You are on page 1of 104

‫الطبعة اخلامسة‬

‫م‬2021 / ‫هـ‬1442

www.d-althagafhalqurania.com

›2‹
‫ب�سم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫ِّ��ك وَانْحَ رْ (‪� )2‬إِنَّ �شَ ا ِنئ ََك‬
‫َاك ا ْل َك ْوثَرَ (‪ )1‬ف ََ�صلِّ لِرَ ب َ‬
‫}�إِنَّ��ا �أَعْ طَ ْين َ‬
‫ال ْبتَرُ (‪[ {)3‬الكوثر] �صدق اهلل العلي العظيم‪.‬‬ ‫هُ َو ْ أَ‬
‫الحمد رب العالمين‪ ،‬اللهم �ص��ل على محمد وعلى �آل محمد‪ ،‬وبارك‬
‫عل��ى محمد وعلى �آل محمد‪ ،‬كما �ص��ليت وباركت عل��ى �إبراهيم وعلى‬
‫�آل �إبراهي��م �إن��ك حمي��د مجيد‪ .‬وار�ض الله��م عن ال�ص��حابة الأخيار من‬
‫المهاجرين والأن�صار‪.‬‬
‫ي�سرني بمنا�سبة والدة ال�سيدة فاطمة الزهراء البتول ‪� -‬سالم اهلل عليها‬
‫‪� -‬أن �أق��دم هذه الم��ادة المتوا�ض��عة عنها لنتعرف من خالله��ا على بع�ض‬
‫ال�ص��فحات الم�ش��رقة من حياة ال�ص��ديقة الطاهرة �سيدة ن�س��اء العالمين؛‬
‫لحاجتنا الما�س��ة ب�أن نعود �إلى �أعالمنا العظماء عبر التاريخ؛ لن�ستلهم منهم‬
‫القي��م والأخ�لاق والمبادئ‪ ،‬لنتعلم منهم ال�ص��بر والثبات وال�ص��مود في‬
‫مواجهة الم�ستكبرين‪ ،‬لنتعلم منهم مكارم الأخالق ومحا�سن ال�صفات‪.‬‬
‫ال�سيدة فاطمة الزهراء لم تكن امر�أة عادية‪ ،‬و�إنما هي واحدة من الن�ساء‬
‫المتمي��زات عب��ر التاريخ‪ ،‬ب��ل هي �أبرزه��ن و�أف�ض��لهن و�أعظمهن جعلها‬
‫اهلل �س��بحانه وتعالى للمر�أة الم�س��لمة ‪ -‬بالدرجة الأول��ى ‪ -‬قدوة يحتذى‬
‫به��ا �إلى يوم القيامة بما حملته من موا�ص��فات عالي��ة‪ ،‬وبما كانت عليه من‬
‫الجهاد ومن ال�صبر والحب للنا�س والرحمة بهم‪ ،‬وما عرفت به من العبادة‬
‫والتقوى والعمل في �س��بيل اهلل‪ .‬وما �أحوجنا وما �أحوج ن�س��اء ع�صرنا ب�أن‬

‫‹‪›3‬‬
‫يتعرفن على حياتها و�سيرتها لتكون لهن الأ�سوة والقدوة الح�سنة‪ ،‬لن�سمو‬
‫ونرتقي وتزكو نفو�سنا وتطهر قلوبنا كما �أراد اهلل ور�سوله‪.‬‬
‫ف��ي الوقت الذي ي�س��عى �أعدا�ؤنا من �أولياء ال�ش��يطان لأن ي�ص��نعوا لنا‬
‫ولن�س��ائنا ولأطفالنا ول�ش��بابنا قدوات فا�سدين منحطين �ض��ائعين لنكون‬
‫منحطين فا�سدين تائهين �ضائعين مثلهم‪.‬‬
‫وهي مادة مخت�ص��رة بالمنا�س��بة العزيزة‪ ،‬وقد اعتمدت فيها على بع�ض‬
‫مالزم ال�شهيد القائد ال�س��يد‪ /‬ح�سين بدر الدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه‪،‬‬
‫وكذلك على محا�ض��رات ال�س��يد‪ /‬عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه‬
‫اهلل بمنا�س��بة والدة الزه��راء لع��ام ‪1435‬ه��ـ‪ ،‬وغير ذلك من الم�ص��ادر‬
‫التاريخية‪.‬‬
‫ن�س���أل اهلل التوفيق وال�سداد و�أن يوفقنا لل�س��ير على �صراطه الم�ستقيم‬
‫�ص��راط الذي��ن �أنع��م عليه��م‪ ،‬و�أن يبعدن��ا عن طري��ق المغ�ض��وب عليهم‬
‫وال�ضالين‪.‬‬
‫يحيــى قا�ســــم �أبـــو عوا�ضـــــة‬
‫�شهر جمادى الآخرة ‪1442‬هـ‬

‫‹‪›4‬‬
‫�أهمية الدور والمقام للمر�أة الم�ؤمنة‬
‫يقول ال�سيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه‪:‬‬
‫في م�س��يرة الدين وعبر التاريخ وحتى في ظل الر�سل والأنبياء برز دور‬
‫الم��ر�أة الم�ؤمن��ة مرتبطً ا معًا بدور الرجل ككيانٍ واح��د‪ ،‬وكان دورًا مهمًّا‬
‫و�أ�سا�س��يًّا وعظيمًا‪ ،‬ومن �ش��واهده المهمة ما ورد في ق�صة نبي اهلل مو�سى‬
‫عليه ال�سالم‪:‬‬

‫�أم نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم)‬


‫ف��ي الترتيبات الإلهية التي �أرادها اهلل حينما �أذن �س��بحانه وتعالى بفرج‬
‫�أم ٍة م�ست�ض��عف ٍة تعاني الويالت والم�آ�سي من ظلم طاغي ٍة متجبّر هو فرعون‪،‬‬
‫و�أذن اهلل بف��رج تل��ك الأم��ة الم�ست�ض��عفة كان �ض��من الترتيب��ات الإلهية‬
‫ومقدمات ذلك الفرج دو ٌر ر�س��مه اهلل �س��بحانه وتعالى للمر�أة بدءًا من �أم‬
‫مو�سى عليه ال�سالم‪.‬‬
‫فاهلل �س��بحانه وتعالى قال في كتابه الكري��م‪َ } :‬و�أَو َْح ْينَا �إِلَى �أُ ِّم مُو�سَ ى‬
‫�أَنْ �أَر ِْ�ضعِيهِ َف�إِذَا خِ فْتِ عَ َليْهِ َف أَ� ْلقِيهِ فِي ا ْليَمِّ وَال تَخَ افِي وَال تَحْ زَ نِي‬
‫ف�ض��من تلك‬ ‫ْ��ك وَجَ اعِ لُ��و ُه مِ��نَ الْمُ رْ �سَ لِينَ { [القصص‪ِ ،]7 :‬‬
‫�إِنَّ��ا رَادُّو ُه �إِ َلي ِ‬
‫الترتيبات الإلهية �أوحى اهلل �س��بحانه وتعالى �إلى �أم مو�س��ى‪� ،‬أوحى بطبيعة‬
‫المهمة الكبيرة والدور الأ�س��ا�س الذي عهد به �إليها‪ ،‬وو�صلت التعليمات‬
‫م��ن اهلل �س��بحانه وتعالى �إليها عن طري��ق الوحي‪ ،‬دو ٌر مهم ودو ٌر �أ�س��ا�س‬
‫يرتبط به فرج �أم ٍة وخال�صها وانعتاقها من ويالت الظلم والطغيان‪.‬‬

‫‹‪›5‬‬
‫كانت الخط��وة الأولى م��ن خالل ام��ر�أة‪ ،‬وخطو ًة �أ�سا�س��ية‪ ،‬وخطو ًة‬
‫مهم��ة‪ ،‬ومن موقعها ك�أم لأن المر�أة ت���ؤدي دورها دائمًا كدور تكامليٍ مع‬
‫الرج��ل‪ ،‬وهو كذلك ي�ؤدي دورًا تكامليًّا مع المر�أة‪ ،‬لي�س هناك ا�س��تقاللٌ‬
‫في م�س��ار الحياة والم�س�ؤولية ال للرجل عن المر�أة وال للمر�أة عن الرجل‪،‬‬
‫هو ي�ؤدي دورًا مكمّلاً ل��دور المر�أة وهي ت�ؤدي دورًا مكمّلاً لدوره وكلُّ‬
‫دور منهم��ا مرتبطٌ بالآخر ال فكاك �أبدًا؛ لأنهما كيا ٌن واحد و�أ�ص��لٌ واحد‬
‫ومخلوقٌ واحد في م�سيرة الحياة في م�سير ٍة واحدة‪.‬‬
‫ف�أُم مو�س��ى عليه ال�س�لام ‪� -‬أم مو�سى ر�ض��وان اهلل عليها ‪ -‬اهلل �سبحانه‬
‫وتعال��ى جعل من خاللها وعلى يديها وبها الخطوات الأولى في م�ش��روعٍ‬
‫ؤهالت‬
‫�إلهيٍ لخال�ص �أمة فقام��ت بدورها على �أكمل وجه بما لديها من م� ٍ‬
‫�إيماني ٍة وقِيميَّة و�أخالقية‪.‬‬
‫�أوحى اهلل �إليها وحيًا‪ ،‬و�أو�ص��ل �إليها التعليم��ات المهمة } َف�إِذَا خِ فْتِ‬
‫عَ َليْ��هِ َف�أَ ْلقِي��هِ فِ��ي ا ْليَ��مِّ { وم��ا كانت لتفع��ل ذلك وه��ي الأم الحنون‬
‫الر�ؤوفة‪ ،‬ه��ي الأم التي بفطرتها تحمل كل الحن��ان وكل الرحمة والر�أفة‬
‫لر�ض��يعها ال�صغير وال عالقة ت�س��اوي عالقة الأم بر�ضيعها‪ ،‬ما كانت لتُقدم‬
‫على خطو ٍة كهذه لوال �إيمانها الكبير باهلل �سبحانه وتعالى وت�صديقها بوعده‬
‫} َف�أَ ْلقِي��هِ فِي ا ْليَ��مِّ { �ألقيه في البحر}وَال تَخَ افِي وَال تَحْ زَ نِي ِ�إنَّا رَادُّو ُه‬
‫�إِ َلي ِْك وَجَ اعِ لُو ُه مِنَ الْمُ رْ �سَ لِينَ {‪.‬‬
‫أ�سا�س ومهم‪،‬‬
‫ف�أتى �ضمن التعليمات التي �أوحى اهلل بها �إليها لتقوم بدو ٍر � ٍ‬
‫�أتى لها تفا�صيل مهمة عن دور هذا الر�ضيع الم�ستقبلي الذي هو دو ٌر كبيرٌ‪،‬‬

‫‹‪›6‬‬
‫وحظيت �أي�ضً ��ا وهي ت�ؤدي دورها الكبير والمهم حظيت برعاية ور�أفة من‬
‫اهلل �س��بحانه وتعالى وطم�أنة كبيرة من اهلل �س��بحانه وتعالى‪ ،‬فت�ضمنت هذه‬
‫الن�ص��و�ص التي وردت في هذه الجملة عد ًة م��ن الأمور المهمة �أمرين من‬
‫اهلل �س��بحانه وتعالى‪ ،‬ثم نهيين‪ ،‬وب�شارتين }�أَنْ �أَر ِْ�ضعِيهِ َف�إِذَا خِ فْتِ عَ َليْهِ‬
‫َف�أَ ْلقِيهِ فِي ا ْليَمِّ وَال تَخَ افِي وَال تَحْ زَ نِي �إِنَّا رَادُّو ُه �إِ َلي ِْك وَجَ اعِ لُو ُه مِنَ‬
‫الْمُ رْ �سَ لِينَ (‪ )7‬فَا ْل َتقَطَ هُ �آلُ فِرْ عَ وْنَ {[القصص]‪.‬‬
‫والمقادير الإلهية �ساقت مو�سى عليه ال�سالم �إلى ق�صر فرعون ‪ -‬وهناك‬
‫التقط��ه �آل فرعون ‪� -‬س��اقته المقادير الإلهية بتدبي��ر اهلل الحكيم والعظيم‬
‫والمقت��در والمهيم��ن والغالب �س��اقته �إلى ق�ص��ر فرعون ليعود من ق�ص��ر‬
‫فرعون �آمنًا وقد تجاوز مرحلة الخطر التي كانت �س��ائد ًة �آنذاك حيث كان‬
‫فرع��ون ي�أمر بذبح �أي وليدٍ يولد في بني �إ�س��رائيل خوفًا واحترازًا من هذا‬
‫الوليد القادم‪.‬‬

‫�آ�سية بنت مزاحم امر�أة فرعون‬


‫}فَا ْل َتقَطَ هُ �آلُ فِرْ عَ وْنَ ِل َيكُونَ َلهُمْ عَ دُ وًّا و ََحزَ نًا �إِنَّ فِرْ عَ وْنَ وَهَ امَانَ‬
‫و َُجنُودَهُ مَ��ا كَانُ��وا خَ اطِ ئِي��نَ • وَقَ الَتِ امْرَ �أَتُ فِرْ عَ ��وْنَ قُ رَّتُ عَ يْنٍ لِّي‬
‫َ��ك اَل َت ْق ُتلُو ُه عَ �سَ ��ى �أَن يَن َف َعنَا َ�أ ْو َنتَّخِ ذَ ُه َولَدً ا{ [األحقاف‪ ]8،9:‬وهناك‬ ‫َول َ‬
‫في ق�صر فرعون ‪� -‬أي�ضً ا ‪ -‬كان هناك دور مهم و�أ�سا�س المر�أةٍ‪ ،‬ومن خالل‬
‫امر�أ ٍة هي‪ :‬امر�أة فرعون والتي �أي�ضً ��ا كانت �صالحةً‪ ،‬وتحدّث عنها القر�آن‬
‫الكري��م عن �إيمانها بمو�س��ى عليه ال�س�لام‪ ،‬وعن �ص�لاحها‪ ،‬وكانت فعلاً‬
‫امر�أ ًة نموذجً ا راقي ًة في �إيمانها ووعيها و�صالحها‪.‬‬

‫‹‪›7‬‬
‫فنلح��ظ �أنه كان هناك �أي�ضً ��ا با�س��تقباله في ق�ص��ر فرعون دو ٌر �أ�س��ا�س‬
‫المر�أة �أخرى فبد�أ الدور من خالل �أمه‪ ،‬وفي ق�صر فرعون كان ينتظره دو ٌر‬
‫الم��ر�أ ٍة �أخرى كذلك اَ‬
‫}ل َت ْق ُتلُو ُه عَ �سَ ى أَ�ن يَن َف َعنَا �أَ ْو َنتَّخِ ذَ ُه َولَدً ا وَهُ مْ‬
‫اَل يَ�شْ عُ��رُ ونَ • َو�أ َْ�صبَ��حَ فُ���ؤَا ُد �أُ ِّم مُو�سَ ��ى فَارِغً ��ا{ [األحقاف‪ ]9،10:‬بطبيعتها‬
‫الحنون��ة ك�أ ٍم حنونٍ ‪ ،‬بعطفها على ولدها‪ ،‬بقلقها‪ ،‬بخوفها عليه كانت على‬
‫درج�� ٍة عالي ٍة وكبيرة م��ن الخوف والقلق واالنزع��اج } َو�أ َْ�صبَحَ فُ���ؤَا ُد ُ�أ ِّم‬
‫مُو�سَ ��ى فَارِغً ��ا إِ�ن كَادَتْ َل ُتبْدِ ي بِهِ { من �ش��دة خوفها وقلقها على ابنها‬
‫الوليد الر�ضيع ال�صغير كادت تك�شف �أمرها لكنها هنا �أي�ضً ا تحظى برعاي ٍة‬
‫من اهلل كامر�أ ٍة م�ؤمن ٍة قامت بدو ٍر كبير‪ ،‬وتحملت م�س���ؤولي ًة عظيمة } َلو اَْل‬
‫�أَن َّربَطْ نَ��ا عَ لَ��ى قَ ْل ِبهَا ِل َتكُونَ مِ��نَ الْمُ �ؤْ ِمنِينَ {[القص��ص‪ ]10:‬فحفظ اهلل لها‬
‫برعايته �إيمانها‪.‬‬

‫�أخت نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم)‬


‫لُخْ تِهِ قُ ِّ�صيهِ { وهنا دو ٌر �آخر �أي�ضً ��ا ه��و دو ٌر المر�أ ٍة �أخرى‬ ‫}وَقَ الَ��تْ ِ أ‬
‫لُخْ تِ��هِ قُ ِّ�صي��هِ { ابحثي عن��ه وانظري حاله } َفب َُ�ص��رَتْ بِهِ عَ ن‬ ‫}وَقَ الَ��تْ ِ أ‬
‫ُ��ب وَهُ ��مْ اَل يَ�شْ عُرُ ونَ { قامت �أي�ضً ��ا بدو ٍر �آخ��ر‪ ،‬ودو ٍر مهم والذي من‬ ‫ُجن ٍ‬
‫خالله �سيتحقق الوعد الإلهي ب�إعادة مو�سى �إلى �أمه‪ ،‬و�إلى �أح�ضانها لتربيه هي‬
‫ُ��ب وَهُ ��مْ اَل يَ�شْ عُ��رُ ونَ (‪ )11‬و ََح َّر ْمنَ��ا عَ َليْ��هِ‬ ‫} َفب َُ�ص��رَتْ بِ��هِ عَ ��ن ُجن ٍ‬
‫َا�ض َع مِن قَ بْلُ َفقَالَتْ { هذه �أخته } َفقَالَتْ هَ لْ أَ� ُد ُّلكُمْ عَ لَى �أَهْ لِ َبي ٍْت‬ ‫ا ْل َمر ِ‬
‫َي ْك ُفلُونَهُ َلكُمْ وَهُ مْ لَهُ نَا�صِ حُ ونَ (‪َ )12‬ف َر َد ْدنَا ُه �إِلَى �أُمِّهِ كَيْ َت َق َّر عَ ْي ُنهَا‬
‫هلل َحقٌّ َو َلكِنَّ �أَ ْك َثرَهُ مْ اَل َي ْعلَمُ ونَ (‪{)13‬‬ ‫و اََل تَحْ ��زَنَ َو ِل َت ْعلَمَ �أَنَّ وَعْ دَ ا ِ‬

‫‹‪›8‬‬
‫[القصص] تت�ض��من هذه الآيات المباركة الكثير من الدرو�س والعبر والدالئل‬
‫عل��ى �أهمية الدور الذي يمك��ن �أن تقوم به المر�أة الم�ؤمنة حتى في المراحل‬
‫الخطرة والظروف الح�سا�س��ة‪ ،‬والم�س���ؤولية التي يمك��ن �أن تنه�ض بها في‬
‫مواجهة الطغيان والظالمين‪ ،‬ولكن ال يت�سع الوقت للحديث المف�صَّ ل عنها‪.‬‬
‫الق��ر�آن الكريم قدم نماذج متع��ددة وعلى م ِّر التاري��خ مثلما كانت �أم‬
‫مو�س��ى عليه ال�س�لام‪ ،‬و�أخته‪ ،‬وامر�أة فرعون نموذجً ا للمر�أة الم�ؤمنة التي‬
‫تتحمل دورًا مهمًّا وكبيرًا‪ ،‬وتنه�ض بم�س�ؤولي ٍة مهمة يترتب عليها �أم ٌر كبي ٌر‬
‫وعظيم هو خال�ص �أم ٍة وفرجها وا�ستنقاذها من الظلم والطغيان هناك على‬
‫م�س��توى الكمال الإيماني ف��ي طبيعة العالقة مع اهلل �س��بحانه وتعالى على‬
‫الم�ستوى العظيم من الإيمان والتقوى والمحبة هلل واالرتباط باهلل‪.‬‬

‫امر�أة نبي اهلل عمران (عليه ال�سالم)‬


‫نموذج �آخر �أي�ضً ��ا تحدث القر�آن الكريم عنه هو امر�أة نبي اهلل عمران‪،‬‬
‫والقر�آن الكريم تحدث عنها كيف كانت على م�س��توىً عالٍ من الإيمان‪،‬‬
‫وكي��ف كانت ف��ي �إيمانها ومحبتها هلل حري�ص�� ًة على �أن تقدِّم هلل �س��بحانه‬
‫وتعالى �أغلى ما لديها و�أغلى ما عندها و�أعز �شي ٍء عليها }�إِ ْذ قَ الَتِ امْرَ �أَ ُة‬
‫عِ مْ��رَ انَ رَبِّ �إِنِّ��ي نَذَ رْتُ ل ََك مَا فِي بَطْ نِي مُحَ �� َّررًا َف َت َقبَّلْ ِمنِّي �إِن ََّك َ�أنتَ‬
‫ال�سَّ مِي��عُ ا ْل َعلِيمُ {[آل عمران‪ ]35:‬في نهاية المطاف وبعد والدتها كان حملها‬
‫هو مريم‪ ،‬مريم بنت عمران عليها ال�سالم‪.‬‬

‫‹‪›9‬‬
‫مريم بنت عمران (عليها ال�سالم)‬
‫كذلك مريم كانت نموذجً ا متميزًا على درج ٍة عالي ٍة من الكمال الإن�ساني‬
‫والإيمان��ي‪ ،‬امر�أ ًة زكي�� ًة طاهر ًة راقيةً‪ ،‬واهلل �س��بحانه وتعالى تحدث كثيرًا‬
‫في القر�آن الكريم عنها وحتى �س��مى �سور ًة با�سمها (�سورة مريم)‪ ،‬ويقول‬
‫اهلل �س��بحانه وتعالى في كتابه الكريم‪َ }:‬و ِ�إ ْذ قَ الَ��تِ ا ْل َم َال ِئكَةُ يَا مَرْ يَمُ �إِنَّ‬
‫َاك عَ لَى نِ�سَ اء ا ْلعَا َلمِينَ {[آل عمران‪]42:‬‬ ‫َا�صطَ ف ِ‬
‫َ��اك وَطَ هَّرَ ِك و ْ‬
‫ا�صطَ ف ِ‬
‫هلل ْ‬
‫ا َ‬
‫خاطبته��ا المالئكة ونادته��ا و�أخبرتها �أن اهلل ا�ص��طفاها‪ ،‬و�أن اهلل طهرها‪،‬‬
‫و�أن اهلل ا�ص��طفاها لتكون �أمًّا لعي�س��ى عليه ال�سالم الذي هو نبي اهلل وعبده‬
‫وروحه وكلمته‪ ،‬وا�صطفاها كذلك على ن�ساء العالمين في م�س�ؤولي ٍة مهمة‬
‫ج�س��دت من خاللها قيم الدين القيم والأخالق المثلى لدين اهلل �س��بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬والحديث عنها وا�س ٌع في القر�آن الكريم‪.‬‬

‫خديجة بنت خويلد (�سالم اهلل عليها)‬


‫نم��وذج �آخر هو‪ :‬خديجة بنت خويلد تلك المر�أة الزكية المر�ض��ية التي‬
‫كانت منذ بداية الر�سالة مع زوجها ر�سول اهلل محمد �صلوات اهلل عليه وعلى‬
‫�آله فكانت ال�س��بّاقة �إلى الإ�سالم‪� ،‬أول من �سبق �إلى الإ�سالم و�آمن بالر�سول‬
‫محم��د �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آل��ه‪ ،‬وكانت في �إيمانها عل��ى درج ٍة عالي ٍة‬
‫من التقوى والإخال�ص وال�صدق‪ ،‬كانت نا�صرةً‪ ،‬وكانت معينةً‪ ،‬وقدمت ما‬
‫تملك من المال‪ ،‬وكانت ثري ًة حتى لقد قيل �إن من مقومات الدعوة لر�س��الة‬
‫النب��ي محمد �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آل��ه في حركته ‪ -‬ف��ي البداية ‪ -‬مال‬
‫خديجة كان �إحدى المقومات المهمة لقيام الإ�سالم [مال خديجة]‪.‬‬
‫‹ ‪› 10‬‬
‫كان��ت خديجة بما تمتلك من قيم و�أخالق و�إيمان و�ص��دق و�إخال�ص‬
‫ون�ص��ح ون�صرة ومعونة تتحرك بكل ما ت�س��تطيع من �أجل �إقامة الحق‪ ،‬من‬
‫�أجل ن�ص��رة الدين تقف بكل �صدق مع ر�سول اهلل �صلوات اهلل عليه وعلى‬
‫�آله موا�سي ًة معين ًة منا�صرة‪.‬‬
‫وللمرتبة التي و�ص��لت �إليها خديجة ر�ضوان اهلل عليها فقد نزل الوحي‬
‫�إلى النبي �صلوات اهلل عليه وعلى �آله فيما روي (مبلغًا عن اهلل ال�سالم �إليها‬
‫فنزل جبريل عليه ال�سالم و�أبلغ النبي �صلوات اهلل عليه وعلى �آله �أن يبلغها‬
‫ببيت في الجنة من ق�ص��ب ال ن�ص��ب فيه وال‬ ‫من اهلل ال�س�لام و�أن يب�ش��رها ٍ‬
‫�ص��خب) من ق�صب يعني من الل�ؤل�ؤ الرطب وبيت تعي�ش فيه م�ستقرة هانئة‬
‫�سعيدة‪ ،‬وهكذا كانت نموذجً ا متميز ًة في تاريخ الر�سالة الإلهية‪.‬‬

‫فاطمة بنت �أ�سد (�سالم اهلل عليها)‬


‫فاطمة بنت �أ�س��د زوجة �أبي طالب ر�ض��وان اهلل عليه و�أم �أمير الم�ؤمنين‬
‫علي عليه ال�س�لام هي من النماذج التي تميزت بدورها العظيم في عنايتها‬
‫بر�س��ول اهلل �ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم في مرحل��ة طفولته المبكرة‬
‫(فاطمة بنت �أ�س��د)‪ ،‬قال عنها �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله‪�(( :‬إنها �أمي))‪،‬‬
‫كان يعتبرها ك�أمه فيما �أولته من عناية ورعاية واهتمام في طفولته‪.‬‬
‫هاجرت فاطمة بنت �أ�س��د �إلى المدينة وتوفيت بها‪ ،‬ويروى عن ر�سول‬
‫اهلل لما توفِّيت �أنه قال‪(( :‬اليوم ماتت �أمي))‪.‬‬

‫‹ ‪› 11‬‬
‫فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) هي النموذج الأرقى‬
‫ً‬
‫تميزا‬ ‫والأكثر‬
‫النموذج الآخر‪ :‬النموذج الأرق��ى والأكثر تميزًا كان فاطمة الزهراء‪،‬‬
‫فاطمة بنت ر�س��ول اهلل محمد �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله‪ ،‬و�أمها خديجة‬
‫ر�ضوان اهلل عليها‪ ،‬فاطمة عليها ال�سالم التي قال عنها الر�سول �صلوات اهلل‬
‫عليه وعلى �آله «�إنها �سيدة ن�ساء العالمين و�إنها ب�ضعةٌ منه من �آذاها‬
‫فقد �آذاه»‪.‬‬

‫‹ ‪› 12‬‬
‫م�شيئة اهلل وحكمته تجمع ال�صادق الأمين بالطاهرة الوفية‬
‫قبل �أن نعي�ش مع الزهراء �س�لام اهلل عليها في بع�ض م�سيرة حياتها ال بد‬
‫�أن نع��ود �إلى الأيام التي جمعت فيها م�ش��يئة اهلل و�إرادته �أبويها الكريمين‪:‬‬
‫محمد بن عبد اهلل‪ ،‬وخديجة بنت خويلد‪.‬‬
‫محم��د بن عبد اهلل بن عبد المطلب �ش��اب في ريعان �ش��بابه عُرف في‬
‫قوم��ه بالعفة والطهارة‪ ،‬وكلما مرت الأع��وام ازداد محمد تميزًا ورجاحة‬
‫في العقل‪ ،‬كان كثير الت�أمل في الكون الف�سيح‪ ،‬ال يعبد الأ�صنام‪ ،‬وال يفعل‬
‫المنكرات‪ ،‬يتحلى بالأخالق الفا�ضلة والقيم النبيلة‪� ،‬إنها موا�صفات لفتت‬
‫انتباه ال�سيدة خديجة بنت خويلد وهي موا�صفات محببة �إلى قلبها‪.‬‬
‫وهي ال�ش��ابة التي عُرفت �أي�ضً ا في قومها بذات المال والجمال والجاه‬
‫والعق��ل‪ ،‬وبلغ من عل ّو �ش���أنها �أنّها كانت قبل �أن تتزوج بالنبي (�ص��لى اهلل‬
‫عليه وعلى �آله و�س��لم) تُعرف بالطاهرة لعفتها وا�ستقامتها‪ ،‬وب�سيدة ن�ساء‬
‫قري���ش‪ ،‬وهي مع ذلك من �أثرياء قري�ش و�أو�س��عهم جاهً��ا‪ ،‬خطبها زعماء‬
‫قري���ش �إال �أنه��ا كان��ت ترف�ض؛ لأنها لم تج��د في �أحد منهم �ض��التها التي‬
‫تبحث عنها‪.‬‬
‫كان��ت تتابع ب�ش��غف كبير �أخبار محمد هذا ال�ش��اب ال��ذي عُرف بين‬
‫قومه بـ (ال�ص��ادق الأمين) �إنه ابن �سادة قري�ش‪ :‬ها�شم وعبد المطلب و�أبي‬
‫طالب‪� ،‬إنه الحكيم الذي �أ�ص��لح بين قبائ��ل قري�ش حين كادت تقتتل عند‬
‫�إعادة بناء الكعبة ال�ش��ريفة حين و�صل البناء �إلى الحجر الأ�سود واختلفت‬
‫قبائل مكة على من ي�ض��ع الحجر الأ�س��ود في مو�ض��عه‪ ،‬وكادت الحرب‬

‫‹ ‪› 13‬‬
‫ت�ش��تعل بينهم‪ ،‬لقد وقف محمد بحكمته العالية بعد �أن ترا�ض��وا به حكمًا‬
‫وق��ال‪« :‬هذا ردائي �ضع��وا الحجر فوقه وليم�س��ك كل كبير قبيلة‬
‫بط��رف من الث��وب ولترفعوه جميعًا» ف�أُعجب �أهل مكة بهذا ال�ص��لح‬
‫الذي حافظ على �أرواحهم ودمائهم وجنَّبهم الحرب فيما بينهم‪.‬‬
‫لقد �أ�ص��بح الحديث عن هذا ال�شاب وحكمته ورجاحة عقله و�أخالقه‬
‫الكريم��ة هو حديث المجال���س في قري�ش‪ ،‬وكان محمد (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعل��ى �آله و�س��لم) كلما ازداد رفعة و�ش��رفًا ومكانة في قوم��ه كان يزداد‬
‫أول‬
‫توا�ض��عًا لهم وعطفً��ا عليهم ورحمة به��م‪ ،‬لقد كانت خديج��ة تتابع � اً‬
‫ب�أول ما يقال عن محمد‪ ،‬وكل يوم تزداد يقينًا ب�أن هذا ال�ش��اب هو فار�س‬
‫�أحالمها الذي تبحث عنه‪.‬‬
‫بد�أت ال�سيدة خديجة بنت خويلد تقترب �أكثر من هذا ال�شاب الذي‬
‫�صار محط �إعجاب الجميع ف�أر�سلت �إليه ليذهب في تجارتها وبذلت له‬
‫�ض��عفي ما كانت تبذله لغيره‪ ،‬فوافق على طلبها بعد �أن ا�ست�ش��ار عمه �أبا‬
‫طالب‪ ،‬و�أر�سلت معه غالمها (مي�سرة) لخدمة القافلة ورعايتها‪ ،‬والأكثر‬
‫من هذا والأهم عند ال�سيدة خديجة هو �أن يتعرف على محمد عن قرب‬
‫وينق��ل لها تفا�ص��يل ما ح�ص��ل في ه��ذه الرحلة وما �ش��اهده من �أخالق‬
‫محمد‪.‬‬
‫كان��ت الرحل��ة ناجحة وموفّقة ب�ش��كل ل��م توفق له رحل��ة قبلها‪ ،‬كان‬
‫مي�س��رة يحث الخطى في طريق الع��ودة �إلى مكة ليخبر �س��يدته بما جرى‬
‫في هذه الرحلة‪ ،‬وقبل دخول القافلة م�ش��ارف مكة �س��بقهم م�سرعًا ليخبر‬

‫‹ ‪› 14‬‬
‫خديجة بما جرى وما حدث لمحمد في طريق رحلتهما من الأمور الغريبة‬
‫والكرامات العجيبة‪.‬‬
‫ومن نبوغ وحدّة ذكاء ال�س��يّدة خديجة ونظرته��ا البعيدة �أنّها �أدركت‬
‫عظمة �شخ�ص��ية الر�سول الأكرم (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) و�سمو‬
‫�أخالقه قبل تكليفه بر�س��الة ال�س��ماء‪ ،‬و�أنه ينتظره م�ستقبل عظيم فاختارته‬
‫زوجً ا لها من دون الرجال وال�شخ�صيات المرموقة الذين تقدموا لخطبتها‪،‬‬
‫ولإعجابه��ا ال�ش��ديد ف�إنه��ا وخالفًا للأعراف ال�س��ائدة ه��ي التي تقدمت‬
‫وعر�ضت نف�سها ورغبت في االقتران به‪.‬‬

‫الزواج المبارك بال�سيدة خديجة بنت خويلد‬


‫وهكذا اقت�ض��ت م�شيئة اهلل �س��بحانه وتعالى وحكمته �أن يتزوج محمد‬
‫ال�ص��ادق الأمين (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) بال�سيدة خديجة بنت‬
‫خويلد‪ ،‬كان عمره في تلك الفترة خم�سً ��ا وع�ش��رين �سنة وهي بنت �ست‬
‫وع�ش��رين وقيل ثمان وع�ش��رين �س��نة والراج��ح ب�أنها كانت ع��ذراء يوم‬
‫تزوجها الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪.‬‬
‫لقد تحققت �أمنيتها تلك وتم الزواج المبارك وعا�شت مع محمد‬
‫ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) �أ�سعد الأيام و�أجملها‪ ،‬وكان‬
‫يزداد كل يوم �شعورها ب�أن اهلل يعد هذا الرجل لأمر عظيم ومهمة ج�سيمة‪.‬‬
‫ر�سول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) ما بعد اقترانه بخديجة وزواجه‬
‫المب��ارك منها ت�أمن له ا�س��تقرار في حياته وقد قدمت نف�س��ها وثروتها وما‬

