Professional Documents
Culture Documents
م2021 / هـ1442
www.d-althagafhalqurania.com
›2‹
ب�سم اهلل الرحمن الرحيم
ِّ��ك وَانْحَ رْ (� )2إِنَّ �شَ ا ِنئ ََك
َاك ا ْل َك ْوثَرَ ( )1ف ََ�صلِّ لِرَ ب َ
}�إِنَّ��ا �أَعْ طَ ْين َ
ال ْبتَرُ ([ {)3الكوثر] �صدق اهلل العلي العظيم. هُ َو ْ أَ
الحمد رب العالمين ،اللهم �ص��ل على محمد وعلى �آل محمد ،وبارك
عل��ى محمد وعلى �آل محمد ،كما �ص��ليت وباركت عل��ى �إبراهيم وعلى
�آل �إبراهي��م �إن��ك حمي��د مجيد .وار�ض الله��م عن ال�ص��حابة الأخيار من
المهاجرين والأن�صار.
ي�سرني بمنا�سبة والدة ال�سيدة فاطمة الزهراء البتول � -سالم اهلل عليها
� -أن �أق��دم هذه الم��ادة المتوا�ض��عة عنها لنتعرف من خالله��ا على بع�ض
ال�ص��فحات الم�ش��رقة من حياة ال�ص��ديقة الطاهرة �سيدة ن�س��اء العالمين؛
لحاجتنا الما�س��ة ب�أن نعود �إلى �أعالمنا العظماء عبر التاريخ؛ لن�ستلهم منهم
القي��م والأخ�لاق والمبادئ ،لنتعلم منهم ال�ص��بر والثبات وال�ص��مود في
مواجهة الم�ستكبرين ،لنتعلم منهم مكارم الأخالق ومحا�سن ال�صفات.
ال�سيدة فاطمة الزهراء لم تكن امر�أة عادية ،و�إنما هي واحدة من الن�ساء
المتمي��زات عب��ر التاريخ ،ب��ل هي �أبرزه��ن و�أف�ض��لهن و�أعظمهن جعلها
اهلل �س��بحانه وتعالى للمر�أة الم�س��لمة -بالدرجة الأول��ى -قدوة يحتذى
به��ا �إلى يوم القيامة بما حملته من موا�ص��فات عالي��ة ،وبما كانت عليه من
الجهاد ومن ال�صبر والحب للنا�س والرحمة بهم ،وما عرفت به من العبادة
والتقوى والعمل في �س��بيل اهلل .وما �أحوجنا وما �أحوج ن�س��اء ع�صرنا ب�أن
‹›3
يتعرفن على حياتها و�سيرتها لتكون لهن الأ�سوة والقدوة الح�سنة ،لن�سمو
ونرتقي وتزكو نفو�سنا وتطهر قلوبنا كما �أراد اهلل ور�سوله.
ف��ي الوقت الذي ي�س��عى �أعدا�ؤنا من �أولياء ال�ش��يطان لأن ي�ص��نعوا لنا
ولن�س��ائنا ولأطفالنا ول�ش��بابنا قدوات فا�سدين منحطين �ض��ائعين لنكون
منحطين فا�سدين تائهين �ضائعين مثلهم.
وهي مادة مخت�ص��رة بالمنا�س��بة العزيزة ،وقد اعتمدت فيها على بع�ض
مالزم ال�شهيد القائد ال�س��يد /ح�سين بدر الدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه،
وكذلك على محا�ض��رات ال�س��يد /عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه
اهلل بمنا�س��بة والدة الزه��راء لع��ام 1435ه��ـ ،وغير ذلك من الم�ص��ادر
التاريخية.
ن�س���أل اهلل التوفيق وال�سداد و�أن يوفقنا لل�س��ير على �صراطه الم�ستقيم
�ص��راط الذي��ن �أنع��م عليه��م ،و�أن يبعدن��ا عن طري��ق المغ�ض��وب عليهم
وال�ضالين.
يحيــى قا�ســــم �أبـــو عوا�ضـــــة
�شهر جمادى الآخرة 1442هـ
‹›4
�أهمية الدور والمقام للمر�أة الم�ؤمنة
يقول ال�سيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه:
في م�س��يرة الدين وعبر التاريخ وحتى في ظل الر�سل والأنبياء برز دور
الم��ر�أة الم�ؤمن��ة مرتبطً ا معًا بدور الرجل ككيانٍ واح��د ،وكان دورًا مهمًّا
و�أ�سا�س��يًّا وعظيمًا ،ومن �ش��واهده المهمة ما ورد في ق�صة نبي اهلل مو�سى
عليه ال�سالم:
‹›5
كانت الخط��وة الأولى م��ن خالل ام��ر�أة ،وخطو ًة �أ�سا�س��ية ،وخطو ًة
مهم��ة ،ومن موقعها ك�أم لأن المر�أة ت���ؤدي دورها دائمًا كدور تكامليٍ مع
الرج��ل ،وهو كذلك ي�ؤدي دورًا تكامليًّا مع المر�أة ،لي�س هناك ا�س��تقاللٌ
في م�س��ار الحياة والم�س�ؤولية ال للرجل عن المر�أة وال للمر�أة عن الرجل،
هو ي�ؤدي دورًا مكمّلاً ل��دور المر�أة وهي ت�ؤدي دورًا مكمّلاً لدوره وكلُّ
دور منهم��ا مرتبطٌ بالآخر ال فكاك �أبدًا؛ لأنهما كيا ٌن واحد و�أ�ص��لٌ واحد
ومخلوقٌ واحد في م�سيرة الحياة في م�سير ٍة واحدة.
ف�أُم مو�س��ى عليه ال�س�لام � -أم مو�سى ر�ض��وان اهلل عليها -اهلل �سبحانه
وتعال��ى جعل من خاللها وعلى يديها وبها الخطوات الأولى في م�ش��روعٍ
ؤهالت
�إلهيٍ لخال�ص �أمة فقام��ت بدورها على �أكمل وجه بما لديها من م� ٍ
�إيماني ٍة وقِيميَّة و�أخالقية.
�أوحى اهلل �إليها وحيًا ،و�أو�ص��ل �إليها التعليم��ات المهمة } َف�إِذَا خِ فْتِ
عَ َليْ��هِ َف�أَ ْلقِي��هِ فِ��ي ا ْليَ��مِّ { وم��ا كانت لتفع��ل ذلك وه��ي الأم الحنون
الر�ؤوفة ،ه��ي الأم التي بفطرتها تحمل كل الحن��ان وكل الرحمة والر�أفة
لر�ض��يعها ال�صغير وال عالقة ت�س��اوي عالقة الأم بر�ضيعها ،ما كانت لتُقدم
على خطو ٍة كهذه لوال �إيمانها الكبير باهلل �سبحانه وتعالى وت�صديقها بوعده
} َف�أَ ْلقِي��هِ فِي ا ْليَ��مِّ { �ألقيه في البحر}وَال تَخَ افِي وَال تَحْ زَ نِي ِ�إنَّا رَادُّو ُه
�إِ َلي ِْك وَجَ اعِ لُو ُه مِنَ الْمُ رْ �سَ لِينَ {.
أ�سا�س ومهم،
ف�أتى �ضمن التعليمات التي �أوحى اهلل بها �إليها لتقوم بدو ٍر � ٍ
�أتى لها تفا�صيل مهمة عن دور هذا الر�ضيع الم�ستقبلي الذي هو دو ٌر كبيرٌ،
‹›6
وحظيت �أي�ضً ��ا وهي ت�ؤدي دورها الكبير والمهم حظيت برعاية ور�أفة من
اهلل �س��بحانه وتعالى وطم�أنة كبيرة من اهلل �س��بحانه وتعالى ،فت�ضمنت هذه
الن�ص��و�ص التي وردت في هذه الجملة عد ًة م��ن الأمور المهمة �أمرين من
اهلل �س��بحانه وتعالى ،ثم نهيين ،وب�شارتين }�أَنْ �أَر ِْ�ضعِيهِ َف�إِذَا خِ فْتِ عَ َليْهِ
َف�أَ ْلقِيهِ فِي ا ْليَمِّ وَال تَخَ افِي وَال تَحْ زَ نِي �إِنَّا رَادُّو ُه �إِ َلي ِْك وَجَ اعِ لُو ُه مِنَ
الْمُ رْ �سَ لِينَ ( )7فَا ْل َتقَطَ هُ �آلُ فِرْ عَ وْنَ {[القصص].
والمقادير الإلهية �ساقت مو�سى عليه ال�سالم �إلى ق�صر فرعون -وهناك
التقط��ه �آل فرعون � -س��اقته المقادير الإلهية بتدبي��ر اهلل الحكيم والعظيم
والمقت��در والمهيم��ن والغالب �س��اقته �إلى ق�ص��ر فرعون ليعود من ق�ص��ر
فرعون �آمنًا وقد تجاوز مرحلة الخطر التي كانت �س��ائد ًة �آنذاك حيث كان
فرع��ون ي�أمر بذبح �أي وليدٍ يولد في بني �إ�س��رائيل خوفًا واحترازًا من هذا
الوليد القادم.
‹›7
فنلح��ظ �أنه كان هناك �أي�ضً ��ا با�س��تقباله في ق�ص��ر فرعون دو ٌر �أ�س��ا�س
المر�أة �أخرى فبد�أ الدور من خالل �أمه ،وفي ق�صر فرعون كان ينتظره دو ٌر
الم��ر�أ ٍة �أخرى كذلك اَ
}ل َت ْق ُتلُو ُه عَ �سَ ى أَ�ن يَن َف َعنَا �أَ ْو َنتَّخِ ذَ ُه َولَدً ا وَهُ مْ
اَل يَ�شْ عُ��رُ ونَ • َو�أ َْ�صبَ��حَ فُ���ؤَا ُد �أُ ِّم مُو�سَ ��ى فَارِغً ��ا{ [األحقاف ]9،10:بطبيعتها
الحنون��ة ك�أ ٍم حنونٍ ،بعطفها على ولدها ،بقلقها ،بخوفها عليه كانت على
درج�� ٍة عالي ٍة وكبيرة م��ن الخوف والقلق واالنزع��اج } َو�أ َْ�صبَحَ فُ���ؤَا ُد ُ�أ ِّم
مُو�سَ ��ى فَارِغً ��ا إِ�ن كَادَتْ َل ُتبْدِ ي بِهِ { من �ش��دة خوفها وقلقها على ابنها
الوليد الر�ضيع ال�صغير كادت تك�شف �أمرها لكنها هنا �أي�ضً ا تحظى برعاي ٍة
من اهلل كامر�أ ٍة م�ؤمن ٍة قامت بدو ٍر كبير ،وتحملت م�س���ؤولي ًة عظيمة } َلو اَْل
�أَن َّربَطْ نَ��ا عَ لَ��ى قَ ْل ِبهَا ِل َتكُونَ مِ��نَ الْمُ �ؤْ ِمنِينَ {[القص��ص ]10:فحفظ اهلل لها
برعايته �إيمانها.
‹›8
[القصص] تت�ض��من هذه الآيات المباركة الكثير من الدرو�س والعبر والدالئل
عل��ى �أهمية الدور الذي يمك��ن �أن تقوم به المر�أة الم�ؤمنة حتى في المراحل
الخطرة والظروف الح�سا�س��ة ،والم�س���ؤولية التي يمك��ن �أن تنه�ض بها في
مواجهة الطغيان والظالمين ،ولكن ال يت�سع الوقت للحديث المف�صَّ ل عنها.
الق��ر�آن الكريم قدم نماذج متع��ددة وعلى م ِّر التاري��خ مثلما كانت �أم
مو�س��ى عليه ال�س�لام ،و�أخته ،وامر�أة فرعون نموذجً ا للمر�أة الم�ؤمنة التي
تتحمل دورًا مهمًّا وكبيرًا ،وتنه�ض بم�س�ؤولي ٍة مهمة يترتب عليها �أم ٌر كبي ٌر
وعظيم هو خال�ص �أم ٍة وفرجها وا�ستنقاذها من الظلم والطغيان هناك على
م�س��توى الكمال الإيماني ف��ي طبيعة العالقة مع اهلل �س��بحانه وتعالى على
الم�ستوى العظيم من الإيمان والتقوى والمحبة هلل واالرتباط باهلل.
‹›9
مريم بنت عمران (عليها ال�سالم)
كذلك مريم كانت نموذجً ا متميزًا على درج ٍة عالي ٍة من الكمال الإن�ساني
والإيمان��ي ،امر�أ ًة زكي�� ًة طاهر ًة راقيةً ،واهلل �س��بحانه وتعالى تحدث كثيرًا
في القر�آن الكريم عنها وحتى �س��مى �سور ًة با�سمها (�سورة مريم) ،ويقول
اهلل �س��بحانه وتعالى في كتابه الكريمَ }:و ِ�إ ْذ قَ الَ��تِ ا ْل َم َال ِئكَةُ يَا مَرْ يَمُ �إِنَّ
َاك عَ لَى نِ�سَ اء ا ْلعَا َلمِينَ {[آل عمران]42: َا�صطَ ف ِ
َ��اك وَطَ هَّرَ ِك و ْ
ا�صطَ ف ِ
هلل ْ
ا َ
خاطبته��ا المالئكة ونادته��ا و�أخبرتها �أن اهلل ا�ص��طفاها ،و�أن اهلل طهرها،
و�أن اهلل ا�ص��طفاها لتكون �أمًّا لعي�س��ى عليه ال�سالم الذي هو نبي اهلل وعبده
وروحه وكلمته ،وا�صطفاها كذلك على ن�ساء العالمين في م�س�ؤولي ٍة مهمة
ج�س��دت من خاللها قيم الدين القيم والأخالق المثلى لدين اهلل �س��بحانه
وتعالى ،والحديث عنها وا�س ٌع في القر�آن الكريم.
‹ › 11
فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) هي النموذج الأرقى
ً
تميزا والأكثر
النموذج الآخر :النموذج الأرق��ى والأكثر تميزًا كان فاطمة الزهراء،
فاطمة بنت ر�س��ول اهلل محمد �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله ،و�أمها خديجة
ر�ضوان اهلل عليها ،فاطمة عليها ال�سالم التي قال عنها الر�سول �صلوات اهلل
عليه وعلى �آله «�إنها �سيدة ن�ساء العالمين و�إنها ب�ضعةٌ منه من �آذاها
فقد �آذاه».
‹ › 12
م�شيئة اهلل وحكمته تجمع ال�صادق الأمين بالطاهرة الوفية
قبل �أن نعي�ش مع الزهراء �س�لام اهلل عليها في بع�ض م�سيرة حياتها ال بد
�أن نع��ود �إلى الأيام التي جمعت فيها م�ش��يئة اهلل و�إرادته �أبويها الكريمين:
محمد بن عبد اهلل ،وخديجة بنت خويلد.
محم��د بن عبد اهلل بن عبد المطلب �ش��اب في ريعان �ش��بابه عُرف في
قوم��ه بالعفة والطهارة ،وكلما مرت الأع��وام ازداد محمد تميزًا ورجاحة
في العقل ،كان كثير الت�أمل في الكون الف�سيح ،ال يعبد الأ�صنام ،وال يفعل
المنكرات ،يتحلى بالأخالق الفا�ضلة والقيم النبيلة� ،إنها موا�صفات لفتت
انتباه ال�سيدة خديجة بنت خويلد وهي موا�صفات محببة �إلى قلبها.
وهي ال�ش��ابة التي عُرفت �أي�ضً ا في قومها بذات المال والجمال والجاه
والعق��ل ،وبلغ من عل ّو �ش���أنها �أنّها كانت قبل �أن تتزوج بالنبي (�ص��لى اهلل
عليه وعلى �آله و�س��لم) تُعرف بالطاهرة لعفتها وا�ستقامتها ،وب�سيدة ن�ساء
قري���ش ،وهي مع ذلك من �أثرياء قري�ش و�أو�س��عهم جاهً��ا ،خطبها زعماء
قري���ش �إال �أنه��ا كان��ت ترف�ض؛ لأنها لم تج��د في �أحد منهم �ض��التها التي
تبحث عنها.
كان��ت تتابع ب�ش��غف كبير �أخبار محمد هذا ال�ش��اب ال��ذي عُرف بين
قومه بـ (ال�ص��ادق الأمين) �إنه ابن �سادة قري�ش :ها�شم وعبد المطلب و�أبي
طالب� ،إنه الحكيم الذي �أ�ص��لح بين قبائ��ل قري�ش حين كادت تقتتل عند
�إعادة بناء الكعبة ال�ش��ريفة حين و�صل البناء �إلى الحجر الأ�سود واختلفت
قبائل مكة على من ي�ض��ع الحجر الأ�س��ود في مو�ض��عه ،وكادت الحرب
‹ › 13
ت�ش��تعل بينهم ،لقد وقف محمد بحكمته العالية بعد �أن ترا�ض��وا به حكمًا
وق��ال« :هذا ردائي �ضع��وا الحجر فوقه وليم�س��ك كل كبير قبيلة
بط��رف من الث��وب ولترفعوه جميعًا» ف�أُعجب �أهل مكة بهذا ال�ص��لح
الذي حافظ على �أرواحهم ودمائهم وجنَّبهم الحرب فيما بينهم.
لقد �أ�ص��بح الحديث عن هذا ال�شاب وحكمته ورجاحة عقله و�أخالقه
الكريم��ة هو حديث المجال���س في قري�ش ،وكان محمد (�ص��لى اهلل عليه
وعل��ى �آله و�س��لم) كلما ازداد رفعة و�ش��رفًا ومكانة في قوم��ه كان يزداد
أول
توا�ض��عًا لهم وعطفً��ا عليهم ورحمة به��م ،لقد كانت خديج��ة تتابع � اً
ب�أول ما يقال عن محمد ،وكل يوم تزداد يقينًا ب�أن هذا ال�ش��اب هو فار�س
�أحالمها الذي تبحث عنه.
بد�أت ال�سيدة خديجة بنت خويلد تقترب �أكثر من هذا ال�شاب الذي
�صار محط �إعجاب الجميع ف�أر�سلت �إليه ليذهب في تجارتها وبذلت له
�ض��عفي ما كانت تبذله لغيره ،فوافق على طلبها بعد �أن ا�ست�ش��ار عمه �أبا
طالب ،و�أر�سلت معه غالمها (مي�سرة) لخدمة القافلة ورعايتها ،والأكثر
من هذا والأهم عند ال�سيدة خديجة هو �أن يتعرف على محمد عن قرب
وينق��ل لها تفا�ص��يل ما ح�ص��ل في ه��ذه الرحلة وما �ش��اهده من �أخالق
محمد.
كان��ت الرحل��ة ناجحة وموفّقة ب�ش��كل ل��م توفق له رحل��ة قبلها ،كان
مي�س��رة يحث الخطى في طريق الع��ودة �إلى مكة ليخبر �س��يدته بما جرى
في هذه الرحلة ،وقبل دخول القافلة م�ش��ارف مكة �س��بقهم م�سرعًا ليخبر
‹ › 14
خديجة بما جرى وما حدث لمحمد في طريق رحلتهما من الأمور الغريبة
والكرامات العجيبة.
ومن نبوغ وحدّة ذكاء ال�س��يّدة خديجة ونظرته��ا البعيدة �أنّها �أدركت
عظمة �شخ�ص��ية الر�سول الأكرم (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) و�سمو
�أخالقه قبل تكليفه بر�س��الة ال�س��ماء ،و�أنه ينتظره م�ستقبل عظيم فاختارته
زوجً ا لها من دون الرجال وال�شخ�صيات المرموقة الذين تقدموا لخطبتها،
ولإعجابه��ا ال�ش��ديد ف�إنه��ا وخالفًا للأعراف ال�س��ائدة ه��ي التي تقدمت
وعر�ضت نف�سها ورغبت في االقتران به.
