You are on page 1of 13

‫نبذة حول علم التعبري‬

‫بقلم‪ /‬عبداحلكيم بن عبدهللا رابع الشحي‬

‫يعترب علم التعبري من العلوم األوىل وال زال يف العصور املتقدمة واملتأخرة‪ ،‬وهو علم‬
‫رفيع القدر وعلم نفيس‪ ،‬بل هو أدق وأصعب من العلوم األخرى‪.‬‬

‫قال ابن الوردي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف ألفيته‪:‬‬

‫قال ــت به أعيــان ك ــل ملــة **** ثـم خ ــصوصاً حنن أهل القبلــة‬

‫أي أن علم التعبري ُعرف عند امللل السابقة‪ ،‬وهو منسوب ألهل الصالح والتدين‪،‬‬
‫وما كان يعرب الرؤى إال أهل الصالح‪ ،‬وهذا ظاهر يف قصة يوسف ‪ -‬عليه السالم‬
‫السجن فَتَ ي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َح ُد ُُهَا‬
‫ال أ َ‬
‫ان قَ َ‬ ‫‪ -‬مع صاحيب السجن‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪َ ﴿ :-‬وَد َخ َل َم َعهُ ْ َ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ال ْاْلَخر إِِّّّن أَرِّاّن أ ِّْ‬ ‫إِِّّّن أَرِّاّن أ َْع ِّ‬
‫َمح ُل فَ ْو َق َرأْسي ُخْب ًزا ََتْ ُك ُل الطَّْ ُري مْنهُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ق‬‫و‬ ‫ا‬
‫ر‬
‫ُ ً َ‬‫َخ‬
‫َْ‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ي﴾ [يوسف‪ ،]36 :‬ملا وجدا يف يوسف ‪ -‬عليه‬ ‫نَبِّْئ نَا بِّتَأْ ِّويله إِّ ََّّن نََر َاك م َن الْ ُم ْحسن َ‬
‫السالم ‪ -‬الصالح ومست أهل اإلحسان‪ ،‬سألوه عن التعبري‪ ،‬أما يف شرع حممد ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬فعلم التعبري ظاهر جداً وهو من األُهية مبكان‪ ،‬كيف ال‬
‫اْلَيَاةِّ الدُّنَْيا َوِّيف ْاْل ِّخَرةِّ﴾ [يونس‪:‬‬ ‫وهللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يقول‪ََ ﴿ :‬لُُم اْلبُ ْشَر ٰى ِّيف ْ‬
‫‪ ،]64‬قال أبو الدرداء ‪ -‬رضي هللا عنه ‪" :-‬سألت رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫اْلَيَ ِّاة الدُّنْيَا َوِّيف ْاْل ِّخَرةِّ﴾‬
‫وسلم ‪ -‬عن قول هللا ‪ -‬عز وجل ‪ََ ﴿ :-‬لُُم الْبُ ْشَر ٰى ِّيف ْ‬
‫‪1‬‬
‫[يونس‪ ،]64 :‬قال‪( :‬ما سألين أحد عنها غريك منذ أنزلت‪ ،‬هي الرؤاي الصاْلة‬
‫يراها الرجل أو ترى له)"‪ ،‬وقال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬مل يبق من النبوة إال‬
‫املبشرات)‪ ،‬قالوا‪ :‬وما املبشرات؟ قال‪( :‬الرؤاي الصاْلة)‪ ،‬وقال ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪( :-‬الرؤاي الصاْلة جزء من ست وأربعي جزءا من النبوة)‪.‬‬

‫وعلم التعبري مبناه على حسن الفهم والعبور من األلفاظ واحملسوسات واملعنوايت‬
‫أو ما يناسبها حبسب حال الرائي وحبسب الوقت ‪ -‬الزمان واملكان واْلال املتعلقة‬
‫ابلرؤاي ‪.-‬‬

‫واعلم ‪ -‬رمحك هللا ‪ -‬أن تعبري الرؤى علم من العلوم‪ ،‬له أصول ومبادئ‪ ،‬وأحكام‪،‬‬
‫ك ِّم ْن ََتْ ِّو ِّيل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ك َويُ َعل ُم َ‬
‫يك َربُّ َ‬ ‫والدليل قوله ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ ﴿ :-‬وَك َٰذل َ‬
‫ك ََْيَتبِّ َ‬
‫يث﴾ [يوسف‪ ،]6 :‬قال الطربي ‪ -‬رمحه هللا ‪" :-‬ويعلمك ربك من علم ما‬ ‫ْاألَح ِّاد ِّ‬
‫َ‬
‫يؤول إليه أحاديث الناس‪ ،‬عما يرونه يف منامهم‪.1"..‬‬

