You are on page 1of 21

‫األنوار الرحمانية‬

‫لهداية الفرقة التيجانية‬

‫بقلم‬
‫الشيخ عبد الرحمن بن يوسف األفريقي‬
‫مدير دار الحديث بالمدينة النبوية سابقًا‬

‫راجعـه‬
‫أحمـد فهمـي أحمـد‬
‫وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة‬
‫‪4141‬هـ‬

‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫{هَـذَا بَالَغٌ لِلنَاسِ وَلِيُنذَرُواْ ِبهِ َولِيَ ْع َلمُواْ أَ َنمَا هُوَ ِإلَـهٌ وَاحِدٌ َولِيَـذَََرَ أو ْولوـو ْا‬
‫ا َأللْبَابِ} [إبراهيم‪.]21 :‬‬
‫غفوـو ٌر‬
‫{قولْ إِن َونتومْ توحِبُونَ اللَهَ فَاتَبِعُونِي يُحْبِبَْومُ اللَهُ وَيَ ْغفِرْ لََومْ ذونووبََومْ وَاللَهُ َ‬
‫رَحِيمٌ} [آل عمران‪.]14 :‬‬
‫{فَالَ وَرَبِكَ الَ يُ ْؤمِنوونَ حَتَى يُحَ َِمُوكَ فِيمَا شَجَ َر بَيْنَهُمْ ثومَ الَ يَجِدُواْ فِي أَنفوسِـهِ ْم‬
‫سلِيمًا} [النساء‪.]52 :‬‬
‫سِلمُو ْا تَ ْ‬
‫ت وَيُ َ‬
‫حَرَجًا ِممَا قَضَ ْي َ‬
‫ت‬
‫لَـهُ ُملْـكُ السَـمَاوَا ِ‬ ‫جمِيعًا الَـذِ‬
‫{قولْ يَا أَيُهَا النَاسُ إِنِي رَسُولو اللَهِ ِإلَيَْومْ َ‬
‫وَاألَ ْرضِ ال ِإلَـهَ إِالَ هُوَ يُحْيِـي وَ ُيمِيتو فَآمِنوواْ بِاللَهِ وَرَسُو ِلهِ النَبِيِ ا وألمِيِ الَـذِ‬
‫ن بِاللَ ِه وَ ََ ِلمَا ِت ِه وَاتَبِعُو ُه لَ َعلََو ْم تَهْتَدُونَ} [األعراف‪.]421 :‬‬
‫يُ ْؤمِ ُ‬
‫حفِياـا }‬
‫علَـيْهِمْ َ‬
‫طعِ الرَسُولَ َفقَدْ أَطَاعَ اللَهَ َومَن تَ َولَى َفمَا أَرْسَـلْنَاكَ َ‬
‫{ مَنْ يُ ِ‬
‫[النساء‪.]18 :‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫قال‪" :‬ال يؤمن أحدَم حتى يَون هواه تبعًا لما جئت به"‪)4( .‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫حّقُ وَ َزهَّقَ الْبَاطِلو إِنَ الْبَاطِلَ ََانَ َزهُوقا }‬
‫قال اهلل عز وجل‪ { :‬وَقولْ جَاءَ الْ َ‬
‫[اإلسراء‪.]14 :‬‬

‫سبب تأليف هذا الَتاب‬


‫اعلم أيها المسلم ‪ ،‬أنه ال ينبغي للعاجز التعرض لمركب صعب إال إذا تعذّر‬
‫عليه وجود مسلك إال ذلك‪ .‬فليستعن باهلل ‪ ،‬إنه هو المعين‪.‬‬
‫وذلك ‪ :‬أن طائفة من اإلخوان وقعت بيني وبينهم مذاكرة علمية حتى ذكرنا‬
‫البدعة‪ .‬فقلت‪ :‬جميع ما لم يكن دينًا في الصدر األول ال يكون اليوم دينًا‪ ،‬فطلبوا‬
‫مني الدليل على ذلك ‪ ،‬وخاصة على إنكار أهل السنة على التيجانية‪ .‬ولما رأيت‬

‫‪2‬‬
‫الطلب قد توجه إليّ تطفلت تحت دوح علماء السنة بذكر أقوالهم في تفسير بعض‬
‫اآليات و األحاديث في ذم البدعة وأهلها‪.‬‬
‫وأقول كما قال المحدث العالمة الشيخ محمد بن عبد العزيز الفارسي الجاركي‬
‫في التحفة المكية حيث قال ‪:‬‬
‫مع أنني لست لذاك الخطر‬ ‫لألجر‬ ‫محتسبًا‬ ‫أجبته‬
‫السبال‬ ‫و‬ ‫آثارهم‬ ‫مقتفيًا‬ ‫الفضال‬ ‫بالعلماء‬ ‫تطفالً‬
‫حماك ربي من بوائق الحسود‬ ‫فقلت ‪ :‬فاعلم أيها الخل الودود‬
‫الورى‬ ‫سيد‬ ‫بهدي‬ ‫متمسكًا‬ ‫من يرد اهلل به خيرًا يُرى‬
‫القناعة‬ ‫ألزمه‬ ‫‪،‬‬ ‫حياته‬ ‫الطاعة‬ ‫لكل‬ ‫اهلل‬ ‫ألهمه‬
‫واليقين‬ ‫بالصدق‬ ‫عضَده‬ ‫الدين‬ ‫في‬ ‫تفقهًا‬ ‫يرزقه‬
‫وإال فليس أتعرض وال أرتقي إلى هذا المحل المنيف ألني لم أكن لذاك و ال أقل‬
‫منه بأهل ‪.‬‬
‫وأسأل اهلل سبحانه و تعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ‪ ،‬نافعة لجميع‬
‫اإلخوان المؤمنين و المسلمين ‪ ،‬إنه الهادي إلى الصراط المستقيم ‪.‬‬
‫عبد الرحمن بن يوسف األفريقي‬
‫‪ 6/01‬سنة ‪0536‬هـ ‪.‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫نحمده ونصلي على رسوله الَريم‬

‫الحمد هلل الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫المشركون‪ ..‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له له الملك و له الحمد ‪ ،‬وهو‬
‫ش‬
‫طعِ الَلهَ وَ رَسُو َلهُ وَ َيخْ َ‬
‫على كل شيء قدير ‪ ،‬القائل في كتابه العزيز { َو مَن يُ ِ‬
‫الَلهَ وَ يَ َت ْقهِ َفأو ْولَئِكَ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [النور‪ ]21 :‬وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله‬
‫المنزل عليه من اهلل عز وجل { يَا أَيُهَا الَذِينَ آمَنوواْ أَطِيعُواْ الَلهَ وَ أَطِيعُواْ الرَسُو َل‬

‫‪3‬‬
‫عمَالََومْ } [محمد‪ ]11 :‬أي بمخالفتكم سنة نبيه الذي سنّها لكم ‪،‬‬
‫طلوواْ أَ ْ‬
‫وَال توبْ ِ‬
‫وبارتكابكم المنكرات و البدع و على آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فيا أخي المحترم ‪ ،‬قد وصلت إلى وثيقتكم ‪ ،‬و قرأتها و فهمت ما‬
‫ذكرتموه ‪ .‬وها أنا أكتب لكم جوابها إن شاء اهلل تعالى ‪ .‬و به نستعين ‪.‬‬

