫سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬ثم‬
‫تحداهم بسورة واحدة منه فقال تعالى ‪ ^ #‬وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون‬

‫‪615‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪616‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين أم‬
‫يقولون افتراه قل فأتوا بسورة‬

‫مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬فطلب منهم أن يأتوا‬


‫بعشر سور مثله مفتريات هم وكل من استطاعوا من دون ال ثم تحداهم بسورة‬
‫واحدة هم ومن استطاعوا قال ‪ ^ #‬فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم ال وأن‬
‫ل إله إل هو ^ ‪ #‬وهذا أصل دعوته وهو الشهادة بأنه ل إله إل ال والشهادة بأن‬
‫محمدا رسول ال ‪ #‬وقال تعالى ‪ ^ #‬فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم ال ^‬
‫‪ #‬كما قال ‪ ^ #‬لكن ال يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملئكة يشهدون ^ ‪ #‬أي‬
‫هو يعلم أنه منزل ل يعلم أنه مفترى كما قال ‪ ^ #‬وما كان هذا القرآن أن يفترى من‬
‫^ دون ال‬

‫أي ما كان لن يفتري يقول ما كان ليفعل هذا فلم ينف مجرد فعله بل نفي احتمال ‪#‬‬
‫فعله وأخبر بأن مثل هذا ل يقع بل يمتنع وقوعه فيكون المعنى ما يمكن ول يحتمل‬
‫ول يجوز أن يفتري هذا القرآن من دون ال فإن الذي يفتريه من دون ال مخلوق‬
‫والمخلوق ل يقدر على ذلك وهذا التحدي كان بمكة فإن هذه السور مكية سورة‬
‫يونس وهود والطور ‪ #‬ثم أعاد التحدي في المدينة بعد الهجرة فقال في البقرة وهي‬
‫سورة مدنية ‪ ^ #‬وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله‬
‫وادعوا شهداءكم من دون ال إن كنتم صادقين ^ ‪ #‬ثم قال ‪ ^ #‬فإن لم تفعلوا ولن‬
‫تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة ^ ‪ #‬فذكر أمرين ‪ #‬أحدهما قوله ‪#‬‬
‫^ ^ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‬

‫يقول إذا لم تفعلوا فقد علمتم أنه حق فخافوا ال أن تكذبوه فيحيق بكم العذاب الذي ‪#‬‬
‫وعد به المكذبين وهذا دعاء إلى سبيل ربه بالموعظة الحسنة بعد أن دعاهم بالحكمة‬
‫وهو جدالهم بالتي هي أحسن ‪ #‬والثاني قوله ‪ ^ #‬ولن تفعلوا ^ ‪ #‬ولن لنفي‬
‫المستقبل فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان ل يأتون بسورة من مثله كما أخبر‬
‫قبل ذلك وأمره أن يقول في سورة سبحان وهي سورة مكية افتتحها بذكر السراء‬
‫وهو كان بمكة بنص القرآن والخبر المتواتر وذكر فيها من مخاطبته للكفار بمكة ما‬
‫يبين بذلك بقوله ‪ ^ #‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل‬
‫يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ^ ‪ #‬فعم بالخبر جميع الخلق معجزا لهم‬
‫قاطعا بأنهم إذا اجتمعوا كلهم ل يأتون بمثل هذا القرآن ولو تظاهروا وتعاونوا على‬
‫ذلك وهذا التحدي والدعاء هو لجميع الخلق وهذا قد سمعه كل من سمع القرآن‬
‫وعرفه الخاص والعام وعلم مع ذلك أنهم لم يعارضوه ول أتوا بسورة مثله ومن‬
‫حين بعث وإلى اليوم المر على ذلك مع ما علم‬

‫من أن الخلق كلهم كانوا كفارا قبل أن يبعث ولما بعث إنما تبعه قليل ‪ #‬وكان الكفار‬
‫من أحرص الناس على إبطال قوله مجتهدين بكل طريق يمكن تارة يذهبون إلى أهل‬

‫‪616‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪617‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكتاب فيسئلونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها كما سألوه عن قصة يوسف‬
‫وأهل الكهف وذي القرنين كما تقدم وتارة يجتمعون في مجمع بعد مجمع على ما‬
‫يقولونه فيه وصاروا يضربون له المثال فيشبهونه بمن ليس مثله لمجرد شبه ما مع‬
‫ظهور الفرق فتارة يقولون مجنون وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون كاهن وتارة‬
‫يقولون شاعر إلى أمثال ذلك من القوال التي يعلمون هم وكل عاقل سمعها أنها‬
‫افتراء عليه ‪ #‬فإذا كان قد تحداهم بالمعارضة مرة بعد مرة وهي تبطل دعوته‬
‫فمعلوم أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلوها فإنه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد إذا‬
‫كانت القدرة حاصلة وجب وجود المقدور ثم هكذا القول في سائر أهل الرض ‪#‬‬
‫فهذا القدر يوجب علما بينا لكل أحد بعجز جميع أهل الرض عن أن يأتوا بمثل هذا‬
‫القرآن بحيلة وبغير حيلة وهذا أبلغ من اليات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى فإن‬
‫هذا لم يأت أحد‬

‫بنظيره وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلغته فقط أو نظمه‬
‫وأسلوبه فقط ول من جهة إخباره بالغيب فقط ول من جهة صرف الدواعي عن‬
‫معارضته فقط ول من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط بل هو آية بينة معجزة‬
‫من وجوه متعددة من جهة اللفظ ومن جهة النظم ومن جهة البلغة في دللة اللفظ‬
‫على المعنى ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن ال تعالى وأسمائه وصفاته‬
‫وملئكته وغير ذلك ‪ #‬ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن‬
‫الغيب المستقبل ومن جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلئل‬
‫اليقينية والقيسة العقلية التي هي المثال المضروبة كما قال تعالى ‪ ^ #‬ولقد صرفنا‬
‫للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إل كفورا ^ ‪ #‬وقال تعالى ‪^ #‬‬
‫ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان النسان أكثر شيء جدل ^ ‪#‬‬
‫وقال ‪ ^ #‬ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون‬

‫قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ^ ‪ #‬وكل ما ذكره الناس من الوجوه في‬
‫إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ول تناقض في ذلك بل كل قوم تنبهوا لما‬
‫تنبهوا له ‪ #‬ومن أضعف القوال قول من يقول من أهل الكلم إنه معجز بصرف‬
‫الدواعي مع تمام الموجب لها أو بسلب القدرة التامة أو بسلبهم القدرة المعتادة في‬
‫مثله سلبا عاما مثل قوله تعالى لزكريا ‪ ^ #‬آيتك أل تكلم الناس ثلث ليال سويا ^ ‪#‬‬
‫وهو أن ال صرف قلوب المم عن معارضته مع قيام المقتضي التام فإن هذا يقال‬
‫على سبيل التقدير والتنزيل وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلم يقدر الناس على التيان‬
‫بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة‬
‫من أبلغ اليات الخارقة للعادات بمنزلة من يقول إني آخذ أموال جميع أهل‬

‫هذا البلد العظيم وأضربهم جميعهم وأجوعهم وهم قادرون على أن يشكوا إلى ال أو‬
‫إلى ولي المر وليس فيهم مع ذلك من يشتكي فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة‬
‫‪ #‬ولو قدر أن واحدا صنف كتابا يقدر أمثاله على تصنيف مثله أو قال شعرا يقدر‬

‫‪617‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪618‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمثاله أن يقولوا مثله وتحداهم كلهم فقال عارضوني وإن لم تعارضوني فأنتم كفار‬
‫مأواكم النار ودماؤكم لي حلل امتنع في العادة أن ل يعارضه أحد فإذا لم يعارضوه‬
‫كان هذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة ‪ #‬والذي جاء بالقرآن قال للخلق كلهم أنا‬
‫رسول ال إليكم جميعا ومن آمن بي دخل الجنة ومن لم يؤمن بي دخل النار وقد‬
‫أبيح لي قتل رجالهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ووجب عليهم كلهم طاعتي ومن‬
‫لم يطعني كان من أشقى الخلق ومن آياتي هذا القرآن فإنه ل يقدر أحد على أن يأتي‬
‫بمثله وأنا أخبركم أن أحدا ل يأتي بمثله ‪ #‬فيقال ل يخلوا إما أن يكون الناس قادرين‬
‫على المعارضة أو عاجزين ‪ #‬فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه بل صرف ال‬
‫دواعي قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم أو سلبهم القدرة‬
‫التي كانت فيهم قبل تحديه فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل‬

‫معجزتي أنكم كلكم ل يقدر أحد منكم على الكلم ول على الكل والشرب فإن المنع‬
‫من المعتاد كإحداث غير المعتاد فهذا من أبلغ الخوارق ‪ #‬وإن كانوا عاجزين ثبت‬
‫أنه خارق للعادة فثبت كونه خارقا على تقدير النقيضين النفي والثبات فثبت أنه من‬
‫العجائب الناقضة للعادة في نفس المر ‪ #‬فهذا غاية التنزل وال فالصواب المقطوع‬
‫به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته ل يقدرون على ذلك ول يقدر محمد نفسه‬
‫من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر‬
‫كلمه لكل من له أدنى تدبر كما قد أخبر ال به في قوله ‪ ^ #‬قل لئن اجتمعت النس‬
‫والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا‬
‫^ ‪ #‬وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة لكنهم يحسون من أنفسهم‬
‫العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه‬

‫وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلم فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما‬
‫أخبر به القرآن من عجز الخلق عن التيان بمثله مثل قرآن مسيلمة الكذاب كقوله يا‬
‫ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين ل الماء تكدرين ول الشارب تمنعين رأسك في‬
‫الماء وذنبك في الطين ‪ #‬وكذلك أيضا يعرفون أنه لم يختلف حال قدرتهم قبل‬
‫سماعه وبعد سماعه فل يجدون أنفسهم عاجزين عما كانوا قادرين عليه كما وجد‬
‫زكريا عجزه عن الكلم بعد قدرته عليه ‪ #‬وأيضا فل نزاع بين العقلء المؤمنين‬
‫بمحمد والمكذبين له إنه كان قصده أن يصدقه الناس ول يكذبوه وكان مع ذلك من‬
‫أعقل الناس وأخبرهم وأعرفهم بما جاء به ينال مقصوده سواء قيل إنه صادق أو‬
‫كاذب فإن من دعى الناس إلى مثل هذا المر العظيم ولم يزل حتى استجابوا له‬
‫طوعا وكرها وظهرت دعوته وانتشرت ملته هذا النتشار هو من عظماء الرجال‬
‫على أي حال كان فإقدامه مع هذا القصد في أول المر وهو بمكة وأتباعه قليل على‬
‫أن يقول خبرا يقطع به أنه لو اجتمع النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن‬
‫ليأتون بمثله ل في ذلك العصر ول في سائر العصار‬

‫المتأخرة ل يكون إل مع جزمه بذلك وتيقنه له وإل فمع الشك والظن ل يقول ذلك‬

‫‪618‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪619‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من يخاف أن يظهر كذبه فيفتضح فيرجع الناس عن تصديقه ‪ #‬وإذا كان جازما‬
‫بذلك متيقنا له لم يكن ذلك إل عن إعلم ال له بذلك وليس في العلوم المعتادة أن‬
‫يعلم النسان أن جميع الخلق ل يقدرون أن يأتوا بمثل كلمه إل إذا علم العالم أنه‬
‫خارج عن قدرة البشر والعلم بهذا يستلزم كونه معجزا فإنا نعلم ذلك وإن لم يكن‬
‫علمنا بذلك خارقا للعادة ولكن يلزم من العلم ثبوت المعلوم وإل كان العلم جهل فثبت‬
‫أنه على كل تقدير يستلزم كونه خارقا للعادة ‪ #‬واما التفصيل فيقال نفس نظم القرآن‬
‫وأسلوبه عجيب بديع ليس من جنس أساليب الكلم المعروفة ولم يأت أحد بنظير هذا‬
‫السلوب فإنه ليس من جنس الشعر ول الرجز ول الخطابة ول الرسائل ول نظمه‬
‫نظم شيء من كلم الناس عربهم وعجمهم ونفس فصاحة القرآن وبلغته هذا عجيب‬
‫خارق للعادة ليس له نظير في كلم جميع الخلق وبسط هذا وتفصيله طويل يعرفه‬
‫من له نظر وتدبر‬

‫ونفس ما اخبر به القرآن في باب توحيد ال وأسمائه وصفاته أمر عجيب خارق ‪#‬‬
‫للعادة لم يوجد مثل ذلك في كلم بشر ل نبي ول غير نبي ‪ #‬وكذلك ما أخبر به عن‬
‫الملئكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم وغير ذلك ونفس ما أمر به القرآن من‬
‫الدين والشرائع كذلك ونفس ما أخبر به من المثال وبينه من الدلئل هو أيضا كذلك‬
‫‪ #‬ومن تدبر ما صنفه جميع العقلء في العلوم اللهية والخلقية والسياسية وجد بينه‬
‫وبين ما جاء في الكتب اللهية التوراة والنجيل والزبور وصحف النبياء وجد بين‬
‫ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظه ونظمه وبين سائر ألفاظ العرب‬
‫ونظمهم ‪ #‬فالعجاز في معناه أعظم وأكثر من العجاز في لفظه وجميع عقلء‬
‫المم عاجزون عن التيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن التيان بمثل‬
‫لفظه وما في التوراة والنجيل ولو قد أنه مثل القرآن ل يقدح في المقصود فإن تلك‬
‫كتب ال أيضا ول يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبي كما أتى المسيح بإحياء الموتى‬
‫وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره فكيف وليس ما في التوراة والنجيل مماثل‬

‫لمعاني القرآن ل في الحقيقة ول في الكيفية ول الكمية بل يظهر التفاوت لكل من‬


‫تدبر القرآن وتدبر الكتب ‪ #‬وهذه المور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة‬
‫ظهر له إعجازه من هذا الوجه ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالمر الظاهر الذي‬
‫يظهر له ولمثاله كعجز جميع الخلق عن التيان بمثله مع تحدي النبي وإخباره‬
‫بعجزهم فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد ‪ #‬ودلئل النبوة من جنس دلئل الربوبية فيها‬
‫الظاهر البين لكل أحد كالحوادث المشهودة مثل خلق الحيوان والنبات والسحاب‬
‫وإنزال المطر وغير ذلك وفيها ما يختص به من عرفه مثل دقائق التشريح ومقادير‬
‫الكواكب وحركاتها وغير ذلك فإن الخلق كلهم محتاجون إلى القرار بالخالق‬
‫والقرار برسله وما اشتدت الحاجة إليه في الدين والدنيا فإن ال يجود به على عباده‬
‫جودا عاما ميسرا ‪ #‬فلما كانت حاجتهم إلى النفس أكثر من حاجتهم إلى الماء‬
‫وحاجتهم إلى الماء أكثر من حاجتهم إلى الكل كان سبحانه قد جاء بالهواء جودا‬
‫عاما في كل مكان وزمان لضرورة الحيوان إليه ثم‬

‫‪619‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪620‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الماء دونه ولكنه يوجد أكثر مما يوجد القوت وأيسر لن الحاجة إليه أشد ‪ #‬فكذلك‬
‫دلئل الربوبية حاجة الخلق إليها في دينهم أشد الحاجات ثم دلئل النبوة فلهذا يسرها‬
‫ال وسهلها أكثر مما ل يحتاج إليه العامة مثل تماثل الجسام واختلفها وبقاء‬
‫العراض أو فنائها وثبوت الجوهر الفرد أو انتفاؤه ومثل مسائل المستحاضة وفوات‬
‫الحج وفساده ونحو ذلك مما يتكلم فيه بعض ا لعلماء‬

‫فصل ‪ #‬وسيرة الرسول وأخلقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته وأمته من آياته‬
‫وعلم أمته ودينهم من آياته وكرامات صالح أمته من آياته وذلك يظهر بتدبر سيرته‬
‫من حين ولد وإلى أن بعث ومن حيث بعث إلى أن مات وتدبر نسبه وبلده وأصله‬
‫وفصله فإنه كان من أشرف أهل الرض نسبا من صميم سللة إبراهيم الذي جعل‬
‫ال في ذريته الكتاب والنبوة والكتاب فلم يأت نبي بعد إبراهيم إل من ذريته ونجعل‬
‫له ابنين إسماعيل وإسحاق وذكر في التوراة هذا وهذا وبشر في التوراة بما يكون‬
‫من ولد إسماعيل ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهرت فيما بشرت به النبوات غيره‬
‫ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسول منهم ثم من قريش صفوة بني‬
‫إبراهيم ثم من بني هاشم صفوة قريش ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه‬
‫إبراهيم ودعا الناس إلى حجه ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم مذكورا في كتب‬
‫النبياء بأحسن وصف‬

‫وكان من اكمل الناس تربية ونشأة لم يزل معروفا بالصدق والبر والعدل ومكارم ‪#‬‬
‫الخلق وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم مشهودا له بذلك عند جميع من‬
‫يعرفه قبل النبوة وممن آمن به وممن كفر بعد النبوة ل يعرف له شيء يعاب به ل‬
‫في أقواله ول في أفعاله ول في أخلقه ول جرب عليه كذبة قط ول ظلم ول فاحشة‬
‫وكان خلقه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله‬
‫وكان أميا من قوم أميين ل يعرف ل هو ول هم ما يعرفه أهل الكتاب التوراة‬
‫والنجيل ولم يقرأ شيئا عن علوم الناس ول جالس أهلها ولم يدع نبوة إلى أن أكمل‬
‫ال له أربعين سنة فأتى بأمر هو أعجب المور وأعظمها وبكلم لم يسمع الولون‬
‫والخرون بنظيره وأخبرنا بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله ‪ #‬ثم اتبعه‬
‫أتباع النبياء وهم ضعفاء الناس وكذبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلكه‬
‫وهلك من اتبعه بكل طريق كما كان الكفار يفعلون بالنبياء وأتباعهم والذين اتبعوه‬
‫لم يتبعوه لرغبة ول لرهبة‬

‫فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ول جهات يوليهم إياها ول كان له سيف بل كان‬
‫السيف والمال والجاه مع أعدائه وقد آذوا أتباعه بأنواع الذى وهم صابرون‬
‫محتبسون ل يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلوة اليمان والمعرفة وكانت‬
‫مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فتجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم‬

‫‪620‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪621‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى ال صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء‬
‫الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود قد‬
‫سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تخبرهم به‬
‫اليهود وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر‬
‫وظهر في بعض عشرة سنة فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى‬
‫بلدهم وعلى الجهاد معه فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة وبها المهاجرون‬
‫والنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ول برهبة إل قليل من النصار أسلموا‬
‫في الظاهر ثم حسن إسلم بعضهم ثم أذن له في الجهاد ثم أمر به ولم يزل قائما‬
‫بأمر ال على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء ل يحفظ له كذبة‬
‫واحدة ول ظلم لحد ول غدر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع‬
‫اختلف الحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وقلة وكثرة‬
‫وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة وهو‬

‫على ذلك لزم لكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب‬
‫التي كانت مملوءة من عبادة الوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر‬
‫بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الرحام ل يعرفون آخرة ول معادا فصاروا‬
‫أعلم أهل الرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم حتى أن النصارى لما رأوهم حين‬
‫قدموا الشام قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلء وهذه آثار علمهم‬
‫وعملهم في الرض وآثار غيرهم يعرف العقلء فرق ما بين المرين ‪ #‬وهو مع‬
‫ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على النفس والموال مات ولم يخلف‬
‫درهما ول دينارا ول شاة ول بعيرا له إل بغلته وسلحه ودرعه مرهونة عند‬
‫يهودي على ثلثين صاعا من شعير ابتاعها لهله وكان بيده عقار ينفق منه على‬
‫أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين فحكم بأنه ل يورث ول يأخذ ورثته شيئا‬
‫من ذلك‬

‫وهو في كل وقت يظهر على يديه من عجائب اليات وفنون الكرامات ما يطول ‪#‬‬
‫وصفه ويخبرهم بخبر ما كان وما يكون ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‬
‫ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء حتى أكمل‬
‫ال دينه الذي بعث به وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول‬
‫أنه معروف إل أمر به ول منكر تعرف العقول أنه منكر إل نهى عنه لم يأمر بشيء‬
‫فقيل ليته لم يأمر به ول نهى عن شيء فقيل ليته لم ينه عنه وأحل الطيبات لم يحرم‬
‫شيئا منها كما حرم في شرع غيره وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحله‬
‫غيره وجمع محاسن ما عليه المم فل يذكر في التوراة والنجيل والزبور نوع من‬
‫الخبر عن ال وعن ملئكته وعن اليوم الخر إل وقد جاء به على أكمل وجه وأخبر‬
‫بأشياء ليست في الكتب ‪ #‬فليس في الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى‬
‫الفضائل وترغيب في الحسنات إل وقد جاء به وبما هو أحسن منه ‪ #‬وإذا نظر‬
‫اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من المم ظهر فضلها ورجحانها‬

‫‪621‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪622‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وكذلك في الحدود والحكام وسائر الشرائع ‪ #‬وأمته أكمل المم في كل فضيلة فإذا‬
‫قيس علمهم بعلم سائر المم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعباداتهم وطاعتهم‬
‫ل‬

‫بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل ال‬
‫وصبرهم على المكاره في ذات ال ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا وإذا قيس‬
‫سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم بغيرهم تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم وهذه‬
‫الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبله متبعين لكتاب‬
‫جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة ‪ #‬فكانت فضائل أتباع‬
‫المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات‬
‫وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده كالحواريين وقد استعانوا بكلم الفلسفة‬
‫وغيرهم حتى أدخلوا لما غيروا دين المسيح في دين المسيح أمورا من أمور الكفار‬
‫المناقضة لدين المسيح ‪ #‬واما أمة محمد فلم يكونوا قبله يقرؤون كتابا بل عامتهم ما‬
‫آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والنجيل والزبور إل من جهته فهو الذي‬
‫أمرهم أن يؤمنوا بجميع النبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند ال ونهاهم أن‬
‫يفرقوا بين أحد من الرسل فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به ‪ #‬سورة البقرة‬
‫اليتان ‪ 136‬و ‪137‬‬

‫وقال تعالى ‪ #‬سورة البقرة اليتان ‪ 285‬و ‪ # 286‬وامته ل يستحلون أن يأخذوا ‪#‬‬
‫شيئا من الدين من غير ما جاء به ول يبتدعون بدعة ما أنزل ال بها من سلطان فل‬
‫يشرعون من الدين ما لم يأذن به ال ‪ #‬لكن ما قصه عليهم من أخبار النبياء‬
‫وأممهم اعتبروا به وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه وما لم يعلموا‬
‫صدقه ول كذبه أمسكوا عنه وما عرفوا أنه باطل كذبوه ومن ادخل في الدين ما ليس‬
‫منه من أقوال متفلسفة الهند أو الفرس أو اليونان‬

‫أو غيرهم كان عندهم من أهل اللحاد والبتداع وهذا هو الدين الذي كان عليه‬
‫أصحاب رسول ال والتابعون وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في المة لسان‬
‫صدق وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا‬
‫عند الجماعة وهو مذهب أهل السنة والجماعة الظاهرون إلى قيام الساعة الذين قال‬
‫فيم النبي ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من‬
‫خذلهم حتى تقوم الساعة ‪ #‬وقد تنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الصل‬
‫الذي هو دين الرسل عموما ودين محمد خصوصا ‪ #‬ومن خالف في هذا الصل‬
‫كان عندهم ملحدا مذموما ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا قام به أكابر علمائهم‬
‫وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم وهو دين مبتدع ليس هو دين‬
‫المسيح ول دين غيره من النبياء ‪ #‬وال سبحانه وتعالى أرسل رسله بالعلم النافع‬
‫والعمل‬

‫‪622‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪623‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الصالح فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والخرة وإنما دخل في البدع من‬
‫قصر في اتباع النبياء علما وعمل ‪ #‬ولما بعث ال محمدا بالهدى ودين الحق تلقى‬
‫ذلك عنه المسلمون أمته ‪ #‬فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد أخذوه عن‬
‫نبيهم مع ما يظهر لكل عاقل أن أمته اكمل المم في جميع الفضائل العلمية والعملية‬
‫ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو من الصل المعلم وهذا يقتضي أنه كان‬
‫أكمل الناس علما ودينا وهذه المور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في‬
‫قوله ‪ ^ #‬إني رسول ال إليكم جميعا ^ ‪ #‬لم يكن كاذبا مفتريا فإن هذا القول ل‬
‫يقوله إل من هو من خيار الناس وأكملهم إن كان صادقا أو هو من شر الناس‬
‫وأخبثهم إن كان كاذبا ‪ #‬وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث‬
‫والجهل فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين وهذا يستلزم أنه كان صادقا‬
‫^ في قوله ‪ ^ #‬إني رسول ال‬

‫لن الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والول يوجب أنه ‪#‬‬
‫كان ظالما غاويا والثاني يقتضي أنه كان جاهل ضال وكمال علمه ينافي جهله‬
‫وكمال دينه ينافي تعمد الكذب فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن متعمدا للكذب‬
‫ولم يكن جاهل يكذب بل علم وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه‬
‫صادق ولهذا نزهه ال عن هذين المرين بقوله تعالى ‪ ^ #‬والنجم إذا هوى ما ضل‬
‫صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى ^ ‪ #‬وقال تعالى‬
‫عن الملك الذي جاء به ‪ ^ #‬إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين‬
‫مطاع ثم أمين ^ ‪ #‬ثم قال عنه ‪ ^ #‬وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالفق المبين‬
‫وما هو على الغيب بضنين ^ ‪ #‬أي بمتهم أو بخيل كالذي ل يعلم إل بجعل أو لمن‬
‫يكرمه‬

‫وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إل ذكر للعالمين ^ ‪ #‬وقال ^ ‪#‬‬
‫تعالى ‪ ^ #‬وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح المين على قلبك لتكون من‬
‫المنذرين بلسان عربي مبين ^ ‪ #‬إلى قوله ‪ ^ #‬هل أنبئكم على من تنزل الشياطين‬
‫تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون ^ ‪ #‬بين سبحانه أن الشيطان‬
‫إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه فإن الشيطان يقصد الشر وهو الكذب‬
‫والفجور ول يقصد الصدق والعدل فل يقترن إل بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ‬
‫فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة‬
‫أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان وال‬
‫ورسوله بريئان منه‬

‫فالرسول بريء من تنزل الشيطان عليه في العمد والخطأ بخلف غير الرسول ‪#‬‬
‫فإنه قد يخطىء ويكون خطؤه من الشيطان وإن كان خطؤه مغفورا له فإذا لم يعرف‬
‫له خبر أخبر به كان فيه مخطئا ول أمر أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم‬

‫‪623‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪624‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم ولهذا قال في الية الخرى عن النبي ‪ ^ #‬إنه‬
‫لقول رسول كريم وما هو بق‬
‫ول شاعر قليل ما تؤمنون ول بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين‬
‫^‬

‫فصل ‪ #‬وقد نقل الناس صفاته الظاهرة الدالة على كماله ونقلوا أخلقه من حلمه‬
‫وشجاعته وكرمه وزهده وغير ذلك ونحن نذكر بعض ذلك ‪ #‬ففي الصحيحين عن‬
‫البراء بن عازب قال كان رسول ال أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل‬
‫الذاهب ول بالقصير ‪ #‬وعنه قال كان بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى‬

‫شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه ‪ #‬وفي البخاري وسئل‬
‫البراء أكان وجه رسول ال مثل السيف قال ل بل مثل القمر ‪ #‬وفي الصحيحين من‬
‫حديث كعب بن مالك قال كان النبي إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رسول ال ضخم الرأس والقدمين لم أر قبله‬
‫ول بعده مثله وكان بسط الكفين ضخم اليدين‬

‫وسئل عن شعره فقال كان شعرا رجل ليس بالجعد ول بالسبط بين أذنيه وعاتقه ‪#‬‬
‫‪ #‬وفي الصحيحين عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال كان رسول ال‬
‫ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين وفسرها سماك بن حرب فقال واسع الفم‬
‫طويل شق العين قليل لحم العقب‬

‫وفي الصحيحن عن أنس قال كان رسول ال ليس بالطويل البائن ول بالقصير ول ‪#‬‬
‫بالبيض المهق ول بالدم ول بالجعد القطط ول بالسبط ‪ #‬وفي الصحيحين عنه‬
‫قال كان رسول ال أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجة‬
‫ول حريرا ألين من كف رسول ال ول شممت مسكا ول عنبرة أطيب من رائحة‬
‫رسول ال‬

‫وروى الدارمي عن ابن عباس قال كان رسول ال أفلج الثنيتين إذا تكلم رئي ‪#‬‬
‫النور يخرج من ثناياه ‪ #‬وروي عن ابن عمر قال ما رأيت أحدا أنجد ول أجود ول‬

‫أشجع ول أضوأ من رسول ال ‪ #‬وعن أنس قال دخل علينا رسول ال فقال عندنا‬
‫فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ رسول ال فقال أم‬
‫سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ #‬وروى الدارمي عن جابر قال كان رسول ال‬

‫ل يسلك طريقا فيتبعه أحد إل عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه ‪ #‬وفي حديث أم‬

‫‪624‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪625‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫معبد المشهور لما مر بها النبي في الهجرة هو وأبو بكر وموله ودليلهم وجاء‬
‫زوجها فقال صفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رجل ظاهر الوضاءة حلو المنطق‬
‫فصل ل نزر ول هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن‬

‫وروى أبو زرعة عن محمد بن عمار بن ياسر قالت قلت للربيع بنت معوذ بن ‪#‬‬
‫عفراء صفي لنا رسول ال فقالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن أنس قال كان رسول ال أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع‬
‫الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم‬

‫رسول ال راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لبي‬
‫طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا وقال وجدناه بحرا وكان الفرس‬
‫قبل ذلك بطيئا فعاد ل يجارى ‪ #‬وفي الصحيحن عن ابن عباس قال كان رسول ال‬
‫أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه‬
‫القرآن فلرسول ال أجود بالخير من الريح المرسلة ‪ #‬وفي الصحيحين عن البراء‬
‫بن عازب قال كنا إذا احمر‬

‫البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به يعني رسول ال ‪ #‬وعن علي بن أبي‬
‫طالب قال لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول ال وكان أشد الناس بأسا وما‬
‫كان أحد أقرب إلى العدو منه ذكره البيهقي بإسناد صحيح ‪ #‬وفي الصحيحين عن‬
‫أنس قال خدمت رسول ال عشر سنين وال ما قال لي أفا قط ول قال لي‬

‫لشيء لم فعلت كذا وهل فعلت كذا ‪ #‬وفي رواية في الصحيحين أيضا قال خدمته‬
‫في السفر والحضر وال ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ول لشيء لم‬
‫أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا وكان أحسن الناس خلقا وفي الصحيحين عن جابر قال‬
‫ما سئل رسول ال شيئا فقال ل ‪ #‬وفي الصحيحين عن أنس قال ما سئل رسول ال‬
‫على السلم شيئا إل أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه‬

‫غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من ل‬
‫يخاف الفاقة ‪ #‬وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول ال أشد حياء‬
‫من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ‪ #‬وفي الصحيحين عن‬
‫عبد ال بن عمرو وذكر رسول ال قال لم يكن فاحشا ول متفحشا‬

‫وروى البخاري عن أنس قال لم يكن رسول ال سبابا ول فحاشا ول لعانا كان ‪#‬‬
‫يقول لحدنا عند المعتبة ماله تربت جبيبنه ‪ #‬وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها‬
‫قالت ما خير رسول ال بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما‬
‫كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول ال لنفسه قط إل أن تنتهك حرمة ال ‪ #‬وعنها‬
‫قالت ما ضرب رسول ال بيده شيئا قط ل امرأة ول خادما إل أن يجاهد في سبيل‬

‫‪625‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪626‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إل أن ينتهك شيء من محارم ال فينتقم‬
‫ل‬

‫وروى مسلم في صحيحه عنها وقد سئلت عن خلق رسول ال فقالت كان خلقه ‪#‬‬
‫القرآن ‪ #‬وروى أبو داود الطيالسي عن شعبة حدثنا أبو إسحاق حدثنا أبو عبد ال‬
‫الجدلي قال سمعت عائشة وسألها عن خلق رسول ال فقالت لم يكن فاحشا ول‬
‫متفحشا ول سخابا في السواق ول يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أو يغفر‬
‫شك أبو داود‬

‫ورواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين ‪ #‬وفي الصحيحين عن علقمة قالت ‪#‬‬
‫سألت عائشة كيف كان عمل رسول ال وهل كان يخص شيئا من اليام قالت ل كان‬
‫عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول ال يستطيع ‪ #‬وروى مسلم في صحيحه‬
‫عن سعد بن هشام وقد سأل عائشة رضي ال عنها عن خلق رسول ال‬

‫فقالت ألست تقرأ القرآن قال بلى قالت فإن خلق نبي ال القرآن ‪ #‬وفي صحيح‬
‫الحاكم عن أبي هريرة أن رسول ال قال بعثت لتمم صالح الخلق ‪ #‬وفي‬
‫الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال قام رسول ال حتى تورمت قدماه فقيل يا‬
‫رسول ال أليس قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفل أكون عبدا‬
‫شكورا ‪ #‬وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال ما عاب رسول ال‬

‫طعاما قط إن اشتهاه أكله وإل تركه ‪ #‬وروى المام أحمد وأبو داود والترمذي وأبو‬
‫الشيخ الصبهاني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أخاه أتى النبي فقال‬
‫جيراني على ما أخذوا فأعرض عنه النبي فقال إن الناس يزعمون أنك نهيت عن‬
‫الغي ثم تستخلي به فقال لن‬

‫كنت أفعل ذلك أنه لعلي وما هو عليهم خلوا له جيرانه ‪ #‬وروى المام أحمد وأبو‬
‫داود والترمذي عن أنس بن مالك قال ما كان شخص أحب إليهم من رسول ال‬
‫وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لم يعلمون من كراهته لذلك رواه عن عبد الرحمن بن‬
‫مهدي ثنا حماد بن سلمة عن حميد عنه ‪ #‬وروى عنه أبو نعيم وأبو الشيخ وغيرهما‬
‫عن ابن عباس أن ال أرسل إلى نبيه ملكا من الملئكة معه جبريل فقال الملك إن ال‬
‫خيره بين أن يكون عبدا وبين أن يكون ملكا‬

‫نبيا قال فالتفت رسول ال إلى جبريل كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع فقال‬
‫رسول ال ل بل أكون عبدا نبيا رواه النسائي والبخاري في تاريخه ‪ #‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن أنس قال كان غلم يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي فقال أتشهد أن ل‬
‫إله إل ال فنظر الغلم إلى أبيه فقال له أبوه أطع أبا القاسم فأسلم فقال النبي الحمد ل‬
‫الذي أنقذه بي من النار ‪ #‬وعن أبي حازم أن النبي كلم‬

‫‪626‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪627‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫رجل فأرعد فقال له رسول ال هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من‬
‫قريش كانت تأكل القديد رواه ابن الجوزي من طرق بعضها متصل عن ابن مسعود‬
‫قال ابن الجوزي وروي متصل والصواب إرساله كما تقدم‬

‫وفي الصحيح عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء قالت يا رسول ال إن لي ‪#‬‬
‫إليك حاجة قال يا أم فلن خذي في أي الطرق شئت قومي فيه حتى أقوم معك فخل‬
‫معها يناجيها حتى قضت حاجتها رواه مسلم ‪ #‬وعن أنس قال كانت المة من إماء‬
‫أهل المدينة لتأخذ بيد رسول ال فتدور به في حوائجها حتى تفرغ ثم يرجع رواه‬
‫البخاري في الدب‬

‫وروي عن ابن أبي أوفى قال كان رسول ال يمشي مع الرملة والمسكين فيقضي ‪#‬‬
‫له حاجته ‪ #‬وعنه قال كان رسول ال يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلة ويقصر‬
‫الخطبة ول يستنكف أن يمشي مع العبد ول مع الرملة حتى يفرغ من حاجتهم‬
‫ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه ‪ #‬وروى أبو داود الطيالسي عن أنس قال كان‬
‫رسول ال يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة‬

‫المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف ‪ #‬وروى مسلم في صحيحه‬
‫عن أنس قال ما رأيت أرحم بالعيال من رسول ال ‪ #‬وروى البخاري عنه قال مر‬
‫رسول ال على صبيان فسلم عليهم ‪ #‬وروى ابن عباس قال كان رسول ال يجلس‬
‫على الرض ويأكل على الرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك ‪ #‬وعن قدامة‬
‫بن عبد ال رأيت رسول ال‬

‫على بغلة شهباء ل ضرب ول طرد ول إليك رواهما أبو الشيخ ‪ #‬وعن عائشة قالت‬
‫ما رأيت رسول ال قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم وكان‬
‫إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه فقلت يا رسول ال الناس إذا رأوا الغيم‬
‫فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية قال يا‬
‫عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد أتى العذاب قوما‬
‫وتل قوله تعالى ‪ ^ #‬فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ^‬
‫‪ #‬أخرجاه في الصحيحين‬

‫وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال كنت أمشي مع النبي وعليه برد نجراني ‪#‬‬
‫غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق‬
‫رسول ال قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال‬
‫ال الذي عندك قال فالتفت إليه رسول ال فضحك ثم أمر له بعطاء ‪ #‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن جابر بن سمرة قال كان رسول ال ل يقوم من مصله الذي يصلي فيه‬
‫حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون‬

‫‪627‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪628‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ويتبسم‬

‫وفي رواية أخرى صحيحة كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه ربما ‪#‬‬
‫تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم فيضحكون ويتبسم ‪ #‬وفي صحيح البخاري‬
‫عن عائشة رضي ال عنها وسألها السود ما كان رسول ال يصنع في أهله فقالت‬
‫كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلة خرج ‪ #‬ومن رواية‬
‫عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة‬

‫قال سأل رجل عائشة هل كان يعمل في بيته فقالت كان يخصف نعله ويخيط ثوبه‬
‫ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ‪ #‬وروى الطيالسي ثنا شعبة ثنا العور‬
‫قال سمعت أنسا يقول كان رسول ال يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة‬
‫المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه من ليف ‪ #‬وروى مسلم في‬
‫صحيحه عن أنس قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول ال ‪ #‬وروى عنه‬
‫البخاري قال مر رسول ال على صبيان فسلم عليهم‬

‫وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت ما شبع رسول ال ثلثة أيام ‪#‬‬
‫من خبز بر تباعا حتى مضى لسبيله ‪ #‬وعنها قالت كنا آل محمد يمر بنا الهلل‬
‫والهلل ما نوقد بنار لطعام إل أنه التمر والماء إل أنه حولنا أهل دور من النصار‬
‫فيبعث أهل كل دار بفريزة شاتهم إلى رسول ال وكان النبي يشرب من ذلك اللبن‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ #‬وفي صحيح البخاري قال أنس ما رأى رسول ال رغيفا‬
‫مرققا حتى لحق بال ول أرى شاة‬

‫سميطا بعينه قط ‪ #‬وفي صحيح البخاري عنه ما أكل رسول ال على خوان ول في‬
‫سكرجة ول خبز له مرقق فقيل له على ما كانوا يأكلون قال على السفر ‪ #‬وفي‬
‫صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب أنه خطب وذكر ما فتح على الناس فقال لقد‬
‫رأيت رسول ال يتلوى يومه من الجوع ما يجد من الدقل ما يمل بطنه‬

‫وفي صحيح البخاري عن أنس أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد ‪#‬‬
‫رهن درعه عند يهودي فأخذ لهله شعيرا ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد‬
‫صاع بر ول صاع حب وإنهم يومئذ تسعة أبيات ‪ #‬وفيه عن عائشة قالت كان‬
‫فراش رسول ال من أدم حشوه ليف ‪ #‬وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه لما ذكر اعتزال رسول ال نساءه قال فدخلت على رسول‬
‫ال في خزانته فإذا هو مضطجع على حصير فأدنى إليه إزاره وجلس وإذا الحصير‬
‫قد أثر بجنبه وقلبت عيني في بيته فلم أجد شيئا يرد البصر غير قبضة من شعير‬

‫وقبضة من قرظ نحو الصاعين وإذا أفيق ملعقة فابتدرت عيناي فقال رسول ال ما‬
‫يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا رسول ال وما لي ل أبكي وأنت صفوة ال ورسوله‬

‫‪628‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪629‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وخيرته من خلقه وهذه خزانتك وهذه العاجم كسرى وقيصر في الثمار والنهار‬
‫فقال أو في شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا‬
‫وفي رواية أو ما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة قال بلى قال فالحمد ل عز‬
‫وجل قال فقلت أستغفر ال ‪ #‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال‬
‫اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا‬

‫وروى الطيالسي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال اضطجع النبي على حصير ‪#‬‬
‫فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه عنه وأقول بأبي أنت وأمي يا رسول ال أل‬
‫آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه فقال ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا إل كراكب‬
‫استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ‪ #‬ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس أن‬
‫عمر دخل على النبي وذكر نحوه‬

‫وفي الترمذي عن أنس بن مالك قال حج النبي على رحل رث وقطيفة ورواه ‪#‬‬
‫البخاري أيضا عن أنس في كتاب الحج فقال حج أنس على رحل رث ولم يكن‬
‫شحيحا وحدث أن النبي حج على رحل وكانت زاملته ‪ #‬وفي صحيح الحاكم عن‬
‫أنس أن النبي‬

‫لبس خشنا وأكل خشنا ولبس الصوف واحتذى المخصوف قيل للحسن ما الخشن قال‬
‫غليظ الشعير ما كان يسيغه إل بجرعة ماء ‪ # #‬انتهى المجلد الخامس ‪ #‬ويليه‬
‫المجلد السادس ‪ #‬وأوله فصل في فضل أمة محمد على غيرها‬

‫فصل ومما يبين به فضل أمته على جميع المم وذلك مستلزم لكونه رسول &‬
‫صادقا كما تقدم وهو آية وبرهان على نبوته فإن كل ملزوم فإنه دليل على لزمه إن‬
‫المم نوعان نوع لهم كتاب منزل من عند ال كاليهود والنصارى ونوع ل كتاب لهم‬
‫كالهند واليونان والترك وكالعرب قبل مبعث محمد صلى ال عليه وسلم وما من أمة‬
‫إل ول بد لها من علم وعمل بحسبهم ويقوم به ما يقوم من مصالح دنياهم وهذا من‬
‫الهداية العامة التي جعلها ال لكل إنسان بل لكل حي كما يهدي الحيوان لجلب ما‬
‫ينفعه بالكل والشرب ودفع ما يضره باللباس والكن وقد خلق ال فيه حبا لهذا‬
‫وبغضا لهذا قال تعالى ^ سبح اسم ربك العلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى‬
‫^‬

‫وقال موسى ^ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ^ وقال في أول ما أنزل‬
‫على محمد صلى ال عليه وسلم ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق‬
‫اقرأ وربك الكرم الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم ^ وقال تعالى ^ ألم نجعل‬
‫له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ^ ثم المم متفاضلون في معرفة الخالق‬
‫تعالى وفي القرار بالمعاد بعد الموت إما للرواح فقط وإما للبدان فقط وإما‬
‫لمجموعهما كما هو قول سلف المة المسلمين وأئمتهم وعامتهم أهل السنة والجماعة‬

‫‪629‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪630‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ومتفاضلون فيما يحمدونه ويستحسنونه من الفعال والصفات وما يذمونه‬


‫ويستقبحونه من ذلك‬

‫لكن عامة بني آدم على أن العدل خير من الظلم والصدق خير من الكذب والعلم خير‬
‫من الجهل فإن المحسن إلى الناس خير من الذي ل يحسن إليهم وأما المعاد فهو إما‬
‫للرواح أو للبدان وإن الناس بعد الموت يكونون سعداء أو أشقياء فيقر به كثير من‬
‫المم غير أهل الكتاب وإن كان على وجه قاصر كحكماء الهند واليونان والمجوس‬
‫وغيرهم وذلك أن أهل الرض في المعاد على أربعة أقوال‬
‫أحدها وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة‬
‫المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية‬
‫والنظار وهو إثبات معاد الواح والبدان جميعا وأن النسان إذا مات كانت روحه‬
‫منعمة أو معذبة ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى ولهذا يذكر ال في كثير‬
‫من السور أمر القيامتين القيامة الصغرى بالموت والقيامة الكبرى حين يقوم الناس‬
‫من قبورهم وتعاد أرواحهم إلى ابدانهم كما ذكر ال القيامتين في سورة الواقعة حيث‬
‫قال في أولها ^ إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت‬
‫الرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم‬

‫أزواجا ثلثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب‬


‫المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ^ ثم ذكر سبحانه حال الصناف‬
‫الثلثة في القيامة الكبرى وقال في آخر السورة ^ فلول إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ‬
‫تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن ل تبصرون فلول إن كنتم غير مدينين‬
‫ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم‬
‫وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلم لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من‬
‫المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ^ وكذلك في سورة القيامة‬

‫ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة أيحسب النسان ألن نجمع عظامه بل ^‬
‫قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد النسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القيامة فإذا‬
‫برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول النسان يومئذ أين المفر كل‬
‫ل وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا النسان يومئذ بما قدم وأخر ^ فذكر القيامة‬
‫الكبرى ثم قال في آخر السورة ^ كل إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه‬
‫الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ^ ولبسط هذا موضع آخر فإن‬
‫ذكر ما ينال الروح عند فراق البدن من النعيم والعذاب كثير في النصوص النبوية‬

‫وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة فكثير جدا لن محمدا صلى ال عليه‬
‫وسلم خاتم النبياء وقد بعث بين يدي الساعة فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به‬
‫غيره كما ذكر المسيح في صفته فقال إنه يخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما‬
‫للرب‬

‫‪630‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪631‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والقول الثاني قول من يثبت معاد البدان فقط كما يقول ذلك كثير من المتكلمين‬
‫الجهمية والمعتزلة المبتدعين من هذه المة وبعض المصنفين يحكي هذا القول عن‬
‫جمهور متكلمي المسلمين أو جمهور المسلمين وذلك غلط فإنه لم يقل ذلك أحد من‬
‫أئمة المسلمين ول هو قول جمهور نظارهم بل هو قول طائفة من متكلميهم المبتدعة‬
‫الذين ذمهم السلف والئمة‬
‫والقول الثالث المعاد للنفس الناطقة بالموت فقط وأن البدان ل تعاد وهذا لم يقله‬
‫أحد من أهل الملل ل المسلمين ول اليهود ول النصارى بل هؤلء كلهم متفقون على‬
‫إعادة البدان وعلى القيامة الكبرى ولكن من تفلسف من هؤلء فوافق سلفه من‬
‫الصابئة والفلسفة المشركين على ان المعاد للروح وحده فإنه يزعم أن النبياء‬
‫خاطبوا الجمهور بمعاد البدان وإن لم يكن له حقيقة وخاطبوهم بإثبات الصفات ل‬
‫وليس له حقيقة وأن النبياء لم يظهروا الحقائق للخلق‬

‫وأنه ل يستفاد من أخبارهم معرفة شيء من صفات ال ول معرفة شيء من أمر‬


‫المعاد وحقيقة قولهم أن النبياء كذبوا للمصلحة وهؤلء ملحدة كفار عند المتبعين‬
‫للنبياء من المسلمين واليهود والنصارى وإن كان هؤلء كثيرين موجودين فيمن‬
‫يتظاهر بأنه من أهل الملل لظهور أديانهم وهو في الباطن على هذا الرأي وهؤلء‬
‫القائلون بمعاد الرواح فقط منهم من يقول بأن الرواح تتناسخ أما في أبدان‬
‫الدميين أو أبدان الحيوان مطلقا أو في موضع الجسام النامية ومنهم من يقول‬
‫بالتناسخ للنفس الشقية فقط وكثير من محققيهم ينكر التناسخ‬
‫والقول الرابع إنكار المعادين جميعا كما هو قول أهل الكفر من العرب واليونان‬
‫والهند والترك وغيرهم والمتفلسفة أتباع أرسطو كالفارابي وأتباعه لهم في معاد‬
‫الرواح ثلثة أقوال قيل بالمعاد للنفس العالمة والجاهلة وقيل بالمعاد للعالمة دون‬
‫الجاهلة وقيل بإنكار الثنين والفارابي نفسه قد قال القوال الثلثة وبسط الكلم على‬
‫هذه المور له موضع آخر إذ المقصود‬

‫هنا أن كل ما عند أهل الكتاب بل وسائر أهل الرض من علم نافع وعمل صالح‬
‫فهو عند المسلمين وعند المسلمين ما ليس عند غيرهم في جميع المطالب التي تنال‬
‫بها السعادة والنجاة وعقلء جميع المم تأمر بالعدل ومكارم الخلق وتنهى عن‬
‫الظلم والفواحش ولهم علوم إليهة وعبادات بحسبهم ويعظمون أهل العلم والدين منهم‬
‫والهند واليونان والفرس في ذلك أكمل من كفار الترك والبربر ونحوهم مع أن‬
‫هؤلء أيضا فيهم قسط من ذلك ومعلوم عند العتبار أن المم الذين لهم كتاب‬
‫كاليهود والنصارى أكمل من المم الذين ل كتاب لهم في الفضائل العلمية والعملية‬
‫فإن ما لم يأخذه الناس عن النبياء يعلم بالعقل والعتبار أو بالمنام واللهام وأخبار‬
‫الجن ونحو ذلك من طرق المم وكل طريق صحيح من الطرق العقلية واللهامية‬
‫وغيرها شارك‬

‫أهل الكتاب فيه من ل كتاب له ويمتاز أهل الكتاب بعلوم وأعمال أخذوها عن‬

‫‪631‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪632‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النبياء ليس في قوة من ليس بنبي ان يعلمها وهذا ظاهر في الخلق والسياسات‬
‫المزلية فإن جنس أهل الكتاب ولو كان منسوخا مبدل أحسن حال ل كتاب له وأما‬
‫في العبادات واليمان بال واليوم الخر فرجحانهم فيه ظاهر واما علوم وأعمال‬
‫يكون ضررها راجحا كالسحر والطلسمات وما يتوسل به من الشرك إلى إستخدام‬
‫الشياطين ونحو ذلك فهذا وإن كان غير أهل الكتاب أقوم به فإنما ذاك لستغناء أهل‬
‫الكتاب بما هو أنفع لهم في الدنيا والخرة ولهذا لما ذكر ال سبحانه في قصة سليمان‬
‫براءته عن‬

‫ذلك وكانت الشياطين قد كتبت كتب كفر وسحر ودفنتها تحت كرسي سليمان فلما‬
‫مات أظهروا ذلك وقالوا إنما كان يسخر الجن بهذه السماء والعزائم فصدقهم‬
‫فريقان فريق قدحوا في سليمان بل كفروه من أهل الكتاب وقال من فعل ذلك فهو‬
‫كافر وفريق قالوا نحن نقتدي بسليمان ونفعل كما كان يفعل وهم أهل العزائم‬
‫والطلسم التي يستخدمون بها الجن ويقولون إن سليمان كان يستخدمهم بها حتى‬
‫يقولوا إن هذه السماء كانت مكتوبة على تاجه وهذا صورة خاتمه وهذا كلم آصف‬
‫بن برخيا إلى امثال ذلك مما يضيفونه إليه وهو كذب على سليمان وقد ذكر ذلك‬
‫علماء المسلمين في تفسير قوله تعالى ^ سورة البقرة اليتان ‪103 101‬‬

‫فذم سبحانه من عدل عن اتباع كتاب ال ورسله واتبع ما تتلوه الشياطين على عهد‬
‫سليمان وبين سبحانه أن سليمان لم يكفر ولكن الشياطين كفروا وأنهم يعلمون الناس‬
‫السحر وما أنزل على الملكين ببابل وأن الملكين هاروت وماروت ما يعلمان من‬
‫أحد حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفر وأخبر سبحانه أنهم ل يضرون به احدا إل‬
‫بإذن ال‬

‫وأنهم يتعلمون ما يضرهم ول ينفعهم ثم قال ^ ولقد علموا لمن اشتراه ما له في‬
‫الخرة من خلق ^ أي من نصيب أي هؤلء يعلمون أن صاحبه ل نصيب له في‬
‫الخرة وإنما يطلبون أنهم يقضون به أغراضهم الدنيوية لما لهم في ذلك من الهوى‬
‫وذلك ضار لهم ل نافع كما قال في المشرك ^ يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه ^‬
‫قال تعالى ^ ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند ال خير لو كانوا يعلمون ^ فبين‬
‫سبحانه أنه باليمان والتقوى يحصل من ثواب ال ما هو خير لهم من هذا فإنهم إنما‬
‫يطلبونه لما يرجون به من الخير لهم وهذا خير لهم وهذا كقوله ^ إذ نودي للصلة‬
‫^ من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع ذلكم خير لكم‬

‫فإن ما تطلبه النفوس فيه لها لذة يجعل خيرا بذلك العتبار لكن إذا كان اللم زائدا‬
‫على اللذة كان شره أعظم من خيره والشرائع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها‬
‫وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تأمر بما تترجح مصلحته وإن كان فيه مفسدة‬
‫مرجوحة كالجهاد وتنهى عما ترجحت مفسدته وإن كان فيه مصلحة مرجوحة‬
‫كتناول المحرمات من الخمر وغيره ولهذا أمر تعالى أن نأخذ بأحسن ما أنزل إلينا‬

‫‪632‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪633‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من ربنا فالحسن إما واجب وإما مستحب قال تعالى ^ فخذها بقوة وأمر قومك‬
‫يأخذوا بأحسنها ^ وقال ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ فأمر باتباع‬
‫الحسن والخذ به وقال تعالى ^ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه‬
‫أولئك الذين هداهم ال ^ فاقتضى أن غيرهم لم يهده وهذا يقتضي وجوب الخذ‬
‫بالحسن وهو مشكل وقد تكلم الناس فيه ونظيره قوله تعالى‬

‫وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ^ وقوله تعالى ^ ادفع ^‬
‫بالتي هي أحسن السيئة ^ مع قوله تعالى في موضع آخر ^ ويدرؤون بالحسنة‬
‫السيئة ^ وقال تعالى ^ وجادلهم بالتي هي أحسن ^ وقال ^ ول تجادلوا أهل الكتاب‬
‫إل بالتي هي أحسن ^ وقال تعالى ^ ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن ^ في‬
‫موضعين‬

‫وقد يقال هذا نظير قوله تعالى ^ فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع ذلكم خير لكم ^‬
‫وقوله تعالى ^ ءال خير أما يشركون ^ وقوله تعالى ^ تال إن كنا لفي ضلل مبين‬
‫إذ نسويكم برب العالمين ^ وقوله ^ وال خير وأبقى ^ وقوله ^ والخرة خير وأبقى‬
‫^ وقوله ^ فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير‬
‫^ وأحسن تأويل‬

‫وقوله ^ أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ^ وقوله تعالى ^ ومن أحسن دينا ممن‬
‫أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ ال إبراهيم خليل ^ وقوله‬
‫تعالى ^ اعدلوا هو أقرب للتقوى ^ وقوله ^ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان‬
‫خيرا لهم واشد تثبيتا ^ ونظائر هذا كثيرة مما يذكر فيه أن المأمور به خير وأحسن‬
‫من المنهي عنه وإن كان الول واجبا والثاني محرما وذلك لن المأمور به قد‬
‫يشتمل على مفسدة مرجوحة والمنهي عنه يشتمل على مصلحة مرجوحة فيكون‬
‫باعتبار ذلك في‬