‫قال ابن خلدون ‪ -‬رمحه هللا ‪" :-‬علم التعبري علم بقواني كلية يبين عليها املعرب‬
‫عبارة ما يقص عليه‪ ،‬وَتويله كما يقولون‪ :‬البحر يدل على السلطان‪ ،‬ويف موضع‬
‫آخر يقولون‪ :‬البحر يدل على الغيظ‪ ،‬ويف موضع آخر يقولون‪ :‬البحر يدل على اَلم‬
‫واألمر الفادح‪ ،‬ومثل ما يقولون‪ :‬اْلية تدل على العدو‪ ،‬ويف موضع آخر يقولون‪:‬‬
‫هي كامت سر‪ ،‬ويف موضع آخر يقولون‪ :‬تدل على اْلياة وأمثال ذلك‪.‬‬

‫‪ )1‬جامع البيان يف أتويل القرآن‪.150 /7 :‬‬

‫‪2‬‬
‫فيحفظ املعرب هذه القواني الكلية‪ ،‬ويعرب يف كل موضع مبا تقتضيه القرائن اليت تعي‬
‫من هذه القواني ما هو أليق ابلرؤاي‪ ،‬وتلك القرائن منها يف اليقظة‪ ،‬ومنها يف النوم‪،‬‬
‫ومنها ما ينقدح يف نفس املعرب ابخلاصية اليت خلقت فيه وكل ميسر ملا خلق له‪ ،‬ومل‬
‫يزل هذا العلم متناقالً بي السلف‪ ،‬وكان حممد بن سريين فيه من أشهر العلماء‬
‫وكتب عنه يف ذلك القواني وتناقلها الناس َلذا العهد"‪.1‬‬

‫صَّرفَ َها قَ ْد ًرا‬‫ال َو َ‬ ‫اَّللُ ‪ُ -‬سْب َحانَهُ ‪ْ -‬األ َْمثَ َ‬ ‫ب َّ‬ ‫ضَر َ‬
‫وقال ابن القيم ‪ -‬رمحه هللا ‪" :-‬قَ ْد َ‬
‫َّي ِّء َإىل‬ ‫ِِّّ ِّ‬
‫ك‪َ ،‬و ُعبُوره ْم م ْن الش ْ‬
‫وشرعا وي َقظَةً ومناما‪ ،‬ود َّل ِّعباده علَى ِّاالعتِّب ِّ ِّ‬
‫ار بِّ َذل َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ْ ً َ َ َ ََ ً َ َ َ َ ُ َ‬
‫الرْؤَاي الَِّّيت ِّه َي ُج ْزءٌ ِّم ْن‬ ‫َّظ ِّري‪ ،‬بَ ْل َه َذا أ َْه ُل ِّعبَ َارةِّ ُّ‬‫َّظ ِّري علَى الن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫نَ ِّظ ِّريهِّ‪ ،‬و ِّ ِِّّ‬
‫است ْدَالَل ْم ِّابلن َ‬ ‫َ ْ‬
‫اس والت َّْمثِّ ِّيل‪ ،‬و ْاعتِّبَ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ َّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أ ِّ‬
‫ار‬ ‫َ‬ ‫َجَزاء النُّبُ َّوة َونَ ْوعٌ م ْن أَنْ َو ِّاع الْ َو ْح ِّي؛ فَإَّنَا َمْبنَّيةٌ َعلَى الْقيَ ِّ َ‬ ‫ْ‬
‫ص تَد ُّل علَى ِّ‬ ‫وس‪ ،‬أََال تَرى أ َّ ِّ‬ ‫ول ِّابلْ َم ْح ُس ِّ‬ ‫الْمع ُق ِّ‬
‫ين‪،‬‬ ‫الد ِّ‬ ‫اب ِّيف التَّأْ ِّو ِّيل َكالْ ُق ُم ِّ ُ َ‬ ‫َن الثيَ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫س فَهو ِّيف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ول أ َْو قِّ َ ٍ‬ ‫فَما َكا َن فِّيها ِّمن طُ ٍ‬
‫َّيب ‪-‬‬ ‫ين َك َما أ ََّوَل النِّ ُّ‬ ‫الد ِّ‬ ‫صر أَْو نَظَافَة أ َْو َدنَ ٍ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َن ُك اال‬ ‫ين َوالْعِّْل ِّم‪َ ،‬والْ َق ْد ُر الْ ُم ْش َََت ُك بَْي نَ ُه َما أ َّ‬ ‫اَّلل علَي ِّه وسلَّم ‪ -‬الْ َق ِّميص ِّاب ِّ‬
‫لد ِّ‬ ‫َ َّ‬
‫َ‬ ‫صلى َُّ َ ْ َ َ َ‬
‫ين يَ ْس َُُت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ي الن ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّمْن هما يسَت ِّ‬
‫يص يَ ْس َُُت بَ َدنَهُ َوالْع ْل ُم َوالد ُ‬ ‫َّاس؛ فَالْ َقم ُ‬ ‫صاحَبهُ َوََُيملُهُ بَْ َ‬ ‫ُ َ َ ْ ُُ َ‬
‫َّاس"‪.2‬‬‫ي الن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وحهُ َوقَ ْلبَهُ َوَُيَملُهُ بَْ َ‬
‫ُر َ‬
‫علم الرؤاي وتفسريها من العلوم اليت حتتاج إىل دراسة وفطنة وحساسية خاصة يف‬
‫تفسريها وَلذا قَ َّل أن يكون زمن إال وفيه معربون يعتنون بتعبري الرؤاي ويهتمون هبا؛‬
‫ألَّنا تشغل الناس وابلتايل فالبد من السؤال عن رؤايهم‪.‬‬