‫قواعد اإلسالم‬
‫اعلموا أن اهلل تعالى قرر القواعد لكل مسلم وقال‪َ { :‬ومَا آتَاَومُ الرَسُولو َفخوذوو ُه‬
‫َومَا نَهَاَومْ عَ ْنهُ فَانتَهُواْ وَا َتقوواْ اللَهَ إِنَ الَلهَ شَدِي ُد الْ ِعقَابِ} [الحشر‪ ]7 :‬وقال‪َ { :‬ومَن‬
‫[النساء‪:‬‬ ‫خ ْلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا َولَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}‬
‫يَعْصِ اللَهَ وَرَسُو َلهُ وَيَتَعَدَ حُدُودَهُ يُدْ ِ‬
‫[الجن‪:‬‬ ‫‪ ]41‬وقال‪َ { :‬ومَن يَعْصِ الَلهَ وَرَسُو َلهُ َفإِنَ َلهُ نَارَ جَهَنَمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}‬
‫‪ ]11‬وقال‪َ { :‬فلْيَحْذَرِ الَذِينَ يُخَا ِلفوونَ عَنْ َأمْرِهِ أَن توصِيبَهُمْ فِتْ َنةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ‬
‫ك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثو َم َال‬
‫ن حَ َتىَ يُحَ َِمُو َ‬
‫ال وَ رَبِكَ الَ يُ ْؤمِنوو َ‬
‫َألِيمٌ} [النور‪ ]51 :‬وقال‪{ :‬فَ َ‬
‫سلِيمًا} [النساء‪ ]52 :‬ولذا قال رسول‬
‫سِلمُواْ تَ ْ‬
‫يَجِدُو ْا فِي أَنفوسِهِ ْم حَرَجًا ِممَا قَضَ ْيتَ وَ يُ َ‬
‫اهلل صلّى اهلل عليه و سلّم‪" :‬و الذي نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا‬
‫لما جئت به" رواه البغوي في شرح السنة و النووي في األربعين بسند صحيح‪)1(.‬‬

‫المسلم الحقيقي‬
‫عُلم بتلك اآليات القرآنية واألحاديث النبوية‪ :‬أن المسلم ال يكون مسلمًا وال‬
‫مؤمنًا إال إذا اعتصم بالكتاب والسنة‪ ،‬في العقائد والفرائض والسنن واألقوال‬
‫واألعمال واألفعال واألذكار‪ ،‬على وجه التسليم والرضا واإلخالص‪ ،‬ظاهرًا‬
‫وباطنًا‪ ،‬خاصة عند المعارضة والمقابلة يقدم قول النبي صلّى اهلل عليه وسلّم على‬
‫أقوال جميع أهل األرض كائنًا من كان‪ ،‬وأذكاره صلّى اهلل عليه وسلّم على جميع‬
‫األذكار الواردة عن المشايخ أهل الطرق وغيرهم‪ ،‬ويعرض تلك األوراد على‬
‫الكتاب والسنة فإن وافقتهما عمل بها‪ ،‬وإال فال‪ .‬ويقف على األذكار الواردة عن‬
‫النبي صلّى اهلل عليه وسلّم فحينئذ يكون المسلم مسلمًا حقيقيًا طائعًا هلل و رسوله‪.‬‬
‫قال تعالى‪ { :‬اتَبِعُواْ مَا أونزِلَ ِإلَيَْوم مِن رَبَِومْ وَ الَ تَتَبِعُواْ مِن دُو ِنهِ أَ ْولِيَاءَ }‬

‫‪4‬‬
‫[آل‬ ‫[األعراف‪ ]1 :‬و قال تعالى‪َ { :‬و مَن يَعْتَصِم بِاللَهِ َفقَدْ هُدِ َ ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ }‬
‫عمران‪.]484 :‬‬

‫تعريف السنة والبدعة‬


‫من ضروريات الدين‪ :‬أن يعلم المسلم صفة السنة والبدعة والفرق بينهما‪ .‬فليعلم‬
‫األخ الكريم أن السنة لغة‪ :‬الطريق‪ ،‬وشرعًا‪ :‬هي ما بيّن وفسّر بها النبي صلّى اهلل‬
‫عليه وسلّم كتاب اهلل تعالى قوالً وفعالً وتقريرًا وما سوى ذلك بدعة‪.‬‬
‫والسنة هي الطريق المتبع‪ ،‬وهي دين اإلسالم‪ ،‬التي ال يزيغ عنها إال جاهل‬
‫هالك مبتدع‪.‬‬
‫والبدعة أصل مادتها االختراع على غير مثال سابق ومنه قوله تعالى‪ { :‬بَدِيعُ‬
‫سمَاوَاتِ وَاألَرْضِ } أي مخترعهما من غير مثال سابق وهذا ال يليق في الدين‬
‫ال َ‬
‫إال من اهلل تعالى‪ .‬ألنه فعّال لما يريد وهو الذي شرع لنا الدين‪ .‬قال تعالى‪{ :‬شَرَعَ‬
‫لََوم مِنَ الدِينِ مَا وَصَى ِبهِ نووحًا} [الشورى‪ ]41 :‬وأما البدعة شرعًا‪ :‬فهي الحدث في‬
‫الدين بعد اإلكمال‪ ،‬أي بعد النبي صلّى اهلل عليه وسلّم وخلفائه الراشدين‪ ،‬وقد‬
‫جعلها أهل البدع دينًا قويمًا‪ ،‬ال يجوز خالفها‪ ،‬كما في زعم التيجانيين وغيرهم‪.‬‬

‫تقسيم البدعة‬
‫والبدعة تنقسم إلى دينية ودنيوية‪ .‬فكل بدعة في الدين ضاللة‪ ،‬كما نص عليه‬
‫الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم وأصحابه رضي اهلل عنهم أجمعين ‪ ،‬فال يجوز لمسلم‬
‫أن يغيّر ويؤول ما قاله الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬أو يعمل عمالً‪ ،‬أو يقول‬
‫قوالً أو يأخذ وردًا ليس عليه أمره صلّى اهلل عليه وسلّم أو يدخل في طريق غير‬
‫طريق النبي صلّى اهلل عليه وسلّم فذلك كله بدعة ضاللة‪ ،‬وصاحبها في النار بال‬
‫شك‪ ،‬بدليل ما أخبر به النبي صلّى اهلل عليه وسلّم حيث يقول‪" :‬من عمل عمال‬
‫ليس عليه أمرنا فهو ردّ" رواه مسلم عن عائشة‪ ،‬وقال أيضًا‪َ" :‬ل بدعة ضاللة‬
‫وَل ضاللة في النار" أي صاحبها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وأما البدعة في المصالح الدنيوية‪ :‬فال حرج في ذلك‪ ،‬ما دامت نافعة غير ضارة‬
‫في الدين‪ ،‬وال فيها ارتكاب محرم‪ ،‬أو هدم أصل من أصول الدين‪ ،‬لقول النبي‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم في حديث رافع بن خديج الذي رواه مسلم‪ ،‬قال في آخره‪:‬‬
‫"إنما أنا بشر إذا أمرتَم بشيء من أمر دينَم فخذوه‪ ،‬وإذا أمرتَم بشيء من‬
‫رأيي فإنما أنا بشر"‪.‬‬