‫‹ ‪› 15‬‬
‫تملك في خدمة ر�س��ول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) وعرفت بف�ضله‪,‬‬
‫وعرف��ت بمكانته‪ ,‬وعرفت بق��دره وقيمته و�أعزته‪ ,‬ول��م تتعامل فقط معه‬
‫كزوج عادي ترتبط به ارتباطاً عادياً‪ ,‬ال‪ ,‬عرفت �أن له �ش���أناً عظيماً ومنزلة‬
‫ال مهماً‪ ,‬فكان لها �إ�سهام كبير‪ ,‬و�أمنت للر�سول (�صلوات‬ ‫كبيرة وم�س��تقب ً‬
‫اهلل عليه وعلى �آله) فر�ص��ة لأن يكون له �أوق��ات للعبادة‪ ,‬و�أوقات للخلوة‬
‫و�أوقات للت�أمل‪.‬‬
‫حتى �إذا بلغ الأربعين من العمر حين كان في غار حراء ـ كعادته ـ لعبادة‬
‫اهلل على دين �إبراهيم (عليه ال�س�لام) يت�أمل في خلق ال�س��موات والأر�ض‪،‬‬
‫ويت�ألم عل��ى حلول الجاهلية محل الدين الحني��ف ‪ -‬دين �إبراهيم الخليل‬
‫‪ -‬ج��اءه الروح الأمين جبريل (عليه ال�س�لام) ملك الوحي �إلى ر�س��ل اهلل‬
‫(عليهم �صلوات اهلل و�سالمه) مبلغًا له بر�سال ٍة من رب العالمين‪.‬‬
‫وهك��ذا بعث اهلل نبيه محمدًا خاتم الأنبياء والمر�س��لين‪ ،‬بعثه بر�س��الته‬
‫الخاتِم��ة‪ ،‬بعث��ه بالإ�س�لام دينًا عظيمًا‪ ،‬ه��ذا الدين القويم ال��ذي هو �إرث‬
‫الأنبياء‪ ،‬هو خال�صة ر�سالتهم‪ ،‬القر�آن الكريم هو يمثل الوثيقة الإلهية التي‬
‫ت�ضمنت محتوى كتب اهلل ال�سابقة‪ ،‬بعثه على حين فترة من الر�سل في ظل‬
‫جاهلي��ة جهالء �أطبقت ظلماته��ا على الأر�ض فع ّم في ه��ذه الدنيا الجهل‬
‫والظلم وال�شر والف�ساد والطغيان‪ ،‬وتنكرت الب�شرية لتعاليم اهلل التي �أتت‬
‫في ال�س��ابق عن طريق �أنبيائه ور�س��له وكتبه‪ ،‬و�أ�ص��بح واقع الب�شرية واقعًا‬
‫�سيئًا جدًّا انحط الإن�سان فيه عن �إن�سانيته كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا‪.‬‬
‫وعندم��ا بعث اهلل محمدًا بالر�س��الة الخاتمة لم تتفاج�أ ال�س��يدة خديجة‬

‫‹ ‪› 16‬‬
‫ر�ض��وان اهلل عليه��ا بذل��ك فقد كانت ت��درك ب�أن��ه ينتظر زوجه��ا محمدًا‬
‫(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) م�ستقبل واعد‪ ،‬فلم تتردد في الإيمان به‬
‫والت�ص��ديق بدعوته فكانت �سباقة �إلى الإيمان بدعوته‪ ،‬بل كانت له ال�سند‬
‫والمعين و�س��خرت كل تجارتها وممتلكاتها ونفوذه��ا ومكانتها وحياتها‬
‫كلها في �س��بيل ن�ش��ر هذه الر�س��الة الإلهي��ة فكانت بحق م��ن المقومات‬
‫الأ�سا�سية في �إقامة هذا الدين العظيم‪.‬‬
‫وع��ن عائ�ش��ة �أنَّها قالت‪ :‬كان ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله‬
‫و�س��لم) �إذا ذكر خديجة لم ي�س�أم من الثناء علیها واال�ستغفار لها‪ ،‬فذكرها‬
‫ذات يوم فحملتني الغیرة فقلت‪ :‬وهل كانت �إالّ عجوزًا قد �أخلف اهلل لك‬
‫خیرًا منها؟ قالت‪ :‬فغ�ضب حتى اهتز مقدّم �شعره وقال‪« :‬واهلل ما �أخلف‬
‫ل��ي خیرً ا منها‪ ،‬لق��د �آمنت بي �إذ كفر النا���س‪ ،‬و�صدَّ قتني �إذ كذبني‬
‫النا�س‪ ،‬و�أنفقتني ماله��ا �إذ حرمني النا�س‪ ،‬ورزقني اهلل �أوالدها �إذ‬
‫حرمني �أوالد الن�ساء»‪ .‬قالت‪ :‬فقلت في نف�س��ي‪ :‬واهلل ال �أذكرها ب�سوء‬
‫�أبدًا‪.‬‬

‫والدة الزهراء �سالم اهلل عليها‬


‫ومن هذي��ن الأبوي��ن الكريمين خات��م الأنبياء محمد (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�س��لم) وال�س��يدة خديجة بن��ت خويلد وُلدت ال�س��يدة فاطمة‬
‫الزهراء البتول وكفى بهذا �شرفًا ومجدًا وف�ضلاً و�سموًّا‪.‬‬
‫كانت والدة الزهراء �س�لام اهلل عليها في يوم الجمعة في الع�ش��رين من‬
‫�شهر جمادى الآخرة قبل البعثة النبوية بب�ضع �سنوات‪.‬‬
‫‹ ‪› 17‬‬
‫الزهراء البتول تتربى وتكبر في �أح�ضان �أبيها ر�سول‬
‫اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫وقت احتدم فيه ال�صراع بين‬ ‫ن�ش���أت الزهراء البتول �سالم اهلل عليها في ٍ‬
‫�أبيها ر�س��ول اهلل محمد (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) من جهة‪ ،‬وبين‬
‫طواغي��ت قري�ش من جهة �أخرى �إال �أن هذا لم ي�ش��غل ر�س��ول اهلل (�ص��لى‬
‫اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) عن تربي��ة وت�أهيل ابنته التي ب�ش��ره اهلل بها قبل‬
‫والدته��ا‪ ،‬ول��م تثنه مواجهة ال�ش��رك والطغي��ان عن �إعطاء ابنت��ه االهتمام‬
‫الكبي��ر‪ ،‬وخ�صو�صً ��ا وقد ع��رف الدور المه��م البنته المبارك��ة‪ ،‬و�أنه عن‬
‫طريقها ومن خاللها �سوف ت�ستمر ال�سُّ نة الإلهية في الهداية �إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وهكذا كان‪ ،‬وهكذا ن�ش�أت فاطمة الزهراء في �أح�ضان الوحي والنبوة‬
‫ف��ي بيت مفع��م بكلم��ات اهلل و�آيات الق��ر�آن المجيد‪ ،‬وعا�ش��ت طفولتها‬
‫تتربى عند �أبيها ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فمنذ طفولتها‬
‫وهي تعي�ش في �أح�ض��ان الر�س��الة تتربى �أح�س��ن تربية و�أعلى تربية و�أعظم‬
‫تربي��ة كي��ف ال؟! ومن تولى تربيتها وتعليمها وتن�ش��ئتها ه��و خاتم الأنبياء‬
‫والمر�سلين محمد �صلوات اهلل عليه وعلى �آله‪.‬‬
‫عا�ش��ت ال�س��يدة فاطمة الزهراء �س�لام اهلل عليها مرحلة طفولتها وهي‬
‫ترقب �أباها وتتابع انطالقته في تبليغ ر�سالة اهلل �صابرًا محت�سبًا‪ ،‬ثابتًا‪ ،‬مبلغًا‬
‫ر�س��االت ربه‪� ،‬ص��ادعًا بالحق ال يبالي ب�أنه وحيد في هذه الأر�ض فكانت‬
‫ت�ش��اهد وتتابع م��ا يحدث ويج��ري باهتمام كبي��ر وتتعلم م��ن ذلك �أبلغ‬
‫الدرو�س والعبر‪.‬‬

‫‹ ‪› 18‬‬
‫وجاء عام الحزن ليلقي بظالله على ال�سيدة الزهراء‬
‫بالرغم من الم�ص��اعب التي كان يواجهها ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�س��لم) في بداية الدعوة‪ ،‬وما الق��اه من تعنت قري�ش وطغيانهم‬
‫و�أذاهم �إال �أن الر�س��ول (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) كان فرحً ا بما‬
‫تحققه الدعوة الجديدة من �إنجازات مت�س��ارعة‪ ،‬وال�سيدة خديجة ت�سخر‬
‫�إمكاناتها في دعم و�إ�س��ناد ه��ذا التحرك‪ ،‬و�أبو طالب يعم��ل على حمايته‬
‫م��ن بط�ش قري�ش �إال �أن هذه الفرحة لم ت�س��تمر طويلاً ف�إن �أبا طالب الذي‬
‫تخ�ش��اه قري�ش يغادرهم �إلى جوار ربه را�ض��يًا مر�ض��يًا وقد �آمن به و�أ�سلم‬
‫ون�صر ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ويعم الحزن كل �أحياء‬
‫مكة وبيوتها‪.‬‬
‫ويقف ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) بجوار الج�س��د‬
‫الطاه��ر ويق��ول ب�ص��وت حزي��ن‪« :‬كفلتن��ي يتيمً��ا وربيتن��ي �صغيرً ا‬
‫ون�صرتن��ي كبيرً ا فجزاك اهلل عني خيرً ا»‪ .‬ثم يغ�س��له ويكفنه و�ألم‬
‫الفراق يملأ الأجواء ودفنه بيديه الطاهرتين‪.‬‬
‫وبينما الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في الأيام الأولى لفراق‬
‫�أبي طالب يرجع �إلى زوجته التي توا�س��يه ف��ي كل محنة ولكنها ترقد على‬
‫فرا�ش المر�ض وعيناها توا�س��ي ر�سول اهلل في م�صابه بعمه وهي تو�شك �أن‬
‫تفارقه‪ ،‬فمن يوا�س��يه في م�صابه بها؟ فقد فا�ضت روح خديجة الطاهرة �إلى‬
‫بارئها را�ضية مر�ضية‪.‬‬
‫ومما زاد من �ألم ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) �س�ؤال‬

‫‹ ‪› 19‬‬
‫وَجّ هت��ه فاطم��ة الزهراء �إل��ى �أبيها بعد دف��ن �أمها حيث قالت ل��ه‪� :‬إلى �أين‬
‫ذهبت �أمي؟‬
‫ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) والحزن يملأ قلبه‪�« :‬إلى‬
‫مقرها في الجنة مع مريم بنت عمران و�آ�سية بنت مزاحم»‪.‬‬
‫فتطمئ��ن فاطمة (عليها ال�س�لام) وترج��ع مع �أبيها �إل��ى المنزل لتكون‬
‫القلب الحنون الذي يوا�س��ي �أباها ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله‬
‫و�سلم) ‪.‬‬
‫فاطم��ة (الفتاة) التي لم ت�ش��بع من حنان االُموم��ة وعطف الوالدة بعد‪،‬‬
‫فقد �شاطرته الم�أ�ساة ورُزئت هي االُخرى‪ ،‬ف�شملتها المحنة في ذلك العام‬
‫الحزين‪ ،‬و�شعرت بغمامة الحزن واليتم تخيم على حياتها الطاهرة‪.‬‬
‫ويح�س الأب الحنون (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بوط�أة الحزن‬
‫عل��ى نف���س ابنته فاطمة (عليها ال�س�لام) ويرى دموع �ألم الفراق تت�س��ابق‬
‫على خديها‪ ،‬فيرقُّ القلب الرحيم‪ ،‬وتفي�ض م�شاعر الود والأُبوَّة ال�صادقة‪،‬‬
‫فيحنو ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) على فاطمة‪ ،‬يعو�ضها‬
‫من حبه وحنانه ما فقدته في �أُمها من حب ورعاية وحنان‪.‬‬
‫لقد �أحب ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فاطمة‪ ،‬و�أحبته‪،‬‬
‫وحنا عليها‪ ،‬وحنت عليه‪ ،‬فلم يكن �أحد �أحب �إلى قلبه‪ ،‬وال �إن�س��ان �أقرب‬
‫�إلى نف�س��ه من فاطمة‪ ،‬لقد �أحبها وكان ي�ؤكد‪ -‬كلما وجد ذلك �ضروريًّا ‪-‬‬
‫هذه العالقة بفاطمة‪ ،‬ويو�ض��ح مقامها ومكانتها ف��ي �أُمته‪ ،‬وهو يمهد لأمر‬
‫عظيم وق��در خطير يرتبط بفاطم��ة‪ ،‬وبالذرية الطاهرة الت��ي �أعقبته فاطمة‬

‫‹ ‪› 20‬‬
‫وبالأمة الإ�سالمية كلِّها فها هو ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫يع��رف فاطمة وي�ؤكد للم�س��لمين‪« :‬فاطمة ب�ضعة من��ى فمن �أغ�ضبها‬
‫�أغ�ضبني» ‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء � ّأم �أبيها‬


‫تكبر فاطمة (عليها ال�سالم) وت�شب وي�شب معها حب �أبيها لها ويزداد‬
‫حنانه عليها وتبادله هي هذا الحب وتملأ قلبه بالعطف والرعاية في�س��ميها‬
‫«�أُ َّم �أبيها»‪.‬‬
‫وف��ي ه��ذه الفترة الع�ص��يبة عا�ش��ت مع �أبيها م��ا القاه من ال�ص��عوبات‬
‫والمح��ن وم��ن الح�ص��ار والأذى فكانت ترعى �أباها رغم �ص��غر �س��نها‪،‬‬
‫وتعمل جاهدة عل��ى ملء الفراغ الذي تركته والدتها خديجة الكبرى بعد‬
‫رحيلها �إلى بارئها‪.‬‬
‫لقد �ش��اركت �أباها �آالمه و�آماله‪ ،‬وقد انطل��ق وحده ليقف بوجه الكفر‬
‫العالم��ي وعب��ادة الأ�ص��نام وال�ش��رك‪ ،‬ويغالب الم�ش��اكل والم�ص��اعب‬
‫الخطيرة‪.‬‬
‫وقد حفظ لها النبي هذا الدور‪ ،‬والتقت عاطفته بحنانها‪ ،‬فكان �إذا �أراد‬
‫ال�س��فر �سلَّم على من �أراد الت�س��ليم عليه من �أهله‪ ،‬ثم يكون �آخر من ي�سلِّم‬
‫عليه فاطمة‪ ..‬فيكون وجهه �إلى �س��فره من بيته��ا‪ ،‬و�إذا رجع بد�أ بها‪ ..‬لقد‬
‫كانت ت�ش��عر �أن �أباها (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) يمثِّل كل �شيء في‬
‫تح�س �أن عليها �أن تبذل له كل �شيء‪.‬‬
‫حياتها ك�أب‪ ،‬وكنبي‪ ،‬فقد كانت ُّ‬

‫‹ ‪› 21‬‬
‫كان��ت ترقب انفعاالت وجه��ه‪ ،‬وخلجات نظراته؛ لتفه��م منها كل ما‬
‫يريده وما ال يريده‪ ،‬دون �أن يقول �شيئًا �أو ينهاها عن �شيء‪ ،‬فتبادر المتثال‬
‫�أوام��ره ونواهيه دون �إبط��اء �أو تردُّد‪ ،‬مدفوعة �إلى ذل��ك بعامل المحبَّة له‬
‫والتقدي�س ل�شخ�صه كنبي‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء جنب ًا �إلى جنب مع �أبيها‬


‫لمواجهة ال�صراع‬
‫و�ش��اء اهلل �س��بحانه وتعالى �أن ت�ش��هد فاطم��ة فترة �ص��راع الدعوة في‬
‫مكة‪ ،‬وت�ش��هد محنة �أبيها (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪ ،‬فترى الأذى‬
‫واال�ض��طهاد يقع عليه وت�شهد جو مكة المعادي لبيت النبوة‪ ،‬بيت الهدى‬
‫والإيمان والف�ض��يلة‪ ،‬وت�ش��اهد �أباها وال�ص��فوة الم�ؤمنة من دعاة الإ�سالم‬
‫وال�سابقين بالإيمان يخو�ض��ون ملحمة البطولة والجهاد‪ ،‬في�ؤثر هذا الجو‬
‫الجهادي في نف�س��ها‪ ،‬وي�س��اهم ف��ي تكوين �شخ�ص��يتها‪ ،‬و�إعدادها لحياة‬
‫التحمل والمعاناة‪.‬‬
‫لق��د عاي�ش��ت فاطمة الزهراء (عليها ال�س�لام) كل ذل��ك وهي بعد لمَّا‬
‫تزل �ص��بية �ص��غيرة‪ ،‬لقد عاي�ش��ت المحنة الأ�ش��د مع �أبيها‪ ،‬بعد فقد �أُمها‬
‫‪ -‬التي كانت الموا�س��ي والأني�س والحبيب ال��ذي كان يخفِّف عنها وعن‬
‫�أبيها ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) متاعب الحياة والآالم‬
‫واال�ض��طهاد ‪ -‬وبع��د فقد �أبي طالب حامي الدعوة والمدافع عن ر�س��ول‬
‫اهلل ال��ذي ما تج��ر�أت قري�ش في حياته �أن ت�ؤذيه (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫و�سلم) �أو تنال منه �شيئًا‪� ،‬إال كان لها بالمر�صاد‪.‬‬

‫‹ ‪› 22‬‬
‫هذه الحماية التي عبّر عنها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫بع��د فقده �أب��ا طالب بقوله‪« :‬ما زالت قري�ش كاع��ة((( عنى حتى مات‬
‫�أبوطالب»‪.‬‬
‫وا�س��تمر ر�س��ول اهلل محمد (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) مبلغًا‬
‫لر�س��الة اهلل‪ ،‬عاملاً على هداي��ة النا�س و�إنقاذهم وتحريره��م من العبودية‬
‫لغير اهلل جل وعال حتى و�صل الحال بعد ثالث ع�شرة �سنة في مكة �إلى �أن‬
‫يح�صل ت�آمر كبير لهدف ت�صفيته والق�ضاء عليه ب�أي طريقة‪ ،‬وهنا جاء قرار‬
‫من اهلل له بالهجرة �إلى يثرب} َف�إِن َي ْكفُرْ ِبهَا هَ ـ�ؤُالَء َفقَدْ َو َّك ْلنَا ِبهَا قَ ْومًا‬
‫َّليْ�سُ و ْا ِبهَا ِبكَافِرِ ينَ { [األنعام‪.]89:‬‬

‫((( كانوا يجبنون عنه حتى مات وتجر�ؤا عليه‪.‬‬

‫‹ ‪› 23‬‬
‫قرار الهجرة من مكة �إلى المدينة‬
‫واجه م�ش��ركو مكة النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بالتكذيب‬
‫والع��داء و�إثارة المجتمع �ض��ده لكنه��م لم يفلحوا في الق�ض��اء على هذه‬
‫الر�سالة العظيمة‪ ،‬ا�ستمر ر�سول اهلل محمد (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫�ص��ابرًا محت�سبًا ثابتًا‪ ،‬مبلغًا ر�ساالت ربه‪� ،‬صادعًا بالحق ال يبالي ب�أنه وحيد‬
‫في هذه الأر�ض وبد�أ م�ش��واره وحيدًا وفيما بعد ا�س��تجاب له فئة قليلة من‬
‫النا�س‪ ،‬لم يوح�ش��ه ذلك‪ ،‬توكل على اهلل و�ص��دع ب�أمر اهلل و�ص��بر و�صابر‬
‫وا�ستمر في تذكير عباد اهلل برحمة كبيرة �إلى حد �أنه من �شدة الحر�ص على‬
‫هداية النا�س ويرى الخطر الكبير عليهم في عدم اال�س��تجابة هلل والخ�سارة‬
‫الكبيرة عليهم ت�أخذه الح�س��رة الكبيرة على النا�س والألم ال�شديد �إلى حد‬
‫��ك عَ لَى �آثَارِهِ مْ �إِن لَّ��مْ ُي�ؤْ ِمنُوا ِبهَذَ ا‬ ‫�أن يق��ول اهلل‪َ }:‬ف َل َعل َ‬
‫َّ��ك بَاخِ عٌ َّنفْ�سَ َ‬
‫الْحَ دِ يثِ �أَ�سَ فًا{[الكهف‪ ]6:‬تكاد تقتل نف�س��ك‪ ،‬تكاد تخنق نف�سك من الهم‬
‫والحزن والأ�س��ف على ه�ؤالء كيف ال يهتدون؟ كيف يعر�ض��ون عما هو‬
‫خي��ر له��م‪ ،‬عما هو عزة لهم‪ ،‬عما هو �ش��رف كبير له��م‪ ،‬عما فيه فالحهم‬
‫وم�ستقبلهم في الدنيا والآخرة؟‪.‬‬
‫ا�س��تمرت هذه الحالة من ال�ص��راع ب�ش��كل �إعالمي‪ ،‬وا�س��تغل �أولئك‬
‫المتنف��ذون والطغ��اة والجباب��رة نفوذه��م ل��دى النا�س ل�ص��د النا�س عن‬
‫�س��بيل اهلل وع��ن اال�س��تجابة فكانت اال�س��تجابة في داخل مك��ة فئة قليلة‬
‫من الم�ست�ض��عفين ا�ستجابوا لر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫و�أ�س��لموا وانطلقوا مع اهلل وفي �س��بيل اهلل‪ ،‬وكانت ق�ض��ية الإ�س�لام تعني‬

‫‹ ‪› 24‬‬
‫تجندًا‪ ،‬كانت م�س���ألة �أن تنظم‪� ،‬أن ت�س��لم معناه‪� :‬أنك �صرت جنديًّا لخدمة‬
‫هذه الر�سالة العظيمة الإ�سالم ولإقامة هذا الدين‪.‬‬
‫تحرك �أولئك الم�ؤمنون ‪ -‬بقلة ‪ -‬هم قليلون لكنهم �ص��ابرون وثابتون‬
‫رغم كل المعاناة ال�شديدة‪ :‬القهر‪ ،‬الظلم لهم‪ ،‬والمحاولة الدائمة ل�صدهم‬
‫و�إبعادهم عن الحق‪.‬‬
‫وا�ستمرت قري�ش في تعنتها‪ ،‬وازدادت طغيانًا وت�آمرًا حتى و�صلت �إلى‬
‫حد التفكير في ت�صفية الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) وهنا جاء‬
‫من اهلل الأمر له بالهجرة �إلى يثرب المدينة المنورة‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء تلحق ب�أبيها مهاجرة‬


‫امتثال لأمر اهلل �س��بحانه وتعالى بالهجرة فقد هاجر ر�س��ول اهلل (�صلى‬
‫اً‬
‫اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في ال�سنة الثالثة ع�شرة للبعثة من مكة �إلى يثرب‬
‫(المدينة)‪ ،‬و�أو�صى علي بن �أبي طالب (علیه ال�سالم) �أن يبیت على فرا�شه‬
‫لیلة الهجرة لیوهم الم�شركین وي�ش��غلهم‪ ،‬و�أو�صاه (�صلى اهلل عليه وعلى‬
‫�آله و�س��لم) بعدة و�ص��ايا‪ ،‬منها‪ :‬رد الأمانات التي كان��ت مودعة لديه �إلى‬
‫�أهلها‪ ،‬وت�س��ديد الدي��ون التي كانت علی��ه‪ ،‬ثم التوجه �إلیه م��ع عائلته من‬
‫الفواطم وغیرهن‪.‬‬
‫ولما و�صل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) منطقة (قباء)‪ -‬وهي على‬
‫�أمیال من يثرب ‪ -‬ا�س��تقر فیها منتظرًا لأمير الم�ؤمنين علي (عليه ال�س�لام)‬
‫ومعه الفواطم‪.‬‬

‫‹ ‪› 25‬‬
‫قام �أمیر الم�ؤمنین (علیه ال�سالم) من �ساعته وا�شترى الرواحل الالزمة‪،‬‬
‫و�أعد متطلبات ال�س��فر والهج��رة من مكة‪ ،‬و�أمر من كان معه من �ض��عفاء‬
‫الم�ؤمنین �أن يت�سللوا ويتخفوا �إذا ملأ اللیل بطن كل وا ٍد �إلى (ذي طوى)‪.‬‬
‫فلما �أدى الأمانات قام على الكعبة فنادى ب�صوت رفیع‪ :‬يا �أيها النا�س! هل‬
‫من �صاحب �أمانة؟ هل من �صاحب و�صیة؟ هل من عدة له ِقبَل ر�سول اهلل؟‬
‫فلما لم ي�أت �أحد لحق بالنبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)(((‪.‬‬
‫خرج علي (علیه ال�س�لام) بالفواطم في و�ض��ح النه��ار‪ -‬وهن‪ :‬فاطمة‬
‫الزهراء (علیها ال�س�لام) وفاطمة بنت �أ�س��د الها�شمیة (�أُمه)‪ ،‬وفاطمة بنت‬
‫الزبیر بن عبد المطلب‪ ،‬وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب‪..‬‬
‫و�س��ار‪ ،‬فلما �ش��ارف (�ض��جنان)((( �أدرك��ه الطلب �س��بعة فوار�س من‬
‫�ش��جعان قري�ش متلثمی��ن وثامنهم مول��ى الحارث بن �أُمی��ة يدعى جناحً ا‪،‬‬
‫وكان �ش��جاعًا مقدامًا‪ ،‬ف�أقبل الإمام علي (علیه ال�س�لام) على �أيمن‪ ،‬و�أبي‬
‫واقد وقد ت��راءى القوم فقال لهما‪�« :‬أنیخا الإب��ل واعقالها»‪ ،‬وتقدم‬
‫حتى �أنزل الن�سوة‪ ،‬ودنا القوم فا�ستقبلهم على (علیه ال�سالم) منت�ضیًا �سيفه‪.‬‬
‫ف�أقبل��وا علیه وقالوا‪ :‬ظننت �أنَّك ناج بالن�س��وة‪ ،‬ارج��عْ ال �أبا لك قال‪:‬‬
‫«ف�إن لم �أفعل؟» قالوا‪ :‬لترجعن راغمًا‪� ،‬أو لنرجعن ب�أكثرك �ش��عرًا ‪� -‬أي‬
‫ر�أ�سك ‪ -‬ودنا الفوار�س من الن�سوة والمطايا لیثوروها‪.‬‬
‫فحال علي (علیه ال�س�لام) بینهم وبینها‪ ،‬ف�أهوى له جناح ب�س��یفه فراغ‬
‫علي (علیه ال�س�لام) عن �ضربته‪ ،‬ثم �ض��ربه علي (علیه ال�سالم) على عاتقه‬
‫((( اللآلئ الم�ضيئة لأحمد بن محمد بن �صالح بن محمد ال�شرفي المتوفى �سنة ‪ 1055‬هـ‪.‬‬
‫((( �ضجنان‪ :‬جبل بناحية تهامة‪.‬‬

‫‹ ‪› 26‬‬
‫�ض��ربة قا�ضية‪ ،‬ثم �شد علیهم ب�سیفه فت�صدع القوم عنه‪ ،‬وقالوا له‪ :‬اغن عنا‬
‫نف�سك يا بن �أبي طالب‪.‬‬
‫ق��ال‪« :‬ف�إنى منطلق �إل��ى ابن عمى ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) فمن �سره �أن �أفري لحمه و�أُهريق دمه فلیتبعنى»‬
‫فرجعوا مخذولین منك�سرين‪.‬‬
‫ثم �أقبل على �صاحبیه �أيمن و�أبي واقد فقال لهما‪« :‬اطلقا مطاياكما»‪،‬‬
‫ثم �س��ار بالركب ظافرًا قاهرًا حتى نزل «�ضحنان»‪ ،‬فتلوم بها‪� -‬أي لبث‬
‫فیه��ا ‪ -‬ق��در يومه وليلته ولح��ق به نفر من الم�ست�ض��عفین م��ن الم�ؤمنین‪،‬‬
‫وكان��وا ي�ص��لون لیلتهم ويذك��رون اهلل قیامًا وقعودًا وعل��ى جنوبهم‪ ،‬فلم‬
‫يزالوا كذلك حتى طلع الفجر ف�صلى الإمام علي (علیه ال�سالم) بهم �صالة‬
‫الفجر‪ ،‬ثم �س��ار لوجهه حت��ى قدموا (قباء) القريبة م��ن المدينة‪ ،‬والتحقوا‬
‫(((‬
‫بر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) حیث كان ينتظرهم بها‪.‬‬
‫ومكث النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) خم�س��ة ع�ش��ر يومًا بـ‬
‫(قب��اء) في انتظار ق��دوم الوف��د‪ ،‬وفي تلك الفترة �أ�س���س م�س��جد (قباء)‪،‬‬
‫ونزلت فیه �آيات بینات قال تعالى‪َ } :‬لمَ�سْ جِ دٌ أُ��سِّ َ�س عَ لَى ال َّت ْقوَى مِنْ �أَوَّلِ‬
‫يَ��وْمٍ أَ� َح��قُّ �أَنْ َتقُ��و َم فِيهِ {[البقرة‪ ]144:‬كما �أ َّن النبي (�ص��لى اهلل عليه وعلى‬
‫�آله و�س��لم) حث على ال�ص�لاة فیه و�إحیائه‪ ،‬و َذكَر الأجر الكبیر لمن �صلَّى‬
‫فیه‪ .‬وبعد ا�س��تراحة الركب �س��ار (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) بمن‬
‫معه من �أ�ص��حابه و�أهله متوجهًا �إلى يثرب‪ ،‬وا�س��تقبلته الجماهیر الم�سلمة‬

‫((( اللآلئ الم�ضيئة‪.‬‬

‫‹ ‪› 27‬‬
‫بالأ�شعار والأهازيج و�شعارات الترحیب‪ ،‬وا�ستقبله �سادات يثرب وزعماء‬
‫الأو���س والخزرج مرحبی��ن بقدومه باذلین كل ما و�س��عهم م��ن �إمكانات‬
‫مالیة وع�س��كرية‪ ،‬وكان عندما يمر على حي من �أحیائهم يتقدم الأ�ش��راف‬
‫لی�أخذوا بخطام الناقة رجاء �أن ينزل في حیهم حیث ال�ضیافة والمنعة‪ ،‬فكان‬
‫(�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) يدعو لهم بالخیر ويقول‪« :‬دعوا الناقة‬
‫ت�سیر ف�إنَّها م�أمورة»‪.‬ثم بركت في رحبة في الأر�ض بجوار دار �أبي �أيوب‬
‫الأن�صاري‪ ،‬فنزل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ونزلت ال�سیِّدة الطاهرة‬
‫فاطمة الزهراء (علیها ال�سالم) مع الفواطم ودخلن على �أم خالد(((‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء في بيت �أبيها المتوا�ضع‬


‫و بقیت ال�س��یِّدة فاطمة (علیها ال�س�لام) مع �أبیها (�صلى اهلل عليه وعلى‬
‫�آله و�سلم) زهاء �سبعة �أ�شهر حتى ت َّم بناء الم�سجد‪ ،‬ودار ر�سول اهلل (�صلى‬
‫اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم)‪ ،‬وبیته المتوا�ض��ع الم�ؤلف م��ن عدة حجرات‬
‫بع�ض��ها بالأحجار‪ ،‬والبع�ض الآخر من جريد النخل‪� ،‬أمَّا ارتفاع الحجرات‬
‫فقد و�ص��فه الإمام الح�سن (علیه ال�سالم) �س��بط ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) فیما جاء عنه �أنَّه قال‪« :‬كنت �أدخل بیوت النبي (�صلى‬
‫اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) و�أنا غالم مراهق ف�أنال ال�سقف بیدي»‪.‬‬
‫�أمَّا الأثاث الذي هیَّ�أه النبي لبیته الجديد فهو في منتهى الب�ساطة والخ�شونة‬
‫والتوا�ض��ع‪ ،‬و�أعد لنف�س��ه فیه �سريرًا م�ؤلفًا من �أخ�ش��اب م�شدودة باللیف‪،‬‬
‫وا�س��تقرت الزهراء ف��ي دار هجرتها وفي بیت �أبیها‪ ،‬ذلك البیت الب�س��یط‬
‫((( خالد‪ :‬هو ا�سم �أبي �أيوب الأن�صاري‪.‬‬

‫‹ ‪› 28‬‬
‫المتوا�ض��ع ف��ي دار الإ�س�لام‪ ،‬لتنع��م بعنايته وحب��ه ورعايته‪ ،‬تل��ك العناية‬
‫والرعاية والحب الذي لم يحظ بمثله امر�أة وال �أحد من النا�س �سواها‪.‬‬
‫�إل��ى هذا البیت المتوا�ض��ع جاءت فاطمة بنت محمد (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) مهاجرة من مكة لترى �أباها بین �أن�صاره في يثرب يفدونه‬
‫بالأنف���س ومعه المهاج��رون‪ ،‬وقد اطم���أن بهم المقام م��ع �إخوانهم ممن‬
‫�أ�سلم من الأو�س والخزرج‪ ،‬وان�صرفوا مع النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫و�سلم) �إلى الدعوة للإ�سالم والتخطیط لغدٍ �أف�ضل‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء تبلغ ذروة الكمال الإن�ساني‬


‫ال�ص��ديقة الزهراء فاطمة بنت ر�س��ول اهلل محمد (�صلى اهلل عليه وعلى‬
‫�آل��ه و�س��لم) تل��ك الزكية المر�ض��ية التي بلغ��ت ذروة الكمال الإن�س��اني‬
‫والإيماني للمر�أة‪ ،‬وج�س��دت في حياتها قيم و�أخالق الإ�س�لام على �أرقى‬
‫م�ستوى فكانت نعم القدوة ونعم الأ�سوة للمر�أة الم�ؤمنة‪ ،‬وتجلى ب�أخالقها‬
‫وقيمها وكمالها الإن�ساني عظيم �أثر الإ�سالم وتربية �أبيها الم�صطفى محمد‬
‫�ص��لى اهلل و�سلم عليه وعلى �آله‪ ،‬وكانت نعم ال�شاهدة على �أن اهلل �سبحانه‬
‫وتعالى قد فتح للمر�أة �آفاق ومعارج الكمال الإن�ساني والإيماني‪ ،‬و�شرَّفها‬
‫و�أعلى من �ش�أنها بالقيم والأخالق والمبادئ العظيمة‪.‬‬
‫ترب��ت عل��ى الإيمان والتق��وى وم��كارم الأخالق‪ ،‬و�ش��ربت معارف‬
‫الإ�س�لام فكانت تلميذة �أبيها وخرِّيجة مدر�س��ته الأول��ى‪ ،‬وبذلك كانت‬
‫�سيدة ن�ساء العالمين‪� ،‬سيدة ن�ساء الم�ؤمنين‪� ،‬سيدة ن�ساء �أهل الجنة‪ ،‬وهذه‬
‫الموا�ص��فات وهذا المقام العظيم لي�س مجرد مقام ت�ش��ريفي �أو �أو�ص��اف‬
‫‹ ‪› 29‬‬
‫ت�ش��ريفية �إنم��ا كان مقامًا و�ص��لت �إليه بج��دارة‪ ،‬مقامًا قائمًا على �أ�س��ا�س‬
‫من الإيمان والتقوى‪ ،‬كانت �س��يدة ن�س��اء العالمي��ن‪� ،‬أي‪ :‬نموذجً ا متميزًا‬
‫عالميًّ��ا للمر�أة ف��ي كل الدنيا‪ ،‬بلغت الذروة في كمالها الإن�س��اني �أخالقًا‪،‬‬
‫قيمًا‪ ،‬مبادئ‪ ،‬ثم على م�س��توى واقع ن�ساء الم�ؤمنين كانت في مقام القدوة‬
‫الأولى كامر�أ ٍة م�ؤمنة بكمالها الإيماني‪ ،‬ثم بالتالي �سيدة ن�ساء �أهل الجنة‪.‬‬
‫ه��ذا المقام العظيم‪ :‬المق��ام الإيماني والقيمي والأخالقي والإن�س��اني‬
‫أ�س���س‬
‫ؤهالت �إيمانية‪ ،‬وعلى � ٍ‬
‫ال��ذي و�ص��لت �إليه في عالم الدني��ا كان بم� ٍ‬
‫�إيماني��ة و�أخالقية لم يك��ن مقامًا زائفًا؛ ولذلك لم يكن فقط في عالم الدنيا‬
‫بل كان �أي�ضً ��ا في عالم الآخرة فكانت �سيدة ن�ساء الم�ؤمنين في الدنيا وهي‬
‫�أي�ضً ��ا �سيدة ن�س��اء �أهل الجنة‪ ،‬وهي �أي�ضً ��ا في عداد الن�ساء الأربع اللواتي‬
‫بلغن ذروة وعل ِّو المقام الإن�س��اني للمر�أة‪ ،‬كانت �أي�ضً ا هي المتقدمة فيهن‬
‫وه��ن (مريم بنت عم��ران‪ ،‬وخديجة بن��ت خويلد‪ ،‬و�آ�س��ية بنت مزاحم‪،‬‬
‫وفاطم��ة بنت محمد)‪ ،‬ونلحظ من خالل ه�ؤالء الأربع اللواتي بلغن مرتب ًة‬
‫�إيماني ًة عالية‪ ،‬ومقامًا عظيمًا عند اهلل �سبحانه وتعالى ‪ -‬مقام الزهراء (�سالم‬
‫اهلل عليها) ومكانتها‪.‬‬
‫وتح��دث �أبوها ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه و�آله و�س��لم) ع��ن مقامها‬
‫ومكانتها كثيرًا‪ ،‬لي�س هذا فح�س��ب بل من خ�لال طريقة النبي في التعامل‬
‫معها‪ ،‬كان النبي �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله في تعامله معها يدلل ويُ�ش��عِر‬
‫ويك�شِ ف مقامها عند اهلل �س��بحانه وتعالى‪ ،‬وفي ال�سِ يَر والتواريخ يتحدث‬
‫الكثير ع��ن طريقة النبي في التعامل معها والإك��رام لها حتى لقد كان فيما‬

