You are on page 1of 41

‫تاريخ عصر الراشدين‬

‫‪7‬‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬


‫عصر الخالفة الراشدة ( ‪ 04 -11‬هـ )‬
‫يعد عصر اخلالفة الراشدة امتداد لعصر السرية النبوية‪ ،‬حيث تؤثر القيم اإلسالمية على الناس يف نشاطهم السياسي‬
‫واالجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وتنعكس على احلكم يف عالقته باألمة وبالقوى اخلارجية من ناحية أخرى‪ ،‬وتؤثر يف اختيار احلاكم وقيم‬
‫التعامل معه من حيث الطاعة املشروطة بإنفاذ أحكام الشريعة‪ ،‬واحلفاظ على وحدة األمة والشورى والقيام باألمر باملعروف والنهي‬
‫عن املنكر‪ ،‬واالجتهاد الفردي واجلماعي الستنباط األحكام من الكتاب والسنة‪ ،‬فيما يتعلق بالوقائع اجلديدة واملتنوعة‪ .‬وينظر‬
‫املسلمون إىل عصر اخلالفة الراشدة باعتباره أميز العصور يف تارخيهم بعد عصر النبوة‪،‬حيث توىل احلكم كبار الصحابة املقربني من‬
‫النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ ،‬ممن شهد هلم بالسابقة والفضل والبشارة باجلنة‪ ،‬تعاوهنم أعداد من الصحابة الذين نزل القرآن‬
‫بتعديلهم‪ ،‬وهم الذين مثلوا النخبة القيادية يف الفكر والسياسة واالدارة واالقتصاد والفتوح‪ .‬ومسوا بالراشدين لقول النيب صلى اهلل عليه‬
‫و سلم ‪ " :‬عليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ "‪ .‬ومدة خالفتهم ثالثون سنة‪ ،‬لقول‬
‫النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ " :‬خالفة النبوة ثالثون سنة‪ ،‬مث يؤيت اهلل ملكه من يشاء " قال سفينة رضي اهلل عنه ‪ :‬أَمسك خالفة‬
‫أيب بكر رضي اهلل عنه سنتني‪ ،‬وخالفة عمر رضي اهلل عنه عشر سنني ‪ ،‬وخالفة عثمان رضي اهلل عنه اثين عشر سنة ‪ ،‬وخالفة علي‬
‫اخلَِالفَةُ ِيف أ َُّم ِيت ثََالثُو َن َسنَة )‬
‫رضي اهلل عنه ست سنني‪.‬قَ ْولُهُ ‪ْ ( :‬‬

‫وط َّي ‪ََ :‬لْ يَ ُك ْن ِيف‬ ‫السي ِ‬


‫ظ ُّ ُ‬ ‫احلَافِ َ‬
‫ال َشْي ُخنَا ‪ -‬يَ ْع ِين ْ‬ ‫َوِيف ِرَوايَِة أَِيب َد ُاوَد ‪ِ " :‬خ َالفَةُ النُّبُ َّوةِ ثََالثُو َن َسنَة " ‪ .‬قَ َ‬
‫ال الْ َع ْل َق ِم ُّي‪ :‬قَ َ‬
‫اخلُلَ َف ِاء ْاأل َْربَ َع ِة َك َما‬ ‫ال الْ َع ْل َق ِم ُّي ‪ :‬بَ ْل الث ََّالثُو َن َسنَة ِه َي ُم َّدةُ ْ‬ ‫احلَ َس ِن ‪ ،‬قَ َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم إَِّال ْ‬
‫اخلُلَ َفاءُ ْاأل َْربَ َعةُ َوأَيَّ ُام ْ‬ ‫ني بَ ْع َدهُ َ‬
‫ِ‬
‫الث ََّالث َ‬
‫ني َو ِستَّةُ أَ ْش ُه ٍر َوََثَانِيَةُ أَيَّ ٍام‪َ ،‬وُم َّدةُ عُثْ َما َن إِ ْح َدى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َحَّرْرته‪ ،‬فَ ُم َّدةُ خ َالفَة أَِيب بَ ْك ٍر َسنَتَان َوثََالثَةُ أَ ْش ُه ٍر َو َع َشَرةُ أَيَّ ٍام‪َ ،‬وُم َّدةُ عُ َمَر َع ْش ُر سن َ‬
‫ع ْشرَة سنَة وأَح َد ع َشر َشهرا وتِسعةُ أَيَّ ٍام‪ ،‬وم َّدةُ ِخ َالفَِة علِي أَربع ِسنِ ِ‬
‫ني َوت ْس َعةُ أَ ْش ُه ٍر َو َسْب َعةُ أَيَّ ٍام‪َ ،‬ه َذا ُه َو الت ْ‬
‫َّح ِر ُير فَلَ َعلَّ ُه ْم أَلْغَ ْوا ْاألَيَّ َام‬ ‫َ ٍّ ْ َ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َْ‬
‫ُّهوِر ‪.‬‬
‫ض الش ُ‬ ‫َوبَ ْع َ‬
‫أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه ( ‪ 11 -11‬هـ )‬

‫نسبه ومولده ‪:‬‬


‫هو‪ :‬عبد اهلل بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن النضر بن كنانة التيمي القرشي‬
‫‪ ،‬ويكىن بأيب بكر لتبكريه يف دخول اإلسالم‪ .‬كما لُقب بألقاب عديدةمنها‪:‬‬
‫‪ -1‬العتيق‪ :‬لقبه به النيب ‪ ‬حيث قال له ‪« :‬أنت عتيق اهلل من النار»‪ ،‬فسمي عتيقا‪ .‬وقد ذكر املؤرخون أسباب كثرية هلذا‬
‫اللقب‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إمنا مسي عتيقا جلمال وجهه‪ .‬وال مانع للجمع بني بعض هذه األقوال؛ فأبو بكر مجيل الوجه‪ ،‬حسن النسب‪،‬‬
‫صاحب يد سابقة إىل اخلري‪ ،‬وهو عتيق اهلل من النار بفضل بشارة النيب ‪ ‬له‪.‬‬
‫‪ -2‬الصدِّيق‪ :‬لقبه به النيب ‪ ،‬ففي حديث أنس ‪ ‬أنه قال‪ :‬إن النيب ‪ ‬صعد أحدا‪ ،‬ومعه أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان رضي اهلل‬
‫عنهم فرجف هبم فقال‪« :‬اثبت أحد‪ ،‬فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»‪ .‬وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنيب ‪‬‬
‫ين َك َف ُروا ثَانِ َي اثْـنَـ ْي ِن إِ ْذ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َرهُ اهللُ إ ْذ أَ ْخ َر َجهُ الذ َ‬ ‫‪ -1‬الصاحب‪ :‬لقبه به اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف القرآن الكرمي‪﴿ :‬إِالَّ تَ ُ‬
‫نص ُروهُ فَـ َق ْد نَ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول لِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َك َف ُروا‬ ‫صاحبه الَ تَ ْح َز ْن إ َّن اهللَ َم َعنَا فَأَنْـ َز َل اهللُ َسكينَتَهُ َعلَْيه َوأَيَّ َدهُ ب ُجنُود ل ْم تَـ َرْو َها َو َج َع َل َكل َمةَ الذ َ‬‫ُه َما في الْغَا ِر إِ ْذ يَـ ُق ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾[التوبة‪.]04:‬وقد أمجع العلماء على أن الصاحب املقصود هنا هو أبو بكر ‪‬‬ ‫الس ْفلَى َوَكل َمةُ اهلل ه َي ال ُْعلْيَا َواهللُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫ُّ‬
‫فعن أنس أن أبا بكر حدثه فقال‪ :‬قلت للنيب ‪ ‬وهو يف الغار‪ :‬لو أن أحدهم نظر إىل قدميه ألبصرنا حتت قدميه!! فقال النيب‬
‫‪« :‬يا أبا بكر‪ ،‬ما ظنك باثنين اهلل ثالثهما؟»‪.‬‬
‫‪ -0‬األتقى‪ :‬لقبه به اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬يف القرآن الكرمي يف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َسيُ َجنَّبُـ َها األتْـ َقى﴾ [الليل‪]71 :‬‬
‫‪ -5‬األواه‪ :‬لقب أبو بكر باألواه‪ ،‬وهو لقب يدل على اخلوف والوجل واخلشية من اهلل تعاىل‪ ،‬فعن إبراهيم النخعي قال‪ :‬كان أبو‬
‫بكر يسمى باألواه لرأفته ورمحته‪.‬‬
‫اخلَْل ِقيَّة‪:‬‬
‫مولده وصفته ْ‬
‫ولد يف مكة بعد عام الفيل بعامني وبضعة أشهر ‪.‬‬
‫وكان أبيض البشرة ‪ ،‬حنيف اجلسم ‪ ،‬معروق الوجه ( حنيل الوجه )‪ ،‬قليل الشعر يف صفحيت خديه ‪ ،‬غائر العينني ‪ ،‬بارز اجلبهة ‪،‬‬
‫جعد الشعر‪ .‬ويف هذا يقول قيس بن أيب حازم‪ :‬دخلت على أيب بكر‪ ،‬وكان رجال حنيفا‪ ،‬خفيف اللحم أبيض خفيف العارضني‪،‬‬
‫رقيقا معروق الوجه‪ ،‬غائر العينني‪ ،‬محش الساقني(‪ ،)7‬ممحوص الفخذين( )‪ ،‬كان ناتئ اجلبهة‪ ،‬وخيضب حليته وشيبه باحلناء والكتم‪.‬‬

‫(‪ )7‬محش الساقني‪ :‬دقيق الساقني‪.‬‬


‫( ) املمحوص‪ :‬هو الشديد اخللق يف الفخذين‪ ،‬مع قلة اللحم هبما‪.‬‬
‫أسرته‪:‬‬
‫أما والده فهو عثمان بن عامر بن عمرو‪ ،‬يكىن بأيب قحافة‪ ،‬أسلم يوم الفتح‪ ،‬وأقبل به الصديق على رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬يا أبا‬
‫بكر‪ ،‬هال تركته حتى نأتيه»‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬هو أوىل أن يأتيك يا رسول اهلل‪ .‬فأسلم أبو قحافة وبايع رسول اهلل ‪ ‬ويف هذا اخلرب‬
‫منهج نبوي كرمي سنه النيب ‪ ‬يف توقري كبار السن واحرتامهم‪ ،‬ويؤكد ذلك قوله ‪« :‬ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم‬
‫صغيرنا»‪.‬‬
‫وأما والدة الصديق‪ :‬فهي سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم‪ ،‬وكنيتها أم اخلري‪ ،‬أسلمت مبكرا‪ .‬وأما زوجاته‪:‬‬
‫فقد تزوج ‪ ‬من أربع نسوة‪ ،‬أجننب له ثالثة ذكور وثالث إناث‪ ،‬وهن على التوايل‪:‬‬
‫‪ -7‬قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك‪ :‬اختلف يف إسالمها ‪ ،‬وهي والدة عبد اهلل وأمساء‪ ،‬وكان أبو بكر طلقها يف‬
‫اجلاهلية وقد جاءت هبدايا فيها أقط ومسن إىل ابنتها أمساء بنت أيب بكر باملدينة‪ ،‬فأبت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها‪ ،‬فأرسلت‬
‫َّ ِ‬
‫إىل عائشة تسأل النيب ‪ ‬فقال النيب ‪« :‬لتدخلها‪ ،‬ولتقبل هديتها»‪ ،‬وأنزل اهلل ‪-‬عز وجل‪﴿ :-‬الَ يَـ ْنـ َها ُك ُم اهللُ َع ِن الذ َ‬
‫ين لَ ْم‬
‫ِِ‬ ‫وه ْم َوتُـ ْق ِسطُوا إِلَْي ِه ْم إِ َّن اهللَ يُ ِح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [املمتحنة‪ ،]8 :‬أي‪ :‬ال‬ ‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫يـُ َقاتِلُوُك ْم في الدِّي ِن َولَ ْم يُ ْخ ِر ُجوُكم ِّمن ديَا ِرُك ْم أَن تَـبَـ ُّر ُ‬
‫مينعكم اهلل من الرب واإلحسان وفعل اخلري إىل الكفار الذين ساملوكم وَل يقاتلوكم يف الدين كالنساء الضعيفة منهم؛ كصلة الرحم‪،‬‬
‫ونفع اجلار‪ ،‬والضيا فة‪ ،‬وَل خيرجوكم من دياركم‪ ،‬وال مينعكم أيضا من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم؛ بأداء ما هلم من احلق؛ كالوفاء‬
‫هلم بالوعود‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وإيفاء أَثان املشرتيات كاملة غري منقوصة‪ .‬إن اهلل حيب العادلني ويرضى عنهم‪ ،‬وميقت الظاملني‬
‫ويعاقبهم‪.‬‬
‫‪ -‬أم رومان بنت عامر بن عومير‪ :‬من بين كنانة بن خزمية‪ ،‬مات عنها زوجها احلارث بن سخربة مبكة‪ ،‬فتزوجها أبو بكر‪،‬‬
‫وأسلمت قدميا‪ ،‬وبايعت‪ ،‬وهاجرت إىل املدينة‪ ،‬وهي والدة عبد الرمحن وعائشة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وتوفيت يف عهد النيب ‪ ‬باملدينة‬
‫سنة ست من اهلجرة‪.‬‬
‫‪ -3‬أمساء بنت ُع َمي س بن معبد بن احلارث‪ :‬أم عبد اهلل‪ ،‬من املهاجرات األوائل‪ ،‬أسلمت قدميا قبل دخول دار األرقم‪ ،‬وبايعت‬
‫الرسول ‪ ،‬وهاجر هبا زوجها جعفر بن أيب طالب ‪ ‬إىل احلبشة‪ ،‬مث هاجرت معه إىل املدينة فاستشهد يوم مؤتة‪ ،‬وتزوجها‬
‫الصديق فولدت له حممدا ‪.‬‬
‫‪ -0‬حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أيب زهري‪ :‬األ نصارية‪ ،‬اخلزرجية وهي اليت ولدت أليب بكر أم كلثوم بعد وفاته‪ ،‬وقد أقام عندها‬
‫(‪)7‬‬
‫الصديق بالسنح‪.‬‬

‫(‪ )7‬منازل بين احلارث بن اخلزوج يف عوايل املدينة‪.‬‬


‫وأما أوالد أبي بكر ‪ ‬فهم‪:‬‬
‫‪ -7‬عبد الرمحن بن أيب بكر‪ :‬أسن ولد أيب بكر‪ ،‬أسلم يوم احلديبية‪ ،‬وحسن إسالمه‪ ،‬وصحب رسول اهلل ‪ ‬وقد اشتهر‬
‫بالشجاعة‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلل بن أيب بكر‪ :‬صاحب الدور العظيم يف اهلجرة‪ ،‬فقد كان يبقى يف النهار بني أهل مكة يسمع أخبارهم مث يتسلل يف‬
‫الليل إىل الغار لينقل هذه األخبار لرسول اهلل ‪ ‬وأبيه‪ ،‬فإذا جاء الصبح عاد إىل مكة‪ .‬وقد أصيب بسهم يوم الطائف‪ ،‬فماطله‬
‫حىت مات شهيدا باملدينة يف خالفة الصديق‪.‬‬
‫‪ -3‬حممد بن أيب بكر‪ :‬أمه أمساء بنت عميس‪ ،‬ولد عام حجة الوداع وكان من فتيان قريش‪ ،‬عاش يف حجر علي بن أيب طالب‪،‬‬
‫وواله مصر وهبا قتل‪.‬‬
‫‪ -0‬أمساء بنت أيب بكر‪ :‬ذات النطاقني‪ ،‬أسن من عائشة‪ ،‬مساها رسول اهلل ‪ ‬ذات النطاقني ألهنا صنعت لرسول اهلل ‪‬‬
‫وألبيها سفرة ملا هاجرا فلم جتد ما تشدها به‪ ،‬فشقت نطاقها وشدت به السفرة‪ ،‬فسماها النيب ‪ ‬بذلك‪ .‬وهي زوجة الزبري بن‬
‫العوام وهاجرت إىل املدينة وهي حامل بعبد اهلل بن الزبري فولدته بعد اهلجرة‪ ،‬فكان أول مولود يف اإلسالم بعد اهلجرة‪ ،‬بلغت مائة‬
‫سنة وَل ينكر من عقلها شيء‪ ،‬وَل يسقط هلا ِسن‪ُ .‬روي هلا عن الرسول ‪ ‬ستة ومخسون حديثا‪ ،‬روى عنها عبد اهلل بن عباس‪،‬‬
‫وأبناؤها عبد اهلل وعروة‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب ُمليكة وغريهم‪ ،‬وكانت جوادة منفقة‪ ،‬توفيت مبكة سنة ‪ 13‬ه ‪.‬‬
‫‪ -5‬عائشة أم املؤمنني ‪:‬الصديقة بنت الصديق‪ ،‬تزوجها رسول اهلل ‪ ‬وهي بنت ست ستني‪ ،‬ودخل هبا وهي بنت تسع‬
‫سنني‪،‬وهي أعلم النساء‪ ،‬كناها رسول اهلل ‪ ‬أم عبد اهلل‪ ،‬وكان حبه هلا مثاال للزوجية الصاحلة‪ .‬وعاشت ثالثا وستني سنة وأشهرا‪،‬‬
‫وتوفيت سنة ‪ 51‬ه ‪ ،‬وال ذرية هلا‪.‬‬
‫‪ -6‬أم كلثوم بنت أيب بكر‪ :‬أمها حبيبة بنت خارجة‪ .‬تزوجها طلحة بن عبيد اهلل وقتل عنها يوم اجلمل‪ ،‬وحجت هبا عائشة يف‬
‫عدهتا فأخرجتها إىل مكة‪.‬‬

‫الرصيد الْ ُخلُقي للصديق في المجتمع الجاهلي‪:‬‬


‫كان أبو بكر الصديق يف اجلاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم‪ ،‬وذلك أن الشرف يف قريش قد انتهى قبل‬
‫ظهور اإلسالم إىل عشرة رهط من عشرة أبطن؛ فالعباس ابن عبد ملطلب من بين هاشم‪ ،‬وكان يسقي احلجيج يف اجلاهلية‪ ،‬وبقي له‬
‫ذلك يف اإلسالم‪ ،‬وأبو سفيان بن حرب من بين أمية‪ ،‬وكان عنده العقاب (راية قريش)‪ ،‬فإذا َل جتتمع قريش على واحد رأسوه هو‬
‫وقدموه‪ ،‬وكانت إليه الرفادة‪ ،‬وهي ما تدخره قريش من أمواهلا‪ ،‬وترصد به منقطع السبيل‪،‬كانت إليه املشورة‪ ،‬فال ُُيمع على أمر حىت‬
‫يعرضوه عليه‪ ،‬فإن وافق والهم عليه‪ ،‬وإال ختري وكانوا له أعوانا‪ .‬وأبو بكر الصديق من بين تيم وكانت إليه األشناق‪ ،‬وهي الديات‬
‫واملغارم‪ ،‬لقد كان الصديق يف اجملتمع اجلاهلي شريفا من أشراف قريش‪ ،‬وكان من خيارهم‪ ،‬ويستعينون به فيما ناهبم‪ ،‬وكانت له مبكة‬
‫ضيافات ال يفعلها أحد‪.‬‬
‫وقد اشتهر الصديق ‪ ‬بعدة أمور‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬العلم باألنساب‪ :‬قال عنه رسول اهلل ‪« : ‬إن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها»‪.‬‬
‫‪ -2‬تاجرا‬
‫‪ -1‬موضع األلفة بين قومه وميل القلوب إليه‬
‫‪ -0‬لم يشرب الخمر في الجاهلية‬
‫‪ -5‬ولم يسجد لصنم‬
‫‪1‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬


‫نشأته وفضله ‪:‬‬
‫كما اشتهر يف اجلاهلية حبميد األخالق ‪ ،‬وحسن املعاشرة ‪ ،‬وامتناعه عن شرب اخلمر ‪ ،‬وعلمه بأنساب العرب وأخبارها‪.‬‬
‫اشتهر يف اإلسالم بسابقته إليه ‪،‬فقد كان إسالمه بعد حبث وتنقيب وانتظار‪ ،‬وقد ساعده على تلبية دعوة اإلسالم معرفته العميقة‬
‫وصلته القوية بالنيب ‪ ‬يف اجلاهلية‪ ،‬فعندما فاحته رسول اهلل ‪ ‬بدعوة اهلل وقال له‪...« :‬إني رسول اهلل ونبيه‪ ،‬بعثني ألبلغ‬
‫رسالته‪ ،‬وأدعوك إلى اهلل بالحق‪ ،‬فواهلل إنه للحق‪ ،‬أدعوك يا أبا بكر إلى اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وال تعبد غيره‪ ،‬والمواالة‬
‫على طاعته»‪ .‬وبذلك كان الصديق ‪ ‬أول من أسلم من الرجال األحرار‪.‬‬
‫وجهوده الكبرية يف الدعوة إىل اهلل ‪ ،‬حيث أسلم على يده عدد من كبار الصحابة ‪ ،‬منهم ‪ :‬عثمان بن عفان ‪ ،‬الزبري بن‬
‫العوام ‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف ‪ ،‬وطلحة بن عبيد اهلل رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫صحب النيب صلى اهلل عليه و سلم يف هجرته إىل املدينة ‪ ،‬فكان صاحبه يف الغار ‪ ،‬فنزلت اآلية ( ثاين اثنني إذ مها يف الغار إذ‬
‫يقول لصاحبه ال حتزن إن اهلل معنا ) ‪.‬‬
‫بلغ رأس ماله حني أسلم ‪ 04‬ألف درهم ‪ ،‬أنفقها على مصاحل الدعوة ‪ ،‬وخاصة يف عتق رقاب املستضعفني األرقاء من‬
‫املسلمني ‪ ،‬ومحل بقيتها وهي مخسةآالف درهم معه حني اهلجرة ‪ ،‬ووضعها حتت تصرف النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ ،‬وقد بني‬
‫النيب ‪ ‬مدى إفادة اإلسالم من ذلك " ما نفعين مال قط ما نفعين مال أيب بكر " ‪.‬‬
‫شهد مجيع الغزوات مع النيب ‪ ، ‬والزمه حىت وفاته ‪. ‬و بشره النيب ‪ ‬باجلنة ‪ ،‬وواله الصالة خالل مرضه ‪ ،‬وكان‬
‫موضع مشورة النيب ‪ ، ‬وقد صاهره بأن تزوج ابنته عائشة رضي اهلل عنه ‪ .‬ظهرت حكمته ورباطة جأشه يف مواجهة مصاب األمة‬
‫بوفاة النيب ‪. ‬كما ظهرت شخصيته القويه ‪ ،‬وحنكته السياسية يف اجتماع السقيفة ‪ ،‬وقد عرب عن تواضع جم وزهد يف اخلالفة‬
‫حني رشح هلا مبينا أن ساَل موىل أيب حذيفة أتقى منه ‪ ،‬وأن عمر أقوى منه ‪.‬‬
‫وملا توىل اخلالفة أظهر قدرة فائقة على إدارة شؤون الدولة اليت تعرضت لالنقسام اخلطري بسبب ظهور املرتدين‪ ،‬فأعاد‬
‫للدولة وحدهتا وأمنها‪ ،‬ووجه طاقاهتا للجهاد وفتح بالد العراق والشام‪.‬‬