‫هذا خير وحسن وفي هذا شر وسيىء لكن هذا خير وأحسن وإن كان واجبا فقوله‬
‫تعالى ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ^ هو أمر بالحسن من فعل المأمور‬
‫أو ترك المحظور وهو يتناول المر بالواجب والمستحب فإن كلهما أحسن من‬
‫المحرم والمكروه لكن يكون المر أمر إيجاب وأمر استحباب كما امر بالحسان في‬
‫قوله تعالى ^ وأحسنوا إن ال يحب المحسنين ^ والحسان منه واجب ومنه مستحب‬

‫فصل وإذا كان جنس أهل الكتاب أكمل في العلوم النافعة والعمال الصالحة ممن &‬
‫ل كتاب له فمعلوم أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم أكمل من طائفتي أهل الكتاب‬
‫اليهود والنصارى وأعدل وقد جمع لهم محاسن ما في التوراة وما في النجيل فليس‬
‫عند أهل الكتاب فضيلة علمية وعملية إل وأمة محمد صلى ال عليه وسلم أكمل‬
‫منهم فيها فأما العلوم فهم أحذق في جميع العلوم من جميع المم حتى العلوم التي‬

‫‪633‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪634‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ليست بنبوية ول أخروية كعلم الطب مثل والحساب ونحو ذلك هم أحذق فيها من‬
‫المتين ومصنفاتهم فيها أكمل من مصنفات المتين بل أحسن علما وبيانا لها من‬
‫الولين الذين كانت هي غاية علمهم وقد يكون الحاذق فيها من هو عند المسلمين‬
‫منبوز بنفاق وإلحاد ول قدر له عندهم لكن حصل له بما يعلمه من‬

‫المسلمين من العقل والبيان ما اعانه على الحذق في تلك العلوم فصار حثالة‬
‫المسلمين أحسن معرفة وبيانا لهذه العلوم من اولئك المتقدمين وأما العلوم اللهية‬
‫والمعارف الربانية وما أخبرت به النبياء من الغيب كالعرش والملئكة والجن‬
‫والجنة والنار وتفاصيل المعاد فكل من نظر في كلم المسلمين فيها وكلم علماء‬
‫اليهود والنصارى وجد كلم المسلمين فيها اكمل وأتم ومعلوم أن علم أهل الكتاب‬
‫والملل بذلك أتم من علم غيرهم وأما العبادة والزهد والخلق والسياسة المنزلية‬
‫والمدنية فالكلم فيها مبني على أصل وهو معرفة المقصود بها وما به يحصل‬
‫المقصود فنقول للناس في مقصود العبادات مذاهب منهم من يقول المقصود بها‬
‫تهذيب أخلق النفوس وتعديلها لتستعد بذلك للعلم وليست هي مقصودة في نفسها‬
‫ويجعلونها من قسم الخلق وهذا قول متفلسفة اليونان وقول من اتبعهم من الملحدة‬
‫والسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة السلميين‬

‫كالفارابي وابن سينا وغيرهما ومن سلك طريقهم من متكلم ومتصوف ومتفقه كما‬
‫يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وابن‬
‫عربي وابن سبعين لكن أبو حامد يختلف كلمه تارة يوافقهم وتارة يخالفهم وهذا‬
‫القدر فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به النبياء وبين فلسفة‬
‫المشائين أرسطو وأمثاله ولهذا تكلموا في اليات وخوارق العادات وجعلوا لها ثلثة‬
‫أسباب القوى الفلكية والقوى النفسانية والطبيعية إذ كانت هذه هي المؤثرات في هذا‬
‫العالم عندهم وجعلوا ما للنبياء وغير النبياء من المعجزات والكرامات وما‬
‫للسحرة من العجائب هو من قوى النفس لكن الفرق بينهما أن ذلك قصده الخير هذا‬
‫قصده الشر وهذا المذهب من افسد مذاهب العقلء كما قد بسط الكلم عليه في‬
‫موضع آخر فإنه مبني على إنكار الملئكة وإنكار الجن وعلى أن ال ل يعلم‬
‫الجزئيات ول يخلق بمشيئته وقدرته ول يقدر على تغيير العالم ثم أن هؤلء ل‬
‫يقرون من المعجزات إلبما جرى على هذا‬

‫الصل وأمكن أن يقال فيه هذا مثل نزول المطر وتسخير السباع وإمراض الغير‬
‫وقتله ونحو ذلك وأما قلب العصا حية وإحياء الموتى وإخراج الناقة من الهضبة‬
‫وانشقاق القمر وأمثال ذلك فل يقرون به وقد علم بطرق متعددة ما يكون من‬
‫الخوارق بسبب افعال الجن وبسبب افعال الملئكة وأحوال الجن معلومة عند عامة‬
‫المم مسلمهم وكافرهم ل يجحد ذلك إل من هو من أجهل الناس وكذلك من فسرها‬
‫بقوى النفس وهذا غير إخبار ال عنهم فيما أنزله من الكتب وأما الملئكة فأمرهم‬
‫أجل وهم رسل ال في تدبير العالم كما قال تعالى ^ فالمدبرات أمرا ^ وقال‬

‫‪634‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪635‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فالمقسمات أمرا ^ وقد ذكر ال تعالى في كتبه من أخبارهم وأصنافهم‬

‫ما يطول وصفه وآثارهم موجودة في العالم يعرف ذلك بالعتبار كما قد بسط في‬
‫موضعه إذ المقصود هنا ذكر مذاهب الناس في العبادات وهؤلء غاية ما عندهم في‬
‫العبادات والخلق والحكمة العملية أنهم رأوا النفس فيها شهوة وغضب من حيث‬
‫القوة العملية ولها نظر من جهة القوة العلمية فقالوا كمال الشهوة في العفة وكما‬
‫الغضب في الحلم والشجاعة وكما القوة النظرية في العلم والتوسط في جميع ذلك‬
‫بين الفراط والتفريط هو العدل وما ذكروه من العمل متعلق بالندب لم يثبتوا خاصية‬
‫النفس التي هي محبة ال وتوحيده بل ول عرفوا ذلك كما لم يكن عندهم من العلم‬
‫بال إل قليل مع كثير من الباطل كما بسط الكلم عنهم في موضعه ومحبة ال‬
‫وتوحيده هو الغاية التي فيها صلح للنفس وهو عبادة ال وحده ل شريك له فل‬
‫صلح للنفس ول كمال لها إل في ذلك وبدون ذلك تكون فاسدة ل صلح لها كما قد‬
‫بسط الكلم على ذلك‬

‫في موضع آخر ولهذا كان هذا هو دين السلم الذي اتفقت عليه الرسل قال ال‬
‫تعالى ^ ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت ^ وقال ^‬
‫وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحى إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون ^ وقال ^‬
‫ومن يتبغ غير السلم دينا فلن يقبل منه ^ وقال تعالى ^ وسئل من أرسلنا من قبلك‬
‫من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ^ وقال تعالى ^ يا أيها الرسل كلوا‬
‫من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم‬

‫وإن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما‬
‫لديهم فرحون ^ وقال لما ذكر قصص النبياء ^ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم‬
‫فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون ^ وقال تعالى ^ شرع لكم من الدين‬
‫ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن‬
‫أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه ^ وقال تعالى ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت ال التي‬
‫فطر الناس عليها ل تبديل‬

‫لخلق ال ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا‬
‫الصلة ول تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم كانوا شيعا كل حزب بما‬
‫لديهم فرحون ^ وقد قال تعالى ^ وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ^ فالغاية‬
‫الحميدة التي بها يحصل كمال بني آدم وسعادتهم ونجاتهم عبادة ال وحده وهي‬
‫حقيقة قول القائل ل إله إل ال ولهذا بعث ال جميع الرسل وأنزل جميع الكتب ول‬
‫تصلح النفس وتزكو وتكمل إل بهذا كما قال تعالى ^ وويل للمشركين الذين ل‬
‫يؤتون الزكاة ^ أي ل يؤتون ما تزكو به نفوسهم من التوحيد واليمان وكل من لم‬
‫يحصل له هذا الخلص لم يكن من أهل النجاة والسعادة كما قال تعالى ^ إن ال ل‬
‫^ يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‬

‫‪635‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪636‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في موضعين من كتابه وهذا أول الكلمات العشر التي أنزلها ال على موسى حيث‬
‫قال أنا ال ل إله إل انا آلهك الذي أخرجتك من أرض مصر من التعبد ل يكون لك‬
‫إله غيري ل تتخذ صورا ول تمثال ما في السموات من فوق ومن في الرض من‬
‫أسفل وما في الماء من تحت الرض ل تسجد لهن ول تعبدهن إني إنا ربك العزيز‬
‫وقد شهد المسيح عليه السلم أن هذا هو أعظم وصية في الناموس فعبادة ال وحده‬
‫ل شريك له وان يكون ال احب إلى العبد من كل ما سواه هو أعظم وصية وكلمة‬
‫جاء بها المرسلون كموسى والمسيح ومحمد صلوات ال عليهم أجمعين وضد هذا‬
‫هو الشرك الذي ل يغفره ال تعالى قال تعالى ^ ومن الناس من يتخذ من دون ال‬
‫^ أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا اشد حبا ل‬

‫وقد بسط الكلم على هذا في غير هذا الموضع وبين أن النفس ليس لها نجاة ول‬
‫سعادة ول كمال إل بأن يكون ال معبودها ومحبوبها الذي ل أحب إليها منه ولهذا‬
‫كثر في الكتب اللهية المر بعبادة ال وحده ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال‬
‫الحب فل بد أن يكون العابد محبا للله المعبود كمال الحب ول بد أن يكون ذليل له‬
‫كمال الذل فمن احب شيئا ولم يذل له لم يعبده ومن خضع له ولم يحبه لم يعبده‬
‫وكمال الحب والذل ل يصلح إل ل وحده فهو الله المستحق للعبادة التي ل يستحقها‬
‫إل هو وذلك يتضمن كمال الحب والذل والجلل والكرام والتوكل والعبادة‬
‫فالنفوس محتاجة إلى ال من حيث هو معبودها ومنتهى مرادها وبغيتها ومن حيث‬
‫هو ربها وخالقها فمن آمن بال رب كل شيء وخالقه ولم يعبد إل ال وحده بحيث‬
‫يكون ال أحب إليه من كل ما سواه وأخشى عنده من كل ما سواه وأعظم عنده من‬
‫كل ما سواه وأرجى عنده من كل ما سواه بل من سوى بين ال وبين بعض‬
‫المخلوقات في الحب بحيث يحبه مثل ما يحب ال ويخشاه مثل ما يخشى ال ويرجوه‬
‫مثل ما يرجو ال ويدعوه مثل ما يدعوه فهو‬

‫مشرك الشرك الذي ل يغفره ال ولو كان مع ذلك عفيفا في طعامه ونكاحه وكان‬
‫حكيما شجاعا فما ذكره المتفلسفة من الحكمة العملية ليس فيها من العمال ما تسعد‬
‫به النفوس وتنجو من العذاب كما أن ما ذكروه من الحكمة النظرية ليس فيها اليمان‬
‫بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فليس عندهم من العلم ما تهتدي به النفوس‬
‫ول من الخلق ما هو دين حق ولهذا لم يكونوا داخلين في أهل السعادة في الخرة‬
‫المذكورين في قوله تعالى ^ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من‬
‫آمن بال واليوم الخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم‬
‫يحزنون ^ وهذه الفضائل الربع التي ذكرها المتفلسفة ل بد منها في كمال النفس‬
‫وصلحها وتزكيتها والمتفلسفة لم يحدوا ما يحتاج إليه بحد يبين مقدار ما تحصل به‬

‫النجاة والسعادة ولكن النبياء بينوا ذلك وقد قال سبحانه ^ قل إنما حرم ربي‬
‫الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم‬

‫‪636‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪637‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ فهذه النواع الربعة هي التي‬
‫حرمها تحريما مطلقا لم يبح منها شيئا لحد من الخلق ول في حال من الحوال‬
‫بخلف الدم والميتة ولحم الخنزير وغير ذلك فإنه يحرم في حال وياح في حال وأما‬
‫الربعة فهي محرمة مطلقا فالفواحش متعلقة بالشهوة والبغي بغير الحق يتعلق‬
‫بالغضب والشرك بال فساد أصل العدل فإن الشرك ظلم عظيم والقول على ال بل‬
‫علم فساد في العلم فقد حرم سبحانه هذه الربعة وهي فساد الشهوة والغضب وفساد‬
‫العدل والعلم وقوله ^ وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا ^ يتضمن تحريم أصل‬
‫الظلم في حق ال وذلك يستلزم إيجاب العدل في حق ال تعالى وهو عبادته وحده ل‬
‫شريك له فإن‬

‫النفس لها القوتان العلمية والعملية وعمل النسان عمل اختياري والعمل الختياري‬
‫إنما يكون بإرادة العبد وكل إنسان له إرادة وعمل بإرادته فإن النسان حساس‬
‫يتحرك بالرادة ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم أصدق السماء الحارث وهمام‬
‫والرادة ل بد لها من مراد وكل مراد فأما أن يراد لنفسه وأما أن يراد لغيره والمراد‬
‫لغيره ل بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه فالقوة العملية تستلزم أن يكون للنسان مراد‬
‫وذلك المراد لنفسه هو علة فاعلة للعلة الفاعلة ولهذا قيل العامة تقول‬

‫قيمة كل امرىء ما يحسنه والعارفون يقولون قيمة كل امرىء ما يطلب وفي بعض‬
‫الكتب المتقدمة إني ل أنظر إلى كلم الحكيم وإنما أنظر إلى همته وهؤلء المتفلسفة‬
‫لم يذكروا هذا في كمال النفس وإنما جعلوا كمالها العملي في تعديل الشهوة والغضب‬
‫بالعفة والحلم وهذا غايته ترك السراف في الشهوة والغضب والشهوة هي جلب ما‬
‫ينفع البدن ويبقي النوع والغضب دفع ما يضر البدن ولم يتعرضوا لمراد الروح‬
‫الذي يحبه لذاته مع أنهم إنما تكلموا فيما يعود إلى البدن وجعلوا ذلك إصلحا للبدن‬
‫الذي هو آلة للنفس وجعلوا كمال النفس في مجرد العلم وقد بسطنا غلطهم في هذا‬
‫الصل من وجوه في غير هذا الموضع وبينا أن النفس لها كمال في العمل والرادة‬
‫كما أن لها‬

‫كمال في العلم وأن العلم المجرد ليس كمال لها ول صلحا ولو كان كمال لم يكن ما‬
‫عندهم من العلم ما هو كمال النفس وبينا غلط الجهمية الذين قالوا اليمان هو مجرد‬
‫العلم وأن الصواب قول السلف والئمة إن اليمان قول وعمل أصله قول القلب‬
‫وعمل القلب المتضمن علم القلب وإرادته وإذا كان ل بد للنفس من مراد محبوب‬
‫لذاته ل تصلح إل به ول تكمل إل به وذلك هو إلهها فليس لها إله يكون به صلحا‬
‫إل ال ولهذا قال ال تعالى ^ لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا ^ وليس ذلك للنسان‬
‫فقط بل للملئكة الجن فإنهم كلهم أحياء عقلء ناطقون لهم علم وعمل اختياري ول‬
‫صلح لهم إل بمرادهم المحبوب لذاته وهو معبودهم ول يجوز أن يكون معبودا‬
‫محبوبا لنفسه إل ال فلو كان في السموات والرض إله إلال لفسدتا فلهذا كان دين‬
‫جميع الرسل عبادة ال وحده لشريك له‬

‫‪637‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪638‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وهؤلء المتفلسفة ل يعرفون ذلك فليس عندهم من صلح النفس وكمالها في العلم‬
‫والعمل ما تنجو به من الشقاء فضل عما تسعد به ومما يبين ذلك أن أرسطو معلمهم‬
‫الول هو وأتباعه إنما أثبتوا العلة الولى بالحركة الفلكية فقالوا الحركة الدورية‬
‫حركة اختيارية نفسانية فقوامه بحركته الختيارية وفساده بعدمها وقوام حركته بما‬
‫يتحرك لجله فإن الفاعل بالختيار إنما قوامه بعلته الغائية التي يتحرك لجلها‬
‫وغايته التي يتحرك لجلها هو العلة الولى فإنه يتحرك للتشبه بها فجعلوا قوام العالم‬
‫كله بالعلة الولى من حيث هو متشبه به لن المتحرك باختياره ل بد له من مراد‬
‫ومعلوم أن الحركة الرادية تطلب مرادا محبوبا لنفسها وتستلزم ذلك اعظم من‬
‫استلزامها مشبها به فإن كل متحرك بإرادة لبد له من مراد محبوب لنفسه فإن‬
‫الرادة ل بد لها من مراد والمراد يكون إما مرادا لنفسه وإما لغيره والمراد لغيره‬
‫إنما يراد لذلك الغير بد أن يكون ذلك الغير مرادا لنفسه أو منتهى إلى مراد لنفسه‬
‫وإل لزم التسلسل في العلل الغائبة وذلك باطل كبطلن التسلسل في العلل الفاعلية‬
‫بصريح‬

‫العقل واتفاق العقلء وبسط هذا له موضع آخر وإذا كان الفاعل باختيار يستلزم‬
‫مرادا لنفسه محبوبا فلبد أن يكون لما يتحرك في السموات بإرادته سواء كان هؤلء‬
‫الملئكة أو ما يسمونه هم نفسا من محبوب مراد لذاته يكون هو الله المعبود المراد‬
‫بتلك الحركات وكذلك نفس النسان حركتها بالرادة من لوازم ذاتها فل بد لها من‬
‫محبوب مراد لذاته وهو الله وهذا المحبوب المراد لذاته هو ال تعالى ويمتنع أن‬
‫يكون غيره كما قد بسط هذا في موضع آخر وبين أن يمتنع أن يكون موجودا بغيره‬
‫بل هو واجب الوجود بنفسه فيمتنع أنه يكون مرادا لغيره بل مراد لنفسه وكما يمتنع‬
‫أن يكون للعالم ربان قادران يمتنع أن يكون للعالم إلهان معبودان فإن كون أحدهما‬
‫قادرا يناقض كون الخر قادرا لمتناع اجتماع القادرين على مقدور واحد وامتناع‬
‫كون أحدهما قادرا على الفعل حين يكون الخر قادرا عليه وامتناع ارتفاع قدرة‬
‫أحدهما بقدرة الخر مع التكافؤ‬

‫كذلك يمتنع أن يكون إلهان معبودان محبوبان لذاتهما لن كون أحدهما هو المعبود‬
‫لذاته يناقضه أن يكون غيره معبودا لذاته فإن ذلك يستلزم أن يكون بعض المحبة‬
‫والعمل لهذا وبعض ذلك لهذا وذلك يناقض كون الحب والعمل كله لهذا فإن الشركة‬
‫نقص في الحب فل تكون حركة المتحرك بإرادته له فل يكون أحدهما معبودا‬
‫معمول له إل إذا لم يكن الخر كذلك فإن العمل لهذا يناقض أن يكون له شريك‬
‫فضل عن أن يكون لغيره وكل من أحب شيئين فإنما يحبهما لثالث غيرهما وإل‬
‫فيمتنع أن يكون كل منهما محبوبا لذاته إذ المحبوب لذاته هو الذي تريده النفس‬
‫وتطلبه وتطمئن إليه بحيث ل يبقى لها مراد غيره وهذا يناقض أن يكون له شريك‬
‫والقول الثاني قول من يقول إن ال عوض الناس بالتكليف بالعبادات ليثيبهم على‬
‫ذلك بعد الموت فإن النعام بالثواب ل يحسن بدون التكليف لما فيه من الجلل‬

‫‪638‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪639‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والتعظيم الذي ل يستحقه إل مكلف كما يقول ذلك القدرية من المسلمين وغيرهم‬

‫وهؤلء قد يجعلون الواجبات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية وقد يقولون إن‬
‫الغاية المقصودة التي بها يحصل الثواب هو العمل والعلم ذريعة إليه حتى يقولوا‬
‫مثل ذلك في معرفة ال تعالى يقولون إنما وجبت لنها لطف في أداء الواجبات‬
‫العقلية العملية‬
‫والقول الثالث قول من يقول بل ال أمر بذلك ل لحكمة مطلوبة ول بسبب بل‬
‫لمحض المشيئة وهذا قول الجبرية المقابلين للقدرية كالجهم والشعري وخلق كثير‬
‫من‬

‫المتكلمين والفقهاء والصوفية وغيرهم‬


‫القول الرابع قول سلف المة وأئمتها وهو أن نفس معرفة ال تعالى ومحبته‬
‫مقصودة لذاتها وأن ال سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته ل إله إل هو ول يجوز‬
‫أن يكون غيره محبوبا معبودا لذاته وأنه سبحانه يحب عباده الذين يحبونه ويرضى‬
‫عنهم ويفرح بتوبة التائب ويبغض الكافرين ويمقتهم ويغضب عليهم ويذمهم وأن في‬
‫ذلك من الحكم البالغة وكذلك من السباب ما يطول وصفه في هذا الخطاب كما قد‬
‫بسط في موضعه إذ المقصود هنا التنبيه على ان المسلمين في هذا أكمل من غيرهم‬
‫في العلوم النافعة والعمال الصالحة وإذا عرف مذاهب الناس في مقاصد العبادات‬
‫فهم أيضا مختلفون في صفاتها فمن الناس من يظن أن كل ما كان أشق على النفس‬
‫وأشد إماتة لشهوتها فهو أفضل وهذا مذهب كثير من‬

‫المشركين الهند وغيرهم وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى وكثير من مبتدعة‬
‫المسلمين والثاني قول من يقول إن أفضلها ما كان أدعى إلى تحصيل الواجبات‬
‫العقلية‬
‫والثالث قول من يقول فضل بعضها على بعض ل علة له بل يرجع إلى محض‬
‫المشيئة‬
‫والرابع وهو الصواب أن أفضلها ما كان ل أطوع وللعبد أنفع فما كان صاحبه‬
‫أكثر انتفاعا به وكان صاحبه أطوع ل به من غيره فهو أفضل كما جاء في الحديث‬
‫خير العمل أنفعه وعلى كل قول فعبادات المسلمين أكمل من عبادات غيرهم أما عن‬
‫الول فأولئك يقولون كلما كانت العمال اشق على النفس فهي أفضل ثم هؤلء قد‬
‫يفضلون الجوع والسهر والصمت والخلوة ونحو ذلك كما يفعل ذلك من يفعله من‬
‫المشركين الهند وغيرهم ومن النصارى ومبتدعة هذه المة ولكن يقال لهم الجهاد‬
‫أعظم مشقة من‬

‫هذا كله فإنه بذل النفس وتعريضها للموت ففيه غاية الزهد المتضمن لترك الدنيا‬
‫كلها وفيه جهاد النفس في الباطن وجهاد العدو في الظاهر ومعلوم ان المسلمين‬
‫أعظم جهادا من اليهود والنصارى فإن اليهود خالفوا موسى في الجهاد وعصوه‬

‫‪639‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪640‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والنصارى ل يجاهدون على دين وأما على قول من يجعل العبادات الشرعية لطفا‬
‫في الواجبات العقلية فلريب أن عبادات المسلمين كصلتهم وصيامهم وحجهم أدعى‬
‫إلى العدل الذي هو جماع الواجبات العقلية من عبادات غيرهم التي ابتدعوها فإنها‬
‫متضمنة للظلم المنافي للعدل وأما على قول نفاة التعليل ورد ذلك إلى مشيئة ال‬
‫فيكون المر في ذلك راجعا إلى محض مشيئة ال وتعبده للخلق وحينئذ فمن تكون‬
‫عباداته تابعة لمر ال الذي جاء به الرسل يكون متعبدا بما أمر ال به بخلف من‬
‫تكون عباداته قد ابتدعها أكابرهم من غير أن يأتيهم بها رسول ال من عند ال وأما‬
‫على القول الرابع فإن علم أن ال أمر به يتضمن طاعة ال وهذا إنما يكون في‬
‫عبادات أمر ال بها وهي عبادات المسلمين‬

‫دون من ابتدع كثيرا من عباداتهم أكابرهم وأما انتفاع العباد بها فهذا يعرف بثمراتها‬
‫ونتائجها وفوائدها ومن ذلك آثارها في صلح القلوب فليتدبر النسان عقول‬
‫المسلمين وأخلقهم وعدلهم يظهر له الفرق بينهم وبين غيرهم ثم صفات عباداتهم‬
‫فيها من الكمال والعتدال كالطهارة والصطفاف والركوع والسجود واستقبال بيت‬
‫إبراهيم الذي هو إمام الخلئق والمساك فيها عن الكلم وما فيها من الخشوع‬
‫وتلوة القرآن واستماعه الذي يظهر الفرق بينه وبين غيره من الكتب لكل متدبر‬
‫منصف إلى أمثال ذلك من المور التي يظهر بها فضل عبادات المسلمين على‬
‫عبادات غيرهم وأما حكم المسلمين في الحدود والحقوق فليخفى على عاقل فضله‬
‫حتى إن النصارى في طائفة من بلدهم ينصبون لهم من يقضي بينهم بشرع‬
‫المسلمين إذ لم يكن لهم شرع يحكم به الناس وليس في النجيل حكم عام بل عامته‬
‫وإنما فيه المر بالزهد ومكارم الخلق وهو مما يأمر به المسلمون أيضا وقد ذكرنا‬
‫في كون المسلمين معتدلين متوسطين بين اليهود‬

‫والنصارى في التوحيد والنبوات والحلل والحرام وغير ذلك مما يبين أنهم أفضل‬
‫من المتين مع أن دلئل هذا كثيرة جدا وإنما المقصود التنبيه على ذلك وحينئذ‬
‫ففضل المة يستلزم فضل متبوعها‬

‫فصل ومما يبين أمر محمد صلى ال عليه وسلم أن من دعا إلى مثل ما دعا إليه &‬
‫ل يخلو من ثلثة أقسام إما ان يكون نبيا صادقا مرسل من ال كما أخبر عن نفسه‬
‫بمنزلة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من النبياء الذين‬
‫ذكرهم ال في قوله تعالى ^ سورة النساء اليات ‪ ^ 166 162‬وإما أن يكون ملكا‬
‫مسلما عادل وضع ناموسا سياسيا‬

‫وقانونا عدليا ينفع به الخلق ويحملهم به على السيرة العادلة بمبلغ علمه كان ان للمم‬
‫من يضع لهم النواميس مثل واضعي النواميس من اليونان والهند والفرس وغيرهم‬
‫وإن كان واضع الناموس مختصا بقوة قدسية ينال بها العلم بسهولة وقوة نفسية‬
‫يتصرف فيها تصرفات خارجة عن العادة ويكون له قوة تخييلية تمثل له في نفسه‬

‫‪640‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪641‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أشكال نورانية وأصواتا يسمعها في داخل نفسه فإن هذه الخواص الثلثة هي التي‬
‫يقول ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة إنها خواص النبي ومن قامت به كان نبيا والنبوة‬
‫مكتسبة عندهم ولكن لما كانت هذه موجودة لكثير من الخلق ولم يصل بها إلى قريب‬
‫من درجة الصديقين أتباع النبياء كالخلفاء الراشدين وحواريي عيسى واصحاب‬
‫موسى جعلناها من هذا القسم إذ صاحب هذا قد يكون فيه عدل وسياسة بحسب ما‬
‫معه من العلم والعدل فهذا القسم الثاني وإما ان يكون رجل كاذبا فاجرا أفاكا أثيما‬
‫يتعمد الكذب والظلم أو يتكلم بل علم فيخطىء خطأ من يتكلم بل علم ومن يظن‬
‫الكذب صدقا والباطل حقا والضلل هدى والغي‬

‫رشدا والظلم عدل والفساد صلحا وكل من دعا الخلق إلى متابعته وطاعته على‬
‫سبيل الحتم واليجاب بأن يصدقوه بما اخبر ويطيعوه فيما أمر به وأوجبه باطنا‬
‫وظاهرا من غير أن يخير أحدا في اتباعه وتصديقه وطاعته ول يسوغ له مخالفته‬
‫بوجه من الوجوه ل في الباطن ول في الظاهر لم يخرج عن هذه القسام الثلثة‬
‫وذلك لنه إما أن يكون قصده الثم والعدوان أو قصده البر والعدل فإن كان قصده‬
‫الول فهو ظالم فاجر ومثل هذا ل يكون إل كاذبا عمدا أو خطأ وإن كان قصده البر‬
‫والعدل فليخلو مع ذلك إما أن يكون عالما بكل ما يخبر به من الغيوب جازما‬
‫بصدق نفسه جزما ل يحتمل النقيض عالما بأن ما يأمر به عدل ل يجوز لمن أمره‬
‫أن يعصيه بوجه من الوجوه وإما ان ل يكون جازما بذلك فإن كان جازما بذلك كان‬
‫هذا هو النبي المعصوم الذي ل يخبر إل بحق ول يأمر إل بعدل ^ وتمت كلمت‬
‫ربك صدقا وعدل ل مبدل لكلماته وهو السميع العليم ^ بخلف القسم الذي يتحرى‬
‫العدل والصدق باجتهاده ورأيه فإن‬

‫هذا قد يأمر بأشياء يجوز ان تكون المصلحة والعدل والصدق في خلفها ويخبر‬
‫بأشياء باجتهاده يحوز أن يكون المر فيها بخلف ذلك ول بد ان يغلط في بعض ما‬
‫يخبر به من العلميات وما يأمرهم به من العمليات فإنه ل معصوم إل النبياء ولهذا‬
‫لم يجب اليمان بكل ما يقوله بشر إل أن يكون نبيا فإن اليمان واجب بكل ما يأتي‬
‫به النبي قال تعالى ^ قولوا آمنا بال وما أنزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل‬
‫نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ^ وقال تعالى ^ ليس البر ان تولوا وجوهكم‬
‫قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب‬
‫والنبيين ^ وإذا كان المر كذلك فمعلوم بالتواتر أن محمدا ذكر أنه رسول‬

‫كإبراهيم وموسى وعيسى بل اخبر أنه سيد ولد آدم وأن آدم فمن دونه تحت لوائه‬
‫يوم القيامة وأنه لما اسري به وعرج إلى ربه عل على النبياء كلهم على إبراهيم‬
‫وموسى وهرون ويحيى وعيسى وغيرهم وأخبر أنه ل نبي بعده وأن امته هم‬
‫الخرون في الخلق السابقون يوم القيامة وأن الكتاب الذي انزل إليه أحسن الحديث‬
‫وأنه مهيمن على ما بين يديه من الكتب مع تصديقه لذلك وحينئذ فإن كان عالما‬

‫‪641‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪642‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بصدق نفسه فهو نبي رسول ومن قال هذا القول وهو يعلم أنه كاذب فهو من أظلم‬
‫الناس وأفجرهم ^ ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا او قال أوحي إلي ولم يوح‬
‫إليه شيء ^ وإن كان يظن صدق نفسه وليس كذلك فهو مخطىء غالط ملبوس عليه‬
‫وإذا كان كذلك فلبد ان يخطىء فيما يخبر به من الغيوب ويظلم فيما يأمر به من‬
‫العدل ول يتصور استمراره على هذا بل ل بد ان يتبين له ولغيره أنه صادق أو‬
‫كاذب فإن من ظن صدق نفسه في مثل هذه الدعوى وليس بصادق‬

‫يكون من أجهل الناس وأظلمهم وأبعدهم عن التمييز بين الحق والباطل والصدق‬
‫والكذب والخير والشر فإن هذا بمنزلة من اشتبه عليه النبي الصادق بالمتنبي الكذاب‬
‫وهذا من أجهل الناس وإذا اشتبه عليه حال غيره فكيف بمن اشتبه عليه حال نفسه‬
‫ولم يعلم ما يقوله أصدق هو أم كذب ومن كان جاهل مع هذه الدعوى العظيمة التي‬
‫لم يدع بشر مثلها ومع كثرة ما يخبر به من الغيوب الماضية والمستقبلة ويأمر به‬
‫وينهى عنه من المور الكلية والسنن العامة والشرائع والنواميس فل بد أن يكون‬
‫فيها من الضلل والغي ما يبين لكثر الخلق فإذا كانت أخباره عن الماضي‬
‫والمستقبل يصدق بعضها بعضا والذي يأمر به هو الطريق القوم والكتاب الذي‬
‫جاء به كتاب متشابه مثاني يشبه بعضه بعضا في الصدق قال تعالى ^ أفل يتدبرون‬
‫^ القرآن ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا‬

‫فإنه لو كان من عند غير ال لوجب أن يكون فيه تناقض لمتناع قدرة البشر على أن‬
‫تخبر بهذه الخبار وما فيها من الغيوب ويأمر بهذه الوامر مع سلمة ذلك من‬
‫التناقض ولهذا ل يوجد بشر غير نبي يسلم من ذلك وإذا كان محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم قد علم بالضطرار من سيرته أنه كان يتحرى الصدق والعدل وأنه ما جربت‬
‫عليه كذبة قط وعلم أنه كان جازما بما يخبر به مع عظم الخبار وكثرتها وهو وحده‬
‫قام يدعو الناس إلى ما جاء به ومن عادة طالب الملك والرياسة ولو كان عادل أن‬
‫يستعين بمن يعينه كأقاربه وأصدقائه ونحوهم وأن يبذل للنفوس من العاجل ما‬
‫يرغبها به كالمال والرياسة ويرهب من خالفه ومحمد صلى ال عليه وسلم دعا‬
‫الناس وحده وهو بمكة فآمن به المهاجرون فتعين أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫خير من النصارى ثم آمن به أهل البحرين ولم يعط أحدا منهم درهما ول كان معه‬
‫ما يخيفهم به ل سيف ول غيره بل مكث بمكة بضع عشرة سنة هو والمؤمنون به‬
‫مستضعفين لم يكن له مال يبذله لهم ول سيف يخيفهم به‬

‫وكان أعظم من آمن به أبو بكر الصديق مع كمال عقله وخلقه ودينه في قومه‬
‫ومحبتهم له وعلو قدره فيهم أنفق ماله كله في سبيل ال حتى قال له النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ما تركت لهلك قال تركت لهم ال ورسوله ولم يعطه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم درهما واحدا يخصه به ثم تولى المر بعده وترك ما كان معه للمسلمين‬
‫وتولى بعده عمر بن الخطاب وفتح أعظم ممالك العالم مملكة فارس والروم فقهر‬
‫الروم على بلد الشام والجزيرة ومصر وأميره الكبير أبو عبيدة أزهد الخلق في‬

‫‪642‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪643‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الموال وأعبدهم للخالق وأرحمهم للمخلوق وأبعدهم عن هوى النفس ولهذا قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فيه إن لكل أمة أمينا وأمين هذه‬

‫المة أبو عبيدة بن الجراح وأميره على فارس سعد بن أبي وقاص الذي كان‬
‫مستجاب الدعوة وكان من أزهد الناس وكان آخر من بقي من أهل الشورى والناس‬
‫يتنازعون في الولية وهو معتزل في قصره بالعقيق ل يزاحم أحدا فقال له ابنه عمر‬
‫تركت الناس يتنازعون الملك وجلست ههنا فقال سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول إن ال يحب العبد التقي الغني النقي الخفي‬

‫فصل ومن آيات محمد صلى ال عليه وسلم ودلئل نبوته التي في القرآن قصة &‬
‫الفيل قال تعالى ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل‬
‫وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ^ وقد‬
‫تواترت قصة أصحاب الفيل وأن أهل الحبشة النصارى ساروا بجيش عظيم معهم‬
‫فيل ليهدموا الكعبة لما أهان بعض العرب كنيستهم التي باليمن فقصدوا إهانة الكعبة‬
‫وتعظيم كنايسهم فارسل ال عليهم طيرا أهلكهم وكان ذلك عام مولد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وكان جيران البيت مشركين يعبدون الوثان ودين النصارى خير من‬
‫دينهم‬

‫فعلم بذلك أن هذه الية لم تكن لجل جيران البيت حينئذ بل كانت لجل البيت أو‬
‫لجل النبي صلى ال عليه وسلم الذي ولد به في ذلك العام عند البيت أو لمجموعهما‬
‫وأي ذلك كان فهو من دلئل نبوته فإنه إذا قيل إنما كانت آية للبيت وحفظا له وذبا‬
‫عنه لنه بيت ال الذي بناه إبراهيم الخليل فقد علم أنه ليس من أهل الملل من يحج‬
‫إلى هذا البيت ويصلى إليه إل أمة محمد صلى ال عليه وسلم ومحمد هو الذي‬
‫فرض حجه والصلة إليه فإذا كان هذا البيت عند أهل الكنائس لما ارادوا تعظيم‬
‫الكنائس وإهانة البيت علم أن دين أهل هذا البيت خير من دين النصارى‬
‫والمشركون ليسوا خيرا من النصارى فتعين أن أمة محمد صلى ال عليه وسلم خير‬
‫من النصارى وذلك يستلزم أن نبيهم صادق وإل فمن كانوا متبعين لنبي كاذب‬
‫فليسوا خيرا من النصارى بل هم شرار الخلق كأتباع مسيلمة الكذاب والسود‬
‫العنسي وغيرهما وقال في القرآن ^ الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل‬
‫^ كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل‬

‫والبابيل جماعات في تفرقة فوج بعد فوج ^ ترميهم بحجارة من سجيل ^ أي من‬
‫طين مستحجر ^ فجعلهم كعصف مأكول ^ كالتبن الذي أكل وقوله ^ ألم تر ^‬
‫إستفهام في معنى التقرير وهذا يقتضي أن هذا قد وقع وعلم به الناس ورأوه وقد‬
‫قررهم على ذلك لما فيه من الدللة والبيان والنعام على الخلق ومن آيته الظاهرة‬
‫التي في القرآن ما ذكره من أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا بخلف ما كانت‬
‫العادة جارية به قال تعالى ^ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا‬

‫‪643‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪644‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫^ قرءآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا‬

‫إلى قوله ^ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها‬
‫مقاعد للسمع فمن يستمع الن يجد له شهابا رصدا وأنا ل ندري أشد أريد بمن في‬
‫الرض أم أراد بهم ربهم رشدا ^ وقال تعالى ^ وما تنزلت الشياطين وما ينبغي لهم‬
‫وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون ^ وهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقرؤه على الناس وهم يقرؤنه ولم ينكره أحد ول ارتاب به مؤمن ول احتج به عليه‬
‫كافر فدل أن الناس علموا صدق ما أخبرت به الجن من أن السماء ملئت حرسا‬
‫شديدا وشهبا وانهم لم يتمكنوا حينئذ مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك من الستماع‬
‫ومعلوم ان هذا أمر يراه الناس بأبصارهم فإن امتل السماء بالشهب أمر يراه الناس‬
‫كلهم فلو لم يكن كذلك لكان الناس يكذبون بهذا مؤمنهم وكافرهم فإن الجماعة‬
‫العظيمة الذين لم يتواطئوا يمتنع اتفاقهم على الكذب وعلى التصديق بما يعلمون أنه‬
‫كذب وعلى كتمان ما يعلمونه وعلى ترك إنكار ما يعلمون أنه كذب‬

‫وقد سمع القرآن ألوف مؤلفة أدركوا مبعثه وشاهدوا أحوال السماء فلو لم يكن هذا‬
‫كان موجودا مع أن عامتهم كانوا مكذبين لهو لما آمنوا كانوا طوائف متباينين يمتنع‬
‫اتفاقهم على كذب أو كتمان أو سكوت فلما لم ينكر ذلك أحد بل تظاهرت الخبار‬
‫بمثل ما أخبر به القرآن من الرمي العظيم بالشهب الذي لم يعهده مثله حتى صاروا‬
‫يشكون هل ذلك في الكواكب التي في الفلك أو في غيرها وقالوا إن كان في كواكب‬
‫الفلك فهو خراب العالم فلما رواه فيما دونها علموا أنه لمر حدث ففي الصحيحين‬
‫من حديث ابن عباس قال انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم في طائفة من‬
‫أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت‬
‫عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين السماء‬
‫أرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إل من شيء حدث فاضربوا مشارق الرض‬
‫ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون‬

‫مشارق الرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهي بنخل عامدين إلى‬
‫سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا‬
‫هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومم فقالوا يا قومنا ^ إنا سمعنا‬
‫قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ^ فأنزل ال عز وجل‬
‫على نبيه محمد صلى ال عليه وسلم ^ قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن ^ وفي‬
‫لفظ البخاري بنخلة قريبا من مكة وهو الصواب‬

‫وقد ظن بعض الناس أن الشهب لم يكن يرمي بها قبل ذلك بحال والصواب أنه كان‬
‫الرمي بها كما هو الن أحيانا كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس ورواه أيضا‬
‫أحمد في مسنده أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بينما هو في نفر من النصار إذ‬
‫رمي بنجم فاستنار فقال لهم ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية‬

‫‪644‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪645‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قالوا كنا نقول حين رأيناها يرمي بها مات ملك ولد مولود فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ليس ذلك كذلك ولكن ال إذا قضى في خلقه أمرا يسمعه أهل العرش‬
‫فيسبحون فيسبح من تحتهم بتسبيحهم فيسبح من تحت ذلك فلم يزل التسنبيح يهبط‬
‫حتىينتهي إلى السماء الدنيا حتى يقول بعضهم لبعض لم سبحتم فيقولون سبح من‬
‫فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون أل تسألون من فوقكم مم سبحوا فيسألونهم فيقولون‬
‫قضى ال في خلقه كذا وكذا المر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء‬
‫حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيتحدثون به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم منهم‬
‫واختلف ثم يأتون به الكهان من أهل الرض فيحدثونهم فيخطئون ويصيبون‬
‫فيحدث الكهان وفي الصحيحين عن عائشة قالت قلت يا رسول ال إن‬

‫الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقا قال تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني‬
‫فيقذفها في أذن وليه فيزيد فيها اكثر من مائة كذبة وروى البخاري في صحيحه عن‬
‫عائشة أنها سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول إن الملئكة تنزل في العنان وهو‬
‫السحاب فتذكر المر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى‬
‫الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي‬
‫هريرة قال إن نبي ال صلى ال عليه وسلم قال إذا قضى ال المرا في السماء‬
‫ضربت الملئكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على‬

‫صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذ قال ربكم قالوا للذي قال ^ الحق وهو العلي‬
‫الكبير ^ فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض فيسمع‬
‫الكلمة فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما‬
‫ألقاها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا‬
‫وكذا الكلمة التي سمعت من السماء فيصدق بتلك الكلمة الي سمعت من السماء‬
‫ورواه محمد ابن إسحاق عن الزهري وقال في آخره ثم إن ال عز وجل حجب‬
‫الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فل كهانة ورواه معمر عن‬
‫الزهري وقال فقلت للزهري أو كان يرمي بها في الجاهلية قال نعم قلت يقول ال ^‬
‫وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ^ الية قال غلظت واشتد أمرها حين بعث النبي‬
‫صلى ال عليه‬

‫وسلم وروى الطبري عن داود ثنا عاصم بن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب‬
‫عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي‬
‫وكان الوحي إذا أوحي سمعت الملئكة كهيئة الحديدة رمى بها على الصفوان فإذا‬
‫سمعت الملئكة صلصلة الوحي خر لجباههم من في السماء‬

‫من الملئكة فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي قالوا ماذا قال ربكم قال فينادون قال‬
‫ربكم ^ الحق وهو العلي الكبير ^ قال فإذا نزل إلى السماء الدنيا قالوا يكون في‬
‫الرض كذا وكذا موتا وكذا وكذا حياة وكذا وكذا جدوبة وكذا وكذا خصبا وما يريد‬

‫‪645‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪646‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أن يصنع وما يريد أن يبتدي تبارك وتعالى فنزلت الجن فأوحوا إلى أوليائهم من‬
‫النس ما يكون في الرض فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فزجرت الشياطين ورموهم بالكواكب فمنعوا فجعل ل يصعد احد إل احترق وفزع‬
‫أهل الرض لما رأوا في الكواكب ولم يكن قبل ذلك فقالوا هلك من في السماء وكان‬
‫أهل الطائف أول من فزع فينطلق الرجل إلى إبله فينحر كل يوم بعيرا للهتهم‬
‫فينطلق صاحب الغنم فيذبح كل يوم شاة فينطلق صاحب البقر فيذبح كل يوم بقرة‬
‫فقال لهم رجل ويلكم ل تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من‬

‫الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء فأقلعوا وقد اسرعوا في أموالهم وقال‬
‫إبليس حدث في الرض حدث فأتوني من كل مكان في الرض بتربة فجعل ل يؤتى‬
‫بتربة أرض إل شمها فلما أتى بتربة تهامة قال ههنا حدث الحدث فصرف ال إليه‬
‫نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن فقالوا ^ إنا سمعنا قرآنا عجبا ^ حتى ختم الية فولوا‬
‫^ ^ إلى قومهم منذرين‬

‫ورواه أبو زرعة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عطاء بنحوه‬


‫ورواه البيهقي من طرق عن حماد بن سلمة عن عطاء ايضا فقد تبين انه لما كان في‬
‫زمن المبعث ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وقبل ذلك لم يكن الحرس شديدا ول‬
‫كانت السماء مملؤة حرسا وشهبا كما هي الن يرمى بها أحيانا وكانوا يقعدون بها‬
‫مقاعد للسمع أي يسترق أحدهم ما يسمعه كما يستمع المستمع إلى حديث غيره‬
‫مختفيا بسماعه مسترقا له فكانت الشياطين تسترق أي تستمع ما تقوله الملئكة فلما‬
‫بعث محمد صلى ال عليه وسلم صار أحدهم إذا سمع وجد الشهاب قد ارصد له فلم‬
‫يستطع أن يقعد ويستمع كما كان قبل ذلك‬

‫فصل وقد ذكرنا بعض آياته التي في القرآن لن من أهل الكتاب من يقول ل &‬
‫نصدق إل بما في القرآن كما في التوراة والنجيل من آيات موسى والمسيح إذ كان‬
‫نقل القرآن عنه متواترا ل يستريب فيه احد فنبهنا على بعض ما في القرآن مع أن‬
‫آياته التي ليست في القرآن كثيرة جدا وليس من شرط المنقول المتواتر أن يكون في‬
‫القرآن بل كما تواتر عنه في شريعته ما ليس في القرآن وهو من الحكمة التي أنزلها‬
‫ال عليه كذلك وتواتر عنه من دلئل نبوته ما ليس في القرآن وهو من براهينه‬
‫وآياته وقد قال عتعالى في غير موضع ^ وأنزل ال عليك الكتاب والحكمة ^‬
‫فالحكمة نزلت عليه وهي منقولة في غير القرآن وقد تواتر عنه كون الصلوات‬
‫خمسا والفجر ركعتين‬

‫والمغرب ثلثا والباقي اربعا اربعا والرباعية في السفر ركعتان وتواتر عنه سجود‬
‫السهو كذلك متواتر عنه أنواع من المعجزات والخبار المتواترة في أصناف آياته‬
‫وبراهينه كثيرة جدا ل يمكن إحصاؤها وهي مشتملة على جنسي العلم والقدرة على‬
‫انواع من الخبار بالغيوب المستقبلة مفصلة كأنما رآها بعينه لم يأت منها خبر إل‬

‫‪646‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪647‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كما أخبر به وهذا أمر لم يكن قط إل لنبي اما الكاهن والمنجم ونحو هؤلء فيكذبون‬
‫كثيرا كما يصدقون أحيانا ويخبرون بجمل غير مفصلة وأما أهل الولة والصلح‬
‫فأعظمهم كشفا يخبر عن ذلك بأمور قليلة ل تبلغ عشر معشار ما أخبر به النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وليخبرون بها مفصلة كخبره وعلى انواع من القدرة‬
‫والتصرف الخارق للعادة واليات إما من باب العلم والخبر والمكاشفة وإما من باب‬
‫القدرة والتأثير والتصرف‬

‫وفي القرآن من الخبار بالمستقبلت شيء كثير كقوله تعالى ^ الم غلبت الروم في‬
‫أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ل المر من قبل ومن بعد‬
‫^ فغلبت الروم فارس في بضع سنين وقد ذكرنا تفصيل ذلك فيما مضى وكقوله‬
‫تعالى ^ وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض كما‬
‫استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد‬
‫خوفهم أمنا ^ وكان كما أخبر وروى الدارمي‬

‫عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه المدينة‬
‫وآواهم النصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا ل يبيتون إل في السلح ول‬
‫يصبحون إل فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت مطمئنين ل نخاف إل ال عز‬
‫وجل فنزلت ^ وعد ال الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ^ إلى آخر الية وكان‬
‫كذلك استخلف ال المؤمنين في الرض ومكن لهم دينهم في مشارق الرض‬
‫ومغاربها وقال تعالى ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله‬

‫وكفى بال شهيدا ^ وكان كما أخبر ووعد وقال تعالى ^ قل لئن اجتمعت النس‬
‫والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ليأتون بمثله ^ وكان كما أخبر وقال تعالى ^‬
‫وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ^ إلى قواه ^ فإن لم‬
‫تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ^ فأخبر‬
‫أنهم لن يفعلوا وكان كما أخبر وأخبر أنه قال للمسيح ^ وجاعل الذين اتبعوك فوق‬
‫الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ وكان كما أخبر وأنزل في مكة‬

‫وسيهزم الجمع ويولون الدبر ^ وقال ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ^‬
‫ليجدون وليا ول نصيرا ^ فكان كما أخبر وقال ^ ومن الذين قالوا إنا نصارى‬
‫اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم‬
‫القيامة ^ وكانوا كما أخبر وقال ^ وقالت اليهود يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا‬
‫بما قالوا بل يداه مبسوطتان‬

‫ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا‬
‫بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال ^ وكان‬

‫‪647‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪648‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كما أخبر وقال ^ لن يضروكم إل أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الدبار ثم ل ينصرون‬
‫ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إل بحبل من ال وحبل من الناس وباءو بغضب من‬
‫ال وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبياء بغير‬
‫^ حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ^ وقال ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار‬

‫وقال ^ قاتلوهم يعذبهم ال بأيديكم ^ وكان كذلك فلم يقاتلوهم بعد نزول الية إل‬
‫انتصر عليهم المسلمون وما زال السلم في عز وظهور حتى ظهر على اهل‬
‫المشرق والمغرب وقال تعالى خطابا لليهود ^ قل إن كانت لكم الدار الخرة عند ال‬
‫خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت‬
‫أيديهم وال عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ^‬
‫وقال ^ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الموت‬
‫^ إن كنتم صادقين‬

‫فأخبر عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت أبدا وكان كما أخبر فل يتمنى اليهود الموت‬
‫ابدا وهذا دليل من وجهين من جهة إخباره بأنه ل يكون أبدا ومن جهة صرف ال‬
‫لدواعي اليهود عن تمني الموت مع أن ذلك مقدور لهم وهذا من أعجب المور‬
‫الخارقة للعادة وهم مع حرصهم على تكذيبه لم تنبعث دواعيهم لظهار تكذيبه‬
‫بإظهار تمني الموت وقال في سورة المدثر ^ ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له‬
‫مال ممدودا وبنين شهودا ^ ^ إلى قواه ^ سأصليه سقر وما أدراك ما سقر ل تبقي‬
‫ول تذر ^ وقال عن أبي لهب عمه ^ تبت يدآ ابي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما‬
‫كسب سيصلى نارا ذات لهب ^ وكان كما أخبر به مات الوليد كفارا ومات أبو لهب‬
‫كافرا‬

‫وقال في سورة الفتح ^ وعدكم ال مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ايدي‬
‫الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ^ وقال ^ لتدخلن المسجد الحرام إن شا ال آمنين‬
‫محلقين رؤوسكم ومقصرين ل تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا‬
‫قريبا ^ وقال ^ قل للمخلفين من العراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد‬
‫تقاتلونهم أو يسملون فإن تطيعوا يؤتكم ال أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل‬
‫يعذبكم عذابا أليما ^ وهذا كله وقع كما أخبر فحصلت لهم الغنائم الكثيرة ودخلوا‬
‫المسجد الحرام آمنين ودعيت العراب إلى قتال الروم والفرس يقاتلونهم أو يسملون‬
‫فل بد من القتال أو السلم ليس هناك هدنة بل قتال كما كان يكون قبل نزول الية‬

‫وقال تعالى ^ إذا جاء نصر ال والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين ال أفواجا‬
‫فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ^ فدخل الناس في دين ال أفواجا بعد الفتح‬
‫فما مات صلى ال عليه وسلم وفي بلد العرب كلها موضع لم يدخله السلم وقال‬
‫تعالى عن المنافقين ^ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لخوانهم الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولنطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم وال‬

‫‪648‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪649‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يشهد إنهم لكاذبون لئن اخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن‬
‫نصروهم ليولن الدبار ثم ل ينصرون ^ وكذلك كان فروى أهل التفسير والمغازي‬
‫والسير أن هذه الية نزلت في المنافقين كعبد ال بن أبي وعبد ال‬

‫بن نبتل ورفاعة بن تابوت ونحوهم كانوا يقولون لبني النضير وهم اليهود حلفاؤهم‬
‫^ لئن أخرجتم لنخرجن معكم ^ الية فأخبر ال عنهم انهم لن يفعلوا ذلك وكذلك كان‬
‫وضرب ال لهم مثل بالشيطان ^ إذ قال للنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك‬
‫إني أخاف ال رب العالمين ^ كذلك المنافقون وبنو النضير‬

‫فصل وآياته صلى ال عليه وسلم قد استوعبت جميع أنواع اليات الخبرية &‬
‫والفعلية وإخباره عن الغيب الماضي والحاضر والمستقبل بأمور باهرة ل يوجد‬
‫مثلها لحد من النبيين قبله فضل عن غير النبيين ففي القرآن من إخباره عن الغيوب‬
‫شيء كثير كما تقدم بعض ذلك وكذلك في الحاديث الصحيحة مما أخبر بوقوعه‬
‫فكان كما أخبر ففي الصحيحين عن حذيفة قال قام فينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إل حدث به حفظه من‬
‫حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلء وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته‬
‫فاراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه‬

‫وفي صحيح مسلم عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا ثم‬
‫صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا‬
‫حتى غربت الشمس قال وأخبرنا بما كان وما هو كائن فأحفظنا اعلمنا وفي صحيح‬
‫البخاري عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ جاءه رجل‬
‫فشكى إليه الفاقة ثم أتى آخر فشكى إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة‬
‫فقلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت‬

‫بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل تخاف أحدا إل ال‬
‫قال قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلد ولئن طالت بك‬
‫حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت‬
‫بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله عنه فل‬
‫يجد أحدا يقبله منه وليلقين ال أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له‬
‫فليقولن له الم أبعث إليك رسول فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم اعطك مال وأفضل‬
‫عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فل يرى إل جهنم وينظر عن يساره فل يرى إل‬
‫جهنم قال عدي سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬

‫اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل‬
‫من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ل تخاف إل ال وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن‬

‫‪649‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪650‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يخرج‬
‫الرجل ملء كفه قلت وهذا الذي أخبر به من خروج الرجل بملء كفه من ذهب أو‬
‫فضة فل يجد من يقبله ظهر كما أخبر في زمن عمر بن عبد العزيز‬

‫وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال كنا مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في غزوة قال فأتى النبي صلى ال عليه وسلم قوم من قبل المغرب‬
‫عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قاعد قال فقالت لي نفسي أئتهم فقم بينهم ل يغتالونه قال ثم قلت لعله نجي معهم‬
‫فأتيتهم فقمت بينهم وبينه قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال تغزون‬
‫جزيرة العرب فيفتحها ال ثم فارس فيفتحها ال ثم تغزون الروم فيفتحها ال ثم‬
‫تغزون الدجال فيفتحه ال‬

‫وروى البخاري عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة‬
‫تبوك وهو في قبة آدم فقال أعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس ثم‬
‫موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار‬
‫فيظل ساخطا ثم فتنة ل يبقى بيت من العرب إل دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني‬
‫الصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية كل غاية إثنا عشر الفا‬