‫‹ ‪› 30‬‬
‫روي عن��ه‪� :‬إذا �أت��ت �إلي��ه �إلى المنزل بعدم��ا تزوجت وانتقل��ت �إلى بيت‬
‫الزوجي��ة ‪ -‬عند زوجها الإمام علي عليه ال�س�لام ‪ -‬كانت �إذا زارت النبي‬
‫�صلوات اهلل عليه وعلى �آله يقوم لها من مجل�سه ويجل�سها بكل �إكبار بكل‬
‫احترام بكل تقدير‪.‬‬
‫كان �إذا غاب من المدينة في �أي �سفر‪ ،‬في �أي رحل ٍة جهادية‪ ،‬كان عاد ًة‬
‫ما يك��ون �آخر عهده بها فيودعه��ا في الأخير‪ ،‬وعندما يق��دِ م �إلى المدينة‬
‫ف�أول ما يذهب �إليها‪.‬‬
‫وفي تعامله‪ ،‬وفي توجيهاته‪ ،‬فيما قاله عنها‪ ،‬ثم هي فيما كانت عليه في‬
‫م�سار حياتها تدلل على عظيم المقام الإيماني الذي و�صلت �إليه‪.‬‬
‫ال على‬ ‫�أي�ضً ��ا بما �أعطاها اهلل من م�ؤهالت وقابلية عالي��ة حتى كانت فع ً‬
‫درجة عالية‪ ،‬كان كل جهد يبذله الر�س��ول �ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله في‬
‫تربيتها يترك �أثرًا عظيمًا ومتميزًا فيها‪ ،‬وكانت ثماره طيبة }وَا ْل َبلَدُ الطَّ ي ُِّب‬
‫يَخْ ��رُ جُ َنبَاتُهُ بِ���إِذْنِ َربِّهِ {[األعراف‪ ]58:‬لأن لديها قابلي��ة وم�ؤهالت عالية‬
‫منحها اهلل �س��بحانه وتعالى فكانت حياتها متميزة في طفولتها مع �أبيها �إلى‬
‫مرحلة الزواج التي تزوجت فيها – �أي�ضً ا ‪ -‬لم تنف�صل فيها‪ ،‬ولم تبتعد عن‬
‫�أبيها‪ ،‬كانت قريبة‪ ،‬كانت تعاي�ش��ه في كثي ٍر من الأوقات‪ ،‬ت�سمع منه‪ ،‬تتعلم‬
‫منه‪ ،‬كان هو �أي�ضً ��ا مهتمًّا ب�أمرها‪ ،‬وكثيرًا م��ا كان يذهب �إليها �إلى منزلها‪،‬‬
‫وت�أتي �إليه كثيرًا تتعلم‪ ،‬ت�ستفيد‪ ،‬تنتفع‪ ،‬تزداد ارتقا ًء على م�ستوى المعرفة‪،‬‬
‫وعلى م�ستوى الأخالق‪ ،‬وعلى م�ستوى االرتقاء في �سلم الكمال الإيماني‬
‫حتى و�صلت �إلى درجة عالية‪.‬‬

‫‹ ‪› 31‬‬
‫بالنبي (�صلى اهلل‬
‫ِّ‬ ‫تميز عالقة فاطمة (عليها ال�سالم)‬
‫عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫ال بُ َّد من الإ�ش��ارة �إلـى �أ َّن العالقة بين فاطمة (عليها ال�س�لام) ور�سول‬
‫اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) كانت �أكثر من عالقة ابن ٍة ب�أب‪ ،‬فقد‬
‫نقل لنا تاريخ �س��يرتـها �أنَّها كانت �إذا دخلت على ر�س��ول اللهّ (�ص��لى اهلل‬
‫عليه وعلى �آله و�سلم) قام من مجل�سه وا�ستقبلها وقبَّل يدها‪ ،‬وكان ر�سول‬
‫اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) �إذا دخل عليها ا�ستقبلته وقبَّلت يده‪.‬‬
‫وه��ذا النوع من العالقة ق��د ال يكون م�ألوفًا بي��ن الأب وابنته؛ ولذا فنحن‬
‫ن�س��توحي من ذلـك �أ َّن ر�س��ول اللّـه (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في‬
‫الوقت الّذي كان يعي�ش حبَّه للزَّهراء (عليها ال�سالم)‪ ،‬كان يحمل احترامه‬
‫لها‪ ،‬لما يعرفه من ملكاتها الرُّوحيَّة‪ ،‬ومن ثروتها الثقافيَّة‪ ،‬ومن �إخال�ص��ها‬
‫هلل وللإ�سالم والم�سلميـن ودورها الم�ستقبلي‪.‬‬
‫ونع��رف حركية ه��ذه العالقـة في روح الزهراء (عليها ال�س�لام) وذلك‬
‫عندما احت�ضر النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فقد �ضمَّها �إلى �صدره‪،‬‬
‫فبكت عندما �أخبرها �أنَّه �س��وف يُفارق الحياة قريبًا‪ ،‬ثُ َّم �ض��مَّها �إلى �ص��دره‬
‫ف�ض��حكت‪ ،‬لأنَّه �أخبرها �أنَّه��ا �أوَّل �أهل بيته لحوقًا به‪ .‬فت�ص��وَّروا امر�أةً‪� :‬أمًّا‬
‫وقت قريب وتلحق به‪ ،‬ف�إذا‬ ‫كانت �أو زوجةً‪ ،‬يُخبرها �أبوها ب�أنَّها �ستموت في ٍ‬
‫هي ت�شعر بالفرح وال�سرور‪ ،‬ف�أيَّة عالقة هي هذه العالقة بين الأب وابنته؟!‬
‫روى الحاكم في (الم�س��تدرك)‪ ،‬قال‪« :‬كان ر�سول اهلل �إذا رجع من‬
‫غ��زاة �أو �سفر �أت��ى الم�سجد ف�صلى فيه ركعتين �شك��رً ا هلل على �أنَّه‬

‫‹ ‪› 32‬‬
‫�أرجع��ه من �سف��ره‪ ،‬ثم ثنَّى بفاطمة ثم ي�أت��ي �أزواجه»‪ ،‬ما يعني �أن‬
‫فاطمة تقف في المركز الأول في عالقته بالنا�س‪ ،‬حتَّى في عالقته بزوجاته‪.‬‬
‫وب�س��نده‪� ،‬أي �سند الحاكم في (الم�ستدرك)‪�« :‬أن النبي (�صلى اهلل‬
‫علي��ه وعل��ى �آل��ه و�سل��م) كان �إذا �ساف��ر كان �آخر النا�س ب��ه عهدً ا‬
‫فاطمة»‪� ،‬أي �آخر من يلتقيه هو فاطمة؛ لتبقى �صورة فاطمة وليبقى حنان‬
‫فاطمة وعاطفة فاطمة الّتي تفي�ض��ها عليه‪ ،‬معه في �سفره يعي�ش فيه ويرتاح‬
‫ل��ه‪«،‬و�إذا قدِ َم من �سفرٍ كان �أوَّل النا�س عهدً ا به فاطمة»؛ لأنه كان‬
‫يعي�ش ال�ش��وق �إليها كما لم يع�ش ال�شوق �إلى �أي �إن�سان �آخر‪ ،‬ولذلك كان‬
‫يعبِّر عن حرارة هذا ال�شوق باللِّقاء بها‪� ،‬أوَّل من يلتقيه من النا�س‪.‬‬
‫أحب �إلى‬
‫وفي (اال�س��تيعاب) ب�س��نده‪� :‬سُ ئِلت عائ�ش��ة‪� :‬أيُّ النا�س كان � َّ‬
‫ر�س��ول اهلل؟! قال��ت‪ :‬فاطمة‪ ،‬يق��ول الراوي‪ :‬قلت‪ :‬م��ن الرجال؟ قالت‪:‬‬
‫زوجها‪� ،‬إنه كان ما علمته �صوَّامًا قوَّامًا‪.‬‬

‫‹ ‪› 33‬‬
‫الكثير يتقدمون لخطبة الزهراء‬
‫فاق��ت فاطم��ة الزهراء (عليها ال�س�لام) ن�س��اء ع�ص��رها في الح�س��ب‬
‫والن�س��ب فهي بنت محمد ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‪،‬‬
‫وخديجة ر�ضى اهلل عنها‪ ،‬و�سلیلة الف�ضل والعلم وال�سجايا الخیرة‪ ،‬وغاية‬
‫الجمال الخَ لقي والخُ لقي‪ ،‬ونهاية الكمال المعنوي والإن�ساني‪ ،‬عال �ش�أنها‬
‫وت�ألَّق نجمها‪ ،‬وكانت تكبر يومًا بعد يوم تحت ظالل النبي (�صلى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) حتى �أدركت �سالم اهلل علیها مدرك الن�ساء؛ تقدم الكثير‬
‫لخطبة الزهراء �س�لام اهلل عليها �إال �أن ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫ال لهم‪« :‬انتظر الق�ضاء» (((‪.‬‬ ‫و�سلم) كان يردهم قائ ً‬

‫علي هو الم�ؤهل للزواج بالزهراء‬


‫كان الإم��ام عل��ي (عليه ال�س�لام) يفكر ف��ي خطبة الزهراء (�س�لام اهلل‬
‫عليه��ا) �إال �أن الحياء وقلة ذات اليد كانا يمنعانه‪ ،‬وذات يوم وما �إن �أكمل‬
‫الإمام (علیه ال�س�لام) عمله حتى توجَّ ه نحو منزل ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل‬
‫عليه وعلى �آله و�س��لم) وكان في بیت ال�س��یِّدة �أم �س��لمة‪ ،‬فدق علي (علیه‬
‫ال�س�لام) الباب‪ ،‬فقالت �أُ ُّم �س��لمة‪ :‬من بالباب؟ فقال لها ر�سول اهلل (�صلى‬
‫اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم)‪« :‬قوم��ي ي��ا �أُ َّم �سلمة فافتحي ل��ه الباب‬
‫ومري��ه بالدخول‪ ،‬فهذا رجل يحب��ه اهلل ور�سوله ويحبهما» فقالت‬
‫�أُ ُّم �س��لمة‪ :‬ف��داك �أب��ي و�أُمي‪ ،‬من هذا ال��ذي تذكر فیه ه��ذا و�أنت لم تره؟‬

‫((( الإفادة في ت�أريخ الأئمة ال�سادة ‪.38-37‬‬

‫‹ ‪› 34‬‬
‫فق��ال‪« :‬مه ي��ا �أُ َّم �سلمة‪ ،‬فهذا رجل لی�س بالخ��رق وال بالنزق‪ ،‬هذا‬
‫�أخى وابن عمي و�أحب الخلق �إلي» قالت �أُ ُّم �سلمة‪ :‬فقمت مبادرة �أكاد‬
‫�أعثر بمرطي(((‪ ،‬ففتحت الباب ف�إذا �أنا بعلي بن �أبي طالب (علیه ال�س�لام)‬
‫فدخل على ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فقال‪« :‬ال�سالم‬
‫علیك يا ر�سول اهلل ورحمة اهلل وبركاته» فقال له النبي (�ص��لى اهلل‬
‫عليه وعلى �آله و�سلم) ‪« :‬وعلیك ال�سالم يا علي‪ ،‬اجل�س» فجل�س علي‬
‫(علیه ال�سالم) بین يدي ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) وجعل‬
‫ينظر �إلى الأر�ض ك�أنه ق�صد لحاجة وهو ي�ستحيي �أن يبینها‪ ،‬فهو مطرق �إلى‬
‫الأر�ض حیا ًء من ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فك�أن النبي‬
‫(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) عل��م ما في نف�س علي (علیه ال�س�لام)‬
‫فقال له‪« :‬يا علي‪� ،‬إنِّى �أرى �أنَّك �أتیت لحاجة‪ ،‬فقل حاجتك و�أبدِ ما‬
‫في نف�سك‪ ،‬فكل حاجه لك عندي مق�ضیة» قال علي (علیه ال�س�لام)‪:‬‬
‫«ف��داك �أب��ي و�أُمي �إنَّك �أخذتني عن عمِّ��ك �أبي طالب ومن فاطمة‬
‫بن��ت �أ�سد و�أنا �صب��ي‪ ،‬فغذيتني بغذائك‪ ،‬و�أدَّبتني ب�أدبك‪ ،‬فكنت لي‬
‫�أف�ض��ل من �أبي طالب وم��ن فاطمة بنت �أ�سد في البر وال�شفقة‪ ،‬و�إن‬
‫اهلل تعال��ى هداني بك وعلى يدي��ك‪ ،‬و�إنك واهلل ذخري وذخیرتي‬
‫ف��ي الدنی��ا والآخرة يا ر�س��ول اهلل فقد �أحببت مع م��ا �شد اهلل من‬
‫ع�ض��دي ب��ك �أن يك��ون لي بی��ت و�أن تك��ون لي زوج��ة �أ�سك��ن �إلیها‪،‬‬
‫وق��د �أتیت��ك خاطبًا راغبًا‪� ،‬أخط��ب �إلیك ابنتك فاطم��ة‪ ،‬فهل �أنت‬
‫مزوجي يا ر�سول اهلل؟» فتهلل وجه ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى‬
‫((( بثوبي‪.‬‬

‫‹ ‪› 35‬‬
‫�آله و�س��لم) فرحً ا و�سرورًا‪ ،‬و�أتى فاطمة فقال‪�« :‬إن علیًّا قد ذكرك وهو‬
‫من قد عرفت» ف�سكتت (عليها ال�سالم)‪ ،‬فقال (�صلى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫و�سلم)‪« :‬اهلل �أكبر‪� ،‬سكوتها ر�ضاها»(((‪.‬‬
‫قالت �أُ ُّم �سلمة‪ :‬فر�أيت وجه ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫يتهلل فرحً ا و�س��رورًا‪ ،‬ثم تب�سَّ ��م في وجه علي (علیه ال�س�لام) فقال‪« :‬يا‬
‫علي فهل معك �شيء �أزوِّجك به؟» فقال علي (علیه ال�سالم)‪« :‬فداك‬
‫�أبي و�أمى‪ ،‬واهلل ما يخفى علیك من �أمرى �شىء‪� ،‬أملك �سیفي ودرعي‬
‫ونا�ضحي‪ ،‬وما �أملك �شیئًا غیر هذا» فقال ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) ‪« :‬يا علي �أما �سیفك فال غنى بك عنه‪ ،‬تجاهد في‬
‫�سبی��ل اهلل‪ ،‬وتقاتل به �أعداء اهلل‪ ،‬ونا�ضحك تن�ضح به على نخلك‬
‫و�أهل��ك‪ ،‬وتحمل علیه رحلك في �سفرك‪ ،‬ولكني قد زوجتك بالدرع‬
‫(((‬
‫ور�ضیت بها منك»‪.‬‬
‫قال ال�س��يد �أبوطال��ب الهاروني وزوج الر�س��ول عليًّا فاطم��ة ب�أمر اهلل‬
‫�سبحانه في �آخر �صفر �سنة اثنتين من الهجرة‪.‬‬
‫ولما زوج ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) ابنته فاطمة‬
‫(علیها ال�س�لام) قال لها‪« :‬زوجت��ك �سیِّدً ا في الدنی��ا والآخرة‪ ،‬و�إنَّه‬
‫�أول �أ�صحابي �إ�سالمًا و�أكثرهم علمًا و�أعظمهم حلمًا»(((‪.‬‬
‫((( ذخائر العقبى‪.39 :‬‬
‫((( �شرح نهج البالغة‪ ،9/ 193 :‬وبن�ص �آخر في ذخائر العقبى‪.40- 41 :‬‬
‫((( كنزالعمال‪ /11 :‬ح ‪ 32926‬مثله‪ ،‬وم�س���ند �أحمد‪/ 5 26 :‬مثله‪ ،‬مخت�ص���ر تاريخ دم�ش���ق‪:‬‬
‫‪.17/ 337‬‬

‫‹ ‪› 36‬‬
‫فاطمة الزهراء في بیت الزوجیة‬
‫انتقل��ت ال�س��یِّدة فاطمة الزهراء (عليها ال�س�لام) �إل��ى البیت الزوجي‬
‫وكان انتقاله��ا من بیت الر�س��الة والنبوة �إلى دار الو�ص��اية والوالية‪ ،‬فهي‬
‫تعی�ش في جو تكتنفه القدا�سة والنزاهة‪ ،‬وتحیط به عظمة الإيمان وب�ساطة‬
‫العی�ش‪ ،‬وكانت تعین زوجها على �أمر دينه و�آخرته‪.‬‬
‫كان علي (علیه ال�س�لام) يحترم ال�س��یِّدة فاطمة الزه��راء احترامًا الئقًا‬
‫بها‪ ،‬ال لأنَّها زوجته فقط‪ ،‬بل لأنَّها �أحب الخلق �إلى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل‬
‫عليه وعلى �آله و�س��لم)‪ ،‬ولأنَّها �س��یدة ن�ساء العالمین‪ ،‬ولأن نورها من نور‬
‫ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ولأنَّها مجموعة الف�ض��ائل‬
‫والقیم‪.‬‬
‫وبنى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) البنت��ه فاطمة بیتًا‬
‫مال�ص��قًا لم�س��جده‪ ،‬له باب �إلى الم�س��جد كبقی��ة الحجرات الت��ي بناها‬
‫لزوجاته‪ ،‬وانتقلت ال�سیِّدة فاطمة �إلى ذلك البیت الجديد المال�صق لبیت‬
‫اهلل‪ ،‬والمجاور لبیت ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‪.‬‬
‫و ل��م يكن ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعل��ى �آله و�س��لم) لیترك هذا‬
‫الغر�س النبوي دون �أن يرعاه ويحت�ض��نه بتوجیهه وعنايته‪ ،‬فعا�ش الزوجان‬
‫في ظل ر�س��ول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) وفي كنفه ومنح (�صلى‬
‫اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) فاطمة بعد زواجها مالم يمنحه لأحد من الحب‬
‫والن�ص��یحة والتو�ص��یة‪ ،‬فقد علمها �أبوها (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫معنى الحی��اة‪ ،‬و�أوحى لها ب�أن الإيمان هو جوهر الإن�س��انية والحیاة‪ ،‬و�أ َّن‬

‫‹ ‪› 37‬‬
‫ال�سعادة الزوجیة القائمة على الخلق والقیم الإ�سالمیة هي �أ�سمى من المال‬
‫والق�صور والزخارف وقطع الأثاث وتحف الفن المزخرفة‪ .‬وتعی�ش فاطمة‬
‫الزهراء في كنف زوجها قريرة العین �س��عیدة النف�س‪ ،‬ال تفارقها الب�ساطة‪،‬‬
‫وال يب��رح بیتها خ�ش��ونة الحیاة‪ ،‬فهي الزوجة الم�ؤمن��ة‪ ،‬زوجة علي (علیه‬
‫ال�سالم) بطل الم�سلمین‪ ،‬ووزير الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫وم�شاوره الأول‪ ،‬وحامل لواء الن�صر والجهاد‪ ،‬وعلیها �أن تكون بم�ستوى‬
‫الم�س���ؤولیة الخطیرة‪ ،‬و�أن تكون لعلي كما كانت �أُمها خديجة لر�سول اهلل‬
‫(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ت�ش��اركه في جهاده وت�صبر على ق�ساوة‬
‫الحیاة ور�س��الة الدعوة ال�ص��عبة‪ .‬لقد كان��ت حقًّا بم�س��توى مهمتها التي‬
‫اختارها اهلل تعالى لها‪ ،‬فكانت القدوة ال�ص��الحة للم�سلم الر�سالي والمر�أة‬
‫النموذجیة الم�سلمة‪.‬‬

‫والدة الإمام الح�سن والح�سين (عليهما ال�سالم)‬


‫ولد الإمام الح�س��ن (عليه ال�س�لام) بالمدينة للن�صف من �شهر رم�ضان‬
‫ال�س��نة الثالث��ة للهج��رة‪ ،‬وولد الإمام الح�س��ين (عليه ال�س�لام) في �ش��هر‬
‫�شعبان لخم�س خلون منه �سنة �أربع من الهجرة‪ ،‬ذكر ذلك الإمام يحيى بن‬
‫الح�سين بن هارون في كتاب (الإفادة)‪.‬‬
‫وروي �أن فاطمة لما ولدت الح�س��ن قالت لعلي‪� :‬سمه؛ فقال‪ :‬ما كنت‬
‫لأ�س��بق ر�سول اهلل با�سمه‪ ،‬فجاء ر�س��ول اهلل فقال‪« :‬ما كنت لأ�سبق ربي‬
‫ج��ل وعال‪ ،‬ف�أوح��ى اهلل �إلى جبريل‪� :‬أنه ول��د لمحمد ابنٌ ف�أقرئه‬
‫ال�س�لام وهنِّ��ه‪ ،‬وقل ل��ه‪� :‬إن عليًّا من��ك بمنـزلة ه��ارون من مو�سى‪،‬‬

‫‹ ‪› 38‬‬
‫ف�سم��ه با�س��م ابن ه��ارون‪ ،‬فهبط جبري��ل فهن�أه‪ ،‬ثم ق��ال‪� :‬إن اهلل‬
‫ي�أم��رك �أن ت�سمي��ه با�سم ابن هارون‪ ،‬فقال‪ :‬وم��ا كان ا�سمه؟ قال‪:‬‬
‫�شبَّر‪ ،‬قال‪ :‬ل�ساني عربي؛ قال‪ :‬ف�سمه الح�سن»‪ ،‬فلما ولد الح�س��ين‬
‫�أوح��ى اهلل �إلى جبريل«قد ولد لمحمد ابن فهنه‪ ،‬وقل له‪ :‬علي منك‬
‫بمنـزل��ة هارون من مو�سى‪ ،‬ف�سمه با�سم ابن هارون‪ ،‬فلما نزل وهن�أه‬
‫وبلغ��ه الر�سالة‪ ،‬قال‪ :‬وما كان ا�سم ابن هارون؟ قال‪� :‬شبير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل�ساني عربي‪ ،‬قال‪� :‬سمه الح�سين» (((‪.‬‬

‫مقارنة َّ‬
‫الزهراء (عليها ال�سالم) بمريـم (عليها ال�سالم)‬
‫عن جابر‪� :‬أن النبي جاع ذات يوم‪ ،‬فطاف في منازل جميع �أزواجه فلم‬
‫ي�ص��ب عند واحدة منهن �شيئًا‪ .‬ف�أتى فاطمة فقال‪« :‬يا بنية‪ ،‬هل عندك‬
‫�شيء �آكله ف�إني جائع؟» فقالت‪ :‬ال‪.‬‬
‫فلم��ا خرج بعثت جارية لها برغيفين وب�ض��عة من لح��م‪ ،‬ف�أخذتها منها‬
‫وو�ض��عتها على جفن��ة لها وغطتها‪ ،‬وقالت‪ :‬واهلل لأُو ِث َر َّن بهذا ر�س��ول اهلل‬
‫عل��ى نف�س��ي ومن عن��دي‪ ،‬وكانوا جميعً��ا محتاجين �إلى �ش��بعة من طعام‪،‬‬
‫فبعثت ح�س��ينًا وح�س��نًا �إلى النبي فرجع �إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬ب�أبي �أنت و�أمي قد‬
‫�أتانا اهلل ب�شيء فخب�أته لك‪.‬‬
‫فقال‪« :‬هلمي يا بنية» فك�ش��فت عن الجفنة‪ ،‬ف�إذا هي مملوءة خبزًا‬
‫ولحمًا‪ ،‬فقدمته �إلى النبي‪.‬‬
‫((( رواه من حديث طويل الإمام علي بن مو�س���ى الر�ض���ا في م�سنده �ص‪ 67-64‬برقم(‪،)71‬‬
‫وهو في الحدائق الوردية ‪ ،189/1‬وم�آثر الأبرار ‪ ،354/1‬وانظر جواهر العقدين �ص‪.303‬‬

‫‹ ‪› 39‬‬
‫هلل‬ ‫فقال‪« :‬من �أين لك هذا؟»فقلت‪ :‬يا �أبتي }هُ َو مِنْ عِ ندِ ا ِ‬
‫هلل �إنَّ ا َ‬
‫اب{ [آل عمران‪.]37:‬‬
‫يَرْ زُقُ مَن يَ�شَ اء ِب َغيْرِ ِح�سَ ٍ‬
‫فقال‪« :‬الحم��د هلل الذي جعلك يا بنية‪� ،‬شب��ه �سيدة ن�ساء بني‬
‫�إ�سرائي��ل‪ ،‬ف�إنه��ا كان��ت �إذا رزقه��ا اهلل �شيئً��ا ف�سُ ِئلَ��ت عن��ه‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫}هُ �� َو مِ��نْ عِ ن��دِ اهللِ{»‪ .‬فبعث �إلى علي‪ ،‬ثم �أكل النبي وعلي والح�س��ن‬
‫والح�س��ين‪ ،‬وجميع �أزواج النبي و�أهل بيته حتى �ش��بعوا‪ ،‬وجعل اهلل فيها‬
‫بركة وخيرًا كثيرًا(((‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء والحياة الزوجية‬


‫وهكذا عا�ش��ت الزهراء (عليها ال�سالم) حياتها ك�أيَّة زوجة تخل�ص في‬
‫كلِّ م�س���ؤولياتها الزوجيَّة‪ ،‬لم تميِّز نف�سها عن �أيَّة زوجة م�سلمة مع زوجها‬
‫م��ن خالل �أنها ابنة ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم)‪ ،‬كانت‬
‫م�س��لمة ك�أف�ض��ل ما تكون الم�س��لمات في م�س���ؤولياتها الزوجية‪ ،‬كانت‬
‫تطح��ن وتعج��ن وتخبز‪ ،‬وكانت تربِّ��ي �أوالده��ا‪ ،‬وكان �أوالدها يتتابعون‬
‫وه��ي ما هي عليه من ال�ض��عف من��ذ بداية حياته��ا كما ينق��ل الّذين كتبوا‬
‫�س��يرتها‪ .‬وكانت هناك نقطة مهمَّة في هذا البيت الّذي �ض َّم عليًّا وفاطمة‪،‬‬
‫وهي �أن الزهراء (عليها ال�س�لام) �أعطت عليًّا من روحها‪ ،‬ومن ا�ستقامتها‪،‬‬
‫وم��ن عبادتها‪ ،‬وم��ن وعيها‪� ،‬أعطته الجو الإ�س�لامي للبي��ت‪ ،‬بحيث كان‬
‫عل��يٌّ يدخل البيت ويرى الإ�س�لام يحيط به من بي��ن يديه ومن خلفه وعن‬
‫يمينه وعن �ش��ماله؛ لأن الزهراء (عليها ال�س�لام) كانت تملأ البيت بذلك‬
‫((( االعتبار و�سلوة العارفين‪ ،‬الجامع الكافي‪.‬‬

‫‹ ‪› 40‬‬
‫كلِّه‪ ،‬فكان عليٌّ يتنفَّ�س الإ�سالم في الم�سجد مع ر�سول اهلل‪ ،‬وكان يتنف�س‬
‫الإ�سالم في البيت مع ابنة ر�سول اهلل‪ ،‬وكان عليٌّ �أي�ضً ا الزوج الم�سلم الّذي‬
‫كان مع الحق وكان الحق معه‪ ،‬كان يُعطي فاطمة (عليها ال�سالم) من عقله‪،‬‬
‫ومن روحه‪ ،‬ومن ا�ستقامته‪ ،‬ومن عبادته‪ ،‬ومن زهده هذا الجو الإ�سالمي‪،‬‬
‫فكانت تتنف�س الإ�س�لام في بيتها من خالل عل��يٍّ ‪ ،‬وكانت ابتهاالتهما هلل‪،‬‬
‫وعبادتهما له‪ ،‬و�س��جودهما بين يديه‪ ،‬وتنهُّداتهما في المحبة هلل والخوف‬
‫منه‪ ،‬كانت تمتزج ببع�ضها البع�ض‪.‬‬

‫‹ ‪› 41‬‬
‫�صورة من �صور الإيثار في حياة الزهراء‬
‫(�سالم اهلل عليها)‬
‫كانت الزهراء خیر من ي�ؤثر على نف�س��ه اقت��دا ًء ب�أبیها حتى عُرف عنها‬
‫�إيثارها بقمی�ص عر�س��ها لیلة زفافها �س�لام اهلل علیها‪ ،‬وروي عن جابر بن‬
‫عبداهلل الأن�صاري �أنّه قال‪� :‬صلّى بنا ر�سول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله) �صالة‬
‫الع�ص��ر‪ ،‬فلمّا انفت��ل جل�س في قبلت��ه والنا�س حوله‪ ،‬فبينم��ا هم كذلك �إذ‬
‫�أقبل �ش��یخ من مهاجرة العرب علیه �س��مل((( قد تهل��ل و�أخلق‪ ،‬وال يكاد‬
‫يتمالك كبراً و�ض��عفاً‪ ،‬ف�أقبل علیه ر�سول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله) ي�ستحثه‬
‫الخبر‪ ،‬فقال ال�ش��یخ‪ :‬يا نبي اهلل‪� ،‬أنا جائع الكبد ف�أطعمني‪ ،‬وعارى الج�سد‬
‫فاك�س��ني‪ ،‬وفقیر ف�أر�ش��ني‪ ،‬فقال (�ص��لى اهلل علیه وعلى �آله و�سلم)‪« :‬ما‬
‫�أج��د لك �شیئاً‪ ،‬ولكنّ ال��دال على الخیر كفاعل��ه‪ ،‬انطلق �إلى منزل‬
‫م��ن يحب اهلل ور�سوله‪ ،‬ويحبه اهلل ور�سوله‪ ،‬ي�ؤثر اهلل على نف�سه‪،‬‬
‫انطل��ق �إل��ى حج��رة فاطمة»‪( .‬وكان بیتها مال�ص��قاً لبیت ر�س��ول اهلل‬
‫(�ص��لى اهلل علیه و�آله) الذي ينفرد به لنف�سه من �أزواجه) وقال‪« :‬يا بالل‬
‫قم فقف به على منزل فاطمة»‪.‬‬
‫فانطل��ق الأعرابي مع بالل‪ ،‬فلما وقف على ب��اب فاطمة؛ نادى ب�أعلى‬
‫�ص��وته‪ :‬ال�س�لام علیكم يا �أهل بیت النبوة‪ ،‬ومختل��ف المالئكة‪ ،‬ومهبط‬
‫جبرئی��ل الروح الأمی��ن بالتنزيل من عن��د رب العالمی��ن‪ ،‬فقالت فاطمة‪:‬‬
‫«علیك ال�سالم‪ ،‬فمن �أنت يا هذا؟» قال‪� :‬ش��یخ من العرب �أقبلت على‬

‫((( ال�سمل‪ :‬الثوب الخلق‪ ،‬وته ُّلل الثوب‪ :‬انخراقه‪.‬‬

‫‹ ‪› 42‬‬
‫�أبیك ال�س��ید الب�شیر من �شقّة‪ ،‬و�أنا يا بنت محمد (�صلى اهلل علیه وعلى �آله‬
‫يرحمك اهلل ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫و�سلم) عاري الج�سد جائع الكبد فوا�سیني‬
‫فعم��دت فاطمة �إل��ى جلد كب�ش مدبوغ بالقرظ كان ينام علیه الح�س��ن‬
‫والح�سین‪ ،‬فقالت‪« :‬خذ �أيّها الطارق‪ ،‬فع�سى اهلل �أن يختار لك ما هو‬
‫خیر فیه»‪ ،‬قال الأعرابي‪ :‬يا بنت محمد‪� ،‬شكوت الیك الجوع فناولتنى‬
‫جلد كب�ش ما �أ�ص��نع به مع ما �أجد من ال�س��غب؟ قال‪ :‬فعمدت لما �سمعت‬
‫ه��ذا م��ن قوله �إلى عقد كان ف��ي عنقها �أهدته لها فاطم��ة بنت عمها حمزه‬
‫ب��ن عبدالمطلب‪ ،‬فقطعته م��ن عنقها ونبذته �إل��ى الأعرابي وقالت‪« :‬خذ‬
‫وبع��ه‪ ،‬فع�س��ى اهلل �أن يعو�ضك به ما هو خیر من��ه»‪ .‬ف�أخذ الأعرابي‬
‫العقد وانطلق �إلى م�س��جد ر�سول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آله) والنبي جال�س‬
‫في �أ�صحابه فقال‪:‬‬
‫ي��ا ر�س��ول اهلل‪� ،‬أعطتني فاطم��ة هذا العق��د‪ ،‬فقالت‪« :‬بع��ه»‪ .‬فقال‬
‫ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آل��ه) ‪« :‬كیف ال يعو�ضك ب��ه ما هو خیر‬
‫من��ه؟! وقد �أعطت��ك فاطمة بنت محم��د �سیّدة بن��ات �آدم»‪ .‬فقال‬
‫عمار بن يا�س��ر (ر�ض��ى اهلل عنه) فقال‪ :‬يا ر�س��ول اهلل‪� ،‬أت�أذن لي ب�شراء هذا‬
‫العقد؟ قال‪« :‬ا�شتره يا عمار»‪ ،‬فقال عمار‪ :‬بكم العقد يا �أعرابي؟ قال‪:‬‬
‫ب�شبعة من الخبز واللحم‪ ،‬وبردة يمانیة �أ�ستر بها عورتي واُ�صلي بها لربي‪،‬‬
‫ودينار يبلغنى �أهلي ‪...‬‬
‫وكان عمار قد باع �س��همه الذي نفله ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله)‬
‫من خیبر ولم يبق معه �شيء‪ ،‬فقال‪ :‬لك ع�شرون ديناراً ومئتا درهم هجرية‬

