You are on page 1of 184

‫بْس ِم اِهلل الَّر ٰمْحِن الَّر ِح يِم‬

‫الدرس األول‪.‬‬
‫قال الشيخ نبيل الشريف حفظه اهلل‪ :‬احلمُد ِهلل رِّب الع اَلِم َني وَص لى اُهلل على سيِد نا‬
‫حممٍد وعلى ءال ِه وأصحابه الَّطيب الطاِه ري ‪ ،‬أما بع ُد ‪َ ،‬ف إين ُأَذِّك ُك م بإخالِص الني ِة ِهلل‬
‫ُر‬ ‫َن‬ ‫َني‬
‫َتع اىل باالش تغال بعلِم ال دين‪ ،‬فق د ثبت يف احلديِث الص حيح أن الرس ول لى ا َلي ِه‬
‫َص ُهلل َع‬
‫َو َس َّلَم قال‪(( :‬إَّنـما اَألْع َم اُل ِبالِّنياِت وإَّنـَم ا ِلُك ِّل اْم ِر ٍء َم ا َنَو ى)) رواُه البخارُّي ومسلم‪،‬‬
‫هذا احلديُث َم عناُه أَّن األعماَل اليت من شأهِن ا أنه ُيَتَق َّر ُب هبا إىل اِهلل ال تكوُن مقبول ًة عن َد‬
‫اِهلل إال بالنيِة احلسنِة‪ ،‬أي النيِة املوافقِة للشرِع كأن يقوَل يف قلبِه "أفعُل هذا تقربا إىل اهلل"‬
‫أو "أفعُل هذا ألَّن اَهلل أمَر به" أو أفعُل هذا ألَّن النَّيب أمَر بَه" أو "أفع ُل هذا ألن ُه حسٌن يف‬
‫الش رِع "‪ .‬ق ال ش يُخ نا رمحُه اُهلل‪" :‬النَّي ُة س ُّر العمِل " وهي تقلُب الع ادَة إىل عب اَدٍة‪ ،‬مث اُل‬
‫ذلَك سُرت العورِة كُّلنا من َش أنِه إذا خرَج يسُرت العوَر َة وأكثُر الناِس ال َين ُو وَن التق ُّر َب إىل‬
‫اِهلل بسِرت الع وَر ِة‪َ ،‬ينَس ْو َن ذل َك فيف وُتُه م الث واُب على هذا العمِل ال ذي َتَع َّو ُدوُه داِئًم ا‪.‬‬
‫ِه َّل‬
‫َح ىت لبُس البياِض فيه ثواٌب إْن نوى اإلنساُن ني ًة حسنًة‪ ،‬الرسوُل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫قال‪(( :‬خْيُر ِثَي اِبُك ُم الَبَي اُض َفَأْلِبُس وَه ا َأْح َي اَءُك ْم َو َك ِّف ُنوا ِفيَه ا َمْو َتاُك ْم )) املستدرك‪ .‬فمن‬
‫لِب اللوَن األبيض يف الثياِب إْن نوى ألَّن الرسول استحَّب ذلك له أج حىت يف الثوِب‬
‫ٌر‬ ‫َس‬
‫ال ذي يكوُن حتَت الظ اهِر من الثي اِب ‪ ،‬أَّم ا َم ن مل َين ِو ِنَّي ًة حَس َنًة ليس ل ه ث واب‪ .‬حىت‬
‫الَّتَبُّس َم يف وج ِه الـمسلِم الذي اعتادُه أحُد نا إن لقَي أخاُه املسلم الذي حيب ُه إن مل ين ِو ي‬
‫النيَة احلسنَة ليَس له ثواب مع أن َك اعَت ْد َت على التبسِم يف وجِه ِه‪ ،‬الرسول عليه الَّص الُة‬
‫والسالُم قاَل ‪َ(( :‬تَبُّس ِم َك يف وجِه َأخيَك َص َد َقة)) الرتمذي‪ ،‬معناُه له ثواٌب َك َثواِب الذي‬
‫َيَتَص َّد ُق على الَف ق ِري ‪َ .‬س ألُت الشيَخ رمحُه اهلل‪ :‬أشياَء حتص ُل بُس رعٍة مع املسلِم ‪ ،‬يقوُل له‬
‫مسِلٌم "السالُم عليكم" وهو ي رُد السالَم بسرعٍة ال يسَتحِض ر ِنَّي َة التق رِب إىل اِهلل‪ ،‬ق ال‬
‫شيخنا‪" :‬حىت يف هِذِه إن لـم َين ِو الَّتق ُّر َب إىل اِهلل ال ثواَب له"‪ ،‬قلُت له‪ :‬إن َو َق ع ُمسِلم‬
‫وأمسكُتُه حىت ال يق َع أث اُب إن لـم أن ِو ؟ ق ال رَمِحُه اُهلل‪" :‬ال َث واَب إال َأْن َتن وي"‪ .‬هذا‬
‫معناُه أنه ينبغي من ُك ِّل واحٍد منا أْن يستحضَر هذه الِّنَّي ة يف كِّل عمٍل صاٍحل ‪ ،‬أفع ُل هذا‬
‫ِهلل‪ .‬أغَلُب الن اِس خَي ُر ج وَن من ُبي وِهِتم للَعَم ِل ‪ ،‬لَتحص يِل الَّنَف ق اِت وال َيسَتحِض روَن َش يًئا‬
‫ِم الِّني اِت احل َنِة في ذه ال وق سا ة‪ ،‬مث ينِف ق وَن املاَل على الِعي اِل وعلى الزوج ِة‬
‫ُب ُت َخ َر‬ ‫َس‬ ‫َن‬
‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِذِه ِخ‬ ‫ِس ِه‬
‫وعلى أْنُف م وال َين ُو وَن شيًئا‪ ،‬ه ساَر ٌة ك َريٌة‪ .‬الَّر سوُل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم زاَر‬
‫وُل اِهلل‬ ‫ِب ِه‬ ‫ٍد‬ ‫ِم‬ ‫ِب‬
‫َص حا ًّيا اسـُم ُه َس عُد بُن أيب َو قاص‪ ،‬فَعْن َع ا ِر ْبِن َس ْع َعْن َأ ي َق اَل ‪َ :‬ع اَديِن َرُس‬
‫َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم يِف َح َّج ِة ال َو َداِع ِم ْن َو َج ٍع َأْش َف ْيُت ِم ْن ُه َعَلى الـَمْو ِت ‪َ ،‬فُقْلُت َي ا‬
‫َرُس وَل اِهلل َبَلَغيِن َم ا َتَر ى ِم َن الَو َج ِع َو َأَنا ُذو َم اٍل َو َال َيِر ُثيِن ِإال اْبَن ٌة يِل َو اِح َد ٌة َأَفَأَتَص َّد ُق‬
‫ِبُثُلَثْى َم ايِل قال‪(( :‬ال)) َقاَل ُقْلُت َأَفَأَتَص َّد ُق ِبَش ْطِرِه قال‪(( :‬ال الُّثُلُث ‪َ ،‬و الُّثُلُث َك ِث ٌري‪ِ ،‬إَّنَك‬
‫اَل ًة َتَك َّف ُف وَن الَّنا )) جا يف هذا احلديِث‬ ‫ِم‬ ‫ِن‬
‫َء‬ ‫َس‬ ‫َأْن َت َذ َر َو َر َثَتَك َأْغ َي اَء َخ ْيٌر ْن َأْن َت َذ َر ُه ْم َع َي‬
‫أنه أكَثر ما َتعَم ل ب ِه الَو ِص َّية الُّثُلث‪ ،‬مث َأرَش َد ُه الَّر سوُل علي ِه الصالُة والَّس الُم على أن ُه ِإْن‬
‫ِف‬ ‫ِة‬
‫ترَك شيًئا للَوَر َث َح ىت ال حيتاجوا سؤاَل الناِس يكوُن أحَس ن‪ ،‬مث قاَل له‪َ(( :‬و َلْس َت ُتْن ُق‬
‫َنَفَق ًة َتْبَتِغي َهِبا َو ْج َه اِهلل ِإال ُأِج ْر َت َهِبا َح ىَّت الُّلْق َم ُة ْجَتَعُلَه ا يِف يِف اْم َر َأِت َك )) رواُه ُمسِلم‪،‬‬
‫أحيان ا الرج أُك مع زوِج ِه ي هلا ُلق ة يف َفِم ها فإْن ُك ْن ن ي التق ر إىل اِهلل‬
‫َب‬ ‫َت َو َت‬ ‫َم‬ ‫َض ُع‬ ‫ُل َي ُل‬
‫ُت ْأَج ُر على فإن مل تن و فاَت َك الث واُب ‪ .‬ق ال ش يخنا رمحُه اُهلل‪ :‬الني ُة إكسُري العمِل "‪.‬‬
‫اإلكسُري ُش يء ُيوَض ُع َعلى الُّنحاِس فَيقِلُبُه َذَه ًبا‪.‬‬

‫‪321‬‬ ‫َقاَل الَعاَّل َمُة ُح َّج ُة اِإل ساَل ِم َأُبو َج ْع َف ٍر ال َو َّر اِق الَّطَح اِو ّي الَّس َلِف ّي (‪ 239‬هـ ‪-‬‬
‫هـ) الـمْص ِر ِّي َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬ه َذ ا ِذ ْك ُر َبَي اِن َعِق ي َد ِة أه ِل الُّس َّنِة َو الَج َم اَع ِة َعل َم ْذ َه ِب‬
‫َى‬
‫ِإ ِي‬ ‫ِب‬ ‫ِف‬ ‫ِبٍت‬ ‫ِن‬ ‫ِء َّلِة ِب ِن‬
‫ُفَق َه ا الـم ‪َ :‬أ ي َح يَفَة الُّنْع َم ا ْبِن َثا الُك و ّي ‪َ ،‬و أ ي ُيوُس َف َيْع ُق وَب ْبِن ْبَر اه َم‬
‫ِع‬ ‫ِهلل‬ ‫ِن‬ ‫ِد‬ ‫ِب ِد ِهلل‬
‫اَألْنَص اِر ّي ‪َ ،‬و َأ ي َعْب ا ُمَح َّم ْبِن الـَح َس ِن الَّش ْيَبا ّي ‪ِ ،‬ر ْض َو اُن ا َعَلْيِه ْم َأْج َم يَن‬
‫َو َم ا َيْعَتِق ُد وَن ِم ْن ُأُصوِل الِّديِن ‪َ ،‬و َيِد يُنوَن ِبِه ِلَر ِّب الَعالـميَن ‪.‬‬
‫ٰه ذا الَك الُم ال ذي قاَل ُه ِب ِذ ْك ِرِه ٰه َذ ْيِن الـمْج َتِه َد ْيِن َبْع َد َأيِب َح ِنيَف ة‪ ،‬ليَس َم ْع ن اُه َأَّنُه م‬
‫ُه م اْخ َتُّص وا ِب ِه ُدوَن ِس واُه م‪ ،‬ال‪ِ ،‬إَّنـما ُيِر ي ُد ِب ذِلَك َأَّن َس ْبَك الِعبارات اليِت َي ْذ ُك ُر ها هذا‬
‫الـمَؤ ِّلف َأُبو َج ْع َف ر الّطحاِو ّي َعَلى َطِر يَق ِة ٰه ُؤ الِء اَألِئّم ة الَّثالَثة الذيَن َذَك َر ُه م‪َ ،‬و ِإال‪َ ،‬فهذه‬
‫الَعِق يَد ة ِه َي َعِق يَد ُة ُك ِّل الـمْس لـمني‪.‬‬
‫الش ر ‪ُ :1‬ق وُل الَّطح اوُّي إَّن هِذِه الِّر الَة ِه ِذْك عقي دِة َأ ِل الُّس َّنِة وا اع ِة‬
‫َجلَم‬ ‫ْه‬ ‫َس َي ُر‬ ‫ُح َي‬
‫ب‬ ‫ُد‬ ‫َّم‬ ‫حم‬ ‫عَلى ِب ا َّر أبو حنيف َة وَأ و وس يعقو ب إبراهي وأ و عب ِد اِهلل‬
‫ُن‬ ‫َم ُب‬ ‫ُب ُن‬ ‫ُب ُي َف‬ ‫َح َس َم َق َر ُه‬
‫الِع ا اِت َأ هذِه الِّر اَلَة على ُأ ُلوِب الِء‬ ‫ِم‬
‫َه ُؤ‬ ‫ْس‬ ‫َس‬ ‫اَحلَس ِن الَّش ْيَباُين‪ ،‬أْي ْن َح ْيُث َس ْبُك َب َر َض ُع‬
‫األِئَّم ِة الثالَثِة‪ ،‬أَّم ا ِم ْن َح ْيُث الـمْع ىَن َفْه َو َم ْذ َه ُب َأْه ِل اَحلِّق َأْه ِل الُّس َّنِة واَجلَم اَع ِة ُك ِّلِه م ِبال‬
‫ا ِت َناٍء ‪ ،‬وَأ الُّس َّنِة واجلماع ِة‪ 2‬الَّص ا ُة‪ 3‬و َتِب م يف الـم َق ِد وَل كاَن ِم‬
‫ْن‬ ‫ْو‬ ‫ْع َت‬ ‫ُه ُم َح َب َمْن َعُه‬ ‫ْه ُل‬ ‫ْس ْث‬
‫َح ْيُث اَألْع َم اُل ُمَق ِّص ًر ا إىل َح ٍّد َك ِبٍري ‪.‬‬
‫وَنَّص الَّطحاِو ُّي عَلى ِذْك ِر َه ُؤ الِء الُفَق اِء ألنه كاَن يف الُف وِع عَلى ْذ َه ِب اإل اِم‬
‫َم‬ ‫َم‬ ‫ُر‬ ‫َه‬
‫َق ُد أهِل الُّس َّنِة‬ ‫ِء ِه‬ ‫ِق‬ ‫ِن ِض‬
‫أيب َح يَف َة َر َي اُهلل عْن ُه‪َ ،‬و َلْيَس ْت َه ذه الَع ي َد ُة َخ اَّص ًة هبؤال َبْل َي ُمْع َت‬
‫واَجلَم اَعِة‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬يف اْفِتَتاِح هِذِه العقيدِة‪َ" :‬ه ذا ِذ ْك ُر َبَياِن َعِق يَد ِة أهِل الُّس َّنِة والَج َم اَع ِة" ِإَّنـما‬
‫َقاَل َذِلَك ِلقوله تعاىَل ‪ِ :‬لَنِبِّيِه‪ُ﴿ :‬قْل َه ِذِه َس ِبيِلي َأْد ُع و ِإىَل اِهلل َعَلى َبِص َريٍة َأَنْا َو َم ِن اَّتَبَعيِن (‬
‫‪ ﴾)108‬سورة يوسف‪ ،‬فالُّس َّنُة ِعَب اَر ٌة َعِن الَّطِر يَق ِة‪ ،‬وَم ْع ىَن ﴿َعَلى َبِص َريٍة﴾ أْي أَّن ُك َّل‬ ‫‪4‬‬

‫الشارُح هو العالـم اجلليُل اإلم اُم الـمَح ِّد ُث الَّش يُخ عبُد ِهللا بُن ُم َح َّم ِد بِن يوس َف بِن عبِد ِهللا بِن جامٍع اله ررُّي الَّش ْيُّيِب الَع ْب َد ِر ُّي‬ ‫‪1‬‬

‫مفيت َه َر َر ‪ُ ،‬و َدِل يف مدينِة هرَر حوايِل سنة ‪ 1328‬هـ ـ ‪ 1910‬ر ـ ِكْنَيُتُه أبو عبِد الَّر محِن ‪،‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َأْه ُل لُّس َّنِة ‪ُ :‬مُه اذليَن َو اَفُق وا ُس َّنَة لَّنِّيِب َأْي ِرَش ْيَع َة الَّنِّيِب َأِي اْلُق ْر َء اَن َو اْلَح ِد ْيَث ‪َ ،‬و لِرَّش يَع ُة َيِه ْلَع ِقي َد ُة و َألْح اَك ُم ‪ ،‬و ْلَج َم اَعِة ‪ُ :‬مُه‬ ‫‪2‬‬

‫اذليَن َو اَفُق وا َمَجاَعَة ٱلـمْس لـمَني ‪ ،‬ٱْلَج َم اَعُة يِف َه َذ ا الـمْو ِط ِن ْمُج ُه وُر ٱلـمْس لمَني أي َأَّن ٱلـمْس لمَني َبعَد ٱلَّص َح اَبِة َثَبُت وا َعىَل َم ا اَك َن َعَلي ِه‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫لَّص َح اَبُة ِم ْن َح ْيُث لـمعَتَقُد َو لـم خَي ُر ُج وا َعنُه َلِكِن خَتَل َف َبعُض لـمنَتِس ِب َني ىَل سالِم يِف َبعِض ُألُص وِل العِتقاِد َّيـِة اَمَك سَيْأيِت َبَي اُن‬
‫ِإ ِإل‬ ‫َٰذَكِل ‪،‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫لَّص َح اُّيِب ‪ُ :‬ه َو َمْن َلِقَي لَّنَّيِب ِبَط ِر يِق لَع اَد ِة َو َء اَمَن ِبِه َو َم اَت َعىَل ْيامِن ‪َ ،‬مْن َر َء اُه عليِه لصالُة َو لَّس الُم يِف َح ياِتِه َو اَك َن َعىَل ْلُكْف ِر َّمُث‬ ‫‪3‬‬

‫َء اَمَن ِبِه َبْع َد َو َفاِتِه ال ُيَس َّم ى َحَص اِبًّيا‪َ ،‬و َمْن َلِقَي ٱلَّنَّيِب بَغِري َط ريِق ٱلَعِإلاَد ِة ِ ال ُيَس َّم ى َحَص اِبًّيا‪،‬‬

‫قاَل َتعاىَل ‪ُ﴿ :‬ق ْل َه ِذِه َس ِب ييِل ﴾ اَّليِت َيِه اَّدل ْع َو ُة إىل اإلمياِن والَّتْو ِح ي ِد والَّس ِبيُل الَّط ِر ي ُق ‪ ،‬مث فَرَّس َس ِبيُهَل بَقْو ِهِل ‪َ﴿ :‬أْد ُع و ىَل ِهللا َعىَل‬ ‫‪4‬‬

‫َبِص َري ٍة ﴾ أْي َأْد ُع و إىل ِد يِن ِه َم َع ُحَّج ٍة واَحِض ٍة غِري ْمَع َي اَء ‪َ﴿ ،‬أاَن َو َمْن اَّتَبَع يِن ﴾ أْي َأْد ُع و إىل َس ِبيِل ِهللا أاَن وَي ْد ُعو إلي ِه َمِن ِإ اَّتَبَع يِن َعىَل‬
‫ُحَّج ٍة وُبْر َهاٍن ال َعىَل َه ًو ى‪.‬‬
‫َم ا َج اَء بِه اإلْس الُم ال َيُر ُّدُه العقُل الَّصِح يُح ‪ ،5‬وأَّم ا اجلماعُة َفُه ُم اَّلِذ ين اَّتبُعوُه على ِم َّلِتِه‪.‬‬
‫ىِن ِح ُق ول‪ْ :‬حَن ِم َأ ِل الُّس َّنِة وا ما ة َأ ْحَن َلى ْذ ِب َأ ِل الُّس َّنِة‬
‫َجل َع ْو ُن َع َم َه ْه‬ ‫ُن ْن ْه‬ ‫َيْع َني َن‬
‫ِه َّل‬ ‫هِب‬ ‫ِر‬
‫واَجلماَع ة َم ْع ىَن َك لمة الُّس َّنة ُه ن ا الَّش يَعُة ال يت ج اَء ا الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫َو َتْش َم ُل الَعِق ي َد َة واَألْح كام‪َ ،‬أّم ا اجلماَع ة َفَم ْع ن اُه ْمُجُه وُر الـمْس لمَني ‪ ،‬اُجلْمُه وُر الغ اِلب‪،‬‬
‫الَّس واُد اَألْع َظم‪ُ ،‬يقاُل ُهَلم اَجلماَعة‪ِ ،‬لذِلَك حَن ُن ُنَس َّم ى َأْه َل الُّس َّنِة واَجلماَعة‪.‬‬
‫َو ال َّد ِليل َعَلى م ا َنُق ول ِم ْن َأَّن اجلماَع ة َم ْع ن اُه اُجلْمُه وُر الغ اِلب‪ ،‬اُجلْمُه وُر اَألْع َظم‪،‬‬
‫َح ِد يث قاَل ِفيِه الَّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪َ(( :‬و َس َتْف ِرَت ُق ُأَّم يِت ِإىَل ثالٍث وَس ْبِعَني ِفْر َق ة‪،‬‬
‫ُك ُّلُه م يف الّن اِر ِإاّل واِح َد ًة َو ِه اَجلماَع ُة)) رواه احلاكم‪َ ،‬و يِف ِر واَي ٍة‪ِ(( :‬إَّن َبيِن‬
‫َي‬
‫ِإْس اِئي َتَفَّرُق وا َعَلى ِإْح َد ى َس ْبِعَني ِفْر َقًة‪ِ ،‬إَّن َه ِذِه اُأْلَّم َة َتِز ي ُد َعَلْيِه ْم ِفْر َقًة‪ُ ،‬ك ُّلَه ا يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َر َل‬
‫الَّن اِر ِإاَّل الَّس اَد اَأْلْع َظ )) السنن الكربى‪ ،‬الَّس واُد اَألْع َظم َم ْع ن اُه اُجلْمُه وُر الغ اِلب‪ ،‬يِف‬
‫َو‬ ‫َم‬ ‫َو‬
‫ِإ ِم ِح‬ ‫ٍث ِع ِم‬ ‫ٍة‬
‫ِر واَي ‪َ(( :‬و َتْف ِرَت ُق ُأَّم يِت َعَلى َثَال َو َس ْب َني َّلًة ُك ُّلُه ْم يِف الَّناِر َّال َّل ًة َو ا َد ًة)) َق اُلوا َو َمْن‬
‫ِه َي َيا َرُس وَل اِهلل‪َ ،‬قاَل ‪َ(( :‬م ا َأَنا َعَلْيِه َو َأْص َح ايِب )) رواه الرتمذي‪ ،‬الـمَؤ َّدى واِح د‪ ،‬الـمْع ىن‬
‫واِح د‪.‬‬
‫وقول ‪ِ " :‬د يُنوَن ِب ِه ِل ِّب ال الـمي " أي ما َّت ِذ وَن ِد يًن ا و طُلبوَن ِب ِه اجل ا ِم‬
‫َز َء َن‬ ‫َي‬ ‫َي َخ ُه‬ ‫َر َع َن‬ ‫ُه َو َي‬
‫اِهلل مالِك العالـمني‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف َر ِح مُه اُهلل‪َ :‬نُقوُل ِفي َتوِح يِد اِهلل ُمْعَتِقِد يَن ِبَتوِفيِق اِهلل‪ِ ،‬إَّن اَهلل َو اِح ٌد‬
‫ال َش ِر يَك َلُه‪.‬‬
‫الَّش ْر ُح ‪ :‬قوُل ُه "َنُق وُل ِفي َتوِح ي ِد اِهلل" اْبَتَد َأ بالَّتْو ِح ي ِد ألن ه َأّو ُل ِخ طاٍب ِجَي ُب َعَلى‬
‫الـمَك َّلِف ني‪َ ،‬و ِبِه َنَز َلِت الُك ُتُب الَّس ماِو َّيُة‪َ ،‬و ِإَلْي ِه َدَعِت اَألنبي اُء َو الُّر ُس ُل ال ذيَن ق اَم ت َعَلى‬
‫َأْي ِد يِه ُم الـمعِج زاُت اخلاِر َج ُة َعْن ُو ْس ِع اَخلالِئ ِق ‪َ ،‬ك َص رْي وَر ِة الّن اِر َبْر ًدا َو َس الًم ا َعَلى‬

‫ال َيُر ُّدُه ٱلَع ْقُل ٱلَّص ِح يُح َأْي ُيَؤ ِّيُد ُه ٱلَع ْقُل ٱلَّص ِح يُح ‪ ،‬ٱلَع ْقُل ٱلَّس ِلُمي شَاِه ٌد ِللرَّش ِع َلِكَّن ٱَألْص َل ُه َو ٱلْرَّش ُع َفال َيْأيِت ٱلْرَّش ُع ال ِبُم َج َّو َز اِت‬ ‫‪5‬‬

‫ِإ‬
‫ٱلُع ُقولِ‪َ ،‬ال َيْأيِت ِبَم ا ِحُي يُهُل ٱلَع ْقُل ‪.‬‬
‫إْبَر اِه يَم ‪ ،‬واْنِق الِب َعَص ا ُموَس ى ُثْع َباًن ا َيْس َعى‪ ،‬وَتْس ِخ ِري ال ِّر يِح واِجلِّن والَّطِرْي ِلُس َلْيَم اَن ‪،‬‬
‫وَتْس ِبيِح اِجلباِل وَتْلِيِني اَحلِد يِد ِلَد اُو َد‪ ،‬وُخ روِج الَّناقِة مَن الَّص ْخ َر ِة لَص اِلٍح ‪ ،‬وإْح َي اِء الـمْو َتى‬
‫ِلِعي ى‪ ،‬واْنِش َق اِق الق ِر و ِع الـماِء ِم ِنْي اَأل اِبِع ‪ 6‬وَك الِم الَّش اِة الـم و ِة وَش ا ِة‬
‫ْسُم َم َه َد‬ ‫ْن َب َص‬ ‫َم َنْب‬ ‫َس‬
‫الَّضِّب والِّذ ْئِب وَتْس بيِح الطع اِم يف الَك ِّف ِلَس ِّيِد نا َحُمَّم ٍد َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم وعَلى مجي ِع‬
‫إخوان ِه األنبياِء والـمرسلَني ‪ ،‬فكُّلُه م َدَع وا إىل توحي ِد اِهلل بدليِل قوِلِه تع اىَل ‪َ﴿ :‬و َم ا َأْر َس ْلَنا‬
‫ِم ن َقْبِلَك ِم ن َّر ُس وٍل ِإال ُنوِح ي ِإَلْيِه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإال َأَنا َفاْع ُبُد وِن (‪ ﴾)25‬سورَة األنبياء‪.‬‬
‫ِظ‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِد ِه‬
‫هذا الذي َحَص َل َس ِّي نا ِإْبرا يم َعَلْي الّس الم ْن َأَّنُه ُأْل َي يِف ناٍر َع يَم ة َو لـم ْحُتِر ْقُه‬
‫ِت‬ ‫ِث ِل‬
‫َو ال ياَبُه َد يل َعَلى َأَّن الّن اَر ال ْخَتُل ق‪َ ،‬و َعَلى َأَّن هذه الـمْخ ُلوقا اليت َجَعَلها اُهلل س ْبحاَنُه‬
‫ِإ‬ ‫ِل‬ ‫ِد ِه‬ ‫ِع‬
‫َو تعاىل َأْس باًبا لـمَس َّببات ُتوَج ُد عاَدًة ْنَد ُو ُج و ها‪َ ،‬ي لْيَس ت خا َقَة الـمَس َّببات‪َّ ،‬نـما اُهلل‬
‫تعاىل ُه َو ْخَيُلُق اَألسباب َو ْخَيُلُق الـمسبباِت ِعْنَد ُو جوِد اَألسباِب ِإْن شاَء‪ِ ،‬بَد ليِل َأَّن ِإبراهيم‬
‫ُأْلِق َي يِف ن اٍر َعِظ يَم ة فلم ْحُتِر ْق ُه‪ ،‬الّن اُر ع اَدًة ِإذا ُأْلِق َي ِفيها الَّش ْخ ص ْحُتِر ُق ُه َو ْحُتِر ُق ِثياَب ُه‪،‬‬
‫ِج ِمِه‬ ‫ِه‬
‫ِإبراهيم َعَلْي الّس الم ما َأْح ِر َقْت ُه َو ما آَذْت ُه َو ال كاَنت سبًبا َأللـٍم يِف ْس ‪ ،‬ما َحَص َل َل ُه‬
‫ِت‬ ‫ِح ِق ِف‬
‫َألـم َني ُأْل َي يها‪ ،‬هذا َدلي ٌل َعلى َأَّن اَألس باب ال ْخَتُل ُق الـمَس َّببا ‪َ ،‬عَلى َأَّن اُهلل ُه َو‬
‫ِت‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫خا ُق اَألسباِب َو خا ُق الـمَس ببا ‪َ ،‬و هذا َدليل َعلى َأَّن الّطعاَم ال ْخَيُل ُق الِّص ّح ة وال ْخَيُل ُق‬
‫ِم‬ ‫ِجل ِإ‬
‫الِّش َبع‪ ،‬والـماَء ال ْخَيُل ُق ال ِّر ّي يِف ا سم ذا َش ِر َبُه اإلنسان‪ ،‬اُهلل تع اىل ُيْغيِن َمْن َيش اء ْن‬
‫ِعب اِدِه َعْن هذه اَألْس باب‪ِ .‬عيَس ى َعَلْي ِه السالم بَش ر‪ ،‬حَل م َو ِج ل د َو َعَص ب‪َ ،‬و ُه َو اآلن‬
‫َيِعيُش يِف الّس ماِء الثاِنَية ُمْس َتْغِنًيا َعِن اَألْك ِل والُّشرب َو ُه َو َبَش ر‪ ،‬ال َيْأُك ل َو ال َيْش َر ب َو ال‬
‫ِم ِك ِه‬ ‫ِص‬ ‫ِص‬ ‫ِم ِل‬
‫َيْتَعُب ْن ذ َك ‪ ،‬ال ُي يُبُه َتَعب َو ال ُي يُبُه اْنِز ع اج ْن َتْر اَألْك َل َو الُّش رب‪َ ،‬م ْع ن اُه‬
‫الّطعام ال ْخَيُل ُق الِّص ّح ة‪ ،‬والـماَء ال ْخَيُل ُق ال ِّر ّي ‪ ،‬اُهلل ْخَيُل ُق ذِل ك‪ ،‬اُهلل تعاىل ُيْغيِن َمْن َيشاء‬
‫ِح ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِص ِب ِن‬ ‫ِع‬ ‫ِم ِع ِدِه‬
‫ْن با َعْن هذه اَألْس باب‪َ ،‬فَي يُش وَن َأ ّح اء ُد و َأْك ل َو ِبُد و ُش رب‪ .‬وا َد ة َن‬

‫وَر َو ى البخاِر ُّي ومسلـم من حديِث جابٍر َر َيِض ُهللا عنُه ِم ْن َط ِر ي ِق َس الـم ـ ه و َس الـم ابُن أيب اَجلْع ِد الُك وُّيِف ريض هللا عن ه ق اَل ‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫"َع ِط َش الناُس َيْو َم اُحلَد ْيِب َية َفاَك َن رسوُل ِهللا صىَّل ُهللا عليِه وسلـم بَني َيَد ْيِه َر ْك َو ٌة َيَتَو َّض ُأ ِم َهْنا َو ِهُج َش الَّناُس َح ْو ُهَل‪ ،‬فَق اَل ‪َ" :‬م ا َلْمُك "؟‬
‫َفَقاُلوا‪" :‬اَي َر ُس وَل ِهللا َلْيَس ِع ْنَد اَن َم ا َنَتَو َّض ُأ ِبِه َو ال َم ا َنَرْش ُبُه إال ما بَني َيَد ْيَك " فوضَع َيَد ُه يف الَّر ْك َو ِة وَج عَل الـامُء يف وُر مْن بِني أصاِبِع ِه‬
‫أكمثاِل الُع ُيوِن ‪ ،‬فِرَش ْبَنا وَتَو َّض ْأاَن ‪ ،‬قلُت ‪ْ :‬مَك كنمُت ؟ قاَل "‪َ :‬لْو ُكَّنا ِم ائَة ألٍف َلَكَفااَن ‪ُ ،‬كَّنا مخَس عرْش َة مائة"‬
‫الّص حاِبّيات َأّي ام الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم امسها ُأّم َأْيـَم ن اَحلَبِش َّية‪ ،‬كانت حاِض َنة‬
‫الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم الّر ُس وُل كاَن َيُق ول‪ِ(( :‬ه َي ُأِّم ي َبْع َد ُأِّم ي)) االستيعاب يف‬
‫معرفة األصحاب البن عبد الرب‪َ ،‬ر ِض َي اُهلل َعْنها‪ ،‬اُمسها َبَر َك ة‪ ،‬لـما كاَنِت اهلجرُة َفْر ًض ا‪،‬‬
‫هاَج َر ت َو ْح َد ها ِم ْن َأْج ِل ِح ْف ِظ الِّدين‪ ،‬بيَنما ِه َي يِف الّطريق بَني َم َّك ة َو الـمِد يَنة مسافة‬
‫طويَلة وَح ّر شديد‪َ ،‬عِط َش ت عطًش ا شديًد ا‪ ،‬ما كاَن َمَعها ماء‪ِ ،‬مَس َعت َح ِف يًف ا‪َ ،‬ص ْو ًتا َفْو َق‬
‫َر ْأِس ها‪َ ،‬ف ِإذا ِب َد ْلٍو ُمَتَد ٍّل ِفي ِه م اء‪َ ،‬أَخ َذ ت ِم ْن هذا ال َّد ْلِو م اء َو َش ِر َبت ِم ْن ُه‪َ ،‬و َبْع َد هذه‬
‫الَّش ْر َبة اليت َش ِر َبْتها ما َعِط َش ت ُك َّل َح ياهِت ا ِإىَل َأْن ماَتت‪ ،‬اُهلل َأْغ ناها َعِن الـماء‪ ،‬فالـماُء ال‬
‫ْخَيُلُق االْر ِتواء َفَيْخ ُلق الِّر َّي يِف الّش خص‪ ،‬اُهلل ْخَيُلُق ذِلك‪.‬‬
‫وقوله‪ِ " :‬قِد ي " ِفيِه ْف للِّنفاِق حَت ِق ي لإلمياِن ‪َ ،‬ألَّن الِّنفاَق ‪ِ 7‬م م اال اِف‬
‫ْجَيَت ُع َع ْع َرِت‬ ‫َو ٌق‬ ‫َن ٌي‬ ‫ُمْعَت َن‬
‫ِد‬ ‫ِه ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِظ‬
‫الَّلْف ِّي َلكْن ال َيُك وُن ُمْق ِرَت ًن ا ب االْع َرِتا الَق ْلِّيِب َعَلى َو ْج اَجلْز ‪َ ،‬فاإليـماُن والَّتْص يُق‬
‫‪8‬‬

‫واالْع ِتَق اُد يكوُن كُّل ذلك بالقلِب ‪ ،‬قاَل تعاىل ِفيَم ْن َأَقَّر باللساِن دوَن القلِب ‪َ﴿ ،‬قاُلوا َآَم َّنا‬
‫ِبَأْفَو اِه ِه ْم َو لـم ُتْؤ ِم ْن ُقُلوُبُه ْم (‪ ﴾)41‬سورة الـماِئدة‪.‬‬
‫ِن‬ ‫ِم‬
‫هذا الَّنْو ُع َن الِّنف اق ُيَس ّم ى الِّنف اَق يِف اِإل يـمان‪ُ ،‬يوَج د ف اق يِف الَعَم ل َذَك َر ُه‬
‫الّر ُس ول يِف اَحلِد يث‪َ(( :‬أْر َب ٌع َمْن ُكَّن ِفي ِه َك اَن ُمَناِفًق ا َخ اِلًص ا‪َ ،‬و َمْن َك اَنْت ِفي ِه َخْص َلٌة‬
‫ِم ْنُه َّن َك اَنْت ِفي ِه َخْص َلٌة ِم َن الِّنَف اِق َح ىَّت َي َد َعَه ا‪ِ ،‬إَذا اْؤ ُتـِم َن َخ اَن ‪َ ،‬و ِإَذا َح َّد َث َك َذ َب ‪،‬‬
‫َو ِإَذا َعاَه َد َغ َد َر ‪َ ،‬و ِإَذا َخ اَص َم َفَج ر)) رواه البخ اري‪َ ،‬و يِف ِر َو اي ٍة لـُم سِلٍم ‪َ(( :‬و ِإَذا َو َع َد‬
‫َأخَلَف )) هذا ُيقاُل َلُه ِنفاق يِف الَعَم ل‪ُ ،‬ه نا الكالم َعْن الِّنفاَق يِف اِإل يـمان‪َ ،‬يْع ىِن َيُق وُل ‪َ :‬أنا‬
‫ُأْؤ ِم باِهلل الرسوِل ْش ُد ِبِلساِنِه َأْن ال ِإٰل ه ِإال اهلل َأَّن حمَّم ًد ا وَل اهلل‪َ ،‬لِك يِف ْلِب ِه‬
‫ْن َق‬ ‫َرُس‬ ‫َو‬ ‫َو َي َه‬ ‫ُن َو‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫لِّنَفاُق َنْو َعاِن ‪ِ :‬نَفاٌق يِف ِإلْيَم اِن اَك ِذَّل ي ُيظِهُر ِإل ْس الَم َو ْخُي ِفي لُكفَر يِف َقلِب ِه َأَك ٱْن َيكوَن ِع ن َد ُه َش ٌّك ِبِص َّح ِة ِإل ْس الِم َفَه َذ ا ُمَن اِف ٌق َو ُه َو‬ ‫‪7‬‬

‫َداِخ ٌل حَت َت َقوِهِل َتعاىَل ‪َّ ﴿ :‬ن ٱلـمَناِفِقَني يِف ٱَّدل ْر ِك ٱَألْس َفِل ِم َن ٱلَّن اِر ﴾ [ُس وَر َة لِّنساِء ‪َ ]45 :‬و ِنَف اٌق يِف ٱَألَمع اِل اَمَك َج اَء يِف ٱْلَح ِد يِث يِف ِص َفِة‬
‫ِإ‬
‫ٱلـمَناِف ِق ‪" :‬إ َذ ا َح َّد َث َكَذ َب َو ذا ٱْؤ ُتِم َن َخاَن َو َذ ا َخاَمَص َفَج َر " َو يِف ِر َو ايٍة لـمسلـم‪َ" :‬و َذ ا َو َعَد َأخَلَف "‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ٱ ْيـَم اُن ُلَغًة ‪ :‬ٱلَّتصِد يُق ‪َ ،‬و ْرَش ًعا‪ُ :‬ه َو َتصِد يٌق َم ْخ ُص وٌص لـام َج اَء ِبِه لَّنُّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم‪َ ،‬فَق ْد َج اَء َع ِن لَّنِّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫‪8‬‬