‫‪ )1‬املقدمة‪ :‬ص‪.887‬‬
‫‪ )2‬إعالم املوقعني‪.149 /1 :‬‬

‫‪3‬‬
‫فعلم التعبري من العلوم الشريفة الفاضلة إذ شرف العلم بشرف املعلوم‪ ،‬وقد قال‬
‫النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪( :-‬الرؤاي الصاْلة من ستة وأربعي جزءاً من النبوة)‪،‬‬
‫وأول ما بدأ به رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬من النبوة الرؤاي الصاْلة فكان‬
‫ال يرى رؤاي إال جاءت مثل فلق الصبح‪ ،‬فما زال النور يتسع حىت أشرقت مشس‬
‫النبوة‪ ،‬ومما يدل على أن للرؤاي عالقة بعلم النبوة قول النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪( :-‬مل يبق من النبوة إال املبشرات)‪ ،‬فقيل‪ :‬ما املبشرات؟ قال‪( :‬الرؤاي الصاْلة يراها‬
‫الرجل الصاحل أو ترى له)"‪ ،‬وهللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يعوض املؤمني يف آخر الزمان لبعد‬
‫عهدهم بشروق مشس النبوة ابلرؤاي الصاْلة‪ ،‬فإذا تقارب الزمان مل تكد رؤاي املؤمن‬
‫تكذب‪ ،‬ومما يدل على شرف الرؤاي الصاْلة كذلك أن النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ -‬أضافها إىل هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬إضافة تشريف؛ فأخرب أن الرؤاي الصاْلة من هللا‬
‫ومما يدل على شرفها كذلك أن هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬خص هبا يف األغلب املؤمني‬
‫ف َعلَْي ِّه ْم َوال ُه ْم ََْيَزنُو َن *‬ ‫املتقي كما قال ‪ -‬تعاىل ‪﴿ :-‬أَال إِّ َّن أَولِّياء َِّّ‬
‫اَّلل ال َخ ْو ٌ‬ ‫َْ َ‬
‫يل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الَّ ِّذين آمنُوا وَكانُوا ي تَّ ُقو َن * ََلم الْب ْشرى ِّيف ْ ِّ‬
‫اْلَيَاة الدُّنْيَا َويف اْلخَرة ال تَْبد َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ك ُه َو الْ َف ْوُز الْ َع ِّظ ُيم﴾‪.‬‬ ‫ات َِّّ ِّ‬‫لِّ َكلِّم ِّ‬
‫اَّلل ذَل َ‬ ‫َ‬

