You are on page 1of 226

‫تم التصحيح رجب‪1311/‬هـ=‬

‫(الكلمة أقوى من الرصاصة)‬


‫الجهاد السلمي الأكبر‬
‫(أبو بالل)د‪ .‬عبد هللا الحامد‬
‫أستاذ األدب السابق في جامعة اإلمام‪/‬بالرياض‬
‫نسخة مهذبة معدة لطبعة ثانية‬

‫‪1‬‬
2
‫آية صريحة‪:‬‬
‫"ولتـــــكن منـــكم أمــــة‬
‫يدعـــــون إلى الخـــــير‬
‫ويأمــرون بالمـــــــعروف‬
‫وينــــهون عن المنـــــكر‪،‬‬
‫وأولئــــك هم المفلــــحون"‬
‫وحديث صحيح صريح‪:‬‬
‫"خيــر الجهـــــــاد‬
‫كـلمـة عــــــــدل‬
‫عنـد سلطــان جــائـر"‬

‫شكر‬
‫أشكر رفاق سفينة الجهاد السلمي‪،‬للعبور من (الحكم العضوض) إلى (الحكم‬
‫الشوري)الذين انطلقوا في المملكة العربية السعودية‪ ،‬في أعقاب حرب الخليج الثانية‪ ،‬سنة‬
‫‪1111‬هـ(‪1991‬م)‪،‬وال سيما في (لجنة الدفاع عن حقوق اإلنسان الشرعية)‪ ،‬ومؤيديها الذين‬
‫زودوني بمالحظاتهم على هذا الكتيب‪ .‬وخاصة الذين همشوا ما لديهم من مالحظات‪ ،‬على‬
‫مسودته سنة ‪1111‬هـ ( ‪1993‬م )‪،‬على أن شكرهم ال يلزم منه تبعة أحد منهم عن أي شيء‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المقالة األولى‬
‫الفريضة الغائبة‪ :‬الجهاد السلمي‬
‫أ=أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر‪:‬‬
‫جاءت نصوص الشرعية قطعية الداللة والورود‪ ،‬لتؤكد أن النضال المدني جهاد (بالمعنى‬
‫الخاص)‪ ،‬بل تؤكـد أن الجهـاد السـلمي‪ ،‬جهـاد الكلمـة صـنو الجهـاد العسـكري‪ ،‬ونكتفـي مـن لـ‬
‫ببضعة أدلة‪:‬‬
‫أولها‪:‬قوله تعالى‪ :‬فال تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبي اًر‪(‬الفرقان‪ )25:‬أي جاهـدهم‬
‫بالقرآن‪ ،‬والنص صريح على أن الجهاد هنا جهاد كالم ال جهاد حسام‪،‬‬
‫ثانيها‪:‬قولـــه تعـــالى‪« :‬جاهـــدوا المشـــركين ب نفســـكم وأمـــوالكم وألســـنتكم» (رواه أبـــو داود‬
‫والنسائي)‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬قول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪« :‬ما من نبـي بعثـه هللا فـي أمـة قبلـي‪ ،‬إال كـان‬
‫مــن بعــدهم خلــو ‪،‬‬ ‫لــه حواريــون وأصــحاب‪ ،‬ي خــذون بســنته‪ ،‬ويتقيــدون ب ـ مره‪ ،‬ثــم إنهــا تخل ـ‬
‫يقولـون مــا ال يفعلــون ويفعلــون مـا ال يــؤمرون‪ ،‬فمــن جاهــدهم بيـده فهــو مــؤمن‪ ،‬ومــن جاهــدهم‬
‫بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بقلبه فهـو مـؤمن‪ ،‬ولـير وراء لـ مـن اإليمـان حبـة خـردل»‬
‫(رواه مسلم)‪.‬‬
‫رابعهــا‪ :‬قولــه تعــالىي يــا أيهــا النبــي جاهــد الكفــار والمنــافقين وا ل ـ عليهمي(التوبــة‪37:‬‬
‫والتحريم‪ ،)9‬وقد ثبت أن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬لم يقتل المنافقين ولم يقتلهم‪ ،‬فتبين أن‬
‫ل الجهاد جهاد مدني سلمي‪،‬بالمصابرة والمعاركة السلمية‪.‬‬
‫وفوق هذا و اك ل وقد نبه نبي الهدى في أحاديث عديدة‪ ،‬قطعيـة الداللـة والـورود إلـى‬
‫أن مرتبة هذا الجهاد العظيم‪ ،‬تعلو على الجهاد العسكري‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫النِب َّي صلى هللا عليه وسلم َوَق ْد َو َض َع ِر ْجَل ُ‬
‫ـه‬ ‫َل َّ‬ ‫َن َر ُجالً َس َ‬ ‫اب «أ َّ‬ ‫ط ِار ِق ْب ِن ِش َه ٍ‬ ‫األول‪َ :‬ع ْن َ‬
‫ان َج ِائ ٍر»(روه النسائي وأحمد)‪.‬‬ ‫ال‪َ :‬كلِ َم ُة َح ٍق ِعْن َد ُسْل َ‬ ‫ِفي اْل َغرِز‪ :‬أ ُّ ِ ِ‬
‫ط ٍ‬ ‫َي اْلج َهاد أَ ْف َض ُل؟ َق َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا صـلى هللا عليـه وآلـه وسـلم َر ُجـل ِعْن َـد اْل َج ْم َـرِة‬ ‫ـول َّ ِ‬ ‫ض لَِرس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ال‪َ « :‬ع َـر َ‬ ‫ام َة َق َ‬ ‫ُم َ‬‫و َع ْن أَبي أ َ‬
‫الث ِانَيـ َة َسـ ََل ُه‪،‬‬ ‫ـه‪َ ،‬فَل َّمـا أرَى اْل َجمـرَة َّ‬ ‫َّللا‪ ،‬أ ُّ ِ ِ‬ ‫األُوَلـى َفَقـال‪ :‬يـا رسـول َّ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ـل؟ َف َس َـك َت َعْن ُ‬ ‫َي اْلج َهـاد أَ ْف َض ُ‬ ‫َ َ َُ َ‬
‫ال‪ :‬أََنـا َيـا‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫؟‬ ‫ل‬ ‫الس ِ‬
‫ائ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫َي‬‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫َفس َك َت عْنه‪َ ،‬فَل َّما رمى جمرَة اْلع َقب ِة و َضع ِرجَله ِفي اْل َغرِز لِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ان َج ِائ ٍر» (رواه ابن ماجه)‪.‬‬ ‫ط ٍ‬ ‫ال‪َ :‬كلِ َم ُة َح ٍق ِعْن َد ِ ي ُسْل َ‬ ‫َّللا‪َ ،‬ق َ‬
‫رسول َّ ِ‬
‫َُ َ‬
‫طبَنـا رسـول َّ ِ‬ ‫َع ْن أَِبي َس ِعي ٍد اْل ُخ ْدرِ‬
‫َّللا صـلى هللا عليـه وسـلم ُخ ْطَبـ ًة َب ْع َـد اْل َع ْص ِـر‬ ‫ـال‪ :‬ي َخ ََ َ ُ ُ‬ ‫ِي َق َ‬
‫الدْنَيا َخ ِض َـرة ُحْل َـوة‪َ ،‬ون َّ‬ ‫َما َب ْع ُد‪َ ،‬فِإ َّن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْم ِ‬‫ان َّ‬ ‫ِإَلى م َغْي ِرَب ِ‬
‫ِن‬ ‫ال‪ :‬أ َّ‬ ‫هللا َوأَ ْثَنى َعَلْيه ُث َّم َق َ‬ ‫ر‪َ ...‬ف َحم َد َ‬ ‫ُ‬
‫َن َي َت َكَّل َم ِباْل َح ِق ِإ َ ا‬ ‫الن ِ‬ ‫ف َت ْع َمُلو َن‪ ...‬أَالَ الَ َي ْمَن َع َّن َر ُجالً َم َه َاب ُة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس أ ْ‬ ‫يها َفَناظر َكْي َ‬ ‫هللا ُم ْس َت ْخل ُف ُك ْم ف َ‬ ‫َ‬
‫ان َج ِائري (رواه أحمد)‬ ‫ط ٍ‬ ‫َعلِ َم ُه‪ ،‬أَالَ ِإ َّن أَ ْف َض َل اْل ِج َه ِاد َكلِ َم ُة َح ٍق ِعْن َد ُسْل َ‬
‫هللا صـلى هللا عليـه وآلـه وسـلم‪ :‬يأَ ْف َضـل اْل ِجه ِ‬ ‫ِي َقال‪َ :‬قـال رسـول ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـاد‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫و َع ْن أَبي َسعي ٍد اْل ُخ ْدرِ َ‬
‫ير َج ِائ ٍري (رواه أبو داود‪ ،‬وابن ماجه)‬ ‫ان ج ِائ ٍر أَو أ ِ‬
‫َم ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ط ٍ َ‬ ‫َكلِ َم ُة َع ْد ٍل ِعْن َد ُسْل َ‬
‫ظمِ اْل ِج َه ِاد‬ ‫َع َ‬ ‫إن م ْن أ ْ‬
‫النِبي( صلى هللا عليه وآله وسلم) َقال‪ِ :‬ي َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َن َّ َّ‬ ‫ِي أ َّ‬ ‫َع ْن أَِبي َس ِعي ٍد اْل ُخ ْدرِ‬
‫ِ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــائرٍي‬
‫ان َجـ‬ ‫ط ٍ‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ٍل ِعْنـ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ُســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــْل َ‬ ‫ْ‬ ‫َكلِ َمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ َة َعـ‬
‫َ‬
‫(رواه الترمذي وحسنه)‪.‬‬
‫وصحح األلباني هذا الحديث بطرقه‪.‬‬
‫فجعل الرسول الكلمة من الجهاد في الذروة‪ ،‬والكلمة هي نوع من أنواع العمل المدني‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وأكد الرسول فضل جهاد الكالم أيضاً فعن جابر رضـي هللا عنـه عـن النبـي صـلى‬
‫هللا عليه وسلم قـال‪ :‬يسـيد الشـهداء حمـزة بـن عبـد المطلـب‪ ،‬ورجـل قـام إلـى إمـام جـائر فـ مره‬
‫)‪.‬‬ ‫ونهاه فقتلهي ( رواه الحاكم وصححه‪ ،‬وصححه األلباني ايضاً‬

‫‪5‬‬
‫هللا عليــه وســلم‪ :‬يســيد‬ ‫وعــن ابــن عبــاس رضــي هللا عنــه قــال‪ :‬قــال رســول هللا (صــلى‬
‫قــام إلـــى إمــام جـــائر فنهــاه وأمـــره‬ ‫الشــهداء يــوم القيامـــة حمــزة بـــن عبــد المطلـــب‪ ،‬ورجــل‬
‫فقتلهي(أخرجه الطبراني في األوسط)‪.‬‬

‫ب=الفرق بين األمر بالمعروف والجهاد السلمي‪:‬‬


‫هذا الجهاد يتفق مع األمر بالمعرو والنهي عن المنكر‪ ،‬في أن كالً منهما أمر بمعـرو‬
‫ونهى عن منكر‪ ،‬ولكن الجهاد يختص ببروز عنصر المخاطرة والمغامرة‪ ،‬التي قد تبـرز فـي بـاب‬
‫والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬وقــد ال تظهــر‪ ،‬ونن كــان كالهمــا أيضـاً (احتســاب) مــدني‪،‬‬ ‫األمــر بــالمعرو‬
‫ولكن ال تطلق كلمة جهاد إال إ ا كان سياسيا‪.‬‬
‫ج=عناصر االتفاق بين الجهاد السلمي والعسكري‪:‬‬
‫الجهاد الشرعي (بالمعنى الخاص) له ثالثة شروط‪:‬‬
‫األول‪ :‬ازديـــاد عنصـــر المشـــقة واأل ى‪ ،‬حتـــى يصـــبح مخـــاطرة أو مغـــامرة‪ ،‬تعـ ِــرض حيـــاة‬
‫اإلنسان للهالك‪ ،‬أو ما له للمصـادرة‪ ،‬أو أمنـه للخـو ‪ .‬ويتفـق جهـاد الكلمـة وجهـاد الرصاصـة‪،‬‬
‫في أن كالً منهما يعرض صاحبه لهالك النفر‪ ،‬و هاب المال واألوالد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون ل في سبيل المصلحة العامة للمسلمين‪.‬‬
‫الثالث‪:‬أن يكون في إطار التجمع والتكتل‪.‬‬
‫فيــه المجاهـد إلـى الحسـنيين‪ :‬أو إحــداهما‪:‬عزة الملـة واألمـة والســيادة‪،‬‬ ‫فكـل منهمـا يهـد‬
‫ويرجو فيه صاحبه الشهادة‪(،‬انظر أبو بكر الجزائري‪:‬في المنهاج‪:‬باب الجهاد)‬
‫إ ا حاولنا أن نخرج من إطار ثقافتنـا الشـائعة‪ ،‬التـي وسـعت المفـافيم‪ ،‬ف ضـاعت داللتهـا‬
‫المحددة‪ ،‬فلقارب (مصباح)النص القرآني والنبوي‪ ،‬فلعل األجـدى أن نفهمـه مـن خـالل (زجاجـة)‬
‫التطبيــــق النبــــوي والراشــــدي)‪ ،‬ألنهــــا التطبيــــق المعيــــاري للــــدين‪ ،،‬أي قبــــل عهــــود االخــــتالل‬
‫الديني‪،‬وأيضا من خالل (مشكاة)حقائق علـم السياسـة والحضـارة والعمـران فـي األمـم‪ .‬ألن هـذين‬

‫‪6‬‬
‫شــرطان ضــروريان للــوعي الشــامل بمقاصــد الشــريعةت(ولمزيد مــن ت صــيل هــذين الشــرطين فــي‬
‫مـــنهج فقـــه الكتـــاب والســـنة انظـــر‪ :‬كتـــاب المصـــباح فـــي زجاجـــة ومشـــكاة‪:‬دار الناقـــد الثقـــافي‬
‫‪0371‬هــــ(‪5119‬م) فبـــذل يوشـــ أن نـــدرك أن الجهـــاد‪ ،‬مفهـــوم لـــه وظيفـــة معينـــة محصـــورة‬
‫محددة‪ ،‬ولكن وسائله متعددة‪ ،‬ير معينة وال محددة وال محصورة‪.‬‬
‫الجهاد له مفهوم ثابت مطلق كلي محوري‪ ،‬يتلخص في أنه إعـالن حالـة الطـوارل‪ ،‬لـدفاع‬
‫عدو متربص أو مهاجم‪.‬‬
‫وسنجد لمفهوم الجهاد‪ -‬عند تحليله ‪ -‬شروطا أهمها‪:‬‬
‫‪ -0‬أن يكون المجاهد صحيح المقصد‪ ،‬ال يريد بعمله ماالً وال جاها وال سلطانا اتيا‪ ،‬إنما‬
‫يريد وجه هللا والدار اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكون المجاهد مصيباً‪ ،‬أي أن تكون الحرب عادلة‪ ،‬فال يصح تقديم (البغـي) علـى‬
‫أنه استشهاد‪ ،‬وال قتل المدنيين والعزل وأهل الذمة‪ ،‬ونحو هذه (الجرائم)‪ ،‬على أنها جهاد‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون دفاعيا‪ ،‬ضد عدو قد أحدق بالحمى‪ ،‬فهـو دفـاع عـدو محتـل أو مهـاجم‪ ،‬أو‬
‫متربص ينتظر الفرص السانحة‪.‬‬
‫فيهــا المســلم إلــي‬ ‫إلــى مصــلحة الجماعــة‪ ،‬فلــير منازلــة يهــد‬ ‫‪ -3‬ومعنــى أنــه يهــد‬
‫رض فـردي خـاص‪ ،‬لكـي يخـتص نفسـه بـ جر الجهـاد أو االستشـهاد‪ ،‬بـل فضـله وأجـره‪ ،‬مربـوط‬
‫بمصــلحة األمــة‪ ،‬وهــذا يعنــي أنــه مــرتبط يحســن التفكيــر والتــدبير معــا‪ ،‬أي بعقالنيــة األداء‪ ،‬فهــو‬
‫مرتبط ‪-‬إ ن‪-‬بالنجاح المادي والمعنوي‪.‬‬
‫د=الفرق بين الجهاد العسكري والسياسي السلمي‪:‬‬
‫ويتميز الجهاد السياسي السلمي عن الجهاد العسكري ب مرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الجهاد السياسـي جهـاد سـلمي‪ ،‬أداتـه القلـم واللسـان‪ ،‬والتكتـل االجتمـاعي عبـر‬
‫المظاهرة واإلضـراب واالعتصـام‪ ،‬ال ينفجـر فيـه مسـدس وال رشـاي‪ ،‬وال يرفـع أصـحابه سـوطاً وال‬
‫عصا‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫إلـى الحفـاع علـى سـالمة‬ ‫الثاني‪ :‬أنـه فـي الغالـب جهـاد داخلـي‪ ،‬فالجهـاد الخـارجي يهـد‬
‫كيان الدولة وثغورها من العدوان‪ ،‬ونصرة المضطهدين والمقموعين والمظلـومين‪ ،‬فـي كـل مكـان‪،‬‬
‫ومساعدتهم على الخالص من براثن الطغيان‪.‬‬
‫إلــى مقاومــة انهيــار األمــة الــداخلي وانحرافهــا‪ ،‬ألن يبــة روح‬ ‫فالجهــاد الــداخلي يهــد‬
‫الشـــورى تـــؤدي إلـــى االســـتبداد‪ ،‬واالســـتبداد يـــؤدي إلـــى االســـتعباد واالضـــطهاد‪ ،‬فيقتـــل الحريـــة‬
‫والحيويــــة فــــي األمــــة‪ ،‬فتنشــــل اإلرادة وتفســــد اإلدارة واالقتصــــاد‪ ،‬فيحــــد الخــــراب واالنهيــــار‪.‬‬
‫الثالث‪:‬األصل في الحيـاة اإلنسـانية هـي السـالم‪ ،‬واألصـل فـي عالقـات المسـلمين الدوليـة بغيـرهم‬
‫هي المسالمةت كما قـال السـيد سـابق(فقه السنة‪:‬فصـل متـى تشـرع الحرب)يالقاعـدة في اإلسـالم‬
‫هي السالم‪ ،‬واالسـتثناء هـو الحـربي‪ ،‬أمـا فـي الجهـاد السـلميت فهـو القاعـدة‪ ،‬فـال يمكـن ضـمان‬
‫تقييد نزعات االستبداد دون جهـاد‪ ،‬مـن أجـل لـ فـإن الجهـاد السـلمي دائـم مسـتمر‪ ،‬والعسـكري‬
‫عابر مؤقت‪.‬‬
‫الرابع‪:‬الجهــاد العســكري فــرض كفايــة‪ ،‬إ ا قــام بــه مــن يكفــي ســقط االثــم عــن البــاقين‪ ،‬أمــا‬
‫الجهاد السلمي‪ ،‬فهو فرض عين‪ ،‬ألن استمرار المواطنين في تقليم أظـافر الطغيـان كلمـا طالـت‪،‬‬
‫هـــو صـــمام األمـــان‪ ،‬فاشـــتراك النـــاس فـــي المظـــاهرات واالعتصـــامات والبيانـــات وفـــي التصـــويت‬
‫والترشح والترشيح فـي االنتخابـاتت هـو ضـمان حقـوقهم‪ ،‬فتبـين بـذل أن الجهـاد السـلمي فـرض‬
‫علــى األف ـراد حتــى يــزول االســتبداد‪ ،‬كمــا قــال القرضــاوي‪:‬يالمظاهرات إ ا اســتهدفت إيقــاع األمــةت‬
‫فهي خير جهادي‪.‬‬
‫الخامر‪ :‬في الجهاد العسكري ال يجوز أن يتمنى المـرء أن يالقـي العـدو‪ ،‬فقـد قـال رسـول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬ال تتمنوا لقاء العـدو‪ ،‬فـإ ا لقيتمـوهم فاصـبرواي (رواه البخـاري ومسـلم)‪،‬‬
‫ولعل علة ل كف العداة عدوانهم‪(،‬كما أشار النووي فـي شـرح مسـلم)‪ ،‬فقـد كفـى هللا المـؤمنين‬
‫القتال‪ ،‬ألن األصل في العالقات بين المسلمين و يرهم هي المسـالمة‪،‬أما فـي الجهـاد السياسـي‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫فينبغــي لسنســان أن يعــرض نفســه ل ـ ى‪ ،‬مــادام يطيــق ل ـ ‪ ،‬ألن األصــل فــي نشــاط المجتمــع‬
‫المدني أنه لجام الفوضى واطر الحاكم‪.‬‬
‫أما في الجهاد المدني فثمة قاعدة‪ :‬باسـم هللا رب الغـالم‪ ،‬وكمـا قـال ميمـون بـن مهـران ي‬
‫إني أكره البالء إ ا أقبل‪ ،‬فإ ا أدبر لم يسررني أنه لم يكني( ترجمته‪ /‬في النبالء للذهبي)‬
‫من أجل ل قال اإلمام الغزالي ييجوز للمحتسب بل يستحب له أن يعـرض نفسـه للضـرب‬
‫والقتل إ ا كان لحسبته ت ثير في رفع المنكر‪ ،‬أو كسر جاه الفاسق ‪ ،‬أو تقوية قلـوب أهـل الـدين‬
‫ي‪.‬‬
‫ومـــا ربطـــه الغزالـــي بـــين التـــ ثير واأل ى مســـ لة ضـــرورية ‪ ،‬أي أن اإلنســـان ال ينبغـــي أن‬
‫يعــرض نفســه ل ـ ى‪ ،‬إال إ ا كــان المنكــر كبيـ اًر يســتحق التضــحية‪ ،‬ب ـ ن يكــون لسنكــار أثــر بــين‬
‫حاضـر ومسـتقبل‪ .‬وأحــرى مـا يكــون لـ فــي الجهـاد السياســي‪ ،‬ولـذل يســتحق الجهـاد الســلمي‬
‫ب نــه المـــدني األكبــر‪ ،‬كمـــا بـــين البحــث فـــي مقالــة أخرىيالجهـــاد المـــدني‬ ‫السياســي أن يوصـــ‬
‫األكبر‪:‬جهاد االستبدادي‪.‬‬
‫الســادس‪ :‬أن الجهــاد العســكري ال يجــب علــى الم ـرأة وكبيــر الســن‪ ،‬ونن كــان جــائ از لهمــا‪،‬‬
‫ولكــن الجهــاد السياســي واجــب علــى الجميــع فاشــتراك الم ـرأة فيــه لــن يعرضــها للفتنــة‪ ،‬واشــتراك‬
‫المســــن لــــن يعجــــزه‪ ،‬ولقــــد رأيــــت عنــــد محاكمتنــــا( دعــــاة دعــــاة الدســــتور اإلســــالمي‪:‬البيعة‬
‫الشرعية‪:‬قوامة األمة الثالثة) من العجزة طوى أكثر من خمر مئة كيل‪ ،‬أحدهم كان يجـر رجليـه‬
‫على عربة‪ ،‬وكان لحضور النساء والصبايا في قاعة المحكمـة أثـر عجيـب‪ ،‬جعـل القضـاء يفـيء‬
‫إلى محاكمة شبه سرية‪ ،‬كي الينفضح‪.‬‬

‫جهــــــــــــاد الحســــــــــــا ؟‬ ‫جهــــــــــــاد الكلــــــــــــ‬ ‫‪=5‬لمــــــــــــاذا فــــــــــــا‬


‫أول ‪ :‬لأن الأعمال بالنتائج‬

‫‪9‬‬
‫ياشـــباب اإلســـالم يـــا طـــالب األجـــر األكبر‪:‬لمـــا ا فـــاق فارســـا مقـــداما‪ ،‬مـــدربا علـــى فنـــون‬
‫الحرب‪،‬إنسان عادي جـداً‪ ،‬وقـد يكـون رجـال ضـعيفا وقـد يكـون امـرأة عاديـة‪ ،‬وقـد يكـون ضـعيف‬
‫الجســم والحــول‪ ،‬وقــد يكــون مهمشــا محتق ـ ار مستضــعفا‪ ،‬ولــير مــن الفقهــاء والعلمــاء وال مــن‬
‫الزهاد؟‪ ،‬ألنه لم يحتقر نفسه‪ ،‬بل صاح بالطاغية‪:‬اعدل أو اعتزل‪.‬‬

‫أ – الحفاظ على داخل الحصن أفضل من نشر اإلسالم في الخارج‪:‬‬


‫لم كانت كلمة الحق أمام السلطان الجـائر أعظـم الجهـاد‪ ،‬وصـار شـهيدها فـي مرتبـة سـيد‬
‫َ‬
‫المجاهدين(حمزة بن عبد المطلب)؟‬
‫مــن هــذه النصــوص‪ ،‬يتبــين لنــا حكــم شــرعي‪ ،‬ينبنــي علــى الجــزم واليقــين‪ ،‬ال علــى الظــن‬
‫الســلطان‪ ،‬ويعــدها جهــاداً مفروضـاً‪ ،‬حتــى إنــه‬ ‫والتخمــين‪ ،‬هــو أن الــدين يوجــب مقاومــة انح ـ ار‬
‫يجعلها في المرتبة األولى من الجهاد‪ ،‬وهذا ما تشير إليه عبارات الحديث عندما تصـفها بــ(خير‬
‫الجهاد) أو(أفضل الجهاد)‪.‬‬
‫فهو أولى وأحرى وأجدى وأقوى‪،‬ألننا نحتاج على الدوام إلـى الجهـاد المـدني األكبر‪:‬جهـاد‬
‫االســـتبداد حتـــى االستشـــهاد‪ ،‬ولكننـــا ال نحتـــاج إلـــى الجهـــاد العســـكريت إال فـــي حـــاالت محـــددة‬
‫مستثناة‪ ،‬هذا هو واقع التاريخ عموما واإلسالمي خصوصا‪.‬‬
‫ومن الطبيعي إ ن أن يكون الجهاد المدني األكبرت صنواً للجهاد العسـكري‪ ،‬فهمـا فرسـان‬
‫يتباريان‪ ،‬ويتعادالن في الميزان‪.‬‬
‫فالشــهيد تحــت ظــالل الكلمــة وســائر الوســائل الســلمية‪ ،‬كالبيــان والمظــاهرة واالعتصــام‪،‬‬
‫واإلضراب عن العمل والطعام ‪ ،‬كالشهيد تحت ظالل السيو ‪ ،‬حقيقة ال مجاز فيها‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫مـع الفسـاد‪ ،‬فغفـل‪-‬ر ـم‬ ‫وال يشك في هذه الحقيقة إال فقيه طوعه االستبداد‪ ،‬حتـى تـفل‬
‫صــالح نيتــه وعملــه الفــردي والروحــي‪ -‬عــن مقاصــد الشريعة‪،‬ونصوصــها المحكمــة الصــريحة‪،‬‬
‫وأ فل منهج فقه الكتـاب والسـنة‪ ،‬و فـل عـن مبـادل العقيـدة‪ ،‬ونسـي قواعـد السياسـة الشـرعية‪،‬‬
‫ومن فل عن هذه األربع‪-‬مهما كان علمه وقدره‪ -‬أصابه رين وغبش‪ ،‬فال يستطيع أن يرى من‬
‫حقائق الشريعة عالجا للتردي السياسي‪ ،‬والتحـدي اإلمبريـالي اإلفرنجي‪،‬فضـال عـن فقيـه مخـادع‬
‫منحه الحكام الرتب واأللقاب‪ ،‬و روا به العوام‪ ،‬ومكنوه من اإلعالم‪.‬‬
‫لما ا؟ ألن الحفاع على مركز المدينة مقدم على بنـاء اسوارها‪.‬ففسـاد الـوالة‪ ،‬هـو الـذي يـدمر‬
‫مناعة األمة‪ ،‬ويشجع الغزاة‪ .‬ألن األسوار ال تبنى قبل بناء المدائن‪.‬‬
‫ب= أن المجاهد الواحد قد يرد شرا كبيرا عن األمة‪:‬‬
‫وألن الكلمة الصغيرة قد ترد عن األمة ش ار كبيرا‪ ،‬ر م أنها جهد فرد واحد‪.‬‬
‫قــال (المظفر)أحــد الفقهاءيوننمــا كــان أفضــل ألن ظلــم الســلطان يســري فــي جميــع مــن تحــت‬
‫قتـل‬ ‫سياسته وهو جم فير‪ ،‬فإ ا نهـاه عـن الظلـمت فقـد أوصـل النفـع إلـى خلـق كثيـر بخـال‬
‫محاربي‬
‫وقال آخر‪:‬إنما صارت لكلمة الحق عنـد السـلطان الجـائر هـذه المنزلـة ‪ ،‬ألن هـذه الكلمـة‬
‫قــد تجنــب األمــة كثي ـ ار مــن المشــكالت والقالقــل‪ ،‬وربمــا أ نــت عــن معركــة حاميــة ‪ ،‬ال بــد منهــا‬
‫إلحقاق حق ‪ ،‬أو لالبتعاد عن كارثة‪.‬‬
‫بذل نعر لما ا يتساوى المجاهد بالكلمات وسائر الوسائل السلمية‪ ،‬منزلة حمزة بن عبد‬
‫المطلب؟ ويصبحان جارين فـي الفـردوس األعلـى؟ إنـه فـي منزلـة صـحابي مهـاجر مـن السـابقين‬
‫إلى اإلسالم‪ ،‬الذائدين عن الدين يوم بدر العظيم‪ ،‬المستشهدين يوم أُحد الشهير‪.‬‬
‫فـ ي منزلــة يريــد الطــالبون أفضـل مــن منزلــة حمــزة؟ وأي فضـيلة يســعون إليهــا أعلــى مــن‬
‫فضل حمزة؟ أن يكون إنسان عادي جداً‪ ،‬في رتبة حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وقد يكون رجل عـادي‬
‫لم يتدرب على فنون الحـرب‪ ،‬وقـد يكـون امـرأة عاديـة‪ ،‬وقـد يكـون ضـعيف الجسـم والحـول‪ ،‬وقـد‬
‫‪11‬‬
‫يكــون مهمشــا محتق ـ ار مستضــعفا‪ ،‬ولــير مــن كبــار الفقهــاء والعلمــاء وال كبــار الر ســاء وال مــن‬
‫الفرســـان قـــواد الجيـــوي وال مـــن الزهـــاد المتبتلـــين‪ ،‬وال مـــن حملـــة الشـــهادات العليـــا واألوســـمة‬
‫أو طالب علم أو عامي عادي‪ ،‬ولكنه من الصابرين على بالء‬ ‫والنياشين واأللقاب‪،‬بل هو مثق‬
‫االستبداد‪ ،‬الذين يوفون أجرهم بغير حساب‪!!.‬‬
‫ج=ترسيخ مبدأ الصراع السلمي‪:‬‬
‫وهـذه األوســمة التـي كللــت جبـين المجاهــد السياسـي المــدني‪ ،‬تشـير إلــى أن الحفـاع علــى‬
‫بنية الدولة الداخلي‪ ،‬يعادل الحفاع على سورها الخارجي‪ ،‬وب ن الحفاع علـى قـوة الدولـة‪ ،‬يعـادل‬
‫دفاع العدوان بالجهاد العسكري‪ ،‬بل تقول‪ :‬إن نشر العدالة في ربـوع بلـدان االسـتبداد‪ ،‬أولـى مـن‬
‫بنشر اإلسالم بين ير المسلمين‪.‬‬
‫هذا الحديث يؤكد أهمية بناء الثقافة السياسية المدنية‪ ،‬التي تدل الناس على أن الجهـاد‬
‫السلمي صنو الجهاد العسكري‪ ،‬ألن األمة تحتاج إلى الجهاد السلمي طوال الحيـاة‪ ،‬أمـا الحربـي‬
‫فمخصوص بدفع عدوان زاة فهو في أوقات مستثناة‪.‬‬
‫ومــن أجــل لـ نجــح الصــحابة فــى العهــد الراشــدي‪ ،‬ألنهــم وازنـوا بــين الجهــادين الــداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬فاستمر المجتمع قوياً‪ ،‬والخالفة راشدة قائمة‪ ،‬فوصل المسلمون إلى مشـارق األرض‬
‫ومغاربهـا‪ ،‬فــي فـارس والســند والهنـد‪ ،‬وفــي أفريقيـة واألنــدلر‪ .‬ثـم اختــل التـوازن‪ ،‬فظهــر الجهــاد‬
‫الخــارجي الحربي‪،‬وضــمر الجهــاد السياســي الســلمي الــداخلي وتضــاءل ‪ ،‬فســقط الحكــم الشــوري‬
‫العادل‪ ،‬وبدأ البنيان ينهار من الداخل‪.‬‬
‫د=ألن اإلسالم لم ينتشر إال بالحكم الشوري‪:‬‬
‫أول عرى الدين هي الحكم الشوري‪ ،‬فلما انتقض ضاعت األمة وضعفت الدولة‪ ،‬وانتقضت‬
‫الصالة‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيحيلتنقضن عرى اإلسالم عروة عروة‪ ،‬ف ولهن نقضا الحكم‪.‬‬
‫ولــم يــر كثيــر مــن النــاس بدايــة االنهيــار‪ ،‬ألن العربــة ظلــت منطلقــة‪ ،‬بســبب قــوة الــدفع‬
‫األولى التي أشعلها الجيل األول في العهد الراشدي‪-،‬كما بين المفكـر الحجـازي عبـد الحميـد أبـو‬
‫‪12‬‬
‫ســليمان‪ -‬لقــد ظلــت آالت المحــرك تــدور‪ ،‬عبــر القــرون المفضــلة‪ ،‬ولــم يــدرك المســلمون أن قــوة‬
‫الدفع توقفت منذ قـرون‪ ،‬وأن الحكـم الجبـري الجـائر ونن حقـق انتصـارات فـى الفتـوح‪ ،‬إنمـا يعمـل‬
‫ب ثر قوة دفع العربة وشحنها‪ .‬وليست الفتوح من إنتاجه‪ .‬إنما هي ثمـرات أشـجار الزيتـون‪ ،‬التـي‬
‫رسها الصحابة السابقون‪ ،‬لم يدرك عديد مـن النـاس أن أصـل دائهـم وسـبب محـنهم‪ ،‬إنمـا هـو‬
‫الحكم العضوض‪ .‬وأنه لن يستطيع دفع العربة من جديد‪ ،‬فترك النـاس الملـ العضـوض يعضـهم‬
‫ب نيابه‪ ،‬ويبطش بهم ب ظفاره‪ ،‬ما دام –يعلن‪-‬أنه يجاهد فى الخارج‪.‬‬
‫دون أن يتساءل كثير من فقهـاء الصـالحين فـي ظـالل االسـتبداد‪ :‬هـل كـان ـزوه جهـادا‬
‫حقيقيــا‪ ،‬أم ــزوات نهــب وقمــع‪ ،‬تريــد أن تســتعبد اآلخــرين باســم اإلســالم‪،‬كما تســاءل الحســن‬
‫البصري عن الحجاج الذي فتحت في عهده بالد السند‪ :‬عندما قال إن الناس كـانوا يـدخلون فـي‬
‫عهد النبوة والخلفاء الراشدين في دين هللا أفواجا‪ ،‬وفي عهد الحجاج صاروا يخرجون من الدين‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫هل نصدق إن هللا سيهدى الناس إلى اإلسالم بجناة قساة طغاة؟‬
‫زوات المستبدين زوات وحروب طائفية وجاهلية‪ ،‬تفضي إلـى اسـتعباد األمـم والطوائـ‬
‫ونهبها وقمعها باسم اإلسالم‪ ،‬كما استعبدوا العرب‪ ،‬حتى قتلوا فيهم الحرية والشـهامة والكرامـة‪،‬‬
‫واستبدوا بالدولة واإلدارة‪ ،‬وسلبوا األموال وألهبوا الظهور بالسياط‪.‬‬
‫ثم تهـاوى الحصـن وسـقط مـن الـداخل‪ ،‬كـ ي إنسـان يعـب مـن الخمـر حتـى يتـرنح ال يـدري‬
‫بنفسـه‪ ،‬عنــد لـ أصــبحت األمـة لقمــة مطبوخــة ناضــجة‪ ،‬جـاهزة للســقوط فــي أول يــد تتناولهــا‪،‬‬
‫وأول فــم يكشــر أنيابــه‪ ،‬وعنــدما جــاء العــدوان الخــارجي‪ ،‬لــم يجــد مقاومــة وال منازلــة‪ ،‬ألن أســر‬
‫بنيان الدولة قـد انهـارت منـذ القـرن الهجـري الرابـع‪ ،‬ومـن أجـل لـ سـقط المسـلمون بـين بـراثن‬
‫الصــليبي‪ ،‬وهــا هــم يتســاقطون كــالتين فــي أف ـواه حيتــان المحــيط‬ ‫التتــار‪ ،‬وســقطوا أمــام الزح ـ‬
‫األطلسي‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مـن أجــل لـ يمكــن أن نقـول بكــل اطمئنـان‪ :‬إن الجهــاد السياسـي الســلمي الـداخلي تهــو‬
‫الجهـــاد المـــدني األكبـــر‪ ،‬وننـــه فريضـــة شـــرعية عظمـــى‪ ،‬عرفهـــا الســـابقون فنجحـــوا‪ ،‬ونســـيها‬
‫المت خرون ف خفقوا‪ ،‬فهل يصلح آخر هذه األمة‪ ،‬إال بما صلح به أولها؟‬
‫‪= 7‬لماذا فا مجاهد الكلمة مرتبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟‬
‫أ= ما ذا تقتضي األولويات؟‪:‬‬
‫كان لسلفنا الصالح ‪-‬رحمنا هللا ونياهم‪ -‬طوال العصور‪ ،‬صـفحات مشـرقة مـن االحتسـاب‪،‬‬
‫كانوا مهتمين باألمر بالمعروفات والنهي عن المنكرات‪ ،‬فقد كان سفيان الثوري آمـ اًر بـالمعرو‬
‫وينكر على الملوك‪ ،‬ون ا لم يستطع أن ينكر المنكرات بال دماً من فرط توتره‪.‬‬
‫وكان يزيد بن هـارون واألوزاعـي مـن اآلمـرين بالمعروفـات والنـاهين عـن المنكـرات‪ .‬كـذل‬
‫كان أبو نعيم الفضل بـن دكـين‪ ،‬ومئـات يـرهم مـن مـن تحـد عـنهم المؤرخـون كالـذهبي –فـي‬
‫كتــاب النـــبالء‪ ،‬ولكـــنهم كــانوا مـــن أســـباب رســو االســـتبداد‪-‬وهـــم ال يشــعرون‪ ،-‬عنـــدما أخلـــوا‬
‫ب ولويات مقاصد الشريعة‪ ،‬بتركيز طاقاتهم على إنكار الفواحش الصغرى دون الكبرى‪.‬‬
‫وكـان القضـاة ينكـرون المظــالم الصـغرى‪ ،‬وي خـذون ل فـراد حقــوقهم مـن بعـض‪ ،‬فـإ ا كــان‬
‫الظــالم هــو الحــاكم‪ ،‬فــال مجيــر للضــعفاء وال قضــاء‪ ،‬وكــان شــيخ االســالم أبــو اســماعيل عبــدهللا‬
‫الهروي ي يدخل على األمراء الجبابرة‪ ،‬فما يبالي بهمي(ترجمته‪/‬النبالء)‪.‬‬
‫مـن السـيف‪ ،‬ويـدخل‬ ‫وكان عبدالغني المقدسـي يكسـر الطنبـور ويريـق الخمـور‪ ،‬وال يخـا‬
‫على الحاكم ير فياب وال وجل وك نه أسد(انظر سـير أعـالم النـبالء) ‪ ،‬وكـذل أحمـد بـن محمـد‬
‫النوري الزاهد‪ ،‬الذي كسر أواني خمور الخليفة المعتضـد‪ ،‬وعنـدما اقتـادوه إليـه‪ ،‬سـ له المعتضـد‪:‬‬
‫من أنت؟ قال‪ :‬محتسب قال مـن والك الحسـبة؟ قال‪:‬الـذي والك اإلمامـة‪ ،‬فـ طرق المعتضـد وقـال‬
‫ماحمل على مافعلت؟‪ .‬قال شفقة علي (ترجمة النوري‪ /‬النبالء)‪.‬‬
‫ب=لكي ال تتبدد الطاقات في الثانويات‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫أجل كـان المحتسـبون علـى العمـوم‪ ،‬والفقهـاء علـى الخصـوص يعرضـون أنفسـهم لـ ى‪،‬‬
‫ومواجهــة الســلطة‪ ،‬ويقــدمون تضــحيات ضــخمة‪ ،‬ولكــن هــذه الطاقــات ركــزت علــى إنكــار منكـرات‬
‫األفراد‪ ،‬كشرب الخمور‪ ،‬فكانوا يكسرون أواني الخمور وآالت اللهو ومراتع الفجور‪ ،‬ولكن (سكر‬
‫السلطة)وهو أشد فتكا باألمة‪ ،‬ال يكاد يجد من يكفه‪.‬‬
‫وكــانوا يحــافظون علــى أع ـراض أف ـراد األمــة‪،‬ويكفون العــدوان عليهــا‪ ،‬وال ســيما ا تصــاب‬
‫النســاء‪ (،‬ولكــن ا تصــاب األمــة وعرضــها ظــل مســتباحا)‪ ،‬وكــان للمحتســبين وال ســيما الفقهــاء‬
‫شجاعة في انكار المنكرات‪ ،‬كالزاهد اليونيني الذي وصفه الذهبي بـ( أسـد الشـام)‪،‬و كانـت عصـا‬
‫تسمى ( العافية) يضرب بها الذين ينـامون عـن ايـام الليـل‪ ،‬ولمـا طلـب منـه الملـ ‪-‬الـذي سـمى‬
‫نفسه‪ -‬العادل أن يدعو له قال لهي كيف أدعو ل والخمور دائرة فـي دمشـقي‪ .‬ومـنهم منـذر بـن‬
‫سعيد البلوطي األ ندلســي وعبيد هللا بن بطــة‪ .‬ومحمد بن جرير الطبري‪.‬‬
‫لــم تكــن التضــحيات قليلــة‪ ،‬ولكنهــا لــم تكــن تـراع األولويــات‪ ،‬قــد يمــتحن العلمــاء فــي أمــور‬
‫مذهبيــة ظنيــة أو ثانويــة يرهــا أولــى منهــا أو أهــم ‪ ،‬أو يســتدرجون لمعــارك يــر ات أولويــة‪،‬‬
‫فتتبدد طاقاتهم في أمور ثانوية‪ .‬بل وقد تستثمر طاقاتهم لتبديد طاقات األمة‪ ،‬وهـم ال يشـعرون‪.‬‬
‫وقــد تكــون أعمــالهم صــوابا‪-‬إ ا نظــر إليهــا معزولــة عــن ســياقها‪ ،-‬ولكــن األمــراء المســتبدين‬
‫يستثمرونها لنشر مفاسد أو منكرات تور ما هو أفظع وأشنع‪.‬‬
‫لقد خاض عديد من الفقهـاء معـارك كبـرى‪ ،‬وواجهـوا بهـا الفسـاد‪ ،‬ك حمـد بـن حنبـل‪ ،‬وابـن‬
‫الجوزي‪،‬والحاف عبدالغني وأبي بكر بن الخطيب البغدادي والحبال وأبي الحسن أحمد بن يوس‬
‫السلمي الملقب بحمدان ‪ ،‬ومنذر بن سعيد البلوطي ‪ ،‬وسحنون وابن عقيل وصدقة بـن الحسـين‬
‫وابن الجـوزي‪ .‬ونحـوهم وهـم مشـكورون فـي مـا فعلـوا‪ ،‬ومعـذورون فـي مـا تركـوا‪ ،‬أمـا اليـوم فـإن‬
‫التردي السياسي هو أساس كل فساد‪ ،‬وأساس كل إخفاق أمام التحدي الحضاري‪ ،‬و لـ يـدعونا‬
‫اليوم إلى التركيز على الجهاد المدني األكبر‪ :‬جهاد االستبداد‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ج=األمر بالمعروف االجتماعي (احتساب)عادي‬
‫واألمر بالمعروف السياسي جهاد جهاد أكبر‬
‫كلمة الخير والحق والعدل وسائر الوسائل السلمية‪ ،‬لها حالتان‪:‬‬
‫الحالــة الــدنيا‪ :‬درجــة االحتســاب‪ :‬وأن تكــون بــين يــدي ســلطان عــادل‪ ،‬يســتمع إلــى كلمــة‬
‫النصــح والـرأي‪ ،‬ويعــدها جــزءاً مــن البيعــة الشــرعية‪ ،‬ويــدرك أن البيعــة الشــرعية‪ ،‬إنمــا هــي تعاقــد‬
‫اجتماعي‪ ،‬بين األمة ومن اختارتـه‪ ،‬وكـيالً عنهـا فـي إدارتهـا‪ ،‬ونائبـاً عنهـا فـي القيـام بشـؤونها‪،‬‬
‫وتنفيــذ رأيهــا فــي تحقيــق مصــالحها‪ ،‬وعليهــا أن تطيعــه أف ـراداً وجماعــات‪ ،‬مــا دام يطيــع نوابهــا‬
‫(عرفاءهــا) الــذين يجســدون ومــض عينيهــا‪ ،‬ونــبض قلبها‪.‬حــاكم يــدرك أن مقتضــى الوكالــة‪ ،‬وأن‬
‫شرط صحة البيعة صدوره في ق ارراته عن إرادة األمة عبر نوابها وجمعياتها األهلية‪.‬‬
‫ونهـي عـن المنكـر‪،‬‬ ‫وكلمة الحق والعدل والخير في هذه الحالة‪ ،‬إنما هي أمـر بـالمعرو‬
‫أعلـى مـن العـدل‪ ،‬وال منكـر أشـفع مـن الظلـم‪ ،‬كمـا قـال الشـيخ محمـد عبـده‪ .‬ولكنهـا‬ ‫فال معرو‬
‫ليست جهاداً‪ ،‬ألن عنصر المشقة والمخاطرة والمغامرة مفقود‪ ،‬وننما هي في المرتبة الثانية‪،‬‬
‫الحالة العليا‪:‬درجة الجهاد أن تكون بين يدي سلطان جـائر‪ ،‬يظـن أن علـى األمـة واجبـات‬
‫ولــير لهــا حقــوق‪ ،‬ويــزعم أنــه أدرى بمصــلحة األمــة مــن نوابهــا فهــو متفــرعن‪ ،‬يريــد الطاعــة‬
‫بالمنكر –ال بالمعرو ‪ ،-‬وهو يرى أنه يستطيع أن يقيم العدل من دون الصدور عن إرادة األمة‬
‫التي يبلورها ويقنطرها نوابها وجمعياتهـا األهليـة‪ ،‬وهـو يسـمى مطالبـة األمـة بحقوقهـا (نصـيحة)‬
‫شره‪.‬‬ ‫ويلزم الناس أن تكون نصيحة سرية‪ ،‬فهو متغطرس‪ ،‬يخا‬
‫والكلمــة‪ -‬فــي هــذه الصــورة‪ -‬مغــامرة ومخــاطرة‪ ،‬قــد يــدفع ثمنهــا داعيــة الحقــوق المدنيــة‬
‫والسياسية الياً‪ ،‬فهو معرض لقطع رزقه‪ ،‬أو مصـادرة مالـه‪ ،‬أو التضـييق عليـه واضـطهاده‪ ،‬أو‬
‫عزله عن وظيفته‪ ،‬أو سجنه أو قتله‪ ،‬وفـي هـذه الحالـة تصـبح الكلمـة وسـائر الوسـائل السـلمية‬

‫‪16‬‬
‫جهاداً‪ ،‬أي في المرتبة العليا بل إنها تصل إلى درجة االمتياز وتصبح من أفضل الجهاد‪ ،‬ويكون‬
‫قائلها‪ ،‬إن قتل‪ ،‬شهيداً من الطراز األول‪ ،‬يعادل حمزة بن عبد المطلب‪.‬‬

‫؟‪ /‬لـأن الـأجر حسـب‬ ‫أزيـ قذيفـة الرصـا‬ ‫صـرير قلـم الرصـا‬ ‫‪=3‬لماذا فـا‬
‫المشقة أيضا‬

‫إن المجـرمين فـي الســجون تصـبرهم الشــياطين علـى فظائعهــا‪ ،‬وطـالب العدالــة فـي مغــرب‬
‫وصابروا على ما أصابهم‪ ،‬حتى وصلوا‪/‬فكيف ال يصـابر قـوم‬ ‫العالم ومشرقه‪ ،‬أعدم منهم األلو‬
‫لهـــم البشـــرى فـــي الحيـــاة الـــدنيا وفـــي اآلخرة‪،‬وتتنـــزل علـــيهم المالئكـــة‪ :‬أن التخـــافوا وال تحزنـــوا‬
‫وأبشرواي؟‬
‫أ –مخاطرة من يقول للجائر ‪:‬اتق هللا‪ ،‬أعظم من مخاطرة المحارب‪:‬‬
‫لما ا يبلغ صاحب الكلمـة السياسـية وسـائر الوسـائل السـلمية ‪،‬منزلـة صـاحب المـدفع فـي‬
‫لنــذكر أوال بـ ن للجهــاد شــرطين‪:‬أن يتســم بالمخــاطرة بــالنفر والنفــير‪ ،‬وأن تكــون وظيفتــه نفــع‬
‫األمة والملة‪.‬‬
‫فكل من صنوي الجهاد يتفاضال حسب قاعدتين شرعيتين‪:‬‬
‫أوالهما‪ :‬قاعدة األجر علـى قـدر المنفعـة‪ ،‬وقـد قاربناهـا فـي مقالـة سـابقة‪ ،‬لعلهـا بينـت أن‬
‫الجهاد السلمي أكثر نفعا‪.‬‬
‫الثانية‪:‬قاعدة األجرعلى قدر المشقة‪ ،‬ولعل هذه المقالة تبين أن الجهاد السلمي أشق مـن‬
‫جهاد الحرب‪.‬‬
‫إن الكلمــة وســائر الوســائل الســلمية الشــجاعة أمــام الطغــاةت تعــرض صــاحبها للمخــاطر‬
‫والمهال ‪ ،‬أكثر من الحـرب‪ .‬لمـا ا؟ ألن المجاهـد فـي الميـدان ضـد العـدوان العسـكري‪ ،‬يجالـد فـي‬
‫معركة جلية‪ ،‬فالسـالح يكـاد يكـون متكافئـاً‪ ،‬والعـدد يكـاد يكـون متقاربـاً‪ .‬والمجاهـد العسـكري بـين‬

‫‪17‬‬
‫احتمالين‪ :‬نصر وعزة في الدنيا‪ ،‬أو شهادة سريعة‪ ،‬لن يذوق فيها المـوت أكثـر مـن مـرة واحـدة‪،‬‬
‫وألم االستشهاد فى الحرب – كما ورد في الحديث الصحيح – كقرصة إحدى القوارصي‪.‬‬
‫أما مجاهد الكلمة وسائر الوسائل السلمية‪ ،‬فهو فرد أعزل‪ ،‬أمام سلطة ات بـ س شـديد‪،‬‬
‫كالعصفور الجريح بين يدي قط جائع‪،‬وكالحمل الوديع أمام نمر كاسر‪ ،‬واحتمال هالكه أكثر مـن‬
‫سالمته‪،‬‬
‫كما قال الخطابي‪:‬ي وننما صار ل أفضـل الجهـاد أل ألن مـن جاهـد العـدو كـان متـرددا بـين‬
‫الرجاء والخو ‪ ،‬ال يدري هل يغلب أو يغلـب ‪.‬وصـاحب السـلطان مقهـور فـي يـده فهـو إ ا قـال‬
‫أفضـل أنـواع‬ ‫نفسـه للهـالك ‪ ،‬فصـار لـ‬ ‫‪ ،‬وأهـد‬ ‫فقـد تعـرض للتلـ‬ ‫الحـق وأمـره بـالمعرو‬
‫الجهاد من أجل لبة الخو ي‪.‬‬
‫هللا‪ ،‬فكـــان كمـــا قـــال العـــز بـــن عبـــد‬ ‫ور ـــم كـــل هـــذه المخـــاطر لـــم يوجـــل‪ ،‬ألنـــه خـــا‬
‫السالم‪:‬تذكرت هللا‪ ،‬فصار السلطان أمامي كالقط‪.‬‬

‫ب=المجاهد السلمي عرضة لتشويه عرضه ودينه(اجتماعيا)‪:‬‬


‫والمجاهد في المعركةت يجاهد في ميدان مكشو ‪ ،‬وأهدا الحرب معلنة‪ ،‬فإن سـلم عـاي‬
‫بطالً مجيداً‪ ،‬ونن مات قضى حميداً شهيداً‪ ،‬وهو فـي كـال الحـالين‪ ،‬محمـود الـذكر والسـيرة‪ ،‬يعـزز‬
‫الناس أهله و ويه‪ ،‬أل نهم أسرة البطل والشهيد‪ ،‬ويرفع ووه هاماتهم علـى النـاس‪ ،‬بمـا بنـى لهـم‬
‫ألسـرته ونقليمـه مـن حسـن األحدوثـة‪ ،‬ومـن‬ ‫بطلهم من شـر الـدنيا و كرهـا الحسـن‪ ،‬وبمـا خلـ‬
‫أجل ل يجد تشجيعا وتحميسا‪ ،‬فهو مصدر فخر على كل لسان‪.‬‬
‫أما المجاهد المدني‪ ،‬فهو يجاهد في معركة خفية مبهمـة عنـد النـاس‪ ،‬وال سـيما فـي زمـن‬
‫موت السنة وحياة البدع‪ ،‬ولـذل يتعـرض حيـاً وميتـاً‪ ،‬للتشـويه والتجـريم‪ ،‬وهويبتسـم ويقـولياللهم‬
‫ا فر لقومي‪ ،‬فإنهم ال يعلموني‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وللســلطة الطاغيــة فقهــاء خــادعون ومخــدوعون‪ ،‬ونعــالم يزيــف الحقــائق‪ ،‬يجعــل ســمعة‬
‫المجاهــد المــدني فــى الحضــيض‪ ،‬إنــه يصــابر ويواصــل‪ ،‬ر ــم أنهــم يجرمونــه ويشــوهونه‪ ،‬دنيوي ـاً‬
‫ودينياً‪ .‬عبر أ رع الطاغية األربعة‪:‬البولير‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والتعليم وواإلعالم‪.‬‬
‫فإن عاي المجاهد المدني طليقاً صابر على تعرض رزقه للمصادرة والتضييق‪ ،‬وتعرضت‬
‫والقلق‪ ،‬وصابر على‬ ‫حياته للمالحقة والمطاردة‪ ،‬وصابر ومعه أهله و ووه‪ ،‬على العزلة والخو‬
‫تعرض عرضه ودينه وعلمه وأهله للحصار وللتشويه‪ ،‬وصابر على أساليب المباحـث الجهنميـة‪،‬‬
‫التي ال يدركها إال من جاهد أو شاهديوننما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابي‪.‬‬
‫ج=المجاهد السلمي عرضة لتحطيم سمعته(قضائيا)‪:‬‬
‫ولســلطة الجــور قضــاة جــور يعتبــرون االحتســاب واألمــر بالمعروف ـات اإلداري ـة والقضــائية‬
‫تدخال فـي شـئون ولـي نعمـتهم‪ ،‬وشوشـرة عليـه‪ ،‬ونخـالال باحترامـه وطاعتـه‪ ،‬ويعتبـرون المطالبـة‬
‫بالبيعة الشرعية‪ ،‬على كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬قوامة األمة خروجا‪.‬‬
‫فجهـــــاد المنكـــــرات السياســـــية الســـــلمي –عنـــــدهم‪-‬فتنـــــة‪ ،‬وفريضـــــة الكلمـــــة المجاهـــــدة‬
‫جريمــة‪،‬والتنظير لقوامــة األمــة مــن البــدع‪ ،‬وال يقــول بســلطة األمــة إال مبتــدع‪ ،‬ويجـب قمــع دعــاة‬
‫البدع‪ ،‬ويجوز قتلهم تعزي ار أو حدا‪.‬‬
‫وقضاة الجور يعتبـرون الجهـاد السـلمي بغيـا وخروجـاً علـى اإلمـام‪ ،‬وقـد يعتبرونـه حرابـة‬
‫ونفســـاداً فـــي األرض‪ ،‬وقـــد يعتبرونـــه خيانـــة عظمـــى‪ ،‬تخـــل بـــاألمن المســـتقر وتفـــرق الجماعـــة‬
‫المجتمعــة‪ ،‬كمــا قــال أحــد فقهــاء ساســنة اإلمبرياليــة األطلســية‪ :‬يالخــروج علــى اإلمــام بــالكالم‬
‫كالخروج عليه بالحسامي‪ ،‬أي إنه يقول‪:‬تعامل علـي مـع الخوارج(قبـل أن يحملـوا السـالح) بدعـة‪،‬‬
‫وتعامل المستعصم مع طالب البيعة الشرعية هو السنة‪.‬‬
‫والـــرأي والتعبيـــر واالجتمـــاع والتجمـــع ‪ ،‬وســـائر الوســـائل الســـلمية‪ ،‬كالبيـــان والمظـــاهرة‬
‫واالعتصام‪ ،‬واإلضراب عن العمل إنما هي عندهم فتن وبغي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫بل إنهم يعتبرون المجاهد المدني –عندما يضرب عن الطعام‪-‬مطالبـا بحقوقـه أو حقـوق‬
‫األمــة فــي الســجن آثمــا‪ ،‬ولــو رزقــه هللا الشــهادة فــي إض ـراب عــن الطعامتلعــدوه منتحـ ار ال يــدخل‬
‫الجنة‪ ،‬وال يقبر في مقابر المسلمين‪ ،‬فيا ويل الشريعة والمسلمين من فقهاء االستبداد وقضاته!‬
‫مـن أجـل لـ يصــدر قضـاة الظـالم صــكوك الحرمـان والتشـويه‪ ،‬ويلعــن فقهـاء الظـالم هــذا‬
‫المصلح على المنابر‪ ،‬ويتبارى مثقفـو الظـالم فـي وسـائل اإلعـالم‪ ،‬آنـاء الليـل وآنـاء النهـار‪ ،‬فـي‬
‫تمزيق عـرض المصـلح‪ ،‬ويلصـقون بـه كـل صـفات الـذم‪ ،‬فهـو تـارة فـاجر فاسـق ‪ ،‬وتـارة منحـر‬
‫مارق‪ ،‬وتارة أخرى مبتدع يدعو إلى بدعته‪ ،‬وتارة أخرى عميل لالستعمار‪ ،‬وهـو تـارة أخـرى كـافر‬
‫ملحد زنديق‪.‬‬
‫ومــن يقـ أر الــتهم التــي رمــي بهــا المصــلحون أمثــال عبــد الــرحمن الك ـواكبي ومحمــد عبــده‬
‫وجمال الدين األفغاني وسائر دعاة الحكم الشوري وحقوق اإلنسان‪ ،‬في كل زمـان ومكـانت يـدرك‬
‫طرفاً من فنون التشويه‪.‬‬

‫‪ =2‬فرد أع ل أما دولة مدججة بأنواع السل ح‬


‫على قدر أهل الع تأتي المصائب‪:‬‬
‫أ=صبر المجاهد السلمي ليس صبر ساعات‬
‫إنما هو صبر سنوات وأعمار‪:‬‬
‫فاالحتساب في األمور العادية‪ ،‬ال يكون دون مصابرة اإلنسان علـى الضـنى واألسـى‪ ،‬كمـا‬
‫والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬لــم يــدع للمــؤمن صــديقاً‪ ،‬نـ مرهم‬ ‫قــال أويــر القرنــي‪ :‬يإن األمــر بــالمعرو‬
‫بالمعرو ‪ ،‬فيشتمون أعراضنا‪ ،‬ويجدون على لـ أعوانـاً مـن الفاسـقين‪ ،‬حتـى وهللا لقـد رمـوني‬
‫بالعظائم‪ ،‬وأيم هللا ال أدع أن أقوم فيهم بحقهي (االعتصام‪ .)139/1 :‬رحمنا هللا ونياك يا أوير‬
‫هذا االبتالء على االحتساب في شق الشريعة الروحـي والمـدني الفـردي‪ ،‬فمـا بالـ بـبالء الجهـاد‬
‫السياسي؟‪ ،‬ما ا سيقول عن دعاته كتاب االستبداد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫والفارس من فرسان الجهاد المدني فرد أعزلت أمـام قـوة الدولـة وجبروتهـا‪،‬وفوق لـ «ال‬
‫فـي مدينـة‬ ‫يجد على الخير أعواناً» يشدون ظهره‪ ،‬وال عصبية يركن إليها‪ ،‬عندما يصبح الخـو‬
‫النهب والقمع والصمت سيد األخالق‪.‬‬
‫وهو ر م خذالن اإلخوانت ال يقول قولة عمرو بن معدي كرب‪:‬‬
‫فلو أن قومي أنطقتني رماحهم=نطقت ولكن الرماح أجرت‬
‫بل يقول قولة أويري وأيم هللا ال أدع أن أقوم فيهم بحقهي!‬
‫ومن أجل هذه المصابرة صار أفضل من حامل الرشاي‪.‬‬
‫ألنه يصابر معلنا سخريته باألوباي وخفافيش الظالم والقتاتين والمرجفين‪ ،‬بل والمثبطـين‬
‫والخوارين الصالحين الذين يخدمون االستبداد وهم اليشعرون‪،‬ي الذين قال لهم النـاس‪:‬إن النـاس‬
‫قد جمعوا لكم فاخشوهم‪ ،‬فـزادهم إيمانـا‪ ،‬وقـالوا‪ :‬حسـبنا هللا ونعـم الوكيـل‪ ،‬فـانقلبوا بنعمـة مـن هللا‬
‫وفضل‪ ،‬لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان هللا‪ ،‬وهللا و فضل عظيمي‬
‫والمجاهــد الســلمي عبــر الكلمــة السياســية وســائر الوســائل الســلمية‪ ،‬كالبيــان والمظــاهرة‬
‫واالعتصام‪ ،‬واإلضراب عن العمل‪ ،‬يصابر على أنواع من االبتالء‪:‬‬
‫أولهـا‪ :‬أنــه يواصـل مصــابرته وهـو يتوقــع مداهمـة منزلــه مـن زوار الفجــر كـل حــين‪ ،‬فكلمــا‬
‫طرق باب بيته‪ ،‬جهز نفسه متوقعا القبض عليه‪.‬‬
‫وأشقها‪ :‬أنه قد يصابر علـى ابـتالء غيابـة السـجن‪ ،‬ومـا فيهـا مـن تضـيق وتعـذيب نفسـي‬
‫وجســـدي‪ ،‬ويصـــابر علـــى بفظـــائع اإلهانـــة والتحقيـــر‪ ،‬ويصـــابر علـــى جلســـات التحقيـــق شـــهو ارً‪،‬‬
‫ويصابر على ضنى المحاكمة والتجريم شهو اًر‪ ،‬ويصابر حين يقضي فـي السـجن بضـع سـنين‪،‬‬
‫وقد يصـابر وهـو يقبـع فـي زنزانـة صـغيرة‪ ،‬يقاسـي فيهـا ألـوان العـذاب‪ ،‬وهـو ر ـم الضـيق مبتسـم‬
‫صــبار يرجــو أن يــنجح فــي االختبــار‪ ،‬وأمــام عينيــه الفتــةيولنبلــونكم حتــى نعلــم المجاهــدين مــنكم‬
‫والصابرين‪ ،‬ونبلو أخباركمي( ‪ ،)70:‬والفتات من النضال ‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫وكنت إ ا أصابتني سهام=تكسرت النصال على النصال‪.‬‬
‫ومنها أنه يصابر على محاوالت سيل مخه‪ ،‬التي لها أساليب متعددة‪ ،‬تنجح في أحيـان‬
‫كثيرة‪ ،‬في تحويل المصلح إلـى (مصـلح سـايق)‪ ،‬إن لـم تـنجح إلـى مواطن(منـافق موافـق)‪ ،‬مولـع‬
‫بتشويه رفاقه باألمر‪ ،‬وتسفيه طالب اإلصالح السياسي‪.‬‬
‫يـــر آبـــه بشـــياطين الجـــن المســـلطين أو المتســـلطين الـــذين يوسوســـون‬ ‫وهـــو يصـــابر‬
‫للمصــلحين‪ ،‬ألن شــياطين الجــن المســلطة أو المتســلطةت ال تريــد أن يقــيم أهــل اإليمــان العدالــة‪،‬‬
‫لكي ال يكون عدلهم هاديا إلى هللا‪ ،‬بل تريد أن يقيمها أهل الفساد والفجور والشرك‪ ،‬لكي يخلبوا‬
‫بهــا ألبــاب األمــة‪.‬وهو ينتصــر علــى شــياطين الجــن التمســلطين والمســلطين‪ ،‬كمــا انتصــر علــى‬
‫شياطين اإلنر المتسلطين والمسلطين‪.‬‬
‫بل ولعله يواجـه نوعـا ريبـا مـن التسـليط ‪ ،‬اسـتخدمه الجـيش األمريكـي (البنتاقون)‪(،‬كمـا‬
‫كرت وثائق وينيلكر) ولعل البنتاقون اقتبسه من الموساد الصهيونيت الذي اقتبسه اليهود من‬
‫الفراعنــة‪ ،‬ولعـــل مـــن تشـــبه بفرعـــون فـــي طغيانـــهت لـــن يتـــورع فـــي االقتـــداء بـــه فـــي (الســـحر)‪،‬‬
‫واستخدامه للتفريق بين دعاة اإلصالح السياسي‪ ،‬وقد يستغرب خالو الذهن أن ينتصـر المجاهـد‬
‫السلمي السجين على السحر‪.‬‬
‫ولكن المجاهد السلمي يزوده إيمانه وصالته وصيامه‪ ،‬بسـور متـين وحصـن حصـين‪ ،‬فـال‬
‫يقربه شيطان إال خنر أو احترق‪ ،‬ون ا ك يتجلى اليقين بقوله تعالىيإنما لكم الشيطان يخو‬
‫أولياءه‪ ،‬فال تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنيني‪ ،‬فيزداد صالبة على صالبة‪،‬‬
‫ومنهــا صــبره علــى مــا يتعــرض لــه مــن أم ـراض الجســد‪ ،‬كالقرحــة وضــغط الــدم والشــلل‪،‬‬
‫والســكري وتســاقط األســنان‪ ،‬والرومــاتزم وآالم الظهــر واألطــ ار ‪ ،‬ونحوهــا مــن أمــراض التعــذيب‬
‫والســجون‪.‬مدركا أن كــل النــاس يـ لمون‪،‬حتى الطغــاة فــي قصورهم‪،‬ســيموتون فــي فرشــهم‪،‬واآلالم‬

‫‪22‬‬
‫تعبث في جسومهم‪ ،‬ويزيده مناعـة إدراك الفـرق‪:‬يإن تكونـوا تـ لمون فـإنهم يـ لمون كمـا تـ لمون‪،‬‬
‫وترجون من هللا ماال يرجوني‬
‫ب=أسرة المجاهد المدني تحاصر معه‪:‬‬
‫وكل محنة يحولها صبره إلى منحة‪ ،‬وقد تشاركه فيها أسرته‪ ،‬وقد تكون سـببا مـن أسـباب‬
‫عظم أجرهم‪ ،‬بسبب ما ينالهم من مؤ يات سرية وعلنية‪.‬‬
‫ومنها مصابرته على قطع رزقه‪ ،‬فقد يخرج فيجد نفسه فقي اًر مرمياً في قارعة الطريق‪.‬‬
‫ومنها مصابرته على محاصرته أسريا واجتماعيا‪ ،‬فقـد يخـرج وقـد اعتـزل أهلـه كـل أليـف‪،‬‬
‫وابتعد عنهم كل رءو ‪ ،‬ونفـر مـنهم كـل ودود‪،‬فكـان صـبره مصـدر قـدوة حسـنة‪ ،‬تعلـم النـاس فـن‬
‫التضحية‪ ،‬والمصابرة‪.‬‬
‫بل لقد يحاصر أوالده‪ ،‬حدثني أحد دعاة الحكم الشـوري‪ ،‬قال‪:‬خطبـت البنـي مـن أربـع أسـر‬
‫كلها تقول‪:‬الفتى مثال الرجل المر وب‪ ،‬لكن أباه مجرم سياسي!!‬
‫وتحــد أحــد دعــاة الحكــم الشــوري فــي مصــر(في التلفــاز) عــن مانــال أســرته‪ ،‬كــال كلمــا‬
‫خطبت ابنتي قالوا لخاطبها أبوها مجرم سياسي(وأظنه عبد الحميد قنديل)!!‬
‫والحـذر‪ ،‬ونقدامـه ر ـم أنـه يترقـب خالصـه علـى يـدي‬ ‫ومنها مصابرته على عوامل الخـو‬
‫جالده‪ ،‬في أكلة مسمومة‪ ،‬أو يلة مكتومة‪ ،‬ير فياب وال وجل‪:‬‬
‫ولست أبالي حين أقتل مسلما=على أي جنب كان في هللا مصرعي‪.‬‬
‫ومنها مصابرته على محاوالت توريطـه فـى جريمـة‪ ،‬تظهـره أمـام النـاس‪ ،‬فاسـد العقيـدة أو‬
‫ستدرج الغافلين و الطائشين من ويه‪ ،‬إلى فخ‬
‫فاسد األخالق‪ ،‬ومنها مصابرته على محاوالت ا ا‬
‫منصوب من أفخا التشويه‪ ،‬مـن أجـل إجبـاره علـى الصـمت‪ ،‬أو فـوق لـ إجبـاره علـى التراجـع‬
‫عن جهاده المدني السابق‪ ،‬واعتبار ل الجهاد والنضال خط في االجتهـاد أو زلـال مـن األفعـال‬
‫أو األقوال‪.‬‬
‫ج=صبر سنوات بل أعمار ال صبر ساعات‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫فصـبر الجهـاد المــدني األكبـر لـير صــبر سـاعة‪ ،‬بــل وال سـاعات‪ ،‬إنمـا هــو صـبر ســنوات‬
‫على الجهاد‪ ،‬وصبر عمر مديد على الثبات‪.‬‬
‫ونن قتل المجاهد المدني شهيداً‪ ،‬لم يقتل بين عشية وضحاها‪ ،‬لن يقتل حتى يصابر على‬
‫ما في السجن من تعذيب وتضييق‪ ،‬وقد تمر سنون وهو لم يحاكم‪ ،‬وال يموت حتى يمر بصنو‬
‫األ ى والعذاب‪،‬كما قال امر القير‪:‬‬
‫فلو أنها نفر تموت جميعة=ولكنها نفر تساقط أنفسا‬
‫بينما مجاهد المعركة ال يجـد مـن ألـم القتـل إال نحـواً مـن ألـم قرصـة الزنبـور والنحلـة‪ ،‬كمـا‬
‫ورد في الحديث الصحيح‪.‬‬
‫ور م مشقة كل هذه اآلالم فـإن المجـرمين العـاديين يصـبرون –بحكـم الغريـزة‪-‬علـى مثلهـا‬
‫وما هو أفظع‪ ،‬وقد تعينهم الشياطين‪ .‬فما بال بـدعاة العدالـة فـي مغـرب العـالم ومشـرقه‪ ،‬الـذين‬
‫قتل ـوا فــي صــحراء ســيبيريا‪ ،‬يعــدون بمئــات األلــو ‪ ،‬ور ــم ل ـ صــابروا‪ ،‬وصــبروا‪ ،‬ألن اإلرادة‬
‫تدفعهم إلى المصابرة‪ ،‬وكان شعارهم‪:‬‬
‫بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها=تنال إال على جسر من التعب‬
‫ه ـؤالء قــوم قــد ال يرجــون الجنــة‪ ،‬فمــا بال ـ بقــوم يرجــون الجنــة‪ ،‬ويــدركون أنهــم إلــى هللا‬
‫وننـا إليـه راجعـون‪ ،‬أولئـ‬ ‫راجعون‪ ،‬وصدق هللا العظـيم يالـذين إ ا أصـابتهم مصـيبة قـالوا‪ :‬إنـا‬
‫عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئ هم المفلحوني‬
‫د=ال نامت أعين الجبناء‬
‫لقــد رأيــت وســمعت مــن الثقــاة‪ ،‬مــن عــذاب الــدعاة والمحتســبين والمجاهــدين‪ ،‬مــا يفــوق‬
‫الصــالح مــن مالحــم الصــبر علــى‬ ‫الوص ـ ‪،‬بحيث تصــورت أن كــل مــا نقــ أر عــن صــبر الســل‬
‫عــام‪ ،‬ال يعــادل فــي كيفيتــه‪ ،‬مــا فــي ســجن واحــد‪ ،‬مــن ســجون‬ ‫االضــطهاد التعــذيب‪ ،‬خــالل أل ـ‬
‫التعذيب التقني‪ ،‬في الدولة العربية زمن الهيمنة األطلسية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وشاهدت وسمعت من الثقاة صب ار عجيبا‪ ،‬وشعو ار بالفرحة والسعادة والغبطة‪ ،‬ال يشعر به‬
‫مــن هــم طلقــاء خــارج الســجون‪ .‬إنــه مصــداق قولــه تعــالييإن الــذين قــالوا ربنــا هللا ثــم اســتقاموات‬
‫تتنزل علهم المالئكة أن ال تخافوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون‪ ،‬نحـن أوليـا كم فـي الحيـاة‬
‫الدنيا‪...‬ي‬
‫إنهم هم الذين يحفـرون األنهـار فـي الصـحراء‪ ،‬والنهـر ال يرجـع إلـى الـوراء‪ ،‬وال يعـر مـا‬
‫هي القهقرى‪ ،‬إنهم ر م ضخامة الظالم‪ ،‬يرون الضوء يزداد توهجا‪ ،‬كلما جاهدوا‪:‬‬
‫زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا=أبشر بطول سالمة يا مربع‬

‫‪=6‬كيف يؤطر أمراء تطرف وعنف الحكم العضوض‬


‫بأسلوب (باسم هللا رب الغل !)‪:‬‬

‫((مــوجز) قــد يظــن فقهــاء ــافلون أن حــديث (باســم هللا رب الغــالم خــاصي بالــدفاع عــن‬
‫الشــق الروحــي الــذي يحصــرون بــه العقيــدة والتوحيــد‪ ،‬وينســون أن‪ :‬ال إلــه إال هللا‪ ،‬ال تــتم حتــى‬
‫ورجاء سواه‪ ،‬كما نص علـى لـ حـديث يلتتـبعن سـنن مـن كـان قـبلكمي‪،‬‬ ‫تحرر الناس من خو‬
‫وحديث يلينقضن اإلسالم عروة عروة‪ ،‬ف ولهن نقضا الحكم‪ ،‬وحديث يأول مـا تفقـدون مـن ديـنكم‬
‫األمانةي‬

‫أ – نموذج البطل الشهيد في ثقافتنا‪:‬‬


‫لقد قـرر اإلسـالم فضـل جهـاد الكلمـة علـى جهـاد الرصاصـة‪ ،‬فلـم يقـل الرسـول الكـريم‪ :‬إن‬
‫سيد الشهداء‪ ،‬هو الفدائي الذي امر بنفسه‪ ،‬وتخطى حواجز الخو ‪ ،‬حتى قتل الطاغية‪ .‬على‬
‫أن هــذا النمــو ج هــو الــذي يتبــادر إلــى الــذهن‪ ،‬عنــد الحــديث عــن البطولــة والشــجاعة‪ ،‬فنمــو ج‬

‫‪25‬‬
‫البطل الشهيد – فـي ثقافتنـا السـائدة – هـو مـن يتـ بط رشاشـه‪ ،‬ثـم يفـرا الرصـاص فـي جمجمـة‬
‫الطاغية الجبار‪ ،‬وهو في هذه الحالة مقتول ال محالة‪.‬‬
‫وهذه الصورة ألصق بالمفهوم التقليدي للبطولـة والفتـوة‪ ،‬وأخلـد فـي أ هـان النـاس‪ ،‬ولـذل‬
‫فـــإن (خالـــد اإلســــالمبولي)‪ ،‬ظـــل فـــي اكــــرة الماليـــين‪ ،‬نمو جـــاً للبســــالة والشـــجاعة‪ ،‬والجــــرأة‬
‫والفروسية‪.‬‬
‫ولكــن حكمــة الشــريعة ليســت بــالرأي العــابر‪ ،‬الــذي ينظــر إلــى مفهــوم الشــجاعة‪ ،‬مرتبط ـاً‬
‫بالجلبــة واإلثــارة والحــدة‪ ،‬بــل هــي مرتبطــة بالنتــائج البعيــدة المــدى‪ ،‬فهــي تؤكــد مــا عرفتــه األمــم‬
‫بالخبرة‪:‬حسن التفكيـر ينـتج حسـن التـدبير‪ ،‬باعتبـار هـاتين الصـفتين مـن نسـيج اإليمـان‪ .‬ولـذل‬
‫جاء في الحديث عـن أبـي هريـرة رضـي هللا عنـه أن رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم قـاليلير‬
‫الشـديد أي الشـجاع ‪ ،‬بالصــرعة الرجل الـذي إ ا صـارع أحــد صـرعه أنمـا الشــديد الـذي يملـ‬
‫نفسه عند الغضبي(رواه البخاري ومسلم)‪ .‬وجاء في الحديث أن خير المجاهدين من يقول كلمـة‬
‫العدل في مواجهة الطاغية‪ ،‬وأن خير الشهداء هـم الـذين يعلنـون كلمـة عـدل أمـام الطاغيـة ثـم‬
‫يجندلهم الطاغية‪.‬‬
‫إ ن لير الشهيد محصو اًر بالذي يصارع ص ارعاً مادياً دموياً حتى يجندل في الميـدان‪ ،‬بـل‬
‫إن له نمو جا آخر‪ ،‬هو الشهيد المدني السلمي‪ ،‬الذي يفتح صدره لرصاص الرشاي‪ ،‬هو أحـرى‬
‫وأجدى ألنه هو سبيل بناء دولة العدالة والشورى‪ ،‬لكـم هـو الفـدائي السـلمي‪ ،‬الـذي بـدا أمامـه‬
‫الجبار الجائر كالقط‪-‬كما عبر عز الدين بن عبد السـالم‪-‬فصـارع السـفاح صـراعاً معنويـاً رمزيـاً‪،‬‬
‫ســاال ســالح المواــف المعبــر بالكلمــة‪ .‬هــذا كمــا صــرح الحــديث‪ ،‬لــه أرفــع الــدرجات فــي (ســلم‬
‫الشهادة)‪.‬‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم ينهـى المجاهـد العسـكري‪ ،‬عـن تعـريض نفسـه لـ ى‪،‬إ ا لـم‬
‫يكن ل ضروريا‪ ،‬يحقق هدفا مهما‪ ،‬فال يطلب الشهادة لذاتها ولذاتها‪ ،‬بل يطلبها ألهدافها فـي‬

‫‪26‬‬
‫نصرة العدالة والشورى التي هي سر عز األمة والملة‪ ،‬فعن عبـدهللا بـن أبـي أوفـى أن رسـول هللا‬
‫لقـي فيهـا العـدو ‪ ،‬ينتظـر حتـى إ ا مالـت‬ ‫صـلى هللا عليـه وسـلم كـان ‪ ،‬فـي بعـض أيامـه التـي‬
‫ال تتمنـوا لقــاء العـدو واسـ لوا هللا العافيـة‪ ،‬فــإ ا‬ ‫!‬ ‫الشـمر قـام فـيهم فقـال ييــا أيهـا النـاس‬
‫لقيتموهم فاصبروا‪،‬واعلموا أن الجنة تحت ظالل السيو ي(رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬
‫في مقابل ل نجد الرسول صلى هللا عليـه وسـلم يـ مر المجاهـد المـدني بـالتعرض للـذى‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬خير المجاهدين هم الذين يعرضون أنفسهم أل ى الفرعون‪ ،‬بقولة الحق أمامه‪.‬‬

‫ب= حديث باسم هللا رب الغالم وسوء فهم عند بعض الفقهاء‪:‬‬
‫عن صهيب بن سنان الرومي‪ ،‬قال قال رسول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪:‬يكان ملـ فـيمن‬
‫كــان قبلكم‪،‬وكــان لــه ســاحر‪ ،‬فلمــا كبــر قــال للمل ـ ‪ :‬إنــي ق ـد كبــرت‪ ،‬فابعــث إلــي المــا أعلمــه‬
‫السحري‪.‬‬
‫يفبعث إليه الما يعلمه‪ ،‬فكان في طريقه ‪ ،‬إ ا سل ‪ ،‬راهب ‪ .‬فقعد إليه وسـمع كالمـه‪،‬‬
‫ف عجبه‪ .‬فكان إ ا أتى الساحر مر بالراهب وقعـد إليـه‪،‬فإ ا أتـى السـاحر ضـربه‪ ،‬فشـكا لـ إلـى‬
‫الراهـب‪ ،‬فقـال ‪ :‬إ ا خشـيت السـاحر فقـل ‪ :‬حبسـني أهلـي‪ ،‬ون ا خشـيت أهلـ فقـل ‪ :‬حبسـني‬
‫الساحري‬
‫اليـوم أعلـم‬ ‫‪:‬‬ ‫يفبينمـا هـو كـذل إ أتـى علـى دابـة عظيمـة قـد حبسـت النـاس ‪ .‬فقـال‬
‫آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ ف خذ حج ار فقال ‪ :‬اللهم ! إن كان أمر الراهـب أحـب إليـ‬
‫مـن أمـر السـاحر فاقتـل هـذه الدابـة‪ ،‬حتـى يمضـي النـاس‪ ،‬فرماهـا فقتلهـا‪ ،‬ومضـى الناس‪،‬فـ تى‬
‫الراهب ف خبره‪ ،‬فقال له الراهب ‪ :‬أي بنـي ! أنـت اليـوم أفضـل منـي ‪ .‬قـد بلـغ مـن أمـرك مـا أرى‪،‬‬
‫ونن ستبتلى‪ ،‬فإن ابتليت فال تدل عليي‬
‫جلــير‬ ‫يوكـان الغـالم يبـرل األكمـه واألبــرص ويـداوي النـاس مـن ســائر األدواء‪ ،‬فسـمع‬
‫للمل كان قد عمي‪ ،‬ف تاه بهدايا كثيرة‪ ،‬فقال ‪ :‬ما ههنـا لـ أجمـع ‪ ،‬إن أنـت شـفيتني ‪ .‬فقـال ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫إني ال أشفي أحدا‪ ،‬إنما يشفي هللا‪ ،‬فإن أنت آمنت باهلل دعوت هللا فشـفاك‪ ،‬فـفمن بـاهلل ‪ .‬فشـفاه‬
‫هللا‪ ،‬ف تى المل فجلر إليه كمـا كـان يجلـر ‪ .‬فقـال لـه الملـ ‪ :‬مـن رد عليـ بصـرك ؟ قـال ‪:‬‬
‫رب يري ؟ قال ‪ :‬ربي ورب هللا ‪ .‬ف خذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغـالم‬ ‫ربي ‪ .‬قال ‪ :‬ول‬
‫ي‬
‫يفجئ بالغالم ‪ .‬فقال له المل ‪ :‬أي بني ! قـد بلـغ مـن سـحرك مـا تبـرل األكمـه واألبـرص‬
‫وتفعل وتفعل ‪ .‬فقال ‪ :‬إني ال أشفي أحدا‪،‬إنما يشـفي هللا‪ ،‬ف خـذه فلـم يـزل يعذبـه حتـى دل علـى‬
‫الراهب‪ ،‬فجئ بالراهب‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ارجع عن دين ف بى ‪ .‬فـدعا بالمئشـار‪ ،‬فوضـع المئشـار علـى‬
‫فـ بى ‪.‬‬ ‫مفرق رأسه‪ ،‬فشقه حتى وقع شقاه‪ ،‬ثم جئ بجلير الملـ فقيـل لـه ‪ :‬ارجـع عـن دينـ‬
‫فوضع المئشار في مفرق رأسه‪ ،‬فشقه به حتى وقع شقاهي‬
‫ف بى ‪ .‬فدفعه إلى نفر من أصحابه فقـال ‪:‬‬ ‫يثم جئ بالغالم فقيل له ‪ :‬ارجع عن دين ‪،‬‬
‫ا هبوا به إلى جبل كذا وكذا‪،‬فاصـعدوا بـه الجبـل‪ ،‬فـإ ا بلغـتم روتـه ‪ ،‬فـإن رجـع عـن دينـه ‪ ،‬ونال‬
‫بهـم الجبـل‬ ‫فاطرحوه‪ .‬فذهبوا به فصعدوا به الجبـل ‪ .‬فقـال ‪ :‬اللهـم ! اكفنـيهم بمـا شـئت‪ ،‬فرجـ‬
‫فسقطوا ‪ .‬وجاء يمشي إلى المل ‪ ،‬فقـال لـه الملـ ‪ :‬مـا فعـل أصـحاب ؟ قـال ‪ :‬كفـانيهم هللا ‪.‬‬
‫فدفعه إلى نفر من أصـحابه فقـال ‪ :‬ا هبـوا بـه فـاحملوه فـي قرقـور ‪ ،‬فتوسـطوا بـه البحـر ‪ .‬فـإن‬
‫رجع عن دينه ونال فاقذفوه‪ ،‬فذهبوا به‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم ! اكفنيهم بما شئت ‪ .‬فانكف ت بهم السـفينة‬
‫فغرقوا ‪ .‬وجاء يمشي إلى المل ‪ .‬فقال له المل ‪ :‬ما فعل أصحاب ؟ قال ‪ :‬كفانيهم هللاي‬
‫يفقال للمل ‪ :‬إن لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ‪ .‬قال ‪ :‬وما هـو ؟ قـال ‪ :‬تجمـع‬
‫الناس في صعيد واحد‪ ،‬وتصلبني على جذع ‪،‬ثم خذ سهما من كنانتي‪ ،‬ثم ضع السـهم فـي كبـد‬
‫القوس‪ ،‬ثم قل ‪ :‬باسم هللا رب الغالم‪ ،‬ثم ارمني‪ ،‬فإن إ ا فعلت ل قتلتنيي‬

‫‪28‬‬
‫يفجمع الناس في صعيد واحد‪ ،‬وصلبه على جذع‪ ،‬ثـم أخـذ سـهما مـن كنانتـه‪ ،‬ثـم وضـع‬
‫السهم في كبد القوس ثم قال ‪ :‬باسم هللا ‪ ،‬رب الغالم‪ ،‬ثم رماه فوقع السهم في صد ه‪ ،‬فوضع‬
‫يده في صد ه في موضع السهم‪ ،‬فماتي‪.‬‬
‫يفقال الناس ‪ :‬آمنا برب الغالم ‪ .‬آمنا برب الغالم ‪ .‬آمنـا بـرب الغـالم ‪ .‬فـ تى الملـ فقيـل‬
‫له ‪ :‬أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد وهللا ! نزل ب حذرك ‪ .‬قد آمن الناس ف مر باألخدود فـي أفـواه‬
‫السك فخدت‪ ،‬وأضرم النيران ‪ .‬وقال ‪ :‬من لم يرجع عن دينه ف حموه فيها ‪ .‬أو قيل له ‪ :‬اقتحم‬
‫‪ .‬ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها ‪ .‬فقال لها الغالم ‪ :‬يا أمه !‬
‫اصبري! فإن على الحقي(رواه مسلم و الترمذي وصححه األلباني أيضا)‪.‬‬
‫مفهــوم المعارضــة الســلمية‪ ،‬فــتح الصــدور لرصــاص الرشــاي‪ ،‬هــو خيــر أســلوب لهدايــة‬
‫الناس‪ .‬وقد يقـول بعـض الفقهـاء الغـافلين‪-‬أيقظنـا هللا ونيـاهم‪ -‬إن حـديث الغـالم خـاص بالـدفاع‬
‫عن الشق الروحي من الدين الذي يحصـرون بـه العقيـدة والتوحيـد‪ ،‬وهـذا ريـن قـديم منـذ العصـر‬
‫العباسـي يجددونـه اليــوم‪ ،‬فالتوحيـد إنمــاهو هــو شــهادة ان ال إلـه إال هللا‪ ،‬وال تـتم الشــهادة حتــى‬
‫ورجاء سواه‪ ،‬كما نص على ل الحديث الصحيحيلتتبعن سنن مـن كـان‬ ‫تحرر الناس من خو‬
‫قبلكمي‪ ،‬والحديث الصحيح يلينقضن اإلسالم عروة عروة‪ ،‬ف ولهن نقضا الحكم‪ ،‬والحديث الصحيح‬
‫يأول ما تفقـدون مـن ديـنكم األمانـةي‪ ،‬و والحـديث الصـحيح يتتـداعى علـيكم األمـمي‪ ،‬وآيـة ياتخـذوا‬
‫أحبارهم ورفبانهم أرباباي‪ ،‬والحديث الصحيح عن عدي بن حاتم الذي فسرها‪.‬‬