‫‹ ‪› 43‬‬
‫وبردة يمانیة وراحلتي تبلغك �أهلك‪ ،‬و�شبعة من خبز البر واللحم ‪.‬‬
‫فق��ال الأعراب��ي‪ :‬ما �أ�س��خاك بالمال يا رج��ل! وانطلق ب��ه عمار فوفاه‬
‫ف�أ�ض��من له‪ ،‬وعاد الأعرابي �إلى ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آله) فقال له‬
‫ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل علیه و�آله)‪�« :‬أ�شبعت واكت�سیت؟» قال الأعرابي‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬وا�ستغنیت ب�أبي �أنت و�أمي‪.‬‬
‫ق��ال‪« :‬ف�أجز فاطمة ب�صنیعها» فقال الأعراب��ي‪ :‬اللهم �إنك �إله ما‬
‫ا�ستحدثناك‪ ،‬وال �إله لنا نعبده �سواك‪ ،‬و�أنت رازقنا على كلّ الجهات‪ ،‬اللهم‬
‫�أعط فاطمة ما ال عین ر�أت وال اُذن �س��معت ‪ .‬ف�أقبل النبي على �أ�ص��حابه‪،‬‬
‫فقال‪�« :‬إن اهلل قد �أعطى فاطمة في الدنیا ذلك‪� ،‬أنا �أبوها وال �أحد‬
‫م��ن العالمی��ن مثل��ي‪ ،‬وعليٌ بعلها ول��وال علي؛ لم��ا كان لفاطمة كف�ؤ‬
‫�أب��داً‪ ،‬و�أعطاها الح�سن والح�سین وما للعالمین مثلهما �سیدا �شباب‬
‫�أهل الجنة»‪.‬‬
‫فعمد عمار �إلى العقد فطیبه بالم�س��ك‪ ،‬ولفه ف��ي بردة يمانیة‪ ،‬وكان له‬
‫عبد ا�سمه (�س��هم) ابتاعه من ذلك ال�سهم الذي �أ�صابه بخیبر‪ ،‬فدفع العقد‬
‫�إل��ى المملوك وقال له‪ :‬خذ هذا العقد وادفعه لر�س��ول اهلل و�أنت له‪ ،‬ف�أخذ‬
‫الممل��وك العق��د ف�أتى به ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علیه و�آل��ه) ف�أخبره بقول‬
‫عم��ار‪ ،‬فقال النبي (�ص��لى اهلل علیه و�آله) ‪« :‬انطلق �إل��ى فاطمة فادفع‬
‫�إلیها العقد و�أنت لها»‪ ،‬فجاء المملوك بالعقد و�أخبرها بقول ر�سول اهلل‬
‫(�صلى اهلل علیه و�آله)‪.‬‬
‫ف�أخ��ذت فاطمة (علیها ال�س�لام) العق��د و�أعتقت المملوك ف�ض��حك‬

‫‹ ‪› 44‬‬
‫الغ�لام‪ ،‬فقالت‪« :‬ما ي�ضحكك يا غالم؟»‪ ،‬قال‪� :‬أ�ض��حكنى عظم بركة‬
‫هذه العقد‪� ،‬أ�شبع جائعاً وك�سى عرياناً و�أغنى فقیراً و�أعتق عبداً ورجع �إلى‬
‫�صاحبه(((‪.‬‬

‫و�أعظم من هذا ما خلده القر�آن الكريم في ق�صة‬


‫الإطعام لها ولأهل بيتها‬
‫في �س��ورة الإن�س��ان في قوله تعالى‪َ } :‬ويُطْ عِمُ ونَ الطَّ عَا َم عَ لَى ُحبِّهِ {‬
‫قدم فيها �ص��ورة من �ص��ور الرحمة لأهل بيت النبوة‪ ،‬فق��د ذكر لنا القر�آن‬
‫الكريم و�س��جل موقفًا يدلل على مدى رحمة �أهل البيت (عليهم ال�س�لام)‬
‫موقف‬
‫و�إيثارهم وعطفهم وحنانهم المتميز �س��جله في �سورة الإن�سان في ٍ‬
‫م�ش��هو ٍر معروف لهم‪ ،‬تلك الأ�س��رة النبوية الكريم��ة العظيمة فيما تحمله‬
‫م��ن ِقيَ��م في �ص��يامهم ومع غروب ال�ش��م�س ودخول اللي��ل وحان وقت‬
‫الإفطار و�أتى وقت الع�ش��اء بجوعهم ولديهم القليل من الطعام‪ ،‬في و�ضعٍ‬
‫اقت�ص��اديٍ �ص��عب عا�ش��وه في تلك المرحلة ي�أتي �إليه��م ذوو الحاجة من‬
‫النا�س‪ ،‬الم�سكين واليتيم والأ�سير فكان الموقف الذي �سجله لهم القر�آن‬
‫الكريم‪َ }:‬ويُطْ عِمُ ونَ الطَّ عَا َم عَ لَى ُحبِّهِ مِ�سْ كِينًا َو َيتِيمًا َو�أَ�سِ يرً ا • �إِ َّنمَا‬
‫اف مِن‬ ‫ال �شُ كُ��ورًا �إِنَّا نَخَ ُ‬ ‫ال نُرِ ي��دُ مِنكُمْ جَ زَ اءً َو َ‬ ‫هلل َ‬
‫نُطْ عِمُ كُ��مْ ِلوَجْ ��هِ ا ِ‬
‫َّر ِّبنَ��ا َيوْم ًا عَ بُو�س�� ًا قَ مْطَ رِ ير ًا َفوَقَ اهُ ��مُ اللهَّ ُ �شَ َّر َذل َِك ا ْليَ�� ْو ِم َو َلقَّاهُ مْ‬
‫ن َْ�ضرَ ًة وَ�سُ رُ ور ًا وَجَ زَ اهُ م ِبمَا َ�صبَرُ وا جَ نَّةً و ََحرِ يراً{ [اإلنسان‪.]12 ، 8:‬‬

‫((( من كتاب فاطمة الزهراء البتول للدكتور �أحمد مطهر ال�شامي‪.‬‬

‫‹ ‪› 45‬‬
‫ب��كل رحم��ة‪ ،‬بكل عاطفة‪ ،‬ب��كل محبة‪ ،‬وم��ن واقعٍ �إيمان��يٍ قائمٍ على‬
‫الخوف من اهلل وعلى ابتغاء مر�ض��اته وعلى ال�سعي للح�صول على رحمته‬
‫يقدم��ون طعامهم وهم في �أ�ش��د الحاج��ة �إليه‪ ،‬وي�ص��برون على جوعهم‪،‬‬
‫وي�ؤثرون �أولئك ذوي الحاجة والفقر وال�شدة‪ ،‬الم�سكين واليتيم والأ�سير‬
‫على �أنف�سهم‪ ،‬هكذا يبرزون ويقدمون ِقيَم الإ�سالم ب�أرقى �صورة‪ ،‬وب�أجمل‬
‫�ص��ورة‪ ،‬وب�إخال�ص خلّده القر�آن الكريم ليكون در�سً ��ا بليغًا لكل الأجيال‬
‫على مر الزمان‪.‬‬

‫‹ ‪› 46‬‬
‫بع�ض ما ورد في �أهل البيت (عليهم ال�سالم) من �آيات‬
‫القر�آن الكريم‬
‫‪� -1‬آي��ة التطهير قول اهلل �س��بحانه وتعال��ى‪�} :‬إِ َّنمَ��ا يُرِ ي��دُ ا ُ‬
‫هلل ِليُذْ هِ بَ‬
‫���س �أهْ لَ ا ْل َبيْ��تِ َويُطَ هِّرَ كُ مْ تَطْ هِيرً ا{[األحزاب‪ ]33:‬فقد‬
‫عَ نكُمُ الرِّ جْ َ َ‬
‫جمع ر�س��ول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) عليًّا وفاطمة والح�سن‬
‫والح�سين تحت ثوب وقال‪ :‬اللهم ه�ؤالء �أهل بيتي وخا�صتي ف�أذهب‬
‫(((‬
‫عنهم الرج�س وطهرهم تطهيرًا‪.‬‬
‫‪� -2‬آية المودة قول اهلل �سبحانه وتعالى‪} :‬قُ ل اَّل �أَ�سْ �أَ ُلكُمْ عَ َليْهِ �أَجْ رً ا �إ اَِّل‬
‫ا ْل َم َو َّد َة فِي ا ْلقُرْ بَى{ [الش��ورى‪ ]23:‬لما نزلت هذه الآية قالوا يا ر�س��ول‬
‫اهلل من قرابتك ه���ؤالء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي وفاطمة‬
‫(((‬
‫و�أبنا�ؤهما‪.‬‬
‫��ك فِيهِ مِن َبعْدِ‬ ‫‪� -3‬آي��ة المباهلة قول اهلل �س��بحانه وتعالى‪َ } :‬فمَنْ َح�آجَّ َ‬
‫مَا جَ ��اءَ َك مِنَ ا ْل ِعلْمِ َفقُلْ َتعَا َل ْو ْا نَدْ ُع َ�أ ْبنَاءَ نَا َو�أَ ْبنَاءَ كُ مْ َونِ�سَ اءَ نَا‬
‫هلل عَ لَى‬‫َونِ�سَ اءَ كُ ��مْ َو�أَنفُ�سَ نَا و�أَنفُ�سَ كُمْ ثُمَّ َن ْب َتهِ��لْ َفنَجْ عَل َّل ْعنَةَ ا ِ‬
‫ا ْلكَا ِذبِينَ {[آل عمران‪.]61:‬‬
‫�أجمع المف�س��رون على �أن النبي (�ص��لوات اهلل علي��ه وعلى �آله) عندما‬
‫�أراد مباهلة ن�ص��ارى نجران دعا عليًّا وفاطمة والح�سن والح�سين (عليهم‬

‫((( �أخرجه م�سلم في ف�ضائل الح�سن والح�سين ‪.194 /15‬‬


‫((( فرائد ال�س���مطين ج‪�2‬ص‪ ،13‬ومناقب ابن المغازلي �ص‪ ،191‬و�ش���واهد التنزيل �ص‪،137‬‬
‫انظر(الغارة ال�سريعة �ص‪..)442‬‬

‫‹ ‪› 47‬‬
‫ال�س�لام) للمباهلة‪ ،‬وذكروا ب�أن المراد بن�س��ائنا‪ :‬فاطمة‪ ،‬و�أبنائنا‪ :‬الح�سن‬
‫(((‬
‫والح�سين‪ ،‬و�أنف�سنا‪ :‬الإمام علي (عليه ال�سالم)‪.‬‬

‫الزهراء في كلمات الر�سول‬


‫(�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫‪ - 1‬يق��ول الر�س��ول الكريم محمد (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ‪:‬‬
‫«فاطمة ب�ضعة مني فمن �أغ�ضبها �أغ�ضبني»‪.(((.‬‬
‫‪ - 2‬وقوله (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪�« :‬إنما فاطمة ب�ضعة مني‬
‫ي�ؤذيني ما �آذاها»(((‪ .‬وفي رواية‪« :‬فاطمة ب�ضعة مني يقب�ضني‬
‫ما يقب�ضها ويب�سطني ما يب�سطها»‪.‬‬
‫‪ - 3‬وق��ال الر�س��ول (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آل��ه و�س��لم) لفاطمة (عليها‬
‫ال�سالم)‪�« :‬إن اهلل يغ�ضب لغ�ضبك وير�ضى لر�ضاك»((( ‪.‬‬

‫الك�شاف‪� ،‬سورة �آل عمران‪ ،‬الآية ‪ .61‬وكذا جاء في تف�سير‬‫((( من �أولئك الزمخ�شري‪ ،‬تف�سير َّ‬
‫النبي‬ ‫ّ‬
‫الثعالبي عن مجاهد والكلبي‪ :‬و ُيطلق لفظ �أ�صحاب الك�ساء على الذين اجتمعوا مع ِّ‬
‫علي‬
‫(�ص���لى اهلل عليه وعلى �آله و�س���لم) تحت ك�س���ائه ونزل���ت فيهم �آية التطهي���ر‪ ،‬وهم‪ٌّ :‬‬
‫وفاطمة والح�س���ن والح�سين‪ .‬وتف�س���ير الرازي ‪ .247/3‬وم�سلم‪ ،‬كتاب ف�ضائل ال�صحابة‪،‬‬
‫باب ف�ضائل علي بن �أبي طالب‪ .‬والترمذي ‪ .638/5‬وم�سند �أحمد ‪ .185/1‬وغيرهم‪.‬‬
‫((( م�س���ند الإمام زيد‪ ،‬و�أح���كام الإمام الهادي‪ ،‬و�أمالي �أبي طال���ب‪ ،‬ورواه البخاري في باب‬
‫مناقب قرابة الر�سول ج ‪� 4‬ص ‪ 281‬دار الحديث القاهرة‪.‬‬
‫((( م�س���ند الإمام زيد‪ ،‬و�أحكام الإمام الهادي‪ ،‬و�أمالي �أبي طالب‪ ،‬ورواه م�س���لم في ف�ض���ائل‬
‫ال�صحابة باب ف�ضائل فاطمة‪.‬‬
‫((( رواه الحاكم في الم�ستدرك على ال�صحيحين كتاب مناقب ال�صحابة �ص ‪ 154‬وقال عنه‬
‫حديث �صحيح الإ�سناد ولم يخرجاه‪.‬‬

‫‹ ‪› 48‬‬
‫‪ -4‬عن حذيفة قال‪�« :‬أتيت النبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫ف�صلي��ت مع��ه المغ��رب ف�صل��ى حت��ى �صل��ى الع�شاء‪ ،‬ث��م انفتل‬
‫فتبعته ف�سمع �صوتي فقال‪ :‬من هذا؟ حذيفة قلت‪ :‬نعم قال‪:‬‬
‫م��ا حاجت��ك غفر اهلل ل��ك ولأمك؟ ثم ق��ال‪� :‬إن ه��ذا ملك لم‬
‫ين��زل الأر�ض قط قب��ل هذه الليلة ا�ست�أذن رب��ه �أن ي�سلِّم عليَّ‬
‫ويب�شرن��ي ب���أن فاطمة �سي��دة ن�ساء �أه��ل الجن��ة‪ ،‬و�أن الح�سن‬
‫والح�سين �سيدا �شباب �أهل الجنة»(((‪.‬‬
‫‪ -6‬وع��ن �أن���س ق��ال‪ :‬قال ر�س��ول اهلل‪« :‬ح�سبك م��ن ن�س��اء العالمين‬
‫ب�أربع‪ :‬مريم بنت عمران‪ ،‬و�آ�سية بنت مزاحم‪ ،‬وخديجة بنت‬
‫خويلد‪ ،‬وفاطمة بنت محمدٍ ح�سبك بهنَّ من ن�ساء العالمين»‪.‬‬
‫‪ - 7‬كان ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) �إذا �سافر جعل �آخر‬
‫(((‬
‫عهده فاطمة و�أول من يدخل عليه �إذا قدم فاطمة‪.‬‬
‫‪ - 8‬ق��ال ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) لعل��ي وفاطمة‬
‫والح�سنين‪�« :‬أنا �سلم لمن �سالمكم وحرب لمن حاربكم»((( ‪.‬‬
‫((( �أورده الترمذي في �سننه كتاب المناقب‪ .‬وج���اء ف���ي الم�س���تدرك ج ‪���� 2‬ص ‪294‬‬
‫ب�س���نده عن عائ�ش���ة قالت لفاطمة‪� :‬أال �أب�ش���رك؟ �إني �سمعت ر�س���ول اهلل (�صلى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم) يق���ول‪�« :‬سي��دات ن�ساء �أه��ل الجنة �أرب��ع‪ :‬مريم بنت عم��ران‪ ،‬وفاطمة‬
‫بنت محمد‪ ،‬وخديجة بنت خويلد‪ ،‬و�آ�سية بنت مزاحم»‪ .‬وقال عنه الحاكم الني�سابوري‬
‫حديث �ص���حيح الإ�سناد ولم يخرجاه « يق�صد بخاري وم�سلم»‪ .‬وجاء في كنز العمال ج‬
‫‪� 7‬ص ‪� 111‬أن فاطمة �س���يدة ن�س���اء �أهل الجنة‪ .‬وذكر محيي الدين الطبري حديث �أف�ضل‬
‫�أربع ن�ساء ف�ضلهن اهلل في ذخائر العقبى �ص ‪ 44‬و�أ�ضاف و�أف�ضلهن فاطمة‪.‬‬
‫((( ورد في م�سند �أحمد بن حنبل ج ‪� 5‬ص ‪.275‬‬
‫ وذكر ذلك الحاكم في الم�ستدرك ج ‪� 1‬ص ‪ 489‬ورواه البيهقي في �سننه‪.‬‬
‫((( رواه �أحمد بن حنبل في م�س���نده ج ‪� 2‬ص ‪ ،442‬والحاكم في الم�س���تدرك �ص ‪ ،149‬وابن‬
‫الأثير في �أ�سد الغابة ج ‪� 3‬ص ‪ 11‬وج ‪� 5‬ص ‪.523‬‬

‫‹ ‪› 49‬‬
‫�إنها نموذج المر�أة الم�ؤمنة �إذ هي �س��يدة ن�ساء هذه الأمة‪ ,‬وهي نموذج‬
‫المر�أة العالمية �إذ هي �سيدة ن�ساء العالمين‪ ,‬وهي نموذج المر�أة التي تبتغي‬
‫طريق الجنة �إذ هي �س��يدة ن�س��اء �أهل الجنة‪ ,‬فن�س��اء ه��ذه الأمة يجدن في‬
‫الزه��راء نموذجه��ن القر�آن��ي الذي ينبغي الت�أ�س��ي به ف��ي جميع مجاالت‬
‫تحركها‪ ,‬وهناك من المفاهيم والق�ض��ايا والمبادئ الإن�س��انية والفطرية ما‬
‫يجعل المر�أة العالمية تجد �ضالتها المن�شودة في نموذج الزهراء �سالم اهلل‬
‫عليها‪ ,‬وهناك فيها �س�لام اهلل عليها من الموا�ص��فات الإيمانية ما تجد فيها‬
‫المر�أة الم�ؤمنة التي تبتغي الجنة طريقاً �إليها‪.‬‬
‫�إنها نموذج الحرية والكرامة والعلم والعدل والإن�ص��اف والتوا�ضع‪,‬‬
‫والإن�س��انية والإيثار والتف�ض��ل وقوة الموقف‪ ,‬واعت��داد المر�أة بكرامتها‬
‫الآدمية وح�سن التربية بما يغني �أي امر�أة ‪ -‬اليوم ‪ -‬عن االتجاه �إلى نموذج‬
‫�آخر وهي تتوق �إلى جميل المبادئ وروعة العفاف وقوي المواقف(((‪.‬‬

‫مكانتها العلمية‬
‫عندما تن�ش���أ الزهراء ف��ي بيت النبوة‪ ,‬البيت الذي كان��ت �آيات القر�آن‬
‫الكريم تتنزل فيه‪ ,‬وفي الوقت نف�س��ه كانت تحظى بعناية خا�ص��ة و�إعداد‬
‫فريد من قبل �أبيها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فمن الطبيعي‬
‫�أن تن�ش���أ فاطم��ة الزهراء على م�س��توى عالٍ ومتميز في العل��م والمعرفة‪,‬‬
‫�أ�ض��ف �إلى ذلك �أنها �سيدة ن�س��اء العالمين‪ ,‬ون�ساء هذه الأمة‪ ,‬ون�ساء �أهل‬
‫الجنة‪ ,‬وهذا بالت�أكيد لي�س عبارة عن و�س��ام منحها �أبوها ر�سول اهلل (�صلى‬
‫((( الأ�ستاذ حمود الأهنومي‪.‬‬

‫‹ ‪› 50‬‬
‫اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) هكذا لأنها ابنته بل لأنها جديرة بهذا الو�س��ام‬
‫و�أهلٌ له بفطرتها ولما تحمله من م�ؤهالت �إيمانية وخلقية ومعرفية‪.‬‬
‫ون�س��تطيع القول ب�أن الأم��ة وبالذات المر�أة خ�س��رت الكثير والكثير‬
‫م��ن علمها ومعرفتها نتيجة لإق�ص��ائها عن �أن تكون هي القدوة والأ�س��وة‬
‫والرم��ز والمثل للم��ر�أة الم�ؤمنة كم��ا �أراد ذلك اهلل ور�س��وله‪ ,‬وتم ترميز‬
‫�أخريات ممن كانوا ي�س��يرون في فلك ال�س��لطة الحاكم��ة وتقديمهن بد ًال‬
‫عنها‪ ,‬فال�ش��يء المعروف تاريخياً ب�أن ال�س��يدة الزهراء تعر�ضت للإق�صاء‬
‫والتغييب كما �أق�ص��ي وغيب زوجه��ا �أمير الم�ؤمنين علي (عليه ال�س�لام)‬
‫ب��ل و�ص��ل الحال في عهد بني �أمية �إلى �أن ي�ص��بح الحدي��ث عنهم جريمة‬
‫عقوبته��ا الإع��دام‪ ,‬و�أن تختم خطب الجمعة بلعنه��م‪ ,‬وهم من �أذهب اهلل‬
‫عنهم الرج�س وطهرهم تطهيراً‪ ,‬ومن �أو�ص��ى الر�سول �أمته بالتم�سك بهم‬
‫مع القر�آن الكريم‪ .‬ومع هذا ف�إن ما روي عن م�شاركاتها العلمية ورواياتها‬
‫وفقهها وخطبها واحتجاجاتها ي�شير �إلى علمها الوا�سع وح�صافتها الفائقة‬
‫رغ��م معاجلة الموت لها بع��د وفاة �أبيها‪ ,‬و�إذ لم يتح له��ا �أبداً �أن تقدم من‬
‫المعرفة والعلم ما كان يمكن �أن تقدمه‪ ,‬غير �أن م�شاركاتها و�أراءها في �أهم‬
‫الق�ضايا العلمية وال�سيا�سية واالجتماعية في تلك المدة الق�صيرة بُعيد وفاة‬
‫النب��ي بيَّن �أي امر�أة عالمة كان��ت الزهراء‪ ,‬و�أي زوجة كان اهلل قد اختارها‬
‫وا�صطفاها لباب مدينة العلم‪ ,‬و�أم لأعالم الهدى وم�صابيح الدجى‪.‬‬
‫وق��د مر ع��ن �أم �س��لمة قولها عن فاطم��ة عليها ال�س�لام‪ :‬وكانت واهلل‬
‫�آدب مني و�أعرف بالأ�شياء كلها‪ .‬وكقول عائ�شة‪� :‬إنها ما ر�أت مثلها ي�شبه‬
‫ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) في كالمه��ا وحديثها وفي‬
‫‹ ‪› 51‬‬
‫�سمتها‪ ,‬وهديها‪ ,‬وال �ش��ك ب�أن الم�شابهة للر�سول في الحديث وال�سمت‬
‫واله��دي ال بد �أن يكون له عالقة بالجانب المعرفي ك�أف�ض��ل امر�أة ت�ش��به‬
‫الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) في الناحية العلمية‪.‬‬
‫عاجلت المنية الزهراء قبل �أن تزهر ثمار علمها وتونق �أ�شجار معارفها‬
‫فغادرت الحياة بعد �أ�ش��هر من وفاة �أبيها �إال �أن الأ�شهر القليلة التي ق�ضتها‬
‫بع��د وفاة �أبيه��ا �أظهرت م��ا كان لديها من مع��ارف وعلوم ب�ش��كل �أثبت‬
‫فرادتها وجدارتها و�س��يادتها على العالمي��ن تلم�س ذلك في خطبتيها التي‬
‫�سنوردهما الحقاً(((‪.‬‬

‫عبادتها (�سالم اهلل عليها)‬


‫لقد كانت ال�سيدة الزهراء ن�سخة لأبيها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى‬
‫�آله و�سلم) روحاً و�أخالقاً وتقوىً وعباد ًة و�صل ًة باهلل وان�سجاماً مع تعاليمه‪,‬‬
‫فكان ي�س��ود بيتها المتوا�ضع روحانيّة الإيمان‪ ،‬وب�س��اطة العي�ش‪ ،‬وقناعة‬
‫النف�س‪ ،‬و�ص��فاء الروح‪ ،‬ك َمثَلٍ حيٍّ للبيت الم�س��لم الذي يعي�ش الأجواء‬
‫ال‬
‫الإ�س�لامية‪ ،‬ويتنفّ�س في ج ٍّو �إ�سالميٍّ خال�ص‪ ،‬وهكذا انطلقت لتكون َمثَ ً‬
‫�أعلى للمر�أة الم�سلمة‪ ،‬في قدا�ستها وطهرها‪ ،‬وعبادتها المنقطعة النظير‪.‬‬
‫يقول الح�س��ن الب�ص��ري‪ ،‬حول عبادة الزه��راء النموذجية‪ :‬ما كان في‬
‫ه��ذه الأُمة �أعبد من فاطمة (عليها ال�س�لام)‪� ،‬إنّها كانت تق��وم حتّى تتورّم‬
‫قدماها‪.‬‬

‫((( �إنتهى بت�صرف من كالم الأ�ستاذ حمود الأهنومي‪.‬‬

‫‹ ‪› 52‬‬
‫لقد كانت تت�ض��رّع لربّها من �أجل الآخري��ن‪ ،‬وتحاول �أن تطلب الخير‬
‫للم�ؤمني��ن والم�ؤمن��ات‪ ،‬قبل �أن تطلبه لنف�س��ها‪ .‬يقول الإمام الح�س��ن بن‬
‫علي (عليه ال�س�لام) «ر�أيتُ �أُمّي فاطمة ف��ي محرابها ليلةً ‪ ،‬فلم تزل‬
‫راكعةً �ساجد ًة حتّ��ى اتّ�ضح عمو َد ال�صبح و�سمعتُها تدعو للم�ؤمنينَ‬
‫والم�ؤمن��اتِ وتُ�سمِّيه��م وتكث��رُ من الدع��اءِ لهم‪ ،‬وال تدع��و لنف�سِ ها‬
‫ب�شيءٍ ‪ ،‬فقلت لها‪ :‬يا �أُمّاه لِمَ ال تَدعينَ لنف�سِ ك كما تَدعين لغيرِ ك؟‬
‫فقالت‪ :‬يا ُبنَيَّ الجا ُر ثمّ الدار»ً (((‪.‬‬
‫وع��ن �أمير الم�ؤمني��ن علي (عليه ال�س�لام) قال‪ :‬قلت لفاطم��ة‪� :‬إنه قد‬
‫�أجهدك الطحين‪ ،‬فلو �أتيت ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم)‬
‫فت�س���أليه خادماً‪ ،‬ف�أتته (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) فذكرت له ذلك‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫«�أُعَ لِّمُ ُكمَ��ا م��ا ه��و خير لكما من ذل��ك‪� ،‬إذا �آويتما �إل��ى فرا�شكما‬
‫ف�سَ بِّحا اهلل ثالث ًا وثالثين‪ ،‬واحمداه ثالث ًا وثالثين‪ ،‬وكبراه �أربع ًا‬
‫وثالثي��ن‪ ،‬فتلك مائ��ة على الل�سان‪ ،‬و�ألف في المي��زان » ‪ .‬قال علي‬
‫ك��رم اهلل وجهه‪ :‬فما تركتها منذ �س��معتها من ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه‬
‫وعلى �آله و�سلم)‪ .‬قال له رجل وال ليلة �صفين؟ قال‪ :‬وال ليلة �صفين‪.‬‬

‫((( من كتاب فاطمة الزهراء البتول للدكتور �أحمد مطهر ال�شامي‪.‬‬

‫‹ ‪› 53‬‬
‫وفاة �أبيها (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله)‬
‫بعد �أن �أكمل اهلل الدين و�أتم على النا�س النعمة‪ ،‬وبعد �أن حدد الر�سول‬
‫(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) الم�سار ال�سيا�س��ي للأمة �إلى يوم الدين‬
‫بدءًا بالإمام علي (عليه ال�س�لام) في حديث الوالية ونزول قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫ِ�س الَّذِ ينَ َكفَرُ و ْا مِن دِي ِنكُمْ َف َال تَخْ �شَ وْهُ مْ وَاخْ �شَ وْنِ ا ْل َي ْو َم‬ ‫}ا ْليَ�� ْو َم َيئ َ‬
‫�أَ ْك َملْ��تُ َلكُ��مْ دِي َنكُ��مْ َو�أَ ْت َممْ��تُ عَ َل ْيكُمْ ِن ْع َمتِ��ي َور َِ�ضيتُ َلكُ��مُ الإِ�سْ َال َم‬
‫دِينًا{ [المائدة‪ ]3:‬وبعد �أن دل الأمة على ما يمثل �صمام �أمان لها في حديث‬
‫الثقلين المعروف بين الأمة عندما قال‪�« :‬أال �أدلكم على ما �إن تم�سكتم‬
‫ب��ه ل��ن ت�ضل��وا من بع��دي �أب��دً ا كت��اب اهلل وعترت��ي �أه��ل بيتي �إن‬
‫اللطي��ف الخبير نب�أني �أنهما لن يفترق��ا حتى يردا على الحو�ض»‬
‫وبعد تو�ص��يات كثيرة ت�ض��من للأم��ة �إن هي عملت بها �أالَّ تكون �ض��حية‬
‫لأي ت�ض��ليل وبعد �أن جهز جي�شً ��ا بقيادة �أ�س��امة بن زيد لموا�ص��لة م�سيرة‬
‫الجهاد في �س��بيل اهلل ومواجه��ة الطواغيت والم�س��تكبرين‪ ،‬بعد هذا كله‬
‫�شعر ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) بدنو �أجله وقال لأهل بيته‬
‫ولأ�ص��حابه‪ُ « :‬ن ِعيَت �إليَّ نف�سي»‪ ،‬وعرف اقت��راب �أجله‪ ،‬فدخل منزله‪،‬‬
‫ودعا فاطمة عليها ال�س�لام فو�ضع ر�أ�س��ه في حجرها �ساعة‪ ،‬ثم رفع ر�أ�سه‬
‫وقال‪« :‬يا فاطمة‪ ،‬يا بنية‪� ،‬أ�شعرت �أن نف�سي قد نعيت �إليَّ »‪ ،‬فبكت‬
‫فاطم��ة عن��د ذلك حتى قطرت دموعها على خد ر�س��ول اهلل‪ ،‬فرفع ر�أ�س��ه‬
‫ونظ��ر �إليها‪ ،‬فقال‪�« :‬أما �إنك��م الم�ست�ضعفون المقه��ورون بعدي‪ ،‬فال‬
‫تبكين يا بنية‪ ،‬ف�إني قد �س�ألت ربي �أن يجعلك �أول من يلحق بي من‬

‫‹ ‪› 54‬‬
‫�أهل��ي‪ ،‬و�أن يجعلك �سي��دة ن�ساء �أمتي‪ ،‬ومعي في الجنة‪ ،‬ف�أُجِ بْت �إلى‬
‫ذلك»‪ ،‬فتب�س��مت فاطمة عند ذلك‪ ،‬ون�س��اء النبي ينظرنَ �إليها حين بكت‬
‫وتب�سمت‪ ،‬فقال بع�ض��هن‪ :‬ما �ش�أنك يا فاطمة‪ ،‬تبكين مرة وتبت�سمين مرة؟‬
‫فقال ر�سول اهلل‪« :‬دعن ابنتي»(((‪.‬‬
‫الو�ص َّية الأخيرة‬
‫وفي �آخر �س��اعاته خاطب ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم)‬
‫مَنْ ح�ض��ر عنده من �أ�ص��حابه بقول��ه‪« :‬ائتوني ب��دواة و َكتِ��ف‪ ،‬لأكتُبَ‬
‫َلكُ��م كتابً��ا ال ت�ضلُّوا بعدَ ُه �أبَدً ا» وكان ف��ي البيت رجال فيهم عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬فقال عمر‪� :‬إ َّن الرجل ليهجر‪ ،‬وقد غلبه الوجع وعندكم القر�آن‪،‬‬
‫ح�سبنا كتاب اهلل‪.‬‬
‫فاختلفوا وكثر اللغط واخت�ص��موا‪ ،‬فمنهم م��ن يقول قربوا يكتب لكم‬
‫ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم)‪ ،‬ومنهم يقول ما قاله عمر‪،‬‬
‫فلما �أكثروا اللغط واالختالف‪ ،‬وغم ر�س��ول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫و�سلم) وقال‪ :‬قوموا عني وال ينبغي عندي التنازع‪.‬‬
‫وكان ابن عبا�س يعبر عن �أ�ساه لما حدث بقوله‪« :‬الرزيَّة كل الرزيَّة‬
‫ما حال بيننا وبين كتاب ر�سول اهلل» في رواية البخاري وم�س��لم‪ :‬ثم‬
‫بكى ابن عبا�س حتى بل دمعه الح�صى‪.‬‬
‫ولما ر�أت فاطمة �أباها قد ثقل‪ ،‬دعت الح�س��ن والح�سين‪ ،‬فجل�سا معها‬
‫�إلى ر�س��ول اهلل‪ ،‬وو�ضعت خدَّها على خد ر�سول اهلل‪ ،‬وجعلت تبكي حتى‬
‫�أخ�ض��لت لحيته ووجهه بدموعها‪ ،‬ف�أفاق‪ ،‬وقد كان �أغميَ عليه‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫((( محمد بن �سليمان الكوفي في المناقب‪.‬‬

‫‹ ‪› 55‬‬
‫«ي��ا بنية لق��د �شققت عل��ى �أبيك»‪ ،‬ثم نظر �إلى الح�س��ن والح�س��ين‬
‫فا�س��تعبر بالبكاء‪ ،‬وقال (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ‪« :‬اللهم �إني‬
‫�أ�ستودعكهم و�صالح الم�ؤمني��ن‪ ،‬اللهم �إن ه�ؤالء ذريتي �أ�ستودعكهم‬
‫و�صالح الم�ؤمنين»‪ ،‬ثم �أعاد الثالثة‪ ،‬وو�ضع ر�أ�سه‪.‬‬
‫فقالت فاطمة‪ :‬واكرباه لكربك يا �أبتاه‪.‬‬
‫فقال لهـا‪« :‬ال كرب على �أبيك بعد اليوم»‪.‬‬
‫وفي رواية‪� :‬أن فاطمة عليها ال�س�لام جاءت بالح�سن والح�سين وقالت‬
‫لهما‪ :‬ادنوا من جدكما ف�سلما عليه‪.‬‬
‫فدن��وا منه وق��اال‪ :‬يا جداه‪ ،‬ثالثًا‪ ،‬ثم بكيا وقال له الح�س��ن‪� :‬أال تكلمنا‬
‫كلم��ة وتنظر �إلين��ا نظرة؟ فبكى عليٌ والف�ض��ل وجميع من ف��ي البيت من‬
‫الن�ساء‪ ،‬وارتفعت �أ�صواتهم بالبكاء ففتح ر�سول اهلل عينيه وقال‪« :‬ما هذا‬
‫ال�صوت؟»؟‬
‫فقالت فاطمة‪ :‬يا ر�س��ول اهلل‪ ،‬هذان ابناك الح�س��ن والح�سين‪ ،‬كلماك‬
‫فلم تجبهما‪ ،‬فبكيا وبكى من في البيت لبكائهما‪.‬‬
‫فقال ر�س��ول اهلل‪« :‬ادنوَا مني»‪ ،‬فدنا منه الح�س��ن ف�ض��مه �إليه وقبله‬
‫ودنا الح�س��ين من��ه‪ ،‬ففعل به مثل ذل��ك‪ ،‬فبكيا ورفعا �أ�ص��واتهما بالبكاء‪،‬‬
‫فزجرهما علي وقال‪ :‬ال ترفعا �أ�صواتكما‪.‬‬
‫فق��ال ل��ه ر�س��ول اهلل‪« :‬مـ��ه ي��ا عل��ي‪ ،»...‬ثم ق��ال‪« :‬الله��م �إني‬
‫�أ�ستودعكهما وجميع الم�ؤمنين من �أمتي» وغم�ض عينيه فلم يدع عليٌّ‬
‫�أحدًا يدنو منه‪.‬‬

