Professional Documents
Culture Documents
www.waleman.com
دور المرأة
في إصلح المجتمع
محاضرة سمعية لسماحة الشيخ العلمة
أحمد بن حمد الخليلي حفظه ال
منقول من مجلة رسالة المسجد ،التي تصدر عن مركز السلطان قابوس للثقافة السلمية
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل حق حمده حمدا كثيرا طيبا كما ينبغي لجلل وجهه وعظيم سلطانه ،سبحانه ل أحصي
ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ،أستغفره وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه ،وأشهد أن ل إله
إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى ال وسلم عليه وعلى
آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فأحيي بناتنا العزيزات المؤمنات الصالحات تحية السلم الخالدة ،الوارفة ضللها ،السلم عليكن
ورحمة ال وبركاته .
وإنه لمن ما ينبغي للنسان أيا كان وهو يعيش في هذه الحياة الدينا ،ويعلم أن معيشته فيها محدودة
وأن فناءه فيها ليس فناء أبديا وإنما هو مرحلة في طريقه ينقلب بعدها إلى مصير خالد بحسب ما
قدم في هذه الحياة المحدودة من خير أو شر بحيث يجزى خيرا إن قدم خيرا ويجزى شرا إن قدم
شرا ،أن يعلم ما هي مسؤليته في هذه الحياة وما هي واجباته .
ونحن نرى أن ال سبحانه وتعالى بين في كتابه الكريم حالة النسان وهو يقطع هذه المرحلة لينقلب
ن آمَنُوا وَعَ ِملُوا
ل الّذِي َ
ن َلفِي خُسْ ٍر إِ ّ
إلى ما بعدها إذ قال عز من قائل (( :وَالْ َعصْرِ إِنّ الِْنسَا َ
الصّالِحَاتِ َوتَوَاصَوْا بِا ْلحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ )) (سورة العصر) ،نعم إن ال تبارك
وتعالى هو الحق المبين ول يقول إل الحق وقد أقسم عز وجل في هذه السورة الكريمة بالعصر مع
اختلف المفسرين بكلمة العصر ،هل المراد بذلك الدهر وما حوى من عجائب التقلبات من حال
إلى حال ما في ذلك من دواعي العتبار .
أو أن المراد بالعصر هو العصر الذي نزل فيه الوحي على نبينا محمد عليه أفضل الصلة والسلم
لشرفه على بقية العصور ،أو أن المراد بالعصر وقت العصر وهو وقت اعتبار لن النسان
يستقبل الليل ويودع النهار في ذلك الوقت ،أو أن المراد بالعصر صلة العصر لجل ما لها من
شأن فقد قيل بأنها الصلة الوسطى وأكد ذلك حديث مرفوع إلى النبي عليه وعلى آله وصحبه
أفضل الصلة والسلم ،أو أن المراد بالعصر الليل والنهار لما فيهما من دواعي العتبار وبواعث
الستعبار ،فإن الصروف التي تأتي بها الزمان إنما يفرزها تقلب الليل والنهار .
مهما يكن المراد بالعصر فإن ال سبحانه وتعالى أقسم به في هذه السورة ،والمقسم عليه أن
النسان في خسر إل الذين جمعوا بين هذه السباب الربعة التي من استمسك بها فقد استمسك
مكتبة الكتب موقع واحة اليمان
موقع واحة اليمان
www.waleman.com
بالعروة الوثقى التي ل انفصام لها وهي اليمان أول والعمل الصالح ثانيا والتواصي بالحق ثالثا
والتواصي بالصبر رابعا ،هذا يعني أن النسان أيا كان ذكرا كان أو أنثى مسؤوليته في هذه الحياة
علَى
مسؤولية جسيمة ،فهو يتحمل تبعة كبيرة ويضطلع أمانة عظمى (إِنّا عَ َرضْنَا الَْمَانَةَ َ
ن إِنّهُ كَانَ
ش َفقْنَ مِ ْنهَا َوحَ َملَهَا الِْنسَا ُ
ن أَن َيحْ ِملْنَهَا َوأَ ْ
السّمَاوَاتِ وَالَْرْضِ وَالْجِبَالِ َفأَبَيْ َ
ظلُومًا جَهُولً) (الحزاب.)72 : َ
فالنسان تحمل هذه المانة وجدير به أن يعرف كيف أداؤها ،وكيف يتكيف مع واقع الحياة وهو
يتحملها ،فعليه أول أن يصلح نفسه باليمان ،واليمان هو الذي يشرق في هذه النفس المؤمنة
ليبدد منها ظلمات الطبع وليعرفها بحقائق الوجود لن اليمان هو الذي يصلها بمبدئ الوجود
سبحانه ونعالى ويصلها بالدار الخرة التي إليها المنقلب والمعاد ،فاليمان هو الذي يحل ألغاز هذا
الوجود ،يعرف النسان من أين أتى وإلى أين ينتهي ،وماذا عليه أن يعمل للدار الخرة التي إليها
منقلبه ومعاده ،اليمان هو الذي يعرف النسان بذلك كله ،اليمان هو الذي يحل للنسان ألغاز
هذا الوجود ،فجدير بالنسان أن يستمسك به .