‫َو َسِإللـم َأَّنُه َقاَل ِلَرُب ْيَد َة ِح َني َأْر َس ُهَل ىَل اْلَيَم ِن َو اَك ُنوا َعىَل َغِرْي ا سَال ِم ‪" :‬ٱْدُع ُهْم ىَل َتوِح يِد ٱِهَّلل َف َذ ا َع َر ُف وُه " َم عَن اُه ْمُه َم ا َع َر ُف وا ٱَهَّلل َّنـام‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ِبَألِس َنِهِتم َيعِرَت ُفوَن َلفًظ ا ِبُو ُج وِد ٱِهَّلل ‪َ ،‬ه َذ ا َم عَناُه ٱلـمعِر َفُة ِبال ذِإلَعاٍن ال َتنَفُع ‪ ،‬ٱ ْذ َعاُن ِر ىَض ٱلَّنْفِس ِإ ‪،‬‬
‫ِإل‬ ‫ِإ‬
‫ال ُيَص ِّدق‪ ،‬هذا ُمن اِفق كاِفر‪ ،‬يِف َأّي اِم الرُس وِل كاَن ُمن اِفُقوَن ِم ْن هؤالِء ‪ ،‬كاَن الرس وُل‬
‫ِج‬ ‫ِفِق ِذ‬ ‫ِه‬
‫َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ال َيْع ِر ُف َبْعَض الـمنا َني ال يَن َيْد ُخ ُلوَن َم ْس َد ُه‪ُ ،‬يَص ُّلوَن َخ ْل َف‬
‫الرسوُل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪ ،‬اُهلل تعاىل َأْو ِح ى للرسوِل عليه الصالُة والسالُم ِبَأْس ـماِئِه م‪،‬‬
‫عن ابِن عب اٍس ق ال‪ :‬ق اَم َرُس وُل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َخ ِط يًب ا َيْو َم اُجْلُم َع ِة‪َ ،‬فَق اَل ‪:‬‬
‫((اْخ ُر ْج َيا ُفاَل ُن َفِإَّنَك ُمَن اِفٌق ‪ ،‬اْخ ُر ْج َيا ُفاَل ُن َفِإَّنَك ُمَن اِفٌق )) َف َأْخ َر َج ِم َن الـمْس ِج ِد َناًس ا‬
‫ِم ْنُه ْم ‪َ ،‬فَض َحُه ْم ‪ .‬اهـ‪ .‬الرس وُل ال َيْع لم الَغيَب ‪ ،‬ال َيْع لم الَغيَب ُك َّل ُه ِإال اهلل‪َ ،‬فما كاَن‬
‫ِج‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬ ‫ِه‬
‫َيْع لم الّر سول َقْب َل َأْن ُيوَح ى ِإَلْي ‪ ،‬مث َبْع َد ال َو ي َع َر َف َفَطَر َدُه م َن الـمْس د َص لى اُهلل‬
‫َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِه‬
‫َو ُه نا َم ْس َأَلٌة ُمِه َّم ة َأَّن الَّر ُس ول ال ُجَيوُز َعَلْي َأْن ُيَص ِّلَي َعَلى َم ِّيت كا ر َو ُه َو َيْع لمُه‬
‫َأَّن ُه م اَت كاِفًر ا‪ُ ،‬مْس َتِح يل َعَلى الَّر ُس وِل َأْن َيْف َع َل ذِل ك‪ ،‬يِف َبْع ِض الُك ُتب َم ْذ ُك ور َأَّن‬
‫الَّر ُس ول َص َّلى َعَلى الـمناِفق َعْب ِد اهلل بِن ُأْيَب بِن َس ُلول َو ُه َو َيْع َتِق ُد ُه ُمناِفًق ا‪ٰ ،‬ه ذا ُك ُف ر‪،‬‬
‫َم ْذ ُك وَر ة يِف َبْع ض الُك ُتب الـمنسوَبة ِلَبْع ِض ُعلماِء َأْه ِل الُّس نة واجلماَع ة‪ .‬لي ُك ما يِف‬
‫َس ّل‬
‫الُك ُتب ُك وُن ِح ي ا‪ ،‬ال و للَّش ص َأْن َتِم َد يِف ْحَتِص يِل ِعلـم ال ّد ين َلى الـمطاَل ِة‬
‫َع‬ ‫َع‬ ‫َيْع‬ ‫َي َص ًح ُجَي ُز ْخ‬
‫يِف الُك ُتب ِلَنْف ِس ِه ُدوَن ُمَعلم ِثَق ة َيَتَلَّقى ِم ْن ُه ِم ْن َطِر ي ِق الـممشاَفَه ة‪َ ،‬و َل و كانِت الـمطاَلَعة‬
‫َتْك ِف ي م ا ُك ّن ا َج َلْس نا ُه ن ا‪ ،‬م ا ُك ّن ا َتَك َّلْف ن ا الـمِج يء‪ ،‬كاَن ُك ٌّل ِم ّن ا ُيط اِلع يِف الِكت اب‬
‫ِبَنْف ِس ِه‪ ،‬الّطري ُق الَّص حيح والَّس ْيُر الصحيح ُه َو الذي َعَلْي ه َش ْيُخ نا َر َمِحُه اهلل َو ِإْن شاَء اهلل‬
‫حَن ُن َنُك وُن َعَلْيِه‪ِ ،‬بالَّتَلِّقي ِبالـمشاَفَه ة ِم ْن َأْه ِل الِعلم الِّثقات الذيَن َتَلَّق ْو ا ِبالَّس ماع ُمشاَفَه ًة‬
‫ُه‬ ‫‪.‬‬ ‫ِم َن ال ذيَن َس َبُقوُه م‪َ ،‬و هكذا ِبِس ْلِس َلة َتِص ل بَأْص حاِب الَّن َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّل‬
‫َم َو‬ ‫ّيِب‬
‫َح ِق يَق ة ما َحَص َأَّن ال ُس ول َر َأى ِم ْن َعْب ِد اهلل بِن ُأ بِن َس ُلول َأْش ياء كاَنت السَبب يِف‬
‫ْيَب‬ ‫َل ّر‬
‫َأْن َظَّن ال ول َأَّن َأ لم وَأَّن الِّنف اَق زاَل ْن ‪َ ،‬طَل ِر دا ِم الَّر وِل لى ا َلي ِه‬
‫َع ُه َب ًء َن ُس َص ُهلل َع‬ ‫ُه ْس‬ ‫ّر ُس‬
‫َو َس َّلَم ِلَيُك وَن َك َف ًنا َلُه‪َ ،‬ظَه َر ت ِم ْنُه َعالمات َفَظَّن الّر ُس ول ِم ْن هذه اُألُم ور َأَّن الِّنفاَق زاَل‬
‫َعْن ُه‪َ ،‬فلما م اَت َص ّلى َعَلْي ِه‪َ ،‬بْع َد ذِل َك َنَز َلت َعَلْي ِه اآلَي ة‪َ﴿ :‬و ال ُتَص ِّل َعَلى َأَح ٍد ِّم ْنُه م‬
‫َّم اَت َأَب ًد ا َو َال َتُقْم َعَلَى َقِرْب ِه ِإَّنُه ْم َك َف ُر وْا ِباِهلل َو َرُس وِلِه َو َم اُتوْا َو ُه ْم َفاِس ُقوَن (‪﴾)84‬‬
‫سورة التوبة‪َ ،‬فَع َر َف الّر ُس وُل َأَّنُه كاَن ما زاَل َعَلى الِّنفاق‪َ ،‬قْب َل ذِل َك ما كاَن َيْع ِر ف‪،‬‬
‫َو ِإاّل َك ْيَف ُيَص ّلي َعَلْي ِه َو ُيقاُل يِف صالة اجلنازة اللهَّم اْغ ِف ر َل ُه‪ ،‬اللُه َّم اْر ْمَحُه‪ ،‬ال جَي وز َعَلى‬
‫الّر ُس ول َأْن َيُق ول َعْن َش ْخ ص كاِفر‪ ،‬م اَت َعَلى الُك ُف ر‪ :‬اللهَّم اْغ ِف ر َل ُه‪ ،‬اللُه َّم اْر ْمَحُه‪.‬‬
‫كاَن َش ْيٌخ يِف الـمِد يَنِة الـمنَّو َر ة ُيَعلم الَّنُح و والِف ْق ه‪ُ ،‬ي َد ِّر س ِع َّدة ُفُن ون‪َ ،‬يْق ِص ُد ُه الن اس‬
‫ِلَطَلِب الِعلم‪َ ،‬ف َذ َه َب ِإَلْي ِه َبْعُض َأحباِبن ا ِم ْن تالِم ي ِذ الش يخ َر َمِحُه اهلل‪َ ،‬فَس ِم ُعوا ِم ْن ُه هذه‬
‫الَك لمة اَخلبيَث ة‪ ،‬قال‪" :‬الّر ُس ول َص ّلى َعَلى َعْب ِد اهلل بِن ُأيَب بِن َس ُلول َو ُه َو َيْع لمُه ُمناِفًق ا‪،‬‬
‫ِه‬ ‫ِف‬
‫َيْع لـمُه كا ًر ا"‪ ،‬فقاَم ِإَلْي َأُخ ونا َو قاَل َلُه‪َ :‬أعوُذ باهلل‪ ،‬هذا ال ُجَيوُز َعَلى الّر ُس ول َص لى اُهلل‬
‫َعَليِه َو َس َّلَم هذا الَعَم ل ُك ُف ر‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬كاَن َيْع لـم َو َص ّلى َعَلْي ِه‪َ ،‬و صاَر ُيعاِند والِعياُذ باهلل‪،‬‬
‫ِة‬ ‫ِخ‬
‫َّمُث قاَل َأل ينا ِباللّغ العاِّمَّية‪َ" :‬أنت جاي تتعلم َو اّل جاي َتِر ّد َعَلِّي "؟ ما َأْع َجَب ُه َأَّنُه َنَص َح ُه‬
‫َنِص يَح ًة َش ْر ِعَّية‪َ ،‬أُق وُل َلُك م هذه الِق ّص ة َح ىّت َتْأُخ ُذ وا الِعْبَر ة‪َ ،‬بْع َد َأْش ُه ٍر َأُخ ون ا ج اَء ِإىَل‬
‫َبرْي وت َو َذَك َر ِلَش ْيِخ نا َر َمِحُه اُهلل ما َحَص َل‪َ ،‬فقاَل َلُه‪ :‬لـما َتذَه ب ِإىَل الـمِد يَنة ُخ ْذ َلُه هذا‬
‫الِكتاب‪ِ ،‬فيِه َأَّن الذي َحَص َل ِم َن الَّر ُس ول كاَن َمَع َع َد ِم ِعلمِه َأَّنُه ماَت َعَلى الُك ُف ر‪َ ،‬فلـما‬
‫َر َج َع ِإىَل الـمِد يَنة‪َ ،‬س َأَل َعْن ُه‪ِ ،‬قي َل َل ُه َم ِر يض يِف الـمسَتْشَف ى َو كاَن َم ِر ض َم َر َض الَو فاة‪،‬‬
‫ِب ِنِه‬ ‫ِج‬ ‫ِك‬ ‫ِج‬ ‫ِه ِهلل‬
‫َف َذ َه َب ِإَلْي تع اىل َح ىّت ُيرا َع ُه َو َأَخ َذ َل ُه ال تاب‪ ،‬كاَن َم ِر يًض ا ًّدا َو َأراُه َعْي ‪ ،‬اُهلل‬
‫شاَء َلُه سوَء احلال‪ ،‬صاَر ُيِش ُري ِبَيِدِه َو َيُقول‪َ :‬يعلم َيْع لم َو َيفَع ل هكذا‪َّ ،‬مُث َبْع َد ُم ّد ة قصرية‬
‫مات‪.‬‬
‫الش يخ عب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل َم َّر ة ُك ّن ا جاِلَس نْي يِف ال بيت َأن ا َو ُه َو َو ْح َد نا‪ُ ،‬ه َو َعَلى‬
‫الُك ْر ِس ّي َو َأنا َعَلى اَألْر ض‪ ،‬كان ُيْغِم ُض َعْيَنْيِه َّمُث َفَتَح َعْيَنْيِه َو قال‪َ" :‬أْك َثُر الّناِس اُهلل تعاىل‬
‫َخ َلَق ُه م لْلُك ْف ِر والّض الل‪َ ،‬أْك َثُر الّن اس اُهلل تعاىل َخ َلَق ُه م ِلَيُك وُنوا يِف َجَه ّنم‪َ ،‬فُقولوا‪ :‬احلمُد‬
‫ِهلل الذي َه دانا" َفاَمْحُد وا اَهلل َعَلى ِنْع َم ِة اِإل ْس الم‪.‬‬
‫ِف ِع ِهلل ِب ِن ِت‬ ‫ِلِه ِق ِد‬
‫َو يِف َقْو "ُمْعَت يَن " َبي اُن َأَّن الَق ْو َل َو ْح َد ُه ال َيْك ي ْن َد ا ُد و اْع ق اد‪َ ،‬فَم ْن‬
‫َنَطَق بالَّشهاَدَتِنْي َو لـم ُيْذ ِعْن يِف َنْف ِس ِه ِبـَم ْع نامُه ا َفُه َو ِعْنَد نا ُمْس لم‪َ ،‬يْع ىِن َخِلفاِء حاِلِه َعَلْينا‪،‬‬
‫َأّم ا ِعْنَد اهلل فَلْيَس ِبـُمْس لـم‪.‬‬
‫و‬ ‫وقول ه‪" :‬ب ِفي ِق اِهلل"‪َ 9‬ألَّن ال وَل إىل َتوفي ِق اِهلل يكوُن بتوفي ِق اِهلل وِه َد ا ِتِه‬
‫َو‬ ‫ُه‬ ‫َي‬ ‫ُو ُص‬ ‫َتْو‬
‫ِد‬ ‫ِف‬ ‫ِذ‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬
‫َم ْذ َه ُب أْه ِل الُّس َّن واَجلَم اَع على ما َقاَل َر ُّبَنا َعَّز وَج َّل‪َ﴿ :‬و اَّل يَن َج اَه ُد وا يَن ا َلَنْه َيَّنُه ْم‬
‫ُسُبَلَنا (‪ ﴾)69‬سورة العنكبوت‪َ ،‬أْي إىل َتْو ِفيِق َنا وِه َد اَيِتَنا‪.‬‬
‫الَّت ِفي ق ن ا ْل الُق ْد ِة َلى الّطا ِة‪ ،‬هكذا ِعْن َد َأ ِل الُّس ّنة‪ ،‬وهذا ِب ِد اِهلل‬
‫َي‬ ‫ْه‬ ‫َع‬ ‫ْو َم ْع ُه َخ ُق َر َع‬
‫بحاَنُه تع اىل‪ .‬ق اَل ْعُض َأْه ِل الُّس ّنة‪ :‬الَّت ِفي ق ْع ن اُه ْت ب اِب اَخلري ِإْغ الُق ب اِب‬
‫َو‬ ‫ْو َم َف ُح‬ ‫َو َب‬ ‫َو‬ ‫ُس‬
‫الَّش ّر ‪ ،‬اُهلل ُيَو ِّفُق َمْن َيشاء َو ْخَيِذ ُل َمْن َيشاء ُس بحاَنُه َو تعاىل‪.‬‬
‫وهِذِه اآلَية ِفيها شىٌء َعِظ يٌم ﴿ اَّلِذ ي َج اَه ُد وا ِفيَن ا َلَنْه ِد َيَّنُه ْم ُس ُبَلَنا﴾ حن اآلن يِف‬
‫ُن‬ ‫َو َن‬
‫َأْع َظِم ِج هاد‪ ،‬هذا الذي َنْف َعُلُه ُيَس ّم ى ِج هاًدا‪ُ ،‬يَس ّم ى ِج هاَد الَبيان‪ِ ،‬بَأْن ُنَعلم الَّتْو ِح يد َو َأْن‬
‫َحُنِّذ َر ِم َن الُك ُف ِر َو َأْن َحُنِّذ َر ِم ْن َأْه ِل الُك ُف ِر ‪ ،‬هذا الـمْق ُد وُر َعَلْيِه اآلن َو ُه َو َأْع َظُم َثواًبا اآلن‪،‬‬
‫هذا َأْح َس ن ِم َن اِجلهاِد اآلَخ ر‪.‬‬
‫َو َم ْع ىَن "الواِح د" يِف َح ِّق اِهلل تعاىل َأَّنُه الذي ال َش ِر يَك َل ُه يِف ذاِتِه َو ال يِف ِص فاِتِه َو ال‬
‫يِف َأْفعاِلِه‪.‬‬
‫ذاُت اِهلل َم عن اُه َح ِق يَق ُت ُه ال ذي ال ُيْش ِبُه اَحلق اِئق‪َ ،‬لْيَس َم ْع ىَن ذاِت اِهلل َأَّن اَهلل ِج ْس م‪،‬‬
‫ذايِت ‪ِ ،‬ج ِم ي‪ ،‬ذا هِذِه الَّطاِو َل ة هِذ ه اَخلَش ة ال يت حَن ُنـ ِس ُك هِب ا اآلن‪َ ،‬أ ا ذا اِهلل‬
‫ّم ُت‬ ‫ُن ْم‬ ‫َب‬ ‫ُت‬ ‫ْس‬
‫َح ِق يَق ُتُه الذي ال ُيْش ِبُه اَحلقاِئق‪َ ،‬فذاُت اِهلل ال ُيْش ِبُه ال َّذ وات َو ِص فاُتُه ال ُتْش ِبُه ِص فات اَخلْل ق‬
‫َألَّن ِص فاِت اِهلل ال اْبِت داَء هَل ا َو ال هِن اَي َة هَل ا‪ ،‬ليَس ت َك ِص فاِت َخ ْلِق ِه‪ِ ،‬ص فاُتنا هَل ا ِبداَي ة َو هَل ا‬
‫هِن اَي ة َو قاِئَم ة ِفين ا‪ِ ،‬ج ْس ُم نا ذاُتن ا حاِدث َو ِص فاُتنا ال يت َتُق وُم ِفين ا َتُك وُن حاِد َث ة َو ِفْع ُل اهلل‬
‫تع اىل ليَس َك ِف ْع ِلن ا‪ ،‬حنُن ِفْع ُلن ا َيكوُن بالـمباَش َر ة ِإذا َأَر ْد ن ا َأْن ُنـْم ِس َك هذه اآلَل ة ُنباِش ُر ها‬
‫ِبَيِد نا َأْو ُنباِش آَلة َّمُث باآلَلة ُنباِش هذه اآلَلة‪ ،‬هذا ُي َّم ى الـمباَش ة‪َ ،‬أّم ا ِفْع اِهلل ِص َف ُتُه يِف‬
‫ُل‬ ‫َر‬ ‫َس‬ ‫ُر‬ ‫ُر‬
‫اَألَز ل والـمْف ُعوُل حاِد ث‪.‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫لَّتوِف يُق ‪ُ :‬ه َو َخ ْلُق لُقْد َر ِة َعىَل لَّط اَعِة وُيَقاِبُهُل ْلـِخْذ الُن ‪َ ،‬فَم ْن َخ َلَق ُهللا ِف يِه لُقْد َر َة َعىَل لَّط اَعِة َفَفَع َلَها ُيَقاُل ِف يِه ُم َو َّفٌق ‪َ ،‬و َمْن َخ َلَق ُهللا‬ ‫‪9‬‬

‫ِف يِه ٱلُقْد َر َة َعىَل ٱلـمْع ِص َيِة َفَفَع َلَها ُيَقاُل ِف يِه َم ْخ ُذ وٌل ‪َ ،‬و َلْيَس َم عىَن ٱلَّتوِف يِق ُم َر اِد ًف ا ِل َعاَن ِة ‪َ ،‬ألَّن ٱَهَّلل َتَع اىَل ُيِع ُني ٱلِع َب اَد َعىَل ٱْلَخِري وٱلرَّش ‪،‬‬
‫ِإل‬ ‫َأْي ْخَي ُلُق ِف ِهي ُم ٱلُقدَر َة َعىَل ِف ْع ِل ٱَألفَع اِل ْن اَك َنْت َخ ًري ا َأْو ًّرَش ا‪،‬‬
‫ِإ‬
‫ِض‬ ‫ِل ِع ِه‬ ‫ِل ِلِب ِع ِم‬ ‫ِه‬
‫ش ىٌء ُم ّم بالِّنْس َبة ط ا ال ل ‪ :‬ال ذي ْحَيُض ُر ْجَم َس ال لم ُم ّم َأْن َيُك وَن حا َر‬
‫ْجَمِل ِعلم ال ّد ين ِدِه‬ ‫ِب‬
‫َجِبَس‬ ‫الَق لب‪ ،‬لْيَس فَق ط اَجلَس د‪ ،‬ق اَل ش يُخ نا َر َمِحُه اهلل‪َ" :‬مْن َح َض َر َس‬
‫َو َقْلُبُه غاِئب َفما َح َض ر‪َ ،‬و َمْن َح َض َر َو َقْلُبُه حاِض ر فَقْد َح َض ر" َيْع ىِن ِإذا واِح د ِج ْس ُم ُه ُه نا‬
‫َض‬ ‫"هؤالء‬ ‫اهلل‪:‬‬ ‫نا‬ ‫شي‬ ‫َل‬ ‫قا‬ ‫ر‬ ‫َض‬ ‫ما‬ ‫َّن‬‫َأ‬ ‫َك‬ ‫هذا‬ ‫ر‪،‬‬ ‫ءا‬ ‫لِك ِفْك يِف كاٍن‬
‫َر ٌر‬ ‫ُه‬‫َمِح‬ ‫َر‬ ‫ُخ‬ ‫َح َبْل‬ ‫ُه‬ ‫َخ‬ ‫ْن ُر ُه َم‬
‫َعَلْينا َو َعَلى َأْنُفِس ِه م" لـماذا؟ ألهنم ْخَيُر ُج وَن للناس ِخِب الف ما ِقي َل يِف الـمْج ِلس َألَّن َقْلَبُه م‬
‫غاِئب‪ُ ،‬ه م َقْد َيْع َتِق ُد َأَح ُد ُه م شيًئا فاِس ًد ا ِخِب الف ما ُذِك ر‪َ ،‬فَيْخ ُر ُج وَن للناس هِب ذا الشىء‬
‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِق‬ ‫ِس‬
‫الفا د ال ذي ُه َو َظَّن َأَّن ُه ي َل يِف الـمج س‪ ،‬ل ذ َك اْح ِر ُص وا َعَلى ُح ُض وِر الَق لِب َم َع‬
‫ُح ُضوِر اَجلَس ِد ‪ ،‬ليَس فقط ُح ُضور اَجلَس د‪.‬‬
‫وتْذ ُك ُر وا َح ِد يَث الرس وِل ‪َ(( :‬م ن َخ َر َج يِف َطَلِب الِعلِم َفُه َو يِف َس ِبيِل اِهلل َح ىَّت‬
‫َيرِج َع )) َر واُه الرِّت ِم ِذي‪َ ،‬يْع ىِن ِإذا واِح د َخ َر َج ِم ْن بْيِت ِه َأْو ِم ْن َم كاٍن ءاَخ ر ِلَيْطُلَب ِعلم‬
‫ِهلل‬ ‫ِن ِت ِهلل‬ ‫ِل‬
‫الديِن ْخُم ًص ا يِف َّي ه تعاىل َفُه َو يِف َس بيِل ا ‪َ ،‬يْع ىِن طالـما ُه َو يِف هذا اُخلروج َلُه َثواُب‬
‫الذي‬ ‫الـمكان‬ ‫ىَل‬‫ِإ‬ ‫َن‬ ‫كو‬ ‫عىن‬ ‫))‬ ‫ِج‬ ‫((‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫ِل‬ ‫بي‬ ‫يِف‬ ‫ين‬ ‫الـمجاِهِد‬
‫َر َج‬ ‫َخ‬ ‫َع‬ ‫َج‬ ‫َر‬ ‫َي‬ ‫ىّت‬ ‫َح‬ ‫َي‬ ‫َع‬ ‫َي‬
‫ْر‬ ‫ىّت‬ ‫َح‬ ‫َس‬
‫ِم ْن ُه َو ُه َو ِنَّيُت ُه هذه‪َ ،‬أْن َيطلب ِعلم ال دين اْبِتغ اَء َمْر ضاِة اهلل‪َ ،‬فهذا ش ىء َعِظ يم َعِظ يم‬
‫َعِظ يم‪ ،‬الـمجاِهِد ون يِف َس بيِل اهلل ُهَلم يِف اَجلّن ة ماَئُة َدَر جة‪ ،‬ما بَني الَّد َرَج ِة والَّد َر جة َك ما‬
‫بَني الّس ماِء واَألْر ِض الـمساَفة بَني الّس ماِء َم ِس َرية ْمَخس ماَئة عام‪.‬‬

‫الدرس الثايِن‬
‫قاَل الـمؤلف َر ِح َم ُه اهلل‪َ :‬و ال َش ْى َء ِم ثُلُه‪.‬‬
‫الشرح‪ :‬ال ُيوَج ُد شىٌء يـماِثُلُه ِم ن ِمَج يِع الُو جوِه َأو َبعِض الوجوِه‪َ ،‬ألن الـمماَثَلَة ِإّم ا‬
‫ث‬ ‫َأْن َتكون من ِمَج ي ِع الوجوِه ِإ ا َأْن َتكوَن ِم ِض ال جوه‪َ ،‬ق د قاُل مثاًل فالٌن ِم‬
‫ُل‬ ‫َف ُي‬ ‫ْن َبْع ُو‬ ‫َو ّم‬
‫ِم‬ ‫ِئ‬ ‫ِه‬ ‫ِث‬ ‫ِه‬
‫فالن وُي راُد ِب َأَّن ُه يـما ُلُه يِف َبْع ِض الوج و وهذه الـُم ماَثَلٌة ُج ز ّي ة‪َ ،‬و َق د ُيق ال ِإن ُه ثُل ُه‬
‫ِبـمعىَن َأنُه َي ُّد َم سَّد ُه وهذه مـماثلٌة ُم طَلَق ة‪ ،‬وهذا بالنسبة للـ ْخ لوِق ‪َ ،‬أّم ا بالِّن َبِة لْلخاِلِق‬
‫ْس‬ ‫َم‬ ‫ُس‬
‫ِم‬ ‫ِظ‬ ‫يِف‬ ‫ِث‬
‫َفال ُيق اُل اُهلل ُيـما ُل َك ذا َك ذا‪َ .‬أّم ا االِّتف اُق باللف فليَس ذل ك مـماَثَلة‪ ،‬فليَس َن‬
‫ِق‬ ‫ِهلل‬ ‫ِة‬
‫الـُم ماَثَل َأْن ُيَق اَل َعِن ا َح ّي وَعِن الـمْخ لو َح ّي ‪َ ،‬أو اُهلل موجوٌد َو فالٌن موجود‪ ،‬فاُهلل‬
‫ا‬ ‫حي‬ ‫تعاىل وجو ليس َك وِد نا احلاِدث‪ ،‬و ِبذاِتِه ال حَي تا ِإىَل شىٍء ُك شىٍء‬
‫ُج‬ ‫َت‬ ‫َو ُّل‬ ‫ُج‬ ‫ُو ُج ُدُه‬ ‫ُو ُج‬ ‫ُدُه‬
‫ِإَلْيه‪.‬‬
‫ِح َني َنُقول الّش اِفِعُّي عالـم َو َنُق ول اُهلل عالـم ال يعين املماثلة‪ ،‬الّش اِفِعُّي ِعلمُه َلُه ِبداَية‬
‫ِع ِع ِب ٍء‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِع‬
‫َو لُم ُه ْحَمُصور‪َ ،‬و لـما َخ َر َج ْن بْطِن ُأِّم ما كاَن ْنَد ُه لم شى ‪ ،‬اُهلل تعاىل قاَل ﴿َو اُهلل‬
‫َأْخ َر َج ُك ْم ِم ْن ُبُطوِن ُأَّم َه اِتُك ْم ال َتْع َلُم وَن َش ْيًئا (‪ ﴾)78‬سورة النحل‪ ،‬الشاِفِعُّي كذِلَك ‪ ،‬مث‬
‫تعلَم فص اَر ِعْن َد ُه ذاَك الِعلم‪َ ،‬فِح َني َنُق ول‪ :‬الّش اِفِعُّي عالـم ليس َك ما ِإذا ُقْلن ا اُهلل عالـم‪،‬‬
‫اُهلل عالـم ال كالُعلماِء ‪َّ ،‬مُث ِعلُم اِهلل تع اىل ال َيَتَغرَّي ‪ ،‬ال َيط َر أ َعَلْي ِه ِز ي اَدة وال ُنْق ص ان‪ِ ،‬علم‬
‫هِن‬ ‫ِب‬ ‫ِع ِهلل‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِفِع‬
‫الّش ا ّي َيْطرأ َعَلْي ِز ياَدة َو َيْط رأ َعَلْي ُنْق صان‪ ،‬لُم ا ليَس َلُه داَية َو ليَس َلُه اَية‪ ،‬اُهلل‬
‫تع اىل َيْع لُم األش ياَء ال يت كانت يِف الـماِض ي َو األْش ياَء ال يت ْحَتُص ل اآلن َو األش ياَء ال يت‬
‫َس َتْحُص ُل يِف الـمسَتْق َبِل ِم ـّم ا ال هِن اَي َة َل ُه‪ .‬اُهلل َيْع لمُه ِبِعلٍم واِح ٍد َأَز ّيِل َأَب ِد ّي ليَس ِبـُم َتَغرِّي‬
‫َل‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َّن‬ ‫ا‬ ‫ِل‬ ‫َأ‬ ‫ِس‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫َأ‬
‫ْن‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫َل‬ ‫َة‬ ‫ا‬ ‫لي ِبـ َطِّو ر‪ِ ،‬عل اِهلل ِّل ِبـما ال هِن‬
‫ُم‬ ‫ْع‬‫َي‬ ‫َجل‬ ‫ْه‬ ‫َد‬ ‫َع‬ ‫ُم‬ ‫ْع‬
‫َي‬ ‫ُهلل‬ ‫ُه‬ ‫َي‬ ‫ُم ُمَتَع ٌق‬ ‫َس ُم َت‬
‫َعدَد َأْنفاِس َأْه ِل الّناِر ‪ ،‬يعلُم َتفاِص يَل َنعيِم َأْه ِل اَجلَّنة وَتفاِص يَل َعذاِب َأْه ِل الناِر ‪َ ،‬يْع لُم ُك َّل‬
‫ذِلَك ِبِعلٍم واِح ٍد َغِري ُمَتَطِّو ر‪.‬‬
‫هذا الذي َذَك ْر ناُه ُيَس ّم ى اِّتفاًقا َلْف ِظ ًّيا‪ ،‬مْع ناُه ِم ْن َح يُث الَّلْف ظ‪ ،‬الَّلْف ُظ واِح د‪ ،‬الَك لَم ُة‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫الـُمْس َتْع َم َلُة يِف َح ِّق هذا الـمْخ لوِق َو الَك َم ُة الـمْس َتْع َم َلة يِف َح ِّق اخلا ق واِح َد ة ِم ْن َح يُث‬
‫الَّلْف ُظ ‪َ ،‬لِكَّن الـمْع ىَن ْخُمتِلف‪َ ،‬و ال ُيَس ّم ى ذِلَك اْش رِت اًك ا‪ ،‬ال ُيقاُل الَعْبُد ُيشاِر ُك اَهلل يِف هذا‪،‬‬
‫ال‪.‬‬
‫فالـمْثليُة الـمْنِف َّيُة ِن اِهلل الـمْثلَّيُة يف الـمع ‪َ ،‬ط ُل الَف الِس َف ِة ِإَّن ال قاُل ِن اِهلل‬
‫ُه ُي َع‬ ‫ىَن َفَب َل َقْو‬ ‫َع‬
‫َح ٌّي وال َداِئٌم وال َق اِدٌر َو ال َس ـِم يٌع َو ال َبِص ٌري َو ال ُمَتَك لٌم‪ ،‬وِإْن َزَعَم بعُض ُه ْم َأَّن هذا‬
‫ْق ِض ي الـم ا َلَة َألَّن َذ ا َل ـ ا َلًة ِل اِّتَف اٌق بالَّلْف ِظ ‪َ ،‬فا َتع اىل ْطَل علي ِه هِذِه‬
‫ُي ُق‬ ‫ُهلل‬ ‫َه ْيَس ُم َم َث َب‬ ‫َم َث‬ ‫َي َت‬
‫الِع ا ُة‪ :‬مو و ‪ِ ، ،‬مَس ي ‪ِ ،‬ص ‪َ ،‬ك ل ‪ِ ،‬ر ي ٌد ‪ ،‬الـ ‪ ،‬و ْطَل ذا الَّلْف ُظ َلى َغِرْي ِه‬
‫َع‬ ‫َع ٌم ُي ُق َه‬ ‫ُج ٌد َح ٌّي ٌع َب ٌري ُمَت ٌم ُم‬ ‫َب َر‬
‫َألَّن َه ذا اَّتَف اٌق يف الَّلْف ِظ ال يف الـمْع ىَن َفال َيْق َتِض ي الـمَم اَثَلَة والـمَش اَر َك َة‪.10‬‬
‫ْنِبي ‪ :‬الـمْثالِن يف ا ِط الِح لماِء اإل الِم ‪ ،‬ا اَأل اِن اَّل ِذ ي ُّد ُك ُّل اِح ٍد‬
‫َو‬ ‫َيُس‬ ‫َمُه ْم َر‬ ‫ْس‬ ‫ُع‬ ‫ْص‬ ‫َت ٌه‬
‫ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِق ِل‬ ‫ِم‬
‫ْنُه َم ا َم َس َّد اآلَخ ِر ‪ ،‬وَه َذ ا يف اِإل ْطال الَغا ِب ‪ ،‬فِإَذا َك اَن ُه َناَك َعالـما َو ُك ٌّل ْنُه َم ا َيُق وُم‬
‫َم َق اَم اآلَخ ِر ُيَق اُل َعْنُه ما ِم ْثالِن ‪.‬‬
‫فائدة‪ِ :‬علُم الَّتْو ِح ي ِد ُيَق اُل َل ُه ِعلم الَك الِم ‪ 11‬وَذِل َك ألَّن َأكَثَر م ا ُبـِح ُث ِفي ِه يف‬
‫الـماِض ي َم ْس َئَلُة الَك الِم ‪ ،‬فَص اَر ْت َمَع اِر ُك َك ِب ريٌة بَني أهِل الُّس َّنِة وبَني الـمعتزَلِة‪ ،‬حىَّت إَّن‬
‫ِب ِم ِه‬ ‫ِء ِس‬
‫بعَض اخلَلَف ا الَعبا يَني َأَخ َذ َك ال م َفَص اَر َيُق وُل ‪ :‬الُق ْر َءاُن خمُل وٌق ‪َ ،‬يعىِن َلْف ًظ ا‪ ،‬صاَر‬
‫ِت ِت‬
‫َيُقوُل ‪ :‬الُقرءاُن ْخَمُلوق ِبَس َبِب َتَأُّثِرِه ِبـَم قاال الـمَع ِز َلة‪َ ،‬و َمْن لـم َيقِل الُقرءاُن ْخَمُلوق ُيَعِّذ ُبُه‬
‫َذِل َك ِم ـّم ا َأَخ َذ ُه ِم الـمعَتِز َلة‪َ ،‬لِكَّن ُه لـم َيْأُخ ذ َعْنُه م َأْق واُهَلم الُك ْف ِر َّي َة كالَق ِل َخِبْل ِق‬
‫ْو‬ ‫َو‬ ‫َن‬ ‫َو‬
‫اَألْفعاِل ‪.‬‬
‫الـمَعِتِز َلُة َلي وا ِص ْنًف ا واِح ًد ا‪ ،‬الـمَعِتِز َلُة َبْع ُض ُه م َو َص يِف َم قاَلِت ِه ِإىَل َح ِّد الُك ف ِر‬
‫َل‬ ‫ُس‬
‫َو َبْع ُض ُه م ما َو َص َل ِإىَل َح ِّد الُك ُف ر ِإَّنـما َيْنَتِس ُب لالْع ِت زال‪ ،‬الذيَن َو َص ُلوا ِإىَل َح ِّد الُك ُف ر‬
‫ِم م هؤالِء الذي ُقوُلون ا تعاىل َل ِج اإلنساِن ِج ال ِه ي ِة كالَك لِب والِق رِد‬
‫َو ْسَم َب َم‬ ‫َخ َق ْسَم‬ ‫ُهلل‬ ‫َن َي‬ ‫ْنُه‬
‫ِلِق‬ ‫ِهِل‬ ‫ِء‬ ‫ِل‬
‫َو َغ ِري ذ ك‪َ ،‬خ َل َق َأْج ساَم هؤال َّمُث َأعط اُه م ُق ْد َر ًة َعَلى َخ ْل ِق َأْفع ا م َفص اروا خ ا َني‬
‫َألْفعاِهِلم ُدوَنُه‪ ،‬اعتقاُدُه َأْن اَهلل َأْع طاُه ُم الُقْد َر َة َعَلى َخ ْلِق الِف ْع ل مث صاَر اُهلل َغ َري قاِدٍر َعَلى‬
‫َخ ْل ِق َأْفعاِهِلم َو ُه م قاِدروَن َعَلْيها‪َ ،‬جَعُلوا ِهلل ُش َر كاَء يِف اَخلْل ق‪َ ،‬و َجَعُلوا اَهلل عاِج ًز ا‪َ ،‬و هذا‬
‫ُك ُف ر ال َش َّك ِفي ه‪َ ،‬و َم ع َك ْو ِن هذا الُك ف ِر ُك ف ًر ا َص ِر ًحيا‪ُ ،‬يوَج ُد يِف َبْع ِض الُك ُتِب ال يت‬
‫ِف ِه ِص‬ ‫ِس‬ ‫ِة‬ ‫ِء‬ ‫ِل‬
‫ُتْنَس ب َبْع ِض ُعلما َأْه ِل الُّس َّن َك الم فا د َيُقولوَن ي ‪َ" :‬ت ُّح الُق ْد َو ة بالـمْع َتِز ّيِل َو َل ْو‬
‫كاَن ِم َن الذيَن َيُقولوَن َخِبْل ِق الَعْب ِد ِفْع َل ُه"‪ ،‬هذا ُك ُف ر والِعياُذ باهلل‪ِ ،‬لذِلك اْح َذ روا ِم ْن هذا‬
‫يِف ْحَتِص يِل ِعلِم الديِن َلى َّر ِد الـمطاَل ِة يِف الُك ُتب ِب ْف ِس ِه‬ ‫ِم‬
‫َن‬ ‫َع‬ ‫َع َجم‬ ‫اَألْم ر َو ُه َو َأْن َيْع َت َد الَّش ْخ ُص‬

‫َذ ا ُقْلَنا‪ُ" :‬هللا َعالـم َو ُفالٌن َعالـم" َه َذ ا ُيَقاُل ُهَل ‪َ" :‬تَو اُفٌق يِف ٱلَّلْف ِظ" َو َال ُيَقاُل ‪" :‬ٱْش َرِت اٌك " َقِب ْي ٌح َأْن ُيَقاَل َع ْن َه َذ ا "ٱشرِت اٌك ‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ِإ‬

‫َو َم ْو ُض وُع ِع لـم ٱلَّتْو ِح ْيِد ٱلَّنَظ ُر يِف ٱْلَخ ْلِق لـمْع ِر َفِة ٱْلَخ اِلِق ‪.‬‬ ‫‪11‬‬
‫ُدوَن الُّر ُج وِع ِإىَل عالـٍم ِثَق ٍة َيَتَلَّق ى ِم ْنُه بالـمشاَفَه ة‪ِ ،‬إذا َش ْخ ٌص َقرَأُه َو اْع َتَقَد ُه َض َّل َو َك َف ر‪.‬‬
‫اهلل‪ " :‬أ َذ الِعل ِم الُك ُتِب ِب ْف ِس ِه وَن الُّر وِع ِإىَل عالـم ِثَق ٍة‬
‫ُج‬ ‫َن ُد‬ ‫َم َن‬ ‫َمْن َخ‬ ‫قال َش يُخ نا َر َمِحُه‬
‫ال يصُري عالـما َبْل َيطَلُع َض اال ُمِض ال"‪.‬‬
‫يف كتاِب روَض ِة الطالبَني لإلم اِم الن َو ِو ِّي قوُلُه‪" :‬تِص ُّح الَّص الُة َخ ْل َف الـمعَتِز ِّيل" لـم‬
‫ُيَف ِّص ل يف هذا‪ِ ،‬إَّنـما أراَد الـمعتزَّيل الذي لـم َيبُلْغ دَرَج َة الُك ف ِر َك الذيَن َيعَتِق دوَن أَّن العْب َد‬
‫خيُلُق أفعاَل نفِس ِه‪ ،‬لكن لـم ُيَف ِّص ل يف هذا‪ ،‬هو َنَّص يف بعِض ُمؤلفاٍت ُأخ ى على َتكف ِري‬
‫َر‬
‫ِس ِه‬
‫َمْن قاَل "العْبُد خيُلُق أفعاَل نف "‪ ،‬هو أراَد الـمعَتِزيِل الذي لـم َيبُلغ درَج َة الُك ف ِر ‪َ .‬بعُض‬
‫الـمنَتِس بَني إىل الـمذَه ِب الشاِفِعّي الذيَن جاُءوا بعَد ُه أَخ ُذ وا عباَر َتُه فعَّم ُم وها وزادوا َك الًم ا‬
‫ما قاَل ُه النووُّي ‪ ،‬قالوا الـمعَتِز ُّيل ال ُيكف ُر ‪ ،‬وَتِص ُّح الَّص الُة خلَف ُه على وج ِه التعِم يِم ‪ ،‬حىت‬
‫قالوا والـمعَتِزيِل الذي يقوُل أَّن "الَعبَد خيُل ُق فعَل ُه" وب َأَّن "الَعب َد يفَع ُل ما لـم َيَش أ اُهلل ل ُه َأْن‬
‫َيفَعَلُه"‪ ،‬النووُّي ما قاَل ذلَك ‪ ،‬لِكْن ُه م َه َك ذا فِه ُم وا َك ِلَم َتُه‪.‬‬
‫الـمعتزلُة كاُنوا َيُقوُل وَن بَنْف ِي الَك الِم ال َّذ اِّيِت‪َ ،‬و اَحلْش ِو َّيُة وُه ْم الـمَج ِّس َم ُة كابِن َتيمَي َة‬
‫ِء‬ ‫ِل‬ ‫ِفِه‬
‫وَأْس ال وَمْن َتِبَع ُه َبْع َد َذ َك َه ُؤ ال َيُقوُل وَن اُهلل ل ُه َك الٌم وكالُم ُه ُح ُر وٌف وأْص َو اٌت‬
‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِض‬
‫ْحَتُدُث َّمث َتْنَق ي َو ال َيَز اُل عَلى َه ذا اَحلا ‪ ،‬فِب َز ْع هم هذا َجَعُل وُه ْث َل اَلبَش ِر ‪َ ،‬تَع اىَل اُهلل‬
‫َعِن ذلك‪.12‬‬
‫ِم‬ ‫ِط‬ ‫ِم‬
‫ابُن َتْي َيه َيُق ول‪ :‬اُهلل َتعاىل َيْن ُق ‪َ ،‬يَتَك لـم ِبكالم ُه َو ُنُطق َحِبْر ف َو َص ْو ت ْخَيُر ُج ْن ُه‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫لـمعِزَت ُةَل َيُقوُلوَن ‪ُ" :‬هللا َتَع اىَل َلْيَس ُم َتلَك ـام ِبالَك ٍم َقاٍمِئ ِبَذ اِتِه َّنـام ُه َو ُم َتلَك ـم ِبَم ْع ىَن َأَّنُه َخ اِلُق ْلَالَكِم يِف َغِرْي ِه اَك لَّش َج َر ِة َّليِت اَك َن‬ ‫‪12‬‬

‫ِإ‬
‫ُم وىَس ِع نَد َها َفَس ِم َع َٰذَكِل ٱلالَك َم اذلي َخ َلَقُه ُهللا يِف ٱلَّش َج َر ِة َو َأَّم ا َأْن َيُكْو َن ُه َو ُم َتلَك ـام ِبَالَكٍم َقاٍمِئ ِبَذ اِتِه َفال"‬
‫ٱلـمَش َهِّبُة َيُقوُلوَن ‪ُ" :‬هللا ُم َتلَك ـم ِبالَك ٍم ُه َو ُح ُر ْو ٌف َو َأْص َو اٌت ُم َتَع ِّد َد ٌة ْحَيُد ُث يِف َذ اِتِه َّمُث َيْنَقِط ُع َّمُث ْحَيُد ُث مثَّ َيْنَقِط ُع " َو ِم ُهْنُم ٱْبُن َتْي ِم َي َة َلَعَن ُه‬
‫ُهللا ‪.‬‬
‫ٱ‬
‫َّأَّم ا َأْهُل ْلَحِّق َفَقاُلوا‪ْ " :‬لَح اِد ُث ُه َو اذلي َتُقْو ُم ب ِه ِص َفاٌت ْحَتُد ُث ُّمث َتْنَقيِض َّمُث ْحَتُد ُث َّمُث َتْنَقيِض َو َه َك َذ ا‪َ ،‬و اذلي َيُق وُم ِب ِه َٰذَكِل‬ ‫ٱ‬
‫ٱْلَح اِد ُث َال َيكوُن َأَز ِلًّيا َخ اِلًقا ِلَغِرْي ِه " َو َه َذ ا َو ْج ُه َفَس اِد َر ْأِي َأَمْحَد بِن َتِميَي َة َلَعَن ُه ُهللا ‪َ ،‬و َز اَد َبْع ُض ُهُم ٱْلَق ْو َل ِب َأَّن الَك َم ٱِهَّلل اذلي ُه َو ِص َفُتُه‬
‫َح اٌّل يِف ٱلـمَص اِحِف َو َم َع َٰذَكِل ُه َو َق ِد ٌمْي َألَّن الَك َم ٱِهَّلل َتَع اىَل َم ْس ُمْو ٌع! َو ٱْحَتُّج وا ِبَقوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ْن َأَح ٌد ِّم َن ٱلـمِرْش ِك َني ٱْس َتَج اَر َك‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َف َأِج ْر ُه َح ٰىَّت َيْس َم َع َالَك َم ِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة الَّتْو َب ِة ‪َ ]6 :‬و َلْيَس حِتَج اُهُج م َه َذ ا َص َو ااًب َألَّن َهَّلل َأَر اَد ِبَقْو ِهِل ‪َ﴿ :‬ح ٰىَّت ِإَيْس َم َع َالَك َم ِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة لَّتْو َب ِة ‪َ ]6 :‬أِي‬
‫ٱ‬

