You are on page 1of 27

1

‫الرحم ِن َّ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم‬
‫الرح ْ‬ ‫ب ْس ِم اهلل َّ ْ َ‬

‫الْحم ُد لِلَّ ِو نَ ْحم ُدهُ ونَستَ ِعينُوُ ونَستَػ ْغ ِفرهُ ونَػعوذُ بِاللَّ ِو ِمن ُشروِر أَنْػ ُف ِسنَا وِمن سيِّئَ ِ‬
‫ات أَ ْع َمالِنَا‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ْ ُ َُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ي لَوُ َوأَ ْش َه ُد أَ ْف ال إِلَوَ إِال اللَّوُ َو ْح َدهُ ال‬ ‫ِ‬ ‫ض َّل لَو ومن ي ْ ِ‬ ‫من يػ ْه ِدهِ اللَّوُ فَال م ِ‬
‫ضل ْل فَال َىاد َ‬ ‫ُ ََ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫يك لَوُ َوأ َّ‬
‫َف ُم َح َّم ًدا َع ْب ُدهُ َوَر ُسولُوُ‪.‬‬ ‫َش ِر َ‬

‫أ ََال وإِ َّف أ ْ‬


‫َص َد َؽ الْ َك َال ُـ َك َال ُـ اهلل َو َخ ْي ِر ال ُْه َدى ُى َدى ُم َح َّم ْد ‪َ ،‬و َش ِّر ْاْلُُموِر ُم ْح َدثَاتُها َوُك َّل‬
‫ض َاللَ ٍة فِي النِّا ِر‪.‬‬ ‫ُم ْح َدثٍَة بِ ْد َعة َوُك َّل بِ ْد َعة َ‬
‫ض َاللَة َوُك َّل َ‬

‫أ ََّما بَػ ْع ُد ‪:‬‬

‫فنتدارس ‪-‬بإذف اهلل تعالى‪ -‬الحديث اْلوؿ من "اْلربعين النووية" ؛ وىو ما رواه أمير‬
‫وؿ اللَّ ِو ‪-‬صلى اهلل عليو‬ ‫(س ِم ْعت َر ُس َ‬ ‫المؤمنين عمر بن الخطاب‪-‬رضي اهلل عنو‪ -‬قاؿ ‪َ :‬‬
‫ات ‪ ،‬وإِنَّما لِ ُك ِّل ام ِر ٍئ ما نَػوى ‪ ،‬فَمن َكانَ ْ ِ‬
‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫وؿ‪( :‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬
‫ت ى ْج َرتُوُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫وسلم‪ -‬يَػ ُق ُ‬
‫صيبػها أَو امرأَةٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلَى اللَّ ِو ورسولِ ِو فَ ِهجرتُو إلَى اللَّ ِو ورسولِ ِو ‪ ،‬ومن َكانَ ْ ِ‬
‫ت ى ْج َرتُوُ ل ُدنْػيَا يُ ُ َ ْ ْ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ِ‬
‫اج َر إلَْيو) رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬أي في الصحيحين‪.‬‬ ‫يَػ ْنك ُح َها فَ ِه ْج َرتُوُ إلَى َما َى َ‬
‫ىذا الحديث كما قاؿ الحافظ ابن رجب ‪-‬رحمو اهلل تعالى‪ : -‬أحد اْلحاديث التي‬
‫يدور الدين عليها ؛‬

‫‪2‬‬
‫فروي عن الشافعي أنو قاؿ ‪":‬ىذا الحديث ثلث العلم ‪ ،‬ويدخل في سبعين بابًا من‬
‫ُ‬
‫الفقو‪" .‬‬

‫وعن اإلماـ أحمد أنو قاؿ ‪ ":‬أصوؿ اإلسالـ على ثالثة أحاديث ‪:‬‬

‫ث فِي أ َْم ِرنَا َى َذا َما‬ ‫َح َد َ‬


‫(م ْن أ ْ‬
‫ِ‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات) ‪ ،‬وحديث عائشة ‪َ :‬‬ ‫حديث عمر ‪( :‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬
‫ْح َر َاـ بَػيِّ ٌن (‬ ‫لَي ِ‬
‫ْح َال َؿ بَػيِّ ٌن ‪َ ،‬و ال َ‬
‫س م ْنوُ فَػ ُه َو َردٌّ) ‪ ،‬وحديث النعماف بن بشير ‪( :‬ال َ‬
‫ْ َ‬
‫وقاؿ الحاكم ‪ ":‬حدثونا عن عبد اهلل بن أحمد ‪ ،‬عن أبيو –أي اإلماـ أحمد‪ -‬أنو ذكر‬
‫َح َد ُك ْم يُ ْج َم ُع فِي‬ ‫ات) ‪ ،‬وقولو ‪َّ :‬‬
‫(إف خلق أ َ‬
‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫(اْلَ ْع َم ُ‬
‫قولو ‪-‬عليو الصالة والسالـ‪ْ -‬‬
‫س ِم ْنوُ فَػ ُه َو َردٌّ) ؛ فقاؿ‪" :‬‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ديننا‬ ‫ي‬ ‫ث فِ‬ ‫َ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫َح‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫‪(:‬‬ ‫وقولو‬ ‫‪،‬‬ ‫ا)‬ ‫م‬
‫ً‬‫و‬‫ْ‬ ‫ػ‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫ع‬‫بطْ ِن أ ُِّم ِو أَرب ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ينبغي أف يُبدأ بهذه اْلحاديث في كل تصنيف ‪ ،‬فإنها أصوؿ الحديث‪" .‬‬

‫وقاؿ إسحاؽ بن راىويو ‪ " :‬أربعة أحاديث ىي من أصوؿ الدين "‬

‫ِ‬
‫ْح َر َاـ بَػيِّ ٌن) ‪،‬‬ ‫اؿ بِالنِّػيَّات) ‪ ،‬وحديث ‪( :‬ال َ‬
‫ْح َال َؿ بَػيِّ ٌن ‪َ ،‬وال َ‬ ‫حديث عمر ‪( :‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬
‫َح َد ُك ْم يُ ْج َم ُع فِي بَطْ ِن أ ُِّم ِو) ‪ ،‬وحديث ‪( :‬من صنع في أمرنا شيئًا‬ ‫(إف خلق أ َ‬ ‫وحديث ‪َّ :‬‬
‫ليس منو فهو رد ) ‪.‬‬

‫إلى غير ذلك من أقواؿ العلماء التي أوردىا الحافظ بن رجب في أوؿ شرحو لألربعين ‪،‬‬
‫أصل من أصوؿ اْلحاديث الجامعة التي‬
‫التي تبين منزلة ىذا الحديث وأىميتو ‪ ،‬وأنو ٌ‬
‫يدخل في كثير من اْلبواب الفقهية ؛ بل ىو كما سيأتينا النية بمعنى ‪ :‬اإلخالص ‪ ،‬تدخل‬

‫‪3‬‬
‫في جميع العبادات ‪ ،‬وىي أحد شرطي قبوؿ العبادات كما سيأتي ‪-‬إف شاء اهلل تعالى‪-‬‬
‫‪.‬‬

‫يُخبر النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬أف اْلعماؿ من أقواؿ وأفعاؿ للجوارح أو أعماؿ‬
‫القلوب ال تعتبر إال بالنية ‪َّ ،‬‬
‫وأف نصيب كل إنساف في عملو ما نوى ‪ ،‬وما أراده وما‬
‫قصده‪.‬‬

‫مثاال لعمل واحد اختلف فيو اْلجر والثواب‬


‫ثم ضرب ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ً -‬‬
‫باختالؼ النية ‪ ،‬فرجالف كل منهما ىاجر وخرج من مكانو وانتقل ؛ فالفعل واحد ‪-‬وىو‬
‫الخروج من مكاف إلى مكاف‪ -‬؛ ولكن وإف كاف الفعل في الظاىر واح ًدا إال أنو اختلف‬
‫أجره باختالؼ النية‪.‬‬