‫والبشرى يف الدنيا هي الرؤاي الصاْلة وكذا حمبة اخللق وثناء اخللق‪ ،‬ومما يدل على‬
‫شرفها ما يصحبها من انشراح صدر املؤمن وفرحه هبا‪ ،‬ونشاطه يف العبادة بسببها‪،‬‬
‫وزايدة حبه هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ورجاؤه لرمحته وفضله‪ ،‬وملا كان علم التعبري من العلوم‬
‫الشريفة اختص هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬به أنبياءه الكرام وأولياءه األعالم منهم‪ :‬إبراهيم‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫ويوسف‪ ،‬وحممد ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ ،-‬قال ابن الوردي ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف‬
‫ألفيته‪:‬‬
‫ني‬
‫حسن **** وفضله يف يوسف ُمبَ َ ُ‬
‫وبعد فالتعبري علم ُ‬

‫أي علم التعبري علم مجيل ممتع مفيد؛ ألنه من مشكاة النبوة‪ ،‬بل هو جزء من أجزاء‬
‫النبوة‪ ،‬وال يطعن يف علم التعبري إال جاهل‪ ،‬ومن أراد أن يقف على فضل هذا العلم‬
‫فليتأمل يف قصة يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬فعلم التعبري ظاهر يف قصة يوسف ‪-‬‬
‫عليه السالم ‪ ،-‬وال خيفى لكل مطلع أن سورة يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فيها بيان‬
‫أصول التعبري‪ ،‬قال العالمة السعدي ‪ -‬رمحه هللا ‪..." :-‬إن فيها أصوالً لعلم تعبري‬
‫الرؤاي‪ ،‬فإن علم تعبري الرؤاي علم عظيم مهم‪ ،‬مبناه على حسن الفهم‪ ،‬والعبور من‬
‫األلفاظ واحملسوسات واملعنوايت‪ ،‬أو ما يناسبها حبسب حال الرائي‪ ،‬وحبسب‬
‫الوقت واْلال املتعلقة ابلرؤاي"‪.1‬‬

‫‪ )1‬فوائد مستنبطة من قصة يوسف‪ :‬ص‪.14‬‬

‫‪5‬‬
‫املدخل لعلم التعبري‬

‫يذكر أهل العلم يف طليعة كل فن التعريف ابلعلم الذي سيدرسه الطالب‪ ،‬ليتعرف‬
‫الطالب بشكل جممل على الفن الذي سيدرسه‪ ،‬فتشتد الرغبة يف حتصيله واجلد يف‬
‫تعلمه‪.‬‬

‫وقد ذكر ابن الصبان ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬أبياتً مهمة يف مبادئ العلوم فقال‪:‬‬

‫إن مـ ـ ـ ِ‬
‫ـبادي كـ ـ ِـل فـ ـ ـ ـ ٍّـن ع ـشـ ــرْة **** احل ـ ـ ـ ُّـد وامل ـ ــوض ـ ــوعُ ثـم الثـ ـ ـ ـمــرْة‬

‫ع‬
‫حكم الشار ْ‬
‫الستمداد ُ‬
‫ُ‬ ‫واالسم ا‬
‫ُ‬ ‫ونسـ ـ ـ ـب ـةٌ وفض ـ ـلُــهُ والـ ـ ــواضـ ـ ـ ْـع ****‬

‫ـاز الشــرف ــا‬


‫اجلميع ح ـ ـ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ابلبعض اكتفى **** ومن درى‬ ‫مسائل والبعضُ‬
‫ٌ‬

‫وهلذا تكون فائدة هذه األبيات‪:‬‬

‫‪ .1‬معرفة الطالب ماهية العلم‪ ،‬وابلتايل َيسن تصوره َلذا الفن‪.‬‬


‫‪ .2‬التعريف هبذا الفن بشكل جممل‪.‬‬
‫‪ .3‬فيه حسن التدرج يف طلب العلم‪.‬‬

‫‪ )1‬احلد‪ :‬املراد ابحلد‪ :‬هو التعريف‪ ،‬وأهم التعريفات يف هذا العلم هو تعريف‬
‫التعبري والرؤى‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أ‪ .‬التعبري‪ :‬قال ابن فارس يف [مقاييس اللغة‪" :]207 /4 :‬عرب (العي والباء والراء)‬
‫أصل صحيح واحد يدل على النفوذ واملضي يف الشيء‪ ،‬يقال عربت النهر ُعبوراً‪،‬‬
‫عرب النهر‪ :‬شطه‪ ،‬واملعرب‪ :‬شط‪ ،‬واملَْعرب‪ :‬شط ُهيئ للعبور‪.‬‬