‫قلت ففتح بيت المقدس بعد موته في خلفة عمر بن الخطاب ثم بعد ذلك وقع‬
‫الطاعون العظيم بالشام طاعون عمواس في خلفة عمر أيضا ومات فيه معاذ بن‬
‫جبل وأبو عبيدة بن الجراح وخلق كثير وكان ذلك أول طاعون وقع في السلم‬
‫فكان ما أخبر به حيث اخذهم طاعون كعقاص الغنم ثم استفاض المال في خلفة‬
‫عثمان بن عفان حتى كان أحدهم يعطى مائة دينار فيسخطها وكثر المال حتى كانت‬
‫الفرس تشتري بوزنها ثم وقعت الفتنة العامة التي لم يبق بيت من العرب إل دخلته‬
‫لما قتل عثمان ووقعت الفتنة بين المسلمين أو الملوك‬

‫يوم الجمل ويوم صفين وفي الصحيحين عن خباب بن الرت قال شكونا إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين‬
‫شدة فقلنا أل تدعو ال لنا ال تستنصر لنا قال فجلس محمرا وجهه ثم قال وال إن‬
‫من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحم وعصب ما يصرفه‬
‫ذلك عن دينه ويؤخذ فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين ما‬
‫يصرفه عن دينه وليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى‬
‫حضرموت ل يخشى إل ال عز وجل‬

‫أو الذئب على غنمه ولكنكم تعجلون وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار العين حمر‬
‫الوجوه ذلف النف كأن وجوههم المجان المطرقة ول تقوم الساعة حتى تقاتلون‬

‫‪650‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪651‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قوما نعالهم الشعر قلت وهؤلء الطوائف كلهم قاتلهم المسلمون كما أخبر صلى ال‬
‫عليه وسلم وامر هذه الطوائف معروف فإن قتال الترك‬

‫من التتار وغيرهم الذين هذه صفتهم معروف مشهور وحديثهم في أكثر من عشرة‬
‫آلف نسخة كبار وصغار من كتب المسلمين قبل قتال هؤلء الذي ظهروا من ناحية‬
‫المشرق الذين هذه صفتهم التي لو كلف من رآهم بعينه ان يصفهم لم يحسن مثل هذه‬
‫الصفة وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال ل‬
‫تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق البل ببصرى وقد‬
‫ظهرت هذه النار سنة بضع وخمسين وستماية ورآها الناس ورأوا أعناق البل قد‬
‫أضاءت ببصرى وكانت تحرق الحجر ول تنضج اللحم وفي الصحيحين عن أبي‬
‫سعيد وأسماء أن رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وفي الصحيحين عن أبي‬
‫هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم هلك كسرى ثم ل يكون كسرى بعده‬
‫وقيصر ليهلكن ثم ل يكون قيصر بعده ولتنفقن كنوزهما في سبيل ال وفي‬
‫الصحيحين عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إذا هلك كسرى فل‬
‫كسرى بعده وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في‬
‫سبيل ال‬

‫وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول لتفتحن عصابة من المسلمين أو قال المؤمنين كنز آل كسرى الذي في البيض‬
‫والبيض قصر كان لكسرى وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي بكرة عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه قال عن الحسن إن ابني هذا سيد‬

‫وسيصلح ال به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قلت فوقع هذا كما أخبر به بعد‬
‫موت الرسول بنحو ثلثين سنة وهو سنة أربعين من الهجرة لما أصلح ال بالحسن‬
‫بين الفئتين العظيمتين اللتين كانت متحاربتين بصفين عسكر علي وعسكر معاوية‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رجل أتي النبي صلى ال عليه وسلم فقال يا‬
‫رسول ال إني رأيت الليلة في‬

‫المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فمنهم المستكثر‬
‫والمستقل ثم إذا سبب واصل من الرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم اخذ‬
‫به رجل بعدك فعل ثم اخذ به رجل آخر فعل ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل‬
‫له فعل قال أبو بكر يا رسول ال بأبي أنت وأمي لتدعني فلعبره فقال اعبر فقال‬
‫أبو بكر أما الظلة فظلة السلم وأما الذي تنطف من السمن والعسل فهو القرآن‬
‫حلوته ولينه وأما ما يتكفف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من‬
‫السماء إلى الرض فالحق الذي انت عليه فأخذت به فيعليك ال ثم يأخذ به رجل من‬

‫‪651‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪652‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بعدك فيعلو ثم يأخذ به رجل فيعلو ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له‬
‫فيعلو به فأخبرني يا رسول ال أصبت أم أخطأت فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا‬
‫قال فوال يا رسول ال لتخبرني بالذي أخطأت قال ل تقسم‬

‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء ال ثم‬
‫أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف وال يغفر له ثم‬
‫استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم ار عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى‬
‫ضرب الناس بعطن وفي رواية فاستحالت الدلو غربا في يد عمر قال الشافعي رؤيا‬

‫النبياء وحي وقوله في نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع‬
‫أهل الردة عن الفتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته وفي الصحيحين عن‬
‫محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شيئا فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت فلم أجدك يا رسول ال قال أي‬
‫كأنها تعني الموت قال إن لم تجديني فائتي أبا بكر وروى أبو داود الطيالسي عن‬
‫أبي ثعلبة الخشني وعن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى ال‬
‫عليه‬

‫وسلم قال إن ال بدأ هذا المر نبوة ورحمة وكائنا خلفة ورحمة وكائنا ملكا‬
‫عضوضا وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في المة يستحلون الفروج والخمور والحرير‬
‫وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا ال عز وجل وروى أبو داود عن‬
‫سمرة بن جندب ان رجل قال يا رسول ال إني رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء‬
‫أبو بكر رضي ال عنه فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر‬

‫فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم‬
‫جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء وفي السنن عن سفينة عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال تكون خلفة النبوة ثلثين سنة ثم تصير ملكا فكان‬
‫هذا‬

‫العام تمام الثلثين سنة من موته ودخل في ذلك خلفة أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫وعلي وفي الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال زويت لي الرض مشارتها‬
‫ومغاربها وسيبلغ ملك امتي ما زوي لي منها وفي صحيح مسلم إن ال زوى لي‬
‫الرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت‬
‫الكنزين الحمر والبيض وإني سألت ربي لمتي أن ل يهلكها بسنة عامة وأن ل‬
‫يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وأن ربي قال لي يا محمد إذا‬
‫قضيت قضاء فإنه ل يرد‬

‫‪652‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪653‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وإني أعطيتك لمتك أن ل أهلكهم بسنة عامة وأل أسلط عليهم عدوا من سوى‬
‫أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك‬
‫بعضا وهذا اخبر به في أول المر وأصحابه في غاية القلة قبل فتح مكة وكان كما‬
‫أخبر فإن ملك أمته انتشر في الشرق والغرب ولم ينتشر في الجنوب والشمال‬
‫كانتشاره في الشرق والغرب إذ كانت أمته اعدل المم فانتشرت دعوته في القاليم‬
‫التي هي وسط المعمور من الرض كالثالث والرابع والخامس وقد تقدم قوله‬

‫هلك كسرى فل يكون كسرى بعده وذاك كسرى بن هرمز آخر الكاسرة المملكين‬
‫ثم ولي بعده ولة متضعفون فكان آخرهم يزدجرد وإليه الشارة باللفظ الخر إذا‬
‫هلك كسرى فل كسرى بعده وإذا هلك قيصر فل قيصر بعده والذي نفسي بيده لنتفقن‬
‫كنوزهما في سبيل ال وهذا أخبر به وملك كسرى وقيصر أعز ملك في الرض‬
‫فصدق ال خبره في خلفة عمر وعثمان فهلك كسرى وهو آخر الكاسرة في خلفة‬
‫عثمان بأرض فارس ولم يبق بعده كسرى ولم يبق‬

‫للمجوس والفرس ملك وهلك قيصر الذي بأرض الشام وغيرها ولم يبق بعده من هو‬
‫ملك على الشام ولمصر ول الجزيرة من النصارى وهو الذي يدعى قيصر قال‬
‫الشافعي كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه وتأتي‬
‫العراق فيقال لما دخلت في السلم ذكرت للنبي صلى ال عليه وسلم خوفها من‬
‫انقطاع معاشها بالتجار‬
‫ة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في السلم فقال مع خلف ملك الشام‬
‫والعراق لهل السلم النبي صلى ال عليه وسلم إذا هلك كسرى فل كسرى بعده‬
‫فلم يبق بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده وقال إذا هلك قيصر فل قيصر بعده‬
‫فلم يكن بأرض الشام قيصر فأجابهم على ما قالوا وكان كما قال قطع ال الكاسرة‬
‫عن‬

‫العراق وفارس وقيصر عن الشام وقال في كسرى مزق ال ملكه فلم يبق للكاسرة‬
‫ملك وقال في قيصر ثبت ملكه فثبت ملكهم ببلد الروم وتنحى‬

‫عن الشام وكل هذا يصدق بعضه بعضا وفي الصحيحين عن سفيان بن أبي زهير‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون‬
‫بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم‬
‫يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وفي رواية‬
‫فيخرج من المدينة فاخبر صلى ال عليه وسلم بفتح اليمن والشام والعراق قبل أن‬
‫يكون وأخبر أنه يخرج من المدينة أقوام يتحملون بأهليهم ومن‬

‫اطاعهم إلى هذه المصار ويطلبون الريف وسعة الرزق قال والمدينة خير لهم لو‬
‫كانوا يعلمون وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال‬

‫‪653‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪654‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ستفتح مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا وفي رواية‬
‫فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما فإذا رأيتم رجلين يقتتلن على موضع لبنة‬
‫فأخرج منها‬

‫فمر ابو ذر بعد فتح مصر بمدة بابني شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع‬
‫لبنة فخرج منها وفي صحيح البخاري عن سليمان بن صرد قال سمعت النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول حين أجلي الحزاب عنه الن نغزوهم ول يغزونا وكذلك كان‬
‫وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال إذا‬
‫فتحت عليكم فارس والروم أي قوم وأنتم قال عبد الرحمن بن‬

‫عوف نقول كما أمرنا ال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أو غير ذلك تتنافسون‬
‫ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتحملون‬
‫بعضهم على رقاب بعض وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه لما أنزل ال ^‬
‫هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين وآخرين منهم لم يلحقوا بهم وهو‬
‫العزيز الحكيم سئل النبي صلى ال عليه وسلم عن هؤلء الخرين فقال لو كان الدين‬
‫معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس وفي لفظ لو كان اليمان وفي لفظ العلم‬
‫وكان كما أخبر فإنه حصل في‬

‫التابعين وتابعيهم وهلم جرا من أبناء فارس مثل الحسن البصري ومحمد بن سيرين‬
‫وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر وأضعاف هؤلء من‬
‫نالوا ذلك ولما نزل قوله تعالى ^ فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على‬
‫^ المؤمنين أعزة على الكافرين‬

‫سئل عنهم فقال هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الشعري وقال إني لجد نفس‬
‫الرحمن من قبل اليمن وفي الصحيحين عنه أنه قال أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا‬
‫وألين أفئدة اليمان يماني والفقه يماني والحكمة يمانية‬

‫فلما أرتد من ارتد عن السلم أتى ال بهؤلء الذين يحبهم ويحبونه فقاتل الصديق‬
‫بهم أهل الردة وغلب بهم أبو بكر وعمر كسرى وقيصر وقال لعثمان إن ال‬
‫مقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فل تخلعه وفي الصحيحين عن أبي موسى‬
‫قال بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ‬
‫يركز بعود‬

‫في الماء والطين إذ استفتح رجل فقال له افتح وبشره بالجنة فإذا هو أبو بكر ففتحت‬
‫له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة فذهبت فإذا هو‬
‫عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة‬

‫‪654‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪655‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على بلوى تصيبه فذهبت فإذا هو عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فقلت له الذي قال‬
‫فقال اللهم صبرا وال المستعان وفي الصحيحين حديث حذيفة عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في الفتن التي تموج موج البحر وقال لعمر إن بينك وبينها بابا مغلقا‬
‫يوشك ذلك الباب أن يكسر فسأله مسروق من الباب‬

‫فقال عمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ستكون الفتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير‬
‫من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به ورواه أبو بكرة‬
‫وقال فيه فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه‬
‫ومن كانت له أرض فليلحق‬

‫بأرضه قال فقال رجل يا رسول ال ارأيت إن لم يكن له إبل ول غنم ول أرض قال‬
‫يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت اللهم‬
‫هل بلغت فقال رجل يا رسول ال أرأيت إن كرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين‬
‫أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك‬
‫ويكون من أصحاب النار وفي صحيح أبي حاتم قال النبي صلى ال عليه وسلم ويل‬
‫للعرب من شر قد اقترب او فتنة عمياء صماء بكماء القاعد فيها خير من الماشي‬
‫والماشي خير من الساعي ويل للساعي فيها من ال يوم القيامة‬

‫وفي الصحيحين عنه أنه قال إني لرى الفتن تقع خلل بيوتكم كمواقع القطر وفي‬
‫الصحيحين من غير وجه أنه لما قال له ذو الخويصرة يا محمد أعدل فإنك لم تعدل‬
‫فقال ويحك قد خبت وخسرت إن لم اعدل فقال بعض اصحابه دعني اضرب عنق‬
‫هذا المنافق فقال النبي صلى ال عليه وسلم إنه يخرج من ضئضيء هذا أقوام يحقر‬
‫احدكم صلته مع صلتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم‬

‫يقرؤن القرآن ل يجاوز حناجرهم يمرقون من السلم كما يمرق السهم من الرمية‬
‫آيتهم أن فيهم رجل مخدج اليد على عضده مثل البضعة من اللحم تدردر عليها‬
‫شعرات وفي رواية في الصحيحين تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم‬
‫أدنى الطائفتين إلى الحق وهؤلء ظهروا بعد موته ببضع وعشرين سنة في أواخر‬
‫خلفة علي لما افترق المسلمون وكانت الفئة بين عسكر علي وعسكر معاوية وقتلهم‬
‫علي بن أبي طالب وأصحابه وهم أدنى الطائفتين إلى الحق والطائفة الخرى قتلوا‬
‫عمار بن ياسر وهي الطائفة‬

‫الباغية وكان علي قد أخبرهم بهذا الحديث وبعلمتهم فطلبوا هذا المخدج فلم يجدوه‬
‫حتى قام علي بنفسه ففتش عليه فوجده مقتول فسجد شكرا ل وفي الصحيح عنه أنه‬
‫قال ستكون بعدي أمراء يؤخرون الصلة عن وقتها فصلوا الصلة لوقتها واجعلوا‬
‫صلتكم معهم نافلة وهؤلء ظهروا بعده بمدة فكانوا يؤخرون الظهر إلى وقت‬

‫‪655‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪656‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫العصر ويؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس وفي الصحيحين عنه أنه قال إنكم‬
‫ستلقون بعدي أثرة فاصبروا‬

‫حتى تقلوني على الحوض فلقوا بعده من استأثر عليهم ولم يعطهم حقهم وفي‬
‫الصحيحين عنه انه قال ستكون بعدي امراء يطلبون منكم حقهم ويمنعونكم حقكم‬
‫قالوا فما تأمرنا يا رسول ال قال ادوا إليهم حقهم واسألوا ال حقكم وفي الصحيحين‬
‫عنه أنه سار فاطمة فقال لها وهو في مرضه الذي توفي فيه إني أقبض في مرضي‬
‫هذا ثم اخبرها أنها أول أهله لحوقا به وفي رواية وأخبرها أنها سيدة نساء المؤمنين‬
‫وفي الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أسرعكن بي‬
‫لحاقا أطولكن يدا قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا فكانت أطولنا يدا زينب لنها‬
‫كانت تعمل بيدها‬

‫وتصدق وفي صحيح البخاري وغيره عن أم حرام عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم وفي صحيح البخاري عن أم حرام‬
‫أيضا‬

‫قالت سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر‬
‫قد أوجبوا قالت يا رسول ال أنا فيهم قال أنت فيهم قالت ثم قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت يا رسول ال أنا فيهم‬
‫قال ل وغزاها المسلمون في خلفة معاوية وكان يزيد أميرهم وكان في العسكر أبو‬
‫ايوب النصاري الذي نزل النبي صلى ال عليه وسلم في بيته لما قدم المدينة‬
‫مهاجرا ومات ودفن تحت سورها وذكروا أنهم كانوا إذا أجدبوا كشفوا عن قبره‬
‫فيسقون‬

‫ثم غزاها المسلمون مرة ثانية في خلفة عبد الملك غزاها ابنه مسلمة وحصروها‬
‫عدة سنين وبنوا فيها مسجدا وفي الصحيحين عن أنس قال كان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن‬
‫الصامت فدخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه‬
‫فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت مم تضحك فقال عرض علي ناس من أمتي‬
‫يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على السرة أو مثل الملوك على السرة فقالت أم حرام‬
‫ادع ال أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت‬
‫مم تضحك فقال‬

‫عرض علي ناس من أمتي كما قال في الولى فقالت يا رسول ال أدع ال أن‬
‫يجعلني منهم قال أنت من الولين قال أنس فركبت البحر زمان معاوية بن أبي‬
‫سفيان فصرعت عن دابتها لما خرجت من البحر فماتت وهذا كان في خلفة عثمان‬
‫ومعاوية نائبه وكان المسلمون في خلفة عمر لم يغزوا في البحر وأول ما غزوا‬

‫‪656‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪657‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫البحر في خلفة عثمان وفتحوا جزيرة قبرص وجاؤا بسبيها إلى دمشق وكان أبو‬
‫الدرداء حيا بدمشق فجعل يبكي فقيل له ما يبكيك يا أبا الدرداء هذا يوم قد أعز ال‬
‫فيه السلم فقال إنما أبكى أني رأيت هذه المة كانت قاهرة ظاهرة فأضاعت أمر‬
‫ال فيه فأصارها ال إلى ما ترون ما أهون العباد على ال إذا ضيعوا أمره وفي‬
‫الصحيحين عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال سألت ربي ثلثا فأعطاني اثنتين‬
‫ومنعني واحدة سألته ان ل يسلط‬

‫على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن ل يهلكهم بسنة عامة‬
‫فأعطانيها وسألته أن ل يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وثبت عنه في الصحيحين أنه قال‬
‫ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم‬
‫حتى تقوم الساعة وهذا أخبر به حين كانت أمته أقل المم فانتشرت المة في‬
‫مشارق الرض ومغاربها وكان كما أخبر به فإن هذه المة ول الحمد والمنة لم يزل‬
‫فيها طائفة ظاهرة بالعلم والدين والسيف لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني‬
‫إسرائيل وغيرهم حيث كانوا مقهورين مع العداء بل إن غلبت طائفة في قطر من‬
‫الرض كانت‬

‫في القطر الخر امة ظاهرة منصورة ولم يسلط على مجموعها عدوا من غيرهم‬
‫ولكن وقع بينهم اختلف وفتن وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم صنفان من أهل النار لم ارهما قوم معهم سياط كأذناب البقر‬
‫يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلت مائلت رؤوسهن كأسنمة‬
‫البخت المائلة ل يدخلن الجنة وليجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا‬
‫وهؤلء ظهروا بعده بمدة طويلة وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة وعلى رؤسهن‬
‫عمائم كأسنمة الجمال البخاتي يسمون العمامة سنام الجمل وفي حديث مسلم عن‬
‫أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب‬
‫ومبير‬

‫وظهر الكذاب من ثقيف وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي أظهر التشيع‬
‫والنتصار للحسين وقتل عبيد ال بن زياد وغيره من قتلة الحسين ثم أظهر أنه‬
‫يوحى إليه وأنه ينزل عليه حتى قيل لبن عمر‬

‫وابن عباس عنه قيل لحدهما أنه يوحى إليه وللخر إنه ينزل عليه فقال أحدهما ^‬
‫وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ^ وقال الخر ^ هل أنبئكم على من تنزل‬
‫الشياطين تنزل على كل افاك أثيم ^ وأما المبير فكان هو الحجاج بن يوسف الثقفي‬
‫وكان مبيرا سفاكا للدماء بغير حق انتصارا لملك عبد الملك بن مروان الذي استنابه‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال لقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم أيكم‬
‫يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي فيجمعه إلى صدره فإنه لن ينسى شيئا سمعه فبسطت‬
‫بردة علي حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا‬

‫‪657‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪658‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سمعته منه وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليزال السلم عزيزا إلى اثني عشر‬

‫خليفة كلهم من قريش وفي لفظ إلى اثني عشر أميرا وفي رواية لبي داود الطيالسي‬
‫كلهم يجتمع عليهم المة وفي رواية فقالوا ثم يكون ماذا قال ثم يكون الهرج قال أبو‬
‫بكر البيهقي وفي الرواية الولى بيان العدد وفي الخرى بيان المراد بالعدد وقد بين‬
‫وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد‬
‫بن يزيد‬

‫ابن عبد الملك ثم وقع الهرج والفتنة العظمى وأنما يزيدون على العدد المذكور إذا‬
‫تركت الصفة المذكورة فيه أو عد معهم من كان بعد الهرج وفي الصحيحين عن‬
‫جابر قال قال لي رسول ال صلىال عليم وسلم هل لك من أنماط قلت يا رسول ال‬
‫وأني يكون لي أنماط فأنا أقول اليوم لمرأتي نحي عنك أنماطك فتقول ألم يقل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إنها ستكون لكم أنماط وفي الصحيحين عن ابن‬
‫عباس ان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال بينا أنا نائم اريت أنه وضع في يدي‬
‫سواران من ذهب ففظعتهما فكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين‬

‫يخرجان بعدي قال عبيد ال أحدهما العنسي الذي قتله فيروز ياليمين والخر مسيلمة‬
‫وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫وهو مستقبل المشرق ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن‬
‫الشيطان وفي بعض طرق البخاري قام خطيبا فأشار بيده نحو مسكن عائشة فقال‬
‫وذكر الحديث فالمشرق عن مدينته فيه البحرين ومنها خرج مسيلمة‬

‫الكذاب الذي ادعى النبوة وهو أول حادث حدث بعده واتبعه خلئق وقاتله خليفته‬
‫الصديق وروى أبو حاتم في صحيحيه عن جابر بن عبد ال قال سمعت النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين منهم صاحب اليمامة ومنهم صاحب‬
‫صنعاء العنسي ومنهم صاحب حمير ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة وصاحب‬
‫اليمامة هو مسيلمة قال وقال أصحابي قال هو قريب من ثلثين كذابا وفي صحيح‬
‫مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ل تقوم الساعة حتى يخرج‬
‫ثلثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول ال وحتى يفيض الما وتظهر الفتن‬
‫ويكثر‬

‫الهرج قالوا وما الهرج يا رسول ال قال القتل القتل وفي صحيح ابن حبان عن أبي‬
‫ذر قال ركب رسول ال صلى ال عليه وسلم حمارا واردفني خلفه ثم قال يا ابا ذر‬
‫اين أنت إن أصاب الناس جوع شديد حتى ل تستطيع أن تقوم من فراشك إلى‬
‫مسجدك كيف تصنع فقال ال ورسوله أعلم قال تعفف قال يا أبا ذر أرأيت إن أصاب‬
‫الناس موت شديد حتى يكون البيت بالعبد كيف تصنع قال ال ورسوله أعلم قال‬

‫‪658‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪659‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫اصبر يا أبا ذر ارايت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من‬
‫الدماء كيف تصنع قال ال ورسوله أعلم قال اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك فقال‬
‫أرأيت إن لم اترك قال فأت من أنت منه فكن فيهم قال فآخذ سلحي قال إذا‬

‫تشاركهم فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فأطلق طرف ردائك على‬
‫وجهك يبوء بإثمك وإثمه وفيه عن ابن مسعود قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وهو في قبة من ادم فيها أربعون رجل فقال إنكم مفتوحون ومنصورون فمن أدرك‬
‫ذلك الزمان منكم فليتق ال وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي‬
‫متعمدا فليتبوا مقعده من النار وأما الفتوح التي فتحت عليهم والنصرة التي نصروا‬
‫فقد أخبر به في أوائل مبعثه كما تقدم ذكره ووقع ما أخبر به وروى أبو حاتم في‬
‫صحيحه عن ابن عباس قال مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل فقام أبو جهل فقعد فيه فشكوا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى ابي طالب فقالوا إن ابن أخيك يقع في آلهتنا قال ما شأن قومك‬
‫يشكونك يا ابن أخي قال يا عم‬

‫إنما أردتهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية‬
‫فقال وما هي قال ل إله إل ال فقاموا فقالوا أجعل اللهة إلها واحدا قال ونزلت ^‬
‫ص والقرآن ذي الذكر ^ إلى قوله ^ إن هذا لشيء عجاب ^ وفي صحيح ابن حبان‬
‫عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال لما اقبلت عائشة قربت ببعض‬
‫مياه‬

‫بني عامر طرقتهم ليل فسمعت نباح الكلب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب‬
‫قالت ما أظنني رافعة قالوا مهل يرحمك ال تقدمين فيراك المسلمون فيصلح ال بك‬
‫قالت ما أظنني رافعة أني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول كيف‬
‫بإحداكن ينبح عليها كلب الحوأب وفيه أيضا عن ابن أبي طالب قال قال لي عبد ال‬
‫بن سلم وقد وضعت رجلي في الغرز وأنا اريد العراق ل تأت‬

‫العراق فإنك إن تأتهم أصابك ذنب السيف قال علي وايم ال لقد قالها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال أبو السود فقلت في نفسي ما رأيت كاليوم رجل محاربا‬
‫يحدث الناس بمثل هذا وهذا وأمثاله مما أخبر به صلى ال عليه وسلم من‬
‫المستقبلت فوقع بعده كما أخبر ورأى الناس ذلك وأما ما أخبر به مما لم يقع إلى‬
‫الن فكثير وقد أخبر بأشياء من المغيبات ووقعت في زمانه ووجدت كما أخبر كما‬
‫في الصحيحين عن سهل بن سعد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوم خيبر‬

‫لعطين هذه الراية غدا رجل يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله يفتح ال على‬
‫يديه فكان كذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي السلم هذا من أهل النار فلما حضرنا‬

‫‪659‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪660‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫القتال قاتل الرجل قتال شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول ال الرجل الذي قلت له‬
‫آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتال شديدا وقد مات فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينا هم على ذلك إذ قيل فإنه لم يمت‬
‫ولكن به جرحا شديدا فلم كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بذلك فقال ال أكبر أشهد أني عبد ال ورسوله ثم أمر بلل‬
‫فنادى في الناس إنه ل يدخل الجنة إل نفس مسلمة وأن ال يؤيد هذا الدين بالرجل‬
‫الفاجر ورواه سهل بن‬

‫سعد وفي الصحيحين عن علي رضي ال عنه قال بعثني رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام والمقداد وكلنا فارس فقال إنطلقوا حتى‬
‫تأتوا روضة ناخ‬

‫فإن بها إمرأة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها‬
‫خبب فقلنا لها أين الكتاب فقالت ما معي كتاب قال فأنخنا بها فالتمسنا الكتاب في‬
‫رحلها فلم نر كتابا قال قلنا ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم لتخرجن الكتاب‬
‫أو لنجردنك قال فلما رأت أني أهويت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء أخرجت‬
‫الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا فيه‬
‫من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال ل‬
‫تعجل علي إني كنت أمرأ‬

‫ملصقا في قريش ولم اكن من أنفسها وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات‬
‫يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم إن أتخذ يدا يحمون بها‬
‫قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ول ارتدادا عن ديني ول رضاء بالكفر بعد السلم فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر دعني أضرب عنق هذا‬
‫المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل ال قد اطلع على أهل بدر فقال أعملوا‬
‫ما شئتم فقد غفرت لكم فكان في هذا الكتاب إخبار المشركين بأن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يريد يغزوهم فأعلمه ال بذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال نعى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى‬
‫المصلى وكبر اربع تكبيرات وفي رواية عن جابر قال إن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صلى على أصحمة النجاشي وفي لفظ من رواية أبي هريرة قال قد مات اليوم‬
‫عبد ال‬

‫صالح أصحمة فأمنا وصلى عليه وفي رواية عمران بن حصين قال إن أخاكم قد‬
‫مات فصلوا عليه يعني النجاشي وروى موسى بن عقبة عن ابن شهاب ورواها‬
‫عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق بمعناه قال ثم إن المشركين اشتدوا على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم كأشد ما كانوا حتى بلغ بالمسلمين الجهد واشتد عليهم البلء‬

‫‪660‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪661‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأجمعت قريش في مكرها ان يقتلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم علنية فلما‬
‫رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك مسلمهم‬
‫وكافرهم فمنهم من فعله حمية ومنهم من فعله‬

‫إيمانا ويقينا فلما عرفت قريش ان القوم قد منعوا الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫واجتمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن ل يجالسوهم ول‬
‫يبايعوهم ول يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول ال صلى ال عليه وسلم للقتل وكتبوا‬
‫في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق ل يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ول تأخذهم‬
‫بهم رأفة حتى يسلموه للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلث سنين واشتد عليهم‬
‫البلء والجهد وقطعوا عنهم السواق فلم يتركوا طعاما يقدم مكة ول بيعا إل‬
‫بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم زاد ابن إسحاق في روايته قال حتى كان يسمع صوت صبيانهم يتضاغون من‬
‫وراء الشعب من الجوع وعدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلء عليهم‬
‫وعظمت الفتنة وزلزلوا‬

‫زلزال شديدا قال موسى بن عقبة في تمام حديثه وكان أبو طالب إذا اخذ الناس‬
‫مضاجعهم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك‬
‫من أراد مكرا به واغتياله فإذا نوم الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه‬
‫فاضطجع على فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم وامر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه فلما كان رأس ثلث سنين تلوم رجال‬
‫من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء بني‬
‫هاشم ورأوا انهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على‬
‫نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث ال عز جل على صحيفتهم التي‬
‫فيها المكر برسول ال صلى ال عليه وسلم الرضة فلحست كل ما كان فيها من‬
‫عهد وميثاق ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك‬

‫إسما ل عز وجل فيها إل لحسته وبقي ما فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم‬
‫وأطلع ال رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لبي طالب فقال أبو طالب ل والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من‬
‫بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين‬
‫بجماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم أخرجوا من شدة البلء فأتوهم ليعطوهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فتكلم أبو طالب فقال قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم‬
‫فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بينكم وبيننا صلح وإنما قال ذلك‬
‫خشية أن ينظروا في صحيفتهم قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين بها ل‬
‫يشكون أن الرسول مدفوع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا‬
‫إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة‬

‫‪661‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪662‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫قومكم وعشيرتكم وفسادهم فقال أبو طالب إنما أتيتكم لعطيكم أمرا فيه نصف فإن‬
‫ابن اخي أخبرني ولم يكذبني ان ال عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في‬
‫أيديكم ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا‬
‫بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فوال ل نسلمه أبدا حتى‬
‫نموت من عند آخرنا وإن كان الذي قال باطل دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه‬
‫قالوا قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى ال‬
‫عليه وسلم قد اخبر خبرها فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا وال إن‬

‫كان هذا إل سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم‬
‫والشدة على رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمين وعلى رهطه والقيام بما‬
‫تعاهدوا عليه فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب إن أولى بالسحر والكذب غيرنا‬
‫فكيف ترون فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر‬
‫من أمرنا ولول أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس‬
‫ال ما كان فيها من اسم وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم فقال عند‬
‫ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم‬
‫منهم أبو البختري والمطعم بن عدي‬

‫وزهير بن أبي أمية ابن المغيرة وزمعة بن السود وهشام بن عمرو وكانت‬
‫الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي في رجال من اشرافهم ووجهوهم نحن‬
‫براء مما في هذه الصحيفة فقال أبو جهل هذا أمر قد قضي بليل وأنشأ أبو طالب‬
‫يقول في ذلك الشعر في شأن صحيفتهم ويمتدح النفر الذين تبرؤا منها ونقضوا ما‬
‫كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي قال موسى بن عقبة فلما افسد ال صحيفة مكرهم‬
‫خرج‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم فعاشوا وخالطوا الناس وفي صحيح البخاري عن عبد ال‬
‫بن مسعود قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان‬
‫وكان أمية بن خلف إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ فقال‬
‫لمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن اطوف بالبيت قال انتظر حتى إذا انتصف النهار‬
‫وغفل الناس انطلقت فطفت قال فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل‬
‫فقال يا أبا صفوان من هذا معك قال هذا سعد فقال أبو جهل ال أراك تطوف‬

‫بالبيت آمنا وقد أويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما وال لول انك‬
‫مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فقال له سعد وقد رفع صوته عليه لئن‬
‫منعتني من هذا لمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة قال فقال له امية‬
‫ل ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي فقال سعد دعنا منك يا أمية فوال‬
‫لقد سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول إنه قاتلك قال بمكة قال ل أدري‬

‫‪662‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪663‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال وال ما يكذب محمد فلما رجع أمية إلى أهله قال يا‬
‫أم صفوان الم تري إلى ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم‬
‫انه قاتلي فقلت له بمكة فقال ل أدري فقالت وال ما يكذب محمد فقال امية وال ل‬
‫أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنصر ابو جهل الناس فقال أدركوا عيركم قال‬
‫فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد‬
‫تخلفت وأنت سيد اهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل ابو جهل حتى قال إذ غلبتني‬
‫فوال لشترين أجود بعير بمكة قال يا ام صفوان‬

‫جهزيني فقالت له يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال ل وما اريد‬
‫أن أجوز معهم إل قريبا قال فلما خرج امية جعل ل ينزل منزل إل عقل بعيره فلم‬
‫يزل كذلك حتى قتله ال ببدر وعن كعب بن مالك قال كان أبي بن خلف أخو بني‬
‫جمع قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما بلغت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حلفته قال رسول ال صلى ال عليه وسلم بل انا أقتله إن شاء‬
‫ال عز وجل فأقبل أبي مقنعا في الحديد وهو يقول ل نجوت إن نجا محمد فحمل‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم يريد‬

‫قته فاستقبله مصعب بن عمير من بني عبد الدار يقي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر النبي صلى ال عليه وسلم ترقوة أبي بن خلف‬
‫من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه فيها بحربته فوقع ابي عن فرسه ولم‬
‫يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا ال ما‬
‫أجزعك إنما هو خدش فذكر لهم قول رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا أقتل أبيا ثم‬
‫قال والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون‬

‫فمات إلى النار ورواه موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب‬
‫وذكره الواقدي بإسناده وهذا لفظه وهو مما ذكره عروة بن الزبير في مغازيه وابن‬
‫إسحاق وغيره وذكر موسى بن عقبة في مغازيه ان عمير بن وهب الجمحي لما‬
‫رجع فل المشركين إلى مكة وقد قتل ال من قتل منهم اقبل عمير‬

‫حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان قبح ال العيش بعد قتلى بدر‬
‫قال أجل وال ما في العيش خير بعدهم ولول دين علي ل أجد له قضاء وعيال ل‬
‫أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملت عيني منه فإن لي عنده علة أعتل بها‬
‫أقول قدمت على ابني أفدي هذا السير ففرح صفوان بقوله وقال له علي دينك‬
‫وعيالك أسوة عيالي في النفقة فحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف عمير فصقل وسم‬
‫فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل بباب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فعمد‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم فنظر عمر بن الخطاب إليه وهو في نفر من‬
‫النصار يتحدثون فقال عمر عندكم الكلب هذا عدو ال الذي حرش بيننا‬

‫‪663‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪664‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يوم بدر وحزرنا للقوم ثم قام عمر حتى دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫إلى أن قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أقدمك قال أسيري عندكم ففادونا‬
‫في اسرائنا فإنكم العشيرة والهل قال فما بال السيف في عنقك قال عمير قبحها ال‬
‫من سيوف فهل أغنت عنا شيئا إنما نسيته في عنقي حين نزلت فقال له رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم اصدقني ما أقدمك قال ما قدمت إل في أسيري قال فماذا‬
‫شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير وقال ماذا شرطت قال تحملت له‬
‫بقتلي على ان يعول بيتك ويقضي دينك وال حائل بينك وبين ذلك فقال عمير أشهد‬
‫أنك رسول ال وان ل إله إل ال كنا نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء وهذا‬
‫الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع عليه احد غيري وغيره فأخبرك‬
‫ال به وذكر بقية الحديث‬

‫وفي صحيح البخاري عن أنس قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أقواما من‬
‫بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني‬
‫حتى أبلغهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وإل كنتم مني قريبا فأمنوه فبينما هو‬
‫يحدثهم عن النبي صلى ال عليه وسلم إذ أومأوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه قال‬
‫فزت ورب الكعبة ثم مالوا‬

‫على بقية أصحابه فقتلوهم إل رجل أعرج صعد الجبل وآخر معه فأخبر جبريل‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي ال عنهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن‬
‫بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ فدعا عليهم أربعين‬
‫صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا ال ورسوله وكان في‬
‫هؤلء عامر بن فهيرة‬

‫قال عنه عامر بن الطفيل لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لنظر إلى‬
‫السماء بينه وبين الرض وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي قال خرجنا‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة‬
‫لمرأة فقال رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم أخرصوها فخرصناها وخرصها رسول ال صلى ال عليه وسلم عشرة أوسق‬
‫قال أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء ال تعالى فانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فل يقم فيها أحد فمن كان له‬
‫بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء‬
‫وروى المام أحمد عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب ابو‬
‫اليسر بن عمرو وهو كعب بن عمرو أحد‬

‫بني سلمة فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم كيف اسرته يا ابا اليسر فقال لقد‬
‫أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ول قبل هيئته كذا وكذا فقال رسول ال صلى ال‬

‫‪664‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪665‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عليه وسلم لقد اعانك عليه ملك كريم وقال للعباس يا عباس أفد نفسك وابن أخيك‬
‫عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم أخو بني الحارث بن‬
‫فهر قال فإني قد كنت مسلما‬

‫قبل ذلك وإنما استكرهوني قال ال أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فال يجزيك بذلك‬
‫واما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قد أخذ منه عشرين أوقية ذهب فقال يا رسول ال أحسبها لي من فداي قال ل ذلك‬
‫شيء أعطانا ال منك قال فإنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته بمكة حين‬
‫خرجت عند أم الفضل وليس معك احد غيركما فقلت إن أصبت في سفري هذا‬
‫فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد ال كذا قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من‬
‫الناس غيري وغيرها وأني أعلم أنك لرسول ال‬

‫وفي صحيح البخاري لما أرسل النبي صلى ال عليه وسلم الجيش في غزوة مؤتة‬
‫وأمر عليهم زيد بن الحارثة وقال إن قتل فجعفر فإن قتل فعبد ال بن رواحة فروى‬
‫البخاري عن أنس بن مالك قال نعى رسول ال صلى ال عليه وسلم زيدا وجعفرا‬
‫وابن رواحة للناس قبل ان يأتيهم خبرهم فقال اخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها‬
‫جعفر فأصيب ثم أخذها عبد ال بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لتذرفان ثم اخذها خالد بن الوليد سيف من سيوف ال حتى فتح ال عليهم‬

‫فصل وآياته صلى ال عليه وسلم المتعلقة بالقدرة والفعل والتأثير أنواع الول منها‬
‫ما هو في العالم العلوي كانشقاق القمر وحراسة السماء بالشهب الحراسة التامة لما‬
‫بعث كمعراجه إلى السماء فقد ذكر ال انشقاق القمر وبين ان ال فعله وأخبر به‬
‫لحكمتين عظيمتين‬
‫أحدهما كونه من آيات النبوة لما سأله المشركون آية فأراهم انشقاق القمر‬
‫والثانية أنه دللة عل جواز انشقاق الفلك وأن ذلك دليل على ما أخبرت به النبياء‬
‫من انشقاق السموات ولهذا قال تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية‬
‫يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد‬

‫جاءهم من النباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع‬
‫الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الجداث كأنهم جراد منتشر ^‬
‫فذكر اقتراب الساعة وانشقاق القمر وجعل الية في انشقاق القمر دون الشمس‬
‫وسائر الكواكب لنه أقرب إلى الرض من الشمس والنجوم وكان النشقاق فيه دون‬
‫سائر أجزاء الفلك إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر فيه النشقاق لكل من يراه‬
‫ظهورا ل يتمارى فيه وأنه نفسه إذا قبل النشاق فقبول محله أولى بذلك وقد عاينه‬
‫الناس وشاهدوه وكان النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ بهذه السورة في المجامع‬
‫الكبار مثل صلة الجمعة والعيدين ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلئلها‬

‫‪665‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪666‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والعتبار بما فيها وكل الناس يقر بذلك ولينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما‬
‫عند الناس عامة وفي صحيح مسلم ان عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي‬

‫ما كان يقرأ به رسول ال صلى ال عليه وسلم في الضحى والفطر فقال كان يقرأ‬
‫فيهما ب قاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ومعلوم بالضرورة في‬
‫مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضل عن‬
‫أعدائه الكفار والمنافقين ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له‬
‫واتباعهم إياه فو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به‬
‫ويجعله آية له وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال إن أهل مكة سألوا نبي ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين‬

‫وعنه قال إن أهل مكة سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية فانشق‬
‫القمر فرقتين ورواه الترمذي وزاد فيه فنزلت ^ اقتربت الساعة وانشق القمر ^ إلى‬
‫قوله تعالى ^ سحر مستمر ^ يقول ذاهب وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال انشق‬
‫القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم شقتين فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم اشهدوا‬

‫وعن ابن مسعود أيضا قال رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم شقة على جبل أبي قبيس وشقة على السويداء فقال كفار قريش اهل‬
‫مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم‬
‫فقد صدق وإن لم يكونوا رأوا مثل ما رأيتم فهو سحر قال فسئل السفار وقدموا من‬
‫كل وجه فقالوا رأينا رواه والبخاري ومسلم‬

‫وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال انشق القمر على زمان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وروى مسلم عن ابن عمر في قوله تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق القمر‬
‫^ قال قد كان ذلك على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم انشق القمر فلقتين فلقة‬
‫من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم‬
‫اشهد وعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن بمكة حتى صار فرقتين على هذا‬
‫الجبل وعلى هذا الجبل فقال الناس سحرنا محمد قال رجل إن كان سحركم فلم‬
‫يسحر الناس كلهم رواه‬

‫الترمذي وكذلك صعدوه ليلة المعراج إلى ما فوق السموات وهذا مما تواترت به‬
‫الحاديث وأخبر به القرآن أخبر بمسراه ليل من المسجد الحرام إلى المسجد‬
‫القصى وهو بيت المقدس وفي موضع آخر بصعوده إلى السموات فقال تعالى ^‬
‫سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام إلى المسجد القصا الذي باركنا‬
‫حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ^ فأخبر هنا بمسراه ليل بين المسجدين‬
‫وأخبر أنه فعل ذلك ليريه من آياته ومعلوم أن الرض قد رأى سائر الناس ما فيها‬

‫‪666‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪667‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من اليات فعلم أن ذلك ليريه آيات لم يرها عموم الناس كما قال في السورة الخرى‬
‫^ أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى‬

‫عندها الجنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى مازاغ البصر وما طغى لقد رأى من‬
‫آيات ربه الكبرى ^ وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله تعالى ^ وما جعلنا‬
‫الرءيا التي أريناك إل فتنة للناس ^ قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ليلة أسرى به فكان في إخباره بالمسرى لنريه من آياتنا بيان أنه رأى من آياته‬
‫ما لم يره الناس وقد بين ذلك في السورة الخرى فإنه رأى جبريل عند سدرة‬
‫^ المنتهى ^ عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى‬

‫وانه رأى بالبصر آيات ربه الكبرى وذكر في تلك السورة المسرى لنه أمكنه أن‬
‫يقيم عليه برهانا فإنه لما أخبرهم به فكذبه من كذبه وتعجبوا من ذلك سألوه عن نعته‬
‫وصفته فنعته لهم لم يخرم من النعت شيئا وأخبر خبر عيرهم التي كانت في الطريق‬
‫فظهر لهم صدقه وكان صدقه في هذا آية على صدقه فيما غاب عنهم وكان قطع‬
‫المسافة البعيدة في الزمان اليسير لجل ما أراه من اليات التي تختص برؤيتها‬
‫النبياء وبهذا تميز عمن يقطع المسافة كرامة لولي أو بتسخير الجن كما في قصة‬
‫بلقيس حيث ^ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه‬

‫لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ^ فإن‬
‫قطع الجسم للمسافة البعيدة أنما كان لما أوتيه سليمان من الملك كما كانت الريح ^‬
‫تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في‬
‫الصفاد ^ وهذا تسخير ملكي وقطع محمد صلى ال عليه وسلم كان لما أراه ال من‬
‫اليات التي ميزه بها على سائر النبيين وكان ذلك فتنة أي محنة وابتلء للناس ليتبين‬
‫من يؤمن به ممن يكذبه وأحاديث المعراج وصعوده إلى ما فوق السموات وفرض‬
‫الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ ورؤيته لما رآه من اليات والجنة والنار‬
‫والملئكة والنبياء في السموات والبيت المعمور وسدرة المنتهى وغير ذلك‬
‫معروف‬

‫متواتر في الحاديث وهذا النوع لم يكن لغيره من النبياء مثله يظهر به تحقيق قوله‬
‫تعالى ^ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم‬
‫درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ^ فالدرجات التي رفعها‬
‫محمد ليلة المعراج وسيرفعها في الخرة في المقام المحمود الذي يغبطه به الولون‬
‫والخرون الذي ليس لغيره مثله ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن مالك‬
‫بن صعصعة وأبي ذر ومن رواية ابن عباس وأبي حبة النصاري وغيرهم‬

‫فروى أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض‬
‫طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى بصره قال فركبته حتى‬

‫‪667‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪668‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي تربط بها النبياء قال ثم دخلت المسجد‬
‫فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت‬
‫اللبن فقال جبريل عليه السلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل‬
‫فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وقد‬
‫بعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم‬
‫عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من أنت قال جبريل قيل‬
‫ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وبعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح‬
‫لنا فإذا أنا بانبي الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهما السلم فرحبا بي ودعوا لي‬
‫بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل‬
‫ومن معك قال محمد صلى ال عليه‬

‫وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلم وإذا هو‬
‫قد أعطي شطر الحسن قال فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة‬
‫فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بإدريس صلى ال عليه‬
‫وسلم فرحب ودعا لي بخير قال ال عز وجل ^ ورفعناه مكانا عليا ^ ثم عرج بنا‬
‫إلي السماء الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن‬
‫معك قال محمد‬

‫صلى ال عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بهارون‬
‫صلى ال عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح‬
‫جبريل عليه السلم قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم قيل أوقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بموسى عليه السلم فرحب‬
‫ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلم فقيل من‬
‫هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى ال عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال‬
‫قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى ال عليه وسلم مسند ظهره إلى البيت‬
‫المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ل يعودون إليه ثم ذهب بي إلى‬
‫سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلل قال فلما غشيها من أمر ال‬
‫ما غشي تغيرت فما أحد من خلق ال يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى ال إلي‬

‫ما أوحى ففرض علي خمسين صلة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه‬
‫السلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلة قال ارجع إلى ربك فاسأله‬
‫التخفيف فإن أمتك ل تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت‬
‫إلي ربي فقلت رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى عليه السلم‬
‫فقلت حط عني خمس قال فإن أمتك ل يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‬
‫قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلم حتى قال لي يا‬
‫محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وللية لكل صلة عشر فتلك خمسون صلة ومن‬

‫‪668‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪669‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم‬
‫يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى‬
‫موسى عليه السلم فأخبرته قال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه وفي رواية قال‬
‫فأتيت فانطلق بي إلى زمزم فشرح عن‬

‫صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت طست من ذهب مملوءة حكما وإيمانا فحشى‬
‫بها صدري وفي رواية فشق من النحر إلى مراق البطن وقال عن البيت المعمور‬
‫فقلت ما هذا قال بناء بناه ال لملئكته يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك يقدسون‬
‫ال ويسبحونه ل يعودون إليه وفي حديث أبي ذر فنزل جبريل ففرج صدري ثم‬
‫غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في‬
‫صدري ثم أطبقه ثم اخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال‬
‫جبريل لخازن سماء الدنيا افتح قال من هذا قال جبريل قال هل معك احد قال نعم‬
‫معي محمد صلى ال عليه وسلم فلما علونا السماء فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن‬
‫يساره أسودة قال فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى قال مرحبا‬
‫بالبن الصالح والنبي الصالح قال قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم وهذه السودة‬
‫عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة‬

‫والسودة التي عن شماله أهل النار قال الزهري وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس‬
‫وابا حبة النصاري يقولن قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم عرج بي حتى‬
‫ظهرت بمستوى أسمع منه صريف القلم وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن مسعود‬
‫قال لما أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في‬
‫السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما‬
‫^ يهبط به من فوقها فيقبض منها قال ^ إذ يغشى السدرة ما يغشى‬

‫قال فراش من ذهب قال فأعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا أعطي‬
‫الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بال شيئا من‬
‫أمته المقحمات وعنه في قوله عز وجل ^ فكان قاب قوسين أو أدنى ^ قال إن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح وفي الصحيحين عن‬
‫جابر بن عبد ال أن رسول ال صلى ال‬

‫عليه وسلم قال لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى ال لي بيت المقدس فطفقت‬
‫أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن‬
‫مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها‬
‫قط قال فرفعه ال لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إل أنبأتهم به وصعود الدمي‬
‫ببدنه إلى السماء قد ثبت في أمر المسيح‬

‫‪669‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪670‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عيسى بن مريم عليه السلم فإنه صعد إلى السماء وسوف ينزل إلى الرض وهذا‬
‫مما يوافق النصارى عليه المسلمين فإنهم يقولون إن المسيح صعد إلى السماء ببدنه‬
‫وروحه كما يقوله المسلمون ويقولون إنه سوف ينزل إلى الرض أيضا كما يقوله‬
‫المسلمون وكما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم في الحاديث الصحيحة لكن‬
‫كثيرا من النصارى يقولون إنه صعد بعد أن صلب وأنه قام من القبر وكثير من‬
‫اليهود يقولون إنه صلب ولم يصعد ولم يقم من قبره وأما المسلمون وكثير من‬
‫النصارى فيقولون إنه لم يصلب ولكن صعد إلى السماء بل صلب والمسلمون ومن‬
‫وافقهم من النصارى يقولون إنه ينزل إلى الرض قبل القيامة وأن نزوله من أشراط‬
‫الساعة كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكثير من النصارى يقولون إن نزوله هو‬
‫يوم القيامة وإنه هو ال الذي يحاسب الخلق وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه‬
‫وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه ومن أنكر صعود بدن إلى‬
‫السماء من المتفلسفة فعمدته شيئا‬
‫أحدهما أن الجسم الثقيل ل يصعد وهذا في غاية الضعف‬

‫فإن صعود الجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الخبار في أمور متعددة مثل‬
‫عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة ولما قال سليمان ^ يأيها‬
‫الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن انا آتيك به‬
‫قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك‬
‫به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني‬
‫ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم قال نكروا‬
‫لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين ل يهتدون ^ ومثل حمل الريح لسليمان‬
‫عليه السلم وعسكره لما كان يحمل البساط في الهواء وهو جالس عليه بأصحابه‬
‫ومثل حمل قرى قوم لوط ثم إلقائها في الهواء ومثل المسرى إلى بيت المقدس الذي‬
‫ظهر صدق الرسول بخبره وبهذا يظهر جوابهم عن انكارهم انشقاق القمر فإن‬
‫عمدتهم فيه‬

‫أن الفلك ل يقبل النشقاق وقد عرف فسد ذلك عقل وسمعا وتواتر عن النبياء أنهم‬
‫أخبروا بانشقاق السموات وإيضاح الرد على هؤلء أن ما يثبتونه من أن الحركة ل‬
‫بد لها من جهة ومحدد يحدد الجهات إنما يدل على الفتقار إلى جنس المحدد ل يدل‬
‫على الحتياج إلى محدد معين فإذا قدر أنه خلق وراء المحدد محددا آخر وخرق‬
‫الول حصل به المقصود وهكذا عامة أدلتهم أنما تدل على شيء مطلق لكن يعينونه‬
‫بل حجة فيغلطون في التعيين كدليلهم على دوام الفاعلية أو الحركة أو زمانها فإن‬
‫ذلك ل يدل على الحركة الفلكية وأن الزمان هو مقدار الحركة بل إذا كان ال قد‬
‫خلق السموات والرض وما بينهما في سنة أيام كما أخبرت به الرسل لم تكن تلك‬
‫اليام التي خلق ال فيها السموات والرض هي مقدار حركة الشمس التي هي مما‬
‫خلق في تلك اليام بل وقد أخبر ال تعالى أنه كان عرشه على الماء قبل أن يخلق‬

‫‪670‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪671‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫السموات والرض وأخبر أنه خلق السموات من دخان وهو بخار الماء فإذا كان قبل‬
‫هذه الحركا المشهودة حركات أخر لجسام غير هذه الجسام المشهودة لم يكن هذا‬
‫مناقضا لما دل عليه العقل‬

‫ورجال كثير في زماننا وغير زماننا يحملون من مكان إلى مكان في الهواء وهذا‬
‫مما تواتر عندنا وعند من يعرف ذلك وايضا فمعلوم أن النار والهواء الخفيف تحرك‬
‫حركة قسرية فيهبط والتراب والماء الثقيلن يحركان حركة قسرية فيصعد وهذا مما‬
‫جرت به العادة‬
‫والشبهة الثانية ظن بعض المتفلسفة كأرسطو وشيعته أن الفلك ل تقبل النشقاق‬
‫وحجتهم على ذلك في غاية الضعف فإنهم قالوا لو كانت تقبل النشقاق لكان المحدد‬
‫للفلك المحرك لها يتحرك حركة مستقيمة والحركة المستقيمة تحتاج إلى خلء‬
‫خارج العالم ول خلء هناك‬
‫وهذه الحجة فاسدة من وجوه منها انها تدل على ذلك في الفلك العلى ل فيما دونه‬
‫كفلك القمر وغيره وهذا مما أجابهم به الرازي وغيره ومنها أن وجود أجسام خارج‬
‫الفلك كوجود الفلك في حيزه يحتاج إلى خلء وقوله بنفي الخلء خارجه كقوله بنفي‬
‫الخلء عن‬

‫حيزه فإن كان الخلء عدما محضا فهو منتف في الجانبين وإن قيل إنه أمر وجودي‬
‫لزم أن يحتاج إليه في الموضعين وحينئذ فيبطل القول بنفيه وكذلك ما يذكرونه في‬
‫قدم العالم فليس مع القوم دليل واحد عقلي صحيح يناقض ما أخبرت به الرسل ولكن‬
‫قد تناقض ما يظنه بعض أهل الكلم من دين الرسل كما قد بسط في غير هذا‬
‫الموضع‬
‫والنوع الثاني آيات الجو كاستسقائه صلى ال عليه وسلم واستصحائه وطاعة‬
‫السحاب له ونزول المطر بدعائه صلى ال عليه وسلم ففي الصحيحين عن أنس بن‬
‫مالك أن رجل دخل المسجد في‬

‫يوم جممة من باب كان نحو دار القضاء ورسول ال صلى ال عليه وسلم قائما‬
‫يخطب فاستقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم قائما ثم قال يا رسول ال هلكت‬
‫الموال وانقطعت السبل فادع ال يغيثنا قال فرفع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فل وال ما نرى في السماء‬
‫من سحاب ول من قزعة وأن السماء لمثل الزجاجة وما بيننا وبين سلع من دار‬
‫فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن‬
‫منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته وفي رواية أخرى فطلعت من ورائه‬
‫سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم‬

‫أمطرت قال فل وال ما رأينا الشمس سبتا قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في‬
‫الجمعة المقبلة ورسول ال صلى ال عليه وسلم قائما يخطب فاستقبله قائما فقال يا‬