‫ج – نتائج جهاد السالم أبقى من جهاد الحسام‪:‬‬


‫وقد يتعجب كثير من الناس‪ ،‬كيف تكون كلمة أو مظاهرة عزالء سـاكنة‪ ،‬أعلـى منزلـة مـن‬
‫رصاصة شهباء أو زوة مدوية‪ ،‬ولكن العجـب يتبـدد عنـدما يقرنـون األسـباب بالنتـائج‪ ،‬والوسـائل‬
‫بالغايات‪ ،‬ومن يتابع حركة التغيير في األديان والدول والحضارات‪ ،‬ويت مل أثر الكلمات في إنتاج‬

‫‪29‬‬
‫الموااف‪ ،‬وأثر الموااـف فـي خلـود الكلمـات يـدرك السـبب‪ ،‬ون ا أدرك السـبب بطـل العجـب‪ .‬مئـات‬
‫خر الباطل أمام قوة الحق‪.‬‬
‫الشخصيات المجاهدة هدت بكلماتها طغيان التجبر والقهر‪ ،‬حتى َّ‬
‫وهذه الموااف ال بد من أن تثمر ولو ت خر الثمر‪ ،‬كما قال تعالىي إنا لننصر رسلنا والذين‬
‫آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم األشهادي‬
‫من الصحابة الذين أقاموا معـالم العـدل والشـورى‪ ،‬ولـم يفرقـوا بـين‬ ‫فلنتذكر كلمات السل‬
‫عروتـي الملـة‪:‬عروة الحكــم الشـوري وعـروة الصــالة‪ ،‬وال سـيما الـذين صــدعوا بهـا أمـام الطاغيــة‬
‫السفاح‪ ،‬كالحسين بن علي وعبد الـرحمن بـن أبـي بكـر‪ ،‬وعبـد هللا بـن الزبيـر‪ ،‬وعبـدهللا بـن عمـر‬
‫وعبد هللا بن عمرو بن العاص‪.‬‬
‫األموي الذي اتبعهم (بإحسـان) ولـم يفـرق بـين عروتـي الملـة‪:‬عروة الحكـم‬ ‫ولنقتد بالسل‬
‫الشوري وعروة الصالة‪ ،‬كسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب‪ ،‬والحسن البصري‪.‬‬
‫العباسي الـذي لـم يفـرق بـين عروتـي الملـة‪:‬عروة الحكـم الشـوري وعـروة‬ ‫ولنقتد بالسل‬
‫الصالة‪ ،‬ك بي حنيفة ومالـ والشـافعي وأحمـد بـن حنبـل‪ ،‬وابـن تيميـة وابـن ال ِ‬
‫قـيم والعـز بـن عبـد‬
‫السالم‪.‬‬
‫الصــالح الــذي يفــرق بــين عروتــي الملــة‪:‬عروة الحكــم الشــوري وعــروة‬ ‫ولنقتــد بالســل‬
‫الصــالة‪ ،‬فــى عصــور الهيمنــة اإلفرنجيــة‪،‬كجمال الــدين األفغــاني وعبــد الــرحمن الكـواكبي ومحمــد‬
‫عبــده ومحمــد رشــيد رضــا‪ ،‬وحســن البنــا وســيد قطــب ومحمــد بــاقر الصــدر وعبــد العزيــز البــدري‪،‬‬
‫و يرهم‪.‬‬
‫لقد هاجم الطاغية الكلمة وأصحابها‪ ،‬كما يهاجم وحشاً كاسـ اًر‪ ،‬أو جيشـاً ازيـاً‪ ،‬لمـا لهـا‬
‫مــن قــوة‪ ،‬ولــذل اعتــر أكثــر مــن طاغيــة‪ ،‬ب نــه ال يحــر بتفــرده فــي الحكــم‪ ،‬مــا دام المصــلح‬
‫الفالني ينبض ويومض‪ ،‬ولذل برر أحد سالطين الجور (في نجد)قتلـه أحـد الفقهـاء المصـلحين‬
‫فقال ما معناه «كيف ال أقتله وهو ينقض بالقول كل ما فتلت من فعل»‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ومات السلطان الجائر‪ ،‬وبقي مواف الفقيه‪ ،‬ألن كلمة الحق المكتوبـة بالـدم‪ ،‬ليسـت نصـاً‬
‫مخطوطـــاً بمـــاء الـــذهب فـــي مكتبـــة التـــ ار ‪ ،‬إنمـــا هـــي روح شـــفافة يمنحهـــا الصـــبر والجهـــاد‬
‫واالستشهاد‪ ،‬هيئة طير محلق في السماوات‪ ،‬فتكتسي أجنحة وريشـاً‪ ،‬وتحلـق فـي األعـالي فـوق‬
‫الوهاد‪ ،‬فتحدق إليها العيون‪ ،‬وتخفق لها القلوب‪ ،‬فتكون القدوة الحسنة‪.‬‬
‫وبـذل يصــبح الضـعيف األعــزل‪ ،‬لـ المرمــي بــين أرجـل بــولير السـلطان‪ ،‬بطـالً شــاكي‬
‫السالح‪ ،‬يرسم بدمه وصبره طريق خالص األمة‪ ،‬ويضع الفتة كتب عليها‪ :‬هذا طريق الكرامة‪.‬‬
‫وينبغــي للــدعاة إلــى هللا‪ ،‬أن يــدركوا أهميــة الــدعوة إلــى الحكــم الشــوري(الدمقراطية)‪ ،‬وأن‬
‫يسترخصـــوا الحيـــاة‪ ،‬ليعبـــدوا الطريـــق لحيـــاة أمـــة تبحـــث عـــن قـــدوات‪ ،‬تعلمهـــا أن العـــدل ثمـــرة‬
‫التضحيات المتواصلة المعلنة‪ ،‬ال دعوات القنوت الساكتة‪.‬‬
‫إنــه الجهــاد الســلمي‪ ،‬إنهــا الكلمــة الهادئ ـة والمظــاهرة المنســابة‪ ،‬تهــزم الدبابــة المجنــزرة‬
‫المص َّفحة‪ ،‬والمدفع الذي يدك المدن‪ ،‬إنها الكلمة الهادئة المجنحة بالمواف الثابت‪.‬‬

‫د=عندما ينقلب السحر على الساحر‪:‬‬


‫قد سل المجاهد أسلوب الغالم مع الملـ الجـائر المتفـرعن‪ ،‬لقـد تعلـم الغـالم اإلسـالم مـن‬
‫الراهب‪ ،‬بدالً من أن يتعلم السحر من الساحر (كما ر ب الطاغية‪،‬الذي يريد أن يخدر األمة عـن‬
‫طريق مدارس السحر التي تخرج له نوعا من الجالدين‪ ،‬ت سيا ب خيه فرعـون الـذي جعـل السـحر‬
‫والكهنـــة جـــزءا مـــن وســـائل تـــرويض الفعاليـــات المدنيـــة وتخـــديرها‪ ،‬وشـــل نفوســـها وأجســـادها‪،‬‬
‫وعالقاتها)‪.‬‬
‫قال الغالمت إن لن تقتلني إال بوسيلة واحدة‬
‫فقال السلطان‪ :‬ما فيه؟‬
‫فقال الغالم‪ :‬أن تجمع الناس في محفل‪ ،‬ثم تتناول قوس ‪ ،‬ثم ترميني قائالً‪ :‬باسـم هللا رب‬
‫الغالم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المل طبق ما قال الغالم‪ ،‬عندها تهاوى جسد الغالم‪ ،‬وحلقت روحه فـوق ر وس النـاس‪،‬‬
‫فــفمن النــاس كلهــم بــرب الغــالم‪ ،‬وأعلــن الســلطان بغبائــه‪ ،‬المبــادل التــي أراد الشــهيد إعالنهــا‪،‬‬
‫ف درك الناس أن دين الغالم هو الصحيح‪:‬‬
‫لوال احتراق النـار مـا جـاورت× ما كان يعر طيب عر العـود‬
‫وهكذا يكون موت أجساد مجاهدي السالم‪ ،‬حياة لقلوب األمة‪ ،‬وتكون دما هم المراقة نـو اًر‬
‫يشعل في روح األمة شعل الحرية والكرامة واالسـتقامة‪ ،‬كمـا قـال هللا تعـالى‪ :‬وجعلنـا مـنهم أئمـة‬
‫يهدون ب مرنا لما صبروا وكانوا بفياتنا يوقنون‪ ‬السجدة‪. 24 :‬‬
‫ال نامت أعين الجبناء‬

‫‪=7‬الجهاد المدني الأكبر قوة الجماهير الشعبية الناعمة‬


‫كيف تدك عروش الجبابرة؟‬
‫أ– الطاغية ينهزم في جوالت تكشف ستره أمام الناس‪:‬‬
‫إن الجهاد السلمي الذي يرفع لواء العدل‪ ،‬وفق نمو ج يباسـم هللا رب الغـالم‪،‬وال سـيما فـي‬
‫عصر اإلعالم المفتوح‪ ،‬ونن بدا لطيفا يقوم ب ربعة أدوار تقلب السحر على الساحر‪:‬‬
‫الدور األول تعريـة األوضـاع الفاسـدة‪،‬فالطاغية يتظـاهر بـالتقوى والعدالـة‪ ،‬والكلمـة الثـائرة‬
‫المصابرة تقو ل له‪ :‬القضـاء فاسـد والـدليل هـو كـذا وكـذا‪ ،‬اإلدارة فاسـدة الـدليل هـو األرقـام‪ .‬أنـت‬
‫تــدعى أن ـ تحكــم باإلســالم‪ ،‬وتعــذيب النــاس فــي الســجون يــنقض البيعــة‪ ،‬وتــرك المســاواة فــي‬
‫واستئثارك بالثروة والسلطة ينقض البيعة ‪ ،‬فاإلسالم والطغيان ال يجتمعان‪ ،‬الطغيان من نـواقض‬
‫االسالم (للمزيد انظر كتيب ( الطريق الثالث ‪ :‬الدستور اإلسالمي منقذا من اإلمبريالية المتلبسة‬
‫بالحداثة والفرعنة المتلبسة باإلسالم والعروبة معا‪/‬دار الناقد الثقافي ‪0371‬هـ(‪5119‬م))‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الدور الثاني‪ :‬تعرية الطاغيـة أمـام ضـميره أيضـا‪ ،‬مـن المهـم أن يتعـري الفاسـدين أمـام‬
‫ضمائرهم‪.‬‬
‫فينهــزم الجــائر أمــام ضــميره فــي الجولــة األولــى‪ ،‬ألن العــدل والحــق‪ ،‬مزروعــان فــي فطــرة‬
‫وعقــل كــل إنســان ‪ِ ‬فطـَـرة هللا التــي َف َ‬
‫طـَـر َّ‬
‫النــاس عليهــا‪ ،‬والظــالم مهمــا الــتمر لنفســه المعــا ير‪،‬‬
‫يكتــوي بتــوتر الوجــدان‪ ،‬ومهمــا ظهـــر وحشــا قــوي المــراس‪ ،‬مغلـــوب مــن الــداخل‪ ،‬كثيــر القلـــق‬
‫والهواجر‪ ،‬فعندما يشبع السفاح روره وتسلطه‪ ،‬ويروى باالنتقام عطشه إلى الدماء وتوحشـه‪،‬‬
‫يســتيق ضــميره بعــد المنــام‪ ،‬ويظــل شــبح الضــحايا يطــارده‪ ،‬كلمــا فــا صــحا‪ ،‬كمــا ظل ـت أشــباح‬
‫الشهداء والضحايا كسعيد بن جبير‪ ،‬يالحق الحجاج‪ ،‬حتى مات مهزوماً مفلساً‪ ،‬كما ظـل أشـباح‬
‫طغيان (نيرون ) تالحقه‪ ،‬حتى أفضت به إلى الجنون‪.‬‬
‫وسيهزم الجائر أمام الناس في الجولـة الثانيـة‪ ،‬إ سـتظل قضـية الثـ ر تالحقـه‪ ،‬كمـا ظلـت‬
‫أشباح شهداء اإلخوان المسلمين ومعذبيهم‪ ،‬تطارد فراعنة مصر‪ ،‬فظلوا يعانون الجراح الداخلية‪،‬‬
‫يتعـذبون آنـاء الليـل وآنـاء النهـار‪ ،‬ويموتـون هلعـاً وخوفـاً‪ ،‬فـي صـور م سـاوية أقسـى مـن القتـل‬
‫المباشـر‪ ،‬ويترقبـون أن يشــووا فـي التنـور الــذي أوقـدوه عشـية أو ضــحاها‪ .‬ولعـذاب اآلخـرة أشــد‬
‫وأبقى‪.‬‬
‫ب=كشــف ســتر الفقهــاء والقضــاة المنــدمجين فــي (الحكــم‬
‫العضوض)‪:‬‬
‫ودور ثالث‪:‬تعريــة فقهــاء الظــالم ومثقفيــه مــن حـراس االســتبداد مــن الخــادعين المغضــوب‬
‫عليهم‪ ،‬والمخدوعين الضالين العميان‪.‬‬
‫وثمــة دور رابــع‪ :‬شــق طريــق النجــاح الجهــاد الســلمي‪ ،‬بإيقــاع الجمــاهير المخــدرة‪ ،‬التــي‬
‫أوهمها فقهاء الطغيان ومثقفوه ‪ ،‬أن فقدانها العدل بسبب نوبها‪ ،‬وأنها صبرها على الطغاة إنما‬
‫هو من (التكفير)‪ ،‬وقالوا لها‪ :‬ال بد من أن تنسحقي تحت أقدام الطغاة لتكفـري عـن (خطايـاك) ‪،‬‬
‫و لتحصدي الكرامة في الدار اآلخرة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫ونيقاظها من فوتها‪ ،‬لتدرك أن للمقاصد الشرعية‪ ،‬وسائل ناجعة‪ ،‬لكي تقوم بالمظاهرات‬
‫واالعتصامات واإلضرابات‪ ،‬فطالئع فرسان الجهاد المدني‪-‬بمـواقفهم الشـجاعة‪ -‬يشـقون مجـرى‬
‫السياسي‪.‬‬ ‫االنحر‬
‫ا‬ ‫النهر‪ ،‬لترسيخ الوسائل السلمية‪ ،‬أسلوبا فعاال في مقاومة‬
‫ألن النفوس جبلـت علـى محاربـة الجبـر والجـور‪ ،‬والتطلـع إلـى الحريـة والعـدل فـإ ا وجـدت‬
‫األمة فوارسها وأبطالها صرعى وقتلى‪ ،‬ووجدت مصـلحيها فـي غيابـات السـجون وأقبيـة التعـذيب‬
‫والتقتيــل‪ ،‬انبثــق فيهــا رأي عــام‪ ،‬طوفــان هــادل كالمــاء‪ ،‬يســير ســيال فــي الش ـوارع‪ ،‬فــال يســتطيع‬
‫الجــالد أن يقاويــه‪ ،‬ألنــه يفــتح الصــدور‪ ،‬ومهمــا قتــل جــالوزة جنــوده‪ ،‬فــإن كثــرة النــاس ســتغلب‬
‫البولير‪ ،‬عندها يستيق البولير من سباته‪ ،‬فينحاز إلى دعاة العدل والشورى‪ ،‬ويدرك أنـه أمـن‬
‫للوطن واألمة والملة‪ ،‬ولير أمنا للطغاة‪ ،‬وقـد يتـدخل الجـيش‪ ،‬فيمنـع الطاغيـة مـن التمـادي فـي‬
‫غيه‪.‬‬
‫وقــد يتــدخل الــرأي العـــام الــدولي‪ ،‬ففــي عصــر اإلعـــالم المفتــوح‪ ،‬ال يســتطيع الســـفاح أن‬
‫يتمـادى‪ ،‬هـذا هــو أسـلوب مدرسـة انــدي‪ ،‬فـي التغييــر السـلمي‪ ،‬و انـدي اســتوحى فكـرة الجهــاد‬
‫السلمي‪ ،‬من ثقافة (فاطمة) تل المسلمة في جنوب أفريقيا التي عرفته باإلسالم‪.‬‬
‫وبهذه الفكرة هزم الهنود اإلمبراطورية التي التغرب عنها الشمر‪.‬‬
‫إنه أسلوب باسم هللا رب الغالم‪ ،‬سرعان ما يشرب الجالد والجزار‪ ،‬من الك س نفسها التي‬
‫سقاها الضحايا‪.‬‬
‫وبذل خسر الجائر حياته وأمنه‪ ،‬وخسر مجد الدنيا‪ ،‬وخسر مجد اآلخرة‪.‬‬
‫لقــد كانــت هــذه الكلمــة الع ـزالء مصــيدة للطاغيــة‪ ،‬حــين اســتهان بهــا‪ ،‬وظــن أنــه ســيعيش‬
‫األمـة‪ .‬ألن‬ ‫محتميا بحصونه الثالثة‪( :‬اإلعالم والشرطة السياسية والمحاكم العسكرية) ر ـم أنـ‬
‫المصـلحين المجاهـدين وال ســيما الشـهداء وي عقــل واسـع‪ ،‬خـدعوا الطاغيــة ا العقـل القاصــر‪،‬‬
‫الطاغية ظن أن ساعات عزه هي آخر المشوار‪ ،‬فانشغل بذاته ولذاته‪ ،‬وكره لقاء خالقـه ورازقـه‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫فظـن أن المجاهـدين المـدنيين مثلـهت مـن طـالب المـال والجـاه والشـهرة والحيـاة الفانيـة‪ ،‬فعــاقبهم‬
‫وفق مقياسه‪.‬‬
‫ولكن المجاهدين رحبوا بهذا العقاب‪ ،‬ألنهم أدركـوا أن مـوتهم حيـاة ألمـتهم‪ ،‬وكـفبتهم تتـنج‬
‫ل مة مشاهد من األفراح واألعياد‪ ،‬ولكن الطغاة ال يعلمون‪:‬‬
‫يقضى على المرء في ساعات محنتـه×حتى يرى حسنـاً مـا لير بالحسـن‬

‫ج= البوصلة والثبات عاصم المصلحين من االنقالب من‬


‫سجون السفاح إلى دواوينه‪:‬‬
‫ومجاهـد الكلمــة وســائر الوســائل الســلمية‪ ،‬كالبيـان والمظــاهرة واالعتصــام‪ ،‬واإلضـراب عــن‬
‫العمل والطعام معرض على كل حال للفتنة‪ ،‬أكثـر مـن مجاهـد السـالح‪ ،‬والنجـاة مـن فتنـة السـراء‬
‫أشق من النجاة من فتنة الضراء‪.‬‬
‫المصـلحين إلـى صـ‬ ‫إلـى صـ ‪ ،‬بقفـزة واحـدة‪ ،‬مـن صـ‬ ‫وقد ينقلب اإلنسان من صـ‬
‫المحبطــين اليائســين الــذين يعممــون تجــربتهم‬ ‫المــداحين والمنــافقين‪ ،‬أو علــى األقــل فــى ص ـ‬
‫الذاتية المحبطة على من حولهم‪.‬‬
‫ولعل شيئا من ل وقع فى العصر األموي لفقهاء كثيرين‪ ،‬بعد إخفـاق مسـعاهم إلصـالح‬
‫السلطان‪ ،‬فى ثـورات ابـن االشـعث والحسـين بـن علـي وثـورة القراء‪،‬عنـدما شـاع فقـه (االرجـاء )‬
‫كالحسن البصري والشعبي وميمون بن مهران رحمنا هللا ونياهم‪.‬‬
‫محمـد بـن األشـعث‪ ،‬إلـى نـديم‬ ‫ومن نما جهم الشعبي‪ ،‬الذي تحول من مصلح ثائر خلـ‬
‫يلقمه عبد المل الطعام‪،‬قائال‪:‬يلحديث يا شعبي أشهى إلي من الماء الباردي‪.‬‬
‫هــذا كمــا رســخ فقــه الضــرورة فــى العصــر العباســي‪ ،‬تحــت عن ـوان ( الصــبر علــى اإلمــام‬
‫الجائر) ‪ .‬ونسب بعد ل إلى السنة والجماعـة‪ ،‬بسـبب الغفلـة التـي رانـت فـي عصـور االسـتبداد‬
‫الصالح‪ ،‬وقـد‬ ‫عن الفرق بين حالة االضطرار وحاالت االختيار‪ ،‬وأطلق عليه بعدها منهج السل‬
‫فنــد الكاتــب هــذا الــوهم فــي كتيب(الســلفية الوســطى‪:‬العدل عــديل الصــالة ال ســلفيات االستســالم‬
‫‪15‬‬
‫للطغاة ما أقاموا الصالة؟‪/‬سلسلة إصدارات مدرسـة ثقافـة الدسـتور والمجتمـع المـدني اإلسـالمي‪/‬‬
‫دار الناقد الثقافي ‪/‬دمشق‪0371 /‬هـ(‪5119‬م)‪.‬‬
‫والذي يت مـل أحـوال النـاس‪ ،‬الـذين تعرضـوا لالضـطهاد‪ ،‬وال سـيما الـذين دخلـوا السـجون‪،‬‬
‫هللا‬ ‫يجــد أن بعــض المصــلحين فتنـوا فلــم يســتمروا‪ ،‬نسـ ل هللا الســالمة واالســتقامة‪.‬ولذل وصـ‬
‫عباده المخلصين بالحرص على االستعا ة من الفتنة إنهـم يـرددون‪ :‬ربنـا ال تجعلنـا فتنـة للـذين‬
‫كفروا‪ ‬أو ‪َّ ‬ربنا ال تزا قلوبنا بعـد إ هـديتنا‪ ‬فالمجاهـد السياسـي‪ -‬إ ا ثبـت وصـبر‪ -‬جـدير بهـذا‬
‫الوسام‪.‬‬

‫‪ =8‬شعار "الشهيد الحي" حقيقة أ مـن أوهـا الرهبـان؟‪ /‬الجهـاد المـدني‬


‫حتى ال ستشهاد مشروع لدحر ال ستبداد‬
‫((الموجز)ت ـ مالت أخــرى فــي حــديث باســم هللا رب الغــالم‪:‬إن الطغــاة وفقهــاء المســكنة‪ ،‬ال‬
‫يريدون أن يتقدم النـاس للتضـحيات‪ ،‬بـل يريـدون أن يموتـوا بـ نواع األمـراض التـي يفرزهـا القهـر‬
‫والفقر كالخمور والمخدرات‪ ،‬كالسكري والقرحة والسرطان‪ ،‬أو في سجون التعذيب والكفبة‪.‬‬

‫أ= أوهام في لباس سنن‪:‬‬


‫بعض الدعاة والفقهاء‪-‬وفقنا هللا ونياهم‪ -‬حرفوا مفهوم الجهاد عبر طرق شتى‪:‬‬
‫أولها‪ :‬خرافة جهاد القلوب التي هي عالمة على مرض القلوب العـام‪ ،‬وقـد بينـا فـي مقالـة‬
‫أخرى أنه ال يصح تطبيق اإلنكار بالقلبت إال إ ا كان فعاال في لجـم الظلـم‪ ،‬أو كـان المنكـر بقلبـه‬
‫ال يزيد عن عشر األمة‪.‬‬
‫ثانيهــا‪:‬توهمهم أن صــورة اإلنكــار باليــد محصــورة بتكســير أوانــي الخمــر‪ ،‬أو ضــرب أهــل‬
‫الفســق‪ ،‬أو حمــل الســيف إلصــالح الحكــم‪ ،‬ونســيانهم أن (المظــاهرة واالعتصــام واإلض ـراب) مــن‬
‫أجدى أنواع جهاد اليد‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثالثها‪:‬الحفــاع علــى الشــر والعــرض أهــم مــن الحفــاع علــى المــال والحيــاة‪ ،‬وهــذه نزعــة‬
‫إنسانية‪.‬ألن البشر الكرام جبلوا على الفداء والتضحية وحب االستشهاد‪ ،‬ورخـص الحيـاة علـيهم‬
‫إ ا كانـــت ليلـــة‪ ،‬فـــالموت العزيـــز لـــديهم خيـــر مـــن الحيـــاة الذليلـــة‪ ،‬كمـــا قـــال عنتـــرة‪:‬‬
‫ال تســــــــــــقني مــــــــــــاء الحيــــــــــــاة بــــــــــــــذلةٍ= بــــــــــــل اســــــــــــقني بــــــــــــالعز كــــــــــــ س الحنظـ ِ‬
‫ـــــــــــل‪.‬‬
‫ِ‬
‫القسطل‬ ‫بـه= أو مت كريماً تحت ظل‬ ‫واختر لنفس منزالً تعلو ِ‬
‫رابعهـــــــــا طلـــــــــب الشـــــــــهادة مشـــــــــروع‪ ،‬تلـــــــــ التـــــــــي قـــــــــال فـــــــــي مثلهـــــــــا خبيـــــــــب‪:‬‬
‫ــــــــــق كــــــــــان فــــــــــي هللا مصــــــــــرعي‬
‫ـــــــــل مسلمــــــــــــاً=على أي شـ ٍ‬ ‫ـــــــــت أبــــــــــالي حــــــــــين أُقتـ ُ‬
‫ولسـ ُ‬
‫ــــــــــــزع‬
‫ِ‬ ‫ــــــــــــلو ممـ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ــــــــــــال شـ‬
‫و الـــــــــــــ فـــــــــــــي ات اإللـــــــــــــه ونن يشــ =يبــــــــــــــــارك علـــــــــــــى أوصـ‬
‫للعالم كله مخازي االستبداد‪ ،‬كما فعل العزيزي في تونر‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنه كش‬
‫يج ـ أر النــاس علــى المطالبــة بحقــوقهم‪ .‬فهلم ـوا إلبــه يــا طــالب‬ ‫خامســها‪:‬أن الفــدائي بــذل‬
‫الحقوق ‪ ،‬واسـتنفروا معكـم كـل مـن حـولكم خفافـا وثقـاال‪ ،‬لنـذود عـن حرماتنـا بـدمائنا‪ ،‬وحرياتنـا‬
‫وحقوقنا‪.‬‬
‫ولعـــل مـــن أســـباب االستشـــكال أن االستشـــهاد علـــى طريقـــة باســـم هللا رب الغـــالم‪،‬‬
‫لم يكن شائعا في عهد النبوة‪ ،‬فهو من أنماط المقاومة‪،‬الوسائل الحديثة‪ ،‬التى ال تكاد تجد نصاً‬
‫عليها في كتـب الفقهـاء المتقـدمين‪ .‬ولكـل عصـر نوازلـه التـي تحـد ‪ ،‬وينبغـي ألهـل العلـم تنــزيل‬
‫الوقائع على النصوص‪ ،‬وعلى الحواد والوقائع المشابهة لها‪.‬‬
‫ولكنه لير من شق العقيدة الروحي‪ ،‬والعبادات التوايفية‪ ،‬بل هو من أساليب الدفاع عن‬
‫الحقوق‪ ،‬وهي مجراها العادات‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ســــــــــ حمل روحـــــــــــي علـــــــــــى راحتـــــــــــي= وألقـــــــــــــي بهـــــــــــا فــــــــــي مهـــــــــــاوي الـــــــــــردى‬
‫فإما حيا ًة تســـر الصديق= ونمــــا مماتاً يغيض العدى‬

‫والسجن‪:‬‬ ‫ب=مشروعية تعريض النفس لألذ‬

‫‪17‬‬
‫إن تعريض النفر للقتل‪( ،‬وهي كمباشرة قتلها( كما سـيبن الكاتـب فـي مقالـة تاليـة)‪ ،‬تلـ‬
‫هي الرسالة التي يوصلها ‪ :‬الحديث الصحيح يباسم هللا رب الغالمي إ ا قدرتم النتائج‪ ،‬فاستدرجوا‬
‫الطاغيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي قــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتلكم‪.‬‬
‫ألن الغـالم دل الملـ علـى كيفيـة قتلــه‪ ،‬فلـم يسـتطع الطاغيـة قتلــه لـوال إقـدام الغـالم علــى‬
‫إعالمه بطرقة قتله‪ .‬و كر ابن تيمية رحمنا هللا ونيـاه (الفتـاوى ‪ )231/58‬أن الغـالم أمـر بقتـل‬
‫نفسه ألجل مصلحة ظهـور الـدين‪ ،‬وال جـرم أن الحكـم الشـوري عـروة الـدين الوثقى‪،‬فيسـتفاد مـن‬
‫ل أنه يشرع لسنسان أن يعرض نفسه للقتـل‪،‬ونن لـب علـى ظنـه أنـه مقتـول‪ ،‬مـادام فـي لـ‬
‫مصلحة للمسلمين‪ ،‬وقد أكد ل األئمة األربعة‪.‬‬
‫أنفســهم‪،‬‬ ‫والصــحابة رضــي هللا عــنهم كــانوا ينغمســون فــي العــدو‪ ،‬يتســببون فــي قتــل‬
‫والمتسبب في الشيء كفاعله‪،‬فقد أعان على قتل نفسه مـن أجـل إحيـاء الـدين‪ ،‬فـدل علـى جـواز‬
‫أن يسعى المجاهد في قتل نفسه لمصلحة جهادية راجحة‬
‫ولحديث باسم هللا رب الغالم له شواهد أخرى‪:‬‬
‫أوال ماورد في حديث الغالم نفسه‪ ،‬أن أصحاب األخدود‪ ،‬كانواي يتعادون فيهـا ويتـدافعوني‪،‬‬
‫أي أنهم كانوا يلقون أنفسهم في النار ب نفسهم‪،‬فهل كانوا منتحرين ؟‬
‫ثانيا‪:‬حديث ي جوج وم جوج وفيه ي‪....‬فيقول المسلمون أال رجـل يشـري نفسـه ‪ ،‬قـد وطـــن‬
‫نفسـه على أنه مقتول؟‪،‬قال ‪ :‬فيتجرد منهــم رجـل لـذل محتسـبا لنفسـه‪،‬ي(رواه أحمـد وابـن ماجـة‬
‫وابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن حبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان والحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاكم وصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــححاه)‪.‬‬

‫وثالثاحـديث الماشـطة‪:‬عن ابـن عبـاس رضـي هللا عنهمـا مرفوعـاً ( ‪:‬لمـا كانـت الليلـة‬
‫التي أسري بي فيها‪ ،‬وجـدت رائحـة طيبـة‪ ،‬فقلـت‪ :‬مـا هـذه الرائحـة يـا جبريـل ؟ قـال‪ :‬هـذه رائحـة‬
‫ماشطة بنت فرعون وأوالدهـا‪ ،‬قلـت‪ :‬مـا شـ نها ؟ قـال‪ :‬بينمـا هـي تمشـط بنـت فرعـون‪ ،‬إ سـقط‬

‫‪18‬‬
‫المشط من يدها‪ ،‬فقالت‪ :‬بسم هللا‪ .‬قالت بنت فرعون‪ :‬أبـي ؟ فقالـت‪ :‬ال‪ ،‬ولكـن ربـي وربـ ورب‬
‫أبي هللا ‪.‬قالت‪ :‬ونن ل رباً ير أبي ؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬ف علمه بذل ؟ قالت‪ :‬نعمي‬
‫يف علمتـه بـذل ‪ ،‬فــدعا بهـا فقـال‪ :‬يــا فالنـة ! ألـ ِ رب يـري ؟ قالـت‪ :‬نعــم‪ ،‬ربـي وربـ هللا‬
‫الذي فـي السـماء‪ ،‬فـ مر ببقـرة مـن نحـاس ف حميـت‪ ،‬ثـم أخـذ أوالدهـا يلقـون فيهـا واحـداً واحـداً‪،‬‬
‫فقالـت‪ :‬إن لـي إليـ حاجـة‪ .‬قـال‪ :‬ومـا هـي ؟ قالـت‪ :‬أحـب أن تجمـع عظـامي وعظـام ولـدي فـي‬
‫ثوب واحد فتدفنا جميعاً‪ .‬قال‪ :‬ل ل ِ بما ل ِ علينا من حق‪ .‬فلم يزل أوالدها يلقـون فـي البقـرة‬
‫حتــى انتهــى إلــى ابــن لهــا رضــيع‪ ،‬فك نهــا تقاعســت مــن أجلــه‪ ،‬فقــال لهــا‪ :‬يــا أمـة اقتحمــي‪ ،‬فــإن‬
‫عذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة‪ .‬فاقتحمتي(أخرجه أحمد وابن ماجة)‬
‫والشاهد في قوله‪ :‬ياقتحمي‪ ...‬فاقتحمتي فهل هذه أيضاً منتحـرة ؟ ولِـم َلـم يكـن مثواهـا‬
‫نهــى رســول هللا صــلى هللا عليــه وســلم‬ ‫إلــى النــار ‪ ،‬وفــي هــذه القصــة رد مــن احــتج بحــديث‪:‬‬
‫التعــــــــــــــــــــــــــــــــــذيب بعــــــــــــــــــــــــــــــــــذاب هللا وهــــــــــــــــــــــــــــــــــو الحــــــــــــــــــــــــــــــــــرق بالنــــــــــــــــــــــــــــــــــار‪.‬‬

‫قال أحد الفقهـاء فهـي قـد ألقـت نفسـها بنفسـها إلـى المـوت فـي لـ التنور‪،‬مـع أنهـا‬
‫تسببت في قتل أوالدها معها أيضاً بإصرارها علـى اإليمـان وتحـدي الطـا وت‪.‬والقاعـدة األصـولية‬
‫هـذه الفعلـة فـي‬ ‫شـرعنا‪ .‬ولـم يـ ت مـا يخـال‬ ‫تقول‪ :‬شرع من قبلنا هـو شـرع لنـا مـا لـم يخـال‬
‫شرعنا‪.‬‬
‫وشاهد رابع‪:‬قد كـر المؤرخـون (فـي فتـوح الشـام)أنه جرحـى المسـلمين الـذي سـقطوا‬
‫(يوم اليرموك)استقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إلـى أحـدهم نظـر إليـه اآلخـر فقـال‪:‬‬
‫ادفعها إليه‪ ،‬فلما دفعت إليه نظر إليه اآلخر فقال‪ :‬ادفعها إليه‪ ،‬فتدافعوها كلهم من واحد إلـى‬
‫واحد حتى ماتوا جميعاً‪-‬من العطش‪ -‬ولم يشـربها أحـد مـنهم‪ ،‬رضـي هللا عـنهم‪ .‬أهــ قلـت‪ :‬هـل‬
‫يعدون من المنتحرين ؟!؟ لـم منـع األول مـنهم نفسـه عـن المـاء وهـو يعلـم إن لـم يشـرب حتمـاً‬
‫سيموت ؟!؟ وكذل اآلخر واآلخر ؟!؟‬
‫‪19‬‬
‫ج= مصطلح الشهيد الحي ‪:‬أليس من أدب الرهبنة؟‪:‬‬
‫إن الطغاة وفقهاء المسكنة‪ ،‬ال يريدون أن يتقدم الناس للتضحيات‪ ،‬بل يريدون أن يموتـوا‬
‫ب نواع األمراض التي يفرزها القهر كالسكري والقرحة‪ ،‬أو في سجون التعذيب والكفبة‪.‬‬
‫إن فقهــــــــــــاء المســـــــــــــكنة ال يفقهــــــــــــون قـــــــــــــول الشــــــــــــاعر‪:‬‬
‫تقضـــــــــــــــي المـــــــــــــــروءة أن نمـــــــــــــــد جسومنـا=جســــــــــــــــــ اًر فقـــــــــــــــل لرفاقنـــــــــــــــا أن يعبـــــــــــــــروا‬
‫إنها ليست جسو ار من إسمنت وحديد‪ ،‬بل من ماهو أقوى‪.‬‬
‫وال يفقهــون قــول الشــهيد ســيد قطــب رحمنــا هللا ونيــاه‪:‬ي النفــوس الضــعيفة يخيــل إليهــا أن‬
‫للكرامة ضريبة باهظة‪ ،‬ال تطاق‪ ،‬فتختار الذل والمهانة هربـاً مـن هـذه التكـاليف الثقـال‪ ،‬فتعـيش‬
‫ق من صداهاي‪.‬‬ ‫وت ْفَر ُ‬
‫عيشة تافهة‪ ،‬رخيصة‪ ،‬مفزعة‪ ،‬قلقة‪ ،‬تخا من ظلها‪َ ،‬‬
‫فكرة(الشهيد الحي)‪ ،‬إ ا كان المقصود بها التحذير من أن ال يغامر المجاهد النفير‪ ،‬وأن‬
‫ال يتصـدى للطاغيــة‪ ،‬وأن ال يعـرض نفســه للقتــل‪ ،‬فكـرة يــر عمليــة‪ ،‬ألن نصـوص الجهــاد حتــى‬
‫االستشهاد قطعية‪،‬فالذين يقدمون حب الدنا على حب الدين والكرامة قوم فاسقون‪،‬‬
‫نعم لير المقصـود بـذم الـدنيا فـي القـران والسـنة أن ال يريـد النـاس الحياة‪،‬فالـدنيا مزرعـة‬
‫اآلخرة‪ ،‬ولكن المقصود أن ال يكره النـاس المـوت‪ ،‬إ ا دعـا داعـي التقـى والحمـى‪ ،‬مـن أجـل حيـاة‬
‫المــؤمن‪ ،‬بــل مزرعــة‬ ‫رخيصــة‪ ،‬فــي ظــالل فســاد ون الل‪ ،‬وقمــع واســتعباد‪ ،‬فالــدنيا ليســت هــد‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫ومن أجل ل تصبح التضحية في سبيل الدفاع عن عزة الملـة واألمـة مـن الجهـاد‪ ،‬الـذي‬
‫يشرع فيه االستشهاد‪ ،‬لكي ال يكون المسلم أقل فقها من أحرار العالم الـذين ناضـلوا كـل سـفاح‪،‬‬
‫الذين أدركوا قانونياحرص على الموت توهب ل الحياةي‪.‬‬
‫ولكي ال يخدرنا الفقهاء الرفبان الذين أصابهم خـور الطبيعـة والعزيمـة‪ ،‬أو شـاوة ضـباب‬
‫الطغيان‪ ،‬فقادوا الناس إلى الهزيمة‪ ،‬ولكي نعلم أنهم أقل فقها من النمل والنحل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ =9‬ما المخرج من النظا التربوي الذي يفرز أمة "كغثاء السيل"؟‬
‫الإيثار يعلمنا التضحية والأنانية تعلمنا الجبن والخوف‬
‫أ=مشروعية تعريض النفس للقتل‪:‬‬
‫لـــير قتـــل الـــنفر أســـلوبا مشـــروعا‪ ،‬فـــي حـــاالت االختيـــار‪ ،‬ولكنـــه مشـــروع فـــي حـــاالت‬
‫االضــطرار‪ ،‬وكــذل هــي مواجهــة الطغــاة‪ ،‬ليســت خيــاران إنمــا هــي اضــطرار‪ ،‬وكــل حركــة دفــاع‬
‫وتضحية‪ ،‬فليست من اال نتحار‪.‬‬
‫الشـرعية‬ ‫فمن قتـل نفسـه محتسـبا‪( ،‬فـي إضـراب عـن الطعـام ونحوه)وقـد راعـى األهـدا‬
‫للجهـاد‪ ،‬التـي هـي الــدفاع عـن الحقـوق الفرديــة والجماعيـة‪ ،‬التـي هـي دفــاع عـن األمـة والدولــة‬
‫والملة‪ ،‬فهو شهيد‪ ،‬فلو أن مجموعة من النـاس صـامت عـن الطعـام‪ ،‬فـي سـجن أو فـي ميـدان‪،‬‬
‫عشرات الساعات‪ ،‬حتى قتلها الظمـ أو الجـوع‪ ،‬وال سـيما تحـت ضـوء وسـائل اإلعـالم‪ ،‬مـن أجـل‬
‫الــدفاع عــن الحقــوق الفرديــة أو الجماعيــةت‪ ،‬لكــان لـ داخــال فــي أعظـم الجهــاد‪ ،‬وأعظــم أنـواع‬
‫االستشهاد‪.‬‬
‫ألن قتل النفر مشروع إ ا كان هدفه سالمة الفرد أو الجماعة من العذاب أو كشـ‬
‫عورات طالب الحقوق الفردية أو الجماعية‪ ،‬ألنها من مصالح األمة العامة‪ ،‬فالوسائل لها حكم‬
‫المقاصد‪،‬مادام المقصد من االستشهاد هـو التنكيـل بالظلمـة ونقامـة معـالم الحكـم الشوري‪،‬وكسـر‬
‫شوكة المستبدين‪ ،‬ونعالء كلمة هللا‪ ،‬فهذه المقاصد كلها مشـروعة‪ ،‬ألنهـا وسـائل حفـ الشـريعة‬
‫والدولة واألمة‪ ،‬فالوسيلة مشروعة أيضاً ‪ ،‬كما قرر األصوليون‪،‬مادامت ال تعـارض نصـا صـريحا‬
‫أو قاعدة قطعية‪.‬‬
‫ومن شواهد ل أن الفرنسيين لما استعبدوا الجزائر‪ ،‬كانوا إ ا أسروا رجال من األعيـان‪،‬‬
‫وخـــــــزوه بـــــــإبرة تســـــــكره‪ ،‬وترخـــــــي مفاصـــــــله‪ ،‬فيبـــــــوح بكـــــــل مـــــــا لديـــــــه عـــــــن المســـــــلمين‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫فاستفتى الناس المتفقهة ف فتتهم‪ :‬أنه يجـوز لسنسـان أن ينتحـر مخافـة أن يـوخز بـاإلبرة‪ ،‬وهـو‬
‫في عداد الشهيد‪.‬‬
‫ب=الفرق بين تعريض النفس للقتل ومباشرة قتلها‪:‬‬
‫والــــــــــــــــــــــــــــــــــدال علــــــــــــــــــــــــــــــــــى قتـــــــــــــــــــــــــــــــــــل نفســــــــــــــــــــــــــــــــــه كقاتلهـــــــــــــــــــــــــــــــــــا‪.‬‬
‫كما قال أحد الفقهاء‪:‬ال يفرق بين الدال على قتل نفسه في سبيل هللا إلعالء كلمة هللا وبين مـن‬
‫يقتلهــا فــي ســبيل هللا إلعــالء كلمــة هللا إال مــن انــتهج نهــج الظاهريــة ‪ ،‬الــذين أجــازوا أن يبــول‬
‫الرجــل فــي كــوب ثــم يســكبه فــي المــاء الراكــد‪ ،‬وقــالوا‪ :‬هنــاك فــرق بــين البــول فــي المــاء مباشــرة‬
‫والبول في الكوب‪ ،‬وقالوا إن البول في الكوبت ال يشمله النهي عن البول في الماء الراكد‪.‬‬
‫قتـل نفسـه ولـم يقتلهـا بنفسـه‪ ،‬ألن‬ ‫وبنـاءا علـى لـ ت ال يصـح أن يقـال‪:‬الغالم دل علـى‬
‫المتسبب في الشيء كفاعله‬
‫وال حجة لمن اعتبر ل من تقليد الرومان واليونـان فـي حفـاظهم علـى شـرفهم‪ ،‬قـال أحـد‬
‫الفقهاء‪:‬إ ا وافق الكفار الفطرةت فنحن أحق بها منهم‪ ،‬وكما في الحـديث عـن ابـن عبـاس رضـي‬
‫هللا عنهمـا قـال‪ :‬قـدم النبـي صـلى هللا عليـه وسـلم المدينـة فـرأى اليهـود تصـوم يـوم عاشـوراء‪.‬‬
‫نجى هللا بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا ؟ فقالوا‪ :‬هذا يوم صالح هذا يوم ًّ‬
‫قال‪ :‬ف نا أحق بموسى مـنكم‪ .‬فصـامه وأمـر بصـيامه(متفق عليـه)‪ .‬عـن عائشـة رضـي هللا عنهـا‬
‫أن قريشـاً كانـت تصـوم يـوم عاشـوراء فـي الجاهليـة ثـم أمـر رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‬
‫بصيامه حتى فرض رمضان وقال الرسول صلى هللا عليه وسـلم‪ :‬مـن شـاء فليصـمه ومـن شـاء‬
‫أفطر (رواه البخاري)‪،‬فهل يقول قائل صوم عاشوراء من ابتكار يرنا‪.‬‬
‫وفــي حــديث أبــي هريــرة مرفوعــا يإنمــا بعثــت ألتم ـم ص ـوالح األخالقي‪،‬وفــي روايــة يحســن‬
‫األخالقي‪ ،‬وفي رواية الموط يمكـارم األخـالقي (وكلهـا روايـات صـحيحة) فصـوالح األخـالق فطـرة‬
‫هللا التي فطر الناس عيها‪ ،‬وقد اهتدت إليها الطبائع البشرية‪ ،‬وأكدتها الشرائع السماوية‪.‬‬
‫ج=للحكم العضوض أساليب ينبغي التصدي لها بأساليب فعالة‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫فحــذار مــن فتــاوى فقهــاء المســكنة‪ ،‬الــذين لــم يجاهــدوا الطغيــان‪ ،‬لكــي يتمرس ـوا ب ســاليب‬
‫المقاومة‪ ،‬فال يصح أخذ فتاوى المقاومة والجهاد مـن القعـدة‪ ،‬عـن الجهـاد المدني‪،‬وقـد كـر ابـن‬
‫تيميــة رحمنــا هللا ونياه(الفتــاوى ‪)335/58‬أن اإلمــامين عبــد هللا بــن المبــارك وأحمــد بــن حنبــل‬
‫الناس في شيء قالوا‪ :‬فانظروا ما ا عليـه أهـل الثغـر‪ ،‬فـإن الحـق معهـم ألن‬ ‫و يرهما إ ا اختل‬
‫هللا يقــــــول‪ :‬أهــــــل فــــــإن الحــــــق معهــــــم‪ ،‬ألن هللا يقــــــول‪ :‬والــــــذين جاهــــــدوا فينــــــا لنهــــــدينهم‬
‫سبلنا(العنكبوت‪.)99:‬‬
‫فال ايمة لفتاوى فقهاء اإلنكار بـالقلوب‪ ،‬فـي علـم (المناسـ ) فمـا بالـ بفتـاواهم فـي علـم‬
‫(المعائش)ونن يغروا الناس بصالح أشخاصهم وقوة اكرتهم على حف المتون ‪.‬‬
‫إنه ال يدرج جهـاد االستشـهاد واإلقـدام‪ ،‬فـي أبـواب االنتحـار واإلحجـام‪ ،‬إال افـل أو فقيـه‬
‫ظاهري ال يؤمن بالقياس‪ ،‬أو متمسكن يكره التضحية يرضى العيش في الهوان‪.،‬‬
‫ومن أخذ فتاوى أهل المسكنة والرهبنة‪ ،‬الذين يشيعون في األمة الهزيمة‪ ،‬فهو كمن يسلم‬
‫يده ألعمى يهديه‪.‬‬
‫هؤالء ال يفقهون قول مانديال‪:‬يإننا نقتل أنفسنا عندما نضيق خياراتنا فـي الحيـاة‪ ،‬العظمـة‬
‫في هذه الحياة ليست في التعثر‪ ،‬ولكن في القيام بعد كـل مـرة نتعثـر فيهـا‪ ،‬إن اإلنسـان الحـر‬
‫كلما صعد جـبالً عظيمـاً وجـد مـن ورائـه جبـاالً أخـرى يصـعدها‪ ،‬الحريـة ال يمكـن أن تعطـى علـى‬
‫جرعات‪ ،‬فالمرء إمـا أن يكـون حـ اًر أو ال يكـون حـ اًر‪ ،‬الجبنـاء يموتـون مـرات عديـدة قبـل مـوتهم‪،‬‬
‫والشـــــــــــــــــــــــــــــــــجاع ال يـــــــــــــــــــــــــــــــــذوق المـــــــــــــــــــــــــــــــــوت إال مـــــــــــــــــــــــــــــــــرة واحـــــــــــــــــــــــــــــــــدةي‪.‬‬
‫في ظالل الحكم البوليسي قـد تقـل وسـائل الـدفاع السـلمية عـن الحقـوق‪ ،‬فالـدول البوليسـية قـد‬
‫تالحق الناس في كل مكان‪ ،‬وال سـيما عنـدما تكـون أعـدادهم قليلـة‪ ،‬أو تكـون مظـاهراتهم فبـات‬
‫عابرة‪ ،‬ال تقدر على االستمرار بضعة أيام‪ ،‬فتحمل رموزهم إلى السجون‪ ،‬فيقبعـون فيهـا‪ ،‬عرضـة‬
‫للمخدرات واألمراض النفسية والجنون‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫أ ن موت الفـدائي علـى هـذه الحالـة خيـر مـن أن يمـوت قطعـة قطعـة فـي زنـازين التعـذيب‪،‬‬
‫التي قال عن الموت فيها امر القير‪:‬‬
‫فلو أنها نفر تموت جميعة ولكنها نفر تساقط أنفسا‬
‫االنتحار المذموم هو أن يقتل المرء نفسه‪ ،‬عنـدما تنهـار أعصـابه‪ ،‬مـن أجـل أن يـتخلص‬
‫من تبعة الحياة‪،‬ي سا وجزعا وقنوطا‪ ،‬أما أساليب الدفاع عن الكرامة والشر والمـروءة والعـرض‬
‫والمال والدين‪ ،‬فهي من الجهاد المبين‪ ،‬ولكن ضحايا فقه الرهبنة اليشعرون‪.‬‬

‫د=محطات الرحلة الثالث‪ :‬اإليثار فالتضحية فالنجاح‪:‬‬


‫كيف نخرج من نظام ي ثاء السيلي التربوي‪ ،‬الـذي نبهنـا إلـى خطورتـه المصـطفي‪ ،‬فـي مـا‬
‫رواه ثوبــان رضــي هللا عنــه‪ ،‬قــال قــال رســول هللا صــلى هللا عليــه وسلمييوش ـ األمــم أن تــداعى‬
‫قلــة نحــن‬ ‫علـيكم كمــا تـداعى األكلــة إلـى قصعتها‪ ،‬القصــعة إنــاء فيـه طعام فقــال قائـل ‪ :‬ومــن‬
‫يومئذ ؟ قال‪ :‬ال بل أنتم يومئذ كثيـر‪ ،‬ولكـنكم ثـاء كغثـاء السـيل‪،‬ولينزعن هللا مـن صـدور عـدوكم‬
‫المهابة منكم ‪ ،‬وليقذفن هللا في قلوبكم الوهن ‪ .‬فقال قائل ‪ :‬يا رسول هللا ! وما الوهن ؟ قال ‪:‬‬
‫حب الدنيا وكرافية الموتي(صححه أبو داوود واأللباني)‪.‬‬
‫مامعنى هذا الحديث؟‬
‫معنـــاه ال مخـــرج لنـــا مـــن الطغيـــان إال باإليثـــار‪ ،‬اإليثـــار يعلممـــا الشـــجاعة والتضـــحية‬
‫باإليثــار‪ ،‬واإليثــار يفــرز التضــحية‪ ،‬والتضــحية تفــرز‬ ‫للجماعــة‪ ،‬واألنانيــة تعلمنــا الجــبن والخــو‬
‫الشـــجاعة والعزيمـــة‪ ،‬وبالعزيمـــة يـــتعلم النـــاس فـــن النجـــاح‪ ،‬كـــالتنظيم والمبـــادرة واالســـتراتيجية‬
‫والتكتي ‪.‬‬
‫والتضحية تلهم طرق االستقامة والنجاح والتفوق يوالذين جاهدوا فينا‪ ،‬لنهدينهم سبلناي‬

‫‪33‬‬
‫‪=01‬إن لم نتعلم من الإفرنج والهنود فلنتعلم من النحل والنمـل و القـرود‬
‫كي ل نستمر أمة مستعبد ة "كغثاء السيل"‬
‫أ=اإلرادة والنجاح‪:‬‬
‫قرر عديد مـن دارسـي الحضـارة أن التحـدي يشـحذ همـم أمـم إلـى النجـاج‪ ،‬ويهـبط بـ خرى‬
‫إلى االندثار‪ ،‬والفرق في ل ثقافة الكرامـة واإليثـار‪ ،‬إ ا ملـ شـعب ثقافـة الكرامـة واإليثـار قـاوم‬
‫فنجح‪ ،‬ون ا كانت التربية تلهمه الذلة واألنانية اندثر واندحر‪ ،‬ولن نخوض في ما أطال فيه عديد‬
‫لوبون)‪.‬‬ ‫من كتاب الحضارة كـ(ديورنت) و( ستا‬
‫عنــد ثقافــة التضــحية‪ ،‬وبيــان ارتباطهــا بصــفات الشــهامة‬ ‫لكــن الغــرض مــن ل ـ الوقــو‬
‫واإليثار‪ ،‬وعلى ثقافة الوهن‪ ،‬وعالقتها باألنانية(حب المجد الشخصي والصيت والشهرة والمال)‪.‬‬
‫فكيف نخرج من نظام ي ثاء السيلي التربوي‪ ،‬الذي نبهنا إلى خطورتـه المصـطفي‪ ،‬فـي مـا‬
‫رواه ثوبــان رضــي هللا عنــه‪ ،‬قــال قــال رســول هللا صــلى هللا عليــه وسلمييوش ـ األمــم أن تــداعى‬
‫قلــة نحــن‬ ‫علـيكم كمــا تـداعى األكلــة إلـى قصعتها‪ ،‬القصــعة إنــاء فيـه طعام فقــال قائـل ‪ :‬ومــن‬
‫يومئذ؟ قال‪ :‬ال بل أنتم يومئذ كثيـر‪ ،‬ولكـنكم ثـاء كغثـاء السـيل‪،‬ولينزعن هللا مـن صـدور عـدوكم‬
‫المهابة منكم ‪ ،‬وليقذفن هللا في قلوبكم الوهن ‪ .‬فقال قائل ‪ :‬يا رسول هللا ! وما الوهن ؟ قال ‪:‬‬
‫حب الدنيا وكرافية الموتي(صححه أبو داوود واأللباني)‪.‬‬

‫ب=إن لم نتعلم من القرآن والسنة‪ :‬أفال نتعلم من النمل والنحل‪:‬‬

‫ولن نخرج من ثقافة الوهن مالم نتعلم مـن النمـل‪ ،‬إنهـا عنـدما تريـد أن تجتـاز جـدوال (فـي‬
‫حــدود مئــة ســنتيمتر) تمتــد فــوق صــفحة المــاء متشــابكة األيــدي واألرجــل‪ ،‬حتــى تكــون جس ـرا‪،‬‬
‫متماسكا بعضها ببعض‪ ،‬كما يتشـاب قضـبان جسـر الحديـد‪ ،‬وقـد يهلـ منهـا العشـرات أوالمئـات‬
‫ولكنها تعبر فوقه‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫تمتــاز النمــل أيضــا بالتضــحية‪ ،‬فــي الــدفاع عــن المســاكن‪ ،‬وتضــحي حتــى الموت‪.‬وتوجــد‬
‫أشكال عديدة لهذا الدفاع االنتحاري ‪.‬منها األسلوب الذي يتبعه النمل الـذي يعـيش فـي الغابـات‬
‫الذي يتميز بغدة سمية‪ ،‬تمتـد مـن رأس النملـة حتـى مـؤخرة جسـمها‪.‬وان فـإ ا حوصـرت مسـاكن‬
‫النمل‪ ،‬فجرت هذه الغدة بوجه أعدائها‪ ،‬وتنساق إلى حتفها‪ ،‬ولكنهـا دفعـت الغـازي عـن مسـاكن‬
‫جماعتها‪.‬‬
‫وأبسط مثال على اإليثار هو سلوك النحل‪ ،‬فـإ ا حـاول عـدو االقتـراب مـن مـدخل الخليـةت‬
‫تبدأ بالدفاع عضا ولسعا‪،‬ويشتد رفيف أجنحتها إنـذا ار سـكان الخليـة‪ ،‬بخطـر داهـم ك نهـا صـفارة‪،‬‬
‫وتستخدم إبرها الالسعة‪ ،‬سالحا فعاال ضد العدو المهاجم‪.‬وتفرز سما له رائحة مميـزة تنتشـر فـي‬
‫كافة أنحاء الخلية‪ ،‬إنذا ار على الخطر الداهم‪.‬‬
‫النحلــة الواحــدة‪،‬‬ ‫فلنــتعلم مــن دفاعهــا (الــدبور) المهــاجم ‪ ،‬الــذي حجمــه خمســة أضــعا‬
‫وطوله ‪ 8‬سنتيات‪ ،‬إنها تقاتل وتستبسل‪ ،‬وتنهكه قرصا ولسعا‪ ،‬لكـي اليـدخل خليتهـا‪ ،‬وهـي تعلـم‬
‫يقينا أنها ستموت‪ ،‬فإبرتها الالسعة تبقى مغـروزة فـي الجسـم الـذي تلسـعه و نظـ ار الرتبـاط هـذه‬
‫اإلبرة الوثيق باألعضاء الداخلية للحشرة فإنها تسـحب معهـا هـذه األعضـاء خارجـا متسـببة فـي‬
‫موت النحلة‪ ،‬وتتكوم أشـال ها علـى مـدخل الخليـة‪ ،‬تلـ الـنحالت الحارسـة إنمـا تضـحي بحياتهـا‬
‫من أجل سالمة باقي أفراد الخلية‬
‫ولهــذا الســم رائحــة‪ ،‬يــؤدي انتشــار‬ ‫ون ا لــد ت النحلــة عــدوها بإبرتهــا تبــدأ بــإفراز الســم‬
‫الرائحة‪ ،‬إلى تداعي النحل إلى المكان‪ ،‬وكلما ازدادت رائحة السم داخل الخلية كلمـا ازداد النحـل‬
‫فيجانـــــــــــــــــــــــــــــــــــا وشراســـــــــــــــــــــــــــــــــــة ضـــــــــــــــــــــــــــــــــــد الغـــــــــــــــــــــــــــــــــــازي الغاصـــــــــــــــــــــــــــــــــــب‪.‬‬
‫ويتجمع سكان الخلية عند المدخل للمساهمة في القتال ضد العدو الغريب‪.‬‬
‫تحتـوي علــى‬ ‫إن مهمـة الـدفاع عــن الخليـة تعتبـر انتحــا ار ‪ ،‬ألن إبـرة النحـل الالســعة‬
‫ر س مدببة مثل أشواك القنفذ ‪ ،‬وال يمكن للنحلـة أن تسـحب إبرتهابعـد رزهـا فـي جسـم حيـوان‬

‫‪36‬‬
‫بسـهولة‪ ،‬وعنــدما تحــاول الطيـران تبقــى اإلبــرة مغــروزة فــي جســم الغــازي الغاصــب‪ ،‬فينــز مكــان‬
‫اإلبرة في النحلة‪ ،‬جرحا ينز وينز ‪ ،‬حتى تلف أنفاسها األخيرة‪ ،‬عندها يقوم النحل باالستفادة‬
‫من سمها‪ ،‬بعد موتها‪ ،‬وتضخه في جرح الغازي الغاصب‪ ،‬حتى تثخنه الجراح فيهل ‪.‬‬
‫أفال نتعلم من سلوك حشرة تضحي بحياتها‪ ،‬من أجل سالمة بني جنسها‪ ،‬والنحل والنمـل‬
‫انتحاريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن أجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل الجماعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة‪) .‬‬
‫وكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل مــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن النحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل والنمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل‬
‫تتعاون في ما بينها من أجل البقاء والدفاع عن نفسها ‪ ،‬فريقا متكامال‪ ،‬مستعدا للتضـحية حتـى‬
‫المـوت‪ ،‬وأكـد علمـاء الحشـرات نزعـة النمـل والنحـل‪ ،‬فـي التضـحية بـالنفر مـن أجـل المجموعــة‪،‬‬
‫التكـاد تظهـر عنـد أي حيـوان آخـر‪ ،‬فهـي علـى عكـر الحشـرات والحيوانـات األخـرى‪ ،‬التـي تتسـم‬
‫بـ“األنانية” فيفضل أفرادهاالهرب إ ا تعرضت ألي خطر‪،‬في كلها العدو المهاجم واحدة بعد أخـرى‪،‬‬
‫كالغنم والشياه‪.‬‬
‫ما معنى قوله تعالىي وأوحى رب إلى النحلي؟‬
‫ألير معناه قول الشاعر‪:‬‬
‫تقضي المروءة أن نمد جسومنا=جس ار فقل لرفاقنا أن يعبروا‬

‫ج=كيف نتعلم من القرود‬


‫ثمـة عالقـة بـين مبـدأ الشـعور الحقيقـي بــ(المساواة) و(اإليثـار)‪ ،‬فكلمـا آمـن النــاس‬
‫بالمساواة‪ ،‬صاروا ميالين إلي (الدمقراطية)‪ ،‬ومن ثم إلى اإليثار والتضحية‪.‬‬
‫ولير ل سلوكا خاصـا باإلنسـان‪ ،‬بـل هـو شـعور يظهـر فـي بعـض الحيوانـات‪ ،‬وقـد أكـد‬
‫علمـــــــاء الحيـــــــوانتأن قواعـــــــد الديموقراطيـــــــة قـــــــد عرفـــــــت أيضـــــــاً فـــــــي مجتمعـــــــات بعـــــــض‬
‫الحيوانات‬
‫فلنضرب سلوك القرود مثال‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫ـــــــــــــر عــــــــــــــن‬
‫ا‬ ‫ثمــــــــــــــة بحــــــــــــــو جديــــــــــــــدة كشــــــــــــــفت كثيـ‬
‫قدرات القرود العجيبة‪ ،‬على اإليثار والتجم والتضحية‪.‬‬
‫لقــــــــــــــــــــــــــــــــد توصـــــــــــــــــــــــــــــــــل علمــــــــــــــــــــــــــــــــاء فرنســـــــــــــــــــــــــــــــــيون إلـــــــــــــــــــــــــــــــــى أن‬
‫القـــــرود تطبـــــق فيمـــــا بينهـــــا ديمقراطيـــــة راايـــــة فـــــي عالقاتهـــــا‪ ،‬مثـــــل فصـــــيلة “ماكـــــاك‪”.‬‬
‫نعـــــــــــــــــــــــــــــــــــم مـــــــــــــــــــــــــــــــــــن الصـــــــــــــــــــــــــــــــــــعوبة البحـــــــــــــــــــــــــــــــــــث عـــــــــــــــــــــــــــــــــــن‬
‫برلمانـــــــات أو حكومـــــــات أو محـــــــاكم دســـــــتورية أو انتخابـــــــات منتظمـــــــة فـــــــي‬
‫المجتمعـــات الحيوانيـــة‪ ،‬ألن هـــذه المؤسســـات هـــي صـــناعة بشـــرية خالصـــة‪ ،‬تقـــوم علـــي‬
‫تنظــــيم حيــــاة المجتمــــع طبقــــاً ألســــر ثابتــــة‪ ،‬ولكــــن مــــن المــــدهش حقــــاً أن توجــــد‬
‫حيوانـــات‪ ،‬تعـــيش هـــي األخـــري فـــي مجتمعـــات منظمـــة وراايـــة للغايـــة‪ ،‬حيـــث اســـتخدمت‬
‫ميكــــــــــــــانيزم مكتســــــــــــــباً يقــــــــــــــوم علــــــــــــــي أســــــــــــــاس اختيــــــــــــــار حكومــــــــــــــة األكثريــــــــــــــة‪.‬‬

‫وأوضــــــــــــــح علمــــــــــــــاء فرنســــــــــــــيون فــــــــــــــي المركــــــــــــــز‬


‫القــــــومي للبحــــــو العلميــــــة‪ ،‬أنهــــــم يرصــــــدون ويحللــــــون منــــــذ عــــــدة ســــــنوات حيــــــاة قــــــردة‬
‫(ماكاك)‪ ،‬التي تعيش في الجزر االندونيسية‪.‬‬

‫وتوصـــــــــلوا فـــــــــي خالصـــــــــة هـــــــــذه البحـــــــــو إلـــــــــي أن مجتمــــــــــع‬


‫)الماكـــاك( يتفـــق فيمـــا بينـــه علـــي تنفيـــذ أي عمـــل مـــن االعمـــال مـــن خـــالل عمليـــة‬
‫اســــتفتاء وانتخــــاب جمــــاعي‪ ،‬فــــإ ا حــــدثت مشــــكلة مــــا‪ ،‬فــــإن ايــــادة الجماعــــة تجتمــــع وتتخــــذ‬
‫القـــــرار لحـــــل هـــــذه المشـــــكلة‪ ،‬ون ا كـــــان لـــــدي ‪H‬حـــــد القـــــردة رأي أو فكـــــرة للحـــــل‪،‬‬
‫فإنــــه يقــــوم بطــــرح فكرتــــه هــــذه علــــي اآلخــــرين‪ ،‬ثــــم يخــــرج مــــن االجتمــــاع‪ ،‬بانتظــــار الحــــل‪،‬‬
‫لكـــــــــــن الحـــــــــــل األخيـــــــــــر يبقـــــــــــي محصـــــــــــو ار بيـــــــــــد اللجنـــــــــــة أو مجلـــــــــــر القيـــــــــــادة‪.‬‬
‫والقــــــــــــــردة التــــــــــــــي تستحســــــــــــــن الفكــــــــــــــرة أو المقتــــــــــــــرح‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫ولـــديها رغبـــة لتحقيـــق الحـــل المطـــروح‪ ،‬تعبـــر عـــن موافقتهـــا مـــن خـــالل اإلشـــارة‪ ،‬ون ا‬
‫االعضـــاء‪ ،‬فإنـــه ســـيحظي بالموافقـــة‪ ،‬أمـــا‬ ‫حصـــل المقتـــرح األصـــلي علـــي أكثريـــة نصـــ‬
‫األقليــــة البرلمانيــــة‪ ،‬فإنهـــــا تخضــــع إلرادة األكثريـــــة مــــن دون أي شـــــروط‪ ،‬ويصــــبح‬
‫القرار خاضعاً للتنفيذ‪.‬‬
‫وعنــــــــــد تنفيـــــــــــذ هــــــــــذا القـــــــــــرار‪ ،‬يلتـــــــــــزم الجميــــــــــع بـــــــــــاحترام‬
‫طبيعـــة القـــوانين الســـائدة فـــي المســـتعمرة‪ ،‬فضـــالً عـــن مشـــاركة الجميـــع فـــي تنفيـــذه‪،‬‬
‫وال يســــتثني مــــن لــــ اإلنــــا أو الــــذكور أو حتــــي الصــــغار‪ ،‬ويلتــــزم هــــؤالء جميعــــاً‬
‫بالقواعد الديموقراطية‪ ،‬بصورة منتظمة ومستمرة‪.‬‬

‫هــــــــــــذا ديــــــــــــدن قردة(الماكاك)أمــــــــــــا ألنــــــــــــواع األخــــــــــــري مــــــــــــن القــــــــــــردة‪ ،‬فــــــــــــإن‬


‫الهيئــــــــــــــة القياديــــــــــــــة تنحصــــــــــــــر بالــــــــــــــذكور‪ ،‬و تســــــــــــــتبعد اإلنــــــــــــــا مــــــــــــــن أي دور‬
‫ايـــــــــــــــــادي‪ ،‬وهـــــــــــــــــذا النظـــــــــــــــــام االجتمـــــــــــــــــاعي عنـــــــــــــــــد مجتمـــــــــــــــــع (الغـــــــــــــــــوريال(‪.‬‬

‫ويعتبــــــــــــر (الماكــــــــــــاك) مــــــــــــن أكثــــــــــــر أنــــــــــــواع القــــــــــــردة كــــــــــــاء‬


‫وفطنــة وقــدرة علــي التصــر االجتمــاعي المنضــبط‪ ،‬فض ـالً عــن ســلوكه الطبيعــي الهــادل‬
‫والمؤدب‪.‬‬
‫فلنت مل سلوك القردة عندما تهاجم أو تهاجم‪ ،‬كيف تتوحد وتقـاوم‪ ،‬هـذا مـا أوحـاه هللا إلـى‬
‫القرود بالفطرة والطبيعة‪ ،‬وأوحاه إلى البشر بالطبيعة والشريعة معا‪،‬‬
‫بل إن التربية على المساواة‪ ،‬أنتجت ما حد من تقدم بشـري‪ ،‬وهـذا مـا وقـع عنـد الغـرب‪،‬‬
‫بل إن الهنود وهم أكثر من مئة دين ومئة جنر ومئة لغة توحدوا‪ ،‬ولكن التربيـة الفاسـدة‪ ،‬التـي‬
‫ينتجها االستسالم للقمع السياسي‪ ،‬تجعل األمة ثاءا كغثاء السيل‪ ،‬تكـره المـوت وتحـب الحيـاة‪،‬‬
‫وترفض قول عنترة‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫ال تسقني ماء الحياة بذلة=بل فاسقني بالعز ك س الحنظل‬

‫‪=11‬متى انهد الحكم الشوري؟‬

‫عندما نادى الرهبان بجهاد القلوب‬


‫د بيتنا‪:‬‬ ‫أ – ترك الجهاد السياسي هو الذي ه ّ‬
‫هذا جهاد السلم الداخلي في صفائه‪ ،‬وحياطته شؤون األمـة بسياسـة مصـالح النـاس‪ ،‬بـه‬
‫تــتم حراســة شــطري الشــريعة‪ :‬إقامــة المناس ـ ونقامــة المعــائش‪ ،‬هــذا مــا تقــرره مقاصــد الشــريعة‬
‫الكليـة‪ ،‬التـي صـرحت بهــا نصـوص لفظيـة واسـتقراءات معنوية‪،‬صــريحة قطعيـة الداللـة والــورود‪،‬‬
‫األمــوي الصــالح ومــن بعــده مــن‬ ‫األمــة الصــالح الراشــدي‪ ،‬وجســدها الســل‬ ‫أجمــع عليهــا ســل‬
‫الفقهاء األح اررالذين قرروا‪ -‬كما كـر الغزالـي والجـويني والنـووي و يـرهم‪- ،‬أن األمـر بـالمعرو‬
‫والنهي عن المنكر عمومـا واإلصـالح السياسـي خصوصـا واجـب‪ ،‬وأن األمـة ال تبـ أر جماعـات وال‬
‫أفـراداً‪ ،‬إ ا لــم يــزل المنكــر‪ ،‬وأن الذمــة ال تبـ أر بكلمــة أو مطالبــة فرديــة‪ ،‬حتــى تــزول المنكـرات‪.‬وال‬
‫تزول المنكرات إال بالتجمع والتكتل‪ ،‬الـذي ال تقـوم فيـه النخبـة بواجبهـا فـي ايـادو الجمـاهير إلـى‬
‫التغيير‪.‬‬
‫ولكــن األمــة العربيــة اإلســالمية‪ ،‬خــالل عصــور االستســالم لالســتبداد جــرت علــى عــادات‬
‫السياسـي‬ ‫النـاس المنكـر السياسـي‪ ،‬حتـى كثـر وانتشـر‪ ،‬وكرهـوا المعـرو‬ ‫التواكل والغفلـة‪ ،‬فـ ل‬
‫حتى هجر واندثر‪ ،‬حتى كادوا ال يعدون هذا معروفـاً‪ ،‬وال يعتبـرون اك منكـ اًر‪ ،‬عنـد لـ أصـبحوا‬
‫ير جديرين بحياة االستقرار واألمن‪ ،‬والعزة والكرامة والحرية والمساواة والعدالة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وعندما بدأ الخلـل منـذ العصـر األمـوي‪ ،‬لـم يعـالج العـالج الشـافي‪ ،‬ولـم يؤخـذ جهـاد السـلم‬
‫المــدني علــى أنــه جهــاد داخلــي‪ ،‬أهــم مــن جهــاد الحــرب الخــارجي‪ ،‬ألن أي أمــة ال تســتطيع دفــع‬
‫فـي قيـود الطغيـان الـداخلي‪ ،‬فتـدحرجت األمـة مـن القمـة إلـى‬ ‫العدوان الخارجي‪ ،‬ما دامت ترسـ‬
‫الحضيض عبر القرون‪ ،‬ألن الخلل في المبنى‪ ،‬بدأ شرخاً صـغي اًر ضـئيالً‪ ،‬ثـم اتسـع حتـى سـقطت‬
‫بعض الجدران‪ ،‬ثم توالى سقوط الجدران‪ ،‬حتى سقطت السقو ‪ ،‬ثم انهار المبنى‪.‬‬
‫بدأ الحريق شـرارة صـغيرة فـي الغابـة‪ ،‬مـن عقـب سـيجارة مـدخن‪ ،‬ثـم انتشـر دخانـاً ضـئيالً‪،‬‬
‫حتى صار حريقاً مستطي اًر‪ ،‬بدأ شقاً صغي اًر في السد‪ ،‬يتسرب منه الماء نقطـاً وقطـرات‪ ،‬ثـم اتسـع‬
‫الخرق‪ ،‬حتى انهار السد وجاء طوفان العرم‪ ،‬ف هل الحر والنسل‪.‬‬
‫وهكذا مر انهيار األمة ب جيال ومراحل‪ ،‬حين فقد الناس زمام المبادرة السلمية‪ ،‬ولم ِ‬
‫يفعلـوا‬
‫السياسـي‪،‬‬ ‫مبدأ الجهاد المدني األكبر‪ ،‬ولم يحولـوه إلـى تقاليـد وعـادات راسـخة‪ ،‬تقـاوم االنحـ ار‬
‫ولــم ينشــئوا اآلليــات والهياكــل التــي أنش ـ ها الغــرب اليــوم‪ ،‬التــي تجمــع شــتاتها عبــارة يالمجتمــع‬
‫المدنيي فلم يستطيعوا بعد ل أي شيء جوهري في اإلصالح‪.‬‬
‫ألن السلطة المستبدة كالوحش يولد صغي اًر لطيفاً من دون أنياب وأظفار‪ ،‬ثم تنمو مخالبه‬
‫وأظفاره وأنيابه‪ ،‬حتى يشتد ب سه‪ ،‬فال يستطيع أحد أن يقلمها‪ ،‬ومـن يقـدر علـى أن يمسـ بليـث‬
‫متوحش‪ ،‬فيقلم أظفاره‪ ،‬فال يخمش‪ ،‬ومن يستطيع أن ينزع أنيابه‪ ،‬فال ينهش‪:‬‬
‫وال تلين إ ا كانت من الخشب‬ ‫إن الغصون إ ا قومتها اعتدلت ×‬
‫وشـيئاً فشـيئاً ســقط المسـلمون فـي حفــر التـ خر‪ ،‬عنـدما ابتلعــت الدولـة التجمعـات األهليــة‬
‫المدنيــة‪ ،‬وحولــت بعضــها إلــى تجمعــات حكوميــة‪ ،‬فصــار المســجد وهــو أحــد فياكــل التجمعــات‬
‫المدنية األهلية‪ ،‬مؤسسة رسمية‪ ،‬تعين الدولة إمامه ومؤ نه وخطيبه وواعظه‪.‬‬
‫حتى انهار البنيان الداخلي والخارجي معاً‪ ،‬فسامهم المستعمر سوء العذاب‪ ،‬وأ اقهم ألوان‬
‫القتــل المــادي والمعنــوي‪ ،‬وأفســد أخالقهــم‪ ،‬وانتهــب ثــرواتهم‪ ،‬ونشــر الكفــر واإللحــاد فــي حيــاتهم‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫وواكبه الطغيان الداخلي‪ ،‬فاستبد وتجبر واحتكر اإلدارة والرئاسة‪ ،‬ونهب األموال‪ ،‬واستعبد األمـة‪،‬‬
‫فذلت األمـة بعـد عـزة‪ ،‬وأهينـت بعـد كرامـة‪ .‬مصـداقاً لقـول الرسـول الكـريم‪« :‬ال يقـدس هللا أمـة ال‬
‫يقضي فيها بالحق‪ ،‬وال ي خذ الضعيف حقه من القوى ير متعتـع» (رواه الطبرانـي والبـزار وابـن‬
‫ماجه)‪.‬‬
‫وبــذل وصــلت األمــة إلــى النتيجــة الطبيعيــة‪ ،‬إلهمــال التواصــي بالجهــاد الســلمي الــداخلي‪،‬‬
‫المدني والنهي عن الفواحش‪ ،‬ف اقها هللا العقاب الذي ال يمكن أن يتخلـ ‪ ،‬إ‬ ‫واألمر بالمعرو‬
‫إنه جار على سنن هللا االجتماعية التي ال تتبدل وال تتغير «سنة هللا ولن تجـد لسـنة هللا تبـديالً‪،‬‬
‫ولــن تجــد لســنة هللا تحــويالً» و اق العــذاب فيهــا العامــة والخاصــة‪ ،‬والرجــال والنســاء‪ ،‬واألطفــال‬
‫والشيو ‪ ،‬وأهل العلم وأهل الجهل‪ ،‬وصدق رسول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم‪« :‬إن النـاس إ ا أروا‬
‫الظــالم‪ ،‬فلــم ي خــذوا علــى يديــه‪ ،‬أوش ـ أن يعمهــم بعقــاب عنــه» و‪«:‬مــا مــن قــوم يعمــل فــيهم‬
‫بالمعاصي‪ ،‬وهم أعز وأكثر‪ِ ،‬من َمن بعمله ثم لم يغيروه‪ ،‬إال عمهم هللا منه بعقاب»‪.‬‬

‫ب – جهاد طغيان والة داخلي سلمي قبل حرب عدوان غزاة‬


‫خارجي لماذا؟‬
‫دون الجهـــاد السياســـي السلميتســـتتدحرج األمـــة إلـــى مزيـــد مـــن االنهيـــار‪ ،‬ومزيـــد مـــن‬
‫االنحــدار‪ ،‬إ ا لــم تنشــط حيويــة األمــة ومقاومتهــا‪ ،‬وال عــالج‪ ،‬دون الجهــاد المــدني وهــو أشــق‬
‫الجهــاد‪ ،‬وال بــد مــن أن يكــون العــالج كافيـاً‪ ،‬ال أن يكــون مجــرد شــعور ببـراءة الذمــة‪ ،‬ال بــد مــن‬
‫معالجة الواقع الرديء‪ ،‬بعالج تكافئ قوته قوة الداء‪ ،‬وهذا معنـى صـالح الشـريعة لعـالج أمـراض‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬ألن الدمل الصغير قد استفحل‪ ،‬إ لم يعالج عبـر الـزمن‪ ،‬سـيتفاقم حتـى يصـير‬
‫خراجاً كبي اًر بحاجة إلى عملية جراحية‪ ،‬ونن لم يتدارك األمر‪ ،‬فإن األمة ستتهاوى إلى مزيـد مـن‬
‫الدولة العربية من الداخل‪.‬‬ ‫الفوضى والفتنة والدمار‪ ،‬وخراب البالد والعباد‪ ،‬بسبب ضع‬
‫وهي أيضاً مقبلة على االنهيار بسبب العدوان الخارجي‪ ،‬الذي شرع منذ قرون‪ ،‬في تفكي‬
‫المجتمــع المــدني‪ ،‬التــي تحفــز النــاس‬ ‫القــوة العربيــة اإلســالمية بعــد أن فقــدت مجتمعاتهــا أعـ ار‬
‫‪52‬‬
‫للوقـو ضــد االخـتالل والفســاد‪ ،‬ففككهــا دوالً صـغيرة‪ ،‬ارتبطـت معــه بـ حال ‪ ،‬وأخضــعها لنفــو ه‪،‬‬
‫وسعى إلى تفكي منظومتها التربوية‪ ،‬ليذيقها الذل والهوان‪ ،‬وليضعها مقطـورة تابعـة فـي القطـار‬
‫األطلسي‪.‬‬
‫وال ينبغــي أن يغفــل النــاس‪ ،‬وال ســيما دعــاة اإلصــالح‪ ،‬عــن واقــع الــدول العربيةاإلســالمية‬
‫الحاضرة ‪ ،‬فقد كان الحاكم الجائر في العهود القديمة‪ ،‬أرحم وألين‪ ،‬فقد كان أسرة حاكمة‪ ،‬يهمها‬
‫االستئثار بالحكم والرياسة‪ ،‬والجاه والمال‪ ،‬ولم تتـدخل فـي شـؤون النـاس‪ ،‬وال فـي نظـام التعلـيم‪،‬‬
‫وال في التعامـل المـالي‪ ،‬وال فـي نظـام المعيشـة‪ ،‬وال فـى نظـام األخـالق واألسـرة‪ .‬وننمـا هـي دولـة‬
‫حارسة‪.‬‬
‫أمــا الدولــة ‪-‬فــي عهــد الهيمنــة اإلفرنجيــة والصــهيونية‪ -‬فقــد فرضــت فيمنتهــا علــى كافــة‬
‫شؤون الحياة‪ ،‬وتدخلت في أخص خصوصيات اإلنسان‪ ،‬من المهد إلى اللحد‪ ،‬فهي التي تصـدر‬
‫شــهادة المــيالد‪ ،‬وشــهادة الوفــاة‪ ،‬وتشــكل ثقافــة اإلنســان وأفكــاره‪ ،‬وتحــدد عبــر منــاهج التعلــيم‬
‫معتقداته‪ ،‬وتفـرض طـرق تسـليته واسـتجمامه‪ ،‬وتحـدد بيتـه وكيفيـة تصـميمه‪ ،‬وتحـدد كيـف يقـيم‬
‫ومتى يسافر‪ ،‬وتتدخل في شؤونه األسرية والمالية والعملية‪.‬‬
‫وأهم من ل ضخامة ووحشية وسائل سيطرة الدولة العربية الحديثة على المجتمع‪ ،‬فهي‬
‫واألقمار الصناعية‪ ،‬وألوان أجهـزة التجسـر التقنيـة‪ ،‬وتمـنعهم‬ ‫تراقب الناس عبر شبكات الهات‬
‫من حمل أقل السالح‪ ،‬خوفاً من أن يستخدموه ضدها‪ ،‬وتمتل ألوان األسـلحة المتطـورة الفتاكـة‪،‬‬
‫التي تدمر المدن والحر واإلنسان معاً‪ ،‬وال يمكن أن ينجو الشعب من هذا األخطبـوط أو التنـين‬
‫إال بجهاد السلم المدني‪ ،‬فهو أهم الحصون الوااية مـن جورهـا‪ ،‬وأهـم الضـمانات السـلمية‪ ،‬التـي‬
‫تقيه من بطشها‪.‬‬

‫ج – صيانة المسلمين من االستسالم لالستبداد‬

‫‪51‬‬
‫أولى من دعوة غيرهم إلى اإلسالم‪:‬‬
‫فليستيق الشيو والشبان والكهول‪ ،‬الذين يتوقون إلى الجهاد فـي سـبيل هللا‪ ،‬سـائلين هللا‬
‫أن يمنحهم الشهادة‪ ،‬مدركين أن من مات ولـم يغـز ولـم يحـد نفسـه بـالغزو‪ ،‬مـات علـى شـعبة‬
‫من النفاق‪ ،‬ظانين أن الجهاد ال يكون إال في أفغانستان والفيليبين والبوسنة والشيشـان‪ ،‬وأنـه ال‬
‫يكون إال ضد عدوان الكفار‪ ،‬وأن ال سبيل إليه إال بالتدريب على حمل المدفع والرشاي‪ ،‬وركوب‬
‫المدرعات والدبابات‪.‬‬
‫وليدركوا أن طغيان سالالت الحجاجت أفـدح وأفظـع مـن العـدوان األجنبي‪،‬وليـدركوا أن نشـر‬
‫ثقافــة المجتمــع المــدني هــو اآللــة المجربــة‪ ،‬التــي تحف ـ البنيــان الــداخلي مــن االنهيــار‪ ،‬وأن لــه‬
‫األولوية في الجهاد‪ ،‬ألن آثار التهاون بها خطيرة‪ ،‬تسببت بانهيار المسلمين‪ ،‬وضـالل كثيـر مـن‬
‫أفكــارهم‪ ،‬وفســاد كثيــر مــن أوالدهــم ونســائهم‪ ،‬فض ـالً عــن ضــياع كثيــر مــن أمـوالهم‪ ،‬فــي محرقــة‬
‫الجور والفجور‪ ،‬عندما صارت عوناً للكفار المسـتعمرين‪ ،‬يسـتعينون بهـا علـى حـرب المسـلمين‪،‬‬
‫وعلــى إ ـوائهم فــي كــل مكــان‪ ،‬وتــرك الجهــاد المــدني أدى إلــى هــاب األعـراض والتعــرض للفــتن‬
‫واالنح ـ ار ‪ ،‬واألم ـراض النفســية والعقليــة‪ ،‬وشــيوع المخــدرات‪ ،‬وتعــرض المســلمين للفقــر والجهــل‬
‫والقهر والمرض‪ ،‬مما جعلهم بيئة صالحة للقيم االمبريالية اإلفرنجية الغالبة‪.‬‬
‫ينبغي البدء بحماية المسلمين من االمبرياليـة والفرنجـة والعلمنـة والهيمنـة األجنبيـة‪ ،‬التـي‬
‫تقضي على استقالل الذات العربية واإلسالمية‪ ،‬وال سيما في مهاد اإلسالم ومراكزه الكبرى‪ ،‬فهذه‬
‫الوظيفة أولى من دعوة ير المسلمين في بلدان أخرى إلى اإلسالم‪ ،‬حقاً لقد قال الرسـول صـلى‬
‫هللا عليه وسلم‪« :‬ألن يهدي هللا ب رجالً واحداً خير ل من حمر النعم»‪ ،‬وهذا ت كيد على فضـل‬
‫الدعوة إلى اإلسالم‪ .‬ولكن ألن يحف هللا بالداعية إسالم بيت أو جماعـة خيـر مـن أن يهـدي بـه‬
‫هللا كاف ارً‪ .‬فسالمة التدبير مرتبطة بسالمة التفكير‪.‬‬
‫والليل ال ينجلي بإصباح‬ ‫والرأي كالليل مسود جوانبه ×‬

‫‪53‬‬
‫مراعاة األولويات تجعل صيانة البيـت المقـام‪ ،‬أولـى مـن الشـروع فـي بنـاء جديـد‪ ،‬فلـو ظـل‬
‫بيت اإلسالم قوياً في مراكزه الكبرى (الشرق العربي)‪ ،‬واسـتمرت العـزة لسسـالم‪ ،‬لمـا أضـير مسـلم‬
‫فـــي فلســـطين وال فـــي البوســـنة‪ ،‬وال فـــي أفغانســـتان وال فـــي كشـــمير‪ ،‬وال فـــي الفيليبـــين وال فـــي‬
‫الشيشـــان‪ ،‬وال فـــي الهنـــد وال فـــي الصـــين‪ ،‬وال فـــي أي مكـــان فـــي العـــالم‪ ،‬ولقـــدم المســــلمون‬
‫المت خرون‪ ،‬اإل سالم‪ ،‬بما لهم من اـيم مدنيـة راايـة‪ ،‬كمـا نشـره المسـلمون األولـون فـي الشـرق‬
‫األقصى‪.‬‬
‫اليــوم فــى بلــداننا العربيــة‪ ،‬صــار اإلســالم مهيضــا‪ ،‬وصــارت العــزة لغيــر المســلمين‪ ،‬والذلــة‬
‫والهوان للعرب‪ ،‬وصرنا كما قال محمود نيم‪:‬‬
‫تجده كالصقر مقصوصا جناحاه‬ ‫أين اتجهت الى االسالم فى بلد ×‬
‫هذا الصـقر؟ لمـا ا قـص جناحـاه‪ ،‬مـا جناحـاه اللـذان حلـق بهمـا فـى اآلفـاق‪،‬‬ ‫لما ا ضع‬
‫وفتح البالد ؟ إنهما العدالة والحرية‪ .‬ترك الجهاد السياسي السلمي هو الذي قص الجناحين‪.‬‬