‫اختياره للخالفة ‪:‬‬


‫اخلالفة اإلسالمية هي املنهج الذي اختارته األمة اإلسالمية وأمجعت عليه طريقة وأسلوبا للحكم تنظم من خالله أمورها‬
‫وترعى مصاحلها‪ ،‬وقد ارتبطت نشأة اخلالفة حباجة األمة هلا واقتناعها هبا‪ ،‬ومن مث كان إسراع املسلمني يف اختيار خليفة لرسول اهلل‬
‫‪ .‬وأن حيسموا أمورهم بسرعة وحكمة واليدعوا جماال النقسام قد يتسرب منه الشك إىل نفوس أفرادها‪ ،‬أو للضعف أن يتسلل‬
‫إىل أركان البناء الذي شيده رسول اهلل ‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫ملا رجع رسول اهلل ‪ ‬من حجة الوداع يف ذي احلجة‪ ،‬أقام فبدأ بتجهيز جيش أسامة و َّأمر عليهم أسامة بن زيد بن‬
‫حارثة‪ ،‬وأمره أن يتوجه حنو البلقاء وفلسطني‪ ،‬فتجهز الناس وفيهم املهاجرون واألنصار‪ ،‬وكان أسامة بن زيد ابن َثاين عشرة سنة‪،‬‬
‫وملا اشتد املرض بالنيب ‪ ‬وحضرته الصالة فأذن بالل قال النيب ‪« :‬مروا أبا بكر فليصل»‪ ،‬فقيل‪ :‬إن أبا بكر رجل أسيف(‪،)7‬‬
‫يصل بالناس‪ ،‬وأعاد فأعادوا له الثالثة‪ ،‬فقال‪« :‬إنكن صواحب يوسف ‪ ،‬مروا أبا بكر فليصل»‪.‬‬
‫إذا قام مقامك َل ِّ‬
‫وملا تويف رسول اهلل ‪ ‬اضطرب املسلمون؛ فمنهم من دهش فخولط‪ ،‬ومنهم من أقعد فلم يطق القيام‪ ،‬ومنهم من اعتقل‬
‫لسانه فلم يطق الكالم‪ ،‬ومنهم من أنكر موته بالكلية‪ .‬وملا مسع أبو بكر اخلرب أقبل على فرس من مسكنه حىت نزل‪ ،‬فدخل‬
‫املسجد‪ ،‬فلم يكلم الناس‪ ،‬حىت دخل على عائشة فتيمم رسول اهلل ‪ ‬وهو مغشَّى بثوب حربة‪ ،‬فكشف عن وجهه‪ ،‬مث أكب عليه‬
‫فقبله وبكى‪ ،‬مث قال‪ :‬بأيب أنت وأمي‪ ،‬واهلل ال ُيمع اهلل عليك موتتني؛ أما املوتة اليت كتبت عليك فقد متها‪ ،‬وخرج أبو بكر على‬
‫الناس خطيبا بعد أن محد اهلل وأثىن عليه‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن من كان ي عبد حممدا فإن حممدا قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال ميوت‪ ،‬مث تال هذه اآلية‪َ ﴿ :‬وَما‬
‫ب َعلَى َع ِقبَـ ْي ِه فَـلَن يَّ ُ‬
‫ض َّر اهللَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات أ َْو قُت َل انْـ َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُك ْم َوَمن يَـ ْنـ َقل ْ‬ ‫ت ِمن قَـ ْبلِ ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل أَفَِإن َّم َ‬ ‫ُم َح َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬
‫ول قَ ْد َخلَ ْ‬
‫َشيئًا وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪ ]700 :‬فنشج الناس يبكون‪ .‬قال عمر بن اخلطاب ‪ :‬فواهلل ما مسعت أبا بكر‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ََ ْ‬
‫تالها‪ ،‬فهويت إىل األرض ما حتملين قدماي‪ ،‬وعلمت أن رسول اهلل قد مات‪ .‬تقول عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ :-‬فواهلل لكأن الناس‬
‫َل يكونوا يعلمون أن اهلل أنزل هذه اآلية حىت تالها أبو بكر ‪ ،‬فتلقاها منه الناس‪ ،‬فما يسمع بشر إال يتلوها‪.‬‬
‫رغم الذهول الذي أصاب املسلمني بوفاة النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ ،‬فإن أمهية إقامة السلطة يف اإلسالم جعلتهم‬
‫يتحركون يف إجتاه اختيار احلاكم قبل أن ينتهوا من تشييع اجلسد الشريف إىل مثواه‪ ،‬وقد يقف خلف هذا التحرك السريع إدرك‬
‫املسلمني خبطورة األوضاع احمليطة بالكيان اإلسالمي الذي مضى عليه عقد واحد من الزمن‪ ،‬تأسست فيه الدولة واتسعت رقعتها‪،‬‬
‫وكسبت أنصارا هلا داخل املدن احلجازية الثالث خاصة‪ ،‬يف حني بقيت القبائل الكبرية يف أعدادها واملنتشرة يف البوادي والصحراء‬
‫حتيط باملراكز اإلسالمية من كل مكان‪.‬‬
‫وكانت الضوابط الشرعية الختيار احلاكم األول للدولة اإلسالمية تنحصر يف قرشيته ومكانته اليت حيددها قدمه يف اإلسالم‪،‬‬
‫وخدمته للدعوة والدولة‪ ،‬ومنزلته لدى النيب ‪ ، ‬وإمكان إمجاع األمة أو أكثرها على شرعية توليه لرئاسة الدولة وخالفة النبوة‪.‬‬
‫وكانت النخبة اليت تتمثل يف املهاجرين الذين تطلعوا إىل أيب بكر ‪ ،‬وبعضهم كان منشغال مع علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‬
‫بتشييع النيب ‪ ، ‬ويف األنصار الذين التفوا حول زعيم اخلزرج سعد بن عبادة ‪ ،‬وعقدوا اجتماعا يف سقيفة بين ساعدة ملناقشة‬
‫املوقف اجلديد‪ ،‬فاألنصار هم السكان األصليون للمدينة‪ ،‬وقد آووا املهاجرين‪ ،‬ونصروا اإلسالم بأرواحهم وأمواهلم‪ ،‬وهيأوا له فرص‬
‫االستقرار واالنتشار‪ ،‬وعرفوا بإيثارهم وصربهم وجهادهم وتضحياهتم‪ ،‬أفال يكون هلم احلق يف رئاسة الدولة ورعاية اإلسالم؟‬

‫(‪ )7‬أسيف‪ :‬من األسف‪ ،‬وهو شدة احلزن‪ ،‬واملراد أنه رقيق القلب‪.‬‬
‫‪74‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫وق د بلغ خرب اجتماع األنصار يف سقيفة بين ساعدة إىل املهاجرين‪ ،‬وهم جمتمعون مع أيب بكر الصديق ‪ ‬لرتشيح من‬
‫يتوىل اخلالفة‪ ،‬فقال املهاجرون لبعضهم‪ :‬انطلقوا بنا إىل اخواننا من األنصار‪ ،‬فإن هلم يف هذا احلق نصيبا‪ .‬قال عمر بن اخلطاب‬
‫رضي اهلل عنه‪ :‬فانطلقنا نريدهم يف سقيفة بين ساعدة وقد حدث نقاش طويل بني املهاجرين واألنصار حول أحقية كل طرف بتويل‬
‫اخلالفة‪ ،‬وقد نبني أحد األنصار أحقيتهم يف اخلالفه ولقد نظر األنصار إىل اخلالفة من زاوية ضيقة بظروف اجملتمع املدين‪ ،‬والعالقة‬
‫التارخيية بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬أما املهاجرون فنظروا نظرة واسعة على مستوى الدولة كلها‪ ،‬وما يرتتب على خروج السلطة من‬
‫قريش من عواقب كبرية‪ ،‬ألن العرب ميكن أن ترض بقيادهتا ملكانتها فيهم‪ ،‬أما لو توالها األنصار فقد تقع انشقاقات خطرية تؤدي‬
‫إىل تفكك الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫وقد طرح عدد من األنصار فكرة تعيني أمريين أحدمها من املهاجرين واآلخر من األنصار‪ ،‬ولكن أبا بكر قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكنا‬
‫األمراء وأنتم الوزراء‪ .‬وقال عمر بن اخلطاب‪ :‬سيفان يف غمد واحد‪ ،‬إذا ال يصطلحان‪ .‬وهنا تدخل كاتب الوحي زيد بن ثابت وهو‬
‫من اخلزرج فقال‪ :‬إن رسول اهلل كان من املهاجرين‪ ،‬وحنن أنصارهم كما كنا أنصار رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم ‪ .‬فقال أبو بكر‪:‬‬
‫جزاكم اهلل خريا من حي يا معشر األنصار‪ ،‬وثبت قائلكم‪ ،‬واهلل لو فعلتم غري ذلك ملا صاحلناكم‪ .‬وهكذا فإن اخلزرج هم الذين‬
‫قاموا بالتنازل إتباعا للحق ومراعاة للمصلحة اإلسالمية‪ ،‬وَل يكن التنازل بسبب عدم رغبة األوس يف تويل اخلزرج اخلالفة‪ ،‬كما يزعم‬
‫أبو خمنف‪.‬‬
‫لقد جرى الرتشيح بعد أن استقر الرأي على استخالف أحد املهاجرين‪ ،‬فرشح أبو بكر أحد اثنني‪ ،‬عمر بن اخلطاب‪ ،‬وأيب‬
‫عبيدة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل نبايعك أنت‪ ،‬فأنت سيدنا وخرينا‪ ،‬وأحبنا إىل رسول اهلل ‪ .‬وذ نكر بفضل أبا بكر قائال‪ :‬ألستم تعلمون أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس‪ ،‬فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا‪ :‬نعوذ باهلل أن نتقدم أبا بكر‪ .‬وذ نكرهم‬
‫مبوقفه يف حادثة اهلجرة‪ ،‬مث بايعة عمر وبايعه املهاجرون مث بايعته األنصار‪.‬‬
‫وقد عرفت بيعة أيب بكر يف السقيفة بالبيعة الخاصه و الصغرى ‪ ،‬وكانت يف يوم اإلثنني الثاين عشر من شهر ربيع األول سنة أحد‬
‫عشر من اهلجرة‪ ،‬ويف اليوم التايل خرج إىل املسجد فبايعه الناس فيما عرف بالبيعة العامة و الكبرى‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫أهم أعماله ‪:‬‬


‫بالرغم من قصر مدة خالفة أيب بكر رضي اهلل عنه إال أنه قام بأعمال جليلة داخل الدولة وخارجها منها ‪:‬‬
‫‪ )1‬انفاذ حملة أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫كان الرسول ‪ ‬قبل وفاته جهز جيشا بقيادة أسامة بن زيد إىل بالد الشام ‪ ،‬وبعد البدء بتجهيز هذا اجليش بيومني‬
‫وخروجه من املدينة تويف النيب ‪ ‬فرجع اجليش إىل املدينة وملا توىل اخلالفة الصديق َّأمر ‪ ‬رجال يف اليوم الثالث من وفاة رسول اهلل‬
‫‪ ‬أن ينادي يف الناس‪ :‬ليتم بعث أسامة ‪ ،‬وال يبقني باملدينة أحد من جند أسامة ‪ ‬إال خرج ‪.‬وطلبت األنصار من أيب بكر‬
‫رجال أقدم سنا من أسامة يتوىل أمر اجليش‪ ،‬وأرسلوا عمر بن اخلطاب ليحدثه يف ذلك‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬فإن األنصار تطلب رجال‬
‫أقدم سنا من أسامة‪ ، ،‬فوثب أبو بكر ‪ ‬وكان جالسا فأخذ بلحية عمر ‪ ،‬وقال له ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن اخلطاب!‬
‫استعمله رسول اهلل ‪ ‬وتأمرين أن أنزعه ‪ ،‬فخرج عمر ‪ ‬إىل الناس فقالوا‪ :‬ما صنعت؟ فقال‪ :‬امضوا ثكلتكم أمهاتكم! ما لقيت‬
‫يف سببكم من خليفة رسول اهلل ‪ ،‬مث خرج أبو بكر الصديق ‪ ‬حىت أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب‪.‬‬
‫وعبد الرمحن بن عوف يقود دابة أيب بكر ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬فقال له أسامة ‪ :‬يا خليفة رسول اهلل ‪ :‬واهلل لرتكنب أو ألنزلن‪،‬‬
‫علي أن أغرب قدمي يف سبيل اهلل ساعة‪ .‬مث قال الصديق ‪ ‬ألسامة ‪ :‬إن رأيت أن‬ ‫فقال‪ :‬واهلل ال تنزل وواهلل ال أركب‪ ،‬وما َّ‬
‫تعينين بعمر فافعل‪ .‬فأذن له‪ ،‬مث توجه الصديق ‪ ‬إىل اجليش فقال‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عين‪( :‬ال ختونوا‬
‫وال تُغِلوا وال تغدروا وال متثِّلوا ‪ ،‬وال تقتلوا طفال صغريا‪ ،‬وال شيخا كبريا وال امرأة‪ ،‬وال تعقروا خنال وال حترقوه‪ ،‬وال تقطعوا شجرة مثمرة‪،‬‬
‫وال تذحبوا شاة وال بقرة وال بعريا إال ملأكلة‪ ،‬وسوف مترون بأقوام قد فرغوا أنفسهم يف الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له‪،‬‬
‫وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منه شيئا بعد شيء فاذكروا اسم اهلل عليها‪ .‬وتلقون أقواما قد‬
‫فحصوا ( ) أوساط رؤوسهم وتركوا حوهلا مثل العصائب فأخفقوهم(‪ )3‬بالسيف خفقا‪ .‬اندفعوا باسم اهلل) ‪.‬‬
‫أثر جيش أسامة على هيبة الدولة اإلسالمية‪:‬‬
‫عاد جيش أسامة ظافرا غامنا بعدما أرهب الروم وأصاب القبائل العربية يف الشمال الرعب والفزع من سطوة الدولة ‪،‬‬
‫وعندما بلغ جيش أسامة الظافر إىل املدينة تلقاه أبو بكر وكان قد خرج يف مجاعة من كبار املهاجرين واألنصار للقائه‪ ،‬وكلهم خرج‬
‫وهتلل‪ ،‬وتلقاه أهل املدينة باإلعجاب والسرور والتقدير‪ ،‬ودخل أسامة املدينة وقصد مسجد رسول اهلل ‪ ‬وصلى هلل شكرا على ما‬
‫أنعم به عليه وعلى املسلمني‪ ،‬وكان هلذه الغزوة أثر يف حياة املسلمني ويف حياة العرب الذين فكروا يف الثورة عليهم‪ ،‬ويف حياة الروم‬
‫الذين متتد بالدهم على حدودهم ‪ ،‬فقد فعل هذا اجليش بسمعته ما َل يفعله بقوته وعدده‪ ،‬فأحجم من املرتدين من أقدم‪ ،‬وتفرق‬
‫من اجتمع‪ ،‬وصنعت اهليبة صنيعها قبل أن يصنع الرجال‪ ،‬وقبل أن يصنع السالح‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ )2‬حرب المرتدين ‪:‬‬


‫ماكاد أبو بكر يتوىل أمر املسلمني يف املدينة حىت أطلت الفتنة برأسها ‪ ،‬فقد ارتدت بعض القبائل عن اإلسالم ‪ ،‬وظهر‬
‫املتنبئون والتف حوهلم رجال من ذوي املصاحل الشخصية الطامعة يف اجلاه واملنصب ‪.‬‬
‫جهاد الصديق ألهل الردة‬
‫‪ -‬الردة اصطالحا‪:‬‬
‫عرف النووي الردة بأهنا‪ :‬قطع اإلسالم بنية أو قول كفر أو فعل‪ ،‬سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا‪ ،‬فمن نفى الصانع أو الرسل‬
‫أو كذب رسوال أو حلل حمرما باإلمجاع كالزنا وعكسه‪ ،‬أو نفى وجوب جممع عليه أو عكسه‪ ،‬أو عزم على الكفر أو تردد فيه كفر‪.‬‬
‫تد) بأنه‪ :‬كل من صح عنه أنه كان مسلما متربئا من كل دين حاشا دين اإلسالم‪ ،‬مث ثبت عنه أنه‬ ‫ابن حزم الظاهري (املر َ‬
‫وعرف ُ‬
‫ارتد عن اإلسالم وخرج إىل دين كتايب أو غري كتايب أو إىل غري دين‪ .‬ومعىن هذا أن املرتد هو كل من أنكر معلوما من الدين‬
‫بالضرورة كالصالة والزكاة والنبوة ومواالة املؤمنني‪ ،‬أو أتى بقول أو فعل ال حيتمل تأويال غري الكفر‪.‬‬
‫أسباب الردة وأصنافها‪ :‬ترجع عوامل الرده اىل امور من امهها‪:‬‬

‫‪ )1‬الطمع في الزعامه وحب السيطره لدى بعض الزعماء‪.‬‬ ‫‪ )1‬عدم تغلغل االسالم وااليمان في القلوب لتأخر اسالمهم‪.‬‬

‫‪ )0‬الرغبه في التخلص من التكاليف الشرعيه‪.‬‬ ‫‪ )2‬العصبيه القبليه جعلتهم يأنفون من األنقياد لقريش‪.‬‬

‫وأما أصنافها‪ :‬فمنهم من ترك اإلسالم مجلة وتفصيال وعاد إىل الوثنية وعبادة األصنام‪ ،‬ومنهم من ادعى النبوة‪ ،‬ومنهم من دعا إىل‬
‫ترك الصالة‪ ،‬ومنهم من بقي يعرتف باإلسالم ويقي م الصالة ولكنه امتنع عن أداء زكاته‪ ،‬ومنهم من مشت مبوت الرسول وعاد أدراجه‬
‫ميارس عاداته اجلاهلية‪ ،‬ومنهم من حتري وتردد وانتظر على من تكون الدبرة‪ ،‬وكل ذلك وضحه علماء الفقه والسري‪.‬‬
‫الردة أواخر عصر النبوة‪:‬‬
‫بدأت هذه الردة منذ العام التاسع للهجرة املسمى بعام الوفود‪ ،‬وهو العام الذي أسلمت فيه اجلزيرة العربية قيادها‬
‫للرسول‪ ، ، ‬حىت إذا كان أواخر العام العاشر اهلجري وهو عام حجة الوداع اليت حجها رسول اهلل ‪ ،‬ونزل به وجعه الذي مات‬
‫فيه وتسامع بذلك الناس ‪ ،‬وجترأ الذين يف قلوهبم مرض على اخلروج‪ ،‬فوثب األسود العنسي باليمن‪ ،‬ومسيلمة الكذاب باليمامة‪،‬‬
‫وطليحة األسدي يف بالد قومه ‪ ،‬وملا كان أخطر متمردين على اإلسالم ومها األسود العنسي ومسيلمة خاصة وأهنما مشايعان بقوى‬
‫غفرية وإمكانيات وفرية فقد أرى اهلل نبيه ‪‬من أمرمها ما تقر به عينه‪ ،‬ومن مث ما تقر به عيون أمته من بعده‪ ،‬فقد قال يوما وهو‬
‫خيطب الناس على منربه‪ « :‬أيها الناس‪ ،‬إين قد أريت ليلة القدر مث أنسيتها‪ ،‬ورأيت أن يف ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما‬
‫فنفختهما فطارا‪ ،‬فأولتهما هذين الكذابني‪ :‬صاحب اليمن وصاحب اليمامة»‬
‫‪73‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫موقف الصديق من المرتدين‪:‬‬


