You are on page 1of 30

‫رسالة أهل السنة والجماعة‬

‫في حديث الموتى وأشراط الساعة وبيان‬


‫مفهوم أهل السنة والجماعة‬

‫تأليف‬
‫العالمة الشيخ محمد هاشم أشعرى‬
‫الرئيس األكبر لجمعية نهضة العلماء‬
‫عفا اهلل عنه وعن والديه وعن‬
‫مشايخه وعن جميع‬
‫المسلمين‬
‫آمين‬

‫مقدمة وتمهيد‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫حمدا وتمجيدا لمن قال في كتابه المبين‪ ،‬وهو أصدق القائلين‪ُ ) ،‬ه َو الَّ ِذي‬
‫ْح ِّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى الدِّي ِن ُكلِّ ِه َولَ ْو َك ِرَه ال ُْم ْش ِرُكو َن)‪ ،‬صالة‬ ‫ِ‬
‫أ َْر َس َل َر ُسولَهُ بِال ُْه َدى َودي ِن ال َ‬
‫وتسليما على سيدنا وشفيعنا ووسيلتنا إلى ربنا محمد القائل‪َّ { :‬أما بَ ْع ُد‪ ،‬فَِإ َّن أ ْ‬
‫َص َد َق‬
‫ي ُم َح ّم ٍد‪َ ،‬و َش ّر األ ُُموِر ُم ْح َدثَاتُ َها‪َ ،‬وُك ّل‬ ‫ِ‬
‫اب اللّه‪َ ،‬و َخ ْي ُر ال َْه ْد ِي َه ْد ُ‬
‫الْح ِد َ ِ‬
‫يث كتَ ُ‬ ‫َ‬
‫ضالَلَة في النّا ِر}‪ ،‬وعلى آله وأصحابه وأتباعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪،‬وُك ّل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُم ْح َدثَة بِ ْد َعةٌ‪َ ،‬وُك ّل بِ ْد َعة َ‬
‫ضالَلَةٌ َ‬
‫صالة وسالما دائمين متالزمين ما اختلف الليل والنهار‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا كتاب جليل يحتوي على مقاصد مفيدة ومباحث عديدة‪ ،‬تنفع‬
‫المسلمين المحتاجين إلى تحقيق العقائد الدينية‪ ،‬وإلى اإلجتماع بالفرقة الناجية‬
‫الذين هم أهل اسنة والجماعة‪ ،‬رد فيه مؤلفه على ضالالت المبتدعين الكاذبين‪،‬‬
‫وصرح فيه شبهات الملحدين الضالين‪.‬‬
‫فهو إذًا حجة وبرهان‪ ،‬وتوضيح وبيان‪ ،‬فيه للمسلمين عزة وكرامة‪ ،‬ولهم فيه‬
‫نجاة وسالمة‪ ،‬إذ حقق فيه مؤلفه العقائد الصحيحة على طريقة أهل السنة‬
‫والجماعة‪.‬‬
‫ومعشر المسلمين اليوم أشد حاجة إلى ذلك‪ ،‬وقد اختلط فيهم األفاضل‬
‫باألراذل‪ ،‬والتبس عليهم الحق بالباطل‪ ،‬وتصدر للفتوى كل جاهل‪ ،‬ممن يقصر‬
‫إدراكه عن فهم كتاب اهلل تعالى وسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فجاء الكتاب‬
‫باإليضاح والتدقيق‪ ،‬بعيدا عن التلبيس والتزويق‪ ،‬ليبتعدوا عن مواقع الجهل‬
‫والضالل‪ ،‬ويكونوا موفقين في األقوال واألفعال‪.‬‬
‫وكيف ال‪ ،‬وقد كان مؤلفه العالمة الشيخ محمد هاشم أشعري رحمه اهلل تعالى‬
‫من أكابر علماء إندونيسيا ومن مؤسسى جمعية نهضة العلماء‪ ،‬وهي جمعية معروفة‬
‫بقوة تمسكهم بسنة خاتم النبيين وشدة اعتمادهم على خطة أسالفهم الصالحين‪.‬‬
‫فجزى اهلل تالى مؤلفه خيرا كثيرا‪ ،‬وغفر له وألصوله وفروعه إنه كان غفارا‪،‬‬
‫ونفع به وبعلومه المسلمين‪ ،‬وجعل عمله من إحياء سنة سيد المرسلين‪ .‬هذا‪،‬‬
‫وصلى اهلل على سيدنا مجمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫تبوئرنج‪ 1 ،‬رجب ‪1111‬‬
‫كتبه سبط المؤلف‬
‫محمد عصام حاذق‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل شكرا على نواله‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله‪ .‬وبعد‪،‬‬
‫فهذا كتاب أودعت فيه شيئا من حديث الموتى و أشراط الساعة‪ ،‬وشيئا من الكالم‬
‫على بيان السنة والبدعة‪ ،‬وشيئا من األحاديث بقصد النصيحة‪ ،‬وإلى اهلل الكريم‬
‫أمد أكف اإلبتهال‪ ،‬أن ينفع به نفسي وأمثالي من الجهال‪ ،‬وأن يجعل عملي خالصا‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬انه جواد رؤوف رحيم‪ .‬وهذا أوان الشروع في المقصود‪ ،‬بعون‬
‫الملك المعبود‪.‬‬

‫(فصل) في بيان السنة والبدعة‬


‫السنة بالضم والتشديد كما قال أبو البقاء في كلياته‪ :‬لغة الطريقة ولو غير‬
‫مرضية‪ .‬وشرعل اسم للطريقة المرضية المسلوكة في الدين سلكها رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أو غيره ممن هو علم في الدين كالصحابة رضي اهلل عنهم لقوله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪َ { :‬علَي ُكم بِسنَّتِي وسن َِّة ال ُخلَ َف ِاء الر ِ‬
‫اش ِديْ َن ِم ْن بَ ْع ِد ْي}‪ .‬وعرفا‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ ْ َُ‬
‫ما واظب عليه مقتدي نبيا كان أو وليا‪ .‬والسني منسوب إلى السنة حذف التاء‬
‫للنسبة‪.‬‬
‫والبدعة كما قال الشيخ زروق في عدة المريد‪ :‬شرعا إحداث أمر في الدين‬
‫يشبه أن يكون منه وليس منه سواء كان بالصورة أو بالحقيقة لقوله صلى اهلل عليه‬
‫س ِمنْهُ فَ ُه َو َرد}‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه‬
‫ث في ْأم ِرنَا َه َذا ما لَْي َ‬
‫أح َد َ‬
‫وسلم‪َ { :‬م ْن ْ‬
‫وسلم‪َ { :‬وُك ّل ُم ْح َدثٍَة بِ ْد َعةٌ}‪ .‬وقد بين العلماء رحمهم اهلل أن المعنى في الحديثين‬
‫المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربةً ال مطلق اإلحداث‪ ،‬إذ قد‬
‫تناولته الشريعة بأصولها فيكون راجعا إليها أو بفروعها فيكون مقيسا عليها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وموازينها ثالثة‪:‬‬
‫(األول) أن ينظر في األمر المحدث‪ ،‬فإن شهد له معظم الشريعة وأصلها‬
‫فليس ببدعة‪ ،‬وإن كان مما يأبى ذلك بكل وجه فهو باطل وضالل‪ ،‬وإن كان مما‬
‫تراجعت فيه األدلة وتناولته الشبهة واستوت فيه الوجوه اعتبرت وجوهه‪ ،‬فما ترجح‬
‫من ذلك رجعت إليه‪.‬‬
‫(الميزان الثاني) اعتب ار قواعد األئمة وسلف األمة العاملين بطريق السنة‪ ،‬فما‬
‫خالفها بكل وجه فال عبرة به‪ ،‬وما وافق أصولهم فهو حق وإن اختلفوا فيه فرعا‬
‫وأصال‪ ،‬فكل يتبع أصله ودليله‪ ،‬وقد وقع من قواعدهم أن ما عمل به السلف‬
‫وتبعهم الخلف ال يصح أن يكون بدعة وال مذموما‪ ،‬وما تركوه بكل وجه واضح ال‬
‫يصح أن يكون سنة وال محمودا‪ ،‬وما أثبتوا أصله ولم يرد عنهم فعله فقال مالك‬
‫بدعة ألنهم لم يتركوه إال ألمر عندهم فيه‪ .‬وقال الشافعي ليس ببدعة وإن لم يعمل‬
‫به السلف ألن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام بهم في الوقت أو لما هو أفضل‬
‫منه‪ ،‬واألحكام مأخوذة من الشارع وقد أثبته‪ .‬واختلفوا أيضا فيما لم يرد له من‬
‫السنة معارض وال شبهة‪ ،‬فقال مالك بدعة‪ ،‬وقال الشافعي ليس ببدعة‪ ،‬واستند‬
‫لحديث { َما تَ َرْكتُهُ لَ ُك ْم فَ ُه َو َع ْف ٌو}‪ ،‬قال وعلى هذا اختالفهم في ضرب اإلدارة‬
‫والذكر بالجهر والجمع والدعاء‪ ،‬إذ ورد في الحديث الترغيب فيه ولم يرد عن‬
‫السلف فعله‪ .‬ثم كل قائل ال يكون مبتدعا عند القائل بمقابله لحكمه بما أداه‬
‫اجتهاده الذي ال يجوز تعديه‪ ،‬وال يصح له القول ببطالن مقابله لقيام شبهته‪ ،‬ولو‬
‫قيل بذلك ألدى إلى تبديع األمة كلها‪ ،‬وقد عرف أن حكم اهلل تعالى في مجتهد‬
‫الفروع ما أداه إليه اجته اده‪ ،‬سواء قلنا المصيب واحد أو متعدد‪ ،‬وقد قال رسول‬
‫ص ُر‬‫ص َر إِالّ فِي بَنِي قُ َريْظَةَ فَأَ ْد َرَك ُه ْم ال َْع ْ‬ ‫صلِّيَ َّن أ َ‬
‫َح ٌد ال َْع ْ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬الَ يُ َ‬
‫ال آ َخ ُرْو َن أ ُِم ْرنَا‬ ‫صلُّ ْوا فِ ْي الطَ ِريْ ِق‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ِ‬
‫الع َجلَة‪َ ،‬و َ‬
‫ِ‬
‫ض ُه ْم‪ :‬أُم ْرنَا بِ َ‬ ‫فِي الطَّ ِر ِيق‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ال بَ ْع ُ‬
‫اح ٍد ِم ْن ُه ْم}‪ ،‬فدل‬ ‫اك‪ ،‬فَأَخَّروا‪ ،‬ولَم يعب صلَّى اللَّه علَي ِه وسلَّم علَى و ِ‬
‫ُ َْ ََ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ ْ‬ ‫الصالَ ِة ُهنَ َ‬
‫بِ َ‬
‫ذلك على صحة العمل بما فهم من الشارع إذا لم يكن عن هوى‪.‬‬
‫(الميزان الثالث) ميزان التمييز بشواهد األحكام وهو تفصيلي ينقسم إلى‬
‫أقسام الشريعة الستة‪ ،‬أعنى الوجوب والندب والتحريم والكراهة وخالف األولى‬
‫واإلباحة‪ ،‬فكل ما انحاز ألصل بوجه صحيح واضح ال بعد فيه الحق به‪ ،‬وما ال‬
‫فهو بدعة‪ .‬وعلى هذا الميزان جرى كثير من المحققين واعتبرها من حيث اللغة‬
‫للتقريب‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأقسامها ثالثة‪ ،‬البدع الصريحة‪ ،‬وهي ما أثبتت من غير أصل شرعي‬
‫في مقابلة ما ثبت شرعا من واجب أو سنة أو مندوب أو غيره فأماتت سنة أو‬
‫أبطلت حقا‪ ،‬وهذه شر البدع‪ ،‬وإن كان لها ألف مستند من األصول أو الفروع فال‬
‫عبرة به‪ .‬الثاني البدع اإلضافية‪ ،‬وهي التي ألمر لو سلم منها لم تصح المنازعة في‬
‫كونه سنة أو غير بدعة بال خالف أو على خالف مما تقدم‪ .‬الثالث البدع‬
‫الخالفية‪ ،‬وهي المبنية على أصلين يتجاذبها كل منهما‪ ،‬فمن قال بهذا قال‪ :‬بدعة‪،‬‬
‫ومن قال بمقابله قال‪ :‬سنة‪ ،‬كما تقدم في ضرب اإلدارة وذكر الجماعة‪.‬‬
‫وقال العالمة محمد ولي الدين الشبشيري في شرح األربعين النووية على قوله‬
‫آوى ُم ْح ِدثاً فَ َعلَْي ِه لَ ْعنَة اهلل} ودخل في‬
‫ث َح َدثاً ْأو َ‬
‫أح َد َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪َ { :‬م ْن ْ‬
‫الحديث العقود الفاسدة‪ ،‬والحكم مع الجهل والجور ونحو ذلك مما ال يوافق‬
‫الشرع‪ .‬وخرج عنه ما ال يخرج عن دليل الشرع‪ ،‬كالمسائل اإلجتهادية التي ليس‬
‫بينها وبين أدلتها رابط إال ظن المجتهد‪ ،‬وكتابة المصحف وتحرير المذاهب وكتب‬
‫النحو والحساب‪ ،‬ولذا قسم ابن عبد السالم الحوادث إلى األحكام الخمسة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم واجبة‬
‫ومحرمة‬
‫ّ‬ ‫كتعلم النحو وغريب الكتاب والسنة مما يتوقف فهم الشريعة عليه‪،‬‬
‫كمذهب القدرية والجبرية والمجسمة‪ ،‬ومندوبة كإحداث الربط والمدارس وكل‬
‫إحسان لم يعهد في العصر األول‪ ،‬ومكروهة كزخزفة المساجد وتزويق المصاحف‪،‬‬
‫ومباحة كالمصافحة عقب صالة الصبح والعصر والتوسع في المأكل والمشرب‬
‫والملبس وغير ذلك‪.‬‬
‫وإذا عرفت ما ذكر تعلم أن ما قيل‪ :‬إنه بدعة كاتخاذ السبحة‪ ،‬والتلفظ بالنية‪،‬‬
‫والتهليل عند التصدق عن الميت مع عدم المانع عنه‪ ،‬وزيارة القبور‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫ليس ببدعة‪ .‬وإن ما أحدث من أخذ أموال الناس باألسواق الليلية‪ ،‬واللعب بالكورة‬
‫وغير ذلك من شر البدع‪.‬‬

‫(فصل) في بيان تمسك أهل جاوى بمذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬وبيان ابتداء‬
‫ظهور البدع وانتشارها في أرض جاوى‪ ،‬وبيان أنواع المبتدعين‬
‫الموجودين في هذا الزمان‪.‬‬
‫قد كان مسلموا األقطار الجاوية في األزمان السالفة الخالية متفقى اآلراء‬
‫والمذهب‪ ،‬متحدى المأخذ والمشرب‪ ،‬فكلهم في الفقه على المذهب النفيس‬
‫مذهب اإلمام محمد بن إدريس‪ ،‬وفي أصول الدين على مذهب اإلمام أبي الحسن‬
‫األشعري‪ ،‬وفي التصوف على مذهب اإلمام الغزالي واإلمام أبي الحسن الشاذلي‬
‫رضي اهلل عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ثم إنه حدث في عام ألف وثالثمائة وثالثين أحزاب متنوعة‪ ،‬وآراء متدافعة‪،‬‬
‫وأقوال متضاربة‪ ،‬ورجال متجاذبة‪ .‬فمنهم سلفيون قائمون على ما عليه أسالفهم من‬
‫التمذهب بالمذهب المعين والتمسك بالكتب المعتبرة المتداولة‪ ،‬ومحبة أهل‬
‫البيت واألولياء والصالحين‪ ،‬والتبرك بهم أحياء وأمواتا‪ ،‬وزيارة القبور‪ ،‬وتلقين‬
‫الميت‪ ،‬والصدقة عنه‪ ،‬واعتقاد الشفاعة ونفع الدعاء والتوسل وغير ذلك‪.‬‬
‫ومنهم فرقة يتبعون رأي محمد عبده ورشيد رضا‪ ،‬ويأخذون من بدعة محمد‬
‫بن عبد الوهاب النجدي‪ ،‬وأحمد بن تيمية وتلميذيه ابن اقيم وابن عبد الهادى‪،‬‬
‫فحرموا ما أجمع المسلمون على ندبه‪ ،‬وهو السفر لزيارة قبر رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والفوهم فيما ذكر وغيره‪ .‬قال ابن تيمية في فتاويه‪ :‬وإذا سافر العتقاده‬
‫أنها أي زيارة قبر النبي صلى اهلل عليه وسلم طاعة كان ذلك محرما بإجماع‬
‫المسلمين فصار التحريم من األمور المقطوع به‪ .‬قال العالمة الشيخ محمد بخيت‬
‫الحنفي المطيعي في رسالته المسماة "تطهير الفؤاد من دنس اإلعتقاد"‪ :‬وهذا‬
‫الفريق قد ابتلي المسلمون بكثير منهم سلفا وخلفا‪ ،‬فكانوا وصمة وثلمة في‬
‫المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى ال يعدى الباقي‪ ،‬فهو كالمجذوم يجب‬
‫الفرار منه‪ ،‬فإنهم فريق يلعبون بدينهم‪ ،‬يذمون العلماء سلفا وخلفا‪ ،‬ويقولون إنهم‬
‫غير معصومين فال ينبغي تقليدهم‪ ،‬ال فرق في ذلك بين األحياء واألموات‪،‬‬
‫ويطعنون عليهم ويلقون الشبهات‪ ،‬ويذرونها في عيون بصائر الضعفاء لتعمى‬
‫أبصارهم عن عيوب هؤالء‪ ،‬يقصدون بذلك إلقاء العداوة والبغضاء بحلولهم الجو‬
‫ويسعون في األرض فسادا‪ ،‬يقولون على اهلل الكذب وهم يعلمون‪ ،‬يزعمون أنهم‬
‫قائمون باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬حاضون الناس على اتباع الشرع‬
‫واجتناب البدع‪ ،‬واهلل يشهد أنهم لكاذبون‪ .‬قلت‪ :‬ولعل وجهه أنهم من أهل البدع‬
‫واألهواء‪ .‬قال القاضي عياض في الشفا‪ :‬وكان معظم فسادهم على الدين وقد‬
‫يدخل في أمور الدنيا بما يلقون بين المسلمين من العداوة الدينية التي تسرى‬
‫لدنياهم‪ .‬قال العالمة مال على القارى في شرحه‪ :‬وقد حرم اهلل تعالى الخمر‬
‫الش ْيطَا ُن أَ ْن يُوقِ َع بَ ْي نَ ُك ُم ال َْع َد َاوةَ‬
‫والميسر لهذه العلة كما قال تعالى {إِنَّ َما يُ ِري ُد َّ‬
‫اء فِي الْ َخ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر }‪.‬‬
‫ضَ‬ ‫َوالْبَ غْ َ‬
‫ومنهم رافضيون يسبون سيدنا أبا يكر وعمر رضي اهلل عنهما ويكرهون‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم ويبالغون هوى سيدنا علي وأهل بيته رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫قال السيد محمد في شرح القاموس‪ :‬وبعضهم يرتقي إلى الكفر والزندقة أعاذنا اهلل‬
‫والمسلمين منها‪ .‬قال القاضي عياض في الشفا‪ :‬عن عبد اهلل بن مغ ّفل رضي اهلل‬
‫َص َحابِي الل َّه الل َّه في‬ ‫رسول الل ِّه صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬الل َّه الل َّه في أ ْ‬ ‫عنه قال‪ :‬قال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْم‬ ‫َحبّ ُه ْم فَبِ ُحبّي أ َ‬
‫َحبّ ُه ْم‪َ ،‬وَم ْن أَبْ غَ َ‬ ‫ذوه ْم غَ َرضاً بَ ْعدي‪ ،‬فَ َم ْن أ َ‬ ‫َص َحابِي‪ ،‬ال تَ تّخ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫اه ْم فَ َق ْد آذَانِي‪َ ،‬وَم ْن آذَانِي فَ َق ْد آذَى الل َّه‪َ ،‬وَم ْن آذَى‬ ‫ض ُه ْم‪َ ،‬وَم ْن آذَ ُ‬ ‫ضي أَبْ غَ َ‬ ‫فَبِب غْ ِ‬
‫ُ‬
‫سبُّوا‬ ‫ُ ِ‬ ‫ك أَ ْن يَأْ ُخ َذه}‪ ،‬وقال‬ ‫الل َّه يُ ْو ِش ُ‬
‫رسول اللّه صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬الَ تَ ُ‬
‫ِ‬ ‫المالَئِ َك ِة َوالنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َم ِع ْي َن‪ ،‬الَ يَ ْقبَ ُل اهللُ م ْنهُ‬
‫اس أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫أ ْ ِ‬
‫َص َحابي‪ ،‬فَ َم ْن َسبَّ ُه ْم فَ َعلَْيه لَ ْعنَةُ اهلل َو َ‬
‫َص َحابِي‪ ،‬فإنهُ يَ ِج ْىءُ قَ ْوٌم‬ ‫سبُّوا أ ْ‬
‫ص ْرفاً والَ َع ْدالً}‪ ،‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬الَ تَ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صلَ ّوا َم َع ُه ْم‪َ ،‬والَ‬ ‫لوا َعلَْي ِه ْم‪َ ،‬والَ تُ َ‬ ‫صّ‬‫َص َحابِ ْي‪ ،‬فَالَ تُ َ‬ ‫سبُّ ْو َن أ ْ‬
‫الزَمان يَ ُ‬ ‫ف ْي آخ ِر َ‬
‫ض ْوا فَالَ تَ عُ ْودُ ْو ُهم }‪ ،‬وعنه صلى اهلل عليه‬ ‫س ْو ُه ْم‪َ ،‬وإِ ْن َم ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تناك ُح ْو ُه ْم‪َ ،‬والَ تُ َجال ُ‬
‫ض ِربُ ْوه}‪ ،‬وقد أعلم النبي صلى اهلل عليه وسلم أن‬ ‫َص َحابِ ْي فَا ْ‬‫بأ ْ‬ ‫وسلم‪َ { :‬م ْن َس َّ‬
‫سبهم وأذاهم يؤذيه‪ ،‬وآذى النبي صلى اهلل عليه وسلم حرام‪ ،‬فقال‪{ :‬الَ تُ ْؤذُ ْوني فِ ْي‬
‫اه ْم فَ َق ْد آذَانِ ْي}‪ ،‬وقال‪{ :‬ال تؤذوني في عائشة}‪ ،‬وقال في‬ ‫َص َحابِ ْي‪َ ،‬وَم ْن آذَ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫فاطمة رضي اهلل عنها‪{ :‬بضعة مني‪ ،‬يؤذيني ما آذاها}‪.‬‬
‫ومنهم إباحيون يقولون‪ :‬إن العبد إذا بلغ غاية لبمحبة وصفا قلبه من الغفلة‪،‬‬
‫واختار اإليمان على الكفر والكفران سقط عنه األمر والنهي‪ ،‬وال يدخله اهلل النار‬
‫بارتكاب الكبائر‪ .‬وبعضهم يقول‪ :‬إنه تسقط عنه العبادات الظاهرة وتكون عبادته‬
‫التفكر وتحسين األخالق الباطنة‪ .‬قال السيد محمد في شرح اإلحياء‪ :‬وهذا كفر‬
‫وزندقة وضاللة‪ ،‬ولكن اإلباحيون موجودون من قديم الزمان‪ ،‬جهال ضالل ليس‬
‫لهم رأس يعلم العلم الشرعي كما ينبغي‪.‬‬
‫ومنهم من ق ال بتنلسخ األرواح وانتقالها أبد اآلباد في األشخاص تخرج من‬
‫بدن اآلخر من جنسه أو غيره‪ .‬وزعم هؤالء أن تعذيبها وتنعيمها فيها بحسب‬
‫زكائها وخبثها‪ .‬قال الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفا‪ :‬وقد كفرهم أهل‬
‫الشرع لما فيه من تكذيب اهلل ورسوله وكتبه‪.‬‬
‫ومنهم من قال بالحلول واإلتحاد‪ ،‬وهم جهلة المتصوفة‪ ،‬يقولون‪ :‬إنه تعالى‬
‫الوجود المطلق‪ ،‬وإن غيره ال يتصف بالوجود أصال‪ ،‬حتى إذا قالوا‪ :‬اإلنسان‬
‫موجود‪ ،‬فمعناه أن له تعلقا بالوجود المطلق‪ ،‬وهو اهلل تعالى‪ .‬قال العالمة األمير في‬
‫حاشية عبد السالم‪ :‬وهو كفر صريح‪ ،‬وال حلول وال اتحاد‪ ،‬فإن وقع من أكابر‬
‫األولياء ما يوهم ذلك ّأول بما يناسبه كما يقع منهم في وحدة الوجود‪ ،‬كقول‬
‫بعضهم‪" :‬ما في الجبة إال اهلل"‪ ،‬أراد أن ما في الجبة‪ ،‬بل والكون كله ال وجود له‬
‫رب‪ ،‬وكل عارف‬
‫إال باهلل‪ .‬وقال في لواقح األنوار‪ :‬من كمال العرفان شهود عبد و ّ‬
‫نفى شهود العبد في وقت ما فليس هو بعارف‪ ،‬وإنما هو في ذلك الوقت صاحب‬
‫حال‪ ،‬وصاحب الحال سكران ال تحقيق عنده‪ ،‬فظهر مما ذكر أن المراد بوحدة‬
‫الوجود واإلتحاد في مذهب القوم ليس على الظاهر المتوهم‪ .‬وإذا كانت عبدة‬
‫ليقربونا إلى اهلل ُزلْ َفى"‪ ،‬ولم يقولوا‪" :‬هم اهلل"‪ ،‬كيف‬
‫األوثان يقولون‪" :‬ما نعبدهم إال ّ‬
‫يظن ذلك بالعارفين‪ ،‬وإنما المراد قول العارف‪:‬‬
‫وعلمك أن كل األمر أمري >< هو المعنى المسمى باتحاد‬
‫وال بد عند كل مسلم من حظ في هذا المقام وإن تفاوتوا‪ .‬وإنما أطلت الكالم على‬
‫هذه الطائفة ألن ضررهم على المسلمين أكثر من ضرر جميع الكفرة والميتدعين‪،‬‬
‫فإن كثيرا من الناس يعظمونهم ويسمعون كالمهم مع جهلهم بأساليب الكالم‬
‫العربي‪ .‬وقد روى األصمعي عن الخليل عن أبي عمرو بن العالء أنه قال‪ :‬أكثر من‬
‫تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية‪ ،‬وهم باعتقادهم الحلول واإلتحاد كفرة‪.‬‬
‫قال القاضي العياض في الشفاء‪ :‬إن كل مقالة صرحت بنفي الربوبية أو‬
‫الوحدانية أو عبادة غير اهلل أو مع اهلل فهي كفر‪ ،‬كمقالة الدهرية والنصارى‬
‫والمجوسي والذين أشركوا بعبادة األوثان أو المالئكة أو الشياطين أو الشمس أو‬
‫أحد غير اهلل‪ .‬وكذلك أصحاب الحلول والتناسخ‪ ،‬وكذلك من‬ ‫النجوم أو النار أو ٍ‬
‫حي أو غير قديم أو أنه محدث‬‫اعترف بإلهية اهلل ووحدلنيته ولكنه اعتقد أنه غير ّ‬
‫مصور أو ادعى له ولدا أو صاحبة أو أنه متولد من شيئ أو كائن عنه أو أن معه‬
‫أو ّ‬
‫في األزل شيئا قديما غيره أو أن ثَ َّم صانعا للعالَم سواه أو مدبرا غيره‪ ،‬فذلك كله‬
‫كفر بإجماع المسلمين‪ .‬وكذلك من ادعى مجالسة اهلل تعالى والعروج إليه ومكالمته‬
‫أو حلوله في أحد األشخاص‪ ،‬كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى‪ .‬وكذلك‬
‫نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو قال بتناسخ األرواح وانتقالها أبد‬
‫اآلباد في األشخاص وتعذيبخا وتنعيمها بحسب زكائها وخبثها‪ .‬وكذلك من اعترف‬
‫باإللهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من أصلها عموما أو نبوة نبينا خصوصا أو‬
‫أحدا من األنبياء الذين نص اهلل عليهم بعد علمه بذلك فهو كافر بال ريب‪.‬‬
‫وكذلك من قال‪ :‬إن نبينا ليس الذي كان بمكة والحجاز‪ .‬وكذلك من ادعى نبوة‬
‫أحد مع نبينا صلى اهلل عليه وسلم أو بعده أو من ادعى النبوة لنفسه‪ .‬وكذلك من‬
‫ادعى من غالة المتصوفة أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة‪ .‬قال في األنوار‪ :‬ويقطع‬
‫بتكفير كل قائل قوال يتوصل به إلى تضليل األمة وتكفير الصحابة‪ ،‬وكل فاعل فعال‬
‫ال يصدر إال من كافر كالسجود للصليب أو النار‪ ،‬أو المشي إلى الكنائس مع‬
‫أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها‪ .‬وكذا من أنكر مكة أو الكعبة أو المسجد الحرام‬
‫إن كان ممن يظن به علم ذلك وممن خالط المسلمين‪.‬‬

‫(فصل) في بيان خطة السلف الصالح‪ ،‬وبيان المراد بالسواد األعظم‬


‫في هذا الحين‪ ،‬وبيان أهمية اإلعتماد بأحد المذاهب األربعة‬
‫إذا فهمت ما ذكر علمت أن الحق مع السلفيين الذين كانوا على خطة‬
‫السلف الصالح‪ ،‬فإنهم السواد األعظم‪ ،‬وهم الموافقون علماء الحرمين الشريفين‬
‫وعلماء األزهر الشريف الذين هم قدوة رهط أهل الحق وفيهم علماء ال يمكن‬
‫استقصاء جميعهم من انتشارهم في األقطار واآلفاق كما ال يمكن إحصاء نجوم‬
‫السماء‪ .‬وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬إن اهلل تعالى ال يجمع أمتي‬
‫شذ َّ‬
‫شذ إلى النار} رواه الترمذي‪ .‬زاد ابن‬ ‫على ضاللة‪ ،‬ويد اهلل على الجماعة‪ ،‬من َّ‬
‫الس َو ِاد األَ ْعظَم} مع الحق وأهله‪ .‬وفي الجامع‬
‫ك بِ َّ‬ ‫ماجه‪{ :‬فإ َذا َوقَ َع ا ِإل ْختِالَ َ‬
‫ف فَ َعلَْي َ‬
‫الصغير‪{ :‬إن اهلل تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضاللة}‪.‬‬
‫وأكثرهم أهل المذاهب األربعة‪ ،‬فكان اإلمام البخاري شافعيا‪ ،‬أخذ عن‬
‫الحميدي والزعفراني والكرابيسي‪ .‬وكذلك ابن خزيمة والنسائي‪ .‬وكان اإلمام الجنيد‬
‫ثوريا‪ ،‬والشبلي مالكيا‪ ،‬والمحاسبي شافعيا‪ ،‬والجريري حنفيا‪ ،‬والجيالني حنبليا‪،‬‬
‫والشاذلي مالكيا‪ ،‬فالتقيد بمذهب معين أجمع للحقيقة‪ ،‬وأقرب للتبصر‪ ،‬وأدعى‬
‫للتحقيق‪ ،‬وأسهل تناوال‪ .‬وعلى هذا درج األسالف الصالحون‪ ،‬والشيوخ الماضون‬
‫رضوان اهلل تعالى عليهم أجمعين‪.‬‬
‫فنحن نحض إخواننا عوام المسلمين أن يتقوا اهلل حق تقاته‪ ،‬وأن ال يموتوا إال‬
‫وهم مسلمون‪ ،‬وأن يصلحوا ذات البين منهم‪ ،‬وأن يصلو األرحام‪ ،‬وأن يحسنوا إلى‬
‫الجيران واألقارب واإلخوان‪ ،‬وأن يعرفوا حق األكابر‪ ،‬وأن يرحموا الضعفاء‬
‫واألصاغر‪ .‬وننهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد واإلفتراق والتلون في‬
‫الدين‪ ،‬ونحثهم أن يكونوا إخوانا‪ ،‬وعلى الخير أعوانا‪ ،‬وأن يعتصموا بحبل اهلل‬
‫جميعا‪ ،‬وأن ال يتفرقوا‪ ،‬وأن يتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه علماء األمة كاإلمام‬
‫أبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل رضي اهلل تعالى عنهن‬
‫أجمعين‪ ،‬فهم الذين قد انعقد اإلجماع على امتناع الخروج عن مذاهبهم‪ ،‬وأن‬
‫يعرضوا عما أحدث من الجمعية المخالفة لما عليه األسالف الصالحون‪ ،‬فقد قال‬
‫لى النَّا ِر}‪ ،‬وأن يكونوا مع الجماعة‬ ‫َّ َّ ِ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ { :‬م ْن َشذ َشذ إ َ‬
‫التي على طريقة األسالف الصالحين‪ ،‬فقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫اع ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫س أَمرنِي اهلل بِ ِهن‪ :‬السم ِع والطَ َ ِ ِ‬ ‫{وأَنَا ُ ِ‬
‫اعة َوالْج َهاد َوالْ ِه ْج َرة َوال َ‬
‫ْج َم َ‬ ‫ّ ّْ َ‬ ‫آم ُرُك ْم ب َخ ْم ٍ َ َ‬ ‫َ‬
‫اعةَ قِ ْي َد ِش ْب ٍر‪ ،‬فَ َق ْد َخلَ َع ِربْ َقةَ ا ِإل ْسالَِم ِم ْن عُنُِق ِه}‪ ،‬وقال عمر بن‬ ‫ْج َم َ‬ ‫فَِإ ّن َم ْن فَ َار َق ال َ‬
‫ماع ِة‪َ ،‬وإِيّا ُك ْم َوالْ ُف ْرقَ َة‪ ،‬فَِإ ّن ال ّ‬
‫ش ْيطَا َن َم َع‬ ‫ْج َ‬‫الخطاب رضي اهلل عنه‪َ { :‬علَْي ُك ْم بِال َ‬
‫ِ‬ ‫اد بحبوب َة ال ِ‬ ‫ِِ‬
‫ماع َة}‪.‬‬
‫ْج َ‬ ‫ال َْواحد َو ُه َو َم َع االثْ نَ ْي ِن أَبْ َع ُد‪َ .‬وَم ْن أ ََر َ ُ ْ ُ َ َ‬
‫ْجنّة فَ لْيَ ل َْزم ال َ‬

‫(فصل) في بيان وجوب التقليد لمن ليس له أهلية اإلجتهاد‬


‫يجب عند جمهور العلماء المحققين على كل من ليس له أهلية اإلجتهاد‬
‫المطلق‪ ،‬وإن كان قد حصل بعض العلوم المعتبرة في اإلجتهاد تقلي ُد قول‬
‫المجتهدين واألخذ بفتواهم ليخرج عن عهدة التكليف بتقليد أيهم شاء لقوله‬
‫الذ ْك ِر إِ ْن ُك ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن}‪ ،‬فأوجب السؤال على من لم يعلم‬
‫اسأَلوا أ َْهل ِّ‬
‫َ‬ ‫تعالى‪{ :‬فَ ْ‬
‫ذلك‪ ،‬وذلك تقلي د لعالم‪ ،‬وهو عام لكل المخاطبين‪ ،‬ويجب أن يكون عاما في‬
‫السؤال عن كل ما ال يعلم لإلجماع على أن العامة لم تزل في زمن الصحابة‬
‫والتابعين وكل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين و يتبعونهم في األحكام‬
‫الشرعية والعلماء‪ ،‬فإنهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل‪،‬‬
‫وال ينهونهم عن ذلك من غير نكير‪ ،‬فكان إجماعا على اتباع العامى للمجتهد‪،‬‬
‫وألن فهم العامى من الكتاب والسنة ساقط عن حيز اإلعتبار‪ ،‬إن لم يوافق أفهام‬
‫علماء أهل الحق األكابر األخيار‪ ،‬فإن كل مبتدع وضال يفهم أحكامه الباطلة من‬
‫الكتاب والسنة ويأخذ منهما والحال أنه ال يغنى من الحق شيئا‪.‬‬
‫وال يجب على العامى إلتزام مذهب في كل حادثة‪ ،‬ولو التزم مذهبا معينا‬
‫كمذهب الشافعي رحمه اهلل تعالى ال يجب عليه اإلستمرار‪ ،‬بل يجوز له اإلنتقال‬
‫إلى غير مذهبه‪ .‬والعامى الذي لم يكن له نظر واستدالل ولم يقرأ كتابا في فروع‬
‫المذهب إذا قال‪ :‬أنا شافعي‪ ،‬لم يعتبر هذا كذلك بمجرد القول‪ ،‬وقيل‪ :‬إذا التزم‬
‫العامي مذهبا معينا يلزمه اإلستمرار عليه ألنه إعتقد أن المذهب الذي انتسب إليه‬
‫هو الحق‪ ،‬فعليه الوفاء بموجب اعتقاده‪ .‬وللمقلد تقليد غير إمامه في حادثة‪ ،‬فله‬
‫أن يقلد إماما في صالة الظهر مثال ويقلد إماما آخر في صالو العصر‪ .‬والتقليد بعد‬
‫العمل جائز‪ ،‬فلو صلى شافعي ظن صحة صالته على مذهبه ثم تبين بطالنها في‬
‫مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده ويكتفي بتلك الصالة‪.‬‬

‫(فصل) في لزوم اإلختياط في أخذ الدين وأخذ العلم واإلنذار‬


‫عن فتنة أهل البدع والمنافقين واألئمة المضلين‬
‫يلزم اإلختياط في أخذ العلم‪ ،‬فال يأخذ عن غير أهله‪ .‬روي ابن عساكر عن‬
‫اإلمام مالك رضي اهلل عنه‪{ :‬التحمل العلم عن أهل البدع‪ ،‬وال تحمله عمن لم‬
‫يعرف بالطلب‪ ،‬وال عمن يكذب في حديث الناس وإن كان ال يكذب في حديث‬
‫ين‪،‬‬ ‫رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم}‪ .‬وروى ابن سيرين رحمه اهلل‪َ { :‬ه َذا ال ِْعل ِ‬
‫ْم د ٌ‬
‫َ‬
‫فَانْظُُروا َع ّم ْن تَأْ ُخ ُذو َن ِدينَ ُك ْم}‪ .‬وروى الديلمي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫مرفوعا‪ { :‬العلم دين‪ ،‬والصالة دين‪ ،‬فانظروا عمن تأخذون هذا العلم‪ ،‬وكيف‬
‫تصلون هذه الصالة‪ ،‬فإنكم تسألون يوم القيامة}‪ ،‬فال ترووه إال عمن تحققت‬
‫أهليته‪ ،‬بأن يكون من العدول الثقات المتقنين‪ .‬وروى مسلم في صحيحه أن رسول‬
‫ِ ِ ِ‬
‫اس يُ َح ّدثُونَ ُك ْم َما لَ ْم‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ { :‬سيَ ُكو ُن في آخ ِر أ ُّمتي أُنَ ٌ‬
‫اهم}‪ .‬وفي صحيح مسلم أيضا أن أبا هريرة‬ ‫تَ ْس َمعُوا أَنْ تُ ْم َوالَ آبَا ُؤُك ْم‪ ،‬فَِإيّا ُك ْم َوإِيّ ُ‬
‫الزم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان‬ ‫رضي اهلل عنه يقول‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪{ :‬يَ ُكو ُن في آخ ِر ّ َ‬
‫َد ّجالُو َن َك ّذابو َن‪ ،‬يأْتُونَ ُكم ِمن األَح ِاد ِ‬
‫يث بِ َما لَ ْم تَ ْس َمعُوا أَنْ تُ ْم َوالَ آبَا ُؤُك ْم‪ ،‬فَِإيّا ُك ْم‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ضلّونَ ُك ْم َوالَ يَ ْفتِنُونَ ُكم}‪ .‬وفي صحيح مسلم أيضا عن عمرو بن العاص‬ ‫اهم‪ ،‬الَ ي ِ‬
‫َوإِيّ ُ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بن َد ُاو َد‪.‬‬ ‫رضي اهلل عنه قال‪{ :‬إِ ّن في الْبَ ْح ِر َشيَاط َ‬
‫ين َم ْس ُجونَةً أ َْوثَ َق َها ُسلَْي َما ُن ُ‬
‫اس قُ ْرآنا}‪ .‬قال النووي رحمه اهلل تعالى‪ :‬معناه أن‬ ‫ك أَ ْن تَ ْخ ُر َج فَ تَ ْق َرأَ َعلَى النّ ِ‬ ‫ي ِ‬
‫وش ُ‬‫ُ‬
‫تقرأ شيئا ليس بقرآن وتقول إنه قرآن لتغربه عوام الناس‪ .‬وروى الطبراني عن أبي‬
‫الدرداء رضي اهلل عنه‪{ :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي األئمة المضلون}‪ .‬وروى‬
‫اإلمام أحمد عن عمر رضي اهلل عنه‪{ :‬إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق‬
‫عليم اللسان}‪ .‬قال المناوي رحمه اهلل تعالى‪ :‬أي كثير علم اللسان جاهل القلب‬
‫والعمل‪ ،‬اتخذ العلم حرفة يتأكل بها ذا هيبة وأبهة يتعزز‪ ،‬يدعو الناس إلى اللّه‬
‫تعالى ويفر هو منه‪ .‬وروى الطبراني عن علي رضي اهلل عنه‪{ :‬إني ال أتخوف على‬
‫أمتي مؤمنا وال مشركا‪ ،‬فأما المؤمن فيحجزه إيمانه‪ ،‬وأما المشرك فيقمعه كفره‪،‬‬
‫ولكن أتخوف عليكم منافقا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون}‪ .‬وعن‬
‫زياد بن حدير رحمه اهلل تعالى قال‪ :‬قال لي عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‪{ :‬هل‬
‫تعرف ما يهدم اإلسالم؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬يهدمه زلة العالم‪ ،‬وجدال المنافق‬
‫بالكتاب‪ ،‬وحكم األئمة المضلين}‪.‬‬

‫(فصل) في ذكر األحاديث واآلثار الواردات في رفع العلم ونزول الجهل‬


‫وإنذار النبي صلى اهلل عليه وسلم صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإعالمه بأن اآلخر شر‪،‬‬
‫وأن أمته ستتبع المحدثات من األمور والبدع واألهواء ‪ ،‬وأن الدين إنما يبقى عند‬
‫خاصة من الناس‪.‬‬
‫قال ابن حجر العسقالني رحمه اهلل تعالى في فتح الباري‪{ :‬يقبض اهلل العلماء‪،‬‬
‫ويقبض العلم معهم‪ ،‬فتنشأ أحداث ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير‪،‬‬
‫ويكون الشيخ فيهم مستضعفا}‪.‬‬
‫وروى أبو أمامة رضي اهلل عنه لما كان حجة الوداع قام رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم على جمل آدم فقال‪{ :‬يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض‪،‬‬
‫وقبل أن يرفع من األرض‪ ،‬أال إن ذهاب العلم ذهاب حملته‪ .‬فسأله أعرابي فقال‪:‬‬
‫يا رسول اهلل كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف‪ ،‬وقد تعلمنا ما فيها‬
‫وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا‪ ،‬فرفع إليه رأسه وهو مغضب‪ ،‬فقال‪ :‬وهذه اليهود‬
‫والنصارى بين أظهرهم المصاحف ولم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به‬
‫أنبياؤهم}‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪{ :‬ال يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم‬
‫العلم من أصحاب محمد صلى اهلل عليه وسلم وأكابرهم‪ ،‬فإذا أتاهم العلم من قبل‬
‫أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا}‪.‬‬
‫وروى البختاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪{ :‬التقوم الساعة‬
‫حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫كفارس والروم؟ قال‪ :‬ومن الناس إال هم}‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫{لتتبعن َسنَ َن من كان قبلكم‪ ،‬شبراً بشبر وذراعاً بذراع‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ضب‬
‫تبعتموهم‪ .‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اليهود والنصارى؟ قال‪ :‬فمن}‪.‬‬
‫وروى الطبراني عن ابن مسعود رضي اهلل عنه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ { :‬إن أول هذه األمة خيارهم‪ ،‬و آخرها شرارهم‪ ،‬مختلفين متفرقين‪ ،‬فمن كان‬
‫يؤمن باهلل واليوم اآلخر فلتأته منيته وهو يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه}‪.‬‬
‫وعن هشام بن عروة رحمه اهلل تعالى أنه سمع أباه يقول‪{ :‬لم يزل أمر بني‬
‫إسرائيل مستقيما حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا األمم‪ ،‬فأحدثوا فيهم القول‬
‫بالرأي‪ ،‬وأضلوا بني إسرائيل‪ .‬قال‪ :‬وكان أبي يقول‪ :‬السنن السنن فإن السنن قوام‬
‫الدين}‬
‫وروى ابن وهب عن ابن شهاب الزهري رحمه اهلل تعالى قال‪{ :‬إن اليهود‬
‫والنصارى إنما انسلخوا من العلم الذي كان بأيديهم حين استقلوا الرأي وأخذوا‬
‫فيه}‪.‬‬
‫وروى البخاري في صحيحه عن عروة رضي اللع عنه قال‪َ { :‬ح َّج َعلَْي نَا َع ْب ُد‬
‫ول إِ َّن اللَّ َه الَ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬ ‫ت النَّبِ َّي َ‬ ‫ول َس ِم ْع ُ‬ ‫اللَّ ِه بْ ُن َع ْم ٍرو فَ َس ِم ْعتُهُ يَ ُق ُ‬
‫ض الْعُلَ َم ِاء بِ ِعل ِْم ِه ْم‪،‬‬‫اعا‪َ ،‬ولَ ِك ْن يَ ْنتَ ِزعُهُ ِم ْن ُه ْم َم َع قَ ْب ِ‬
‫اه ُموهُ انْتِ َز ً‬
‫ْم بَ ْع َد أَ ْن أَ ْعطَ ُ‬ ‫ِ‬
‫يَ ْن ِزعُ الْعل َ‬
‫ت بِ ِه َعائِ َش َة‬ ‫ضلُّو َن‪ ،‬فَ َح َّدثْ ُ‬ ‫ضلُّو َن وي ِ‬
‫ََ‬
‫َّال يستَ ْفتَ و َن فَ ي ْفتُو َن بِرأْيِ ِهم فَ ي ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫اس ُجه ٌ ُ ْ ْ ُ‬ ‫فَ يَْب َقى نَ ٌ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ ،‬ثُ َّم إِ َّن َع ْب َد اللَّ ِه بْ َن َع ْم ٍرو َح َّج بَ ْع ُد‪،‬‬ ‫رضي اهلل عنها َزْو َج النَّبِ ِّي َ‬
‫ت يا ابن أُ ْختِي انْطَلِ ْق إِلَى َعب ِد اللَّ ِه فَاستثْبِ ْ ِ ِ ِ‬
‫ت لي منْهُ الَّذي َح َّدثْ تَنِي َعنْهُ‪ ،‬فَ ِجئْتُهُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫فَ َقالَ ْ َ ْ َ‬
‫ت َواللَّ ِه لَ َق ْد‬‫ت َعائِ َشةَ فَأَ ْخبَ ْرتُ َها‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬ ‫فَ َسأَلْتُهُ‪ ،‬فَ َح َّدثَنِي بِ ِه َكنَ ْح ِو َما َح َّدثَنِي‪ ،‬فَأَتَ ْي ُ‬
‫ظ َع ْب ُد اللَّ ِه بْ ُن َع ْم ٍرو}‪.‬‬‫َح ِف َ‬
‫وفي فتح الباري عن مسروق عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪{ :‬ال يأتي‬
‫عليكم زمان إال وهو أشر مما كان قبله‪ ،‬أما إني ال أعني أميرا خيرا من أمير‪ ،‬وال‬
‫عاما خيرا من عام‪ ،‬ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم ال تجدون منهم خلفا‪ ،‬ثم‬
‫يجيئ قوم يفتون في األمور برأيهم فيثلمون اإلسالم ويهدمونه}‪.‬‬

‫(فصل) في بيان إثم من دعا إلى ضاللة أو سن سنة سيئة‬


‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪{ :‬ليَ ْحملُوا أ َْوَز َار ُه ْم َكاملَةً يَ ْوَم الْقيَ َامة َوم ْن أ َْوَزا ِر الذ َ‬
‫ين‬
‫يِ‬
‫ضلُّونَ ُه ْم}‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫ُجوِر َم ْن تَبِ َعهُ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األج ِر مثْ َل أ ُ‬
‫دى كا َن لَهُ م َن ْ‬ ‫صلى اللّه عليه وسلم‪َ { :‬م ْن َدعا إلى ُه ً‬
‫ضاللَ ٍة َكا َن َعلَْي ِه ِم َن ا ِإلثْ ِم ِمثْل ِ‬
‫آثام َم ْن‬ ‫ُجوِرِه ْم َشيئا‪َ .‬وَم ْن َدعا إلى َ‬ ‫ِ‬
‫ص ذلك م ْن أ ُ‬ ‫يَنْ ُق ُ‬
‫ُ‬
‫ذلك ِمن ِ‬
‫آثام ِه ْم َش ْيئاً}‪.‬‬ ‫ص َ ْ‬ ‫تَبِ َعهُ ال يَنْ ُق ُ‬
‫وأخرج مسلم من رواية عبد الرحمن بن هالل عن جرير بن عبد اهلل البجلي‬
‫ول الل ِّه صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫رضي اهلل عنه في حديث طويل‪ ،‬قال فيه‪ :‬فَ َق َ‬
‫َج ُر َم ْن َع ِم َل بِ َها بَ ْع َدهُ ِم ْن غَْي ِر أَ ْن‬ ‫ِ‬
‫{ َم ْن َس ّن في ا ِإل ْسالَِم ُسنّ ًة َح َسنَ ًة‪ ،‬فَ لَهُ أَ ْج ُرَها‪َ ،‬وأ ْ‬
‫ُجوِرِه ْم َش ْيئًا‪َ .‬وَم ْن َس ّن فِي ا ِإل ْسالَِم ُسنّةً َسيّئَةً‪َ ،‬كا َن َعلَْي ِه ِوْز ُرَها َوِوْز ُر َم ْن‬ ‫ي ْن ُق ِ‬
‫ص م ْن أ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ص ِم ْن أ َْوَزا ِرِه ْم َشيئًا}‪.‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َعم َل بِ َها م ْن بَ ْعده‪ .‬م ْن غَْي ِر أَ ْن يَ ْن ُق َ‬
‫قال مجاهد رحمه اهلل تعالى في تفسير اآلية المذكورة‪ :‬حملهم ذنوب أنفسهم‬
‫وذنوب من أطاعهم‪ ،‬وال يخفف ذلك عمن أطاعهم [من العذاب] شيئا‪.‬‬
‫النبي صلى اهلل عليه‬ ‫وروى الترمذي عن عمرو بن عوف رضي اهلل عنه أَ ّن ّ‬
‫ت ب ع ِدي َكا َن لَه ِمن األ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ِر مثْ ُل ْ‬
‫من‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َحيَا ُسنّةً م ْن ُسنّتِي قَ ْد أُميتَ ْ َ ْ‬‫قال‪َ { :‬م ْن أ ْ‬ ‫وسلم َ‬
‫ع ِمل بِها ِمن غَي ِر أَ ْن ي نْ ِقص ذَلِ َ ِ‬
‫ضالَلَ ٍة الَ‬ ‫َجوِرِه ْم َش ْيئاً‪َ ،‬وَم ْن ابْ تَ َد َ‬
‫ع بِ ْد َعةَ َ‬ ‫ك م ْن أ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ‬
‫ك ِم ْن أ َْوَزار النّ ِ‬
‫اس‬ ‫ص ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ترضى اهلل َوَر ُسولُهُ َكا َن َعلَْيه مثْ ُل آثَ ِام َم ْن َعم َل بِ َها الَ ي ْنق ُ‬
‫َش ْيئاً}‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‪ :‬قال رسول اللّه صلى اللّه‬
‫َج ُر ِمائَ ِة َش ِه ْي ٍد}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سنَّتِ ْي ع ْن َد فَ َساد أ َُّمتِ ْي لَهُ أ ْ‬‫سُ ِ‬
‫كبُ‬ ‫المتَ َم ِّ‬
‫عليه وسلم‪ُ { :‬‬

‫(فصل) في بيان افتراق أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم على ثالث‬
‫وسبعين فرقة‪ ،‬وبيان أصول الفرق الضالة وبيان الفرقة‬
‫الناجية وهم أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل‬
‫ت‬‫إح َدى وس ْب ِعين فِرقَ ًة‪ ،‬وتَ َفرقَ ِ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪{ :‬افْ تَ رقَ ِ‬
‫ود َعلَى ْ َ َ َ ْ َ ّ‬ ‫ت الْيَ ُه ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين ف ْرقَ ًة‪ ،‬كلها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النّصارى َعلَى اثِْنتَ ي ِن وسب ِع ِ‬
‫ين ف ْرقَ ًة‪َ ،‬وتَ َف ّرقَت أ ُّمتي علَى ثَالَث َو َس ْبع َ‬
‫ْ َ َْ َ‬ ‫ََ‬
‫في النار إال واحدة‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن هم يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬هم الذي أنا عليه‬
‫وأصحابي}‪.‬‬
‫قال الشهاب الخفاجي رحمه اهلل تعالى في نسيم الرياض‪ :‬والفرقة الناجية هم‬
‫أهل السنة والجماعة‪ .‬وفي حاشية الشنواني على مختصر ابن أبي جمرة‪ :‬هم أبو‬
‫الحسن األشعري وجماعته أهل السنة وأئمة العلماء‪ ،‬ألن اهلل تعالى جعلهم حجة‬
‫على خلقه‪ ،‬وإليهم تفزع العامة في دينهم‪ ،‬وهم المعنيون بقوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪{ :‬إن اهلل ال يجمع أمتي على ضاللة}‪.‬‬
‫قال اإلمام أبو منصور بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث‪ :‬قد علم‬
‫أصحاب هذه المقاالت أنه صلى اهلل عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة‬
‫المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحالل والحرام‪ ،‬وإنما قصد بالذم من خالف‬
‫أهل الحق في أصول التوحيد‪ ،‬وفي تقدير الخير والشر‪ ،‬وفي شروط النبوة‬
‫والرسالة‪ ،‬وفي مواالة الصحابة وما جرى مجرى هذه األبواب‪ ،‬ألن المختلفين فيها‬
‫قد كفر بعضهم بعضا بخالف النوع األول‪ ،‬فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير وال‬
‫تفسيق للمخالف فيه‪ ،‬فيرجع تأويل الحديث في افتراق األمة إلى هذا النوع من‬
‫اإلختالف‪.‬‬
‫وقد حدث في آخر أيام الصحابة خالف القدرية من معبد الجهني وأتباعه‪،‬‬
‫وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد اهلل بن عمر وجابر وأنس ونحوهم رضي‬
‫اهلل عنهم أجمعين‪ .‬ثم حدث الخالف بعد ذلك شيئا سيئا إلى أن تكاملت الفرق‬
‫الضالة اثنين وسبعين فرقة‪ ،‬والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهم الفرق‬
‫الناجية‪ .‬فإن قيل‪ :‬هذه الفرق معروفة؟ فالجواب‪ :‬إنا نعرف اإلفتراق وأصول الفرق‪،‬‬
‫وأن كل طائفة من الفرق انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق‬
‫ومذاهبها‪.‬‬
‫وأصول الفرق الحرورية‪ ،‬والقدرية‪ ،‬والجهمية‪ ،‬والمرجئة‪ ،‬والرافضة‪ ،‬والجبرية‪.‬‬
‫وقد قال بعض أهل العلم رحمهم اهلل تعالى‪ :‬أصول الفرق الضالة هذه الست‪ ،‬وقد‬
‫انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة فصارت إلى اثنتين وسبعين فرقة‪ .‬قال ابن‬
‫رسالن رحمه اهلل تعالى‪ :‬قيل إن تفصيلها عشرون‪ ،‬منهم روافض‪ ،‬وعشرون منهم‬
‫خوارج‪ ،‬وعشرون قدرية‪ ،‬وسبعة مرجئة‪ ،‬وفرقة نجارية‪ ،‬وهم أكثر من عشر فرق‬
‫ولكن يعدون واحدة‪ ،‬وفرقة حرورية‪ ،‬وفرقة جهمية‪ ،‬وثالث فرق كرامية‪ ،‬فهذه اثنتان‬
‫وسبعون فرقة‪.‬‬
‫(فصل) في ذكر أمارات اقتراب الساعة‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬منها عدم المساعد والمعاون على الدين‪ ،‬وهو قوله صلى اهلل عليه‬
‫ْج ْمر}‪ .‬رواه‬ ‫الصابِ ُر َعلَى ِدينِ ِه كال َقابِ ِ‬
‫ض َعلَى ال َ‬ ‫وسلم‪{ :‬يَأَتِي َعلَى النّ ِ‬
‫اس َزَما ٌن ّ‬
‫الترمذي عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها‪{ :‬يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة}‪ .‬رواه أبو نعيم في‬
‫الحلية والحاكم في المستدرك عن أنس رضي اهلل عنه أيضا‪.‬‬
‫اهى النّاس في المس ِ‬
‫اجد}‪ .‬رواه اإلمام أحمد‬ ‫الساعةُ َحتّى يَتَبَ َ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫وم ّ‬‫ومنها {الَ تَ ُق ُ‬
‫في مسنده وأبو داود في سننه عن أنس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها {قطيعة الرحم‪ ،‬وتخوين األمين وائتمان الخائن} رواه الطبراني في‬
‫األوسط عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أيضا‪.‬‬
‫ومنها {انتفاخ األهلة‪ ،‬وأن يرى الهالل قبال [بفتحتين أي سلعة ما يطلع]‬
‫فيقال‪ :‬لليلتين}‪ .‬رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها { يذهب الصالحون األول فاألول‪ ،‬وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو‬
‫التمر}‪ .‬رواه اإلمام أحمد والبخاري‪.‬‬
‫ومنها {ال تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية‪ ،‬والورع تصنعا}‪ .‬رواه أبو نعيم‬
‫في الحلية‪.‬‬
‫ومنها {أن يكون الولد غيظا والمطر قيظا وتفيض اللئام فيضا}‪ .‬رواه الطبراني‬
‫عن ابن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها { ال تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها‪ ،‬وكان زعيم القوم‬
‫أرذلهم‪ ،‬وساد القبيلة فاسقهم}‪ .‬رواه الطبراني عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل‬
‫عنه‪ ،‬والترمذي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها {أن تزخرف المحاريب‪ ،‬وأن تخرب القلوب} رواه الطبراني عن ابن‬
‫مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها { فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة‪ ،‬وقطع األرحام‪،‬‬
‫وفشو القلم‪ ،‬وظهور الشهادات بالزور}‪ .‬رواه اإلمام أحمد والبخاري عن ابن‬
‫مسعود رضي اهلل عنه ‪ .‬وفشو التجارة كناية عن كثرة الكتبة وقبة العلماء‪ ،‬يعني‬
‫يكتفون بتعلم الخط ليخالطوا الحكام‪.‬‬
‫ومنها {أن يتخذ األمانة مغنماً‪ ،‬والصدقة مغرماً‪ ،‬ويتعلم العلم لغير دين}‪ .‬رواه‬
‫الترمذي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‬
‫ت‬ ‫وارتَ َف َع ْ‬ ‫الرج ُل ْام َراَتَهُ َو َع َّق أ َُّمهُ‪َ ،‬وأ ْدنَى َ‬
‫صديْ َقهُ َو أَقصى أَبَاهُ‪ْ ،‬‬ ‫أطاع ُ‬‫ومنها {إذَا َ‬
‫اج ِد} رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أيضا‪.‬‬ ‫ات في المس ِ‬
‫َ‬ ‫َص َو ُ‬
‫األ ْ‬
‫ت الْ ُخمورُ ‪ ،‬ولَعن ِ‬
‫آخ ُر َه ِذ ِه األ ُّم ِة‬ ‫ف‪ ،‬و ُش ِرب ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫الم َعا ِز ُ َ َ‬ ‫ات َو َ‬ ‫ت ال َق ْي نَ ُ‬
‫ومنها {إذاَ ظَ َه َر ْ‬
‫أ َّولَ َها} رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أيضا‪.‬‬
‫ومنها { إن أيام الدجال سنين خداعة‪ ،‬يكذب فيها الصادق‪ ،‬ويصدق فيها الكاذب‪،‬‬
‫ويخون فيها األمين‪ ،‬ويؤتمن فيها الخائن‪ ،‬ويتكلم فيها الرويبضة‪ .‬قيل‪ :‬وما‬
‫الرويبضة؟ قال‪ :‬الرجل التافه يتكلم في أمر العامة}‪ .‬رواه اإلما أحمد والبزار عن‬
‫أنس بن مالك رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها { ال تقوم الساعة حتى تروا أمورا عظاما لم تحدثوا بها أنفسكم‪ ،‬يتفاقم‬
‫شأنها في أنفسكم‪ ،‬وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا‪ ،‬وحتى تروا الجبال‬
‫تزول عن أماكنها} رواه اإلمام أحمد والطبراني عن سمرة بن جندب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ِِ ِ‬
‫اعة}‪ .‬رواه البخاري عن أبي‬ ‫الس َ‬‫رو َّ‬ ‫ومنها {إِ َذا ُو ِّس َد ْاأل َْم ُر إِلَى غَْي ِر أ َْهله فَانْ تَظ ْ‬
‫هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫غ َعلَْي ِه َويَ ُق َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫الر ُج ُل َعلَى الْ َق ْب ِر‪ ،‬فَ يَتَ َم َّر َ‬ ‫ب ُّ‬
‫الدنْ يَا َحتَّى يَ ُم َّر َّ‬ ‫ومنها {الَ تَ ْذ َه ُ‬
‫احب ه َذا الْ َق ْب ِر} رواه مسلم عن أبي هريرة أيضا‪.‬‬ ‫ص ِ‬ ‫ت َم َكا َن َ‬ ‫يَالَْيتَنِي ُك ْن ُ‬
‫ومنها { ال تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطرق} رواه‬
‫الطبراني عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫ومنها {الَتفنى هذه األمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق‬
‫فيكون خيارهم يومئذ من يقول‪ :‬لو واريناها وراء هذا الحائط} رواه أبو يعلى عن‬
‫أبي هريرة‪.‬‬
‫ومنها {ال تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهارا تنكح [أي تجامع] وسط‬
‫الطريق‪ ،‬ال ينكر ذلك‪ ،‬فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول‪ :‬لو نحيتها عن الطريق‬
‫قليال‪ ،‬فذلك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم} رواه الحاكم أبو عبد اهلل عن أبي‬
‫هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها ما روى الطبراني عن أبي أمامة رضي اهلل عنه {وحتى تمر المرأة على‬
‫القوم‪ ،‬فيقوم أحدهم‪ ،‬فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة‪ ،‬فيقول بعضهم‪ :‬أال‬
‫واريتها وراء الحائط‪ ،‬فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم}‪.‬‬
‫ومنها {ال تقوم الساعة حتى تناكر القلوب‪ ،‬وتختلف األقاويل‪ ،‬ويختلف‬
‫اإلخوان من األب واألم في الدين} رواه الديلمي عن حذيفة رضي اهلل عنه‬
‫ومنها {ال تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد قناطر‪ ،‬فال يسجد هلل فيها ‪،‬‬
‫وحتى يبعث الغالم الشيخ بريدا بين األفقين‪ ،‬وحتى يبلغ التاجر بين األفقين فال‬
‫يجد ربحا} رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي اهلل عنه‪ .‬وهو كناية عن عدم الرغبة‬
‫الكبير‪ ،‬وعدم البركة في التجارة لغلبة الكذب‬
‫َ‬ ‫في الصالة‪ ،‬وعدم توقير الصغير‬
‫والغش على التجار‪.‬‬
‫ومنها { يأتي على الناس زمان همتهم بطونهم‪ ،‬وشرفهم متاعهم‪ ،‬وقبلتهم‬
‫نساؤهم‪ ،‬ودينهم دارهمهم ودنانيرهم‪ ،‬أولئك شر الخليق ال خالق لهم عند اهلل}‪.‬‬
‫ومنها { ال تذهب األيام والليالي حتى يخلق القرآن في صدور أقوام من هذه‬
‫األمة كما يخلق الثياب‪ ،‬ويكون ما سواه أعجب لهم‪ ،‬ويكون أمرهم طمعا كله‪ ،‬ال‬
‫يخالطه خوف‪ ،‬إن قصر في حق اهلل تعالى منته نفسه األماني‪ ،‬وإن تجاوز إلى ما‬
‫نهى اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬أرجو أن يتجاوز اهلل عني}‪.‬‬
‫ام َوالَ صالةٌ‬ ‫ومنها {ي ْدرس ا ِإل ْسالَم َكما ي ْدرس و ْشي الثَّوب‪ .‬حتَّى الَي ْد ِري م ِ‬
‫اصيَ ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ َ ُُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ ُُ‬
‫الش ْي ُخ الْ َكبِ ُير َوال َْع ُج ُ‬
‫وز الكبيرة‪َ .‬و‬ ‫ص َدقَةٌ‪َ .‬ويَ ْب َقى طََوائِف ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‪َّ ،‬‬ ‫ك‪َ .‬والَ َ‬ ‫سٌ‬ ‫َوالَ نُ ُ‬
‫هذ ِه الْ َكلِ َم ِة‪ :‬الَ إِ َله إِالَّ اهللُ‪ .‬فَ نَ ْح ُن نَ ُقولُ َها} رواه ابن‬
‫ي ُقولُو َن‪ :‬أَ ْدرْكنَا آباءنَا َعلَى ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ال فِ ْي األ َْر ِ‬
‫ض الَ إِ َله إال اهلل}‬ ‫اعةُ َحتَّى الَ يُ َق َ‬
‫الس َ‬
‫ومنها {الَ تَ ُق ْو ُم َ‬
‫ومنها {الَ تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل‪ ،‬ويخون األمين‪ ،‬ويؤتمن‬
‫الخائن‪ ،‬وتهلك الوعول‪ ،‬ويظهر التحوت‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وما التحوت؟ وما الوعول؟ قال‪ :‬الوعول‪ :‬وجوه الناس وأشرافهم‪ ،‬والتحوت‪ :‬الذين‬
‫كانوا تحت أقدام الناس}‪ .‬رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها {الَ تقوم الساعة حتى تخرج سبعون كذابا‪ ،‬قلت‪ :‬وما آيتهم؟ قال‪:‬‬
‫يأتونكم بسنة لم تكونوا عليها‪ ،‬يغيرون بها سنتكم‪ ،‬فإذا رأيتموهم فاجتنبوهم}‪ .‬رواه‬
‫البخاري عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫ومنها { إذا ظهر القول‪ ،‬وخزن العمل‪ ،‬وائتلفت األلسن‪ ،‬واختلفت القلوب‪،‬‬
‫وقطع كل ذي رحم رحمه‪ ،‬فعند ذلك "لعنهم اهلل فأصمهم وأعمى أبصارهم" }‪.‬‬
‫رواه اإلمام أحمد وعبد بن حميد عن سلمان الفارسي رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫ومنها { إذا الناس أظهروا العلم‪ ،‬وضيعوا العمل‪ ،‬وتحابوا باأللسن‪ ،‬وتباغضوا‬
‫بالقلوب‪ ،‬وتقاطعوا في األرحام‪ ،‬لعنهم اهلل عند ذلك "فأصمهم وأعمى أبصارهم"}‪.‬‬
‫رواه ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي اهلل عنه‬
‫قال البيهقي وغيرهم رحمهم اهلل تعالى‪ :‬األمارات منها صغار‪ ،‬وقد مضى‬
‫أكثرها‪ .‬ومنها كبار ستأتي‪.‬‬
‫ولنختم األحاديث المذكورات بما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد‬
‫الغفاري رضي اهلل عنه قال‪{ :‬اطّلَ َع النّبِ ّي صلى اهلل عليه وسلم َعلَْي نَا َونَ ْح ُن نَتَ َذا َك ُر‪.‬‬
‫وم َحتّ َى تَ َرْو َن قَ ْب لَ َها‬‫ال‪" :‬إِنّ َها لَ ْن تَ ُق َ‬
‫اع َة‪ .‬قَ َ‬
‫الس َ‬
‫ال‪َ " :‬ما تَ َذا َك ُرو َن؟"‪ ،‬قَالُوا‪ :‬نَ ْذ ُك ُر ّ‬
‫فَ َق َ‬
‫س ِم ْن َمغْ ِربِ َها‪َ ،‬ونُ ُز َ‬
‫ول‬ ‫ش ْم ِ‬
‫وع ال ّ‬‫ال‪َ ،‬وال ّدابّ َة‪َ ،‬وطُلُ َ‬
‫ات"‪ .‬فَ َذَك َر ال ّد َخا َن‪َ ،‬وال ّد ّج َ‬‫َع ْشر آي ٍ‬
‫َ َ‬
‫ف‬‫وف‪َ :‬خ ْس ٌ‬ ‫ِعيسى اب ِن مريم صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ويأْجوج ومأْجوج‪ ،‬وثَالَثَةَ ُخس ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ ُ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َْ َ‬
‫ج ِم َن‬
‫ار تَ ْخ ُر ُ‬
‫ك نَ ٌ‬
‫ب‪ .‬و ِ‬
‫آخ ُر ذَلِ َ‬ ‫ب‪ ،‬و َخس ٌ ِ ِ‬
‫ف ب َج ِز َيرة ال َْع َر ِ َ‬ ‫ف بال َْمغْ ِر ِ َ ْ‬
‫بِالْم ْش ِر ِق‪ ،‬و َخس ٌ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫اس إِلَ َى َم ْح َش ِرِه ْم}‪.‬‬
‫الْيَ َم ِن‪ ،‬تَط ُْر ُد النّ َ‬
‫أما الدخان فقد ذكر العالمة الخازن في تفسيره فقال‪ :‬قال حذيفة رضي اهلل‬
‫ان ُمبِي ٍن}‪ ،‬يمأل‬ ‫السماء بِ ُد َخ ٍ‬ ‫ِ‬
‫عنه يا رسول اهلل ما الخان؟ فتال هذه اآلية‪ { :‬يَ ْوَم تَأْتي َّ َ ُ‬
‫ما بين المشرق والمغرب‪ ،‬يمكث أربعين يوما وليلة‪ .‬أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة‬
‫الزكام‪ ،‬وأما الكافر فهو كالسكران‪ ،‬يخرج من منخريه وأذنيه ودبره‪.‬‬
‫وأما الدجال ففي صحيح مسلم عن هشام بن عروة رضي اهلل عنه قال‪َ { :‬ما‬
‫اع ِة َخلْ ٌق أَ ْكبَ ُر ِم َن ال ّد ّجال}‪ ،‬أكبر فتنة‪ .‬وفي صحيح‬ ‫ِ‬
‫آد َم إِلَ َى قيَ ِام ّ‬
‫الس َ‬ ‫بَ ْي َن َخل ِْق َ‬
‫البخاري عن ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم ذكر‬
‫الدجال‪ ،‬فقال‪{ :‬أَنَّهُ أَ ْع َوُر ال َْع ْي ِن الْيُ ْمنَ َى‪َ ،‬كأَ ّن َع ْي نَهُ ِعنَبَةٌ طَافِيَة}‪ .‬وفيهما عن أنس‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ { :‬ما ِم ْن نَبِ ّي إِالّ َوقَ ْد أَنْ َذ َر‬
‫وب بَ ْي َن َع ْينِْي ِه‬
‫س بِأَ ْع َوَر‪َ .‬م ْكتُ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ُّمتَهُ األَ ْع َوَر الْ َك ّذ َ‬
‫اب‪ .‬أَالَ إنّهُ أَ ْع َوُر‪َ ،‬وإ ّن َربّ ُك ْم لَْي َ‬
‫كافر}‪.‬‬
‫وروى البغوي رحمه اهلل تعالى بسنده عن أسماء بنت يزيد األنصارية رضي اهلل‬
‫عنها‪{ :‬أن من أكبر فتنته أنه يأتى األعرابي فيقول‪ :‬أريت إن أحييت إبلك‪ ،‬ألست‬
‫تعلم أني ربك؟‪ ،‬فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬فيتمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما تكون‬
‫ضروعا وأعظمه أسنمة‪ .‬ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول‪ :‬أرأيت إن‬
‫أحييت أخاك وأباك‪ ،‬ألست تعلم أني ربك؟ فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬فيتمثل له الشيطان نحو‬
‫أخيه و أبيه}‪.‬‬
‫صلَّى اللَّهُ‬ ‫ِ‬
‫َح ٌد َر ُس ْو َل اهلل َ‬ ‫وعن المغيرة بن شعبة رضي اهلل عنه قال‪َ { :‬ما َسأ ََل أ َ‬
‫ْت إنَّ ُه ْم يَ ُقولُو َن‪ :‬إِ َّن‬ ‫ال لِي‪َ :‬ما يَ ُ‬
‫ض ُّر َك؟ قُ ل ُ‬ ‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َع ْن َّ‬
‫الد َّجا ِل َما َسأَلْتُهُ‪َ ،‬وإِنَّهُ قَ َ‬
‫ال ُه َو أ َْه َو ُن َعلَى اللَّ ِه ِم ْن َذلِك}‪ .‬وروى الترمذي عن‬ ‫َم َعهُ َجبَ َل ُخ ْب ٍز َونَ َه َر َم ٍاء‪ .‬قَ َ‬
‫أبي بكر الصديق رضي اهلل عنه قال‪ :‬حدثنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫وه ُه ْم‬
‫اسا َن‪ْ ،‬يتبَ عُهُ أَق َْو ٌام كأَ ّن ُو ُج َ‬
‫ال َلها ُخر َ‬ ‫الم ْش ِر ِق‪ ،‬يُ َق ُ‬
‫ض َ‬ ‫ج بِأ َْر ٍ‬
‫يخر ُ‬
‫ال ُ‬ ‫{ال ّد ّج ُ‬
‫ول الل ِّه صلى اهلل عليه‬ ‫قال َر ُس َ‬ ‫المط َْرقةُ ََ}‪ .‬وعن أنس رضي اهلل عنه قال‪َ :‬‬ ‫الم َجا ّن ُ‬ ‫َ‬
‫َصبَ َها َن‪َ ،‬س ْب عُو َن أَلفاً‪َ ،‬علَْي ِه ُم الطّيَالِ َسةُ}‪.‬‬ ‫ال‪ِ ،‬من ي ُه ِ‬
‫ود أ ْ‬ ‫وسلم‪{ :‬يَ ْتبَ ُع ال ّد ّج َ ْ َ‬
‫قال اإلمام النووي رحمه اهلل تعالى‪ :‬قال القاضي عياض‪ :‬هذه األحاديث التي‬
‫وردت في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده‪ ،‬وأنه شخص‬
‫بعينه ابتلى اهلل به عباده فأقدره على أشياء من المقدورات من إحياء الميت الذي‬
‫يقتله‪ ،‬ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه‪ ،‬وجنته وناره‪ ،‬واتباع كنوز األرض له‪،‬‬
‫وأمره السماء أن تمطر فتمطر‪ ،‬واألرض أن تنبت فتنبت‪ ،‬فيقع كل ذلك بقدرة اهلل‬
‫تعالى ومشيئته‪ ،‬ثم يعجزه اهلل تعالى بعد ذلك‪ ،‬فال يقدر على قتل ذلك الرجل وال‬
‫غيره‪ ،‬ويبطل أمره‪ ،‬ويقتله عيسى بن مريم عليه السالم‪ ،‬ويثبت اهلل الذين آمنوا‬
‫بالقول الثابت‪ ،‬هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء‪ ،‬خالفاً لمن‬
‫أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة‪.‬‬
‫وأما الدابة فقد ذكر العالمة الخازن في تفسيره بإسناد الثعلبي عن حذيفة بن‬
‫اليمان رضي اهلل عنه‪ ،‬ذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الدابة‪ ،‬قلت يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬من أين تخرج؟ {قال‪ :‬من أعظم المساجد حرمة على اهلل‪ ،‬فبينما عيسى‬
‫يطوف بالبيت ومعه المسلمون‪ ،‬إذ تضطرب األرض‪ ،‬وينشق الصفا مما يلي‬
‫المسعى‪ ،‬وتخرج الدابة من الصفا‪ ،‬أول ما يخرج منها رأسها ملمعة ذات وبر‬
‫وريش‪ ،‬لم يدركها طالب‪ ،‬ولن يفوتها هارب‪ ،‬تسم الناس مؤمنا وكافرا‪ ،‬أما المؤمن‬
‫فتترك وجهه كأنه كوكب دري‪ ،‬وتكتب بين عينيه مؤمن‪ ،‬وأما الكفار فتنكت بين‬
‫عينيه نكتة سوداء‪ ،‬وتكتب بين عينيه كافر}‪ .‬وعن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنه‬
‫قال‪ { :‬تخرج الدابة من شعب جياد‪ ،‬فيمس رأسها السحاب‪ ،‬ورجالها في‬
‫األرض}‪.‬‬
‫وأما طلوع الشمس من مغربها ففي كتاب بدء الخلق من صحيح البخاري عن‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ِح ْي َن غَ َربَ ْ‬
‫ت‬ ‫ال لي النبي َ‬
‫أبي ذر رضي اهلل عنه قال‪ :‬قَ َ‬
‫الش ْمس‪{ :‬تَ ْد ِري أَيْ َن تَ ْذ َهب؟ قُ ل ُ َّ‬
‫ْت‪ :‬اللهُ َوَر ُسولُهُ أَ ْعلَ ُم‪ ،‬قَا َل‪ :‬فَِإنَّ َها تَ ْذ َه ُ‬
‫ب َحتَّى‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ك أَ ْن تَ ْس ُج َد فَالَ يُ ْقبَ َل منها‪،‬‬ ‫ش‪ ،‬فتَ ْستَأ ِْذ ُن فَ يُ ْؤذَ ُن لَ َها‪َ ،‬ويُ ْو ِش ُ‬ ‫الع ْر ِ‬
‫ت َ‬ ‫تِ ْس ُج َد تَ ْح َ‬
‫ت‪ ،‬فَ تَطْلُ ُع ِم ْن َمغْ ِربِ َها‪ .‬فذلك قوله‬ ‫ث ِج ْئ ِ‬‫َوتَ ْستَأ ِْذ ُن فَالَ يُ ْؤ َذ ُن لَ َها‪ْ ،‬ارِج ِعي ِم ْن َح ْي ُ‬
‫يم}‪ .‬قال في فتح‬ ‫ك تَ ْق ِد ُير ال َْع ِزي ِز ال َْعلِ ِ‬‫س تَ ْج ِري لِ ُم ْستَ َق ٍّر لَ َها َذلِ َ‬ ‫تعالى‪َ { :‬و َّ‬
‫الش ْم ُ‬
‫الباري‪ :‬يحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من المالئكة‪ ،‬أو‬
‫تسجد بصورة الحال‪ ،‬فيكون عبارة عن الزيادة في االنقياد والخضوع في ذلك‬
‫الحين‪ .‬وقال النووي رحمه اهلل تعالى‪ :‬وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه‬
‫اهلل تعالى فيها‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأما نزول عيسى عليه السالم وخروج يأجوج ومأجوج ففي صحيح مسلم عن‬
‫ول الل ِّه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫النواس بن سمعان رضي اهلل عنه قال‪{ :‬ذََك َر َر ُس ُ‬
‫ض فِ ِيه َوَرفّ َع َحتّ َى ظَنَ نّاهُ فِي طَائَِف ِة النّ ْخ ِل‪ .‬فَ لَ ّما ُر ْحنَا إِلَْي ِه‬ ‫ال َذ َ ٍ‬
‫ات غَ َداة‪ ،‬فَ َخ ّف َ‬ ‫ال ّد ّج َ‬
‫داة‪،‬‬‫ال غَ ٍ‬ ‫ت ال ّد ّج َ‬ ‫ول الل ِّه ذََك ْر َ‬ ‫ال‪َ :‬ما َشأْنُ ُك ْم؟‪ ،‬قُ لْنَا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ك فِينَا‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ف َذلِ َ‬ ‫َع َر َ‬
‫ت َحتّ َى ظَنَ نّاهُ فِي طَائَِف ِة النّ ْخ ِل‪ ،‬فَ َقا َل‪ :‬غَْي ُر ال ّد ّج ِال أَ ْخ َوفُنِي‬ ‫ت فِ ِيه َوَرفّ ْع َ‬ ‫ضَ‬ ‫فَ َخ ّف ْ‬
‫ت فِي ُك ْم‪،‬‬ ‫يجهُ ُدونَ ُك ْم‪َ ،‬وإِ ّن يَ ْخ ُر ْج‪َ ،‬ولَ ْس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ُك ْم‪ ،‬إِ ْن يَ ْخ ُر ْج‪َ ،‬وأَنَا في ُك ْم‪ ،‬فَأَنَا َحج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يج نَ ْفسهِ ‪َ ،‬واللّهُ َخلي َفتِي َعلَ َى ُك ّل ُم ْسل ٍم‪ .‬إِنّهُ َش ّ‬
‫اب قَطَطٌ‪َ ،‬ع ْي نُهُ عنبة‬ ‫ِ‬
‫فَ ْام ُرٌؤ َحج ُ‬
‫ورِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طَافئَةٌ‪َ ،‬كأَنّي أُ َشبّ ُههُ ب َع ْبد الْعُ ّز َى بْ ِن قَطَ ٍن‪ ،‬فَ َم ْن أَ ْد َرَكهُ م ْن ُك ْم فَ لْيَ ْق َرأْ َعلَْيه فَ َوات َح ُس َ‬
‫اد الل ِّه‬ ‫ِ‬
‫اث ِش َماالً‪ .‬يَا عبَ َ‬ ‫اث يَ ِميناً َو َع َ‬ ‫اق‪ ،‬فَ َع َ‬ ‫ش ِام وال ِْعر ِ‬
‫ِج َخلّ ًة بَ ْي َن ال ّ َ َ‬ ‫ف‪ ،‬إِنّهُ َخار ٌ‬ ‫الْ َك ْه ِ‬
‫ال‪ :‬أ َْربَعُو َن يَ ْوماً‪ .‬يَ ْوٌم َك َسنَ ٍة‪َ ،‬ويَ ْوٌم‬‫ض؟ قَ َ‬ ‫ول الل ِّه َوَما لَْبثُهُ فِي األ َْر ِ‬ ‫فَاثْ بُتُوا‪ ،‬قُ لْنَا‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ّذي‬ ‫ك الْي وم ال ِ‬ ‫َك َش ْه ٍر‪ ،‬وي وم َكجمع ٍة‪ .‬وسائِر أَي ِام ِه َكأَي ِام ُكم‪ ،‬قُ لْنَا‪ :‬يا رس َ ِ ِ‬
‫ول اللّه فَ َذل َ َ ْ ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ََ ْ ٌ ُ ُ َ َ َ ُ ّ‬
‫ول الل ِّه َوَما‬ ‫ال‪ :‬الَ‪ ،‬اقْ ُد ُروا لَهُ قَ ْد َرهُ‪ ،‬قُ لْنَا‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫صالَةُ يَ ْوٍم؟ قَ َ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َك َسنَة‪ ،‬أَتَ ْكفينَا فيه َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫إِ ْس َراعُهُ فِي األ َْر ِ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫يح‪ ،‬فَ يَأْتِي َعلَ َى الْ َق ْوم فَ يَ ْدعُ ُ‬ ‫الر ُ‬‫استَ ْدبَ َرتْهُ ّ‬‫ث ْ‬ ‫ال‪َ :‬كالْغَْي ِ‬ ‫ض؟ قَ َ‬
‫وح َعلَْي ِه ْم‬ ‫ض فَ تُ ْنبِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ت‪ ،‬فَ تَ ُر ُ‬ ‫الس َما َء فَ تُ ْمط ُر‪َ ،‬واأل َْر َ‬‫فَ يُ ْؤمنُو َن به َويَ ْستَجيبُو َن لَهُ‪ ،‬فَ يَأ ُْم ُر ّ‬
‫اص َر‪ ،‬ثُ ّم يَأْتِي الْ َق ْوَم‪،‬‬ ‫ضروعاً‪ ،‬وأَم ّدهُ َخو ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َسبَ غَهُ ُ ُ‬ ‫ت ذُراً‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫َسا ِر َحتُ ُه ْم‪ ،‬أَط َْو َل َما َكانَ ْ‬
‫س بِأَيْ ِدي ِه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ف َع ْن ُه ْم‪ ،‬فَ يُ ْ ِ‬ ‫ص ِر ُ‬ ‫ِ‬
‫ين لَْي َ‬ ‫صب ُحو َن ُم ْمحل َ‬ ‫وه ْم فَ يَ ُر ّدو َن َعلَْيه قَ ْولَهُ‪ ،‬فَ يَ ْن َ‬
‫فَ يَ ْدعُ ُ‬
‫اس ِ‬ ‫وزها َكي ع ِ‬ ‫ول لَها‪ :‬أَ ْخ ِرِجي ُكنُ َ ِ‬ ‫َشيء ِمن أَموالِ ِهم‪ ،‬ويمر بِال َ ِ‬
‫يب‬ ‫وزك‪ .‬فَ تَْتبَ عُهُ ُكنُ ُ َ َ َ‬ ‫ْخ ِربَة فَ يَ ُق ُ َ‬ ‫ْ ٌ ْ ْ َ ْ ََُّ‬
‫ف فَ يَ ْقطَعُهُ َج ِزلَتَ ْي ِن َرْميَةَ الْغََر ِ‬ ‫ض ِربهُ بِالس ْي ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‪،‬‬ ‫النّ ْح ِل‪ ،‬ثُ ّم يَ ْدعُو َر ُجالً ُم ْمتَلئاً َشبَاباً‪ ،‬فَ يَ ْ ُ ّ‬
‫يح‬ ‫ِ‬
‫ث اللّهُ ال َْمس َ‬ ‫ك إِ ْذ بَ َع َ‬ ‫ك‪ ،‬فَ بَ ْي نَ َما ُه َو َك َذلِ َ‬ ‫ض َح ُ‬ ‫ّل َو ْج ُههُ ويَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ثُ ّم يَ ْدعُوهُ فَ يُ ْقب ُل َويَتَ َهل ُ‬
‫ابن مريم عليه السالم‪ ،‬فَ ي ْن ِز ُل ِع ْن َد الْمنارِة الْب ي َ ِ‬
‫ودتَ ْي ِن‪.‬‬ ‫ضاء َش ْرقِ ّي ِد َم ْش َق‪ .‬بَ ْي َن َم ْه ُر َ‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َْ َ‬
‫طر‪َ ،‬وإِ َذا َرفَ َعهُ تَ َح ّد َر ِم ْنهُ ُج َما ٌن‬ ‫ِ ِ‬
‫َجن َحة َملَ َك ْينن‪ ،‬إ َذا طَأْطَأَ َرأْ َسهُ قَ َ‬
‫اضعاً َك ّفي ِه َعلَى أ ِ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ث يَنْتَ ِهي‬ ‫سهُ يَنْتَ ِهي َح ْي ُ‬ ‫يح نَ َف ِس ِه إِالّ َم َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬ونَ َف ُ‬ ‫َكالل ّْؤلُ ِؤ‪ ،‬فَالَ يَح ّل ل َكاف ٍر يَج ُد ِر َ‬
‫يسى ابْ َن َم ْريَ َم إلى قَ ْوٍم قَ ْد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫طَ ْرفُهُ‪ ،‬فَ يَطْلُبُهُ َحتّ َى يُ ْد ِرَكهُ ببَاب لُ َد‪ ،‬فَ يَ ْقتُ لُهُ‪ ،‬ثُ ّم يَأْتي ع َ‬
‫ْجنّ ِة‪ ،‬فَ بَ ْي نَ َما ُه َو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َم ُه ُم اللّهُ م ْنهُ‪ ،‬فَ يَ ْم َس ُح َع ْن ُو ُجوه ِه ْم َويُ َح ّدثُ ُه ْم بِ َد َر َجات ِه ْم في ال َ‬ ‫َع َ‬
‫ت ِعباداً لِي‪ ،‬الَ ي َد ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َك َذلِ َ ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫يس َى عليه السالم‪ :‬إِنّي قَ ْد أَ ْخ َر ْج ُ َ‬ ‫ك إ ْذ أ َْو َح َى اللّهُ إلَ َى ع َ‬
‫ب‬ ‫وج ِم ْن ُكل َح َد ٍ‬ ‫ْج َ‬‫وج َوَمأ ُ‬‫ْج َ‬ ‫ث اللّهُ يَأ ُ‬ ‫َح ٍد بِِقتالِ ِه ْم‪ ،‬فَ َح ّر ْز ِعبَ ِادي إِلَ َى الطّوِر‪َ .‬ويَ ْب َع ُ‬ ‫أل َ‬
‫ّ‬
‫آخ ُر ُه ْم فَ يَ ُقولُو َن‪:‬‬ ‫ي ْن ِسلُو َن‪ .‬فَ يمر أَوائِلُهم علَى بحي رِة طَب ِري َة‪ ،‬فَ ي ْشربو َن ما فِيها‪ ،‬ويمر ِ‬
‫َ ُّ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ َ ّ َ َُ َ َ ََ ُّ‬ ‫َ‬
‫َص َحابُهُ َحتّ َى يَ ُكو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لَ َق ْد َكا َن بِ َها َمرًة َماءٌ‪ ،‬ويُ ْح َ ِ‬
‫يس َى عليه السالم َوأ ْ‬ ‫ص ُر نَب ّي اللّه ع َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫ب نَبِ ّي الل ِّه عي َس َى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأْس الثّوِر ألَح ِد ِهم َخيراً من مائَ ٍة ِدينَا ٍر أل ِ‬
‫َحد ُك ُم الْيَ ْوَم‪ ،‬فَ يَ ْرغَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ َ ْ ْ ْ‬
‫صبِحو َن فَ رسى َكمو ِ‬ ‫َصحابهُ فَ ي ر ِسل اللّهُ َعلَي ِهم النّ غَ َ ِ‬
‫س‬ ‫ت نَ ْف ٍ‬ ‫ْ َ َ َْ‬ ‫ف في ِرقَابِ ِه ْم‪ ،‬فَ يُ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َوأ ْ َ ُ ُ ْ ُ‬
‫ض‪ ،‬فَالَ يَ ِج ُدو َن‬ ‫َص َحابُهُ إِلَى األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اح َد ٍة‪ ،‬ثُم يَ ْهبِ ُ ِ‬ ‫وِ‬
‫يس َى عليه السالم َوأ ْ‬ ‫ط نَب ّي اللّه ع َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ض َع ِش ْب ٍر إِالّ َمألَهُ َزَهم ُه ْم ونَ ْت نُ ُه ْم‪ ،‬فَ يَ ْرغَ ِ‬ ‫ض مو ِ‬ ‫ِ‬
‫يس َى عليه‬ ‫ب نَب ّي اللّه ع َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫في األ َْر ِ َ ْ‬
‫ت‪ ،‬فَ تَ ْح ِملُ ُه ْم فَ تَط َْر ُح ُه ْم‬ ‫اق الْب ْخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص َحابُهُ إِلَ َى اللّه‪ ،‬فَ يُ ْرس ُل اللّهُ طَْيراً َكأَ ْعنَ ُ‬ ‫السالم َوأ ْ‬
‫ض‬ ‫ِ‬
‫ت َم َد ٍر َوالَ َوبَ ٍر‪ ،‬فَ يَ غْس ُل األ َْر َ‬ ‫اء اللّهُ‪ ،‬ثُ ّم يُ ْر ِس ُل اللّهُ َمطَراً الَ يَ ُك ّن ِم ْنهُ بَ ْي ُ‬ ‫ث َش َ‬ ‫َح ْي ُ‬
‫ك‪ ،‬فَ يَ ْوَمئِ ٍذ تَأْ ُك ُل‬ ‫ك‪ ،‬ور ّدي ب رَكتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال لِألَر ِ ِِ‬ ‫حتّى ي تْ رَكها َك ِ‬
‫ض‪ :‬أَنْبتي ثَ َم َرتَ َ ُ َ َ‬ ‫الزلََفة‪ ،‬ثُ ّم يُ َق ُ ْ‬ ‫َ َ ََُ ّ‬
‫الر ْس ِل‪َ ،‬حتّ َى أَ ّن اللّ ْق َحةَ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫الرّمانَة‪َ ،‬ويَ ْستَظلّو َن بق ْحف َها‪َ ،‬ويُبَ َار ُك في ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صابَةُ م َن ّ‬
‫ِ‬
‫الْع َ‬
‫اس َواللّ ْق َحةَ‬ ‫اس‪َ ،‬واللّ ْق َحةَ ِم َن الْبَ َق ِر لَتَ ْك ِفي الْ َقبِيلَةَ ِم َن النّ ِ‬ ‫ا ِإلبِ ِل لَتَ ْك ِفي ال ِْفئَ َام ِم َن النّ ِ‬
‫ث اللّهُ ِريحاً طَيّبَةً‪،‬‬ ‫ك إِ ْذ بَ َع َ‬ ‫اس‪ ،‬فَ بَ ْي نَ َما ُه ْم َك َذلِ َ‬ ‫ِم َن الْغَنَ ِم لَتَ ْك ِفي الْ َف ِخ َذ ِم َن النّ ِ‬
‫اس‪،‬‬‫وح ُك ّل ُم ْؤِم ٍن َوُك ّل ُم ْسلِ ٍم‪َ ،‬ويَ ْب َقى ِش َر ُار النّ ِ‬ ‫ض ُر َ‬
‫ْخ ُذهم تَح َ ِ‬
‫ت آبَاط ِه ْم‪ ،‬فَ تَ ْقبِ ُ‬ ‫فَ تَأ ُ ُ ْ ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اعةُ}‪.‬‬ ‫الس َ‬‫وم ّ‬ ‫ْح ُم ِر‪ ،‬فَ َعلَْي ِه ْم تَ ُق ُ‬‫ار َج ال ُ‬‫يَتَ َه َار ُجو َن ف َيها تَ َه ُ‬
‫وأما النار الخارجة من اليمن فهي الحاشرة للناس كما صرح به في الحديث‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬وأنواع الحشر أربعة‪ ،‬اثنان في الدنيا‪ ،‬أحدهما إجالؤه عليه الصالة‬
‫والسالم اليهود من المدينة إلى الشام‪ ،‬وثانيهما سوق النار قرب الساعة إلى‬
‫المحشر الناس وغيرهم من كل حي قبل النفخة األولى‪ ،‬وهؤالء الناس أحياء‬
‫الكفار‪ .‬وأما المؤمن فيموتون قبل ذلك بريح لينة‪ .‬واثنان في اآلخرة‪ ،‬أحدهما‬
‫جمعهم إلى الموقف بعد إحيائهم‪ ،‬والثاني صرفهم من الموقف إلى الجنة أو النار‪.‬‬

‫(فصل) في ذكر حدي ث الموتى في السماع والكالم‪ ،‬ومعرفته بمن يغسله ومن‬
‫يحمله ومن يكفنه ومن يدليه في قبره‪ ،‬واإلدراك والحياة وعود الروح إلى الجسد‪.‬‬
‫أما السماع والكالم فقد رروى البخاري في صحيحه عن أنس رضي اهلل عنه‬
‫ِ ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َع ْنهُ‬ ‫ال‪{ :‬ال َْع ْب ُد إِ َذا ُوض َع في قَ ْب ِره َوتُ ُول َي َو َذ َه َ‬ ‫عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قَ َ‬
‫ْع َداهُ فَ يَ ُقوالَ ِن لَهُ‪َ :‬ما ُك ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫أَصحابه حتَّى إنَّه يسمع قَ ر َ ِ ِ‬
‫ول‬‫ت تَ ُق ُ‬ ‫ع ن َعال ِه ْم أَتَاهُ َملَ َكان فَأَق َ‬ ‫ُ َ َُْ ْ‬ ‫ْ َ ُُ َ‬
‫ال انْظُْر إِلَى‬ ‫ول‪ :‬أَ ْش َه ُد أَنَّهُ َع ْب ُد اللَّ ِه َوَر ُسولُهُ‪ ،‬فَ يُ َق ُ‬ ‫الر ُج ِل ُم َح َّم ٍد؟‪ ،‬فَ يَ ُق ُ‬ ‫فِي َه َذا َّ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫ْجن َِّة‪ .‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْق َع ِد َك ِم ْن النَّا ِر أَبْ َدلَ َ‬
‫ال النَّبِ ُّي َ‬ ‫ك اللَّهُ بِه َم ْق َع ًدا م ْن ال َ‬
‫َّاس‪،‬‬
‫ول الن ُ‬ ‫ول َما يَ ُق ُ‬ ‫ت أَقُ ُ‬ ‫ول الَ أَ ْد ِري ُك ْن ُ‬‫رآه َما َج ِم ًيعا‪َ .‬وأ ََّما الْ َكافِ ُر أ َْو ال ُْمنَافِ ُق فَ يَ ُق ُ‬‫فَ ُ‬
‫ص ْي َح ًة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضر ِ ِ ٍ ِ ِ ٍ‬
‫يح َ‬‫ب بمط َْرقَة م ْن َحديد بَ ْي َن أُذُنَ ْيه‪ ،‬فَ يَص ُ‬ ‫ت‪ ،‬ثُ َّم يُ ْ َ ُ‬ ‫ت َوالَ تَ لَْي َ‬ ‫ال الَ َد َريْ َ‬
‫فَ يُ َق ُ‬
‫يَ ْس َمعُ َها َم ْن يَلِ ِيه إِالَّ الثَّ َقلَْي ِن}‪.‬‬
‫وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫ت‬ ‫ال َعلَى أَ ْعنَاقِ ِه ْم‪ ،‬فَِإ ْن َكانَ ْ‬ ‫الر َج ُ‬
‫احتَ َملَ َها ِّ‬‫ْجنَ َازةُ َو ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫ض َع ْ‬‫عليه وسلم قال‪{ :‬إِذَا و ِ‬
‫ُ‬
‫ت‪ :‬يَا َويْ لَ َها أَيْ َن تَ ْذ َهبُو َن بِ َها‪،‬‬ ‫صالِ َح ٍة قَالَ ْ‬
‫ت غَْي َر َ‬ ‫ِّمونِي‪َ ،‬وإِ ْن َكانَ ْ‬ ‫ت‪ :‬قَد ُ‬ ‫صالِ َحةً قَالَ ْ‬ ‫َ‬
‫ص ِع َق}‪ .‬وروى البخاري أيضا عن‬ ‫اإلنْ َسا َن‪َ ،‬ولَ ْو َس ِم َعهُ َ‬ ‫ص ْوتَ َها ُك ُّل َشي ٍء إِالَّ ِْ‬ ‫يَ ْس َم ُع َ‬
‫ْ‬
‫ألهلِ َها‪ :‬يَا َويْ لَ َها‪ ،‬وقال‪َ :‬ولَ ْو َس ِم َع‬ ‫ت ْ‬ ‫الليث بن سعد‪ ،‬فذكر بمثله‪ ،‬وقال‪{ :‬قَالَ ْ‬
‫ص ِع َق}‪.‬‬‫اإلنْ َسا ُن لَ َ‬
‫وروى الطبراني في األوسط عن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه أن النبي‬
‫ف من يغسله ويحمله و يكفنه ومن‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قال‪{ :‬إن الميت يَ ْع ِر ُ‬
‫يدليه في حفرته}‪ ،‬وكان سعيد بن جبير رضي اهلل عنه يقول‪{ :‬إن األموات لتأتيهم‬
‫أخبار األحياء؟‪ ،‬فما من أحد له حميم} أي قريب {إال ويأتيه خبر أقاربه‪ ،‬فإن كان‬
‫خيرا سر به وفرح‪ ،‬وإن كان شرا عبس له وحزن}‪ .‬وكان ابن منبه رحمه اهلل تعالى‬
‫يقول‪ { :‬إن اهلل تعالى بنى دارا في السماء السابعة‪ ،‬يقال لها البيضاء‪ ،‬تجمع فيها‬
‫أرواح المؤمنين‪ ،‬فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته األرواح فيسألونه عن أخبار‬
‫الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم من سفرعليهم} رواه أبو نعيم في الحلية‪.‬‬
‫وأما اإلدراك والحياة وعود الروح إلى الجسد فقد ورد عن البراء بن عازب‬
‫رضي اهلل عنه حديث طويل جامع ألحكام الموتى‪ ،‬وفيه التصريح بعود الروح إلى‬
‫الجسد‪ .‬قال البراء‪َ { :‬خ َر ْجنَا مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في جنازة رجل من‬
‫األنصار‪ ،‬فانتهينا إلى القبر‪ ،‬ولما يلحد‪ ،‬فجلس رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وجلسنا حوله ‪ -‬كأنما على رؤوسنا الطير ‪ -‬فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء‪،‬‬
‫ويخفض بصره وينظر إلى األرض‪ ،‬ثم قال‪" :‬أعوذ باهلل من عذاب القبر"‪ ،‬قالها‬
‫مرارا‪ ،‬ثم قال‪ " :‬إن العبد المؤمن إذا كان في قبل من اآلخرة وانقطاع من الدنيا‬
‫جاءه ملك‪ ،‬فجلس عند رأسه‪ ،‬فيقول‪" :‬أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة‬
‫من اهلل ورضوان"‪ ،‬فتخرج نفسه وتسيل كما تسيل قطرالسقاء‪ ،‬وتنزل المالئكة من‬
‫الجنة‪ ،‬بيض الوجوه‪ ،‬كأن وجوههم الشمس‪ ،‬معهم أكفان من أكفان الجنة‪ ،‬وحنوط‬
‫من حنوطها‪ ،‬فيجلسون منه مد البصر‪ ،‬فإذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة‬
‫عين‪ ،‬فذلك قوله تعالى عز وجل‪ " :‬تَ َوفَّ تْهُ ُر ُسلُنَا َو ُه ْم ال يُ َف ِّرطُو َن"‪ .‬قال‪ :‬فتخرج‬
‫نفسه كأطيب ريح وجدت‪ ،‬فتعرج به المالئكة‪ ،‬فال يأتون على جند}‪ .‬وفي رواية‪:‬‬
‫{ فال يزالون يمرون باألمم السابقة والقرون الخالية كأمثال الجراد المنتشر بين‬
‫السماء واألرض إال قالوا‪ :‬ما هذه الروح؟‪ ،‬فيقال‪ :‬فالن بأحب أسمائه حتى ينتهوا‬
‫به إلى باب السماء الدنيا‪ ،‬فتفتح له‪ ،‬ويشيعه من كل سماء مقربوها‪ ،‬حتى ينتهي‬
‫ِ‬ ‫إلى السماء السابعة‪ ،‬فقول‪ :‬اكتبوا كتابه في عليين‪" ،‬وما أَ ْدر َ ِ‬
‫اك َما علِّيُّو َن‪ .‬كتَ ٌ‬
‫اب‬ ‫ََ َ‬
‫وم‪ .‬يَ ْش َه ُدهُ ال ُْم َق َّربُو َن"‪ ،‬فيكتب كتابه في عليين‪ ،‬ثم يقال‪ :‬ردوه إلى األرض‪،‬‬
‫َم ْرقُ ٌ‬
‫فإني وعدتهم إني منها خلقناهم‪ ،‬وفيها نعيدهم‪ ،‬ومنها نخرجهم تارة أخرى‪ ،‬فترد‬
‫إلى األرض‪ ،‬وتعاد روحه إلى جسده‪ ،‬فيأتيه ملكان شديدان اإلنتهار‪ ،‬فينتهرانه‬
‫ِ‬ ‫ك؟‪َ ،‬وَما ِديْ نُ َ‬
‫ك؟ فَ يَ ُق ْو ُل‪َ :‬ربِّ َي اهللُ‪ ،‬وديْ ْني ا ِإل ْس ُ‬
‫الم‪،‬‬ ‫ويجلسانه‪ ،‬فيقوالن‪َ :‬م ْن َربُّ َ‬
‫ث فِ ْي ُكم؟‪ ،‬فَ ي ُقو ُل‪ُ :‬هو رسو ُل ِ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫الر ُج ِل الَّ ِذ ْي بُِع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫فَ يَ ُق ْوالَن‪ :‬فَ َما تَ ُق ْو ُل ف ْي َه َذا َ‬
‫ات ِمن ربِّنَا فآمنْ ُ ِ‬ ‫ك؟ فَ ي ُقو ُل‪ :‬جاءنَا بِالب يِّ نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪:‬‬
‫ْت}‪ .‬قَ َ‬ ‫ت بِه َو َ‬
‫ص َّدق ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫فَ يَ ُق ْوالَن‪َ :‬وَما يُ ْد ِريْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫الدنْ يَا َوفِي‬ ‫ِ ِ‬
‫آمنُوا بِالْ َق ْوِل الثَّابِت في ال َ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ت اللَّهُ الذ َ‬ ‫ك قَ ْولهُ تَ َعالى‪" :‬يُثَبِّ ُ‬ ‫َوذَلِ َ‬
‫ص َد َق َع ْب ِد ْي‪ .‬فالبسوه من الجنة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َماء‪ :‬قَ ْد َ‬ ‫ْاآلخ َرة"‪ .‬قال‪َ { :‬ويُنَادى ُمنَاد م َن َ‬
‫ويفرش منها‪ ،‬ويرى منزله ويفسح له مد بصره‪ ،‬ويمثل له عمله في صورة رجل حسن‬
‫الوجه‪ ،‬طيب الريح حسن الثياب‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر بما أعد اهلل عز وجل لك‪ ،‬أبشر‬
‫شرك اهلل بخير‪ ،‬من أنت؟‬
‫برضوان من اهلل وجنات فيها نعيم مقيم‪ ،‬فيقول‪ :‬ب ّ‬
‫فوجهك الوجه الذي جاءنا بخير‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا يومك الذي كنت توعد‪ ،‬واألمر‬
‫الذي كنت توعد‪ ،‬وأنا عملك الصالح‪ ،‬فواهلل ما علمتك إال كنت سريعا في طاعة‬
‫اهلل‪ ،‬بطيئا عن معصية اهلل‪ ،‬فجزاك اهلل خيرا‪ .‬فيقول‪ :‬يا رب أقم الساعة كي أرجع‬
‫إلى أهلي ومالي‪ .‬قال‪ :‬وإن كان فاجرا‪ ،‬فإذا كان في قبل من اآلخرة وانقطاع من‬
‫الدنيا جاءه ملك‪ ،‬فجلس عند رأسه‪ ،‬فيقول‪ :‬اخرجي أيتها النفس الخبيثة‪ ،‬أبشري‬
‫بسخط اهلل وغضبه‪ .‬فتنزل مالئكة سود الوجوه‪ ،‬معهم مسوح‪ ،‬فإذا قيضها الملك‬
‫قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين‪ .‬قال‪ :‬فتفرق في جسده‪ ،‬فيسخرجها تقطع‬
‫معها العروق والعصب‪ ،‬كالسفود الكبير الشعب في الصوف المبلول‪ ،‬فتؤخذ من‬
‫الملك فتخرج كأنتن ريح وجدت‪ ،‬فال تمر على جند بين السماء واألرض إال قالوا‪:‬‬
‫ما هذه الروح الخبيث؟ فيقولون‪ :‬هذا فالن بأسوأ أسمائه حتى ينتهوا به إلى السماء‬
‫الدنيا‪ ،‬فال يفتح له‪ ،‬فيقول‪ :‬ردوه إلى األرض‪ ،‬إني وعدتهم أني منها خلقناهم‪،‬‬
‫وفيها نعيدهم‪ ،‬ومنها نخرجهم تارة أخرى‪ .‬قال‪ :‬فيرمي به من السماء‪ ،‬قال‪ :‬فتال‬
‫هذه اآلية‪" :‬ومن يشرك باهلل فكأنما خر من السماء" اآلية‪ .‬ويعاد إلى األرض‪ ،‬وتعاد‬
‫فيه روحه‪ ،‬ويأتيه ملكان شديدا اإلنتهار فينتهرانه ويجلسانه‪ ،‬فيقول‪ :‬من ربك؟ وما‬
‫يت‪ ،‬فيضيق قبره‬
‫دينك؟‪ ،‬قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬سمعت الناس يقولون ذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬ال در َ‬
‫حتى تختلف أضالعه‪ ،‬ويمثل له عمله في صورة رجل‪ ،‬قبيح الوجه ومنتن الريح‪،‬‬
‫ك‬‫فو ْج ُه َ‬
‫قبيح الثياب‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر بعذاب من اهلل وسخطه‪ ،‬فيقول‪ :‬من أنت؟ َ‬
‫الو ْجهُ الذي جاء بالشر‪ ،‬فيقول‪ :‬أنا عملك الخبيث‪ ،‬واهلل ما علمتك إال كنت بطيئا‬
‫َ‬
‫عن طاعة اهلل‪ ،‬سريعا إلى معصية اهلل‪ ،‬فيقبض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو‬
‫ضربت بها جبل صار ترابا أو رميما‪ ،‬فيضربه ضربة يسمعها الخالئق إال الثقلين‪ ،‬ثم‬
‫تعاد فيه الروح‪ ،‬فيضربه ضربة أخرى}‪ .‬وهذا الحديث أخرجه جماعة من األئمة في‬
‫مسانيدهم‪ ،‬منهم اإلمام أحمد‪.‬‬
‫وقال إمام الحرمين والفقيه أبو بكر بن العربي واإلمام سيف الدين اآلمدي‪:‬‬
‫اتفق سلف األمة قبل ظهور المخالف‪ ،‬وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات أحياء‬
‫الموتى في قبورهم‪ ،‬ومسألة الملكين لهم‪ ،‬وإثبات عذاب القبر للمجرمين‬
‫َحيَ ْيتَ نَا اثْ نَتَ ْي ِن} أي حياة المسألة في القبر وحياة‬
‫والكافرين‪ ،‬وقوله تعالى‪َ { :‬وأ ْ‬
‫الحشر‪ ،‬ألنهما حياتان عرفوا اهلل بهما‪ ،‬والحياة األولى في الدنيا لم يعرفوا اهلل بها‪.‬‬
‫ثم اعلم أن ما تضمنه هذا الحديث‪ ،‬من ملك الموت ومنكر ونكير وغيرهم‬
‫ومنازل اآلخرة من األمور المتشابهات وصفا‪ ،‬ال طريق ألحد في إدراك شيء من‬
‫أوصافها بالعقل‪ ،‬فيكون العبد به مبتلى بنفس اإلعتقاد ال غير‪ ،‬وأن أهل السنة‬
‫اتفقوا على أن األموات ينتفعون من سعي األحياء بأمرين‪ :‬أحدهما ما تسبب إليه‬
‫الميت في حياته‪ ،‬والثاني دعاء المسلمين و استغفارهم له والصدقة والحج عنه‪.‬‬
‫واختلفوا في العبادات البدنية كالصوم والصالة وقراءة القرآن والذكر‪ ،‬فذهب‬
‫جمهور السلف إلى وصولها‪ ،‬وذهب أهل البدع إلى عدم وصول شيء البتة‪ ،‬ال‬
‫س‬
‫الدعاء وال غيره‪ .‬وقوله مردود بالكتاب والسنة‪ ،‬و استدالله بقوله تعالى‪َ { :‬وأَ ْن لَْي َ‬
‫ان إَِّال َما َس َعى} مدفوع بأنه سبحانه وتعالى لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره‪،‬‬ ‫لِ ِْإلنْس ِ‬
‫َ‬
‫وإنما نفى ملك غير سعيه‪ .‬و أما سعي غيره فهو ملك لساعيه‪ ،‬فإن شاء أن يبذله‬
‫لغيره‪ ،‬و إن شاء أن يبقيه لنفسه‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى لم إنه ال ينتفع إال بما سعى‪.‬‬
‫و هذا آخر الكتاب‪ .‬واهلل أعلم بالصواب‪ ،‬وإليه المرجع و المآب‪ ،‬وهو‬
‫حسبي ونعم الوكيل‪ ،‬والحول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪ .‬وصلى اهلل على سيدنا‬
‫محمد و على آله وأصحابه والتابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like