‫ىاجر إلى اهلل ورسولو ‪ ،‬طلبًا لرضا اهلل ‪-‬عز وجل‪ ، -‬والثواب منو ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫واتباع سنة ‪-‬النبي صلى اهلل عليو وسلم‪ ، -‬واستجابةً ْلمر النبي ‪-‬صلى اهلل عليو‬
‫وسلم‪ -‬؛ فهذا ىجرتو لها شأ ٌف عظيم ‪ ،‬ولها مكانةٌ مهمة ‪( ،‬فَ ِه ْج َرتُوُ إلَى اللَّ ِو‬
‫َوَر ُسولِ ِو) ‪ ،‬بيَّن بهذه الجملة أف ىذه الهجرة وىذا االنتقاؿ عظيم ‪.‬‬

‫ثم اآلخر ‪:‬خرج من مكانو‬

‫‪4‬‬
‫صيبػ َها ) ‪ :‬تجارة ‪ ،‬وربح ماؿ ‪ ,‬ونحو ذلك ‪ ( ،‬ي ِ‬
‫صيبُػ َها ) ‪ :‬بمعنى يحصلها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫‪ ( -‬ل ُدنْػيَا يُ ُ‬
‫ويقصدىا ويطلبها‪.‬‬

‫اج َر إلَْي ِو ) ‪.‬‬ ‫ٍ ِ‬


‫‪-‬أ َْو ( ْام َرأَة يَػ ْنك ُح َها ) لكي يتزوج ؛ ( فَ ِه ْج َرتُوُ إلَى َما َى َ‬
‫يعني أف النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬يبين أف ىذا الثاني ليس لو من عملو إال ما نوى‬
‫‪ ،‬فهو نوى الدنيا فليس لو من اْلجر شيء ؛ ْلنو نوى الدنيا ولم ين ِو الثواب واْلجر‬
‫واالتباع لهدي النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم ‪-‬‬

‫إذًا‪ ،‬ىذا معنى الحديث باختصار وإجماؿ ‪.‬‬

‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫ات (‬ ‫قولو –صلى اهلل عليو وسلم‪ ( : -‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬

‫قاؿ العلماء " إِنَّ َما " تفيد الحصر ‪ ،‬والحصر معناه ‪ :‬إثبات الحكم في المذكور بعد إنما‬
‫عما سواه ‪.‬‬
‫‪ ،‬ونفيو َّ‬
‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫ات ) يعني ‪ :‬اْلعماؿ التي ال نية فيها ال ثواب فيها ‪.‬‬ ‫فقولو ‪ (:‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬

‫فإذًا‪ " ،‬إِنَّ َما " تفيد الحصر ‪ ،‬وقلنا في ما سبق إف معنى الحصر ‪:‬‬

‫إثبات الحكم بعد كلمة " إِنَّ َما " ‪ :‬فالعمل يثاب ويقبل بالنية ‪.‬‬

‫عما سواه يعني ‪ :‬أف العمل الذي ال نية فيو ال يثاب عليو اإلنساف ‪.‬‬
‫ونفيو َّ‬

‫‪5‬‬
‫مثال ‪:‬‬
‫كما لو قاؿ اإلنساف ً‬
‫فقاؿ ‪ :‬إنما في الدار زي ٌد ؛ فهذا معناه ‪ :‬أنو ال يوجد أحد سوى ز ٍ‬
‫يد في الدار ‪ ،‬بينما‬
‫لو قاؿ ‪ :‬في الدار زيد ؛ ال يفيد الحصر الحتماؿ أف يكوف ىناؾ غير زيد في الدار‪.‬‬

‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫ات ) أفاد ىذا الحكم ‪ ،‬وأف يعلم‬ ‫فقولو –صلى اهلل عليو وسلم‪ (: -‬إنَّ َما ْاْلَ ْع َم ُ‬
‫كل واحد منا أف أجره على ما عمل ‪ ،‬أو قاؿ ‪ ،‬أو اعتقد إنما يكوف على نيتو ( إنَّ َما‬
‫اؿ بِالنِّػيَّ ِ‬
‫ات ) ‪.‬‬ ‫ْاْلَ ْع َم ُ‬
‫ضا أعماؿ القلوب‬
‫واْلعماؿ ‪-‬كما سبق‪ -‬تشمل اْلقواؿ ‪ ،‬وتشمل اْلفعاؿ ‪ ،‬وتشمل أي ً‬
‫‪ ،‬كما ذكر أىل العلم ‪.‬‬

‫( َوإِنَّ َما لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَػ َوى( ‪:‬‬

‫ضا ( إِنَّ َما ) ‪ ،‬اْلوؿ النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬يقوؿ العمل يحصل ثوابو ويتم‬
‫ىنا أي ً‬
‫أجره بالنية ؛ فهذا في اْلعماؿ ‪ ،‬وأما بالنسبة لإلنساف قاؿ ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪: -‬‬
‫(وإِنَّ َما لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَػ َوى ) ‪.‬‬
‫َ‬
‫فمثال‬
‫ىنا النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬حصر اْلجر الحاصل لإلنساف بالذي نواه ‪ً ،‬‬
‫عمال ‪ ،‬على سبيل المثاؿ ‪ :‬قاـ ‪ ،‬ثم ثنى ظهره إلى ىيئة الركوع ‪ ،‬ثم‬
‫لو أف إنسانًا عمل ً‬
‫رفع ‪ ،‬ثم نزؿ إلى اْلرض ؛ فهذا لم ين ِو الصالة ‪ ،‬ىذا نوى ً‬
‫مثال الرياضة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫فهنا نقوؿ لو ‪" :‬ليس لك أجر الصالة " ‪ ،‬فإف قاؿ أنا رفعت وركعت وىذه أفعاؿ‬
‫الصالة فقل‪ " :‬نعم ‪ ،‬وإنما ليس لك إال ما نويت ‪ ،‬وأنت لم تن ِو الصالة‪" .‬‬

‫اهلل ورسولِ ِو فَ ِه ْجرتُوُ إِلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم قاؿ ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪( : -‬فَمن َكانَ ْ ِ‬
‫اهلل‬ ‫َ‬ ‫ت ى ْج َرتُوُ إِلَى َ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫اج َر إِلَْي ِو (‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورسولِ ِو ‪ ،‬ومن َكانَ ْ ِ‬
‫ت ى ْج َرتُوُ ل ُدنْػيَا يُصيبُػ َها أَو ْام َرأَة يَػ ْنك ُح َها فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى َما َى َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫ََ ُ‬
‫قاؿ العلماء كما سبق ‪ :‬العمل واحد ‪ ،‬ىجرة وانتقاؿ ‪ ،‬ولكن اختلف بالنية‪.‬‬

‫ثم قاؿ العلماء‬

‫وتعظيما‬
‫ً‬ ‫تحقيرا ْلمر طلب الدنيا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اج َر إِلَْي ِو )‬
‫إنما قاؿ ‪ ( :‬فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى َما َى َ‬
‫‪ -‬قالو ّ‬
‫ْلمر طلب اْلجر والثواب من اهلل –عز وجل– في الصورة اْلولى ‪ ،‬وليس معنى ىذا ذـ‬
‫ىذا الفعل ‪ ،‬وإنما فيو أف اإلنساف ال يحصل لو من اْلجر إال ما نوى وما سعى‪.‬‬

‫ضا أف أمور الدنيا بالنسبة لآلخرة حقيرة ‪ ،‬لذلك قاؿ اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬ ‫ضا فيو أي ً‬ ‫‪ -‬وأي ً‬
‫‪َ ﴿ :‬و ْاآل ِخ َرةُ َخ ْيػ ٌر َوأَبْػ َق ٰى ﴿‪ )1 (﴾١٧‬؛ فاآلخرة خير من الدنيا ْلنها دار الخلود ‪،‬‬
‫والدنيا بالنسبة لآلخرة حقيرة ‪ ،‬حقيرة الشأف‬