‫من الباب عرب الرؤاي يعربها عرباً ِّ‬


‫وعبارة‪ ،‬ويعرب تعبرياً‪ ،‬إذا فسرها‪ ،‬ووجه القياس يف‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫هذا عبور النهر؛ ألنه يصري من ِّع ٍرب إىل ِّعرب‪ ،‬كذلك مفسر الرؤاي أيخذ هبا من ٍ‬
‫وجه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫إىل وجه‪ ،‬كأن يسأل عن املاء‪ ،‬فيقول‪ :‬حياة‪ ،‬أال تراه قد عرب يف هذا من ٍ‬
‫شيء إىل‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شيء‪.‬‬

‫خاص بتفسري الرؤاي‪ ،‬وهو العبور‬


‫قال ابن حجر يف [الفتح‪" :]369 /12 :‬التعبري ٌ‬
‫من ظاهرها إىل ابطنها‪ ،‬وقيل النظر يف الشيء‪ ،‬فيعترب بعضه ببعض‪ ،‬حىت َيصل‬
‫على فهمه‪ ،‬حكاه األزهري وابألول جزم الراغب"‪.‬‬

‫قال الزبيدي‪" :‬وعرب الرؤاي يعربها عرباً ‪ -‬ابلفتح‪ِّ ،‬‬


‫وعبارة ابلكسر ‪ -‬وعربها تعبرياً‬ ‫ُُ ْ‬
‫فسرها‪ ،‬وأخرب آبخر ما يؤول إليه أمرها"‪.‬‬

‫ب‪ .‬الرؤى‪ :‬مجع رؤاي وهي ما يراه اإلنسان يف منامه‪.‬‬

‫قال ابن منظور يف [لسان العرب]‪" :‬الرؤاي‪ :‬ما رأيته يف منامك‪ ،‬وهي الرؤى‪ ،‬ورأيت‬
‫الرجل إذا كثرت ُرؤاه‪ ،‬بوزن ُرعاه‪ ،‬وهي‬
‫ُ‬ ‫عنك ُرؤى حسنة‪ :‬حلمتها‪ ،‬و ْأرأى‬
‫أحالمه"‪.‬‬

‫قال ابن حجر يف [الفتح]‪" :‬الرؤاي هي ما يراه الشخص يف منامه"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فالرؤى‪ :‬مجع رؤاي وهي ما يراه اإلنسان يف منامه ويسمى حلم‪.‬‬

‫الرؤى واألح الم من معتقد أه ل السنة واجلماعة وهي اعتقادات خيلقها هللا يف نفس‬
‫النائم‪.‬‬

‫اَّللُ َخالِّ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء﴾ [الزمر‪.]62 :‬‬


‫قال هللا ‪ -‬تعاىل ‪َّ ﴿ :-‬‬

‫واخلالصة‪ :‬الرؤى واألحالم‪" :‬عبارة عن خياالت خيلقها هللا ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يف ذهن‬
‫يب‪ ،‬يدل على‬
‫عجيب‪ ،‬وعاملٌ غر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫لغز‬
‫النائم فرياها‪ ،‬ويعيش معها‪ ،‬ويتأثر هبا وهي ٌ‬
‫عظيم صنع هللا‪ ،‬وبديع خلقه‪ ،‬وقدرته سبحانه"‪.1‬‬

‫‪ )2‬املوضوع‪ :‬ما هو موضوع علم التعبري؟‬

‫الرؤى واألحالم وما يتعلق هبا من قواعد وأحكام‪.‬‬

‫‪ )3‬الثمرة‪ :‬ما هي مثرة علم التعبري؟‬

‫ال خيفى على كل عاقل منصف فوائد علم التعبري‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫‪ .1‬يدخل حتت فضل علوم الشريعة‪.‬‬
‫‪ .2‬حصول البشرى للمؤمن‪.‬‬
‫‪ .3‬نشر العقيدة الصحيحة والتوحيد كما فعل نيب هللا يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪.-‬‬

‫‪ )4‬النسبة‪ :‬األصل أن علم التعبري علم مستقل له أصوله وقواعده وشروطه‬


‫وأحكامه‪.‬‬
‫‪ )1‬املقدمات املهمات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ )5‬الفضل‪ :‬ما هو فضل علم التعبري؟‬