‫‹ ‪› 56‬‬
‫فقب�ض��ه اهلل �إلي��ه يوم االثنين من �ش��هر ربيع الأول �س��نة �إحدى ع�ش��رة‬
‫(((‬
‫للهجرة‪.‬‬

‫معاناة الزهراء �سالم اهلل عليها بعد �أبيها‬


‫في الوقت الذي كان الإمام علي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) وقلة‬
‫قليلة من الم�س��لمين معه م�ص��دومين بانتقال خاتم الأنبياء والمر�سلين �إلى‬
‫الرفي��ق الأعلى ومغادرته هذه الحي��اة وفراقهم للقائ��د والمعلم والمربي‬
‫والهادي؛ فالم�س���ألة لي�س��ت �سهلة �أبدًا وخالل ان�ش��غالهم بتجهيز ر�سول‬
‫اهلل (�ص��لى اهلل علي��ه وعل��ى �آله و�س��لم) وتوديعه كان هن��اك من يحيكون‬
‫الم�ؤام��رات لال�س��تيالء على ال�س��لطة بحي��ث ال يكمل الإم��ام علي ومن‬
‫معه وداع ر�س��ول اهلل وال�ص�لاة عليه ودفنه �إالَّ وقد تمت الم�ؤامرة بنجاح‬
‫وو�ضع الإمام علي (عليه ال�سالم) ومن معه �أمام �أمر واقع وهذا ما تم فعالً‪.‬‬
‫موقف‬
‫ٌ‬ ‫فاطمة بنت ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعلى �آل��ه) كان لها‬
‫بار ٌز ومه ٌّم مِن ق�ض��ية بيع ِة ال�سَّ ��قيف ِة والخالف ِة و�أحداثِها‪ ،‬و�شُ �ؤونِ الإمام ِة‬
‫وال�سيا�س ِة في تلك الفتر ِة مِن حيا ِة الأُمَّة الإ�سالمية‪.‬‬
‫فكما حدَّثنا الم�ؤرِّخون والرُّواة الّذين نقلوا حوادث ال�سَّ قيفة‪ ،‬وموقف‬
‫فاطمة الزهراء (عليها ال�س�لام) منها‪ ،‬ف�إ َّن فاطمة (عليها ال�سالم) كانت قد‬
‫أب��دت ر�أيًا مُعارِ�ضً ��ا الختيار الخليفة �أبي بكر‪ ،‬ووقف��ت �إلى جانب الإمام‬
‫� ْ‬
‫عليّ بن �أبي طالب (عليه ال�سالم)‪ ،‬وتحدثت مع الأن�صار بعد بيعة ال�سَّ قيفة‪،‬‬
‫وطلبت منهم �أن يُبايعوا عليًّا‪ ،‬باعتباره المن�صو�ص عليه بالخالفة‪.‬‬
‫((( المناقب لمحمد بن �سليمان الكوفي‪.‬‬

‫‹ ‪› 57‬‬
‫موقف الزَّهراء (عليها ال�س�لام) هذا من‬ ‫وق��د روى لنا �أح ُد الم�ؤرِّخين َ‬
‫خالل حديثها مع الأن�ص��ار فق��ال‪( :‬وخرج عليٌّ (ك��رَّم اهلل وجهه) يحمل‬
‫ال في‬
‫فاطمة بنت ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل علي��ه وعلى �آله) عل��ى دابَّة لي ً‬
‫مجال�س الأن�ص��ار‪ ،‬ت�س�ألهم النُّ�ص��رة‪ ،‬فكانوا يقولون‪ :‬خ�شينا الفتنة يا بنت‬
‫ر�سول اهلل! فقالت لهم الزهراء‪�} :‬أَال فِي ا ْل ِف ْتنَةِ �سَ قَطُ وا{ [التوبة‪ ]49 :‬هذه‬
‫هي الفتنة‪.‬‬
‫والبع���ض قال‪ :‬يا بنت ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعل��ى �آله)! قد‬
‫��ت بيعتُنا لهذا الرَّجل‪ ،‬ولَ ْو �أ َّن زوجَ ِك وابن َعم ِِّك �سَ ��بَقَ �إلَيْنا‪َ ،‬قبْلَ �أبي‬
‫مَ�ضَ ْ‬
‫بكر‪ ،‬ما َع َدلْنا عنه‪.‬‬
‫وحاول الإمام علي ‪ -‬عليه ال�سالم ‪ -‬بكل جهوده تذكير الأمة بخطورة‬
‫ما يجري وعواقبه الوخيمة على م�س��تقبل الأمة وكذلك ال�س��يدة فاطمة ‪-‬‬
‫�سالم اهلل عليها ‪ -‬التي لخ�صت كيف �سيكون م�ستقبل الأمة بقولها‪�« :‬أال‬
‫ف��ي الفتنة �سقطوا» �إال �أن الم�ؤام��رة كانت �أكبر من كل تلك الجهود‪.‬‬
‫المعار�ض هذا مدَّة حياتها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫موقف فاطم َة (عليها ال�سالم)‬
‫ُ‬ ‫وا�ستم َّر‬

‫الزهراء تو�ضح خيوط الم�ؤامرة‬


‫كانت ال�س��لطة الجديدة تدرك ما يمكن �أن يعمل��ه الإمام علي وفاطمة‬
‫الزهراء عليهما ال�س�لام فيما لو التف حولهما المخل�صون من الم�سلمين؛‬
‫ف�س��ارعت �إلى توجيه �ض��ربة �سيا�س��ية واقت�ص��ادية �إلى �أه��ل البيت عليهم‬
‫ال�س�لام لما �أر�سلت جنودها لال�ستيالء على [فدك] ـ وهي القرية التي كان‬
‫ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) قد �أنحلها البنته فاطمة (عليها‬
‫‹ ‪› 58‬‬
‫ال�س�لام) ـ بدعوى غريبة هي �أن الأنبياء ال يورثون‪ ,‬الأمر الذي ا�س��تدعى‬
‫فاطمة الزهراء �إلى �أن تذهب �إلى هذه ال�س��لطة للمطالبة ب�إطالق حقها في‬
‫[ف��دك]‪ ،‬وتبين خط�أ قولهم هذا‪ ,‬وتبين في نف���س الوقت للنا�س �أبعاد هذه‬
‫الم�ؤامرة‪.‬‬
‫وقد �ألقت الزهراء �س�لام اهلل عليها خطبة �أو�ض��حت فيها للم�س��لمين‬
‫الكثير من الأمور وهذا ن�ص خطابها‪:‬‬
‫«بع��د �أن افتتحت كالمه��ا بالحمد هلل عز وجل والثناء عليه وال�ص�لاة‬
‫عل��ى ر�س��وله (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) قال��ت‪َ } :‬لقَ��دْ جَ اءَ كُ مْ‬
‫ي�ص عَ َل ْيكُمْ بِالْمُ �ؤْ ِمنِينَ‬
‫رَ�سُ ��ولٌ مِنْ �أَ ْنفُ�سِ كُمْ عَ زِ يزٌ عَ َليْهِ مَا عَ ِنتُّ��مْ َحرِ ٌ‬
‫وف ر َِحيمٌ {[التوب��ة‪ ]128:‬ف���إن تعزوه ((( تجدوه �أب��ي دون �آبائكم‪ ،‬و�أخا‬ ‫رَءُ ٌ‬
‫ال عن �س��نن‬ ‫ابن عمي دون رجالكم‪ ،‬فبلغ الر�س��الة �ص��ادعاً بالنذارة((( مائ ً‬
‫الم�ش��ركين �ض��ارباً ثبجه��م((( يدعو �إلى �س��بيل ربه بالحكم��ة والموعظة‬
‫الح�س��نة‪� ,‬آخذاً ب�أكظام ((( الم�ش��ركين يه�شم الأ�ص��نام ويفلق الهام‪ ،‬حتى‬
‫انهزم الجمع‪ ،‬وولوا الدبر‪ ،‬وحتى تفرى((( الليل عن �صبحه‪ ،‬و�أ�سفر الحق‬
‫عن مح�ض��ه‪ ،‬ونطق زعيم الدين‪ ،‬وخر�ست �شقا�ش��ق((( ال�شياطين‪ ،‬وتمت‬
‫كلم��ة الإخال�ص وكنتم على �ش��فا حف��رة من النار نه��زة الطامع((( ومذقة‬
‫((( تعزوه‪ :‬ت�سندوه‪.‬‬
‫((( �صدع بالأمر‪ :‬تكلم به جهارا‪.‬‬
‫((( الثبج ‪ -‬بفتحتين ‪ -‬ما بين الكاهل �إلى الظهر‪ ،‬وقيل‪ :‬ثبج كل �شئ و�سطه‪.‬‬
‫((( الأكظام جمع كظم ‪ -‬بالتحريك ‪ :-‬مخرج النف�س‪.‬‬
‫((( تفرى الليل عن �صبحه‪ :‬ان�شق‪.‬‬
‫((( ال�شقا�شق ‪ -‬جمع �شق�شقة ‪ -‬الجلدة الحمراء التي يخرجها البعير من جوفه عند هيجانه‪.‬‬
‫((( النهزة كالفر�صة وزنا ومعنى‪.‬‬

‫‹ ‪› 59‬‬
‫ال�شارب(((وقب�سة العجالن((( وموط�أ الأقدام‪ ،‬ت�شربون الطرق((( وتقتاتون‬
‫القد ((( �أذلة خا�س��ئين‪ ،‬يتخطفكم النا�س من حولكم‪ ،‬حتى �أنقذكم اهلل عز‬
‫وجل بر�س��وله �ص��لى اهلل عليه و�آله بعد اللتيا والتي ((( وبعد �أن مني ب�سهم‬
‫الرج��ال ((( وذ�ؤب��ان الع��رب ((( ومردة �أهل النف��اق ((( }كُ لَّمَ��ا �أَوْقَ دُ وا‬
‫نَارًا ِللْحَ رْ بِ �أَطْ َف�أَهَ ا اللهَّ ُ{ [المائدة‪ ]64:‬ونجم قرن لل�ش��يطان ((( �أو فغرت‬
‫للم�شركين فاغرة (‪ ((1‬قذف �أخاه في لهواتها‪ ،‬فال ينكفئ حتى يط�أ �صماخها‬
‫ب�أخم�ص��ه (‪ ((1‬ويخمد لهبهتا بحده‪ ,‬مكدوداً ف��ي ذات اهلل (‪ ((1‬و�أنتم في‬
‫رفاهية فكهون �آمنون وادعون) (‪.((1‬‬

‫((( اللبن الممزوج بالماء‪.‬‬


‫((( قب�س���ة العجالن مثل في اال�س���تعجال ت�ش���بيها بالمقتب����س الذي يدخل ال���دار ريثما يقب�س‬
‫الجذوة من النار‪.‬‬
‫((( الطرق ‪ -‬بفتح و�سكون ‪ -‬والمطروق �أي�ض ًا‪ :‬ماء الغدران الذي تبول فيه الإبل وتبعر‪.‬‬
‫((( القد ‪ -‬بالك�سر ‪� :-‬سير يقد من جلد غير مدبوغ‪.‬‬
‫((( اللتيا ‪ -‬بالفتح والت�ش���ديد ‪ -‬والمراد باللتيا والتي الداهية ال�ص���غيرة والكبيرة‪ ،‬وكنى عن‬
‫الكبيرة بالت�ص���غير ت�ش���بيها بالحية ف�إنها �إذا كثر �سمها �ص���غرت لأنهم يزعمون �أن ال�سم‬
‫ي�أكل ج�س���دها‪ ،‬والأ�ص���ل في المثل �أن رجال من جدي�س تزوج امر�أة ق�صيرة فقا�سى منها‬
‫ال�ش���دائد فطلقها وتزوج طويلة فكانت �أ�ش���د من الأولى فطلقها فقي���ل له‪� :‬أال تتزوج قال‪:‬‬
‫�أبعد اللتيا والتي فذهبت مثال‪.‬‬
‫((( بهم الرجال‪� :‬شجعانهم‪.‬‬
‫((( ذ�ؤبان العرب‪ :‬ل�صو�صهم و�صعاليكهم‪.‬‬
‫((( المردة ‪ -‬جمع مارد وهو العاتي‪.‬‬
‫((( نجم‪ :‬ظهر وطلع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬فاغرة الم�شركين‪ :‬جماعتهم‪ ،‬والمعنى مجازي م�أخوذ من فغر فاه �إذا فتحه‪.‬‬
‫(‪((1‬ال�صماخ ‪ -‬بالك�سر ‪ -‬خرق الأذن‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الأذن نف�سها وال�سين لغة فيه والأخم�ص‪ :‬ما‬
‫دخل من باطن القدم فلم ي�صب الأر�ض‪.‬‬
‫(‪ ((1‬مكدودا‪ :‬متعبا‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الرفاهية والرفاهة من العي�ش‪ :‬ال�سعة‪ ،‬والفكه‪ :‬طيب النف�س والودع والوديع ال�ساكن‪.‬‬

‫‹ ‪› 60‬‬
‫(حتى �إذا اختار اهلل لنبيه دار �أنبيائه ظهرت ح�س��يكة النفاق ((( و�س��مل‬
‫جلب��اب الدين ((( ونطق كاظم الغاوي��ن ((( ونبغ خامل الآفكين ((( وهدر‬
‫فنيق المبطلين‪ ،‬فخطر في عر�ص��اتكم ((( و�أطلع ال�ش��يطان ر�أ�س��ه �صارخا‬
‫بك��م‪ ،‬فدعاك��م ف�ألفاكم لدعوت��ه م�س��تجيبين‪ ،‬وللغ��رة ((( مالحظين‪ ،‬ثم‬
‫(((‬
‫ا�ستنه�ض��كم فوجدكم خفافا‪ ،‬و�أحم�ش��كم ((( ف�ألفاكم غ�ضبا فو�سمتم‬
‫(((‬
‫غير �إبلكم‪ ،‬ووردتم غير �ش��ربكم‪ ،‬ه��ذا والعهد قريب والكلم رحيب‬
‫والج��رح لما يندمل (‪� ((1‬إنما زعمتم ذلك خ��وف الفتنة }�أَ َ‬
‫ال فِي ا ْل ِف ْتنَةِ‬
‫�سَ قَطُ وا َو�إِنَّ جَ َهنَّمَ لَمُ حِ يطَ ةٌ بِا ْلكَافِرِ ينَ { [التوبة‪ ]49:‬فهيهات منكم و�أنى‬
‫بكم و�أنى ت�ؤفكون (‪ ((1‬وكتاب اهلل بين �أظهركم‪ ،‬زواجره بينة‪ ،‬و�شواهده‬
‫ْ�س‬ ‫الئحة‪ ،‬و�أوامره وا�ض��حة‪� ،‬أرغبة عنه تري��دون‪� ،‬أم بغيره تحكمون } ِبئ َ‬
‫لِلظَّ ا ِلمِي��نَ بَدَ الً{ [الكهف‪َ } ]50:‬ومَنْ َي ْب َت ِغ غَ يْرَ الآ�سْ َال ِم دِينًا َفلَنْ ُي ْقبَلَ‬
‫((( الح�سيكة والح�سكة والح�ساكة‪ :‬الحقد والعداوة وقد وردت الرواية باللفظتين الأوليين‪.‬‬
‫((( �سمل‪� :‬أخلق‪ ،‬والجلباب الملحفة والجمع جالبيب‪.‬‬
‫((( كاظم ‪ -‬هنا ‪ -‬فاعل الكظوم وهو ال�سكوت‪.‬‬
‫((( نبغ ال�شيء‪ :‬ظهر‪ ،‬والخامل‪ :‬ال�ساقط الذي ال نباهة له‪.‬‬
‫((( هدر البعير‪ :‬ردد �ص���وته في حنجرته‪ ،‬والفنيق‪ :‬الفحل من الإبل‪ ،‬وخطر‪ :‬اهتز في م�ش���يه‬
‫تبخترا وهي هنا مجازية‪ ،‬والعر�ص���ة ‪ -‬بوزن �ض���ربة ‪ -‬كل بقعة بين الدور وا�سعة لي�س بها‬
‫بناء والجمع عرا�ص ‪ -‬بك�سر العين ‪ -‬وعر�صات‪.‬‬
‫((( تروى ب�إعجام الأول و�إهمال الثاني كما تروى بالعك�س ومعنى الأولى الغفلة والمراد طلبها‬
‫ومعنى الثانية الحمية والأنفة‪.‬‬
‫((( �أحم�شكم ‪ -‬هنا هيجكم‪.‬‬
‫((( الو�سم‪ :‬الكي‪ ،‬وهو عالمة كانت العرب ت�ستعملها للإبل‪.‬‬
‫((( الكلم‪ :‬الجرح‪ ،‬والرحيب‪ :‬الوا�سع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬اندمل الجرح و�أدمل‪ :‬تماثل وتراجع �إلى ال�شفاء‪.‬‬
‫(‪ ((1‬هيهات ‪ -‬بتثليث الآخر ‪ -‬ا�س���م فعل بمعنى بعد‪ ،‬و�أنى‪ :‬ظرف مكان بمعنى �أين‪ .‬والإفك‪:‬‬
‫الكذب‪.‬‬

‫‹ ‪› 61‬‬
‫ِمنْ��هُ وَهُ َو فِي الآخِ ��رَ ِة مِنَ الْخَ ا�سِ رِ ينَ {[آل عمران‪ ]85:‬ثم لم تلبثوا �إال ريث‬
‫�أن ت�س��كن نفرتها ت�سرون ح�س��وا في ارتغاء (((ون�صبر منكم على مثل حز‬
‫الم��دى ((( و�أنتم الآن تزعم��ون �أال �إرث لنا }�أَفَحُ كْ��مَ الْجَ اهِ ِليَّةِ َي ْبغُونَ‬
‫َومَنْ �أ َْح�سَ نُ مِنَ اللهَّ ِ ُح ْكمًا ِل َقوْمٍ يُوقِ نُونَ { [المائدة‪.]50:‬‬
‫ي��ا ابن �أبي قحافة �أترث �أب��اك وال �أرث �أبي } َلقَدْ جِ ئْ��تِ �شَ ْيئًا فَرِ يًّا{‬
‫[مري��م‪ ]27:‬فدونكه��ا مخطومة مرحولة ((( تلقاك يوم ح�ش��رك‪ ،‬فنعم الحكم‬
‫اهلل‪ ،‬والزعي��م محمد‪ ،‬والموعد القيامة‪ ،‬وعند ال�س��اعة يخ�س��ر المبطلون‬
‫}لِ��كُلِّ َن َب ٍ�إ مُ�سْ َتقَ��رٌّ وَ�سَ و َْف َت ْعلَمُ ونَ { [األنعام‪ ]67:‬ث��م انكف�أت �إلى قبر �أبيها‬
‫فقالت‪:‬‬
‫(((‬
‫لو كنت �شاهدها لم تكثر الخطب‬ ‫قد كان بعدك �أنباء وهنبثـــــة‬
‫(((‬
‫واختل قومك فا�شهدهم وال تغب‬ ‫�إنا فقدناك فقد الأر�ض وابلها‬

‫الزهراء تك�شف خطورة ما ح�صل‬


‫باءت جهود �أمير الم�ؤمنين علي وجهود فاطمة الزهراء عليهما ال�سالم‬
‫بالف�ش��ل‪ ،‬وهاجمها المر�ض �ألماً وحزناً وهي ت��رى هذا الدين الذي عمل‬
‫وتعب و�ض��حى من �أجل��ه �أبوها طوال حياته يُع�ص��ف ب��ه‪ ,‬و�آن �أن يتحقق‬
‫((( الح�س���و‪ :‬ال�شرب �شيئا ف�شيئا‪ ،‬واالرتغاء‪� :‬ش���رب الرغوة وهي ما يطفو على فوق اللبن من‬
‫الماء الم�شوب به‪ ،‬والمثل ي�ضرب لمن يظهر �شيئا ويريد غيره‪.‬‬
‫((( الحز‪ :‬القطع‪ ،‬والمدى جمع مدية وهي ال�سكين‪.‬‬
‫((( مخطومة من الخطام وهو كل ما يو�ض���ع في �أنف البعير ليقاد به‪ ،‬والرحل للناقة كال�سرج‬
‫للفر�س‪.‬‬
‫((( الهنبثة جمعها هنابث‪ :‬الأمر ال�شديد واالختالط في القول‪.‬‬
‫((( كتاب ال�شافي في الإمامة والغدير‬

‫‹ ‪› 62‬‬
‫ما �أخبرها به ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) م��ن �أنها �أول‬
‫الالحقي��ن به‪ ،‬وكلم��ا ر�أت االنحرافات ازداد كمدها وحزنها وا�ش��تدت‬
‫بها العلة‪ ,‬وعند زيارة ن�ساء المهاجرين والأن�صار لها ر�أت الفر�صة �سانحة‬
‫لتو�ضيح خطورة ما �أقدم عليه القوم‪ ,‬وتو�ضيح موقفها الراف�ض والم�ستنكر‬
‫لما جرى‪.‬‬
‫قال �سُ َويْ ُد بن غفلة‪ :‬لما مر�ضت �سیدتنا فاطمة (عليها ال�سالم) ال َمرْ�ضة‬
‫التي توفِّیت فیها؛ اجتمعت �إلیها ن�ساء المهاجرين والأن�صار لیَعِدْ نَها‪ ،‬فقلن‬
‫لها‪ :‬يا بنت ر�س��ول اهلل كیف �أ�ص��بحت من علتك؟ فحمدت اهلل و�ص��لت‬
‫هلل‬
‫َحت وا ِ‬ ‫عل��ى �أبیها (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) ثم قالت‪�« :‬أ�ص��ب ُ‬
‫عا ِئفَ�� ًة((( ‪ .‬لدنیاكم‪ ،‬قالِیة((( ‪ .‬لرجالك��م‪ ،‬لَفَظْ تُهُم((( ‪ .‬بَع َد �أنْ عَجَ مْتهُمْ (((‪.‬‬
‫(((‬
‫ّعب بَع َد الجِ ِّد‬
‫و�شَ ��نَ�أْتُهُمْ (((‪ .‬بَ ْع َد �أن �سَ ��بَ ْرتُهُمْ ((( َفقُبحً ا لفُلولِ الح ِّد وال َل ِ‬
‫ِئ�س ما‬‫ال�صفا ِة(((‪ ،‬وخَ ْو ِر القَنا ِة((( ‪ .‬وخَ طَ لِ ال َّر� ِأي(‪ ((1‬و َزلَلِ الأهوا ِء وب َ‬ ‫و َقرْعِ َّ‬
‫((( �أي كارهة‪.‬‬
‫((( مبغ�ضة‪.‬‬
‫((( لفظت ال�شيء من فمى‪� :‬أي رمیته وطرحته‪.‬‬
‫((( ج َّربتهم‪.‬‬
‫((( �أبغ�ضتهم‪.‬‬
‫((( اختبر ُت ُهم‪.‬‬
‫((( ال َّلع���ب بعد الج���دِّ ‪� :‬أي �أخذتم دينكم باللع���ب والباطل بعد �أن كنت���م مجدِّ ين فیه �آخذين‬
‫َّ‬
‫بالحجة‪.‬‬
‫َّ‬
‫مقرعا لخ�ص���امكم حتَّى‬
‫((( وقرع ال�ص���فاة‪ ،‬ال�ص���فاة‪ :‬الحجر الأمل�س �أي جعلتم �أنف�س���كم ً‬
‫قرعوا �صفاتكم � ً‬
‫أي�ضا‪.‬‬
‫((( الخور‪ -‬بالفتح وبالتحريك‪ :-‬ال�ضعف‪ .‬والقناة‪ :‬ال ُّرمح‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المنطق الفا�سد الم�ضطرب‪.‬‬

‫‹ ‪› 63‬‬
‫العذاب هُم خالدون‪ .‬ال جَ َر َم‬ ‫ِ‬ ‫َق َّدم َْت لهم �أنفُ�سُ هم �أنْ �سَ خِ طَ اهللُ َع َل ْیهِم وفي‬
‫واهلل لَقَدْ َق َّل َدتْهُم ِربْقَتها(((‪( .‬وَحَ َّم َل ْتهُم �أَ ْو َقتَها)(((‪ .‬و�شَ ْنن َْت َع َل ْیهِم غارتها‪،‬‬
‫فجَ دعًا وعَقرًا و�سُ حْ قًا للقوم الظالمین‪َ .‬ويْحَ هُم �أنَّى زَحْ زَحوها عن رَوا�سي‬
‫الرِّ�س��الةِ‪ ،‬وقواعِ دِ النب َّو ِة والدّاللَ ِة ومَهبِطِ الوحيِ الأمین‪ ،‬والطّبین((( ‪ .‬ب�أم ِر‬
‫ال ُدّنیا والدِّين‪� ،‬أال ذلك هو الخ�سران المبین‪ ،‬وما نَقَموا من �أبي الح�سن؟!‬
‫هلل مِن نَكی ِر �س��ی ِفهِ‪ ،‬و ِق َّل ِة مُباالتِه بِحَ ْت ِف ِه و�شِ َّد ِة وَط�أ ِت ِه ونَكالِ َوقْعته‬
‫نَقَموا وا ِ‬
‫هلل لو تَكا ُفّوا عَن زَمانٍ نَبَ َذ ُه ر�س��ولُ اهلل‬ ‫هلل ع�� َّز وَجَ َّل‪ .‬وا ِ‬ ‫ذات ا ِ‬‫وتَنَ ُمّ�� ِر ِه في ِ‬
‫(�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) لأ ْعتَ َل َق ُه ولَ�س��ا ِر بِهم �سَ �� ْیرًا �سُ جُ حً ا(((‪.‬‬
‫وت��اهلل لو مالوا عن المحج��ة الالئحة‪ ،‬وزالوا عن قبول الحجة الوا�ض��حة‬
‫لردَّهم‪ ،‬وحملهم علیها وال يُكْ َل ُم خِ �شا�شُ ��ه((( (وال يكلُّ �سائره) وال يُتَ ْعتَ ُع‬
‫ال نمیرًا ف َْ�ضفا�ضً ��ا(((‪ .‬تَطْ فَحُ ِ�ضفَّتاه وال يَتَ َرنَّقُ جانِبا ُه‬ ‫راكبُهُ‪ ،‬ولأوردهم َم ْن َه ً‬
‫ولأ�صَ �� َد َرهُم بِطانًا ون�صح لهم �سرًّا و�إعالنًا قد تحیَّر بهم الرّيّ ‪ ،‬وحلي منه‬
‫بخی��ر غیر متحلٍّ منه بطائل [ قال الجوه��ريُّ ‪ :‬قولهم‪ :‬لم يحلَّ منها بطائل‬

‫((( ربقتها‪ :‬ال ِّربقة في الأ�ص���ل‪ :‬عروة في حبل تجعل في عنق البهیمة �أو يدها تم�سكها‪ ،‬ويقال‬
‫للحب���ل الذي تكون فیه ال ِّربقة‪ :‬ربق‪ ،‬وتجمع على ربق ورباق و�أرباق‪ ،‬وال�ض���میر في ربقتها‬
‫راج���ع �إل���ى الخالفة المدلول علیها بالمق���ام‪� ،‬أو �إلى فدك‪� ،‬أو حق���وق �أهل البیت (علیهم‬
‫ال�سالم) �أي جعلت �إثمها الزمة لرقابهم كالقالئد‪.‬‬
‫((( �أي حملته الم�شقة والمكروه‪.‬‬
‫((( الفطن الحاذق‪.‬‬
‫((( ال ِّلین ال�سهل‪.‬‬
‫((( ما يجعل في �أنف البعیر من خ�شب وي�ش ُّد به الزمام لیكون �أ�سرع النقیاده‪.‬‬
‫((( الوا�سع‪.‬‬

‫‹ ‪› 64‬‬
‫�أي‪ :‬لم ي�ستفد منها كثیر فائدة‪ .‬والتحلي‪ :‬التزيُّن‪ ،‬والطائل‪ :‬الغنى والمزيَّة‬
‫وال�س��عة والف�ض��ل]‪( .‬وال يحظى م��ن الدنیا بنائ��ل)(((‪� .‬إالَّ ِب َغمْ�� ِر((( الما ِء‬
‫َو َردْعِ ه((( ‪� .‬ش��ر ال�س��اغِ ب(((‪َ ( ،‬ولَبَانَ لَ ُه ُم الزَّاهِ ُد من الرَّاغِ ب وال�صَّ ��ادقُ‬
‫أر�ض‪� ،‬أال هلمَّن‬ ‫َكات مِنَ ال�س��ما ِء وال ِ‬ ‫��ت علیهِم بَر ٌ‬ ‫ِب) (ولَ ُفتِحَ ْ‬ ‫مِ��نَ الكاذ ِ‬
‫فا�س��معن‪ ،‬وما ع�ش��تنَّ �أراك��نَّ الده��ر عجبً��ا‪ ،‬و�إنْ تَعْجَ ْب َفقَ��د �أعْجَ بَك‬
‫ِث لَی َْت �شِ ��عري �إلى �أيِّ �سِ نا ٍد ا�ستَنَدوا؟! وعلى �أيِّ عِ ما ٍد اعتَمَدوا؟!‬ ‫الحاد ُ‬
‫و ِب�أيَّ ِة ُعرْو ٍة تَمَ�سَّ ��كوا؟! وعلى �أيَّ ِة ُذ ِّريَّ ِة اَ ْقدَموا واحتنكوا)؟! لبئ�س المولى‬
‫ولبئ�س الع�ش��یر‪ ،‬وبئ���س للظالمین بد ًال ا�س��تبدلوا الذُّناب��ى واهلل بالقودام‬
‫والعجز بالكاهل‪َ ،‬ف َر ْغمًا لمَعاطِ ِ�س قو ٍم يح�س��بون �أنَّهُم يُح�سِ نون �صُ ْنعًا‪� ،‬أال‬
‫�إنَّهم ُه ُم ال ُمفْ�سِ ��دون وَلكن ال يَ�شْ ��عُرونَ ‪َ ،‬ويْحَ هُم أَ� َفمَ��نْ يَهدي �إلى الحقِّ‬
‫�أَحَ ُّق �أن يُتَّبَ َع َ�أ َمّنْ ال يَ ِهدِّي �إالَّ �أَنْ يُهدى فما لَكُ مْ َكی َْف تَحْ كُ مونَ )‪.‬‬
‫�أم��ا لَ َعمْري لقد لَقِحَ ْت َفنَظِ َر ٌة َريْثَما تُ ْنتِج ث َّم احْ تَلِبوا طِ العَ ال َقع ِْب َدمًا‬
‫ْ��رِف التالون غِ َّب‬ ‫عَبیطً ��ا‪ ،‬وذُعافًا ُم ْم ِقرًا‪ ،‬هُنال َِك يَخْ �سَ �� ُر ال ُمبْطِ لونَ ‪ ،‬ويَع ُ‬
‫��ن الأ َوّلونَ ‪ .‬ثم طیبوا عن �أنف�س��كم �أنف�سً ��ا و َط�أْمنوا ِل ْل ِف ْتنَ ِة جَ �أ�شً ا ثم‬ ‫ما �سَ َّ‬
‫اطمئنُّوا واطمئنُّواو�أبْ�ش��روا بِ�سَ ی ٍْف �ص��ا ِر ٍم وَ�سَ ��طْ َو ِة ُم ْعتَدٍ غا�شِ مٍ و َهرَجٍ‬
‫�ش��امِل وَا�س��تِبدا ٍد مِنَ الظالمی��نَ ‪ ،‬يَدَعُ َفیْئَكُ ��م زَهیدًا َو َز ْرعَكُ مْ حَ �ص��یدًا‬
‫((( النائل‪ :‬العطیة‪.‬‬
‫((( التغ ُّمر‪ :‬هو ُّ‬
‫ال�ش���رب دون ال ِّر ّي‪ ،‬م�أخوذ من الغمر‪ -‬ب�ض���م الغین المعجمة وفتح المیم‪:-‬‬
‫وهو القدح ال�صغیر‪.‬‬
‫((( الردع‪ :‬الكف والدفع‪ ،‬والردعة‪ :‬الدفعة‪.‬‬
‫وال�سغب‪ :‬الجوع‪.‬‬‫((( ّ‬

‫‹ ‪› 65‬‬
‫فَیا ح�س��رتي لكم‪ ،‬و�أَنَّى بِكُ مْ وقَدْ ُع ِّمی َْت علیك��م �أَنُلزِ مُكموها و�أَنْتُم لها‬
‫كارِهون»(((‪.‬‬
‫قال �س��ويد ب��ن غفل��ة‪ :‬ف�أعادت الن�س��اء قوله��ا (عليها ال�س�لام) على‬
‫رجالهن فجاء �إلیها قوم من وجوه المهاجرين والأن�صار معتذرين‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫يا �سیِّدة الن�ساء لو كان �أبو الح�سن ذكر لنا هذا الأمر من قبل �أن نبرم العهد‬
‫ونحكم العقد لَمَا َعدَلنا �إلى غیره‪ ،‬فقالت‪�« :‬إ َل ْیكُمْ عَ نِّي ! فَال عُ ذْ َر َبعْدَ‬
‫تَعذيرِ كُ م وال �أمْرَ َبعْدَ تَق�صیرِ كُ م» ‪.‬‬

‫((( م�ص���ادر الخطبة‪ :‬دالئل الإمامة للطبري‪ ،‬وبالغات الن�س���اء لأبي الف�ضل بن �أبي طاهر‪،‬‬
‫وك�شف الغ َّمة للأربلي‪ ،‬و�شرح نهج البالغة البن �أبي الحديد‪.‬‬

‫‹ ‪› 66‬‬
‫فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) تلحق ب�أبيها‬
‫وف��ي خ�ض��م الأحداث المري��رة التي عاي�ش��ها �أمي��ر الم�ؤمني��ن (عليه‬
‫ال�س�لام) في هذه الفترة �ألمَّت بالزهراء �س��يدة ن�س��اء العالمي��ن العلة التي‬
‫توفي��ت على �أثرها فلحقت بالراح��ل العظيم �أبيها‪ ،‬حيث كان الإمام (عليه‬
‫ال�سالم) طوال فترة المر�ض الذي عانت منه فاطمة (عليها ال�سالم) يعاي�ش‬
‫ما تعاني ملْ ء كِ يانه؛ فهي وديعة ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله)‬
‫وهي ال�ص��ابرة المحت�س��بة‪ ،‬وهي بعد ذلك زوجته الوفية التي عاي�شت معه‬
‫�آماله و�آالمه طوال حياتها‪.‬‬
‫و�أو�ص��ت ‪� -‬س�لام اهلل عليه��ا ‪ -‬قبيل وفاته��ا �أالَّ يح�ض��ر جنازتها وال‬
‫ال�ص�لاة عليه��ا �أب��و بكر وال عمر‪ ،‬و�ش��ددت عل��ى الإمام علي ب���أن ينفِّذ‬
‫و�صيتَها؛ فخرج علي (عليه ال�سالم) مع عمار ومجموعة خا�صة من �أوليائه‬
‫ليدفنوها في الليل ويعملون عدة قبور ليعمُّوا حتى قبرها عنهم‪.‬‬
‫وفاطمة هي كما قال الر�س��ول (�ص��لوات اهلل عليه وعل��ى �آله)‪« :‬هي‬
‫�سي��دة ن�س��اء العالمي��ن» «فاطم��ة ب�ضعة من��ي يُرِ يـبُني م��ا رابها‪،‬‬
‫ي�ؤذين��ي م��ا ي�ؤذيها‪ ،‬يغ�ضبني م��ا يغ�ضبها‪ ،‬من �آذاها فق��د �آذاني‪ ،‬من‬
‫�أغ�ضبها فقد �أغ�ضبني» على اختالف �ألفاظ الحديث �أو تعدد رواياته(((‪.‬‬
‫الإمام علي ‪� -‬س�لام اهلل عليه ‪ -‬يرى وي�شاهد هذه الزوجة الوفية ب�ضعة‬
‫ر�س��ول اهلل (�ص��لوات اهلل عليه وعلى �آله) تموت َك َمدًا وقهرًا‪ ،‬وهي ترى‬