‫‪671‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪672‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫رسول ال هلكت الموال وانقطعت السبل فادع ال يمسكها عنا قال فرفع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ول علينا اللهم على الكام والظراب‬
‫وبطون لودية ومنابت الشجر قال فما يشير بيده إلى ناحية إل تفرجت حتى رأيت‬
‫المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إل أخبر‬
‫بجود ومن هذا الباب نصر ال بالريح التي قال ال فيها ^ يا أيها الذين آمنوا اذكروا‬
‫نعمة ال عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان ال بما‬
‫^ تعملون بصيرا‬

‫قال مجاهد يعني ريح الصبا أرسلت على الحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم‬
‫على أفواهها ونزعت فساطيطهم وجنودا لم تروها يعني الملئكة وفي صحيح مسلم‬
‫عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد‬
‫بالدبور وفي المغازي والسير قصة الحزاب وكيف أرسلت عليهم الريح والملئكة‬
‫وانهزموا بغير قتال معروف‬
‫والنوع الثالث تصرفه في الحيوان النس والجن والبهائم‬

‫فروي عن عبد ال بن جعفر قال أردفني رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم‬
‫فأسر إلي حديثا ل أحدث به أحدا من الناس قال وكان أحب ما استتر به هدف أو‬
‫حائش نخل فدخل حائط رجل من النصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى ال عليه وسلم فمسح رأسه وذفراه فسكن‬
‫قال لمن هذا الجمل فجاء فتى من النصار فقال هو لي يا رسول ال فقال له رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أل تتقي ال في هذه البهيمة التي ملكك ال إياها فإنه شكا‬
‫إلي أنك تجيعه وتدئبه روى مسلم بعضه‬

‫وبعضه على شرطه ورواه أبو داود وغيره وروى أحمد والدارمي وغيرهما عن‬
‫جابر قال أقبلنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط‬
‫من حيطان بني النجار إذا فيه جمل ل يدخل الحائط أحد إل شد عليه فذكروا ذلك‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره‬
‫إلى الرض حتى برك بين يديه قال فقال النبي صلى ال عليه وسلم هاتوا خطامه‬
‫فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس فقال‬

‫إنه ليس شيء بين السماء والرض إل يعلم أني رسول ال إل عاصي الجن والنس‬
‫وروى الطبراني عن جابر قال خرجنا في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بحرة واقم‬
‫عرضت امرأة بدوية بابن لها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول‬
‫ال هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان قال فأدنيه مني فأدنته فقال افتحي فمه فبصق‬
‫فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬

‫وقال اخسأ عدو ال وأنا رسول ال ثلث مرات ثم قال شأنك بابنك ليس عليه بأس‬

‫‪672‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪673‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فلن يعود إليه شيء مما كان يصيبه وذكر قصة الشجرتين إلى أن قال فنزلنا في واد‬
‫من أودية بني محارب فعرض له رجل من بني محارب يقال له غورث بن الحارث‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم متقلد سيفه فقال يا محمد اعطني سيفك هذا فسله فناوله‬
‫إياه ونظر إليه ساعة ثم أقبل على النبي صلى ال عليه وسلم فقال يا محمد من‬
‫يمنعك‬

‫مني فارتعدت يده حتى سقط السيف من يده فتناوله رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ثم قال يا غورث من يمنعك مني قال ل أحد قال ثم أقبلنا راجعين فجاء رجل من‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بعش طير يحمله وفيه فراخ وأبواه يتبعانه‬
‫ويقعان على يد الرجل فأقبل النبي صلى ال عليه وسلم على من كان معه فقال‬
‫أتعجبون بفعل هذا الطير وبفراخهما زاد في رواية فربكم ارحم بكم من هذا الطير‬
‫بفراخه ثم اقبلنا راجعين حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت لنا المرأة التي جاءت بابنها‬
‫بوطب من لبن وشاة فأهدته له فقال ما فعل ابنك هل أصابه شيء مما كان يصيبه‬
‫قالت ل والذي بعثك بالحق ما أصابه شيء مما كان يصيبه وقبل هديتها ثم أقبلنا‬
‫راجعين حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل فقال أتدرون ما قال هذا‬
‫الجمل قالوا ال ورسوله أعلم قال هذا جمل جاءني يستعدي على سيده‬

‫يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى أذا اجربه وأعجفه وكبر سنه اراد نحره‬
‫اذهب معه يا جابر إلى صاحبه فائت به فقلت ما أعرف صاحبه يا رسول ال قال‬
‫إنه سيدلك عليه قال فخرج بين يدي معنقا حتى وقف بي في مجلس بني خطمة فقلت‬
‫أين رب هذا الجمل قالوا فلن فجئته فقلت اجب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فخرج معي حتى جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إن جملك هذا يستعدي عليك يزعم أنك حرثت عليه زمانا حتى أجربته‬
‫وأعجفته وكبر سنه ثم اردت نحره قال والذي‬

‫بعثك بالحق إن ذلك كذلك فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم بعنيه قال نعم يا‬
‫رسول ال فابتاعه منه ثم سيبه في الشجر حتى نصب سناما فكان إذا اعتل على‬
‫بعض المهاجرين والنصار من نواضحهم شيء أعطاه أياه فمكث بذلك زمانا وهذا‬
‫الحديث له شواهد أخرج أهل الصحيح منه قصة الشجرتين وقصة الذي شهر السيف‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم وقصة الطير‬

‫رواها أبو داود الطيالسي وقصة الصبي ذكرها غير واحد وروى المام أحمد في‬
‫مسنده عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلثة أشياء رأيتهن من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بينما نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع‬
‫جرانه بالرض فوقف عليه النبي صلى ال عليه وسلم فقال أين صاحب هذا البعير‬
‫فجاء فقال بعينه فقال بل‬

‫‪673‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪674‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نهبه لك وهو لهل بيت ما لهم معيشة غيره فقال أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه‬
‫يشتكي إلي كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه وفي رواية أنهم أرادوا نحره ثم‬
‫سرنا فنزلنا منزل فقال النبي صلى ال عليه وسلم إنطلق إلى هاتين الشجرتين فقل‬
‫لهما إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما‬
‫ذلك فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتفتا‬
‫جميعا فقضى رسول ال صلى ال عليه وسلم حاجته من ورائهما ثم لما فرغ عادت‬
‫كل واحدة منهما مكانها بأمره وأتته امرأة بصبي لها به لمم فقالت يا رسول ال إن‬
‫ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فتفل النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في فيه وقال أخرج عدو ال أنا رسول ال فبرىء فلما رجعنا جاءت أم الغلم‬
‫بكبشين وشيء من أقط قالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك فأخذ أحد‬
‫الكبشين والقط ورد الكبش الخر‬

‫وروى هذه القصة أبو يعلى الموصلي عن أسامة بن زيد رضي ال عنه ورواه‬
‫الحاكم في صحيحه قال سافرت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأيت منه عجبا‬
‫وذكر الحديث وفيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال للمرأة لما أخرج الشيطان‬
‫من ابنها إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع ورواه الدارمي أيضا وروى الدارمي عن ابن‬
‫عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا رسول‬
‫ال إن ابني به جنون وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا فمسح رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم صدره ودعا فثغ ثغة خرج من جوفه مثل الجرو السود فشفي‬
‫وروى أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود قال كنا مع رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت‬
‫الحمرة ترف على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه فقال أيكم فجع‬
‫هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضتها فقال رده رحمة لها وروى الحاكم في‬
‫صحيحه عن سفينة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ركبنا البحر في سفينة‬
‫فانكسرت السفينة فركبت لوحا من ألواحها فطرحني في أجمة فيها أسد فلم يرعني‬
‫إل به‬

‫فقلت يا ابا الحارث انا مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم فطأطأ رأسه وغمز‬
‫بمنكبه شقي فما زال يغمزني ويهديني الطريق حتى وضعني على الطريق فلما‬
‫وضعني على الطريق همهم فظننت أنه يودعني وروى المام أحمد في مسنده عن‬
‫عائشة قالت كان لل رسول ال صلى ال عليه وسلم وحش إذا خرج رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم اشتد ولعب وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم كراهية ان يؤذيه ورواه أبو نعيم‬

‫وروى عنها أحمد أيضا ان رسول ال صلى ال عليه وسلم كان في نفر من‬
‫المهاجرين والنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول ال تسجد لك‬

‫‪674‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪675‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال لو كنت آمرا احدا أن يسجد لحد‬
‫لمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل اسود‬
‫ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله رواه أحمد عن عفان وابن‬
‫ماجه عن ابن أبي شيبة عن‬

‫عفان قال ثنا حماد بن سلمة ثنا أبي علي بن زيد ثنا سعيد عن عائشة وقصة هذا‬
‫الجمل رواها جماعة وروى المام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال عدا‬
‫الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى‬

‫الذئب على ذنبه فقال أل تتقي ال تنزع مني رزقا ساقه ال إلي فقال يا عجبا ذئب‬
‫مقع على ذنبه يكلمني كلم النس فقال الذئب ال أخبرك بأعجب من ذلك محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال فأقبل الراعي يسوق‬
‫غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فأخبر فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فنودي الصلة جامعة ثم خرج‬
‫فقال للعرابي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم صدق والذي‬
‫نفس محمد بيده ل تقوم الساعة حتى تكلم السباع النس ويكلم الرجل عذبة سوطه‬
‫وشراك نعله ويخبره فخذه ما أحدث أهله بعده وروى الترمذي آخره وصححه قال‬
‫البيهقي إسناده‬

‫صحيح وله شاهد من وجه آخر ورواه أحمد عن أبي هريرة قال وكان الراعي‬
‫يهوديا فأسلم وقال فيه اعجب من هذا رجل في النخلت بين الحرتين يخبركم بما‬
‫مضى وما هو كائن بعدكم وفي الصحيحين عن أنس قال كان بالمدينة فزع فاستعار‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فرسا لبي طلحة وكان يقطف فلما رجع قال وجدنا‬
‫فرسكم هذا بحرا وكان بعد ذلك ل يجارى وفي الصحيحين عن سلمة بن الكوع‬
‫وسهل بن سعد عن‬

‫النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة خيبر انه أرسل إلى علي وهو ارمد العين فقال‬
‫لعطين الراية رجل يحبه ال ورسوله ويحب ال ورسوله يفتح ال على يديه فبصق‬
‫في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع قط وأعطاه الراية فقال علي يا رسول ال أقاتلهم‬
‫حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى السلم‬
‫وأخبرهم بما يجب عليهم من حق ال تعالى فيه فوال لن يهدي ال بك رجل واحدا‬
‫خير لك من حمر النعم وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه قتادة بن النعمان أنه‬

‫أصيبت عينه يوم بدر فسألت على وجنته فأرادوا ان يقطعوها فسألوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ل ودعاه وغمز حدقته براحته فكان ل يدري أي عينيه‬
‫أصيبت فكانت أحسن عينيه وأحدهما وفي رواية فرفع حدقته حتى وضعها موضعها‬
‫ثم غمزها براحته وقال اللهم أكسبه جمال فمات وما يدري من لقيه أي عينيه‬

‫‪675‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪676‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أصيبت رواه عنه أهل المغازي‬

‫وانشد ولده بحضرة عمر بن عبد العزيز وهو خليفة أقره من حضر ولم ينكروه ‪%‬‬
‫‪ %‬أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ‪ %‬وردت بكف المصطفى أيما رد‬
‫فلول أنه كان معروفا عند التابعين لم يقروه وهم إنما تلقوا هذا عن الصحابة وفي‬
‫صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫أبي رافع اليهودي رجال من النصار‬

‫وأمر عليهم عبد ال بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ويعين عليه وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس‬
‫وراح الناس قال عبد ال لصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي‬
‫أدخل قال وأقبل حتى دنا من الباب وذكر قصة قتله إلى أن‬

‫قال ثم وضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أنني قد قتلته فجعلت‬
‫أفتح البواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد‬
‫انتهيت إلى الرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي ثم‬
‫انطلقت حتى جلست عند الباب فقلت ل أبرح حتى اعلم أقتلته أم ل فلما صاح الديك‬
‫قام الناعي على السور فقال أنعي ابا رافع قال فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجا قد‬
‫قتل ال أبا رافع قال فانتهينا إلى النبي صلى ال عليه وسلم وحدثناه فقال ابسط‬
‫رجلك فبسطها فمسحها فكأنما لم اشتكها قط‬

‫وفي البخاري عن يزيد بن أبي عبيد قال رأيت في ساق سلمة بن الكوع أثر ضربة‬
‫فقلت يا ابا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة اصابتني يوم خيبر فقال الناس‬
‫اصيب سلمة قال فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فنفث فيه ثلث نفثات فما‬
‫اشتكيت منها حتى الساعة وفي الترمذي وغيره عن عثمان بن حنيف أن رجل‬
‫ضريرا أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ادع ال تعالى ان يعافيني قال إن‬
‫شئت صبرت فهو خير لك وإن شئت دعوت ال قال فادعه قال فأمره أن يتوضأ‬
‫فيحسن الوضوء فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني اسألك وأتوجه إليك‬
‫بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى‬

‫ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم فشفعه في وفي رواية قال يا رسول ال ليس‬
‫لي قائد وقد شق علي وذكر الحديث فقال عثمان وال ما تفرقنا ول طال الحديث بنا‬
‫حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط قال الترمذي حديث صحيح‬
‫النوع الثالث آثاره في الشجار والخشب ففي الصحيحين عن جابر بن عبد ال قال‬
‫كان المسجد مسقوفا على جذوع النخل فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا خطب‬
‫يقوم إلى جذع منها فلما صنع المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت‬
‫العشار حتى جاء النبي صلى ال عليه‬

‫‪676‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪677‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسلم فوضع يده عليها فسكنت وفي رواية فصاحت النخلة صياح الصبي وفي‬
‫الصحيح عن جابر ان امرأة من النصار قالت يا رسول ال ال أجعل لك شيئا تقعد‬
‫عليه فإن لي غلما نجارا قال إن شئت فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم على المنبر الذي صنع له فصاحت النخلة التي كان‬
‫يخطب عليها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى ال عليه وسلم فضمها إليه‬
‫فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت‬

‫وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال سرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته‬
‫بإداوة من ماء فنظر رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا‬
‫شجرتان بشاطىء الوادي فانطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ‬
‫بغصنين من أغصانها فقال انقادي علي بإذن ال فانقادت معه كالبعير المخشوش‬
‫الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي‬
‫علي بإذن ال فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما فلم بينهما حتى‬
‫جمع بينهما فقال التئما علي بإذن ال تعالى فالتأمتا عليه فخرجت أحضر مخافة أن‬
‫يحس رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم بقربي فيتباعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم مقبل وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة‬
‫منهما على ساق وذكر الحديث وعن ابن عباس قال جاء رجل من بني عامر إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال يا رسول ال أرني الخاتم الذي بين كتفيك فإنني‬
‫من أطب الناس قال أل أريك آية قال بلى فنظر إلى نخلة فقال ادع ذلك العذق فجاءه‬
‫ينقز حتى قام بين يديه فقال له ارجع فرجع‬

‫وفي رواية الترمذي جاء أعرابي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال بم أعرف‬
‫أنك نبي قال إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول ال قال نعم‬
‫فدعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ثم قال ارجع فعاد فأسلم العرابي وروى الدارمي عن عبد ال‬
‫بن عمر قال كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا‬
‫منه قال له النبي صلى ال عليه وسلم أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك في خير‬
‫قال ما هو قال تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله فقال ومن يشهد على‬
‫ما تقول قال هذه السلمة فدعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بشاطىء‬
‫الوادي فأقبلت تخد الرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلثا فشهدت ثلثا أنه‬
‫كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع العرابي‬

‫إليه فقال أن اتبعوني أتيتك بهم وإل رجعت فكنت معك ورواه الدارمي أيضا قال فيه‬

‫‪677‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪678‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فجاءت النخلة تنقز بين يديه ثم قال لها ارجعي فعادت إلى مكانها وفي الصحيحين‬
‫عن معن بن عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سألت مسروقا من آذن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه قال‬
‫آذنته بهم شجرة وفي الترمذي عن علي قال كنت مع رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ول جبل إل وهو يقول‬
‫السلم عليك يا رسول ال رواه الحاكم في صحيحه وروى المام أحمد عن أنس بن‬
‫مالك قال جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد‬
‫خضب بالدماء ضربه بعض أهل مكة فقال له ما لك قال فقال فعل هؤلء وفعلوا‬
‫فقال له جبريل أتحب أني أريك آية فقال نعم فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال‬
‫أدع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع إلى‬
‫مكانها فقال لها ارجعي فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم حسبي ورواه أبو يعلى االموصلي في مسنده‬

‫فصل &‬
‫والنوع الرابع الماء والطعام والثمار الذي كان يكثر ببركته فوق العادة وهذا باب‬
‫واسع نذكر منه ما تيسر أما الماء ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضؤن قال فحزرت ما بين السبعين‬
‫إلى الثمانين وفي رواية عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج في بعض مخارجه‬
‫ومعه أناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلة فلم يجدوا ما يتوضؤن‬
‫به فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير فأخذه النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فتوضأ ثم مد أصابعه الربع على القدح ثم‬

‫قال قوموا فتوضؤا وكانوا سبعين أو نحوه وفيهما عن أنس أيضا أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وأصحابه بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد ثمة دعا بقدح‬
‫فيه ماء فوضع فيه كفه فجعل ينبع بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه وفي‬
‫الصحيحين عنه قال رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وحانت صلة العصر‬
‫فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم بوضوء‬
‫فوضع في ذلك الناء يده وأمر الناس أن يتوضؤا منه قال فرأيت الماء ينبع من‬
‫تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم‬

‫وفي الصحيحين عن جابر قال قد رأيتني مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد‬
‫حضرت صلة العصر وليس معنا ماء غير فضلة فجعل في إناء فأتى النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم فأدخل يده فيه وفرج أصابعه وقال حي على الوضوء والبركة من ال‬
‫فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه فتوضأ الناس وشربوا فجعلت ل آلو ما‬
‫جعلت في بطني منه فعلمت أنه بركة قلت لجابر كم كنتم يومئذ قال ألفا وأربعمائة‬
‫وفي صحيح البخاري عن جابر أيضا قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى‬

‫‪678‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪679‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه قال ما لكم قالوا ليس عندنا‬
‫ما نتوضأ ول نشرب إل ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين‬
‫أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا‬
‫خمس عشرة مائة‬

‫وفي البخاري عن البراء بن عازب قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة‬
‫فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم‬
‫تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن‬
‫وركابنا وكنا ألفا وأربعمائة أو أكثر من ذلك وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع‬
‫قال قدمنا الحديبية مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة أو‬
‫أكثر من ذلك وعليها خمسون شاة ل ترويها فقعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫على جبا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال فجاشت فسقينا واستقينا‬

‫وعن ابن عباس قال ودعا النبي صلى ال عليه وسلم بلل فطلب بلل الماء ثم جاء‬
‫فقال ل وال ما وجدت الماء فقال النبي صلى ال عليه وسلم فهل من شن فأتاه بشن‬
‫فبسط كفيه فيها فانبعثت من يده عين قال فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ‬
‫وعن جابر بن عبد ال قال غزونا أو سافرنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ونحن يومئذ بضع عشرة ومائتين فحضرت الصلة فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم هل في القوم من طهور فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء وليس في‬
‫القوم ماء غيره فصبه رسول ال صلى ال عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن‬
‫الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس ذلك القدح وقالوا تمسحوا تمسحوا‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك فوضع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كفه في الماء والقدح فقال بسم ال‬

‫ثم قال أسبغوا الطهور فوالذي ابتلني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء تخرج‬
‫من بين أصابعه فلم يرفعها حتى توضؤا أجمعون رواهما الدارمي في مسنده وفي‬
‫صحيح البخاري عن عبد ال بن مسعود قال كنا نعد اليات بركة وأنتم تعدونها‬
‫تخويفا كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة‬
‫من ماء فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الناء ثم قال حي على الوضوء‬
‫المبارك والبركة من ال فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وروى مسلم في صحيحه عن معاذ بن‬
‫جبل قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم عام غزوة تبوك فكان يجمع‬
‫الصلة فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوم‬
‫آخر الصلة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج بعد ذلك فصلى‬
‫المغرب والعشاء جميعا ثم قال‬

‫‪679‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪680‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إنكم ستأتون غدا إن شاء ال عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن‬
‫جاءها منكم فل يمس من مائها شيئا حتى آتي فجئناها وقد سبقنا إليها رجلن والعين‬
‫مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول ال صلى ال عليه وسلم هل مسيتما‬
‫من مائها شيئا قال نعم فسبهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ما شاء ال أن‬
‫يقول ثم غرفوا بأيديهم من العين قليل قليل حتى اجتمع شيء قال وغسل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فيه يديه ووجهه ثم اعاده فيها فجرت العين بماء منهمر أو قال‬
‫غزير فسقى الناس ثم قال يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما ها هنا قد‬
‫ملىء جنانا‬

‫وفي صحيح مسلم حديث جابر الذي رواه عبادة بن الوليد وقد تقدم أوله في قصة‬
‫الشجرتين وانقيادهما ثم افتراقهما ووضع الغصن على القبرين وقال في آخره فأتينا‬
‫العسكر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم يا جابر ناد بوضوء فقال أل وضوء أل‬
‫وضوء قال قلت يا رسول ال ما وجدت في الركب من قطرة وكان رجل من‬
‫النصار يبرد لرسول ال صلى ال عليه وسلم الماء في أشجاب له فقال لي انطلق‬
‫إلى فلن فانظر هل في أشجابه من شيء قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها‬
‫إل قطرة في عزلء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه‬

‫فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت يا رسول ال لم أجد فيها إل قطرة في‬
‫عزلء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه قال اذهب فأتني به فأتيته به فأخذه بيده‬
‫فجعل يتكلم بشيء ل أدري ما هو ويغمزه بيده ثم أعطانيه ثم قال يا جابر ناد بجفنة‬
‫الركب فقلت يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بيده في الجفنة فقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم ال‬
‫فصببت عليه وقلت بسم ال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى ال عليه وسلم‬
‫ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلت فقال يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء قال‬
‫فأتى الناس فاستقوا حتى رووا قال فقلت هل بقي أحد له حاجة فرفع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملى وفي الصحيحين عن عمران بن‬
‫حصين قال كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا‬
‫كان‬

‫وجه الصبح عرسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس فكان أول من استيقظ منا أبو‬
‫بكر الصديق وكنا ل نوقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم من منامه حتى يكون هو‬
‫الذي يستيقظ لنا ل ندري ما يحدث له في نومه ثم استيقظ عمر فجعل يكبر حتى‬
‫استيقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال‬
‫ارتحلوا فسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم‬
‫لم يصل معنا فلما انصرف قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ما منعك أن تصلي‬
‫معنا قال أصابتني جنابة ول ماء قال له عليك بالصعيد فإنه يكفيك فتيمم بالصعيد‬

‫‪680‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪681‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصلى ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن‬
‫نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء فقالت إيهاه إيهاه‬
‫ل ماء لكم فقلت كم بين أهلك وبين الماء قالت مسيرة يوم وليلة قلنا انطلقي إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت وما رسول ال فلم نملكها من أمرها شيئا حتى‬
‫انطلقنا بها واستقبلنا بها رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا وأخبرته أنها موتمة لها‬
‫صبيان أيتام فأمر براويتها فأنيخت فمج في العزلوين العلياوين ثم بعث براويتها‬
‫فشربنا ونحن أربعون رجل عطاشا حتى روينا وملنا كل راوية وملنا كل قربة‬
‫معنا وإداوة وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تتضرج من الماء يعني‬
‫المزادتين ثم قال هاتوا ما عندكم فجمعنا لها من كسر وتمر وصرلها صرة وقال‬
‫اذهبي فأطعمي عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا فلما أتت أهلها قالت لقد‬
‫رأيت أسحر البشر أو أنه النبي كما زعم كان من أمره ذيت وذيت فهدى ال عز‬
‫وجل ذلك القوم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا‬

‫وفي الصحيحين عن أبي قتادة قال خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال إنكم‬
‫تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء غدا إن شاء ال فانطلق الناس ل يلوي أحد‬
‫على أحد وذكر حديث النوم في الوادي فقال ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء‬
‫من ماء فتوضأ منها وضوءا دون وضوء وبقي فيها شيء من ماء ثم قال لبي قتادة‬
‫احفط علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر‬
‫وعمر إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بين أيديكم فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا قال‬
‫فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون يا رسول ال هلكنا‬
‫عطشا فقال‬

‫ل هلك عليكم ثم قال أطلقوا لي غمري قال ودعا بالميضاة فجعل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يصب وابو قتادة يسقيهم فلم يعد ان رأى الناس ما في الميضأة تكابوا‬
‫عليها فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أحسنوا الملء كلكم سيروى قال ففعلوا‬
‫فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم صب فقال لي اشرب فقلت ل أشرب حتى يشرب‬
‫رسول ال قال إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت وشرب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال فأتى الناس الماء جامين رواء قال عبد ال بن رباح إني لحدث بهذا‬
‫الحديث في مسجد‬

‫الجامع إذ قال لي عمران بن حصين انظر كيف يحدث فأنا أحد الركب تلك الليلة‬
‫فقلت أنت أعلم فقال ممن أنت قلت من النصار قال أنتم أعلم بحديثكم قال عمران‬
‫لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته وفي مسند المام أحمد‬

‫‪681‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪682‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ورواه أبو يعلى الموصلي عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فاتينا على ركي ذمة قال فنزل ستة أنا سابعهم او سبعة أنا ثامنهم قال‬
‫فأدليت إلي دلو ورسول ال صلى ال عليه وسلم على شفة الركي فجعلنا فيها نصفها‬
‫أو قريب ثلثيها فرفعت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال فكدت بإنائي أجد‬
‫سقيا اجعله في حلقي فما وجدت قال فغمس رسول ال صلى ال عليه وسلم يديه فيها‬
‫وقال ما شاء ال أن يقول فأعيدت إلينا الدلو وما فيها قال‬

‫فرأيت آخرنا أخرج بثوب مخافة الغرق قال وساحت وفي الحديث الذي رواه المام‬
‫أحمد والترمذي وابو داود وابن ماجه طرف منه عن زياد بن الحارث الصداي قال‬
‫في آخره ثم قلنا يا نبي ال إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها‬
‫وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو‬
‫فادع ال في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ول نتفرق فدعا بسبع حصيات‬
‫فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيت البئر فألقوا‬
‫واحدة واحدة واذكروا اسم ال عز وجل قال الصداي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا‬
‫بعد أن ننظر إلى قعرها‬

‫وروى المام أحمد عن ابن عباس قال أصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات‬
‫يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال يا رسول ال ليس في العسكر ماء قال هل‬
‫عندك شيء قال نعم قال فأتني به قال فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل قال فجعل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم اصابعه في فم الناء وفتح أصابعه قال فانفجرت من‬
‫بين أصابعه عيون وأمر بلل فقال ناد في الناس الوضوء المبارك‬

‫فصل وأما تكثير الطعام ففي الصحيحين عن جابر قال لما حفر الخندق رأيت &‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خمصا فانكفأت إلى امرأتي فقلت لها هل عندك شيء‬
‫فإني رأيت برسول ال صلى ال عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت لي جرابا فيه‬
‫صاع من شعير ولنا بهيمة داجن قال فذبحت وطحنت ففرغت إلى فراغي فقطعتها‬
‫في برمتها ثم وليت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ل تفضحني برسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ومن معه قال فجئت فساورته فقلت يا رسول ال إنا‬

‫دبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي هل‬
‫بكم وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ل تنزلن برمتكم ول تخبزن عجينكم حتى‬
‫أجيء فجئت وجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم يقدمم الناس حتى جئت امرأتي‬
‫فقالت بك وبك قال قد فعلت الذي قلت لي فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم‬
‫عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادع لي خابزة فلتخبز معي واقدحي من‬
‫برمتكم ول تنزلوها وهم ألف فأقسم بال لكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا‬
‫لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو‬

‫‪682‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪683‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وفي رواية قال جابر إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت فقال أنا نازل فقام وبطنه معصوب‬
‫بحجر ولبثنا ثلثا ل نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى ال عليه وسلم المعول فضرب‬
‫فعاد كثيبا أهيل فقلت يا رسول ال أئذن لي إلى البيت فقلت لمرأتي رأيت من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر ق‬
‫الت عندي شعير وعناق فذبحت‬

‫العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الثافي قد كادت أن تنضج فقلت طعيم لي‬
‫فقم أنت يا رسول ال ورجل أو رجلن قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قال قل‬
‫لها ل تنزع البرمة ول الخبز من التنور حتى آتي قال قوموا فقام المهاجرون‬
‫والنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بالمهاجرين والنصار ومن معهم إلى أن قال فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا‬
‫وبقي بقية قال كل هذا وأهد فإن الناس أصباتهم مجاعة وفي الصحيحين عن أنس بن‬
‫مالك قال قال أبو طلحة لم‬

‫سليم قد سمعت صوت رسول ال صلى ال عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل‬
‫عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت‬
‫الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال فذهبت به فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسلك ابو طلحة فقلت نعم فقال بالطعام فقلت‬
‫نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت معهم‬
‫حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقال ال ورسوله أعلم قال فانطلق أبو‬
‫طلحة حتى لقي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأقبل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم معه حتى دخل فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك‬
‫فأتت بذلك الخبز ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى‬
‫شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن‬

‫لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم حتى أكل‬
‫القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجل أو ثمانون وفي طريق البخاري ثمانون وقال‬
‫في رواية ثم أكل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس وفضل‬
‫فضلة فأهديناها لجيراننا وفي صحيح مسلم عن سلمة قال كنا مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم في غزوة خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا يعنى من التمر فبسط‬
‫ناطعا فنثرنا عليه أزوادنا قال فتمطيت وتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة‬

‫‪683‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪684‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا ثم تطاولت فنظرته فحزرته كربضة الشاة وفي‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة وأبي سعيد وسلمة بن الكوع واللفظ لمسلم عن أبي‬
‫هريرة رضي ال عنه قال‬

‫كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في مسير قال فنفذت أزواد القوم حتى هموا‬
‫بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر يا رسول ال لو جمعت ما بقي من أزواد القوم‬
‫فدعوت ال عليها قال ففعل فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره وذو النوى بنواه قيل‬
‫وما كانوا يصنعون بالنوى قال يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى‬
‫مل القوم أزوادهم قال فقال عند ذلك أشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال ل يلقى‬
‫ال بهما عبد غير شاك فيها إل دخل الجنة وفي لفظ آخر قال لما كان يوم غزوة‬
‫تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا يا رسول ال لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا‬
‫وادهنا فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم افعلوا قال فجاء عمر فقال يا رسول ال‬
‫إن فعلت قل الظهر وفي رواية ما بقاؤهم‬

‫بعد إبلهم ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعل ال أن يجعل في ذلك‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم‬
‫قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة وجعل الخر يجيء بكف تمر وجعل يجيء الخر‬
‫بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير قال فدعا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا‬
‫في العسكر وعاء إل ملؤه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة الحديث وروى‬
‫البخاري من حديث سلمة بن الكوع قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا نبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع قال‬

‫فتطاولت لحزره كم هو فحزرته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا‬
‫حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم هل من وضوء‬
‫قال فجاء رجل بإدواة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع‬
‫عشرة مائة ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فرغ الوضوء وفي صحيح مسلم عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الدم وليس عندهم‬
‫شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي‬

‫صلى ال عليه وسلم فتجد فيها سمنا قال فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته‬
‫فأتت النبي صلى ال عليه وسلم فقال عصرتيها فقالت نعم قال لو تركتيها ما زال‬
‫قائما وروى مسلم في صحيحه عن جابر أيضا قال جاء رجل إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته‬
‫وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال لو لم تكله لكلتم منه ولقام‬

‫‪684‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪685‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لكم وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال تزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب‬
‫فدخل بأهله قال فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور من حجارة فقالت يا انس‬
‫اذهب‬

‫بهذا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقل بعثت بهذا أمي إليك وهي تقرئك السلم‬
‫وتقول إن هذا لك منا قليل يا رسول ال قال فذهبت بها إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقلت إن أمي تقرئك السلم وتقول إن هذا لك منا قليل فقال ضعه ثم قال‬
‫اذهب فادع فلنا وفلنا وفلنا ومن لقيت وسمى رجال قال فدعوت من سمى ومن‬
‫لقيت قال الجعد وهو الراوي عن أنس عدد كم كانوا قال كانوا زهاء ثلثمائة وقال‬
‫لي رسول ال صلى ال عليه وسلم يا أنس هات التور قال فدخلوا حتى امتلت‬
‫الصفة والحجرة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ليتحلق عشرة عشرة وليأكل‬
‫كل إنسان مما يليه قال فأكلوا حتى شبعوا قال فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى‬
‫أكلوا كلهم فقال يا أنس إرفع فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت‬
‫قال وجلس طوائف منهم يتحدثون وذكر نزول آية الحجاب‬

‫وروى البخاري عن أنس أيضا إن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت‬
‫منه خطيفة وعصرت عكة عندها ثم بعثتني إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال ومن معي فجئت فقلت إنه يقول ومن معي‬
‫فخرج إليه أبو طلحة فقال يا رسول ال أنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل فجيء به‬
‫وقال أدخل عشرة حتى عد أربعين ثم اكل النبي صلى ال عليه وسلم ثم قام فجعلت‬
‫أنظر هل نقص منها شيء وعن سمرة بن جندب قال كنا مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم نتداول قصعة من غدوة إلى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة فقلنا ما كان‬
‫يمد قال فمن أي شيء تعجب ما كانت‬

‫تمد إل من ههنا وأشار بيده إلى السماء رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن‬
‫صحيح ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه وفي البخاري عن أبي هريرة أنه كان‬
‫يقول وال الذي ل إله إل هو إن كنت لعتمد على الرض من الجوع وإن كنت‬
‫لشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه‬
‫فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب ال ما سألته إل ليستتبعني فلم يفعل ثم مر عمر‬
‫فسألته عن آية من كتاب ال ما سألته إل ليستتبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو‬
‫القاسم‬

‫صلى ال عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي وما في نفسي ثم قال أبا‬
‫هر قلت لبيك يا رسول ال قال الحق ومضى فاتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت‬
‫فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا هداه لك فلن أو فلنة قال أبا هر قلت‬
‫لبيك يا رسول ال قال الحق أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف‬
‫السلم ل يأوون إلى أهل ول إلى مال إذا اتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها‬

‫‪685‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪686‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم واصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما‬
‫هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا‬
‫جاؤا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة‬
‫ال وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت‬
‫فقال يا ابا هر قلت لبيك يا رسول ال قال خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه‬
‫الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الخر فيشرب حتى يروى ثم‬
‫يرد علي‬

‫القدح فأعطيه الخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي‬
‫فتبسم فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول ال قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول‬
‫ال قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى‬
‫قلت ل والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد ال‬
‫وسمى وشرب الفضلة وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال‬
‫كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثين ومائة فقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل‬
‫مشعان طويل بغنم‬

‫يسوقها فقال النبي صلى ال عليه وسلم أبيعا أم عطية أو قال هبة قال بل بيع‬
‫فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى ال عليه وسلم بسواد البطن أن يشوي‬
‫وأيم ال ما في الثلثين ومائة إل من قد حز له النبي صلى ال عليه وسلم حزة من‬
‫سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه وأن كان غائبا خبأ له فجعل منها قصعة فأكلوا‬
‫أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناها على البعير أو كما قال‬

‫فصل وأما تكثير الثمار ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد ال أن أباه &‬
‫استشهد وترك دينا وترك ست بنات فلما حضر جداد النخل قال أتيت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فقلت قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا وإني أحب‬
‫أن يراك الغرماء قال اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت ثم دعوته فلما نظروا‬
‫إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا‬
‫ثلث مرات ثم جلس عليه ثم قال لي ادع لي أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى‬
‫ال عن والدي امانته وأنا أرضى أن يؤدي ال عن والدي أمانته ول أرجع إلى‬
‫أخواتي بتمرة‬

‫فسلم ال البيادر كلها حتى إني لنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة وفي رواية أن أباه ترك عليه ثلثين وسقا لرجل‬
‫من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ليشفع إليه فجاءه وكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى فدخل رسول ال صلى‬

‫‪686‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪687‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ال عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جد له فأوف له فجد له بعد ما راح‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثين وسقا وفضل له سبعة عشر وسقا فجاء جابر‬
‫ليخبره بالذي كان فوجده يصلي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال أخبر بذلك‬
‫ابن الخطاب فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال عمر لقد علمت حين مشى فيها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليباركن فيها وروى المام أحمد والترمذي وغيرهما‬
‫حديث مزود أبي‬

‫هريرة قال أحمد ثنا يونس ثنا حماد بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي‬
‫هريرة قال أتيت النبي صلى ال عليه وسلم بتمرات وقلت ادع ال لي فيهن بالبركة‬
‫قال فصفهن بين يديه قال ثم دعا فقال لي اجعلهن في مزودك فأدخل يدك ول تنثره‬
‫قال فجعلت منه كذا وكذا وسقا في سبيل ال ونأكل ونطعم وكان ل يفارق حقوي‬
‫فلما قتل عثمان انقطع من حقوي فسقط رواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز‬
‫عن‬

‫حماد بنحوه وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه ورواه الحافظ عبد الغني وغيره‬
‫من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال كان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال يا ابا هريرة عندك شيء قلت‬
‫شيء من التمر في مزود لي قال جىء به فجئت بالمزود وقال هات نطعا فجئت‬
‫بالنطع فبسطه فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرين تمرة قال ثم قال‬
‫بسم ال فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال‬
‫ادع فلنا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلنا وأصحابه فأكلوا‬
‫وشبعوا وخرجوا قال وفضل تمر قال فقال لي اقعد فقعدت فأكل وأكلت قال وفضل‬
‫تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل‬

‫يدك ول تكفأ فيكفأ عليك قال ما فكنت أريد تمرا إل أدخلت يدي فأخذت منه خمسين‬
‫وسقا في سبيل ال عز وجل وكان معلقا خلف ظهري فوقع زمان عثمان فذهب‬
‫ورواه من طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال أصبت بثلث‬
‫بموت النبي صلى ال عليه وسلم وكنت صويحبه وخويدمه وبقتل عثمان والمزود‬
‫وما المزود كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأصاب الناس مخمصة فقال لي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هل من شيء يا ابا هريرة فقلت نعم شيء من تمر‬
‫في مزود قال فأتيني به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبض فبسطا ثم قال ادع لي‬
‫عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لي عشرة‬
‫فما زال يصنع كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل‬
‫يدك واقبض ول‬

‫تكفه قال أبو هريرة فقبضت على اكثر مما جئت به ثم قال أبو هريرة أل أحدثكم‬
‫عما أكلت منه أكلت حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأطعمت وحياة أبي بكر‬

‫‪687‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪688‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وأطعمت وحياة عمر واطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهب بيتي‬
‫وذهب المزود وروى المام أحمد في مسنده ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس‬
‫عن دكين بن سعيد المزني قال أتينا رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعين‬
‫وأربعمائة نسأله الطعام فقال لعمر إذهب فأطعمهم فقال يا رسول ال ما بقي إل‬

‫آصع من تمر ما أراه يقيظني قال قال فأطعمهم قال سمع وطاعة قال فأخرج عمر‬
‫المفتاح من حجزته ففتح الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال لنا خذوا فأخذ‬
‫كل رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ تمرة ورواه أبو‬
‫داود عن عبد الرحيم بن مطرف عن‬

‫عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن دكين قال أبو‬
‫عبد ال المقدسي وإسناده على شرط الصحيح‬

‫فصل &‬
‫وأما النوع الخامس تأثيره في الحجار وتصرفه فيها وتسخيرها له ففي صحيح‬
‫البخاري عن أنس قال صعد النبي صلى ال عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن وضربه برجله فليس عليك إل نبي وصديق‬
‫وشهيدان وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة عن النبي صلى ال عليه وسلم انه قال‬
‫إني لعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لعرفه الن وفي الترمذي‬
‫عن علي قال كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها‬
‫فما استقبله شجر ول جبل إل وهو يقول السلم عليك يا رسول ال ورواه الحاكم في‬
‫صحيحه‬

‫وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع قال غزونا مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمته فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه‬
‫بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية‬
‫أخرى فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى ال عليه وسلم فولى أصحاب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وارجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالخرى فاستطلق‬
‫إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول ال صلى ال عليه وسلم منهزما وهو‬
‫على بغلته الشهباء فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقد رأى‬

‫ابن الكوع فزعا فلما غشوا النبي صلى ال عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض‬
‫قبضة من الرض واستقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق ال منهم إنسانا‬
‫إل مل عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم ال وفي صحيح مسلم عن‬
‫العباس بن عبد المطلب قال شهدت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين‬
‫فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فلم نفارقه ورسول ال صلى ال عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن‬

‫‪688‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪689‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار‬

‫ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول ال صلى ال عليه وسلم يركض بغلته قبل‬
‫الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول ال صلى ال عليه وسلم أكفها وابو‬
‫سفيان آخذ بركاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إرادة أن ل تسرع فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أي عباس ناد أصحاب الشجرة فوال لكأن عطفتهم حين سمعوا‬
‫صوتي عطفة البقر على اولدها يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار والدعوة في‬
‫النصار يقولون يا معشر النصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج‬
‫فقالوا يا بني الحارث بن الخزرع فنظر رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم هذا حين حمى الوطيس ثم أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حصيات فرمى وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب الكعبة قال فذهبت أنظر فإذا‬
‫القتال على هيئته فيما أرى فوال ما هو إل أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم‬
‫كليل وأمرهم مدبرا حتى هزمهم ال وقد قال ال تعالى عن يوم بدر ^ وما رميت إذ‬
‫^ رميت ولكن ال رمى‬

‫وروى ابن إسحاق عن جماعة منهم عروة والزهري وعاصم بن عمر وغيرهم قالوا‬
‫فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم في العريش هو وأبو بكر ما معهما غيرهما‬
‫وقد تدانى القوم بعضهم من بعض فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يناشد ربه‬
‫ما وعده من نصره ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة ل تعبد وأبو بكر يقول بعض‬
‫مناشدتك ربك يا رسول ال فإن ال سينجز لك ما وعدك من نصره وخفق رسول ال‬

‫صلى ال عليه وسلم خفقة ثم هب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أبشر يا أبا‬
‫بكر أتاك نصر ال عز وجل هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع‬
‫يقول الغبار ثم خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فعبأ اصحابه وهيأهم وقال ل‬
‫يعجلن رجل منكم بقتال حتى نؤذنه فإذا أكثبكم القوم يقول قربوا منكم فانضحوهم‬
‫عنكم بالنبل ثم تزاحم الناس فلما تدانى بعضهم من بعض خرج رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها قريشا فنفخ بها وجوههم وقال‬
‫شاهت الوجوه ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم احملوا عليهم يا معشر‬
‫المسلمين فحمل المسلمون‬

‫وهزم ال قريشا وقتل من قتل من أشرافهم وأسر من أسر منهم وفي حديث ابن أبي‬
‫طلحة عن ابن عباس فقال له جبريل خذ قبضة من تراب فأخذ قبضة من تراب‬
‫ورمى بها وجوههم فما في المشركين من أحد إل وأصاب عينيه ومنخريه وفمه‬
‫تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين‬

‫‪689‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪690‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فصل &‬
‫النوع السادس من آياته صلى ال عليه وسلم تأييد ال له بملئكته قال ال تعالى ^ إذ‬
‫تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين ^ الية وقال‬
‫تعالى ^ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة آلف من الملئكة‬
‫منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلف‬
‫من الملئكة مسومين ^ وقال تعالى في الخندق‬

‫يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة ال عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا ^‬
‫وجنودا لم تروها وكان ال بما تعلمون بصيرا ^ وقال تعالى في حنين ^ ثم أنزل ال‬
‫سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا‬
‫وذلك جزاء الكافرين ^ وقال تعالى في الهجرة ^ ثاني اثنين إذ هما في الغار يقول‬
‫لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل‬
‫كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا ^ وقال تعالى في بدر ^ إذ يوحى ربك‬
‫إلى الملئكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ^‬
‫وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس عن عمر ابن الخطاب قال لما كان يوم‬
‫بدر نظر رسول ال صلى ال عليه‬

‫وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وسبعة عشر رجل فاستقبل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما‬
‫وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل السلم ل تعبد‬
‫في الرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى أسقط رداءه عن منكبيه‬
‫فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي ال كفاك‬
‫مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل ال عز وجل ^ إذ تستغيثون ربكم‬
‫فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين ^ فأمده ال بالملئكة قال أبو‬
‫زميل فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من‬
‫المشركين امامه إذ سمع ضربة‬

‫سوط فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حيزرم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا‬
‫فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع فجاء‬
‫النصاري فحدث ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد‬
‫السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وذكر الحديث وذكر البخاري في‬
‫هذا الحديث فخرج يعني النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول ^ سيهزم الجمع‬
‫ويولون الدبر ^ وقال ابن إسحاق حدثني عبد ال بن أبي بكر بن حزم عن‬

‫بعض بني ساعدة قال سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول لو‬
‫كنت معكم ببدر الن ومعي بصري لخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملئكة ل‬
‫أشك ول أتمارى فلما نزلت الملئكة ورآها إبليس وأوحى ال إليهم ^ أني معكم‬

‫‪690‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪691‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فثبتوا الذين آمنوا ^ وتثبيتهم أن الملئكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه‬
‫وتقول له أبشروا فإنهم ليسوا بشيء وال معكم كروا‬

‫عليهم فلما رأى إبليس الملئكة نكص على عقبيه وقال ^ إني برىء منكم إني أرى‬
‫ما ل ترون ^ وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول ل‬
‫يهولنكم خذلن سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه ثم قال واللت‬
‫والعزى ل نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فل تقتلوهم وخذوهم أخذا‬
‫وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلن عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ول بعده ويعني جبرائيل‬
‫وميكائيل عليهما السلم وفي الصحيحين عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق‬

‫رماه رجل من قريش ابن العرقة رماه في الكحل فضرب عليه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من الخندق وضع السلح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلم وهو ينفض عن‬
‫رأسه الغبار فقال وضعت السلح وال ما وضعناه اخرج إليهم فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فأين فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فنزلوا على حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فرد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫الحكم فيهم إلى سعد قال إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء‬
‫وتقسم أموالهم وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار‬

‫وروى البخاري عن أنس قال كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم‬
‫موكب جبريل صلوات ال عليه حين سار رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني‬
‫قريظة وفي المغازي من غير طريق أن الصحابة رأوا جبريل في صورة دحية‬
‫الكلبي وأنه معتم بعمامة أرخى طرفها بين كتفيه وقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بعثه ال إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويلقي الرعب في قلوبهم وروى‬
‫البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ‬
‫برأس فرسه عليه أداة الحرب وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول ال‬
‫صلى ال عليه‬

‫وسلم يا رسول ال هل أتى عليك يوم كأن أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك‬
‫وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد‬
‫كلل فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إل وأنا‬
‫بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل‬
‫فناداني فقال إن ال قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال‬
‫لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن ال قد‬
‫سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك ربك لتأمرني‬

‫‪691‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪692‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بأمرك ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الخشبين فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بل أرجو أن‬

‫يخرج ال من أصلبهم من يعبد ال وحده ول يشرك به شيئا‬

‫فصل &‬
‫النوع السابع في كفاية ال له أعداءه وعصمته له من الناس وهذا فيه آية لنبوته من‬
‫وجوه منها أن ذلك تصديق لقوله تعالى ^ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين‬
‫إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون ^ فهذا إخبار‬
‫ال بأنه يكفيه المشركين المستهزئين وأخبر أنه يكفيه أهل الكتاب بقوله ^ قولوا آمنا‬
‫بال وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما‬
‫أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له‬
‫مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق‬
‫^ فسيكفيكهم ال وهو السميع العليم‬

‫فأخبره ال أنه يكفيه هؤلء الشاقين له من أهل الكتاب وأخبره أنه يعصمه من جميع‬
‫الناس بقوله تعالى ^ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما‬
‫بلغت رسالته وال يعصمك من الناس ^ فهذا خبر عام بأن ال يعصمه من جميع‬
‫الناس فكل من هذه الخبار الثلثة العامة قد وقع كما أخبز وفي هذا عدة آيات منها‬
‫أنه كفاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة ومنها أنه نصره مع كثرة‬
‫أعدائه وقوتهم وغلبتهم وأنه كان وحده جاهرا بمعاداتهم وسب آبائهم وشتم آلهتهم‬
‫وتسفيه أحلمهم والطعن في دينهم وهذا من المور الخارقة للعادة والمستهزئون‬
‫كانوا من أعظم سادات قريش وعظماء العرب وكان أهل مكة أهل الحرم أعز الناس‬
‫وأشرفهم يعظمهم جميع المم أما العرب فكانوا يدينون لهم وأما غيرهم من المم‬
‫فكانوا‬

‫يعظمونهم به ل سيما من حين ما جرى لهل الفيل ما جرى كما كانت المم تعظم‬
‫بني إسرائيل لما ظهر فيهم من اليات ما ظهر وهؤلء بنو إسرائيل ابن خليل ال‬
‫وهؤلء بنو إسحاق ابن خليل ال وكلهما ممن وعد ال إبراهيم في التوراة فيهم بما‬
‫وعده من إنعام ال عليه النعمة التي لم ينعم ال بها على غيرهم فكان أهل مكة‬
‫معظمين لنهم جيران البيت ولنهم أشرف بني إسماعيل فإن ال اصطفى كنانة من‬
‫ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشم من قريش واصطفى محمدا‬
‫من بني هاشم وكان قد عاداه أشراف هؤلء كما عادى المسيح أشراف بني إسرائيل‬
‫وبدل هؤلء وهؤلء نعمة ال كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وكفى ال رسوله‬
‫المسيح من عاداه منهم ولم ينفعهم نسبهم ول فضل مدينتهم وكذلك كفى ال محمدا‬
‫من عاداه وانتقم منهم ولم ينفعهم أنسابهم ول فضل مدينتهم فإن ال إنما يثبت‬
‫باليمان والتقوى ل بالبلد والنسب وقال تعالى‬

‫‪692‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪693‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وكذب به قومك وهوالحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ^ ^‬
‫وقال ^ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فل ناصر‬
‫لهم ^ وقال ^ وضرب ال مثل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل‬
‫مكان فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد‬
‫جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ^ وقد سمى أهل العلم بعض‬
‫من كفاه ال إياه من المستهزئين وكانوا معروفين مشهورين عند الصحابة بالرياسة‬
‫والعظمة في الدنيا فذكروهم ليعرف هذا المر العظيم الذي أكرم ال نبيه به‬

‫ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم‬
‫قيل نعم قال واللت والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لطأن على رقبته فما فجأهم منه‬
‫إل وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال إن بيني وبينه لخندقا من‬
‫نار وهو ل وأجنحة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لو دنا مني لختطفته‬
‫الملئكة عضوا عضوا وأنزل ال تعالى ^ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت‬
‫إن كان على الهدى أو أمر‬

‫بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن ال يرى كل لئن لم ينته لنسفعا بالناصية‬
‫ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كل ل تطعه واسجد واقترب ^ وفي‬
‫الصحيحين من حديث البراء بن عازب حديث هجرة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وابي بكر من مكة إلى المدينة قال فيه واتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في‬
‫جدد من الرض فقلت يا رسول ال أتينا فقال ل تحزن إن ال معنا فدعا عليه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فارتطمت فرسه إلى بطنها فقال إني قد علمت أنكما دعوتما‬
‫علي فادعوا لي وال لكما أن‬

‫أرد عنكما الطلب فدعا ال فنجا فرجع ل يلقى أحدا إل قال قد كفيتم ها ههنا فل يلقى‬
‫أحدا إل رده وفي لفظ فساخ فرسه في الرض إلى بطنه ووثب عنه فقال يا محمد قد‬
‫علمت أن هذا علك فادع ال أن يخلصني مما أنا فيه ولك علي لعمين على من‬
‫ورائي وفي الصحيحين عن ابن شهاب من رواية سراقة نفسه قال جاءنا رسل كفار‬
‫قريش يجعلون في رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما‬
‫لمن قتله أو اسره فبينما أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم‬
‫حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل‬

‫أراهما محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت ليسوا بهم ولكنك رأيت‬
‫فلنا وفلنا ثم لبثت ساعة ثم قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي‬
‫وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت‬
‫فخططت بزجه الرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي‬
‫حتى دنوت منهم وعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي‬

‫‪693‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪694‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فاستخرجت منها الزلم‬

‫فاستقسمت بها فخرج الذي اكره فركبت وعصيت الزلم فقربت بي حتى إذا سمعت‬
‫قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو ل يلتفت وأبو بكر يكثر اللتفات ساخت‬
‫يدا فرسي في الرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد‬
‫تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان‬
‫فاستقسمت بالزلم فخرج الذي أكره فناديتهم بالمان فوقفوا فركبت فرسي حتى‬
‫جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وذكر تمام الحديث‬

‫وفي الصحيحين عن جابر قال غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غزاة قبل‬
‫نجد فأدركنا رسول ال صلى ال عليه وسلم في القائلة وفي واد كثير العضاة فنزل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها وتفرق‬
‫الناس في الوادي يستظلون بالشجر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن رجل‬
‫أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي والسيف صلتا في يده‬
‫فقال من‬

‫يمنعك مني قلت ال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وكان ملك قومه فانصرف حين عفا عنه فقال ل اكون في قوم هم‬
‫حرب لك وفي صحيح الحاكم عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال كان فلن‬
‫يجلس إلى النبي صلى ال عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلى ال عليه وسلم اختلج‬
‫بوجهه فقال النبي صلى ال عليه وسلم كن كذلك فلم يزل يختلج حتى مات‬

‫وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل‬
‫عمران وكان يكتب للنبي صلى ال عليه وسلم فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري‬
‫محمد إل ما كتبت له فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم أجعله آية فأماته ال‬
‫فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن‬
‫صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الرض فقالوا مثل‬
‫الول فحفروا له وأعمقوا فلفظته الثالثة فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه‬
‫منبوذا وروى المام أحمد من حديث ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة عن أبيه‬
‫عن عبد ال بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته قال حضرتهم وقد‬
‫اجتمع‬

‫أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل‬
‫ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط قد سفه احلمنا وشتم آبائنا وعاب ديننا وفرق‬
‫جماعاتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينما هم في ذلك‬

‫‪694‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪695‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إذ طلع عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر‬
‫بهم طائفا بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال فعرفت ذلك في وجهه‬
‫ثم مضى فلما مر الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فمر بهم‬
‫الثالثة فغمزوه بمثلها فقال تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد‬
‫جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إل كأنما على رأسه طائر واقع‬
‫حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول‬
‫انصرف يا أبا‬

‫القاسم انصرف راشدا فوال ما كنت جهول فانصرف رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم‬
‫ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك‬
‫طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون‬
‫له أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجل منهم‬
‫أخذ بمجمع ردائه وقام أبو بكر دونه يقول وهو يبكي ^ أتقتلون رجل أن يقول ربي‬
‫ال ^ ثم انصرفوا عنه وذكر البخاري بعد حديث عروة عن عبد ال بن عمرو قال‬
‫وقال عبدة‬