‫ٱَّدل اَّل َعىَل الَك ِم ٱِهَّلل َو ُه َو ٱلُقْر َء اُن ِبَم عىَن ٱلَّلْف ِظ ٱلـمَّزَن ِل ‪َ ،‬أَّم ا ٱلالَك ُم ٱَّذل اُّيِت َفِم ْن َأْيَن َيْس َم ُع ْو َنُه؟! َو َل ْو اَك ُنوا َيْس َم ُع ْو َن ٱلالَك َم ٱَّذل اَّيِت َلاَك ُنوا‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ِم ْثَل ُم وىَس لِلَك ِمْي َعَليِه لَّس الُم َو لـم َيكْن َفْر ٌق َبَنْي ُم وىَس َو َبَنْي ُأْو َلِئَك لُكَّف اِر اذليَن ُيْس ِم ْع ُهُم الرس وُل َو َيْت ُل و َعَلِهْي ُم لُق رَء اَن ِلَغ َر ِض َأْن‬
‫ُيْؤ ِم ُنوا َو ُيَص ِّد ُقوا‪.‬‬
‫َعَلى َز ْع ِمِه ُحِبروٍف ُمَتعاِقَبة‪ ،‬كما الواِح ُد ِم ّنا ِإذا قاَل ُك ْن ‪َ ،‬ه كذا َيُقول‪ :‬اُهلل َيُق وُل "ُك ْن "‪،‬‬
‫ي‬ ‫ِإذا َأرا َأْن ْخَيُل شيًئا ُق وُل "ُك ‪ُ ،‬ك ‪ُ ،‬ك " ِب َد ِد ما ْخَيُل ِم اَألْش ياِء ‪ ،‬هذا َتِح‬
‫ُمْس ٌل‬ ‫ُق َن‬ ‫ْن ْن ْن َع‬ ‫َي‬ ‫َق‬ ‫َد‬
‫ألن ه يِف ُك ِّل ْحَلَظ ٍة َي ْد ُخ يِف هذا الُو ُج وِد ِم َن اَخلْل ِق م ا ال َي ْد ُخ ْحَتَت اِإل ْح ص اِء ‪َ ،‬فَل ِو‬
‫ُل‬ ‫ُل‬
‫ِج‬ ‫ِق‬ ‫ِف‬
‫اْح تاَج ُك ُّل ْخَمُلوٍق ِإىَل "ُك ْن " َحَبْر ِني ُمتعا َبِنْي ‪ ،‬لـما ُو َد هذا اَخلْلق‪َ ،‬و هذا اَخلْل ُق َمْو ُج ود‪،‬‬
‫ِق‬ ‫ِتِه‬ ‫ِص‬ ‫ِهلل‬
‫َم ْع ن اُه َك الُم ا ال ذي ُه َو َفُة ذا ليَس ُح ُر وًف ا ُمَتعا َب ة‪ ،‬ليَس ُنْطًق ا‪ ،‬اُهلل ال ُيق اُل َعْن ُه‬
‫ن اطق‪ُ ،‬يق اُل َعْن ُه ُمَتَك لم‪ .‬هذا اْبُن َتْيِم َي ة َأَض َّلُه اُهلل َم َع ِعلِم ِه الَك ِث ري َو ِح ْف ِظ ِه الَك ِث ري‬
‫َألحاِد يِث الَّر ُس ول َأَض َّلُه اُهلل‪َ ،‬يُق ول‪ :‬اُهلل َيَتَك لُم ُحِبُر وٍف ُمَتعاِقَب ٍة َتُق وُم ِب ذاِت اِهلل‪َ ،‬يُق ول‪:‬‬
‫ِج ْنُس هذه اُحلروف َأَز ِلّية َأّم ا َعْيُنها حاِد َثة‪ ،‬هذا ُمْس َتِح يل‪ ،‬هذا الكالم َغري َم ْع ُقول‪.‬‬
‫َأّم ا اآلَي ُة ﴿ِإَّنـما َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد َش ْيًئا َأْن َيُق وَل َل ُه ُك ْن َفَيُك وُن (‪ ﴾)82‬س ورة ٰيس‪،‬‬
‫َفَلْيَس َم ْع ناها َأَّن اَهلل ُك َّلَم ا َأراَد َخ ْل َق ش ىٍء َيْنِط ُق ِب "ُك ن" َح ىَّت يوَج َد هذا الش ىء‪ ،‬ال‪،‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َقاَل لَّش يُخ َمَع ُر ْبُن َأَمْحَد لَّنَس ِفُّي يِف ِك َتاِبِه لَع ِقي َد ِة لَّنَس ِفَّيِة (‪ ٥٣٧-٤٦١‬هـ)‪َ« :‬و ْلُق ْر َء اُن َالَك ُم ِهَّلل َتَع اىَل َغُرْي َم ْخ ُل وٍق ‪َ ،‬و ُه َو‬
‫َم ْك ُت وٌب يِف َمَص اِحِفنا‪َ ،‬مْح ُف وٌظ يِف ُقُلوِبَن ا‪َ ،‬م ْق ُر وٌء ِبَأْلِس َنِتَنا‪َ ،‬م ْس ُم وٌع ِبآَذ اِنَن ا‪َ ،‬غُرْي َح اٍّل ِف َهيا» "َو ٱْلُق ْر َء اُن " َأِي ٱلُق ْر َء اُن ِبَم عىَن ٱلِّص َفِة‬
‫ٱَألَز ِلَّيِة ٱلَقاِئَم ِة ِبَذ اِت ٱِهَّلل َأِي ٱلَّثاِبَت ِة ِهَّلِل ُه َو "الَك ُم ٱِهَّلل َتَع اىَل َغُري َم خُل وٍق " السِتَح اِةَل ِق َي اِم ٱلـمْخ ُلوِق ِب َذ اِت ٱِهَّلل ٱْلَق ِد ِمْي َتَب اَر َك َو َتَع اىَل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َو سِتَح اِةَل َك ْو ِن ْلُح ُر وِف لـمَؤ َّلَفِة لـمَر َّكَبِة َقِد ْيَم ًة اَمَك َذ َه َب ىَل َذ َكِل ُم َج ِّس َم ُة ْلَحَناِبِةَل ‪َ ،‬فاُهَّلل َتَب اَر َك َو َتَع اىَل َو َص َف َنفَس ُه ِبَأَّن ُه ِرَس يُع‬
‫ِإ‬
‫ٱْلِح َس اِب ‪َ ،‬فَلْو َأَّن َالَك َم اِهَّلل ٱَّذل اَّيِت ُحِب ُر وٍف َو َأْص َو اٍت َلاَك َن َأبَط َأ ٱْلَح اِس ِب َني َو َه َذ ا ِض ُّد َقوِهِل َتَع اىَل ‪َّ﴿ :‬مُث ُر ُّدۤو ْا ٰىَل ٱِهَّلل َم ْو َالُمُه ٱْلَح ِّق َأَال ُهَل‬
‫ٱ‬ ‫ِإ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱأل‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ْلُح ُمْك َو ُه َو َأَرْس ُع ْلَح اِس ِب َني ﴾ [ُس وَر َة نَع اِم‪َ ]62 :‬فَال َيَتَح َّقُق َم عىَن َقوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُه َو َأَرْس ُع ْلَح اِس ِب َني ﴾ ِإ َّال َعىَل َم ْذ َهِب َأْه ِل لُّس َّنِة َو ُه َو‬
‫َأَّن ٱَهَّلل ُم َتلَك ـم ِبَالَكٍم َأَز ٍّيِل َأَب ِد ٍّي ِبَغِرْي َح ْر ٍف َو َال َص ْو ٍت ‪َ ،‬و َذ َكِل َألَّن َعَد َد ٱ ْنِس َكِثٌري َال حُي ِص ِهي ْم َّال ُهللا ‪َ ،‬أَّم ا َعىَل َق ْو ِل ٱلـمَش َهِّبِة‬
‫َيسَتغِرُق ِح َس اُهُبْم ُم َّد ًة َط ِو يًةَل ‪َ ،‬و َعىَل َق ْو ِلِهم َه َذ ا لـم َيُكِن ُهللا ِبَأَرْس ِع ٱْلَح اِس ِبِإلَني ‪َ ،‬فَق ْو ُل ٱلـمَش َهِّبِة ُيِإ َؤ ِّد ي ىَل ِخ َالِف ٱلُق رَء اِن َو َذ َكِل‬
‫ُم َح اٌل ‪َ ،‬و َم ا َأَّدى ىَل ٱلـمَح اِل ُم َح اٌل ‪َ ،‬قاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و لَك ـم ُهللا ُم وٰىَس َتِلْك ًميا﴾ [ُس وَر َة ٱلِّنَس اِء ‪َ﴿ ]164 :‬تِلْك ًميا﴾ َمْص َدِإ ٌر َم عَناُه ٱلَّتْأِكيُد ؛ َيُد ُّل َعىَل‬
‫ِإ‬
‫ُبْط َالِن َقْو ِل َمْن َيُقوُل ‪َّ " :‬ن ٱَهَّلل َخ َلَق ِلَنْف ِس ِه َالَك ًم ا يِف َجَشَر ٍة َفَس ِم َع ُه ُم وىَس "! َو َأَمْج َع ٱلَّنْحِو ُّيوَن َعىَل َأَّنَك َذ ا َأَّك ْد َت ٱلِفْع َل اِب لـمْص َد ِر لـم‬
‫َيُكْن َم َج اًز ا‪َ ،‬قاَل ٱلَّتْفَتاَز ا ِإُّيِن يِف ْرَش ِح ٱْلَع َقاِئِد ‪َ« :‬و َال ُيَقاُل ٱْلُقرَء اُن َغُرْي َم ْخ ُلوٍق ِلَئَّال َيْس ِب َق ىَل ٱْلَفْهِم َأَّن ٱلـمِإَؤ َّلَف ِم َن ٱَألْص َو اِت َو ٱْلُح ُر وِف‬
‫ِإ‬
‫َق ِد ٌمْي اَمَك َذ َه َب ُم َج ِّس َم ُة ٱْلَحَناِبِةَل َلْي ِه ْهَجًال َأْو ِع َن اداً » "َو ُه َو َم ْك ُت وٌب يِف َمَص اِحِفَنا" َأِي ٱلُق رَء اُن عىَل َم عىَن ٱلَّلْف ِظ ٱلـمَّزَن ِل ُيَق اُل َّن ُه‬
‫َم ْكُتوٌب يِف َمَص اِحِفَنا َأْي ِبَأْش اَك ِل ِإ ٱْلِكَتاِب َو ُص َو ِر ٱْلُح ُر وِف ٱَّدل اِةَّل َعَلي ِه ‪َ ،‬و َق ْد ُيَس َّم ى ٱلـمْص َح ُف اذلي ُيْكَتُب ِف ي ِه الَك ُم ٱِهَّلل ُقْر َء ااًن َو ِإَق ْد‬
‫َقاَل ٱلَّنُّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم‪َ" :‬ال ُتَس اِف ُر وا اِب ْلُقْر َء اِن َف يِّن َال َء اَمُن َأْن َيَناُهَل ٱْلَع ُد ّو " َأَر اَد ِب ِه ٱلـمْص َح َف ‪َ ،‬ر َو اُه ُم ْس لـم يِف ِحَص يِح ِه يِف‬
‫ِكَتاِب ٱ ماَر ِة ‪َ ،‬قاَل اُهَّلل َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬يِر يُد وَن َأْن ُيَبِّد ُلوْا َالَك َم ٱ ِإِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة ْلَفْتِح ‪َ" ]15 :‬مْح ُفوٌظ يِف ُقُلوِبَنا" َأْي اِب َأللَفاِظ ٱلـمَتَخ َّيِةَل ‪َ ،‬قاَل ُهللا َتَع اىَل ‪:‬‬
‫ٱ‬

‫﴿َبْل ُه َوِإل ءااَي ٌت َبِّيَناٌت يِف ُص ُد وِر اذليَن ُأوُتوْا ٱْلِع لـم﴾ [ُس وَر َة لَعنَكُبوِت ‪َ" ]49 :‬م ْقُر وٌء ِبَأْلِس َنِتَنا" َقاَل اُهَّلل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬يْتُلوَنُه َح َّق َو ﴾‬
‫ِتَال ِتِه [ُس وَر َة ٱلَبَق َر ِة ‪:‬‬ ‫ٱ‬

‫‪َ ]121‬و َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُقْر ءاَن ٱْلَفْج ِر َّن ُقْر ءاَن ٱْلَفْج ِر اَك َن َم ْش ُهوًدا﴾ [ُس وَر َة ِإلرساِء ‪َ ]78 :‬أْي ٱْلُقرَء اِن يِف َص َالِة ٱْلَفْج ِر ‪َ" ،‬م ْس ُم وٌع ِبآَذ اِنَن ا"‬
‫ٱ‬
‫ِق َر اَء َة‬

‫َأْي اِب ْلُح ُر وِف ٱلـمْلُفوَظ ِة ٱلـمْس ُم وَعِة ‪َ ،‬قِإاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َذ ا ُقِرَئ ٱْلُقْر ءاُن َفٱْس َتِم ُع وا ُهَل َو َأنِص ُتوْا َلَع َّلْمُك ُتْر ُمَح وَن ﴾ [ُس وَر َة ٱَألع َر اِف ‪َ ]204 :‬و َق اَل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ُهللا َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬ق ْل ُأْو َيِح َّيَل َأَّنُه ْس َتَم َع َنَف ٌر ِّم َن ْلِج ِّن َف ِإَق اُلۤو ْا اَّن ِمَس ْعَنا ُقْر ءااًن َجَعًب ا﴾ [ُس وَر َة ْلِج ِّن ‪َ" ]1 :‬غُرْي َح اٍّل ِف َهيا" َأْي َأَّن لالَك َم‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ٱَّذل اَّيِت َليَس َح اًّال يِف ٱلـمصاِحِف وال يِف ٱلُقـُلوِب وَال ُه َو ٱلـمسُم وُع ِبآَذ اِنَن ا‪َّ ،‬نـام ٱلـمكُتوُب ِبأْش اَك ِل ٱْلُح روِف َو ٱلـمحُفوُظ يِف ٱْلُقُل وِب‬
‫ِإ‬
‫َو ٱلـمْقُر وُء اِب َألْلُس ِن وٱلـمْس ُم وُع اِب آلَذ اِن ُه َو ٱلَّلْف ُظ ٱلـمَّزَن ُل َال َعُنْي ٱلِّص َفِة ٱلَقِد ْيَم ِة ٱلَقاِئَم ِة ِبَذ اِت ٱِهَّلل َأِي ٱلَّثاِبَتِة ِهَّلِل ‪.‬‬
‫ِإَّنـما عناها ر ُة اإلجياد‪ ،‬ا تع اىل ِإذا َأرا يِف اَألَز ل و ش ىء‪ِ ،‬ج َد يِف ال ْقِت‬
‫َو‬ ‫ُو‬ ‫ُو ُج َد‬ ‫َد‬ ‫ُهلل‬ ‫ُس َع‬ ‫َم‬
‫الذي َأراَد اُهلل ِم ْن َغِري ُمـماَنَعٍة َو ال َتْأِخ ٍري ‪ ،‬هذا َم ْع ىَن اآلَيِة‪.‬‬
‫َل‬ ‫ٌة‬‫َّي‬ ‫وَأ ا ِّق وا على ع َق ِدِه م و أَّن ا َك لم ِبَك الٍم هو ِص َف ٌة أزلَّي ٌة أ ِد‬
‫َب َس‬ ‫ْي‬ ‫ُه َو َهلل ُمَت‬ ‫ُم َت‬ ‫ْه ُل َحل َثَبُت‬
‫َحبْر ٍف َو ال َص ْو ٍت ‪.‬‬
‫َألَّن اَحلْر َف َيْد ُخ ُل ُه الَّتع اُقب‪َ ،‬يْع ىِن إذا َأن ا اآلن ُقْلُت ‪" :‬بْس ِم اِهلل ال رمحِن ال َّر ِح يم"‬
‫ُيوَج د َتع اُقب‪َ ،‬نَطْق ُت بالب اء‪ ،‬اْنَتَف ت‪َّ ،‬مُث َظَه َر ِت الِّس ني َّمُث اْنَتَف ت‪َّ ،‬مُث َظَه َر ِت الـميم‬
‫ِص ِت ِهلل‬ ‫ِد‬
‫َو هكذا‪ ،‬هذا ُيقاُل َلُه َتعاُقب‪َ ،‬و الَتعاُقُب َيكوُن يِف اَحلوا ث ليَس يِف فا ا سبحاَنُه‬
‫تع اىل‪َّ .‬مُث الَّص ْو ُت ِعب اَر ٌة َعْن اْص طقاِك اَألْج رام واْنِس الِل اَهلواِء هذا ش ىء َيكوُن يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬
‫ِهلل‬ ‫ِق‬ ‫ِق‬
‫الـمْخ لو ‪ ،‬الَّص ْو ُت ش ىٌء َيكوُن يِف الـمْخ لو ‪ ،‬ال جَي وُز َعلى ا َتع اىل‪َّ .‬مُث الُّلغ اُت‬
‫ْخَمُلوَقة‪ ،‬اُهلل َأَز ٌّيِل َو ِص فاُتُه َأَز ِلَّية واللغاُت ْخَمُلوَقة‪َ ،‬فِإًذا َك الُم ُه الذي ُه َو ِص َفُة ذاِتِه ليَس ُلغة‬
‫َألَّن الُّلغات حاِد َثة ليَس ت َأَز ِلَّية‪َ ،‬فِص َفُة اِهلل ليَس ت حاِدَثة‪ِ ،‬إَّنـما ِه َي َأَز ِلَّية‪.‬‬
‫مسئلُة علم الكالم من أ ِّم ساِئِل العقي َد ِة‪ ،‬أه سئَلٍة يف العقي َد ِة هي سئَلة تنزي ِه‬
‫َم‬ ‫ُم َم‬ ‫َه َم‬
‫اِهلل عن مشاَهبِة الـَم خلوقَني ‪ ،‬تليَه ا توحي ُد اِهلل يف الِف ْع ِل ‪ ،‬أي إثبات ِص َف ِة َك الِم اِهلل على ما‬
‫ِئ ِق‬ ‫ِم‬ ‫ِع‬ ‫ِه‬
‫يلي ُق ب س بحانُه وكذلك مسئلة ْلِم الَك ال ‪ ،‬هذه الَّثالث َأَه م َم سا ل الع ي َد ة‪ ،‬فَتكراُر‬
‫هِذِه الـمسائل ُمفيٌد وناِفٌع ‪.‬‬
‫َو َأْنَز َل ُك ُتًب ا َعَلى َبْع ِض َأْنِبياِئ ِه ُتْق َر ُأ ُحِبروٍف ِه َي ِعب ارات َعْن َك الِم ِه ال ّذ اّيِت ال ذي‬
‫ًف ا ال ًتا‪ ،‬ألنه َل وال هذا الَف ُق ب الَك الِم الذي ِعبا ٌة هذا الَّلْف ِظ‬
‫ُه َو َر َعْن‬ ‫ْر َنْي‬ ‫ليَس َحْر َو َص ْو‬
‫الـمَنَّز ل َو الَك الِم الذي ُه َو ِص َف ٌة َأَز ِلَّيٌة القاِئِم ِبذاِت اِهلل َلكاَن َمْن ِمَس َع هذا الَّلْف َظ َك ِليَم اهلل‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِل‬ ‫ُّل‬ ‫ِل ِهلل‬
‫َك ما َأَّن ُموَس ى َك يُم ا َو هذا ال ُجَيوز‪َ ،‬و َي ُد َعَلى ذ َك قوُل ُه‪َ :‬تَع اىل ﴿َو ْن َأَح ٌد َن‬
‫ِهلل‬ ‫ِج‬ ‫ِك‬
‫الـمْش ِر َني اْس َتَج اَر َك َفَأ ْر ُه َح ىَّت َيْسَم َع َك الَم ا (‪ ﴾)6‬سورة التوبة‪َ ،‬أْي َأَّن اَهلل أَم َر نبَّيُه‬
‫بأَّنُه إِن اْس َتَج اَر ُه َأَح ٌد ِم َن الـمْش ِر ِكَني ِلَيْس َم َع الُق ْر َءاَن َأْن ُيَؤ ِّم َن ُه َّمث بْع َد ذل َك إذا لـم ُيْس لم‬
‫ُيَبِّلُغُه َم ْأَم َنُه َأْي َناِح َيَتُه‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِل‬
‫َو ال َش َّك َأَّن هذا الـمْش ِر َك ال ُيَس َّم ى َك يَم اهلل‪ ،‬فإذا َم عن اُه أَّن الَّر ُس وَل َسُيْس ُعُه‬
‫َأْلف اَظ الُق رءان‪ ،‬هذا َم ْع ن اُه‪َ .‬و َك لماُت الُق رءان‪ِ ،‬ه َي ِعب اَر ٌة َعْن ِص َف ِة اهلل‪َ ،‬ك ما ِإذا ق اَل‬
‫َأَح ُد نا باللْف ِظ الَع َر ِّيِب ‪" :‬اهلل" َأْو ق اَل َمْن كاَن ِم ْن هِذ ه الِبالد‪ "My God" :‬اللْف ُظ‬
‫ْخُمَتِلف َو َلِكْن الـمَعرَّب َعْن ُه واِح د َو ُه َو اخلاِلق ُس بحاَنُه َو تعاىل‪ ،‬واْخ َتَلَف ِت الِعبارات والـمَعرَّب‬
‫َعْن ُه واِح د ُه َك الُم اِهلل يِف َق ِلن ا َعْن ُموَس ى َعْن س ِّيِد نا حممد ال ذي ُأْن ِز َلت َعَلْيِه‬
‫ُم‬ ‫َن‬ ‫َو‬ ‫ْو‬ ‫َو َو‬
‫ِح‬ ‫ِت ِع‬ ‫ِظ‬
‫الُك ُتب‪َ ،‬و اآلن يِف َلْف ن ا هذا اْخ َتَلَف ال ب ارات َو الـمَعرَّب َعْن ُه وا د َو ُه َو اهلل س بحاَنُه‬
‫َو تعاىل‪.‬‬
‫َفِإْن قاَل قاِئل‪ :‬لـم ِّمُسَي َك الم اِهلل هذا الذي حَن ُن َنَتَلَّف ُظ ِبه؟‬
‫ا واب‪ :‬ألنه لي ِم َت ْأِليِف ِج ِرْب يل لي ِم َت ْأِليِف س ِّيِد نا حممد لى ا َلي ِه‬
‫َص ُهلل َع‬ ‫َو َس ْن‬ ‫َس ْن‬ ‫َجل‬
‫ِظ ِب ِم ِهلل‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِج‬ ‫ِإ‬
‫َو َس َّلَم ‪َّ ،‬نـما ُه َو شىٌء َأَخ َذ ُه ِرْب يل َعَلْي السالُم َن الَّل ْو ِح الـمْح ُف و َأْم ٍر َن ا ‪ ،‬اُهلل‬
‫تع اىل َأَم َر ِج ربي ل َعَلْي ِه السالُم ب َأْن َيُأُخ َذ َأْلف اَظ الُق رءاِن َو َأْلف اَظ الَّتْو راِة َو َأْلف اَظ اِإل ِجْن ي ِل‬
‫َو َأْلف اَظ الَّز ُب وِر ِم َن الَّل ْو ِح الـمْح ُفوِظ ‪َ ،‬و َخ َل َق اُهلل تع اىل َص ْو ًتا ِبَأْلف اِظ الُق رءاِن َفَس ِم َعها‬
‫ِج ربي ل َل ِه السال ‪َّ ،‬مُث ب َد ذِل ك َل َلى س ِّيِد نا حممٍد لى ا َلي ِه َّل هِب ذِه‬
‫َص ُهلل َع َو َس َم‬ ‫َنَز َع‬ ‫ُم ْع‬ ‫َع ْي‬
‫ِه‬ ‫ِج‬ ‫ِه ِب ُّل ِة ِب‬ ‫ِظ‬
‫اَألْلفا اليت َي ال َغ الَعَر َّي ة‪ .‬س ِّيُد نا ربي ُل َعَلْي السالم َيْس َم ُع َك الَم اهلل الذي ليَس‬
‫هِن‬ ‫ِب‬ ‫ٍف‬
‫َحِبْر َو ال َص ْو ت َو ال ُلَغ ة َو ليَس َل ُه داَي ة َو ليَس َل ُه اَي ة‪ ،‬شىٌء َمْو جود‪ ،‬اُهلل تعاىل َأَمْسَع‬
‫ِم‬ ‫ٍف‬ ‫ِج‬ ‫ِج‬
‫ربي َل َو ربي ُل َيْس َم ُع َك الَم اهلل ال ذي ليَس َحِبْر َو ال َص ْو ت َو ال ُلَغ ة‪َ ،‬يْف َه ُم ْن ُه‪ُ :‬ق ْل‬
‫ِم‬ ‫ِج‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬ ‫ٍد‬
‫لـمَح َّم َك ذا‪ُ ،‬ق ْل لـموسى َك ذا‪ُ ،‬ق ْل يوُس َف َك ذا‪ُ ،‬ق ْل ِإِل ْب را يَم َك ذا‪ ،‬ربي ل ْن بَني‬
‫الـمالِئَك ة يْسَم ُع َك الَم اِهلل الذاَّيِت الذي ليَس َحِبْر ٍف َو ال َص ْو ت َو ال ُلَغة‪.‬‬
‫لي‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫وَن َك ال اِهلل‬ ‫يِف ِم الِق يا ة‪ُ ،‬ك ُّل هذا ا ْل ق‪ ،‬ال َش ر اِجل‬
‫َو َس‬ ‫ُه‬ ‫َم‬ ‫ُع‬ ‫َم‬ ‫ْس‬ ‫َسَي‬ ‫ّن‬ ‫َب َو‬ ‫َخل‬ ‫َم‬ ‫َيْو‬
‫ِس ِع ِب ِس ِه‬ ‫ٍة‬ ‫ٍت‬ ‫ٍف‬
‫َحِبْر َو ال َص ْو َو ال ُلَغ َألَّن اَهلل هَو الذي حُي ا ُب باَدُه َنْف ‪ .‬اُهلل تعاىل ُيِز ي ُل َعْن‬
‫ِم‬ ‫ِهلل‬ ‫ِم ِه‬ ‫ِن ِم‬ ‫ِع ِحل‬
‫َأمْس ا ِه م ا جاَب الـمْع َنِو ّي الـما َع ْن مَس اِع َك ال ‪َ ،‬فَيْس َم عوَن َك الَم ا َفَيْف َه ُم وَن ْن ُه‬
‫الُّس ؤال‪ :‬لـم َفَعْلَت كذا؟ َألـم ُأِص َّح َبَدَنك؟ َألـم ُأْر ِو َك من الـماِء الباِر د؟ َألـم ُأْع ِط َك َك ذا؟‬
‫ِم ِم ٍد‬ ‫ِهلل‬
‫ُك ُّل هذا اَخلْل ق َيْس َم عوَن َك الَم ا َك ما قاَل الَّر ُس ول‪َ(( :‬م ا ْنُك ْم ْن َأَح ِإال َو َس ُيَك ِّلُم ُه‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫اري‪،‬‬ ‫البخ‬ ‫رواه‬ ‫ب))‬ ‫اٌن ال حاِج‬ ‫اِهلل‬ ‫‪،‬‬ ‫الِق ا ِة‬
‫َم ُه ُهلل‬ ‫ْع‬ ‫َو‬ ‫َمُج‬ ‫ُه‬ ‫َن‬
‫َو َب ُتْر‬‫ْي‬ ‫َنْي‬
‫َس َب‬ ‫ْي‬‫َل‬ ‫اُهلل َيْو َم َي َم‬
‫ِبَنْف ِس ِه َيَتَو ىّل ِح ساَب الِعب اِد‪ُ .‬يوَج ُد ِج جاب َم ْع َن ِو ّي م اِنع ِم ْن مَس اِع َك الِم اِهلل َلن ا اآلن‪،‬‬
‫َألَّن كالَم اِهلل َمْو ُج وٌد َأَز اًل َو َأَبًد ا‪ُ ،‬يزاُل هذا اِحلجاُب الـمْع َنِو ُّي َعْن َأمْس اِع اَخلْلِق َفَيْس َم عوَن‬
‫َك الَم اِهلل الذي ُه َو ليَس َحِبْر ٍف َو ال َص ْو ٍت َو ال ُلَغة‪.‬‬
‫وال َّدليُل َعَلى َأَّن كالَم اِهلل ال ذي ُه َو ِص َفُة ذاِتِه لي َحِبْر ٍف َو ال َص ْو ٍت َو ال ُلَغ ٍة َأَّن‬
‫َس‬
‫اَهلل ُه و الذي َسُيحاِس ُب ِعباَدُه ِبنْف ِس ِه َك ما قاَل الَّر سوُل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪َ ،‬و اُهلل يُق وُل‬
‫يِف الُق رءاِن الَك رمي ﴿َّمُث ُر ُّدوا ِإىَل اِهلل َم ْو اَل ُه ُم اَحلِّق َأال َل ُه اُحلْك ُم َو ُه َو َأْس َر ُع اَحلاِس ِبَني (‬
‫ِل‬ ‫ِس‬
‫‪ ﴾)62‬سورة األنعام‪َ﴿ ،‬و ُه َو َأْس َر ُع اَحلا ِبَني ﴾ َم ْع ىَن ذ َك َأَّن اَهلل تعاىل َل ْو كاَن كالُم ُه‬
‫كَك الِم اَخلْلِق باَحلْر ِف َو الَّص ْو ِت والُّلَغة َو ُه َو حُي اِس ُب اَخلْلَق ِبنْف ِس ِه َألَخ َذ ذِلَك َز ماًنا َطِو ياًل‬
‫َو لـما َك ان َأْس َر َع احلاِس بني‪َ ،‬و ُه َو َيُق وُل َعْن َنْف ِس ِه ﴿َو ُه َو َأْس َر ُع اَحلاِس ِبَني ﴾ اُهلل تع اىل‬
‫‪ ،‬عنا َأَّن ا تعاىل ْف ُغ ِم ِح ساِب هذا ا ْل ِق ِبَل َظٍة‬
‫َخل ْح‬ ‫َي ُر ْن‬ ‫َك الُمُه َح ّق َك ما قاَل َع َّز َو َج ّل َم ُه َهلل‬
‫َقِص َريٍة ألنه َأْس َر َع احلاِس بني‪َ ،‬و قاَل َعْن َنْف ِس ِه ﴿َو ُه َو َس ِر يُع اِحلَس اِب (‪ ﴾)41‬سورة الرعد‪،‬‬
‫هذا َدلي ٌل َعَلى َأَّن كالَم اِهلل الذي ُه َو ِص َفُة ذاِتِه ليَس َحِبْر ٍف َو ال َص ْو ٍت َو ال ُلَغ ة‪َ ،‬فِّك روا‬
‫واْس َتْع ِم ُلوا ُعُق وَلُك م‪ِ ،‬إْبليس َخ َلَق ُه اُهلل تع اىل َقْب َل َأْن ْخَيُل َق ءاَدم َو ِإىَل اآلن هَو َح ّي وال‬
‫ٍف‬ ‫ِب ٍة‬ ‫ِح‬ ‫ِإ ِل‬ ‫ِإ ِم‬
‫َي زاُل َح ًّي ا ىَل ي و الَّنْف ِخ يِف الُّص ور‪ ،‬هذا َو ْح َد ُه ْب يس‪َ ،‬ل ْو كاَن ساُبُه ُلَغ َو َح ْر‬
‫ْف ِس ِه‬ ‫ِل‬ ‫ٍت‬
‫َو َص ْو َعّم ا َفَع َل َو َعّم ا قاَل َو َعّم ا َنَو ى َألَخ َذ ذ َك َز ماًنا َطِو ياًل ‪َ ،‬و اُهلل َيُق وُل َعْن َن‬
‫﴿َو ُه َو َأْس َر ُع اَحلاِس ِبَني ﴾‪.‬‬
‫َّمث ِعلم الكالِم ِعلـم ُيَق ِّر ُر ُه َأْه ُل اَحلِّق ‪َ ،‬يْع ىِن ِعلم الَّتْو ِح يد‪ ،‬وَلْيَس َم ْذ ُموًم ا كَّم ا َتُظُّن‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِبِه ِل‬ ‫‪ِ 13‬إ‬
‫الـمَج ِّس َم ُة ‪َ ،‬ف َّن الَّس َلَف الَّص اَحل مْنهم َم ِن اْش َتَغَل َتْأ يًف ا وَتْع يًم ا وَتْف ِه يًم ا‪ ،‬و ْنُه م َمْن‬
‫َعَر َف ُه ِلَنْف ِس ِه ولـم َيْش َتِغْل ِبِه َتْأِليًف ا وَتْف ِه يًم ا‪َ ،‬ألَّن اَحلاَج َة للَّت ْأِليِف يف َأَياِم ِه كاَنْت َأَق َّل‪َّ ،‬مُث‬
‫ِهلل‬ ‫ِل‬ ‫ِف ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِت ِل ِبِه ِل‬ ‫ِت‬
‫اْش َتَّد اَحلاَج ُة إىل االْش َغا َتْأ يًف ا وَتْف يًم ا‪ ،‬وَه ذا َلْيَس ي َم ا َخُيا ُف َش ْر َع ا َبْل ُه َو‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َقْد َيُقوُل َقاِئٌل يِف لْهَّنِي َع ِن ِالْش ِتَغاِل ِبِع لـم لالَك ِم ‪َ :‬قاَل ْبُن َع َّباٍس ‪َ" :‬تَفَّكُر وا يِف ْلَخ ْلِق َو َال َتَفَّك ُر وا يِف ْلَخ اِلِق " ُمْع َتًرِب ا َأَّن ُم َر اَد ْبِن‬ ‫‪13‬‬

‫َع َّباٍس َأْن َيَهْنى َع ِن ٱِالْش ِتَغاِل ِبِع لـم ٱلالَك ِم ‪ ،‬ٱلَر ُّد ُه َو َأْن َنُق وَل ‪َّ :‬نُه َو َر َد ٱلْهَّنُي َع ِن ٱلَّتَفُّك ِر يِف ٱْلَخ اِلِق َم َع ٱَألْم ِر اِب لَّتَفُّكِر يِف ٱْلَخ ْل ِق َف َّنُه‬
‫ُيْو ِج ُب ٱلَّنَظ َر َو ٱلَّتَأُّم َل يِف َم َلُك ْو ِت ٱلَّس َمٰـ َو اِت وٱَألْر ِض ِلُيْس َتَد ِإَّل ِب َٰذ َكِل َعىَل َأَّن َص اِنَع ٱلَع الـم َال ُيْش ِبُه َش يًئا ِم ْن َخ ْلِق ِه ‪َ ،‬فَم ْن لـم َيْع ِرِإِف‬
‫ٱْلَخ اِلَق ِم َن ٱلـمخُلْو ِق َكْي َف َيْع َم ُل َهِبَذ ا ٱَألَثِر ؟!‬
‫ْحَمُض الِّديِن ‪ ،‬وُه و َأْش َر ُف علوِم الِّدين ألنه ُيْع َر ُف ِبِه َم ا ِجَي ُب ِهلل ِم َن الِّص فاِت اَألَز ِلَّي ِة اَّليت‬
‫اْفَتَر َض اُهلل َم عرَفَتها على عب اِدِه‪َ ،‬و م ا َيْس َتِح يُل َعَلى اِهلل ِم َن الَّنق اِئِص َو َم ا ُجَيوُز َعَلى اِهلل‪،‬‬
‫َمَع ما َيْتَبُع ذلك ِم ْن ُأُموِر الُّنُبَّو ِة وأُموِر اآلِخ َر ِة‪.‬‬
‫ِإذا ش خٌص اْع َتَر َض َعَلْيُك م‪ ،‬ق اَل َلُك م‪ :‬م ا هذه األْلف اظ؟ اَجلواِه ر واَألْع راض َو ُحَنو‬
‫ذِلك‪ .‬هذه الصحاَبة والّتاِبُعوَن اْس َتْع ِم ُلوها؟‬
‫ُيق اُل ُهَلم‪ :‬لي َم ْع ىَن ذِل َك َأَّنُه م م ا كانوا َيْع ِر ُفوهَن ا َلِكِن الُعلماُء ْخُيِر ُج وَن للّن اِس‬
‫َس‬
‫اَألْلفاَظ والِعباراِت َعَلى َح سِب احلاَج ِة‪َ ،‬أْص حاُب الرسول‪ ،‬اُهلل َفَتَح َعَليِه م َفَف ِه ُم وا ُك َّل‬
‫الّتْنِز ي ِه ِم ْن هِذِه اآلَي ِة ﴿ليَس َك ِم ْثِل ِه َش ىٌء (‪ ﴾)11‬س ورة الش ورى‪ ،‬اآلَن ِعْن َد ما َتُق وُل‬
‫ِدِه‬ ‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِب‬ ‫ِم ِل ِه‬
‫للن اِس ﴿ليَس َك ْث ش ىء﴾ َو َتْش َر ح َو َتْش َر ح‪َ ،‬س َبِب َض ْع َأْفها ِه م َو ُبْع م َعْن‬
‫ِل‬ ‫ِدِه‬ ‫ِل‬
‫جَم ا س الِعلِم َو ُبْع م َعِن الُّلَغ ِة الَعَر ِبّي ة ال َيْف َه ُم وَن ُعْش َر الَّتْو ِح يد‪ُ .‬يقاُل ُهَلم‪َ :‬نِظ ُري ذ َك‬
‫َأّياَم الّر ُس وِل والصحاَبِة ِإذا َه َج َم الُك ّف ار َعَلْيِه م َك ْيَف كاُنوا ُيقاِتُلوَنُه م؟ كاَن ِعْنَد ُه م هذا‬
‫الِّس الح ال ذي ُه َو اآلن َمْو ُج ود؟ كاُنوا َي ْد َفُعوَن َعْن َأْنُفِس م ِبالِّس الِح الـمْو ُج وِد عن َد هم‬
‫بالَّس ْيِف َو َعلى اَخلي ل‪ ،‬اآلن ِإذا َه َج َم الَع ُد و بِس الِح الي وِم هل ي دَفعوَن َعْن َأْنُفِس ِه م‬
‫ب َأْفهاِم‬ ‫ى‬ ‫َل‬ ‫ك‬ ‫بالسيِف لى ا ي ل؟ فا ِتي ِإىَل ذِل َف ُأ ِر هذا‪ ،‬ل ذِل‬
‫َس‬ ‫َح‬ ‫َع‬ ‫َك ْخ َج‬ ‫ْح َج‬ ‫َو َع َخل‬
‫َو حاجاِت الناِس ْخُيِر ُج العلماُء ما ْحُيتاُج ِإَلْيِه‪.‬‬
‫وَقْد أَّل َف اإلم اُم أب و َح نيَف َة ُو ِلَد يِف َس َنة ‪ 80‬للِه ْج َر ة َو ُتُوَيِّف َس َنة ‪ 150‬للِه ْج َر ة‪ ،‬يف‬
‫ِعلم الكالِم ْمخَس َرَس اِئَل ‪ ،‬وُه َو ِم َن الَّس َلف الّص اِلح‪َ ،‬م ْع ناُه َو َج َد حاَج ًة ِل ذِلك َو َو َج َد‬
‫‪14‬‬

‫َف ًة ِم ِف ِلِه هذا‪ ،‬كاَن ْذ ِم الُك وَف ِة إىل ال ِة لـمَناَظ ِة الـمعتزلِة والـمَش َّب ِة‬
‫َه‬ ‫َر‬ ‫َبْص َر‬ ‫َي َه ُب ْن‬ ‫َو‬ ‫َم ْن َع ْن ْع‬
‫ِض‬ ‫ِع‬ ‫ِح ِة‬
‫والـمال َد ‪ ،‬حىَّت إَّنُه َتَر َّدَد إَلْيِه م َنِّيًف ا و ْش ِر يَن َم َّر ًة‪ .‬وكذا اإلماُم الشافعُّي َر َي اُهلل عْنُه‬
‫كاَن ْتِق َذ ا اْلِعلـم‪ ،‬كاَن ُق ول‪َ" :‬أ َك ن ا ذاك هذا" َأ َأ َقّن ا ِعلم ال ِق ي َد ِة‬
‫َل‬ ‫ْب‬
‫َق‬ ‫َع‬ ‫ْي ْت‬ ‫َقْب َل‬ ‫ْح ْم‬ ‫َي‬ ‫ُي ُن َه‬
‫ِعلم ُف روع الِف ْق ه‪ .‬واَّل ذي َذَّم ُه لْي َه ذا الِعلم‪ْ ،‬ع ىِن م ا َذَّم ُه الّش اِفِع لي ِعلم الَك الِم‬
‫ّي َس‬ ‫َي‬ ‫َس‬
‫ما ماَلت ِإَل ِه ُفو الـم َتِد ِة‬ ‫ِء‬
‫ْي ُن ُس ْب َع‬ ‫الـمْح ُم ود‪ ،‬بْل كالم أْه ِل اَألْه وا ‪َ ،‬و اَألْه واُء ْمَجُع َه َو ى َو ُه َو‬
‫الِفْقُه األكُرَب والِفْقُه األْبَس ُط والَو ِص َّيُة والعالـم والـمتعلـم وِر ساُةَل ُعامثَن الَبِّيِّت اليت أْثَبهَت ا احلاِف ُظ الَّز بيدُّي يف ْرَش ِح اإلحياِء ‪.‬‬ ‫‪14‬‬
‫اخلاِر ِج َني َعّم ا كاَن َعلْي ِه الَّس َلف‪َ ،‬فُه م َمْن َخ َر َج َعْن أْه ِل الُّس َّنِة كالـمْر ِج َئِة‪ُ ،‬ه ؤالء اآلن‬
‫ا‬ ‫ال و م‪ ،‬واجل ِم َّيِة الـم َتِز َلِة اَخلواِر ِج وما َأْش ‪َ ،15‬قْد قاَل الَّشاِفِع ِض‬
‫ُّي َر َي ُهلل‬ ‫َبَهُه ْم َف‬ ‫ْه َو ْع َو‬ ‫ُو ُج َد ُهَل‬
‫ِب ٍء ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ٍب ِس‬ ‫ِب‬
‫عْن ُه‪َ" :‬أَلْن َيْلَق ى اَهلل الَعْب ُد ُك ِّل َذْن َم ا وى الِّش ْر َخ ْيٌر َل ُه ْن َأْن َيْلَق اُه َش ى َن‬
‫ْش‬ ‫ا‬ ‫كذلك‬ ‫لمه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ا الَّش اِفِع ِباَأل اِء َذ ا اْلِعلم اَّلِذ‬ ‫َل‬ ‫"‬ ‫اَأل واِء‬
‫َغ‬
‫َت َل‬ ‫ٌض‬
‫َو َفْر َتَع‬ ‫ُه‬ ‫َه‬ ‫َو‬ ‫ْه‬ ‫ِّي‬ ‫ُد‬ ‫ْه َو َس ُم َر‬
‫ْي‬
‫هبذا العلم عمُر بُن عبِد الَعِز يِز اخلليفُة الراشُد وَعِم َل ِر َس اَلًة‪ُ 16‬يَبُنِّي ِفيها َم ْذ َه َب َأْه ِل اَحلِّق‬
‫وَيْد َح ُض هِب ا َر ْأَي الـمعتزلِة‪ ،‬كذلَك اَحلَس ُن الِبْص ِر ُّي اَّلذي ُه َو من أكاِبِر التابعَني ‪ ،‬وَتَك لم‬
‫ِفي ِه اِإل َم اُم ماِل ٌك ‪ 17‬وغ ُريُه ِم ْن أِئَّم ِة الَّس لِف ‪ ،‬فال َيْلَح ُق َش ىٌء ِم ْن َذِّم هذا اْلِعلـم ال ذي‬
‫َيْش َتِغُل ِبِه أهُل الُّس َّنِة‪ .‬وَقْد أْح َسَن يف ذِلَك َمْن َقاَل ‪:‬‬
‫وَم ـ ـ ـ ـ ـ ــا َعَل ـ ـ ـْيِه إَذا َعـ ـ ـ ــاُبوُه ِم ْن َض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِر‬ ‫َعاَب الَك ــالَم ُأَنــاٌس ال ُعـ ـُق ــوَل لـ ـ ـ ـ ـُه م‬
‫َر‬
‫َأْن ال َي ى َض وَءها َمْن َلْي َذا َبَص ِر‬ ‫الُّض ى يف اُألْفِق طاِل‬
‫َس‬ ‫َر‬ ‫ًة‬ ‫َع‬ ‫َم ا َض َّر ْمَشَس َح‬
‫َم ْع ن اُه الِعَّل ُة يِف َبَص ِرِه ليس يِف الَّش ْم س‪ ،‬والـمَش ِّبَه ة الـمَج ِّس ة ال ّه اِبّي ة ِعَّلُتُه م يِف‬
‫َم َو‬ ‫َو‬
‫َأْفهاِم ِه م الـمْع َو َّج ة‪ِ ،‬ح َني َيُق ول الَو ّه اِبّي ة "الّس َلُف م ا َتَك لموا هِب ذا" َأْنُتُم اْح َف ُظ وا َأَّن َأب ا‬
‫ِق‬ ‫ِل‬ ‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫ِن ِض‬
‫َح يُف ة َر َي اُهلل َعْن ُه َو ُه َو ْن رؤوس السَل الص ا ِح َتَك لم يِف الَع ي َد ة‪َ ،‬يُق ول‪" :‬واُهلل‬
‫َيَتَك لـم ال َك ما حَن ُن َنَتَك لـم‪ ،‬حنُن َنَتَك لـم باآلَل ِة َو اَحلْر ف َو اُهلل َيَتَك لـم ِبال آَل ٍة َو ال َح ْر ٍف "‬
‫ِف‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِع‬
‫ْن َد الَو ّه اِبّي ة َعَلى َزْع ِه م اُهلل يَتَك لـم بالَّش َف َتِنْي والِّلسا واَحلْر والكالِم ال ذي َيْد ُخ ُل ُه‬
‫ِل‬ ‫ِهلل‬
‫الّتع اُقب واُحلروف والَّص ْو ت والعي اُذ با ‪ ،‬خ اَلُف وا الّس َلَف الص ا ح‪َ ،‬و َيُقول وَن حنُن َم َع‬
‫الّس َلِف الصاِلِح ‪َ ،‬ك ّذ اُبوَن ‪.‬‬
‫اإل ا َأمحُد َل َك ا ُظُّن الـمَش ِّب ُة ِفي ُث َق اُلوا‪ِ :‬إَّن اْلَق َل ِب َأَّن َك ال اِهلل‬
‫َم‬ ‫ْو‬ ‫َه ُه َح ْي‬ ‫ْيَس َم َي‬ ‫َو َم ُم‬
‫َح ْر ٌف َو َص ْو ٌت َم ْذ َه ُب أمحَد ‪َ ،‬ب ْل ُه َو لـم َيُك ْن َيَر ى أْن ُيْطَل َق َه ذا الَّلْف ُظ ‪" :‬الُق ْر َءاُن‬

‫ٱلـمعِزَت ُةَل ِع ُرْش ْو َن ِف ْر َقًة ‪َ ،‬و ٱْلَخ َو اِر ُج ِع ُرش ْو َن ِف ْر َقًة ‪َ ،‬و ٱلَّر َو اِف ُض اْثَنَتاِن َو ِع ُرْش وَن ‪َ ،‬و ٱلـمْر ِج َئُة ْمَخ ُس ِف َر ٍق ‪َ ،‬و ٱلَّنَّج اِر َّيُة َثالُث ِف َر ٍق ‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫َو ٱْلَج ِرْب َّيُة ِف ْر َقٌة َو اِح َد ٌة‪َ ،‬و ٱلـمَش َهِّبُة ِف ْر َقٌة َو اِح َد ٌة‪َ ،‬و ٱْلِفْر َقُة ٱلَّناِج َيُة ْمُه َأْهُل ٱلُّس َّنِة َو ٱْلَج َم اَعِة ‪.‬‬

‫يف الَّر ِّد عىل الَقَد ِر َّية‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫ُهَل ِر َس اٌةَل َم ْخ ُط ْو َط ٌة يِف ٱلَّر ِّد َعىَل ٱلـمْع ِزَت ِةَل ‪،‬‬ ‫‪17‬‬
‫ْخَمُل وٌق " َو ال َأْن ُيَق اَل ‪َ" :‬لْف ِظ ي بالُقرءاِن ْخملوٌق " ألنه ق ْد َيَت وَّه م ُمَتَو ِّه ٌم ِم ْن َه ذا الَّلف ِظ َأَّن‬
‫الق رءاَن خمل وٌق أِي الكالَم ال َّذ اَّيِت خمل وٌق ‪ ،‬أْي َو ْص َف الكالِم ال ذاِّيت بالـمخُلوِقَّيِة‪ ،‬فَح َذ ًر ا‬
‫ِم ذلَك كاَن ْمَيَن ِم الَّلْف َظِنْي ‪ ،‬أَّم ا أْن َتِق َد أَّن ا تبا َك وَتعاىل َتكلم حب ٍف و وٍت‬
‫ْر َص‬ ‫َي‬ ‫َهلل َر‬ ‫َيْع‬ ‫ُع َن‬ ‫ْن‬
‫قاِئٍم بَذ اِتِه فُه و َبِر يٌء ِم ن ذلَك ‪.‬‬

‫الدرس الثاِلث‪:‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف َأبو َج عَف ٍر الّطحاِو ّي رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ال َش ىَء ُيْع ِج ُز ُه‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أَّن ذا ِفي ِه ٌّد َلى ِل الـمع زلِة إَّن ا ال طي أْن خَي ُل ق ُد و ال ب ِد‬
‫َق َم َر َع‬ ‫َهلل َيْس َت ُع‬ ‫َت‬ ‫َر َع َقْو‬ ‫ُح َه‬
‫ألَّن ا أ طا الُق د َة علي ِه َف ا عاِج ا أَّم ا َقب ذل فكاَن قاِد ا علي ِه‪ .‬بع ال لماِء‬
‫ُض ُع‬ ‫ًر‬ ‫َل َك‬ ‫َص َر ًز‬ ‫َهلل ْع ُه َر‬
‫قاُلوا‪ :‬الـمعتِز َلُة ِبـَم قاَلِتِه م هِذِه َجَعُلوا اَهلل كالذي ِقي َل ِفي ِه الـمَثل‪َ :‬أْد َخ ْلُت ُه داِر ي َفَأْخ َر َج يِن‬
‫ِم ْنها‪ ،‬هذا َعْج زٌ‪ .‬والقاِئلوَن هبذا ال ُجيوُز االْخ ِتالُف يف َتْك ِف ِري ِه ْم ‪َ ،‬قْد اْلَتَب َعلى كث ٍري‬
‫َس‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫م الَّناِس هذا ف ُقولوَن ‪ :‬الـمعتزلُة ال َك َّف وَن على الَق وِل األ ِّح ‪ ،‬فلي الـمقصو برتِك‬
‫ُد‬ ‫َس‬ ‫َص‬ ‫ُي ُر‬ ‫َي‬ ‫َن‬
‫بعِض الُعلماِء َتكفَري بعِض الـمعتزلِة هؤالِء وَمْن كاَن َعَلى َش ا َل ْم ‪.‬‬
‫ِك ِتِه ‪18‬‬