‫((( البخ���اري‪ ،‬ج ‪���� / 5‬ص ‪ ،26‬ب���اب مناقب فاطم���ة‪ ،‬ط‪ :‬دار �إحياء الت���راث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬

‫‹ ‪› 67‬‬
‫هذا الدين يُع�صف به من �أول يوم بعد وفاة والدها ر�سول اهلل (�صلوات اهلل‬
‫عليه وعلى �آله) فيزداد �ألمه وحزنه‪.‬‬
‫لم تبك ال�سيدة فاطمة (عليها ال�سالم) وتت�ألم على م�صادرتهم لما نَحَ لَها‬
‫أرا�ض وا�س��عة في ( َفدَك) كما ي�صور البع�ض‪� ،‬صحيح ب�أن (فدك)‬ ‫�أبوها من � ٍ‬
‫ق�ض��ية ت�ؤلمه��ا لكن لم تبك عليها‪ ،‬ولم تمت كم��دًا على فدك‪� ،‬إنما ماتت‬
‫كمدًا وحزنًا على هذه الأمة(((‪.‬‬
‫ر�أى الإمام (عليه ال�س�لام) زهراء الإ�سالم بعد ر�سول اهلل (�صلوات اهلل‬
‫عليه وعلى �آله) وهي تعاي�ش مرارة الأ�س��ى على ما ح�ص��ل من �ضياع لدين‬
‫�أبيها‪ ،‬ثم وهي ت�ست�س��لم لفرا�ش المر�ض في�شحب لونها وتتردى �أو�ضاعها‬
‫ال�ص��حية يومً��ا بعد يوم‪ ،‬ث��م يراها وه��ي تفارق الدنيا‪ ،‬فيبا�ش��ر تغ�س��يلها‬
‫وتجهيزها (عليها ال�س�لام) ثم يقف على �ش��فير قبرها مو ِّدعًا وال ين�سى �أن‬
‫يحملها ر�س��الة �إلى �أبيها ر�سول اهلل (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) بعبارات‬
‫تك�ش��ف عن �ألمه وحزنه‪� ،‬شاكيًا �إلى �أخيه ومربيه ومعلمه ر�سول اهلل ما �أل َّم‬
‫به وما يعانيه قائالً‪:‬‬
‫هلل َعنِّ��ي‪َ ،‬وعَنِ ابْنَت َِك النَّا ِزلَ�� ِة فِي جِ وَارِكَ ‪،‬‬
‫«ال�سَّ �لاَ ُم َع َلي َْك يَا رَ�سُ ��ولَ ا ِ‬
‫وَال�سَّ ��ـرِي َع ِة اللَّحَ اقِ ب َِك! قَلَّ يَا رَ�سُ ولَ اهللِ‪ ،‬عَنْ �صَ ِفيَّت َِك �صَ ْبرِي‪َ ،‬ورَقَّ َع ْنهَا‬
‫تَجَ لُّ��دِ ي‪� ،‬إ اَِّل �إ َّن لِي فِي التَّ�أَ�سِّ ��يِ ((( ِبعَظِ ي��مِ ُف ْر َقت َِك‪َ ،‬وفَادِحِ ((( م ُِ�ص��يبَت َِك‪،‬‬

‫((( المائدة الدر�س الأول لل�شهيد القائد ال�سيد‪ /‬ح�سين بدر الدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه‪.‬‬
‫((( يريد بالت�أ�سي‪ :‬االعتبار بالمثال المتقدم‪.‬‬
‫((( الفادح‪ :‬المث ِقل‪.‬‬

‫‹ ‪› 68‬‬
‫َمو ِْ�ض�� َع تَ َع ٍّز (((‪َ ،‬ف َلقَدْ وَ�سَّ ��دْ ت َُك فِي َملْحُ و َد ِة َق ْبرِكَ (((‪َ ،‬وفَا�ضَ ْت بَيْنَ نَحْ رِي‬
‫وَ�صَ دْ رِي نَفْ�سُ َك‪.‬‬
‫(�إنَّا هلل َو�إِنَّا �إِلَ ْي ِه رَاجِ عُونَ )‪َ ،‬ف َلقَدِ ا�سْ ��تُرْجِ ع َِت الْ َودِي َعةُ‪َ ،‬و�أُخِ ذ َِت الرَّهِ ينَةُ!‬
‫�أَمَّا حُ ْزنِي فَ�سَ ��ـ ْر َمدٌ‪َ ،‬و�أَمَّا لَ ْيلِي َفمُ�سَ �� َّه ٌد (((‪� ،‬إِلَى �أَنْ يَخْ تَا َر اهللُ لِي دَارَكَ الَّتِي‬
‫�أَن َْت ِبهَا ُمقِيمٌ‪.‬‬
‫وَ�سَ ��تُنَبِّئ َُك ابْنَت َُك ( ِبتَ�ضَ ا ُف ِر �أُ َّمت َِك َعلَى ه َْ�ضمِ هَا) (((‪َ ،‬ف�أَحْ ِفهَا ال�سُّ �ؤَالَ (((‪،‬‬
‫وَا�سْ تَخْ ِب ْرهَا الحَ الَ ‪ ،‬هذَا َولَمْ يَطُلِ الْ َع ْهدُ‪َ ،‬ولَمْ يَخْ لُ ِمن َْك ال ِّذ ْكرُ‪.‬‬
‫ال‬
‫ِف َف َ‬
‫ال َم ُم َودِّع‪َ ،‬ال قَالٍ ((( َو َال �سَ ئمٍ (((‪َ ،‬ف�إنْ �أَنْ�صَ ر ْ‬
‫ال ُم َع َليْكُ مَا �سَ َ‬
‫وَالْ�سَّ َ‬
‫ال عَنْ �سُ و ِء ظَنٍّ ِبمَا َو َع َد اهللُ ال�صَّ ا ِبرِينَ »‪.‬‬
‫اللَة‪َ ،‬و�إِنْ �أُقِمْ َف َ‬
‫عَنْ َم َ‬
‫قال بع�ض الرواة‪� :‬إن فاطمة (عليها ال�سالم) عا�شت بعد �أبيها ر�سول اهلل‬
‫(�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪ 40‬يومًا‪ ،‬وقال بع�ضهم ‪ 75‬يومًا‪ ،‬وقال‬
‫بع�ضهم �إنَّها عا�شت ثالثة �أ�شهر‪ ،‬وقال بع�ضهم‪� :‬سته �أ�شهر‪.‬‬

‫التعزِّ ي‪ :‬الت�صبر‪.‬‬ ‫(((‬


‫َم ْل ُحودة القبر‪ :‬الجهة الم�شقوقة منه‪.‬‬ ‫(((‬
‫ُم َ�س َّهد‪� :‬أي ينق�ضي بال�سهاد وهو ال�سهر‪.‬‬ ‫(((‬
‫هَ ْ�ضمها‪ :‬ظلمها‪.‬‬ ‫(((‬
‫� ْإح َفاء ال�س�ؤال‪ :‬اال�ستق�صاء فيه‪.‬‬ ‫(((‬
‫القالي‪ :‬المبغ�ض‪.‬‬ ‫(((‬
‫ال�سئم‪ :‬من ال�س�آمة وهي ال�ضجر‪.‬‬ ‫(((‬

‫‹ ‪› 69‬‬
‫حياة فاطمة الزهراء جديرة جدًّ ا بالت�أمل والدرا�سة‬
‫حي��اة فاطم��ة الزهراء جدي��رة جدًّا بالت�أمل والدرا�س��ة وه��ي في موقع‬
‫الق��دوة للم��ر�أة الم�ؤمنة فما �أح��وج �أخواتنا الم�ؤمن��ات �إلى االطالع على‬
‫�سيرتها كيف كانت في حياتها على م�ستوى الم�س�ؤولية الدينية والأ�سرية؟‬
‫كي��ف كانت بالرغ��م من عظيم م��ا هي عليه م��ن مقام و�إيم��ان و�أخالق‪،‬‬
‫والم�س��توى المعرفي الذي و�صلت �إليه كذلك لكنها مع ذلك كله عا�شت‬
‫حياتها بكل ب�ساط ٍة وتوا�ض��ع‪ ،‬فعا�شت الظروف المعي�شية ال�صعبة في ظل‬
‫و�ضعٍ اقت�صاديٍّ في مراحل �صعبة‪.‬‬
‫ول��م تكن �أبدًا لت�س��تنكف ع��ن القيام بم�س���ؤولياتها الفطري��ة في بيت‬
‫الزوجي��ة كان��ت تهت��م بكل �ش���ؤون البي��ت‪ :‬ترب��ي �أوالدها‪ ،‬تق��وم بكل‬
‫متطلبات الحياة والمعي�ش��ة‪ ،‬تطبخ‪ ،‬تنظف البي��ت‪ ،‬تعد الطعام‪ ،‬تفعل كل‬
‫�ش��يء ك�أي امر�أة �أخرى عادية‪ ،‬يعني مقامه��ا الإيماني‪ ،‬مقامها المعرفي لم‬
‫يبعدها �أبدًا عن الم�س�ؤوليات الفطرية‪ ،‬وعن الدور المهم في التربية‪ ،‬وعن‬
‫الدور الأ�س��ا�س في الواقع المعي�ش��ي والحياتي الذي هو �أ�س��ا�س في واقع‬
‫النا�س وحياة النا�س ومن متطلبات الحياة‪.‬‬
‫قامت بذلك كله‪ ،‬امر�أة في واقعها المعي�شي في غاية التوا�ضع والب�ساطة‬
‫وك�أي ام��ر�أ ٍة �أخرى‪ ،‬تعجن‪ ،‬تغ�س��ل المالب�س‪ ،‬تعد الطع��ام‪ ،‬تربي �أطفالها‬
‫تهتم بهم وبتن�ش��ئتهم وبتربيتهم وبتغذيتهم‪ ،‬ت�ص��بر على متاعب الحياة مع‬
‫زوجها تواجه الظروف ال�ص��عبة تواجه �أحيانًا ظروفاً �ص��عبة القر�آن الكريم‬
‫در�س مهم جدًّا يك�شف جوانب متعددة‬ ‫تحدث في [�س��ورة الإن�سان] عن ٍ‬

‫‹ ‪› 70‬‬
‫من بينها ظروف �صعبة وظرف وواقع معي�شي �صعب يح�صل �أحيانًا‪ ،‬وهذا‬
‫طبيعي في واقع الحياة �أن يح�ص��ل ومع ذلك م�س��توى ع��الٍ جدًّا جدًّا من‬
‫الأخالق‪ ،‬الإيثار بالطعام في حال ال�ص��يام عند �أوان الفطر‪ ،‬الإيثار بالطعام‬
‫وقت هي وزوجها و�أ�سرتها �أحوج ما تكون �إلى ذلك الطعام‪.‬‬ ‫في ٍ‬
‫تلك المر�أة الم�ؤمنة الزكية المر�ض��ية ال�ص��ديقة التي و�صلت �إلى ذروة‬
‫الكمال الإن�س��اني والإيماني وتحركت في واقع الحياة تقوم بم�س�ؤولياتها‬
‫الفطرية من دون كللٍ وال ملل وال عتْب وال تن�ص��ل عن الم�س�ؤولية وعلى‬
‫درج��ة عالية وم�س��توى عظيم من التوا�ض��ع‪ ،‬تقدم الدر���س المهم للمر�أة‬
‫الم�ؤمنة كيف تكون في واقع الحياة في �إطار م�س���ؤولياتها المتعددة‪ ،‬وفي‬
‫مواجه��ة �أعب��اء الحياة ف��ي كل االتجاهات والمجاالت‪ ،‬على الم�س��توى‬
‫الإيماني والعبادي كانت هي التي �س��ميت بالبتول منقطع ًة �إلى اهلل �سبحانه‬
‫وتعالى متبتل ًة منقطع ًة �إلى اهلل عابد ًة متوجه ًة ب�صدق �إلى اهلل �سبحانه وتعالى‬
‫لكنه��ا لم تكن بذلك منعزل ًة عن الحياة‪ ،‬ف��ي واقع الحياة في طبيعة الحياة‬
‫في ظروف الحياة‪ .‬ال‪ ،‬امر�أة تعي�ش مع زوجها مع �أ�س��رتها الواقع الحياتي‬
‫المعتاد‪.‬‬

‫فاطمة (عليها ال�سالم) كانت م�صدر عطاء‬


‫وينبوع خير و�إح�سان‬
‫ث��م هي عل��ى ما هي عليه من علم ومعرف��ة وزكاء وطهارة وتقوى تلك‬
‫الم��ر�أة الخدومة المح�س��نة التي تح�س��ن �إلى الآخرين وتهت��م بالآخرين‪،‬‬
‫م�صدر عطاء وينبوع خير وم�صدر �إح�سان هكذا يريد اهلل للمر�أة الم�ؤمنة �أن‬

‫‹ ‪› 71‬‬
‫تكون م�ص��درًا للعطاء والخير والإح�سان وهكذا كانت فاطمة (القدوة)‪،‬‬
‫والمر�أة الم�ؤمنة بحاجة �إلى القدوة و�أن تر�س��خ في واقعها القدوة‪ ،‬وطبعًا‬
‫القدوة العليا للم�ؤمنين والم�ؤمنات هو الر�س��ول محمد �ص��لوات اهلل عليه‬
‫وعلى �آله هو �أ�سوة وقدوة للرجال وللن�ساء معًا‪.‬‬

‫فاطمة الزهراء عليها ال�سالم‬


‫هي نعم القدوة ونعم الأ�سوة‬
‫فاطمة الزهراء والنماذج الن�س��ائية الراقي��ة العظيمة الكاملة في واقعها‬
‫الإيمان��ي والإن�س��اني هي نماذج �أي�ضً ��ا وق��دوة حتى في الخ�صو�ص��يات‬
‫الت��ي تخت�ص بها المر�أة بفطرته��ا وخلقها وكينونته��ا‪ ،‬فهناك جانب معين‬
‫من الخ�صو�ص��ية ففاطمة الزهراء ه��ي نعم القدوة ونعم الأُ�س��وة‪ ،‬وينبغي‬
‫الت�أ�س��ي بها وخ�صو�صً ا وهناك ا�س��تهداف للمر�أة الم�س��لمة‪ ،‬وجهد كبير‬
‫من قبل �أعداء الإ�س�لام و�أعداء القيم الإن�س��انية والأخالق �إلى االنحراف‬
‫بها والت�أثير عليها وا�س��تهدافها ثقافيًّا‪ ،‬وا�س��تهدافها ف��ي فكرها و�أخالقها‬
‫وقيمها‪.‬‬
‫هناك �ض��رورة ملحة جدًّا لتر�سيخ ارتباط القدوة‪ ،‬هذا االرتباط القيمي‬
‫الأخالق��ي المعرفي الإيماني الذي ي�س��اعد المر�أة الم�س��لمة على �أن تبقى‬
‫ال في م�سار‬
‫من�ش��د ًة �إلى تلك المر�أة الكاملة في �إيمانها ووعيها؛ لت�س��ير فع ً‬
‫التكامل الإن�س��اني والإيماني‪ ،‬وحتى ال تت�أثر بن�س��اء �أخريات بعيدات عن‬
‫القيم‪ ،‬بعيدات عن الأخالق‪.‬‬

‫‹ ‪› 72‬‬
‫تعر�ض المر�أة الم�سلمة للت�أثير با�ستهدافها لأن تكون‬
‫مت� ً‬
‫أثرة بالمر�أة الغربية‬
‫الي��وم تتعر�ض المر�أة الم�س��لمة للت�أثير با�س��تهدافها لأن تك��ون مت�أثر ًة‬
‫بالم��ر�أة الغربية الت��ي تختلف معها �إلى ح�� ٍّد كبير في المب��ادئ وفي القيم‬
‫حد كبير �ض��حية لعمل كبير‬ ‫وف��ي الأخالق‪ ،‬المر�أة الغربية التي كانت �إلى ٍ ّ‬
‫ا�س��تهدفها ب��دءًا ث��م �أرادوا بها ومن خالله��ا �أن تكون ه��ي النموذج غير‬
‫المن�س��جم‪ ،‬غير المتوافق للمر�أة الم�س��لمة‪ ،‬غير المتوافق ال مع دينها وال‬
‫مبادئها وال �أخالقها وال قيمها الإن�سانية‪.‬‬
‫نحن نقول‪� :‬إن المر�أة الغربية كانت �ض��حية ا�س��تُهدِ فت من قِبل �أولئك‬
‫المجرمين المف�س��دين في الأر�ض الذين �س��عوا �إلى االنحراف بالمر�أة عن‬
‫دوره��ا ومكانتها وقيمها وكرامتها‪ ،‬وعمل��وا على �أن يجعلوا منها �ألعوبة‪،‬‬
‫ح��د كبي��ر حينم��ا �أرادوا �أن يجعلوا منها مج��رد �ألعوبة‬
‫و�أرخ�ص��وها �إلى ٍ ّ‬
‫للإغواء والإف�ساد ون�شر الرذيلة والعياذ باهلل‪.‬‬

‫ً‬
‫من�شدة �إلى النماذج‬ ‫مطلوب من المر�أة الم�سلمة �أن تكون‬
‫ٌ‬
‫الراقية والعظيمة‬
‫مطلوب من المر�أة الم�س��لمة �أن تكون من�ش��د ًة �إل��ى تلك النماذج‬
‫ٌ‬ ‫هنا‬
‫الراقي��ة والعظيمة وفي مقدمته��ن فاطمة البتول الزهراء �س�لام اهلل عليها‪،‬‬
‫مريم بنت عمران‪ ،‬زينب‪ ،‬وهكذا [وهنّ كُثر] الن�ساء الم�ؤمنات الخيِّرات‬
‫المتكام�لات ف��ي �إيمانهن‪ ،‬واللواتي ‪� -‬أي�ضً ��ا ‪ -‬كان له��ن دو ٌر مهم على‬
‫م�سار التاريخ‪ ،‬هن النموذج الراقي الذي يجب �أن تت�أثر به المر�أة الم�سلمة‬
‫‹ ‪› 73‬‬
‫في �سلوكها و�أعمالها واهتماماتها‪ ،‬وما تن�شده من دو ٍر لها في واقع الحياة‬
‫وفي �إطار الم�س�ؤولية‪ ،‬هذا �شي ٌء مهم‪.‬‬

‫لماذا غيبت فاطمة الزهراء عن و�سائلنا التعليمية‬


‫والتثقيفية؟‬
‫�إذا كان الأ�س��تاذ العقاد يقول في كتابه [فاطمة الزهراء والفاطميون]‪:‬‬
‫(في كل دين �ص��ورة للأنوثة الكاملة المقد�سة يتخ�شع بتقدي�سها الم�ؤمنون‬
‫ك�أنم��ا ه��ي �آية اهلل فيما خلق من ذكر و�أنثى‪ ,‬ف�إذا تقد�س��ت في الم�س��يحية‬
‫�ص��ورة مريم العذراء ففي الإ�س�لام ال جَ ر َم تقدَّ�س �ص��ورة فاطمة البتول)‬
‫ف�لا �أجد ما ي�س��وغ �أو يب��رر لوا�ض��عي اال�س��تراتيجية التربوية ف��ي اليمن‬
‫تغييب فاطمة الزهراء عن المناهج التربوية في التعليم الأ�سا�س��ي والثانوي‬
‫والجامعي طوال عقود ما�ض��ية غير التع�ص��ب الأعم��ى‪ ,‬والحقد الذي ال‬
‫مبرر له‪� ,‬أو الخ�ض��وع واالن�س��ياق لما تمليه الرغبات الخارجية التي ترى‬
‫في نموذج الطهارة والعفة خطراً يوجب �إخراجه من مناهجنا‪.‬‬
‫ب�صراحة ال �أ�ستطيع �أن �أفهم �أنه ال يوجد در�س واحد في درو�س التاريخ‬
‫وال التربية الإ�س�لامية وال العربية وال الوطنية وال االجتماعيات في مناهج‬
‫المدار���س التربوية �إال ب�أنه ب�س��بب ا�س��تالب القرار التربوي وال�سيا�س��ي‬
‫للبل��د من قبل �أنظمة تدين بالوالء لليهود والن�ص��ارى المعتدين و�أوليائهم‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫لقد تم التغيي��ب الممنهج والمتعمد لنموذج فاطمة الزهراء وكان هذا‬
‫�أحد تطبيقات ا�س��تراتيجية التجهيل ل�شعبنا ون�سائنا‪ ,‬غيبوها في المناهج‪,‬‬
‫‹ ‪› 74‬‬
‫وغيبوها في الم�ؤلفات وفي ال�ص��حافة وفي الحلقات وفي خطب الجمعة‬
‫والمنا�س��بات لي�س هذا في اليمن فقط بل في مختلف ال�شعوب الإ�سالمية‬
‫والعربي��ة‪ ,‬وفي نف�س الوقت قدموا نماذج دينية لن�س��ائنا �أقل ما يقال عنها‬
‫ب�أنها نماذج ال ت�سمن وال تغني من جوع‪.‬‬
‫والخط��ورة �أنهم غيبوها عن ن�ص��ف مجتمعنا والذي يتحكم فيه الآخر‬
‫تربية واتجاهاً‪ ,‬غيبوها وهي �سيدة ن�ساء العالمين‪ ,‬و�سيدة ن�ساء هذه الأمة‪,‬‬
‫ولم تعد المر�أة الم�سلمة تعلم عنها �إال ما بقي من ق�ص�ص و�أمثال وعبارات‬
‫ورثنه��ا عن الأمهات والجدات مما �ش��ذ وندر و�ض��من دوائ��ر اجتماعية‬
‫�ضيقة(((‪.‬‬

‫هناك عدة عوامل �أبعدت الأمة عن قدواتها الحقيقيين‬


‫رجا ًال ون�ساء‬

‫العامل الأول التع�صب الوهابي الطائفي المقيت‪:‬‬


‫يقول ال�سيد القائد‪ /‬عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه اهلل‪:‬‬
‫تبنى النظام ال�س��عودي التوجه التكفيري الوهابي وفرَّخ له في �أو�س��اط‬
‫الأم��ة ودعمه ومولَّه ون�ش��ره‪ ،‬ومكَّ ن ل��ه من خالل دع��م �إعالمي ومادي‬
‫و�سيا�س��ي هائل ج��داً‪ ،‬ا�س��تغل نفوذه ال�سيا�س��ي على بع���ض الحكومات‬
‫وبع�ض الأنظمة �أن تفتح للتغلغل الوهابي في ال�ش��عوب‪� ،‬شعوبنا كلها كان‬
‫((( تلك هي فاطمة الزهراء للأ�ستاذ حمود الأهنومي مع الزيادة لما ورد عنه‪.‬‬

‫‹ ‪› 75‬‬
‫ه��ذا التيار غريباً عليها‪ ،‬وغير موجود فيها‪ ،‬هو ظاهرة طر�أت في ال�س��احة‬
‫الإ�سالمية وتغلغلت فيها وانت�ش��رت فيها‪ ،‬بفعل هذا الدعم‪ ،‬بفعل (البترو‬
‫دوالر) هذه الأموال الهائلة التي �صدَّرته �إلى العالم الإ�سالمي‪� ،‬صدَّرته بعد‬
‫الجزيرة في دول الخليج‪� ،‬ص��درته �إلى اليمن‪� ،‬ص��درته �إلى م�صر‪� ،‬صدرته‬
‫�إل��ى دول المغ��رب العربي‪� ،‬ص��درته �إلى ال�ش��ام‪ ،‬ولم يكن موج��وداً فيها‬
‫نهائياً‪ ،‬واكت�سح ال�ساحة وتغلغل في مناطق كثيرة‪.‬‬
‫ت�أثر من تغلغله هذا التيار ال�س��ني‪ ،‬ا�ستهدف ال�ساحة ال�سنية‪ ،‬ا�ستهدف‬
‫�أتباع المذاهب الأربعة وا�س��تهدف ال�ساحة ال�شيعية‪ ،‬وا�ستهدف كل فرق‬
‫الأمة وكل �س��احة الأمة وتغلغل فيها مدعوماً ب�ش��كل كبير مادياً ومدعوماً‬
‫ب�ش��كل كبير �سيا�س��ياً‪ ،‬كثير من الحكومات والأنظمة نا�صرته‪� ،‬أُعطيت له‬
‫�أهم الوزارات‪ ،‬كان التيار الوهابي التكفيري دائما يُ�س��لّم وزارة الأوقاف‬
‫والإر�ش��اد ووزارة التربية والتعليم حتى يتمكن من خالل هاتين الوزارتين‬
‫�إلى �أن يتحرك ب�شكل ر�سمي‪.‬‬
‫�إ�ض��افة �إلى تغلغله في الو�سط ال�شعبي ون�شاطه ال�شعبي‪ ،‬وحظي بحماية‪،‬‬
‫ودعم ‪� -‬أحياناً ‪ -‬دعم �أمني ودعم ع�سكري‪ ،‬دعم من الحكومات في البلدان‬
‫تنا�صره‪ ،‬كان في بع�ض البلدان يذهب �إلى الم�ساجد ومعه فرق ع�سكرية �أو‬
‫فرق من ال�ش��رطة‪ ،‬فرق تابعة للداخلية ت�ساعده في عملية اقتحام الم�ساجد‪،‬‬
‫والحديث عن هذا الجانب يطول‪ ،‬والم�آ�سي فيه �شملت كل البلدان العربية‬
‫والإ�سالمية‪� ،‬شملت اليمن‪� ،‬شملت المغرب العربي‪� ،‬شملت م�صر‪� ،‬شملت‬
‫ال�ش��ام‪ ،‬حديث وا�س��ع عن ه��ذه االقتحامات وال�س��يطرة على الم�س��اجد‬
‫وا�ستحواذ على المنابر‪ ،‬ومن ثم ال�سيطرة على المناهج الدرا�سية‪.‬‬
‫‹ ‪› 76‬‬
‫ه��ذا �ش��يء حر�ص علي��ه النظ��ام ال�س��عودي‪� ،‬أن يتحكم في �سيا�س��ة‬
‫المناهج الدرا�س��ية فيما تت�ض��منه من ثقافة‪ ,‬ومن مع��ارف دينية وتاريخية‪،‬‬
‫لدينا في اليمن في الما�ضي على مدى ع�شرات ال�سنين‪ ،‬تحكمت ال�سيا�سة‬
‫ال�س��عودية وتحكمت النزعة التكفيرية الوهابية على �ص��ياغة المناهج في‬
‫المدار�س والجامعات‪.‬‬
‫لا في دول الخليج العربي‪ ،‬في �أكثرها‪ ،‬في النظام ال�س��عودي‬ ‫تجد مث� ً‬
‫نف�سه‪ ،‬المنهج المدر�س��ي هناك في المدار�س والجامعات وكثير �أي�ضاً من‬
‫الر�س��ائل‪ ،‬ر�س��ائل التخرج الجامعي‪ ،‬ف��ي مراحلها المتع��ددة والمتنوعة‬
‫و�ص��لت لي�س فقط �إلى م�س��توى �إثارة ح�سا�س��ية كبيرة ف��ي الحديث عن‬
‫�أهل البيت عليهم ال�س�لام وفي المقدمة الإمام عل��ي وفاطمة الزهراء‪ ،‬بل‬
‫و�ص��لت �إلى حد الإ�س��اءة �إلى الإمام علي عليه ال�سالم‪ ،‬ر�سائل تخرج في‬
‫المناهج �أو في الجامعات ال�س��عودية كان بع�ض هذه الر�سائل يتطاول على‬
‫الإمام علي‪ ،‬ي�س��يئ �ص��راحة �إلى الإمام علي عليه ال�سالم‪ ،‬ينتق�ص من مقام‬
‫وقدر هذا الرجل العظيم في الإ�سالم‪.‬‬

‫النظام ال�سعودي الوهابي �سعى �إلى �إق�صاء �أهل البيت من‬


‫ثقافة الأمة‬
‫ف�أ�ص��بحت ال�سيا�س��ة الت��ي يتبناه��ا النظام ال�س��عودي‪ ،‬ال�سيا�س��ة على‬
‫الم�ستوى الثقافي والتعليمي‪ ،‬تحر�ص دائماً �إلى �إق�صاء الإمام علي والزهراء‬
‫والح�سن والح�سين و�أبنا�ؤهم عليهم ال�سالم نهائياً من المناهج‪ ،‬و�إذا كان‬

‫‹ ‪› 77‬‬
‫ثمة حديث ب�س��يط جداً عنهم‪ ،‬يقدمهم �أحياناً ك�شخ�ص��يات اعتيادية لي�س‬
‫لها �أي اعتبار في التاريخ الإ�سالمي نهائياً‪.‬‬
‫�أما الأحاديث التي ت�ضمنها التراث الإ�سالمي‪ ،‬ت�ضمنتها �أهم الكتب في‬
‫الحديث لدى حتى �إخوتنا من �أهل ال�س��نة‪ ،‬لديهم هم مجاميعهم الحديثية‬
‫الرئي�سية‪� ،‬أهم تلك الن�صو�ص ال تجد لها �أثراً‪ ،‬ال تكاد تجد لها �أثراً �أبداً في‬
‫المناهج الجامعية‪� ،‬س��واء في ال�س��عودية �أو في اليمن �أو عدد من البلدان‪،‬‬
‫وك�أن النبي لم يتحدث بها �أ�صالً‪ ،‬وك�أنه ال وجود لها في التراث الإ�سالمي‬
‫نهائياً‪.‬‬
‫ت�أت��ي الطامة الكب��رى على من يقت�ص��ر اعتمادهم ف��ي ثقافتهم الدينية‬
‫والتاريخي��ة على م��ا احتوت علي��ه المناهج الدرا�س��ية والجامعية �س��واء‬
‫عندنا في اليمن �أو في ال�س��عودية �أو في كل البلدان التي خ�ضعت لل�سيا�سة‬
‫ال�س��عودية ف��ي مناهجها التعليمي��ة‪ ،‬طامة كبي��رة جداً يمك��ن للطالب �أن‬
‫يقطع م�ش��واره التعليمي من المرحلة الأ�سا�سية‪� ،‬إلى االبتدائية والأ�سا�سية‬
‫والثانوي��ة والجامعية ثم يتخرج وهو يجهل بمثل هذه الن�ص��و�ص المهمة‪،‬‬
‫الن�ص��و�ص التي تدل على �أن للم�س���ألة عالقة ب�إيمانه‪ ،‬عالقة بثقافته‪ ،‬عالقة‬
‫بجوانب �أ�سا�سية يحتاج �إليها في دينه‪.‬‬
‫فيخرج وهو يجهل مقام �أهل البيت عليهم ال�سالم‪ ،‬يخرج من الجامعة‬
‫والبع�ض ي�ص��ل �إلى درج��ة �أن يكون معلماً في الجامع��ة‪ ،‬ولكن لأن ثقافته‬
‫وعلوم��ه اقت�ص��رت على م��ا احت��وت عليه تل��ك المناهج التي خ�ض��عت‬
‫العتب��ارات �سيا�س��ية‪ ،‬وت�أثيرات �سيا�س��ية‪ ،‬فكان مفل�س��اً ومنع��دم الثقافة‬

‫‹ ‪› 78‬‬
‫والمعرف��ة بمق��ام الإمام علي ه��ذا الرجل العظي��م في الإ�س�لام‪ ,‬وفاطمة‬
‫الزهراء‪ ,‬وكذلك بقية �أهل البيت عليهم ال�سالم‪.‬‬
‫ال ما بعد درا�س��ته الجامعي��ة‪� ،‬أو ما بعد‬
‫والبع���ض ال ي�أت��ي فيم��ا بعد‪ ،‬مث ً‬
‫درا�س��ته ف��ي كل المراحل‪ ،‬ال ي�أتي لينفتح على التراث الإ�س�لامي‪ ،‬ليطلع‬
‫االطالع الوا�س��ع‪ ،‬ال‪ ،‬يقت�ص��ر على ما قد عرفه واطلع عليه من خالل تلك‬
‫المناهج‪.‬‬
‫ولذلك �أن��ا �أقول لكل الثقافيين ولكل المثقفين‪ ،‬لكل التربويين‪ ،‬لكل‬
‫المتعلمي��ن في �أبناء �أمتنا حذا ِر حذا ِر من االقت�ص��ار على المناهج الجامعية‬
‫والمناهج الدرا�س��ية الر�س��مية‪ ،‬حذا ِر من ذلك‪ ،‬هذه كارثة‪ ،‬هذا �سيكون‬
‫م�صدر لكثير من الآفات‪ ،‬لأنه من المعلوم قطعاً وبكل ت�أكيد ويقين وثبوت‬
‫�أن المناهج الدرا�س��ية في عالمنا العربي في الم�س��توى الر�س��مي خ�ضعت‬
‫�شك للت�أثيرات ال�سيا�س��ية‪ ،‬حكمتها �سيا�سات معينة وتوجهات معينة؛‬ ‫بال ٍ‬
‫فقررت ما يدرج وقررت ما يحذف‪.‬‬

‫كيف م�سخ الوهابيون التاريخ؟‬


‫ت�أتي �إلى المع��ارف الدينية‪ ،‬ت�أتي �إلى المع��ارف التاريخية‪ ،‬فتجد هناك‬
‫الكثير مما حُ ذف والأمة بحاجة �إلى االطالع عليه‪ ،‬دينها‪ ،‬قيمها‪� ،‬أخالقها‪،‬‬
‫واقعها العملي‪ ،‬كذلك م�س���ؤوليتها الح�ضارية تفر�ض عليها �أن تطلع على‬
‫ذل��ك وقد حُ ��ذف نهائياً‪ ،‬وهناك ما �ضُ ��من في هذه المناهج مما ال �أ�ص��ل‬
‫له‪ ،‬ال �ص��حة له‪ ،‬مما لي�س م��ن الحقائق التاريخية هو افت��راء وتزوير على‬
‫التاريخ‪� ،‬أو هو افتراء وتزوير على المعارف الدينية وعلى الإ�سالم‪.‬‬
‫‹ ‪› 79‬‬
‫فلذلك يجب التعاطي بحذر مع المناهج الدرا�سية الر�سمية التي خ�ضعت‬
‫لل�سيا�س��ات الر�س��مية‪ ،‬التعاطي معها بحذر‪ ،‬والنظرة �إليها من هذا المنظار‬
‫باعتبارها �ش��ابها فيما ت�ضمنته �أخطاء كبيرة وتزييف كثير‪ ،‬وباعتبارها �أي�ضً ا‬
‫ناق�ص��ة‪ ،‬لم تت�ضمن �أ�ش��ياء مهمة جداً بات اليوم يحذف منها �أ�شياء كثيرة‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالتاريخ المعا�ص��ر‪ ،‬حُ ذف من المناهج الدرا�سية ما بعد الألفين‬
‫وبداي��ة الحملة الأميركية في ال��ـ ‪ 2001،‬والحملة الأميركية التي ركزت‬
‫على ‪� -‬أي�ض��اً ‪ -‬المناهج الدرا�س��ية فحُ ذف منها �أ�شياء كثيرة تتعلق بالخطر‬
‫(((‬
‫الأميركي والإ�سرائيلي والعربي واال�ستعماري على عالمنا الإ�سالمي‬

