You are on page 1of 49

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫سبيل النجاة والفكاك‬


‫من موالة الرتدين والتراك‬

‫للشيخ المام‬
‫حد بن علي بن عتيق‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫وبه نستعي‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‬

‫المند ل الذي أنزل على عبده الكتاب قيما بل اعوجاج‪ ،‬وجعله عصنمة لنن‬
‫ت سك به وأعت مد عل يه ف الحتجاج‪ ،‬وأوجب فيه مقاط عة أهل الشرك بإيضاح الشر عة‬
‫والنهاج‪ ،‬وال صلة وال سلم على م مد الذي مزّق ال ظلم الشرك ب ا م عه من ال سراج‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا أهل الكفر وباينوهم من غي امتزاج‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإ ن قد تكل مت وشددت ف الن هي عن مولة الشرك ي‪ ،‬ودعوت من حول من‬


‫السلمي إل عداوة الكافرين‪.‬‬

‫ثن كتبنت فن ذلك بعنض اليات الدالة علينه‪ ،‬منع كلمات قليلة منن كلم بعنض‬
‫الحققي من أهل العلم والدين‪ .‬وما كنت أظن أن من قرأ القرآن وآمن أنه كلم ال وأن‬
‫ال تعبدنا بالعمل به والقيام‪ ،‬إل إذا سع ذلك أذعن له وانقاد‪ ،‬وبادر إل السمع والطاعة‬
‫لكمه‪ ،‬لقوله تعال‪{ :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء قليل ما‬
‫تذكرون}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬فل وربنك ل يؤمنون حتن يكموك فيمنا شجنر بينهنم ثن ل‬
‫يدوا ف أنف سهم حر جا م ا قض يت وي سلموا ت سليما}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬فإ ما يأتين كم م ن‬
‫هدى فمن اتبع هداي فل يضل ول يشقى‪ .‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا‬
‫ونشره يوم القيامة أعمى‪ .‬قال رب ل حشرتن أعمى وقد كنت بصيا‪ .‬قال كذلك أتتك‬
‫آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}‪.‬‬

‫فح صل من ب عض الاهل ي والعاند ين إنكارٌ لذلك‪ ،‬وج حد ل ا أو جب ال القيام‬


‫والقرار به‪ ،‬فصار النتسبون إل العلم والدعون أنم من طلبته ف ذلك أقسام‪:‬‬

‫طائ فة منهم‪ :‬ا ستحسنت العار ضة الاهلة الضالة ورضيت ها‪ ،‬وإن ل تصرح بذلك‪،‬‬
‫فإنه ظاهر على وجوهها‪.‬‬

‫وطائ فة‪ :‬كر هت العار ضة وا ستجهلت صاحبها‪ ،‬ولكن ها ل تف عل ما أو جب ال‬


‫عليها من رد ذلك‪ ،‬والنكار على سالكه‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ولول منا وقنع لؤلء‪ ،‬لان كان العارض مسناويا لنن ياوبنه‪ ،‬فلجنل ذلك كتنب‬
‫شيخ نا ع بد الرح ن بن ح سن ر سالة مفيدة ف الرد على هذه العارض‪ ،‬ن قض في ها أقواله‬
‫نقضا بديعا‪ ،‬وهي كافية ف الرد عليه‪ ،‬فصار شيخنا‪ ،‬هو إمام الطائفة الرادة لقوال أهل‬
‫الباطل‪ ،‬النكرة لا‪ ،‬وال ناصر دينه ومظهره على الدين كله ولو كره الكافرون‪.‬‬

‫كاتبن إن شاء ال تعال كلمات‪ ،‬فيهنا بيان لشياء وقنع الغلط فيهنا منن‬‫ٌ‬ ‫ثن إنن‬
‫ينتسنب إل السنلم‪ ،‬بنل منن كثين منن ينتسنب إل العلم‪ ،‬لقول ال تعال‪{ :‬إن الذينن‬
‫يكتمون ما أنزلنا من البينات والدى من بعد ما بيناه للناس ف الكتاب أولئك يلعنهم ال‬
‫ويلعن هم اللعنون}‪ ،‬وقوله تعال‪{ :‬وإذ أ خذ ال ميثاق الذ ين أوتوا الكتاب ل تبيننه للناس‬
‫ول تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثنا قليل فبئس ما يشترون}‪.‬‬

‫منها‪ :‬وجوب معاداة الكفار والشركي ومقاطعتهم‪ ،‬ومنها‪ :‬شيء ما يصي الرجل‬
‫به مرتدا‪ ،‬ومن ها‪ :‬ما يعذر الر جل به على مواف قة الشرك ي وإظهار الطا عة ل م‪ ،‬ومن ها‪:‬‬
‫مسألة إظهار الدين‪ ،‬ومنها‪ :‬مسألة الستضعاف‪ ،‬ومنها‪ :‬وجوب الجرة‪ ،‬وأنا باقية‪.‬‬

‫وسيت هذا الكتاب‪" :‬سبيل النجاة والفكاك من موالة الرتدين والتراك"‪.‬‬

‫وأسأل ال تعال أن يعله مبنيا على الخلص‪ ،‬وأن ينفع به من قرأه أو سعه طلبا‬
‫للنجاة واللص‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫اعلم أن ال سبحانه وتعال‪ ،‬بعث ممد صلى ال عليه وسلم بالدى ود ين الق‪،‬‬
‫فبي للناس ما نزل إليهم‪ ،‬فما من خي إل دلم عليه وعرفهم الطريق الوصلة إليه‪ ،‬وما من‬
‫شر إل حذرهم منه وسد عليهم أبوابه الفضية إليه‪.‬‬

‫ومنن أعظنم ذلك أننه أخنبهم أن‪( :‬السنلم بدأ غريبا وسنيعود غريبنا كمنا بدأ)‬
‫وأخبهم بظهور الفت الت‪( :‬كقطع الليل الظلم‪ ،‬يصبح الرجل فيها مؤمنا ويسي كافرا‬
‫وي سي كافرا وي صبح مؤم نا‪ ،‬يبيع دي نه بعرض من الدن يا) فكان وقوع هذا ل ا و قع هو‬
‫وأمثاله‪ ،‬من الدلة على أنه رسول ال‪.‬‬

‫ومان أخنب بنه‪ :‬أن أمتنه تقاتنل الترك الكفار‪ ،‬ووصنفهم بأنمن صنغار العيون ذلف‬
‫النوف‪ ،‬كأن وجوههم الجان الطرقة‪ .‬ومعن ذلف النوف‪ :‬أنا قصار منبطحة‪.‬‬

‫والجان‪ :‬ج ع مِ جن‪ ،‬و هو الترس‪ .‬أراد أ نه وجوه هم م ستديرة ناتئة وجنات ا‪ .‬هذا‬
‫معن كلم البغوي ف شرح السنة‪.‬‬

‫فكان من حك مة ال وعدله أن سلطهم ف الائة الثال ثة عشرة فخرجوا على أ هل‬


‫الديار النجد ية‪ ،‬لّا ظهرت في هم اللة النيف ية ودعوا إل الطري قة الحمد ية‪ ،‬ول كن ح صل‬
‫من بعضهم ذنوب با تسلطت هذه الدولة الكفرية‪ ،‬فجرى ما هو ثابت ف القدار الزلية‪،‬‬
‫وإن كانت ل تيزه الحكام الشرعية‪ ،‬وال تعال ل يسأل عما يفعل وهم يسألون‪.‬‬

‫وامتحن أهل السلم بأمور تش به ما ذكره ش يخ ال سلم ا بن تيمية رح ه ال‪ ،‬ف‬


‫حادثة ظهور التتار ف زمنه‪ ،‬وهم بادية الترك‪ ،‬فناسب أن نذكر بعض كلمه‪.‬‬

‫قال رح ه ال تعال‪ :‬فإن هذه الفت نة ال ت ابتلي ب ا ال سلمون مع هذا العدو الف سد‬
‫الارج عن شريعة السلم‪ ،‬قد جرى فيها شب ٌه با جرى للمسلمي مع عدوهم على عهد‬
‫ن كتابنه‪ ،‬وابتلى بانننبيه‬
‫رسنول ال صنلى ال علينه وسنلم فن الغازي التن أنزل ال فيه ا‬
‫والؤمني‪ ،‬ما هو أسوة حسنة لن كان يرجو ال واليوم الخر‪ ،‬وذكر ال كثيا‪ ،‬إل يوم‬

‫(‪)4‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫القيامة‪ .‬فإن نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬اللذين ها دعوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تتناول‬
‫عموم اللق بالعموم اللفظي والعنوي‪ ،‬وبالعموم العنوي‪.‬‬

‫وعهود ال ف كتابه وسنته‪ ،‬تتناول آخر هذه المة كما نالت أولا‪ .‬وإنا قص ال‬
‫علينا قصص من قبلنا من المم‪ ،‬ليكون عبة لنا فنشبّه حالنا بالم‪ ،‬ونقيس أواخر المم‬
‫بأوائل ها‪ .‬فيكون للمؤ من من ال ستأخرين ش به ب ا كان للمؤ من من ال ستقدمي‪ ،‬ويكون‬
‫للكافر والنافق من الستأخرين شبه با كان للكافر والنافق من الستقدمي‪.‬‬

‫ك ما قال تعال ل ا قص ق صة يو سف مف صلة و أج ل ذ كر ق صص ال نبياء‪{ :‬ل قد‬


‫كان ف ق صصهم عبة لول اللباب}‪ ،‬وقال ل ا ذ كر ق صة فرعون‪{ :‬فأخذه ال نكال‬
‫الخرة والول‪ .‬إن ف ذلك لعبة لن يشى}‪ ،‬وقال ف ماصرة بن النضي‪{ :‬هو الذي‬
‫أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم}‪ ،‬إل قوله‪{ :‬فاعتبوا يا أول البصار}‪.‬‬

‫فأمرنا أن نعتب بأحوال الستقدمي علينا من هذه المة ومن قبلها‪ ،‬وذكر ف غي‬
‫موضع‪ ،‬أن سنته ف ذلك سنة مطّردة وعادة مستمرة فقال تعال‪{ :‬لئن ل ينتهي النافقون‬
‫والذين ف قلوبم مرض والرجفون ف الدينة لنغرينك بم ث ل ياورونك فيها إل قليل‪.‬‬
‫ملعوني أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل‪ .‬سنة ال ف الذين خلوا من قبل ولن تد لسنة ال‬
‫تبديل}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬ولو قاتلكنم الذينن كفروا لولوا الدبار ثن ل يدون وليا ول‬
‫نصيا‪ .‬سنة ال الت قد خلت من قبل ولن تد لسنة ال تبديل} وأخب سبحانه أن دأب‬
‫الكافرين من الستأخرين‪ ،‬كدأب الكافرين من الستقدمي‪.‬‬

‫فينبغي للعقلء أن يعتبوا سنة ال وأيامه ف عباده‪ ،‬ودأب المم وعاداتم‪ ،‬لسيما‬
‫ف م ثل هذه الادثة العظيمة الت ط بق خبها‪ ،‬وا ستطار ف جيع ديار السلمي شررها‪،‬‬
‫وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه‪ ،‬وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه‪ ،‬وكاد فيها عمود‬
‫الكتاب أن يتث ويترم‪ ،‬وحبل اليان أن ينقطع ويصطلم‪ ،‬وعقي دار الؤمني أن يل با‬
‫البوار‪ ،‬وأن يزول هذا الدين باستيلء الفجرة التتار‪ ،‬وظن النافقون والذين ف قلوبم مرض‬
‫أن‪{ :‬منا وعدننا ال ورسنوله إل غرورا} وأن لن ينقلب حزب ال ورسنوله إل أهليهنم‬
‫أبدا‪ ،‬وزين ذلك ف قلوبم وظنوا ظن السوء وكانوا قوما بورا‪.‬‬

‫ونزلت فت نة تر كت الل يم في ها حيا نا‪ ،‬وأنزلت الر جل ال صاحي منلة ال سكران‪،‬‬


‫وتر كت الر جل اللب يب‪ ،‬لكثرة الو ساوس ل يس بالنائم ول اليقظان‪ ،‬وتناكرت في ها قلوب‬

‫(‪)5‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫العارف والخوان‪ ،‬ح ت أن ف الر جل بنف سه ش غل عن أن يغ يث اللهفان‪ ،‬وميّز ال في ها‬


‫أهل البصائر واليقان من الذين ف قلوبم مرض أو نفاق أو ضعف إيان‪.‬‬

‫ورفع با أقواما إل الدرجات العالية‪ ،‬كما خفض با أقواما إل النازل الاوية وكفّر‬
‫ب ا عن آخر ين أعمال م الاطئة‪ ،‬وحدث من أنواع البلوى ما جعل ها مت صرة من القيا مة‬
‫الكبى‪.‬‬

‫فإن الناس تفرقوا فيها ما بي شقي وسعيد‪ ،‬كما يتفرقون كذلك ف اليوم الوعود‪،‬‬
‫ول ين فع النف عة الال صة إل اليان والع مل ال صال‪ ،‬والب والتقوى‪ ،‬وبل يت في ها ال سرائر‪،‬‬
‫وظهرت البا يا ال ت كا نت تكن ها الضمائر‪ ،‬و تبي أن البهرج من القوال والعمال يون‬
‫صاحبه أحوج ما كان إليه ف الآل‪ ،‬وذم سادته وكباءه من أطاعهم فأضلوه السبيل‪ ،‬كما‬
‫حد ربه من صدق ف إيانه فاتذ مع الرسول سبيل‪ .‬وبان صدق ما جاءت به الخبار‬
‫النبوية من الخبار با يكون‪ ،‬وواطأتا قلوب الذين هم ف هذه المة مدثون أي‪ :‬ملهمون‬
‫كما تواطأت عليها البشرات الت رآها الؤمنون‪.‬‬

‫وتبي فيها الطائفة النصورة الظاهرة‪ ،‬الذين ل يضرهم من خالفهم ول من خذلم‬


‫إل يوم القيامة‪ ،‬حيث تزب الناس ثلثة أحزاب‪:‬‬

‫حزب متهد ف نصرة الدين‪ ،‬وآخر خاذل له‪ ،‬وآخر خارج عن شريعة السلم‪.‬‬

‫وانقسنم الناس بين مأجور ومعذور‪ ،‬وآخنر قند غره بال الغرور‪ ،‬وكان بذا‬
‫المتحان تييزا من ال وتقسيما‪{ :‬ليجزي ال الصادقي بصدقهم ويعذب النافقي إن شاء‬
‫أو يتوب عليهم إن ال كان غفورا رحيما}‪.‬‬

‫قلت‪ :‬و ما ذكره من المتحان والفتتان‪ ،‬قد رأي نا ما هو نظيه‪ ،‬أو أع ظم م نه ف‬


‫هذه الزمان‪ ،‬وكذلك انقسم الناس إل ثلثة أقسام‪ :‬أحدها ناصر لدين السلم‪ ،‬وساع‬
‫ف ذلك بكل جهده‪ ،‬وهم القليلون عددا العظمون عند ال أجرا‪.‬‬

‫القسم الثان‪ :‬خاذل لهل السلم‪ ،‬تارك لعونتهم‪.‬‬

‫(‪)6‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫القسم الثالث‪ :‬خارج عن شريعة السلم بظاهرة حزب الشرك ومناصحتهم‪ .‬وقد‬
‫روى الطبان‪ ،‬عن ابن عباس عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من أعان صاحب باطل‬
‫ليدحض بباطله حقا‪ ،‬فقد برئت منه ذمة ال وذمة رسوله)‪.‬‬

‫(‪)7‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫وهذا أوان الشروع ف القصود‪:‬‬

‫فأمنا معاداة الكفار والشركين‪ ،‬فاعلم أن ال سنبحانه وتعال أوجنب ذلك وأكند‬
‫إيابه‪ ،‬وحرم موالتم وشدد فيها‪ ،‬حت أنه ليس ف كتاب ال تعال حكم فيه من الدلة‬
‫أكثر ول أبي من هذا الكم‪ ،‬بعد وجوب التوحيد وتري ضده قال ال تعال‪{ :‬وإذا قيل‬
‫لم ل تفسدوا ف الرض‪ ،‬قالوا إنا نن مصلحون} قال ابن جرير رحه ال تعال‪ :‬فأهل‬
‫النفاق مفسدون ف الرض بعصيتهم ربم‪ ،‬وركوبم فيها ما ناهم عن ركوبه‪ ،‬وتضييعهم‬
‫فرائضه‪ ،‬وشكهم ف دينه الذي ل يقبل من أحد عمل إل بالتصديق به‪ ،‬واليقان بقيقته‬
‫وكذبم الؤمني بدعواهم غي ما هم عليه مقيمون من الشك والتكذيب‪ ،‬ومظاهرتم أهل‬
‫التكذيب بال وكتبه ورسله على أولياء ال‪ ،‬إن وجدوا إل ذلك سبيل‪.‬‬

‫قال ا بن كث ي‪ :‬وهذا الذي قاله ح سن‪ ،‬فإن من الف ساد ف الرض اتاذ الؤمن ي‬
‫الكافرين أولياء كما قال تعال‪{ :‬والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إل تفعلوه تكن فتنة‬
‫ف الرض وف ساد كبي} فق طع الوالة ب ي الؤمن ي والكافر ين ك ما قال تعال‪ { :‬يا أي ها‬
‫الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني}‪.‬‬

‫وقوله‪{ :‬إنان ننن مصنلحون} أي‪ :‬نريند أن نداري بين الفريقين منن الؤمنين‬
‫والكافرين‪ ،‬ونصلح مع هؤلء وهؤلء‪ .‬يقول ال‪{ :‬أل إنم هم الفسدون} يقول‪ :‬أل إن‬
‫هذا الذي يشهدونه ويزعمون أنه إصلح‪ ،‬هو عي الفساد‪ ،‬ولكن من جهلهم ل يشعرون‬
‫بكونه فسادا‪ .‬اهن‪.‬‬