‫ِف‬ ‫ِء‬
‫ِإَّنـما ُم راُد هؤال الُعلماء ال ذيَن َتَر ُك وا تْك َري َبْع ِض الـمْع َتِز َلة ال ذيَن َيُقول وَن ‪ :‬اُهلل‬
‫تعاىل ال ُيرى يِف اآلِخ َر ة‪َ .‬أْه ُل الُّس ّنة َيُقولون‪ :‬اُهلل تعاىل ُيرى يِف اآلِخ َر ة هِب ذه الَعنْي اليت‬
‫ِة‬ ‫ِهِن‬ ‫ِق‬ ‫ِه‬
‫َجَعَلها اهلل َألْه ِل اَجلّن ة َو َي َعٌنْي با َي ة َيَر ْو َن اَهلل تع اىل‪ُ ،‬ه ْم يِف َم كا م يِف اَجلّن َو اُهلل‬
‫ِل‬
‫َمْو ُج وٌد ِبال َم كان‪ ،‬الـمعَتِز َلة َنَف ْو ا ذ َك فقاُلوا ِبـما َأَّنُه ال َم كاَن َلُه ال ُيَر ى‪ ،‬اُهلل ال مكاَن َلُه‬
‫َو لِكَّن ُه َيِص ُّح َأْن ُيَر ى‪ُ ،‬ه م َح َّرُفوا َم ْع ىَن اآلَية‪ ،‬اُهلل تعاىل قاَل ﴿ُو ُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪)22‬‬
‫ِإىَل َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪ ﴾)23‬سورة القيامة‪ُ ،‬ه م قاُلوا‪َ :‬تْنَتِظ ُر ِنْع َم َة اهلل‪َ ،‬و هذا َغُري َص ِح يح‪ .‬هم‬
‫وإْن كان َتَأُّو هُل م فاِس َد ا‪َ ،‬لِكْن َتَأَّو ُلوا اآلَية‪َ ،‬يْع ىِن ما قاُلوا‪ :‬اآلَية َم عناها َأَّن الـمؤِمِنني َيَر ْو َن‬

‫َو َأَّم ا اذليَن لـم ُيَكِّفُر وْمُه َفَقِلْي ٌل َال ُيْؤ َخ ُذ ِبَقْو ِلِهْم َو ٱلَّص َو اُب اذلي َال َم ِح ْي َد َعن ُه َم ا َقاُهَل ٱ َم اُم ٱْلَح اِف ُظ ٱلُبْلِقيُّيِن ‪َّ " :‬ن َمْن َثَبَتْت َعَلْي ِه‬ ‫‪18‬‬

‫ِإ‬
‫َقِض َّيٌة َتْقَتيِض َتْك ِفَرْي ُه َفال َتِص ُّح ٱلَّص الُة َخ ْلَف ُه " َو َغِل َط َمْن َّمَعَم َعَد َم َتْك ِفِرْي ٱلـمعِزَت ِةَل َو َأْط َلَق ُهِإل ِبال َتْفِص ْي ٍل َفَق اُلوا‪َ" :‬تِص ُّح ٱلَّص الُة َخ ْل َف‬
‫ٱلـمْع ِزَت ِّيِل " َو َليَس َه َذ ا ٱعِتَقاد ٱلَّش اِفِع ِّي َألَّنُه َكَّفَر َح ْفًص ا ٱْلَفْر َد َو ُه َو ُمْع ِزَت ٌّيِل َثَبَت َعَليِه َقِض َّيٌة ُم َع َّيَنٌة َتْقَتيِض َتْك ِفَرْي ُه ‪،‬‬
‫اهلل َو ْحَنُن َنُقول ال َيَر ْو َن اهلل‪ ،‬قاُلوا َليس معناها َأَّن الـمؤِمِنني َيَر ْو َن اهلل‪ِ ،‬لذِلك لـم ُيَك َّف ُر وا‪.‬‬
‫َأّم ا بالنسَبِة لألحاِد يِث ال يت َر َدت َعِن الرُس وِل ِفيها ِإْثب اُت ُر ْؤ َي ِة الـمؤِمِنَني َر َّبُه م يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬
‫اآلِخ َر ة َفقاُلوا هِذِه ما َثَبَتت َعِن الَّر ُس وِل ‪.‬‬
‫فُه ن ا قاع َد ٌة ينَبِغي َأْن ُتعلم‪ ،‬اُألصوِلُّيون َيُقول وَن ‪ :‬الَّنّص ُيْبَق ى َعلى ظاِه ِرِه‪َ ،‬يْع يِن ال‬
‫ِم‬ ‫ِع ِب‬ ‫ِف‬ ‫ِل ِل ِط‬ ‫ِإ ِإ‬
‫ُيَأَّو ل ال ذا كاَن ُه ناَك َد يل َعْق ّي قا ع ال َش َّك يه‪َ ،‬أْو ْمَس ّي ثا ت‪َ ،‬أي َن الُق رءان َأْو‬
‫ِم َن اَحلِد يث ال ذي َثَبَت َعِن الّر س ول‪ ،‬م ا لـم َيُك ن َك ذِلك الَّنُّص ُيْتَر ُك َعلى ظاِه ِرِه‪ ،‬ال‬
‫ُيْع َم ُد َعَلى َتْأِو يِل ِه َب ْل ُيْتَر ك َعَلى ظاِه ِرِه‪ .‬يوَج د نُص وٌص ُقرءاِني ة وَح ِد يِثَّي ة ُيق اُل عْنها‬
‫حُم َك َم ة‪َ ،‬أْي َم ْع ناها واِض ح َو ظاِه ر‪َ ،‬و ُيوَج د نُص وص ُقرءاِنية وَح ِد يِثَّي ة ُيقاُل عْنها ُمَتشاهِب ة‪،‬‬
‫َأْي ِفيها َأْلف اظ ْحَتَتِم ُل َأْك َثَر ِم ْن َم ْع ىَن ‪ ،‬هذه الُّنُص وص ال يت ِه َي ِم َن الـمتشاَهِبة‪َ ،‬و ظاِه ُر ها‬
‫ُيوِه ُم شيًئا ال َيِليُق باِهلل سبحاَنُه َو تعاىل‪ ،‬هذه ال ُجَيوُز َأْن ُتَفَّس َر َعَلى الّظاِه ر َألَّن ُتَف ِس َريها‬
‫َعَلى الّظ اِه ر ُيَؤ ِّدي ِإىَل َأَّن الُق رءاَن ُمَتن اِقض َو ِإىَل َأَّن اَحلِد يَث ُين اِقُض الُق رءاَن وهذا ال‬
‫جَي وُز ‪ُ .‬ك ُّل ُعلماِء اِإل ْس الِم قاُلوا هذه الُّنُص وُص الـمتشاَهِبة ال ْحُتَم ُل َعلى الّظاِه ر‪ ،‬الَّس َلف‬
‫ِه‬
‫واَخلَلف قالوا ذلك‪ ،‬قوهلم‪ :‬ال ْحُتَم ُل َعلى الّظا ر‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َتْأِو يال‪َ ،‬لْو لـم ُيَعنَّي َم ْع ىًن‬
‫ال‬ ‫يث‬ ‫هِل ذا الَّن ‪َّ ،‬ر د َأْن ُقوَل ال لماء هذه الُّن وص‪ ،‬هذه اآليات‪ ،‬هذه األحاِد‬
‫َم ُل‬ ‫ْحُت‬ ‫ُص‬ ‫ُع‬ ‫َي‬ ‫ّص َجُم‬
‫َعلى الّظاِه ر‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َتْأِو ياًل ِإمْج اِلًّيا‪َ ،‬ألَّن الَو ّه اِبّية َيُق ولون‪ :‬الَّتْأِو يُل ْمَمُن وع‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى‬
‫َتْأِو ياًل ِإمْج اِلًّيا‪َ .‬مْن قال‪ :‬الُّنُص وُص الـمَتشاهِب ُة ال ُتَأَّو ل بالـمَّر ة‪ ،‬ال َتْأِو يل ِإمْج اّيِل َو ال َتْأِو يل‬
‫َتْف ِص يِلّي كاِفر‪َ ،‬م ْع ىَن َك الِمِه َأَّن اَهلل ُيَش َّبُه َخِبْلِقِه‪ ،‬هذا َم ْع ىَن كالِم ه‪.‬‬
‫مثاًل ﴿ال َّر ٰمْحُن َعَلى الَع ْر ِش اْس َتَو ى (‪ ﴾)5‬س ورة طه‪ ،‬الَّس َلُف َيُقول وَن ‪ :‬اْس َتَو ى‬
‫اْس ِتواًء َيِليُق ِبه ِم ْن َغِري َأْن َيْع ِم ُد وا ِإىَل َتْع يِني َم ْع ىًن هِل ذه الَك لمة‪ ،‬هذا ُيَس َّم ى َتْأِو ياًل ِإمْج اِلًّيا‪،‬‬
‫َو ِح َني َيُقوُل ون‪ :‬اْس َتَو ى اْس ِتواًء َيِلي ُق ِب ه َم عناُه ليَس ُج ُلوًس ا‪ ،‬ليَس ُقُع وًدا‪ ،‬ليَس اْس ِتْق راًر ا‪،‬‬
‫ليَس حُم اذاًة ِباِجلَه ِة َفْو َق الَعْر ش‪ ،‬هذا َم ْع ىن اْس َتَو ى استواًء َيِلي ُق ِب ِه‪َ .‬و الُعلماُء الذيَن َعَّيُن وا‬
‫َم ْع ىَن ‪ ،‬قالوا‪ :‬اْس َتَو ى َم عناُه َقَه َر ‪َ ،‬أْيًض ا ال َب ْأَس ِبَق ْو ِهِلم هذا َألَّن َك لَم ة اْس َتَو ى هَل ا ْمَخَس َة‬
‫ِت‬ ‫ِة‬
‫َعَش َر َم ْع ىًن يِف ُلَغ الَع َر ب‪َ ،‬أْش َر ُف َم ع ايِن االْس واء الَق ْه ر‪َ ،‬فَحْم ُلها َعَلى َم ْع ىَن الَق ْه ر شىٌء‬
‫الِئ باهلل‪ ،‬م ا ِفي ِه ب‪ ،‬م ا ِفي ِه َغَل ط‪ ،‬م ا ِفي ِه عا ة للُق رءان‪ ،‬م ا ِفي ِه َتْك ِذ يب ِلقوِلِه‬
‫ُم َر َض‬ ‫َعْي‬ ‫ٌق‬
‫َتع اىَل ‪َ﴿ :‬لْيَس َك ِم ْثِل ِه َش ىء﴾ س ورة الش ورى‪َ .‬و َثَبَت يِف اَحلِديِث الَّص ِح يِح‬
‫عْن َعاِئَش َة َر ِض َي اُهلل َعْنَه ا َقاَلْت ‪َ :‬ك اَن الَّنُّيِب َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ِإَذا َتَع اَر ِم َن الَّلْي ِل ‪( ،‬إذا‬
‫اْس َتْيَق َظ ِم َن اللي ل َأْثن اَء َتَق ُّلِب ِه يِف ِفراِش ِه) َق اَل ‪(( :‬ال ِإَل َه ِإال اُهلل اْلَو اِح ُد الَق َّه اُر ‪َ ،‬ر ُّب‬
‫ِت‬
‫الَّس َمَو ا َو اَألْر ِض َو َم ا َبْيَنُه َم ا الَعِز ي ُز الَغَّف اُر )) صحيح ابن حبان‪َ ،‬م عناُه َو َص َف اَهلل ِبَأَّنُه‬
‫الَق ّه ار‪ ،‬هذا ال ِّذ كر اْح َف ُظوُه‪ ،‬الشيخ َعْب ُد اهلل قاَل ‪َ :‬مْن قاهَل ا ِإذا اْس َتْيَق َظ يِف ِفراِش ِه اِّتباًع ا‬
‫لـما َفَعَلُه الّر ُس ول َقْد ُتْغَف ُر َلُه ُك ّل ُذُنوِبِه‪ٰ ،‬ه ذا الِّذ ْك ر َعِظ يم‪.‬‬
‫َفِإذا قاَل َلُك م قاِئل‪ :‬اُهلل قاِه ُر ُك ِّل شىٍء ‪َ ،‬فلماذا تفسالون اآليَة بَأَّن اَهلل قاِه ُر الَعْر ش؟‬
‫ُقولوا ُهَلم‪َ :‬نِظ ُري هذا يِف الُق رءاِن الَك رمي‪ ،‬اُهلل تعاىل قاَل ﴿َو ُه َو َر ُّب الَع ْر ِش الَعِظ يم (‬
‫ِل‬ ‫ِإ‬
‫‪ ﴾)129‬سورة التوبة‪َ ،‬م َع َأَّنُه َر ُّب ُك ِّل شىء‪ ،‬ألن ُه ذا ُعلم َأَّنُه ما ُك الَع ْر ش َو ُه َو َأْك ُرَب‬
‫ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِم ِب‬ ‫ِل‬ ‫ِج ٍم‬
‫س َخ َلَق ُه اهلل ُيْع لم َأَّن ُه ما ُك م ا ُدوَن ُه ْن ب ا َأْو ىَل ‪َ ،‬و ذا ُعلم َن اآلَي َأَّن اَهلل ق ا ُر‬
‫ِط َلى م ا وَن ِم ب اِب اَأل ىَل ‪ ،‬هذا َنِظ‬ ‫َّن‬
‫َأ‬ ‫لم‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َل‬ ‫ر‬ ‫ال ش‪ِ ،‬ط‬
‫ُري‬ ‫ْو‬ ‫ْن‬ ‫ُه‬ ‫ُد‬ ‫َع‬ ‫ْي‬
‫َس ٌر‬ ‫ُم‬ ‫ُه‬ ‫ْع‬
‫ُي‬ ‫ْر‬ ‫َع‬ ‫َع‬ ‫َع ْر ُمَس ْي‬
‫هذا‪.‬‬

‫قاَل الـمَؤ ِّلُف َأُبو َج ْع َف ٍر الَّطحاِو ّي َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ال ِإٰلَه َغْيُر ُه‪.‬‬
‫ل اإلِهٰلَّي ُة وِه ُق د ُة اإل َد اِع واال رِت اِع ‪َ ،19‬فال ْطَل َلْف ُظ اإلٰل ِه‬
‫ُي ُق‬ ‫ْخ‬ ‫َي َر ْب‬ ‫الشرُح ‪ :‬اِإل ٰل ُه َمْن ُه‬
‫َحِبَس ِب اَألْص ِل عَلى غ ِري اِهلل تع اىل‪ِ ،‬إَّنـما الـمْش ِر كوَن اس َتعاُر وا هذا اللف َظ وَأْطَلُق وا على‬
‫ِهِت‬
‫َم ْع ُب ودا م َك لمَة اِإل ٰل ِه‪َ ،‬ه كذا َذَك َر الَف ُّي وِم ُّي الُّلَغ ِو ُّي يف ِكتاِب ِه‪ :‬الـمْص َباُح الـمنُري َح ْيُث‬
‫‪20‬‬

‫ا سبحاَن وَتعاىل َّمث ا ا الـمشركوَن لـما ُد و ِم وِن‬


‫َعَب ُه ْن ُد‬ ‫ْس َتَع َر ُه‬ ‫ُه‬ ‫قاَل ‪" :‬اإلٰلُه الـمْع ُبوُد َو ُه َو ُهلل‬
‫اِهلل َتعاىل" اهـ‪َ ،‬و َأَّم ا الـمِّربُد (هذا َأْيًض ا ِم َن الُّلَغ ِو يني) َفقاَل ‪" :‬اِإل ٰل ُه َمْن َلُه اإلهٰل ي ُة‪َ ،‬و اإلِهٰلَّي ُة‬
‫ُقْد َر ُة اإلْبَد اِع واالْخ رِت اِع " اهـ‪َ ،‬فال ُجَيوُز َأْن ُيقاَل اإلٰلُه ُه و َمْن ُيْع َبُد َحِبٍّق أْو ِبباِط ٍل ‪.‬‬

‫َو َيِه ٱْلُقْد َر ُة َعىَل ٱْلَخ ْلِق ‪َ ،‬و َه َذ ا ٱلَّتْف ِس ُرْي ِف يِه َر ٌّد َعىَل ٱلـمعِزَت ِةَل اذليَن َيُقوُلوَن ‪َّ " :‬ن ٱلَع ْب َد ْخَي ُلُق َأفَع اُهَل ٱِالخِتَياِر َّيَة "‬ ‫‪19‬‬

‫ِإ‬
‫َو ُه َو َفِقيٌه‪.‬‬ ‫‪20‬‬
‫ُيوَج د َرُج ل ُه َو يِف بريوت ُيقاُل َل ُه َرَج ب ِديب‪ ،‬رُج ٌل ضاٌّل َك بري‪َ ،‬م َّر ًة يِف َفَر ْنسا‬
‫ِف‬ ‫ِم‬ ‫ِط‬
‫لـما ُك ْنُت ُأْع ي َدْر ًس ا يِف َفَر ْنسا َح َّذ ْر ُت ْنهُ‪ ،‬فقاَل يِل َبْعُض الناِس يما َبْع د‪ :‬لـما َذَك رَتُه‬
‫ُقْلنا لـما َيْذ ُك ُر ُه يِف َفَر ْنسا؟ هذا َرُج ٌل جاَء ِم ْن ِد َم ْش ق ُيَد ِّر س يِف بريوت واآلن يِف َح رب‬
‫ُس وِر ّيا صاَر َيـْم ُك ُث َأْك َث ر يِف ب ريوت‪َّ ،‬مُث اْك َتَش ُفوا َأَّن َل ُه َأْر َبَع ة َم راِك ز يِف َفَر نسا‪ ،‬هذا‬
‫الَّر ُج ل َيَّد ِعي الَّتَص ُّو ف َك بري يِف الِّس ّن َو َلِكَّن ُه َخ بيث َخ بيث‪ ،‬قاَل َم َّر ة يِف الـمِدينة الـمنَّو َر ة‬
‫كاَن َبْعُض ِإْخ واِنن ا حاِض ًر ا َفَو َض َع الـمَس ِّج ل‪ ،‬ق اَل اَخلبيث‪" :‬ي ا ن اس‪َ ،‬ك ْم ِإٰل ه ِفي ه‬
‫بالَك ْو ن"؟ فقاَل احلاِض رون‪ِ :‬إٰله واِح د‪َ ،‬و َبْع ُضُه م قال‪ :‬ال إٰل َه ِإال اهلل‪ ،‬فقاَل ُهَلم‪َ" :‬أْخ َطْأمُت ‪،‬‬
‫ِإَهٰلنْي ِفيه"‪َ ،‬و هذا ُك ُف ر َص ِر يح‪َّ ،‬مُث قال‪" :‬يا َأنا بْطَل ع الَّص ّح يا ُأنُتو بتْطَلُع وا الّص ّح "‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِم ِه ِب ِجَي‬ ‫ِإ‬ ‫ِف ِإ‬ ‫ِف‬
‫" ي ه اِإل ل ه الـمعبود َو ي ه ل ه اَهلوى"‪ّ .‬مَسى اَهلَو ى ًهلا َعلى َزْع ‪َ ،‬خ يث ُب َأْن َحُيَّذ َر‬
‫مْنُه يِف َفَر نسا َو يِف َأمريكا َو يِف ُك ِّل الُّدنيا‪ ،‬اُمْسُه َرَج ب ِد يب‪َ ،‬و ِعْنَد ما ُح ِّذ َر ِم ْن ُه قاَل َأَح ُد‬
‫ٍة‬ ‫ِه‬ ‫ِإ ِلِش ِة‬ ‫ِعِه ِف ِس‬
‫َأْتبا ‪ " :‬يه ِّتني َأْل ف ٰل ه"‪َّ ،‬د َتَعُّص ِب َل ُه‪ ،‬وءاَخ ر َأْخ َبَر يِن ُمْن ُذ ُم َّد َقِر يَب ة جَت اَدَل َم َع‬
‫واِح ٍد ِم ْن مَج اَعِت ِه فق اَل تاِبُع َرَج ب ِديب‪" :‬الش يخ َرَج ب ِإذا ق اَل ِفي ه ِإَهٰلنْي يِف الَك ْو ن‬
‫ِف‬
‫َفَم ْع ن اُه ي ه ِإَهٰلنْي يِف الَك ْو ن"‪ ،‬وءاَخ ر ق اَل ‪ِ" :‬إذا الش يخ َرَج ب َد َخ َل َجَه َّنم َنْد ُخ ُل َمَع ُه‬
‫َجَه َّنم"‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َعَم ى الُقلوب‪.‬‬
‫ِء‬ ‫ِم‬
‫م َّر ًة َس َأْلُت الشيخ َعْب َد اهلل رمحُه اهلل‪ :‬يِف يو القيامة‪ ،‬هؤال أهُل الّض الل هل ُك ٌّل‬
‫يكوُن مع إماِمِه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬مَج اَعة ابن تيِم َية مع ابن تيِم َية‪ ،‬مَج اَع ة َر جب مع رجب‪ُ ،‬ك ٌّل‬
‫ِب ِم‬ ‫ِم ِه‬
‫م ع إما ﴿َيْو َم َنْد ُعوا ُك َّل ُأَن اٍس ِإَم ا ِه ْم (‪ ﴾)71‬س ورة اإلس راء‪َ ،‬فُقْلُت َل ُه‪" :‬اْد ُع اَهلل‬
‫تع اىل َأْن َنكوَن َمَع َك َيْو َم الِق ياَم ة" فالش يخ ُمَتواِض ع ِج ًّدا‪َ ،‬فق اَل يِل ‪" :‬اْد ُع اَهلل تع اىل َأْن‬
‫ِع‬ ‫ِع ِإ‬ ‫ِع‬
‫َتكوَن َم َع الِّر فا ّي " َفُقْلُت َل ُه‪َ" :‬ل ْو الَك ما َعَر ْفنا الِّر فا ّي ‪ْ ،‬ن شاَء اهلل َأْنـَت َم َع الِّر فا ّي‬
‫َو ْحَنُن َمَعك‪ ،‬اُهلل َيْر ُز ُقنا ذِلك"‪.‬‬
‫َفال ُجَيوُز َأْن ُيق اَل اإلٰل ُه ُه و َمْن ُيْع َب ُد َحِبٍّق أْو ِبباِط ٍل ‪َ ،‬ق ْد َع َّد اِإل م اُم َأُب و َم ْنُص وٍر‬
‫َو‬
‫ِء‬ ‫ِء ِهلل‬ ‫ِم‬ ‫ِد‬
‫الَبْغ دا ُّي "اإلٰل ه" ْن َأمْس ا ا ‪َ ،‬و ُك ُّل َه ذا ُح َّج ٌة َعَلى َه ُؤ ال اَّل ذيَن َيْز ُعُم وَن َأَّن اِإل ٰل َه‬
‫َم عناُه الـمْع ُبوُد ِإْن كاَن َحِبٍّق َأْو ِبباِط ٍل ‪َ ،‬بِل اإلٰل ُه ِإذا ُأْطِل َق ال ُيْطَل ُق ِإال َعَلى الـمْع ُبوِد َحِبٍّق ‪،‬‬
‫ال كوُن ِإال ِهلل ِّب العالـمني‪ ،‬لذلَك َّح َأْن قال ال ِإٰل ِإال اهلل‪َ .‬فال جَي و ِإْطالُق اإلٰل ِه‬
‫ُز‬ ‫َه‬ ‫ُي‬ ‫َص‬ ‫َر‬ ‫َي‬
‫ِإٰل‬ ‫ِإ ِق ِل ِر‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِرْي ِهلل‬
‫َعَلى َغ ا َتب اَر َك َو تع اىل‪َ ،‬أَّم ا ذا ُقِّي َد َفال ْش كاَل ‪ ،‬ف ذا ي َل ْلكَّف ا هذا ـُهُه ْم َفُه َو‬
‫َمِبْع ىَن ٰه ذا َم ْع ُبوُدُه م ال مبْع ىن الـمواَفَق ِة ُهلم َبْل مبْع ىن الَّذ ِّم هلْم ‪.21‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬قِد يٌم‪ِ 22‬بال اْبِتَد اٍء ‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬الَق ِد معنا اَّلذي ل ِل وِدِه ابتدا هذا معىن القدِمي إذا ُأطِل على اِهلل‬
‫َق‬ ‫ٌء‬ ‫ْيَس ُو ُج‬ ‫ُمي ُه‬ ‫ُح‬
‫وُيراِدُف ُه اَألزُّيل‪َ( 23‬يْع ىِن ِإذا ُقْلن ا َعِن اِهلل َأَز ّيِل َم ْع ن اُه ال اْبِت داَء ِلُو ُج وِدِه) أَّم ا إذا ُأْطِل َق على‬
‫غِري اِهلل فهو ما َتواَلْت عليِه الِّسُنوُن الِط َو اُل ‪ ،‬وقْد ُيَق اُل ما َتَق اَدَم َعْه ُد ُه فُيقاُل ِبناٌء قدٌمي‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬داِئٌم ِبال اْنِتَه اٍء ‪.24‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬ه ِذِه ِعبارٌة َعْن َبقاِئِه َتعاىل َو ُه َو َبقاٌء ِلذاِتِه لْيَس َبقاًء ِبغ ِري ِه كاجلَّن ِة والّن اِر ‪،‬‬
‫َفال َيْلَح ُقُه عَد ٌم‪.‬‬
‫ِح‬ ‫ِل‬ ‫ِت‬ ‫ٍق‬ ‫ِح‬
‫َيْع ىِن َني َنُق ول‪ :‬اُهلل ب ا ُيَس ّم ى َبق اًء ذا ًّي ا ليَس َغْيُر ُه َأْو َج َب َل ُه ذ ك‪َ ،‬أّم ا َني‬
‫َنق ول اَجلَّن ُة باِقَي ة‪ ،‬الّن اُر باِقَي ة‪ ،‬هذه باِقَي ة َألَّن اَهلل ش ا هَل ا الَبق اء َو ِإال ِه َحِب ِب ُح ْك ِم‬
‫َي َس‬ ‫َء‬
‫هِت‬
‫الَعْق ل‪ ،‬ب الَّنَظِر ِإىَل ذا ا جَي وُز َعَلْيها الَف ن اُء َعْق اًل َل ْو ال َأَّن اَهلل ش اَء هَل ا َأْن َتْبَق ى‪ ،‬وَألَّن اَهلل‬
‫كفاُر ُقَر ْيٍش اذليَن اكُنوا يف َز َمِن الَّر ُس ْو ِل صىَّل هللا عليه وسلـم اكُنوا َيْع ُبُد ْو َن األْح جاَر ‪َّ ،‬مث الواِح ُد ِم ُهْنم إذا َو َج َد َحَج ًر ا ءاَخ َر أحىل‬ ‫‪21‬‬

‫َمْنَظ ًر ا َيْر يم ذاَك وَيْع ُبُد هذا‪ ،‬يف هذا نَز َلِت اآلَيُة ‪َ﴿ :‬أَفَر َأْيَت َمِن اَخَّتَذ إ َلـَهُه َه َو اه﴾‪ ،‬كام َثَبَت عِن ابِن عباٍس َر َيِض ُهللا َع ُهْنام‪.‬‬
‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪ :‬مَن الناِس َمْن ُيْنِكُر إطالَق القِد ِمْي عىل ِهللا وهو َم ْر ُد ْو ٌد إجامًعا وِبام ورَد يف احلديِث إب سناٍد َح َس ٍن فامي‬ ‫‪22‬‬

‫ُيقاُل عنَد ُدُخ ْو ِل الـمْس ِج ِد أَّن رسوَل ِهللا صىَّل ُهللا علي ِه وسلـم ق اَل ‪َ :‬م ن ق اَل إذا أراَد ُدُخ وَل الـمْس ِج ِد ‪" :‬أع وُذ ابِهلل الَع ِظ ِمْي وِبَو ِهْج ِه‬
‫الكِر مْي وُس ْلطاِنِه القدمي“ فإذا جاَز إطالُق القدِمي عىل ُس ْلطاِن ِهللا جاَز إطالُقُه عىل اَّذل اِت ‪.‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َقاَل لَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪ُ :‬جَي وُز ْط َالُق َألَز ِّيِل ُلَغًة َعىَل َم ا َتَقاَد َم َع ْهُد ُه ‪َ ،‬يُقوُل َص اِح ُب ْلَقاُم ْو ِس لَفُرْي ْو ُز ءااَب ِد ي‪َ" :‬و ْلَهَر َم اِن ِبَن اَء اِن‬ ‫‪23‬‬

‫ِإ‬
‫َأَز ِلَّياِن ِبِم َرْص “ َو َيُقوُل َش اِر ُح ٱلقاُم ْو ِس ُم ْر َتىَض ٱلَّز ِبْيِد ُّي ِح َنْي َذ َكَر َقْر َيًة صِغ َرْي ًة‪ُ" :‬بَليـْـ َد ٌة َأَز ِلَّيٌة “‪.‬‬

‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪َّ :‬نـام َقاَل َد اٌمِئ ِبَال ٱْنَهِتاٍء ِلُيْع مل َأَّن َد َو اَم ُه َتَع اىَل َلْيَس ُم َتَع ِّلًقا ِبٱلَّز َم اِن ‪َ ،‬و ٱَّدل ِلْي ُل َعىَل َذ َكِل َأَّنُه َلْو لـم َيُكن َقِد ْيًم ا‬ ‫‪24‬‬

‫ِإ‬
‫َلاَك َن َح اِد اًث َو َلْو اَك َن َح اِد اًث َالْفَتَقَر ىَل ُمْح ِدٍث َو ٱْلُح ُد ْو ُث َعلْي ِه ُم َح اٌل ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫َأْخ َبَر َبَأَّنُه ما باِقَيتان‪ ،‬ال جَي وُز َعَلْيها الَف ناء‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪ :‬ال َيْف َنى َو ال َيِبيُد ‪.25‬‬


‫ِد‬ ‫ِف ِل ِلِه ٍق‬
‫الش رُح ‪َ :‬ه ذا َت سٌري قو َب ا ‪ ،‬فال َيْلَح ُق الَق َمي فن اٌء‪َ .‬يْع ىِن اُهلل تع اىل َثَبَت َأَّن ُه‬
‫َمْو ُج وٌد ال اْبِتداَء َلُه َو هذا ُيِف يد ِبَأَّن اَهلل ال جَي وُز َعَلْيِه الَف ناء‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِلِه‬
‫َفَم ْع ىَن َقْو ‪" :‬ال َيْف َنى" ال َيه ك‪َ ،‬و كذا َم ْع ىَن ‪ ":‬ال َيِبي ُد " ق اَل َبْع ُض ُه م‪َ :‬مَجَع َبَنْي‬
‫الَّلْف َظِنْي َتْأِكي ًد ا ِل َد واِم قاِئ ِه َتع اىل‪َ .‬أ ياًن ا يِف الُّلَغ ِة ال ِب ِة َك َّر الَّلْف ظ م ع اختالِف‬
‫َعَر ّي ُي ُر‬ ‫ْح‬ ‫َب‬
‫اُحلروِف والـمْع ىَن واِح د ِلَتْأِكيِد الـمْع ىَن ‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ال َيُك وُن ِإاّل ما ُيِر يُد ‪.‬‬
‫الشر ‪َ :‬أَّن ال ْد يف ال وِد ِم اَألْع ياِن ا ُغ ْت ‪ ،‬ا ركاِت والُّس ُك وِن‬
‫َم ْه َم َص َر َو َحل‬ ‫ُح ُه َي ُخ ُل ُو ُج َن‬
‫واَخلواِط ِر وغِري ذلَك ّمِما ِس َو ى اِهلل َش ىٌء إال بإرادِتِه وَم ِش يئِتِه ‪َ ،‬و ِه َي ِص َف ٌة َأَز ِلَّي ٌة َأَبِد َّيٌة‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬

‫َخُيِّص ُص اُهلل هِب ا اجلاِئَز الَعْق ِلَّي بالُو ُج وِد َبَد َل الَعَد ِم َو ِبِص َف ٍة ُدوَن ُأْخ َر ى َو ِبَو ْقٍت ُدوَن ءاَخ ر‪،‬‬
‫َفال َفْر َق َبَني َم ا كاَن َخ ْيًر ا ِم ْن أْع ماِل الِعب اِد وَم ا كاَن مْنها َش ًّر ا‪َ ،‬ألَّن الُك َّل َداِخ ٌل يف‬
‫اِإل ْم كاِن ‪.28‬‬
‫َيْع ىِن هذا الَّتعِر ي ف ال ذي َش َح ُه اآلن‪ ،‬هذا ُيْف َه ِم ْن ُه َأَّن ُك َّل اَألْع مال َت ْد ُخ يِف‬
‫ُل‬ ‫ُم‬ ‫َر‬

‫َألَّن البارَئ َج َّل َو َعَال َو اِج ُب ٱْلُو ُج وِد َو ٱلَبقاِء َفَيْس َتِح ْي ُل َعَليِه ٱلَفَناُء ‪ ،‬ٱلَبقاُء ِص َفٌة َأَز ِلَّيٌة ِهَّلِل َتَع اىَل َفمل َيَز ْل اَب ِق ًيا َو ال َيَز اُل َكَٰذ َكِل ‪َ ،‬ق اَل‬ ‫‪25‬‬

‫َبْع ُض ُهم‪َ" :‬مَج ُع وا َبَنْي ٱلَّلْفَظ ِنْي َتْأِكْي ًد ا َدِل َو اِم َبَقاِئِه َتَع اىَل “ َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪َ" :‬ال ُيَقاُل ‪ُّ :‬لُك َم ا َخ َط َر ِبَباَكِل َفُه َو َهاٌكِل " َألَّن اْلَجَّن َة‬
‫ْخَتُط ُر ِبَباِلَنا َو َيِه اَب ِق َيٌة ‪.‬‬

‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪ :‬إن لـم َيُكِن هللا ُمِر ْيًد ا َكَيَف َخُيِّص ُص َغَرْي ُه ابلُو ُج ْو ِد َبَد َل الَع َد ِم وِبِص َفٍة ُد ْو َن ُأْخرى‪َ ،‬فُو ُج ْو ُد العالـم َد ِلْي ٌل‬ ‫‪26‬‬

‫عىل وُج ْو ِد ُم َخ ِّص ٍص هل َخ َّص َص ُه ابلوجوِد َب َد َل الَع َد ِم وه و ُهللا ‪َ ،‬فَتْخ ِص ْي ُص ِهللا للعالـم ابلوجوِد َب َد َل الَع َد ِم دِلْي ٌل عىل أَّنُه ُمَّتِص ٌف‬
‫ابإلراَد ِة ‪.‬‬
‫ٱ ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ٱ َقاَل لَّش ْي ُخ ٱ َر َيِض ُهللا عنُه‪ِ :‬لُيْع مل َأَّن ِإلَر اَدَة َو َيِه لـمِش ْيَئُة َو اِج َب ٌة ِهَّلِل َتَع اىَل ‪َ ،‬و َيِه ِص َفٌة َأَز ِلَّي ٌة َأَبِد َّي ٌة َخُيِّص ُص ُهللا َهِبا ْلَج اِئَز ْلَع ْقَّيِل‬
‫‪27‬‬

‫ِب ْلُو ُج ْو ِد َبَد َل ْلَع َد ِم َو ِبِص َفٍة ُد ْو َن ُأْخ َر ى َو ِبَو ْقٍت ُد ْو َن َء اَخ َر ‪.‬‬
‫الُو ُج وِد َمبِش يَئِة اهلل‪َ ،‬تْد ُخ ُل يِف الُو ُج وِد َمِبِش يَئِة اهلل‪ ،‬ال َتكوُن َمْو ُج وَدة ِإاّل َمِبِش يَئِة اهلل‪ ،‬ألنه‬
‫قاَل ‪ْ :‬خَتِص يص الـممِكن الَعْق ِلي‪َ ،‬ف ِإذا َنَظْر نا ِإىَل َعَم ِل اإلنسان الَّش َّر ‪ ،‬هذا ُيَس َّم ى ُم ـْم ِكًنا‬
‫َعْق ِلًّي ا‪َ ،‬و ِإذا َنَظْر ن ا ِإىَل َعَم ِل اإلنسان اَخلَري‪ ،‬هذا ُيَس َّم ى ُم ـْم ِكًنا َعْق ِلًّي ا‪ ،‬وهذا َك ما هذا‬
‫عم‬ ‫ة‬ ‫َّي‬‫و ا َد َل َأْن ُك وَن ُد و ا‪ .‬ال َق ِم هذه ا ِث‬ ‫َن‬ ‫و‬ ‫ُك‬ ‫ا تا ِإىَل القاِدر ِل‬
‫ُل‬ ‫ْي‬‫َحل‬ ‫َفْر ْن‬ ‫َم ًم‬ ‫ْع‬ ‫َي‬ ‫ًد‬
‫َمْو ُج َب‬ ‫َي‬ ‫ْح َج‬
‫ِك ِل‬ ‫ِن‬ ‫ِك ِل‬
‫اإلنسان للخ ِري مم ْن َعْق ّي وعمُل اإلنسا للش ِّر مم ْن َعْق ٌّي ‪َ ،‬فَم ْن َفَّرَق فقال‪ :‬اُهلل ْخَيُل ُق‬
‫ِهلل ِل‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬
‫اَخلَري َو ال ْخَيُل ُق الَّش ّر َفَق ْد زاَغ َو َض َّل‪ ،‬وهذا ُأْخ َذ َن الُق رءا ‪ ،‬قاَل تعاىل ﴿ُقِل ا خا ُق‬
‫ِلٍق‬ ‫ِم‬ ‫ِهلل ِل‬
‫ُك ِّل شىء﴾ ما اْس َتْثىَن ‪َ ،‬و قاَل ﴿َو ا َخ َق ُك م َو ما َتْع َم ُل ون﴾ َو قاَل ﴿َه ْل ْن خا َغ ُري‬
‫اهلل﴾ َيْع ىِن ال َخ اِلَق ِإال اُهلل‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِهلل‬
‫وَل ْو كانْت إرادُة ا َخ اَّص ًة ب اخلِري ْنها الْقَتَض ى ذل َك َخُمِّص ًص ا َخ َّص َص إرادَت ُه‬
‫باَخلِرْي ‪.‬‬
‫َم ْع ىَن هذا َأَّنُه َل ْو كاَن اُهلل َتعاىل ِإراَدَت ُه ُمْنَح ِص َر ة باَخلِري ُدوَن الَّش ّر َلكاَن َم ْع ىَن ذِل ك‬
‫َأَّن ا تعاىل ِلُقْد ِتِه إِل را ِتِه َخُمِّص ص َّص ها ِب ِض اَألشياِء دوَن ض‪ ،‬وِص فا اِهلل‬
‫ُت‬ ‫َبْع‬ ‫َخ َص َبْع‬ ‫َر َو َد‬ ‫َهلل‬
‫ال جَي وُز َأْن َتكوَن َخُمَّص َص ة ِم ْن ِقَبِل َأَح ٍد َألَّن الـمَخ َّص َص ْخَمُلوٌق والـمخُلوُق ال َيكوُن ِإًهٰلا‪.‬‬
‫واُهلل ُمنـَّز ٌه عِن الـمخِّص ِص َألَّن اخلَري والَّش َّر ُمْس َتِو َياِن يف اِإل ْم َك اِن ‪.‬‬
‫َو اِإل َر اَدُة هن ا بـمعىن الـمشيئِة ليَس بـمعىن الـمحَّبِة‪ ،‬فإرادُة الـمحَّبِة كقوِلِه َتع اىَل ‪:‬‬
‫ال ِر ي ُد ِبُك ال (‪ ﴾)185‬سورَة البقرة‪ ،‬أ ِحُي‬ ‫ِب‬
‫ْس‬
‫ُم َر‬ ‫ُي‬ ‫ال‬ ‫ُك‬ ‫ل‬ ‫ُّب‬ ‫ْي‬ ‫ُم ُعْس َر‬ ‫﴿ُيِر ي ُد اُهلل ُك ُم الُيْس َر َو ُي‬
‫ألَّنُه ما َجَعَل يف ديِنُك م ِم ن َح َر ٍج ‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪ :‬ال َتبُلُغُه األوَه اُم‪.29‬‬


‫الشرُح ‪ :‬اَألْو هاُم ْمَجُع َو ْه ٍم ‪ ،‬أْي ال َتَتَص َّو ُر ُه َأْو هاُم اخلالِئِق أْي َتص ُّو َر اُتُه م‪َ ،‬فاإلنساُن‬
‫َو ُمْهُه َيُد وُر َح ْو َل َم ا َأِلَف ُه ِم َن الَّش ىِء الـمحُس وِس اَّل ِذي َل ُه َح ٌّد وَش ْك ٌل وَل ْو ٌن واُهلل تعاىل‬

‫ُمُش ْو ُل ٱلُقْد َر ِة َو ٱلـمِش ْيَئِة َالِئٌق َجِبالِل ِهللا ‪َ ،‬ألَّنُه َلْو اَك َن َيَقُع يِف ِم ْلِكِه َم ا َال َيَش اُء َلاَك َن َٰذَكِل َد ِليَل ٱْلَعْج ِز َو ٱلَعْج ُز ُم ْس َتِح ْي ٌل َعىَل ِهللا ‪.‬‬ ‫‪28‬‬
‫َلْيَس كَذ ِلَك ‪.30‬‬
‫َم ْع ِر َفُة اِهلل ال ُتْطَلُب بالَّتَخ ُّي ل والَّتَص ُّو ر‪َ ،‬م ْع ِر َفُة اِهلل ال ُتْطَلُب هِب ذا الَّطِر يق‪ ،‬قاَل تعاىل‬
‫﴿َو َأَّن ِإىَل َر ِّبَك الـمْنَتَه ى (‪ ﴾)42‬سورة النجم‪ِ ،‬إَلْيِه َتْنَتِه ي َأْفكاُر الِعباِد َفال َتِص ُل ِإَلْي ه‪َ ،‬فال‬
‫يح‪،‬‬ ‫ِح‬ ‫ىَل‬‫ِإ‬ ‫جَي وُز لل ِد َأْن ُقول‪َ :‬أنا ُأِر يُد َأْن َأْع ِر َف يِّب ِبَت ُّو ِرِه‪ ،‬هذا ال ِص‬
‫َب ْل‬ ‫ْع‬
‫َي ُل َم ىًن َص‬ ‫َر َص‬ ‫َعْب َي‬
‫َيْه ِلُك َو َيِض ّل‪.‬‬
‫َأ‬ ‫َألي‬ ‫؟‬ ‫ال‬ ‫وحن‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ِق‬ ‫ِب‬
‫ْه‬
‫ُن َن ُر َس ُل‬ ‫ُه‬ ‫َّو‬ ‫َص‬ ‫َت‬ ‫ًد‬ ‫وهذا حاُل الَو ّه ا ّي ة‪َ ،‬يُقولون‪َ :‬ك ي َف َنْع َت َمْو ُج‬
‫ُد‬
‫الُّس ّنة َيُقولون‪ :‬اُهلل موجوٌد ال َج َس َد َل ه؟ ال َكِّم َّي َة َل ُه؟ ال َقلي َل َو ال َك ِث ري؟ الَو ّه اُّيِب َيُق وُل ‪:‬‬
‫ِك‬ ‫ِق ِهلل‬
‫كيَف َأْعَت ُد با َأَّنُه َمْو جود َل ْن َليس َلُه َكِّم َّيَة‪َ ،‬ليس َلُه َش كل‪َ ،‬ليس َلُه َأْع ضاء‪َ ،‬ليس َل ُه‬
‫ِج َه ة َيكوُن ِفيها؟ ِم ْن ُه نا َه َلُك وا‪َ ،‬و طالـما ُه م ال َيعَتِق ُد وَن هذا االْع ِتقاد‪ ،‬الذي َيقوُل ه‪:‬‬
‫َأهل السَنة َأَّن ِر َفَة اِهلل ال ْطَل بالَّت ُّو ر ال ِص ُلوَن ِإىَل ا ِق يَق ة‪ ،‬ال ِص ُلوَن ِإىَل الـمعِر َفِة‬
‫َي‬ ‫َحل‬ ‫َي‬ ‫ُي ُب َص‬ ‫َم ْع‬
‫الّص حيَح ة‪ ،‬هذا َس َب َه الِكِه م‪َ ،‬س َب َه الك ال ّه اِبّي ة‪ .‬الرس وُل ق اَل ‪(( :‬ال ِفْك َة يِف‬
‫َر‬ ‫َو‬ ‫ُب‬ ‫ُب‬
‫الَّر ّب )) َم عناُه هذا ممنوع‪ ،‬الَّتَف ُّك ُر َيكوُن يِف الـمخلوقات َو ليَس يِف اخلاِلق‪ ،‬قاَل ابُن َعّب اس‬
‫َر ِض َي اُهلل َعْنُه ما‪َ" :‬تَف َّك ُر وا يِف ُك ِّل ش ىٍء َو ال َتَف َّك ُر وا يِف ذاِت اهلل" َم عن اُه هذا مـمنوع‪،‬‬
‫هذا َأَخ َذ ُه ِم َن الَّر ُس ول‪.‬‬
‫َّمُث ُيقاُل ُهَلم‪ :‬يِف الـمْخ ُلوق شىء َنْع َتِق ُد ُه َو ال َنْس َتِط يُع َأْن َنَتَص َّو َر ُه َو ُه َو َأّن ُه َقْب َل َأْن‬
‫الُّظُلماِت‬ ‫﴿‬ ‫اىل‬ ‫ع‬‫َت‬ ‫َل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫و‬ ‫ُن‬ ‫ال‬ ‫الم‬‫َظ‬ ‫ال‬ ‫َن‬ ‫كا‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ْخَيُل َق اُهلل الُّظلماِت والُّن وِر‬
‫َل‬ ‫َجَع‬ ‫َو‬ ‫ٌر‬ ‫َو‬
‫َو الُّنوَر ﴾ َجَع َل ُه نا َم ْع ناُه َخ َل َق ‪َ ،‬ه ْل يْس َتِط يع واِح ٌد ِم ّن ا َأْن َيَتَص َّو َر َو ْقًت ا ال نوَر ِفي ِه َو ال‬
‫ِل‬ ‫ِت‬ ‫ِط‬
‫َظالم؟ ال يْس َت يع‪َ ،‬ألَّن َو َمْهَك ‪َ ،‬خَتُّيَل َك َيْنَص ِر ف ِإىَل الـمْح ُس وسا ‪ِ ،‬إىَل ما َأ ْف َت ُه َو َعَر ْفَت ُه‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫ِم ْن َأَمْس اِء ِهللا َتَع اىَل لَّلِط ْي ُف َأِي اذلي ْحَتَجَب َع ِن َألْو َهاِم َفَال ُتْد ِر ُكُه‪ ،‬فاُهلل َتَع اىَل َال َتْب ُلُغُه َتَص ُّو َر اُت لِع َب اِد ‪َ ،‬ك َٰذ َكِل لَب اِط ُن ِم ْن‬ ‫‪29‬‬