على أن هذا اليمان ليس أمرا مثاليا يعيش في عالم النظريات ول يتجلى في عالم الواقع ،فهو أمر
مثالي واقعي ،وواقعي مثالي ،لن اليمان يتجلى في سلوك المؤمن فلذلك ذكر ال سبحانه وتعالى
مع اليمان العمل الصالح ،والعمل الصالح هو ما كان وفق أمره سبحانه وتعالى ،فتحديد الصالح
من الطالح والخير من الشر والنافع من الضار إنما ذلك يعود إلى أوامر ال سبحانه وتعالى ونواهيه
،فكل ما كان وفق أمره سبحانه فهو صالح ،وكل ما كان مخالفا لمره فهو طالح .
ول دخل لعقل البشر في ذلك ،فإن العقول تتأثر بالمؤثرات النفسية والمؤثرات الجتماعية وهي
مؤثرات شتى ،ولكن المؤمن الذي رضي بال ربا وبالسلم دينا وبالقرآن منهجا وطريقا وبمحمد
صلى ال عليه وسلم هادبا ودليل يستعلي على كل هذه المؤثرات مهما كانت ،فهو يستعلي على
نزعات نفسه ونزغاتها وهو يستعلي على المؤثرات البيئية والجتماعية فلذلك يسير في الدرب
السليم مهما كان تصادمه مع الواقع ،ومهما أدى به ذلك إلى أن يتنكر له مجتمعه وأن تتنكر له
بيئته لنه يرى رضوان ال سبحانه وتعالى فوق كل اعتبار ،فال أولى بأن يطاع (وَمَا كَانَ
ن أَمْرِهِمْ َومَن يَعْصِ
ن لَهُ ُم ا ْلخِيَرَةُ مِ ْ
لِمُؤْمِنٍ َولَ مُؤْمِ َن ٍة إِذَا َقضَى الُّ وَرَسُولُ ُه أَمْرًا أَن يَكُو َ
ضلّ ضَلَلً مّبِينًا) (الحزاب. )36/ الَّ وَرَسُولَ ُه َفقَ ْد َ
ولذلك نجد المؤمنين والمؤمنات في العصور السابقة عندما أكرم ال سبحانه وتعالى هذه النسانية
بإخراجها من الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الحق زمن الغي إلى الرشد ومن الفساد إلى
الصلح ومن الخطر إلى السلمة إذ بعث فيها نبيا كريما وأنزل عليها ذكرا حكيما نجد هؤلء
المؤمنين والمؤمنات في ذلك العصر استعلوا على هذه النوازع بأسرها واستعلوا على هذه
المؤثرات بأسرها ،فكان المؤمن وكانت المؤمنة يخرجان عن الطريق المألوف إلى طريق لم يكن
مألوفا في البيئة التي نشئا فيها ،والمثال الواضح الذي يدل على هذا ما ذكرته أم المؤمنين عائشة
مكتبة الكتب موقع واحة اليمان
موقع واحة اليمان
www.waleman.com
-رضوان ال تعالى عليها -عن نساء النصار أن النبي عليه أفضل الصلة والسلم عندما أنزل
ال سبحانه وتعالى عليه ما أنزل في سورة النور وذلكم قوله سبحانه َ ( :وقُل ّللْمُؤْمِنَاتِ يَ ْغضُضْ َ
ن
ن إِلّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا َولْ َيضْرِبْنَ ِبخُمُرِهِنّ ن فُرُوجَهُنّ َولَ يُبْدِينَ زِينَتَهُ ّ حفَظْ َن أَ ْبصَارِهِنّ وَ َي ْ مِ ْ
ن أَوْ
ن أَ ْو أَبْنَائِهِ ّ
ن أَ ْو آبَاء بُعُولَتِهِ ّ
ن أَ ْو آبَائِهِ ّ
ل لِبُعُولَتِهِ ّن إِ ّ
علَى جُيُوبِهِنّ وَلَ يُبْدِينَ زِينَتَهُ ّ َ
ن أَوْ مَا َملَكَتْ ن أَوْ ِنسَائِهِ ّ
ن أَوْ بَنِي َأخَوَاتِهِ ّ ن أَوْ بَنِي ِإخْوَانِهِ ّ ن أَ ْو ِإخْوَانِهِ ّأَبْنَاء بُعُولَتِ ِه ّ
علَى ن لَمْ يَظْهَرُوا َ ل الّذِي َ
ط ْف ِ
ن الرّجَالِ أَ ِو ال ّ ن أَ ِو التّابِعِينَ غَيْ ِر أُ ْولِي الِْرْبَةِ ِم َ أَيْمَانُهُ ّ
لّ جَمِيعًاخفِينَ مِن زِينَتِ ِهنّ وَتُوبُوا ِإلَى ا ِ ن لِيُ ْعلَمَ مَا ُي ْ
ت النّسَاء وَلَ َيضْرِبْنَ ِبأَ ْرجُلِهِ ّ عَوْرَا ِ
ن لَ َعلّكُمْ ُت ْفلِحُونَ) (النور.)31/ أَيّهَا الْمُؤْمِنُو َ
لما أنزل ال سبحانه وتعالى ذلك على نبيه عليه أفضل الصلة والسلم انقلب رجالهن إليهن يتلون
عليهن ما أنزل ال سبحانه وتعالى في كتابه ،فكان الرجل يتلو ذلك على امرأته وعلى أمه وعلى
أخته وعلى بنته فقمن إلى مروطهن وشققنهن واعتجرن بها وأصبحن وراء رسول ال صلى ال
عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان .
نعم إن هذه المسارعة إلى طاعة ال سبحانه وتعالى ما هي إل دليل رسوخ اليمان في النفس
وتحكمه في العقل والقلب وسيطرته على الفكر والوجدان وعلى الحاسيس والمشاعر ،فلذلك
كانت هذه النقلة العظيمة من حياة الجاهلية إلى حياة السلم واليمان ،من حياة الفساد إلى حياة
الصلح ،من حياة النحطاط إلى حياة الرقي .
ونحن بحمد ال نشاهد هذه الصور ماثلة أمامنا الن وغير الن ،هذه الصور التي تدل على
اليمان الراسخ واليقين الصادق والرغبة فيما عند ال والتفاني من أجل طاعته تعالى ،وإنما نسأل
ال سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه المؤمنات الصالحات القانتات بأن يزيدهن هدى وصلحا
وتقوى وإخلصا وبرا ووفاء وأن يهيء لهن من أمرهن رشدا إنه تعالى على كل شيء قدير .
ثم مع هذا ل بد أن يكون المؤمنون والمؤمنات جميعا حاملين رسالة الحق إلى الخلق ،فإن هذه
الرسالة رسالة يضطلع بها الجميع ،ينوء أوزارها الذكور والناث ،ليست خاصة بالذكور دون
الناث ،ولذلك ذكر ال سبحانه وتعالى فيما ذكره من أسباب النجاة التي ل بد من التمسك بها
التواصي بالحق ،فإن التواصي بالحق سبب لسلمة في الدنيا وفي الخرة ،وهذا واضح فيما
وصف ال سبحانه وتعالى به المؤمنين والمؤمنات جميعا بحيث يكونون كما يقول عليه أفضل
الصلة والسلم ( :ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) ،فلذلك يحرص كل مؤمن وتحرص كل مؤمنة على إبلغ
رسالة الحق إلى الخلق حتى يكثر فريق المؤمنين والمؤمنات ولجل أن يعم الخير في البشرية
بأسرها .
فإن هداية الناس إلى الحق من أقرب القربات إلى ال سبحانه وتعالى وهي وراثة النبوة ،فإن هذه
الرسالة هي رسالة النبوة ،فما من رسول من رسل ال سبحانه إل وقد ابتعثه ال بهذا ،فإن ال عز
ل أَنَا فَاعْبُدُونِ)ل ِإلَ َه إِ ّ
ل إِلّ نُوحِي ِإلَيْ ِه أَنّهُ َ
سلْنَا مِن قَ ْبِلكَ مِن رّسُو ٍ وجل يقول ( :وَمَا أَ ْر َ
عبُدُو ْا الّ وَاجْتَنِبُواْ ل أَنِ ا ْ ل أُمّةٍ رّسُو ً
(النبياء ، )25/ويقول َ ( :وَلقَدْ بَ َعثْنَا فِي ُك ّ
الطّاغُوتَ ) (النحل.)36/
فدعوة المرسلين هي دعوة إلى ال ودعوة إلى اجتناب الطاغوت ،وهكذا شأن المؤمنين والمؤمنات
دائما يحرصون على شيوع هذه الدعوة ويذيعوها فيما بين الناس جميعا ،وأن يكون الناس جميعا
من حزب ال ل من حزب الطاغوت .
وال سبحانه وتعالى بين أن هذه الصلة التي تكون بين المؤمنين والمؤمنات صلة قربى والتراحم
والعطف وحب الخير والتفاني من أجل الصلح والصلح ل تكون إل مع المر بالمعروف
والنهي عن المنكر ،فإن المر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أولى الصفات التي وصف بها
ال سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بعد ما وصفهم بأن بعضهم أولياء بعض فهو تعالى يقول :
ن الْمُنكَ ِر
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَ ْعضُهُ ْم أَ ْولِيَاء بَعْضٍ َيأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَ ِ
ن الّ وَرَسُولَ ُه أُ ْولَـ ِئكَ سَيَ ْرحَمُهُ ُم الّ) (التوبة/
ن الزّكَاةَ وَيُطِيعُو َ ن الصّلَةَ وَيُؤْتُو َ وَ ُيقِيمُو َ
. )71
نعم هذا هو شأن المؤمنين والمؤمنات جميعا فهم دائما يحرصون على أن تكون حبال الموالة بينهم
ممدودة فلذلك يرتبطون بهذه الموالة التي تشد بعضهم إلى بعض ،وهم بجانب ذلك يحرصون
على القيام بما يحفظ هذا الولء فيما بينهم وبما يحفظ لهذه الرسالة العظمى مكانتها فلذلك يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر بجانب مسارعتهم بأنفسهم إلى امتثال أوامره سبحانه ولذلك وصفهم
ال سبحانه وتعالى فيما وصفهم به بعد هذا بأنهم يقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال
ورسوله ،فذكر إقام الصلة هنا لن الصلة هي في مقدمة ما يأمر ال تعالى به من العمال وما
يتواصى به المؤمنون والمؤمنات وهي من العبادات العملية ،ثم إيتاء الزكاة ،والزكاة عبادة مالية
.