‫وهذا الذي ذكره‪ ،‬قد وال سعناه ورأينا أهله‪ ،‬فإنه إذا قيل لم‪ :‬ما الامل لكم على‬
‫مالسة أهل الشر والفساد؟ قالوا‪ :‬نريد أن نصلح أحوالنا‪ ،‬ونستخرج دنيانا منهم‪ ،‬ويكون‬
‫لنا يدٌ عندهم‪.‬‬

‫وبعض هم‪ :‬إذا ظن بال ظن ال سوء من أدالة أ هل البا طل‪ ،‬ورأى من له ات صال ب م‬
‫وتو صل إلي هم‪ ،‬أتذه صديقا ور ضي به جلي سا‪ ،‬قائل بل سان حاله‪{ :‬ن شى أن ت صيبنا‬
‫دائرة} {أل إنم هم الفسدون ولكن ل يشعرون}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬بشر النافقي بأن لم‬

‫(‪)8‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫عذا با ألي ما‪ .‬الذ ين يتخذون الكافر ين أولياء من دون الؤمن ي أيبتغون عند هم العزة فإن‬
‫العزة ل جيعا}‪ ،‬إل قوله تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون‬
‫الؤمني أتريدون أن تعلوا ل عليكم سلطانا مبينا}‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬ث وصفهم بأنم يتخذون الكافرين أولياء من دون الؤمني‪ ،‬يعن أنم‬
‫معهم ف القيقة‪ ،‬يوالونم ويسرون إليهم بالودة‪ ،‬يقولون إذا خلوا بم‪ :‬إنّا معكم‪ ،‬إنا نن‬
‫مستهزئُون بالؤمني ف إظهارنا لم الوافقة‪ ،‬قال ال تعال منكرا عليهم فيما سلكوه من‬
‫موالة الكافر ين‪{ :‬أيبتغون عند هم العزة} ث أ خب بأن العزة كل ها له وحده ل شر يك له‬
‫ولن جعلها له‪ ،‬كما قال تعال ف الية الخرى‪{ :‬من كان يريد العزة فلله العزة جيعا}‪،‬‬
‫وقال تعال‪{ :‬ول العزة ولرسوله وللمؤمني}‪.‬‬

‫والقصنود منن هذا‪ :‬التهيينج على طلب العزة منن جاننب ال تعال‪ ،‬واللتجاء إل‬
‫عبودي ته‪ ،‬والنتظام ف جلة عباده الؤمن ي‪ ،‬الذ ين ل م الن صرة ف هذه الياة الدن يا ويوم‬
‫يقوم الشهاد‪.‬‬

‫ف ف تريها والنهي‬
‫قلت‪ :‬فإذا كانت موالة الكافرين من أفعال النافقي‪ ،‬فهذا كا ٍ‬
‫عنها‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬ل يت خذ الؤمنون الكافر ين أولياء من دون الؤمن ي و من يف عل ذلك‬


‫فليس من ال ف شيء} فنهى سبحانه الؤمني عن موالة الكافرين ث قال‪{ :‬ومن يفعل‬
‫ذلك} أي‪ :‬ومن يوالِ الكافرين‪ ،‬فليس من ال ف شيء‪ ،‬أي‪ :‬فقد برئ من ال‪ ،‬وبرئ ال‬
‫منه‪ ،‬وهذا تديد شديد ووعيد أكيد‪ ،‬حفظا للسلم والتوحيد‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬ترى كثيا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لم أنفسهم أن‬
‫سخط ال عليهم وف العذاب هم خالدون‪ .‬ولو كانوا يؤمنون بال والنب وما أنزل إليه ما‬
‫اتذوهم أولياء ولكن كثيا منهم فاسقون}‪.‬‬

‫قال شيخ السلم رحه ال‪ :‬فبي سبحانه وتعال أن اليان بال والنب مستلزم لعدم‬
‫وليتهم‪ ،‬فثبوت وليتهم يوجب عدم اليان‪ ،‬لن عدم اللزم يقتضي عدم اللزوم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ر تب ال تعال على موالة الكافرين سخطه‪ ،‬واللود ف العذاب‪ ،‬وأخب أن‬
‫وليت هم ل ت صل إل م ن ل يس بؤ من‪ ،‬وأ ما أ هل اليان بال وكتا به ور سوله‪ ،‬فإن م ل‬

‫(‪)9‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫يوالونم‪ ،‬بل يعادونم‪ ،‬كما أخب ال عن إبراهيم والذين معه من الرسلي‪ ،‬كما يأت بيانه‬
‫إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء‬
‫بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم إن ال ل يهدي القوم الظالي‪ .‬فترى الذين ف قلوبم‬
‫مرض يسارعون فيهم يقولون نشى أن تصيبنا دائرة فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من‬
‫عنده فيصبحوا على ما أسروا ف أنفسهم نادمي} فنهى سبحانه وتعال الؤمني أن يوالوا‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬وذكر أن من تولهم فهو منهم‪ ،‬أي من تول اليهود فهو يهودي‪ ،‬ومن‬
‫تول النصارى فهو نصران‪.‬‬

‫و قد روى ا بن أ ب حا ت‪ ،‬عن م مد بن سيين‪ ،‬قال‪ :‬قال ع بد ال بن عت بة‪ :‬لي تق‬


‫أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا‪ ،‬وهو ل يشعر‪ ،‬قال‪ :‬فظنناه يريد هذه الية‪{ :‬يا أيها‬
‫الذ ين آمنوا ل تتخذوا اليهود والن صارى أولياء بعض هم أولياء}‪ ،‬إل قوله‪{ :‬فإ نه من هم}‬
‫وكذلك من تول الترك‪ ،‬فهو تركي‪ ،‬ومن يتول العاجم فهو عجمي‪ ،‬فل فرق بي من‬
‫تول أهل الكتابي أو غيهم من الكفار‪.‬‬

‫ث أخب تعال‪ :‬أن الذين ف قلوبم مرض أي‪ :‬شك ف الدين وشبهة يسارعون ف‬
‫الكفار قائل ي‪{ :‬ن شى أن ت صيبنا دائرة} أي‪ :‬إذا أنكرت علي هم موالة الكافر ين‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ن شى أن تكون الدول ُة ل م ف ال ستقبل فيت سلطوا علي نا‪ ،‬فيأخذوا أموال نا ويشردو نا من‬
‫بلداننا‪ .‬وهذا هو ظن السوء بال‪ ،‬الذي قال ال فيه‪{ :‬الظآني بال ظن السوء عليهم دائرة‬
‫السوء وغضب ال عليهم ولعنهم وأعد لم جهنم وساءت مصيا}‪.‬‬

‫ولذا قال تعال ف الية‪{ :‬فعسى ال أن يأت بالفتح أو أمر من عنده} وعسى‪ :‬من‬
‫ال واجب‪.‬‬

‫فالمد ل الذي أتى بالفتح‪ ،‬فأصبح أهل الظنون الفاسدة على ما أسروا ف أنفسهم‬
‫نادمي‪.‬‬

‫وقال تعال‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تتخذوا الذ ين اتذوا دين كم هزوا ولع با من‬
‫الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا ال إن كنتم مؤمني} فنهى سبحانه‬
‫الؤمني عن موالة أهل الكتابي وغيهم من الكفار‪ ،‬وبي أن موالتم تناف اليان‪.‬‬

‫(‪)10‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وقال تعال‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تتخذوا آباء كم وإخوان كم أولياء إن ا ستحبوا‬
‫الكفر على اليان ومن يتولم منكم فأولئك هو الظالون‪ .‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم‬
‫وإخوانُ كم وأزواجُ كم وعشيتُ كم وأموال اقترفتمو ها وتارة تشون ك سادها وم ساكن‬
‫ترضونا أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله فتربصوا حت يأت ال بأمره وال ل‬
‫يهدي القوم الفاسقي}‪.‬‬

‫فنهى سبحانه وتعال الؤ من عن موالة أب يه وأخيه اللذين ها أقرب الناس إليه إذا‬
‫كان دينهما على غ ي اليان‪ ،‬وب ي أن الذي يتول أباه وأخاه إذا كانا كافر ين فهو ظال‪،‬‬
‫فكينف بنن تول الكافرينن الذينن هنم أعداء له ولبائه ولديننه؟! بلى وال إننه لنن أظلم‬
‫الظالي‪.‬‬

‫ث بيّن تعال أن هذه الثمان ية ل تكون عذرا ف موالة الكافر ين‪ ،‬فل يس ل حد أن‬
‫يوالي هم خوفا‪ :‬على أب يه‪ ،‬أو أخ يه‪ ،‬أو بلده‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو مش حة بعشي ته‪ ،‬أو ما فة على‬
‫زوجا ته‪ ،‬فإن ال قد سد على اللق باب العتذار بذه الثمان ية‪ ،‬وذلك أن ما من أ حد‬
‫يوال الشركي إل وهو يعتذر با أو ببعضها‪ ،‬وقد بان أن هذا ليس بعذر‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬قد قال كثي من الفسرين‪ :‬أن هذه الية نزلت ف شأن الهاد‪.‬‬

‫فالواب من وجهي‪:‬‬

‫أحده ا أن نقول‪ :‬إذا كا نت هذه الثمان ية لي ست عذرا ف ترك الهاد الذي هو‬
‫فرض على الكفا ية‪ ،‬فكون ا ل تكون عذرا ف ترك عداوة الشرك ي ومقاطعت هم‪ ،‬بطر يق‬
‫الول‪.‬‬

‫الوجه الثان‪ :‬أن الية نفسها دلت على ما ذكرناه‪ ،‬كما دلت على الهاد‪ ،‬فإنه‬
‫قال‪{ :‬أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد ف سبيله} فإن مبة ال ورسوله توجب إيثار‬
‫عداوة الشركين ومقاطعتهنم على هذه الثمانينة‪ ،‬وتقديهنا عليهنا‪ ،‬كمنا أن مبنة الهاد‬
‫توجب إيثاره عليها‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫(‪)11‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وهذا إذا سنعه النصنف يكون عنده ظاهرا‪ ،‬وأمنا منن أعمنى ال بصنيته بسنبب‬
‫تعصبه‪ ،‬فكما قال تعال‪{ :‬إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون‪ .‬ولو جاءتم كل‬
‫آية حت يروا العذاب الليم}‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬والذينن آمنوا ول يهاجروا منا لكنم منن وليتهنم منن شينء حتن‬
‫يهاجروا} ث قال‪{ :‬والذ ين كفروا بعض هم أولياء ب عض إل تفعلوه ت كن فت نة ف الرض‬
‫وفسناد كنبي} فأخنب أن الكفار إذا ل يوال بعضهنم بعضنا بأن ينحازوا عنن السنلمي‪،‬‬
‫ويقطع السلمون أيديهم منهم‪ ،‬وإل وقعت الفتنة والفساد الكبي‪.‬‬

‫ف تبي أن موالة الؤ من للكا فر سبب الفتتان ف الد ين‪ ،‬بترك واجبا ته‪ ،‬وارتكاب‬
‫مرماته‪ ،‬والروج عن شرائعه‪ ،‬وسبب للفساد ف الديان والبدان والموال‪ ،‬فأين هذا من‬
‫قول أهل الفساد والجون‪ :‬أن موالة الشركي صلح وعافية وسلمة؟!‬

‫وقال تعال‪{ :‬ودوا لو تكفرون كمنا كفروا فتكونون سنواء فل تتخذوا منهنم‬
‫أولياء‪ ،‬ح ت يهاجروا ف سبيل ال فإن تولوا فخذو هم واقتلو هم ح يث وجدتو هم‪ ،‬ول‬
‫تتخذوا من هم ول يا ول ن صيا} فأ خب تعال عن الكفار‪ :‬أن م يودون ك فر ال سلمي ك ما‬
‫كفّروهم‪ ،‬ث نى أهل اليان عن موالتم حت تصل منهم الجرة بعد السلم‪.‬‬

‫وقال تعال‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدو كم أولياء تلقون إلي هم‬
‫بالودة وقد كفروا با جاءكم من الق يرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال ربكم إن‬
‫كنتم خرجتم جهادا ف سبيلي وابتغاء مرضات تسرون إليهم بالودة وأنا أعلم با أخفيتم‬
‫و ما أعلن تم و من يفعله من كم ف قد ضل سواء ال سبيل‪ .‬إن يثقفو كم يكونوا ل كم أعداء‬
‫ويب سطوا إلي كم أيدي هم وأل سنتهم بال سوء وودوا لو تكفرون‪ .‬لن تنفع كم أرحام كم ول‬
‫أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم وال با تعملون بصي‪ .‬قد كانت لكم أسوة حسنة ف‬
‫إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم وما تعبدون من دون ال كفرنا بكم‬
‫وبدا بينننا وبينكنم العداوة والبغضاء أبدا حتن تؤمنوا بال وحده‪ ،}...‬إل قوله‪{ :‬إنان‬
‫ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم ف الدين و أخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم‬
‫أن تولوهم ومن يتولم فأولئك هم الظالون‪ ،}...‬إل قوله‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا‬
‫قوما غضب ال عليهم قد يئسوا من الخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور}‪.‬‬

‫وقد ثبت ف الصحاح‪ :‬أن هذه السورة نزلت ف رجل من الصحابة‪ ،‬لا كتب إل‬
‫أهل مكة يبهم بسي النب صلى ال عليه وسلم إليهم عام الفتح‪ ،‬فأنزل ال هذه اليات‬

‫(‪)12‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫بب هذا الكتاب‪ ،‬وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم علي بن أب طالب ف أثر الرأة‬
‫الت ذهبت بالكتاب‪ ،‬فوجده ف عقيصة رأسها‪ ،‬فجاء الرجل إل النب صلى ال عليه وسلم‬
‫يعتذر ويلف أنه ما شك‪ ،‬ولكنه ليس له من يمي مَن وراءه من أهله بكة‪ ،‬وأنه أراد هذا‬
‫يدا عند قريش‪ ،‬وأستأذن بعض الصحابة ف قتله‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه وسلم‪( :‬وما‬
‫يدريك أن ال أطلع على أهل بدر‪ ،‬فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فلول أن ذلك‬
‫الرجل كان من أهل بدر‪ ،‬لقتل لجل هذا الكتاب‪.‬‬

‫ففني هذه السنورة منع سنبب نزولان‪ ،‬منن الدلة على وجوب عداوة الكفار‬
‫ومقاطعتهم أدلة كثية‪:‬‬

‫فن هى تعال أ هل اليان عن اتاذ عدوه وعدو هم ول يا‪ ،‬وهذا تي يج على عداوت م‪،‬‬
‫فإن عداوة العادي لربك باعثة وداعية إل عداوتك له‪.‬‬

‫ولنضرب لذلك مثل ول ال ثل العلى؛ فقدّر نف سك ملو كا لن سان هو سيدك‪،‬‬


‫وال سبب ف ح صول م صالك وم نع مضارك‪ ،‬و سيدك له عدو من الناس‪ ،‬ف هل ي صح‬
‫عندك‪ ،‬ويوز ف عقلك أن تتخذ عدو سيدك وليا‪ ،‬ول ينهك عن ذلك؟! فكيف إذا ناك‬
‫أشد النهي‪ ،‬ورتب على موالتك له أن يعذبك‪ ،‬وأن يسخط عليك‪ ،‬وأن يوصل إليك ما‬
‫تكره‪ ،‬وينع عنك ما تب؟ فكيف إذا كان هذا العدو لسيدك‪ ،‬عدوا لك أيضا‪ ،‬فإن واليته‬
‫مع ذلك كله‪ ،‬إنك إذا لن الظالي الاهلي!!‬

‫ث قال‪{ :‬تلقون إليهم بالودة} وهذا كاف ف إبطال شبهة الشبهي‪ ،‬فإنه إذا أنكر‬
‫علي هم موالة الشرك ي وموادت م قالوا‪ :‬ل ي صدر م نا ذلك‪ ،‬و هم مع ذلك يعينون أ هل‬
‫الباطل بأموالم‪ ،‬ويذبون عنهم بألسنتهم‪ ،‬ويكاتبونم بعورات السلمي‪.‬‬

‫فأ ين هذا من الكتاب الذي نزلت ف يه هذه ال سورة؟ و قد ساه ال إلقاء بالودة!‪،‬‬
‫وهذا ظاهر جدا‪.‬‬

‫ث قال‪{ :‬وقد كفروا با جاءكم من الق يرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بال‬
‫رب كم} فذ كر ما يد عو إل عداوت م‪ :‬و هو كفر هم بال ق الذي جاء نا من ع ند ال‪،‬‬
‫وإخراجهم النب صلى ال عليه وسلم وأهل السلم‪ ،‬لجل اليان بال‪.‬‬

‫ث حذر تعال من موالتم‪ ،‬بأنه يعلم السر و العلنية‪ ،‬وهذا تديد شديد‪.‬‬

‫(‪)13‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ث قال‪{ :‬ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} أي‪ :‬من يتول أعداء ال‪ ،‬ويلقي‬
‫إليهم بالودة‪ ،‬ويسر إليهم‪ ،‬فقد أخطأ الصراط الستقيم‪ ،‬وخرج عن طريق الصواب‪.‬‬

‫ثن قال‪{ :‬إن يثقفوكنم يكونوا لكنم أعداءًا} فنبي أنمن إن قدروا على السنلم‪،‬‬
‫وا ستولوا عل يه‪ :‬ساموه سوء العذاب‪ ،‬وب سطوا إل يه أيدي هم وأل سنتهم بالضرب أو الق تل‪،‬‬
‫وبالكلم الغل يظ‪ ،‬ولو كان يوالي هم ويكاتب هم ف حال بعده عن هم‪ ،‬فإن م ل يرضون ع نه‬
‫وي سلمونه من شر هم‪ ،‬ح ت يكون دي نه دين هم‪ ،‬ولذا قال‪{ :‬وودوا لو تكفرون} وك ما‬
‫قال‪{ :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حت تتبع ملتهم}‪.‬‬