‫عن هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في‬
‫قوله تعالى ^ إنا كفيناك المستهزئين ^ قال والمستهزؤن الوليد بن المغيرة والسود‬
‫بن عبد يغوث الزهري والسود بن المطلب أبو زمعة من بني أسد بن‬

‫عبد العزى والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل فأومأ جبريل إلى أكحل‬
‫الوليد بن المغيرة فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى‬
‫السود بن المطلب إلى عينيه فقال ما صنعت فقال كفيته وأومأ إلى رأس السود بن‬
‫عبد يغوث فقال ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى الحارث السهمي إلى بطنه فقال وما‬
‫صنعت قال كفيته وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فقال ما صنعت قال كفيته فأما‬
‫الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبله فأصاب أكحله‬

‫فقطعها وأما السود بن المطلب فعمي فمنهم من يقول عمي هكذا ومنهم من يقول‬
‫نزل تحت سمرة فجعل يقول يا بني أل تدفعون عني ويقولون ما نرى شيئا فجعل‬
‫يقول هلكت ها هو ذا أطعن في عيني بالشوك فجعلوا يقولون ما نرى شيئا فلم يزل‬
‫كذلك حتى عميت عيناه وأما السود فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث‬
‫بن عيطل فأخذه الماء الصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات وأما العاص‬
‫بن وائل فركب إلى الطائف على حمار فربض به في شبرقة يعني شوكة فدخلت في‬
‫أخمص قدمه فمات وقيل دخلت في رأسه شبرقة فمات رواه ابن أبي حاتم في‬
‫تفسيره قال ثنا يونس بن‬

‫‪695‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪696‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫حبيب ثنا أبو داود ثنا أبو عوانة ثنا أبو بشر عن سعيد وروى بإسناده عن الربيع بن‬
‫أنس قال أراد صاحب اليمن أن يؤي النبي صلى ال عليه وسلم فأتاه الوليد فزعم أن‬
‫محمدا ساحر وأتاه العاص بن وائل فأخبره أن محمدا تعلم أساطير الولين وأتاه آخر‬
‫فزعم أنه كاهن وآخر زعم أنه شاعر وآخر قال إنه مجنون فأهلكهم ال كل منهم‬
‫أصابه عذاب سوى عذاب صاحبه وذكر تفصيل عذابهم وروى مثله عن عكرمة‬

‫وقال محمد بن إسحاق ثنا يزيد بن رومان عن عروة وغيره من العلماء أن جبريل‬
‫أتى النبي صلى ال عليه وسلم وهم يطفون بالبيت فقام رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إلى جانبه فمر به السود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي‬
‫ومر به السود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات منها ومر به الوليد بن‬
‫المغيرة فأشار إلى جرح بأسفل كعبه كان أصابه لما مر برجل يريش نبله فخدش‬
‫رجله وليس بشيء فانتقض فمات ومر به العاص بن وائل فأشار إلى إخمص قدمه‬
‫فذكر مثل ما تقدم من رواية ابن عباس ورواه أبو زرعة من طرق كثيرة عن‬
‫جماعة من التابعين ومن المشهور عند أصحاب السير وغيرهم دعوته على عتيبة‬
‫بن أبي لهب وكان أبو لهب لما عادى النبي صلى ال عليه وسلم أمر ابنيه أن يطلقا‬
‫ابنتي النبي صلى ال عليه‬

‫وسلم رقية وام كلثوم قبل الدخول وقال عتيبة لرسول ال صلى ال عليه وسلم كفرت‬
‫بدينك وفارقت ابنتك ل تحبني ول أحبك ثم تسلط عليه بالذى وشق قميصه فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلبك فخرج في نفر من‬
‫قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليل فأطاف بهم السد تلك‬
‫الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أخي هو وال آكلي كما دعا محمد علي قتلني وهو‬
‫بمكة‬

‫وأنا بالشام فعدا عليه السد من بين القوم واخذ برأسه فذبحه وفي رواية هشام بن‬
‫عروة عن أبيه قال لما طاف السد بهم تلك الليلة وانصرف عنهم قاموا وجعلوا‬
‫عتيبة في وسطهم فأقبل السد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه وفي‬
‫الصحيحين عن عبد ال بن مسعود قال بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي‬
‫عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالمس فقال أبو جهل‬
‫أيكم يقوم إلى سلى جزور بني فلن فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد فانبعث‬
‫أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى ال عليه‬

‫وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم‬
‫انظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم والنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ساجد ما رفع رأسه حتى انطلق انسان إلى فاطمة فجاءت وهي‬
‫جويرية فطرحته ثم اقبلت عليهم تسبهم فلما قضى النبي صلى ال عليه وسلم صلته‬

‫‪696‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪697‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا ثلثا وإذا سأل سأل ثلثا ثم قال اللهم عليك‬
‫بقريش ثلث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال‬
‫اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة‬
‫وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع لم أحفظه فوالذي بعث محمدا‬
‫بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى‬

‫يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر وعنه قال استقبل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم القبلة ودعى على ستة نفر فذكره وفي رواية غير أن أمية بن خلف كان رجل‬
‫ضخما فقطعت أوصاله فلم يلق في البئر وقال غيرتهم الشمس وكان يوما حارا‬
‫ويدخل في هذا الباب ما لم يزل الناس يرونه ويسمعونه من انتقام ال ممن يسبه ويذم‬
‫دينه بأنواع من العقوبات وفي ذلك من القصص الكثيرة ما يضيق هذا الموضع عن‬
‫بسطه وقد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه من انتقام ال ممن يؤذيه بأنواع‬
‫من العقوبات العجيبة التي تبين كلءة ال لعرضه وقيامه بنصره وتعظيمه لقدره‬

‫ورفعه لذكره وما من طائفة من الناس إل وعندهم من هذا الباب ما فيه عبرة لولي‬
‫اللباب ومن المعروف المشهور المجرب عند عساكر المسلمين بالشام إذا حاصروا‬
‫بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسر عليهم فتح الحصن ويطول الحصار إلى أن‬
‫يسب العدو الرسول صلى ال عليه وسلم فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن‬
‫وانتقام ال من العدو فإنه يكون ذلك قريبا كما قد جربه المسلمون غير مرة تحقيقا‬
‫لقوله تعالى ^ إن شانئك هو البتر ^ ولما مزق كسرى كتابة مزق ال ملك الكاسرة‬
‫كل ممزق ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم لمكهم‬
‫النوع الثامن في إجابة دعوته وإجابة الدعاء منه ما تكون إجابته معتادة لكثير من‬
‫عباد ال كالغناء والعافية ونحو ذلك ومنه ما يكون المدعو به من خوارق العادات‬
‫كتكثير الطعام والشراب كثرة خارجة عن العادة وإطعام النخل في العام مرتين مع‬
‫أن العادة في‬

‫مثله مرة ورد بصر الذي عمي ونحو ذلك مما يأتي وما تقدم من أدعيته ومعلوم أن‬
‫من عوده ال إجابة دعائه ل يكون إل مع صلحه ودينه ومن ادعى النبوة ل يكون‬
‫إل من أبر الناس إن كان صادقا أو من أفرجهم إن كان كاذبا وإذا عوده ال إجابة‬
‫دعائه لم يكن فاجرا بل برا وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إل برا تعين أن يكون نبيا‬
‫صادقا فإن هذا يمتنع أن يتعمد الكذب ويمتنع أن يكون ضال يظن أنه نبي وأن الذي‬
‫يأتيه ملك ويكون ضال في ذلك والذي يأتيه الشيطان فإن هذا حال من هو جاهل‬
‫بحال نفسه وحال من يأتيه ومثل هذا ل يكون أضل منه ول أجهل منه لن ال تعالى‬
‫جعل بين الملئكة والشياطين وبين النبياء الصادقين وبين المتشبهين بهم من‬
‫الكذابين من الفرق ما ل يحصيه غيره من الفروق بل جعل بين البرار والفجار من‬
‫الفروق أعظم مما بين الليل والنهار ولن ما يأتي به النبياء من الخبار والوامر‬
‫مخالف من كل وجه لما يأتي به الشيطان ومن استقرأ أحوال الرسل وأتباعهم وحال‬

‫‪697‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪698‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكهان والسحرة تبين له ما يحقق ذلك‬

‫والشيطان الذي يقول لمن ليس بنبي إنك نبي صادق وال أرسلني إليك يكون من‬
‫أعظم الناس كذبا والكذب يستلزم الفجور فل بد أن يأمره بما ليس برا بل إثما‬
‫ويخبره بما ليس صدقا بل كذبا كما هو الواقع ممن تضله الشياطين من جهلة العباد‬
‫وممن يزين له أنه نبي أو أنه المهدي أو خاتم الولياء وكل هؤلء ل بد أن تأمره‬
‫الشياطين بإثم ول بد أن يكذب في بعض ما تخبره به تحقيقا لقوله تعالى ^ هل أنبئكم‬
‫على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ^ وحينئذ فمثل هذا ل يكون مع‬
‫دعوى النبوة من البرار الذين عودهم ال إجابة دعائهم إجابة خارجة عن العادات‬
‫بل ل يكون مع دعوى النبوة إل من الفاكين الفجار وإذا كان صادقا في دعوى‬
‫النبوة عالما بأنه صادق ثبت أنه نبي والنبياء معصومون من القرار على الخطأ‬
‫فيما يبلغونه عن ال باتفاق الناس وحنيئذ فكل ما يبلغه عن ال فهو حق وهو‬

‫المطلوب ومن كان يأتيه صادق وكاذب مثل ابن صياد ومثل كثير‬

‫من العباد الذين لهم إلهام من الملك وسواس من الشيطان بأنه نبي ويقول أنا أرسلني‬
‫ال فل بد أن يتبين كذبه ولو ببعض الوجوه مثل أن يخبره بكذب فإن مثل هذا‬
‫الشيطان الذي قال له أنه نبي ل بد أن يكذب فيما يخبره به ومثل إخبار الصادق له‬
‫بأن هذا كذب فإذا أتاه الشيطان بالكذب ل بد أن يخبره الصادق الذي يأتيه بما يخالف‬
‫ذلك بخلف الخبار بأمور جزئية إذ إخباره بأنه نبي صادق مع أنه ليس كذلك يهلكه‬
‫هلكا عظيما ويفسد على الصادق جميع ما يأتيه به لن ذلك يستلزم أن يصدق ذلك‬
‫الكاذب في كل ما يخبره به إذ قد اعتقد أنه نبي وحينئذ فل يكون عنده كاذبا ول‬
‫يعرف أنه كاذب فل يكون مثل ابن صيد ونحوه ممن يعرف أنه يأتيه صادق وكاذب‬
‫بل أضل من هؤلء يظن أن كل ما يأتيه فهو صادق ولهذا كل من كان يأتيه إخبار‬
‫ملكي صادق وإخبار شيطاني كاذب فل بد أن يعرف أنه يأتيه كاذب لنه تبين له‬
‫الكذب فيما يخبره به الشيطان الكاذب كما هو الواقع‬

‫ولهذا يوجد الكهان يعرفون كذب من يخبرهم كثيرا وكذل العباد الذين لهم خطابات‬
‫وكاشفات بعضها شيطاني وبعضها ملكي يتبين لهم الكذب فيما يأتيهم به الشيطان‬
‫كما هو الواقع فل يوجد شيخ عابد له حال شيطاني إل ول بد أن يخبره بكذب يظهر‬
‫له أنه كذب وحينئذ فإذا صدق هذا الكاذب في إخباره النبوة كان مصدقا للكاذب ولن‬
‫الصادق الذي يأتيه مخبرا له بالصدق ناصحا له ل بد أن يبين له ذلك فل يصر على‬
‫اعتقاد أن من يأتيه صادق وهو في نفس المر كاذب ول يعلم أنه كاذب إل من هو‬
‫أفاك أثيم وال تعالى يقول ^ هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك‬
‫أثيم ^ فتنزلها على الفاك الثيم وأما نزول الشيطان مرة أومرتين فقد يكون على‬
‫من ليس بأفاك أثيم فإن من لم يكن مدعيا للنبوة لم يكن من هذا الباب وإن كان مدعيا‬
‫للنبوة فيمتنع أن يقره الصادق الذي يأتيه على ذلك بل ل بد أن يبين له هذا إن جوز‬

‫‪698‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪699‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ذلك فإن الناس تنازعوا هل يجوز أن يلقي الشيطان على لسان النبي‬

‫ما ينسخه ال ويمحاه أم ل يجوز ذلك وعلى كل حال يمتنع أن يقر على خطأ‬
‫والمقصود هنا ذكر بعض أدعية النبي صلى ال عليه وسلم التي شوهد إجابتها وقد‬
‫تقدم ذكر بعض أدعيته مثل دعائه على المل من قريش فقتلوا يوم بدر وألقوا في‬
‫القليب ومثل دعائه على عتيبة بن أبي لهب ومثل دعائه على الذي كذب عليه بأن‬
‫يجعله آية ومثل دعائه لما قل الزاد وجمعوه على نطع فكثره ال ببركة دعوته حتى‬
‫كفى الجيش العظيم في غزوة تبوك ومثل دعائه في غزوة الخندق فكفى الطعام وهو‬
‫صاع من شعير للف نفر وكذلك دعاؤه لما نزحت بئر الحديبية فكثر ماؤها حتى‬
‫كفى الركب وهم ألف وخمسمائة وركابهم وقد تقدم دعاؤه للذي ذهب بصره فأبصر‬
‫ودعاؤه في الستسقاء فما رد يديه إل والسماء قد أمطرت ودعاؤه في الستصحاء‬
‫وإشارته إلى السحاب فتقطع من ساعته ودعوته على سراقة بن جعشم لما تبعهم في‬
‫الهجرة فغاصت فرسه في الرض ودعاؤه يوم بدر ويوم حنين وقال ال له يوم بدر‬
‫^ ^ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملئكة مردفين‬

‫وامثال ذلك وفي الصحيحين عن جابر قال لما نزل ^ قل هو القادر على أن يبعث‬
‫عليكم عذابا من فوقكم ^ قال النبي صلى ال عليه وسلم أعوذ بوجهك ^ أو من تحت‬
‫أرجلكم ^ قال أعوذ بوجهك ^ أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ^ قال‬
‫هاتان أهون أو أيسر وفي الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم قال سألت ربي ثلثا‬
‫فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن ل يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها وسألته‬
‫أن ل يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن ل يجعل بأسهم‬
‫بينهم فمنعنيها فلن‬

‫يزال الهرج إلى يوم القيامة وفي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الكوع قال جعل‬
‫‪ %‬عمي يرتجز ويقول ‪ %‬تا ال لول ال ما اهتدينا ‪ %‬ول تصدقنا ول صلينا‬

‫‪ %‬ونحن من فضلك ما استغنيا ‪ %‬فثبت القدام أن لقينا ‪ %‬وأنزل سكينة علينا ‪%‬‬

‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا قالوا عامر قال غفر لك ربك قال وما‬
‫استغفر رسول ال صلى ال عليه وسلم لنسان يخصه إل استشهد قال فنادى عمر‬
‫بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي ال لول متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر‬
‫خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول ‪ %‬قد علمت خيبر أني مرحب ‪ %‬شاكي‬
‫السلح بطل مجرب ‪ %‬إذا الحروب أقبلت تلهب ‪ %‬قال وبرز له عمي عامر فقال‬
‫‪ % %‬قد علمت خيبر أني عامر ‪ %‬شاكي السلح بطل مغامر‬

‫قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسل سيفه‬

‫‪699‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪700‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله وكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت في نفر من‬
‫أصحاب النبي صلى ال تعالى عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال‬
‫فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول ال بطل عمل عامر قال‬
‫رسول ال صلى ال تعالى عليه وسلم من قال ذلك قلت ناس من أصحابك قال كذب‬
‫من قال ذلك بل له أجره مرتين وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال قالت أم سليم‬
‫يا رسول ال خادمك أنس أدع ال له فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما‬
‫أعطيته وروى البخاري قال دخل النبي صلى ال تعالى عليه وسلم على أم سليم‬
‫فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه ثم قام إلى ناحية‬
‫البيت فصلى غير مكتوبة فدعى لم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول ال إن‬

‫لي خويصة فقال ما هي قالت خادمك أنس قال فما ترك آخرة ول دنيا إل دعا به‬
‫اللهم ارزقه مال وولدا وبارك له فيه فإني أكثر النصار مال وحدثتني ابنتي أمينة‬
‫أنه دفن لصلبي إلى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفي رواية لمسلم‬
‫دعا لي بثلث دعوات قد رأيت منها اثنتين وأنا أرجو الثالثة في الخرة وفي‬
‫الترمذي وحسنه عن أبي خلدة قال قلت لبي العالية سمع أنس من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال خدمه عشر سنين ودعا له النبي صلى ال تعالى عليه وسلم وكان‬
‫له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان‬

‫فيها ريحان يجيء منه ريح المسك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال كنت أدعو‬
‫أمي إلى السلم وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ما أكره فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وانا أبكي فقلت يا رسول ال‬
‫إني كنت أدعو أمي إلى السلم وتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره‬
‫فادع ال أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اللهم أهد أم‬
‫أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم فصرت إلى‬
‫الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت‬
‫خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب فقالت‬
‫يا ابا هريرة أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال فأتيته وأنا أبكي من الفرح‬
‫فقلت يا رسول ال أبشر فقد‬

‫استجاب ال دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد ال وقال خيرا فقلت يا رسول ال‬
‫أدع ال أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم اللهم حبب عبدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب‬
‫إليهما المؤمنين فما خلق ال مؤمنا يسمع بي ول يراني إل أحبني وفي الصحيحين‬
‫عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة‬
‫فقال ما هذا قال يا رسول ال إني تزوجت امرأة قال كم سقت إليها قال وزن نواة‬
‫من ذهب قال فبارك ال لك أولم ولو بشاة وفي الصحيحين أنه لما قدم آخى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع النصاري فعرض عليه سعد أن‬

‫‪700‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪701‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يناصفه أهله وماله فقال له عبد الرحمن بارك ال لك في أهلك‬

‫ومالك دلني على السوق فظهرت بركة دعوة رسول ال صلى ال عليه وسلم فبلغ‬
‫من مال عبد الرحمن ما قاله الزهري أنه تصدق بأربعمائة ألف دينار وحمل على‬
‫خمسمائة فرس في سبيل ال وخمسمائة بعير في سبيل ال قال وكان عامة ماله من‬
‫التجارة وقال محمد بن سيرين اقتسم نساء عبد الرحمن بن عوف ثمنهن فكان‬
‫ثلثمائة وعشرين الفا وقال الزهري أوصى عبد الرحمن لمن شهد بدرا فوجدوا مائة‬
‫لكل رجل منهم أربعمائة دينار وقال عبد ال بن جعفر‬

‫حدثتني أم بكر بنت المسور ان عبد الرحمن باع أرضا بأربعين ألف دينار فقسمها‬
‫في فقراء بني زهرة وفي المهاجرين وأمهات المؤمنين وقال محمد بن عمرو عن‬
‫أبي سلمة ان عبد الرحمن أوصى لمهات المؤمنين بحديقة فقومت مائة ألف وفي‬
‫الترمذي‬

‫وصححه ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال اللهم اعز السلم بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن‬
‫هشام فكان عمر بن الخطاب أحبهما إلى ال فأسلم عمر وروى أن الدعوة كانت في‬
‫يوم الربعاء فأسلم يوم الخميس وأعز ال به السلم قال عبد ال بن مسعود ما زلنا‬
‫أعزة منذ أسلم عمر رواه البخاري وظهر من عز السلم في إمارته شرقا وغربا‬
‫وفتح الشام والعراق ومصر وكسر عساكر كسرى وقيصر ما تحقق به إجابة الدعوة‬
‫وفي الصحيحين ان ابن عباس وضع للنبي صلى ال عليه وسلم لما أتى الخلء‬
‫وضوءا فقال لما خرج من وضع هذا فقيل ابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين‬
‫وعلمه التأويل‬

‫وفي رواية قال ضمني رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى صدره وقال اللهم علمه‬
‫الكتاب وفي رواية الحكمة وظهرت إجابة دعوته حتى كان يسمى البحر وقال فيه‬
‫ابن مسعود لو ادرك ابن عباس أسناننا لما عشره منا أحد وكان عمر يقدمه ويدخله‬
‫مع كبراء الصحابة وعلم ابن عباس مشهور في المة وفي الصحيحين عن جابر قال‬
‫كنت أسير على جمل قد‬

‫أعيا واردت أن أسيبه قال فلحقني رسول ال صلى ال عليه وسلم فضربه ودعا له‬
‫فسار سيرا لم يسر مثله وفي رواية فقال لي ما لبعيرك فقلت عليل قال فتخلف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فزجره فدعا له فما زال يسير بين يدي البل قدامها‬
‫فقال كيف ترى بعيرك قلت بخير قد اصابته بركتك قال فتبعنيه وذكر الحديث وفي‬
‫الترمذي وغيره قال النبي صلى ال عليه وسلم اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي‬
‫لفظ اللهم أجب دعوته‬

‫‪701‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪702‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وسدد رميته فكان سعد ل يرمي إل يصيب ول يدعو إل أجيب وروى الحاكم في‬
‫صحيحه عن علي رضي ال عنه قال مرضت فعادني رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وأنا أقول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فارفعني وإن‬
‫كان بلء فصبرني فقال اللهم اشفه اللهم عافه ثم قال لي قم فقمت فما عاد إلي ذلك‬
‫الوجع بعد وفي الصحيحين عن أم خالد قالت أتي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال‬

‫من ترون نكسوه هذه الخميصة فسكت القوم فقال ائتوني بأم خالد فأتي بي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فألبسنيها فقال أبلي وأخلقي مرتين فجعل ينظر إلى علم‬
‫الخميصة ويشير بيده إلي ويقول يا أم خالد هذا سنا والسنا بلسان الحبشة الحسن‬
‫فبقيت حتى دكن وعن أبي يزيد عمرو بن أخطب النصاري قال قال لي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ادن مني فمسح بيده على رأسي ولحيتي ثم قال اللهم جمله وأدم‬
‫جماله‬

‫قال الراوي عنه فبلغ بضعا وثمانين سنة وما في لحيته بياض إل نزر يسير ولقد‬
‫كان منبسط الوجه ولم يتقبض وجهه حتى مات رواه المام أحمد وقال البيهقي‬
‫إسناده صحيح ورواه الترمذي وقال مسح رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على‬
‫وجهي فدعا لي قال عزرة إنه عاش مائة وعشرين سنة وليس في رأسه إل شعرات‬
‫بيض وقال حديث حسن وقال البخاري في تاريخه ثنا يعقوب بن إسحاق عن حنظلة‬
‫بن حنيفة بن حذيم قال حذيم يا رسول ال إني رجل ذو‬

‫سن وهذا أصغر بني فسمت عليه قال تعالى يا غلم فأخذ بيدي ومسح برأسي وقال‬
‫بارك ال فيك أو بورك فيك فرأيت حنظلة يؤتى بالنسان الوارم فيمسح بيده ويقول‬
‫بسم ال فيذهب الورم وفي رواية والشاة والبعير ويذكر عن ابي سفيان واسمه‬
‫مدلولك أنه ذهب إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأسلم فدعا له النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ومسح رأسه بيده ودعا له بالبركة فكان مقدم رأسه موضع يد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أسود وسائره أبيض ذكره أيضا البخاري في تاريخه‬

‫وروى أحمد في مسنده بإسناده عن أبي العل قال كنت عند قتادة بن ملحان في‬
‫مرضه الذي مات فيه فمر رجل في مؤخر الدار فرأيته في وجه قتادة قال كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مسح وجهه قال وكنت قبل ما رأيته إل ورأيته كان‬
‫على وجهه الدهان وفي مسند المام أحمد عن عروة بن أبي الجعد قال عرض للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم جلب فأعطاني دينارا وقال أي عروة ائت الجلب فاشتر شاة‬
‫فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار فجئت أسوقهما فلقيني‬
‫رجل فساومني فأبيعه شاة بدينار فجئت بالدينار وجئت بالشاة فقلت‬

‫يا رسول ال هذا ديناركم وهذه شاتكم قال وصنعت كيف فحدثته الحديث فقال اللهم‬

‫‪702‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪703‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بارك له في صفقة يمينه فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل ان‬
‫أصل إلى أهلي ورواه المام أحمد وفي لفظ فكان لو اشترى التراب لربح فيه رواه‬
‫البخاري عن أهل داود عنه‬

‫وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الكوع ان رجل أكل عند رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بشماله فقال له كل بيمينك قال ل أستطيع قال ل استطعت ما منعه إل الكبر‬
‫قال فما رفعها إلى فيه وروى مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد‬
‫ال السلمي قال خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال‬
‫جابر فبينما أنا نازل تحت شجرة إذا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت هلم يا‬
‫رسول ال إلى الظل قال فنزل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال جابر فقمت إلى‬
‫غرارة لنا فالتمست فيها فوجدت فيها جرو قثا‬

‫فكسرته ثم قربته إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال من اين لكم هذا قلنا‬
‫خرجنا به من المدينة قال وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا قال‬
‫فجهزته ثم ادبر يذهب إلى الظهر وعليه ثوبان له قد خلقا فنظر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول ال ثوبان في العيبة‬
‫كسوته إياهما قال ادعه فليلبسهما ثم ولى يذهب فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ماله ضرب ال عنقه أليس هذا خير له فسمعه الرجل فقال يا رسول ال في سبيل ال‬
‫فقال في سبيل ال فقتل الرجل في سبيل ال ورواه أبو زرعة عن سعيد بن سليمان‬
‫عن الليث عن هشام بن سعيد‬

‫عن زيد بن اسلم عن عطاء عن جابر‬

‫فصل في الطرق التي تبين بها أن هذه الخبار تفيد العلم &‬
‫وهذه الخبار منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة‬
‫كنبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وحنين الجذع ونحو ذلك فإن كل من ذلك‬
‫تواترت به الخبار واستفاضت ونقلته المة جيل بعد جيل وخلفا عن سلف فما من‬
‫طبقة من طبقات المة إل وهذه اليات منقولة مشهورة مستفيضة فيها ينقلها أكثر‬
‫ممن ينقل كثيرا من القرآن وقد نقلها وسمعها من المة أكثر ممن سمع ونقل كثيرا‬
‫من آيات القرآن وأكثر ممن سمع ونقل أنه كان يسجد في الصلة سجدتي السهو‬
‫وممن سمع ونقل نصب الزكاة وفرائضها بل مواقيت الصلة وأعدادها إنما شاع‬
‫نقلها للعمل الدائم بها‬
‫وأما هذه اليات فنقلها أكثر ممن نقل مواقيت الصلة من جهة الخبار المعينة وذلك‬
‫أن آيات الرسول كان كثيرا منها يكون بمشهد من الخلق العظيم فيشاهدون تلك‬
‫اليات كما شاهد أهل الحديبية وهم ألف وخمسمائة نبع الماء من بين أصابعه‬
‫وظهور الماء‬

‫‪703‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪704‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكثير من بئر الحديبية لما نزحوها ولم يتركوا فيها قطرة فكثر حتى روى العسكر‬
‫وكما شاهد العسكر في غزوة ذات الرقاع الماء اليسير لما صبه جابر في الجفنة‬
‫وامتلت ومل منها جميع العسكر وكما شاهد الجيش في رجوعهم من غزوة خيبر‬
‫المزادتين مع المرأة وقد ملؤوا كل وعاء معهم وشربوا وهي ملى كما هي وكما‬
‫شاهد أهل خيبر وهم الف وخمسمائة الطعام الذي كان كربضة الشاة فأشبع الجيش‬
‫كلهم وكما شاهد الجيش العظيم وهم نحو ثلثين ألفا في تبوك العين لما كانت قليلة‬
‫الماء فكثر ماؤها حتى كفاهم وشاهدوا الطعام الذي جمعوه على نطع فأخذوا منه‬
‫حتى كفاهم وكما شاهد أهل الخندق وهم أكثر من ألف كثرة الطعام في بيت جابر‬
‫بعد أن كان صاعا من شعير وعناقا فأكلوا كلهم بعد الجوع حتى شبعوا وفضلت‬
‫فضلة وكما شاهد الثمانون نفسا كثرة الطعام لما أكلوا في بيت أبي طلحة وكما شاهد‬
‫الثلثمائة كثرة الماء لما توضؤوا من قدح والماء ينبع من بين أصابعه حتى كفاهم‬
‫للوضوء وكذلك وليمة زينب كانوا ثلثمائة فأكلوا من طعام في تور من حجارة وهو‬

‫باق فظن أنس أنه أزيد مما كان وكانوا يتداولون قصعة من غدوة إلى الليل يقوم‬
‫عشرة ويقعد عشرة كما في حديث سمرة بن جندب وأهل الصفة لما شربوا كلهم من‬
‫اللبن القليل وكفاهم وفضل وكانوا ينقلون ذلك بينهم وهو مشهور ينقله بعض من‬
‫شاهده إلى من غاب عنه فكان استفاضة آياته وشهرتها وتواترها في المة أعظم من‬
‫تواتر سجود السهو في الصلة فإن هذا إنما كان مرات قليلة ولم يحضره إل‬
‫المصلون خلفه لتلك الصلة وكذلك نقلهم لنصب الزكاة وفرائضها فإن هذا إنما‬
‫سمعه منه طائفة قليلة ونقلوه وكذلك حكمه بالشفعة فيما ل يقسم وقضاؤه بأن دية‬
‫الخطأ على العاقلة وقضاؤه بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر ونهيه عن نكاح‬
‫الشغار وتحريمه لطلق الحائض وطلق الموطوءة قبل أن يتبين حملها وأن المعتقة‬
‫تحت عبد يثبت لها الخيار وتوريث‬

‫الجدة السدس ونهيه أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها وقوله فيما سقت السماء‬
‫العشر وما سقى بالدوالي والنواضح نصف العشر وأمثال ذلك إنما سمعها طائفة من‬
‫المة هم أقل بكثير ممن شاهدوا آياته ثم إن المة متفقة على نقل ذلك وهذه الحكام‬
‫متواترة عنه معلومة بالضطرار من دينه فإذا كان مثل هذه المور تواتر في المة‬
‫واتفقت على نقله فكيف بما كان أشهر وأظهر عند من عاينه وكان علم الذين رأوه‬
‫به أظهر من علمهم بهذه الحكام وقد نقلوا ذلك إلى من غاب عنهم فإنه قطعا يجب‬
‫أن يكون تواتر هذه اليات في المة أعظم وأظهر ولهذا ل يكاد يوجد مسلم إل وقد‬
‫عرف كثيرا من هذه اليات وسمعها ونقلها إلى غيره بخلف كثير من الحكام‬
‫المتواترة عنه المتفق على نقلها عند العلماء فإن كثيرا من الناس ل يعرفها ول‬
‫سمعها وإذا قال القائل هذه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها فلو كانت موجودة‬
‫لتوفرت الهمم والدواعي على نقلها ولو كان كذلك لتواترت قلنا وكذلك هو ول الحمد‬
‫توفرت الهمم و الدواعي‬

‫‪704‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪705‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫على نقلها أكثر مما توفرت الهمم والدواعي على نقل أكثر آيات النبياء قبله وأكثر‬
‫مما توفرت الهمم والدواعي على نقل الخبار العجيبة من سير الملوك والخلفاء فإن‬
‫من تدبر نقل هذه اليات وجد شهرتها في كل زمان وظهور الخبار بها أعظم من‬
‫شهرة ما نقل من أخبار النبياء وسير الملوك والدول التي جرت العادة بتوفر الهمم‬
‫والدواعي على نقلها فإن مثل هذا ل يجب في كونه متواترا أن يتواتر عند كل أحد‬
‫من الناس فإن أكثر ما تواتر عند كل أمة من أحوال متقدميها قد ل يسمعه كثير من‬
‫المم من غيرهم فضل عن تواتره عندهم حتى أن كثيرا من المم الذين ل يعرفون‬
‫النبياء قد ل يكونوا قد سمعوا بأسماء النبياء ول بأخبارهم فضل عن تواترها‬
‫عندهم وأكثر أتباع النبياء لم يتواتر عندهم من أخبار الملوك وسيرهم ما تواتر عند‬
‫غيرهم حتى أن أكثر المسلمين لم يسمعوا بأسماء خلفاء بني أمية وبني العباس‬
‫وأسماء وزرائهم ونوابهم وقوادهم‬

‫وبالحروب التي جرت بينهم ول يعرفون الوقائع العظيمة من الحروب التي كانت‬
‫بين المسلمين وأعدائهم مثل يوم أجنادين ويوم مرج الصفر ويوم فحل ومثل يوم‬
‫الحرة ويوم مرج راهط وفتنة‬

‫ابن المهلب وفتنة ابن الشعث والقراء مع الحجاج وحرب مصعب بن الزبير مع‬
‫المختار بن أبي عبيد وفتنة‬

‫المنصور مع محمد بن عبد ال بن حسن بن حسن بالمدينة ومع أخيه إبراهيم‬


‫بالبصرة ومثل جسر أبي عبيد ويوم اليرموك ويوم‬

‫القادسية ول يعرفون أن المسلمين فتحوا قبرص ول غزوا القسطنطينية مرتين مرة‬


‫في زمن معاوية ومرة في زمن بني مروان وكذلك الفتن التي كانت بين المسلمين ل‬
‫بل اكثر العامة لم يسمعوا بأبي مسلم صاحب الدعوة وبعبد ال بن علي بن‬

‫عبد ال بن عباس وما جرى لهما من الحروب مع عساكر مروان آخر خلفاء بني‬
‫أمية ولم يسمعوا أيضا بدخول عبد الرحمن بن هشام إلى الندلس وما جرى له فيها‬
‫ول بالفتنة التي بين ابني الرشيد المين‬

‫والمأمون مع ان هذه المور هي متواترة عند أهل العلم بالسير وأخبار الناس‬
‫والتواريخ وظهور هذه اليات التي هي دلئل النبوة وأعلمها مشهورة بين المة‬
‫عامتها وخاصتها في كل زمان أعظم من ظهور هذه الخبار المتواترة فهي احق أن‬
‫تجعل متواترة من هذه ونقلة هذه اليات من الخاصة اهل العلم وكتب الحديث‬
‫والتفسير والمغازي والسير وكتب الصول والفقه التي توجد فيها هذه الخبار أصح‬
‫نقل باتفاق أهل العقل والعلم من كتب التواريخ المرسلة فإن تلك كثير من أخبارها‬
‫منقطع السناد وفيها من الكاذيب ما ل يحصيه إل ال وإن كان أصل القصة قد‬

‫‪705‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪706‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يكون متواترا وهذه اليات المشهورة في المة كثير من أجناسها متواتر عند أهل‬
‫العلم وكثير من آحادها متواتر عند الخاصة‬

‫بل وكثير من الفقهاء والمتكلمين أو أكثرهم ل يعرفون عدد مغازي رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم التي قاتل فيها أعداءه وهي وقائع مشهورة كل منها متواتر تواترا‬
‫ظاهرا عند أهل العلم مثل يوم بدر ويوم أحد ويوم الخندق وغزوة بني المصطلق‬
‫وغزوة خيبر وفتح مكة ويوم حنين وحصار الطائف فكثير من أهل العلم فضل عن‬
‫العامة وإن كانوا سمعوا بهذه السماء أو بعضها فل يعرفون أيها كان قبل الخر ول‬
‫يعرفون بأي بقعة كانت تلك الغزاة بل ول يعرفون من كان العدو فيها ول كيف‬
‫كانت بل أكثر العامة ل يميزون بين بدر وحنين بل يقول قائلهم يوم بدر وحنين‬
‫ويظنون أن ذلك يوم واحد وانها غزاة واحدة ول يعرفون أنهما غزاتان بينهما نحن‬
‫ست سنين كانت بدر في السنة الثانية من‬

‫الهجرة وكانت حنين في السنة الثامنة بعد فتح مكة وأن بدرا مكان بين مكة والمدينة‬
‫شامي مكة ويماني المدينة وحنين واد قريب من الطائف شرقي مكة وإنما قرن‬
‫بينهما في السم لن ال أنزل فيهما الملئكة وأيد بها نبيه والمؤمنين حتى غلبوا‬
‫عدوهم مع قوة العدو في بدر ومع هزيمة أكثر المسلمين أول بحنين وأمتن ال بذلك‬
‫في كتابه في قوله ^ ولقد نصركم ال ببدر وأنتم أذلة فاتقوا ال لعلكم تشكرون ^‬
‫وفي قوله ^ ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم‬
‫الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل ال سكينته على رسوله وعلى المؤمنين‬
‫وأنزل جنودا لم تروها ^ حتى بعض أكابر أئمة الفتيا المشهورين قال له صاحبه لما‬
‫انكر عليه طلب السير تسكت وإل سألتك قدام الناس أيهما كانت قبل بدر أو أحد‬
‫فإني أعلم أنك ل تعلمه مع أنه من المتواتر الذي ل يستريب فيه من له أدنى معرفة‬
‫بالخبار أن أحدا‬

‫كانت بعد بدر وفي بدر انتصر المسلمون على الكفار ويوم أحد استظهر الكفار بل‬
‫وكثير من علماء المسلمين الكابر ل يعلمون ما هو متواتر عند أهل الكتاب بل‬
‫وعند غيرهم من علماء المسلمين مثل خراب بيت المقدس مرتين ومجيء بخت‬
‫نصر إلى بيت المقدس وال سبحانه قد ذكر في القرآن المرتين فقال ^ وقضينا إلى‬
‫بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد‬
‫أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار وكان وعدا‬
‫مفعول ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن‬
‫أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة ليسؤا وجوهكم‬
‫^ وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا‬

‫وكانت الولى بعد سليمان وكانت الثانية بعد زكريا ويحيى والمسيح لما قتلوا يحيى‬
‫بن زكريا الذي يسميه أهل الكتاب يوحنا المعمداني وكثير من المذكورين بالعلم يظن‬

‫‪706‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪707‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أن بخت نصر هو الذي قدم الشام لما قتل يحيى بن زكريا وهذا عند أهل العلم من‬
‫أهل الكتاب وعند من له خبرة من علماء المسلمين باطل والمتواتر أن بخت نصر‬
‫هو الذي قدم في المرة الولى وكذلك كون شعيب النبي كان حمو موسى عليه السلم‬
‫كما تقوله طائفة من الجهال والمتواتر عند أهل الكتاب وعندالمسلمين من الصحابة‬
‫والتابعين وغيرهم خلف ذلك وعند النصارى من أخبارهم وأخبار علمائهم وملوكهم‬
‫المتواترة ما ل يعرفه المسلمون واليهود وعند‬

‫المسلمين من أخبار علمائهم وملوكهم المتواترة ما ل يعرفه أكثر المم بل عند كل‬
‫طائفة من المسلمين من أخبار شيوخهم وأمرائهم وبلدهم المتواترة ما لم تسمع من‬
‫غيرهم وليس هذا بمنزلة من ادعى خبرا لم يكن يعرف في الذين شاهدوا تلك‬
‫القضية كما لو ادعى مدع أن النبي صلى ال عليه وسلم حج بعد الهجرة أكثر من‬
‫حجة وأنه كان يصوم شهر رمضان بمكة وانه كان بمكة أذان أو أنه كان في‬
‫عساكره وعساكر خلفائه دبادب وبوقات او أنه كان يؤذن للعيدين او كان يخطب‬
‫للعيدين قبل الصلة او أنه كان يصلي بالمدينة أكثر من عيد أو أنه كان يصلي في‬
‫السفر أربعا أو أنه صلى بمنى صلة عيد النحر أو أنه نص على علي بن أبي طالب‬
‫رضي ال عنه أو غيره بالخلفة نصا ظاهرا مشهورا أو أنه عزل أبا بكر عن‬
‫المارة في الحجة وولى عليا أو أنه صلى في مرض موته غير أبي بكر ونحو ذلك‬
‫من الخبار التي يعرف أنها كذب باطل لتواتر‬

‫نقيضها ولنها لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله‬
‫واشتهاره ومع أنه لم يكن له ذكر في الزمن المتقدم وكذلك ما ينقله كثير من أهل‬
‫الجهل مثل ما يجعلونه من معجزات الرسول أو غيره ول يوجد منقول عند أهل‬
‫العلم بأحواله بل يكذبون ناقله مثل قول كثير من العامة أن الغمام كان يظله دائما‬
‫فهذا ل يوجد في شيء من كتب المسلمين المعروفة عند علمائهم ول نقله عالم من‬
‫علمائهم بل هو كذب عندهم وغإ كان كثير من الناس ينقله وإنما نقل أن الغمامة‬
‫أظلته لما كان صغيرا فقدم مع عمه إلى الشام تاجرا ورآه بحيرا الراهب ومع هذا‬
‫فهذا ل يجزم بصحته وكذلك ما ينقله بعضهم من أنه كان إذا وطيء أثر قدمه في‬
‫الحجر وفي الرمل لم يكن يؤثر فهذا لم ينقله أهل العلم بأحواله ول واحد منهم بل هو‬
‫كذب عليه وكذلك ما ينقله طائفة من الناس من كثرة القتل بحروبه أو المغازي‬
‫الكثيرة الذي يذكر مثلها صاحب الكتاب الذي سماه‬

‫بنقلت النوار ويقال له البكري فهذه لما كان أكثرها ل يوجد في كتب المسلمين‬
‫المعروفة ول نقلها علماؤهم بل قد تواتر ما يخالفها كانت كذبا ظاهرا عند أهل العلم‬
‫بأحواله وإن كان كثير من الناس الجهال بأحواله قد يصدق بها ومثل ما ينقله طائفة‬
‫أنه كان في غزوة خيبر نصب علي بن أبي طالب يده ليمر الجيش عليها وأن البغلة‬
‫مرت عليها فقال قطع ال نسلك فانقطع نسلها فهذا ليس في شيء من كتب أهل العلم‬
‫بأحواله ول نقل ذلك واحد منهم وإنما ينقل ذلك من هو معروف بالكذب او جاهل‬

‫‪707‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪708‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ولهذا كان هذا من الكذب الذي يقطع بكذبه علماء المسلمين ويعلمون أنه تواتر‬
‫نقيضه وأنه لم يكن في غزوة خيبر بغلة واحدة ولم يكن بالمدينة ول بمكة بغلة إل‬
‫بغلته التي أهداها له المقوقس النصراني ملك مصر والسكندرية وإنما أهداها له بعد‬
‫فتح خيبر لما كتب النبي صلى ال عليه وسلم إلى‬

‫ملوك الطوائف يدعوهم إلى السلم وهو إنما أرسل إلى ملوك الطوائف بعد‬
‫الحديبية وخيبر لما رجع من خيبر ويعلمون أن البغلة لم تزل مقطوعة النسل لم يكن‬
‫لها نسل قط وكذلك ما ينقله بعض الكذابين من أن طائفة من أهل البيت سبوا فأركبوا‬
‫جمال فنبت لها سنامان وأنها البخاتي فهذا مما اتفق أهل المعرفة بالخبار على أنه‬
‫كذب لم يسب المسلمون قط في وقت من الوقات أحدا من أهل بيت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ل في خلفة بني أمية ول في خلفة بني العباس والجمال البخاتي‬
‫مازالت هكذا لم يتجدد لها السنام في السلم كما قال النبي صلى ال عليه وسلم لما‬
‫ذكر ما يحدث النساء بعده قال على رؤوسهن كأسنمة البخت وكذلك ما نقله طائفة‬
‫من أهل العلم من أن الشمس ردت لما فاتت عليا صلة العصر لكون النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم نام في حجره وجعل بعضهم هذا من المعجزات وليس هذا الحديث في‬
‫شيء من كتب المسلمين التي يعتمدون على ما فيها من المنقولت‬

‫ل الصحاح ول المساند ول المغازي والسير ول غير ذلك بل بين أهل العلم‬


‫بالحديث أن هذا كذب وليس له إسناد واحد صحيح متصل بل غايته أن يروى عمن‬
‫ل يعرف صدقه ولم يروه إل هو مع توفر الهمم والدواعي على نقله فعلموا أنه كذب‬
‫وهذا باب واسع يبين أن علماء المسلمين يميزون المنقولت بين الصدق والكذب‬
‫فيردون الكذب وإن كان فيه من فضائل نبيهم وأعلمه وفضائل أصحابه وأمته ما‬
‫هو عظيم ويقبلون الصدق وإن كان فيه شبهة أشكال وقد يحتج به المنازعون لهم‬
‫وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الهواء‬
‫ل يكتبون إل ما لهم ومن ذلك مغازي حمزة الشائعة بين كثير من جهال الترك‬
‫وغيرهم ل يوجد في شيء من كتب العلم بل قد تواتر عند أهل العلم أن حمزة لم‬
‫يشهد غزوة إل‬

‫غزوة بدر ثم غزوة أحد وقتل يوم أحد شهيدا قتله وحشي بن حرب وهذا متواتر عند‬
‫أهل العلم وما كان من هذه اليات في الصحاح بل وكثير مما لم يخرجه البخاري‬
‫ومسلم فهذه عامتها مما يقطع أهل العلم بالحديث بصحتها ويتيقنون ذلك وهذا عندهم‬
‫مستفيض متواتر وإن كان بعض ذلك قد ل يتواتر ويستفيض عند غيرهم فإن‬
‫الخبار قد تتواتر وتستفيض عند قوم دون قوم بحسب عنايتهم وبها وطلبهم لها‬
‫وعلمهم بمن أخبر بها وصفاتهم ومقاديرهم وما دل من الدلئل على صدقهم وأهل‬
‫العلم بحديث النبي صلى ال عليه وسلم وأفعاله وسيرته وأسباب نزول القرآن‬
‫ومعانيه وغير ذلك لهم بهذا من العلم وعندهم به من اليقين ما ل يوجد مثله لغيرهم‬
‫كما أن أصحاب مالك والشافعي واحمد بن حنبل وأبي حنيفة وداود وغيرهم عند كل‬

‫‪708‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪709‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫طائفة من أقوال متبوعهم ونصوصه وأخباره ما يقطعون به وإن كان غيرهم ل يعلم‬
‫ذلك والطباء عندهم من كلم أبقراط وجالينوس ومحمد بن‬

‫زكريا وأمثالهم ما يقطعون به وغيرهم ل يعلم ذلك وأهل الهيئة عندهم من كلم‬
‫بطليموس والرصد الممتحن المأموني وثابت بن قرة وأبي الحسين الصوفي ما‬
‫يعلمونه هم وغيرهم ل يعلم ذلك بحيث يجزم هؤلء وهؤلء بكثير من مذاهب أهل‬
‫الطب والحساب وتجارب الطباء وأرصاد أهل الحساب وغيرهم ل يعلم ذلك وعند‬
‫أهل الكتاب كاليهود من أخبار هلل وسمابي وغيرهما‬

‫من شيوخهم ما ل يعلمه غيرهم وعند النصارى من أخبار الحواريين ومن أخبار‬
‫قسطنطين والمجمع الول بنيقية والمجمع الثاني والثالث والرابع والخامس وغير‬
‫ذلك من مجامعهم وأخبارهم ما يقطع به علماؤهم وإن كان غيرهم ل يعلمون ذلك‬
‫وأهل العلم بأيام السلم يعلمون من سيرة أبي بكر وعمر وعثمان ومغازيهم كوقعة‬
‫أجنادين ومرج الصفر وغيرهما في خلفة أبي بكر وكوقعة اليرموك وخبر أبي‬
‫عبيدة‬

‫وهزيمة الفرس وفتح مصر وغير ذلك مما كان في زمن عمر بن الخطاب ما‬
‫يقطعون به وإن كان غيرهم ل يعرفون ذلك وكذلك ما كان بعد هؤلء من سير‬
‫الملوك وحوادث الوجود بل أهل العلم بالرجال يعلمون من حال آحاد الصحابة‬
‫والتابعين ومن بعدهم كعبد ال بن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد‬
‫ال بن مسعود وأنس بن مالك وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسعيد بن المسيب‬
‫والحسن البصري وعلقمة والسود وغير هؤلء ما ل يعلمه غيرهم وأهل العلم‬
‫بالنحو يعلمون من حال سيبويه والخفش والمبرد والزجاج والفراء‬

‫والكسائي ما ل يعلمه غيرهم والقراء يعلمون من قراءة أبي عمرو وابن كثير‬
‫وحمزة والكسائي وابن عامر ويعقوب بن إسحاق والعمش‬

‫وخلف بن هشام وأبي جعفر ما ليعلمه غيرهم فإذا كان آحاد أهل العلم من أهل الفقه‬
‫أو الطب أو الحساب أو النحو أو القراءات بل وآحاد الملوك يعلم الخاصة من‬
‫أمورهم ما ل يعلمه غيرهم ويقطعون بذلك فكيف بمن هو عند أتباعه أعل قدرا من‬
‫كل عالم وأرفع منزلة من كل ملك وهم أرغب الخلق في معرفة أحواله واعظم‬
‫تحريا للصدق فيها ولرد الكذب منها حتى قد صنفوا الكتب الكثيرة في أخبار جميع‬
‫من روى شيئا من أخباره وذكروا فيها أحوال نقلة حديثه وما يتصل بذلك من جرح‬
‫وتعديل ودققوا في ذلك وبالغوا مبالغة ل يوجد مثلها لحد من المم ول لحد من‬
‫هذه المة إل لهل الحديث فهذا يعطي أنهم أعلم بحال نبيهم من كل أحد بحال‬
‫متبوعهم وأنهم أعلم بصدق الناقل وكذبه من كل أحد بصدق من نقل عن متبوعهم‬
‫وكذبه‬

‫‪709‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪710‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فإذا كان أولئك فيما ينقلونه عن متبوعهم متفقين عليه جازمين بتصديقه ل يكون إل‬
‫صدقا فهؤلء مع جزمهم بالصدق واتفاقهم على التصديق اولى أن ل يكون ما‬
‫جزموا بصدقه إل صدقا وعامة أخبار الصحيحين مما اتفق علماء الحديث على‬
‫التصديق بها وجزموا بذلك وإنما تنازعوا في أحاديث قليلة منها وعامة ما ذكرناه‬
‫من آيات النبي صلى ال عليه وسلم التي في الصحاح هي من موارد إجماعهم‬
‫المستفيضة عندهم التي يجزمون بصدقها ليست من موارد نزاعهم فهذا طريق‬
‫يسلكه من عرفه من العلماء ويعلم خيرة أهله من كان خبيرا بهم فهذه طريقان في‬
‫تصديق هذه اليات التواتر العام والتواتر الخاص‬
‫الطريق الثالث التواتر المعنوي وهذا مما اتفق على معرفته عامة الطوائف فإن‬
‫الناس قد يسمعون أخبار متفرقة بحكايات يشترك مجموعها في أمر واحد كما سمعوا‬
‫أخبارا متفرقة تتضمن شجاعة عنترة وخالد بن الوليد وأمثالهما وتتضمن سخاء حاتم‬

‫ومعن بن زائدة وأمثالهما وتتضمن حلم الحنف بن قيس ومعاوية بن أبي سفيان‬
‫وأمثالهما وتتضمن شعر امرىء القيس والنابغة ولبيد وأمثالهم من المتقدمين وشعر‬
‫الفرزدق وجرير‬

‫وعمر بن أبي ربيعة وأمثالهم من المولدين وشعر أبي نواس والمتنبي وأبي تمام‬
‫وأمثالهم من المحدثين بل وسمعوا أقوال وفتاوي متفرقة تتضمن فقه مالك والثوري‬
‫والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم‬
‫من العلماء وأخبارا متفرقة تتضمن العدل وحسن السيرة من عمر بن‬

‫الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما من ولة المور وسمعوا أخبارا متفرقة‬
‫تتضمن الزهد عن مثل الحسن البصري والفضيل بن عياض ومالك بن دينار‬
‫وإبراهيم بن أدهم وغيرهم من الزهاد وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن معرفة أبقراط‬
‫وجالينوس ونحوهما بالطب فيحصل بمجموع الخبار علم ضروري بأن الشخص‬
‫موصوف بذلك النعت وإن كان كل من الخبار لو تجرد وحده لم يفد العلم وإن كان‬
‫كل من الحكايات ليست وحدها منقولة بالتواتر ومن هذا الباب العلم القطعي باليمان‬
‫والموت ونحو ذلك مما يحصل به استقامة موجب العلم القطعي كعلم الناس بأن‬
‫خديجة وعائشة ونحوهما من أمهات المؤمنين وأن فاطمة وزينب من‬

‫بنات النبي صلى ال عليه وسلم وأن عائشة بنت أبي بكر وأن أبا بكر وعمر‬
‫وعثمان تولوا الخلفة بعده وأن أبا بكر وعمر دفنا في حجرته وإذا عرف هذا فهذه‬
‫الحاديث وأضعاف وأضعاف هي أضعاف أضعاف ما ينقل عن الواحد من هؤلء‬
‫ونقلتها أجل وأكثر وأفضل من نقلة أخبار هؤلء وهي كاملة تتضمن أن محمدا بن‬
‫عبد ال صلى ال عليه وسلم كان يجري على يديه من اليات الخارقة للعادة‬
‫والعجائب العظيمة ما ل يعرف نظيره عن أحد من الناس وعلم المسلمين بهذا اعظم‬

‫‪710‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪711‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من علم أهل الكتاب بما ينقلونه من آيات موسى وعيسى وغيرهما فإن نقلة آيات‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم غير القرآن أضعاف أضعاف نقلة التوراة والنجيل‬
‫فضل عن غيرهما من أخبار النبياء فإن التوراة لم تكن جميعها محفوظة لعموم بني‬
‫إسرائيل كما يحفظ القرآن عامة المسلمين وعند خراب بيت المقدس قل من يحفظها‬
‫جدا حتى تنازع الناس في تواتر نقلها وكذلك النجيل نقلته أقل بكثير من نقلة آيات‬
‫محمد‬

‫صلى ال عليه وسلم وإذا قال النصارى هؤلء كانوا صالحين وكان لهم آيات كما‬
‫يذكرونه من آيات الحواريين فأصحاب محمد صلى ال عليه وسلم وتابعوهم‬
‫صالحون ولهم من اليات أعظم مما للحواريين وغيرهم من المم وفيهم من كان‬
‫يحمل العسكر على الماء ومن كان يشرب السموم القاتلة ومن يحيي ال الموتى‬
‫بدعوته ومن يكثر الطعام والشراب وكتب كرامات الولياء فيها من ذلك اعظم مما‬
‫عند أهل الكتاب وهم ينقلون أخبار النبياء والصالحين من كتب عندهم مثل كتاب‬
‫أخبار الحواريين وكتاب سفر الملوك ونحو ذلك وما يذكرون من حجة في صحة‬
‫نقلها إل وحجة المسلمين فيما ينقلونه عن نبيهم وأصحابه والتابعين أظهر وأقوى‬
‫الطريق الرابع أن يقال هذه اليات التي ذكرنا بعضها كانت تكون بمحضر من‬
‫الخلق الكثير كتكثير الطعام يوم الخندق فإنه كان أهل الخندق رجالهم ونساؤهم ألوفا‬
‫وكذلك نبع الماء من بين أصابعه وفيضان البئر بالماء يوم الحديبية وكانوا يومئذ ألفا‬
‫وخمسمائة وكلهم صالحون من أهل‬