والنسان إن كان في أعماله وكان في تصرفاته في ماله بحسب أوامر ال سبحانه وتعالى فقد تقدس
وتطهر ،وأتبع ذلك وصفهم بأنهم يطيعون ال ورسوله وهذه الطاعة مطلقة في الوامر وفي
مكتبة الكتب موقع واحة اليمان
موقع واحة اليمان
www.waleman.com
النواهي ،فهم يطيعون ال ورسوله في كل أمر أمرهم به ال ورسوله وفي كل نهي نهاهم عنه ال
ورسوله ،فهم يسارعون إلى طاعة ال سبحانه وتعالى .
وعلينا أن نتبين هنا مكانة المرأة في السلم ،فإن مكانة المرأة مكانة مهمة جدا ،فهي ل تنحط عن
مكانة أخيها الرجل ولذلك أشركهما ال سبحانه وتعالى في الضطلع بهذا المر العظيم والقيام
بهذا الواجب المقدس ونشر هذا الخير العميم بين الناس ،هم أي المؤمنون والمؤمنات يحرصون
على المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فعلى المرأة أن تتبين مكانتها في السلم وأن تتبين
رسالتها في هذه المة السلمية ،هي مطالبة بأن تضطلع بأمانة الحق وإبلغ هذه المانة إلى
الخلق .
عليها أن تحرص على المر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يجب ذلك على الرجل ،ومعنى
ذلك أن تقوم بإبلغ دعوة ال سبحانه وتعالى إلى خلقه ،وهذه أمانة عظيمة ومسؤولية كبرى المة
بأسرها مسؤولة عنها ،فإن ال سبحانه وتعالى بين أن هذا الواجب إنما هو واجب على جميع أفراد
ن ِإلَى ا ْلخَيْرِ وَ َيأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
المة عندما قال عز من قائل َ ( :ولْتَكُن مّنكُ ْم أُمّةٌ يَدْعُو َ
ن الْمُنكَرِ َوأُ ْولَـ ِئكَ هُ ُم الْ ُم ْفلِحُونَ) (آل عمران ، )104 /فالية الكريمة تدل على أن وَيَنْهَ ْونَ عَ ِ
هذا الواجب إنما هو واجب على جميع أفراد المة وليس ذلك خاصا بطائفة دون أخرى .
وليس قوله سبحانه وتعالى ( :مّنكُمْ) مفيدا للتبعيض بحيث يقال :إن بعض المة هي مطالبة بأن
تقوم بالدعوة إلى ال والمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون سائرها ،بل الجميع مشتركون في
ذلك ،إذ (من) هنا ليست للتبعيض وإنما هي للبيان ،أي لتكون فيكم ومن أفرادكم هذه المة بحيث
يكون جميع هؤلء الفراد أمة هذا شأنها ،والدليل على ذلك أن ال سبحانه وتعالى حصر الفلح
ه ُم الْمُ ْفِلحُونَ) ،فالفلح إنما انحصر في هذه
في هذا الصنف من الناس عندما قال َ ( :وأُ ْولَـ ِئكَ ُ
الطائفة التي تتآمر بالمعروف وتتناهى عن المنكر وتدعوا إلى ال سبحانه لنها قامت بما عليها من
الواجب .
والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فكل من ذلك أمر وراءه تبعات عظيمة ،فإن الدعوة إلى
ال ليست بالمر السهل إنما طريق الدعوة طريق وعر ولكن على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن
يتحليا بالصبر ولذلك كان التواصي بالصبر أمرا ل بد منه وكان سببا من أسباب النجاة ،فإن
الضطلع بنفس الواجبات التكليفية على اختلفها ل يمكن أن يتم إل مع التحلي بالصبر ،إذ لهذه
النفوس نوازع ،فالنفس تريد أن تطمئن إلى الراحة وأن تركن إلى الرفاهية وأل تكلف صاحبها
شططا في هذا المر .