‫ملا كانت الردة قام أبو بكر ‪ ‬يف الناس خطيبا فحمد اهلل وأثىن عليه مث قال‪ :‬احلمد هلل الذي هدى فكفى‪ ،‬وأعطى‬
‫وخلَق ثوبه وضل أهله منه‪ ،‬ومقت اهلل أهل‬‫فأعفى‪ .‬إن اهلل بعث حممدا ‪ ‬والعلم شريد‪ ،‬واإلسالم غريب طريد‪ ،‬قد رث حبله َ‬
‫شرا لشر عندهم‪ ،‬وقد غريوا كتاهبم وأحلقوا فيه ما ليس منه‪ ،‬والعرب‬
‫الكتاب فال يعطيهم خريا خلري عندهم‪ ،‬وال يصرف عنهم ًّ‬
‫اآلمنون حيسبون أهنم يف منعة من اهلل ال يعبدونه وال يدعونه‪ ،‬فأجهدهم عيشا وأظلهم دينا‪ ،‬يف ظلف من األرض مع ما فيه من‬
‫السحاب‪ ،‬فختمهم اهلل مبحمد وجعلهم األمة الوسطى‪ ،‬ونصرهم مبن اتبعهم‪ ،‬ونصرهم على غريهم‪ ،‬حىت قبض اهلل نبيه فركب منهم‬
‫ات أ َْو‬ ‫ت ِمن قَـ ْب ِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل أَفَِإن َّم َ‬ ‫الشيطان مركبه الذي أنزل عليه‪ ،‬وأخذ بأيديهم‪ ،‬وبغى هلكتهم‪َ ﴿ :‬وَما ُم َح َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬
‫ول قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ض َّر اهلل َشيئًا وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]700 :‬‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫ب َعلَى َعقبَـ ْيه فَـلَن يَّ ُ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫قُت َل انْـ َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُك ْم َوَمن يَـ ْنـ َقل ْ‬
‫إن من حولكم من العرب قد منعوا شاهتم وبعريهم‪ ،‬وَل يكونوا يف دينهم –وإن رجعوا إليه‪ -‬أزهد منهم يومهم هذا‪ ،‬وَل‬
‫تكونوا يف دينكم أقوى منكم يومكم هذا على ما قد تقدم من بركة نبيكم‪ ،‬وقد وكلكم إىل املوىل الكايف الذي وجده ضاال فهداه‬
‫وعائال فأغناه‪َ ﴿ :‬وُك ْنتُ ْم َعلَى َش َفا ُح ْف َرٍة ِّم َن النَّا ِر فَأَن َق َذ ُك ْم ِّم ْنـ َها﴾ [آل عمران‪.]743 :‬‬
‫واهلل ال أدع أن أقاتل على أمر اهلل حىت ينجز اهلل وعده ويويف لنا عهده‪ ،‬ويقتل من قتل منا شهيدا من أهل اجلنة‪ ،‬ويبقى‬
‫الصالِح ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا م ْن ُك ْم َو َعملُوا َّ َ‬
‫ين َ‬
‫من بقي منها خليفته وذريته يف أرضه‪ ،‬قضاء اهلل احلق‪ ،‬وقوله الذي ال خلف له‪َ ﴿ :‬و َع َد اهللُ الذ َ‬
‫ض﴾[النور‪.]55 :‬وقد أشار بعض الصحابة ‪-‬ومنهم عمر‪ -‬على الصديق بأن يرتك مانعي الزكاة ويتألفهم‬ ‫َّه ْم فِي األ َْر ِ‬ ‫ِ‬
‫لَيَ ْستَ ْخل َفنـ ُ‬
‫حىت يتمكن اإلميان من قلوهبم‪ ،‬مث هم بعد ذلك يزكون‪ ،‬فامتنع الصديق عن ذلك وأباه‪ .‬فعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬ملا تويف رسول اهلل‬
‫‪ ‬وكان أبو بكر ‪ ،‬وكفر من كفر من العرب‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬كيف نقاتل الناس وقد قال رسول اهلل ‪« :‬أمرت أن أقاتل‬
‫الناس حىت يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فمن قاهلا فقد عصم مين ماله ونفسه إال حبقه (‪ ،)1‬وحسابه على اهلل»؟ فقال‪ :‬واهلل ألقاتلن من‬
‫َّفرق بني الصالة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حق املال‪ ،‬واهلل لو منعوين عقاال ( )‪ ،‬كانوا يؤدونه إىل رسول اهلل لقاتلتهم على منعه‪ .‬قال عمر‪:‬‬
‫فواهلل ما هو إال أن قد شرح اهلل صدر أيب بكر فعرفت أنه احلق ‪ ،‬مث قال عمر بعد ذلك‪ :‬واهلل لقد رجح إميان أيب بكر بإميان هذه‬
‫األمة مجيعا يف قتال أهل الردة‪ .‬وفعال كان رأي أيب بكر يف حرب املرتدين رأيا ملهما وهو الرأي الذي متليه طبيعة املوقف ملصلحة‬
‫اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأي موقف غريه سيكون فيه الفشل والضياع واهلزمية والرجوع إىل اجلاهلية‪ ،‬ولوال اهلل مث هذا القرار احلاسم من‬
‫أيب بكر لتغري وجه التاريخ وحتولت مسريته ورجعت عقارب الساعة إىل الوراء‪ ،‬ولعادت اجلاهلية تعيث يف األرض فسادا‪.‬‬
‫كان موقف أيب بكر ‪ ‬الذي ال هوادة فيه وال مساومة فيه وال تنازل موقفا ملهما من اهلل‪ ،‬يرجع الفضل األكرب ‪-‬بعد اهلل‬
‫تعاىل‪ -‬يف سالمة هذا الدين وبقائه على نقائه وصفائه وأصالته‪.‬‬

‫(‪ )7‬حبقه‪ :‬حق اإلسالم‪.‬‬


‫( ) عقاال‪ :‬هو احلبل الذي يعقل به البعري‪.‬‬
‫‪70‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫وقد أقر اجلميع وشهد التاريخ بأن أبا بكر قد وقف يف مواجهة الردة الطاغية وحماولة نقض عرى اإلسالم عروة عروة‪،‬‬
‫موقف األنبياء والرسل يف عصورهم‪ ،‬وهذه خالفة النبوة اليت أدى أبو بكر حقها‪ ،‬واستحق هبا ثناء املسلمني ودعاءهم إىل أن يرث‬
‫َ‬
‫اهلل األرض وأهلها‪.‬‬
‫لقد ظهر معدن الصديق النفيس يف حمنة الردة على أجلى صورة للقائد املؤمن الذي يفتدي قومه بنفسه‪ ،‬فالقائد يف فهم‬
‫املسلمني قدوة يف أعماله‪ ،‬فكان من آثاره هذه السياسة الصديقية أن تقوى املسلمون وتشجعوا حلرب عدوهم واستجابوا لتطبيق‬
‫األوامر الصادرة إليهم من القيادة ‪ .‬لقد اعتمدت سياسته يف القضاء على الردة على اهلل تعاىل‪ ،‬مث على ركائز قوية من القبائل‬
‫والزعماء واألفراد الذين انبثوا يف مجيع أحناء اجلزيرة وثبتوا على إسالمهم‪ ،‬وقاموا بأدوار هامة ورئيسية يف القضاء على فتنة الردة‪.‬‬
‫المواجهة الرسمية من الدولة‪:‬‬
‫‪ -7‬وسيلة اإلحباط من الداخل‪:‬‬
‫كان رسول اهلل ‪ ‬قد استعمل هذه الوسيلة‪ ،‬فقام مبراسلة وبعث الرسل إىل قبائل املتنبئني لتجميع الثابتني على اإلسالم‪،‬‬
‫وليشكل هبم مجاعة حتارب الردة‪ ،‬وسار الصديق ‪ ‬على نفس املنهج‪ ،‬وحاول أن حيجم ويقضي على ما ميكن القضاء عليه من‬
‫بؤر املرتدين‪ ،‬واستطاع أن يتصل بالثابتني على اإلسالم وجعل منهم رصيدا للجيوش املنظمة؛ فقد كان يعد األمة ملواجهة منظمة مع‬
‫املرتدين بعد عودة جيش أسامة؛ فقد راسل الصديق زعماء الردة والثابتني على اإلسالم ليحقق بعض األهداف؛ وكان هذا الرتتيب‬
‫بداية للخطة العسكرية القادمة‪ ،‬وقد حالف التوفيق بعض الثابتني بالوصول إىل املدينة ومعهم صدقاهتم؛ مثل عدي بن حامت الطائي‪،‬‬
‫والزبرقان بن بدر التميمي‪.‬‬
‫‪ -‬إرسال اجليوش املنظمة‪:‬‬
‫ملا وصل جيش أسامة بعد شهرين من مسريهم واسرتاحوا‪ ،‬خرج أبو بكر الصديق بالصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬إىل ذي‬
‫القصة‪ ،‬وهي على مرحلة من املدينة؛ وذلك لقتال املرتدين واملتمردين‪ ،‬فعرض عليه الصحابة أن يبعث غريه على القيادة‪ ،‬وأن يرجع‬
‫إىل املدينة ليتوىل إدارة أمور األمة‪ ،‬وأحلوا عليه بذلك‪ .‬فرجع اىل املدينة وقد قسم أبو بكر اجليش اإلسالمي إىل أحد عشر لواء‬
‫وجعل على كل لواء أمريا‪ ،‬وكان أكرب اجليوش جيش خالد بن الوليد‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫صة) مركز انطالق أو قاعدة حترك للجيوش املنظمة اليت ستقوم بالتحرك إىل مواطن‬
‫وهكذا اختذت قرية (ذي ال َق َّ‬
‫الردة للقضاة عليها‪.‬‬
‫ومن خالل تقسيم األلوية وحتديد املواقع يتضح أن الصديق ‪ ‬كان جغرافيا دقيقا خبريا بالتضاريس والتجمعات‬
‫البشرية وخطوط مواصالت جزيرة العرب‪ ،‬وكان على صلة مستمرة مع جيوشه كلها‪ .‬كما كانت اجليوش اليت بعثها الصديق‬
‫متماسكة‪ ،‬وهي أحد إجنازات الدولة اهلامة؛ إذ مجعت تلك اجليوش بني مهارات القيادة وبراعة التنظيم فضال عن اخلربة يف‬
‫ال قتال؛ صهرهتا األعمال العسكرية يف حركة السرايا والغزوات اليت تعدى بعضها شبه اجلزيرة يف زمن النيب ‪ ،‬فقد كان‬
‫اجلهاز العسكري لدى الصديق متفوقا على كل القوى العسكرية يف اجلزيرة‪ ،‬وكان القائد العام لهذه الجيوش سيف اهلل‬
‫المسلول خالد بن الوليد صاحب العبقرية الفذة يف حروب الردة والفتوحات اإلسالمية‪.‬‬
‫هذا وقد كتب أبو بكر الصديق كتابا واحدا إىل قبائل العرب من املرتدين واملتمردين فدعاهم للعودة إىل اإلسالم‬
‫وتطبيقه كامال كما جاء من عند اهلل تعاىل‪ ،‬مث حذرهم من سوء العاقبة فيما لو ظلوا على ما هم عليه يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وكان قويا يف إنذارهم‪ ،‬وهذا هو املناسب لشدة احنرافهم وقوة تصلبهم يف التمسك بباطلهم‪.‬‬
‫‪ -3‬نص اخلطاب الذي أرسله للمرتدين والعهد الذي كتبه للقادة‪:‬‬
‫بعد التنظيم الدقيق‪ ،‬وحسن اإلعداد للجيوش اإلسالمية اليت عقد هلا الصديق األلوية جند الدعوة البيانية القولية تطل لتقوم‬
‫بدورها وتديل بدلوها؛ فقد حرر الصديق كتابا عاما ذا مضمون حمدد سعى إىل نشره على أوسع نطاق ممكن يف أوساط من‬
‫ثبتوا على اإلسالم ومن ارتدوا عنه مجيعا قبل تسيري قواته حملاربة الردة‪ ،‬وبعث رجاال إىل القبائل‪ ،‬وأمرهم بقراءة كتابه يف كل‬
‫جمتمع‪ ،‬وناشد من يصله مضمون الكتاب بتبليغه ملن َل يصل إليه‪ ،‬وهذا نص الكتاب الذي بعثه الصديق‪:‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ :‬من أيب بكر خليفة رسول اهلل ‪ ‬إىل من بلغه كتايب هذا من عامة وخاصة‪ ،‬أقام على إسالمه أو‬
‫رجع عنه‪ :‬سالم على من اتبع اهلدى وَل يرجع بعد اهلدى إىل الضاللة والعمى‪ ،‬فإين أمحد إليكم اهلل الذي ال إله إال هو‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬نقر مبا جاء به ونكفر من أىب وجناهده‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإن‬
‫اهلل تعاىل أرسل حممدا باحلق من عنده إىل خلقه بشريا ونذيرا وداعيا إىل اهلل بإذنه وسراجا منريا؛ لينذر من كان حيا وحيق‬
‫القول على الكافرين‪ ،‬فهدى اهلل باحلق من أجاب إليه وضرب رسول اهلل ‪ ‬بإذنه من أدبر عنه‪ ،‬حىت صار إىل اإلسالم‬
‫طوعا وكرها‪ ،‬مث توىف اهللُ رسولَه ‪ ‬وقد نفذ ألمر اهلل ونصح ألمته وقضى الذي عليه‪ ،‬وكان اهلل قد بني له ذلك وألهل‬
‫ات أ َْو قُتِ َل‬ ‫ت ِمن قَـ ْب ِل ِه ُّ‬
‫الر ُس ُل أَفَِإن َّم َ‬ ‫اإلسالم يف الكتاب الذي أنزل‪ ،‬قال للمؤمنني‪َ ﴿ :‬وَما ُم َح َّم ٌد إِالَّ َر ُس ٌ‬
‫ول قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ض َّر اهلل َشيئًا وسيج ِزي اهلل َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪ ،]700 :‬فمن‬ ‫الشاك ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫ب َعلَى َعقبَـ ْيه فَـلَن يَّ ُ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫انْـ َقلَْبتُ ْم َعلَى أَ ْع َقابِ ُك ْم َوَمن يَـ ْنـ َقل ْ‬
‫كان إمنا يعبد حممدا فإن حممدا قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل وحده ال شريك له فإن اهلل له باملرصاد‪ ،‬وال تأخذه سنة وال‬
‫نوم‪ ،‬حافظ ألمره منتقم من عدوه حبزبه‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫وإين أوصيكم بتقوى اهلل وحظكم ونصيبكم من اهلل‪ ،‬وما جاءكم به نبيكم ‪ ،‬وأن هتتدوا هبداه وأن تعتصموا بدين اهلل‪ ،‬فإن‬
‫كل من َل يهده اهلل ضال‪ ،‬وكل من َل يعافه ممُبتلى‪ ،‬وكل من َل يعنه اهلل خمذول‪ ،‬فمن هداه اهلل كان مهتديا‪ ،‬ومن أضله كان‬
‫ضلِ ْل فَـلَن تَ ِج َد لَهُ َولِيًّا ُّم ْر ِش ًدا﴾ [الكهف‪ ،]71 :‬وَل يقبل منه يف‬
‫ضاال‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬من يَـ ْه ِد اهللُ فَـ ُه َو ال ُْم ْهتَ ِد َوَمن يُ ْ‬
‫الدنيا عمل حىت يقر به‪ ،‬وَل يقبل منه يف اآلخرة صرف وال عدل‪ .‬وقد بلغين رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر‬
‫باإلسالم وعمل به اغرتارا باهلل وجهالة بأمره وإجابة للشيطان ‪ .‬وإين بعثت إليكم فالنا يف جيش من املهاجرين واألنصار‬
‫والتابعني بإحسان‪ ،‬وأمرته أال يقاتل أحدا وال يقتله حىت يدعوه إىل داعية اهلل‪ ،‬فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صاحلا قبل‬
‫منه وأعانه عليه‪ ،‬ومن أىب أمرت أن يقاتله على ذلك مث ال يبقى على أحد منهم قدر عليه‪ ،‬وأن حيرقهم بالنار ويقتلهم كل‬
‫قتلة‪ ،‬وأن يسيب النساء والذراري وال يقبل من أحد إال اإلسالم‪ ،‬فمن تبعه فهو خري له ومن تركه فلن يعجز اهلل‪ .‬وقد أمرت‬
‫رسويل أن يقرأ كتايب يف كل جممع لكم والداعية األذان‪ :‬فإذا أذن املسلمني فأذَّنوا كفوا عنهم‪ ،‬وإن َل يؤذنوا عاجلوهم‪ ،‬وإن‬
‫أذنوا اسألوهم ما عليهم‪ ،‬فإن أبوا عاجلوهم‪ ،‬وإن أقروا قبل منهم ومحلهم على ما ينبغي هلم‪.‬‬
‫ولقد كانت الشارة اليت ينجو هبا املرتدون من غارة املسلمني أن يعلن فيهم األذان وإال فاملعاجلة بالقتال هي البديل‪.‬‬
‫وحىت ال يرتك اخلليفة األمر للقادة واجلند بغري انضباط كتب للقواد مجيعا كتابا واحدا يدعوهم فيه إىل االلتزام مبضمون كتابه‬
‫السابق‪.‬‬

‫القضاء على فتنة األسود العنسي وطليحة األسدي ومقتل مالك بن نويرة‪:‬‬
‫‪ -1‬القضاء على األسود العنسي‪ ،‬وردة اليمن الثانية‪:‬‬
‫امسه‪ :‬عبهلة بن كعب ويكىن بذي اخلمار؛ ألنه كان دائما معتما متخمرا خبمار‪ ،‬ويعرف باألسود العنسي السوداد يف وجهه‪،‬‬
‫واستخدم الكهانة والسحر واخلطابة البليغة‪ ،‬فقد كان كاهنا مشعوذا واستخدم األموال للتأثري على الناس‪.‬‬
‫األسود العنسي في عهد الرسول ‪:‬‬
‫وما أن انتشر خرب مرض رسول اهلل ‪ ‬بعد حجة الوداع حىت ادعى األسود العنسي النبوة‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه أطلق على‬
‫نفسه (رمحان اليمن) كما تسمى مسيلمة (رمحان اليمامة) ‪ ،‬وأنه كان يدعي النبوة وال ينكر نبوة حممد عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫رسول اهلل ‪ ‬الثابتني على اإلسالم ملواجهة ردة األسود‪ ،‬وأمرهم بالسعي للقضاء عليه إما مصادمة أو غيلة‪ ،‬وأتى‬
‫وقد راسل ُ‬
‫النيب ‪ ‬من السماء الليلة اليت قتل فيها العنسي ليبشرنا فقال‪« :‬قتل العنسي البارحة‪ ،‬قتله رجل مبارك من أهل بيت‬
‫اخلرب َّ‬
‫وعني أبو بكر «فريوز الديلمي» واليا على صنعاء وكتب إليه بذلك ‪ ،‬وكان مبدأ‬
‫مباركني» قيل‪ :‬ومن هو؟ قال‪« :‬فريوز»‪َّ .‬‬
‫أيب بكر عدم االستعانة مبن ارتد‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ -2‬القضاء على فتنة طليحة األسدي‪:‬‬


‫طليحة األسدي هو املتنبئ الثالث من املتنبئة الذين ظهروا يف اإلسالم أواخر عهد رسول اهلل ‪ ‬ب‪ ،‬وهو طليحة بن خويلد‬
‫بن نوفل بن نضلة األسدي‪ ،‬قدم مع وفد قومه أسد على رسول اهلل ‪ ‬يف عام الوفود سنة تسع للهجرة فسلموا عليه‪،‬‬
‫وقالوا له ممتنني‪ :‬جئناك نشهد أن ال إله إال اهلل وأنك عبده ورسوله وَل تبعث إلينا وحنن ملن وراءنا‪ ،‬فأنزل اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫ين﴾‬ ‫ك أَ ْن أَسلَموا قُل الَّ تَمنُّوا َعلَ َّي إِسالَم ُكم ب ِل اهلل يم ُّن َعلَْي ُكم أَ ْن َه َدا ُكم لِ ِليم ِ‬
‫ان إِن ُك ْنتُم ِ ِ‬
‫صادق َ‬‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫قوله‪﴿ :‬يَ ُمنُّو َن َعلَْي َ‬
‫[احلجرات‪ ،]71 :‬وملا عادوا ارتد طليحة وتنبأ‪ ،‬واتبعه العوام ‪ .‬وتويف رسول اهلل وَل حيسم أمر طليحة وتوىل اخلالفة الصديق‬
‫‪ ،‬وعقد األلوية للجيوش واألمراء للقضاء على املرتدين‪ ،‬وكان من ضمنهم طليحة‪ ،‬ووجه إليه الصديق جيشا بقيادة خالد‬
‫بن الوليد‪.‬‬
‫روى اإلمام أمحد‪ … :‬أن أبا بكر الصديق ملا عقد خلالد بن الوليد على قتال أهل الردة قال‪ :‬مسعت رسول اهلل يقول‪ :‬نِ ْعم‬
‫عبد اهلل وأخو العشرية خالد بن الوليد‪ ،‬سيف من سيوف اهلل‪ ،‬سله اهلل على الكفار واملنافقني»‪ ،‬وملا توجه خالد من ذي‬
‫القصة وفارقه الصديق‪ ،‬واعده أن سيلقاه من ناحية خيرب مبن معه من األمراء‪ ،‬وأظهروا ذلك لريعبوا األعراب‪ ،‬وأمره أن يذهب‬
‫أوال إىل طليحة األسدي‪ ،‬مث يذهب بعده إىل بين متيم‪.‬‬