‫ث قال‪{ :‬لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم يوم القيامة} فبي أن كون الرجل له‬
‫أرحام وأولد عند الشركي‪ ،‬ل يبيح له موالتم‪ ،‬كما اعتذر هذا الرجل بأن له ف مكة‬
‫أرحاما وأولدا‪ ،‬فلم يعذره ال تعال‪ ،‬فإنه يب على النسان أن يكون ال ورسوله أحب‬
‫إليه ما سواها‪ ،‬ول يصل اليان حت يكون الرسول أحب إل النسان من ولده ووالده‬
‫والناس أجعي‪.‬‬

‫فقوله‪{ :‬لن تنفعكنم أرحامكنم ول أولدكنم يوم القيامنة} أي‪ :‬لن ينجوكنم منن‬
‫عذاب ال‪ ،‬فكينف تقدمونمن على مراد ال؟‪ ،‬ولجلهنم توالون أعداء ال!! وال تعال‬
‫مطلع عليكم‪ ،‬بصي بأقوالكم وأعمالكم ونيّاتكم‪.‬‬

‫ث بي أن هذا الذي دلم عليه من موالة الؤمني‪ ،‬وناهم عنه من موالة الكافرين‪:‬‬
‫ليس هو أمرا لم وحدهم‪ ،‬بل هو الصراط الستقيم الذي عليه جيع الرسلي فقال‪{ :‬قد‬
‫كانت لكم أسوة حسنة ف إبراهيم والذين معه} أي‪ :‬من الرسلي {إذ قالوا لقومهم إنا‬
‫برءاء منكم وما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا‬
‫حت تؤمنوا بال وحده}‪.‬‬

‫فقوله‪{ :‬قد كانت لكم أسوة حسنة} كقوله تعال‪{ :‬ث أوحينا إليك أن اتبع ملة‬
‫إبراهيم حنيفا}‪.‬‬

‫فأمرنا سبحانه وتعال أن نتأسى بإبراهيم الليل ومن معه من الرسلي ف قولم‪:‬‬
‫{إنا برءاء منكم}‪ ،‬إل آخره‪ ،‬وإذا كان واجبا على السلم أن يقول هذا لقومه الذين هو‬
‫بي أظهرهم‪ ،‬فكونه واجبا للكفار البعدين عنه الخالفي له ف جيع المور‪ ،‬أبي وأبي‪.‬‬

‫(‪)14‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وهاهنا نكتة بديعة ف قوله‪{ :‬إنا برءاء منكم وما تعبدون من دون ال}‪ :‬وهي‬
‫أن ال تعال قدم الباءة من الشركي العابدين غي ال‪ ،‬على الباءة من الوثان العبودة من‬
‫دون ال‪ ،‬لن الول أ هم من الثا ن‪ ،‬فإ نه قد ي تبأ من الوثان ول ي تبأ م ن عبد ها‪ ،‬فل‬
‫يكون آتيا بالواجنب علينه‪ ،‬وأمنا إذا تنبأ منن الشركين‪ ،‬فإن هذا يسنتلزم الباءة منن‬
‫معبوداتم‪.‬‬

‫وهذا كقوله تعال‪{ :‬وأعتزل كم و ما تدعون من دون ال وأد عو ر ب ع سى أن ل‬


‫أكون بدعاء رب شقيا} فقدم اعتزالم على اعتزال معبوداتم‪ ،‬وكذا قوله‪{ :‬فلما اعتزلم‬
‫و ما يعبدون من دون ال}‪ ،‬وقوله‪{ :‬وإذ اعتزلتمو هم و ما يعبدون إل ال} فعل يك بذه‬
‫النكتة‪ ،‬فإنا تفتح لك بابا إل عداوة أعداء ال‪ ،‬فكم من إنسان ل يقع منه الشرك‪ ،‬ولكنه‬
‫ل يعادي أهله!! فل يكون مسلما بذلك‪ ،‬إذا ترك دين جيع الرسلي‪.‬‬

‫ثن قال‪{ :‬كفرننا بكنم وبدا بينننا وبينكنم العداوة والبغضاء أبدا} فقوله‪{ :‬وبدا}‬
‫أي‪ :‬ظهنر وبان‪ .‬وتأمنل تقدين العداوة على البغضاء‪ ،‬لن الول أهنم منن الثانينة‪ ،‬فإن‬
‫الن سان قد يب غض الشرك ي ول يعادي هم فل يكون آتيا بالوا جب عل يه ح ت ت صل م نه‬
‫العداوة والبغضاء‪ ،‬ولبند أيضا منن أن تكون العداوة والبغضاء باديتين‪ ،‬أي‪ :‬ظاهرتين‬
‫بينتي‪.‬‬

‫واعلم انه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب‪ ،‬فإنا ل تنفع حت تظهر آثارها وتبي‬
‫علماتا‪ ،‬ول تكون كذلك حت تقترن بالعداوة والقاطعة‪ ،‬فحينئذ تكون العداوة والبغضاء‬
‫ظاهرتين‪ ،‬وأمنا إذا وجدت الوالة والواصنلة‪ ،‬فإن ذلك يدل على عدم البغضاء‪ ،‬فعلينك‬
‫بتأ مل هذا الو ضع فإ نه يلو ع نك شبهات كثية‪ ،‬ث قال‪{ :‬إن ا ينها كم ال عن الذ ين‬
‫قاتلوكم ف الدين‪ ،‬وأخرجوكم من دياركم‪ ،‬وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم‪ ،‬ومن‬
‫يتولمن فأولئك هنم الظالون} فذكنر سنبحانه وتعال أفعال تدعنو إل مقاطعتهنم‪ ،‬وترك‬
‫موالتم‪ ،‬وهي‪ :‬أنم يقاتلون ف الدين‪ ،‬أي‪ :‬من أجله‪ ،‬يعن أن الذي حلهم على قتالكم‬
‫ما أنتم عليه من الدين لعداوتم له‪ ،‬وأيضا يرجون الؤمني من ديارهم‪ ،‬ويعاونون على‬
‫إخراجهم‪ ،‬فمن تولهم مع ذلك فهو من أظلم الظالي‪.‬‬

‫وف هذه الية‪ :‬أعظم الدليل وأوضح البهان على أن موالتم مرمة منافية لليان‪،‬‬
‫وذلك أ نه قال‪{ :‬إن ا ينها كم ال} فج مع ب ي لف ظة‪ :‬إن ا‪ ،‬الفيدة للح صر‪ ،‬وب ي الن هي‬

‫(‪)15‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫الصريح‪ ،‬وذكر الصال الثلث‪ ،‬وضمي الصر وهو لفظة هم ث ذكر الظلم العرف بأداة‬
‫التعريف‪.‬‬

‫ث قال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما غضب ال عليهم قد يئسوا من الخرة‬
‫كما يئس الكفار من أصحاب القبور} فنهى سبحانه أهل اليان عن موالة الذين غضب‬
‫ال عليهم‪ ،‬فل يسن من الؤمن ول يوز منه أن يوال من فعل ما يغضب ال تعال من‬
‫الكفر‪ ،‬فإن موالته له تناف اليان بال تعال‪.‬‬

‫(‪)16‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫وهاه نا أمور ي ب الت نبيه علي ها‪ ،‬ويتع ي العتناء ب ا‪ ،‬لي تم لفاعل ها مان بة د ين‬
‫الشركي‪:‬‬

‫المر الول‪ :‬ترك اتباع أهوائهم‪:‬‬

‫وقد نى ال تعال عن اتباعها‪ ،‬قال تعال‪{ :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى‬
‫ح ت تت بع ملت هم قل إن هدى ال هو الدى ولئن أتب عت أهواء هم ب عد الذي جاءك من‬
‫العلم ما لك من ال من ول ول نصي}‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬فانظر كيف قال ف الب {ملتهم}‪ ،‬وقال ف النهي {أهواءهم}‬
‫لن القوم ل يرضون إل باتباع اللة مطل قا‪ ،‬والز جر و قع عن اتباع أهوائ هم ف قل يل أو‬
‫كث ي‪ ،‬وقال تعال لو سى وهارون‪{ :‬فا ستقيما ول تتبعان سبيل الذ ين ل يعلمون}‪ ،‬وقال‬
‫موسى لخيه هارون‪{ :‬أخلفن ف قومي وأصلح ول تتبع سبيل الفسدين}‪ ،‬وقال تعال‪:‬‬
‫{و من يشا قق الر سول من ب عد ما تبي له الدى ويت بع غ ي سبيل الؤمن ي نولّه ما تول‬
‫ونصله جهنم وساءت مصيا}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬وأنزلنا إليك الكتاب بالق مصدقا لا بي‬
‫يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم با أنزل ال ول تتبع أهواءهم عما جاءك من‬
‫الق}‪ ،‬إل قوله‪{ :‬ول تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ال إليك}‪،‬‬
‫وقال تعال‪{ :‬ولقند آتيننا بنن إسنرائيل الكتاب والكنم والنبوة ورزقناهنم منن الطيبات‬
‫وفضلناهم على العالي‪ .‬وآتيناهم بينات من المر فما اختلفوا إل من بعد ما جاءهم العلم‬
‫بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يتلفون‪ .‬ث جعلناك على شريعة‬
‫من ال مر فاتبع ها ول تت بع أهواء الذ ين ل يعلمون‪ .‬إن م لن يغنوا ع نك من ال شيئا وإن‬
‫الظالي بعضهم أولياء بعض وال ول التقي}‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم‪ :‬فأخب نا سبحانه وتعال أ نه أن عم على ب ن إ سرائيل بن عم الد ين‬


‫والدنيا‪ ،‬وأنم اختلفوا بعد ميء العلم بغيا من بعضهم لبعض‪ ،‬ث جعل ممدا صلى ال‬
‫عليه و سلم على شريعة شرعها له وأمره باتباعها‪ ،‬وناه عن اتباع أهواء الذ ين ل يعلمون‬
‫وقد دخل ف الذين ل يعلمون كل من خالف شريعته وأهواؤهم‪ :‬ما يهوونه‪.‬‬

‫(‪)17‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫قلت‪ :‬فإذا كان اتباع أهواء جيع الكفار وسلوك ما يبونه منهيا عنه ومنوعا منه‪،‬‬
‫فهذا هو الطلوب‪ ،‬وما ذاك إل خوفا من إتباعهم ف أصل دينهم الباطل‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من‬
‫العلم ما لك من ال من ول ول واق} فأ خب سبحانه‪ :‬أ نه أنزل كتا به حك ما عرب يا‪ ،‬ث‬
‫توعده على اتباع أهواء الكفار بذا الوعيند الشديند‪ .‬وقال تعال‪{ :‬ول تتبنع أهواء الذينن‬
‫كذبوا بآيات نا والذ ين ل يؤمنون بالخرة و هم برب م يعدلون}‪ ،‬إل غ ي ذلك من اليات‬
‫الدالة على وجوب ترك أهواء الكافرين‪ ،‬وتري اتباعها‪ ،‬وأنه من أعظم القوادح ف الدين‪.‬‬

‫المر الثان‪ :‬معصيتهم فيما أمروا به‪:‬‬

‫فإن ال تعال نى عن طاعة الكافرين‪ ،‬وأخب أن السلمي إن أطاعوهم‪ ،‬ردوهم عن‬


‫اليان إل الكفنر والسنارة‪ ،‬فقال تعال‪{ :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا إن تطيعوا الذينن كفروا‬
‫يردو كم على أعقاب كم فتنقلبوا خا سرين}‪ ،‬وقال تعال‪ { :‬يا أي ها الذ ين آمنوا إن تطيعوا‬
‫فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيانكم كافرين}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬ول تطع من‬
‫أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬وإن الشياطي ليوحون‬
‫إل أوليائ هم ليجادلو كم وإن أطعتمو هم إن كم لشركون}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬وإن ت طع أك ثر‬
‫من ف الرض يضلوك عن سبيل ال إن يتبعون إل ال ظن وإن هم إل ير صون}‪ ،‬وقال‬
‫تعال‪{ :‬ولو شئنا لبعثنا ف كل قرية نذيرا‪ .‬فل تطع الكافرين وجهادهم به جهادا كبيا}‪،‬‬
‫وقال تعال‪{ :‬ينا أيهنا الننب اتنق ال ول تطنع الكافرينن والنافقين إن ال كان عليمنا‬
‫حكي ما}‪ ،‬وقال تعال إخبارا ع من أطاع رؤ ساء الك فر‪{ :‬وقالوا رب نا إنّ ا أطع نا سادتنا‬
‫وكباء نا فأضلو نا ال سبيل}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬اتذوا أحبار هم ورهبان م أربا با من دون ال‬
‫وال سيح ا بن مر ي و ما أمروا إل ليعبدوا إل ا واحدا ل إله إل هو سبحانه ع ما يشركون}‬
‫وف سّر ال نب صلى ال عل يه و سلم اتاذ هم أربا با‪ :‬بأن ا طاعت هم ف تر ي اللل وتل يل‬
‫الرام‪.‬‬

‫فإذا كان منن أطاع الحبار وهنم العلماء‪ ،‬والرهبان وهنم العبّاد فن ذلك‪ ،‬فقند‬
‫اتذهم أربابا من دون ال‪ ،‬فمن أطاع الهال والفساق ف تري ما أحل ال‪ ،‬أو تليل ما‬
‫حرم ال فقد اتذهم أربابا من دون ال‪ ،‬بل ذلك أول وأحرى‪.‬‬

‫المر الثالث‪ :‬ترك الركون إل الكفرة الظالي‪:‬‬

‫(‪)18‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫و قد ن ى ال عن ذلك‪ ،‬فقال تعال‪{ :‬ول تركنوا إل الذ ين ظلموا فتم سكم النار‬
‫و ما ل كم من دون ال من أولياء ث ل تن صرون} فن هى سبحانه وتعال عن الركون إل‬
‫الظلمة‪ ،‬وتوعد على ذلك بسيس النار وعدم النصر‪ ،‬والشرك هو أعظم أنواع الظلم‪ ،‬كما‬
‫قال تعال‪{ :‬إن الشرك لظلم عظيم} فمن ركن إل أهل الشرك‪ ،‬أي‪ :‬مال إليهم أو رضي‬
‫بشيء من أعمالم‪ ،‬فإنه مستحق لن يعذبه ال بالنار‪ ،‬وأن يذله ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬ولول أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليل إذا لذقناك ضعف‬
‫الياة وض عف المات ث ل ت د لك علي نا ن صيا} فأ خب سبحانه وتعال‪ :‬أ نه لول ت ثبيته‬
‫لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لركن إل الشركي شيئا قليل‪ ،‬وأنه لو ركن إليهم لذاقه‬
‫عذاب الدن يا والخرة مضاع فا‪ ،‬ول كن ال ثب ته فلم ير كن إلي هم‪ ،‬بل عادا هم وق طع ال يد‬
‫منهم‪.‬‬

‫ولكن إذا كان الطاب للنب صلى ال عليه وسلم مع عصمته‪ ،‬فغيه أول بلحوق‬
‫هذا الوعيد به‪.‬‬

‫المر الرابع‪ :‬ترك موادة أعداء ال‪:‬‬

‫قال ال تعال‪{ :‬ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حادّ ال ورسوله‬
‫ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو عشيتم}‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬فأخب سبحانه وتعال أنه ل يوجد مؤمن يواد كافرا‪ ،‬فمن واد‬
‫الكفار فليس بؤمن‪ .‬اهن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فإذا كان ال تعال قند نفنى اليان عمنن واد أباه وأخاه وعشيتنه إذا كانوا‬
‫مادّين ال ورسوله‪ ،‬فمن واد الكفار البعدين عنه‪ ،‬فهو أول بأن ل يكون مؤمنا‪.‬‬

‫المر الامس‪ :‬ترك التشبه بالكفار ف الفعال الظاهرة‪:‬‬

‫لن ا تورث نوع مودة وم بة وموالة ف البا طن‪ ،‬ك ما أن الح بة ف البا طن تورث‬
‫الشابة ف الظاهر‪.‬‬

‫(‪)19‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وهذا أ مر يش هد به ال س والتجر بة‪ ،‬ح ت أن الرجل ي إذا كا نا من بلد وا حد ث‬


‫اجتمعا ف دار غربة‪ ،‬كان بينهما من الودة والئتلف أمر عظيم‪ ،‬وإن كانا ف مصرها‪ ،‬ل‬
‫يكونا متعارفي‪ ،‬أو كانا متهاجرين‪ ،‬وذلك لن الشتراك نوع وصف اختصا به عن بلد‬
‫الغر بة‪ ،‬بل لو اجت مع رجلن ف سفر أو بلد غر بة‪ ،‬فكا نت بين هم مشاب ة ف العما مة أو‬
‫الثياب‪ ،‬أو الشعر أو الركب‪ ،‬ونو ذلك‪ ،‬لكان بينهما من الئتلف أكثر ما بي غيها‪،‬‬
‫وكذلك تد أرباب الصناعات الدنيوية‪ :‬يألف بعضهم ببعض مال يألفون غيهم‪ ،‬حت أن‬
‫ذلك يكون مع العاداة والحار بة‪ :‬إ ما على اللك‪ ،‬وإ ما على الد ين‪ ،‬وت د اللوك ونو هم‬
‫من الرؤ ساء‪ ،‬وإن تباعدت ديار هم ومالك هم‪ ،‬بين هم منا سبة تورث مشاب ة وحا ية من‬
‫بعضهم لبعض‪ ،‬وهذا كله موجب الطباع ومقتضاها‪ ،‬إل أن ينع من ذلك دين أو غرض‬
‫خاص‪.‬‬