ولكن ليس المر بحسب التمني فإن هذه الحياة ليست حياة راحة وطمأنينة وإنما هي حياة عمل
وكفاح والدار الخرة هي دار الطمأنينة ودار الخلود ودار الراحة ودار السلمة من كل الفات ،
والداعية قد يقدم نفسه ثمنا لهذه الدعوة التي يقوم بها ،وقد حصل ذلك في تاريخ المؤمنين
مكتبة الكتب موقع واحة اليمان
موقع واحة اليمان
www.waleman.com
والمؤمنات في العهود السالفة ،وطريق الدعوة مفروش بالجمر وبأشواك القتاد وليس مفروشا
بالعطور والياسمين والورود ،كيف وال سبحانه وتعالى عندما ذكر الدعوة ذكر وجوب الصبر
على ما يلقاه الداعية ،فال عز وجل حكى عن لقمان قوله في وصيته لبنه َ ( :وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
علَى مَا َأصَا َبكَ) (لقمان ، )31/فإن الصبر ل بد منه في هذا الطريق ن الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ َ
وَانْهَ عَ ِ
الوعر الشائك .
وعندما ذكر ال سبحانه سبيل الرسول عليه أفضل الصلة والسلم وسبيل أتباعه وأنه الدعوة إلى
ال على بصيرة بين كيف كانت هذه الدعوة في سالف العصور فقد قال تعالى ُ ( :قلْ هَـ ِذهِ سَبِيلِي
ن الْ ُمشْرِكِينَ) (يوسف/ ن الّ وَمَا أَ َناْ مِ َ
ن اتّبَعَنِي َوسُ ْبحَا َ علَى َبصِيرَ ٍة أَ َناْ وَمَ ِ أَدْعُو ِإلَى الّ َ
ن أَ ْهلِ ا ْلقُرَى َأفَلَمْ
ك إِلّ ِرجَالً نّوحِي ِإلَيْهِم مّ ْ سلْنَا مِن قَ ْبِل َ
)108ثم أتبع ذلك قوله ( :وَمَا أَ ْر َ
ض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِ َب ُة الّذِينَ مِن قَ ْبلِهِمْ َولَدَا ُر الخِرَ ِة خَيْرٌ ّللّذِينَ يَسِيرُواْ فِي الَرْ ِ
سلُ وَظَنّواْ أَنّهُ ْم َقدْ كُذِبُو ْا جَاءهُمْ َنصْرُنَا فَ ُنجّيَ مَن س الرّ ُ
ن حَتّى إِذَا اسْتَ ْيأَ َ ا ّتقَواْ َأفَلَ تَ ْع ِقلُو َ
للْبَابِ مَا لّ ْولِي ا َ
صصِهِمْ عِبْرَةٌ ُ ن فِي َق َن َلقَدْ كَا َ ن ا ْلقَوْ ِم الْمُجْرِمِي َ
نّشَاء وَلَ يُرَدّ َب ْأسُنَا عَ ِ
يءٍ وَهُدًى وَ َرحْ َم ًة ّلقَوْمٍ ق الّذِي بَ ْينَ يَدَ ْيهِ وَ َت ْفصِيلَ ُكلّ شَ ْ ن حَدِيثًا ُيفْتَرَى َولَـكِن َتصْدِي َ كَا َ
يُؤْمِنُونَ ) (يوسف.)12/
نعم ذكر ال سبحانه وتعالى أنه بعث من المرسلين رجال يتحملون أمانة إيصال هذه الرسالة إلى
الخلق ،ولكن هل كان المر ميسورا بحيث كان هذا التبليغ غير محفوف بالمكاره؟ .ل ،بل كان
محفوفا بمكاره عظيمة ولذلك وصل المر بالمرسلين أنفسهم مع رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم وعلو
هممهم ومتانة صلتهم بال سبحانه وتعالى وصل المر بهم إلى مشارفة اليأس ،وهناك تداركتهم
ألطاف ال سبحانه وتعالى وغمرهم فضله وأتاهم نصره فنجي من نشاء ول يرد بأس ال سبحانه
عن القوم المجرمين .
وهكذا الشأن في كل عصر من العصور ،وهذا واضح في التاريخ فإن القائمين بالدعوة اصطدموا
ببيئاتهم واصطدموا بالمحيطات البشرية من حولهم ،فقد يصطدم الداعية أول ما يصطدم بأقرب
الناس إليه ،يكون ذلك بين الب وأبيه والخ وأخيه والزوج وزوجه والقريب وقريبه ،وهذا
واضح في تاريخ النبوات ،فإبراهيم عليه السلم وقف في سبيل دعوته أبوه ويبدو أنه بسبب قرابته
منه وصلته به كان أول من جحد الحق الذي جاء به إبنه ،فقد حكى ال سبحانه وتعالى من أمرهما
ما حكاه في كتابه ،كذلك نوح عليه السلم كان من جملة الذين خالفوا أمره وخرجوا عن طاعته
ن أَ ْهِلكَ إِنّهُ عَ َملٌ غَيْ ُر صَالِحٍ
ابنه ،ولذلك قال ال سبحانه وتعالى فيه ( :قَالَ يَا نُوحُ إِنّ ُه لَيْسَ مِ ْ
ن ا ْلجَاهِلِينَ) (هود ، )46/وكذلك كان ك أَن تَكُونَ مِ َ ظَ علْ ٌم إِنّي أَعِ ُ
س َلكَ ِبهِ ِ
سَألْنِ مَا لَيْ َ
فَلَ تَ ْ
شأن نوح ولوط عليهما السلم مع امرأيتهما وقد ضرب ال سبحانه وتعالى بهاتين المرأتين مثل
للذين كفروا .