‫‪ ) 1‬سورة األعلى ‪)٧١ ( :‬‬


‫‪7‬‬
‫‪ْ -‬لنها زائلة ‪ ،‬وْلنها دار الغرور ‪ ،‬وْلف المرء مهما عاش في الدنيا فإنو سيموت‬
‫ويتركها ‪ ،‬ويخلف كل ما عمل ‪ ،‬وما يبقى معو إال ما قدمو من خير ‪ ،‬أو شر‪.‬‬

‫فنسأؿ اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬أف يجعل الدار اآلخرة لنا ىي دار خير وقرار وأف يجعلنا من‬
‫أىل الجنة وأف ينجينا من النار ؛ ولذلك قاؿ النبي –صلى اهلل عليو وسلم ( الدنيا‬
‫ملعونة ملعوف ما فيها إال ذكر اهلل وما واله) ‪ ،‬وفي حديث ( أو عالم ومتعلم ) ‪ ،‬فهنا‬
‫بالنسبة لآلخرة كانت كذا منزلة الدنيا ‪ ،‬وال يعني ىذا الحديث أف اإلنساف يشتغل بأمور‬
‫اآلخرة ويترؾ أمور الدنيا ‪ ،‬ال‪ ،‬وإنما ىو كما سبق بالنسبة ْلمور اآلخرة ‪ّ ،‬أما في الدنيا‬
‫متاعا إلى حين ؛ فاإلنساف ال مانع أف ينتفع بما تفضل‬
‫فاهلل –عز وجل– جعل لنا فيها ً‬
‫اهلل –عز وجل‪ -‬بو عليو من رزؽ ‪ ،‬ولكن ال ينسى اآلخرة ‪ ،‬وال ينغمس في الدنيا‬
‫وملذاتها ‪ ،‬وال يعش في الدنيا كأنو ال يموت أب ًدا ‪ " ،‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر‬
‫سبيل "‬

‫فالمسلم يوازف بين اْلمور ‪ ،‬وينتفع باْلمور التي أحلَّها اهلل لو ‪ ،‬فإف اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫تحرـ ‪ ،‬ينتفع بها اإلنساف ؛ لكن كما سبق‬
‫حالال ‪ ،‬لم َّ‬
‫أمورا ىي زينة ‪ً ،‬‬
‫جعل في الدنيا ً‬
‫يوازف المرء نفسو‪.‬‬

‫وحرـ الحراـ ‪ ،‬فمنهم من‬


‫ثم بعد ذلك كل واحد منا على درجات ‪ ،‬إذا أح َّل الحالؿ ّ‬
‫يُقبل على اآلخرة ويتقلل من الدنيا ال مانع من ذلك ‪ ،‬وىذا يسمى ‪ :‬الزىد ‪ ،‬كما كاف‬

‫‪8‬‬
‫حاؿ السلف وحاؿ النبي –صلى اهلل عليو وسلم‪ ( ، -‬مالي وللدنيا ) ‪ ،‬ىذا زىد ال‬
‫مانع منو ‪ ،‬ما ىو تصوؼ !‬

‫التصوؼ ‪ :‬ضالؿ وانحراؼ‪.‬‬

‫أما الزىد في الدنيا والتقلل منها ‪ :‬ىو أف يعمل المرء على سنة النبي –صلى اهلل عليو‬
‫وسلم – ‪ ،‬وما كاف عليو الصحابة الكراـ ‪ ،‬وما كاف عليو أئمة السنة وعلماء السنة‪.‬‬

‫أما ىؤالء الذين يشتغلوف بالتصوؼ والزىد ويزعموف ويزعموف ‪ ،‬فإنما أتوا بأمور ىي‬
‫مخالفة لهدي النبي –صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬؛ فإنهم أبعد ما يكونوف عن سنة النبي –‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪- .‬‬

‫كما أف ىذا المصطلح (التصوؼ) لم يُعرؼ عن السلف ‪ ،‬إنما كانوا يعرفوف كما سبق‬
‫(الزىد) ‪ ،‬وىذا إف شاء اهلل يأتينا في محلو من " اْلربعين النووية " ‪-‬بإذف اهلل تعالى‪، -‬‬
‫وإنما ىذه تذكرة عند ىذا الحديث العظيم ‪ْ ،‬لنو حتى ال يفهم المرء أنو يتقلل من الدنيا‬
‫ويتركها مرة ‪ ،‬فيهمل نفسو ‪ ،‬ويهمل أىلو ‪ ،‬ويهمل أبنائو ؛ فهذا خطأ ‪ ،‬ليس المراد من‬
‫ىذا الحديث ىذا الفهم الخاطئ ‪ ،‬وإنما كما سبق مقارنةً بين الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫تحقيرا‬
‫ً‬ ‫اج َر إِلَْي ِو) كما سبق ‪،‬‬
‫فإذا قوؿ النبي –صلى اهلل عليو وسلم‪( : -‬فَ ِه ْج َرتُوُ إِلَى َما َى َ‬
‫وتقليال لشأف الدنيا‪.‬‬
‫ً‬

‫‪9‬‬
‫يقوؿ الشيخ العثيمين –رحمو اهلل تعالى‪ُ -‬مبينًا ‪ :‬ىل قولو ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪( : -‬‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات َوإِنَّ َما لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَػ َوى )‬
‫إِنَّ َما اْل ْع َم ُ‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات ) ؟‬
‫( إِنَّ َما اْل ْع َم ُ‬ ‫( َوإِنَّ َما لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَػ َوى )‬ ‫‪-‬‬

‫‪-‬يقوؿ الشيخ –رحمو اهلل تعالى ‪- :‬‬

‫" والصواب أف الثانية غير اْلولى " ؛ يعني ( َوإِنَّ َما لِ ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَػ َوى ) ليست بمعنى (‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات ) ‪ ،‬فاْلولى باعتبار المنوي ‪ ،‬وىو العمل ‪ ( ،‬إِنَّ َما اْل ْع َم ُ‬
‫إِنَّ َما اْل ْع َم ُ‬
‫) باعتبار المنوي ؛ وىي اْلعماؿ ‪.‬‬

‫فالنبي –صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬يقوؿ ‪ :‬اْلعماؿ قد تكوف متشابهة في الصورة ولكنها‬
‫كل منهم‬
‫مثال ‪ :‬رجالف ٌ‬
‫مختلفة في الحقيقة وفي اْلجر عند اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬؛ ولذلك ً‬
‫يتصدؽ بماؿ ‪ ،‬في الظاىر الصورة واحدة ؛ لكن واحد نوى وجو اهلل ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫مخلصا هلل ‪-‬عز وجل‪ ، -‬وواحد نوى رياءً وسمعةً ؛ فنقوؿ ىنا ‪ ( :‬إِنَّ َما‬
‫ً‬ ‫وطلب اْلجر‬
‫اؿ بِالنِّػيَّات ) ‪ ،‬فهذا الذي أخلص لو اْلجر ‪ ،‬وذاؾ الذي لم يخلص ليس لو من‬
‫اْل ْع َم ُ‬
‫اْلجر شيء ‪ ،‬بل يعذب لسوء نيتو‪.‬‬

‫فيقوؿ الشيخ –رحمو اهلل‪ : -‬والصواب أف الثانية غير اْلولى‬


‫باعتبار المنوي وىو العمل‬
‫باعتبار المنوي لو وىو المعموؿ لو‬

‫‪10‬‬
‫ويدؿ لهذا ما فرعو عليو النبي –صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬في قولو ‪( :‬فَمن َكانَ ْ ِ‬
‫ت ى ْج َرتُوُ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬
‫اهلل َوَر ُسولِ ِو ) وعلى ىذا يبقى الكالـ وال تكرار فيو" ‪ ،‬انتهى‬
‫اهلل ورسولِ ِو فَ ِه ْجرتُوُ إِلى ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إِلَى َ َ ُ‬