‫الهجوم الشامل على المرتدين‬


‫اخة ‪11‬هـ والقضاء على بني أسد‪:‬‬
‫‪ -‬معركة بُـ َز َ‬
‫ت وجه خالد بن الوليد رضي اهلل عنه جبيشه لقتال طليحه األسدي ومن اجتمع معه من طيء‪،‬وكان لعدي بن حامت‬
‫الطائي رضي اهلل عنه فضل يف اقناع من انضم ايل طليحه من الطائيني برتكه والعوده ايل السمع والطاعه‪ .‬مضى خالد رضي‬
‫اهلل عنه حيت التقي بطليحه واتباعه مبكان يقال له‪« :‬بزاخة» وكاد املسلمون ينهزمون فصاح خالد رضي اهلل عنه هبم واقتحم‬
‫الصفوف واندفع املسلمون يقاتلون حبماس عظيم حىت كتب اهلل هلم النصر‪ .‬مث اهنزم طليحة وهرب إىل الشام وتفرق مجعه‪،‬‬
‫صعد عنها ويصوب ويرجع إليها يف طلب الذي وصاه‬ ‫وقد قتل اهلل طائفة ممن كان معه‪ .‬فأقام خالد ببزاخة شهر يُ َ‬
‫الصديق‪،‬كل هذا ليعترب هبم من يسمع خبربهم من مرتدة العرب‪ .‬وكان ذلك النصر سببا يف عودة القبائل القريبه من مكان‬
‫املعركه ايل السمع والطاعه خلليفة رسول اهلل رضي اهلل عنه وقد اسلم طليحه فيما بعد وحسن اسالمه‪.‬‬
‫وقد كانت هناك مجموعة من األسباب ساهمت في هزيمة طليحة األسدي‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .7‬إن املسلمني كانوا يقاتلون مدفوعني بعقيدة راسخة ويقني بنصر اهلل وحب يف الشهادة‪.‬‬
‫‪ .‬كان النضمام قبيلة طئ أثره يف تقوية املسلمني وإضعاف أعدائهم‪.‬‬
‫من نتائج معركة بزاخة‪:‬‬
‫(( القضاء على قوة أحد األدعياء األقوياء وعودة فريق كبري من العرب إىل اإلسالم))‪.‬‬
‫‪78‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ -‬سجاح وبنو تميم ومقتل مالك بن نويرة اليربوعي ( معركة البطاح ) ‪:‬‬
‫كانت بنو متيم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة؛ منهم من ارتد ومنع الزكاة‪ ،‬ومنهم من بعث بأموال الصدقات إىل‬
‫الصديق‪ ،‬ومنهم من توقف لينظر يف أمره‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ أقبلت (سجاح بنت احلارث التغلبية) من اجلزيرة وهي من‬
‫نصارى العرب‪ ،‬وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف هبم‪ ،‬وقد عزموا على غزو أيب بكر الصديق‪ ،‬فلما مرت‬
‫ببالد بين متيم دعتهم إىل أمرها فاستجاب هلا عامتهم‪ ،‬وكان ممن استجاب هلا مالك بن نويرة التميمي ومجاعة من سادات‬
‫أمراء بين متيم‪.‬‬
‫بعد ان هزم خالد رضي اهلل عنه طليحه واتباعه انطلق لقتال مالك بن نويره واتباعه من متيم يف البطاح وملا مسع اتباع‬
‫مالك بتوجه املسلمني اليهم ندم بعضهم واعلنوا السمع والطاعه وأدوا الزكاه‪ .‬وادرك مالك انه غري قادر علي جماهبه املسلمني‬
‫فأمر من كانوا معه ان يتفرقوا فلما علم خالد ‪ ‬بذلك بعث سرايا لتعقب اولئك القوم‪ .‬ومتكنت احدى السرايا من القبض‬
‫على مالك فقتل ويف هناية األمر عاد بنو متيم كلهم اىل السمع والطاعه‪.‬‬

‫مسيلمة الكذاب وبنو حنيفة‬


‫هو مسيلمة بن َثامة احلنفي أبو شامة‪ ،‬ولد ونشأ باليمامة بوادي حنيفة يف جند‪ ،‬وتلقب يف اجلاهلية بالرمحن وعرف‬
‫برمحان اليمامة‪ .‬وأخذ يطوف يف ديار العرب والعجم يتعلم األساليب اليت يستطيع هبا استغفال الناس ‪ ،‬ويف العام العاشر‬
‫للهجرة عندما أصيب رسول اهلل ‪‬مبرض موته‪ ،‬جترأ اخلبيث فكتب رسالة إىل رسول اهلل ‪ ‬يزعم لنفسه فيها الشركة معه‬
‫يف النبوة كتبها له عمرو بن اجلارود احلنفي‪ ،‬وبعثها إليه مع عبادة بن احلارث احلنفي املعروف بابن النواحة هذا نصها‪( :‬من‬
‫مسيلمة رسول اهلل (كذب) إىل حممد رسول اهلل‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإن لنا نصف األرض ولقريش نصفها ولكن قريشا ال ينصفون)‪.‬‬
‫فرد عليه رسول اهلل ‪ ‬برسالة كتبها له أيب بن كعب ‪ ‬نصها‪ « :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬من حممد النيب إىل مسيلمة‬
‫الكذاب‪ .‬أما بعد‪ ،‬فإن األرض هلل يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقني‪ ،‬والسالم على من اتبع اهلدى»‪ .‬وكان مسيلمة‬
‫قد بعث برسالة إىل الرسول ‪ ‬مع رجلني فلما اطلع عليها رسول اهلل ‪ ‬قال هلما‪ :‬وماذا تقوالن أنتما؟ فقاال‪ :‬نقول كما‬
‫قال‪ ،‬فقال ‪ :‬أما واهلل لوال أن الرسل ال تقتل لضربت أعناقكم‪.‬‬
‫موقف حبيب بن زيد األنصاري حامل رسالة رسول اهلل إلى مسيلمة‪:‬‬
‫محل (حبيب بن زيد األنصاري) ابن أم عمارة نسيبة بنت كعب املازنية ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬رسالة رسول اهلل ‪‬‬
‫إىل مسيلمة الكذاب‪ ،‬فعندما سلمه الرسالة قال له مسيلمة الكذاب‪ :‬أتشهد أن حممدا رسول اهلل‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيقول له‪:‬‬
‫أو تشهد أين رسول اهلل؟ فيقول‪ :‬أنا أصم ال أمسع‪ ،‬ففعل ذلك مرارا وكان يف كل مرة ال ُييبه فيها حبيب إىل طلبه يقتطع من‬
‫جسمه عضوا ويبقي عضو حبيب حمتسبا صابرا إىل أن قطعه إربا إربا فاستشهد ‪ ‬بني يديه‪.‬‬
‫‪79‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫طغت أخبار ردة مسيلمة الكذاب باليمامة على غريها من أخبار ثبات مجاعات من املسلمني الصادقني باليمامة‬
‫بصفة عامة‪ ،‬ويف بين حنيفة قوم مسيلمة بصفة خاصة وَل يتعرض كثري من الكتاب احملدثني لذكر املسلمني الذين متسكوا‬
‫بإسالمهم يف فتنة مسيلمة ووقفوا يف وجهه‪ ،‬وساندوا جيوش اخلالفة للقضاء على فتنته‪.‬‬
‫تحرك خالد بن الوليد بجيشه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة‪:‬‬
‫كان أبو بكر ‪ ‬قد أمر خالدا إذا فرغ من أسد وغطفان ومالك بن نويرة أن يقصد اليمامة وأكد عليه يف ذلك‪،‬‬
‫سار خالد إىل قتال بين حنيفة باليمامة وعىب معه املسلمني‪ ،‬فسار ال مير بأحد من املرتدين إال نكل به‪،‬وملا مسع مسيلمة‬
‫بقدوم خالد عسكر مبكان يقال له‪ :‬عقرباء ‪.‬‬
‫وبعد ان وصل اىل بالد بين حنيفه دارت بينه وبني مسيلمه عدة مناوشات‪ .‬مث وقعت بينهما اكرب معركه يف حروب‬
‫الرده كلها وهي معركة عقرباء ‪7‬ه ‪ ،‬وقد تقاتل املسلمون وبنو حنيفه قتاال شديدا‪ ،‬وكادت اهلزميه حتل باملسلمني لوال ان اهلل‬
‫سبحانه ثبتهم فأنقضوا على اعدائهم حىت هزموهم‪ .‬وجلأمسيلمه واتباعه اىل حديقه هناك فأقتحمها عليهم املسلمون ودار‬
‫بني الطرفني قتال عنيف مات فيه كثريون؛حىت مسيت تلك احلديقه (حديقة الموت)‪ .‬وأغلقت بنو حنيفة احلديقة عليهم‬
‫وأحاط هبم الصحابة‪.‬‬
‫بطوالت نادرة‪.‬‬
‫‪ -7‬قال الرباء بن مالك‪ :‬يا معشر املسلمني‪ ،‬ألقوين عليهم يف احلديقة‪ ،‬فاحتملوه فوق اجلحف ‪ ،‬ورفعوها بالرماح حىت ألقوه‬
‫عليهم‪ ،‬فلم يزل يقاتلهم دون باهبا حىت فتحه‪ ،‬ودخل املسلمون احلديقة من الباب الذي فتحه الرباء‪.‬‬
‫‪ -‬مصرع مسيلمة الكذاب‪ :‬خلص املسلمون إىل مسيلمة لعنه اهلل‪ ،‬وإذا هو واقف يف ثلمة جدار فتقدم إليه (وحشي بن‬
‫حرب) وسارع إليه (أبو دجانة مساك بن خرشة) فضربه بالسيف فسقط فكان مجلة من قتلوا يف احلديقة ويف املعركة قريبا من‬
‫عشرة آالف مقاتل‪ ،‬وفيهم من سادات الصحابة والقراء‬
‫لقد كان لألنصار مواقف عظيمة وإقدام منقطع النظري يف حروب الردة وخصوصا باليمامة‪ ،‬وقد استشهد كثري من‬
‫املهاجرين واألنصار يف هذه املعركة الفاصلة‪ .‬كانت املدينة على الرغم من فرحها بانتصار املسلمني على املرتدين ما زالت‬
‫تبكي شهداءها؛ ففي حرب اليمامة وحدها قتل من املسلمني مائتان وألف‪ ،‬منهم عدد من كبار الصحابة وفيهم أكثر‬
‫حفاظ القرآن؛ حنو أربعني من القراء‪.‬‬

‫وقد نتج عن القضاء على حركة الردة ما يلي ‪:‬‬


‫‪ -1‬إعادة وحدة الدولة اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ -2‬تجريد البدو من سالحهم وخيلهم خالل فترة أبي بكر ‪.‬‬
‫‪ -2‬أكسبت المسلمين المزيد من الخبرات القتالية ‪ ،‬والمعرفة بجغرافية الجزيرة العربية ‪ ،‬مما أفادهم في حشد الجيوش في‬
‫حركة الفتح اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ )1‬جمع القرآن الكريم ‪:‬‬


‫نظرا لكثرة من قتل من احلفاظ يف موقعة اليمامة سنة ‪7‬ه ‪ ،‬فقد أشار عمر بن اخلطاب ‪ ‬جبمع القرآن حيث مجع من‬
‫الرقاع والعظام والسعف ومن صدور الرجال وأسند الصديق هذا العمل العظيم إىل الصحايب اجلليل زيد بن ثابت األنصاري‬
‫إيل أبو بكر ‪ ‬ملقتل أهل اليمامة ‪ ،‬فإذا عمر بن اخلطاب عنده‪ ،‬قال أبو بكر‬ ‫‪ ،‬يروي زيد بن ثابت ‪ ‬فيقول‪ :‬بعث َّ‬
‫( )‬
‫‪ :‬إن عمر أتاين فقال‪ :‬إن القتل قد استحر (‪ )7‬يوم اليمامة بقراء القرآن وإين أخشى أن يستحر القتل بالقراء يف املواطن‬
‫كلها فيذهب كثري من القرآن‪ ،‬وإين أرى أن تأمر جبمع القرآن‪ ،‬قلت لعمر‪ :‬كيف أفعل شيئا َل يفعله رسول اهلل ‪‬؟! فقال‬
‫عمر‪ :‬هذا واهلل خري‪ ،‬فلم يزل عمر يراجعين حىت شرح اهلل صدري للذي شرح له صدر عمر‪ ،‬ورأيت يف ذلك الذي رأى‬
‫عمر‪ ،‬قال زيد‪ :‬قال أبو بكر‪ :‬وإنك رجل شاب عاقل ال نتهمك ‪ ،‬وقد كنت تكتب الوحي لرسول اهلل ‪ ،‬فتتبع القرآن‬
‫فامجعه‪ .‬قال زيد‪ :‬فو اهلل لو كلفوين نقل جبل من اجلبال ما كان بأثقل علي مما كلفين به من مجع القرآن‪ ،‬فتتبعت القرآن من‬
‫العسب (‪ ،)3‬واللخاف (‪ ،)0‬وصدور الرجال والرقاع (‪ )5‬واألكتاف (‪ )6‬قال‪ :‬حىت وجدت آخر سورة التوبة مع أيب خزمية‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‬
‫ين َرءُ ٌ‬ ‫ِّم َح ِر ٌ‬
‫يص َعلَْي ُك ْم بال ُْم ْؤمن َ‬ ‫ول ِّم ْن أَنَـ ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫األنصاري َل أجدها مع أحد غريه‪﴿ :‬لََق ْد َج َ‬
‫يم﴾ [التوبة‪ ، ]7 8 :‬حىت خامتة براءة‪ ،‬وكانت الصحف عند أيب بكر حياته حىت توفاه اهلل‪ ،‬مث عند عمر مث عند حفصة‬ ‫ِ‬
‫َّرح ٌ‬
‫بنت عمر رضي اهلل عنهم‪.‬‬

‫(‪ )7‬استحر‪ :‬كثر واشتد‪.‬‬


‫( ) أي‪ :‬يف األماكن اليت يقع فيها القتال مع الكفار‪.‬‬
‫(‪ )3‬العسب‪ :‬هو جريد النخل‪.‬‬
‫(‪ )0‬اللخاف‪ :‬مجع خلفة‪ :‬وهي صفائح احلجارة‪.‬‬
‫(‪ )5‬الرقاع‪ :‬مجع رقعة وهي قطع اجللود‪.‬‬
‫(‪ )6‬األكتاف‪ :‬مجع كتف‪ ،‬وهو العظم الذي للبعري أو الشاة‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ )0‬الفتوحات اإلسالمية ‪:‬‬


‫سار الصديق ‪ ‬على هذا املنهج النبوي يف الدعوة وشرع إرسال اجليوش لتحقيق بشائر الرسول بفتح كثري من‬
‫املمالك والبالد كفتح العراق وغريها من البالد‪ ،‬إن اهلدف الرفيع واملقصد السامي حلركة الفتوحات اليت قادها الصديق ‪‬‬
‫كان غرضها نشر دين اهلل تعاىل بني الناس‪ ،‬وإزاحة الطواغيت من على رقاب الناس‪ ،‬وكان الصديق واملسلمون معه على‬
‫يقني مبا أخرب اهلل ورسوله من النصر والتمكني‪ ،‬وهذا اليقني من أخالق جيل النصر‪ ،‬فقد كانوا على يقني بقوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ه َو‬
‫ْح ِّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى الدِّي ِن ُكلِّ ِه َولَ ْو َك ِرَه ال ُْم ْش ِرُكو َن﴾ [الصف‪]9 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّذي أ َْر َس َل َر ُسولَهُ بِال ُْه َدى َودي ِن ال َ‬
‫أسباب الفتوحات اإلسالميه‪:‬‬
‫‪ )7‬الدفاع عن العقيدة االسالمية قال تعاىل‪ (:‬وقاتلوا يف سبيل اهلل الذين يقتلونكم والتعتدوا إن اهلل الحيب املعتدين)‪.‬‬
‫) الدعوة إىل اهلل باملوعظة احلسنة قال تعاىل‪ ( :‬ادع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن إن‬
‫ربك هو أعلم مبن ضل عن سبيله وهو أعلم باملهتدين)‪.‬‬
‫‪ )3‬نشر االسالم خارج اجلزيرة العربية؛لتبليغ الشعوب االخرى االسالم‪،‬ونشر العدل بني تلك الشعوب لتصان احلرمات‬
‫واملقدسات كما أراد اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪ )0‬وضوح تعاليم الفتح االسالمي؛ترغيبا يف دخول الناس ىف االسالم‪ ،‬فالدين االسالمى هو الدين الكامل الذى انعم اهلل به‬
‫على خلقه وارتضاه لعباده؛ألنه أعلم مبا يناسبهم‪.‬‬
‫األوضاع قبل الفتوحات‪:‬‬
‫ملا قضى املسلمون على حركة املرتدين عزموا على استكمال مابدأه النيب صلى اهلل عليه و سلم من نشر االسالم‬
‫واعالء كلمة اهلل تعاىل خارج اجلزيرة العربية‪ ،‬وكان ُياورمها دولتان كبريتان مها‪:‬‬
‫أ) دولة الفرس اليت يلقب ملكها ب (كسرى) وكانت تسيطر على مناطق واسعه تشمل فارس والعراق وشرق بالد الشام‬
‫ومشال اجلزيرة العربية واجزاء من ارمينية‪.‬‬
‫ب) دولة الروم الىت يسمى ملكهاب (قيصر) وكانت تسيطر على مناطق واسعه تشمل بالد الشام (فلسطني‪ ،‬سوريا‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫لبنان) وآسيا الصغرى (تركيا) واجزاء من ارمينية ومصر ومشال افريقيا‪ .‬وقد استطاع اخللفاء الراشدون رضى اهلل عنهم أن‬
‫يقضوا على دولة الفرس بأكملها‪ ،‬وأن ينتزعوا بالد الشام وفلسطني ومصر واجزاء من مشال افريقيه وارمينيه من دولة‬
‫الروم‪ .‬وبدخول تلك األقطار حتت حكم املسلمني انفتح اجملال أمامهم لنشر االسالم بني سكاهنا‪.‬‬
‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫فتوحات العـ ـ ـ ـراق‬


‫أوال‪ :‬خطة الصديق لفتح العراق‪:‬‬
‫ما إن انتهت حرب الردة واستقرت األمور يف اجلزيرة العربية اليت كانت ميدانا هلا‪ ،‬حىت شرع الصديق يف تنفيذ خطة‬
‫الفتوحات اليت وضع معاملها رسول اهلل ‪ ،‬فجيَّش الصديق لفتح العراق جيشني‪:‬‬
‫‪ -1‬األول بقيادة خالد بن الوليد وكان يومئذ باليمامة‪ ،‬فكتب إليه يأمره بأن يغزو العراق من جنوبه الغريب‪ ،‬وقال له‪ :‬سر‬
‫إىل العراق حىت تدخلها وابدأها باألبلة‪ .‬وأمره بأن يأيت العراق من أعاليها‪ ،‬وأن يتألف الناس ويدعوهم إىل اهلل عز وجل‪ ،‬فإن‬
‫أجابوا وإال أخذ منهم اجلزية‪ ،‬فإن امتنعوا عن ذلك قاتلهم‪ ،‬وأمره أن ال يكره أحدا على املسري معه‪ ،‬وال يستعني مبن ارتد‬
‫على اإلسالم وإن كان عاد إليه‪ ،‬وأمره أن يستصحب كل امرئ مر به من املسلمني‪ ،‬وشرع أبو بكر يف جتهيز السرايا والبعوث‬
‫واجليوش إمدادا خلالد ‪.‬‬
‫‪ -2‬الجيش الثاني بقيادة عياض بن غنم وكان بين النباج (‪ )1‬والحجاز‪ ،‬فكتب إليه بأن يفتح العراق من مشاله الشرقي‬
‫بادئا باملصيخ( ) وكتب الصديق ‪ ‬إىل خالد وعياض‪ :‬فأيهما سبق إىل احلرية أمري على صاحبه‪ .‬وقال‪ :‬إذا اجتمعتما إىل‬
‫احلرية وقد فضضتما مساحل فارس وأمنتما أن يؤتى املسلمون من خلفهم‪ ،‬فليكن أحدكما ردءا للمسلمني ولصاحبه باحلرية‪،‬‬
‫وليقتحم اآلخر على عدو اهلل وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم‪ ،‬املدائن‪.‬‬
‫وكان المثنى بن حارثة قد قدم على أيب بكر وحث الصديق على حماربة الفرس وقال له‪ :‬ابعثين على قومي ففعل ذلك‬
‫أبو بكر‪ ،‬فرجع املثىن وشرع يف اجلهاد بالعراق مث إنه ب عث أخاه مسعود بن حارثة إىل أيب بكر يستمده‪ ،‬فكتب معه أبو بكر‬
‫إىل املثىن‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإين قد بعثت إليك خالد بن الوليد إىل أرض العراق فاستقبله مبن معك من قومك‪ ،‬مث ساعده ووازره‬
‫وكانفه وال تعصني له أمرا وال ختالفن له رأيا فما أقام معك فهو األمري‪ ،‬فإن شخص عنك فأنت على ما كنت عليه‪.‬‬
‫وكان هدف اخلليفة الصديق السيطرة على الحيرة وذلك ألهميتها العسكرية‪ ،‬حيث كانت قلب العراق وأقرب منطقة‬
‫مهمة إىل املدائن عاصمة اإلمرباطورية الفارسية‪ ،‬اليت كانت تدرك هذه القيمة االسرتاتيجية للحرية‪ ،‬ولذا كانت ترسل القوات‬
‫باجتاهها دائما الستعادهتا؛ ألن املسيطر على احلرية يؤمن سيطرته على املنطقة الكائنة غريب الفرات بأمجعها‪ ،‬وهي عدا هذا‬
‫كانت مهمة للقوات اإلسالمية يف قتاهلا الروم يف بالد الشام‪.‬‬

‫(‪ )7‬قرية يف بادية البصرة‪ ،‬يف منتصف الطريق بني مكة والبصرة‪.‬‬
‫( ) موضع على حدود الشام مما يلي العراق‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫معارك خالد بن الوليد بالعراق‪:‬‬