‫العامل الثاني‪ :‬الإ�شراف المبا�شر من قبل اليهود‬


‫والن�صارى على �صنع مناهجنا الدرا�سية‬
‫يقول ال�شهيد القائد ال�سيد ح�سين بدر الدين الحوثي ر�ضوان اهلل عليه‪:‬‬
‫حتى الربط بالأعالم‪ ،‬الربط بالأعالم �أي�ضاً عندهم ق�ضية خطيرة؛ ولهذا‬
‫ر�أين��ا نحن و�أنتم جميع��اً �أنه كيف غي��ب الحديث عن الإم��ام علي و�أهل‬
‫البيت في المناهج الدرا�س��ية‪ ،‬وغيب الحديث عنهم في و�س��ائل الإعالم‪،‬‬
‫وغي��ب الحديث ع��ن �آثارهم عن طريق الثقافة‪ ،‬ولم تب��دِ وزارة الثقافة في‬
‫�أي بلد ‪ -‬خا�ص��ة في اليمن ‪ -‬اهتماماً بالآثار �آث��ار �أعالم �أهل البيت!! لأن‬
‫الربط بالأعالم �أي�ضاً مهم جداً‪� ،‬إذا ما ر�سخ في �أنف�سنا عظمة علم من �أعالم‬
‫الإ�س�لام المتكاملي��ن والكاملين فعال‪ ،‬فل��و كان مجرد ا�س��م يتردد على‬
‫ال وم�ؤثراً‪.‬‬
‫�أل�سنتنا لكن قد ي�أتي من يجعل هذا اال�سم فاع ً‬
‫((( من ذكرى ا�ست�شهاد الإمام علي ‪1438‬هـ‪.‬‬

‫‹ ‪› 80‬‬
‫كان الإمام الح�سين (عليه ال�سالم) يتردد كثيراً في �أيام عا�شوراء‪ ،‬وفي‬
‫غير عا�ش��وراء في �أو�س��اط ال�ش��يعة الجعفرية كثيراً ويبكون‪ ،‬ويلطمون‪..‬‬
‫لكن كانت كلها مظاهر عاطفية‪ ،‬فجاء الإمام الخميني فا�ستطاع �أن يجعلها‬
‫ذات ت�أثير كبير‪� ،‬إحياء عا�ش��وراء‪ ،‬الحديث عن الح�س��ين لدرجة �أنه قال‪:‬‬
‫((كل ما بين �أيدينا من بركات الح�س��ين))‪� .‬أو بعبارة ت�ش��به هذه‪� .‬إذاً ذلك‬
‫اال�سم الذي تردد مئات ال�سنين في �أجواء عاطفية بحتة‪ ،‬لم يربط به جهاد‪،‬‬
‫ولم يربط به اتخاذ موقف‪ ،‬ولم يربط به عمل لرفع معنويات الأمة‪ ،‬التخاذ‬
‫موقف ما من �أعداء الأمة و�أعداء الدين‪� ..‬ألم ي�صبح فاعالً؟‪ .‬عندما جاء من‬
‫يجعل له حيوية في نفو�س النا�س؟‬
‫وهكذا الآن في جنوب لبنان في �أو�س��اط [حزب اهلل] ي�ص��رخون با�سم‬
‫الح�س��ين‪ ،‬بل �أ�ص��بحوا يتذوقون عا�ش��وراء ب�ش��كل �آخ��ر يختلف عن ما‬
‫كان��وا عليه يوم كانوا يتحدثون عن عا�ش��وراء م��ن الجانب العاطفي فقط‪،‬‬
‫و�أ�صبحوا ي�س��تلهمون من كربالء ومن عا�ش��وراء‪ ،‬ومن الح�سين الأ�شياء‬
‫الكثيرة جداً جداً‪ ،‬التي تدفع بهم وب�شبابهم �إلى ميادين الجهاد‪.‬‬
‫الح�س��ين الذي عا�ش مئات ال�سنين داخل الطائفة االثنا ع�شرية جامداً في‬
‫نفو�س��هم‪� ،‬ألم يفعل في مرحل��ة من التاريخ‪ ،‬وا�س��تطاع �أن يحرك �أمة؟‪ .‬وها‬
‫نحن نرى �إيران �ألي�س��ت �إيران ت�ش��كل عقبة �أمام الغرب فيما ننظر �إليها نحن‬
‫وفيما نفهم؟ �أن الغرب ينظر لإيران �شيئاً‪ ،‬ولبقية العرب الم�سلمين �شيئاً �آخر‪.‬‬
‫وهكذا ر�أينا كيف �أنه في مناهجنا الدرا�سية‪ ،‬وعلى �شا�شات التلفزيون‪،‬‬
‫وفي غيره من و�س��ائل الإعالم‪ ،‬نرى �أعالما �أخرى تقدم للأمة‪ ،‬ويتحدثون‬

‫‹ ‪› 81‬‬
‫عنها كثيراً في الم�س��اجد‪ ،‬ف��ي المعاهد‪ ,‬في المراكز‪ ،‬في الجامعات‪ ،‬وفي‬
‫كل م��كان‪ .‬ه��ذه الأعالم عند م��ن يفهم واق��ع الأم��ة الآن �أن �أمريكا‪� ,‬أن‬
‫اليهود والن�صارى يتحكمون تقريبا في كل �شيء‪ ،‬في الجوانب الإعالمية‪،‬‬
‫الثقافية‪ ،‬التربوية‪ ،‬االقت�صادية‪ ،‬ال�سيا�سية‪ ،‬في الدول كلها يتحكمون فيها‪،‬‬
‫ويتدخلون في كل �صغيرة وكبيرة‪.‬‬
‫هم يعرفون �أن تلك الأعالم ال ت�صنع �شيئا؛ لأنه لو ج�سم في نف�سك على‬
‫�أكبر ما يمكن لما كان با�س��تطاعته �أن يحركك‪ ،‬لي���س فيه ما يحركك‪� ،‬إنما‬
‫هي ‪ -‬كما يقال ‪[ : -‬نمور من ورق] فلن�ضع لل�شباب ولن�ضع للأجيال نموراً‬
‫من ورق‪� ،‬أعالماً وهمية ال تقدم وال ت�ؤخر‪ ،‬ولو تكرر ا�س��مها �آالف ال�سنين‬
‫لن تعمل �ش��يئا في النفو�س؛ لأنه عندما تحاول �أن ت�ستيقظ وترجع �إلى ذلك‬
‫العلم لت�ستلهم منه �شيئا تجده فارغا ال يمكن �أن يكون فيه ما يدفعك‪.‬‬
‫لك��ن �أعالم��اً كالإمام علي (عليه ال�س�لام) كالح�س��ن‪ ،‬والح�س��ين‪،‬‬
‫والزهراء‪ ،‬كزيد‪ ،‬والهادي‪ ،‬والقا�سم‪ ،‬وغيرهم ممن هم على هذا النحو‪،‬‬
‫هم الخطي��رون في واقع الحياة‪ ،‬هم من لو التفت الإن�س��ان‪� ،‬أو التفتت‬
‫الأمة لت�س��تلهم منهم �ش��يئاً �س��ترى ما ي�ش��دها‪ ،‬ترى ما يرفع معنوياتها‪،‬‬
‫ترى المواقف المتعددة‪ ،‬ترى الت�ضحية‪ ،‬ترى اال�ستب�سال‪ ،‬ترى ال�شعور‬
‫بعظمة الإ�س�لام‪ ،‬ترى اال�س��تهانة بالأنف�س والأموال والأوالد في �سبيل‬
‫الإ�سالم‪.‬‬
‫له��ذا هل نجد علي��اً (عليه ال�س�لام) �أو نجد الحديث ع��ن �أهل البيت‬
‫ف��ي مدار�س��نا �أو مراكزنا �أو جامعاتن��ا؟ ال يوجد‪ ،‬و�إذا ما وجد كان �ش��يئا‬

‫‹ ‪› 82‬‬
‫ب�س��يطاً‪ ،‬و�إذا ما جاء حديث ع��ن الإمام علي فكبر نوعاً ما‪ ،‬يم�س��خ ذلك‬
‫التكبي��ر ب���أن يقال هو على الرغ��م مما هو عليه ها هو يباي��ع �أبا بكر‪ ،‬وهو‬
‫�إنما كان جنديا من جنود �أبي بكر‪ ،‬يكبرونه قليال ثم يجعلونه بكله و�س��يلة‬
‫من و�س��ائل تكبير �أبي بكر‪ ،‬في�شدونك �أكثر �إلى �أبي بكر‪ ،‬فيما �إذا تحدثوا‬
‫قلي�لا عن علي فهو و�س��يلة ل�ش��دك �أكثر �إلى �أبي بكر‪� ،‬أم��ا �أن يقدموا علياً‬
‫علماً لوحده بعد الر�س��ول (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) فهذا ما ال يمكن‪،‬‬
‫ي�شكل خطورة بالغة‪.‬‬
‫مت��ى ر�أينا في و�س��ائل �إعالمن��ا حديثا عن الإمام اله��ادي وعن �أثره في‬
‫اليمن؟ متى �س��معنا برامجاً تتحدث عن �أخباره و�سيرته الحميدة وما عمله‬
‫م��ن �أعمال عظيم��ة في اليمن وفي �أو�س��اط اليمنيين وف��ي هدايتهم؟ وهم‬
‫م��ن كان القرامطة قد عبثوا ب�أفكاره��م‪ ،‬والباطنية‪ ،‬وبقايا كثيرة من اليهود‬
‫كان��ت ما تزال في مختلف مناطق اليمن؟ ال حديث عنه �إال بما ي�س��يء‪ ،‬ال‬
‫حديث عنه �إال بتع�سف بما يقدمه ناق�صاً‪.‬‬
‫هك��ذا يفكر �أولئك النا�س‪ ،‬وهم ينظرون �إلى الق��ر�آن‪� ،‬أو ينظرون �إلى‬
‫�أعالم الإ�س�لام �أنه قد يكون هذا اال�س��م‪ ،‬وقد يكون هذا الكتاب و�إن لم‬
‫يكن له �أثر الآن‪ ،‬و�إن كنا نرى هذه الأمة قد �ضربناها �ضربة قا�ضية‪ ،‬لكن ما‬
‫يزال هذا ي�ش��كل خطورة ولو بعد حين‪ ،‬فيجب �أن نعمل على �إق�صائه ب�أي‬
‫و�سيلة(((‪.‬‬

‫((( الدر�س الثالث ع�شر من درو�س معرفة اهلل‪.‬‬

‫‹ ‪› 83‬‬
‫وو�صى بها‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫فعال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة بل‬ ‫الإ�سالم‬
‫في كل مواقعها‬
‫ومن خالل ما نلحظه من مقا ٍم عظيم لتلك النماذج الراقية والعظيمة مثل‬
‫ال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة‪ ،‬بل‬‫تلك الن�ساء الأربع ندرك �أن الإ�سالم فع ً‬
‫وو�صَّ ى بها في كل مواقعها في الحياة‪ ،‬و�أخذ بعين االعتبار دورها المهم في‬
‫كل الم�سارات‪ ،‬دورها الكبير في تربية الأجيال وتن�شئتهم وهذه م�س�ؤولية‬
‫أ�س��ا�س في واقع الحياة‪ ،‬ولو �أن الآخرين الذين ي�سعون‬
‫كبيرة ودو ٌر مهم و� ٌ‬
‫لإف�س��اد المر�أة واالنح��راف بها يحاولون �أن يقللوا م��ن قيمة هذا الدور‪،‬‬
‫و�أحيانًا ي�ص��فونه بالو�ضاعة‪ ،‬و�أحيانًا ي�س��عون �إلى تح�سي�س المر�أة النق�ص‬
‫تج��اه هذا الدور‪ ،‬وهو دور كمالي ومهم وكبير لأن من �أح�ض��انها تخرج‬
‫العظم��اء من الرجال والن�س��اء‪ ،‬وكان ح�ض��ن المر�أة هو مع��راج الكمال‬
‫للرج��ل والم��ر�أة معًا‪ ،‬منه ينطلق �إلى واقع الحي��اة مت�أثرًا من تلك المرحلة‬
‫التي ق�ض��اها في طَور التربية التي كان��ت في بد ِء حياته‪ ،‬منذ نعومة �أظفاره‪،‬‬
‫منذ فتح عينيه على الحياة‪ ،‬وبد�أ ا�ستيعاب واقع الحياة من حوله‪.‬‬

‫اهلل �سبحانه وتعالى ائتمن المر�أة على م�س�ؤولية كبيرة جدًّ ا‬


‫�إن اهلل �سبحانه وتعالى ائتمنها على م�س�ؤولية كبيرة جدًّا‪ ،‬وائتمنها لدو ٍر‬
‫مهم و�أ�سا�س في واقع الحياة‪ ،‬هذا الدور لي�س دورًا يمثل �ضع ًة للمر�أة وال‬
‫انتقا�صً ا من مكانتها‪ ،‬بل �إن اهلل �سبحانه وتعالى ائتمنها على م�س�ؤولية كبيرة‬
‫جدًّا وائتمنها لدو ٍر مهم و�أ�س��ا�س في واقع الحي��اة‪ ،‬وله ت�أثيراته التي تبقى‬
‫ال �أو امر�أة مدى حياته‪ ،‬وفي بقية مراحل حياته‪.‬‬ ‫م�صاحبة لدور الإن�سان رج ً‬
‫‹ ‪› 84‬‬
‫هذا الدور المهم الذي تقوم به من واقعها كامر�أة‪ ،‬اهلل �س��بحانه وتعالى‬
‫تحدث عنه حتى في مراحله الأولى و�أَجَ لَّ المر�أة جنبًا �إلى جنب مع الأب‪،‬‬
‫و�أعطاه��ا امتيازًا بح�س��ب معاناتها وظروفها و�آالمها ف��ي مرحلة الحمل‪،‬‬
‫وفي مرحلة الوالدة والر�ضاعة والتربية في البداية فيقول �سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫ال �إِيَّا ُه َوبِا ْلوَالِدَ يْنِ �إ ِْح�سَ انًا{[اإلسراء‪.]23:‬‬
‫ال َت ْعبُدُ و ْا �إِ َّ‬
‫}وَقَ َ�ضى َرب َُّك �أَ َّ‬
‫جع��ل ه��ذه التو�ص��ية المهمة ج��دًّا جعلها جنبً��ا �إلى جنب مع م�س���ألة‬
‫ال �إِيَّاهُ{ وهذه �أهم م�س���ألة‬ ‫ال َت ْعبُ��دُ و ْا �إِ َّ‬ ‫مهم��ة وكبي��رة }وَقَ َ�ضى َرب َ‬
‫ُّ��ك َ�أ َّ‬
‫ال‬ ‫على الم�س��توى الديني والإيماني �أهم م�س���ألة هي ه��ذه }�أَ َّ‬
‫ال َت ْعبُدُ و ْا ِ�إ َّ‬
‫�إِيَّ��اهُ{ عب��ادة اهلل وح��ده‪ ،‬و�إلى جنب ه��ذا كله ي�أتي بالتو�ص��ية الأخرى‪:‬‬
‫} َوبِا ْلوَالِدَ يْنِ �إ ِْح�سَ انًا{ �إعال ًء من �ش�أن ذلك وتنبيهًا على �أهميته الكبرى‬
‫بحي��ث جعله في كفه‪ ،‬وتو�ص��يته بعبادته وحده والأم��ر بعبادته وحده في‬
‫كف ٍة �أخرى‪.‬‬
‫�أي�ضً ��ا يق��ول‪َ } :‬وو ََّ�ص ْينَ��ا ْ إ‬
‫الِن�سَ ��انَ ِبوَالِدَ يْ��هِ �إ ِْح�سَ انًا َح َم َلتْ��هُ �أُمُّهُ‬
‫َ�ض َعتْهُ كُ رْ هً ا و ََح ْملُ��هُ َوف َِ�صالُهُ ثَلاَ ثُونَ �شَ هْرً ا{[األحقاف‪� ]15:‬إن‬ ‫كُ رْ هً ��ا َوو َ‬
‫�آالم الم��ر�أة في مرحلة الحمل والتن�ش��ئة في مرحلة الر�ض��اعة للطفل بكل‬
‫ما فيها من �آالم ومعاناة ومتاعب وم�ش��اق لم تغ��ب عن اهلل �أبدًا‪ ،‬بل �إن اهلل‬
‫يقدرها لها وي�شكرها عليها ويو�صِّ ي بالإح�سان �إليها لقاء ذلك وتجاه ذلك‬
‫ويقدرها لها �أيَّما تقدير‪.‬‬
‫وهك��ذا بل��غ الحال �إلى �أنه فيما روي عن الر�س��ول �ص��لوات اهلل عليه‬
‫وعل��ى �آله �أنه ق��ال‪« :‬الجن��ة تحت �أق��دام الأمهات» في��ه �إعالء كبير‬

‫‹ ‪› 85‬‬
‫وكبي��ر لدور المر�أة م��ن موقعها ك�أم‪ ،‬و�أهمية هذا ال��دور وما يترتب عليه‬
‫في تن�شئة الأجيال وفي تربية الرجال والن�ساء معًا‪ ،‬المر�أة ت�ؤدي �أي�ضً ا دورًا‬
‫مهمًّا من موقعها كزوجة في حياتها الزوجية مع زوجها دورًا مهمًّا في بناء‬
‫الأ�سرة لتكون لبن ًة �صالحة في بناء المجتمع‪.‬‬

‫ً‬
‫أهمية كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة‬ ‫الإ�سالم يولي �‬
‫الإ�سالم يولي �أهمي ًة كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة لأن المجتمع في نهاية‬
‫المطاف يت�شكل ويتكون من الأ�سر و�صالح الأ�سر يعني �صالح المجتمع‬
‫بكله؛ فالأ�س��رة ه��ي اللبنة الأ�سا�س��ية والمهم��ة جدًّا في بني��ان المجتمع‬
‫الكبير‪ ،‬وبقدر ما يتحقق ال�صالح والخير والرفق وكذلك الروابط الوثيقة‬
‫في ظل الأ�س��رة بقدر ما ينعك�س �أثر ذل��ك �إيجابًا في واقع المجتمع بكله‪،‬‬
‫هذا الدور المهم جدًّا يركز عليه الإ�سالم ويوليه �أهمية كبيرة‪ ،‬وقد لوحظ‬
‫في واقع المجتمع الإ�سالمي �أنه على قد ٍر كبي ٍر من التما�سك الداخلي لأن‬
‫التما�سك على م�ستوى الأ�سر يعزز الروابط االجتماعية كذلك‪.‬‬

‫من �أ�سو�أ ما يعاني منه الغرب وب�شكل كبير‬


‫هو التفكك الأ�سري‬
‫والآن ف�إن مما يعاني منه الغرب وب�ش��كل كبير هو التفكك الأ�س��ري‪،‬‬
‫والذي ينذر بم�س��تقبلٍ م�ش���ؤوم على م�س��توى تفكك الن�سيج االجتماعي‬
‫في الغرب‪ ،‬وعلى العك�س منه في الواقع الإ�س�لامي هذا التوجه والتوجيه‬
‫الإلهي والتعليم الإ�س�لامي في االهتمام بالأ�س��ر وبناء واقع �أ�س��ري متميز‬

‫‹ ‪› 86‬‬
‫متما�س��ك قائم على الرف��ق والخير والقيم والأخ�لاق والتقوى والتعاون‬
‫والتكاتف ي�ؤدي دورًا �إيجابيًّا على م�ستوى الترابط االجتماعي بكله‪.‬‬

‫االهتمام الكبير بدور المر�أة على م�ستوى الم�س�ؤولية‬


‫في الإطار العام‬
‫نجد �أي�ضً ��ا االهتمام الكبير بدور المر�أة على م�س��توى الم�س���ؤولية في‬
‫الإط��ار الع��ام‪ ،‬يعني‪ :‬بمثل �أهمي��ة دورها في واقعها الأ�س��ري‪ ،‬في واقعها‬
‫ك�أم‪ ،‬ف��ي واقعه��ا كزوج��ة‪ ،‬ك�أخت له��ا دور كبير ف��ي �إطار الم�س���ؤولية‬
‫الكبرى في م�س��يرة الدين‪ ،‬في م�س��يرة الم�س���ؤولية فاهلل �س��بحانه وتعالى‬
‫ْ�ض‬ ‫يقول في كتابه الكريم‪} :‬وَالْمُ �ؤْ ِمنُونَ وَالْمُ ؤْ� ِمنَاتُ َبع ُْ�ضهُمْ �أَ ْو ِليَاءُ َبع ٍ‬
‫ال�ص َال َة َو ُي ْ�ؤتُونَ‬
‫وف َو َي ْنهَ��وْنَ عَ نِ الْمُ نكَرِ َو ُيقِيمُ ��ونَ َّ‬‫َي�أْمُ��رُ ونَ بِا ْل َمعْرُ ِ‬
‫هلل عَ زِ يزٌ‬
‫هلل �إِنَّ ا َ‬‫هلل َورَ�سُ ولَهُ �أُ ْولَـئ َِك �سَ يَرْ َحمُ هُمُ ا ُ‬
‫ال َّزكَا َة َويُطِ يعُونَ ا َ‬
‫َحكِيمٌ {[التوب��ة‪ ]71:‬هنا تحدث القر�آن الكريم عن الم�ؤمنين والم�ؤمنات في‬
‫�إطار الم�س���ؤولية‪ ،‬وفي م�سيرة الدين في القيم‪ ،‬في المبادئ ككيانٍ واحد‪،‬‬
‫لهم توج ٌه واحد لهم م�س���ؤولي ٌة واحدة قد تتفاوت فيها الأدوار على ن�سب‬
‫معينة حتى داخل الرجال كما هو داخل الن�ساء بح�سب الم�ؤهالت‪.‬‬
‫لكن هنا نجد م�س���ؤولية واحدة الم�ؤمنون والم�ؤمنات بع�ض��هم �أولياء‬
‫بع�ض ي�أمرون بالمعروف في دائرة المعروف الوا�س��عة التي ت�ش��مل الخير‬
‫في الدين والدنيا‪ ،‬وينهون عن المنكر يتحركون معًا في م�س���ؤولية واحدة‬
‫و�أدوار متعددة للنهي عن المنكر بكل �أ�ش��كاله و�أنواعه‪ ،‬المنكر ف�س��ادًا‪،‬‬
‫والمنكر ظلمًا‪ ،‬والمنكر طغيانًا‪ ،‬المنكر بكل �أ�ش��كاله في دائرته الوا�س��عة‬

‫‹ ‪› 87‬‬
‫فيما يمثل �ش��رًّا وخط��رًا على الدين والدنيا وعلى الحي��اة بكلها‪ ،‬في مقام‬
‫العبادة هلل والتوجه �إلى اهلل �سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫م�سيرة الدين والم�س�ؤولية هي م�سيرة واحدة‪ :‬المر�أة‬


‫مع الرجل جن ًبا �إلى جنب‬
‫نجد كذلك �أن اهلل �سبحانه وتعالى يقول‪َ } :‬و ُيقِيمُ ونَ َّ‬
‫ال�ص َال َة َو ُي�ؤْتُونَ‬
‫ال َّزكَاةَ{ فم�سيرة الدين وم�سيرة الم�س�ؤولية هي م�سيرة لهم جميعًا؛ لأنهم‬
‫كما كررنا كيا ٌن واحد له م�س�ؤولي ٌة واحدة‪.‬‬
‫وهك��ذا نج��د �أن اهلل �س��بحانه وتعال��ى كرَّم الم��ر�أة و�أعلى من �ش���أنها‬
‫وقدرها‪ ،‬ور�س��م لها في الحياة م�س��ير ًة واحد ًة مع الرجل جنبًا �إلى جنب‪،‬‬
‫فهما جميعًا �أ�صلٌ واحد ومخلوقٌ واحد هو الإن�سان ب�شقَّيه الذكر والأنثى‬
‫ك ٌّل منهما يمثل �إن�س��انًا وال يختلف عن الآخر في �أنه �إن�س��ان‪ ،‬يختلف فقط‬
‫ب�أن ذاك ذكر وتلك �أنثى والجميع �إن�س��ان‪ ،‬مخلوقٌ واحد‪ ،‬وله م�س���ؤولي ٌة‬
‫واحدة هي اال�ستخالف في الأر�ض‪.‬‬
‫فاهلل ا�ستخلف الإن�سان ذكرًا و�أنثى في هذه الأر�ض‪ ،‬وتختلف كما قلنا‬
‫الأدوار حتى في �أو�س��اط الرج��ال تختلف الأدوار يرتبط به��ا �أمور تتعلق‬
‫بم�ؤه�لات وتتعل��ق باعتبارات �أخ��رى وهناك �أحيانًا خ�صو�ص��يات فطرية‬
‫معروفة‪.‬‬

‫‹ ‪› 88‬‬
‫القر�آن الكريم في خطابه للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء‬
‫هذه الحقيقة ي�ؤكدها اهلل �س��بحانه وتعالى حينما وجه خطابه �إلى النا�س‬
‫والخطاب للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء‪ ،‬ي�شمل الذكر والأنثى فقال جل‬
‫َاحدَ ةٍ‬
‫ْ���س و ِ‬ ‫�ش���أنه‪} :‬يَ��ا �أَ ُّيهَا الن ُ‬
‫َّا���س ا َّتقُو ْا َر َّبكُمُ الَّ��ذِ ي خَ َل َقكُم مِّن َّنف ٍ‬
‫نف�س‬‫وَخَ لَ��قَ ِم ْنهَا َزوْجَ هَا َوبَثَّ ِم ْن ُهمَا رِجَ ا ًال َكثِيرً ا{[النس��اء‪ ]1‬خلقكم من ٍ‬
‫واحدة فالجميع من �أ�صلٍ واحد وال�شيء العجيب والحكيم في حكمة اهلل‬
‫وتدبيره و�ص��نعه }وَخَ لَقَ ِم ْنهَا َزوْجَ هَا{ حتى حواء خُ لقَت من �آدم‪ :،‬خلق‬
‫منه��ا زوجها‪ ،‬ح��واء خُ لقَت من نف�س �آدم ليكون الب�ش��ر جميعًا من �أ�ص��لٍ‬
‫ال كيانًا واحدًا‪ ،‬ومخلوقًا واحدًا ب�شقيه الذكر والأنثى‪.‬‬ ‫واحد فيكونون فع ً‬
‫ي�ؤكد ه��ذه الحقيقة على م�س��توى الم�س���ؤولية والعم��ل والمقام عند‬
‫اهلل �س��بحانه وتعال��ى فيق��ول عن عب��اده الم�ؤمني��ن من الرجال والن�س��اء‪:‬‬
‫ال �أ ُِ�ضيعُ عَ مَلَ عَ امِلٍ مِّنكُم مِّن َذكَرٍ �أَ ْو �أُنثَى‬
‫}فَا�سْ تَجَ ابَ َلهُمْ َر ُّبهُمْ �أَنِّي َ‬
‫ْ�ض {[آل عمران‪.]195:‬‬ ‫َبع ُْ�ضكُم مِّن َبع ٍ‬

‫ير�سخ القر�آن الكريم ثقافة �أن الرجال والن�ساء من‬


‫أ�صل واحد‬
‫� ٍ‬
‫وهكذا ير�س��خ القر�آن الكريم هذه الثقافة المهمة �أن الرجال والن�س��اء‬
‫من �أ�ص��لٍ واحد‪ ،‬و�أنهم كيا ٌن واحد‪ ،‬مخلوقٌ واحد‪� ،‬إنما هناك اختالف ‪-‬‬
‫لي�س اختالفًا في الأ�ص��ل وال في الخلق ‪ -‬هو اختالف �أن ذاك ذكر وتلك‬
‫�أنثى‪ ،‬لكن الكل �إن�س��ان هذه م�س���ألة مهمة‪ ،‬وتر�س��يخها الثقافي مه ٌّم جدًّا‬

‫‹ ‪› 89‬‬
‫لأن ال�سيا�س��ة الغربية ال�صهيونية قائمة على �أ�س��ا�س التفريق حتى فيما بين‬
‫الرجال والن�ساء‪.‬‬

‫ال�سيا�سية الغربية ال�صهيونية تقدم الرجال والن�ساء‬


‫عا َلمين مختلفين‬
‫تعمد ال�سيا�س��ية الغربية ال�ص��هيونية �إل��ى تقديم الرج��ال وك�أنهم عال ٌم‬
‫وحده��م هناك‪ ،‬والن�س��اء وك�أنهن عال ٌم وحدهن هناك‪ ،‬ث��م يبد�ؤون ب�إثارة‬
‫الن��زاع ما بي��ن الرجال والن�س��اء والخ�ص��ام‪ ،‬و�أن على المر�أة �أن تنا�ض��ل‬
‫لتح�صل على حقوقها من الرجل‪ ،‬ويقدمون الرجل كم�شكلة على المر�أة‪،‬‬
‫والمر�أة كم�ش��كلة على الرجل‪ ،‬وهكذا في ظل �سيا�س��ة التفريق المعروفة‬
‫لديهم‪� ،‬سيا�س��ة التفريق بالن�س��بة لهم �أ�سا�سية في كل �شيء‪ ،‬ويعمدون �إلى‬
‫تح�س��ي�س المر�أة وك�أنها نوعٌ وحدها وعالَ ٌم وحدها‪ ،‬وم�سارها في الحياة‬
‫م�سار تقوم فيه على �أ�سا�س التنازع مع الرجل‪.‬‬
‫ويعم��دون �أحيانًا في بع�ض المجتمعات �إلى �إثارة الم�س���ألة نف�س��ها في‬
‫بع���ض الدول الأوروبية‪� ،‬س��معنا �أحيانً��ا عن كالم يتعل��ق باحتجاج بع�ض‬
‫الرج��ال عن انتقا���ص حقوقهم‪ ،‬يتحركون ف��ي �إثارة النزاع والتح�س��ي�س‬
‫بالفرقة بعنوان (الحقوق)‪ ،‬ون�سمع كثيرًا حديثًا عن حقوق المر�أة و�ضرورة‬
‫الن�ضال لأن ت�سترد المر�أة حقوقها و�أن تح�صل على حقوقها‪.‬‬

‫‹ ‪› 90‬‬
‫الإ�سالم العظيم ر�سم للمر�أة م�سارها مع الرجل‬
‫الق��ر�آن الكري��م والإ�س�لام العظيم ر�س��م للمر�أة م�س��ارها م��ع الرجل‬
‫ور�س��م للجميع م�س���ؤوليات وحقوقًا‪ ،‬الم�س���ؤوليات التي تتعلق بالجميع‬
‫في ظل الم�س���ؤولية الكبرى التي هي‪ :‬اال�س��تخالف في الأر�ض‪ ،‬هذه هي‬
‫الم�س�ؤولية الكبرى بعنوانها الكبير‪ ،‬يندرج تحت هذه الم�س�ؤولية تفا�صيل‬
‫كثيرة تتعلق بالجميع �ض��من م�ؤهالت‪� ،‬ضمن اعتبارات قد تختلف داخل‬
‫الرجال وقد تختلف داخل الن�ساء‪.‬‬
‫الإ�سالم في جميع ت�شريعاته لم يتعامل مع المر�أة على �أ�سا�س االنتقا�ص‪،‬‬
‫وال الإق�ص��اء‪ ،‬وال ف�ص��لها ال في م�س��ارها في الحياة وال في م�س��ارها عن‬
‫الم�س���ؤولية عن الرجل‪ ،‬بل جعل لها دورًا �أ�سا�س��يًّا ب��كل ما تعنية الكلمة‪،‬‬
‫ولكن��ه دو ٌر تكامل��يٌّ م��ا بينها وبين �ش��قيقها الرج��ل‪ ،‬وما �أح�س��ن ما قاله‬
‫الر�س��ول �صلوات اهلل عليه وعلى �آله «الن�ساء �شقائق الرجال» �شقائق‬
‫الرجال‪� ،‬ش��قيقة يربطها رابط��ة عظيمة من كيانٍ واحد‪ ،‬من �أ�ص��لٍ واحد‪،‬‬
‫نف�س واحدة في م�س��ا ٍر واحدٍ في الحياة‪ ،‬حتى في واقع الحياة‪ ،‬الحياة‬ ‫من ٍ‬
‫بكل ما فيها من م�ش��اكلها‪ ،‬و�أعبائها‪ ،‬ومحنها‪ ،‬وم�ص��ائبها‪ ،‬وويالتها‪ ،‬كل‬
‫ذل��ك ينعك�س عل��ى الجميع ال يمك��ن �أن نتخيَّل و�ض��عي ًة للرجل مريحة‪،‬‬
‫�س��عيدة‪ ،‬جيدة‪� ،‬إيجابية‪ ،‬بينما نتخيَّل و�ض��عية للمر�أة تكون فيها وحدها‪،‬‬
‫يكون فيها عالم الن�س��اء وحدهن في حالة ب�ؤ�س وحرمان ومعاناة و�ش��قاء‪.‬‬
‫ال‪ ،‬عاد ًة يعي�شون واقعًا واحدًا �إما في ظل عدالة‪ ،‬و�سعادة‪ ،‬وخير‪ ،‬ورخاء‪،‬‬
‫وا�ستقرار للجميع‪� ،‬أو ب�ؤ�س يطال الجميع كما نلحظ ذلك في واقعنا الآن‪،‬‬
‫في عالمنا العربي والإ�سالمي‪.‬‬