‫النيػ ػ ػػة ‪ :‬بمعنى اإلخالص ‪ ،‬وإرادة الثواب من اهلل – عز وجل‪ ، -‬تطلق بمعنى اإلخالص‬
‫وإرادة الثواب واْلجر من اهلل – عز وجل‪ ، -‬وىذه التي يذكرىا أىل العقيدة والمؤلفات‬
‫في العقيدة وفي السنة‪.‬‬

‫الدنْػيَا َوِم ْن ُك ْم َم ْن‬


‫ويعنوف بها ‪ :‬تمييز المقصود بالعمل ‪ ،‬كقولو تعالى ‪ِ ﴿ :‬م ْن ُك ْم َم ْن يُ ِري ُد ُّ‬
‫( ‪)2‬‬ ‫ي ِري ُد ْاآل ِ‬
‫َخ َرةَ ﴾‬ ‫ُ‬
‫ؼ إِلَْي ِه ْم أَ ْع َمالَ ُه ْم فِ َيها َو ُى ْم فِ َيها‬‫الدنْػيَا َوِزينَتَػ َها نُػ َو ِّ‬ ‫وقولو تعالى ‪َ ﴿ :‬م ْن َكا َف يُ ِري ُد ال َ‬
‫ْحيَا َة ُّ‬
‫صنَػعُوا فِ َيها‬ ‫َّار َو َحبِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َال يػب َخسو َف ﴿ ‪ ﴾15‬أُولَئِ َ َّ ِ‬
‫ط َما َ‬ ‫س لَ ُه ْم في ْاآلَخ َرة إَِّال الن ُ‬ ‫ين لَْي َ‬
‫ك ا لذ َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫اط ٌل َما َكانُوا يَػ ْع َملُو َف ﴿ ‪ )3 (﴾16‬؛ فهذه النية التي يذكرىا أصحاب العقيدة كما‬ ‫وب ِ‬
‫ََ‬
‫يقوؿ بن رجب – رحمو اهلل تعالى – فهي بمعنى اإلخالص واإلرادة المقصود بالعمل –‬

‫‪ ) 2‬سورة آل عمران (‪) 251‬‬


‫‪ ) 3‬سورة هود ( ‪) 26- 25‬‬
‫‪11‬‬
‫وىي كما سبق معنا أحد شرطي قبوؿ العمل ؛‬

‫اإلخالص هلل تعالى‪.‬‬

‫المتابعة لسنة النبي – صلى اهلل عليو وسلم‪– .‬‬

‫فاْلوؿ اإلخالص يدؿ عليو ىذا الحديث ( إنّما اْلعماؿ بالنيات ) ‪.‬‬

‫للمرائين‬
‫كما جاء في الحديث عن النبي – صلى اهلل عليو وسلم ‪ -‬أنّو قاؿ ‪ ( :‬يُقاؿ ُ‬
‫يوـ القيامة انظروا للذين عملتم العمل ْلجلهم فاطلبوا منهم الثواب واْلجر ) ‪ ،‬ومعلوـ‬
‫أنّهم ال يملكوف لغيرىم شيئًا وىذا من باب التّوبيخ واإلنكار على حالهم وبياف سوء‬
‫ئ للقرآف ‪ ،‬ومنفق مالو‬
‫عاقبتهم ‪ ،‬وجاء في الحديث ‪ ( :‬أ ّف أوؿ ثالثة تسعَّر بهم النّار قار ٌ‬
‫فأما القارئ للقرآف يقوؿ قرأت‬
‫في سبيل اهلل ‪ ،‬ومجاىد ‪ ،‬كلهم يُقاؿ لهم فيم فعلتم ىذا ّ‬
‫القرآف فيك يا رب فيقوؿ اهلل كذبت وتقوؿ المالئكة كذبت بل قرأت القرآف ليُقاؿ‬
‫قارئ خذوه إلى النّار ) ؛ ْلنّو قرأ ْلجل مدح الناس وطلبًا للسمعة والرياء والفخر وأف‬
‫يحصل لو شكر وثناء النّاس ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وأما الثاني ‪ ( :‬أنفق مالو فيقوؿ اهلل لو فيم أنفقت ؟ فيقوؿ ‪ :‬أنفقت فيك يا رب فيقوؿ‬ ‫ّ‬
‫اهلل كذبت ‪ ،‬وتقوؿ المالئكة كذبت ‪ ،‬بل أنفقت ليقاؿ ُم ِنفق وكريم ‪ُ ،‬خذوه إلى النّار) ‪،‬‬
‫فيؤمر بو إلى النّار‪.‬‬

‫ويُقاؿ للثالث ‪ ( :‬فيم قاتلت ؟ فيقوؿ ‪ :‬قاتلت فيك يا رب ‪ ،‬فيقوؿ اهلل كذبت ‪ ،‬وتقوؿ‬
‫ومقاتل وقد قيل – يعني في الدنيا أثنى عليك‬
‫المالئكة كذبت ‪ ،‬بل قاتلت ليُقاؿ شجاع ُ‬
‫الناس – خذوه إلى النار ) ‪.‬‬

‫فهذه النية ىي أحد شرطي قَػبُوؿ العمل وىي التي يذكرىا كما سبق أصحاب كتب‬
‫العقيدة ‪ ،‬وىي كما ذكر بن رجب ‪ :‬تمييز المقصود بالعمل اهلل أـ الناس‪.‬‬

‫ولذلك جاء في الحديث القدسي عن النبي – صلى اهلل عليو وسلم – فيما يرويو عن‬
‫عي غيري تركتو وشركو )‬
‫ربو ( أنا أغنى الشركاء عن الشرؾ ‪ ،‬من عمل عمال أشرؾ فيو َم َ‬
‫؛ فالنبي – صلى اهلل عليو وسلم – يروي عن اهلل – عز وجل – ىذا الحديث القدسي‬
‫غني أف يعمل العبد‬
‫كما سبق معنا أ ّف الحديث القدسي لفظو ومعناه من اهلل ؛ فاهلل ٌّ‬
‫العمل لو هلل ولغيره ‪ ،‬فإ ّف اهلل ال يقبل ىذا العمل‪.‬‬

‫ضا يُعبِّروف عنها باالبتغاء ‪،‬‬


‫والنية بهذا المعنى يُعبِّروف عنها باإلخالص كما سبق ‪ ،‬وأي ً‬
‫( ‪)4‬‬
‫كقولو تعالى‪ ﴿ :‬إَِّال ابْتِغَاءَ َو ْج ِو َربِِّو ْاْلَ ْعلَى ﴿ ‪﴾20‬‬

‫‪ ) 4‬سورة الشورى ( ‪) 12‬‬


‫‪13‬‬
‫َخ َرةِ نَ ِز ْد لَوُ فِي َح ْرثِِو َوَم ْن‬
‫ث ْاآل ِ‬
‫ويعبّروف عنها باإلرادة ‪ ،‬كقولو تعالى ‪َ ﴿:‬م ْن َكا َف يُ ِري ُد َح ْر َ‬
‫( ‪)5‬‬
‫ص ٍ‬‫الدنْػيا نُػ ْؤتِِو ِم ْنػ َها وما لَوُ فِي ْاآل َِخرةِ ِمن نَ ِ‬ ‫َكا َف يُ ِري ُد َح ْر َ‬
‫يب ﴿ ‪﴾ 20‬‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ث ُّ َ‬
‫إذًا ىذا المعنى اْلوؿ للنية عند العلماء واستعماالتهم‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫فمثال من فاتتو صالة الظهر والعصر‬