‹ › 15
تملك في خدمة ر�س��ول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) وعرفت بف�ضله,
وعرف��ت بمكانته ,وعرفت بق��دره وقيمته و�أعزته ,ول��م تتعامل فقط معه
كزوج عادي ترتبط به ارتباطاً عادياً ,ال ,عرفت �أن له �ش���أناً عظيماً ومنزلة
ال مهماً ,فكان لها �إ�سهام كبير ,و�أمنت للر�سول (�صلوات كبيرة وم�س��تقب ً
اهلل عليه وعلى �آله) فر�ص��ة لأن يكون له �أوق��ات للعبادة ,و�أوقات للخلوة
و�أوقات للت�أمل.
حتى �إذا بلغ الأربعين من العمر حين كان في غار حراء ـ كعادته ـ لعبادة
اهلل على دين �إبراهيم (عليه ال�س�لام) يت�أمل في خلق ال�س��موات والأر�ض،
ويت�ألم عل��ى حلول الجاهلية محل الدين الحني��ف -دين �إبراهيم الخليل
-ج��اءه الروح الأمين جبريل (عليه ال�س�لام) ملك الوحي �إلى ر�س��ل اهلل
(عليهم �صلوات اهلل و�سالمه) مبلغًا له بر�سال ٍة من رب العالمين.
وهك��ذا بعث اهلل نبيه محمدًا خاتم الأنبياء والمر�س��لين ،بعثه بر�س��الته
الخاتِم��ة ،بعث��ه بالإ�س�لام دينًا عظيمًا ،ه��ذا الدين القويم ال��ذي هو �إرث
الأنبياء ،هو خال�صة ر�سالتهم ،القر�آن الكريم هو يمثل الوثيقة الإلهية التي
ت�ضمنت محتوى كتب اهلل ال�سابقة ،بعثه على حين فترة من الر�سل في ظل
جاهلي��ة جهالء �أطبقت ظلماته��ا على الأر�ض فع ّم في ه��ذه الدنيا الجهل
والظلم وال�شر والف�ساد والطغيان ،وتنكرت الب�شرية لتعاليم اهلل التي �أتت
في ال�س��ابق عن طريق �أنبيائه ور�س��له وكتبه ،و�أ�ص��بح واقع الب�شرية واقعًا
�سيئًا جدًّا انحط الإن�سان فيه عن �إن�سانيته كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا.
وعندم��ا بعث اهلل محمدًا بالر�س��الة الخاتمة لم تتفاج�أ ال�س��يدة خديجة
‹ › 16
ر�ض��وان اهلل عليه��ا بذل��ك فقد كانت ت��درك ب�أن��ه ينتظر زوجه��ا محمدًا
(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) م�ستقبل واعد ،فلم تتردد في الإيمان به
والت�ص��ديق بدعوته فكانت �سباقة �إلى الإيمان بدعوته ،بل كانت له ال�سند
والمعين و�س��خرت كل تجارتها وممتلكاتها ونفوذه��ا ومكانتها وحياتها
كلها في �س��بيل ن�ش��ر هذه الر�س��الة الإلهي��ة فكانت بحق م��ن المقومات
الأ�سا�سية في �إقامة هذا الدين العظيم.
وع��ن عائ�ش��ة �أنَّها قالت :كان ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله
و�س��لم) �إذا ذكر خديجة لم ي�س�أم من الثناء علیها واال�ستغفار لها ،فذكرها
ذات يوم فحملتني الغیرة فقلت :وهل كانت �إالّ عجوزًا قد �أخلف اهلل لك
خیرًا منها؟ قالت :فغ�ضب حتى اهتز مقدّم �شعره وقال« :واهلل ما �أخلف
ل��ي خیرً ا منها ،لق��د �آمنت بي �إذ كفر النا���س ،و�صدَّ قتني �إذ كذبني
النا�س ،و�أنفقتني ماله��ا �إذ حرمني النا�س ،ورزقني اهلل �أوالدها �إذ
حرمني �أوالد الن�ساء» .قالت :فقلت في نف�س��ي :واهلل ال �أذكرها ب�سوء
�أبدًا.
‹ › 18
وجاء عام الحزن ليلقي بظالله على ال�سيدة الزهراء
بالرغم من الم�ص��اعب التي كان يواجهها ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه
وعلى �آله و�س��لم) في بداية الدعوة ،وما الق��اه من تعنت قري�ش وطغيانهم
و�أذاهم �إال �أن الر�س��ول (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) كان فرحً ا بما
تحققه الدعوة الجديدة من �إنجازات مت�س��ارعة ،وال�سيدة خديجة ت�سخر
�إمكاناتها في دعم و�إ�س��ناد ه��ذا التحرك ،و�أبو طالب يعم��ل على حمايته
م��ن بط�ش قري�ش �إال �أن هذه الفرحة لم ت�س��تمر طويلاً ف�إن �أبا طالب الذي
تخ�ش��اه قري�ش يغادرهم �إلى جوار ربه را�ض��يًا مر�ض��يًا وقد �آمن به و�أ�سلم
ون�صر ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ويعم الحزن كل �أحياء
مكة وبيوتها.
ويقف ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) بجوار الج�س��د
الطاه��ر ويق��ول ب�ص��وت حزي��ن« :كفلتن��ي يتيمً��ا وربيتن��ي �صغيرً ا
ون�صرتن��ي كبيرً ا فجزاك اهلل عني خيرً ا» .ثم يغ�س��له ويكفنه و�ألم
الفراق يملأ الأجواء ودفنه بيديه الطاهرتين.
وبينما الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في الأيام الأولى لفراق
�أبي طالب يرجع �إلى زوجته التي توا�س��يه ف��ي كل محنة ولكنها ترقد على
فرا�ش المر�ض وعيناها توا�س��ي ر�سول اهلل في م�صابه بعمه وهي تو�شك �أن
تفارقه ،فمن يوا�س��يه في م�صابه بها؟ فقد فا�ضت روح خديجة الطاهرة �إلى
بارئها را�ضية مر�ضية.
ومما زاد من �ألم ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) �س�ؤال
‹ › 19
وَجّ هت��ه فاطم��ة الزهراء �إل��ى �أبيها بعد دف��ن �أمها حيث قالت ل��ه� :إلى �أين
ذهبت �أمي؟
ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) والحزن يملأ قلبه�« :إلى
مقرها في الجنة مع مريم بنت عمران و�آ�سية بنت مزاحم».
فتطمئ��ن فاطمة (عليها ال�س�لام) وترج��ع مع �أبيها �إل��ى المنزل لتكون
القلب الحنون الذي يوا�س��ي �أباها ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله
و�سلم) .
فاطم��ة (الفتاة) التي لم ت�ش��بع من حنان االُموم��ة وعطف الوالدة بعد،
فقد �شاطرته الم�أ�ساة ورُزئت هي االُخرى ،ف�شملتها المحنة في ذلك العام
الحزين ،و�شعرت بغمامة الحزن واليتم تخيم على حياتها الطاهرة.
ويح�س الأب الحنون (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بوط�أة الحزن
عل��ى نف���س ابنته فاطمة (عليها ال�س�لام) ويرى دموع �ألم الفراق تت�س��ابق
على خديها ،فيرقُّ القلب الرحيم ،وتفي�ض م�شاعر الود والأُبوَّة ال�صادقة،
فيحنو ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) على فاطمة ،يعو�ضها
من حبه وحنانه ما فقدته في �أُمها من حب ورعاية وحنان.
لقد �أحب ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فاطمة ،و�أحبته،
وحنا عليها ،وحنت عليه ،فلم يكن �أحد �أحب �إلى قلبه ،وال �إن�س��ان �أقرب
�إلى نف�س��ه من فاطمة ،لقد �أحبها وكان ي�ؤكد -كلما وجد ذلك �ضروريًّا -
هذه العالقة بفاطمة ،ويو�ض��ح مقامها ومكانتها ف��ي �أُمته ،وهو يمهد لأمر
عظيم وق��در خطير يرتبط بفاطم��ة ،وبالذرية الطاهرة الت��ي �أعقبته فاطمة
‹ › 20
وبالأمة الإ�سالمية كلِّها فها هو ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
يع��رف فاطمة وي�ؤكد للم�س��لمين« :فاطمة ب�ضعة من��ى فمن �أغ�ضبها
�أغ�ضبني» .
‹ › 21
كان��ت ترقب انفعاالت وجه��ه ،وخلجات نظراته؛ لتفه��م منها كل ما
يريده وما ال يريده ،دون �أن يقول �شيئًا �أو ينهاها عن �شيء ،فتبادر المتثال
�أوام��ره ونواهيه دون �إبط��اء �أو تردُّد ،مدفوعة �إلى ذل��ك بعامل المحبَّة له
والتقدي�س ل�شخ�صه كنبي.
‹ › 22
هذه الحماية التي عبّر عنها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
بع��د فقده �أب��ا طالب بقوله« :ما زالت قري�ش كاع��ة((( عنى حتى مات
�أبوطالب».
وا�س��تمر ر�س��ول اهلل محمد (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) مبلغًا
لر�س��الة اهلل ،عاملاً على هداي��ة النا�س و�إنقاذهم وتحريره��م من العبودية
لغير اهلل جل وعال حتى و�صل الحال بعد ثالث ع�شرة �سنة في مكة �إلى �أن
يح�صل ت�آمر كبير لهدف ت�صفيته والق�ضاء عليه ب�أي طريقة ،وهنا جاء قرار
من اهلل له بالهجرة �إلى يثرب} َف�إِن َي ْكفُرْ ِبهَا هَ ـ�ؤُالَء َفقَدْ َو َّك ْلنَا ِبهَا قَ ْومًا
َّليْ�سُ و ْا ِبهَا ِبكَافِرِ ينَ { [األنعام.]89:
‹ › 23
قرار الهجرة من مكة �إلى المدينة
واجه م�ش��ركو مكة النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بالتكذيب
والع��داء و�إثارة المجتمع �ض��ده لكنه��م لم يفلحوا في الق�ض��اء على هذه
الر�سالة العظيمة ،ا�ستمر ر�سول اهلل محمد (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
�ص��ابرًا محت�سبًا ثابتًا ،مبلغًا ر�ساالت ربه� ،صادعًا بالحق ال يبالي ب�أنه وحيد
في هذه الأر�ض وبد�أ م�ش��واره وحيدًا وفيما بعد ا�س��تجاب له فئة قليلة من
النا�س ،لم يوح�ش��ه ذلك ،توكل على اهلل و�ص��دع ب�أمر اهلل و�ص��بر و�صابر
وا�ستمر في تذكير عباد اهلل برحمة كبيرة �إلى حد �أنه من �شدة الحر�ص على
هداية النا�س ويرى الخطر الكبير عليهم في عدم اال�س��تجابة هلل والخ�سارة
الكبيرة عليهم ت�أخذه الح�س��رة الكبيرة على النا�س والألم ال�شديد �إلى حد
��ك عَ لَى �آثَارِهِ مْ �إِن لَّ��مْ ُي�ؤْ ِمنُوا ِبهَذَ ا �أن يق��ول اهللَ }:ف َل َعل َ
َّ��ك بَاخِ عٌ َّنفْ�سَ َ
الْحَ دِ يثِ �أَ�سَ فًا{[الكهف ]6:تكاد تقتل نف�س��ك ،تكاد تخنق نف�سك من الهم
والحزن والأ�س��ف على ه�ؤالء كيف ال يهتدون؟ كيف يعر�ض��ون عما هو
خي��ر له��م ،عما هو عزة لهم ،عما هو �ش��رف كبير له��م ،عما فيه فالحهم
وم�ستقبلهم في الدنيا والآخرة؟.
ا�س��تمرت هذه الحالة من ال�ص��راع ب�ش��كل �إعالمي ،وا�س��تغل �أولئك
المتنف��ذون والطغ��اة والجباب��رة نفوذه��م ل��دى النا�س ل�ص��د النا�س عن
�س��بيل اهلل وع��ن اال�س��تجابة فكانت اال�س��تجابة في داخل مك��ة فئة قليلة
من الم�ست�ض��عفين ا�ستجابوا لر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
و�أ�س��لموا وانطلقوا مع اهلل وفي �س��بيل اهلل ،وكانت ق�ض��ية الإ�س�لام تعني
‹ › 24
تجندًا ،كانت م�س���ألة �أن تنظم� ،أن ت�س��لم معناه� :أنك �صرت جنديًّا لخدمة
هذه الر�سالة العظيمة الإ�سالم ولإقامة هذا الدين.
تحرك �أولئك الم�ؤمنون -بقلة -هم قليلون لكنهم �ص��ابرون وثابتون
رغم كل المعاناة ال�شديدة :القهر ،الظلم لهم ،والمحاولة الدائمة ل�صدهم
و�إبعادهم عن الحق.
وا�ستمرت قري�ش في تعنتها ،وازدادت طغيانًا وت�آمرًا حتى و�صلت �إلى
حد التفكير في ت�صفية الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) وهنا جاء
من اهلل الأمر له بالهجرة �إلى يثرب المدينة المنورة.
‹ › 25
قام �أمیر الم�ؤمنین (علیه ال�سالم) من �ساعته وا�شترى الرواحل الالزمة،
و�أعد متطلبات ال�س��فر والهج��رة من مكة ،و�أمر من كان معه من �ض��عفاء
الم�ؤمنین �أن يت�سللوا ويتخفوا �إذا ملأ اللیل بطن كل وا ٍد �إلى (ذي طوى).
فلما �أدى الأمانات قام على الكعبة فنادى ب�صوت رفیع :يا �أيها النا�س! هل
من �صاحب �أمانة؟ هل من �صاحب و�صیة؟ هل من عدة له ِقبَل ر�سول اهلل؟
فلما لم ي�أت �أحد لحق بالنبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)(((.
خرج علي (علیه ال�س�لام) بالفواطم في و�ض��ح النه��ار -وهن :فاطمة
الزهراء (علیها ال�س�لام) وفاطمة بنت �أ�س��د الها�شمیة (�أُمه) ،وفاطمة بنت
الزبیر بن عبد المطلب ،وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب..
و�س��ار ،فلما �ش��ارف (�ض��جنان)((( �أدرك��ه الطلب �س��بعة فوار�س من
�ش��جعان قري�ش متلثمی��ن وثامنهم مول��ى الحارث بن �أُمی��ة يدعى جناحً ا،
وكان �ش��جاعًا مقدامًا ،ف�أقبل الإمام علي (علیه ال�س�لام) على �أيمن ،و�أبي
واقد وقد ت��راءى القوم فقال لهما�« :أنیخا الإب��ل واعقالها» ،وتقدم
حتى �أنزل الن�سوة ،ودنا القوم فا�ستقبلهم على (علیه ال�سالم) منت�ضیًا �سيفه.
ف�أقبل��وا علیه وقالوا :ظننت �أنَّك ناج بالن�س��وة ،ارج��عْ ال �أبا لك قال:
«ف�إن لم �أفعل؟» قالوا :لترجعن راغمًا� ،أو لنرجعن ب�أكثرك �ش��عرًا � -أي
ر�أ�سك -ودنا الفوار�س من الن�سوة والمطايا لیثوروها.
فحال علي (علیه ال�س�لام) بینهم وبینها ،ف�أهوى له جناح ب�س��یفه فراغ
علي (علیه ال�س�لام) عن �ضربته ،ثم �ض��ربه علي (علیه ال�سالم) على عاتقه
((( اللآلئ الم�ضيئة لأحمد بن محمد بن �صالح بن محمد ال�شرفي المتوفى �سنة 1055هـ.
((( �ضجنان :جبل بناحية تهامة.
‹ › 26
�ض��ربة قا�ضية ،ثم �شد علیهم ب�سیفه فت�صدع القوم عنه ،وقالوا له :اغن عنا
نف�سك يا بن �أبي طالب.
ق��ال« :ف�إنى منطلق �إل��ى ابن عمى ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) فمن �سره �أن �أفري لحمه و�أُهريق دمه فلیتبعنى»
فرجعوا مخذولین منك�سرين.
ثم �أقبل على �صاحبیه �أيمن و�أبي واقد فقال لهما« :اطلقا مطاياكما»،
ثم �س��ار بالركب ظافرًا قاهرًا حتى نزل «�ضحنان» ،فتلوم بها� -أي لبث
فیه��ا -ق��در يومه وليلته ولح��ق به نفر من الم�ست�ض��عفین م��ن الم�ؤمنین،
وكان��وا ي�ص��لون لیلتهم ويذك��رون اهلل قیامًا وقعودًا وعل��ى جنوبهم ،فلم
يزالوا كذلك حتى طلع الفجر ف�صلى الإمام علي (علیه ال�سالم) بهم �صالة
الفجر ،ثم �س��ار لوجهه حت��ى قدموا (قباء) القريبة م��ن المدينة ،والتحقوا
(((
بر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) حیث كان ينتظرهم بها.
ومكث النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) خم�س��ة ع�ش��ر يومًا بـ
(قب��اء) في انتظار ق��دوم الوف��د ،وفي تلك الفترة �أ�س���س م�س��جد (قباء)،
ونزلت فیه �آيات بینات قال تعالىَ } :لمَ�سْ جِ دٌ أُ��سِّ َ�س عَ لَى ال َّت ْقوَى مِنْ �أَوَّلِ
يَ��وْمٍ أَ� َح��قُّ �أَنْ َتقُ��و َم فِيهِ {[البقرة ]144:كما �أ َّن النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى
�آله و�س��لم) حث على ال�ص�لاة فیه و�إحیائه ،و َذكَر الأجر الكبیر لمن �صلَّى
فیه .وبعد ا�س��تراحة الركب �س��ار (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) بمن
معه من �أ�ص��حابه و�أهله متوجهًا �إلى يثرب ،وا�س��تقبلته الجماهیر الم�سلمة
‹ › 27
بالأ�شعار والأهازيج و�شعارات الترحیب ،وا�ستقبله �سادات يثرب وزعماء
الأو���س والخزرج مرحبی��ن بقدومه باذلین كل ما و�س��عهم م��ن �إمكانات
مالیة وع�س��كرية ،وكان عندما يمر على حي من �أحیائهم يتقدم الأ�ش��راف
لی�أخذوا بخطام الناقة رجاء �أن ينزل في حیهم حیث ال�ضیافة والمنعة ،فكان
(�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) يدعو لهم بالخیر ويقول« :دعوا الناقة
ت�سیر ف�إنَّها م�أمورة».ثم بركت في رحبة في الأر�ض بجوار دار �أبي �أيوب
الأن�صاري ،فنزل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ونزلت ال�سیِّدة الطاهرة
فاطمة الزهراء (علیها ال�سالم) مع الفواطم ودخلن على �أم خالد(((.
‹ › 28
المتوا�ض��ع ف��ي دار الإ�س�لام ،لتنع��م بعنايته وحب��ه ورعايته ،تل��ك العناية
والرعاية والحب الذي لم يحظ بمثله امر�أة وال �أحد من النا�س �سواها.
�إل��ى هذا البیت المتوا�ض��ع جاءت فاطمة بنت محمد (�ص��لى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) مهاجرة من مكة لترى �أباها بین �أن�صاره في يثرب يفدونه
بالأنف���س ومعه المهاج��رون ،وقد اطم���أن بهم المقام م��ع �إخوانهم ممن
�أ�سلم من الأو�س والخزرج ،وان�صرفوا مع النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله
و�سلم) �إلى الدعوة للإ�سالم والتخطیط لغدٍ �أف�ضل.
‹ › 30
روي عن��ه� :إذا �أت��ت �إلي��ه �إلى المنزل بعدم��ا تزوجت وانتقل��ت �إلى بيت
الزوجي��ة -عند زوجها الإمام علي عليه ال�س�لام -كانت �إذا زارت النبي
�صلوات اهلل عليه وعلى �آله يقوم لها من مجل�سه ويجل�سها بكل �إكبار بكل
احترام بكل تقدير.
كان �إذا غاب من المدينة في �أي �سفر ،في �أي رحل ٍة جهادية ،كان عاد ًة
ما يك��ون �آخر عهده بها فيودعه��ا في الأخير ،وعندما يق��دِ م �إلى المدينة
ف�أول ما يذهب �إليها.