‫‹ ‪› 91‬‬
‫الذين يتحدثون عن حقوق المر�أة‪ ،‬هل احترموا حقوق‬
‫المر�أة في �أي بلد �إ�سالمي؟!‬
‫عندما نعود �إلى العراق �أو نعود �إلى فل�س��طين نجد �أن المر�أة في واقعها‬
‫تعاني مع الرجل �س��وا ًء ب�سواء؛ لأن ارتباط واقعهما في الحياة ارتباطٌ وثي ٌق‬
‫�أكيد‪ ،‬وال يمكن �أبدًا االنف�صام بينه نهائيًّا‪.‬‬
‫حت��ى �أولئك الذين ن�س��مع عنهم ومنهم كثيرًا من ال��كالم عن الحقوق‬
‫ع��ن حقوق المر�أة‪ ،‬هل احترموا حقوق المر�أة في فل�س��طين؟ هل احترمت‬
‫�أمريكا نف�س��ها وهي �أكبر داعمٍ للكيان ال�صهيوني الإ�سرائيلي هل احترمت‬
‫حقوق المر�أة الفل�سطينية؟ �ألم تُقتَل المر�أة الفل�سطينية في فل�سطين بال�سالح‬
‫الأمريكي وبالدعم الأمريكي لإ�س��رائيل؟ �ألم ت�صادر حقوقها وتعي�ش حالة‬
‫الب�ؤ�س‪ ،‬والمعاناة‪ ،‬واال�ضطهاد‪ ،‬بدعمٍ من �أمريكا لإ�سرائيل؟ �أمريكا نف�سها‬
‫في العراق �ألم ت�س��تهدف الرجال والن�س��اء؟ �ألم تتعر�ض الن�ساء في العراق‬
‫لحالة االغت�صاب‪ ،‬والقتل‪ ،‬واالمتهان‪ ،‬والإذالل‪ ،‬كما الرجال في العراق؟‬
‫هذا ح�صل و�ضاعت كل تلك العناوين التي يرددونها كثيرًا‪.‬‬
‫لم يرعوا حقوق المر�أة الم�سلمة في �أي بلدٍ من بلدان العالم الإ�سالمي‬
‫نهائيًّا‪ ،‬هم ال�س��بب الأكبر وراء ما تعانيه المر�أة الم�سلمة والرجل الم�سلم‬
‫والأمة الم�س��لمة وال�ش��عوب العربية والإ�س�لامية‪ ،‬من معاناة‪ ،‬من �إذالل‪،‬‬
‫من ب�ؤ�س‪ ،‬من حرمان‪ ،‬من فقر‪ ،‬من م�ش��اكل‪ ،‬النزعة اال�س��تعمارية الغربية‬
‫رجال‬
‫والهجم��ة الكبيرة واال�س��تهداف الكبير ل�ش��عوبنا و�أمتن��ا بجميعها اً‬
‫أطفال‪ ،‬كبارًا و�صغارًا للجميع‪ ،‬حالة قائمة وويالتها و�آثارها �سلبية‬
‫ون�ساءً‪ � ،‬اً‬
‫قائم��ة في واقع الحي��اة بكله‪ ،‬فهم لم يرعوا �أبدًا حقوق المر�أة الم�س��لمة‪،‬‬
‫‹ ‪› 92‬‬
‫و�إنما يحاولون �أن يوظفوا هذا العنوان الذي هم �أبعد النا�س عنه‪ ،‬يحاولون‬
‫�أن يوظفوه �سلبيًّا لإثارة الفرقة والنزاع والخالف داخل �شعوبنا‪ ،‬هذا �شيء‬
‫معروف وهذا �شيء وا�ضح‪.‬‬
‫ما يجري في اليمن ف�ضح الغربيين و�أكاذيبهم‬
‫حول حقوق المر�أة‬
‫كل تل��ك العناوي��ن والدعايات التي تتغن��ى بها المنظوم��ة الغربية عن‬
‫حق��وق المر�أة وحق��وق الطفل وحقوق الحيوان كلها تال�ش��ت وانتهت‪،‬‬
‫وه��م يقتلون الم��ر�أة اليمني��ة والطفل اليمن��ي والرجل اليمن��ي يقتلونهم‬
‫مبا�شرة‪� ،‬أو عبر �صواريخهم وقنابلهم وطائراتهم ودعمهم وت�شجيعهم‪.‬‬
‫�أل��م ينتخبوا النظام ال�س��عودي (العميل) رئي�سً ��ا لحقوق الإن�س��ان في‬
‫الوق��ت الذي يرتكب �أب�ش��ع المجازر ف��ي اليمن بحق الن�س��اء والأطفال‬
‫مكافئة له على هذه الجرائم الب�شعة‪.‬‬
‫كل هذه الأعمال هي تقدمهم على حقيقتهم‪ ،‬و�أنهم كما �أخبر اهلل عنهم‬
‫مف�س��دون في الأر�ض بكل ما تعنيه هذه الآي��ة في مدلولها القر�آني‪� :‬إهالك‬
‫للحرث والن�سل في �أب�شع �صوره‪.‬‬

‫المت�شدقون بحقوق الإن�سان في الغرب‬


‫المت�شدقون بحقوق الإن�سان في الدوائر الغربية هم وراء كل ما يجري‬
‫في المنطقة والعالم من جرائم ب�ش��عة يرتكبها ال�صهاينة والنظام ال�سعودي‬
‫والدواع���ش والقاع��دة وغيرها م��ن الم�س��ميات التي هي �ص��نيعتهم وال‬
‫تتحرك �إال بتوجيهاتهم‪.‬‬
‫‹ ‪› 93‬‬
‫هم من ي�س��تهدفون المر�أة وي�س��تهدفون �أطفالها‪ ،‬وا�س��تهداف المر�أة‬
‫لي�س فقط اال�س��تهداف المبا�ش��ر ال�شخ�ص��ي‪ ،‬بل كما قلن��ا واقعها مرتبط‬
‫بواقع الرجل‪ ،‬كيان واحد‪� ،‬شيء واحد‪ ،‬حينما يُقتَل ابنها هي تعاني‪ ،‬حينما‬
‫يُقتَل زوجها هي تعاني‪ ،‬حينما يُقتَل �أخوها هي تعاني‪ ،‬حينما يُقتَل �أبوها هي‬
‫تعاني‪ ،‬بمعنى �أن هذا الترابط في الحياة �شيء �أ�سا�س‪ ،‬فطري‪ ،‬تكويني‪ ،‬من‬
‫ترتيبات اهلل‪ ،‬من حكمته‪ ،‬من فطرته �سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وطوال هذه الحرب يحظ��ى القتلة المجرمون المعتدون على بلدنا‬
‫‪ -‬قتلة الأطفال والن�س��اء ‪ -‬بدعم ع�س��كري وا�ضح‪ ،‬وبتغطية �سيا�سية‪،‬‬
‫وحماية �سيا�سية من �أمريكا وبريطانيا وفرن�سا و�إ�سرائيل‪ ،‬ولم ن�سمع �أي‬
‫كلم��ة‪� ،‬أي موقف‪ ،‬ال من الأمم المتحدة وال مجل�س الأمن وال مجل�س‬
‫حقوق الإن�سان وال من �أي جهة‪ ،‬لم ن�سمع �أي موقف ت�ضامن مع المر�أة‪،‬‬
‫هل هناك مبادرة �أو توجه جاد لمنع القتل اليومي للمر�أة اليمنية والطفل‬
‫اليمن��ي؟ هل هناك توجه حقيقي لإن�ص��اف المر�أة المظلومة الم�س��كينة‬
‫الت��ي تقتل وت�ش��رد ويقتل ابنها وزوجه��ا و�أبوها و�أخوه��ا ويدمر بيتها‬
‫وبلدها؟‬

‫هناك ا�ستهداف للمر�أة في هويتها‬


‫والحالة القائمة نف�س��ها في عالمنا الإ�س�لامي‪ ،‬في منطقتنا العربية‪ ،‬في‬
‫�شعوب �أمتنا هناك ا�ستهداف م�ؤكد للمر�أة وللرجل للجميع‪ ،‬واال�ستهداف‬
‫للم��ر�أة كذلك ف��ي فكرها في ثقافتها في قيمها في �أخالقها كل الم�س��اعي‬
‫الغربية لإف�ساد المر�أة الم�س��لمة تحت عنوان التح�ضُّ ر والح�ضارة والرُّقي‬

‫‹ ‪› 94‬‬
‫هي‪ :‬عناوين زائفة لإف�س��اد المر�أة الم�سلمة تحت هذه العناوين‪ ،‬وال تمت‬
‫ب�أي �صلة للح�ضارة �أبدًا‪.‬‬

‫ما هي الح�ضارة الحقيقية؟‬


‫الح�ضارة الحقيقية والرقي الحقيقي واالرتقاء في �سلم الكمال هو بقيم‬
‫الإ�س�لام التي تحفظ للم��ر�أة كرامتها ودورها الم�س���ؤول والبنَّاء والمهم‬
‫والفعَّ��ال والم�ؤثِّر والعظيم في واقع الحياة وبكل �ش��رف‪ ،‬وبالحفاظ على‬
‫عفتها وطهارتها‪ ،‬الإ�س�لام يريد للمر�أة دروًا م�س�ؤو ًال مهمًّا نافعًا بنَّا ًء م�ؤثِّرًا‬
‫م��ع الحفاظ على �ش��رفها والحفاظ عل��ى عفتها والحفاظ عل��ى طهارتها‪،‬‬
‫يعني يكرُّمها‪� .‬أمَّا �أولئك ف�أحيانًا يقدمون الح�ض��ارة وما يتعلق بالح�ض��ارة‬
‫وك�أنه��ا ابتذال‪ ،‬وك�أنه��ا انحطاط‪ ،‬وك�أنها تف�سُّ ��خٌ عن القي��م والأخالق‪،‬‬
‫وان�س�لاخٌ من مكارم الأخالق‪ ،‬وخل ٌع لرداء العفة‪ ،‬هذه �أعمال �ش��يطانية‪،‬‬
‫م�ؤامرات خبيثة ت�س��تهدف تدمير المجتمع الم�سلم؛ لأنهم والعياذ باهلل لو‬
‫ال من �إف�س��اد المر�أة بالتالي ‪ -‬بالت�أكيد ‪� -‬سيف�س��دون المجتمع‬ ‫تمكنوا فع ً‬
‫بكل��ه‪ ،‬الم��ر�أة دورها �أ�س��ا�س في بن��اء المجتمع وفي �ص�لاح المجتمع‪،‬‬
‫دوره��ا مهم جدًّا في �ص�لاح المجتمع وهم يعمدون �إلى �إف�س��ادها لأنهم‬
‫يدركون �أهمية دورها في �ص�لاح المجتمع ولكنهم ب�إذن اهلل �سيف�ش��لون‪،‬‬
‫و�س��تبوء محاوالتهم الهدَّامة والمف�سدة بالف�شل؛ لأنه ال يزال في مجتمعنا‬
‫في ن�س��اءنا �أمهات‪ ،‬وزوجات‪ ،‬و�أخوات ب��كل فئاتهن ال يزال هناك توج ٌه‬
‫و�إيما ٌن وتقوى و�إخال�ص ومكارم �أخالق را�سخة ثابتة ال يمكن �أن تزلزلها‬

‫‹ ‪› 95‬‬
‫�أو ت�ؤثر عليها الدعايات والأ�ساليب التي يعتمد عليها الآخرون في ت�ضليل‬
‫ال �أو امر�أة‪.‬‬
‫الإن�سان رج ً‬

‫نثمن ونقدر ونجل و ُن ْع ِظم ما عليه المر�أة اليمنية‬


‫�إننا وبالقدر الذي تعانيه ن�س��ا�ؤنا من القتل ومن الح�صار واال�ستهداف‬
‫اليومي لنثمن ونقدر ونجل ونُعْظِ م ما هن عليه من ال�صبر وال�صمود والثبات‬
‫ف��ي كل ه��ذه المراحل بكل م��ا كان فيها من المح��ن والآالم والأوجاع‪،‬‬
‫والمر�أة في بلدن��ا البع�ض قُتل كل �أبنائها‪ ،‬البع�ض فقدت زوجها‪ ،‬والبع�ض‬
‫ا�ست�شهد الكثير من �أ�سرتها �إما �أبًا �أو زوجً ا �أو �إخو ًة �أو �أبناءً‪ ،‬وعانى الكثير‬
‫منه��ن المعاناة الكبي��رة على م�س��توى النزوح‪ ،‬ظروف الح��رب ومعاناة‬
‫الحرب‪ ،‬لكنهن برزن على درج ٍة عالي ٍة من ال�ص��بر‪ ،‬وال�ص��مود والثبات‪،‬‬
‫والق��وة الإيماني��ة والأخالقية‪ ،‬وعلى م�س��توى عظيم من الب��ذل والعطاء‬
‫والإح�س��ان‪ ،‬وهذا م��ا نفتخر به؛ لأنه ثمر ٌة لقيم ومب��ادئ ي�ؤمنَّ بها وثقافة‬
‫ينتمين �إليها‪ ،‬ثمرتها كانت هكذا على خطى ال�صديقات الم�ؤمنات فاطمة‪،‬‬
‫ومريم‪ ،‬وزينب‪ ،‬وغيرهن من الن�ساء الكامالت في �إيمانهن ووعيهن‪ ،‬وفي‬
‫مواجهة كل التحديات والأخطار‪.‬‬

‫الفعال والمهم والأ�سا�س‬


‫نحن ندرك الدور َّ‬
‫للرجال والن�ساء م ًعا‬
‫نحن ندرك الدور الفعَّال والمهم والأ�سا�س للرجال والن�ساء معًا‪ ،‬و�أنه‬
‫دو ٌر تكامليٌّ �أ�سا�س��يٌّ و�ض��روري ف��ي مواجهة كل الأخط��ار والتحديات‬

‫‹ ‪› 96‬‬
‫القائمة‪ ،‬هناك ا�ستهداف‪ ،‬هناك عمل كبير وجهد كبير من جانب الأعداء‪،‬‬
‫وا�س��تهداف خارجي وداخلي لبلدنا و�ش��عبنا‪ ،‬على م�س��توى اال�ستهداف‬
‫الخارجي بنزعته اال�س��تعمارية الذي يحاول ال�سيطرة الكاملة على بلدنا‪،‬‬
‫وحتى يفقد بلدنا ا�ستقالله و�شعبنا كرامته ونعي�ش تحت و�صاي ٍة وا�ستعما ٍر‬
‫كامل‪ ،‬وعلى م�س��توى م�ساعي قوى اال�س��تبداد والعمالة التي ت�سعى �أي�ضً ا‬
‫ك�أداة رخي�ص��ة وقذرة بكل الو�س��ائل الخبيثة لتركيع ال�شعب اليمني الذي‬
‫�أذهل العالم ب�ص��موده و�أف�ش��ل كل م�ؤامراتهم و�إخ�ض��اعه للخارج الذي‬
‫دخل��ت معه في �ص��فقات قذرة وخبيثة به��دف �إذالل بلدهم لأعداء الأمة‬
‫�أمريكا و�إ�سرائيل ونحن على يقين ب�أنها �صفقات خا�سرة ولن يكون اليمن‬
‫�إال كما �أراد له ر�س��ول اهلل (�ص��لى اهلل عليه وعلى �آله و�س��لم) يمن الإيمان‬
‫والحكمة‪ ،‬يمن الأن�ص��ار‪ ،‬يمن الفاتحين‪ ،‬يمن الرجال العظماء‪ ،‬لن يكون‬
‫�إال اليمن الذي عرفه التاريخ �ش��عبا �أبيا ثابتا �شجاعا ي�أبى ال�ضيم وال ير�ضى‬
‫بالهوان‪.‬‬

‫هناك محاوالت كبيرة وجادة في م�سخ هويتنا العربية‬


‫الإ�سالمية الأ�صيلة‬
‫وهناك ا�ستهداف قيمي �أخالقي هناك محاوالت كبيرة وجادة في م�سخ‬
‫قيم الرجال والن�س��اء الكبار وال�صغار‪ ،‬وم�س��خ هويتهم العربية الإ�سالمية‬
‫الأ�صيلة‪ ،‬م�سخ با�سم الدين‪ ،‬وم�سخ با�سم التح�ضر والتقدم‪ ،‬وم�سخ با�سم‬
‫الثقافة‪ ،‬وم�س��خ وانحطاط با�س��م المو�ض��ة حتى في اللب�س وق�ص ال�ش��عر‬
‫وطريقة الحالقة وفي تغيير خلق اهلل‪.‬‬
‫‹ ‪› 97‬‬
‫البع�ض للأ�س��ف ين�س��اق وراءهم وخ�صو�صً ��ا فئة ال�ش��باب وال�شابات‬
‫ويقلدونهم في �أ�شياء هي لي�ست فقط تعبر عن انحطاط في القيم والأخالق‬
‫و�إنم��ا هي حتى انحطاط في الذوق‪ ،‬نا�س��ين �أو متنا�س��ين �أن ه�ؤالء �أعداء‬
‫ال الْمُ �شْ رِ كِينَ‬ ‫ق��ال اهلل عنهم‪} :‬مَّا َي َو ُّد الَّذِ ينَ َكفَرُ و ْا مِ��نْ �أَهْ لِ ا ْل ِكتَابِ َو َ‬
‫َ�ص بِرَ ْح َمتِهِ مَن يَ�شَ اءُ‬ ‫هلل يَخْ ت ُّ‬ ‫�أَن ُينَ��زَّلَ عَ َل ْيكُم مِّنْ خَ يْرٍ مِّن َّر ِّبكُمْ وَا ُ‬
‫هلل ذُو ا ْلف َْ�ض��لِ ا ْلعَظِ ي��مِ { [البقرة‪ ]105:‬و�أن اهلل ق��ال لنا‪} :‬يَا �أَ ُّيهَا الَّذِ ينَ‬ ‫وَا ُ‬
‫�آ َمنُ�� َو ْا �إِن تُطِ يعُ��و ْا فَرِ يقً��ا مِّ��نَ الَّذِ ي��نَ �أُوتُ��و ْا ا ْل ِكتَ��ابَ يَرُ دُّوكُ ��م َبعْدَ‬
‫�إِيمَا ِنكُمْ كَافِرِ ينَ { [آل عمران‪]100:‬‬

‫يتحتم على الجميع القيام بالم�س�ؤولية رجا ً‬


‫ال ون�ساء‬
‫يتحتم على الجميع الوعي واليقظة والت�سلح بثقافة القر�آن الكريم فهي‬
‫ما يمكن �أن يحمينا ويحمي مجتمعنا بكله رجاله ون�س��اءه كباره و�ص��غاره‬
‫من اختراق الأعداء لقيمنا ومبادئنا وطهارة قلوبنا وزكاء نفو�سنا‪.‬‬
‫كم��ا �أن علينا القي��ام بم�س���ؤوليتنا والتحرك الج��اد والفاعل والواعي‬
‫رجاالً ون�ساء حتى ن�ضمن لأنف�سنا الحرية واال�ستقالل‪ ،‬ول�شعبنا الكرامة‪،‬‬
‫ولبلدنا االنعتاق من كل �أغالل اال�س��تعمار وقيود الهيمنة الأجنبية‪ ،‬ال غنى‬
‫لنا عن الثبات وال�ص��مود والنهو�ض بالم�س�ؤولية الكاملة لينعم �شعبنا بكله‬
‫بالعدل والحرية والعزة والكرامة والأمن والخير وال�سالم ‪.‬‬

‫‹ ‪› 98‬‬
‫ن�ؤكد على �ضرورة العودة �إلى �سيرة وحياة ال�سيدة‬
‫ال�صديقة فاطمة الزهراء البتول‬
‫وختامًا ن�ؤكد على �ض��رورة العودة �إلى �س��يرة وحياة ال�س��يدة ال�صديقة‬
‫فاطمة الزهراء البتول‪ ،‬وبالذات من ن�سائنا الفا�ضالت لتكون لهن القدوة‬
‫والأ�س��وة والمثل الأعلى في كل جوانب حياتها ال�س��لوكية والعملية كما‬
‫�أراد لنا اهلل ور�سوله ذلك ال �أن تن�ساق ن�سا�ؤنا وراء من ي�صنعهم لنا �أعدا�ؤنا‬
‫من الن�ساء ال�ضائعات التائهات الفا�سدات عبر الم�سل�سالت والأفالم ومن‬
‫خالل القنوات الف�ضائية وغيرها؛ لأن تقليدهن والتخلق ب�أخالقهن ال�سيئة‬
‫والمنحطة تيه و�ضالل في الدنيا وعذاب �أليم في الآخرة‪.‬‬

‫يجب �أن نبحث عمن يمثلون القدوة والأ�سوة‬


‫يج��ب علين��ا �أن نبح��ث عن الرجال والن�س��اء ال�ص��الحين ال�ص��ادقين‬
‫المتقي��ن من يمثل��ون القدوة والأ�س��وة الحقيقي��ة وفي مقدمته��م الأنبياء‬
‫وال�ش��هداء و�أعالم الهدى والن�س��اء الم�ؤمنات ال�ص��الحات من �أهل بيت‬
‫ر�س��ول اهلل ومن ال�ص��حابة وغيرهم من عظماء هذه الأمة‪ ،‬وحتى النماذج‬
‫العظيمة من الرجال والن�س��اء الذي��ن تحدث عنهم القر�آن الكريم وقدمهم‬
‫لن��ا ق��دوات نقتدي بهم‪� ،‬أل�س��نا ندع��وا في �ص�لاتنا كل ي��وم‪} :‬اهدِ نَــــا‬
‫َغ�ضوبِ‬ ‫اط الَّذِ ي��نَ أَ�نعَمتَ عَ لَيهِمْ غَ ي��رِ الم ُ‬
‫اط المُ �س َتقِي��مَ ِ�صرَ َ‬
‫ال�ص��رَ َ‬
‫ِّ‬
‫ال�ضالِّي��نَ { فيج��ب �أن نتع��رف على من �أنع��م اهلل عليهم من‬ ‫ال َّ‬ ‫عَ لَيهِ��مْ َو َ‬
‫النبيين وال�صديقين وال�شهداء و�أعالم الهدى ورثة كتبه و�أعالم دينه لن�سير‬
‫خلفهم ونقتدي بهم‪ ،‬وال �ش��ك ب�أن �أعالم الهدى من �آل محمد �ص��لوات‬

‫‹ ‪› 99‬‬
‫علي��ه وعل��ى �آله الطاهرين ف��ي مقدمة من �أنعم اهلل عليهم‪� ،‬أل�س��نا نقول في‬
‫ت�شهدنا‪( :‬اللهم �صل على محمد وعلى �آل محمد)؟‬
‫�إذًا ه�ؤالء بالت�أكيد هم في مقدمة من ندعو اهلل �أن يهدينا �صراطهم عندما‬
‫اط الَّذِ ينَ �أَنعَمتَ عَ لَيهِمْ {‪.‬‬
‫نقول‪�}:‬صرَ َ‬
‫ِ‬
‫وما ي�ص��نعه ال�ش��يطان و�أوليا�ؤه لنا من قدوات ورموز هم من ندعو اهلل‬
‫– �أي�ضً ��ا ‪ -‬ونطلب منه �أن يجنبنا و�أن يبعدنا عن طريقهم فنقول‪} :‬غَ يرِ‬
‫ال ال�ضَّ الِّي��نَ { فعلينا �أن نتع��رف كذلك على �أولياء‬
‫َغ�ض��وبِ عَ لَيهِ��مْ َو َ‬
‫الم ُ‬
‫ال�شيطان ونتجنبهم ونبتعد عنهم وعن تقليدهم والتخلق ب�أخالقهم‪.‬‬

‫يجب �أن نبتعد عن �أعالم ال�ضالل الذين ي�ضلون النا�س‬


‫با�سم الدين‬
‫حتى من يُقدَّمون ك�أعالم �ض�لال با�س��م الدين يجب �أن نتجنبهم ونبتعد‬
‫عنهم وعن طريقتهم وعن قنواتهم وعن مدار�س��هم‪ ،‬وحتى عن م�ساجدهم‬
‫التي هي م�ساجد �ضرار كما قال اهلل عن �أمثالهم من المنافقين في عهد النبي‬
‫(�ص��لى اهلل علي��ه وعلى �آله و�س��لم) }وَالَّذِ ينَ اتَّخَ ��ذُ و ْا مَ�سْ جِ ��دً ا ِ�ضرَ ارًا‬
‫هلل َورَ�سُ ولَهُ مِن‬
‫وَكُ فْ��رً ا َو َت ْفرِيقًا َبيْنَ الْمُ �ؤْ ِمنِينَ َو�إِر َْ�صادًا ِّلمَنْ َحارَبَ ا َ‬
‫هلل يَ�شْ هَدُ �إِ َّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ َال َتقُمْ‬
‫ال الْحُ �سْ نَى وَا ُ‬ ‫قَ بْلُ َو َليَحْ ِلفَنَّ �إِنْ �أَ َر ْدنَا �إِ َّ‬
‫فِي��هِ أَ�بَ��دً ا َّلمَ�سْ جِ دٌ �أُ�سِّ َ�س عَ لَى ال َّت ْقوَى مِنْ �أَوَّلِ َيوْمٍ �أ ََحقُّ �أَن َتقُو َم فِيهِ‬
‫هلل يُحِ بُّ الْمُ طَّ ِّهرِينَ { [التوبة ‪]108 ،107‬‬ ‫فِيهِ رِجَ الٌ يُحِ بُّونَ �أَن َيتَطَ هَّرُ و ْا وَا ُ‬
‫وخ�صو�صً ��ا وقد ف�ضحهم اهلل وك�شف حقيقة �أمرهم‪� ،‬ألم تظهر م�ساجد‬
‫الوهابية التكفيريين ومدار�س��هم ب�أنها م�س��اجد ومدار�س لتمزيق و�ضرب‬
‫‹ ‪› 100‬‬
‫هذه الأمة‪ ،‬وتخدم بامتياز �أعداء الأمة من اليهود والن�ص��ارى؟ �ألي�سوا الآن‬
‫يتحركون ل�ضرب الأمة وتمزيقها وت�سخير �أبنائها وثرواتها الهائلة ل�صالح‬
‫الم�ش��روع الأمريكي الإ�سرائيلي؟ �ألي�س��وا اليوم يتحركون للعدوان على‬
‫�ش��عبنا اليمني العظيم بتوجيهات الإدارة الأمريكية و�إ�ش��راف �إ�س��رائيلي‬
‫بريطاني؟ هذا �ش��يء قد �أ�صبح �أكثر من وا�ضح‪ ،‬ويخو�ضون معركة �أمريكا‬
‫و�إ�سرائيل في �أكثر من بلد لإخ�ضاع �أبناء �أمتهم وتركيعهم لأعدائهم‪.‬‬

‫ال�ضالون والمغ�ضوب عليهم في تحالف واحد‬


‫�إن م��ن �أعظ��م ما في ه��ذا الزمن �أن ال�ض��الين والمغ�ض��وب عليهم قد‬
‫اجتمعوا في تحالف واحد بكل �أطيافهم و�ألوانهم و�أ�شكالهم وتوجهاتهم‪،‬‬
‫م��ن يلب�س لبا�سً ��ا دينيًّا مت�ش��ددًا‪ ،‬واالنحالل��ي المجاهر بالمعا�ص��ي‪ ،‬برز‬
‫الإيمان كله �إلى الكفر والنفاق كله‪ ،‬كلهم اجتمعوا بقيادة �سعودية و�إدارة‬
‫�أمريكية و�إ�شراف �إ�سرائيلي مبا�شر‪ ،‬فماذا نريد بعد هذا الو�ضوح الذي هو‬
‫الفَاقِ َوفِي‬ ‫من م�صاديق قول اهلل �س��بحانه وتعالى‪�}:‬سَ نُرِ يهِمْ �آيَا ِتنَا فِي ْ آ‬
‫ِّ��ك �أَنَّهُ عَ لَى كُ لِّ‬
‫ْف بِرَ ب َ‬
‫�أَنفُ�سِ هِ��مْ َحتَّ��ى َي َت َبيَّنَ َلهُمْ َ�أنَّهُ الْحَ ��قُّ �أَ َولَمْ َيك ِ‬
‫�شَ يْ ءٍ �شَ هِيدٌ {[فصلت‪]53:‬؟‬
‫ن�س���أل اهلل �أن يرحم �ش��هداءنا و�أن ي�ش��في جرحانا ويفرج عن �أ�س��رانا‬
‫وين�صرنا بن�صره‪.‬‬
‫و�صلى اهلل و�سلم على �سيدنا محمد وعلى �آله الطاهرين‪.‬‬

‫‹ ‪› 101‬‬
‫المحتويات‬
‫�أهمية الدور والمقام للمر�أة الم�ؤمنة ‪5. ............................‬‬
‫�أم نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم) ‪5. .............................................‬‬
‫�آ�سية بنت مزاحم امر�أة فرعون ‪7. ..............................................‬‬
‫�أخت نبي اهلل مو�سى (عليه ال�سالم) ‪8. ..........................................‬‬
‫امر�أة نبي اهلل عمران (عليه ال�سالم) ‪9. .........................................‬‬
‫مريم بنت عمران (عليها ال�سالم) ‪10. ...........................................‬‬
‫خديجة بنت خويلد (�سالم اهلل عليها) ‪10. ......................................‬‬
‫فاطمة بنت �أ�سد (�سالم اهلل عليها) ‪11. ..........................................‬‬
‫ً‬
‫تميزا ‪12. .............‬‬ ‫فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) هي النموذج الأرقى والأكثر‬
‫م�شيئة اهلل وحكمته تجمع ال�صادق الأمين بالطاهرة الوفية ‪13. ............‬‬
‫الزواج المبارك بال�سيدة خديجة بنت خويلد ‪15. ................................‬‬
‫والدة الزهراء �سالم اهلل عليها ‪17. ..............................................‬‬
‫الزهراء البتول تتربى وتكبر في �أح�ضان �أبيها ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه وعلى �آله‬
‫و�سلم) ‪18. ....................................................................‬‬
‫وجاء عام الحزن ليلقي بظالله على ال�سيدة الزهراء‪19. ..........................‬‬
‫فاطمة الزهراء �أمّ �أبيها ‪21. ....................................................‬‬
‫فاطمة الزهراء جنب ًا �إلى جنب مع �أبيها لمواجهة ال�صراع ‪22. .....................‬‬
‫قرار الهجرة من مكة �إلى المدينة ‪24. .............................‬‬
‫فاطمة الزهراء تلحق ب�أبيها مهاجرة ‪25. ........................................‬‬
‫فاطمة الزهراء في بيت �أبيها المتوا�ضع‪28. ......................................‬‬
‫فاطمة الزهراء تبلغ ذروة الكمال الإن�ساني ‪29. ..................................‬‬
‫بالنبي (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪32. ....‬‬
‫ِّ‬ ‫تميز عالقة فاطمة (عليها ال�سالم)‬
‫الكثير يتقدمون لخطبة الزهراء ‪34. ..............................‬‬
‫علي هو الم�ؤهل للزواج بالزهراء ‪34. ............................................‬‬
‫فاطمة الزهراء في بیت الزوجیة ‪37. ...........................................‬‬
‫والدة الإمام الح�سن والح�سين (عليهما ال�سالم) ‪38. ...............................‬‬
‫مقارنة َّ‬
‫الزهراء (عليها ال�سالم) بمريـم (عليها ال�سالم)‪39. ........................‬‬

‫‹ ‪› 102‬‬
‫فاطمة الزهراء والحياة الزوجية ‪40. ...........................................‬‬
‫�صورة من �صور الإيثار في حياة الزهراء (�سالم اهلل عليها) ‪42. ............‬‬
‫و�أعظم من هذا ما خلده القر�آن الكريم في ق�صة الإطعام لها ولأهل بيتها ‪45. .......‬‬
‫بع�ض ما ورد في �أهل البيت (عليهم ال�سالم) من �آيات القر�آن الكريم ‪47. .....‬‬
‫الزهراء في كلمات الر�سول (�صلى اهلل عليه وعلى �آله و�سلم) ‪48. ...................‬‬
‫مكانتها العلمية ‪50. ............................................................‬‬
‫عبادتها (�سالم اهلل عليها) ‪52. ..................................................‬‬
‫وفاة �أبيها (�صلوات اهلل عليه وعلى �آله) ‪54. .........................‬‬
‫الو�ص َّية الأخيرة‪55. ...........................................................‬‬
‫معاناة الزهراء �سالم اهلل عليها بعد �أبيها ‪57. .....................................‬‬
‫الزهراء تو�ضح خيوط الم�ؤامرة ‪58. .............................................‬‬
‫الزهراء تك�شف خطورة ما ح�صل ‪62. ...........................................‬‬
‫فاطمة الزهراء (عليها ال�سالم) تلحق ب�أبيها ‪67. ......................‬‬
‫حياة فاطمة الزهراء جديرة جدًّ ا بالت�أمل والدرا�سة ‪70. .........................‬‬
‫فاطمة (عليها ال�سالم) كانت م�صدر عطاء وينبوع خير و�إح�سان ‪71. ...............‬‬
‫فاطمة الزهراء عليها ال�سالم هي نعم القدوة ونعم الأ�سوة‪72. .....................‬‬
‫تعر�ض المر�أة الم�سلمة للت�أثير با�ستهدافها لأن تكون مت� ً‬
‫أثرة بالمر�أة الغربية ‪73. ...‬‬
‫ً‬
‫من�شدة �إلى النماذج الراقية والعظيمة ‪73. ......‬‬ ‫مطلوب من المر�أة الم�سلمة �أن تكون‬
‫ٌ‬
‫لماذا غيبت فاطمة الزهراء عن و�سائلنا التعليمية والتثقيفية؟ ‪74. ................‬‬
‫هناك عدة عوامل �أبعدت الأمة عن قدواتها الحقيقيين رجا ًال ون�ساء ‪75. .....‬‬
‫العامل الأول التع�صب الوهابي الطائفي المقيت‪75. .............................. :‬‬
‫النظام ال�سعودي الوهابي �سعى �إلى �إق�صاء �أهل البيت من ثقافة الأمة ‪77. ...........‬‬
‫كيف م�سخ الوهابيون التاريخ؟ ‪79. ..............................................‬‬
‫العامل الثاني‪ :‬الإ�شراف المبا�شر من قبل اليهود والن�صارى على �صنع مناهجنا‬
‫الدرا�سية ‪80. .................................................................‬‬
‫وو�صى بها في كل مواقعها‪84. ..........‬‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫فعال �أعلى ورفع من مكانة المر�أة بل‬ ‫الإ�سالم‬
‫اهلل �سبحانه وتعالى ائتمن المر�أة على م�س�ؤولية كبيرة جدًّ ا ‪84. ...................‬‬
‫ً‬
‫أهمية كبيرة للأ�سرة وبناء الأ�سرة ‪86. .............................‬‬ ‫الإ�سالم يولي �‬
‫من �أ�سو�أ ما يعاني منه الغرب وب�شكل كبير هو التفكك الأ�سري ‪86. ..................‬‬

‫‹ ‪› 103‬‬
‫االهتمام الكبير بدور المر�أة على م�ستوى الم�س�ؤولية في الإطار العام ‪87. ...........‬‬
‫م�سيرة الدين والم�س�ؤولية هي م�سيرة واحدة‪ :‬المر�أة مع الرجل جن ًبا �إلى جنب ‪88. ..‬‬
‫القر�آن الكريم في خطابه للنا�س ي�شمل الرجال والن�ساء‪89. .......................‬‬
‫أ�صل واحد ‪89. .................‬‬
‫ير�سخ القر�آن الكريم ثقافة �أن الرجال والن�ساء من � ٍ‬
‫ال�سيا�سية الغربية ال�صهيونية تقدم الرجال والن�ساء عا َلمين مختلفين ‪90. .........‬‬
‫الإ�سالم العظيم ر�سم للمر�أة م�سارها مع الرجل‪91. ................................‬‬
‫الذين يتحدثون عن حقوق المر�أة‪ ،‬هل احترموا حقوق المر�أة في �أي بلد �إ�سالمي؟!‪92.‬‬
‫ما يجري في اليمن ف�ضح الغربيين و�أكاذيبهم حول حقوق المر�أة ‪93. ..............‬‬
‫المت�شدقون بحقوق الإن�سان في الغرب ‪93. ......................................‬‬
‫هناك ا�ستهداف للمر�أة في هويتها ‪94. ...........................................‬‬
‫ما هي الح�ضارة الحقيقية؟ ‪95. .................................................‬‬
‫نثمن ونقدر ونجل و ُن ْع ِظم ما عليه المر�أة اليمنية ‪96. ............................‬‬
‫معا‪96. .................‬‬
‫الفعال والمهم والأ�سا�س للرجال والن�ساء ً‬
‫نحن ندرك الدور َّ‬
‫هناك محاوالت كبيرة وجادة في م�سخ هويتنا العربية الإ�سالمية الأ�صيلة ‪97. ......‬‬
‫ال ون�ساء ‪98. ..........................‬‬‫يتحتم على الجميع القيام بالم�س�ؤولية رجا ً‬
‫ن�ؤكد على �ضرورة العودة �إلى �سيرة وحياة ال�سيدة ال�صديقة فاطمة الزهراء البتول‪99.‬‬
‫يجب �أن نبحث عمن يمثلون القدوة والأ�سوة‪99. ..................................‬‬
‫يجب �أن نبتعد عن �أعالم ال�ضالل الذين ي�ضلون النا�س با�سم الدين ‪100. ............‬‬
‫ال�ضالون والمغ�ضوب عليهم في تحالف واحد ‪101. ................................‬‬

‫‹ ‪› 104‬‬

You might also like