‫تمييز العبادات بعضها عن بعض ؛ ً‬
‫مثال أراد أف يُؤخر الظهر إلى العصر ‪ ،‬أو أف‬
‫بسبب نوـ أو شغل أو نحو ذلك ‪ ،‬أو كاف ً‬
‫يُقدِّـ العصر إلى الظهر فأراد أف يُصلي فهنا الصالة تتشابو في ىيئتها ‪ ،‬فالبد أف يُقدِّـ‬
‫اْلولى وينوي أنّها الظهر ‪ ،‬والبد أف يُؤخِّر الثانية وينوي أنّها العصر‪.‬‬

‫ومثال من عليو قضاء من رمضاف ‪ ،‬وأراد‬


‫فالبد من تمييز العبادات بعضها من بعض ‪ً ،‬‬
‫مثال أف يصوـ االثنين ‪ ،‬فإذا أراد أف يصوـ االثنين فنقوؿ لو ‪:‬‬
‫ً‬

‫‪ -‬فإف قاؿ ‪ :‬أردت أف أصوـ االثنين والخميس لما فيهما من اْلجر ‪ ،‬نقوؿ ‪:‬‬
‫عملك في الظاىر بالنسبة لنا وقع على صياـ التطوع ‪.‬‬

‫‪ ) 5‬سورة الشورى اآلية ( ‪) 12‬‬


‫‪14‬‬
‫ت االثنين والخميس ‪ ،‬وأريد أف أحسبهما من الفريضة التي فاتتني‬
‫ص ْم ُ‬
‫طيب يقوؿ ‪ :‬أنا ُ‬
‫من رمضاف وأفطرت لسفر أو لمرض أو نحو ذلك ‪ ،‬فنقوؿ لو ليس لك إال ما نويت ‪،‬‬
‫وال يقع اْلجر لك إال على ما نويت من النافلة ‪.‬‬

‫فهنا البد من تمييز العبادات بعضها من بعض‪.‬‬

‫ثم جاء على ىيئة‬


‫تمييز العبادة عن العادة ‪،‬كما سبق معنا رجل قاـ ّ‬
‫صلِّي فهذه‬
‫الم َ‬
‫ثم نزؿ على ىيئة السجود ‪ ،‬فقاؿ ‪ :‬أنا اآلف فعلت أفعاؿ ُ‬
‫ثم رفع ّ‬
‫الركوع ّ‬
‫ركعة ‪ ،‬فنقوؿ ‪ :‬لو ال‬

‫مثال ‪ ،‬فنقوؿ لو إذف لم تحصل لك الصالة ؛ فالبد أف تميِّز العادة‬


‫يقوؿ أردت الرياضة ً‬
‫من العبادة‪.‬‬

‫فإذًا الفقهاء يُطلقوف النية بهذا المعنى ‪ ،‬أف يُميِّز بين العبادات بعضها من بعض ىذا‬
‫معنى ‪ ،‬وأف يُميِّز بين العبادة والعادة‪.‬‬

‫نص العلماء على أف قراءة القرآف واْلذكار واْلحاديث ال تحتاج إلى نية ؛ ومرادىم‬
‫وقد ّ‬
‫ىنا ‪ :‬ال تحتاج إلى تمييز العبادة عن العادة‪.‬‬

‫ليس المراد أنو ال تحتاج إلى نية اإلخالص ال ‪ ،‬وإنما مرادىم أنو ال تحتاج تمييز العبادة‬
‫عن العادة ؛ ْلف القرآف ال يُشابو كالـ البشر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫نوعٌ يُطلب فيو النية ‪ :‬كما سبق معنا من العبادات ؛ في الصالة والصياـ ونحو ذلك‪.‬‬

‫ونوعٌ ال تُشترط فيو النية لكنو ال يؤجر إال إذا نوى ‪ :‬وىي اْلعماؿ الدنيوية المحضة ‪،‬‬
‫صالحا َّ‬
‫وتعدى‬ ‫ً‬ ‫عمال‬
‫التي ىي من باب العادات ‪ ،‬إال إف العلماء بينوا أف العبد إذا عمل ً‬
‫نفعو فإنو يؤجر ‪ ،‬وإف لم ين ِوي تعدي ىذا النفع ‪.‬‬

‫فمثال ‪ :‬لو أف إنسانًا نوى في زرعو لألرض الصدقة على الفقراء والمساكين وأف يستغني‬
‫ً‬
‫مثال فأكلت من ىذا الزرع فإنو يؤجر عليو ؛‬
‫بما أغناه اهلل ‪-‬عز وجل‪ ، -‬فجاءت الطير ً‬
‫ضا إلى إف ىذا العمل المتعدي نفعو ال تُشترط النية في العمل‬
‫لذلك نبو العلماء أي ً‬
‫المػُتعدى‪.‬‬

‫‪-1‬إخالص العمل إلى اهلل ومتابعة سنة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪- .‬‬

‫ضا اإلسالـ ‪ :‬فالكافر ولو نوى الخير ال يحصل لو ‪ ،‬وجاء في الحديث ( أف‬
‫‪-2‬وأي ً‬
‫خيرا فإف اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يجازيو في الدنيا )‬
‫الكافر لو نوى ً‬
‫صغيرا ال يعقل ‪ ،‬وإنما يُميز بين اْلمور‬
‫مميزا ‪ :‬يعني ليس ً‬
‫‪-3‬وأف يكوف صاحب النية ً‬
‫‪ ،‬قالوا ‪ :‬سبع سنين‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫فرض ‪ ،‬أـ نافلة ىل ىو عبادة ‪ ،‬أـ ال‪.‬‬
‫ضا العلم بالمنوي ‪ :‬ىل ىو ٌ‬
‫‪-4‬وأي ً‬

‫مثال أراد أف يُصلي الظهر فقاـ فصلى ‪ ،‬وىو في‬


‫ضا الجزـ بالمنوي ‪ :‬يعني ً‬
‫‪-5‬وأي ً‬
‫صالتو قاؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬اجعلها نافلة قبل الظهر ‪ ،‬فهنا إف نوى ىذا اْلمر وعقد العزـ عليو‬
‫انتقلت النية إلى النافلة ‪ ،‬ثم بعد ذلك قاؿ ‪ :‬ال ‪ ،‬أنا أرجع إلى صالة الظهر خالص نيتي‬
‫ضا‪.‬‬
‫صالة الظهر فهنا قطع نية صالتو وتُعتبر بالنسبة لو نافلة ليست فر ً‬