وفي تعامله ،وفي توجيهاته ،فيما قاله عنها ،ثم هي فيما كانت عليه في
م�سار حياتها تدلل على عظيم المقام الإيماني الذي و�صلت �إليه.
ال على �أي�ضً ��ا بما �أعطاها اهلل من م�ؤهالت وقابلية عالي��ة حتى كانت فع ً
درجة عالية ،كان كل جهد يبذله الر�س��ول �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله في
تربيتها يترك �أثرًا عظيمًا ومتميزًا فيها ،وكانت ثماره طيبة }وَا ْل َبلَدُ الطَّ ي ُِّب
يَخْ ��رُ جُ َنبَاتُهُ بِ���إِذْنِ َربِّهِ {[األعراف ]58:لأن لديها قابلي��ة وم�ؤهالت عالية
منحها اهلل �س��بحانه وتعالى فكانت حياتها متميزة في طفولتها مع �أبيها �إلى
مرحلة الزواج التي تزوجت فيها – �أي�ضً ا -لم تنف�صل فيها ،ولم تبتعد عن
�أبيها ،كانت قريبة ،كانت تعاي�ش��ه في كثي ٍر من الأوقات ،ت�سمع منه ،تتعلم
منه ،كان هو �أي�ضً ��ا مهتمًّا ب�أمرها ،وكثيرًا م��ا كان يذهب �إليها �إلى منزلها،
وت�أتي �إليه كثيرًا تتعلم ،ت�ستفيد ،تنتفع ،تزداد ارتقا ًء على م�ستوى المعرفة،
وعلى م�ستوى الأخالق ،وعلى م�ستوى االرتقاء في �سلم الكمال الإيماني
حتى و�صلت �إلى درجة عالية.
‹ › 31
بالنبي (�صلى اهلل
ِّ تميز عالقة فاطمة (عليها ال�سالم)
عليه وعلى �آله و�سلم)
ال بُ َّد من الإ�ش��ارة �إلـى �أ َّن العالقة بين فاطمة (عليها ال�س�لام) ور�سول
اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) كانت �أكثر من عالقة ابن ٍة ب�أب ،فقد
نقل لنا تاريخ �س��يرتـها �أنَّها كانت �إذا دخلت على ر�س��ول اللهّ (�ص��لى اهلل
عليه وعلى �آله و�سلم) قام من مجل�سه وا�ستقبلها وقبَّل يدها ،وكان ر�سول
اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) �إذا دخل عليها ا�ستقبلته وقبَّلت يده.
وه��ذا النوع من العالقة ق��د ال يكون م�ألوفًا بي��ن الأب وابنته؛ ولذا فنحن
ن�س��توحي من ذلـك �أ َّن ر�س��ول اللّـه (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في
الوقت الّذي كان يعي�ش حبَّه للزَّهراء (عليها ال�سالم) ،كان يحمل احترامه
لها ،لما يعرفه من ملكاتها الرُّوحيَّة ،ومن ثروتها الثقافيَّة ،ومن �إخال�ص��ها
هلل وللإ�سالم والم�سلميـن ودورها الم�ستقبلي.
ونع��رف حركية ه��ذه العالقـة في روح الزهراء (عليها ال�س�لام) وذلك
عندما احت�ضر النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فقد �ضمَّها �إلى �صدره،
فبكت عندما �أخبرها �أنَّه �س��وف يُفارق الحياة قريبًا ،ثُ َّم �ض��مَّها �إلى �ص��دره
ف�ض��حكت ،لأنَّه �أخبرها �أنَّه��ا �أوَّل �أهل بيته لحوقًا به .فت�ص��وَّروا امر�أةً� :أمًّا
وقت قريب وتلحق به ،ف�إذا كانت �أو زوجةً ،يُخبرها �أبوها ب�أنَّها �ستموت في ٍ
هي ت�شعر بالفرح وال�سرور ،ف�أيَّة عالقة هي هذه العالقة بين الأب وابنته؟!
روى الحاكم في (الم�س��تدرك) ،قال« :كان ر�سول اهلل �إذا رجع من
غ��زاة �أو �سفر �أت��ى الم�سجد ف�صلى فيه ركعتين �شك��رً ا هلل على �أنَّه
‹ › 32
�أرجع��ه من �سف��ره ،ثم ثنَّى بفاطمة ثم ي�أت��ي �أزواجه» ،ما يعني �أن
فاطمة تقف في المركز الأول في عالقته بالنا�س ،حتَّى في عالقته بزوجاته.
وب�س��نده� ،أي �سند الحاكم في (الم�ستدرك)�« :أن النبي (�صلى اهلل
علي��ه وعل��ى �آل��ه و�سل��م) كان �إذا �ساف��ر كان �آخر النا�س ب��ه عهدً ا
فاطمة»� ،أي �آخر من يلتقيه هو فاطمة؛ لتبقى �صورة فاطمة وليبقى حنان
فاطمة وعاطفة فاطمة الّتي تفي�ض��ها عليه ،معه في �سفره يعي�ش فيه ويرتاح
ل��ه«،و�إذا قدِ َم من �سفرٍ كان �أوَّل النا�س عهدً ا به فاطمة»؛ لأنه كان
يعي�ش ال�ش��وق �إليها كما لم يع�ش ال�شوق �إلى �أي �إن�سان �آخر ،ولذلك كان
يعبِّر عن حرارة هذا ال�شوق باللِّقاء بها� ،أوَّل من يلتقيه من النا�س.
أحب �إلى
وفي (اال�س��تيعاب) ب�س��نده� :سُ ئِلت عائ�ش��ة� :أيُّ النا�س كان � َّ
ر�س��ول اهلل؟! قال��ت :فاطمة ،يق��ول الراوي :قلت :م��ن الرجال؟ قالت:
زوجها� ،إنه كان ما علمته �صوَّامًا قوَّامًا.
‹ › 33
الكثير يتقدمون لخطبة الزهراء
فاق��ت فاطم��ة الزهراء (عليها ال�س�لام) ن�س��اء ع�ص��رها في الح�س��ب
والن�س��ب فهي بنت محمد ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)،
وخديجة ر�ضى اهلل عنها ،و�سلیلة الف�ضل والعلم وال�سجايا الخیرة ،وغاية
الجمال الخَ لقي والخُ لقي ،ونهاية الكمال المعنوي والإن�ساني ،عال �ش�أنها
وت�ألَّق نجمها ،وكانت تكبر يومًا بعد يوم تحت ظالل النبي (�صلى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) حتى �أدركت �سالم اهلل علیها مدرك الن�ساء؛ تقدم الكثير
لخطبة الزهراء �س�لام اهلل عليها �إال �أن ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله
ال لهم« :انتظر الق�ضاء» (((. و�سلم) كان يردهم قائ ً
‹ › 34
فق��ال« :مه ي��ا �أُ َّم �سلمة ،فهذا رجل لی�س بالخ��رق وال بالنزق ،هذا
�أخى وابن عمي و�أحب الخلق �إلي» قالت �أُ ُّم �سلمة :فقمت مبادرة �أكاد
�أعثر بمرطي((( ،ففتحت الباب ف�إذا �أنا بعلي بن �أبي طالب (علیه ال�س�لام)
فدخل على ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فقال« :ال�سالم
علیك يا ر�سول اهلل ورحمة اهلل وبركاته» فقال له النبي (�ص��لى اهلل
عليه وعلى �آله و�سلم) « :وعلیك ال�سالم يا علي ،اجل�س» فجل�س علي
(علیه ال�سالم) بین يدي ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) وجعل
ينظر �إلى الأر�ض ك�أنه ق�صد لحاجة وهو ي�ستحيي �أن يبینها ،فهو مطرق �إلى
الأر�ض حیا ًء من ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فك�أن النبي
(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) عل��م ما في نف�س علي (علیه ال�س�لام)
فقال له« :يا علي� ،إنِّى �أرى �أنَّك �أتیت لحاجة ،فقل حاجتك و�أبدِ ما
في نف�سك ،فكل حاجه لك عندي مق�ضیة» قال علي (علیه ال�س�لام):
«ف��داك �أب��ي و�أُمي �إنَّك �أخذتني عن عمِّ��ك �أبي طالب ومن فاطمة
بن��ت �أ�سد و�أنا �صب��ي ،فغذيتني بغذائك ،و�أدَّبتني ب�أدبك ،فكنت لي
�أف�ض��ل من �أبي طالب وم��ن فاطمة بنت �أ�سد في البر وال�شفقة ،و�إن
اهلل تعال��ى هداني بك وعلى يدي��ك ،و�إنك واهلل ذخري وذخیرتي
ف��ي الدنی��ا والآخرة يا ر�س��ول اهلل فقد �أحببت مع م��ا �شد اهلل من
ع�ض��دي ب��ك �أن يك��ون لي بی��ت و�أن تك��ون لي زوج��ة �أ�سك��ن �إلیها،
وق��د �أتیت��ك خاطبًا راغبًا� ،أخط��ب �إلیك ابنتك فاطم��ة ،فهل �أنت
مزوجي يا ر�سول اهلل؟» فتهلل وجه ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى
((( بثوبي.
‹ › 35
�آله و�س��لم) فرحً ا و�سرورًا ،و�أتى فاطمة فقال�« :إن علیًّا قد ذكرك وهو
من قد عرفت» ف�سكتت (عليها ال�سالم) ،فقال (�صلى اهلل عليه وعلى �آله
و�سلم)« :اهلل �أكبر� ،سكوتها ر�ضاها»(((.
قالت �أُ ُّم �سلمة :فر�أيت وجه ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
يتهلل فرحً ا و�س��رورًا ،ثم تب�سَّ ��م في وجه علي (علیه ال�س�لام) فقال« :يا
علي فهل معك �شيء �أزوِّجك به؟» فقال علي (علیه ال�سالم)« :فداك
�أبي و�أمى ،واهلل ما يخفى علیك من �أمرى �شىء� ،أملك �سیفي ودرعي
ونا�ضحي ،وما �أملك �شیئًا غیر هذا» فقال ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) « :يا علي �أما �سیفك فال غنى بك عنه ،تجاهد في
�سبی��ل اهلل ،وتقاتل به �أعداء اهلل ،ونا�ضحك تن�ضح به على نخلك
و�أهل��ك ،وتحمل علیه رحلك في �سفرك ،ولكني قد زوجتك بالدرع
(((
ور�ضیت بها منك».
قال ال�س��يد �أبوطال��ب الهاروني وزوج الر�س��ول عليًّا فاطم��ة ب�أمر اهلل
�سبحانه في �آخر �صفر �سنة اثنتين من الهجرة.
ولما زوج ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) ابنته فاطمة
(علیها ال�س�لام) قال لها« :زوجت��ك �سیِّدً ا في الدنی��ا والآخرة ،و�إنَّه
�أول �أ�صحابي �إ�سالمًا و�أكثرهم علمًا و�أعظمهم حلمًا»(((.
((( ذخائر العقبى.39 :
((( �شرح نهج البالغة ،9/ 193 :وبن�ص �آخر في ذخائر العقبى.40- 41 :
((( كنزالعمال /11 :ح 32926مثله ،وم�س���ند �أحمد/ 5 26 :مثله ،مخت�ص���ر تاريخ دم�ش���ق:
.17/ 337
‹ › 36
فاطمة الزهراء في بیت الزوجیة
انتقل��ت ال�س��یِّدة فاطمة الزهراء (عليها ال�س�لام) �إل��ى البیت الزوجي
وكان انتقاله��ا من بیت الر�س��الة والنبوة �إلى دار الو�ص��اية والوالية ،فهي
تعی�ش في جو تكتنفه القدا�سة والنزاهة ،وتحیط به عظمة الإيمان وب�ساطة
العی�ش ،وكانت تعین زوجها على �أمر دينه و�آخرته.
كان علي (علیه ال�س�لام) يحترم ال�س��یِّدة فاطمة الزه��راء احترامًا الئقًا
بها ،ال لأنَّها زوجته فقط ،بل لأنَّها �أحب الخلق �إلى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل
عليه وعلى �آله و�س��لم) ،ولأنَّها �س��یدة ن�ساء العالمین ،ولأن نورها من نور
ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ولأنَّها مجموعة الف�ض��ائل
والقیم.
وبنى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) البنت��ه فاطمة بیتًا
مال�ص��قًا لم�س��جده ،له باب �إلى الم�س��جد كبقی��ة الحجرات الت��ي بناها
لزوجاته ،وانتقلت ال�سیِّدة فاطمة �إلى ذلك البیت الجديد المال�صق لبیت
اهلل ،والمجاور لبیت ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم).
و ل��م يكن ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعل��ى �آله و�س��لم) لیترك هذا
الغر�س النبوي دون �أن يرعاه ويحت�ض��نه بتوجیهه وعنايته ،فعا�ش الزوجان
في ظل ر�س��ول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) وفي كنفه ومنح (�صلى
اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) فاطمة بعد زواجها مالم يمنحه لأحد من الحب
والن�ص��یحة والتو�ص��یة ،فقد علمها �أبوها (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
معنى الحی��اة ،و�أوحى لها ب�أن الإيمان هو جوهر الإن�س��انية والحیاة ،و�أ َّن
‹ › 37
ال�سعادة الزوجیة القائمة على الخلق والقیم الإ�سالمیة هي �أ�سمى من المال
والق�صور والزخارف وقطع الأثاث وتحف الفن المزخرفة .وتعی�ش فاطمة
الزهراء في كنف زوجها قريرة العین �س��عیدة النف�س ،ال تفارقها الب�ساطة،
وال يب��رح بیتها خ�ش��ونة الحیاة ،فهي الزوجة الم�ؤمن��ة ،زوجة علي (علیه
ال�سالم) بطل الم�سلمین ،ووزير الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
وم�شاوره الأول ،وحامل لواء الن�صر والجهاد ،وعلیها �أن تكون بم�ستوى
الم�س���ؤولیة الخطیرة ،و�أن تكون لعلي كما كانت �أُمها خديجة لر�سول اهلل
(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ت�ش��اركه في جهاده وت�صبر على ق�ساوة
الحیاة ور�س��الة الدعوة ال�ص��عبة .لقد كان��ت حقًّا بم�س��توى مهمتها التي
اختارها اهلل تعالى لها ،فكانت القدوة ال�ص��الحة للم�سلم الر�سالي والمر�أة
النموذجیة الم�سلمة.
‹ › 38
ف�سم��ه با�س��م ابن ه��ارون ،فهبط جبري��ل فهن�أه ،ثم ق��ال� :إن اهلل
ي�أم��رك �أن ت�سمي��ه با�سم ابن هارون ،فقال :وم��ا كان ا�سمه؟ قال:
�شبَّر ،قال :ل�ساني عربي؛ قال :ف�سمه الح�سن» ،فلما ولد الح�س��ين
�أوح��ى اهلل �إلى جبريل«قد ولد لمحمد ابن فهنه ،وقل له :علي منك
بمنـزل��ة هارون من مو�سى ،ف�سمه با�سم ابن هارون ،فلما نزل وهن�أه
وبلغ��ه الر�سالة ،قال :وما كان ا�سم ابن هارون؟ قال� :شبير ،قال:
ل�ساني عربي ،قال� :سمه الح�سين» (((.
مقارنة َّ
الزهراء (عليها ال�سالم) بمريـم (عليها ال�سالم)
عن جابر� :أن النبي جاع ذات يوم ،فطاف في منازل جميع �أزواجه فلم
ي�ص��ب عند واحدة منهن �شيئًا .ف�أتى فاطمة فقال« :يا بنية ،هل عندك
�شيء �آكله ف�إني جائع؟» فقالت :ال.
فلم��ا خرج بعثت جارية لها برغيفين وب�ض��عة من لح��م ،ف�أخذتها منها
وو�ض��عتها على جفن��ة لها وغطتها ،وقالت :واهلل لأُو ِث َر َّن بهذا ر�س��ول اهلل
عل��ى نف�س��ي ومن عن��دي ،وكانوا جميعً��ا محتاجين �إلى �ش��بعة من طعام،
فبعثت ح�س��ينًا وح�س��نًا �إلى النبي فرجع �إليها ،فقالت :ب�أبي �أنت و�أمي قد
�أتانا اهلل ب�شيء فخب�أته لك.
فقال« :هلمي يا بنية» فك�ش��فت عن الجفنة ،ف�إذا هي مملوءة خبزًا
ولحمًا ،فقدمته �إلى النبي.
((( رواه من حديث طويل الإمام علي بن مو�س���ى الر�ض���ا في م�سنده �ص 67-64برقم(،)71
وهو في الحدائق الوردية ،189/1وم�آثر الأبرار ،354/1وانظر جواهر العقدين �ص.303
‹ › 39
هلل فقال« :من �أين لك هذا؟»فقلت :يا �أبتي }هُ َو مِنْ عِ ندِ ا ِ
هلل �إنَّ ا َ
اب{ [آل عمران.]37:
يَرْ زُقُ مَن يَ�شَ اء ِب َغيْرِ ِح�سَ ٍ
فقال« :الحم��د هلل الذي جعلك يا بنية� ،شب��ه �سيدة ن�ساء بني
�إ�سرائي��ل ،ف�إنه��ا كان��ت �إذا رزقه��ا اهلل �شيئً��ا ف�سُ ِئلَ��ت عن��ه ،قالت:
}هُ �� َو مِ��نْ عِ ن��دِ اهللِ{» .فبعث �إلى علي ،ثم �أكل النبي وعلي والح�س��ن
والح�س��ين ،وجميع �أزواج النبي و�أهل بيته حتى �ش��بعوا ،وجعل اهلل فيها
بركة وخيرًا كثيرًا(((.
‹ › 40
كلِّه ،فكان عليٌّ يتنفَّ�س الإ�سالم في الم�سجد مع ر�سول اهلل ،وكان يتنف�س
الإ�سالم في البيت مع ابنة ر�سول اهلل ،وكان عليٌّ �أي�ضً ا الزوج الم�سلم الّذي
كان مع الحق وكان الحق معه ،كان يُعطي فاطمة (عليها ال�سالم) من عقله،
ومن روحه ،ومن ا�ستقامته ،ومن عبادته ،ومن زهده هذا الجو الإ�سالمي،
فكانت تتنف�س الإ�س�لام في بيتها من خالل عل��يٍّ ،وكانت ابتهاالتهما هلل،
وعبادتهما له ،و�س��جودهما بين يديه ،وتنهُّداتهما في المحبة هلل والخوف
منه ،كانت تمتزج ببع�ضها البع�ض.
‹ › 41
�صورة من �صور الإيثار في حياة الزهراء
(�سالم اهلل عليها)
كانت الزهراء خیر من ي�ؤثر على نف�س��ه اقت��دا ًء ب�أبیها حتى عُرف عنها
�إيثارها بقمی�ص عر�س��ها لیلة زفافها �س�لام اهلل علیها ،وروي عن جابر بن
عبداهلل الأن�صاري �أنّه قال� :صلّى بنا ر�سول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله) �صالة
الع�ص��ر ،فلمّا انفت��ل جل�س في قبلت��ه والنا�س حوله ،فبينم��ا هم كذلك �إذ
�أقبل �ش��یخ من مهاجرة العرب علیه �س��مل((( قد تهل��ل و�أخلق ،وال يكاد
يتمالك كبراً و�ض��عفاً ،ف�أقبل علیه ر�سول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله) ي�ستحثه
الخبر ،فقال ال�ش��یخ :يا نبي اهلل� ،أنا جائع الكبد ف�أطعمني ،وعارى الج�سد
فاك�س��ني ،وفقیر ف�أر�ش��ني ،فقال (�ص��لى اهلل علیه وعلى �آله و�سلم)« :ما
�أج��د لك �شیئاً ،ولكنّ ال��دال على الخیر كفاعل��ه ،انطلق �إلى منزل
م��ن يحب اهلل ور�سوله ،ويحبه اهلل ور�سوله ،ي�ؤثر اهلل على نف�سه،
انطل��ق �إل��ى حج��رة فاطمة»( .وكان بیتها مال�ص��قاً لبیت ر�س��ول اهلل
(�ص��لى اهلل علیه و�آله) الذي ينفرد به لنف�سه من �أزواجه) وقال« :يا بالل
قم فقف به على منزل فاطمة».