‫َأَمْس اِء ِهللا َو َم ْعَناُه َعىَل َم ا َقاَل َبْع ُض ٱْلُع لامِء ‪" :‬ٱْلَباِط ُن اذلي َيْع مل َح َقاِئَق ٱُألُم ْو ِر “ َو َق اَل َبْع ُض ُهم‪" :‬ٱْلَب اِط ُن اذلي َال ُتْد ِر ُك ُه ٱَألْو َه اُم " َأْي َال‬
‫َتْب ُلُغ ُه َتَص ُّو َر اُت ٱْلِع َب اِد ‪َ ،‬فَح ِقْيَق ُة ِهللا َال َيِص ُل َلْي ِه َأَح ٌد َم ْهَم ا َش َغَل ِف ْك َر ُه ‪َٰ ،‬ذِلَكِل ِهُن ْي َن ا َع ِن ٱلَّتَفُّك ِر يِف َذ اِت ِهللا َو ُأِم ْر اَن اِب لَّتَفُّكِر يِف‬
‫ِإ‬
‫َم ْخ ُلوَقاِتِه ‪َ ،‬ألَّن ٱلَّتَفُّكَر يِف َم ْخ ُلْو قاِت ِهللا َيِز ْيُد اَن َيِقْيًنا ِبَمَكاِل ُقْد َر ِة ِهللا ‪.‬‬

‫ٱلَّتَخ ُّلُص ِم ْن َغَلِط ٱلَو ِمْه َعِز ْيٌز ‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫َأْنت‪َ ،‬و ُك ُّل ُم ْؤ ِم ن ُيَص ِّد ُق ب القرءاِن َو ُي ؤِم ُن ٰهِبذا‪َ .‬فكي َف َيُق وُل َش ْخ ص َأن ا ُأري ُد َأْن‬
‫َأَتَص َّو َر َر يِّب َو يِف الـمْخ ُلوق ما ال َيَتَص َّو ُر ُه؟ هذا َض اٌل ‪ ،‬وٰه ذا َم عىَن ما قاَلُه َأُبو َبْك ٍر الِّص ِّديق‬
‫ِتِه‬ ‫ِك‬ ‫ِك‬ ‫ِض‬
‫َر َي اُهلل َعْن ه‪" :‬الَعْج ُز َعْن َدَر اِإل ْد را ِإْد راٌك والَبْح ُث َعْن ذا ُكْف ٌر َو ِإْش راُك " َم عن اُه‬
‫َم ِن اْع َتَق َد َأَّن اَهلل َمْو ُج ود ال ُيْش ِبُه شيًئا‪ ،‬واْع َتَق َد َأَّنُه ال يْس َتِط يُع َأْن َيَتَص َّو َر ُه‪ ،‬ال يْس َتِط يع‬
‫َأْن َيَتَص َّو َر اَهلل تع اىل‪َ ،‬فهذا َع َر َف اَهلل‪َ .‬أّم ا ال ذي ال َيْر َض ى هِب ذا َو َيُق ول‪ :‬ال‪ ،‬ال َأْر َض ى‬
‫ِبذِلك‪ُ ،‬أريُد َأْن َأَتَص َّو َر ُه‪َ ،‬فهذا كاِفٌر ُمْش ِر ك ألنه َيكوُن َش َّبَه اَهلل َخِبْلِق ه‪.‬‬

‫الدرس الّر اِبع‬


‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُتْد ِر ُك ُه اَألْفَه اُم‪.‬‬
‫الش رح‪ :‬ال َتْد ُر ُك ُه الُعُق وُل أْي ال ِحُت ي ُط ب ِه َألَّن ذل َك َيْق َتِض ي اُحلُد وَث واُحلُد وُث‬
‫حماٌل عليِه‪ ،‬وُه و َك َم ا قاَل ُذو الُّنوِن الـمْص ِر ُي ‪َ" :‬م ْه َم ا َتَص َّو َر َت ِبباِلَك َفاُهلل ِخِب الِف َذِلَك "‬
‫َرَو ى َذِل َك َعْن ُه احلاِف ُظ اْبُن َعساِكر يف َت اريِخ ِد َم ْش َق ِباإلْس ناِد ‪َ ،‬و َر وى َذل َك َأْيًض ا َأُب و‬
‫ِد الَغِز ي ِز الَتِم يِم ِن اإلم اِم َأمحَد ِن ْن ٍل ‪ ،‬كاَن ُذو الُّنوِن‬ ‫ِح ِد‬
‫ْب َح َب َو‬ ‫ُّي َع‬ ‫الَفْض ِل َعْب ُد الوا ْبُن َعْب‬
‫الـمْص ِر ُي وأمحُد بُن حنبٍل ُمتعاِص َر يِن ‪.‬‬
‫هذا احلاِف ُظ اْبُن َعساِكر َأَخ َذ ِعلَم اَحلِد يث َعْن َأْل ٍف ِم َن اُحلّف ِاظ‪َ ،‬تَلَّق اه َعْن َطِر ي ق‬
‫الـمشاَفَه ة َو َأخَذ َعْن ثالِمِثاَئة امَر َأة ِم َن الـمَح ِّدثات‪ ،‬يِف الـماِض ي كاَن ُيوَج د ِنساء َحُمِّدثات‬
‫َك ما ُيوَج د ِر جال ِم َن الـمحِّد ِثني‪ ،‬وكاَن َل ُه َش ْيخ َي ْأيِت ِإَلْي ِه كاَن ُيَس َّم ى الِف راِو ّي ‪ ،‬هذا‬
‫ِف‬ ‫ِد ِك‬ ‫ِف ِم‬ ‫ِف‬
‫ال راِو ُّي كاَن حا ًظا ْن ُح ّف اظ اَحل يث ال بار‪ ،‬الُعلماُء كاُنوا َيُقولون‪" :‬ال راِو ّي َأْل ُف‬
‫راِو ي" َيْع ىِن ُيساِو ي َأْلًف ا ِم َن ال ُّر وة‪َ ،‬و كاَن احلاِف ُظ اْبُن َعساِكر ْحَيَف ُظ َك ِث ًريا َو َيَتَر َّدد َعَلى‬
‫الِف راِو ّي ‪ُ ،‬ي ِم ُعُه ما ْحَيَف ظ‪َ ،‬فكاَن ِم ْن َك ْث ِة ما َيْق أ ِم اَحلِد يث َيْتَعب‪َ ،‬ف َأى الَّر سول يِف‬
‫َر‬ ‫َر َن‬ ‫َر‬ ‫ْس‬
‫ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِت‬
‫الرؤي ا‪ ،‬ق اَل َل ُه‪َ" :‬يْأ ي َك َعْب ٌد َأَمْسر َيْق َر أ َعَلْي َك اَحل يث‪ ،‬فال َتـَم َّل ْن ه" َفص اَر ِإذا ج اَءُه‬
‫احلاِفُظ اْبُن َعساِكر ال َيـَم ُّل ِم ْنُه‪َ ،‬يْبَق ى قاِعًد ا َيْسَم ع َلُه َح ىّت ُه َو َيْنَتِه ي َو َيـْم ِض ي‪.‬‬
‫َأْخ َبَر نا الشيُخ َعْب ُد اِهلل َر َمِحُه اهلل قال‪" :‬لـما ُك ْنُت َص ِغًريا‪ ،‬كاَن َش ْيُخ نا الشيُخ حممُد‬
‫بُن َعْبُد الّس الم َحُيِّم ُليِن ِكتاَبنْي َو َيْس َتتِبُعيِن َخ ْلَف ُه"‪َ ،‬فَس َأْلُتُه ما الِكتابان؟ قال‪ِ" :‬كتاب َش ْر ح‬
‫ُمْلَح ة اِإل ْع راب َو ِكتاًب ا َك ِب ًريا يِف الِف ْق ِه الّش اِفِعّي "‪ ،‬الش يُخ َقلياًل م ا َيَتَح َّد ُث َعْن َنْف ِس ِه‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِع‬ ‫ِص‬
‫رت َأنا َأْس َأُلُه ْنَد ما َذَك َر هذا‪ُ ،‬قْلُت َلُه‪ :‬ماذا َفَعْلَت َبال تاَبنْي ؟ أنا َظننُت َأَّنُه ْحَي ُلُه َلُه‬
‫الِكت اَبنْي َعَلى َو ْج ِه اِخلْد َم ة‪ ،‬ق اَل ‪َ" :‬أْقَر َأيِن الِكت اَبنْي "‪ُ ،‬قْلُت َل ُه‪َ :‬ك ْم كاَن ُعُم ُر َك ؟ َق ال‪:‬‬
‫"حَن ُو مَث ايِن َس َنوات"‪ .‬هذا الشيخ حممُد بُن َعْبُد الّس الم قال عنه الشيخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل‪:‬‬
‫ِل‬
‫كاَن ُقْطًبا‪ ،‬معناُه كاَن َلُه َدَرَج ة عا َية يِف الِو الَية‪َ ،‬و شيُخ الشيخ حممد َعْب ُد بُن الّس الم اُمْسُه‬
‫الشيخ ُيوُس ف َعْب د الَو ّه اب‪ ،‬كاَن ِم ْن ِكبار اَألْو ِلياء‪ ،‬قاَل للشيخ حممد َعْب ُد الّس الم لـما‬
‫ِن‬ ‫ِع‬
‫كاَن ُعُم ُر ُه ْمَخًس ا َو ْش ِر يَن َس َنة‪َ :‬لَق د جاَءْت َك الُقْطبا َّي ة‪َ ،‬يْع يِن صاَر ُقْطًب ا َو كاَن ُعُم ُر ُه‬
‫ْمَخًس ا َو ِعْش ِر يَن َس َنة‪َ ،‬و الُقُطُب َل ُه َدَر َج ة عاِلَي ة يِف الِو الَي ة‪ .‬ش ْيُخ نا كاَن َيُق وُل ‪ :‬كان‬
‫الش يخ و ف د ال اب وَل ع ب اَألذان‪ْ ،‬ل َّل ب اَألذان‪ِ ،‬إذا َأَّذَن ِم وِن ءاَل ِة‬
‫ْن ُد‬ ‫َق ُب ُه ُمَع ٌق‬ ‫ُي ُس َعْب َو ّه ُم‬
‫ِل‬ ‫ِس ِك‬
‫الَّص ْو ت َيْس َم ُعُه الناس َعَلى ُبعد ْمَخ َني يلو م ًرتا‪ .‬هذا ُيْذ َك َر عن شيخنا ُيْع َر ف َقْد ُر‬
‫الشيخ َعْبِد اهلل َو َقْد ُر َش ْيِخ ِه َو َقْد ُر ش ْيِخ َش ْيِخ ِه‪َ ،‬ح ىّت ُيْع َر ُف َأَّنُه َخَتَّر َج َعلى أَيدي َأْو ِلياء‪،‬‬
‫َدَر َس َو َتَر ىّب ِعْنَد ِكباِر َأْو ِلياء‪.‬‬
‫كاَن ُيوَج د َو ّيِل يِف ُس وِر ّيا اُمسُه الش يخ َم ْش ُه ور‪َ ،‬ل ُه َك رام ات‪َ ،‬م ْش ُه وٌر َم ْش ُه ور‬
‫بالَك رامات‪ ،‬كاَن َيْأيِت ِلِز ياَر ِة شْيِخ نا َر محُه ما اهلل‪ُ ،‬تُوَيِّف‪َ ،‬م ّر ة جاَء َو ُك نُت حاِض ًر ا َو الشيخ‬
‫ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِد‬
‫َعْب اهلل كاَن ْجَيلس َعَلى ُك ْر ّي َفجاَء الش يخ َم ْش ُه ور هذا ال َو ُّيِل الص ا ح‪َ ،‬و َقَع َد بَنْي‬
‫ِر ْج َلْيِه َو ُه َو ما شاء اهلل َيُد ُه َك بَرية‪َ ،‬م َّر َتِنْي َعلى حجِم َيِد ي هذه‪َ ،‬فلما َج َلَس بَني ِر جَلْي ِه‪،‬‬
‫َأَح َّس الش يخ َأَّن ُه ُيِر ي ُد َأْن ُيَق ِّب َل َقَد َم ْي ِه َفَأش اَر َل ُه الش يخ ِبَك َّف ْي ِه هكذا‪ ،‬وق اَل ‪" :‬اْع ِف يِن ي ا‬
‫شيخ مشهور"‪َ ،‬يعىن َك َأَّنُه َيُق ول‪ :‬ال َحُتِّم ْليِن هذا َأْن ُتَق ِّب َل َق َد َم ْي ‪ ،‬فقاَل ‪" :‬ال‪َ ،‬أنا واِلِد ي‬
‫قاَل ِإذا ِج ْئَت ِإىَل الشيخ َعْب ِد اهلل‪َ ،‬قْب َل َأْن ُتَق ِّب ل َيَد ْي ِه‪ُ ،‬تَق ِّب ُل َقَد َم ْي ه"‪ ،‬واِلُد ُه ِم َن الـمشاِيخ‬
‫الـمعروِفني الش يخ ش يتاوي‪ .‬الش يخ َعْب ُد اِهلل كان رئيُس األولي اِء يف ُك ِّل ال ُّدنيا‪ ،‬وق ال‬
‫الشيخ مشهور‪ :‬الشيخ ُد اهلل ُك مائتني أو ثالمثائة سنة حىت أيِت واحد ِم ُل " رِض‬
‫ْث ُه َي‬ ‫َي‬ ‫ّل‬ ‫َعْب‬
‫اهلل عن شيِخ نا ونفعنا به‪.‬‬
‫يف س نة ‪1975‬ر كاَن بني الش يخ وواِلِد ي رمحه اُهلل صداَقة‪ ،‬كان الش يخ َيزوُر ن ا يف‬
‫بيِت واِلِد ي‪ ،‬كان َبْيَنُه ما ُصْح َبة‪َ ،‬و كاَن الشيخ َك ريـما َو ُمَتواِض عا َو ُيْؤ ِنُس الناس وكان‬
‫ينِز ُل الناَس منازهَل م‪َ ،‬فكاَن ِإذا َس َأَلُه واِلِدي َعْن شىٍء جُي يُب ُه‪ .‬قاَل َل ُه‪ :‬يا شيخ‪ُ ،‬أري ُد َأْن‬
‫َأْس َأَلَك ُس ؤااًل ‪َ ،‬فَظَّن الشيخ َأَّنُه ُيِر يُد َأْن يسأَلُه َعْن َح ِد يث َأْو ما شاَبه‪ ،‬فقال َل ُه‪َ :‬تَف ّض ل‪،‬‬
‫ِح‬ ‫ِل‬ ‫ِح‬
‫فقال َل ُه‪َ :‬ه ْل َص يح َأَّنك اْج َتَم ْعَت باَألْو ياء يِف غاِر راء؟ فقاَل الشيخ‪ :‬ما اْج َتَم ْعَت‬
‫ِهِبم يِف غ اِر ِح راء‪ ،‬فق ال َل ُه‪َ :‬ه ْل َص ِح يح َأَّن ك اْج َتَم ْعَت ِبسِّيِد نا اَخلِض ر َو َقَر َأ َل َك َعَلى‬
‫َص ْد ِر َك َو ِص رَت ال َتْنسى ما ْحَتَف ظ؟ َفَأْطَر ق َر ْأَس ُه َو قال‪َ :‬نعم‪َ ،‬ص ِح يح‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُيشِبُه اَألَناَم‪.‬‬


‫ٍه ٍد‬
‫الشرُح ‪ :‬اَألناُم اخلْلُق ‪َ ،‬و الَّش ِبيُه ما ُيَش اِر ُك َغ َريُه وَلْو يف وْج واح ‪ ،‬فَنْف ُي الـمْثِل عن ُه‬
‫يقَتِض ي َنْف َي الَّش ِبيِه‪ ،‬فَق ْو ُلنا‪ :‬اُهلل ال ِم ْثَل َلُه‪َ 31‬أْبَلُغ يف الَّتْنـِز يِه من قوِلنا‪ :‬اُهلل ال َش بيَه َلُه‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬حٌّي ال َيُم وُت َقُّيوٌم ال َيَناُم‪.‬‬


‫الش رُح ‪ :‬احلُّي يف حِّق اِهلل تع اىل ُيَفَّس ُر ِبأَّن ُه الـمَّتِص ُف ِباحلَي اِة اَّليِت هَي أزِلَّي ٌة أبدي ٌة‪،‬‬
‫َو الَق ُّيوُم َم عناُه الداِئُم اّلذي ال َيُز وُل ‪ ،‬وِقي َل القاِئُم ِبَت ْد ِبِري َخ ْلِقِه ألَّن َتِدِبَري مجي ِع األشياِء ال‬
‫َيُك وُن ِإال ِهلل‪ ،‬أَّم ا الـَم الِئَك ُة ال ِذ يَن َو َص َف ُه ُم اُهلل ِبَق ْو ِلِه ﴿َفالـمَد ِّبَر اِت َأْم ًر ا (‪ ﴾)5‬س ورة‬
‫َل‬ ‫ى‬ ‫ُأ‬ ‫يا‬ ‫ْش‬‫َأ‬ ‫النازعات‪ ،‬فِإَّنـما َد ِّب وَن يف ُأ وٍر اَّص ٍة َك الـمَطِر ال ِّر يِح الَّنباِت‬
‫َس‬ ‫ْي‬ ‫َو‬ ‫َر‬ ‫ْخ‬ ‫َء‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫ُم َخ‬ ‫ُي ُر‬
‫يف ُك ِّل ش ىٍء ‪ ،‬الَّت ِم َّيُة ِب الَق ُّيوِم ال و إال ِهلل‪ْ ،‬ل َذ ِم َطاِئف ٍة ْن ِس لْلَّت وِف‬
‫َت َت ُب َص‬ ‫َو ُيْح ْر ْن‬ ‫ُجَت ُز‬ ‫َو ْس‬

‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َو لْرُب َهاُن لَّنْقُّيِل ِلُو ُج ْو ِب ُم َخ اَلَفِتِه ِلْلَح َو اِدِث َء ااَي ٌت ِم َهْنا َقْو ُهُل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬لْيَس ِمَكْثِهِل ْىَش ٌء َو ُه َو لَّس ِم يُع ْلَبِص ُري ﴾ [ُس ْو َر َة لُّش وَر ى‪َ ]11 :‬و ُه َو‬ ‫‪31‬‬

‫َأْو ُحَض َد ِلْي ٍل َنْقٍّيِل َج اَء يِف ٱلُقْر َء اِن َألَّن َه ِذِه ٱآلَيَة ُتْف ِهُم ٱلَّتِزْن ْيَه ٱلِّلُك َّي َألَّن َهللا َتَباَر َك َو َتَع اىَل َذ َكَر َلْف َظ ْىَش ٍء يِف ِس َياِق ٱلَّنْف ِي ‪َ ،‬و ٱلَّنِك َر ُة َذ ا‬
‫ِإ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ُأْو ِر َدْت يِف ِس َياِق لَّنْف ِي َفِهَي ِللُّش ُمْو ِل ‪ ،‬فاُهلل َتَباَر َك َو َتَع اىَل َنَفى َهِبِذ هِ ْلُج ْم ِةَل َعْن َنْف ِس ِه ُم َش اَهَبَة َألْج َر اِم َو َألْج َس اِم َو َألْع َر اِض ‪ ،‬فاُهلل‬
‫َتَباَر َك َو َتَع اىَل لـم ُيَقِّيْد َنْف َي ٱلَّش َبِه َع ْنُه يِف َه ِذِه ٱآلَيِة ِبَنْو ٍع ِم ْن َأْنَو اِع ٱْلَح َو اِدِث َبْل َمَش َل َنْف َي ُم َش اَهَبِتِه ِلِّلُك َأْف َر اِد ٱْلَح اِد اَث ِت ‪َ ،‬ق اَل ٱلَّش ْي ُخ‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬
‫َع ْب ُد ْلَغِّيِن لَّناُبُلُّيِس ‪َ" :‬مِن اْع َتَق َد َأَّن َهللا ُن ْو ٌر َيَتَص َّو ُر ُه لَع ْق ُل َفُه َو اَك ِف ٌر ‪َ ،‬و َمِن اْع َتَق َد َأَّن َهللا َم َأل لَّس َمَو اِت َو َألْر َض َفُه َو اَك ِف ٌر ‪َ ،‬و َمِن‬
‫اْع َتَقَد َأَّن َهللا اَحْنَّل ِم ْن ْىَش ٍء َأْو ُه َو َح َّل يِف ْىَش ٍء َفُهَو اَك ِف ٌر “‬
‫ِل‬ ‫ِئ ِف‬ ‫ِط‬ ‫ِذِل‬
‫ُتَس َّم ى الّش ا َّيَة الَيْش ُر َّيَة َتُق وُل ‪ :‬الَق ُّي وُم َم عناُه القا ُم يَن ا‪َ ،‬فَيُق وُل َأَح ُد ُه م آلَخ ِر ‪" :‬أنَت‬
‫اُهلل وهذا اِجلداُر اُهلل"‪ ،‬فُك ْف ُر ُه م هذا ِم ْن َأْش َنِع الُك ْف ِر ‪ ،‬وَأَّم ا الش يُخ علٌّي ُن وُر ال ِّديِن‬
‫الَيْش ِر ِط ُّي الذي َيْنَتِس ُبوَن إليِه فُه َو َبِر يٌء مـما يقولوَن بل ُه َو كاَن على الَّتْنـِز يِه‪.‬‬
‫َأَش ُّد الَعقاِئِد الفاِس َد ِة‪َ ،‬أَش ُّد الُك ُف ِر َعِق ي َد ُة الذِيَن َيْنُك ُر وَن ُو ُج وَد اِهلل َعِق ي َد ُة الَّتْع ِط يل‬
‫ِق‬
‫ال ذيَن َيُقول ون‪" :‬هذا العالـم م اَّدة واُهلل ليَس َمْو ُج وًدا" َو َع ي َد ة اُحلل ول هؤالء ال ذيَن‬
‫َيُقول ون‪" :‬اُهلل حاٌل يِف ُك ِّل ش ىء‪ ،‬داِخ ل يِف ُك ِّل ش ىء" والِعي اُذ باهلل‪َ ،‬يُقول ون‪ :‬يِف‬
‫ِج‬
‫اإلنسان‪ ،‬يِف اَألْر ض‪ ،‬يِف الّس ْق ف‪ ،‬يِف الَّنجاس ات‪ ،‬يِف الـمسا د‪َ ،‬يُقول وَن داِخ ٌل يِف ُك ِّل‬
‫ش ىٍء ‪َ ،‬و َعِق ي َد ُة الَو ْح َد ة الـمْطلَق ة َيع ىن ال ذين َيُقول ون‪" :‬اُهلل َو العالـم ش ىء واِح د"‪ ،‬هذه‬
‫العقاِئد الّثالث َأَش ُّد الَعقاِئد فساًدا‪.‬‬
‫ُمن ُذ َأْك َث ر ِم ْن ْمَخِس َني َس َنة‪ِ ،‬عْن َد ما كاَن الش يخ َيْس ُك ُن ِدَم ْش ق‪ ،‬كاَن يوج د ش يخ‬
‫َم ْش ُه ور يِف ذلك ال َو ْقت ُيسمّى الشيخ حممد اهلاِمِش ِي الِّتلـمساّيِن ِم َن الذيَن َيعَتِق ُد وَن هذه‬
‫الَعِق ي َد ة َأَّن اَهلل يِف ُك ِّل ش ىء‪َ ،‬يْع تِق ُد ون َأَّن اَهلل كالـماِء يِف الَّثْلِج ‪ ،‬هذا الش يخ حممد‬
‫اهلاِمِش ي الِّتلـمساّيِن َبعُض أهِل يِف ِد مْش ق كاُنوا َيعَتُرِبوَن ُه ِم ن ِكب اِر اَألْو ِلي اء‪َ ،‬أَّل َف ِكتاًب ا‬
‫َو َو َض َع َعَلْيها َخ تما َل ُه َو َك َتَب َعلى هِذِه الِّر س اَلة‪ُ" :‬ك ُّل ُنْس َخ ٍة ليَس َعليها َخ تُم الش يخ‬
‫ِط‬ ‫ِمِش‬
‫اهلا ي َفِه َي ُمَز َّو َر ة"‪َ ،‬ألْج ِل َأْن َيْأُخ َذ ماَل الناِس بالبا ل‪َ .‬أْذُك ُر َلكم هذه األشياء َح ىّت‬
‫َتْع ِر ُفوا َك م عاىَن الشيخ عْبُد اِهلل ِم ْن َأهِل الباِط ل‪ُ ،‬ه َو كان َحُيِّذ ُر ِم ْن ُك ِّل َأهِل الباِط ل َعَلى‬
‫َح َس ِب ُو ْس ِعِه‪ِ ،‬لذِلَك حاَر َبُه كثري ِم َن الناس‪ ،‬ألنه ما كاَن َيْس ُك ُت َعِن الـمْنَك رات‪ ،‬الكثري‬
‫يسُك ُت ‪ ،‬هذا َعَلى َعيِب هذا َو هذا َعَلى عيِب ذاك‪َ ،‬و لِكْن الشيخ عْب ُد اهلل َح َّذ َر ِم ْن ُك ِّل‬
‫ِذ ِم‬ ‫ِف‬ ‫َّل يِف ِخ‬ ‫ِئ‬
‫َأْه ِل الّض الل‪ ،‬هذه الّر سا ل اليت َأ َف ها األ ري َقْبَل َأْن مَي وت‪َ ،‬ر َمِحُه اهلل يها الَّتْح ير َن‬
‫الَّض الالت َو ِم ْن َأْه ِل الّض الل‪َ ،‬فماذا َفَع َل الشيخ َعب ُد اهلل؟ قاَل لنا‪ :‬كتبُت ِر س اَلة ِفيها‬
‫الَّتْح ِذ ير ِم ْن هذه الِّر س اَلة اَخلِبيَث ة للشيِخ اهلاِمِش ّي الذي َيُق وُل ِفيها‪" :‬الَق ْو ُل ُك ُّل ُه َقْو ُل اِهلل‪،‬‬
‫القوُل ‪ُ :‬ك ّل ُه َح َس ن وم ا واَف َق الَغ رض كاَن َأْح َس ن"‪ ،‬م ا َم عىَن هذه الكالم؟ َيُق ول‪ُ :‬ك ُّل‬
‫الَك الم يِف العالـم ُه َو َك الُم اهلل‪ ،‬مع ىن َك الِم ِه َأَّن الُك ف ر َك الُم اهلل‪َ ،‬و َيُق ول ُك ُّل الكالم‬
‫َح َس ن‪َ ،‬يعىن كّل الُك ُف ر والـمعاِص ي قاَل هذا َح َس ن‪َ ،‬و قال‪ُ" :‬ك ُّل ما واَف َق الَغ رض كاَن‬
‫َأْح َس ن"‪َ ،‬ك الم َس ِخ يف َو ظاِه ر يِف الُك فر الّش ِنيع‪ ،‬قاَل الشيخ َعبُد اهلل‪" :‬كتبُت ِر س اَلة اليت‬
‫ِفيها الّتْح ِذ ير ِم ْن هِذِه الّر س اَلة اَخلبيَثة َو َبَعْثُت هِب ا َعَلى َيِد شاب كاَن َيْد ُر ُس ِعْن ِد ي (هذا‬
‫الّش اب صاَر ِم َن اَألْو ِلياء اُمْسُه حممود الـمعايِن قاَل الشيخ َعب ُد اهلل‪" :‬حممود الـمعايِن حممود‬
‫ِد ٍب‬ ‫هِب‬ ‫ِر‬ ‫يِن‬
‫الـمعا ") ق اَل الش يخ َعب ُد اهلل‪" :‬كتبُت س اَلة َو َبَعْثُت ا َعَلى َي ش ا كاَن َي ْد ُر ُس‬
‫ِم ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِع ِد‬
‫ْن ي ِإىَل َأْش َه ر َش ْيَخنْي يِف ُس وريا يِف ذ َك ال َو ْقت ُمن ُذ َأْك َثر ْن ْمَخ َني َس َنة‪َ ،‬أنا رَأْيُت‬
‫صَوَر مُه ا ِبَعْيين َعلى الورَقٍة اليت َعَلْيها ُصَو ر اَألولياء يِف ِبالِد الّش ام‪ ،‬قاَل ‪َ :‬فَأّم ا اَألّو ل فقال‪:‬‬
‫َل‬ ‫ْط‬ ‫َأ‬ ‫يِن‬‫َت‬ ‫َل‬ ‫‪:‬‬ ‫يِن‬‫ا‬ ‫ّث‬ ‫ال‬ ‫َل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫يح‪.‬‬ ‫ِر‬ ‫ال‬ ‫يع‬ ‫هذا الكالم ال ُغب ا َل ه‪ِ ،‬ن الَك الم الُك ُف ر الّش ِن‬
‫ُع‬ ‫ْي‬ ‫َو‬ ‫ّص‬ ‫َر َع ْي َع‬
‫َش ْع َر ًة يف اهلاِمِش ‪ .‬قاَل الشيخ‪َ :‬فُقْلُت يِف َنْف ِس ي‪ :‬ال ُاْر ِس ل َبْع َد هذا ِإىَل ش ْيٍخ َأَبًد ا‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫ّي‬
‫يِف الَّت ِذ يِر ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِلِه‬ ‫ِق‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫ْن‬ ‫ْن َأْم ثال هؤال "‪ .‬الشيخ َعْب ُد اهلل ِب َي َعَلى حا يِف الّثبا َعَلى اَحلّق َو ْح‬
‫َأْه ِل الّض الل‪َ ،‬ر ِض َي َمْن َر ِض َي َو َس ِخ َط َمْن َس ِخ ط‪ ،‬الِعْبَر ة ِبـما ِعْنَد اهلل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬خ اِلٌق ِبال َح اجٍة‪.‬‬


‫الشر ‪َ :‬أَّن َل العالـم‪ 32‬وَأ َد َث ِم غ ِري أْن ُك وَن َل ا ِتيا ِإَل ِه ْلِب َف ٍة‬
‫ُه ْح ٌج ْي َجل َم ْن َع‬ ‫َي‬ ‫ْح ُه ْن‬ ‫ُح ُه َخ َق‬
‫ِلَنْف ِس ِه َأْو َدْفِع َم َض َّر ٍة َعْن َنْف ِس ِه‪ِ ،‬إَّنـما َخ َلَق ُه ِإْظَه اًر ا ِلُقْد َر ِتِه‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬ر اِز ٌق ِبال ُمؤَنٍة‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِد‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّنُه َتَعاىل ُيوِص ُل إىل الِعبا أْر َز اَقُه م مْن غ ِري أْن َتْلَح َق ُه ُك ْلَف ٌة وَم ش َّق ٌة َو َذ َك‬
‫ِلَك ماِل ُقْد ِت ه‪َ ،‬فا ال يف ش يًئا ِبالـ باَش ِة واحل َك ِة ب ِبـ رِد ُّل ِق إرا ِتِه اَأل ِلَّي ِة‬
‫َد َز‬ ‫ْل ُم َج َتَع‬ ‫َر‬ ‫ُم َر‬ ‫ُهلل َع ُل‬ ‫َر‬
‫وَتْك ِو يِنِه اَألَزِّيل ُيوِج ُد الَّشىَء‪.‬‬
‫اَحلَر َك ة َم ْع ناها اْنِتقاُل اِجلْر م ِم ْن َم كاٍن ِإىَل ءاَخ ر‪َ ،‬و هذا ال جَي وُز َعَلى اهلل‪ ،‬والُّس كون‬
‫َم عن اُه ُثُب وُت اِجلْر ِم يِف َم كان‪َ ،‬و هذا َأْيًض ا ال جَي وُز َعَلى اهلل‪ ،‬الـمَتَح ِّر ك والّس اِكن حاِد ث‬

‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َع ْنُه‪ِّ :‬مُس َي ٱْلَع الـم َعاملا َألَّنُه َعَالَم ٌة َعىَل ُو ُج ْو ِد َص اِنِع ِه َو ُم َكِّو ِنِه َجِبِم ْيِع َأْج َز اِئِه ِم َن ٱلَّس َمَو اِت َو َم ا ِف َهيا َو ٱَألْر ِض َو َم ا‬ ‫‪32‬‬

‫َعَلَهْيا‪.‬‬
‫ْخَمُلوق َو هذا ال جَي وُز َعَلى اهلل‪َ .‬ح ىّت الَعْر ش‪ِ ،‬إذا ُس ِئْلُتم لـم َخ َلَق اهلل الَعْر ش؟‬
‫فاَجلواب‪ِ :‬إظهاًر ا ِلُقْد َر ِته‪.‬‬
‫َفِإذا قاَل َلَك قاِئل‪َ :‬و َلِكن حنُن ال َنَر ى الَعْر ش‪.‬‬
‫ِجل‬ ‫ِئ‬ ‫ِئ‬
‫َنُق وُل َل ُه الـمال َك ُة احلاُّفوَن َح ْو َل الَع ْر ش يرون ه‪ُ ،‬توَج د مال َك ة يِف ا َه ة الُعْلي ا اُهلل‬
‫م ِإال ا ‪ ،‬هؤالِء‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬
‫ُهلل‬ ‫َخ َلَق ُه م‪َ ،‬ع َد ُدُه م َأْك َثُر ْن َع َد ُك ّل الـمْخ ُلوقات‪ ،‬ال َيْع لم َع َد َدُه‬
‫الـمالِئَك ُة َيطوفوَن َل الَع ش‪ِ ،‬ح َني َي ْو َن هذا اَخلْلق الَعِظ يم َيْز داُدوَن َيِق يًنا ِبَك ماِل ُقْد ِة‬
‫َر‬ ‫َر‬ ‫َحْو ْر‬
‫اهلل‪َ ،‬و هذه فاِئَد ٌة َعِظ يَم ة‪َ ،‬خ َل َق اُهلل الَع ْر ش ِإظهاًر ا ِلُقْد َر ِته ليَس ِلَيَّتِخ َذ ُه َم كاًنا ِلذاِتِه َك ما‬
‫َتُقوُل الـمَش ِّبَه ة‪ ،‬ال‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ُ :‬مِم يٌت ِبال َم َخ اَفٍة‪.‬‬


‫الش رُح ‪ :‬أَّن اَهلل تع اىل ُيـِم يُت اَألحي اَء ِم ْن عب اِدِه ِبال َخماَف ٍة‪ ،‬أْي ال َخِلْو ٍف مْن أْن‬
‫يْلَح َق ُه َض َر ٌر ِإَّنـما يُـِم يُت َمْن َش اَء ِم ْنُه ْم بـُم ْق َتضى ِح ْك َم ِتِه وإْظهاًر ا لَك ماِل ُقْد رِتِه َك ما َقاَل‬
‫َتعاىل ﴿َو ال َخَياُف ُعْق َباَه ا (‪ ﴾)15‬سورة الشمس‪.‬‬
‫اُهلل تع اىل َل ُه كماٌل َأَز ّيِل َأَب ِد ّي ‪ ،‬هذا الَك ماُل ال َيِز ي ُد َو ال َيْنُقُص ‪َ ،‬يْع ىِن ال َيِز ي ُد‬
‫ِبطاَع ِة الّطاِئِعني َو ال َيْنُقُص ِبِعْص ياِن الُعصاِة‪ ،‬الَعْب ُد الّطاِئُع َيْنَف ُع َنْف َس ُه بالّطاَع ة والعاِص ي‬
‫َيُضُّر َنْف َس ُه ليَس َر َّبُه‪ ،‬بالِعْص يان‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬باِع ٌث بال َم َش َّق ٍة‪.‬‬


‫الش رُح ‪ :‬أَّن اَهلل تع اىل َيْبَعُث األْم واَت ِبال َم َش َّق ٍة َتْلَح ُق ُه ب ْل بـمجرِد َتَعُّل ِق إرادِت ه‪،‬‬
‫كما أَّن َتكويَنهم كذلَك ‪ ،‬ق اَل َتع اىل َتْنِبيًه ا ِل ذلَك ﴿َم ا َخ ْلُقُك ْم َو ال َبْع ُثُك ْم ِإال َك َنْف ٍس‬
‫َو اِح َد ٍة (‪ ﴾)28‬سورة لقمان‪ .‬مْع ناُه ُك ُّل ذِلَك َه ٌنِّي َعَلى اهلل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬م ا َز اَل ِبِص َف اِتِه َقِد يًم ا َقبَل َخ ْلِقِه لـم َيْز َدْد ِبَك ْو ِنِه ْم َش يًئا‬
‫لـم َيكْن َقبَلُه ْم ِم ْن ِص َف ِتِه َو َك ما َك اَن ِبِص َف اِتِه َأَز ِلًّيا َكَذ ِلَك ال َيَز اُل َعَلْيها َأَبِد ًّيا‪.‬‬
‫هذه ا َل ُة ِفيها فاِئَد ٌة ِظ ي ٌة ِه َأَّن ا تعاىل َخِبْلِق ِه هذا ا ْل ق‪ ،‬لـم َغرِّي ِبِص َف ِتِه‬
‫ُي‬ ‫َخل‬ ‫َع َم َو َي َهلل‬ ‫ُجلْم‬
‫ش ًئا‪ ،‬إحداُث اِهلل لل ش لـم َغرِّي يِف ِص َف ِتِه ش ًئا‪ِ ،‬إ داُث اِهلل ِجِل ِة ق لـم َغرِّي يِف ِص َف ِتِه‬
‫ُي‬ ‫َه َفْو‬ ‫ْي ْح‬ ‫ُي‬ ‫َعْر‬ ‫ْي‬
‫ش ْيًئا‪َ ،‬أّم ا َعَلى َقْو ل الـمَش ِّبَه ة والوهاِبّي ة‪ِ ،‬إْح داُث اِهلل للعرِش َغِّيَر ِفي ِه‪ ،‬ألنه َعَلى َزْع ِم ِه م‬
‫صاَر ُمْس َتِق ًر ا َعَلي ِه‪َ ،‬و َعلى َقْو ِل َبْع ِض ِه م صاَر حُم اِذ ًي ا َل ُه‪َ ،‬م ْع ناُه َتَغرَّي ‪َ ،‬م ْع ىَن َقْو ِهِلم هذا َأَّن‬
‫ُك ِج َة ق‪َ ،‬أَّن ا ِبِإ داِث ِه ِجِل ِة‬ ‫ِهِل‬ ‫ِبِإ ِث ِه‬
‫َه‬ ‫َهلل ْح‬ ‫اَهلل ْح دا للَع ْر ش َتَغرَّي ‪َ ،‬و َم ْع ىَن َقْو م َأَّن اَهلل َيْس ُن َه َفْو‬
‫ِهلل‬
‫َفْو ق َتَغَّيَر ‪ ،‬والَّتَغرُّي َأْقَو ى َعالم ات اُحلُد وث‪ .‬كل هذا ال جَي وُز َعَلى ا ‪ُ ،‬ك ّل َأْه ل اَحلّق‬
‫ِم‬ ‫ِص ِتِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِإ‬
‫َيُقول ون‪ْ :‬ح داُث ا للَخ ْل ِق لـم ُيَغرِّي يِف َف ش ْيًئا‪َ ،‬ل ْو كاَن اَهلل َيَتَغرَّي َلكاَن ْثَلن ا‪َ ،‬ل ْو‬
‫كاَن ِم ْثَلنا لـم َيُك ْن خاِلًق ا َلنا‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه ِجي ُب ِهلل َتَع اىل الِق َد ُم وُو ُج وُبُه بالَّش ْر ِع والَعق ِل ‪َ ،‬فِإَّنُه ل ْو لـم يكْن َقِد يـًم ا‬
‫َأي أزلًّي ا لكاَن حاِدًث ا‪ ،‬ول ْو كاَن حاِد ًث ا الْح ت اَج إىل ْحُمِدٍث وذل َك ُيَن ايف اُألُلوِه َّي َة‪َّ ،‬مث‬
‫اُحلدوُث مسَتحيٌل َعلي ِه َش رًعا أْيًض ا ألَّن اَهلل تعاىل قاَل ﴿ُه َو اَألَّو ُل (‪ ﴾)3‬سورة احلديد‪،‬‬
‫أِي الـموجو اَّل ذي ل َل ه ا ِت دا ‪َ ،‬ف اَألَّو ُل يف هذه اآل ِة الـم و ال ذي َلي ل وِدِه‬
‫َس ُو ُج‬ ‫َي ْو ُج ُد‬ ‫ْيَس ْب ٌء‬ ‫ُد‬
‫ِهلل‬
‫ابت داٌء ألَّن األَّو لَّي َة الِّنْس بَّيَة َيْق ِرَت ُن هبا احلُد وُث ال ذي هو ُمستحيٌل على ا ‪َ ،‬فال َم ْع ىَن‬
‫‪33‬‬

‫لَألَّو ِلَّيِة يف َح ِّق اِهلل ِإال اَألَّو ِلَّيُة الـمْطَلَقُة‪.‬‬


‫َش ْخ ٌص َدَّر ْس ناُه يِف اِحلجاز َل ُه َق ِر يب َو ّه اّيِب َعُّم ُه َيْز ُعُم َأَّن اَهلل جاِلٌس َعَلى الَع ْر ش‪،‬‬
‫َفهذا الّش اب الذي َتَعلم قاَل ِلَعِّم ِه‪َ :‬قْبَل َأْن ْخَيُلَق اهلل هذا اَخلْل ق كاَن َمْو ُج وًدا َو هذا اَخلْل ق‬
‫لـم َيُك ن‪ ،‬يِف اَألَز ل لـم َيُك ن ِإال اهلل‪ ،‬لـم َيُك ن َع ْر ش‪ ،‬لـم َيُك ن ِج َه ة َفْو ق‪ ،‬لـم َيُك ن ِج َه ة‬
‫مِش‬
‫حَت ت َو ال يَـ ِم ني َو ال ال َو ال َأم ام َو ال َخ ْل ف‪ ،‬لـم َيُك ن يِف اَألَز ل ِإال اهلل‪ّ ،‬مُث اهلل َبْع َد َأْن‬
‫َخ َلَق هذا اَخلْلق ال َيَتَغرَّي ‪ ،‬فقال َعُّم ُه الَو ّه اّيِب ل ُه‪" :‬ال َتقول ما بيْتَغرَّي ‪َ ،‬ر ْبنا بيتَغرَّي "‪ ،‬والِعياُذ‬
‫باِهلل ِم َن الُك ُف ر‪ِ .‬إىَل هذا اَحلّد يِف الَف ساد َح ىّت َيْبَق ى َعَلى َعِق يَد ِت ِه اَخلبيَث ة َأَّن اَهلل ج الس‬