‫ارفض عنه‬
‫استمد خالد أبا بكر أثناء سريه للعراق أمده الصديق بالقعقاع بن عمرو التميمي فقيل له‪ :‬أمتد رجال قد َّ‬
‫جنوده برجل؟ فقال‪ :‬ال يهزم جيش فيهم مثل هذا‪ .‬واحتدت جيوش املسلمني و اتفقوا على أن يكون مكان جتمع اجليوش‬
‫األبلة‪ .‬وقبل أن يسري خالد إىل العراق كتب إىل هرمز صاحب ثغر األبلة كتاب إنذار يقول فيه‪ :‬أما بعد‪ :‬فأسلم تسلم أو‬
‫أقرر باجلزية‪ ،‬وإال فال تلومن إال نفسك‪ ،‬فقد جئتكم بقوم حيبون املوت كما حتبون احلياة‪.‬‬
‫اعتقد لنفسك وقومك الذمة و ْ‬
‫‪ -7‬معركة ذات السالسل ‪12‬هـ‪:‬‬
‫مسع (هرمز) مبسري خالد وعلم أن املسلمني تواعدوا (احلضري) ‪ ،‬وملا بلغ خالد أهنم ميموا احلضري عدل عنها إىل‬
‫(كاظمة) فسبقه هرمز إليها‪ ،‬ونزل على املاء واختار املكان املالئم جليشه‪ ،‬وجاء خالد فنزل على غري ماء‪ ،‬وواجه املسلمون‬
‫ضرب املثل خببثه‪ ،‬فعمل مكيدة خلالد وذلك أنه اتفق مع حاميته على أن يبارز‬ ‫هرمز وكان مشهورا باخلبث والسوء حىت ُ‬
‫خالدا مث يغدروا به ويهجموا عليه‪ ،‬فربز بني الصفني ودعا خالدا إىل الرباز فربز إليه‪ ،‬والتقيا فاختلفا ضربتني واحتضنه خالد‬
‫فحملت حامية هرمز على خالد وأحدقوا به‪ ،‬فما شغله ذلك عن قتل هرمز‪ ،‬وما أن ملح ذلك القعقاع بن عمرو حىت محل‬
‫جبماعة من الفرسان على حامية هرمز ‪ ،‬ومحل املسلمون من وراء القعقاع حىت هزموا الفرس‪ ،‬وهذا هو أول املشاهد اليت ظهر‬
‫فيها صدق فراسة أيب بكر حينما قال عن القعقاع‪« :‬ال يهزم جيش فيه مثل هذا»‪ .‬وأما خالد فقد ضرب أروع األمثال يف‬
‫البطولة ورباطة اجلأش‪ ،‬فقد أجهز على قائد الفرس وحاميته من حوله‪ ،‬فلم يستطيعوا ختليصه منه وقد كان الفرس ربطوا‬
‫أنفسهم بالسالسل حىت ال يفروا فلم تغن عنهم شيئا أمام الليوث البواسل‪ ،‬ومسيت هذه املعركة بذات السالسل‪.‬‬

‫‪ -2‬معركة المذار «الثنى» ‪12‬هـ ‪:‬‬


‫كان هرمز قد كتب إىل كسرى بكتاب خالد فأمده كسرى جبيش بقيادة (قارن)‪ ،‬ولكن هرمز استخف جبيش‬
‫املسلمني فسارع إليهم قبل وصول قارن فنكب ونكب جيشه‪ ،‬وهرب فلول املنهزمني فالتقوا جبيش (قارن) وتذامروا فيما بينهم‬
‫وتشجعوا على قتال املسلمني‪ ،‬وعسكروا مبكان يسمى املذار‪ ،‬ووالتقى املسلمون معهم يف (املذار) واشتد القتال بني الفريقني‪،‬‬
‫ولكن الفرس اهنزموا بعد مقتل قادهتم وقتل منهم ثالثون ألفا وجلأ بقيتهم إىل السفن فهربوا عليها‪ ،‬ومنع املاء املسلمني من‬
‫مالحقتهم‪ ،‬وأقام خالد باملذار وسلم األسالب ملن سلبها بالغة ما بلغت‪ ،‬وقسم الفئ ونفل من األمخاس أهل البالء‪ ،‬وبعث‬
‫ببقية األمخاس إىل املدينة‪.‬‬
‫‪0‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ -1‬معركة أُلَّْيس وفتح أمغيشيا ‪12‬هـ ‪:‬‬


‫يف هذه املوقعة انضم بعض نصارى العرب إىل األعاجم‪ ،‬وصاروا عونا للفرس على املسلمني‪ ،‬وكان عليهم عبد‬
‫األسود العجلي وعلى الفرس جابان‪ ،‬وكان قد أمره (هبمن جاذويه) أال ينازل املسلمني إال أن يعجلوه‪ ،‬وبعد أن بلغ خالد‬
‫جتمع نصارى أهل احلرية سار إليهم‪ ،‬وكان مهه متجها ملواقعتهم وال علم له بانضمام الفرس جلموع العرب‪ ،‬فلما أقبلت جنود‬
‫املسلمني هزم الفرس وصرب املسلمون على هذا القتال العنيف‪ ،‬وبعد أن انتصر خالد من (أليس) هنض حىت أتى (أمغيشيا)‪،‬‬
‫وقد جال عنها أهلها وأعجلوا عما فيها وتفرقوا يف السواد‪ ،‬فأمر هبدمها وهدم كل شيء فيها ‪.‬‬
‫‪ -0‬فتح الحيرة ‪12‬هـ ‪:‬‬
‫علم (مرزبان احلرية) مبا صنع خالد ب (أمغيشيا) فأيقن أنه آتيه‪ ،‬فاستعد لذلك وأرسل جيشا بقيادة ابنه مث خرج يف‬
‫إثره‪ ،‬وأمر ابنه بسد الفرات ليعطل سفن املسلمني‪ ،‬وفوجئ املسلمون بذلك واغتموا له‪ ،‬فنهض خالد يف خيل يقصد ابن‬
‫املرزبان فلقي خيال من اجلنود فقاتلهم وهزمهم‪ ،‬وسد األهنار وسلك املاء سبيله‪ ،‬مث طلب خالد عسكره واجته إىل احلرية‪.‬‬
‫وعلم املرزبان مبوت ابنه وخرب موت أزدشري‪ ،‬فهاله األمر فعرب الفرات هاربا من غري قتال‪ ،‬فعسكر خالد مكانه وأهل احلرية‬
‫متحصنون وأدخل خالد اخليل من عسكره‪ ،‬ومتت خطته حول قصور احلرية ‪.‬‬
‫أجلوهم يوما وأمرهم أن ال‬‫وعهد خالد إىل أمرائه أن يدعوا القوم إىل اإلسالم‪ ،‬فإن أجابوا قبلوا منهم وإن أبوا َّ‬
‫ميكنوا عدوا منهم بل عليهم أن يناجزوهم‪ ،‬وال مينعوا املسلمني من قتال عدوهم ففعلوا‪ ،‬واختار القوم املنابذة وعمدوا لرمى‬
‫املسلمني باحلذف ‪ ،‬فرشقهم املسلمون بالنبل وشنوا غاراهتم وفتحوا الدور والديارات‪ ،‬فنادى القسيسون‪ :‬يا أهل القصور ما‬
‫يقتلنا غريكم‪ ،‬فنادى أهل القصور‪ :‬يا معشر العرب قبلنا واحدة من ثالث فكفوا عنا‪ ،‬وخرج رؤساء القصور فقابلهم خالد‬
‫وتصاحلوا معه على اجلزية‪.‬‬
‫وكان فتح احلرية عمال حربيا عظيم القيمة‪ ،‬وسع أمل املسلمني يف فتح بالد فارس؛ ملكان هذا البلد اجلغرايف واألديب‬
‫من العراق واململكة الفارسية‪ ،‬فقد اختذها القائد العام للجيوش اإلسالمية مقرا لقيادته ومركزا رئيسيا تتلقى منه جيوش‬
‫اإلسالم أوامر اهلجوم والدفاع واإلمداد والنظم‪ ،‬وكذلك جعلها قاعدة عامة للتدبري والسياسة اليت يقوم عليها تنظيم من وقع‬
‫يف يد املسلمني‪ ،‬وبث خالد عماله على الواليات جلباية اخلراج واجلزاء‪ ،‬ووجه أمراءه إىل الثغور حلمايتها‪ ،‬وأقام هو ريثما يتم‬
‫يبق ما بني قرى سواد‬‫ما أراده من االستقرار والنظام‪ ،‬وترامت أخباره إىل الدهاقني والرؤساء فأقبلوا إليه يصاحلونه حىت َل َ‬
‫العرق إىل أطرافه من ليس موىل للمسلمني أو على عهد منهم ‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ -5‬فتح األنبار «ذات العيون» ‪12‬هـ‬


‫ملا استقام األ مر خلالد يف تلك اجلهات فاستخلف على احلرية القعقاع بن عمرو التميمي‪ ،‬واجته بتعبئة إلغاثة عياض‬
‫بن غنم الذي أرسله الصديق لفتح العراق من الشمال ويلتقي خبالد‪ ،‬وصل خالد إىل األنبار فوجد القوم قد حتصنوا فضرب‬
‫املسلمون عليهم احلصار وأمر خالد جنوده أن يصوبوا إىل عيون أهل األنبار‪ ،‬فلما نشب القتال أصابوا يف أول رمية ألف‬
‫عني من عيوهنم‪ ،‬ولذلك مسيت هذه الوقعة (ذات العيون)‪.‬‬
‫واضطر شرياز قائد جند الفرس إىل قبول الصلح بشروط خالد على أن خيرج من األنبار يف عدد من الفرسان‬
‫حيرسونه‪ ،‬فقبل خالد منه ذلك بشرط أال يأخذ معه من املتاع أو من األموال شيئا‪ .‬وتعلم الصحابة ممن هبا من العرب‬
‫الكتابة العربية‪.‬‬
‫‪ -6‬دومة الجندل ‪12‬هـ ‪:‬‬
‫فتح خالد دومة اجلندل وأصبح للمسلمني موقع اسرتاتيجي ذو أمهية فريدة؛ ألن دومة اجلندل تقع على ملتقى‬
‫الطرق إىل ثالث جهات؛ فشبه اجلزيرة العربية من اجلنوب‪ ،‬والعراق من الشمال الشرقي‪ ،‬والشام من الشمال الغريب‪ .‬ومن‬
‫الطبيعي أن تنال هذه املدينة مثل هذه العناية من اخلليفة أيب بكر الصديق وجنوده اليت تقاتل بالعراق وتقف على ختوم‬
‫الشام‪ ،‬وتلك هي العلة يف أن عياضا َل يربحها بل ظل مرابطا أمامها إىل أن خف إليه خالد‪ ،‬ولو أن دومة اجلندل َل تذعن‬
‫للمسلمني لبقي أمرهم يف العراق حتفه املخاطر‪ .‬وبذلك استطاع خالد أن يعني عياضا على فتح دومة اجلندل‪.‬‬
‫الفراض ‪12‬هـ ‪:‬‬‫‪ -7‬وقعة ِ‬
‫بعد أن بسط خالد راية اإلسالم على العراق‪ ،‬واستسلمت له قبائل العرب قصد ِ‬
‫الفَراض‪ ،‬وهي ختوم الشام والعراق واجلزيرة؛‬
‫حىت حيفظ ظهره ويأمن من أن تكون وراءه عورة عند اجتيازه أرض السواد إىل فارس‪ ،‬فلما اجتمع املسلمون ب غضب الروم‬
‫وهاجوا واستعانوا مبن يليهم من مساحل الفرس‪ ،‬فلبسوا سراعا ألهنم كانوا حانقني على املسلمني الذين أذلوهم وكسروا‬
‫شوكتهم‪ ،‬كما استمدوا العرب من تغلب وإياد والنمر فأمدوهم؛ ألهنم َل ينسوا بعد مصرع رؤسائهم وأشرافهم‪ .‬فاجتمعت‬
‫جيوش الفرس والروم والعرب على املسلمني يف تلك املوقعة‪ ،‬حيث واجه املسلمون ألول مرة جيشا مكونا من الفرس الذين‬
‫ميثلون دولة املشرق العظمى‪ ،‬والروم الذين ميثلون دولة املغرب العظمى‪ ،‬والعرب املوالني هلؤالء وهؤالء‪ ،‬ومع ذلك انتصر‬
‫املسلمون عليهم انتصارا ساحقا‪ ،‬وال شك أن هذه املعركة تعترب من املعارك التارخيية الفاصلة‪ ،‬وإن َل تنل من الشهرة ما نالته‬
‫املعارك الكربى؛ ألهنا حطمت معنويات الكفار على خمتلف انتماءاهتم حيث هزموا مجيعا‪ ،‬وهذه املعركة تعترب خامتة املعارك‬
‫اليت خاضها سيف اهلل املسلول خالد بن الوليد ‪ ‬يف العراق ‪ ،‬وانكسرت شوكة الفرس بعد هذه املعركة‪ ،‬وَل تقم هلم قوة‬
‫حربية خيشاها اإلسالم بعد هذه املوقعة‪ .‬وتسلم المثنى بن حارثه قيادة العراق بعد خالد‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫فتوحات الصديق بالش ـ ـ ــام‬


‫اهتم املسلمون بالشام منذ زمن النيب ‪‬؛ وكان أبو بكر يفكر يف فتح الشام‪ ،‬وملا أراد أبو بكر ‪ ‬أن ُيهز اجلنود‬
‫إىل الشام دعا استشار الصحابه‪ ،‬فوافقوه يف ارسال اجليوش‪ .‬مث قام أبا بكر ‪ ‬قام يف الناس فحمد اهلل وأثىن عليه وذكره مبا‬
‫هو أهله‪ ،‬وصلى على النيب ‪ ‬مث قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إن اهلل قد أنعم عليكم باإلسالم وأعزكم باجلهاد‪ ،‬وفضلكم هبذا الدين‬
‫على أهل كل دين‪ ،‬فتجهزوا عباد اهلل إىل غزو الروم بالشام‪ ،‬فإنين مؤمر عليكم أمراء وعاقد هلم عليكم‪ ،‬فأطيعوا ربكم وال‬
‫ختالفوا أمراءكم‪ ،‬ولتحسن نيتكم وسريتكم وطعمتكم؛ فإن اهلل مع الذين اتقوا والذين هم حمسنون‪ .‬وأمر أبو بكر بالال‬
‫فنادى يف الناس‪ :‬أن انفروا إىل جهاد عدوكم الروم بالشام ‪.‬‬
‫‪ ‬عقد الصديق األلوية للقادة وتوجيه الجيوش‪ :‬عزم الصديق على تسيري اجليوش لبالد الشام فدعا الناس إىل اجلهاد‪،‬‬
‫وعقد األلوية ألربعة جيوش أرسلها لفتح الشام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬جيش يزيد بن أبي سفيان‪:‬‬
‫وهو أول اجليوش اليت تقدمت إىل بالد الشام‪ ،‬وكانت مهمته الوصول إىل (دمشق) وفتحها ومساعدة اجليوش‬
‫األربعة عند الضرورة‪ ،‬وكان جيش يزيد أول األمر ثالثة آالف‪ ،‬مث عززه اخلليفة باإلمدادات حىت صار معه حبدود السبعة‬
‫آالف رجل‪ ،‬وقبل رحيل جيش يزيد أوصاه اخلليفة أبو بكر وصية بليغة عالية املستوى تشتمل على ِح َكم باهرة يف جمايل‬
‫احلرب والسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬جيش شرحبيل بن حسنة‪:‬‬
‫حدد أبو بكر الصديق ملسري شرحبيل ثالثة أيام بعد مسري يزيد بن أيب سفيان‪ ،‬وأمره أن يسري إىل (تبوك والبلقاء مث‬
‫بصرى) ‪ ،‬وهي آخر مرحلة‪ .‬وتقدم شرحبيل حنو البلقاء حيث َل يلق مقاومة تذكر ‪ ،‬فأوغل يف البلقاء حىت بلغ بصرى فأخذ‬
‫حياصرها‪ ،‬فلم يوفق يف فتحها ألهنا كانت من املراكز احلصينة‪.‬‬
‫‪ -1‬جيش أبي عبيدة بن الجراح‪:‬‬
‫مارا‬
‫وكان عدد اجليش ما بني ثالثة إىل أربعة آالف جماهد‪ ،‬وهدف ذلك اجليش (محص)‪ ،‬سار أبو عبيدة من املدينة ًّ‬
‫بوادي القرى‪ ،‬مث اطلع إىل احلجر «مدن صاحل»‪ ،‬ويف طريقه للشام التقى بقوة للعدو فقاتلهم‪ ،‬مث صاحلوه فكان أول صلح‬
‫عقد يف الشام‪ ،‬مث واصل تقدمه حنو اجلابية ‪.‬‬
‫‪ -0‬جيش عمرو بن العاص‪:‬‬
‫وجه الصديق عمرو بن العاص جبيش إىل (فلسطني)‪ ،‬كان تعداده يرتاوح من ستة إىل سبعة آالف جماهد وهدفها‬
‫فلسطني‪ .‬وأمر الصديق ‪ ‬كل أمري أن يسلك طريقا غري طريق اآلخر‪ ،‬ملا حلظ يف ذلك من املصاحل‪ ،‬وكأن الصديق اقتدى‬
‫اح ٍد َوا ْد ُخلُوا ِم ْن أَبْـ َو ٍ‬
‫اب ُّمتَـ َف ِّرقَ ٍة َوَما أُ ْغنِي‬ ‫اب و ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ذلك بنيب اهلل يعقوب حني قال لبنيه‪﴿ :‬وقَ َ ِ‬
‫ال يَا بَن َّي الَ تَ ْد ُخلُوا من بَ ٍ َ‬ ‫َ‬
‫ْت َو َعلَْي ِه فَـلْيَتَـ َوَّك ِل ال ُْمتَـ َوِّكلُو َن﴾ [يوسف‪.]61 :‬‬ ‫اهلل ِمن َشي ٍء إِ ِن الْح ْكم إِالَّ ِ‬
‫هلل َعلَْي ِه تَـ َوَّكل ُ‬ ‫َعن ُكم ِّمن ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪‬تأزم الموقف في بالد الشام‪:‬‬


‫كانت اجليوش املكلفة بفتح بالد الشام تالقي صعوبة يف تنفيذ املهمات املوكلة إليها؛ فقد كانت تواجه جيوش‬
‫اإل مرباطورية الرومانية اليت متتاز بقوهتا وكثرة عددها‪ ،‬وقد بنت احلصون والقالع للدفاع عن مراكز املدن‪ ،‬واستخدمت أسلوب‬
‫الكراديس يف تنظيم جيوشها‪ .‬لقد كان للروم يف الشام جيشان كبريان (أحدمها يف فلسطني واآلخر يف أنطاكية) أما مقر‬
‫القيادة العامة فهو أنطاكية أو محص‪ ،‬وعندما شهد قائد الروم (هرقل) الذي كان يشرف على املوقف بنفسه يف «إيليا»‬
‫توغل اجليوش اإلسالمية‪ ،‬أصدر أوامره إىل قواته بالتوجه لتدمري هذه اجليوش‪.‬‬
‫َ‬
‫وكانت خطة مواجهة الجيوش اإلسالمية كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬يتراجع الروم أمام المسلمين ويتخلون لهم عن الحدود الشامية الحجازية‪.‬‬
‫‪ -‬تتحرك هذه الجيوش وتهاجم أمراء اإلسالم األربعة الواحد بعد اآلخر؛ وذلك لتسهيل تصفية جيوش اإلسالم على انفراد‪.‬‬
‫استطاع املسلمون احلصول على املعلومات الدقيقة عن هذه اجليوش ونواياهم بكل تفاصيلها‪ ،‬وعن تفاصيل اخلطة‬
‫الرومية اليت كان قد وضعها هرقل لتدمري اجليوش اإلسالمية كل على انفراد‪ ،‬وراسل قادة املسلمني اخلليفة باملدينة‪ ،‬فكتب أبو‬
‫عبيدة إىل أيب بكر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬خيربه مبا بلغه مما مجع هرقل ملك الروم من اجلموع‪ ،‬فكتب إليه أبو بكر ‪ ‬أن قابله‬
‫جبندك وال تستوحش ملن غاب عنك من املسلمني‪ ،‬فإن اهلل معك‪ ،‬وأنا مع ذلك ممدك بالرجال‪ ،‬حىت تكتفي وال تريد أن‬
‫تزداد إن شاء اهلل‪ .‬وكتب يزيد بن أيب سفيان إىل أيب بكر ‪ ‬بنفس مضمون كتاب أيب عبيدة بن اجلراح ورد الصديق على‬
‫يزيد رضي اهلل عنهم مجيعا‪.‬‬
‫‪ ‬توجيه خالد إلى الشام ومعركة أجنادين واليرموك‪:‬‬
‫كانت قيادة اجليوش اإلسالمية بالشام تتابع تطور حركة اجليوش الرومانية‪ ،‬وشعر القادة خبطورة املوقف فعقدوا مؤمترا‬
‫بالجوالن‪ ،‬وكتب أبو عبيدة إىل اخلليفة يشرح له املوقف‪ ،‬ويف الوقت نفسه قرروا االنسحاب من مجيع األراضي اليت مت فتحها‬
‫وجتمعوا يف مكان واحد ليتمكنوا من إحباط خطة الرومان وإجبارهم على خوض معركة فاصلة ختوضها كل اجليوش‬
‫اإلسالمية‪ .‬وكان عمرو بن العاص أشار على القادة أن يكون التجمع بالريموك‪ ،‬وجاء رأي الصديق مطابقا لرأي عمرو بن‬
‫العاص يف اختيار مكان التجمع‪ ،‬واتفقوا أن يتم االنسحاب مع جتنب االشتباك مع العدو‪ ،‬وملا أخذ عمرو بن العاص يف‬
‫االنسحاب تدرُييا من فلسطني ‪ ،‬ولكنه َل يستطع االنسحاب منها حىت جنده خالد بن الوليد قبل الريموك‪ ،‬فظل يناور يف‬
‫بئر السبع ملتابعة الروم له‪ ،‬وبذلك شن املسلمون هجوما مضادا فكانت (معركة أجنادين) ‪.‬‬
‫وعمل الصديق على جتميع اجليوش يف مكان واحد حىت ال يستغل العدو فرتة انتشارهم يف البالد لينهك قواهم‬
‫الواحد بعد اآلخر‪ ،‬وقرر الصديق أن ينقل خالد بن الوليد بجيشه إلى الشام وأن يتولى قيادة الجيوش بها‪ ،‬فاألمر بالشام‬
‫حيتاج إىل قائد ُيمع بني قدرة أيب عبيدة ودهاء عمرو وحنكة عكرمة وإقدام يزيد‪ ،‬وأن يكون صاحب قدرة عسكرية فائقة‬
‫وصاحب دهاء وحيلة وإقدام‪ ،‬وصاحب حنكة ودراية مع دقة يف تقدير املواقف‪ ،‬وصاحب جتربة طويلة يف املعارك ‪ ،‬فوقع‬
‫اختياره على خالد بن الوليد فكتب إليه بالعراق ونفذ ابن الوليد تعاليم اخلليفة‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫وعندما أرسل الصديق إىل خالد يأمره بالتوجه إىل الشام وتويل اجليوش هناك‪ ،‬قام الصديق بإرسال رسالة إىل أيب‬
‫وبني فيها سبب تولية خالد‪( :‬أما بعد‪ ،‬فإني قد وليت‬
‫عبيدة خيربه فيها بتولية خالد عليه ويأمره فيها بالسمع والطاعة‪َّ ،‬‬
‫خال ًدا قتال الروم بالشام‪ ،‬فال تخالفه واسمع له وأطع أمره‪ ،‬فإني وليته عليك وأنا أعلم أنك خير منه‪ ،‬ولكن ظننت أن‬
‫له فطنة في الحرب ليست لك‪ ،‬أراد اهلل بنا وبك سبيل الرشاد‪ ،‬والسالم عليك ورحمة اهلل وبركاته) ‪ .‬وكانت رسالة‬
‫خالد إىل أخيه أيب عبيدة قد قطعت املسافات من العراق إىل الشام واستقرت يف قلبه الغين باإلميان والزهد يف هذه الدنيا‬
‫الفانية‪ ،‬وهذا نصها‪( :‬أليب عبيدة بن اجلراح من خالد بن الوليد‪ ،‬سالم عليك‪ ،‬فإين أمحد اهلل إليك الذي ال إله إال هو‪ ،‬أما‬
‫بعد‪ :‬فإين أسأل اهلل لنا ولك األمن يوم اخلوف والعصمة يف دار الدنيا‪ ،‬فقد أتاين كتاب خليفة رسول اهلل يأمر فيه باملسري إىل‬
‫الشام وباملقام على جندها والتويل على أمرها‪ ،‬واهلل ما طلبت ذلك وال أردته وال كتبت إليه فيه‪ ،‬وأنت رمحك اهلل على حالك‬
‫الذي كنت به‪ :‬ال تُ ْعصى يف أمرك وال خيالف رأيك وال يقطع أمر دونك‪ ،‬فأنت سيد من سادات املسلمني ال ينكر فضلك‬
‫وال يستغىن عن رأيك‪ ،‬متم اهلل ما بنا وبك من نعمة اإلحسان‪ ،‬ورمحنا وإياك من عذاب النار‪ ،‬والسالم عليك ورمحة اهلل)‬
‫وأرسل كذلك رساله إىل اجليش ‪ .‬فلما قدم حامل الرسالتني (عمرو بن الطفيل بن عمرو األزدي) على املسلمني وقرأ عليهم‬
‫خطاب خالد بن الوليد وهم باجلابية دفع إىل أيب عبيدة كتابه‪ ،‬فلما قرأه قال‪( :‬بارك اهلل خلليفة رسول اهلل فيما رأى‪ ،‬وحيا اهلل‬
‫خالدا بالسالم) ‪ .‬إن هذا التعامل الرفيع بني هذين العظيمني يكشف لنا عن معاين األخوة املنبثقة عن التوحيد الصحيح‪،‬‬
‫واحملفوفة بسياج األخالق احلميدة اليت كان يتصف هبا صحابة رسول اهلل‪.‬‬