‫ورد التيجانية وما شاَلها بدعة‬


‫اآلن يا أخي تأمّل في أيّ قسم تجعل ورد التيجانية؟ فإن جعلتها في القسم األول‬
‫علَيَْومْ‬
‫ت َ‬
‫– وهو المتبادر عندكم – فقد قال تعالى‪{ :‬الْيَوْمَ أَ َْ َملْتو لََومْ دِينََومْ وَأَ ْت َم ْم و‬
‫نِ ْعمَتِي وَرَضِيتو لََومُ اإلِسْالَمَ دِينا} [المائدة‪ ]1 :‬وما لم يكن يومئذ دينًا لم يكن اليوم‬
‫دينًا‪ .‬قال ابن الماجشون‪ :‬سمعت مالكًا رحمه اهلل يقول‪( :‬من ابتدع بدعة في‬
‫اإلسالم يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلّى اهلل عليه وسلّم خان الرسالة) ذكره‬
‫الشاطبي‪.‬‬
‫وقال صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" رواه‬
‫مسلم‪ .‬أي ردّ على الرسول عليه السالم بأن دينه ناقص‪ ،‬وأن المبتدع هو أتمه‬
‫ببدعته‪ ،‬أو أنه مردود على صاحبه‪ .‬وقال صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬ستفترّق أمتي‬
‫على ثالث وسبعين فرقة‪َ ،‬لهم في النار إال ملّة واحدة قالوا‪ :‬من هي يا رسول‬
‫اهلل؟ قال‪ :‬ما أنا عليه اليوم وأصحابي" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما‪.‬‬
‫ومعلوم بالضرورة‪ :‬أن الطريقة التيجانية وما شاكلها‪ :‬لم تكن في زمن النبي‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وال في زمن الخلفاء الراشدين‪ .‬وكل من عبد اهلل بشيء غير‬
‫م ا جاءت به النبوة‪ ،‬فهو داخل في الفرق النارية بال شك بدليل ما أخبر به النبي‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم حيث قال‪" :‬من يعش منَم فسيرى اختالفا َثيرًا – أي طرقًا‬
‫كثيرة – فعليَم بسنتي – أي طريقي – وسنة الخلفاء الراشدين من بعد تمسَوا‬
‫بها‪ ،‬وعضّوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياَم ومحدثات األمور – أي الطرق المحدثة –‬
‫فإن َل محدثة بدعة‪ ،‬وَل بدعة ضاللة‪ ،‬وَل ضاللة في النار" رواه أبو داود‬
‫والنسائي وغيرهما‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫إن اهلل ال يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدعها‬
‫اعلم يا أخي‪ ،‬أن البدعة ال يقبل اهلل معها عبادة‪ ،‬من صالة وصيام وحج وزكاة‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ويخرج صاحبها من الدين كما تخرج الشعرة من العجين‪ ،‬ومُجالس‬
‫صاحبها تنزع منه العصمة‪ ،‬ويوكل إلى نفسه‪ ،‬والماشي إليه وموقره معين على‬
‫هدم اإلسالم‪ .‬كذا ذكر الشاطبي في االعتصام‪.‬‬
‫وروي عن األوزاعي أنه قال‪ :‬كان بعض أهل العلم يقول‪ :‬ال يقبل اهلل من ذي‬
‫بدعة صالة وال صيامًا وال حجًا وال عمرة وال صدقة وال صرفًا وال عدالً‪ .‬وقد‬
‫رواه ابن ماجه عن النبي صلّى اهلل عليه وسلّم فروى عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬أبى اهلل أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع‬
‫بدعته" وذكر مثل هذه األحاديث الشيخ عبد القادر الجيالني البغدادي في كتاب‬
‫"غنية الطالبين" وكان أيوب السختياني يقول‪ :‬ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إال‬
‫ازداد بعدًا من اهلل‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي اهلل عنه "ولو ترَتم‬
‫سنة نبيَم لضللتم – الحديث"‪.‬‬
‫فتأملوا كيف جعل ترك السنة ضاللة‪ .‬وفي رواية "لو ترَتم سنة نبيَم صلّى‬
‫اهلل عليه وسلّم لَفرتم" وهو أشدّ في التّحذير‪ .‬وفي رواية أن النبي صلّى اهلل عليه‬
‫وسلّم قال‪" :‬إنّي تارك فيَم ثقلين‪ ،‬أولهما َتاب اهلل‪ ،‬فيه الهدى والنور من‬
‫استمسك به وأخذ به َان على الهدى‪ ،‬ومن أخطأه ضل" وفي رواية "من اتبعه‬
‫َان على الهدى ومن ترَه َان على ضاللة"‪ .‬وقال أبو هريرة رضي اهلل عنه‪ :‬إن‬
‫الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم قال‪" :‬سيَون في أمتي دجالون َذّابون‪ ،‬يأتونَم‬
‫ببدع من الحديث لم تسمعوه أنتم وال آباؤَم‪ ،‬فإياَم وإياهم‪ ،‬ال يفتنونَم" وفي‬
‫الترمذي‪ :‬أنه عليه الصالة والسالم قال‪" :‬من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعد‬
‫فإن له من األج ر مثل أجر من عمل بها‪ ،‬من غير أن ينقص ذلك من أجورهم‬
‫شيئًا‪ ،‬ومن ابتدع بدعة ضاللة ال ترضي اهلل وال رسوله َان عليه مثل وزر من‬
‫عمل بها‪ ،‬ال ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا" قال الترمذي حديث حسن‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وفي حديث معاذ مرفوعًا "إذا حدث في أمتي البدع‪ ،‬وشُتم أصحابي َفلْ ُيظْ ِه ِر‬
‫العَالِ ُم علمه‪ ،‬فمن لم يفعل فعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس أجمعين" ذكره اآلجري‬
‫من طريق الوليد بن مسلم في كتاب السنة‪ .‬وعن الحسن قال‪ :‬صاحب البدعة ال‬
‫يزداد اجتهادًا – صيامًا وصالة – إال ازداد من اهلل بعدًا‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض‪ :‬اتبع طريق الهدى‪ ،‬وال يضرك قلة السالكين‪ ،‬وإياك‬
‫وطرق الضاللة وال تغتر بكثرة الهالكين‪.‬‬
‫ج ابن وهب عن‬
‫وعن أبي قالبة‪ :‬ما ابتدع رجل بدعة إال استحل السيف‪ .‬وخَ َر َ‬
‫سفيان قال‪ :‬كان رجل فقيه‪ ،‬يقول ما أحب أني هديت الناس كلهم وأضللت رجالً‬
‫واحدًا‪.‬‬
‫وقال ابن سيرين‪ :‬أسرع الناس ردّة أهل األهواء‪.‬‬
‫وعن يحيى بن أبي كثير قال‪ :‬إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق‬
‫آخر‪.‬‬
‫وعن بعض السلف‪ :‬من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة و وكّل إلى‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض‪ :‬من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة‪.‬‬
‫كذا ذكر الشاطبي في كتابه "االعتصام" عنهم‪.‬‬
‫والبدعة‪ :‬هي السبب في إلقاء العداوة والبغضاء بين الناس‪ ،‬ألن كل فريق يرى‬
‫أن طريقته خير من طريقة صاحبه‪ ،‬ويبغض بعضهم بعضًا حتى قال التيجانيون‪:‬‬
‫ال يجوز زيارة من ليس على طريقتهم‪ .‬وأنكروا في ذلك قول اهلل تعالى‪{ :‬إِنَمَا‬
‫ا ْلمُ ْؤمِنوونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات‪ ]48 :‬وأنكروا األحاديث الواردة في زيارة اإلخوان‪.‬‬
‫أفنترك العمل باآلية الكريمة واألحاديث الواردة في ذلك لقول أحد كائنًا من كان؟‬
‫اللهم ال‪ .‬والفرقة من أخسّ أوصاف المبتدعة ولوازمها‪ .‬ألنه خروج عن حكم اهلل‪،‬‬
‫و تفريق لجماعة أهل اإلسالم‪.‬‬