فانطل��ق الأعرابي مع بالل ،فلما وقف على ب��اب فاطمة؛ نادى ب�أعلى
�ص��وته :ال�س�لام علیكم يا �أهل بیت النبوة ،ومختل��ف المالئكة ،ومهبط
جبرئی��ل الروح الأمی��ن بالتنزيل من عن��د رب العالمی��ن ،فقالت فاطمة:
«علیك ال�سالم ،فمن �أنت يا هذا؟» قال� :ش��یخ من العرب �أقبلت على
‹ › 42
�أبیك ال�س��ید الب�شیر من �شقّة ،و�أنا يا بنت محمد (�صلى اهلل علیه وعلى �آله
يرحمك اهلل .
ِ و�سلم) عاري الج�سد جائع الكبد فوا�سیني
فعم��دت فاطمة �إل��ى جلد كب�ش مدبوغ بالقرظ كان ينام علیه الح�س��ن
والح�سین ،فقالت« :خذ �أيّها الطارق ،فع�سى اهلل �أن يختار لك ما هو
خیر فیه» ،قال الأعرابي :يا بنت محمد� ،شكوت الیك الجوع فناولتنى
جلد كب�ش ما �أ�ص��نع به مع ما �أجد من ال�س��غب؟ قال :فعمدت لما �سمعت
ه��ذا م��ن قوله �إلى عقد كان ف��ي عنقها �أهدته لها فاطم��ة بنت عمها حمزه
ب��ن عبدالمطلب ،فقطعته م��ن عنقها ونبذته �إل��ى الأعرابي وقالت« :خذ
وبع��ه ،فع�س��ى اهلل �أن يعو�ضك به ما هو خیر من��ه» .ف�أخذ الأعرابي
العقد وانطلق �إلى م�س��جد ر�سول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آله) والنبي جال�س
في �أ�صحابه فقال:
ي��ا ر�س��ول اهلل� ،أعطتني فاطم��ة هذا العق��د ،فقالت« :بع��ه» .فقال
ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آل��ه) « :كیف ال يعو�ضك ب��ه ما هو خیر
من��ه؟! وقد �أعطت��ك فاطمة بنت محم��د �سیّدة بن��ات �آدم» .فقال
عمار بن يا�س��ر (ر�ض��ى اهلل عنه) فقال :يا ر�س��ول اهلل� ،أت�أذن لي ب�شراء هذا
العقد؟ قال« :ا�شتره يا عمار» ،فقال عمار :بكم العقد يا �أعرابي؟ قال:
ب�شبعة من الخبز واللحم ،وبردة يمانیة �أ�ستر بها عورتي واُ�صلي بها لربي،
ودينار يبلغنى �أهلي ...
وكان عمار قد باع �س��همه الذي نفله ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله)
من خیبر ولم يبق معه �شيء ،فقال :لك ع�شرون ديناراً ومئتا درهم هجرية
‹ › 43
وبردة يمانیة وراحلتي تبلغك �أهلك ،و�شبعة من خبز البر واللحم .
فق��ال الأعراب��ي :ما �أ�س��خاك بالمال يا رج��ل! وانطلق ب��ه عمار فوفاه
ف�أ�ض��من له ،وعاد الأعرابي �إلى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آله) فقال له
ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله)�« :أ�شبعت واكت�سیت؟» قال الأعرابي:
نعم ،وا�ستغنیت ب�أبي �أنت و�أمي.
ق��ال« :ف�أجز فاطمة ب�صنیعها» فقال الأعراب��ي :اللهم �إنك �إله ما
ا�ستحدثناك ،وال �إله لنا نعبده �سواك ،و�أنت رازقنا على كلّ الجهات ،اللهم
�أعط فاطمة ما ال عین ر�أت وال اُذن �س��معت .ف�أقبل النبي على �أ�ص��حابه،
فقال�« :إن اهلل قد �أعطى فاطمة في الدنیا ذلك� ،أنا �أبوها وال �أحد
م��ن العالمی��ن مثل��ي ،وعليٌ بعلها ول��وال علي؛ لم��ا كان لفاطمة كف�ؤ
�أب��داً ،و�أعطاها الح�سن والح�سین وما للعالمین مثلهما �سیدا �شباب
�أهل الجنة».
فعمد عمار �إلى العقد فطیبه بالم�س��ك ،ولفه ف��ي بردة يمانیة ،وكان له
عبد ا�سمه (�س��هم) ابتاعه من ذلك ال�سهم الذي �أ�صابه بخیبر ،فدفع العقد
�إل��ى المملوك وقال له :خذ هذا العقد وادفعه لر�س��ول اهلل و�أنت له ،ف�أخذ
الممل��وك العق��د ف�أتى به ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آل��ه) ف�أخبره بقول
عم��ار ،فقال النبي (�ص��لى اهلل علیه و�آله) « :انطلق �إل��ى فاطمة فادفع
�إلیها العقد و�أنت لها» ،فجاء المملوك بالعقد و�أخبرها بقول ر�سول اهلل
(�صلى اهلل علیه و�آله).
ف�أخ��ذت فاطمة (علیها ال�س�لام) العق��د و�أعتقت المملوك ف�ض��حك
‹ › 44
الغ�لام ،فقالت« :ما ي�ضحكك يا غالم؟» ،قال� :أ�ض��حكنى عظم بركة
هذه العقد� ،أ�شبع جائعاً وك�سى عرياناً و�أغنى فقیراً و�أعتق عبداً ورجع �إلى
�صاحبه(((.
‹ › 45
ب��كل رحم��ة ،بكل عاطفة ،ب��كل محبة ،وم��ن واقعٍ �إيمان��يٍ قائمٍ على
الخوف من اهلل وعلى ابتغاء مر�ض��اته وعلى ال�سعي للح�صول على رحمته
يقدم��ون طعامهم وهم في �أ�ش��د الحاج��ة �إليه ،وي�ص��برون على جوعهم،
وي�ؤثرون �أولئك ذوي الحاجة والفقر وال�شدة ،الم�سكين واليتيم والأ�سير
على �أنف�سهم ،هكذا يبرزون ويقدمون ِقيَم الإ�سالم ب�أرقى �صورة ،وب�أجمل
�ص��ورة ،وب�إخال�ص خلّده القر�آن الكريم ليكون در�سً ��ا بليغًا لكل الأجيال
على مر الزمان.
‹ › 46
بع�ض ما ورد في �أهل البيت (عليهم ال�سالم) من �آيات
القر�آن الكريم
� -1آي��ة التطهير قول اهلل �س��بحانه وتعال��ى�} :إِ َّنمَ��ا يُرِ ي��دُ ا ُ
هلل ِليُذْ هِ بَ
���س �أهْ لَ ا ْل َبيْ��تِ َويُطَ هِّرَ كُ مْ تَطْ هِيرً ا{[األحزاب ]33:فقد
عَ نكُمُ الرِّ جْ َ َ
جمع ر�س��ول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) عليًّا وفاطمة والح�سن
والح�سين تحت ثوب وقال :اللهم ه�ؤالء �أهل بيتي وخا�صتي ف�أذهب
(((
عنهم الرج�س وطهرهم تطهيرًا.
� -2آية المودة قول اهلل �سبحانه وتعالى} :قُ ل اَّل �أَ�سْ �أَ ُلكُمْ عَ َليْهِ �أَجْ رً ا �إ اَِّل
ا ْل َم َو َّد َة فِي ا ْلقُرْ بَى{ [الش��ورى ]23:لما نزلت هذه الآية قالوا يا ر�س��ول
اهلل من قرابتك ه���ؤالء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي وفاطمة
(((
و�أبنا�ؤهما.
��ك فِيهِ مِن َبعْدِ � -3آي��ة المباهلة قول اهلل �س��بحانه وتعالىَ } :فمَنْ َح�آجَّ َ
مَا جَ ��اءَ َك مِنَ ا ْل ِعلْمِ َفقُلْ َتعَا َل ْو ْا نَدْ ُع َ�أ ْبنَاءَ نَا َو�أَ ْبنَاءَ كُ مْ َونِ�سَ اءَ نَا
هلل عَ لَىَونِ�سَ اءَ كُ ��مْ َو�أَنفُ�سَ نَا و�أَنفُ�سَ كُمْ ثُمَّ َن ْب َتهِ��لْ َفنَجْ عَل َّل ْعنَةَ ا ِ
ا ْلكَا ِذبِينَ {[آل عمران.]61:
�أجمع المف�س��رون على �أن النبي (�ص��لوات اهلل علي��ه وعلى �آله) عندما
�أراد مباهلة ن�ص��ارى نجران دعا عليًّا وفاطمة والح�سن والح�سين (عليهم
‹ › 47
ال�س�لام) للمباهلة ،وذكروا ب�أن المراد بن�س��ائنا :فاطمة ،و�أبنائنا :الح�سن
(((
والح�سين ،و�أنف�سنا :الإمام علي (عليه ال�سالم).
الك�شاف� ،سورة �آل عمران ،الآية .61وكذا جاء في تف�سير((( من �أولئك الزمخ�شري ،تف�سير َّ
النبي ّ
الثعالبي عن مجاهد والكلبي :و ُيطلق لفظ �أ�صحاب الك�ساء على الذين اجتمعوا مع ِّ
علي
(�ص���لى اهلل عليه وعلى �آله و�س���لم) تحت ك�س���ائه ونزل���ت فيهم �آية التطهي���ر ،وهمٌّ :
وفاطمة والح�س���ن والح�سين .وتف�س���ير الرازي .247/3وم�سلم ،كتاب ف�ضائل ال�صحابة،
باب ف�ضائل علي بن �أبي طالب .والترمذي .638/5وم�سند �أحمد .185/1وغيرهم.
((( م�س���ند الإمام زيد ،و�أح���كام الإمام الهادي ،و�أمالي �أبي طال���ب ،ورواه البخاري في باب
مناقب قرابة الر�سول ج � 4ص 281دار الحديث القاهرة.
((( م�س���ند الإمام زيد ،و�أحكام الإمام الهادي ،و�أمالي �أبي طالب ،ورواه م�س���لم في ف�ض���ائل
ال�صحابة باب ف�ضائل فاطمة.
((( رواه الحاكم في الم�ستدرك على ال�صحيحين كتاب مناقب ال�صحابة �ص 154وقال عنه
حديث �صحيح الإ�سناد ولم يخرجاه.
‹ › 48
-4عن حذيفة قال�« :أتيت النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
ف�صلي��ت مع��ه المغ��رب ف�صل��ى حت��ى �صل��ى الع�شاء ،ث��م انفتل
فتبعته ف�سمع �صوتي فقال :من هذا؟ حذيفة قلت :نعم قال:
م��ا حاجت��ك غفر اهلل ل��ك ولأمك؟ ثم ق��ال� :إن ه��ذا ملك لم
ين��زل الأر�ض قط قب��ل هذه الليلة ا�ست�أذن رب��ه �أن ي�سلِّم عليَّ
ويب�شرن��ي ب���أن فاطمة �سي��دة ن�ساء �أه��ل الجن��ة ،و�أن الح�سن
والح�سين �سيدا �شباب �أهل الجنة»(((.
-6وع��ن �أن���س ق��ال :قال ر�س��ول اهلل« :ح�سبك م��ن ن�س��اء العالمين
ب�أربع :مريم بنت عمران ،و�آ�سية بنت مزاحم ،وخديجة بنت
خويلد ،وفاطمة بنت محمدٍ ح�سبك بهنَّ من ن�ساء العالمين».
- 7كان ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) �إذا �سافر جعل �آخر
(((
عهده فاطمة و�أول من يدخل عليه �إذا قدم فاطمة.
- 8ق��ال ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) لعل��ي وفاطمة
والح�سنين�« :أنا �سلم لمن �سالمكم وحرب لمن حاربكم»((( .
((( �أورده الترمذي في �سننه كتاب المناقب .وج���اء ف���ي الم�س���تدرك ج ���� 2ص 294
ب�س���نده عن عائ�ش���ة قالت لفاطمة� :أال �أب�ش���رك؟ �إني �سمعت ر�س���ول اهلل (�صلى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) يق���ول�« :سي��دات ن�ساء �أه��ل الجنة �أرب��ع :مريم بنت عم��ران ،وفاطمة
بنت محمد ،وخديجة بنت خويلد ،و�آ�سية بنت مزاحم» .وقال عنه الحاكم الني�سابوري
حديث �ص���حيح الإ�سناد ولم يخرجاه « يق�صد بخاري وم�سلم» .وجاء في كنز العمال ج
� 7ص � 111أن فاطمة �س���يدة ن�س���اء �أهل الجنة .وذكر محيي الدين الطبري حديث �أف�ضل
�أربع ن�ساء ف�ضلهن اهلل في ذخائر العقبى �ص 44و�أ�ضاف و�أف�ضلهن فاطمة.
((( ورد في م�سند �أحمد بن حنبل ج � 5ص .275
وذكر ذلك الحاكم في الم�ستدرك ج � 1ص 489ورواه البيهقي في �سننه.
((( رواه �أحمد بن حنبل في م�س���نده ج � 2ص ،442والحاكم في الم�س���تدرك �ص ،149وابن
الأثير في �أ�سد الغابة ج � 3ص 11وج � 5ص .523
‹ › 49
�إنها نموذج المر�أة الم�ؤمنة �إذ هي �س��يدة ن�ساء هذه الأمة ,وهي نموذج
المر�أة العالمية �إذ هي �سيدة ن�ساء العالمين ,وهي نموذج المر�أة التي تبتغي
طريق الجنة �إذ هي �س��يدة ن�س��اء �أهل الجنة ,فن�س��اء ه��ذه الأمة يجدن في
الزه��راء نموذجه��ن القر�آن��ي الذي ينبغي الت�أ�س��ي به ف��ي جميع مجاالت
تحركها ,وهناك من المفاهيم والق�ض��ايا والمبادئ الإن�س��انية والفطرية ما
يجعل المر�أة العالمية تجد �ضالتها المن�شودة في نموذج الزهراء �سالم اهلل
عليها ,وهناك فيها �س�لام اهلل عليها من الموا�ص��فات الإيمانية ما تجد فيها
المر�أة الم�ؤمنة التي تبتغي الجنة طريقاً �إليها.
�إنها نموذج الحرية والكرامة والعلم والعدل والإن�ص��اف والتوا�ضع,
والإن�س��انية والإيثار والتف�ض��ل وقوة الموقف ,واعت��داد المر�أة بكرامتها
الآدمية وح�سن التربية بما يغني �أي امر�أة -اليوم -عن االتجاه �إلى نموذج
�آخر وهي تتوق �إلى جميل المبادئ وروعة العفاف وقوي المواقف(((.
مكانتها العلمية
عندما تن�ش���أ الزهراء ف��ي بيت النبوة ,البيت الذي كان��ت �آيات القر�آن
الكريم تتنزل فيه ,وفي الوقت نف�س��ه كانت تحظى بعناية خا�ص��ة و�إعداد
فريد من قبل �أبيها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فمن الطبيعي
�أن تن�ش���أ فاطم��ة الزهراء على م�س��توى عالٍ ومتميز في العل��م والمعرفة,
�أ�ض��ف �إلى ذلك �أنها �سيدة ن�س��اء العالمين ,ون�ساء هذه الأمة ,ون�ساء �أهل
الجنة ,وهذا بالت�أكيد لي�س عبارة عن و�س��ام منحها �أبوها ر�سول اهلل (�صلى
((( الأ�ستاذ حمود الأهنومي.
‹ › 50
اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) هكذا لأنها ابنته بل لأنها جديرة بهذا الو�س��ام
و�أهلٌ له بفطرتها ولما تحمله من م�ؤهالت �إيمانية وخلقية ومعرفية.
ون�س��تطيع القول ب�أن الأم��ة وبالذات المر�أة خ�س��رت الكثير والكثير
م��ن علمها ومعرفتها نتيجة لإق�ص��ائها عن �أن تكون هي القدوة والأ�س��وة
والرم��ز والمثل للم��ر�أة الم�ؤمنة كم��ا �أراد ذلك اهلل ور�س��وله ,وتم ترميز
�أخريات ممن كانوا ي�س��يرون في فلك ال�س��لطة الحاكم��ة وتقديمهن بد ًال
عنها ,فال�ش��يء المعروف تاريخياً ب�أن ال�س��يدة الزهراء تعر�ضت للإق�صاء
والتغييب كما �أق�ص��ي وغيب زوجه��ا �أمير الم�ؤمنين علي (عليه ال�س�لام)
ب��ل و�ص��ل الحال في عهد بني �أمية �إلى �أن ي�ص��بح الحدي��ث عنهم جريمة
عقوبته��ا الإع��دام ,و�أن تختم خطب الجمعة بلعنه��م ,وهم من �أذهب اهلل
عنهم الرج�س وطهرهم تطهيراً ,ومن �أو�ص��ى الر�سول �أمته بالتم�سك بهم
مع القر�آن الكريم .ومع هذا ف�إن ما روي عن م�شاركاتها العلمية ورواياتها
وفقهها وخطبها واحتجاجاتها ي�شير �إلى علمها الوا�سع وح�صافتها الفائقة
رغ��م معاجلة الموت لها بع��د وفاة �أبيها ,و�إذ لم يتح له��ا �أبداً �أن تقدم من
المعرفة والعلم ما كان يمكن �أن تقدمه ,غير �أن م�شاركاتها و�أراءها في �أهم
الق�ضايا العلمية وال�سيا�سية واالجتماعية في تلك المدة الق�صيرة بُعيد وفاة
النب��ي بيَّن �أي امر�أة عالمة كان��ت الزهراء ,و�أي زوجة كان اهلل قد اختارها
وا�صطفاها لباب مدينة العلم ,و�أم لأعالم الهدى وم�صابيح الدجى.
وق��د مر ع��ن �أم �س��لمة قولها عن فاطم��ة عليها ال�س�لام :وكانت واهلل
�آدب مني و�أعرف بالأ�شياء كلها .وكقول عائ�شة� :إنها ما ر�أت مثلها ي�شبه
ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) في كالمه��ا وحديثها وفي
‹ › 51
�سمتها ,وهديها ,وال �ش��ك ب�أن الم�شابهة للر�سول في الحديث وال�سمت
واله��دي ال بد �أن يكون له عالقة بالجانب المعرفي ك�أف�ض��ل امر�أة ت�ش��به
الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في الناحية العلمية.
عاجلت المنية الزهراء قبل �أن تزهر ثمار علمها وتونق �أ�شجار معارفها
فغادرت الحياة بعد �أ�ش��هر من وفاة �أبيها �إال �أن الأ�شهر القليلة التي ق�ضتها
بع��د وفاة �أبيه��ا �أظهرت م��ا كان لديها من مع��ارف وعلوم ب�ش��كل �أثبت
فرادتها وجدارتها و�س��يادتها على العالمي��ن تلم�س ذلك في خطبتيها التي
�سنوردهما الحقاً(((.
‹ › 52
لقد كانت تت�ض��رّع لربّها من �أجل الآخري��ن ،وتحاول �أن تطلب الخير
للم�ؤمني��ن والم�ؤمن��ات ،قبل �أن تطلبه لنف�س��ها .يقول الإمام الح�س��ن بن
علي (عليه ال�س�لام) «ر�أيتُ �أُمّي فاطمة ف��ي محرابها ليلةً ،فلم تزل
راكعةً �ساجد ًة حتّ��ى اتّ�ضح عمو َد ال�صبح و�سمعتُها تدعو للم�ؤمنينَ
والم�ؤمن��اتِ وتُ�سمِّيه��م وتكث��رُ من الدع��اءِ لهم ،وال تدع��و لنف�سِ ها
ب�شيءٍ ،فقلت لها :يا �أُمّاه لِمَ ال تَدعينَ لنف�سِ ك كما تَدعين لغيرِ ك؟
فقالت :يا ُبنَيَّ الجا ُر ثمّ الدار»ً (((.