‫ضا من الشروط ‪ :‬أف ال يأتي بمنافي للنية ؛‬


‫‪-6‬أي ً‬

‫القطع يعني ينوي قطع العبادة‬


‫الردة عن اإلسالـ‪.‬‬

‫ضا نبهوا على أف وقت النية يكوف مقارنًا للعمل ‪ ،‬أو قبلو بيسير ‪.‬‬
‫كما أي ً‬

‫أمر مهم‬
‫ضا بالنية وىو ٌ‬
‫ومن اْلمور التي نبَّو عليها العلماء مما يتعلق أي ً‬
‫العزـ واإلرادة ؛ والعزـ واإلرادة محلهما القلب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫مثال لما‬
‫النية شرط والتلفظ بها بدعة ‪ ،‬فما يفعلو بعض الناس ً‬ ‫‪-‬‬
‫يريد عندما يريد أف يُصلي الظهر يرفع يديو ويقوؿ ‪ :‬نويت أف أُصلي فريضة‬
‫حاضرا كذا كذا كذا فيجلس يعني وقتًا قبل أف يدخل مع اإلماـ قبل أف‬
‫ً‬ ‫الظهر‬
‫يُكبر ‪ ،‬فنرى بعض الناس يرفعوف أيديهم ويجلسوف وقتًا ‪ ،‬فال شك إف ىذا اْلمر‬
‫بدعةٌ ‪ ،‬قد نص العلماء على أنو من البدع‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وابن تيمية ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ -‬في الفتاوى المصرية ‪ ،‬الفتاوى الكبرى لو كالـ جميل‬
‫مثال قاـ ليحضر الطعاـ ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إنساف ً‬ ‫في ىذا يقوؿ ‪ " :‬المتلفظ بالنية في العبادة حالو كحاؿ‬
‫فقاؿ ‪ :‬أنا قمت اْلف ْلحضر الطعاـ فذىب وأحضر الطعاـ ‪ ،‬ثم حمل الملعقة أو اْلداة‬
‫التي يأكل بها أو يأكل بأصبعو يعني بيده فقاؿ ‪ :‬أنا أرفع اللقمة اْلف ْلكلها ‪ ،‬قاؿ ‪:‬‬
‫الناس كلها ستقوؿ ‪ :‬إنو مجنوف سفيو ال يُحسن التصرؼ ْلنو ليس بحاجة أف يُصرح‬
‫بهذه النية ؛ ْلف قيامك إلى مكاف الطعاـ ىو عزـ وإرادة وىذه ىي النية ‪ ،‬ورفعك الطعاـ‬
‫إلى فمك ىو عزـ وإرادة وىذه ىي النية ‪ ،‬لست بحاجة إلى أف تتلفظ بألفاظ النية ‪ ،‬كذا‬
‫ذىابك إلى الوضوء ‪ ،‬ووقوفك إلى الصالة ىذا عزـ وإرادة وىي النية لست بحاجة إلى‬
‫أف تقوؿ نويت أف أتوضأ ‪ ،‬نويت أف أُصلي ‪ ،‬نويت أف أصوـ‪.‬‬

‫وأما ما جاء في بعض اْلحاديث أف الملبي يقوؿ ‪ " :‬لبيك اللهم عمرة ‪ ،‬لبيك اللهم‬
‫َّ‬
‫حجة " ىذه ليست النية ؛ ىذه إنما كما قاؿ العلماء ىذا الدخوؿ في النُسك ‪ ،‬التلبية ؛‬
‫اإلحراـ ‪ ،‬نية الدخوؿ في النسك العزـ واإلرادة الذي في قلبو ‪ ،‬وأما قولو لبيك اللهم‬
‫عمرة أو لبيك اللهم حجة ؛ فإف ىذا ىي التلبية ‪ :‬وىي اإلحراـ بالنُسك ‪ ،‬وىذا يقع‬
‫لكثير من الناس أنو يتلفظ بالنية ‪.‬‬

‫فشيخ اإلسالـ ابن تيمية ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ -‬نقل اتفاؽ السلف على عدـ مشروعية‬
‫ىذا اْلمر وبين أف ىذا اْلمر بدعة مخال ًفا لهدي النبي ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪، -‬‬
‫فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪ -‬لم يفعلها والصحابة ‪ -‬رضواف اهلل عليهم ‪ -‬لم‬

‫‪18‬‬
‫يفعلوىا وأئمة الدين من بعدىم من التابعين لم يقوموا بها ‪ ،‬فعلينا أف نجتنب ىذا الفعل‬
‫المخالف لهدي النبي ‪-‬صلى اهلل عليو وسلم‪ -‬وىدي أصحابو الكراـ‪.‬‬

‫وىنا ننبو على مسألة ذكرىا العلماء تتعلق بالنية وانقطاعها أو انتقالها إلى أمر آخر‪.‬‬

‫يقوؿ ابن رجب ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ -‬وأنا أل ّخص كالمو ‪ " :‬واعلم أف العمل لغير اهلل‬
‫ضا ‪ ،‬بحيث ال يراد بو سوى مراءاة المخلوقين لغرض‬
‫أقساـ ‪ :‬فتارةً يكوف رياء مح ً‬
‫دنيوي ‪ ،‬كحاؿ المنافقين في صالتهم ‪ ،‬كما قاؿ اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬وإِذَا قَ ُاموا إِلَى‬
‫َّاس َوَال يَ ْذ ُك ُرو َف اللَّوَ إَِّال قَلِ ًيال ﴿ ‪ )6 (﴾ 142‬و كذلك‬ ‫سالَى يُػ َراءُو َف الن َ‬
‫َّ ِ‬
‫الص َالة قَ ُاموا ُك َ‬
‫ين َخ َر ُجوا ِم ْن ِديَا ِرِى ْم بَطًَرا َوِرئَاءَ الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫َّ ِ‬
‫وصف اهلل الكفار بالرياء ‪َ ﴿ :‬وَال تَ ُكونُوا َكالذ َ‬
‫( ‪)7‬‬
‫يل اللَّ ِو﴾‬
‫ص ُّدو َف َع ْن َسبِ ِ‬
‫َويَ ُ‬
‫قاؿ الحافظ بن رجب ‪ " :‬وىذا الرياء المحض ‪ ،‬ال يكاد يصدر من مؤمن في فرض‬
‫الصالة والصياـ ‪ ،‬وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج و غيرىما من اْلعماؿ‬
‫مسلم‬
‫الظاىرة أو التي يتعدى نفعها ‪ ،‬فإف اإلخالص فيها عزيز ‪ ،‬وىذا العمل ال يشك ٌ‬
‫أنو حابط ‪ ،‬وأف صاحبو يستحق المقت من اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬و العقوبة "‬

‫يعني ‪ :‬أف الرياء المحض ال يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصالة والصياـ ‪ ،‬وقد‬
‫يصدر في بعض اْلعماؿ كالصدقة أو الحج أو الجهاد ‪ ،‬وىنا أذكر نفسي وإخواني‬
‫وأخواتي إلى أف الواحد منا عليو أف يحرص على اإلخالص في عملو هلل ‪ -‬عز وجل ‪، -‬‬

‫‪ ) 6‬سورة النساء (‪)241‬‬


‫‪ ) 7‬سورة األنفال ( ‪) 47‬‬
‫‪19‬‬
‫و أف ال يطلب ثناء الناس وحمدىم وشكرىم ‪ ،‬فإف الناس مخلوقوف وأنهم عبا ٌد مثلو‬
‫وليس بيدىم شيء ‪ ،‬وإنما اْلمور كلها بيد اهلل – عز وجل ‪ -‬فال يضيع الواحد منا عملو‬
‫لدنيا أو لثناء الناس ‪.‬‬

‫مر معنا في قصة المجاىد والمنفق والقارئ للقرآف وفي بعض الروايات وعالم متعلم‬
‫كما َّ‬
‫‪ ،‬فإف ىذه اْلعماؿ جليلة وعظيمة ولكنهم أحبطوىا بالرياء ‪ ،‬والواحد منا عليو أف‬
‫يخاؼ على نفسو من الرياء ‪ ،‬وأف ال يغتر ؛ فإف أبا ىريرة ‪ -‬رضي اهلل عنو ‪ -‬لما َّ‬
‫حدث‬
‫بهذا الحديث غشي عليو ‪ -‬أغمي عليو ‪ -‬عدة مرات ؛ ْلف الواحد منا ال يدري ‪ ،‬قد‬
‫يقدـ يوـ القيامة بأعماؿ أمثاؿ الجباؿ و تأتي بعض اْلعماؿ فتبطلها ‪ ،‬منها الرياء ‪،‬‬
‫فكاف أبو ىريرة كلما جاء يحدِّث بهذا الحديث أغمي عليو ‪-‬رضي اهلل عنو‪ -‬وعن‬
‫جميع صحابة رسوؿ اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪- .‬‬

‫قاؿ ابن رجب ‪ " :‬وتارة يكوف العمل هلل و يشاركو الرياء "‬

‫ضا ‪،‬‬
‫أف يكوف رياء مح ً‬
‫أف يكوف العمل هلل و يشاركو الرياء‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫قاؿ ‪ " :‬فإف شاركو من أصلو " ‪ ،‬يعني في البداية ‪ ،‬من يوـ ما نوى العمل هلل ‪ ،‬نوى‬
‫العمل هلل ‪ ،‬و نوى العمل للناس ؛ فإف النصوص الصحيحة تدؿ على بطالنو وحبوطو‬
‫ضا‪.‬‬
‫أي ً‬