‫‪=05‬الجهاد المدني الأكبر (إنما هو السياسي)‬


‫نشرت في جريدة(الحياة)يوم الجمعة الموافق ‪1261/9/62‬هـ‪6222/16/66،‬م‬

‫أ=بناء قيم المجتمع المدني وسائله قبل الجهاد العسكري ‪:‬‬

‫“عدنا من الجهاد األصغر إلى الجهاد األكبر” هـذا األثـر لـم يثبـت أنـه حـديث نبـوي قالـه‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم عنـد منصـرفه مـن ـزوه تبـوك‪ ،‬ولكنـه حـديث سياسـي صـحيح‪ ،‬فـإ ا‬
‫(إ ا قصــدنا بــه الجهــاد السياســي الســلمي)‪ ،‬ولكنــه يــر صــحيح(اللف ) عنــد علمــاء الحــديث‪،‬‬
‫ومعناه عند علماء االجتماع السياسي صحيح‪ ،‬بل لعله يبلور مبدأ في علم االجتماع السياسـي‪،‬‬
‫‪55‬‬
‫يمكن صيا ته بعبارة‪ :‬يالقوة العسكرية إنما هي بنية فوايةتال تنجح إ ا لـم تـبن علـى قـوة مدنيـة‬
‫تحتية‪ ،‬وال تتـوافر القـوة المدنيـة إال بعناصـرها المعروفـة فـي كـل أمـة‪ ،‬ومـن أهمهـا اـيم المجتمـع‬
‫المدني‪ ،‬كمبدأ العدل والشورى وحقوق اإل نسان‪ ،‬التي تنتج الحيوية واإلرادة والشـجاعة‪ ،‬المتوجـة‬
‫بـــالروح األخالايـــة واإل نســـانية‪ ،‬والتفكيـــر العلمـــي والـــدأب والـــروح الصـــناعية والتقنيـــة العمليـــة‬
‫واالختراعي‪.‬‬
‫فاألمة اإلسالميةت إ ا كانت من دون عقيدة سياسية تقدس العدل والحرية والتنظيم والدأب‬
‫والعقالنية‪ ،‬فلن يجديها نفعا اقتصارها على الشق الروحي‪ ،‬ألن القوة الروحيـة ال تحمـى إال بقـوة‬
‫مدنية‪ ،‬فالبد لهذه لعناصر الشق المدني مـن الحضـور فـي بنيـة العقيـدة‪ ،‬ونن ال صـارت العقيـدة‬
‫شالء عرجاء‪ ،‬فينبغي أن نتنبه لكي ال نظن أن اإلسالم ينتصر بشق العقيدة الروحي‪ ،‬ولو أنبـت‬
‫عن شقها السياسي المدني‪.‬‬
‫فالجهاد المـدني هـو أسـاس نجـاح الجهـاد العسـكري‪،‬ألن الحفـاع علـى بنيـان الحصـن مـن‬
‫الداخل‪ ،‬يسبق الحفاع على السور من الخارج‪ ،‬ف سوار المدينة ال تبنى قبل بناء المدينة‪.‬‬
‫لقد فرط أجدادنا منذ بضعة قرون‪ ،‬عندما فلوا عـن أهميـة دور التجمعـات المدنيـة‪ ،‬فـي‬
‫تجسيد سلطة األمة وقوامتها على الحاكم‪ ،‬فدفعوا أثمانا مضاعفة‪ ،‬من خراب العمران‪ ،‬ولـم تتجـ أر‬
‫األمم عليهم بالعدوان‪ ،‬إال عندما افتقدوا عناصر بناء القوة المدنية‪.‬‬

‫ب‪ -‬لماذا نصف الجهاد السياسي بأنه الجهاد المدني األكبر‪:‬‬


‫أوال‪ :‬ألن اإلســالم وضــع لــذل مبــدأً عظيمــا‪ ،‬مبــدأً يقــرر أن الكلمــة أقــوى مــن الرصاصــة‪،‬‬
‫فجاء في الحديث الصحيح‪”:‬سيد الشهداء حمـزة بـن عبـد المطلـب‪ ،‬ورجـل قـام إلـى إمـام جـائر‪،‬‬
‫ف مره ونهـاه فقتلـه”اإلمـام الجـائر‪ ،‬فهـذا الحـديث الـذي يضـع قائـل كلمـة عـديال لحمزةتإنمـا يـدل‬
‫داللة ظاهرة على أن قائل كلمة في مجلر عندما يقتل ‪ ،‬في مرتبة سيد الشـهداء‪ ،‬ال فـي مرتبـة‬
‫شهيد عادي‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫وهكــذا أســر اإلســالم فريضــة الجهــاد الثقــافي المــدني‪ ،‬مــن أجــل هــذه المعــالم ‪ ،‬ألن‬
‫الجهـــاد الســـلمي المـــدني‪ ،‬هـــو األســـلوب المضـــمون لسصـــالح االجتمـــاعي والسياســـي‪ ،‬ووضـــع‬
‫اإلسالم هذا اإلصالح‪ ،‬في مرتبة خير الجهاد‪ ،‬وبين الرسول صـلى هللا عليـه وسـلم أن رواده فـي‬
‫مرتبة خير المجاهدين‪ ،‬ووضع نما ج هابيل‪ ،‬في مراتب حمزة خير الشهداء‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وفي األدلة النصية‪ ،‬جاء أيضا”خير الجهاد كلمة عدل أمام سـلطان جـائر”‪ ،‬وهـذا‬
‫النص ظاهر الداللة على أن الجهاد السياسي أفضل أنواع الجهاد‪.‬‬
‫الثالث أن الجهاد السياسي السلمي مقدم على الجهاد العسكري‪ ،‬ألنه ال إصالح اقتصـاديا‬
‫وال زراعيا‪ ،‬وال عمرانيا والإصالح روحيا وال تعليميا دون صالح سياسي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن نتائج الجهاد المدني أعظم أث ار في األمة‪ ،‬وأسرع في الوصـول إلـى دولـة العـدل‬
‫والشورى‪ ،‬وأن الذين ركبوا جياد الجهاد المدني األكبر من أجـل العدالـة والشـورى‪ :‬فـي كـل بلـدان‬
‫العالم وصلوات بتضحيات أقل وب زمنة اياسية أسرع‪.‬‬
‫تل سنن هللا في سـائر بلـدان االسـتبداد والطغيـان‪ ،‬التـى أفضـى فيهـا الجهـاد المـدني إلـى‬
‫الحكم الشوري‪ ،‬كـإيران وبولنـدا‪.‬نكرر هـذا لكـي ال يحـار الشـباب المـتحمر للجهـاد‪ :‬ويقـول‪ :‬أيـن‬
‫نجاهد؟‪ ،‬والرسول صلى هللا عليـه وسـلم يقـوليمن لـم يغـز ولـم يحـد نفسـه بـالغزوت مـات ميتـة‬
‫جاهليــةي‪ ،‬ونؤكــد هــذا لكــي ال يتصــور الشــبان أن الجهــاد العســكري مشــروع‪ ،‬حتــى لــو أدى إلــى‬
‫نتــائج كارثيــة‪ ،‬ولكــي ال يتصــوروا أن إصــالح الســلطان المســتبد الفاســد‪ ،‬ال يكــون إال بالســيف‪،‬‬
‫ولكـــي ال يتعـــاموا عـــن النتـــائج الكـــوار ‪ ،‬ويتناســـوا أن الـــذين أرادوا إصـــالح الســـلطان الجـــائر‬
‫بالســـيف‪ ،‬لـــم ينجحـــوا منـــذ العصـــر األمـــوي‪ ،‬ر ـــم نبـــل مقاصـــدهم وضـــخامة تضـــحياتهم‪ ،‬وكثـــرة‬
‫شهدائهم‪.‬‬
‫الخامر‪ :‬أن الجهاد السياسي السلمي أخطر وأشد بلوى‪ ،‬ويحتاج إلى مصـابرة أعظـم مـن‬
‫مصابرة الجهاد العسكري‪ ،‬كما سنشرح في مقاال تاليات‪.‬‬
‫ج= عشرة مبادئ وعشر وسائل‪:‬‬
‫‪57‬‬
‫إ ا لم تكن هذه األدلة الخمسة كافية‪ ،‬فينبغي أن نبين عناصر القـوة المدنيـة‪ ،‬التـي تقطـع‬
‫السياسـي جهــاد أكبـر؟‪ ،‬إنهـا اـيم المجتمـع المـدني اإلســالمي‪:‬‬ ‫بـ ن العمـل فـي األمـر بـالمعرو‬
‫التي يمكن تركيزها في عشرة مبادل‪:‬‬
‫‪=0‬العدل الذي بإقامتـه يكـون حفـ الضـروريات السـت‪ :‬الـدين والـنفر والعـرض والنسـل‬
‫والعقل والمال‬
‫‪=5‬الحرية الفطرية التي اهتدت إليها الطبائع‪ ،‬وأكدتها الشرائع‪.‬‬
‫‪=7‬التعددية والتسامح والمساواة‪ ،‬بين الناس‪.‬‬
‫‪ =3‬والروح الجماعية المبنية على اإليثار والتعاون على البر والتقوى‬
‫‪=2‬والبصيرة السياسية والحضارية والعملية‬
‫‪=9‬أن هللا أوكل حف الملة والدولة‪ ،‬إلى األمة‪ ،‬ولـم يكلـه إلـى الفقهـاء واألمـراء‪ ،‬كمـا بـين‬
‫فقهاء السياسة الشرعية‪ ،‬وال سيما ابن تيمية‪.‬‬
‫والنهـي عـن المنكـر روحيــا‬ ‫‪ =3‬ومـن مظـاهر قوامـة األمـة علـى الحكــام‪ ،‬األمـر بـالمعرو‬
‫ومـدنيا علــى العــام والخاص‪.‬والتواصــي بحفـ الحقــوق وال ســيما حقــوق المستضــعفين والمطالبــة‬
‫بها‪.‬‬
‫‪=8‬المواطنة أساس الحقوق والواجبات‪.،‬‬
‫‪=9‬والشورىوالحوار‪.‬‬
‫‪=01‬التنظيم والجد والمبادرة ونحوها من صفات العمران‬
‫عندما اختل سلم هذه العناصرتافتقد الناس االنسجام والحيويـة والنظام‪.‬فعاشـوا كـالقطيع‪،‬‬
‫الــذي يســير بــدون عقــل وال تمييــز‪ ،‬فصــاروا كـــما وصــفهم الرســول صــلى هللا عليــه وســلم”كغثــاء‬
‫السيل”‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫هذه هي المبادل والمقاصد‪ ،‬فماهي الوسائل التي بانتهاجها‪ ،‬تقام دولة (النظام الشوري)‪،‬‬
‫إنهــا مــا تعــار الفكــر السياســي الحــديث علــى تحديــده بمصــطلح (النظــام الدســتوري)‪ ،‬ويمكــن‬
‫تقريبـه وترتيبــه فــي نقـاط عديــدة‪ ،‬ون ا قلنــا (النظـام الدســتوري اإلســالمي)‪،‬جاء فـي حـوالي عشــر‬
‫نقاط‪:‬‬
‫‪ -0‬مقتضى قوامة األمة أن بيعة األمة الحـاكم علـى الكتـاب والسـنة‪ ،‬هـي عقـد اجتمـاعي‬
‫يقوم على تعادل الحقوق والواجبات‪ ،‬والتزامه بقوامتها عليه‪ ،‬وعدم صحة بيعة أي حاكم لم تنبـع‬
‫من شوراها‪،‬التي ال يجسدها مفوضوها‪ ،‬ومشروعية عزلها كل حاكم يستبد بقرارها‪.‬‬
‫‪ -7‬ومــن وســائل قوامــة األمــة علــى الحــاكم ايــام (مجلــر ن ـواب منتخــب) يرســم الخطــوط‬
‫التربويــة والسياســية والماليــة ويشــرع الــنظم والوســائل‪،‬التي تكفــل تطبيــق الشــريعة‪ ،‬ويراقــب أداء‬
‫الحكومة‪ ،‬ألنه صورة من صور (أولي األمر‪ /‬الرأي)‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن وسائل قوامة األمة على الحكام تحديد صالحياتهم بكونها (تنفيذية)‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن وسائل قوامة األمة على الحكام استقالل القضـاء‪ ،‬واعتبـاره سـلطة مسـتقلة عـن‬
‫السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫‪-9‬و ومن وسائل قوامة األمة على الحكام الفصل بين السلطات الثال ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن وسائل قوامة األمة على الحكام ايام أحزاب سياسية‪ .‬وتداول السـلطة‪ ،‬ألن لـ‬
‫ضمان تجنب الناس اللجوء إلى التغيير الدموي‪.‬‬
‫‪ -8‬ومـن وســائل قوامــة األمــة علــى الحكــام حريـة الـرأي والتعبيــر والتجمــع‪ ،‬عبــر البيانــات‬
‫والتظاهرات واالعتصامات‪ .‬والتزام الحكومة ومعارضيها األسلوب السلمي في أي نزاع‪.‬‬
‫‪ -9‬ومن وسائل قوامة األمة على الحكام ايام جمعيات أهلية‪ ،‬دون وصاية الحكومة‪.‬‬
‫‪ -01‬ومن وسائل قوامة األمة على الحكام اعتماد االنتخاب واالستفتاء‬

‫‪59‬‬
‫فهذه المبادل والوسائل هي ما يمكن وصفه بـشروط البيعة الشرعية على الكتاب والسنة‬
‫أو(الدستور والمجتمع المدني اإلسالمي) وهـي ميـدان الجهـاد األكبـر‪ ،‬وهـي جهـاد العقـل والـرأي‪،‬‬
‫الذي يسبق بناء القدرات العسكرية‪ ،‬كما قال المتنبي‪.:‬‬
‫الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني‬
‫ف هم أشكال الجهاد التي تشتد حاجـة العـرب إليهـا هـي اليـوم‪ ،‬هـي الجهـاد المـدني‪ ،‬جهـاد‬
‫بناء مبادل المجتمع المدني اإلسالمي وآلياتها وضماناتها‪ ،‬والجهـاد المـدني هـو أسـاس الحفـاع‬
‫على البنيان الداخلي‪ ،‬فما سقط السور الخارجي‪ ،‬ألمة من األمم إال بعد انهيار المبنـى الـداخلي‪،‬‬
‫ومزيـــد مـــن التـــدليل علـــى أن الجهـــاد المـــدني جهـــاد أكبر‪،‬قاربتـــه فـــي كتيب(ثالثيـــة المجتمـــع‬
‫المدني‪:‬سر قوة الغرب وسر إخفاق العرب)‪.‬‬
‫د=جالء غبار بدع الملك العضوض عن سنن الحكم الشوري‪:‬‬
‫ينبغــي نشــر ثقافــة الجهــاد المــدني األكبــر‪ ،‬مــن أجــل بنــاء العقيــدة السياســية اإلســالمية‪،‬‬
‫النـاس تمشـروعية اـيم‬ ‫ليكتسب الجهاد المدني مـن أجـل اإلصـالح السياسـي أهميتـه‪ ،‬ويكتشـ‬
‫المجتمع المـدني فـي اإلسـالم‪،‬باعتبارها أصـال مـن أصـول الـدين‪ ،‬وأن قـول كلمـة الحـق أمـام كـل‬
‫ســـلطان جـــائر أو عـــادل‪ ،‬فريضـــة شـــرعية قطعيـــة‪ ،‬ســـواءاً أكـــان ســـلطانا سياســـياً أم إداريـــا‪،‬أم‬
‫اجتماعيا أم ثقافيا‪.‬‬
‫وبـــذل يتضـــح أن الجهـــاد الثقـــافي مـــن أجـــل نشـــر ثقافة(الدســـتور والمجتمـــع المـــدني‬
‫اإلســالمي) إنمــا هــو تجديــد مهــم فــي الفكــر الــديني‪ ،‬وأن لــه أولويــة مطلقــة‪ ،‬و لتقــديم اإلســالم‬
‫مش ـروعا حضاريا‪،‬بنشــر اــيم التقــدم والنهــوض‪ ،‬وينبغــي نبــذ الصــيا ة العباســية‪ ،‬ات النزعــات‬
‫الصحراوية والفرعونية والصوفية والسوفسطائية‪ ،‬التي جمدت مفهوم اإلسالم والعقيـدة فـي الشـق‬
‫الروحي‪ ،‬وهمشت شق العقيدة السياسي والحضاري‪ ،‬ونسيت أن الحكم الشوري هو أساس العدل‬
‫والعمارة‪ ،‬وهما هما أساس الحضارة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫وهـــذا يتطلـــب إعـــادة صـــيا ة الفكـــر اإلســـالمي علـــى مقاصـــد الشـــريعة‪ ،‬التـــي رســـمتها‬
‫النصوص الكلية في الكتاب والسنة‪ ،‬وبلورت نمو جها المعياري تطبيقات الرسول صلى هللا علبه‬
‫وســلم وخلفائــه الراشــدين‪ ،‬وهــذا ال يتجســد إال بفكــر جديــد يقــدم الحــل اإلســالمي للقضــايا النازلــة‬
‫والمتحديــة‪ .‬والجهــاد الفكــري يبــدأ بتغييــر المفــافيم‪ ،‬ونشــاعة الحيويــة فيهــا‪ ،‬وبــث روح العزيمــة‬
‫واإلرادة‪ ،‬وتوجيه البوصلة‪ .‬وبين التغييـر الثقـافي و التغييـر االجتماعي‪،‬تبـادل وتجـا ب‪ ،‬ونن كـان‬
‫الثقافي أسبق ألن التصورات الثقافية‪ ،‬إ ا كانت حيوية عملية فعالـة‪ ،‬تتحـول ‪-‬عبـر الصـدمة أو‬
‫وتقاليد‪ ،‬فتنتقل من عالم التصورات‪ ،‬إلى عالم التصرفات‪.‬‬ ‫التراكم‪ -‬إلى ايم وأع ار‬
‫ولكــن فريضــة الجهــاد الثقــافي المــدني ال تنفصــل عــن فريضــة الجهــاد السياســي العملــي‬
‫المدني‪ ،‬فمن لم يمتط جياد الجهاد المدني‪ ،‬بتكوين الجمعيات‪ ،‬ونقامة االعتصامات والمظاهرات‪،‬‬
‫ودخـــول الســـجون والمعـــتقالت‪ ،‬فلـــن يظفـــر بالبوصـــلة‪ ،‬وصـــدق هللا العظيميوالـــذين جاهـــدوا فينـــا‬
‫لنهدينهم سبلناي‪ ،‬فمن فصم ثنائية الصالحيأولي األيدي واألبصاري‪ ،‬قـدم فكـر البلبلـة أو الفرملـة‬
‫أو الصحراوية‪.‬‬

‫‪ =13‬الجهاد المدني الأصغر‪/‬جهاد العمران‬


‫نشرت في جريدة(الحياة)يوم الجمعة الموافق ‪1261/9/62‬هـ‪6222/16/66،‬م‬
‫أ‪ -‬الجهاد الصناعي‪:‬‬
‫الجهــاد المــدني األكبــر جهــاد االســتبداد والطغيــان هــو األول واألولــى والمقــدم ‪ ،‬مــن أجــل‬
‫الوصول إلى دولـة العدالـة والشـورى‪ ،‬التـي يتجلـى فيهـا شـرط البيعـة الشـرعية األكبـرت أن يطيـع‬
‫الحاكم في ق ارراته نواب األمة(عرفاءها) المنتخبين‪ ،‬لكي تكون طاعته واجبة على األمة‪.‬‬
‫أما الجهاد المدني األصغر األدنى الثانويت فهو الجهاد الحضاري والعمرانـي‪ ،‬ويـدخل فيـه‬
‫كــل تحتاجــه األمــة بعــد طــور الجهــاد المــدني األكبــر‪ ،‬والبــدء باألصــغر قبــل األكبــر إخــالل بســلم‬
‫األولويات وسلم القيم‪ ،‬وقع فيه كثير من النوابـغ والفضـالء‪ ،‬فـإ ا بثمـرات اختراعـاتهم ونجـاحهم‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫دعــائم للتخلــ ‪ ،‬يقـــوي بهــا االســتبداد عمـــاده‪ ،‬وينشــر فســـاده‪ ،‬كمــا أكــد اإلمـــام عبــد الـــرحمن‬
‫الكواكبي‪ ،‬كما في التفوق في الصـناعة الحربيـة والمدنيـة‪ ،‬الـذي دعـم اسـتبداد الطغـاة فـي بلـدان‬
‫عربية عديدة‪.‬‬
‫ومـن أجــل لـ ال يصــح لقــادر علــى الجهـاد السياســيت أن ينحصــر فــي مكتبــه أو مكتبتــه‬
‫أوعيادته أو مختبره‪ ،‬أو في مصنعه‪،‬أو محرابه أو أبحاثه‪ ،‬معلنا الحياد‪ ،‬مكتفيا بالجهـاد األصـغر‬
‫وهو يرى االستبداد يفت بالعباد والبالد‪ ،‬لكي ال يصبح كالعلماء األلمان الذين قدموا باختراعاتهم‬
‫ما أسهم في عدوان األمريكان على اليابان‪ ،‬بـل ينبغـي أن يسـتثمر شـهرته فـي علـم أو أدب أو‬
‫فن من أجل جهاد االستبداد‪ ،‬وشق طريق دولة العدل والشورى‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن الجهاد المدني األصغر أنواع شتى‪ ،‬تشمل كل مجهود فكري أو عملي‪،‬‬
‫يعمل على رقي وسالمة عقول األمة ونفوسها وأجسادها ‪ ،‬فيجتث ايم التخل ‪ ،‬كالكسـل والتـردد‬
‫والترهل والتصحر والفوضوية والجبريـة والنكـوص‪ ،‬واألنانيـة والالمبـاالة‪ ،‬ونضـاعة المـال والوقـت‪،‬‬
‫والتلقينيـة والعبوديــة‪ .‬ويــدخل فــي الجهـاد المــدني األصــغر كــل مــا يغـرس اــيم التقــدم فــي نفــوس‬
‫األمة‪ ،‬كبث األمل العملي (ال المنى و األحالم)وحيوية األفكار‪ ،‬ومطـاردة هـواجر تشـا م األوهـام‬
‫(ال الت شا م الذي يقوم على اإلحصاء واألرقام)‪ ،‬ومحاربة النزعـات العدميـة‪ ،‬وبـث الحيويـة والجـد‬
‫والتنظيم‪ ،‬ورعاية صحة األمة و ذائها‪.‬‬
‫وفــي شــجرة الجهــاد المــدني األصــغر‪ ،‬عــدة فــروع منهــا الجهــاد اإلداري فــاإلدارة النمو جيــة‬
‫التي تحقق إنتاجاً كبي ارً‪ ،‬ييسر على الناس معامالتهم بسرعة اياسية‪ ،‬نوع من الجهاد المدني‪.‬‬
‫إن كثي اًر من الناس إختصـروا الـدعوة إلـى هللا‪ ،‬بشـق العقيدة‪/‬الشـريعة‪/‬الروحي‪ ،‬ونختصـروا‬
‫الــدفاع عــن األمــة واألمــة بالجهــاد العســكري‪ ،‬وربط ـوا الجهــاد بــإ ن الطاغيــة الــذي ســموه (ولــي‬
‫بـــان اإلمبرلياليـــة باألمـــة بصـــناعاتها واختراعاتهـــا ونعالمهـــا‪،‬‬ ‫األمـــر)‪ ،‬فضـــاع األنـــام‪ ،‬وعثـــت‬
‫والنواطير نيام‪ ،‬عندما تضخم شق الشريعة الروحيتضاع الجهاد السياسي األكبر‪،‬وعندما حصـر‬

‫‪62‬‬
‫الجهـــاد بالعســـكري ‪ ،‬فاختـــل نظـــام األولويـــات‪،‬وتحول العـــرب إلـــى ســـوق إســـتهالك‪ ،‬فـــي مجـــال‬
‫التقنيــات‪ ،‬وعنــدما ضــاع الجهــاد الحضــاري‪ .‬والشــيء يظهــر وزنــه الضــد‪ ،‬فالدويلــة الصــهيونيةت‬
‫مـــا ينفـــق العــرب‪ ،‬ومـــن أجــل لـــ فهــي فـــي االختراعـــات‬ ‫تنفــق علـــى البحــث التقنـــي‪ ،‬أضــعا‬
‫واإلنجازات التقنيةت تفوقهم أيضاً عشرات المرات‪ ،‬من أجل أن تضمن سيطرتها عليهم‪.‬‬

‫ب‪ -‬الجهاد االقتصادي‪:‬‬


‫والجهاد االقتصادي‪ ،‬نوع آخر من أنواع الجهاد الحضاري األصغر‪ ،‬ألن القوة االقتصـادية‪،‬‬
‫توأم القوة العسكرية‪ ،‬فباالقتصـاد ـزت اليابـان أسـواق العـالم‪ ،‬ر ـم عضـالتها العسـكرية الهشـة‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن التفوق االقتصـادي مصـدر مـن مصـادر القـوة‪ ،‬أي أنـه بـاب عظـيم مـن أبـواب‬
‫الجهاد المدني األصغر‪.‬‬
‫سواء اعتبر الجهاد االقتصادي من اإلعـداد للقـوة أم مـن القـوة‪ ،‬فهـو فـي كلتـا الحـالتين‬
‫الصـديق عليـه السـالم‪ ،‬لـم يقـدم نفســه‪-‬‬ ‫جهـاد‪ ،‬وهـو فـوق لـ مـن سـنن األنبيـاء‪ ،‬ألن يوسـ‬
‫لفرعون مصر‪ -‬واعظاً مرشـداً فـي مجـال الفكـر‪،‬وال داعيـا يبتـدل الـدعوة بتقـديم مباشـر إلصـالح‬
‫شق العقيدة والتوحيد الروحي‪ ،‬بل قدم نفسه في شـق العقيـدة المـدني واإلداري ‪ ،‬خبيـ اًر اقتصـاديا‬
‫على هرم وزارة االقتصاد‪ ،‬يضع خططاً سبعية‪ ،‬تراعي حالتي الخصوبة والجفا ‪.‬‬
‫وألن شعيبا عليه السالم‪ ،‬قد ركـز فـي رسـالته علـى أثـر الفسـاد االقتصـادي‪ ،‬فـي االخـتالل‬
‫االجتماعي‪ ،‬فمحاربة فساد االقتصاد ال تنفصم عن محاربة فساد االعتقاد‪.‬‬
‫ومن صور الجهاد االقتصاديت ل العامل في ميـدان الجمعيـات التعاونيـة‪ ،‬التـي ال تتغيـا‬
‫الــربح الفــردي المجــرد مــن اإليثــار‪ ،‬إنمــا تتحســر ح ـوائج شــرائح عريضــة مــن النــاس‪ ،‬كصــغار‬
‫المزارعين والصناعيين‪.‬‬
‫ومنهم ل التاجر الذي يقيم المصنع أو المبنى أو البن أو المؤسسة‪ ،‬وفي هنه تمور‬
‫فكـرة تفــوق علـو اقتصــاد أمتـه‪ ،‬وهــو يريـد أن يغنــي أمتـه عــن االسـتيراد واالســتحوا ‪ .‬فهـذا عمــل‬

‫‪61‬‬
‫يدخل في باب الجهاد‪ ،‬ألن من أسباب انهيار حصون األمة عاهة االستيراد‪،‬فاألمم التي تستهل‬
‫وال تنتجت إنما مفلها التهميش واالسترقاق الحضاري‪.‬‬
‫عـــن وكيـــل شـــركة أجنبيـــة‪ ،‬جعـــل همـــه تســـويق البضـــائع‬ ‫والمجاهـــد االقتصـــادي يختلـــ‬
‫األجنبيــة‪ ،‬أو تــاجر عقــارات‪ ،‬شــغل نفســه فــي مســاهمات االســتهالك‪ .‬أو تــاجر مــداينات‪ ،‬أرهــق‬
‫الضعفاء والفقراء‪ ،‬وبنـي قصـور نـاه‪ ،‬علـى خرائـب بيـوتهم‪ ،‬وأكـل الربـا أضـعافا مضـاعفة‪ ،‬عبـر‬
‫حيل ظاهرهـا التـزام الشـريعة‪ ،‬وباطنهـا هـدم الشـريعة‪ ،‬كالعينـة والتـورق‪ ،‬وشـركات التقسـيط التـي‬
‫تزيد نسب ربحها الخفية أضعافا‪.‬‬
‫كيف استطاع ـ في أوربا ـ كثير من بارونات المال واالقتصاد‪ ،‬استثمار قوة االقتصاد‪ ،‬في‬
‫بناء قوة ثقافية وفكرية‪ ،‬عبر امتالكهم أدوات الت ثير في الرأي العام‪،‬من أدوات مرئية أو مقروءة‬
‫وأخــرى مســموعة؟‪ .‬فولــدوا مــن قــوة االقتصــاد قــوة سياســية‪ ،‬وكــان التجــار فــي أوربــا مــن أنصــار‬
‫الثورات الدمقراطية ورموزها الفكرية والسياسية‪.‬‬
‫ونحو من هذا فعله اليهـود‪ ،‬عنـدما ضـغطوا علـى عبـد الحميـد العثمـاني‪ ،‬أو علـى الدولـة‬
‫البريطانية من بعده‪ .‬لتحقيق أمل‪ ،‬كان يعد في هان كثير منهم‪ ،‬من أضغا األحالم‪.‬‬

‫ج‪ -‬جهاد االختراع التقني ‪:‬‬


‫واالبتكــار فــي ميــدان العلــم التقنــي ‪ ،‬تعبــد فــي مح ـراب الجهــاد‪ ،‬يعلــو درجــة نوافــل العبــادة‬
‫الفرديــة‪ ،‬يكــون بــه المختــرع ضــمن كوكبــة الجهــاد المــدني األصــغر‪ ،‬عنــدما يخلــص المــرء نيتــه‪،‬‬
‫ويدرك طرق النهوض باألمةتيتحول عمله إلى جهاد مقدس‪.‬‬
‫كـــالفني الـــذي يعمـــل فـــي مجـــال الحاســـوب‪ ،‬أو اإلنترنيـــت أو اإللكتـــرون‪ ،‬ليـــدرك أســـرار‬
‫صــناعته‪ ،‬وفــي هنــه تمــور فكــرة اســتقالل أمتــه‪ ،‬ليغنــي أمتــه عــن األجهــزة المســتوردة‪ ،‬ويضــع‬
‫البدائل من أنظمة المعلومات‪ ،‬فلوال حرص رهط اليابان المبتعث إلى أوربةت في عهد ميكـادو لمـا‬
‫سبقت اليابان أوربا في الصناعة‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫داءاً امضـا‪ ،‬أو دواءاً جديـداً‪ ،‬هـذا إنسـان يسـهر‬ ‫والذي يعمل في مجـال الطـب‪ ،‬ليكتشـ‬
‫على صحة األمة‪ ،‬ويرد زو الوباء بجهاد الدواء‪ ،‬فال قوة ألرواح أمة إال ب جساد قوية‪.‬‬
‫هذا العالم التقني أو مساعده‪ ،‬أو مرءوسه أو خادمه‪ ،‬عندما يصـاب بجلطـة‪ ،‬وقـد أخلـص‬
‫نيتـــه‪ ،‬وأدرك طريـــق عـــزة األمـــة‪ ،‬فلـــن يكـــون حظـــه مـــن الشـــهادة‪ ،‬دون حـــ النفســـاء والحريـــق‬
‫والغريق‪.‬‬
‫إن الحضـارة األطلسـية‪ ،‬اســتطاعت أن تسـيطر علــى الـرأي العــام العـالمي‪ ،‬وأن تشــكل آراء‬
‫النــاس وأفكــارهم‪ ،‬وأنمــاط حيــاتهم‪ ،‬معتمــدة علــى اإلبــداع التقنــي فــي وســائل التربيــة والتوجيـــه‬
‫واإلعالم‪ ،‬عنـدما تفوقـت كثيـ ار فـي مجـال الصـوت والصـورة‪ ،‬حتـى صـارت الصـورة الواحـدة‪ ،‬أكثـر‬
‫كلمة‪( ،‬كمـا رأينـا فـي صـورة الطفـل الفلسـطيني محمـد الـدرة ت التـي هـزت الضـمير‬ ‫ت ثي اًر من أل‬
‫العالمي‪ ،‬وسجلت على الصهاينة وحشيتهم)‪.‬‬
‫الصورة والغزو بها‪ ،‬لم يـ ت مصـادفة‪ ،‬أو بجهـود فرديـة‪ ،‬إنمـا جـاء اسـتثما اًر‬ ‫لكن اكتشا‬
‫ناجحا للنظريات التربوية والنفسـية واالجتماعيـة‪ ،‬والعلـوم التقنيـة‪ ،‬إنـه جهـاد تسـيطر فيـه النخبـة‬
‫والقلة الفاعلة‪ ،‬على ماليين السلبيين‪.‬‬
‫الصــهاينة واليهــود‪ ،‬أثــر القــوة التقنيــة اإلعالميــة‪ ،‬فســيطروا علــى صــناعة‬ ‫وقــد اكتش ـ‬
‫السينما واألفالم ونحوها‪ ،‬فجمعوا بين القوى اإلعالمية والصناعية‪ ،‬وولدوا منها القوة السياسية‪.‬‬
‫ومــن أجــل هــذا فــإن األيــديولوجيا ال تنتصــر دون التكنولوجيــا‪ ،‬والحفــاع علــى اســتقالل‬
‫األمة‪ ،‬ال يبكون دون الجهاد األصغر الذي يغني األمة عن التسـول والشـحا ة‪ ،‬وشـروط الفرنجـة‬
‫المذلة‪.‬‬
‫د‪ -‬النموذجان دعاة الصهيونية ودعاة اإلسالمية‪:‬‬
‫ا حكاه ف عتيا ين وبـين‬ ‫ومن يقارن مماا علتهاا حركر ال حرواييو يلد ا اطما‬
‫بمـا فعلـه الــذين أعـادوا إنتــاج الصـيا ة الســلفية العباسـية للعقيــدة والتربيـة‪ ،‬فــي عصـر الهيمنــة‬
‫اإلمبريالية الفرنجية والصهيونية‪- ،‬وفقنا هللا ونياهم‪-‬يدرك أسباب تعثر هؤالء ونجاح أوالئ ‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫أوالئـ الصــهاينة بــدأوا بت ســير فكــر الدســتور والمجتمــع المــدني‪:‬الشــورى أســاس العــدل‬
‫والعمارة‪ ،‬وهما أساس الحضارة‪ ،‬ب سلوب عملي يخاطب العقل والوجدان ويـدرك كيـف تبنـى القـوة‬
‫المدنية قبل العسكرية‪ ،‬وكثير من معيدي الصيا ة السلفية العباسية للعقيدة والتربية والسياسة‪،‬‬
‫في عصر الهيمنة اإلمبريالية الفرنجية‪ ،‬إسالميين وقـوميين ‪-‬هـدانا هللا ونيـاهم‪-‬يسـتخرجون مـن‬
‫األضــرحة خطابــا عباســيا وعظيــا عاطفيــا صــوفيا ميتــا‪ ،‬أو حماســيا صــحراويا عنجهيــا‪ ،‬يــرفض‬
‫الشورى والحوار‪ ،‬ويقدمونه باسم اإلسالم أو العروبة أو الوطنية‪.‬‬
‫وأوالئ الصهاينة انطلقوا من الشورى أساس العدل والعمارة‪ ،‬وهما أساس الحضارة‬
‫‪ ،‬ف نش وا الجمعيا ت التعاونية والخدمات االجتماعيـة والبنوك‪،‬فـاهتموا بخدمـة المجتمـع واالنفتـاح‬
‫علبــه‪ ،‬ونســالميو الصــيا ة الســلفية العباســية للعقيــدة والتربيــة‪ ،‬فــي عصــر الهيمنــة اإلمبرياليــة‬
‫الفرنجيــة‪- ،‬وفقنــا هللا ونيــاهم‪-‬أنشـ وا جمعيــات الــوع التــي ضــخمت الجانــب الفــردي والطقوســي‬
‫والشــكلي‪ ،‬وقــدموا فكــر ســد الــذرائع الــذي يغلــق أمــام النــاس أبـواب المفاســد‪ ،‬دون أن يفــتح لهــم‬
‫أبواب البدائل‪،‬واهتموا بإنشاء الجماعة المتقوقعة عن المجتمع‪.‬‬
‫وأوالئ الصهاينة اهتموا بإنشاء المدارس التقنية ومراكز األبحا ‪ ،‬وهؤالء اهتموا بإنشـاء‬
‫األقـرب لهــا أنهـا رفبانيــة)‪ ،‬وبجمعيـات ومــدارس لتحفــي‬ ‫المـدارس التــي أسـموها دينية(والوصـ‬
‫القرآن‪ ،‬وبالدراسات النظرية‪.‬‬
‫فلما ا اعتبرنا العمل والتقنية والعقالنية جهادا؟‪ ،‬ألن ثـالو النهضـة فـي أي أمـة ينحصـر‬
‫في ثال ‪:‬‬
‫حيوية الروح‪ :‬العلمية والمعرفية المتحررة من الترهات واألساطير‪ ،‬العقالنية المدنيـة التـي‬
‫تولد البصيرة والمغامرة والمبادرة‬
‫حيوية الحركة السلوكية‪:‬الدأب والعمل والجد والعزيمة والصبر واإلرادة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وثالثها الحرية الفطرية التي تؤمن ب ن دفـع ثمـن الكرامـة علـى نفاسـته أحـرى بالنـاس مـن‬
‫الكرمة يدفع فاتورة خياره‪ ،‬ولكن الحـر‬
‫دفع ثمن الهوان‪ ،‬فكل من الراضي بالقمع والمشرئب إلى ا‬
‫يقول‪:‬‬
‫عش كريما أو مت وأنت كريم=بين طعن القنا وخفق البنود‬
‫ويقول‪:‬‬
‫ومراد النفوس أصغر من أن=نتعادى فيه وأن نتفانى‬
‫ير أن الفتى يالقي المنايا= كالحات وال يالقي الهوانا‬
‫أما الذليل فيعيش على الوهم‪ ،‬ولسان حاله‪:‬‬
‫وحب العيش أعبد كل حر=وعلم ساغبا أكل المرار‬
‫وال يكاد العنصران األوليان يتوافران‪ ،‬إ ا لم يمتل الشـعب حريـة اإلرادة والكرامـة‪ ،‬مـن أجـل‬
‫ل قلنا عن الجهاد التقني إنه جهاد أصغر‪ ،‬وعن الجهاد السياسي إنـه جهـاد أكبـر‪ ،‬بنـاء علـى‬
‫مقدمتين‪:‬‬
‫األولـــى‪ :‬عالقـــة مفهـــوم الجهـــاد مصـــادر القـــوة فـــي العصـــر الحـــديث‪ ،‬تبـــرهن أن أي قـــوة‬
‫اقتصادية أو صناعية مهمة في حف كيان األمة‪ ،‬ولكنها تذرى في مهب رياح المستبد‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن الجهاد من مقاصد الشريعة العظام‪ ،‬ووسائله ليست معينة وال محصورة‪.‬‬

‫‪=11‬أسوار قلعة الملك العضوض أربعة‪:‬‬


‫اجتماعي وثقافي ديني وقضائي‬
‫‪67‬‬
‫أ‪ -‬الطغيان السياسي له أسوار‪:‬‬
‫أوتــي الرســول صــلى هللا عليــه وس ـلم جوامــع الكلــم‪ ،‬وجوامــع الكلــم هــي العبــارات المركــزة‬
‫الموجزة الموحية‪،‬التي تحتوى على معان أخرى إضافية‪،‬فوق دالالتها األساسية‪.‬‬
‫وقد أشـار إلـى ضـرورة االنتبـاه الـى المعـاني االضـافية والثانويـة يـر المباشـرة ابـن دقيـق‬
‫العيد‪ ،‬ومن بعده كما أشار ابن القيم ‪ ،‬ومثل لها ب نواع منها الفحوى واياس المخالفة‪ ،‬كما كر‬
‫الشوكاني في ارشاد الفحول مثال ل قوله تعالى ي وكذل نولي بعض الظالمين بعضـا‪ ،‬فقيـاس‬
‫المخالفة يقتضي قاعدة مقابلة‪ :‬هى نولي بعض الصـالحين بعضـا‪ ،‬وهـذا و اك قـانون مـن سـنن‬
‫هللا االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫فمن هو السلطان الجائر المقصود في الحديث فعبارة السلطان الجائر تتضمن أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬السلطان السياسي المستبد‪ ،‬وكـل مـن حـاد عـن الحكـم الشـوري‪ ،‬فقـد ضـل الطريـق‬
‫المستقيم حتى لو بـدا للنـاس أنـه عـادل‪ ،‬فهـو جـائر ألنـه ا تصـب إرادة األمـة‪،‬حتى لـو لـم يظلـم‬
‫األفراد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ومن لوازم السلطان المستبد أن يكون جائرا‪ ،‬ألن االستبداد بريد الظلم‪ ،‬وكل جـائر‬
‫الذي يخضع النـاس رغبـاً ورفبـاً‪ ،‬وكـل‬ ‫ال يتوقع أن يعامل اآلخرين والناصحين بالعدل واإلنصا‬
‫من خافه الناس فهو سلطان جائر‬
‫فلنت مل مفهوم السلطان الجائر‪ ،‬وسنجد أن الطغيان السياسي‪ ،‬كاألخطبوط لير محصو ار‬
‫برأس هرمه السياسي الذي هو في الغالب كـل مسـتول علـى السـلطة عـن طريـق القهـر والغلبـة‬
‫واال تصـــاب‪ ،‬دون شــــورى مــــن المســــلمين‪ ،‬وال انتخـــاب‪ ،‬دون أن تتــــوافر فيــــه صــــفات اإلمــــام‬
‫الشــرعي‪ ،‬كالعدالــة والكفايــة والمشــاورة‪ ،‬وكــل حــاكم مســتبد فهــو جــائر ألن ر يلــة االســتبداد هــي‬
‫جرثومة كل فساد‪.‬‬
‫السلطان الجائر هو كل حاكم يحكم حكماً مطلقاً‪ ،‬من دون صدوره عن ق اررات نواب األمة‬
‫المنتخبين الذين يجسدون إرادتها‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫وكل سلطان ير منتخب‪ ،‬وال يخضع لشروط المنتخب فإنما هو سلطان مغتصب‪ ،‬سرعان‬
‫مــا يتحــول‪-‬تلقائيــا‪ -‬إلــى طــا وت يلــبر برقــع اإلســالم‪ ،‬تســكره الســلطة فيطغــى ويغتصــب إرادة‬
‫األمة‪ ،‬ويسرق أموالها وأراضيها‪ ،‬ويست ثر باإلدارة‪ ،‬ويقتل روح الكرامة والشهامة فيهـا‪ ،‬ونن قطـع‬
‫عاقب سارق الشاة‪ ،‬ومغتصب الفتـاة‪ ،‬وشـارب الخمـرة‪ ،‬ولكـن الطـا وت السياسـي ال يـتمكن فـي‬
‫يبطش بها‪ ،‬وفروع تحميه‪.‬‬ ‫األمة‪ ،‬من دون روافد تمده بالقوة‪ ،‬وأط ار‬

‫ب=ثقافة االستسالم للطغاة أهم أسوار القلعة‪:‬‬


‫إن الســلطان السياســي الجــائر‪ ،‬س ـواء أكــان فــى القــديم أو الحــديث ال يســتطيع أن يــتحكم‬
‫برقاب العبادت إال إ ا كانت الثقافة الشائعة متخلفة راكدة‪ ،‬تطوع النـاس علـى االستسـالم للطغـاة‪،‬‬
‫والتنازل عن العدل والمساواة‪ ،‬ومالهم من حقوق وحريات‪ ،‬وال تشعرهم بضرورة النضال من أجل‬
‫حريــاتهم وكــرامتهم‪ ،‬وال تــزرع فــيهم أن الكرامــة هــي روح الحيــاة‪ .‬ال تســتطيع يــده الفوال يــة أن‬
‫تــبطش بحقــوق النــاست إال إ ا كانــت الثقافــة الشــائعة قفــا از لــه‪ ،‬أو ســو ار يحمــى فتكــه بحقــوق‬
‫العباد‪ ،‬ألنها تعلم الناس على المسكنة والتخا ل واالستسالم‪ ،‬فيستثمرها الطاغية عبـر الصـح‬
‫والمساجد والكتب‪ ،‬وسائر وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫ج=عندما تندمج الثقافة الدينية في حضن الطغاة‪:‬‬


‫السور الثاني من أسوار الطغيان السياسـي الثقافـة المتخلفـة‪ ،‬ثقافـة الظـالم التـي ال تنمـو‬
‫االسـتبداد‪ ،‬فقـد يكـون السـلطان الجـائر ثقافيـاً‪ ،‬كـ ن يكـون هيئـات ومؤلفـات وكتبـا‬ ‫إال في كهو‬
‫ثقافية‪ ،‬ينشـرها ال سـلطان ويقويهـا‪ ،‬تسـتعين بسـيف السـلطان و فبـه‪ ،‬ات نفـو سياسـي بلبـاس‬
‫ثقافي وأدبي‪ ،‬تحتكر مراكز اإلعالم والتوجيه واألدب والثقافة‪ ،‬وال يستطيع أحد معارضتها‪ ،‬وأن ال‬
‫تعر ََض ل ى والمطاردة‪.‬‬
‫َ‬

‫‪69‬‬
‫وقــد يكــون هيئــات فقهيــة تحتكــر تفســير الــدين وصــيا ة العقيــدة‪ ،‬وتبتــدع فــي أصــوله‬
‫الســلطان لمفربهــا‪ ،‬مــديرة ظهرهــا لحقــوق الشــعب‪،‬كما‬ ‫وفروعــه‪ ،‬وتلــزم اآلخــرين برأيهــا‪ ،‬وتح ـال‬
‫يستغلها السلطان أيضاً لتوطيد فساده‪.‬‬
‫ثنائيـة ( الفقهـاء واألمـراء ) علـى‬ ‫وكم من النما ج عبر العصورت التي نجـد فيهـا تحـال‬
‫فقهـاء المعتزلـة مـع السـلطان المـ مون العباسـي‪.‬التي‬ ‫االستبداد بشئون الناس‪ .‬كمـا فـى تحـال‬
‫تجلت فيها حريـة الـراي والتعبيـر واإلجتهـاد مـن خـالل كلمـات الحـق التـي قالهـا اإلمـام أحمـد بـن‬
‫حنبل رحمه هللا‪ ،‬ورفض من خاللها جبر السلطان الثقافي الديني‪ ،‬فكـان جـ از ه الضـرب والسـجن‬
‫المتوكل مع الحنابلة‪ ،‬الذي نكل بالمعتزلة‪.‬‬ ‫واأل ى‪.‬وكما في تحال‬
‫على آخر‪ ،‬ثم يعود مرة أخرى إلى‬ ‫والمتوكل كالم مون كالهما يرجح كفة فريق كلما ضع‬
‫القوي ليضعفه‪ ،‬كما فعل الحكم السعودي عنـدما مكـن اإلخـوان‪ ،‬فـي عهـد فيصـل ثـم ضـربهم فـي‬
‫عهد فهد‪.‬‬
‫وقد يعول سلطان الطغيان‪ ،‬على مذهب طائفـة إسـالمية‪ ،‬ويقمـع –مـن خاللهـا ‪-‬المـذاهب‬
‫اإلسالمية األخرى‪ ،‬وال يسمح بغير مذهبها‪.‬‬ ‫والطوائ‬
‫وقمــع الحريــة الدينيــةت بدعــة قديمــة منــذ العصــر العباســي‪ ،‬وهــي التــي مهــدت للــدويالت‬
‫الطائفية‪ ،‬التي ظهرت بعيد العصـر العباسـي واسـتمرت حتـى اليـوم‪ ،‬لتفتـ بمبـدأ (المواطنـة) فـي‬
‫الــدول العربيــة واإلســالمية‪ ،‬الــذي قررتــه وثيقــة المدينــةت قبــل أربعــة قرنــا مــن تقريــره فــي الــدول‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫مــن أجــل ل ـ فــإن الســور األعلــىت الــذي يحتمــي بــه الســلطان الجــائر‪-‬فــي المجتمعــات‬
‫المتدينة‪-‬هو أمران‪:‬‬
‫الفئة األولـى‪ :‬الفاسـدون مـن الفقهـاء وطـالب الشـريعة التظـاهرون بالتـدين‪ :‬المتحـالفون‬
‫مع االستبداد‪:‬الذين يسهمون في بناء القلعة القامعة‪،‬مستعينين بسيف السلطان و فبه‪ ،‬والطغاة‬

‫‪71‬‬
‫يستثمرون علماء النفاق‪ ،‬فيمتطونهم إلصدار فتـاوى وكتـب ومقـاالت‪ ،‬ضـد دعـاة اإلصـالح‪ ،‬كمـا‬
‫فعــل الشــاه بــ(مصدق) عـراب حركــة اإلصــالح السياســي فــي إيـران‪ ،‬عنــدما جرمــه دينيــا‪ ،‬ودفعــت‬
‫دوالر لفقيــه مــن فقهـاء النفــاق‪ ،‬فـ فتى بـ ن مصـدقا زنــديق‬ ‫االسـتخبارات األمريكيــة عشــرت آال‬
‫مارق!!‪.‬‬
‫الفئـــة الثانيـــة‪ :‬الصـــالحون مـــن الفقهـــاء وطـــالب الشـــريعة والمتـــدينون الـــذين يـــدعمون‬
‫االســـتبداد بســـكوتهم عنـــه‪ ،‬بســـبب جهلهـــم بفـــرائض الـــدين‪ ،‬وجهلهـــم بخطورتـــه‪ ،‬فيســـاعدون‪-‬‬
‫بسكوتهم‪ -‬تل الفئات التي تحتكر تفسير الدين‪ ،‬وتقمع المجتهـدين والمخـالفين‪ ،‬وال تجيـز ألحـد‬
‫ما ترى‪ .‬وهم بذل يخلون ب صـل مـن أصـول العقيـدةت هـو حريـة الـرأي والتعبيـر‬ ‫أن يفتي بخال‬
‫السامية‪ ،‬التي جسدها اإلمام أحمد بن حنبل بحقه فى االجتهاد‪.‬‬
‫قطعيـــات الكتـــاب‬ ‫أو طالـــب علـــم أو عــامي يجهـــر بـــرأي ال يخــال‬ ‫وكــل مفكـــر أو مثقــ‬
‫والسنة‪ ،‬فقد قال كلمة حق‪ ،‬وهو مجاهد مدني‪ ،‬حتى لو كانت كلمته في رأينا خط ً‪.‬‬
‫ألن قمع الحرية الدينيـة والثقافيـة مـن الباطـل‪ ،‬وفـتح النوافـذ للشـمر والهـواء مـن الحـق‪.‬‬
‫كما في كلمات الحق التي قالها اإلمام أحمد بن تيمية رحمنا هللا ونياه‪ ،‬وكان ج از ه السجن الذي‬
‫علــى مظــاهر الــدين‬ ‫طــال وتكــرر حتــى توفــاه هللا فيــه‪ .‬عنــدما هــاجم الجمــود والركــود‪ ،‬والوقــو‬
‫عــن مقاصــده العظمــى‪ ،‬التــي ينبغــي اعتمادهــا عنــد الوقــائع والنـوازل‪ ،‬كمــا فــي مســائل‬ ‫والعــزو‬
‫الطالق‪.‬‬
‫الخطـــاب الـــدينيي المحـــر ‪ ،‬وهـــو أكبـــر أعـــوان التخلـــ ‪ ،‬وكـــل فرعـــون‪ ،‬خـــالل تاريخنـــا‬
‫اإلسالمي‪.‬‬

‫د=عندما تصوغ الثقافة المتخلفة قضاءا متخلفا‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫ومــن مــا يضــاعف دور الخطــاب الــديني المحــر فــي حمايــة التخلـ ‪ ،‬أنــه يشــكل أرضــية‬
‫النتهاك الحقوق عبر القضاء‪ ،‬حين يصبح القضاء قفـا از دينيـا لقبضـة الطاغيـة الفوال يـة‪ ،‬ا‬
‫قفـاز‬
‫من حرير ‪ ،‬مكتوب عليه كلمات العدالة والشريعة والحق‪.‬‬
‫ومــن أعظــم مفســي العدالــة والحقــوق‪،‬أن تضــرب الحقــوق ب حكــام قضــائية‪ ،‬تبــدأ صــكوكها‬
‫بالحمدلــة‪ ،‬وتخــتم بالصــلعمة‪ ،‬فالقضــاء يــر المســتقلت مــن أهــم األسـوار التــي يبنيهــا االســتبداد‬
‫حوله‪.‬‬
‫وجهاد سلطة الطائفة الدينية والقضائية القامعة‪ ،‬له أولوية أحيانا‪ ،‬ألنها تحرم حرية الرأي‬
‫والتعبيــر واالجتمــاع والتجمــع الســامية‪ ،‬وتــرى أن الظــالم المســتبد تصــح إمامتــه‪ ،‬وتــرى الشــورى‬
‫والعدالة من ثانويات الدين‪ ،‬فضال عن هدمها قوامة الناس على الحاكم‪ ،‬وحلولها محلهم‪.‬‬
‫الثقافــة القضــائية التــي تقــل فيهــا أو تنعــدم معــايير العدالــة‪ ،‬قابلــة ألن تكــون إدارة تابعــة‬
‫السلطة السياسية‪ ،‬وهي أداة من أدوات الطغيان السياسي‪ ،‬فهي تابع كمخالب القط‪ ،‬أقسى وأمر‬
‫حشـرات الفســاد‬ ‫علــى المجــددين المصــلحين المجاهــدين مــن يرهــا‪ ،‬ومــن أجــل لـ فــإن كشـ‬
‫فيهات إنماهو جهـاد مـدني أكبـر‪ ،‬وال سـيما أن السـلطة القضـائية يـد السـلطان‪ ،‬التـي تقمـع حريـة‬
‫الرأي والتعبير باسم الدين‪ ،‬ألنها تضرب بسيفين معاً‪:‬‬
‫والزندقة‪ ،‬والفتنة والبدعة‪.‬‬ ‫سيف الدين‪ ،‬وما فيه من فتاوى بالكفر واالنح ار‬
‫وسيف السلطان وما فيه من أحكام بالقتل على الردة والبغي والحرابة والفتنة‪ ،‬وقد عـانى‬
‫مــن هــذه الســلطة كثيــر مــن النوابــغ والمفكــرين اإلســالميين‪ ،‬ك حمــد بــن حنبــل وابــن تيميــة وابــن‬
‫ِ‬
‫القيم‪ ،‬وابن رشد الحفيد وابن حزم‪ ،‬ومحمد عبده واألفغاني‪.‬‬
‫ومن أجل ل فإن مهاجمة سلطة القضاء الجـائرة‪ ،‬لهـا أولويـة‪ ،‬وجهـاد مـدني أكبرتألنهـا‬
‫هي السور الثاني الذي يحتمي به السلطان الجائر‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫مــن أجــل ل ـ فــإن دعــاة شــروط البيعــة‪ :‬شــورى األمــة وحقــوق اإلنسان(الدســتور)ت فــي‬
‫العصر اإلمبريالية الصهيونية واإلفرنجيةت يجدون أن أكثر من يحامي عن االسـتبداد‪ ،‬هـم فقهـاء‬
‫الظالم‪ ،‬ومن أجل ل فـإن الجهـاد الثقـافي فـي سـبيل جـالء العقيـدة السياسـية فـي اإلسـالم‪ ،‬لـه‬
‫أولوية مطلقة‪.‬‬

‫هـ= عن السلطان االجتماعي الجائر‪:‬‬


‫والسلطان االجتماعي مـن أسـوار الطغيـان السياسـي‪ ،‬فالثقافـة المجتمعيـة المتخلفـة‪ ،‬أكبـر‬
‫أنصار الطغيان السياسي‪ ،‬وأقواهم ‪ ،‬فخرافات وترهات العوام‪ ،‬أكير محام عن ظلم الحكام‪ ،‬وهـي‬
‫شــديدة الخطــر علــى المجــددين والمصــلحين ‪ ،‬وهــي الســور األول الــذي يحمــي الطغيــان‪ ،‬لكــن‬
‫مواجهتهـا قبــل الســور الثقــافي والقضــائي ال تــنجح‪ ،‬ألنهــا عوائــد اجتماعيــة‪ ،‬رانــت واســتقرت فــي‬
‫العقول‪ ،‬ف صبح إنكارها مغامرة تقود إلى المجهول‪.‬‬
‫الحكــام ‪ ،‬فيكتسـب ت ييـدا شــعبيا ‪ ،‬ولكنـه ال يكــاد‬ ‫إن المجـدد والمصـلح والداعيــة ‪ ،‬يخـال‬
‫االجتمـاعيت الـذي أنـتج سـطان الطغيـان‪،‬ألن الـرأي العـام‬ ‫يحظى بالت ييدت عندما يحـارب التخلـ‬
‫ير المستنير يدافع عن جالديه‪ ،‬ويستمتع بالعبودية واالستسالم‪ ،‬وعندما يبـدأ المصـلح بجهـاد‬
‫الثقافـة المجتمعيـة المتخلفــة‪ ،‬يسـتعين عليـه ســلطان االسـتبداد بـالعوام وفقهــاء الظـالم‪ ،‬وتجتمــع‬
‫عليه أنواع المؤ يات من كل جانب‪ ،‬العزل الثقافي والعزل االجتماعي‪ ،‬والعزل السياسي معا ‪،‬‬
‫إن كل جور أو خلل سياسي‪ ،‬إنما هو ناتج عـن خلـل اجتمـاعي‪ ،‬ونن كـل خلـل اجتمـاعي‪،‬‬
‫ويرسـخ االخـتالل‪ ،‬ونن كـل خلـل سياسـي‪ ،‬إنمـا هـو حاصـل‬ ‫يحتمي بخطاب ثقافي‪ ،‬يؤطر التخل‬
‫تراكم الخلل الثقافي واالجتماعي معاً‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪=11‬فساد الفكر السياسي في ظل ل ال نقياد لل ستبداد‪ :‬الموعظة السياسة‬
‫السرية نموذجا‪:‬‬
‫أ – ال خالف في مشروعية البدء بالقول اللين‪:‬‬
‫ادع إلى سبيل رب‬
‫أمر هللا عباده بالدعوة إلى الحق‪ ،‬بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬فقال‪ُ  :‬‬
‫بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن‪ ،‬ولذل ينبغي حسـن التـ ني فـي مخاطبـة‬
‫الناس‪ ،‬بتقديم الكالم اللين اللطيف‪ ،‬مهما كان المخاطب عاصياً أو ظالماً أو كاف اًر‪ ،‬فقـد أمـر هللا‬
‫كليمه موسى وأخاه هارون عليهما السالم بالبدء باللين فقال‪ :‬فقوال له قوالً ليناً لعلـه َّ‬
‫يتـذكر أو‬
‫يخشى‪.‬‬
‫الخطـاب‪ ،‬هــو األصـل فـي الــدعوة‪ ،‬وهـو الــذي تؤكـده الشــريعة‪ ،‬وال‬ ‫فـالحلم والرفـق‪ ،‬ولطـ‬
‫ينبغي البدء بسواه‪ ،‬وال التقليل من جدواه‪ ،‬بل يجب تكراره م ار اًر‪ ،‬فقلوب البشر ليسـت أصـلب مـن‬
‫الصــخر‪ ،‬الــذي يــؤثر فيــه حبــل الســانية الضــعيف‪ ،‬حتــى يحفــر فيــه خط ـاً‪ ،‬يقســم كتلــة الصــخرة‬
‫قطعتين‪ ، :‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تضجر من مطلب×فففة الطالب أن يضج ار‬ ‫َ‬ ‫اطلب وال‬
‫أما ترى الحبل بتكراره×في الصخرة الصماء قد أث ار‬
‫ومن المناسب مخاطبة السـلطان أيـاً كـان سياسـياً أو اجتماعيـاً أو ثقافيـاً أو قضـائيا‪ ،‬بمـا‬
‫اعتــاد أن يخاطــب بــه‪ ،‬إ ا لــم يكــن فــي ل ـ محــذور شــرعي‪ ،‬ومــن الضــروري كــر محاســنه‪،‬‬
‫بالفضل عين اإلنصا ‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬وأقسطوا إن هللا‬ ‫بما له من فضل‪ ،‬فاالعت ار‬ ‫واالعت ار‬
‫حب المقسطين‪ ‬الحجرات‪ ، 9 :‬والقسط هو العدل في األقـوال واألفعـال‪ ،‬قـال تعـالى‪ :‬ون ا قلـتم‬ ‫ُي ُّ‬
‫فاعــدلوا‪ ‬األنعــام‪ . 152 :‬ي وال يجــرمنكم شــنفن قــوم ‪ ،‬علــى أن ال تعــدلوا ت اعــدلوا هــو أقــرب‬
‫للتقوى ي أفضل مقامات العدل ‪ ،‬وهو العدل عند الغضب والموجدة والعداوة‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫ب=ولكن ال يجوز االكتفاء بالوعظ السري‪:‬‬
‫وأسلوب اللين واللط ال يقصد به الموعظة السرية‪ ،‬كما يتوهم كثيـر مـن النـاس‪ ،‬فـالقول‬
‫بهـا‪ ،‬وال سـيما فـي المنكـرات‬ ‫بالبدء بالموعظة السرية‪ ،‬فضالً عن القول بتركيز األمـر بـالمعرو‬
‫الســلطانيةت قــول فــي الشــرع بغيــر دليــل‪،‬ال يقــول بــه إال اف ـل عــن مبــادل السياســة الشــرعية‬
‫وأساليبها‪.‬‬
‫ال ينبغي التزام الموعظة السرية إال في موضعين هما‪:‬‬
‫األول‪ :‬يج ـب أن تكــون الموعظــة س ـ ار فــي الجانــب الشخصــي مــن حيــاة الفــاجر‪ ،‬إ ا كــان‬
‫الحــاكم مقترفــاً فــي الســر بعــض الموبقــات‪ ،‬كشــرب الخمــر والزنــا واللــواط‪ ،‬علــى أنــه ال ينبغـــي‬
‫للمحتسب أن يتعر على هذا المنكر من خالل التجسر على الناس في بيوتهم‪ ،‬أو يرفع ثياب‬
‫الغطاء ليعر ما في الوعاء‪ ،‬إ الشـريعة أمـرت بسـتر عـورات‬ ‫أحدهم ليرى ما تحتها‪ ،‬أو يكش‬
‫تجسسوا‪ ‬الحجرات‪ 12 :‬وقال رسـول هللا‬
‫الناس‪ ،‬ونهت عن التجسر عليهم‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وال َّ‬
‫تحسسـوا» (رواه البخـاري) وقـال عليـه أزكـى الصـالة والسـالم‪« :‬مـن‬
‫صلى هللا عليـه وسـلم‪« :‬وال َّ‬
‫ستر مسلماً ستره هللا في الدنيا واآلخرة» (رواه مسلم)‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬و يجب أن تكون الموعظة س ار –أيضـا‪ -‬إ ا كـان المنكـر فـي مجـال أسـرار الدولـة‬
‫العامة‪ ،‬التي يضر نشرها بمصالح الدولة العليا‪ ،‬ويبين ثغراتهـا ل عـداء فـي الخـارج‪ ،‬وللمنـافقين‬
‫والفوضويين في الداخل‪.‬‬
‫ج= الموعظة السرية استثناء فمتى يشرع البدء بها‪:‬‬
‫ينبغي أن يعر المصلح المخطئين‪ ،‬بالمعرو الـذي تركـوا‪ ،‬والسـوء الـذي ارتكبوا‪،‬ف حيانـا‬
‫يكون خط المدير أو األمير والرئير ناتجاً عن جهل باألمر‪ .‬وأكثـر مـا يكـون لـ فـي العـادات‬
‫التــي يشــب عليهــا الصــغير‪ ،‬ويهــرم عليهــا الكبيــر‪ ،‬ألن النــاس وال ســيما فــي عصــور العبوديــة‬
‫والقمـعت تغيـب عـنهم السـنن وتفشــو البـدع‪ ،‬فـإ ا نبهـوا إلـى الســنة‪ ،‬ظنوهـا منكـرا‪ ،‬بـل ربمـا ظنـوا‬
‫الداعي إليها مبتدعا‪ ،‬كما نبه الصحابي الجليل عبد هللا بن مسعود‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫ودليل هذا أن أكثر الناس ال ينكـرون علـى الحـاكم توليتـه وي قربـاه‪ ،‬بـل يـرون أن توليـة‬
‫القريب العادل أمر حسن‪،‬وقد اعتاد الحكام ل حتى صار الرأي العام فضال عن الحاكم يستغرب‬
‫أن يصدع محتسب أمام ملوك الجبر بذل ‪.‬‬
‫وكثير من األمراء لم يتعودوا إال المديح واإلطراء‪ ،‬فإ ا جوبهوا بالنقـد أخـذتهم العـزة بـاإلثم‪،‬‬
‫من أجل ل كـان البـدء بالموعظةالسـرية فـي هـذا المجـال حسـنا‪ ،‬بـل هـو األولـى‪ ،‬وال سـيما إ ا‬
‫كان الناصح من مخالطي السلطان‪ ،‬أو ِمن َمن يسـهل عليـه مخاطبـة الر سـاء‪ ،‬كـ ن يكـون مـن‬
‫األعيــان والوجهــاء‪ ،‬أو كبــار المــدراء والعلمــاء‪ ،‬فــإن وجــد الناصــح اســتجابة ولــو قليلــة‪ ،‬واصــل‬
‫مشوارها‪ ،‬ونن وجد إعراضاً أو عناداً وجب عليه الجهر‪.‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬واعتدال مزاجه وحكمته‪ ،‬هو أن يعدل فى مثـل هـذه الحـاالت‪،‬‬ ‫إن عالمة إنصا‬
‫الــى العــدل ‪ ،‬هــدوء األعصــاب فــى الخطــاب ‪ ،‬كــان مــن الــدعاة بالحكمــة والموعظــة‬ ‫ون ا اضــا‬
‫الحســنة‪ ،‬فاألســلوب اللطيــف قــد يحفــز المخــاطبين علــى اإلصــغاء‪ ،‬ويزيــل الوحشــة بيــنهم وبــين‬
‫الناصح‪ ،‬فتصل الرسالة أو توش ‪ ،‬وقد يقتنـع المخـاطبون ويسـمعون ويسـتجيبون‪ ،‬ويـدركون أن‬
‫ال ـواع مشــفق علــيهم‪ ،‬صــادق يــر متكلــ ‪ ،‬ويــدركون أن صــديقهم هــو مــن َص َــد َقهم ال مــن‬
‫ممن دعا إلى هللا وعمل صالحاً وقال إنني‬ ‫َّ‬
‫صدقهم‪ ،‬كما قال هللا تبارك وتعالى‪ :‬ومن أحسن قوالً َّ‬
‫مـن المســلمين ال وال تسـتوي الحســنة وال السـيئة ادفــع بـالتي هــي أحسـن فــإ ا الـذي بينـ وبينــه‬
‫عـداوة ك نـه ولـي حمــيم ال ومـا ُي َّلقاهـا إال الــذين صـبروا ومـا ُي َّلقاهــا إال و حـ ٍ عظـيم‪ ‬فصــلت‪:‬‬
‫‪. 35-33‬‬
‫ولير البدء بالنصيحة السرية مشروعا‪ ،‬إال في مثل هاتين الحالتين‪ ،‬على أنـه يشـترط أن‬
‫ي ـ من الناصــح عــن نفســه ومالــه ومرتبتــه وعرضــه مــن اال تيــال والتشــويه والقــذ ‪ ،‬ألن بعــض‬
‫األمـراء والر ســاء والمــدراءت قــد يطعــن محــاولي إصــالحه مــن تحــت الخاصــرة‪ ،‬ومــن أجــل لـ ال‬
‫يجوز للمصلح أن يلقي سالح الحذر‪.‬‬
‫د– القاعدة‪:‬اجهر واصدع بما تؤمر‪:‬‬
‫‪76‬‬
‫إن القاعدة‪:‬هي اجهر واصدع بما تؤمر‪ ،‬العتبارات كثيرة منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن كثيـ اًر مـن أهـل الـرأي واإلصــالح‪ ،‬ال يقـدرون علـى مشـافهة الحـاكم‪ ،‬وألنهــم ال‬
‫يضمنون أن تصـل مكـاتبتهم إليـه‪ ،‬ومـن هنـا ال ينبغـي أن يتـرك الناصـح المنكـر منتشـ اًر‪ ،‬محتجـاً‬
‫ب نه لم يستطع أن يناصح في السر‪.‬‬
‫ثانيا وألن لالكتفـاء بالموعظـة السـريةتمحا ير ينبغـي ادراكهـا‪ ،‬منهـا أنـه قـد يخفـق مسـعى‬
‫المصـلح‪ ،‬وال يـزول المنكـر‪ ،‬وتحـال نصـيحة الناصـح إلـى سـلة المهمـالت‪ ،‬كمـا وقـع مـن موســى‬
‫عليه السالم‪ ،‬فقد قال لفرعون قوال لينا‪ ،‬ولكنه أزبد وطغى‪.‬‬
‫وثالثا‪ :‬يحتمل أن يساء للمحتسب‪ ،‬فـي رزقـه ووظيفتـه‪ ،‬أو جاهـه ومنصـبه‪ ،‬أو فـي نفسـه‬
‫وحياته‪ ،‬من حيث ال يشعر ومن حيث ال يدري الناس‪ .‬وربما لفقت لـه تهمـة تصـوره بـين النـاس‬
‫مجرماً منبو اً‪ ،‬وتشوه سمعته‪.‬‬
‫ورابعــا يحتمــل أن ال يــتمكن النــاس مــن معرفــة جهــاده المــدني الســلمي‪ ،‬التخــا ه قــدوة‬
‫وأسوة‪ ،‬بل قد يظنونه من أعوان الظلمة إن لم يكن منهم‪ ،‬ويعدونه راضياً موافقاً‪ ،‬وأخطر من كل‬
‫مــن مــر أن النــاس ســيظنون الجــور واالســتبداد وقمــع الحريــة الســامية والفســاد أمـ اًر مقبـوالً فــي‬
‫الشريعة‪ ،‬ألن علماء الشريعة لم ينهوا عنه‪.‬‬
‫الخامر‪:‬وهو أهمها أن المحتسب في الش ن العام‪ ،‬واحد من الرأي العام‪ ،‬الذي وكل علـى‬
‫الحاكم‪ ،‬فالحاكم يحاسب أمام موكليه‪ ،‬ولهم إجباره على مشاورتهم‪ ،‬ولو أدى ل إلى عزله‪.‬‬
‫وال بد للمجاهد المدني‪ ،‬من أن يوازن بـين المصـالح والمفاسـد فـي النتـائج‪ ،‬فلـير الفطـن‬
‫من عر الخير من الشر فحسب‪ ،‬بل هـو مـن عـر أفضـل الخيـرين وأهـون الشـرين‪ ،‬كمـا كـر‬
‫ابن تيمية‪.‬‬
‫فــإ ا لــم يــزل المنكــر بــالهمر‪ ،‬س ـواء أكــان الهمــر مقالــة أم خطبــة أم رســالة‪ ،‬ولــم تبــد‬
‫عالمــات إيجابيــة ألســلوب اللــين واللطـ ‪ ،‬فــال بــد مــن أســلوب الجهــر‪ ،‬فــالمنكرات العامــة‪ ،‬أمــور‬

‫‪77‬‬
‫مشتهرة وال يمكن أن تزول إال بالجهر بإنكارها‪ ،‬على أن الجهر ال ينبغي أن يعدل فيه عن اللين‬
‫إلى الشدة‪ ،‬ولكن اللين ال يعني التخا ل والضع ‪ ،‬والتهاون والتساهل‪ ،‬قال تعالى‪ :‬فاصدع بما‬
‫تـؤمر‪ ‬الحجــر‪ ، 94 :‬والصـدع ال يعنــي الغفلـة عــن حسـن األدب‪ ،‬ولكنــه يعنـي وضــع العواطـ‬
‫الثائرة ‪ ،‬والموضوعات الصعبة ‪ ،‬فى عبارات هادئة‪.‬‬
‫ولذل نص الفقهـاء علـى البـدء بـوع الظـالم بـاللين والرفـق والتر يـب‪ .‬والحـض‪ ،‬فـإن لـم‬
‫يمتثل فال مندوحة عن الصدع والزجر‪.‬‬

‫‪=16‬كيف أضاعنا فقه ضباب الملك العضوض أكثر من ألف عا‬

‫عندما حصر المطالبة بحقو الأمة بتوسل ت سرية؟‬


‫أ‪-‬عندما قال قاضي الملك العضوض‪:‬ال يسـوغ أن ينصـح األميـر‬
‫عالنية إال بإذنه‪:‬‬
‫وعاع السالطين وقضاتهم عبر عصور االستبدادت من خادعين ومخـدوعين يلبسـون علـى‬
‫الناس األمور‪ ،‬ومن نما جهم قاض في محكمة بريدة جعل الحيثية األولى في حكمه علي وعلـى‬
‫أخي عيسى الحامد ستة أشهر أننا خالفنا القاعدة الشرعية‪:‬ال يسوا نصـح السـلطان عالنيـة إال‬
‫بإ نه‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫وقد بنى القاضي حكمه على أن اإلنكار على الوالة ال يجوز إال س اًر‪ ،‬لـئال يجـر إلـى الفـتن‬
‫فقال هدانا هللا ونياهياألصل الشرعي‪ ،‬وهو أن يكون اإلنكار علـى الـوالة سـرا‪ ،‬لـئال يجـر إلـى فتنـة‬
‫وبلبلة‪ ،‬بل إلى سف دم أحياناي(انظر محاكمة اعتصام نساء المعتقلين السياسيين في القصيم)‪.‬‬
‫ما الدليل؟‪ ،‬كر القاضي أن الدليل هـو مـاروى مسـلم فـي صـحيحه عـن أسـامة بـن زيـد‬
‫قال قيل له أال تدخل على عثمان تكلمه فقال اترون أني ال أكلمـه إال أسـمعكم؟‪ ،‬وهللا لقـد كلمتـه‬
‫فيما بيني وبينه‪ ،‬دون أن أفتتح أم اًر ال أحب أن أكون أول من فتحه‪ ،‬وال أقول ألحد يكـون علـي‬
‫أمي ار أنه خير الناس‪ ،‬بعـدما سـمعت رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم يقـول ((يـؤتى بالرجـل يـوم‬
‫القيامة‪ ،‬فيلقى في النار‪ ،‬فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كمـا يـدور الحمـار بـالرحى فيجتمـع إليـه‬
‫المنكر فيقول بلى قد كنـت‬
‫ً‬ ‫وتنهى عن‬ ‫اهل النار فيقولون يا فالن مال ألم تكن ت مر بالمعرو‬
‫وال أتيه و أنهى عن المنكر وآتيه))‪.‬‬ ‫آمر بالمعرو‬
‫وتناسي القاضي أن ما نسب إلى أسامة بن زيد لم يصح فقد ضعفه أهل الحديث‪ ،‬ومـنهم‬
‫اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا‪ ،‬فاالحتجاج بـه باطـل‪ ،‬ولـو افترضـنا أن فـيهم مـن قـواه لبطـل بـه‬
‫االستدالل أيضا‪ ،‬ألن القاعدة األصولية تقول‪ :‬ما داخله االحتمال بطل به االستدالل‪.‬‬
‫قال النووي في توجيه هـذا الحـديث قولـه يافتـتح أمـ ار ال أحـب أن أكـون أول مـن افتتحـهي‬
‫يعني المجاهرة باإلنكار على األمراء في الم كما جرى لقتلة عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬وفيه األدب‬
‫بهم ووعظهم س اًر وتبليغهم ما يقول النـاس ليكفـوا عنـه‪ ،‬وهـذا كلـه إ ا أمكـن‬ ‫مع األمراء واللط‬
‫ل ‪ ،‬فإن لم يمكـن الـوع سـ اًر واإلنكـارت فليفعلـه عالنيـة‪ ،‬لـئال يضـيع أصـل الحـقي (انظـر شـرح‬
‫النووي صحيح مسلم (‪ )111/11‬باب حف اللسان)‪.‬‬
‫فكالم النووي رحمه هللا يدل مشروعية المطالبة السـرية إ ا كانـت الطـرق إليهـا ميسـورة‪،‬‬
‫وخطورة‪ ،‬ولم تكن الحجب مقامة و ال األبواب‬ ‫والنتائج متحققة منظورة‪ ،‬ولير فيها جانب خو‬

‫‪79‬‬
‫موصدة‪ ،‬فإ ا لم تتوافر هذه الصورة‪ ،‬فال بد من عالنية اإلنكار ب ي صـورة سـلمية كانـت‪ ،‬يلكـيال‬
‫ال يضيع أصل الحقي كما نص النووي‪.‬‬
‫وتناسى القاضي ماهو أهم وهو أن هذا النص لوصح رفعه متشابه‪ ،‬ألنه يضرب محكمات‬
‫األدلة الشرعية لفظية ومعنوية‪ ،‬التي جعلت إنكار المنكر من أركان العقيدة الكبـرى‪ ،‬وألن الحـاكم‬
‫وكيل عن موكليه‪ ،‬فكيف ي مره موكلوه ويبدون عليه مالحظانهم سرا‪.‬‬
‫وتناسي القاضي أن مـا فعلـه أسـامة بـن زيـد منقـوض بمـا فعلـه جمهـور الصـحابة ومـنهم‬
‫عائشة والزبير وطلحة وأبو ر وعمر بـن الخطـاب وعمـار بـن ياسـر و يـرهم كثيـر‪ ،‬وهـو اإلنكـار‬
‫العلني‪ ،‬فقد أنكروا عالنية على بعض الخلفاء واألمراء‪ ،‬كعمر وعثمان وعلـي فضـال عـن معاويـة‬
‫ومروان ب ن الحكم‪ ،‬ومحفوع مـن مـواقفهم فـي كتـب الحـديث والسـيرتأكثر مـن مئـة مواـف‪ ،‬ولقـد‬
‫أنكرت عائشة رضي هللا عنهـا علـى عثمـان رضـي هللا عنـه جهـا ار وعالنيـة حيـث قالتيخصصـت‬
‫بيت مال المسلمين لنفس وأطلقت أيدي بني أمية على أموال المسـلمين ووليـتهم الـبالد وتركـت‬
‫أمة محمد في ضـيق وعسـر‪ ،‬قطـع هللا عنـ بركـات السـماء وحرمـ خيـرات األرضي‪.‬فكيـف يتـرك‬
‫القاضي الطريق الالحب‪ ،‬ويتصيد الشوارد؟‪.‬‬
‫ومـن لـ إنكـار عمــر بـن الخطـاب وعائشــة وأبـي ر وعبـادة بــن الصـامت وعبـد هللا بــن‬
‫مسعود رضـي هللا عـنهم بعـض التصـرفات الماليـة واإلداريـة والخطـط السياسـية‪ ،‬بـل ومعارضـتهم‬
‫إياها‪ ،‬ورفع صوتهم بذل ‪.‬‬
‫والنهي‬ ‫لير أسامة بن زيد مشرعاً من قبل الحق جال وعال الذي قال في األمر بالمعرو‬
‫عـــن المنكـــر يوالمؤمنـــون والمؤمنـــات بعضـــهم أوليـــاء بعـــض يـــ مرون بـــالمعرو وينهـــون عـــن‬
‫المنكــري‪ .‬واآليــة تمتــد أفقيــا نحــو واليــة األ علــى أخيــه أو علــى أختــه‪ ،‬ورأســيا مــن الكبيــر علــى‬
‫الصغير‪ ،‬ومن الحاكم على المجتمع ومن المجتمع على الحاكم‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫يره‪ ،‬لم يقدم األخـذ برأيـهت‬ ‫–في علم أصول الفقه‪-‬أن الصحابي إ ا خال‬ ‫ومن المعرو‬
‫على من هو أعر منه بالسنة‪.‬‬
‫فالنصــوص والموااــف متضــافرةت علــى وجــوب اإلنكــار‪ ،‬فلــم يقــل أحــد بعــدم وجــوب اإلنكــار‬
‫فــي ج ـواز اإلنكــار باليــد‪ ،‬كمــا بــين الشــيخ عبــد هللا بــن محمــد بــن عبــد‬ ‫باللســان‪ ،‬وننمــا الخــال‬
‫الوهاب رحمنا هللا ونياه في كتابه (جواب أهل السنة)‪.‬‬
‫وألن تقويم الحاكم ومطالبته وأمره ونهيه عالنية قد ثبت عن جمـع مـن الصـحابةتال يصـح‬
‫رفض هذه النصوص المتواترة عن صحابة رسول هللا‪ ،‬بتصيد الزالت العابرة‪ ،‬واألقوال الشاردة‪.‬‬
‫ب=حتى التعذيب الوحشي أوجـب قضـاة الملـك العضـوض إنكـاره‬
‫سرا‪:‬‬
‫ومن النما ج على أن الثقافة القضائية الدينية الشائعةت من أسباب ضـياع حقـوق األمـة‪،‬‬
‫تجـــريم القضـــاة المظـــاهرات واالعتصـــامات(في القضـــاء الســـعودي)‪ ،‬كمـــا فعـــل‪-‬أيضـــا‪ -‬قاضـــي‬
‫(محاكمــة اعتصــام نســاء المعتقلــين السياســيين فــي القصــيم)‪ ،‬عنــدما تصــيد الش ـوارد‪ ،‬واقتــنص‬
‫القواعد‪ ،‬وخالفت صـريح الشـريعة‪ ،‬ومـا أوحـاه هللا للبشـر وأودعـه فـي الفطـرة‬ ‫الشواهد‪ ،‬واعتس‬
‫والطبيعة‪،‬كيف؟‪.‬‬
‫بقــد قــرر أن إنكــار تعــذيب المســاجين _أيضــا‪-‬يجــب أن يكــون س ـرا‪ ،‬فيقــول‪ :‬أرشــدنا هللا‬
‫ونياكم ونياهيقال االمام احمد فـي مسـنده مـن حـديث شـريح بـن عبيـد الحضـرمي و يـره قـال يجلـد‬
‫عياض بن نم صاحب دا ار حين فتحت‪ ،‬ف ل له هشام بن حكيم القول حتى ضب عياض‪،‬‬
‫ثم مكث ليالي ف تاه هشام بـن حكـيم فاعتـذر‪ ،‬ثـم قـال هشـام لعيـاض ألـم تسـمع النبـي صـلى هللا‬
‫عليه وسلم يقول يإن من اشد النـاس عـذاباً أشـدهم عـذاباً فـي الـدنيا للنـاسي‪ ،‬فقـال عيـاض بـن‬
‫نم‪ :‬ييا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت‪ ،‬ورأينا مـا رأيـت‪ ،‬أولـم تسـمع رسـول هللا صـلى هللا‬
‫عليـه وسـلم يقــول (( مـن أراد أن ينصـح الســلطان بـ مر فـال يبــده لـه عالنيـة‪ ،‬ولكــن لياخـذ بيــده‬
‫فيخلو به فإن قبل منه فذاك و إال كان قد ادى الذي عليه له))‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫وعياض وهشام كلهما صـحابيان جلـيالن‪ ،‬قـال الهيثمـي فـي المجمـع‪ :‬قلـت فـي الصـحيح‬
‫طر منه من حديث هشام فقط‪...‬الخ ولهذا الحديث طرق كثيرةي‪.‬‬
‫و االســـتدالل بهـــذا الحـــديث لتشـــريع ســـرية االحتســـاب علـــى الســـلطان باطـــل‪ ،‬ل ســـباب‬
‫التالية(في رواية الحديث)‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن الزيادة التي تفيد مشروعية االحتساب السري(في الحـديث)‪ ،‬زيـادة مرسـلة شـا ة‪،‬‬
‫وهي قول عياض‪ :‬ييا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت‪ ،‬ورأينـا مـا رأيـت‪ ،‬أولـم تسـمع رسـول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسـلم يقـول (( مـن أراد ان ينصـح السـلطان بـ مر فـال يبـده لـه عالنيـة‪،‬ولكن‬
‫لياخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك و إال كان قد ادى الذي عليه له؟))ي‪.‬‬
‫فقد ضعفها كثير من أهل العلم‪ .‬فقال الشيخ شعيب األرنا وط عن هذا الحديث‪ :‬اسـناده‬
‫ضعيف النقطاعه‪ ،‬وشريح بن عبيد الحضرمي لم يذكروا له سماعه من عياض‪ ،‬وال من هشام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن قاضـي (محاكمـة اعتصـام نسـاء المعتقلـين السياسـيين فـي القصـيم) ‪-‬هـدانا هللا‬
‫منها ما يدل ‪-‬ال على ضعفها فحسب‪ ،-‬بل ما يدل على أنها موضوعة‪ ،‬هـي قـول‬ ‫ونياه‪ -‬حذ‬
‫عيــاض ي ‪ ...‬ونن ـ ياهشــام ألنــت الجــرل إ تجتــرل علــى ســلطان هللا فهــال خشــيت أن يقتل ـ‬
‫الســـــلطان فتكـــــون قتيـــــل ســـــلطان هللا تبـــــارك وتعالىي‪(.‬انظرمســـــند اإلمـــــام أحمـــــد بـــــن حنبـــــل‬
‫(‪)113/3‬الحديث رقم(‪.)11369‬‬
‫تـرى لـم لـم يسـ ل القاضـي نفسـه‪ ،‬عـن عبـارات مثل‪:‬سـلطان هللا‪ ،‬وقتيـل سـلطان هللا‪ ،‬هــل‬
‫يمكن أن ترد في حديث صحيح؟‪ ،‬فهذا حديث موضـوع يـا أيهـا القاضـي الغافـل‪ ،‬ال يجسـد خليفـة‬
‫أو وزي ار أو أمي ار إسالميا تنيبه األمة‪ ،‬فيكـون مـن حقهـا أن تراابـه وتحاسـبه فـي الـدنيا‪ ،‬قبـل أن‬
‫يحاسبه هللا في األخرى بل يجسد فرعونا وايص ار ودكتاتورا‪ ،‬يدعي أن هللا هو الـذي واله‪ ،‬وأنـه ال‬
‫يحاسبه إال إياه‪ ،‬ونن اسلوب االمة إلصالحه هو الدعاء والبكاء‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫( أما نقد الحـديث ومـن حيـث الدرايـة) فـإن مـن لـير لـه نظـر بعلـم الجـرح والتعـديل وبنقـد‬
‫المتن‪ ،‬يدرك أن الحديث حتما متشابه‪ ،‬ويستطيع أن يقطع يذل ‪ ،‬إ ا كانت له دراية (ولو عـابرة)‬
‫بقواعد أصول الفقه‪ ،‬كالتعارض والترجيح‪ ،‬والمحكم والمتشابه‪ ،‬فضال عن مـن لـه إلمـام بمقاصـد‬
‫الشريعة‪..‬‬
‫والحــديث –إن صــح رفعــه‪ ،-‬متشــابه‪ ،‬وال ينبغــي األخــذ بالمتشــابه‪ ،‬وتــرك عشـرات الــدالئل‬
‫القطعية المحكمة‪ :‬حجج تناثر كالزجاج حطامها=شتى وكل كاسر مكسور‪.‬‬

‫ج=الموعظة العلنية هي القاعدة و السرية استثناء‪:‬‬


‫ولو أن فقهاء الظالم واالسـتبداد المحـامين عـن الجـالدت وضـعوا مصـباح القـرآن والسـنة‪،‬‬
‫في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي‪ ،‬ومشكاة حقائق علوم اإلنسان والطبيعةت‬
‫الحتجوا بمثل الحـديث الحـديث الصـحيح ‪ ..‬يأن عيـاض بـن ـنم رأى نبطـاً يشمسـون فـي‬
‫الجزيةت فقـال إنـي سـمعت رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم يقـول ((إن هللا تبـارك وتعـالى يعـذب‬
‫الــذين يعــذبون النــاس فــي الــدنيا))رواه اإلمــام أحمــد فــي المســند (‪ )111/3‬رقــم (‪،)11351‬قــال‬
‫الشيخ شعيب اإلرنا وط ‪ :‬إسناده صحيح على شرط مسلم ‪.‬‬
‫فهذا دليل على إنكار عياض بن نم عالنية على مـن عـذب النـبط‪ ،‬وهـذا يتوافـق مـع مـا‬
‫ننــادي بــه مــن ضــرورة إنكــار المنك ـرات الســلطانية‪ ،‬عبــر الوســائل الســلمية‪ ،‬كالبيــان والمظــاهرة‬
‫واالعتصام‪ ،‬واإلضراب عن العمل والطعام‪.‬‬
‫ولو فعلوا ل لما أوقعوا األمة في هذه الترهات المهلكات‪ ،‬وألدركوا‪:‬‬
‫أن المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية ليست موعظة فردية أوال‪.‬‬
‫وأن العالنية هي القاعدة التي ال ينبغي العدول عنها‪.‬‬
‫ولكن‪:‬‬
‫قد تنكر العين ضوء الشمر من رمد=وينكر الفم طعم الماء من سقم‬
‫‪81‬‬
‫‪=15‬مفهو الحكمة والفتنة‬