‫الجنة ل يعرف فيهم من تعمد كذبة واحدة على النبي صلى ال عليه وسلم وكذلك‬
‫تكثير الماء والطعام في غزوة خيبر كانوا ألفا وخمسمائة وفي تبوك كانوا ألوفا‬
‫مؤلفة وكان بعض من حضر هذه المشاهد نقل هذه اليات قدام آخرين ممن حضرها‬
‫وينقلها لقوام فيذهب أولئك فيخبرون بها أولئك ويصدق بعضهم بعضا ويحكي هذا‬
‫مثل ما حكى هذا من غير تواطىء وتشاعر وأدنى أحواله أن يقره ول ينكر عليه‬
‫روايتها ونحن نعلم بموجب العادة الفطرية التي جبل ال عليها عباده وبموجب ما‬
‫كان عليه سلف المة من اعتقاد الصدق وتحريه واعتقادهم أن ذلك واجب ومن شدة‬
‫توقيهم الكذب على نبيهم وتعظيمهم ذلك إذ قد تواتر عندهم عنه أنه قال من كذب‬
‫علي متعمدا فليتبوأ معقده من النار فنحن نعلم أنهم لم يكونوا يقرون من يعلمون أنه‬
‫يكذب عليه ومن أخبر عنه بما كانوا مشاهدين له وكذب عليه فقد علموا انه كذب‬

‫عليه فلما اتفقوا على القرار على ذلك وعلى تناقله بينهم من غير إنكار أحد منهم‬
‫لذلك علم قطعا أن القوم كانوا متفقين على نقل ذلك كما هم متفقون على نقل القرآن‬
‫والشريعة المتواترة وإن كان جمهورهم ليس منتصبا لتلقين القرآن بل هذا يلقنه وهذا‬
‫يسمعه من هذا المتلقن ل ينكر بعضهم على بعض القراءة وهذا يعلم هذا الصلة أن‬
‫الظهر في الحضر أربع ركعات والمغرب ثلثا والفجر ركعتان وهذا يقر هذا فلما‬
‫كان بعضهم يقر بعضا على نقل ذلك علم اتفاقهم على نقل ذلك وهذا غاية التواتر‬

‫‪711‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪712‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وكذلك ما نقلوه من شرائعه ومن آياته وبراهينه يبين ذلك أن ما أنكره بعضهم رده‬
‫على الخر ولم يوافقه وإن كانوا متأخرين عن زمن الصحابة فكيف بالمتقدمين‬
‫كتنازعهم هل كان يجهر بالبسملة ام ل يجهر بها وهل كان يداوم على القنوت في‬
‫الفجر ام كان يقنت أحيانا للنوازل أم قنت مرة ثم تركه فهذا من أهون المور‬
‫وأيسرها إذ كلهم متفقون على صحة صلة من قنت وعلى صحة صلة من لم يقنت‬
‫ومن جهر ومن خافت ولكن لما تنازعوا فيما فعله الرسول تنازعوا في الحكم فعلم‬
‫بذلك ان ما كان مشهورا في المة عن النبي صلى ال عليه وسلم ولم ينكره أحد من‬
‫علمائها كانت المة متفقة على نقله كنقلهم للقرآن وللشرائع الظاهرة‬

‫المشهورة وإن نقل ذلك أعظم من نقل سائر أخبار النبياء والعلماء والملوك والزهاد‬
‫وكذلك حجة فإنهم كلهم متفقون على ما تواتر عنه من أنه لم يحج بعد الهجرة إل‬
‫حجة واحدة وهي التي تسمى حجة الوداع وإنما عاش بعدها نحوا من ثلثة أشهر‬
‫وأنه لما حج أمر أصحابه كلهم إل من ساق الهدى منهم إذا طاف بالبيت وبين الصفا‬
‫والمروة أن يحل من عمرته وأنه لم يعتمر هو ول أحد من أصحابه الذين حجوا معه‬
‫بعد الحج إل عائشة وحدها وأنه هو نفسه لم يحل من حجته ول أحد ممن ساق‬
‫الهدي معه وإنما اشتبه على بعضهم بعض ألفاظه او بعض المور التي تخفى على‬
‫أكثر الناس وكان الصحابة ينقلون تمتع رسول ال صلى ال عليه وسلم ومرادهم‬
‫بالتمتع أنه قرن بين العمرة والحج فظن بعض الناس أنهم أرادوا أنه أخر الحرام‬
‫بالحج إلى ان قضى العمرة وقال بعض الصحابة إنه أفرد بالحج فظن بعض الناس‬
‫انه حج واعتمر بعد الحج‬
‫وهذا لم ينقله أحد من العلماء بل اتفقوا على أنه لم يعتمر بعد الحج وروى بعض‬
‫الصحابة أنه قرن فظن بعض الناس أنه طاف طوافين وسعى سعيين وهذا لم ينقله‬
‫أحد عنه وكان من أسباب غلط كثير من الناس أنهم كانوا يستعملون تلك اللفاظ في‬
‫معان غير ما استعملته فيها الصحابة فغلط بعض الناس على بعض الصحابة وأما ما‬
‫فعله في الحج مشهورا فهو‬

‫متواتر لم يختلف فيه النقل ول علماء النقل ومن تدبر هذه الطريق أفادته علما يقينيا‬
‫قطعيا بصحة هذه اليات عن محمد صلى ال عليه وسلم وكذلك الطرق المتقدمة فإنا‬
‫قد ذكرنا أن ما كان الناس أحوج إلى معرفته يسر ال دلئله للناس اعظم من تيسير‬
‫غيره وحاجة الخلق إلى تصديق الرسول أشد من حاجتهم إلى جميع الشياء إذ بذلك‬
‫تحصل سعادتهم في الخرة ونجاتهم من العذاب وبه يحصل صلح العباد في المعاد‬
‫والمعاش‬
‫الطريق الخامس أن ما من صنف من أصناف العلماء إل وقد تواتر عندهم من‬
‫اليات ما فيه كفاية فكتب التفسير مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب‬
‫الحديث مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب السير والمغازي والتواريخ‬
‫مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها وكتب الفقه مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك‬
‫فيها وإن لم يكن هذا مقصودا منها وإنما المقصود الحكام لكنهم في ضمن ما‬

‫‪712‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪713‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫يروونه من الحكام يروون فيها من اليات ما هو متواتر عندهم وكتب الصول‬


‫والكلم مشحونة بذكر اليات متواتر ذلك فيها ونقل كل طائفة من هذه الطوائف يفيد‬
‫العلم اليقيني فكيف بما ينقله كل طائفة من هذه الطوائف وهذه الطريق وغيرها مثل‬
‫طريق القرار والتصديق وطريق التواتر المعنوي وطريق تصديق أهل العلم‬
‫بالحديث بها وغير ذلك يستدل بها تارة على تواتر الجنس العام لليات الخارقة‬
‫للعادة وهذا أقل ما يكون ويستدل بها على تواتر جنس جنس منها كتواتر تكثير‬
‫الطعام وتواتر تكثير الطهور‬

‫والشراب وعلى تواتر نوع نوع منها كتواتر نبع الماء من بين أصابعه وتواتر إشباع‬
‫الخلق العظيم من الطعام القليل وتواتر شخص شخص منها كتواتر حنين الجذع إليه‬
‫وأمثال ذلك وكلما أمعن النسان في ذلك النظر واعتبر ذلك وبأمثاله واعتبر وأعطاه‬
‫حقه من النظر والستدلل ازداد بذلك علما ويقينا وتبين له أن العلم بذلك اظهر من‬
‫جميع ما يطلب من العلم بالخبار المتواترة فليس في الدنيا علم مطلوب بالخبار‬
‫المتواترة إل والعلم بآيات الرسول وشرائع دينه أظهر من ذلك وما من حال احد من‬
‫النبياء والملوك والعلماء والمشايخ المتقدمين وأقواله وأفعاله وسيرته إل والعلم‬
‫بأحوال محمد صلى ال عليه وسلم أظهر من العلم به وما من علم يعلم بالتواتر مما‬
‫هو موجود الن كالعلم بالبلد البعيدة كعلم أهل الشام بالعراق وخراسان والهند‬
‫والصين والندلس وعلم أهل المغرب بالشام والعراق وخراسان والهند وعلم أهل‬
‫خراسان بالشام والعراق ومصر وعلم أهل الهند بالعراق والشام وأمثال ذلك من علم‬
‫أهل البلد بعضهم بحال بعض إل وعلم النسان بحال المسلمين من مشارق الرض‬
‫ومغاربها وما هم عليه من الدين وما ينقلونه عن نبيهم من آياته وشرائعه أظهر من‬
‫علمه بهذا كله وهذا مما يبين أنه ليس في الوجود أمر يعلم بالنقول المتواترة إل‬
‫وآيات الرسول وشرائعه تعلم بالنقول المتواترة أعظم مما يعلم ذلك‬

‫المر تحقيقا لقوله تعالى ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله وكفى بال شهيدا ^ وظهوره على الدين كله بالعلم والحجة والبيان إنما هو‬
‫بما يظهره من آياته وبراهينه وذلك إنما يتم بالعلم بما ينقل عن محمد من آياته التي‬
‫هي الدلة وشرائعه التي هي المدلول المقصود بالدلة فهذا قد أظهره ال علما‬
‫وحجة وبيانا على كل دين كما أظهره قوة ونصرا وتأييدا على كل دين والحمد ل‬
‫رب العالمين كما أنه ما من دليل يستدل به على مدلول إل والدلة على آيات الرب‬
‫أكبر وأكثر‬
‫الطريق السادس ان العلماء قد صنفوا مصنفات كثيرة في ذكر آياته وبراهينه‬
‫المنقولة في الخبار وجردوا لذلك كتبا مثل كتاب دلئل النبوة للفقيه الحافظ أبي بكر‬
‫البيهقي وقبله دلئل النبوة‬

‫للشيخ أبي نعيم الصبهاني وقبله دلئل النبوة لبي الشيخ الصبهاني ولبي القاسم‬
‫الطبراني وقبلهما دلئل النبوة للمام الحافظ أبي زرعة الرازي والشيخ المصنف‬

‫‪713‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪714‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أبي بكر عبد ال بن أبي الدينا وللمصنف الحافظ المام أبي إسحاق إبراهيم‬

‫الحربي وأبي بكر جعفر الفريابي وما صنفه الشيخ العالم أبو الفرج ابن الجوزي في‬
‫كتابه المسمى بالوفا في فضائل المصطفى وما صنفه الحافظ أبو عبد ال المقدسي‬
‫من دلئل النبوة وهؤلء وغيرهم يذكرون ما يذكرون من السانيد المعروفة‬
‫والطرق المتعددة الكثيرة المتواترة وهؤلء منهم من يميز ما يذكره من الحاديث‬
‫بين ما في صحيحي البخاري ومسلم وما في غيرهما وإن كان صحيحا‬

‫أيضا كالبيهقي وابن الجوزي والمقدسي ومنهم من يذكر ذلك جميعه بأسانيده وقد‬
‫يتكلم على السانيد والطرق ويذكر تعددها من غير احتياج منه أن يذكر ما رواه‬
‫البخاري ومسلم كأبي زرعة شيخ مسلم وأبي الشيخ وأبي نعيم وغيرهم وآخرون‬
‫يذكرونه معزوا مسندا إلى من رواه وإن لم يذكروا إسناده كما يفعله القاضي عياض‬
‫السبتي في كتابه المسمى بالشفا بتعريف حقوق المصطفى ومنهم من يقرر ذلك‬
‫بشهرة ذلك وطرق أخرى من صحته كما يفعله كثير من النظار كالقاضي عبد‬
‫الجبار‬

‫والجاحظ والماوردي القاضي وسليم الرازي الفقيه وغيرهم وهذه الكتب فيها من‬
‫الحاديث المتضمنة ليات نبوته وبراهين رسالته أضعاف اضعاف الحاديث‬
‫المأثورة فيما هو متواتر عنه مثل حجة الوداع وعمرة الحديبية وصد المشركين له‬
‫ومصالحته‬

‫إياهم وحله هو وأصحابه بالحديبية ورجوعهم ذلك العام وفتح خيبر وعمرة القضية‬
‫وعمرة الجعرانة ومثل حصاره لهل الطائف وفتح مكة قبل ذلك ومثل غزوة‬
‫النصارى عام تبوك وإرساله جيشا لغزوهم بمؤتة من مشارف الشام قريبا من‬
‫الحصن المسمى بالكرك ومثل‬

‫غزوة لليهود بخيبر وغزوة لليهود قبل ذلك لمن كان عند المدينة مثل بني قينقاع‬
‫والنضير وقريظة ومثل إرساله أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع ونبذه العهود‬
‫ومناداته أن ل يحج بعد العام مشرك وليطوف بالبيت عريان ومثل هجرته مع أبي‬
‫بكر وعامر بن فهيرة ورجل ثالث كان دليل لهم ومثل ما تواتر عنه أنه كان يصلي‬
‫بالمسلمين في العيدين بالمصلى خارج المدينة لم يكن يصلي العيد في مسجده إل‬
‫مرة نقل أنه صلى في المسجد لجل المطر ولم يكن على عهده يصلي أحد بالمدينة‬
‫صلة العيد إل خلفه لم يكن يصلي صلتي عيد على عهده وعهد أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب لما كثر الناس وضعف أقوام عن‬
‫الخروج إلى الصحراء استخلف من يصلي‬

‫بهم في المسجد وكما تواتر عنه أنه كان يصلي الجمعة بأذان وإقامة ل يؤذن لها إل‬

‫‪714‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪715‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إذا قعد على المنبر وكذلك كان المر على عهد أبي بكر وعمر فلما كان في أثناء‬
‫خلفة عثمان كثر الناس فأمر بالنداء الثالث على دار قريبة من المسجد من جهة‬
‫المشرق يقال لها الزوراء وكما تواتر أن مسجده كان باللبن وسقفه كان من جذوع‬
‫النخل وكانت حجر أزواجه قبلي المسجد وشرقيه فلما كثر الناس زاد فيه عمر ثم‬
‫زاد فيه عثمان وبناه بالقصة والحجارة ثم في إمارة الوليد أمر نائبه عمر بن عبد‬
‫العزيز أن يشتري الحجر ويزيدها في المسجد فدخلت حجرة عائشة التي دفن فيها‬
‫هو وأبو بكر وعمر في المسجد من حينئذ وإنما كانت في حياته خارجة عن المسجد‬
‫إلى سنة إحدى وتسعين وقال في مرض موته‬

‫لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة‬
‫ولول ذلك لبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وكما تواتر عنه أنه نهى عن‬
‫الصلة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها وتواتر عنه أنه كان يضحي في عيد‬
‫الضحى بل تواتر عند أهل العلم بأحواله تروكه المشهورة كما تواترت أفعاله‬
‫المشهورة فتواتر عنه أنه لم يكن يؤذن للعيدين ول الكسوف ول الستسقاء وأنه‬
‫صلى الكسوف بركوعين في كل ركعة صلة طويلة وتواتر عنه كان يطوف بالبيت‬
‫سبعا ويصلي ركعتين بعد الطواف ولم يكن يصلي بعد السعي بالصفا والمروة‬
‫ركعتين وتواتر أنه كان يواصل ونهى‬

‫أصحابه عن الوصال ويقول إني لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني‬
‫وأنه لم يفرض صوما إل صوم شهر رمضان ولم يفرض الحج على المستطيع إل‬
‫مرة وأنه فرض الصوات الخمس على كل بالغ عاقل إل الحائض والنفساء وأنه منع‬
‫الحائض والنفساء من الصوم والصلة وكان الحيض يؤمرن بقضاء الصوم ول‬
‫يؤمرن بقضاء الصلة وأنه أمر بالغتسال من الجنابة للصلة وأمر بالوضوء عند‬
‫الصلة لمن بال أو تغوط أو خرج منه ريح أو مذي وأنه رخص في الستجمار‬
‫بثلثة أحجار ونهى عن الستنجاء باليمين ونهى عن الستجمار بالعظم والبعر وقال‬
‫إنها زاد إخوانكم من الجن وأنه لم يكن يجمع المسلمين على سماع كف ول دف ول‬
‫رقص‬

‫ول صعق ل هو ول أصحابه عند سماع القرآن بل كانوا توجل قلوبهم وتقشعر‬
‫جلودهم وتدمع عيونهم وأنه لم يكن على عهده وعهد خلفائه تعاد امرأة مطلقة إلى‬
‫زوجها بنكاح يقصد به التحليل بل لعن المحلل والمحلل له لن ذلك ربما فعل سرا‬
‫وأنه أمر بعيادة المريض وتشييع الجنازة وإفشاء السلم وإجابة الدعوة وأنه كان‬
‫يصلي على الميت ويكبر أربع تكبيرات وقد كان أحيانا يكبر خمسا وسبعا وأمر‬
‫بتغسيل الميت وتكفينه والصلة عليه ودفنه وأنه حرم كل مسكر وحرم بيع الدرهم‬
‫بالدرهمين والدينار بالدينارين والصاع بالصاعين من الحنطة والشعير والتمر‬
‫والزبيب وأنه أمر بصدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير لما كان أهل‬
‫المدينة يقتاتون التمر والشعير وأنه أباح الدواء وقال تداووا عباد ال فإنه لم ينزل‬

‫‪715‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪716‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫داء إل أنزل له دواء إل السام والسام‬

‫الموت وأنه كان يتداوى بالحجامة وغيرها وكذلك ما تواتر عنه من أحاديث سوى ما‬
‫في القرآن من صفة الجنة والنار وذكر العرش والملئكة والجن وإرساله إلى الثقلين‬
‫وما ذكره من أسماء ال وصفاته وما أخبر به من فتنة النسان في قبره ومن عذاب‬
‫القبر ونعيمه ومن دخول من يدخل النار من أهل الكبائر من أمته وخروجهم من‬
‫النار بشفاعته وشفاعة غيره ومن ذكر حوضه وما أخبر به من رؤية ال يوم القيامة‬
‫ومحاسبة ال للعباد وغير ذلك وما تواتر عنه من أنه كان يرسل رسل إلى الملوك‬
‫يدعوهم إلى اليمان بال وبما جاء به كما أرسل إلى ملوك اليمن وإلى ملوك الشام‬
‫ومصر والعراق وإلى ملوك المشركين واليهود والنصارى والمجوس بعد ما حارب‬
‫اليهود مرة بعد مرة وما تواتر عنه أنه كان يركب الخيل والبل والبغال والحمير‬
‫وأنه رجم الزاني المحصن مرة بعد مرة وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر وأنه‬
‫كان يصلي في السفر الرباعية ركعتين ركعتين وأنه جمع بين الصلتين الظهر‬
‫والعصر بعرفة وفي مزدلفة جمع بين المغرب والعشاء وأنه كان يصلي بمنى‬
‫ركعتين ركعتين وأمر‬

‫المسلمين في حجة الوداع أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إل من ساق الهدي‬


‫فإنه أمره أن يبقى على إحرامه وانه هو لم يحل من إحرامه ول اعتمر بعد الحج ل‬
‫هو ول أحد ممن حج معه إل عائشة لكونها كانت حائضا وأن شهجر رمضان‬
‫فرض في السنة الثانية من الهجرة فصام تسع رمضانات وأنه كان له أربع بنات‬
‫وثلثة بنين وكان يكنى بأكبر أولده القاسم فيدعى أبا القاسم وأنه تزوج بنتي أبي‬
‫بكر وعمر وزوج عثمان ابنتيه وزوج عليا بنتا وأنه آمن به من أعمامه حمزة‬
‫والعباس ولم يؤمن أبو لهب ول أبو طالب مع أن أبا طالب كان يحوطه ويذب عنه‬
‫وأنه استخلف أبا بكر ليصلي بالناس لما مرض وثقل عن الصلة لم يصل أحد بإذنه‬
‫مع حضوره غير أبي بكر في مرضه ولما ذهب ليصلح بين بني عمرو بن عوف‬
‫وأنه كان من خواص أصحابه العشرة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير‬
‫وسعد بن‬

‫أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وغير‬
‫هؤلء كعبد ال بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسعد بن معاذ وسعد بن‬
‫عبادة وأبي طلحة وأبي أيوب وأسيد بن حضير وأضعاف هؤلء وأنه بايعه تحت‬
‫الشجرة ألف وأربعمائة وهم الذين أنزل ال فيهم ^ ^ لقد رضي ال عن المؤمنين إذ‬
‫يبايعونك تحت الشجرة ^ وأنه لما قدم المدينة بنى مسجده وكان في شماليه صفة‬
‫ينزلها العزباء وأن المهاجرين والنصار كلهم أسلموا طوعا بل رغبة ول‬

‫رهبة وأن المهاجرين آذاهم الكفار إيذاء عظيما حتى هاجر منهم طائفة إلى الحبشة‬
‫عند النجاشي وأن النجاشي آمن به وأنه لما مات أخبر النبي صلى ال عليه وسلم‬

‫‪716‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪717‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بموته يوم مات وأنه صلى عليه بأصحابه في المصلى كما يصلي على الميت‬
‫الحاضر وأنه كان يخطب يوم الجمعة قبل الصلة ويخطب في العيد بعد الصلة‬
‫وكان يؤذن للجمعة وللصلوات الخمس ول يؤذن للعيدين ول غير الصلوات الخمس‬
‫وأن بلل كان يؤذن له بالمدينة هو وابن أم مكتوم العمى وكان سعد القرظ يؤذن‬
‫لهل قباء وأبو محذورة يؤذن لهل مكة وكما تواتر عنه وعن خلفائه أنهم‬

‫لم يكونوا بمنى يصلون صلة عيد بل يرمون جمرة العقبة وينحرون كما أمر أهل‬
‫المصار أن يصلوا ثم ينحروا إلى أمثال هذه المور مما هو متواتر عند كل من‬
‫كان عالما بأحواله ومنها ما هو متواتر عند جميع المة ومنها ما هو متواتر عند‬
‫جمهورها وليس منها شيء إل وتواترت آياته وبراهينه صلى ال فيها عليه وسلم‬
‫التي لم تذكر في القرآن أعظم من تواتر هذه المور والكتب المصنفة في آياته‬
‫وبراهينه الخارجة عن القرآن فيها من الحاديث أضعاف أضعاف ما يوجد من‬
‫الحاديث في مثل هذه المور بل في كل صنف من أصناف آياته من الحاديث‬
‫أضعاف ما يوجد في مثل ذلك كتواتر إخباره بالغيوب المستقبلة وتواتر تكثيره‬
‫للطعام والشراب مرات متعددة وتكثيره الطهور إما بنبع الماء بين أصابعه وإما‬
‫بفيضان الينبوع الذي يضع فيه بعض آثاره وإما‬

‫بفيضان الماء من الوعاءالذي برك فيه والماء باق بحاله لم ينقص فالحاديث‬
‫المتواترة في مثل هذه النواع أكثر من الحاديث المتواترة في مثل تلك المور التي‬
‫هي متواترة ولهذا كان شهرة هذه المور في المة وفي أهل العلم بأحواله أعظم من‬
‫شهرة كثير من تلك المور والمقصود هنا أن تواتر آياته المستفيضة في الحاديث‬
‫أعظم من تواتر أمور كثيرة هي متواترة عند المة أو عند علمائها وعلماء أهل‬
‫الحديث وهذا غير اليات والبراهين المستفادة بالقرآن فإن تلك قد تجرد لها طوائف‬
‫من المسلمين ذكروا من أنواعها وصفاتها ما هو مبسوط في غير هذا الموضع حتى‬
‫بينوا أن ما في القرآن من اليات يزيد على عشرات ألوف من اليات وهذا غير ما‬
‫في كتب أهل الكتاب من الخبار به وهذه الجناس الثلثة غير ما في شريعته التي‬
‫بعث بها وغير صفات أمته وغير ما يدل من المعرفة بسيرته وأخلقه وصفاته‬
‫وأحواله وهذا كله غير نصر ال وإكرامه لمن آمن به وعقوبته وانتقامه ممن كفر به‬
‫كما فعل بالنبياء المتقدمين فإن تعداد أعيان دلئل النبوة‬

‫مما ل يمكن بشرا الحاطة به إذ كان اليمان به واجبا على كل أحد فيبين ال لكل‬
‫قوم بل لكل شخص من اليات والبراهين ما ل يبين لقوم آخرين كما أن دلئل‬
‫الربوبية وآياتها أعظم وأكثر من كل دليل على كل مدلول ولكل قوم بل ولكل إنسان‬
‫من الدلئل المعينة التي يريه ال إياها في نفسه وفي الفاق ما ل يعرف أعيانها قوم‬
‫آخرون قال تعال ^ سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^‬
‫والضمير في ذلك عائد إلى القرآن عند المفسرين والسلف وعامة العلماء كما يدل‬
‫على ذلك القرآن بقوله ^ قل أرأيتم إن كان من عند ال ثم كفرتم به من أضل ممن‬

‫‪717‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪718‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ^‬
‫وقد قيل إن الضمير عائد إلى ال والصواب الول كما قال ^ قل أرأيتم إن كان من‬
‫^ عند ال ثم كفرتم به‬

‫وهذا هو القرآن ثم قال بعد ذلك ^ سنريهم آياتنا في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين‬
‫لهم أنه الحق ^ ثم قال ^ أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ^ فأخبر أنه‬
‫سيري الناس في أنفسهم وفي الفاق من اليات العيانيةالمشهورة المعقولة ما يبين أن‬
‫اليات القرآنية المسموعة المتلوة حق فيتطابق العقل والسمع ويتفق العيان والقرآن‬
‫وتصدق المعاينة للخبر وإذا كان القرآن حقا لزم كون الرسول الذي جاء به صادقا‬
‫وأن ال تعالى أنزله وأنه يجب التصديق بما أخبر به والطاعة لما أوجبه وأمر به‬
‫وذلك يتضمن إثبات الصانع وتوحيده وأسماءه وصفاته وإثبات النبوات وإثبات‬
‫المعاد وهذه هي أصول العلم واليمان التي علقت بها السعادة والنجاة‬

‫فصل وآيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول وقبيل مولده وبعد مماته ل &‬
‫تختص بحياته فضل عن أن تختص بحال دعوى النبوة أو حال التحدي كما ظنه‬
‫بعض أهل الكلم بل ل بد من آيات في حياته تدل على صدقه تقوم بها الحجة‬
‫وتظهر بها المحجة كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح ما من‬
‫نبي من النبياء إل وقد أوتي من اليات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي‬
‫اوتيته وحيا أوحاه ال إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة وقد قال تعالى‬
‫في سورة إبراهيم ^ الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن‬
‫^ ربهم إلى صراط العزيز الحميد‬

‫إلى قوله ^ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور‬
‫وذكرهم بأيام ال إن في ذلك ليات لكل صبار شكور ^ إلى قوله ^ الم يأتيكم نبؤا‬
‫الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل ال جاءتهم‬
‫رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك‬
‫مما تدعوننا إليه مريب قالت رسلهم أفي ال شك فاطر السموات والرض يدعوكم‬
‫ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ^ اليات فأخبر سبحانه أن قوم نوح‬
‫وعاد وثمود والذين من بعدهم ل يعلمهم إل ال أتتهم رسلهم بالبينات فعلم أنهم جاءوا‬
‫بالبينات وقال ^ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات والزبر والكتاب‬
‫^ المنير‬

‫وقال تعالى ^ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا‬
‫للظالمين عذابا أليما وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكل‬
‫ضربنا له المثال وكل تبرنا تتبيرا ^ فأخبر أنه سبحانه ضرب المثال لجميع‬
‫هؤلء الذين أرسل إليهم وأهلكهم فلم يعاقبهم إل بعد ان أقام عليهم الحجة وقال تعالى‬
‫^ وما ارسلنا من قبلك إل رجال نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون‬

‫‪718‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪719‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ^‬
‫فأخبر أنه لم يرسل إل رجال يوحى إليهم لم يرسل إليهم ملئكة ول نساء وأنه‬
‫أرسلهم بالبينات والزبر والزبر جمع زبور وهي الكتب فإن منهم من أنزل عليه‬

‫كتاب ومنهم من أرسل بتجديد الكتاب الذي قبله وقال تعالى ^ إنا أرسلناك بالحق‬
‫بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلخل فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم‬
‫جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان‬
‫نكير ^ أخبر أنه ليس أمة من المم إل خل فيها نذير كما قال ^ ولقد بعثنا في كل‬
‫أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت‬
‫عليه الضللة فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ^ ثم أخبر أن‬
‫الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المنير وهذا من عطف‬
‫الخاص على العام لختصاصه بوصف يختص به كقوله‬

‫وملئكته ورسله وجبريل وميكال ^ فإن الزبر من البينات والكتاب المنير من ^‬


‫الزبر وهو كقوله ^ ومن الناس من يجادل في ال بغير علم ول هدى ول كتاب منير‬
‫^ فإن الهدى من العلم والكتاب المنير من الهدى وبين أنه أخذ الذين كفروا بهم وهذا‬
‫أنزله ليبين عاقبة المكذبين ولهذا بنى الفعل للفاعل فقال ^ فقد كذب الذين من قبلهم ^‬
‫وهذه السورة مكية ثم أنزل في آل عمران وهي مدنية في سياق اليات التي فيها‬
‫تسلية الرسول والمؤمنين به وتثبيتهم وتعزيتهم لما أصابهم من المكذبين يوم احد‬
‫وغيره فقال ^ الذين استجابوا ل والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا‬
‫منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫إيمانا وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل فانقلبوا‬

‫بنعمة من ال وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان ال وال ذو فضل عظيم إنما‬
‫ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ^ أي يخوفكم‬
‫أولياءه كما قاله جمهور العلماء ثم قال ^ ول يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم‬
‫لن يضروا ال شيئا ^ وسياق الكلم في بيان أن الكفار ل يضرون ال ول عباده‬
‫المؤمنين بل ضررهم على أنفسهم وأن ما حصل لهم من نعمة إنما هو استدراج‬
‫وإملء إلى أن قال ^ لقد سمع ال قول الذين قالوا إن ال فقير ونحن أغنياء سنكتب‬
‫ما قالوا وقتلهم النبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم‬
‫وأن ال ليس بظلم للعبيد الذين قالوا إن ال عهد إلينا ل نؤمن لرسول حتى يأتينا‬
‫بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن‬
‫كنت صادقين ^ بين سبحانه أن هذا القول منهم مع أنه كذب فلم يقولوه إل دفعا للحق‬
‫ل ليؤمنوا بمن جاءهم بذلك إذ قد جاءهم رسل من‬

‫قبله باليات البينات والقربان الذي تأكله النار ومع هذا قتلوهم والكلم في مثل هذا‬
‫الجنس الذي يوالي بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا كاليهود الذين هم على دين‬

‫‪719‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪720‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سلفهم الذين فعلوا ذلك ولهذا يذمهم بصيغة الخطاب كقوله ^ وإذ فرقنا بكم البحر‬
‫فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ^ إلى قوله ^ وإذ قلتم يا موسى لن‬
‫نؤمن لك حتى نرى ال جهرة ^ فالخطاب لجنس بني إسرائيل وإن كان الذين عاينوا‬
‫ذلك ماتوا ثم قال ^ فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات والزبر‬
‫والكتاب المنير ^ فحذف هنا الفاعل وبنى الفعل للمفعول إذ المقصود هنا تسلية‬
‫الرسول وتعزيته ل ذكر عقوبة المذكبين فلهذا كانت هذه أخص من تلك‬

‫فصل ومن آيات النبياء إهلك ال لمكذبيهم ونصره للمؤمنين بهم فهذا من أعلم &‬
‫نبوتهم ودلئل صدقهم كإغراق ال قوم نوح لما كذبوه وكإهلكه قوم عاد بالريح‬
‫الصرصر وإهلك قوم صالح بالصيحة وإهلك قوم شعيب بالظلة وإهلك قوم لوط‬
‫بإقلب مداينهم ورجمهم بالحجارة وكإهلك قوم فرعون بالغرق وقد ذكر ال‬
‫القصص في القرآن في غير موضع وبين أنها من آيات النبياء الدالة على صدقهم‬
‫كما يذكره في سورة الشعراء لما ذكر قصة موسى قال ^ إن في ذلك لية وما كان‬
‫^ أكثرهم مؤمنين‬

‫ثم ذكر قصة إبراهيم وقال في آخرها ^ إن في ذلك لية وما كان أكثرهم مؤمنين ^‬
‫وكذلك ذكر مثل ذلك في قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ومن ذلك ما جعله‬
‫من اللعنة الشائعة لمن كذبهم ومن لسان الصدق والثناء والدعاء لهم ولمن آمن بهم‬
‫كما قال تعالى في قصة نوح ^ وتركنا عليه في الخرين سلم على نوح في‬
‫العالمين ^ وكذلك في قصة إبراهيم ^ وتركنا عليه في الخرين سلم على إبراهيم‬
‫^ أي تركنا هذا القول الذي يقوله المتأخرون وكذلك في قصة موسى وهارون ^‬
‫^ وتركنا عليه في الخرين سلم على موسى وهارون ^ و ^ سلم على إل ياسين‬

‫وكذلك في قصة إبراهيم قال تعالى ^ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا له‬
‫إسحاق ويعقوب وكل جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا‬
‫^ وقال في قصة فرعون ^ واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا انهم‬
‫إلينا ل يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين‬
‫وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة ل ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا‬
‫لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين ^ ولهذا قال تعالى ^ لقد كان في قصصهم عبرة‬
‫^ لولي اللباب ^ وقال لمحمد صلى ال عليه وسلم ^ فاصبر إن العاقبة للمتقين‬

‫فأخبر أن العاقبة للمتقين ثم إنه ما وقع لهؤلء وهؤلء يعلم بالسمع والنقل تارة ويعلم‬
‫بالعقل والعتبار بآثارهم تارة كما قال عن أهل النار ^ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا‬
‫في أصحاب السعير ^ كما ذكر ال الطريقين في قوله ^ ولينصرن ال من ينصره‬
‫إن ال لقوي عزيز الذين إن مكنهم في الرض أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور ^ ثم قال ^ وإن يكذبوك فقد كذبت‬
‫قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط واصحاب مدين وكذب موسى‬

‫‪720‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪721‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة‬
‫فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ^ ثم قال ^ أفلم يسيروا في‬
‫الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها ل تعمى البصار‬
‫ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ^ وقال تعالى‬

‫وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلد هل من محيص إن ^‬
‫في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ^ وقال تعالى ^ أو لم‬
‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة‬
‫وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان ال‬
‫ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا‬
‫بآيات ال وكانوا بها يستهزءون ^ وقال تعالى ^ أو لم يسيروا في الرض فينظروا‬
‫كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الرض‬
‫فأخذهم ال بذنوبهم وما كان لهم من ال من واق ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم‬
‫^ بالبينات فكفروا فأخذهم ال إنه قوي شديد العقاب‬

‫وقال تعالى ^ أفلم يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا‬
‫أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم‬
‫رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون فلما‬
‫رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما‬
‫رأوا بأسنا سنت ال التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ^ وقال لما قص‬
‫قصص نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى في سورة هود ^ ذلك‬
‫من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما‬
‫أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون ال من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم‬
‫غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ^ ولما‬
‫ذكر قصة لوط في سورة الصافات قال ^ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفل‬
‫^ تعقلون‬

‫وفي سورة الحجر ^ إن في ذلك ليات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لية‬
‫للمؤمنين وإن كان أصحاب اليكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ^‬
‫والمام المبين هو الطريق المستبين الواضح بين سبحانه أن هذه وهذه كلهما بسبيل‬
‫للناس يرونها بأبصارهم فيعلمون بذلك ما فعل ال بمن كذب رسله وعصاهم ودللة‬
‫نصر ال المؤمنين وانتقامه من الكافرين على صدق النبياء من جنس دللة اليات‬
‫والمعجزات على صدقهم فكون هذا فعل لجل هذا وكون ذاك سبب هذا هو مما يعلم‬
‫بالضرار عند تصور المر على ما هو عليه كانقلب العصا حية عقب سؤال‬
‫فرعون الية وانشقاق القمر عند سؤال مشركي مكة آية وأمثال ذلك والسؤال‬
‫المشهور الذي يورد في هذا الموضع على قول من‬

‫‪721‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪722‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ينفي التعليل في أفعال ال ويجوز على ال كل فعل حيث قيل لهم على أصلكم ل‬
‫يفعل ال شيئا لجل شيء وحينئذ فلم يأت باليات الخارقة للعادة لجل تصديق‬
‫الرسول ول عاقب هؤلء لتكذيبهم له ول أنجى هؤلء ونصرهم ليمانهم به إذا كان‬
‫ل يفعل شيئا لشيء عندكم وقالوا لهم أيضا إذا جوزتم على الرب كل فعل جاز أن‬
‫يظهر الخوارق على يد الكاذب ويقال لهم أيضا أنتم ل تعلمون ما يفعل الرب إل‬
‫بعادة أو خبر النبياء فقبل العلم بصدق النبي ل يعلم شيء بخبره والعادة إنما تكون‬
‫فيما تكرر كطلوع الشمس ونزول المطر ونحو ذلك والتيان بالخارق للتصديق ليس‬
‫معتادا فيقال هذا السؤال إن كان متوجها فإنما يقدح في قول هؤلء الذين يقولون‬
‫ليفعل شيئا لجل شيء ويجوزون عليه فعل كل شيء ممكن ل ينزهونه عن فعل‬
‫سيء الفعال وليس عندهم قبيحا وظلما إل ما كان ممتنعا مثل جعل الشيء موجودا‬
‫معدوما وجعل‬

‫الجسم في مكانين ولهذا ذكر ذلك مخالفوهم حجة في إبطال مذهبهم وقالوا قولهم‬
‫يقدح في العلوم الضرورية ويسد باب العلم بصدق الرسل قالوا إذا جوزتم أن يفعل‬
‫كل شيء فجوزوا أن يكون الجبال انقلبت ياقوتا والبخار لبنا ونحو ذلك مما يعلم‬
‫بالضرورة بطلنه وجوزا أن يخلق المعجزات على يدي الكذابين وليس المقصود‬
‫هنا الجواب عن هؤلء ول بيان فسد قولهم ولكن المقصود أن هذا السؤال إن كان‬
‫متوجها فإنما يقدح في قوله هؤلء ل يقدح فيما علم بالضطرار من دللت اليات‬
‫المذكورة على حال ههؤلء وهؤلء وأن ال سبحانه وتعالى نجى موسى ونصره‬
‫لصدقه ونبوته وإيمانه وأهلك فرعون لتكذيبه وكذلك نصر محمدا ومن اتبعه على‬
‫من كذبه من قومه ونصر نوحا على من كفر به ونصر المسيح على من كذبه‬
‫ونصر سائر الرسل وأتباعهم المؤمنين كما قال تعالى ^ إنا لننصر رسلنا والذين‬
‫^ آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد‬

‫وقال ^ سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون‬
‫^ كما ل يقدح ما علم بالضطرار من أن ال ينزل المطر في إبانه لسقي المزارع‬
‫وأنه يسوق النيل لسقي أرض مصر وأنه جعل أعضاء النسان لما فيها من المنافع‬
‫كالبطش باليدين والمشي بالرجلين والنظر بالعينين والسمع بالذنين والنطق باللسان‬
‫وجعل ماء العين ملحا لكونها شحمة والملوحة تمنعها أن تذوب وماء الذن مرا‬
‫ليمنع الذباب من الولوج في الدماغ وماء الفم عذبا ليطيب الطعام والشراب وجعل‬
‫ماء البحر مالحا لبقاء النام فإنه لو كان عذبا فيموت فيه من الحيوان العظيم فيفسد‬
‫الريح فيموت الدميون والبهائم بهذه الريح إلى ما ل يحصى من حكمة ال المشهودة‬
‫في خلقه ونفاة التعليل يقولون نحن نعلم أن هذا مقارن لهذا بحكم العادة التي أجراها‬
‫ال وإن لم يخلق شيئا لشيء وكذلك من نفي‬

‫السباب مع نفي التعليل أيضا يقولون نحن نعلم أنه يخلق هذا عند هذا ل به فاقتران‬
‫المعجز بالتصديق من هذا الباب عندهم لكن يبقى عليهم أن هذا ل يعلم إل بالعادة‬

‫‪722‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪723‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ول عادة فل جرم رجعوا إلى فطرته من أن هذا أمر معلوم بالضطرار وإن كان‬
‫مناقضا لصلهم الفاسد وضربوا لذلك مثل بالملك الذي أظهر ما يناقض عادته‬
‫لتصديق رسوله لكن يقال لهم الملك يفعل فعل لمقصود فأمكن أن يقال أنه قام‬
‫ليصدق رسوله وأنتم عندكم أن ال ل يفعل شيئا لشيء فلم يبق المثل مطابقا ولهذا‬
‫صاروا مضطربين في هذا الموضع تارة يقولون المعجزات دليل على الصدق لئل‬
‫يفضي إلى تعجيز الرب فإنه ل دليل على الصدق إل خلق العجز فلو لم يكن دليل‬
‫لزم أن يكون الرب غير قادر على تصديق الرسول الصادق وهذه طريقة الشعري‬
‫في أكثر كتبه وأحد قوليه وسلكها القاضي أبو بكر وأبو إسحاق‬

‫السفرائيني وأبو بكر بن فورك وأبو محمد ن اللبان وأبو علي بن شاذان والقاضي‬
‫أبو يعلى وغيرهم والثاني قالوا نحن نعلم بالضطرار أنه فعل هذا لجل التصديق‬
‫كالمثل المضروب وهذا هو القول الخر وهي طريقة أبي الحسن الشعري في‬
‫أماليه وهي طريقة أبي المعالي وأتباعه‬

‫كالرازي وغيره وتنازعوا هل يمكن خلق ذلك على يد كذاب فقيل ل يمكن لنه لو‬
‫أمكن لجاز وقوعه وقيل بل هو مقدور لكن نعلم أنه ل يفعله كما نعلم أنه ل يفعل‬
‫كثيرا من الخوارق المقدورات كقلب الجبل ياقوتا والبحر زيتا قالوا فنحن نعلم‬
‫بالضرورة أنه ل يفعلها فل يلزم من كونها مقدورة ممكنة أن ل يعلم انتفاء وقوعها‬
‫بل قد يعلم عدم وقوعها بالضطرار وإن كنا نقول إنها ممكنة مقدورة وظهور‬
‫المعجزات على يد الكذاب في دعوى النبوة من هذا الباب عندنا وقالوا المعجز علم‬
‫على صدق النبياء فيمتنع أن يكون الدليل غير مستلزم للمدلول عليه وهذا القول‬
‫حق لكن منازعوهم يقولون هو يستلزم نقيض ما نفوه من كون ال يخلق شيئا لشيء‬
‫ويخلق شيئا بشيء وما قالوا من كونه يجوز عليه فعل كل شيء وكان ما ذكروه من‬
‫الحق دليل على أن الخلق يعلمون ما يعلمونه من حكمة الرب ومراده بما يخلقه‬
‫لمر آخر وأنه سبحانه منزه عن أن يفعل أشياء ل يجوز منه فعل كل شيء وهم‬
‫يقولون هنا قد يكون الشيء ممكنا جائزا مع العلم بأنه غير واقع كانقلب الجبال‬
‫ياقوتا‬

‫والبحر زئبقا وموت أهل البلد كلهم في لحظة ومصير الطفال علماء حكماء في‬
‫لحظة واحدة وعلى هذا الجواب يعتمدون كثيرا كما يذكره القاضي أبو بكر والقاضي‬
‫أبو يعلى وأبو المعالي والرازي وغيرهم ثم إنهم يقولون في العقل أنه علوم‬
‫ضرورية كالعلم بوجوب الواجبات وامتناع الممتنعات وجواز الجائزات فالممتنعات‬
‫كانقلب دجلة دما وأمثال ذلك في المور العادية فيجعلون العادات واجبة تارة‬
‫وممتنعة أخرى مع أنه ل سبب يوجب ل هذا ول هذا ويقولون نعلم أن هذا جائز‬
‫ممكن ليتوقف على سبب ول له مانع كالخر ثم نعلم أن هذا واقع وهذا غير واقع‬
‫لمجرد العادة مع أن خرق العادة ليس له عندهم ضابط بل كل ما يجري من العادات‬
‫معجزات للنبياء فيجوز أن يكون عندهم للولي وللساحر والفرق بينهما عندهم‬

‫‪723‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪724‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫التحدي أو عدم المعارضة وكذلك المتفلسفة الملحدة الذين يقولون أسباب اليات‬
‫القوى الفلكية والقوى النفسانية والطبيعية وهذه كلها مشتركة عندهم بين النبياء‬
‫والسحرة لكن النبي يقصد الخير والعدل والساحر يقصد الشر والظلم‬

‫وكذلك أولئك الذين وافقوا جهما على أصله في القدر ل فرق عندهم بين كرامات‬
‫الولياء وخوارق السحرة لكن الولي مطيع ل والساحر غير مطيع ل هذا عمدة‬
‫هؤلء النفاة للحكمة والسباب في أفعال ال تعالى وجمهور الناس يخالفونهم‬
‫ويقولون هذا القول فاسد بل نفس تصوره كاف في العلم بفساده فإنه إذا تماثل هذا‬
‫وهذا من كل وجه فمن أين يعلم وجود هذا أو وجوبه وعدم هذا أو امتناعه وإذا قيل‬
‫مستندي العادة قيل له منازعوك يقولون هذا باطل من وجهين‬
‫أحدهما أنك أنت تجوز انتقاض العادة وليس لنتقاضها عندك سبب تختص به ول‬
‫حكمة انتقضت لجلها بل ل فرق عندك بين انتقاضها للنبياء والولياء والسحرة‬
‫وغير ذلك ولهذا قلتم ليس بين معجزات النبياء وبين كرامات الولياء والسحرة‬
‫فرق إل مجرد اقتران دعوى النبوة والتحدي بالمعارضة مع عدم المعارضة مع أن‬
‫التحدي بالمعارضة قد يقع من المشرك بل ومن الساحر فلم يثبتوا فرقا يعود إلى‬
‫جنس الخوارق المفعولة ول إلى قصد الفاعل والخالق ول قدرته ول حكمته‬
‫والثاني أن العادة ل بد لها من أسباب وموانع يعلم بها اطرادها تارة وانتفاضها‬
‫أخرى وبهذا يظهر الجواب عما قالوه من أن انقلب الجبل ذهبا والبحر زئبقا‬
‫والناسي قرودا ونحو ذلك ممكن معلوم‬

‫الجواز مع العلم بأنه لم يقع فإنهم يقال لهم جمهور الناس ل يعلمون لكم أن هذا‬
‫ممكن إل مع لوازمه وانتفاء أضداده وحينئذ يقال لم قلتم إن هذا ل يستلزم أسبابا‬
‫تكون قبله وموانع ترتفع كسائر ما يحدثه ال من المور الخارقة للعادة فإنه ل يحدث‬
‫شيئا إل بإحداث أسباب ودفع موانع مثال ذلك غرق قوم نوح لم يكن ماء وجد بل‬
‫سبب بل أنزل ال ماء السماء وأنبع ماء الرض كما قال تعالى ^ كذبت قبلهم قوم‬
‫نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا‬
‫أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر‬
‫وحملناه على ذات ألواح ودسر ^ وكذلك عاد لما أهلكهم أرسل الريح الصرصر‬
‫سبع ليال وثمانية أيام حسوما كما قال تعالى‬

‫فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ^ ^‬
‫وكذلك ثمود قال لهم صالح ^ ويا قوم هذه ناقة ال لكم آية فذروها تأكل في أرض‬
‫ال ول تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلثة‬
‫أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا‬
‫ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في‬
‫ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها أل إن ثمودا كفروا ربهم أل بعدا لثمود ^ وكل ما‬
‫وجد في العالم من خوارق العادات آيات النبياء وغيرها لم يأت منها شيء إل‬

‫‪724‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪725‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫بأسباب تقدمته كآيات موسى من مثل مصير العصى حية كانت بعد أن ألقاها إما عند‬
‫أمر ال بذلك لما ناداه من الشجرة ورأى النار الخارقة للعادة وإما عند مطالبة‬
‫فرعون له‬

‫بالية وإما عند معارضة السحرة لتبتلع حبالهم وعصيهم وكذلك سائر آياته حتى‬
‫إغراق فرعون كان بعد مسير الجيش وضربه البحر بالعصا وكذلك تفجر الماء من‬
‫الحجر كان بعد أن ضرب الحجر بعصاه واستسقاء قومه إياه وهم في برية ل ماء‬
‫عندهم وكذلك آيات نبينا صلى ال عليه وسلم مثل تكثير الماء كان بوضع يده فيه‬
‫حتى نبع الماء من بين الصابع أي تفجر الماء من بين الصابع لم يخرج من نفس‬
‫الصابع وكذلك البئر كان ماؤها يكثر إما بإلقائه سهما من كنانته فيها وإما بصبه‬
‫الماء الذي بصق فيه فيها وكذلك المسيح كان يأخذ من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه‬
‫فيكون طيرا بإذن ال إلى أمثال ذلك فأما جبل ينقلب ياقوتا بل أسباب تقدمت ذلك‬
‫فهذا ل كان ول يكون وكذلك نهر يطرد يصبح لبنا بل أسباب تقتضي ذلك يخلقها‬
‫ال فهذا ل كان ول يكون ومن قال إن الشيء ممكن فهذا يعنى به شيئان يعني به‬
‫المكان الذهني والمكان الخارجي فالمكان الذهني هو عدم العلم بالمتناع وهذا‬
‫ليس فيه إل عدم العلم بالمتناع وعدم العلم بالمتناع غير العلم بالمكان فكل من لم‬
‫يعلم امتناع شيء كان عنده ممكنا بهذا العتبار لكن هذا ليس بعلم بإمكانه ومن‬
‫استدل على إمكان الشيء بأنه لو قدر لم يلزم منه محال من غير بيان انتفاء لزوم‬
‫كل محال كما يفعله طائفة من أهل الكلم كالمدي ونحوه لم يكن فيما ذكره إل‬
‫مجرد الدعوى‬

‫وأما الثاني وهو العلم بإمكان الشيء في الخارج فهذا يعلم بأن يعلم وجوده أو وجود‬
‫نظيره أو وجود ما هو أقرب إلى المتناع منه فإذا كان حمل البعير للقنطار ممكنا‬
‫كان حمله لتسعين رطل اولى بالمكان وبهذه الطريقة يبين ال في القرآن إمكان ما‬
‫يريد بيان إمكانه كإحياء الموتى والمعاد فإنه يبين ذلك تارة ببيان وقوعه كما أخبر‬
‫أن قوم موسى قالوا ^ لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة ^ فأخذتهم الصاعقة وهم‬
‫ينظرون ثم بعثهم ال من بعد موتهم لعلهم يشكرون وكما أخبر عن المقتول الذي‬
‫ضربوه بالبقرة فأحياه ال كما قال‬

‫وإذ قتلتم نفسا فادارءتم فيها وال مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها ^‬
‫كذلك يحي ال الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ^ وكما أخبر عن الذين خرجوا من‬
‫ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم ال موتوا ثم أحياهم وكما أخبر عن الذي ^‬
‫مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه ال بعد موتها فأماته ال‬
‫مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام‬
‫فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر‬
‫إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء‬
‫قدير ^ وأخبر سبحانه بنظير ذلك في قصة إبراهيم حيث قال ^ رب أرني كيف‬

‫‪725‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪726‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير‬
‫فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان‬
‫ال عزيز حكيم ^ واستدل سبحانه بما هو أعظم من ذلك وهو النشأة الولى وخلق‬
‫السموات والرض كقوله‬

‫أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر على ان يخلق مثلهم ^ وقال ^ إن ^‬
‫كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من‬
‫مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم‬
‫نخرجكم طفل ثم لتبلغوا أشدكم ^ إلى قوله ^ وترى الرض هامدة فإذا أنزلنا عليها‬
‫الماء اهتزت وربت وأنبت من كل زوج بهيج ^ فاستدل سبحانه على إمكان الحياء‬
‫بابتداء خلق الحيوان وبخلق النبات وذكر ذلك في القرآن في غير موضع وبسط هذا‬
‫له موضع آخر والمقصود أن قول القائل هذا ممكن ل يحتاج إلى دليل ل يكفي في‬
‫العلم بإمكانه عدم العلم بامتناعه وال سبحانه على كل شيء قدير والممتنع ليس‬
‫بشيء باتفاق العقلء وكل ما خلقه ال فل بد أن يخلق لوازمه ويمتنع أضداده وإل‬
‫فيمتنع وجود الملزوم‬

‫دون اللزم ويمتنع اجتماع الضدين وليس للعباد اطلع على لوازم كل مخلوق ول‬
‫أضداده المنافية لوجوده فالجزم بإمكان وجوده بدون العلم بلوازمه وإمكانها‬
‫وأضدادها وانتفائها جهل وال سبحانه قادر على تغيير ما شاءه من العالم وهو يشق‬
‫السموات ويسير الجبال ويبسها بسا فيجعلها هباء منبثا إلى أمثال ذلك مما أخبر ال‬
‫به كما يخلق سائر ما يخلقه بما ييسره من السباب وهذا مبسوط في موضع آخر‬
‫والمقصود هنا أن آيات النبياء ودلئل صدقهم متنوعة قبل المبعث وحين المبعث‬
‫في حياتهم وبعد موتهم فقبل المبعث مثل إخبار من تقدم من النبياء به ومثل‬
‫الرهاصات الدالة عليه وأما حين المبعث فظاهر وأما في حياته فمثل نصره‬
‫وإنجائه وإهلك أعدائه وأما بعد موته فمثل نصر أتباعه وإهلك أعدائه كما قال‬
‫تعالى‬

‫إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ^ وقال تعالى ^ ^‬
‫ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ^‬
‫وقال للمسيح ^ إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين‬
‫اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ^ وقال ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار‬
‫ال كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى ال قال الحواريون نحن‬
‫أنصار ال فآمنت طائفة من بني اسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على‬
‫عدوهم فأصبحوا ظاهرين ^ ومحمد صلى ال عليه وسلم جعلت له اليات البينات‬
‫قبل مبعثه وحين مبعثه وفي حياته وبعد موته إلى الساعة وإلى قيام‬

‫الساعة فإن ذكره وذكر كتابه والبشارة بذلك موجود في الكتب المتقدمة كما قد بسط‬

‫‪726‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪727‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫في موضعه والخليل دعا به فقال في دعائه لذريته ^ ربنا وابعث فيهم رسول يتلوا‬
‫عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ^ ولما ولد اقترن بمولده من اليات‬
‫ما هو معروف وجرى ذلك‬

‫العام قصة أصحاب الفيل المشهورة وكان يحصل له في مدة نشأته من اليات‬
‫والدلئل أمور كثيرة قد ذكر طرف منها في كتب دلئل النبوة والسيرة وغيرها مثل‬
‫اليات التي حصلت لمرضعته لما صار عندها ومثل ما شوهد من أحواله في صغره‬
‫وأما انتصار ال له ولتباعه وإعلء ذكره ونشر لسان الصدق له وإهلك أعدائه‬
‫وإذلل من يحاده ويشاقه وإظهار دينه على كل دين باليد واللسان والدليل والبرهان‬
‫فهذا مما يطول وصف تفصيله قال تعالى ^ قد كان لكم ءآية في فئتين التقتا فئة تقاتل‬
‫في سبيل ال وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين وال يؤيد بنصره من يشاء إن‬
‫في ذلك لعبرة لولي البصار ^ وقال تعالى ^ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل‬
‫الكتاب من ديارهم لول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم‬
‫من ال فأتاهم ال من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم‬
‫^ بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي البصار‬

‫والنبياء صلوات ال عليهم وأتباعهم المؤمنون وإن كانوا يبتلون في أول المر‬
‫فالعاقبة لهم كما قال تعالى لما قص قصة نوح ^ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما‬
‫كنت تعلمها أنت ول قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين ^ وفي الحديث‬
‫المتفق على صحته لما أرسل النبي صلى ال عليه وسلم رسول إلى ملك الروم‬
‫فطلب من يخبره بسيرته وكان المسؤولون حينئذ أعداءه لم يكونوا آمنوا به فقال‬
‫كيف الحرب بينكم وبينه قالوا الحرب بيننا وبينه سجال يدال علينا المرة وندال عليه‬
‫الخرى فقال كذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة فإنه كان يوم بدر نصر ال‬
‫المؤمنين ثم يوم أحد ابتلى المؤمنين ثم لم ينصر الكفار بعدها حتى أظهر ال السلم‬