‫فإذا كانت الشابة ف أمور دنيوية تورث الحبة والوالة لم‪ ،‬فكيف بالشابة ف‬
‫أمور دين ية؟! فإن إفضاء ها إل نوع من الوالة أك ثر وأ شد‪ ،‬هذا كلم ش يخ ال سلم ا بن‬
‫تيمية‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فإذا كا نت مشاب ة الكفار ف الفعال الظاهرة‪ ،‬إن ا نُ هي عن ها لن ا و سيلة‬


‫و سبب يف ضي إل موالت م ومبت هم‪ ،‬فالن هي عن هذه الغا ية والحذور أ شد‪ ،‬وال نع م نه‬
‫وتريه أوكد‪ ،‬وهذا هو الطلوب‪.‬‬

‫(‪)20‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ذكر بعض الدليل على النهي عن مشابة الكفار والشركي‬


‫روى أبو داود ف سننه عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(من تشبه بقوم فهو منهم)‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم‪ :‬وإ سناده ج يد‪ ،‬وأ قل أحواله أن يقت ضي تر ي التش به ب م‪ ،‬وإن‬
‫كان ظاهره يقتضي كفر التشبه بم‪ ،‬كما ف قوله تعال‪{ :‬ومن يتولم منكم فإنه منهم}‪.‬‬

‫وهو نظي ما سنذكره عن عبد ال بن عمرو‪ ،‬أنه قال‪ :‬من بن بأرض الشركي‪،‬‬
‫وصنع نيوزهم ومهرجانم‪ ،‬وتشبه بم حت يوت حشر معهم يوم القيامة‪ .‬وقد ثبت عن‬
‫عائشة‪ ،‬أنا كرهت الختصار ف الصلة‪ ،‬وقالت‪ :‬ل تشبهوا باليهود‪.‬‬

‫وروى البيهقي بإسناد صحيح‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬قال‪ :‬قال‪ :‬عمر بن الطاب‪:‬‬
‫ل تعلموا رطاننة العاجنم‪ ،‬ول تدخلوا على الشركين فن كنائسنهم يوم عيدهنم‪ ،‬فإن‬
‫السخطة تنل عليهم‪.‬‬

‫وروى بإسناد صحيح‪ ،‬عن أب أسامة حدثنا عوف‪ ،‬عن أب الغية عن عبد ال بن‬
‫عمرو‪ ،‬قال‪ :‬من ب ن ببلد العا جم‪ ،‬ف صنع نيوز هم ومهرجان م‪ ،‬وتش به ب م ح ت يوت‬
‫وهو كذلك‪ ،‬حُشر معهم يوم القيامة‪.‬‬

‫فهذا ع مر ن ى عن تعلم ل سانم‪ ،‬و عن مرد دخول الكني سة علي هم يوم عيد هم‪،‬‬
‫فك يف بف عل ب عض أفعال م؟ أو ف عل ما هو من مقتضيات دين هم؟! ألي ست موافقت هم ف‬
‫الع مل أع ظم من الواف قة ف الل غة؟ أول يس ع مل ب عض أعمال عيد هم أع ظم من مرد‬
‫الدخول عليهم ف عيدهم؟!‬

‫(‪)21‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وإذا كان السخط ينل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم‪ ،‬فمن يشركهم ف العمل‬
‫أو بعضه‪ ،‬أليس قد تعرض إل العقوبة‪.‬‬

‫وأما عبد ال بن عمرو فصرح‪ :‬إنه من بن ببلدهم‪ ،‬وصنع نيوزهم ومهرجانم‪،‬‬


‫وتش به ب م ح ت يوت ح شر مع هم‪ ،‬وهذا يقت ضي أ نه جعله كافرا بشاركت هم ف مموع‬
‫هذه المور‪ ،‬أو جعل ذلك من الكبائر الوجبة للنار‪ ،‬وإن كان الول ظاهر لفظه‪ .‬فتكون‬
‫الشاركة ف بعض ذلك معصية‪ ،‬لنه لو ل يكن مؤثرا ف استحقاق العقوبة‪ ،‬ل يز جعله‬
‫جزءا من القتضى‪ ،‬إذ الباح ل يعاقب عليه‪ ،‬وليس الذم على بعض ذلك مشروطا ببعض‪،‬‬
‫لن أبعاض ما ذكره تقتضي الذم منفردا‪.‬‬

‫وعن عمرو بن ميمون الودي‪ ،‬قال‪ :‬قال عمر رضي ال عنه‪ :‬كان أهل الاهلية ل‬
‫يفيضون من ج ع ح ت تطلع الش مس‪ ،‬ويقولون‪ :‬أشرق ثبي كي ما نغ ي‪ ،‬فخالف هم ال نب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأفاض قبل طلوع الشمس‪.‬‬

‫وقند روي فن هذا الدينث فيمنا أظننه أننه قال‪( :‬خالف هديننا هدي الشركين)‬
‫وكذلك كانوا يفيضون من عرفات ق بل غروب الش مس‪ ،‬فخالف هم ال نب صلى ال عل يه‬
‫وسلم بالفاضة بعد الغروب‪.‬‬

‫و عن ع بد ال بن عمرو قال‪ :‬رأى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عل يّ ثوب ي‬


‫معصفرين‪ ،‬قال‪( :‬إن هذه من ثياب الكفار فل تلبسها) رواه مسلم‪ .‬علل النهي عن لبسها‬
‫بأنا من ثياب الكفار‪.‬‬

‫و ف كتاب ع مر بن الطاب ر ضي ال ع نه إل عت بة بن فر قد‪ :‬وإياك وزِي أ هل‬


‫الشرك‪ .‬وهو ف الصحيحي‪.‬‬

‫وروى اللل‪ ،‬عن م مد بن سيين‪ :‬أن حذي فة أ تى بيتا‪ ،‬فرأى ف يه شيئا من زِي‬
‫العجم‪ ،‬فخرج‪ ،‬وقال‪ :‬من تشبه بقوم فهو منهم‪ .‬وقال علي بن أب صال السواق‪ :‬كنا ف‬
‫ولي مة‪ ،‬فجاء أح د بن حن بل‪ ،‬فل ما د خل ن ظر إل كر سي ف الدار عل يه ف ضة‪ ،‬فخرج‪،‬‬
‫فلحقه صاحب الدار‪ ،‬فنفض يده ف وجهه وقال‪ :‬زي الجوس‪ ،‬زي الجوس!!‬

‫وعن قيس بن أب حازم‪ ،‬قال‪ :‬دخل أبو بكر‪ ،‬على امرأة من أحس يقال لا‪ :‬زينب‬
‫فرآ ها ل تتكلم‪ ،‬فقال‪ :‬ما ل ا ل تتكلم؟ فقالوا‪ :‬ح جت م صمتة‪ ،‬فقال ل ا‪ :‬تكل مي‪ ،‬فإن‬

‫(‪)22‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫هذا ل يل‪ ،‬هذا من عمل الاهلية‪ ،‬فتكلمت‪ ،‬فقالت‪ :‬من أنت؟ قال‪ :‬امرء من الهاجرين‪،‬‬
‫قالت‪ :‬أي الهاجرين؟ قال‪ :‬من قريش‪ ،‬قالت‪ :‬من أي قريش؟ قال‪ :‬إن كِ لسؤول‪ ،‬أنا أبو‬
‫بكنر‪ ،‬فقالت‪ :‬منا بقاؤننا على هذا المنر الصنال الذي جاء ال بنه بعند الاهلينة؟ قال‪:‬‬
‫بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم‪ ،‬قالت‪ :‬وما الئمة؟ قال‪ :‬أما كان لقومك رؤساء‬
‫وأشراف يأمرونمن فيطيعونمن؟‪ ،‬قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهنم أولئك على الناس‪ ،‬رواه البخاري‬
‫ف صحيحه‪.‬‬

‫فأخب أبو بكر رضي ال عنه‪ :‬أن الصمت الطلق ل يل‪ ،‬وعقب ذلك بقوله‪ :‬هذا‬
‫من عمل الاهلية‪ ،‬قاصدا بذلك عيب هذا العمل وذمه‪ ،‬وتعقيب الكم بالوصف دليل‬
‫على أن الوصف علّة فدل على أن كونه من عمل الاهلية وصف يوجب النهي عنه والنع‬
‫منه‪.‬‬

‫وقد كتب عمر بن الطاب رضي ال تعال عنه‪ ،‬إل السلمي القيمي ببلد فارس‪:‬‬
‫إياكم وزي أهل الشرك‪.‬‬

‫وهذا ني عنه للمسلمي‪ ،‬عن كل ما كان من زي الشركي‪ ،‬وف كتابه إل عتبة‬


‫بن فرقد‪ :‬إياكم والتنعم‪ ،‬وزي أهل الشرك ولبوس الرير‪.‬‬

‫وروى أحد بن حنبل ف السند‪ :‬أن عمر بن الطاب رضي ال عنه كان بالابية‪،‬‬
‫فذكر فتح بيت القدس‪ ،‬قال حاد بن سلمة‪ :‬فحدثن أبو سنان‪ ،‬عن عبيد بن آدم‪ ،‬قال‬
‫سعت عمر رضي ال عنه يقول لكعب‪ ،‬أين ترى أن أصلي‪ ،‬قال‪ :‬إن أخذت عن صليت‬
‫خلف الصنخرة‪ ،‬فكاننت القدس كلهنا بين يدينك‪ ،‬فقال عمنر رض ال عننه‪ ،‬ضاهينت‬
‫اليهود!! ل‪ ،‬ول كن أ صلي ح يث صلى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬فتقدم إل القبلة‬
‫فصلى‪ ،‬ث جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة ف ردائه‪ ،‬وكنس الناس‪.‬‬

‫فعاب رضي ال عنه على كعب مضاهاة اليهودية‪ ،‬أي‪ :‬مشابتها ف مرد استقبال‬
‫ال صخرة‪ ،‬ل ا ف يه من مشاب ة من يعتقد ها قبلة باق ية وإن كان ال سلم ل يق صد أن ي صلي‬
‫إليها‪.‬‬

‫وقد كان لعمر رضي ال عنه ف هذا الباب من السياسات الحكمة‪ ،‬ما هي مناسبة‬
‫لسائر سيته الرضية‪ ،‬فإنه رضي ال عنه هو الذي استحالت ذَنوبُ السلم ف يده غربا‪،‬‬
‫فلم يفرِ عبقريٌ فريه‪ ،‬حت صدر الناس بعطن‪ ،‬فأعز السلم وأذل الكفر وأهله وأقام شعار‬

‫(‪)23‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫الد ين النيف‪ ،‬وم نع من كل أمر ف يه تذرع إل نقض عُرى السلم‪ ،‬مطيعا ف ذلك ل‬
‫ولرسوله‪ ،‬وقافا عند كتاب ال‪ ،‬متثل لسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬متذيا حذو‬
‫صاحبه‪ ،‬مشاورا ف أموره للسابقي الولي‪ ،‬حت أن العمدة ف الشرط على أهل الكتاب‬
‫على شروطه‪ ،‬وحت منع من استعمال كافر أو ائتمانه على المة وإعزازه بعد إذ أذله ال‬
‫وحت روي أنه حرق الكتب العجمية‪ ،‬وهو الذي منع أهل البدع أن ينبغوا وألزمهم ثوب‬
‫الصغار‪.‬‬

‫وروى اللل عن عكر مة‪ ،‬عن ا بن عباس‪ :‬ا نه سأل ر جل أأحت قن؟‪ ،‬قال‪ :‬ل ت بد‬
‫العورة‪ ،‬ول ت ست ب سنة الشركي‪ .‬فقوله‪ :‬ل ت ست ب سنة الشركي عام‪ ،‬وروى أ بو داود‬
‫عن أنس‪ :‬أنه دخل عليه غلم وله قرنان أو قصتان‪ ،‬فقال‪ :‬احلقوا هذين أو قصوها‪ ،‬فإن‬
‫هذا زي اليهود‪.‬‬

‫علل الن هي عنه ما بأن ذلك زي اليهود‪ ،‬وتعل يل الن هي بعلة يو جب أن تكون العلة‬
‫مكروهة‪ ،‬مطلوبا عدمها‪ ،‬نقل ذلك شيخ السلم‪.‬‬

‫وقال أيضا‪ ،‬عند قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬هل با عيد من أعياد الاهلية)‪ :‬وهذا‬
‫ن ي شد يد عن أن يف عل ش يء من أعياد الاهل ية على أي و جه كان‪ ،‬وأعياد الكفار من‬
‫الكتابي ي والمي ي ف د ين ال سلم من ج نس وا حد‪ ،‬ك ما أن ك فر الطائفت ي سواء ف‬
‫التحر ي‪ ،‬وإن كان بع ضه أ شد تري ا من ب عض‪ ،‬وإذا كان الشارع قد ح سم مادة أعياد‬
‫أهل الوثان خشية أن يتدنس السلم بشيء من أمر الكفار الذين يئس الشيطان أن يقيم‬
‫أمر هم ف جزيرة العرب‪ ،‬فالش يه من تدنسه بأوضار الكتابي ي الباقي أ شد‪ ،‬والن هي ع نه‬
‫أوكد‪.‬‬

‫إل أن قال‪ :‬و قد بالغ صلى ال عل يه و سلم ف أ مر أم ته بخالفت هم ف كث ي من‬


‫الباحات‪ ،‬وصنفات الطاعات‪ ،‬لئل يكون ذلك ذريعنة إل موافقتهنم‪ ،‬فن غين ذلك منن‬
‫أمور هم‪ ،‬ولتكون الخال فة ف ذلك حاجزا ومان عا عن سائر أمور هم‪ ،‬فإ نه كل ما كثرت‬
‫الخالفة بينك وبي أهل الحيم كان أبعد عن أعمال الحيم‪.‬‬

‫فليس بعد حرصه على أمته ونصحه لم غاية صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكل ذلك من‬
‫فضل ال عليه وعلى الناس‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‪.‬‬

‫(‪)24‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫قلت‪ :‬فإذا كانت مبالغته صلى ال عليه وسلم ف أمر أمته بخالفة الكفار‪ ،‬إنا هي‬
‫خو فا من أن تكون مشابت هم ف الدي الظا هر‪ ،‬مؤد ية وجارّة إل الواف قة والوالة‪ ،‬ف ما‬
‫بال كثي من يدّعي السلم قد وقع ف الحذور بعينه‪ ،‬وهم مع ذلك يسبون أنم يسنون‬
‫صنعا؟!!‬

‫وروى أبو داود ف سننه وغيه من حديث هشيم‪ ،‬أخبنا أبو بشر‪ ،‬عن أب عمي‬
‫بن أنس‪ ،‬عن عمومة له من النصار‪ ،‬قال‪ :‬اهتم النب صلى ال عليه وسلم للصلة‪ ،‬وكيف‬
‫ي مع الناس ل ا‪ ،‬فذكروا له شبور اليهود‪ ،‬فلم يعج به ذلك‪ ،‬وقال‪ ( :‬هو من أ مر اليهود)‪،‬‬
‫وقال‪( :‬فذكروا له الناقوس‪ ،‬فقال‪( :‬هو من أمر النصارى‪ )...‬الديث‪.‬‬

‫قال ف القاموس‪ :‬شبور كتنور‪ .‬البوق الذي ينفخ فيه ويزمر‪ .‬اهن‪.‬‬

‫والغرض‪ :‬أننه صنلى ال علينه وسنلم لان كره بوق اليهود النفوخ بالفنم وناقوس‬
‫النصارى الضروب باليد‪ ،‬علل هذا بأنه من أمر اليهود‪ ،‬وعلل هذا بأنه من أمر النصارى‪،‬‬
‫لن ذكر الوصف عقيب الكم يدل على أنه علة له‪ ،‬وهذا يقتضي نيه عما هو من أمر‬
‫اليهود والنصارى‪ ،‬ويقتضي كراهة هذا النوع من الصوات مطلقا ف غي الصلة أيضا‪،‬‬
‫لنه من أمر اليهود والنصارى‪.‬‬

‫فإن النصنارى كانوا‪ ،‬يضربون بالنواقينس فن أوقات متعددة غين أوقات عباداتمن‪،‬‬
‫وإنا شعار الدين النيف الذان التضمن للعلن بذكر ال سبحانه‪ ،‬الذي به تفتح أبواب‬
‫السماء وترب الشياطي‪ ،‬وتنل الرحة‪ ،‬وقد أبتُلي كثي من هذه المة من اللوك وغيهم‬
‫بذا الشعار اليهودي والنصنران‪ ،‬وهذه الشابةن لليهود والنصنارى وللعاجنم منن الروم‬
‫والفرس‪ ،‬ل ا غل بت على ملوك الشرق هي وأمثال ا‪ ،‬م ا خالفوا به هدي ال سلمي ودخلوا‬
‫في ما كر هه ال ور سوله‪ ،‬سلط ال علي هم الترك الكافرون الوعود بقتال م‪ ،‬ح ت فعلوا ف‬
‫العباد والبلد ما ل يرِ ف دولة ال سلم مثله‪ ،‬وذلك ت صديق قوله صلى ال عل يه و سلم‪:‬‬
‫(لتركب سنن من كان قبلكم)‪ .‬انتهى من القتضاء‪.‬‬

‫وك ما و قع من العقو بة على مال فة هدي ال سلمي بت سليط الترك الكفار على ما‬
‫ذكره ش يخ ال سلم‪ ،‬و قع نظيه ف هذه الزمان‪ ،‬فإن النت سبي إل ال سلم ل ا سلكوا‬
‫كثيا من هدي اليهود والنصارى وأهل الاهلية الشركي والعاجم أعداء الدين وتشبهوا‬
‫بم ف كثي من المور سلط عليه الترك الكافرون الارجون عن شرائع السلم‪.‬‬

‫(‪)25‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فجرى على السلم من عظيمة‪ ،‬وأمور كبية حت أنم يذلون الرئيس‪ ،‬ويتهنون‬
‫الشينخ الكنبي‪ ،‬ول يرحون العاجنز‪ ،‬ول الضعينف فأفسندوا الديان‪ ،‬وخربوا البلدان‪،‬‬
‫وأهانوا البدان‪ ،‬وذلك بك مة الديان عقو بة على الظلم والع صيان‪ ،‬وال ال ستعان وعل يه‬
‫التكلن‪.‬‬