‫بين عصر الحكم الشوري وعصور الملك العضوض‬


‫أ= (الحكمــة) بــين زجاجــة المصــباح وأوهــام عصــور الملــك‬
‫العضوض‪:‬‬
‫ومن خزعبالت إبلير‪ ،‬التـي رانـت علـى النفـوس‪ ،‬فـي عهـود التـ خر والتـدلير‪ ،‬أن يقصـر‬
‫الفقهاء والفضالء االحتساب على الحكام بـ (الوع السري)‪ ،‬وأن يعد الجهر والعالنيـة والصـدع‪،‬‬
‫من مجافاة أدب (الحكمـة) و(الموعظـة الحسـنة)‪ ،‬وشـر مـن هـذا و اك أن يعـدوا تقـويم انحرافـات‬
‫السلطة‪ ،‬ومناهضة الجور والظلم‪( ،‬فتنة) ودعوة إلى (الفوضى)‪ ،‬أو (اإلفساد في األرض)‪ ،‬كيف‬
‫ل ؟ والرسول صلى هللا عليه وسلم يقول (في الحديث الصـحيح)‪« :‬لتـ طرنهم علـى الحـق أطـ ارً‪،‬‬
‫ولتقصرنهم على الحق قص اًر أو ليخالفن هللا بين قلوبكم»‪ .‬وكيف يؤطر المسـتبدونت دون إعـالم‬
‫الرأي العام‪ ،‬لالستعانة به لصد جورهم وجبرهم المادي؟‪.‬‬
‫والنهي عن المنكر فـي شـقي العقيـدة المـدني والروحـي مـن أهـم فـرائض‬ ‫فاألمر بالمعرو‬
‫اإلسالم وتحقيقـه يسـتلزم حريـة التجمـع‪ ،‬وهـذا معنـى اآليـات الكريمـة ي وتواصـوا بـالحق وتواصـوا‬
‫بالصــبري و ي لــتكن مــنكم امــة يــدعون إلــى الخيــري وقولــه صــلى هللا عليــه وســلم ي مــن رأى مــنكم‬
‫منك اًر فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه ي وقوله صـلى هللا عليـه وسـلم فـي الحـديث الـذي رواه‬
‫عبادة بن الصامت رضي هللا عنه ي بايعنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على السمع والطاعـة‬
‫‪ ،‬في العسر واليسر والمنشط والمكره ‪ ،‬وعلى أثره علينا ‪ ،‬وان ال تنازع باألمر أهله ‪ ،‬إال أن تروا‬
‫في هللا لومـة الئـمي‬ ‫كف ار بواحاً عندكم من هللا فيه برهان وعلى أن تقول الحق أينما كان ال تخا‬
‫‪83‬‬
‫( أخرجــه البخــاري ومســلم) ‪ ،‬فصــار مــن صــفات الم ـواطن الصــالح فــي اإلســالم أن يشــارك فــي‬
‫الشـئون العامـة‪ ،‬وقـد نـص الفقهــاء كـالنووي علـى أن الكفـر البـواح مجـازي يقصـد بـه المعاصــي‬
‫فــيهن وال شـ فـي صــدورها مـن الحــاكم‪ ،‬واســتبداد الحـاكم الممــنهج فضــال‬ ‫الكبـرى التــي الخـال‬
‫ظلمه من الكفر البواح‪.‬‬
‫فقــد نــص الفقهــاء علــى أن البيعــة هــي عقــد وكالــة‪ ،‬وأنــه يشــترط فيهــا الكفايــة والعدالــة‬
‫وشورى األمة‪ ،‬ونص ابن عطية على أنه يجب عزل المستبد‪.‬‬
‫بــل اعتبــر رســول هللا صــلى هللا عليــه وســلم تــرك إعــالن الـرأي داللــة علــى رضــا اإلنســان‬
‫بالهوان وتقبل االحتقار ‪ ،‬فقد روى أبو سعيد الخدري رضي هللا عنه ‪ ،‬قـال قـال رسـول هللا صـلى‬
‫هللا عليه وسلم ي ال يحقرن أحدكم نفسه ‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا وكيف يحقر أحـدنا نفسـه ؟ قـال ‪:‬‬
‫يرى إن عليه مقاالً ‪ ،‬ثم ال يقول بت ‪ ،‬فيقول هللا عز وجل يوم القيامة ‪ :‬ما منعـ إن تقـول فـي‬
‫كذا وكذا؟ ‪ ،‬فيقول خشية الناس فيقول ‪ :‬فإياي كنت أحق أن تخشى ي ( رواه ابن ماجه ) ‪.‬‬
‫وحق الجماعات في مراابة الحكام ونصـحهم ونقـد تصـرفاتهم يسـتلزم ضـرورة تمتـع اإلفـراد‬
‫والجماعـات بحريـة الـرأي والتعبيـر واالجتمـاع‪ .‬إن القـيم المعتبـرة لحفـ الدولـة فـى كـل أمـة قويــة‬
‫مقررة فى الشريعة المطهرة ‪.‬‬
‫والشورى أساس الحكم‪ ،‬ألنها هي حوض العدل ‪ ،‬والحرية هي هـواء الشـورى‪ ،‬والتجمعـات‬
‫المدنية هي مصدات رياح األهواء والسدود أمام الطغيان وتقريـر مبـدأ الشـورى ومـا يترتـب عليـه‬
‫مـن مناقشـات يسـتلزم أيضـا حريـة التجمـع ‪ ،‬فـال يمكـن تطبيـق الشـورى مـن دون حريـة تجمــع ‪،‬‬
‫ومن الخطل أن يتصور أحد ايام الشورى ‪ ،‬دون حرية الرأي أوال وحرية التجمع ثانيا‪.‬‬
‫ولـــذا وجـــب أن يتربـــى األفـــراد والجماعـــات علـــى حريـــة الـــرأي والتجمـــع ‪ ،‬وكـــان الخلفـــاء‬
‫الراشدون يعيبون الناس إ ا سكتوا ‪ ،‬قال رجـل لعمـر بـن الخطـاب اتـق هللا يـا عمـر فقـال عمـر ‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫ياال فلتقولوها فال خير فيكم إن لم تقولوها ‪ ،‬وال خير فينـا إن لـم نسـمعهاي وكلمـة اتـق هللا تشـمل‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬وهذا كله يقتضي حرية التعبير‪.‬‬ ‫النصح واألمر بالمعرو‬
‫ولـذل صـارت الشـجاعة مـن مســتلزمات حريـة الـرأي فـال حريــة لـرأي ‪ ،‬إ ا لـم يكـن النــاس‬
‫الشـعب وتهيبـه مـن وي السـلطان‪،‬‬ ‫مـن الشـجاعة والجـرأة والجسـارة ‪ ،‬إن خـو‬ ‫على قدر كـا‬
‫‪ ،‬أو ينهـى عـن منكـر ‪،‬‬ ‫والجبن ‪ ،‬فال يستطيع اإلنسان إن يـ مر بمعـرو‬ ‫يراكم حشرات الضع‬
‫وهذا أمارة هالك األمة ‪ ،‬وقال النبي صلى هللا عليه وسلم ي إ ا رأيت أمتي تهاب إن تقول للظالم‬
‫لم فقد تودع منها ي‪.‬‬
‫النهـي عـن المنكــر ‪ ،‬وهـو بـاب واسـع يشــمل (معارضـة) كـل مـا يخــال‬ ‫واألمـر بـالمعرو‬
‫اإلســـالم ‪ ،‬وهـــو أمـــر عـــام لكـــل إنســـان اســـتناداً إلـــى قولـــه تعـــالى ي ولـــتكن مـــنكم امـــة تـــ مرون‬
‫بـــالمعرو تنهـــون عـــن المنكـــري (آل عمـــران‪ .)013:‬وقولـــه ي كنـــتم خيـــر امـــة أخرجـــت للنـــاس‬
‫وتنهون عن المنكر ي (آل عمران‪ )001:‬وقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ت مرون بالمعرو‬
‫( من رأى منكم منكر فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه ‪ ،‬و ل أضـع‬
‫اإليمان ي‬
‫ف وجــب هللا علــى أهــل العلــم واألعيــان والعرفــاء ‪ ،‬وعلــى عمــوم النــاس مــن دعــاة القســط‬
‫إن يقـــودوا مراكـــب أصـــالح مجتمعـــاتهم ‪ ،‬وأن يجهـــروا بـــالحق ‪ ،‬مستشـــعرين بـــ نهم‬ ‫واإلنصـــا‬
‫محاسبون عـن هـذه الحريـة‪ ،‬التـي يجـب إن يوظفوهـا لنشـر الحـق والعـدل والـدعوة إلـى هللا‪ ،‬قـال‬
‫تعالى ي الذين يبلغون رساالت ربهم ‪ ،‬وال يخشون احداً إال هللا وكفى باهلل حسيباي‪.‬‬
‫ولــذل قرنــت النصــيحة(بعناها العــام اإلخــالص) بالبيعــة ‪ ،‬كمــا فــي حــديث جــابر رضــي هللا‬
‫عنـه ي بايعنـا رسـول هللا صـلى هللا عليـه وسـلم علـى السـمع والطاعـة والنصـح لكـل مسـلمي( رواه‬
‫البخاري ومسلم والنسائي) ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وحذر تبـارك وتعـالى مـن كتمـان العلـم ‪ ،‬وتوعـد الـذين يـداهنون ويرجـون ويخـافون النـاس‬
‫والحكام‪،‬أو يبحثون عن رضاهم قال تعالى ي ون اخذ هللا ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس‬
‫وال تكتمونــهي ‪ ،‬ثــم بــين ج ـزاء مــن يســكتون عــن الحــق فقــال ي إن الــذين يكتمــون مــا أنزلنــا مــن‬
‫البينـات والهــدى مـن بعــد مـا بينــاه للنـاس ‪ ،‬أولئـ يلعـنهم هللا ويلعــنهم الالعنـوني وقــال الرســول‬
‫صلى هللا عليه وسلم ي من كان عنده علم فكتمه الجم هللا بلجام من نار يوم القيامةي ( رواه أبو‬
‫داوود والترمذي وابن ماجه واحمد) ‪.‬‬
‫وهذا إلزام ألهل العلم وعرفـاء القـوم خاصـة ‪ ،‬وسـائر النـاس كافـة بحريـة القـول‪ ،‬وبـالجهر‬
‫بالحق‪ ،‬ولذل قال الرسول صلى هللا عليه وسلم ي سيد الشـهداء حمـزة بـن عبـد المطلـب ورجـل‬
‫قام إلى سلط ابن جائر ف سره ونهاه فقتلهي‪.‬‬

‫ب– ألن الملك العضوض أصل الفتن يجب جهاد االستبداد حتى‬
‫االستشهاد‪:‬‬
‫واعتبــار الجهــر بالمطالبــة بــالحقوق أمــ اًر ال تحمـــد عقبــاه‪ ،‬أو فتنــة وفســاداً مــن أعجـــب‬
‫العجب‪ ،‬عند الفقهـاء الـذين عاشـوا فـي أجـواء االستسـالم للطغيـان‪ ،‬ألن النصـوص الشـرعية لـم‬
‫تقيد كلمة الحق والعدل والخير‪ ،‬ب ن تكون أس ار اًر أو إضما ارً‪.‬‬
‫فما أحل هللا فهـو حـالل‪ ،‬فكيـف يجـرم الفقهـاء الغـافلون المطالبـة بـالحقوق عبـر الوسـائل‬
‫السلمية‪ ،‬كالبيان والمظاهرة واالعتصام واإلضراب عـن العمـل؟‪ ،‬بـل كيـف يعتبـرون اإلضـراب عـن‬
‫الطعام في السجون من الفتن؟‪.‬‬
‫أليسو يذل بذل داخلون فى الكذب على هللا وعلى رسوله؟‪ ،‬ألن اعتبار أمر من األمور‬
‫فتنة أو فوضى أو فساداً في األرض‪ ،‬وك نه الربا والزنا‪ ،‬والخروج على الحكـم الشـوريت ال يكـون‬
‫إال بدليل شرعي صحيح صريح‪.‬‬
‫السياســي واالجتمــاعي‪ ،‬وأشــد منــه تبريــر االســتبداد‪،‬‬ ‫فمــا أفظــع الســكوت عــن االنح ـ ار‬
‫والتمــاس األعــذار للمســتبدين ‪ ،‬مهمــا كانــت نيــات نشــطاء (حــزب التبريــر اإلســفنجي ) حســنة‪،‬‬
‫‪87‬‬
‫ومهما كان صالح أفـراده الشخصـي‪ ،‬ومهمـا كانـت دوافعهـم الواقعيـة‪ ،‬فإنـه أكبـر أعـوان الظلمـة‪،‬‬
‫الحكام‪ ،‬وهو تحريف للمقاصد الشرعية‪ ،‬وت ويل فاسـد‬ ‫ألنه رسخ في ثقافتنا التعايش مع انح ار‬
‫للنصوص الصريحة‪ ،‬وهو يصـب فـي تيـار تحليـل الحـرام‪ ،‬وتحـريم الحـالل‪ ،‬ولـذل فهـو لـون مـن‬
‫الوثنية السياسية ‪ .‬كما قرر المفسرون فى تفسير آية التوبة ي اتخذوا أحبارهم ورفبانهم أرباباً ي‬
‫فاعتبار مطالبة األمة السلطان بحقوقها أو ونقدها أخطاه ووعظـه وزجـره وتقـويم انحرافـه‬
‫فتنة‪ ،‬إنما هو بدعة كبرى فى الدين‪ ،‬إنه يشبه أسلوب القاعدين عن الجهـاد‪ ،‬الـذين أروا الجهـاد‬
‫فتنة فقالوا «ال تفتنا»‪ .‬فرد عليهم الخبير العليم‪ :‬أال في الفتنة سقطوا‪:‬‬
‫وأنت الفاتن األكبر‬ ‫وتزعم أنها فتن ×‬
‫أمــا االكتفــاء بــالهمر فــي األ ن ‪ ،‬واعتبــاره مــن (الحكمــة) الشــرعية‪ ،‬والموعظــة الحســنة‬
‫المطلوبة‪ ،‬فهو بدعة صريحة ‪ ،‬وتحريف لمفهوم (الحكمة)‪ ،‬لم يسلكه األنبياء والمرسلون الـذين‬
‫أوتوا الحكمة وفصل الخطاب‪.‬‬
‫والمصـــطلح ات الشـــرعية‪ ،‬ومنهـــا (الحكمـــة) و(الفتنـــة) ال يجـــوز تحديـــد مـــدلولها بـــالواقع‬
‫الفاســــد‪ ،‬وال بــــاألهواء الشــــائعة‪ ،‬وال بــــالظنون واألوهــــام‪ ،‬إنهــــا محــــددة المفهــــوم والمضــــمون‪،‬‬
‫بالنصوص الشرعية ومقاصدها وب حوال الحقل النبوي الراشدي‪.‬‬
‫ومــن جهــل النصــوص الشــرعية‪ ،‬فلينظــر آثــار أعمــال ه ـؤالء الــذين ســكتوا عــن منكــرات‬
‫المســتبدين‪ ،‬هــل أدت إلــى اســتقرار العــدل والمســاواة؟‪ ،‬وهــل قللــت مــن المظــالم؟‪ ،‬أم أفضــت إلــى‬
‫تفاقم الفواحش الفساد؟‪ .‬فهذه هي الوقائع الشاخصة‪ ،‬ومن أول آيات هللا المسـطورة فـى الكتـاب‬
‫‪ ،‬لن يستطيع ت ويل آياته المشاهدة فوق مسرح الحياة ‪.‬‬
‫هذه سنن هللا فى االنسان واالجتماع والطبيعة ‪ .‬وتل سنن الشريعة ‪ .‬فكيفت تتعارضان؟‬
‫والخالصة أن من ظن أن (الحكمة) في السكوت على ما ال يحقق ل مة حكما شوريا‪ ،‬يذعن بـه‬
‫األدلــة الشــرعية‬ ‫حكامهــا إلرادتها‪،‬فقــد أفتــى بالترهــات‪ ،‬وآثــر المتشــابه علــى المحكمــات‪ ،‬وخــال‬

‫‪88‬‬
‫القطعيــة‪ ،‬وقــد فصــل اإلمــام الش ـاطبي هــذه المفــافيم فــى كتــاب( اإلعتصــام)‪.‬وسنفصــل مس ـ لة‬
‫(البدعة) و(السنة) في مقالة أخرى إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪ =11‬ماهو أهم أسباب ال ستسل للإمبريالية الأطلسية والشيوعية ؟‬


‫إنه فقه ال ندماج في الملك العضوض الذي استمر أكثر من ألف عا‬
‫أ=فقه خدمة الملك العضوض بني علـى لـي النصـوص وإيثـار‬
‫متشابه األدلة على محكمها ‪:‬‬
‫اإلخالل بالعقيدة السياسية في اإلسالم له أسلوبان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬سوء تطبيق مفافيم صحيحة‪ ،‬كإنكار القلوب والتقية‪.‬‬
‫ثانيهما‪:‬إحدا مفافيم ير صحيحة‪،‬كمصـطلح ولـي األمـر‪ ،‬والـزعم بانـه ادرى بالمصـلحة‪،‬‬
‫وتخصــيص معنــى نصــيحة بالمموعظــة‪(،‬ومعناها فــي الق ـرآن والســنة‪ :‬اإلخــالص) ونيجــاب وع ـ‬
‫السلطان سرا(اياسا على وع األفراد العاديين‪ ،‬في ما يعملونه س ار)‪.‬‬
‫وفقهاء الهـوى والغفلـة والجهـل يبطلـون فريضـة إنكـار المنكـرات السـلطانيةت بالوسـيلتين‬
‫معا‪.‬‬
‫وفي دواوين القضاء السعودي أدلة تترى‪ ،‬انظر الشبه التى ساقها قضاة تجريم المطـالبين‬
‫بشــــرط البيعــــة األكبر‪:‬شــــورى األمة‪(:‬الدســــتور) وقاضــــي تجــــريم (اعتصــــام نســــاء المعتقليــــين‬
‫السياسيين في القصيم)‪ ،‬وتجريم مشجعيهن‪.‬‬
‫لما ا يترك قـاض فقيـه يفتـرض فيـه أنـه نزيـهت النصـوص والموااف(المحكمـة) المشـهورة‬
‫الصــــحيحة‪ ،‬التــــي تقــــرر أن األمــــة هــــي الحفيظــــة علــــى الدولــــة والشــــريعة؟‪ ،‬ولمــــا ا يحــــتج‬
‫باألدلة(المتشابهة) التي تزعم أن الحاكم ولي واله هللا على األمة‪ ،‬ال ينصح علنا إال بإ نه‪ ،‬وهـي‬
‫هـذا الحــديث أو‬ ‫ات إشـكال أو احتمـال؟‪ ،‬لمـا ا ينبـذ أقـوال علمــاء الحـديث الكثيـرة التـي تضـع‬
‫اك‪ ،‬وبذهب إلى قول واحد منهم تساهل في تصحيحه؟‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وكيـف ينبـذ القاضـي النصـوص الكثيـرة الصـريحة التـي تـدل علـى الشـفافية والعالنيـة‪ ،‬فــي‬
‫معارضـــة الحـــاكم ومحاورتـــه‪ ،‬ومطالبتـــه بـــالحقوق؟‪ ،‬وكيـــف يســـمي مطالبـــة المـــوكلين وكـــيلهم‬
‫بحقوقهم مناصحة؟‪ ،‬ويوجب‪-‬فوق ل أن تكون المناصحة سرا‪ ،‬ويترك نصـوص القـرآن والسـنة‬
‫الكثيرة(القطعيـة) التـي تفيــد أن األمـة هـي التــي تـ مر الحــاكم وتنهـاه‪ ،‬كمـا فــي الحـديث الصــحيح‬
‫يسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬ورجل قام إلى إمام جائر‪ ،‬ف مره ونهاه فقتلهي وقوله صـلى‬
‫هللا عليه وسلم لت طرنهم على الحق أطرا‪ ،‬ولتقصرنهم ‪...‬قصراي‪.‬‬
‫فكيــف ضــاقت بفقهــاء غــبش االســتبداد الســبل حتــى يبحثـوا عــن نــص يصــححه متســاهل‪،‬‬
‫ويضعفه عشرات الثقاة‪ ،‬كابن خزيمة ونضرابه رحما هللا ونياه؟‪.‬‬
‫أوال يــدركون أن قاعــدة الموعظةالســـرية للســلطان لــم يـــرد فيهــا نــص فـــي العهــد النبـــوي‬
‫والراشدي؟‪.‬‬
‫ولم ـا ا يســتخدمون مصــطلح ( ولــي االمــر)‪ ،‬بــدال مــن واليــة األمــة علــى نفســها‪ ،‬وهــو‬
‫مصطلج لم ينش إال في عصور االستبداد‪ .‬والنصوص والموااف تقـرر أن عالنيـة المطالبـة هـي‬
‫األصل‪ ،‬وهذا يدل على أن قضاة وحماة االستبداد ضاقوا رعا بالنصوص المحكمات‪ ،‬فلج وا إلى‬
‫المتشابهات‪.‬‬
‫وكيف يقدسون المستبد ويجلونه عن أن يسمع من مواطنيه ماسمعه المصطفى صلى هللا‬
‫عليه وسلم منهم؟ على مايقوله أو يفعله‪ ،‬وكيف ورد المصطفى الحجة بالحجة ولـم يسـجن ولـم‬
‫يضــرب بــل ولــم يغضــب؟ و ل ـ كثيــر ‪،‬كقــول بعضــهم لــه عليــه الصــاله والســالم أمــام النــاس‬
‫يماعدلت يامحمدي وي أقسم بالعدل يامحمد ي وقـول أحـدهم لـه صـلوات هللا وسـالمه عليـه يأالنـه‬
‫ابن عمت ؟ي‪ ،‬ولم يقل لهم صلى هللا عليه وسلم لما ا تجابهونني عالنية؟ ولما ا تعترضون على‬
‫أحكامي عالنية؟‪ ،‬وعليكم بسرية المعارضة‪ ،‬مالم آ ن لكم بالعالنية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ولم يقل عمر بن الخطاب للمرأة التي اعترضت على تحديد المهور‪ :‬هـال همسـت فـي أ ن‬
‫والريبة‪ ،‬ولـم يقـل أحـد مـن‬ ‫زوجتي‪ ،‬بدال من نصحي علنا‪ ،‬أو اسكتي وال تعرضي نفس للتكش‬
‫الصحابة‪:‬الزمي بيت فإن صوت عورة‪.‬‬
‫ولم يقل عمر بن الخطاب‪ :‬ال تعظني إال سرا‪ ،‬لمن قال لـه فـي المسـجد جهـا ار أمـام المـ ‪:‬‬
‫الـذي جعـل فـي أمـة محمـد مـن‬ ‫إن انحرفـت قومنـاك بسـيوفنا بـل قـال قولتـه الشـهيرة‪ :‬يلحمـد‬
‫يقومنيي‪.‬‬
‫أفال يسع الفقهـاء‪-‬إ ا كـانوا يريـدون الحقيقيـة‪ -‬االسـتدالل بهـذه الموااـف المضـيئة‪ ،‬بـدال‬
‫من التنقيب عن األحاديث األدلة المتشابهة والشا ة والوافية؟‬
‫يقضى على المرء في أيام محنته=حتى يرى حسنا ما لير بالحسن‬
‫ب= ر فعوا الفتة السلف الصالح كقميص عثمان لتضليل الناس‪:‬‬
‫مــا أفظــع أن يقــول قــاض فــي محكمــة ‪-‬وفقنــا هللا ونيــاكم ونيــاه‪-‬ي إن الســرية فــي نصــح‬
‫السطان من حقوقـه مـا لـم يسـمح بالعلنيـة فـي نصـيحة بـ ي طريقـة يرضـاهاي‪ ،‬هـذه الزلـة ليسـت‬
‫خط قضائيا عاديا عاب ار‪ ،‬وال رأيا ير معتبر في السياسة الشرعية فحسـب‪ ،‬بـل خطـ منهجـي ال‬
‫فــي السياســة الشــرعية فحســب‪ ،‬بــل خلــل منهجــي فــي العقيــدة‪ ،‬يــؤدي إلــى تعطيــل مبــدأ األمــر‬
‫والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬ويــؤدي إلــى ت ليــه الحكــام‪ ،‬الــذي ورد التحــذير عنــه فــي كتــب‬ ‫بــالمعرو‬
‫التوحيــد والتفســير‪ ،‬فــي تفســير آيــة‪:‬ياتخــذوا أحبــارهم ورفبــانهم أربابــا مــن دون هللاي‪ ،‬كمــا كــر‬
‫الفقهــاء والمفســرون كــالقرطبي والبغــوي وابــن جريــر وابــن تيميــة ومحمــد بـن عبــد الوهــاب‪ ،‬فهــل‬
‫يتـذكر الفقهـاء‪ ،‬وفقنــا هللا ونيـاكم ونياهمتمـدى إخاللهــم بالشـريعة؟‪ ،‬التـي يحكمــون باسـمها‪ ،‬أفــال‬
‫يرون الشمر في رابعة النهار أم أن األمر كما قيل‪:‬‬
‫ولير يصح في األ هان شيء إ ا احتاج النهار إلى دليل‬
‫وال يكتفــي قضــاة القمــع وفقهــا ه ‪ -‬بتحــريم التعــاون عبــر الوســائل الســلمية‪ ،‬كالبيــان‬
‫والمظاهرة واالعتصام‪ ،‬واإلضراب عن العمل‪ ،‬ونضراب المساجين عن الطعام‪ ،‬بـل ينسـبون قاعـدة‬
‫‪91‬‬
‫الصـــالح‪ ،‬فقـــال قاضـــي تجـــريم (اعتصـــام نســـاء‬ ‫االقتصـــار علـــى اإلنكـــار الســـري إلـــى الســـل‬
‫المعتقليين السياسيين في القصيم)‪ ،‬وتجـريم مشـجعيهن(في صـكه)‪ :‬يقـال االمـام عبـد العزيـز بـن‬
‫التشـهير بعيـوب الـوالة‪ ،‬و كـر لـ علـى المنـابر‬ ‫باز رحمه هللا تعالى‪:‬يولـير مـن مـنهج السـل‬
‫ألن ل يفضي إلى الفوضى‪ ،‬وعدم السمع والطاعة فـي المعـرو ‪ ،‬ويفضـي إلـى الخـوض الـذي‬
‫النصيحة فيما بينهم وبـين السـلطان‪ ،‬والكتابـة‬ ‫يضر وال ينفع‪ ،‬ولكن الطريقة المتبعة عند السل‬
‫إليه واالتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير‪.....‬ي‬
‫ومتى صار الشيخ ابن باز رحمنا هللا ونياه مشـرعا‪ ،‬تؤخـذ أقوالـه قواعـد قضـائية‪ ،‬وتضـرب‬
‫بها حقوق األمة في مراابة والتها الثابتة باألدلة القطعية لفظية ومعنوية؟‬
‫مثل هذه القواعد‪ ،‬قصمت ظهر االمة‪ ،‬وحكمت الطغاة في الشعوب‪.‬‬
‫وصدور هذه القواعد من فقهاء صالحين كابن باز وابـن عثيمـين‪ ،‬رحمنـا هللا ونياهمـا يـدل‬
‫على أن العالم المشهور المتفوق في العلوم الروحية أن ال يلزم أن تكـون لـه بصـيرة فـي شـئون‬
‫السياسة واإلدارة والحضارة‪.‬‬
‫كمــا يــدل علــى أن أكثــر مــن خــدم الحــاكم المســتبد الظــالم‪ ،‬وشــجعه علــى الظلــم والقمــع‬
‫والتعذيب هم الفقهاء الصالون‪ ،‬الذين يتصدرون للفتوى والقضاء فيخوضـون‪-‬بحسـن نيـة‪ -‬مـن‬
‫في فقه السياسة الشرعية ويتخبطون‪ ،‬تغتر بهم األمة ألنها تثق الناس بصالحهم‪،‬‬
‫وال ندري من أين جاء الغافلون عن فقه السياسة الشرعية‪ ،‬من فقهاء وقضاة وفقنا هللا‬
‫ونياهم بهذه القواعد الغثة في فقه السياسية الشرعية‪:‬‬
‫‪-‬مطالبة الحاكم بالحقوق إنما هي نصيحة‬
‫‪ -‬يجب ان تكون النصيحة س ارً‪.‬‬
‫‪ -‬يجب ان يست ن السلطان عند إنكار منكراته‪.‬‬
‫العباسي الصالحت ال يحتج به‪.‬‬ ‫ومن قال بها من السل‬

‫‪92‬‬
‫طاعـة السـلطان‬ ‫الراشـديون (الـذين علـيهم االعتمـاد) فـي عاليـة الهضـاب‪ ،‬وسـل‬ ‫السل‬
‫الجائر وخلفهم وأحكامهم وحيثياتهم في واد سحيق‪:‬‬
‫شتان بين مشرق ومغرب‬ ‫سارت مشرقة وسرت مغربا‬
‫على أن الوع السري للسلطان طريق و وعثاء‪ ،‬ال يكاد يدرك وره إال من سبره‪ ،‬وأكثر‬
‫مـــن يطالــــب بالتزامــــه ت لــــم يجــــرب هــــذا الطريــــق ليســــتنبط عبــــره‪ ،‬ولــــم يســــمع تجــــارب الــــذين‬
‫جربوه‪،‬كفقهاء نجد الثالثة‪ :‬محمد الفهد الرشودي وعبد هللا بن قعود‪ ،‬ود‪.‬عبد هللا الركبان‪.‬‬
‫جـدواه‪ ،‬وتقريـر الـدكتور محسـن العـواجي عـن التعـذيب‬ ‫والتجربة شاهد مبـين علـى ضـع‬
‫شاهد كالشمر‪ ،‬فما ا كانت نتيجة إطالع وزير الداخلية على تقريرالعواجي السري عن التعذيب‪،‬‬
‫وهل ير شيئا‪ ،‬ولم يتغيـر شـيء‪ ،‬إال عنـدما اعتصـمت النسـاء وصـحن فـي الميـدان‪:‬أين حقـوق‬
‫والســـجين؟ ومـــن أجـــل لـــ أكـــد دعـــاة البيعـــة الشرعية‪:‬شـــورى‬ ‫اإلنســـان والمـــتهم والموقـــو‬
‫األمة‪:‬الدسـتور اإلسـالمي وحقـوق اإلنسـانتأن المـواع السـرية مـن آداب االنحطـاط‪ ،‬ومـن أجــل‬
‫لـ تحملنــا تبعــة نشــرتقرير العـواجي عــن التعــذيب‪ ،‬فنفــع هللا بــه نفعـا كبيـرا‪ ،‬ونــور الـرأي العــام‪،‬‬
‫وكان من براهين صحة منهج أهل الموعظة العلنية‪.‬‬
‫وفي إعالن المواع السياسية فوائد كبرى من أهمها أمران‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬تقليل المخاطر التي قد يتعرض لها الواع من جراء وعظه‪.‬‬
‫ثانيهمــا‪ :‬أن يعــر النــاس المنكــر مــن المعــرو ‪ ،‬لكــي ال يقــال إن التعــذيب جــائز فــي‬
‫اإلسالم‪ ،‬ونن سجن التضييق شرعي‪،‬ولكي ال يغتر الرأي العام بظاهر سلوك الواع الكاتم‪ ،‬ولكي‬
‫ال يظنوا أن ما يفعله الحاكم ال منكر فيه‪ ،‬أو أنه منكرات بسيطة ينبغي احتمالها‪.‬‬
‫فسكوت القضاة والفقهاء عن هذه الفظائع نقطة سوداء في سيرهم‪ ،‬ولن ينجو من خزيهـا‬
‫الـدنيوي واألخــروي‪ ،‬إال مــن أنكرهــا علنـا‪ ،‬ولــذل نجــد التــاريخ اإلسـالمي لــم يحفـ لنــا إال أســماء‬

‫‪91‬‬
‫وأفعـال المصــلحين المنكــرين علنـاً مــن ســلفنا الصـالح الشــوري مــن صـحابة رســول هللا وتــابعيهم‬
‫بإحسان إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ج=فكيف نصد اإلمبريالية بخطاب ديني يحمي الحكـم الجبـري‬
‫فضال عن العضوض ؟‪:‬‬
‫انها مفارقة عجيبة‪.‬الرسول الذي ال ينطق عـن الهـوى يقـول أفضـل الشـهداء حمـزة ورجـل‬
‫قام إلى سلطان جائر ف مره ونهاه فقتله فيبين أن المجاهد الشـهيد بسـبب احتسـابه ونيابتـه عـن‬
‫األمــة فــي انكــار منك ـرات الســلطان أفضــل الشــهداء‪،‬قبل أربعــة عشــر قرنــا مــن صــيرورة النضــال‬
‫السـلمي عرفـا إصـالحيا نجيحـا‪ ،‬ثـم يـ تي فقهـاء وقضـاة وحمـاة االسـتبداد فـي عصـر المستعصــم‬
‫باإلمبريالية‪ ،‬ويحذروننا من أن نكون من من يقتله سلطان هللا‪ ،‬ال يزيد شـناعة علـى تجـريم مـن‬
‫يطالب بحقوق األمة‪ ،‬ومن ال يحقر نفسه عن أن ي مر السلطان و ينهاه‪ ،‬إال حكمهم على دعاة‬
‫البيعة الشرعية‪:‬شورى األمة‪ :‬الدستور المحتسبين ب نهم مجرمون!!!‪.‬‬
‫وال ندري كيف يقـدم الـدعاة اليـوم اإلسـالم‪ ،‬عنـدما يجـدون مثـل هـذه القواعـد‪ ،‬التـي تسـوا‬
‫الظلم السياسي وتجرم إنكاره‪ ،‬بل وال ندري كيـف تحـارب اإلمبرياليـة والفرنجـة بمثـل هـذا الخطـاب‬
‫الديني المحر عن منهج الشريعة الذي ارتضاه الخالق سبحانه وتعالى لعبادة؟‪،‬‬
‫فهل االستعباد الوطني أهون من االستعباد األجنبي؟‪.‬‬
‫بإلقاء السالح‪ ،‬والتزام األسلوب السـلمي فـي المطالبـة‬ ‫بل وال ندري كيف يقنع أهل العن‬
‫والنهــي عــن‬ ‫بــالتغيير‪ ،‬وننكــار المنك ـرات الســلطانية‪ ،‬وهــم يجــدون قضــاء يجــرم األمــر بــالمعرو‬
‫المنكــر باللس ـان‪ ،‬ويجــرم مطالبــة وزارة الداخليــة وتقلــيم أظــافرجالوزة الشــرطة‪،‬التي صــارت أمنــا‬
‫للحاكم‪ ،‬وخوفا للشعب‪ ،‬تنهش وتفترس‪ ،‬من دون رقيب وال حسيب؟‪.‬‬
‫اال يتقي هللا محامو االستبداد‪ ،‬حتى انكار التعذيب يجب ان يكون سرا‪.‬‬
‫وبمثل هذه الترهات ضـاعت مبـادل السياسـة الشـرعية‪ ،‬وصـار فـي الشـورى قـوالن‪ ،‬وفـي‬
‫التعذيب ثالثة أقوال‪ ،‬وصار إنكار المنكرات السلطانية من مثيرات الفوضى والفتن‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫(ســـرية الموعظـــة حـــق مـــن حقـــوق الســـلطان) إنهـــا مفـــردة مـــن مفـــردات فكـــر االســـتبداد‬
‫السياسي العباسي البائد‪ ،‬هي ضرب لحقوق اإلنسان بحقوق السلطان‪ ،‬ولـم يقـل بـذل أحـد مـن‬
‫الصحابة‪ ،‬بل الذي ثبت عن صحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم خالفه‪ ،‬كما كرنا عن عمر‬
‫بن الخطاب وعائشة والزبير وطلحة بن عبيد هللا وعلي بن أبي طالب‪،‬و يرهم كثير‪.‬‬

‫‪=19‬الكلمة أما السلطان الجائر مشروعا إصل حيا‬


‫أ – الكلمة المكتوبة‪:‬‬
‫إن كلمات الخير والحق والعدل‪ ،‬ليست محددة بعبارة موجزة تقال في مجلر‪ ،‬وال محصورة‬
‫فــي عبــارة هامســة تقــال فــي أ ن‪ ،‬إن مــن تبســيط األمــور المعقــدة‪ ،‬أن يظــن اإلنســان أن الكلمــة‬
‫محصورة في حديث شفوي‪ ،‬قد تطير به الريح‪ ،‬وقد يكون مبهماً يفتقر إلى الوضوح‪.‬‬
‫وليست محصورة في عالم‪ ،‬يطرق باب الحاكم حتى يصل إليـه‪ ،‬ويفـرا مـا فـي جعبتـه مـن‬
‫أفكار‪ ،‬ثم ينصر وقد أحر وأحر الناس معه‪ ،‬أن مته و مم الجميع قد برئت‪.‬‬
‫أو عـالم‪ ،‬وقـد تكـون‬ ‫فقد تكون الكلمة خطبة فوق منبـر‪ ،‬مـن واعـ أو داعيـة‪ ،‬أو مثقـ‬
‫مسرحية فوق خشبة مسرح‪ ،‬أو تمثيلية عبر شاشة تلفاز‪.‬‬
‫وقــد أثبتــت الكلمــة المكتوبــة اليــوم تفوقهــا فــي مجــاالت كثيــرة علــى المنطوقــة‪ ،‬فلهــا صــور‬
‫شــتى ك ـ ن تكــون مقالــة فــي صــحيفة‪ ،‬أو أفكـ ا‬
‫ـار فــي كتــاب‪ ،‬أو مشــروعاً فــي رســالة‪ ،‬أو تحقيق ـاً‬
‫صحفياً‪ ،‬أو قصيدة ثائرة‪ ،‬أو قصة صريحة هادئة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ثم أثبتت الكلمة ( عبر الصوت والصورة ) أنها أشـيع وأقـوى أثـرا‪ ،‬فـرب صـورة أو صـوت‬
‫كلمة في مجلر‪.‬‬ ‫في قناة تلفازية أقوى من أل‬
‫ــر‪ ،‬ســـواء أكـــانوا أهـــل صـــحافة ونعـــالم‪ ،‬أم‬
‫دور كبيـ ا‬
‫ا‬ ‫وال ريـــب أن ألهـــل الثقافـــة‪ ،‬فـــي لـــ‬
‫أصــحاب رأي وفكــر‪ ،‬أم أهــل أدب وشــعر ونثــر‪ ،‬فاإلصــالح المــدني‪-‬كاإلصــالح الروحــي‪ -‬معركــة‬
‫جهاد‪ ،‬يشترك فيها كل راجل وفـارس‪ ،‬بمـا تـدرب عليـه مـن سـالح‪ ،‬فلعـالم الشـريعة ي االجتهـاد‬
‫الخاص بالمناس دور‪ ،‬كلمـا ازداد فهمـه وصـار مـن أهـل االجتهـاد العـام فـي الشـؤون المدنيـة‪.‬‬
‫وللعلماء الخبراء من وي االجتهـاد العـام فـي شـؤون األمـة وظـائ ‪ ،‬ولعـالم السياسـة دور أكبـر‬
‫مــن يــره‪ ،‬وللقــانوني والمحــامي دور مــن بعــده‪،‬ولعالم االجتمــاع وظيفــة‪ ،‬ولعــالم التربيــة وظيفــة‪،‬‬
‫الزرع ـي كلمــة‪ ،‬ولمهنــدس الصــناعة والتقني ـة كلمــة‪ ،‬وللمهنــدس‬
‫وللمــؤر وظيفــة‪ ،‬وللمهنــدس ا‬
‫المعماري والمدني كلمة‪ ،‬ولسداري مجال‪ ،‬و لكل ناشط ميدان‪.‬‬
‫إن أحــوج مــا يحتــاج إليــه النــاس اليــوم ‪ ،‬هــم علمــاء االجتمــاع السياســي عامــة‪ ،‬وعلمــاء‬
‫التغيير االجتماعي خاصة‪ ،‬والحقوقيون والمحامون‪ ،‬وال سيما إ ا كانت لهم ثقافة إسالمية‪.‬‬
‫ولقد وجدت في العصـر الحاضـر‪ ،‬وسـائل عديـدة مفيـدة‪ ،‬وقنـوات إعالميـة عديـدة‪ ،‬تناسـب‬
‫تعقيد العصر‪ ،‬ولذل صار من المناسب أن يستغلها المجاهد المدني‪.‬‬
‫ب – كلمة الجماعة فى بيان أو خطاب عام‪:‬‬
‫وال ينبغي قصر مفهوم الكلمة على مـا يتبـادر إلـى الـذهن‪ ،‬مـن أنهـا كلمـة مـن فـرد‪ ،‬فـذل‬
‫يجعلهــا ســالحاً يــر كــا ‪ ،‬أمــام كثــرة الن ـوازل‪ ،‬وتعقيــد الوقــائع‪ .‬فخطــاب الفــرد األعــزل معــرض‬
‫لمخاطر عديدة‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أنه صوت منفرد يضيع في سديم صمت الرأي العام‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه قد ال يحظى بقبول الناس‪ ،‬فسيقول الناس‪ :‬ولـم لـم يـتكلم اآلخـرون‪ ،‬فلـو كـان‬
‫ما كره حقا لشاركه آخرون كثير‪ ،‬فخطاب الجمع أكثر إقناعا للناس‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الثالث‪ :‬سهولة تسفيهه‪ ،‬فـي ضـجيج أصـوات المنـافقين والمـوافقين والغـافلين‪ ،‬وفلسـلطات‬
‫الجور أعوان من الفقهاء والمثقفين‪ ،‬وظفتهم لمحاربة اإلصالح والمصلحين‪.‬‬
‫الرابــع‪ :‬ســهولة قمعــه‪ ،‬ألن ســلطان الجــور يســهل عليــه قمــع الفــرد‪ ،‬وال يســهل عليــه قمــع‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫الخــامر‪ :‬أن اإلنســان قليــل بنفســه كثيــر بإخوانــه‪ ،‬فالعمــل الجمــاعي أقــرب إلــى التــؤدة‬
‫والت ني والمراجعة والنضج‪.‬‬
‫السادس‪:‬ينبغي للمحتسب أن يوازن بين األرباح والخسـائر‪ ،‬فقـد يسـجن أو يفصـل‪ ،‬لكلمـة‬
‫عابرة في صحيفة أو خطبة في منبر‪ ،‬أو صرخة في ميدان‪ ،‬وقد يدفع هـذا الـثمن عنـدما يشـترك‬
‫في بيان‪ ،‬فإ ا أو ي عند اشتراكه في بيان انتشر البيان‪ ،‬وتداوله الناس‪ ،‬ونفـع هللا بـه أكثـر مـن‬
‫ما لو كان صرخة منفردة‪.‬‬
‫الســابع وهــو أهمهــا‪ :‬أن أمتنــا ط ـوال العصــور لــم تفتقــد كثــرة المصــلحين‪ ،‬ور ــم ل ـ‬
‫اسـتقر الظلـم واالسـتبداد‪ ،‬ولكنهـا افتقـدت تجمــع الكلمـات‪ ،‬وتجمـع الكلمـات هـو األكثـر تـ ثي ار‪،‬‬
‫قطرات األمطار المتناثرة فـي القيعـان‪ ،‬ال تشـق الصـحراء إال عنـدما تتجمـع لتسـيل واديـا‪ ،‬فـإ ا‬
‫سالت واديا شقت درب الحكم الشورى‪.‬‬
‫الثــامن‪ :‬أن الكلمــة مشــروعا إصــالحيات تنضــج العالقــة بــين األف ـراد‪ ،‬مــن عالقــة بــين‬
‫العمـــل‬ ‫ملهمــين وأتبـــاع‪ ،‬إلـــى عالقـــة بــين مقـــدمين وأنـــداد‪ ،‬وكـــان مــن أســـباب كـــون أعـــ ار‬
‫الجماعي المـنظم يـر مسـتقرة وال شـائعة‪ ،‬فـي تاريخنـا القـديم‪ ،‬أن يعـيش كـل فقيـه أو وجيـه‬
‫بارز إماما‪ ،‬ويعيش من حوله أتباعا‪ ،‬فلم يتح ل ظهور مدرسة أو مـدارس‪ ،‬تخـرج أنـدادا‬
‫متضافرين‪.‬‬

‫ج= الكلمة بيانا فكريا عميقا يشخص مشكال ويقدم حال‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫ينبغـي أن تتجـدد طـرق اإلصـالح‪ ،‬للحصـول علـى قـدر مـن النجـاح‪ ،‬ليسـت الكلمـة صــرخة‬
‫احتجاج على وضع فاسد‪ ،‬مـن واعـ بتحـريم الربـا‪ ،‬ودعـوة إلـى إلغـاء بنوكـه‪ ،‬ولـو سـئل الـواع‬
‫كيف نصنع؟ إ ا أردنا إنشاء بن إسالمي‪ ،‬لقال ال أدري اس لوا المختصين‪ ،‬ك نه يتصـور البنـوك‬
‫التــي يقــوم عليهــا اقتصــاد الدولــة مصــانع خمــور‪ ،‬يمكــن أن تحــول خــالل أســابيع إلــى مصــانع‬
‫عصير طماطم‪.‬‬
‫وليست كلمة عابرة تطالب ظالما بالعدل‪ ،‬وهو يقول‪ :‬أنا أعدل‪ ،‬ما لم تبـين لـه الكلمـة أنـه‬
‫ظلم عندما نبذ شورى الشعب‪ ،‬وتبين كيف يعدل‪.‬‬
‫فكيف نطالب بنزاهة القضاءت إ ا لم نبين معاييره التي تقارب الثالثين؟‬
‫إ ن ال بـد مــن المختصــين‪ ،‬وال بـد أن تجتمــع الكلمــات‪ ،‬وتجتمـع جهــود النــاس ‪ ،‬وال ســيما‬
‫مــن النخبــة ‪ ،‬الفقهــاء وأســاتذة الجامعــات والمفكــرين والمثقفــين ‪.‬لتكــون كلمــة الحــق معروضــة‬
‫عرضـــاً منطقيـــاً علميـــاً‪ ،‬يســـتند إلـــى صـــحة المعلومـــات‪ ،‬وشـــرعية الوســـائل والغايـــات‪ ،‬وواقعيـــة‬
‫االقتراحات والبدائل‪.‬‬
‫إن من تبسيط األمور اليوم أن تركز كلمة الجهاد‪ ،‬على مواـف عـابر مـن شـخص منفـرد‪،‬‬
‫بل إن من الضروري أن تكون الكلمة أيضاً‪ ،‬في صور أخرى‪ ،‬ك ن تكون بيانا توقعه جماعة من‬
‫النــاس فــى مــذكرة مصــو ة بفكــر موضــوعي‪ ،‬وأســلوب شــعبي‪ ،‬تــذكر األســباب والنتــائج‪ ،‬وتتحـرى‬
‫الموضــوعية فــي التحليــل‪ ،‬والوضــوح فــي العــرض‪ ،‬واإلقنــاع فــي التــدليل‪ ،‬والصــدق فــي الطلــب‪،‬‬
‫والصحة في المعلومات‪ ،‬وتعتمد على الحقائق واألرقام‪ ،‬لكي تكون أحرى بالقبول واإلقناع‪.‬‬
‫ألن هذه الكلمة بهذا الشكل (حكمة) و(حنكة)‪ ،‬يعبر بها المجاهدون المدنيون عن وعيهم‬
‫وواقعيــتهم‪ ،‬وبــذل يقنعــون مــن أراد االقتنــاع‪ ،‬مــن الــذين تلتــبر علــيهم األمــور مــن الخاصــة‬
‫والعامة‪ ،‬من الباحثين عن الدليل والبديل‪ ،‬وفي ل حجة على الباحثين عن الشهوات فى ظـالل‬
‫الشبهات‪ ،‬من الغافلين والمتجاهلين‪ ،‬والمخدوعين والخادعين‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫مـن التبســيط أن يظــن اإلنســان‪ ،‬أن الجهــاد المــدني األكبـر فــي األمــور المعقــدة‪ ،‬محصــو ار‬
‫ب كلمة عاطفية جريئة‪ ،‬في إصالح أمور الدولة الجليلة‪ ،‬كاالقتصاد والتربية والسياسة‪ ،‬أجل لير‬
‫محصو ار بكلمة عاطفية‪ ،‬بل هو كلمة مقنعة‪.‬‬
‫وكثير من أ هل الدعوة واإلصالح‪ ،‬يشـنع بـالواقع الفاسـد‪ ،‬ويشـير إلـى المشـكالت‪ ،‬وال يقـدم‬
‫االقتراحات‪ ،‬وهذا فلة عن األسلوب العملي الـواقعي‪ ،‬فقـد يكـون الحـاكم الجـائر فـي أحيـان يـر‬
‫قليلــة‪ ،‬مســتعداً إلرضــاء أهــل اإلصــالح‪ ،‬ولكنــه يــر مقتنــع هــو وال مراكــز ق ـواه‪ ،‬بالمغــامرة إلــى‬
‫المجهول في مثل قضية الربا‪.‬‬
‫ثــم إن إصــالح أمــور الدولــة‪ ،‬يتطلــب جهــوداً ضــخمة‪ ،‬فهــو يتطلــب أوالً أن يكــون طــالبو‬
‫اإلصالح عارفين بما هـو المطلـوب‪ ،‬وبالبـديل المناسـب‪ ،‬وبعوائـق اإلصـالح‪ ،‬وقـادرين علـى طـرح‬
‫فكر موضوعي‪ ،‬يعالج المشكالت‪.‬‬
‫فلن خــذ مــثالً المنــاداة بــ(شرط البيعــة األكبر‪:‬شــورى األمة‪/‬الدســتور)‪ :‬أي بيــان أن صــدور‬
‫الحاكم في ق ارراته عـن نـواب األمـة المنتخبـين هـو البلـورة الحقيقيـة لمفهـوم البيعـة علـى الكتـاب‬
‫الطالبين وتعاونهم‬ ‫والسنة‪ ،‬أو المناداة باستقالل القضاء‪ ،‬كم تحتاج من الشرح والبيان‪ ،‬وتكات‬
‫وتكــاثرهم‪ ،‬وحــاجتهم إلــى إقنــاع القــوى التــي تعــوق اإلصــالح ‪ ،‬مــن متشــبثين بمراكــزهم‪ ،‬ومــن‬
‫مستفيدين من الفساد ‪ ،‬ومن محافظين على عوائد متخلفة ‪ ،‬ومن سادرين أمعيين‪.‬‬

‫‪=21‬الكلمة أما السلطان الجائر مشروعا سياسيا‬


‫أ= المشروع اإلصالحي يبدأ باألساسيات‪:‬‬
‫إن الشجاعة في النخبة ال تكفي ‪ ،‬فال بد لها من الخبرة ‪ ،‬والخبرة ينبغي أن تـدرك مـا هـو‬
‫أساسي في األمور‪،‬الذي إ ا صلح أدى إلى صالح يره‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫جهود المصلحين ستذروها الرياحت إ ا لم يقدموا اإلصالح السياسي على يره‪ ،‬ألنـه هـو‬
‫أساس صالح جميع األمور‪ ،‬وأن الدعوة إلى اإلصالح السياسي تسبق كل شيء‪.‬‬
‫من أجل ل تخفق محـاوالت إصـالح التعلـيم أو التربيـة أواإلدارة أو االقتصـاد أو الزراعـة‪،‬‬
‫ألن االستبداد جرثومة كل فسـاد‪ ،‬وال يمكـن نجـاح إصـالح دينـي أو تربـوي أو تعليميتفضـال عـن‬
‫يرهمات إال في ظالل حكم شوري‪.‬‬
‫ألير الحكم الجبري الجائر هو سبب محننا منذ العصر األموي؟‪ .‬ألير شـرط البيعـة علـى‬
‫الكتاب والسنة األكبر أن يكـون الحـاكم منتخبـا شـوريا‪ ،‬وكيـف يتحقـق الحكـم الشـوري‪ ،‬مـن دون‬
‫ايــام النخــب الثقافيــة‪ ،‬وال ســيما الفقهــا‪ ،‬بقيـــادة الجمــاهير‪،‬النتزاع حريــة الــرأي والتعبيــر‪ ،‬عبـــر‬
‫التجمع الشعبي أوالً‪ ،‬فجمهور الناس‪ ،‬هم حصون العدل وحراس القضاء‪.‬‬
‫ب‪ -‬وضوح المفاهيم و اإلحاطه بها‪:‬‬
‫شــــروط البيعــــة الشــــرعية‪:‬عمودها قوامــــة األمــــةت (هــــذا الــــذي يعبــــر عنــــه اليــــوم بالعقــــد‬
‫االجتماعي‪/‬الدســتور والمجتمــع المــدني) ليســت ائبــة عــن ثقافتنــا ونن كــان ائمــة‪ ،‬ونن كــان‬
‫بعض مصطلحاتها ومفرداتها وفياكلها ونجراءاتها ريبة على البيئة العربيـة‪ ،‬تحتـاج إلـى تـ ليف‬
‫وتقريــب‪ .‬لكنهــا مفــافيم عالميــة إنســانية مشــتركة فــي اياتهــا النهائيــة‪ ،‬لســعادة وازدهــار وتقــدم‬
‫الحياة البشرية بشكل متواز ْن‪ ،‬سلكتها األمم المتقدمة‪ ،‬التي استطاعت أن تقـيم الحكـم الشـورى‪،‬‬
‫ف قسطت وأدارت وأخصبت وصنعت‪ ،‬فسادت وعلت‪.‬‬
‫مـــن عوائـــق اإلصـــالح أن تكـــون ثقافـــة دعاتـــهت يـــر كافيـــة فـــي المجـــال الـــذي يريـــدون‬
‫إصـــالحه‪ ،‬فـــي الموضـــوعات والمفـــردات والتفصـــيالت ‪ ،‬والمفـــافيم والمصـــطلحات‪ ،‬أن ال تحـــيط‬
‫أطروحــاتهم علمــا بمــا اســتقرت عليــه المعــايير الدوليــة لسصــالح‪ ،‬التــي بني ـت علــى حقــائق علــم‬
‫السياسة وعلم االجتماع السياسي المجربة‪ ،‬التي عرفت في قديم الدهر وحديثه‪ .‬فهناك كثير من‬
‫الناس ال يثمنون أهمية التنادي إلى المجتمع المدني ايما وتجمعات أهلية‪ ،‬وكثيـرون آخـرون ال‬

‫‪111‬‬
‫استقالل مؤسسياً‪ ،‬ألنهم لم يحيطوا‬
‫ً‬ ‫يدركون أهمية استقالل سلطة القضاء عن السلطة التنفيذية‬
‫علما بهذه المفافيم‪ ،‬ولو أحاطوا بهما ُخْب اًر‪ ،‬ألدركوا أولويتها‪.‬‬
‫يصعب أن تفلح دعوة (شرط البيعة األكبر‪:‬شورى األمة‪/‬الدستور) مـا لـم يكـن لدعاتـه فقـه‬
‫بهذه المفافيم‪ ،‬وشرح أفكارهم شعبيا بعبارات مبسطة ولكنها رصينة معرفيا‪.‬‬ ‫أو كا‬ ‫وا‬
‫ويمكن شرح هذه المس لة من خالل مفهوم استقالل القضاء‪ ،‬فهناك عـدد يـر قليـل مـن‬
‫دعاة اإلصالح‪ ،‬لم يحيطـوا علمـا بمبـدأ اسـتقالل القضـاء مـا طبيعتـه؟ مـا وظيفتـه؟ مـا إجراءاتـه؟‬
‫وأثاروا حوله جدال طويال‪ ،‬عرقل المناداة به‪.‬‬
‫مــا ا يقصــد بمصــطلح اســتقالل القضــاء؟ مــا عالقتـه بمنظومــة الحكــم الدســتوري‪ ،‬كنظريــة‬
‫ثالثية السلطة بدالً من أحاديتها والفصل بين السلطات‪،‬؟‪ ،‬وتجمعـات المجتمـع المـدني األهليـة؟‪،‬‬
‫ما هي عناصر استقالله األساسية التـي تقـارب الثالثـين‪ ،‬كالشـفافية وتحديد(القاعـدة القضـائية)‬
‫األســاس القــانوني؟‪ ،‬وايــام المحــاكم بتنفيــذ أقضــيتها مباشــرة‪ ،‬وتبعيــة الســجون لــوزارة العــدل‪،‬‬
‫ونلحــاق هيئــة االدعــاء والتحقيــق بــالمجلر األعلــى للقضــاء‪ ،‬أو اســتقاللها عــن وزارة الداخليــة‪،‬‬
‫وايام المحكمة الشرعية العليا الدستورية‪ ،‬التي تحكم بشرعية القوانين‪ ،‬وتنقض كل قـانون يـر‬
‫شرعي‪.‬‬
‫ما دور السلطة القضائية المستقلة في الحد من تـدخل السـلطة التنفيذيـة؟‪ ،‬مـا دورهـا فـي‬
‫الدولة‪ ،‬أفرادا وجماعات ومجتمعـا‪ ،‬وضـمان حقـوقهم السـبعة‪:‬مدنية‬ ‫حماية المواطنين من تعس‬
‫وطبيعية‪ ،‬وشخصية واجتماعية‪ ،‬واقتصادية وسياسية وثقافية؟‬
‫مـن الصـعب أن يـنجح دعـاة (البيعـة الشــرعية‪ :‬قوامـة األمة‪/‬الدسـتور)‪،‬مـا لـم يكونـوا علــى‬
‫وعي كا بالتفصيالت‪ ،‬من أجل شرح دعوتهم ب سلوب مبسط رصين‪.‬‬
‫ج‪-‬تأسيس خطاب عقيدي يسهل العبور من الحكـم العضـوض إلـى‬
‫الشوري‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫والركـــود وتهمـــيش القـــيم المدنيـــة‪،‬‬ ‫إن المشـــكلة فـــي البلـــدان العربيـــة أن خطـــاب التخلـــ‬
‫وطبيعــة العالقــة التعاقديــة بــين المجتمــع والقيــادة‪ ،‬دعــيم‪-‬عبــر العصــور‪ -‬بخطــاب دينــي حــر‬
‫ال شريعة‪ ،‬فقد ركز الخطاب الديني على شـق العقيـدة الروحـي‪ ،‬كالصـالة والصـيام‪ ،‬وهمـش شـقها‬
‫(بقاءا) و(ارتقاءا) أفرادا ومجتمعات ودوال‪ ،‬حتـى بـدا للنـاس‬
‫ً‬ ‫المدني‪ ،‬من ما تقوم به حياة الناس‬
‫أن اإلسـالم يهـادن الحكــم المطلـق‪ ،‬وال يشـترط الشــورى الجماعيـة الملزمـة فــي الحكـم‪ ،‬وال يبــالي‬
‫بالحقوق السياسية ويشرع القمع‪ ،‬وأنه يهمش العدالة‪ ،‬ويهادن الظلـم‪ ،‬وال يهـتم بكرامـة المـواطن‬
‫الفرديـة‪ ،‬فـي سـبيل كرامـة الـوطن واألمـة‪ ،‬ويقـدم حفـ األمـن علـى حفـ العـدل‪ ،‬وأنـه يئـد حقـوق‬
‫المرأة‪ ،‬التي عرفتها الطبائع اإلنسانية‪ ،‬وأكدتها الشرائع السماوية‪.‬‬
‫والجمـود عبـر العصـور‪ ،‬وصـار قـوام خطـب المسـاجد وأحاديـث‬ ‫وقد تـراكم خطـاب ا لتخلـ‬
‫المجالر‪ ،‬ورفو المكتبات‪ ،‬حتى صار من المسلمات الدينية‪.‬‬
‫ومــادام التخل ـ والركــود‪ ،‬قــد ُرِس ـ َخ بخطــاب دينــي حــر َ صــريح الشــريعة‪ ،‬حتــى أظهرهــا‬
‫مناقضة ما جبل هللا عليه عباده من طبيعة‪ ،‬فإنه ال يمكن إنقا الجمـاهير مـن التخلـ والركـودت‬
‫التحريف الذي نسج في المنا األموي والعباسي‪ ،‬الذي لـوى‬ ‫إال بتجديد الخطاب الديني‪ ،‬وكش‬
‫أعناق صريح التنزيل‪ ،‬وهجر تطبيـق الحقـل النبـوي الراشـدي األصـيل‪ ،‬وتطبيـق األمـم المتحضـرة‪،‬‬
‫منذ العصور اليونانية والرومانية‪ ،‬لوسائل الحكم الشوري(الدمقراطي)‪.‬‬
‫والمال ح في عديد من البلدان العربيةت أن أ لب دعاة التحـديث لـم يبـدأ بمعالجـة جـوهر‬
‫وهو الحكم الجبري الجائر‪ ،‬أو بـدأوا بـه‪ ،‬ولكـنهم لـم يؤسسـوا خطـاب اإلصـالح السياسـي‬ ‫التخل‬
‫على اإلسالم‪ ،‬لكي يقنعوا الجماهير المضللة باسم الدين‪ ،‬والت سير يتطلب أمرين‪:‬‬ ‫بشكل كا‬
‫األول‪ :‬مزج مصطلحات علم السياسة الحـديث‪ ،‬بمصـطلحات علـم السياسـة الشـرعية‪ ،‬مـن‬
‫خالل بيـان أن مفهـوم الدسـتور والمجتمـع المـدني اإلسـالميت هـو إطـار قاعدة(البيعـة الشـرعية‬
‫على الكتاب والسنة‪ ،‬هي مقتضى قوامة األمة على حكامها)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الثاني‪ :‬ويتطلب من ال ار بين في الت سيرت أن يتزودوا بثقافة كافيـة مـن العلـوم الثالثـة‪:‬‬
‫علم أصول فقـه الكتـاب والسـنة‪ ،‬وعلـم العقيـدة وعلـم مقاصـد الشـريعة‪ ،‬وفـي المقابـل فـإن أ لـب‬
‫متطلبـات ومقومـات الطبيعـة المؤسسـية للدولـة الحديثـة‪،‬‬ ‫دعاة اإلسالم لم يستوعبوا بشـكل كـا‬
‫وال وظيفــة المجتمـــع المــدني‪ ،‬وال تجمعاتـــه األهليـــة‪ ،‬وال الهيكــل الدســـتوري أطــا اًر لضـــمان العـــدل‬
‫والشورى‪ ،‬وال طبيعتهما‪.‬‬
‫فبدا التنـافر بـين الحداثـة سياسـية وتقنيـة واجتماعيـة‪ ،‬والخطـاب اإلسـالمي المحـاف علـى‬
‫الوسائل واألفكار األموية والعباسية‪.‬‬
‫ولتالفي ل ينبغي ت سير خطاب المجتمع المـدني والدسـتور علـى اإلسـالم عقيـدة األمـة‬
‫وهويتهــا ت ت سيســا فقهيــا أصــوليا‪ ،‬ألن اإلســالم هــو المرجعيــة التــي يجــب االلتـزام بهــا‪ ،‬لتصــبح‬
‫مفافيم المجتمع المدني مدعومة بسناد ديني‪ ،‬لكـي ال نحـر الشـريعة‪ ،‬وألن لـ أيضـا‪ ،‬يقربهـا‬
‫إلــى النــاس‪ ،‬ويحميهــا مــن معارضــيها‪ ،‬مــن مــن ال يــدركون كيــف كــان اإلســالم فــي عهــد الرعيــل‬
‫األولت مشروعا لسصالح السياسي واالجتمـاعي معـا‪ ،‬ومشـروعاً للتقـدم الـدنيوي واألخـروي معـا‪،‬‬
‫ومشروعاً للرقي المدني والروحي معا‪.‬‬
‫ينبغي إقناع الذين ال يدركون كيف قدم المسلمون األولون تطبيقـاً مناسـباً عصـرهم للحكـم‬
‫الشورى‪ .‬هنا تكمن الكارثة الفكرية‪ ،‬فهم ال يدركون وسائل الحكم الشورى وآلياته اليوم أيضا‪ .‬ال‬
‫يكفــي الخطــاب الــوعظي الــذي يــدعو إلــى النظــام الدســتوري والمجتمــع المــدني‪ ،‬فهــذا الخطــاب‬
‫الوعظي لن يتغلغل ليؤثر في الجمهور‪.‬‬
‫ألن الجمهــور مستســلم إلــى خطــاب أصــله الفقهــاء العباســيون‪ ،‬وجــروا فيــه علــى حكــم‬
‫(الضرورة)‪ ،‬الذي أنتجه رسو الحكم الجبري الجائر‪ ،‬وال بـد مـن تفكيـ هـذا الخطـاب‪ ،‬وبيـان مـا‬
‫فيه من (ت ويل) وتحريف‪ ،‬عن سنن هللا المقروءة علم الشريعة‪ ،‬فضال عـن مـا فيـه مـن تنـاقض‬
‫من سنن هللا المشاهدة في ظواهر اإلنسان والطبيعة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫إ ن ال بد من ت سير خطاب فقهي ‪ ،‬كي ال يتصور المنادون بالتحديث أن اإلسـالم لـير‬
‫مشروعا للتقدم في الدنيا واآلخرة معا‪ ،‬و كي ال تتصور الجماهير المقهورة أن المناداة بالحريات‬
‫المشروعة والحقوق العامة علمنة‪ ،‬ولكي يتبين أن الدسـتور لـير علمنـة‪ ،‬ولـير مـن المصـالح‬
‫المرسلة‪ ،‬بل هو إحياء لفقه(الوسائل) المناسبة اليوم إلحياء مقاصد السنة‪.‬‬
‫ألن الدستور إنما كنظام المرور‪ ،‬يضبط مفهوم (شرط عقد البيعة الشرعية‪:‬شورى األمة)‪،‬‬
‫بضمانات وعالمات في السكة‪ ،‬كالفرامل تمنع انزالق المركبة‪.‬‬
‫ف عظم البدع في اإلسالم هي الحكم الجبري الجائر‪ ،‬ولكي يتبـين للجميـع أن اإلسـالم أقـر‬
‫ســلطة األمــة فــي تحقيـق مقاصــد الشــريعة‪ ،‬ونــادى بحقــوق المـواطنين وحريــاتهم مدنيــة وثقافيــة‬
‫واجتماعية وسياسية‪ ،‬قبل خمسة عشر قرنات من تنادى األمـم الدسـتورية إليهـا‪ ،‬لكـي ال ننحـر‬
‫عن شريعة الحق والعدل‪ ،‬ونتبع الهوى الـذي حـذر هللا منـه أنبيـاءه ييـا داوود إنـا جعلنـاك خليفـة‬
‫في األرض‪ ،‬فاحكم بين الناس بحق‪ ،‬وال تتبـع الهـوى فيضـل عـن سـبيل هللا‪ ،‬إن الـذين يضـلون‬
‫عن سبيل هللا لهم عذاب شديد‪ ،‬بما نسوا يوم الحسابي (سورة ص‪.)26:‬‬
‫د=جهاد الملك العضوض ال يكتب في رواق‪ ،‬بـل فـي الميـادين‬
‫واألسواق‪:‬‬
‫وثمة شروط ال يراعيها عديد من الناس‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن الخطاب الذي يحرك الجماهيرت هو الخطاب الواضح البسيط علـى عمقـه‪ ،‬الـذي‬
‫يالح طريقة القرآن الكـريم فـى المـزج بـين خطـاب العقـل والوجـدان‪ .‬وكثيـر مـن األكـاديميين مـن‬
‫فـــى مراكـــز األبحـــا تيكتبون بلغـــة أكاديميـــة‬ ‫مـــن تعـــودوا التـــدرير فـــى الجامعـــات أو العكـــو‬
‫تخصصية عميقة‪ ،‬لكنها ال تحرك الجماهير‪.‬‬
‫ثانيها‪:‬البصيرة بعلم التغيير دراسة وممارسة معا‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬تجربة الحراك وعـراك السـلطة القامعـةت تلهـم خبـرة ال تـدرك بـالقراءة‪ ،‬ال تـدرك إال‬
‫بالنضــال والجهــاد‪ ،‬ودفــع الــثمن ع ـزال وتضــييقا وســجنا‪ ،‬والــذين يــدخلون فــي هــذا المجــال‪،‬دون‬

‫‪113‬‬
‫االستعداد للثمن‪ ،‬ينحرمون الثبات‪ ،‬فتخفق تجـاربهم‪ ،‬ويحرمـون الجمـاهير مـن التقـدم‪ ،‬ويعللونهـا‬
‫ب وهام الصالح واإلصالح‪.‬‬
‫ورابعهـــا‪ :‬فالجمـــاهير ال تقتنـــع بصـــدق المطـــالبين باإلصـــالح‪ ،‬إ ا لـــم يصـــبروا علـــى أ ى‬
‫السلطان‪ ،‬وقد ال تق أر مطالبهم‪ ،‬إال عندما يدخلون السجن‪ ،‬وال تثبت مطالبهم فـي اكرتهـا إال إ ا‬
‫خرجوا ثابتين مواصلين‪ ،‬أو –على أقل تقدير‪-‬صامتين‪.‬‬
‫من أجل أن تحمل الجماهير األفكار‪ ،‬ال بد أن تصـبر النخبـة علـى االمتحـان‪ ،‬وصـدق هللا‬
‫العظيم ي وجعلناهم أئمة يهدون ب مرنا لما صبرواي‪.‬‬

‫‪=21‬فقه الأولويات‪ /‬كارثة الملك العضوض الصراح( وهي الكفر البواح)أولى‬


‫بالإنكار من ماعداها‬
‫أ= الفقيه المنـدمج فـي ضـباب الفرعنـة والصـحراوية مهـزوم‪:‬‬
‫دوره ترسيخ التأزيم‪:‬‬
‫وقد تجد كثي اًر من الفقهاء والمتفقهين‪ ،‬حريصين على أمور العبادة الروحية‪ ،‬يلتزمون كل‬
‫واجب ومندوب‪ ،‬ويجانبون كل محرم ومكروه‪ ،‬وقد تجد لهم ورعاً كثي اًر في المباح‪ ،‬وتجد لهـم فـي‬
‫الصــبر علــى العبــادة الروحيــة تجلــداً ظــاه اًر‪ ،‬كقيــام الليــل والصــيام‪ ،‬ولكــنهم فــي العبــادة المدنيــة‬
‫مقصـرون تقصــي اًر ظــاه اًر‪ ،‬قــد تتمعــر وجـوههم إ ا أروا منكـ اًر فاشــياً كــالظلم والرشــوة والمحســوبية‪،‬‬
‫وشفاعة السـوء‪ ،‬ولكـنهم ال يقولـون كلمـة العـدل أمـام السـلطان الجـائر‪ ،‬إنمـا سـالحهم‪ :‬الشـكوى‬
‫إلى هللا أوالتنديد بفساد الزمان‪.‬‬
‫يقولون الزمان به فساد × وهم فسدوا وما فسد الزمان‬
‫ألنهم يجهلون أن ايمة كل عبادة فـي اإلسـالم‪ ،‬إنمـا هـي بحسـب آثارهـا ونتائجهـا‪ ،‬وعلـى‬
‫ل يكون ترتيب سلم القيم‪ ،‬كما بين الشاطبي في الموافقات‪ ،‬وهـذا يتطلـب تجديـدا فـى الخطـاب‬

‫‪115‬‬
‫الديني‪ ،‬يـنظم كبـائر الطاعـات والمعاصـي واألولويـات‪ ،‬حسـب النصـوص الشـرعية‪ ،‬ونتائجهـا فـى‬
‫الحياة‪.‬‬
‫أم يـتكلم فـي أهـل البـدع؟ فقـال‪« :‬إ ا‬ ‫سئل اإلمام أحمد عن الرجل يصوم ويصـلي ويعتكـ‬
‫فإنما هو لنفسه‪ ،‬ون ا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسـلمين‪ ،‬هـذا أفضـل»‬ ‫قام وصلى واعتك‬
‫(فتاوى ابن تيمية) كالم اإلمام هذا في األولويات المستحبة‪ ،‬فما بال باألولويات األساسية‪.‬‬
‫من اكثر الناس اخالال بالدين‪،‬فقيه صالح بنفسه‪ ،‬يهتم بالنوافل الروحية الفردية‪ ،‬ويهمش‬
‫الفرائض المدنية والسياسية‪.‬‬
‫ب=فـــي ظـــالل الملـــك العضـــوض ســـاد الغلـــو ووئـــد التســـامح‬
‫والتعـــــــددية‪:‬‬
‫قال شيخ االسالم أبو اسماعيل عبدهللا الهروي‪:‬‬
‫أنا حنبلي ما حييت فإ ا أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا‬
‫تلـــ القامـــات(في ظـــالل االستســـالم‬ ‫إنهــا المذهبيـــة أودت بطاقـــات ضـــخمة‪ ،‬فلـــم تكتشــ‬
‫للطغيان) أن الحكم الشوري وفروعه كالعدل والحرية والتعددية من لباب العقيدة‪ ،‬وأنها أولى مـن‬
‫تلـ الص ـراعات المذهبيــة‪ ،‬ومــن أجــل لـ خــاض النــاس ص ـراعا اجتماعيــا دمويــا‪ ،‬حطمــت فيــه‬
‫نفوس‪ ،‬وجندلت رءوس‪ ،‬في مسائل ماضوية‪ ،‬أو اجتهادات يبية‪ ،‬ال يترتب على تقرير الصواب‬
‫فيها عدل وال شورى‪،‬من أبرز منا جها‪:‬‬
‫فتن بين السنة أيهما أفضل على أم عثمان‪ ،‬والقرآن مخلوق أم ير مخلوق‪ ،‬بل هل لفـ‬
‫القارىء بالقرآن مخلوق أم ير مخلوق‪ ،‬فقد أخرج أتباع الهذلي المتزمتـون اإلمـام البخـاري مـن‬
‫نيسابور‪ ،‬وآ وا ونصيره اإلمام مسلما‪ ،‬ألنه قال‪:‬لفظي بالقرآن مخلـوق(انظر ترجمـة البخـاري فـي‬
‫النبالء)‪.‬‬
‫وفتن بين السنة والشيعة قوامها أيهما أفضل علي أم أبو بكر وعمر‬

‫‪116‬‬
‫وفتن بين الحنابلة والشافعية كماجرى من اضـطهاد كـل مـن داود بـن علـي الظـاهري وعـز‬
‫الــدين وابــن الجــوزي وابــن تيميــة والحــاف عبــدالغني والخطيــب البغــدادي‪ ،‬والجــويني‪ ،‬وكاضــطهاد‬
‫السـراج المحــد الزعفرانــي‪ ،‬وعــانى محمــد بــن جريــر الطبــري مــن ظلــم أبــي بكــر بــن أبــو داوود‬
‫والحنابلة ( كما قال الذهبي‪/‬انظر تراجمهم في النبالء) واضطهاد النسائي لمـا جهـر يفضـل علـى‬
‫بن أبي طالب في الشام‬
‫وركزت العقيدة بغيبيات ظنيـة‪ ،‬لـير عليهـا أدلـة قطعيـة‪ ،‬وصـارت األسـماء والصـفات هـي‬
‫جــوهر كــل النقــاي والصـراع‪ ،‬كمــا جــرى للحــاف عبــدالغني المقدســي‪ ،‬والــذي أخرجــه أشــياع أبــي‬
‫نعيم االشاعرة‪ ،‬من أصفهان( ترجمة عبدالغني في النبالء)‪،‬‬
‫وتكررت قمع الحـاف عبـد الغنـي المقدسـي فـي الشـام‪ ،‬فـ فتى خصـومه بإباحـة دمـه‪ ،‬ألنـه‬
‫يفسد عقائد الناس ويقول بالتجسيم وكفروه‪.‬‬
‫قال الذهبي‪:‬يوتواتر عن أحمد أنه يقول من قال القرآن مخلوق فهو كافر ومن قـال القـرآن‬
‫محد فهو كافري!‪.‬‬
‫و لوا حتى قـال قـائلهم ‪:‬مـن زعـم أن الفاظنـا بـالقران ‪ ،‬وتالوتنـا لـه مخلوقـة فهـو جهمـي‪،‬‬
‫ومن لم يكفره فهو مثله‪ ( ،‬انظر النبالء ‪ /‬ترجمة أحمد بن حنبل)‪.‬‬
‫ج=وازداد الطغيان عندما انشغل الفقهاء بالثانويات عن األولويات‪:‬‬
‫لــم يميــز كثيــر مــن فقهــاء العصــر العباســي والممــاليكي ‪ ،‬بــين أهميــة التوحــد فــي القضــايا‬
‫حولهـا النـاس‪ ،‬فـال تكـاد تقـ أر‬ ‫األساسية التي هي معاي للعباد‪ ،‬والقضايا الروحية‪ ،‬التـي يختلـ‬
‫في كتاب‪ ،‬إال والـتهم موزعـة ‪ :‬فـالن قـدرى ‪ /‬فـالن جهمـي ‪ ،‬فـالن ناصـبي‪ ،‬فـالن شـيعي‪ ،‬فـالن‬
‫مجسم الخ‪ ....‬كل هـذا يـرد بعبـارت التحـذير‪ ،‬التـي تجعـل الـذهن منصـبا علـى السـلبيات‪ ،‬مركـ از‬
‫على الثانويات‪ ،‬ناسيا األساسيات‪.‬‬
‫لقــد اســتولت القضــايا الثانويــة علــى جهــدهمت فارتــاح الســلطان مــن ضــغطهم‪ ،‬وظل ـوا‬
‫يعتبـــرون هـــذه القضـــايا الثانويـــة أساســـية‪ ،‬كمـــا قـــال ابـــرافيم بـــن محمـــد التميمـــي قاضـــي‬
‫‪117‬‬
‫البصــرةيالخلفاء ثالثــة‪ :‬أبــو بكــر يــوم الــردة‪ ،‬وعمــر بــن عبــد العزيــز فــي رد مظــالم بنــي أميــة‬
‫والمتوكـــل فـــي محـــو البـــدع ونظهـــار الســـنةي(انظر ترجمـــة المتوكـــل‪/‬النبالء)‪ ،‬إن تشـــبيه دور‬
‫المتوكل بدور أبي بكر وعمر بن عبد العزيز يشير إلى المعضلة‪:‬‬
‫أما الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحي ير نسائها‬
‫فالمتوكل كالم مون يلعبان لعبـة فـرق تسـد‪ ،‬فكلمـا قـوي فريـق ضـرياه بفريـق ضـعيف‪،‬‬
‫وهكذا دوالي ‪.‬‬
‫وعلق الذهبي على المبالغة في التكفير والتبـديع قـائالً‪ :‬يفـانظر الـى جهـل المحـدثين كيـف‬
‫يروون هذه الخرافة ويسـكتون عنهـاي‪.‬ثم قـال يرحـم هللا الجميـع و فـرلهم‪ ،‬فمـا قصـدهم إال تعظـيم‬
‫البـــاري عزوجـــل‪ ،‬مـــن الطـــرفيني( أي أصـــحاب التنزيـــه وأصـــحاب التشـــبيه) ( ترجمـــة عبـــدالغني‬
‫المقدسي)‪،‬‬
‫و فــل كثيــر مــن الفقهــاء عــن الطريقــة التــي أرســاها المحــدثون األوائــلت فــي التعامــل مـع‬
‫المبتدعــة‪ ،‬التــي شــرحها وفصــلها ودلــل عليهــا ابــن حجــر فــي مقدمــة فــتح البــاري‪ ،‬وأشــار إليــه‬
‫الذهبي بقوله‪ :‬يقال علي ابن المديني قلـت ليحيـى بـن سـعيد ]يعنـي القطـان[‪ :‬يإن عبـد الـرحمن‬
‫]يعني ابن مهـدي[ يقـول اتـرك مـن كـان أرسـاً فـي بدعـة يـدعو إليهـا؟ قـال فكيـف نصـنع بقتـادة‬
‫وأبي رواد وعمر بن ر‪ ،‬و كر قوماً‪ ،‬ثم قال يحيى‪ :‬إن من[ ترك هذا الضرب ترك ناساً كثي ارًي‬
‫ومن النادر أن تجد منصفا‪ ،‬كالذهبي في أقوال له هبية‪،‬كقوله في ترجمة قتادة‪:‬يولعل هللا‬
‫يعذر أمثاله من من تلبر ببدعـة‪ ،‬يريـد بهـا تعظـيم هللا وتنزيهـه‪ ،‬وبـذل وسـعه ‪ ،‬وهللا حكـم عـدل‬
‫لطيف بعباده وال يس ل عن ما يفعلي‬
‫وقولـه أيضــا‪:‬ي إن الكبيــر مــن أئمــة العلــم إ ا كثــر صـوابه‪ ،‬وعلــم قربــه للحــق واتســع محلــه‬
‫وظهر كا ه‪ ،‬وعر صالحه وورعه واتباعه‪ ،‬يغفر زلـله ‪،‬وال نضلله ونطرحـه‪ ،‬وننسـى محاسـنه‪،‬‬
‫ولكن ‪ ..‬ال نقتدي به في بدعته وخطئه‪ ،‬ونرجو له التوبة من ل ي‬

‫‪118‬‬
‫وبمثل هذه المقاصد الحسنة والوسـائل السـيئة‪،‬قتل التسـامح والتعدديـة‪ ،‬ألن األعمـال فـي‬
‫وادي السوأى وهو واد آخر ير وادي النيات الحسـنى‪ .‬ومـن لـ بـ قوال وموااـف وأقـوال هبيـة‬
‫من مثل لسمام الذهبي‪.‬‬
‫قال محمـد بـن نصـر المـروزي ي لمـا كانـت الـذنوب[ بعضـها كفـر وبعضـها لـير بكفـر‬
‫فرق هللا تعالي بينهمـا فجعلهـا ثالثـة أنـواع فنـوع منهـا كفـر ‪ ،‬ونـوع منهـا قسـوق ونـوع منهـا‬
‫عصــيان‪ ،‬لــير بكفــر وال فســوق‪ ،‬وأخبــر أنــه كرههــا كلهــا للمــؤمنين‪ ،‬فقــال ي كــره إلــيكم الكفــر‬
‫والفسوق والعصياني( ترجمته في النبالء للذهبي)‬
‫وروى البيهقـي أن االشــعري قــال قبيــل وفاتــه ألحـد أصــحابه( زاهــر السرخســي) ي ِاشــهد‬
‫علــي أنــي ال أكفــر أحــداً مــن أهــل القبلــة‪ ،‬ألن الكــل يشــيرون إلــى معبــود واحــد‪ ،‬ونن هــذا كلــه‬
‫عباراتي‬ ‫اختال‬
‫قال الذهبي‪ :‬ي وبنحو هذا أدين وكذا كـان شـيخنا ابـن تيميـة فـي أواخـر أيامـه يقـول أنـا ال‬
‫أكفر احداً من األمة‪ ،‬ويقول قال النبي صلى هللا عليـه وسـلم ال يحـاف علـى الوضـوء إال مـؤمن‪،‬‬
‫فمن الزم الصلوات الخمر فهو مسلمي (ترجمة األشعري‪ /‬النبالء)‪.‬‬
‫تــرى هــل يتنبــه المحــافظون اليــوم علــى الصــيا ة العباســية للعقيــدة والتربيــة‪-‬وفقنــا هللا‬
‫ونياهم‪-‬الذين يحتجون بسقطات إمام مـن األئمـة‪ ،‬قـوال وسـلوكا‪ ،‬وهـل يـدرون أن أولئـ األشـيا‬
‫يتب أرون منها ويستغفرون قبيل الممات‪ .‬وأنهم واهمون عندما يتركون قضايا األمة الكبـرى‪ ،‬وال‬
‫ســـيما الحكـــم الشـــورى وحقـــوق اإلنســـان‪ ،‬التـــي جـــر التهـــاون بهـــا علـــى المســـلمين االســـتعباد‬
‫الوطني‪ ،‬الذي فتح شهية االستعباد األجنبي‪.‬‬

‫‪=22‬المتنسك المكتفي بقنوته من أعظم من أعان الملك العضوض‬


‫بسكوته‬

‫‪119‬‬
‫أ=الزاهد المعتزل مؤمن ضعيف أم شيطان أخرس‪:‬‬

‫كان في فقهاء العصـور العباسـية والمملوكيـة نمـا ج فـي عفـة الـنفر‪ ،‬ورفـض عطايـا‬
‫السـلطان‪ ،‬وأظهـر مـايبين فيــه كـا هم انتبـاههم لحيـل الســلطان‪ ،‬كـإبرافيم الحربـي وســحنون‪،‬‬
‫ومحمد بن رافع القشيري النيسابوري‪.‬‬
‫وكــان بعضــهم يــؤجرون أنفســهم للجمــالين وألصــحاب الم ـزارع كــالثوري ونب ـرافيم بــن‬
‫أدهم‪ ،‬فقد عمال كل منهما ناطو ار لبستاني في الشام‪ ،‬وكذل كان الهروي‪.‬‬
‫و مــن اكثــر النــاس تقشــفا وزهــدا وعفــة وترفعــا عــن مــا ب يــدي الســلطان الفضــيل بــن‬
‫عياض وعمر بن راشد واألوزاعي وطاووس وميمون بن مهران‪.‬‬
‫وكانت جبهة مسعر بـن كـدام ك نهـا ركبـة عنـز مـن كثـرة السـجود‪ ،‬وكـان ال ينـام حتـى‬
‫القرآن الكـريم‪ ،‬وكـان شـعبة بـن الحجـاج نمو جـاً فـي بـر المسـاكين والفقـراء‪ ،‬وفـي‬ ‫يق أر نص‬
‫التقش ‪ ،‬حتى صار جلده على عظمه واسود‪ .‬وقد واصـل منصـور بـن المعتمـر أربعـين عامـاً‬
‫يصوم نهارها ويقوم ليلها‪.‬‬
‫أجــل كانــت الــدراهم ال تســاوي عنــدهم ه ـؤالء الزهــاد شــيئاً‪ ،‬وال ينظــرون إليــه إلــى علــى‬
‫أنها بلغة‪ ،‬ولم يكن اية عيشهم المتعة‪ ،‬بل كما قال مال بن دينار ي اللهم إن تعلم أني لم‬
‫أكن أحب البقاء لبطن وال فرجي‪.‬‬
‫الكرخــي‪ ،‬وقــد أفــرد ابـن الجــوزي كراماتــه فــي أربــع‬ ‫و مــن اكثــر النــاس كرامــات معــرو‬
‫كرارير‪ ،‬وأبو مسلم الخوالني من اكثرهم كرامات‪ ،‬وكان إبـرافيم بـن أدهـم مـن أوالد الر سـاء‪،‬‬
‫وقــد تــرك الرفافيــة وصــحب بش ـ ار الحــافي‪.‬وهو وعبــد القــادر الجيالنــي أكثــر النــاس كرامــات‬
‫مروية‪ .‬وكان حماد بن سلمة من مجابي الدعوة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ترى لو أن هؤالء الفضالء حملوا راية الجهاد المـدني‪ ،‬فـي سـبيل الحكـم الشـورى‪ ،‬وهـو‬
‫مـن فـرائض الـدين الكبـرى‪،‬ألم يكـن لـ أجـدى لهـم ول مـة مـن مـا سـلكوه مـن نوافـل الصـيام‬
‫والقيام والتبتل والعزلة الخاص نفعها بهم؟‪.‬‬
‫الراشــــدي الــــذي أقــــام الحكــــم الشــــوري) أم ضــــحايا‬ ‫وهــــل هــــم قــــدوة تحتذى(كالســــل‬
‫االستبداد؟‪.‬القاعدون يظنون أن الدعاء يغني عن العمل‪ ،‬ويظنون أن السنن الكونيـة الجاريـة‬
‫تنخــرق باالبتهــال واألدعيــة‪ ،‬فتنجــو أنفســهم مــن العمــل والتضــحية‪ ،‬وألشــباههم قــال أويــر‬
‫القرني لما أكثر الناس عليه أن يستغفرلهم ي مايجرر كل عبد إال بعملهي‬
‫وقال سعيد بن المسيب‪ :‬ي ما أصلي صالة إال دعـوت علـى بنـي مـرواني‪ ،‬ومعـذور ابـن‬
‫المسـيب وقـدوة ألنـه مجاهـد مـدني عظـيم‪ ،‬ولكنـه لـير قـدوة لمـن جعـل الـدعاء علـى الظلمــة‬
‫جهــاده‪ ، .‬وكــان ســفيان الثــوري مــن أصــحاب الكرامــات‪ ،‬وقــد دعــا علــى المنصــور‪ ،‬لمــا قــال‬
‫المنصــور(وقد قصــد الحجــاز حاجــا)إ ا رأيــتم ســفيان فاصــلبوه‪ ،‬فنصــب المنجــارون الخشــب‪،‬‬
‫فمــارت المنصــور دخــول مكــة‪ ،‬قــال الــذهبي هــذه كرامــة ثابتــة‪.‬وكان طــاووس مجــاب لل ـدعوة‪.‬‬
‫وطاووس والثوري من فرسان الجهاد المدني‪ ،‬ولكنهما لير قدوة لمن آثـر السـكوت وال عـن‬
‫الجهر بالقنوت‪ .‬بل وال قدوة لضحايا النصيحة السرية الكسيحة‪ ،‬فالطاغية الذي أعلن الفساد‬
‫ينبغي أن يعلن التوبة‪ ،‬كما قال قال ميمون بن مهران ي من أساء س اًر فليتب س ارً‪ ،‬ومن أساء‬
‫عال نية فليتب عالنية‪ ،‬فإن الناس يعيرون وال يغفرون‪ ،‬وهللا يغفر وال يعير‪.‬‬
‫إجابة الدعوة شيء ملموس محسوس‪ ،‬ولكن سـنن هللا الطبيعيـة‪ -‬كمـا قـال سـيد قطـب ‪-‬‬
‫هــي ي الن ـوامير التــي تحكــم حيــاة البشــر‪ ،‬وفــق مشــيئة هللا‪،‬التــي أصــبحت ســنناً جاريــة مطــردة‬
‫التتخلـ ‪ ،‬بحيــث[ إن مــاوقع منهــا فــي الماضــي يقــع ]مثيلــه[ فــي الحاضــر‪ ،‬إ ا أصــبحت حــال‬
‫الحاضرين مثل حال السابقيني‪،‬والسير على مقتضى سنن هللا السياسيةت هو طريـق عـودة األمـه‬