هذا يدل على أن المرأة تستطيع أن تتحدى جميع التحديات وأن تقف أمام منيع العقبات وقوف
الصامدين عندما تتحلى باليمان وتتسلح به .
وكذلك شأن نبينا عليه أفضل الصلة والسلم ،فإن أول من تنكر لدعوته صلوات ال وسلمه عليه
عمه أبو لهب الذي قال له عندما جهر صلى ال عليه وسلم بالدعوة :تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا
،وقد أنزل ال سبحانه ما أنزل من الوعيد الشديد في أبي لهب .
وهكذا شأن المؤمنين والمؤمنات ،وأنتم تعلمون أن أول شهيد في تاريخ هذه المة امرأة وهي
سمية رضي ال تعالى عنها التي كان الرسول صلى ال عليه وسلم يمر بها وبزوجها وبأبناؤهم
يعذبون ويقول لهم ( :صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة) .
وهكذا أدت المرأة واجبها وبلغت رسالتها وقدمت نفسها ضحية في هذا السبيل لتنعم بالخلود في دار
النعيم .
وكان ما كان من أثر المرأة في إثارة الهمم وحفز العزائم وتقوية الرادة في الرجال ،في الزواج
والبناء من أجل مواصلة طريق الحق ،وكان للسلم تأثير عظيم في فكر المرأة المسلمة وتغيير
مجرى حياتها من وضع إلى نقيضه ،وهذا واضح في تاريخ أخت صخر الخنساء التي بكت
صخرا في الجاهلية حتى فقدت بصرها والتي كانت ترثيه بمراثي عظيمة من أجل أن يخلد ذكره ،
ولكنها عندما أسلمت كان أمرها بخلف ذلك ،فقد جمعت أبناءها جميعا وحفزتهم للجهاد في سبيل
ال وأمرتهم بتوطين النفوس على الصبر حتى يلقوا ال سبحانه وتعالى ،وأخبرتهم بأنهم أبناء
رجل واحد كما أنهم أبناء امرأة واحدة ،لم تخن أباهم ولم تفضح خالهم ،وأمرتهم بأن يمضوا قدما
في مجالدة العدو ،وعندما وصلها نبأ استشهادهم جميعا لم تزد على حمد ال سبحانه الذي قبلهم
منها ،وهكذا كان شأن المرأة المسلمة التي مل اليمان قلبها ولمس برد اليقين شغافه ،فهي
واصلت هذا الطريق غير لوية على شيء .
والن المة المسلمة هي أحوج ما تكون إلى المرأة المؤمنة الداعية التي قبل كل شيء تدعو
أسرتها وتربي أبناءها وبناتها على التقوى والصلح والستقامة والبر واليمان ومواجهة التحديات
على اختلفها ،ول ريب أن المرأة استهدفت ول يستغرب عندما أقول أنها استهدفت أكثر مما
يستهدف الرجل من قبل المجرمين والظالمين ،أُري ًد لها أن تكون سلعة تباع في أسواق الشهوات
وأُريدً أن تكون أداة للتسلي وأريد لها أن تنحط إلى دركات الهون .
المرأة حررها السلم عندما جعلها في مصاف الرجال ،بل أحيانا قدم حقها على حق الرجل ،
فقدم حق الم على حق الب ،فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم عندما
أتاه آت وقال له :يا رسول ال أي الناس أحق بحسن صحابتي؟ قال له ( :أمك) ،قال له :ثم من؟
قال له ( :أمك) ،قال له ثم من؟ قال له ( :أمك) ،قال له ثم من؟ قال له ( :أبوك ،ثم القرب
فالقرب) ،فذكر حق الم ثلث مرات وأتبع ذلك ذكر الب مرة واحدة معطوفا على حق الم بثم
التي تقتضي المهلة والترتيب ،وهذا يدل على ما للم من مكانة في السلم .
فالمرأة المسلمة ليست بحاجة إلى تحرير ،إنما بحاجة المرأة غير المسلمة إلى أن تتحرر من
عادات الجاهلية ومن أسر تلكم الجاهلية لتنعم بما تنعم به المرأة المؤمنة من العيش في ظلل
السلم الوارفة ،في ظلل الكرامة والعزة والشموخ ،المرأة كما قلت استغلت في هذه الجاهلية
الحديثة الن استغلل سيئا ول أدل على ذلك من كونها اتخذت وسيلة لترويج البضائع ،فكل شيء
يروج له بصورة امرأة ،وقد يصل هذا الترويج إلى أن تكون المرأة عرضة لخلع جلباب الحياء
عنها بحيث تصور صورة هي أقبح ما تكون ،قد تكون أحيانا في حالة يستحي النسان حتى من
ذكرها .