‫ولكنن منن رحةن ال تعال أن القن ل يزول‪ ،‬ويأبن ال إل إظهار دينن الرسنول‪:‬‬
‫{يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواه هم ويأ ب ال إل أن ي تم نوره ولو كره الكافرون‪ .‬هو‬
‫الذي أر سل ر سوله بالدى ود ين ال ق ليظهره على الد ين كله ولو كره الشركون} فإذا‬
‫م ص ال أ هل اليان وانت هى ما عاقب هم به على الع صيان‪ ،‬وش خت أنوف أ هل الف ساد‬
‫والكفران‪ ،‬وظنوا أن الدولة لم ف غابر الزمان‪ ،‬أظهر ال عليهم شس السلم واليان‪،‬‬
‫فمزقهم با ف أقرب أوان‪ ،‬وشردهم إل أقصى البلدان‪ ،‬قال ابن القيم رحه ال تعال‪:‬‬

‫ورسوله ف سائر الزمان‬ ‫وال ناصر دينه وكتابه‬


‫ذا حكمه مذ كانت الفئتان‬ ‫لكن بحنة حزبه من حزبه‬

‫وقال أيضا‪:‬‬

‫تعجب فهذه سنة الرحن‬ ‫والق منصور ومتحن فل‬


‫ولجل ذاك الناس طائفتان‬ ‫وبذاك يظهر حزبه من حزبه‬

‫وقال شينخ السنلم فن الكلم على شروط أهنل الذمنة‪ :‬وذلك يقتضني إجاع‬
‫ال سلمي على التمي يز عن الكفار ظاهرا‪ ،‬وترك التش به ب م‪ ،‬ول قد كان أمراء العدل م ثل‬
‫العمرين وغيهم يبالغون ف تقيق ذلك با يتم به القصود‪.‬‬

‫وقد روى أبو الشيخ الصبهان‪ ،‬أن عمر رضي ال عنه كتب‪ :‬أن ل تكاتبوا أهل‬
‫الذمة فتجري بينكم وبينهم الودة‪ ،‬ول تكنوهم‪ ،‬وأذلوهم‪ ،‬ول تظلموهم‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬ومن جلة الشروط‪ :‬ما يعود بإخفاء منكرات دينهم‪ ،‬وترك إظهارها‪ ،‬ومنها‬
‫ما يعود بإخفاء شعار دين هم‪ ،‬فات فق ع مر ر ضي ال ع نه وال سلمون م عه و سائر العلماء‬
‫بعد هم ومن وف قه ال عز و جل‪ ،‬من ولة ال مر‪ :‬على منع هم من أن يظهروا ف ال سلم‬
‫شيئا ما يتصون به‪ ،‬مبالغة ف أن ل يظهر ف دار السلم خصائص الشركي‪.‬‬

‫(‪)26‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فكيف إذا عملها السلمون وأظهروها هم!!‬

‫ومنها ما يعود بترك إكرامهم‪ ،‬وإلزامهم الصغار الذي شرعه ال تعال‪ ،‬ومن العلوم‬
‫أن تعظيم أعيادهم ونوها بالوافقة فيها نوع من إكرامهم‪ ،‬فإنم يفرحون بذلك‪ ،‬ويسرون‬
‫به‪ ،‬كما يغتمون بإهال أمر دينهم الباطل‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم أيضا‪ :‬وقال تعال‪{ :‬إن الذ ين فرقوا دين هم وكانوا شي عا ل ست‬
‫منهنم فن شينء} ومعلوم أن الكفار فرقوا دينهنم وكانوا شيعنا‪ ،‬كمنا قال تعال‪{ :‬ول‬
‫تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} وقد قال لنبيه‪{ :‬لست منهم ف شيء} وذلك يقتضي‬
‫تبؤه منهم ف جيع الشياء‪.‬‬

‫و من تا بع غيه ف ب عض أموره‪ ،‬ف هو م نه ف ذلك ال مر‪ ،‬لن قول القائل‪ :‬أ نا من‬
‫هذا‪ ،‬وهذا من‪ .‬أي‪ :‬أنا من نوعه‪ ،‬وهو من نوعي‪ ،‬لن الشخصي ل يتحدان إل بالنوع‪،‬‬
‫كما ف قوله‪{ :‬بعضهم من بعض}‪ ،‬وقوله عليه السلم لعلي‪( :‬أنت من وأنا منك)‪.‬‬

‫وقول القائل‪ :‬ل ست من هذا ف ش يء‪ .‬أي‪ :‬أ نا م تبئ من ج يع أموره‪ .‬وإذا كان‬
‫ال قد برأ رسوله من جيع أمورهم‪ ،‬فمن كان متابعا للرسول صلى ال عليه وسلم حقيقة‬
‫كان متبئا كتبئه‪ ،‬ومن كان موافقا لم كان مالفا للرسول صلى ال عليه وسلم بقدر‬
‫موافقته لم‪ ،‬فإن الشخصي الختلفي من كل وجه‪ ،‬كلما شابت أحدها خالفت الخر‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}‪ ،‬وقال تعال‪:‬‬
‫{أل تر إل الذ ين تولوا قو ما غ ضب ال علي هم ما هم من كم ول من هم} يع يب بذلك‬
‫النافقي الذين تولوا اليهود‪ ،‬إل قوله‪{ :‬ل تد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوآدون من‬
‫حآد ال ورسنوله}‪ ،‬إل آخنر السنورة‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬إن الذينن آمنوا وهاجروا وجاهدوا‬
‫بأموال م وأنف سهم ف سبيل ال والذ ين آووا ون صروا أولئك بعض هم أولياء ب عض}‪ ،‬إل‬
‫آخر السورة‪.‬‬

‫فع قد سبحانه وتعال‪ :‬الوالة ب ي الهاجر ين والن صار‪ ،‬وب ي من آ من من بعد هم‬
‫وهاجر وجاهد إل يوم القيامة‪.‬‬

‫والهاجر من هجر ما نى ال عنه‪ ،‬والهاد باق إل يوم القيامة‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬إنا‬
‫ولي كم ال ور سوله والذ ين آمنوا} اليت ي‪ ،‬ونظائر هذا ف غ ي مو ضع من القرآن‪ ،‬يأ مر‬

‫(‪)27‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫سبحانه بوالة الؤمني حقا الذين هم حزبه وجنده‪ ،‬ويب أن هؤلء ل يوالون الكافرين‪،‬‬
‫ول يوادنم‪ ،‬والوالة والوادة‪ :‬وإن كانت متعلقة بالقلب‪ ،‬لكن الخالفة ف الظاهر‪ ،‬أعون‬
‫على مقاطعة الكافرين ومباينتهم‪.‬‬

‫مشاركتهم ف الظاهر‪ ،‬وإن ل تكن ذريعة‪ ،‬أو سببا قريبا أو بعيدا إل نوع ما من‬
‫الوالة والوادة‪ :‬فلينس فيهنا مصنلحة القاطعنة والبايننة‪ ،‬منع أنان تدعنو إل نوع منا منن‬
‫الواصنلة‪ ،‬كمنا توجبنه الطبيعنة‪ ،‬وتدل علينه العادة‪ ،‬ولذا كان السنلف رضني ال عنهنم‬
‫يستدلون بذه اليات‪ ،‬على ترك الستعانة بم ف الوليات‪.‬‬

‫فروى المام أح د بإ سناد صحيح عن أ ب مو سى ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قلت لع مر‬


‫ر ضي ال ع نه‪ :‬إن ل كات با ن صرانيا‪ .‬قال‪ :‬ما لك؟ قاتلك ال‪ ،‬أ ما سعت ال يقول‪ { :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} أل اتذت حنيفا‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا أمي‬
‫الؤمني‪ :‬إن ل كتابته‪ ،‬وله دينه‪ ،‬قال‪ :‬ل أكرمهم إذ أهانم ال‪ ،‬ول أعزهم إذ أذلم ال‪،‬‬
‫ول أدنيهم إذ أقصاهم ال‪.‬‬

‫وكما دل عليه معن الكتاب‪ ،‬جاءت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسنة‬
‫خلفائه الراشدين الت أجع الفقهاء عليها بخالفتهم وترك التشبه بم‪.‬‬

‫ففي الصحيحي‪ ،‬عن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم‪( :‬إن اليهود والن صارى ل ي صبغون فخالفو هم) أ مر بخالفت هم‪ ،‬وذلك يقت ضي أن‬
‫يكون ج نس مالفت هم أمرا مق صودا للشارع‪ ،‬ل نه إن كان ال مر ب نس الخال فة ح صل‬
‫القصود‪ ،‬وإن كان المر بخالفة ف تغيي الشعر فقط فهو لجل ما فيه من الخالفة‪.‬‬

‫فالخالفنة‪ :‬إمنا علة مفردة‪ ،‬أو علة أخرى‪ ،‬أو بعنض علة‪ ،‬وعلى التقديرات تكون‬
‫مأمورا با‪ ،‬مطلوبة من الشارع‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬والذينن ل يشهدون الزور} قال الضحاك‪ :‬الزور‪ ،‬عيند الشركين‪.‬‬
‫رواه أ بو الش يخ بإ سناده‪ ،‬وبإ سناده ع نه الزور‪ :‬كلم الشرك‪ .‬وبإ سناده عن ا بن مرة‪ :‬ل‬
‫يالؤون أهل الشرك على شركهم‪ ،‬ول يالطونم‪.‬‬

‫وبإسناده عن عطاء بن يسار قال‪ :‬قال عمر‪( :‬إياكم ورطانة العاجم‪ ،‬وأن تدخلوا‬
‫على الشركي يوم عيدهم ف كنائسهم)‪.‬‬

‫(‪)28‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وقول هؤلء التابع ي‪ :‬إ نه أعياد الكفار‪ .‬ل يس مال فا لقول بعض هم‪ :‬إ نه الشرك‪ ،‬أو‬
‫صنم كان ف الاهل ية‪ .‬ولقول بعض هم‪ :‬إ نه مالس ال نا‪ .‬وقول بعض هم‪ :‬إ نه الغناء‪ .‬لن‬
‫عادة ال سلف ف تف سيهم هكذا‪ ،‬يذ كر الر جل نو عا من أنواع ال سمى‪ ،‬لا جة ال ستمع‬
‫إليه‪ ،‬أو لينبه به على النس‪.‬‬

‫ووجه تفسي التابعي‪ :‬أن الزور‪ :‬هو الح سّن الموّه‪ ،‬حت يظهر بلف ما هو عليه‬
‫فن القيقنة‪ .‬ولذا فسنره السنلف‪ :‬تارة بان يظهنر حسننه لشبهنة‪ ،‬أو لشهوة‪ .‬فإن الشرك‬
‫ونوه‪ :‬يظهر حسنه للشبهة‪ ،‬والغناء ونوه‪ :‬يظهر حسنه للشهوة‪.‬‬

‫وأما أعياد الشركي‪ :‬فجمعت الشبهة والشهوة‪ ،‬وهي باطلة‪ ،‬إذ ل منفعة فيها ف‬
‫الد ين‪ ،‬و ما في ها من اللذة العاجلة فعاقبت ها الل‪ ،‬ف صارت زورا‪ ،‬وشهود ها‪ :‬حضور ها‪.‬‬
‫وإذا كان ال قند مدح ترك شهودهنا الذي هنو مرد الضور برؤينة أو سناع‪ ،‬فكينف‬
‫بالوافقة با يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور ل مرد شهوده؟!!‬

‫واعلم أنا لو ل نعلم من موافقتهم إل ما قد أفضت إل هذه القبائح‪ ،‬لكان عملنا با‬
‫وافقت الطباع عليه‪ ،‬واستدللنا بأصول الشريعة‪ :‬يوجب النهي عن هذه الذريعة‪ ،‬فكيف‬
‫و قد رأي نا من النكرات ال ت أف ضت إلي ها الشاب ة‪ ،‬م ا قد يو جب الروج عن ال سلم‬
‫بالكلية!!‬

‫وسر هذا‪ :‬أن الشابة تفضي إل كفر أو معصية غالبا‪ ،‬أو تفضي إليهما ف الملة‪،‬‬
‫وما أفضى إل ذلك كان مرما‪.‬‬

‫فهذا بعض ما جاء من الدلة ف النهي عن مشابة الشركي والكفار‪ ،‬ولكن رحم‬
‫ال من تن به لل سر الذي سيق الكلم لجله و هو‪ :‬أن الشاب ة ف الدي الظا هر‪ ،‬إن ا ن ي‬
‫عنها‪ ،‬لنا تورث نوع مودة وموالة ف الباطن‪ ،‬وتفضي أيضا إل كفر أو معصية‪ ،‬وهذا‬
‫هو السبب ف تريها والنهي عنها‪ .‬فإذا علمت ذلك‪ ،‬وتبي ما وقع فيه كثي من الناس أو‬
‫أكثرهم من موالة الكفار والشركي‪ ،‬الت إنا ني عن هذه المور خوفا من الوقوع فيها‬
‫تبي لك أن م وقعوا ف ن فس الحذور‪ ،‬وتو سطوا مفازة الهل كة‪ .‬وال الادي إل سواء‬
‫الصراط‪.‬‬

‫(‪)29‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫ف ذكر جوابات عن إيرادات أوردها بعض السلمي على أولد شيخ‬
‫السلم ممد بن عبد الوهاب رحهم ال تعال وعفا عنهم‬

‫فمكن ذلك‪ :‬مكا قولككم فك رجكل دخكل هذا الديكن وأحبكه‪ ،‬ولككن ل يعادي‬
‫الشركي‪ ،‬أو عاداهم ول يكفرهم‪ ،‬أو قال‪ :‬أنا مسلم ولكن ما اقدر أكفر أهل ل إله‬
‫إل ال‪ ،‬ولو ل يعرفوا معناها؟! ورجل دخل هذا الدين وأحبه‪ ،‬ولكن يقول‪ :‬ل أتعرض‬
‫القباب وأعلم أنا ل تضر ول تنفع ولكن ل أتعرضها‪.‬‬

‫الواب‪:‬‬

‫أن الرجل ل يكون مسلما إل إذا عرف التوحيد‪ ،‬ودان به‪ ،‬وعمل بوجبه‪ ،‬وصدق‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم فيما أخب به‪ ،‬وأطاعه فيما نى عنه وأمر به‪ ،‬وآمن به وبا‬
‫جاء به‪.‬‬

‫(‪)30‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ف من قال ل أعادي الشرك ي أو عادا هم ول يكفر هم‪ ،‬أو قال‪ :‬ل أتعرض أ هل ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬ولو فعلوا الكفر والشرك‪ ،‬وعادوا دين ال‪ ،‬أو قال‪ :‬ل أتعرض القباب‪ ،‬فهذا ل‬
‫يكون مسلما‪ ،‬بل هو من قال ال فيهم‪{ :‬ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون‬
‫أن يتخذوا بي ذلك سبيل‪ .‬أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعال‪ :‬أو جب معاداة الشرك ي ومنابذت م‪ ،‬وتكفي هم‪ ،‬فقال‪{ :‬ل‬
‫تدن قومنا يؤمنون بال واليوم الخنر يوآدون منن حآد ال ورسنوله ولو كانوا آباءهنم أو‬
‫أبناء هم أو إخوان م أو عشيت م}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬و من يتول م من كم فإ نه من هم إن ال ل‬
‫يهدي القوم الظالين}‪ ،‬وقال تعال‪{ :‬ينا أيهنا الذينن آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكنم‬
‫أولياء تلقون إليهم بالودة وقد كفروا با جاءكم من الق يرجون الرسول} اليات وال‬
‫أعلم‪ .‬نقل من‪ :‬جواب الشيخ حسي بن الشيخ ممد بن عبد الوهاب وأخيه عبد ال‪.‬‬

‫وف أجوبة أخرى‪ :‬ما قولكم ف الوالة والعاداة‪ ،‬هل هي من معن ل إله إل ال‪،‬‬
‫أو من لوازمها؟‬

‫الواب‪:‬‬

‫أن يقال‪ :‬ال أعلم‪ ،‬حسنب السنلم أن يعلم أن ال افترض علينه عداوة الشركين‪،‬‬
‫وعدم موالتم‪ ،‬وأوجب عليه مبة الؤمني وموالتم‪ ،‬وأخب أن ذلك من شروط اليان‪.‬‬
‫ونفى اليان عمن يواد من حآد ال ورسوله‪ ،‬ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو‬
‫عشيتم‪ ،‬وأما كون ذلك من معن ل إله إل ال‪ ،‬أو من لوازمها‪ :‬فلم يكلفنا ال بالبحث‬
‫عن ذلك‪ ،‬وإنا كلفنا بعرفة أن ال فرض ذلك وأوجبه‪ ،‬وأوجب العمل به‪ .‬فهذا الفرض‬
‫والتم الذي ل شك فيه‪.‬‬

‫و من عرف أن ذلك من معنا ها أو من لزم ها‪ ،‬ف هو ح سن وزيادة خ ي‪ ،‬و من ل‬


‫يعرف‪ :‬فلم يكلف بعرفته‪ ،‬لسيما إذا كان الدال ف ذلك والنازعة فيه ما يفضي إل شر‬
‫واختلف‪ ،‬ووقوع فرقنة بين الؤمنين الذينن قاموا بواجبات اليان‪ ،‬وجاهدوا فن ال‪،‬‬
‫وعادوا الشركي‪ ،‬ووالوا السلمي‪ ،‬فالسكون عن ذلك متعي‪ ،‬وهذا ما ظهر ل على أن‬
‫الختلف قريب من جهة العن‪ .‬وال اعلم‪.‬‬

‫(‪)31‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فهذا بعنض الدلة الدالة على وجوب مقاطعنة الكفار والشركين‪ ،‬وهني السنألة‬
‫الول‪.‬‬