‫‪111‬‬
‫إلى قوتها ووحدتها‪ ،‬ألنها لم تصل إلى الحضيض إال لتنكبها هذه السـنن جهـالً أو إهمـاالً‪ ،‬ففـي‬
‫الجريان عليها سعادة الدارين‪.‬‬
‫ولم يقصر المسلمون في جانب من علم الكتاب والسنة‪ ،‬كما قصروا فـي فقـه سـنن هللا‬
‫السياســـية واالجتماعيـــة‪ ،‬ولوعنـــوا بـــه‪ ،‬عنـــايتهم بالجوانـــب األخـــرى لصـــانوا اســـتقالل األمـــة‬
‫وعزتها‪ ،‬من مايدل على يبـة وعـي األمـة (انظـر كتـاب السـنن اإللهيـة فـي الحيـاة اإلنسـانية‬
‫د‪/‬شريف صالح الخطيب)‬
‫ب =اختالل سلم القيم ‪ :‬الهــروي والقرعاوي نموذجا‪:‬‬
‫وثقافة اإلسـهاب فـي الثانويـات‪ ،‬هـي سـمة تراثنـا بعـد عصـر الراشـدين‪ ،‬شـيو كثيـرون‬
‫يكتبون مطوالت في التفسير والفقه‪ ،‬ويركزون على الروحي والفردي‪ ،‬شيو كثيرون ينشـئون‬
‫كتبا طولى في تفسير آية‪ ،‬كما فعل ابن القيم في مجلدات (مدارج السـالكين فـي تفسـير إيـاك‬
‫نعبد ونياك نستعين)‪ ،‬وكشيخ االسالم أبي إسماعيل عبدهللا الهـروي الـذي عقـد ‪ 022‬مجلسـاً‬
‫لتفسير قوله تعالى‪ :‬ي إن الذين سبقت لهم من الحسنىي(األنبياء‪ .)121:‬الهروي نمو ج من‬
‫مئات النما ج في الزمن القديم‪.‬‬
‫أمــا فــي الــزمن الحــديث فنكتفــي بنمــو ج واحــدت كــان عب ـدهللا بــن محمــد القرعــاوي‬
‫‪1039_1011‬هـــ ‪،‬رحمنــا هللا ونيــاهت أعظــم العلمــاء المســتقلين شــهرة ونشــاطا‪ ،‬الــذين قــادوا‬
‫التعليم في الجزيرة العربية‪ .‬فلنت مل سيرته‪.‬‬
‫في عـام ‪1021‬هــ سـافر إلـى الهنـد ليـدرس متـون الحـديث النبـوي‪ ،‬علـى أحـد المحـدثين‬
‫هناك‪ ،‬ثم آب إلى مرابع صـباه فـي نجـد‪ ،‬ثـم رجـع كـرة أخـرى إلـى الهنـد سـنة ‪1011‬هــ ‪ ،‬ومكـث‬
‫ثال سـنوات‪ ،‬حصـل خاللهـا علـى إجـازات مـن شـيوخه هنـاك‪ ،‬ك حمـد بـن أميـر الوسـطى‪ ،‬الـذي‬
‫أجازه بمروياته عن شيوخه ب سانيده‪ ،‬وق أر بلوا المرام والمشكاة والصحاح الست وموط مال ‪.‬‬
‫كانت أسفار القرعاوي إلى الهند قبيل الحرب العالميه الثانية‪ ،‬التي وقعت حوالي ‪1013‬هـ‬
‫(‪ 1922‬م)وكانت البلدان العربية واإلسالمية إبانها تغلى بحركات التحرر واإلصالح السياسي‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫وكان الجهاد المدني من أجل االسـتقالل مـن بريطانيـا‪ ،‬وقـد تبلـورت بالمطالبـة بالدسـتور‬
‫آنــذاك‪ ،‬وكانــت خطـوات عديــدة لسصــالح الدســتوري‪ ،‬فــي ايـران ولبنــان وســوريا واألردن‪ .‬ومصــر‬
‫والعراق وماليزيا وأفغانستان‪ ،‬وقد أ عن الشاه في إيـران فـ علن الدسـتور والحكـم النيـابي‪ ،‬قبـل‬
‫رحالت القرعاوي ب ربعين عاما‪:‬سنة ‪1922‬م (‪1062‬هـ)‪.‬‬
‫وكانت حركات اإلصالح السياسي والدستوري‪ ،‬في الهنـد علـى قـدم وسـاق‪ ،‬فكانـت الحركـة‬
‫الوطنية‪ ،‬وحزب الرابطة اإلسالمية اللتـا ن تطالبـان باإلصـالح السياسـي‪ ،‬ونصـدار دسـتور يضـمن‬
‫الحقوق‪ ،‬حتى اضطرت بريطانيا الى اصدار دستور سنة ‪1012‬هـ(‪.)1901‬‬
‫كل هذا الجهاد المدني من أجل الحكم الشورى وحقوق النـاست لـم يثـر هـن القرعـاوي‪،‬‬
‫ولـم يصــرفه عــن اإل ـراق فــي الروايــة‪ ،‬كمــا أثـار هن خالــد الفــرج الشــاعر الخليجــي‪ ،‬الــذي واكــب‬
‫حركــة التحريــر الهنديــة بقصــائده السياســية‪ ،‬ألن القرعــاوي مــن وي الذهنيــة الدينيــة المحافظــة‬
‫على الصيا ة العباسية والمملوكية للتربية والعقيدة والثقافة‪ ،‬تل التـي أ رقـت فـي شـق العقيـدة‬
‫الروحي والفردي‪ ،‬ولم تدرك أن الجهاد في سبيل الحكم الشورى من أصول الدين‪.‬‬

‫ج= لكي ال يضل الناس بصالح األشخاص واإلخالص عن صالح‬


‫األفكار‪:‬‬
‫أفــال ينبغــي تــذكير الفقهــاء وطــالب العلــم الــديني‪ ،‬الــذين همشـوا شــطر الشــريعة المــدني؟‪،‬‬
‫ولكـن تــذكير هــذه الطائفــة بواجباتهــا‪ ،‬ايــة صــعبة ووســائلها محفوفــة بــالخطورة‪ ،‬ألن كثيـ اًر مــن‬
‫الناس يخلطون بين علماء الدين والدين نفسه‪ ،‬فيعتبرون نقد األشخاص والمذاهب نقـداً للـدين‪،‬‬
‫ويعتبر كل محاولة لتذكير علماء الدين بما أخلوا به من أصـول الـدين أو فروعـهت كرافيـة للـدين‬
‫نفســه‪ ،‬ويعتبــرون لحــوم الفقهــاء مســمومة‪ ،‬وك ـ نهم بشــر مقدســون ال ينطقــون عــن الهــوى وال‬
‫يخطئــون‪ ،‬مــع أن العلمــاء فئــات عديــدة ‪ ،‬فيهــا مــن لحــومهم مســمومة ومــنهم ــافلون ومــنهم‬
‫جاهلون ومنهم يائسون ومنهم وو قلوب مسمومة مـداهنون ومخـادعون‪ .‬ومزيـد مـن التفصـيل‬
‫كتيب (تعليم القرآن الكريم بين ظالل الحكم الشوري وظالل االستسالم لالستبداد)‬ ‫في‬
‫‪111‬‬
‫وعلـــى كـــل حـــال فـــإن احتـــرام المســـلمين واجـــب فـــي الشـــريعة‪ ،‬وال ســـيما الفقهـــاء والقـــراء‬
‫العــاملين‪ ،‬فتكــريمهم تكــريم للشــريعة‪ ،‬فليحــذر المتحمســون لسصــالح السياســي مــن الوقــوع فــي‬
‫أعراض حملة الشريعة‪ ،‬من العلماء الذين يظهر عليهم العمل‪.‬‬
‫لكــن الخط ـ الشــائع فــي تقديســهم واعتبــارهم مــوقعين عــن هللا‪ ،‬واعتبــار نقــدهم طعن ـاً فــي‬
‫أولياء هللا‪ ،‬أو في الشريعة‪.‬وقد يتوهم كثيـر مـن النـاس أن الفقهـاء هـم أوليـاء هللا ‪ ،‬وواليـة هللا‬
‫هي معرفة ما أنزل هللا من الشـريعة‪ ،‬والعمـل بهـا وحـض النـاس عليهـا‪ ،‬فاالسـتقامة هـي عالمـة‬
‫الوالية والكرامة‪.‬‬
‫ضل الفقهاء الغافلون عن أن الحكم الشوري ثاني أعمدة خيمة أصول الدين‪ ،‬ولكنهم قوم‬
‫عملـوا بمــا أدى إليــه اجتهــادهم وعلمهــم وفهمهــم‪ ،‬وتجــربتهم وخبــرتهم فــي الحيــاة‪ ،‬وبمــا أروا أنــه‬
‫حدود استطاعتهم‪ ،‬والتماس األعذار الشـرعية لكـل مسـلم وال سـيما العلمـاء سـنة حميـدة‪ ،‬وحمـل‬
‫اإلنسان على أحسن الظنون أدب شـرعي مطلـوب‪ .‬االحتـرام والتكـريم وحسـن الظـن بهـم محمـود‪،‬‬
‫ولير الفقهاء المعاصرون وحدهم مسؤولين عن األزمـة الحضـارية الراهنـة‪ ،‬فهـي أزمـة تراكمـت‬
‫رمال كثبانها عبر األجيال‪ ،‬وتشابكت عقدها عبر القرون‪.‬‬
‫ولكن األمر المذموم هو تصحيح منهجهم ومنحهم قداسة‪ ،‬واعتقـاد بـ نهم يفقهـون شـطر‬
‫العقيدة المدني السياسي‪ .‬ألن قواعد بنـاء الدولـة الشـورية‪ ،‬تحتـاج إلـى اجتهـاد عـام‪ ،‬ألنهـا مـن‬
‫الشؤون العامة‪ .‬وأكثر الفقهـاء عبـر عصـور االستسـالم للطغيـانت اضـطروا إلـى تركيـز نشـاطهم‬
‫على شطر الشريعة الروحي والفردي‪ ،‬إنهم هم أهل اجتهـاد خـاص بالشـطر الروحـي فـي مجالـه‪،‬‬
‫ولكنهم ليسوا أهل اجتهاد في شطر اإلسالم المدني‪ ،‬فال اجتهاد في شـئون السياسـة إال لفرسـان‬
‫الجهاد‪ ،‬كما قال تعالىيوالذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلناي‬
‫في تذكير العلماء وال سيما الصالحين الغافلينت بمـا يجـب علـيهم‪،‬من‬ ‫ومن المفيد التلط‬
‫ايام بمعالم الملة‪ ،‬وتنبيههم إلى ما يخفى من شئون األمة‪ ،‬ولفت أنظارهم إلى الوقائع والنوازل‪،‬‬

‫‪113‬‬
‫التي قد ال يحسنون إدراكها‪ ،‬النشغالهم بالتدرير أو الت ليف‪ ،‬الذي قد يكون مـن صـوارفهم عـن‬
‫فهـم األمـور المدنيـة‪ ،‬كمـا أشـار ابــن خلـدون‪ ،‬وينبغـي أن مناقشـتهم باألدلـة الشـرعية‪ ،‬ومحاولــة‬
‫كســبهم لمســيرة اإلصــالح الــديني عامــة والمــدني خاصــة‪ ،‬واســتثمار مــالهم مــن أســهم شــعبية‬
‫وحكومية‪.‬‬
‫أما كسر هيبتهم واستثارتهم وسوء مخاطبتهم‪ ،‬فتل أمور محظورة في الشريعة والطبيعـة‪،‬‬
‫المرء باعتقاد أمر لم يصل إليه علمه وفهمه واجتهـاده وخبرتـه واسـتطاعته‪،‬‬ ‫فال يجوز أن يكل‬
‫واإلنسان أياً كان فقيهاً أو عالماً‪ ،‬أو عادياً أو عامياً‪ ،‬إ ا استثير وأهين‪ ،‬قـد تدفعـه الحميـة عـن‬
‫الــنفر والهــوى‪ ،‬إلــى العنــاد فــي رفــض اإلصــالح‪ ،‬والتعصــب فــي اســتمرار الوقــوع فــى مســتنقع‬
‫الواقع‪.‬‬
‫ونتيجـة هـذا االســتفزاز خسـارة كبيــرة لمسـيرة اإلصـالح السياســي‪ ،‬فضـال عــن الجهـاد فيــه‪،‬‬
‫حيث يصبح فريق ير قليل من أهل العلم والفضل من مناهضي اإلصالح السياسـي‪ ،‬فكيـف يـتم‬
‫ل مة صالح سياسي إ ا كان أعداء اإلصالح فيها‪ ،‬هم أولو الفقه‪ ،‬الـذين أقـاموا شـطر الشـريعة‬
‫الروحي‪ ،‬وجذبوا الناس الى حقلهم المغناطيسي ‪ ،‬بما لهم مـن زهـد ونخـالص وصـدق نيـة ‪ .‬ولـم‬
‫يـدرك النـاس أنهـم كــ ي المقتسـمين الـذين جعلـوا القـرآن عضـدين ي عنـدما كسـروا شـطر الشــريعة‬
‫المدني‪ :‬وعند ل يصبح دعاة اإلصالح المدني والصالح الروحـي فـريقين يختصـمان‪ ،‬فـرحم هللا‬
‫األمير محمد بن إسماعيل الصنعاني إ يقول‪:‬‬
‫ويحذر‬ ‫متى ينصر اإلسالم من ما أصابه × إ ا كـان مـن يرجـى يخـا‬
‫إال إ ا طوع طاغية الفقهـاء الصـالحين‪ ،‬وحفـزهم علـى أن يفتـوا باسـتباحة حريـات النـاس‪،‬‬
‫وواد حركــات اإلصــالح السياســي‪ ،‬ليــ مروا النــاس بالصــبر علــى جــوره‪ ،‬وضــرب بفتــواهم حــراك‬
‫كال‪.‬ويجب على المصلحين أن‬ ‫المجتمع المدني‪ ،‬فيجب أن يقول الناس لمفتي المستبد‪:‬كال وأل‬

‫‪115‬‬
‫يكششفوا زالت العلماء الصالحين‪ ،‬كما فعل دعاة(البيعة الشرعية‪:‬شورى األمة‪/‬الدستور)‪ ،‬عنـدما‬
‫ضربت حركة اإلصالح في الجزيرة العربيةت بفتاوى العلماء الصالحين كابن باز وابن عثيمين‪.‬‬
‫فلمــا ا نقــول‪:‬إن المتنس ـ المكتفــي بقنوتــه مــن أعظــم مــن ناصــر الطغيــان بســكوته؟ ألن‬
‫للمتنســكين طاقــات متميــزة‪ ،‬وصــب ار علــى مواصــلة نوافــل الصــيام بنوافــل الصــالة‪ ،‬فصــرفوها عــن‬
‫األساس يات والوجبات‪ ،‬وعن مجاهدة الطغاة‪ ،‬إلـى المسـتحبات والثانويـات‪ ،‬وعـن النفـع العـام إلـى‬
‫النفع الخاص‪ ،‬فغروا جماهير األمة بها‪ ،‬وتركوا الطغاة يعبثون بها‪.‬‬

‫‪==23‬إنكار الناس على المستبد كيف يحتاج إلى استئذانه وهو وكيلهم ؟‬
‫أ – الفرق بين الجهاد العسكري والمدني‪:‬‬
‫األصل في جهاد المستعبد أو الغازي األجنبي أنه عسكري‪ ،‬أن يكون قراره ناتجـاً عـن إرادة‬
‫األمة‪ ،‬التي يجسدها مجلر النواب‪ ،‬وقد يكل مجلر النواب القرار للسـلطة التنفيذيـة‪ ،‬فـى بعـض‬
‫الطارئة ‪ .‬على أن توافيه الحكومة بالمبررات ( انظـر مسـودة نحـو دسـتور ( إسـالمي )‬ ‫الظرو‬
‫للدولــة اإلســالمية الحديثــة‪ .‬إصــدار ســجناء(البيعة الشرعية‪:‬شــورى األمــة‪ /‬الدســتور والمجتمــع‬
‫المدني اإلسالمي) الثالثة فى السعودية ‪.‬‬
‫أمــا الجهــاد الــداخلي الســلمي‪ ،‬فهــو ضــد المســتبد الــوطني األهلــي‪ ،‬فكيــف يحتــاج إلــى‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬عبر اللسان والقلم والمواف السـلمي ركـن مـن‬ ‫استئذانه؟‪ ،‬واألمر بالمعرو‬
‫أركان الملة؟‬
‫إن مــن األمــر الطبيعــي المشــروع‪ ،‬أن يبــدأ النــاس بــاألمر بالصــالح‪ ،‬والنهــي عــن الفســاد‪،‬‬
‫باألسلوب اللين‪ ،‬فإ ا أروا ش اًر منشو اًر أو خي اًر مهجو ارً‪ ،‬خاطبوا الجهة التي تحتاج إلى اإلصالح‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫ووضحوا لها حكم األمـر إن كـان مجهـوالً‪ ،‬وبينـوا لهـا الواقـع إن كـان خافيـاً‪ ،‬و كروهـا بـاألمر إن‬
‫كانت ناسية‪.‬‬
‫إلى مدير الدائرة‪ ،‬وشـكوى المـدير إلـى الـوزير واألميـر‪ ،‬وشـكوى‬ ‫ومن ل شكوى الموظ‬
‫الوزير واألميـر‪ ،‬إلـى الملـ والـرئير‪ .‬ومـن لـ الشـكوى إلـى دائـرة المظـالم (المحكمـة اإلداريـة)‬
‫والشكوى إلى محكمة العدل العليا الدستورية‪ ،‬أو المحاكم العادية‪.‬‬
‫وهذا األسلوب المتدرج أولى‪ ،‬وأحمد عاابـة‪ ،‬وأقـل كلفـة‪ ،‬وهـو أسـلوب إداري معـرو ‪ ،‬فـي‬
‫نظــام اإلدارة العامــة‪ ،‬ولــو أن النــاس تعــاونوا علــى اتباعــه‪ ،‬لمــا شــاع منكــر روحــي وال مــدني وال‬
‫مدني وال روحي‪.‬‬ ‫انطمر معرو‬
‫فـإ ا لـم يمـت الشــر سـواء أكـان بدعــة أو معصـية روحيـة أو مدنيـة فــي مهـده‪ ،‬ولـم يبعــث‬
‫الخير من لحده‪ ،‬فال بد من الصدع باألمر‪ ،‬من دون خشية أحد‪.‬‬
‫ألن األحاديــث نصــت علــى األمــر والنهــي‪ ،‬كمــا فــي حــديث «ســيد الشــهداء حمــزة بــن عبــد‬
‫المطلب‪ ،‬ورجل قام إلـى إمـام جـائر‪ ،‬فـ مره ونهـاه فقتلـه» فالحـديث كغيـره مـن نصـوص اإلصـالح‬
‫مدنياً وروحياً‪ ،‬ينص على األمر والنهي‪ ،‬ال على الرجاء وااللتماس‪ .‬واألمـر عنـد األصـوليين هـو‬
‫علــى جهــة االســتعالء‪ ،‬فالمجاهــد‬ ‫طلــب الشــيء علــى جهــة االســتعالء‪ ،‬والنهــي هــو طلــب الكـ‬
‫السلمي إ ن ي مر الحاكم وينهاه دون تذلل وخضوع‪ ،‬ألن هللا خوله مباشرة‪ ،‬ب ن ي مر بالمعرو‬
‫وينهى عن المنكر‪ ،‬وهو قوي بهذا التخويل الرباني‪.‬‬
‫و ال أمر من ما أوحت به الفطرة السوية‪ ،‬والطبيعة المستقيمة‪.‬‬
‫كما أن رسول المل ‪ ،‬قوي عزيز‪ ،‬بقوة التخويل الملكي فكذل المجاهد السلمي‪ ،‬قوي بقـوة‬
‫التخويـل الربـاني‪ ،‬لـ أن األمـر والنهـي‪ ،‬صــدع بـالحق‪ ،‬ينبغـي أن ال يقــوم بـه المجاهـد الســلمي‬
‫ويـداه ترتعشــان‪ ،‬أو وهـو خاضــع الـرأس والجبــين‪ ،‬أو متعثــر الخطـوات‪ ،‬وك نــه شـحا يطلــب رفــداً‬

‫‪117‬‬
‫ومعونــة‪ ،‬فلــير لـ مــن الجهــاد الســلمي‪ ،‬الــذي يقــوم علــى الصــدع بـالبالا‪ ،‬والصــدع ال ينــافي‬
‫الحكمة‪ ،‬وال الموعظة الحسنة‪.‬‬
‫بل إن أساليب االستجداء والمداهنة‪ ،‬إنمـا هـي مـن أدب الدروشـة والشـحا ة‪ ،‬الـذي شـاع‬
‫فــي عصــور االنحــدار فــي مخاطبــة الحكــام‪ ،‬وك ـ نهم أنــاس فــوق مســتوى البشــر‪ ،‬ل ـ أدب ل‬
‫واستكانة‪ ،‬لم ي مر به طبع كريم‪ ،‬وال عقل حكيم ‪ ،‬فكيف ي مر به شرع تنزل من لدن عزيزحكيم‪.‬‬
‫ولير من الصدع بكلمة الصـدق‪ ،‬أن يتملـق الناصـحون الحـاكم‪ ،‬فيزعمـون أن مـا يحصـل‬
‫مــن خلــل وانهيــار‪ ،‬أو تجبــر واســتكبار‪ ،‬إنمــا سـببه حاشــية فاســدة‪ ،‬وبطانــة كا بــة‪ ،‬ومستشــارين‬
‫خونة‪ ،‬فيبرئوا الحاكم المستبد من تبعة ضياع األمانة‪.‬‬
‫فلو كان الحـاكم شـوريا اللتـزم بقـرار منـدوبي األمـة‪ ،‬فصـلح وقـرب البطانـة الصـالحة‪ ،‬ولـو‬
‫كان شوريا ملتزما بق اررات مفوضي األمةت لما تالعب بالمستشارين أو تالعبوا به‪ ،‬فالمستبد هـو‬
‫سبب كل فاسد وظلم‪ ،‬سواء أكان عامداً أو افالً أم ضعيفاً‪ .‬فلقد نصب نفسه ل مـة قائـداً‪،‬دون‬
‫شوراها‪ ،‬وا تصب إرادتها‪ ،‬فكيف تلقى أوزاره على البطانة؟‪.‬‬
‫ونسبة الصالح إلى الحـاكم المسـتبد‪ ،‬والفسـاد إلـى مـن حولـه‪ ،‬مـن مفـردات أنمـو ج تربيـة‬
‫الخضوع‪ ،‬الذي يعودالناس االستسالم للطغيان‪.‬‬

‫ب – استئذان السلطان وفقه المداهنة‪:‬‬


‫ومن العجب العجاب‪ ،‬أن تنص األدلة الشرعية القطعية الورود والداللة‪ ،‬على وجـوب أمـر‬
‫الحاكم بالصالح ونهيها عن الفساد‪ ،‬ولو تعرض اآلمرون لالستشهاد‪ ،‬ثـم تجـد بعـض المتعلقـين‬
‫بشبه الت ويل الفاسد‪ ،‬يزعمون أنه ال بد في االحتساب من إ ن الحاكم‪ .‬وأعجب من ل أن تجد‬
‫الفقهــاء المفــرطين‪ ،‬يؤيــدون كلمـــة الحــق والعــدل والخيــر إ ا ســـمعوها‪ ،‬فــإ ا رفضــتها الحكومـــة‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬محتجـين بـ ن كـل أمـر‬ ‫اعتبروا قرار الحاكم ملغياً مشروعية األمر بالمعرو‬
‫خالفي‪ ،‬إ ا اجتهد فيه السلطان‪ ،‬فإن اجتهاده يحسم النزاع ويمنع العمل بما عداه‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫وهم يقيسـون فيخطئـون القيـاس‪ ،‬ويظنـون الحـاكم المتغلـب المغتصـب الـذي صـار شـرعياً‬
‫شرعية واقعية بغلبته‪ ،‬وزاد الطين بلة باستبداده وجوره‪ ،‬وثلث ل بـنقص تقـواه ورشـاده‪ ،‬وربـع‬
‫اجتهــاده‪ ،‬كاإلمــام الشــوري الكفــي المتخــب‪ ،‬كالخليفــة الراشــد عمــر بــن الخطــاب أو‬ ‫لـ بضــع‬
‫علي بن أبي طالب وفي ل عدد من األوهام‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن الخليفة الراشدي لم يلزم الناس باجتهاده‪.‬‬
‫الوهم الثاني‪ :‬فإن صح أو رجح أن عمر وأبا بكر‪ ،‬نفـذا باجتهادهمـا بعـض األمـور‪ ،‬وتركـا‬
‫اجتهادات أهل الشورى‪ ،‬ال بالحكم الشرعي الذي ال اجتهـاد فيـه‪ ،‬تـاركين رأي البيـة المجتهـدين‬
‫من الشورى‪ ،‬فذل أمر نادر‪ ،‬وهو إن صح ال يلـزم األمـة علـى مـر األجيـال‪ ،‬ألنهمـا ال يشـرعان‪،‬‬
‫بل هما متبعان‪ ،‬كما نص أبو بكر في خطبة بيعته‪ ،‬وكل يؤخذ مـن كالمـه وفعلـه الصـواب‪ ،‬ويـرد‬
‫الخط ‪.‬‬
‫الوهم الثالث‪ :‬أن الخلفاء على كل حال من المهديين الراشدين‪ ،‬الذين أمـرت األمـة باتبـاع‬
‫سننهم‪ ،‬عندما تكون تفصيالً لمجمل‪ ،‬أو تطبيقاً لحكم‪ ،‬ال تغيي اًر في سنة نبوية‪.‬‬
‫الرابــع أن حــديث األمــر بإتبــاع ســنن الراشــدين فيــه مقــال – ولــو صــح لمــا اــير الحــاكم‬
‫األمــوي والعباســي المتغلــب المغتصــب بالراشــدي المنتخــب المجتهــد الــورع‪ ،‬الــذي هــو خالصــة‬
‫الصفوة‪:‬‬
‫أيهاالمنكح الثريا سهيال‬
‫عمرك هللا كيف يلتقيان‬
‫هي شاميـة إ ا مـا استقلت‬
‫وسهيل إ ا استقل يمان‬
‫الوهم الخامر ‪ :‬وأكبر من ل أنهم ينظرون إلى الحاكم المستبد الجائر‪ ،‬نظرة أعلـى مـن‬
‫نظرتهم إلى الخلفاء الشوريين الراشدين‪ ،‬وك ن له حق التحليل والتحريم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫لقد كان الخلفاء الشوريون الراشـديون‪ ،‬حكامـا منتخبـين يجـوز أمـرهم ونهـيهم‪ ،‬ووعظهـم‬
‫وزجرهم‪ ،‬وأطرهم وقصرهم‪.‬‬
‫فكيـــف صـــار الســـلطان المتغلـــب المغتصـــب المســـتبد الجـــائر هـــو الـــذي يـــ مر وينهـــي‬
‫المجتهدين والمجاهدين‪ ،‬وهو الذي ينصـح الناصـحين والـواعظين‪ ،‬وصـار هـو الـذي يحـدد مجـال‬
‫والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬وهــو الــذي يـ مر بــالتوايف والســجن والتعــذيب‪ ،‬فـاعتبروه‬ ‫األمــر بــالمعرو‬
‫(ولــي أمــر) علــى األمــة‪ ،‬ال ولــي أمــر لهــا‪ ،‬و(وكــيال عليهــا) ال لهــا‪ ،‬وربطــت الحــدود بموافقــة‬
‫الســلطان أيضـاً‪ ،‬وأصــبحت عبــارة (ولــي األمــر أدرى بالمصــلحة) وعبــارة (رأي ولــي األمــر يحســم‬
‫التنازع عند الخال ) أصالً فقهياً مرعياً‪ ،‬على مستوى القضاء والتشريع‪ ،‬عند خدام االستبداد‪.‬‬
‫ومــن يت ملهــا بعــين الشــريعة‪ ،‬يجــدها بدعــة صــرحية تــؤدي عنــد التطبيــق إلــى أن يكــون‬
‫فــي األرض‪ ،‬ال يحاســبه إال الــذي واله‪ ،‬بــل صــار مــن حيــث الواقــع المعــيش‪،‬‬
‫(الســلطان) ظـالً‬
‫مصد اًر من مصادر التشريع‪ ،‬يحلل ويحرم‪ ،‬ويبرل ويجرم‪ ،‬ويقضي ويفتي‪ ،‬حتى صـار يقصـر أهـل‬
‫الدعوة واإلصالح عن قولة الحق قص اًر‪ ،‬وصار ي طرهم على السكوت والتقية والمجاراة أط اًر‪.‬‬
‫وأمس ـ بيديــه أعنــة الســلطات الــثال ‪ :‬تنفيذيــة وتشــريعية وقضــائية‪ ،‬فاعتبرتــه ثقافتنــا‬
‫القضائية في صيا تها العباسية والمملوكية هو القاضي‪ ،‬وننما القضاة نوابه‪ ،‬ف فسد في األرض‬
‫وعا ‪ ،‬ترى أهذا هو قانون الشريعة؟‬
‫والحاكم في الشريعة السماوية‪ ،‬وفي الدساتير األرضية‪ ،‬إنمـا هـو نائـب عـن األمـة‪ .‬يجـوز‬
‫ل مــة التــي أنابتــه‪ ،‬أن ت ـ مره وتنهــاه‪ ،‬وتوجهــه وتنبهــه‪ ،‬ونــص بعــض الفقهــاء الراســخين‪ ،‬كــابن‬
‫عطية األندلسي‪ ،‬على أن شـورى األمـة شـرط فـي الحـاكم‪ ،‬فـإ ا لـم يشـاور وجـب عزلـه‪ ،‬إ خـرج‬
‫عن مقتضى النيابة(انظر تفسير القرطبي‪ /‬آلية وشاورهم في األمر‪ /‬سورة آل عمران)‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫وجرت العادة‪ ،‬ب ن للموكلين حق توجيه وكيلهم‪ .‬فصار الحاكم هـو الوكيـل الـذي يتصـر‬
‫في شؤون موكليـه‪ ،‬وصـار النائـب الـذي يتصـر بشـؤون مـن أنابـه‪ ،‬وكـ ن األمـة سـفيهة يجـب‬
‫الحجر عليها‪ ،‬أو طالب صغير ال بد له من ولي رشيد‪.‬‬
‫بمثل فقه المداهنة ضاعت األندلر‪ ،‬وأباح التتار بيضة اإلسالم‪ ،‬ودنر الصليبيون بيـت‬
‫المقدس‪ ،‬وألق ت خيول المسـتعمرين روثهـا فـي المسـاجد‪ ،‬وديسـت المصـاح ‪ ،‬وهجـم االسـتعمار‬
‫وعـــا ‪ ،‬وضـــاعت التربيـــة‪ ،‬وفســـدت األخـــالق‪ ،‬وســـاد االنحـــالل والضـــياع‪ ،‬وأهملـــت الزراعـــة‬
‫والصناعة وضاع االقتصاد وانتشر الفساد في البالد‪ ،‬وهمش دور المناس ‪.‬‬
‫وال زال بعض المنتسبين للدين‪ ،‬يشيعون فقه المداهنة‪ ،‬الـذي راياتـه وشـعاراته مـن محكـم‬
‫اإليمـــان واإلنكـــار بالقلـــب‪ ،‬والتقيـــة‬ ‫النصـــوص‪ ،‬ودواخلـــه هـــروب ونكوص‪،‬كمصـــطلحات أضـــع‬
‫واالنع ـزال‪ ،‬وســد الــذرائع والصــبر علــى جــور الحكــام‪ ،‬مــا دام ـوا يصــلون‪ ،‬واعتبــار منظومــة فقــه‬
‫النكوص من الحكمة!! واعتبار إنكار المنكرات السياسية من الفتنة‪.‬‬
‫فــالقول باشــتراط إ ن الســلطان قــول بغيــر دليــل‪ ،‬فــاآلمر واآل ن‪ ،‬والنــاهي والمــانع فــي كــل‬
‫أمر‪ ،‬إنما يستمد إ نه من األمة‪ ،‬هذه هي الفطرة‪ ،‬التي شرعها هللا‪ ،‬حتى تنفيذ الشريعة‪ ،‬لم يكله‬
‫هللا للفقهاء وال ل مراء‪ ،‬إما وكله هللا إلى األمة مهمة تنفيذه‪ ،‬فاألمـة هـي المخولـة بتنفيـذ أحكـام‬
‫الشــريعة ‪ ،‬فهــي وليــة أمــر نفســها‪ ،‬ولــير ألحــد مــن األمـراء أو الفقهــاء أن ينهــى عــن مــا نــص‬
‫والنهـي عـن‬ ‫الشارع على األمـر بـه أو رأتـه األمـة مـن مصـالحها‪ ،‬وال سـيما أن األمـر بـالمعرو‬
‫المنكر‪ ،‬يفيد الوجوب‪ ،‬ألن كل أمر ونهي فى القـرآن والسـنة‪ ،‬إنمـا هـو للوجـوب‪ ،‬مـا لـم تصـرفه‬
‫قرينة عن الوجوب‪ ،‬الى اإلباحة أو االستحباب‪.‬‬
‫الــوهم الســادس‪ :‬ينســى أولئـ الواهمــون‪ ،‬القاعــدة الشــرعية القطعيــة‪ ،‬التــي أســر عليهــا‬
‫األصوليون –وخالصتها‪ :-‬إن اآلمر الذي تجب طاعته هـو هللا‪ ،‬أمـا العبـد فلـير لـه واليـة علـى‬
‫عبد مثله‪ ،‬ألنه مملوك مثله‪ ،‬فكالهما عبد هللا‪ ،‬فيجب عليهما أن يطيعا اآلمر األعلى‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫واآلمر األعلى بعد هللا‪ ،‬في إقامـة عمـود الملـة وشـئون األمـةت هـم أهـل الحـل والعقـد مـن‬
‫وجوه الناس‪ ،‬وأصحاب الرأي والخبرة‪ ،‬الذين يسعون في المصالح العامة‪ ،‬ويكتسبون ثقة األمـة‪،‬‬
‫في رأيهم وخبـرتهم‪ ،‬وحماسـتهم ونخالصـهم‪ ،‬ونظافـة جيـوبهم‪ ،‬وتنتخـبهم األمـة وتقـدمهم للحـديث‬
‫باسـمها‪ ،‬فهـم يبلـورون بمـا يحتـاج مـن اآلراء إلـى بلـورة‪ ،‬وهـم أخيـ ار للتعبيـر عـن مصـالح األمــة‬
‫كالقنطرة‪ ،‬أي أنهم يجسدون أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬مرجعيتها‬
‫ثانيهما ‪ :‬ويجسدون أيضا إجماعهـا كمـا صـرح عديـد مـن المفسـرين الراسـخون (كـالفخر‬
‫الرازي والنيسابوري ومحمد عبده) في تفسير آيتي أولي األمر في سورة النساء‪ ،‬وكما يدل عليـه‬
‫ظاهر قول ابن تيمية‪.‬‬
‫فمن نفذ خال أمـر هللا أو أصـدر أمـ اًر مـن دون شـورى األمـة(عبر مفوضـيها) فـال طاعـة‬
‫لـه‪ ،‬ألنـه أخـ َّـل بمبـدأ التوكيــل والتخويـل‪ ،‬فــال تجـوز طاعــة الحـاكم فــي قـانون لــم يصـدر عــن رأي‬
‫األمــة‪ ،‬ألنــه عصــى هللا الــذي حــدد مرجعيــة الطاعــة ب ـ مرين‪ :‬محكــم الشــريعة ورأي أهــل الخبــرة‬
‫والنصــح والعقــل الجــديرين برتبــة أهــل الحــل والعقــد‪ ،‬كمــا قــال عليــه الصــالة والســالم «ال طاعــة‬
‫لمخلوق في معصية الخالق»‪.‬‬
‫واشتراط إ ن السلطان‪ ،‬إنما هو من تحكيم الرأي والهوى فـي شـرع هللا‪ ،‬فمـن منـع النـاس‪،‬‬
‫بل ‪ -‬كما قال اإلمام الشاطبي «مـن منـع نفسـه مـن تنـاول مـا أحـل هللا‪ ،‬مـن يـر عـذر شـرعي‪،‬‬
‫فهو خارج عن سنة النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬والعامل بغيـر السـنة تـديناً هـو المبتـدع بعينـه»‬
‫(االعتصام‪.)59/1 :‬‬
‫ومن احتكم إلى رأيه المجرد من الدليل الشرعي‪ ،‬فقد ابتدع‪ ،‬كما قال اإلمام الشاطبي أيضاً‬
‫«المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع‪ ،‬ألن الشارع وضع الشرائع‪ ،‬وألزم الخلـق الجـري‬
‫على سننها‪ ،‬وصار هو المتفرد بذل ‪ ،‬ألنه حكم بين الخلق‪ ،‬فـي مـا كـانوا فيـه يختلفـون‪ ،‬ونن ال‬

‫‪122‬‬
‫بـين النـاس‪ ،‬وال احتـيج‬ ‫فلو كان الشرع من مدركات الخلق‪ ،‬لم تنـزل الشـرائع‪ ،‬ولـم يبـق الخـال‬
‫إلى بعث الرسل عليهم السالم» (االعتصام‪.)66/1 :‬‬

‫ج – كيف يستأذن السلطان في الحسبة عليه؟‬


‫ثم كيف يشترط ل مر بالخير‪ ،‬والنهي عن الشر إ ن السلطة التنفيذيـة‪ ،‬وهـي الجهـة التـي‬
‫صدر منها منكر الجور والهوى؟‪ ،‬فكيف يمكن إنكار المنكر‪ ،‬إ ا كـان ال بـد مـن اسـتئذان الحـاكم‬
‫فـــي اإلنكـــار عليـــه نفســـه‪ ،‬كيـــف يـــتم االحتســـاب فـــي المجـــال الـــذي ســـماه العلمـــاء العباســـيون‬
‫الســلطان المحتســبين والمصــلحين مــن نفســه‪ ،‬أال تكــون‬ ‫(المنك ـرات الســلطانية)‪ ،‬وكيــف ينص ـ‬
‫المس لة كما قال أبو الطيب المتنبي‪:‬‬
‫يـا أعدل الخلـق!‪ ،‬إال في معاملتـي!×‬
‫في الخصـام وأنت الخصم والحكـم!!‬
‫ولـــذل رد اإلمـــام الغزالـــي حجـــج فقهـــاء المداهنـــة والتبريـــر‪ ،‬فـــذكر أن تخصـــيص األمـــر‬
‫بــالمعرو ‪ ،‬بتفــويض اإلمــام تحكــم ال أصــل لــه‪ ،‬وتســاءل «كيــف يكــون األمــر محتاج ـاً إلــى إ ن‬
‫اإلمام‪ ،‬وأفضل درجاته كلمة حق عند إمام جائر‪ ،‬فإ ا جاز الحكم علـى اإلمـام وهـو ار ـم‪ ،‬فكيـف‬
‫يحتـاج إلـى اسـتئذانه» ثــم قـال‪« :‬إ ا كـان الـوالي راضـياً فـذاك‪ ،‬ونن كــان سـاخطاً فسـخطه منكــر‪،‬‬
‫يجب اإلنكار عليه فيه!! فكيف يحتاج إلى إ نه في اإلنكار عليه» (اإلحياء‪.)288/2 :‬‬
‫واكــد ل ـ اإلمــام النــووي فــى شــرح صــحيح مســلم وحكــى اإلجمــاع علــى وجــوب إصــالح‬
‫السلطان وهو ار م فقال‪ :‬يقال إمام الحرمين (الجويني) والـدليل علـى إجمـاع المسـلمين أن يـر‬
‫الوالة‪ ،‬في الصدر األول والصدر الذي يليه‪ ،‬كانوا ي مرونهم ]أي الحكام[ بالمعرو ‪ ،‬وينهونهم‬
‫عــن المنكــر‪ ،‬مــع تقريــر المســلمين إيــاهم ]علــى ل ـ [‪ ،‬وتــرك تــوبيخهم علــى التشــا ل بــاألمر‬
‫والنهــي عــن المنكــر مــن يــر واليــة» ومــن يــرد أمثلــة حيــة لــذل ت يجــدها فــي كتــاب‬ ‫بــالمعرو‬
‫المجاهد الشهيد عبد العزيز البدري ( علماء فى مواجهة الحكام ) رحمنا هللا ونياه‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫(معالم في طريق الجهاد السياسي‬
‫إلحاقهـا بالطبعـة الثانيـة مـن‬ ‫الفصول الآتيـة كانـ بهـذا العنـوان‪/‬ثم استحسـن‬
‫كتيب الكلمة ل الرصاصة)‬

‫‪=21‬حقو الأمة ل توهب بتوسل ت وعاظ سرية بل تنت ع بالتضحيات‬


‫أ= النصح في القرآن والحديث هو اإلخالص وليس الموعظة‪:‬‬
‫التبر موضوع مطالبة األمة بحقوقها‪ ،‬على كثير من علماء الدين‪ ،‬فضال عن يرهم من‬
‫المحتسبين‪ ،‬ببعض األوهام‪:‬‬
‫الــوهم األول‪ :‬أنهــم اعتبــروا مطالبــة النــاس بحقــوقهم مــن قبيــل موعظــة الظــالم(حين يبكيــه‬
‫الواع لحظة) ثم يعود إلى ظلمه‪.‬‬
‫في هذه الموعظة‪ ،‬أتكون سرية‬ ‫الوهم الثاني‪:‬وبنوا على هذا الوهم وهما آخ ار هو الخال‬
‫أم علنية‪ ،‬كما أ طش عليهم االستبداد‪ ،‬فتساءلوا هل تجب الشورى أم ال تجب‪ ،‬ثم تسـاءلوا مـرة‬
‫أخرى أهي ملزمة أم معلمة؟‪.‬‬
‫وكانت النتيجة أن صارت المطالبة بالحقوق في عداد توسالت الشـحا ين‪،‬التي تقـدم إلـى‬
‫الضراعة والخضوع‪.‬‬ ‫ولي األمر ب ك‬
‫الــوهم الثالــث‪ :‬تخصــيص كلمــة نصــح (بمعنــى أخلــص) إلــى معنــى وع ‪:‬وحرفــت األحاديــث‬
‫واآليـات‪ ،‬مـن أجـل أن تجعـل الحقـوق كالهبـات المسـتوفبة‪ ،‬وظـن كثيـر مـن الفقهـاء‪-‬فضـال عـن‬
‫يرهم‪ -‬أن األحاديث التي تقول الدين النصيحة تقصد هذا المعنى‪،‬‬
‫ولكن النصح –في القرآن والسنة‪-‬معنـاه العـام اإلخـالص واالحتسـاب والصـدق‪( ،‬كمـا جـاء‬
‫فـي معجـم ألفـاع القـرآن الكريم‪/‬مجمــع اللغـة العربيـة بالقـاهرة فـي مــادة نصـح‪ ):‬فمعنـى نصـح لــه‬

‫‪123‬‬
‫ونصحه نصحا ونصيحة‪ :‬أي تحرى ما ينبغي له وما يصلح له‪ ،‬وأراد له الخيـر‪ ،‬وأخلـص لـه فـي‬
‫تدبير أمره‪.‬‬
‫وهـــــو مـــــن قولهم‪:‬نصـــــحت لـــــه الود‪:‬أخلصته‪،‬تقول‪:‬نصـــــحت لصـــــديقي الرأي‪،‬كمـــــا قـــــال‬
‫تعالى‪:‬يوقاســمهما أنــي لكمــا مــن الناصــحيني(األع ار ‪ 12:‬ونحــوه ‪ ،)59‬وفــي قولــه تعــالى علــى‬
‫لســان النبــي شــعيبيأبلغكم رســاالت ربــي وأنصــح لكمي(األع ـ ار ‪ ،)62:‬وبهــذا المعنــى جــاءت فــي‬
‫ولرســولهي‪.‬و وبهــذا المعنــى‬ ‫الحــديث الصــحيحيالدين النصــيحة‪ ،‬قلنــا لمــن يــا رســول هللا؟ قــال‪:‬‬
‫جــاءت أيضــا فــي الحــديث الصــحيح فــي قــول الرســول صــلى هللا عليــه وســلم النصــيحة ألئمــة‬
‫المســلمين وعــامتهم ي‪ ،‬وكمــا فــي قولــه تعــالى علــى لســان شــعيبي نصــحت لكــم ولكــن ال تحبــون‬
‫الناصحيني‪ ،‬وكذل فـي قولـه تعـالى علـى لسـان إخـوة يوسـ يقالوا يـا أبانـا! مالـ الت مننـا علـى‬
‫وننا له لناصحوني‪.‬‬ ‫يوس‬
‫أي وقف ـوا عنــد مــا أمــر‬ ‫ومــن معــاني النصــح‪ ،‬التصــديق وااللت ـزام‪ ،‬يقــال نصــح العبيــد‬
‫ونهـــــى‪ ،‬وفعلـــــوا مايحبـــــه هللا ويرضاه‪،‬ونصـــــحوا للرســـــول صـــــلى هللا عليـــــه وســـــلم‪:‬أي صـــــدقوا‬
‫نبوتــه‪،‬والتزموا ماجــاء بــه‪.،‬قال تعــالىيوالعلى ال ـذين اليجــدون مــا ينفقــون حــرج‪ ،‬إ ا نصــحوا‬
‫ورسولهي (التوبة‪،)91:‬‬
‫ونصح لنفسه‪:‬تجنب ما يؤ يها في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫والتوبــة النصــوح هــي التــي نصــح صــاحبها لنفسه‪،‬ف خلصــها مــن ش ـوائب اإلثــم‪ ،‬كمــا قــال‬
‫تعالىيتوبوا إلى هللا توبة نصوحا(التحريم‪.)1:‬‬
‫فتبــــين مــــن لــــ أن هــــؤالء الــــذين يصــــرفون حــــديث النصــــيحة إلــــى الــــوع ال برهــــان‬
‫لهم‪،‬فالنصيحة في معجم القرآن والسنة وفي معجم العصر الراشـدي إنمـا هـي بهـذا المعنـى‪ ،‬ولـم‬
‫ت ت بمعنى الوع فيهما‪ ،‬وننما تحر معناها‪ ،‬وانحصرت بالوع بعد ل العصر‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫والــذين يجعلــون النصــيحة السياســية س ـ ار يوش ـ أن يبتــدعوا فــي الــدين‪ ،‬أمــا توجيــه‬
‫الناس ونرشادهم في أمور دنياهم وأخراهمتفاسمه ووصـفه فـي معجـم القـرآن والسـنة‪(،‬الوع )كما‬
‫قـــــال تعـــــالىيون قـــــال لقمـــــان البنـــــه وهـــــو يعظـــــه‪ :‬يـــــابني ال تشـــــرك بـــــاهلل إن الشـــــرك لظلـــــم‬
‫عظيمي(لقمــان‪ ،)13:‬وكمــا ف ـي حــديث العربــاض بــن ســارية الصــحيحيوعظنا رســول هللا موعظــة‬
‫وجلت منها القلوب‪...‬ي‪.‬‬
‫ب=مطالبات أحرار بحقوق وليست توسالت رهبان وال شحاذين‪:‬‬
‫ولو أطلق لف النصح علـى الـوع مجـا از أو توسـعا‪،‬لما انطبـق علـى الحقـوق‪ ،‬فالسـلطان‬
‫وكيل ل مة‪ ،‬والذين ينبهون وكـيلهم إلـى مـا قصـر فيـه مـن حقـوقهمت ال يعتبـرون فـي (السياسـة‬
‫الشرعية)‪ ،‬في منزلة واعظيه‪ ،‬بـل مطـالبون بحقـوقهم‪،‬لهم حـق أمـره ونهيـه‪ ،‬وقصـره علـى الحـق‬
‫قصرا‪ ،‬وأطره عن الظلم أطرا‪،‬ألنهم ال يرشدونه في أموره الشخصية الخاصة به‪ ،‬ولو تنبه فقهـاء‬
‫الموعظة السرية هدانا هللا ونياهم إلى هذه البديهية فـي علـم السياسـة الشـرعية‪،‬ألراحوا نفوسـهم‬
‫من الت ويل الفاسد‪ ،‬وضرب المحكمات باآلثار المتشابهة والشوا ‪.‬‬
‫عن الوع ‪ ،‬ألن الخالفة واإلمارة واإلمامة الشـرعية عقـد‬ ‫إنكار المنكرات السلطانية يختل‬
‫اختيـــار بـــين النـــاس والحـــاكم‪ ،‬مشـــروط بالعمـــل بكتـــاب هللا وســـنة نبيـــه محمـــد صـــلى هللا عليـــه‬
‫وسلم‪،‬وأول شروط الحاكم أن يكون شوريا‪ ،‬فطاعة الحاكم مقيدة بشورى األمة‪.‬‬
‫ألن األمــة هــي التــي اســتخلفها هللا‪ ،‬فهــي الحفيظــة علــى الدولــة والشــريعة‪ ،‬فمــن أطــاع‬
‫الرسول فقد أطاع هللا‪ ،‬ومن أطاع األمة(بعد وفاة الرسول صلى هللا عليه وسلم) فقد اطاع هللا‪.‬‬
‫ولذل نص ابن تيمية على أن الطاعـة ال تكـون لفـرد إال إ ا كـان مصـوما‪ ،‬وال عصـمة إال‬
‫لنبي‪ ،‬ولكن األمة بعد النبي هي المطاعة‪ ،‬ألنها معصومة‪.‬‬
‫فمــن فتــ بالشــورى فقــد عصــى هللا‪ ،‬ووقــع فــي مــا حــذر منــه الرســول صــلى هللا عليــه‬
‫وسلم‪:‬يالطاعة لمخلوق في معصية الخالقي‪.‬وما أشار إليه أبو بكر رضي هللا عنـا وعـنكم وعنـهي‬

‫‪126‬‬
‫أطيعوني ما أطعت هللا فيكم‪ ،‬فإ ا عصيته فال طاعة لي عليكمي‪ ،‬وليست طاعة هللا هـالال يختلـ‬
‫في ر يته الراءون‪،‬‬
‫من أجل ل نذكر بالحديث الصحيح الذي حذر مـن زالت العلماء‪،‬ونـذكر بـ ن هـذه الـزالت‬
‫أمـور تتكـاثر‪ ،‬عنـد أي فقيـه ال يـدرك حــق األمـة فـي ضـمانات تضـمن اسـتقالل القضــاء‪،‬بمجلر‬
‫نـــواب ينتخـــب مـــن الشـــعب‪ ،‬وبدولـــة تفصـــل بـــين الســـلطات الـــثال ‪ ،‬وبســـلطة شـــعبية تتمظهـــر‬
‫بالجمعيـــات األهليـــة‪ ،‬والـــذي يـــدرك مبـــادل السياســـة الشـــرعيةتلن يقـــع فـــي مزلـــق تعطيـــل مبـــدأ‬
‫االحتساب على السلطان‪،‬ورحم هللا ابن القيم‪:‬‬
‫قال الصحابة هم أولو العرفان‬ ‫العلم قال هللا قال رسوله‬
‫بين النبــي وبين قول فالن‬ ‫ما العلم نصب للفقيه موازنا‬
‫وحقوق النا س ثابتة في السياسة الشرعيةت هي أن اإلمامة عقد وكالة وننابة‪ ،‬فهل يجوز‬
‫بمقتضاها أن يستبد الوكيل ب مر موكليـه؟ ويصـبح وصـيا علـيهم؟‪ ،‬وينتهـب أمـوالهم وأراضـيهم؟‪،‬‬
‫ويتصر في أمور تربية أبنائهم وتعليمهم وندارة شئونهم وأنسالهم وأعراضهم ودمائهم وحيواتهم‬
‫وفق مايراه مصلحة لهم‪ ،‬قد تكون مصلحة حقيقيـة وقـد تكـون متوهمـة‪ ،‬ثـم يسـجن مـن قـال لـه‬
‫اتق هللا‪ ،‬ثم ي تي قاض ليقره على التنكيـل بالمحتسـبين ودعـاة حقـوق اإلنسـان ومنكـري فـواحش‬
‫التعذيب‪ ،‬فيكون المحتسب المستجير بالقاضي من ظلم الوالي‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫والمستجير بعمر عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار‬
‫ج=الفرق بين المطالب الحقوقية والمواعظ والشحاذة‪:‬‬
‫فكيف تكون مطالبة المستحقين بحقوقهم مواع فضال عن أن تكون توسالت سرية؟‬
‫إننـا أمـام إنكـار فـواحش سياســية عامـة ولسـنا أمـام إنكـار فـواحش فرديـة يقـوم بهـا أفـراد‪،‬‬
‫يقوم بها الحاكم بشخصه‪ ،‬وقد أ لق بابه‪ ،‬يعود أثرها المباشر عليه وحده‪ ،‬ال على األمة‪ ،‬وهـذه‬
‫األفعال تفعلها جالوزة الشرطة بضرب السجناء وتعذيبهم‪ ،‬وحتى لو كان ل من دون علم وزير‬
‫الداخلية‪ ،‬وال رضاهت فإنه مسئول أمام الشعب اليوم وأمام هللا دا عن ما يقتر موظفوه‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫إن انكـــار المنكـــرات الســـلطانية عبـــر الوســـائل الســـلمية‪ ،‬كالبيـــان والمظـــاهرة واالعتصـــام‪،‬‬
‫واإلضراب عن العمل لير إنكـا اًر علـى تصـر فعلـه الـوالي بنفسـه‪،‬وال يتعـدى ضـرره علـى يـره‪،‬‬
‫وننما هوعلى فعل مارسه ومارسته هيئات تدعي أن ما تفعله هو مقتضي أمر الـوالي‪ ،‬وحتـى لـو‬
‫افترضنا أنه ال يتوقع منه أن يقره وأنـه فـل عنـه ‪ ،‬فإنـه مسـئول عنـه‪ ،‬أل ن الصـالحية تفـوض‪،‬‬
‫ولكن المسئولية التفوض‪.‬‬
‫ومن البديهي أن تدافع أجهزة القمع عن قمعها‪ ،‬وتفـر عـن المحاسـبة وتلفـق الـتهم علـى‬
‫دعاة العدل والحقوق‪ ،‬وال يمكن معالجة أخطائها سرا‪ ،‬ومن اجل ل تصبح الشـفافية هـي بوابـة‬
‫اإلصالح‪.‬‬
‫هل الحكام المغتصبون أعلى منزلـة مـن النبـي صـلى هللا عليـه وسـلم وصـحابته السـابقين‬
‫علــى العمــوم‪ ،‬وخلفائــه الراشــدين علــى الخصــوص‪ ،‬الــذين أقــاموا معــالم الحكــم الشــوري ‪،‬عبــر‬
‫الشفافية والعالنية‪ ،‬وصحابته الذين عاشوا في ظاللهمات أما الذين عاشوا في ظالل ظالم الجور‬
‫والجبر فقد ت ثر فكرهم السياسي بهذه الظالل‬
‫العهــد الشــوري‬ ‫وال نعلــم أن أحــدا ق ـال إن إنكــار المنك ـرات المعلنــة يكــون س ـرا‪ ،‬مــن ســل‬
‫الراشدي‪ ،‬أما من عداهم فـ قوالهم إنمـا تسـاق لالستشـهاد واالعتضـاد ال للتعويـل واالعتمـاد‪ ،‬ومـا‬
‫أجمع عليه الخلفاء الراشديون‪ ،‬ال يضرب بما فعله المغتصبون المستبدون الظالمون‪،‬‬
‫فقيام الناس عبر الوسائل السلمية‪ ،‬كالبيـان والمظـاهرة واالعتصـام‪ ،‬واإلضـراب عـن العمـل‬
‫والطعام‪ ،‬نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى‪ ،‬من أجل نيـل الحقـوق‪ ،‬كـل هـذه األنـواع مـن‬
‫شــعب الجهــاد المــدني الســلمي‪،‬ولم يقــل أحــد ال مــن الفقهــاء وال مــن يــرهم إنــه يجــب أن يلتــزم‬
‫الناس الموعظة السرية في مطالبة السلطان بحقوقهم‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫أال يقــال لجــالوزة الشــرط التــي تعــذب النــاس اتق ـوا هللا‪ ،‬بيننــا وب ـين الحــاكم بيعــة شــرعية‬
‫شرطها األساس‪ :‬شورى األمة عبر عرفائهـا المفـوظين‪ ،‬ال علـى واالسـتبداد‪ ،‬فـال تنقضـوها باسـم‬
‫الحفاع على األمن‪ ،‬فإن العدل أساس األمن‪ ،‬ونن الظلم مصدر الفتن ؟‪.‬‬
‫أما قال صلى هللا عليه وس لم ‪ :‬إ ا هابت أمتي أن تقول للظالم ياظالم فقد تودع منها ي؟‪.‬‬
‫وعن عبد هللا بن مسعود أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬ي مـا مـن نبـي بعثـه هللا‬
‫فــي أمــة قبلــي إال كــان لــه مــن أمتــه حواريــون وأصــحاب ي خــذون بســنته ويقتــدون بـ مره ثــم أنــه‬
‫يقولون ماال يفعلون ويفعلون ماال يقولون ويفعلـون مـاال يـؤمرون فمـن‬ ‫من بعدهم خلو‬ ‫تخل‬
‫جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ولير‬
‫وراء ل من اإليمان حبة خردل ي (رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬
‫هل العمل بمثل الحديث إثارة فتنة؟‪،‬وتشريع المطالبة السـلمية ال االنبطـاح أمـام المنكـرات‬
‫والنهــي عــن المنكــر وهــذا ينطبــق بالت كيــد علــى منك ـرات تعــذيب‬ ‫وال يعنــي تــرك األمــر بــالمعرو‬
‫السـجناء‪ ،‬فضــال عــن يرهم(انظــر لمزيـد مــن البيــان النصــيحة السـرية باطلــة لعشــرين دلــيال‪ /‬د‪/‬‬
‫عبد الكريم الخضر‪.‬‬
‫د=تحريك الرأي العام‪:‬‬
‫عنــدما نق ـ أر فــي أدبيــات السياســة عبــر العصــور العباسـية والمملوكيــةت نــدرك أهــم أســباب‬
‫رسو الطغيان‪ ،‬استبعاد الرأي العام من الصورة‪ ،‬لقد اختصرت القضية في حقوق فردية أوال‪ ،‬ثم‬
‫اختزلت األمة بعالم يعـ طاغيـة‪ ،‬فـي مجلـر سـري‪(،‬انظر كثيـ ار مـن خـزعبالت المـواع السـرية‪،‬‬
‫في كتاب زين الحسب والرياسة البن هذيل‪ ،‬مـن علمـاء القـرن الثـامن الهجـري‪ ،‬لتعـر أن كثيـ ار‬
‫من أسباب انحطاط عقل األمة السياسي‪ ،‬رسخت بخطاب ديني محر )‪ ،‬وك ن األمة ال ناقـة لهـا‬
‫وال جمل‪ ،‬إ ا أمر الحاكم وبصم المفتون حملت زادها وركبت مطاياها‪ ،‬وال تدري إلـى أيـن تسـاق‪،‬‬
‫مـن أجـل لـ ال يصـح منطـق الموعظـة السـرية‪ ،‬إال علـى مـذهب فقهـاء الحجـاج‪ ،‬الـذين طوعـوا‬
‫األمة لتقبل فيمنة كل مستعصم بهوالكو وايصر‪ ،‬قاتلهم هللا أنى يؤفكون‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ =52‬هــدف الإصــل ح السياســي واحــد فــي كــل أمــة ودولــة وملــة(الحكم‬
‫الشوري) لكي ل نختلف في البديهيات‬
‫أ‪ -‬مقصد اإلصالح السياسي‪:‬‬
‫الخالصـة‪:‬ال يمكــن نجــاح أي اصــالح تعليمـي أو اقتصــادي مــن دون إصــالح سياســي‪ ،‬وال‬
‫يمكــن نجــاح أي إصــالح سياســي‪ ،‬مــن دون مبــدأ ســلطة األمــة‪ ،‬وال ســلطة ل مــة دون الهيكــل‬
‫الشوري وال فيكل شوريا دون إطار الدستور‪:‬‬
‫المشكلة التي عانت منها األمة فـي العـالم العربـي هـي سـلطة الفـرد أو الحـزب أو األسـرة‬
‫المطلقــة (أو االســتبداد)‪ ،‬تلـ التــي رســخت ثقافــة الخضــوع ‪ ،‬ومــا فيهــا مــن مفــردات االستســالم‬
‫والالمباالة والتقليد والشلل الذهني‪ ،‬والتقوقع وانغالق الذهن وتنزيه الذات والتعصب لها‪ ،‬وكرافية‬
‫الحوار واحتكار الصواب‪.‬‬
‫وال يمكن بناء مجتمع سليم‪ ،‬ما لم يتحرر مـن ثقافـة الخضـوع‪ ،‬وال يمكـن لـ مـن دون‬
‫التركيز على ترسيخ ثالثية المجتمع المدني اإلسالمي‪ :‬ايما و تجمعات أهلية وفيكال دستوريا‪.‬‬
‫قاعدة المثلث العريضة هي القيم فهي حوالي عشر‪:‬أهمها سـلطة االمـة عبـر ممثليهـا فـي‬
‫اجتماعي أو سياسي‪ ،‬وعدم العن‬ ‫تحقيق مقاصد الشريعة و االلتزام بالحل السلمي‪ ،‬ألي خال‬
‫فــي الوصــول إلــى الســلطة أو االحتفــاع بهــا‪ ،‬وايــام الحكــم علــى أســاس عقــد اجتمــاعي (بيعــة‬
‫شرعية) بين الحكومة والمجتمع ال على تغلب وال ا تصاب‪،‬وضمان حقـوق المـواطنين والحريـات‬
‫العامة(الفطريــة) وال ســيما الحريــة السياســية‪ ،‬والعدالــة والتســامح والتعدديــة والتعــايش والح ـوار‪،‬‬
‫واالستقالل والكرامة والمساواة‪.‬‬
‫وضلع المثلث األيمن هـو التجمعـات المدنيـة‪ ،‬فـال يمكـن للحكـم الشـوري أن يـنجح وال أن‬
‫يســـتقر‪ ،‬مـــن دون ايـــام تجمعـــات المجتمـــع المـــدني األهليـــة‪ ،‬نقابـــات وجمعيـــات‪ ،‬كمـــا أن هـــذه‬

‫‪111‬‬
‫التجمعـات لــن تقــوم لهــا قائمــة ‪ ،‬مــا لــم ينشـط دعــاة اإلصــالح السياســي فــي نشــر اــيم المجتمــع‬
‫المدني ويقيمها الناس‪.‬‬
‫بقيــام قاعــدة المثلــت وضــلعه األيمــن يقــوم ضــلعه (اإلطــار الدســتوري) آليــا‪ ،‬الــذي يضــمن‬
‫إق ـرار الحقــوق العامــة للمــوطنين‪ ،‬ثقافيــة واجتماعيــة ومدنيــة واقتصــادية ومهنيــة‪ .‬وفــي اإلطــار‬
‫الدســتوري‪،‬يوزع عــبء الســلطة علــى ثالثــة أركــان‪ ،‬الســلطة التنفيذيــة يرأســها مل ـ أو رئــير‪،‬‬
‫وســلطة قضــائية مســتقلة‪ ،‬وســلطة األمــة التــي يجســدها مجلــر نيــابي منتخــب‪ ،‬يراقــب الســلطة‬
‫التنفيذية ويحاسبها‪.‬‬
‫ومعنــى ل ـ أســبقية نشــر اــيم المجتمــع المــدني كحقــوق اإلنســان‪ ،‬والمطالبــة بتجمعاتــه‬
‫األهلية‪ ،‬ونشر مفافيم اإلصالح الدستوري ثالثا‪.‬‬
‫والوعي االستراتيجي باألولويات‪ ،‬يجعل البدايـة نشـر أفكـار المجتمـع المـدني‪ ،‬قبـل تجميـع‬
‫الناس وحشدهم‪.‬‬

‫ب= االستراتيجية‪ :‬فرز الهدف األساسي من الثانوي‪:‬‬


‫من أين نبدأ اإلصالح السياسي؟‬
‫المحليـــة ‪ ،‬وتحليـــل النتـــائج‬ ‫ينبغـــي أن يبـــدأ بوضـــع ( االســـتراتيجية )‪ ،‬بتحليـــل الظـــرو‬
‫المتوقعة‪.‬‬
‫ودرجة تقبل الناس التغيير‪ ،‬ومدى تحمسـهم بنـاء القـدرة المؤسسـية والبشـرية المنظمـة ‪،‬‬
‫وكفاية الموارد (دليل استقالل القضاء ستيفن جوالب‪)11 ::‬‬
‫المـــراد إصـــالحه أولويـــة‪ ،‬مـــن مـــا يضـــيع كثيـــ ار مـــن الجهـــود‬ ‫إ ينبغـــي أن يكـــون للهـــد‬
‫اإلصالحية‪ ،‬أن ال تراعي سلم األولويات في اإلصالح‪ ،‬ك ن تنادي بإصـالح التعلـيم قبـل القضـاء‪،‬‬
‫أو أن ال يكــون لــديها وعــي بإصــالح األمــور المنهجيــة‪ ،‬التــي إ ا صــلحت صــلح ماعــداها‪ ،‬كمــن‬

‫‪111‬‬
‫ينـــادي بتغييـــر الـــوزير‪ ،‬بينمـــا المشـــكل فـــي الـــوزارة منهجـــي ال شخصـــي‪ ،‬أو ينفـــق جهـــوده فـــي‬
‫اإلصالح الصحي أو الطبي دون أن يدرك إن حقوق اإلنسان أولى‪.‬‬
‫سياســيات أن نبــدأ مــن حيــث أخطـ ت البدايــة‬ ‫إ ن ال ينبغــي لنــا فــي أي بلــد عربــي متخل ـ‬
‫تيـارات إصــالحية فــي البلــدان العربيـة األخــرى‪،‬خالل القــرن الرابــع عشـر عنــدما بــدأت بالتقنيــة أو‬
‫الصناعة‪ ،‬أو تنشيط االقتصاد أو التعليم‪ ،‬بـل ينبغـي أن نبـدأ مـن حيـث بـدأت الشـعوب الناجحـة‪:‬‬
‫بإشاعة ثقافة المجتمع المدني والمطالبة بقيام فياكل المجتمع المدني األهلية‪،‬من أجل توظيفهـا‬
‫في اإلصالح السياسي‪.‬‬
‫ج=عناصر النجاح‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬هناك صفتان للهد (اإلستراتيجي لسصالح)‪:‬‬
‫مؤسسيا‪ :‬بتحديد اإلصالح المؤسسي‪ ،‬الذي إ ا وقع أفضى إلـى‬ ‫أوالهما‪ :‬أن يكون الهد‬
‫صالح ما عداه‪ ،‬ألن الغفلة عن أن األهم هو صالح النظام السياسي‪،‬بقيام(الحكم الشـوري) قبـل‬
‫صالح الكادر اإلداريت تقلل من جـدوى كثيـر مـن الجهـود والحشـود‪ ،‬كمـن ينـادي بتغييـر الـوزير‪،‬‬
‫من دون أن يالح أن المشكل في الوزارة مؤسسي منهجي ال شخصي‪.‬‬
‫أولوية‪ .‬فمن ما يقلل من جـدوى كثيـر مـن جهـود اإلصـالح‪ ،‬أن‬ ‫ثانيتها‪ :‬أن يكون للهد‬
‫ال تراعــي ســلم األولويــات فــي إصــالح المجتمعــات‪ ،‬فتتــرك األساســيات‪،‬وتبدأ بالثانويــات كـ ن تبــدأ‬
‫بإصالح التعليم أو االقتصاد‪ ،‬أو الزراعة أو الصـحة أو اإلدارة‪ ،‬ناسـية أن المـرض األساسـي فـي‬
‫طبيعة النظام السياسي‪ ،‬وأن ما تراه في الزراعة والصحة‪ ،‬كالذي تراه في عيون مريض السـكري‬
‫وآ انه وأقدامه‪ ،‬إنما هي مضاعفات مرض السكري‪.‬‬
‫الــذي لــه مــا بعــده هــو (جزيــرة الحكــم الشــوري) التــي تنبــت الحريــة والكرامــة‬ ‫إن الهــد‬
‫والعدالة واالستقامة التي التكون دون سيادة األمة على قضاتها ووالتها‪.‬‬
‫فما السفينة التي توصل إل الجزيرة؟‬
‫والعالقات االجتماعية‪ ،‬بعناصرها الثالثة‪:‬‬ ‫إنه رسو ثالثية المجتمع المدني‪،‬في األع ار‬
‫‪112‬‬
‫العنصر األول‪ :‬رسو القيم (الثقافة المدنية) وأهمها‪:‬‬
‫‪ :1‬إيمـــان النـــاس بـــ نهم أدرى بمصـــالحهم‪ ،‬و أن دور الحكومـــة محصـــور بتنفيـــذ رأيهـــم‬
‫فحسب‪ ،‬وتحديد دور الحكومة ب نها سلطة تنفيذية لمـا يقـرره المجتمـع فحسـب‪ ،‬لمـا تقـرره األمـة‬
‫عبــر ممثليهــا‪ ،‬فــي تحقيــق مقاصــد الشــريعة ووســائل تنفيــذها المشــروعة‪ ،‬أي رفــض الســلطة‬
‫المطلقة‪.‬‬
‫سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو مذهبي عبر الحوار والصـراع‬ ‫‪ : 2‬االلتزام بحل أي خال‬
‫سواءا أكان وسيلة للوصول إلى الحكم أم لالحتفاع به)‪.‬‬ ‫السلمي(وتجريم العن‬
‫‪ :3‬المواطنة‪ ،‬هي أساس الحقـوق‪ ،‬وفـي إطارهـا تنشـ اـيم التعدديـة والحواريـة و التسـامح‬
‫واأل لبية والشورى والتعايش‪،‬‬
‫العنصــر الثــاني‪ :‬ايــام تجمعــات المجتمــع المــدني األهليــة‪ ،‬كالنقابــات والجمعيات‪،‬بفروعهــا‬
‫(الخمسة)‪:‬سياسية واقتصادية‪ ،‬واجتماعية ومهنية وثقافية‪.‬‬
‫د= الحكــم الشــوري قالبــه النظــام الدســتوري فمــا عناصــر‬
‫الدستور؟‪:‬‬
‫الحكم الشورى‪ ،‬له مضـمون‪ ،‬ولـه فيكـل و فيكلـه هـو خيمـة الحكـم الدسـتوري‪ ،‬ب عمـدتها‬
‫الخمسة‪:‬‬
‫أولهــا‪ :‬ضــمان ســلطة األمــة فــي تحقيــق مقاصــد الشــريعة‪ ،‬وال يمكــن ضــمانها فــي مدونــة‬
‫معلنــة‪ ،‬تقــرر مشــروعية إنشــاء تجمعــات المجتمــع المــدني األهليــة‪ ،‬نقابــات وجمعيــات ورابطــات‪،‬‬
‫والحفاع على حقوقها‪ ،‬بصفة تجمعاتها وسيطا بـين الدولـة والمجتمـع‪ ،‬يحمـى الدولـة والمجتمـع‪،‬‬
‫والفسـاد‪.‬و يمكـن أن تضـمن مدونـة‬ ‫من االنزالق إلى الجور واالستبداد‪ ،‬أو إلى الفوضـى والعنـ‬
‫ما إقـرار حقـوق وحريـات المـواطنين األساسـية‪ :‬طبيعيـة ومدنيـة‪ ،‬واجتماعيـة وشخصـية‪ ،‬وفكريـة‬
‫واقتصادية وسياسية‪،‬التي أقرها اإلسالم قبل أربعـة عشـر قرنـا مـن تنـادي األمـم الدسـتورية إليهـا‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫إال بقيـــام تجمعـــات المجتمـــع المـــدني األهليـــة‪ ،‬ب نواعهـــا الخمســـة‪ :‬مهنيـــة واقتصـــادية‪،‬‬
‫واجتماعيــة وثقافيــة وسياســية وجمعيــات المجتمــع المــدني األهليــة‪ ،‬هــي صــمام األمــان‪ ،‬الــذي‬
‫يحمي حقوق المجتمع من اال تيال و يصون قوة الدولة مـن االضـمحالل‪ ،‬وهـي السـكة الوحيـدة‬
‫التي توصل الناس إلى الحكم الشوري‪ ،‬وتصون العالقة الطبيعية بين المجتمع والدولة‪.‬‬
‫وهذا يعني تطوير الحكم من أحادية السلطة المطلقة إلى ثالثيتها‪ ،‬ب ن تقسم السلطة إلى‬
‫تنفيذيــة وتشــريعية وقضــائية وكــل منهــا ســلطة مســتقلة‪ ،‬علــى أن يــتم التعــاون بــين الســلطات‬
‫الثال ‪ ،‬وأن يراقب بعضـها بعضـا‪ ،‬ألن هـذه السـلطات الـثال ‪ ،‬تجسـد بمجموعهـا‪-‬ال بمفرداتهـا‪-‬‬
‫سلطة األمة في تقرير مصالحها‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬الحكم يقـوم على(عقـد اجتمـاعي)‪ ،‬علـى عقـد بيعـة االختيـار الشـوري‪ ،‬بـين األمـة‬
‫والحاكمت يقـر بـه الحـاكم بسـلطة األمـة‪ ،‬وأنـه وكيـل عنهـا‪ ،‬وال صـحة وال مشـروعية لنظـام الحكـم‬
‫األحادي المطلق القائم على التغلب وبيعة االضطرار الجبرية‪.‬‬
‫ثالثهــا‪ :‬توزيــع الســلطة علــى ثالثــة أعمــدة بإنشــاء الســلطة النيابيــة والســلطة القضــائية‬
‫المســتقلة‪ .‬وحصــر وظيفــة الحاكم(الســلطان‪/‬المل ‪ /‬الــرئير) ب نهــا تنفيذيــة والفصــل المــرن بــين‬
‫الســلطات الــثال وايــام ســلطة الشـعب النيابيــة التشــريعية المنتخبــة‪ ،‬عبــر ممثليــه الــذين تتـوافر‬
‫فــيهم القــوة المعرفيــة واألخالايــة واالجتماعيــة‪ ،‬لتحقيــق مقاصــد الشــرع‪ ،‬فــي الشــئون العامــة‪ ،‬و‬
‫السيما محاسبة الحكومة ومراقبتها‪ ،‬فنواب األمة صورة حديثة لمصطلح (أولى األمـر) الـوارد فـي‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ومصطلح (أهل الحل والعقد) الوارد في الت ار ‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬استقالل القضـاء عـن تـدخالت وتـداخالت الدولـة‪ ،‬ومفهـوم اسـتقالل لـه أكثـر مـن‬
‫عشرين معيا ار تنظيميا من دونها ال يمكن اعتباره سلطة مستقلة حقيقية‪.‬‬
‫خامســــها‪:‬تحديد وظيفــــة ســــلطة الحكومــــةت ب نهــــا ســــلطة مقيــــدة باختصاصــــات محــــددة‬
‫بصـالحيات‪ ،‬وليسـت مط لقـة مـن االختصــاص والمسـاءلة والمحاسـبة والمراابـة وأنهـا تنفيذيــة أي‬

‫‪113‬‬
‫لير لها حـق التشـريع وال البـت فـي األمـور الكبـرى‪ .‬و لـ بالفصـل بـين هـذه السـلطات الـثال ‪،‬‬
‫لكــي ال تتــدخل الســلطة التنفيذيــة‪ ،‬فــي شــئون الســلطتين النيابيــة القضــائية‪ .‬وخضــوعها لراابــة‬
‫سلطة األمة النيابية والقضائية‬
‫سادسها‪ :‬تداول السلطة بناءا على مبدأ االنتخاب‪.‬‬

‫‪ =62‬لماذا فشل مشاريع الإصل ح العربي؟‪:‬‬


‫أ= من أين يبـدأ اإلصـالح فـي أي بلـد عربـي متخلـف سياسـيا‪،‬‬
‫كالبلدان الخليجية؟‪.‬‬
‫س ـؤال لــير فــي جوابــه ق ـوالن‪ ،‬فــالعلوم االجتماعيــة‪ ،‬والســيما علــم االجتمــاع السياســي‪،‬‬
‫حددت أدواء األمم والمجتمعات وأدويتها‪ ،‬وما أبانه هللا لنـا مـن حقـائق علـوم اإلنسـان والطبيعـة‪،‬‬
‫وهى ال تتعارض حقـائق علـم الشـريعة‪ ،‬ومـن العبـث أن نهـوم فـي اجتهـادات ظنـون‪ ،‬ولـدينا علـم‬
‫اليقين‪ ،‬الذي جربته الحكومات والشعوب‪.‬‬
‫إن مركزيـــــة اإلدارة وســـــلطتها المطلقـــــة‪ ،‬أو بتعبيـــــر آخـــــر احتكـــــار القـــــرارت أو بتعبيـــــر‬
‫أدق(االستبداد) هو سر االنحطاط فـي أي أمـة‪ ،‬ولـير صـحيحا مـا تـردده ثقافتنـا الموروثـة‪ ،‬مـن‬
‫فضل المستبد العادل‪ ،‬فالمستبد ال يمكن أن يعدل‪ ،‬حتى ولو كان مخلصا تقيا مصلحا‪ ،‬فالسلطة‬
‫المطلقة مفسدة مطلقة‪.‬‬
‫السكة الم ثورة في كل زمان ومكان لصالح الحكم‪ ،‬أن شـورى األمـة الملزمـة هـي أسـاس‬
‫الحكــم ال العــدل‪ ،‬تل ـ خالصــة تجربــة األمــم والشــعوب‪ ،‬التــي عرفتهــا بعــد التخــبط فــي المفســي‬
‫والكوار والحروب‪ ،‬هي الشورى السياسية الشعبية الملزمة‪ ،‬إنها طريق النجاة ‪ ،‬من أخط ها لن‬
‫يصل إلى استقرار وال إلى ازدهار‪ ،‬مهما كان له من العبقرية والنبوا‪ ،‬واألعوان والحشود‪.‬‬
‫تل هي خالصة درس التاريخ التي تعلمتها األمم عبر القرون‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫أضــاع دعــاة اإلصــالح السياســي العــرب فرصــا كبــرى وجهــودا عظمــى‪ ،‬ولــم يصــلوا إلــى‬
‫محصول‪ ،‬يوازي الجهد المبـذول‪ ،‬بسـبب الغفلـة عـن البـدء بـالحر األول مـن أبجديـة اإلصـالح‪،‬‬
‫وك نهم نسوا أن ثنائية دمـار الـبالد والعبـاد فـي كـل أمـةتهي حكـم (الجبـر) الـذي البـد أن يفضـي‬
‫إلى (الجور)‪ ،‬وثنائية الصالح في كل زمـان ومكـان‪ :‬حكـم (الشـورى)‪ ،‬الـذي البـد أن يفضـي إلـى‬
‫(العدل)‪ ،‬وفي ل بضع مالحظات‪:‬‬
‫أوالها‪ :‬لم يستطع اإلصالحيون أن يجمعوا علـى صـيا ة خطـاب إصـالح سياسـي‪ ،‬مؤصـل‬
‫على اإلسالم‪ ،‬ينبثق مـن هويـة الشـعوب العربيـة خاصـة واإلسـالمية عامـة‪ ،‬فيلتـزم باألصـول فـي‬
‫المضامين والمقاصد‪ ،‬ويجدد الوسائل واألطر والفروع‪ ،‬ويستجيب لما في المجتمعـات مـن تغيـرات‬
‫كبرى‪ ،‬وما واكبها من حداثة النظم‪.‬‬
‫ولم تستطع حركات التحـديث العربيـة أن تسـ خطابـا ينسـجم مـع هويـة األمـة‪ ،‬فاسـتطاع‬
‫المحــافظون علــى األســاليب والــنظم واألفكــار األمويــة والعباســية‪ ،‬أن يســتغلوا عجزهــا عــن إنتــاج‬
‫خطــاب إصــالح سياســي ينبثــق مــن هويــة األمــة‪ ،‬فــي تشــويه مشــروع (الحكــم الشــوري) جملــة‬
‫وتفصيال‪.‬‬
‫ثانيتها‪ :‬أن النخب تركت االتفاق فى األساسيات إلى الشقاق على الثانويات‪،‬وكان طبيعيا‬
‫أن يسهم الصراع حول الثانوياتت في ضياع اإلصالح السياسي‪.‬‬
‫ثالثتهــا‪ :‬كثيــر مــن دعــاة اإلصــالح‪ ،‬لــم يــدركوا أن مشــكلة األمــة األساســية هــي الســلطة‬
‫المطلقة‪ ،‬هي احتكار القرار هي الحكم الجبري‪ ،‬وأن العالج هو المشاركة السياسـية‪ ،‬وأن دعـوات‬
‫األسلمة واإلصالحت تبدأ إ ن بالمطالبة السياسية‪،‬بتوفير جو الحوار والشـورى الشـعبية‪ ،‬وبرنـامج‬
‫العالج الصحيحت هو حشد كل الطاقات‪ ،‬من أجل الشفاء من الداء األساسي‪ ،‬االستبداد‪.‬‬
‫ب=محور العقيدة السياسية في اإلسالم ‪:‬الحكـم الشـور وأكبـر‬
‫معاول هدمها الحكم العضوض‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫المشــكلة فــي البلــدان العربيــة أن خطــاب الركــود وتهمــيش القــيم المدنيــة‪ ،‬وتهمــيش دور‬
‫المـرأة‪ ،‬واخــتالل عقــد (البيعــة) الــذي يقــوم علــى التعاقديــة بــين المجتمــع والقيــادة‪ ،‬دعــم بخطــاب‬
‫ت ويـل حـر الـدين‪ ،‬ولـوى أعنـاق صـريح التنزيــل‪ ،‬حتـى بـدا للنـاس أن اإلسـالم يهـون مـن شـ ن‬
‫الشورية ويهمش حقوق المواطن السياسـية‪ ،‬وأنـه يهمـش العدالـة‪ ،‬ويتعـايش مـع الجبـر والقمـع‪،‬‬
‫اللــذين يولــدان الجــور والفســاد‪ ،‬ووأد حقــوق الم ـرآة‪ ،‬التــي عرفتهــا الطبــائع اإلنســانية‪ ،‬وأكــدتها‬
‫الشــرائع الســماوية‪ ،‬وقــد ظهـــر خطــاب الجمــود منــذ صـــيا ته األمويــة والعباســية‪ ،‬وتــراكم عبـــر‬
‫المكتبــات‪ ،‬حتــى صــار مــن‬ ‫العصــور‪ ،‬وصــار ق ـوام خطــب المســاجد وأحاديــث المجــالر‪ ،‬ورفــو‬
‫المسلمات الدينية‪.‬‬
‫والركود‪ ،‬قد رسخ بخطاب ديني حر صريح التنزيل‪ ،‬و يب عناصر القوة‬ ‫ومادام التخل‬
‫والركـود‪ ،‬الـذي حملتـه التيـارات‬ ‫في الدين‪،‬فإنه ينبغي لدعاة اإلسالم إنقـا الجمـاهير مـن التخلـ‬
‫المحافظة على األفكار والوسائل العباسية‪ ،‬في الدولة والقضاء‪ ،‬بخطاب ديني يبني علـى صـريح‬
‫الصالح الراشدي‪.‬‬ ‫الشريعة‪ ،‬الذي طبقه السل‬
‫ولقــد فشــل خطــاب اإلصــالح السياســي فــي عديــد مــن البلــدان العربيــة‪ ،‬ألن أ لــب دعــاة‬
‫سلطة األمةت لم يؤسسوا خطاب النظام الدستوري والمجتمع المـدني‪ ،‬علـى اإلسـالم بشـكل كـا ‪،‬‬
‫وأ لب دعاة اإلسـالم لـم يـدركوا أنـه ال يمكـن إقامـة نظـام شـوري خـارج مفهـوم سـلطة األمـة‪،‬وأن‬
‫سلطة األمة محور العقيدة السياسية فـي اإلسـالم‪ ،‬فبـدا التنـافر بـين خطـاب اإلصـالح الدسـتوري‬
‫والخطاب اإلسالمي السائد‪.‬‬
‫ولتالفي ل ينبغي أن يؤسر خطاب اإلصالح الدستوري والمجتمع المدني‪ ،‬على اإلسالم‬
‫عقيدة األمة وهويتها الثابتة‪ ،‬باعتباره المرجعية الوحيدة التي يجب االلتـزام بهـا‪ ،‬لكـي ال يتصـور‬
‫المنــادون باإلصــالح السياســي واالجتمــاعي وبالتحــديثت أن اإلســالم لــير مشــروعا للتقــدم فــي‬
‫الـــدنيا واآلخـــرة معـــا‪ ،‬ولكـــي ال تتصـــور بعـــض الرمـــوز الدينيـــة اإلســـالمية‪ ،‬وكـــذل الجمـــاهير‬