‫صاحب البدعة ملعون وممنوع من الشفاعة المحمدية‬

‫‪8‬‬
‫والنبي صلّى اهلل عليه وسلّم بريء منه‪ ،‬لما روي أنه صلّى اهلل عليه وسلّم قال‪:‬‬
‫"حلّت شفاعتي ألمتي‪ ،‬إال صاحب بدعة" ذكره الشاطبي في االعتصام‪ .‬والبدعة‬
‫رافعة للسنن التي تقابلها‪ ،‬ليس لصاحبها توبة‪ .‬لقول النبي صلّى اهلل عليه وسلّم‪:‬‬
‫"إن اهلل حجر التوبة عن َل صاحب بدعة" كذا في الشاطبي‪ .‬وهو ملعون شرعًا‪،‬‬
‫لقوله صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬من أحدث حدثا أو آوى مُحدثا فعليه لعنة اهلل‬
‫والمالئَة والناس أجمعين" ذكره الشاطبي عن مالك‪.‬‬
‫ومعلوم لكل ذي لب‪ :‬أن هذه الطرق كلها محدثة ألن ما لم يكن في زمن النبي‬
‫صلّى اهلل عليه وسلّم دينًا فهو بدعة باتفاق السلف والخلف‪ ،‬ويبعد صاحبها عن‬
‫حوض النبي صلّى اهلل عليه وسلّم لحديث رواه مالك في الموطأ ولفظه "فليذادن‬
‫رجال عن حوضي َما يذاد البعير الضال‪ ،‬أناديهم‪ :‬أال هلمّ هلم‪ ،‬فيقال‪ :‬إنهم قد‬
‫بدّلوا بعدك‪ .‬فأقول‪ :‬فسحقا‪ ،‬فسحقا فسحقا"‪.‬‬
‫وقد تبرأ اهلل ورسوله من أصحاب البدعة‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬إِنَ الَذِينَ فَرَقوواْ دِينَهُمْ‬
‫يءٍ} [األنعام‪ ]421 :‬وفي الحديث "أنا بر ء منهم‪ ،‬هم‬
‫ستَ مِنْهُمْ فِي شَ ْ‬
‫وَََانوواْ شِيَعًا لَ ْ‬
‫براء مني" ذكره الشاطبي في االعتصام‪.‬‬
‫وعن يحيى بن أبي عمر الشيباني قال‪ :‬كان يقال‪ :‬يأبى اهلل لصاحب بدعة بتوبة‪،‬‬
‫وما انتقل صاحب بدعة إال إلى شر منها ‪ .‬و قال عمر بن عبد العزيز‪" :‬سنّ‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه و سلّم سننًا‪ ،‬و سنّ والة األمر من بعده سننًا‪ ،‬األخذ بها‬
‫تصديق لكتاب اهلل و استكمال لطاعة اهلل وقوة على دين اهلل‪ .‬ليس ألحد تغييرها وال‬
‫تبديلها‪ ،‬وال النظر في شيء خالفها‪ .‬من عمل بها مهتد‪ ،‬ومن انتصر بها منصور‪،‬‬
‫ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين‪ ،‬وواله اهلل ما تولى وأصاله جهنم وساءت‬
‫مصيرًا"‪ .‬ومما يعزى ألبي إلياس األلباني‪" :‬ثالث لو كتبن في ظفر لوسعهن‪.‬‬
‫وفيهن خير الدنيا واآلخرة‪ :‬اتبع ال تبتدع‪ :‬اتضع ال ترتفع‪ .‬و من ورع ال يتسع"‪.‬‬
‫كذا في الشاطبي عنهم و اآلثار هنا كثيرة جدًا‪.‬‬
‫و حاصله‪ :‬أن صاحب البدعة ال توبة له‪ .‬ألنه إذا خرج عنها إنما يخرج إلى ما‬
‫هو شرّ منها‪ ،‬كما في حديث أبي ذر رضي اهلل عنه ‪ :‬أن النبي صلّى اهلل عليه‬
‫وسلّم قال‪ " :‬سيَون من أمتي قوم يقرءون القرآن ال يجاوز حالقيمهم‪ ،‬يخرجون‬

‫‪9‬‬
‫من الدين َما يخرج السهم من الرمية ثم ال يعودون فيه هم شرّ الخلّق‬
‫والخليقة"‪.‬‬
‫فهذه شهادة‪ :‬أن المبتدع ال توبة له‪ ،‬وسبب بعده عن التوبة‪ :‬أن الدخول تحت‬
‫أوامر الشريعة صعب على النفس‪ :‬ألنه أمر يخالف الهوى‪ ،‬ويصد عن سبيل‬
‫الشهوات فيثقل عليها جدًا‪ ،‬ألنّ الحق ثقيل‪ ،‬والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها ال‬
‫بما يخالفه‪ .‬وكل بدعة فللهوى فيها مدخل‪ ،‬ألنها راجعة إلى نظر مخترعها‪ ،‬ال إلى‬
‫ن له ما تمسك‬
‫سُ‬‫حِ‬
‫نظر الشارع‪ .‬فكيف يمكنه الخروج عن ذلك‪ ،‬ودواعي الهوى تُ َ‬
‫به‪ ،‬فتراه منهمكًا في أوراده ليالً ونهارًا‪ ،‬ال يفتر عن ذلك‪ ،‬ومع ذلك فمثواه النار‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِ َعةٌ ‪ ،‬عَا ِم َلةٌ نَاصِبَة ٌ‪ ،‬تَصْلَى نَارًا حَامِيَة }‬
‫عمَاال‪ ،‬الَذِينَ ضَلَ سَعْيُهُمْ فِي‬
‫[الغاشية‪ ]1 ،1 ،1 :‬وقال‪{ :‬قولْ هَلْ نونَبِئوَوم بِاألَخْسَرِينَ أَ ْ‬
‫الْحَيَاةِ الدُنْيَا َوهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَهُمْ يُحْسِنوونَ صُنْعًا} [الكهف‪ ]481 ،481 :‬وما ذاك إال‬
‫لخليقة يجدونها في ذلك االلتزام‪ ،‬ويرى أن أعماله أفضل من أعمال غيره‪ ،‬أفيفيد‬
‫البرهان مطلبًا؟ { ََ َذلِكَ يُضِ ُل اللَ ُه مَن يَشَاءُ وَيَهْ ِد مَن يَشَاءُ } [المدثر‪.]14 :‬‬
‫عُلم مما تقدّم أن المبتدع ال توبة له‪ ،‬وحينئذ يُخَافُ عليه سوء الخاتمة والعياذ‬
‫باهلل‪ ،‬ألنه مرتكب إثمًا‪ ،‬عاصٍ اهلل تعالى‪ ،‬فيُخْشى عليه عند موته أن يستفزه‬
‫الشيطان‪ ،‬ويغلبه على قلبه‪ ،‬حتى يموت على التغيير والتبديل حيث كان مطيعًا له‬
‫فيما تقدّم من زمانه‪.‬‬
‫فلنقتصر على ما ذكرنا و باهلل التّوفيق ‪.‬‬

‫قد أتم اهلل هذا الدين قبل الطريقة التيجانية وغيرها‬


‫علَيَْومْ نِ ْعمَتِي و رَضِيتو لََومُ‬
‫قال تعالى‪ { :‬الْيَوْمَ أَ َْ َم ْلتو لََومْ دِينََومْ و َأَ ْتمَ ْمتو َ‬
‫اإلِسْالَمَ دِينا } [المائدة‪ ]1 :‬وقال صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬ترَت فيَم أمرين لن تضلوا‬
‫ما تمسَتم بهما‪َ :‬تاب اهلل وسنة رسوله" رواه مالك في الموطأ‪ .‬وقال اإلمام مالك‬
‫رحمه اهلل‪ " :‬قبض رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم وقد تمّ هذا الدين واستكمل‪،‬‬
‫وإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول اهلل" ذكره الشاطبي في االعتصام‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فكل من أحدث بدعة – وكان ممن يعقل – يعلم علمًا ضروريًا أنه ما آمن بقول‬
‫ت لََومْ دِينََومْ‪ }...‬اآلية‪ ،‬إذ لو آمن بها ما ابتدع‪.‬‬
‫اهلل تعالى‪{ :‬الْيَوْمَ أَ َْ َملْ و‬
‫و ذكر ابن وهب عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلّى اهلل عليه‬
‫وسلّم قال‪" :‬سيَون من أمتي دجالون َذابون ‪ ،‬يأتونَم ببدع من األحاديث لم‬
‫تسمعوه أنتم وال آباؤَم ‪ .‬فإياَم و إياهم ال يفتنونَم" رواه ابن وضاح‪.‬‬
‫و عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" :‬من أتى صاحب بدعة فقد أعان على هدم‬
‫اإلسالم" وروى مسلم نحو األول‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود رضي اهلل عنه "أنه رأى جماعة يجلسون في المسجد و بينهم‬
‫رجل يقول لهم ‪ :‬سبحوا اهلل كذا و كذا ‪ ،‬واحمدوا اهلل كذا و كذا ‪ ،‬و كبروا اهلل كذا‬
‫و كذا ‪ .‬فقال لهم ‪ :‬و اهلل لقد جئتم ببدعة ظلمًا ‪ ،‬أو فقتم محمدًا و أصحابه علمًا"‪.‬‬
‫إنكارًا عليهم‪ .‬رواه الدارمي‪.‬‬
‫وهذا عين الطريقة التيجانية وغيرها من الطرق الصوفية‪ ،‬إنما أنكر عليهم ألنهم‬
‫اشتقوا ألنفسهم صفة في الذكر لم تكن في زمن النبوة‪.‬‬
‫فعليكم باتباع نبيكم‪ ،‬وترك كل ما أحدثه المحدثون‪ .‬ألن اإليمان ال يكمل إال‬
‫بالقول‪ ،‬وال قول إال بالعمل‪ ،‬وال عمل إال بالنية‪ .‬فال إيمان وال قول وال عمل وال‬
‫نية إال بموافقة السنة النبوية‪ ،‬كما قال ابن أبي زيد القيرواني في رسالته‪ ،‬فسبحان‬
‫اهلل العظيم‪ ،‬تقرءون في الرسالة ليالً ونهارًا وال تفهمون معناها‪ .‬بماذا تفسرون‬
‫قوله‪" :‬وترك كل ما أحدثه المحدثون" وبماذا تفسرون قوله‪" :‬إال بموافقة السنة"؟‬
‫وهل هذه الطريقة التيجانية كانت في زمن النبي صلّى اهلل عليه وسلّم؟ فإن لم تكن‬
‫في زمنه كانت مما أحدثه المحدثون‪ .‬ومن ادعى أنها كانت في زمان النبوة فليأت‬
‫بالبرهان‪ .‬وتاريخ موت صاحبها الذي ابتدعها لدينا محفوظ‪ ،‬وإن اهلل لم يكلف نبيه‬
‫صلّى اهلل عليه و سلّم بعد الموت بشيء ما‪ ،‬ولم يترك شيئًا مما أمر بتبليغه إال بََلغَ ُه‬
‫في حياته‪ .‬انظر تفسير سورة النصر‪ .‬ال كما يزعم التيجانيون‪.‬‬