‫أَكْن ُيَق اَل ‪ُ :‬فالٌن ٱَألَّو ُل اِب لِّنْس َبِة ِلُفالٍن َم َثًال‪َ ،‬و َه َذ ا َعىَل ِهللا ُم َح اٌل َألَّن َهللا ُهَل ٱَألَّو ِلَّي ُة ٱلـمْط َلَقُة ‪َ ،‬أَمْس اُء ِهللا ُّلُكَه ا ِص َفاٌت ُهَل َّال ٱُمْس ُه‬ ‫‪33‬‬

‫ِإ‬
‫"ُهللا “‪.‬‬
‫واِح ٌد ِم ال اِبَّي ة يِف بريوت قاَل ‪ :‬يا َل ا لـم ُق ل ﴿لي كِم ْثِلِه‬
‫َس‬ ‫ْيَت َهلل َي‬ ‫َن َو ّه‬ ‫َعَلى العرش‪َ ،‬ح ىّت‬
‫شىء (‪ ﴾)11‬سورة الشورى‪.‬‬
‫وجَي الِق د أ ا ِلصفاِتِه ألنه ل لـم َتُك ِص فاُت َأزل ًة كان ْحتُدُث يف ال َّذ اِت‬
‫ُه ّي َبْل ْت‬ ‫ْن‬ ‫ْو‬ ‫ُب ُم ْيًض‬
‫َلكاَن ذل َك ُموِج ًب ا حلُد وِث ال َّذ اِت ‪َ ،‬فَتَغُّيُر اَألْح واِل على ال َّذ اِت ُه و َأْك َبُر َأِدَّل ِة اُحلُد وِث ‪،‬‬
‫َفِص فاُتُه أزلّيٌة بأزلّيِة الَّذ اِت ‪ ،‬فَنْع لُم ِم ْن ذل َك أنه ال َيْط َر ُأ عَلى اِهلل ِص فٌة لـم تكْن يف األزِل ‪،‬‬
‫وال َيتجَّد ُد ِهلل ِعلٌم وال إرادٌة وال ُقدرٌة وال َح ياٌة وال ْمَسٌع وال َبَص ٌر ‪.‬‬
‫ِص‬ ‫ِح ِح‬ ‫ِص‬ ‫ِمَس‬ ‫ِح‬
‫َيْع ىِن َني َنُقول‪ :‬اهلل يع‪َ ،‬م ْع ناُه َلُه َفُة ْمَسٍع وا َد ة‪َ ،‬ني َنُقول‪ :‬اهلل َب ٌري‪َ ،‬م ْع ناُه‬
‫َلُه ِص َفُة َبَص ٍر واِح َد ة‪ ،‬اُهلل تعاىل ال ْحَتُدُث َلُه ِص فات‪ .‬حَن ُن ِح َني َنَر ى ما َنَر ى ْحَيُدُث ِفينا‬
‫شىء‪ ،‬رْؤ َيُتنا لَألْش ياء حاِد َثة‪ ،‬اُهلل تعاىل َيَر ى ُك َّل ما َيراُه س ْبحاَنُه َو تعاىل ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل‪،‬‬
‫ليَس ِم ْثَلنا‪ .‬حنُن ِح نَي َنْسَم ع‪َ ،‬نْسَم ُع ِبَس ْم ٍع حاِدث‪ ،‬اُهلل َيْسَم ُع ُك َّل َم ْسُم وع ِبَس ْم ٍع َأَز ّيِل‪،‬‬
‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ٍت‬ ‫ٍف ِق‬ ‫ِد‬ ‫ِح‬
‫حنُن نَي َنَتَك َّلم‪َ ،‬نَتَك َّلُم ِبكالٍم حا ث‪ُ ،‬حِبرو ُمَتعا َب ة َو َص ْو ْخَيُر ُج ن ا‪َ ،‬نْبَت ُئ ُه‬
‫َو ْخَنَتِتُم ُه‪َ ،‬نَتَك لم َو َنْس ُك ت‪ ،‬اُهلل ليَس َك ذلك‪ ،‬اهلل َك الُم ُه واِح ٌد ‪َ ،‬يْع يِن ليَس شيًئا ُمَتَج ِّز ًئ ا‪،‬‬
‫ِهلل ِح‬ ‫ٍف‬ ‫ِم‬
‫حنُن َك الُمنا ُمَر َّك ب ْن ُح رو َك الُم ا وا د ليَس َك َك الِم العالـمني‪َ .‬فَنُقول‪َ :‬لُه َس ـْمٌع‬
‫واحٌد ‪َ ،‬بَص ٌر واِح ٌد ‪ِ ،‬إراَدٌة واِح َد ٌة‪َ ،‬ك الٌم واِح ٌد ‪ُ ،‬قْد َر ٌة واِح َد ٌة‪ ،‬ال َيَتَج َّدد َلُه ُقْد َر ة ِبَتَج ُّدد‬
‫اَحلواِدِث الـمْق ُد ورات‪ ،‬هذا ال ُجَيوُز َعَلى اِهلل‪.‬‬
‫ِف ِه‬ ‫ِم‬
‫ما َسَيْأيِت ْن الّش ْر ِح ُه نا َقْب َل الـمنت َنُق وُل ي شيًئا ْخُمَتَص ًر ا‪َ ،‬و ُه َو َأَّن اَهلل َتعاىل ذاُتُه‬
‫َأَز ّيِل َو ِص فاُتُه َأَز ِلَّية‪َ ،‬يْع ىِن ال َيُقوُم ِبذاِت اِهلل اَألَز ّيِل ِص َف ٌة حاِد َثة‪ ،‬هذه الَعِق يَد ُة الّس ِليَم ُة‪.‬‬
‫َو ِإذا َس َأَلك َش ْخ ص‪ :‬هذا العالـم َيَتَج َّدد‪َ ،‬يِص ُري ْخَملوقات َج ِد يَد ة‪َ ،‬ك ْيَف ْحَيُصُل هذا؟‬
‫َدُث‬ ‫الـم‬ ‫‪،‬‬ ‫يِل‬ ‫َأ‬ ‫ُق وُل َل ‪ :‬ا َتع اىل ذات أزٌّيل ِص َف اُت َأ ِلَّي ٌة ْخَتِلي اِهلل‬
‫َو‬ ‫ُه‬ ‫ْح‬ ‫َز‬ ‫ُه َز َو ُق‬ ‫َو‬ ‫ُه‬ ‫ُه ُهلل‬ ‫َن‬
‫احلاِدث‪ ،‬كذِلَك ْز ُق اِهلل‬ ‫ِل‬ ‫ِص‬ ‫ِهلل‬ ‫ِإ‬
‫َر‬ ‫الـمْخ لوق‪ ،‬حياُء ا َأَز ّيِل َف ُتُه هذه َأَز َّي ة‪َ ،‬و هذا الـمحَىي ُه َو‬
‫ِل ِإ‬ ‫ِد‬ ‫ِن‬ ‫يِت‬
‫َأَز يِل والِّرْز ُق الذي يْأ لإلنسا وهذا الـمرزوُق ُه َو احلا ث‪َ ،‬ك ذ َك ْس عاُد اهلل لـمْن شاَء‬
‫ِل‬
‫َلُه السعاَدة َو ِإْش قاُء اهلل لـمْن شاَء َلُه الّش قاَو ة ِص َفُة اهلل َأَز َّي ة‪ ،‬هذا الـمْشَق ى وهذا الـمْس َعُد‬
‫ُه َو احلاِد ث‪ُ ،‬ه َو الـمْخ ُلوق‪َ ،‬ألَّن اَهلل ال جَي وُز َأْن َيُقوَم ِبذاِتِه ِص َف ة حاِدَثة‪.‬‬
‫هِب‬ ‫ِص‬ ‫ِهلل‬ ‫ِص‬
‫ُتوَج د فات ُتَس ّم ى فات الّذ ات‪ ،‬هذه الّص فات اليت ُيوَص ُف ا َو ال ُيوَص ُف‬
‫ِبـُم قاِبِلها‪ ،‬الّص فات الثالَث َعَش َر اليت َتْع ِر ُفوهنا‪ :‬الوجوُد‪ ،‬الُق ْد َر ة‪ ،‬الِعلُم‪ ،‬الَبقاُء‪ ،‬الّس مع‪،‬‬
‫الَبَص ر اِإل راَدُة‪ ،‬احلياُة َو ساِئر هذه الِّص فات‪ ،‬هذه ُك ُّلها ُتَس ّم ى ِم ْن ِص فاِت ال ّذ ات‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫ُيوَص ُف هِب ا َو ال ُيوَص ُف ِبـُم قاِبِلها‪َ .‬و ُتوَج ُد ِص فات هلل‪ُ ،‬تَس ّم ى ِص فاِت الِف ْع ل‪ِ ،‬ه َي ال يت‬
‫ُيوَص ُف هِب ا َو ِبـُم قاِبِلها‪ :‬اِإل ْح ي اء‪ ،‬اِإل ماَت ة‪ ،‬اُهلل ْحُييي َمْن يش اء َو ِمُييُت َمْن يش اء‪ ،‬اُهلل ُيْس ِعُد‬
‫ِم ال ِّرْز ِق‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ُق‬ ‫ة‪،‬‬ ‫قا‬ ‫ال‬ ‫َل‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ش ا َل الَّس عَاة ْش ِق‬
‫َمْن‬ ‫ُم‬ ‫ْحَي‬ ‫ُز‬
‫َو َو َيْر َمْن َء َو ُر َن‬ ‫ّش‬ ‫ُه‬ ‫َمْن َء‬ ‫َو ُي‬ ‫َمْن َء ُه‬
‫شاَء‪ ،‬هذه ُتَس ّم ى ِص فاِت الِف ْع ل‪ُ ،‬يوَص ُف هِب ا َو ُيوَص ُف ِبـُم قاِبِلها‪ُ ،‬مَلَّخ ص ما َذَك ْر ناُه َأَّن‬
‫اَهلل َأَز ّيِل َو ِّص فاته َأَز ِلَّية‪.‬‬
‫ِه‬
‫َم َّر ة‪ ،‬جاَءت امرأة ِإىَل الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َأراَدت َاْن َتْس َأَلُه َم ْس َأَلة َتَتَعَّل ُق‬
‫بالِّنساِء ‪ ،‬فعْن َأَنٍس َر ِض َي اُهلل َعْن ُه َق اَل ‪َ :‬دَخ َلْت َعَلى َرُس وِل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُأُّم‬
‫ُس َلْيٍم َو ِعْنَد ُه ُأُّم َس َلَم َة َفَق اَلْت ‪ :‬الـَمْر َأُة َتَر ى يِف َم َناِم َه ا َم ا َيَر ى الَّر ُج ُل؟ َفَق اَلْت ُأُّم َس َلَم َة‪:‬‬
‫َت ِر َبْت َي َد اِك َي ا ُأَّم ُس َلْيٍم َفَض ْح ِت الِّنَس اَء‪َ ،‬فَق اَل الَّنُّيِب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُمْنَتِص ًر ا ُأِلِّم‬
‫ِإ‬ ‫ِن‬ ‫َّل‬ ‫ِك ِإ‬ ‫ِت‬ ‫ٍم‬
‫ُس َلْي ‪َ(( :‬ب ْل َأْن َت ِر َبْت َي َد ا ‪َّ ،‬ن َخ ْيَر ُكَّن ا يِت َتْس َأُل َعَّم ا َيْع يَه ا‪َ ،‬ذا َر َأْت اْلَم اَء‬
‫ىِن‬ ‫يها))‬ ‫ْل ْغَتِس )) س نن ال دارمي‪ ،‬ال ول ق ال‪(( :‬خ ُكَّن ال يت َت َأُل ا ِن‬
‫ُري‬ ‫َخ‬ ‫ْع‬
‫َي‬ ‫ْس َعّم َيْع‬ ‫ُري‬ ‫ّر ُس‬ ‫َف َت ْل‬
‫الِّنساِء اليت َتْس َأُل َعّم ا َيْع ِنيها ِم ْن ُأُم وِر ِديِنها‪َ ،‬و َخ ُري الِّر جاِل َك ذِلك‪ ،‬الذي َيْس َأُل َعّم ا‬
‫ِئ‬ ‫ِل هِل‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬
‫ْحَيتاُج ُه ْن ُأُم وِر ال يِن ‪ ،‬الّر ُس وُل ما َس َك َت َق ْو ا َو َأجاَب الّس ا َلة َو قاَل هَل ا‪ِ(( :‬إَذا َر َأْت‬
‫الـَم اَء َفْلَتْغَتِس ْل )) مْع َن اُه الـمرَأُة َأْيًض ا ْحَتَتلم‪َ ،‬تَر ى َش ْيًئا يِف الـمنام‪َ ،‬ف ِإذا َر َأِت الـماء َأِي‬
‫ْن‬ ‫الـم ْغَتِس ل‪َ ،‬ك ما َأَّن الَّر ل َتلم‪ ،‬ى َش ًئا يِف الـمنام ِإذا ا َق َظ لـم ْخَي ج ِم‬
‫ّيِن‬ ‫َم‬ ‫ُه‬ ‫ْس َتْي َو ُر‬ ‫ُج ْحَي َيَر ْي‬ ‫ّيِن َت‬
‫َه ْل ِجَي ُب َعَلْيِه َأْن َيْغَتِس ل؟ ال‪ِ ،‬إَّنـما ِجَي ُب َعَلْي ِه َأْن َيْغَتِس َل ِإذا َخ َر ج ِم ْن ُه الـمّيِن‪َ .‬فالَّر ُس ول‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َم َد َح الِّنساء الاليِت َيْس َأْلَن َعّم ا ْحَيَتْج َن َلُه ِم ْن ُأُم وِر ال ِد يِن ‪ ،‬والِّر جاُل‬
‫الذيَن ُه م َعَلى هذا احلال َأْيًض ا ِم َن الـمْم ُد وِح ني‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِب‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬
‫فائدة‪ :‬يِف ُلَغ الَع َر ب يْس َتْع ُلوَن َأحياًن ا َبْعَض اَألْلف اظ َك ـ"َأْح َس ن" مثاًل ـَم ْع ىَن ْن‬
‫َأْح َس ن‪َ" ،‬أْفَض ل" ِبـَم ْع ىَن ِم ْن َأْفَض ل‪َ" ،‬أَش ّد " ِبـَم ْع ىَن ِم ْن َأَش ّد ‪ ،‬ليَس َم ْع ناُه يف ُك ِّل اَألْح وال‬
‫َيكون هذا األَش ّد ‪َ ،‬أَش ّد َعلى اِإل ْطالق َو ذاَك اَألْح َس ن َأْح َس ن َعلى اِإل ْطالق‪ُ ،‬لَغُة الَع َر ب‬
‫واِس َعة‪َ ،‬أْو َس ع ُلَغة َو َأْفَض ل ُلَغ ة َو َأْس َه ل ُلَغ ة‪ ،‬ال يوَج د ُلَغ ة ِم ْث ُل ُلَغ ِة الَع َر ب‪ُ ،‬لَغُة َأهِل اَجلّن ة‬
‫َو ُلَغ ُة َأْفَض ِل اَخلْل ق َو ُلَغ ُة الُق رءان‪َ .‬عْن َعْب ِد اِهلل ْبِن َعْم ٍر و رِض َى اهلل عن ه َأَّن َرُج ال َس َأَل‬
‫ِع‬ ‫ِم‬
‫الَّنَّيِب‪َ :‬أُّي اِإل ْس َال َخ ْيٌر ؟ َق اَل ‪ُ(( :‬تْط ُم الَّطَع اَم‪َ ،‬و َتْق َر ُأ الَّس الَم َعَلى َمْن َع َر ْفَت َو َمْن َلـْم‬
‫َتْع ِر ْف )) رواه البخ ارُّي ‪ ،‬واِإل ْس الُم ِفي ِه َأْش ياء َأْح َس ن ِم ْن هذا ِبَك ِث ري‪َ ،‬لِكْن لـما ق اَل‬
‫ِل‬ ‫ِم‬
‫الرسوُل هذا‪ ،‬مْع ناُه هذا َش ىٌء َح َس ٌن يِف اِإل ْس ال َو َل ُه َمْر َتَب ٌة عا َي ٌة يِف اِإل سالم‪ ،‬ليَس َم ْع ناُه‬
‫ال و ُد ما ُه َأْح ِم ْنُه‪َ ،‬لِك ما ُه الُّس ؤال الذي ِّج َه َلُه بالُّلَغِة ال ِبَّي ة "َأُّي اِإل س الِم‬
‫َعَر‬ ‫ُو‬ ‫ْن َو‬ ‫َو َسُن‬ ‫ُي َج‬
‫ِم ِم‬ ‫ِت ِل‬
‫َأْح َس ن" َو َه كذا يِف اْس عما الن اِس الَع واِّم‪ ،‬يْس َتْع ُلوَن ْث َل هذا الّلْف ظ َليَس ِبـَم ْع ىَن َأَّن ُه‬
‫اَألْفَض ل ُمْطَلًق ا‪ ،‬اَألْح َس ن ُم ْطَلًق ا‪ ،‬ال‪.‬‬
‫الشيخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل يِف الـمْخ َتَص ر َيْنُق ل َأَّن الَّنَو ِو َّي َو َغ َريُه ق ال‪" :‬ال ِّر َّدُة َأْفَحُش‬
‫َأْن واِع الُك ف ر" َو َأنُتم َق ْد َس ـِم ْع ُتم‪َ :‬أَش ُد َأْن واع الُك ُف ر الَّتْع ِط ي ُل َو َعِق ي َد ُة اُحلُل وِل َو َعِق ي َد ُة‬
‫ِح‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬
‫الَو ْح َد الـمْطَلَق ة‪َ ،‬فما َم ْع ىَن َك ال الَّنَو ِو ّي ؟ شىٌء فا ٌش ‪ ،‬شىء شنيٌع َأْن َيكوَن الشخُص‬
‫عَلى اِإل سالم َو يُرتُك ه‪.‬‬

‫من هنا لـم يقرأه الشيخ نبيل‬

‫مث الص فاُت اَّل يت جيُب هلا الِق َد م اختَل َف فيها طائف ُة أهِل الُّس َّنِة‪ 34‬فِم ْنُه ْم َمْن ق اَل‬
‫و‬ ‫تق‬ ‫ال‬ ‫ألهنا‬ ‫ٌة‬ ‫َث‬ ‫ِص فا أزلي ٌة أي ِص فا ال َّذ اِت ‪ ،35‬فعن َد هؤالِء ِص فا األفع اِل حاِد‬
‫ُم‬ ‫ُت‬ ‫ُت‬ ‫ٌت‬
‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َعْنُه‪ :‬يِف َأَو اِخ ِر ٱْلَقْر ِن ٱلَّثاِلِث َظ َهَر َم اَم اِن ِم ْن َأْه ِل ٱلُّس َّنِة ‪َ ،‬أَح ُد َمُها ُيَقاُل ُهَل َأُبو ٱْلَح َس ِن ٱَألْش َعِرُّي َو ٱآلَخ ُر ُيَقاُل‬ ‫‪34‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬ ‫ٱ ِإ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫ُهَل َأُبو َمْنُص ْو ٍر لـامُتِر ْيِد ُّي ‪َ ،‬ه َذ اِن ْع َتَنَيا ِبَتْقِر ْيِر َع ِقْيَد ِة َأْه ِل لُّس َّنِة َم َع َبياِن َألِدِةَّل لَع ْقِلَّيِة َو لَّنْقِلَّي ِة َفَص اَر َأْه ُل لُّس َّنِة ُيْنَس ُبْو َن ىَل َه َذ ْيِن‬
‫ِإ‬
‫ٱإل َم اَم ِنْي ‪ُ ،‬يَقاُل َه َذ ا َأْش َعِرٌّي َو َه َذ ا َم اُتِر ْيِد ٌّي ‪ ،‬وٱَألْش َع ِر َّيُة َأْك ُرَث ‪َ ،‬قاَل ٱلَّز ِبيِد ُّي ‪ْ" :‬مُج ُهْو ُر ٱُألَّم ِة ٱَألَش اِع َر ُة َو ٱلـامُتِر ْيِد َّيُة “‬

‫اَألَش اِع َر ُة َيُقْو ُل ْو َن ‪ :‬الِّص َفاُت اَألَز ِلَّي ُة اَألَبِد َّي ُة ِتَكْل الَّثَم اِنَي ُة ‪ :‬اْلَح َي اُة َو اْلُق ْد َر ُة َو ا َر اَدُة َو الَّس ْمُع َو اْلَبُرَص َو اْلِع لـم َو اْلَالَكُم َو اْلَبَق اُء ‪َ ،‬و َبْع ُض‬
‫‪35‬‬

‫ِإل‬ ‫اَألَش اِع َر ِة َقاُلوا َس ْب َع ٌة ‪َ ،‬م ا َأْدَخ ُلوا الَبَقاَء يِف ِص َفاِت الـمَع ايِن ‪،‬‬

‫الـامُتِر يِد َّيُة َقاُلوا َّن ْح َي اَء ِهللا َتَع اىَل َأَز ٌيِل ‪ ،‬فاُهلل َأْح َي ا َمْن َش اَء َح َياَت ُه يِف اَألَز ِل ْح َياِئ ِه اَألَز ِّيِل َو َأْج َر ى َعلْي ِه ِص َفَة اْلَح َي اِة اْلَح اِد َث ِة يِف‬
‫ِإِب‬ ‫ِإ ِإ‬
‫الَو ْقِت اذلي َش اَء َح ياَتُه ِف يِه ‪ ،‬لـام َقاَلِت اَألْش َع ِر َّيُة ‪َّ :‬ن الَّتْك ِو ْيَن َح اِدٌث َقاَلِت الـامُتِر ْيِد َّيُة ‪َ :‬يْلَز ُم ْمُك ِم ْن َه َذ ا ْح َد اُث ِص َفاٍت يِف ِهللا َتَع اىَل لـم‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫بال َّذ اِت ِإَّنـما هَي ءاث اُر الق درِة األزلّي ِة ‪ ،‬هؤالِء هُم األش اعرُة أِي الطائف ُة الـمنسوبُة إىل‬
‫اإلماِم أيب احلسِن األشعرِّي رضَي اُهلل عن ُه‪ ،‬وليَس ذل َك قوَل مجي ِع األشاعَر ِة ب ْل هو قوُل‬
‫بعِض ِه م‪ ،‬وَغَلَب ذل َك على أكثِر األشاعرِة الـمتَأِّخ ِر يَن ‪ ،‬أَّم ا الـمتقِّدموَن فكاَن كث ٌري مْنهم‬
‫م‬ ‫َت‬ ‫حيا‬ ‫ا‬ ‫لـم‬ ‫ا‬ ‫إ‬ ‫يق وُل بأزل ِة صفاِت األفع اِل أي ا‪ .‬وصفا األفع اِل ِه‬
‫َن‬ ‫ُه‬ ‫ْن َء‬‫َش‬ ‫ُه‬ ‫ُؤ‬ ‫ْح‬
‫َي َي‬ ‫ُت‬ ‫ًض‬ ‫ّي‬
‫ِم‬ ‫ِت‬
‫الـمخلوقا وإماَتُتُه لـمْن ـُي يُتُه‪ ،‬واإلْس عاُد واإلْش قاُء وغُري ذلَك مـما ال ْحُيَص ى‪ ،‬وُيَعَّبُر عْن‬
‫ذل َك عن َد الـماتريدَّيِة بالتكويِن ‪ ،‬فالَّتكويُن عن َد ُه م صفٌة مَن الَّص فاِت القديـمِة األزلّي ِة ‪.36‬‬
‫ِة ِق‬ ‫ِم ِق ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِق‬ ‫ِق ِم‬
‫وال َيْل َزُم من َد الَّتْك ويِن َد ُم الـمَك َّو ‪ ،‬قاُلوا‪ :‬كما ال َيْل َزُم ن َد الُقْد َر ِة اإلهلَّي َد ُم‬
‫الـمْق ُد وَر اِت ‪ ،‬فهذا الَعالـم َم ْق ُد وراُت اِهلل‪ ،‬أحدَث ُه اُهلل بقدرِت ِه األزلّي ِة‪ ،‬فالُق ْد رُة أزلي ٌة‬
‫ومتعَّلُقها وهو العالـم حادٌث ‪ ،‬قاُلوا‪ :‬كذلَك التكويُن أزٌّيل والـمَك َّو ناُت حادَثٌة‪ ،‬وُيعَّبُر عْن‬
‫َظ‬ ‫و‬ ‫َك‬ ‫كذل‬ ‫كان‬ ‫فإذا‬ ‫‪،‬‬ ‫‪37‬‬
‫ٌث‬ ‫حاد‬ ‫ُل‬‫و‬ ‫ومف‬ ‫ٌّيِل‬ ‫َأ‬ ‫ذلَك أي ا بالفعِل ‪ ،‬ف قاُل ‪ِ :‬فع اِهلل‬
‫َر‬ ‫َه‬ ‫َنَّي‬
‫َب‬‫َت‬ ‫ُه‬ ‫ُع‬ ‫َز‬ ‫ُل‬ ‫ُي‬ ‫ًض‬
‫أَّنه َتَبارَك وتعاىل لـم َيْز َدْد بإحداِثِه اَخلْلَق صفًة حادثًة‪.‬‬
‫إىل هنا لـم يقرأه الشيخ نبيل‪.‬‬

‫الدرس اخلامس‪:‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬لْيَس َبْع َد َخ ْل ِق الَخ ْل ِق اْس َتَف اَد اْس َم الَخ اِلِق ‪َ ،38‬و ال‬
‫بِإ ْح َد اِثِه الَبِر َّيَة اْس َتَف اَد اْس َم الَباِر ِئ ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن ُه لـم َيتجدْد ِهلل تعاىل ِص َف ٌة بإحَد اِثِه الِرَب َّيَة‪ ،39‬والربَّيُة اخلْل ُق ‪ ،‬فُه َو تبارَك‬
‫وَتع اىل اِل َقب ُد وِث اخلْل ِق ‪ ،‬وباِر ٌئ قب دوِث الربي ِة كما أن ق اد قب و وِد‬
‫ُه ٌر َل ُج‬ ‫َل ُح‬ ‫َخ ٌق َل ُح‬
‫َتُكْن ِبُو ُج ْو ِد الـمَكَّو ِن ‪َ ،‬فَقاَلِت اَألَش اِع َر ُة‪َ :‬ه ِذِه الِّص َفاُت َال َتِز ْيُد ابِهلل َش ْيًئا ألَّنُه َّنـام ُيَكِّوُن ِبُقْد َر ِتِه ‪َ ،‬فَقاَل الـامُتِر ْيِد َّيُة ‪ :‬الَك ُم ِهللا َتَع اىَل َق ِد ٌمْي‬
‫ِإ‬
‫َو َقاَل َتَع اىَل ِبالَك ِم ِه الَقِد ِمْي إ ِّنُه الـمْحيِي الـمِم ْي ُت اْلَخ اِلُق ‪َ ،‬فَال ُبَّد ِم ْن ِق َد ِم ا ْح َياِء َو ا َم اَتِة َو اْلَخ ْلِق ‪ ،‬اهـ‬
‫ِإل‬ ‫ِإل‬
‫َفالَّتْك ِو ْيُن ِع ْنَد ْمُه ِص َفٌة ِم ْن ِص َفاِت ٱهَّلْل األَز ِلَّيِة وُيَع ُرَّب َع ْنُه ابْلَخ ْلِق والَّتْخ ِلْي ِق واإلْح َد اِث والاْخ َرِت اِع َو ْحَن ِو َٰذَكِل ‪.‬‬ ‫‪36‬‬

‫َقاَل ٱْلُبَخ اِر ُّي َو َأُبو َح ِنْي َفَة ‪ِ" :‬ف ْع ُهُل َتَع اىَل ِص َفٌة ُهَل يِف ٱَألَز ِل َو ٱلـمْف ُع ْو ُل َح اِدٌث “‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َف ْن ِق ْيَل‪َ :‬كْي َف َيِص ُّح َٰذَكِل ؟ ُيَقاُل َلُهْم ‪ :‬اَمَك َيِص ُّح َو ْص ُفُه ِب ْلَقاِد ِر َقْب َل ُح ُد ْو ِث َه ِذِه لـمْقُد وَر اِت َأِي ْلَع الـم َك َٰذ َكِل َيِص ُّح َو ْص ُفُه ب ْلَخ اِلِق‬ ‫‪38‬‬

‫َقْب َل ِإ ُح ُد ْو ِث ٱلـمخُلْو َقاِت ‪.‬‬


‫الـمْق ُد وَر اِت أِي العالـم‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬ل ُه َم عَنى الُّر ُبوِبَّي ِة َو ال َم رُب وَب ‪َ ،‬و َمعَنى الَخ اِلِق َو ال‬
‫َم خُلوَق ‪.‬‬
‫ِد‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِص‬
‫الش رُح ‪ :‬أَّن اَهلل تع اىل كاَن ُمَّت ًف ا باخلالقَّي والُّر ُبوِبَّي قب َل وج و الـمخلوقَني‬
‫والـمْر ُبوِبَني ‪ ،‬حنُن العالـم مربوُب وَن ِهلل أْي خمُلوُق وَن َل ُه‪َ ،‬فَق ْب َل وُج وِد ن ا كاَن َتع اىل ُمَّتِص ًف ا‬
‫بالُّر وِب ِة‪ 40‬وبص فِة اخلاِلِق َّي ِة‪ ،‬لـم ْحَتُد ْث َل صفُة الربوب ِة بوجوِدن ا وال اخلاِلق ِة بوج وِد‬
‫ّي‬ ‫ّي‬ ‫ُه‬ ‫ُب ّي‬
‫الـمخلوقَني ‪.41‬‬

‫ِي‬ ‫ِّل ِح‬


‫قاَل الـمؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َك َم ا َأَّنُه ُمْح ي الـموَتى َبعَد َم ا َأحَيا اس َتَح َّق هذا االس َم‬
‫َقبَل إحياِئِه م‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬أَّن اَهلل تب ارَك وتع اىل كاَن مَّتِص ًف ا باإلحي اِء َقب َل حدوِث اخلل ِق مث َأج َر ى‬
‫عليِه ُم احلياَة اليت هَي حاِدَث ٌة‪ ،‬وكذلَك ُيقاُل يف َك وِن ه تعاىل ُمـِم يًتا أي أن ه تبارَك وتعاىل‬
‫كاَن ْحُمِيَي الـموتى يف األزِل َقب َل ُح دوِث الـَم وَتى‪ ،‬وُح دوُث الـَم وتى ال ُينايف ِق َد َم إماَتِت ه‬
‫ِد‬ ‫ِد‬ ‫ِل‬
‫هلم‪ ،‬وكذ ك إحي اُء الِعب ا ال ذيَن َأج َر ى عليِه م ِص َفَة احلي اِة احلا َث َة ال َيقَتِض ي ُح دوَث‬
‫َك ْو ِنِه ْحُمِيًيا هلم‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬كَذ ِلَك اْس َتَح َّق اْس َم الَخ اِلِق َقْبَل ِإْنَش اِئِه م‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أنه مسَتِح ٌّق لالِّتصاِف بـمعىن اخلالِق َقبَل إْنشاِء اخلْلِق ‪ ،‬والـُم راُد ِباإلْنشاِء هنا‬
‫ٱْلَخ ْلُق ُيْط َلُق َو ُيَر اُد ِبِه ٱلـمْح َد اَث ُت ‪َ ،‬و ُيْط َلُق َو ُيراُد ِبِه ٱ ْنَس اُن َفِفي َقوِهِل َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬أْو َلِئ َك ْمُه ُّرَش ٱْلِرَب َّي ِة ﴾ [ُس وَر َة ْلَبِّيَن ِة ‪ِ ]6 :‬لْلُكَّف اِر ِبٱلـمعىَن‬
‫ٱ‬
‫‪39‬‬

‫ٱَألِّمَع‪َ ،‬أْي ِّرَش ٱلـمْخ ُلْو قاِت ‪َ ،‬فُيْس َتفاُد ِم ْنُه َأَّن ٱْلَحَرَش اِت َوِإلٱْلَهَباَمِئ َخٌرْي ِم َن ٱْلُكَّف اِر ِع ْن َد ِهللا َألهَّن ا َلْيَس ْت ُم َّلَكَف ًة َفَتْع يِص َر َهَّبا‪َ ،‬أَّم ا َه ُؤ الِء‬
‫ٱلُكَّفاُر ُم َّلَكُفْو َن َفَعَص وا َر ُهَّبْم ‪َٰ ،‬ذلَكِل َهُؤ الِء صاُر وا َّرَش ٱلِرَب َّيِة أْي َّرَش ٱْلَخ ْلِق ‪.‬‬
‫َقاَل ٱلَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪َ :‬و َّنـام َقاَل ‪ُ :‬هَل َم عىَن ٱلُّر ُبْو ِبَّيِة َو َم عىَن ٱْلَخ اِلِقَّي ِة ‪َ ،‬ألَّن ٱْلَخ اِلَق ُه َو ٱلـمْخ ِر ُج ِللْىَّش ِء ِم َن ٱلَع َد ِم ىَل ٱلُو ُج ْو ِد ال‬ ‫‪40‬‬

‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫َغَرْي‬


‫فاُهلل َتَع اىَل َم ْو ُص ْو ٌف ِبِص فاِت الَمَكاِل َقْب َل َأْن َيُكْو َن َأَح ٌد ِم ْن َخ ْلِقِه َم ْو ُج ْو ًدا‪.‬‬ ‫‪41‬‬
‫أثُر ُه‪ ،‬ألَّن اإلنشاَء إذا ُأريَد بِه ِص َفُة اِهلل فهَو ِم َن الِّص فاِت األزلّيِة‪.‬‬
‫وأزلّي ُة َخ اِلِق َّيِت ِه وُر بوبَّيِت ِه َيستلزُم أْن ال حَي ُدَث ل ُه بإنش اِء اخلل ِق صفٌة حادث ٌة‪ ،‬وهو‬
‫بص فِته األزلّي ِة أنش َأ م ا أنش َأ مَن الـمحَد ثاِت ‪ ،‬فُثب وُت قدرِت ه على كِّل ش ىٍء ُيْف َه ُم من ه‬
‫ُح دوُث ُمنَش آِته وخملوقاِته‪ ،‬وأزليُة إحياِئه وإماَتِته لـما أحياُه وأماَتُه مَن الـمخلوقاِت ‪ .‬هذا‬
‫ِت‬ ‫ِل‬
‫احلكُم ينطب ُق على اإلمجا وعلى التفصيِل ‪ ،‬فإذا ُقلنا أنشَأ اُهلل تعاىل الـمحَد ثا اليت شاَء‬
‫هلا احلياَة بإحداِث ه األزِّيل وإحياِئِه األزِّيل فهو كقوِلنا عن َد التفصيِل ‪َ :‬أْح َي ا اُهلل تعاىل فالًن ا‬
‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِة‬
‫بصف اإلحيا اليت هي ثابت ٌة ل ُه يف األز ‪ ،‬وهذا الـمذهُب الذي قَّر ْر َنا والذي هو مذهُب‬
‫السلِف أنَس ُب وأق وى إلبطاِل القوِل حبوادَث ال أوَل هلا ألن ه علي ِه ِفْع ُل ُه ِلْلَح واِدِث َأزٌّيل‬
‫فال َيَتَو َّه ُم َأَح ٌد َأَّنُه حَي تاُج إىل ِفْع ٍل ءاَخ َر ‪.‬‬
‫ابُن َتْيِم َي ة َيُق ول َقْو ال َغ َري َم ْع ُق ول‪َ ،‬يُق ول‪ :‬هذا العالـم ِج ْنُس ُه َأَز ّيِل‪ِ ،‬ج ْنُس ُه لـم َيَز ل‬
‫َمَع اِهلل َأّم ا َأْف راُدُه‪ ،‬هذا َو هذا َو هذا هذه اَألْف راد حاِد َثة ْخَمُلوَقة‪َ ،‬يُق وُل ِج ْنُس هِذ ه اَألْف راد‬
‫ْن‬ ‫لـم ل اهلل‪ ،‬هذا ُك ُف ر َتْك ِذ ي للُق رءان‪ ،‬هذا ا َأَّن ا تع اىل لـم ْخَيُل ق ِج‬
‫َس‬ ‫َو ُم َؤ ّد ُه َهلل‬ ‫ٌب‬ ‫َيَز َم َع‬
‫العالـم واُهلل َيُق ول ﴿ُق ِل اُهلل َخ اِلُق ُك ِّل َش ْي ٍء (‪ ﴾)16‬س ورة الرع د‪َ ،‬يْع ىِن هذا ِم ْن هذه‬
‫َأ‬ ‫العالـم‬ ‫َك الِم ِه َأَّن ِج‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ال اِح ة ِش ك‪َ ،‬أ َك ِج العالـم اِهلل يِف اَأل ِل‬
‫ّيِل‬ ‫َز‬ ‫َس‬ ‫ْن‬ ‫ىَن‬ ‫ْع‬ ‫َم‬ ‫ّي‬ ‫َز‬ ‫َم َع‬ ‫ّن َي ْر ْش َر ْنَس‬
‫كما َأَّن اَهلل َأَز ّيِل‪َ ،‬يُقول‪ :‬اُهلل ال ِبداَيَة َلُه وِج ْنُس العالـم ال ِبداَيَة َلُه‪ ،‬هذا َغ ُري َم ْع ُق ول‪ .‬ما‬
‫ِن‬ ‫ِجل‬
‫ُه َو ا ْنس الذي يِف اإلنسان؟ اإلنسانّية‪َ ،‬أْيَن َتُك وُن اِإل نسا ّية ِإال يِف الَف ْر د؟ ِإذا كاَن الَف ْر ُد‬
‫ْحُمَد ًثا هذا اِجلْنُس الذي ِفي ِه ال َيكوُن ِإال ْحُمَد ًثا‪َ ،‬ألَّن َعَنْي هذا الَف ْر د ْحُمَد ث‪ِ ،‬ج ْنُس ُه الذي‬
‫ِنِه ِد ِج‬ ‫ِه‬
‫ُه َو في ماذا َيكوُن ِإال ْحُمَد ًثا! َفكالُم ُه َغ ُري َم ْع ُق ول‪َ ،‬يُق وُل هذا الَف ْر ُد ِبَعْي حا ث‪ْ ،‬نُس ُه‬
‫َأَز ّيِل‪ ،‬لـماذا َيُق وُل هذا؟ َح ىّت َيِص َل ِإىَل الَق ْو ل الذي ُه َو َيقوُله‪ِ :‬بَأَز ِلَّي ِة ِج ْنِس الَع ْر ش‪َ ،‬ألَّن‬
‫ِج نس العرش لـم َيَز ل َمَع اهلل َعَلى َز ْع ِم ِه َو هذا ِش ْر ك‪َ ،‬م ْع ناُه َأَّن اَهلل لـم ْخَيُلق هذا اِجلْنس‪،‬‬
‫هذا ُك ُف ر َو هذا َغ ُري َم ْع ُق ول َو هذا َتْك ِذ يٌب للُق رءان َو َتكِذ يٌب للرُس ول‪(( :‬كاَن اُهلل َو لـم‬
‫َيُك ن َش ىٌء َغ ُريه)) رواه البخ اري‪ِ ،‬ج نس العالـم َغ ُري اهلل‪ ،‬لـم َيُك ْن يِف اَألَز ل‪ ،‬هذا ِبَنِّص‬
‫َك الِم الرُس ول‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح ه ا ‪َ :‬ذِل َك ِبَأَّن ُه َعَلى ُك ِّل َش ىٍء َق ِد ي ‪ُ ،42‬ك ُّل َش ىٍء إَلي ِه‬
‫ٌر َو‬ ‫َم ُهلل‬
‫ِم‬ ‫ِم ِل ِه‬ ‫ٍء‬ ‫ِه ِس‬ ‫ِق‬
‫َف يٌر ‪َ ،‬و ُك ُّل َأمٍر َعَلي َي يٌر ‪ ،‬ال َيحَت اُج إلى َش ى ‪َ ،‬ليَس َك ث َش ىٌء َو ُه َو الَّس يُع‬
‫الَبِص يُر ‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬قوُل ه‪" :‬ذل َك " إشارٌة إىل مجي ِع ما تَق َّد َم ِم ـَّم ا ُذَك َر ِم ْن ِص فاِته‪ ،‬واُهلل تعاىل‬
‫ُقْد َر ُت ُه ُم َؤ ِّثرٌة يف كِّل ش ىٍء ‪ 43‬أْي يف كِّل م ا َيْق َب ُل ال ُّد ُخ وَل يف الُو ُج وِد ‪ ،‬وُك ُّل م ا ُه و‬
‫وِدِه قاِئِه‪ ،‬وكُّل ما و َك ذلَك ف و لي ِه‬ ‫ِإ ِه‬ ‫ِق ِإ ِه‬
‫ُه َع‬ ‫ُه‬ ‫كَذ لك َفُه َو َف ٌري َلْي َأْي ْحمتاٌج َلْي يِف ُو ُج َو َب‬
‫َيسٌري‪ ،‬وال َيْلَح ُق ُه يِف ِإجياِدِه َم َش َّق ٌة‪ .‬والـمراُد بنفِي الـمماثلِة عِن اِهلل تع اىل َنْف ُي الـمماثلُة‬
‫ِم ْن مَج يِع الُو ُج وِه والـمماَثلُة ِم ْن َو ْج ٍه واِح ٍد ‪َ ،‬فُك ُّل ذلك ُمْس َتِح يٌل‪.‬‬
‫ِب‬ ‫ِب‬ ‫ِل ِح‬
‫الَّس َلف الّص ا ح‪َ ،‬ني َيُقولون‪ :‬اُهلل تعاىَل اْس َتَو ى ال َك ْيف‪َ ،‬أْو َل ُه َيٌد ال َك يف‪َ ،‬أْو‬
‫َعٌنْي ِبال َك ْيف‪َ ،‬أْو َو ْج ٌه ِبال َك ْيف‪َ ،‬يْع ُنوَن ِبذِلَك َنْف ُك ِّل ما ُه َو ِم ْن ِص فات اَخلْل ِق ‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫َي‬
‫هذا اُجلزء الـمعُه ود (َو َأش ار الش يخ نبي ل ِبَي ِدِه اليسرى ِإىَل َي ِدِه الُيْمىَن ) َيْع ُن وَن َنْف َي َأْن‬
‫َيُك وَن ِهلل تع اىل َك ما لإلْنساِن هذا اُجلزء الـمعُه ود هذا الَو ْج ُه الـمعُه ود‪ ،‬هذه الَي ُد‬
‫الـمعُه ودة‪ ،‬هذه اَألصاِبع الـمعُه ودة‪َ ،‬يْع ُن وَن َأَّن اَهلل تع اىَل ال جُي وُز َأْن َتكوَن َل ُه َأْع ضاء‬
‫َو َج واِرح َو َش ْك ل َو َهْيَئ ة َو ُص وَر ة‪ ،‬هذا َم ْع ىَن َقْو ِهِلم‪ِ :‬بال َك ْي ف‪ .‬الَو ّه اِبَّي ة ْحَيت اُلوَن َعَلى‬
‫الّن اس‪ ،‬يسَتْع ِم ُلوَن َنْف س الَّلْف ظ‪َ ،‬يُقولون‪ :‬حنُن َنُق ول ﴿الرٰمحُن َعَلى الَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾ ِبال‬
‫َك ي ف‪َ ،‬ل ُه َي ٌد ِبال َك ي ف َل ُه َعٌنْي ِبال َك ْي ف‪َ ،‬أصاِبع ِبال َك ْي ف‪ ،‬م اذا ُيِر ي ُد وَن ِم ْن ذِل ك؟‬

‫ُهللا َتَع اىَل ُيْط َل ُق َعَلْي ِه ْىَش ٌء ِبَم ْع ىَن َم ْو ُج ْو ٍد ‪َ ،‬لْيَس َلْف ُظ الْىَّش ِء َخ اًّص ا اِب لـمْح َد ِث ‪َ ،‬ب ْل ُيْط َل ُق َعىَل الـمْو ُج ْو ِد اْلَح اِدِث َو ُيْط َل ُق َعىَل‬ ‫‪42‬‬

‫ٱ‬
‫الـمْو ُج ْو ِد الَقِد ِمْي اَألَز ِّيِل َو ُه َو ُهللا َتَع اىَل ‪َ ،‬ق اَل َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬ق ْل َأُّي ىَش ٍء َأْك ُرَب َش َهادًة ُق ِل ِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة اَألنَع اِم‪َ ]19 :‬فَه ِذِه اآلَي ُة َد ِلْي ٌل َعىَل َج َو اِز‬
‫َتْس ِم َيِة ِهللا َتَع اىَل اِب لْىَّش ِء ‪ ،‬فاُهلل َتَع اىَل ْىَش ٌء َال اَك َألشَياِء ‪،‬‬

‫َال َيْد ُخ ُل يِف َمْع ىَن ٱلْىَّش ِء ُه َنا َذ اُت ِهللا َو ِص َفاُتُه‪َ ،‬فَلْيَس ٰذ َكِل ُم َر اُد ِهللا يِف قوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُه َو َعٰىَل ِّلُك ىَش ٍء َقِد يٌر ﴾ [ُس وَر َة الَّتَغ اُبِن ‪َ ]1 :‬ألَّنُه‬ ‫‪43‬‬