‫ثم قاؿ في صحيح مسلم عن أبي ىريرة عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم ‪ -‬يقوؿ اهلل‬
‫تبارؾ وتعالى ‪( :‬أنا أغنى الشركاء عن الشرؾ من عمل عمال أشرؾ فيو معي غيري تركتو‬
‫و شريكو ( ‪.‬‬

‫ثم قاؿ ابن رجب ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ " : -‬وال نعرؼ عن السلف في ىذا خالفًا ‪ ،‬وإف‬
‫كاف فيو خالفًا عند بعض المتأخرين " ‪ ،‬يعني أف الصحابة ‪ -‬رضواف اهلل عليهم ‪ -‬وأئمة‬
‫التابعين يروف أف العمل الذي ابتدأ صاحبو فيو النية هلل وللناس أنو يبطل ابتداءً ‪.‬‬

‫مثال نية غير الرياء " ‪،‬‬


‫قاؿ ابن رجب ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ " : -‬فإف خالط نية الجهاد ً‬
‫يعني انساف جاىد وفي نيتو الغنيمة ‪ ،‬مثل أخذ أجرة الخدمة ‪ ،‬أو شيء من الغنيمة ‪ ،‬أو‬
‫التجارة نقص بذلك أجر جهادىم ولم يبطل بالكلية ؛ ففي صحيح مسلم عن عبد اهلل‬
‫بن عمر عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليو وسلم – قاؿ ‪ ( :‬إف الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا‬
‫ثلثي أجرىم ‪ ،‬فإف لم يغنموا شيئًا تم لهم أجرىم )‬

‫فهذا ىنا ينبو ابن رجب ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ -‬على أف اْلجر قد ينقص في حالة أف‬
‫أمرا غير الرياء ‪ ،‬الرياء‬
‫مثال ً‬
‫يطلب العبد بعملو وجو اهلل –عز وجل‪ ، -‬و ينوي مع ذلك ً‬
‫يبطلو من أصلو كما سبق ‪ ،‬لكن لو كاف يعمل ْلجل أو جاىد ْلجل غنيمة ‪ ،‬أو يعمل‬
‫‪21‬‬
‫ضا مع طلبو شيء من أجل الدنيا كأجر الخدمة فإنو يقوؿ ابن‬
‫شيء هلل – عز وجل ‪ -‬أي ً‬
‫رجب ‪ " :‬ينقص من أجره وال يبطل "‬

‫فينبغي أف نفرؽ بين ىذا و وبين ىذا ‪ ،‬ثم قاؿ ابن رجب ‪ -‬رحمو اهلل تعالى ‪ " : -‬وأما‬
‫إف كاف أصل العمل هلل ثم طرأت عليو نية الرياء " ‪ ،‬وىذا كثير ما يقع لبعض الناس و‬
‫يسأؿ فيقوؿ ‪ :‬أنا نويت العمل هلل ولكن أثناء العمل جاءني خاطر أو جاءني أمر و نويت‬
‫شيء من ثناء الناس ثم رجعت ونويت العمل هلل ‪.‬‬

‫‪ -‬فهنا ابن رجب سيُبيِّن حكم من ابتدأ عملو بإخالص هلل ‪ -‬عز وجل ‪ ، -‬ثم طرأ‬
‫عليو شيء من الرياء أو السمعة ‪.‬‬

‫أعيد مرة أخرى حتى تكوف الصورة ظاىرة معنا ‪:‬‬

‫ضا ؛ فهذا حابط من‬


‫الذي يكوف عملو رياءًا مح ً‬
‫أصلو ‪ ،‬وىذا ال يكاد يصدر من مؤمن في صالة أو صياـ ‪ ،‬وقد يصدر في الصدقة‬
‫الواجبة أو في حج أو نحو ذلك ‪.‬‬

‫فإف كاف من أصلو ىذا الرياء من بداية النية يبطل‬


‫العمل و بهذا قاؿ السلف ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كغنيمة أو أجرة خدمة فإنو‬
‫ينقص من أجره وال يبطل‪.‬‬

‫ثم اآلف يقوؿ ‪ " :‬فأما إذا عمل عمال هلل خالصا ثم ألقى اهلل لو الثناء الحسن في قلوب‬
‫المؤمنين بذلك ففرح ‪-‬بفضل اهلل ورحمتو‪ -‬واستبشر بذلك لم يضره ذلك‪" .‬‬

‫ثم يعني إنساف عمل العمل هلل – عز وجل ‪ ، -‬ثم سمع ثناء الناس ومدحهم لو ‪،‬‬
‫فاستبشر وفرح ‪-‬بفضل اهلل ورحمتو‪ -‬وأف ىذا من توفيق اهلل لو فهذا ال يضره –بإذف‬
‫اهلل تعالى‪- .‬‬

‫ضا بيَّن ابن قيم الجوزية حكم العمل الذي تخالطو ىذه النية ‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬
‫وأي ً‬

‫" فإف كاف نية الرياء الطارئة على العمل خواطر ودفعها فإنو ػ إف شاء اهلل ػ ال يضره‬
‫ذلك ‪ ،‬وإف كانت ىذه النية ىو نوى العمل هلل ثم طرا عليو الرياء ‪ ،‬وإف كانت ىذه النية‬
‫مستمرة وأثرت عليو نُ ِظر ‪ ،‬فإف كاف العمل أولو يرتبط بآخره بطل العمل ‪ ،‬مثل الصالة ‪،‬‬
‫ومثل الصياـ ؛ فإنهما ال يتجزءاف البد النية فيو من أولو الى آخرة"‬

‫مثال صلى الضحى هلل فدخل‬


‫يعني ؛ صورة المسألة أف إنساف قاـ صلى الظهر هلل ‪ ،‬أو ً‬
‫الناس ‪ ،‬فاشتغل في قلبو فقاؿ ‪ :‬يعني اآلف يقولوف أصلي ‪ ،‬وأنا إنساف طيب ويمدحوني‬
‫‪ ،‬ويكوف ىذا لي مكانة عندىم و و و ‪..‬الى آخره‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فاشتغل بهذه النية ؛ بطلت الصالة ‪.‬‬

‫‪ْ -‬لف الصالة ال تتجزأ ‪ ،‬وْلنو استمر في نية الرياء ‪ ،‬وعدـ االخالص هلل ػ عز وجل ػ‬

‫قاؿ ‪" :‬وأما إف كاف العمل يتجزأ ؛ قاؿ ‪ :‬مثل الحج ‪ ،‬كأف يخرج من بلده للحج وطرأ‬
‫عليو أنو يمدحو الناس ‪ ،‬ويثنوا عليو ‪ ،‬ويقولوف عنو الحاج الفالني ونحو ذلك ‪ ،‬ثم ىذا‬
‫ناصح من وجوب االخالص ‪ ،‬واف الرياء يبطل العمل ‪،‬‬
‫واعظ أو ٍ‬ ‫الرجل سمع كالما من ٍ‬
‫ً‬
‫و كذا ‪ ،‬فجدد النية ‪ ،‬فجدد النية‪.‬‬

‫خالصا هلل‬
‫ً‬ ‫فهذا ىنا الحج أعمالو منفصلة ‪ ،‬فيمكن أف يجدد النية و أف ينوي نية الحج‬

‫‪-‬عز وجل ‪-‬ويستمر في عملو ؛ فهذه بعض اْلحكاـ المتعلقة بالنية إذا خالطها شيءٌ‬
‫من الرياء ‪ ،‬وىذا محلو كما سبق أف اإلنساف يكوف قد نوى في أوؿ أمره النية هلل ‪-‬عز‬
‫وجل‪ -‬ثم طرأ عليو الرياء ‪.‬‬

‫وأختم كالمي ىا ىنا بمسألة الهجرة من كالـ الشيخ ابن العثيمين ‪-‬رحمو اهلل تعالى‪-‬‬
‫يقوؿ ‪:‬‬

‫"ومن فوائد الحديث أف الهجرة من اْلعماؿ الصالحة ‪ْ ،‬لنها يقصد بها اهلل ورسولو ‪،‬‬
‫وكل ٍ‬
‫عمل يُقصد بو اهلل ورسولو ؛ فإنو من اْلعماؿ الصالحة ْلنك قصدت التقرب إلى‬
‫اهلل ‪ ،‬والتقرب الى اهلل ىو العبادة‪" .‬‬

‫ثم قاؿ الشيخ العثيمين ‪ " :‬مسألة ؛‬


‫‪24‬‬
‫فقاؿ ‪" :‬الجواب فيو تفصيل ‪ ،‬إذا كاف اإلنساف يستطيع أف يظهر دينو ‪ ،‬وأف يعلنو ‪ ،‬وال‬
‫يجد من يمنعو في ذلك فالهجرة ىنا مستحبة ‪ ،‬وإف كاف ال يستطيع يعني ؛ يظهر دينو ‪،‬‬
‫أو يوجد من يمنعو من ذلك فالهجرة واجبة ‪ ،‬وىذا ىو الضابط للمستحب والواجب‬
‫‪ ،‬وىذا يكوف في البالد الكافرة ‪ ،‬أما في البالد الفاسقة ‪ :‬وىي التي تعلن الفسق وتظهره‬
‫‪ ،‬فإنا نقوؿ ‪ :‬إف خاؼ اإلنساف على نفسو من أف ينزلق فيما انزلق فيو أىل البلد فها ىنا‬
‫الهجرة واجبة ‪ ،‬وإف لم يخف فتكوف غير واجبة ‪ ،‬بل نقوؿ ‪ :‬إف كاف في بقائو إصالح‬
‫فبقاؤه واجب لحاجة البلد إليو في اإلصالح ‪ ،‬واْلمر بالمعروؼ والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫والغريب أف بعضهم يهاجر من بلد اإلسالـ الى بلد الكفر ‪ ،‬وإذا ىاجر أىل اإلصالح‬
‫من بلد اإلسالـ‬

‫‪ -‬وربما تنحدر البالد أكثر بسبب قلة أىل اإلصالح وكثرة أىل الفساد والفسق ‪ ،‬لكن‬
‫إذا بقي ودعا اهلل بأف يصلح الحاؿ فسوؼ يصلح غيره ‪ ،‬وغيره يصلح غيره ‪ ،‬حتى‬
‫يكوف ىؤالء على أيديهم صالح البلد ‪ ،‬وإذا صلح عامة الناس فإف الغالب من بيده‬
‫الحكم سيصلح ‪ ،‬ولو عن طريق الضغط ‪ ،‬ولكن الذي يفسد ىذا لألسف الصالحوف‬
‫ويتفرقوف ‪ ،‬وتختلف كلمتهم من أجل‬
‫يتحزبوف ‪ّ ،‬‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فتجد ىؤالء الصالحين ّ‬
‫ٍ‬
‫مسالة من مسائل الدين التي يغتفر فيها الخالؼ‪.‬‬ ‫الخالؼ في‬

‫‪25‬‬
‫تماما ‪ ،‬فربما يتعادوف‬
‫ىذا ىو الواقع ‪ ،‬ال سيما في البالد التي لم يثبت فيها اإلسالـ ً‬
‫ويتباغضوف ويتناحروف من أجل مسألة رفع اليدين في الصالة ‪ ،‬وأقرأ عليكم يقوؿ الشيخ‬
‫العثيمين ‪ :‬قصةً ‪ ،‬وقعت لي شخصيًا في منى ‪ " :‬في يوـ من اْلياـ ‪ ،‬أتى لي مدير‬
‫التوعية بطائفتين من أفريقيا ‪ ،‬تكفر إحداىما اْلخرى ‪ ،‬على ماذا ؟ قاؿ ‪ :‬إحداىما تقوؿ‬
‫السنة في القياـ أف يضع المصلي يديو على صدره ‪ ،‬واالخرى تقوؿ السنة أف يطلق‬
‫اليدين ‪ ،‬وىذه المسألة فرعية ‪ ،‬سهلة ‪ ،‬ليست من اْلصوؿ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ال ‪ ،‬النبي يقوؿ ‪:‬‬
‫( من رغب عن سنتي فليس مني ) ‪ ،‬قاؿ ‪ :‬وىذا كفر ‪ ،‬تبرأ منو الرسوؿ ػ صلى اهلل عليو‬
‫وسلم ػ ‪ ،‬فبناءً على ىذا الفهم الفاسد كفرت إحداىما االخرى "‬

‫قاؿ الشيخ ‪ " :‬فالمهم أف بعض أىل الصالح في البالد التي ليست مما قوي فيها‬
‫ضا ‪ ،‬ولو أنهم اتفقوا ‪ ،‬وإذا اختلفوا اتسعت صدورىم‬
‫اإلسالـ ‪ ،‬يبدع ويفسق بعضهم بع ً‬
‫لما يسوغ فيو االختالؼ ‪ ،‬وكانوا ي ًدا واحدة لصلحت اْلمة ‪ ،‬ولكن إذا رأت اْلمة أف‬
‫صفحا‬
‫أىل الصالح واالستقامة بينهم ىذا الخالؼ في مسائل الفقو والدين ‪ ،‬فستضرب ً‬
‫وعما عندىم من خير وىدى ‪ ،‬بل يمكن أف يحدث ركوس ونكوس ‪ ،‬وىذا ما‬
‫عنهم ‪َّ ،‬‬
‫خير وىدى ‪،‬‬
‫حدث والعياذ باهلل ‪ ،‬فترى الشاب يدخل في االستقامة على أف الدين ُ‬
‫وانشراح صدر ‪ ،‬وقلب مطمئن ‪ ،‬ثم يرى ما يرى من المستقيمين من خالؼ ٍ‬
‫حاد‬
‫وشحناء وبغضاء فيترؾ االستقامة ْلنو ما وجد ما يطلبو‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫والحاصل أف الهجرة من بالد الكفر ليست كالهجرة من بالد الفسق ‪ ،‬فيقاؿ لإلنساف ‪:‬‬
‫مصلحا ‪ ،‬بل قد يقاؿ أف الهجرة في حقك حر ٌاـ" ‪،‬‬
‫ً‬ ‫اصبر واحتسب و ال سيما إف كنت‬
‫انتهى‪.‬‬

‫ومراد الشيخ العثيمين ‪-‬رحمو اهلل تعالى‪ -‬واضح ‪ ،‬أف أىل السنة يعملوف بالسنة ‪ ،‬وإذا‬
‫وقع خالؼ في مسألة يسوغ فيها االجتهاد ‪ ،‬ويكوف المجتهد فيها معذور ‪ ،‬ال ينبغي أف‬
‫يب ّدع بعضهم بعضا ‪ ،‬وال أف َّ‬
‫يتعدى أو يكفر بعضهم بعضا ‪ ،‬وىذا الكالـ الذي قالو‬
‫الشيخ العثيمين ‪-‬رحمو اهلل تعالى‪ -‬قرره شيخ اإلسالـ ابن تيمية في بعض رسائلو ‪،‬‬
‫وقاؿ ‪ :‬إف الذي يبدع الناس ويضللهم ‪ ،‬في مسائل االجتهاد ‪ ،‬ىذا من فعل أىل‬
‫االىواء والبدع الذين ذمهم اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬وفي ىذا القدر كفاية من شرح اْلربعين‬
‫النووية ‪ ،‬و‪-‬إف شاء اهلل في اللقاء القادـ‪ -‬ندخل فيما يتعلق بالحديث الثاني ‪ ،‬حديث‬
‫جبريل الطويل‪.‬‬

‫وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آلو وصحبو أجمعين‬

‫‪27‬‬

You might also like