‫تبرؤ أهل البدع بعضهم من بعض يوم القيامة‬

‫‪11‬‬
‫قال تعالى‪{ :‬إِذْ تَبَرَأَ الَذِينَ اتُبِعُواْ مِنَ الَذِينَ اتَبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَ َتقَطَ َعتْ بِهِمُ‬
‫األَسْبَابُ} [البقرة‪ ]455 :‬معناه‪ :‬تبرأ الذين كانوا يزعمون أنهم يتبعونهم في الدنيا لما‬
‫رأوا العذاب‪ ،‬وتقطعت بهم األسباب‪ ،‬يعني المحبة التي كانت بينهم في الدنيا – كذا‬
‫قاله ابن عباس‪ .‬فلما رأوا ذلك قالوا‪{ :‬لَوْ أَنَ لَنَا ََرَة} أي رجعة في الدنيا { َف َن َتبَرََأ‬
‫مِنْهُمْ ََمَا تَبَرَؤوو ْا مِنَا}‪.‬‬
‫أيها اإلخوان‪ :‬انبذوا هذه الطريقة التيجانية وغيرها وراء ظهوركم قبل نزول‬
‫هذه الندامة‪ ،‬التي قال اهلل في أصحابها { َومَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَارِ} ألن كل من‬
‫اتبع أحدًا في شيء ما أنزل اهلل به من سلطان – أي من حجة – تبرأ المتبوع منه‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وأنى لهم الكَ َرة ؟ هيهات هيهات‪.‬‬
‫أخبر اهلل سبحانه وتعالى عن قوم‪ ،‬يوم القيامة {وَقَالووا رَبَنَا إِنَا أَطَعْنَا سَادَتَنَا‬
‫ضلُونَا السَبِيالْ‪ ،‬رَبَنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنا ََبِيرًا}‬
‫وََوبَرَاءَنَا َفأَ َ‬
‫[األحزاب‪ ]51 ،57 :‬قال الشوكاني في تفسيره‪ :‬المراد بالسادة والكبراء‪ ،‬هم الرؤساء‬
‫والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم‪ .‬اهـ‪ .‬وفيه وعيد صريح‬
‫لكل من يتبع أحدًا في البدع والضالالت‪ ،‬ألن قولهم هذا ال ينفعهم يوم القيامة‪.‬‬
‫إخواني‪ :‬أنعموا النظر‪ ،‬واستعملوا عقولكم في معنى هذه اآلية‪ .‬وال أظن أنه يفهم‬
‫معناها عالم غيور في دينه راغب في سنة نبيه ثم يتمسك ببدعة‪ ،‬مستدالً بقوله‪ :‬لو‬
‫كانت باطلة ما فعلها فالن وفالن‪ ،‬وهذا عين قوله تعالى‪{ :‬وَقَالووا رَبَنَا إِنَا َأطَعْنَا‬
‫سَادَتَنَا وََوبَرَاءَنَا} اآلية‪ ،‬وال نفع لهم في ذلك‪ ،‬والعالم الحقيقي ال يأخذ بقول أحد إال‬
‫بعد عرض ما يأخذه على الكتاب والسنة‪.‬‬
‫قال ابن كثير‪ ،‬عند تفسير هذه اآلية‪ :‬قال طاوس‪ :‬سادتنا يعني أمراءنا‪ ،‬وكبراءنا‬
‫يعني علماءنا‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪ ،‬أي اتبعنا السادة‪ ،‬وهم األمراء والكبراء من‬
‫المشيخة‪ ،‬وخالفنا الرسول واعتقدنا أن عندهم شيئًا وأنهم على شيء‪ ،‬فإذا هم ليسوا‬
‫ن مِنَ الْعَذَابِ} أي بكفرهم وإغوائهم إيانا {وَالْعَنْهُ ْم لَعْنا‬
‫على شيء {رَبَنَا آتِهِمْ ضِ ْعفَيْ ِ‬
‫ََبِيرًا}‪.‬‬

‫االمتثال للعلماء في غير أمر اهلل ! عبادة لهم‬

‫‪12‬‬
‫قال اهلل تعالى‪{ :‬اتَخَذوواْ أَحْبَا َرهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِن دُونِ اللَ ِه} [التوبة‪ ]14 :‬قاله‬
‫ردًا على اليهود والنصارى‪ ،‬وكل من فعل فعلهم‪ .‬فاآلية حجة عليهم‪ .‬وجاء في‬
‫تفسيرها في الحديث عن عدي بن حاتم رضي اهلل عنه "أنه سمع النبي صلّى اهلل‬
‫عليه وسلّم يقرأ هذه اآلية‪ ،‬فقال للنبي صلّى اهلل عليه وسلّم‪ :‬إنا لسنا نعبدهم‪ .‬قال‬
‫عليه الصالة والسالم‪ :‬أليس يحرمون ما أحل اهلل فتحرمونه ويحلون ما حرم اهلل‬
‫فتحلونه ؟ فقلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي‪.‬‬
‫تفكروا يا إخواني في معنى هذه اآلية‪ ،‬فإنها عبرة لكل من اتبع سادته وكبراءه‬
‫في حدث وباطل‪ .‬فال بد من التفكير والتفقه في الدين "من يرد اهلل به خيرًا يفقهه‬
‫في الدين"‪ ،‬وهو نظير قوله تعالى‪َ { :‬فمَن يُرِدِ اللَهُ أَن يَهْدِ َيهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ‬
‫لِإلِسْالَمِ} [األنعام‪ ]412 :‬أي يفهمه أمور دينه ليفرق بين السنة والبدعة { َومَن يُرِدْ أَن‬
‫سمَاءِ} [األنعام‪ ]412 :‬أي يجعل‬
‫ضَلهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِقا حَرَجًا ََأَ َنمَا يَصَعَدُ فِي ال َ‬
‫يُ ِ‬
‫على قلبه أكنة ال يقبل شيئًا من أمور اإلسالم الصحيح‪.‬‬
‫و الذي نرشدكم إليه هو صراط اهلل المستقيم ‪ .‬جعلنا اهلل و إياكم ممن سمع الحق‬
‫و اتبعه ‪ .‬آمين ‪.‬‬

‫الشروع في تفصيل ما ينَره أهل السنة على التيجانية وغيرها‬


‫سأذكر لكم يا إخواني بعض ما أنكرناه في هذه الطريقة التيجانية مع بيان مأخذ‬
‫كل مقال‪ ،‬واإلشارة إلى رقم الصحيفة من كتب التيجانية‪ ،‬ليتبين لكل مسلم غيور‬
‫على دينه كفريات التيجانية و بدعهم و ضالالتهم و جميع ما أنقله من كتبهم ‪ :‬إما‬
‫كفر‪ ،‬أو كذب على اهلل و على النبي صلّى اهلل عليه وسلّم‪ .‬والعياذ باهلل من الخذالن‬
‫و عمى البصيرة ‪.‬‬