‫َم ْخ ُص ْو ٌص اِب َّدل ِلْي ِل اْلَع ْقِّيِل َفال ُيَق اُل َّن ُه َق اِد ٌر َعىَل َذ اِت ِه ‪َ ،‬ألَّن ُق ْد َر َة ِهللا َال َتَتَع َّل ُق اِب ْلَو اِج ِب اْلَع ْقِّيِل َألَّن ُه َال َيْقَب ُل اْلَع َد َم ‪َ ،‬و َال َتَتَع َّل ُق‬
‫ِإ‬
‫اِب لـمْس َتِح ْي ِل الَع ْقِّيِل َألَّنُه َال َيْقَبُل اُّدل ُخ ْو َل يِف اْلُو ُج ْو ِد ‪َ ،‬بْل ُقْد َر ُة ِهللا َتَتَع َّلُق اِب لـمْم ِكَناِت اْلَع ْقِلَّيِة َأْي يِف ِّلُك َم ا َيْقَب ُل اُّدل ُخ ْو َل يِف اْلُو ُج ْو ِد ‪،‬‬
‫اهـ‬
‫ِل‬ ‫ِط‬
‫ُيِر يُد وَن َأَّننا ال َنْع ِر ُف هذا الَك ْيف َو َأَّن َلُه ْخَت يًطا َو َش ْك اًل َو َهْيَئًة ْخُمَت ًف ا‪ ،‬ال َيْع ُن وَن ما َعناُه‬
‫الَّس َلف‪ ،‬السَلف ِح َني َيُقولون‪ِ :‬بال َك ْيف‪ُ ،‬يِر يُد ون َنِف ي ُك ّل ما ُه َو ِم ْن ِص فات اَخلْل ق َعِن‬
‫ِط ِك‬ ‫ِة‬ ‫ِب‬ ‫ِهلل‬
‫ا تع اىَل ‪ .‬الَو ّه ا َّي ة ال ُيِر ي ُد وَن َنْف َي الـمماَثَل بالـمَّر ة‪ ،‬ال‪ ،‬بل ُيِر ي ُد وَن َأَّن َلُه ْخَت يًطا َل ْن‬
‫هذا الَّتْخ ِط يط ال َنْع ِر ُف ه‪َ ،‬أَّن َل ه َش ْك اًل َلِكن هذا الَّش ْك ل ال َنْع ِر ُف ُه‪َ ،‬أَّن َل ُه ُعْض ًو ا َو َك ْيِف ّي ة‬
‫هذا الُعضو والكيفي ة حنُن ال َنْع ِر ُف ُه‪ ،‬هكذا‪َ ،‬جُمَّر د اللْف ظ ْجَيروَن ُه َعَلى َأْلِس َنِتِه م‪ِ" ،‬بال‬
‫َك ْيف" ليَس َم َع اْع ِتقاِدِه م الـمْع ىَن الذي ُيِر ُيدُه الَّس َلف‪َ ،‬فهذا َيْنَبِغي َأْن ُيْع لم َح ىّت ال يُظَّن‬
‫ظاٌن َأَّنُه م ُيواِفُقوَن الَّس َلف‪ ،‬ال‪ُ ،‬ه م ال ُيواِفُقوَن الَّس َلف ِإَّنـما باللْف ظ َفَق ط َيْس َتْع ِم ُلوَن هذا‬
‫اللْف ظ للَّتْم ِو يِه َعَلى الّناس‪.‬‬
‫كاَن ُيوَج د يِف الّش ام َر ُج ل اُمْسُه ناِص ُر الِّدين اَألْلباُّيِن َأُبوُه جاَء ِب ِه ِم ْن َبَل د اَألْلبان‪،‬‬
‫هذا كاَن َو ّه اِبًّيا ِم َن اَألقحاح‪( ،‬الُقُّح اخلالص من الُّل ْؤ م والَك َر م ومن كل شيء يقال َلئيم‬
‫ِإ‬
‫ُقٌّح ذا كان ُمْع ِر قا يف اللؤم وَأعرايب ُقٌّح وُقحاٌح َأي ْحَمُض خالص‪ .‬لسان العرب) َّمُث جاَء‬
‫ِإىَل اَأل ن صا ِض ُّل الّن اس ما ناَك ‪َ ،‬ل َك ناَك ‪َّ .‬ر ًة َأَل َش ص ِم مَج ا ِتِه‬
‫َم َس ُه ْخ ْن َع‬ ‫َو َت ُه َه ُه‬ ‫ْر ُد َو َر َي‬
‫قاَل َل ُه‪َ :‬يْع ِرَت ُض وَن َعَلْينا‪ُ ،‬ه ْم ُيَفِّس ُر وَن َح ِد يث‪َ(( :‬يْن ِز ُل َر ُّبَن ا َتَب اَر َك َو َتَع اىَل ُك َّل َلْيَل ٍة ِإىَل‬
‫َس ـَم اِء ال ُّد ْنَيا ِح َني َيْبَق ى ُثُلُث الَّلْي ِل اآلِخ ُر َفَيُق وُل َمْن َي ْد ُعويِن َفَأْس َتِج يَب َل ُه َمْن َيْس َأُليِن‬
‫ِل ِق ِق‬ ‫ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِط‬
‫َفُأْع َي ُه َمْن َيْس َتْغ ُر يِن َفَأْغ َر َلُه)) رواه أبو داوَد‪ ،‬بالُّنُز و اَحل ي ِّي ‪ ،‬قاَل ‪ :‬يُقولوَن َلنا‪َ :‬لْو‬
‫كاَن اُهلل َيْن ِز ُل ُنُز واًل َح ِق يِق ًّي ا َك ي َف َيُك وُن هذا واللي ُل َيُك وُن يِف َم كاٍن ويِف َم كاٍن َيُك وُن‬
‫ِص‬ ‫ِل‬ ‫ِز ِل‬
‫هَن ار؟ َم ْع ن اُه يكون اُهلل ن ا اًل طا ًع ا َعَلى ُمْق َتَض ى َقْو ن ا‪ ،‬ق اَل َل ُه نا ُر ال ِّدين اَألْلب اّيِن ُه َو‬
‫َيَتَك لـم بالَّلْه َج ة الُّس وِر ّية‪" :‬ليش هاْك ِلني ُّمَهو؟ ُه ِّو ِبَد ِّبر حاُلو"‪َ ،‬يَتَك لم َعِن اِهلل تعاىل‪.‬‬
‫َبْعُض َأْتباِع ِه يِف ِد َم ْش ق لـما كاَن َش ْيُخ نا ُه ن اَك َر َمِحُه اهلل‪ُ ،‬يوَج د َم ْس ِج د ُيَس ّم ى‬
‫َم ْس ِج د ال َّد ّقاق يِف ِدَم ْش ق‪ ،‬يِف َح ّي الـمْيدان‪ ،‬يِف ِبالد الّش ام ِح َني ُيَؤ ِّذُن ون ُيَص ُّلوَن َعَلى‬
‫الَّنّيِب ِبَص ْو ِت الـمَؤ ِّذن‪ :‬الصالُة والسالُم َعَلْي َك يا َرُس وَل اهلل َو ْحَنِو ذلك‪ ،‬واِح د ِم ْن مجاعة‬
‫اَألْلب اّيِن كاَن يِف الـمسِج د َو الـمَؤ ِّذن ِح َني َأَّذن َجَه َر بالص الِة والسالِم َعَلى َرُس وِل اهلل‪،‬‬
‫َفقام ذاَك ال ّه ا َيْص خ قاِئاًل ‪" :‬هذا ال ُجَيوز‪ ،‬هذا كالذي َيْنِكُح ُأَّم ُه" ِإىَل هذا اَحلِّد يِف‬
‫َو ّيِب ُر‬
‫ِب‬
‫الَّش ناَعة الَو ّه ا ّي ة‪َ ،‬ش َّبَه هذا بالِّز ىَن باُألّم‪َ ،‬م َع َأَّن هذا طاَع ة‪ ،‬الن ُّيب قال‪َ(( :‬مْن َذَك َر يِن َمْن‬
‫َفْلُيَص ِّل َعَلّي )) أْخ َر َج ه احلاِف ُظ الَّس خاِو ُّي يف كتاِب ِه الق ول الب ديع يف الص الة على الن يب‬
‫ِدِه‬
‫الشفيع‪ ،‬وقال ال بأَس بإسنا ‪ .‬الـمَؤ ِّذن َذَك َر ُه َفَص َّلى َعَلْي ه‪ ،‬ما قاَل الّر ُس ول َفْلُيَص ِّل َعَلَّي‬
‫ِس ًّر ا َو ال ْجَيَه ر بالص الِة َعَلّي ‪ ،‬م ا ق اَل ذل ك‪ ،‬هذا َحَص َل ِم ْن ْحَنِو ْمَخِس َني َس َنة‪ ،‬فالش يخ‬
‫َذَه َب ِإىَل ُمْف يِت ُس وِر ّيا يِف ذِلَك ال ْقت امسُه َأبو الُي ر عاِبِدين َو َذَك َلُه ماذا ْجَيِر ي ِم ْن َأْم ِر‬
‫َر‬ ‫ُس‬ ‫َو‬
‫ناِص ِر الِّديِن اَألْلباّيِن‪ ،‬فقاَل َلُه َأبو الُيُس ر‪َ" :‬أنا يِل َيوَم الِق ياَم ة َو ْقَف ة َمَع َم شاِيخ سوِر ّيا ألهنم‬
‫ال ُيساِعُد ونيِن َعَلى ِإْنكاِر الـمنَك ر"‪.‬‬
‫َذَهْبنا َم َع الشيخ َعْب ِد اهلل ِإىَل شيِخ الُقضاِة يِف محص امسه الش يخ َعْب د الَعزيز عيون‬
‫الُّس ود َر َمِحُه اهلل‪ ،‬كاَن ِحُي ُّب الّش يخ َو ْحَيِرَت ُم ُه‪َ ،‬ح ىّت ِإَّنُه لـما جاَء َو َلُد ُه ِبالَعرْي ان‪ ،‬اللنَب الذي‬
‫ْخُيَل ط َم ع الـماء َو َض َّيَف نا َفَش ِر ْبنا‪ ،‬لـما َفَر َغ الشيخ ِم َن الَّش راب ِم ْن هذا الكوب‪َ ،‬أراَد َأْن‬
‫ِك‬ ‫ِط‬
‫ُيْع َي َو َل دُه‪َ ،‬فَم َّد َي َد ُه الش يخ َعْب ُد الَعزي ز َف َأْنَز َل الش يخ الكوب‪ ،‬فاِرغ‪ ،‬وَل َّن ُه َس َح َب‬
‫الكوب َو صار يش َر ب الُّنَق ط الباِقي ة ِفي ِه َيَتَبَّر ك بالش يخ‪ .‬هذا الش يخ َعْب د الَعزي ز ق اَل‬
‫ِللش يخ َعْب ِد اهلل‪ :‬الَو ّه اِبّي ة َي ْد َفُعوَن َألْش َه ر َثالَث ة َم ش اِيخ يِف ُس وِر ّيا الـمال ِلَيْس ُك ُتوا َعِن‬
‫الَّتْح ِذ يِر ِم ْنُه م‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬خ َل َق الَخ لَق ِبِعلمِه َو َق َّد َر َلُه م َأْق َد اًر ا وَض َر َب َلُه م‬
‫ءاجاال ولـم َيْخَف َعَليِه َش ىٌء َقْبَل َأن َيْخ ُلَق ُه م‪َ ،‬و َعلم َم ا ُه م َعاِم ُلوَن َقبَل َأْن َيْخ ُلَق ُه م‪.‬‬
‫الش ر ‪َ :‬أَّن اَهلل تب ارَك وتع اىل َخ َل َق اخلْل َق َعلى َح ِب ِعلمِه اَألزِّيل وَتْق ِد يِرِه‬
‫َس‬ ‫ُح‬
‫اَألزِّيل‪ ،44‬وَق َّد س بحاَنه مق ادي اخلل ِق م اخلِري والَّش ِّر والَّطاع ِة والـم ِص ِة وال ِّر زِق‬
‫ْع َي‬ ‫َن‬ ‫َر‬ ‫َر‬
‫والَّس عاَدِة َو الَّش قاوِة وحنِو ذل َك ‪ ،‬وقَّد َر ءاجاَل اَخلالئِق ‪ ،‬ولـم ْخَيَف علي ِه شىٌء مـما َح دَث‬
‫ومـما ْحيُدُث إىل م ا ال هِن اي َة ل ُه‪ ،45‬فالـمخلوقاُت ال يت خلَق ها فدخَلْت يف الُو ج وِد وال يت‬

‫َم ا َس َبَق ِبِه ِعلـمُه َو َم ِش ْي َئُتُه‪.‬‬ ‫َتْقِد ْيُر ِهللا َتْد ِبُرْي ِهللا ‪َ ،‬و َتْد ِبُرْي ِهللا َجْياُد ِهللا اَألْش َياَء َعىَل‬ ‫‪44‬‬

‫ِإ‬
‫َو َم ا َس َيُكْو ُن َو َم ا َال َيُكْو ُن َأْن َلْو اَك َن َكْي َف اَك َن َيُكْو ُن “‬ ‫َقاَل َبَع ُض ُهُم ‪ُ" :‬هللا َعالـم يِف اَألَز ِل ِبِّلُك َم ا َاكَن َو َم ا َيُكْو ُن‬ ‫‪45‬‬
‫ِم‬ ‫ِع ِح‬ ‫ِل ِع ِم ِه‬ ‫ِد‬
‫َس ُتْخ َلُق ولـم َتْد خْل يف الُو ُج و بْع ُد ُك ٌّل َع َم ُه ب ل اَألَزِّيل الذي هو لٌم وا ٌد شا ٌل‬
‫يَتَعَّل ُق بساِئِر الـمْم ِكناِت الَعقلي ِة وِبالواِج ِب الَعقلِّي وبالـُم سَتحيِل ‪ 46‬الَعْق ِلِّي ‪ِ ،‬ب ِه ُه َو عالـم‬
‫ُك َّل ما حَدَث وُك َّل ما َسَيْح ُدُث إمْج اال َو تْف صيال‪ ،47‬وال َيْلَزُم ِم ْن ذلك تغُّيُر الِعلم‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َأَم َر ُه م ِبَطاَعِتِه َو َنَه اُه م َعْن َمعِص َيِتِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اَهلل تعاىل أمَر العباَد بالطاعِة وهناُه م عِن الـمْع صيِة ْحتِق يًق ا لـمْع ىن االْبِتالِء ‪،‬‬
‫َألَّن َأواِم َر اِهلل تع اىل َو َنواِه َي ُه الْبِتالِء الِعب اِد واْخ ِتب اِر ِه م ِلُيْظِه َر الـمِط يع ِم َن العاِص ي َعَلى‬
‫ِم ِع‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِه ِع‬
‫َح َس ِب ما َسَبَق ِب لمُه َو َيَتَح َّق َق ْنُه م ما ُخ ُقوا َلُه َن ال باَدة‪ ،‬قاَل تعاىل‪َ﴿ :‬و َم ا َخ َلْق ُت‬
‫ِب‬ ‫ِن‬ ‫ِإ ِل‬ ‫ِجل‬
‫ا َّن َو اِإل ْنَس ال َيْع ُب ُد و (‪ ﴾)56‬س ورة ال ذاريات‪َ ،‬أْي آلُم َر ُه م عب اَديِت َو َأهْن اُه م َعْن‬
‫َم ْع ِص َييِت ‪.‬‬
‫اُهلل تعاىل َيْبَتِلى ِعباَدُه مِب ا شا ال ُيْع َت ُض َعَلْيِه‪َ ،‬يْع ىِن ِإذا واِح د َس َأَلُك م لـم ُيوَج د يِف‬
‫َر‬ ‫َء َو‬
‫الق رءان ءاي ات ْحمَك مات َو ءاي ات ُمَتش اهِب ات؟ لـم ُيوَج د يِف َك الِم الّر ُس ول َأحاِد يث‬
‫ُمَتشاهِب ة َو َأحاِد يث ْحُمَك َم ة؟ لـم لـم َتْأِت ُك ُّل الُّنُصوص َعَلى َو ْج ِه الـمْح َك م؟‬
‫ُيقاُل ‪ :‬اُهلل تعاىل َيْبَتِلى ِعباَدُه مِب ا شاَء َو ال ُيْع َتَر ُض َعَلْي ِه‪ ،‬اُهلل تعاىل َأْو َح ى للرسوِل َأْن‬
‫ِم‬ ‫ِلِع ِدِه‬ ‫ِت ِم‬
‫َيُقوَل َك الًم ا متشاًهبا‪ ،‬هذا اْب الء َن اهلل با َفَيْظَه ُر ْن هذا َمْن َيكوُن َعَلى اُهلدى‪َ ،‬مْن‬
‫ُيْؤ ِم ن‪َ ،‬مْن َيْك ُف ر‪َ ،‬مْن ُيَش ِّبُه اَهلل َخِبْلِق ِه‪ ،‬هذا َنْو ٌع ِم ْن َأْن واِع االْبِتالءات ال يت اْبَتَلى اُهلل هِب ا‬
‫ِعباَدُه‪َ ،‬أليَس اُهلل تعاىل َيْبَتِلى الّطفل الذي ُعُم ُر ُه َيْو م باَأللـم َو الـمَر ض؟ ال ُيْع َتَر ُض َعَلْي ِه‪،‬‬
‫ال ُيق ال‪ :‬لـم اْبَتَلى اُهلل هذا الطف ل ال ذي م ا َل ُه َذْنب َمِبَر ض ُيؤلـمُه؟ ال ُيْع رتض َعَلى اهلل‪،‬‬
‫َلى اِهلل َلَك َك َف ر ندم‪ ،‬حَن ُن لم هلل‪ ،‬ا لم ِبِعلمِه‬ ‫ِهلل‬
‫ُهلل َيْع‬ ‫ُن َس‬ ‫َه َو‬ ‫َمْن َس لم َس لم‪َ ،‬و َم ِن اْع َتَر َض َع‬
‫اَألَز ّيِل َأَّن ِإْبليس سَيِض ُّل َخ ْلًق ا َك ِث ًريا َو ُه َو َخ َلَق ُه‪ ،‬اُهلل َيْع لم ِبِعلمِه اَألَز ّيِل َأَّن ُأناًس ا‬
‫سَيْش َر ُبوَن اَخلْم َر َو َي ْأُك ُلوَن اِخلْنِز ي ر‪ ،‬واُهلل خ اِلُق ُك ِل ش ىء ليْبَتلى ِعب اَدُه هِب ذا‪َ ،‬خ َل َق هذا‬
‫الـممِكُن العقُّيل ‪ :‬ما ُيتصَّو ُر يف العقِل وجوُده اترًة وعدُم ه اترًة ُأخرى‪ ،‬الـمستحيُل العقُيل ‪ :‬ما الُ تصَّو ُر يف العقِل وجوُده‪ ،‬ال واجُب‬ ‫‪46‬‬

‫لعقُيل ‪ :‬ما ال ُيتصَّو ُر يف العقِل عدُم ه‪.‬‬


‫ِعلـم ِهللا َيعلـم بِه األزَّيل واحلادَث ‪ ،‬بعلـمه يعلـم ذاَته األزَّيل وَيْع لـم اخللَق ‪َ ،‬يْع لـم ِبِع لـم واحٍد أزٍيل ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫الِعباِد‬ ‫ِع ِه‬ ‫ِع ِدِه‬
‫الذي ُه َو شىء َح َّر َم ُه َعَلى با َأْن َيْأُك ُلوُه واَخلْم ر َأْن َيْش َر ُبوُه َم َع لـم َأَّن َبْعَض‬
‫ِخل‬ ‫ِل‬ ‫ِع ِد‬
‫يْش َر ُبوَن ‪َ ،‬بْعَض ال با َيْأُك ُلون‪َ ،‬خ َل َق ذ ك َو هَن اُه م َعْن َأْك ِل ا ْنِز ير َو َعْن َأْك ِل الـمْيَتة َعْن‬
‫َأْك ِل الَّد ِّم الـمسفوح‪َ ،‬و َعْن ُش ْر ِب اَخلْم ر‪ ،‬اُهلل تعاىل َخ َلَق ذِلَك وال ُيْع رتُض َعَلْيِه سبحاَنُه‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُك ُّل َش ىٍء َيْج ِر ي ِبَتقِد يِر ِه َو َم ِش يَئِتِه‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬شرَع الـمؤِّلُف هنا بش رِح الـمشيئِة اليت هي إحدى الِّص فاِت األزلّي ِة اليت‬
‫َم عرفُتها هلا أمهي ٌة كبريٌة يف أصوِل الِّديِن ‪ ،‬وتفسُريها ختصيُص الـمْم ِكِن العقلِّي ببعِض ما‬
‫جيوُز علي ِه دوَن بعٍض ‪ ،‬فالش ُّر ال ذي دخ َل يف الوج وِد بتخص يِص اِهلل تع اىل دخ َل‪ ،‬ويف‬
‫العق ِل كان ج ائًز ا أْن َيبقى يف الع دِم وِإَّنـما اُهلل تع اىل أخرَج ه مَن الع دِم ِلتعُّل ِق مش يئِته‬
‫األزليِة ِبوجوِد ه فَد خَل يف الوجوِد‪.48‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َم ِش يَئُتُه َتْنُف ُذ ال مشيئَة للعباِد إال ما َش اء َلُه م‪َ ،49‬فَم ا‬
‫َش اء َلُه م َك اَن َو َم ا لـم َيَش أ لـم َيُك ن‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬علـم م ذل أن ال شيئَة للعباِد إال ما شا هلم‪ ،‬والـمعىن أَّن مشيئَة العباِد‬
‫َء‬ ‫ُح ُي ْن َك ُه َم‬
‫مْن مجل ِة احلادث اِت َفال ْحَتُدُث إاّل مبش يئِته‪ ،‬فال مش يئَة للعب اِد إال أْن يش اَء ُدُخ وهَل ا يف‬
‫الوج وِد ‪ ،‬فَم ِش يَئُتنا حادث ٌة لـم حتُد ْث إال مبش يئِة اِهلل تع اىل يف األزِل ُح ُد وَثها‪ ،‬وقب َل أْن‬
‫حتُدَث مشيئُتنا شاَء اُهلل يف اَألزِل حُد وَثها‪ ،‬أما َأْن َيشاَء الِعباُد شيًئا لـم َيش ِإ اُهلل َتعاىل يف‬
‫اَألزِل ُح دوَثُه فال َيُك وُن ذل َك َبْل هو ُمسَتحيٌل‪َ ،‬و الَّدليُل الَّس ْم ِعُّي على ذل َك قوُل ه تعاىل‬
‫﴿َو َم ا َتَش اُءوَن ِإال َأْن َيَش اَء اُهلل َر ُّب الَعالـمَني (‪ ﴾)29‬سورة التكوير‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫ُهللا َش اَء َأْن َيْك ُفَر َبْع ُض ُهْم َفَخ َلَق ِف ِهي ُم اْلُكْفَر ‪َ ،‬و َش اَء َأْن ُي ْؤ ِم َن َبْع ُض ُهْم َفَخ َل َق ِف ِهي ُم ا ْيَم اَن ‪ ،‬ال َه ُؤ َالِء َخ َلُق وا ْا لُكْف َر َو ال َه ُؤ الِء َخ َلُق وا‬ ‫‪49‬‬

‫ِإل‬
‫ا ْيَم اَن ‪ُ ،‬هللا َأْك َر َم َهُؤ الِء ِبَأْن َخ َلَق ِف ِهي ُم ا ْيَم اَن َو َخ َذ َل َهُؤ الِء ِبَأْن َخ َلَق ِف ِهي ُم اْلُكْفَر ‪َّ ،‬مُث اذلي َخ َلَق ُهللا ِف يِه ا ْيَم اَن َفْلَيْح َم ِد َهللا َألَّن َهللا‬
‫َتَفِإلَّض َل َعَلْي ِه اِب إلْيَم اِن ‪َ ،‬لْيَس َو اِج ًبا َعىَل ِهللاِإل َأْن ْخَي ُلَق يِف َأَح ٍد ا ْيَم اَن ‪َ ،‬و َمْن َخ َل َق ُهللا ِف ي ِه اْلُكْف َر َفَكَف َر اِب ْخ ِتَيِإل اِر ِه َفَال َيُل ْو َمَّن ال َنْف َس ُه‪،‬‬
‫ِإ‬
‫َلْيَس َعىَل ِهللا َفْر ًض ا َأْن ْجَي َع ُهَل ُمْؤ ِم ًنا‪َ ،‬ه َذ ا َر َز َقُه ا ْيَم اَن ‪َ ،‬خ َلَقِإل ِف يِه ا ْيَم اَن َفْض ًال ِم ْنُه‪َ ،‬و َذ اَك َخ َلَق اْلُكْف َر ِف يِه َعْد ال ِم ْنــُه‪.‬‬
‫ِإل‬ ‫ِإل‬
‫‪ِ 50‬ض‬ ‫ِف‬ ‫ِص‬ ‫ِد‬ ‫ِح‬
‫قاَل الـمؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬يْه ي َمْن َيَش اُء َو َيْع ُم وُيَع ا ي َفْض ال ‪َ ،‬و ُي ُّل َمْن‬
‫َيشاُء َو َيْخ ُذ ُل َو َيبَتلي َعْدًال‪.51‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اَهلل ْخيل ُق االْه ِت داَء‪ 52‬فيَم ْن يشاُء ِم ْن عباِد ه بَف ضِله وَك رِم ِه‪ ،‬هو َه داُه م‬
‫فضال منُه وكَر ًم ا‪ ،‬فلو لـم خيلْق فيِه ُم االهتداَء لـم يكْن هو ظالـًم ا ألنُه ال ِجي ُب َعليِه َش ىٌء‪،‬‬
‫فال حاِكَم ل ُه وليَس ل ُه َءام ٌر وال ن اٍه‪ ،53‬لـم خيُل ْق س بحاَنه يف الُك ف اِر االهت داَء‪َ ،‬فَخ َذ ُهَلم‬
‫ع ْد ال من ُه‪ ،‬أي ليس ُظلًم ا من ُه‪ ،‬ألَّن الظلَم ال ُيَتَص َّو ُر من ُه‪ ،‬ألن ه ال َيتص َّرُف إال فيما هَو‬
‫ِل‬
‫ِم لٌك لُه حقيقًة َو ليَس ِم لُك ُه جمازًّيا َعْق ال َك ِم ْلِكنا‪َ( ،‬م ْع ناُه ْحَنُن َنـْم ُك ِم ْلًك ا جَم اِز ًّيا والـمْلُك‬
‫اَحلِق يِق ُّي هلل‪ِ ،‬م ْن َأْس ـماِء اهلل "ال واِر ث" َم ْع ن اُه َتُع وُد اَألْم الُك ِإَلْي ِه َبْع َد َفن اِء هذا اَخلْل ق‪،‬‬
‫الـمْلُك اَحلِق يِق ُّي ِل َر ِّب العالـمني) وأَّم ا ِم لُك ن ا فإن ه ِم ل ٌك جَم اِز ٌّي عقال‪ ،‬ألَّن العب اَد وم ا‬
‫ما َتـ ِلُك ِبالَّنَظِر ِإىل َك ِن ُك ٍّل ِم لًك ا ِهلل‬ ‫ِم ِهلل‬ ‫ِل‬
‫ْو‬ ‫يـم كوَن كٌّل لٌك َتعاىل‪ ،‬ال َفْر َق َبْيَنَك َو َبَنْي ْم ُه‬
‫ه‬ ‫ُك‬‫تعاىل‪( ،‬ال ُد ا َلك ِم ْلٌك هلل) َأْن َلَق وأحَد َث م ال َد ِم وكذل ما َتـمِل‬
‫َو‬ ‫ُه‬ ‫َك‬ ‫َك َن َع‬ ‫َت َخ َك‬ ‫َعْب َو َم َم‬
‫َخ َلَق ُه وَأحَد َثُه مَن الَعدِم ‪ ،‬فَلُه ُس بحاَنُه احلاِكِم َّيُة على الِعباِد ‪َ ،‬فَم ا َم َنَعُه م وَهناُه م عنه فعليِه م‬
‫أْن َينتُه وا عنُه‪ ،‬فإْن لـم َينتُه وا َتوَّج َه الَّلْو ُم عليِه م واستحُّق وا الُعُقوبَة والعذاَب ‪.54‬‬
‫َم َّر ة ُك ْنُت ُأْع ِط ي َدْر ًس ا يِف َبيت َر ُج ل يِف َعّم ان‪ ،‬يِف اُألْر ُدن‪َ ،‬أْخ َبَر يِن هذا الَّر ُج ل‬
‫َأْي ْحَيَفُظ ُه َو َيْم َنُع ُه َع ْن َم َع اِص ْي ِه ‪َ ،‬و ُيَع ايِف ‪َ :‬أْي ُيَع اِف ْيِه يِف َنْف ِس ِه َو ِد ْيِنِه َفْض ال ِم ْنُه َتَع اىَل ال ِالْس ِتْح َقاِق ٰذ َكِل َعَلْي ِه ‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫َأْي َيُرْت ُك َع ْو َنُه َو ُنَرْص َتُه‪َ ،‬و َيْبَتيِل ‪َ :‬أْي َع ْبَد ُه يِف َنْف ِس ِه َو ِد ْيِنِه َعْد ًال ِم ْنُه َال ُظ لـام َو َج ْو ًر ا‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫ٱ‬
‫َقاَل هَّلْل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬كَذ َكِل َز َّيَّنا ِلِّلُك ُأَّم ٍة َمَع َلُهم﴾ [ُس وَر َة ا ْنَع اِم‪َ ]108 :‬م ْعَناُه ‪َ :‬أَّن َهللا ُه َو اذلي َز َّيَن اإل ْيَم اَن ِللـمْؤ ِمِنَنْي َو ُه َو اذلي َز َّيَن اْلُكْف َر‬
‫َأل‬ ‫‪52‬‬

‫ِلْلاَك ِف ِر ْيَن ‪َ ،‬ز َّيَن ‪ُ :‬يْف َهُم ِم ْنُه َأَّنُه ُه َو اذلي ْخَي ُلُق ‪َ ،‬و َقاَل َتَع اىَل ‪﴿ :‬ألـم َتَر َأَّنآ َأْر َس ْلَنا ٱلَّش َياِط َني َعىَل ٱْلاَك ِف ِر يَن َت ُؤُّز ْمُه َأًّز ا﴾ [ُس وَر َة َم رَمَي‪َ ]83 :‬مْع ن اُه ‪:‬‬
‫ُهللا َتَع اىَل َيُق ْو ُل ‪َ :‬أاَن َأْر َس ْلُت الَّش َياِط َنْي َعىَل اْلاَك ِف ِر ْيَن َت ْد َفُع ُهْم ِلْلُكْف ِر َو الـمَع ايِص ‪َ ،‬م ْعَن اُه ‪َ :‬أاَن َخ َلْقُت ُكْف َر اْلاَك ِف ِر ْيَن ‪ ،‬اهـ َق اَل الَّش ْي ُخ‬
‫َر َيِض ُهللا َعْنُه‪ِ :‬خ الًفا لـام َقاَلْتُه الـمْع ِزَت ُةَل ‪ْ ،‬مُه َيُقْو ُل ْو َن ‪ْ :‬هَيِد ي ُهللا َمْن َيَش اُء ‪ِ ،‬بَم ْع ىن‪َ :‬ي ُد ُّل َو ُيَبُنِّي َال ِبَم ْع ىَن أَّنُه ْخَي ُل ُق اِالْه ِت َد اَء يِف الَع ْب ِد‬
‫[ُس وَر َة الَقَص ِص ‪]56 :‬‬
‫َو َه َذ ا ُكْف ٌر ‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل َقاَل ‪َّ ﴿ :‬نَك َال ْهَتِد ي َمْن َأْح َبْب َت َو َلٰـ ِكَّن ٱَهَّلل ْهَيِد ي َم ن َيَش آُء َو ُه َو َأْعلـم ِبٱلـمْهَتِد يَن ﴾‬
‫ِإ‬

‫َتَبَنَّي َهِبَذ ا َأَّن اْلِع َباَد ال َيْس َتِح ُّقْو َن َعىَل ِهللا َتَع اىَل ُو ُج ْو َب ُم َر اَعاِة اَألْص َلِح َبْل َيَتَّرَص ُف ِف ِهي ْم َكْي َفَم ا َيَش اُء ‪َ ،‬ألَّن اْلَع الـم ِم ْلُك ُه َو ِللـامِكِل َأْن‬ ‫‪53‬‬

‫َيَتَّرَص َف يِف َم ْم ُلْو ِك ِه َكْي َفَم ا ُيِر ْيُد ‪َ ،‬ف َّنُه َتَع اىَل َيْف َع ُل َم ا َيَش اُء َو ْحَي ُمُك َم ا ُيِر ْيُد ‪َ ،‬و ُهللا ُه َو الـامُكِل الـمْط َلُق َال َغُرْي ُه ‪َ ،‬ف َّن َمْن ِس َو اُه َيْم ُكِل ِم ْلاًك‬
‫ِبَتْم ِلْي ِك َغِرْي ِه ُهَل‪ْ ،‬حَن ُن َنْم ُكِل َأْش َياَء ِإَم َّلَكَنا ُهللا اَّي َها‪َ ،‬ف َذ ا َتَّرَص ْفَنا َعىَل ِخ َالِف ْذِنِه َنُكْو ُن ُع َص اًة َظ الـمَنْي ‪َ ،‬أَّم ا ُه َو ِإ َفال ُيَتَص َّو ُر ِم ْنُه الُّظ مل‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ ِإ‬
‫َج اَء يِف اْلَح ِد ْيِث الَّص ِح ْي ِح ‪َّ " :‬ن َهللا َلْو َعَّذ َب َأْهَل َأْر ِض ِه َو َمَس اواِتِه َلَع َّذ َهَبْم َو ُه َو َغُرْي َظ الـم َلُهْم “ َر َو اُه َز ْيُد ْبُن اَث ِبٍت َم ْر ُفْو ًعا‪.‬‬ ‫‪54‬‬

‫ِإ‬
‫صاِح ُب ال بيت‪ُ ،‬ه َو َو َأب وُه كان ا يِف َم ْس ِج ٍد ُي َد ِّر ُس ِفي ِه ش ْيخ َل ُه ُش ْه َر ة يِف َعّم ان‪ِ ،‬ح ني‬
‫ُيَد ِّر س‪ ،‬الـمْس ِج د َيـْم َتِلُئ بالناِس ‪ُ ،‬ك ٌّل ِم ْنُه ما َش ِه َد َعَلْي ِه‪ ،‬قاال‪ُ :‬ك ّن ا يِف َدْر ٍس َل ُه‪َ ،‬قْب َل َأْن‬
‫ِإ‬ ‫ِض‬ ‫ِخ‬ ‫ِع‬
‫َيَتَعلما ْنَد مجاعة شي نا َر َمِحُه اهلل‪ ،‬قاال‪ :‬قاَل للّن اس احلا رين‪ :‬يا ناس‪ ،‬ذا كاَن اهلل ُه َو‬
‫ْخَيُل ُق الـمعاِص ي ِم َن الَعْب د َّمُث ُيَع ِّذ ُب َه ذا الَعْب د َعَلى ِفْع ِل الـمعاِص ي م اذا َيكون؟ ق اال‪:‬‬
‫َفِخ ْف نا‪َ ،‬س َك ْتنا‪ ،‬قال‪ُ :‬قولوا‪ ،‬ال َتْس َتُح وا‪َ ،‬يُك وُن ظالـًم ا! والِعياُذ باهلل‪َ .‬يُق وُل َعِن اهلل ِإذا‬
‫كاَن هو ْخَيُل ُق الـمْع ِص َيَة ِم َن الَعْب ِد َّمُث ُيَع ِّذ ُب الَعْب َد َعَلى ِفْع ِل الـمعاِص ي‪َ ،‬يُك وُن ظالـًم ا‪،‬‬
‫َّذ‬ ‫ِإ‬ ‫ِه َّل‬ ‫ِر‬
‫َك َف َر ‪ ،‬هذا ُك ف ٌر َص يح‪ ،‬س ِّيُد نا حممد َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم قال‪َّ (( :‬ن اَهلل َلْو َع َب َأْه َل‬
‫َأْر ِض ِه َو ٰمَسواِتِه َلَع َّذ َبُه م َو ُه َو َغ ُري ظالِـ ٍم ُهَلم)) رواُه أمحد‪َ ،‬أْه ُل السٰم وات الـمالِئَك ة‪،‬‬
‫الـمالِئَك ُة ُك ُّلُه م طاِئُعون‪ُ ،‬ك ُّلُه م َأْو ِلياُء اِهلل‪ ،‬ال َيْع ُص وَن اَهلل ما َأَم َر ُه م‪ ،‬والَنُّيِب لـما َيُق ول‪:‬‬
‫إَّن اَهلل ل ْو ع َّذ َب ُك َّل الـمالئكة َو ع َّذ َب ُك َّل َأْه َل َأْر ِض ِه‪ ،‬وهذا َيْش َم ُل الّنِبِّيَني والُّش َه داء‬
‫واَألْو ِلياء والصاحلني‪َ ،‬يُقوُل النُّيب‪َ(( :‬لَعَّذ َبُه م ُه َغ ظالِـٍم ُهَلم)) لـماذا؟ ألنه ماِلُك ُه م يِف‬
‫َو َو ُري‬
‫اَحلِق يَق ِة َو ُه َو َيَتَص َّرُف ِفيما َيـْم ِلك َك ما َيشاُء‪ ،‬ال ُيْع َتَر ُض َعَلْي ِه‪ ،‬اُهلل َل ُه احلاِكِم َّي ُة الـُم ْطَلَق ة‪،‬‬
‫اُهلل اآلِم ُر ال ذي ال آِم َر َل ه‪َ ،‬و ُه َو الّن اِه َي ال ذي ال َن اِه َي َل ه‪ْ ،‬حَنُن َم ْأُموروَن ‪ ،‬اُهلل َيْأُمُر ن ا‬
‫َو َيْنهان ا‪ ،‬اُهلل ليَس َعَلْي ِه ْحَمُك وِم ّي ة َألَح ٍد ‪ ،‬هذا َك الُم الّر ُس وِل ‪َ ،‬و هذا َك الُم الَّض ال َو َيُق وُل‬
‫ُهَلم‪ُ" :‬قول وا ال َتْس َتُح وا‪َ ،‬يُك وُن ظالـًم ا" هذا ِم ْن َأْش َنِع الُك ُف ر‪ ،‬قاال‪ :‬ما َأَح د َتَك َّلَم ‪ُ ،‬ك ُّل‬
‫احلاِض ِر ين َس َك ُتوا والِعياُذ باهلل‪.‬‬

‫الدرس السادس‬
‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِد ِث‬
‫َو َر َد يِف اَحل ي الّص حيِح َأَّن الرُس ول َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم قال‪(( :‬ال َيْش َبُع ُم ْؤ ٌن‬
‫ِم ْن َخ ٍري َيْس َم ُعه َح ىَّت َيُك وَن ُمْنَتهاُه اَجلَّن ة)) مع ىن هذا اَحلِد يِث الّث اِبت َأَّن الـمؤِم ن َم ْه ما‬
‫ِم‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِغ‬ ‫ِع‬ ‫ِه‬
‫َتَك َّر َر َعَلْي مَس اع لم ال ِّدين ال َيْنَب ي َأْن َيْش َبَع ْن ذ ك َح ىّت َي ْد ُخ ل اَجلَّن ة‪َ ،‬و الـمؤ ُن‬
‫ال ذي ِعْن َد ُه ِإْقب ال َعَلى ِعلم ال ِّدين هذا َعالَم ُة َخ ري‪َ ،‬و ال ذي َلْيَس ِعْن َد ُه ِإْقب ال َعَلى ِعلم‬
‫ورا‬ ‫ِن‬ ‫دي‬ ‫ال‬ ‫لـ‬ ‫ال ِّدين ن ا َلي ِفي ِه ا َك ِث ا‪ ،‬يف هذه األي ام أغلب الن اِس ل وا ِع‬
‫َء‬ ‫ًم‬ ‫َجَع‬ ‫َم ْع ُه َس َخ ًري ًري‬
‫ُّل‬ ‫ِه‬ ‫ِئ‬ ‫ِر ِه‬
‫ظهو م كأن ه فضَلة زا َد ة وهذا احلال ال خ َري في ‪ ،‬وَي ُد على ذل ك احلديُث اآلخ ُر‬
‫الثاب ‪ِ (( :‬ر ِد ا ِب ِه ريا َف ِّق يِف الِّدين)) روا البخاري‪ ،‬ومعنا أرا ا ب ِه‬
‫ُه َمْن َد ُهلل‬ ‫ُه‬ ‫ُت َمْن ُي ُهلل َخ ُي ْه ُه‬
‫َخ ًريا كث ًريا جيعُلُه متفِّق ًه ا يف الديِن ‪ ،‬وُيفهُم منه أنه من لـم يرد اهلل به خ ًريا كث ًريا ال جيعُلُه‬
‫متفقًه ا يف ال ديِن ‪َ .‬عْن َأيِب ُأَم اَم َة الَب اِهِلِّي َق اَل ‪ُ :‬ذِك ِل ُس وِل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّل‬
‫َم‬ ‫َر َر‬
‫َرُج َالِن َأَح ُد َمُها َعاِبٌد اآلَخ َعاٌمِل‪َ ،‬فَق اَل َرُس وُل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َس َّل ‪َ(( :‬فْض الَع اِمِل‬
‫ُل‬ ‫َو َم‬ ‫َو ُر‬
‫ا‬ ‫َّن‬‫ِإ‬ ‫(‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫َّل‬ ‫َلى ال اِب ِد َك َفْض ِلي َلى َأْد َن اُك )) َّمُث َق اَل وُل اِهلل لى ا َلي ِه‬
‫َهلل‬ ‫َص ُهلل َع َو َس َم‬ ‫َرُس‬ ‫ْم‬ ‫َع‬ ‫َع َع‬
‫َو َم َالِئَك َت ُه َو َأْه َل الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض َح ىَّت الَّنْم َل َة يِف ُج ْح ِر َه ا َو َح ىَّت اُحلوَت َلُيَص ُّلوَن َعَلى‬
‫ُمَعِّلِم الَّناِس اَخلْيَر )) رواُه الْرت ِمِذُّي ‪.‬‬
‫َم َّر ًة ُك ّنا َمَع َش ْيِخ نا َر َمِحُه اهلل‪ ،‬يِف َطرابُلس َو َو َلُد ُه َعْب ُد الرٰمحن كاَن يِف برْي وت‪ ،‬فلـما‬
‫َأَر ْد ُت َأْن َأْذَه ب قاَل يِل ‪ُ" :‬قل ِلَو َلِد ي َعْب ِد الرٰمحن هذا الِكتاب الذي َأْع َطيُتَك ُه ِإْقَر ْأُه وال‬
‫ِإ‬ ‫ِم ِق ِتِه‬
‫َمَتَّل ْن راَء َو َلْو َقَر ْأَتُه ماَئَة َم َّر ة" َّمُث قاَل يِل ‪ُ" :‬قْل َلُه‪َ ،‬أْح ياًنا الّش ْخ ُص ذا َأراَد َأْن َيْطُلَب‬
‫ِعلـما ِجَي ُد ُه َك َأَّنُه باٌب ُمْق َف ٌل فِإذا َص َبَر ُفِتَح َل ُه الباَب "‪َ .‬و َح َك ى َلنا َعْن َش ْيخ ِم َن اَألْو ِلياء‪،‬‬
‫كاَن يِف ِفَلْس ِط ني‪ ،‬اُمسُه الشيخ َس ِعيد‪ ،‬قاَل ‪ " :‬ـِنْم ُت َفَبِق يُت ناِئًم ا َثالَثَة َأّيام‪َ ،‬ر َأْيُت الرُس ول‬
‫يِف الـَم ناِم َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َحُيِّف ُظيِن الُق رءان َفاْس َتْيَق ظُت حاِفًظ ا الُق رءان" اُهلل َيْر ُز ُقن ا‬
‫ذِلك‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ُك ُّلُه ْم َيَتَق َّلُبوَن في َمِش يَئِتِه َبيَن َفْض ِلِه َو َعْد ِلِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن العباَد َيتص َّر فوَن بـمشيئِة اِهلل تبارَك وتعاىل‪ ،‬فإْن َتص َّرُفوا باخلِري فِبفضِل‬
‫اِهلل تعاىل‪ ،‬وإْن َتص َّرُفوا يف الـمعاصي والشروِر َفِبَع ْد ِل اِهلل تبارَك وتعاىل‪ ،‬وهذا في ِه إبطاُل‬
‫م ا َذهبْت إلي ِه الـمعتزَلُة ِم ْن أَّن الِعب اَد َتص ُّرُفهم يف الش ِّر ليَس ب إرادِة اِهلل أم ا َتص ُّرُفهم يف‬
‫اخلِري فبإرادِة اِهلل‪ ،‬فهِذِه التفرَقُة باِط ل ٌة‪ ،‬واحلُّق ِخ الُف ذل َك ‪ .‬فالِعباُد َم ْه َم ا َفعُل وا مْن ِفْع ٍل‬
‫خًريا كاَن أو شًّر ا فبمشيئِة اِهلل‪ ،‬ويف ذلَك بياُن أنه ليَس واِج ًبا على اِهلل أْن يفع َل لِعباِد ه ما‬
‫فيه َص الُحُه م أْو ما هَو َأْص َلُح هلم‪.55‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه َو ُمَتَعاٍل عِن اَألضداِد َو األْنداِد ‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬أَّن اَهلل تب ارَك وتع اىل ُمَنَّز ٌه عْن أْن يكوَن ل ُه أن داٌد أْي أمث اٌل وأضداٌد أْي‬
‫ِل‬
‫ُمضاُّدوَن َل ه (َأْي الـمْك ِر ُه وَن َل ُه) ومعىن الـمَض اِّد‪َ :‬مْن َيتصرُف تصرًفا يري ُد أْن يغ َب اَهلل‬
‫بِه على زعِم ه‪َ ،‬فا َتبا َك وَتعاىل َلي َل غاِل ‪َ 56‬ألَّن ُك ىٍء يف ِته‪ ،‬وُك شىٍء‬
‫َّل‬ ‫َقْبَض‬ ‫َّل َش‬ ‫َس ُه ُم ٌب‬ ‫ُهلل َر‬
‫ِم ْلُك ه َفال يكوُن َل ْه َأْض داٌد َأي َيَتَص َّرُفوَن َعَلى ِخ الِف ِإراَدِت ِه‪َ ،‬و اَألْن داُد ْمَجُع ِن ٍّد وهو‬
‫الـمْثُل‪ ،‬واَألْض داُد مجُع ضٍّد‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬ال َر اَّد ِلَق َض اِئِه‪.57‬‬