‫فإن قيل ففي النبياء من قد قتل كما أخبر ال أن بني إسرائيل يقتلون النبيين بغير‬
‫حق وفي أهل الفجور من يؤتيه ال ملكا وسلطانا ويسلطه على مذنبين كما سلط‬
‫بخت نصر على بني إسرائيل وكما يسلط كفار المشركين وأهل الكتاب أحيانا على‬
‫المسلمين قيل أما من قتل من النبياء فهم كمن يقتل من المؤمنين في الجهاد شهيدا‬
‫قال تعالى ^ وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل‬
‫ال وما ضعفوا وما استكانوا وال يحب الصابرين وما كان قولهم إل أن قالوا ربنا‬
‫اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فئاتاهم‬
‫ال ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة وال يحب المحسنين ^ ومعلوم أن من قتل من‬
‫المؤمنين شهيدا في القتال كان حاله أكمل من حال من يموت حتف أنفه قال تعالى ^‬
‫^ ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون‬

‫ولهذا قال تعالى ^ قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ^ أي إما النصر والظفر‬

‫‪727‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪728‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وإما الشهادة والجنة ثم الدين الذي قاتل عليه الشهداء ينتصر ويظهر فيكون لطائفته‬
‫السعادة في الدنيا والخرة من قتل منهم كان شهيدا ومن عاش منهم كان منصورا‬
‫سعيدا وهذا غاية ما يكون من النصر إذ كان الموت ل بد منه فالموت على الوجه‬
‫الذي يحصل به سعادة الدنيا والخرة أكمل بخلف من يهلك هو وطائفته فل يفوز ل‬
‫هو ول هم بمطلوبهم ل في الدنيا ول في الخرة والشهداء من المؤمنين قاتلوا‬
‫باختيارهم وفعلوا السباب التي بها قتلوا كالمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم‬
‫اختاروا هذا الموت إما أنهم قصدوا الشهادة وإما أنهم قصدوا ما به يصيرون شهداء‬
‫عالمين بأن لهم السعادة في الخرة وفي الدنيا بانتصار طائفتهم وببقاء لسان الصدق‬
‫لهم ثناء ودعاء بخلف من هلك من الكفار فإنهم هلكوا بغير اختيارهم هلكا ل‬
‫يرجون معه سعادة الخرة ولم يحصل لهم ول لطائفتهم شيء من سعادة الدنيا بل‬
‫اتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين وقيل فيهم‬

‫كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك ^‬
‫وأورثناها قوما ءاخرين فما بكت عليهم السماء والرض وما كانوا منظرين ^ وقد‬
‫أخبر سبحانه أن كثيرا من النبياء قتل معه ربيون كثير أي ألوف كثيرة وانهم ما‬
‫ضعفوا ول استكانوا لذلك بل استغفروا من ذنوبهم التي كانت سبب ظهور العدو‬
‫وأن ال آتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الخرة فإذا كان هذا قتلى المؤمنين فما الظن‬
‫بقتلى النبياء ففيه لهم ولتباعهم من سعادة الدنيا والخرة ما هو من أعظم الفلح‬
‫وظهور الكفار على المؤمنين أحيانا هو بسبب ذنوب المسلمين كيوم أحد فإن تابوا‬
‫انتصروا على الكفار وكانت العاقبة لهم كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة‬
‫ملحمهم مع الكفار وهذا من آيات النبوة وأعلمها ودلئلها فإن النبي إذا قاموا‬
‫بعهوده ووصاياه نصرهم‬

‫ال وأظهرهم على المخالفين له فإذا ضيعوا عهوده ظهر أولئك عليهم فمدار النصر‬
‫والظهور مع متابعة النبي وجودا وعدما من غير سبب يزاحم ذلك ودوران الحكم‬
‫مع الوصف وجودا وعدما من غير مزاحمة وصف آخر موجب للعلم بأن المدار‬
‫علة للدائر‬
‫وقولنا من غير مزاحمة وصف آخر يزيل النقوض الواردة فهذا الستقراء والتتبع‬
‫يبين أن نصر ال وإظهاره هو بسبب اتباع النبي وانه سبحانه يريد إعلء كلمته‬
‫ونصره ونصر أتباعه على من خالفه وأن يجعل لهم السعادة ولمن خالفهم الشقاء‬
‫وهذا يوجب العلم بنبوته وأن من اتبعه كان سعيدا ومن خالفه كان شقيا ومن هذا‬
‫ظهور بخت نصر على بني إسرائيل فإنه من دلئل نبوة موسى إذ كان ظهور بخت‬
‫نصر إنما كان لما غيروا عهود موسى وتركوا اتباعه فعوقبوا بذلك وكانوا إذ كانوا‬
‫متبعين لعهود موسى منصورين مؤيدين كما كانوا في زمن داود وسليمان وغيرهما‬
‫قال تعالى ^ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الرض مرتين ولتلعن‬
‫علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل‬
‫الديار وكان وعدا مفعول ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين‬

‫‪728‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪729‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الخرة‬
‫ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما‬

‫دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ^‬
‫فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة وظهور عدوهم تارة من دلئل نبوة‬
‫موسى صلى ال عليه وسلم وكذلك ظهور أمة محمد صلى ال عليه وسلم على‬
‫عدوهم تارة وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلئل رسالته محمد وأعلم نبوته‬
‫وكان نصر ال لموسى وقومه على عدوهم في حياته وبعد موته كما جرى لهم مع‬
‫يوشع وغيره من دلئل نبوة موسى وكذلك انتصار المؤمنين مع محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم في حياته وبعد مماته مع خلفائه من أعلم نبوته ودلئلها وهذا بخلف‬
‫الكفار الذين ينتصرون على أهل الكتاب أحيانا فإن أولئك ل يقول مطاعهم إني نبي‬
‫ول يقاتلون أتباع النبياء على دين ول يطلبون من أولئك أن يتبعوهم على دينهم بل‬
‫قد يصرحون بأنا إنما نصرنا عليكم بذنوبكم وأن لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم‬
‫وأيضا فل عاقبة لهم بل ال يهلك الظالم بالظالم ثم يهلك الظالمين جميعا ول قتيلهم‬
‫يطلب بقتله سعادة بعد الموت ول يختارون القتل ليسعدوا بعد الموت فهذا وأمثاله‬
‫مما يظهر به الفرق بين انتصار النبياء وأتباعهم ويبن ظهور بعض الكفار على‬
‫المؤمنين أو ظهور بعضهم على بعض‬

‫وبين أن ظهور محمد وأمته على أهل الكتاب اليهود والنصارى هو من جنس‬
‫ظهورهم على المشركين عباد الوثان وذلك من أعلم نبوته ودلئل رسالته ليس هو‬
‫كظهور بخت نصر على بني إسرائيل وظهور الكفار على المسلمين وهذه الية مما‬
‫أخبر بها موسى وبين أن الكذاب المدعي للنبوة ل يتم أمره وإنما يتم أمر الصادق‬
‫فإن من أهل الكتاب من يقول محمد وأمته سلطوا علينا بذنوبنا مع صحة ديننا الذي‬
‫نحن عليه كما سلط بخت نصر وغيره من الملوك وهذا قياس فاسد فإن بخت نصر‬
‫لم يدع نبوة ول قاتل على دين ول طلب من بني إسرائيل أن ينتقلوا عن شريعة‬
‫موسى إلى شريعته فلم يكن في ظهوره إتماما لما ادعاه من النبوة ودعا إليه من‬
‫الدين بل كان بمنزلة المحاربين قطاع الطريق إذا ظهروا على القوافل بخلف من‬
‫ادعى نبوة ودينا دعا إليه ووعد أهله بسعادة الدنيا والخرة وتوعد مخالفيه بشقاوة‬
‫الدنيا والخرة ثم نصره ال وأظهره وأتم دينه وأعل كلمته وجعل له العاقبة وأذل‬
‫مخالفيه فإن هذا من جنس خرق العادات المقترن بدعوى النبوة فإنه دليل عليها‬
‫وذلك من جنس خرق العادات التي لم تقترن بدعوى النبوة فإنه ليس دليل عليها وقد‬
‫يغرق في البحر أمم كثيرة فل يكون ذلك دليل على نبوة نبي بخلف غرق فرعون‬
‫وقومه فإنه كان آية بينة لموسى وهذا موافق لما أخبر به موسى عليه الصلة‬
‫والسلم من أن الكذاب ل يتم أمره وذلك أن ال حكيم ل يليق به تأييد الكذاب على‬

‫كذبه من غير أن يتبين كذبه ولهذا أعظم الفتن فتنة الدجال الكذاب لما اقترن بدعواه‬
‫اللهية بعض الخوارق كان معها ما يدل عل كذبه من وجوه منها دعواه اللهية وهو‬

‫‪729‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪730‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أعور وال ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير‬
‫قارىء وال تعالى ل يراه أحد حتى يموت وقد ذكر النبي صلى ال عليه وسلم هذه‬
‫العلمات الثلث في الحاديث الصحيحة فأما تأييد الكذاب ونصره وإظهار دعوته‬
‫دائما فهذا لم يقع قط فمن يستدل على ما يفعله الرب سبحانه بالعادة والسنة فهذا هو‬
‫الواقع ومن يستدل على ذلك بالحكمة فحكمته تناقض أن يفعل ذلك إذ الحكيم ل يفعل‬
‫هذا وقد قال تعالى ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الدبار ثم ل يجدون وليا ول‬
‫نصيرا سنة ال التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ فأخبر أن سنة ال‬
‫التي ل تبديل لها نصر المؤمنين على الكافرين واليمان المستلزم لذلك يتضمن‬
‫طاعة ال ورسوله فإذا نقض‬

‫اليمان بالمعاصي كان المر بحسبه كما جرى يوم أحد وقال تعالى ^ وأقسموا بال‬
‫جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى المم فلما جاءهم نذير ما‬
‫زادههم إل نفورا استكبارا في الرض ومكر السيئ ول يحيق المكر السيئ إل بأهله‬
‫فهل ينظرون إل سنت الولين فلن تجد لسنت ال تبديل ولن تجد لسنت ال تحويل ^‬
‫فأخبر أن الكفار ل ينظرون إل سنة الولين ول يوجد لسنة ال تبديل تستبدل بغيرها‬
‫ول تتحول فكيف النصر للكفار على المؤمنين الذين يستحقون هذا السم وكذلك قال‬
‫في المنافقين وهم الكفار في الباطن دون الظاهر ومن فيه شعبة نفاق ^ لئن لم ينته‬
‫المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة‬

‫لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل‬
‫سنة ال في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ والسنة هي العادة فهذه‬
‫عادة ال المعلومة فإذا نصر من ادعى النبوة واتباعه على من خالفه وإما ظاهرا‬
‫وباطنا وإما باطنا نصرا مستقرا كان ذلك دليل على انه نبي صادق إذ كانت سنة ال‬
‫وعادته نصر المؤمنين بالنبياء الصادقين على الكافرين والمنافقين كما أن سنته‬
‫تأييدهم باليات البينات وهذه منها ومن ادعى النبوة وهو كاذب فهو من أكفر الكفار‬
‫وأظلم الظالمين قال تعالى ^ ومن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو قال أوحي إلي‬
‫ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل ال ^ وقال تعالى ^ فمن أظلم ممن‬
‫^ كذب على ال وكذب بالصدق إذ جاءه‬

‫وقال تعالى ^ فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا ليضل الناس بغير علم إن ال ل‬
‫يهدي القوم الظالمين ^ ومن كان كذلك كان ال يمقته ويبغضه ويعاقبه ول يدوم‬
‫أمره بل هو كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة‬
‫قال إن ال يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ^ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى‬
‫وهي ظلمة إن أخذه أليم شديد ^ وقال أيضا في الحديث الصحيح عن أبي موسى أنه‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها‬
‫الرياح تقومها تارة وتمليها أخرى ومثل‬

‫‪730‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪731‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫المنافق مثل شجرة الرز ل تزال ثابتة على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة‬
‫فالكاذب الفاجر وإن أعطي دولة فل بد من زوالها بالكلية وبقاء ذمه ولسان السوء له‬
‫في العالم وهو يظهر سريعا ويزول سريعا كدولة السود العنسي ومسيلمة الكذاب‬
‫والحارث الدمشقي وبابا الرومي ونحوهم وأما النبياء فإنهم يبتلون كثيرا ليمحصوا‬
‫بالبلء فإن ال إنما يمكن العبد إذا ابتله ويظهر أمرهم شيئا فشيئا كالزرع قال تعالى‬
‫^ محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا‬
‫يبتغون فضل من ال ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في‬
‫التوراة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطئه فئازره فاستغلظ فاستوى على‬

‫سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم‬
‫مغفرة وأجرا عظيما ^ ولهذا كان أول ما يتبعهم ضعفاء الناس فاعتبار هذه المور‬
‫وسنة ال في أوليائه وأنبيائه الصادقين وفي أعداء ال والمتنبئين الكذابين مما يوجب‬
‫الفرق بين النوعين وبين دلئل النبي الصادق ودلئل المتنبيء الكذاب وقد ذكر‬
‫ابتلء النبي والمؤمنين ثم كون العاقبة لهم في غير موضع كقوله تعالى ^ ولقد كذبت‬
‫رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولمبدل لكلمات ال‬
‫ولقد جاءك من نبإى المرسلين ^ وقال تعالى ^ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم‬
‫مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول‬
‫والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر ال قريب ^ وقال تعالى ^ وما أرسلنا‬
‫من قبلك إل رجال نوحي إليهم من أهل القرى أفلم‬

‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الخرة خير‬
‫للذين اتقوا أفل تعقلون حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا‬
‫فنجي من نشاء ول يرد بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لولي‬
‫اللباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى‬
‫^ ورحمة لقوم يؤمنون‬

‫فصل ومما ينبغي أن يعرف أن الدلة نوعان &‬


‫نوع يدل على مجرد العلم بالمدلول عليه ونوع يحض مع ذلك على الرغبة فيه أو‬
‫الرهبة منه‬
‫فالول من جنس الخير المجرد‬
‫والثاني من جنس الحث والطلب والرادة والمر بالشيء والنهي عنه وذلك كمن‬
‫علم أن في المكان الفلني جمادات أو حيوانات أو نبات ليس له فيها غرض ل حب‬
‫ول بغض فليس هو بمنزلة من علم أن في المكان الفلني صديقه وولده ومحبوبه‬
‫وماله وأهله وأهل دينه وفي المكان الفلني عدوه ومبغضه ومن يقطع عليه الطريق‬
‫ويقتله ويأخذ ماله فكذلك دلئل النبوة هي كلها تدل على صدق النبي ثم يعلم ما يخبر‬
‫به النبي من المر والنهي والوعد والوعيد لنه أخبر عن ال بذلك وهو صادق فيما‬
‫يخبر به فهذا طريق صحيح عام وأما إثبات نبوة النبياء بما فعله بهم وبأتباعهم من‬

‫‪731‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪732‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫النجاة والسعادة والنصرة وحسن العاقبة وما جعله لهم من لسان الصدق وما فعله‬
‫بمكذبيه ومخالفيه من الهلك والعذاب وسوء العاقبة وإتباعهم‬

‫اللعنة في الدنيا مع عذاب الخرة فهذا يدل مع صدق النبياء على الرغبة في‬
‫اتباعهم والرهبة من مخالفتهم ففيه العلم بصدقهم والموعظة والوعظ هو أمر ونهي‬
‫بترغيب وترهيب قال تعالى ^ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ^ أي يؤمرون به‬
‫وقال ^ يعظكم ال أن تعودوا لمثله ابدا إن كنتم مؤمنين ^ أي ينهاكم ال أن تعودوا‬
‫لمثله وهذه الطريق أكمل وأبلغ في حصول المقصود فإنها تفيد العلم بصدقهم‬
‫والرغبة في اتباعهم والرهبة من خلفهم وتفيد صحة الدين الذي دعوا إليه وسعادة‬
‫أهله وفساد الدين المخالف لدينهم وشقاوة أهله ولهذا كان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقرأ في صلة العيد‬

‫ب ( قاف ) واقتربت الساعة لما فيهما من بيان ذلك وسورة قاف كان يقرأ بها في‬
‫الجمعة فإنها جامعة لثبات النبوات والمعاد وبيان حال متبعي النبياء ومخالفيهم في‬
‫الدنيا كما قال تعالى فيها ^ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد‬
‫^ وفرعون وإخوان لوط وأصحاب اليكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد‬

‫فصل ومما ينبغي ان يعلم أن ال إذا أرسل نبيا وأتى بآية دالة على صدقه قامت &‬
‫بها الحجة وظهرت بها المحجة فمن طالبهم بآية ثانية لم تجب إجابته إلى ذلك بل‬
‫وقد ل ينبغي ذلك لنه إذا جاء بآية ثانية طولب بثالثة وإذا جاء بثالثة طولب برابعة‬
‫وطلب المتعنتين ل أمد له ومعلوم أنه قامت عليه حجة في مسألة علم أو حق من‬
‫حقوق العباد التي يتخاصمون فيها وقال أنا ل أقبل حتى تقوم عليه حجة ثانية وثالثة‬
‫كان ظالما متعديا ولم يجب إجابته إلى ذلك ول يمكن الحكام الخصوم من ذلك بل إذا‬
‫قامت البينة بحق المدعي حكم له بذلك ولو قال المطلوب أريد بينة ثانية وثالثة‬
‫ورابعة لم يجب إلى ذلك فحق ال الذي اوجبه على عباده من توحيده واليمان به‬
‫وبرسله أولى إذا أقام بينة أوجبت على الخلق اليمان برسله أن ل يجب إجابة‬
‫الطالب إلى ثانية وثالثة ثم قد يكون في تتابع اليات حكمة فيتابع تعالى بين اليات‬
‫كما أرسل محمدا صلى ال عليه وسلم بآيات متعددة لعموم دعوته وشمولها فإن‬
‫الدلة كلما كثرت وتواردت على مدلول واحد‬

‫كان أوكد وأظهر وأيسر لمعرفة الحق فقد يعرف دللة أحد الدلة من ل يعرف‬
‫الخر وقد يبلغ هذا ما لم يبلغ هذا وقد يرسل النبياء بآيات متتابعة وتقسى قلوب‬
‫الكفار عن اليمان لتتابع اليات اية بعد آية لينتشر ذلك ويظهر ويبلغ ذلك قوما‬
‫آخرين فيكون ذلك سببا ليمانهم كما فعل بآيات موسى وآيات محمد كما ذكر في‬
‫التوراة أنه يقسي قلب فرعون لتظهر عجائبه وآياته وكما صد المكذبين عن اليمان‬
‫بمحمد حتى يمانعوه ويسعوا في معارضته والقدح في آياته فيظهر بذلك عجزهم عن‬
‫معارضة القرآن وغيره من آياته فيكون ذلك من تمام ظهور آياته وبراهينه بخلف‬

‫‪732‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪733‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ما لو اتبع ابتداء بدون ذلك فإنه قد كان يظن أنهم قادرون على معارضته وكذلك‬
‫أيضا يكون في ذلك على يقينه وصبره وجهاده ويقين من آمن به وصبرهم وجهادهم‬
‫ما ينالون به عظيم الدرجات في الدنيا والخرة وقد تقتضي الحكمة أن ل يرسل‬
‫باليات التي توجب عذاب الستئصال كما ذكره ال في كتابه من أن الكفار كانوا‬
‫يقترحون على النبياء آيات غير اليات التي جاؤوا بها فتارة يجيبهم ال إلى ذك لما‬
‫فيه من الحكمة والمصلحة وتارة ل يجيبهم لما فيه في ذلك من المضرة والمفسدة‬
‫عند جمهور أهل الملل من المسلمين وغيرهم الذين يقولون إنه يفعل للحكمة ومن لم‬
‫يعلل أفعاله يرد ذلك إلى‬

‫محض المشيئة ويقول إقترن بالمراد والمفسدة عادة وسنة من ال وإن لم يفعل هذا‬
‫لهذا وقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم ربما طلب تلك اليات رغبة منه في‬
‫إيمانهم بها فيجاب بأن اليات ل تستلزم الهدى بل تستلزم إقامة الحجة وتوجب‬
‫عذاب الستئصال لمن كذب بها وال تعالى قد يظهر اليات الكثيرة مع طبعه على‬
‫قلب الكافر كما فعل بفرعون وأبي لهب وغيرهما لما في ذلك من الحكمة العظيمة‬
‫كما دل على ذلك القرآن والتوراة وغيرهما وقد بين أنه ل يظهرها لنتفاء الحكمة‬
‫فيها أو لوجود المفسدة قال تعالى ^ وأقسموا بال جهد أيمانهم لئن جاءتهم عليه‬
‫ليؤمنن بها قل إنما اليات عند ال وما يشعركم أنها إذا جاءت ل يؤمنون ونقلب‬
‫أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ولو أننا‬
‫نزلنا إليهم الملئكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبل ما كانوا ليؤمنوا إل‬
‫أن يشاء ال ولكن أكثرهم يجهلون ^ وقال تعالى ^ وما منعنا ان نرسل باليات إل‬
‫أن كذب بها الولون وآياتينا ثمود‬

‫الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل باليات إل تخويفا ^ بين سبحانه أنما منعه أن‬
‫يرسل باليات إل تكذيب الولين بها الذي استحقوا بها الهلك فإذا كذب بها هؤلء‬
‫استحقوا ما استحقه أولئك من عذاب الستئصال وهذا المعنى مذكور في عامة كتب‬
‫التفسير والحديث وغيرها من كتب المسلمين وهو معروف بالسانيد الثابتة عن‬
‫الصحابة والتابعين لهم بإحسان فقد ذكر المفسرون ما رواه أهل التفسير والحديث‬
‫والمسند وغيرهم من حديث العمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن‬
‫عباس قال سأل أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن‬
‫ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا قال فقيل له إن شئت تستأني بهم وإن شئت أن‬
‫تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم قال ل بل أستأني بهم‬
‫^ فأنزل ال هذه الية ^ وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون‬

‫وروى ابن أبي حاتم وغيره عن مالك بن دينار قال سمعت الحسن البصري في قوله‬
‫^ وما منعنا أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون ^ قال رحمة لكم ايتها المة‬
‫أنا لو أرسلنا باليات فكذبتم بها اصابكم ما أصاب من قبلكم وفي النجيل أن اليهود‬
‫طلبوا من المسيح آية من السماء فقال لهم المسيح المة الفاجرة تطلب آية ول تعطى‬

‫‪733‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪734‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إل مثل أية نونان‬

‫وقد كانت اليات يأتي بها محمد صلى ال عليه وسلم أية بعد آية فل يؤمنون بها قال‬
‫^ تعالى ^ سورة النعام اليات من ‪114‬‬

‫أخبر سبحانه بأن اليات تأتيهم وما تأتيهم من آية إل أعرضوا عنها وأنهم بتكذيبهم‬
‫الحق سوف يرون صدق ما جاء به الرسول كما أهلك من قبلهم بذنوبهم التي هي‬
‫تكذيب الرسول فإن ال يقول ^ وما ان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسول‬
‫يتلوا عليهم آياتنا وما كان مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون ^ وأخبر بشدة كفرهم‬
‫بأنه لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا منهم إن هذا‬
‫إل سحر مبين وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكا لجعله على صورة الرجل إذ‬
‫كانوا ل يطيقون أن يروا الملئكة في صورهم وحينئذ فكان اللبس يقع لظنهم أن‬
‫^ الرسول بشر ل ملك وقال تعالى ^ سورة السراء اليات من ‪95 90‬‬

‫وهذه اليات التي اقترحوها لو أجيبوا بها ولم يؤمنوا أتاهم عذاب الستئصال كما‬
‫تقدم وأيضا فهي مما ل يصلح التيان بها فإن قولهم حتى تفجر لنا من الرض‬
‫ينبوعا يقتضي تفجير الينبوع بأرض مكة فيصير واديا ذا زرع وال من حكمته‬
‫جعل بيته بواد غير ذي زرع لئل يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا فيكون‬
‫حجهم للدنيا ل ل وإذا كان له جنة من نخيل وأعناب يفجر النهار خللها تفجيرا‬
‫كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته وانخفاض منزلته وكذلك‬
‫إذا كان له بيت من زخرف والزخرف الذهب وأما إسقاط السماء كسفا فهذا ل يكون‬
‫إلى يوم القيامة‬

‫وهو لم يخبرهم أن هذا ل يكون إل يوم القيامة فقولهم كما زعمت كذب عليه إل أن‬
‫يريدوا التمثيل فيكون القياس فاسدا وأما التيان بال والملئكة قبيل فهذا لما سأل قوم‬
‫موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة قال تعالى ^ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك‬
‫حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم‬
‫^ تشكرون ^ وأما إنزال الكتاب فقد قال تعالى ^ سورة النساء اليات ‪161 153‬‬

‫بين سبحانه أن المشركين سألوه إنزال كتاب وأن أهل الكتاب سألوه ذلك وبين‬
‫سبحانه أن الطائفتين ل تؤمن إذا‬

‫جاءهم ذلك وإنما سألوه تعنتا فقال عن المشركين ^ ولو نزلنا عليك كتابا في‬
‫قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إل سحر مبين ^ وذكر عن أهل‬
‫الكتاب أنهم سألوا موسى أكبر من ذلك وهو رؤية ال جهرة فقال ^ يسئلك أهل‬
‫الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا ال‬
‫جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا‬

‫‪734‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪735‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا‬
‫الباب سجدا وقلنا لهم ل تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ^ فهم مع هذا‬
‫نقضوا الميثاق وكفروا بآيات ال وقتلوا النبيين بغير حق إلى أمثال ذلك وأنه سبب‬
‫ظلمهم وصدهم عن سبيل ال حرم عليهم طيبات أحلت لهم فكان في هذا من‬
‫العتبار لمة محمد صلى ال عليه وسلم أن هذه المة المكذبة بك الذين ل يهتدون‬

‫إذا جاءتهم اليات المقترحة التي اقترحوها لم يك في مجيئها منفعة لهم بل فيها ما‬
‫يوجب استحقاقهم عقوبة الستئصال إذا جاءتهم فلم يؤمنوا بها وتغليظ المر عليهم‬
‫فكان أن ل ينزل مثل هذه اليات الموجبة لعذاب الستئصال أعظم رحمة وحكمة‬
‫وقد عرض ال على محمد صلى ال عليه وسلم أن يهلك قومه لما كذبوه فقال بل‬
‫استأني بهم لعل ال أن يخرج من أصلبهم من يعبد ال ل يشرك به شيئا كما في‬
‫الصحيحين عن عائشة أنها قالت للنبي صلى ال عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان‬
‫أشد عليك من يوم أحد فقال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة‬
‫إذا عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلل فلم يجبني إلى ما اردت فانطلقت‬
‫على وجهي وأنا مهموم فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا‬
‫بسحابة قد أظلنني فغذا فيها جبريل فناداني فقال إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا‬
‫عليك‬

‫وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي وقال‬
‫إن ال قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعثني إليك لتأمرني بما شئت إن‬
‫شئت أن أطبق عليهم الخشبين فقال بل أرجو أن يخرج من أصلبهم من يعبد ال ل‬
‫يشرك به شيئا أخرجاه ولما طلب من المسيح المائدة كانت من اليات الموجبة لمن‬
‫كفر بها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين قال تعالى ^ إذا قال الحواريون يا عيسى‬
‫ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا ال إن كنتم‬
‫مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من‬
‫الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا‬
‫لولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال ال إني منزلها عليكم فمن‬
‫يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لعذبه أحدا من العالمين ^ وكان قبل نزول التوراة‬
‫يهلك ال المكذبين للرسل بعذاب‬

‫الستئصال عذابا عاجل يهلك ال به جميع المكذبين كما أهلك قوم نوح وكما أهلك‬
‫عادا وثمود وأهل مدين وقوم لوط وكما أهلك قوم فرعون وأظهر آيات كثيرة لما‬
‫أرسل موسى ليبقى ذكرها وخبرها في الرض إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك‬
‫أمة بعذاب الستئصال بل قال تعالى ^ ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا‬
‫القرون الولى ^ بل كان بنو إسرائيل لما يفعلون ما يفعلون من الكفر والمعاصي‬
‫يعذب بعضهم ويبقى بعضهم إذ كانوا لم يتفقوا على الكفر ولهذا لم يزل في الرض‬
‫أمة من بني إسرائيل باقية قال تعالى لما ذكر بني إسرائيل ^ وقطعناهم في الرض‬

‫‪735‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪736‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون‬
‫^ وقد قال تعالى ^ من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات ال آناء اليل وهم يسجدون‬
‫يؤمنون بال واليوم الخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في‬
‫^ الخيرات وأولئك من الصالحين‬

‫وكان من حكمته ورحمته سبحانه وتعالى لما أرسل محمدا أن ليهلك قومه بعذاب‬
‫الستئصال كما أهلكت المم قبلهم بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كما عذب‬
‫طوائف ممن كذبه بأنواع من العذاب كالمستزئين الذين قال ال فيهم ^ إن كفيناك‬
‫المستهزئين الذين يجعلون مع ال إلها آخر فسوف يعلمون ^ فعذب ال كل واحد‬
‫بعذاب معروف وكالذي دعا عليه النبي صلى ال عليه وسلم أن يسلط عليه كلبا من‬
‫كلبه فكان يحترس بقومه فجاءه السد وأخذه من بينهم فقتله وأمثال ذلك وقد تقدم‬
‫ذلك وقال تعالى ^ قل هل تربصون بنا إل إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن‬
‫^ يصيبكم ال بعذاب من عنده أو بأيدينا‬

‫فأخبر أنه يعذب الكفار تارة بأيدي عباده المؤمنين بالجهاد وإقامة الحدود وتارة‬
‫بعذاب غير ذلك فكان يعذبهم بمثل هذه السباب مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى‬
‫لقريش وغيرهم فإنهم لما كذبوه لو أهلكهم كما أهلك قوم فرعون ومن قبلهم لبادتا‬
‫وانقطعت المنفعة به عنهم ولم يبق لهم ذرية تؤمن به بخلف ما إذا عذب بعضهم‬
‫بأنواع من العذاب ولو بالهزيمة والسر وقتل بعضهم كما عذبوا يوم بدر فإن في‬
‫هذا من إذللهم وقهرهم ما يوجب عجزهم مع بقائهم والنفوس إذا كانت قادرة على‬
‫كمال أغراضها فل تكاد تنصرف عنها بخلف ما إذا عجزت عن كمال أغراضها‬
‫فإن ذلك مما يدعوها إلى التوبة كما يقال من العصمة أن ل تقدر فكان ما وقع بهم‬
‫تعجيزا وزاجرا وداعيا إلى التوبة ولهذا آمن عامتهم بعد ذلك لم يقتل منهم إل قليل‬
‫وهم صناديد الكفر الذين كان أحدهم في هذه المة كفرعون في تلك المة كما روى‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال عن أبي جهل هذا فرعون هذه المة وقد ذكر ال‬
‫لموسى في التوراة إني أقسي قلب فرعون فل يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي‬

‫بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الرض إذ كان‬
‫موسى قد أخبر بتكليم ال له وبكتابة التوراة له فأظهر ال من اليات ما يبقي ذكرها‬
‫في الرض وكان في ضمن ذلك من تقسيته قلب فرعون ما أوجب أن أهلكه وقومه‬
‫أجمعين وفرعون كان جاحدا للصانع منكرا لربوبيته ل يقر به فلذلك أتى من اليات‬
‫بما يناسب حاله وأما بنو إسرائيل مع المسيح فكانوا مقرين بالكتاب الول فلم‬
‫يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى ومحمد صلى ال عليه وسلم لم يكن محتاجا‬
‫إلى تقرير جنس النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما ثبت ذلك وقومه كانوا مقرين‬
‫بالصانع وإنما كانت الحاجة داعية إلى تثبيت نبوته ومع هذا فأظهر ال على يديه من‬
‫اليات مثل آيات من قبله وأعظم ومع هذا فلم يأت بآيات الستئصال التي يستحق‬
‫مكذبها العذاب العام العاجل كما استحقه قوم فرعون وهود وصالح وشعيب وغيرهم‬

‫‪736‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪737‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫فلهذا يبين ال في القرآن أن هذه اليات إذا جاءت ل تنفعهم إذ كانوا ليؤمنون بها‬
‫ولكن تضرهم إذ كانوا يستحقون عذاب الستئصال إذا كذبوا حينئذ ومع وجود المانع‬
‫وعدم المقتضي ل يصلح الفعل على قول الجمهور القائلين بالحكمة ومن لم يعلل‬

‫فل يطلب سببا ول حكمة بل يرد المر إلى محض المشيئة قال تعالى ^ وما منعنا‬
‫أن نرسل باليات إل أن كذب بها الولون ^ وهو يعلم أن قلوب هؤلء كقلوب أولئك‬
‫الولين فيكذبون بها فيستحقون بها ما استحقه أولئك كقوم نوح وهود وصالح‬
‫وشعيب ولوط وغيرهم قال تعالى ^ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إل قالوا‬
‫ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر‬
‫فإن الذكرى تنفع المؤمنين ^ وقال تعالى ^ قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت‬
‫^ قلوبهم ^ وقال تعالى عن أهل الكتاب ^ يضاهئون قول الذين كفروا من قبل‬

‫وقال تعالى ^ أكفاركم خير من أولئك أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع‬
‫منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ^ ذكر‬
‫هذا في سورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر وإعراضهم عن اليات وقولهم‬
‫هذا سحر مستمر وتكذيبهم واتباعهم أهوائهم فقال تعالى ^ اقتربت الساعة وانشق‬
‫القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر‬
‫مستقر ^ ثم قال ^ ولقد جاءهم من النبياء ما فيه مزدجر ^ أي من أنباء الغيب وما‬
‫أخبر به ما فيه مزدجر أي ما يزجرهم عن الكفر إذ كان في تلك النباءات بيان‬
‫صدق الرسول والنذار لمن كذبه بالعذاب كما عذب المتقدمون ولهذا يقول عقيب‬

‫القصة ^ فكيف كان عذابي ونذر ^ أي كيف كان عذابي لمن كذب رسلي وإنذاري‬
‫بذلك قبل مجيئه يبين صدق قوله الذي أخبرت به الرسل وعقوبته لمن كذبهم ثم ذكر‬
‫قصة المكذبين كنوح وهود وصالح ولوط إلى قوله ^ ولقد جاء آل فرعون النذر‬
‫كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ^ فإن قوم فرعون كذبوا بجميع آيات‬
‫موسى وجميع آيات النبياء قبله وكذبوا باليات الدالة على وجود الرب وقدرته‬
‫ومشيئته إذ كانوا جاحدين للخالق منكرين له فكذبوا بآياته كلها ثم قال أكفاركم أيتها‬
‫المة التي أرسل محمد إليها ^ خير من أولئكم ^ الذين كذبوا نوحا وهودا وصالحا‬
‫^ ولوطا وموسى ^ أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر‬

‫وذلك أن كونكم ل تعذبون مثل ما عذبوا إذا كذبتم إما أن يكون لكونكم خيرا منهم‬
‫فل تستحقون مثل ما استحقوا أو لكون ال أخبر أنه ل يعذبكم فتكون لكم براءة في‬
‫الزبر فتعلمون ذلك بخبره فإن ما يفعله ال تارة يعلم بخبره وتارة يعلم بسنته‬
‫وحكمته وعدله فإما أن تكونوا علمتم هذا من هذا الوجه أو من هذا الوجه هذا إن‬
‫نظر إلى ما فعل ال الذي ل طاقة للبشر به وإن نظر إلى قوة الرسول وأتباعه‬
‫فيقولون ^ نحن جميع منتصر ^ فإنهم أكثر وأقوى كما قال تعالى ^ وإذا تتلى عليهم‬
‫آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم‬

‫‪737‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪738‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا ^ أي اموال ومنظرا فقال تعالى ^ سيهزم‬
‫^ الجمع ويولون الدبر‬

‫أخبر بهزيمتهم وهو بمكة في قلة من التباع وضعف منهم ول يظن أحد بالعادة‬
‫المعروفة أن أمره يظهر ويعلو قبل أن يهاجر إلى المدينة وقبل أن يقاتلهم وكان كما‬
‫أخبر فإنهم يوم بدر وغيرها هزم جمعهم وولوا الدبار وتلك سنة ال في المؤمنين‬
‫والكافرين قال تعالى ^ ولو قاتلكم الذين كفروا لول الدبار ثم ل يجدون وليا ول‬
‫نصيرا سنة ال التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة ال تبديل ^ وحيث ظهر الكفار‬
‫فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم‬
‫نصرهم ال كما قال تعالى ^ ول تهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين ^‬
‫وقال ^ أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم‬
‫^ فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة أن ل يهلكهم هللء‬

‫استئصال كما اهلك المكذبين وكانت اليات التي اقترحوها موجبة لعذاب الستئصال‬
‫كما أهلكت المم قبلهم كما قال ^ أكفاركم خير من أولئكم ^ كان أن ل يأتي بموجب‬
‫عذاب الستئصال مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة ويوضح المحجة أكمل في‬
‫الحكمة والرحمة إذ كان ما أتى به من اليات حصل به كمال الخير والمنفعة والهدى‬
‫والبيان والحجة على من كفر وما امتنع منه دفع من عذاب الستئصال والهلك‬
‫والعذاب العام ما أوجب بقاء جمهور المة حتى يتوبوا ويؤمنوا ويهتدوا وكان في‬
‫إرسال محمد صلى ال عليه وسلم لما كان خاتم الرسل من الحكمة البالغة والمنن‬
‫السابغة ما لم يكن في رسالة رسول غيره صلوات ال عليهم أجمعين‬

‫فصل جماع الكلم في النبوة متصل بالكلم في جنس الخبر فإن قول القائل إني &‬
‫رسول ال إليكم خبر من الخبار وكذلك وصول كلمه وأفعاله وآياته إلينا هو‬
‫بالخبار والخبر تارة يكون مطابقا لمخبره كالصدق المعلوم أنه صدق وتارة ل‬
‫يكون مطابقا لمخبره كالكذب المعلوم أنه كذب وغير المطابق مع التعمد كذب ومع‬
‫اعتقاد أنه صدق إن لم يكن معذورا كالمفتي بل اجتهاد يسوغ والمحدث بل علم‬
‫يسمى كاذبا أيضا كقوله صلى ال عليه وسلم كذب أبو السنابل بن بعكك وقوله لمن‬
‫قال‬

‫بطل عمل عامر بن الكوع لما قتل نفسه خطأ كذب من قال ذلك إنه لجاهد مجاهد‬
‫وقد تكون المطابقة في عناية المتكلم وقد يكون في إفهام المخاطب إذا كان اللفظ‬
‫مطابقا لما عناه المتكلم ولم يطابق إفهام المخاطب فهذا أيضا قد يسمى كذبا وقد ل‬
‫يسمى ومنه المعاريض لكن يباح للحاجة وإن لم يحصل به المقصود بل يكون‬
‫مأمورا بالسكوت عنه إل مع البينة فقد يسمى كاذبا لقوله تعالى ^ لول جاؤا عليه‬
‫بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند ال هم‬

‫‪738‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪739‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الكاذبون ^ والمقصود هنا أن الخبر قد يعلم أنه صدق وقد يعلم أنه كذب وقد ل يعلم‬
‫واحد منهما والعلم بأنه صدق له معنيان‬
‫أحدهما أن يعلم أنه مطابق لمخبره من غير جهة المخبر كمن أخبرنا بأمور يعلم‬
‫أنها حق بدون خبره‬
‫والثاني أن يعلم أن المخبر به صادق فيه وقد يجتمع المران بأن يعلم ثبوت ما‬
‫أخبر به ويعلم أنه صادق فيه وقول محمد إني رسول ال هو من هذا الباب كما‬
‫سنبينه إن شاء ال وكذلك كونه كذبا قد يراد به أنه على خلف مخبره وإن كان‬
‫صاحبه لم يتعمد الكذب وقد يعنى به أن قائله يتعمد الكذب ولهذا كانت الحاديث‬
‫المعلوم بطلنها على نوعين تارة يعلم أن صاحبها تعمد الكذب وتارة يكون قد غلط‬
‫والصحابة لم يعرف فيهم من يتعمد الكذب على النبي صلى ال عليه وسلم وكذلك‬
‫جمهور التابعين لم يعرف فيهم من يتعمد الكذب ولكن طائفة قليلة من الشيعة عرف‬
‫أنه كان فيها من يتعمد الكذب بخلف غيرهم من أهل‬

‫الهواء كالخوارج فإنه لم يكن فيهم من يعرف بالكذب بل يقال هم من أصدق الناس‬
‫حديثا والرجل الفاسق المعروف أنه يكذب ل بد أن يصدق في بعض الخبار فل‬
‫يكون في الناس من ل يخبر إل بكذب ولهذا قال تعالى ^ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا‬
‫^ وفي القراءة الخرى ^ فتثبتوا ^ فأمر بالتبين والتثبت إذا أخبر الفاسق بخبر ولم‬
‫يأمر بتكذيبه بمجرد إخباره لنه قد يصدق أحيانا فلما أمر سبحانه بالتبين والتثبت في‬
‫خبر الفاسق دل ذلك على أنه ل يجوز تصديقه بمجرد إخباره إذ كان فاسقا قد يكذب‬
‫وليجوز أيضا تكذيبه قبل أن يعرف أنه قد كذب وإن كان فاسقا لن الفاسق قد‬
‫^ يصدق وهذا كما قال تعالى ^ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل ال فتبينوا‬

‫وفي القراءة الخرى ( فتثبتوا ) ^ ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا‬
‫تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند ال مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن ال عليكم‬
‫فتبينوا ^ فأمرهم بالتبين والتثبت في الجهاد وأن ل يقولوا للمجهول حاله لست مؤمنا‬
‫يبتغون عرض الحياة الدنيا فيكون إخبارهم عن كونه ليس مؤمنا خبرا بل دليل بل‬
‫لهوى أنفسهم ليأخذوا ماله وإن كان ذلك في دار الحرب إذا ألقى السلم وفي القراءة‬
‫الخرى السلم فقد يكون مؤمنا يكتم إيمانه كما كنتم أنتم من قبل مؤمنين تكتمون‬
‫إيمانكم فإذا ألقى المسلم السلم فذكر أنه مسالم لكم ل محارب فتثبتوا وتبينوا ل‬
‫تقتلوه ول تأخذوا ماله حتى تكشفوا أمره هل هو صادق أو كاذب‬

‫وهذا خبر يتضمن دعوى له فإن المدعي مخبر والمنكر مخبر والشاهد مخبر والمقر‬
‫مخبر وكما نهاهم عن تكذيب المدعي بل علم نهاهم عن تصديق المنكر المتهم‬
‫ورمي البريء بل حجة وتبرئته وتزكيته بل علم فقال تعالى ^ سورة ‪^ 113 105‬‬
‫وكذلك نهاهم عن تصديق القاذف الرامي لمن عرف منه الخبر فقال ^ لول إذ‬
‫^ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين‬

‫‪739‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪740‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫إلى قوله ^ ولول فضل ال عليكم ورحمته في الدنيا والخرة لمسكم في ما أفضتم‬
‫فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه‬
‫هينا وهو عند ال عظيم ولول إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك‬
‫هذا بهتان عظيم ^ وقد قال تعالى ^ ول تقف ما ليس لك به علم ^ وهذا نهي عن‬
‫التكلم بل علم وهو عام في جميع أنواع الخبار وقد يتناول ما اخبر به النسان وما‬
‫قد يعتقده بغير الخبار من الدلئل واليات والعلمات ليس له أن يتكلم بل علم فل‬
‫ينفي شيئا إل بعلم ول يثبته إل بعلم ولهذا كان عامة العلماء على أن‬

‫النافي للشيء عليه الدليل على ما ينفيه كما أن المثبت للشيء عليه الدليل على ثبوته‬
‫وحكي عن بعض الناس أنه قال النافي ليس عليه دليل وفرق بعضهم بين العقليات‬
‫والشرعيات فأوجبه في العقليات دون الشرعيات وهؤلء اشتبه عليهم النافي بالمانع‬
‫المطالب فإن من أثبت شيئا فقال له آخر أنا ل أعلم هذا ول أوافقك عليه ول أسلمه‬
‫لك حتى تأتي بالدليل كان هذا مصيبا ولم يكن على هذا المانع المطالب بالدليل دليل‬
‫وإنما الدليل على المثبت بخلف من نفى ما أثبته غيره فقال له قولك خطأ والصواب‬
‫في نقيض قولك ولم يكن هذا كذا فإن هذا عليه الدليل على نفيه كما على ذلك المثبت‬
‫الدليل على إثباته وإذا لم يأت واحد منهما بدليل كان كلهما بل حجة ولهذا كان من‬
‫أثبت شيئا أو نفاه وطلب منه الحجة فلم يأت بها كان منقطعا في المناظرة وإذا‬
‫اعترض المعترض عليه بممانعة أو معارضة فأجاب عنها انقطع المعترض عليه‬
‫وثبت قول الول وإن لم يجب عن المعارضة انقطع المستدل إذ كان الدليل الذي‬
‫يجب اتباعه هو الدليل السالم عن المعارض المقاوم ولو أقام دليل قطعيا فعورض‬
‫بما ل يفيد القطع كان له أن يقول ما ذكرته يفيد العلم والعلم ل يعارضه الظن‬
‫والبينات ل تعارض بالشبهات التي هي من جنس كلم السوفسطائية فهو سبحانه‬
‫نهى عن الكلم بل علم‬

‫مطلقا وخص الكلم على ال بقوله تعالى ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر‬
‫منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن‬
‫تقولوا على ال ما ل تعلمون ^ ونهى عن اتباع خطوات الشيطان وأخبر أنه يأمر‬
‫بالقول على ال بل علم فقال ^ يا أيها الناس كلوا مما في الرض حلل طيبا ول‬
‫تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا‬
‫على ال ما ل تعلمون وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل ال قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه‬
‫^ آباءنا ولو كان آباؤهم ل يعقلون شيئا وليهتدون‬

‫وكذلك ذم من يجادل ويحاج بل علم بقوله تعالى ^ ومن الناس من يجادل في ال‬
‫بغير علم ول هدى ول كتاب منير ^ وقال ^ ومن الناس من يجادل في ال بغير علم‬
‫ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من توله فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير‬
‫^ وقال تعالى ^ ها أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به‬
‫علم وال يعلم وأنتم ل تعلمون ^ وقوله تعالى ^ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ^ يتناول‬

‫‪740‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪741‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫خبر كل فاسق وإن كان كافرا ل يجوز تكذيبه إل ببينة كما ل يجوز تصديقه إل‬
‫ببينة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة‬
‫بالعبرية ويفسرونها بالعربية فقال النبي‬

‫صلى ال عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فل تصدقوهم ول تكذبوهم فإما أن‬
‫يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه وقولوا ^ آمنا بالذي أنزل‬
‫إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ^ وهذا الذي دل عليه الكتاب‬
‫والسنة من إمساك النسان عما ل يعلم انتفاؤه وثبوته هو مأثور عن غيره من‬
‫النبياء كما جاء عن المسيح عليه السلم أنه قال المور ثلثة أمر تبين رشده‬
‫فاتبعوه وأمر تبين فيه فاجتنبوه وأمر اشتبه عليكم فكلوه إلى عالمه وعامة عقلء بني‬
‫آدم على هذا ولهذا ل يجوز أن يصدق بخبر منقول عن الرسول أو غيره إل بدللة‬
‫تدل على صدقه ول يجوز أن يكذبه إل بدللة تدل على كذبه وعلى هذا العلم والدين‬
‫وقد تكلم‬

‫العلماء وصنفوا كتبا كثيرة في الجرح والتعديل في الرجال والحاديث فمن الناس‬
‫من يعرف بالصدق والضبط فهذا هو العدل المقبول خبره ومنهم من يكون صدوقا‬
‫لكنه قد ل يحفظ ول يضبط فيقولون في مثل هذا هو صدوق تكلم فيه من قبل حفظه‬
‫ومنهم من عرف بالكذب وإذا روى الحديث من هو سيىء الحفظ أو من قد يكذب لم‬
‫يحكموا بذلك الحديث ولم يثبتوه ثم تارة يقوم الدليل على كذبه وتارة يتوقفون فيه ل‬
‫يعلمون أصدق هو أم كذب ومثل هذا ل يعتقد ول يثبت وليحتج به كالشاهد الذي‬
‫شهد للمدعي وليس بعدل مرضي أو هو خصم أو متهم ظنين فهذا إذا أردت شهادته‬
‫ولم تقبل لم يكن معنى ذلك الحكم بكذبه أو خطئه بل معنى ذلك أنه ل تقوم به حجة‬
‫ول يحكم به لعدم العلم بصدقه ل للعلم بكذبه والمدعى عليه إذا كان صحاب يد أو‬
‫ذمته بريئة فهو حجة ترجح جانبه وقد ضم إليها الشارع اليمين كما في صحيح‬

‫البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال لو يعطى الناس‬
‫بدعواهم ل دعى رجال دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه فإذا لم‬
‫يكن مع المدعي إل مجرد دعواه فجانب المنكر أقوى من جانبه لن معه أن الصل‬
‫في اليدي أنها محقة والصل براءة الذمة ولكن قد يكون المدعي صادقا ول يكون‬
‫له حجة وهذا كثير جدا فل يدفع بمجرد الصل بل يحلف المنكر فيكون يمينه مع‬
‫الصل بحجة فيكون إنكار هذا مقابل لدعوى هذا كلهما خبر لم يعلم صدقه‬
‫فتعارضا وترجح المنكر بالصل فيبقى على ما كان ل يسلم بحجة للمدعى ما ادعاه‬
‫بمجرد دعواه ول تنقطع مطالبته للمدعى عليه لنه لم يأت حجة تدفعه فإذا حلف‬
‫المنكر كانت يمينه حجة فصلت الخصومة وقطعت الدعوى وإذا لم يأت المنكر‬
‫باليمين بل نكل عنها ول أتى المدعى بحجة وقف للمر عند أكثر العلماء وعند‬
‫بعضهم يقضي على المنكر بالنكول فيجعل نكوله إما بدل لما طلب وإما إقرارا به‬
‫والكثرون يقولون بل ترد اليمين على المدعى الطالب الذي يقول إنه يعلم‬

‫‪741‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪742‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫صدق نفسه فيما ادعاه وأنه عالم بما ادعاه فيقال له احلف وخذ فإن حلف أخذ وإل‬
‫دفعا ثم من العلماء من يرد اليمين في عامة الدعاوي ومنهم من يحكم بالنكول وإن‬
‫كان المنكر يقول ل أعلم ما ادعى به وكل من الطائفتين يذكر آثارا عن الصحابة‬
‫والمنقول عن الصحابة يدل على التفصيل وهو أظهر القاويل وهو أنه إن كان‬
‫المنكر هو العالم دون المدعي كما إذا ظهر في المبيع عيب وقد بيع بالبراءة فقال‬
‫المشتري أنا لم أعلم به فإنه هنا يقال له كما قال عثمان بن عفان لبن عمر رضي‬
‫ال عنهما احلف أنك بعته وما به داء تعلمه فإن حلف وإل قضي عليه بالنكول كما‬
‫قضى عثمان على ابن عمر بالنكول‬

‫وإن كان المدعي يقول إنه يعلم ما ادعى به كمن ادعى على آخر دينا أو عينا فقال‬
‫أنا ل أعلم ما ادعيته احلف وخذ فإن لم يحلف لم يعط شيئا والبينة في الدعاوي عند‬
‫أكثر العلماء هي ما يبين الحق ويظهره ويوضحه كالدليل والية والعلمة فمتى‬
‫ترجح جانب احدهما حلف مثل أن يقيم المدعي شاهدا فإنه يحلف مع شاهده ويقضي‬
‫به بشاهد ويمين كما مضت به سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم وهذا قول أكثر‬
‫العلماء ومنهم من يقول اليمين دائما في‬

‫جانب المدعى عليه وكذلك لو كان في دعوى القتل لوث ولطخ وشبهة وهو علمات‬
‫ترجح جانب المدعي فإن أولياء المقتول يحلفون خمسين يمينا ويقضي لهم بذلك عند‬
‫أكثر العلماء كما مضت بذلك السنة وكذلك في اللعان إذا حلف الزوج وشهد أربع‬
‫شهادات ال إنه لمن الصادقين ووكدها بالخامسة فقد أقام بينة على دعواه فإن التعنت‬
‫المرأة وشهدت أربع شهادات مؤكدة بالخامسة أنه كاذب‬

‫تعارضت البينتان والشهادتان فلم يحكم بقول واحد منهما ل يحكم بأنه قاذف ول‬
‫يحكم بأنها زانية وإن نكلت فلم تحلف فأكثر العلماء يقولون يحكم بأنها زانية وتعذب‬
‫على ذلك كما دل عليه القرآن لنه اجتمع شهادة الزوج ونكولها عن المعارضة كما‬
‫اجتمع في القسامة العلمة واليمان وكما اجتمع الشاهد واليمين وكما اجتمع في‬
‫جانب المنكر الصل واليمين فهذا ونحوه مما جاءت به الشريعة وبسطه له موضع‬
‫آخر والمقصود هنا أن الخبر إن قام دليل على صدقه أو كذبه وإل بقي مما لم‬
‫يصدقه ولم يكذبه وأهل العلم بالحديث إذا قالوا هذا الحديث رواه فلن وهو مجروح‬
‫أو ضعيف أو سيىء الحفظ أو ممن لم تقبل روايته ونحو ذلك فهو كقول القائل هذا‬
‫الشاهد مجروح أو سيىء الحفظ أو ممن ل تقبل شهادته وهذا يفيد أنه ل يحكم به ل‬
‫يفيد الحكم بأنه كاذب بل قد يمكن أنه صادق فل يقال إنه كاذب إل بحجة‬

‫وإن قالوا عن الحديث إنه ضعيف فهذا مرادهم أي أنه لم يثبت ول يحتج به ول‬
‫يجوز الحكم بصدقه ليس مرادهم أنه بمجرد ذلك يحكم بكذب الناقل وينفي ما نقله‬
‫ويقول إن هذا لم يكن من غير علم منا بهذا النفي بل إن قام دليل على انتفاء ما أخبر‬

‫‪742‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪743‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫به حكمنا بذلك وإل سكتنا لم ننفه ولم نثبته فهذا أصل يجب معرفته فإن كثيرا من‬
‫الناس ل يميز بين ما ينفيه لقيام الدليل على نفيه وبين ما لم يثبته لعدم دليل إثباته بل‬
‫تراهم ما لم يعلموا إثباته فيكونون قد قفوا ما ليس لهم به علم وقالوا بأفواههم ما ليس‬
‫لهم به علم وهذا كثير من أهل الستدلل والنظر وأهل السناد والخبر فمن الولين‬
‫طوائف يطلبون الدليل على ثبوت الشيء فإذا لم يجدوه نفوه ومعلوم أن عدم العلم‬
‫ليس علما بالعدم وعدم الوجدان ل يستلزم عدم الوجود إل إذا كان الطالب ممن‬
‫يمكنه ذلك إما بعلم او ظن غالب فمن هؤلء من يقول في صفات ال ما لم يقم دليل‬
‫قطعي على إثباته وإل وجب القطع بنفيه لن صفات ال ل تثبت إل بالقطع وخالفهم‬
‫في ذلك جمهور الناس وقالوا كما ل يجوز القطع في الثبات إل بدليل قطعي فل‬
‫يجوز القطع في النفي إل بدليل قطعي على النفي فلما لم يجز أن نثبت إل بعلم فل‬
‫ننفي إل بعلم‬