هذا دليل على ما خطط لهذه المرأة في تاريخ الجاهلية الحديثة ،وقد استغلت المرأة نفسها في تاريخ
الجاهلية الحديثة استغلل سيئا لزّ بها لزّا في هذه المضائق ووجدت نفسها في هذه المهانة ،وبسبب
تغرير الخرين لها ظنت أنها على شيء ،فهؤلء الذين يزعمون أنهم يحررون المرأة الن إلى
ماذا يدعون؟ .
ونحن نرى في تاريخ ما سمي بتحرير المرأة كيف كانت الوضاع ،المرأة في جميع الوساط
السلمية كانت معززة ومكرمة ،كانت معززة وهي بنت ،ومعززة وهي أم ،ومعززة وهي
زوجة ،ومصونة في جميع أحوالها حتى جاء شياطين الرجال وأرادوا لها ما أرادوه من الهوان
وأنزلوها إلى حيث ما أنزلوها من الدرك الهابط .
هم استغلوها بنفسها بهذه الدعاية ،ونحن عندما ننظر من الظروف التي أحاطت بهذه الدعوات
نرى أنها كانت أليمة ،ظروف فيها من الخبث ما فيها ،حسب علمي أول امرأة كانت تخرج عن
القيود التي كانت مفروضة على المرأة المسلمة في المجتمعات السلمية الشاعرة عائشة هانم
التيموري ،من الذي أخرجها؟
أخرجها أبوها ،ولعل وراء أبيها من وراءه ،وكانت أمها تقف ضد ذلك ،ولكن أباها الذي كان
يجتمع عنده الكثير من الكتاب وكانوا يكتبون باللغة العربية وبالفارسية وبالتركية ،كان يشجعها
على أن تحضر عند هؤلء الكتاب .
نحن ل نستنكر أن تتعلم المرأة ،ندعوها إلى التعلم ،والمرأة العالمة خير من المرأة الجاهلة
الم العالمة هي التي تربي أبناءها على العلم والصلح والتقوى ولكن ل على أساس خلع العذار
وانتهاك الحرمات والتجاوز للحدود وتحطيم قيود الفضيلة ،ظلت هذه المرأة هكذا بين تشجيع الب
على ذلك واعتراض الم عليها ،ثم بعد ذلك كانت لها زميلة خاطبت المرأة المصرية خطابا عجيبا
استغلت بعض الخلف الموجود في الحكام الشرعية استغلل سيئا من أجل تبرير ما تدعو إليه ،
وهي الشاعرة (ل أعرف بالضبط ما هو السم لنه غير واضح في هذه النسخة ولكن كتبته كما
هو) ملك حفني ناصف التي خاطبت المرأة المصرية بهذه البيات :
سيري كسير السحب ل تأني ول تتعجل ** ل تكسي أرض الشوارع بالزار المسبل
أما السفور فحكمه في الشرع ليس بمعضل ** ذهب الئمة فيه بين محرم ومحلل
لننظر كيف استغلت هذه المرأة الخلف الفقهي من أجل تبرير ما تدعو إليه ،قال بأن السفور ليس
بمعضل في الشرع لن علماء السلم اختلفوا فيه بين مبيح ومحرم ،ماهو السفور الذي أبيح؟ إنما
ويجوزبالجماع عند قصد تأهل ،أي عند قصد الزواج ،نعم يجوز بالجماع عند قصد الزواج أن
يرى الخطيب من خطيبته وجهها وكفيها فقط ل أن يرى ما فوق ذلك ،فما دعت إليه ليس هو من
الصحة في شيء ،ثم انتهى هذا المر بموت هاتين المرأتين وبتوقف هذه الحملة المسعورة ضد
المرأة المسلمة ،ولكن ما إن رجعت الميرة نازلي فاضل التي تربت في فرنسا ،وكانت كلمتها
الكلمة الولى عند اللورد كرومر في مصر ،وكان تأثيرها تأثيرا بالغا حتى في السياسة المصرية .
ما إن رجعت من رحلتها إلى فرنسا حتى فتحت صالونا تستقبل فيه الرجال ويتداولون ما يتداولون
من الحاديث وكان من بين الذين يغشون هذا الصالون قاسم أمين ،قاسم أمين هذا اعترض على
كاتب ألماني انتقد وضع المرأة المسلمة ،انتقد خمسة أشياء في حياة المرأة المسلمة ،أولها :أنها ل
تتزوج إل زوجا واحدا ،بينما الرجل يتزوج أكثر من امرأة ،المر الثاني :أنها ترث نصف ما
يرث الرجل ،والمر الثالث :أن الطلق بيد الرجل ل بيدها ،المر الرابع :أن المرأة المسلمة ل
يجوز لها أن تتزوج كتابيا بينما الرجل المسلم يجوز له أن يتزوج كتابية ،المر الخامس :أن
المرأة مقيدة بقيود الحجاب الشرعي .