‫‪ -1‬معركة أجنادين ‪11‬هـ‪:‬‬


‫وصل خالد إىل الشام وفتح (بصرى) واجتمع بقادة املسلمني هناك ودرس املوقف العسكري واطلع على أدق‬
‫تفاصيله‪ ،‬كما اطلع على موقف عمرو بن العاص الذي كان ينسحب حماذاة ضفة هنر األردن لكي يلتقي جبيوش املسلمني‬
‫األخرى‪ ،‬وحماذرا لالشتباك معه يف معركة فاصلة‪ ،‬وبعد أن درس خالد املوقف العسكري رأى أن أمامه خيارين‪:‬‬
‫فإما أن يسرع وينضم إىل جيش عمرو وخيوض وإياه معركة فاصلة فيقضي على قوة الروم الكبرية فيتعزز املوقف‬
‫العسكري للجيش اإلسالمي ويثبت أقدام املسلمني يف فلسطني‬
‫وإما أن يقف مكانه ويوعز إىل عمرو باالنضمام إليه‪ ،‬مث ينتظر قوات الروم ليخوض معها معركة فاصلة‪.‬‬
‫وقد فضل خالد أن يأخذ الخيار األول؛ ألن التغلب على جيش الروم يف فلسطني وتشتيته حيفظ للمسلمني خط‬
‫رجعتهم ويعزز مركزهم‪ ،‬وُيعلهم يف موقف يستطيعون معه هتديد اجليش الرومي‪ ،‬وُيعلونه يتوقع حصول حركة التفاف من‬
‫خلفه‪ ،‬فيضطر لألخذ بتدابري خاصة للحماية تشغل جانبا من قواته‪ ،‬فيصبح بذلك مدافعا بعد أن كان مهامجا‪.‬‬
‫فاحندر من الريموك إىل سهل فلسطني بعدما أصدر أمره إىل عمرو بأن ينسحب متدرجا جيش الروم حىت يصل‬
‫جيش خالد فيطبقان عليه فارتد عمرو إىل أجنادين‪ ،‬وعندما وصلت قوات خالد أصبح جيش املسلمني حبدود ثالثني ألف‬
‫مقاتل‪ ،‬وكان وصول خالد يف الوقت املناسب‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫فما أن اصطدمت قوات عمرو بالروم حىت انقض خالد بقواته الرئيسة‪ ،‬وجرت معركة عنيفة‪ ،‬وكان ملهارة القائدين‬
‫خالد وعمرو العسكرية دور كبري يف حتقيق النصر احلاسم؛ حيث مت توجيه قوة اقتحامية اخرتقت صفوف العدو حىت وصلت‬
‫إىل قائد الروم فقتلوه‪ ،‬ومبقتل القائد اهنارت مقاومة الروم وهربوا يف اجتاهات خمتلفة‪ .‬وقد كانت أجنادين أولى المعارك‬
‫الكبيرة في بالد الشام بين المسلمين والروم‪ ،‬وكتب خالد بن الوليد إىل أيب بكر ‪ ‬بفتح اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬عليه وعلى‬
‫املسلمني‪ :‬فلما وصل الكتاب إىل أيب بكر ‪-‬رمحة اهلل عليه‪ -‬فرح به وأعجبه‪ ،‬وقال‪ :‬احلمد هلل الذي نصر املسلمني وأقر عيين‬
‫بذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬معركة اليرموك ‪11‬هـ ‪:‬‬


‫اطمأن املسلمون إىل ما حققوه من نصر يف أجنادين‪ ،‬واجتمعت جيوش املسلمني يف الريموك تنفيذا ألمر اخلليفة‬
‫الصديق‪ ،‬وحتركت جيوش الروم بقيادة (تيدور) حىت نزلوا الواقوصة قريبا من الريموك‪.‬‬
‫قوات الطرفين‪:‬‬
‫املسلمون أربعون ألف مقاتل وقيل‪ :‬مخسة وأربعون ألفا بقيادة خالد بن الوليد‪.‬‬
‫الروم‪ :‬يقدر عدد الروم مبائتني وأربعني ألفا بقيادة تيدور‪.‬‬
‫قبل المعركة‪:‬‬
‫المسلمون‪ :‬وصل املسلمون بقيادة خالد بن الوليد الريموك فعسكروا هبا حىت اجتمعت الروم مع أمرائها على الضفة اجلنوبية‬
‫للنهر‪ ،‬وقال عمرو بن العاص‪« :‬أبشروا أيها الناس‪ ،‬فقد حصرت واهلل الروم وقلما جاء حمصور خبري»‪ .‬وخرج خالد بن الوليد‬
‫بأسلوب جديد َل يستخدمه العرب من قبل ذلك ‪ ،‬فاستخدم أسلوبا جديدا وهو الكراديس‪ ،‬فخرج يف ستة وثالثني كردوسا‬
‫إىل أربعني وعلى كل ‪ 74‬أو ‪ 4‬كردوس و قائد وأمري‪ .‬والكردوس‪ :‬ألف مقاتل‪ ،‬وله قائد وأمري‪.‬‬
‫وأعد اجليش اإلسالمي بقيادة خالد بن الوليد يف الوسط لكل شيء عدته‪ ،‬وأخذ كل قائد من القواد مير على جنده‬
‫وحيثهم على اجلهاد والصرب واملصابرة‪ ،‬ورأى قادة املسلمني أن هذه املعركة هي معركة يتوقف عليها نتائج كربى وأهنا احلامسة‪،‬‬
‫وكان خالد يعلم أنه إن رد الروم إىل خندقهم فسيظل يردهم وإن هزموه فلن يفلح بعدها؛ أي أن هزمية الروم يف هذه املعركة‬
‫تعين هزميتهم يف أرض الشام كلها وتفتح أبواب الشام على مصراعيها للمسلمني دون حواجز وال عراقيل‪ ،‬واالنطالق منها إىل‬
‫مصر‪ ،‬فآسيا وأوربا‪.‬‬
‫التعبئة اإليمانية‪ :‬وملا تراءى اجلمعان وتبارز الفريقان وعظ أبو عبيدة املسلمني‪ ،‬فقال‪ :‬عباد اهلل‪ ،‬انصروا اهلل ينصركم ويثبت‬
‫أقدامكم‪ ،‬فإن وعد اهلل حق‪ .‬يا معشر املسلمني‪ :‬اصربوا‪ ،‬فإن الصرب منجاة من الكفر ومرضاة للرب ومدحضة للعار‪ .‬وخرج‬
‫معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول‪ :‬يا أهل القرآن ومستحفظي الكتاب‪ ،‬وأنصار اهلدى‪ ،‬وأولياء احلق‪ :‬إن رمحة‬
‫اهلل ال تنال وجنته ال تُدخل باألماين‪ ،‬وال يؤيت اهلل املغفرة والرمحة الواسعة إال الصادق املصدق أَل تسمعوا لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َع َد‬
‫ين ِمن قَـ ْبلِ ِه ْم﴾ [النور‪.]55 :‬‬ ‫ض َكما استَ ْخلَ َ َّ ِ‬
‫ف الذ َ‬ ‫ُ‬
‫اهلل الَّ ِذين آمنُوا ِم ْن ُكم و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫ات لَيستَ ْخ ِل َفنـ ِ‬
‫َّه ْم في األ َْر ِ َ ْ‬ ‫الصال َح َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫‪34‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫جيش الروم‪ :‬أقبلت الروم يف خيالئها وفخرها كأهنم غمامة سوداء يصيحون بأصوات مرتفعة ورهباهنم يتلون اإلجنيل وحيثوهنم‬
‫على القتال‪ .‬ونزلت الروم الواقوصة قريبا من الريموك‪ ،‬وتعبأ الروم باستخدام أسلوب الكراديس يف خطني‪.‬‬
‫المفاوضات قبل القتال‪:‬‬
‫وذكر الوليد بن مسلم‪ :‬أن (ماهان) طلب خالد ليربز إليه فيما بني الصفوف فيجتمعا يف مصلحة هلم‪ ،‬فقال‬
‫إيل أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانري وكسوة‬
‫اجلَ ْهد واجلوع‪ ،‬فهلموا َّ‬
‫ماهان‪ :‬إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بالدكم إال ْ‬
‫وطعاما وترجعون إىل بالدكم‪ ،‬فإذا كان من العام املقبل بعثنا لكم مبثلها‪ ،‬فقال خالد‪ :‬إنه َل خيرجنا من بالدنا ما ذكرت‪ ،‬غري‬
‫أنا قوم نشرب الدماء‪ ،‬وأنه بلغنا أنه ال دم أطيب من دم الروم‪ ،‬فجئنا لذلك‪ .‬فقال أصحاب ماهان‪ :‬هذا واهلل ما كنا حندث‬
‫به عن العرب ‪ .‬وملا تكامل االستعداد وَل تنجح املفاوضات تقدم خالد إىل عكرمة بن أيب جهل والقعقاع ابن عمر‪ ،‬ومها‬
‫على جمنبيت القلب أن ينشبا القتال‪ ،‬وجتاولوا مع العدو ومحيت احلرب وقامت على ساق‪.‬‬
‫إسالم أحد قادة الروم في ميدان المعركة‪( :‬وخرج جرجة ‪-‬أحد األمراء الكبار‪ -‬من الصف وقابل خالد بن الوليد و أعلن‬
‫اسالمه)‪ .‬مث تقدمت صفوف الروم وأقبلت كقطع الليل للقيام هبجوم عام على اجليش اإلسالمي‪ ،‬واستطاعوا إحداث ثغرة‬
‫يف صفوف املسلمني والتسلل إىل مؤخرهتم‪ ،‬فقال عكرمة بن أبي جهل‪( :‬قاتلت رسول اهلل يف مواطن وأفر منكم اليوم؟ مث‬
‫عمه الحارث بن هشام وضرار بن األزور في أربعمائة من وجوه المسلمين‬ ‫نادى‪ :‬من يبايع على املوت؟ فبايعه ُّ‬
‫وفرسانهم‪ ،‬ومسيت ب(كتيبة الموت) فقاتلوا حىت أُثْبِتوا مجيعا جراحا‪ ،‬وقتل منهم خلق‪ ،‬منهم ضرار بن األزور ‪ .‬وثبت‬
‫كل قوم على رايتهم حىت صارت الروم تدور كأهنا الرحا‪ ،‬فلم تر يوم الريموك إال ُخمًّا ساقطا ومعصما نادرا‪ ،‬وكفا طائرة من‬
‫ذلك املوطن ‪ .‬وكان عدد شهداء املسلمني ثالثة آالف بينهم من صحابة النيب ‪ ‬وشيوخ املسلمني وأقطاهبم‪ ،‬وممن‬
‫استشهد من هؤالء‪ :‬عكرمة بن أيب جهل وابنه عمرو‪ ،‬وغريهم‪ .‬وكان عدد قتلى الروم مائة وعشرين ألفا‪ ،‬منهم َثانون ألفا‬
‫مقيدون بالسالسل وأربعون ألفا مطلقون سقطوا مجيعهم يف الوادي‪.‬‬
‫لقد فرح املسلمون هبذا النصر العظيم‪ ،‬وقد قدم الربيد مبوت الصديق واملسلمون يف القتال‪ ،‬فكتم خالد ذلك عن‬
‫املسلمني لئال يقع يف صفوفهم وهن أو ضعف‪ ،‬فلما مت النصر وأصبحوا أجلى هلم األمر‪ ،‬وكان الفاروق قد عني أبا عبيدة بن‬
‫اجلراح بدال من خالد بن الوليد جيوش الشام‪ ،‬وتقبل خالد أمر الفاروق برحابة صدر ‪ ،‬وعزى املسلمني يف خليفة رسول اهلل‪،‬‬
‫وتوىل أبو عبيدة القيادة العامة جليوش الشام‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫استخالف الصديق لعمر بن الخطاب ووفاته قام أبو بكر ‪ ‬بعدة إجراءات لتتم عملية اختيار اخلليفة القادم‪:‬‬

‫‪ -1‬استشارة أبي بكر الصحابة من المهاجرين واألنصار‪:‬‬


‫وتشاور الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وكل حياول أن يدفع األمر عن نفسه ويطلبه ألخيه؛ إذ يرى فيه الصالح‬
‫واألهلية‪ ،‬لذا رجعوا إليه فقالوا‪ :‬رأينا يا خليفة رسول اهلل رأيك‪ ،‬قال‪ :‬فأمهلوين حىت أنظر هلل ولدينه ولعباده‪ ،‬فدعا أبو بكر‬
‫عبد الرمحن بن عوف فقال له‪ :‬أخربين عن عمر بن اخلطاب فقال له‪ :‬ما تسألين عن أمر إال وأنت أعلم به مين‪ ،‬فقال أبو‬
‫بكر‪ :‬وإن‪ ،‬فقال عبد الرمحن‪ :‬هو واهلل أفضل من رأيك فيه‪ ،‬مث دعا عثمان بن عفان‪ ،‬فقال‪ :‬أخربين عن عمر بن اخلطاب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أنت أخربنا به‪ ،‬فقال‪ :‬على ذلك يا أبا عبد اهلل‪ ،‬فقال عثمان‪ :‬اللهم علمي به أن سريرته خري من عالنيته‪ ،‬وأنه ليس‬
‫فينا مثله‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬واهلل لو تركته ما عدتك‪ .‬مث دعا أسيد بن حضري فقال له مثل ذلك‪ ،‬فقال أسيد‪ :‬اللهم‬
‫أعلمه اخلرية بعدك؛ يرضى للرضا ويسخط للسخط‪ ،‬والذي يُ ِس ُّر خري من الذي يعلن‪ ،‬ولن يلي هذا األمر أحد أقوى عليه‬
‫منه‪ .‬وكذلك استشار سعيد بن زيد وعددا من األنصار واملهاجرين‪ ،‬وكلهم تقريبا كانوا برأي واحد يف عمر إال طلحة بن عبيد‬
‫اهلل خاف من شدته فقد قال أليب بكر‪ :‬ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخالفك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو‬
‫وبني ملن نبهه‬
‫خري أهلك‪َّ .‬‬
‫بكر‪ :‬أجلسوين‪ ،‬أبا اهلل ختوفونين؟ خاب من تزود من أمركم بظلم‪ ،‬أقول‪ :‬اللهم استخلفت عليهم َ‬
‫إىل غلظة عمر وشدته فقال‪ :‬ذلك ألنه يراين رقيقا‪ ،‬ولو أفضى األمر إليه لرتك كثريا مما هو عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم كتب عه ًدا مكتوبًا يقرأ على الناس في المدينة وفي األنصار عن طريق أمراء األجناد‪ ،‬فكان نص العهد‪:‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬هذا ما عهد أبو بكر بن أيب قحافة يف آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده باآلخرة‬
‫داخال فيها‪ ،‬حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب‪ ،‬إين استخلفت عليكم بعدي عمر بن اخلطاب فامسعوا له‬
‫آل اهلل ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خريا‪ ،‬فإن عدل فذلك ظين به وعلمي فيه‪ ،‬وإن بدل فلكل امرئ ما‬ ‫وأطيعوا‪ ،‬وإين َل ُ‬
‫ب يَن َقلِبُو َن﴾[الشعراء‪.] 1 :‬‬
‫َي ُمن َقلَ ٍ‬
‫ين ظَلَ ُموا أ َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫اكتسب‪ ،‬واخلري أردت وال أعلم الغيب‪َ ﴿ :‬و َسيَـ ْعلَ ْم الذ َ‬
‫كلف عثمان بن عفان أن يتولى قراءة العهد على الناس‪ ،‬وأخذ البيعة لعمر قبل موت أيب بكر‪ ،‬بعد أن ختمه خبامته ملزيد‬
‫من التوثيق واحلرص على إمضاء األمر دون أي آثار سلبية‪.‬‬
‫البيعة لعمر بن الخطاب قبل أن يتوفى أبو بكر الصديق‪ :‬بعد أن قرئ العهد على الناس ورضوا به أقبلوا عليه وبايعوه ‪،‬‬
‫وَل تتم بيعة بعد الوفاة بل باشر عمر بن اخلطاب أعماله بصفته خليفة للمسلمني فور وفاة أيب بكر ‪.‬‬
‫وفاته ‪ :‬تويف أبو بكر يف املدينة سنة ‪ 73‬ه ‪ ،‬وعمره ‪ 63‬عاما ‪ ،‬وكانت مدة خالفته سنتني ونصفا تقريبا ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه (‪)21-11‬‬