‫‪117‬‬
‫المستضعفة المستغفلةت أن المناداة بالحريـات والحقـوق العامـة علمنـة‪ ،‬ولكـي يتبـين للجميـع أن‬
‫اإلسالم نادى بحقوق المواطنين وحرياتهم مدنية وثقافية واجتماعية وسياسية‪ ،‬قبل أربعـة عشـر‬
‫قرنا من تنادى األمم إليها‪.‬‬
‫وبذل يسهل نشر خطاب‪:‬البيعة الشرعية‪:‬قوامة األمة (الدستور‪،‬‬
‫وينبغي إنشاء خطاب سياسي ديني يبـين أن محـور العقيـدة السياسـية هـو سـلطة األمـة‪،‬‬
‫مؤسر على مقاصد الشريعة وعلم العقيدة‪ .‬ت سيسا فقهيا أصوليا‪.‬‬
‫وال تسهل صيا ة خطاب مقاصدي عقيدي يزيل الغبار عن ما انطمر من معـالم عقيـدة‬
‫اإلسالم السياسية إال بتجديد منهج أصول فقه الكتاب والسنة‪.‬‬
‫بذل تصبح مفافيم الدسـتور والمجتمـع المـدني اإلسـالميت مدعومـة بسـناد دينـي‪ ،‬يقربهـا‬
‫إلـى النــاس‪ ،‬ويــبن للنــاس أنهـا هــي العــودة إلــى ســنة الحكـم الشــورى‪ ،‬ويحميهــا مــن معارضــيها‪،‬‬
‫الــــذين يظنونهــــا بــــدعاً أو علمنــــة‪ ،‬مــــن يالمقتســــمبن الــــذي جعلــــوا القــــرآن عضــــين‪ ،‬وهــــم ال‬
‫يشعروني‪.‬فحرفوا الشريعة‪ ،‬وأ فلوا كلياتها ومقاصدها القواطع وضربوا روح الشريعة بنصوصـها‪،‬‬
‫وكلياتها بجزئياتها ومحكمها بمتشابهها‪.‬‬
‫وضــربوا ســنن المنتخبــين الشــوريين الراشــدين بســنن بنــي أميــة وبنــي العبــاس المغتصــبين‬
‫المستبدين الجبارين‪ ،‬الذين أحدثوا في األمة الفتن‪ ،‬وأ لوا اإل نسان واألمة والملة والوطن‪.‬‬
‫دون إقامــة الحكــم الشــوري كيــف يكــون اإلســالم مشــروعا للتقــدم الــدنيوي واألخــروي معــا‪،‬‬
‫والمدني والروحي معا؟‪ ،‬وكيف يمكن الحفاع على العقيدة واألخالق والتربية‪.‬‬
‫مادام الحكـم الشـورى أصـال مـن أصـول الـدين‪ ،‬فـإن الحكـم الدسـتوري وسـيلة واجبـة‪،‬لقيام‬
‫هذا األصل‪ ،‬ألنه ال يمكن ايام الحكم الشورى الذي شرعه هللا من دونها‪.‬‬
‫ج=من تجارب فشلنا السياسي أال نستمد نجاحنا؟‬
‫إ ن لسصالح اية ووسيلة‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫الوسيلة‪ :‬األولى نشر ايم المجتمع المدني‪ ،‬حتى ايام تجمعات المجتمع األهلية‪ .‬مـن أجـل‬
‫لـ ينبغــي لــدعوات اإلصــالح‪ ،‬إ ا أرادت النجــاح االســتراتيجي‪ ،‬أن تتنــادى إلــى المطالبــة بتجديــد‬
‫اإلصالح السياسي‪ ،‬ب نه سـيادة األمـة علـى الـوالة‪ ،‬ومقتضـاه البيعـة الشـرعية‪:‬العقد االجتمـاعي‪،‬‬
‫ونطاره الدستور باعتباره هذا هو (الهد )‪..‬‬
‫من أجل ترسيخ ايم المجتمع المدني‪ ،‬وايام تجمعاتـه األهليـة باعتبـاره (سـفينة) ال يمكـن‬
‫دون امتطائها الوصول إلى الهد ‪.‬‬
‫وال وســائله‪ ،‬دون ركــوب‬ ‫وتتنــادى إلــى الجهــاد السياســي‪ ،‬ألنــه ال يمكــن تحقيــق الهــد‬
‫سفينة الجهاد السلمي‪.‬‬
‫لــم تكــن الغايــة و ال الوســيلة علــى قــدر مــن الوضــوح‪ ،‬فضــال عــن الرســو ‪ ،‬فــي ثقافتنــا‬
‫العربيــة واإلســالمية الدارجــة‪ .‬لــو كنــا نحــن العــرب بــال ثقافــة سياســية‪ ،‬إ ن لتعلمنــا كمــا تعلمــت‬
‫الشعوب الفقيرة في تراثها‪ ،‬ك فريقيا ونحوها‪ ،‬ف قمنا (الحكم الشوري) ‪ ،‬ولكننـا مشـحونون بثقافـة‬
‫سياسية مختلة منذ الصيا ة األموية والعباسية لعلم السياسية‪.‬‬
‫وهـــذه الصـــيا ة وآلياتهـــا‪ ،‬راســـخة شـــعبيا ونخبيـــا معـــا هـــذه الصـــيا ة المتوارثـــة ثقافيـــا‬
‫واجتماعيــا‪ ،‬جعلــت طريــق اإلصــالح امضــا و ايتــه يــر محــددة‪ ،‬ل ـ أن ضــباب حكــم الجبــر‬
‫سـكة‬ ‫والجور القـديم‪ ،‬لـم يـ ن لكثيـر مـن جهـود رواد اإلصـالح العربـي واإلسـالمي‪ ،‬بـ ن تكتشـ‬
‫المجتمع المدني‪ ،‬والغاية الدستورية‪.‬‬
‫و ألن مصــلحينا لــم يركــزوا علــى ســكة المجتمــع المــدني منــذ عهــد النهضــة‪ ،‬بمــا يتناســب‬
‫وجــدواه‪ ،‬ماعــدا قلــة مــن المصــلحين كعبــدالرحمن الك ـواكبي وخيــر الــدين التونســي‪ ،‬ولكــن فكــر‬
‫الكـــواكبي وخيـــر الـــدين التونســـي لـــم ينتشـــر فـــي منطقتنـــا العربيـــة‪ ،‬إنمـــا اســـتفاد منـــه الفقهـــاء‬
‫اإليرانيون‪،‬الذين ترجموه في إطار مطالبتهم بالحكم الدستوري سنة ‪1911‬م!!‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مهم‪ ،‬ولكن تحديد الطريق المناسب هـو أول أركـان النجـاح‪ .‬إن مـن أسـباب‬ ‫تحديد الهد‬
‫تعثر اإلصالح أن يركز المصلحون علـى سـؤال مـا ا يجـب إصـالحه؟ أي علـى األهـدا ‪ ،‬ولكـنهم‬
‫يهمشــون السـؤال األهــم‪ :‬مــا هــي الســكة التــي توصــل إلــى الغايــات؟‪ ،‬مــا هــو الطريــق المضــمون‬
‫لسصــالح؟(لمزيد مــن التوضـــيح انظــر مــذكرة سداد‪/‬ضـــمن األعمــال العشــرة فـــي محاكمــة دعـــاة‬
‫الدستور الثالثة‪/‬أمام المحكمة العامة في الرياض)‪.‬‬

‫‪ =27‬خريطة طريق الإصل ح السياسي‬


‫في ال ستراتيجية والوسائل‪:‬‬
‫أ‪-‬أهمية اإلستراتيجية ‪:‬‬
‫المحليـة‬ ‫كل عمل ناجح البد له من استراتيجية‪ ،‬واالستراتيجية تقوم على تحليل الظرو‬
‫واإلقليمية والعالمية‪ ،‬ووضع فروض محتملة وكيفية التصر أمامها ‪ ،‬وتحليل النتائج المتوقعة‪.‬‬
‫ودراســة مــدى تفهــم النــاس مــدى الحاجــة إلــى اإلصــالح السياســي‪ ،‬وأنــه ينبثــق مــن مبــدأ (عقــد‬
‫البيعة)االجتماعي‪ ،‬الذي هو اقتضاء سلطة األمة‪ ،‬لكي ال ينضبط مفهوم النظام الدستوري‪.‬‬
‫واالستراتيجية تبدأ باالقتراب من سؤالين‪ :‬أولهما ماهو الهد ؟‬
‫قوالن‪ ،‬بل قول واحد إنه (الحكم الشوري)‬ ‫ومن دون تخبط فلير في الهد‬
‫ثانيهما‪ :‬ما الطريق المناسب لتحقيق هذا الهد ؟‪.‬‬
‫ووسائل اإلصالح السياسي عبدتها تجارب األمم الحديثة‪ :‬المجتمع المدني هـو الحـل لكـي‬
‫ال نجتهد من دون بوصلة‬
‫وكثير من اإلصالحيين ينادون باإلصالح ويظنون التغيير سـهال‪ ،‬مـن دون أن يقـدروا أن‬
‫تشظى المجتمع المدني‪،‬في الصحراء العربيةت هو أهم عائق أضاع كثي ار من جهود اإلصالح‪.‬‬
‫ألن الدولــة العربيــة الحديثــة قضــت علــى مــا فــي المجتمــع مــن تجمعــات المجتمــع المــدني‬
‫األهلية البسيطة‪ ،‬كالنقابات وتجمعات المساجد والمجالر‪ ،‬بل وقضت أيضـا علـى بنـى المجتمـع‬

‫‪131‬‬
‫القبلي األهلية‪ ،‬في عملية تغيير فواية قسرية‪ ،‬ظاهرها التحديث والتنظيم‪ ،‬وباطنها طبيعة الدولـة‬
‫البوليسـية‪ ،‬الميالــة إلــى االسـتحوا ‪ ،‬التــي منحتهــا الحداثـة التقنيــة‪ ،‬ابضــة مـن فـوال ‪ ،‬مــن أدوات‬
‫السيطرة والقمع‪.‬‬
‫مالم نؤمن بالجهاد والنضال السلمي المنظمتلن يكون هنـاك تقـدير صـحيح للـثمن الواجـب‬
‫دفعه‪ ،‬وال للمكاسب والخسائر المتوقعة‪ ،‬ألن الجغرافيا التـي يحـاول النـاس الغـرس فيهـا‪ ،‬وتجـرى‬
‫فــوق تضاريســها عربــة اإلصــالح الدستوريتصــحراء جــدباء متعرجــة المســال ‪ ،‬التكــاد تنبــت إال‬
‫بمجهودات عظمى‪.‬‬
‫ألن أساس الحكم الدستوريت الـذي ينقـل النـاس مـن صـيغة الحكـم األحـادي المطلـق إلـى‬
‫صيغة الحكم الشورى‪ ،‬ال يصـطدم بجـذور المـورو الثقـافي للدولـة والمجتمـع فحسـب‪ ،‬بـل جـرى‬
‫فيه عبر الزمن تزييف البيعة الشرعية على كتاب هللا وسنة رسوله صـلى هللا عليـه وسـلمت وهـي‬
‫بيعة اختيار تنبثق من سلطة األمةت إلى بيعة اضطرار جبرية‪ ،‬تتخذ لباس البيعـة علـى كتـاب هللا‬
‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلت قفا از حريريا دينيا لقبضة بوليسية فوال ية‪.‬‬
‫لــذل يحتــاج ركــاب ســفينة الجهــاد الســلمي إلــى جهــود متميــزة‪ ،‬ولــن ينجــز مــن دون بنــاء‬
‫الثقافة السياسية على أسر إسالمية في الرأي العام وترسيخها‪.‬‬
‫مــن أجــل لـ تظهــر الفــروق بــين الــدول والمجتمعــات‪ ،‬ففــي بعــض الــدول وصــل مســتوى‬
‫اســتقالل القضــاء وكفايــة القضــاة اإلداريــة إلــى أن تســتقل الســلطة القضــائية بشــئونها الماليــة‬
‫واإلدارية‪ ،‬وفي بعضها ظلـت وزارة العـدل تحـدد ميزانيـات المحـاكم الماليـة‪ ،‬وتشـر علـى اإلدارة‪،‬‬
‫وما دامت وزارة العدل تقبض على صنبور المالت فمن الطبيعي أن تتدخل في مفاصل القضاء‪.‬‬
‫وفــي بعــض الــدول اســتطاع القضــاء أن ينقــل تبعيــة هيئــة التحقيــق واالدعــاء العــام مــن‬
‫وزارة الداخلية إلى مالك مستقل كمصر‪ ،‬وفي بعض الدول وصلت قـوة اسـتقالل القضـاء إلـى أن‬
‫يتـــولى القضـــاء تنفيـــذ أحكامـــه بنفســـه‪ ،‬ووصـــلت قـــوة المفهـــوم الدســـتوري إلـــى أن تنقـــل إدارة‬

‫‪131‬‬
‫الســجون‪ ،‬مــن وزارة الداخليــة إلــى وزارة العــدل‪ ،‬وفــي بعــض الــدول أصــبح إعــالن القضــاة عــن‬
‫دخلهم مس لة مقبولة‪ ،‬ينساق إليها القضاة من دون امتعاض‪.‬‬
‫ب=الخطاب الوطني العام ال الفئوي الخاص‪:‬‬
‫أال ينبغي لـدعاة اإلصـالح التنـادي إلـى حلـ فضـول وطنـي جديـد‪ ،‬يطالـب بسـلطة األمـة‪،‬‬
‫باعتبارها محور العقيدة السياسية في اإلسالم‪ ،‬وأساس الحفاع على حقـوق النـاس وعلـى وحـدة‬
‫ثقافيــة‬ ‫والطوائ ـ‬ ‫حولــه األطيــا‬ ‫الــبالد‪ :‬عنوانه‪:‬البيعــة الشــرعية‪ :‬ســلطة األمة‪:‬الدســتور تلت ـ‬
‫واجتماعية ومناطقية ومذهبية‬
‫الخطاب الوطني‪ ،‬ينبني على قاعدة(سلطة األمة هي الحل)‪ ،‬وتشـترك فيـه كافـة األطيـا‬
‫والشرائح والمناطق‪ ،‬ليكون نمو جا لالرتفاع إلى مستوى الهموم العامة‪ ،‬يحدو إلى التعاون على‬
‫األساسيات واألولويـات السياسـية‪ ،‬التـي ينبغـي أن يتفـق عليهـا النـاس‪ ،‬بـدال مـن التخاصـم علـى‬
‫فيها‪،‬أو على األساسيات الروحية‪.‬‬ ‫الثانويات المختل‬
‫والتيارات‪ ،‬فال ينفرد بإنجـاز اإلصـالح السياسـي تيـار سياسـي‬ ‫فتشترك فيه جميع األطيا‬
‫أو اجتمــاعي‪ ،‬وال يحتكــر تمثيــل اإلســالم السياســي‪ :‬قوامــة األمــة دون أخــرى‪ ،‬و كــي ال يحتكــر‬
‫خطاب التحديث أو اإلصـالح السياسـي أو الوطنيـة تيـار دون آخـر‪ ،‬وكـي ال يتمحـور اإلصـالح‬
‫حول شخصيات‪ ،‬يغلب عليها نفر فئوي‪ ،‬أو طائفي أو مذهبي‪.‬‬
‫وينبغـــي أن يجمـــع خطـــاب اإلصـــالح شـــتات التقســـيمات اإلقليميـــة والمذهبيـــة والثقافيـــة‪،‬‬
‫فيصــبح إطــاره هــو الــوطن‪ ،‬الــذي يســمح بخصوصــية جميــع االتجاهــات‪ ،‬مــن يــر أن يســتخدم‬
‫الخصوصيات‪ ،‬لضرب العدل السياسي الذي هو أساس السالم االجتماعي‪.‬‬
‫تلقائيا ينبغي أن يصبح هذا الخطابت مشروع ميثاق (توافـق) ونجمـاع وطنـي‪ ،‬مـن جميـع‬
‫التيارات واألطيا ‪ ،‬ثقافية ومناطقية واجتماعية ومذهبية‪.‬‬
‫ج= توعية الجماهير قبل تحريكها‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫ال ينبغــي (حمــل الســالح) إلصــالح أو إســقاط أي نظــام حكــم قــائم‪ ،‬مهمــا كــان يــر ي‬
‫مشروعية وال مصدااية‪ ،‬ألسباب ثالثة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن سقوط المشروعية لم يمنع من ايام دول النهب واالستبداد الغصب ووالظلم منذ‬
‫الحكم األموي وال من استمرارها‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن حمـل السـالح إلصـالح أي حكـم ال يكـاد يـنجح‪ ،‬ولـو نجـح لمـا ضـمن أن يكـون‬
‫شوريا‪.‬‬
‫ثانلها‪ :‬أن المشكل السياسي إنما هم جماهير األمةت منذ أن اعتبرت االنقالب على الحكـم‬
‫وخمــر مئــة عــام‪ ،‬ومنــذ ل ـ الزمــان البعيــد ســادت (بيعــة‬ ‫الشــوري (عــام الجماعــة)‪ ،‬قبــل أل ـ‬
‫االضــطرار الجبريــة)‪ ،‬وال يمكــن القفــز إلــى (بيعــة االختيــار الشــرعية) فجـ ة‪ ،‬فالجمــاهير المتنازلــة‬
‫عن كرامتها وحريتهات هي سبب األزمة‪.‬‬
‫ومن دون استعداد الجماهير للجهاد السلمي عبر المظاهرات واالعتصامات‪ ،‬ال ينبغي ترك‬
‫اسـتفزاز حكــم قــائم أيـا كـان اتجاهــه‪ ،‬فسـواء أكــان الحكــم ملكيـا يرائــي بمشــروع تطبيــق الشــريعة‪،‬‬
‫كالحكم السعودي‪ ،‬أم جمهوريا يرائي بمشروع قومي‪.‬‬
‫كيف نفعل إ ن؟ينبغي التدرج في سير المراحـل‪ ،‬فالمئـة ميـل تبـدأ بخطـوة أولـى هـي بيـان‬
‫العقيدة السياسـية فـي اإلسـالم‪ ،‬والتركيـز علـى أن شـرط البيعـة األكبـر علـى الكتـاب والسـنةت هـو‬
‫صدور الحاكم عن ق اررات نواب األمة المنتخبين‪ ،‬والتذكير بـ ن الحكـم أيـا كـان لـن يسـتمر صـمام‬
‫أمان لوحدة البالد‪ ،‬إال بالحكم الشوري‪.‬‬
‫كصعود السلم يبدأ من تحت‪ ،‬بتوعية الناس باإلصـالح السياسـي‪ ،‬ونن كانـت التوعيـة فـي‬
‫ظالل مطالبة القيادة بتصحيح المشروعية‪:‬شرط البيعة األكبر‪:‬شـورى األمة‪/‬الدسـتور‪ ،‬ألنـه هـو‬
‫مقتضــى ســلطة األمــة‪ ،‬أي أن البيعــة الشــرعية(عقد اجتمــاعي)‪ ،‬قــائم علــى التراضــي‪ ،‬وعلــى أن‬
‫السلطة وكالة عن المجتمع‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫الحكم الشوري هو قاعدة الوالء‪ ،‬وعلى الحاكم أن يثبت والءه ل مـة‪ ،‬وللـوطن ال أن تثبـت‬
‫األمة والءها له‪.‬‬
‫مــادام ال ـوالء مؤسســيا‪ ،‬مبنيــا علــى العالقــة التعاقديــة التــي قررتهــا الشــريعة بــين الدولــة‬
‫والمجتمع‪ ،‬التي تحدد الطاعة بـ(المعرو )‪ ،‬فال تكـون طاعـة الحـاكم مـن المعـرو ‪ ،‬إ ا لـم يطـع‬
‫نـــــواب األمـــــة المفوضـــــين فـــــي قـــــ اررات الحكومـــــة األساســـــية‪ ،‬ومـــــالم يـــــذعن لمراابـــــة األمـــــة‬
‫ومحاسبتها‪،‬وتعيينها وعزلها‪ ،‬ك ي أجير موظ ‪.‬‬
‫لير أساس الحكم هو العدل –كما قال األولون‪ ،-‬بـل أسـاس الحكـم هـو سـلطة األمـة‪،‬إن‬
‫مشروعية أي نظام سياسي ليست مقصورة علـى العـدل‪ ،‬بـل علـى النظـام الشـوري‪ ،‬دون لـ ال‬
‫يمكـــن حفـــ الحقـــوق السياســـية‪ ،‬ون ا لـــم تحفـــ الحقـــوق السياسيةتضـــاعت الحقـــوق المدنيـــة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ل فراد والجماعات واألمة‪.‬‬
‫من أجل ل ال ينبغـي االكتفـاء بمطالبـة القيـادة باإلصـالح السياسـي‪ ،‬فكـل إصـالح فـوقي‬
‫صعب االستقرار‪ ،‬ما لم يواكبه خطـاب يـوعي النـاس‪ ،‬ب ولويـة اإلصـالح السياسـي‪ ،‬فعامـة النـاس‬
‫القمــعت يظنــون أن‬ ‫يظنــون‪-‬بــل كثيــر مــن العلمــاء والفقهــاء بــل والمفكــرين‪ ،‬الــذين ألف ـوا كهــو‬
‫إصالح التعليم أو االقتصاد بتعيين وزير جديد‪ ،‬أو بتشكيل مجلر لالقتصاد‪ ،‬أو بتجديد المناهج‬
‫وال يثمنــون أن الصــالح السياســي‪ ،‬هــو الــذي يفــرز صــالح االقتصــاد‪ ،‬وصــالح الــوزير‪ ،‬وصــالح‬
‫التربية والتعليم‪.‬‬
‫والبد من نشر ثقافة (البيعة الشرعية على الكتاب والسنة‪:‬شورى األمة‪/‬الدسـتور)‪ ،‬لتمهيـد‬
‫لسصالح السياسي ومواكبته وصونه‪.‬‬
‫وهـذا يتطلــب الجمـع بــين النخبيـة والشــعبية‪ ،‬فـي لغــة الخطـاب ومضــمونه‪ ،‬وعنـدما يصــبح‬
‫هاجر الجميع التوافق الوطني‪ ،‬على قاعدة‪:‬البيعة الشرعية‪:‬سلطة األمـةت سـيجيء التعبيـر عـن‬
‫المفافيم واألفكار بلغة مبسطة واضحة‪ ،‬سهلة يفهمها الناس‪ ،‬ولكنها أيضا علمية دايقة رصينة‬

‫‪133‬‬
‫هادئة مبرهنة‪ ،‬تتحرى الموضوعية واإلقناع‪،‬وتتجنب العبارات والمصطلحات التي تعرض الخطـاب‬
‫لغموض أو تشكي ديني أو اجتماعي‪.‬‬
‫ويتطلب أن تكون األطروحـات ثمـرة تمـازج اختصاصـات‪ ،‬فيكـون للمتعمقـين باالقتصـاد أو‬
‫االجتمــاع‪ ،‬وألهــل القــانون تحديــد مضــمون القضــية االقتصــادية أو االجتماعيــة والتعبيــر عنهــا‬
‫بمصـطلحاتها ويكــون لعلمـاء السياســة و الســيما علـم االجتمــاع السياسـي بلورتهــا‪ ،‬ويكــون دور‬
‫القطعيات‪.‬‬ ‫علماء الشريعة ت صيلها عقيديا وفقهيا‪ ،‬ونبذ ما يخال‬

‫‪=21‬القوى الم ستفيدة من الملك العضوض كيف يتغلب عليها‬

‫أ‪-‬القو المناهضة لإلصالح‪:‬‬


‫من الضـروري أن يـدرك ركـاب سـفينة الجهـاد السياسـي السـلمي‪ ،‬أن اإلصـالح يهـدد كثيـ اًر‬
‫من المصالح‪ ،‬ففـي كـل حركـة إصـالح هنـاك مسـتفيدون وهنـاك متضـررون‪ ،‬هنـاك منتفعـون مـن‬
‫فساد السلطة هـؤالء متضـررون مـن الحكـم الشـوري‪ ،‬ومـن تحديـد صـالحيات السـلطة التنفيذيـة‪،‬‬
‫وخائفون من القضاء المستقل والسلطة النيابية وتجمعات المجتمع المدني األهلية‪.‬‬
‫ألن الحكم الشوري يحد من سيطرة قوى االستحوا ‪ ،‬التي تمل أخطبوطا من فوال ‪ ،‬يحكـم‬
‫ابضته على العباد والبالد‪ ،‬وهي قوى اعتادت بسط نفو ها على اآلخرين وعلـى الهيئـات‪ ،‬وعلـى‬
‫التصــر المطلــق‪ ،‬بمصــائر النــاس وأم ـوالهم‪ ،‬وهنــاك –حولهــا‪-‬فئــات قــد تكــون محــدودة ولكنهــا‬
‫شديدة الفت ‪ ،‬تتغذى كاألعشاب الطفيلية التي تنمو في حقول الفساد‪.‬‬
‫كل هذا يجعل القوى المتضـررة تعـارض اإلصـالح السياسـي‪ ،‬ومـن الصـعب التغلـب عليهـا‪،‬‬
‫إال بالعمل الجماعي المتدرع بالحنكة والتضحية‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫هناك مخـاطر حقيقيـة وأخـرى محتملـة‪ ،‬يتعـرض لهـا دعـاة اإلصـالح السياسـي‪ ،‬سـواء‬
‫أكانوا في قمة الهرم أم سفحه أم قاعدته‪ ،‬ومن أجـل لـ فـإن الـداعين إلـى اإلصـالح وداعميـه‪،‬‬
‫معرضون على كل حـال للنيـل مـن سـمعتهم وأعراضـهم‪ ،‬وللتشـكي بنيـاتهم وعلمهـم‪ ،‬وال بـد لهـم‬
‫من التواصي بشعار المصلحين‪:‬يمن تصدي للش ن العام‪ ،‬عليه أن تصدق على الناس بعرضـهي‪،‬‬
‫بل براحته ومنصبه ومصدر رزقه‪.‬‬
‫ألن الداعين إلى اإلصالحات السياسية والمقدمين عليهـا والمـوافقين عليهـا‪ ،‬يجـدون فـي‬
‫العادة أنفسهم ‪ ،‬أمـام عديـد مـن وجهـات النظـر المتباينـة والمتعارضـة‪ ،‬مـن داخـل الجهـاز المـراد‬
‫إصالحه ومن خارجه‪ ،‬و ل يحتاجون إلى ت ن وتدرج‪ ،‬وتسلح بدعم الجمهور‪ .‬و ل يحتاج إلى‬
‫جهود حثيثة في نشره وترسيخه‪.‬‬

‫ب‪-‬دور الجهاز المراد إصالحه(كالقضاء) ‪:‬‬


‫ال يمكن أن ينجح إصالح في مرفق ثانوي كالتعليمت إ ا لم تتحمر عناصر متفتحة كثيرة‪،‬‬
‫تــؤمن بجــدوى اإلصــالح‪ ،‬مــن مدرســين ومــدراء ومــوجهين‪ ،‬وفنيــين ومشــرفين‪ ،‬حتــى ولــو كانــت‬
‫األفكار اإلصالحية صحيحة وصالحة‪ .‬فقد يعارضـها المدرسـون الـذين ال يشـاركون‪ ،‬أو يشـعرون‬
‫أن اإلصالح يهاجم أشخاصهم أو مراكزهم‪ ،‬إنهم معارضون لسصالح محتملون‪.‬‬
‫من أجل ل ينبغي أن تشارك الهيئة التعليمية في اإلصالح‪ ،‬وال يكفي أن يكون ل في‬
‫المستويات العليا‪ ،‬ومن أجل التغلب علـى المعوقـات تكـون أفضـل االسـتراتيجيات هـي العمـل عـن‬
‫قــرب ‪ ،‬مــع العــاملين فــي الجهــاز فــي جميــع المســتويات‪ ،‬بــل وتنفيــذ مبــادرات اإلصــالح بالتعــاون‬
‫معهم ‪ ،‬خاصـة مـع مـن هـم أكثـر تقـبالً للتطـوير‪ ،‬حتـى ال يعتبـروا اإلصـالح مفروضـاً علـيهم مـن‬
‫خارج الجهاز‪.‬‬
‫لكن اإلصالح في مرفق أساسي كالقضاء‪ ،‬أصعب مناالً‪ ،‬من اإلصـالح فـي جهـاز كـالتعليم‬
‫إ عــادة يشــيع فــي األجهــزة المحتاجــة إلــى اإلصــالح تمس ـ بمــا اعتادتــه‪ ،‬مــن نظــم ونج ـراءات‬
‫‪136‬‬
‫حاجتهـا إلـى اإلصـالحت تلـ القـوى المحافظـة علـى‬ ‫وفياكل متجمدة‪ ،‬إن من الصعب أن تكتشـ‬
‫األفكار واألسـاليب‪ ،‬المنبثقـة مـن دولـة الجبـر والجـور العربيـة القديمـة فـي القضـاء(مثال)‪ ،‬وقـوى‬
‫المصالح الخاصة المؤسسية‪ ،‬فضال عن أن تبادر إلى اإلصالح الذاتي‪ ،‬كما أنه من الصـعب أن‬
‫يفــرض عليهــا مــن الخــارج‪ ،‬فالعناصــر النافــذة فــي القضــاء‪ ،‬عــادة تحــاف علــى الوضــع الســائد‪،‬‬
‫ولير لها استعداد نفسي للتطوير‪.‬‬
‫الر ساء الكبار في كل دائرة قد اعتادوا أن يسيطروا بـفرائهم علـى مـن دونهـم‪ ،‬وهـم علـى‬
‫كل حال لن يشجعوا اإلصالح‪ ،‬بل هم معارضون محتملون‪ ،‬جاهزون للدفاع عن الوضع السائد‪،‬‬
‫وال بد لهم من امتطاء أسلحتهم‪ ،‬بكـل مـا فـي كنانتهـا مـن دفـاع مـادي ومعنـوي‪ ،‬ومـن أجـل لـ‬
‫فإن القوى المؤيدة ت هي في الغالب من العناصر الشابة المتفتحة‪ ،‬التـي تـدرك المـ زق‪ ،‬وتبحـث‬
‫عن المخرج‪ ،‬فهي المعين الطبيعي على اإلصالح‪.‬‬
‫وهنــاك فئــات داخــل اإلدارة العليــا والقضــاء وخارجهمــا‪ ،‬ال تثــق بالمنــاهج الجديــدة‪ ،‬و مــن‬
‫الطبيعي أن تبدى ارتيابا بنيات دعاة اإلصالح السياسي‪ ،‬أو بنتائج خطواتهم‪.‬‬
‫ومــن خطــل ال ـرأي أن ينســاق ال ار بــون فــي اإلصــالح السياســي والمجتمــع المــدني‪ ،‬إلــى‬
‫التشـنج فــي مخاطبـة الجهــات التـي ير بــون فــي تطويرهـا‪ ،‬حتــى لـو كــان هجـومهم عليهــا مبــررا‪،‬‬
‫فمهاجمـــة هيئـــة القضـــاء‪ ،‬ات مـــردود عكســـي‪ ،‬ومتـــى شـــعر الر ســـاء النافـــذون أن اإلصـــالح‬
‫مفروض عليهم‪ ،‬وأن ثمة هجوما عليهم‪ ،‬سعوا إلى إفشال مشروع اإلصالح عند تطبيقه‪.‬‬
‫المشــكلة سياســية‪ ،‬فــال ينبغــي أن يضــيع اإلصــالحيون جهــودا فــي إصــالح القضــاء‪ ،‬ففــي‬
‫سل القضاء‪ ،‬ن خذ مثال القضاة في المملكـة العربيـة السـعودية‪ ،‬هـم أكثـر الشـرائح االجتماعيـة‬
‫تدينا وننصافا‪ ،‬ونحساسا بالعدالة‪ ،‬وأكثرها نزاهة واستقامة‪ ،‬وقد يتصور من لم يمارس أنه يسهل‬
‫إقنــاعهم‪ ،‬ألن أســلوب اإلقنــاع بالحكمــة والموعظــة الحســنة و مــردود فعــال‪ ،‬ولكنــه علــى المــدى‬

‫‪137‬‬
‫الطويــل‪.‬أنهم يعرفــون فــي ق ـرارة أنفســهم‪ ،‬أن تطــوير الوســائل والتفريعــات‪ ،‬يعــزز ايمــة القضــاء‬
‫والقضاة معا‪،‬ويعزز تطبيق الشريعة‪ ،‬ويسد الثغرات التي يتسلل منها اإلهمال والقصور‪.‬‬
‫نعــــم أســــلوب اإلقنــــاع بالحكمــــة والموعظــــة الحســــنة و مــــردود فعــــال‪ ،‬متــــى مــــا أدرك‬
‫اإلصــالحيون أن القضــاء يــر النزيــه‪ ،‬إنمــا علتــه النظــام السياســي الجــائر‪ ،‬الــذي علــى المــدى‬
‫مـع الظلـم والجـور‪ ،‬ففقـد القضـاء اسـتقالله‪ ،‬وعنـدما فقـد اسـتقاللهتفقد‬ ‫الطويل‪ ،‬أدى إلى التفل‬
‫نزاهته‪ ،‬فصار السارق الصغيرتيقاضـى عنـد السـارق الكبيـر‪ ،‬فشـكل لـ تربـة خصـبة لتضـييق‬
‫نطاق تطبيق الشريعة‪،‬على األفراد العـزل‪ ،‬والشـرائح االجتماعيـة األضـع ‪ ،‬وفـتح البـاب المـوارب‬
‫لرياح اإلمبريالية والمهيمنة‪ ،‬وأنياب العولمة‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن أي فيكل الذي يجري إصالحه‪ ،‬يتعرض لمتاعب االنتقال من حـال إلـى‬
‫حال‪ ،‬فلو ضربنا لذل مثالً االنتقـال مـن نظـام المحاكمـة السـرية‪ ،‬إلـى النظـام المحاكمـة العلنيـة‪،‬‬
‫كم من اإلجراءات واألدبيات والعادات‪ ،‬تحتاجها المحاكم إلقامة محاكمة سياسـية علنيـة يحضـرها‬
‫الجمهـور والمجتمـع األهلـي‪ ،‬مـن إعالميـين ومحقــوقين ومهتمـين بالشـ ن العـام‪ ،‬وحقـوق إنســان‬
‫وأسر وأصدقاء المتهمين‪ ،‬وكـل لـ يحتـاج إلـى ت هيـل عناصـر إصـالحية‪ ،‬قـادرة علـى أن تـدعم‬
‫اإلصالح ‪ ،‬وتسهل عملية االنتقال‪.‬‬
‫ولكن كل هذه المصاعب التقنيـة فـي االنتقـال مـن المحاكمـات السـرية إلـى العالنيـةتتهون‬
‫عندما نتذكر أن دولة الجبر والجور العربيةت ال تريد محاكمات علنية لدعاة حقوق اإلنسان‪ ،‬بله‬
‫ا لمعارضين السياسيين ‪ ،‬ألن ل يكش فسادها و طرستها أمام الرأي العام‪.‬‬
‫ج‪ -‬المعلومات‪ :‬توافرها و معايير صحتها‪:‬‬
‫مــن أهــم المشــكالت التــي تــدفع باإلصــالح السياســي إلــى الفشــل أو اإلخفــاقت أن يكــون‬
‫الراكبـــون ســـفينة الجهـــاد السياســـي الســـلميت وي خبـــرات ضـــعيفة فـــي المجـــال الـــذي يريـــدون‬
‫اإلصالح فيه‪ ،‬وأهم ل نقص المعلومات‪ ،‬إن من الخطورة أن يعتمد المطالبون باإلصـالح علـى‬

‫‪138‬‬
‫معلومــات انطباعيــة أو مج ـزأة‪ ،‬عــن الوضــع الــذي يريــدون إصــالحه‪ ،‬دون تحليــل علمــي‪ ،‬مبنــي‬
‫على معلومات إحصائية موضوعية ‪.‬‬
‫إن الخبـرات الضــعيفة والمعلومــات المشوشــة‪،‬قد تشــوي عمليــة اإلصــالح برمتهــات فلن خــذ‬
‫القضــــاء مــــثال‪ ،‬إن المعلومــــات المتــــوافرة القليلــــة ‪ ،‬ال تســــتطع تشــــخيص المشــــكالت بصــــورة‬
‫موضوعية‪ ،‬ولم يجر تحليل كيفي ونـوعي‪ ،‬يتنـاول األمـور الجوهريـة مثـل ‪ :‬أنـواع الـدعاوى التـي‬
‫تقام أمام المحاكم ‪ .‬ومـن الـذي يتـولى الـدفاع فـي الـدعاوى أفـرادا أو منظمـات‪ .‬وكـم المـدة التـي‬
‫تســتغرقها الــدعاوى حتــى الفصــل ومــدة المحاكمــات؟ ومــا إجـراءات التقــدم بالــدعوى؟ ‪ .‬وكــم مــرة‬
‫تؤجل المحاكمات؟ وما مواطن زيادة العبء ومواطن الهدر في األقسام؟‪.‬‬
‫عندما يطالب بإصالح أي جهاز ثانوي كالصحة أو التعليم فضال عـن جهـاز رئيسـي‬
‫كالقضاء‪ ،‬تثور الجهات المحافظة على الوضع القائم‪ :‬كل شيء على ما يـرام‪،‬أنتم واهمـون‪،‬‬
‫هذا الجهاز ال يحتاج إلى إصالح! ‪.‬‬
‫عند ل ما ا يكون جواب المطالبين باإلصالح؟‬
‫الح َكــم فــي حاجــة‬
‫الجـواب! يحتــاج إلــى برهنــة‪،‬والبرهان هــو اســتبانات اإلحصــاء‪ .‬لــير َ‬
‫الح َكـم هـم المسـتفيدون مـن خدماتـه‪ ،‬بـذل يصـبح‬ ‫الجهاز إلـى اإلصـالح هـم العـاملون فيـه‪َ ،‬‬
‫استفتاء الجمهور المسـتفيد مسـ لة ضـرورية‪ .‬كمـا أن مسـتهلكي السـلعة هـم الـذين يقيمـون‬
‫جودة أي بضاعة وسلعة‪،‬ومدى مناسبتها لهم‪ ،‬كذل الطالب واآلباء ومستوى الخريجين هو‬
‫الحكم في صالح المدرسة ومناهجها‪ ،‬وكذل المترددون على المستشفيات‪ ،‬هؤالء هم الـذين‬
‫يالمسون مدى فائدة أي خدمة تقدم لهـم‪ ،‬ولهـم –وحـدهم‪-‬الحـق فـي تقييمهـا‪ ،‬وال مصـدااية‬
‫لقول يرهم‪ :‬من العاملين في الجهاز إن كل شيء على أحسن حال‪.‬‬
‫ولــذل البــد مــن اســتفتاء الم ـواطنين العــاديين‪ ،‬األكثــر احتكاكــا بهــذا الجهــاز أو اك‪،‬‬
‫و ل يحقق ثالثة أهدا ‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫والقوة معـا‪،‬في الجهـاز الـذي يحتـاج إلـى‬ ‫نقاط الضع‬ ‫األول‪ :‬تقييم موضوعي يكش‬
‫إصالح‪.‬‬
‫الثاني‪:‬وضع خطة إصالح تعالج نقاط الضع ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وضع معارضي اإلصالح ومعوايه من داخل الجهاز وخارجهت وجها لوجه أمام‬
‫تقييم الجمهور ‪ ،‬الذي أنشئ الجهاز لخدمته‪ ،‬ومدى رضاه ومدى ثقته في مستوى الخدمات‬
‫المقدمة له‪ .‬فلو حد جئنا إلى مفردة حق المتهم في توكيل محام وحقه فـى علنيـة المحاكمـة‬
‫لوجدنا من فوائدها‪:‬‬
‫‪-1‬أن تدرك السلطة التنفيذية‪ ،‬أن اتهامها وتشهيرها ودعاوها ليست من دون مراابة‬
‫الجمهور ومحاسبته‪.‬‬
‫وهـــذا يحـــد مـــن إطـــالق يـــدها فـــي االعتقـــال المتعســـ ‪ ،‬ونجبـــار الصـــحفيين والكتـــاب‬
‫والناشطين السياسين‪ ،‬على كتابة تعهدات الصمت‪.‬‬
‫‪-2‬أن أي تعذيب أو تفريط بحقوق السجين‪ ،‬سيكون تحت المجهر‪.‬‬
‫‪-3‬أن تـــدرك العناصـــر التـــي تمـــارس التعـــذيب أو تـــدلر عليـــه فـــي جهـــازي المباحـــث‬
‫والقضاء‪ ،‬أن هذه الممارسة وكذل التدلير‪ ،‬لن تم ار من دون تشهير (أمام الرأي العام)بمن‬
‫فعلها أو دلر عليها‪ ،‬حتى لو مرت من دون قصاص(في المحاكم)‪.‬‬
‫‪-1‬أن يدرك القضاة أن للعدالة ثالثة شروط‪:‬‬
‫ضمير قاض فاضل‪.‬‬ ‫عدالة األنظمة‪ ،‬فنظام قضائي عادل‪ ،‬خير من أل‬
‫الثاني‪ :‬أن الضمير الفاضل ال يتفاعل من دون النظام العادل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الحصن الذي يصون العدالة مـن االنتهـاك‪ ،‬هـو الجمهـور‪ ،‬كمـا قـال تعـالى‬
‫يولوال رهط لرجمناك و ما أنت علينا بعزيزي‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫الرابـع‪ :‬ممارسـة ضـغط شـعبي علـى العناصـر المتـرددة والرافضـة‪ ،‬لتجنـب الفشـل الــذي‬
‫تنحــدر إليــه جهــود اإلصــالح المنعزلــة عــن الت ييــد الشــعبي‪ ،‬ألن أي إصــالح مــن دون دعــم‬
‫الجمهورت معرض لسخفاق‪.‬‬

‫‪=29‬هشاشة ثقافة دعاة الإصل ح السياسي‪ :‬من أهم أسباب الإخفا‬


‫أ‪ -‬لكي ال يكون المجتمع المدني قناعا لروح قمعية ‪:‬‬
‫هنـاك لـبر يتحــول إلـى أن يشـكل أهــم المالحظـاتت علـى بعــض دعـوات المجتمـع المــدني‬
‫ومفرداتهــا كحقــوق اإلنســان‪ ،‬أن يتخــذ شــعار المجتمــع المــدني ‪ ،‬مركبــا للوصــول إلــى ايـــات‬
‫مضمرة ير معلنة‪ ،‬أو أن يستخدم لفرض حزبية ضيقة‪.‬‬
‫ب ـ ن اإلصــالحيين أنفســهم ت يــر قــادرين ‪-‬أحيانــا‪ -‬علــى الــتخلص مــن‬ ‫ينبغــي االعت ـ ار‬
‫األمراض الوراثية التربوية العربية‪ ،‬وألصحابها حق في الـدعوة إلـى مـا يعتقـدون‪ ،‬ولكـن مـن حـق‬
‫قنـاع دعـاة حقـوق اإلنسـان‬ ‫الجمهور أن يعر ما وراء الشعارات من ايـات‪ ،‬ومـن حقـه كشـ‬
‫أو المجتمـع المـدني‪ ،‬الـذين يسـتخدمون هـذا الشـعار‪ ،‬اسـتخداما فئويـا مغلقـا‪ ،‬أو وسـيلة للشــهرة‬
‫والمال‪.‬‬
‫دعاة حقوق اإلنسـان والمجتمـع المـدني والحكـم الشـوري‪ ،‬مجاهـدون محتسـبون (احتسـابا‬
‫سياسيا)‪ ،‬ومطالبون بالحذر من الجـري وراء مكاسـب حزبيـة أو فئويـة أو شخصـية وبالحـذر مـن‬
‫هــذه الحســابات الفئويــة والحزبيــة والشخصــية أضــاع فــي‬ ‫الحســابات الصــغيرةت فالتخنــدق خل ـ‬
‫البلدان العربية واإلسالمية كثي ار من الطاقات‪.‬‬
‫من أجل أن ينجح اإلصالح السياسـي فـي أي بلـد عربـي ينبغـي أن يكـون خطابـه وطنيـات‬
‫االجتماعية والثقافية‪ ،‬وجميـع المنـاطق والطبقـات‪ ،‬سـواء أكـان دعاتـه‬ ‫يتنا م مع جميع األطيا‬
‫من دعاة اإلسالم‪ ،‬أو من دعاة االشتراكية أو القومية أو الوطنية‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ألن مبدأ الحكم الشـوري الـذي يجسـد سـيادة األمـة‪ ،‬هـو أسـاس العـدل السياسـيت الـذي ال‬
‫واألطيـا ‪ ،‬وهـذا‬ ‫عدل اجتماعيا دون الت سير عليه‪ ،‬وهو مطلب كل الناس‪ ،‬من سائر الطوائ‬
‫يوصل الناس إلى دولة أهـل القبلـة‪ ،‬التـي جسـدها علـي بـن أبـي طالـب الخليفـة الراشـدي الرابـع‪،‬‬
‫واألطيــا ‪ ،‬كــالخوارج أي‬ ‫وعبــد هللا بــن الزبيــر وعمــر بــن عبــد العزيــز فــي تعــاملهم مــع الطوائ ـ‬
‫مفهــوم الدولــة اإلســالمية الرحب ـة المتســامحة‪ ،‬دولــة أهــل القبلة‪:‬الدولــة الوطنيــة‪ ،‬الت ـي تخلــص‬
‫الناس من أنياب الدولة المذهبية المذهبية والحزبية والعائلية المفترسة‪.‬‬
‫النــاس محتــاجون إلـــى أن يــدرك كــل فريـــق ثقــافي أو تيــار اجتمـــاعيت أن مبــدأ الحكـــم‬
‫الشـــوري الـــذي يجســـد ســـيادة األمـــة‪ ،‬هـــو أســـاس العـــدل السياســـيت الـــذي يقـــوم عليـــه العـــدل‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫وأن يــدرك كــل فريــق أن اــيم المجتمــع المــدني هــي خارطــة الطريــق الطويــل‪ ،‬إلــى الحكــم‬
‫الشوري‪ :‬الدستوري‪ ،‬وأن يقدمها على ما عداها‪ ،‬حتى يتم رسوخها في المجتمع‪ ،‬ومادام اإلسالم‬
‫في أصل خطابـه يحتـوي لـ المفهـوم تقريـ اًر أو إقـ ار اًر‪ ،‬تفصـيالً أو إجمـاالً‪ ،‬فـال مشـكلة فـي بنـاء‬
‫اآلليات واإلجراءات‪ ،‬وال في بناء النظم والنظريات‪.‬‬
‫وينبغي أن يتنادى اإلسالميون واللبراليون والقوميـون جميعـا إلـى شـعار يإ ا ياتفقنـا علـى‬
‫أن األساسي هو اإلصالح السياسـي‪:‬البيعة الشـرعية‪:‬قوامة األمة‪:‬الدسـتور‪،‬فلن يضـرنا االخـتال‬
‫في المذاهب والثانوياتي وشعار ييجـب علينـا االتفـاق علـى السياسـي‪ ،‬وليعـذر بعضـنا بعضـا فـي‬
‫ماعداهي‬
‫إن المشـــكلة هـــي كيـــف يـــدرك عـــدد فيـــر مـــن الفقهـــاء أن الحكـــم الشـــوري هـــو اإلجـــراء‬
‫المناســب‪ ،‬فــي الدولــة العربيــة اإلســالمية الحديثــة‪ ،‬الــذي يجســد مفهــوم البيعــة الشــرعية‪:‬قوامة‬
‫األمة‪ ،‬وكيف يدركون أنه دون قوامة األمة ال يمكن ايام العدل والقسط‪ ،‬الذي هو شـطر وظيفـة‬
‫رساالت األنبياء!! التي أرسلوا بها‪ ،‬وصرح بها الـذكر الحكيميلقـد أرسـلنا رسـلنا بالبينـات‪ ،‬وأنزلنـا‬

‫‪152‬‬
‫معهم الكتاب والميزاني لما ا أنزل هللا التنزيل وأرسل الرسل صلى هللا عليهم وسلم؟ يليقوم الناس‬
‫بالقسطي(سورة الحديد انظر تفسير البغوي و يره)‪.‬‬
‫ب=اإلخالص لإلصالح السياسي‪:‬‬
‫وعلى كل حال فإن الشرط الرئير في دعاة الحكـم الشـوري والمجتمـع المـدني ت أن يكـون‬
‫أكثر جهدهم ونشاطهم منصبا على هذا المجال‪ ،‬وأن تكون له األولوية على اهتماماتهم األخرى‪،‬‬
‫والســيما عنــدما يفتــرق الطريقــان‪ ،‬وأن ال يجيــروا هــذا الرصــيد الضــخم فــي حســابات االهتمامــات‬
‫القصــيرة األمــد‪ ،‬واالنتمــاءات الصــغيرة الهــد ‪ ،‬أو الفئويــة المحــدودة‪ ،‬وأن ال يمل ـوا مــن التك ـرار‬
‫والتذكير‪ ،‬وأن ال ينشغلوا باإلصالحات الفرعية‪ ،‬وأن ال يستعجلوا ظهور النتائج‪.‬‬
‫إن دعــاة الحكــم الشــوري والمجتمــع المــدني البــد مــن أن يكونـوا محتســبين‪ ،‬يــؤثرون علــى‬
‫بعد التوحيد(العدل)‪ ،‬والنـاهون‬ ‫أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‪ ،‬فهم من اآلمرون ب عظم معرو‬
‫عن أعظم منكر يبيد األمم‪ ،‬وهو الحكم الجبري الجائر‪ ،‬واألصـل فـي مشـروعية جهـادهم السـلمي‬
‫وينهــون عــن المنكــر‪،‬‬ ‫قولــه تعــالى‪:‬يولتكن مــنكم أمــة يــدعون إلــى الخيــر‪ ،‬وي ـ مرون بــالمعرو‬
‫وأولئ هم المفلحوني‪.‬‬
‫وال بــد لكــي ينجح ـوا مــن أن يكــون شــعارهم قولــه الرســول صــلى هللا عليــه وســلم‪ :‬يخيــر‬
‫اء كـان السـلطان سياسـيا أم كهنوتيـا أم اجتماعيـا أم‬
‫الجهاد كلمـة حـق عنـد سـلطان جـائري‪ ،‬سـو ً‬
‫ثقافيا‪ ،‬ألن الجهاد السلمي في سبيل اإلصالح السياسي‪ ،‬لير أفضـل أنـواع االحتسـاب فحسـب‪،‬‬
‫بل أعلى كعبا من الجهاد العسكري‪ ،‬فقد نص الحديث الشريف علـى أنـه خيـر الجهـاد‪ ،‬والحـديث‬
‫دليــل صــريح خــاص‪ ،‬وهــو ونن كــان ظنيـاً‪ ،‬لكــن مجمــوع الــدالئل الظنيــة‪ ،‬كمــا قــرر الشــاطبي فــي‬
‫الموافقات ولو كانت من اآلحاد‪ ،‬تنتج لنا قاعدة قطعية هي أن (الجهـاد السياسـي) أفضـل أنـواع‬
‫الجهاد اليوم على اإلطالق‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫التي تفت باألمةييا بني أمـر بـالمعرو‬ ‫وال بد لهم من الصبر على ثنائية الجهل والخو‬
‫وأنهى عن المنكر‪ ،‬واصبر على ما أصاب ‪ ،‬إن ل من عزم األموري (لقمان‪ ،).....:‬فـ يما يقـال‬
‫ل إال ما قد قيل للرسل من قبل ي‪.‬‬
‫ج= تحديد الهياكل والنظم اإلجرائية للهدف‪:‬‬
‫إن من عوامل اإلخفـاقت أن يكـون السـاعون فـي اإلصـالح يـر مـدركين –أحيانـا‪ -‬مـاهي‬
‫المصــطلحات الدايقــة للعمــل الــذي يريــدون إصــالحه‪ ،‬فيكون ـوا يــر قــادرين علــى شــرح أفكــارهم‬
‫بعبارات محددة وليكن نمو جنا استقالل القضاء‪.‬‬
‫‪ -1‬ما ا يقصد بمصطلح استقالل القضاء؟‬
‫‪( -2‬الهياكل ‪ /‬اإلجراءات ‪/‬النظريات)‬
‫‪ -3‬الفصل بين السلطات‬
‫‪ -1‬مـــا يتطلبـــه اســـتقالل القضـــاء مـــن فياكـــل‪ :‬المحكمـــة الشـــرعية الدســـتورية العليـــا‪.‬‬
‫المجلر األعلى للقضاء‪ ......‬المدعي العام‪.‬‬
‫‪ -1‬المدعي العام يتبع ما ا ؟‬
‫‪ -6‬كم مدة البقاء في الوظيفة القضائية‪..‬‬
‫‪ -5‬من يعين القضاة‪.‬‬
‫‪ -1‬الصفات المهنية‪.‬‬
‫‪ -9‬الثقافة القانونية والتدريب‪.‬‬
‫‪ -11‬تجديد وتوحيد وتدوين القواعد القضائية‪.‬‬
‫‪ -11‬سرعة البث في القضايا‪.‬‬
‫‪ -12‬عوامل حصانة القاضي المادية والمعنوية‪.‬‬
‫‪ -13‬الشئون المالية واإلدارية هل تضم إلى السلطة القضائية‪.‬‬
‫‪ -11‬عالقة جماعات المجتمع المدني‪ ،‬والسيما جمعيات القضاة والمحامين‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫‪ -11‬الشفافية‪.‬‬
‫‪ -16‬التراية والت ديب‪.‬‬
‫‪ -15‬عدم المركزية وتصميم الهياكل اإلدارية‪.‬‬
‫‪ -11‬تنفيذ األحكام القضائية بيد من‪.‬‬
‫‪ -19‬كيف يستطيع القضاء مرااية ق اررات السلطة التنفيذية وأوامرها‪ ،‬ويبت في سالمتها‪.‬‬
‫‪ -21‬هل هناك قضاء خاص يناقض مبدأ (القضاء الطبيعي)‪ .‬الذي يقتضي المساواة‪.‬‬

‫د= من األهداف إلى اآلليات‪ :‬معرفة مايناسب البيئة‪:‬‬


‫النما ج الناجحـة فـي بلـد متـ خر ‪ ،‬ال تكـاد توفـق إال قلـيال مـع النمـا ج الناجمـة فـي بلـد‬
‫آخر ‪ ( .‬دليل اسـتقالل القضـاء‪ )11 :‬ففـي أمريكيـا يصـادق الـرئير علـى أسـماء جميـع القضـاة‬
‫بعد موافقة مجلر النـواب‪ .‬وفـي هـذا اإلجـراء تـدخل سياسـي‪ ،‬وتسـتغربه الـدول التـي تعمـل علـى‬
‫الحد من تسير تعين القضاة‪.‬‬
‫كما أن انتخاب القضـاة فكـرة مسـتخدمة فـي أمريكيـا ‪ ،‬بيـد أنهـا تسـتغرب عنـد دول أخـرى‬
‫(دليل ‪. )11 :‬‬
‫وفي بعض الدول دون بعض تضم الشئون المالية واإلدارية إلـى السـلطة القضـائية‪ ،‬وفـي‬
‫بعض الدول دون بعض تضم هيئة االدعاء العام إلى السلطة القضائية‪ ،‬وفي بعض الـدول دون‬
‫بعض يتولى القضاء تنفيذ أحكامه بنفسه‪.‬‬
‫وفــي بعــض البلــدان دون بعــض تلحــق إدارة الســجون بــوزارة العــدل‪ .‬وهنــاك دول تشــرك‬
‫العامة في القضاء ‪ ،‬من خالل آلية (المحلفين) ‪ ،‬وهناك دول ال ترى ل ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫إن من أسباب تعثر اإلصالح أن يركز المصلحون على سؤال ما ا يجب إصالحه أي على‬
‫األهــدا ‪ ،‬دون أن يركــزوا علــى كيــف يكــون اإلصــالح أي الوســائل ( انظــر جانســون ‪ :‬دليــل ‪:‬‬
‫‪. )196‬‬
‫وكثيــر مــن اإلصــالحيين ينــادون باإلصــالح ويظنــون التغييــر ســهال‪ ،‬ويقولــون‪ :‬لــو أرادت‬
‫الدولة أن تغير كذا وكذاتلتغير بعد شهر كل شيء‪ ،‬ولو أراد الوزير كذا وكذا لفعله خالل شهر‬
‫وينسون إن ل يتطلب إيجاد برامج ووسائل وآليات‪.‬‬
‫(فن خذ استقالل القضاء أيضا نمو جا)‪ ،‬سنجد أن اإلصالح يتطلب ‪:‬‬
‫إدارة اإلجـراءات الماليــة بتوثيــق احتياجهــا وتبريرهــا وقــدرتها علــى اإلقنــاع بــه‬ ‫‪-1‬‬
‫ووضع أولويات واستثمار الذكاء في التنافر مع الجهات األخرى ‪.‬‬
‫إدارة العالقــات مــع الســلطتين النيابيــة والتنفيذيــة ‪ ،‬مــن خــالل قن ـوات رســمية‬ ‫‪-2‬‬
‫و يــر رســمية ‪ ،‬لتوصــيل االحتياجــات والخطــط والنشــاطات‪ ،‬ومعرفــة موااــف المعارضــة مــن‬
‫األشخاص والهيئات ‪.‬‬
‫تقديم وتنظيم خدمات للمحاكم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وضع أنظمة إدارية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وضع أنظمة إحصائية لقياس األداء ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تطوير إجراءات وضع السياسات التي تعتمد علـى جميـع مسـتويات المسلسـل‬ ‫‪-6‬‬
‫القضائي ‪.‬‬
‫وضــع بـــرامج تدريبيـــة فــي اإلدارة ل شـــخاص الـــذين يتولــون فيكـــل األعمـــال‬ ‫‪-5‬‬
‫السيادية ‪.‬‬
‫إشراك نقابة المحامين ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إقناع الجمهور ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫‪156‬‬
‫التخطـــيط االســـتراتيجي للمســـتقبل ( وليـــام ‪ :‬دور إدارة المحـــاكم فـــي تعزيـــز‬ ‫‪-11‬‬
‫استقالل القضاء ‪ :‬دليل ‪. )152 :‬‬
‫د=تحديد المشكالت‪:‬‬
‫لكن من أهم المشكالت التي تدفع باإلصالح إلى الفشل وربما اإلخفاقت أن تكـون الخبـرة‬
‫العــاملين فــي البرنــامج اإلصــالحي ضــعيفة فــي المجــال الــذي يريــدون اإلصــالح فيــه‪ ،‬وأهــم ل ـ‬
‫نقص المعلومات‪ ،‬إنه ينبغي أن يتذكر الذين يقدمون خدمات صـحية أو تعليميـة ‪ ،‬أو قضـائية ‪،‬‬
‫أن تقيم الجمهور هو الحكم ‪ ،‬ألن النظر في إلى الجمهور على أنـه ال يفهـم ‪ ،‬وأنـه لـير جـدي اًر‬
‫بالثقة هي جوهر الخلل ‪ .‬ومجابهة معوقي اإلصالح في مرفق كالقضاءت باسـتبانات إحصـائيات‬
‫تتضمن رأي المستفيدين من خدماته ‪ ،‬تلفت انتباهه ‪ ،‬إلى أنه منعزل أو متواصـل معهـم ‪ ،‬وهـذا‬
‫من عوامل تقبله اإلصالح‪.‬‬
‫فكثير من المنادين بإصالح القضـاء ‪ ،‬يعتمـدون علـى معلومـات انطباعيـة ومجـزأة ‪ ،‬دون‬
‫تحليل إحصائي تجريبي ‪ ،‬وهذا يشوي عملية اإلصالح برمتها ‪.‬‬
‫إن مـن الصــعوبة أن تثمـر جهــود العـاملين فــي إصــالح مجـال يفتقــرون إلـى فهمــه ‪ ،‬وفــي‬
‫مجال إصالح القضاء ‪ ،‬فال بد أن يعر ال ار بون في اإلصالح ‪ ،‬مـا الـذي تفعلـه المحـاكم فعـالً‪،‬‬
‫كيف يقيم جهودها الجمهور الذي يستهل خدماتها‪.‬‬
‫وقد تعثر اإلصالح القضائي في أندنوسيا (ونن لم يخفـق)‪ ،‬ألن المعلومـات المتـوافرة قليلـة‬
‫‪ ،‬فلم تستطع تشخيص المشكالت‪ ،‬ولم يجر تحليل كيفي ونوعي ‪ ،‬يتناول األمور الجوهريـة مثـل‬
‫‪:‬‬
‫ما هي أنواع الدعاوى التي تقام أمام المحاكم ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫من الذي يقيم الدعاوى ألفراد منظمات ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫من الذي يتولى الدفاع في الدعاوى أفرادا أو منظمات‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫كم المدة التي تستغرقها الدعاوى حتى الفصل ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪157‬‬
‫أنواع الدعاوى التي يحتمل عرضها على القضاء ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫مدة المحاكمات ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫إجراءات التقدم بالدعوى ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫كم مرة تؤجل المحاكمات ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫هــل هنــاك مــا يــدل علــى احتمــال زيــادة المتقاضــين ‪ ،‬إ ا كــان أداء المحــاكم‬ ‫‪-9‬‬
‫أكف ؟‪.‬‬
‫ما مواطن زيادة العبء ‪ ،‬ومواطن الهدر في األقسام ( انظر أري جانسـون ‪:‬‬ ‫‪-11‬‬
‫دليل ‪.) 192 :‬‬
‫‪=11‬معرفة كيفية مجابهة معوقي الإصل ح من أهم أسباب النجاح‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقدير حجم العوائق تقديرا موضوعيا‪:‬‬
‫إن عددا كثي ار من الناس ‪ ،‬ال يقدرون الحاجـة إلـى االعتـ ار بالمخـاطر التـي يتعـرض لهـا‬
‫األشخاص الذين ينادون باإلصالح أو يدعمونه ت عندما يتغيا اإلصالح تغيير الشكل الهيكلي ‪،‬‬
‫فإن ل بطبعه يؤثر على المجال السياسي ‪.‬‬
‫ألن المنادين باإلصالح والمقدمين عليـه والمـوافقين عليـه ‪ ،‬يجـدون فـي العـادة أنفسـهم ‪،‬‬
‫أمــام عديــد مــن وجهــات النظــر المتباينــة والمعارضــة ‪ ،‬مــن داخــل الجهــاز الم ـراد إصــالحه ومــن‬
‫خارجه‪ ،‬و ل يحتاج إلى ت ن وتدرج ‪ ،‬ودعم من الجمهور ‪.‬‬
‫وهو قد يستغرق وقتاً ‪ ،‬لو أن بلداً أراد أن ينقل القضايا اإلدارية والماليةت من مـالك وزارة‬
‫العدل إلى مالك السلطة القضائية لكان محتاجاً إلى ما يلي ‪:‬‬
‫مســـاندة الجمهـــور وجمعيـــات المجتمـــع األهلـــي المـــدني والســـيما المحـــامين‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلعالميين ‪.‬‬
‫توفر اإلرادة السياسية ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪158‬‬
‫دعــم الســلطة القضــائية واهتمامهــا وتحمســها مــن خــالل تكــوين ايــادة ات‬ ‫‪-3‬‬
‫مقدرة إدارية داخـل أعضـائها ‪ .‬وتصـميم فياكـل إداريـة مالئمـة ‪( .‬وليـام ديفـير ‪ :‬دور إدارة‬
‫المحاكم في تعزيز القضاء ‪ :‬دليل ‪ . )151 :‬ووضع أساليب مبتكرة لمواجهة المشاكل (وليام‬
‫ديفـــــير‪ :‬دور إدارة المحـــــاكم فـــــي تعزيـــــز القضـــــاء‪ :‬دليـــــل ‪ . )151 :‬وتخطـــــى األســـــاليب‬
‫البيروقراطيـة (وليـام ديفـير‪ :‬دور إدارة المحـاكم فـي تعزيـز‪ :‬دليـل ‪ . ) 152 :‬وعنـدما تفشــل‬
‫السلطة القضـائية فـي لـ ‪ ،‬فإنـه سـيكون مـدعاة لتـدخل السـلطة التنفيذيـة والنيابيـة (وليـام‬
‫ديفير‪ :‬دور إدارة المحاكم في تعزيز‪ :‬دليل ‪. ) 153 :‬‬
‫وينبغي أن تكون هناك استراتيجية تتبع لمجابهة معارضة اإلصالح‪.‬‬
‫األول ‪ :‬المشـــكالت العميقـــة الجـــذور ( مثـــال لـــ أن اســـتقالل القضـــاء فـــي بلـــد عربـــي‬
‫كالمملكة العربية السعودية ‪ ،‬ال يمكن تعزيزه من دون تجديد الثقافـة القضـائية العباسـية التراثيـة‬
‫التي يدافع عنها‪ ،‬ثلة من المقلدين تحـت الفتـة تطبيـق الشـريعة خوفـا مـن القـوانين العلمانيـة) ‪،‬‬
‫ول ـذل فكثي ـ اًر مــا تبــذل جهــود كبيــرة ‪ ،‬ولكــن النجــاح محــدود أو نســبي ‪ ،‬دون مســتوى األهــدا‬
‫والتوقعات‪.‬‬
‫إن اإلصـــالح يهـــدد كثيـــ اًر مـــن المصـــالح ‪ ،‬فالقضـــاء النزيـــه يحـــد مـــن ســـيطرة المســـئولين‬
‫المهيمنــين‪ ،‬والهيئــات النافــذة ‪ ،‬التــي اعتــادت علــى التصــر المطلــق ‪ ،‬فــوق القــانون وبعــض‬
‫الناس يستفيدون من الفساد‪.‬‬
‫مشاكل استقالل القضاء ‪ ،‬تكون في أ لب البلـدان مـن المـورو الثقـافي للدولـة ‪ ،‬ومـن‬
‫الصعب استئصالها سريعا‪ ،‬لذل يحتاج استئصـالها ‪ ،‬إلـى إجـراء تغييـرات مجتمعـة أوسـع‪ ،‬و لـ‬
‫أمر يجعل معارضة إصالح قوية ‪ ،‬ومن الصعب التغلب عليها‪ ،‬وهناك الكثير الذي يتم المخاطرة‬
‫به (دليل ‪.) 11 :‬‬
‫و القيادة القضائية عادة تحاف على الوضع الساند‬

‫‪159‬‬
‫وهناك فئات داخل القضاء وخارجه ال تثق بالمناهج الجديدة ‪.‬‬
‫والهيكل القضائي نفسه قد يتعرض للخسارة ‪ ،‬والسيما القضاة الكبار ‪ ،‬الـذين اعتـادوا أن‬
‫يسيطروا بـفرائهم علـى قضـاة المحـاكم األولـى مـنهم ‪ ،‬ولـير لهـم اسـتعداد نفسـي للتغييـر‪ ،‬ومـن‬
‫أجل ل فإن القضاة الشباب ‪ ،‬هم الحليف الطبيعي لسصالح‪.‬‬
‫والبد من فياكل للحوافز ‪ ،‬فدون الحوافز الكافية ‪ ،‬لن ير ـب العـاملون فـي االسـتماع إلـى‬
‫النقد‪ ،‬ولن تترسخ اإلصالحات ‪( ،‬انظر ‪ ،‬جانسون ‪:‬دليل‪. )195:‬‬
‫ب=دور المســتفيدين مــن التخلــف‪ :‬القضــاة الراكــدون والفاســدون‬
‫مثال‪:‬‬
‫ال يمكــن أن يــنجح إصــالح تعليمــي‪ ،‬إ ا لــم يــتحمر المدرســون والفنيــون المشــرفون فــي‬
‫التعليم‪ ،‬حتى ولو كانت األفكار اإلصالحية صحيحة وصالحة‪ ،‬وكذل تعزيز استقالل القضاء‪.‬‬
‫فالقضاة الفاعلون حلفاء طبيعيون وفاعلون ‪ ،‬لت ييد استقالل القضاء ‪ ،‬والقضاة الذين ال‬
‫يشـــاركون ‪ ،‬أو يشـــعرون أن اإلصـــالح يهـــاجم أشخاصـــهم أو مراكـــزهم ‪ ،‬معارضـــون لسصـــالح‬
‫محتملون ‪.‬‬
‫العناصــر‬ ‫إن تشــكيل نقابــة للقضــاة ‪ ،‬أحــد اآلليــات الفعالــة إلش ـراك القضــاة ‪ ،‬والكتشــا‬
‫الراغبة في اإلصالح‪.‬‬
‫ينبغـــي أن تشـــارك الهيئـــة القضـــائية كلهـــا فـــي اإلصـــالح‪ ،‬وال يكفـــي أن يكـــون لـــ فـــي‬
‫المستويات العليا ‪.‬‬
‫قد يعتبر القضاة المحافظون والفاسدون اإلصالح القضـائي خسـارة لنفـو هم ‪ ،‬ألنـه يقلـل‬
‫السيطرة على قضاة محاكم الدرجة األولى‪ ،‬وينقل مسئولية التحقيق الجنـائي‪ ،‬إلـى قضـاة الدرجـة‬
‫األولى ‪ ،‬ومن أجل التغلب على هذه المقاومة تكون أفضل االستراتيجيات هي العمل عـن قـرب ‪،‬‬
‫مــع قضــاة جميــع المســتويات ‪ ،‬بــل وتنفيــذ مبــادرات اإلصــالح بالتعــاون معهــم ‪ ،‬حتــى ال يعتبــروا‬

‫‪161‬‬
‫اإلصالح مفروضاً عليهم ‪ ،‬من خارج الهيئة القضائية خاصـة‪ ،‬وال سـيما مـع مـن هـم أكثـر تقـبالً‬
‫للتغيير ‪ ،‬ومن هم أكثر الناس إحساسا بالعدالة‪ ،‬وأكثر الناس نزاهة واستقامة‪..‬‬
‫من أجل ل يجـب تحاشـي مهاجمـة (أشـخاص)الهيئة القضـائية ‪ ،‬حتـى ال يشـعر القضـاة‬
‫بـ ن هنـاك هجومـاً شخصـياً علـيهم ‪ ،‬ينبغـي إقنـاع القضـاة بـ ن اإلصـالحات تحسـن مـن وضــعهم‬
‫(مارجريت بوبكن ‪ .‬بحث‪.‬استقالل القضاء ‪:‬دليل‪)131 :‬‬
‫ج=إقناع المسيطرين أن اإلصالح لمصلحتهم‬
‫مــن عوامــل اإلصــالحتأن يفتــرض اإلصــالحيون أن القيــادة يمكــن أن تســتجيب لسصــالح‪،‬‬
‫لكي يتجنبوا شعورها بـ ن دعـاة الحكـم الشـوري والمجتمـع المـدني انقالبيـون‪ ،‬ألن الحكـم الجبـري‬
‫وخمر مئة عام‪ ،‬وال يليـق باإلصـالحيين إال أن‬ ‫الجائرتلم يحد اليوم‪ ،‬بل تاريخه أكثر من أل‬
‫يحســبوا العقبـــات حســـاباً صـــحيحاً‪ ،‬ألن االنـــدفاع فــي اإلقـــدام‪ ،‬يفضـــي إلـــى اإلحجـــام‪ ،‬والتذبـــذب‬
‫والتراجــع والتســاهل ‪ ،‬الــذي يــؤدي إلــى فشــل أو إخفــاق ولكــن ل ـ ال يكفــي ‪ ،‬فالبــد مــن آليــات‬
‫داخلية للتعزيز والتطبيق‪.‬‬
‫وافتراض أن القيادة يمكن أن تسـتجيب لسصـالحت اليعنـي أن اإلصـالح سـيبدأ مـن األعلـى‬
‫إلى األسفل‪ ،‬ألنه –لو بعث (ميكـادو) عربـي سـيعانى مـن مراحـل تقـدم يـر منتظمـة ‪،‬كمـا يـؤدى‬
‫إلى الكثير من الت خر بسبب توفه لعقبات سياسية واجتماعية وثقافية‪.‬‬
‫ولذل يصبح البدء من األدنـى هـو األولـى ( إدويـن ريكـوي ‪ :‬اسـتقالل القضـاء فـي أوربـا‬
‫الشراية‪ :‬دليل ‪. ) 11 :‬‬
‫إن اإلصــالح المؤسســـي ‪ ،‬يتطلــب دعمـــا مــن األ لبيـــة فــي المجتمـــع يؤكــد الحاجـــة إليـــه‬
‫(مارجريت بوبكن ‪ :‬دليل ‪. )111 :‬‬
‫ال يمكــن نجــاح أي إصــالح سياســي دون حشــد الت بيــد الشــعبي ‪ ،‬و ل ـ ال يــتم مــن دون‬
‫االعتماد علـى جهـود جماعـات المجتمـع األهلـي المـدني ‪ ،‬ونقـدم جمهوريـة الـدوميني نمو جـاً ‪،‬‬
‫لمـــا ينتجـــه التعـــاون االســـتراتيجي بـــين ممثلـــي المجتمـــع األهلـــي المـــدني والقضـــاة والمســـئولين‬
‫‪161‬‬
‫والسياسيين لتنبي اإلصالحات الضرورية ‪ ،‬وتطبيقها تطبيقاً مناسـباً ( مارجريـت ‪ ،‬دليـل ‪)131 :‬‬
‫‪.‬ولذل البد من ت ييد اإلصالحات اجتماعياً ‪.‬‬
‫بناء عالقات داخـل الهيئـة القضـائية وخارجهـا ‪ ،‬مـن قضـاة ومحـامين وأسـاتذة جامعـات ‪،‬‬
‫ونقابات وفي التعليم العالي الذي يخرج القضاة أو يدربهم (ككليات الشريعة)‪ ،‬وجماعات األعمال‬
‫ونعالميين ومثقفين‪.‬‬
‫وحتى لو تمت الموافقـة الرسـمية علـى اإلصـالحات ‪ ،‬البـد مـن الت بيـد الشـعبي ‪ ،‬والـوعي‬
‫الكـافي بتطبيقهــا ‪ ،‬خــالل مرحلــة التنفيــذ ‪ ،‬وهــي مرحلـة صــعبة و يــر منتظمــة ومكلفــة ‪ ،‬وتواجــه‬
‫عواقب ير متوقعة (مارجريت بوبكن ‪)135 :‬‬
‫من المهم إصالح القضاء ‪ ،‬ولكن األهم من ل أن يكون اإلصالح شورياً حواريـاً ‪ ،‬وهـذا‬
‫يعني أن يبدأ المصلحون من القاعدة الشعبية ‪.‬‬
‫فقـــد تظهـــر معارضـــات ال تســـتطيع المؤسســـات الرســـمية مجابهتهـــا ‪ .‬ولكـــي يؤخـــذ رأي‬
‫الجمهور في أمر ما ‪ ،‬ينبغي أن تكون لهم الخلفية المعرفية‪ ،‬واالحتكـاك المباشـر بهـذا القطـاع‪،‬‬
‫وتعــد الشــفافية وكثافــة المعلومــات‪ ،‬أحــد عناصــر لـ ‪ ،‬كنشــر األبحــا ‪ ،‬ونعــداد تقريــر ســنوي ‪،‬‬
‫وتفعيــل قــانون حريــة المعلومــات ‪ ،‬ونشــر أعمــال مكتــب الشــكاوي والمكاتــب النزاعــات ‪ ( .‬انظــر‬
‫جانسون ‪ :‬دليل ‪.)195‬‬
‫إن أفضل سالح يواجه به معارضو (النظام الشوري) ‪ ،‬هـو سياسـة اإلعـالن عـن نتائجـه‬
‫اإليجابية ‪ ،‬مقارنة بالنظام الجبري الجائر ‪ ،‬الذي تم التحول عنه في الدول الحديثة‪.‬‬
‫د=استنفار القو المتضررة من الفساد‪:‬‬
‫تحتاج حمالت الحكم الشوري إلى مؤيدين مثقفين و وي خبـرة ‪ ،‬علـى درايـة بالموضـوعات‬
‫المطروحـة ‪ ،‬وبإمكـانهم التعامــل مـع المعارضــة بـروح التسـامح والعقــل والصـبر وســعة البـال كمــا‬
‫أرشد هللا في كتابه الكريم إلى أسلوب الدعوة يفقوال له قوال لينا‪ ،‬لعله يذكر أو يخشىي‬

‫‪162‬‬
‫ويحتاج اإلصالح إلى تكرير وقت ‪ ،‬لزرع الت ييد لسصالح‪ ،‬وال ينبغي توقـع نتـائج فوريـة‪،‬‬
‫فقــد يحتــاج بــث الــوعي إلــى أعـوام تقصــر وتطــول‪ ،‬حســب اســتعداد البيئــة والجهــد المبــذول‪ ،‬إنــه‬
‫كاستصــالح األرض الزراعيــة‪ ،‬حســب نســبة التصــحر‪ ،‬وحســب مــا لــدى الفــالح مــن أدوات وافيــة‬
‫وكافية‪.‬‬
‫ل سينجح معوقو اإلصالح في ت خيره‪ ،‬وسيضعون إشكاالت عديدة‪ ،‬تـؤدي إلـى‬ ‫بخال‬
‫تهديده‪.‬‬
‫إن لسصــــالح عالقـــــة باالســـــتقرار السياســـــي ‪ ،‬ولالســـــتقرار السياســـــي عالقـــــة بالنشـــــاط‬
‫االقتصادي ‪ ،‬والمنا القانوني المستقر ‪ ،‬فيه دعم للنشاط االقتصادي ‪.‬‬
‫إن لسصــــالح عالقـــــة باالســـــتقرار السياســـــي ‪ ،‬ولالســـــتقرار السياســـــي عالقـــــة بالنشـــــاط‬
‫االقتصادي ‪ ،‬والمنا القانوني المستقر ‪ ،‬فيه دعم للنشاط االقتصادي ‪.‬‬
‫إن من أهم القوى المتضررة من الفساد السياسي هي الجماعات االقتصادية‪ ،‬ومن المفيـد‬
‫تذكيرها ب ن (اإلصالح السياسي) يساعد على االسـتقرار السياسـي‪ ،‬واالسـتقرار السياسـي يسـاعد‬
‫علــى النشــاط االقتصــادي‪ ،‬فلــو أخــذنا مــثال تعزيــز اســتقالل القضــاء‪ ،‬لوجــدنا فيــه دعمــا للنشــاط‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫فهناك أنواع من االختالل القضائي‪ ،‬ات أثر سيء على االقتصاد‪ ،‬مثل ترك تحديد‬
‫القواعد القضائية(األساس القانوني) التي تطبق عليها الوقائع‪ ،‬ومثل تساهل السلطة التنفيذية‬
‫في تنفيذ أحكام القضاء على الكبار والوجهاء‪ ،‬فهناك أنواع من المفاسد ات أثر سي على‬
‫االقتصاد‪ ،‬مثل الجريمة إخفاق السلطة التنفيذية أو فشلها في تنفيذ أحكام القضاء‪.‬‬
‫مثل عدم قدرة الجهات التنفيذية على لجم ظاهرة كتابة شيكات من دون رصيد‪ ،‬وعدم‬
‫توافر المسئولية ‪ ،‬ومثل البيروقراطية المعقدة ‪ ،‬ومشكالت ملكية األراضي ( انظر جانسون ‪:‬‬
‫دليل ‪. )199 :‬‬

‫‪161‬‬
‫ومثــل كثــرة الضــرائب وفشــو الرشــوة ‪ ،‬وتعقيــد التــرخيص والتســجيل ‪ ،‬ألن البيروقــراطيين‬
‫يستغلون اإلجراءات ير المتسقة و ير المرنة والمطولة‪ ،‬حتى يحصلوا على رشاوي ( جانسـون‬
‫‪ :‬دليل ‪. )211 :‬‬
‫ومثل الخلل في توزيع أراضى السـكنى والزراعـة‪ ،‬ومثـل تعقيـدات إجـراءات تملـ األراضـي‪،‬‬
‫ألن البيروق ـراطيين الفاســدين والمفســدينت يســتغلون اإلجــراءات المطولــة و يــر المتســقة و يــر‬
‫المرنة ‪ ،‬حتى يحصلوا على رشاوي‪ .‬وهـذه األمـور تجعـل مـن مصـلحة جماعـات االقتصـاد‪ ،‬ت ييـد‬
‫(اإلصالح السياسي)‪.‬‬
‫والبد مـن وضـع اسـتراتيجية إعالميـة ففـي العديـد مـن الـدول تسـيطر علـى وسـائل اإلعـالم‬
‫جماعــات قويــة مــن الصــفوة تعــارض اإلصــالح السياســي‪ ،‬وفــي العــادة ال يفهــم أكثــر الصــحفيينت‬
‫فضــال عــن الجمهــور كيـــف يكــون اإلصــالح السياســي ‪ ،‬ولـــذل يســتخدمون لتعويــق اإلصـــالح‬
‫السياسي‪ ،‬وهم يشعرون أوال يشعرون‪.‬‬
‫وأفضــــل ســــالح يواجــــه بــــه معارضــــو اإلصــــالح ‪ ،‬هــــو سياســــة اإلعــــالن عــــن النتــــائج‬
‫اإليجابية‪،‬لسصالح القضائي مثال‪ ،‬مقارنا بالنظام ير الكفـؤ الـذي يطالـب بـالتحول عنـه وتغييـره‬
‫(مارجريت بوبكن‪:‬دليل ‪. )139 :‬‬
‫وهنــاك أهميــة كبــرى ل ـرأي مســتهلكي الخــدمات ‪ ،‬س ـواء كانــت قضــائية ‪ ،‬أم تعليميــة أم‬
‫صحية ‪ ،‬فاستفتاء الجمهور مس لة ضـرورية ‪ ،‬ألن المسـتهلكين هـم الـذين يقيمـون مـدى فائـدة‬
‫أي خدمــة‪ ،‬ولهــم الحــق فــي تقييمهــا ‪ ،‬ولــذل البــد مــن تضــمين احتياجــات وتجــارب الم ـواطنين‬
‫العاديين ‪ ،‬ومدى ثقتهم في الخدمات المستهلكة‪ .‬إن جهود اإلصالح المنعزلة عن رأي الجمهـور‬
‫‪ ،‬لير لها أهمية تذكر‪ ( ،‬انظر أري جانسون ‪:‬دليل ‪.)192 :‬‬

‫‪=11‬ل نجاح لدعاة الحكم الشوري دون دعم شعبي‬


‫أ‪-‬الثقة الشعبية‪:‬‬
‫‪163‬‬
‫ومــن الضــروري أن يكــون قـوام تيــار دعــاة (الحكــم الشــوري) مــن العناصــر ات الســمعة‬
‫المشرقة المشرفة‪ ،‬التي تحظـى بتقـدير اجتمـاعي‪ ،‬التـي أيضـا تـؤمن قـوال وعمـال وظـاه ار وباطنـا‪،‬‬
‫بالحفاع على ثوابت الملة واألمة والدولة‪،‬‬
‫اإلصــالح فــي كــل بلــد عربــي‪ ،‬فضــال عــن بلــد متــدين ‪ ،‬لــم ولــن يــنجح‪ ،‬مــا لــم يكــن فكــر‬
‫العدالـــة‬ ‫دعــاة(الحكم الشــوري) محــط إدراك شــعبية‪ ،‬و الســـيما عنــدما يعــالج ممارســات تخــال‬
‫الشرعية‪ ،‬ولكنها مدعومة بت ار قمعي يتقنع اإلسالم‪ ،‬ويفت ممتدا كاألخطبوط بالقضاء والتعلـيم‬
‫وحقـــوق المـــرأة والمواطنـــة والتعدديـــة و األ لبيـــة والحـــل الســـلمي والتســـامح‪ ،‬ونحوهـــا مـــن اـــيم‬
‫المجتمع المدني‪.‬‬
‫فلن يكون لـدعاة (الحكـم الشـوري) مصـدااية شـعبية‪ ،‬مـا لـم تكـن لهـم مصـدااية دينيـة‪،‬‬
‫ولن تكون لهم مصدااية دينيةت ما لـم تكـن أفكـارهم مؤصـال فقهيـا‪ ،‬عبـر العلـوم األربعـة‪ :‬أصـول‬
‫الفقه ومقاصد الشريعة والعقيدة والسياسة الشرعية‪.‬وعندما يستخدمون مصـطلحات يـر شـائعة‬
‫كالدستور‪ ،‬والمجتمع المدني والتعددية الفصل بين السلطات‪،‬‬
‫بنبغــي أن يكــون دعــاة(الحكم الشــوري) أصــحاب كلمــات العــدل فــي تجمعــات‪ ،‬مــن النخبــة‬
‫وأهل االختصاص والخبرة من وى السمعة الحسنة‪ ،‬فى تخصصهم وسلوكهم العام الذين يتبعهم‬
‫النــاس ويثقــون بكالمهــم‪ .‬هــؤالء الــذين يطلــق علــيهم فــى اللغــة العربيــة (العرفــاء)‪ ،‬أي الــذين‬
‫يتعرفون على اهتمامات الناس‪ ،‬ويصدرهم الناس لتمثيلهم وترسلهم الجماعـات للتعـر علـى مـا‬
‫يهمها‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫أو كلما وردت عكاع قبيلة بعثوا الى عريفهم يتوسم‬
‫ب=العوائق الثقافية‪:‬‬
‫بعض دعاة اإلصالح ينادون به ويظنونه سـهال‪ ،‬ويقولـون‪ :‬لـو أرادت الدولـة إصـالح كـذات‬
‫لتغير خالل سنة كل شيء‪ ،‬ولو أراد الوزير إصالح كذا وكذات لفعـل كـذا وكـذا خـالل شـهر‪ ،‬ولقـد‬
‫كتبنا وقلنا وفعلنا وعملنا‪ ،‬فلم نجد أي صدى‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫من دون معرفة الجغرافيا التي يحاول الناس الغـرس فيهـا‪ ،‬وتجـري فـوق تضاريسـها عربـة‬
‫اإلصــالح‪ ،‬لــن يكــون هنــاك تقــدير صــحيح للعوائــق وال للــثمن الواجــب دفعــه‪ ،‬وال توقــع للمكاســب‬
‫والخسائر‪.‬‬
‫هناك إستراتيجية لسقناع بفكرة اإلصالح‪ ،‬وهناك إستراتيجية لتنفيذ عناصر اإلصالح‪.‬‬
‫لكــي يـنجح اإلصــالح ال بــد مــن التعــر علــى طبيعــة المشــكالت‪ ،‬هــل جــذورها كاألثــل فــي‬
‫التربة العميقة‪ ،‬أم كالليمون والحمضيات في التربة السطحية‪ ،‬فالمشـكل الدسـتوري مشـكل قـديم‬
‫تراكمت مضاعفاته‪ ،‬منـذ سـقوط الحكـم الشـوري الراشـدي‪ ،‬فـانتج انتهـاك اسـتقالل القضـاء مـثال‪،‬‬
‫فصارت عوائق استقالل القضاء (اإلسالمي)‪ ،‬في أي دولة عربية كـ(المملكة العربية السـعودية)‬
‫عميق ـة الجــذور‪ ،‬ألنه ـا متوارثــة منــذ بنــاء الصــيا ة العباســية للثقافــة والقضــاء أفكــا اًر ووســائل‬
‫ونظريات‪.‬‬
‫المشـــكلة ليســـت فـــي نصـــوص الشـــريعة‪ ،‬وال فـــي تطبيقهـــا النبـــوي و الراشـــدي‪ ،‬بـــل فـــي‬
‫االجتهادات الفقهية الالحقة‪ ،‬التي نمت نموا مرضيا في منـا الجبـر والجـور األمـوي والعباسـي‪،‬‬
‫تفريعات ونظريات‪ ،‬ونجـراءات وفياكـل‪ ،‬تلـ التـي أدمجـت فـي مفهـوم تطبيـق الشـريعة‪ ،‬فاسـتقرت‬
‫في جذور المورو الثقافي للدولة والمجتمع‪ ،‬وتقنعت قناع اإلسالم‪ ،‬فصار من يقاربهـا بإصـالح‬
‫كمـن ينجــر إلــى مثلــث فرمــودا‪ ،‬وك نــه يخلخــل المقدســات‪ ،‬ويشــك بالمســلمات‪ ،‬وهــو إ ن مبتــدع‬
‫خبيــث‪ ،‬بــل أكثــر مــن لـ إنــه داعيــة بدعــة وضــاللة‪ .‬وينســى النــاس أن أكثـ اًر مــن هــذه األفكــار‬
‫واألطر إنما هي بدع ومنكـرات سـلطانية جبريـة‪ ،‬التفـت حـول مفهـوم القضـاء اإلسـالمي المسـتقل‬
‫قبل زمن الحكم الجبري‪.‬‬
‫لــذل لــن يتحقــق مبــدأ (ســيادة األمــة)‪ ،‬الــذي هــو روح النظــام الشـوري‪ ،‬مــن دون جهــود‬
‫متميــزة‪ ،‬تــنفض عــن الفقــه السياســي‪ ،‬مــا شــابه مــن الت ويــل والتحريــف‪ ،‬وتعيــد بنــاءه نظرياتــه‬
‫وآلياته على صريح ما أوحاه هللا عز وجـل عبـر الشـريعة‪ ،‬وصـحيح مـا أوحـاه هللا عـز وجـل إلـى‬