وع��ن �أمير الم�ؤمني��ن علي (عليه ال�س�لام) قال :قلت لفاطم��ة� :إنه قد
�أجهدك الطحين ،فلو �أتيت ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم)
فت�س���أليه خادماً ،ف�أتته (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فذكرت له ذلك،
فقال:
«�أُعَ لِّمُ ُكمَ��ا م��ا ه��و خير لكما من ذل��ك� ،إذا �آويتما �إل��ى فرا�شكما
ف�سَ بِّحا اهلل ثالث ًا وثالثين ،واحمداه ثالث ًا وثالثين ،وكبراه �أربع ًا
وثالثي��ن ،فتلك مائ��ة على الل�سان ،و�ألف في المي��زان » .قال علي
ك��رم اهلل وجهه :فما تركتها منذ �س��معتها من ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه
وعلى �آله و�سلم) .قال له رجل وال ليلة �صفين؟ قال :وال ليلة �صفين.
‹ › 53
وفاة �أبيها (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله)
بعد �أن �أكمل اهلل الدين و�أتم على النا�س النعمة ،وبعد �أن حدد الر�سول
(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) الم�سار ال�سيا�س��ي للأمة �إلى يوم الدين
بدءًا بالإمام علي (عليه ال�س�لام) في حديث الوالية ونزول قول اهلل تعالى:
ِ�س الَّذِ ينَ َكفَرُ و ْا مِن دِي ِنكُمْ َف َال تَخْ �شَ وْهُ مْ وَاخْ �شَ وْنِ ا ْل َي ْو َم }ا ْليَ�� ْو َم َيئ َ
�أَ ْك َملْ��تُ َلكُ��مْ دِي َنكُ��مْ َو�أَ ْت َممْ��تُ عَ َل ْيكُمْ ِن ْع َمتِ��ي َور َِ�ضيتُ َلكُ��مُ الإِ�سْ َال َم
دِينًا{ [المائدة ]3:وبعد �أن دل الأمة على ما يمثل �صمام �أمان لها في حديث
الثقلين المعروف بين الأمة عندما قال�« :أال �أدلكم على ما �إن تم�سكتم
ب��ه ل��ن ت�ضل��وا من بع��دي �أب��دً ا كت��اب اهلل وعترت��ي �أه��ل بيتي �إن
اللطي��ف الخبير نب�أني �أنهما لن يفترق��ا حتى يردا على الحو�ض»
وبعد تو�ص��يات كثيرة ت�ض��من للأم��ة �إن هي عملت بها �أالَّ تكون �ض��حية
لأي ت�ض��ليل وبعد �أن جهز جي�شً ��ا بقيادة �أ�س��امة بن زيد لموا�ص��لة م�سيرة
الجهاد في �س��بيل اهلل ومواجه��ة الطواغيت والم�س��تكبرين ،بعد هذا كله
�شعر ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بدنو �أجله وقال لأهل بيته
ولأ�ص��حابهُ « :ن ِعيَت �إليَّ نف�سي» ،وعرف اقت��راب �أجله ،فدخل منزله،
ودعا فاطمة عليها ال�س�لام فو�ضع ر�أ�س��ه في حجرها �ساعة ،ثم رفع ر�أ�سه
وقال« :يا فاطمة ،يا بنية� ،أ�شعرت �أن نف�سي قد نعيت �إليَّ » ،فبكت
فاطم��ة عن��د ذلك حتى قطرت دموعها على خد ر�س��ول اهلل ،فرفع ر�أ�س��ه
ونظ��ر �إليها ،فقال�« :أما �إنك��م الم�ست�ضعفون المقه��ورون بعدي ،فال
تبكين يا بنية ،ف�إني قد �س�ألت ربي �أن يجعلك �أول من يلحق بي من
‹ › 54
�أهل��ي ،و�أن يجعلك �سي��دة ن�ساء �أمتي ،ومعي في الجنة ،ف�أُجِ بْت �إلى
ذلك» ،فتب�س��مت فاطمة عند ذلك ،ون�س��اء النبي ينظرنَ �إليها حين بكت
وتب�سمت ،فقال بع�ض��هن :ما �ش�أنك يا فاطمة ،تبكين مرة وتبت�سمين مرة؟
فقال ر�سول اهلل« :دعن ابنتي»(((.
الو�ص َّية الأخيرة
وفي �آخر �س��اعاته خاطب ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)
مَنْ ح�ض��ر عنده من �أ�ص��حابه بقول��ه« :ائتوني ب��دواة و َكتِ��ف ،لأكتُبَ
َلكُ��م كتابً��ا ال ت�ضلُّوا بعدَ ُه �أبَدً ا» وكان ف��ي البيت رجال فيهم عمر بن
الخطاب ،فقال عمر� :إ َّن الرجل ليهجر ،وقد غلبه الوجع وعندكم القر�آن،
ح�سبنا كتاب اهلل.
فاختلفوا وكثر اللغط واخت�ص��موا ،فمنهم م��ن يقول قربوا يكتب لكم
ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ،ومنهم يقول ما قاله عمر،
فلما �أكثروا اللغط واالختالف ،وغم ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله
و�سلم) وقال :قوموا عني وال ينبغي عندي التنازع.
وكان ابن عبا�س يعبر عن �أ�ساه لما حدث بقوله« :الرزيَّة كل الرزيَّة
ما حال بيننا وبين كتاب ر�سول اهلل» في رواية البخاري وم�س��لم :ثم
بكى ابن عبا�س حتى بل دمعه الح�صى.
ولما ر�أت فاطمة �أباها قد ثقل ،دعت الح�س��ن والح�سين ،فجل�سا معها
�إلى ر�س��ول اهلل ،وو�ضعت خدَّها على خد ر�سول اهلل ،وجعلت تبكي حتى
�أخ�ض��لت لحيته ووجهه بدموعها ،ف�أفاق ،وقد كان �أغميَ عليه ،فقال لها:
((( محمد بن �سليمان الكوفي في المناقب.
‹ › 55
«ي��ا بنية لق��د �شققت عل��ى �أبيك» ،ثم نظر �إلى الح�س��ن والح�س��ين
فا�س��تعبر بالبكاء ،وقال (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) « :اللهم �إني
�أ�ستودعكهم و�صالح الم�ؤمني��ن ،اللهم �إن ه�ؤالء ذريتي �أ�ستودعكهم
و�صالح الم�ؤمنين» ،ثم �أعاد الثالثة ،وو�ضع ر�أ�سه.
فقالت فاطمة :واكرباه لكربك يا �أبتاه.
فقال لهـا« :ال كرب على �أبيك بعد اليوم».
وفي رواية� :أن فاطمة عليها ال�س�لام جاءت بالح�سن والح�سين وقالت
لهما :ادنوا من جدكما ف�سلما عليه.
فدن��وا منه وق��اال :يا جداه ،ثالثًا ،ثم بكيا وقال له الح�س��ن� :أال تكلمنا
كلم��ة وتنظر �إلين��ا نظرة؟ فبكى عليٌ والف�ض��ل وجميع من ف��ي البيت من
الن�ساء ،وارتفعت �أ�صواتهم بالبكاء ففتح ر�سول اهلل عينيه وقال« :ما هذا
ال�صوت؟»؟
فقالت فاطمة :يا ر�س��ول اهلل ،هذان ابناك الح�س��ن والح�سين ،كلماك
فلم تجبهما ،فبكيا وبكى من في البيت لبكائهما.
فقال ر�س��ول اهلل« :ادنوَا مني» ،فدنا منه الح�س��ن ف�ض��مه �إليه وقبله
ودنا الح�س��ين من��ه ،ففعل به مثل ذل��ك ،فبكيا ورفعا �أ�ص��واتهما بالبكاء،
فزجرهما علي وقال :ال ترفعا �أ�صواتكما.
فق��ال ل��ه ر�س��ول اهلل« :مـ��ه ي��ا عل��ي ،»...ثم ق��ال« :الله��م �إني
�أ�ستودعكهما وجميع الم�ؤمنين من �أمتي» وغم�ض عينيه فلم يدع عليٌّ
�أحدًا يدنو منه.
‹ › 56
فقب�ض��ه اهلل �إلي��ه يوم االثنين من �ش��هر ربيع الأول �س��نة �إحدى ع�ش��رة
(((
للهجرة.
‹ › 57
موقف الزَّهراء (عليها ال�س�لام) هذا من وق��د روى لنا �أح ُد الم�ؤرِّخين َ
خالل حديثها مع الأن�ص��ار فق��ال( :وخرج عليٌّ (ك��رَّم اهلل وجهه) يحمل
ال في
فاطمة بنت ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل علي��ه وعلى �آله) عل��ى دابَّة لي ً
مجال�س الأن�ص��ار ،ت�س�ألهم النُّ�ص��رة ،فكانوا يقولون :خ�شينا الفتنة يا بنت
ر�سول اهلل! فقالت لهم الزهراء�} :أَال فِي ا ْل ِف ْتنَةِ �سَ قَطُ وا{ [التوبة ]49 :هذه
هي الفتنة.
والبع���ض قال :يا بنت ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعل��ى �آله)! قد
��ت بيعتُنا لهذا الرَّجل ،ولَ ْو �أ َّن زوجَ ِك وابن َعم ِِّك �سَ ��بَقَ �إلَيْناَ ،قبْلَ �أبي
مَ�ضَ ْ
بكر ،ما َع َدلْنا عنه.
وحاول الإمام علي -عليه ال�سالم -بكل جهوده تذكير الأمة بخطورة
ما يجري وعواقبه الوخيمة على م�س��تقبل الأمة وكذلك ال�س��يدة فاطمة -
�سالم اهلل عليها -التي لخ�صت كيف �سيكون م�ستقبل الأمة بقولها�« :أال
ف��ي الفتنة �سقطوا» �إال �أن الم�ؤام��رة كانت �أكبر من كل تلك الجهود.
المعار�ض هذا مدَّة حياتها.
ُ موقف فاطم َة (عليها ال�سالم)
ُ وا�ستم َّر
‹ › 59
ال�شارب(((وقب�سة العجالن((( وموط�أ الأقدام ،ت�شربون الطرق((( وتقتاتون
القد ((( �أذلة خا�س��ئين ،يتخطفكم النا�س من حولكم ،حتى �أنقذكم اهلل عز
وجل بر�س��وله �ص��لى اهلل عليه و�آله بعد اللتيا والتي ((( وبعد �أن مني ب�سهم
الرج��ال ((( وذ�ؤب��ان الع��رب ((( ومردة �أهل النف��اق ((( }كُ لَّمَ��ا �أَوْقَ دُ وا
نَارًا ِللْحَ رْ بِ �أَطْ َف�أَهَ ا اللهَّ ُ{ [المائدة ]64:ونجم قرن لل�ش��يطان ((( �أو فغرت
للم�شركين فاغرة ( ((1قذف �أخاه في لهواتها ،فال ينكفئ حتى يط�أ �صماخها
ب�أخم�ص��ه ( ((1ويخمد لهبهتا بحده ,مكدوداً ف��ي ذات اهلل ( ((1و�أنتم في
رفاهية فكهون �آمنون وادعون) (.((1
‹ › 60
(حتى �إذا اختار اهلل لنبيه دار �أنبيائه ظهرت ح�س��يكة النفاق ((( و�س��مل
جلب��اب الدين ((( ونطق كاظم الغاوي��ن ((( ونبغ خامل الآفكين ((( وهدر
فنيق المبطلين ،فخطر في عر�ص��اتكم ((( و�أطلع ال�ش��يطان ر�أ�س��ه �صارخا
بك��م ،فدعاك��م ف�ألفاكم لدعوت��ه م�س��تجيبين ،وللغ��رة ((( مالحظين ،ثم
(((
ا�ستنه�ض��كم فوجدكم خفافا ،و�أحم�ش��كم ((( ف�ألفاكم غ�ضبا فو�سمتم
(((
غير �إبلكم ،ووردتم غير �ش��ربكم ،ه��ذا والعهد قريب والكلم رحيب
والج��رح لما يندمل (� ((1إنما زعمتم ذلك خ��وف الفتنة }�أَ َ
ال فِي ا ْل ِف ْتنَةِ
�سَ قَطُ وا َو�إِنَّ جَ َهنَّمَ لَمُ حِ يطَ ةٌ بِا ْلكَافِرِ ينَ { [التوبة ]49:فهيهات منكم و�أنى
بكم و�أنى ت�ؤفكون ( ((1وكتاب اهلل بين �أظهركم ،زواجره بينة ،و�شواهده
ْ�س الئحة ،و�أوامره وا�ض��حة� ،أرغبة عنه تري��دون� ،أم بغيره تحكمون } ِبئ َ
لِلظَّ ا ِلمِي��نَ بَدَ الً{ [الكهفَ } ]50:ومَنْ َي ْب َت ِغ غَ يْرَ الآ�سْ َال ِم دِينًا َفلَنْ ُي ْقبَلَ
((( الح�سيكة والح�سكة والح�ساكة :الحقد والعداوة وقد وردت الرواية باللفظتين الأوليين.
((( �سمل� :أخلق ،والجلباب الملحفة والجمع جالبيب.
((( كاظم -هنا -فاعل الكظوم وهو ال�سكوت.
((( نبغ ال�شيء :ظهر ،والخامل :ال�ساقط الذي ال نباهة له.
((( هدر البعير :ردد �ص���وته في حنجرته ،والفنيق :الفحل من الإبل ،وخطر :اهتز في م�ش���يه
تبخترا وهي هنا مجازية ،والعر�ص���ة -بوزن �ض���ربة -كل بقعة بين الدور وا�سعة لي�س بها
بناء والجمع عرا�ص -بك�سر العين -وعر�صات.
((( تروى ب�إعجام الأول و�إهمال الثاني كما تروى بالعك�س ومعنى الأولى الغفلة والمراد طلبها
ومعنى الثانية الحمية والأنفة.
((( �أحم�شكم -هنا هيجكم.
((( الو�سم :الكي ،وهو عالمة كانت العرب ت�ستعملها للإبل.
((( الكلم :الجرح ،والرحيب :الوا�سع.
( ((1اندمل الجرح و�أدمل :تماثل وتراجع �إلى ال�شفاء.
( ((1هيهات -بتثليث الآخر -ا�س���م فعل بمعنى بعد ،و�أنى :ظرف مكان بمعنى �أين .والإفك:
الكذب.
‹ › 61
ِمنْ��هُ وَهُ َو فِي الآخِ ��رَ ِة مِنَ الْخَ ا�سِ رِ ينَ {[آل عمران ]85:ثم لم تلبثوا �إال ريث
�أن ت�س��كن نفرتها ت�سرون ح�س��وا في ارتغاء (((ون�صبر منكم على مثل حز
الم��دى ((( و�أنتم الآن تزعم��ون �أال �إرث لنا }�أَفَحُ كْ��مَ الْجَ اهِ ِليَّةِ َي ْبغُونَ
َومَنْ �أ َْح�سَ نُ مِنَ اللهَّ ِ ُح ْكمًا ِل َقوْمٍ يُوقِ نُونَ { [المائدة.]50:
ي��ا ابن �أبي قحافة �أترث �أب��اك وال �أرث �أبي } َلقَدْ جِ ئْ��تِ �شَ ْيئًا فَرِ يًّا{
[مري��م ]27:فدونكه��ا مخطومة مرحولة ((( تلقاك يوم ح�ش��رك ،فنعم الحكم
اهلل ،والزعي��م محمد ،والموعد القيامة ،وعند ال�س��اعة يخ�س��ر المبطلون
}لِ��كُلِّ َن َب ٍ�إ مُ�سْ َتقَ��رٌّ وَ�سَ و َْف َت ْعلَمُ ونَ { [األنعام ]67:ث��م انكف�أت �إلى قبر �أبيها
فقالت:
(((
لو كنت �شاهدها لم تكثر الخطب قد كان بعدك �أنباء وهنبثـــــة
(((
واختل قومك فا�شهدهم وال تغب �إنا فقدناك فقد الأر�ض وابلها
‹ › 62
ما �أخبرها به ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) م��ن �أنها �أول
الالحقي��ن به ،وكلم��ا ر�أت االنحرافات ازداد كمدها وحزنها وا�ش��تدت
بها العلة ,وعند زيارة ن�ساء المهاجرين والأن�صار لها ر�أت الفر�صة �سانحة
لتو�ضيح خطورة ما �أقدم عليه القوم ,وتو�ضيح موقفها الراف�ض والم�ستنكر
لما جرى.
قال �سُ َويْ ُد بن غفلة :لما مر�ضت �سیدتنا فاطمة (عليها ال�سالم) ال َمرْ�ضة
التي توفِّیت فیها؛ اجتمعت �إلیها ن�ساء المهاجرين والأن�صار لیَعِدْ نَها ،فقلن
لها :يا بنت ر�س��ول اهلل كیف �أ�ص��بحت من علتك؟ فحمدت اهلل و�ص��لت
هلل
َحت وا ِ عل��ى �أبیها (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ثم قالت�« :أ�ص��ب ُ
عا ِئفَ�� ًة((( .لدنیاكم ،قالِیة((( .لرجالك��م ،لَفَظْ تُهُم((( .بَع َد �أنْ عَجَ مْتهُمْ (((.
(((
ّعب بَع َد الجِ ِّد
و�شَ ��نَ�أْتُهُمْ ((( .بَ ْع َد �أن �سَ ��بَ ْرتُهُمْ ((( َفقُبحً ا لفُلولِ الح ِّد وال َل ِ
ِئ�س ماال�صفا ِة((( ،وخَ ْو ِر القَنا ِة((( .وخَ طَ لِ ال َّر� ِأي( ((1و َزلَلِ الأهوا ِء وب َ و َقرْعِ َّ
((( �أي كارهة.
((( مبغ�ضة.
((( لفظت ال�شيء من فمى� :أي رمیته وطرحته.
((( ج َّربتهم.
((( �أبغ�ضتهم.
((( اختبر ُت ُهم.
((( ال َّلع���ب بعد الج���دِّ � :أي �أخذتم دينكم باللع���ب والباطل بعد �أن كنت���م مجدِّ ين فیه �آخذين
َّ
بالحجة.
َّ
مقرعا لخ�ص���امكم حتَّى
((( وقرع ال�ص���فاة ،ال�ص���فاة :الحجر الأمل�س �أي جعلتم �أنف�س���كم ً
قرعوا �صفاتكم � ً
أي�ضا.
((( الخور -بالفتح وبالتحريك :-ال�ضعف .والقناة :ال ُّرمح.
( ((1المنطق الفا�سد الم�ضطرب.
‹ › 63
العذاب هُم خالدون .ال جَ َر َم ِ َق َّدم َْت لهم �أنفُ�سُ هم �أنْ �سَ خِ طَ اهللُ َع َل ْیهِم وفي
واهلل لَقَدْ َق َّل َدتْهُم ِربْقَتها(((( .وَحَ َّم َل ْتهُم �أَ ْو َقتَها)((( .و�شَ ْنن َْت َع َل ْیهِم غارتها،
فجَ دعًا وعَقرًا و�سُ حْ قًا للقوم الظالمینَ .ويْحَ هُم �أنَّى زَحْ زَحوها عن رَوا�سي
الرِّ�س��الةِ ،وقواعِ دِ النب َّو ِة والدّاللَ ِة ومَهبِطِ الوحيِ الأمین ،والطّبین((( .ب�أم ِر
ال ُدّنیا والدِّين� ،أال ذلك هو الخ�سران المبین ،وما نَقَموا من �أبي الح�سن؟!
هلل مِن نَكی ِر �س��ی ِفهِ ،و ِق َّل ِة مُباالتِه بِحَ ْت ِف ِه و�شِ َّد ِة وَط�أ ِت ِه ونَكالِ َوقْعته
نَقَموا وا ِ
هلل لو تَكا ُفّوا عَن زَمانٍ نَبَ َذ ُه ر�س��ولُ اهلل هلل ع�� َّز وَجَ َّل .وا ِ ذات ا ِوتَنَ ُمّ�� ِر ِه في ِ
(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) لأ ْعتَ َل َق ُه ولَ�س��ا ِر بِهم �سَ �� ْیرًا �سُ جُ حً ا(((.