‫نسبه ومولده ‪:‬‬
‫هو ‪ :‬عمر بن اخلطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن النضر بن كنانة‬
‫العدوي القرشي ‪ .‬ولد مبكة بعد ميالد النيب صلى اهلل عليه و سلم بثالث عشرة سنة‪.‬‬
‫وكان رضي اهلل عنه رجال طواال‪ ،‬جسيما أبيض‪ ،‬شديد محرة العينني‪ ،‬يف عارضه خفة‪ ،‬سبلته كثرية الشعر يف أطرافها صهبة‪.‬‬
‫نشأته وفضله ‪:‬‬
‫‪ -‬كان يف اجلاهلية من أبطال قريش وأشرافهم‪.‬‬
‫‪ -‬كان النيب حريصا على إسالمه ‪ ،‬حىت دعا اهلل تعاىل أن يعز به اإلسالم‪ ،‬عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه و سلم قال‪ :‬اللهم أعز اإلسالم بأحب هذين الرجلني إليك بأيب جهل أو بعمر بن اخلطاب‪ ،‬قال‪ :‬وكان أحبهما إليه‬
‫عمر‪.‬‬
‫‪ -‬شرح اهلل اهلل تعاىل صدره لإلسالم يف العام السادس من البعثة ‪.‬‬
‫‪ -‬لقبه النيب بالفاروق ألنه عندما أعلن إسالمه ظهر للناس الفرق بني احلق والباطل ‪.‬‬
‫‪ -‬أعز اهلل تعاىل به بإسالمه الدين ‪ ،‬وقوي به املسلمون ‪ ،‬قال عبد اهلل بن مسعود ‪ " :‬ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر "‪.‬‬
‫‪ -‬صحب بعد إسالمه النيب فأحسن صحبته ‪ ،‬وشهد الغزوات كلها ‪ ،‬وأرسله النيب غي عدة سرايا ‪.‬‬
‫‪ -‬شهد الغزوات مع النيب ‪ ‬فأحسن صحبته‪،‬ونصرته‪،‬والدفاع عنه‪،‬والذود عن االسالم‪.‬‬
‫‪ -‬شهد الغزوات مع النيب ‪، ‬وارسله النيب ‪ ‬يف عدة سرايا‪.‬‬
‫‪ -‬شهد له النيب ‪ ‬انه ُحمَدَّث(أي ُم ْلهم) فقال لقد كان فيما قبلكم من األمم حمدثون‪ ،‬فأن يك يف أميت أحد فإنه عمر )‬
‫ويف رواية‪( :‬رجال يكلمون من غري أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أميت منهم أحد فعمر)‪.‬‬
‫‪ -‬كان النيب ‪ ‬يستشريه يف كثري من األمور‪.‬‬
‫اختياره للخالفة‪:‬‬
‫أحس بدنو أجله‪ ،‬فاستشار الصحابة يف أمر اخلالفة بعده‪ :‬إين قد نزل يب ما ترون‪ ،‬وال أظنين‬
‫مرض أبو بكر ‪ ‬و ن‬
‫فأمروا من أحببتم‪ ،‬فإنكم إن نأمرمت عليكم يف حياة مين كان أجدر أال ختتلفوا بعدي‪ .‬فتشاوروا بينهم مث جاءوه‬
‫إال ملأيت ‪ ..‬ن‬
‫طالبني منه أن يرشح هلم واحدا‪ ،‬فسأهلم‪ :‬فلعلكم ختتلفون؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فعليكم عهد اهلل على الرضا؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأمهلوين أنظر هلل ولدينه ولعباده‪ .‬مث أرسل إىل عثمان بن عفان فاستشاره‪ ،‬فأشار عليه بعمر بن اخلطاب‪ ،‬فأمره أن يكتب له‬
‫عهدا‪ .‬وقد أمجعت األمة على بيعته والرضا به‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫‪ ‬لقب أمير المؤمنين‪ :‬كان أبو بكر ‪ ‬يدعى خليفة رسول اهلل ‪ ، ‬وملا توىل عمر بن اخلطاب ‪ ‬دعي خبليفة خليفة‬
‫رسول اهلل ‪ ، ‬فكان ذلك لقبا طويال‪ ،‬مث ما لبث أن لقب أمري املؤمنني‪ ،‬وقد روي أن أول من جرى على لسانه ذلك مها‪:‬‬
‫(لبيد بن ربيعة‪ ،‬وعدي بن حامت)‪ ،‬حيث قدما عليه من العراق بعيد خالفته فقاال لعمرو بن العاص رضي اهلل عنه ‪ :‬استأذن‬
‫لنا على أمري املؤمنني‪ ،‬فقال‪ :‬أنتما واهلل أصبتما امسه‪ ،‬إنه أمري وحنن املؤمنون‪ .‬وقد روي أن عمر مسنى نفسه فقال‪ :‬أنتم‬
‫املؤمنون وأنا أمريكم‪.‬‬
‫‪ ‬أخالقه وصفاته ‪:‬‬
‫كان عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ثاقب الراي حاد الذكاء قوي البصريه وافقه القران يف كثري من املواقف‪ ،‬كما كان‬
‫شديدا يف احلق‪ ،‬متواضعا هلل‪ ،‬عاملا بالقران الكرمي وتأويله‪ ،‬من اكثر الصحابه شجاعه وجرأة‪ ،‬وكان إيل جانب كل ذلك‬
‫ورعا‪ ،‬عادال بني الناس‪ ،‬زاهد يف الدنيا‪.‬‬
‫أظهر يف خالفته حسن السياسه‪ ،‬واحلزم‪ ،‬والتدبري‪ ،‬والتنظيم لالدارة واملالية‪ ،‬والسهر علي مصاحل الرعيه‪ ،‬وإقامة العدل يف‬
‫البالد‪ ،‬ورسم خطط الفتح‪ ،‬وسياسه املناطق املفتوحه‪ ،‬وحماسبة الوالة وفق مبدأ‪ " :‬من أين لك هذا ؟ " ‪ ،‬ومنعهم من أذى‬
‫الرعية ‪ ،‬وفتح بابه أمام شكاوى الناس‪.‬‬

‫أهم اعماله‪:‬‬

‫أوال‪:‬‬
‫التنظيمات اإلدارية في الدولة اإلسالمية‬

‫االهتمام باألنظمة اإلدارية‪.‬‬ ‫إنشاء المدن اإلسالمية‪.‬‬ ‫تنظيم الواليات اإلسالمية‪.‬‬ ‫وضع التاريخ الهجري‪.‬‬ ‫انشاء الدوواين‬ ‫نظام الخراج والجزيه‬

‫ثانيا‪:‬‬
‫إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫استمرار الفتوحات اإلسالمية‬
‫‪30‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫أوال‪ :‬التنظيمات اإلدارية في الدولة االسالمية ‪:‬‬


‫أ‪ -‬نظام الخراج والجزيه ‪:‬‬
‫أبقي عمر رضي اهلل عنه األراضي املفتوحه يف أيدي اصحاهبا؛ألهنم أدري وأقدر علي استغالهلا واالستفادة منها ‪ ،‬وهو‬
‫ماعرف باسم اخلراج‪ .‬كما أبطل كثري من الضرائب اليت كان ُييبها الفرس والروم ظلما‪ ،‬وكذلك نظم اجلزية اليت كانت جتيب‬
‫من غري املسلمني‪ ،‬وأعفى منها النساءواالطفال والشيوخ والفقراء‪،‬كما نظم التعامل التجاري مع الدول املعاصرة له‬
‫ب‪ -‬انشاء الدوواين‪:‬‬
‫‪ )1‬ديوان الخراج‪ :‬لرصد موارد الدولة ومصروفاهتا‪.‬‬
‫‪ )2‬ديوان الجند‪ :‬حيصى فيه امساء اجلنود لتحديد اعطياهتم (رواتبهم)‪.‬‬
‫‪ )1‬ديوان العطاء‪ :‬لتسجيل امساء املسلمني وعطائهم من بيت املال‪.‬‬

‫ج‪ -‬وضع التاريخ الهجري‪:‬‬


‫َل يكن للعرب قبل اإلسالم تقومي حمدد يؤرخون به‪ ،‬فكانت إذا وقعت حادثة كبرية اختذوها أساسا حلساب األيام بعدها كما‬
‫يف حادثة الفيل‪ ،‬وكان املسلمون يف عصر النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ ،‬وصاحبه أيب بكر رضي اهلل عنه يؤرخون كل سنة باسم‬
‫احلادثة اليت وقعت فيها‪ ،‬فسميت لسنة األوىل من سين مقام النيب ‪ ‬باملدينة" اإلذن بالرحيل "‪ ،‬أي من مكة إىل املدينة‪،‬‬
‫ومسيت السنة الثانية " سنة األمر بالقتال "‪ ،‬والثالثة " سنة التمحيص " وهكذا‪.‬‬
‫ويف عهد عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه توسعت الدولة اإلسالمية‪ ،‬فكثرت املراسالت مع عمال الواليات ‪ ،‬وتكررت قسمة‬
‫األموال‪ ،‬فظهرت احلاجة إىل ضبط ذلك بتحديد تأريخ ثابت يعتمده اجلميع‪ .‬فجمع عمر املهاجرين واألنصار واستشارهم يف‬
‫األمر‪ ،‬حيث ورد أن بعضهم عرض التأريخ بتقومي الروم‪ ،‬وعرض آخرون أن يؤرخوا بتاريخ الفرس‪ ،‬فكره ذلك عمر‪ .‬وارتفعت‬
‫أصوات تنادي بالتاريخ مبولد النيب ‪ ، ‬وأخرى مببعثه‪ ،‬وثالثة بوفاته‪ ،‬فلم جتد هذه األقوال قبوال لدى عمر‪ ،‬فقال علي بن أيب‬
‫طالب رضي اهلل عنه ‪ :‬من حني خرج مهاجرا‪ ،‬فوافق عمر على ذلك‪ .‬ولقد صح قول سهل بن سعد رضي اهلل عنه ‪ :‬ما ع ندوا‬
‫من مبعث النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪ ،‬وال من وفاته‪ ،‬ما عدوا إال من مقدمه إىل املدينة‪ .‬مث وقفوا عند أي شهر يبدأون هل‬
‫برجب أم برمضان‪ ،‬فقال عثمان بن عفان رضي اهلل عنه ‪ :‬أرخوا من احملرم‪ ،‬فإنه شهر حرام‪ ،‬وهو أول السنة‪ ،‬ومنصرف الناس‬
‫من احلج‪ .‬فاتفقوا على احملرم‪ ،‬وقد مت ذلك سنة ‪76‬ه ‪.‬‬
‫د‪ -‬تنظيم الواليات اإلسالمية‪ :‬قسم عمر رضي اهلل عنه البالد املفتوحه إىل واليات وعني على كل والية عامال ينوب عنه يف‬
‫تصريف شؤون الوالية‪ ،‬ويساعده عامل اخلراج والقاضي‪ ،‬وكان عمر حياسب والته حسابا دقيقا‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫هـ‪ -‬انشاء المدن اإلسالمية‪ :‬بعد استقرار الفتوح نسبيا وجه عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ببناء بعض املدن‪ ،‬وأن تكون‬
‫قريبة من املاء واملراعي‪ ،‬وأن ُيتمع فيها املسلمون لتكون قواعد انطالق للجيوش االسالمية‪ .‬وقد مت اختيار مواقع املدن اجلديدة‬
‫بعد مشاورات بني اخلليفه عمر رضي اهلل عنه وقادته امليدانيني؛فبىن عتبة بن غزوان رضي اهلل عنه مدينة البصرة سنة ‪76‬ه ‪،‬‬
‫وسعد بن أيب الوقاص رضي اهلل عنه مدينة الكوفة سنة ‪71‬ه ‪ ،‬وكلتامها يف العراق‪ ،‬كما بين عمرو بن العاص رضي اهلل عنه‬
‫مدينة الفسطاط يف مصر سنة ‪ 7‬ه ‪.‬‬
‫و‪ -‬االهتمام بألنظمة االداريه‪ :‬استحدث عمر ‪‬عدة انظمة منها‪ :‬نظام العسس‪ ،‬ونظام احلسبة‪ ،‬ونظام الربيد‪ ،‬ونظام‬
‫القضاء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب‪ :‬أوصى النيب ‪ ‬يف أواخر حياته بإخراج اليهود والنصارى من اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫حيث قال‪ :‬لئن عشت ألخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب‪ ،‬حىت ال أترك فيها إال مسلما‪ .‬وقد هتيأت الظروف لعمر‬
‫بن اخلطاب رضي اهلل عنه أن ينفذ هذه الوصية‪ ،‬فنفى اليهود إىل أرحيا وسوريا‪ ،‬وأذن للنصارى باالنسياح خارج اجلزيرة العربية‬
‫ملا أتوا إليه طالبني السماح بذلك‪ ،‬فخرجوا إىل العراق والشام‪ ،‬وقد كتب عمر إىل عماله هناك أن يسكنوهم يف أرض بوار غري‬
‫مملوكة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الفتوحات االسالمية‪ :‬اكمل عمر رضي اهلل عنه مابدأه أبو بكر رضي اهلل عنه من الفتوحات يف بالد العراق فهزم الفرس‬
‫يف معركة القادسيه ودخل املسلمون عاصمة الفرس املدائن وامتدت الفتوحات ايل بالد السند واهلند‪ .‬اما يف بالد الشام فقد‬
‫استكمل املسلمون فتح البالد وهزموا الروم يف معركة الريموك ودخلوا بيت املقدس ‪ .‬كما فتحت مصر وليبيا واحلزيره الفراتيه‪.‬‬
‫فتوحات العراق في عهد عمر ‪ :‬متثل الفتوحات يف عهد الصديق ‪ ‬يف العراق بقيادة خالد بن الوليد املرحلة األوىل من‬
‫الفتوحات اإلسالمية ويف عهد عمر بن اخلطاب ‪ ‬استكملت اخلطة على مراحل هذه إحداها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تأمير أبي عُبيد الثقفي على حرب العراق‪ :‬وكان عمر ‪ ‬يتابع جبهات العراق والفرس والشام وميد اجليوش‬
‫باإلمدادات ويرسل هلم التعليمات‪ ،‬واألوامر‪ ،‬ويضع اخلطط للمعارك ويشرف بنفسه على تنفيذها‪.‬‬
‫وقعة النمارق ‪11‬هـ ‪ :‬انتصر فيها املسلمون على الفرس بقيادة أبو عُبيد الثقفي‪.‬‬
‫معركة الجسر سنة ‪ 11‬هـ ‪ :‬هي املعركة الوحيدة اليت خسرها املسلمون أمام الفرس يف العراق‪ .‬وأثبتت أمهية القيادة امليدانية‬
‫املتمثلة يف املثىن وأركان قيادته الذين معه‪ ،‬فعندما تنزل احملن باجليوش خيرج القادة الذين يستطيعون أن خيرجوا جبيوشهم من تلك‬
‫احملن فقد توىل املثىن مع مساعديه من األبطال محاية اجليش اإلسالمي‪ ،‬فكان آخر من عرب اجلسر‪ ،‬وهذا لون رفيع من ألوان‬
‫ُ‬
‫التضحية والفداء‬
‫‪36‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫وقعة البُـ َويب ‪11‬هـ‪ :‬استقام األمر للمسلمني بعد معركة البويب‪ ،‬واخنضع هلم أهل العراق‪ .‬حيث استغل املثىن النصر الرائع‬
‫الذي أحرزه املسلمون يوم البويب وشن غارات منظمة على أسواق مشا ل العراق وطبق مبدأ مطاردة األعداء وقد استطاع بعد‬
‫توفيق اهلل مث مبا أعطاه اهلل من صفات القائد العسكري أن ينفذه يف قوة وعمق بلغ حوايل أربعمائة كيلو مرتا أو يزيد مشاال‪،‬‬
‫خالف ما تبحبحوا به شرقا وجنوبا وغربا على امتداد ذلك اخلط‪ ،‬وقد طبق املثىن اسرتاتيجية وتكتيكات احلرب اخلاطفة يف‬
‫عملياته تلك‪ ،‬وال شك أن هذه العمليات قد وجهت إىل السلطة الفارسية احلاكمة يف املدائن أكرب إهانة أمام شعبها‪،‬‬
‫وأضعفت الثقة يف قدرهتا على القيام بالدفاع ضد هجمات ق وم كان الفرس حىت وقتها ينظرون إليهم نظرة ملؤها اإلهانة‬
‫واالزدراء‪.‬‬

‫معركة القادسية ‪10‬هـ‪ :‬ملا علم الفاروق أن الفرس يعدون العدة ويتجمعون الستئصال القوة القليلة من املسلمني املتبقية يف‬
‫العراق أمر بالتجنيد اإلجباري وكان أول من عمل به يف اإلسالم‪ ،‬وقام بتأمري سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنه على اجلهاد يف‬
‫العراق سنة ‪ 70‬ه ‪ ،‬وذلك ملا استشار الصحابه عازما يف اخلروج لقتال الفرس فوافقوه كلهم على الذهاب إىل العراق إال عبد‬
‫ضعف املسلمون يف سائر أقطار األرض‪ ،‬وإين أرى أن تبعث رجال‬ ‫رت أن تَ ْ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن بن عوف فإنه قال له‪ :‬إين أخشى إن ُكس َ‬
‫وترجع أنت إىل املدينة فاستصوب عمر والناس عند ذلك رأي ابن عوف‪ .‬فقال عمر‪ :‬فمن ترى أن نبعث إىل العراق؟ فقال‪:‬‬
‫فأمره على العراق‪.‬‬
‫قد وجدته قال‪ :‬ومن هو؟ قال‪ :‬األسد يف براثنه‪ ،‬سعد بن مالك الزهري فاستجاد قوله وأرسل إىل سعد‪ ،‬ن‬
‫سار سعد جبيشه حىت نزل مبكان يقال له (( َزُرود)) (‪ ،)75‬من بالد جند وأم نده أمري املؤمنني بأربعة آالف‪ ،‬واستطاع سعد أن‬
‫حيشد سبعة آالف آخرين من بالد جند‪ ،‬وكان املثىن بن حارثة الشيباين ينتظره يف العراق ومعه اثنا عشر ألفا‪ .‬وأقام سعد بزرود‬
‫استعدادا للمعركة الفاصلة مع الفرس وانتظارا ألمر أمري ا ملؤمنني عمر رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وقد كان عمر عظيم االهتمام‬
‫هبذه املعركة مث جاء األمر من عمر أمري املؤمنني إىل سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنهما بالرحيل من ((زرود)) إىل العراق‬
‫استعدادا خلوض املعركة الفاصلة مع الفرس وأوصاه بالوصية التالية‪( :‬أما بعد فإين آمرك ومن معك من األجناد بتقوى اهلل على‬
‫كل حال‪ ،‬فإن تقوى اهلل عز وجل أفضل العدة على العدو‪ ،‬وأقوى العدة يف احلرب وآمرك ومن معك أن تكونوا َّ‬
‫أشد احرتاسا‬
‫من املعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب اجليش أخوف عليهم من عدوهم‪ ،‬وإمنا ينصر املسلمون مبعصية عدوهم هلل‪ ،‬ولوال‬
‫ذلك َل تكن لنا هبم قوة ألن عددنا ليس كعددهم‪ ،‬وال ُعدَّتنا كعدهتم‪ ،‬فإذا استوينا يف املعصية كان هلم الفضل علينا يف القوة‪،‬‬
‫وإن ال ننصر عليهم بفضلنا َل نغلبهم بقوتنا‪ ،‬واعلموا أن عليكم يف سريكم حفظة من اهلل يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فاستحيوا منهم‪،‬‬
‫ب قوم سلط عليهم شر‬ ‫وال تعملوا مبعاصي اهلل وأنتم يف سبيل اهلل وال تقولوا إن عدونا شر منَّا ولن يسلط علينا وإن أسأنا‪ُ ،‬فر َّ‬
‫منهم كما سلط على بين إسرائيل ملا عملوا مبساخط اهلل كفرة اجملوس‪ ،‬فجاسوا خالل الديار‪ ،‬وكان وعدا مفعوال‪ ،‬اسألوا اهلل‬

‫(‪ )75‬زرود‪ :‬رمال بني الثعلبية واخلزميية بطريق احلاج من العراق‪.‬‬


‫‪31‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم‪ ،‬وأقم مبن معك كل مجعة يوما وليلة حىت تكون هلم راحة‪ُ ،‬يمعون فيها‬
‫ونح منازهلم عن قرى أهل الصلح والذمة‪ ،‬فال يدخلنها من أصحابك إال من تثق بدينه‪،‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم َّ‬
‫وال تنتصروا على أهل احلرب بظلم أهل الصلح‪ ،‬وإذا وطئت أدىن أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم‪ ،‬وال خيف عليك‬
‫أمرهم‪ ،‬وليكن عندك من العرب أو من أهل األرض من تطمئن إىل نصحه وصدقه‪ ،‬فإن الكذوب ال ينفعك خربه وإن صدق‬
‫وتبث السرايا بينك‬
‫يف بعض‪ ،‬والغاش عني عليك وليس عينا لك‪ ،‬وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطالئع‪ ،‬ن‬
‫وبينهم‪ ،‬فتقطع السرايا أ مدادهم ومرافقهم‪ ،‬وتتبع الطالئع عورهتم‪ ،‬وانتق الطالئع أهل الرأي والبأس من أصحابك‪ ،‬وختري هلم‬
‫سوابق اخليل‪ ،‬فإن لقوا عدوا كان أول من تلقاهم القوة من رأيك‪ ،‬واجعل أمر السرايا إىل أهل اجلهاد‪ ،‬فإذا عاينت العدو‬
‫فاضمم إليك أقاصيك وطالئعك وسراياك‪ ،‬وامجع إليك مكيدتك وقوتك‪ ،‬مث ال تعاجلهم املناجزة ما َل يستكرهك قتال‪ ،‬حىت‬
‫تبصر عورة عدوك ومقاتله‪ ،‬وتعرف األرض كلها كمعرفة أهلها‪ ،‬فتصنع بعدوك كصنيعته بك مث أذك حراسك على عسكرك‪،‬‬
‫وحتفظ من البيات جهدك‪ ،‬وال تؤتى بأسري ليس له عهد إال ضربت عنقه لرتهب بذلك عدوك وعدو اهلل‪ ،‬واهلل ويل أمرك ومن‬
‫معك وويل النصر لكم على عدوكم واهلل املستعان)‪.‬‬
‫فهذا خطاب عظيم يشتمل على وصايا نافعة ‪ ،‬يوضح لنا جانبا مهما من عظمة عمر ‪ ‬وهو خربته العالية يف‬
‫التخطيط احلريب‪ ،‬وقد كان التوفيق اإلهلي واضحا يف كل توجيهاته ووصاياه‪ .‬لقد كان عمر رضي اهلل عنه يعيش مع اجليش‬
‫اإلسالمي بكل مشاعره وأحاسيسه‪ ،‬ولقد تكاثفت عليه اهلموم حىت أصبح ال يهنأ بعيش وال يقر له قرار حىت يسمع أخبارهم‪.‬‬
‫فبعث سعد بدعاة إىل ملك الفرس بأمر عمر ‪ ‬وهم من سادات القوم كما أرادهم عمر ‪ ،‬كي يستطيعوا دعوة يزدجرد‬
‫باحلكمة واملوعظة احلسنة واجملادلة باليت هي أحسن‪ ،‬ولعل اهلل يهديه هو وجنده لإلميان وحتقن دماء الطرفني‪ .‬لقد كان الوفد‬
‫بعي بن عامر وحذيفة بن‬
‫يتمتع مبيزيت الرغبة والرهبة اليت تتوفر يف جسامتهم ومهابتم وجلدهم وشدة ذكائهم‪.‬كان منهم ر َّ‬
‫صن الغلفاين‪ ،‬و املغرية بن شعبة ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْحم َ‬
‫االستعداد للمعركة‪:‬‬
‫َل ينتفع الفرس بدعوة الوفود‪ ،‬ومتادوا يف غيهم ليقضي اهلل أمرا كان مفعوال‪ ،‬فأمجع الفرس على القتال واستعد املسلمون لذلك‬
‫وعني رستم جيشه العرمرم على الشكل التايل‪ :‬اخليالة يف الصفوف األوىل‪ ،‬يليها الفيلة‪ ،‬مث املشاة‪،‬‬‫وعرب الفرس هنر العتيق ن‬
‫ونصب لرستم مظلة كبرية استظل هبا على سريره وجلس يراقب سري املعركة‪ ،‬وكان املسلمون على أهبة االستعداد وعلى أحسن‬
‫وعرف على كل عشرة عريفا‪ ،‬وجعل على الرايات رجاال‬ ‫تعبئة للقتال‪ ،‬فقد عبأ سعد بن أيب وقاص جيشه مبكرا‪ ،‬و نأمر األمراء‪ ،‬ن‬
‫من أهل السابقة أيضا ورتنب املقدمة والساقة واملجنِّبات والطالئع‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد كان سعد ‪ ‬مريضا بعرق النسأ‪ ،‬وبه دمامل ال يستطيع الركوب وال اجللوس فكان مكبِّا على صدره وحتته وسادة‬
‫ويشرف على امليدان من قصر قُ َديْس الذي كان يف القادسية وقد أناب عنه يف تبليغ أوامره خالد بن عرفطة‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫تسمية أيام القادسية‪:‬‬