‫العقيدة األولى‬

‫‪13‬‬
‫قال في جواهر المعاني‪ ( :‬إن هذا الورد ادخره رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫لي و لم يُ َعِلمْ ُه ألحد من أصحابه) – إلى أن قال ‪( :-‬لعلمه صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫بتأخير وقته‪ ،‬وعدم وجود من يظهره اهلل على يديه)‪ .‬وكذا في الجيش (ص‪.)14‬‬
‫ففي قوله‪ :‬ادخره لي ولم يعلمه ألحد من أصحابه ردّ على قوله تعالى‪ { :‬يَا أَيُهَا‬
‫الرَسُولو بَِلغْ مَا أونزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِكَ } [المائدة‪ .]57 :‬ومعلوم أن الكتمان محال على‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬ألنه خيانة لألمانة‪ .‬وقال ابن عاشر المالكي في توحيده‪:‬‬
‫يحق‬ ‫تبليغهم‬ ‫أمانة‬ ‫الصدق‬ ‫الكرام‬ ‫للرسل‬ ‫يجب‬
‫ذكي‬ ‫يا‬ ‫التبليغ‬ ‫كعدم‬ ‫المنهي‬ ‫و‬ ‫الكذب‬ ‫محال‬
‫وال شك أن نسبة الكتمان إليه صلّى اهلل عليه وسلّم كفر بإجماع العلماء‪ .‬وفي‬
‫قوله‪ :‬عدم وجود من يظهره اهلل على يديه تفضيل لنفسه على أبي بكر الصديق‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬حيث ال يقدر أن يحمل هذا الورد‪ .‬وهذا كالم في غاية الفساد‪ ،‬بل‬
‫في غاية الوقاحة‪.‬‬

‫العقيدة الثانية‬
‫قال في جواهر المعاني‪( :‬إن المرة الواحدة من صالة الفاتح تعدل كل تسبيح‬
‫وقع في الكون‪ ،‬وكل ذكر‪ ،‬وكل دعاء كبير أو صغير‪ ،‬وتعدل تالوة القرآن ستة‬
‫آالف مرة) "ص‪ "15‬طبع مطبعة التقدم العلمية الطبعة األولى‪.‬‬
‫وهذا كفر وردّة‪ ،‬وخروج عن الملّة اإلسالمية‪ .‬وهل يبقى في الدنيا مسلم ال‬
‫يكفر قائل هذا القول ؟ بل من لم ينكر عليه ورضي به فهو كافر في نفسه‪،‬‬
‫يستتاب‪ .‬فإن تاب وإال قتل ‪.‬‬
‫أليس قد جعل اهلل لكم عقوالً تعقلون بها ؟ أفال تتفكرون ؟ و أي شيء يكون‬
‫أفضل من القرآن ؟ وهل ينزل اهلل على رجل شيئًا بعد النبي صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫فضالً أن يكون خيرًا من القرآن ؟ إن هذا لشيء عجاب‪.‬‬
‫و أظن قائل هذا القول ما درى بمحمد صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬وما درى بما جاء‬
‫به محمد‪ .‬ولم يدر لِ َم ُب ِعثَ محمد صلّى اهلل عليه و سلّم!!‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫فداك أبي وأمي يا رسول اهلل‪ .‬لقد أديت األمانة‪ ،‬وبلغت الرسالة‪ ،‬وجاهدت في‬
‫اهلل حتى أتاك اليقين‪ .‬جزاك اهلل عنا أفضل ما جزى نبيًا عن أمته‪ .‬أشهد أنك خاتم‬
‫سخَ إلى يوم القيامة‪ ،‬ولم يأت بعدك‬
‫األنبياء‪ ،‬وشريعتك ناسخة لكل شريعة ولن تُنْ َ‬
‫أحد قط بمثل ما جئتَ به‪ ،‬وأشهد أن من ادعى أن هناك وحيًا ينزل‪ ،‬أو يوحى إليه‬
‫علَى اللَهِ الََْ ِذبَ الَ يُ ْفلِحُونَ مَتَاعٌ‬
‫فقد أعظم الفرية على اهلل { إِنَ الَذِينَ َيفْتَرُونَ َ‬
‫َقلِي ٌل وَ لَهُ ْم عَذَابٌ َألِيمٌ } [النحل‪.]447 ،445 :‬‬
‫أفال تعظمون كتاب ربكم ؟‬
‫أيها الناس اتركوا هذه الطريقة الكفرية التي هي أفضل من القرآن في زعم‬
‫قائلها‪ .‬فنعوذ باهلل من كل شيطان مارد ‪ ،‬آمِ ٍر بمثل هذا‪ .‬وهل أنتم تعبدون اهلل‬
‫بشيء أفضل من القرآن‪ ،‬إذن واهلل فقد فضلتم على النبي صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫وأصحابه‪ ،‬ألنهم ما عبدوا اهلل بشيء أفضل من القرآن‪ ،‬ولقد كان صلّى اهلل عليه‬
‫وسلّم يجعل لنفسه وردًا كل ليلة من القرآن‪ ،‬وهكذا أصحابه رضوان اهلل تعالى‬
‫عليهم أجمعين وقال صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي‪ :‬ال‬
‫إله إال اهلل – الحديث" إلخ‪ :‬وقد ثبت أنه قال‪" :‬فضل كالم اهلل على كالم الخلق‬
‫كفضل اهلل على خلقه" رواه الترمذي وغيره‪.‬‬
‫أليس هذا صدًا للجهال العوام عن القرآن ؟ وهل يتمسك بهذه الطريقة بعد ما‬
‫سمع أنها أفضل من القرآن إال جاهل بكتاب اهلل و سنة رسوله ؟‪.‬‬
‫و هل يستقر في عقل صحيح كون مرة واحدة من صالة الفاتح أفضل من ذكرٍ‬
‫واحدٍ وَ َر َد عن النبي صلّى اهلل عليه و سلّم‪ ،‬فضالً عن جميع األذكار التي وقعت‬
‫في الكون ؟ أفال تعقلون ؟؟‪.‬‬
‫تاهلل لقد جمعت هذه الطريقة كل جهول غبي بعيد عن الدين‪.‬‬
‫أيها الناس‪ :‬أما كان آدم ونوح وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصالة والسالم‬
‫أجمعين يذكرون اهلل ؟ وهل يكون مبتدعُ هذه الطريقة أفضل من هؤالء األنبياء ؟‬
‫كال وحاشا ‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬

‫العقيدة الثالثة‬

‫‪15‬‬
‫قال في اإلفادة‪( :‬من لم يعتقد أنها – أي صالة الفاتح – من القرآن لم يصب‬
‫الثواب فيها) "ص‪."18‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬من اعتقد أنها من القرآن فقد كفر كفرًا ظاهرًا‪ .‬ألن اهلل ال ينزل‬
‫الوحي إال على األنبياء‪ ،‬وهذه الصالة لم نجدها في كتاب اهلل‪ ،‬وال حتى في حديث‬
‫موضوع عن رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪ .‬فهل الذي نزلت عليه صالة الفاتح‬
‫نبي أو ولي ؟ فإن كان وليًا فالولي ال ينزل عليه الوحي‪.‬‬
‫و الناس في هذه الطريقة فرقتان ‪ :‬فرقة إن اعتقدت أنها من القرآن خرجت عن‬
‫الملة اإلسالمية ‪ ،‬والثانية ‪ :‬إن اعتقدت أنها ليست من القرآن ‪ ،‬خرجت عن‬
‫طريقتهم ‪ ،‬ألنها ليس لها ثواب فيها‪.‬‬