وت��اهلل لو مالوا عن المحج��ة الالئحة ،وزالوا عن قبول الحجة الوا�ض��حة
لردَّهم ،وحملهم علیها وال يُكْ َل ُم خِ �شا�شُ ��ه((( (وال يكلُّ �سائره) وال يُتَ ْعتَ ُع
ال نمیرًا ف َْ�ضفا�ضً ��ا((( .تَطْ فَحُ ِ�ضفَّتاه وال يَتَ َرنَّقُ جانِبا ُه راكبُهُ ،ولأوردهم َم ْن َه ً
ولأ�صَ �� َد َرهُم بِطانًا ون�صح لهم �سرًّا و�إعالنًا قد تحیَّر بهم الرّيّ ،وحلي منه
بخی��ر غیر متحلٍّ منه بطائل [ قال الجوه��ريُّ :قولهم :لم يحلَّ منها بطائل
((( ربقتها :ال ِّربقة في الأ�ص���ل :عروة في حبل تجعل في عنق البهیمة �أو يدها تم�سكها ،ويقال
للحب���ل الذي تكون فیه ال ِّربقة :ربق ،وتجمع على ربق ورباق و�أرباق ،وال�ض���میر في ربقتها
راج���ع �إل���ى الخالفة المدلول علیها بالمق���ام� ،أو �إلى فدك� ،أو حق���وق �أهل البیت (علیهم
ال�سالم) �أي جعلت �إثمها الزمة لرقابهم كالقالئد.
((( �أي حملته الم�شقة والمكروه.
((( الفطن الحاذق.
((( ال ِّلین ال�سهل.
((( ما يجعل في �أنف البعیر من خ�شب وي�ش ُّد به الزمام لیكون �أ�سرع النقیاده.
((( الوا�سع.
‹ › 64
�أي :لم ي�ستفد منها كثیر فائدة .والتحلي :التزيُّن ،والطائل :الغنى والمزيَّة
وال�س��عة والف�ض��ل]( .وال يحظى م��ن الدنیا بنائ��ل)(((� .إالَّ ِب َغمْ�� ِر((( الما ِء
َو َردْعِ ه((( � .ش��ر ال�س��اغِ ب(((َ ( ،ولَبَانَ لَ ُه ُم الزَّاهِ ُد من الرَّاغِ ب وال�صَّ ��ادقُ
أر�ض� ،أال هلمَّن َكات مِنَ ال�س��ما ِء وال ِ ��ت علیهِم بَر ٌ ِب) (ولَ ُفتِحَ ْ مِ��نَ الكاذ ِ
فا�س��معن ،وما ع�ش��تنَّ �أراك��نَّ الده��ر عجبً��ا ،و�إنْ تَعْجَ ْب َفقَ��د �أعْجَ بَك
ِث لَی َْت �شِ ��عري �إلى �أيِّ �سِ نا ٍد ا�ستَنَدوا؟! وعلى �أيِّ عِ ما ٍد اعتَمَدوا؟! الحاد ُ
و ِب�أيَّ ِة ُعرْو ٍة تَمَ�سَّ ��كوا؟! وعلى �أيَّ ِة ُذ ِّريَّ ِة اَ ْقدَموا واحتنكوا)؟! لبئ�س المولى
ولبئ�س الع�ش��یر ،وبئ���س للظالمین بد ًال ا�س��تبدلوا الذُّناب��ى واهلل بالقودام
والعجز بالكاهلَ ،ف َر ْغمًا لمَعاطِ ِ�س قو ٍم يح�س��بون �أنَّهُم يُح�سِ نون �صُ ْنعًا� ،أال
�إنَّهم ُه ُم ال ُمفْ�سِ ��دون وَلكن ال يَ�شْ ��عُرونَ َ ،ويْحَ هُم أَ� َفمَ��نْ يَهدي �إلى الحقِّ
�أَحَ ُّق �أن يُتَّبَ َع َ�أ َمّنْ ال يَ ِهدِّي �إالَّ �أَنْ يُهدى فما لَكُ مْ َكی َْف تَحْ كُ مونَ ).
�أم��ا لَ َعمْري لقد لَقِحَ ْت َفنَظِ َر ٌة َريْثَما تُ ْنتِج ث َّم احْ تَلِبوا طِ العَ ال َقع ِْب َدمًا
ْ��رِف التالون غِ َّب عَبیطً ��ا ،وذُعافًا ُم ْم ِقرًا ،هُنال َِك يَخْ �سَ �� ُر ال ُمبْطِ لونَ ،ويَع ُ
��ن الأ َوّلونَ .ثم طیبوا عن �أنف�س��كم �أنف�سً ��ا و َط�أْمنوا ِل ْل ِف ْتنَ ِة جَ �أ�شً ا ثم ما �سَ َّ
اطمئنُّوا واطمئنُّواو�أبْ�ش��روا بِ�سَ ی ٍْف �ص��ا ِر ٍم وَ�سَ ��طْ َو ِة ُم ْعتَدٍ غا�شِ مٍ و َهرَجٍ
�ش��امِل وَا�س��تِبدا ٍد مِنَ الظالمی��نَ ،يَدَعُ َفیْئَكُ ��م زَهیدًا َو َز ْرعَكُ مْ حَ �ص��یدًا
((( النائل :العطیة.
((( التغ ُّمر :هو ُّ
ال�ش���رب دون ال ِّر ّي ،م�أخوذ من الغمر -ب�ض���م الغین المعجمة وفتح المیم:-
وهو القدح ال�صغیر.
((( الردع :الكف والدفع ،والردعة :الدفعة.
وال�سغب :الجوع.((( ّ
‹ › 65
فَیا ح�س��رتي لكم ،و�أَنَّى بِكُ مْ وقَدْ ُع ِّمی َْت علیك��م �أَنُلزِ مُكموها و�أَنْتُم لها
كارِهون»(((.
قال �س��ويد ب��ن غفل��ة :ف�أعادت الن�س��اء قوله��ا (عليها ال�س�لام) على
رجالهن فجاء �إلیها قوم من وجوه المهاجرين والأن�صار معتذرين ،وقالوا:
يا �سیِّدة الن�ساء لو كان �أبو الح�سن ذكر لنا هذا الأمر من قبل �أن نبرم العهد
ونحكم العقد لَمَا َعدَلنا �إلى غیره ،فقالت�« :إ َل ْیكُمْ عَ نِّي ! فَال عُ ذْ َر َبعْدَ
تَعذيرِ كُ م وال �أمْرَ َبعْدَ تَق�صیرِ كُ م» .
((( م�ص���ادر الخطبة :دالئل الإمامة للطبري ،وبالغات الن�س���اء لأبي الف�ضل بن �أبي طاهر،
وك�شف الغ َّمة للأربلي ،و�شرح نهج البالغة البن �أبي الحديد.
‹ › 66
فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) تلحق ب�أبيها
وف��ي خ�ض��م الأحداث المري��رة التي عاي�ش��ها �أمي��ر الم�ؤمني��ن (عليه
ال�س�لام) في هذه الفترة �ألمَّت بالزهراء �س��يدة ن�س��اء العالمي��ن العلة التي
توفي��ت على �أثرها فلحقت بالراح��ل العظيم �أبيها ،حيث كان الإمام (عليه
ال�سالم) طوال فترة المر�ض الذي عانت منه فاطمة (عليها ال�سالم) يعاي�ش
ما تعاني ملْ ء كِ يانه؛ فهي وديعة ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله)
وهي ال�ص��ابرة المحت�س��بة ،وهي بعد ذلك زوجته الوفية التي عاي�شت معه
�آماله و�آالمه طوال حياتها.
و�أو�ص��ت � -س�لام اهلل عليه��ا -قبيل وفاته��ا �أالَّ يح�ض��ر جنازتها وال
ال�ص�لاة عليه��ا �أب��و بكر وال عمر ،و�ش��ددت عل��ى الإمام علي ب���أن ينفِّذ
و�صيتَها؛ فخرج علي (عليه ال�سالم) مع عمار ومجموعة خا�صة من �أوليائه
ليدفنوها في الليل ويعملون عدة قبور ليعمُّوا حتى قبرها عنهم.
وفاطمة هي كما قال الر�س��ول (�ص��لوات اهلل عليه وعل��ى �آله)« :هي
�سي��دة ن�س��اء العالمي��ن» «فاطم��ة ب�ضعة من��ي يُرِ يـبُني م��ا رابها،
ي�ؤذين��ي م��ا ي�ؤذيها ،يغ�ضبني م��ا يغ�ضبها ،من �آذاها فق��د �آذاني ،من
�أغ�ضبها فقد �أغ�ضبني» على اختالف �ألفاظ الحديث �أو تعدد رواياته(((.
الإمام علي � -س�لام اهلل عليه -يرى وي�شاهد هذه الزوجة الوفية ب�ضعة
ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله) تموت َك َمدًا وقهرًا ،وهي ترى
((( البخ���اري ،ج ���� / 5ص ،26ب���اب مناقب فاطم���ة ،ط :دار �إحياء الت���راث العربي ،بيروت،
لبنان.
‹ › 67
هذا الدين يُع�صف به من �أول يوم بعد وفاة والدها ر�سول اهلل (�صلوات اهلل
عليه وعلى �آله) فيزداد �ألمه وحزنه.
لم تبك ال�سيدة فاطمة (عليها ال�سالم) وتت�ألم على م�صادرتهم لما نَحَ لَها
أرا�ض وا�س��عة في ( َفدَك) كما ي�صور البع�ض� ،صحيح ب�أن (فدك) �أبوها من � ٍ
ق�ض��ية ت�ؤلمه��ا لكن لم تبك عليها ،ولم تمت كم��دًا على فدك� ،إنما ماتت
كمدًا وحزنًا على هذه الأمة(((.
ر�أى الإمام (عليه ال�س�لام) زهراء الإ�سالم بعد ر�سول اهلل (�صلوات اهلل
عليه وعلى �آله) وهي تعاي�ش مرارة الأ�س��ى على ما ح�ص��ل من �ضياع لدين
�أبيها ،ثم وهي ت�ست�س��لم لفرا�ش المر�ض في�شحب لونها وتتردى �أو�ضاعها
ال�ص��حية يومً��ا بعد يوم ،ث��م يراها وه��ي تفارق الدنيا ،فيبا�ش��ر تغ�س��يلها
وتجهيزها (عليها ال�س�لام) ثم يقف على �ش��فير قبرها مو ِّدعًا وال ين�سى �أن
يحملها ر�س��الة �إلى �أبيها ر�سول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) بعبارات
تك�ش��ف عن �ألمه وحزنه� ،شاكيًا �إلى �أخيه ومربيه ومعلمه ر�سول اهلل ما �أل َّم
به وما يعانيه قائالً:
هلل َعنِّ��يَ ،وعَنِ ابْنَت َِك النَّا ِزلَ�� ِة فِي جِ وَارِكَ ،
«ال�سَّ �لاَ ُم َع َلي َْك يَا رَ�سُ ��ولَ ا ِ
وَال�سَّ ��ـرِي َع ِة اللَّحَ اقِ ب َِك! قَلَّ يَا رَ�سُ ولَ اهللِ ،عَنْ �صَ ِفيَّت َِك �صَ ْبرِيَ ،ورَقَّ َع ْنهَا
تَجَ لُّ��دِ ي� ،إ اَِّل �إ َّن لِي فِي التَّ�أَ�سِّ ��يِ ((( ِبعَظِ ي��مِ ُف ْر َقت َِكَ ،وفَادِحِ ((( م ُِ�ص��يبَت َِك،
((( المائدة الدر�س الأول لل�شهيد القائد ال�سيد /ح�سين بدر الدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه.
((( يريد بالت�أ�سي :االعتبار بالمثال المتقدم.
((( الفادح :المث ِقل.
‹ › 68
َمو ِْ�ض�� َع تَ َع ٍّز (((َ ،ف َلقَدْ وَ�سَّ ��دْ ت َُك فِي َملْحُ و َد ِة َق ْبرِكَ (((َ ،وفَا�ضَ ْت بَيْنَ نَحْ رِي
وَ�صَ دْ رِي نَفْ�سُ َك.
(�إنَّا هلل َو�إِنَّا �إِلَ ْي ِه رَاجِ عُونَ )َ ،ف َلقَدِ ا�سْ ��تُرْجِ ع َِت الْ َودِي َعةَُ ،و�أُخِ ذ َِت الرَّهِ ينَةُ!
�أَمَّا حُ ْزنِي فَ�سَ ��ـ ْر َمدٌَ ،و�أَمَّا لَ ْيلِي َفمُ�سَ �� َّه ٌد (((� ،إِلَى �أَنْ يَخْ تَا َر اهللُ لِي دَارَكَ الَّتِي
�أَن َْت ِبهَا ُمقِيمٌ.
وَ�سَ ��تُنَبِّئ َُك ابْنَت َُك ( ِبتَ�ضَ ا ُف ِر �أُ َّمت َِك َعلَى ه َْ�ضمِ هَا) (((َ ،ف�أَحْ ِفهَا ال�سُّ �ؤَالَ (((،
وَا�سْ تَخْ ِب ْرهَا الحَ الَ ،هذَا َولَمْ يَطُلِ الْ َع ْهدَُ ،ولَمْ يَخْ لُ ِمن َْك ال ِّذ ْكرُ.
ال
ِف َف َ
ال َم ُم َودِّعَ ،ال قَالٍ ((( َو َال �سَ ئمٍ (((َ ،ف�إنْ �أَنْ�صَ ر ْ
ال ُم َع َليْكُ مَا �سَ َ
وَالْ�سَّ َ
ال عَنْ �سُ و ِء ظَنٍّ ِبمَا َو َع َد اهللُ ال�صَّ ا ِبرِينَ ».
اللَةَ ،و�إِنْ �أُقِمْ َف َ
عَنْ َم َ
قال بع�ض الرواة� :إن فاطمة (عليها ال�سالم) عا�شت بعد �أبيها ر�سول اهلل
(�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) 40يومًا ،وقال بع�ضهم 75يومًا ،وقال
بع�ضهم �إنَّها عا�شت ثالثة �أ�شهر ،وقال بع�ضهم� :سته �أ�شهر.
‹ › 69
حياة فاطمة الزهراء جديرة جدًّ ا بالت�أمل والدرا�سة
حي��اة فاطم��ة الزهراء جدي��رة جدًّا بالت�أمل والدرا�س��ة وه��ي في موقع
الق��دوة للم��ر�أة الم�ؤمنة فما �أح��وج �أخواتنا الم�ؤمن��ات �إلى االطالع على
�سيرتها كيف كانت في حياتها على م�ستوى الم�س�ؤولية الدينية والأ�سرية؟
كي��ف كانت بالرغ��م من عظيم م��ا هي عليه م��ن مقام و�إيم��ان و�أخالق،
والم�س��توى المعرفي الذي و�صلت �إليه كذلك لكنها مع ذلك كله عا�شت
حياتها بكل ب�ساط ٍة وتوا�ض��ع ،فعا�شت الظروف المعي�شية ال�صعبة في ظل
و�ضعٍ اقت�صاديٍّ في مراحل �صعبة.
ول��م تكن �أبدًا لت�س��تنكف ع��ن القيام بم�س���ؤولياتها الفطري��ة في بيت
الزوجي��ة كان��ت تهت��م بكل �ش���ؤون البي��ت :ترب��ي �أوالدها ،تق��وم بكل
متطلبات الحياة والمعي�ش��ة ،تطبخ ،تنظف البي��ت ،تعد الطعام ،تفعل كل
�ش��يء ك�أي امر�أة �أخرى عادية ،يعني مقامه��ا الإيماني ،مقامها المعرفي لم
يبعدها �أبدًا عن الم�س�ؤوليات الفطرية ،وعن الدور المهم في التربية ،وعن
الدور الأ�س��ا�س في الواقع المعي�ش��ي والحياتي الذي هو �أ�س��ا�س في واقع
النا�س وحياة النا�س ومن متطلبات الحياة.
قامت بذلك كله ،امر�أة في واقعها المعي�شي في غاية التوا�ضع والب�ساطة
وك�أي ام��ر�أ ٍة �أخرى ،تعجن ،تغ�س��ل المالب�س ،تعد الطع��ام ،تربي �أطفالها
تهتم بهم وبتن�ش��ئتهم وبتربيتهم وبتغذيتهم ،ت�ص��بر على متاعب الحياة مع
زوجها تواجه الظروف ال�ص��عبة تواجه �أحيانًا ظروفاً �ص��عبة القر�آن الكريم
در�س مهم جدًّا يك�شف جوانب متعددة تحدث في [�س��ورة الإن�سان] عن ٍ
‹ › 70
من بينها ظروف �صعبة وظرف وواقع معي�شي �صعب يح�صل �أحيانًا ،وهذا
طبيعي في واقع الحياة �أن يح�ص��ل ومع ذلك م�س��توى ع��الٍ جدًّا جدًّا من
الأخالق ،الإيثار بالطعام في حال ال�ص��يام عند �أوان الفطر ،الإيثار بالطعام
وقت هي وزوجها و�أ�سرتها �أحوج ما تكون �إلى ذلك الطعام. في ٍ
تلك المر�أة الم�ؤمنة الزكية المر�ض��ية ال�ص��ديقة التي و�صلت �إلى ذروة
الكمال الإن�س��اني والإيماني وتحركت في واقع الحياة تقوم بم�س�ؤولياتها
الفطرية من دون كللٍ وال ملل وال عتْب وال تن�ص��ل عن الم�س�ؤولية وعلى
درج��ة عالية وم�س��توى عظيم من التوا�ض��ع ،تقدم الدر���س المهم للمر�أة
الم�ؤمنة كيف تكون في واقع الحياة في �إطار م�س���ؤولياتها المتعددة ،وفي
مواجه��ة �أعب��اء الحياة ف��ي كل االتجاهات والمجاالت ،على الم�س��توى
الإيماني والعبادي كانت هي التي �س��ميت بالبتول منقطع ًة �إلى اهلل �سبحانه
وتعالى متبتل ًة منقطع ًة �إلى اهلل عابد ًة متوجه ًة ب�صدق �إلى اهلل �سبحانه وتعالى
لكنه��ا لم تكن بذلك منعزل ًة عن الحياة ،ف��ي واقع الحياة في طبيعة الحياة
في ظروف الحياة .ال ،امر�أة تعي�ش مع زوجها مع �أ�س��رتها الواقع الحياتي
المعتاد.
‹ › 71
تكون م�ص��درًا للعطاء والخير والإح�سان وهكذا كانت فاطمة (القدوة)،
والمر�أة الم�ؤمنة بحاجة �إلى القدوة و�أن تر�س��خ في واقعها القدوة ،وطبعًا
القدوة العليا للم�ؤمنين والم�ؤمنات هو الر�س��ول محمد �ص��لوات اهلل عليه
وعلى �آله هو �أ�سوة وقدوة للرجال وللن�ساء معًا.
‹ › 72
تعر�ض المر�أة الم�سلمة للت�أثير با�ستهدافها لأن تكون
مت� ً
أثرة بالمر�أة الغربية
الي��وم تتعر�ض المر�أة الم�س��لمة للت�أثير با�س��تهدافها لأن تك��ون مت�أثر ًة
بالم��ر�أة الغربية الت��ي تختلف معها �إلى ح�� ٍّد كبير في المب��ادئ وفي القيم
حد كبير �ض��حية لعمل كبير وف��ي الأخالق ،المر�أة الغربية التي كانت �إلى ٍ ّ
ا�س��تهدفها ب��دءًا ث��م �أرادوا بها ومن خالله��ا �أن تكون ه��ي النموذج غير
المن�س��جم ،غير المتوافق للمر�أة الم�س��لمة ،غير المتوافق ال مع دينها وال
مبادئها وال �أخالقها وال قيمها الإن�سانية.