‫‪ -1‬يوم أرماث‪( :‬يطلق يوم أرماث على اليوم األول من أيام القادسية)‬
‫‪ -2‬يوم أغواث‪( :‬كان يوم أغواث هو اليوم الثاين من أيام القادسية) يف هذا اليوم يوم أغواث قام القعقاع بن عمرو وبنو عمه‬
‫من متيم مبكيدة قعقاعية بالغة التأثري على الفرس‪ ،‬وذلك أنه ملا علم مبا فعلته الفيلة يف اليوم األول خبيول املسلمني قام هو‬
‫صر اخليول فألبسوها وحلَّلوها ووضعوا هلا الرباقع يف وجوهها‪،‬‬
‫وقومه بتوفيق من اهلل تعاىل بتهيئة اإلبل لتظهر يف مظهر خميف يُنَ ِّ‬
‫ومحلوا عليها املشاة وأحاطوها باخليول حلمايتها‪ ،‬وهجموا هبا على خيول الفرس‪ ،‬ففعلوا هبم يوم أغواث كما فعلوا باملسلمني‬
‫يوم أرماث‪ ،‬فلقي الفرس من اإلبل يوم أغواث أعظم مما لقي املسلمون من الفيلة يوم أرماث‪ ،‬وهكذا جند أن املسلمني األوائل‬
‫يتفوقون على أعدائهم يف االبتكار احلريب‪ ،‬فالفرس أهنكوا املسلمني يف اليوم األول بسبب استخدام الفيلة‪ ،‬وما دام املسلمون ال‬
‫ميلكون الفيلة فليخرتعوا مم ا ميلكون من اإلبل ما يكيدون به األعداء فكانت هذه احليلة احلربية املمتازة اليت أخافت خيول‬
‫األعداء فنفرت مبن عليها من الفرسان‪(.‬استمر القتال يوم أغواث إلى منتصف الليل‪ ،‬وسميت تلك الليلة ليلة السواد)‬
‫‪ -1‬يوم عماس‪( :‬هذا اليوم الثالث من أيام القادسية‪ ،‬يوم ِع َماس) فقد قدَّم الفرس فيه فيلتهم وملا رأى سعد بن أيب وقاص‬
‫رضي اهلل عنه ما يالقي املسلمون منها فأرسل إىل القعقاع وعاصم بن عمرو وقال هلما‪ :‬اكفياين الفيل األبيض وأرسل إىل‬
‫حمال بن مالك والربِّـيِّل بن عمرو األسدي فقال‪ :‬اكفياين الفيل األجرب‪ ،‬وصاح الفيالن صياح اخلنزير‪ ،‬وكانت الفيلة تابعة‬
‫َّ‬
‫هلما فرجعت على الفرس ورجعت معها الفيلة تطأ جيش الفرس حىت قطعت هنر العتيق وولَّت حنو املدائن وهلك من كان‬
‫عليها وملا خال امليدان من الفيلة زحف الناس بعضهم على بعض واشتد القتال بينهم‪ ،‬وكان لدى الفرس جيش احتياطي من‬
‫أهل النجدات والبأس‪ ،‬فكلما وقع خلل يف جيشهم‪ ،‬أبلغوا (يزدجرد) فأرسل هلم من هؤالء وقد انتهى ذلك اليوم واملسلمون‬
‫وأعداؤهم على السواء‪.‬‬
‫‪ -0‬يوم القادسية‪( :‬أصبح املسلمون يف اليوم الرابع وهم يقاتلون) ‪ ،‬استطاع القعقاع ومن معه من األبطال أن يفتحوا ثغرة‬
‫عميقة يف قلب اجليش الفارسي حىت وصلوا قريبا من رستم مع الظهرية‪ ،‬وتقدم القعقاع فوقع على رستم وهو ال يشعر به فأزال‬
‫الردم املقام على النهر‬ ‫من ظهره فقارا‪ ،‬وهرب رستم حنو هنر العتيق لينجو بنفسه ولكنه وملا علم اجلالينوس مبقتل رستم قام على‬
‫ن ُ‬
‫ونادى أهل فارس إىل العبور فرارا من القتل فعربوا‪ ،‬أما املقرتنون بالسالسل وعددهم ثالثون ألفا فإهنم هتافتوا يف هنر العتيق‬
‫فوخزهم املسلمون برماحهم‪ ،‬فما أفلت منهم أحد‪.‬‬
‫مث انتهت املعركة بتوفيق اهلل تعاىل‪ ،‬مث جبهود أبطال املسلمني وحكمة قائدهم سعد بن أيب وقاص‪ ،‬وكانت معركة عنيفة قاسية‬
‫ثبت فيها األعداء للمسلمني ثالثة أ يام حىت هزمهم اهلل يف اليوم الرابع‪ ،‬ومع هذا كله انتصر املسلمون عليهم بعد أن قدموا‬
‫َثانية آالف ومخسمائة من الشهداء‪ ،‬وهذا العدد من الشهداء هو أكرب عدد قدمه املسلمون يف معاركهم يف الفتوح اإلسالمية‬
‫األوىل‪ ،‬وكوهنم قدموا هذا العدد من الشهداء دليل على عنف املعركة وعلى استبسال املسلمني وتعرضهم للشهادة رضي اهلل‬
‫عنهم أمجعني‬
‫‪39‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫فتح المدائن‪:‬‬
‫أقام سعد بالقادسية شهرين ينتظر أمر عمر‪ ،‬حىت جاءه بالتوجه لفتح املدائن‪ ،‬ففعل وسار باجليش حىت وصلوا إىل املدائن‪،‬‬
‫وهي عاصمة دولة الفرس‪ ،‬وملا علم سعد أن كسرى قد عرب بالسفن إىل املدائن الشرقية وضم السفن كلها إليه وقع يف حرية من‬
‫أمره‪ ،‬فالعدو أمامهم وليس بينهم إال النهر وال سبيل إىل عبوره لعدم توفر السفن‪ ،‬وهو خيشى أن يرحتل عدوه فيصعب القضاء‬
‫عليه ويف أثناء ذلك رأى سعد رؤيا صاحلة مفادها أن خيول املسلمني قد عربت النهر‪ ،‬فعزم لتأويل رؤياه على العبور‪ ،‬ومجع‬
‫الناس فحمد اهلل تعاىل وأثىن عليه وقال‪ :‬إن أعدائكم قد اعتصموا منكم هبذا البحر فال ختلصون إليهم معه وهم خيلصون‬
‫إليكم إذا شاؤوا فَيُنَاوشونكم يف سفنهم وليس وراءكم شئ ختافون أن تؤتوا منه‪ ،‬قد كفاكموهم أهل األيام‪ ،‬وعطلوا ثغورهم‬
‫وأفنوا ذادهتم وقد رأيت م ن الرأي أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم قبل أن حتصركم الدنيا‪ ،‬أال إين قد عزمت على قطع هذا‬
‫البحر إليهم فقالوا مجيعا‪ :‬عزم اهلل لنا ولك على الرشد فافعل‪.‬‬
‫صب أحد منهم بأذى‪ ،‬وَل يقع منهم يف النهر لقد دهش‬ ‫ندب سعد الناس إىل العبور ومت عبور املسلمني مجعيا ساملني َل يُ َ‬
‫الفرس من عبور املسلمني وهرب يزدجرد قاصدا حلوان ودخل املسلمون من غري معارض ونزل سعد القصر األبيض واختذه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّات وعي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫وع َوَم َق ٍام َك ِرٍمي(‪َ ) 6‬ونَ ْع َمة َكانُوا ف َيها فَاك ِه َ‬
‫ني(‪َ ) 1‬ك َذل َ‬ ‫ون(‪َ ) 5‬وُزُر ٍ‬ ‫مصلى وقرأ قوله تعاىل‪َ  :‬ك ْم تَ َرُكوا م ْن َجن َ ُُ‬
‫ين(‪(  ) 8‬الدخان‪،‬آية‪ ،) 8 ، 5:‬وصلى َثان ركعات صالة الفتح ‪.‬‬ ‫آخ ِر َ‬
‫اها قَ ْوما َ‬
‫َوأ َْوَرثْنَ َ‬

‫معركة نهاوند (فتح الفتوح) ‪21‬هـ‪:‬‬

‫كان املسلمون قد انتصروا على جيوش الفرس يف معارك عديدة متتالية ‪ ،‬وأضحوا يطاردون فلول تلك اجليوش دون أن يرتكوا‬
‫هلا فرصة إللتقاط أ نفاسها‪ ،‬مرت أربع سنوات كان املسلمون ينتقلون خالهلا من نصر إىل نصر‪ ،‬وكانت تلك اجليوش تتابع‬
‫تقدمها لكي تقضي على ما تبقى من فلول الفرس‪ ،‬لوال أن أوامر اخلليفة عمر رضي اهلل عنه كانت تقضي بالتوقف عند هذا‬
‫احلد‪ ،‬وذلك بغية إعادة تنظيم اجليوش املنهكة من القتال املستمر‪ ،‬وتنظيم إدارة األقاليم املفتوحة‪.‬‬

‫ولقد أثارت اهلزائم املتتالية اليت أحلقها املسلمون بالفرس بعد القادسية خاصة حفيظتهم وخنقهم فكتب أمراؤهم وقادهتم إىل‬
‫مليكهم (يزدجرد) يستنهضونه للقتال من جديد‪ ،‬فأخذ يعد العدة للعودة إىل قتال املسلمني فيما تبقى له يف بالده فكتب‬
‫إىل أهل اجلبال أن يتحركوا للقاء املسلمني وواعدهم مجيعا هناوند ‪ ،‬وكان قد وقع عليها كمركز أخري للمقاومة ‪ ،‬وكميدان‬
‫للمعركة احلامسة فهي مدينة منيعة حتيط هبا اجلبال من كل جانب وال ميكن الوصول إليها إال عرب مسالك وعرة صعبة ‪ ،‬وقد‬
‫حتشَّد الفرس يف هذه املدينة واجتمع ليزدجرد فيها مائة ومخسون ألف مقاتل فجعل يزدجرد عليهم (الفريزان) قائدا‪.‬‬
‫‪04‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫كان سعد بن أيب وقاص يف الكوفة حني علم خبرب احلشود الفارسية فكتب إىل اخلليفة عمر ينبئه بذلك حيث أرسل عمر‬
‫جيش لقتال الفرس يف معقلهم األخري "هناوند"‪ ،‬و أن يتوىل قيادة جيوش املسلمني يف هناوند (النعمان بن مقرن)‪ ،‬ووضع‬
‫اخلليفة خطة لتعبئة جيش واستطاع الفاروق أن حيشد جيشا مقداره ثالثني ألف مقاتل وحترك جيش اإلسالم بقيادة النعمان بن‬
‫مقرن إىل هناوند‪ .‬و وجدها حمصنة حتصينا قويا وحوهلا خندق عميق وأمام اخلندق حسك شائك ولقد اصطدمت خيول‬
‫املسلمني باحلسك الشائك مث باخلندق فلم يستطيعوا اجتيازها‪ ،‬بينما توىل رماة الفرس رمي جند املسلمني الذي متكنوا من‬
‫اإلقرتاب من السور‪ ،‬واستمر األمر كذلك ملدة يومني ورأى النعمان أن ُيمع أركان اجليش اإلسالمي لتدارس الوضع معه ومن‬
‫مث مواجهة الفرس بعد اعداد خطه لذلك ومباغتتهم بالقتال وحصارهم‪.‬‬

‫وكانت مفاجأة الفرس مذهلة عندما وجدوا أنفسهم‪ ،‬يف آخر املطاف حماصرين بني قوات املسلمني اليت شرعت‬
‫سيوفهم يف حصد رقاب املشركني والذ املشركون بالفرار ليتحصنوا خبندقهم وحصوهنم إال أهنم وقعوا يف خنادقهم ويف احلسك‬
‫الشائك ‪،‬واستمر املسلمون يطاردوهنم ويعملون سيوفهم يف ظهورهم واقفيتهم حىت سقط من الفرس ألوف يف اخلندق‬
‫واستطاع القعقاع أن يطارد الفريزان فلحقه وقضى عليه ودخل املسلمون‪ ،‬بعد هذه املعركة "هناوند" مث مهذان‪ ،‬مث انطلقوا بعد‬
‫ذلك يستكملون فتح ما تبقى من بالد فارس دون مقاومة تذكر ‪ ،‬وَل يكن للفرس بعد هناوند اجتماع ‪ ،‬وملك املسلمون‬
‫بالدهم لذلك مسيت معركة هناوند بفتح الفتوح‪ .‬وهكذا مت فتح العراق وبالد إيران يف عهد عمر رضي اهلل عنه وأقام املسلمون‬
‫املساحل يف شىت أرجائها متوقعني انتقاض الفرس يف هذه الديار‬
‫دورالفاروق ‪ ‬في عام الرمادة‪ :‬حدث يف عهد عمر ‪ ‬قحط يف احلجاز مسي بعام الرماده سنه ‪78‬ه اجدبت فيه األرض‬
‫وانقطع نزول املطر‪،‬وماتت املواشي‪،‬وجاع الناس كثريا‪ .‬وَل يكن اخلليفه بعيدا عن مواقع رعيته ‪،‬فبعث إىل البالد االسالميه‬
‫الرسال مازاد عن حاجتهم بعد أن التجأ هو والصحابه ايل رهبم يدعونه لتفريج كربتهم فما ان مضت فرته من الزمن حىت‬
‫هطلت األمطار ونبت العشب وعادت احلياه اهلانئه‪.‬‬
‫‪07‬‬ ‫تاريخ اخللفاء الراشدين‬

‫د‪ /‬إميان العصيمي‬

‫موافقات عمر للقرآن الكريم‪ :‬نزل القرآن الكرمي موافقا لرأيه رضي اهلل عنه يف بعض املواقف وهي‪:‬‬
‫‪ )1‬مقام ابراهيم‪ :‬قال عمر ‪ ‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل لو اختذت من مقام إبراهيم ُمصلنى‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬آية الحجاب‪ :‬قال عمر ‪ ‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬يدخل عليك الناس‪ ،‬فلو أمرت أمهات املؤمنني باحلجاب‪ ،‬فأنزل اهلل‬
‫تعاىل آية احلجاب‪.‬‬
‫‪ )1‬ترك الصالة على المنافقين‪ :‬قال عمر‪ :‬ملا تويف عبد اهلل بن أيب ُدعي رسول اهلل ‪ ‬للصالة عليه‪ ،‬فقام إليه‪ ،‬فلما وقف‬
‫أيب القائل وأخذت أعدد‬ ‫عدو اهلل عبد اهلل بن ن‬
‫عليه يريد الصالة حتولت حىت قمت يف صدره فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أعلى ن‬
‫خريت فاخرتت مث صلى عليه ومشى‬ ‫أيامه اخلبيثة ورسول اهلل ‪ ‬يبتسم حىت إذا أكثرت عليه‪ ،‬قال‪ :‬أخر عين يا عمر‪ ،‬إين ن‬
‫ات‬ ‫معه على قربه حىت فرغ منه‪ ،‬فعجبت يل وجلرأيت على رسول اهلل‪ ،‬مث نزلت هاتان اآليتان‪  :‬والَ تُص ِّل علَى أ ٍ ِ‬
‫َحد مْن ُه ْم َم َ‬
‫َ َ َ َ‬
‫أَبَدا َوالَ تَ ُق ْم َعلَى قَ ِْربِه ‪ ‬فما صلى رسول اهلل ‪ ‬بعده على منافق وال قام على قربه حىت قبضه اهلل عز وجل‪.‬‬
‫‪ )0‬موافقته في أسرى بدر‪ :‬قال عمر ‪ :‬ملا كان يوم بدر وهزم اهلل املشركني وأُسر منهم سبعون‪ ،‬استشار رسول اهلل‬
‫الصحابة‪ ،‬فقال يل‪ :‬ما ترى يا ابن اخلطاب؟ فقلت‪ :‬أرى أن متكنين من فالن – قريب لعمر – فأضرب عنقه‪ ،‬ومتكن‬
‫يهو رسول اهلل ‪ ‬ما قلت‪ ،‬فأخذ منهم الفداء‪ .‬فلما‬ ‫الباقني منهم حىت يعلم اهلل أنه ليس يف قلوبنا هوادة للمشركني‪ .‬فلم َ‬
‫كان من الغد غدوت إىل النيب ‪ ‬فإذا هو قاعد وأبو بكر‪ ،‬ومها يبكيان‪ ،‬فقلت يا رسول اهلل ما يبكيك أنت وصاحبك؟‬
‫علي عذابكم أدىن من هذه الشجرة )) ‪ -‬لشجرة‬ ‫علي أصحابك‪ (( :‬من الفداء‪ ،‬لقد عُرض َّ‬ ‫ض َّ‬ ‫قال النيب‪ :‬للذي َعَر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ‪( ‬األنفال‪،‬آية‪)68:‬‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫َسَرى ‪ ‬إىل قوله ‪َ ‬ع َذ ٌ‬ ‫قريبة ‪ -‬فأنزل اهلل تعاىل‪َ  :‬ما َكا َن لنَِ ٍّ‬
‫يب أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ أ ْ‬
‫‪ )5‬موافقته في االستئذان‪ :‬أرسل النيب‪ ‬غالما من األنصار إىل عمر بن اخلطاب‪ .‬وقت الظهرية َ‬
‫ليدعوه‪ ،‬فدخل عليه وكان‬
‫حرم الدخول علينا يف وقت نومنا ويف (رواية) قال‪ :‬يا رسول اهلل وددت لو‬ ‫نائما وقد انكشف بعض جسده‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم ن‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫احلُلُ َم‬ ‫ت أَْميَانُ ُك ْم َوالذ َ‬
‫ين ََلْ يَْب لُغُوا ْ‬ ‫ين َآمنُوا ليَ ْستَأْذنْ ُك ْم الذ َ‬
‫ين َملَ َك ْ‬ ‫أن اهلل أمرنا وهنانا يف حال االستئذان فنزلت ‪ ‬يَاأَيُّ َها الذ َ‬
‫صالَِة الْعِ َش ِاء ‪( ‬النور‪،‬آية‪)58:‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعُو َن ثيَابَ ُك ْم م ْن الظَّ ِه َرية َوم ْن بَ ْعد َ‬‫ني تَ َ‬
‫ِ‬ ‫ات ِمن قَب ِل ِ‬
‫صالَة الْ َف ْج ِر َوح َ‬
‫ِمْن ُكم ثَالَ َ ٍ‬
‫ث َمَّر ْ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫‪ )6‬عمر ‪ ‬ودعاؤه في تحريم الخمر‪:‬‬
‫اخلَ ْم ِر َوالْ َمْي ِس ِر ‪ .‬قال عمر‪ :‬اللهم بني لنا يف اخلمر بيانا شافيا فنزلت اآلية اليت يف‬
‫ك َع ْن ْ‬‫ملا نزل قول اهلل تعاىل‪  :‬يَ ْسأَلُونَ َ‬
‫الصالََة َوأَنْتُ ْم ُس َك َارى ‪ ‬فكان منادي النيب ‪ ‬إذا أقام الصالة نادى أن ال يقربن الصالة‬ ‫ين َآمنُوا الَ تَ ْقَربُوا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫النساء‪ ‬يَاأَيُّ َها الذ َ‬
‫سكران‪ ،‬فدعي عمر فقرئت عليه‪ ،‬فقال‪ :‬اللهم بني لنا يف اخلمر بيانا شافيا‪ ،‬فنزلت اآلية يف املائدة فدعي عمر فقرئت عليه‬
‫فلما بلغ‪ ‬فَ َه ْل أَنْتُ ْم ُمنتَ ُهو َن ‪ .‬قال عمر‪ :‬انتهينا‪ ،‬انتهينا وهكذا خضع حترمي اخلمر لسنة التدريج ويف قوله‪ ‬فَ َه ْل أَنْتُ ْم‬
‫ُمنتَ ُهو َن‪ ‬فهم عمر من االستفهام االستنكاري بأن املراد به التحرمي‪ ،‬ألن هذا االستفهام أقوى وأقطع يف التحرمي من النهي‬
‫العادي‪ ،‬ففي ألفاظ اآلية وتركيبها وصياغتها هتديد رهيب واضح كالشمس يف التحرمي‪.‬‬
‫مالحظه‪ :‬إلى هنا االختبار النصفي و ستكون محذوفه من االختبار النهائي‬

You might also like