‫والنافي عليه الدليل كما على المثبت الدليل قال هؤلء هذه المسائل مبناها على‬
‫القطع فإنه ل يجوز لنا التكلم فيها بالظن فإذا لم يقم القاطع قطعنا بالنفي فقيل لهم هذا‬
‫حجة عليكم فإنكم إذا نفيتم ما لم تعلموا نفيه تكلمتم بالظن وإذا قطعتم من غير قاطع‬
‫كنتم قد تكلمتم في القطعيات بل قاطع نفيا كان الكلم أو إثباتا وليس يعلم في الدلة‬
‫الشرعية أوالعقلية أن كل ما لم يقم دليل سمعي أو عقلي على إثباته فإنه يجب عليكم‬
‫نفيه والقطع بنفيه بل تكلمكم بهذا تكلم بل علم ومن هنا أخطأ كثير من النظار في‬
‫نفي كثير من صفات الرب وأحكامه وأفعاله حيث لم يعلموا دليل قطعيا يثبتها فنفوها‬
‫وكانت ثاتبة في نفس المر وقد يكون عند غيرهم دليل قطعي يثبتها ولو قدر عدم‬
‫علم الناس كلهم بها فلله علم لم يعلمه العباد ول اسماء استأثر بها في علم الغيب‬
‫عنده لم يعلمها الناس وليس إذا لم يعلم ثبوت الصفة يجب أن يعلم انتفاؤها بل قد‬
‫يظن ثبوتها أو انتفاؤها وقد يشك‬

‫في ذلك فل يعلم ول يظن واحد منهما والواجب على النسان أن يقول لما يعلمه‬
‫أعلمه ولما يظنه أظنه ولما يشك فيه أشك فيه وال تعالى لم يوجب على النسان أن‬
‫يقطع بانتفاء شيء إن لم يعلم أنه منتف فمن قال وجب علينا القطع بانتفاء فقد غلط‬
‫وهذا بخلف ما يناقض صفات الثبات فإن هذا يجب نفيه عن ال فقد علم بالدلة‬
‫القطعية أن ال موصوف بصفات الكمال المناقضة للنقص مثل إنه حي قيوم بكل‬
‫شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه غني عن كل‬
‫ما سواه بكل وجه فكل من قال قول يناقض هذا علم أنه باطل كالذين قالوا إن له‬
‫شريكا أو ولدا أو أنه يشفع عنده الشفعاء بغير إذنه ونحو ذلك مما يناقض الكمال‬
‫المعلوم له وما كان من المور مستلزما لوازم لو كان موجودا فإنه يستدل بانتفاء‬
‫اللزم على انتفاء الملزوم كالمور التي لو كانت موجودة لوجب أن تنقل نقل‬
‫متواترا شائعا فإنه يستدل بانتفاء اللزم على انتفاء الملزوم كما لو قال قائل إنه بني‬
‫بين العراق والشام أو بين الحجاز‬

‫‪743‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪744‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫والشام مدينة أعظم من بغداد والموصل وأصبهان ومصر دورها ثلثة أيام ونحو‬
‫ذلك فإنه يعلم كذبه فإن هذا مما تتوفر همم الناس على نقله لو كان موجودا فإذا لم‬
‫يستفض هذا وينتشر علم أن المخبر به كاذب وكذا لو ادعى مدع أنه يوم الجمعة أو‬
‫العيد قتل الخطيب ولم يصل الناس يوم الجمعة ولم يستفض هذا وينتشر أو ادعى أنه‬
‫قتل بعض ملوك الناس ولم يستفض هذا ولم ينتشر أو ادعى أنه بعث نبي بين‬
‫المسيح ومحمد صلى ال عليه وسلم أو بعد محمد جاء بكتاب مثل القرآن أو النجيل‬
‫واتبعه خلق كثير وكذبه خلق كثير فإنه يعلم كذب هذا إذ مثل هذا ل بد أن يستفيض‬
‫وينتشر وكذلك لو ادعى أن قريشا أو غيرهم عارضوا القرآن وجاؤا بكتاب يماثل‬
‫القرآن وأنهم أظهروا ذلك وأبطلوا به حجة محمد صلى ال عليه وسلم فهذا مما‬
‫يقطع بكذبه لن مثل ذلك لو وقع لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله وكذلك‬
‫لو ادعى‬

‫أن محمدا أمر بحج بيت غير البيت العتيق أو أوجب صوم شهر غير شهر رمضان‬
‫أو أوجب صلة سادسة وقت الضحى أو أمر بالذن والقامة لغير الصلوات الخمس‬
‫أو أنه قال علنية بين الناس لبي بكر أو العباس أو علي أو غيرهم هذا هو الخليفة‬
‫من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا أو أن عليا دعا إلى نفسه في خلفة الثلثة وأمثال هذه‬
‫المور التي لو وقعت لكان لها لوازم يستدل بانتفاء اللزم على انتفاء الملزم ثم هذه‬
‫اللوازم منها جلي ومنها خفي يعرفه الخاصة فلهذا كان أهل العلم بأحوال الرسول‬
‫يقطعون بكذب أحاديث ل يقطع غيرهم بكذبها لعلمهم بلوازم تلك الحاديث وانتفاء‬
‫لوازمها كما يقطع من يعلم مغازي النبي صلى ال عليه وسلم أنه لم يقاتل في غزوة‬
‫تبوك وأن غزوات القتال إنما كانت تسعة مغازي وأنه لم يغز بنفسه إلى اليمن ول‬
‫العراق ول جاوز تبوك بعد النبوة وأنه لم يحج بعد الهجرة إل حجة الوداع ولم يصم‬
‫إل تسع رمضانات وهكذا يعلمون أن فلنا أخطأ في هذا الحديث على فلن لنهم قد‬
‫علموا من وجوه ثابتة أن ذلك الحديث إنما رواه على صورة معينة فإذا روى غير‬
‫الثقة ما يناقض ذلك علموا بطلن ذلك وأنه أخطأ أو تعمد الكذب مثل ما يعلمون‬
‫كذب من زاد في قول النبي‬

‫صلى ال عليه وسلم ل سبق إل في خف أو حافر أو نصل فزاد بعض الناس فيه أو‬
‫جناح لما رأى بعض المراء عنده حمام فعلموا أنه كذب تقربا إلى ذلك المير وكما‬
‫يعلمون كذب من روى أن مسيلمة وقومه كانوا مؤمنين بال ورسوله وإنما قاتلهم‬
‫الصديق لكونهم لم يعطوا الزكاة فإنهم قد علموا بالتواتر أن مسيلمة ادعى النبوة‬
‫واتبعه قومه على ذلك وأنه كتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم في حياته يقول من‬
‫مسيلمة رسول ال إلى محمد رسول ال فكتب إليه النبي صلى ال عليه وسلم من‬
‫محمد رسول ال إلى مسيلمة الكذاب ويعلمون أنه‬

‫كان له مخاريق وأنه ظهر كذبه من وجوه متعددة وأن أبا بكر الصديق والصحابة‬
‫قاتلوه على كذبه في دعوى النبوة وقاتلوا قومه على ردتهم عن السلم واتباعهم نبيا‬

‫‪744‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪745‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كاذبا لم يقاتلوهم على كونهم لم يؤدوا الزكاة لبي بكر وكذلك السود العنسي الذي‬
‫ادعى النبوة في حياة النبي صلى ال عليه وسلم وقتل في حياته كل منهما عرف‬
‫كذبه‬

‫بتكذيب النبي الصادق والمصدوق لهما ومما ظهر من دلئل كذبهما مثل الخبار‬
‫الكاذبة التي تناقض النبوة ومثل التيان بقرآن مختلق يعلم من سمعه أنه لم يتكلم ال‬
‫به وإنما هو تصنيف الدميين كما قال أبو بكر الصديق لهم لما تابوا من الردة‬
‫وعادوا إلى السلم أسمعوني قرآن مسيلمة فلما أسمعوه إياه قال ويحكم أين يذهب‬
‫بعقولكم إن هذا كلم لم يخرج من إل أي لم يخرج من رب ومثل ما كان يفعله‬
‫ويأمر به من الفجور والكذب ومثل اطلع أخص الناس به على أنه كان يكذب‬
‫ويستعين بمن يختلق له الكذب ومثل أنه كان يعدهم بأن جبريل أخبره أنه سينصر‬
‫فلما حقت الحقائق قال لهم إنه ل جبريل لكم فقاتلوا عن أحسابكم إلى أمثال هذه‬
‫المور التي تدل على كذب الكاذب‬

‫فالصدق له دلئل مستلزمة له تدل على الصدق والكذب له دلئل مستلزمة تدل على‬
‫الكذب ول يجوز الحكم بصدق مخبر ول بكذب مخبر إل بدليل وما لم يعلم صدقه‬
‫ول كذبه ول ثبوته ول انتفاؤه فإنه يجب المساك عنه ويقول القائل هذا لم أعلمه ولم‬
‫يثبت عندي ول أجزم به ول أحكم به ول أستدل به ول احتج به ول أبني عليه‬
‫مذهبي واعتقادي وعملي ونحو ذلك ل يقول هذا أقطع بكذبه وانتفائه وإن كنت أقطع‬
‫أن من أثبته تكلم بل علم فالقطع بجهل مثبته المعتقد له غير القطع بانتفائه فمن قطع‬
‫فيه بل دليل يوجب القطع قطعنا بجهله وضلله وخطئه وإن لم يقطع بانتفاء ما أثبته‬
‫في نفس المر كمن حكم بشهادة مجروح فاسق أمر ال بالتثبت في خبره فمن حكم‬
‫وقطع بخبره من غير دليل يدل على صدقه حكمنا بأن هذا متكلم حاكم بل علم وإن‬
‫لم يحكم بكذب الشاهد المخبر لكن ل يجوز للنسان أن ينفي علم غيره وقطع غيره‬
‫من غير علم منه بالسباب التي بها يعلم ويخبر فإنه كثيرا ما يكون للنسان دلئل‬
‫كثيرة تدل على صدق شخص معين وثبوت أمر معين وإن كان غيره ل يعرف شيئا‬
‫من تلك الدلئل وهذا أيضا مما يغلط فيه كثير من الناس ينظرون في أنفسهم‬

‫ومبلغ علمهم فإذا لم يجدوا عندهم ما يوجب العلم بذلك المر جعلوا غيرهم كذلك من‬
‫غير علم منهم بانتفاء أسباب العلم عند ذلك الغير وقد يقيمون حججا ضعيفة على أنه‬
‫غيرهم ل يعلم ذلك مثل ما يفعله كثير من الناس بالنظر والستدلل والعتبار ومن‬
‫لم يساوهم في نظرهم وأدلتهم وقوة أذهانهم ل يعلم ما علموه وكثير من الناس يعلم‬
‫بالخبار والنقل والستدلل بذلك أمورا كثيرة ومن لم يشاركهم فيما سمعوه وفيما‬
‫عرفوه من أحوال المخبرين والمخبر وكمال معرفتهم بذلك ل يعلم ما علموه فلهذا‬
‫كان لهل النظر العقلي طرق ل يعرفها أهل الخبار ولهل الخبار السمعية طرق‬
‫ل تعرف بمجرد العقول ولهذا كان لهؤلء من الطرق الدالة على صدق الرسول‬
‫ونبوته والستدلل على ذلك أمور كثيرة ل يعرفها أهل الحديث والخبار وعند‬

‫‪745‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪746‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫هؤلء من الحاديث المتواترة عندهم واليات المستفيضة عندهم ما يعلمون بها‬


‫صدق الرسول وإن كان أولئك ل يعرفونها بل طرق معرفة الصانع وتصديق رسوله‬
‫قد يكون لكل قوم منها طريق أو طرق ل يعلمها آخرون وهم مشتركون في القرار‬
‫بال وبرسوله ولكل قوم طرق وأدلة غير طرق الخرين وأدلتهم بل ما تواتر عندهم‬
‫من أحوال الرسول قد يكون المخبرون‬

‫لهؤلء الذين تواتر عندهم ما أخبروهم به من آياته وشرائعه غير المخبرين لولئك‬
‫كما كان الصحابة المخبرون لهل الشام بآيات الرسول وبالقرآن وشرائع السلم‬
‫غير الصحابة المخبرين لهل العراق ولكن خبر هؤلء يصد خبر هؤلء وإن كان‬
‫كل من الطائفتين ل يعلم أعيان أولئك الذين أخبروا أولئك وهكذا سائر العلوم قد‬
‫يكون الذي علم هؤلء الفقه أو النظر أو النحو أو الطب غير الذي علم هؤلء وإن‬
‫اشترك الجميع في جنس الفقه والنظر والنحو والطب وعلم ما علمه هؤلء من‬
‫العيان والنواع مع أن طريق هؤلء ليس طريق أولئك وإن اشتركوا في النوع‬
‫وعامة ما يعلمه الناس بالحس هو من هذا الباب فإن النسان يحس بأحوال نفسه من‬
‫جوعه وعطشه وشبعه وريه وحبه وبغضه وشهوته ونفرته وألمه ولذته بل يحس‬
‫بأعضائه كبطنه وفرجه ول يحس بأحوال غيره ولكن يشتركان في الجنس العام‬
‫فيشتركون في جنس الحساس بجوعهم وشبعهم وقد يشتركون في غير ما يحسونه‬
‫كاشتراكهم في رؤية الشمس والقمر والهلل والكواكب وقد غلط في مثل هذا طائفة‬
‫من المتكلمين في المنطق اليوناني فزعموا أن العلوم التجريبية والتواترية والحدسية‬
‫إن جعلوها قسما‬

‫غير التجريبية فإن فيهم من يجعل الحدسية نوعا من التجريبية ومنهم من يجعلها‬
‫جنسا آخر فزعم هؤلء ان هذه العلوم مختصة ل تقوم بها الحجة على من لم يعلمها‬
‫دون الحسيات والوجديات والعقليات وليس كذلك بل كما أن هذه تكون مشتركة تارة‬
‫ومختصة أخرى فكذلك الحسيات فإن كل أهل زمان ومكان يعلمون بالحس من‬
‫أحوال ذلك المكان والزمان وأحوال أهله ما ل يشركهم فيه غيرهم وكذلك الوجديات‬
‫فإن من ابتلى بالغرائب في المور السياسية والبدنية يعلم منها ما ل يشركه فيه غيره‬
‫وكذلك العقليات فإن من الناس من يكون له أصل يقيس به الفرع فيعلم القدر‬
‫المشترك الذي هو الحد الوسط ويعلم من تعلق الحكم به ما لم يعلمه غيره فأجناس‬
‫العلوم وطرقها منها ما هو مختص ومنها ما هو مشترك والمشترك منه ما يشترك‬
‫فيه جنس بني آدم ومنه ما يشترك فيه نوع منهم وطائفة فهذا أصل جامع ينبغي‬
‫معرفته لمن تكلم في هذا الباب‬

‫فصل وإذا كان جنس من يخبر قد يكون كاذبا وقد يكون صادقا فقد علم أنه ليس &‬
‫كل واحد أخبر بخبر يصدق مطلقا ول يكذب مطلقا فلم يقل أحد من العقلء إن كل‬
‫خبر واحد أو خبر كل واحد يكون صدقا او يفيد العلم ول أنه يكون كذبا بل الناس‬
‫يعلمون أن خبر الواحد قد يقوم دليل على صدقه فيعلم أنه صدق وإن كان خبر واحد‬

‫‪746‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪747‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫وقد يقوم الدليل على كذبه فيعلم أنه كذب وإن أخبر به الوف إذا كان خبرهم على‬
‫غير علم منهم بما أخبروا به أو عن تواطئ منهم على الكذب مثل إخبار أهل‬
‫العتقادات الباطلة بالباطل الذي يعتقدونه وأما إذا أخبروا عن علم منهم بما أخبروا‬
‫به فهؤلء صادقون في نفس المر ويعلم صدقهم تارة بتوافق أخبارهم من غير‬
‫مواطأة ولو كانا اثنين فإن الثنين إذا أخبرا بخبر طويل أسنداه إلى علم وقد ما لم‬
‫يقطع بثبوته ول انتفائه قد يتفق في العادة تماثلهما فيه في الكذب أو الغلط علم أنه‬
‫صدق‬

‫وقد يعلم صدق الخبر الواحد بأنواع من الدلئل تدل على صدقه ويعلم صدق خبر‬
‫الواحد بقرائن تقترن بخبره يعلم بها صدقه وتلك الدلئل والقرائن قد تكون صفات‬
‫في المخبر من علمه ودينه وتحريه الصدق بحيث يعلم قطعا أنه ل يتعمد الكذب كما‬
‫يعلم علماء أهل الحديث قطعا أن ابن عمر وعائشة وأبا سعيد وجابر بن عبد ال‬
‫وأمثالهم لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول ال صلى ال عليه وسلم فضل عن‬
‫أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأمثالهم‬
‫بل يعلمون علما يقينيا أن الثوري ومالكا وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن‬
‫مهدي وأحمد بن حنبل والبخاري وأبا زرعة وأبا داود وأمثالهم ل يتعمدون الكذب‬
‫في الحديث وقد تكون الدلئل صفات في المخبر به مختصة بذلك الخبر أو بنوعه‬
‫يعلم بها أن ذلك المخبر ل يكذب مثل ذلك الخبر كحاجب‬

‫المير إذا قال بحضرته لعسكره أن المير قد أذن لكم في النصراف أو أمركم أن‬
‫تركبوا إذا غدا أو أمر عليكم فلنا ونحو ذلك فإنهم يعلمون أنه ل يتعمد الكذب في‬
‫مثل هذا وإن لم يكن بحضرته فكيف إذا كان بحضرته وإن كانوا قد يكذبونه في غير‬
‫هذا وقد تكون الدلئل سماع من شاركه في العلم بذلك الخبر وإقراره عليه فإن العادة‬
‫كما قد تمنع التواطؤ على الكذب فإنها قد تمنع التواطؤ على الكتمان وإقرار الكذب‬
‫والسكوت وعن إنكاره فما توافرت الهمم والدواعي على ذكره والخبر به يمتنع أن‬
‫يتواطأ أهل التواتر على كتمانه كما يمتنع في العادة أن تحدث حادثة عظيمة تتوفر‬
‫المهمم والدواعي على نقلها في الحج أو الجامع أو العسكر وحيث توجب العادة نقل‬
‫الحاضرين لما عاينوه ثم ل ينقل ذلك أحد وإقرار الكذب والسكوت على رده أعظم‬
‫امتناعا في العادة من الكتمان فإن النسان في العادة قد تدعوه نفسه إلى أن يسكت‬
‫على ما رآه وسمعه فل يخبر به ول تدعوه نفسه إلى أن يكذب عليه ويخبر عنه بما‬
‫يعلم أنه كذب عليه فيقره ول ينكره إذ كانت عادة الناس إلى‬

‫تكذيب مثل هذا أبلغ من عادتهم بالخبار به وكذلك إذا كذب في قصة وبلغ ذلك من‬
‫شاهدها فتوفر الهمم على تكذيب هذا أعظم من توفرها على إخبارهم بما وقع ابتداء‬
‫فإذا كانت من القضايا التي يمتنع السكوت عن إظهارها فالسكوت عن تكذيب الكاذب‬
‫فيها أشد امتناعا وقد تكون الدلئل صفات فيه تقترن بخبره فإن النسان قد يرى‬
‫حمرة وجهه فيميز بين حمرته من الخجل والحياء وبين حمرته من الحمى وزيادة‬

‫‪747‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪748‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الدم وبين حمرته من الحمام وبين حمرته من الغضب وكذلك يميز بين صفرته من‬
‫الفزع والوجل وبين صفرته من الحزن والخوف وبين صفرته من المرض فكما أن‬
‫سحنته ووجهه يعرف بها أحوال بدنه الطبيعية من أمراضه المختلفة حتى أن‬
‫الطباء الحذاق يعلمون حال المريض من سحنته فل يحتاجون مع ذلك إلى نبض‬
‫وقارورة وكذلك تعرف أحواله النفسانية هل هو فرح مسرور أو محزون مكروب‬
‫ويعلم هل هو محب صديق مريد للخبر‬

‫أو هو مبغض عدو مريد للشر كما ‪ %‬قيل تحدثني العينان ما القلب كاتم ‪% %‬‬
‫‪ %‬والعين تعرف من عيني محدثها ‪ %‬إن كان من حزبها أو من أعاديها‬
‫‪ %‬وكما قيل ‪ %‬ول خير في الشحناء والنظر الشزر‬

‫ثم إذا تكلم مع ذلك دل كلمه على أبلغ مما يدل عليه سيما وجهه كما قال تعالى عن‬
‫المنافقين ^ ولو نشاء لريناكم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ^ فأخبر‬
‫أنه ل بد أن يعرف المنافقين في لحن القول وأن معرفتهم بالسيما معلقة بالمشيئة‬
‫والمنافق الكاذب يقول بلسانه ما ليس في قلبه فبين أنه في لحن قوله يعلم أنه كاذب‬
‫وقال في حق المؤمنين ^ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ^ وقال في حق‬
‫الكافر ^ عتل بعد ذلك زينم ^ أي له زنمة من الشر أي علمة يعرف بها‬

‫وقد روي عن عثمان بن عفان رضي ال عنه ما أسر أحد سريرة إل أبداها ال على‬
‫صفحات وجهه وفلتات لسانه وقد بسطنا الكلم على هذه في مسألة اليمان وبينا ان‬
‫ما يقوم بالقلب من تصديق وحب ال ورسوله وتعظيم ل بد أن يظهر على الجوارح‬
‫وكذلك بالعكس ولهذا يستدل بانتفاء اللزم الظاهر على انتفاء الملزوم الباطن كما‬
‫في الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال إل أن في الجسد مضغة‬
‫إذا‬

‫صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ال وهي القلب وكما‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه لمن رآه يعبث في الصلة لو خشع قلب هذا‬
‫لخشعت جوارحه ومن هذا الباب قوله تعالى ^ ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم‬
‫الخر يوادون من حاد ال ورسوله ^ وقوله ^ ولو كانوا يؤمنون بال والنبي وما‬
‫^ أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ^ وقوله ^ ولو ارادوا الخروج لعدوا له عدة‬

‫فإن الرادة التي في القلب مع القدرة توجب فعل المراد والسفر في غزوة بعيدة ل‬
‫يكون إل بعده ومن هذا الباب أن عثمان قال لعمر لما شاوره في المرأة التي أقرت‬
‫بالزنا إني أراها تستهل به استهلل من ل يعرف أنه حرام فإنه لما رآها تجهر بما‬
‫فعلته وتحكيه من غير اكتراث تبين له أنها لم تعتقد تحريمه وأنه يذم وتعاقب عليه‬
‫ووافقه عمر وعلي وغيرهما على ذلك والرجل الصادق البار يظهر على وجهه من‬

‫‪748‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪749‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫نور صدقه وبهجة وجهه سيما يعرف بها وكذلك الكاذب الفاجر وكلما طال عمر‬
‫النسان ظهر هذا الثر فيه حتى إن الرجل يكون في صغره جميل الوجه فإذا كان‬
‫من أهل الفجور مصرا على ذلك يظهر عليه في آخر عمره من قبح الوجه ما أثره‬
‫باطنه وبالعكس وقد روى عن ابن عباس أنه قال إن للحسنة لنورا في القلب وضياء‬
‫في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة‬
‫في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن وبغضة في قلوب الخلق وقد يكون‬
‫الرجل ممن ل يتعمد الكذب لكن يعتقد اعتقادات‬

‫باطلة كاذبة في ال أو في رسله أو في دينه أو عباده الصالحين وتكون له زهادة‬


‫وعبادة واجتهاد في ذلك فيؤثر ذلك الكذب الذي ظنه صدقا وتوابعه في باطنه‬
‫ويظهر ذلك على وجهه فيعلوه من القترة والسواد ما يناسب حاله كما قال بعض‬
‫السلف لو أدهن صاحب البدعة كل يوم بدهان إن سواد البدعة لفي وجهه وهذه‬
‫المور تظهر يوم القيامة ظهورا تاما قال تعالى ^ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا‬
‫على ال وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي ال الذين اتقوا‬
‫بمفازتهم ل يمسهم السوء ول هم يحزنون ^ وقال تعالى ^ يوم تبيض وجوه وتسود‬
‫وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‬
‫^ وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة ال هم فيها خالدون‬

‫قال ابن عباس وغيره تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة‬
‫والفرقة والمقصود أن ما في القلوب من قصد الصدق والمحبة والبر ونحو ذلك قد‬
‫يظهر على الوجه حتى يعلم ذلك علما ضروريا من أبلغ العلوم الضرورية وكذلك ما‬
‫فيها من قصد الكذب والبغض والفجور وغير ذلك والنسان يرافق في سفره من لم‬
‫يره قط إل تلك الساعة فل يلبث إذا رآه حدة وسمع كلمه أن يعرف هل هو مأمون‬
‫يطمئن إليه أو ليس كذلك وقد يشتبه عليه في أول المر وربما غلط لكن العادة‬
‫الغالبة أنه يتبين ذلك بعد لعامة الناس وكذلك الجار يعرف جاره والمعامل يعرف‬
‫معامله ولهذا لما شهد عند عمر بن الخاطب رجل فزكاه آخر قال هل أنت جاره‬
‫الدنى تعرف مساءه وصباحه قال ل قال هل عاملته في الدرهم والدينار الذين‬
‫تمتحن بهما أمانات الناس قال ل قال هل رافقته في السفر الذي ينكشف فيه أخلق‬
‫الناس قال ل قال فلست‬

‫تعرفه وروي أنه قال لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد وذلك أن المنافق قد‬
‫يظهر الصلة فمن لم يخبره ل يعرف باطن أمره كما قيل ‪ %‬ذئب ‪ %‬تراه مصليا‬
‫‪ %‬فإذا مررت به ركع ‪ %‬يدعو وجل دعائه ‪ %‬ما للفريسة ل تقع وإذا الفريسة‬
‫‪ %‬خليت ‪ %‬ذهب التنسك والورع‬
‫فإذا كان كذلك فمن نبأه واصطفاه للرسالة كان قلبه من أفضل القلوب صدقا وبرا‬
‫ومن افترى على ال الكذب كان قلبه من شر القلوب كذبا وفجورا كما قال عبد ال‬
‫بن مسعود إن ال نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه‬

‫‪749‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪750‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫لرسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب‬

‫العباد فاتخذهم لصحبة نبيه وإقامة دينه فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند ال حسن‬
‫وما رآه المؤمنون سيئا فهو عند ال سيىء وقال عبد ال بن مسعود من كان منكم‬
‫مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي ل يؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد أبر‬
‫هذه المة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم ال لصحبة نبيه وإقامة دينه‬
‫فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم وإذا كان من‬
‫أعظم بل أعظم أهل زمانه صدقا وبر فإنه ل بد أن يظهر على فلتات لسانه‬
‫وصفحات وجهه ما يناسب ذلك كما أن الكاذب الكافر ل بد أن يظهر على وجهه‬
‫وفلتان لسانه ما يناسب ذلك وهذا يكون تارة حين إخباره بما يخبر به وتارة موجودا‬
‫في غير تلك الحال فإن الرجل إذا جاء وقال إن السلطان أو المير أو الحاكم أو‬
‫الشيخ أو فلنا أرسلني إليكم بكذا فإنه قد يقترن بنفس إخباره من كيفيته وحاله ما‬
‫يعلم به أنه صادق أو كاذب وإن كان معروفا قبل ذلك‬

‫بالصدق أو الكذب كان ذلك دللة أخرى وقد يكون ممن يكذب ولكن يعرف أنه‬
‫صادق في ذلك الخبر دع من يستمر على خبر واحد بضعا وعشرين سنة مع‬
‫أصناف الناس واختلف أحوالهم ومما ينبغي أن يعلم أن الناس تختلف أحوالهم في‬
‫المعرفة والخبرة والنظر والستدلل في جميع المعارف فقد يتفطن النسان لدللة ل‬
‫يتفطن لها غيره وقد يتبين له ما يخفى على غيره حتى النبياء يتفاضلون كما قال‬
‫تعالى ^ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم‬
‫شاهدين ففهمناها سليمان وكل آتينا حكما وعلما ^ والمقصود أن العلم بصدق‬
‫الصادق وكذب الكاذب كغيرهما من المعلومات قد يكون ضروريا وقد يكون نظريا‬
‫وهو ليس من الضروريات الكلية الولية كالعلم بأن الواحد نصف الثنين بل من‬
‫العلم بالمور المعينة كالعلم بحمرة الخجل وصفرة الوجل وعدل العادل وظلم الظالم‬
‫ونحو ذلك مما يعرفه الخبير بذلك علما ضروريا وإذا كان استدلليا فالمعرفة بالعلم‬
‫ل تحصل بمجرد وجود‬

‫الدليل في نفسه بل ل بد من معرفة القلب به والناس متفاوتوت في ذلك والدليل أبدا‬


‫هو ما استلزم المدلول فكل ما كان مستلزما للشيء كان دليل عليه لكن ل بد من‬
‫معرفته ومعرفة أنه مستلزم ثم إذا حصل العلم صار ضروريا وقد يكون ضروريا‬
‫بل واسطة دليل معين وليس العلم بالمعينات كالعلم بصدق هذا وكذب هذا مما يحتاج‬
‫فيه إلى القياس الشمولي فإن ذلك إنما يفيد بتوسط قضية كلية والمعينات قد ل يحتاج‬
‫فيها إلى ذلك وإن كان ل بد فيها من خبرة بحال ذلك المعين وإذا كان القائل إني‬
‫رسول ال إما أن يكون من خيار الناس وأصدقهم وأبرهم وأفضلهم وإما أن يكون‬
‫من شرار الناس وأكذبهم وأفجرهم والفرق بين هذين يكون من وجوه كثيرة ل تكاد‬
‫تنضبط كل منها يعرف به صدق هذا وكذب هذا وكانت المعرفة بذلك قد تحصل‬
‫عند سماع خبر هذا وخبر هذا رؤية وجهه وسماع كلمه وما يلزم ذلك ويقترن به‬

‫‪750‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪751‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫من بهجة الصدق ونوره ومن ظلمة الكذب وسواده وقبحه يتبين بذلك أن كثيرا من‬
‫الناس يحصل لهم علم ضروري بأن‬

‫هذا النبي صادق وهذا المتنبي كاذب بمثل ذلك من قبل أن يروا خارقا للعادة وقول‬
‫بعض المتكلمين ما لم يكن خارقا للعادة ل اختصاص للنبي به فل يدل فيقال له لفظ‬
‫خرق العادة لفظ مجمل وإن تعين دعوى النبوة صدقا وكذبا ليس هو أمرا معتادا ولم‬
‫يقع هذا إل في أفراد من العالم وهو أقل بكثير من الخبار بالمغيبات فإن هذا أكثر‬
‫في الوجود من دعوى النبوة إذ كل نبي يخبر بالمغيبات وليس كل من أخبر بها كان‬
‫نبيا وهؤلء الذين يقولون هذا يقول أكثرهم أو كثير منهم إن دعوى النبوة والتحدي‬
‫والمعجز مجموعها هو المختص بالنبي وإل فهم يقولون إن ما كان معجزة لنبي جاز‬
‫أن يظهر على يدي ولي أو ساحر وإنما يفرق بينهما التحدي وعدم المعارضة ومنهم‬
‫من ينكر هرق العادة أن يظهر علىخ يد غير نبي ومنهم من ل يفرق بين الولي‬
‫والساحر إل ببر هذا وفجور هذا ومنهم من يطرد ذلك في النبي ل سيما متفلسفة‬
‫اليونان فإنهم من أجهل‬

‫الناس بأمر النبوة إذ كانوا لم يأخذوها من العلم بصدق النبياء وبما جاؤوا به من‬
‫اليات والبراهين والعلم بصفاتهم وإنما أخذوها من القياس على المنامات فجوزا فيها‬
‫مثل ما يجوز على النائم من الحلم والتخيل وما يصيب أهل المرة السوداء مما‬
‫يشبه ذلك وهذا هو الموجود في عامة أتباع أرسطو ولكن متأخروهم كابن سينا ضم‬
‫إلى ذلك تصرفه في هيولي العالم لما بلغه من خوارقهم الفعلية التي لم يكن يعرفها‬
‫أولئك إذ كان علم أرسطو هو ما كان يعلمه قومه من اليونان وهم أمة أولد يافث لم‬
‫يكن‬

‫فيهم ما في أولد سام كهود وصالح وغيرهما ثم أولد إبراهيم الخليل الذي وعده ال‬
‫أن يجعل في ذريته النبوة والكتاب حتى يكون علم النبوة مشهورا فيهم وقد جعل ال‬
‫تعالى من زمن الخليل في ذريته النبوة والكتاب كما أخبر بذلك في القرآن وهم لم‬
‫يكونوا من ذريته ول كانوا خبيرين بأحوال ذريته وقد ذكر طائفة منهم كمحمد بن‬
‫يوسف العامري وصاعد بن صاعد الندلسي أن أساطينهم خمسة‬

‫ثم أربعة ابندقلس ثم فيثاغورس ثم سقراط ثم أفلطن قدموا الشام واستفادوا من بني‬
‫إسرائيل ولهذا لم يكن من هؤلء من قال بقدم العالم بخلف أرسطو قالوا فإنه لم يقدم‬
‫الشام وذكر هؤلء كمحمد بن يوسف العامري وغيره أن أول من لقب بالحكمة لقمان‬
‫وأن ابندقلس استفاد منه ومن أتباع داود عليه السلم‬

‫فإنه كان في زمن داود وإذا كان هذا قول هؤلء النظار وأهل الكلم والفلسفة فمجرد‬
‫خارق العادة عندهم ليس وحده مستلزما للنبوة حتى يكون وحده دليل بل ل بد أن‬
‫ينضم إلى ذلك التحدي وعدم المعارضة ولهذا لما اختلف قول طائفة منهم كأبي‬

‫‪751‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪752‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫الحسن وأتباعه هل يجوز ظهور الخارق على يدالكاذب فقيل ل يجوز لنه يعلم‬
‫النبوة فيمتنع أن يتخلف عنه مدلوله كسائر الدلة وقيل بل يجوز ولكن ال ل يفعله ثم‬
‫قيل لنه يستلزم عجزه عن تصديق الرسول إذ ل طريق إليه إل المعجز عندهم‬
‫وقيل بل هو مقدور ممكن ولكن نحن نعلم اضطرارا أنه ل يفعله مثل كثير مما يمكن‬
‫في العادة ونعلم أن ال ل يفعله وجميع من جمع بين القولين وقال مجموع ما يدل‬
‫على النبوة وهو الخارق السالم عن المعارض يمتنع أن يكون لغير نبي بخلف‬
‫جنس الخارق فقيل له هذا المتناع إما أن يكون عاديا وإما أن يكون لستلزامه‬
‫العجز عن تصديق النبي وذلك ممتنع فإذا كا ممتنعا لستلزامه العجز عن تصديق‬
‫النبي وذلك ممتنع فإذا كان ممتنعا لستلزامه أمرا ممتنعا وإذا كان انفلت‬

‫العادة ليس عندك ممتنعا فل بد لك من ذلك الجواب وهو القول بأنا نعلم ضرورة أن‬
‫ذلك لم يكن ثم إذا علمت أن هذا علم ضروري وأن العلم بدللتها على الصدق أمر‬
‫ضروري كالمثل الذي ضربته في إرسال الملك رسول وقول رسوله إن كنت صادقا‬
‫فغير عادتك بقيامك ثم قعودك ففعل ذلك عقب سؤال الرسول فإن ذلك يوجب العلم‬
‫الضروري بصدق الرسول وقيل لك الملك تعلم عادته ويعلم أنه فعل ذلك للتصديق‬
‫والرب عندك لم يخلق شيئا لشيء فقلت بل يخلق شيئا مقارنا لشيء كالعاديات وهذا‬
‫منها فقيل لك العادات قد تكررت فقلت قد نعلم ذلك بل تكرر وجعلت ذلك من باب‬
‫الدللة الوضعية كدللة اللفظ على قصد المتكلم وقلت قد نعلم قصده اضطرار من‬
‫غير سبق مواضعة وهذه العلوم الضرورية التي ذكرت أنه يعلم بها صدق الرسول‬
‫وإن كانت حقا فجمهور الناس يقولون إنك لم تقر بلوازمها من كونه يفعل لجل كذا‬
‫ويقولون القول بأنه خلق المعجزة لقصد التصديق مع القول بأنه ل يخلق شيئا لجل‬
‫شيء تناقضا فقلت ل يشترط في العلم الضروري العلم بأنه يفعل كذا لجل كذا فقيل‬

‫لك هب أنه كذلك لكن ل يحصل العلم الضروري مع العلم بما يناقضه والمقصود أن‬
‫ما يذكره هؤلء وأمثالهم من النظار بل وعامة الناس هم فيما يثبتونه من العلم‬
‫والحقائق المعلومة اسد منهم وأصوب فيما ينفونه فإن النسان لما يثبته أعلم منه بما‬
‫ينفيه وشهادته على الثبات أقوى من شهادته على النفي وإن كان النفي قد يكون‬
‫معلوما لكن غلط الناس فيما ينفونه ويكذبون به أكثر من غلطهم فيما يثبتونه‬
‫ويصدقون به ولهذا قال تعالى ^ بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ^‬
‫ولهذا تجد من سلك طريقا من الطرق إما في إثبات العلم بالصانع وإما في العلم‬
‫بالنبوة أو العلم بالمعاد أو غير ذلك واحد يقول ل طريق إل هذا الطريق يخطىء في‬
‫النفي اكثر من خطئه في الثبات ومنهم هؤلء فإنهم قد ينفون من العلم والطرق ما‬
‫يعلمه غيرهم بالضطرار ويثبتون ما يقولون أنه معلوم بالضطرار وقد يكون‬
‫غيرهم اصوب فيما يثبته منهم فيما ينفونه بل وفيما يثبتونه‬

‫ولهذا الذين اتفقوا على أنه ل طريق إل المعجزات تنوعوا في وجه دللتها فيثبت‬
‫هؤلء وجها يستدلون به وينفون طريق غيرهم وبالعكس فإذا قالوا ما سوى الخارق‬

‫‪752‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪753‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫للعادة ليس يختص بالنبي فل يدل على نبوته قيل لهم الدليل هو الذي يكون مستلزما‬
‫للمدلول يلزم من تحققه تحقق المدلول ولفظ الخارق للعادة فيه إجمال كما تقدم‬
‫وحينئذ فنفس إنباء ال للنبي واصطفائه لرسالته وإقداره على التلقي من الملك هو‬
‫من خوارق العادات وذلك من المعجزات التي أعجز ال الخلق أن يفعلوه وهو‬
‫مختص بالنبياء وهذا الوصف أجل وأعظم قدرا من غيره من الخوارق والمستلزم‬
‫لهذا الخارق ل يكون إل خارقا وهو الدليل إذ يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت اللزم‬
‫ومن انتفاء اللزم انتفاء الملزوم والمعتاد الذي يوجد بدون النبوة ل يكون دليل وأما‬
‫ما ل يوجد إل وجدت النبوة فهو دليل فقد تبين أن كل ما يدل على صدق الرسول‬
‫وهو خارق للعادة يكون آية ونبوة على صدقه وأما ما كان خارقا للعادة ول يستلزم‬
‫النبوة فليس يكون دليل وقد يكون الشيء معتادا بدون النبوة ومع النبوة يكون خرقا‬

‫للعادة بحيث يكون وجوده مع النبوة خرق للعادة بخلف وجوده مجردا عنها لن‬
‫النبوة خرق للعادة فل يكون مستلزما لها إل خارق للعادة فقول القائل ل يعلم صدقه‬
‫إل بالمعجزة وهو الخارق للعادة إن أراد به المعنى العام وهو ما يستلزم صدقه بطل‬
‫تخصيصه ذلك بما يخلقه منفصل عنه من اليات وإن أراد بذلك نوعا مخصوصا‬
‫مع اشتراك الجميع في الدللة ظهر بطلن نفيه وأما ما يوجد بدونها كنا يوجد معها‬
‫كالمور التي تكون للصادق في دعوى النبوة والكاذب في دعوى النبوة فهذه ل تدل‬
‫وما يظهره ال على يد النبي من النواع التي بها يعرف صدقه ليس فيها شيء يكون‬
‫للكاذب بل الكاذب ل يكون له من الدلة إل ما يستلزم كذبه فكل ما يدل على كذب‬
‫الكاذب ل يدل على صدق الصادق وبالعكس فإن دليل الكذب مستلزم له ودليل‬
‫الصدق مستلزم له وهما ضدان يمتنع ان يكون مدعي النبوة نبيا صادقا ومتنبئا كاذبا‬
‫والضدان ل يجتمعان فيمتنع أن يكون شيء واحد يدل على الضدين وهذه القاعدة‬
‫ينتفع بها في مواضع‬

‫منها أن كثيرا من الناس إذا رأوا الكاذب وسمعوا كلمه تبين لهم كذبه تارة بعلم‬
‫ضروري وتارة بعلم استدللي وتارة بظن قوي وكذلك النبي الصادق إذا رأوه‬
‫وسمعوا كلمه فقد تبين لهم صدقه بعلم ضروري أو نظري وقد يكون أول بظن‬
‫قوي ثم يقوى الظن حتى يصير يقينيا كما في العلوم بالخبار المتواترة والتجارب‬
‫فإن خبر الول يفيد نوعا من الظن ثم يقوى بخبر الثاني والثالث حتى يصير يقينا‬
‫وهذا الطريق سلكها طوائف من الناس وممن نبه على ذلك القاضي عياض قال‬
‫القاضي عياض إذا تأمل المتأمل المنصف ما قدمنا من جميل أثره وحميد سيره‬
‫وبراعة علمه ورجاحة عقله وحلمه وجملة كماله وجميع خصاله وشاهد حاله‬
‫وصواب مقاله لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته قال وقد كفى هذا غير واحد‬
‫في إسلمه واليمان به فروينا عن الترمذي وابن قانع وغيرهما بأسانيدهم أن عبد‬
‫ال بن سلم قال لمل قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة جئته لنظر إليه‬
‫فلما استبنت وجهه‬

‫‪753‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪754‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب رواه غير واحد كعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن‬
‫جعفر وابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة‬

‫العرابي عن زرارة بن أوفى عن عبد ال بن سلم وعن أبي رمثة البلوي قال أتيت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ومعي لي ابن لي فأريته فلما رأيته قلت هذا نبي ال‬
‫وروى مسلم في صحيحه وغيره عن ابن عباس أن ضمادا قدم‬

‫مكة وكان من أزد شنؤة وكان يرقى من هذا الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون‬
‫إن محمدا مجنون فقال لو أني رأيت هذا الرجل لعل ال يشفيه على يدي قال فلقيه‬
‫فقال يا محمد إني ارقي من هذه الريح وإن ال يشفي على يدي من شاء ال فهل لك‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم إن الحمد ل نحمده ونستعينه من يهده ال فل‬
‫مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد ان ل إله إل ال وحده ل شريك له واشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فقال أعد علي كلماتك هؤلء فأعادهن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ثلث مرات قال فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة‬
‫وقول الشعراء فما سمعت بمثل كلماتك هؤلء ولقد بلغن قاموس البحر هات يدك‬
‫أبايعك على السلم فبايعه فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى قومك قال‬
‫وعلي قومي الحديث‬

‫وقال جامع بن شداد كان منا رجل يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم بالمدينة فقال هل معكم شيء تبيعونه قلنا هذا البعير قال بكم قلنا بكذا‬
‫وكذا وسقا من تمر فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة فقلنا بعنا رجل ل ندري من هو‬
‫ومعنا ظعينة فقالت أنا ضامنة لثمن البعير رأيت وجه رجل مثل القمر ليلة البدر ل‬
‫يخيس بكم فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال انا رسول رسول ال إليكم يأمركم أن‬
‫تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا‬

‫وفي خبر الجلندي ملك غسان لما بلغه رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعوه‬
‫إلى السلم فقال الجلندي وال لقد دلني على هذا النبي المي أنه ل يأمر بخير إل‬
‫كان أول آخذ به ول ينهى عن شر إل كان أول تارك له وأنه يغلب فل يبطر ويغلب‬
‫فل يضجر ويفي بالعهد وينجز بالموعود وأشهد أنه نبي وقال نفطويه في قوله تعالى‬

‫يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ^ هو مثل ضربه ال لنبيه يقول يكاد منظره ^‬
‫يدل على نبوته وإن لم يتل قرآنا كما قال ابن رواحة ‪ %‬لو لم يكن فيه آيات مبينة‬
‫‪ % %‬كانت بديهته تنبيك بالخبر‬
‫قلت وإيمان خديجة وأبو بكر وغيرهما من السابقين الولين كان قبل انشقاق القمر‬
‫وقبل إخباره بالغيوب وقبل تحديه بالقرآن لكن كان بعد سماعهم القرآن الذي هو‬
‫نفسه آية مستلزمة لصدقه ونفس كلمه وإخباره بأني رسول ال مع ما يعرف من‬
‫أحواله مستلزم لصدقه إلى غير ذلك من آيات الصدق وبراهينه بل خديجة قالت له‬

‫‪754‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪755‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫كل وال ل يخزيك ال أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري‬
‫الضيف‬

‫وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق فكانت عارفة بأحواله التي تستلزم نفي‬
‫كذبه وفجوره وتلعب الشيطان به وأبو بكر كان من أعقل الناس وأخيرهم وكان‬
‫معظما في قريش لعلمه وإحسانه وعقله فلما تبين له حاله علم علما ضروريا أنه نبي‬
‫صادق وكان أكمل أهل الرض يقينا علما وحال وكذلك هرقل ملك النصارى لما‬
‫أرسل إليه النبي صلى ال عليه وسلم يدعوه إلى السلم سأل عن عشرة خصال كما‬
‫في الصحيحين عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في قال‬
‫انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول ال صلى ال علي وسلم قال فبينا أنا‬
‫بالشام إذ جيء بكتاب من رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هرقل قال وكان دحية‬
‫الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقال هرقل‬
‫هل هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم‬

‫قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيكم أقرب‬
‫نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه‬
‫وأجلسوا أصحابي خلفي فدعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل‬
‫الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه قال فقال ابو سفيان وأيم ال لول مخافة أن‬
‫يؤثر علي الكذب لكذبت عليه ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا‬
‫ذو حسب قال فهل كان من آبائه ملك قلت ل قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن‬
‫يقول ما قال قلت ل قال ومن اتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم‬

‫قال أيزيدون أم ينقصون قلت ل بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن‬
‫يدخل فيه سخطة له قال قلت ل قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه‬
‫قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجال يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قلت‬
‫ل ونحن منه على مدة ما ندري ما هو صانع فيها قال فوال ما أمكنني من كلمة‬
‫أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل قال هذا القول أحد قبله قال قلت ل قال لترجمانه‬
‫قل له إني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب وكذا الرسل تبعث في‬
‫أحساب قومها وسألتك هل كان من آبائه من ملك فزعمت أن ل فقلت لو كان من‬
‫آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت‬
‫بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال‬
‫فزعمت أن ل فقد عرفت أنه لم يكن ليدع‬

‫الكذب على الناس ثم يذهب ويكذب على ال وسألتك هل يرتد احد منهم عن دينه بعد‬
‫ان يدخل فيه سخطة له فزعمت أن ل فكذلك اليمان إذا خالط بشاشة القلوب وسألتك‬
‫هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك اليمان حتى يتم وسألتك هل‬
‫قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجال ينال منكم وتنالون‬

‫‪755‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪756‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنه ل يغدر‬
‫وكذلك الرسل ل تغدر وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله فزعمت أن ل فقلت لو‬
‫قال هذا القول أحد قبله قلت رجل أئتم بقول قيل قبله ثم قال بم يأمركم قلت يأمرنا‬
‫بالصلة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يكن ما تقول فيه حقا إنه نبي وقد كنت‬
‫أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص إليه لحببت لقاءه ولو كنت‬
‫عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ثم دعا‬

‫بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم ال الرحمن الرحيم من‬
‫محمد رسول ال إلى هرقل عظيم الروم سلم على من اتبع الهدى أما بعد فإني‬
‫ادعوك بدعاية السلم أسلم تسلم وأسلم يؤتك ال أجرك مرتين وإن توليت فإن عليك‬
‫إثم الريسيين و ^ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل‬
‫ال ول نشرك به شيئا ول يتخذ بعضنا بعضا أرباب من دون ال فإن تولوا فقولوا‬
‫اشهدوا بأنا مسلمون ^ وفي رواية فماذا يأمركم به قال يأمرنا أن نعبد ال وحده ول‬
‫نشرك به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلة والصدقة والعفاف‬
‫والوفاء بالعهد وأداء المانة وقال فهذه صفة نبي وما استدل به ملك النصارى هرقل‬
‫من العلم بصفاته هو‬

‫استدلل على عينه فإن الناس في النبوة على درجات منهم من يحتاج إلى أن يعلم‬
‫جنس النبوة فيصدق بجنس الرسل من البشر ل يكذب بالجنس كما كذب بذلك من‬
‫كذب من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ولهذا يقول تعالى ^ كذبت قوم نوح‬
‫المرسلين ^ ^ كذبت عاد المرسلين ^ ^ كذبت ثمود المرسلين ^ لن تكذيبهم لم يكن‬
‫لشخص واحد بل كانوا مكذبين لجنس الرسل وهؤلء يخاطبهم ال في السور المكية‬
‫كقوله تعالى ^ وما قدروا ال حق قدره إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من شيء قل‬
‫من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ^ فاحتج بإنزال كتاب‬
‫موسى لما تواتر في خبره من اليات الباهرات الدالة على صدقه والنجيل تبع‬
‫للتوراة في الكتاب للتوراه ثم قال ^ وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه‬
‫^‬

‫لما قام من اليات الدالة على نزوله ولهذا يذكر سبحانه في السور المكية من تثبيت‬
‫أمر الرسل وآياتهم وبراهينهم وحسن عاقبتهم ومن ضلل مخالفيهم وجهلهم وغيهم‬
‫وخذلنهم وسوء عاقبتهم ما فيه عبرة ومن الناس من يقر بالرسل في الجملة لكن ل‬
‫يؤمن بما يجب من حقيقة إرسالهم كالملحدة وأهل البدع الذين يعظمون النبياء مع‬
‫اعتقادهم في الباطن ما يناقض بعض ما جاءوا به لشبهات انعقدت في قلوبهم ظنوها‬
‫علوما عقلية وهي مناقضة لما أخبرت به الرسل فيحتاجون إلى ان يوفقوا بينهما‬
‫وهؤلء يشبهون الذين قال ال فيهم ^ سزرة النساء اليات ‪ ^ 63 60‬وقد اخبر ال‬
‫أنه جعل للنبياء من يعاديهم من النس والجن فقال تعالى‬

‫‪756‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪757‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫سورة لنعام اليات ‪ ^ 116 112‬وقال تعالى ^ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من ^‬
‫المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ^ وهؤلء الذين عندهم ما يناقض بعض ما‬
‫أخبرت به الرسل هم ثلثة اصناف‬
‫أهل الخييل من الملحدة المتفلسفة والباطنية الذين يقولون إن الرسل أخبروا من‬
‫أمر اليمان بال واليوم الخر بما يخالف الحق في نفس المر ليخيلوا إلى الجمهور‬
‫ما ينتفعون به ويعدون هذا من فضائل الرسل وقد بسط الرد على هؤلء في غير‬
‫موضع‬

‫وأهل التحريف والتأويل الذين يؤلون كلمهم على ما يخالف مرادهم ويزعمون‬
‫أنهم أرادوا ذلك المعنى مع انه ليس في كلمهم ما يدل على إرادة ذلك المعنى بل‬
‫كلمهم يدل على إرادة خلفه‬
‫وأهل التجهيل الذين يقولون ذلك الكلم ليس له معنى يعلمه الرسل ول غيره وإنما‬
‫يعلمه ال وحده وهذان القولن يقول بكل منها طوائف معظمين للرسل وقد تبين‬
‫فسادهما في غير هذا الموضع وأما من قال إن الرسل وغيرهم يعلمون المعنى الذي‬
‫بينه ال لهم بكلمه ولكن استأثر ال بعلم امر آخر ل يعلمونه كما استأثر بعلم غيب‬
‫الساعة فهذا قول السلف والئمة وبسط هذا له موضع آخر والمقصود هنا أن الكلم‬
‫في النبوات تارة في جنسها وتارة في شخص النبي المعين وهرقل ملك الروم لم يكن‬
‫محتاجا إلى اليمان بجنس النبوات فإنه كان من أهل الكتاب وأهل الكتاب يقرون‬
‫بجنس النبوة فإنهم يقرون نبوة نوح والخليل وموسى وأنبياء بني إسرائيل والنصارى‬
‫تقر مع ذلك بالمسيح والنجيل والذين يحتاجون إلى معرفة النبي المعين نوعان‬
‫نوع عرفوا أنه يبعث نبي وقد يعرفون بعض نعوته فيحتاجون أن يعرفوا عينه‬
‫وهرقل وأمثاله من أهل الكتاب كانوا من هذا النوع وكانوا يعلمون أن نبيا سيبعث‬
‫وإنما كانت حاجتهم أن يعرفوا‬

‫هل هو هذا النبي المذكور ام غيره فيكون ما يحتاجون إليه من دلئل صدقه أيسر ما‬
‫يحتاج إليه من ل يؤمن بالرسل او ل يعرف أن نبيا سيبعث ومن كان يعلم جنس‬
‫الرسل ول يدري هل يبعث نبي أم ل يحتاج إلى تعلم أن هذا المعين هل هو من‬
‫جنس النبياء الصادقين أو من جنس المتنبئين الكاذبين وهذا يعرف بما يخصه من‬
‫آيات صدقه وباعتبار ما جاء به النبياء قبله فإن أصول ذلك مما ل يمكن اختلف‬
‫النبياء فيه وهي المور التي ل تقبل النسخ كالخبار عن ال وملئكته وكتبه ولسله‬
‫واليوم الخر فهذا مما ل يمكن اختلف النبياء فيه إذ كان كل ما يخبر به النبي فهو‬
‫صدق والخبار الصادقة ل تتناقض ول تقبل النسخ ولكن قد يكون بعض النبياء‬
‫أعلم ببعض ذلك من بعض وفي كلم بعضهم من الخبار ببعض ذلك ما ليس في‬
‫كلم بعض وما أخبر به محمد صلى ال عليه وسلم هو أكمل وأكثر مما أخبر به‬
‫موسى والمسيح صلوات ال وسلمه عليهم وقد يظن بعض الغالطين تناقض بعض‬
‫أخبار النبياء كما يظن بعض الغالطين معارضة العقل لما أخبروا به وهذا ممتنع بل‬

‫‪757‬‬
‫‪www.anassim.fr.st‬‬ ‫‪758‬‬ ‫الن سي ــــ ـــ ـم‬

‫ل بد أن يكون المعارض العقلي خطأ ليس بمعقول صحيح أو السمعي لم يثبت عنهم‬
‫لفظه أو دللته وكذلك الخبار ل بد أن يكون أحد‬

‫الخبرين كذبا أو غير دال على مناقضة الخبر الخر وأما الصول الجامعة كالمر‬
‫بعبادة ال وحده ل شريك له وبر الوالدين والصدق والعدل وتحريم الجناس الربعة‬
‫وهي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق والشراك بال وأن‬
‫يقال عليه غير الحق وذلك مثل ما ذكره في سورة النعام والعراف وبني إسرائيل‬
‫وقد تنازع الناس في مثل هذا هل يمكن نسخه وتنوع الشرائع به على قولين فمن‬
‫جوز أن يأمر ال بكل شيء وينهى عن كل شيء رد ذلك إلى محض المشيئة ل إلى‬
‫صفات تقتضي المر بهذا دون هذا فإنهم جوزوا دخول النسخ في هذا وتنوع‬
‫الشرائع فيه كما يقوله جهم بن صفوان والشعري ومن وافقه من أصحاب مالك‬
‫والشافعي وأحمد وإن كانوا يقولون إنه لم يقع فيه نسخ وأما جمهور الناس من‬
‫السلف والخلف فإنهم ل يجوزون دخول النسخ في هذا ول تنوع الشرائع فيه ولهذا‬
‫كان دين النبياء واحدا كما قال تعالى ^ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا‬
‫صالحا إني بما تعملون عليم‬

‫وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ^ وقال تعالى ^ شرع لكم من الدين ما‬
‫وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا‬
‫الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ^ وقال تعالى ^ فأقم‬
‫وجهك للدين حنيفا فطرت ال التي فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ال ذلك الدين‬
‫القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون ^ وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال إنا معاشر النبياء ديننا واحد وهذا مبسوط في موضع آخر‬

‫‪758‬‬

You might also like