نحن نقول� :إن المر�أة الغربية كانت �ض��حية ا�س��تُهدِ فت من قِبل �أولئك
المجرمين المف�س��دين في الأر�ض الذين �س��عوا �إلى االنحراف بالمر�أة عن
دوره��ا ومكانتها وقيمها وكرامتها ،وعمل��وا على �أن يجعلوا منها �ألعوبة،
ح��د كبي��ر حينم��ا �أرادوا �أن يجعلوا منها مج��رد �ألعوبة
و�أرخ�ص��وها �إلى ٍ ّ
للإغواء والإف�ساد ون�شر الرذيلة والعياذ باهلل.
ً
من�شدة �إلى النماذج مطلوب من المر�أة الم�سلمة �أن تكون
ٌ
الراقية والعظيمة
مطلوب من المر�أة الم�س��لمة �أن تكون من�ش��د ًة �إل��ى تلك النماذج
ٌ هنا
الراقي��ة والعظيمة وفي مقدمته��ن فاطمة البتول الزهراء �س�لام اهلل عليها،
مريم بنت عمران ،زينب ،وهكذا [وهنّ كُثر] الن�ساء الم�ؤمنات الخيِّرات
المتكام�لات ف��ي �إيمانهن ،واللواتي � -أي�ضً ��ا -كان له��ن دو ٌر مهم على
م�سار التاريخ ،هن النموذج الراقي الذي يجب �أن تت�أثر به المر�أة الم�سلمة
‹ › 73
في �سلوكها و�أعمالها واهتماماتها ،وما تن�شده من دو ٍر لها في واقع الحياة
وفي �إطار الم�س�ؤولية ،هذا �شي ٌء مهم.
‹ › 75
ه��ذا التيار غريباً عليها ،وغير موجود فيها ،هو ظاهرة طر�أت في ال�س��احة
الإ�سالمية وتغلغلت فيها وانت�ش��رت فيها ،بفعل هذا الدعم ،بفعل (البترو
دوالر) هذه الأموال الهائلة التي �صدَّرته �إلى العالم الإ�سالمي� ،صدَّرته بعد
الجزيرة في دول الخليج� ،ص��درته �إلى اليمن� ،ص��درته �إلى م�صر� ،صدرته
�إل��ى دول المغ��رب العربي� ،ص��درته �إلى ال�ش��ام ،ولم يكن موج��وداً فيها
نهائياً ،واكت�سح ال�ساحة وتغلغل في مناطق كثيرة.
ت�أثر من تغلغله هذا التيار ال�س��ني ،ا�ستهدف ال�ساحة ال�سنية ،ا�ستهدف
�أتباع المذاهب الأربعة وا�س��تهدف ال�ساحة ال�شيعية ،وا�ستهدف كل فرق
الأمة وكل �س��احة الأمة وتغلغل فيها مدعوماً ب�ش��كل كبير مادياً ومدعوماً
ب�ش��كل كبير �سيا�س��ياً ،كثير من الحكومات والأنظمة نا�صرته� ،أُعطيت له
�أهم الوزارات ،كان التيار الوهابي التكفيري دائما يُ�س��لّم وزارة الأوقاف
والإر�ش��اد ووزارة التربية والتعليم حتى يتمكن من خالل هاتين الوزارتين
�إلى �أن يتحرك ب�شكل ر�سمي.
�إ�ض��افة �إلى تغلغله في الو�سط ال�شعبي ون�شاطه ال�شعبي ،وحظي بحماية،
ودعم � -أحياناً -دعم �أمني ودعم ع�سكري ،دعم من الحكومات في البلدان
تنا�صره ،كان في بع�ض البلدان يذهب �إلى الم�ساجد ومعه فرق ع�سكرية �أو
فرق من ال�ش��رطة ،فرق تابعة للداخلية ت�ساعده في عملية اقتحام الم�ساجد،
والحديث عن هذا الجانب يطول ،والم�آ�سي فيه �شملت كل البلدان العربية
والإ�سالمية� ،شملت اليمن� ،شملت المغرب العربي� ،شملت م�صر� ،شملت
ال�ش��ام ،حديث وا�س��ع عن ه��ذه االقتحامات وال�س��يطرة على الم�س��اجد
وا�ستحواذ على المنابر ،ومن ثم ال�سيطرة على المناهج الدرا�سية.
‹ › 76
ه��ذا �ش��يء حر�ص علي��ه النظ��ام ال�س��عودي� ،أن يتحكم في �سيا�س��ة
المناهج الدرا�س��ية فيما تت�ض��منه من ثقافة ,ومن مع��ارف دينية وتاريخية،
لدينا في اليمن في الما�ضي على مدى ع�شرات ال�سنين ،تحكمت ال�سيا�سة
ال�س��عودية وتحكمت النزعة التكفيرية الوهابية على �ص��ياغة المناهج في
المدار�س والجامعات.
لا في دول الخليج العربي ،في �أكثرها ،في النظام ال�س��عودي تجد مث� ً
نف�سه ،المنهج المدر�س��ي هناك في المدار�س والجامعات وكثير �أي�ضاً من
الر�س��ائل ،ر�س��ائل التخرج الجامعي ،ف��ي مراحلها المتع��ددة والمتنوعة
و�ص��لت لي�س فقط �إلى م�س��توى �إثارة ح�سا�س��ية كبيرة ف��ي الحديث عن
�أهل البيت عليهم ال�س�لام وفي المقدمة الإمام عل��ي وفاطمة الزهراء ،بل
و�ص��لت �إلى حد الإ�س��اءة �إلى الإمام علي عليه ال�سالم ،ر�سائل تخرج في
المناهج �أو في الجامعات ال�س��عودية كان بع�ض هذه الر�سائل يتطاول على
الإمام علي ،ي�س��يئ �ص��راحة �إلى الإمام علي عليه ال�سالم ،ينتق�ص من مقام
وقدر هذا الرجل العظيم في الإ�سالم.
‹ › 77
ثمة حديث ب�س��يط جداً عنهم ،يقدمهم �أحياناً ك�شخ�ص��يات اعتيادية لي�س
لها �أي اعتبار في التاريخ الإ�سالمي نهائياً.
�أما الأحاديث التي ت�ضمنها التراث الإ�سالمي ،ت�ضمنتها �أهم الكتب في
الحديث لدى حتى �إخوتنا من �أهل ال�س��نة ،لديهم هم مجاميعهم الحديثية
الرئي�سية� ،أهم تلك الن�صو�ص ال تجد لها �أثراً ،ال تكاد تجد لها �أثراً �أبداً في
المناهج الجامعية� ،س��واء في ال�س��عودية �أو في اليمن �أو عدد من البلدان،
وك�أن النبي لم يتحدث بها �أ�صالً ،وك�أنه ال وجود لها في التراث الإ�سالمي
نهائياً.
ت�أت��ي الطامة الكب��رى على من يقت�ص��ر اعتمادهم ف��ي ثقافتهم الدينية
والتاريخي��ة على م��ا احتوت علي��ه المناهج الدرا�س��ية والجامعية �س��واء
عندنا في اليمن �أو في ال�س��عودية �أو في كل البلدان التي خ�ضعت لل�سيا�سة
ال�س��عودية ف��ي مناهجها التعليمي��ة ،طامة كبي��رة جداً يمك��ن للطالب �أن
يقطع م�ش��واره التعليمي من المرحلة الأ�سا�سية� ،إلى االبتدائية والأ�سا�سية
والثانوي��ة والجامعية ثم يتخرج وهو يجهل بمثل هذه الن�ص��و�ص المهمة،
الن�ص��و�ص التي تدل على �أن للم�س���ألة عالقة ب�إيمانه ،عالقة بثقافته ،عالقة
بجوانب �أ�سا�سية يحتاج �إليها في دينه.
فيخرج وهو يجهل مقام �أهل البيت عليهم ال�سالم ،يخرج من الجامعة
والبع�ض ي�ص��ل �إلى درج��ة �أن يكون معلماً في الجامع��ة ،ولكن لأن ثقافته
وعلوم��ه اقت�ص��رت على م��ا احت��وت عليه تل��ك المناهج التي خ�ض��عت
العتب��ارات �سيا�س��ية ،وت�أثيرات �سيا�س��ية ،فكان مفل�س��اً ومنع��دم الثقافة
‹ › 78
والمعرف��ة بمق��ام الإمام علي ه��ذا الرجل العظي��م في الإ�س�لام ,وفاطمة
الزهراء ,وكذلك بقية �أهل البيت عليهم ال�سالم.
ال ما بعد درا�س��ته الجامعي��ة� ،أو ما بعد
والبع���ض ال ي�أت��ي فيم��ا بعد ،مث ً
درا�س��ته ف��ي كل المراحل ،ال ي�أتي لينفتح على التراث الإ�س�لامي ،ليطلع
االطالع الوا�س��ع ،ال ،يقت�ص��ر على ما قد عرفه واطلع عليه من خالل تلك
المناهج.
ولذلك �أن��ا �أقول لكل الثقافيين ولكل المثقفين ،لكل التربويين ،لكل
المتعلمي��ن في �أبناء �أمتنا حذا ِر حذا ِر من االقت�ص��ار على المناهج الجامعية
والمناهج الدرا�س��ية الر�س��مية ،حذا ِر من ذلك ،هذه كارثة ،هذا �سيكون
م�صدر لكثير من الآفات ،لأنه من المعلوم قطعاً وبكل ت�أكيد ويقين وثبوت
�أن المناهج الدرا�س��ية في عالمنا العربي في الم�س��توى الر�س��مي خ�ضعت
�شك للت�أثيرات ال�سيا�س��ية ،حكمتها �سيا�سات معينة وتوجهات معينة؛ بال ٍ
فقررت ما يدرج وقررت ما يحذف.
‹ › 80
كان الإمام الح�سين (عليه ال�سالم) يتردد كثيراً في �أيام عا�شوراء ،وفي
غير عا�ش��وراء في �أو�س��اط ال�ش��يعة الجعفرية كثيراً ويبكون ،ويلطمون..
لكن كانت كلها مظاهر عاطفية ،فجاء الإمام الخميني فا�ستطاع �أن يجعلها
ذات ت�أثير كبير� ،إحياء عا�ش��وراء ،الحديث عن الح�س��ين لدرجة �أنه قال:
((كل ما بين �أيدينا من بركات الح�س��ين))� .أو بعبارة ت�ش��به هذه� .إذاً ذلك
اال�سم الذي تردد مئات ال�سنين في �أجواء عاطفية بحتة ،لم يربط به جهاد،
ولم يربط به اتخاذ موقف ،ولم يربط به عمل لرفع معنويات الأمة ،التخاذ
موقف ما من �أعداء الأمة و�أعداء الدين� ..ألم ي�صبح فاعالً؟ .عندما جاء من
يجعل له حيوية في نفو�س النا�س؟
وهكذا الآن في جنوب لبنان في �أو�س��اط [حزب اهلل] ي�ص��رخون با�سم
الح�س��ين ،بل �أ�ص��بحوا يتذوقون عا�ش��وراء ب�ش��كل �آخ��ر يختلف عن ما
كان��وا عليه يوم كانوا يتحدثون عن عا�ش��وراء م��ن الجانب العاطفي فقط،
و�أ�صبحوا ي�س��تلهمون من كربالء ومن عا�ش��وراء ،ومن الح�سين الأ�شياء
الكثيرة جداً جداً ،التي تدفع بهم وب�شبابهم �إلى ميادين الجهاد.
الح�س��ين الذي عا�ش مئات ال�سنين داخل الطائفة االثنا ع�شرية جامداً في
نفو�س��هم� ،ألم يفعل في مرحل��ة من التاريخ ،وا�س��تطاع �أن يحرك �أمة؟ .وها
نحن نرى �إيران �ألي�س��ت �إيران ت�ش��كل عقبة �أمام الغرب فيما ننظر �إليها نحن
وفيما نفهم؟ �أن الغرب ينظر لإيران �شيئاً ،ولبقية العرب الم�سلمين �شيئاً �آخر.
وهكذا ر�أينا كيف �أنه في مناهجنا الدرا�سية ،وعلى �شا�شات التلفزيون،
وفي غيره من و�س��ائل الإعالم ،نرى �أعالما �أخرى تقدم للأمة ،ويتحدثون
‹ › 81
عنها كثيراً في الم�س��اجد ،ف��ي المعاهد ,في المراكز ،في الجامعات ،وفي
كل م��كان .ه��ذه الأعالم عند م��ن يفهم واق��ع الأم��ة الآن �أن �أمريكا� ,أن
اليهود والن�صارى يتحكمون تقريبا في كل �شيء ،في الجوانب الإعالمية،
الثقافية ،التربوية ،االقت�صادية ،ال�سيا�سية ،في الدول كلها يتحكمون فيها،
ويتدخلون في كل �صغيرة وكبيرة.
هم يعرفون �أن تلك الأعالم ال ت�صنع �شيئا؛ لأنه لو ج�سم في نف�سك على
�أكبر ما يمكن لما كان با�س��تطاعته �أن يحركك ،لي���س فيه ما يحركك� ،إنما
هي -كما يقال [ : -نمور من ورق] فلن�ضع لل�شباب ولن�ضع للأجيال نموراً
من ورق� ،أعالماً وهمية ال تقدم وال ت�ؤخر ،ولو تكرر ا�س��مها �آالف ال�سنين
لن تعمل �ش��يئا في النفو�س؛ لأنه عندما تحاول �أن ت�ستيقظ وترجع �إلى ذلك
العلم لت�ستلهم منه �شيئا تجده فارغا ال يمكن �أن يكون فيه ما يدفعك.
لك��ن �أعالم��اً كالإمام علي (عليه ال�س�لام) كالح�س��ن ،والح�س��ين،
والزهراء ،كزيد ،والهادي ،والقا�سم ،وغيرهم ممن هم على هذا النحو،
هم الخطي��رون في واقع الحياة ،هم من لو التفت الإن�س��ان� ،أو التفتت
الأمة لت�س��تلهم منهم �ش��يئاً �س��ترى ما ي�ش��دها ،ترى ما يرفع معنوياتها،
ترى المواقف المتعددة ،ترى الت�ضحية ،ترى اال�ستب�سال ،ترى ال�شعور
بعظمة الإ�س�لام ،ترى اال�س��تهانة بالأنف�س والأموال والأوالد في �سبيل
الإ�سالم.
له��ذا هل نجد علي��اً (عليه ال�س�لام) �أو نجد الحديث ع��ن �أهل البيت
ف��ي مدار�س��نا �أو مراكزنا �أو جامعاتن��ا؟ ال يوجد ،و�إذا ما وجد كان �ش��يئا
‹ › 82
ب�س��يطاً ،و�إذا ما جاء حديث ع��ن الإمام علي فكبر نوعاً ما ،يم�س��خ ذلك
التكبي��ر ب���أن يقال هو على الرغ��م مما هو عليه ها هو يباي��ع �أبا بكر ،وهو
�إنما كان جنديا من جنود �أبي بكر ،يكبرونه قليال ثم يجعلونه بكله و�س��يلة
من و�س��ائل تكبير �أبي بكر ،في�شدونك �أكثر �إلى �أبي بكر ،فيما �إذا تحدثوا
قلي�لا عن علي فهو و�س��يلة ل�ش��دك �أكثر �إلى �أبي بكر� ،أم��ا �أن يقدموا علياً
علماً لوحده بعد الر�س��ول (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) فهذا ما ال يمكن،
ي�شكل خطورة بالغة.
مت��ى ر�أينا في و�س��ائل �إعالمن��ا حديثا عن الإمام اله��ادي وعن �أثره في
اليمن؟ متى �س��معنا برامجاً تتحدث عن �أخباره و�سيرته الحميدة وما عمله
م��ن �أعمال عظيم��ة في اليمن وفي �أو�س��اط اليمنيين وف��ي هدايتهم؟ وهم
م��ن كان القرامطة قد عبثوا ب�أفكاره��م ،والباطنية ،وبقايا كثيرة من اليهود
كان��ت ما تزال في مختلف مناطق اليمن؟ ال حديث عنه �إال بما ي�س��يء ،ال
حديث عنه �إال بتع�سف بما يقدمه ناق�صاً.
هك��ذا يفكر �أولئك النا�س ،وهم ينظرون �إلى الق��ر�آن� ،أو ينظرون �إلى
�أعالم الإ�س�لام �أنه قد يكون هذا اال�س��م ،وقد يكون هذا الكتاب و�إن لم
يكن له �أثر الآن ،و�إن كنا نرى هذه الأمة قد �ضربناها �ضربة قا�ضية ،لكن ما
يزال هذا ي�ش��كل خطورة ولو بعد حين ،فيجب �أن نعمل على �إق�صائه ب�أي
و�سيلة(((.
‹ › 83
وو�صى بها
َّ ً
فعال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة بل الإ�سالم
في كل مواقعها
ومن خالل ما نلحظه من مقا ٍم عظيم لتلك النماذج الراقية والعظيمة مثل
ال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة ،بلتلك الن�ساء الأربع ندرك �أن الإ�سالم فع ً
وو�صَّ ى بها في كل مواقعها في الحياة ،و�أخذ بعين االعتبار دورها المهم في
كل الم�سارات ،دورها الكبير في تربية الأجيال وتن�شئتهم وهذه م�س�ؤولية
أ�س��ا�س في واقع الحياة ،ولو �أن الآخرين الذين ي�سعون
كبيرة ودو ٌر مهم و� ٌ
لإف�س��اد المر�أة واالنح��راف بها يحاولون �أن يقللوا م��ن قيمة هذا الدور،
و�أحيانًا ي�ص��فونه بالو�ضاعة ،و�أحيانًا ي�س��عون �إلى تح�سي�س المر�أة النق�ص
تج��اه هذا الدور ،وهو دور كمالي ومهم وكبير لأن من �أح�ض��انها تخرج
العظم��اء من الرجال والن�س��اء ،وكان ح�ض��ن المر�أة هو مع��راج الكمال
للرج��ل والم��ر�أة معًا ،منه ينطلق �إلى واقع الحي��اة مت�أثرًا من تلك المرحلة
التي ق�ض��اها في طَور التربية التي كان��ت في بد ِء حياته ،منذ نعومة �أظفاره،
منذ فتح عينيه على الحياة ،وبد�أ ا�ستيعاب واقع الحياة من حوله.
‹ › 85
وكبي��ر لدور المر�أة م��ن موقعها ك�أم ،و�أهمية هذا ال��دور وما يترتب عليه
في تن�شئة الأجيال وفي تربية الرجال والن�ساء معًا ،المر�أة ت�ؤدي �أي�ضً ا دورًا
مهمًّا من موقعها كزوجة في حياتها الزوجية مع زوجها دورًا مهمًّا في بناء
الأ�سرة لتكون لبن ًة �صالحة في بناء المجتمع.
ً
أهمية كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة الإ�سالم يولي �
الإ�سالم يولي �أهمي ًة كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة لأن المجتمع في نهاية
المطاف يت�شكل ويتكون من الأ�سر و�صالح الأ�سر يعني �صالح المجتمع
بكله؛ فالأ�س��رة ه��ي اللبنة الأ�سا�س��ية والمهم��ة جدًّا في بني��ان المجتمع
الكبير ،وبقدر ما يتحقق ال�صالح والخير والرفق وكذلك الروابط الوثيقة
في ظل الأ�س��رة بقدر ما ينعك�س �أثر ذل��ك �إيجابًا في واقع المجتمع بكله،
هذا الدور المهم جدًّا يركز عليه الإ�سالم ويوليه �أهمية كبيرة ،وقد لوحظ
في واقع المجتمع الإ�سالمي �أنه على قد ٍر كبي ٍر من التما�سك الداخلي لأن
التما�سك على م�ستوى الأ�سر يعزز الروابط االجتماعية كذلك.
‹ › 86
متما�س��ك قائم على الرف��ق والخير والقيم والأخ�لاق والتقوى والتعاون
والتكاتف ي�ؤدي دورًا �إيجابيًّا على م�ستوى الترابط االجتماعي بكله.
‹ › 87
فيما يمثل �ش��رًّا وخط��رًا على الدين والدنيا وعلى الحي��اة بكلها ،في مقام
العبادة هلل والتوجه �إلى اهلل �سبحانه وتعالى.