فانبرى قاسم أمين يدافع عن وضع المرأة المسلمة وكرامة المرأة المسلمة وأن المرأة المسلمة
راضية بحكم السلم قانعة به ،وليست كالنساء المستغربات اللواتي خدعن ببريق الحضارة
الغربية ،فوشى به واش إلى الميرة نازلي فاضل بأنه قصدها فيما قال ،فصبت عليه جام
غضبها ،وما كان له أن ينقذ نفسه مما تصوره ورطة وقع فيها إل أن يؤلف كتابا يدعو فيه إلى
تحرير المرأة ،فألف كتابه في تحرير المرأة ،وكان هذا الكتاب مثار فتنة عظيمة ،وتأسف هو
بنفسه على تأليفه وعرف أنه وقع في ورطة عظيمة عندما ألف هذا الكتاب ،وامرأته أدلت
بتصريح قالت فيه :إن هذه الدعوة كانت دعوة هدامة ،دعوة إلى الشر .
ثم هدأت العواصف إلى عصر سعد زغلول الذي دعا إلى ما يسمى بتحرير المرأة ،ودعا إلى
سفور المرأة ،وألقى خطبة أمام الجماهير وكانت زوجته حاضرة ورفع عنها الحجاب أمام
الجماهير ليكون قدوة لغيره في رفع الحجاب عن النساء المسلمات ،وهنا وقع الخصام بين كثير
من النساء المغرورات وبين أسرهن ،فوقع الخصام بين البنت وأبيها وبين المرأة وزوجها ،بحيث
يقلن بأن المير نزع الحجاب عن أم المصريين ،وهل نحن أولى من أم المصريين باللتزام بهذا
الحجاب؟ ،وأليست هي في مكان التقدير والحترام؟ ،ولما سمع بهذا الصراع الذي حصل في
البيوت والسر ما بين الجانبين دعا إلى اجتماع آخر وأحضر فتاة وسيمة شابة لتلقي خطابا أمام
الجماهير وهي في بداية خطابها كانت محجبة .
جاء في يوم من اليام أخوها إليها ليزورها وقد نزع منه كل ما في الرجل من صفات الغيرة
والشهامة إذ لم تبق في قلبه غيرة قط ،جاء ومعه صديق ألماني كان زميل له في دراسة الدب
الفرنسي ،فعرّف بين صديقه وبين أخته فطلب الصديق أن يراقص الخت أمام أخيها ،ولجل أن
يثبت هذا الخ بأنه مدني ومتحضر وأنه من الفريق المتقدم شجع أخته على ذلك فراقصها ،في
أثناء هذه المراقصة كان يقول لها :يا سيدتي هاتان العينان هما اللتان كنت أبحث عنهما طول
حياتي ولم أجدهما إل في جبينك ،فغرس في قلبها بذرة الغرام .
ثم أتى إليها في اليوم الثاني وقد نظم قصيدتين باللغة الفرنسية ،إحدى القصيدتين يتغزل فيها في
محاسنها ،والقصيدة الثانية تصف ما في نفسه من لوعة الغرام تجاهها ،وقال لها في قصيدته هذه
ما معناه :هل تسمحين يا سيدتي أن أكون خادما صغيرا في مملكة قلبك الواسعة؟ ،فردت عليه :
بأنك أنت صاحب الجللة في هذه المملكة ،لست خادما صغيرا .
وكانت نتيجة ذلك أنه عندما جاء إليها زوجها رفضته وقالت :إنني وجدت صاحبي الذي أبحث
عنه ،والتحقت بذلك الشاب اللماني وعاد زوجها خائبا إلى مصر وعرض مشكلته على سعد
زغلول ،فكتب إليها سعد زغلول يأمرها بأن تعود سريعا إلى مصر فما كان منها إل أن رفضت
هذا المر ،وقالت بأن سعد زغلول ل يتزعم قلبها وإنما زعيم هذا القلب هواه فهي تستسلم لهواه ،
وهكذا كانت النتيجة ،كانت النتيجة انخراطا في سلك الفساد والرتماء في أحضان الفحشاء والبعد
عن القيم والفضائل .
ونحن نحمد ال سبحانه وتعالى على أن عشنا حتى وجدنا المرأة المؤمنة المسلمة تعود إلى الحق
وتعود إلى الرشد ،ولكن مع هذا ل بد أن تقدم الثمن مهما كان غلؤه ،فهي لبد من أن تدعو إلى
هذا الخير وأن تصبر وأن تصابر لجل أن تنجو من الخسران الذي توعد ال سبحانه ونعالى به
جنس البشر ،إل من آمن وعمل صال وكان من الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
فأسأل ال سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعا من هذا الفريق وأن يلهمنا رشدنا وأن يصلح أمرنا إنه
على كل شيء قدير وبالجابة جدير ،نعم المولى ونعم النصير ،وصل ال وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين .