You are on page 1of 176

‫شرح منظومة‬

‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫كامل الشرح‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس الول‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬

‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬


‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫الحمد لله حمدا ً طيبا ً كثيرا ً مباركا ً فيححه كمححا يحححب‬
‫ربنا ويرضى‪ ،‬أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحححده ل شححريك لححه‪،‬إل ٰحححه‬
‫الوليححن والخريححن‪ ،‬وأشححهد أن محمححدا ً عبححد اللححه‬
‫ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه‪ ،‬بعثه اللححه‬
‫بالهدى ودين الحق بين يدي السححاعة بشححيرا ً ونححذيرا ً‬
‫وداعيا ً إليه بإذنه وسراجا ً منيرا ً‪ ،‬فبلّغ الرسححالة وأدى‬
‫المانة ونصح المة وجاهد في الله حق الجهاد حححتى‬
‫أتاه اليقين وهو على ذلك‪ ،‬فصلى اللححه عليححه وعلححى‬
‫آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبححع سححنته بإحسححان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعدُ‪:‬‬
‫يسر مححن هححذا‬ ‫ه وَت ََعاَلى على ما ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫فنحمد الله ُ‬
‫اللقححاء فححي هححذه الححدروس الححتي تعقحد ُ فححي مسححجد‬
‫الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في المدينة النبوية‪.‬‬
‫ونسححأل اللححه عححزّ وجححل أن تكححون دروس حا ً نافعححة‪،‬‬
‫يحصل بها العلم النافع‪ ،‬ويتبعها العمل الصالح الححذي‬
‫بححه تثبححت القححدم علححى الصححراط المسححتقيم‪ ،‬فححإنه ل‬
‫تثبت قدم أححد علحى الصحراط المسحتقيم إل بهحذين‬
‫الوصفين‪:‬‬
‫• العلم النافع‪.‬‬
‫• والعمل الصالح‪.‬‬
‫مرَ المسححلمون أن‬ ‫فهما الصراط المستقيم الذي أُ ِ‬
‫دَنا‬‫يسححألوه فححي كححل ركعححة مححن صححلواتهم‪﴿ :‬اههه ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫عم َ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط ال ّ ِ‬‫صَرا َ‬ ‫م )‪ِ (6‬‬ ‫قي َ‬ ‫مست َ ِ‬ ‫ط ال ُ‬ ‫صَرا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن)‬ ‫ضههاّلي َ‬‫ول َ ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫هه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ِ‬ ‫ضو ِ‬ ‫مغ ُ‬ ‫ر ال َ‬ ‫م َ‬
‫غي ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي)‪ِ(1‬‬
‫‪ . ﴾(7‬فالصححراط المسححتقيم قِححوامه العلححم النححافع‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الفاتحة )‪.(7-6‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪3‬‬ ‫﴿‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وتمضى‬ ‫والعمل الصالح‪ ،‬وخير ما تبذل فيه الوقات‪ُ ،‬‬
‫فيه السححاعات طلححب العلححم؛ لنححه بححه تزكححو الخلق‬
‫وتصلح العمال وبححه يتحقححق المقصححود والغايححة مححن‬
‫ه وَت َعَححاَلى‪ ،‬كمححا‬ ‫حان َ ُ‬
‫س حب ْ َ‬
‫الوجود‪ ،‬التي هي عبادة اللححه ُ‬
‫س ِإل‬ ‫وال ِإن ْه َ‬
‫ن َ‬ ‫جه ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قه ُ‬ ‫ما َ‬
‫و َ‬
‫قال جححلّ وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ن﴾‪.‬‬
‫دو ِ‬
‫عب ُ ُ‬‫ل ِي َ ْ‬
‫فكلّ من سعى في هذا المر فهو ساٍع إلى الخير‪،‬‬
‫ه عَل َْيح ِ‬
‫ه‬ ‫صحّلى اللح ُ‬ ‫وشححهادة خيححر الخلححق نبينححا محمححد َ‬
‫م كافية في ذلك فقد قال‪)) :‬من يرد الله به‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫خيرا ً يفقهه في الدين(( ‪ .‬والفقححه فححي الححدين‬
‫)‪(2‬‬

‫يشححمل كححل عمححل تُحفححظ بححه الشححريعة مححن حفححظ‬


‫أصولها وفروعها‪ ،‬من حفظ نصوصها وحفظ فهمها‪.‬‬
‫فنسححأل اللحه عححز وجححل أن يسححتعملنا وإيححاكم فححي‬
‫العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وأن يسلك بنا صححراطه‬
‫المستقيم‪ ،‬وأن يثبتنا على هذا الطريق القويم‪.‬‬
‫وفي هذه الليلة نبدأ القراءة في القواعد الفقهيححة‬
‫للشيخ عبد الرحمن بن ناصححر السححعدي رحمححه اللححه‬
‫ة‪ ،‬وهي أبيات نظَمها رحمه الله في أول‬ ‫ة واسع ً‬ ‫رحم ً‬
‫سِني تأليفه‪ ،‬فإنه كتبها في العقد الثالث مححن عمححره‬ ‫ِ‬
‫‪-‬وعمححره ثلث وعشححرون أو مححا قححارب ذلححك‪ ،-‬وقححد‬
‫اعتذر رحمه اللحه فحي النسحخة الخطيحة الحتي كتبهحا‬
‫بيده عن بعض الخلل الواقع في النظم‪ ،‬ولعله أصلح‬
‫أكثر ما وقع من كسر في النظم‪ ،‬ولم يبق إل شححيء‬
‫يسير‪ ،‬لعله ينبه عليه في أثناء القراءة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الذاريات )‪.(56‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬باب من يرد الله به خيرا ً يفقهه في‬ ‫‪2‬‬

‫الدين‪ ،‬رقم الحديث‪. (71) :‬‬


‫مسلم‪ :‬كتاب الزكحاة‪ ،‬بحاب النهحي عحن المسحألة‪ ،‬رقححم الححديث‪) :‬‬
‫‪.(1037‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪4‬‬ ‫﴿‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وقد شرح الشيخ رحمه الله هذه المنظومة‪ ،‬وهححي‬
‫مجموعة قواعححد‪ ،‬شححرحها رحمححه اللححه شححرحا ً وافيحا ً‬
‫واضحا ً سهل ً كسائر كتبه‪ ،‬فإن من مححا تميححز بححه هححذا‬
‫العالم الجليححل سححهولة العبححارة ووضححوحها وجلء مححا‬
‫فيها من المعححاني‪ ،‬وهححذا يلحظححه النسححان إذا طححالع‬
‫كتب هذا العالم الجليل‪ ،‬سححواءً كححانت فححي الفقححه أو‬
‫في أصول الدين أو في التفسير أو في غير ذلك من‬
‫العلوم‪.‬‬
‫وأنصح بقراءة كتبه رحمه اللححه‪ ،‬فححإنه يجمححع خيححرا ً‬
‫كثيرا ًفي كلم قليححل‪ ،‬وه ٰحححذا علححى خلف حححال كححثير‬
‫من المتأخرين؛ فإن أكثر كلم المتأخرين فيححه حشححو‬
‫ل فائدة منححه‪ ،‬ويصححدق عليهححم مححا ذكححره ابححن القيححم‬
‫رحمه الله في وصف كلم المتأخرين حيححث قححال‪" :‬‬
‫كلمهم كثير قليل البركة"‪ .‬بخلف كلم السلف ومن‬
‫سلك سبيلهم فإنه قليل كثير البركة‪ ،‬والشيخ رحمححه‬
‫اللححه تميححز بهححذه الميححزة‪ ،‬ولعححل ذلححك مححن أسححباب‬
‫يلمسها كثير مححن النححاس فححي مؤلفححات‬ ‫َ‬ ‫القبول التي‬
‫الشيخ رحمه الله‪.‬‬
‫نقححرأ هحذه القواعحد‪ ،‬وهححي قواعححد يسحيرة ليسحت‬
‫بكثيرة‪:‬‬
‫منها ما هو قواعد فقهية‪.‬‬
‫ومنها ما هو قواعد أصولية‪.‬‬
‫وسححيأتينا إن شححاء اللححه تعححالى الفححرق بيححن هححذين‬
‫صدرها رحمه الله بمقدمة‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫النوعين من القواعد‪،‬‬
‫شرع بذكر القواعد تباعا ً علححى حسححب أهميححة ه ٰحححذه‬
‫القواعد‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪5‬‬ ‫﴿‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬

‫حيم ِ‬
‫ن الّر ِ‬
‫مٰ ِ‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬

‫ع الشههياء‬ ‫م ِ‬
‫وجهها ِ‬ ‫ي‬ ‫ه العلهه ّ‬ ‫مههدُ للهه ِ‬‫الح ْ‬
‫والمفههههههههههههرق‬
‫ّ‬ ‫ق‬ ‫فههههههههههههههههه ِ‬ ‫الر َ‬
‫والحكم البههاهرة‬ ‫اسههعة‬ ‫ذي ْ الّنعم الوَ‬
‫الكهههههههههههههههثيرة‬
‫الرسههول‬ ‫علههى‬ ‫ة‬‫يههههههههههههههههرَ ْ‬
‫ع‬ ‫ثهههم الصهههلة مههه‬ ‫ّ ِ‬
‫الغز‬
‫مِ‬
‫ب‬ ‫القرش هي الخههات‬
‫الحههائزيّ مراتهه َ ِ‬
‫سههههههههههههلم ٍ دائم‬
‫وصهههههحبهِ‬ ‫وآلهههههه‬
‫هههههههههههههههار‬
‫علمه يزيل الشك‬ ‫الفخ‬ ‫ههههههههههههههههرار ّ‬
‫ن‬ ‫هههههديت أ‬‫البههههم ُ‬
‫اعل‬
‫رنالعبههد‬ ‫عنك والدّ َ‬
‫ويوصههل‬ ‫المنهههههن‬
‫لذي‬ ‫ههههلالحق‬ ‫أفضه‬
‫ويكشف‬
‫المطلهههوب‬
‫إلهههىههة المسههائل‬ ‫جامع‬ ‫القلههههههههههههههههوب‬
‫فهههههاحرص علهههههى‬
‫هههههههههههههوارد‬
‫وتقتفههي سههْبل‬ ‫الشه‬ ‫للقواعهههد‬
‫فهمهههك في العلم‬
‫فترتقي‬
‫وفقهها‬
‫هل العلههم‬ ‫قههد‬‫الههذيأهه‬
‫كتْههب‬ ‫هههههى‬ ‫ههههذهمرتقه‬
‫قواعهههههد‬ ‫هههههر‬
‫وه خيٰههه‬
‫حصهههههلتها‬
‫ع‬‫والعفههههو مهههه ْ‬‫قهههههد‬ ‫نظمتههههها‪ ...‬مههههن‬
‫المهههولى‬ ‫جههههزاهم‬
‫والبههههرححن‬ ‫غفرانهههه‬
‫اللححه الرحم‬ ‫بسم‬ ‫عظيههههم الجهههههر‬
‫الرحيم‬
‫من المناسححب فححي ذكححر النححبي صححلى اللححه عليححه‬
‫وعلححى آلححه وسححلم عنححد افتتححاح القححراءة أن يححذكر‬
‫باسمه‪ ،‬وهذه ملحظة أحب أن أنبه إليها؛ لكثرة من‬
‫يغفل عنها‪ ،‬فإن كححثيرا ً مححن الححذين يقححدمون حححديثهم‬
‫م يححذكرونه‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬‫بالصلة على النبي َ‬
‫بوصفه غير المميز‪ ،‬والسنة دلت على أنه ينبغي في‬
‫الصلة أن يذكر ما يتميز به صلى الله عليححه وسححلم‪:‬‬
‫إما باسمه وهذا أبرز ما يتميز به‪ ،‬أو بوصفه الححذي ل‬
‫يشاركه فيه غيره‪ ،‬كخاتم النبيين‪ ،‬وما أشبه ذلك من‬
‫الوصاف التي اختص بها دون سائر النبيين‪.‬‬
‫فإذا قلت في افتتححاح قراءتححك لكتححاب بعححد الحمححد‬
‫والثناء على الله فقل‪) :‬وصلى الله على نبينا محمد(‬
‫ول تقل فقححط‪) :‬وصححلى اللححه علححى نبينححا وعلححى آلححه‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪6‬‬ ‫﴿‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫م عَ ّل حم‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬ ‫ص حّلى الل ح ُ‬ ‫وصحححبه(؛ لن النححبي َ‬
‫أصحابه الصححلة لمححا سححألوه فقححال لهححم‪)) :‬قولوا‪:‬‬
‫اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كمهها‬
‫صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنههك‬
‫حميد مجيد(()‪ (1‬وكذلك في الدعاء له بالبركة‪.‬‬
‫وهذه مسألة التنبه لها مهم‪ ،‬وإن كان الجميع يعلم‬
‫م ما‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫صلى عليه هو النبي َ‬ ‫أن الم ّ‬
‫فيه إشكال؛ لكن التنصيص على اسمه هو الموافححق‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَعََلى آله وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫لهديه َ‬
‫فإن قصر النسان عن السم فل أقل من أن يأتي‬
‫ف مميّز يميزه عن غيححره‪ ،‬كخححاتم النححبيين‪ ،‬كمححا‬ ‫بوص ٍ‬
‫فعل المؤلف رحمه الله في مقدمة هذا النظم‪.‬‬
‫حيههم ِ(‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬‫قال رحمه الله‪) :‬ب ِ ْ‬
‫فافتتححح هححذه المنظومححة بالبسححملة كسححائر مؤلفححات‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫أن ذلححك هححو الهححدي‬ ‫والسر في البححداءة بالبسححملة ّ‬
‫ه وَت َعَححاَلى افتتححح‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫في كتاب الله جلّ وعل‪ ،‬فإنه ُ‬
‫كلمه بالبسملة؛ فأم الكتاب مفتتحة بالبسملة‪ ،‬وكذا‬
‫كل سورة في الكتاب المبين مفتتحة بالبسملة‪ ،‬عدا‬
‫سورة براءة فإنها لم تكتب فيها البسملة‪.‬‬
‫ثم إن هذا هو هدي النبي صححلى اللححه عليححه وعلححى‬
‫آله وسلم‪ ،‬فإنه كان يفتتح كتبححه ورسححائله وخطابححاته‬
‫سححل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َْيححهِ وَ َ‬ ‫صححّلى اللحح ُ‬ ‫بالبسححملة‪ ،‬فهححدي النححبي َ‬
‫الفتتاح بالبسملة في أول كتبه ورسائله‪.‬‬
‫وعلححى هححذا جححرى عمححل السححلف الصححالح‪ ،‬فححإنهم‬

‫ص حّلى‬ ‫)( البخاري‪ :‬كتاب الدعوات‪ ،‬بححاب الصححلة علححى النححبي َ‬


‫‪1‬‬

‫م‪ ،‬حديث رقم )‪.(6357‬‬‫سل ّ َ‬


‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫ه عَل َْيح ِ‬
‫ه‬ ‫صحّلى اللح ُ‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الصلة‪ ،‬باب الصلة على النبي َ‬
‫م بعد التشهد‪ ،‬حديث رقم )‪.(406‬‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪7‬‬ ‫﴿‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫رحمهم الله كانوا يفتتحون كتبهم بالبسملة‪.‬‬
‫فالفتتححاح بالبسححملة سححنة قرآنيححة نبويححة سححلفية؛‬
‫فينبغححي للنسححان أن يحححرص علححى هححذه السححنة وأل‬
‫يفرط فيها‪.‬‬‫ّ‬
‫ثححم الكلم علححى البسححملة مححن حيححث هححي كلم‬
‫مشهور معروف‪ ،‬ومتكرر‪ ،‬ولذلك أنصح طالب العلم‬
‫أن يضبط الكلم في البسملة؛ لن كل عححالم يتكلححم‬
‫بشرح كتاب يقدّم بذكر شححيء عححن البسححملة‪ ،‬فمححن‬
‫المناسب أن تكون مستحضرا ً ما هو أصل فححي هححذه‬
‫البسملة‪.‬‬
‫فأول ما نذكره ونححذكر شححيئا ً يسححيرا ً والكلم علححى‬
‫البسملة مطول ولكن نذكر شيئا ً يسيرًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬هحححل البسحححملة جملحححة أو ل؟ هحححي جملحححة‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫وتعرفححون أن الجملححة تنقسححم إلححى جملححة اسححمية‬
‫وجملة فعلية‪.‬‬
‫هل البسملة جملة اسمية أو جملححة فعليحة؟ عنححدنا‬
‫في البسملة قححولن‪ ،‬وهمححا قححولن مشححهوران لهححل‬
‫العلم‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنهححا جملححة اسححمية‪ ،‬وهححذا اختيححار‬
‫شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أنها جملة فعلية‪.‬‬
‫وما الذي يحدد هححل هححي اسححمية أو فعلي حة؟ الححذي‬
‫يحدد ذلك هو متعلحق الجحار والمجححرور‪ ،‬فحإن قحوله‪:‬‬
‫سم ِ( يتكون من أمرين‪:‬‬ ‫)ب ِ ْ‬
‫• الباء وهي حرف جر‪.‬‬
‫• وكلمة )اسم( وهو اسم مجرور‪.‬‬
‫واعلم أن كل جار ومجرور ل بححد لححه مححن متعلححق‪،‬‬
‫فما هو متعلق هذه البسملة؟‬
‫دَرهُ باسم قال‪ :‬إن الجملة اسمية‪.‬‬ ‫من قَ ّ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪8‬‬ ‫﴿‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ومن قدره بفعل قال‪ :‬إن الجملة فعلية‪.‬‬
‫والصحيح أنه جملة فعليحة‪ ،‬وهححو الححذي عليححه أكححثر‬
‫أهل النحو‪ ،‬أن متعلق البسملة فعل‪.‬‬
‫فإذا قلنا‪ :‬إنّ متعلق البسملة اسححم صححارت جملححة‬
‫اسمية‪ ،‬وإذا قلنححا‪ :‬إن المتعلححق فعححل صححارت جملححة‬
‫فعلية‪.‬‬
‫ما هو الفعل المقدر؟ الفعل المقححدر قححدّره بعححض‬
‫أهل العلم بقوله‪ :‬أبدأ‪ ،‬بسم الله أبدأ‪ ،‬في كل مححورد‬
‫جاءت فيه البسملة‪.‬‬
‫فإذا دخلت المسجد تقول‪ :‬بسم الله أبدأ‪.‬‬
‫إذا أكلت تقول‪ :‬بسم الله – المتعلق )أبدأ(‪.‬‬
‫إذا قححرأت نحححن نقححرأ الن‪ ،‬بسححم اللححه الرحمححن‬
‫الرحيم‪ ،‬ما هو المتعلق؟ أبدأ‪ ...‬و هلم جرًّا‪.‬‬
‫جعل حوا المتعلححق فححي جميححع الحححوال واحححد ًا وهححو‬
‫الفعل )أبدأ(‪.‬‬
‫والصحيح أنّ الفعل المقدّر لا بد أن يكون مناسبًا؟‬
‫أنه يناسب حال القائل‪.‬‬ ‫بمعنى ّ‬
‫فالذي يدخل المسححجد مححا النسححب فححي التقححدير؟‬
‫أبدأ أو أدخل؟ أدخل‪.‬‬
‫الذي يقرأ ما النسب في التقدير؟ أقرأ‪.‬‬
‫الذي يكتب ما النسب في التقدير؟ أكتب‪.‬‬
‫الذي يأكححل مححا النسححب فححي التقححدير؟ بسححم اللححه‬
‫آكل‪ ،‬وكذلك أشرب‪.‬‬
‫حيث ما وردت فينظر إلى فعل مناسب‪.‬‬
‫إذا ً عرفنا أن المتعلححق فعححل‪ ،‬وأنححه مناسححب‪ ،‬وخححذ‬
‫ثالثة‪ ،‬وهي أن يكون مؤخرا ً؛ يعني ما نقححدره مقححدّما‬
‫على البسملة‪ ،‬تقدره مؤخرا ً فتقول‪ :‬بسم الله أقرأ‪،‬‬
‫ما نقول‪ :‬أقرأ بسم الله‪.‬‬
‫لماذا؟ للتيمّن وطلححب البركححة بالبححداءة بسححم اللححه‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫‪9‬‬ ‫﴿‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫السر في جعل الفعل المقححدّر‬ ‫ّ‬ ‫تعال ٰى‪،‬واضح؟ هذا هو‬
‫المناسب مؤخرًا‪.‬‬
‫هذه البسملة تضمنت ثلثة أسماء من أسماء اللححه‬
‫ن(‪،‬‬ ‫مٰٰٰ ِ‬
‫ح َ‬‫عزّ وجل‪ :‬السم الول )الله(‪ ،‬والثاني )الّر ْ‬
‫حيم ِ(‪ ،‬وهححذه الثلثححة السححماء أسححماء‬ ‫والثالث )الّر ِ‬
‫عظيمة للرب جلّ وعل‪ ،‬أعظمها اسم )اللححه( الححذي‬
‫قيل إنححه السححم العظححم‪ ،‬والححذي ترجححع إليححه جميححع‬
‫السماء‪ ،‬فهو متضمّن لجميع معاني السححماء‪ ،‬فكححل‬
‫اسم من أسماء الله عزّ وجل يدل على هححذا السححم‬
‫إما بالتضمن أو باللتزام‪.‬‬
‫ماذا نقصححد بالححدللت فححي القواعححد المثلححى؟ كححم‬
‫دللات اللفححاظ؟ ثلث‪ ،‬تححرى العلححم مرتبححط‪ ،‬قواعححد‬
‫فقهية‪ ،‬عقيدة‪ ،‬العلححم حيثمححا طححالعته مححا فيححه حححدود‬
‫فاصلة تمنع التداخل‪ ،‬العلم متداخل‪.‬‬
‫إذا ً نقول‪ :‬إنّ كل اسم من أسحماء اللحه عحز وجحل‬
‫يدل على أي شيء؟‬
‫يححدل علححى هححذا السححم العظيححم وهححو )اللححه( إمححا‬
‫بالتضمن أو باللتزام‪ ،‬والغلب دللته عليه بححاللتزام‪.‬‬
‫طيب وما معنى هذا السم؟‬
‫هذا السم مشتق‪ ،‬ومن أين اشتقاقه؟‬
‫من )إل ٰحه(‪ ،‬فالصل في اسم الله هو )الإل ٰحه(‪.‬يعني‬
‫الصححل‪ :‬باسححم اللححه‪ ،‬طيححب أيححن راحححت الهمححزة؟‬
‫سقطت‪ ،‬ما الذي أسقطها؟ كثرة الستعمال‪.‬‬
‫هل لهذا نظير في لغة العرب؟ الجححواب‪ :‬نعححم لححه‬
‫نظير‪ ،‬ما نظيره؟ وصفنا إيش أو اسمنا إيش؟‬
‫الّناس أصلها إيححش؟ أنححاس‪ ،‬هححل منححا أحححد يقححول‪:‬‬
‫الناس جاؤوا‪ ،‬الناس فعلوا؟ أو يقول‪ :‬الناس قالوا‪،‬‬
‫الناس فعلوا‪ ،‬الناس جاؤوا؟ أين ذهبت الهمزة؟ أين‬
‫ذهبت؟ ذهبححت‪ ،‬سححقطت لكححثرة السححتعمال‪ ،‬كححذلك‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪10‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫لفظ الجللة الله أصله الله وسقطت همزتححه لجححل‬
‫كثرة الستعمال‪.‬‬
‫وما معنى هذا السم؟ )الله (‪.‬‬
‫لفظ نقوله في اليححوم مححرات عديححدة فمححا معنححاه؟‬
‫ة‬
‫معناه المألوه‪ ،‬وما معنى المألوه؟ أي المعبود محب ً‬
‫وتعظيما ً‪.‬‬
‫ه( أي باسححم المعبححود محبححة‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬‫فإذا قلتَ‪) :‬ب ِ ْ‬
‫وتعظيما ً‪.‬‬
‫إذا قلحححت‪ :‬الحمحححد للحححه حمحححدت المعبحححود محبحححة‬
‫وتعظيما ً‪ ،‬وهو الله جلّ وعل‪ ،‬ول بد يا أخي أن يكون‬
‫لك انتباه إلى معاني اللفاظ المتكررة التي تلهج بها‬
‫وتقولها دائما ً؛ لن الغفلة عن هححذه المعححاني تححذهب‬
‫ثمرتها‪.‬‬
‫فالححذي يقححول‪ :‬سححبحان اللححه ول يححدري مححا معنححى‬
‫التسبيح‪ ،‬أو يقححول‪ :‬الحمححد للححه ول يححدري مححا معنححى‬
‫الحمد لله‪ ،‬أو يقول‪ :‬الله أكبر ول يدرك معنححى هححذا‪.‬‬
‫هل يحصل له ثمححرة هحذه الذكحار‪ ،‬وهححل يحصححل لحه‬
‫نفعها؟ الجواب‪ :‬ل‪.‬‬
‫ولححذلك عححاب اللححه سححبحانه وتعححالى علححى الححذين‬
‫يقححرؤون القححرآن ول يتححدبرونه؛ لنهححم لححم يحصححلوا‬
‫ب‬ ‫ه َر ّ‬ ‫مدُ لل ّ ِ‬ ‫مقصوده؛ ليس المقصود أن نقرأ‪﴿ :‬ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫وم ِ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫حيم ِ ()‪َٰ 3‬مل ِ ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫حم ِ‬ ‫ن )‪ (2‬الّر ْ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪(1)،﴾(4‬ول نححدري مححا مضححامين هححذه الجمححل‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫العظيمة‪ ،‬فقححال سححبحانه وتعححالى‪﴿ :‬أ َ‬
‫فل ي َت َهدَب ُّرو َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ههها )‪،﴾(24‬‬ ‫فال ُ َ‬
‫ق َ‬‫ب أَ ْ‬
‫قُلههو ٍ‬ ‫عل َههى ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫قههْرآ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ك‬ ‫ب َأنَزل َْنههههاهُ إ ِل َْيهههه َ‬ ‫وقححححال جححححلّ وعل‪﴿ :‬ك َِتهههها ٌ‬
‫ه‬‫ك﴾ لماذا؟ هححل ليقححرؤوه؟ ل؛ ﴿ل َّيهدّب ُّروا آَيهات ِ ِ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الفاتحة )‪.(4-2‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬محمد )‪.(24‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪11‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪ (1)،﴾(29‬وعححاب اللححه‬ ‫ول ِي َت َ هذَك َّر أول ُههوا الل ْب َهها ِ‬ ‫َ‬
‫ه وَت َعَحححالى أولئك الحححذين قصحححروا أفهحححامهم‬ ‫َ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سحححب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫وعقححولهم واهتمححامهم علححى القححراءة اللفظيححة دون‬
‫م‬ ‫هه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ه وَت َعَححاَلى‪َ ﴿ :‬‬ ‫حان َ ُ‬
‫س حب ْ َ‬‫القراءة المعنوية‪ ،‬فقال ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫هه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ي َ‬ ‫مههان ِ ّ‬ ‫ب ِإل أ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مّيو َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ي﴾ يعنححي إل‬ ‫مههان ِ ّ‬ ‫ن﴾ مححا معنححى ﴿ِإل أ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ِإل ي َظُّنههو َ‬
‫قراءة‪ ،‬فوصفهم الله عححزّ وجححل بهححذا الوصححف وهححو‬
‫ن﴾ ومححن هححو المححي؟ الححذي ل يقححرأ ول‬ ‫ُ‬
‫مّيو َ‬ ‫أنهححم ﴿أ ّ‬
‫يكتب‪ ،‬المنسوب إلى أمححه؛ يعنححي الححذي حححاله كيححوم‬
‫والل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ولححدته أمححه ل يعححرف القححراءة ول الكتابححة‪َ ﴿ ،‬‬
‫ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫شي ًْئا‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ل َ تَ ْ‬ ‫هات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫من ب ُ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬
‫﴾‪ (3)،‬فالمي هو الذي يقرأ القححرآن ول يححدرك معنححاه‪،‬‬
‫وإن كحححان أجحححود النحححاس فحححي مخحححارج الححححروف‪،‬‬
‫وأجودهم في إتقان القححراءة‪ ،‬هححذا إذا كححان ل يححدرك‬
‫م‬ ‫هه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫المعنححى فهححو يصححدق عليححه قححوله تعححالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ُ‬
‫ب﴾ ثم استثنى فقال‪ِ﴿ :‬إل‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫مّيو َ‬ ‫أ ّ‬
‫ي﴾ إل القراءة‪ ،‬وهل هذا على وجه المدح له أو‬ ‫َ‬
‫مان ِ ّ‬ ‫أ َ‬
‫على وجه الذم؟ سيق هذا الخبر علححى وجححه الححذم ل‬
‫على وجه المدح‪.‬‬
‫ن بححإدراك المعححاني فححإنه‬ ‫فعلم بذلك أن من لم يعت ِ‬
‫لم يحصل المقصود‪ ،‬وهذه مهمة يححا إخححواني‪ ،‬مهمححة‬
‫لنا في قراءتنا في كتاب الله‪ ،‬وفي قراءتنا في سنة‬
‫م‪ ،‬وفححي قراءتنححا‬ ‫س حل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬ ‫ص حّلى الل ح ُ‬ ‫رسول الله َ‬
‫للذكار التي نرددها صباح مساء‪ ،‬ونحححن ل نححدري ول‬
‫ندرك معاني هذه الذكار‪.‬‬
‫الن لفظ الجللة )اللحه( هحذا السحم العظيحم محن‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬ص )‪.(29‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(78‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النحل )‪.(78‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪12‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫مححتى نسححمعه؟ نسححمعه ونحححن صححغار قبححل التمييححز‬
‫ونردده كثيرا ً؛ لكننا ل نعلم أو كثير منا ل يعلم معنى‬
‫هذا السم العظيم‪.‬‬
‫فإدراك معاني السماء يحصل بها كمححال العبوديححة‬
‫لله عز وجل‪ ،‬ويحصل بها ما أمر الله به فححي قححوله‪:‬‬
‫ههها﴾‪ (1).‬كيححف‬ ‫سَنى َ‬ ‫ماءُ ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬
‫عوهُ ب ِ َ‬ ‫فادْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫س َ‬‫ه ال ْ‬ ‫﴿ َ‬
‫تدعوه بها؟ يعني تتعبد له بهححا‪ ،‬وكيححف تتعبححد لححه بهححا‬
‫وأنت ل تدرك معناها ول تعرف محتواها‪.‬‬
‫هذا أمر مهم يجب التنبه له‪.‬‬
‫حيههم ِ( هححذان اسححمان‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫مٰٰٰ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ثححم قححال‪) :‬الّر ْ‬
‫عظيمان من أسماء الله عححز وجححل‪ ،‬وهمححا مشححتقان‬
‫من الرحمة‪ ،‬كل السمين يدل علححى صححفة الرحمححة؛‬
‫ن( أخحححص محححن وجحححه‪،‬‬ ‫مٰٰٰٰ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫لكحححن اعلحححم أن )الّر ْ‬
‫يدل على‬‫ّ‬ ‫ن(‬
‫مٰ ِ‬‫ح َ‬ ‫حيم ِ( أخص من وجه‪ ،‬فح)الّر ْ‬ ‫و)الّر ِ‬
‫الرحمة؛ لكنه يدل على الصفة القائمححة بححالرب جححلّ‬
‫وعل‪ .‬واضح؟‬
‫حيم ِ( فهو يدلّ على الفعل‪.‬‬ ‫وأما )الّر ِ‬
‫وهذا أجود ما قيل في التفريق بين هذين السمين‬
‫ن( دال على أي شححيء؟ دال‬ ‫مٰ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫العظيمين‪ :‬أن )الّر ْ‬
‫دال على الفعل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حيم ِ(‬ ‫على الصفة‪ ،‬وأنّ )الّر ِ‬
‫وخذ دليل ذلك‪:‬‬
‫جل وعل لما أراد الخبار عن صححفة تقححوم بححه‬ ‫ّ‬ ‫فإنه‬
‫ش‬‫عههْر ِ‬ ‫عَلههى ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مهه ُ‬ ‫ح َ‬‫محححاذا قحححال؟ قحححال‪﴿ :‬الّر ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫وى﴾‪.‬‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫ولما أراد بيان إيصال هذه الرّحمة لعباده قال جححل‬
‫ً )‪(3‬‬
‫حيما ﴾‪.‬‬ ‫ن َر ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬‫وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬العراف )‪.(180‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬طه )‪.(5‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الحزاب )‪.(43‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪13‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وإن كان الوصفان كلهما يدلّ على صفة الرحمة‪.‬‬
‫وقد جاء السم )الرحم ٰحن( على صيغة فعلن التي‬
‫تدل على أي شيء؟ تدل على المتلء والسححعة فححي‬
‫هذه الصفة‪.‬‬
‫وجاء )الرحيم( علححى صححيغة فعيححل بمعنححى فاعححل‪،‬‬
‫فححالرحيم علححى وزن فعيححل وهححو بمعنححى فاعححل‪ ،‬أي‬
‫الذي يوصل الرحمة إلى عباده‪.‬‬
‫وبهححذا نكححون قححد أشححرنا إلححى بعححض مححا تضححمنته‬
‫البسملة من مسائل‪ ،‬ومححن أراد الزيححادة فكلم أهححل‬
‫العلم كثير في هذا البحث‪.‬‬
‫ننتقل إلى ما اجتمعنا لجله من القححراءة والتعليححق‬
‫على كتاب القواعد الفقهية‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬
‫ع الشهههياء‬ ‫م ِ‬
‫وجههها ِ‬ ‫ي‬‫ه العلهه ّ‬ ‫مههدُ للهه ِ‬‫الح ْ‬
‫قححد‬ ‫والمفههههههههههههر بع‬
‫ق اللححه هححذه المنظومححة ّ‬
‫حه‬‫فهههههههههههههههههح ِ‬
‫حدأ المؤلححف رحم‬ ‫ابتحْر َ‬
‫ال‬
‫مدَ‪.‬‬ ‫البسملة بحمد الله جلّ وعل‪ ،‬وهو أحق من حُ ِ‬
‫د( هو ذكر المحمود بصفات الكمال محبححة‬ ‫م ُ‬‫و)الح ْ‬
‫وتعظيما ً‪ .‬هذا تعريف الحمد‪ :‬ذكر المحمححود بصححفات‬
‫الكمال محبة وتعظيما ً‪.‬‬
‫وهححو أكمححل مححن تعريححف مححن عححرف الحمححد بححأنه‪:‬‬
‫الوصف والثناء بالجميل‪.‬‬
‫فإن ذلك قاصر‪ ،‬والحمد أعظم من هذا‪ ،‬فهو ذكححر‬
‫المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيم حا ً‪ ،‬وهححو حححق‬
‫لله جلّ وعل‪.‬‬
‫ه‬‫حان َ ُ‬
‫سحب ْ َ‬‫ولذلك ل أحد أحب إليححه المحدح مححن اللحه ُ‬
‫وَت ََعاَلى؛ لنه المستحق للحمد‪ ،‬فله الحمد كله‪ :‬أولححه‬
‫وآخره‪ ،‬ظاهره وباطنه جلّ وعل‪.‬‬
‫وحمده على كل ما يكون منه‪ ،‬فهو المحمود علححى‬
‫أسمائه الحسنى‪ ،‬وهو المحمححود علححى صححفاته العل‪،‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 14‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وهو المحمود على أفعححاله الجميلححة‪ ،‬وهححو المحمححود‬
‫في كل ما يكون منه جل وعل‪.‬‬
‫ولححذلك اسححتدل ابححن القيحم رحمححه اللححه مححن هححذه‬
‫اللفظة على إثبات السماء الحسنى والصححفات العلا‬
‫جل وعل‪ ،‬من كلمحة )الحمحد‬ ‫ّ‬ ‫والفعال الجميلة للرب‬
‫لله( فقط؛ لنه من الذي يحمد؟ مححن الححذي يسححتحق‬
‫الحمد؟ من كانت أسمائه حسنى‪ ،‬ومن كانت صفاته‬
‫عليححا‪ ،‬ومححن كححان فعلحه جميل ً‪ ،‬ول أحححد أوفححى بهححذه‬
‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه‬ ‫س كَ ِ‬ ‫جل وعل‪﴿ :‬ل َي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫الصفات وأحق بها من الله‬
‫ه‬ ‫﴿َلهه ُ‬ ‫صههيُر )‪،﴾(11‬‬ ‫ع الب َ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫سه ِ‬ ‫و ال ّ‬ ‫ههه َ‬ ‫و ُ‬ ‫يء ٌ َ‬ ‫شهه ْ‬ ‫َ‬
‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫)‬

‫عل َههى﴾‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ل ال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مث َه ُ‬ ‫ول َه ُ‬ ‫سَنى﴾‪َ ﴿ ،‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ماء ال ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ْ‬
‫)‪(3‬‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬

‫جل وعل أي وله الصفة العليا سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ّ‬


‫د( أتى باللف واللم فححي أولححه لسححتغراق‬ ‫م ُ‬ ‫و)الح ْ‬
‫جميع المحامد‪ ،‬فكل الحمد لله عز وجل‪ ،‬كل الحمححد‬
‫ه وَت ََعححاَلى‪ ،‬فححاللف واللم فححي قححوله‪:‬‬ ‫حان َ ُ‬‫سححب ْ َ‬ ‫لححه ُ‬
‫د( لستغراق جميع المحامححد‪ ،‬فهححي لححه حححق‪،‬‬ ‫م ُ‬ ‫)الح ْ‬
‫ه وَت ََعاَلى‪.‬‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬‫وهو لها مستحق ُ‬
‫ه( تقدم الكلم عليه‪.‬‬ ‫)لل ِ‬
‫ه‬ ‫حان َ ُ‬‫سححب ْ َ‬‫ق( هححذان وصححفان للححه ُ‬ ‫فه ِ‬ ‫ي الْر َ‬ ‫)العل ه ّ‬
‫ه‬‫حان َ ُ‬‫س حب ْ َ‬‫ي( مححن أوصححافه وأسححمائه ُ‬ ‫وَت ََعاَلى‪ ،‬و)العل ّ‬
‫وَت ََعاَلى‪ ،‬وبه نثبت لله عز وجل‪:‬‬
‫• علو الذات‪.‬‬
‫• وعلو القهر‪.‬‬
‫• وعلو القدر‪.‬‬
‫كححل هححذه النححواع الثلثححة نثبتهححا لححه مححن قححوله‪:‬‬
‫ي(‪ .‬واضح؟‬ ‫)العل ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الشورى )‪.(11‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬طه )‪ ،(8‬الحشر )‪.(24‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الروم )‪.(27‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪15‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫أما علو الذات‪ ،‬فأدلته كثيرة مححن الكتححاب والسححنة‬
‫والجماع والعقل والفطرة‪.‬‬
‫فهههي‬ ‫مهههن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منُتهههم ّ‬ ‫قحححال اللحححه جحححلّ وعل‪﴿ :‬أأ ِ‬
‫ماء﴾)‪ .(1‬أي من في العلو أو من عل حى السححماء‪،‬‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫هذا وهذا كلهما يؤدي نفس المعنى‪.‬‬
‫عَلههى﴾‪،‬‬ ‫َ‬
‫ل ال ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مث َ ُ‬ ‫ول َ ُ‬
‫وأما علو القدر فدليله‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪(2‬‬

‫هذا علو القدر‪ ،‬له الصفة العليا‪.‬‬


‫)‪(3‬‬
‫ه﴾‬
‫عَباِد ِ‬
‫وق َ ِ‬ ‫ف ْ‬‫هُر َ‬ ‫قا ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫وعلو القهر دليله‪َ ﴿ :‬‬
‫ه وَت ََعاَلى‪.‬‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫ق( هححذا فيححه هححذا الوصححف للححرب‬ ‫ف ِ‬‫ثم قال‪) :‬الْر َ‬
‫جل وعل‪ ،‬فإنّ الله رفيق يحب الرفق في المر كلححه‬ ‫ّ‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والرفق صفة له‪ ،‬ومن علمات ودلئل هذه الصفة‬
‫ما قضاه سبحانه وتعالى وقححدره مححن خلححق الشححياء‬
‫بالتدريج‪ ،‬فإن هححذا مححن رفقححه سححبحانه وتعححالى فححي‬
‫خلقه وأمره‪.‬‬
‫ع الشهههياء‬ ‫م ِ‬ ‫ثحححم قحححال رحمحححه اللحححه‪) :‬وجههها ِ‬
‫والمفرق( وهذا من بححديع مححا اسححتهل بححه المؤلححف‬ ‫ّ‬
‫رحمه الله هذه المنظومة‪ ،‬حيث أشار إلى مضمونها‬
‫ع الشههياء والمفههرّق(‪ ،‬فححإن‬ ‫م ِ‬
‫فححي قححوله‪) :‬وجهها ِ‬
‫القواعد تجمع متشححابهات ونظححائر وأشححباهًا‪ ،‬وتفححرق‬
‫بينها وبين ما يخالفها في الوصاف‪ ،‬فل يدخل فيها‪.‬‬
‫فهو إشارة إلحى مححا تضححمنته هحذه المنظومحة محن‬
‫ع الشههياء‬ ‫م ِ‬ ‫القواعححد‪ ،‬فححإنه أشححار بقححوله‪) :‬وجهها ِ‬
‫والمفرق( إلى صفة القواعد‪ ،‬فإن القواعد يحصححل‬ ‫ّ‬
‫بها هذا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الملك )‪.(16‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الروم )‪.(27‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النعام )‪.(18‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪16‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وي‬ ‫ه وَت َعَححاَلى يجمححع بيححن أمححور فيسح ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سحب ْ َ‬‫واللححه ُ‬
‫بينها‪ ،‬ويفرق بيححن أمححور فل يسححوّي بينهححا‪ ،‬فححالواجب‬
‫وي بين ما سوى الله عز وجححل بينححه‪،‬‬ ‫في هذا أن نس ّ‬
‫وأن نفححرّق بيححن مححا فححرق اللححه جححلّ وعل بينححه مححن‬
‫المور‪.‬‬
‫هرة(؛ )ذي(‬ ‫اسعة الغزِيه َ‬ ‫ِ‬ ‫ثم قال‪) :‬ذي الّنعم الوَ‬
‫بمعنى صاحب‪ ،‬فهو صاحب النعم جلّ وعل‪.‬‬
‫ونعمه متصفة بوصفين‪ :‬واسعة وغزيرة‪:‬‬
‫الواسعة هذا وصف كمي أو كيفي؟ كيفي واسعة‪،‬‬
‫ولو كانت نعمة واحدة‪.‬‬
‫والغزيرة كمي أو كيفي؟ كمي‪ ،‬فهي كثيرة‪.‬‬
‫ه‬
‫حان َ ُ‬ ‫سححب ْ َ‬ ‫وهححذان الوصححفان مححن أوصححاف نعمتححه ُ‬
‫وَت ََعاَلى‪:‬‬
‫فهي واسححعة شححملت خلقححه‪ ،‬فمححا مححن مخلححوق إل‬
‫ه وَت ََعحاَلى تحدركه‪ ،‬هحذا محن جهحة‬ ‫حان َ ُ‬
‫سحب ْ َ‬ ‫ونعمة اللحه ُ‬
‫السعة‪.‬‬
‫ه‬‫حان َ ُ‬ ‫س حب ْ َ‬‫وأما من جهة الكثرة فما أكححثر نعححم اللححه ُ‬
‫دوا‬ ‫ع ّ‬ ‫وِإن ت َ ُ‬ ‫وَت ََعاَلى على عباده‪ ،‬كما قال جلّ وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫ه وَت َعَححاَلى‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫ها ﴾ ‪ .‬فنعمه ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه ل َ تُ ْ‬ ‫ة الل ّ ِ‬‫م َ‬
‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫كثيرة‪ ،‬يعجز الذهن عن حصرها وعدّها وإدراكها؛ بل‬
‫هي متنوعة كثيرة في الجنححاس والنححواع والصححناف‬
‫والفراد‪ ،‬وليس للعبد إل أن يسححلّم للححرب وأن يثنححي‬
‫عليه بهذه النعم‪ ،‬وأن يشكره عليها‪.‬‬
‫أما عدها وحصرها فححإنه ل سححبيل إلححى ذلححك‪ ،‬كمححا‬
‫ه﴾ فمححا‬ ‫ة الل ّه ِ‬ ‫مه َ‬‫ع َ‬
‫دوا ن ِ ْ‬
‫ع ّ‬
‫وِإن ت َ ُ‬‫قال اللححه جل ّ وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫ها﴾‪ ،‬يمكححن أن تعححد‪ ،‬تقححول‪:‬‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫هي الحححال؟ ﴿ل َ ت ُ ْ‬
‫نعمححة البصححر‪ ،‬نعمححة السححمع‪ ،‬نعمححة العقححل‪ ،‬نعمححة‬
‫السلم‪ ،‬نعمة الحركة‪ ،‬نعمة الشم‪ ،‬و هلم جرًّا؛ لكن‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪:‬إبراهيم )‪ ،(34‬والنحل )‪.(18‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪17‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫هل نحصيها؟ ل نحصيها‪ ،‬فالعد ممكن؛ لكن الحصححاء‬
‫متعذر ومستحيل‪ ،‬ولذلك نفى الله عز وجل الحصاء‬
‫وأثبت العدّ‪.‬‬
‫ثححم قححال‪) :‬والحكههم البههاهرة الكههثيرة( فهححو‬
‫ه وَت ََعاَلى حكيم‪ ،‬وأنححت‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫المنعم‪ ،‬وهو في نعمته ُ‬
‫انظر يا أخي إلى هحذه الصحفة العظيمحة للحرب جحل‬
‫ه وَت ََعاَلى ل يفعل شيئا ً ول‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫وعل لتدرك أن الله ُ‬
‫يححأمر بشححيء إل لحكمححة‪ ،‬فلححه الحكمححة البالغححة فححي‬
‫خلقه‪ ،‬وله الحكمة البالغة في أمره‪.‬‬
‫له الحكمة البالغة في جميع ما خلق‪ ،‬كل ما خلقححه‬
‫ه‬
‫حان َ ُ‬
‫سحب ْ َ‬‫ه وَت َعَححاَلى‪ ،‬كححل مححا أوجححده اللحه ُ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سحب ْ َ‬
‫الله ُ‬
‫وَت ََعاَلى من خير أو شر فله فيه حكمححة؛ وكححذلك كححل‬
‫ه وَت ََعاَلى له فيه حكمة‪.‬‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫ما شرعه ُ‬
‫لكن ‪-‬اعلم بارك الله فيك‪ -‬أن الحكمححة ل تسححتقل‬
‫عقولنا بإدراكها علححى وجححه التحقيححق‪ ،‬وهححذه مسححألة‬
‫مهمة ضححرورية أن نفهمهححا وأن نححدركها‪ ،‬وأن ننقلهححا‬
‫إلححى غيرنححا؛ أن الحكححم فححي خلححق اللححه ‪-‬يعنححي فححي‬
‫مخلوقحححاته‪ -‬والحكحححم فحححي شحححرعه ‪-‬يعنحححي فحححي‬
‫مشروعاته‪ -‬ندرك بعضها‪ ،‬ويخفى علينححا كححثير منهححا‪،‬‬
‫فل نحيط بحكمة اللححه عححز وجححل فححي خلقححه وأمححره‬
‫على وجه التفصيل‪.‬‬
‫وهذا يسلّمك من كثير مما يسأل عنححه السححائلون‪:‬‬
‫ما الحكمة من كذا؟ فنقححول‪ :‬هنححاك حكمححة‪ ،‬مححا مححن‬
‫شيء في هذا الكون إل له حكمة‪ ،‬ما من شيء أمر‬
‫الله به إل له حكمة؛ لكن عقولنححا تقصححر عححن إدراك‬
‫الحكمة‪ ،‬عقولنا ل تستقل بمعرفة تفاصيل ما قضححاه‬
‫ل وعل‬ ‫الله جلّ وعل وقدره‪ ،‬ول بما أمر به وحكم جح ّ‬
‫في شرعه‪.‬‬
‫وهححذه المسححألة مهمححة للغايححة‪ ،‬ل سححيما فححي هححذا‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪18‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫العصر الذي أصبح النسان يقدس العقححل فححي كححثير‬
‫مححن الحيححان‪ ،‬حححتى إن بعححض النححاس بُلححي فجعححل‬
‫الشرع تابعا ً للعقل‪ ،‬فل يعمل بشيء ول يقبححل خححبرا ً‬
‫إل ويسأل‪ :‬ما الحكمة؟‬
‫نقول‪ :‬يا أخي هححل عقلححك أدرك الحكمححة مححن كححل‬
‫شيء؟ في أمور الدنيا‪ ،‬أمورنا نحن التي نفعلها فححي‬
‫أفعالنا‪ ،‬هل ندرك الحكمة في كل ما يكححون منححا؟ ل‪.‬‬
‫فمححا بححالكم بححالله جححلّ وعل العليححم الخححبير الححذي ل‬
‫تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫فيجب على المؤمن أن يس حلم بالقاعححدة الصححلية‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أنه ما من شيء من الخلق ول من الشححرع إل‬
‫وفيه حكمححة للححه جححلّ وعل؛ لكححن مححا هححي الحكمححة؟‬
‫نجتهد في التوصل إليها‪ ،‬فما وفقنا إليه فالحمد للححه‪،‬‬
‫مححع أننححا نقححول‪ :‬إننححا لحم نححدرك الحكمححة علححى وجححه‬
‫م ما ل نححدركه‪ ،‬ول نقححف‬ ‫النهاية‪ ،‬فقد يكون من الحِكَ ِ‬
‫عليه‪ ،‬وهو من الحكم المقصودة للشارع‪.‬‬
‫فالمؤلف رحمه الله يقول‪:‬‬
‫)والحكم الباهرة( الححتي تبهححر العقححول وتتعجححب‬
‫منها العقول‪ ،‬هذا فيما أدركناه‪) ،‬الكثيرة( في العدد‬
‫فالباهرة هذا في وصفها‪ ،‬والكثيرة في عددها‪ ،‬فهححي‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله بعد أن أثنى على اللححه عححز وجححل‬
‫بما تقدم‪ ،‬وقوله‪) :‬الحكم( هذا فيه إشححارة إلححى أن‬
‫القواعد يستفاد منها معرفة الحكم‪ ،‬وهذا أمر تتميححز‬
‫به القواعد الفقهية عن القواعد الصولية‪.‬‬
‫القواعد الفقهيححة تُعححرف بهححا الحكححم الشححرعية‪ ،‬أمّ حا‬
‫القواعححد الصححولية فإنهححا ل تفيححدك معرفححة الحكححم‬
‫كما سيأتي إن شاء الله تعححال ٰى بيححانه فححي‬ ‫الشرعية‪،‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪19‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫التفريححق؛ عنححد ذكححر الفححرق بيححن القواعححد الصححولية‬
‫والقواعد الفقهية‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫علههههى الرسههههول‬ ‫ّثهههم الصهههلة مههه ْ‬
‫ع‬
‫لنت َم‬
‫اللِححه‬ ‫الخهها‬ ‫حلم؛‬ ‫ي‬ ‫القرش ه‬
‫السح ّ‬ ‫م ِححلة قبححل‬ ‫بدأ دائ‬
‫بالص‬ ‫سههههههههههههلم ٍ‬
‫)ّثم الصلة(‬
‫َ‬
‫من ُههوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّه ِ‬‫أمححر بالصححلة قبححل فقححال‪َ﴿ :‬يا أي ّ َ‬
‫ً )‪(1‬‬
‫سِليما ﴾‪.‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫و َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫صّلوا َ‬ ‫َ‬
‫فبدأ بالصلة لبداءة الله بها ثم أتى بالسلم‪ ،‬لكون‬
‫الله جل وعل أمر بالمرين‪ :‬بالصلة والسلم‪.‬‬
‫والصلة ما معناها؟ كلنحا نقحول‪ :‬اللهحم صحلّ علحى‬
‫محمد‪ ،‬عند ذكره صّلى الله عَل َي ْهِ وعَل َ َ‬
‫م‪،‬‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ى آل ِحه ِ و َ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فما معنى هذه الصححلة؟ الصححلة معناهححا أننححا نسححأل‬
‫الله عز وجل أن ُيثني على رسوله في المل العلى‪،‬‬
‫هكذا قال أبو العالية فححي صحححيح البخححاري‪ (2) ،‬نسححأل‬
‫الله عز وجل أن يثني على رسوله في المل العلى؛‬
‫يعني عند الملئكة‪.‬‬
‫ه عَل َْيحح ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى اللحح ُ‬ ‫وقيل‪ :‬إن الصلة هي دعاء للنبي َ‬
‫م بخير كثير‪ ،‬ما هو؟ الله أعلم ما نحدده‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫ه عَل َْيح ِ‬
‫ه‬ ‫صحّلى اللح ُ‬ ‫وعلى كلّ هحو دعححاء خيححر للنححبي َ‬
‫م‪ ،‬سواء كان الثناء أو كان ما هححو أعححم وأوسححع‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫وأما السلم فهو سحؤال اللحه عحز وجححل أن يسحلم‬
‫م‪ ،‬وكيححف يسححلمه وقححد‬ ‫س حل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫رسوله َ‬
‫مات؟‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الحزاب )‪.(56‬‬
‫ن الّلحح َ‬
‫‪2‬‬
‫ه‬ ‫)( صحيح البخاري‪ :‬كتاب التفسير‪ ،‬باب قوله تعالى‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫صحّلوا عَل َْيح ِ‬
‫ه‬ ‫مُنحوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ي َيحا أي َّهحا اّلح ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن عََلى الن ِّبح ّ‬
‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬‫ملئ ِك َت َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ما﴾]الحزاب‪ ،[56:‬قححال أبححو العاليححة‪ :‬صححلة اللححه‬ ‫سِلي ً‬‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬
‫وَ َ‬
‫ثناؤه عليه عند الملئكة‪ ،‬وصلة الملئكة الدعاء‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪20‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫م مححن أن يححؤذى فححي‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫يسلمه َ‬
‫ه عَل َي ْح ِ‬
‫ه‬ ‫صحّلى اللح ُ‬ ‫قبره‪ ،‬أو أن يححؤذى شححرعه وسححنته َ‬
‫م‪ ،‬فإن الدعاء بالسلمة له يكححون لححه فححي ذاتححه‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ى آ َل ِح ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْحهِ وَعَلح َ‬
‫صحّلى اللح ُ َ‬ ‫ولما جاء به داعيا ً إليححه َ‬
‫م‪.‬‬‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫قال‪) :‬دائم ِ( أي مستمر ل انقطاع فيه‪.‬‬
‫ي(‪) ،‬علههى‬ ‫ثم قححال‪) :‬علههى الرسههول القرشه ّ‬
‫الرسول( اللححف واللم هنححا للعهححد الححذهني‪ ،‬ومححن‬ ‫ّ‬
‫م‪.‬‬‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫المراد بذلك؟ رسولنا محمد َ‬
‫وأتى بالوصف المميز له عن سائر النححبيين فقححال‪:‬‬
‫ي( هححل هنححاك رسححول قرشححي غيححر النححبي‬ ‫)القرش ّ‬
‫م؟ الجححواب‪ :‬ل‪ ،‬فهححذا وصححف‬ ‫س حل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬ ‫صّلى اللح ُ‬ ‫َ‬
‫مميز‪.‬‬
‫وقوله ‪):‬الخات َم ِ( هذا وصف مميز ثان‪ ،‬فإنه خاتم‬
‫مدٌ أ ََبا‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫النبيين‪ ،‬كما قال الله جلّ وعل‪ّ ﴿ :‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫خهات َ َ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّه ِ‬ ‫ول َك ِههن ّر ُ‬
‫سههو َ‬ ‫م َ‬ ‫جهال ِك ُ ْ‬‫من ّر َ‬ ‫د ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫أ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن ﴾‪.‬‬
‫الن ّب ِّيي َ‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫ب‬ ‫الحههائزي مراتهه ِ‬ ‫وآلهههههه وصهههههحبه‬
‫آله‪ .‬الفخههههههههههههههههار‬ ‫ههههههههههههههههرار‬
‫وآله( يعني وعلى‬ ‫)البه‬
‫وآله هم أتباعه من أقاربه‪ ،‬وقيل‪ :‬هححم أتبححاعه مححن‬
‫أقاربه وغيرهم‪.‬‬
‫طيب‪.‬إذا كان على المعنى الثاني‪ ،‬ما هححو المعنححى‬
‫الثاني؟ أتباعه مطلقحا ً مححن أقححاربه وغيرهححم؛ يشحمل‬
‫القارب ويشححمل أيض حا ً أصحححابه رضححي اللححه عنهححم‪،‬‬
‫أليس كذلك؟‬
‫فقوله‪) :‬وصحبه( كيف يكححون الكلم؟ يكححون مححن‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الحزاب )‪.(40‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪21‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫باب عطف الخاص على العام‪.‬‬
‫طيب‪.‬أيهما أحسن؟ أن نحمل قوله‪) :‬وآله( علححى‬
‫أتباعه‪ ،‬على ملته من أقاربه وغيرهم‪ ،‬أيهما أحسن؟‬
‫ه ٰحذا حمل معنى أوسع كلما كان أكمل‪.‬‬
‫الن إذا قلنا‪) :‬على آله( أقاربه‪ ،‬آله هم أتباعه مححن‬
‫أقاربه‪ ،‬المعنى ضيق‪ ،‬أليس كححذلك؟ فححإذا قلنححا‪ :‬هححم‬
‫أتباعه علححى ملتححه‪ ،‬كححان المعنححى أوسححع ودخححل فيححه‬
‫المعنى الول‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫فكان الولى حمله على ما هو أوسع‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬البرار( هذا يعود على الل ويعود علحى‬
‫الأصحاب‪ ،‬والبرار جمع بَر‪ ،‬ومن هو الححبر؟ الححبر هححو‬
‫المحسححن الكححثير الخيححرات‪ ،‬وهححذا وصححف مطححابق‬
‫م‪ ،‬فححإنهم‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ح ُ‬‫لصحابة رسول الله َ‬
‫ه عَن ْهُححم‪ ،‬فمححا‬ ‫ي الل ح ُ‬‫ضح َ‬ ‫أهل إحسان وكَث ُح ر خيرهححم َر ِ‬
‫نعيش فيه من الخير إنمححا كححان سححبب وصححوله إلينححا‬
‫ه عَن ُْهم‪.‬‬
‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬
‫جهادهم َر ِ‬
‫ب الفخار( أي مراتحححب‬ ‫ثم قال‪) :‬الحائزي مرات ِ‬
‫الفضل والسبق‪ ،‬فقوله‪) :‬الفخار( من الفخر‪.‬‬
‫الفخر ما هو؟ الفخر هو الس حّبق بالفضححيلة؛ ولكححن‬
‫هله ٰحذا يححدعو إلحى العلحو علحى النححاس؟ ل‪ ،‬فحإنه ل‬
‫يجوز للمؤمن أن يعلححو علححى النححاس‪ ،‬وأن يسححتطيل‬
‫عليهم بحق أو بغير حق‪.‬‬
‫الستطالة على الناس بحق هي أن يكون النسان‬
‫موصوفا ً بوصف يوجب تقححدمه‪ ،‬فيعلححو علححى النححاس‬
‫صّلى الل ح ُ‬
‫ه‬ ‫بسبب هذا الوصف؛ ولذلك لما ذكر النبي َ‬
‫م سبقه الناس يوم القيامة وعظيححم نفعححه‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫إياهم في الموقف العظيم قححال‪)) :‬أنهها سههيد ولههد‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪22‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫آدم ول فخر(()‪ .(1‬يعني هذا حق أنه سيد ولد آدم‪،‬‬
‫فهححو خيرهححم وأفضححلهم؛ ولكححن هححذا ل يحملححه علححى‬
‫المباهاة‪ ،‬فقوله‪)) :‬ول فخههر(( أي ل مباهححاة بهححذه‬
‫الخصلة التي اتصفت بها‪.‬‬
‫ولححذلك أهححل السححنة والجماعححة كمححا ذكححر شححيخ‬
‫السلم رحمه الله في العقيدة الواسححطية‪ :‬يمنعححون‬
‫الستطالة على الناس بحق أو بغير حق‪.‬‬
‫فالستطالة بحق هي أن تكون موصوفا ً بما يوجب‬
‫التقدم‪ ،‬وبغير حق أن يكححون النسححان كلبححس ثححوبي‬
‫زور‪ ،‬ليس عنده ما يسبق بححه النححاس ويعلححو عليهححم‪،‬‬
‫ص حّلى الل ح ُ‬
‫ه‬ ‫كالفقير المستكبر الذي قال فيححه النححبي َ‬
‫م‪)) :‬عائل مستكبر((‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫)‪(2‬‬

‫ثم قال‪:‬‬
‫علم يزيههل الشههك‬ ‫ن‬
‫هههههديتَ أ ّ‬ ‫اعلههههم ُ‬
‫حفدَّرن‬
‫رحمححه اللححه‬ ‫وال‬ ‫أن فرغعنك‬
‫المؤلح‬ ‫ههههن‬‫المنهبعد‬‫ههههلبيت!‬ ‫أفضه من‬ ‫ويا له‬
‫من الحمد والثناء والصلة والسلم على رسول الله‬
‫م شححرع فححي المقصححود‪ ،‬وبححدأه‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫بضابط ذهبي للعلم النافع‪.‬‬
‫هذا البيت ضابط للعلم النافع‪ ،‬الذي ينبغححي لنححا أن‬
‫نحرص على الستكثار منه وتحصيله‪.‬‬
‫وبدأه بالمر في قوله‪) :‬اعلم( حثّا ً وشحذا ً للهم حم‬
‫أن تقبل عليه‪:‬‬
‫علم يزيههل الشههك‬ ‫ن‬‫هههههديت أ ّ‬ ‫اعلههههم ُ‬
‫عنك والدَّرن‬ ‫أفضهههههل المنهههههن‬
‫‪1‬‬
‫)( سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب الزهححد‪ ،‬بححاب ذكححر الشححفاعة‪ ،‬حححديث‬
‫رقم )‪ .(4308‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬وأوله فححي صحححيح‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب فضل نسب النبي َ‬
‫م‪ ،‬حديث رقم )‪.(2278‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫‪2‬‬
‫)( مسلم‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان غلححظ تحريححم إسححبال الزار‬
‫والمن بالعطية‪ ..‬حديث رقم )‪.(107‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪23‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ه وَت ََعاَلى به على العبد‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫يمن الله ُ‬ ‫ّ‬ ‫فأفضل ما‬
‫العلم النافع‪ ،‬وما هو العلم النافع؟ العلم الذي ينفححي‬
‫عحححن قلبحححك الشحححكوك‪ ،‬ويزيحححل عحححن قلبحححك أدران‬
‫المعاصي والرياء‪.‬‬
‫فححإذا اتصححف العلححم الححذي تسححعى فححي تحصححيله‬
‫وإدراكه بهذين الوصفين فححافرح واحمححد اللححه‪ ،‬فإنححك‬
‫موفق إلى العلم النافع‪.‬‬
‫وينبغي للمؤمن ‪-‬يا إخححواني‪ -‬أن ينظححر فححي العلححم‬
‫الححذي يطلبححه‪ ،‬والسححعي الححذي يبححذله‪ ،‬والجهححد الححذي‬
‫يصرفه‪ ،‬هل هو في علم نافع أو ل؟‬
‫فححإن كححثيرا ً مححن النححاس يشححتغل بعلححوم هححي فححي‬
‫الحقيقة ليست من العلم النافع‪.‬‬
‫م ممححا أثححر عنححه فححي‬ ‫س حل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫والنبي َ‬
‫حديث أم سلمة أنه كان يقححول إذا أصححبح ‪-‬فهححو مححن‬
‫أذكححار الصححباح‪)) :-‬اللهههم إنههي أسههألك علمهها ً‬
‫م يسأل‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫نافعا ً(( ‪ .‬رسول الله َ‬
‫)‪(1‬‬

‫الله علمحا ً؛ ولكنححه ليححس كححلّ علححم‪ ،‬إنمححا هححو العلححم‬


‫النافع‪.‬‬
‫وضابط العلم النافع هو مححا ذكححره المؤلححف رحمححه‬
‫الله‪ ،‬وهو الذي يصلح به القلب‪:‬‬
‫علم يزيههل الشههك‬ ‫‪.......................‬‬
‫عنك والدَّرن‬
‫‪.....................‬‬ ‫ويكشف الحق لذي‬ ‫‪.........‬‬
‫القلوب‬ ‫‪.......‬‬
‫القلههههههههههههههههوب أي لهذه‬
‫)ذي( هنا اسم إشارة‪،‬‬
‫ويوصل العبد إلى‬ ‫‪.......................‬‬
‫المطلههههههههههههوبححو‬
‫حى اللححه‪ ،‬يوصححله إلححى المطلححوب؛ ومححا ه‬ ‫‪........‬‬
‫أي إلح‬
‫المطلححوب؟ المطلححوب فححي الححدنيا رسححوخ اليمححان‬
‫‪1‬‬
‫)( سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها‪ ،‬باب ما‬
‫يقال بعد التسليم‪ ،‬حديث رقم )‪.(925‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪24‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫وحصححول اليقيححن‪ ،‬والمطلححوب فححي الخححرة الفححوز‬
‫بالجنان‪.‬‬
‫فالعلم النافع هو ما أوصلك إلى هذين المطلوبين‪:‬‬
‫إيمان راسخ‪ ،‬ويقين ثابت في هذه الدنيا‪.‬‬
‫وأما فححي الخححرة فجنححة نسححأل اللححه عححز وجححل أن‬
‫يجعلنا من أهلها‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫‪.....................‬‬ ‫فهههههاحرص علهههههى‬
‫إليها طححالب العلححم‪،‬‬ ‫‪.......‬‬‫للقواعهههد يسعى‬ ‫فهمهههك‬
‫بين الغاية التي‬ ‫بعد أن‬
‫وهي زوال الشك والدّرن وانكشاف الحححق وحصححول‬
‫المطلححوب‪ ،‬بيّ حن لنححا رحمححه اللححه السححبيل‪ ،‬الطريححق‬
‫الموصل إلى هححذه الغايححة‪ ،‬وهححذا مححن بححديع تصححنيفه‬
‫رحمه الله‪ :‬أنه ذكححر لنححا المنتهححى وبيّحن لنححا السححبيل‬
‫والطريق الموصل إل ٰى هذه الغاية‪ ،‬فما هو السبيل؟‬
‫قال‪) :‬فاحرص( يعني لححن تحصححل علححى مححا ذكححر‬
‫وما تقدم إل بهذه الوصية‪:‬‬
‫جامعههة المسههائل‬ ‫فهههههاحرص علهههههى‬
‫هههههههههههههواردحب‬
‫الشهللغايححة فححي طلح‬ ‫مهم مهححم‬‫للقواعهههد‬
‫إخواني مهم‬ ‫فهمهههك‬
‫وهذا يا‬
‫العلم‪ ،‬وهو الذي يميز بين طلبة العلم‪.‬‬
‫تجححد أن اثنيححن يبحدأان مشححوار الطلحب فححي وقححت‬
‫واحد‪ ،‬ويصرفان مححن الجهححد شححيئا ً متشححابها ً‪ ،‬ثححم مححا‬
‫يلبث أن يتقدم أحدهما على الخر‪ ،‬السبب ل يمكححن‬
‫أن نحصره في أمر واحد‪ ،‬ل شححك أن مححا يقححوم فححي‬
‫القلب من الخلص‪ ،‬ما يمن اللححه بححه مححن التوفيححق‪،‬‬
‫وما يكون عند الشخص من فهم‪ ،‬هححذه المححور كلهححا‬
‫أسباب للسبق في طلب العلم‪.‬‬
‫لكن هناك أمر مهم وضروري يحصححل ب حه السححبق‪،‬‬
‫وهو أن يعتني طالب العلححم فححي طلبححه للعلححم علححى‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪25‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ضبط القواعد في كل علم‪ ،‬كل علم يطلبححه يحححرص‬
‫على ضبط قواعده‪.‬‬
‫فححي علححم العقححائد‪ ،‬فححي علححم الفقححه‪ ،‬فححي علححم‬
‫الحححديث‪ ،‬فححي علححم التفسححير‪ ،‬فححي جميححع العلححوم‪.‬‬
‫العلوم بحور‪ ،‬ومن أراد خوض هذه البحور فليحححرص‬
‫على القواعد الصول التي تجمع له شتات العلم‪.‬‬
‫فالعلم منتشر‪ ،‬ومسائله كححثيرة‪ ،‬ولححو أن النسححان‬
‫اشححتغل بتحصححيل مسححائل بححاب مححن أبححواب الفقححه‬
‫وضبط هذه المسائل وحفظها لعياه‪ ،‬ومححا اسححتطاع‬
‫أن يححدرك مبتغححاه؛ لكنححه إذا ضححبط هححذه البححواب‬
‫بالقواعححد والصححول اجتمعححت لححه هححذه الشححوارد‪،‬‬
‫وانتظمححت لححه هححذه الفححرائد‪ ،‬واتضحححت لححه هححذه‬
‫المسائل‪.‬‬
‫وفوق هذا كله اكتسب ميزة وصححفة مهمححة‪ ،‬وهححي‬
‫الطراد في القحول‪ ،‬وهحذه مسحألة يتميحز بهحا بعحض‬
‫العلماء‪ ،‬السبب هو أنه يمشي علححى قواعححد أصححول‪،‬‬
‫إذا وجدت الضطراب في قول العححالم أو فححي قححول‬
‫القائل فاعلم أن مرجع ذلك في الغالب إلححى ضححعف‬
‫الهتمام بالقواعد‪.‬‬
‫ولذلك شيخ السلم ابححن تيميححة رحمححه اللححه تميححز‬
‫فقهححه بححالطراد‪ ،‬وسححبب ذلححك أنححه يُْعمِ حل القواعححد‪،‬‬
‫ويجمع الشوارد‪ ،‬تحت أصول وضححوابط وقواعححد‪ ،‬أي‬
‫مسألة تقابله ينزّل القاعححدة عليهححا‪ ،‬فتكححون النتيجححة‬
‫مشححابهة لقححوله فححي نظيرهححا أو فححي شححبيهها وفححي‬
‫أشححباهها مححن المسححائل‪ ،‬فضححبط القواعححد يحفححظ‬
‫النسان من الضطراب ويحقق له وصف الطراد‪.‬‬
‫جامعههة المسههائل‬ ‫فهههههاحرص علهههههى‬
‫هههههههههههههوارد‬
‫ْل‬ ‫وتقتفهههي سهههب‬‫الشه‬ ‫للقواعهههد‬
‫فهمهههك في العلم‬
‫فترتقي‬
‫الههذي قههد وفقهها‬ ‫خيههههههر مرتقههههههى‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 26‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫فإن من اعتنى بالقواعد‬ ‫ّ‬ ‫وصدق‪ ،‬صدق رحمه الله‪،‬‬
‫سححبق فححي العلححم‪ ،‬ارتقححى ‪-‬كمححا ذكرنححا لكححم‪ -‬خيححر‬
‫مرتقى‪ ،‬سبق سبقا ً بينا ً‪.‬‬
‫بخلف ذاك الذي اشتغل في حفظ فروع المسائل‬
‫وصورها وشواردها وغرائبها ونوادرها‪ ،‬ثم تححرد عليححه‬
‫مسألة يقول‪ :‬ما مرت علي‪ ،‬ما حفظتها‪ ،‬مححا قرأتهححا‬
‫في كتاب‪.‬‬
‫الن يمكن أن نقرأ مثل ً فححي كتححاب فححي المسححائل‬
‫كتاب الطهححارة مححن كتححاب مححن الكتححب المطولححة أو‬
‫نقرأهححا مححن كتححابين أو مححن ثلثححة ثححم يخححرج الواحححد‬
‫ويقابله عامي‪ ،‬يقول‪ :‬يا شيخ أنا فعلت كذا وكذا‪ ،‬إن‬
‫أراد أن يستعرض هذه المسألة على ما حفظ وقححرأ‬
‫قححد ل يجححد‪ ،‬ل يجححدها بعينهححا‪ ،‬وهححذا متكححرر‪ ،‬والححذي‬
‫تصدى لستفتاءات الناس يجد الكثير من ذلك‪ ،‬فححإن‬
‫كان ل يفتي إل بما قرأ فإنه لن يفتي‪ ،‬ولن ينفع فححي‬
‫المسائل التي ترد عليه‪.‬‬
‫لكححن إن كححان شخص حا ً حريص حا ً علححى ضححبط هححذه‬
‫الشوارد بقواعد وأصول‪ ،‬ومححا ورد عليححه نزلححه علححى‬
‫هذه القواعد والصول وفق إلى الجواب‪ ،‬وفححق إلححى‬
‫الجواب مهما تنوعت المسائل‪ ،‬وجربوا تجححدوا‪ ،‬فححإن‬
‫التجربة خير ما تبرهن به المقدمة‪.‬‬
‫ولذلك الن يا إخوان لو قلت لكم فحي النحححو مث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫الفاعححل هححو مححن صححدر عنححه الفعححل‪ ،‬ثححم جئت إلححى‬
‫أححدكم‪ ،‬وقلحت لحه‪ :‬أيحن الفاعحل فحي قحولي‪) :‬قحام‬
‫زيد(؟ ماذا سيقول؟ من الذي صدر منه الفعل؟ من‬
‫الذي صدر عنه القيام؟ زيد‪ ،‬فسيجيب بزيد‪.‬‬
‫لكن لو جئنا بعشر جمل‪ :‬قام خالد‪ ،‬ضرب محمححد‪،‬‬
‫أكرم عمر‪ ،...‬وكملنا الجمل‪.‬‬
‫الن عنححدنا الفاعححل‪ :‬عمححر وخالححد وزيححد‪ ،‬أليححس‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪27‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫كذلك؟ في هذه الجمل تمام‪.‬‬
‫جاءه شخص قال‪ :‬قام المؤمنون بمححا فححرض اللححه‬
‫عليهم من صيام رمضان‪ .‬أين الفاعل؟‬
‫ليححس خالححداً وليححس عمححر وليححس محمححدًا‪ ،‬أيححن‬
‫الجواب؟ هل سيحير جوابًا؟‬
‫لكن إذا فهم القاعدة‪ ،‬وأن الفاعل هو الححذي صححدر‬
‫عنه الفعححل سححيجيبك مباشححرة‪ ،‬مححن الححذي قححام بمححا‬
‫فححرض اللححه عليححه مححن صححيام رمضححان؟ إذا ً الفاعححل‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫فالقواعد مححؤثرة ج حد ّا ً فححي حصححول النتححائج‪ ،‬وفححي‬
‫الجواب علححى الحححوادث النححوازل‪ ،‬والمححور الجديححدة‬
‫التي لم يذكرها أهل العلم‪.‬‬
‫جامعههة المسههائل‬ ‫فهههههاحرص علهههههى‬
‫هههههههههههههوارد‬
‫وتقتفههي سههْبل‬ ‫الشه‬ ‫للقواعهههد‬
‫فهمهههك في العلم‬
‫فترتقي‬
‫الههذي قههد وفقهها‬ ‫هههههر مرتقههههههى‬‫خيهقال‪:‬‬
‫ثم‬
‫كت ْههب أهههل العلههم‬ ‫ٰههههههذه قواعهههههد‬ ‫وه‬
‫حصهههههلتها‬
‫قهههههد )ه ٰهذه(‬
‫مههههن النظم في‬
‫حتى ينتظم‬‫نظمتههههها‪...‬‬
‫زيدوا الواو‬
‫إذا ً عمل المؤلف رحمه الله في هذه القواعد هححل‬
‫هححو السححتنباط أم الجمححع؟ الجمححع‪ ،‬ولححذلك قححال‪:‬‬
‫)وه ٰهذه( والشححارة هنححا إلحى القواعحد الححتي ضححمنها‬
‫ه ٰحححذه المنظومححة‪) ،‬وه ٰهذه قواعههد نظمتههها( أي‬
‫جعلتها في نظم‪ ،‬وهو النظم الذي نقرؤه‪.‬‬
‫كت ْههب أهههل العلههم‬ ‫‪.......................‬‬
‫حصهههههلتها‬
‫الشححيخ‬ ‫قهههههد إنصاف‬ ‫هههههههههههههههن‬
‫المصدر‪،‬وه ٰحذا من‬ ‫حذا مه‬
‫فيه بيان‬ ‫‪.....‬‬
‫وه ٰ‬
‫رحمه الله وتواضعه وعححدله‪ ،‬فححإنه لححم ينسححب المححر‬
‫إليه؛ بل نسب الفضل إلى أهله وقححال‪) :‬من كْتههب‬
‫أهل العلم قد حصلتها(‪ ،‬فعمله وما قححام بححه هححو‬
‫جمعه لهذه القواعد وجعلها في هذا النظم‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪28‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ثم إنه رحمه الله دعا لمن استفاد منه‪ ،‬وهححذا مححن‬
‫أدب الطالب والمستفيد مححع مححن أخححذ منححه‪ ،‬فححانظر‬
‫كيف قال‪:‬‬
‫ع‬
‫والعفهههههو مههههه ْ‬ ‫جههههزاهم المهههولى‬
‫غفرانهههه والبههههر‬ ‫آمين‪.‬الجهههههر‬
‫عظيههههم‬
‫اللهم‬
‫دعا لهم لما استفاد منهم‪ ،‬وهذا يا أخي إذا عححودت‬
‫نفسك عليه ُوفّقت إلى خير كثير‪ ،‬كل من اسححتفدت‬
‫منه فائدة‪ ،‬ولو كانت فائدة يسيرة في نظرك‪ ،‬فادع‬
‫م قححال‪:‬‬ ‫س حل ّ َ‬‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫ص حّلى الل ح ُ‬
‫اللححه لححه؛ لن النححبي َ‬
‫))مههن صههنع إليكههم معروفهها ً فكههافئوه(( أي‬
‫جححازوه وقححابلوه علححى مكافححأته بمكافحأته بالحسححان‬
‫))فههإن لههم تسههتطيعوا أن تكههافئوه فههادعوا‬
‫له(()‪ .(1‬والدعاء باب عظيم لمكافأة كل محسن‪.‬‬
‫ولذلك من حق من استفدت منه أن تدعو له‪ ،‬إمححا‬
‫في حضوره أو في غيبته‪ ،‬وإذا عححودت نفسححك علححى‬
‫ذلك وُفقت إلى القيام بالحقوق التي للنححاس عليححك؛‬
‫لنك تقابل الحسان بالحسان كما هححي الحححال فححي‬
‫ن)‬ ‫سا ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ِ ْ‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫جَزاء ال ِ ْ‬
‫ل َ‬‫ه ْ‬
‫قوله تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫‪.﴾(60‬‬
‫)جزاهم المولى(‪ ،‬المححولى هححو اللححه جححل وعل‪،‬‬
‫وهححو مححن أوصححافه العظيمححة‪ ،‬وهححو جححل وعل ولححي‬
‫الصالحين‪ ،‬وولي المؤمنين‪.‬‬
‫والولية تقتضي المحبة والنصرة‪ ،‬فالمولى مححأخوذ‬
‫‪1‬‬
‫)( سنن أبي داوود‪ :‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب عطيححة محن سححأل بححالله‬
‫عز وجل‪ ،‬حديث رقم )‪.(1672‬‬
‫سنن النسححائي‪ :‬كتححاب الزكححاة‪ ،‬بححاب مححن سححأل بححالله عزوجححل‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(2567‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪ .‬وأورده في السلسلة الصحيحة برقم‬
‫)‪.(254‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الرحم ٰحن )‪.(60‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪29‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫من المحبة والنصرة‪.‬‬
‫)عظيم الجههر( أي الجححر العظيححم‪ ،‬فح ح)عظيههم‬
‫الجر( مححن بححاب إضححافة الصححفة إلححى الموصححوف‪.‬‬
‫والصل‪ :‬الجر العظيم‪.‬‬
‫ع غفرانههه والبهههر( جزاهححم العفححو‪،‬‬ ‫)والعفو م ْ‬
‫والعفححو إذا قححرن بححالغفران فححالعفو هححو التجححاوز‪،‬‬
‫والغفران هو الستر‪ ،‬هذا إذا اقترنا‪ ،‬أما إذا وردا غيححر‬
‫مقحححترنين فحححالعفو هحححو الغفحححران؛ أي هحححو السحححتر‬
‫والتجاوز‪.‬‬
‫)والبر( هنا الخير الكثير؛ جزاهححم الخيححر الكححثير‪،‬‬
‫وأفضل ما يكون الجنة‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهلها‪.‬‬
‫نقف على هذه المقدمححة؛ لن الشححيخ رحمححه اللححه‬
‫سححيبدأ ذكححر القواعححد فححي قححوله‪) :‬والنيههة شههرط‬
‫لسائر العمل(‪.‬‬
‫وبهذا نكون قد فرغنححا مححن كححم بيتحًا؟ مححن عشححرة‬
‫أبيات‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم العلم النححافع‬
‫والعمل الصالح‪.‬‬
‫وصحلى اللحه وسحلم علحى نبينحا محمححد وعلححى آلحه‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫السئلة‪ :‬أحسن الله إليكم وكتححب لكححم الجححر يححا‬
‫شيخ‪.‬‬
‫آمحين‪..‬‬
‫يقول السائل‪ :‬هل يصح قول القائل‪ :‬الحمد لله‬
‫الذي ل يحمد على مكروه سواه‪ ،‬وهل يصح تسححمية‬
‫الله عز وجل بالرفق كما فعل الناظم؟‬
‫الجههواب‪ :‬أمححا )الحمححد للححه الححذي ل يحمححد علححى‬
‫مكروه سواه( فه ٰحذا لم يرد فححي السححنة؛ إنمححا الححذي‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪30‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ورد فححي السححنة أن يقححول‪)) :‬الحمححد للححه علححى كححل‬
‫حال(( فيما يكره‪)) ،‬والحمححد للححه الححذي تتححم بنعمتححه‬
‫الصححالحات(( فيمححا يحححب‪ .‬فححالولى فيمححا إذا نححزل‬
‫بالنسان ما يكره أن يقول‪)) :‬الحمححد للححه علححى كححل‬
‫حال(( ؛ لنه جل وعل المحمود على كل حال‪.‬‬
‫أما قول‪) :‬الذي ل يحمد على مكروه سواه( ففيه‬
‫سوء أدب مع اللححه عححز وجححل‪ ،‬كمححا أنححه لححم تححرد بححه‬
‫السنة‪ ،‬وهو عدول عن ما وردت به السنة‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل يجححوز تسححمية اللحه بححالرفق؟‬
‫ل‪ ،‬هذا يحتاج إل ٰى توقيف‪ ،‬ول أعلححم أن ه ٰحححذا السححم‬
‫ورد فححي أسححماء اللححه عححز وجححل‪ ،‬إنمححا الححذي ورد‬
‫الرفيق‪ ،‬وأما الرفق فهو صفة‪ ،‬وباب الصححفة أوسححع‬
‫ه‬
‫مدُ لل ه ِ‬‫من بححاب الخححبر‪ ،‬فقححوله رحمححه اللححه‪) :‬الح ْ‬
‫ق( ليححس مححن لزم ذلححك أن يكححون‬ ‫فه ِ‬‫ي الْر َ‬
‫العل ه ّ‬
‫المؤلف رحمه الله يريد به أنه اسم من أسماء اللححه‬
‫ع الشياء والمفرّق(‬ ‫م ِ‬
‫عز وجل؛ لنه قال ‪) :‬وجا ِ‬
‫فالله يحمد على أسححمائه ويحمححد علححى صححفاته كمححا‬
‫تقدم‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬ماذا يريد بالشححوارد فححي قححوله‪) :‬جامعة‬
‫المسائل الشوارد(؟‬
‫الجواب‪ :‬الشوارد جمع شاردة‪ ،‬وهي الححتي يححذهل‬
‫عنهححا النححاظر وتغيححب عنححه‪ ،‬ه ٰحححذا معنححى الشححوارد‪،‬‬
‫والمقصود أنها تجمع المتشححتت مححن مسححائل العلححم‪،‬‬
‫وتنظمححه فححي قحححالب تجتمححع فيححه ه ٰححححذه الفححراد‬
‫والجزئيات‪.‬‬
‫فائدة‪) :‬ه ٰحذا من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حححرم‬
‫رسول الله( ه ٰحذه الوصححية الححتي نسححبت إل ح ٰى أحمححد‬
‫الذي ادعى أنه خادم الحرم النبوي ورأى النححبي فححي‬
‫المنام وقال لححه‪ :‬كححذا وكححذا‪ ...‬ه ٰحححذه وصححية مكذوبححة‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪31‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫ليست بصحيحة‪ ،‬وقححد تقححدم الكلم عليهححا مححن أهححل‬
‫العلححم قححديما ً وحححديثًا‪ ،‬فنبححه عليهححا مححرارا ً شححيخنا‬
‫عبد العزيححز بححن بححاز رحمححه اللححه وغفححر لححه‪ ،‬وكححذلك‬
‫شيخنا محمد بن صالح العثيمين غفححر اللححه للجميححع‪،‬‬
‫ول صحة لما فيها‪ ،‬فهي من الكاذيب المشهورة‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬ما هو الدرن؟‬
‫الجواب‪ :‬الدرن مأخوذ من القذر‪ ،‬والمقصححود بححه‬
‫ما يعْل َقُ بالقلب من أوضار المعاصي وآثارها‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬ه ٰحذا يسأل عن الطريقة المثلى لمن أراد‬
‫حفظ المتون؟‬
‫الجواب‪ :‬الطريقححة المثلححى أن يسححتعين اللححه عححز‬
‫وجل بحفظ ما ينفع من المتون؛ لن المتون كححثيرة‪،‬‬
‫فينتخب الطالب له في كححل فححن مححن الفنححون أصحل ً‬
‫يجعلححه عمححدة لححه‪ ،‬فمثل ً فححي الفقححه إن كححان علححى‬
‫مذهب المام أحمد بن حنبل فيحفظ زاد المسححتقنع‪،‬‬
‫إن كان مثل ً في مذهب الشافعي متن أبحي شحجاع‪..‬‬
‫وهلم جّرا ً على حسب المححذاهب الححتي يتعلححم عليهححا‬
‫ل‪ ،‬وأفضل ما‬ ‫الطالب‪ .‬كذلك في النحو ينتخب له أص ً‬
‫يكون اللفية‪ ،‬ويحرص على حفظه وضبطه وفهمححه‪.‬‬
‫كذلك في الحديث‪ ،‬كذلك في سائر العلوم‪.‬‬
‫يعني يصطفي له فححي كححل فححن مححن الفنححون متنحا ً‬
‫يجعله أصل ً يبني عليه‪ .‬أما أن يحفححظ عشححرة متححون‬
‫في النحو‪ ،‬وثلثة متون في الفقه‪ ،‬ولم يحفححظ شححيئا ً‬
‫في العقيدة‪ ،‬أو لم يحفظ شححيئا ً فححي الحححديث فه ٰحححذا‬
‫عندي أنه من القصور‪.‬‬
‫وأولى ما ينبغي أن يصرف فيه الجهد حفظ كتححاب‬
‫ل‪ ،‬فإن كتاب الله مفتاح العلوم وأصححلها‪ ،‬كمححا‬ ‫الله أو ً‬
‫فههي‬ ‫ت ِ‬‫ت ب َي ّن َهها ٌ‬
‫و آي َهها ٌ‬
‫هه َ‬ ‫قال اللححه جححل وعل‪﴿ :‬ب َ ْ‬
‫ل ُ‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪32‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الول‬
‫م﴾)‪ .(1‬فشححهد اللححه لمححن‬ ‫ن ُأوُتوا ال ْ ِ‬
‫عل ْ ه َ‬ ‫ر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دو ِ‬
‫ص ُ‬
‫ُ‬
‫حفظه بأنه من أهل العلم‪ ،‬وإن كان معنى اليححة أنححه‬
‫آيات واضحات في صدور أهححل العلححم‪ ،‬وأمححا غيرهححم‬
‫فإنها آيات لكن إما أن يحول دون وضححوحها جهححل أو‬
‫عمى‪ ،‬نعوذ بالله من المرين‪.‬‬
‫بارك اللححه فيكححم وإلححى درس قححادم إن شححاء اللححه‬
‫تعال ٰى‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬العنكبوت )‪.(49‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪33‬‬


‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس الثاني‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬

‫حيم ِ‬‫ن الّر ِ‬‫مٰ ِ‬


‫ح َ‬‫ه الّر ْ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬ ‫بِ ْ‬
‫بهههها الصهههلح‬ ‫النية شههرط لسههائر‬
‫للعمههل‬
‫جلبها والدرء‬ ‫والفسههاد‬
‫في‬ ‫العمههههههههههههههههههل‬
‫الههدّين مبنههي علههى‬
‫ههههههههههههههائح‬
‫يقدم العلى من‬ ‫للقبه‬ ‫المصهههههههههههههههالح‬
‫م عههدد‬ ‫فههإن تزاحهه ْ‬
‫هههههههههههههالح‬
‫يرتكههب الدنههى‬ ‫المصه‬ ‫المصهههههههههههههههالح‬
‫وضهههههده تزاحهههههم‬
‫المفاسههههد‬
‫مههههنكل أمر نابه‬ ‫في‬ ‫ههههههههههههههد‬
‫شههرعناه)‪ (1‬التيسههير‬ ‫المفاس‬
‫تعسههههههههههههههههير‬
‫حههّرم مههع‬ ‫م َ‬‫ول ُ‬ ‫وليهههس واجهههب بل‬
‫هههههههههههههطرار‬
‫بقدر ما تحتههاجه‬ ‫اضه‬ ‫ر‬‫اقتههههههههههههههههههدا ِ‬
‫هع‬ ‫وكههل محظههور مه‬
‫ه‬
‫ههههههههههههرور ّ ْ‬
‫ك‬ ‫فل ُيزيل الشهه‬ ‫الضه‬ ‫ه‬
‫ههههههههههههههرور ْ‬
‫الحكهههام‬ ‫الضه‬
‫وترجههههع‬
‫لليقيهههههههههههههههن‬ ‫لليقيهههههههههههههههههن‬
‫بسم الله الرحم ٰحن‬
‫الرحيم‬
‫ب العالمين‪ ،‬وأصّلي وأسلم على نبينا‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫محمد وعلى آله وصحححبه ومححن اهتححدى بهححديه واتبححع‬
‫سنته بإحسان إل ٰى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقححد تقححدم الكلم علححى ه ٰحححذه المنظومححة وعلححى‬
‫مقححدمتها‪ ،‬ووقفنححا عنححد قححوله رحمححه اللححه‪) :‬النيههة‬
‫شرط لسائر العمههل(‪ .‬وهححي أول القواعححد الححتي‬
‫ذكرهححا المؤلححف رحمححه اللححه فححي ه ٰحححذه المنظومححة‬
‫المباركة‪.‬‬
‫والقواعد التي هي موضوع الدرس وموضوع ه ٰحذه‬
‫المنظومة هي القواعد الفقهية‪.‬‬
‫والقواعد جمع قاعدة‪ ،‬وهي من حيححث الصححطلح‪:‬‬
‫قضححية كليححة‪ .‬ه ٰحححذا تعريححف القاعححدة مححن حيححث‬
‫الصطلح‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( في نسخة )الشريعة(‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪35‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫إذا قيل‪ :‬ما هححي القاعححدة؟ فقححل‪ :‬القاعححدة قضححية‬
‫كلية‪.‬‬
‫وأما تعريفها بالنسححبة للقواعححد الفقهيححة فل بححد أن‬
‫نحححذكر محححا يميحححز القواعحححد الفقهيحححة عحححن غيرهحححا؛‬
‫فنقححول‪ :‬القواعححد الفقهيححة أو القاعححدة الفقهيححة هححي‬
‫قضية كلية فقهية‪.‬‬
‫وقولنا‪) :‬قضية( القضية هي الحكم‪ .‬و)الكلية( هححي‬
‫المر العام الذي ينتظم صورا ً كححثيرة وينححدرج تحتهححا‬
‫أفراد متعححددة‪ .‬وأمححا )الفقهيححة( فلن الموضححوع هححو‬
‫القواعد الفقهية‪.‬‬
‫وفهمنا من ه ٰحذا أن القواعد فححي كححل العلححوم هححي‬
‫قضايا كلية؛ لكن تتمايز ه ٰحذه القواعححد بمححا تقيححد بححه‬
‫من الوصاف‪.‬‬
‫فالقواعد الفقهية هي قضايا كلية فقهية‪.‬‬
‫القواعد الصولية هي قضايا كلية أصولية‪.‬‬
‫القواعد العقدية هي قضايا كلية عقدية‪.‬‬
‫القواعد النحوية هي قضايا كلية نحوية‪ .‬واضح؟‬
‫عندنا في ه ٰحذه المنظومة ذكر المؤلف رحمه اللححه‬
‫قواعد فقهية‪ ،‬وذكر قواعد أصولية‪ ،‬ولن نذكر الفرق‬
‫الن حححتى يأتينححا ذكححر القواعححد الصححولية فححي ه ٰحححذه‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫إنما الذي ُيهمنا أن نعححرف فححي بدايححة حححديثنا عححن‬
‫القواعححد أن القواعححد الفقهيححة ليسححت علححى درجححة‬
‫واحدة من حيث الشمول والعموم‪.‬‬
‫فهناك قواعد كلية عامة تححدخل فححي جميححع أبححواب‬
‫الفقه‪ ،‬وه ٰحذه قواعد محدودة محصورة‪ ،‬ويكححون لهححا‬
‫أثر في جميع أبواب الفقه‪.‬‬
‫من ذلك ه ٰحذه القاعدة الولى التي ذكرها المؤلف‬
‫رحمه الله وهي قاعدة النية بقححوله‪) :‬النية شههرط‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪36‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫صححّلى‬‫لسائر العمل( وهي مأخوذة من قول النبي َ‬
‫م‪)) :‬إنمهها العمههال‬ ‫سححل ّ َ‬‫ه عَل َْيححهِ وعلححى آلححه وَ َ‬
‫اللحح ُ‬
‫بالنيات(()‪ .(1‬ه ٰحذا من القواعد الكلية الشاملة التي‬
‫ل يكون باب من أبواب الفقه أو من أبواب العلم إل‬
‫ووجدتم فيه ه ٰحذه القاعدة‪.‬‬
‫شححمول القواعححد الكليححة‬ ‫ومثلهححا فححي العمححوم وال ّ‬
‫الكححبرى‪ ،‬وهححي خمححس قواعححد‪ ،‬ه ٰحححذه مححن حيححث‬
‫الشمول والعموم ما فيه بححاب مححن أبححواب الفقححه إل‬
‫وتدخل فيه‪ ،‬واضح؟‬
‫دون ه ٰحذه الدرجة من القواعد درجححة أخححرى أقححل‬
‫ل‪ ،‬وإن كحانت واسحعة‪ ،‬وهحي الححتي تكححون‬ ‫منها شححمو ً‬
‫مة وغالبة في أبواب الفقه؛ لكن ل يلزم أن تدخل‬ ‫عا ّ‬
‫في كل باب من أبححواب الفقححه؛ بححل هححي عامححة فححي‬
‫أبواب الفقه ومسائل العلم‪.‬‬
‫ومن أمثلة ه ٰحذا النوع من القواعححد قاعححدة )التححابع‬
‫تابع(‪ .‬ه ٰحذه من القواعد الفقهية‪ ،‬وهي مححن القواعححد‬
‫العامة الشححاملة الححتي تححدخل فححي كححثير مححن أبححواب‬
‫الفقه؛ لكنها دون القسم الول من حيث الشمول‪.‬‬
‫القسم الثالث من القواعد‪ :‬هي قواعد خاصة فححي‬
‫أبواب من أبواب الفقه‪ ،‬وهححي القواعححد الححتي تتعلححق‬
‫ببححاب مححن أبححواب العلححم‪ ،‬كبححاب الطهححارة أو بححاب‬
‫المعاملت أو أبواب التبرعات‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬
‫فهي قواعد خاصة فححي أبححواب‪ ،‬وه ٰحححذه هححي الححتي‬
‫يسميها بعض العلماء بالضوابط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)(البخاري‪ :‬كتاب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بححدء الححوحي إلححى‬
‫م‪ ...‬حديث رقم )‪.(1‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫رسول الله َ‬
‫سحل ّ َ‬
‫م‪ :‬إنمححا‬ ‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صحّلى اللح ُ‬
‫مسلم‪ :‬كتاب المارة‪ ،‬بححاب قححوله َ‬
‫العمال بالنيححة وأنححه يححدخل فيححه الغححزو وغيححره مححن العمححال‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(1907‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪37‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫فالضابط هو‪ :‬ما يجمع الجزئيات في أمر معين‪.‬‬
‫وبعض العلمححاء ل يميححز بيححن الضححوابط والقواعححد‪،‬‬
‫فيجعل القاعدة ضابطا ً والضابط قاعدة‪.‬‬
‫لكن الذي جرى عليه عمححل الكححثرين التمييححز بيححن‬
‫القواعد والضوابط ‪ ،‬فالقواعد هي الشاملة العامححة‪،‬‬
‫وأما الضححوابط فهححي الححتي تتعلححق ببححاب مححن أبححواب‬
‫العلم‪.‬‬
‫كقاعدة في باب الطهارة‪ ،‬أو فححي الصححلة‪ ،‬أو فححي‬
‫باب من أبواب المعاملت‪ ،‬أو فححي بححاب مححن أبححواب‬
‫التبرعات‪ ،‬أو غير ذلك من أبواب الفقه‪.‬‬
‫المهم أنها تجمع الجزئيات فححي أمححر معيححن‪ ،‬فهححي‬
‫ليست شاملة كالقسمين الولين‪.‬‬
‫إذا ً عرفنا أن القواعد الفقهية ليسححت علححى درجححة‬
‫واحدة من حيث الشمول والعموم‪.‬‬
‫ثم اعلم أن ه ٰحذه القواعد من حيث التفححاق عليهححا‬
‫بين أهل العلم أيضا ً على درجات؛ ليست على درجة‬
‫واحدة‪:‬‬
‫فمححن القواعححد مححا تتفححق عليححه المححذاهب علححى‬
‫اختلفها‪ ،‬ومثال ذلك القواعد الخمس الكبرى‪ ،‬ه ٰححذه‬
‫مما جرى عليه التفاق بين أهل العلححم علححى اختلف‬
‫مذاهبهم‪.‬‬
‫ومنها مححا يكححون متفقحا ً عليححه بيححن كححثير مححن أهححل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ومنها ما يكون قاعدة في مححذهب مححن المححذاهب‪،‬‬
‫فهي قاعدة تتعلق بمذهب‪ ،‬فيبني الفقهاء فححي ه ٰحححذا‬
‫المححذهب أقححوالهم فححي مسححائل معينححة علححى ه ٰحححذه‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫إذا ً عرفنا أن القواعد تنقسم إل ٰى درجات ومراتححب‬
‫باعتبار الشمول‪ ،‬وباعتبار اتفاق أهل العلم عليها‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪38‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫وهناك تقسححيمات أخححرى؛ لكححن هححذان التقسححيمان‬
‫أبرز ما يقال في تقسيم القواعد‪.‬‬
‫بدأ المؤلححف رحمححه اللححه ذكححر القواعححد فححي ه ٰحححذه‬
‫المنظومة بهذه القاعدة الكلية الكبرى وهححي قاعححدة‬
‫النية‪ ،‬وبدأ بها لهميتها‪ ،‬ولن النية أول ما يبدأ به في‬
‫العمل‪.‬‬
‫ولذلك جرى عمل كثير من أهل العلم أن يتكلمححوا‬
‫على باب النية قبل غيره من البواب‪ ،‬وعلى حححديث‬
‫ن النية مطّيححة‪،‬‬ ‫النية قبل غيره من الحاديث؛ وذلك أ ّ‬
‫وهححي الحتي يتبعهحا العمحل؛ فهححي سحابقة لحه‪ ،‬فقححدم‬
‫المؤلححف رحمححه اللححه ه ٰحححذه القاعححدة علححى غيرهححا؛‬
‫لمناسبة التقديم‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪) :‬النية شههرط لسههائر العمههل(‬
‫النية في كلم أهل العلم هي‪ :‬لفظ يححراد بححه القصححد‬
‫والرادة‪ ،‬يطلق لفظ )النية( ويراد به ‪-‬أو يقصد به أو‬
‫يعنى به‪ -‬القصد والرادة‪.‬‬
‫فقول القححائل‪ :‬النيححة فححي ه ٰحححذا العمححل كححذا وكححذا؛‬
‫المراد بحذلك القصحد والرادة‪ ،‬علححى أن الرادة أعحم‬
‫من النية‪ ،‬فالنية تفيد معنى الرادة؛ لكنها أخص مححن‬
‫الرادة‪.‬‬
‫• فححالرادة تتعلححق بفعححل النسححان وبفعححل‬
‫غيره‪.‬‬
‫• أما النية فإنها ل تتعلق إل بفعله‪.‬‬
‫ه ٰحذا الفارق بين الرادة والنية‪.‬‬
‫فالنيححة مححن حيححث المعنححى تفيححد القصححد والرادة؛‬
‫ولكنها أخص منهما في استعمال العرب؛ فل تقححول‪:‬‬
‫نويت من فلن كذا وكذا‪ .‬تريد فعل غيرك؛ لن النية‬
‫ل تكون إل من النسان نفسه‪.‬‬
‫بخلف الرادة‪ ،‬تقححول‪ :‬أردت منححه كححذا‪ ،‬فححالرادة‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 39‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫تكون من النسان ومن غيره‪.‬‬
‫ه ٰحذا من حيث معنى النية‪.‬‬
‫أما ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله‪:‬‬
‫بهههههها الصهههههلح‬ ‫النية شههرط لسههائر‬
‫لجميعللعمههل‬
‫العمال‪.‬‬ ‫والفسههاد‬
‫العمههههههههههههههههههلالّنية شرط‬
‫فأفادنا رحمه الله أن‬
‫والشرط هو العلمة في اللغة‪.‬‬
‫وأما في الصححطلح فهححو‪ :‬مححا يلححزم مححن وجححوده‬
‫)‪(1‬‬

‫الوجود ومن عدمه العدم‪.‬‬


‫فالنية لبد للنسان منها فححي العمححل؛ لنهححا إذا لححم‬
‫تكححن ولححم توجححد ل يححترتب علححى العمححل ثمرتححه‪ ،‬ول‬
‫يحصححل منححه مقصححوده‪ ،‬ه ٰحححذا معنححى قححوله‪) :‬النيههة‬
‫شرط(‪.‬‬
‫قال‪) :‬لسائر العمل( و)سائر( هنا بمعنى جميع‪.‬‬
‫فح)سائر( في اللغة تطلق ويراد بهححا البقيححة‪ ،‬وهححي‬
‫لفظة تطلق ويراد بها الجميع‪.‬‬
‫وهنححا اسححتعملها المؤلححف رحمححه اللححه علححى أي‬
‫المعنييححن؟ علححى معنححى )البقيححة( أو علححى معنححى‬
‫)الجميع(؟ على معنى الجميع‪.‬‬
‫وأما غححالب اسححتعمالها فهححو علححى )البقيححة(‪ ،‬وهححي‬
‫مأخوذة من )السؤر(‪ ،‬وهو مححا بقححي فححي النححاء بعححد‬
‫الشرب‪.‬‬
‫وقححوله‪) :‬سائر العمههل( يشححمل العمححل القلححبي‬
‫والعمححل البححدني والقححولي‪ ،‬فالعمححل يشححمل كححل مححا‬
‫يصدر عن النسححان‪ ،‬وكححل مححا يتحححرك بححه ظححاهرا ً أو‬
‫باطنًا‪ ،‬فكل العمل تشححترط لححه النيححة‪ ،‬ل بححد لححه مححن‬
‫النية‪.‬‬
‫ومححا هححي النيححة؟ هححل هححي مجححرد نيححة الفعححل؟ ل‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر تعريف الشرط صفحة )‪.(63‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪40‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫ليست مجرد نية الفعل؛ لنه ما من عمححل إل ول بححد‬
‫فيه من نية‪ ،‬وهو قصد الفعل‪.‬‬
‫لو قيل للنسان‪ :‬افعل بل نية‪ .‬لمححا اسححتطاع‪ ،‬فهححو‬
‫من التكليف بالمحال‪ ،‬أن تقححول للنسححان‪ :‬افعححل بل‬
‫نية‪.‬‬
‫لكن الكلم هنا على النية التي يصلح بها العمل‪.‬‬
‫فإن النية في كلم أهل العلم‪:‬‬
‫• تطلق ويراد بها تمييز العبادات بعضها عن‬
‫بعض؛ نية العبادة‪.‬‬
‫• وتطلق ويراد بها نية المعمول له‪.‬‬
‫وهذان المعنيان من المعاني التي تفسر بهححا النيححة‬
‫في مواردها‪.‬‬
‫المعنى الول‪ :‬نية العبادة‪.‬‬
‫والمعنى الثاني‪ ،‬نية المعمول له‪.‬‬
‫والثاني هححو الخلص‪ ،‬وكلهمححا أفححاده قححول النححبي‬
‫م‪)) :‬إنمها العمهال‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَعََلى آل ِهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫بالنيات((‪ .‬أي ))بالنيههات(( فححي حصححولها‪ ،‬وفححي‬
‫ه عَل َْيح ِ‬
‫ه‬ ‫صحّلى اللح ُ‬
‫حصول الجحر عليهحا؛ ولحذلك قحال َ‬
‫م فححي بقيححة الحححديث‪)) :‬فمن كههان هجرتههه‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫إلههه ٰى اللهههه ورسهههوله فهجرتهههه إلههه ٰى اللهههه‬
‫ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصههيبها أو‬
‫امرأة ينكحها فهجرته إل ٰى ما هاجر إليههه(( ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ه ٰحذا يشير إل ٰى أي شيء ؟ إل ٰى نيححة المعمححول لححه أو‬


‫إل ٰى نية العمل ؟ ه ٰحذا يشير إل ٰى نية المعمول له‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب اليمحان‪ ،‬بححاب إنمحا العمحال بالنيححة‪ ،‬حححديث‬
‫رقم )‪ .(54‬وهو في مواضع متفرقة‪.‬‬
‫سحل ّ َ‬
‫م‪ :‬إنمححا‬ ‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صحّلى اللح ُ‬
‫مسححلم‪ :‬كتححاب المححارة‪ ،‬بححاب قححوله َ‬
‫العمال بالنيححة وأنححه يححدخل فيححه الغححزو وغيححره مححن العمححال‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(1907‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪41‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫ه‬‫صحّلى اللح ُ‬‫فكل المعنيين للنية مستفاد مححن قححوله َ‬
‫ه‬
‫ي اللحح ُ‬
‫ض َ‬‫م في حديث عمر بن الخطاب َر ِ‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ه‪)) :‬إنما العمال بالنيات((‪.‬‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫ثم اعلم أن نية العبادة هي الححتي نبحثهححا فححي كلم‬
‫الفقهاء‪ ،‬فالفقهاء ل يبحثون فيما يتعلححق بالنيححة ‪-‬نيححة‬
‫المعمول له‪ -‬إنما يبحثون في نية العمل‪ ،‬ولححذلك إذا‬
‫قال الفقهاء‪) :‬ومن شححرطه النيححة( مثل ً‪ ،‬العمححل؛ أي‬
‫عمحححل كالصحححلة أو الزكحححاة أو الصحححيام أو الححححج أو‬
‫الوضوء‪ ،‬قالوا‪ :‬من شروطه النية‪ .‬هل المقصححود ب حه‬
‫نية المعمول له أو نية العمل؟ نيححة العمححل‪ ،‬أم حا نيححة‬
‫المعمول له فهي من مسححائل التوحيححد الححتي تبحححث‬
‫في كتب العقائد‪.‬‬
‫فقححول المؤلححف رحمححه اللححه‪ :‬النيححة شححرط لسححائر‬
‫العمل‪ ،‬الكلم على نية العمل ل نية المعمول له‪.‬‬
‫ثم نيححة العبححادة تطلححق ويححراد بهححا تمييحز العبححادات‬
‫بعضها عححن بعححض‪ ،‬فتميّحز صححلة النافلححة عححن صححلة‬
‫الفريضة‪ ،‬كيف تميز؟‬
‫الن إنسححان يصححلي صححلة الفجححر ويصححلي راتبححة‬
‫الفجححر قبلهححا‪ ،‬كيححف يميححز بيححن الراتبححة والفريضححة؟‬
‫الجميححع ركعتححان‪ ،‬والجميححع تقححرأ فيهمححا الفاتحححة ثححم‬
‫سورة‪ ،‬والجميع يتفق في الركوع والسجود وما إلى‬
‫ذلك‪ ،‬ما الذي يميز هذه عن هذه؟ كيف تميز؟ تميححز‬
‫بالنية‪.‬‬
‫وهناك أمور تتميز بها كالجماعححة ومححا أشححبه ذلححك؛‬
‫لكححن المميححز الفححارق بيححن هححذا وذاك هححو مححا يقححوم‬
‫بالقلب من القصد والرادة‪.‬‬
‫فإذا قصد النسان بفعله الفريضححة فهححي فريضححة‪،‬‬
‫وإذا قصد النافلة فهي نافلة‪.‬‬
‫إذا ً النية تفيدنا التمييز بين العبادات‪ ،‬بيححن الفححرض‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪42‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫والنفل‪.‬‬
‫أيضا ً تفيدنا النية في التمييز بين العبادة والعادة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬عمل واحد قد يفعلححه النسححان ويكححون‬
‫عبادة‪ ،‬وقد يفعله النسان ويكون عادة؛ مثححاله تححرك‬
‫الكححل والشححرب قححد يحتمححي النسححان بححترك الكححل‬
‫والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس‪ ،‬فما‬
‫المميز بين من يفعل ذلك عححادة أو اسححتطبابًا‪ ،‬ومححن‬
‫يفعل ذلك عبادة وقربة‪ ،‬مححا الححذي يميححز بيححن هححذين‬
‫الفعلين المتشابهين في الصورة؟ النية‪ ،‬فالنية تميححز‬
‫بين العبادة والعادة‪.‬‬
‫إذا ً النيححة شححرط سححواء كححانت تميححز بيححن العبححادة‬
‫وعبححادة أخححرى‪ ،‬أو بيححن العبححادة والعححادة )شههرط‬
‫لسائر العمل(‪.‬‬
‫ثم قححال رحمححه اللححه‪) :‬بها( والبححاء هنححا للسححببية‪،‬‬
‫والضححمير يعححود إلححى النيححة؛ يعنححي بالنيححة الصححلح‬
‫والفسححاد للعمححل؛ أي بهححا يثبححت الصححلح وبهححا يثبححت‬
‫الفساد لكل عمل يعمله النسان‪.‬‬
‫فالحكم على عمل من العمال بأنه صالح مقبول‪،‬‬
‫وبين أن يقال فاسد مردود‪ ،‬هو مححا يقححوم فححي قلححب‬
‫العبد من النية‪.‬‬
‫والمقصود بالنية هنا ل نية المعبود له أو المتقححرب‬
‫إليه‪ ،‬إنما هو نية العمل نفسه‪.‬‬
‫فإنسان مثل ً ما نوى صيام الفححرض إل بعححد طلححوع‬
‫الفجر هل يجزيه؟ ل يجزيه لماذا؟ لن هذه النية لححم‬
‫تكن في مكانها‪ ،‬فالنية مؤثرة صلحا ً وفسادا ً لجميححع‬
‫العمال‪.‬‬
‫وظاهر كلم المؤلف رحمه الله في قوله‪) :‬سائر‬
‫العمل( أن النيححة تححدخل فححي كححل عمححل يقححوم بححه‬
‫النسان‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪43‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫واعلم أن العمل العبادي ل بد له من نية كما ذكححر‬
‫المؤلف رحمه الله‪.‬‬
‫والعبادات تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫عبادات مقصودة لههذاتها‪ :‬وهححذه ل خلف بيححن‬
‫أهل العلم في أن النية شرط لها‪.‬‬
‫مثححال العبححادات الححتي هححي مقصححودة لححذاتها‪ :‬مثححل‬
‫الصححلة والزكححاة والحححج والصححيام‪ ،‬هححذه عبححادات‬
‫مقصودة لذاتها‪ ،‬فالنية شرط لصحتها‪ ،‬ل تصححح هححذه‬
‫العبادات إل بالنية‪.‬‬
‫فلو أن إنسانا ً أمسك من طلوع الفجر إلى غروب‬
‫الشمس؛ لكنه لم ينوِ بححذلك التقححرب إلححى اللححه عححز‬
‫وجححل‪ ،‬هححل يجزي حه ذلححك عححن صححيام رمضححان‪ ،‬هححل‬
‫يجزيه؟ ل؛ ل بد في هذا من النية‪)) :‬إنما العمال‬
‫)‪(1‬‬
‫بالنيات((‪.‬‬
‫هذا القسم الول من العمال‪.‬‬
‫القسم الثححاني مححن العمححال العباديححة‪ :‬ما ليههس‬
‫مقصود ًا لذاته‪ :‬بل هو وسيلة لغيره‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الوضوء وسيلة للصححلة‪،‬ه ٰحححذا الصححل فيححه‪،‬‬
‫وإن كان النسان يؤجر على الوضوء في ذاته ويثاب‬
‫عليه ويندب إلى المحافظة عليه؛ لكنه في الحقيقححة‬
‫هو مقصححود لغيححره‪ ،‬مقصححود إمححا للصححلة أو لقححراءة‬
‫القرآن أو للذكر أو غير ذلك من العمال التي يجححب‬
‫لهححا الوضححوء أو يسححتحب لهححا الوضححوء‪ ،‬فهححو عبححادة‬
‫مقصودة لغيرها‪.‬‬
‫ه ٰحذا النوع محن العبححادات اختلحف العلمححاء رحمهحم‬
‫الله في اشتراط النية له‪.‬‬
‫ما الذي يفيده كلم المؤلف رحمححه اللححه هنححا؟ أنححه‬
‫شرط؛ لنه لم يفحرق بيحن العمحال‪ ،‬لحم يفحرق بيحن‬
‫‪1‬‬
‫)( تم تخريجه صفحة‪.(37) :‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪44‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫العبادة المقصودة لذاتها وبين العبادة التي لم تقصد‬
‫لذاتها‪ ،‬أي التي هي وسيلة لغيرها‪.‬‬
‫وهذا هو القول الصحيح‪ ،‬وهو مذهب جمهححور أهححل‬
‫العلم؛ أنه ل فرق بين العبادة المقصودة لذاتها وبين‬
‫العبادة المقصودة لغيرها في اشتراط النية‪.‬‬
‫لو قيل لك يا أخي‪ :‬ما الدليل علحى عحدم التفريحق‬
‫بين هذين النوعين؟‬
‫ه عَل َي ْحهِ وَعَل َححى آل ِح ِ‬
‫ه‬ ‫ص حّلى الل ح ُ‬‫الدليل عمححوم قححوله َ‬
‫م‪)) :‬إنما العمههال بالنيههات‪ ،‬وإنمهها لكههل‬ ‫س حل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫ه‬‫صحّلى اللح ُ‬ ‫امرئ ما نوى(( ‪ .‬ولححم يفححرق النححبي َ‬
‫(‬ ‫‪1‬‬‫)‬

‫م بين ما يقصد لذاته من العبححادات‪ ،‬وبيححن‬ ‫سل ّ َ‬


‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫م‬ ‫س حل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ح ُ‬ ‫ما هو وسيلة لغيره‪ ،‬والنبي َ‬
‫أوتححي جوامححع الكلححم‪ ،‬وعليححه فل بححد مححن النيححة فححي‬
‫المرين جميعا ً‪.‬‬
‫طيب هححل كححل الأعمححال الححتي تصححدر عنححا أعمححال‬
‫عبادية؟ ل؛ منها ما هو عبحادي ومنهحا محا هحو عحادي‪،‬‬
‫ليس كل عمل يصدر عنا عبادي ّا ً‪.‬‬
‫عرفنا العمال العبادية وأقسامها‪.‬‬
‫طيب العمححال العاديححة هححل تشححرط لهححا النيححة؟ ل‬
‫نسححتطيع أن نقححول‪ :‬ل تشححترط؛ لأن مححن العمححال‬
‫العادية ما يترتب عليه حكحم‪ ،‬الحبيع والشحراء‪ ،‬عقحود‬
‫المعاوضات بأنواعها‪ ،‬هذه هل هححي أعم حال عبادي حة؟‬
‫هل الواحد منا يذهب ويتعبد اللححه عححز وجححل بشححراء‬
‫ماء‪ ،‬بشراء ثوب؟ ل‪ ،‬الصل أنححه يفعححل هححذه المححور‬
‫على وجه العادة‪ ،‬دع عنك إذا اشترى مححاء للوضححوء‪،‬‬
‫فهذه عبادة من جهة أخرى؛ لكن أصل شراء المححاء‪،‬‬
‫أصل شراء الثوب‪ ،‬أصل شراء حوائج المنححزل‪ ،‬هححذه‬
‫ليست عبادة‪ ،‬هذه من المور العادية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تم تخريجه صفحة‪.(37) :‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪45‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫هل النية لها دخل في ذلك؟ نعم لها أثححر‪ ،‬ولححذلك‬
‫كححانت العقححود مبناهححا علححى المقاصححد ل اللفححاظ‪،‬‬
‫فالعبرة في العقود بالمقاصد ل باللفاظ‪.‬‬
‫فلو أن إنسان ًا ذهب إلى دكان ليشححتري منححه ثوب حًا‪،‬‬
‫فلما أعطى الرجل صححاحب المحححل الححدراهم‪ ،‬قححال‪:‬‬
‫خذ هذه الدراهم استأجرت منك هذا الثوب‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن هححذا المحححل ل يححؤجر‪ ،‬مححا يححؤجر إنمححا يححبيع‪ ،‬يححبيع‬
‫الثياب‪ ،‬ولم تجر عادة الناس باستئجار الثياب‪.‬‬
‫الن هل العقد وقع إجارة أو وقححع بيعحا ً؟ ننظححر مححا‬
‫الذي قصده هذا البائع؟ قال‪ :‬أنا ما قصدت إل الححبيع؛‬
‫لكن سبق لساني بالجارة‪ ،‬أو أنه جححرى عُرفنححا فححي‬
‫بلدنا أن نطلق الجارة على البيع‪.‬‬
‫فهل نقول‪ :‬العبرة باللفظ أو العبرة بالنية؟ العبرة‬
‫بالنية؛ لن العبرة في العقود بالمقاصححد والمعححاني ل‬
‫باللفاظ والمباني‪.‬‬
‫ولذلك كان القول الراجح في العقود أنه ليس لهححا‬
‫ألفاظ محححددة ل تتححم إل بهححا‪ ،‬خلفح ًا لمححا ذهححب إليححه‬
‫جماعة من العلماء من أن العقود لها ألفاظ محححددة‬
‫إذا جيء بغيرها لم تنعقد‪.‬‬
‫فالصحححيح أن العقححود تنعقححد بكححل مححا دلّ عليهححا‪،‬‬
‫ولذلك صحح الفقهاء ‪-‬كثيٌر منهم‪ -‬بيع المعاطاة‪ ،‬مححع‬
‫أنه ل قول فيها‪ .‬تعرفون بيع المعاطاة؟ الخححبز الن‪:‬‬
‫إل ٰى الخباز وتضع ريال ً وتأخذ حبححة‬ ‫بعض الحيان تأتي‬
‫دون أن تتكلححم معححه بكلم‪ ،‬هححذا بيححع المعاط حاة‪ ،‬تححم‬
‫بإيجاب وقبول أو بمعاطاة؟ بمعاطاة‪.‬‬
‫صناديق البيبسححي الححتي فححي الشححوارع الححتي تضححع‬
‫ريال ً وتضغط زّرا ً ويخرج بيبسححي‪ ،‬هححذا بيححع أو ليححس‬
‫بيعا ً؟ بيع أو سرقة أو إجارة؟ بيع‪ ،‬طيب بأي اللفاظ‬
‫تم؟ ما صورته؟ ه ٰحذا معاطاة‪ ،‬ليس هناك إيجاب ول‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪46‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫قبول‪ ،‬فإذا أخذ البيبسححي الن بعححد أن وضححع الريححال‬
‫فقد ملكه وتم عقد البيع‪ ،‬مع أنه ل لفظ‪ ،‬وه ٰحححذا مححن‬
‫الصور المعاصرة لبيع المعاطاة‪.‬‬
‫المهم أننا نرجع ونقول‪ :‬إن النية تححدخل حححتى فححي‬
‫العمال العادية‪ ،‬لها أثر في العمال العادية‪.‬‬
‫طيب بقيحة التصححرفات غيححر العباديححة كححثيرة‪ ،‬فححإن‬
‫تصرفات النسان التي ل تكون عبادية إما أن تكححون‬
‫عقودا ً أو تكون غير عقود‪ ،‬فغير العقود هل للنية أثر‬
‫فيها؟ الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬للنية أثر فيها‪.‬‬
‫مثال ذلك الكل تصرف عادي أو عبححادي؟ تصححرف‬
‫عادي‪ ،‬هل هو تصرف بعقد؟ ليس هناك عقد‪ ،‬قححال‪:‬‬
‫تفضل‪ ،‬هل هناك عقد الن؟ ليس هناك عقد‪ ،‬بححدأت‬
‫تأكل‪ ،‬هذا الكل هل النية لها أثر فيه؟ نعم لهححا أثححر؛‬
‫إل ٰى عبادة‪.‬‬ ‫قد تحول هذه العادة‬
‫فالنية تؤثر حتى في العمال العادية غير العقديححة‪،‬‬
‫فتقلب هذه العمال إلى عبادات‪.‬‬
‫إذا ً عرفنا الن أن قوله رحمه الله‪) :‬النية شرط‬
‫لسائر العمل( أنه على إطلقه‪ ،‬سواء كان العمححل‬
‫عبادي ّا ً أو كان العمل عادي ّا ً‪ ،‬سواء كان العمل عقححدي ّا ً‬
‫أو كان العمل غير عقدي‪ ،‬وأن كل عمل ل بد له من‬
‫نية‪ ،‬وعلى هذه النيححة يثبححت أمححران‪:‬يثبححت الصحححة أو‬
‫الفساد والقبول أو الرد‪.‬‬
‫طيححب هنححاك مححن العمححال مححا يسححميه الفقهححاء‬
‫التّحروك‪ ،‬العمححال التركيحة؛ يعنححي مححا هنححاك إحححداث‬
‫شيء‪ ،‬هناك ترك‪ ،‬هل هذه العمال التركية تشححترط‬
‫لها النية؟ الجواب‪ :‬ل‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬ثححوب أصححابته النجاسححة‪ ،‬الن مححا الححذي‬
‫يجب عليك؟ إزالة هذه النجاسة الححتي لححوثت ثوبححك‪،‬‬
‫لو أن الله جل وعل ساق مطرا ً غزيححرا ً وأصححاب هححذا‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪47‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الثوب حتى لم يبقَ فيه أثحر للنجاسحة‪ ،‬أنحت وضححعت‬
‫ثوبك لكي تغسله‪ ،‬ولما أصبحت وقححد مُطِححرَت وزال‬
‫أثححر النجاسححة مححن ثوبححك‪ ،‬هححل نقححول‪ :‬اصححبر هححذه‬
‫النجاسححة زالححت بححدون نيححة‪ ،‬فل بححد أن تغسححله بنيححة‬
‫لزالتها؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬ما نقول هذا‪ .‬لماذا؟ لن هذا من بححاب‬
‫التروك؛ أي محن المححور الححتي يطلحب التخلححي منهحا‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فكيححف مححا حصححل المقصححود بححرئت الذم حة وحصححل‬
‫المطلوب‪،‬ول يلزم في ه ٰحذا نية‪.‬‬
‫فباب التّروك ل يلزم فيه نية‪.‬‬
‫ن لمححا‬‫الذممه ٰحححذا مثححال ثححا ٍ‬
‫‪،‬‬ ‫ومن ذلك أيضًا‪ :‬إبراء‬
‫يندرج في باب التروك‪ ،‬إبححراء الححذمم‪ :‬شححخص عليححه‬
‫دين‪ ،‬زيد من الناس عليه عشرة آلف ريال‪ ،‬علمححت‬
‫به‪ ،‬وأعلم أن هذا الرجل ليس عنححده مححا يتمكححن بححه‬
‫من وفاء دينه‪ ،‬ذهبت إلى صاحب الدين؛ يعني الححذي‬
‫يطلب الدين‪ ،‬فقلت‪ :‬أنححت تطححالب فلن حا ً بكححذا؟ خححذ‬
‫هذه عشرة آلف ريال‪ ،‬ما علم ذلك‪ ،‬هححل تححبرأ ذمتححه‬
‫أو ل تبرأ؟ تبرأ ذمتححه؛ لأن وفححاء الححدين ل يلححزم فيححه‬
‫النية؛ لنه من باب التروك‪ ،‬فل يشترط فيه أن ينوي‬
‫أن يبرئ ذمته؛ بل لو دفع المال بححدون نيححة‪ ،‬أعطححاه‬
‫المال قال‪ :‬خذ هذا اشترِ به كذا‪ ،‬ثم قححال لححه‪ :‬ل‪،‬أنححا‬
‫تذكرت أنك تطلبني بدين‪ ،‬المبلغ الذي أعطيتك وفاء‬
‫دين‪ .‬يصلح أو ل يصلح؟ يصلح؛ وإن كان هذا المثححال‬
‫ل ينطبق؛ لنه لمححا قححال لححه‪ :‬المبلححغ الححذي أعطيتححك‬
‫وفاء دين‪ ،‬حصلت النية منه لحقا ً ل ابتداًء‪.‬‬
‫لكن المثال المنطبحق هحو محا لحو أوفحى أححد عنحه‬
‫المال فإن ذمته تبرأ‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬الزكاة‪ :‬شخص عليه زكاة مال‪ ،‬وعلمت أنه‬
‫ليس عنده نقد –ليسححت عنححده سححيولة‪ -‬يححدفع ه ٰحححذه‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪48‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الزكاة‪ ،‬فذهبت وأخرجت الزكاة عنه‪ ،‬هححل يجححزئ أو‬
‫ن الححذي عليححه الزكححاة ذمتححه‬
‫ل يجححزئ؟ ل يجححزئ؛ ال ً‬
‫مشغولة أو ليست بمشغولة؟ مشغولة بالزكاة‪ ،‬لكن‬
‫هححل يجححزئ أن يخرجهححا عنححه غيححره بل نيححة منححه؟‬
‫الجواب‪:‬ل‪ ،‬لن إخراج الزكاة عبححادة ل بححد فيهححا مححن‬
‫النية؛ وأما إبراء الذمم بوفاء الححديون فليححس عبححادة؛‬
‫بل هي من باب التروك‪ ،‬كيفمححا حصححل ُقبِحلَ وبححرئت‬
‫الذمة‪.‬‬
‫هذا الفارق بين وفاء الدين غير الزكاة ووفاء ديححن‬
‫الزكاة‪ :‬أن دين الزكاة ل بد فيه من النية‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫في جلبها والههدّرء‬ ‫الههدّين مبنههي علههى‬
‫ههههههههههههههائحححه‬
‫للقبه يطلححق ويححراد ب‬
‫المصهههههههههههههههالح )الدّين(‬
‫هححذه القاعححدة الثانيححة‪.‬‬
‫العمل‪ ،‬ويطلق ويراد به الجزاء والحساب‪.‬‬
‫فححأي المعنييححن المححراد هنححا؟ المححراد العمححل؛ أي‬
‫العمححل العبححادي فححي هححذه الشححريعة )مبنيّ علههى‬
‫درء(‬ ‫المصالح في جلبها( أي في تحصيلها )وال ّ‬
‫أي الدفع )للقبائح( أي المفاسد‪.‬‬
‫وهذه قاعدة من القواعد الكليححة الححتي تححدخل فححي‬
‫كثير من أبواب الفقه؛ بل هي من القواعححد الكححبرى‬
‫التي ل يسلم منها باب من البواب‪ ،‬فهي داخلة فححي‬
‫جميع أبواب الفقه‪.‬‬
‫وملخّحححص هحححذه القاعحححدة‪ :‬أن الشحححريعة جحححاءت‬
‫بتحصيل المصالح وتكثيرها‪ ،‬ه ٰحذا من جانب‪ ،‬وإعححدام‬
‫المفاسد وتقليلها‪.‬‬
‫في المصالح مرتبتان‪ :‬اليجاد والتكثير‪.‬‬
‫وفي المفاسد مرتبتان‪ :‬الولححى العححدام‪ ،‬فححإذا لححم‬
‫يتمكن من العدام فالتقليل‪.‬‬
‫فالشريعة في جميع ما جاءت به دائرة على هذين‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 49‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫المعنيين‪ :‬إيجاد المصالح وتكثيرها‪ ،‬وتقليل المفاسححد‬
‫وإعدامها‪ .‬ول إشكال أن الشححريعة راعححت المصححلحة‬
‫مراعاة ظححاهرة‪ ،‬فمححن تأمححل مصححادر التشححريع فححي‬
‫القرآن والسححنة والجمححاع يجححد أن الشححريعة راعححت‬
‫المصلحة مراعاة ظاهرة‪.‬‬
‫ولذلك الشريعة ضبطت مصالح النححاس‪ ،‬وحص حّلت‬
‫مصالح الناس في معاشهم ومعححادهم‪ ،‬فليححس فقححط‬
‫المصلحة التي تحصلها الشريعة هي مصلحة الآخرة‪.‬‬
‫وهذه مسححألة مهمححة يححا إخححوان‪ ،‬كححثير مححن النححاس‬
‫يظن أن الشححريعة احتححاطت لمصححالح الخححرة‪ ،‬وأمححا‬
‫مصالح الدنيا فقد أهملتها‪ ،‬وهذا غلط‪ ،‬فإن الشريعة‬
‫جاءت بما يصلح به أمر الدنيا وأمححر الخححرة‪ ،‬فمهمححا‬
‫بلغ الناس في تحصيل مصالح الححدنيا‪ ،‬ل يسححتطيعون‬
‫تحصيلها كما حصلتها الشريعة‪.‬‬
‫وأما مصالح الخرة فل سبيل إلى تحصيلها إل مححن‬
‫طريق هذه الشريعة المباركة‪.‬‬
‫فالشححريعة جححاءت بتحصححيل المصححالح وتكثيرهححا‪،‬‬
‫وتقليل المفاسد وتعطيلها‪.‬‬
‫ولذلك قال المؤلف رحمححه اللححه‪) :‬الههدّين مبنههي‬
‫على المصالح( فالدين دائر على هذا المححر‪ :‬علححى‬
‫تحصححيل المصححلحة وتكثيرهححا‪ ،‬ولححذلك قححال‪) :‬فههي‬
‫جلبها( أي تحصيلها وتكثيرها‪.‬‬
‫)والدرء للقبائح( والححدرء لححه مرتبتححان‪ :‬العححدام‬
‫ل‪ ،‬فإن لم يتمكن من العدام فالمرتبة الثانيححة مححا‬ ‫أو ً‬
‫هي؟ التقليل‪.‬‬
‫إذا ً الجلب له مرتبتان والدرء له مرتبتان‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫يقدم العلى مههن‬ ‫م عههدد‬‫فههإن تزاحهه ْ‬
‫هههههههههههههالححل‬
‫المصهالمصححلحة انتقح‬ ‫المصهههههههههههههههالح‬
‫الكليححة فححي‬ ‫بعد أن ذكر القاعدة‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 50‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫إلى تفريع مبني علححى تلححك القاعححدة وذلححك الصححل‪،‬‬
‫وهو تزاحم المصالح وتزاحم المفاسححد‪ ،‬كيححف يعمححل‬
‫النسان إذا تزاحمت المصالح أو تزاحمت المفاسححد‪،‬‬
‫كيف يعمل؟ أول ًً ما معنى الححتزاحم؟ معنححى الححتزاحم‬
‫أنه يتعين فعل أحد المرين‪:‬‬
‫ل بد من فعل أحد المرين‪ ،‬وفعل أحححدهما يفححوت‬
‫الآخر‪ ،‬فتزاحم المصالح هو أن يكححون عنححدك أمححران‬
‫كلهما مصلحة؛ لكحن ل يمكنحك الجمحع بينهمحا‪ ،‬فحإذا‬
‫فعلت هذا فاتك هذا‪ ،‬وإذا فعلت هذا فاتك هححذا‪ ،‬أمححا‬
‫إذا كان يمكن الجمع فهنا ل تزاحم‪.‬‬
‫فكلمنا في هذه الصورة‪ ،‬وهي إذا ما كان النسان‬
‫ل يتمكححن مححن فعححل الجميححع؛ بححل إذا فعححل إحححدى‬
‫المصلحتين فاتته الخرى‪ ،‬فكيف يفعل؟‬
‫م عدد المصههالح(‬ ‫يقول رحمه الله‪) :‬فإن تزاح ْ‬
‫أي )عدد( مجموعة‪ ،‬اثنان فأكثر‪ ،‬من المصالح‪ ،‬فمححا‬
‫الذي يقدم؟ )يقدم العلى من المصالح(‪.‬‬
‫فإذا تزاحم عندنا فرض ونفل‪ ،‬كلهما مصلحة؛ لن‬
‫العبادة مصلحة فرضححها ونفلهححا‪ ،‬مصححلحة فححي الححدنيا‬
‫ومصلحة في الخرة‪ ،‬فماذا يقدم؟ عندنا الن فححرض‬
‫ونفل ماذا نقدم؟ نقدم الفرض‪.‬‬
‫صححّلى‬‫ودليل تقديم الفرض على النفل قول النبي َ‬
‫م في الحديث اللهي‪)) :‬وما تقههرب‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ُ‬
‫إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته عليه(( ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فأول وأوجب ما يقدّم عند التزاحم‪ :‬الفرائض‪ ،‬وهححذا‬


‫واضح‪.‬‬
‫الشحححكال يقحححع فيمحححا إذا تزاحمحححت النوافحححل‪ ،‬أو‬
‫تزاحمححت الفححرائض‪ ،‬إذا اتفقححت فححي الجنححس‪ ،‬كيححف‬
‫‪1‬‬
‫)( البخححاري‪ :‬كتححاب الرقححائق‪ ،‬بححاب التواضححع‪ ،‬حححديث رقححم )‬
‫‪.(6501‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪51‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫هنا يطول الكلم ويحتححاج النسححان إل ح ٰى فقححه‬ ‫يفعل؟‬
‫مراتب العمال‪.‬‬
‫فل سبيل إلى تحقيق ما ذكره المؤلف رحمه اللححه‬
‫من تقححديم العلححى مححن المصححالح إل بمعرفححة وفقححه‬
‫مراتب العمال‪.‬‬
‫فمثل ً إنسان تزاحم عنده الن طلب العلححم وقيححام‬
‫الليل‪ ،‬ماذا يقدم؟ هل يقدم طلب العلم علححى قيححام‬
‫الليل؟ كلمنححا فححي طلحب العلحم غيححر الحواجب‪ ،‬غيحر‬
‫المتعين‪ ،‬أما طلب العلم المتعين فخارج عن الكلم‪،‬‬
‫كلمنا في طلب العلححم الححذي هححو فححي دائرة النفححل‪،‬‬
‫وليس في دائرة فرض العين‪.‬‬
‫أيهما يقححدم؟ هححل يقححدم طلححب العلححم علححى قيححام‬
‫الليل؟ هنا ل فرق‪ ،‬فكيف يقدم؟ هنا ل بد من النظر‬
‫إلى مراتب العمال وإلى ثمرة العمل‪ ،‬فإن العمال‬
‫تتفححاوت فححي الجححر والمرتبححة والفضححيلة والمنزلححة‬
‫بنتائجها وعواقبها وأجرها‪ ،‬وه ٰحذه قاعححدة فححي جميححع‬
‫العمال الواجبة والمستحبة‪ :‬المفاضلة بين العمححال‬
‫هو في نتائجها وعواقبها وأجرها‪ ،‬فأيهما يقدم؛ طلب‬
‫العلم أو قيام الليل؟‬
‫عندنا الن مححن يححرى تقححديم طلحب العلححم مطلقحًا‪،‬‬
‫ورأي مححن يقححدم قيححام الليححل مطلقححا ً‪ ،‬ورأي يقححدم‬
‫الأصلح لقلبه‪ ،‬ورأي يفصل باختلف أحوال الناس‪.‬‬
‫وكل هذه الراء قد قيل بها عند أهل العلححم‪ ،‬وهححذا‬
‫الذي يجعل الموازنة بين المصالح مححن المححور الححتي‬
‫يحتاج فيها إلى فقه دقيق ونظر عميق حتى يتوصححل‬
‫النسان إلى الراجح من هذه القوال‪.‬‬
‫المام أحمد رحمه الله مال إلى تقديم العلم على‬
‫قيام الليححل؛ وذلححك أن قيححام الليححل نفعححه لزم‪ ،‬وأمححا‬
‫د‪ ،‬وما كان نفعه متعديا ً يقدم‬ ‫طلب العلم فنفعه متع ّ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪52‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫على النفع اللزم‪.‬‬
‫وفي قححول آخححر فححي مسححألة أخححرى سحئل المححام‬
‫أحمد رحمه الله‪ :‬أيهما أفضل؟ فقال‪ :‬انظر إلححى مححا‬
‫هو أصلح لقلبك فافعله‪ ،‬فجعل المرجع في تحديد ما‬
‫يقدم ويؤخر ما يحصل به زكاء القلب وصلاحه‪.‬‬
‫لن هذا مقصود للشارع‪ ،‬فالعمال العباديححة علححى‬
‫اختلف أنواعها وصورها إنما يراد بهححا صححلاح القلححب‬
‫واستقامته وزكاؤه وصلاحه‪.‬‬
‫إذا ً يا إخوان في مثل هذه المححور يحتححاج النسححان‬
‫إلححى أن يُنعححم النظححر ويححدقق‪ ،‬وليححس هنححاك جححواب‬
‫ينتظم جميع الصور ويصلح لكل أحد‪.‬‬
‫ولذلك لما سئل شيخ السححلم ابححن تيميححة رحمححه‬
‫الله عن أيهمححا أفضححل‪ :‬المجححاورة فححي مكححة أو فححي‬
‫المدينة؟ قال‪ :‬الفضل في المجاورة مححا يحصححل بححه‬
‫لك التقوى‪ ،‬حيثما كنت في مكححة أو فححي المدينححة أو‬
‫على رأس جبل‪ ،‬أو في أي مكان‪ ،‬ليس السبق فيما‬
‫يتعلق بفضل المكان‪ ،‬إنمححا السححبق فيمححا يتعلححق بمححا‬
‫يحصححل بححه المقصححود للقلححب مححن الزكححاء والصححلح‬
‫والستقامة‪.‬‬
‫فهذه المححور تحتححاج إلححى بسححط‪ ،‬وإلححى نظححر إلححى‬
‫جححوانب عديححدة‪ ،‬وهححي راجعححة إلححى مححا قححدمنا بححه‬
‫الحديث‪ ،‬وهو معرفة وفقححه مراتححب العمححال‪ ،‬وهححذا‬
‫فقه دقيق‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬
‫يقدم العلى مههن‬ ‫م عههدد‬ ‫فههإن تزاحهه ْ‬
‫هههههههههههههالح‬ ‫المصه‬
‫‪.....................‬‬ ‫المصهههههههههههههههالح‬
‫وضده ‪...............‬‬
‫المفاسههد(‪ ،‬مححاذا‬ ‫‪........‬‬
‫عكسححه ويقححابله )تزاحم‬‫‪..........‬‬
‫أي‬
‫يفعححل؟ )يرتكههب الدنههى مههن المفاسههد(؛ لن‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪53‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الشريعة جاءت بتعطيححل المفاسححد‪ ،‬فححإذا لححم يمكححن‬
‫التعطيححل فالتقليححل‪ ،‬ول حذلك يتعبححد النسححان بتقليححل‬
‫المفسدة‪ ،‬يتعبد لله عز وجل بتقليل المفسدة‪ ،‬فححإذا‬
‫كححان فححي مكححان ل يسححتطيع أن يلغححي المفسححدة )‬
‫‪ (%100‬مائة في المححائة؛ لكنحه يسححتطيع أن يوصححل‬
‫المفسححدة إلححى )‪ (%80‬ثمححانين فححي الم حائة‪ ،‬إلححى )‬
‫‪ (%60‬ستين في المائة‪ ،‬هل هو مأجور على هححذا أو‬
‫ل؟ مأجور علححى هححذا‪ ،‬وإن كححان مححن لزم عملححه أن‬
‫ُيمضي بعض المفاسد فالشريعة لهححا مقصححدان فححي‬
‫المفاسححد‪ :‬المقصححد الول هححو التعطيحححل والزالححة‬
‫بالكلية‪ ،‬فإذا لم يتمكن فل أقل من التقليل‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله بعد أن فرغ مححن هححذه القاعححدة‬
‫وتفصيلها‪:‬‬
‫في كل أمههر نههابه‬ ‫ومههههههن قواعههههههد‬
‫تعسههههههههههههههههيرحف‬
‫التيسههيروهو التسهيل‪،‬وه ٰحذا وصح‬ ‫ضد التعسير‬ ‫الشههريعة‬
‫والتيسير‬
‫من أوصاف هذه الشريعة المباركة أنها شريعة يسر‬
‫ه وَت َعَححاَلى مححنّ علححى هححذه‬
‫حان َ ُ‬‫س حب ْ َ‬
‫وسهولة‪ ،‬فإن الله ُ‬
‫المة برفححع الآصحار والغلل‪ ،‬فهححي أمححة وسححط بيححن‬
‫جفاء وغلو‪ ،‬بين إفراط وتفريط‪ ،‬كما قححال اللححه جححلّ‬
‫طا ل ّت َ ُ‬
‫سه ً‬ ‫ك جعل ْن َههاك ُ ُ‬
‫كون ُههوا‬ ‫و َ‬‫ة َ‬
‫مه ً‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ َ َ‬‫وعلا‪َ ﴿ :‬‬
‫س﴾ ‪ .‬فوسطية المة في جميححع‬ ‫داء َ َ‬ ‫ُ‬
‫على الّنا ِ‬ ‫ه َ‬‫ش َ‬
‫)‪(1‬‬

‫شؤونها‪ ،‬في جميع أحكامها‪ ،‬في جميع عقائدها‪ ،‬فححي‬


‫جميع شرائعها‪ ،‬وقد أطال ابن تيمية رحمه اللحه فحي‬
‫بيان هذه الوسطية وهذا العتدال في كتابه الجواب‬
‫الكافي فمن أراده فليرجع إليه‪ ،‬ثم لما أطال الححذكر‬
‫قححال‪ :‬وهححذا بححاب يطححول وصححفه؛ أي يطححول تتبححع‬
‫شواهده وذكر أمثلته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(143‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪54‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫ما‬ ‫و َ‬
‫ل وعل‪َ ﴿ :‬‬ ‫فالشححريعة يسححر كمححا قححال اللححه جحح ّ‬
‫ري هدُ‬ ‫ج ﴾‪﴿ ،‬ي ُ ِ‬ ‫ح هَر‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي‬
‫في ال ه ّ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫سَر﴾‪ ،‬وكححل‬ ‫)‪(2‬‬
‫ع ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ريدُ ب ِك ُ ُ‬ ‫ول َ ي ُ ِ‬
‫سَر َ‬ ‫م ال ْي ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ُ‬
‫هذا تأكيد لهذه القاعدة والسمة العامة فيما جاء في‬
‫الشريعة‪ ،‬فالصل في شححرائع السححلم اليسححر‪ ،‬هححذا‬
‫الصل في جميع الشرائع‪.‬‬
‫ثم هناك تيسير آخححر وهححو التيسححير عنححد التعسححير‪،‬‬
‫ولححذلك قححال المؤلححف رحمححه اللححه‪) :‬ومن قواعههد‬
‫الشريعة التيسير( ه ٰحذا سمة عامة؛ لكن المؤلف‬
‫ذكره في حال خاص فقححال‪) :‬في كههل أمههر نههابه‬
‫تعسير(‪ .‬وهذا تيسير زائد على التيسير الذي تكلمنا‬
‫عنه أول ً‪ ،‬وهو ما اتسمت واتصفت به الشريعة على‬
‫وجه العموم‪ ،‬فالشريعة علححى وجححه العمححوم شححريعة‬
‫يسر‪ ،‬محا فيهحا محا يشحق علحى النحاس ومحا يلحقهحم‬
‫العنت؛ بل كل ما فيها يسر‪ ،‬ول يعنححي اليسححر أنححه ل‬
‫مشقة فيها بوجه من الوجوه‪ ،‬هذا ليححس هححو المححراد‬
‫س هَر﴾‪ (3)،‬ف حإن‬ ‫م ال ْي ُ ْ‬ ‫ه ب ِك ُه ُ‬‫ريدُ الل ّه ُ‬ ‫بقوله تعححالى‪ ﴿ :‬ي ُ ِ‬
‫أصل العبححادة ‪-‬أصححل التكليححف‪ -‬هححو العمححل بمححا فيححه‬
‫مشقة‪:‬‬
‫لول المشقة ساد الناس كلهم‬
‫فالمشقة وهي كلفححة العمححل العبححادي هححذه ل بححد‬
‫منها‪ ،‬وبها يحصل السححبق بيححن النححاس‪ ،‬فليححس نف حي‬
‫العسر فححي الشححريعة هححو تعطيححل أحكححام الشححريعة‪،‬‬
‫نفي التعسير هو أنه ما ُأمر به ليححس فيححه مححا يشححق‬
‫على الناس ويخرجهم عن حد الطاقة‪ ،‬ويكلفهححم مححا‬
‫ل يطيقون‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة الحج )‪.(78‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(185‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(185‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪55‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫فتنبححه! هححذا هححو المعنححى العححام الححتي اتصححفت بححه‬
‫حمّحل‬ ‫الشححريعة فححي أنهححا شححريعة يسححر؛ أي إنهححا ل تُ َ‬
‫الناس من العمل ما ل يطيقون‪ ،‬كما قححال اللححه ج ح ّ‬
‫ل‬
‫)‪(1‬‬
‫ه﴾‪،‬‬ ‫ة ل َن َهها ب ِه ِ‬‫قه َ‬ ‫مهها ل َ َ‬
‫طا َ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ول َ ت ُ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وعل‪َ﴿ :‬رب َّنا َ‬
‫سهها إ ِل ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّه ُ‬ ‫ل وعل‪﴿ :‬ل َ ي ُك َل ّه ُ‬ ‫وكمححا قححال ج ح ّ‬
‫ها﴾)‪ .(2‬فالشريعة جححاءت بمححا تطيقححه النفححوس‬ ‫ع َ‬
‫س َ‬
‫و ْ‬
‫ُ‬
‫وبما يستطيعه بنو آدم‪ ،‬فليس فيها عسر ول مشقة‪.‬‬
‫أما ما أشار إليه المؤلحف رحمحه اللحه فهحو تيسحير‬
‫بعححد تيسححير‪ ،‬وهححو تيسححير خححاص‪ ،‬فححإذا حححل العسححر‬
‫والضيق والمشقة جاء التيسير الخححاص ال حزائد لمححن‬
‫نححزل بححه العسححر والمشححقة‪ ،‬فالمسححافر نزلححت بححه‬
‫المشحححقة أو ل؟ بلحححى‪)) :‬السهههفر قطعهههة مهههن‬
‫م‪،‬‬‫س حل ّ َ‬‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬‫العذاب(( كما قال النبي َ‬
‫)‪(3‬‬

‫وهو من مظنة المشححقة والعسححر؛ ولححذلك جححاء فححي‬


‫فخفف عنه في الصححلة‪ ،‬وخفححف عنححه‬ ‫حقه التيسير‪ُ ،‬‬
‫فححي الصححيام‪ ،‬وخفححف عنححه فححي رخححص السححفر‬
‫المعروفة؛ في الطهارة وغيرها‪.‬‬
‫ومححن أمثلححة ذلححك أيضحا ً المححرض‪ ،‬إذا نححاب إنسححان‬
‫المرض ونزل به المرض‪ ،‬المححرض مظنححة المشححقة؛‬
‫ولذلك خفف الشارع في حقححه‪ ،‬وجححاء التيسححير فححي‬
‫شأنه في عباداته وفي شأنه كله‪.‬‬
‫إذا ً التيسير الذي نتكلم عنه فححي شححريعة السححلم‬
‫نوعان‪:‬‬
‫تيسههير عههام‪ :‬وهححو الوصححف الححذي اتصححفت بححه‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(286‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(286‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب المحارة‪ ،‬بححاب السحفر قطعححة مححن العححذاب‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(1804‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب المارة‪ ،‬باب السفر قطعححة مححن العححذاب‪ ..‬حححديث‬
‫رقم )‪.(1927‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪56‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫أحكام السلم‪.‬‬
‫تيسير خاص‪ :‬وهو عند نزول المشقة وعند قيام‬
‫مظنتهححا‪ ،‬فهححذا تيسححير خححاص زائد علححى التيسححير‬
‫السابق‪ ،‬وهو ما أشار إليه رحمه الله في قوله‪:‬‬
‫في كل أمههر نههابه‬ ‫ومههههههن قواعههههههد‬
‫تعسههههههههههههههههير‬
‫الله‪:‬‬ ‫التيسههير قاعدتين فقال رحمه‬ ‫الشههريعةهذه القاعدة‬ ‫فّرع على‬
‫حههههّرم مههههع‬ ‫م َ‬‫ول ُ‬ ‫وليهههس واجهههب بل‬
‫حذه‬‫هههههههههههههطرار‬
‫حراته التيسححير فححي هح‬ ‫ر ثمح اض‬ ‫اقتههههههههههههههههههدا‬
‫حن ِ‬ ‫هاتححان القاعححدتان مح‬
‫الشريعة المباركة‪ :‬أنه ل واجب مع العجز‪ ،‬ول محرم‬
‫مع الضرورة‪.‬‬
‫ل‬‫أما أنه ل واجب محع العجحز فحذلك محن قحوله جح ّ‬
‫ها﴾‪ (1)،‬ومححن‬ ‫ع َ‬‫سه َ‬‫و ْ‬ ‫سا إ ِل ّ ُ‬
‫ف ً‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫وعل‪﴿ :‬ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫مههها‬ ‫ه َ‬‫قوا الّلههه َ‬ ‫فهههات ّ ُ‬‫تعحححال ٰى‪َ ﴿ :‬‬ ‫قحححوله سحححبحانه و‬
‫م﴾ ‪ .‬فكلّ ما أمر الله به من الوامححر مححن‬ ‫)‪(2‬‬
‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫شرطه الستطاعة‪ ،‬فإذا عجححز عنححه النسححان سححقط‬
‫قوا الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫فههات ّ ُ‬‫عنه‪ ،‬والدليل على ذلك قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫م﴾‪ ،‬وهذا من ثمرات التيسير‪.‬‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫َ‬
‫وهو من ثمرات التيسير العام أو الخاص؟ الخاص‪،‬‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬إنه من ثمرات التيسير العححام فهححو‬
‫على وجه العموم‪ ،‬وأيض حا ً علححى وجححه الخصححوص إذا‬
‫نابه تعسير ومشقة وعجز فإنه يسقط عنه‪.‬‬
‫حههّرم مههع اضههطرار( أي ينتفححي‬ ‫م َ‬‫قححال‪) :‬ول ُ‬
‫وصف الحرمة في الفعل عند الضرورة‪.‬‬
‫ومححا هححي الضححرورة؟ الضححرورة هححي الحححال الححتي‬
‫يخرج بها النسان عن الحال السححويّة‪ ،‬ويُضحطر إلححى‬
‫فعل ما حرُم عليه أو منع منه‪.‬‬
‫لكن اعلم أنه ليس كل ضرورة تبيح المحرم‪ ،‬فحإن‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(286‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬التغابن )‪.(16‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪57‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫كثير ًا مححن النححاس يسححتعمل هححذه القاعححدة فححي غيححر‬
‫محلها ويقول‪ :‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫نقول‪ :‬انتظر ليس كححل ضححرورة تبيححح كححل محححرم‪،‬‬
‫الضرورة التي تبيح المحرم ل بد فيها من وصفين‪:‬‬
‫الوصف الول‪ :‬أن يتعيححن فعححل المحححرم؛ يعنححي‬
‫يلزمك أن تفعل محرمًا‪ ،‬ما فيه خيار‪ ،‬هذا واضح‪.‬‬
‫والمر الثاني‪ :‬أن يُحتيقّن محن انحدفاع الضحرورة‬
‫بححه‪ ،‬حصححول اليقيححن بانححدفاع الضححرورة إذا ارتكححب‬
‫المحرم‪.‬‬
‫هذان الوصفان ضروريان لتطححبيق هححذه القاعححدة‪،‬‬
‫الضرورة ل تبيح المحرم إل بهذين الوصفين‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬شخص دخل بيت كافر ليطعححم‪ ،‬عزمححه‬
‫ص ‪-‬وقفحت اللقمححة فححي‬ ‫على طعام فأكل عنده‪ ،‬فغح ّ‬
‫حلقه‪ -‬فاحتاج إلى دفعها‪ ،‬طلب ماء‪ ،‬ما قدم له هححذا‬
‫إل خمحًا‪،‬‬
‫حر الن إمححا أن يشححرب لححدفع ه ٰحححذه اللقمححة‪،‬‬
‫وإما أن يموت ويهلك بهذه اللقمة الحتي وقفحت فححي‬
‫حلقه‪.‬‬
‫ننظححر نطبححق القاعححدة‪ ،‬هححل هححذه ضححرورة تبيححح‬
‫المحرم؟‬
‫ل‪ :‬هل يتعين أن يستعمل الخمر لححدفعها؟‬ ‫ننظر أو ً‬
‫الن ما عنده ماء‪ ،‬ليححس عنححده مححاء ول يسححتطيع أن‬
‫يحصل على الماء‪ .‬إذا ً تعين الخمر لدفع الضححرورة ‪،‬‬
‫واضح؟‬
‫الثانية‪ :‬هل نتيقن اندفاع الضححرورة بهححذا الشححرب؛‬
‫بهححذا المحححرم؟ نححتيقن؛ لن أي سححائل يححدفع اللقمححة‬
‫التي في الحلق وينتهي المر‪.‬‬
‫فعندنا الن هححذان الوصححفان منطبقححان علححى هححذا‬
‫المثال‪ ،‬ولذلك نقول‪ :‬يجوز له أن يشرب الخمر في‬
‫هححذه الحححال لححدفع الضححرورة؛ لن الضححرورة تبيححح‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪58‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫المحرم‪ .‬واضح؟‬
‫طيب‪ ،‬شخص مريححض‪ ،‬وقيححل لححه‪ :‬إن شححفاءك أن‬
‫تشرب خمرًا‪ ،‬وأخبره بذلك طبيب ماهر متقححن‪ ،‬هححل‬
‫يجوز له أن يشرب الخمر لدفع المرض ضححرورة؟ ل‬
‫تقل ل أو نعم‪.‬‬
‫ننظر إلى القاعححدة‪ ،‬الن هححل تعيححن الخمححر لححدفع‬
‫الضرورة‪ ،‬هل تعيححن؟ مححا تعيححن‪ ،‬ليححس صحححيحًا‪ ،‬لححم‬
‫ص حّلى الل ح ُ‬
‫ه‬ ‫يتعين الخمر لدفع الضححرورة؛ لن النححبي َ‬
‫م قال‪)) :‬لم يجعل الله شههفاء أمههتي‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫في محرم((‪.‬‬
‫وإذا كان كذلك فنحن نجزم تصححديقا ً لرسححول اللححه‬
‫م أنه ل يتعيّن هذا الححدواء لححدفع‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫هذا الداء؛ بل هناك دواء آخححر‪ ،‬اطلبححه‪)) :‬فما مههن‬
‫داء إل وأنزل الله له شفاء‪ ،‬علمه من علمههه‬
‫)‪(2‬‬
‫وجهله من جهله((‪.‬‬
‫إذا ً اختل عندنا شرط‪ ،‬فهححل نقححول هنححا‪ :‬الضححرورة‬
‫تبيححح المحححرم؟ الجححواب‪ :‬ل‪ ،‬ل نقححول‪ :‬إن الضححرورة‬
‫تبيح المحرم‪.‬‬
‫طيب الن كثير من الناس يسأل عن الذهاب إلححى‬
‫السحرة لفك السحر‪ ،‬ويقول‪ :‬أنا مححتيقن أن السحححر‬ ‫ّ‬
‫سينفك إذا ذهبت إلى السحرة‪ ،‬فهل نقول‪ :‬يجوز أن‬
‫تذهب ضرورة لفك السحر؟‬
‫طبق ه ٰحذين الشرطين‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الشرط الول‪ :‬هححل يتعيّححن هححذا الطريححق لفححك‬
‫السحححر‪ ،‬أم أن هنححاك طرق حا ً أخححرى لفححك السحححر؟‬
‫‪1‬‬
‫)( أورده الشححيخ اللبححاني فححي السلسححلة الصحححيحة برقححم )‬
‫‪ .(1633‬وتحت رقم )‪ (2881‬بمعناه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أورده الشيخ اللبححاني فححي الصحححيحة برقححم )‪ (451‬وقححال‪:‬‬
‫أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى‪ .‬وبرقم )‪.(1650‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪59‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫هناك طرق أخرى‪ ،‬الطرق الشرعية لفك السحر‪.‬‬
‫إذا ً لم يتعين‪.‬‬
‫حلمنا أو ألححح علينححا‪،‬‬
‫طيب لو قلنا‪ :‬إنه يتعين‪ ،‬ولو سح ّ‬
‫وقال‪ :‬ل ما فيحه طريححق‪ ،‬وجربححت القححراءة‪ ،‬وفعلححت‬
‫وفعلت وليعشر سنين أعاني من ه ٰحذا المححرض أو‬
‫خمححس عشححرة سححنة أو عشححرون سححنة ولححم تنفححع‬
‫القراءة‪ ،‬وما لي طريق إل أذهب إلى هذا الساحر‪.‬‬
‫نقول‪ :‬انتظر بقي شرط آخر‪ ،‬وهو‪ :‬هححل تححتيقن أن‬
‫السحر سينفك إذا ذهبت إليه؟ ما يتيقن‪.‬‬
‫إذا ً عنححدنا فححي هححذه المسححألة الشححرطان غيححر‬
‫منطبقيححن‪ :‬ل يتعيححن هححذا الطريححق‪ ،‬فححإن الطححرق‬
‫الشرعية لفك السحر موجودة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه ل يتيقن من حصول المقصود‪.‬‬
‫فإذا كححان كححذلك فححإنه ل نقححول إن الضححرورة تبيححح‬
‫المحرم‪.‬‬
‫إذا ً نقف ونكمل بقية البحث إن شاء الله في ه ٰحححذا‬
‫الموضوع غدا ً إن شاء الله تعال ٰى‪ .‬وصلى الله وسلم‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ‪ ،‬ما الفححرق بيححن‬
‫الشرط والركن؟‬
‫الجواب‪ :‬الشرط ليححس مححن ماهيححة العبححادة‪ .‬أمححا‬
‫الركن فهححو مححن ماهيححة العبححادة وأجزائهححا؛ فححالركوع‬
‫ركن من أركان الصلة وليس شرطا ً للعبادة‪ .‬نعم‪.‬‬
‫والفارق بينهما أن الركن من ماهيححة العبححادة وأمححا‬
‫الشرط فإنه ليس من أجزاء العبادة ومن ماهيتها‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬لو أعححدتم الكلم علححى نيححة العبححادة ونيححة‬
‫المعمول له والفرق بينهما‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬عبد صلى رياًء؛ نححوى صححلة الظهححر فححي‬
‫وقتها أربع ركعات؛ لكن رياًء‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪60‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الن هل النية التي اشححترطها الفقهححاء موجححودة أو‬
‫ليست موجودة؟‬
‫ه ٰحححذا نححوى أن يصححلي الظهححر‪ ،‬فحصححل منححه مححا‬
‫اشترطه الفقهاء من النيححة فححي العبححادة؛ لكححن ه ٰحححذا‬
‫ل‪ ،‬الن الخلل‬ ‫نوى أن يصلي الظهر ليقال‪ :‬فلن مص ّ‬
‫في أي المرين‪ :‬هل هو في نية العبححادة أو فححي نيححة‬
‫المعمول له؟ في نية المعمول له‪ ،‬ه ٰحححذا لححم يخلححص‬
‫للححه جححل وعل‪ ،‬إنمححا نححوى بهححا ثنححاء النححاس ووجههححم‬
‫وكلمهم‪ ،‬فدخل عليه الخلل مححن نيححة المعمححول لححه‪،‬‬
‫فالصلة على قواعد الفقهاء صحيحة؛ لكن من حيث‬
‫القبول ليست مقبولححة؛ لححدخول الشحرك فيهححا‪ ،‬ه ٰحححذا‬
‫الفرق بين نية العمل ونية المعمول له‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬نرجححو التحححدث عححن تححداخل النيححات فححي‬
‫العبححادات‪ ،‬مثححل صححلة المنفححرد إذا أدركححه شححخص‬
‫تحولت النية من صلته بمفرده إل ٰى صلة جماعة؟‬
‫الجواب‪ :‬بحححث النيححة يطححول حقيقححة‪ ،‬والمسححائل‬
‫كحححثيرة ومتفرعحححة ومختلفحححة فحححي أبحححواب الفقحححه‪،‬‬
‫والمقصود من القواعد ذكر الصول ل الححدخول فححي‬
‫الفروع‪ ،‬والذي سأل عنه ليس تداخل ً في النية‪ ،‬إنمححا‬
‫هو تغيير في النيححة‪ ،‬سححؤاله عححن تغييححر النيححة ل عححن‬
‫تداخل النية‪.‬‬
‫تداخل النية هو أن ينوي بالعمل الواحححد أكححثر مححن‬
‫شححيء‪ ،‬فمثل ً يححدخل إل ح ٰى المسححجد ليص حّلي الراتبححة‬
‫وينوي به تحية المسجد‪.‬‬
‫أما الذي سأل عنه وهو أن يصلي منفردا ً ثم يححأتي‬
‫شخص ليأتم به‪ ،‬فه ٰحذا تغيير النية من كححونه منفححردا ً‬
‫إل ٰى نية المامة‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬هل النيححة تحححديث النفححس بالعمححل لححوجه‬
‫الله أم التلفظ ؟‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪61‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الجههواب‪ :‬النيححة عمححل قلححبي وليححس عمل ً قولي ّحًا‪،‬‬
‫ولذلك ل ينبغي أن يتكلم النسان بالنية في أي نححوع‬
‫من أنواع العبادة‪ ،‬أي نححوع مححن أنححواع العبححادة ليححس‬
‫من شحرطه التلفحظ بالنيحة إنمحا يكفحي فيهحا العمحل‬
‫القلبي‪.‬‬
‫ج حا ً أو‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬الحج ألسنا نقححول‪ :‬لبيححك ح ّ‬
‫لبيك عمرة؟‬
‫نقول‪ :‬نعم ه ٰحذا ليس جهرا ً بالنية‪ ،‬إنما ه ٰحذا تسمية‬
‫للنسك‪ ،‬ولذلك ُيشرع للنسان أن يقول‪ :‬لبيك عمرة‬
‫في أول دخوله وفي أثنححاء سححيره‪ .‬ولححو كححان تلفظ حا ً‬
‫بالنية لكان المر في أول دخوله في العبادة‪.‬‬
‫ولذلك ل يشرع الجهر بالنية في أيّ نوع من أنواع‬
‫العبادة‪ ،‬حتى الحححج علححى الصحححيح مححن أقححوال أهححل‬
‫العلم‪ ،‬وما يكون من الجهر بنوع الّنسك ه ٰحذا تسمية‬
‫له وليس جهرا ً بالنية‪.‬‬
‫ودليححل ذلححك أنححه مشححروع فححي أول العبححادة وفححي‬
‫أثنائهححا‪ ،‬والححذين قححالوا‪ :‬يشححرع الجهححر بالنيححة إنمححا‬
‫يقولون‪ :‬يشححرع الجهححر بالنيححة فححي أولهحا‪ ،‬ولححم يقحل‬
‫جمهورهم يشرع في أولها وفي أثنائها‪.‬‬
‫فنتبه للفرق بين ه ٰحذين؛ لن الححذين يقولححون‪ :‬أنتححم‬
‫لماذا تنكرون علينا أن نقول‪ :‬نححويت أن أصححلي كححذا‪،‬‬
‫أو نويت أن أتصدق بكذا؟‬
‫ث‬‫حهدَ َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫نقول‪ :‬ه ٰحذا لم يرد في الشرع‪ ،‬و‪َ )) :‬‬
‫َ‬
‫د((‪،‬‬‫و َر ّ‬‫هه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫من ْه ُ‬ ‫مهها ل َْيه ه َ‬
‫س ِ‬ ‫ذا َ‬‫هه َ‬ ‫رن َهها َ‬
‫م ِ‬
‫في أ ْ‬‫ِ‬
‫)‪(1‬‬

‫يقولون‪ :‬طيب ما يكون في الحج؟‬


‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الصلح‪ ،‬باب إذا اصطلحوا على صححلح جححور‬
‫فالصلح مردود‪ ،‬رقم الحديث )‪.(2697‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب القضحية‪ ،‬بحاب نقحض الحكححام الباطلححة ورد محححدثات‬
‫المور‪ ،‬رقم الحديث )‪.(1718‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪62‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫الذي يكون في الحج والعمرة ليححس جهححرا ً بالنيححة‪،‬‬
‫إنما هو تسمية النسك‪.‬‬
‫قححالوا‪ :‬ه ٰحححذا اختلف تسححمية‪ .‬نقححول‪ :‬ل‪ ،‬اختلف‬
‫تسمية واختلف حكم‪ ،‬وذلك أن الجهر بنححوع النسححك‬
‫يكون في أوله وفي أثنححائه‪ ،‬فهححو مشححروع فححي أولحه‬
‫ه‪ :‬خرجنححا مححع‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ُ‬‫ض َ‬‫وأثنائه‪ ،‬ولذلك قال جابر َر ِ‬
‫م نصححرخ بالحححج‪.‬‬ ‫س حل ّ َ‬‫ه عَل َي ْحهِ وَ َ‬‫صحّلى اللح ُ‬
‫رسول الله َ‬
‫جًا‪ ،‬وه ٰحححذا ل يكححون فقححط فححي‬ ‫يعني يقولون‪ :‬لبيك ح ّ‬
‫أول الدخول في النسك‪ ،‬إنما فحي أولحه وفحي أثنحائه‬
‫م‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬‫كما ثبت عنه َ‬
‫سؤال‪ :‬ذكرتم يا شيخ أن الشححرط مححا يلححزم مححن‬
‫وجوده الوجود ومن عدمه العدم‪ ،‬والذي قرأناه مححن‬
‫التعليق أنه ما يلزم من عححدمه العححدم ول يلححزم مححن‬
‫وجححوده وجححود ول عححدم لححذاته‪ ،‬حيححث ل يلححزم ممححن‬
‫يتطهر أن يصلي‪ ،‬فما توجيهكم؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم صواب‪ ،‬مححا ذكححره هححو الصححواب‪ ،‬مححا‬
‫ذكره أخونا هو الصواب‪ ،‬في تعريف الشرط‪،‬‬
‫الشرط)‪ :(1‬هو الذي يلزم من عههدمه العههدم‬
‫ول يلزم من وجههوده وجههود ول عههدم لههذاته‪.‬‬
‫ه ٰحذا تعريف الشرط‪ ،‬وإن كنا قد قلنا خلف ذلك في‬
‫أول الكلم فهو غلط‪ ،‬وه ٰحذا هو الصواب‪.‬‬
‫سؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ‪ ،‬ما الفححرق بيححن‬
‫نية المعمول له والخلص؟‬
‫الجههواب‪ :‬نيححة المعمححول لححه هححي الخلص‪ ،‬نيححة‬
‫المعمول له هي الخلص في العبادة‪.‬‬
‫والنية تطلق ويراد بها نية العمل‪ ،‬وتطلق ويراد بها‬
‫نية المعمول له‪.‬‬
‫والمعمححول لححه قححد ينححوي اللححه عححز وجححل فيكححون‬
‫‪1‬‬
‫)( أنظر الصفحة رقم‪.(40) :‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪63‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫مخلصا ً وهو الخلص الواجب‪ ،‬وقححد ينححوي غيححر اللححه‬
‫عز وجل فيكون مشركا ً أو مرائيا ً إما شححركا ً أكححبر أو‬
‫شركا ً أصغر‪.‬‬
‫سههؤال‪ :‬يححا شححيخ هححل تشححترط النيححة فححي تححرك‬
‫محظورات الحرام ؟‬
‫الجههواب‪ :‬ل‪ ،‬ل يشححترط فححي كححل المحرمححات‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن تشترط أن تنوي أن ل تسرق وتنححوي أن ل‬
‫تزني‪ ،‬وتنوي أن ل تغتاب؛ لن ه ٰحذا من التروك‪.‬‬
‫النية تكون في العمل الذي ُيطلب منه الوجود‪.‬‬
‫وأمححا الححتروك كلهححا فيكفححي فححي المتنححاع منهححا أن‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫يتركها‪ ،‬عدا الصيام فإن النبي َ‬
‫أمر بالنية وأن تكححون مححن الليححل‪ ،‬والظححاهر ‪-‬والعلححم‬
‫عند الله‪ -‬أن السبب في اشتراط ذلححك فححي الصححيام‬
‫مع أنححه تححرك؛ لنححه تححرك مححؤقت بححوقت مححن طلححوع‬
‫الفجر إل ٰى غروب الشمس‪.‬‬
‫وأما ترك الزنى فهو في كل وقت‪ ،‬تححرك السححرقة‬
‫في كل وقت‪ ،‬فل يجوز للنسان أن ينوي أن ل يزني‬
‫أن ينوي أن ل يسرق‪ ،‬ل يجوز ذلك‪ ،‬بححل يجححب عليححه‬
‫أن يكف ويحصل بذلك‪..‬‬
‫السؤال الخير‪ :‬مححا الفححرق بيححن بيححع المعاطححاة‬
‫وبيع المقايضة‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬فرق بين المعاطححاة والمقايضححة‪ ،‬بينهمححا‬
‫فرق‪ ،‬البيع ينعقد باللفظ وبالفعل‪:‬‬
‫باللفظ يكون باليجاب والقبول‪.‬‬
‫بالفعل هو ما يقول العلماء بيع المعاطاة‪.‬‬
‫والمقايضة هو نوع آخر مححن أنححواع الححبيوع يختلححف‬
‫الفقهاء في تعريفه‪.‬‬
‫والله تعال ٰى أعلم‪ ،‬وص حّلى اللححه وس حّلم علححى نبينححا‬
‫محمد‪ ،‬وإل ٰى لقاء قادم إن شاء الله‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪64‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫‪  ‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪65‬‬


‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس الثالث‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬

‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫مٰ ِ‬


‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫بقدر ما تحتاجه‬ ‫وكل محظور مع‬
‫يزيل الش ّ‬
‫ك‬ ‫الضروره‬‫فل ُ‬ ‫الحكام‬ ‫الضروره‬
‫وترجع‬
‫والرض والثياب‬ ‫لليقين‬ ‫والصل في مياهنا‬ ‫لليقين‬
‫والحجاره‬
‫والنفس‬ ‫الطهارهفي‬
‫والصل‬
‫والموالهداك‬ ‫فافههم‬ ‫واللحوم‬
‫تهحريهمها حتى‬ ‫البضاع‬
‫يجيء ّ‬
‫ل‬ ‫م‬‫حتىما ُيه َ‬ ‫الله‬ ‫ل‬‫الح ّ‬
‫في‬ ‫والصل‬‫يجيء‬
‫الباحه‬
‫الذي في‬ ‫صارف‬‫غير‬ ‫مشروعا ً‬
‫عاداتنا الباحه‬ ‫وليس‬
‫مذكوْر‬
‫واحكم بهذا‬ ‫شرعنا‬ ‫المور‬ ‫الموْر‬‫وسائل‬ ‫من‬
‫للزوائد‬
‫معبودنا‬ ‫أسقطهه‬‫الحكم‬ ‫والكراه‬ ‫خ ْ‬
‫كالمقاصد‬
‫طء‬ ‫وال ِ‬
‫وينتفي التأثيم‬ ‫ن‬
‫الرحم ُ‬ ‫التلف‬ ‫لكن مع ُ‬
‫والنسيهان‬
‫والزلل‬
‫الرحم ٰحن‬ ‫عنه‬
‫بسم الله‬ ‫يثبت البدل‬
‫الرحيم‬
‫ب العالمين‪ ،‬وأصّلي وأسلم على نبينا‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫محمد المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫ومن اتبع سنته بإحسان إل ٰى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد توقفنا على قول المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫حّرم مع‬ ‫م َ‬‫ول ُ‬ ‫وليس واجب بل‬
‫اضطرار اضطرار(‬ ‫حّرم مع‬ ‫م َ‬‫ر على قوله‪) :‬ول ُ‬ ‫اقتدا‬
‫وتكلمنا ِ‬
‫وقلنا‪ :‬إن ه ٰحذا هو قول العلماء في القاعدة‬
‫المشهورة‪ ) :‬الضرورات تبيح المحظورات(‪.‬‬
‫ل ه ٰحذه القاعدة ومتى يعمل بها‪،‬‬ ‫وبينا متى ت َُفعّ ُ‬
‫وأنها ليست على ما يفهمه كثير من الناس من أنه‬
‫أدنى حاجة وأدنى ضرورة تبيح المحظور‪ ،‬بل ل بد‬
‫في الضرورة التي يستبيح بها النسان المحظورات‬
‫من شروط‪ ،‬وذكرنا من ذلك شرطين‪:‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪67‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يتعين المحرم لدفع الضرر‪،‬‬
‫بمعنى‪ :‬أنه ل يجد سبيل ً يدفع به ضرورته إل‬
‫المحرم‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬اليقين من أن ه ٰحذا المحرم الذي‬
‫سيرتكبه ستندفع به ضرورته‪.‬‬
‫وهذان شرطان ل بد من تحققهما‪.‬‬
‫ثم ذكر المؤلف رحمه الله قيد ًا لهذه القاعدة‬
‫فقال‪:‬‬
‫بقدر ما تحتاجه‬ ‫وكل محظور مع‬
‫الضرورهبد من أن‬ ‫محظور تبيحه الضرورة ل‬ ‫الضروره‬ ‫كل‬
‫يقيد بقيد‪ ،‬وهو‪ :‬أن يأخذ من هذا المحرم‬
‫بقدر ما يحصل اندفاع ضرورته‪ ،‬وليس‬
‫المر رفعا ً للحكم بالكلية؛ يعني المحرّم ل‬
‫يرتفع تحريمه بالكلية وعلى كل حال‪ ،‬إنما‬
‫يرتفع القدر الذي يكون به النسان‬
‫مضطّرًا‪ ،‬فما زاد على ذلك فإنه باق على‬
‫الصل وهو التحريم‪ .‬وهذا معنى قوله‬
‫رحمه الله‪:‬‬
‫بقدر ما تحتاجه‬ ‫وكل محظور مع‬
‫التي يندفع‬ ‫الضروره‬‫الضروره ما تحتاجه ضرورته‬ ‫أي بقدر‬
‫بها‪ ،‬وليس المر على إطلقه‪.‬‬
‫فما دليل هذا القيد؟ دليله ٰحذا القيد قول الله ج ّ‬
‫ل‬
‫ف‬‫جان ِ ٍ‬‫مت َ َ‬‫غي َْر ُ‬‫ة َ‬‫ص ٍ‬‫م َ‬‫خ َ‬‫م ْ‬
‫في َ‬ ‫ضطُّر ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ف َ‬‫وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫م )‪ (1)،﴾(3‬وقوله‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ل ِث ْم ٍ َ‬
‫ول َ َ‬
‫عاٍد‬ ‫غ َ‬ ‫غي َْر َبا ٍ‬‫ضطُّر َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬
‫ف َ‬‫ه وَت ََعاَلى‪َ ﴿ :‬‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫ه﴾ ‪ .‬فهذه قيود‪ ،‬بعد أن أذن في‬ ‫)‪(2‬‬ ‫َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫فل إ ِث ْ َ‬ ‫َ‬
‫المحرم عند الضرورة ذكر قيود ذلك؛ وهو أل يكون‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬المائدة )‪.(3‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(173‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪68‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫في هذا العمل بغي أو اعتداء‪.‬‬
‫فرق بين البغي والعتداء؟ هل هما قيد واحد‬ ‫ٌ‬ ‫وهل‬
‫ول َ‬‫غ َ‬ ‫غي َْر َبا ٍ‬‫ضطُّر َ‬ ‫نا ْ‬‫م ِ‬‫ف َ‬‫أم هما قيدان؟ ﴿ َ‬
‫عاٍد﴾ هل هما قيدان أو قيد واحد؟ هما قيدان‪،‬‬ ‫َ‬
‫غ﴾ ماذا يفيد؟ يعني أن أكله للمحرم‬ ‫فقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫غي َْر َبا ٍ‬
‫ناشئ من البغي الذي هو الخروج عن الطريق‬
‫المستقيم‪ ،‬فأكله للميتة عند الضطرار إليها‪:‬‬
‫• إما أن يكون تشهيًا‪.‬‬
‫• وإما أن يكون عن ضرورة‪.‬‬
‫غ﴾ أي أن تكون هذه الضرورة‬ ‫فقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫غي َْر َبا ٍ‬
‫مبيحة للكل‪.‬‬
‫عاٍد﴾ أي ول معتدٍ‬ ‫ول َ َ‬ ‫وقوله في القيد الثاني‪َ ﴿ :‬‬
‫قدر الضرورة‪ ،‬وهذا هو القيد الذي يدل على هذا‬
‫الكلم الذي ذكره المؤلف رحمه الله في هذا البيت‬
‫حيث قال‪) :‬وكل محظور مع الضروره( فل‬
‫يتعدى قدر الحاجة‪.‬‬
‫ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى ذكر قاعدة‬
‫جديدة وهي في قوله‪:‬‬

‫فل ُيزيل الش ّ‬


‫ك‬ ‫وترجع الحكام‬
‫قلق في‬ ‫لليقين‬
‫البيت في الحقيقة فيه‬ ‫لليقين‬
‫هذا‬
‫آخره‪.‬‬
‫والشيخ رحمه الله ذكرنا لكم أنه اعتذر عما في‬
‫هذه المنظومة من قلق وانكسار‪ ،‬وقال‪ :‬سنرجع‬
‫إلى إصلح ذلك إن شاء الله‪ ،‬وقد أصلح رحمه الله‬
‫فيما يظهر أكثر ما في هذه المنظومة‪.‬‬
‫هذا البيت يشير إلى قاعدة مشهورة عند الفقهاء‪،‬‬
‫وهي إحدى القواعد الخمس الكلية الكبرى‪ ،‬وهي‬
‫قاعدة‪ ) :‬اليقين ل يزول بالشك(‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 69‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫واليقين هو‪ :‬ما تحقق النسان من وجوده‪.‬‬
‫والشك‪ :‬ما تردّد فيه النسان‪.‬‬
‫فالمؤلف رحمه الله يقول‪) :‬وترجع الحكام‬
‫لليقين( أي إذا طرأ على حكمٍ من الحكام أو على‬
‫مسألة من المسائل شك ويقين فبأيهما يعمل‬
‫النسان‪ ،‬أو أيهما يأخذ النسان؟ يأخذ اليقين؛ لنه‬
‫الذي تقر به النفس‪ ،‬وهو الذي دل عليه الشرع‪ ،‬في‬
‫موارد كثيرة‪ ،‬فإن الشريعة جاءت بما يس ّ‬
‫كن‬
‫النفوس ويذهب عنها القلق والضطراب‪ ،‬ولذلك‬
‫كان المرجع في كثير من هذه المسائل التي يحصل‬
‫فيها الضطراب إلى الصل وهو اليقين‪.‬‬
‫وأما الشك الذي هو التردد بين أمرين‪ ،‬فإن‬
‫الشريعة ترجع هذا الشك إما إلى اليقين أو تدفع‬
‫هذا الشك بأمرين‪:‬‬
‫الشك يندفع إما بالرجوع إلى اليقين‪.‬‬
‫وإما بالعمل بغلبة الظن‪ ،‬هذا عند تعذر اليقين‪.‬‬
‫وإما بالبراءة الصلية‪ ،‬والبراءة الصلية في‬
‫الحقيقة هي نوع من اليقين‪.‬‬
‫ولذلك يقول العلماء‪ :‬إن مما يدفع به الشك‬
‫ويرفع أمرين‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬غلبة الظن‪.‬‬
‫والمر الثاني‪ :‬البراءة الصلية وهي اليقين‪،‬‬
‫والبراءة الصلية هي‪ :‬أن يكون النسان مُعمل ً‬
‫الصل وهو بقاء ما كان على ما كان‪ ،‬وأن الشيء‬
‫لم يتغير‪.‬‬
‫صحّلى‬‫ولذلك أدلة من السححنة النبويححة‪ ،‬فحإن النححبي َ‬
‫الشخص يجد الشيء فححي‬ ‫ّ‬ ‫م سئل عن‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ُ‬
‫الصلة فيشكل عليه أخححرج منححه شححيء أو ل؟ فقححال‬
‫م‪)) :‬ل ينصرف حتى يسمع‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 70‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫صوتا ً أو يجد ريحا ً(( ‪ .‬فدفع هذا الشححك الطححارئ‬
‫)‪(1‬‬

‫على النسان الذي حصل به التردّد بين وجود مبطل‬


‫الطهارة‪ -‬وجود النححاقض‪ -‬وبيححن البقححاء وهححو بقاؤهححا‪،‬‬
‫م؟ وجححه إلححى‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫فبماذا وجه النبي َ‬
‫إعمال الصل؛ وهو بقاء ما كان على مححا كححان؛ وه حو‬
‫أن الطهارة ما زالت باقية‪ ،‬فل يرتفع هذا الصححل إل‬
‫بأصل في قوته؛ وهو ما يعلم به وقححوع الحححدث مححن‬
‫صوت أو ريح‪.‬‬
‫وأما ما يدور في الخاطر ويجول في الضححمير مححن‬
‫تردد فإنه ل أثر له في ارتفاع الطهارة‪.‬‬
‫ولذلك قال رحمه الله‪:‬‬
‫فل ُيزيل الش ّ‬
‫ك‬ ‫وترجع الحكام‬
‫للتعليل؛ أي‬ ‫لليقين‬
‫لليقين‪) :‬لليقين( اللم هنا‬ ‫وقوله‬
‫لجل اليقين‪ ،‬فل نزيل الشك أي لجل‬
‫اليقين السابق الثابت‪ ،‬ه ٰهذا معنى هذا‬
‫البيت‪ ،‬وهو من القواعد الكبرى المتفق‬
‫عليها بين أهل العلم‪.‬‬
‫وقد ذكر رحمه الله فروعا ً تبنى على هذه‬
‫القاعدة وقواعد تذكر وتندرج تحت هذه القاعدة‪،‬‬
‫فمن ذلك قوله رحمه الله‪:‬‬
‫والرض والثياب‬ ‫والصل في مياهنا‬
‫والحجاره‬
‫الطهارههو ما يبنى عليه غيره‪.‬‬ ‫الصل‬
‫والعلماء يطلقون )الصل( ويريدون به عدة‬
‫ن‪:‬‬
‫معا ٍ‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب من ل يتوضأ من الشححك حححتى‬
‫يستيقن‪ ،‬حديث رقم )‪.(137‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الحيض‪ ،‬باب الدليل على أن مححن تيقححن الطهححارة ثححم‬
‫شك في الحدث فله أن يصححلي بطهححارته تلححك‪ ،‬حححديث رقححم )‬
‫‪.(361‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪71‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫فيقولون‪ :‬الصل في المسألة الفلنية قول الله‬
‫م‪ ،‬ويريدون‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫تعالى وقول النبي َ‬
‫بذلك الدليل‪.‬‬
‫يطلقون الصل ويريدون به القاعدة المطردة‬
‫التي لها شواهد عديدة ويندرج تحتها مسائل كثيرة‪،‬‬
‫وهذا من استعمالات العلماء للصل‪.‬‬
‫يطلق الصل ويراد به المر الوثيق الكبير في‬
‫الدين ولو كان في مسألة من المسائل ‪ ..‬لكن‬
‫الغالب في الستعمال أن يكون في الدليل‪ ،‬أو فيما‬
‫هو مستمر من القواعد وما هو مقترب من‬
‫الضوابط‪.‬‬
‫والجامع لهذه الستعمالت المتنوعة لهذه الكلمة‬
‫هو المعنى اللغوي‪ ،‬وهو أن الصل ما يبنى عليه‬
‫غيره‪.‬‬
‫فمن قال لك‪ :‬الصل في كذا‪ :‬كذا من قول الله‬
‫وقول رسوله‪ ،‬يكون المعنى الذي بني عليه هذا‬
‫الحكم هو الية أو الحديث‪ ،‬وإذا كان فيه قاعدة‬
‫يشير إلى أن الذي بني عليه هذا الحكم هو القاعدة‬
‫الفلنية‪.‬‬
‫فقوله رحمه الله‪) :‬والصل في مياهنا‬
‫الطهارة( الصل مبتدأ وقوله‪) :‬الطهارة( خبر‬
‫المبتدأ )الصل في مياهنا( يشمل كل ماء‪ ،‬فكل‬
‫ما على الرض مما يصدق عليه أنه ماء فالصل فيه‬
‫الطهارة‪ ،‬وهذه قاعدة متّفق عليها‪ ،‬كما قال شيخ‬
‫السلم رحمه الله‪.‬‬
‫فهي من القواعد التي أجمع عليها العلماء على‬
‫اختلف مذاهبهم‪.‬‬
‫وهذا الحكم مبني على أن الصل في الشياء‬
‫الطهارة‪ ،‬ودليل أن الصل في الأشياء الطهارة‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪72‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫ه وَت ََعاَلى على الناس بأن خلق‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫امتنان الله ُ‬
‫لهم ما في السماوات وما في الرض في كثير من‬
‫اليات‪ ،‬وإنما يمتن بما هو طيب؛ ولن النجاسة‬
‫طارئة خلف الصل‪ ،‬ولذلك كان الصل في المياه‬
‫الطهارة وهو فرع عن قولنا‪ :‬الصل في الشياء‬
‫الباحة والصل في الشياء الطهارة‪ ،‬حتى يدل‬
‫الدليل على النجاسة‪.‬‬
‫ولذلك إذا جاء أحد وقال لك‪ :‬هذا الماء ل تتوضأ‬
‫به‪ .‬فبماذا تجيبه؟ تجيبه وتقول‪ :‬لماذا؟‬
‫السؤال‪:‬لماذا ل أتطهر به؟ لماذا تمنع من الطهارة‬
‫به؟‬
‫ًَ‬
‫حقّا فهنا المنع لحق الغير‪.‬‬ ‫ست َ َ‬
‫إما أن يكون مُ ْ‬
‫وإما أن يكون غير صالح للطهارة‪ ،‬ول يكون كذلك‬
‫إل إذا كان نجسا ً‪،‬فإن كان نجسا ً فل بد أن يبين‬
‫سبب النجاسة‪ ،‬وإل فالصل طهارة الماء‪.‬‬
‫ولذلك ل ينبغي للنسان إذا وجد ما يصدق عليه‬
‫أنه ماء أن يسأل هل هذا طاهر أو ل‪ ،‬بل هذا من‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫التنطع المندرج في قول النبي َ‬
‫م‪)) :‬هلك المتنطعون‪ ،‬هلك‬ ‫سل ّ َ‬‫وعلى آله وَ َ‬
‫المتنطعون((‪ ،‬فهو من التعمق والتشدد الذي‬ ‫)‪(1‬‬

‫يجب على المؤمن أن ينزه نفسه عنه‪.‬‬


‫صا ً بالمياه؛ بل هو أيضا ً‬ ‫ثم إن هذا الحكم ليس خا ّ‬
‫في الرض والثياب والحجارة‪ ،‬فقوله‪) :‬والرض‬
‫والثياب والحجاره( هذا عطف على قوله‪:‬‬
‫)مياهنا(‪ ،‬فالصل في الرض وفي الثياب‪ :‬الرض‬
‫هي كل ما يوطأ‪ ،‬والثياب تصدق على كل ما يلبس‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫)( مسلم‪ :‬كتاب العلم‪ ،‬باب هلححك المتنطعححون‪ ،‬حححديث رقححم )‬
‫‪.(2670‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪73‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫والحجارة معروفة‪ :‬كل صخرة‪ ،‬كل ما يسمى‬
‫حجرا ً‪.‬‬
‫فالصل في هذه المور كلها الطهارة‪ ،‬ومن اّدعى‬
‫خلف ذلك فعليه الدليل‪.‬‬
‫وقد قال شيخ السلم رحمه الله في وصف هذه‬
‫القاعدة‪ :‬وهذه قاعدة جامعة نافعة‪ ،‬ومقالة عامة‬
‫وقضية كلية أجمع عليها أهل السلم‪ ،‬وهي نافعة‪،‬‬
‫حقيقة نافعة‪ ،‬وإذا عملها النسان اطمأن وسكنت‬
‫نفسه؛ ولكن من بلي بالوسواس يغفل عن هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬وتجده إذا أراد أن يصلي سأل عن هذا‬
‫المكان هل هو طاهر أو ل؟ وسأل عن هذا الماء‬
‫هل هو طاهر أو ل؟ ثم سأل عن هذا الثوب هل هو‬
‫طاهر أم ل؟ ويبقى في حيرة وضيق وشك ل يعلم‬
‫به إل الله‪ ،‬ولو أنه أعمل الصل لطمأنت نفسه‬
‫ل وعل لم يفرض‬ ‫وسكنت وتنعم بالعبادة؛ لن الله ج ّ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫علينا العبادات ليشقينا بها‪ّ ﴿ :‬‬
‫م﴾‪ (1)،‬فالعبادات هي‬ ‫منت ُ ْ‬‫وآ َ‬
‫م َ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬‫م ِإن َ‬ ‫ذاب ِك ُ ْ‬‫ع َ‬
‫بِ َ‬
‫مصدر ابتهاج وسرور وطمأنينة وسكون للنفس‬
‫وراحة للقلب‪ ،‬ليس في العبادات المفروضة ول‬
‫الشرائع المسنونة ول الداب السلمية شيء يبعث‬
‫على القلق؛ بل هي جميعا ً تسعى لتطييب القلب‬
‫وتصفيته وتزكيته‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪ ،‬بعد ذكر هذا الصل ذكر أصلًا‬
‫آخر قال‪:‬‬
‫والنفس‬ ‫والصل في‬
‫والموال‬
‫‪.....................‬‬ ‫واللحوم‬
‫‪..........‬‬ ‫البضاع‬
‫تهحريهمها‬
‫‪.........‬‬ ‫‪........‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النساء )‪.(147‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪74‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫فقوله‪) :‬الصل(ه ٰهذا مبتدأ‪ ،‬خبره قوله‪:‬‬
‫)تحريمها( في البيت الثاني‪.‬‬
‫ننظر إلى هذه المذكورات في البيت الول‬
‫)والصل في البضاع( جمع بضع‪ ،‬وهو يطلق‬
‫على الجماع‪ ،‬ويطلق على الفرج نفسه‪ ،‬فالبضع في‬
‫اللغة العربية يطلق ويراد به الجماع‪ ،‬ويطلق ويراد‬
‫به الفرج‪.‬‬
‫الصل في البضاع أي الفروج التحريم‪ .‬ما دليل‬
‫ذلك؟ دليل ذلك قول الله جل وعل في وصف‬
‫ن)‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬ ‫المؤمنين‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫م﴾‪،‬‬‫ه ْ‬‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬‫وا ِ‬ ‫عَلى أْز َ‬ ‫‪ِ (5‬إل َ‬
‫)‪(1‬‬

‫فالصل في الفروج الحفظ‪ ،‬وما كان الصل فيه‬


‫الحفظ كان الصل فيه التحريم‪.‬‬
‫ثم بين ما الذي يجوز في هذه الفروج فقال‪ِ﴿ :‬إل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م﴾ هذان‬ ‫ه ْ‬ ‫مان ُ ُ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬‫وا ِ‬ ‫عَلى أْز َ‬ ‫َ‬
‫الطريقان هما الطريقان المباحان المشروعان فيما‬
‫يتعلق بالفروج‪ ،‬وما عداهما فهو مغلق مسدود‪.‬‬
‫قال‪) :‬واللحوم( أي الصل في اللحوم التحريم‪،‬‬
‫ْ‬
‫ما ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ول َ ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫ودليل ذلك قول الله تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬
‫ه﴾)‪ (2‬بعد أن أمر في قوله‪﴿ :‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫ي ُذْك َ ِ‬
‫ه ﴾‪ (3)،‬فدل ذلك‬ ‫عل َي ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ذُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬ ‫َ‬
‫على أن الكل ل يجوز إل مما ذكر اسم الله عليه‪،‬‬
‫هذا من حيث الوصف العام؛ فإنه ل يجوز أكل ما لم‬
‫ه وَت ََعاَلى‪.‬‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫يذكر عليه اسم الله ُ‬
‫الله تعال ٰى‪:‬‬ ‫أما من حيث أجناس المأكولت فقول‬
‫عَلى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫حّر ً‬ ‫م َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫و ِ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫قل ل ّ أ ِ‬ ‫﴿ ُ‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬المؤمنون )‪.(6-5‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النعام )‪.(121‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النعام )‪.(118‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪75‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫كون ميت َ ً َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫و دَ ً‬‫ةأ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ أن ي َ ُ َ َ ْ‬ ‫م ُ‬‫ع ُ‬ ‫عم ٍ ي َطْ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫س﴾‪ (1)،‬فذكر‬ ‫ج ٌ‬ ‫ر ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ر َ‬
‫فإ ِن ّ ُ‬ ‫زي ٍ‬ ‫خن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫و لَ ْ‬
‫ح َ‬ ‫حا أ ْ‬‫فو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫الله عز وجل المحرّمات على وجه الحصر‪ ،‬وقد‬
‫دلت السنة على تحريم أمور زائدة على هذه الية‪:‬‬
‫ب من‬ ‫م كل ذي نا ٍ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬‫فحرم النبي َ‬
‫ب من الطير‪.‬‬ ‫السباع‪ ،‬وكل ذي مخل ٍ‬ ‫ّ‬
‫فهذه الحاديث واليات تفيد بمجموعها هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬وهي أنه ل يجوز في اللحوم إل ما دل‬
‫الشرع على إباحته‪ ،‬سواء من حيث النوع أو من‬
‫حيث الوصف‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪) :‬والنفس والموال‬
‫للمعصوم( أي‪:‬إن الصل في النفوس ‪-‬في نفوس‬
‫بني آدم‪ -‬وأموالهم إذا كانوا معصومين‪ ،‬الصل فيها‬
‫التحريم‪.‬‬
‫وقول المؤلف رحمه الله‪) :‬للمعصوم( فهمنا أنه‬
‫ليس الصل في نفوس وأموال بني آدم التحريم‬
‫مطلقا ً‪ ،‬إنما هو حكم يختص به المعصوم‪.‬‬
‫فمن هو المعصوم؟‬
‫رم ماله ودمه‪ ،‬من عصم‬ ‫المعصوم هو‪ :‬من حَ ُ‬
‫السلم ماله ودمه‪ ،‬هذا هو المعصوم‪ ،‬وهم أربعة‬
‫أشخاص‪ :‬المسلم‪ ،‬والذمي‪ ،‬والمعاهد‪ ،‬والمستأمن‪.‬‬
‫هؤلء الربعة هم من عصم السلم أموالهم‬
‫ودماَءهم‪.‬‬
‫بقي خامس وهو الحربي‪ ،‬أي‪ :‬الذي ليس بينه‬
‫وبين أهل السلم عهد ول ذمة ول أمان‪ ،‬فهذا مباح‬
‫الدم والمال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النعام )‪.(145‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪76‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫طيب نرجع إلى هؤلء الربعة‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬المسلم معروف‪ ،‬المسلم هو من شهد أن‬
‫ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬فهذا ل يحل‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫دمه إل في أمور‪ ،‬قال النبي َ‬
‫))ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث((‬
‫)‪(1‬‬

‫فدل ذلك على أن الصل في دم المسلم‬ ‫ّ‬ ‫وذكرها‪،‬‬


‫م‪)) :‬كل‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫الحرمة‪ ،‬وقال َ‬
‫المسلم على المسلم حرام‪ :‬دمه وماله((‬
‫)‪(2‬‬

‫وذكر أمورا ً أخرى‪.‬‬


‫الثاني‪:‬الذمي هو اليهودي والنصراني الذي‬
‫يعيش بين المسلمين ويقيم بينهم إقامة دائمة‪ ،‬فهذا‬
‫يدفع الجزية لهل السلم‪ ،‬ومقابل دفع هذه الجزية‬
‫يصان دمه وماله ويقر على دينه‪.‬‬
‫إذا ً الذمي إقامته في بلد السلم إقامة دائمة أو‬
‫مؤقتة؟ إقامة دائمة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬المعاهد هو الذي بين أهل السلم وبين‬
‫بلده عهد‪ ،‬كحال أكثر أهل الكفر في زماننا هذا‪،‬‬
‫فإنهم معاهدون؛ لن بلد المسلمين قد عاهدت‬
‫بلدهم على مواثيق وعهود‪ ،‬فهؤلء معاهدون‪.‬‬
‫المستأمن وهو الذي دخل بلد السلم‬ ‫َ‬ ‫الرابع‪:‬‬
‫بعقد أمان‪ ،‬يعني ليس بيننا وبين بلده عهد ول‬
‫ميثاق‪ ،‬إنما دخل إلى بلد السلم بأمان‪ ،‬فهذا‬

‫‪1‬‬
‫ن النفححس‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الديات‪ ،‬باب قول اللححه تعححال ٰى‪﴿ :‬أ ّ‬
‫بالنفس‪ ،﴾..‬حديث رقم )‪.(6878‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب القسامة والمحاربين‪ ،‬باب ما يباح به دم المسلم‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(1676‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مسححلم‪ :‬كتححاب الححبر والصححلة والداب‪ ،‬بححاب تحريححم ظلححم‬
‫المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه ومححاله‪ ،‬حححديث رقححم )‬
‫‪.(2564‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪77‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫معصوم الدم والمال‪ ،‬ل يجوز لحد أن يتعرضه في‬
‫ماله ول في دمه‪..‬‬
‫هؤلء هم المعصومون‪.‬‬
‫وعلى هذا الن لو أن إنسانا ً رأى كافرا ً في بلد‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫هل يجوز له أن يعتدي على ماله لنه كافر؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪.‬‬
‫هل يجوز أن يعتدي عليه بالقتل أو بما دونه من‬
‫العتداء على النفس؟ الجواب‪ :‬ل‪.‬‬
‫لماذا؟ لن الصل في دماء هؤلء العصمة‪ ،‬إما‬
‫للذمة أو للعهد أو للمان‪.‬‬
‫إذا ً فإذا اشتبه على النسان شخص هل هو مباح‬
‫الدم أو غير مباح الدم‪ ،‬ماذا يفعل؟ الصل التحريم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬
‫طيب ما دليل ذلك من القرآن؟ ﴿َيا أي ّ َ‬
‫ول َ‬‫فت َب َي ُّنوا َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬‫آ َ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫س َ‬‫م لَ ْ‬ ‫سل َ َ‬‫م ال ّ‬ ‫قى إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫ن أل ْ َ‬ ‫م ْ‬‫قوُلوا ل ِ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫مًنا﴾)‪ .(1‬فأمر الله جل وعل أهل السلم بالتبين‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫في موطن المتوقع فيه العدو‪ ،‬وهو موطن القتال‬
‫والجهاد‪ ،‬أمره بالتبين‪ ،‬فدل ذلك على أن الصل في‬
‫الدماء التحريم‪ ،‬حتى يتبين النسان المبيح‪ ،‬حتى‬
‫يتبين ويتحقق المبيح‪.‬‬
‫طيب وكذلك الموال الصل فيها التحريم‪.‬‬
‫أما المسلم فهذا ظاهر ل إشكال فيه؛ لقول‬
‫م‪)) :‬كل المسلم على‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫النبي َ‬
‫المسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه((‪ (2)،‬وقول‬
‫م‪)) :‬ل يحل مال امرئ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫النبي َ‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النساء )‪.(94‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تم تخريجه صفحة )‪.(77‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪78‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫والدلة على‬ ‫)‪(1‬‬
‫مسلم إل بطيب نفس منه((‪،‬‬
‫ذلك كثيرة‪.‬‬
‫وكذلك المعاهد‪ ،‬وكذلك الذمي‪ ،‬وكذلك‬
‫المستأمَن‪ ،‬كل هؤلء محفوظو الدماء والأموال‪ ،‬ل‬ ‫ِ‬
‫يجوز التعدي على دمائهم ول على أموالهم بشيء‪،‬‬
‫ولو كانت دولهم تسعى في إفساد حال المسلمين‪،‬‬
‫أو اعتدت على مسلمين في جهة من الجهات‪ ،‬إذا‬
‫كان لهم عهد مع المسلمين في المكان الذي أنت‬
‫فيه فإنه ل يجوز لك أن تتعدى على أموالهم ول‬
‫على أنفسهم‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله في تتمة هذه القاعدة‪) :‬حتى‬
‫ل( فالصل فيها التحريم حتى يجيء‬ ‫يجيء الح ّ‬
‫الحل؛ أي حتى يجري سبب الباحة‪) .‬فافههم‬
‫ل(‪) ،‬فافههم( هذا أمر بالفهم‬ ‫م ّ‬
‫هداك الله ما ُيه َ‬
‫والتأمل والتبين في هذه القواعد‪) ،‬هداك الله( هذا‬
‫دعاء منه‪ ،‬والهداية هنا المسؤولة هداية توفيق أو‬
‫هداية إرشاد؟ كلتاهما‪ :‬هداية الرشاد وهداية‬
‫التوفيق‪ .‬أنت إذا قلت‪) :‬اهدنا الصراط المستقيم(‬
‫أو قلت في الدعاء‪) :‬اللهم اهدني( فماذا تسأل؟‬
‫تسأل هداية الرشاد وتسأل التوفيق وهو القيام بما‬
‫فيه الهدى‪ .‬فهنا قوله‪) :‬فافههم هداك الله( دعاء‬
‫ما( هنا‬ ‫ل(‪َ ) ،‬‬ ‫م ّ‬ ‫وسؤال للمرين‪ ،‬قال‪) :‬ما ُيه َ‬
‫ل( يعني يضجر منه؟‬ ‫م ّ‬ ‫موصولة بمعنى الذي‪ ،‬و)ُيه َ‬
‫يعني من الملل؟ ما يمل‪ :‬من الملء‪ ،‬أي ما يكتب‪،‬‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ول ْي ُ ْ‬
‫مل ِ ِ‬ ‫وشاهد ذلك قول الله تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬

‫‪1‬‬
‫)( صححه الشيخ اللباني في صحححيح الجححامع برقححم )‪،(7662‬‬
‫وقال في مشكاة المصابيح‪ :‬رواه البيهقي في شعب اليمححان‪،‬‬
‫والدارقطني في المجتبى ‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪79‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫ق﴾ في آية المداينة‪َ﴿ :‬يا أي ّ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫فاك ْت ُُبو ُ‬
‫ه‬ ‫مى َ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫داَينُتم ب ِدَي ْ ٍ‬ ‫ذا ت َ َ‬ ‫إِ َ‬
‫ْ‬
‫ب‬
‫كات ِ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ول َ ي َأ َ‬ ‫ل َ‬ ‫عد ْ ِ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ول ْي َك ُْتب ب ّي ْن َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مل ِ ِ‬ ‫ولي ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫فلي َك ْت ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ه الل ُ‬ ‫م ُ‬‫عل َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب كَ َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل﴾ ماذا يعني هذا؟ يعني‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫ق﴾ و﴿ل ْي ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل( أي ما‬ ‫م ّ‬ ‫ما ُيه َ‬ ‫يملي ليكتب الكاتب‪ ،‬فقوله‪َ ) :‬‬
‫ل(‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫يملى عليه )فافههم هداك الله ما ُيه َ‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫حتى يجيء‬ ‫والصل في‬
‫الباحه‬
‫طالب‬ ‫تفيد‬ ‫صارف‬ ‫الباحهالصول التي‬ ‫أيضا ً من‬ ‫عاداتنا‬
‫هذا‬
‫العلم‪.‬‬
‫)الصل في عاداتنا( العادات جمع عادة‪ ،‬وهي‬
‫ما اعتاده الناس في معاشهم ولباسهم ومعاملتهم‬
‫وسائر شأنهم‪ ،‬هذه العادة‪ ،‬العادة هي ما ألفه‬
‫الناس واعتادوه في معاشهم على وجه العموم‪ :‬في‬
‫لباسهم‪ ،‬في مآكلهم ومشاربهم‪ ،‬في معاملاتهم‪،‬‬
‫الصل فيها الباحة‪ ،‬وهذا فرع عن قاعدة مشهورة‬
‫معروفة بين أهل العلم وهي‪) :‬الصل في الشياء‬
‫الباحة(‪ ،‬وهي أعم من قولنا‪) :‬الصل في عاداتنا(؛‬
‫لن الصل في عاداتنا مما يتعلق بالعادات؛ لكن‬
‫أشمل من ذلك قوله‪) :‬الصل في الشياء الباحة(‪.‬‬
‫وهذه القاعدة أدلتها كثيرة‪ ،‬الدالة على أن الصل‬
‫في الشياء الباحة الدلة فيها كثيرة‪ ،‬ويكفي في‬
‫إثباتها ما حُكي من الجماع على أن الصل في‬
‫الشياء الباحة‪.‬‬
‫وأما الدلة التفصيلية فهي كثيرة‪ ،‬مذكورة على‬
‫وجه التفصيل في كلم أهل العلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬البقرة )‪.(282‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪80‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫)الصل في عاداتنا الباحه(‪) ،‬الباحة( حكم‬
‫شرعي‪ ،‬وهو أحد الأحكام الخمسة التكليفية‪ ،‬أليس‬
‫كذلك؟ هذا على الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ،‬وإل‬
‫فبعضهم يجعل الباحة خارجة عن الحكام التكليفية؛‬
‫لن الحكام التكليفية هي إلزام ما فيه مشقة‪،‬‬
‫والباحة ليس فيها مشقة‪ ،‬ولذلك أخرجها بعضهم‬
‫من الحكم التكليفي‪.‬‬
‫والصحيح أنها من الحكم التكليفي؛ لن التكليف‬
‫هو إلزام وإذن‪ ،‬فالإذن من التكليف‪.‬‬
‫)الصل في عاداتنا الباحه( أي استواء‬
‫الطرفين؛ يعني ل يؤمر بالفعل ول يُنهى عنه‪ ،‬هذا‬
‫معنى الباحة‪ :‬استواء الأمر والنهي‪ ،‬فل أمر ول‬
‫إل ٰى ما يختاره النسان من‬ ‫نهي‪ ،‬المرجع في ذلك‬
‫فعل أو ترك‪.‬‬
‫ثم قال‪) :‬حتى يجيء صارف الباحه( يعني‬
‫حتى يثبت ما يدلّ على التّحريم وعلى ارتفاع حكم‬
‫الباحة‪.‬‬
‫ل‪ :‬لو أنّ شخصا ً اشتبه عليه الأمر‪ :‬هل الكتابة‬‫فمث ً‬
‫بهذا القلم حلل أو حرام؟ الصل أنه حلل‪ ،‬فإذا‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬حرام نقول‪ :‬ما الدليل؟ وهذا يسري في‬
‫كل أمر‪ ،‬لو قال شخص‪ :‬لباس الشماغ حرام‪ .‬ماذا‬
‫تقول؟ ما الدليل؟ مباشرة ما الدليل؟ لن التحريم‬
‫يحتاج إلى دليل‪ ،‬وإل فالصل في الشياء الباحة‪.‬‬
‫دليل ه ٰحذا الصل ذكرنا لكم أنه من أحاديث‬
‫كثيرة‪ ،‬ويكفي في ذلك الجماع‪ ،‬ومن الدلة القريبة‬
‫التي يمكن أن يستدل بها كلها‪ :‬أن الله سبحانه‬
‫وتعالى امتن على عباده بخلق ما في السماوات‬
‫والرض‪ ،‬والمتنان إنما يكون بأي شيء؟‬
‫بالمحرمات أم بالمباحات؟ بالمباحات‪ ،‬قال الله جل‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪81‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫في‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫وا ِ‬
‫س َٰم َ‬
‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫كم ّ‬‫خَر ل َ ُ‬
‫س ّ‬‫وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫و‬
‫َ‬
‫ه﴾‪ ،‬وهذا دليل على إباحة ما‬ ‫َ‬
‫من ْ ُ‬
‫عا ّ‬‫مي ً‬‫ج ِ‬
‫ض َ‬‫الْر ِ‬
‫)‪(1‬‬

‫في السماوات وما في الرض حتى يقوم الدليل‬


‫على التحريم‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫غير الذي في‬ ‫وليس مشروعا ً‬
‫يتعلق‬‫مذكور‬
‫ْ‬ ‫عكس ما تقدم منشرعنا‬
‫قاعدة ما‬ ‫هذا المورْ‬ ‫من‬
‫بالعادات‪ ،‬وهو ما يتعلق بالعبادات‪ ،‬من أين‬
‫أخذنا أنه يتكلم عن العبادات؟ هذا البيت‬
‫يقول‪) :‬وليس مشروعا ً من المور( المور‬
‫جمع أمر )غير الذي في شرعنا مذكور( ما‬
‫الذي جعلنا نقول‪ :‬إن هذا البيت يريد به‬
‫المؤلف رحمه الله العبادات؟ قوله‪) :‬وليس‬
‫مشروعاً( لن المشروع يذكر ويراد به ما‬
‫جاء به الشرع‪.‬‬
‫إما على وجه الوجوب و إما على وجه‬
‫الستحباب‪ ،‬ولذلك إذا سألت أحد العلماء عن‬
‫مسألة وقال لك‪ :‬هذا أمر مشروع‪ .‬هل تفهم أنه‬
‫واجب؟ ما تفهم‪ ،‬هل تفهم أنه مستحب؟ ما تفهم‪.‬‬
‫ما الذي تفهم من قوله‪ :‬هذا مشروع أو‪ :‬هذا ليس‬
‫مشروعا ً؟ تفهم أن هذا مما جاءت به الشريعة أو‬
‫لم تأتِ به الشريعة‪.‬‬
‫هذا معنى قول أهل العلم‪ :‬هذا مشروع أو ليس‬
‫مشروعا ً‪ ،‬فإذا قالوا‪ :‬هذا مشروع يعني جاءت به‬
‫الشريعة‪ ،‬أما مرتبته من حيث الحكم فه ٰحذا انظر‬
‫فيه إلى كلم آخر أو ابحث عنه في أدلة أخرى‪ ،‬فل‬
‫يفيد قول العالم‪ :‬إن هذا مشروع‪ .‬حكما ً معينا ًً يعني‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الجاثية )‪.(13‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪82‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫الوجوب أو الستحباب‪.‬‬
‫إنما يفيد أن ذلك مما جاء به الشرع‪ ،‬فقول‬
‫المؤلف‪) :‬وليس مشروعا ً من المور( أي من‬
‫المور التعبدية‪ ،‬من المور العبادية )غير الذي‬
‫في شرعنا مذكور( أي غير الذي جاءت به‬
‫الشريعة‪ ،‬و)شرعنا( أي أهل السلم‪ ،‬وشرعنا‬
‫يستقى من الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫فما دل عليه الكتاب أو دلت عليه السنة أو دل‬
‫أن‬
‫عليه الجماع فهو المشروع‪ ،‬وعلى هذا نفهم ّ‬
‫الصل في العبادات الحظر أو الباحة؟ الصل في‬
‫العبادات الحظر والمنع‪.‬‬
‫ولذلك الن‪ :‬كثيرا ً ما ترى بعض الذين يقرؤون‬
‫القرآن وتمر عليهم سجدة التلوة‪ ،‬إذا سجد للتلوة‬
‫قال‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله‪ ،‬السلم عليكم‬
‫ورحمة الله‪ .‬كثير من الناس من العوام يفعل هذا‪،‬‬
‫فإذا قلت له‪ :‬يا أخي لماذا سلمت؟ قال‪ :‬ما هو‬
‫الدليل على أنه ما فيه سلم‪ .‬تعكس عليه الأمر‪،‬‬
‫قل‪ :‬ما الدليل على أن السلم مشروع؟ الصل في‬
‫العبادة ما تفعل شيئا ً إل بدليل‪ ،‬فأي شيء تفعله‬
‫اطلب دليله وإل فأنت المحجوج؛ الحجة قائمة‬
‫عليك‪.‬‬
‫ولذلك ينبغي للنسان أن يحرص على هذا المر‪،‬‬
‫وأن يهتم به‪ ،‬وهو أن يكون على بصيرة في عمله‬
‫العبادي‪ ،‬ما دليله ٰحذا الفعل؟ وكثير من الناس‬
‫يغفل عن هذا‪ ،‬كثير من الناس يكون ما يفعله‬
‫متلّقى عن آبائه أو عن أجداده أو عن من رآه من‬
‫أهل الفضل والخير ممن يثق به‪.‬‬
‫ولكن الولى بالمؤمن أن يكون على بصيرة من‬
‫دينه‪ ،‬ل سيما طالب العلم‪ ،‬ينبغي له أن يكون على‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪83‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫بصيرة مما يفعل؛ لنه محل للقدوة والسوة‬
‫والسؤال‪ ،‬فقد يسأل‪ :‬لماذا تفعل كذا ولماذا لم‬
‫تفعل كذا؟ فليعد لهذا السؤال جوابًا‪ ،‬وليستحضر أن‬
‫الصل في العبادات المنع‪ ،‬وأنه ل بد من دليل على‬
‫كل ما يفعله‪.‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ودليل هذه القاعدة قول الله تعالى‪﴿ :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫ذن ب ِ ِ‬ ‫م ي َأ َ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫عوا ل َ ُ‬ ‫شَر ُ‬ ‫كاء َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫شْرعُ شيء من‬ ‫ه﴾)‪ .(1‬فدل هذا على أنه ل يجوز َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الدين إل بإذن من الله؛ لأن هذا الستفهام استفهام‬
‫استنكار على الذين شرعوا دينا ً لم يأذن به الله‪،‬‬
‫والدين هو العمل‪ ،‬ويشمل العمل القلبي والعمل‬ ‫ّ‬
‫البدني‪ ،‬العمل الظاهر والعمل الباطن‪ ،‬كل هذا مما‬
‫ينبغي للنسان أن يجود له أصل ً وأن يثبت له حجة‬
‫صّلى‬ ‫فيما يفعل‪ ،‬ويدل لهذا الصل أيضا ً قول النبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬‫ه َ‬ ‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حهدَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م‪َ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫د((‪ ،‬وقوله َ‬
‫)‪(2‬‬
‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ما ل َْيه َ‬ ‫َ‬
‫ذا(( أي في ديننا‪،‬‬ ‫ه َ‬‫رَنا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫في أ ْ‬ ‫م‪ِ )) :‬‬ ‫سل َ‬ ‫عَلي ْهِ وَ َ‬
‫فليس المر شامل ًا لأمر الدين والدنيا‪ ،‬إنما المقصود‬
‫َ‬
‫ذا((‬ ‫ه َ‬ ‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬‫في أ ْ‬ ‫م‪ِ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫بقوله َ‬
‫أي في أمر الدين‪ ،‬وهذا قيد مهم يغفل عنه كثير من‬
‫الناس‪ ،‬حتى إن بعض الناس يطلق على المور‬
‫الحادثة من أمور الدنيا أنها بدعة‪ ،‬ألم تسمعوا أن‬
‫بعض الناس يقولون‪ :‬إن استعمال اللقطات في‬
‫الصلة بدعة؟ فقيل له‪ :‬كيف؟ قال‪ :‬لم يكن على‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الشورى )‪.(21‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الصلح‪ ،‬باب إذا اصطلحوا على صححلح جححور‬
‫فالصلح مردود‪ ،‬رقم الحديث )‪.(2697‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب القضية‪ ،‬بحاب نقحض الحكحام الباطلحة ورد مححدثات‬
‫المور‪ ،‬رقم الحديث )‪.(1718‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪84‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫م‪ ،‬هل صلى النبي‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫عهد النبي َ‬
‫م بميكرفون؟‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫َ‬
‫الجواب‪ :‬أنه ٰحذا ليس من العبادة‪ ،‬نحن لا نتعبد‬
‫لله عز وجل بوضع الميكرفون في الصلة‪ ،‬إنّما هذا‬
‫من الوسائل التي يحصل بها التبليغ‪ ،‬ولهذا أصل‪:‬‬
‫م لما صلّى في‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫فإن النبي َ‬
‫مرض موته‪ ،‬كان يكبر‪ ،‬وكان أبو بكر رضي الله عنه‬
‫يكبر بتكبيره‪ ،‬يبلغ‪ ،‬فإذا جاءنا الله بوسائل تقوم بهذا‬
‫المر ويحصل بها المقصود‪ ،‬فذلك من فضل الله‬
‫ونعمته ومنته‪.‬‬
‫وقد ألف الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله‬
‫رسالة نافعة في تقرير هذا المر‪ ،‬وهو أن المحدثات‬
‫التي تستعمل في المور العبادية وهي ليست عبادة‬
‫في ذاتها ‪-‬كالميكروفونات وما أشبهها‪ -‬أنها مما يدل‬
‫الشرع على طلبه‪ ،‬ل على أنه محدث وبدعة‪،‬‬
‫فينبغي أن نميز بين الوسائل وبين المقاصد‪.‬‬
‫وسيأتينا أن الوسائل لها حكم المقاصد‪ ،‬وليس‬
‫هذا أن الوسائل ل يجوز الإحداث فيها‪ ،‬إنما الوسائل‬
‫إن شاء الله تعال ٰى تقريره‬ ‫أمرها أوسع‪ ،‬كما سيأتي‬
‫في كلم المؤلف رحمه الله تعال ٰى عند قوله‪:‬‬
‫واحكم بهذا‬ ‫وسائل المور‬
‫الحكم للزوائد‬ ‫كالمقاصد‬
‫ل أن‬ ‫نقف على ه ٰهذا‪ ،‬ونسأل الله عّز وج ّ‬
‫يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ‪ ،‬الناظم ذكر‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪85‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫أن الصل في اللحوم التحريم مع أن ظاهر الية أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ي إ ِل َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫و ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫قل ل ّ أ ِ‬ ‫حل‪ُ ﴿ :‬‬ ‫الصل ال ْ ِ‬
‫عم ٍ﴾)‪ (1‬فذكر المحرمات ود ّ‬
‫ل‬ ‫طا ِ‬‫عَلى َ‬ ‫ما َ‬ ‫حّر ً‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫على أن الباقي حلل‪ ،‬ولو كان الصل التحريم لذكر‬
‫الحلل فقط والباقي حرام‪ ،‬أريد توجيها ً على ذلك‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا باعتبار النواع‪ ،‬الصل فيها ما‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫ح َ‬ ‫و ِ‬‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫قل ل ّ أ ِ‬ ‫ذكره الله عز وجل‪ُ ﴿ :‬‬
‫ه﴾‪.‬‬‫م ُ‬ ‫ع ُ‬‫عم ٍ ي َطْ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ما َ‬ ‫حّر ً‬ ‫م َ‬‫ي ُ‬ ‫إ ِل َ ّ‬
‫لكن الكلم فيما إذا اشتبه على النسان سبب‬
‫الباحة والتحريم في لحم معّين‪ ،‬هل يقول‪ :‬ه ٰحذا‬
‫حلل أو ه ٰحذا حرام؟ الصل الحظر والتحريم؛ لقوله‬
‫ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬‫ما ل َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ول َ ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬
‫ه﴾‪ (2)،‬فإذا لم تتحقق أنه قد ذكر اسم الله‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫َ‬
‫دما ً من مسلم‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‬ ‫عليه‪ :‬بأن كان مق ّ‬
‫مما يغلب على الظن أنه حصل ذكر الله عليه فإنك‬
‫ل تأكله‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ً أن يقدم لك لحم ل تدري هل هو‬
‫مباح أو محرم؟ فهنا في ه ٰحذه الحال أعمل الصل‪:‬‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬ ‫التحريم؛ لنه ما أمر الله به في قوله‪َ ﴿ :‬‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫ول َ ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫ه﴾ وقوله‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪(3‬‬
‫عل َي ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬‫س ُ‬ ‫ذُك َِر ا ْ‬
‫)‪(4‬‬
‫ه﴾‪.‬‬‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫س ُ‬‫را ْ‬ ‫م ي ُذْك َ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ثم إني ذكرت أن دليل ه ٰحذا ليس من حديث واحد‬
‫أو من آية واحدة‪ ،‬إنما هو من مجموع الدلة الدالة‬
‫على أن الصل التحريم‪.‬‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫ومن ذلك أحاديث الصيد‪ :‬فإن النبي َ‬
‫‪1‬‬
‫)‪.(145‬‬ ‫النعام‬ ‫‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫)‪.(121‬‬ ‫النعام‬ ‫‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫)‪.(118‬‬ ‫النعام‬ ‫‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫)‪.(121‬‬ ‫النعام‬ ‫‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫)(‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪86‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫م في غير ما حديث ذكر إذا رمى النسان‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صيد فإنه ل يأكل منه؛ لنه ل‬ ‫بسهمه ثم غرق ال ّ‬
‫يدري أمات من الغرق أم مات من السهم‪.‬‬
‫م أنه من‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫جه النبي َ‬ ‫كذلك و ّ‬
‫وجد صيده بعد أيام‪ ،‬أو وجد صيده ومع كلبه كلب‬
‫آخر فإنه ل يأكله‪ .‬لماذا؟ لنه ل يدري أيهما صاد‪:‬‬
‫كلبه الذي ذكر اسم الله عليه‪ ،‬أو كلب غيره‪.‬‬
‫كل ه ٰحذا يفيد ه ٰحذه القاعدة‪ ،‬وهي أن الصل في‬
‫اللحوم التحريم حتى يقوم السبب الدال على‬
‫الباحة‪.‬‬
‫لكن هل ه ٰحذا يحمل النسان على الشك فيما‬
‫يقدم له من طعام‪ ،‬وإذا جاءه الطعام قال‪ :‬ما‬
‫نجلس‪ ،‬هل ه ٰحذا اللحم ذكر اسم الله عليه أو ل؟‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫ه ٰحذا ل تفيده ه ٰحذه القاعدة؛ لن النبي َ‬
‫م لما سألته عائشة فقالت‪ :‬يا رسول‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫يؤتى باللحم فل ندري أذكر اسم الله عليه أم ل؟‬
‫م‪)) :‬كلوا أنتم‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬
‫فقال النبي َ‬
‫واذكروا اسم الله عليه(()‪ .(1‬فأذن بالكل وأمر‬
‫ن النسان لو أراد أن يتحقق‬ ‫بذكر اسم الله عليه؛ ل ّ‬
‫من كل ما يقدم له من اللحوم هل ذكر اسم الله‬
‫عليها لكلف عنتا ً ومشقة‪ ،‬ولتطور المر إلى أن‬
‫يسأل عن أمور بعيدة غير متوقعة‪.‬‬
‫إذا ً ملخص الجواب‪ :‬أن أدلة ه ٰحذه القاعدة‬
‫متعددة‪ ،‬ما تؤخذ من دليل واحد‪ ،‬وأما الية فهي‬
‫باعتبار ما يباح أكله في الصل‪ ،‬ما يباح أكله في‬
‫الصل هو كل ما لم يرد الشرع بتحريمه‪ ،‬ه ٰحذا‬
‫باعتبار النوع والجنس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب من لححم يححر الوسححاوس ونحوهححا‬
‫من الشبهات‪ ،‬حديث رقم )‪.(2056‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪87‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫أما باعتبار‪ :‬هل قام سبب الباحة من ذكر اسم‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ومن كون الذبح قد استوفى‬
‫شروطه؟ ه ٰحذا هو محل القاعدة‪ ،‬فليتنبه إل ٰى ذلك‪.‬‬
‫نعم‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ذكرتم القواعد الخمس الكبرى فما‬
‫هي ؟‬
‫الجواب‪ :‬أنا أسألك الن ما هي القواعد؟ مرت‬
‫علينا الن عدة قواعد‪:‬‬
‫مّرت علينا قاعدة‪ ) :‬المور بمقاصدها(‪.‬‬
‫ومّر علينا قاعدة‪ ) :‬اليقين ل يزول بالشك(‪.‬‬
‫ومرت علينا قاعدة التيسير‪ ) :‬المشقة تجلب‬
‫التيسير(‪.‬‬
‫مة‪ ،‬التي هي بهذا‬ ‫حك ّ َ‬‫م َ‬‫بقي‪ :‬المصلحة والعادة ُ‬
‫مة(‪.‬‬‫حك ّ َ‬‫م َ‬‫المسمى‪ ،‬تسمى‪) :‬العادة ُ‬
‫ه ٰحذه هي القواعد الخمس‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما حكم من شك خرج منه شيء أثناء‬
‫الصلة أم ل؟ في الصلة وجد بلل ً في ثوبه؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا كان ما تيقن أن ه ٰحذا البلل خرج‬
‫منه في أثناء الصلة فل شيء عليه؛ لنه احتمال أن‬
‫يكون ه ٰحذا البلل حصل بعد خروجه من الصلة‪،‬‬
‫فالعبرة بوقت الصلة هل عنده يقين أن ه ٰحذا البلل‬
‫خرج؟ فإن تيقن أنه خرج في أثناء الصلة فليعد‬
‫الوضوء والصلة‪ ،‬وإن كان حصل عنده شك هل هو‬
‫في الصلة أو في الوقت بعد الصلة‪ ،‬أي بعد الفراغ‬
‫منها؟ فالصل أن صلته صحيحة‪.‬‬
‫الصل أن صلته صحيحة فل يعيد الصلة ول‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،‬‬
‫وبعد‪ ،‬سمعنا بأن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪88‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫تعال ٰى رحمة واسعة وجمعنا به في الفردوس العلى‬
‫م في‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫يرى أن قول النبي َ‬
‫الحديث المشهور‪)) :‬ول تدابروا(( أن من تقدم‬
‫)‪(1‬‬

‫بعد الصلة عن الصف فإنه من التدابر‪ ،‬فهل ه ٰحذا‬


‫صحيح أو ل؟‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا صحيح‪ ،‬ولذلك كان شيخنا رحمه‬
‫الله وجمعنا به في جنات النعيم إذا التفت إل ٰى‬
‫المصلين وتقدم أحدهم عن الصف ولو كان بعيدا ً‬
‫صّلى‬‫منه يأمره بالرجوع‪ ،‬يقول‪ :‬ارجع؛ لن النبي َ‬
‫م قال‪)) :‬ول تدابروا((‪ ،‬وه ٰحذا من‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ُ‬
‫التدابر‪ ،‬والذي يريد أن يتوسع في مكانه فإذا كان‬
‫المكان ضيقا ً وأراد أن يتوسع في مكانه فإنه إما أن‬
‫يقوم ويرجع إل ٰى مكان آخر أو أنه يتأخر عن الصف‪.‬‬
‫طيب قد يقول القائل‪ :‬إنه إذا تأخر عن الصف‬
‫استدبر من خلفه‪.‬‬
‫نقول‪ :‬استدبارك من خلفك ه ٰحذا حاصل من قبل؛‬
‫لكن أن تتقدم على إخوانك الذين هم معك في‬
‫الصف وتعطيهم ظهرك ه ٰحذا فيه سوء أدب‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما كان ينبه شيخنا رحمه الله على ه ٰحذا‬
‫عند قيامه في الصف من بعض الخوة الذين‬
‫يتقدمون‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬وكذلك يسأل عن طواف التطوع هل‬
‫الشيخ له رأي بأنه يقول‪ :‬لم يرد عن السلف أنهم‬
‫كانوا يطوفون تطوعًا؟‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫الجواب‪ :‬ل؛ لكن الكلم أن النبي َ‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الدب‪ ،‬باب ما ينهى عن التحاسححد والتححدابر‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(6065‬‬
‫مسححلم‪ :‬كتححاب الححبر والصححلة والداب‪ ،‬بححاب تحريححم التحاسححد‬
‫والتباغض والتدابر‪ ،‬حديث رقم )‪.(2559‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪89‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫جا ً لم ُينقل عنه أنه طاف إل‬ ‫سل ّ َ‬
‫م لما قدم حا ّ‬ ‫وَ َ‬
‫طواف القدوم‪ ،‬وطواف الحج الذي هو في يوم‬
‫النحر‪ ،‬وطواف الوداع‪.‬‬
‫ولم ينقل عنه سوى ه ٰحذا‪.‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫فينبغي للنسان أن يتأسى بالنبي َ‬
‫م‪ -‬ل سيما في أيام المواسم‪ -‬به ٰحذا‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬‫وَ َ‬
‫أما أصل مشروعية الطواف بالبيت‪ ،‬فه ٰحذا أدلته‬
‫م‪)) :‬يا‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫كثيرة‪ ،‬ومنها قول النبي َ‬
‫بني عبد مناف ل تمنعن أحدا ً أن يطوف‬
‫بالبيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار(( ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ه في العمرة‪ :‬لن‬ ‫ه عَن ْ ُ‬


‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬‫وقول ابن عباس َر ِ‬
‫أطوف بالبيت أحب إلي من أن أخرج إل ٰى التنعيم‪.‬‬
‫ه‪ ،‬فدل‬ ‫ه عَن ْ ُ‬
‫ي الل ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وه ٰحذا مشهور عن ابن عباس َر ِ‬
‫ذلك على أن طواف التطوع مشهور عنه‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬كيف تكون العمال القلبية مبتدعة؟‬
‫الجواب‪ :‬تكون العمال القلبية مبتدعة بأن‬
‫تصرف لغير الله فتكون شركًا‪ ،‬وبأن تكون أيضا ً‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫على غير الوجه الذي جاء عن النبي َ‬
‫م‪.‬‬‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫فمن أحدث عبادة ليرقق بها قلبه‪ ،‬الن ه ٰحذه‬
‫العبادة سواء كانت قولية أو فعلية تثمر عبادة قلبية‬
‫من إخلص أو خشوع أو إخبات‪ ،‬فيكون الفعل‬
‫الظاهر والفعل الباطن كلهما مبتدعًا؛ لن البدعة ل‬
‫‪1‬‬
‫)( سنن أبي داوود‪ :‬كتاب المناسك‪ ،‬باب الطواف بعد العصححر‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(1894‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب إقامة الصلة والسنة فيها ‪ ،‬باب مححا جححاء‬
‫في الرخصة في الصلة في مكة في كل وقت‪ ،‬حديث رقححم )‬
‫‪.(1254‬‬
‫سنن النسائي‪ :‬كتاب مناسك الحج‪ ،‬بححاب إباحححة الطححواف فححي‬
‫كل الوقات‪ ،‬حديث رقم )‪.(2924‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪90‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫تزيد صاحبها من الله إل بعدًا‪ ،‬حتى لو رق قلبه‬
‫وجرى الدمع من عينه فإنه ل يزيده من الله إل‬
‫بعدًا‪.‬‬
‫والمور القلبية ما تشاهد‪ ،‬ما ترى؛ لكن هي‬
‫ثمرات أعمال الجوارح‪ ،‬فإذا عمل النسان عمل ً‬
‫ل‪ :‬أنا ألزم نفسي بالتسبيح في اليوم عددا ً‬ ‫قال مث ً‬
‫معينا ً بعد كل صلة‪ ،‬ليحصل لي رّقة القلب ويحصل‬
‫لي حضوره وخشوعه‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا الخشوع مبتدع‪ ،‬وه ٰحذا العمل مبتدع؛‬
‫فالصل و الثمرة كلهما مبتدع‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ذكرتم رسالة للشيخ السعدي رحمه‬
‫الله في آخر الدرس فما اسم ه ٰحذه الرسالة؟‬
‫الجواب‪ :‬والله ما أذكر اسمها‪ ،‬لكن هي موجودة‬
‫في مجموع مؤلفات الشيخ‪ ،‬تكلم كلما ً طيبا ً في‬
‫ه ٰحذا المر‪ ،‬ما أذكر اسمها‪ ،‬هي لم تفرد بطباعة‬
‫مستقلة‪ ،‬موجودة ضمن مجموع الخطب للشيخ؛‬
‫لنه خطب بها خطبة وأيضا ً كتب كتابة مستقلة في‬
‫رسالة صغيرة‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل ذبيحة أهل أوربا مباح أكلها‪ ،‬على‬
‫أنه يوجد من يقول‪ :‬إنهم أهل كتاب؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يسأل عن الذبيحة في البلد‬
‫الغربية‪.‬‬
‫الصل في ذبيحة أهل الكتاب الباحة؛ لقول الله‬
‫م‬ ‫وط َ َ‬
‫عا ُ‬ ‫ت َ‬‫م الطّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫ح ّ‬‫م أُ ِ‬ ‫تعال ٰى‪﴿ :‬ال ْي َ ْ‬
‫و َ‬
‫ُ‬
‫م﴾)‪(1‬فه ٰحذه الية دلت‬ ‫ل ل ّك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫على إباحة طعام أهل الكتاب‪.‬‬
‫ومن ذلك ما يذبحونه‪ ،‬ما لم نتيقن أن ذبيحتهم‬
‫على غير الوجه الشرعي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬المائدة )‪.(5‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪91‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫على أن من العلماء من يقول‪ :‬إن ذبيحة أهل‬
‫ف‬‫ل على أي وجه فعلوه‪ ،‬ولو لم تستو ِ‬ ‫الكتاب تح ّ‬
‫الشروط الشرعية التي تجب في ذبائح المسلمين‪.‬‬
‫ولكن ه ٰحذا القول فيه ضعف‪.‬‬
‫والصحيح أنه إذا لم نعلم أنهم ذبحوها بطريقة‬
‫غير مشروعة فالصل إباحة ذبائحهم‪ ،‬فإذا اشتبه‬
‫عليك‪ :‬هل ذبيحة الكتابي جائزة أو غير جائزة فما‬
‫هو الصل؟ الصل الجواز‪ ،‬حتى يتيقن أن الذبيحة‬
‫غير جائزة‪.‬‬
‫السؤالنختم بهذا السؤال هل يجوز النظر إل ٰى‬ ‫‪:‬‬
‫الكعبة وهو يصلي؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬خلف المشروع‪ ،‬المشروع في‬
‫الصلة أن يكون نظره في موضع السجود‪.‬‬
‫وأما النظر في أثناء الصلة إل ٰى الكعبة فإنه‬
‫خلف ما دلت عليه السّنة من أن يكون النظر في‬
‫موضع السجود‪.‬‬
‫وأما قولهم‪ :‬النظر إلى البيت عبادة‪ ،‬فهو صحيح‪،‬‬
‫النظر إل ٰى البيت عبادة؛ لكن في غير الصلة‪.‬‬
‫ثم إن النظر إل ٰى البيت عبادة ليس النظر المجرد‬
‫عن التعظيم‪ ،‬إنما النظر الذي ينظر فيه النسان‬
‫إل ٰى ه ٰحذا البيت ويعظمه‪ ،‬ويذكر بذلك عظمة الرب‬
‫م ه ٰحذا البيت‪ ،‬فإن ه ٰحذا هو العبادة‪ ،‬ه ٰحذا‬‫الذي عَظ ّ َ‬
‫معنى قول أهل العلم‪ :‬النظر إل ٰى البيت عبادة‪،‬‬
‫وليس المقصود أن ينظر أو يتلى أو يذكر من‬
‫الذكار‪ ،‬فإن ه ٰحذا ليس صحيحًا؛ بل السنة في‬
‫الصلة أن تكون عين المصلي في موضع سجوده‪.‬‬
‫والله تعال ٰى أعلم‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪92‬‬


‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس الرابع‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬

‫حيم ِ‬
‫ن الّر ِ‬‫مٰ ِ‬‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫ب العالمين‪ ،‬وأصّلي وأسلم على‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إل ٰى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فل يخفاكم أيها الخوة أن القواعد تحتاج إلى‬
‫ضرب المثلة والبسط في تصوير القاعدة وذكر‬
‫شواهدها وأمثلتها؛ ولكن الوقت ل يسعف للقيام‬
‫بذلك؛ ولذلك نقتصر في كثير مما مّر معنا على‬
‫شرح القاعدة وذكر دليلها على وجه الجمال‪ ،‬ول‬
‫نلج في تفاصيل القاعدة وأمثلتها وما يستثنى منها؛‬
‫شح‪ ،‬فمن رغب في الستزادة‬ ‫لن الوقت فيه ُ‬
‫فهناك مؤلفات عديدة قديمة وحديثة تبسط القول‬
‫وتبين المثلة المندرجة في هذه القواعد وما‬
‫يستثنى منها‪.‬‬
‫نواصل ما وقفنا عليه في قول الناظم رحمه الله‪:‬‬
‫غير الذي في‬ ‫وليس مشروعا ً‬
‫مذكور‬
‫ل‬ ‫العبادة‬ ‫شرعنا‬
‫المور ه ٰهذا‪ ،‬وذكرنا أن‬ ‫من‬
‫انتهينا من‬
‫تكون مشروعة إل إذا وافقت الشريعة في‬
‫ستة أمور‪ ،‬هناك ستة أمور ل يحصل‬
‫موافقة الشرع في العبادة إل بمراعاتها‪،‬‬
‫وهذه المور الستة لم يرد فيها دليل جامع‪،‬‬
‫إنما هي مما استقرأه أهل العلم وتتبعوه‬
‫تحصل منها هذا المجموع‬ ‫ّ‬ ‫من أدلة متفرقة‪،‬‬
‫من المور التي ل بد من موافقة الشرع‬
‫فيها حتى يكون العمل مشروعًا‪.‬‬
‫أول هذه المور‪ :‬الموافقة في السبب‪ ،‬ثم‬
‫الجنس‪ ،‬ثم القدر‪ ،‬ثم الكيفية‪ ،‬ثم المكان‪ ،‬ثم‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿ ‪﴾ 94‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫الزمان‪ .‬و)ثم( هنا إنما هي للترتيب الذكري وليست‬
‫للترتيب الواقعي‪.‬‬
‫عندنا ‪-‬بارك الله فيكم‪ -‬ستة أمور ل بد من توفرها‬
‫وسالما من‬ ‫ً‬ ‫في العمل حتى يكون موافقا ً للشرع‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫الندراج في قول النبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫من ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ما ل َْيه َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حهدَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)) َ‬
‫)‪(1‬‬
‫د((‪.‬‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬السبب‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل بد أن يكون السبب‪ ،‬سبب العبادة مشروعًا‪،‬‬
‫فإن كان سبب العبادة غير مشروع فإنه يندرج في‬
‫َ‬
‫ث‬‫حهدَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫م‪َ )) :‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫قول النبي َ‬
‫َ‬
‫د((‪.‬‬ ‫و َر ّ‬‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫س ِ‬ ‫ما ل َْيه َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ِ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫فمثل ً الذي يلزم الصلة على النبي َ‬
‫م عند التطيب‪ ،‬كلما قُدّم إليه طيب قال‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صل على محمد‪ .‬سؤال الله الصلة على نبيه‬ ‫ّ‬ ‫اللهم‬
‫م عبادة أو ل؟ ما الدليل على‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬
‫أنها عبادة؟ أمر الله بها‪ ،‬طيب‪ ،‬هل وافقت الشرع‬
‫في السبب‪ ،‬الصلة عبادة‪ ،‬لكن هل هذا السبب‬
‫دل الشرع على أنه مما يذكر فيه الصلة على‬ ‫ب ّ‬ ‫سب ٌ‬
‫م؟ الجواب‪ :‬ل‪.‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫النبي َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫فإذا كان كذلك‪ ،‬فإن الصلة على النبي َ‬
‫م في هذا الموضع تكون من‬ ‫سل ّ َ‬‫عَل َي ْهِ وَعََلى آل ِهِ وَ َ‬
‫المحدثات ومن المبتدعات‪.‬‬
‫هذا مثال السبب‪.‬‬
‫مثال الجنس‪ :‬من ضحى بنعامة أو بدجاجة‪.‬‬

‫‪ ()1‬البخاري‪ :‬كتاب الصلح‪ ،‬باب إذا اصطلحوا على صلح جور‬


‫فالصلح مردود‪ ،‬رقم الحديث )‪.(2697‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب القضية‪ ،‬باب نقض الحكام الباطلة ورد محدثات‬
‫المور‪ ،‬رقم الحديث )‪.(1718‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪95‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫الضحية مشروعة أو ل؟ مشروعة‪.‬‬
‫فمن ضحى تقرب إلى الله عز وجل في وقت‬
‫الضحية بذبح نعامة أو دجاجة أو أرنب‪ ،‬هل يكون‬
‫فعل مشروعًا‪ ،‬أم فعل بدعة؟ هل التضحية بهذا‬
‫الجنس مما جاء به الشرع؟‬
‫بماذا تكون التضحية؟ ببهيمة النعام؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫ت َ‬ ‫ما ٍ‬‫عُلو َ‬‫م ْ‬
‫في أّيام ٍ ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ِ‬ ‫وي َذْك ُُروا ا ْ‬
‫س َ‬ ‫﴿ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة ال َن ْ َ‬
‫عام ِ﴾‪.‬‬ ‫م ِ‬‫هي َ‬ ‫من ب َ ِ‬ ‫هم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ما َرَز َ‬ ‫َ‬
‫وهذا بيان جنس ما يُتقرب إلى الله عز وجل به‬
‫في الضحية‪ ،‬وعلى هذا فمن خرج عن هذا الجنس‬
‫فقد خرج عن المشروع إلى المحدث‪ ،‬فيكون داخلا ً‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وعلى آله وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫في قول النبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬‫س ِ‬ ‫ما ل َْيه َ‬‫ذا َ‬‫ه َ‬‫رَنا َ‬ ‫م ِ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫حهدَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫)) َ‬
‫)‪(2‬‬
‫د((‪.‬‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫في القدر‪ :‬لو أن شخصا ً قال‪ :‬أنا عندي نشاط‪،‬‬
‫وأرغب في أن أصلي الفريضة‪ ،‬فريضة الفجر ثلث‬
‫ركعات‪ ،‬وفريضة الظهر والعصر خمس ركعات‪،‬‬
‫والمغرب أربع‪ ،‬وزاد‪ ،‬الن زاد في أي شيء؟ في‬
‫القدر‪ ،‬هل يكون عمله مقبولاً؟ الجواب‪ :‬ل؛ لنه لم‬
‫يوافق الشرع في القدر‪.‬‬
‫كذلك المر الرابع‪ -‬الذي ل بد من موافقة الشرع‬
‫فيه‪ :-‬الكيفية‪ ،‬لو أن شخصا ً في السعي أراد أن‬
‫يذكر من معه بالأذكار‪ ،‬ماذا يفعل وكيف يقول في‬ ‫ّ‬
‫سعيه أو في طوافه‪ ،‬فجعل وجهه إلى المجموعة‬
‫التي يطوف بها وجعل البيت عن يمينه وطاف‬
‫ماشيا ً القهقرى‪ ،‬ماشيا ً إلى الخلف‪ ،‬وطاف سبعة‬
‫أشواط على هذه الصفة‪ ،‬هل يكون قد قام بما‬
‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬الحج )‪.(28‬‬
‫‪ ()2‬تم تخريجه صفحة )‪.(95‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪96‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫وجب عليه؟ ما قام بما وجب عليه‪.‬‬
‫وإنما ذكرت هذه الصورة لنها تكثر في أيام‬
‫المواسم‪ ،‬تجد أن أحد الذين يعدّون من أهل‬
‫إل ٰى من معه‪ ،‬فيريد‬ ‫الفضل في هذه الحملة يحسن‬
‫أن يرشدهم إلى طريقة الذكر أو الطواف أو ما إلى‬
‫ذلك فيستقبلهم‪ ،‬ويجعل ظهره على خلف الواجب‪،‬‬
‫فيمشي القهقرى طائفا ً‪ ،‬فهل يجزئه هذا الطواف؟‬
‫الجواب‪ :‬ل؛ لنه خالف الشريعة في الكيفية‪ ،‬فإن‬
‫كيفية الطواف الواجب فيها أن يكون البيت عن‬
‫يسار الطائف‪.‬‬
‫خامس ما يجب موافقة الشرع فيه الزمان‪ :‬فإذا‬
‫فعل النسان عبادة في غير زمانها المشروع فإنه‬
‫يكون قد أحدث‪ ،‬إل إن كان على وجه القضاء‪ ،‬فمن‬
‫ذبح شاة عقيقة لكونه حصّل على وظيفة؛ الن هل‬
‫العقيقة مشروعة للولد أو للوظيفة؟ للولد‪ ،‬فمن‬
‫فعل هذا فقد اجتمع عنده إشكالن‪:‬‬
‫الشكال الول أنه خالف الشرع في السبب‪.‬‬
‫وخالفه أيضا ً في الزمان‪.‬‬
‫لو أن الرجل قال‪ :‬أنا حملت زوجتي‪ ،‬والمور‬
‫متيسرة عندي الن‪ ،‬وسأذبح العقيقة قبل أن تلد‪،‬‬
‫هل يكون قد أدى ما عليه؟ لم يؤدّ ما عليه؛ لنه لم‬
‫يذبح العقيقة في وقتها المشروع‪ ،‬فإن وقت‬
‫العقيقة هو بعد الوضع‪.‬‬
‫وأفضل ما يكون بعد سبعة أيام من الوضع‪ .‬فه ٰحذا‬
‫خالف الشرع في الزمان‪.‬‬
‫وكذلك في المكان‪ :‬لو أن شخصا ً تقرب إلى الله‬
‫عز وجل بالطواف في غير مكة‪ ،‬لم يطف تقرّبا ً‬
‫لحد إنما ا ً‬
‫تقربإل ٰى الله عز وجل طاف بأحد‬
‫المساجد‪ ،‬هل فعل محدثا ً وبدعة أو ل؟ وجه البدعية‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪97‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫أنه أتى بالعبادة في غير مكانها‪ ،‬فإن الطواف عبادة‬
‫تتعلق بالبيت‪ ،‬ول تجوز في غيره‪.‬‬
‫إذا ً ه ٰحذه أمور ستة اجعلها منك على بال في كل‬
‫ما تفعل‪ ،‬فإن وافقت الشرع فهو ما أمرك الله به‪،‬‬
‫وإن خالفت الشرع في واحد منها فإنه بدعة‬
‫محدث‪.‬‬
‫هذه المور الستة ل بد من موافقة الشرع فيها‬
‫حتى يتم امتثال الشرع في هذه العبادة والمن من‬
‫البدعة فيها‪.‬‬
‫قال الناظم الشيخ عبدالرحم ٰحن السعدي رحمه‬
‫الله تعالى‪:‬‬
‫واحكم بهذا الحكم‬ ‫وسائل المور‬
‫للزوائد‬
‫أسقطهه معبودنا‬ ‫والكراه‬‫كالمقاصد‬
‫والخطء‬
‫هنُ التأثيم‬ ‫الرحم ٰ‬
‫وينتفي‬ ‫التلف‬‫والنسيهان‬
‫لكن مع‬
‫والزللاستقل‬ ‫عنه ُ‬
‫يثبت ل إذا‬ ‫يثبت البدل‬
‫مسائل‬ ‫ومن‬
‫فوقعمن الشرع‬ ‫حكم‬ ‫تبع‬‫والهعرففي ال‬
‫معمول‬ ‫الحكام‬
‫الشريف لم ُيحد‬
‫بالخسران‬ ‫قد باء‬ ‫المحظور‬‫معاجلورد‬
‫به إذا‬
‫حرمانهفذو‬
‫معشرطه‬ ‫أو ْ‬ ‫قبل آنه‬
‫أتى التحريم‬ ‫وإن‬
‫وخللبالتي‬
‫الدفاع‬ ‫فساد‬ ‫بعد‬ ‫ليس‬‫العمل‬ ‫نفس‬
‫مؤذيه‬ ‫في‬
‫ومتلف‬
‫أحسنالرحم ٰحن‬
‫بسم الله‬ ‫هي‬
‫ْ‬ ‫يضمن‬
‫الرحيم‬
‫قال المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫واحكم بهذا الحكم‬ ‫وسائل المور‬
‫أقسام‪:‬‬‫للزوائد‬ ‫في هذا البيت ثلثة‬ ‫كالمقاصد‬
‫فذكر‬
‫• ذكر الوسائل‪.‬‬
‫• وذكر المقاصد‪.‬‬
‫• وذكر المتممات الزوائد‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪98‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫فنريد أن نعرف الفرق بين هذه المور‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬الوسائل جمع وسيلة‪ ،‬وهي ما يُتوصل به‬
‫إلى الشيء‪ ،‬يقول رحمه الله‪) :‬وسائل المور(‬
‫إل ٰى المور )كالمقاصد( يعني‬ ‫يعني ما يتوصل به‬
‫حكمها – أي حكم هذه الوسائل‪ -‬كحكم المقاصد‪.‬‬
‫والمقاصد هي المور المقصودة بذاتها‪ ،‬أي‬
‫المأمور بها ابتداًء‪.‬‬
‫فصلة الجماعة مقصودة أو ليست مقصودة‬
‫للشارع؟ مقصودة؛ ولذلك أمر بها وحث عليها‬
‫ورغب فيها وحذر من تركها‪.‬‬
‫وسائل تحقيق صلة الجماعة كثيرة‪:‬‬
‫إل ٰى المسجد‪ ،‬المشي إلى المسجد‬ ‫منها المشي‬
‫إل ٰى تحصيل هذا المقصود‪.‬‬ ‫وسيلة‬
‫إل ٰى تحصيل هذا المقصود‪.‬‬ ‫والتبكير وسيلة‬
‫اتخاذ ما يعين من الدوات والآلت التي تمكن‬
‫النسان من حضور الصلة جماعة وسيلة‪.‬‬
‫فما حكم هذه الوسائل؟ حكمه ٰحذه الوسائل حكم‬
‫المقاصد‪ ،‬فهذه الوسائل حكمها حكم المقصود‬
‫الذي تؤدي إليه أو الذي جعلت وسيلة وسببًا‬
‫للتوصل إليه‪ ،‬ولذلك صلة الجماعة على الراجح من‬
‫أقوال أهل العلم واجبة‪.‬‬
‫إل ٰى صلة الجماعة؟‬ ‫فماذا نقول في حكم السعي‬
‫الحكم واجب‪.‬‬
‫أخذ السباب المعينة على حصول صلة الجماعة‬
‫من النوم مبكر ًا مثل ً لصلة الفجر‪ ،‬ومن إعداد‬
‫الساعة المنبهة‪ ،‬وما إلى ذلك مما يحصل به حضور‬
‫الجماعة ما حكمه؟ حكم الصل؛ المقصد‪ ،‬الصل‬
‫وهو حضور صلة الجماعة في الفجر واجب‪ ،‬فكل‬
‫ما يؤدي إلى تحقيق هذا الواجب فهو واجب‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ‪99‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫وهو ما يشير إليه الفقهاء والصوليون بقولهم‪ :‬ما‬
‫لا يتم الواجب إل به فهو واجب‪ .‬فكل ما ل‬
‫يمكن فعل الواجب إل به فإن حكمه الوجوب‪.‬‬
‫وكذلك المسنون‪ ،‬كل ما ل تحصل السنة إل به‬
‫فإنه مسنون‪.‬‬
‫وهذا حتى في المحرمات وحتى في المكروهات‪،‬‬
‫فإن ما ل يتم اجتناب المحرم إل به فإنه محرم‬
‫وواجب الجتناب‪ ،‬ولذلك جاءت الشريعة المطهرة‬
‫بمراعاة هذا الصل‪ ،‬ففي جانب المحرمات لم تنهَ‬
‫عنها بذاتها فقط‪ ،‬بل نهت عنها وعن ما يقرب إليها‪،‬‬
‫فل َ‬‫ه َ‬ ‫دودُ الل ّ ِ‬ ‫ح ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ولذلك قال سبحانه وتعال ٰى‪﴿ :‬ت ِل ْ َ‬
‫ها﴾‪ (1)،‬لما ذكر المحرمات‪ ،‬وأما في‬ ‫قَرُبو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ها﴾)‪ (2‬لن الواجب في‬ ‫دو َ‬
‫عت َ ُ‬‫فل َ ت َ ْ‬
‫الواجبات فقال‪َ ﴿ :‬‬
‫ما أوجبه الله عز وجل القتصار على ما فرض‪ ،‬أما‬
‫المحرم فالواجب اجتناب المحرم واجتناب كل‬
‫وسيلة توصل إليه‪ ،‬ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى‬
‫ه وَت ََعاَلى‪:‬‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫عن الزنى وعن ما يقرّب إليه فقال ُ‬
‫ة﴾‪ (3)،‬وهكذا‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫قَرُبوا ْ الّزَنى إ ِن ّ ُ‬ ‫ول َ ت َ ْ‬‫﴿ َ‬
‫في كل محرم‪ ،‬فإن الشريعة حرمت المحرم‬
‫وحرمت كل ما يوصل إلى هذا المحرم‪ ،‬كما أنها‬
‫أوجبت الواجبات وأوجبت كل ما يوصل إليها‪ ،‬أي ما‬
‫ل تتم هذه الواجبات إل به‪ ،‬وهذا معنى قول المؤلف‬
‫رحمه الله‪) :‬وسائل المور كالمقاصد( يعني‬
‫حكمها كالمقاصد‪ .‬فقوله‪) :‬كالمقاصد( يعني ل في‬
‫المنزلة والأجر إنما في الوجوب والحكم‪ ،‬وإل فل‬
‫شك أن الوسائل ل يكون أجرها كأجر المقاصد‪،‬‬
‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬البقرة )‪.(187‬‬
‫‪ ()2‬سورة ‪ :‬البقرة )‪.(229‬‬
‫‪ ()3‬سورة ‪ :‬السراء )‪.(32‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪100‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫فالمشي إلى المسجد ليس أجره كأجر الصلة في‬
‫المسجد‪ ،‬إنما هو في الحكم موافق لحكم الصلة‬
‫في المسجد‪.‬‬
‫فانتبه إلىه ٰحذه التسوية في قوله‪) :‬وسائل‬
‫المور كالمقاصد( يعني في الأحكام‪ ،‬أما الجور‬
‫فالجور تختلف‪ ،‬ول قياس في الجور والثواب‪،‬‬
‫ولذلك ترد الشريعة في العمل اليسير ويكون أجره‬
‫واجبفتنبه إل ٰى‬ ‫‪،‬‬ ‫عظيما ً ول يذكر نظيره فيما هو‬
‫ه ٰحذا‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪) :‬واحكم بهذا الحكم( أي‬
‫أثبت هذا الحكم )للزوائد(؛ يعني للمور الزائدة‬
‫المتممة‪ ،‬فما مراده بالزوائد؟ مراده بالزوائد ما‬
‫يترتب على فعل العبادة بعدها‪ ،‬هذا مراده بالزوائد‪،‬‬
‫فالنسان إذا جاء إلى المسجد وصلى‪ ،‬الن حصلت‬
‫الوسيلة وحصل المقصود‪ ،‬هل يكون قد انتهى‬
‫الأجر؟ الجواب‪ :‬ل‪ ،‬رجوعك إلى بيتك أنت مأجور‬
‫عليه؛ لنك في عبادة فأنت في توابع ومتممات‬
‫وزوائد هذه العبادة‪.‬‬
‫ولذلك جاء في صحيح مسلم أن الصحابي قال‪:‬‬
‫إني أحتسب على الله ذهابي ورجوعي إلى‬
‫ه وَت ََعاَلى‬
‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫المسجد‪ .‬فاحتسب على الله ُ‬
‫الذهاب وهو وسيلة والرجوع وهو متمم للمقصود‪،‬‬
‫وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‪.‬‬
‫فقوله‪) :‬واحكم بهذا الحكم للزوائد( أي‬
‫احكم بثبوت الفضل للزائد‪ ،‬ول شك أن الزائد ليس‬
‫كالوسيلة‪ ،‬هو دون الوسيلة؛ لكنه ل يخرج عن كونه‬
‫ه وَت ََعاَلى‪.‬‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫في جملة ما يتعبد به لله ُ‬
‫هذا معنى قول المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫واحكم بهذا الحكم‬ ‫وسائل المور‬
‫للزوائد‬
‫﴿ ﴾‬ ‫كالمقاصد‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫‪101‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫ثم قال رحمه الله في قاعدة مهمة‬
‫جليلة‪:‬‬
‫‪.......................‬‬ ‫والخطء والكراه‬
‫‪..........‬‬
‫والنسيهانأمر؟ ثلثة أمور‪.‬‬
‫هذا كم‬
‫أسقطهه معبودنا‬ ‫‪.......................‬‬
‫هنُ‬ ‫إلى ه ٰهذه المورالرحم ٰ‬
‫الثلثة‪:‬‬ ‫‪.........‬‬
‫ننظر‬
‫ل‪ :‬الخطأ ما هو الخطأ؟ الخطأ هو أن يريد‬ ‫أو ً‬
‫الإنسان شيئا ً أو يقصد شيئا ً ويحصل له غيره أو‬
‫يتفق منه غيره‪.‬‬
‫فمثل ً أردت أن أسأل الخ‪ ،‬فعينت غيره‪ ،‬الذي‬
‫أمامه‪ ،‬هذا خطأ بقصد‪ ،‬أنا كنت أريد أن أسأله‬
‫فتوجه السؤال إلى غيره‪ ،‬أردت شيئا ً واتفق لي‬
‫وحصل لي غيره‪ ،‬هذا هو الخطأ‪.‬‬
‫ئا من غير‬ ‫والكراه‪ :‬هو أن يفعل النسان شي ً‬
‫اختيار صحيح‪ .‬وذلك بأن يحمله شخص على أن‬
‫يفعل ما ل يريد‪ ،‬أو يقول ما ل يشتهي‪.‬‬
‫والكراه درجات‪:‬‬
‫• منه ما هو إكراه ينغلق فيه الختيار ويلغى‬
‫فيه اختيار الشخص فل اختيار له بالكلية‪.‬‬
‫• ومنه إكراه يفسد الختيار ول يلغيه‪.‬‬
‫مثال الول‪ :‬إذا أمسك شخص برجل ورماه على‬
‫آخر فمات الخر‪ ،‬الن على أيهما يقع اللوم‬
‫والمؤاخذة؟ هل هو على الرامي؟ أو على المرمي؟‬
‫الموت حصل من المرمي ولكن من هو الملوم؟‬
‫الرامي هو الملوم؛ لأن المرمي هل له اختيار؟ هو‬
‫كالحجر ل اختيار له‪.‬‬
‫وهذا مثال النوع الول من أنواع الكراه وهو الذي‬
‫يلغى فيه اختيار الشخص بالكلية‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪102‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫أما الذي يفسد فيه الختيار‪ ،‬فكأن تأتي إلى‬
‫شخص وتقول له‪ :‬افعل كذا أو فعلت بك كذا‪ ،‬إما‬
‫قتل أو سجن أو ضرب‪ ،‬أو أخذ مال أو إلحاق ضرر‬
‫به أو بولده أو بمن يحب‪ ،‬الن هذا سيفعل ما أمرته‬
‫به‪.‬‬
‫فعله هذا وقع باختياره أو بغير اختياره؟ وقع‬
‫باختياره؛ لكنه اختيار فاسد؛ يعني لو لم يكن هناك‬
‫مؤثر حامل على أن يفعل هذا الأمر لما تقدم‬
‫إليه‪.‬‬
‫هشم سيارة فلن وإل‬‫ّ‬ ‫لو قال شخص لخر‪:‬‬
‫سجنتك أو ضربتك أو أخذت مالك‪ ،‬الن هذا إكراه‬
‫أو ليس إكراهًا؟‬
‫هم يذكرون للكراه شروطًا‪ ،‬فالرجل قادر على‬
‫أن يمضي ما هددك به‪ ،‬وأن يوقع بك الضرب‪،‬‬
‫وذهبت وكسرت السيارة‪ ،‬وأنت بتكسيرك السيارة‬
‫هذا فعل منك باختيار أو بغير اختيار؟ باختيار‪ ،‬لكن‬
‫هل هذا الختيار صحيح؟ هذا اختيار فاسد‪ ،‬ودليل‬
‫فساده أنه لو لم تحمل وتضطر على أن تفعل هذا‬
‫المر ما فعلته‪.‬‬
‫ئا بغير اختيار‬
‫فالكراه هو أن يفعل النسان شي ً‬
‫صحيح‪ ،‬إما باختيار ملغى أو باختيار فاسد‪.‬‬
‫قوله‪) :‬والنسيهان( هذا ثالث ما ذكر المؤلف‬
‫رحمه الله‪ ،‬النسيان‪.‬‬
‫والنسيان في الصل ضد الذكر‪ ،‬وهو السهو أو‬
‫الذهول الحاصل بعد علم‪.‬‬
‫وبه تعرف الفرق بين النسيان وبين الجهل‪،‬‬
‫فالجهل هو عدم العلم‪ ،‬وأما النسيان‪ :‬فهو ذهول‬
‫وسهو بعد حصول العلم‪.‬‬
‫هذه المور الثلثة‪ ،‬ماذا ذكر عنها المؤلف رحمه‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪103‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫الله قال‪) :‬أسقطهه معبودنا الرحم ٰهنُ( أسقطه‪:‬‬
‫أي أسقط المؤاخذة به‪.‬‬
‫ه وَت ََعاَلى من واسع فضله وعظيم‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫فالله ُ‬
‫إحسانه وبره أن أسقط عن عباده المؤاخذة بهذه‬
‫المور الثلثة‪ :‬الخطأ والكراه والنسيان‪.‬‬
‫خذَْنا ِإن‬ ‫ؤا ِ‬ ‫اللتعال ٰى‪َ﴿ :‬رب َّنا ل َ ت ُ َ‬ ‫دليل ذلك قول ه‬
‫خطَأ َْنا﴾ هذا فيه الدليل على الخطأ‬ ‫)‪(1‬‬
‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫نّ ِ‬
‫م‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ول َي ْ َ‬ ‫ه وَت ََعاَلى‪َ ﴿ :‬‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬ ‫والنسيان‪ ،‬وقال ُ‬
‫ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ت‬ ‫مد َ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫كن ّ‬ ‫ول َ ِ‬‫ه َ‬ ‫خطَأُتم ب ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَنا ٌ‬‫ُ‬
‫م﴾ هذا أيضا ً دليل على عدم المؤاخذة‬ ‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬
‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫بالخطأ‪ .‬أما الكراه فهي الية التي ذكرتموها وهي‬
‫د‬
‫ع ِ‬ ‫من ب َ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫فَر ِبالل ّ ِ‬ ‫من ك َ َ‬ ‫قول الله جل وعل‪َ ﴿ :‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن ِبا ِ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مطْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫قل ْب ُ ُ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر َ‬‫ن أك ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إ ِل ّ َ‬ ‫مان ِ ِ‬‫إي َ‬
‫صدًْرا﴾ أي هو‬ ‫)‪(3‬‬
‫ر َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح ِبال ْك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫من َ‬ ‫كن ّ‬ ‫وَله ِ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫المؤاخذ‪ ،‬فمن شرح بالكفر صدرا‪ ،‬كان إقباله على‬
‫الكفر باختيار منه‪ ،‬وأما من حُمل –على الصحيح‪-‬‬
‫فإنه ل يؤاخذ بهذا‪ ،‬وهذا دليل على الكراه‪.‬‬
‫دليل على أن الكراه ل يؤاخذ به النسان‪ ،‬وجه‬
‫الدللة من الية؟ وجه الدللة‪ :‬أن النسان إذا كان ل‬
‫يؤاخذ في أكبر المعاصي وهي الكفر بالله عز وجل‪-‬‬
‫إذا كان ذلك من غير اختيار ‪-‬فما دونها من المعاصي‬
‫من باب أولى‪.‬‬
‫إذا ً عرفنا الن الدلة على إسقاط المؤاخذة في‬
‫هذه المور من الكتاب‪.‬‬
‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫وأما من السنة‪ :‬فإن النبي َ‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫جاء عنه من طرق متعددة قوله َ‬
‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬البقرة )‪.(286‬‬
‫‪ ()2‬سورة ‪ :‬الحزاب )‪.(5‬‬
‫‪ ()3‬سورة ‪ :‬النحل )‪.(106‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪104‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫م‪)) :‬إن الله وضع عن أمتي الخطأ‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫]والنسيان[ وما استكرهوا عليه(( ‪ .‬وهذا‬
‫)‪(1‬‬

‫الحديث ل يخلو طريق من طرقه من وهن؛ ولكن‬


‫مجموع الطرق يفيد الثبوت‪ ،‬يفيد ثبوت الحديث‬
‫وصحته‪ ،‬ولو لم يثبت فإن القرآن دال على هذه‬
‫القاعدة ول إشكال‪.‬‬
‫طيب ما الذي يسقط بالخطأ والكراه والنسيان؟‬
‫الأفعال –المخالفات‪ -‬التي تكون من النسان‪ ،‬إما‬
‫أن تكون في حق الله‪ ،‬وإما أن تكون في حق‬
‫الخلق‪.‬‬
‫فما كان في حق الله عز وجل فإذا فعله النسان‬
‫ئا أو مكرها ً أو ناسيا ً فإنه ل يؤاخذ على هذا‬ ‫مخط ً‬
‫الفعل؛ أي ل إثم عليه في هذا الفعل‪.‬‬
‫وهذا معنى قوله‪) :‬أسقطه( أي إن الثم ساقط‬
‫عنه‪ ،‬فل إثم‪.‬‬
‫يبقى الضمان‪ ،‬هل هو ضامن؟‬
‫وأضرب لكم مثل ً يتضح به سؤال الضمان‪ :‬لو أن‬
‫شخص ًا دخل الحرم المكي‪ ،‬والحرم المكي يحرم‬
‫فيه الصيد‪ ،‬فنسي أنه في الحرم وصاد غزال ًا أو‬
‫طيرًا‪ ،‬فما الحكم؟ هل هو آثم؟ رجل أخطأ؛ نعم هو‬
‫تعمد الصيد لكنه نسي أنه في الحرم‪ ،‬رجل يتبع‬
‫الصيد ولما رأى هذا الغزال ما ظن أنه في حرم ول‬
‫جاء على باله‪ ،‬مباشرة سدد وأطلق‪ ،‬الن هل هو‬
‫آثم؟ ليس آثما ً لن الثم إنما يكون من الدافع‪ ،‬وهذا‬
‫ه وَت ََعاَلى قد وضع عن‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ليس بدافع؛ لن الله ُ‬
‫المة النسيان‪ ،‬كما في قول الله تعالى‪َ﴿ :‬رب َّنا ل َ‬

‫‪ ()1‬سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب الطلق‪ ،‬باب طلق المكره والناسي‪،‬‬


‫حديث رقم )‪ .(2045‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪105‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫صّلى‬ ‫ْ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫خطَأَنا﴾ قال النبي َ‬ ‫سيَنا أ ْ‬ ‫خذَْنا ِإن ن ّ ِ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫تُ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫ل وعل قد قال‪:‬‬ ‫م‪)) :‬إن الله ج ّ‬ ‫سل ّ َ‬


‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫قد فعلت(( كما في صحيح مسلم‪ ،‬فهو غير‬ ‫)‪(2‬‬

‫مؤاخذ‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬هل يجب عليه جزاء الصيد؛ لن من قتل‬
‫َ‬
‫ها‬‫صيدا ً في مكة في الحرم يجب عليه جزاء ﴿َيا أي ّ َ‬
‫قت ُُلوا الصيد َ‬
‫من‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫وأنت ُ ْ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫مُنوا ل َ ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما َ‬
‫قت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫جَزاء ّ‬ ‫ف َ‬‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ع ّ‬‫مت َ َ‬‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫قت َل َ ُ‬‫َ‬
‫عم ِ﴾)‪.(3‬‬ ‫الن ّ َ‬
‫هل يجب عليه الضمان؟ الصحيح أنه ل يجب عليه‬
‫كم‬ ‫من ُ‬‫ه ِ‬ ‫قت َل َ ُ‬ ‫من َ‬ ‫و َ‬
‫الضمان؛ لن الية قالت‪َ ﴿ :‬‬
‫جَزاء﴾ فرتبت الجزاء على القتل العمد‪،‬‬ ‫ف َ‬‫دا َ‬ ‫م ً‬ ‫ع ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ّ‬
‫وهل هذا متعمد؟ الجواب ليس متعمدًا‪ ،‬فإذا كان‬
‫غير متعمد فإنه ل يضمن‪ ،‬وعليه فإنه يسقط في‬
‫حقه الثم ويسقط في حقه الضمان‪.‬‬
‫وهذا في جميع حقوق الله عز وجل إذا فعلها‬
‫النسان ناسيا ً أو مخطئا ً أو مكرها ً فإنه ل إثم عليه‬
‫ول ضمان في حقه‪ ،‬ل ضمان عليه‪.‬‬
‫سؤال‪:‬هل ه ٰحذا مطرد؟ الجواب‪ :‬مطرد إل في‬
‫مسألة‪ :‬القتل خطأ‪ ،‬إذا قتل إنسان شخصا ً معصوم‬
‫الدم خطًأ‪ ،‬فما الذي يترتب عليه؟ ل بد أن تشاركونا‬
‫في الجواب حتى نعرف هل القاعدة مطردة أو ل؟‬
‫ما الذي يترتب على القتل الخطأ؟‬
‫حق لله وحق للمخلوق‪.‬‬
‫ما هو حق المخلوق؟ الدية‪ ،‬ما فيه إشكال‪ ،‬أي‬

‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬البقرة )‪.(286‬‬


‫ه وَت ََعاَلى لم يكلف إل‬
‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫‪ ()2‬مسلم‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أنه ُ‬
‫ما يطاق‪ ،‬حديث رقم )‪.(126‬‬
‫‪ ()3‬سورة ‪ :‬المائدة )‪.(95‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪106‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫قت َ َ‬
‫ل‬ ‫من َ‬ ‫و َ‬‫إنسان يقتل آخر خطأ تجب عليه الدية‪َ ﴿ :‬‬
‫ة‬
‫وِدي َ ٌ‬
‫ة َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫ريُر َر َ‬
‫قب َ ٍ‬ ‫ح ِ‬‫فت َ ْ‬‫خطًَئا َ‬‫مًنا َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ه﴾ ‪ .‬الدية المسلمة إلى أهله‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫هل ِ ِ‬‫ة إ ِلى أ ْ‬
‫م ٌ‬
‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫حق لمن؟ حق للمخلوق‪ ،‬وهذا أخرجوه من البحث؛‬
‫لننا نبحث الن في حق الله عز وجل‪.‬‬
‫بقي علينا القسم الثاني وهو حق الله جل وعل‪،‬‬
‫الن تحرير رقبة مع أن الرجل فعل ذلك خطأ فلم‬
‫نسقط عنه الضمان مع أننا أسقطنا عنه الثم‪.‬‬
‫فما الجواب عن ه ٰحذا الستثناء الوحيد من‬
‫القاعدة المتقدمة؟‬
‫الجواب‪ :‬أن سقوط المؤاخذة وعدم سقوط‬
‫الضمان في هذه الصورة تعظيم لشأن الدماء‪ ،‬حتى‬
‫ل يتهوك الناس ويتساهلوا في قتل الخطأ‪.‬‬
‫إذا ً انتهينا الن من القسم الول وهو ما إذا كان‬
‫الخطأ أو الكراه أو النسيان في حق الله عز وجل‪.‬‬
‫أما في حق المخلوق فاعلم أن الساقط هو الثم‬
‫ق‪،‬‬‫فقط‪ ،‬أما ما يترتب على ذلك من ضمان فإنه با ٍ‬
‫ولذلك قال المؤلف‪) :‬لكن مع التلف( يعني‬
‫إتلف حقوق الدميين )يثبت البدل( فهنا الضمان‬
‫ثابت‪) ،‬وينتفي التأثيم عنه والزلل( فالمنفي‬
‫فقط هو الثم‪ ،‬أما الضمان فإنه ثابت‪.‬‬
‫ولذلك قال‪) :‬لكن مع التلف يثبت البدل(‬
‫يعني يثبت بدل المتلف‪.‬‬
‫فمثل ً شخص يمشي في الطريق فعثر بسيارة‬
‫شخص فأتلفها‪ ،‬يعني يمشي بسيارة فصدم سيارة‬
‫ش‬ ‫ً‬
‫ش خطأ أو صدم شخصا وهو ما ٍ‬ ‫شخص وهو ما ٍ‬
‫فكسر يده‪ ،‬الن هل هو آثم؟‬
‫ليس بآثم؛ لنه مخطئ‪ ،‬هل يضمن ما ترتب على‬
‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬النساء )‪.(92‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪107‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫خطئه أو ل يضمن؟ يضمن؛ لن الحق حق للدمي‪،‬‬
‫فإن كان التلف للنفس ضمن بالدية‪ ،‬وإن كان التلف‬
‫في المال ضمن إما بالمثل أو بالقيمة‪.‬‬
‫المثل في أي شيء؟ في المثليات‪ ،‬والقيمة فيما‬
‫ل مثل له‪ ،‬والضمان في الموال ل يكون إل بهذين‬
‫المرين‪ :‬المثل في المثليات والقيمة فيما عدا ذلك‪.‬‬
‫المثل هو كل ما له مثيل‪ ،‬الن لو واحد منكم‬
‫مسك هذا القلم وكسره‪ ،‬زعل من مثال لم يفهمه‬
‫وكسر القلم‪ ،‬الن يضمن هذا أو ل؟ بماذا يضمنه؟‬
‫هل هو بمثله؟ أو يضمنه بقيمته؟ يضمنه بمثله؛‬
‫يعني لو قال‪ :‬خذ ريالين ما أدري هل هو بريالين أو‬
‫ثلثة مقابل هذا القلم‪ ،‬لو قال‪ :‬ل أريد هذين‬
‫الريالين‪ ،‬جئني بمثله‪،‬نقول له‪ :‬ه ٰحذا القلم تضمنه‬
‫بمثله‪.‬‬
‫إذا ً قول المؤلف‪) :‬لكن مع التلف يثبت‬
‫البدل( البدل إما أن يكون مثلي ّا ً وإما أن يكون‬
‫قيمي ّا ً‪.‬‬
‫مثال القيمي‪ :‬إنسان تكلف على سيارة صنعها‬
‫في بلد التصنيع وأتت سيارة ل نظير لها‪ ،‬جاء واحد‬
‫صدمه‪ ،‬لما بحثوا عن قطع هذه السيارة ما وجدوها‪،‬‬
‫الن هذه تضمن بالمثل أو بالقيمة؟ تضمن بالقيمة‪،‬‬
‫ل يمكن ضمانها بالمثل؛ لنه ل مثيل لها‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫يثبت ل إذا استقل‬ ‫ومن مسائل‬
‫فوقع مشهورة في‬ ‫تبعإلى قاعدة‬ ‫يشير‬‫في ال‬ ‫الحكام‬
‫البيت‬ ‫هذا‬
‫كلم الفقهاء وهي قولهم‪ :‬يثبت تبعا ً ما ل‬
‫يثبت استقل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫م نهى‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ عََلى آل ِهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫الن النبي َ‬
‫عن بيع الغرر‪ ،‬أليس كذلك؟ بلى‪ ،‬نهى عن ذلك وهو‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 108‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫حديث صحيح معروف ومشهور‪ ،‬وهو أصل في باب‬
‫المعاوضات منع الغرر‪ ،‬ما هو الغرر؟ الغرر هو‬
‫الجهالة‪.‬‬
‫لو أن شخصا ً أتى وقال لك‪ :‬بعتك ما في جيبي‬
‫بريالين‪ .‬هل يجوز أو ل يجوز ؟ ل يجوز لماذا؟ غرر‪.‬‬
‫شخص جاءك قال‪ :‬بعتك هذا البيت‪ ،‬أنا عمرته‬
‫وأشرفت على بنائه بعتك إياه بمليون ريال‪ .‬وقال‪:‬‬
‫الخر‪ :‬قبلت‪ .‬هل هذا البيع صحيح؟ دخل ورأى‬
‫الجدران والدهان وفوق وتحت هل هذا صحيح؟ه ٰحذا‬
‫البيع أليس فيه غرر؟ هل حفرت ونظرت إلى‬
‫الساسات هل هي جيدة أو غير جيدة؟ لم تنظر إلى‬
‫الساسات‪.‬‬
‫إذا ً هنا في هذا البيع غرر؛ لكنه غرر تابع فصح‪.‬‬
‫هذا مثال في البيوع‪.‬‬
‫مثال في العبادات‪ :‬لو أن النسان أراد أن يأخذ‬
‫عمرة أو حجّا ً فمن المشروع في حقه أن يتطهر‬
‫وأن يغتسل وأن يتطيب‪ ،‬أليس كذلك؟ تطيب‬
‫بأحسن الطيب وطيب رأسه ولحيته حتى رئي‬
‫وبيص الطيب في رأسه‪.‬‬
‫الن هذا الرجل الذي تطيب بهذا الطيب‪ ،‬انتقض‬
‫وضوؤه‪ ،‬وأراد أن يجدد الوضوء‪ ،‬من المشروع في‬
‫الوضوء أن يمسح الرأس‪ ،‬أليس كذلك؟ مسحه‬
‫رأسه سوف يفضي إلى أن يعلق بيديه شيء من‬
‫الطيب الذي في رأسه‪.‬‬
‫هل يجب عليه أن يغسل يديه ويزيل ما في يديه‬
‫من الطيب؟‬
‫م كان‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫الجواب‪ :‬ل؛ لن النبي َ‬
‫يرى وبيص المسك في رأسه وهو محرم ولم ينقل‬
‫عنه أنه كان إذا توضأ أزال ما علق في يديه من‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪109‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫وبيص المسك‪ .‬فهذا طيب تابع وليس مستقلّا‪.‬‬
‫ويمكن أن يستفاد من هذا أيضا ً في قاعدة أخرى‬
‫يذكرها الفقهاء وهي‪ :‬الستدامة أهون من‬
‫البتداء‪.‬‬
‫فهذا استدام الطيب وليس ابتداًء للتطيب‪ ،‬هذان‬
‫المثالن يكفيان إن شاء الله لشرح هذه القاعدة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫حكم من الشرع‬ ‫والهعرف معمول‬
‫يحد‬
‫عليه‬‫تعارفلم ُ‬
‫الشريف‬‫بالعرف هو كل ما‬ ‫المرادورد‬
‫به إذا‬
‫الناس مما ل يخالف الشرع‪ ،‬هذا هو‬
‫العرف‪.‬‬
‫فإذا خالف الشرع فإنه منبوذ ول عبرة به ول‬
‫ينظر إليه‪ ،‬الكلم في العرف الذي ل يخالف الشرع‪.‬‬
‫يقول رحمه الله‪:‬‬
‫حكم من الشرع‬ ‫والهعرف معمول‬
‫لم ُيحد‬
‫وهي‪:‬‬ ‫الشريف‬
‫الكبرى‬ ‫إشارة إلى القاعدة‬ ‫وهذا ورد‬
‫به إذا‬
‫مة‪.‬‬‫حك ّ َ‬
‫م َ‬
‫العادة ُ‬
‫يقول المؤلف رحمه الله‪ :‬ما ورد به الشرع دون‬
‫تحديده فإن المرجع في تحديده هو العرف‪.‬‬
‫واعلم أن ما ورد في الشرع إما أن يعلم حده من‬
‫الشرع نفسه‪ ،‬فهنا ل يرجع إلى غير الشرع في‬
‫تفسير هذا اللفظ ومعرفة حدوده‪.‬‬
‫ل‪ :‬صلة الظهر‪ ،‬الصلوات هل هي مبينة في‬ ‫فمث ً‬
‫الشرع ومحددة أو ل؟ محددة‪ ،‬فقول الله عز وجل‪:‬‬
‫صلةَ﴾ أمره بإقامة الصلة أمر بعبادة‪،‬‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬‫وأ َ ِ‬
‫﴿ َ‬
‫هل هذه العبادة محددة بالشرع أو تحتاج إلى‬
‫الرجوع إلى العرف لتحديدها؟ محددة بالشرع‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪110‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫فإذا ً اللفاظ الواردة في الشرع هذا القسم‬
‫الول وقد بينها الشرع فالمرجع في بيانها‬
‫ومعرفتها إلى أي شيء؟ إلى الشرع‪.‬‬
‫القسم الثاني مما ورد في الشرع هو‪ :‬ما‬
‫يعرف حده باللغة‪ ،‬فالمرجع في ذلك إلى اللغة‪،‬‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س َ‬‫وي َذْك ُُروا ا ْ‬‫مثال ذلك )بهيمة النعام( ‪َ ﴿ :‬‬
‫َ‬
‫من‬ ‫هم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫عَلى َ‬
‫ما َرَز َ‬ ‫ت َ‬‫ما ٍ‬ ‫عُلو َ‬ ‫م ْ‬ ‫في أّيام ٍ ّ‬ ‫ِ‬
‫عام ِ﴾)‪.(1‬‬ ‫ة ال َن ْ َ‬
‫م ِ‬‫هي َ‬‫بَ ِ‬
‫بهيمة النعام ما هي؟ هل هي محددة في الشرع؟‬
‫تحديدها في الحقيقة جاء من اللغة؛ لن العرب ل‬
‫تطلق بهيمة الأنعام إل على البل أو البقر أو الغنم‪،‬‬
‫وما عدا ذلك فإنه ل يطلق عليه بهيمة النعام‪.‬‬
‫فهنا المرجع في تحديد اللفظ الوارد أو فهم معناه‬
‫استفيد من اللغة‪ .‬هذا القسم الثاني‪.‬‬
‫القسم الثالث هو‪ :‬ما لم يرد له حد في الشرع‪،‬‬
‫وليس هناك حد له في اللغة‪ ،‬فالمرجع فيه إلى‬
‫العرف‪ ،‬وتعرفون يا إخوان أن العرف يختلف‬
‫باختلف البلدان‪ ،‬واختلف الزمان واختلف‬
‫الحوال‪ ،‬فالمؤثر فيه جهات عديدة‪.‬‬
‫ه وَت ََعاَلى لعباده ببر الوالدين‪ ،‬هل‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫فأمر الله ُ‬
‫الشريعة حددت أفعال ًا معينة يحصل بها البر؟ هل‬
‫الشرع جعل من البر أن تزور الوالد والوالدة في‬
‫الصباح والمساء؟ الجواب‪ :‬ل‪.‬‬
‫طيب إذا ً ما المرجع في تحديد البر الواجب؟‬
‫العرف‪ ،‬فكل ما عده الناس بّرا ً فإنه مما أمر الله‬
‫به‪.‬‬
‫ففي زمان من الزمان يعدون مشيك أمام أبيك‬
‫من البر؛ لنك تتفقد له الطريق‪ ،‬وتنظر ما يحتاج‬
‫‪ ()1‬سورة ‪ :‬الحج )‪.(28‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪111‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫إلى إزالته فتزيله‪.‬‬
‫في عرف آخر مشيك أمام أبيك من العقوق؛ لنه‬
‫تقدم بين يديه‪.‬‬
‫فأيهما نأخذ؟ أيهما البر؟‬
‫نقول‪ :‬البر في كل موضع بحسبه‪ ،‬حسب ما‬
‫تعارف عليه أهل البلد وحسب ما جرى عليه عمل‬
‫الناس‪.‬‬
‫كذلك في صلة الأرحام‪ ،‬وهذا سؤال يتكرر على‬
‫كثير من المشايخ وأهل العلم‪ :‬بماذا تحصل صلة‬
‫الرحم؟ هل هي بالزيارة في السنة مرة‪ ،‬بالزيارة‬
‫مرتين‪ ،‬بالتصال بالهاتف‪ ،‬بالمكاتبة‪ ،‬ومن هم الذين‬
‫يوصلون؟‬
‫كل هذا يرجع إلى العرف‪ ،‬كل هذا ليس فيه حد‬
‫في الشرع ول هناك حد في اللغة‪ ،‬فالمرجع في‬
‫تحديد ذلك إلى العرف‪.‬‬
‫فالن هل هو من المتعارف عليه بين الناس في‬
‫صلة رحم ابن عمك أن تزوره كل صباح ومساء؟ ل‪،‬‬
‫ليس هذا من صلة الرحم الواجب‪ ،‬كونه إحسانا ً‪،‬‬
‫كونك بينك وبينه صلة هذا أمر آخر؛ لكن هل هو من‬
‫صلة الرحم الواجب؟ الجواب‪ :‬ل‪ .‬ابن العم قد‬
‫يكفي أن يراه النسان بين فترة وأخرى إما في‬
‫مناسبات أو اتصالت عند مرض أو عند مناسبة‬
‫ي ُسر فيها فتهنئه أو ما إلى ذلك‪.‬‬
‫يختلف الناس في ضبط ذلك حسب أعرافهم‬
‫وحسب بلدانهم‪.‬‬
‫إذا ً نرجع ونقول‪ :‬إن العرف يرجع إليه متى؟ إذا‬
‫لم يرد تحديد من الشرع‪ ،‬ولذلك قال المؤلف رحمه‬
‫الله‪:‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪112‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫حكم من الشرع‬ ‫والهعرف معمول‬
‫والبيع لم ُيحد‬
‫والكسب‬ ‫الشريف‬ ‫أمثلة ذلك‪ :‬القبض‬ ‫إذا ورد‬ ‫به‬
‫ومن‬
‫والنكاح ومسائل كثيرة كلها ترجع إلى‬
‫العرف‪.‬‬
‫لو ذهبت إلى رجل وقلت له‪ :‬زوجني ابنتك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أعطيتك بنتي‪ ،‬هل هذا قبول؟ نعم هذا قبول‪ ،‬وهو‬
‫ل؛ لنه ل بد من أن‬ ‫عند بعض الفقهاء ل يعد قبو ً‬
‫يكون العقد بألفاظ محددة‪.‬‬
‫القبض‪ ،‬قبض المبيع يختلف اختلفا ً شديدا ً‬
‫واختلفا ً كبيرا ً بين العراف وبين المقبوضات‪،‬‬
‫فقبض البيوت ليس كقبض السيارات‪ ،‬وقبض‬
‫المنقولت ليس كقبض العقارات‪ ،‬المهم أن المرجع‬
‫في كل هذا إلى العرف‪.‬‬
‫إذا لم يرد ضابط أو حد في الشرع فالمرجع إلى‬
‫العرف‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬إذا اضطرب العرف وهذا هو السؤال‬
‫المهم‪ ،‬إذا اضطرب العرف فما العمل؟ العرف‬
‫اضطرب‪ ،‬هؤلء لهم عادة وهؤلء لهم عادة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬يعمل بالعرف الخاص القريب‪ ،‬ولذلك‬
‫م أرجع‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وعلى آله وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫النبي َ‬
‫المستحاضة بالحيض إلى عادة نسائ‪،‬هاليس إل ٰى‬
‫عادة النساء على وجه العموم‪ ،‬إنما إلى عادة‬
‫النساء القريبات منها‪ ،‬وأيضا ً ذكر الفقهاء في‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫معرفة الولود في قول النبي َ‬
‫))تزوج الودود الولود(( )‪ (1‬كيف تعرف المرأة‬
‫‪ ()1‬سنن أبي داوود‪ :‬كتاب النكاح‪ ،‬باب النهي عن تزويج من لم يلد‬
‫من النساء‪ ،‬حديث رقم )‪.(2050‬‬
‫سنن النسائي‪ :‬كتاب النكاح‪ ،‬باب كراهية تزويج العقيم‪ ،‬حديث رقم‬
‫)‪.(3227‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪113‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫أنها ولود وهي لم تنجب؟ قيل‪ :‬ينظر إلى قريباتها‬
‫ونظيراتها‪ :‬إلى أمها إلى خالتها إلى أختها إلى‬
‫حواشيها القريبة‪.‬‬
‫فإذا اضطرب العرف فالمرجع إلى العرف الخاص‬
‫يعمل به‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫قد باء بالخسران‬ ‫معاجل المحظور‬
‫المبادرحرمانه‬
‫المسابق إلى‬ ‫ع‬
‫معاجل المحظور( م ْ‬ ‫قبل آنه‬‫)‬
‫المحظور‪ ،‬المحظور هو الممنوع‪) ،‬قبل آنه(‬
‫ه وإباحته‪) ،‬قد باء‬ ‫حل ّ ِ‬‫يعني قبل وقت ِ‬
‫بالخسران( وهو الثم‪) ،‬مع حرمانه( أي مع‬
‫حرمانه مما تعجله‪.‬‬
‫وهذا ما يشير إليه الفقهاء بقولهم‪ :‬من استعجل‬
‫شيئا ً قبل أوانه على وجه محرم عوقب‬
‫بحرمانه‪.‬‬
‫وهذا القيد مهم‪) :‬على وجه محرم( يغفله كثير‬
‫من المتكلمين في هذه القاعدة‪ ،‬من استعجل شيئاً‬
‫قبل أوانه على وجه محرم؛ لكن إذا استعجله على‬
‫وجه مباح هل يعاقب بحرمانه؟ الجواب‪ :‬ل يعاقب‬
‫بحرمانه؛ لكن من استعجله على وجه محرم فإنه‬
‫يعاقب بحرمانه‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬شخص قتل مورثه ليستعجل الرث‪،‬‬
‫ل‪ :‬الثم‪ ،‬باء بالخسران مع الحرمان‪،‬‬ ‫فما حكمه؟ أو ً‬
‫فإنه يمنع من الرث‪.‬‬
‫م‪)) :‬ل‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫ولذلك قال النبي َ‬
‫يرث القاتل شيئًا((؛)‪ (1‬لنه استعجل الشيء قبل‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪ ()1‬سنن أبي داوود‪ :‬كتاب الديات‪ ،‬باب ديات العضاء‪ ،‬حديث رقم‬
‫)‪.(4564‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪114‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫أوانه على وجه محرم‪.‬‬
‫وأمثلة هذا كثيرة‪.‬‬
‫هل هناك استعجال بشيء على وجه مباح ول‬
‫يحرم منه النسان؟ نعم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬من استعجل الزكاة‪ ،‬إنسان فقير وجاء‬
‫إلى غني وقال له‪ :‬أنت أنعم الله عليك وأنا عندي‬
‫ف عني هذا الدين أو أعطني هذا‬ ‫حاجة ملحة أو ِ‬
‫المبلغ حتى أقضي حاجتي واحتسبه من الزكاة‪.‬‬
‫هذا استعجال للشيء قبل أوانه أو ل؟ الزكاة ما‬
‫جاء وقتها بالنسبة إلىه ٰحذا التاجر‪ ،‬استعجال قبل‬
‫أوانه لكن هل عوقب بالحرمان؟ الجواب‪ :‬لم يعاقب‬
‫ل الزكاة؛ لن تعجيل‬ ‫ج َ‬
‫بالحرمان‪ ،‬لن للتاجر أن يَُع ّ‬
‫الزكاة يجوز للمصلحة‪ ،‬وهذا يفيدك في خروج مثل‬
‫هذه الصورة‪ ،‬القيد الذي زدناه في قولنا‪) :‬على‬
‫وجه محرم( فإذا استعجله على وجه مباح فإنه ل‬
‫يعاقب بالحرمان‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫أو شرطه فذو‬ ‫وإن أتى التحريم‬
‫وخلل‬
‫الفقهاء‪:‬‬ ‫العملقاعدة فساد‬
‫يذكرها‬ ‫هذا نفس‬
‫إشارة إلى‬ ‫في‬
‫وهي أنه إذا كان التحريم ‪-‬الوارد في‬
‫الكتاب أو في السنة‪ -‬عائدا ً إلى العبادة‬
‫نفسها أو شرطها فإنه يدل على فسادها‪.‬‬
‫إذا كان التحريم الذي في النص –في الكتاب أو‬
‫إل ٰى شرطها‬ ‫في السنة‪ -‬عائدا ً إلى العبادة نفسها أو‬

‫سنن الترمذي‪ :‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب ما جاء في إبطال ميراث‬


‫القاتل‪ ،‬حديث رقم )‪.(2109‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب الديات‪ ،‬باب القاتل ل يرث‪ ،‬حديث رقم )‬
‫‪.(2645‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪115‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫فإن ذلك يفيد فساد العبادة وتحريمها‪.‬‬
‫م‪)) :‬ل‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫مثال ذلك‪ :‬قول النبي َ‬
‫صلة بعد صلة العصر(( ‪ .‬هذا نهي أليس‬
‫)‪(1‬‬

‫كذلك؟ هذا نهي‪ ،‬إذا كان نهيًا‪ ،‬الن هل هو نهي عن‬


‫العبادة نفسها يعني عن الصلة أو عن شرطها؟‬
‫نهي عن الصلة نفسها‪ ،‬فهو داخل في قوله‪) :‬وإن‬
‫أتى التحريم في نفس العمل(‪.‬‬
‫الآن المنهي عنه المحرم هو نفس العمل‪ ،‬فما‬
‫حكم من صلى بعد صلة العصر أو بعد صلة الفجر‬
‫أو في وقت من أوقات النهي بدون سبب؟ صلته‬
‫فاسدة مع الثم‪.‬‬
‫فساده ٰحذا من حيث الحكم الوضعي‪ ،‬وخلل من‬
‫حيث الحكم الشرعي‪ ،‬فهو قد أتى محرمًا‪ ،‬فهو آثم‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫الن التحريم أتى في نفس العبادة‪ ،‬طيب إتيان‬
‫التحريم في شرطها‪ :‬استدبار الكعبة؛ لكن هل فيه‬
‫رمَ استدبار الكعبة؟ فيه نصوص أمرت‬ ‫نص حَ ّ‬
‫د‬
‫ج ِ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫شطَْر ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ه َ‬‫ج َ‬‫و ْ‬ ‫و ّ‬
‫ل َ‬ ‫باستقبال القبلة‪َ ﴿ :‬‬
‫ف َ‬
‫حَرام ﴾)‪ .(2‬فإذا استدبر الكعبة فقد أتى محرما ً‬ ‫ال ْ َ‬
‫ِ‬
‫وأخل بشرط من الشروط وهو استقبال القبلة‪،‬‬
‫فتكون عبادته فاسدة‪.‬‬
‫م‪)) :‬ل‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫مثال آخر‪ :‬قول النبي َ‬
‫يقبل الله صلة أحدكم إذا أحدث حتى‬

‫‪ ()1‬البخاري‪ :‬كتاب مواقيت الصلة‪ ،‬باب ل صلة بعد الفجر حتى‬


‫ترتفع الشمس‪ ،‬حديث رقم )‪.(581‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب صلة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب الوقات التي‬
‫نهي عن الصلة فيها‪ ،‬حديث رقم )‪.(827‬‬
‫‪ ()2‬سورة ‪ :‬البقرة )‪.(144‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪116‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫يتوضأ(()‪ .(1‬شخص صلى بدون وضوء‪ ،‬الن النهي‬
‫عن الصلة نفسها أو عن الصلة التي فقدت هذا‬
‫الشرط؟‬
‫الصلة التي فقدت هذا الشرط‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫فساد هذه العبادة‪.‬‬
‫شخص صلى وعليه ثوب حرير ما حكم صلته؟‬
‫فيه خلف؛ لكن الصحيح أن صلته صحيحة؛ طيب‬
‫هو ستر عورته التي يجب أن يسترها في الصلة‬
‫بهذا الثوب المحرم‪ ،‬هل صلته صحيحة؟ بعض‬
‫الفقهاء يقول‪ :‬ل‪ ،‬صلته ليست بصحيحة لنه لم‬
‫يحصل الشرط إل بمحرم فتفسد صلته؛ ولكن‬
‫الصحيح هو القول الثاني وهو أن صلته صحيحة؛‬
‫لن تحريم لبس الحرير هل هو لجل الصلة أو على‬
‫وجه العموم؟ على وجه العموم‪ ،‬فالجهة منفكة‪،‬‬
‫فلم يرد النهي عن شرط العبادة ذاتها ول عن نفس‬
‫العبادة‪ ،‬فل يفيد الفساد ول يفيد التحريم؛ ل يفيد‬
‫التحريم يعني تحريم هذه العبادة؛ لكن لبسه للحرير‬
‫محرم‪ ،‬وكذلك لو أنه توضأ بإناء من فضة أو بإناء‬
‫من ذهب هل وضوؤه صحيح؟ الجواب‪ :‬على‬
‫الصحيح وضوؤه صحيح ولكنه يأثم لستعماله هذا‬
‫المحرم؛ ولكن ما نقول إن وضوءه غير صحيح؛ لن‬
‫النهي عن استعمال آنية الذهب أو الفضة ليس‬
‫عائدًا‪ ،‬متعلقا ً بالصلة نفسها أو بشرطها المعين‬
‫إنما هو نهي عام‪)) :‬ل تأكلوا في آنية ذهب أو‬

‫‪ ()1‬البخاري‪ :‬كتاب الحيل‪ ،‬باب الحيل في الصلة‪ ،‬حديث رقم )‬


‫‪.(6954‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب وجوب الطهارة للصلة‪ ،‬حديث رقم‬
‫)‪.(224‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪117‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫)‪(1‬‬
‫فضة ول في صحافها((‪.‬‬
‫إذا ً القاعدة ملخصها لفظا ً أو نثراً أن يقال‪ :‬إذا عاد‬
‫النهي إلى العبادة نفسها أو إلى شرطها فإن ذلك‬
‫يفيد الفساد والتحريم‪.‬‬
‫يشكل على هذا النهي عن رفع البصر في الصلة‪،‬‬
‫لو أن إنسانا ً رفع بصره في الصلة‪ ،‬هذا منهي عنه‬
‫في العبادة ذاتها ليس مطلقا ً‪ ،‬ومع ذلك فإن‬
‫جماهير العلماء يرون صحة الصلة‪ ،‬وإن كان‬
‫الظاهرية يرون أن الصلة تبطل‪ ،‬والقول بالبطلن‬
‫له قوة؛ ولكن النسان قد ل يجرؤ على هذا القول‬
‫مع قول الجمهور‪.‬‬
‫كذلك القراءة في السجود والقراءة في الركوع‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫منهي عنها‪ ،‬قال النبي َ‬
‫))نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع وأنا‬
‫ساجد(()‪ .(2‬فلو أن إنسانا ً قرأ وهو راكع أو وهو‬
‫ساجد فما حكم صلته؟‬
‫فعل منهي ّا ً عنه في العبادة ذاتها‪ ،‬فهنا أيضا ً‬
‫اختلف العلماء على قسمين‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫بعد الدفاع بالتي‬ ‫ومتلف مؤذيه ليس‬
‫ونكمل إن‬ ‫أحسن‬ ‫القاعدة‬ ‫ي‬‫يضمننقف على ه ٰهذه ه ْ‬ ‫لعلنا‬
‫شاء الله تعال ٰى في الدرس القادم‪.‬‬
‫والله تعال ٰى أعلم‪ ،‬وصلى الله عليه وسلم على‬
‫نبينا محمد‪.‬‬
‫‪ ()1‬البخاري‪ :‬كتاب اللباس‪ ،‬باب لبس الحرير‪ ،‬حديث رقم )‬
‫‪.(5831‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب اللباس والزينة‪ ،‬باب تحريم استعمال إناء الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬حديث رقم )‪.(2067‬‬
‫‪ ()2‬مسلم‪ :‬كتاب الصلة‪ ،‬باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع‬
‫والسجود‪ ،‬حديث رقم )‪.(479‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪118‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫السؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ‪ ،‬هل المشي‬
‫إل ٰى الصلة والرجوع إل ٰى البيت يحتاج إل ٰى احتساب‬
‫حتى يؤجر عليه المسلم؟‬
‫الجوابالظاهر نعم يحتاج إل ٰى احتساب حتى‬ ‫‪:‬‬
‫يحصل كمال الجر‪ ،‬ومن لم يحتسب فل نقول إنه ل‬
‫يحصل له الجر؛ لكن ما يحصل له كما يحصل للذي‬
‫يحتسب‪.‬‬
‫فالحتساب في ه ٰحذه المور مما يثبت الجور‬
‫ويضاعفها ويزيدها؛ لن الجر يختلف‪ ،‬الجر قد‬
‫تكون حسنة؛ لكن حسنة ه ٰحذا عن حسنة ه ٰحذا بينهما‬
‫بون كبير‪.‬‬
‫ولذلك أذكر نفسي وإخواني بالحتساب‪ ،‬فكثيرا ً ما‬
‫تفوتنا الجور بالغفلة عن ه ٰحذا المر‪ ،‬أو تنقص‬
‫الجور بسبب الغفلة عن ه ٰحذا المر‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل مرجع المروءة إلى العرف أم إلى‬
‫الشرع؟‬
‫الجوابل إل ٰى العرف‪ ،‬وهناك ضابط في‬ ‫‪:‬‬
‫المروءة مهم‪ ،‬وما عداه فهو راجع إل ٰى العرف‪.‬‬
‫ده الشرع وهو أن ل يغشى‬ ‫الضابط المهم الذي ح ّ‬
‫كبيرة وأن ل يعرف برذيلة من ارتكاب محرم أو‬
‫ترك واجب‪ ،‬وما عدا ذلك فهو مأخوذ من العرف‪.‬‬
‫يعني مثل ً المشي حاسرا ً بدون غطاء للرأس ه ٰحذا‬
‫في بعض البلدان يعتبر عادي ّا ً جد ًّا؛ بل غطاء الرأس‬
‫هو المستغرب‪ ،‬وفي بعض البلدان الخرى يعتبر‬
‫ه ٰحذا من مخلت المروءة‪ ،‬ولذلك في السابق كانوا‬
‫يعدون الكل والشرب في المطاعم وفي السواق‬
‫من مخلت المروءة‪ ،‬الن الكل والشرب ليس من‬
‫مخلت المروءة‪ ،‬ما فيه إشكال أن الذي يمشي بين‬
‫الناس ومعه أكل لكن حتى الن مستهجن‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪119‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫ومستكره أما أن يكون مطعما ً ولو كان على حافة‬
‫الطريق فإنه ليس من مخلت المروءة في زماننا‬
‫ه ٰحذا‪ ،‬فهو يرجع إل ٰى العرف‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ه ٰحذا السائل يريد تعريفا ً للضمان‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬الضمان يطلق عدة إطلقات‪ ،‬يطلق‬
‫في ضمان المتلفات‪ ،‬ويطلق أيضا ً في الكفالة‪ ،‬فله‬
‫عدة إطلقات يضيق الوقت عنها‪.‬‬
‫وه ٰهذا سؤال عبر النترنت‪ :‬ما المقصود‬
‫بقولك يا شيخ‪ :‬إن الغرر تابع عند تمثيلك ببيع‬
‫المنزل؟‬
‫الجواب‪ :‬يسأل عن الغرر في أساسات البنايات‪،‬‬
‫كيف يكون غررا ً تابعًا‪ ،‬الن ه ٰحذا المنزل الذي تقدم‬
‫على شرائه منه قسم معلوم وهو ما يقع عليه‬
‫النظر؛ فإن ما يقع عليه النظر يمكن اختباره ويمكن‬
‫تجربته ومعرفة قوته من عدمها‪.‬‬
‫أما ما ل يقع عليه النظر من أساسات البنيان‬
‫فه ٰحذا تابع‪ ،‬ل يمكن أن تتحقق منه؛ لكن تسامح به‬
‫الشرع لكونه تابعًا‪.‬‬
‫ومن المشقة بمكان أن نكلف كل من أراد شراء‬
‫بيت أن يذهب يحفر وينظر أساسات البنيان هل هي‬
‫سليمة أو غير سليمة‪.‬‬
‫والشريعة تتسامح في الغرر في مثل هاتين‬
‫الصورتين‪ ،‬إذا كان تابعا ً يسيرًا‪ ،‬تلحق المشقة به‬
‫الناس‪ ...‬ه ٰحذه بعض الضوابط في الغرر الذي تجيزه‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫نكتفي بهذا‪ ،‬والله تعال ٰى أعلم وصلى الله وسلم‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪120‬‬


‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس الخامس‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬

‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫مٰ ِ‬


‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫بعد الدفاع بالتي‬ ‫ومتلف مؤذيه ليس‬
‫أحسن‬
‫ي الجمع‬ ‫ه ْ‬
‫في‬ ‫يضمن تفيد الكل‬ ‫و)أل(‬
‫كالعليمأو‬
‫والفرادالعموم‬‫تعطي‬ ‫في‬ ‫العموم‬ ‫في‬
‫والنكرات‬
‫النهييا‬
‫العموم‬ ‫سياق‬
‫كل‬ ‫النفيو)ما(‬‫سياق )مَن(‬
‫كذاك‬
‫فاسمعا‬
‫هديت‬ ‫ي‬
‫أخ ّ‬
‫فافهم‬ ‫تفيدان معا‬
‫المفرد إذ‬ ‫ومثله‬
‫يضاف‬‫الشروط‬‫الرشد ما‬ ‫كل‬ ‫يتم الحكم حتى‬ ‫يضهاف‬‫ول‬
‫ترتفعله‬
‫استحق ما‬‫ع‬
‫والموان ْ‬ ‫قد‬ ‫تجتمعأتى بما عليه‬ ‫ومن‬
‫العمل قد‬
‫وهي التي‬ ‫على‬ ‫ع‬
‫حكم دائر م ْ‬ ‫وكلعمل‬ ‫من‬
‫ه‬
‫شرعت ْ‬
‫والنكاح‬ ‫أوجبت ل‬
‫البيع‬ ‫في‬ ‫علتهْ شرط لزم‬ ‫وكل‬
‫والمقاصد‬
‫أو عكسه‬ ‫شروطا ً حللت‬ ‫للعاقهد‬
‫إل‬
‫حن‬‫فاعلما‬ ‫فباطلت‬
‫الله الرحم ٰ‬ ‫بسم‬ ‫محرمها‬
‫الرحيم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وأصلّي وأسلم على نبينا‬
‫محمد المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إل ٰى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فآخر ما قرأنا قول الناظم رحمه الله‪:‬‬
‫أو شرطه فذو‬ ‫وإن أتى التحريم‬
‫فساد وخلل‬ ‫العمل‬
‫رحمه الله‪:‬‬ ‫نفس‬ ‫فيقال‬‫ثم‬
‫بعد الدفاع بالتي‬ ‫ومتلف مؤذيه ليس‬
‫ي أحسن‬ ‫ه‬
‫التلفات‪ْ .‬‬ ‫يضمن القواعد في‬ ‫هذا من‬
‫التلف‪ :‬هو نوع إعدام‪.‬‬
‫يقول المؤلف رحمه الله‪) :‬ومتلف مؤذيه( أي‬
‫من أتلف شيئاً آذاه )ليس يضمن( يعني ل ضمان‬
‫عليه‪ ،‬وما الذي أسقط الضمان؟ العتداء من‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪122‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫المؤذي‪ ،‬فمتلف المؤذي ل ضمان عليه‪ ،‬خلفا ً‬
‫للصل في أن من أتلف شيئا ً فإنه يضمنه ‪.‬‬
‫المسقط لهذا الصل هو أن من آذى واعتدى فقد‬
‫سقط حقه باعتدائه وأذاه؛ لكن متى يكون هذا؟‬
‫يكون إذا دفع المعتدى عليه المعتدي بالتي هي‬
‫أحسن‪ .‬فل يبدأ بالأشد قبل الخف؛ فإن كان يمكن‬
‫دفعه بالأخف ودفعه بالشد فإنه ضامن‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬شخص اعتدى عليه صيد وهو محرم‪،‬‬
‫فدفعه بالقتل‪ ،‬هل يضمن هذا الصيد بالجزاء كسائر‬
‫الصيود في الحرم؟ الجواب‪ :‬ل يضمن‪ .‬لماذا ل‬
‫يضمن؟ لعتداء ه ٰحذا الصيد‪.‬‬
‫ثم ننظر في هذا العتداء‪ ،‬هل يمكن دفعه بما‬
‫دون القتل؟‬
‫فإن كان يمكن دفعه بما دون القتل فيكون‬
‫المتلف ضامنًا‪.‬‬
‫وإن كان ل يمكن دفعه بما دون القتل‪ ،‬فهنا‬
‫يسقط الضمان‪.‬‬
‫وهذا في كل متلِف وفي كل مؤذٍ‪ ،‬يعني سواء‬
‫أكان المؤذي آدمي ّا ً أو حيوانًا‪ ،‬فكل مؤذ يُدفع بالتي‬
‫هي أحسن؛ يُدفع بالخف فالخف‪ ،‬فإن لم يمكن‬
‫اندفاعه إل بالشد فإنه ينتقل إليه ول ضمان عليه‪.‬‬
‫ولذلك فلو أن شخصا ً صال عليك ‪-‬اعتدى عليك‪-‬‬
‫ودفعته بالقتل‪ ،‬هل تكون ضامنا ً؟ ما الجواب‪ :‬ل بد‬
‫من التفصيل‪ ،‬ننظر‪ :‬هل هذا العتداء يمكن دفعه‬
‫بما دون القتل‪ ،‬فإن كان يمكن دفعه بما دون‬
‫القتل‪ :‬كأن تهدده بالقتل‪ ،‬أو تضربه ضربة تمنع‬
‫اعتداءه ول تلحق به القتل‪ ،‬ففي هذه الحال يكون‬
‫ي عليه ظالما ً ومعتديا ً فيضمن؛‬ ‫القاتل الذي اعْتُدِ َ‬
‫لنه يمكن اندفاع ه ٰحذه الصيالة وه ٰحذا العتداء بما‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪123‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫دون القتل‪ ،‬فتنبه لهذا؛ أنه ل بد مما ذكر المؤلف‬
‫رحمه الله في إسقاط الضمان وهو أن يكون‬
‫المعتدى عليه قد تدرج في الدفع‪.‬‬
‫لكن في الحقيقة عند تطبيق هذه القاعدة يحصل‬
‫نوع عسر في هل يمكن دفعه أو ل‪.‬‬
‫لكن نحن نتكلم فيما يتعلق بما بين النسان وربه‪،‬‬
‫أما ما يتعلق بالحكم في المحكمة أو عند القاضي‬
‫فهذا أمر يرجع إلى نظر القاضي‪.‬‬
‫لكن النسان فيما بينه وبين الله عز وجل هل‬
‫يكون آثم ًا أو ل‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ل يوجد‬ ‫شخص اعتدى عليك‪ ،‬وجدته في بيتك لي ً‬
‫موجب لمجيئه‪ ،‬فلم يبقَ إل أن يكون سارقا ً أو‬
‫صاحب فساد‪.‬‬
‫فشخص لما رأى هذا الذي في بيته ليل ً أو نهارًا‪،‬‬
‫في وقت ل يأتي في مثله بادره بالقتل‪.‬‬
‫هل يكون معتديا ً؟ ننظر‪ :‬هل يمكن دفعه بما دون‬
‫القتل؟‬
‫قد يقول قائل‪ :‬نعم يمكن دفعه؛ لكن إذا كان هذا‬
‫الرجل مسلحا ً وشديد البأس‪ ،‬وتعلم أنك مهما‬
‫فعلت لم تتمكن من دفع شره فبادرته بالقتل‪ ،‬هل‬
‫يكون هذا مسقطا ً للضمان؟ الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هذا فيما‬
‫بينك وبين الله عز وجل يكون مسقطا ً للضمان‪.‬‬
‫أما في مجلس الحكم وعند القضاء فهناك نظر‬
‫آخر؛ لنه لو كان كل من ادعى هذا المر وأنه ل‬
‫يمكن دفعه إل بالقتل لتهوك الناس بالدماء وولغوا‬
‫في ه ٰحذا المر‪.‬‬
‫المهم نحن علينا بالقاعدة من حيث هي‪ ،‬أما من‬
‫حيث التطبيق فقد يقترن بالقاعدة أو بالقضية ما‬
‫يجعل القاعدة غير منطبقة‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪124‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫نرجع ونقول‪ :‬إن الضمان يسقط إذا كان النسان‬
‫قد اعتدى أو قد قتل أو أتلف لدفع الذى‪ .‬ه ٰحذا‬
‫واضح؟‬
‫يسقط كل شيء‪ ،‬كل ما يترتب على القتل‪.‬‬
‫إذا دفع النسان الأذى عنه بشيء‪.‬‬
‫• عندنا دفع الأذى الصادر من شخص‪.‬‬
‫• وعندنا دفع الذى الواقع على الشخص‬
‫بشيء‪.‬‬
‫عندنا مسألتان‪ :‬المسألة الولى هي التي تكلمنا‬
‫عليها‪ ،‬وهي دفع الذى الصادر عن الشخص‪ ،‬إما‬
‫بإتلف كلي أو بإتلف جزئي‪ ،‬فقلنا‪ :‬ل ضمان‪.‬‬
‫لكن لو أن شخصا ً دفع الذى عنه بإتلف شيء‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬عدا عليك سبع‪ ،‬صال عليك سبع‪،‬‬
‫وأنت في مكان فيه حيوان لغيرك‪ ،‬فيه شاة لغيرك‪،‬‬
‫فلما عدا عليك السبع أردت أن تتخلص منه فدفعت‬
‫الشاة –شاة جارك‪ -‬للسبع‪ ،‬فاشتغل بها السبع عنك‬
‫فنجوت‪ ،‬هل تضمن شاة جارك؟ تضمن؛ لنك الن‬
‫لم تدفع الذى الشد‪ ،‬لن الشاة لم يصدر منها‬
‫الذى إنما دفعت بها الذى‪ ،‬فما دفعت به الذى ل‬
‫يسقط به الضمان‪.‬‬
‫وأمثلة هذا كثيرة‪ ،‬هذا مثال يتّضح به الفرق بين‬
‫دفع الذى من الشيء ودفع الذى بالشيء‪ ،‬فدفع‬
‫الأذى من الشيء ل ضمان فيه‪ ،‬وأما دفع الذى فإنه‬
‫يكون به النسان ضامنًا‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله بعد أن فرغ من هذه القاعدة‪:‬‬
‫في الجمع‬ ‫و)أل( تفيد الكل‬
‫كالعليم‬ ‫والفراد‬
‫الله من‬ ‫العمومذكره المؤلف رحمه‬
‫فيأول بيت‬
‫هذا‬
‫القواعد الصولية‪.‬‬
‫كل ما مضى هو من القواعد الفقهية‪ ،‬وهذا أول‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 125‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫بيت ذكره رحمه الله وضمنه قاعدة أصولية‪.‬‬
‫فما الفرق بين القاعدة الصولية والقاعدة‬
‫الفقهية؟‬
‫تبين لنا من خلل ما تقدم أن القواعد الفقهية‬
‫يفهم منها الحكم على الفعل‪ ،‬أو يؤخذ منها الحكم‬
‫على الفعل أليس كذلك؟‬
‫)اليقين ل يزول بالشك( يستفاد منه حكم‪.‬‬
‫)المور بمقاصدها( يستفاد منها الحكم‪.‬‬
‫)العادة محكّمة( يستفاد منها حكم يتعلق بفعل‬
‫المكلف‪.‬‬
‫أما القواعد الصولية فإنه ل يستفاد منها أحكام‬
‫تتعلق بفعل المكلف‪.‬‬
‫هذا الفرق الول بين القواعد الصولية والقواعد‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫الن قول المؤلف‪:‬‬
‫في الجمع‬ ‫و)أل( تفيد الكل‬
‫كالعليممن‬ ‫العمومأن نستفيد منها حكمًا؟‬
‫والفرادهل نأخذ‬ ‫فينستطيع‬ ‫هل‬
‫ه ٰحذا حكمًا؟ ما نأخذ‪ ،‬بخلف ما لو قلنا‪) :‬المور‬
‫بمقاصدها( أخذنا منها حكما ً أو ل؟ نأخذ منها حكما ً‬
‫يتعلق بالمكلف‪ .‬هذا فرق‪.‬‬
‫فرق آخر بين القواعد الصولية والقواعد الفقهية‪:‬‬
‫أن القواعد الفقهية يستفاد منها الحكم والأسرار‬
‫في الشريعة‪ ،‬بخلف القواعد الصولية فإن القواعد‬
‫الصولية ل يستفاد منها ول يستنبط منها الحكم‬
‫والسرار في الشريعة‪ .‬هذا فارق آخر بين القواعد‬
‫الصولية والقواعد الفقهية‪.‬‬
‫وقد فصل العلماء في التفريق بين القواعد‬
‫ن هذان الفرقان‬ ‫الصولية والقواعد الفقهية‪ ،‬لك ْ‬
‫يكفيان‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 126‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ونضيف فرقا ً ثالثا ً للمناسبة‪ ،‬وهو‪ :‬أن القواعد‬
‫إل ٰى أمور لغوية‪ ،‬كما‬ ‫الصولية الغالب فيها أنها ترجع‬
‫سيتبين من القواعد التي ذكرها المؤلف رحمه الله‬
‫في النظم‪.‬‬
‫يقول رحمه الله‪) :‬و)أل( تفيد الكل في‬
‫العموم( )أل( يعني اللف واللم الداخلة على‬
‫أسماء الأجناس أو الوصاف‪ ،‬وقولنا‪) :‬الأوصاف(‬
‫نريد به ماذا؟ نريد به اسم الفاعل واسم المفعول‬
‫والصفة المشبهة‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬فح)أل( الداخلة‬
‫على أسماء الأجناس وعلى الوصاف )تفيد الكل‬
‫في العموم( أي تفيد العموم فيما دخلت عليه‪،‬‬
‫ولذلك قال‪) :‬في الجمع والفراد كالعليم(‬
‫يعني سواء كان الاسم الذي دخلت عليه جمع ًا أو‬
‫مفردا ً فإنها تفيد العموم في الموضعين‪.‬‬
‫واعلم أن العموم المستفاد من )أل( نوعان‪:‬‬
‫• فإن )أل( ترد ويراد بها استغراق أفراد‬
‫الجنس‪.‬‬
‫• وترد ويراد بها استغراق خصائص الفراد‪.‬‬
‫والفارق بين الثنين‪ :‬أن ما كان لستغراق الفراد‬
‫يصح أن تضع مكان )أل(‪) :‬كل(‪ ،‬يعني لو نزعت‬
‫اللف واللم ووضعت مكانها )كل( استقام المعنى‬
‫وصَلح الكلم‪.‬‬
‫َ‬
‫في‬ ‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬
‫لن َ‬ ‫فمثل ً قول الله جل وعل‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫نا ِ‬
‫ر )‪ (1)﴾(2‬في سورة العصر‪ ،‬الن اللف واللم‬ ‫س ٍ‬
‫خ ْ‬‫ُ‬
‫دخلت على اسم جنس‪ ،‬أليس كذلك؟ ماذا يفيد‬
‫ه ٰحذا المعنى؟ هل هو استغراق خصائص الفراد أو‬
‫استغراق أفراد الجنس؟ يفيد استغراق أفراد‬
‫الجنس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬العصر )‪.(2‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪127‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫دل بالألف واللم )كل(‪،‬‬ ‫وحتى يتبين لك ذلك أب ِ‬
‫وانظر هل يستقيم المعنى أو ل يستقيم‪ :‬إن كل‬
‫إنسان لفي خسر‪ .‬يصح المعنى؟ يصح المعنى‪،‬‬
‫فعلم بذلك أن اللف واللم هنا لستغراق أفراد‬
‫الجنس‪.‬‬
‫أما استغراق خصائص الفراد فذلك في مثل‬
‫أسماء الله عز وجل‪ ،‬مثل المؤلف هنا بقوله‪:‬‬
‫)كالعليم( فإن ه ٰحذا يفيد إثبات العلم بجميع أفراده‬
‫ه وَت ََعاَلى علم‬
‫حان َ ُ‬ ‫ه وَت ََعاَلى‪ ،‬فعلم الله ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫له ُ‬
‫سابق لوقوع الشياء‪ ،‬فهو علم بما كان‪ ،‬وعلم بما‬
‫يكون‪ ،‬وعلم بما سيكون‪ ،‬وعلم بما لم يكن لو كان‬
‫كيف كان يكون‪ .‬فهو علم يتعلق بالممكنات‬
‫وبالواجبات وبالممتنعات‪ ،‬ولذلك كانت هذه الصفة‬
‫من أوسع الوصاف‪ ،‬فإن علم الله عز وجل يتعلق‬
‫بكل شيء‪ .‬وأدلةه ٰحذا كثيرة في كتاب الله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫فإذا قلنا بوصف الله جل وعل العليم فإننا نثبت له‬
‫كل خصائص هذا السم بجميع المعاني التي تندرج‬
‫تحت هذا السم‪ ،‬وهذا مثال لاستغراق )أل( وإفادتها‬
‫العموم‪.‬‬
‫والمؤلف رحمه الله أطال في ذكر المثلة‬
‫إل ٰى أهمية اعتبار ه ٰحذا في‬ ‫والستشهاد بذلك‪ ،‬ونبه‬
‫أسماء الله عز وجل وصفاته؛ لن به يحصل تمام‬
‫اليمان بالسماء والصفات‪ ،‬فمن أدرك ما تفيده‬
‫)أل( الداخلة على أسماء الله عز وجل أفاده ذلك‬
‫علما ً راسخا ً بالرب جل وعل‪.‬‬
‫ولذلك المؤلف رحمه الله يقول في شرحه‪ :‬ولو‬
‫لم يكن في هذه القاعدة إل هذا الموضع الشريف‬
‫لكفى به شرفا ً وعظمة‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪128‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫لماذا؟ لدللته على ما يتعلق بالرب جل وعل‪ ،‬وهو‬
‫أعظم معلوم‪ ،‬فإن أعظم العلوم ما كان متعلقا ً‬
‫بالله جل وعل؛ لنه أصل العلوم‪ ،‬وعنه تنبثق كل‬
‫المعارف‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله في ذكر صيغة أخرى من صيغ‬
‫العموم ‪ -‬الصيغة الولى هي دخول اللف واللم‬
‫التي تفيد الستغراق بنوعيه‪ -‬والصيغة الثانية التي‬
‫ذكرها رحمه الله في قوله‪:‬‬
‫تعطي العموم أو‬ ‫والنكرات في‬
‫النهي‬
‫الله‬ ‫سياق‬
‫رحمهم‬ ‫النفينذكر أن العلماء‬
‫سياقفاتنا أن‬
‫ونحن‬
‫استقرؤوا اللغة واستخلصوا أن العموم في اللغة له‬
‫صيغ محددة‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬وهو إما عموم لفظي‪ ،‬وذلك‬
‫بذكر ما يدل على العموم لفظا ً‪ ،‬مثل قولك‪ :‬جاء‬
‫الطلب عامة‪ ،‬هذا يفيد العموم أو ل يفيد العموم ؟‬
‫يفيد العموم؛ لكن إفادته العموم هل هو بصيغة‬
‫محددة أو بلفظ العموم؟ بلفظ العموم‪.‬‬
‫القسم الثاني من أقسام العموم‪ :‬هو ما كان‬
‫العموم مستفاد ًا من صيغته‪ :‬إما بذاتها أو بما يقترن‬
‫بها‪) ،‬أل( تفيد العموم وهي من صيغ العموم‪ ،‬كذلك‬
‫النكرات؛ لكن ليس كل نكرة تفيد العموم‪ ،‬النكرة‬
‫إذا جاءت في سياق معين أفادت العموم‪.‬‬
‫نقرأ كلم المؤلف يقول رحمه الله‪) :‬والنكرات‬
‫في سياق النفي(‪.‬‬
‫أول ً )النكرات( جمع نكرة‪ ،‬وما هي النكرة؟‬
‫النكرة هو ما شاع في جنسٍ موجود أو مقدّر من‬
‫دون تحديد‪ ،‬فيكون اللفظ صادقا ً على واحد فأكثر‬
‫دون تعيين‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬تقول‪ :‬جاء رجل‪) .‬رجل( هذا جنس‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 129‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫أليس كذلك؟ يصدق على جنس من الرجال‪ ،‬هل‬
‫يراد به شخص معين؟ هل تفهم من السياق أن‬
‫ن واحدا ً من هذا‬‫شخص ًا معينا ً جاء؟ ل‪ ،‬تفهم أ ّ‬
‫الجنس؛ لكن من غير تعيين قد جاء‪ ،‬هذا هو النكرة‪،‬‬
‫ويقابله في كلم العرب المعرفة‪.‬‬
‫يقول رحمه الله‪) :‬والنكرات في سياق‬
‫النفي( يعني إذا جاءت في كلم مسوق للنفي‬
‫فإنها تفيد العموم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬تقول‪ :‬ل رجل في الدار‪ .‬الن طبق‬
‫القاعدة‪) :‬ل( نافية أليس كذلك؟‪ ،‬و)رجل( نكرة في‬
‫سياق النفي فأفادت العموم‪ ،‬أفادت عموم النفي‪،‬‬
‫ما فيه رجل في الدار‪ ،‬ل يوجد في الدار من يصدق‬
‫عليه ه ٰحذا الوصف‪.‬‬
‫ومن ذلك قولك‪) :‬ل حول ول قوة إل بالله(‪،‬‬
‫)حول( نكرة‪ ،‬و)قوة( نكرة في سياق النفي‪ ،‬فتفيد‬
‫أنه ل تحول من حال إلى حال ول قوة على هذا‬
‫التحول إل بالله عز وجل‪ ،‬هذا معنى قولنا‪) :‬ل حول‬
‫ول قوة إل بالله( فأنت تنفي التحول من حال إلى‬
‫حال‪ ،‬وتنفي القوة على ذلك إل بعون من الله جل‬
‫وعل‪ ،‬ومدد وقدرة‪ ،‬واضح يا إخوان‪.‬‬
‫كذلك )لإل ٰحه إل الله( هذه الكلمة التي هي مفتاح‬
‫الجنة فيها نفي وفيها نكرة في سياق النفي‪) :‬ل‬
‫إل ٰحه( أي ل معبود بحق إل الله جل وعل‪ ،‬فح)إل ٰحه(‬
‫نكرة في سياق النفي فتعم كل مألوه وكل معبود‪.‬‬
‫وأجر هذه قاعدة تجدها مفيدة في كثير من‬
‫المواضع‪.‬‬
‫إذا ً هذا أول ما ذكر من النكرات في سياق النفي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قال‪) :‬أو سياق النهي(؛ يعني النكرة‬
‫الواردة في سياق النهي‪ ،‬كذلك تفيد العموم‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪130‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫فإذا قلت‪ :‬ل تعطِ طالبا ً كتابا ً‪ .‬هذا نهي أو نفي؟‬
‫نهي‪ ،‬فلو أنك أعطيت واحدا ً منهم كتابًا‪ .‬هل تكون‬
‫امتثلت؟ ما امتثلت‪ ،‬طيب أعطيت واحدا ً كتاب‬
‫التوحيد‪ ،‬هل تكون امتثلت؟ ما امتثلت؛ لن قوله‪:‬‬
‫)ل تعطِ طالبا ً( هذا يصدق على كل طالب‪ ،‬و)كتابا ً(‬
‫يصدق على كل كتاب‪ ،‬فأنت منهي عن إعطاء أي‬
‫طالب أي كتاب‪ ،‬هذا معنى قوله رحمه الله‪:‬‬
‫تعطي العموم‬ ‫والنكرات في‬
‫‪................‬‬‫العموم في المعنى‬ ‫النفي‬ ‫سياقتفيد‬‫يعني‬
‫‪ .............‬أو‬ ‫‪.......................‬‬
‫فل‬ ‫النهي‪َ ﴿ :‬‬
‫سياق تعال ٰى‬
‫قول الله‬ ‫آخر من أمثلة النهي‬ ‫‪.........‬‬
‫مثال‬
‫َ‬
‫دا )‪ ،﴾(18‬هذا مثال للنهي‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ح ً‬
‫هأ َ‬‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عوا َ‬
‫ت َدْ ُ‬
‫دا﴾ يصدق على كل أحد‪ :‬ملك‪ ،‬نبي‪،‬‬ ‫َ‬
‫ح ً‬‫فقوله‪﴿ :‬أ َ‬
‫ولي‪ ،‬شجر‪ ،‬حجر‪ ،‬كل ذلك مما نُهي عن صرف‬
‫العبادة له‪.‬‬
‫واعلم أن الدعاء المنهي عنه هو دعاء المسألة‬
‫ودعاء العبادة‪ .‬وهذا اجعله قاعدة عندك‪ :‬كل ما نهى‬
‫الله عنه في الكتاب من دعاء غيره فإنه نهي عن‬
‫دعاء العبادة المتضمّن لدعاء المسألة‪ ،‬وأظنكم‬
‫على علم بالفرق بين دعاء العبادة ودعاء المسألة‪.‬‬
‫الصلة دعاء عبادة‪ ،‬طلب العلم عبادة‪.‬‬
‫))تبسمك في وجه أخيك صدقة(( قاله‬
‫)‪(2‬‬

‫م‪ ،‬هو دعاء مسألة‬ ‫سل ّ َ‬


‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫رسول الله َ‬
‫أو دعاء عبادة؟ كيف يكون دعاء عبادة؟ ه ٰحذا من‬
‫جهة العبادة‪ ،‬لكن أريد كيف يصدق عليه أنه دعاء؟‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الجن )‪.(18‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سنن الترمذي‪ :‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب ما جححاء فححي صححنائع‬
‫المعروف‪ ،‬حديث رقم )‪ .(1956‬قال الشيخ اللباني‪ :‬صحححيح‪.‬‬
‫وفي الصحيحة برقم )‪.(572‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪131‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫الصلة كيف يصدق عليها أنها دعاء؟ أنت لماذا‬
‫تصلي؟ لمجرد المر أو للأمر والرغبة في الأجر؟‬
‫للمر والرغبة في الجر‪ ،‬كل من صلى وكل من‬
‫تعبد إنما يتعبد يطلب من الله الجر‪ ،‬والطلب هو‬
‫الدعاء‪ .‬وهذا معنى دعاء العبادة؛ لن كل من تعبد‬
‫فهو يسأل شيئا ً يسأل الجنة ويستعيذ بالله من‬
‫النار‪.‬‬
‫نرجع إل ٰى ما نحن فيه‪ ،‬قال رحمه الله‪:‬‬
‫كل العموم يا‬ ‫كذاك )من( و)ما(‬
‫ي فاسمعا‬ ‫من صيغ العموم‪.‬أخ ّ‬ ‫أيضامعا‬‫تفيدان ً‬ ‫ه ٰحذا‬
‫قوله‪) :‬كذاك )مَن(( يحتمل أن )من( هنا‬
‫الشرطية ويحتمل أن )من( هنا الموصولة‪ ،‬وكلتاهما‬
‫من( الموصولة‬ ‫تفيد العموم‪ ،‬فإن )مَن( الشرطية و) َ‬
‫تفيدان العموم‪ ،‬وهذا في كل أدوات الشرط وفي‬
‫كل الأسماء الموصولة‪ ،‬فإنها من صيغ العموم‪.‬‬
‫وأدلة هذا كثيرة في الكتاب والسنة‪ ،‬فقوله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫من‬ ‫قيل ً )‪َ ﴿ ،﴾(122‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ه ِ‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صدَقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬ ‫﴿ َ‬
‫ها﴾‪ (2)،‬اليات في هذا‬ ‫من ْ َ‬‫خي ٌْر ّ‬‫ه َ‬ ‫فل َ ُ‬
‫ة َ‬ ‫سن َ ِ‬
‫ح َ‬ ‫جاء ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫كثيرة‪ ،‬وإذا أعملها النسان وجد صحة هذه القاعدة‪،‬‬
‫ض﴾‬ ‫َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬
‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬
‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫مٰ َ‬
‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬
‫)‪(3‬‬
‫َ﴿‬
‫يصدق على كل ما في السماوات وما في الرض‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫فافهم هديت‬ ‫ومثله المفرد إذ‬
‫يضاف‬
‫تقدم‬ ‫مثل ما‬‫الرشد ما‬
‫يضهاف( يعني في إفادة العموم‪،‬‬ ‫)ومثله‬
‫يعود إل ٰى‬ ‫من الصيغ‪ ،‬فالضمير في قوله‪) :‬ومثله(‬
‫ما تقدم من الصيغ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النساء )‪.(122‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النمل )‪.(89‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النجم )‪.(31‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪132‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫د( والمراد بالمفرد‪ :‬ما يقابل الجمع‪ ،‬وهو‬ ‫)المفر ُ‬
‫ما دل على الوَحدة‪) ،‬إذ يضهاف( أي في حال‬
‫إضافته‪.‬‬
‫والمثال الظاهر المتكرر في كلم أهل العلم قول‬
‫ها﴾‪،‬‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه ل َ تُ ْ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ع َ‬‫دوا ن ِ ْ‬ ‫ع ّ‬‫وِإن ت َ ُ‬ ‫الله تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬
‫ة‬
‫م َ‬‫ع َ‬ ‫دوا ن ِ ْ‬ ‫ع ّ‬‫وِإن ت َ ُ‬ ‫وجه التفريد؟ أين المفرد ﴿ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫ه﴾ إلى ماذا أضيف؟‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬‫ها﴾؟ ﴿ن ِ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الل ّ ِ‬


‫ه ل َ تُ ْ‬
‫إلى الله‪ ،‬فأفاد ماذا؟ أفاد العموم‪ ،‬أي‪ :‬وإن تعدوا‬
‫كل نعمة لله عز وجل ل تحصوها‪ ،‬فنحن ل نحصي‬
‫نعم الله علينا ل في الجناس ول في النواع ول في‬
‫الفراد‪.‬‬
‫ث )‪.﴾(11‬‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫م ِ‬‫ع َ‬ ‫ما ب ِن ِ ْ‬ ‫وأ ّ‬ ‫قوله تعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪ (2‬هل هذا فقط في نعمة المال؟ في أي أنواع‬
‫النعم؟ يصدق كل نعمة يتحدث بها النسان؟ المفرد‬
‫مضافإل ٰى )ربك( فيصدق على كل‬ ‫ة‬ ‫)نعمة( وهي‬
‫نعمة‪ ،‬كل نعمة يتحدث بها النسان إذا كان ذلك ل‬
‫مفسدة فيه‪ ،‬فيصدق على جميع النعم الظاهرة‬
‫والباطنة الدينية والدنيوية‪ ،‬كل ذلك داخل في قوله‬
‫ث )‪.﴾(11‬‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ف َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع َ‬‫ما ب ِن ِ ْ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫وه ٰحذا العموم المستفاد من الضافة ليس خاصّا ً‬
‫بالمفرد؛ بل حتى الجمع فإنه إذا أضيف أفاد‬
‫العموم‪ ،‬ولكن ذكر المؤلف رحمه الله المفرد‬
‫لشتهار ذلك فيه‪ ،‬وإل فإن الجمع أيضا ً إذا أضيف‬
‫أفاد العموم‪.‬‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صيك ُ ُ‬ ‫مثال الجمع المضاف من القرآن‪ُ﴿ :‬يو ِ‬

‫دوا ْ‬
‫)( سورة ‪ :‬النحححل )‪ .(18‬وأيض حا ً بالتححاء المفتوحححة ﴿وَِإن ت َعُح ّ‬ ‫‪1‬‬

‫ها﴾]إبراهيم‪.[34:‬‬ ‫صو َ‬ ‫ت الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬


‫ح ُ‬ ‫م َ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الضحى )‪.(11‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪133‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫َ‬
‫م﴾)‪) .(1‬أولد( جمع مضاف فيشمل كل‬ ‫ول َِدك ُ ْ‬ ‫في أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ولد‪.‬‬
‫م‪)) :‬اتقوا‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬‫ومنه قول النبي َ‬
‫الله واعدلوا بين أولدكم((‪ .‬جعل بعض‬
‫)‪(2‬‬

‫ما ً في الولد سواء كانوا الولد‬ ‫العلماء هذا النص عا ّ‬


‫من الصلب أو الولد من الذرية‪ ،‬يعني فأدخلوا ولد‬
‫الولد‪ ،‬فجعلوا من الواجب على الجد أن يعدل في‬
‫ولد ولده‪.‬‬
‫قوله تعال ٰى‪َ َ ﴿ :‬‬ ‫ومن ذلك أيضا ً‬
‫ما‬‫ي آلء َرب ّك ُ َ‬ ‫فب ِأ ّ‬
‫ن﴾)‪ .(3‬فهذا يشمل كل آلء الله عز وجل؛ لنه‬ ‫ت ُك َذَّبا ِ‬
‫جمع أضيف‪ ،‬والمثلة والشواهد على هذا كثيرة‪.‬‬
‫وبهذا البيت يكون قد انتهى وفرغ من ذكر صيغ‬
‫العموم‪ ،‬وهي من المواضع المهمة في أصول‬
‫الفقه؛ يعني من أهم وأبرز مباحث أصول الفقه‬
‫مسألة دللت اللفاظ والعموم‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬
‫كل الشروط‬ ‫ول يتم الحكم حتى‬
‫ترتفع‬
‫حكم‪،‬‬ ‫عكل‬ ‫والموان‬
‫يشمل ْ‬ ‫يتم الحكم( الحكم هنا‬ ‫تجتمع‬‫)ول‬
‫من أين أخذنا الشمول؟ يقول‪) :‬ول يتم الحكم‬
‫حتى تجتمع( قلنا‪ :‬هذا يشمل كل حكم‪ .‬من أين‬
‫أخذنا العموم؟ من اللف واللم‪.‬‬
‫هذا من ثمرات القاعدة المتقدمة‪.‬‬
‫)ل يتم الحكم( يعني في جميع الحكام‪ ،‬سواء‬
‫كانت الحكام في أصول الدين أو في فروعه‪ ،‬في‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬النساء )‪.(11‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أورده الشححيخ اللبححاني فححي السلسححلة الصحححيحة برقححم )‬
‫‪ ،(3946‬وأصله في صحححيح مسححلم وسححنن أبححي داوود وأحمححد‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الرحم ٰحن )في ‪ 31‬موضعًا(‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪134‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫العقائد أو في الفقهيات‪ ،‬ل يتم الحكم؛ أي ل يثبت‬
‫ول يستقر حتى تجتمع كل الشروط والموانع ترتفع‪.‬‬
‫فعرفنا أن الحكم على شيء معين ل بد فيه من‬
‫أمرين‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬توافر الشروط‪ ،‬وتوافر الشروط‬
‫يعني اكتمالها‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬انتفاء الموانع؛ أي الموانع التي‬
‫تمنع ثبوت الحكم‪.‬‬
‫فمثلً‪ :‬في الميراث إذا توفي شخص عن أولده‪،‬‬
‫إذا أردنا أن نثبت حكم الميراث لهؤلء‪ ،‬إذا أردنا أن‬
‫نورثهم‪ ،‬ماذا ننظر؟ ننظر إلى الشروط‪ ،‬هل شروط‬
‫الرث موجودة؟ إذا كانت موجودة‪ .‬هل قام مانع‬
‫يمنع التوريث من قتل أو غيره مما يمنع من الرث؟‬
‫فإذا لم يكن هناك موانع وتوافرت الشروط أثبتنا‬
‫الحكم وورثناهم‪.‬‬
‫هذا في الفقهيات‪.‬‬
‫وفي العقائد أيضا ً نحتاج إلى النظر إلى توافر‬
‫الشروط وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫فمثل ً قول أهل العلم‪ :‬من قال‪ :‬إن الله في كل‬
‫مكان‪ .‬فهو كافر‪ .‬هذا ما عليه أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫أن الذي يعتقد أن الله ليس في السماء وأنه في‬
‫كل مكان فهو كافر‪.‬‬
‫هذا من الجمل التي تجدونها في كلم أئمة‬
‫السلف‪ ،‬وأهل العلم قديما ً وحديثا ً‪.‬‬
‫هل يعني هذا أن كل شخص علمنا عنه أنه يقول‪:‬‬
‫إن الله في كل مكان فهو كافر؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل بد من توفّر الشروط في هذا‬
‫المعين‪ ،‬وانتفاء الموانع في هذا المعين‪ ،‬حتى يُحكم‬
‫عليه بالكفر‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪135‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ولذلك ينبغي التفريق بين الحكم العام المطلق‬
‫وبين الحكم الخاص المقيد المعين‪ ،‬ففرق بين‬
‫الحكم المطلق وبين الحكم على المعين‪ ،‬وهذه من‬
‫المسائل الكبار التي يحتاجها النسان في أصول‬
‫الدين ومسائل العتقاد ويحتاجها أيضا ً في الفروع‬
‫والفقهيات على حدّ سواء‪ ،‬فل تثبت الحكم في‬
‫مسألة من المسائل أو في شخص من الشخاص‬
‫حتى تنظر إلى الشروط والموانع‪.‬‬
‫فإذا كانت الشروط قد توافرت والموانع قد‬
‫انتفت‪ ،‬فأثبت الحكم‪ ،‬وإل فل تثبته؛ أي ل تثبته‬
‫بالنسبة للمعين أو للقضية المعينة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫قد استحق ما له‬ ‫ومن أتى بما عليه‬
‫من( من‬‫العمل‬
‫عمل( )‬‫أتى بما عليه منعلى‬ ‫عمل‬ ‫ومن‬‫)من‬
‫ألفاظ العموم‪ ،‬من صيغ العموم‪) ،‬من أتى بما‬
‫عليه من عمل( يعني بما طلب منه من العمل‪،‬‬
‫و)العمل( هنا يشمل عمل الدنيا وعمل الخرة‪) ،‬قد‬
‫استحق ما له على العمل(‪ ،‬يعني استحق الذي‬
‫رتب له على هذا العمل‪ ،‬وذلك في عمل الدنيا‬ ‫ّ‬
‫وعمل الخرة‪ ،‬ول فرق‪.‬‬
‫وهذه القاعدة صحيحة‪.‬‬
‫فإذا أخل بما عليه من العمل أو قصر‪ ،‬فإن كان‬
‫الخلل كلي ّا ً ذهب ما له من الجر أو ما رتب على‬
‫هذا العمل‪ ،‬وإن كان الخلل جزئي ّا ً نقص بقدر ذلك‪.‬‬
‫أما في حق المخلوق فإنه إذا لم يأتِ بما له من‬
‫ن الجرة مرتبة على‬ ‫العمل فإنه ل يستحق الجر؛ ل ّ‬
‫ما ً كام ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫العمل تا ّ‬
‫وأما في حق الله عز وجل فإن الله عز وجل ل‬
‫يضيع عمل عامل؛ بل يعطي الكثير على القليل‪،‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 136‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ويجزي على العمل اليسير العطاء الجزيل‪ ،‬ل يضيع‬
‫عند الله جل وعل شيء‪.‬‬
‫وما ذكر في المطبوع من تعليق على هذه‬
‫القاعدة ليس مطابقًا؛ لأن الكلم في شرح هذا‬
‫البيت عن بيت آخر‪ ،‬عن مسائل الضمان‪.‬‬
‫ولذلك في الطبعة الجديدة إن شاء الله تعالى –‬
‫ستخرج طبعة جديدة محققة‪ -‬جرى التنبيه على ه ٰحذا‬
‫الخطأ من الطابع‪ ،‬وأيضا ً أثبت شرح ه ٰحذا البيت من‬
‫كلم الشيخ رحمه الله‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫هي التي قد‬ ‫و ْ‬ ‫ع‬
‫وكل حكم دائر م ْ‬
‫شرعتهمع‬ ‫علته حكم( أي من الحكامأوجبت ل‬
‫الشرعية )دائر‬ ‫)كل‬
‫علته( أي إنه مرتبط بعلته‪ ،‬فإذا ثبتت العلة ثبت‬
‫الحكم‪ ،‬وإذا انتفت العلة انتفى الحكم‪.‬‬
‫واعلم أن العلة إما أن تكون منصوصة وإما أن‬
‫تكون مستنبطة‪.‬‬
‫فإذا كانت العلة منصوصة فالمر واضح‪.‬‬
‫وإن كانت مستنبطة فمن قال بها أثبت الحكم‬
‫بثبوتها‪ ،‬ومن لم يقل بها لم يربط الحكم بهذه العلة‪،‬‬
‫لكن في العلل المنصوصة أو العلل المستنبطة‬
‫عندما يقول بها فإنه يجعل الحكم مرتبطا ً بالعلة‪،‬‬
‫فإذا ثبتت العلة ثبت الحكم‪.‬‬
‫واعلم أن العلة تؤثر في الحكم من حيث ثبوته‬
‫ما‪ ،‬ومن حيث قوته وضعفه‪.‬‬ ‫وجود ًا وعد ً‬
‫ما‪ ،‬وقوةً‬‫فالحكم مرتبط بالعلة‪ :‬وجود ًا وعد ً‬
‫وضعفا ً‪.‬‬
‫وهذه المسألة مهمة؛ الخيرة ارتباط الحكم بالعلة‬
‫قوةً وضعفا ً يغفل عنها كثير من الناس‪.‬‬
‫فمثل ً العلة في تحريم الغرر ما هي؟ هي ما‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 137‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫يترتب على هذا العقد من المخاطرة التي يكون‬
‫النسان فيها إما غانما ً وإما غارمًا‪ ،‬وما يترتب على‬
‫ذلك من الحسرة والتنافر بين المسلمين‪.‬‬
‫نضرب مثال ً أدقمن ه ٰحذا وأوضح‪ :‬نهي النبي‬
‫م الرجل عن أن يبيع على بيع‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫َ‬
‫أخيه‪ ،‬ما علته؟‬
‫ما علة هذا النهي؟ ما يقوم بسببه من العداوة‬
‫والبغضاء بين المسلمين‪.‬‬
‫طيب هذا الحكم يثبت بثبوت العلة‪ ،‬فكل ما كان‬
‫سببا ً للعداوة والبغضاء بين المؤمنين فإنه يحرم‪،‬‬
‫فالسوم على سوم أخيك يحرم‪ ،‬وقد جاء به النص‪.‬‬
‫التأجير على تأجير أخيك‪ ،‬هل فيه نص؟ نهى‬
‫م أن يؤجر الرجل على‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬ ‫النبي َ‬
‫إجارة أخيه؟ ما فيه نص؛ لكن العلة موجودة أو‬
‫ليست موجودة؟ إذا كانت موجودة فالحكم ثابت‪،‬‬
‫فالحكم يثبت في كل ما وجدت فيه العلة‪ ،‬هذا من‬
‫حيث الحكم وجودا ً وعدماً‪.‬‬
‫وارتباطه بعلته قوةً وضعفا ً؟‬
‫مثال ذلك‪ :‬لو أن رجل ًا باع على بيع أبيه؟ التحريم‬
‫أشد أو ليس أشد؟ أشد‪ ،‬ما وجه الشدة؟ أن حق‬
‫الب والتنافر الذي يحصل أعظم من التنافر بين‬
‫المسلم والمسلم الجنبي‪ ،‬فهنا يكون التحريم‬
‫أغلظ‪ ،‬وهذا معنى قولنا‪) :‬الحكم يدور مع علته‬
‫فكلما كانت العلة موجودة بشكل‬ ‫ّ‬ ‫قوةً وضعفا ً(‪.‬‬
‫أكبر كان الحكم أثبت‪.‬‬
‫وهذا في هذه المسألة وفي غيرها‪.‬‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪:‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬ ‫مثل ً‪ :‬قول النبي َ‬
‫))المؤمن القوي خير من المؤمن‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪138‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫الضعيف((‪ (1).‬هذا حكم أو ليس حكما ً؟ حكم‪ ،‬ما‬
‫م الخيرية‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫علق عليه النبي َ‬ ‫الذي ّ‬
‫في هذا الحديث؟ ))المؤمن القوي خير من‬
‫المؤمن الضعيف((؟ ما هو الوصف المؤثر؟ قوة‬
‫اليمان؛ فكلما كان الإنسان متصف ًا باليمان أكثر‬
‫من غيره كانت خيريته أكثر‪.‬‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قول الله تعال ٰى‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫طيب‬
‫عيم ٍ )‪ .(2)﴾(17‬هذا حكم أخروي يصدق على كل‬ ‫ون َ ِ‬
‫َ‬
‫من اتصف بالتقوى‪ ،‬لكن هل المتصفون بالتقوى‬
‫على درجة واحدة؟ مختلفون في درجة التقوى‪،‬‬
‫فكلما كان النسان أقوى وأعظم تقوى كان نصيبه‬
‫من التنعيم في الجنات وحصول النعيم أعظم‪.‬‬
‫وه ٰحذه اتركها معك على طول الخط في مسائل‬
‫الحكام الشرعية الدنيوية الفقهية والصولية‬
‫والحكام الخروية ‪ ،‬فكلما اتصف النسان وقوي به‬
‫ب عليه الحكم كان ذلك دالا ّ على‬ ‫الوصف الذي ُرّت َ‬
‫ثبوت الحكم في حقه أكثر من غيره‪.‬‬
‫فإن الحكم يرتبط بعلته أو يدور مع علته وجودا ً‬
‫وعدما ً وهذا معروف ومتكرر‪ ،‬ويبقى الجزء الثاني‬
‫من القاعدة وهو الذي يغفل عنه كثير من الناس ما‬
‫هو؟ قوةً وضعًفا؛ وهذا يدور أيضا ً مع علته قوةً‬
‫وضعًفا‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪) :‬وهي التي قد أوجبت‬
‫لشرعته( هذا تعريف العلة‪ ،‬يعني أن العلة هي‬
‫التي أوجبت تشريعه ٰحذا الحكم‪ ،‬فالعلة التي أوجبت‬
‫تشريعه ٰحذا الحكم هي التي يرتبط بها الحكم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( مسلم‪ :‬كتاب القدر‪ ،‬باب فححي المححر بححالقوة وتححرك العجححز‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(2664‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الطور )‪.(17‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪139‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ثم قال المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫في البيع والنكاح‬ ‫وكل شرط لزم‬
‫والمقاصد‬
‫أو عكسه‬ ‫شروطا ً حللت‬ ‫للعاقهد‬‫إل‬
‫فباطلت فاعلما‬ ‫سقط من النسخة عندي‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫محرمها‬
‫ه ٰحذا‬
‫إن شق فع ُ‬
‫ل‬ ‫ويفعل البعض من‬
‫دليله قول‬‫مأمور‬ ‫هذا‬ ‫سائر( ال‬
‫ر البعض من المأمور‬ ‫)المأمو‬
‫ويفعلِ‬
‫م﴾)‪.(1‬‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫ه َ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬
‫اللتعال ٰى‪َ ﴿ :‬‬ ‫ه‬
‫إنسان عجز عن جميع ما أمر به‪ ،‬فما الواجب‬
‫قوا‬‫فات ّ ُ‬
‫عليه؟ الواجب عليه أن يفعل ما يستطيع‪َ ﴿ :‬‬
‫م﴾‪ .‬فإذا كان النسان مثل ً في‬ ‫عت ُ ْ‬‫ست َطَ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫الطهارة ل يستطيع أن يغسل جميع بدنه‪ ،‬فما‬
‫الواجب عليه؟ يغسل الذي يستطيع ويتيمم عن‬
‫الباقي‪ ،‬فإن لم يستطع التيمم؟ لم يستطع المسح‬
‫ول التيمم ماذا يفعل؟ يسقط عنه‪ ،‬وهذه القاعدة‬
‫سبق ما ي ُفهم منها فيما تقدم من البيات‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪:‬‬
‫فذاك أمر ليس‬ ‫وكل ما نشأ عن‬
‫ن‬
‫مضمو ِ‬
‫قوله‪:‬‬ ‫كتاب في‬ ‫الذي عندكم في ال بال‬ ‫ن‬
‫المأذو ِ‬
‫الشرح‬
‫قد استحق ماله‬ ‫ومن أتى بما عليه‬
‫البيت‪:‬‬‫العمل‬ ‫هو لهذا‬‫على‬ ‫الذي على ه ٰحذا البيت‬ ‫الشرحعمل‬ ‫من‬
‫فذاك أمر ليس‬ ‫وكل ما نشأ عن‬
‫ينشأ ويترتب‬ ‫ن‬‫مضمو ِ‬ ‫كلالشيء‬ ‫نلقاعدة الضمان‪ ،‬ب‬ ‫المأذو‬
‫تابع ِ‬ ‫هذا‬
‫على الذن فإنه ل ضمان فيه‪.‬‬
‫الن‪ ،‬القصاص‪ :‬إذا جنى شخص على غيره فقطع‬
‫يده‪ ،‬ما الذييجب في ه ٰحذا القطع؟ القصاص‪ ،‬جاء‬
‫الرجل المجني عليه وقال‪ :‬نطالب بالقصاص‪ .‬فأنفذ‬
‫القاضي طلبه وقطعت يد الجاني‪ ،‬ثم ترك هذه‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬التغابن )‪.(16‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪140‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫الجناية حتى مات هذا الجاني‪ ،‬الن التلف تعدى‬
‫موضع الجناية أو ل؟ تعدّى موضع الجناية‪ ،‬فهل‬
‫المجني عليه يضمن؟ هل القاضي يضمن هذه‬
‫السراية وه ٰحذا المتداد للجناية؟ ل يضمن؛ لماذا؟‬
‫لأن هذا التلف ترتّب على أمر مأذون فيه‪ ،‬ومن‬
‫الذي أذن فيه؟ الشارع‪ ،‬فما ترّتب على المأذون‬
‫فليس بمضمون‪.‬‬
‫وهذا في كثير من المور‪.‬‬
‫مثل ً شخص منكم استعار من صاحبه سيارة ليصل‬
‫بها إلى المسجد النبوي‪ ،‬رجل عاقل قيادته سليمة‬
‫حصل له حادث في الطريق بدون فعله‪ ،‬يعني بدون‬
‫تعد ّ ول تفريط‪ ،‬الن هل يضمن هذا السائق‬
‫المستعير للسيارة ما جرى من تلف على السيارة؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يضمن‪ ،‬وما سبب ذلك؟‬
‫السبب أن تصرفه بالسيارة هل هو مأذون أو‬
‫ليس مأذونا ً فيه؟ تصرف مأذون فيه‪ ،‬وما ترتب‬
‫على المأذون فليس بمضمون‪.‬‬
‫الن دع عنك السيارة‪ ،‬الن أخذت قلم الخ‬
‫وكتبت كتابة معتادة فانكَسرت الريشة من جراء‬
‫الكتابة‪ ،‬هل أضمن؟ ل ضمان‪ ،‬لماذا؟ لنه أذن لي‬
‫فرط‪ ،‬فإذا كان ل تعدي‬ ‫في استعماله ولم أتعدّ ولم أُ ّ‬
‫ول تفريط فل ضمان‪ ،‬إذا كان قد أذن لي في‬
‫استعماله‪.‬‬
‫وبهذا نعلم أن قول المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫فذاك أمر ليس‬ ‫وكل ما نشأ عن‬
‫نذن من‬ ‫مضموالإ ِ‬
‫ال يكون‬
‫فرق في الإذن‪ ،‬فإنه بقد‬
‫ن‬‫المأذو ِ‬
‫أنه ل‬
‫الشارع‪ ،‬وقد يكون الإذن من المالك‪ ،‬فسواء كان‬
‫الإذن من الشارع أو الذن من المالك فإنه ل ضمان‬
‫تلف ترتّب على‬ ‫ٌ‬ ‫على من تلفت العين في يده؛ لنه‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 141‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫مأذون‪ ،‬وما ترتب على المأذون فليس بمضمون‪.‬‬
‫لكن المهم لي في التعليق أن تنبهوا على الخطأ‬
‫فإن قوله‪ :‬أشياء توجب‬ ‫ّ‬ ‫الحاصل في النسخة‬
‫الضمان لو استقلت كانت تلك‪ ....‬وما جاء بعد ذلك‬
‫من شرح‪ ،‬هي كلها شرح لقوله‪:‬‬
‫فذاك أمر ليس‬ ‫وكل ما نشأ عن‬
‫ن‬
‫بالمضمو ِ‬ ‫ن‬‫المأذو ِ‬
‫البيت الذي ذكره‪:‬‬ ‫وأما‬
‫قد استحق ما له‬ ‫ومن أتى بما عليه‬
‫على العمل‬ ‫يكمل الطابع شرحه‪.‬‬ ‫عمل‬ ‫من‬
‫فإنه لم‬
‫أما البيت‪:‬‬
‫فذاك أمر ليس‬ ‫وكل ما نشأ عن‬
‫ن‬‫مضمو ِ‬
‫شاء الله‬ ‫ن هذا الشرح ليسبال‬
‫له‪ ،‬وإن‬ ‫المأذو ِ‬
‫‪37‬‬ ‫البيت‬
‫تعال ٰى ستخرج نسخة مقابلة على خط المؤلف‬
‫رحمه الله قريبا ً بإذن الله‪ .‬نقف على ه ٰحذا ونأخذ‬
‫بعض السئلة‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ‪ ،‬هل المفرد‬
‫المضاف يفيد العموم مطلقا ً أم ل يفيده إل إذا‬
‫أضيف إل ٰى معرفة؟‬
‫الجواب‪ :‬الصل في الضافة أن تكون إلى‬
‫معرفة؛ لنه بها يحصل التعريف‪ ،‬وقد يضاف إل ٰى‬
‫نكرة لكنه قليل‪ ،‬والقاعدة مطلقة‪ :‬إذا أضيف‬
‫المفرد أفاد العموم سواء أضيف إل ٰى نكرة أو‬
‫أضيف إل ٰى معرفة‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما الفرق بين قاعدة‪) :‬الحكم يدور مع‬
‫علته وجودا ً وعدما ً أو قوة وضعفًا( وبين القياس؟‬
‫الجواب‪ :‬هي من مسائل القياس‪ ،‬العلة كلها من‬
‫مباحث القياس‪ ،‬فل فرق؛ لكنها قاعدة تذكر في‬
‫القواعد الفقهية والقياس يذكر في كتب أصول‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪142‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫الفقه‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل النية واجبة في الوسائل كما هي‬
‫واجبة في المقاصد؟‬
‫الجواب‪ :‬ما فهمت السؤال‪ ،‬هل النية واجبة في‬
‫الوسائل كما هي واجبة في المقاصد‪ ،‬ما ذا يريد‬
‫بقوله‪) :‬واجبة(‪ ،‬عمله ل بد له من نية‪ ،‬أما المشي‬
‫فما أتصور أن أحدا ً يخرج من داره وإل وهو ناٍو‬
‫الصلة‪ ،‬كل من خرج من البيت إل ٰى المسجد فهو‬
‫يريد الصلة‪ ،‬من التكليف بالمحال أن تطلب من‬
‫الشخص أن يعمل بل نية‪ ،‬ل بد من نية‪ ،‬هل هي‬
‫واجبة؟ ل‪ ،‬ليست واجبة بمعنى أن إنسانا ً خرج من‬
‫بيته يريد أن يشتري أغراضًا‪ ،‬ثم مر بمسجد وهم‬
‫يصلون فدخل وصلى معهم‪ ،‬ه ٰحذا ل حاجة أن ينوي‬
‫عند خروجه من البيت أنه ذاهب إل ٰى المسجد‪ .‬إن‬
‫كنت تسأل على ه ٰحذا فه ٰحذا ل حاجة إليه‪.‬‬
‫أما الوضوء فذكرنا لكم أنه ل بد له من نية لنه‬
‫عبادة‪ ،‬وإن كان وسيلة لعبادة؛ لكنه عبادة حث‬
‫عليها الشارع ورغب فيها‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل قول الناظم رحمه الله‪:‬‬
‫أو شرطه فذو‬ ‫وإن أتى التحريم‬
‫وخلل‬
‫أو‬ ‫أصولية‬‫فساد‬ ‫ى قاعدة‬ ‫العمل‬
‫نفسبه إل ٰ‬
‫فييشير‬ ‫هل‬
‫فقهية؟‬
‫الجوابل إل ٰى قاعدة أصولية‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬ه ٰحذا يسأل عن الفرق بين )ل( النافية‬
‫و)ل( الناهية‪ .‬مع ذكر أمثلة‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا في النحو؛ ولكن على كل حال )ل(‬
‫النافية هي التي تنفي وجود الشيء‪ ،‬ل أحد في‬
‫البيت‪ ،‬ه ٰحذا نفي‪.‬‬
‫وأما الناهية فهي التي تنهى عن إيجاد الفعل‪،‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 143‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ت بالليل‪ .‬تنهاه أو تنفي المجيء؟ أنت‬ ‫تقول‪ :‬ل تأ ِ‬
‫تنهى عن المجيء ل تنفي‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬وه ٰحذا يسأل‪ :‬كيف نجمع بين قولك‪ :‬إن‬
‫من استأذن في سلعة وأتلف بعضها بدون تفريط‬
‫لم يضمن‪،‬وبين قول الشيخ‪:‬‬
‫‪.........................‬‬ ‫لكن مع التلف‬
‫‪ ....‬فيك في الخطأ‬ ‫البدل‬
‫حذا أخي بارك الله‬ ‫يثبت‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰ‬
‫والنسيان‪ ،‬إذا لم يكن إذن من المالك‪ ،‬والكلم فيما‬
‫إذا كان للنسان إذن‪ ...‬راجع الشرح ول تعارض بين‬
‫المرين‪ .‬المسألتان مختلفتان‪.‬‬
‫وه ٰهذا سؤال عبر النترنت من الكويت‬
‫يقول السائل‪ :‬بالنسبة لتحريم اللحوم هل هو‬
‫مختص بالنوع أو ذكر الله أو بطريقة الذبح عند عدم‬
‫المعرفة بالمور السابقة ؟‬
‫الجواب‪ :‬قول الناظم رحمه الله‪) :‬والصل في‬
‫اللحوم التحريم( ليس المراد به جنس اللحوم‪ ،‬إنما‬
‫المراد به فيما إذا شك النسان في شرط الباحة‪،‬‬
‫فالصل التحريم‪ ،‬ه ٰحذا مراد المؤلف رحمه الله‪.‬‬
‫وكذلك في قوله‪) :‬الصل في البضاع التحريم(‬
‫المراد إذا شك في سبب الباحة‪ ،‬وأما إذا لم يشك‬
‫في سبب الباحة فإنه ل تحريم‪ ،‬ول تتعارض هحاتان‬
‫القاعدتان مع ما قررناه من أن الصل في الشياء‬
‫الباحة‪ ،‬فقوله رحمه الله في البضاع وفي اللحوم‪:‬‬
‫إن الصل فيها التحريم فإن ذلك فيما إذا شك‬
‫النسان في سبب الباحة أو في شرط الباحة‪.‬‬
‫أما إذا لم يشك فالصل في الجناس الباحة‪.‬‬
‫وأظن نبهت على ه ٰحذا في أثناء الشرح‪ ،‬أليس‬
‫كذلك يا إخوان؟ على كل حال نبهنا والشرطة‬
‫تنطق بالحق‪ ،‬راجعوها وستجدون ذلك إن شاء الله‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 144‬‬
‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ت‬‫السؤال‪ :‬يسأل عن قول الناظم‪) :‬والنكرا ِ‬
‫في سياق النفي تعطي العموم( ما سبب‬
‫الكسر؟‬
‫الجواب‪ :‬لعل الكسر هنا للروي‪ ،‬وإل فالصل‬
‫ت في سياق النفي( لنه ل سبب‬ ‫)والنكرا ُ‬
‫للكسر‪ ،‬يعني ل سبب للنصب ول للجر‪.‬‬
‫فإما أن تكون للروي هذا إذا كان المؤلف رحمه‬
‫الله هكذا شكلها‪ ،‬وأنا ل أستحضر الصل المخطوط‬
‫هل هو بالكسر أو أنه لم يشكله رحمه الله لكن‬
‫ت في سياق النفي( ماشي‪.‬‬ ‫)والنكرا ُ‬
‫فلعلنا نراجع الصل وإذا ثبت أن المؤلف رحمه‬
‫الله كتبها بهذا الشكل فيكون استحسنها لفظًا‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن الشعر يجوز فيه ما ل يجوز في النثر‬
‫ت‬
‫من مخالفات‪ ،‬فإنه يستقيم لو قلت‪) :‬والنكرا ُ‬
‫في سياق النفي تعطي العموم أو سياق‬
‫النهي(‪.‬‬
‫لعل ه ٰحذا الكسر من الطابع‪.‬‬
‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫السؤال‪ :‬هل ورد عن النبي َ‬
‫م قول‪)) :‬بلى وأنا على ذلك من‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫الشاهدين(( في آخر سورة التين ؟‬
‫)‪(1‬‬

‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا ورد في حديث إل أنه ضعيف؛‬


‫ولكن الفقهاء رحمهم الله وهم ممن يتوسع في‬
‫ه ٰحذه المور يرون أنه ل بأس وأنه يستحب للنسان‬
‫أن يقول ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سنن الترمذي‪ :‬كتححاب تفسححير القححرآن‪ ،‬بححاب )ومححن سححورة‬
‫والتين(‪ ،‬حديث رقم )‪.(3347‬‬
‫سنن أبي داوود‪ :‬كتاب الصحلة‪ ،‬بحاب مقحدار الركحوع والسحجود‪،‬‬
‫حديث رقم )‪.(887‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬ضعيف‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪145‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫ومما ورد عن المام أحمد أنه كان يستحب في‬
‫ه ٰحذا الموضع أن يقول‪ :‬سبحانك فبلى‪.‬‬
‫فلو قال ه ٰحذا أو قال غيره مما هو جواب للسؤال؛‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ن )‪،﴾(8‬‬ ‫مي َ‬ ‫حك َم ِ ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬ ‫س الل ّ ُ‬
‫ه ب ِأ ْ‬ ‫لن قوله‪﴿ :‬أل َي ْ َ‬
‫ه ٰحذا سؤال يحتاج إل ٰى جواب‪.‬‬
‫فإذا قاله النسان فالمر في ه ٰحذا واسع‪.‬‬
‫والقاعدة عند الفقهاء رحمهم الله‪ :‬أنه إذا كان‬
‫الحديث ليس بشديد الضعف فإنه يفيد الستحباب‬
‫إن كان أمرًا‪ ،‬ويفيد الكراهة إن كان نهيًا‪ .‬وه ٰحذه‬
‫قاعدة جرى عليها فقهاء الحنابلة‪ .‬وأيضا ً مستعملة؛‬
‫لكن صرح بها ابن مفلح رحمه الله في نكته على‬
‫المحرر‪.‬‬
‫المنهي عنه في الصلة خطاب الدميين‪ ،‬أما‬
‫خطاب الله فلم ينه عنه‪ ،‬وهو هنا يخاطب الله‪.‬‬
‫لكن في الفرض مسألة إجابة اليات أو الستعاذة‬
‫أو السؤال بآيات السؤال والستعاذة من آيات‬
‫الوعيد لم ترد‪ ،‬إنما وردت في النفل‪.‬‬
‫وقال بعض الفقهاء‪ :‬إن ما ثبت في النفل يثبت‬
‫في الفرض ول فرق‪.‬‬
‫لكن الصحيح في مثل ه ٰحذا نقول‪ :‬يجوز في‬
‫الفرض لثبوته في النفل؛ لكن إنما ورد استحبابه‬
‫وسنيته في النفل؛ لن النفل مبني على التطويل‬
‫بخلف الفرض‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬يسأل عن الحديث الذي ورد فيه أن‬
‫الصلة في حرم مكة بألف صلة‪ ،‬فهل ه ٰحذا الفضل‬
‫في الحرم في المسجد الحرام‪ ،‬دون مساجد مكة‬
‫أم ل؟‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا فيه قولن لهل العلم‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬التين )‪.(8‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪146‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫جمهور العلماء على أن الفضل في مضاعفة‬
‫صا ً بمسجد الكعبة‪ ،‬إنما هو‬ ‫الصلة في مكة ليس خا ّ‬
‫عام في كل الحرم‪ ،‬ه ٰحذا الذي عليه جمهور أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫واختار جماعة ‪-‬وهو قول في مذهب الحنابلة‪ -‬أن‬
‫الفضل خاص بمسجد الكعبة‪ ،‬وهو اختيار شيخنا‬
‫محمد بن عثيمين رحمه الله‪ ،‬فإنه كان يرى أن‬
‫الفضل خاص بمسجد الكعبة لحديث‪)) :‬صلة في‬
‫مسجد الكعبة(( وهو في صحيح مسلم)‪ ،(1‬فقيد‬
‫الفضل بالصلة في مسجد الكعبة‪ ،‬فالمضاعفة‬
‫تكون لمن صلى في مسجد الكعبة‪ ،‬وأما الصلة في‬
‫غير مسجد الكعبة من الحرم فهي أفضل من‬
‫الصلة في غير الحرم؛ لكنها ل تبلغ في المضاعفة‬
‫والفضل ما يبلغه الصلة في مسجد الكعبة‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما هو الفضل في صلة السنة قبل‬
‫الظهر الربع الركعات هل تصلى مجتمعة أم مثنى‬
‫مثنى؟‬
‫الجواب‪ :‬التنفل في صلة الليل والنهار مثنى‬
‫م لما سئل‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫مثنى؛ لقول النبي َ‬
‫)‪(2‬‬
‫عن صلة الليل‪)) :‬صلة الليل مثنى مثنى((‬
‫وفي رواية في السنن‪)) :‬صلة الليل والنهار‬
‫مثنى مثنى((‪ ،‬وه ٰحذه الرواية صححها شيخنا عبد‬
‫)‪(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)( مسلم‪ :‬كتحاب النكحاح‪ ،‬بحاب فضحل الصحلة بمسحجدي مكحة‬
‫والمدينة‪ ،‬حديث رقم )‪.(1396‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الوتر‪ ،‬باب ما جاء في الوتر‪ ،‬حححديث رقححم )‬
‫‪.(990‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب صلة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صلة الليل مثنى‬
‫مثنى والوتر ركعة من آخر الليل‪ ،‬حديث رقم )‪.(749‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سنن أبي داوود‪ :‬كتاب الصلة‪ ،‬باب في صلة النهار‪ ،‬حديث‬
‫رقم )‪.(1295‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪147‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫العزيز بن باز رحمه الله‪.‬‬
‫فالفضل في كل النوافل أن تكون مثنى مثنى‬
‫في الليل والنهار‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬رجل نوى أن يصلي أربع ركعات متصلة‬
‫بتسليمة واحدة‪ ،‬وأثناء الصلة هل يجوز أن يغير‬
‫ل‪ ،‬وهل‬‫النية من الربع إل ٰى الثنتين لمر طارئ مث ً‬
‫يصح العكس؟‬
‫الجوابالظاهر أنه ل بأس؛ لنه يرجع إل ٰى‬ ‫‪:‬‬
‫الفضل وهو صلة الليل والنهار مثنى مثنى‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬يسأل عن الفرق بين الفاسد والباطل‬
‫عند الحنفية‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ما أدري‪ ،‬أما عند الحنابلة فل يفرقون‬
‫بين الفاسد والباطل إل في النكاح والحج‪ ،‬فالفاسد‬
‫في الحج هو الذي يجب فيه المضي‪ ،‬وأما الباطل‬
‫فإنه الذي ل يجب فيه المضي‪.‬‬
‫وكذلك النكاح الفاسد ما اختلف فيه من النكاح‪،‬‬
‫وأما الباطل فالذي أجمع العلماء على بطلنه‪.‬‬
‫أما الفرق بينهما عند الحنفية فل علم لي‪.‬‬
‫لكن أعلم الفرق بين الفرض والواجب‪ ،‬فإذا كان‬
‫الفرق نظير الفرق بين الفرض والواجب فهم‬
‫يجعلون الفرض ما ثبت بالكتاب والواجب ما ثبت‬
‫في السنة‪ ،‬فإن كانوا يفرقون أيضا ً ه ٰحذا التفريق‪،‬‬
‫يراجع أحد الكتب الصولية في مذهب الحنفية‬
‫ويصل إل ٰى الجواب إن شاء الله تعالى‪.‬‬

‫سنن الترمذي‪ :‬كتاب الجمعححة‪ ،‬بحاب أن صححلة الليححل والنهححار مثنححى‬


‫مثنى‪ ،‬حديث رقم )‪.(597‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب إقامة الصلة والسنة فيها‪ ،‬باب مححا جححاء فححي‬
‫صلة الليل والنهار مثنى مثنى‪ ،‬حديث رقم )‪.(1322‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪148‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫السؤال‪ :‬هل يقدح في مروءة الرجل تركه سنن‬
‫الفطرة ؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يقدح في مروءته؛ لن سنن‬
‫الفطرة منها ما هو واجب؛ فينبغي على النسان أن‬
‫ل يفرط فيها‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ه ٰحذا يسأل عن اللحوم المستوردة هل‬
‫يجوز أكلها؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يجوز أكلها ول حرج في ذلك؛ لن‬
‫ما يصل إل ٰى بلدنا إنما يدخل عبر جهات تراقب‬
‫ه ٰحذه المور‪ ،‬فإذا قدم لك شيء من ذلك فكل ول‬
‫حرج عليك‪.‬‬
‫وهذا ما يفتي به شيخنا محمد بن عثيمين رحمه‬
‫الله‪.‬‬
‫وأما ما يقال من أنهم ل يذبحون على الطريقة‬
‫الشرعية أو ما أشبه ذلك مما يقال‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬المر ليس إلينا‪ ،‬إل ٰى الجهات المختصة‬
‫التي أوكل إليها مراقبة ه ٰحذه المور من قبل ولي‬
‫كل‪ ،‬كما قال‬ ‫المر وهي تتحرى‪ ،‬فما دخل فل حرج ُ‬
‫م لعائشة‪ :‬إن أقواما ً‬‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬‫النبي َ‬
‫يأتوننا باللحم ل ندري عنها‪ .‬قال‪)) :‬سموا أنتم‬
‫)‪(1‬‬
‫وكلوا((‪.‬‬
‫لكن لو أن شخصا ً أراد أن يتورع وأن يحتاط ه ٰحذا‬
‫أمر يرجع إليه‪ ،‬لكن الكلم في التحليل والتحريم‪،‬‬
‫التحليل والتحريم ل يقبل عليه النسان إل على‬
‫بصيرة وعلى وضوح تام‪.‬‬
‫أما على أقاويل الله أعلم بها لن كثيرا ً ممن‬
‫يشاهد اللحم الفلني ل يذبح على الطريقة‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬باب من لححم يححر الوسححاوس ونحوهححا‬
‫من الشبهات‪ ،‬حديث رقم )‪.(2056‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪149‬‬


‫الدروس – شرح القواعد الفقهية ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫الشرعية‪ ،‬يكون ناتجا ً عن المنافسة بين الشركات‬
‫في رواج ه ٰحذا النوع من الطعام‪ ،‬فتروج وتنشر‬
‫صورا ً بأنه لم يذبح‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫على كل حال بالنسبة لما يدخل إل ٰى بلدنا فهو‬
‫موكل إل ٰى جهة تتحرى وتقوم بما يلزم‪ ،‬وأما نحن‬
‫فما وجدناه في أسواقنا في أسواق المسلمين فإننا‬
‫نسمي الله عليه ونأكل ول حرج‪.‬‬
‫سؤال عن طريق النترنت يقول‪ :‬متى يباح‬
‫أخذ الرخصة في الجمع والقصر في الصلة‬
‫والفطار؟‬
‫الجواب‪ :‬في السفر‪ ،‬القصر ل يجوز إل في‬
‫السفر‪ ،‬وأما الرخصة في الفطار والجمع فه ٰحذه ل‬
‫تتعلق إل بالسفر‪ ،‬فإن المريض له أن يفطر‬
‫والمريض له أن يجمع ولو كان في بيته‪.‬‬
‫والله تعال ٰى أعلم‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا‬
‫محمد‪.‬‬
‫‪  ‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪150‬‬


‫شرح منظومة‬
‫القواعد الفقهية‬
‫للعلمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫الدرس السادس‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬

‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬
‫مٰ ِ‬
‫ح َ‬ ‫سم ِ الل ّ ِ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫بِ ْ‬
‫في البيع والنكاح‬ ‫وكل شرط لزم‬
‫والمقاصد‬
‫أو عكسه‬ ‫شروطا ً حللت‬ ‫للعاقهد‬‫إل‬
‫فاعلما‬
‫الحقوق أو‬ ‫فباطلت‬ ‫من‬ ‫تستعمل القرعة‬ ‫محرمها‬
‫التزاحم‬
‫إحداهما‬ ‫لدى‬
‫وفعلت‬ ‫وإن المبهم‬
‫تساوى‬ ‫عند‬
‫المرهون‬ ‫فاستمعا‬
‫مثاله‬ ‫فل‬ ‫اجتمعا‬
‫مشغول‬ ‫العملن‬
‫وكل‬
‫والمسّبل‬
‫الرجوع إن‬ ‫له‬ ‫غليؤدّ عن‬ ‫يش ّ‬
‫ومن‬
‫ي‬
‫الشرع ْ‬ ‫يطالبا‬ ‫نوى‬
‫كالوازع‬ ‫ي‬
‫الطبع ْ‬ ‫واجبا‬ ‫أخيه‬
‫والوازع‬
‫نكران والختام‬ ‫في البدء‬‫بل‬ ‫العصيانعلى‬ ‫والحهمد لله‬ ‫عن‬
‫والهدوام‬
‫النبيْ‬ ‫على‬ ‫ع‬‫الصلة م ْ‬ ‫التمهام‬
‫ثم‬
‫والتابعحن‬
‫الله الرحم ٰ‬‫وصحبه‬
‫بسم‬ ‫سلم شائع‬
‫الرحيم‬
‫رب العالمين‪ ،‬وأصلّي على نبينا محمد‬ ‫ّ‬ ‫الحمد لله‬
‫المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فه ٰحذا آخر مقطع في ه ٰحذه المنظومة في القواعد‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه الله‪:‬‬
‫في البيع والنكاح‬ ‫وكل شرط لزم‬
‫والمقاصد‬
‫أو عكسه‬ ‫شروطا ً حللت‬ ‫للعاقهد‬‫إل‬
‫فاعلما‬
‫البيتين إلى‬ ‫فباطلت‬
‫محرمهارحمه الله أشار في هذين‬ ‫المؤلف‬
‫قاعدة فقهية مشهورة‪ :‬وهي أن الصل في‬
‫الشروط الصحة والباحة‪ .‬وإذا كان الصل فيها‬
‫الباحة فالصل فيها اللزوم أي إنها لزمة لمن‬
‫اشترطت عليه‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪152‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫واعلم أن الشرط منه ما هو من وضع الشارع‬
‫يعني من وضع الشريعة‪ ،‬ومنه ما هو من اتفاق‬
‫المتعاقدين‪.‬‬
‫فما كان من وضع الشارع فهذا شرط ل بد من‬
‫وجوده في العقد ول يصلح العقد إل به‪.‬‬
‫وأما ما كان من الشروط من وضع العاقدين فهذا‬
‫الحق فيه للمتعاقدين‪ .‬فإن أسقطه أحدهما أو اتفقا‬
‫على إسقاطه أو أسقطه من هو له‪ ،‬فالحق له‪.‬‬
‫والفرق بينهما في التسمية‪ :‬الشروط التي من‬
‫وضع الشارع تسمى شروط الشيء‪ :‬شروط البيع‪،‬‬
‫شروط الجارة‪ ،‬شروط النكاح‪.‬‬
‫وأما الشروط التي من وضع العاقدين فتسمى‬
‫الشروط في الشيء‪ :‬الشروط في البيع‪ ،‬الشروط‬
‫في الجارة‪ ،‬الشروط في النكاح‪.‬‬
‫واعلم أن الشروط في النكاح أو في البيع أو في‬
‫الجارة تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫• شروط صحيحة‪.‬‬
‫• وشروط فاسدة‪.‬‬
‫الشروط الصحيحة‪ :‬هي التي فيها مصلحة‬
‫للمتعاقدين أو أحدهما‪ ،‬ول يلزم عليها محظور‬
‫شرعي‪ .‬هذا ضابط الشرط الصحيح‪.‬‬
‫والشرط الصحيح منه ما يكون من لوازم العقد‪،‬‬
‫ومنه ما يكون شرطا ً زائدا ً على مقتضى العقد‪.‬‬
‫مثال الشرط الذي هو من لوازم العقد‪ :‬كأن‬
‫يشترط المتبايعان التقابض في الثمن والمدة‪ ،‬هذا‬
‫قبّضَِني الثمن‪،‬‬
‫إذا اشتريت منك الكتاب عليك أن ُت َ‬
‫هذا شرط من مقتضى العقد أو زائد على العقد؟‬
‫يعني مقتضى عقد البيع أن يسلم المشتري الثمن‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪153‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫وأن يسلم البائع السلعة التي تم عليها العقد‪ ،‬فهذا‬
‫شرط من مقتضى العقد‪ .‬طيب‪.‬‬
‫إذا اشترطه أحد المتعاقدين ما الذي يترتب على‬
‫هذا الشتراط؟ يترتب عليه تأكيد الشرط‪ ،‬وأما إذا‬
‫كان الشرط ليس من مقتضى العقد إنما هو شرط‬
‫زائد على ما يقتضيه العقد فيفيد ماذا؟ يفيد زيادة‬
‫قيد في العقد‪ ،‬ل بد من الوفاء به‪.‬‬
‫فمثل ً إذا اشتريت منك هذا الكتاب واشترطت‬
‫عليك حمله إلى بيتي‪ ،‬الن الحمل إلى البيت أمر‬
‫زائد على العقد أو هو من مقتضيات العقد؟ أمر‬
‫زائد على العقد‪.‬‬
‫فماذا يفيد هذا الشرط؟ يفيد زيادة قيد في العقد‪،‬‬
‫ما حكم الشرط؟ الشرط يجب الوفاء به من حيث‬
‫الصل‪.‬‬
‫والصل في الشروط الصحة ما لم يدل دليل‬
‫على تحريم الشرط‪ ،‬أو يكن الشرط مفضيا ً إلى‬
‫تحريم الحلل أو تحليل الحرام‪ ،‬فهذا يكون شرطا‬
‫فاسدا ً ل يجب الوفاء به؛ بل ل يجوز الوفاء به ول‬
‫يجوز اشتراطه‪.‬‬
‫إذا ً الصل في الشروط الصحة‪ ،‬والصل في‬
‫الشروط وجوب الوفاء بها‪ ،‬والدليل على وجوب‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الوفاء بالشروط قول الله تعال ٰى‪َ﴿ :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬
‫قوِد﴾)‪ .(1‬والمر بالوفاء بالعقد‬ ‫فوا ِبال ْ ُ‬
‫ع ُ‬ ‫و ُ‬
‫مُنوا أ ْ‬
‫آ َ‬
‫يتضمن المر بالوفاء بأصل العقد وبوصفه‪ ،‬والشرط‬
‫من الصل أو من الوصف؟ الشرط من وصف‬
‫العقد‪ ،‬فهذه الية تضمنت المر بالوفاء بالعقد‬
‫وبوصفه وهو شروطه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬المائدة )‪.(1‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪154‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬

‫ه عَل َي ْهِ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ويدل لذلك أيضا ً قول النبي َ‬
‫م‪)) :‬الشرط جائز بين المسلمين((‪،‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫معنى جائز يعني ليس بحرام؟ ل‪ ،‬جائز معناه نافذ‬
‫))إل شرطا ً أحل حراما ً أو حرم حللًا((‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫إذا ً هذا ثاني الدلة على أي شيء؟ على وجوب‬


‫الوفاء بالشروط‪ ،‬وأن الصل في الشروط الصحة‪.‬‬
‫قال المؤلف رحمه الله‪) :‬وكل شرط لزم‬
‫للعاقهد( العاقد هذا وصف يصدق على طرفي‬
‫العقد‪ ،‬في البيع على البائع والمشتري‪ ،‬وفي النكاح‬
‫على الزوج وعلى ولي الزوجة والزوجة‪ ،‬فالعاقد‬
‫يصدق على طرفي العقد الذي يصدر عنه اليجاب‬
‫والذي يصدر عنه القبول‪ .‬لزم‪ ،‬واللزم هو ما يجب‬
‫الوفاء به‪ ،‬ول يسقط إل بإسقاط صاحبه‪ .‬هذا معنى‬
‫اللزم؛ يعني ليس له الخيار في النفكاك عنه؛ بل‬
‫هو لزم له ل يمكنه النفكاك عنه‪.‬‬
‫قال‪) :‬في البيع والنكاح(‪ ،‬في البيع والنكاح‪،‬‬
‫البيع واضح والنكاح واضح‪) ،‬والمقاصد( أي وما‬
‫يقصد من العقود‪ ،‬هذا فيما يقصد؛ يعني في كل ما‬
‫يقصد مما يشترطه المتعاقدان في العقود‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله مستثنيا ً من هذه القاعدة ‪:‬‬
‫أو عكههسه‬ ‫إل شروطا ً حللت‬
‫شروط حرمت الحلل‪.............. ،‬‬ ‫محرمها‬ ‫أي‬
‫‪............‬‬ ‫‪.......................‬‬
‫فاعلمابه‪.‬‬
‫يصح الوفاء‬ ‫فباطلت‬
‫فباطلت والباطل ل يلزم ول‬ ‫‪........‬‬
‫أي‬
‫‪2‬‬
‫)(سنن الترمذي‪ :‬كتاب الحكام‪ ،‬باب ما ذكر عن رسححول اللححه‬
‫صلح بيححن النححاس‪ ،‬حححديث رقححم )‬ ‫سل ّ َ‬
‫م في ال ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫َ‬
‫‪ .(1352‬قال الترمذي‪ :‬ه ٰحذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪155‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫فإذا تزوج الرجل المرأة على أنه ل مهر بينهما‪،‬‬
‫اشترط الرجل على المرأة قال‪ :‬أنا أوافق أن‬
‫تكوني زوجة لي بشرط أل مهر‪ ،‬ما فيه مهر‪.‬‬
‫الحكم باطل؛ لماذا؟ لنه ل يجوز عقد النكاح إل‬
‫بمهر‪ ،‬فهذا الشرط منع مما أمر به الشارع وهو‬
‫المهر‪ ،‬والمهر وصف ل بد منه في عقد النكاح‪،‬‬
‫ل أو كثر‪ .‬فهذا‬‫شرط ل بد منه في عقد النكاح ق ّ‬
‫شرط أفضى إلى محظور شرعي وهو منع ما أمر‬
‫الشارع به‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬هذا العقد باطل‪ ،‬هذا الشرط باطل؛ لنه‬
‫يتضمن منع ما أمر به الشارع‪.‬‬
‫لو أن الرجل تزوج المرأة على أن المرأة‬
‫‪-‬اشترطت المرأة على أن ل يتزوج غيرها‪ -‬قالت‪:‬‬
‫أقبل بك زوجا ً بشرط أل تتزوج علي‪ ،‬وقبل الزوج‬
‫هذا الشرط‪ .‬فما رأيكم؟ باطل؟ الصحيح أن هذا‬
‫الشرط صحيح‪ ،‬للمرأة أن تشترط ذلك‬
‫أو‬ ‫إل شروطا ً حللت‬
‫‪..............‬؟‬ ‫الشروط التي حرمتعكسه‬
‫الحلل فما الجواب‬ ‫محرمها‬
‫وهي‬
‫نقول‪ :‬إن هذا ليس فيه تحليل حرام وليس فيه‬
‫تحريم حلل‪ ,‬إنما فيه أن المرأة اشترطت هذا‬
‫الشرط بأنها ل تطيق أن يكون لها ضرة‪ ،‬وإذا قبل‬
‫الزوج بهذا الشرط فإنه شرط لزم‪ ،‬ثم إذا وقع من‬
‫الرجل الزّواج‪.‬‬
‫فالمرأة بالخيار‪ :‬إن شاءت أن تسقط حقها وتبقى‬
‫مع الرجل فلها ذلك‪ ،‬وإن شاءت أن تفسخ العقد‬
‫لمخالفة الرجل الشرط فلها ذلك‪ ،‬هذا هو الصحيح‬
‫في هذه المسألة‪.‬‬
‫وإن كان من العلماء من يقول‪ :‬ل يجوز هذا‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 156‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫الشرط‪.‬‬
‫لو أن المرأة اشترطت على الرجل في النكاح أن‬
‫يطلق زوجاته‪ ،‬تقدم لها رجل وكان معه امرأتان أو‬
‫كان معه امرأة قالت له‪ :‬أنا أقبل بك زوجا ً بشرط‬
‫أن تطلق زوجتك‪.‬‬
‫هذا شرط باطل‪ ,‬لماذا؟ لأن فيه اعتداء على‬
‫م عن أن‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫الغير‪ ،‬وقد نهى النبي َ‬
‫تسأل المرأة طلق ضرتها لتكفأ ما في صحفتها‪.‬‬
‫هذا في الضرة يعني‪ :‬في المرأة الموجودة فكيف‬
‫بالتي تبتدئ هذا الشرط من أول المر قبل أن‬
‫تكون ضرة وقبل أن يثبت لها الوصف وصف‬
‫الزوجية‪ ،‬هذا يكون من باب أولى‪ .‬طيب‪.‬‬
‫إذا ً نرجع إلى تقرير القاعدة وهو أن الصل في‬
‫الشروط الصحة‪ ،‬ولذلك أي شرط في أي عقد إذا‬
‫قيل لك‪ :‬إنه شرط محرم فاطلب من الذي قال‬
‫بتحريمه‪ ,‬اطلب منه الدليل على التحريم؛ لن‬
‫الصل الباحة‪ ،‬وقد سمعتم الدليل على الباحة‪.‬‬
‫لكن اعلم أن كل شرط يفضي إلى محرم أو‬
‫يترتب عليه محظور شرعي فإنه ل يجوز اشتراطه‪.‬‬
‫ثم تأتي مسألة‪ :‬هل هذا الشرط يعود بالفساد‬
‫على العقد أو ل يعود بالفساد على العقد؟ هذه‬
‫مسألة فيها خلف‪ ،‬ويختلف القول فيها باختلف نوع‬
‫الشرط‪ ،‬فل حاجة إلى الخوض في هذه المسألة‪.‬‬
‫ثم قال المؤلف رحمه الله‪:‬‬
‫من الحقوق أو‬ ‫تستعمل القرعة‬
‫القرعة هي‬‫التزاحم‬‫القرعة؟‬ ‫لدى‬ ‫القرعة( ما هي‬ ‫المبهم‬
‫تستعمل‬‫)عند‬
‫نوع من السّهام عند استواء الحقوق أو لتعيين‬
‫المبهم عند عدم إمكان التعيين‪ ،‬ومن هذا التعريف‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 157‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫نفهم أن القرعة تكون في ما ل يمكن تعيين‬
‫المستحق‪ ،‬هذا واحد‪ ،‬وأيضا ً فيما إذا تزاحمت‬
‫الحقوق‪ ،‬وبالمثال يتضح المقال‪.‬‬
‫قال رحمه الله‪) :‬تستعمل القرعة عند‬
‫المبهم ِ( أي عند عدم إمكان تعيين المستحق‬
‫للشيء‪ .‬فمثل ً لو أن رجل ً قال‪ :‬عبدي فلن حر‪ .‬أو‪:‬‬
‫بيتي الفلني وقف لله تعالى‪ ،‬ثم اشتبه عليه‪ ،‬نسي‬
‫أي البيوت عين‪ ،‬ول سبيل إلى تعيين البيت الذي‬
‫أوقفه‪ ،‬حاول أن يتذكر ما استطاع‪ ،‬فهنا المرجع في‬
‫تعيين الوقف إلى القرعة‪ ،‬نقرع بين البيوت التي‬
‫يملكها‪ ،‬ويحتمل أن يكون أراد إيقافها وما تعيّن ‪-‬ما‬
‫أخرجته القرعة‪ -‬فهو الوقف‪ .‬وهذا أحد ما تستعمل‬
‫فيه القرعة‪.‬‬
‫من الصور التي يمكن استعمال القرعة فيها عند‬
‫ل‪ ،‬ليس هناك‬ ‫الستباق إلى الحق‪ ،‬عندنا الأذان مث ً‬
‫مؤذن راتب في مسجد ما‪ ،‬وتقدم ثلثة كلهم يريد‬
‫أن يؤذن‪ ،‬واستووا في الوصاف المطلوبة في‬
‫المؤذن من حسن الداء وقوة الصوت فمن نعين؟‬
‫إذا عينّا بدون قرعة أوقعنا بين هؤلء العداوة أو‬
‫البغضاء‪ ،‬فالذين لم يعينوا سيجدون في أنفسهم‬
‫على إخوانهم الذين عينوا وعلى أخيهم الذي يَُعين‪.‬‬
‫فالسبيل لتعيين المستحق هو أن نقرع بينهم‪،‬‬
‫والقرعة قد جاءت إشارات عديدة في الكتاب وفي‬
‫السنة إلى اعتبارها‪:‬‬
‫فمما في الكتاب ما ذكره الله عز وجل في قصة‬
‫ن )‪(141‬‬ ‫ضي َ‬‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مد ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬‫ه َ‬
‫سا َ‬
‫ف َ‬‫يونس‪َ ﴿ :‬‬
‫م إِ ْ‬
‫ذ‬ ‫ه ْ‬ ‫كن َ َ‬ ‫ما ُ‬
‫ت لدَي ْ ِ‬ ‫و َ‬‫﴾ ‪ ،‬وكذلك في قصة مريم‪َ ﴿ :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الصافات )‪.(141‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪158‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫م ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫قون أ َ ْ‬‫ي ُل ْ ُ‬
‫م﴾‪.‬‬ ‫مْري َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬
‫م أي ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قل َ َ‬
‫م ُ‬
‫)‪(1‬‬

‫سل ّ َ‬
‫م‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫وفي السنة قول الرسول َ‬
‫في النداء والصف الول‪)) :‬لو لم يجدوا إل أن‬
‫يستهموا عليه لاستهموا عليه(()‪ (2‬والستهام‬
‫هو القتراع‪ .‬المهم أن أدلة هذا كثيرة وقد أطال ابن‬
‫القيم رحمه الله في ذكر الشواهد الدالة على‬
‫اعتبار القرعة‪ ،‬عند استواء الحقوق وعدم إمكان‬
‫التعيين أو عند التزاحم في الحقوق‪.‬‬
‫ثم قال رحمه لله‪:‬‬
‫علَت إحداهما‬ ‫وف ِ‬
‫ُ‬ ‫وإن تساوى‬
‫بالتساوي هو‬ ‫فاستمعا‬
‫العملن( والمراد‬ ‫اجتمعا‬
‫تساوى‬ ‫العملن‬‫)وإن‬
‫التساوي من كل وجه‪ ،‬وهذا مبحث يفيد في تداخل‬
‫النيات‪.‬‬
‫إل ٰى المسجد‪،‬‬ ‫لو أن إنسانا ً توضأ للصلة ثم قدم‬
‫خرج توضأ ودخل المسجد الن يسن في حقه أن‬
‫يصلي ركعتين للوضوء وأن يصلي ركعتين لدخول‬
‫المسجد‪ ،‬فإذا وافق دخوله بين الذان والقامة‬
‫فأيضا ً وافق سنة ثالثة وهي أنه بين كل أذانين‬
‫صلة‪.‬‬
‫فهل يجزئ عن هذه الثلثة أن يصلي صلة‬
‫واحدة؟ الجواب‪ :‬نعم‪.‬‬
‫لكن ما ضابط ذلك؟ ما ضابط إجزاء ذلك؟ هل هو‬
‫في كل ما تساوى فيه العملن إذا اجتمعا؟ الجواب‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬آل عمران )‪.(44‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخحاري‪ :‬كتحاب الذان‪ ،‬بحاب السحتهام فحي الذان‪ ،‬ححديث‬
‫رقم )‪.(615‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الصححلة‪ ،‬بححاب تسححوية الصححفوف وإقامتهححا وفضححل‬
‫الصف الول‪ ،‬حديث رقم )‪.(432‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪159‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫ل‪ ،‬ضابط ذلك أن يكون المقصود حصول الفعل لي‬
‫سبب كان‪.‬‬
‫فالن دخول المسجد يُشرع له صلة ركعتين؛‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‪)) :‬إذا‬
‫دخل أحدكم المسجد فل يجلس حتى يصلي‬
‫ركعتين(()‪ .(1‬هل لو صلى الفريضة حصل‬
‫المقصود؟ حصل المقصود‪ .‬لو صلى الراتبة حصل‬
‫المقصود؟ حصل المقصود‪.‬‬
‫لو لم يكن فريضة ول راتبة‪ ،‬دخل في وقت ل‬
‫فريضة ول راتبة‪ ،‬فهنا يصلي ركعتين مستقلتين بنية‬
‫استباحة أو تحقيق سنة الركعتين اللتين أمر بهما‬
‫م‪ ،‬فالصلة هنا ليست‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫النبي َ‬
‫مقصودة لذاتها‪ ،‬إنما المقصود أل يجلس حتى‬
‫يصلي‪ ،‬فكيف ما كانت الصلة ‪ :‬كانت سنة وضوء‪،‬‬
‫كانت صلة استخارة‪ ،‬كانت صلة وتر‪ ،‬كانت ما‬
‫كانت‪ ،‬فإن المقصود أل يجلس حتى يصلي ركعتين‪.‬‬
‫ومثال ذلك أيضا ً المعتمر إذا دخل البيت‪ ،‬تحية‬
‫ه‪،‬‬
‫ه عَن ْ ُ‬‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬
‫البيت الطواف كما قال ابن عباس َر ِ‬
‫إل ٰى البيت هل يطوف تحية البيت ثم‬ ‫فإذا دخل‬
‫يطوف للعمرة‪ ،‬أم يكتفي بطواف العمرة عن‬
‫الطواف الذي هو تحية البيت؟ الجواب‪ :‬أنه يكتفي‬
‫بطواف العمرة عن طواف التحية‪ .‬ولذلك المتمتع‬
‫بالحج إذا قدم مكة هل يطوف طواف القدوم؟ ل‪،‬‬
‫ل يطوف طواف القدوم‪ ،‬لماذا ل يطوف طواف‬
‫القدوم؟ لن طواف العمرة يجزئ؛ لن المقصود أن‬
‫يبتدئ الداخل إلى البيت بالطواف بالبيت ويعظم‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب التهجححد‪ ،‬بححاب مححا جححاء فححي التطححوع مثنححى‬
‫مثنى‪ ،‬حديث رقم )‪.(1167‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪160‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫هذا البيت بالطواف به‪ ،‬فكيفما حصل بطواف‬
‫العمرة أو بغيرها من الطوفة فإنه حصل المقصود‪،‬‬
‫ولذلك لبد من تقييد كلم المؤلف هنا في قوله‪:‬‬
‫وفعلت إحداهما‬ ‫ُ‬ ‫وإن تساوى‬
‫فاستمعايكون فعل‬ ‫اجتمعاإحداهما؛ لكن متى‬ ‫العملن‬
‫يكفي فعل‬ ‫يعني‬
‫إحداهما كافيًا؟ إذا كان الفعل ليس مقصود ًا لذاته‪.‬‬
‫لكن لو أن الشخص ما تسنن‪ ،‬لم يصلّ راتبة‬
‫الفجر ودخل المسجد هل يجتزئ بالفريضة عن‬
‫راتبة الفجر؟ دخل المسجد وهم يصلون صلة‬
‫الفجر هل نقول‪ :‬الن هذان الفعلن اجتمعا وتساويا‬
‫فيكفي أحدهما عن الآخر؟ الجواب‪ :‬ل؛ لن صلة‬
‫الركعتين قبل الفجر مقصودة لذاتها فل يجزئ‬
‫عنهما الفريضة‪.‬‬
‫كذلك سنة الضحى‪ ،‬لو أن إنسانا ً لم يصلّ الراتبة‬
‫قبل الفجر‪ ،‬نام عنها وصلى الفريضة‪ ،‬ثم بقي في‬
‫المسجد حتى أشرقت الشمس وارتفعت؛ حسنا ً‬
‫الن بارتفاع الشمس قيد رمح يكون قد حل وقت‬
‫الضحى‪ ،‬دخل وقت صلة الضحى‪ ،‬فإذا صلى‬
‫ركعتين‪ ،‬ركعتا الفجر هل تكفيان عن صلة الضحى؟‬
‫الجواب‪ :‬ل؛ لن صلة الضحى مقصودة لذاتها‪.‬‬
‫فانتبه لهذا فهو قيد مهم لكلم المؤلف رحمه‬
‫الله‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫مثاله المرهون‬ ‫وكل مشغول فل‬
‫بليشغل‪ ،‬وهذه‬ ‫والمس ّل‬
‫غل( أي‬‫غلمشغول فل يش ّ‬ ‫)يش ّ‬
‫وكل‬
‫القاعدة المشهورة في كلم الفقهاء‪ :‬أن‬
‫المشغول ل يشغل‪ ،‬المشغول هو‪ :‬الذي تعلق به‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪161‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫عمل أو به حكم‪ ،‬فإنه ل يشغل بغير ما تعلق به‬
‫أول ً‪ ،‬المشغول ل يشغل؛ يعني إذا تعلق الحكم أو‬
‫العمل بأمر فإننا ل نشغله بحكم جديد أو بعمل‬
‫جديد‪.‬‬
‫مثّل له رحمه الله‪) :‬المرهون والمسّبل(‬
‫جعلت‬ ‫المرهون مفعول‪ ،‬والمراد به العين التي ُ‬
‫رهنًا‪ ،‬تعرفون الرهن؟ العين التي جعلت رهنا ً‪،‬‬
‫اشتريت منك كتابًا‪ ،‬ثبت قيمة الكتاب في ذمتي لك‪،‬‬
‫ما عندي مال قلت‪ :‬ارهني قلمك‪ .‬تمام ارهني‬
‫القلم‪ ،‬أعطيتكه ٰحذا القلم رهنا ً بالثمن‪ ،‬الن هذه‬
‫العين مشغولة أو ليست مشغولة؟ مشغولة‪ ،‬بأي‬
‫شيء مشغولة؟ بالرهن‪ ،‬فهي مرهونة بالثمن الذي‬
‫في ذمتي لك‪ ،‬فإذا لم تتمكن من استيفاء الثمن‬
‫تستوفيه من قيمة القلم أليس كذلك‪.‬‬
‫ك إياه‪ ،‬الن هذا عندك رهن‬ ‫ضُت َ‬
‫طيب الن هذا َقبّ ْ‬
‫في أي شيء؟ في ثمن الكتاب‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫الكتاب هذا استفدت منه‪ ،‬جئتك وقلت‪ :‬أريد أن‬
‫أشتري نسخة ثانية من الكتاب‪ ،‬قلت‪ :‬طيب ل بأس‬
‫خذ هذا الكتاب بثمن جديد‪ ،‬ثمن آخر‪ .‬قلتَ‪ :‬أعطني‬
‫رهنا ً لهذا الثمن الجديد‪ .‬قلت‪ :‬ما عندي إل القلم‬
‫هذا يساوي مائة ريال والكتابان مجتمعان ما‬
‫يساويان عشرين ريال ً‪ ،‬فهل يصح أن أزيد في‬
‫الرهن؟ هل يصح أن أجعل هذا القلم في الكتابين؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬لن القلم مشغول بالرهن الول‪،‬‬
‫بالثمن الول فل يُزاد عليه شيء جديد‪ .‬واضح؟‬
‫شغلت‪ ،‬فل نزيد شغلها؛‬ ‫إذا ً الن بما أن العين قد ُ‬
‫لن الن هذا مشغول‪ ،‬والمشغول ل يُشغل‪ .‬طيب‬
‫ن وهو )المسبل(‬ ‫مثّل المؤلف رحمه الله بمثال ثا ٍ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 162‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫والمراد بالمسبل الموقوف‪ .‬العين الموقوفة‪،‬‬
‫أوقفت هذا البناء على طلبة العلم؛ الن هل هذا‬
‫البناء مشغول؟ مشغول‪ ،‬ثم بعد فترة قلت‪ :‬طلبة‬
‫العلم تأتيهم موارد كثيرة‪ ،‬سأجعل هذا أيضا ً وقفا ً‬
‫للفقراء‪ ،‬هل لي هذا؟ ليس لي هذا‪ ،‬ليس لي هذا‬
‫التحويل؛ لأن هذه العين مشغولة بجهة معينة وهي‬
‫طلبة العلم‪ ،‬وما دام أن طلبة العلم عندهم حاجة‬
‫ولو كانت الحاجة محصورة بواحد فإن العين تبقى‬
‫وقفا ً على الجهة التي أوقفت لجلها‪ ،‬إل إذا تعطلت‬
‫فهنا مسألة أخرى إذا تعطلت هناك بحث آخر‪،‬‬
‫إل ٰى جهة‬ ‫تعطلت هذه الجهة فللناظر أن ينقله‬
‫مماثلة أو أوسع‪.‬‬
‫أيضا ً هذه العين موقوفة في عمل من أعمال‬
‫البر‪ ،‬هل لي أن أعقد عليها عقد بيع؟ هل لي أن‬
‫أبيع هذه العين؟ هل لي أن أهبها لشخص آخر؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ .‬لماذا؟ لن العين مشغولة‪.‬‬
‫ه ٰحذا معنى قوله رحمه الله‪:‬‬
‫مثاله المرهون‬ ‫وكل مشغول فل‬
‫والمسّبل‬ ‫غل‪:‬‬‫يش ّ‬
‫قال‬ ‫ثم‬
‫‪.....................‬‬ ‫ومن يؤدّ عن أخيه‬
‫‪........‬‬
‫الحقوق‪.‬‬ ‫واجبا‬
‫والواجب المراد به الثابت من‬
‫له الرجوع إن‬ ‫‪.......................‬‬
‫يطالباأي عن‬ ‫د( أي من يوفِ )نوى‬
‫عن أخيه(‬ ‫‪.........‬يؤ ّ‬
‫)ومن‬
‫غيره )واجبا( أي شيئا ً ثابتا ً من الحقوق )له‬
‫الرجوع(‪ ،‬الضمير يعود إلى من؟ إلى المؤدي )له‬
‫الرجوع( لكن متى؟ )إن نوى يطالبا(‪.‬‬
‫فعندنا الن يا إخوان من أدى عن غيره واجباً‪ ،‬مثل ً‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪163‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫أنا علمت أن زيدا ً مدين لعمرو‪ ،‬فذهبت إلى عمرو‬
‫وقلت‪ :‬أنت تطالب زيدا ً بألف ريال‪ ،‬هذه اللف‬
‫أود واجباً؟‬
‫ّ‬ ‫الريال‪ .‬أنا الن أديت عنه واجباً أو لم‬
‫أديت واجبًا‪ ،‬هذا الأداء ل يخلو من حالين؛ فعلي وهو‬
‫الداء ل يخلو من حالين‪:‬‬
‫الحال الولى‪ :‬أن يكون تبرّعًا‪ ،‬أن يكون تبرعا ً‬
‫مني‪ ،‬فإذا كان تبرعا ً فليس لي حق الرجوع فيه؛‬
‫لن التبرع هبة وليس لي الرجوع فيها إذا قبضها من‬
‫ه عَل َي ْهِ وعلى آله‬
‫صّلى الل ُ‬
‫استحقها؛ لقول النبي َ‬
‫م‪)) :‬العائد في هبته كالكلب يقيء ثم‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫يعود في قيئه‪ ،‬ليس لنا مثل السوء((‪.‬‬
‫واضح هذا؟‬
‫إذا ً إذا نوى المؤدي عن غيره واجبا ً التبرع فليس‬
‫له الرجوع بالجماع‪ .‬هذه هي الحال الولى‪.‬‬
‫أما الحال الثانية‪ :‬أن ل ينوي التبرع‪ ،‬وهذا له‬
‫حالن‪ ،‬هذا القسم له حالن‪:‬‬
‫الحالة الولى‪ :‬أن ينوي الرجوع‪ ،‬فهذا له‬
‫المطالبة‪ ،‬فمثل ً أنا جئت إلى عمرو وقلت‪ :‬أنت‬
‫تطلب من زيد ألف ريال‪ ،‬خذ هذه اللف الريال‪.‬‬
‫فأديت عن زيد حّقا ً واجبا ً أو ل؟ أديت عنه حّقا ً‬
‫واجبًا‪ ،‬نويت الرجوع على زيد‪ ،‬فجئت لزيد فقلت‪ :‬يا‬
‫زيد أعطني‪ ،‬هل لي الرجوع عليه؟ نعم لي الرجوع‬
‫عليه‪ ,‬ل إشكال في ذلك‪ .‬هذا لني قد نويت‬
‫الرجوع‪ ،‬ولم أنو التبرع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري‪ :‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬بححاب إذا حمححل علححى فححرس‬
‫فرآها تباع‪ ،‬حديث رقم )‪.(3003‬‬
‫مسلم‪ :‬كتاب الهبات‪ ،‬باب كراهة شراء النسححان مححا تصححدق بححه‬
‫ممن ُتصدق عليه‪ ،‬حديث رقم )‪.(1620‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪164‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫طيب أنا لم أنو التبرع‪ ،‬لما ذهبت إلى عمرو لم‬
‫و التبرع‪ .‬لكني أيضا ً لم أنو الرجوع‪ ،‬ذهلت عن‬ ‫أن ِ‬
‫الرجوع‪ ،‬هذا يحصل‪ ،‬مثل ً لو جئت ووجدت آدم‬
‫يمسك العصا على رشيد ويقول‪ :‬يا رشيد أعطني‬
‫المال الذي أطلبه منك‪ .‬الن يوجد مشكل أم ليس‬
‫هناك مشكل؟ نعم هناك مشكل‪ ،‬جئت أنا وقلت‪ :‬يا‬
‫آدم أنت كم تطلب منه؟ قال‪ :‬خمسين ريال ً‪.‬‬
‫أعطيت آدم خمسين ريالًا‪ ،‬وانتهى الشكال‪ ،‬الن‬
‫هل لي أن أرجع على رشيد بالخمسين؟ أنا الن لم‬
‫أنو التبرع لكن مع الشكال ما استحضرت نية‬ ‫ِ‬
‫الرجوع على رشيد‪ ،‬إنما أردت فك المشكلة‪ ،‬فهل‬
‫لي الرجوع؟ ظاهر كلم المؤلف رحمه الله أنه‬
‫ليس لي الرجوع؛ لني لم أنوِ المطالبة‪ ،‬وهذا هو‬
‫المذهب عند الحنابلة‪ :‬أنه إذا لم ينو الرجوع فليس‬
‫له الرجوع‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أن له الرجوع مطلقا ً إذا لم ينوِ‬
‫التبرع‪ ،‬سواء نوى الرجوع أو ذهل عن ذلك وغفل‬
‫عنه‪.‬‬
‫وهذا القول الثاني هو الصحيح‪ ،‬وهو اختيار شيخنا‬
‫محمد بن عثيمين رحمه الله؛ لأن النية تفهم بقرينة‬
‫الحال كما أنها تفهم بما يقوم في القلب‪ ،‬وقرينة‬
‫الحال أني أريد الرجوع‪ ،‬ما أعطيته على وجه‬
‫ناو الرجوع‪ ،‬فإن نويت‬
‫التبرع‪ ،‬فلم يبقَ إل أني ٍ‬
‫أنو الرجوع فالراجح‬
‫الرجوع فهذا واضح‪ ،‬وإن لم ِ‬
‫من أقوال أهل العلم أن لي الرجوع عليه؛ لني لم‬
‫أنو التبرع‪ .‬طيب‬
‫انتهى الكلم على هذا البيت‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪165‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫ي‬‫كالوازع الشرع ْ‬ ‫ي‬‫والوازع الطبع ْ‬
‫أي منعته‪،‬‬ ‫نكران‬‫بلن كذا‬‫العصيانالمانع‪ ،‬وزعته ع‬ ‫)عن‬
‫الوازع( هو‬
‫فالوازع هو ما يوجب الترك‪.‬‬
‫فيقول رحمه الله‪) :‬والوازع الطبعي( يعني‬
‫الذي يمنع من فعل الشيء طبعا ً )كالوازع‬
‫الشرعي( يعني كالمانع الشرعي‪ ،‬فالمؤلف رحمه‬
‫الله يقول‪ :‬المانع الطبعي عن العصيان كالمانع‬
‫الشرعي عنه في إفادة التحريم‪.‬‬
‫فمثل ً أكل النجاسات هل موجب ترك ذلك الشرع‬
‫أو الطبع؟ الطبع ل إشكال‪ ،‬الطبع يمنع من أكل‬
‫النجاسات‪ ،‬فهو كما لو منع منه الشارع‪ ،‬والشارع‬
‫قد منع منه؛ لن ما منع منه الطبع السليم‬
‫المستقيم فالشارع يمنع منه؛ لن الشريعة جاءت‬
‫فطَْر َ‬
‫ة‬ ‫بتحصيل المصالح وبما يوافق الفطرة‪ِ ﴿ :‬‬
‫ق‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫دي َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫فطََر الّنا َ‬
‫ه ال ِّتي َ‬
‫الل ّ ِ‬
‫خل ِ‬ ‫ها ل ت َب ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫ه﴾)‪ .(1‬فكل ما اقتضته الفطرة فإن الشريعة تأمر‬ ‫الل ّ ِ‬
‫به‪ ،‬وكل ما منعت منه الفطرة فإن الشريعة تمنع‬
‫منه‪.‬‬
‫لكن انتبه‪ ،‬الوازع الطبعي قد ل يرتب عليه‬
‫الشارع عقوبة دنيوية‪ ،‬مع تحريمه لكن ل يرتب عليه‬
‫الشارع عقوبة دنيوية‪ ،‬بخلف الوازع الشرعي‪،‬‬
‫فالزنى هل هو مستكره طبعًا؟ ل‪ ،‬إنما منع منه‬
‫الشرع‪ ،‬ل إشكال أن أصحاب النفوس السوية‬
‫يعلمون ذلك ويفهمونه؛ لكن ليس المانع منه‬
‫كالمانع من أكل العذرة أو البول‪ ،‬هل المانع من‬
‫الزنى نفسه طبعا ً كالمانع من أكل العذرة والبول؟‬

‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬الروم )‪.(30‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪166‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬فرق‪ ،‬هذا تكرهه النفوس وتأنف عنه‪،‬‬
‫وأما هذا فكثير من النفوس تميل إليه‪.‬‬
‫فالشارع في ذلك لم يرتب عقوبة دنيوية على‬
‫أكل المستقذرات والقبائح‪ ،‬بينما رتب عقوبة‬
‫شرعية على الزنى‪.‬‬
‫فمعنى قول المؤلف‪:‬‬
‫ي‬ ‫كالوازع الشرع ْ‬ ‫ي‬
‫والوازع الطبع ْ‬
‫في نكران‬
‫العقوبة ففرق‬ ‫التحريم‪ ،‬أما بل‬ ‫العصيان‬
‫عنفي ثبوت‬ ‫أي‬
‫بينهما‪ .‬فقوله‪) :‬كالوازع الشرعي( أي في ثبوت‬
‫تحريم ذلك؛ في الحكم‪ ،‬ل فيما يترتب على التحريم‬
‫من عقوبات‪.‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪:‬‬
‫)والحهمد لله على التمهام(‪ ،‬حمد المؤلف‬
‫‪-‬رحمه الله‪ -‬الله جل وعل على التمام؛ أي على‬
‫إتمام ما قصد من هذه المنظومة )في البدء‬
‫والختام والهدوام( أي أحمده في بدء نظمي‬
‫وفي ختامه وأديم الحمد؛ لنه المحمود جل وعل في‬
‫كل حال وفي كل وقت وفي كل حين‪.‬‬
‫فالحمد له أول ً وآخرا ً كما قال الله جل وعل‪﴿ :‬ل َ ُ‬
‫ه‬
‫ُ‬
‫ة﴾)‪ (1‬فهو المحمود في‬ ‫خَر ِ‬ ‫في الوَلى َ‬
‫وال ِ‬ ‫مد ُ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫الدنيا وفي الخرة وهو المحمود في البتداء‬
‫والختام‪.‬‬
‫على النبيْ‬ ‫ع‬
‫ثم الصلة م ْ‬
‫المنظومة والتابع‬
‫المختصرة‬ ‫شائعقد ختم هذه وصحبه‬ ‫سلم يكون‬
‫وبهذا‬
‫في قواعد الفقه‪ ،‬نسأل الله عز وجل أن يرزقنا‬
‫وإياكم العلم النافع والعمل الصالح‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سورة ‪ :‬القصص )‪.(70‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪167‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫وكما ذكرت لكم آنفاً أن التعليق على هذه‬
‫المنظومة لم نوفها حقها بسبب ضيق الوقت‪،‬‬
‫ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الفقه في‬
‫الدين والعمل بالتنزيل إنه ولي ذلك والقادر عليه‪،‬‬
‫ونستمع إل ٰى‬ ‫وأصلي وأسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫السئلة‪.‬‬
‫ثم إني أوصيكم أيها الخوة بمواصلة طلب العلم‪،‬‬
‫فإن العلم ل تحده دورات ول يقف عند مناسبات‪،‬‬
‫بل طالب العلم يطلب العلم في كل حين وفي كل‬
‫وقت وفي كل زمان‪ ،‬ومن كان طلبه للعلم في‬
‫المناسبات فإنه لن يحصل العلم؛ لأن العلم بحره‬
‫واسع‪ ،‬وإذا أعطيته بعضك إنما تحصل جزءا ً منه‬
‫وشيئا ً يسير ًا منه‪.‬‬
‫فكيف إذا كان ل يطلبه إل في الدورات فقط‬
‫ولمدة أسبوع أو أسبوعين؟ ل يحصل شيئا ً كثيرًا‪،‬‬
‫فهذه الدورات بمثابة المفاتيح في تحصيل العلوم‪،‬‬
‫تعين النسان على فهم بعض القواعد وفهم بعض‬
‫المتون‪ ،‬وتكون مفتاح ًا له ليواصل طلب العلم من‬
‫خلل القراءة على المشايخ في الدروس الدائمة‪،‬‬
‫أو من خلل القراءة في الكتب أو المطالعة في‬
‫الشرطة التي تفيده علما ً وتفيده تأصيل ً‪.‬‬
‫وأوصيكم كما أوصيتكم في أول المر أن تعتنوا‬
‫في طلب العلم بالقواعد‪ ،‬فإن القواعد أصول‬
‫ينطلق منها الطالب ويبني عليها ويدخل الصور‬
‫المتنوعة تحت هذه القواعد والصول‪.‬‬
‫ومرادي بالقواعد ليس فقط القواعد الفقهية؛ بل‬
‫القواعد في كل علم وفي كل فن تدرسونه‪ ،‬ل‬
‫تشتغلوا بحفظ الجزئيات والفروع عن ضبط‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪168‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫الكليات والصول والقواعد‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن أن يسلك بنا وإياكم سبيل‬
‫الهدى والرشاد‪ ،‬وأن يجعلنا من أئمة الهدى‬
‫العاملين بالكتاب والسنة الداعين إليهما‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬أحسن الله إليكم يا شيخ وكتب لكم‬
‫الجر‪ ،‬ه ٰحذه أسئلة عبر النترنت يقول السائل‪ :‬متى‬
‫يمكن أن ُيستدل بالقاعدة الفقهية؟ وإذا كان يمكن‬
‫ذلك فما هي مرتبتها في الستدلل؟‬
‫الجواب‪ :‬القواعد الفقهية ل يستدل بها‪ ،‬إنما‬
‫يستدل عليها أو يستدل لها‪ ،‬فالقواعد الفقهية هي‬
‫مستنبطات من مجموع أدلة‪ ،‬ولذلك نجد أنّ العلماء‬
‫إذا قالوا القاعدة مث ً‬
‫ل‪) :‬الضرورات تبيح‬
‫المحظورات(‪ ،‬ذكروا لها الدلة من الكتاب ومن‬
‫السنة ومن الجماع ومن القياس ومن غير ذلك من‬
‫الدلة‪.‬‬
‫فالقواعد الفقهية تفيد الطالب في تصوّر المسائل‬
‫وإدراج الأفراد تحت الكلّيات؛ لكن ما يكون الدليل‬
‫إذا قيل‪ :‬ما دليل قولك في كذا؟ تقول‪ :‬القاعدة‬
‫الفلنية‪ ،‬إل إذا كنت تريد أن تبين أنها مندرجة في‬
‫دل عليه كذا ودل عليه من الكتاب كذا‬ ‫الصل الذي ّ‬
‫ومن السنة كذا ومن الجماع كذا‪ ،‬فهو ل يكون دليل‬
‫هذه المسألة لا القاعدة‪ ،‬إنما الدلة التي دلت على‬
‫القاعدة‪ ،‬فليس من الدلة القواعد‪ ،‬إنما الدلة هي‬
‫ما دل على ثبوت هذه القاعدة‪.‬‬
‫فليتنبه إلى هذا؛ لن كلم العلماء ومنه القواعد‬
‫الفقهية يستدل له ول يستدل به‪ ،‬فإذا قيل‪ :‬ما‬
‫دليلك في قول كذا أو في المسألة كذا؟ ما يسوغ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪169‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫أن تقول‪ :‬هذا قول أبي حنيفة أو هذا قول المام‬
‫مالك أو هذا قول الشافعي أو هذا قول العالم‬
‫الفلني المعاصر‪ ،‬فإن هذا ل يسوغ؛ لن أقوال‬
‫الرجال يستدل لها ول يستدل بها‪ .‬نعم‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل يجوز مكالمة المرأة قبل عقد‬
‫القران؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يجوز‪ ،‬هي أجنبية منه‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يكلمها مهاتفة ول مشافهة‪ ،‬إنما يجوز له أن ينظر‬
‫إليها‪ ،‬ونظره إليها على قدر ما يحصل به المقصود‬
‫من القدام على نكاحها‪ ،‬وأما أن ينظر إليها نظرا ً‬
‫زائدا ً على ذلك فل يجوز؛ لعموم اليات الدالة على‬
‫عدم جواز النظر إل للزوجة ومن يتمتع بها‪،‬‬
‫والمحارم الذين ل يحرم أن ينظروا إليهم ونظرهم‬
‫ليس نظر شهوة‪.‬‬
‫المهم أنه ل يجوز له المحادثة والمشافهة؛ لن‬
‫ه ٰحذا سيدعوه إل ٰى الخضوع في القول منه ومنها‬
‫وه ٰحذا محظور‪ ،‬إذا كانت أجنبية منه‪.‬‬
‫أما إذا عقد عليها فهي زوجة‪ ،‬له أن يكلمها وله‬
‫أن يفعل معها ما يفعل مع زوجته‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل يجوز تحنيط الحيوان بعد تذكيته‬
‫ذكاة شرعية؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا كان في ه ٰحذا مصلحة وكان مما تفيد‬
‫التذكية حله‪ ،‬فل بأس‪ ،‬بهذين الشرطين‪:‬‬
‫ل‪ ،‬مثل‬‫• إذا كانت التذكية تفيده إباحة وح ّ‬
‫تذكية ما يباح أكله‪.‬‬
‫• وكان في تحنيطه فائدة‪.‬‬
‫فل بأس‪.‬‬
‫أما إذا كانت التذكية ل تفيده حل ّ كأن يذكي مثل ً‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴿‪﴾ 170‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫أسدا ً ما يفيده‪ ،‬كذلك لو ذكى هّرًا‪ ،‬ه ٰحذه التذكية ل‬
‫تفيده إباحة؛ لنه ل يجوز تذكيته فهو ميتة على كل‬
‫حال‪ ،‬والميتة ل يجوز اقتناؤها ول الحتفاظ بها‪ ،‬أما‬
‫إذا كانت الذكاة تبيحه وكان فيه فائدة من تحنيطه‬
‫فل بأس‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬إذا صلت المرأة مع زوجها وليس‬
‫معهما أحد أين تقف منه المرأة؟‬
‫الجواب‪ :‬العلماء لهم في ه ٰحذا قولن‪:‬‬
‫منهم من يقول‪ :‬لها أن تصافه‪ ،‬يعني أن تكون‬
‫بجانبه كالرجل‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬إنها تكون خلفه‪.‬‬
‫والصحيح أنه تكون خلفه؛ لن المرأة ل تصاف‬
‫الرجل‪ ،‬وليست العلة في عدم المصافة هي عدم‬
‫ه عَل َي ْهِ وَعََلى آله‬
‫صّلى الل ُ‬
‫المحرمية؛ فإن النبي َ‬
‫م صلى بأنس ويتيم مع أنس ومعهم من هي‬ ‫سل ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫ه‪:‬‬
‫ه عَن ْ ُ‬
‫ي الل ُ‬
‫ض َ‬‫محرم لهم‪ ،‬ومع ذلك قال أنس َر ِ‬
‫صففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا‪ .‬فد ّ‬
‫ل‬
‫ذلك على أن المرأة ل تصاف الرجل‪ ،‬سواء كان‬
‫محرما ً لها أو غير محرم؛ لكن لو صاّفت هل تصح‬
‫الصلة؟ الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬صلتهم صحيحة مع المخالفة‬
‫في المصافة‪.‬‬
‫ن المرأة ل تصاف الرجل‪ ،‬إنما‬ ‫الجواب واضح؟ أ ّ‬
‫تكون خلفه ولو كانت زوجته‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل ه ٰحذه المنظومة جمعت كل القواعد‬
‫الفقهية أو بعضها؟‬
‫الجواب‪ :‬ه ٰحذا سؤال غريب‪ ،‬ل ما جمعت‪،‬‬
‫المذكور فيها عدد محدود من القواعد‪ ،‬والقواعد‬
‫الفقهية كثيرة جد ًّا‪ ،‬أما ما في ه ٰحذه المنظومة فهو‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪171‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫شيء من القواعد‪ ،‬وليس كل القواعد‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬المثال الذي ذكرتموه بين آدم ورشيد‪،‬‬
‫إذا لم ينو الرجوع وقام رشيد بإرجاع المال فهل له‬
‫أن يأخذه؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا كنت قد نويته تبرعا ً فليس لي‬
‫قبوله‪ ،‬مثل ً أعطيت آدم خمسين بنية التبرع وفاًء‬
‫لدين رشيد‪ ،‬جاء رشيد وقال‪ :‬ل‪ ،‬خذ ه ٰحذا المال‪،‬‬
‫ليس لي قبولها؛ لن من أخرج الشيء على وجه‬
‫التبرع فليس له قبوله على أي وجه‪ ،‬تقول لرشيد‪:‬‬
‫جزاك الله خيرا ً إن كانت الخمسون مضيقة عليك‬
‫تبرع بها أنت‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬إذا اشترط الزوج على زوجته أن ل‬
‫تتزوج بعد وفاته‪ ،‬فما حكم ه ٰحذا الشرط؟‬
‫الجواب ه ٰحذا شرط ل يجوز؛ لن ه ٰحذا من‬ ‫‪:‬‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪،‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وعلى آله وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫خصائص النبي َ‬
‫صّلى‬ ‫وليس لحد أن يشترط ما خص الله به نبيه َ‬
‫م‪ ،‬فه ٰحذا شرط ترتب عليه تحريم‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ُ‬
‫حلل‪ ،‬وما كان كذلك فإنه باطل‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬إذا أذن المؤذن في المسجد فهل يجوز‬
‫لي الخروج للصلة في الحرم لحصول الفضيلة‬
‫ومضاعفة الجر؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬من أذن المؤذن وهو في المسجد؛‬
‫فإن كان خروجه لمصلحة‪ :‬كأن يجدد الوضوء مث ً‬
‫ل‪،‬‬
‫أو يصلح شيئا ً ثم يرجع ‪ ،‬المهم لم يكن خروجه تركا ً‬
‫وزهدا ً في الواجب فإنه يجوز له‪ .‬كذلك من خرج‬
‫من المسجد ليصلي في مسجد قريب من بيته‪ ،‬أو‬
‫ليحضر درسا ً في مسجد آخر‪ ،‬أو لينتقل إل ٰى مكان‬
‫أفضل‪ ،‬كأن ينتقل إل ٰى الصلة في الحرم فإنه لم‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪172‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫يعص أبا القاسم‪ ،‬وإنما تحصل المعصية في حق من‬
‫خرج لغير حاجة‪ ،‬إنما خرج تركا ً للجماعة أو تهاونا ً‬
‫فيها‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ذكرتم في قاعدة )المشغول ل يشّغل(‬
‫مسألة رهن العين الواحدة للدينين أنه ل يجوز‪ ،‬مع‬
‫أن العين المشغولة من جنس الحكم الثاني؟ فهل‬
‫هناك مانع؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم هناك مانع؛ لن ه ٰحذه العين‬
‫مستحقة ومشغولة بالثمن السابق‪ ،‬فل يزاد فيها‪ ،‬إل‬
‫إن وافق المرتهن‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬هل يجب الطواف كلما دخلت المسجد‬
‫الحرام؟‬
‫الجواب‪ :‬الصحيح ل يجب‪ ،‬وتحية البيت الطواف‬
‫ه ٰحذا في حق من جاء بحج أو عمرة‪ ،‬أما من أتى‬
‫المسجد بغير الحج والعمرة فإنه كالمساجد العادية‬
‫ل يجلس حتى يصلي ركعتين‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما حكم الصلة إذا لم تتصل الصفوف‪،‬‬
‫كما ُيفعل في المسجد الحرام والمسجد النبوي؟‬
‫الجواب‪ :‬اتصال الصفوف سنة‪ ،‬فإذا كانوا في‬
‫داخل المسجد فل بأس‪ ،‬مع مخالفة للسنة‪.‬‬
‫أما إذا كانوا خارج المسجد فإن الصلة ل تصح‬
‫لمن كان خارج المسجد إذا لم تتصل الصفوف‪،‬‬
‫فاشتراط اتصال الصفوف لصحة الصلة إنما يكون‬
‫إذا كان المصلي خارج المسجد‪.‬‬
‫أما إذا كان داخل المسجد فإنه يصح أن يصلي‬
‫في آخر المسجد ولو لم يكن بينه وبين الصف الول‬
‫في المسجد أحد؛ يعني لو أن اثنين وقفا في آخر‬
‫المسجد وائتما بالمام ولم يكن بينهما وبين الصف‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪173‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫الول صفوف صحت صلتهما؛ لكنهما خالفا السنة؛‬
‫لن السنة التقارب بين الصفوف‪ ،‬وحد التقارب أن‬
‫ل يكون صف بين الصفين‪ ،‬ه ٰحذا الحد الذي تتحقق‬
‫به سنية التقارب بين الصفوف‪.‬‬
‫إذا وقف وحده ))فل صلة لمنفرد خلف‬
‫سل ّ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬‫الصف(( كما قال النبي َ‬
‫)‪(1‬‬

‫السؤال‪ :‬لو دخل رجل المسجد وصلى ركعة‬


‫واحدة للوتر قبل الفجر فهل ه ٰحذا يكفي عنه تحية‬
‫المسجد؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬ل بأس؛ لن المقصود أن ل يجلس‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬‫صّلى الل ُ‬
‫حتى يصلي‪ ،‬وقول النبي َ‬
‫))إذا دخل أحدكم المسجد فل يجلس حتى‬
‫يصلي ركعتين((‪ ،‬ه ٰحذا بناء على الغالب؛ لكن لو‬
‫)‪(2‬‬

‫أن شخصا ً دخل إلى المسجد ليصلي صلة الفجر‪،‬‬


‫ودخل وصلى ركعة واحدة للوتر فإن ذلك يجزئه‬
‫ويكفيه عن الركعتين؛ لن المقصود أن ل يجلس‬
‫حتى يصلي‪ ،‬وه ٰحذا هو اختيار شيخنا محمد العثيمين‬
‫رحمه الله‪.‬‬
‫فيه مسألة في مسألة دخول المسجد‪ :‬لو أن‬
‫دث‪ ،‬ما أراد الصلة‪ ،‬إنما‬ ‫شخصا ً دخل المسجد ليح ّ‬
‫دخل ليلقي كلمة‪ ،‬وقد انتهى الجماعة من الصلة‪،‬‬
‫ل قبل أن تتكلم؟‬ ‫أتى للميكروفون فهل نقول له‪ :‬ص ّ‬
‫أم أنه يصلح أن يتكلم دون صلة؟ ما يجلس‪ ،‬يحدث‬
‫دون جلوس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سنن ابن ماجه‪ :‬كتاب إقامة الصححلوات والسححنة فيهححا‪ ،‬بححاب‬
‫صلة الرجل خلف الصف وحححده‪ ،‬حححديث رقححم )‪ .(1003‬قححال‬
‫الشيخ اللباني‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تم تخريجه صفحة‪.(160) :‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪174‬‬


‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫نعم من دخل المسجد وأراد المكث فيه فإنه‬
‫يصلي ركعتين ولو لم يجلس‪ ،‬بمعنى لو أن شخصا ً‬
‫منكم دخل الن المسجد يريد أن يراجع حفظه‬
‫استمر ثلث ساعات ذاهبا ً آتيًا‪ ،‬هل يسن له قبل أن‬
‫يشرع في الذهاب والمجيء أن يصلي ركعتين ؟‬
‫صّلى الل ُ‬
‫ه‬ ‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬طيب ما الجواب على قوله َ‬
‫م‪)) :‬ل يجلس حتى يصلي ركعتين((‬ ‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫نقول‪ :‬ه ٰحذا بناء على الغالب‪ ،‬فالغالب أن الداخل‬
‫إلى المسجد يجلس؛ لكن إذا كان يريد المكث في‬
‫المسجد دون جلوس‪ ،‬حركة‪ ،‬ذهاب وإياب‬
‫للمراجعة‪ ،‬أو يريد أن يصلح شيئا ً في المسجد‪ ،‬أو‬
‫ل ركعتين‪.‬‬‫يريد أن يلقي كلمة فنقول‪ :‬ص ّ‬
‫وه ٰحذا هو اختيار شيخنا رحمه الله‪ :‬أنه كل من‬
‫أراد المكث في المسجد فإنه يصلي‪ ،‬سواء قصد‬
‫الجلوس أو لم يقصد الجلوس‪ ،‬الخطبة مستثناة؛‬
‫ل‪.‬‬‫م جلس ولم يص ّ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ُ‬
‫لن النبي َ‬
‫السؤال‪ :‬هل يوجد شرح مطبوع لشرح الشيخ‬
‫محمد بن عثيمين رحمه الله للجرومية ؟‬
‫الجواب‪ :‬مطبوع ل أعلم؛ لكنه مفّرغ في‬
‫مذكرات وهو موجود أيضا ً في أشرطة‪ .‬وهو نافع‬
‫لمن كان مبتدئا ً في اللغة يفيده كثيرًا؛ لن الشيخ‬
‫غفر الله له ورحمه ُيكثر من ذكر المثلة ومناقشة‬
‫الطلبة وه ٰحذا يحتاجه المبتدئ‪.‬‬
‫السؤال‪ :‬ما حكم من تاب من ذنبه ولم يرد ّ‬
‫الحقوق إل ٰى أهلها؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬ما حصلت التوبة‪ ،‬التوبة في حق‬
‫الدمي ل تحصل إل برد الحق إل ٰى أهله‪.‬‬
‫ه ٰحذا لم يتب حقيقة‪.‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪175‬‬
‫الحححدروس – شحححرح القواعحححد الفقهيحححة ‪ -‬الحححدرس‬
‫السادس‬
‫نكتفي بهذا‪ ،‬ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا‬
‫وإياكم العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿‪176‬‬

You might also like