‫العقيدة الرابعة‬
‫قال في اإلفادة األحمدية "ص‪( : "71‬يوضع لي منبر من نور يوم القيامة ‪،‬‬
‫وينادي منادي حتى يسمعه كل من في الموقف ‪ :‬يا أهل الموقف هذا إمامكم الذي‬
‫كنتم تستمدون منه من غير شعوركم) و ذكره أيضًا في كتابهم بغية المستفيد‬
‫"ص‪."471‬‬
‫وهذا القائل قد نصب نفسه في مقام النبوة ‪ ،‬ألن النبي صلّى اهلل عليه وسلّم هو‬
‫خطيبهم يوم القيامة ‪ ،‬كما ذكره الترمذي عن أنس بن مالك‪ .‬و في قوله تصريح‬
‫بأن األنبياء و الرسل كانوا يستمدون منه ‪ ،‬ألنهم شملهم الموقف ‪ ،‬و هذا محال ‪،‬‬
‫و ال يقوله إال من ادعى الربوبية ‪.‬‬

‫العقيدة الخامسة‬
‫قال في جواهر المعاني "ص‪( :"482‬ال تقرأ جوهرة الكمال إال بالطهارة‬
‫المائية)‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬هذا كتاب اهلل تجوز قراءته بالطهارة وبغيرها كما كان صلّى اهلل عليه‬
‫وسلّم وأصحابه يقرءون القرآن على غير وضوء‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وهذا تشريع جديد لم يأذن به اهلل تعالى و ال رسوله صلّى اهلل عليه و سلّم‪.‬‬
‫وفساد هذا القول يغني عن الخوض فيه ‪.‬‬

‫العقيدة السادسة‬
‫قال في اإلفادة األحمدية "ص‪ ( :"27‬نهاني رسول اهلل صلّى اهلل عليه و سلّم عن‬
‫التوجه باألسماء الحسنى ‪ ،‬و أمرني بالتوجه بصالة الفاتح )!!‬
‫و هذا عين الضالل والكفر ‪ ،‬إذ كيف ينهى رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫عن شيء أمره اهلل تعالى به في قوله‪ { :‬و َلِلَهِ األَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }‬
‫وهذا أيضًا كذب على رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم وجرأة على الشريعة‬
‫المحمدية‪.‬‬

‫العقيدة السابعة‬
‫قال في جواهر المعاني "ص‪ 412‬ج‪ ( :"1‬إن وليًا – وذكر اسمه – كان كثيرًا‬
‫ما يلقى النبي صلّى اهلل عليه وسلّ ‪ ،‬و يعلمه الشعر )‪ .‬كيف ؟ و قد قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ َو مَا عََلمْنَاهُ الشِعْرَ وَ مَا يَنبَغِي َلهُ } [يس‪ ]51 :‬و هذا كذب على رسول اهلل صلّى‬
‫اهلل عليه و سلّم و افتراء عليه ‪.‬‬

‫العقيدة الثامنة‬
‫قال في جواهر المعاني "ص‪ ( :"478‬من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو‬
‫االثنين يدخل الجنة بغير حساب و ال عقاب )‪ .‬وفي بغية المستفيد‪ ( :‬و لو كان‬
‫كافرًا يختم له باإليمان )‪ .‬انظر يا أخي إلى سخافة هذا القول وجرأته قال تعالى‪:‬‬
‫علْمٍ} [األنعام‪ ]411 :‬إنه‬
‫علَى اللَهِ ََذِبًا لِيُضِلَ النَاسَ بِغَيْرِ ِ‬
‫الَمُ ِممَنِ افْتَرَى َ‬
‫{ َفمَنْ أَ ْ‬
‫جعل نفسه أفضل من األنبياء‪ ،‬و لقد قعد رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم مع عمه‬
‫أبي طالب سنين ومع ذلك مات كافرًا‪ ،‬و نظر أبو جهل إلى رسول اهلل صلّى اهلل‬
‫عليه و سلّم و مع ذلك مات كافرًا‪ .‬و مات ابن نوح عليه السالم كافرًا‪ ،‬و مات أبو‬
‫إبراهيم عليه السالم كافرًا‪ ،‬و لم ينفع أحدًا منهم نظر و ال صحبة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وقال في اإلفادة األحمدية (ص‪ )18‬ما نصه‪( :‬طائفة من أصحابنا لو اجتمع‬
‫أكابر أقطاب هذه األمة ما وزنوا شعرة من أحدنا)‪.‬‬
‫وفي شرح منية المريد (ص‪:)471‬‬
‫المتبع‬ ‫النبي‬ ‫أمة‬ ‫أقطاب‬ ‫طائفة من صحبة لو اجتمع‬
‫منها‪ .‬فكيف باإلمام الفرد ؟‬ ‫فرد‬ ‫من‬ ‫شعرة‬ ‫وزنوا‬ ‫ما‬
‫انظر يا أخي إلى القول الشنيع والجرأة العظيمة‪ ،‬حيث فضّل أصحابَ بدعته‬
‫على أصحاب النبي صلّى اهلل عليه وسلّم أكابر هذه األمة‪ .‬نعم ال يقول هذا إال‬
‫جاهل بقدر أصحاب رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم أئمة الهدى ومصابيح األنام‪.‬‬
‫رضي اهلل تعالى عنهم أجمعين‪.‬‬

‫العقيدة التاسعة‬
‫قال صاحب الرماح‪ ،‬الذي بهامش جواهر المعاني‪ ،‬في الفصل الثاني والعشرين‬
‫(ص‪ )421‬ما نصه‪:‬‬
‫( إنهم ال ينطقون إال بما يشاهدون‪ ،‬ويأخذون عن اهلل ورسوله األحكام‪ ،‬الخاص‬
‫للخاصة ال مدخل فيها للعامة ألنه صلّى اهلل عليه وسلّم كان يلقي إلى أمته األمر‬
‫الخاص)‪ .‬قال شيخنا أحمد التيجاني كما في جواهر المعاني‪.‬‬
‫تبًا لهذه المقالة‪ ،‬وبئس قائلها ومفتريها‪ .‬وسواد ظالمها يغني عن الخوض فيها‪.‬‬
‫أقول‪ :‬تفكر أيها العالم في هذه المقالة‪ :‬هل أهل الطرق كانوا أنبياء؟ وانظر إلى‬
‫التناقض في كالمهم – ألنهم – بزعمهم الكاذب بعدما أخذوا عن اهلل تعالى ال‬
‫يحتاجون إلى الرسول لوجود التساوي بينهم في الدرجة أو يزيدون على األنبياء –‬
‫بزعمهم – ألن الرسل كانوا يأخذون عن اهلل تعالى بالوحي‪ .‬وأَرْ َبابُ الطرق‬
‫يأخذون من اهلل – بزعمهم – بغير واسطة‪ .‬لوجود من يقول منهم‪ :‬إنه ينظر إلى‬
‫اللوح المحفوظ إذا أراد أن يأخذ حكمًا من األحكام‪ ،‬وما ذلك إال لوح الشيطان‬
‫ف ا ْلقَوْ ِل غورُورًا} [األنعام‪.]441 :‬‬
‫ض زُخْرُ َ‬
‫{يُوحِي بَعْضُهُمْ ِإلَى بَ ْع ٍ‬
‫ك باألمر‬
‫وقال في الرماح في الفصل المذكور‪( :‬إن الكامل منهم ينزل عليه المَلَ ُ‬
‫والنهي)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أقول‪ :‬أما كان يكفيهم أوامر القرآن ونواهيه؟ واهلل سبحانه وتعالى يقول‪َ { :‬ومَنْ‬
‫علَى اللَهِ ََذِبًا أَوْ قَالَ أووحِيَ ِإلَيَ َولَمْ يُوحَ إِلَ ْيهِ شَيْءٌ َومَن قَا َل‬
‫الَمُ ِممَنِ افْتَرَى َ‬
‫أَ ْ‬
‫غمَرَاتِ ا ْلمَ ْوتِ وَ ْلمَآلئِ ََةو‬
‫سأونزِلو مِثْلَ مَا أَنَزَلَ اللَهُ َولَوْ تَرَى إِذِ الاَا ِلمُونَ فِي َ‬
‫َ‬
‫بَاسِطوواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفوسََومُ الْيَوْمَ توجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا َونتومْ َتقوولوونَ عَلَى‬
‫حّقِ و َونتومْ عَنْ آيَاتِ ِه تَسْتََْبِرُونَ} [األنعام‪.]11 :‬‬
‫اللَ ِه غَيْ َر الْ َ‬