‫‪166‬‬
‫الطبائع‪ ،‬عبر حقائق علوم اإلنسان والطبيعة‪ ،‬كما أوحى يإلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتـا‬
‫ومن الشجر ومن ما يعرشوني‪ ،‬ومصدر الوحيين واحد ي كل من عند هللاي‪.‬‬
‫ج=ثقافة دعاة اإلصالح‪:‬‬
‫ومن الصعب وضع مشروع نظري لسصالح السياسي من دون شرطين‪:‬‬
‫‪-1‬ثقافــة سياســية واجتماعيــة يــدرك بهــا اإلصــالحيون مــا هــو مفهــوم (الحكــم الشــوري)‬
‫وىلياته ونظرياته وضماناته‪ ،‬ك الدستور واستقالل القضاء في المعايير الدولية‪ ،‬وما هو المجتمـع‬
‫المدني‪ ،‬وما تجمعاته األهلية‪.‬‬
‫‪-2‬قدرة نفر من دعاة اإلصالح على اجتهاد فقهي‪ ،‬يستطيعون به معرفـة مـا ينسـجم مـع‬
‫اإلســالم منهــا‪ ،‬مــن وســائل تحقيــق الشــورى‪ ،‬التــي جربتهــا الــدول الشــورية‪ ،‬ف قامــت بهــا مي ـزان‬
‫العدالة‪.‬‬
‫لكــن المشــكلة التــي تعرقــل (اإلصــالح السياســي) فــي بلــد متــدين مضــاعفةت فعديــد مــن‬
‫الــ ار بين فــي (اإلصـــالح السياســي )‪ ،‬يــر قـــادرين علــى صــوا خطـــاب فقهــي يؤسســون عليـــه‬
‫الخطاب السياسي‪ ،‬ويقنعون به الجمهور‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬في المقابل فـإن الـب أهـل الثقافـة‬
‫الدينية‪،‬من وي (االتجاه اإلصالحي) ير قادرين على صيا ة خطاب إصالح سياسي‪.‬‬
‫ولير من المحتمل أن يكون قوام دعـاة (الدسـتور والمجتمـع المـدني)‪ ،‬مـن المتخصصـين‬
‫فـي الدراســات الدينيــة‪ ،‬ألن أ لبيـة شـرائح الثقافــة الدينيـة‪ ،‬مــن الفقهــاء وعلمـاء الشــريعة‪ ،‬لــير‬
‫لديها ر ية كافية‪ ،‬إمـا فـي الحاجـة إلـى اإلصـالح‪ ،‬ونمـا فـي كيفيـة اإلصـالح المطلـوب‪ ،‬ونمـا فـي‬
‫وسائله وآلياته فياكله ونجراءاته‪.‬‬
‫وهــذا يتطلــب أن يكــون تيــار (الحكــم الشــوري) معبـ اًر عــن (تمــازج) اختصاصــات مــن أجــل‬
‫صيا ة (اجتهاد جماعي)‪ ،‬أي نتيجة تعـاون فكـري وثقـافي‪ ،‬بـين وي التخصـص فـي الدراسـات‬
‫الدينية‪ ،‬الذين يؤمنون ب ولوية باإلصالح السياسي‪ ،‬و وي التخصـص فـي الدراسـات االجتماعيـة‬
‫والسياسية‪ ،‬الذين يؤمنون بضرورة الت سير على العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫ومن الضروري أن يحتـوي تيـار (الحكـم الشـوري) علـى مهـارات متكاملـة‪ ،‬بـ ن ال تقصـر‬
‫علــى وي التخصــص الفنــي المحــدد بالمجــال الــذي ي ـراد إصــالحه‪ ،‬بــل ينبغــي أن يحتــوي علــى‬
‫عناصـــر عديـــدة‪ ،‬مـــن أهـــل االقتصـــاد واإلعـــالم والسياســـة والتربيـــة واالجتمـــاع‪ ،‬والســـيما علـــم‬
‫االجتماع السياسي والقانون والفقه الدستوري‪.‬‬
‫بذل يمكن تصفية مفافيم ( الدستور والمجتمع المدني ) في مصفاة العقيدة اإلسـالمية‪،‬‬
‫ونشرها بخطاب فقهي يلتزم بالسلفية الراشدية منهجا ‪ :‬ومـنهج فقـه الكتـاب والسـنة‪ ،‬ويجـدد فـي‬
‫فقه الوسائل والتفريع‪ ،‬بذل يزيل ماران على الشئون السياسية مـن بـدع الجبـر والجـور‪ ،‬ويقـرب‬
‫المصطلحات والمفافيم العلمية‪ ،‬ويشرحها بلغة م لوفة‪ ،‬تستطيع إقناع اآلخرين‪ ،‬ويزيل ما رسخه‬
‫الخطــاب الــديني العباســي الشــائع‪ ،‬مــن تهمــيش للقــيم المدنيــة علــى مــتن الروحيــة‪ ،‬ومهادنــة‬
‫لالستبداد والجور‪.‬‬
‫وهذا يتطلب أن يكون دعاة ( الدستور والمجتمع المدني ) قادرين على اإلقناع من خالل‬
‫خطـــاب تجديـــد إســـالمي‪ ،‬مؤصـــل علـــى الكتـــاب والســـنة أوال‪ ،‬وبواقعيـــة ال تقفـــز فـــوق تضـــارير‬
‫الجغرافيا االجتماعية ثانيا‪.‬‬
‫د= تعدد جماعات اإلصالح مهم وانسجامها أيضا‪:‬‬
‫من مشكالت اإلصالح‪ ،‬أن كثي ار من الجهود تحصـر تركيزهـات علـى مـا بـذل مـن مـال ومـن‬
‫جهد ومن إجراءات ومن بحو ‪ ،‬ولكنها ال تركز على النتائج‪ ،‬المرتبطة ببرنامج عمل‪ ،‬وقـد تقـوم‬
‫بحملة إصالحية إعالمية‪ ،‬دون أن توفر اإلجراءات العملية لسصالح المطلوب‪ .‬وقـد يطغـى علـى‬
‫الجهود‪-‬في البداية‪-‬فيض من الحماسة‪ ،‬فإ ا بالحماسة الذي ال روية فيها تدفعها إلى مزيد من‬
‫االصطدام ير المحسوب النتائج‪ ،‬ون ا بالتنافر الثقافي أو الشخصي يفضي بها إلى التشر م‪.‬‬
‫ومن أجل ل ينبغي أن تكون تتعـدد الجماعـات فرقـا متحمسـة ال جماعـة واحـدة ‪ ،‬وأن ال‬
‫يمنـــع تعـــددها مـــن تعاونهـــا ‪ ،‬وأن نكـــون متفر ـــة طـــوال الوقـــت ‪ ،‬تضـــع اســـتراتيجية إصـــالحية‬
‫وتنفذها‪ ،‬وتكون رأياً عاماً يدعم اإلصالح ‪ ،‬وتسعى إلى تذليل عوائق اإلصالح‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫ومن المناسب اختيـار مهـارات متكاملـة لسصـالح ‪ ،‬بـ ن ال تقصـر علـى وي الذهنيـة‬
‫الفنيــة المحــددة‪ ،‬والبــد أن ينضــم إلــى كــل جماعــة عــدد مــن أهــل االقتصــاد واإلعــالم ‪ ،‬والسياســة‬
‫والتربية واالجتماع (انظر أري جانسون ‪ :‬إطار برامج استقالل القضاء ‪ :‬دليل ‪.) 191‬‬

‫‪=32‬الذين يرجون صل ح المستبد دون طوفان الجماهير يحصدون عصـف‬


‫الرياح‬
‫أ‪-‬االستراتيجية‪:‬‬
‫ال يمكــن أن ينشـ (الحكــم الشــوري) وال أن تتبنــاه أي دولــة قمعيــة‪ ،‬مــالم يفرضــه طوفــان‬
‫جهاد سلمي شعبي‪ ،‬وال يمكن توفير دعم شعبي من دون خطاب ثقافي مقنع‪ ،‬يسـتطيع أن يـؤثر‬
‫في القاعدة والقمة معا‪ ،‬فينشر أوال ثقافة المجتمع المـدني‪ ،‬ويطالـب بإقامـة فياكلـه ثانيـاً‪ ،‬وثالثـاً‬
‫ليحشد رأيا عاما كافيا يطالب الدولـة بــ(اإلصالح السياسـي)‪ ،‬أو يؤيـده علـى أقـل تقـدير‪ ،‬ويسـهم‬
‫في تذليل عوائقه‪.‬‬
‫ألنه ال يمكن أن يحد (اإلصالح السياسي) من دون معارضة‪ ،‬من عديد من المنتفعـين‬
‫من تراكم المشكالت والذين يقـدمون مصـالحهم الخاصـة علـى مصـالح الشـعب العامـة‪ ،‬أو الـذين‬
‫ضــغوط‬ ‫يتهيبــون التطــوير‪ ،‬ويســتريحون للم ـ لو ‪ ،‬ومــن ثــم فــإن حشــد الت ييــد الشــعبيت يخف ـ‬
‫الفرص المناسبة‪.‬‬ ‫معارضيه ‪،‬ويكتش‬
‫من أجل ل البد من وضع استراتيجية(خريطة طريق)‪ ،‬لالنتقال من (الحكم الجبري) إلى‬
‫(الحكم الشوري) خطوة خطوة‪ ،‬كي ال تتعثر فيصيب تعثرها المتحمسين باإلحباط‪.‬‬
‫من أجل ل يحتاج دعاة (الحكم الشوري) إلى اتفاق ثقافي على األساسـيات‪ ،‬لـير مـن‬
‫الضـــروري أن يتبلـــور تجمعـــه علـــى شـــكل أشـــخاص أو أطـــر ‪-‬إ ا لـــم يمكـــن لـــ ‪ -‬ولكـــن مـــن‬
‫والوسائل‪ ،‬ويتضـافر‬ ‫الضروري أن يتبلور على شكل (تيار) في األفكار والمفافيم‪ ،‬يحدد األهدا‬

‫‪169‬‬
‫أهــل هــذا التيــار‪،‬على تقــديم مبــادرات وحلــول‪ ،‬واقت ـراح إج ـراءات ومعالجــات‪ ،‬و علــى حشــد رأي‬
‫رسمي وشعبي‪.‬‬
‫مــن أجــل لــ ينبغــي أن يتــداعى ال ار بــون فــي اإلصــالحت مــن الــذين يــدركون خطــورة‬
‫االســتبداد‪ ،‬إلــى التعــاون فــي تكــوين (التيــار)‪ ،‬تحــت عن ـوان الطغيــان هــو الطوفــان الــذي يهــدم‬
‫البلــدان‪ ،‬وســـدود الطوفـــان هـــي مبـــدأ قوامـــة األمــة‪ ،‬وجـــوهره (النظـــام الشـــوري) ونطـــاره (النظـــام‬
‫الدستوري)‪ ،‬وسفينة العبور إليه هي الجهاد السلمي‪ ،‬عبر تجمعات المجتمع المدني األهلية‪.‬‬
‫ب‪ -‬كيف تذلل العقبات االجتماعية؟‪:‬‬
‫إنما نجح االسـتبداد فـي تـدمير اـيم الكرامـة والحريـة والعدالـة واالسـتقامة‪ ،‬فـي المجتمعـات‬
‫العربية ألسباب منها‪:‬‬
‫وأولها‪ :‬تشر م النخب الثقافية‪ ،‬بين دعـاة أسـلمة‪ ،‬ال يثمنـون (الحكـم الشـوري) ‪ ،‬ودعـاة‬
‫تحديث قد يدركون أهميـة (الحكـم الشـوري) ولكـنهم ال يثمنـون أهميـة أسـلمة خطـاب (اإلصـالح‬
‫السياسي)‪.‬‬
‫لقد أسهم تفتيت تجمعات المجتمع المدني األهلية‪ ،‬في شل المهتمـين بمصـالح األمـة عـن‬
‫بلورة خطاب إصالحي سياسي ونشره‪ ،‬من أجل إقناع الجمـاهير بـه ‪ ،‬فصـارت النخبـة الثقافيـة‪،‬‬
‫ير قادرة على حشد تجمع واع فعال‪ ،‬يدفع نحو اإلصالح السياسي‪.‬‬
‫ثالث العقبات‪ :‬ظل دعاة اإلصالح منذ دولة الحكم الجبري القديمـة إلـى الحديثـة يتوسـلون‬
‫لها‪ ،‬ليحصلوا على فتات إصالح تعليمي أو تربوي أو اقتصادي أو إداري‪ ،‬دون أن يالحظوا أنهم‬
‫كمن يحاول تحلية البحر الميت المالح‪.‬‬
‫رابع العقبات‪ :‬كيف تنتشر فـي مجتمـع فرعـوني صـحراوي اـيم المجتمـع المـدني نظريـا فـي‬
‫والتعددية واأل لبية والتسـامح وااللتـزام باالقتصـار علـى‬ ‫(التصورات)‪ ،‬كالحوارية وقبول االختال‬
‫الصراع السلمي في حل أي خال ‪ ،‬و المرونة وأساليب التفعيل السلمي‪ ،‬فضال عن أن تجسـدها‬

‫‪171‬‬
‫فــي التصــرفات‪ ،‬عبــر تجمــع الموااــف‪ ،‬لكــي يعبــر النــاس عــن موااــف إصــالحية فعالــة مــن دون‬
‫عن ؟‪.‬‬
‫قــد يشــك بعــض النــاس بقولنــا‪ :‬إن الخــط العــام لثقافتنــا العربيــة الصــحراوية بــين حــالين‪:‬‬
‫األقليــة المنفلــت‪ ،‬ولكــن جهيــزة‬ ‫صــمت األ لبيــة المطبــق الــذي ال يمكــن التنبــؤ بنتائجــه‪ ،‬وعن ـ‬
‫(الوقائع) قطعت قول كل مخطيء ومجامل ومداهن‪.‬‬
‫تبــرهن علـى وجـود الم زق(الــذي شـك فيــه‬ ‫الـدليل علـى لـ مـا جـرى مــن أحـدا عنـ‬
‫بعض الناس)‪ ،‬وتبرهن على أن الم زق أنتج حلوال إحباطية عنيفة من القلة‪ ،‬تفجـر ضـبها فـي‬
‫بصورة ير م لوفة‪ ،‬وهذا مؤشر على أن الثقافة الصحراوية الفرعونية الشـائعة يـر قـادرة علـى‬
‫إنتاج حلول سلمية‪ ،‬هذا يدل على أن المجتمع العربي في شق آخر منه فرعـوني ال يملـ ثقافـة‬
‫مقاومة‪ ،‬بل يستسلم لجالديه‪.‬‬
‫وهذا ينذر بتفاقم الكوار ‪ ،‬ولكنه ال يلـزم منـه أن تكـون سـكة اإلصـالح السياسـي طويلـة‪،‬‬
‫وال أن الفــرص ضــئيلة وال أن المســتقبل ينــذر بــالكوار ‪ ،‬فــإن وســائل االتصــال الحديثــةت فرضــت‬
‫الجمـاهير سـريعات‬ ‫واقعا جديدا أعجز دولة الجبر العربية عن السيطرة علـى مواطنيها‪،‬وستكتشـ‬
‫أن الســبيل الوحيــد لـــ(الحكم الشــوري)‪ ،‬هــو المظــاهرات واالعتصــامات‪ ،‬التــي مزقــت بهــا الشــعوب‬
‫المضطهدة نيرها‬
‫لير دور الم أو النخب وع المستبد‪ ،‬ألنهم سيكرسون إفالس دريد بن الصمة عنـدما‬
‫قال‪:‬‬
‫فلم يستبينوا النصح إال ضحى الغد‬ ‫نصحتهم نصحى بمنعرج اللوى‬
‫دورهـــــا أن (نـــــؤ ن) فـــــي آ ان النـــــاس‪( :‬الحكـــــم الشـــــوري) هـــــو الحـــــل‪ ،‬و(المظـــــاهرات‬
‫واالعتصامات واإلضرابات) هي سكة الطريق التي التضل‪.‬‬

‫ج= األزمات فرص سانحة ينبغي انتهازها ‪:‬‬


‫‪171‬‬
‫إن جميـــع حركـــات اإلصـــالح السياســـي والـــديني‪ ،‬التـــي وقعـــت فـــي المجتمعـــات القديمـــة‬
‫والحديثــة‪ ،‬لــير ســبب نجاحهــا هــو صــحة األفكــار وحــدها‪ ،‬بــل أيضــا مناســبة الحقــل للبــذور‪،‬‬
‫عن الزراعة في حقل خصـيب‪.‬وهناك أسـلوبان لنجـاح‬ ‫فالزراعة في حقل صحراوي جديب‪ ،‬تختل‬
‫اإلصالح‪:‬‬
‫اإلصالح على المدى الطويل‪،‬وهذا ما تحتاجه المجتمعات الضخمة‪.‬‬ ‫األول‪ :‬تراكم أع ار‬
‫الثاني‪ :‬ثورة إصالحية‪ ،‬ال تكون إال بشرطين‪:‬‬
‫أولهمــا‪ :‬تضــافر كوكبــة مــن نخــب اإلصــالح الناشــطين الــذين يعرفــون أن(الحكــم الشــوري)‬
‫هو العالج‪ ،‬وال يضيعون أوقاتهم وأوقات الناس في األمور الثانوية التي ينبغي إصالحها‪ ،‬فكثيـر‬
‫من الناس يعر أن المريض يحتاج إلى عالج‪ ،‬ولكن المهـم أن يعرفـوا –وهـذا هـو بيـت القصـيد‬
‫ماهو العالج؟ ومن أين يبدأون؟‪ ،‬وكيف يسيرون؟‪.‬‬
‫ثانيهمــا‪ :‬وجــود أزمــات اجتماعيــة أو سياســية أو قوميــة‪ ،‬تؤكــد أن المؤسســات السياســية‬
‫القائمةت عاجزة مترهلة ضعفت الثقة بها‪ ،‬من ما يجعل النظام الجبري القائم كله عرضة للسـقوط‬
‫الســريع‪ ،‬فيضــطر القيــادة للبحــث عــن الحلــول العمليــة‪ ،‬التــى البــد أن تكــون خطـوات كبــرى نحــو‬
‫(الحكم الشوري)‪.‬‬
‫ولــن يلــتحم كثيــر مــن النــاس بمشــروع اإلصــالح‪( :‬الحكــم الشــوري) مــا لــم توجــد أزمــة‬
‫اجتماعية أو سياسية أو قومية‪ ،‬يصل فيها اختالل المعايير إلى مستوى األزمة(األنوميا)‪ ،‬الـذي‬
‫يشير إلى أن المؤسسات القائمة في م زق‪.‬‬
‫مــن أجــل لـ ينبغــي اهتبــال الفــرص‪ ،‬فــالفرص كالريــاح التهــب كــل حــين‪ ،‬والعــالم العربــي‬
‫عجــز الحكومــات المســتبدة عــن تحقيــق مجتمــع التنميــة والعدالــة والحريــة والكرامــة‬ ‫عامــة كشـ‬
‫واالستقامة‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ومن حسن ح المجتمع العربي أن الحكومات العربية المستبدة ارتخت ابضتها الفوال يـة‪،‬‬
‫بسبب ت اركم إخفاقها‪.‬‬
‫ال يتوقع أن يجئ حاكم عربي يؤمن بـالحكم النيـابي مـن تلقـاء نفسـه‪ ،‬كمـا جـاء (ميكـادو)‬
‫اليابانت ولكن على دعاة اإلصالح السياسي اهتبـال الفـرص السـانحة‪ ،‬عبـر حشـد الجمـاهير فـي‬
‫الميادين والشوارع‪ ،‬في جهاد سلمي‪ ،‬واستثمار الرياح‪.:‬‬
‫فإن لكل ارية سكونا‬ ‫إ ا هبت رياح فا تنمها‬
‫‪ =11‬نواة الإصل ح نكاثر الجمعيات المدنية ول سيما الحقوقية والسياسية‬
‫أ= من المقاالت الفردية إلى البيانات الجمعية‪:‬‬
‫قول كلمة الحق والعدل‪ ،‬لير محصو ار بالفرد‪ ،‬بـل عـام للفـرد والجماعـة‪ ،‬ومـن هنـا تـ تي‬
‫أهمية التجمعات األهلية‪.‬‬
‫فال بد أن تتواكب ا لكلمات‪ ،‬كي تصبح مشاريع لسصـالح‪ ،‬و لـ أمـر ال يمكـن أن يتحقـق‪،‬‬
‫إال بتحول الكلمات الموجزة العابرة‪ ،‬إلى مشاريع إصالح عبر البيانات والمذكرات‪.‬‬
‫الكلمات‪ ،‬على شكل مشـروعات إصـالح كليـة‪ ،‬يشـترك فيهـا‬ ‫وهذا أمر يدعو إلى أن تتفل‬
‫كل مختص بما يستطيع‪ ،‬فتصبح المشاورة والمراجعة‪ ،‬عنص اًر ضرورياً لسالمة الفكـرة والوسـيلة‪،‬‬
‫و ل أمر يجعل كلمة الجمع أفضل وأجدى من كلمة الفرد‪ ،‬وهذا يشير إلى أن التجمعات المدنية‬
‫األهلية‪ ،‬هي األعـوان علـى الحـق‪ ،‬الـذين كـر الرسـول صـلى هللا عليـه وسـلم أن فقـدانهم يفشـل‬
‫مساعي المصلحين‪.‬‬
‫أهم أسباب فشـل كثيـر مـن جهـود اإلصـالح‪ ،‬أنهـا جهـود فرديـة‪ ،‬لـم تتخـذ صـيغ المشـاريع‬
‫العملية الواقعية‪ ،‬إنما كانت كلمات فردية‪ ،‬ال تشكل رأياً عملياً‪ ،‬وال تحظى بدعم جماعي‪.‬‬
‫وكثير من الناس يشعرون بالراحة‪ ،‬عندما يعلمون أن فالناً قال كلمة حق‪ ،‬ألن فالنـاً قـال‬
‫ما يشعرون به‪ ،‬ولعلهم يشعرون ب ن واجبهم أيضاً قد تـم‪ ،‬بـل ربمـا ظنـوا أن النهـي عـن المنكـر‬
‫قد تم أيضاً‪ ،‬ألنه فرض كفاية‪ ،‬وبذل سـقط اإلثـم عـن البـاقين مـن السـاكتين‪ ،‬وهـم يقولـون هـذا‬
‫‪171‬‬
‫دون أن يـدركوا أن كلمــة الحــق عنــدما قيلــت‪ ،‬بفــي المنكــر مــاثال لــم يــزل‪ ،‬فــإن برئــت مــة قائــل‬
‫منفرد‪ ،‬يغرد خارج السرب‪ ،‬لم تب أر مة الساكتين‪.‬‬
‫تبــر بــه الذمــة إال إ ا زال الســوء والباطــل‪ ،‬وال يــزول‬
‫وهــذا يؤكــد أن قــول كلمــة الحــق ال اً‬
‫النخبة‪.‬‬ ‫المنكر بقول أو مذكرة واحدة‪ ،‬بل ال بد من تكات‬
‫وهـــذا مـــا يؤكـــد وجـــوب تشـــكيل التجمعـــات المدنيـــة ‪ ،‬مـــن أجـــل الضـــغط علـــى الحكومـــات‬
‫المستبدة‪ ،‬إلجبارها على تحسين سلوكها‪.‬‬
‫بصــيغة الجماعــة‪ ،‬ألن الخطــاب لعمــوم‬ ‫ولــذل جــاءت نصــوص الجهــاد واألمــر بــالمعرو‬
‫وينهـون عـن المنكـر‬ ‫األمة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وي مرون بالمعرو‬
‫وأولئ هم المفلحون‪ .‬واآليـة ظـاهرة تـ مر أن تـنهض ثلـة مـن المسـلمين داعيـة للخيـر‪ ،‬أي أن‬
‫يكون ثمة تجمع وتكتل أهلي كبير‪ ،‬وهذا أقرب احتمال لمفهوم أمة‪.‬‬
‫ومعنــى ل ـ كمــا بــين األصــوليون أن فــرض الكفايــة‪ ،‬يصــبح علــى القــادرين عليــه فــرض‬
‫عين‪ ،‬فهو بطبيعته في أكثر األحوال ال يـنهض بحملـه إال جماعـة كبيـرة أو تجمعـات كبـرى ألنهـا‬
‫والنهـي علـى المنكـر‪ ،‬وهـو علـى هـذه الجماعـة‬ ‫هي التي تقدر عليه‪ ،‬كالجهاد واألمـر بـالمعرو‬
‫فرض عين‪.‬‬
‫وبذل تصبح كلمة الحق والخير والعدل واجباً عينياً‪ ،‬على الناس جميعاً‪ ،‬ولير محصو ار‬
‫ب األقرب إلى صفة ( العرفاء ) كالمثقفين والمفكرين والعلماء والفقهاء وأسـاتذة الجامعـات ورجـال‬
‫الصحافة والفكر‪ ،‬والمختصين في الميادين التي يشيع فيها المنكر‪.‬‬
‫وهذا ما عناه الشافعي رحمه هللا بقوله‪« :‬إن الواجب الكفائي مطلـوب علـى العمـوم‪ ،‬مـراد‬
‫علــى وجــه الخصــوص» (أصــول الفقــه ألبــي زهــرة‪ ،)38-36 :‬أي أنــه مطلــوب مــن المســلمين‬
‫كافـة‪ ،‬ولكـن الــذي يقـوم بهــم هـم القـادرون عليــه‪ .‬أي أنـه فــرض عـين علـى القــادر عنـدما يقــوم‬

‫‪173‬‬
‫بالمبادرة‪ ،‬وفرض عام على الباقين الذين يجب عليهم أن يعينوا المبادرين‪ ،‬وهـذا التصـور ال يـتم‬
‫دون تنفيذه اليوم من دون تجمعات التجمعات األهلية المدنية‪.‬‬
‫ب= التجمعات المدنية هي سفينة العبور من الحمم العضوض‬
‫إلى الحكم الشوري‪:‬‬
‫في المنا االستبدادي المعادي لحقوق اإلنسان ت يمكن أن يكون لنشاط المجتمع األهلـي‬
‫‪ ،‬المعني بحقوق اإلنسان أثره على المنا العام ‪ ،‬من خالل ممارسة ضغوط داخلية وخارجيـة ‪،‬‬
‫مـــن شـــ نها أن تـــوفر مســـاحة أكبـــر لسصـــالح السياســـي كاســـتقالل القضـــاء (ســـتيفن جـــوالب‬
‫مساهمات المجتمع المدني في استقالل القضاء ‪.) 112 :‬‬
‫لكن البد من المخاطرة المحسوبة بتشكيل التجمعـات‪ ،‬الجمعيـات التعاونيـة عربـة اإلصـالح‬
‫األولى‪ ،‬والبد من التجمع والتنظيم والتنسيق‪ ،‬ولكن الناس عندما يكونون مدفوعين إلى اإلصالح‬
‫مجبرون على االختيار‪ ،‬ولير في االختيار مكاسب مطلقة‪ ،‬بل مكاسب نسـبية‪ ،‬وثمـة خسـائر ال‬
‫يمكن تجنبها ( أري جانسون بحث ‪ ،‬إطار برنامج استقالل القضاء ‪ .‬كتاب دليل تعزيز استقالل‬
‫القضاء ونزاهته ‪ :‬دليل ‪. )119:‬‬
‫بذل يمكن توفير منا مالئم لسصالح ‪:‬‬
‫إن أهم قنوات التعاون لسصالح هي ‪:‬‬
‫جماعات حقوق اإلنسان ‪ ( ،‬كما تم في أندنوسيا ) ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫جماعات الطلبة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫جماعات العمال ( كما فـي تجربـة يو سـالفيا وبولنـدا ) هـذه الجماعـات تقـوم‬ ‫‪-3‬‬
‫بدور المحفز الساند ( جانسون ‪. )196 :‬‬
‫ج=أشكال تجمعات المجتمع المدني األقرب إلى عون اإلصـالح‬
‫السياسي‪:‬‬
‫ثمــة أشــكال مــن جماعــات المجتمــع المــدني األهليــة‪ ،‬تقــدم عونــا كبي ـ ار لسصــالح عنــد‬
‫تطبيقه‪:‬‬
‫‪175‬‬
‫‪-1‬دور جمعيات القضاة‪ :‬متى ما كان في الجهـاز المـراد إصـالحه (كالقضـاء)‪ :‬نقابـة أو‬
‫جمعيـة‪ ،‬كانــت الجمعيــة عونــا كبيـ ار علــى اإلصــالح‪ .‬إن تشــكيل نقابـة للقضــاةت هــو أحــد اآلليــات‬
‫العناصر الفعالة الراغبة في اإلصالح‪ ،‬لكي‬ ‫الفعالة لتعزيز استقالل القضاء‪ ،‬فهي مجال اكتشا‬
‫تقوم بالت ثير في من حولها ‪.‬‬
‫‪-2‬دعم المثقفين ‪ :‬تحتاج حمالت اإلصالح السياسي إلـى مؤيـدين مثقفـين و وي خبـرة‪،‬‬
‫على درايـة بالموضـوعات المطروحـة‪ ،‬و بإمكـانهم التعامـل مـع المعارضـة بـروح التسـامح والعقـل‬
‫والصبر وسعة البال‪ ،‬كما أرشد هللا في كتابه الكريم إلى أسـلوب الـدعوة يفقـوال لـه قـوال لينـا لعلـه‬
‫يذكر أو يخشىي‪.‬‬
‫‪-3‬دور اإلعالم ‪:‬والبد من وضع استراتيجية إعالميـة‪ ،‬ف لـب بلـداننا العربيـة كالعديـد مـن‬
‫الــدول الناميــة‪ ،‬ات اإلعــالم الموجــه والمــؤمم‪ ،‬أو حتــى يــر الناميــة التــي تنمــو فيهــا جماعــات‬
‫المصــالح الشخصــية القويــة‪ ،‬وبهــذا و اك تتكــاثر صــفوة تعــارض اإلصــالح السياســي‪ .‬ألســباب‬
‫عديدة‪.‬‬
‫وأهم سبب يحتاج إلـى تفهـم‪ ،‬هـو أن وسـائل اإلعـالم قـد ال تحـيط علمـا بكيفيـة اإلصـالح‪،‬‬
‫والسيما أن (اإلصالح السياسي)‪ ،‬يحتاج إلى ثقافة خاصة‪ ،‬وقـد ال يـتم تثمينـه أيضـا‪ ،‬فعديـد مـن‬
‫دعاة اإلصالح‪ ،‬فضال عن أساتذة الجامعات‪ ،‬فضال عن رجال اإلعالم‪ ،‬فضال عن الكتاب‪ ،‬فضال‬
‫عــن الجمهــور‪ ،‬ال يــدركون أو ال يثمنــون أنــه ال يمكــن عــدل دون نظــام شــوري‪ ،‬وال يمكــن نظــام‬
‫شــوري دون مبدأ(قوامــة األمــة علــى الحــاكم) وال يتشــخص هــذا المبــدأ إال بـــ(النظام الدســتوري)‬
‫ومفرداته كالمجتمع المدني وتجمعاته األهلية و استقالل القضاء‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫وفي العادة ال يفهم كثير من الصـحفيين كيـف يكـون إصـالح القضـاء‪ ،‬وتعتبـر اسـتراتيجية‬
‫التعامل مع وسائل اإلعالم عنص اًر حيوياً‪ ،‬في حفز جهود الت ييد الالزم لسصالح والحفاع عليه‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ولكي تنجح دعوة ( الحكم الشوري ) ينبغي أن تصبح إحدى وسائل اإلعالم مهتمـة بهـا‪،‬‬
‫بحيث تعتبر اإلصالح السياسي موضوعاً أساسياً محوريا‪ ،‬فتوفر له الكثير من الدعاية والرعاية‪،‬‬
‫وتثير النقاي وتطالب بالشفافية‪ .‬وتعتبر استراتيجية التعامـل مـع وسـائل اإلعـالم عنصـ اًر حيويـاً‪،‬‬
‫في جهود خلق الت بيد الالزم لسصالح والحفاع عليه ‪.‬‬
‫ولكي ينجح اإلصالح ينبغي أن تصبح إحدى وسائل اإلعالم مهتمـة بهـذه العمليـة ‪ ،‬حيـث‬
‫تعتبــر اإلصــالحات موضــوعاً أساســياً ‪ ،‬فتــوفر لــه الكثيــر مــن الدعايــة والرعايــة ‪ ،‬وتثيــر النقــاي‬
‫وتطالب بالشفافية‪ ،‬وثمة صور كثيرة في الدول الحديثة تثبـت نجـاح هـذا البرنـامج‪ ،‬ومـن نمـا ج‬
‫الــذي تكــون فـــي الــدومينيكان فــي تكــوين هـــذه العالقــة مــع وســائل اإلعـــالم‬ ‫نجاحــه االئــتال‬
‫(مارجريت بوبكن ‪ :‬دليل ‪)131 :‬‬
‫‪-3‬دور المحــــامين‪ :‬للمحــــامين دور مهــــم عنــــدما يكــــون الكــــالم عــــن ضــــمانات حقــــوق‬
‫المـواطنين‪ ،‬بإنشــاء جماعـات المجتمــع المــدني األهليـة‪ ،‬وتعزيــز اســتقالل القضـاءت والفصــل بــين‬
‫السلطات الثال ‪ ،‬فهم أقرب فئات المجتمع المـدني إلـى تثمـين اإلصـالح السياسـي‪ ،‬ألن التعـاون‬

‫مع المحامين يسبق التعاون مع القضاة ويمهد له‪ ،‬ليعمل الطرفان سـو ً‬
‫اءا فـي سـبيل اإلصـالح‬
‫السياسي‪.‬‬
‫ون ا كـان الكــالم عــن تعزيــز اســتقالل القضــاءت وحقــوق اإلنســان والمــتهم والســجينت فــإن‬
‫أقــرب فئــات المجتمــع األهلــي المــدني للتعــاون ‪ ،‬هــي العناصــر التــي لــم تــنغمر فــي الفســاد‪ ،‬وال‬
‫سيما المحامين الذين لم تصبح لقمة العيش قبلتهم‪.‬‬

‫‪=13‬ل ينجح خطاب إصل ح سياسي إن لم يحرك الجماهير‬


‫أ= اإلصالح يبدأ من الشعب ال من الحكومة‪:‬‬
‫إن االفكـار الصــحيحة ‪ ،‬مهمـا كانــت واضـحة فــى ر وس العرفـاء و(األعيــان)‪ ،‬ال تســتطيع‬
‫التغيير ‪ ،‬ما لم تحملها الجماهير ‪ ،‬كما اشار المفكر مال بن نبي في (الظاهرة القرآنية)‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫من أجـل لـ ينبغـي أن ينـزل خطـاب العرفـاء إلـى الشـارع‪ ،‬وأول أدواتـه وضـوح الخطـاب‪،‬‬
‫وقدرته على االجتذاب‪.‬‬
‫ويجــب علــى الجميــع انت ـزاع حريــة التجمــع واإلجتمــاع‪ ،‬والتظــاهر واالعتصــام‪ ،‬فهــي حــق‬
‫لسنســان فــي الدولــة اإلســالمية‪ ،‬حــق يكتســبه اإلنســان اتيــا‪ ،‬ال يحتــاج إلــى اســتئذان أحــد‪ ،‬وال‬
‫يجوز للدولة أ ن تنقص منه ‪ ،‬فإن انتقصته أو منعته‪ ،‬فمنعها إياه منكر يجبب أن تتضافر األمة‬
‫إلنكاره‪،‬إ ال يجوز للفرد وال الجماعـات التنـازل عنـه‪ ،‬ألن ايـام المسـلمين بالتعـاون للتعبيـر عـن‬
‫مشاعر أو مصالح خاصـة بجماعـة ‪ ،‬أو عامـة باألمـة مـن حقـوق النـاس وال يمكـن ايـام النـاس‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬من دون تجمعات‪.‬‬ ‫بفرائض اإلسالم ‪ ،‬واألمر بالمعرو‬
‫إن من أسباب فشل كثير من جهـود اإلصـالح‪،‬أنها قـدمت فـي إطـار نخبـي‪ ،‬لـم ينتشـر فـي‬
‫الحقل الشعبي‪ ،‬وبلغة ير مفهومة‪ ،‬بل وقدمها بعضهم وك نهم نواب عن المجتمع في معرفة ما‬
‫يصلحه ويفسده‪ ،‬وك نهم ينبغي أن يسـاق النـاس سـوقا إلـى التحـديث‪ ،‬ولـم يسـتندوا إلـى التفعيـل‬
‫الشعبي‪ ،‬ففقدت مشاريع اإلصالح دعم المجتمـع‪ ،‬وصـارت معزولـة‪ ،‬فسـهل علـى الحكـم المسـتبد‬
‫إحباطها ونسقاطها‪ ،‬وتشويه دعاتها‪ ،‬قبل وأدهم وضربهم‪.‬‬
‫ب=لماذا ينبغي خاطبة الشعب أوال وحشده؟‪:‬‬
‫إن األصـــل فـــي (اإلصـــالح السياســـي) أن يبـــدأ مـــن األدنـــى إلـــى األعلـــى‪ ،‬مـــن القاعـــدة‬
‫الشعبية‪ ،‬عبر انتشار ايم المجتمع المدني أوالً‪ ،‬وعبر ايام تجمعاته األهليـة ثانيـاً‪ ،‬ألن اإلصـالح‬
‫السياسي ال يتم إال بقرار سياسي والقرار ال يتخذ إال بمطالبة شعبية فاعلة‪.‬‬
‫نعم قد ينش إصالح فوقي‪(،‬على طريقة ميكادو) أو (حمد قطر)‪.‬لكن اإلصـالح الـذي يبـدأ‬
‫من من قمة الهرم العليا إلى األسفل ‪ ،‬قد يعانى من مراحل تقدم ير منتظمة‪ ،‬كما قد يؤدى إلى‬
‫الكثيـر مــن التـ خر‪ ،‬بســبب تعرضـه لعقبــات سياسـية واجتماعيــة وثقافيـة‪ ،‬وقــد يصـبح اإلصــالح‬
‫ير راسخ‪ ،‬ما لم يرافقـه البـدء مـن األدنـى‪ ،‬و تفعيـل قاعـدة الهـرم‪ .‬وحشـد الت ييـد الشـعبي‪ ،‬كمـا‬
‫حصل في أوربا الشراية‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫فــي ظــالل تفتــت تجمعــات المجتمــع المــدني وبســاطتها‪(،‬في الخلــيج العربــي مــثال) يحتــاج‬
‫الناس إلى مزيد الجهد والوقت‪ ،‬ونلـى واقعيـة فـي التعامـل مـع مراكـز القـوى المحافظـة‪ ،‬مـن أجـل‬
‫الحصول على ت بيدها‪ ،‬أو على أقل تقدير من أجل تخفيف ضرباتها‪.‬‬
‫مرة أخرى ال يمكن أن ينجـز إصـالح سياسـي‪ ،‬مـن دون ظهيـر شـعبي ‪ ،‬وتقـدم جمهوريـة‬
‫الــدوميني ‪ ،‬نمو ج ـاً لمــا ينتجــه التعــاون االســتراتيجي بــين المجتمــع الرســمي والمجتمــع األهلــي‬
‫الرسمي بما فيه من أمراء ومسئولين وقضاة ‪ ،‬واألهلـي بمـا فيـه مـن أفـراد وهيئـات مـن محـامين‬
‫ودعاة حقوق اإلنسان ومهمتين بالش ن العام ونعالميين لتنبي اإلصالحات الضرورية‪ ،‬وتطبيقها‬
‫تطبيقاً متدرجا‪.‬‬
‫ولكن حتى لو تمت الموافقة الرسمية على اإلصالحات‪ ،‬البد من الت ييـد الشـعبي أو حتـى‬
‫لو بدأت بها‪ ،‬في استراتيجية التنفيذ‪ ،‬والوعي الكافي بتطبيقها‪ ،‬خالل مرحلة حشد التنفيذ‪ ،‬وهي‬
‫مرحلة صعبة و ير منتظمة ومكلفة‪ ،‬وتواجه عواقب ير متوقعة‪.‬‬
‫من المهم أن يكون اإلصالح مؤسسيا دستوريا‪ :‬وهو اال نتقـال مـن الصـيغة الحكـم الفـردي‬
‫إلى (الحكم الشوري) وتحديد صالحيات السلطة التنفيذية ب نها تنفيذية‪ ،‬وننشاء السـلطة النيابيـة‬
‫المنتخبة وتعزيز استقالل السلطة القضائية والفصل بين السلطات الثال ‪.‬‬
‫ولذل يحتاج دعاة اإلصالح إلى تكرير وقـت كـا ‪ ،‬لـزرع ثقافـة(النظام الدسـتوري) الـذي‬
‫هو قالب(الحكم الشوري) وال ينبغي توقع نتائج فوريـة ‪ ،‬إ قـد يحتـاج ترسـيخ المفـافيم والـوعي‬
‫إلى أعـوام‪ ،‬تمامـا كاستصـالح األرض الزراعيـة‪ ،‬حسـب نسـبة التصـحر‪ ،‬وحسـب مـا لـدى الفـالح‬
‫من همة وخبرة ومال وأدوات‪.‬‬
‫من دون مراعاة ل قد يطرح المحافظون والمعوقـون‪ ،‬إشـكاالت علـى اإلدارة السياسـية‪،‬‬
‫تؤدي إلى الت خير‪ ،‬وقد تفتعل عند التطبيق مشكالت‪ ،‬تؤدي إلى تعطيل اإلصالح‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫فقد تظهر معارضات ال تستطيع المؤسسات الرسمية مجابهتها‪ ،‬إ ا لم يكن دعم الجمهور‬
‫حاضرا‪ ،‬ولكي يكون للجمهور رأي واع متجمـع فعـال فـي أمـر مـا‪ ،‬ينبغـي أن تكـون لهـم الخلفيـة‬
‫المعرفية‪ ،‬بمدى الحاجة هذا إلى (الحكم الشوري) وقالبه (النظام الدستوري)‪.‬‬
‫وهذا يتطلب االحتكاك المباشر بالجمهور‪ ،‬والشفافية وكثافة المعلومات‪ ،‬ونشـر األبحـا ‪،‬‬
‫والدراسات والتقارير وجداول اإلحصاء‪ ،‬وتفعيل قانون حرية المعلومات‪.‬‬
‫ترى هـل يسـتطاع لـ فـي بلـد كالسـعودية‪ ،‬واألمـراء اإلصـالحيون إمـا يـر مـؤمنين بـ ن‬
‫الجمهــور هــو الــذي يصــون اإلنجــاز؟ و إمــا أنهــم مت ـ ثرون بـ راجيف المحــافظين التــي تــزعم أن‬
‫اإلصالح الدستوري خطر عليهم؟‪.‬‬
‫من المهم البدء بالمطالبة بجماعات المجتمع المدني األهلية‪ :‬لتفعيل(اإلصـالح السياسـي)‬
‫في القاعدة الشعبيةت وينبغـي حشـد تيـار مـن النخبـة الفعالـة يطالـب بـه ‪ ،‬وقـد يتطلـب لـ بنـاء‬
‫عالقات إيجابية شتى‪ ،‬في أوساط الفقهاء والوعاع ‪ ،‬وخطباء المسـاجد وأئمتهـا‪ ،‬وقنـوات التعلـيم‬
‫الديني‪ ،‬والقضاة والمحامين وأس اتذة الجامعات‪،‬ورجال األعمال والتجارة واالقتصاد‪ ،‬وأهـل اإلعـالم‬
‫والصحافة واألدباء والكتاب‪.‬‬
‫ويحتــاج أيضــا إلــى البدايــة بإنشــاء جماعــات المجتمــع المــدني األهليــة‪ ،‬فلهــا أثرهــا علــى‬
‫المنــا العــام‪ ،‬مــن خــالل التعبيــر عــن اآلراء بحريــة‪ ،‬و لــ مــن ش ـ نه أن يــوفر مســاحة أكبــر‬
‫لسصالح‪.‬‬
‫إن اإلصالح إنما تم في بلدان أخرى بشق سبل للتعاون والتنـا م معهـا‪ ،‬أن أي مشـروع‬
‫إصالحي لن يتفاعل من دون مشاركة جماعات المجتمع المـدني األهليـة‪ ،‬وجـذبها إلـى مسـاعدة‬
‫اإلصالح‪ ،‬فالتنسيق له نفر أهمية تدابير اإلصالح نفسها‪ .‬وفي التنسيق إيجابيات وسلبيات‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫ولكن الناس عنـدما يكونـون مـدفوعين إلـى (اإلصـالح السياسـي) لهـم موااـف ومصـاعب‬
‫ومفارق طرق شتى‪ ،‬وهم مجبرون على االختيـار‪ ،‬لـير بـين مـا هـو أسـود وأبـيض‪ ،‬بـل بـين مـا‬
‫هو أسود حال وما هو أسود فاتح أحيانا‪.‬‬
‫وال بد أن يتقبل دعاة اإلصالح السياسـي‪ ،‬عديـدا مـن المخـاطر والخسـائر التـي ال يمكـن‬
‫تجنبهــا‪ ،‬بنفــوس يــر محبطــة وال يائســة‪ ،‬مــن أجــل تحقيــق إيجابيــات أفضــل‪ ،‬قــد ال يكــون مــن‬
‫العسير أن يصدر نظام‪ ،‬يقـرر حـق السـجين فـي توكيـل محـام‪ ،‬وحقـه فـي محاكمـة علنيـة‪ ،‬ولكـن‬
‫عند التطبيق تظل قرون معوقي اإلصالح‪.‬‬
‫فلــو بــدأنا مــثال بمفــردة مــن مفــردات اســتقالل القضــاء‪ ،‬وهــي توكيــل المحــامي وأن تكــون‬
‫المحاكمــة علنيــة‪ ،‬علــى أســاس أن أول إج ـراء يــدل علــى الســير فــي طريــق محاكمــة عادلــة هــو‬
‫العالنية ‪ ،‬وكل محاكمـة سـرية لـه فإنمـا هـي يـر عادلـة‪ ،‬كـم مـن المصـاعب التـي تحـد عنـد‬
‫تطبيق ل ؟ من أجل ل ال بد أن حض المجتمع األهلـي علـى إدراك ـزارة فوائـد هـذه المفـردة‬
‫من منظومة اإلصالح السياسي‪.‬‬

‫ج=تحقير فقهاء الملك العضوض الجماهير وتهميشهم دورها‬


‫أهم أسباب رسوخه‪:‬‬
‫احتقــار فقهــاء اإلحبــاط دور الجمــاهير‪ :‬إن مــن أهــم أســباب اإلخفــاق السياســي‪ ،‬النظــرة‬
‫التقليدية للرأي العام‪ ،‬فقد درج كثير من أهل العلم‪ ،‬على تصوير الرأي العـام‪ ،‬بـ نهم همـج رعـاع‪،‬‬
‫يضــرون إ ا اجتمعـوا‪ ،‬وينفعــون إ ا تفرقـوا‪-،‬كمــا قــال أحــد فقهــاء االســتبداد العباســي‪ -‬فانفصــل‬
‫الجمهور الصالح عن القلة المصلحة‪ ،‬وصاروا يؤيدونها بالقلوب‪ ،‬ساكتين ساكنين‪ ،‬وهم ب يديهم‬
‫يؤيدون الباطل‪ ،‬بل إن كثي اًر منهم يدخلون في إطـار أعـوان الظلمـة‪ .‬وكثيـر مـنهم مـن الشـياطين‬
‫عـن الظلمـة فـي نـوع الظلـم ‪ ،‬بـل فـي الدرجـة ‪ ،‬فقـادة الظلـم فــي‬ ‫الخـرس‪ ،‬وكثيـر آخـر ال يختلـ‬
‫الدرك األعلى وأولئ في الدرك األسفل‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫وتحقير الشـعب نظريـة‪ ،‬ال أصـل لهـا فـي الشـريعة‪ ،‬فالمصـلح إ ا لـم يكـن ينـدمج فـي رهـط‬
‫يعينه ويحميه من أنيـاب الطغيـان‪ ،‬ضـاع فـي وادي النسـيان‪ ،‬وكـذل كـان النبـي صـلى هللا عليـه‬
‫وســلم‪ ،‬ل ـوال رهــط بنــي هاشــم‪ ،‬وكــذل شــعيب ل ـوال عصــبيته ‪‬ول ـوال رهط ـ لرجمنــاك‪ ‬وقــد أشــار‬
‫الحديث الشريف إلى صعوبة مهمة المصلحين الذين ال يجدون أعواناً على الخير‪.‬‬
‫لقــد أبعــدت عامــة النــاس عــن خطــاب(الحكم الشــوري) ‪ ،‬فتمســكوا بتقاليــد الحكــم الجبــري‪،‬‬
‫و فلوا عن مقاصد الشريعة‪ ،‬واستسلموا لكل طاغية‪ ،‬فصاروا أداة في يد الحاكم الجـائر‪ ،‬يحـارب‬
‫بهم كل إصالح‪ ،‬ويشكل رأيهـم حسـب هـواه‪ ،‬و لـ أمـر أدى إلـى ا تيـال المجتمـع‪ ،‬ودمـار الـبالد‬
‫وهالك العباد‪ ،‬و لبة قوى االستكبار‪ ،‬وأفضى بالدول والحضارات إلى الزوال‪.‬‬
‫الرأي العام ‪ :‬ثالثة أنوع ‪:‬‬
‫والـرأي الع ـام يــر المســتنير الخامــل‪ :‬هــو المضــلل الــذي يســتمد الطغــاة مــن صــمته قــوة‪،‬‬
‫فيضربون دعاة (الحكم الشوري)‪.‬‬
‫النــوع الفعـــال الفوضــوي‪ :‬وهـــو متحــرك مـــن دون تنظــيم‪ ،‬مـــن دون اســتراتيجبة‪ ،‬تعبيـــرات‬
‫وموااف آنية‪ ،‬لم تت مل الخريطـة قبـل ركـوب الراحلـة‪ ،‬ولـم تقـدر مسـافة السـفر ومشـقته‪ ،‬كهبـات‬
‫الرياح‪ ،‬تهب مرة عابرة‪ ،‬ثم تهدأ قبل ان تصل إلى اية‪.‬‬
‫الـراي العـام الـواعي المتكتـل‪ ،‬وهـو الـواعي بالمفـافيم‪ ،‬المتكتـل فـي تنظـيم أو شـبه تنظــيم‪،‬‬
‫فهـذا كمــا قـال ( ميرابــو ) هــو الضــمان النهــائي‪ ،‬ضــد اســتبداد كــل حــاكم ( االنظمــة السياســية ‪/‬‬
‫يحيى الجمل ‪.) 057 :‬‬
‫فلل ـرأي العــام الفعــال المــنظم‪ ،‬دور فــي الجهــاد المــدني الســلمي خاصــة واألمــر بــالمعرو‬
‫والنهي عن المنكر عامة‪ ،‬وال يتم جهاد وال أمر بفضيلة وال نهي عن ر يلة من دونه‪.‬‬

‫‪ =31‬ل يشق طريق (الحكم الشوري) إل طوفان التجمعات المدنية الأهلية‬


‫أ – دور األعيان والعلماء‪:‬‬
‫‪182‬‬
‫إن اإلنسان المفرد‪ ،‬قد يغامر ويخاطر‪ ،‬فيقول كلمة الحـق والعـدل‪ ،‬أمـام السـلطان الجـائر‪،‬‬
‫ولكــن أص ـوات األف ـراد األشــتات‪ ،‬ضــئيلة الجــدوى فــي أ لــب الحــاالت‪ .‬وأقــوى منهــا وأكثــر جــدوى‬
‫صوت األفراد المتعاونين ‪ ،‬وقـد يزيـل صـوت الـرهط بعـض المنكـرات‪ ،‬وقـد يحمـي داعيـة القسـط ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ي لوال رهط لرجمناك ي ولكن الجمع القليل‪ ،‬ال يستطيع في أكثر الحـاالت أن يزيـل‬
‫سوءاً وال جو ارً‪.‬‬
‫ال يزيل المنكرات الجوهرية‪ ،‬في األمة‪ ،‬التي شرعتها دول االسـتبداد والجـور المتعاابـة‪ ،‬إال‬
‫طوفان الرأي العام‪ .‬فالرأي العام إ ا ضغط وطالب‪ ،‬يصل إلى المرام‪ ،‬ويلجم الفساد باللجام‪.‬‬
‫أجل كثير من جماهير الرأي العام ير قديرين على صيا ة الكلمة‪ ،‬أو ير قادرين على‬
‫بلورتها‪ ،‬وقد يخفى عليهم األمر‪ ،‬فيحتاجون إلى من ينبههم ويبصرهم‪ ،‬إنهـم يـدركون أن الجسـد‬
‫مريض‪ ،‬ولكنهم قد ال يستطيعون تحديد الداء‪ ،‬ولو حددوه‪ ،‬لما استطاعوا وصفه‪ ،‬ولو استطاعوا‬
‫وصـــفه لمـــا اســـتطاعوا تحديـــد العـــالج‪ ،‬ولكـــن رفـــع الرايـــة وتحديـــد الوســـيلة والغايـــةت إنمـــا هـــو‬
‫دوراألعيان والعرفاء‪.‬‬
‫الم المصلح فى كل مجتمع يقوم بدورين‪:‬‬
‫الـــدور األول‪ :‬يصـــوا بالكلمـــات‪ :‬التـــي تحـــدد المـــرض األســـاس‪ ،‬ويفـــرزه عـــن األعـــراض‬
‫والمضاعفات‪ ،‬وبقدم مشروع اإلصالح (الحكم الشوري)الذي هو العالج‬
‫والفــزع ‪ ،‬واســتعداده‬ ‫الثــاني ‪ :‬بــالموااف يجس ـد الوســائل‪ ،‬مــن خــالل صــبره علــى الخــو‬
‫للتضحية بالوظيفة والراحة والنفر ايضا ‪ ،‬واسـتعداده لـدخول السـجون‪ ،‬واسـتعداده لالستشـهاد‪.‬‬
‫فهذا هو شرط النخبة التي تجنح بمواقفها الكلمات على رار قول الشاعر ‪:‬‬
‫إنا جعلنا للخالص جسومنا×‬
‫جس اًر فقل لرفاقنا أن يعبروا‬

‫‪181‬‬
‫فالنــاس علــى كــل حــال يحتــاجون إلــى مــن يبــادر ويتقــدم‪ ،‬ألنهــم إن لــم يســتطيعوا بلــورة‬
‫األفكار‪ ،‬أو إنشاء الحلول‪ ،‬لم يفتهم أن ينصروا الفرد والرهط‪ ،‬حتى تتحول الكلمات إلى موااف‪.‬‬
‫وكل من الفرد والرهط والجمع القليل‪ ،‬والتجمع الهزيل‪ ،‬أعزل معـرض لـ ى‪ ،‬فهـو معـرض‬
‫لقطع األرزاق تارة‪ ،‬ولقطع األعناق تارة أخرى وال بد من مناصرته‪ ،‬فالجهاد المدني ال يقوم بقائـد‬
‫أو رائد مخـذول‪ ،‬إ ا لـم يشـدد أزره‪ ،‬ويحمـي ظهـره‪ ،‬كالجهـاد العسـكري‪ ،‬ال يقـوم بقائـد مهمـا كـان‬
‫بارعا‪ ،‬إ ا كان مخذوال‪ ،‬كما وقع للخليفة الراشد علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫إن مــن أخطائنــا الثقافيــة واالجتماعيــة الكبــرى‪ ،‬أن نركــز علــى دور قائــد ملهــم ‪ ،‬أو بطــل‬
‫منقــذ‪ ،‬ونتجاهــل ســنن هللا االجتماعيــة‪ ،‬التــي تعلمنــا أن الجمــاهير هــي التــي تغيــر مجــاري أنهــار‬
‫الحضارات واألمم‪،‬وهذا يؤكد أهمية العمل الجماعي في اإلسـالم‪ ،‬الـذي يقـوم بالتعـاون علـى البـر‬
‫والتقوى‪ ،‬وقد شهد التاريخ علـى هـذه القضـية‪ ،‬بـ ن قولـة كلمـة الحـق‪ ،‬إ ا لـم يحملهـا إال المفـرد‬
‫والرهط والجمع القليل‪ ،‬تتعرض للمصادرة واالستئصـال‪ ،‬فتـذهب وك نهـا صـرخة فـي واد‪ ،‬أو نفخـة‬
‫في رماد‪.‬‬
‫لقد سجل التاريخ اإلسالمي‪ ،‬موااف مئات األفراد التي نادت باإلصالح‪ ،‬ولكـن جهودهـا لـم‬
‫تؤد إلى التغيير المنشود‪ ،‬إ ن ليسـت القضـية إ ن مواـف فـرد أو رهـط أو تجمـع قليـل أو هزيـل‪،‬‬
‫يقدم نصيحة جريئـة‪ ،‬فيهـان أو يضـايق أو يستشـهد‪ ،‬وتسـتمر عجلـة الجـور واالسـتبداد‪ ،‬تـدوس‬
‫العباد‪ ،‬وتنشر الفساد‪.‬‬
‫ب=الجماهير هي النهر إذا جر ‪:‬‬
‫والذي يت مل الجهود الخيرة‪ ،‬عبر التاريخ اإلسالمي‪ ،‬يمكن أن يستنبط أسباب إخفاقها‪:‬‬
‫‪ 0‬ـ أنها جهود فردية‪ ،‬وجهود األفراد قد تستطيع أن تتحـدى التيـار مـرة أو مـرتين‪ ،‬ولكنهـا‬
‫ال تســتطيع أن تســتمر‪ ،‬فض ـالً عــن أن تغيــر مجــرى النهــر‪ ،‬إ ا واــف النــاس حولهــا يتفرجــون‪،‬‬
‫واكتف ـوا بالت ييــد الصــامت الســاكن‪ .‬وعنــدما ال تنصــر جهــود األف ـراد‪ ،‬ب ـ عوان كثــار‪ ،‬تضــيع كلمــة‬
‫الحق عبر الرياح‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫عـابرة يـر مسـتمرة وال مسـتقرة ‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـ أنها قد تنخدع بالجماهير الذين يؤيدونها بعواطـ‬
‫فتنــتج عمــال متواصــال‪ ،‬والفســاد لــن يخ ـ ‪ ،‬مهمــا قبــل النــاس جبــين المجاهــد المــدني والمصــلح‬
‫السياســي كلمــا لقــوه‪ ،‬ومهمــا احتشــدوا لزيارتــه وســماع كالمــه‪ ،‬ومهمــا أحي ـوا الليــل بالصــلوات‬
‫والدعاء له في القنوت ومهما صلوا على جنازته بمئات األلو ‪.،‬‬
‫‪=7‬ان الجماهير معب ة فكريا بخطاب استسالم مستقر مسـتمر‪ ،‬يجعلهـا تنـدرج فـي خـداع‬
‫الــنفر بــدعوى إنكــار المنكــر بالقلــب‪ ،‬واستســالم الجســد والــروح لقــوى الفســاد‪،‬فالخطاب الــديني‬
‫المحر ال يقول لها إن (الحكم الشوري) عـديل الصـالة‪ ،‬بـل يقـول إن العدالـة مـن فـروع الـدين‬
‫والثانويات‪.‬‬
‫‪=3‬وفوق ل عبئت الجماهير بخطاب يجعلها ترى التنازل عـن الكرامـة أمـ ار ال بـ س بـه‪،‬‬
‫ففقدت الفكر الـذي يقـول لهـا إن الكرامـة أهـم مـن الحيـاة‪ ،‬ونن الغضـب والحميـة والغيـرة‪ ،‬صـفات‬
‫إنسانية ال يتنازل عنها إال العبيد‪.‬‬
‫‪ =2‬فقــدان االســتراتيجية والخطــة والتنظــيم‪ :‬ألن جهــود اإلصــالح فــي األ لــب تتجــه نحــو‬
‫الحاكم الفرد‪ ،‬فتجابهه بشجاعة وتضحية‪ ،‬ولكنها قـد تسـتفزه وتسـتثير خوفـه و ضـبه معـاً‪(،‬دون‬
‫أن تحسب رد فعله وكيف يكون رد فعلهـا علـى فعلـه منتجـا) فيـزداد ظلمـاً وبطشـاً‪ ،‬وتـزداد قـوى‬
‫اإلصـــالح الً وتهميشـــاً‪ .‬فهـــي تفتقـــد االســـتراتيجية والخطـــة وتفتقـــد التنظـــيم‪ :‬ال يتغيـــر الفســـاد‬
‫السياسي بتعبيرات طيبة وجدانية محمودة‪ ،‬تشكل ردود فعل وقتيـة‪ ،‬و فلـة عـن األسـلوب المنـتج‬
‫عند مقاومة الجور والفساد‪ ،‬ألنها ير عملية حركية‪.‬‬
‫إن الطغيــان الــذي رســخ عبــر األجيــالت ال يجابــه إال بــالتخطيط البعيــد المــدى‪ ،‬تمامــا إنــه‬
‫كشراسة الحية‪ ،‬وال بـد للمصـلحين أن يسـلكوا لكـي ينجحـوا أسـلوب القنفـذ مـع الحيـة‪ ،‬الـذي يبـدأ‬
‫بهــا مــن نبهــا‪ ،‬وهــي تحــاول أن تنهش ـه‪ ،‬فيحتمــي بشــوكه‪ ،‬في كلهــا فت ـ ار فتـرا‪ ،‬حتــى ال يبقــي إال‬
‫رأسها‪ ،‬عند ل يصبح رأسها(ما دام بالجسد) بال وظيفة حبال من مسد!‬

‫‪185‬‬
‫ال تـــنجح جهـــود اإلصـــالح‪ ،‬مـــا لـــم لـــم تـــنهج األســـلوب الســـلمي إلصـــالح الســـلطة‪ ،‬عبـــر‬
‫والنهـي عـن المنكـر‪،‬‬ ‫التجمعات المدنية األهلية ‪ ،‬المعنية بالش ن العام‪ ،‬كهيئات األمر بالمعرو‬
‫فى شقي الشريعة المدني والروحي معا‪ .‬وجمعيات حقوق اإلنسان‪ ،‬وروابط العلماء‪ ،‬والجمعيـات‬
‫المعنيـــة بشـــ ن خـــاص‪ ،‬يخـــدم تلقائيـــا الشـــ ن العـــام‪ ،‬كنقابـــات أهـــل المهـــن‪ ،‬وجمعيـــات العمـــال‬
‫وجمعيات الفالحين والتجار والعاطلين عن العمل‪.‬‬
‫وأهــم هــذه الجمعيــات المنتظــر دورهــا فــي اإلصــالح االســتراتيجي‪ ،‬الــذي يــؤدي إلــى تغييــر‬
‫مؤسسي فـي الحيـاة السياسـية واالجتماعيـة‪:‬ثال تجمعـات‪ :‬جمعيـات حقـوق اإلنسـان‪ ،‬ونقابـات‬
‫العمال‪ ،‬وروابط الطالب‪.‬‬

‫ج – التجمع السياسي المدني األهلي فريضة شرعية‪:‬‬


‫إن نصــوص الجهــاد واألمــر بــالمعرو ‪ ،‬جــاءت أوامــر عامــة تخاطــب الجماعــة‪ ،‬فهــي لــم‬
‫تخاطب الفقهاء وال األمراء بل خاطبت الشعب مباشرة‪.‬‬
‫وينهـون‬ ‫يقول هللا تبارك وتعالى‪ :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وي مرون بـالمعرو‬
‫عن المنكر وأولئ هم المفلحون‪.‬‬
‫فالخطاب موجه إلـى جميـع األمـة‪ ،‬وهـو يطالـب األمـة ( العامـة ) أن تنتـدب أمـة (خاصـة)‬
‫أي ( فئــة ) قويــة إلــى اإلصــالح والخيــر والمعــرو ‪ ،‬أي طائفــة أو فرقــة أو جماعــة أو جمعيــة‪،‬‬
‫واألمــة المطلــوب تكوينهــا‪ ،‬ال يكفــي فــي التعبيــر عنهــا أنهــا جماعــة‪ ،‬بــل إنمــا هــي تجمــع وتكتــل‪،‬‬
‫وجمعيات حقوق اإلنسان من األمر بالمعرو ‪ ،‬والنهـي عـن المنكـر‪ ،‬فـال منكـر أفظـع مـن الظلـم‬
‫أرفع من (الحكم الشوري‪.‬‬ ‫واالستبداد ‪ ،‬وال معرو‬
‫والخيـر مـن فـروض الكفايـة‪ ،‬كالقضـاء واإلفتـاء‪ ،‬وننشـاء‬ ‫قرر العلماء أن األمر بـالمعرو‬
‫المصـانع والمـزارع‪ ،‬وبنـاء المرافــق العامـة‪ ،‬إ ا قـام بهــا مـا يكفـي مــن جماعـات وتجمعـات‪ ،‬برئــت‬
‫مة الجميع‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ومن البديهي أن فرض الكفايـة‪ ،‬ونن خوطـب بـه جميـع أفـراد األمـة‪ ،‬ال يجـب القيـام بـه إال‬
‫على من ت هل له وقدر عليه‪ ،‬فعالج المرضى‪ ،‬ال يقدر عليه الفالح الذي لم تتجاوز خبرته إطار‬
‫الزراعــة‪ ،‬والقضــاء بــين النــاس ال يقــدر عليــه إال الفقيــه الفطــن‪ .‬فكيــف يكــون ل ـ فرض ـاً علــى‬
‫الجميع؟‬
‫إن الخطاب الموجه لجماعة األمة‪ ،‬يدل على أن ل فـرض علـى جميـع المكلفـين‪ ،‬فكيـف‬
‫يكون دورهم؟ إن دورهم يتمثل في ايامهم بمساعدة العناصر القادرة على أداء الواجب (مباشـرة‬
‫)‪ ،‬من خالل تذليل العقبات ‪ ،‬ومؤزرتها بالمال والنفر والنصح والجهد‪.‬‬
‫وهذا معنى قول الشـافعي رحمـه هللا فـي تعريـف واجـب الكفايـة فقـال‪ :‬يإن الواجـب الكفـائي‬
‫مطلوب على العموم‪ ،‬ومراد به وجه الخصوصي كما أشرنا في مقالة سابقة‪.‬‬
‫فجماعة األمة كلها مطالبة بتهيئـة األسـباب‪ ،‬والتعـاون علـى البـر والتقـوى‪ ،‬ليقـوم نظامهـا‬
‫االجتمــاعي‪ ،‬وتحف ـ كيانهــا‪ ،‬ون ا لــم يقــم النــاس بالتعــاون وتهيئــة األســباب للفئــات القــادرة أثــم‬
‫مطموساً‪.‬‬ ‫الجميع‪ ،‬ما دام المنكر قائماً‪ ،‬والمعرو‬
‫وقد وضح الشـاطبي فـي الموافقـات هـذا المعنـى فـذكر‪ :‬يإن القيـام بـالفرض ايـام بمصـلحة‬
‫عامة‪ ،‬وهم ]أي جماعة األمـة[ مطـالبون بسـدها علـى الجملـة‪ ،‬فبعضـهم قـادر عليهـا مباشـرة‪،‬‬
‫و ل من كان لها أهـالً‪ ،‬والبـاقون ونن لـم يقـدروا عليهـا قـادرون علـى إقامـة القـادريني‪ .‬فالقـادر‬
‫إ ن مطالب بإقامة الفرض بنفسه ألنه أهل لذل ‪ ،‬و ير القادر مطالـب بتقـديم لـ القـادر‪ ،‬إ ال‬
‫يتوصل القادر إلى أداء الواجب إال إ ا أعانته الجماعة‪.‬‬
‫و لـ بنــاء علــى القاعــدة األصــولية يمــا ال يــتم الواجــب إال بــه فهــو واجــبي قــال أبــو زهــرة‬
‫«القــادر عليــه أن يقــوم بالعمــل بالفعــل‪ ،‬و يــر القــادرت عليــه أن يمكــن القــادر» (أصــول الفقــه‪:‬‬
‫‪.)38‬‬

‫‪187‬‬
‫فإ ا قام القادر بإنكار المنكر‪ ،‬ولم يزل المنكر‪ ،‬فقـد برئـت متـه – وحـدها – إن كـان لـ‬
‫اإلنكار نهاية استطاعته‪ ،‬وأثمت األمة‪ ،‬ألنها لم تتضامن معه في إنكار المنكر‪ ،‬ونن زال المنكر‪،‬‬
‫برئت مة الجميع كما قال الزحيلي «ألن الواجب على األمة‪ ،‬أن تعمل بمجموعها على أن يؤدي‬
‫الواجب الكفائي فيها‪ ،‬فا لقادر بنفسه‪ ..‬على أداء الواجب الكفائي عليه أن يقوم به‪ ،‬و ير القادر‬
‫عليه أن يحث القادر ويحمله على القيام به‪ ،‬فإ أدى القادر الواجبت سـقط اإلثـم عـنهم جميعـاً‪،‬‬
‫ون ا أهمل أثمـوا جميعـاً‪ ،‬فيـ ثم القـادر‪ ،‬إلهمالـه واجبـاً قـدر علـى أدائـه‪ ،‬ويـ ثم يـره إلهمالـه حـث‬
‫القادر‪ ،‬وحمل ه على فعل الواجب‪ ...‬وهذا التضامن في أداء الواجـب االجتمـاعي الـذي جـاءت بـه‬
‫الشريعة اإلسالمية» (أصول الفقه للزحيلي‪ )63/1 :‬مبدأ التضامن عظيم ‪ ،‬والتجمعات األهليـة‬
‫المدنية اليوم‪ ،‬أكثر وسائله نجاحا‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ =79‬المندمجون في الملك العضوض الذين ي عمون يجاهدونه بالقلوب‬
‫هل هم من ورثة الأنبياء أ من ورثة الكهنوت؟‬
‫أ=عندما يكون المجرمون أصبر من المحتسبين‪:‬‬
‫مـــن أكثـــر مـــا يؤســـ فـــي ثقافتنـــاتأن تجـــد المجـــرمين واللصـــوص ومروجـــي المخـــدرات‪،‬‬
‫يواجهــون الســجون والقتــل والعــذاب‪ ،‬بشــجاعة وصــبر‪ ،‬وهــم يســعون فــي ســبيل شــهواتهم‪ ،‬وهــم‬
‫يعلمــون أن لهــم الخــزي فــي الــدنيا واآلخــرة‪ .‬وأن تجــد الصــالحين ‪ ،‬يجبنــون عــن إعــالن الحــق‪،‬‬
‫ويزعمون أنهم قد أنكروا بقلوبهم‪.‬‬
‫وهم وهللا واهمون‪ ،‬فلو صدقوا فـي مـا زعمـوه مـن إنكـار القلـوب‪ ،‬لظهـرت العالمـات علـى‬
‫األجساد واألرواح‪ ،‬فإن القلب إ ا اشتعل‪ ،‬بان على الجوارح اللهيب‪ ،‬وارتفع في األفق الدخان‪.‬‬
‫هذا محال فى القياس شنيع‬ ‫تعصي اإل له وأنت تزعم حبه ×‬
‫إن المحب لمن يحب مطيع‬ ‫لو كان حب صادقا ألطعته ×‬
‫أن اإلنكــار بالقلـبت وهـو علــى كـل حـال دعــوى مـن دون برهـان‪ ،‬ال يطبقــه‬ ‫ومـن المؤسـ‬
‫هؤالء الناس إال في ميدان المصالح العامة‪ ،‬أما مجال المنافع الخاصة‪ ،‬فإن المرء منهم ينتفض‬
‫كالليــث الهصــور‪ ،‬إ ا انــتقص مــن رزقــه الشــهري أو مالــه‪ ،‬دينــار أو ريــال‪ ،‬أو ضــاع لــه مقــدار‬
‫عقال‪ ،‬ولكنه إ ا رأى الفساد العام‪ ،‬همر‪ :‬الشكوى إلى هللا‪ ،‬وابع مدعياً أنه أنكر بقلبه‪.‬‬
‫ومــن أجــل ل ـ نــرى كثي ـ اًر مــن الفقهــاء‪ ،‬أقــل مــن يــرهم مــن المثقفــين والعلمــاء وعامــة‬
‫الناس‪ ،‬حرصاً على اإلصـالح المـدني‪ ،‬ووعيـاً ب ولويتـه وأهميتـه‪ ،‬ولـذل كـانوا أقـل إدراكـاً ألهميـة‬
‫قول كلمة ووقفة الحق في األمور العامة‪ ،‬وأقـل وعيـاً ومعرفـة بـالواقع ونوازلـه وأحداثـه‪ ،‬يعـانون‬
‫من بطء حيوية في مواكبة الحياة المدنية‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫بل إن تجـد بعـض الفقهـاء مركـ از فـى وعـ االميـر علـى إعفـاء لحيتـه ‪ ،‬وال يهمـه إال أن‬
‫يعفى االمير لحيته ‪ ،‬أما أن يحلق األمير لحية األمة‪ ،‬ويفرط فـى مصـالحها ‪ ،‬فبـاب الضـرورة لـه‬
‫مفتوح على مصراعيه‪:‬‬
‫يا أمة ضحكت من جهلها األمم‬ ‫أ اية الدين أن تحفوا شورابكم ×‬
‫ب=لكي ال يكون العوام أصبر من الفقهاء والعلماء‪:‬‬
‫مــن مــا يضــاعف تبعــة الفقهــاء والعلمــاء واألعيــانت أن كثي ـ اًر مــن عامــة النــاس بــل ومــن‬
‫المتعلمين والمثقفين‪ ،‬ال يكادون يتحركون إلنكار منكـر‪ ،‬وال إلقامـة معـرو ‪ ،‬إال إ ا تقـدمهم أحـد‬
‫الفقهاء‪ ،‬فإن سكت سكتوا‪ ،‬ونن نطق نطقوا‪.‬‬
‫وقصر قول كلمة الحق‪ ،‬أو توقع إعالنها على لسان فقيه‪ ،‬يدل على أمـر حسـن هـو ثقـة‬
‫المسلمين بالفقهاء‪ ،‬ولكن الناس لـم يـدركوا أن الفقهـاء ونن لـم فـى سـلوكهم مـن ( تقصـير) فـي‬
‫حملــة األمانــة‪ ،‬ولكــن فــي ثقــافتهم (قصــور) كبيــرعن فقــه الت ـوازن‪،‬بين شــقي العقيــدة الروحــي‬
‫والمدني‪ ،‬وهذا القصور أصابهم في الصميم‪.‬‬
‫أل ن منهاج التعليم الديني الذي رسخ في عصور الفساد السياسي العباسي يعاني من قلة‬
‫نشاط‪ ،‬وبطء حيوية‪.‬‬
‫لكن قصر حركة الجهاد المدني على ايادة رجال هـذا المنهـاج‪ ،‬يـور شـلالً فـي الحركـة‪،‬‬
‫وخلالً في التدبير‪ .‬ولكنه من جانب آخر من مساول العادات االجتماعية‪ ،‬التي جرى الناس فيها‬
‫علــى الركــود والجمــود‪ ،‬حتــى حملـوا الفقهــاء مســؤولياتهم‪ ،‬ليريحـوا أنفســهم مــن عنــاء المجاهــدة‬
‫والمصــابرة‪ ،‬ويحصــروا التفكيــر والمبــادرة‪ ،‬فــي مجــال األمــر بالمعروفــات السياســة والنهــي عــن‬
‫منكراتها بالفقهاء‪ ،‬وك ن هذا الجهاد المدني خاص بالفقهاء مـن كبـار وصـغار‪ ،‬أو بمـن ينتصـب‬
‫للتدرير في مسجد أو يتخصص في حقل من حقول الشريعة ‪ ،‬فيحملون فقهاءهم كل همـومهم‬
‫وهم قاعدون‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫وهذا السلوك جهل بالشريعة ‪ ،‬بينه المبعو لنشر الشريعة‪ ،‬فلم يشترط الرسول صـلى هللا‬
‫عليــه وســلم أن يكــون قائــل كلمــة الحــق والخيــر والعــدل‪ ،‬فقيه ـاً مجتهــداً‪ ،‬أو عالم ـاً أو مفك ـ اًر أو‬
‫أستا ا جامعيا‪ ،‬أو طالب علم مثقفاً‪ ،‬ألن قول كلمة الحق واجب عام‪ ،‬على الخاصة والعامة‪ ،‬كل‬
‫بحسب حاله‪ ،‬والشريعة لم تشترط أن يكون المجاهد واآلمر بالمعرو عالماً‪ ،‬وننما اشـترطت أن‬
‫يكون اآلمر بالخير على بصيرة من ما ي مر به‪ .‬كما قال تعالى‪ :‬قل هـذه سـبيلي أدعـو إلـى هللا‬
‫على بصيرة‪ .‬المهم أن يكون اإلنسان صاحب بصيرة‪ ،‬في ما يحتسب فيه‪.‬‬
‫وننكار الرشوة ونهب أموال األمة‪ ،‬ونفساد تربيتها واحتكـار مناصـبها‪ ،‬وتوليـة الفاسـدينت ال‬
‫يحتاج االحتساب فيه إلى بصيرة عالم وال فقيه‪ ،‬ألنهم أمر بديهي يدركه افل ونبيه‬

‫ج= من هم ورثة األنبياء؟‬


‫على أن الفقيه المقتصر على شـق العقيـدة الروحـي‪ ،‬لـير هـو الفقيـه فـى معجـم القـرآن‬
‫والسنة والعصر الراشدي‪ ،‬فالقرآن عندما امتدح الفقه لم يحصره بالمعنى االصطالحي الذي شـاع‬
‫(في العصـر األمـوي ومـا بعـده)‪ ،‬والفقـه فـى معجـم القـرآن والسـنة والعصـر الراشـدي‪ ،‬إنمـا معنـاه‬
‫العقل والرأي الثاقب وحسن التفكير والتدبير(كما شرحت في كتاب البرهان)‪.‬‬
‫العلمــاء الراســخون هــم الــذين يعرفــون أصــول قــوة األمــة وصــفاء الملــة ‪ ،‬وال يكــون ل ـ‬
‫بالغفلة عن السياسة‪ ،‬لكن لوراثة األنبياء مدلوال آخر يختص بالعلماء (المصلحين)العاملين مـن‬
‫أهل االجتهاد العام‪ ،‬العارفين بالحياة العامة‪ ،‬فهم المعنيون بقول الرسـول صـلى هللا عليـه وسـلم‬
‫«العلماء ورثة األنبياء» فوراثة األنبياء ال تكون إال بالت سي بهم‪ ،‬ومن بعـض الـدين ففـرق بـين‬
‫فريضة الحكم الشوري وفريضة الصالةت لير من ورثة األنبياء‪ ،‬بل من ورثة الرهبنة والكهنوت‪.‬‬
‫واألنبياء أعمالهم أكثر من أقوالهم‪ ،‬األنبياء قدموا التوحيد محو ار لشقي العقيدة‪ :‬الروحـي‬
‫الفردي‪ ،‬وشقها المدني السياسي‪ ،‬ف قاموا (الحكم الشورى) كما أقاموا الصالة والصيام‪ ،‬فمن ظن‬

‫‪191‬‬
‫وراثة األنبيـاء تـ ليف كتـب ونلقـاء محاضـرات‪ ،‬واـبض ثمـن لـ شـهرة وصـيتاً وتكريمـاً فقـد أبعـد‬
‫النجفة‪.‬‬
‫ورثــة األنبيـــاء هــم مـــن ســـعى للــدفاع عـــن حقــوق النـــاس احتســـابا‪ ،‬ولــم يجعـــل األمـــر‬
‫والنهي عن المنكر اكتسابا‪.‬‬ ‫بالمعرو‬
‫ورثة األنبياء هم من رفعوا علم الجهاد بالنفر والنفير في سـبيل إصـالح المجتمـع‪ ،‬ولـم‬
‫يكتفوا المواع الروحية‪.‬‬
‫والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬ال يخــتص‬ ‫وعلــى كــل حــال فــإن العمــل فــي مجــال األمــر بــالمعرو‬
‫بريادة فقيه وال مبادرته وال ايادته‪ .‬فعلى كل فرد واجبه‪ ،‬ولكل فضله وريادته‪.‬‬
‫أجــل! مــن المتوقــع أن يكــون العلمــاء الــذين يعتبــرون أنفســهم ورثــة األنبيــاء أولــى النــاس‬
‫بالدفاع عن المي ار ‪ ،‬ولكن قصر حركة الجهاد المدني عليهم‪ ،‬قول بغير دليل‪ ،‬ال سـيما والجهـاد‬
‫حركة ووعي ومواهب ايادية عملية‪ ،‬قد ال تتوافر فى كل عالم‪.‬‬
‫ألن ايادة الج هاد المدني والسياسي وريادته‪ ،‬إنما يقوم بها ( العرفـاء )‪ ،‬سـواء أكـانوا مـن‬
‫الفقهـاء أم مــن أســاتذة الجامعــات‪ ،‬أم مــن المثقفــين أم مـن المهتمــين بالشـ ن العــام‪ ،‬الــذين لهــم‬
‫بروز اجتماعي‪ ،‬هم الذين يجسدون اهتمامات األمة‪ ،‬فتقدمهم وتصدرهم‪.‬‬
‫فتكليف الفقهاء بهذا العبء أمر ير صـحيح‪ ،‬وكـذل كـان صـحابة رسـول هللا صـلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فيهم حفاع للقرآن وقراء‪ ،‬وفيهم من هـو أكثـر ريـادة‪ ،‬كـ بى بكـر وعمـر ونن لـم يكـن‬
‫أكثر حفظا للقرآن‪.‬‬
‫ولذل ينبغي الحذر من ربط قافلة اإلصـالح المـدني والسياسـي‪ ،‬مقطـورة بعربـة فقيـه‪ ،‬مـن‬
‫من ركزوا اإلسالم في المناس ‪ ،‬وهمشوا القيم المدنية‪ ،‬والحذر من جعلها محـددة بطـاقتهم‪ ،‬فكـل‬
‫مسلم قصد وجـه هللا بعملـه‪ ،‬وراعـى الغايـات والوسـائل الشـرعية‪ ،‬مجاهـد مـدني بكلمـة أو وقفـة‪،‬‬
‫ونن قل علمه‪ ،‬إ ا حسن عمله‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫بـــل ينبغـــي الحـــذر مـــن االكتفـــاء بفتـــاوى العلمـــاء المحـــافظين علـــى الصـــيا ة العباســـية‬
‫وهمشـت القـيم المدنيـة وال‬ ‫والمملوكية للعقيدة والتربية والثقافة‪ ،‬التي ركزت الـدين فـي المناسـ‬
‫سيما السياسية‪ ،‬فذل منزلق خطير‪ ،‬فضالً عن قصر اإلصالح على ريادتهم‪.‬‬
‫ولـو قـرأت كتـب هـؤالء الغــافلين وفقنـا هللا ونيـاهم لعرفـت أنهــم فـى واد مـن الغفلـة ســحيق‬
‫عميق‪ ،‬وأن أساليب عزة االمة وقوتها فى عالية الهضاب‪.‬‬

‫‪ =17‬من هو شيخ الإسل ؟ ومن هو العل مة؟ لكي ل يمسي فقهاء القنوت‬
‫والسكوت المندمجون في ال ستبداد رواد الأمة‬
‫أ= قيم اإلسالم المدنية والسياسية مدركة بالفطرة والخبرة‪:‬‬
‫إدراك اـــيم اإلســـالم المدنيـــة‪ ،‬أمـــر ال تنحصـــر معرفتـــه بالفقيـــه المتخصـــص فـــي كليـــة أو‬
‫جامعة‪ ،‬ف األحكام الشرعية الضرورية‪ ،‬روحية ومدنية يدركها كثير من الناس‪ ،‬ألنها من مـا يعلـم‬
‫مـن الـدين بالعـادة والبداهـة‪ ،‬ال يحتـاج فيهـا المسـلم‪ ،‬الـذي نشـ فـي بيئـة إسـالمية‪ ،‬إال أن يفــتح‬
‫عينيه ويعمل بيديه ليكون من ي أولى األيدي واألبصاري‪.‬‬
‫والبصيرة في أمور االستبداد والظلم ‪ ،‬ليست هالال يتراءاه الناس على ر وس الجبال ‪ ،‬بل‬
‫هي شمر مشرقة في كل ميدان ‪ .‬ولو خفيت تفصيالت بعض أركان اإلسـالم الروحيـة‪ ،‬كشـعائر‬
‫الحج ودقائق اإليمان بالغيب لما خفيت األخرى‪ ،‬كالصالة والصيام‪.‬‬
‫ولو خفيت بعض شعائر اإلسالم المدنية‪ ،‬كالمواريث لما خفيت األركان السياسية الكبرى‪،‬‬
‫ف ركـــان الـــدين المدنيـــة الكبـــرى(الحكم الشـــورى)‪ ،‬وفروعـــه كالعدالـــة والزكـــاة واإلدارة واالقتصـــاد‬
‫والشورى ليست أمو اًر ملتبسة‪ ،‬يحتاج المحتسـب فيهـا إلـى علـم شـرعي دقيـق‪ ،‬ولـذل لـم تشـترط‬
‫النصوص الشرعية أن يكون المحتسب عالماً أو فقيهاً‪ ،‬إنما اشترطت أن يكون عارفـاً بمـا يـ مر‬
‫به وينهى عنه‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫إنمــا األمــر المحصــور التعمــق فيــه بالفقهــاء هــو شــق الشــريعة الروحــي والفــردي‪ ،‬ك ـ مور‬
‫الغيـــب والمناســـ ‪ ،‬وال يكـــون الفقيـــه مجتهـــدا إال إ ا اتســـع إدراكـــه إلـــى معرفـــة شـــؤون (الحكـــم‬
‫الشــورى)‪ ،‬بــذل يكــون الفقيــه مــن أهــل االجتهــاد العــام‪ ،‬وجــدي ار بلقــب العــالم الراســخ كمــا نبــه‬
‫القرطبي‪ ،‬وجدي ار بوراثة األنبياء‪ ،‬في اإلفتاء والتعاليم والقضاء وريادة العمل العام‪.‬‬
‫إن اــيم اإلســالم المدنيــة (عامة)والسياســية خاصــة‪ ،‬أوضــح مــن القــيم الروحيــة وأبــين‪ ،‬إ‬
‫يـدرك أكثرهــا وأهمهـا كــل إنسـان‪ ،‬سـواء أكــان مسـلماً أم يــر مسـلم‪ ،‬ألنهــا مـن األمــور البديهيــة‬
‫الضرورية‪ ،‬التي ال تحتاج إلى علم واستدالل‪.‬‬
‫فقــد جــرت العقــول الســليمة بمقتضــى الفطــرة الخبــرة‪ ،‬فــي األمــم المدنيــة‪ ،‬التــي أشــادت‬
‫الحضـــارات والـــدول الشـــامخة‪ ،‬علـــى إدراك أن (الحكـــم الشـــورى)‪ ،‬شـــرط فـــي أي حكومـــة‪ ،‬وأن‬
‫التجمعــــات األهليــــة المدنيــــة هــــي ضــــمانة (الحكــــم الشــــورى)‪ ،‬وأن حيويــــة المجتمــــع تظــــاهرات‬
‫واعتصامات وبيانات هي ضمان حقوق الشعب وحرياته ‪ ،‬وأن جو الحريـة السـامية‪ ،‬هـو المنـا‬
‫التــي تنمــو فيــه المجتمعــات‪ ،‬هــذه أمــور عرفتهــا كــل أمــة وملــة ودولــة‪ ،‬مســلمة و يــر مســلمة‪.‬‬
‫وينبغي للفقهاء أن ال يكونوا في آخر القافلة‪.‬‬
‫كمـــا أجمعـــت األمـــم قـــديمها وحـــديثها مســـلمها وكافرهـــا علـــى االلتـــزام ب مهـــات الفضـــائل‪،‬‬
‫ف جمعــت علــى فضــل التواضــع واإلنصــا ‪ ،‬وعلــى فضــل الصــدق واألمانــة‪ ،‬وعلــى فضــل العفــة‬
‫وقدسية الزواج‪ ،‬وعلى فضل الكفاية والتخصص‪ ،‬وعلى فضل الجد والدأب والصـبر‪ ،‬وعلـى فضـل‬
‫التشاور والحوار ‪ ،‬وفضل التكتل والتعاون لما ترى لها من العواقـب الحميـدة‪ ،‬وجـرت أيضـاً علـى‬
‫كــره الظلــم واإلجحــا ‪ ،‬وســوء األثــرة واالســتكبار‪ ،‬واــبح الجــور والطغيــان‪ ،‬واــبح الزنــا واللــواط‬
‫والمسكرات والمخدرات‪ ،‬لما ترى لها في حياتها الدنيوية‪ ،‬من العواقب الذميمة‪.‬‬
‫إن اإلحالة إلى أهل العلم بالشريعة‪ ،‬في كل قضية خفيـة أو جليـة‪ ،‬أمـر يـر مشـروع‪ ،‬بـل‬
‫هو مـن عالمـات الجهـل العـام‪ ،‬الضـارب ب طنابـه‪ ،‬فـي المجتمعـات اإلسـالمية‪ ،‬إن عـالم الشـريعة‬