‫‪ .1‬أنه له ارتباط ابلعقيدة وفيه مباحث عقدية‪.‬‬


‫‪ .2‬له عالقة ابلتفسري حيث توجد آايت ختص الرؤى‪.‬‬

‫‪ .3‬له عالقة ابْلديث حيث توجد األحاديث الكثرية اليت ختص الرؤى‪.‬‬
‫‪ .4‬له مباحث يف فضل رؤية النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫‪ .5‬علم التعبري يعد من علوم األنبياء والصاْلي‪.‬‬
‫‪ .6‬أنه من الفقه يف الدين‪.‬‬

‫‪ )6‬الواضع‪ :‬من هو الواضع هلذا العلم؟‬

‫ُعرف التعبري واشتهر يف قصة يوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬مث كان النيب ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يعرب الرؤى وأُثر عن الصحابة والتابعي‪ ،‬وال أعلم إن كان أحد صنف‬
‫قبل ابن قتيبة ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬املتوىف سنة ‪ ،276‬أما ما يظنه البعض أن ابن سريين‬
‫هو أول من صنف يف علم التعبري فهذا غلط‪ ،‬والكتاب املشهور البن سريين ليس‬
‫من تصنيفه ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬بل هو من صنع أيب سعيد الواعظ وبينه وبي ابن سريين‬
‫قرون فال يصح نسبته البن سريين‪.‬‬

‫‪ )7‬االسم‪ :‬ما األمساء اليت تطلق على هذا العلم؟‬

‫تعبري الرؤى‪ ،‬تفسري األحالم‪ ،‬عبارة الرؤى‪َ ،‬تويل الرؤى واألحالم‪ ،‬املنامات‪،‬‬
‫التعبري‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ )8‬االستمداد‪ :‬على ماذا يستند هذا العلم؟‬

‫علم التعبري يستمد من الكتاب والسنة واللغة واألمثال والقياس‪.‬‬

‫‪ )9‬احلكم‪ :‬ما حكم هذا العلم؟‬

‫فرض كفاية‪ :‬ألنه من أقسام العلوم الشرعية؛ فإن مل يتعلمه أهل السنة الثقات فإن‬
‫الناس تلجأ إىل أهل البدع والشركيات‪.‬‬

‫‪ )10‬املسائل‪ :‬ما هي املسائل املبحوثة يف هذا العلم؟‬

‫مسائل هذا العلم هي‪ :‬أحكام الرؤى واألحالم ومعرفة قواعد وأسس التعبري‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أهمية علم التعبري‬

‫روى البخاري ومسلم‪ ،‬عن أيب سلمة قال‪ :‬لقد كنت أرى الرؤاي فتمرضين حىت‬
‫مترضين حىت مسعت النيب ‪ -‬صلى هللا‬ ‫مسعت أاب قتادة يقول‪ :‬وأَّن كنت أرى الرؤاي ُ‬
‫ث بِِّّه‬ ‫ب فَال َُيَ ِّد ْ‬ ‫َح ُد ُك ْم َما َُِّي ُّ‬ ‫اْلسنَةُ ِّمن َِّّ ِّ‬
‫اَّلل‪ ،‬فَإ َذا َرأَى أ َ‬ ‫الرْؤَاي َْ َ ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ُّ ( :‬‬
‫ان‪َ ،‬ولْيَ ْت ِّف ْل‬
‫ب‪ ،‬وإِّذَا رأَى ما ي ْكره فَ ْلي تَ ع َّو ْذ ِّاب ََّّللِّ ِّمن َش ِّرها وِّمن َش ِّر الشَّيطَ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫إِّالَّ َم ْن َُي ُّ َ َ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ِّ‬
‫ثَال ًًث‪ ،‬وال َُي ِّد ْ ِّ‬
‫ضَّرهُ)‪.‬‬ ‫َح ًدا‪ ،‬فَِّإ ََّّنَا الَ تَ ُ‬
‫ث هبَا أ َ‬ ‫َ َ‬

‫أيضا راوي اْلديث‪( :‬إن كنت ألرى الرؤاي أثقل علي من‬ ‫ويف رواية ملسلم يقول ً‬
‫جبل‪ ،‬فما هو إال أن مسعت ِّهبَذا اْلديث‪ ،‬فما أابليها)‪.‬‬