‫وأ ما ال سألة الثان ية و هي‪ :‬الشياء ال ت ي صي ب ا ال سلم مرتدا‪ .‬فأحد ها‪ :‬الشرك‬
‫بال تعال‪ :‬و هو أن ي عل ل ندا من ملوقا ته‪ ،‬يدعوه ك ما يد عو ال‪ ،‬ويا فه ك ما ياف‬
‫ال‪ ،‬أو يتوكل عليه كما يتوكل على ال‪ ،‬أو يصرف له شيئا من عبادة ال‪.‬‬

‫فإذا فعل ذلك‪ :‬كفر‪ ،‬وخرج من السلم‪ ،‬وإن صام النهار وقام الليل‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك قوله تعال‪{ :‬وإذا مس النسان ضر دعا ربه منيبا إليه ث إذا خوّله نعمة منه نسي ما‬
‫كان يد عو إل يه من ق بل وج عل ل أنداد لي ضل عن سبيله قل ت تع بكفرك قليل إ نك من‬
‫أصحاب النار}وقوله تعال‪{ :‬ومن يدعوا مع ال إلا آخر ل برهان له به فإنا حسابه عند‬
‫ربه إنه ل يفلح الكافرون} وغي ذلك من اليات الدالة‪ :‬على أن من أشرك مع ال تعال‬
‫ف عبادته ملوقا من الخلوقي‪ ،‬فقد كفر وخرج من السلم وحبطت أعماله‪ ،‬كما قال‬
‫تعال‪{ :‬ولو أشركوا لبط عنهم ما كانوا يعملون}‪.‬‬

‫الثا ن‪ :‬إظهار الطا عة والواف قة للمشرك ي على دين هم والدل يل‪ ،‬قوله تعال‪{:‬إن‬
‫الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبي لم الدى الشيطان سول لم وأملى لم‪ .‬ذلك‬
‫بأنم قالوا للذين كرهوا ما نزل ال سنطيعكم ف بعض المر وال يعلم إسرارهم‪ .‬فكيف‬
‫إذا توفتهم اللئكة يضربون وجوههم وأدبارهم‪ .‬ذلك بأنم اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا‬
‫رضوانه فأحبط أعمالم}‪.‬‬

‫وذكر الفقيه سليمان بن الشيخ عبد ال بن الشيخ ممد بن عبد الوهاب ف هذه‬
‫السألة‪ ،‬عشرين آية من كتاب ال‪ ،‬وحديثا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬استدل‬
‫ب ا على أن ال سلم إذا أظ هر الطا عة والواف قة للمشرك ي من غ ي إكراه‪ ،‬إ نه يكون بذلك‬
‫مرتدا خارجا من السلم‪ ،‬وإن كان يشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬ويفعل الركان المسة‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ل ينفعه‪.‬‬

‫وقال ش يخ ال سلم الذكور‪ ،‬إمام هذه الدعوة النيف ية ف كل مه على آ خر سورة‬


‫الزمر‪ :‬الثانية‪ ،‬أن السلم إذا أطاع من أشار عليه ف الظاهر‪ ،‬كفر‪ ،‬ولو وكان باطنه يعتقد‬
‫اليان‪ ،‬فإنم ل يريدوا من النب صلى ال عليه وسلم تغيي عقيدته‪.‬‬

‫(‪)32‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ففيه بيان لا يكثر وقوعه من ينتسب إل السلم ف إظهار الوافقة للمشركي خوفا‬
‫من هم‪ ،‬وي ظن أ نه ل يك فر إذا كان قل به كار ها‪ ،‬إل أن قال‪ :‬الثال ثة‪ ،‬أن الذي يك فر به‬
‫السلم‪ ،‬ليس هو عقيدة القلب خاصة‪ ،‬فإن هؤلء الذين ذكرهم ال‪ ،‬ل يريدوا منه صلى‬
‫ال عل يه و سلم تغي ي عقيد ته‪ ،‬ك ما تقدم‪ ،‬بل إذا أطاع ال سلم من أشار إل يه بوافقت هم‪،‬‬
‫ل جل ماله‪ ،‬أو بلده‪ ،‬أو أهله‪ ،‬مع كو نه يعرف كفر هم ويبغض هم‪ ،‬فهذا كا فر‪ ،‬إل من‬
‫أكره‪.‬‬

‫إل أن قال رحه ال‪ :‬ولكن رحم ال من تنبه لسر الكلم‪ ،‬وهو العن الذي نزلت‬
‫ف يه هذه اليات من كون ال سلم يوافق هم ف ش يء من دين هم الظا هر‪ ،‬مع كون القلب‬
‫بلف ذلك‪ ،‬فإن هذا هو الذي أرادوا من النب صلى ال عليه وسلم فافهمه فهما حسنا‪،‬‬
‫لعلك تعرف شيئا من دين إبراهيم عليه السلم‪ ،‬الذي بادأ أباه وقومه بالعداوة عنده‪.‬‬

‫وقال ف سورة الك هف‪ :‬التا سعة‪ :‬ال سألة العظي مة الشكلة على أك ثر الناس أ نه إذا‬
‫وافقهم بلسانه مع كونه مؤمنا حقا‪ ،‬كارها لوافقتهم‪ ،‬فقد كذب ف قوله ل إله إل ال‪،‬‬
‫واتذ إلي اثني‪ .‬وما أكثر الهل بذه‪ ،‬والت قبلها‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬أننه لو يصندر منهنم أعنن موافقنة الاكنم فيمنا أراد منن ظاهرهنم‪ ،‬منع‬
‫كراهتهم لذلك‪ ،‬فهو قوله‪{ :‬شططا} والشطط‪ :‬الكفر‪.‬‬

‫واعلم أن إظهار الوافقة والطاعة للمشركي‪ ،‬له أحوال ستأت ف السألة الثالثة‪ ،‬إن‬
‫شاء ال تعال‪.‬‬

‫المر الثالث‪ :‬ما يصي السلم به مرتدا‪ ،‬موالة الشركي‪ ،‬والدليل قوله تعال‪{ :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعض ومن يتولم منكم فإنه منهم إن‬
‫ال ل يهدي القوم الظالين}‪ ،‬وقوله تعال‪{ :‬ل يتخنذ الؤمنون الكافرينن أولياء منن دون‬
‫الؤمني ومن يفعل ذلك فليس من ال ف شيء}‪.‬‬

‫فذكر ف الية الول‪ :‬أن من تول اليهود والنصارى فهو منهم‪ ،‬وظاهرها أن من‬
‫تولهم‪ .‬فهو كافر مثلهم‪ .‬ذكر معناه شيخ السلم ابن تيمية رحه ال تعال‪.‬‬

‫وتقدم قول عبد ال بن عتبة عند قوله‪{ :‬ومن يتولم منكم فإنه منهم} ليتق أحكم‬
‫أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو ل يشعر‪.‬‬

‫(‪)33‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وقال ابن جرير ف قوله تعال‪{ :‬فليس من ال ف شيء} يعن‪ :‬فقد برئ من ال‪،‬‬
‫وبرئ ال منه‪ ،‬لرتداده عن دينه‪.‬‬

‫وأمنا قوله‪{ :‬إل أن تتقوا منهنم تقاة} فهني كقوله‪{ :‬إل منن أكره} و سيأت بيان‬
‫ذلك‪ ،‬إن شاء ال تعال‪.‬‬

‫ال مر الرا بع‪ :‬اللوس ع ند الشرك ي ف مالس شرك هم‪ ،‬من غ ي إنكار‪ ،‬والدل يل‬
‫قوله تعال‪{ :‬وقد نزل عليكم ف الكتاب أن إذا سعتم آيات ال يكفر با ويستهزأ با فل‬
‫تقعدوا معهنم حتن يوضوا فن حدينث غيه إنكنم إذا مثلهنم إن ال جامنع النافقين‬
‫والكافرين ف جهنم جيعا}‪.‬‬

‫وف أجوبة آل الشيخ رحهم ال تعال لا سئلوا عن هذه الية وعن قوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬من جامع الشرك وسكن معه فإنه مثله)؟‬

‫قالوا‪ :‬الواب أن ال ية على ظاهر ها‪ ،‬و هو أن الر جل إذا سع آيات ال يك فر ب ا‬


‫ويستهزأ با‪ ،‬فجلس عند الكافرين الستهزئي بآيات ال‪ ،‬من غي إكراه ول إنكار ول قيام‬
‫عن هم ح ت يوضوا ف حد يث غيه‪ ،‬ف هو كا فر مثل هم‪ ،‬وإن ل يف عل فعل هم‪ ،‬لن ذلك‬
‫يتضمن الرضى بالكفر‪ ،‬والرضى بالكفر كفر‪.‬‬

‫وبذه الية ونوها‪ ،‬استدل العلماء على أن الراضي بالذنب كفاعله‪ ،‬فإن أدعى أنه‬
‫يكره ذلك بقلبه ل يقبل منه‪ ،‬لن الكم بالظاهر‪ ،‬وهو قد أظهر الكفر‪ ،‬فيكون كافرا‪.‬‬

‫ولذا لا وقعت الردة‪ ،‬وأدعى أناس أنم كرهوا ذلك‪ ،‬ل يقبل منهم الصحابة ذلك‬
‫بل جعلوهم كلهم مرتدين‪ ،‬إل من أنكر بلسانه‪.‬‬

‫وكذلك قوله ف الد يث‪( :‬من جا مع الشرك و سكن م عه فإ نه مثله) على ظاهره‪:‬‬
‫وهو أن الذي يدعي السلم‪ ،‬ويكون مع الشركي ف الجتماع والنصرة‪ ،‬والنل معهم‬
‫بيث يعده الشركون منهم‪ ،‬فهو كافر مثلهم وإن أدعى السلم‪ ،‬إل إن كان يظهر دينه‪،‬‬
‫ول يتول الشركي‪ .‬اهن‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ويأت ماطبة خالد لجاعة‪ ،‬وفيه‪ :‬يا ماعة! تركت اليوم ما كنت عليه أمس‪،‬‬
‫وكان رضاك بأمر هذا الكذاب‪ ،‬وسكوتك عنه إقرارا له‪ .‬إل آخره‪.‬‬

‫(‪)34‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وتقدم قول عبد ال ابن عمر‪ :‬من بن ببلد الشركي‪ ،‬فصنع نيوزهم ومهرجانم‪،‬‬
‫وتشبه بم حت يوت‪ ،‬حشر معهم يوم القيامة‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬ول كن من شرح بالك فر صدرا فعلي هم غ ضب من ال ول م عذاب‬


‫عظيم‪ .‬ذلك بأنم استحبوا الياة الدنيا على الخرة وأن ال ل يهدي القوم الكافرين}‪.‬‬

‫المنر الامنس‪ :‬السنتهزاء بال‪ ،‬أو بكتابنه‪ ،‬أو برسنوله والدلينل على ذلك‪ ،‬قوله‬
‫تعال‪ { :‬قل أبال وآيا ته ور سوله كن تم ت ستهزئون‪ .‬ل تعتذروا قد كفر ت ب عد إيان كم إن‬
‫نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنم كانوا مرمي}‪.‬‬

‫واعلم أن الستهزاء على نوعي‪:‬‬

‫أحدها‪ :‬الستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت الية فيه‪ ،‬وهو قولم‪ :‬ما رأينا مثل‬
‫قرائنا هؤلء أرغب بطونا‪ ،‬ول أكذب ألسنا‪ ،‬ول أجب عند اللقاء‪ .‬ونو ذلك من أقوال‬
‫ال ستهزئي‪ ،‬كقول بعض هم‪ :‬دين كم هذا د ين حا مض‪ .‬وقول ال خر دين كم حرق‪ .‬وقول‬
‫الخر إذا رأى المرين بالعروف أو الناهي عن النكر جاءكم أهل الديك‪ .‬بالكاف بدل‬
‫النون‪ ،‬وقول الخر إذا رأى طلبة العلم‪ :‬هؤلء الطلبة بسكون اللم وما أشبه ذلك‪ ،‬ما ل‬
‫يصى إل بكلفة ما هو أعظم من قول الذين نزلت فيهم الية‪.‬‬

‫النوع الثا ن‪ :‬غ ي ال صريح؛ و هو الب حر الذي ل ساحل له‪ ،‬م ثل الر مز بالع ي‪،‬‬
‫وإخراج الل سان و مد الش فة‪ ،‬والغ مز بال يد ع ند تلوة كتاب ال أو سنة ر سوله صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أو عند المر بالعروف والنهي عن النكر‪.‬‬

‫المر السادس‪ :‬ظهور الكراهة والغضب عند الدعوة إل ال‪ ،‬وتلوة آياته‪ ،‬والمر‬
‫بالعروف والن هي عن الن كر‪ ،‬والدل يل على ذلك قول ال تعال‪{ :‬وإذ تتلى علي هم آيات نا‬
‫بينات تعرف ف وجوه الذين كفروا النكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل‬
‫أفأنبئ كم ب شر من ذل كم النار وعد ها ال الذ ين كفروا وبئس ال صي} فذ كر ك فر هذا‬
‫الصنف ف أول الية وآخرها‪.‬‬

‫ال مر ال سابع‪ :‬كراهة ما أنزل ال على رسوله من الكتاب والكمة‪ ،‬والدل يل قول‬
‫ال تعال‪{ :‬ذلك بأنم كرهوا ما أنزل ال فأحبط أعمالم}‪.‬‬

‫(‪)35‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫ال مر الثا من‪ :‬عدم القرار ب ا دلت عل يه آيات القرآن‪ ،‬والحاد يث‪ ،‬والجادلة ف‬
‫ذلك‪ ،‬والدلينل على ذلك قوله ال تعال‪{ :‬منا يادل فن آيات ال إل الذينن كفروا فل‬
‫يغررك تقلبهم ف البلد}‪.‬‬

‫المر التاسع‪ :‬جحد شيء من كتاب ال‪ ،‬ولو آية أو بعضها‪ ،‬أو شيئا ما جاء عن‬
‫ال نب صنلى ال علينه و سلم‪ ،‬والدل يل على ذلك قول ال تعال‪{ :‬إن الذ ين يكفرون بال‬
‫ور سله ويريدون أن يفرقوا ب ي ال ور سله ويقولون نؤ من بب عض ونك فر بب عض ويريدون‬
‫أن يتخذوا ب ي ذلك سبيل‪ .‬أولئك هم الكافرون ح قا وأعتد نا للكافر ين عذا با مهي نا}‬
‫وهذا أخص من الذي قبله‪.‬‬

‫المر العاشر‪ :‬العراض عن تعلم دين ال والغفلة عن ذلك والدليل قول ال تعال‪:‬‬
‫{والذين كفروا عما أنذروا معرضون}‪.‬‬

‫ال مر الادي ع شر‪ :‬كرا هة إقا مة الد ين والجتماع عل يه‪ .‬والدل يل على ذلك قول‬
‫ال تعال‪{ :‬شرع ل كم من الد ين ما و صى به نوحا والذي أوحي نا إل يك و ما و صينا به‬
‫إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كب على الشركي ما تدعوهم‬
‫إل يه ال ي تب إل يه من يشاء ويهدي إل يه من ين يب} فذ كر أ نه ل يكره إقا مة الد ين إل‬
‫مشرك‪ ،‬وقد تبي أن من أشرك بال فهو كافر‪.‬‬

‫ال مر الثا ن ع شر‪ :‬ال سحر تعل مه وتعلي مه‪ ،‬والع مل بوج به والدل يل على ذلك قوله‬
‫تعال‪{ :‬وما يعلمان من أحد حت يقول إنا نن فتنة فل تكفر}‪.‬‬

‫المنر الثالث عشنر‪ :‬إنكار البعنث‪ ،‬والدلينل على ذلك قوله تعال‪{ :‬وإن تعجنب‬
‫فعجنب قولمن أئذا كننا ترابنا أئننا لفني خلق جديند أولئك الذينن كفروا بربمن وأولئك‬
‫الغلل ف أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‪.‬‬

‫المر الرابع عشر‪ :‬التحاكم إل غي كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫قال ابن كثي‪ :‬كما كان أهل الاهلية يكمون به من الهالت والضللت‪ ،‬وكما يكم‬
‫به التتار من السياسات الأخوذة عن جنكزخان‪ ،‬الذي وضع لم كتابا مموعا من أحكام‬
‫اقتبسها من شرائع شت‪ ،‬فصار ف بنيه شرعا يقدمونه على الكم بالكتاب والسنة‪ .‬ومن‬
‫فعل ذلك فهو كافر يب قتاله‪ ،‬حت يرجع إل حكم ال ورسوله‪ ،‬فل يكم سواه ف قليل‬
‫ول كثي‪ ،‬قال تعال‪{ :‬أفحكم الاهلية يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يؤمنون}‪.‬‬

‫(‪)36‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫قلت‪ :‬وم ثل هؤلء ما و قع ف يه عا مة البوادي و من شاب هم‪ ،‬من تك يم عادات‬


‫آباءهم‪ ،‬وما وضعه أوائلهم من الوضوعات اللعونة الت يسمونا (شرع الرفاقة) يقدمونا‬
‫على كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن فعل ذلك فهو كافر‪ ،‬يب قتاله‬
‫حت يرجع إل حكم ال ورسوله‪.‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬ول ريب أن من ل يعتقد وجوب الكم با أنزل ال‬
‫على رسوله‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬فمن استحل أن يكم بي الناس با يراه هو عدل من غي اتباع‬
‫لا أنزل ال‪ ،‬فهو كافر‪ ،‬فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالكم بالعدل‪ ،‬وقد يكون العدل ف‬
‫دينها ما رآه أكابرهم‪ ،‬بل كثي من النتسبي إل السلم يكمون بعاداتم الت ل ينلا ال‬
‫كسنوالف البادينة‪ ،‬وكأوامنر الطاعين‪ ،‬ويرون أن هذا هنو الذي ينبغني الكنم بنه دون‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬

‫وهذا هنو الكفنر‪ ،‬فإن كثيا منن الناس أسنلموا‪ ،‬ولكنن منع هذا ل يكمون إل‬
‫بالعادات الارية الت يأمر با الطاعون‪.‬‬

‫فهؤلء إذا عرفوا أننه ل يوز لمن الكنم إل بان أنزل ال‪ ،‬فلم يلتزموا ذلك بنل‬
‫ا ستحلوا أن يكموا بلف ما أنزل ال‪ ،‬ف هم كفار‪ .‬انت هى‪ .‬من (منهاج ال سنة النبو ية)‬
‫ذكره عند قوله سبحانه وتعال‪{ :‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الكافرون} فرحه‬
‫ال وعفا عنه‪.‬‬

‫فهذه بعض الواضع الت دل القرآن عليها‪ ،‬وإن كان قد يقال‪ :‬إن بعضها يغن عن‬
‫بعنض‪ ،‬أو يندرج فينه‪ .‬فذكرهنا على هذا الوجنه أوضنح‪ ،‬وأمنا كلم العلماء رحهنم ال‬
‫فكثي جدا‪ ،‬وقد ذكر صاحب القناع أشياء كثية ف باب حكم الرتد وهو الذي يكفر‬
‫بعد إسلمه وقد لصت منه مواضع يسية‪.‬‬

‫ف من ذلك‪ ،‬قوله‪ :‬قال الش يخ‪ :‬أو كان مبغ ضا لر سوله أو ل ا جاء به‪ ،‬ك فر اتفا قا‪.‬‬
‫ومن ها قوله‪ :‬أو ج عل بي نه وب ي ال و سائط يتو كل علي هم وي سألم ك فر إجا عا‪ .‬ومن ها‬
‫قوله‪ :‬أو وجد منه امتهان للقرآن‪ ،‬أي‪ :‬فيكفر بذلك‪ .‬ومنها قوله‪ :‬أو سخر بوعد ال‪ ،‬أو‬
‫بوعيده‪ ،‬أي‪ :‬فيك فر بذلك‪ .‬ومن ها قوله‪ :‬أو ل يك فر من دان بغ ي ال سلم‪ ،‬أو شك ف‬
‫كفر هم‪ ،‬أي‪ :‬فيك فر بذلك‪ .‬ومن ها قوله‪ :‬قال الش يخ‪ :‬و من ا ستحل الشي شة ك فر بل‬
‫نزاع‪.‬‬

‫(‪)37‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫قلت‪ :‬و من ا ستحل موالة الشرك ي ومظاهرت م وإعانت هم على ال سلمي‪ ،‬فكفره‬
‫أعظم من كفر هذا‪ ،‬لن تري ذلك آكد وأشد من تري الشيشة‪.‬‬

‫ومن ها قوله‪ :‬من سب ال صحابة أو أحدا من هم‪ ،‬واقترن ب سبه دعوى أن عل يا إله أو‬
‫نب وأن جبائيل غلط‪ ،‬فل شك ف كفر هذا‪ ،‬بل ل شك ف كفر من توقف ف تكفيه‪.‬‬
‫ومنها قوله‪ :‬أو زعم أن للقرآن تأويلت باطنة تسقط العمال الشروعة‪ ،‬ونو ذلك‪ ،‬فل‬
‫خلف ف كفر هؤلء‪ ،‬ومنها قوله‪ :‬أو زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إل نفرا قليل ل يبلغون إل بضعة عشر‪ ،‬أو أنم فسقوا‪ ،‬فل ريب أيضا ف كفر‬
‫قائل ذلك‪ ،‬بل من شك ف كفره فهو كافر‪ .‬انتهى ملخصا‪ ،‬وعزاه للصارم السلول‪.‬‬

‫ومن ها قوله‪ :‬و من أن كر أن أ با ب كر صاحب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ف قد‬


‫كفر‪ ،‬لقوله تعال‪{ :‬إذ يقول لصاحبه}‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فإذا كان من ج حد مدلول آ ية (ك فر) ول تنف عه الشهادتان‪ ،‬ول النت ساب‬
‫إل ال سلم‪ ،‬ف ما ال ظن ب ن ج حد مدلول ثلث ي آ ية أو أربع ي آ ية! أفل يكون كافرا ل‬
‫تنفعه الشهادتان ول ادعاء السلم! بلى وال‪ ،‬بلى وال‪.‬‬

‫ول كن نعوذ بال من ر ين القلوب‪ ،‬وهوى النفوس اللذ ين ي صدان عن معر فة ال ق‬


‫واتباعه‪.‬‬

‫ومنها قوله‪ :‬أو جحد حل البز واللحم والاء‪ ،‬أي‪ :‬فيكفر بذلك‪ ،‬ومنها قوله‪ :‬أو‬
‫أحل الزنا ونوه‪ ،‬أي‪ :‬فيكفر بذلك‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ومن أحل الركون إل الكافرين‪ ،‬وموادة الشركي فهو أعظم كفرا من أحل‬
‫الزنا بأضعاف مضاعفة‪.‬‬

‫وكلم العلماء رح هم ال ف هذا الباب ل ي كن ح صره‪ ،‬ح ت أن بعض هم ذ كر‬


‫أشياء أ سهل من هذه المور‪ ،‬وحكموا على مرتكب ها بالرتداد عن ال سلم وأن ي ستتاب‬
‫منها‪ ،‬فإن تاب وإل قتل مرتدا‪ ،‬ول يغسل ول يصل عليه ول يدفن مع السلمي‪ ،‬وهو مع‬
‫ذلك يقول‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬ويفعل الركان المسة‪.‬‬

‫(‪)38‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫و من له أد ن ن ظر واطلع على كلم أ هل العلم‪ ،‬فل بد أن يكون قد بل غه ب عض‬


‫ذلك‪.‬‬

‫وأما هذه المور الت تقع ف هذه الزمان من النتسبي إل السلم‪ ،‬بل من كثي‬
‫من ينتسب إل العلم فهي من قواصم الظهور‪ ،‬وأكثرها أعظم وأفحش من كثي ما ذكره‬
‫العلماء منن الكفرات‪ ،‬ولول ظهور الهنل وخفاء العلم وغلبنة الهواء لان كان أكثرهنا‬
‫متاجا لن ينبه عليه‪.‬‬

‫(‪)39‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫ما يعذر به الرجل على موافقة الشركي‬
‫وأما السألة الثالثة‪ :‬وهي ما يعذر الرجل به على موافقة الشركي‪ ،‬وإظهار الطاعة‬
‫لم‪ ،‬فاعلم أن إظهار الوافقة للمشركي‪ ،‬له ثلث حالت‪:‬‬

‫الال الول‪:‬‬

‫أن يوافق هم ف الظا هر والبا طن فينقاد ل م بظاهره‪ ،‬وي يل إلي هم ويواد هم بباط نه‪،‬‬
‫فهذا كافر خارج من السلم‪ ،‬سواء كان مكرها على ذلك أو ل يكن وهو من قال ال‬
‫فيه‪{ :‬ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولم عذاب عظيم}‪.‬‬

‫الال الثان‪:‬‬

‫أن يوافق هم وي يل إلي هم ف البا طن‪ ،‬مع مالف ته ل م ف الظا هر‪ ،‬فهذا كا فر أي ضا‪،‬‬
‫ولكن إذا عمل بالسلم ظاهرا عصم ماله ودمه‪ ،‬وهو النافق‪.‬‬

‫الال الثالث‪:‬‬

‫أن يوافقهم ف الظاهر مع مالفته لم ف الباطن‪ ،‬وهو على وجهي‪:‬‬

‫أحدهاك‪ :‬أن يفعنل ذلك لكوننه فن سنلطانم‪ ،‬منع ضربمن أو تقييدهنم له‪ ،‬أو‬
‫يتهددو نه بالق تل‪ ،‬فيقولون له‪ :‬إ ما أن توافق نا وتظهر النقياد ل نا‪ ،‬وإل قتلناك‪ .‬فإ نه والالة‬
‫هذه يوز له موافقت هم ف الظا هر مع كون قل به مطمئن باليان‪ ،‬ك ما جرى لعمار ح ي‬
‫أنزل ال تعال‪{ :‬إل منن أكره وقلبنه مطمئن باليان} وكمنا قال تعال‪{ :‬إل أن تتقوا‬
‫منهم تقاة} فإن اليتي متفقتي‪ ،‬كما نبه على ذلك ابن كثي ف تفسي آية آل عمران‪.‬‬

‫الو جه الثا ن‪ :‬أن يوافق هم ف الظا هر مع مالف ته ل م ف البا طن‪ ،‬و هو ل يس ف‬


‫سلطانم‪ ،‬وإنا حله على ذلك إما طمع ف رئاسة أو مال‪ ،‬أو مشحة بوطن‪ ،‬أو عيال‪ ،‬أو‬
‫خوف م ا يدث ف الآل‪ .‬فإ نه ف هذه الال يكون مرتدا‪ ،‬ول تنفعه كراه ته ف البا طن‪،‬‬

‫(‪)40‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫و هو م ن قال ال ف يه‪{ :‬ذلك بأن م ا ستحبوا الياة الدن يا على الخرة وأن ال ل يهدي‬
‫القوم الكافرين} فأخب أنه ل يملهم على الكفر الهل بالق أو بغضه‪ ،‬ول مبة الباطل‪،‬‬
‫وإنا هو أن لم حظا من حظوظ الدنيا‪ ،‬فآثروه على الدين‪ .‬هذا معن كلم شيخ السلم‬
‫ممد بن عبد الوهاب رحه ال تعال وعفا عنه‪.‬‬

‫وأما ما يعتقده كثيا من الناس عذرا‪ ،‬فإنه من تزيي الشيطان وتسويله‪ ،‬وذلك أن‬
‫بعضهم إذا خوفه أولياء الشيطان خوفا ل حقيقة له‪ ،‬ظن أنه يوز له بذلك إظهار الوافقة‬
‫للمشركي‪ ،‬والنقياد لم‪.‬‬

‫وآ خر من هم إذا ز ين له الشيطان طم عا دنيو يا‪ ،‬ت يل أ نه يوز له مواف قة الشرك ي‬


‫لجل ذلك‪ ،‬وشبه على الهال أنه مكره‪ .‬وقد ذكر العلماء صفة الكراه‪.‬‬

‫قال شيخ السلم‪ :‬تأملت الذاهب‪ ،‬فوجدت الكراه يتلف باختلف الكره عليه‪.‬‬
‫فليس الكراه العتب ف كلمة الكفر‪ ،‬كالكراه العتب ف البة ونوها‪ ،‬فإن أحد قد نص‬
‫ف غي موضع على أن الكراه على الك فر ل يكون إل بالتعذ يب من ضرب أو قيد‪ ،‬ول‬
‫يكون الكلم إكراها‪ .‬وقد نص على أن الرأة لو وهبت زوجها صداقها بسكنه‪ ،‬فلها أن‬
‫تر جع‪ ،‬بناءا على أن ا ل ت ب إل إذا خا فت أن يطلق ها‪ ،‬أو يسيء عشرت ا‪ .‬فج عل خوف‬
‫الطلق أو سوء العشرة‪ ،‬إكراها‪ .‬ولفظه ف موضع آخر‪ :‬لنه أكرهها‪ ،‬ومثل هذا ل يكون‬
‫إكرا ها على الك فر‪ ،‬فإن ال سي إن خشي من الكفار أن ل يزوجوه وأن يولوا بي نه وبي‬
‫امرأته‪ ،‬ل يبح له التكلم بكلمة الكفر‪ .‬اهن‪.‬‬

‫والقصود م نه‪ :‬أن الكراه على كل مة الك فر ل يكون إل بالتعذيب‪ :‬من ضرب أو‬
‫قيد‪ ،‬وإن الكلم ل يكون إكراها‪ ،‬وكذلك الوف من أن يول الكفار بينه وبي زوجته‪،‬‬
‫ليكون إكراها‪ .‬فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثي من الناس‪ ،‬تبي لك قول النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) وقد عاد غريبا‪ ،‬وأغرب‬
‫منه من يعرفه على القيقة‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬

‫(‪)41‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫مسألة إظهار الدين‬
‫وأما السألة الرابعة‪ :‬وهي مسألة إظهار الدين‪ ،‬فإن كثيا من الناس‪ ،‬قد ظن أنه إذا‬
‫قدر على أن يتل فظ بالشهادت ي‪ ،‬وأن ي صلي ال صلوات‪ ،‬ول يرد عن ال ساجد‪ ،‬ف قد أظ هر‬
‫دي نه وإن كان مع ذلك ب ي الشرك ي‪ ،‬أو ف أما كن الرتد ين‪ .‬و قد غلطوا ف ذلك أق بح‬
‫الغلط‪.‬‬

‫فاعلم أن الكفنر له أنواع وأقسنام تتعدد بتعدد الكفرات‪ ،‬وقند تقدم بعنض ذلك‪،‬‬
‫وكل طائفة من طوائف الكفر فل بد أن يشتهر عندها نوع منه‪ ،‬ول يكون السلم مظهرا‬
‫لدينه‪ ،‬حت يالف كل طائفة با اشتهر عندها‪ ،‬ويصرح لا بعداوته‪ ،‬والباءة منه‪ ،‬فمن‬
‫كان كفره بالشرك‪ ،‬فإظهار الدين عنده التصريح بالتوحيد‪ ،‬أو النهي عن الشرك والتحذير‬
‫م نه‪ ،‬و من كان كفره ب حد الر سالة‪ ،‬فإظهار الد ين عنده الت صريح بأن ممدا ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬والدعوة إل اتبا عه‪ .‬و من كان كفره بترك ال صلة‪ ،‬فإظهار الد ين‬
‫عنده ف عل ال صلة‪ ،‬وال مر ب ا‪ ،‬و من كان كفره بوالة الشرك ي والدخول ف طاعت هم‪،‬‬
‫فإظهار الدين عنده التصريح بعداوته‪ ،‬والباءة منه ومن الشركي‪.‬‬

‫وبالملة فل يكون مظهرا لدي نه‪ ،‬إل من صرح ل ن ساكنه من كل كا فر بباءته‬


‫م نه‪ ،‬وأظهر له عداو ته لذا الشيء الذي صار به كافرا وبراءته م نه‪ ،‬ولذا قال الشركون‬
‫للنب صلى ال عليه وسلم‪ :‬عاب ديننا وسفّه أحلمنا‪ ،‬وشتم آلتنا‪.‬‬

‫وقال ال تعال‪ { :‬قل يا أي ها الناس إن كن تم ف شك من دي ن فل أع بد الذ ين‬


‫تعبدون من دون ال ولكن أعبد ال الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من الؤمني‪ .‬وأن أقم‬
‫وجهك للدين حنيفا ول تكونن من الشركي‪ .‬ول تدعوا من دون ال ما ل ينفعك ول‬
‫يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالي}‪.‬‬

‫فأمر ال تعال نبيه صلى ال عليه وسلم أن يقول لم‪{ :‬يا أيها الناس}‪ ،‬إل آخره‪،‬‬
‫أي‪ :‬إذا شككتم ف الدين الذي أنا عليه‪ ،‬فدينكم الذي أنتم عليه أنا برئ منه‪ ،‬وقد أمرن‬
‫رب أن أكون من الؤمني الذين هم أعداؤكم‪ ،‬ونان أن أكون من الشركي الذين هم‬
‫أولياؤكم‪.‬‬

‫(‪)42‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وقال تعال‪{ :‬قنل ينا أيهنا الكافرون‪ .‬ل أعبند منا تعبدون‪ .‬ول أنتنم عابدون منا‬
‫أعبد}‪ ،‬إل آخر السورة‪.‬‬

‫فأمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول للكفار‪ :‬دينكم الذي انتم عليه‪ ،‬أنا‬
‫برئ منه‪ ،‬ودين الذي أنا عليه أنتم برآء منه‪ .‬والراد‪ :‬التصريح لم بأنم على الكفر‪ ،‬وأنه‬
‫برئ منهم ومن دينهم‪.‬‬

‫فمن كان متبعا للنب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فعليه أن يقول ذلك‪ ،‬ول يكون مظهرا‬
‫لدينه إل بذلك‪ ،‬ولذا لا عمل الصحابة بذلك‪ ،‬وآذاهم الشركون‪ ،‬أمرهم النب صلى ال‬
‫عل يه و سلم بالجرة إل الب شة‪ ،‬ولو و جد ل م رخ صة ف ال سكوت عن الشرك ي‪ ،‬ل ا‬
‫أمرهم بذلك إل بلد الغربة‪.‬‬

‫وف السية‪ :‬أن خالد بن الوليد‪ ،‬لا وصل إل العرض ف مسيه إل أهل اليمامة‪ ،‬لا‬
‫ارتدوا قدم مائتن فارس‪ ،‬وقال‪ :‬منن أصنبتم منن الناس فخذوه‪ .‬فأخذوا ماعنة‪ ،‬فن ثلثنة‬
‫وعشرين رجل من قومه‪ ،‬فلما وصل إل خالد‪ ،‬قال له‪ :‬يا خالد‪ ،‬لقد علمت أن قدمت‬
‫إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فبايعته على السلم‪ ،‬وأنا اليوم على ما كنت عليه‬
‫أمس‪ .‬فإن يك كذابا قد خرج فينا فإن ال يقول‪{ :‬ول تزو وازرة وزر أخرى} فقال‪ :‬يا‬
‫ماعة‪ ،‬تركت اليوم ما كنت عليه أمس‪ ،‬وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه‬
‫وأنت أعز أهل اليمامة‪ ،‬وقد بلغك مسيي إقرارا له ورضاء با جاء به‪ ،‬فهل أبديت عذرا‪،‬‬
‫وتكل مت في من تكلم!‪ ،‬ف قد تكلم ثا مة فرد وأن كر‪ ،‬وتكلم اليشكري‪ ،‬فإن قلت‪ :‬أخاف‬
‫قومي‪ ،‬فهل عمدت إلّ‪ ،‬أو بعثت إل رسول‪ ،‬فقال‪ :‬إن رأيت يا ابن الغية أن تعفو عن‬
‫هذا كله!!‪ ،‬فقال‪ :‬قد عفوت عن دمك‪ ،‬ولكن ف نفسي حرج من تركك! اهن‪.‬‬