‹ › 88
القر�آن الكريم في خطابه للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء
هذه الحقيقة ي�ؤكدها اهلل �س��بحانه وتعالى حينما وجه خطابه �إلى النا�س
والخطاب للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء ،ي�شمل الذكر والأنثى فقال جل
َاحدَ ةٍ
ْ���س و ِ �ش���أنه} :يَ��ا �أَ ُّيهَا الن ُ
َّا���س ا َّتقُو ْا َر َّبكُمُ الَّ��ذِ ي خَ َل َقكُم مِّن َّنف ٍ
نف�سوَخَ لَ��قَ ِم ْنهَا َزوْجَ هَا َوبَثَّ ِم ْن ُهمَا رِجَ ا ًال َكثِيرً ا{[النس��اء ]1خلقكم من ٍ
واحدة فالجميع من �أ�صلٍ واحد وال�شيء العجيب والحكيم في حكمة اهلل
وتدبيره و�ص��نعه }وَخَ لَقَ ِم ْنهَا َزوْجَ هَا{ حتى حواء خُ لقَت من �آدم :،خلق
منه��ا زوجها ،ح��واء خُ لقَت من نف�س �آدم ليكون الب�ش��ر جميعًا من �أ�ص��لٍ
ال كيانًا واحدًا ،ومخلوقًا واحدًا ب�شقيه الذكر والأنثى. واحد فيكونون فع ً
ي�ؤكد ه��ذه الحقيقة على م�س��توى الم�س���ؤولية والعم��ل والمقام عند
اهلل �س��بحانه وتعال��ى فيق��ول عن عب��اده الم�ؤمني��ن من الرجال والن�س��اء:
ال �أ ُِ�ضيعُ عَ مَلَ عَ امِلٍ مِّنكُم مِّن َذكَرٍ �أَ ْو �أُنثَى
}فَا�سْ تَجَ ابَ َلهُمْ َر ُّبهُمْ �أَنِّي َ
ْ�ض {[آل عمران.]195: َبع ُْ�ضكُم مِّن َبع ٍ
‹ › 89
لأن ال�سيا�س��ة الغربية ال�صهيونية قائمة على �أ�س��ا�س التفريق حتى فيما بين
الرجال والن�ساء.
‹ › 90
الإ�سالم العظيم ر�سم للمر�أة م�سارها مع الرجل
الق��ر�آن الكري��م والإ�س�لام العظيم ر�س��م للمر�أة م�س��ارها م��ع الرجل
ور�س��م للجميع م�س���ؤوليات وحقوقًا ،الم�س���ؤوليات التي تتعلق بالجميع
في ظل الم�س���ؤولية الكبرى التي هي :اال�س��تخالف في الأر�ض ،هذه هي
الم�س�ؤولية الكبرى بعنوانها الكبير ،يندرج تحت هذه الم�س�ؤولية تفا�صيل
كثيرة تتعلق بالجميع �ض��من م�ؤهالت� ،ضمن اعتبارات قد تختلف داخل
الرجال وقد تختلف داخل الن�ساء.
الإ�سالم في جميع ت�شريعاته لم يتعامل مع المر�أة على �أ�سا�س االنتقا�ص،
وال الإق�ص��اء ،وال ف�ص��لها ال في م�س��ارها في الحياة وال في م�س��ارها عن
الم�س���ؤولية عن الرجل ،بل جعل لها دورًا �أ�سا�س��يًّا ب��كل ما تعنية الكلمة،
ولكن��ه دو ٌر تكامل��يٌّ م��ا بينها وبين �ش��قيقها الرج��ل ،وما �أح�س��ن ما قاله
الر�س��ول �صلوات اهلل عليه وعلى �آله «الن�ساء �شقائق الرجال» �شقائق
الرجال� ،ش��قيقة يربطها رابط��ة عظيمة من كيانٍ واحد ،من �أ�ص��لٍ واحد،
نف�س واحدة في م�س��ا ٍر واحدٍ في الحياة ،حتى في واقع الحياة ،الحياة من ٍ
بكل ما فيها من م�ش��اكلها ،و�أعبائها ،ومحنها ،وم�ص��ائبها ،وويالتها ،كل
ذل��ك ينعك�س عل��ى الجميع ال يمك��ن �أن نتخيَّل و�ض��عي ًة للرجل مريحة،
�س��عيدة ،جيدة� ،إيجابية ،بينما نتخيَّل و�ض��عية للمر�أة تكون فيها وحدها،
يكون فيها عالم الن�س��اء وحدهن في حالة ب�ؤ�س وحرمان ومعاناة و�ش��قاء.
ال ،عاد ًة يعي�شون واقعًا واحدًا �إما في ظل عدالة ،و�سعادة ،وخير ،ورخاء،
وا�ستقرار للجميع� ،أو ب�ؤ�س يطال الجميع كما نلحظ ذلك في واقعنا الآن،
في عالمنا العربي والإ�سالمي.
‹ › 91
الذين يتحدثون عن حقوق المر�أة ،هل احترموا حقوق
المر�أة في �أي بلد �إ�سالمي؟!
عندما نعود �إلى العراق �أو نعود �إلى فل�س��طين نجد �أن المر�أة في واقعها
تعاني مع الرجل �س��وا ًء ب�سواء؛ لأن ارتباط واقعهما في الحياة ارتباطٌ وثي ٌق
�أكيد ،وال يمكن �أبدًا االنف�صام بينه نهائيًّا.
حت��ى �أولئك الذين ن�س��مع عنهم ومنهم كثيرًا من ال��كالم عن الحقوق
ع��ن حقوق المر�أة ،هل احترموا حقوق المر�أة في فل�س��طين؟ هل احترمت
�أمريكا نف�س��ها وهي �أكبر داعمٍ للكيان ال�صهيوني الإ�سرائيلي هل احترمت
حقوق المر�أة الفل�سطينية؟ �ألم تُقتَل المر�أة الفل�سطينية في فل�سطين بال�سالح
الأمريكي وبالدعم الأمريكي لإ�س��رائيل؟ �ألم ت�صادر حقوقها وتعي�ش حالة
الب�ؤ�س ،والمعاناة ،واال�ضطهاد ،بدعمٍ من �أمريكا لإ�سرائيل؟ �أمريكا نف�سها
في العراق �ألم ت�س��تهدف الرجال والن�س��اء؟ �ألم تتعر�ض الن�ساء في العراق
لحالة االغت�صاب ،والقتل ،واالمتهان ،والإذالل ،كما الرجال في العراق؟
هذا ح�صل و�ضاعت كل تلك العناوين التي يرددونها كثيرًا.
لم يرعوا حقوق المر�أة الم�سلمة في �أي بلدٍ من بلدان العالم الإ�سالمي
نهائيًّا ،هم ال�س��بب الأكبر وراء ما تعانيه المر�أة الم�سلمة والرجل الم�سلم
والأمة الم�س��لمة وال�ش��عوب العربية والإ�س�لامية ،من معاناة ،من �إذالل،
من ب�ؤ�س ،من حرمان ،من فقر ،من م�ش��اكل ،النزعة اال�س��تعمارية الغربية
رجال
والهجم��ة الكبيرة واال�س��تهداف الكبير ل�ش��عوبنا و�أمتن��ا بجميعها اً
أطفال ،كبارًا و�صغارًا للجميع ،حالة قائمة وويالتها و�آثارها �سلبية
ون�ساءً � ،اً
قائم��ة في واقع الحي��اة بكله ،فهم لم يرعوا �أبدًا حقوق المر�أة الم�س��لمة،
‹ › 92
و�إنما يحاولون �أن يوظفوا هذا العنوان الذي هم �أبعد النا�س عنه ،يحاولون
�أن يوظفوه �سلبيًّا لإثارة الفرقة والنزاع والخالف داخل �شعوبنا ،هذا �شيء
معروف وهذا �شيء وا�ضح.
ما يجري في اليمن ف�ضح الغربيين و�أكاذيبهم
حول حقوق المر�أة
كل تل��ك العناوي��ن والدعايات التي تتغن��ى بها المنظوم��ة الغربية عن
حق��وق المر�أة وحق��وق الطفل وحقوق الحيوان كلها تال�ش��ت وانتهت،
وه��م يقتلون الم��ر�أة اليمني��ة والطفل اليمن��ي والرجل اليمن��ي يقتلونهم
مبا�شرة� ،أو عبر �صواريخهم وقنابلهم وطائراتهم ودعمهم وت�شجيعهم.
�أل��م ينتخبوا النظام ال�س��عودي (العميل) رئي�سً ��ا لحقوق الإن�س��ان في
الوق��ت الذي يرتكب �أب�ش��ع المجازر ف��ي اليمن بحق الن�س��اء والأطفال
مكافئة له على هذه الجرائم الب�شعة.
كل هذه الأعمال هي تقدمهم على حقيقتهم ،و�أنهم كما �أخبر اهلل عنهم
مف�س��دون في الأر�ض بكل ما تعنيه هذه الآي��ة في مدلولها القر�آني� :إهالك
للحرث والن�سل في �أب�شع �صوره.
‹ › 94
هي :عناوين زائفة لإف�س��اد المر�أة الم�سلمة تحت هذه العناوين ،وال تمت
ب�أي �صلة للح�ضارة �أبدًا.
‹ › 95
�أو ت�ؤثر عليها الدعايات والأ�ساليب التي يعتمد عليها الآخرون في ت�ضليل
ال �أو امر�أة.
الإن�سان رج ً
‹ › 96
القائمة ،هناك ا�ستهداف ،هناك عمل كبير وجهد كبير من جانب الأعداء،
وا�س��تهداف خارجي وداخلي لبلدنا و�ش��عبنا ،على م�س��توى اال�ستهداف
الخارجي بنزعته اال�س��تعمارية الذي يحاول ال�سيطرة الكاملة على بلدنا،
وحتى يفقد بلدنا ا�ستقالله و�شعبنا كرامته ونعي�ش تحت و�صاي ٍة وا�ستعما ٍر
كامل ،وعلى م�س��توى م�ساعي قوى اال�س��تبداد والعمالة التي ت�سعى �أي�ضً ا
ك�أداة رخي�ص��ة وقذرة بكل الو�س��ائل الخبيثة لتركيع ال�شعب اليمني الذي
�أذهل العالم ب�ص��موده و�أف�ش��ل كل م�ؤامراتهم و�إخ�ض��اعه للخارج الذي
دخل��ت معه في �ص��فقات قذرة وخبيثة به��دف �إذالل بلدهم لأعداء الأمة
�أمريكا و�إ�سرائيل ونحن على يقين ب�أنها �صفقات خا�سرة ولن يكون اليمن
�إال كما �أراد له ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) يمن الإيمان
والحكمة ،يمن الأن�ص��ار ،يمن الفاتحين ،يمن الرجال العظماء ،لن يكون
�إال اليمن الذي عرفه التاريخ �ش��عبا �أبيا ثابتا �شجاعا ي�أبى ال�ضيم وال ير�ضى
بالهوان.
‹ › 98
ن�ؤكد على �ضرورة العودة �إلى �سيرة وحياة ال�سيدة
ال�صديقة فاطمة الزهراء البتول
وختامًا ن�ؤكد على �ض��رورة العودة �إلى �س��يرة وحياة ال�س��يدة ال�صديقة
فاطمة الزهراء البتول ،وبالذات من ن�سائنا الفا�ضالت لتكون لهن القدوة
والأ�س��وة والمثل الأعلى في كل جوانب حياتها ال�س��لوكية والعملية كما
�أراد لنا اهلل ور�سوله ذلك ال �أن تن�ساق ن�سا�ؤنا وراء من ي�صنعهم لنا �أعدا�ؤنا
من الن�ساء ال�ضائعات التائهات الفا�سدات عبر الم�سل�سالت والأفالم ومن
خالل القنوات الف�ضائية وغيرها؛ لأن تقليدهن والتخلق ب�أخالقهن ال�سيئة
والمنحطة تيه و�ضالل في الدنيا وعذاب �أليم في الآخرة.
‹ › 99
علي��ه وعل��ى �آله الطاهرين ف��ي مقدمة من �أنعم اهلل عليهم� ،أل�س��نا نقول في
ت�شهدنا( :اللهم �صل على محمد وعلى �آل محمد)؟
�إذًا ه�ؤالء بالت�أكيد هم في مقدمة من ندعو اهلل �أن يهدينا �صراطهم عندما
اط الَّذِ ينَ �أَنعَمتَ عَ لَيهِمْ {.
نقول�}:صرَ َ
ِ
وما ي�ص��نعه ال�ش��يطان و�أوليا�ؤه لنا من قدوات ورموز هم من ندعو اهلل
– �أي�ضً ��ا -ونطلب منه �أن يجنبنا و�أن يبعدنا عن طريقهم فنقول} :غَ يرِ
ال ال�ضَّ الِّي��نَ { فعلينا �أن نتع��رف كذلك على �أولياء
َغ�ض��وبِ عَ لَيهِ��مْ َو َ
الم ُ
ال�شيطان ونتجنبهم ونبتعد عنهم وعن تقليدهم والتخلق ب�أخالقهم.
‹ › 101
المحتويات
�أهمية الدور والمقام للمر�أة الم�ؤمنة 5. ............................
�أم نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم) 5. .............................................
�آ�سية بنت مزاحم امر�أة فرعون 7. ..............................................
�أخت نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم) 8. ..........................................
امر�أة نبي اهلل عمران (عليه ال�سالم) 9. .........................................
مريم بنت عمران (عليها ال�سالم) 10. ...........................................
خديجة بنت خويلد (�سالم اهلل عليها) 10. ......................................
فاطمة بنت �أ�سد (�سالم اهلل عليها) 11. ..........................................
ً
تميزا 12. ............. فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) هي النموذج الأرقى والأكثر
م�شيئة اهلل وحكمته تجمع ال�صادق الأمين بالطاهرة الوفية 13. ............
الزواج المبارك بال�سيدة خديجة بنت خويلد 15. ................................
والدة الزهراء �سالم اهلل عليها 17. ..............................................
الزهراء البتول تتربى وتكبر في �أح�ضان �أبيها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله
و�سلم) 18. ....................................................................
وجاء عام الحزن ليلقي بظالله على ال�سيدة الزهراء19. ..........................
فاطمة الزهراء �أمّ �أبيها 21. ....................................................
فاطمة الزهراء جنب ًا �إلى جنب مع �أبيها لمواجهة ال�صراع 22. .....................
قرار الهجرة من مكة �إلى المدينة 24. .............................
فاطمة الزهراء تلحق ب�أبيها مهاجرة 25. ........................................
فاطمة الزهراء في بيت �أبيها المتوا�ضع28. ......................................
فاطمة الزهراء تبلغ ذروة الكمال الإن�ساني 29. ..................................
بالنبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) 32. ....
ِّ تميز عالقة فاطمة (عليها ال�سالم)
الكثير يتقدمون لخطبة الزهراء 34. ..............................
علي هو الم�ؤهل للزواج بالزهراء 34. ............................................
فاطمة الزهراء في بیت الزوجیة 37. ...........................................
والدة الإمام الح�سن والح�سين (عليهما ال�سالم) 38. ...............................
مقارنة َّ
الزهراء (عليها ال�سالم) بمريـم (عليها ال�سالم)39. ........................
‹ › 102
فاطمة الزهراء والحياة الزوجية 40. ...........................................
�صورة من �صور الإيثار في حياة الزهراء (�سالم اهلل عليها) 42. ............
و�أعظم من هذا ما خلده القر�آن الكريم في ق�صة الإطعام لها ولأهل بيتها 45. .......
بع�ض ما ورد في �أهل البيت (عليهم ال�سالم) من �آيات القر�آن الكريم 47. .....
الزهراء في كلمات الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) 48. ...................
مكانتها العلمية 50. ............................................................
عبادتها (�سالم اهلل عليها) 52. ..................................................
وفاة �أبيها (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) 54. .........................
الو�ص َّية الأخيرة55. ...........................................................
معاناة الزهراء �سالم اهلل عليها بعد �أبيها 57. .....................................
الزهراء تو�ضح خيوط الم�ؤامرة 58. .............................................
الزهراء تك�شف خطورة ما ح�صل 62. ...........................................
فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) تلحق ب�أبيها 67. ......................
حياة فاطمة الزهراء جديرة جدًّ ا بالت�أمل والدرا�سة 70. .........................
فاطمة (عليها ال�سالم) كانت م�صدر عطاء وينبوع خير و�إح�سان 71. ...............
فاطمة الزهراء عليها ال�سالم هي نعم القدوة ونعم الأ�سوة72. .....................
تعر�ض المر�أة الم�سلمة للت�أثير با�ستهدافها لأن تكون مت� ً
أثرة بالمر�أة الغربية 73. ...
ً
من�شدة �إلى النماذج الراقية والعظيمة 73. ...... مطلوب من المر�أة الم�سلمة �أن تكون
ٌ
لماذا غيبت فاطمة الزهراء عن و�سائلنا التعليمية والتثقيفية؟ 74. ................
هناك عدة عوامل �أبعدت الأمة عن قدواتها الحقيقيين رجا ًال ون�ساء 75. .....
العامل الأول التع�صب الوهابي الطائفي المقيت75. .............................. :
النظام ال�سعودي الوهابي �سعى �إلى �إق�صاء �أهل البيت من ثقافة الأمة 77. ...........
كيف م�سخ الوهابيون التاريخ؟ 79. ..............................................
العامل الثاني :الإ�شراف المبا�شر من قبل اليهود والن�صارى على �صنع مناهجنا
الدرا�سية 80. .................................................................
وو�صى بها في كل مواقعها84. ..........
َّ ً
فعال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة بل الإ�سالم
اهلل �سبحانه وتعالى ائتمن المر�أة على م�س�ؤولية كبيرة جدًّ ا 84. ...................
ً
أهمية كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة 86. ............................. الإ�سالم يولي �
من �أ�سو�أ ما يعاني منه الغرب وب�شكل كبير هو التفكك الأ�سري 86. ..................
‹ › 103
االهتمام الكبير بدور المر�أة على م�ستوى الم�س�ؤولية في الإطار العام 87. ...........
م�سيرة الدين والم�س�ؤولية هي م�سيرة واحدة :المر�أة مع الرجل جن ًبا �إلى جنب 88. ..
القر�آن الكريم في خطابه للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء89. .......................
أ�صل واحد 89. .................
ير�سخ القر�آن الكريم ثقافة �أن الرجال والن�ساء من � ٍ
ال�سيا�سية الغربية ال�صهيونية تقدم الرجال والن�ساء عا َلمين مختلفين 90. .........
الإ�سالم العظيم ر�سم للمر�أة م�سارها مع الرجل91. ................................
الذين يتحدثون عن حقوق المر�أة ،هل احترموا حقوق المر�أة في �أي بلد �إ�سالمي؟!92.
ما يجري في اليمن ف�ضح الغربيين و�أكاذيبهم حول حقوق المر�أة 93. ..............
المت�شدقون بحقوق الإن�سان في الغرب 93. ......................................
هناك ا�ستهداف للمر�أة في هويتها 94. ...........................................
ما هي الح�ضارة الحقيقية؟ 95. .................................................
نثمن ونقدر ونجل و ُن ْع ِظم ما عليه المر�أة اليمنية 96. ............................
معا96. .................
الفعال والمهم والأ�سا�س للرجال والن�ساء ً
نحن ندرك الدور َّ
هناك محاوالت كبيرة وجادة في م�سخ هويتنا العربية الإ�سالمية الأ�صيلة 97. ......
ال ون�ساء 98. ..........................يتحتم على الجميع القيام بالم�س�ؤولية رجا ً
ن�ؤكد على �ضرورة العودة �إلى �سيرة وحياة ال�سيدة ال�صديقة فاطمة الزهراء البتول99.
يجب �أن نبحث عمن يمثلون القدوة والأ�سوة99. ..................................
يجب �أن نبتعد عن �أعالم ال�ضالل الذين ي�ضلون النا�س با�سم الدين 100. ............
ال�ضالون والمغ�ضوب عليهم في تحالف واحد 101. ................................
‹ › 104