‫العقيدة العاشرة‬
‫قال في الرماح‪ ،‬الفصل الثاني والثالثون (ص‪( :)144‬إن الشرط في طريقتهم‬
‫أن ال يلقن لمن له ورد من أوراد المشايخ إال إن تركه وانسلخ عنه ال يعود إليه‬
‫أبدًا) – إلى أن قال‪( :‬فال بد له من هذا الشرط وال خوف عليه من صاحبه أيًا كان‬
‫من األولياء األحياء واألموات وهو آمن من كل ضرر يلحقه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ال‬
‫يلحقه ضرر ال من شيخه وال من غيره‪ ،‬وال من اهلل وال من رسوله بوعد صادق‬
‫ال خلف فيه)‪.‬‬
‫أقول‪ :‬تفكر يا أخي واستعمل قريحتك في فهم هذا الكالم ألن فيه التحريض على‬
‫األمن من مكر اهلل‪ ،‬وقد قال تعالى‪{ :‬أَ َف َأمِنوواْ مََْرَ اللَهِ فَالَ َي ْأمَنُ مََْرَ اللَهِ إِالَ ا ْلقَوْمُ‬
‫الْخَاسِرُونَ} [األعراف‪ ]11 :‬ومعناها كما قال ابن كثير في تفسيره {أَ َف َأمِنوواْ مََْرَ اللَ ِه}‬
‫أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سَهْ ِو ِهمْ وغفلتهم { َ َال يَ ْأمَنُ مََْرَ‬
‫اللَهِ إِالَ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون } ولهذا قال الحسن رحمه اهلل تعالى‪ :‬المؤمن يعمل‬
‫بالطاعات وهو مشفق وَجِل خائف‪ .‬والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن‪ .‬وفيه أيضًا‬
‫الحثّ على التفريق بين المسلمين‪ ،‬والحال أن ربهم واحد‪ ،‬ونبيهم واحد‪ ،‬وكتابهم‬
‫واحد ففيم التفريق؟ وقد نهاهم اهلل عنه في قوله تعالى‪{ :‬وَالَ تََوونوواْ ََالَذِينَ َتفَرَقوو ْا‬
‫وَاخْ َت َلفوواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِنَاتو وَأووْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَاِيمٌ} [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ]482‬انظر يا أخي إلى هذا التشريع الجديد‪ ،‬واالفتراء على اهلل بما ال مزيد‪،‬‬
‫والمسارعة إلى نار عذابها شديد‪ ،‬ومن ذلك يوقنون أن القصد من ذلك االختالف‬
‫دخول الجنة بغير حساب‪ ،‬وال عقاب‪ .‬قال تعالى‪{ :‬قولْ هَلْ نونَبِئوَومْ بِاألَخْسَرِينَ‬
‫عمَاال الَذِينَ ضَلَ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُنْيَا َوهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَهُمْ يُحْسِنوونَ صُنْعًا‬
‫أَ ْ‬

‫‪19‬‬
‫عمَالوهُمْ فَال ونقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫أوولَئِكَ الَذِينَ ََفَرُوا بِآيَاتِ رَبِهِمْ و ِلقَائِهِ فَحَبِ َ‬
‫سلِي هُزُوًا} [الكهف‪.]485 :‬‬
‫ك جَزَا وؤهُ ْم جَهَنَ ُم ِبمَا ََفَرُوا وَاتَخَذووا آيَاتِي وَرُ ُ‬
‫وَزْنا َذلِ َ‬
‫وتفسيرها كما في الجاللين‪:‬‬
‫عمَاال‪ ،‬الَذِينَ ضَلَ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ‬
‫قوله تعالى‪{ :‬قولْ هَلْ نونَبِئوَومْ بِاألَخْسَرِينَ أَ ْ‬
‫الدُنْيَا} بطل أعمالهم { َوهُمْ يَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَهُمْ يُحْسِنوونَ صُنْعًا} عمالً يجازون‬
‫عليه {أوولَئِكَ الَذِينَ ََفَرُوا بِآيَاتِ رَبِهِمْ} بدالئل توحيده من القرآن وغيره { َو ِلقَا ِئهِ}‬
‫عمَالوهُمْ} بطلت {فَال ونقِيمُ لَهُمْ‬
‫طتْ أَ ْ‬
‫أي وبالبعث والحساب والثواب والعقاب {فَحَبِ َ‬
‫يَوْمَ ا ْلقِيَامَةِ وَزْنا} أي ال نجعل لهم قدرًا { َذلِكَ} أي األمر الذي ذكرت من حبوط‬
‫سلِي هُزُوًا} أي‬
‫أعمالهم وغيره {جَزَا وؤهُمْ جَهَنَمُ ِبمَا ََفَرُواْ و اتَخَذووا آيَاتِي وَرُ ُ‬
‫مهزوءًا بهما‪ .‬قال الشاطبي في االعتصام (ج‪ 4‬ص‪ )11‬قال اهلل تعالى‪ { :‬قولْ هَلْ‬
‫عمَاال الَذِينَ ضَلَ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ َأنَهُمْ‬
‫نونَبِئوَومْ بِاألَخْسَرِينَ أَ ْ‬
‫يُحْسِنوونَ صُنْعًا } وما ذلك إال لخفة يجدونها في ذلك االلتزام‪ ،‬ونشاط بداخلهم‬
‫يستسهلون به الصعب بسبب ما دخل النفس من الهوى‪ .‬وإذا بدا للمبتدع ما هو‬
‫عليه رآه محبوبًا عنده الستعباده للشهوات‪ ،‬وعمله من جملتها‪ ،‬ورآه موافقًا للدليل‬
‫عنده‪ ،‬فما الذي يصده عن االستمساك به‪ ،‬واالزدياد منه‪ ،‬وهو يرى أن أعماله‬
‫أفضل من أعمال غيره‪ ،‬واعتقاداته أوفق و أعال‪ ،‬أفيفيد البرهان مطلبًا { َفإِنَ اللَهَ‬
‫مَن يَشَاءُ} [فاطر‪ ،]1 :‬وقال صلّى اهلل عليه وسلّم‪" :‬الدين‬ ‫يُضِلُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِ‬
‫النصيحة قلنا ‪ :‬لمن ؟ قال ‪ :‬هلل و لَتابه و لرسوله و ألئمة المسلمين و عامتهم"‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫إخواني ‪ :‬ال تستبعدوا التوبة ‪ ،‬و ال تأنفوا من االستغفار ‪ ،‬فقد كان صلّى اهلل‬
‫عليه وسلّم يستغفر كل يوم مائة مرة‪ .‬و شروط التوبة مذكورة في قوله تعالى‬
‫عمِلَ صَالِحًا ثومَ اهْتَدَى } [طه‪ ، ]11 :‬و قال تعالى‪:‬‬
‫{وَإِنِي لَ َغفَارٌ ِلمَن تَابَ وَ آمَنَ وَ َ‬
‫{ و َذََِرْ َفإِنَ الذَِْرَى تَن َفعُ ا ْلمُ ْؤمِنِينَ } [الذاريات‪ ]22 :‬وما جمعت هذه العجالة إال‬
‫رغبة في أن يهدي اهلل تعالى بها و لو فردًا من المسلمين لقوله صلّى اهلل عليه‬
‫اهلل بك رجال واحدًا خير لك من حمر‬ ‫وسلّم لعلي رضي اهلل عنه‪" :‬ألن يهد‬

‫‪21‬‬
‫النعم"‪ .‬و ما توفيقي إال باهلل ‪ ،‬عليه توكلت و إليه أنيب ‪ .‬وصلى اهلل على محمد‬
‫وعلى آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬
‫و هذا حاصل ما جمعته لكم من كتبهم نصيحة لكم و السالم‪.‬‬

‫‪21‬‬

You might also like