‫و سيأت ف ذ كر الجرة‪ ،‬قول أولد الش يخ‪ :‬إن الر جل إذا كان ف بلد ك فر وكان‬
‫يقدر على إظهار دينه عندهم‪ ،‬ويتبأ منهم وما هم عليه‪ ،‬ويظهروا لم كفرهم وعداوته‬
‫لم‪ ،‬ول يفتنونه عن دينه لجل عشيته أو ماله‪ ،‬فهذا ل يكم بكفره‪ ...‬إل آخره‪.‬‬

‫والقصود منه‪ :‬أن الرجل ل يكون مظهرا لدينه حت يتبأ من أهل الكفر الذي هو‬
‫بي أظهرهم‪ ،‬ويصرح لم‪ :‬بأنم كفار‪ ،‬وأنه عدو لم‪ ،‬فإن ل يصل ذلك ل يكن إظهار‬
‫الدين حاصل‪.‬‬

‫(‪)43‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫مسألة الستضعاف‬
‫وأما السألة الامسة‪ :‬وهي مسألة الستضعاف‪ ،‬فإن كثيا من الناس‪ ،‬بل أكثر من‬
‫ينتسب إل العلم ف هذه الزمان‪ ،‬غلطوا ف معن الستضعاف‪ ،‬وما هو الراد به‪ ،‬وقد بي‬
‫ال ذلك ف كتابه بيانا شافيا فقال‪{ :‬وما لكم ل تقاتلون ف سبيل ال والستضعفي من‬
‫الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظال أهلها وأجعل لنا‬
‫من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيا}‪.‬‬

‫فبي تعال مقالتهم الدالة على أنم ل يقيموا متارين للمقام‪ ،‬وذلك أنم يدعون ال‬
‫أن يرجهم‪ ،‬فدل على حرصهم على الروج وأنه متعذر عليهم‪.‬‬

‫ويدل على ذلك‪ :‬وصنفهم أهنل القر ية بالظلم‪ ،‬و سؤالم ربمن أن ي عل ل م ول يا‬
‫يتولهم ويتولونه‪ ،‬وأن يعل لم ناصرا ينصرهم على أعدائهم الذين هم بي أظهرهم‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬إل الستضغفي من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة ول‬
‫يهتدون سبيل} فذكر ف هذه الية حالم الت هم عليها وهي أنم ل يستطيعون حيلة‪.‬‬

‫قال ابن كثي‪ :‬ول يقدرون على التخلص من أيدي الشركي‪ ،‬ولو قدروا ما عرفوا‬
‫يسلكون الطريق‪ ،‬ولذا قال‪{ :‬ل يستطيعون حيلة} قال عكرمة‪ :‬يعن نوضا إل الدينة‪.‬‬
‫{ول يهتدون سبيل} قال ماهد وعكرمة‪ :‬يعن طريقا‪ .‬اهن‪.‬‬

‫والاصل أن الستضغفي هم العاجزون عن الروج من بي أظهر الشركي‪ ،‬وهم‬


‫مع ذلك يقولون‪{ :‬رب نا أخرج نا من هذه القر ية الظال أهل ها واج عل ل نا من لد نك ول يا‬
‫واجعل لنا من لدنك نصيا} وهم مع ذلك ل يدلون الطريق فمن كانت هذه حاله وذلك‬
‫مقاله‪{ :‬فأولئك عسى ال أن يعفو عنهم وكان ال غفورا رحيما}‪.‬‬

‫(‪)44‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫وأما إذا كان يقدر على الروج من بلد الشركي‪ ،‬ول ينعه من ذلك إل الشحة‬
‫بوطنه‪ ،‬أو عشيته أو ماله أو غي ذلك‪ ،‬فإن ال تعال ل يعذر من تعذر بذلك وساه ظالا‬
‫لنفسنه‪ ،‬فقال‪{ :‬إن الذينن توفاهنم اللئكنة ظالين أنفسنهم قالوا فينم كنتنم قالوا كننا‬
‫مستضعفي ف الرض قالوا أل تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم‬
‫وساءت مصيا}‪.‬‬

‫وف تفسي الللي قوله‪{ :‬ظالي أنفسهم} أي‪ :‬بالقام بي الشركي‪.‬‬

‫وقال ابنن كثين رحهن ال تعال‪ :‬فهذه الينة عامنة فن كنل منن أقام بين ظهرانن‬
‫الشرك ي‪ ،‬و هو قادر على الجرة ول يس متمك نا من إقا مة الد ين‪ ،‬ف هو مرت كب حرا ما‬
‫بالجاع وبنص الية‪ ،‬حيث يقول‪{ :‬إن الذين توفاهم اللئكة ظالي أنفسهم} أي‪ :‬بترك‬
‫الجرة {قالوا فيم كنتم} أي‪ :‬ل مكثتم هاهنا وتركتم الجرة {قالوا كنا مستضعفي ف‬
‫الرض} أي‪ :‬ل نقدر على الروج منن البلد‪ ،‬ول الذهاب فن الرض {قالوا أل تكنن‬
‫أرض ال واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيا}‪.‬‬

‫وروى أبو داود عن سرة بن جندب مرفوعا‪( :‬من جامع الشرك وسكن معه فإنه‬
‫مثله)‪.‬‬

‫وقال السدي‪ :‬لا أسر العباس وعقيل ونوفل‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫للعباس‪( :‬أفد نفسك وأبن أخيك) قال‪ :‬يا رسول ال أل نصلي قبلتك‪ ،‬ونشهد شهادتك‪،‬‬
‫قال‪ ( :‬يا عباس إن كم خا صمتم فخ صمتم) ث تل هذه ال ية‪{ :‬أل ت كن أرض ال وا سعة‬
‫فتهاجروا فيها}‪ .‬رواه ابن أب حات اهن‪.‬‬

‫والقصود م نه بيان م سألة الستضعاف وأن الستضعف هو الذي ل ي ستطيع حيلة‬


‫ول يهتدي سبيل وهو مع ذلك يقول‪{ :‬ربنا أخرجنا من هذه القرية الظال أهلها واجعل‬
‫لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيا} وبيان أن الذي يعتذر بوطنه أو عشيته أو‬
‫ماله ويدعي أنه يكون بذلك مستضعفا‪ ،‬كاذبا ف دعواه وعذره غي مقبول عند ال تعال‬
‫ول عند رسوله ول عند أهل العلم بشريعة ال‪.‬‬

‫(‪)45‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫فصل‬
‫وجوب الجرة‬
‫وأما السألة السادسة‪ :‬وهي وجب الجرة وأنا باقية‪ ،‬فالدليل عليه قول النب صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬ل تنقطع الجرة حت تنقطع التوبة ول تنقطع التوبة حت تطلع الشمس‬
‫من مغربا) روه أحد وأبو داود‪.‬‬

‫وروى أ بو يعلى عن الز هر بن را شد قال‪ :‬حدث أ نس عن ال نب صلى ال عل يه‬


‫وسلم أنه قال‪( :‬ل تستضيئوا بنار الشركي) قال ابن كثي‪ :‬معناه ل تقاربوهم ف النازل‬
‫ب يث تكون مع هم ف بلد هم‪ ،‬بل تباعدوا من هم‪ ،‬وهاجروا من بلد هم ولذا روى أ بو‬
‫داود (ل تتراءى ناراها) وف الديث الخر‪( :‬من جامع الشرك وسكن معه فهو مثله)‪.‬‬

‫وقال تعال‪{ :‬إن الذ ين توفا هم اللئ كة ظال ي أنف سهم قالوا ف يم كن تم قالوا ك نا‬
‫مستضعفي ف الرض قالوا أل تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم‬
‫وساءت مصيا}‪.‬‬

‫وروى ا بن أ ب حا ت عن ا بن عباس قال‪ :‬كان قوم من أ هل م كة أ سلموا‪ ،‬وكانوا‬


‫ي ستخفون بال سلم‪ ،‬فأخرج هم الشركون يوم بدر مع هم‪ ،‬فأ صيب بعضهم بفعل ب عض‪،‬‬
‫فقال السنلمون‪ :‬كان أصنحابنا هؤلء مسنلمي‪ ،‬وأكرهوا فاسنتغفروا لمن‪ ،‬فنلت‪{ :‬إن‬
‫الذين توفاهم اللئكة ظالي أنفسهم}‪.‬‬

‫وقال الضحاك‪ :‬نزلت ف أناس من النافق ي تلفوا عن ر سول ال صلى ال عل يه‬


‫وسلم‪ ،‬وخرجوا مع الشركي يوم بدر فأصيبوا‪ .‬ذكره ابن كثي‪.‬‬

‫ث قال‪ :‬فهذه ال ية عا مة ف كل من أقام ب ي ظهرا ن الشرك ي‪ ،‬و هو قادر على‬


‫الجرة وليس متمكنا من إقامة الدين‪ ،‬فهو مرتكب حراما‪ ،‬بالجاع وبنص الية‪ .‬إل آخر‬
‫كلمه الذي تقدم قريبا‪.‬‬

‫و ف أجو بة آل الش يخ ل ا سئلوا‪ :‬هل يوز للن سان أن ي سافر إل بلد الكفار‪،‬‬
‫لجل التجارة‪ ،‬أم ل؟‬

‫(‪)46‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫الواب‪:‬‬

‫إن كان يقدر على إظهار دينه‪ ،‬ول يوال الشركي‪ ،‬جاز له ذلك‪ ،‬فقد سافر بعض‬
‫الصحابة كأب بكر رضي ال عنه‪ ،‬وغيه فلم ينكر ذلك النب صلى ال عليه وسلم‪،‬كما‬
‫رواه أحد ف مسنده وغيه‪.‬‬

‫وإن كان ل يقدر على إظهار ديننه‪ ،‬ول على عدم موالتمن‪ ،‬ل يزن السنفر له إل‬
‫ديار هم‪ ،‬ك ما نص على ذلك العلماء‪ ،‬وعل يه ت مل الحاد يث ال ت تدل على الن هي عن‬
‫ذلك‪ .‬ولن ال تعال أوجب على النسان العمل بالتوحيد‪ ،‬وفرض عليه عداوة الشركي‪،‬‬
‫فما كان ذريعة وسبب إل إسقاط ذلك ل يز‪.‬‬

‫وأيضا فقد يره ذلك إل موافقتهم وإرضائهم كما هو الواقع لكثي من يسافر إل‬
‫بلدان الشركي من فساق السلمي‪.‬‬

‫السألة الثانية‪ :‬هل يوز للنسان أن يلس ف بلد الكفار‪ ،‬وشعائر الشرك ظاهرة‬
‫لجل التجارة أم ل؟‬

‫الواب؛ عن هذه ال سألة والواب عن ال ت قبل ها سواء ول فرق ف ذلك ب ي دار‬


‫الرب ودار الصلح‪ ،‬فكل بلد ل يقدر السلم على إظهار دينه فيها ل يوز له السفر إليها‪.‬‬

‫السكألة الثالثكة‪ :‬هكل يفرق بيك الدة القريبكة مثكل شهكر أو شهريكن وبيك الدة‬
‫البعيدة؟‬

‫الواب‪:‬‬

‫أ نه ل فرق ب ي الدة القري بة والبعيدة‪ ،‬ف كل بلد ل يقدر على إظهار دي نه في ها ول‬
‫على عدم موالة الشركين ل يوز له القام فيهنا ول يومنا واحدا‪ ،‬إذا كان يقدر على‬
‫الروج منها‪ .‬اهن‪.‬‬

‫وف أجوبة أخرى‪ :‬وما قولكم ف رجل دخل هذا الدين وأحبه ويب من دخل‬
‫ف يه‪ ،‬ويب غض الشرك وأهله ول كن أ هل بلده ي صرحون بعداوة أ هل ال سلم ويقاتلون‬

‫(‪)47‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫أهله‪ ،‬ويعتذر بأن ترك الوطن ول يهاجر عنهم بذه العذار‪ ،‬فهل يكون مسلما هذا أم‬
‫كافرا؟‬

‫الواب‪:‬‬

‫أمنا الرجنل الذي عرف التوحيند وآمنن بنه وأحبنه وأحنب أهله‪ ،‬وعرف الشرك‬
‫وأبغضه وأبغض أهله‪ ،‬ولكن أهل بلده على الكفر والشرك‪ ،‬ول يهاجر فهذا فيه تفصيل‪:‬‬
‫فإن كان يقدر على إظهار دينه عندهم‪ ،‬ويتبأ منهم وما هم عليه من الدين‪ ،‬ويظهر لم‬
‫كفر هم وعداو ته ل م‪ ،‬ول يفتنو نه عن دي نه ل جل عشي ته أو ماله أو غ ي ذلك فهذا ل‬
‫ي كم بكفره‪ ،‬ولك نه إذا قدر على الجرة ول يها جر ومات ب ي أظ هر الشركي‪ ،‬فنخاف‬
‫أن يكون قد د خل ف أ هل هذه ال ية‪{ :‬إن الذ ين توفا هم اللئ كة ظال ي أنف سهم} فلم‬
‫يعذر ال إل من ل ي ستطع حيلة‪ ،‬ول يهتدي سبيل‪ ،‬ول كن قل أن يو جد اليوم من هو‬
‫كذلك‪ ،‬بل الغالب أن الشركي ل يدعونه بي أظهرهم بل إما قتلوه وإما أخرجوه‪.‬‬

‫وأما من ليس له عذر ف ترك الجرة وجلس بي أظهرهم وأظهر لم أنه منهم وأن‬
‫دين هم حق ود ين ال سلم با طل فهذا كا فر مر تد‪ ،‬ولو عرف الد ين بقل به ل نه ين عه عن‬
‫الجرة مبة الدنيا على الخرة‪ ،‬وتكلم بكلم الكفر من غي إكراه فدخل ف قوله‪{ :‬ولكن‬
‫من شرح بالكفر صدرا} اليات‪.‬‬

‫هذا من جواب الش يخ ح سي والش يخ ع بد ال بن الش يخ م مد ع بد بن الوهاب‬


‫رحهم ال تعال وعفا عنهم‪.‬‬

‫ول سئلوا عن أهل بلد بلغتهم هذه الدعوة وبعضهم يقول‪ :‬هذا المر حق‪ ،‬ول‬
‫غيّر منككر ول أمكر بعروف‪ ،‬وينككر على الوحديكن إذا قالوا‪ :‬تبأنكا مكن ديكن الباء‬
‫والجداد‪ ،‬والذي يقول‪ :‬هذا أمر زين ل يكنه يقوله جهارا‪.‬‬

‫أجابوا‪:‬‬

‫بأن أ هل هذه القر ية الذكور ين إذا كانوا قد قا مت علي هم ال جة ال ت يك فر من‬


‫خالف ها‪ ،‬حكم هم ح كم الكفار‪ ،‬وال سلم الذي ب ي أظهر هم ول يك نه إظهار دي نه ت ب‬

‫(‪)48‬‬
‫سبيل النجاة والفكاك‬

‫عليه الجرة‪ ،‬إذا ل يكن من عذر ال فإن ل يهاجر فحكمه حكمهم ف القتل وأخذ الال‪.‬‬
‫اهن‪.‬‬

‫ن بيان ال ستضعف وأننه الذي ل يسنتطيع حيلة ول‬


‫وفن هذه الجو بة م سائل منه ا‬
‫يهتدي سبيل وقد تقدم ذلك‪.‬‬

‫ومنهنا أن السنلم إذا ل يقدر على إظهار ديننه‪ ،‬وجبنت علينه الجرة‪ ،‬وقند تقدم‬
‫أيضا‪ ،‬ومن ها صفة إظهار الد ين‪ ،‬وهو أن يصرح للكفار بكفر هم وعداوته ل م‪ ،‬ول ا هم‬
‫علينه منن الدينن‪ ،‬وتقدم أيضا ومنهنا‪ :‬بيان أننه إذا فعنل ذلك أعنن صنرح لمن بكفرهنم‬
‫وعداوته لم فإنم ل يتركونه بي أظهرهم‪ ،‬بل إما قتلوه وإما أخرجوه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وقند أخنب ال بذلك عنن جينع الكفار‪ ،‬فقال تعال‪{ :‬وقال الذينن كفروا‬
‫لر سلهم لنخرجن كم من أرض نا أو لتعودن ف ملت نا فأو حى إلي هم رب م لنهل كن الظال ي‪.‬‬
‫ولنسكننكم الرض من بعدهم ذلك لن خاف مقامي وخاف وعيد}‪ ،‬وقال تعال إخبارا‬
‫عن قوم شعيب‪{ :‬قال الل الذ ين ا ستكبوا من قومه لنخرجنك يا شع يب والذ ين آمنوا‬
‫معك من قريتنا أو لتعودن ف ملتنا قال أولو كنا كارهي}‪.‬‬

‫وقال تعال إخبارا عن أ صحاب الك هف‪{ :‬إن م إن يظهروا علي كم يرجو كم أو‬
‫يعيدوكم ف ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا}‪ ،‬وقوله‪{ :‬يرجوكم} أي‪ :‬يقتلوكم بالرجم‪.‬‬

‫وهذا الذي أ خب ال به وأشار إل يه أئ مة ال سلم هو الوا قع ف هذه الزمان‪ ،‬فإن‬


‫الرتد ين ب سبب موالة الشرك ي والدخول ف طاعت هم‪ ،‬ل يرضون إل ب ن وافق هم على‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا أنكر عليهم منكر آذوه أشد الذى‪ ،‬وأخرجوه من بي أظهرهم‪ ،‬بل سعوا ف‬
‫قتله إن وجدوا إل ذلك سبيل‪.‬‬

‫(‪)49‬‬

You might also like