‫‪193‬‬
‫إنما ينبغي أن يس ل عن األمور الخفية التي يحسنها‪ ،‬ر م أن قوله سواء أكان مفتياً حكومياً أو‬
‫شعبياً‪ ،‬لير نصاً ال يجوز الخروج عليه‪.‬‬
‫ثم إن الوثوق بقول العالم مستمد من قوة دليله‪ ،‬ال من ايمة شخصه‪.‬‬
‫ثم إ ن الصيا ة العباسية للفكر‪ ،‬ونن صلحت لبيئات ابرة صارت من أسـباب الجمـود فـي‬
‫بيئاتنــا المعاصــرة‪ ،‬فينــدر أن تــرى العــالم الشــرعي‪ ،‬الــذي يــدرك كليــات الشــريعة ومقاصــدها فــي‬
‫المجال المدني والسياسي‪.‬‬
‫ب=فقيه شجاع دون أعوان كصقر مكسور الجناح‪:‬‬
‫وعندما يصبح الفقيه من دون أعوان يصبح كـالطير المنتـو ‪ ،‬لـذل صـار مـن المـ لو‬
‫‪ ،‬أن يلتمر المخارج والحيل‪ ،‬لتبرير ظلم مبين‪ ،‬أو ارتشاء فظيع‪،‬‬ ‫عند الفقيه التقليدي المنتو‬
‫أو إهمال فـي شـؤون األمـة مريـع‪ ،‬وربمـا بـرر السـكوت عـن إنكـار الظلـم‪ ،‬بـدفع المفاسـد المقـدم‬
‫علـى جلــب المصـالح‪ ،‬ولكــن لــير لديـه مســطرة تثبــت أن كـم الفســاد المتوقــع أكثـر مــن الصــالح‬
‫المنتظر‪ ،‬وربما برر السكوت عن الفسادت ب ن الفساد موجود في كـل الـدول‪ ،‬فيكـون بـذل مـن ي‬
‫حزب التبرير ي ‪.‬‬
‫ولكن أخطر األمور‪ ،‬أن يظن الناس أن قول الحق خاص بقيادة فقيـه سـواء أكـان المنكـر‬
‫في مجال شعائر المناس أم في مجال شعائر المدنية‪ ،‬فإن أحجم أحجموا‪ ،‬ونن أقدم أقدموا‪.‬‬
‫ج=لكي ال نصبح سكوت فقهاء الملك العضوض حجة‪:‬‬
‫والخالصــة أنــه لــم يــرد دليــل فــي محكــم الشــريعة‪ ،‬وال فــي حقــائق علــوم اإلنســان والطبيعــة‬
‫ينص على أن قول كلمة الحق والعدل والخير خـاص بعلمـاء الـدين‪ ،‬وال أنـه محصـور بقيـادتهم‪،‬‬
‫بل ولم يرد في الشريعة ما يقصر اإلصالح علـى إ ن طائفـة مـن المفتـين‪ ،‬واشـتراط لـ كهنـوت‬
‫نصراني‪ ،‬تسرب إلى األمة اإلسالمية‪ ،‬منذ العصر الوسيط‪ ،‬في عهود الجمود والركود‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫إن هللا سبحانه وتعالي ‪ ،‬لـم يجعـل حفـ دينـه وشـرعه ‪ ،‬ل مـراء وال للفقهـاء ‪ ،‬إنمـا جعلـه‬
‫ل مة‪ ،‬ولذل جاء الخطاب القرآني‪ :‬يا أيها الذين آمنـوا ‪ ،‬فـى الشـئون عامـة والمدنيـة خاصـة ‪،‬‬
‫فى شئون الحرب والسلم ‪ ،‬وقد جاء ل فى أكثر من مئة موضع فى كتاب هللا‪.‬‬
‫ولذل نص اإلمام ابن تيمية ‪ ،‬على أن األمة هـي الحفيظـة علـى الشـريعة‪ ،‬بـل إن القـرآن‬
‫الفقهاء واألمراء ‪ ،‬ولذل عقد الشيخ محمـد بـن عبـد الوهـاب رحمـه هللا‬ ‫حذر األمة ‪ ،‬من انح ار‬
‫‪ ،‬فصـال فــى كتــاب الوحيــد ي بــاب مــن أطــاع األمـراء والفقهــاء فــى يــر طاعــة هللا ‪ ،‬فقــد اتخــذهم‬
‫أربابا من دون هللا ي‪ ،‬ووضح ل المفسرون ‪ ،‬فى تفسير آية التوبة ‪ :‬اتخذوا أحبارهم ورفبـانهم‬
‫أربابا من دون هللا ( انظر تفسير القرطبي والمنار)‪.‬‬

‫د– تقصير المتدينين في اإلصالح المدني والسياسي‪:‬‬


‫و تخــا ل المتــدينين عــن اإلصــالح المــدني والسياســي نــاتج عــن حصــر الــدين بالمناس ـ ‪،‬‬
‫التمرس بالحياة‪ ،‬وقد يسوا السكوت عنه لو كان مسلكاً محدودًا‬ ‫وقلة االختالط بالناس‪ ،‬وضع‬
‫خاصـاً بجماعــة أو مكــان‪ ،‬ولكنــه ظــاهرة عامــة فــي عديــد مــن البلــدان اإلســالمية عامــة والعربيــة‬
‫خاصة تمارس باسم التدين‪.‬‬
‫ولكن التدين لير محصو اًر بالثانوي من الدين مـن مظـاهر وطقـوس‪ ،‬وال بإطالـة لحيـة وال‬
‫تقصير ثياب وال بحمل مسواك‪ ،‬و ير قليل من الملتزمين فى ظاهرهم في جانب الشريعة الروحي‬
‫كالصالة والصيام والذكر وايام الليل والدعاء‪،‬ت إنمـا هـم ـارقون فـي منكـرات مـن البـدع المدنيـة‬
‫كالغيبة والنميمة وتزكيـة الـنفر واإلعجـاب بالـذات‪ ،‬وقلـة العـدل واإلنصـا مـع المـوافقين فضـالً‬
‫عن المخالفين‪ ،‬وضمور المرونة في النقاي مع الموافقين‪ ،‬والوقو من الشريعة على المظاهر‬
‫والشــعائر‪ ،‬وتركيــز الــدين فــي شــؤون العبــادة الفرديــة الروحيــة الخاصــة‪ ،‬وضــيق األفــق فــي فهــم‬
‫شطر الدين المدني‪ ،‬والتقصير في بر الوالدين‪ ،‬وصلة األرحام واألقارب‪ ،‬والتقصير عن المشاركة‬
‫في الش ن العام‪ ،‬واالنحباس في تربية أهلهم وأوالدهم‪ ،‬وترك مجتمعهم‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫وهــذه األمــور التــي رق ـوا فيهــا وهــم ال يشــعرون‪ ،‬إنمــا هــي مــن الكبــائر‪ ،‬ألن اثرهــا علــى‬
‫المجتمــع أخطــر مــن مــا الحظــوه علــى اللب ـراليين مــن جانــب ‪ .‬وألن تفــريطهم فــى شــعائر الــدين‬
‫المدنية هو الذي أوحى للبراليين بمحاكاة الغرب ‪ ،‬كما كر الغزالي وعالل الفاسي و يرهما‪.‬‬
‫إن جهل أ لب الفقهـاء عامـة وطـالب العلـوم الدينيـة والمتـدينين عامـة بمفهـوم المجتمـع‬
‫المــدني أعظـم داللــة علــى جهلهــم بالشــريعة ‪ .‬ولــذل ال ينبغــي للمــرء أن يزكــي نفســه‪ ،‬فكــم مــن‬
‫معصية خفية يشعر بها أو ال يدري‪ ،‬وال ينبغي للمرء أن يسـيء الظـن بإخوانـه ويحتقـر جهـودهم‬
‫ولو كانوا فساقاً‪ ،‬فرب عاص أدرك بذله وانكساره‪ ،‬ما لم يدركه ملتزم بعجبه وا تراره‪.‬‬
‫يـــر شـــرعي‪ ،‬يعنـــي احتكـــار الصـــواب‬ ‫وقصـــر الجهـــاد المـــدني علـــى المتـــدينين مســـل‬
‫واإلخالص‪ ،‬واحتكار علو الهمة في جلب النفع العام‪ ،‬واحتكار الشجاعة والتضحية‪ ،‬و ل أمر ال‬
‫يتســق مــع الشــريعة‪ ،‬ألن الشــريعة أمــرت بقبــول كلمــة الحــق مــن أي إنســان‪« ،‬فالحكمــة ضــالة‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها» كما في الحديث الشريف‪.‬‬
‫وتفتيش بواطن الناس‪ ،‬لير أمـ اًر مشـروعاً للحـاكم‪ ،‬فضـالً عـن يـره مـن النـاس‪ ،‬ونسـاءة‬
‫الظـن بالنـاس ظلـم ونجحـا ‪ ،‬والسـنة هـي االعتـ ار بالفضـل ألهلـه‪ ،‬واإلنصـا للقريـب والبعيــد‪،‬‬
‫‪ ،‬وتشـجيع كـل فاعـل خيـر‪،‬‬ ‫واالعتماد على الظواهر في الحكم‪ ،‬على األشخاص وترك البـواطن‬
‫والثنــاء علي ـه بمــا صــنع‪ ،‬ونن كــان مســتت اًر بالمعصــية أو بدعــة‪ ،‬بــل ونن كــان معلن ـاً لبدعــة أو‬
‫معصية‪ ،‬ما دام قد قدم خي اًر لعموم الناس‪.‬‬
‫‪ ،‬ولـم يقـدر أن‬ ‫ولو افترضنا أن المجاهد المدني لم يسـتطع أن يكـون نمـو ج اإلخـالص‬
‫يبـــرل نفســـه مـــن حظـــوع الـــنفر العاجلـــة‪ ،‬فـــإن لـــ ال يقـــدح فـــي مشـــروعية جهـــاده المـــدني‬
‫ونصالحه‪ ،‬ولذل فإن تركـه الجهـاد المـدني واإلصـالح أمـر محـرم مـذموم‪ ،‬فالصـحابة رضـوان هللا‬
‫عليهم‪ ،‬لم يكونوا على درجة واحدة‪ ،‬ال في التضـحية واإليثـار‪ ،‬وال فـي اإلخـالص وال فـي االبتعـاد‬
‫اء فـي اإلخـالص فكـان‬
‫عن حظوع النفر‪ ،‬وقد كر هللا عنهم‪ ،‬وهم خيـرة األمـة‪ ،‬أنهـم ليسـوا سـو ً‬

‫‪197‬‬
‫مــنهم الســابقون والالحقــون‪ ،‬ومــنهم المهــاجرة واألنصــار‪ ،‬ومــنهم أع ـراب يبحثــون عــن الغنــائم‪،‬‬
‫وبمجموعهم انتصر اإلسالم‪.‬‬
‫ال يتواف صالح العمل العام على الدوافع والنيات الخوالص‪ ،‬إنمـا المهـم النتـائج واآلمـال‬
‫والمحصول المتجمع في البيـدر‪ ،‬فـي الحيـاة الـدنيا‪ ،‬إنمـا يتواـف صـالح العمـل علـى الـدوافع فـي‬
‫الحياة اآلخرة‪.‬‬
‫وكم كلمات مضيئة وموااف نابضة قام بها رجال ليسوا من الفقهاء وال مـن القـراء‪ ،‬ألنهـم‬
‫ملكوا البصيرة الشجاعة واإلخـالص والفقـه الكـافي‪ ،‬ونن لـم يملكـوا الفقـه الـوافي‪ ،‬وأ كـر منهـا أن‬
‫األول مــن الق ـرن الرابــع عشــر‪ ،‬اســتمع إلــى‬ ‫أحــد العامــة فــي إحــدى بلــدان نجــد خــالل النص ـ‬
‫الخطيب وهو يدعو‪ ،‬فعندما قال الخطيب‪ :‬اللهـم العـن الظلمـة‪ ،‬قـال العـامي‪ :‬أال تسـمع يـا مهنـا؟‬
‫(اســم أميــر اإلقلــيم) وعنــدما قــال الخطيــب‪ :‬وأعـوان الظلمــة قــال الرجــل‪ :‬أال تســمع يــاابن نحــيط؟‬
‫(اسم مساعد األمير)!!‪.‬‬

‫‪=31‬كيف صار ليبراليون وغير متدينين‬


‫طل ئع دعاة حقو الشعوب المدنية والسياسية؟‬
‫أ – قصر اإلصالح السياسي على المتدينين وهم كبير‪:‬‬
‫الجهاد المدني والسيما السياسي للمطالبة بـ(الحكم الشوري)جهاد مفتوح‪ ،‬لكل قادر عليه‪،‬‬
‫فلم يـرد فـي الشـريعة اإللهيـة (فضـال عـن الطبيعـة البشـرية)ما يقصـر األمـر بـالخير والنهـي عـن‬
‫الشـــر‪ ،‬علـــى فريـــق دون فريـــق‪ ،‬ولـــم يشـــترط فيـــه أن يكـــون القـــائم بـــه مـــن المتـــدينين الـــوامين‬
‫الكبائر‪.‬‬ ‫بالفروض‪ ،‬المحترزين من اقت ار‬
‫فاشترط ال صالح الذاتي ‪ ،‬شرط كمال ال شرط صحة في الجهاد السلمي‪ ،‬كما قرر الفقهـاء‬
‫ا‬
‫فى باب الحسبة‪ ،‬ولـذل قـال بعـض الفقهـاء مشـروع لمحتسـي الكئـوس أن ينهـى بعضـهم بعضـا‬
‫‪198‬‬
‫عنها!‪ ،‬بل مشروع لسنسان أن ينهى الناس عن المنكر‪ ،‬ونن مارسه قصداً ال عفواً وسـهواً‪ ،‬ونن‬
‫كان ملوما‪ ،‬كما نص التنزيل‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا لِ َم تقولون ما ال تفعلـون‪ ‬وقـال‪:‬‬
‫بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون؟‪.‬‬
‫‪‬أت مرون الناس ِ‬
‫وتوبيخ القرآن ‪ ،‬توبيخ على نسيان العمل الصالح‪ ،‬ال على التصـدي ل مـر بـه‪ .‬وال ينبغـي‬
‫أن يفهم منه الفهم الشائع‪ :‬أنه ال ينبغي لسنسان أن ينهى الناس عند التـدخين‪ ،‬مـا دام يـدخن‪.‬‬
‫على طريقة الشاعر‪:‬‬
‫هال لنفس كان ا التعليم ؟‬ ‫يا أيها الرجل المعلم يره ×‬
‫كيما يصح به وأنت سقيم‬ ‫الدواء لذي السقام و ي الضنى×‬ ‫تص‬
‫ألن المدخن يستطيع أن ينصح يـره وال سـيما أصـحابه وأوالده‪،‬فيقـول‪ :‬السـعيد مـن وعـ‬
‫بغيره ‪ ،‬والشقي من وع بنفسه ‪ ،‬ال تدخن يا بني ألن التدخين شر عادة ‪.‬‬
‫هذا في باب األمر بالمعرو ‪ .‬فما بال بالجهـاد السياسـي الـذي هـو فـرض علـى الخـاص‬
‫والعــام؟‪ ،‬ولــم يــرد نــص فــي قصــره علــى العــدول‪ ،‬وقصــره علــى المتــدينين أو العــدول‪ ،‬حكــم دون‬
‫دليل‪ ،‬وقصر نظر في الشؤون العامة‪.‬‬
‫فقــد م هللا تبــارك وتعــالى األع ـراب م ـ ار اًر فــي الق ـرآن‪ ،‬وفنــد م ـزاعمهم وعنجهيــتهم‪ ،‬ولكنــه‬
‫عندما عـاتبهم و مهـم بـ نهم ال يفقهـونت طـالبهم بالجهـاد‪ ،‬ولـم يـ ن لهـم بـالقعود عـن الجهـاد‪،‬‬
‫(كما نصت سورة التوبة)‪.‬‬
‫ولـــم يحصـــر هللا الجهـــاد بالســـابقين األولـــين‪ ،‬مـــن المهـــاجرين واألنصـــار‪ ،‬ولـــم يـــرو أن‬
‫المصطفى منع مسلماً من الجهاد لفسـقه‪ ،‬أو ألنـه يرصـالح‪ ،‬أو ألنـه مسـلم لمـا يـدخل اإليمـان‬
‫واإلحسان قلبه‪ ،‬بل قال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪« :‬إن هللا ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»‪.‬‬
‫وقال‪« :‬إنه هللا يؤيد هذا الدين ب قوام ال خالق لهم»‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫ولـذل ال ينبغــي للمسـلم المتلــبر بـبعض المعاصــي الظـاهرة‪ ،‬فضـالً عـن المتلــبر بــبعض‬
‫المعاصـي الباطنـة‪ ،‬فضـالً عـن المســلم العـادي‪ ،‬أن يحــبر نفسـه عــن قـول الحــق وركـوب قطــار‬
‫اإلصالح المدني السلمي‪ ،‬محتجاً ب ن في الساحة من هو أولـى منـه‪ ،‬أو بـ ن النـاس سيفسـرون‬
‫جهده الخير تفسي اًر سيئاً‪.‬‬
‫ال ينبغــي للعاصــي أن يحــبر نفســه فــي نفــق المعصــية‪ ،‬فيجمــع بــين معصــيتين‪ :‬ارتكــاب‬
‫الر يـل‪ ،‬والسـكوت عـن قـول الحــق ودعـم الفضـيلة‪ ،‬فـإن سـعيه فــي األمـور الجلـى‪ ،‬مـن مقامــات‬
‫الجهــاد التــي تحــت نوبــه حتــا‪ ،‬كمــا يحــت البــرد أوراق الشــجر‪ ،‬وســعيه فيهــا يرفعــه إلــى أعــالي‬
‫الدرجات‪.‬‬
‫ب – ريادة الليبراليين في مجال قيم اإلسالم المدنية‪:‬‬
‫وال ينبغــي للمتــدينين أن يظن ـوا أن األمــر بــالخير السياســي والمــدني والنهــي عــن شــرهمات‬
‫واف عليهم وال على الفقهـاء‪ ،‬وال علـى مـن يثقـون بمسـلكهم‪ ،‬فيضـيقوا مـا وسـع هللا‪ ،‬وال سـيما‬
‫في مجال الجهاد المدني‪.‬‬
‫إن الجهـاد المـدني يحتـاج إلـى شـرطين‪ :‬أن يكــون أصـحابه مـن ي أولـي األيـدي واألبصــاري‬
‫فهــو يحتــاج إلــى معرفــة موضــوعية وعــي‪ ،‬وندراك وحســن ت ـ ت أوالً‪ .‬ويحتــاج ثاني ـاً إلــى شــجاعة‬
‫وقل فيه األمين‪ ،‬وكثر تفريط الصالحين المتدينين وخمـولهم‪،‬‬ ‫ونقدام‪ ،‬في عصر كثر فيه الخائن‪َّ ،‬‬
‫وكثـر وعــي يـر المتــدينين وحيــويتهم‪ ،‬فكـم مــن موااـف مشــرفة‪ ،‬ألنــاس يـر متــدينين‪ ،‬لعــل هللا‬
‫الـدول التـي أقامـت‬ ‫يرفع بها درجاتهم مع الصالحين والصديقين‪ ،‬كما رفع بها أمتهم إلى صفو‬
‫(الحكم الشوري)‪.‬‬
‫إن من يقرأ تاريخ البلدان العربيـة اإلسـالمية الحديثـة‪ ،‬يجـد أن النخـب الليبراليـة والعلمانيـة‬
‫واالشتراكية بل و ير المسلمة أيضاً‪ ،‬هي التي قادت حركة الحداثة االقتصادية والتقنية والمدنية‪،‬‬
‫بترجمــة العلــوم التطبيقيــة‪ ،‬والعلــوم اإلنســانية‪ ،‬وننشــاء الجامعــات ودور التعلــيم‪ ،‬ونشــادة البنــوك‬

‫‪211‬‬
‫ومراكز التجارة واالقتصاد‪ ،‬وبناء المستشـفيات وتخطـيط المـدن‪ ،‬ومؤسسـات الضـمان االجتمـاعي‬
‫ورعاية البائسين‪.‬‬
‫وأهم من ل كله (الحداثة السياسية)‪ ،‬فقد سبقت النخب الليبراليـة والعلمانيـة واالشـتراكية‬
‫إلى المناداة بالنظام الدسـتوري الـذي هـو قالـب (الحكـم الشـوري) الـذي يقـوم علـى توزيـع سـلطة‬
‫الدولـــة علـــى ثالثـــة أعمدة‪:‬القضـــاء المســـتقل والمجـــالر النيابيـــة والســـلطة التنفيذيـــة‪ ،‬وتحديـــد‬
‫سلطات الحكومة‪.‬‬
‫ورادت النخــب العلمانيــة مجـــاالت المجتمــع المـــدني وتجمعاتــه األهليـــة كقنــوات الصـــحافة‬
‫والطباعة واإلعالم‪ .‬ونادت بقيم المجتمع المدني كالتعددية والمواطنة والتسامح والحريـة والعدالـة‬
‫والمساواة‪ ،‬وهذا الذي قامت به مـن شـطر الشـريعة المـدني الـذي فـل عنـه الفقهـاء فـي ظـالل‬
‫االستسالم لغبش االستبداد‪..‬‬
‫النخـب الليبراليـة والعلمانيـة واالشـتراكية التـي‬ ‫وليت المتدينين سـكتوا وتعلمـوا مطـوا تلـ‬
‫قــادت الحداثــة التقنيــة واالقتصــادية والسياســية‪ ،‬ألن بعــض علمــاء الــدين المفــرطين والمتــزمتين‪،‬‬
‫يفتقـدون الموضــوعية واإلنصــا ‪ ،‬فـي الحكــم علــى النـاس‪ ،‬فــإ ا أروا مســلماً شـجاعاً يقــول كلمــة‬
‫الحق‪ ،‬وهو لير متديناً أو لير من جماعتهم أو من طائفتهم أو من معـارفهم‪ ،‬أخـذوا بالتنقيـب‬
‫عــن حياتــه‪ ،‬والتفتــيش عــن ســيئاته‪ ،‬وســبروا دوافعــه ومواقفــه‪ ،‬بمســبار ســوء الظــن بــاآلخرين‪،‬‬
‫وبالغوا فى التشكي واإلرجا ‪ ،‬وك نهم أحد تالمذة فرويد فـي تحليـل دوافـع الشـا ين والمشـردين‪،‬‬
‫وك ـ نهم محكمــون فــي مــدى اســتحقاقه وســام الجنــة‪ ،‬وربمــا بخل ـوا عليــه بكلمــة ثنــاء وننصــا‬
‫واعتـ ار ‪ ،‬وك ـ نهم هــم الموقعــون عــن رب العــالمين‪ ،‬وك ـ نهم هــم أوليــاء هللا المــؤتمنين‪ ،‬فضــللوا‬
‫الجماهير ردحا طويال وشككوا بالنظام الدستوري‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫وأوامر رب العالمين ال تحتاج إلى توايع‪ ،‬فـاهلل ال ينـوب عنـه أحـد مـن خلفـه وعبيـده‪ .‬وال‬
‫أحد يوقع عن رب العالمين إال األنبياء المرسلون ‪ ،‬وننمـا أوليـاء هللا هـم الصـالحون المصـلحون‬
‫الذين يصلحون ما أفسد الناس‪ ،‬ويطالبون بـ (الحكم الشوري)‪.‬‬
‫ج=اإلعالميون والفنانون أكبر جهادا سياسيا من فقهاء الصـبر علـى‬
‫اإلمام الجائر ‪:‬‬
‫إن مــن يقـ أر تــاريخ المســلمين والعــرب الحــديث‪ ،‬يالحـ كثــرة الــذين قــالوا كلمــة الحــق أمــام‬
‫السلطان الجائر‪ ،‬من مـن قـد ينعتـون –حقيقـة أو وتوهمـا‪ -‬بالليبراليـة أو العلمانيـة‪ ،‬مـن األدبـاء‬
‫والمثقفين والصحفيين‪ ،‬والعاملين في المسرح والتمثيل‪.‬‬
‫بل إن عدد الذين عانوا السجن و اقوا الجوع واأل ى مـن العـاملين فـي الصـحافة وحـدها‪،‬‬
‫في سبيل حرية التعبير والرأي واالجتماع والتجمع أكثر من عدد الفقهاء‪.‬‬
‫وهذا يؤكد أن أ لب الفقهاء‪ ،‬في سلوكهم ومواقفهم – كمـا هـم فـي مؤلفـاتهم ومـواعظهم‬
‫– ال يدركون أهميـة بنـاء (الحكـم الشـوري)‪ ،‬ولـذل لـم يثمنـوا أهميـة الـدفاع عـن حقـوق الشـعب‬
‫وحرياته الشرعية‪ ،‬ولم يثمنوا أولوية الدفاع عن العدالة االجتماعية‪ .‬وسبب ل خلل فـى جـذور‬
‫الفكــر اإلســالمي فــى صــيا ته العباســية‪( ،‬ومزيــد التفصــيل والتعليــل فــي كتــابي (المصــباح فــي‬
‫زجاجة)‬
‫من أعجب العجب أن تجد كثي اًر من االتجاهات التي يلمزهـا الفقهـاء والمتـدينون – بـالحق‬
‫والباطل ‪ -‬بالقومية والعلمانية واليسارية‪ ،‬تتصدر لسصالح السياسـي والمـدني‪ ،‬فتبنـي الجامعـات‬
‫وتنشئ المستشفيات ومراكز الخدمات‪ ،‬وتقيم بـروج االقتصـاد والتجـارة‪ .‬وتجابـه اسـتبداد السـلطة‬
‫وجورها‪ ،‬وتتحمل الفصل والسجن والعذاب والقتل‪ ،‬في سبيل األفكار والمبادل التي تؤمن بها‪.‬‬
‫وأن تجــد كثي ـ اًر مــن الق ـراء‪ ،‬الــذين يتلــون كتــاب هللا‪ ،‬آنــاء الليــل والنهــار‪ ،‬صــرعى وصــفة‬
‫أضع اإليمان‪ ،‬يتعايشون مع االستبداد والظلم وهم يعلمون ما للكلمة والوقفة اإلصـالحية التـي‬
‫تطالب بالعدالة والشورى من أجر عظيم‪.‬‬
‫‪212‬‬
‫ولير أقسى وال أفظع على األمة من تصدر هؤالء الفقهاء للدفاع عن االستبداد والتخلـ‬
‫بســب خطــاب دينــي محر ‪(،‬كمــا فعــل الفقهــاء الســعوديون الموظفــون) ولمــز دعــاة الدســتور‬
‫والمجتمع المدني باللبرالية والعلمانية‪ ،‬ومن يستطيع منازلتهم‪ ،‬إال مـن اسـتعد ولـم يبـال بنهشـهم‬
‫عرضه ودينه وسمعته‪ ،‬وبدعمهم الطاغية في فصله من رزق أوالده وسجنه طويال‪:‬‬
‫خنولته بنو عبد المدان‬ ‫فلو أني بليت بهاشمي‬
‫تعالى فانظري بمن ابتالني‬ ‫صبرت على أ اه إ ن ولكن‬

‫لوجه هللا في الجهاد المدني والسياسي مطلوب‬ ‫‪=39‬الإخل‬

‫وليس شرطا للنجاح السياسي‬

‫أ ‪ -‬هل النية مطية في اإلصالح المدني‪:‬‬


‫المســلم المحــروم مــن يضــيع أجــر الجهــاد المــدني األكبــر ‪ ،‬فيجعــل موســم األجــر والث ـواب‬
‫مـا أخـا‬ ‫والجهاد‪ ،‬ميدان خيبة خسارة‪ ،‬ولذل قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬إن أخو‬
‫عليكم الشرك األصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الشرك األصغر يا رسول هللا؟ قال‪ :‬الريـاء‪ .‬يقـول هللا عـز وجـل‬
‫يـوم القيامــة إ ا جـازى العبــاد ب فعـالهم‪ ،‬ا هبـوا إلـى الــذين كنـتم تـراءون فـي الــدنيا فـانظروا! هــل‬
‫تجدون عندهم الجزاء» (رواه أحمد والطبراني والبيهقـي وقـال الـزين العراقـي‪ :‬رجالـه ثقـات) وقـال‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬في ما يرويه عن ربه في الحديث القدسي‪« :‬مـن عمـل عمـالً‪ ،‬أشـرك فيـه‬
‫يري فهو له كله وأنا منه بريء‪ ،‬وأنا أ نى األ نياء عن الشرك» (رواه مسلم)‪.‬‬
‫فليحذر اإلنسان من وسـاوس الشـيطان‪ ،‬فـإن الشـيطان مـا يـزال بـالمؤمن حتـى يوقعـه فـي‬
‫المعصية الظاهرة‪ ،‬فإ ا أفل ت المؤمن وعر الدرب وسار‪ ،‬نازعـه الشـيطان يحـاول أن يوقعـه فـي‬
‫‪211‬‬
‫المعصية الخفية‪ ،‬فيقع في الريـاء والشـرك‪ ،‬فيصـبح عملـه يـوم القيامـة كرمـاد اشـتدت بـه الـريح‬
‫في يوم عاص ‪.‬‬
‫ومن أجل ل فإن على اإلنسان أن يخلص في البدء نيتـه الحسـنة‪،‬وأن يجـدد اإلخـالص‬
‫فـي كـل حـين‪ ،‬حتـى يثبتـه هللا علـى اإلخــالص واالسـتقامة‪ ،‬ثـم ليثـق بعـد لـ بـ ن هللا ســيمنحه‬
‫االستقامة‪ ،‬وتتنزل عليه المالئكة وتبتعد عنه الشياطين‪ ،‬كما قال تعالى ‪‬إن الذين قالوا ُّربنـا هللا‬
‫تتنـز ُل علـيهم المالئكـة أالَّ تخـافوا وال تحزنـوا وأبشـروا بالجنـة التـي كنـتم توعـدون ال‬
‫ثم اسـتقاموا َّ‬
‫نحن أوليا كم في الحياة الدنيا وفي اآلخرة‪ ‬عندها يكون من المؤمنين الـذين ثبـت هللا الخلـوص‬
‫مــن الريــاء والزيــغ فــي قلــوبهم‪ ،‬كمــا وعــدنا هللا تبــارك وتعــالى‪ِ  :‬‬
‫يثبــت هللا الــذين آمن ـوا بــالقول‬
‫الثابت‪.‬‬
‫فليحذر اإلنسان من أن يشرك في الطاعة ير هللا‪ ،‬فيحبط عمله‪ ،‬كما قال تعالى ‪‬وقـدمنا‬
‫إلــى مــا عمل ـوا مــن عمــلت فجعلنــاه فبــاءاً منثــو اًر‪ ‬ك ـ ن يمتطــي اإلنســان خدمــة األمــة ورعايــة‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬لكي يقال إنه بطل مصلح‪ ،‬و ك ن يقول كلمـة الحـق عنـد الطاغيـة‪ ،‬لكـي يقـال‬
‫عنــه إنــه شــجاع جــريء‪ ،‬ومــن فعــل ل ـ فقــد خســر ح ـ المجاهــدين وح ـ الشــهداء‪ ،‬كمــا ورد‬
‫الحــديث الشــريف عنــدما سـئل الرســول صــلى هللا عليــه وســلم عــن الرجــل يقاتــل شــجاعة ويقاتــل‬
‫حمية‪ :‬أيهم في سبيل هللا؟ فقال‪ :‬يمن قاتل لتكون كلمة هللا هي العليا‪ ،‬فهو في سبيل هللاي‪.‬‬
‫ولكن هل النيـة الصـالحة مطيـة؟‪ ،‬بحيـث أنهـا إ ا لـم تتـوافر لـم يـنجح الجهـاد المـدني مـن‬
‫أجــل (الحكــم الشــوري) ولــذل ينبغــي لقــائلي كلمــة الحــق والعــدل والخيــرت أن ال يقولوهــا‪ ،‬إال إ ا‬
‫ت كدوا من إخالص نياتهم لتصح أعمالهم؟‪.‬‬
‫هــذا صــحيح فــي شــطر الشــريعة الروحــي‪ :‬اإليمــان بالغيــب وشــعائر المناس ـ كالصــالة‬
‫والصيام والتسبيح‪ .‬فال يقبل هللا منها عمالً صالحا من دون صالح نية فاعله‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ولكنــه لـــير صـــحيحا فـــي شـــطر الشـــريعة المـــدني إ ا نظرنـــا إلـــى (األجـــر الـــدنيوي فرديـــا‬
‫وجماعيا)‪ ،‬وننما هو صحيح إ ا نظرنا إلى (األجر األخروي فرديا)‪ ،‬فإن أجـر الجهـاد عسـكرياً أو‬
‫مدنياً‪ ،‬ال يكون إال لمن جعل وجهة هللا قبلته‪ ،‬ونصالح األمة راحلته‪.‬‬

‫ب – ليتوقف اإلنسان عن العمل الروحي إذا داخله الرياء أما‬


‫المدني فال‪:‬‬
‫فــي شــق الشــريعة الروحــي علــى اإلنســان أن يتواــف عــن العمــل‪ ،‬إ ا تبــين لــه مــن نفســه‬
‫الرياء كقراءة القرآن ونوافل الحج والعمرة‪ ،‬حتى يصحح النية ويجدد اإلخالص‪.‬‬
‫أما في شق الشريعة المدني فلير عليه أن يتواـف‪ ،‬بـل عليـه أن يسـتمر إ ا كـان مت كـداً‬
‫من صواب اتجاهه‪ ،‬كالصدقة والهبة وعون الضعيف ون اثة الملهو ‪ .‬لسببين‪:‬‬
‫األول ‪ :‬حتى لو كان اإلنسان يريد جاهـا أو مـاال أو سـلطة ماديـة مـن خـالل ايامـه بعمـل‬
‫مدني أو سياسي ‪ ،‬فهذه األمور إ ا لم تكن مقاصد أصـيلة للعمـل‪ ،‬بـل كانـت تبعيـة‪،‬ال تقـدح فـى‬
‫اإلخالص (كما بين الشاطبي فى الموافقات)‪.‬‬
‫بل وح تى لو كان العامل فى مجال المصـلحة العامـة ‪ ،‬صـاحب ـرض شخصـي أصـلي ‪،‬‬
‫كالمال والشهرة والسلطة المادية‪ ،‬ألن نيته له وحده ‪ ،‬وعمله (سراب عند هللا)‪ ،‬ولكن لير سرابا‬
‫(عند الناس) ألن المسلمين ينتفعون‪ ،‬بما يقام من مستشفيات ومواصالت ‪ ،‬ومدارس وبنوك‪.‬‬
‫فهــذا هــو المعن ـي بمثــل قولــه صــلى هللا عليــه وســلم ي إن هللا ينصــر هــذا الــدين بالرجــل‬
‫الفــاجري ‪ .‬ولكــن المهــم فــى هــذا المجــال أن يعــر النــاس عامــة والعــاملون معــه خاصــة حقيقــة‬
‫مقاصده‪ ،‬لكي ال يضل بهم الطريق‪ ،‬أما أن يكون راكبا ضمن ركاب‪ ،‬فلير فى ل ما يمنع مـن‬
‫مشاركته‪.‬‬
‫الثاني‪:‬أن اإلنسان معرض لوساوس الشيطان ‪ ،‬حتى لو كان أتقى الناس‪ ،‬فاألنبيـاء علـى‬
‫فضــلهم لــم يعصــموا مــن وســاوس الشــيطان‪ ،‬وهــذا المعنــي واضــح صــريح فــي القـرآن ‪ .‬ولكــنهم‬
‫معصومون من االستمرار على ل ‪ .‬وهذا المعنى كره المفسرون (كالقرطبي م ار ار) فى التفسير‪،‬‬
‫‪215‬‬
‫فى مثل قوله تعالى ي إن عبادى لير لـ علـيهم سـلطاني وبينـوا أن المقصـود بالسـلطان الغلبـة‬
‫واالســتمرار‪ ،‬ال الفلتــات والخطـرات ‪ .‬حتــى لــو خــالط اإلنســان شــيء مــن وســاوس الشــيطان‪ .‬ألن‬
‫اإلنسـان العـادي لــو ظـل علـى وتيــرة ثابتـة‪ ،‬ال يـداخلها حـ مـن حظـوع الــنفر‪ ،‬لكـان فـي طبقــة‬
‫األنبياء والصديقين‪.‬‬
‫ولكــن القــرين مــن شــياطين اإلنــر والجــن‪ ،‬يحــاول إفســاد العمــل الصــالح‪ ،‬فربمــا افتخــر‬
‫اإلنسان بعمله وأعجب به‪ ،‬وربما ارتاح للثناء والمديح‪ ،‬وربما رضي عن نفسه‪.‬‬
‫وال معول على هذه الهواجر ونحوها من الخواطر العـابرة ‪ ،‬التـي ال يكـاد ينجـو منهـا ابـن‬
‫آدم‪ ،‬إ ا لم تصبح عادة م لوفة‪ ،‬بل ال ب س بها حتى في شعائر المناس ‪ ،‬ألن من الطبيعي أن‬
‫يرتاح المرء‪ ،‬إ ا شعر ب نه عمل أم اًر ا جدوى‪ ،‬ومن خالل ل يحر براحة الضمير واالطمئنـان‬
‫النفسي إلى القيام بالواجب‪.‬‬
‫وهذه الخواطر واألحاسير‪ ،‬من اللمم الـذي ال يقـدح فـي اإلخـالص‪ ،‬وهـي مـن الوسـاوس‬
‫التي ال ينبغي للمسلم أن ال يتواـف عـن العمـل بسـببها‪ ،‬فـإن شـياطين الجـن واإلنـر إ ا عجـزوا‬
‫عن المؤمن‪ ،‬ارتد كيدهم إلى الوسوسة‪ ،‬والوسوسة ال تقدح في اإلخالص‪.‬‬
‫الـذي رد‬ ‫ولذل فإن الصحابة لما شكوا إلى الرسول وسوسة الشيطان قال لهم «الحمد‬
‫كيده إلى الوسوسة» أي أنه يوسوس في الخـواطر‪ ،‬ولكـن المـؤمنين بقـوتهم يردعونـه‪ ،‬فـال يـؤثر‬
‫من الشيطان‪ ،‬تـذكروا‬ ‫عليهم في ميدان العمل‪ .‬كما قال تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا إ ا مسهم طائ‬
‫فإ ا هم مبصرون‪.‬‬
‫بل إن الوسوسة ال تقدح فى إخالص التوحيد‪ ،‬وال تؤدي إلى فتنة حياة أو ممات‪ ،‬كما قال‬
‫عبد الحق اإلشبيلي «إن سوء الخاتمة ال يكون لمن استقام ظاهره‪ ،‬وصلح باطنه‪ ،‬ما سمع بهذا‬
‫‪ ،‬إنما يكون لمن كان لـه فسـاد فـي العقيـدة أو اإلصـرار علـى الكبـائر‪،‬‬ ‫قط‪ ،‬وال علم به والحمد‬
‫ونقدام على العظائم‪ ،‬أو لمن كان مستقيماً‪ ،‬ثـم تغيـرت حالـة وخـرج عـن سـننه‪ ،‬وأخـذ فـي طريـق‬

‫‪216‬‬
‫يـر طريقـه‪ ،‬فيكــون عملـه لـ سـبباً لســوء خاتمتـه‪ ،‬وســوء عاقبتـه والعيــا بـاهلل» (االعتصــام‪:‬‬
‫يثبت هللا الـذين آمنـوا بـالقول َّ‬
‫الثابـت فـي الحيـاة الـدنيا‬ ‫‪ )70/1‬وصدق هللا العظيم حين يقول‪ِ  :‬‬
‫وفي اآلخرة‪ ‬إبرافيم‪. 27 :‬‬
‫ونازعتـه نفســه إلــى‬ ‫وينبغـي للمناضــل المـدني والسياســي ‪ ،‬كلمـا مــرت بــه حـاالت الضــع‬
‫الريــاء‪ ،‬واإلعجــاب بــالنفر عنــد الثنــاء‪ ،‬أن يــدعو هللا بقلــب حاضــر‪ ،‬باألدعيــة القرآنيــة والنبويــة‬
‫المـ ثورة مثــل ‪َّ ‬ربنــا ال ُتــزا قلوبنــا بعــد إ هــديتنا‪ ‬وقولــه تعــالى‪ :‬قــل أعــو بــرب النــاس ال ملـ‬
‫النــاس ال إلــه النــاسال مــن شــر الوس ـواس الخنــاس ال الــذي يوســوس فــي صــدور النــاس المــن‬
‫الجنــة والنــاس‪ ‬ومثــل دعــاء عمــر بــن الخطــاب الم ـ ثور‪« :‬اللهــم اجعــل عملــي صــالحاً‪ ،‬واجعلــه‬
‫مثبت القلوب ِثبت قلبي على دين »‪.‬‬ ‫لوجه خالصاً» والدعاء الذي اعتاد المصطفى ترديده «يا ِ‬

‫ج– الدفاع عن المصالح الشخصية والفئوية ال يقدح في اإلخالص‪:‬‬


‫وال يقــدح فــي إخــالص جهــاد المــرء المــدني أن يكــون مــدافعاً عــن مصــلحة خاصــة ب هــل‬
‫بحيـــه‪،‬أو قريتـــه أو بلدتـــه‪ ،‬أوقبيلتـــه وجماعتـــه أو بنقابتـــه أو بتخصصـــه‪ ،‬مـــا دامـــت المصـــلحة‬
‫الخاصــة بهــم‪ ،‬ال تتعــارض مــع المصــلحة العامــة ل مــة‪ ،‬فهــو شــبه راع وكــل راع مســؤول عــن‬
‫رعيته‪ ،‬وما دام قاد ارًت فقد تعين عليه إنكار المنكر وجلب المعرو ‪.‬‬
‫فقد نص علماء األصول‪ ،‬على أن فرض الكفاية‪ ،‬يصبح فرض عـين علـى القـادر‪ ،‬مـا دام‬
‫المـدافع مقـدماً النيـة الحسـنة المخلصـة لوجـه هللا‪ ،‬قـال المصـطفى الكـريم‪« :‬خيـركم المـدافع عــن‬
‫قومه ما لم ي ثم» (رواه أبو داود) وسئل أيضاً‪ :‬يأمن العصبية أن ينصر الرجل قومه فـي الحـق؟‬
‫قال‪« :‬ال ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه بالباطل» (رواه أبو داود)‪.‬‬
‫بــل وال يقــدح ف ـي أجــر المــرء أن يكــون مــدافعاً عــن نفســه أو أهــل بيتــه‪ ،‬ألنــه راع أيض ـاً‬
‫ومسؤول عن رعيته‪ ،‬والدفاع عن الحق الخاص أمر مشروع‪ ،‬ولو قتل المدافع في سبيله‪ ،‬لكـان‬
‫في عداد الشهداء األخيار‪ ،‬كما نص الحديث‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫ون ا قدم اإلنسان النية الحسنة المخلصة لوجه هللا‪ ،‬فكل مظلمة تصـيبه فـي نفسـه ومالـه‬
‫وعرضه ونسله وجاهه‪ ،‬يعد دفاعها جهاداً مدنيا‪ ،‬حتى لو لم يستحضر المـدافع اإلخـالص لوجـه‬
‫هللا‪ ،‬ما دام قد استحضر توفير االستقرار لنفسه وأهله‪ ،‬ألن ل من ما هو مستقر في سـنن هللا‬
‫في الطبيعة‪ ،‬وكل ما هو مستقر في الفطـرة والطبيعـة‪ ،‬فإنمـا هـو مـن سـنن هللا فـي الشـريعة‪ ،‬وال‬
‫سيما إ ا نوى بذل أن يلقن الظـالمين درسـاً‪ ،‬كـي ال يسترسـلوا فـي طغيـانهم وجـورهم وفسـادهم‪،‬‬
‫فلوال كثير من الموااف الفردية‪« ،‬ولوال دفع هللا الناس بعضهم ببعض لفسدت األرض»‪.‬‬
‫والمدافع عن حقه‪ ،‬سواء استحضر هذا المعنى أم لم يستحضره‪ ،‬خير ِمـن َمـن تـرك حقـه‬
‫تهاوناً وكسالً‪ ،‬أو ظن ترك حقه في الـدنيا أوفـر لـه حـ فـي اآلخـرة‪ ،‬فهـذه األفكـار مـن وسـاوس‬
‫ودروشة الرهبنة‪ ،‬ألن المظلوم إ ا ترك حقه احتساباً‪ ،‬شجع الظالمين على مزيد من ظلم‬ ‫التخل‬
‫اآلخرين‪ ،‬وت مل كم في قصة القبطي الذي شكا ابن عمرو بن العاص إلى عمر من حكم‪.‬‬
‫ومـن مـا يغلـط فيـه كثيـر مـن النــاس‪ ،‬أن يعتبـروا المـدافع عـن المصـلحة الخاصـة‪ ،‬إنســاناً‬
‫ير مخلص أو نفعياً ال يتحرك إال عندما يصل إليه األ ى‪ ،‬وما أدركوا أن الدفاع عـن المصـلحة‬
‫الخاصة جهاد مدني بالضوابط التي كرنا‪ ،‬ومـا فطنـوا إلـى أمـر أهـم مـن لـ ‪ ،‬وهـو أن اإلنسـان‬
‫في الغالب ال يتحرك إال إ ا اكتوى‪ ،‬وال يشارك الناس إحساسهم إال إ ا اصطلى‪.‬‬
‫وكثير من المصلحين لم تنضج تجربة اإلصـالح فـيهم‪ ،‬إال عبـر ظلـم نـزل بهـم أو بـ هلهم‪،‬‬
‫أما ترى أن من حكم الصـوم أن يحـر الغنـي بـالجوع‪ ،‬ليتصـدق علـى الفقـراء‪ .‬وربمـا كانـت وفـاة‬
‫وليــد المــرء بســبب داء عجــز عــن عالجــه األطبــاء أو أهملــوه‪ ،‬ســبباً فــي ايامــه بواجــب إصــالح‬
‫المشفى أو إنشائه‪ ،‬ولربما كان إخفاق أوالد اإلنسان في الدراسة‪ ،‬سبباً لمطالبته بإصالح منهاج‬
‫التعليم كله‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫على أن المؤمن الكير يستطيع أن يخلط تجربته الخاصة‪ ،‬ب تون تجربة المجتمع والوطن‬
‫العامة‪ ،‬فيصبح دفاعه عن المصلحة الخاصة دفاعـاً عـن المصـلحة العامـة‪ ،‬وال ضـير عليـه فـي‬
‫ل ‪ ،‬وال قدح في أجر جهاده‪ ،‬متى مل النية الحسنة المخلصة لوجه هللا‪ ،‬وأحسن العمل‪.‬‬

‫د – صواب دون إخالص‪ ،‬خير من إخالص دون صواب‪:‬‬

‫ال ينبغي المصلح أن يتواف عن الجهاد المدني في سـبيل المصـلحة العامـة‪ ،‬حتـى لـو لـم‬
‫تكـــن نيتـــه منضـــبطة بالضـــوابط الشـــرعية لسخـــالص‪ ،‬ألن الجهـــاد المـــدني فـــي الميـــدان يكســـبه‬
‫وجـرب واكتـوى‪ ،‬فيصـبح أتـون العمـل لـه كبوتقـة النـار التـي‬
‫إخالصاً ونقاءاً وصفاءاً‪ ،‬كلما عانى َّ‬
‫تنفــى الخبــث‪ ،‬عــن الــذهب ويصــبح المجاهــد المــدني فــى بوتقــة التجربــة كاآلنيــة يــر النظيفــة‪،‬‬
‫وجالءا‪ ،‬كما كر اإلمام المودودي رحمنا هللا ونياه‪.‬‬
‫ً‬ ‫يزيدها تقليبها في تيار الماء نظافة‬
‫وكل مجـال خيـر ونفـع عـام‪ ،‬يتوقـع أنـه سـيقود صـاحبه إ ا وفقـه هللا إلـى اإلخـالص لوجـه‬
‫»‪ .‬وكمــا كــر‬ ‫هللا‪ ،‬كمــا قــال مجاهــد رحمــه هللا «طلبنــا العلــم للــدنيا‪ ،‬ف ـ بى العلــم أن يكــون إال‬
‫العلماء كالشاطبي في الموافقات‪ ،‬أن الرسو في علم الشريعة يقـود فـي الغالـب إلـى بلـوا درجـة‬
‫اإلخالص والصفاء‪.‬‬

‫‪=11‬نشر دعاة الحكم الحكم الشوري ثقافة التسامح والبدء بأنفسهم من عوامل‬
‫النجاح‪ /‬للهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون‬
‫أ – ما يقال لك إال ما قيل للرسل من قبلك‪:‬‬

‫‪219‬‬
‫الجهــاد الســلمي المــدني عامــة والسياســي خاصــة‪ ،‬حــارس جزيــرة (الحكــم الشــوري) تل ـ‬
‫المباركــة‪، ،‬اآلمنــة مــن مــوج الفــتن‪ ،‬وهــي الجنــة التــي ترفــر أ صــانها وظاللهــا فــي صــحراء‬
‫الجفا ‪ ،‬وابر من النور يمزق طبقات الديجور‪.‬‬
‫والمجاهد السلمي بعلمه ويقينـه مـن أجـدر النـاس بـ ن يـؤثر اآلجـل البـاقي‪ ،‬علـى العاجـل‬
‫الفاني‪ ،‬ومن أجدر الناس أن يضرب نمو ج التضحية‪ ،‬بكل ما يحبه األنانيون أهل الشهوات من‬
‫متع وملذات‪ ،‬وتعلق بزينة وزخر الحيـاة‪ ،‬ومـا فيهـا مـن أهـل وأوالد‪ ،‬وجـاه وشـهرة ومـال‪ ،‬وهـو‬
‫بسلوكه يوق الهائمين وراء السراب‪ ،‬في حظوع النفر العاجلة‪ ،‬في شهوات الرياسـة‪ ،‬وشـبهات‬
‫الفكر‪ ،‬ويوق الغارقين في نومة الكه ‪.‬‬
‫ومن أجل ل فهو أجدر الناس‪ ،‬وهو يرفع بصره إلى السماء‪ ،‬مشفقاً على الذين خفضـوا‬
‫أبصــارهم إلــى األرض‪ ،‬بالصــبر علــى األ ى‪ .‬ومســامحة المخــالفين‪ ،‬وتلمــر األعــذار لهــم‪ ،‬وتــرك‬
‫سوء الظن بهم‪ ،‬وترك تفتيش نياتهم‪ ،‬والتحلي بـالحلم وسـعة الصـدر‪ ،‬والتجمـل بـالعفو والصـفح‪،‬‬
‫واالبتعاد عن رد الفعل المتشنج‪.‬‬
‫لم تجر العادة أن يستجيب‪ ،‬من شـرب خمـر السـلطة والشـهرة والمـال لناصـحيه وواعظيـه‪،‬‬
‫الثنـاء والمـديح‪ ،‬مـن‬ ‫وال سيما إ ا كانوا من دون أعوان‪ .‬ألن الحاكم والرئير والمدير الـذي ألـ‬
‫المحيطــين بــه‪ ،‬مــن المــداهنين والمـرائين والمنــافقين‪ ،‬ومــن الخــادعين والمخــدوعين‪ ،‬مــن حاشــي ٍة‬
‫وموظفين ونواب ومرءوسين‪ ،‬لم تجر العادة أن يتهلل وجهـه فرحـاً‪ ،‬بكلمـة حـق وعـدل‪ ،‬ولـذل ال‬
‫عجب إ ا نصب مثلث ا تيـال المصـلحين‪ :‬فمـد شـباك بوليسـه‪ ،‬وانتضـى سـيف قضـائه‪ ،‬واعتلـى‬
‫منبــر إعالمــه‪ ،‬وحــاول قمــع كــل منــاد بـــ (الحكــم الشــوري) وحــاكم كلمــة اإلحســان والفضــل‪ ،‬ألن‬
‫المتغطرس قد اعتاد أن ال تس ل عن ما تفعل‪ ،‬ومن شب على شيء صعب تعديله عنه كما قـال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫والنفر كالطفل إن تهمله شب على×‬

‫‪211‬‬
‫حب الرضاع ونن تفطمه ينفطم‬
‫ب=جــرب رد فعــل إمــام مســجد تنتقــده لتتصــور ردفعــل حــاكم‬
‫عضوض‪:‬‬
‫وال عجــب أن يثــور الحــاكم ويهــيج‪ ،‬وأن يشــعر أن مجاهــدي الســلم المــدني يريــدون خــرق‬
‫فـي‬ ‫هيبته‪ ،‬أو أنهم يريدون كرسيه ومـا تحتـه مـن وفـر‪ ،‬ومـا حولـه مـن مجـد‪ ،‬فهـذا أمـر مـ لو‬
‫مدير الدائرة الصغيرة‪ ،‬إ ا جاء واع يـ مره وينهـاه‪ ،‬أو يـذكر لـه عجـزه أو جهلـه‪ ،‬إ ا بـه ينـتفض‬
‫وير ى ويزبد‪ ،‬ويقول له‪ :‬تعال اجلر مكاني‪ ،‬ف در العمل أفضل مني‪ .‬أو يقـول‪ :‬أنـت تطمـح إلـى‬
‫هذا الكرسي‪ ،‬ولو لم يقلها بصريح العبارة‪ ،‬ألسرها فـي نفسـه‪ ،‬وقالهـا لمـن يثـق بـه مـن صـحبه‪.‬‬
‫حتى إمام المسـجد فـى الحـارة‪ ،‬لـو نصـح بشـيء لمـا كـان سـريع االسـتجابة ـ إن اسـتجاب ـ ألن‬
‫ثقافة النقد والتقويم‪ ،‬ات ح سيئ في مجتمعاتنا المتخلفة‪.‬‬
‫ج=ضحايا الملك العضوض أبصارهم قريبة المد وهـم بحاجـة‬
‫إلى التفهم‪:‬‬
‫وأكثر الناس فـي مجتمعاتنـا العربيـة واإلسـالمية‪ ،‬يكرهـون التضـحية والعمـل الخيـري العـام‪،‬‬
‫ويحبون ظالل األنانية واألثرة‪ ،‬ويستكينون للراحـة ولـو فـي مسـتنقع الـذل‪ ،‬ولـذل يصـعب علـيهم‬
‫أن يتصوروا الطموح النمو جي المثـالي‪ ،‬السـاعي فـي سـبيل المصـالح العامـة وال سـيما الكبـرى‪،‬‬
‫عــنهم وليســامحهم‪ ،‬إ ا تصــوروه‬ ‫فهــم يقيســون المجاهــد الســلمي المــدني علــى أنفســهم‪ ،‬فليعـ‬
‫طامعاً في مال‪ ،‬أو طامحاً إلى مكانة‪ ،‬أو باحثاً عن وظيفة‪ ،‬أو طالب شهرة وجاه‪ ،‬أو حاقداً على‬
‫أشخاص أو مؤسسات‪ ،‬أو ثائ اًر منتقمـاً لنفسـه‪ ،‬بسـبب ظلـم أو حيـف أصـابه‪ ،‬أو بسـبب حرمانـه‬
‫من منصب أو مكسب‪ ،‬ولذل فإن المصلح أولى الناس بالصفح‪:‬‬
‫كن كالنخيـل عن األحقـاد مرتفعـاً×‬
‫بالصخر يرمـي فيلقي أطيب الثمـر‬
‫ثــم إن الحــاكم الطاغيــة أيضــاً معــذور‪ ،‬ألنـــه وجــد كثيــ اًر مــن الفقهــاء والعلمــاء والخبـــراء‬
‫والمفكــرين‪ ،‬يتظــاهرون بلبــاس اإلخــالص والــدفاع عــن المصــالح العامــة‪ ،‬وهــم‪-‬عفـوا أوقصــدا‪،-‬‬
‫‪211‬‬
‫يخدمون مصالح خاصة أو فئوية ثانوية‪ .‬وبعض أهل العلم يقدم النصائح واألفكار‪ ،‬التي توصـله‬
‫إلـى شـخب أثـداء البقـرة الحلـوب‪ ،‬فينبغـي للمصــلحين تـوطين الـنفر علـى دفـع الـثمن‪ ،‬بالصــبر‬
‫على المحن في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم أو راحتهم أوال‪ .‬والحلم والتحلم والصبر والتصبر‬
‫على األ ى ثانيا‪ ،‬فما من مصلح إال وقد اتهم بشتى التهم‪ ،‬وبذل أرشد هللا نبيه صلى هللا عليـه‬
‫وسلم ‪‬ما يقال ل إال ما قيل للرسل من قبل ‪ .‬وكما قيل ي من ركب طريق االصالح فقد تصدق‬
‫على الناس بعرضهي‪.‬‬

‫‪ =31‬الإنصات إلى المعارضين ‪/‬رحم هللا امرءا أهدى إلي عيوبي‬


‫أ=ياأيها الرجل المعلم غيره!‪:‬‬
‫عندما ندعو إلى اإلصالحت نقع في أخطـاء صـغرى وكبـرى‪ ،‬األخطـاء الصـغرى طبيعيـة فـي‬
‫في كل عمل‪ ،‬ولكنها ال تضر العمل كثيرا‪ ،‬أمـا الكبـرى فهـي مصـدر الكـوار ‪ ،‬وحتـى لـو فـر هللا‬
‫لمــن أخطــ يفقــال‪:‬اللهم أنــت عبــدي وأنــا ربــ ي‪ ،‬لكــن البحــر لــن يغفــر لمــن أصــابه الغــرور أو‬
‫القصور‪.‬‬
‫أهم شيء أن ندرك عندما ندعو إلى (الحكم الشوري) ت أن داعي اإلصـالح نفسـه‪ ،‬لـير‬
‫مبرءاً من الذاتية‪ ،‬مهما حرص على الموضوعية‪ ،‬فله عيوب صغرى أو كبرى‪ ،‬وهنـات هينـات أو‬
‫ير هينات‪ ،‬وهو على كل حـال نبتـة فـى هـذا الحقـل‪ ،‬ولـير بريئـاً مـن الزلـل‪ ،‬فـى أمـوره العامـة‬
‫والخاصــة ‪ ،‬ول ـير معصــوما مــن الخط ـ عنــدما يوجــه ونن نصــح‪ ،‬فقــد تكــون فينــا عجلــة نظنهــا‬
‫حماسة‪ ،‬وقد تكون فينا حدة يظنها صراحة‪ ،‬وقد يدفعنا التوتر واإلحباط إلى التقصير فـي حقـوق‬
‫من حولنا من أهل وأصحاب‪.‬‬
‫ب=حب التصدر والترؤس يمحق النجاح والصالح‪:‬‬
‫وأكثــر المتحمســين لسصــالح‪،‬ال يكــاد يســلم مــن حــب الزعامــة‪ ،‬وقــد يكــون فيــه نــزوع الــى‬
‫الشــهرة والتصــدر‪.‬ولذل قــال أيــوب الســختياني عــن الفقهــاء «حــب الرئاســة آخــر مــا ينــزع مــن‬

‫‪212‬‬
‫ر وس الصديقين»‪ ،‬وال ريب أن حـب التـر س يقـدح فـي اإلخـالص‪ ،‬بـل إن حـب التـر س يـدفع‬
‫الناس إلى مط من حولهم‪ ،‬ونلى كثـرة الصـراع والخال ‪،‬الـذي يضـيع ثـواب المحتسـبين‪ ،‬وفـوق‬
‫ل هو من سـمات المجتمـع البـدوي المتخلـ ‪ ،‬ومـن أجـل لـ تخفـق حركـات اإلصـالح‪ ،‬إ ا لـم‬
‫يتدرب أفرادها على التواضع واإليثار ونكران الذات‪.‬‬
‫من أجل ل ينبغي للمصـلح الحـرص علـى الـتخلص مـن هـذا الـداء‪ ،‬المكـين فـي الـنفر‬
‫البشـــرية‪،‬وقد ال يـــدرك هـــذه النـــواقص‪ ،‬فـــيظن أن النـــاس إزوروا عـــن الخيـــر‪ ،‬ألنهـــم ال يريـــدون‬
‫الصواب‪ ،‬ومن أجل ل ال بد له من النقد الـذاتي ‪ ،‬بـ ن يسـ ل مـن حولـه‪ :‬مـا هـي عيـوبي علـى‬
‫طريقــة أبــى بكــر رضــى هللا عنــه ‪ :‬ي رحــم هللا امــرءا أهــدى إلــى عيــوبي ي ومــا دام يخطــئ فليعــذر‬
‫الخطائين‪.‬‬
‫ج=استعجال النتائج ‪:‬‬
‫من أهم أخطاء دعاة اإلصالح استعجال النتائج‪ ،‬وسرعة الملل والي س‪ ،‬أجل مـن الطبيعـي‬
‫أن يضيق صدر داعية اإلصالح السياسي‪ ،‬إ ا وجـد النـاس مـن حولـه يهمسـون أو يجـاهرون‪،‬‬
‫ويكيلون له التهم ويسيئون به الظنون‪،‬ولكنه لن ينجح إ ا استسلم للي س والملل والجزع‪.‬‬
‫ولــن يــنجح إ ا لــم يــدفع بــالتي هــي أحســن‪ ،‬ففــي المجتمعــات المتخلفــة ينبغــي للمحســنين‬
‫الناشــطين أن يتوقع ـوا كثي ـ ارً مــن األ ى‪ ،‬ب ســباب عديــدة‪ ،‬منهــا الحســد والمنافســة‪ ،‬فض ـالً عــن‬
‫المخالفــة والخصــومة‪ ،‬ولــذل قــال ابــن تيميــة يمــا خــال جســد مــن جســد‪ ،‬فــالكريم يكتمــه واللئــيم‬
‫يعلنهي‪.‬‬
‫ينبغي للمصلح أن يتعود الصفح والتغافل‪ ،‬حتى يقنع الناس بسالمة طويته‪ ،‬فقد يعتبرونـه‬
‫منـــدفعاً مغـــرو اًر‪ ،‬أو حاقـــداً موتـــو اًر‪ ،‬أو مريضـــاً نفســـياً‪ ،‬يحـــب الصـــراع والمشاكســـة‪ ،‬أو مجنونـــاً‬
‫مخبوالً‪.‬‬
‫ألن كثي اًر من الناس‪ ،‬يفهمون الصحة النفسية على يـر مـا شـرع هللا‪ ،‬فيظنونهـا التوافـق‬
‫السائدة‪ ،‬ولو كانت متخلفة فاسدة‪ ،‬وأنها القدرة على اتقان ياالسـترخاءي ‪ ،‬وال‬ ‫مع القيم واألع ار‬
‫‪211‬‬
‫يـــدرون أن الصـــحة النفســـية الحقيقيـــة بـــالمعنى الشـــرعي الموضـــوعي‪ ،‬هـــي العمـــل اإليجـــابي‬
‫المستمر‪ ،‬والحض على النفع والتحذير من الفساد‪ ،‬ل أمر فل عنه كثير من الناس‪.‬‬
‫وكذل ال ينبغي للمجاهد السلمي المدني أن يي س إ ا وجد من وي القربى والصـداقة‪ ،‬أو‬
‫مــن يــرهم مــن يحــذره مــن العواقــب‪ ،‬ومــن يعتبــره ســا جاً‪ ،‬ومــن يعتبــره متهــو اًر يلقــي نفســه فــي‬
‫المهال ـ ‪ ،‬مــتعجالً متســرعاً‪ ،‬أو ـ اًر ال رأي لــه‪ ،‬أو متعصــباً متزمت ـاً‪ ،‬أو خيالي ـاً مثالي ـاً‪ ،‬أو عنيــداً‬
‫متصــلباً‪ ،‬يــنطح برأســه الصــغير الهــش‪ ،‬هضــبة الجبــل الصــلب‪ ،‬وليعــذرهم إ ا رددوا أمامــه قــول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫كناطح صخرة يومـاً ليوهنهـا×‬
‫فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل‬
‫فالمجاهد السلمي عند ضامري الضمائر المشغولين باألنانيةت مغامر أهوج‪ ،‬كالوعـل الـذي‬
‫ينطح الصخرة برأسه‪ ،‬فيتحطم رأسه‪ ،‬وتبقى الصخرة‪ ،‬وهذا في ميزان التفكير القريب صحيح‪ ،‬أمـا‬
‫في ميزان التفكير البعيد فباطل هراء‪ ،‬ورحم هللا اإلمام أحمد‪ ،‬عندما سمع أن أحد شـهداء الـرأي‪:‬‬
‫احمد بن نصر الخزاعي في فتنة خلق القرآن قد خر صريعاً فقال‪ :‬ما أصلبه وما أجلـده أو كلمـة‬
‫نحوها‪ ،‬ولم يقل‪ :‬مسكين ناطح الصخرة فلقى حتفه!!‪.‬‬
‫بــالرفق‪،‬‬ ‫فـال بــد للمجاهــد المــدني مــن أن يــرد السـيئة بالحســنة‪ ،‬والغضــب بــالحلم‪ ،‬والعنـ‬
‫والعدوان بالصفح‪ ،‬وأن يحذر من االستفزاز‪ ،‬الذي يلجئه إلى الشطط في الدفاع عن الذات‪ ،‬والرد‬
‫العاطفي الهائج‪ ،‬وقـد يقـوده إلـى التطـر ‪ ،‬ويبعـده عـن حسـن التصـر ‪ ،‬فيحيـد عـن ُس َّـنة العـدل‬
‫واإلحسـان‪ ،‬وينـزع إلـى مـا ال يليــق بـذوي العقـول الراجحـة‪ ،‬وقـد يوقعــه لـ التعصـب فـي الباطــل‬
‫والهوى‪.‬‬

‫د–إذا مسه الشر جزوعا‪:‬‬

‫‪213‬‬
‫وينبغــــي للمجاهــــد المــــدني والسياســــي أن يتــــذكر أن ســــلوك المســــتكبرين مــــن الر ســــاء‬
‫األزمنــة واألمكنــة‪ ،‬ك ـ نهم توارثــوه كــاب اًر عــن كــابر‪ ،‬فليعــذرهم‬ ‫والمتــرفين متشــابه‪ ،‬ر ــم اخــتال‬
‫وليصفح عنهم‪ ،‬وليدرب نفسه على التحمل حتى يتحمل وعلى التحلم حتى يحلـم‪ ،‬وعلـى التصـبر‬
‫حتـــى يصـــبر‪ ،‬وعلـــى التشـــجع حتـــى يشـــجع فالتحمـــل والحلـــم والصـــبر والشـــجاعة مـــن األخـــالق‬
‫المكتسبة‪ ،‬التي ينال ح منها ير قليل‪ ،‬بالرياضة والتمرين والتجربة‪.‬‬
‫وليتذكر أنه ال يمكن أن يتم جلب خير وال دفع شر‪ ،‬إال بالصـبر والتحمـل‪ ،‬ولـذل قـرن هللا‬
‫بنـي أقـم الصـالة‬
‫األمر بالحق بالصبر فقـال تعـالى فـي مـا حكـاه عـن لقمـان وهـو يعـ ابنـه‪ :‬يـا َّ‬
‫وأمــر بــالمعرو وانــه عــن المنكــر واصــبر علــى مــا أصــاب إن ل ـ مــن عــزم األمــور‪ ‬لقمــان‪:‬‬
‫‪. 17‬‬
‫وليتذكر موااف الصالحين والصابرين‪ ،‬قال خبـاب بـن األرت رضـي هللا عنـه‪« :‬شـكونا إلـى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو متوسد بردة له في ظـل الكعبـة‪ ،‬فقلنـا‪ :‬أال تنتصـر لنـا؟ أال‬
‫تدعو لنا؟ فقال‪ :‬قد كان من قبلكم يؤخذ بالرجـل‪ ،‬فيحفـر لـه فـي األرض‪ ،‬فيجعـل فيهـا‪ ،‬ثـم يـؤتى‬
‫بالمنشار‪ ،‬فيوضع على رأسه‪ ،‬فيجعل نصفين‪ ،‬ويمشط ب مشاط الحديـد‪ ،‬مـا دون لحمـه وعظمـه‪،‬‬
‫ما يصده عن دين هللا» (رواه البخاري)‪.‬‬
‫وليتــذكر صــفح األنبيــاء والمرســلين‪ ،‬الــذي صــوره القـرآن الكــريم فــي مواضــع كثيــرة‪ ،‬كقــول‬
‫بعضــهم‪ :‬ومــا لنــا أالَّ َّ‬
‫نتوكــل علــى هللا وقــد هــدانا ُسـُـبلنا ولنصــبر َّن علــى مــا آ يتمونــا وعلــى هللا‬
‫المتوكلون‪ ‬إبرافيم‪. 12 :‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فليتوكل‬
‫وليتذكر اآليات الكريمة التي أمرت بالصبر وأوصت به كقوله تعالى‪ :‬يا ُّأيهـا الـذين آمنـوا‬
‫وبشر الصـابرين‬‫اصبروا وصابروا ورابطوا و َّاتقوا هللا لعلكم ُتفلحون‪ ‬آل عم ارن‪ 200 :‬وقوله‪ِ  :‬‬
‫و َّننــا إليـه راجعــون ال أولئـ علـيهم صــلوات مـن ربِهــم‬ ‫ال الـذين إ ا أصـابتهم مصــيبة قـالوا َّإنـا‬
‫ورحمة وأولئ هم المهتدون‪ ‬البقرة‪. 157-155 :‬‬

‫‪215‬‬
‫وليتــذكر األحاديــث الشــريفة‪ ،‬كقولــه صــلى هللا عليــه وســلم‪« :‬مــن يــرد هللا بــه خي ـ اًر يصــب‬
‫منه» (رواه البخاري) وقوله‪« :‬إن عظم الجزاء مع عظـم الـبالء‪ ،‬ونن هللا إ ا أحـب قومـاً ابـتالهم‪،‬‬
‫فمن رضي فله الرضا‪ ،‬ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي وابن ماجه)‪.‬‬
‫وليكن متمثالً بالصالحين والصديقين‪ ،‬الذين يندر أن يجد منهم من لـم يبتـل فـي ات هللا‪،‬‬
‫فضالً عن األنبياء والمرسلين‪ ،‬فليصفح وليغفـر‪ ،‬ولـيكن شـعاره قولـة أحـد األنبيـاء‪ ،‬حينمـا ضـربه‬
‫قومه حتى أدموه‪ ،‬كما ورد فـي الحـديث‪ ،‬قـال عبـد هللا بـن مسـعود رضـي هللا عنـه‪« :‬كـ ني أنظـر‬
‫إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬يحكى نبياً من األنبياء صلوات هللا وسـالمه علـيهم‪ ،‬ضـربه‬
‫قومه‪ ،‬ف دموه‪ ،‬وهو يمسح الدم عن وجهه‪ ،‬ويقول‪ :‬اللهم ا فر لقـومي فـإنهم ال يعلمـون» (رواه‬
‫البخاري ومسلم)‪.‬‬

‫فهر س (الكلمة أقوى من الرصاصة) الجهاد السلمي الأكبر‬


‫آية صريحة‪:‬‬
‫وحديث صحيح صريح‪:‬‬
‫شكر‬
‫المقالة األولى الفريضة الغائبة‪ :‬الجهاد السلمي‬
‫أ=أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر‪:‬‬
‫والجهاد السلمي‪:‬‬ ‫ب=الفرق بين األمر بالمعرو‬
‫ج=عناصر االتفاق بين الجهاد السلمي والعسكري‪:‬‬
‫د=الفرق بين الجهاد العسكري والسياسي السلمي‪:‬‬
‫‪=5‬لما ا فاق جهاد الكالم جهاد الحسام؟ ألن األعمال بالنتائج‬
‫أ – الحفاع على داخل الحصن أفضل من نشر اإلسالم في الخارج‪:‬‬
‫ب= أن المجاهد الواحد قد يرد ش ار كبي ار عن األمة‪:‬‬
‫‪216‬‬
‫ج=ترسيخ مبدأ الصراع السلمي‪:‬‬
‫د=ألن اإلسالم لم ينتشر إال بالعدالة‪:‬‬
‫والنهي عن المنكر؟‬ ‫‪=7‬لما ا فاق مجاهد الكلمة مرتبة األمر بالمعرو‬
‫أ= ما ا تقتضي األولويات؟‪:‬‬
‫ب=لكي ال تتبدد الطاقات في الثانويات‪:‬‬
‫االجتماعي (احتساب)عادي‬ ‫ج=األمر بالمعرو‬
‫السياسي جهاد جهاد أكبر‬ ‫واألمر بالمعرو‬
‫أزيز قذيفة الرصاص؟‪/‬ألن األجر حسب المشقة أيضا‬
‫صرير قلم الرصاص َ‬ ‫ُ‬ ‫‪=3‬لما ا فاق‬
‫أ –مخاطرة من يقول للجائر ‪:‬اتق هللا‪ ،‬أعظم من مخاطرة المحارب‪:‬‬
‫ب=المجاهد السلمي عرضة لتشويه عرضه ودينه(اجتماعيا)‪:‬‬
‫ج=المجاهد السلمي عرضة لتحطيم سمعته(قضائيا)‪:‬‬
‫‪=2‬فرد أعزل أمام دولة مدججة ب نواع السالح‬
‫على قدر أهل العزم ت تي المصائب‪:‬‬
‫أ=صبر المجاهد السلمي لير صبر ساعات‬
‫إنما هو صبر سنوات وأعمار‪:‬‬
‫ب=أسرة المجاهد المدني تحاصر معه‪:‬‬
‫ج=صبر سنوات بل أعمار ال صبر ساعات‪:‬‬
‫د=ال نامت أعين الجبناء‬
‫الحكم العضوض ب سلوب (باسم هللا رب الغالم!)‪:‬‬ ‫‪=9‬كيف يؤطر أمراء تطر وعن‬
‫أ – نمو ج البطل الشهيد في ثقافتنا‪:‬‬
‫ب= حديث باسم هللا رب الغالم وسوء فهم عند بعض الفقهاء‪:‬‬

‫‪217‬‬
‫ج – نتائج جهاد السالم أبقى من جهاد الحسام‪:‬‬
‫د=عندما ينقلب السحر على الساحر‪:‬‬
‫‪=3‬الجهاد المدني األكبر قوة الجماهير الشعبية الناعمة‬
‫كيف تدك عروي الجبابرة؟‬
‫ستره أمام الناس‪:‬‬ ‫أ– الطاغية ينهزم في جوالت تكش‬
‫ج= البوصلة والثبات عاصم المصلحين من االنقالب من سجون السفاح إلى دواوينه‪:‬‬
‫ستر الفقهاء والقضاة المندمجين في (الحكم العضوض)‪:‬‬ ‫ب=كش‬
‫ج= البوصلة والثبات عاصم المصلحين من اال نقالب من سجون السفاح إلى دواوينه‪:‬‬
‫‪= 8‬شعار يالشهيد الحيي حقيقة أم من أوهام الرفبان؟‪ /‬الجهاد المدني حتى االستشهاد‬
‫مشروع لدحر االستبداد‬
‫أ= أوهام في لباس سنن‪:‬‬
‫ب=مشروعية تعريض النفر ل ى والسجن‪:‬‬
‫ج= مصطلح الشهيد الحي ‪:‬ألير من أدب الرهبنة؟‪:‬‬
‫‪=9‬ما المخرج من النظام التربوي الذي يفرز أمة يكغثاء السيلي؟‬
‫اإليثار يعلمنا التضحية واألنانية تعلمنا الجبن والخو‬
‫أ=مشروعية تعريض النفر للقتل‪:‬‬
‫ب=الفرق بين تعريض النفر للقتل ومباشرة قتلها‪:‬‬
‫ج=للحكم العضوض أساليب ينبغي التصدي لها ب ساليب فعالة‪:‬‬
‫د=محطات الرحلة الثال ‪ :‬اإليثار فالتضحية فالنجاح‪:‬‬
‫‪= 01‬إن لم نتعلم من اإلفرنج والهنود فلنتعلم من النحل والنمل و القرود كي ال نستمر‬
‫أمة مستعبدة يكغثاء السيلي‬

‫‪218‬‬
‫أ=اإل رادة والنجاح‪:‬‬
‫ب=إن لم نتعلم من القرآن والسنة‪ :‬أفال نتعلم من النمل والنحل‪:‬‬
‫ج=كيف نتعلم من القرود‬
‫‪=00‬متى انهد الحكم الشوري؟‬
‫عندما نادى الرفبان بجهاد القلوب‬
‫أ – ترك الجهاد السياسي هو الذي هد بيتنا‪:‬‬
‫ب – جهاد طغيان والة داخلي سلمي قبل حرب عدوان زاة خارجي لما ا؟‬
‫ج – صيانة المسلمين من االستسالم لالستبداد‬
‫أولى من دعوة يرهم إلى اإلسالم‪:‬‬
‫‪=05‬الجهاد المدني األكبر (إنما هو السياسي)‬
‫أ=بناء ايم المجتمع المدني وسائله قبل الجهاد العسكري ‪:‬‬
‫الجهاد السياسي ب نه الجهاد المدني األكبر‪:‬‬ ‫ب‪ -‬لما ا نص‬
‫ج= عشرة مبادل وعشر وسائل‪:‬‬
‫د=جالء غبار بدع المل العضوض عن سنن الحكم الشوري‪:‬‬
‫‪=07‬الجهاد المدني األصغر‪/‬جهاد العمران‬
‫أ‪ -‬الجهاد الصناعي‪:‬‬
‫ب‪ -‬الجهاد االقتصادي‪:‬‬
‫ج‪ -‬جهاد االختراع التقني ‪:‬‬
‫د‪ -‬النمو جان دعاة الصهيونية ودعاة اإلسالمية‪:‬‬
‫‪=03‬أسوار قلعة المل العضوض أربعة‪:‬اجتماعي وثقافي ديني وقضائي‬
‫أ‪ -‬الطغيان السياسي له أسوار‪:‬‬

‫‪219‬‬
‫ب=ثقافة االستسالم للطغاة أهم أسوار القلعة‪:‬‬
‫ج=عندما تندمج الثقافة الدينية في حضن الطغاة‪:‬‬
‫د=عندما تصوا الثقافة المتخلفة قضاءا متخلفا‪:‬‬
‫هـ= عن السلطان االجتماعي الجائر‪:‬‬
‫السياسة السرية‬ ‫‪= 02‬فساد الفكر السياسي في ظالل االنقياد لالستبداد‪ :‬الموعظة‬
‫نمو جا‪:‬‬
‫في مشروعية البدء بالقول اللين‪:‬‬ ‫أ – ال خال‬
‫ب=ولكن ال يجوز االكتفاء بالوع السري‪:‬‬
‫ج= الموعظة السرية استثناء فمتى يشرع البدء بها‪:‬‬
‫د– القاعدة‪:‬اجهر واصدع بما تؤمر‪:‬‬
‫عام‬ ‫‪=09‬كيف أضاعنا فقه ضباب المل العضوض أكثر من أل‬
‫عندما حصر المطالبة بحقوق األمة بتوسالت سرية؟‬
‫أ‪-‬عندما قال قاضي المل العضوض‪:‬ال يسوا أن ينصح األمير عالنية إال بإ نه‪:‬‬
‫ب=حتى التعذيب الوحشي أوجب قضاة المل العضوض إنكاره سرا‪:‬‬
‫ج=الموعظة العلنية هي القاعدة و السرية استثناء‪:‬‬
‫‪=03‬مفهوم الحكمة والفتنة‬
‫بين عصر الحكم الشوري وعصور المل العضوض‬
‫أ= (الحكمة) بين زجاجة المصباح وأوهام عصور المل العضوض‪:‬‬
‫ب– ألن المل العضوض أصل الفتن يجب جهاد االستبداد حتى االستشهاد‪:‬‬
‫‪ =08‬ماهو أهم أسباب االستسالم لسمبريالية األطلسية والشيوعية ؟‬
‫عام‬ ‫إنه فقه االندماج في المل العضوض الذي استمر أكثر من أل‬

‫‪221‬‬
‫أ=فقه خدمة المل العضوض بني على لي النصوص ونيثار متشابه األدلة على محكمها‬
‫الصالح كقميص عثمان لتضليل الناس‪:‬‬ ‫ب= ر فعوا الفتة السل‬
‫ج=فكيف نصد اإلمبريالية بخطاب ديني يحمي الحكم الجبري فضال عن العضوض ؟‪:‬‬
‫‪=09‬الكلمة أمام السلطان الجائر مشروعا إصالحيا‬
‫أ – الكلمة المكتوبة‪:‬‬
‫ب – كلمة الجماعة فى بيان أو خطاب عام‪:‬‬
‫ج= الكلمة بيانا فكريا عميقا يشخص مشكال ويقدم حال‪:‬‬
‫‪=51‬الكلمة أمام السلطان الجائر مشروعا سياسيا‬
‫أ= المشروع اإلصالحي يبدأ باألساسيات‪:‬‬
‫ب‪ -‬وضوح المفافيم و اإلحاطه بها‪:‬‬
‫ج‪-‬ت سير خطاب عقيدي يسهل العبور من الحكم العضوض إلى الشوري‪:‬‬
‫د=جهاد المل العضوض ال يكتب في رواق‪ ،‬بل في الميادين واألسواق‪:‬‬
‫‪=50‬فقه األولويات‪/‬كارثة المل العضوض (وهي الكفر البواح)أولى باإلنكار‬
‫أ= الفقيه المندمج في ضباب الفرعنة والصحراوية مهزوم‪ :‬دوره ترسيخ الت زيم‪:‬‬
‫ب=في ظالل المل العضوض ساد الغلو ووئد التسامح والتعـــــــددية‪:‬‬
‫ج=وازداد الطغيان عندما انشغل الفقهاء بالثانويات عن األولويات‪:‬‬
‫‪=55‬المتنس المكتفي بقنوته من أعظم من أعان المل العضوض بسكوته‬
‫أ=الزاهد المعتزل مؤمن ضعيف أم شيطان أخرس‪:‬‬
‫ب =اختالل سلم القيم ‪ :‬الهــروي والقرعاوي نمو جا‪:‬‬
‫ج= لكي ال يضل الناس بصالح األشخاص واإلخالص عن صالح األفكار‪:‬‬
‫‪==57‬إنكار الناس على المستبد كيف يحتاج إلى استئذانه وهو وكيلهم ؟‬

‫‪221‬‬
‫أ – الفرق بين الجهاد العسكري والمدني‪:‬‬
‫ب – استئذان السلطان وفقه المداهنة‪:‬‬
‫ج – كيف يست ن السلطان في الحسبة عليه؟‬
‫‪=53‬حقوق األمة ال توهب بتوسالت وعاع سرية بل تنتزع بالتضحيات‬
‫أ= النصح في القرآن والحديث هو اإلخالص ولير الموعظة‪:‬‬
‫ب=مطالبات أحرار بحقوق وليست توسالت رفبان وال شحا ين‪:‬‬
‫ج=الفرق بين المطالب الحقواية والمواع والشحا ة‪:‬‬
‫د=تحري الرأي العام‪:‬‬
‫اإلصالح السياسي واحد في كل أمة ودولة وملة(الحكم الشوري) لكي‬ ‫‪ =52‬هد‬
‫في البديهيات‬ ‫النختل‬
‫أ‪ -‬مقصد اإلصالح السياسي‪:‬‬
‫األساسي من الثانوي‪:‬‬ ‫ب= االستراتيجية‪ :‬فرز الهد‬
‫ج=عناصر النجاح‪:‬‬
‫د= الحكم الشوري قالبه النظام الدستوري فما عناصر الدستور؟‪:‬‬
‫‪=59‬لما ا فشلت مشاريع اإلصالح العربي؟‪:‬‬
‫سياسيا‪ ،‬كالبلدان الخليجية؟‪.‬‬ ‫أ=من أين يبدأ اإلصالح في أي بلد عربي متخل‬
‫ب=محورالعقيدة السياسية في اإلسالم‪:‬الحكم الشورى وأكبر معاول هدمها الحكم‬
‫العضوض‪:‬‬
‫ج=من تجارب فشلنا السياسي أال نستمد نجاحنا؟‬
‫‪=53‬خريطة طريق اإلصالح السياسي‬
‫في االستراتيجية والوسائل‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫أ‪-‬أهمية اإلستراتيجية ‪:‬‬
‫ب=الخطاب الوطني العام ال الفئوي الخاص‪:‬‬
‫ج= توعية الجماهير قبل تحريكها‪:‬‬
‫‪=58‬القوى المستفيدة من المل العضوض كيف يتغلب عليها‬
‫أ‪-‬القوى المناهضة لسصالح‪:‬‬
‫ب‪-‬دور الجهاز المراد إصالحه(كالقضاء) ‪:‬‬
‫ج‪ -‬المعلومات‪ :‬توافرها و معايير صحتها‪:‬‬
‫‪=59‬هشاشة ثقافة دعاة اإلصالح السياسي‪ :‬من أهم أسباب اإلخفاق‬
‫أ‪ -‬لكي ال يكون المجتمع المدني قناعا لروح قمعية ‪:‬‬
‫ب=اإلخالص لسصالح السياسي‪:‬‬
‫ج= تحديد الهياكل والنظم اإلجرائية للهد ‪:‬‬
‫إلى اآلليات‪ :‬معرفة مايناسب البيئة‪:‬‬ ‫د= من األهدا‬
‫‪=71‬معرفة كيفية مجابهة معوقي اإلصالح من أهم أسباب النجاح‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقدير حجم العوائق تقدي ار موضوعيا‪:‬‬
‫ب=دور المستفيدين من التخل ‪ :‬القضاة الراكدون والفاسدون مثال‪:‬‬
‫ج=إقناع المسيطرين أن اإلصالح لمصلحتهم‬
‫د=استنفار القوى المتضررة من الفساد‪:‬‬
‫‪=70‬ال نجاح لدعاة الحكم الشوري دون دعم شعبي‬
‫أ‪-‬الثقة الشعبية‪:‬‬
‫ب=العوائق الثقافية‪:‬‬
‫ج=ثقافة دعاة اإلصالح‪:‬‬

‫‪221‬‬
‫د= تعدد جماعات اإلصالح مهم وانسجامها أيضا‪:‬‬
‫الرياح‬ ‫‪=75‬الذين يرجون صالح المستبد دون طوفان الجماهير يحصدون عص‬
‫أ‪-‬االستراتيجية‪:‬‬
‫ب‪ -‬كيف تذلل العقبات االجتماعية؟‪:‬‬
‫ج= األزمات فرص سانحة ينبغي انتهازها ‪:‬‬
‫‪ =77‬نواة اإلصالح تكاثر الجمعيات المدنية وال سيما الحقواية والسياسية‬
‫أ= من المقاالت الفردية إلى البيانات الجمعية‪:‬‬
‫ب= التجمعات المدنية هي سفينة العبور من الحمم العضوض إلى الحكم الشوري‪:‬‬
‫ج=أشكال تجمعات المجتمع المدني األقرب إلى عون اإلصالح السياسي‪:‬‬
‫‪=73‬ال ينجح خطاب إصالح سياسي إن لم يحرك الجماهير‬
‫أ= اإلصالح يبدأ من الشعب ال من الحكومة‪:‬‬
‫ب=لما ا ينبغي خاطبة الشعب أوال وحشده؟‪:‬‬
‫ج=تحقير فقهاء المل العضوض الجماهير وتهميشهم دورها أهم أسباب رسوخه‪:‬‬
‫‪ =72‬ال يشق طريق (الحكم الشوري) إال طوفان التجمعات المدنية األهلية‬
‫أ – دور األعيان والعلماء‪:‬‬
‫ب=الجماهير هي النهر إ ا جرى‪:‬‬
‫ج – التجمع السياسي المدني األهلي فريضة شرعية‪:‬‬
‫‪=79‬المندمجون في المل العضوض الذين يزعمون أنهم يجاهدونه بالقلوب هل هم‬
‫من ورثة األنبياء أم من ورثة الكهنوت؟‬
‫أ=عندما يكون المجرمون أصبر من المحتسبين‪:‬‬
‫ب=لكي ال يكون العوام أصبر من الفقهاء والعلماء‪:‬‬

‫‪223‬‬
‫ج= من هم ورثة األنبياء؟‬
‫‪= 73‬من هو شيخ اإلسالم؟ ومن هو العالمة؟ لكي ال يمسي فقهاء القنوت والسكوت‬
‫المندمجون في االستبداد رواد األمة‬
‫أ= ايم اإلسالم المدنية والسياسية مدركة بالفطرة والخبرة‪:‬‬
‫ب=فقيه شجاع دون أعوان كصقر مكسور الجناح‪:‬‬
‫ج=لكي ال نصبح سكوت فقهاء المل العضوض حجة‪:‬‬
‫د– تقصير المتدينين في اإلصالح المدني والسياسي‪:‬‬
‫الشعوب المدنية‬ ‫‪=78‬كيف صار ليبراليون و ير متدينين طالئع دعاة حقوق‬
‫والسياسية؟‬
‫أ – قصر اإلصالح السياسي على المتدينين وهم كبير‪:‬‬
‫ب – ريادة الليبراليين في مجال ايم اإلسالم المدنية‪:‬‬
‫ج=اإلعالميون والفنانون أكبر جهادا سياسيا من فقهاء الصبر على اإلمام الجائر ‪:‬‬
‫‪=79‬اإلخالص لوجه هللا في الجهاد المدني والسياسي مطلوب‬
‫ولير شرطا للنجاح السياسي‬
‫أ ‪ -‬هل النية مطية في اإلصالح المدني‪:‬‬
‫ب – ليتواف اإلنسان عن العمل الروحي إ ا داخله الرياء أما المدني فال‪:‬‬
‫ج– الدفاع عن المصالح الشخصية والفئوية ال يقدح في اإلخالص‪:‬‬
‫د – صواب دون إخالص‪ ،‬خير من إخالص دون صواب‪:‬‬
‫‪=31‬نشر دعاة الحكم الحكم الشوري ثقافة التسامح والبدء ب نفسهم من عوامل النجاح‪/‬‬
‫اللهم ا فر لقومي فإنهم ال يعلمون‬
‫أ – ما يقال ل إال ما قيل للرسل من قبل ‪:‬‬

‫‪225‬‬
‫ب=جرب رد فعل إمام مسجد تنتقده لتتصور ردفعل حاكم عضوض‪:‬‬
‫ج=ضحايا المل العضوض أبصارهم قريبة المدى وهم بحاجة إلى التفهم‪:‬‬
‫‪=30‬اإلنصات إلى المعارضين ‪/‬رحم هللا امرءا أهدى إلي عيوبي‬
‫أ=ياأيها الرجل المعلم يره!‪:‬‬
‫ب=حب التصدر والتر س يمحق النجاح والصالح‪:‬‬
‫ج=استعجال النتائج ‪:‬‬
‫د–إ ا مسه الشر جزوعا‪:‬‬

‫‪226‬‬

You might also like