‫وقال ابن عبد الرب ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف [االستذكار]‪" :1‬وهذا اْلديث يدل على شرف‬
‫علم الرؤاي وفضلها؛ ألنه مل يكن ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬يقول إذا انصرف من‬
‫صالة الغداة‪( :‬هل رأى أحد منكم الليلة رؤاي؟) إال ليقصها عليه‪ ،‬ويعربها ليتعلم‬
‫أصحابه كيف الكالم يف َتويلها‪ ،‬وذلك دليل على فضل عبارة الرؤاي‪ ،‬وشرف‬
‫علمها وحسبك بيوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬وما أعطاه هللا منها ويف أنبياء هللا أسوة‬
‫حسنة ‪ -‬صلوات هللا وسالمه عليهم ‪".-‬‬

‫‪.456 /8 )1‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال اْلافظ يف [الفتح]‪" :‬ويف هذه األحاديث االهتمام أبمر الرؤاي ابلسؤال عنها‪،‬‬
‫وفضل تعبريها‪ ،‬واستحباب ذلك بعد صالة الصبح؛ ألنه الوقت الذي يكون فيه‬
‫البال جمتمعاً"‪.‬‬

‫وميكن أن جنمع أمهية علم التعبري فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬ارتباط علم الرؤى ابلعقيدة‪.‬‬


‫‪ .2‬ضبط قواعد وأصول رؤية النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وخاصة إن أمر حبكم‬
‫يف املنام‪.‬‬
‫‪ .3‬احنراف بعض الطوائف يف هذا العلم‪ ،‬مثل‪ :‬الفالسفة‪ ،‬والصوفية وغريهم‪.‬‬
‫‪ .4‬وجود آايت يف القرآن الكرمي ختص الرؤاي الصاْلة‪ ،‬والبد من تفسريها وتدبرها‬
‫وبيان أحكامها‪.‬‬
‫‪ .5‬إفراد أبواب وفصول خاصة ابلرؤى يف كتب السنة كالصحيحي والسنن وغريها‪.‬‬
‫‪ .6‬ما ورد عن الصحابة الكرام ‪ -‬رضوان هللا عليهم ‪ -‬من االهتمام هبذا العلم‪ ،‬مث‬
‫من بعدهم من التابعي والفقهاء والعلماء‪.‬‬
‫‪ .7‬مكانة الرؤاي يف الشرع ملا ُخصت به من أحكام وآداب‪.‬‬
‫‪ .8‬حاجة الناس إىل تعبري وَتويل أحالمهم‪ ،‬فهم كثرياً ما يسألون ويبحثون عمن‬
‫يعربها َلم‪.‬‬
‫‪ .9‬الدفاع عن منهج النبوة لئال يدخل أهل البدع يف هذا العلم‪.‬‬

‫وقد عرب ابن القيم ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬عن أُهية علم التعبري فقال‪" :‬القلم التاسع قلم‬
‫التعبري وهو كاتب وحي املنام وتفسريه وتعبريه وما أريد منه‪ ،‬وهو قلم شريف جليل‬
‫‪12‬‬
‫مَتجم للوحي املنامي كاشف له‪ ،‬وهو من األقالم اليت تصلح للدنيا والدين‪ ،‬وهو‬
‫يعتمد طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته وحتريه للصدق والطرائق اْلميدة واملناهج‬
‫السديدة مع علم راسخ وصفاء ابطن‪ ،‬وحس مؤيد ابلنور اإلَلي ومعرفة أبحوال‬
‫اخللق وهيآهتم وسريهم وهو من ألطف األقالم وأعمها جوالَّن وأوسعها تصرفاً‬
‫وأشدها تشبثاً بسائر املوجودات علويها وسفليها وابملاضي واْلال واملستقبل‬
‫فتصرف هذا القلم يف املنام هو حمل واليته وكرسي مملكته وسلطانه"‪.1‬‬

‫"وهللا أعلم ابلصـ ـ ـواب‪ ،‬وإليه املرج ـع وامل ـ ـآب"‬


‫كـتبه‪ /‬عبداحلـكيم بن عـبدهللا ربـاع الشحي‬
‫‪ 3‬من مجادى األوىل ‪1436‬ه‬
‫‪2015/2/22‬م‬

‫[من مقدمة كتاب‪ :‬حملات يف الرؤى واملنامات]‬

‫‪ )1‬التبيان يف أقسام القرآن‪ :‬ص‪.208‬‬

‫‪13‬‬

You might also like