‫الش رُح ‪َ :‬أَّن ُه ال أَح َد َي رُّد َقضاَء اِهلل َتب ارَك وَتع اىل‪ ،‬والَق َض اُء ُه و على ق وِل َبعِض‬
‫الُف قهاِء م أهِل الُّس نِة‪ :‬إرادُة اِهلل الـمَتعِّلقُة باحلاِد ث اِت ‪ ،‬وهو عن َد بعِض ِه م‪ :‬خل اِهلل‬
‫ُق‬ ‫ْن‬
‫لألشياِء أْي إبراُز ُه إَّياها مَن الَع َد ِم ‪ ،‬قاَل َتعاىل‪َ﴿ :‬فَق َض اُه َّن َس ْبَع َس ـَمَو اٍت (‪ ﴾)12‬سورة‬ ‫‪58‬‬

‫ُفِّصَلت‪ ،‬فالتفسُري األوُل للَق ضاِء هو َم شهوٌر ِعنَد األشاِعَر ِة قاَل قائُلُه م‪:‬‬

‫ُهللا َتَع اىَل ُه َو اذلي َخ َلَق َّلُك ْىَش ٍء ‪ ،‬ا ْيَم اُن َو اْلُكْف ُر َو األلـم َو الَّذَّل ُة َو اْلَفَر ُح َو الُرُّس ْو ُر َو اْلَهُّم َو اْلُحْز ُن ‪ُّ ،‬لُك َه َذ ا ُه َو اذلي ْخَي ُلُق ُه َال َأَح َد‬ ‫‪55‬‬

‫ْخَي ُلُق َش ْيًئا ال ُه َو ‪َ ،‬كٰذ َكِل َح َر اَك ُت اْلُقُلْو ِبِإل ُه َو ْخَي ُلُقَها‪َ ،‬بْع َد َه َذ ا اِالْع ِتَق اِد ُيَق اُل َأْفَع اُل ا ْنَس اِن اْلُكْف ُر َو الـمَع ايِص َقِب ْي ٌح ِم َن ا ْنَس اِن َأَّم ا‬
‫َخ ْلُق ِهللا اْلِإُكْفَر َو الـمْع ِص َيَة يِف َبْع ِض ِع َباِدِه َلْيَس َقِب ْي ًح ا ِم ْنُه‪ُ ،‬هللا ال ُيَقاُس َخِبْلِقِه ‪َ ،‬كَٰذ َكِل ِإلَم ِش ْي َئُتُه ِلْلُكْف ِر اذلي ْحَي ُص ُل ِم ْن ِع َب اِإلِدِه َلْيَس ْت‬
‫َقِب ْي َح ًة َأَّم ا َم ِش ْيَئُة الَع ْب ِد ِلْلُكْف ِر َو الـمَع ايِص َفِهَي َقِب ْي َح ٌة ِم ْنُه‪.‬‬

‫َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُهللا َغاِلٌب َعٰىَل َأْمِر ِه ﴾ [ ُس وَر َة ُيوُس َف ‪َ ]21 :‬أْي َال َأَح َد َيْم َنُع َنَفاَذ َم ِش ْي َئِتِه ‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫َقاَل َر ُس ْو ُل ِهللا َص ىَّل ُهللا َعَلْي ِه َو َس لـم‪َ :‬ق اَل ُهللا َتَع اىَل ‪" :‬اي ُم َح َّم ُد يِّن إ َذ ا َقَض ْيُت َقَض اًء َف َّنُه ال ُيَر ُّد“ َر َو اُه ُم ْس لـم‪َ ،‬و َه َذ ا اْلَح ِد ْيُث‬ ‫‪57‬‬

‫ِإ‬
‫الُقْد ُّيِس ُيْس َتَفاُد ِم ْنُه َأْم َر اِن ‪ :‬اَألَّو ُل َأَّنُه ال َأَح َد َيْم َنُع َنَفاَذ َم ِش ْيَئِة ِهللا ‪َ ،‬و الَّثايِن َأَّن َم ِش ْيَئَة ِهللا ال َتَتِإَغُرَّي ‪،‬‬

‫َقاَل اْبُن َع َس اِك َر ‪" :‬اْلَقَض اُء ُه َو اْلَخ ْل ُق " اهـ‪َ ،‬و َي ْأيِت اْلَقَض اُء ِبَم ْع ىَن اَألْم ِر اَمَك ق اَل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َقٰىَض َر ُّب َك َأَّال َتْع ُب ُد ۤو ْا َّال اَّي ُه ﴾ [ُس وَر َة‬ ‫‪58‬‬

‫َّال ِل ُد ِإ ِإ [ُس وَر َة اَّذل اِر اَي ِت ‪:‬‬


‫ا َرس اِء ‪َ ]23 :‬أْي َأَم َر َر ُّبَك َأَّال َتْع ُبُد وا َّال اَّي ُه ‪َ ،‬و َعىَل ِم ْثِل َٰذَكِل ْحُي َم ُل َقْو ُهُل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َم ا َخ َلْقُت ٱْلِج َّن َو ٱ نَس َيْع ُب وِن ﴾‬
‫ِإ‬ ‫ِإ ِإ‬
‫‪ِ56‬إل] َأْي آلُم َر ْمُه ِبِع َباَد يِت َو َلْيَس الـمْع ىَن َأَّنُه َش اَء ِم ْن ٍّلُك ِم ُهْنْم َألَّنُه َلْو َش اَء َأْن َيْع ُبَد ُه ُّلُكُهْم َو ال َيْع ُبُد وا َغَرْي ُه لـامِإل ُو ِج َد ُمِرْش ٌك ‪،‬‬
‫‪59‬‬ ‫إرادُة اِهلل مـَع الـَّتـعـُّلـِق فـي َأَز ٍل َقـضـاُؤ ُه فَـَح ـِّق ـِق‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُمَعِّق َب ِلُح كِم ِه‪َ ،‬و ال َغاِلَب َألْم ِر ِه‪.‬‬
‫الش رُح ‪َ :‬أَّن ُه ال ُمَعِّق َب ُحلْك ِم اِهلل تب ارَك وتع اىل‪ ،‬أْي ال َأَح َد ْجَيَعُل ُه ب اِط ال‪ ،‬هذا ْإْن‬
‫ْك‬‫ُحل‬ ‫ا‬ ‫ُأري َد ب اُحلْك ِم اخلط اُب الَّتْك ِليِف ُّي للعب اِد َفهذا َتْف ِس ُه‪ ،60‬وإْن ُأري َد ب اُحلْك ِم‬
‫ُم‬ ‫ُري‬
‫التكوي ُّين‪ 61‬كاَن الـَم عىن أَّن ُه ال أحَد يسَتِط يُع أْن يـمَنعَ َنف اَذ إرادِة اِهلل‪ ،‬فَم ا أراَدُه تـَّم ال‬
‫حمالَة‪ ،‬أْي َنَف َذ ‪.62‬‬
‫َبْعُض ُعلماِء َأْه ِل الُّس َّنة َيُقول وَن يِف َقْو ِل اِهلل تع اىل ال ذي َس َبَق َو َش َر ْح ناه‪ُ .‬يوَج د‬
‫َقْو ِل ِلَبْع ِض ُعلماِء َأْه ِل الُّس َّنة ءاَخ ر ﴿ِإَّنـما َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد َش ْيًئا َأْن َيُق وَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن (‬
‫ِل‬ ‫يِف‬
‫‪ ﴾)82‬س ورة ٰيس‪ ،‬ق اُلوا‪َ :‬م ْع ن اُه َأَّن اَهلل تب اَر َك َو تع اىل ق اَل اَألَز ‪َ ،‬يْع ىِن الكالم اَألَز ّيِل‬
‫هِب‬ ‫يِف‬ ‫ِب ِل ِة‬ ‫يِف‬
‫الذي ُعِّبَر َعْن ُه الُق رءان َك َم (ُك ن) ُعِّبَر َعْن ُه الُق رءان الكرمي ذا اللفظ الذي ُه َو‬
‫ُم َّك ٌب ِم ْن َح ْر َفنْي كاف ُن ون‪ ،‬هِب ذا اِخلط اب اَألَز ال ذي ُعِّب َعْن ُه ِبَك ِل ِة (ُك ن) يِف‬
‫َم‬ ‫َر‬ ‫ّيِل‬ ‫َو‬ ‫َر‬
‫الُقرءان ُو ِج َد ِت احلاِدثاُت يِف الـماِض ي َو ُتوَج ُد اآلن َو َس ُتوَج ُد يِف الـمْس َتْق َبل ِإىَل ما ال هِن اَيَة‬
‫َل ُه‪ ،‬هذا َعَلى الّتفسِري اآلَخ ر‪ِ ،‬ل ذِلَك ُه ن ا ق ال‪" :‬وإْن ُأري َد ب اُحلْك ِم اُحلْك ُم التكوي ُّين كاَن‬
‫الـمعىن أَّنُه ال أَح َد َيستطيُع أْن يـمَنعَ نفاَذ إرادِة اِهلل‪ ،‬ف ا أراَدُه َّمت" َيْع ىِن اُهلل تعاىل قاَل يِف‬
‫َم‬
‫اَألِز ل ِبـما ُعِّبَر َعْنُه يِف الُقرءان‪ ،‬هِب ذا اِخلطاب األَز ّيِل ُو ِج َد ِت احلاِد ثات واُهلل شاَء يِف اَألَز ل‬

‫َقَض اُء ِهللا َم ْعَناُه َر اَدُة ِهللا الـمَتَع ِّلَقُة ُحِب ُص ْو ِل الِفْع ِل ‪،‬‬ ‫‪59‬‬

‫ِإ‬
‫َقاَل َتَع اىَل ‪﴿ :‬إ َّن ٱَهَّلل ْحَي ُمُك َم ا ُيِر يُد ﴾ [ُس وَر َة الـامِئَد ِة ‪َ ]1 :‬أْي َأَّنُه ُس ْب َح اَنُه َو َتَع اىَل َحُيِّر ُم اَألْش َياَء َو َيْفِر ُض َم ا َيَش اُء ‪،‬‬ ‫‪60‬‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َعنُه‪ُ :‬هللا َخ َلَق الَع الـم اِب لُقدَر ِة َو اْلُح ِمْك ‪ ،‬اَمَك َأَّن الَع الـم ِبُق ْد َر ٍة َأْو َج َد ُه ‪ُ ،‬حِب ِمْكِه َأيَض ا َأْو َج َد ُه َه َذ ا َم عىَن َقْو ِهِل َتَع اىَل ‪:‬‬ ‫‪61‬‬

‫﴿ َّنـام َأْم ُر ُه َذآ َأَر اَد شيًئا َأن َيُق وَل ُهَل ُكن َفَيُك وُن ﴾ [ُس وَر َة يس‪َ ]82 :‬ليَس َم عَن اُه َأَّن َهللا َيُق وُل اِب لاَك ِف َو الُّن وِن ‪َ ،‬فَم ْن َنَس َب ُهَل َٰذَكِل اَك ِف ٌر ‪،‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َبعُض الَّناِس َكَذ َب َعىَل ِهللا َفَقاَل ‪ُ" :‬س بَح اَن َمْن َأْم ُر ُه َبَني الاَك ِف َو الُّنوِن " َه َذ ا الَك ُم نَس اٍن َخِبيٍث َم ا َو َر َد َعْن َر ُس وِل ِهللا َص ىَّل ُهللا‬
‫َعَلي ِه َو َس لـم َو ال َع ْن َأِّي َحَص اٍّيِب ‪َ ،‬أَّم ا يِف الُق رَء اِن ﴿ُكْن ﴾ َم عَن ُاه اِب ْلُح ِمْك اَألَز ِّيِل ‪َ ،‬تلَكِإ ـم يِف اَألَز ِل َفُو ِج َد الَع الـم‪َ ،‬ه َذ ا َم عَن اُه ‪ُ ،‬هللا َح مَك‬
‫ََو اْلُح ُمْك الَك ُم ُه‪َ ،‬ح َمَك ِبُو ُج وِد الَع الـم َفُو ِج َد الَع الـم‪.‬‬

‫َو َٰذَكِل َألَّن يِف َر ِّد َقَض اِئِه ْثَباُت ْجَع ِز ِه َو الَعْجُز َعىَل ِهللا ُم َح اٌل َفال َيُر ُّد َقَض اَء ِهللا َر اٌّد‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫ِإ‬
‫َو َقَّد َر يِف اَألَز ل ُو ِج َد ت يِف الـماِض ي واآلن ما ُيوَج د َأْيًض ا َو ما َسُيوَج ُد ِفيما َبْع د ِإىَل ما ال‬
‫هِن اَيَة‪.‬‬
‫وقوُلُه‪ :‬وال غاِلَب َألْم ِر ه‪ ،‬أي ال َيغِلُب أمَر اِهلل غاِلٌب ‪.‬‬
‫اَألْم ر ُه نا ِبـَم ْع ىَن الـمْف ُعوِل والـُم َق َّد ِر الذي َأراَد اُهلل ُو ُج وَد ُه‪ُ ،‬ه نا َليَس َم ْع ناُه الَك الم‪،‬‬
‫َيْع يَن ما شاَء اُهلل َتعاىل َأْن َيُك وَن َمْو ُج وًدا ال َأْح د يْس َتِط يع َأْن ْمَيَن َع ذِلَك ‪ ،‬ال ُبَّد َأْن َيُك وَن‬
‫َمْو ُج وًدا َك ما شاَء اُهلل تعاىل‪ ،‬هذا َم ْع ىَن َو ال غاِلَب َألْم ِر ه ُه نا‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬ءاَم َّنا ِبَذ ِلَك ُك ِّلِه َو َأيَق َّنا َأَّن ُك ال ِم ْن ِع نِدِه‪.‬‬
‫يف ال وِد‬ ‫الشر ‪َ :‬أَّننا َّد ْقنا‪ 63‬وأيقَّنا أَّن ُك اًّل ِم ِعْن ِدِه‪َ ،‬أ َأَّن ُك ىٍء‬
‫َل ُو ُج‬ ‫َخ‬ ‫َد‬ ‫َّل َش‬ ‫ْي‬ ‫ْن‬ ‫َص‬ ‫ُح‬
‫َفِإَّنـما حَص َل ِبِعْلِم اِهلل اَألَزِّيل وَتْق ِد يِر ه وَقَض ا ه ‪.‬‬
‫ِئ ‪64‬‬

‫‪65‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ِإَّن ُمَح َّم ًد ا َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َعبُد ُه الـُم ْص َطفى‬
‫َو َنِبُّي ُه الـُم ْج َتَبى َو َرُس وُلُه الـُمْر َتَض ى َو إَّن ُه َخ اَتُم اَألْنِبَي اِء َو ِإَم اُم اَألْتِق َي اِء َو َس ِّيُد‬
‫‪68‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬

‫الـُمْر َس ِليَن ‪َ 69‬و َح ِبيُب َر ِّب الَعالـِم يَن ‪.70‬‬


‫َتْص ِد يًقا َج اِز ًم ا َو َأيَقَّنا ْيَم ااًن ال َتَر ُّدَد ِف يِه َأَّن ًّالُك ِم ْن ِع ْنِدِه ‪ِ ،‬ف يِه َبَياُن َأَّن َهللا َخ اِلُق اْلَخِري َو الِّرَّش ‪.‬‬ ‫‪63‬‬

‫ِإ‬
‫َفَم ْن َخ اَلَف يِف َٰذَكِل َفَقْد َر َّد َق ْو َل ِهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬ه ْل ِم ْن َخ اِلٍق َغُرْي ٱِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة َف اِط ٍر‪َ ]3 :‬أْي ال َخ اِلَق ال ُهللا ‪ ،‬اِالسِتفَهاُم يِف َٰذَكِل ِم ْث ُل‬ ‫‪64‬‬

‫ِإ‬
‫الَّنْف ِي َفَأَفاَد ِت اآلَيُة الُع ُم وَم ‪َ ،‬أْي ال َخ اِلَق ال ُهللا ‪.‬‬
‫ِإ‬

‫اصَط َفاُه َأِي اخَتاَر ُه ‪،‬‬ ‫‪65‬‬

‫اجَتَباُه َأْي اخَتاَر ُه ‪،‬‬ ‫‪66‬‬

‫ٱلـمرَتىَض ُمَّتِح ٌد يِف لـمعىَن َم َع ُهَم ا‪.‬‬


‫ٱ‬ ‫‪67‬‬

‫‪َ 81‬أْي َّنُه َيُكوُن ُم َقَّد َم ُهْم َيْو َم الِقَيــاَم ِة ‪.‬‬ ‫‪68‬‬

‫ِإ‬
‫ٱ‬
‫َس ِّيُد الـمرَس ِلَني َأْي َأفَض ُلُهم َو َيُد ُّل َعىَل َٰذَكِل َقْو ُل هَّلْل َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬كْنْمُت َخَرْي ُأَّم ٍة ُأْخ ِر َج ْت ِللَّناس﴾ [ُس وَر َةَ َءاِل مِع َر اَن ‪َ ]110 :‬فلـام اَك َنْت ُأَّمُتُه َخَرْي‬ ‫‪69‬‬

‫اُألَم ِم اَك َن ُه َو َأْفَض َل اَألْنِبَياِء َو َقْو ُهُل َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس لـم"‪َ :‬أاَن َس ِّيُد الَّناِس َيْو َم الِقَياَم ِة " َر َو اُه الُبَخ اِر ُّي َو َغُرْي ُه ‪.‬‬

‫َو َح ِبيُب َر ِّب الَع الـمَني ‪َ :‬أْي َم حُبوُبُه‪َ ،‬و َٰذَكِل َألْخ َباٍر اَث ِبَتٍة ‪ِ ،‬م َهنا َقْو ُهُل َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس لـم‪َ(( :‬و َأاَن َح ِبيُب ِهللا َو ال َفْخ ر)) الرتمذي‪.‬‬ ‫‪70‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الـمْص طَف ى والـمْج َتىَب َم ْع نامُه ا واِح ٌد ‪َ ،‬و فيِه ما زيادُة َم دٍح َعلى الـُم رتَض ى‪،‬‬
‫فيجُب اإليـماُن بأَّنه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َعْبُد اِهلل َو َرُس وُلُه‪َ ،‬و أَّنُه ءاِخ ُر اَألْنِبياِء وَأْفَض ُلُه م‪.‬‬
‫وقوُل ُه‪ :‬خاَتُم ُيق اُل ِب الَفْتِح َو ُيق اُل ِبالَك ْس ِر َو الـمْع ىَن واِح ٌد َأْي ءاِخ ُر الن بَّيَني ‪ ،‬ق اَل‬
‫تع اىل‪َ﴿ :‬و َلِكْن َر ُس وَل اِهلل َو َخ اَمَت الَّنِبِّيَني (‪ ﴾)40‬س ورة األحزاب‪ ،‬وق ْد تأَّو َل القاِدَياِنَّي ُة‬
‫ِس‬ ‫ِة ‪71‬‬
‫اخلاَمَت بـمعىن الِّز ين (َأْي َت َأُّو اًل فا ًد ا) وذل َك ألَّن َر ئيَس ُه م ُغالَم َأمحَد ادع ا أَّن ُه ن ٌّيب‬
‫َرُس وٌل وهذا كفٌر َو َض الٌل ‪.72‬‬
‫ِإرساُل اِهلل لَألْنِبياِء الُّر ل َلي واِج ا َل ِه ِإَّنـما ا تعاىل َك ِّر ب َذ ِل َلى ِعباِدِه‬
‫ُمَت ٌم َك َع‬ ‫ُهلل‬ ‫َو ُس َس ًب َع ْي‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِجَي‬
‫َألَّن اُهلل َتع اىل ال ُب َعَلْي ش ىء‪ ،‬هذا َأْم ٌر ُم ٌّم َأْن ُيْع لَم ‪َ ،‬و ُم ٌّم َأْن ُيْع َلَم أيًض ا م ا ُه َو‬
‫ِل‬ ‫ِد‬
‫الَف ْر ق بَنْي الّنّيِب والّر ُس ول‪ ،‬الّنّيِب ال ُيْؤ َم ِر ِبَش ْر ٍع َج يد َبْل ُيْؤ َم ر ِبَتْب يِغ َش ْر ِع من كاَن َقْبَل ُه‬
‫والرس ول َي ْأيِت ِبَش ْر ٍع َج ِد ي د‪ ،‬هذا الَف ْر ق بَنْي الّنّيِب والّر ُس ول‪َ ،‬و ُك ٌّل ِم ْنُه ما ُي وَح ى ِإَلْي ِه‪،‬‬
‫الّنّيِب ُيوَح ى ِإَلْي ِه والّر ُس ول ُيوَح ى ِإَلْي ِه‪َ ،‬و ُك ٌّل ِم ْنُه ما َأَّي َد ُه اُهلل ِبالـمْع ِج زات‪َ ،‬و ُك ٌّل ِم ْنُه ما‬
‫ِل‬
‫َم ْأُموٌر ب الَّتْب يِغ ‪ ،‬ليَس َك ما يوَج د يِف َبْع ِض الُك ُتب‪ ،‬اْنَتَش َر يِف َك ث ٍري مَن الُك ُتب َأَّن الَّنَّيِب‬
‫ليَس َم ْأُموًر ا بالَّتْبِليِغ َو هذا ال َم ْع ىَن َلُه‪ ،‬ليَس َص ِح يًح ا‪ ،‬ألَّن َم ْع ىَن َقْو ِهِلم َأَّنُه ُنّبَئ ِلَنْف ِس ِه فَق ط‬
‫َل ‪ ،‬الن َن ْف ِس ِه َن َغِري ِه‪ ،‬ال وُل لى ا َليِه َّل كاَن يِف صالِتِه‬
‫ّر ُس َص ُهلل َع َو َس َم‬ ‫َو هذا ال َم ْع ىَن ُه ُّيِب ُّيِب َن َو ُّيِب‬
‫َيُقول َك ما َنُق ول‪َ" :‬أْش َه ُد َأْن ال ِإَله ِإال اهلل َو َأْش َه ُد َأَّن َحُمَّم ًد ا َرُس وُل اهلل‪ ،‬الَّلُه َّم َص ِّل َعَلى‬
‫َحُمَّم د" َك ما ْحَنُن َنُق ول ُه َو كاَن َيُق ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪ ،‬فالَّنَّيِب َم ْأُموًر ا ِب الَّتْبِليِغ‬
‫والّر ُس ول َم ْأُموًر ا بالَّتْبِليِغ ‪.‬‬
‫وقوُل ‪ِ :‬إما األتقياِء ‪َ ،‬أ َأَّن ُك وُن َق َّد م الِق يا ِة‪ ،‬الَّر وُل لى ا َلي ِه‬
‫ُس َص ُهلل َع‬ ‫َم َمُه َيْو َم َم‬ ‫ْي ُه َي‬ ‫ُه ُم‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َو َتْأِو يُلُهْم ِللَخ اِمَت ِبَم عىَن لِّز يَنِة يِف َغِري َم َح ِهِّل َو ُه َو ُكفٌر ‪َّ ،‬مُث لـمسلـموَن َقاُم وا َعَليِه ِلَيقُتُلوُه َأَّو َل َم ا َد َعا ِل ْيَم اِن ِبَأَّنُه َنٌّيِب َف احَتَم ى ِب نِلك ِزي‬ ‫‪71‬‬

‫َفَرَش طُو ا َعَليِه َأن ُيَع ِّط َل ٱْلِج َهاَد يِف ٱْلِهنِد ِّلُك َها‪َ ،‬فَقاَل ِف َميا ٱَّدَع ى َأَّنُه َو ٌيْح ِم َن ِهللا ‪ِ" :‬جَي ُب َعَليَنا ُش كُر ٱَّدل ْوِإلِةَل ٱلِرَب يَط اِنَّيِة َألُهَّنم َأحَس ُنواِإل َليَن ا‬
‫ِإ‬
‫ِبَأنَو اِع ٱ حَس اِن ‪َ ،‬و َه ْل َجَز اُء ٱ حَس اِن َّال ٱ حَس اُن ‪َ ،‬و َح َر ام َعَليَنا َو َعىَل ِمَج يِع ٱلـمسلـمَني ِق تاُل ٱ نِلْك ِزي "‬
‫ِإل‬ ‫ِإ ِإل‬ ‫ِإل‬ ‫ِإل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫اذلي َيَّد ِع ي لُّنُبَّو َة َبعَد َس ِّي ِد ان ُم َح َّم ٍد َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم َأَمْج َع ْلُع لامُء َعىَل ُكف ِر ِه ‪َ ،‬مِن َّدَع ى ِلَنفِس ِه َو َمِن َّد َعاَه ا ِلَغِري ِه َكَف َر َو َمْن‬ ‫‪72‬‬

‫َص َّد َقُه َكَفَر ‪ ،‬اآلن ُيوَج ُد ٱلَقاِد اَي ِنَّيُة َيُقوُلوَن ‪" :‬اَب ُب الُّنُبَّو ِة َم فُتوٌح " َقاُلوا ِبُنُبَّو ِة ُغالِم َأَمْحَد ‪َّ ،‬مُث عندما ُتُو َيِّف َقاُلوا ِبُنُبَّو ِة ٱبِنِه ‪َ ،‬ه ُؤ الِء َمْن َش ك‬
‫َّيِف ُكفِرْمِه َفُهَو اَك ِف ٌر َو َلو َم َّو ُهوا ِبَقوِلِهم‪َّ " :‬ن ُنَبَّو َة ُغالِم َأَمْحَد َليَس ْت ُنُبَّو ًة ٱسِتقالِلَّيًة "‬
‫ِإ‬
‫َو َس َّلَم َيُك وُن ُمَق َّد ًم ا َعَلى ُك ِّل الَّنِبَنِّي يِف َيْو َم الِق ياَم ة‪.‬‬
‫وقوُلُه‪ :‬سِّيُد الـمرَس ليَن َأْي َأْفَض ُلُه م‪َ .‬يْع ىِن ‪ ،‬الَّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُه َو َس ِّيُد‬
‫ِد ٍث‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫الـمْر َس ني َأْي َأْفَض ُل الـمْر َس ني‪َ ،‬و َر َد يِف َح ي َر واُه الُبخ اِر ُّي ‪َ(( :‬أن ا َس ِّيُد الّن اِس َيْو َم‬
‫الِق ياَم ِة)) الَّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُيقاُل َعْن ُه "َس ِّيد"‪ .‬يِف الق رءاِن الَك رمي اُهلل تعاىل‬
‫ق اَل َعْن ْحَيىَي َعَلْي ِه السالم‪َ﴿ :‬و َس ِّيًد ا َو َحُص وًر ا (‪ ﴾)39‬س ورة ءال عمران‪َ ،‬و ْحَيىَي ُدوَن‬
‫س ِّيِد نا حممٍد يِف الَّد َر َج ة‪َ ،‬ف ِإذا ج اَز َأْن ُيق اَل َعِن الـمْف ُضوِل "س ِّيد" ب اَألْو ىَل َأْن ُجَيوَز َأْن‬
‫ُيق اَل َعِن اَألْفَض ِل "س ِّيد" الَو ّه اِبّي ة َيـْم َنُعوَن الَّش ْخ َص َأْن َيُق وَل يِف الَّص الِة‪" :‬اللُه َّم َص ِّل‬
‫"الل َّم ِّل َلى ِّيِد نا حممٍد " يِف الص الِة‬ ‫ِد‬
‫َعَلى َس ِّي نا حممد" ُجَيوز َأْن َيُق وَل الَّش ْخ ُص ُه َص َع َس‬
‫َو خ اِرج الص الِة‪َ ،‬لِكْن يِف الص الِة اَألْفَض ل َأْن َنَتَق َّي َد مِب ا َو َر َد َعِن الّر ُس ول‪ِ ،‬عَن َد ما َس َأل‬
‫الص حاَبة الّر ُس ول‪َ" :‬ك ْي َف ُنَص ِّلي َعَلْي َك ي ا َر ُس وَل اهلل؟ ق اَل ‪ُ(( :‬قول وا‪ ،‬اللُه َّم َص ِّل َعَلى‬
‫حمَّم ٍد َو َعلى ءاِل َحمَّم ٍد )) ِإىَل ءاِخ ر الِّص يَغة ال يت َعَّلَم ُه ُم الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪،‬‬
‫َلِك لي ِفي ِه َأَّن ال قاُل "الَّل َّم ِّل َلى ِّيِد نا حممٍد " لي را ا ال ْك رو ا‪َ ،‬لِك‬
‫ْن‬ ‫َس َح ًم َو َم ًه‬ ‫ُه َص َع َس‬ ‫ُه ُي‬ ‫ْن َس‬
‫يِف الصالِة َأْح َس ن َأْن َنـُرتَك الَّتْس ِو يِد ‪.‬‬
‫وقوُلُه‪َ :‬ح ِبيُب َر ِّب الَعالـميَن ‪َ ،‬أْي ْحَمُبوُبِه‪.‬‬
‫ِح‬ ‫ِل ِم ِص ِت‬
‫اُهلل تعاىل ال ُيوَص ُف بالُّش ُعوِر َو ال باإلحساِس َو ُحَنِو ذ َك ْن فا اَخلْل ِق ‪َ ،‬ف َني‬
‫َنُقول‪ :‬اُهلل ِحُي ُّب ُفالًنا َم ْع ناُه اُهلل ُيْك ِر ُمُه‪َ ،‬و ِح َني َنُق وُل ‪ :‬اُهلل ُيْبِغُض ُفالًنا ليس َم ْع ناُه الُّش ُعور‬
‫واِإل ْح ساس‪ِ .‬ر ضا اهلل َم ْع ن اُه ِإراَدُت ُه اِإل ْنع ام‪َ ،‬و َغَض ُبُه ِإراَدُت ُه االنتق ام‪َ ،‬أّم ا حَن ُن ِر ضانا‬
‫ِإْح ساس‪ُ ،‬ش ُعوٌر َنْش ُعُر ِبَش ىٍء يِف الَق ْلِب ‪ ،‬اُهلل ال ُيوَص ُف ِب ذِلك‪ ،‬حمَب ُة اِهلل للَعْب د ِإْك راُم ُه‪،‬‬
‫لي‬ ‫خ))‬ ‫ِّر‬ ‫َف‬ ‫الرس ول ق ال‪َ(( :‬أ َغ الِبالِد ِعْن َد اِهلل اَأل واق‪ِ ،‬فيها َتِبي الش ياِط‬
‫َس‬ ‫ُت‬ ‫َو‬ ‫ُني‬ ‫ُض‬ ‫ْس‬ ‫ْب ُض‬
‫َم ْع ناُه ِم ْن َح ْيُث الُّش ُعور‪َ ،‬أي هذا الـَم كان ال ِحُي ُّبُه اُهلل ألَّنه َتْك ُثُر ِفي ِه الـمعاِص ي َو َيْك ُثُر ِفيها‬
‫ِك ِل ِل‬ ‫ِط ِحُت‬ ‫ِل ِب ِذ‬
‫اَحل ف الَك ب‪ ،‬والشيا ني ُّب هذه األما ن‪ ،‬ذ َك َأْه ُل الّش رع َيُقولوَن ‪ :‬الّش ْخ ُص‬
‫ِإذا َدَخ َل الُّس وق يْأُخ ُذ َغَر َض ُه َو ْخَيُر ُج ِم َن الُّس وق َو ال َيْق ُعُد يِف الُّس وق‪َ ،‬و قاَل َعَلْي ِه الصالُة‬
‫والسالم‪َ(( :‬و َأَح ُّب الِبقاِع ِعْنَد اِهلل الـمساِج د)) معناُه الـمساِج د شىء ُيكِر ُم ُه اهلل‪َ ،‬و َر َد َأَّن‬
‫الـمساِج د َس ُتْنَق ُل ِإىَل اَجلّنة‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُك ُّل َدعَو ى ُنُبَّو ٍة َبعَد ُنُبَّو ِتِه َفَغٌّي َو َه ًو ى‪.73‬‬
‫ِط ِل ِل‬ ‫ِه‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن َم ِن ادعا النبَّوَة بعَد ُه َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َفَد عَو اُه با َلٌة‪َ ،‬ق و ه َص لى اُهلل‬
‫َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪(( :‬ال َنَّيِب َبْع ِد ي)) رواُه الُبَخ اِر ُّي واحلاِكُم يف الـُمْس َتْد َر ِك ‪ ،‬وهذا َح ِد يٌث‬
‫ثاِبٌت ‪ ،74‬يعيِن َص حيح‪ ،‬فالقاِد يانيُة َيقوُلوَن ‪﴿ :‬اُهلل َيْص َطِف ي ِم َن الـَم الِئَك ِة ُرُس اًل َو ِم َن الَّناِس‬
‫ِإَّن اَهلل َس ـِم يٌع َبِص ٌري (‪ ﴾)75‬سورة احلج‪ُ ،‬يقاُل هلم‪َ :‬يصطِف ي فعٌل ُمضارٌع َفَم عناُه ُمْس َتِم ر‪،‬‬
‫اِر ٌع ِض م ِض الـ اِض ي بالِّن ِة‬ ‫ِف ِف‬
‫ْس َب‬ ‫هم َه َك ذا َيْز ُعُم ون‪َ ،‬فُيقاُل ُهَلم‪َ﴿ :‬يْص َط ي﴾ ْع ٌل ُمَض ُو َع ْو َع َم‬
‫للـمْص َطَف ِنْي ‪ ،‬أَّم ا بالنسبِة ِهلل َتعاىل َفالِف ْع ُل َيَتَج َّر ُد عِن الَّز ماِن الـماضي والـمضارِع واحلاِل ‪،‬‬
‫ائ‬ ‫نظ‬ ‫ذل‬ ‫ول‬ ‫هلم‪:‬‬ ‫ُل‬ ‫ا‬ ‫ويق‬ ‫‪،‬‬ ‫وانقط‬ ‫ى‬ ‫األز‬ ‫ِن‬ ‫ع‬ ‫ُل‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬‫َة‬ ‫ال‬ ‫حَم‬ ‫ال‬ ‫ٌّيل‬ ‫أز‬ ‫َل‬ ‫ألَّن ِف‬
‫ُر‬ ‫َك‬ ‫َع‬ ‫َض‬ ‫َم‬ ‫ِّيل‬ ‫ُي‬ ‫ُه‬ ‫ْع‬
‫كثريٌة يف القرءاِن كقوِله َتعاىل ﴿َفَف ِر يًق ا َك َّذ ْبُتْم َو َفِر يًق ا َتْق ُتُلوَن (‪ ﴾)87‬سورة البقرة‪ ،‬أي‬
‫َقتلُتم‪ُ .‬ه نا ِفْع ٌل ُمضاِرع ُو ِض َع َمْو ِض ع الـماِض ي ﴿َتْق ُتُلوَن ﴾ َأْي َو َقْد َقَتْلُتم َقْبَل ذِلك‪.‬‬
‫وقوُل ُه ُه ن ا َفَغٌّي َو َه ًو ى‪َ ،‬أِي الّض الل‪ ،‬اَهل ى َم ْي َنْف ساٌّيِن َم ْذ ُموم‪ ،‬هذا الـميل يِف‬
‫ٌل‬ ‫َو‬
‫الَّنْف س ِإىَل الباِط ل هذا ُيقاُل َلُه اَهلَو ى يِف ُلَغِة الَعَر ِب ‪َ ،‬و ُتْس َتْع َم ُل كِلَم ة َه َو ى َمِبْع ىَن الـمَح َّبة‪،‬‬
‫إْن كاَنت َحَمَّب َة اَخلٍري َأْو حمَّب َة َغ َري اَخلري ُيق اُل َعْنها َه َو ى َلِكن ُه ن ا ُه َو َقَص َد هذا الـميل‬
‫الَّنْف ساّيِن الَق بيح‪ ،‬اُهلل تعاىل هَن اَنا َعِن اِّتباِع اَهلوى‪ ،‬قاَل اُهلل تعاىل‪َ﴿ :‬و َأَّم ا َمْن َخ اَف َم َق اَم‬
‫ِم‬ ‫ِه‬
‫َر ِّب َو َنَه ى الَّنْف َس َعِن اَهلَو ى (‪ ﴾)40‬س ورة النازع ات‪َ ،‬يْع ىِن ال ذي َيـْم َنُع َنْف َس ُه َن‬
‫االْسْرِت ساِل يِف َه واها‪َ ،‬أْم ُر ُه ْحَممود‪َ ،‬أْم ُر ُه َح َس ن‪ ،‬الَّنْف س َم عناُه الّر وح‪ ،‬قاَل اُهلل تعاىل‪ِ﴿ :‬إَّن‬
‫الَّنْف َس َأَلَّم اَر ٌة ِبالُّس وِء (‪ ﴾)53‬سورة يوسف‪ِ ،‬م ْن َش ْأهِن ا َأهَّن ا َتْأُمُر صاِح َبِه ا بالُّس وِء ‪ ،‬بالَّش ّر ‪،‬‬
‫َفال َيْنَبِغي َأْن ُيواِفَق ها الَّش ْخ ُص ‪َ ،‬ح ىّت ق اَل الش يُخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل َو ُه َو َحُيِّد ُث إنساًنا‬
‫َأْثناَء الَّش ْر ح‪َ" :‬نْف ُس َك َتُق وُل َلَك هكذا (َو َأشار الشيخ نبيل ِبَي ِدِه ِإىَل اَألمام) َأْنَت ُقْل هَل ا‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َم َقاَم َر ِّبِه َو َهَنى لَّنْف َس َع ِن ْلَه َو ٰى ﴾ [ُس وَر َة لَّناِز َعاِت ‪َ ]40 :‬أْي َم ْي ٌل َنْف َس اٌّيِن َم ْذ ُم وٌم َألَّن ْلَه َو ى ِع َب اَر ٌة َع ْن‬ ‫‪َ 73‬قاَل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َأَّم ا َمْن َخاَف‬ ‫‪73‬‬

‫ٱَّدل ْع َو ى اَب ِطٌةَل ِبَس َبِب َه َو ى ٱلَّنْفِس ال َعْن َد ِليٍل ‪َ ،‬و َقْد ُيَع ُرَّب ِبٱْلُح ِّب ‪ ،‬ٱْلُح ِّب اذلي َحِبٍّق ‪.‬‬ ‫َش ْهَو ِة ٱلَّنْفِس َو َم ْيِلَها‪َ ،‬فَتُكوُن ِتَكْل‬
‫ٱْلَح ِد يِث ال َنَّيِب َء اَخ َر َم ِع ي يِف َح اِل َح َيايِت " َو َه َذ ا حَت ِر يٌف ‪.‬‬ ‫َيُقوُل َهُؤ الِء َو ٱلِع ياُذ اِب ِهلل "َم عىَن‬ ‫‪74‬‬
‫َه كذا" اهـ‪َ( .‬و َأش ار الش يخ ِبَي ِدِه ِإىَل اَخلْل ف جِت اه َص ْد ِرِه َيْع ىِن خاِلْف ها)‪ ،‬خ اِلف َنْف َس ك‬
‫َو اْقَه ْر ها‪َ ،‬و قاَل َر َمِحُه اهلل‪" :‬قاَل َبْعُض الَّس َلِف ‪َ :‬أْعَد ى َأْع داِئَك َنْف ُس َك اليت بَنْي َج ْنَبْي ك"‬
‫اهـ‪َ .‬أَش ُّد َم ا َيُك وُن َع ُد ٌّو َل َك َنْف ُس ك أْي روُح َك ‪َ ،‬م ْع ن اُه ِم ْن ش ْأهِن ا َأهَّن ا َت ْأُمُر صاِح َبِه ا‬
‫ِل‬ ‫ِق‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬
‫بالَّش ِّر ‪َ ،‬عَلْي َأْن خُي ا َف َنْف َس ُه ِإذا َأراَد الُّر ّي ‪ ،‬قاَل الشيخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل‪َ" :‬مْن ال خيا ُف‬
‫َنْف َس ُه ال َيَتَر َّقى" اهـ‪َ .‬أْي ِإىَل الّد رجاِت العاِلَية‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِد ِم‬ ‫ِحِل‬ ‫ِح ِم‬
‫ُيوَج ُد وا د َن الص ا ني اُمْسُه َحُمَّم د بُن الـمْنَك ر َن اَألْو ي اء‪ ،‬ق ال‪" :‬جاَه ْد ُت‬
‫ِع‬ ‫ِة ِس‬ ‫ِة ِس‬ ‫ِع‬ ‫ِس‬
‫َنْف ي َأْر َب َني َس َنة َح ىّت اْس َتقاَم ت" َم ْع ناُه َقَض ْيُت يِف جُم اَه َد َنْف ي َو خُم اَلَف َنْف ي َأْر َب َني‬
‫َس َنة َح ىّت صاَر ت َتـْم ِش ي َك ما ُأِر يد‪ِ ،‬فإذا الواِح ُد لـم َيْب َد أ ِبـُم حاَرَبِة الَّنْف ِس َفَك ْي َف َس يِص ل‬
‫ِإىَل ِم ْثِل هذه الّد رجاِت اليت َو َص َل ِإَلْيها هؤالِء ؟ ال َيِص ل‪.‬‬
‫واحد ِم َأحبابن ا كاَن ْق رأ يِف ِكت اب لى ش يِخ نا ِض ا ْن ‪َ ،‬فلما َغ ِم‬
‫َفَر َن‬ ‫َر َي ُهلل َع ُه‬ ‫َع‬ ‫َي‬ ‫ْن‬
‫الِكت اب َأَح َّب َأْن ُيْك ِر َم ن ا َفجاَء حِب ل و ُيَس ّم ى يِف ُلبن ان ُك ناَف ة‪َ ،‬و ُو ِض َع َم َع الّطع ام ال ذي‬
‫َيْأُك ُل ُه الش يخ َر َمِحُه اهلل‪ ،‬الش يخ ِم ْن َش ْأِنِه َأْن يْأُك َل َطعاًم ا َقلياًل َو ال َيَتَتَّب ُع الّطع اَم الَّلِذ ي ذ‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِع ِه ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِل ِج ِه‬
‫َفُقْلُت َزْو ‪" :‬هذه الُك ناَفة َل يَذ ة‪َ ،‬أْط مي ْنها ُلْق َم ة" ُدوَن َأْن َيْس َم َع ُه َو ‪ ،‬ألنه ُه َو ْن‬
‫عاَدِتِه ال َيْأُك ل ِم ْث َل هذه اَألْش ياء‪َ ،‬فَأَخ َذ ت بالـمْلَعَق ة ُلْق َم ة َو َم َأَلهْت ا َك ِث ًريا َح ىّت َيْأُك َلها‪،‬‬
‫فق اَلت َل ُه‪ُ" :‬ك ْل " َر َأى ُه َو م اذا َتْف َع ل فاْبَتَع َد هكذا‪ ،‬فق اَلت َل ُه‪" :‬كرم ال ُأِّم َك َو َأِبي َك‬
‫َو ِكرم ال الِّر فاِعّي َو ِكرم ال اجليالّيِن ُك ْل ِم ْن هذا" َفَم َّد ِإْص َبَعُه ِلَيْأُخ َذ ِم َن الـَم ْلَعَق ة ش يًئا‬
‫قليال ِلَيْج ُبَر َخ اِط َر ها‪َ ،‬و ما َقِبَل َأْن َيْأُك َل كَّل الـَم لَعَق ة‪َ ،‬فَلما َفَع َل هذا ق اَلت َل ُه‪َ" :‬و َلْو كل‬
‫هؤالء ال ذين ذكرت وتأخ ذ بإصبعَك " ِح ينِئ ٍذ َأْر َج َع ِإْص بَعُه َو ق اَل هلا‪" :‬هؤالء ال ذين‬
‫َذكرِت ِحُي ِّبوَن ِم يِّن َأْن ُأَخ ِّفف‪ ،‬ال ءاُك ل" غَلَبها ِبُلُطف وليَس بالِّش ّد ة‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِت‬ ‫ِخ ِج‬ ‫ِق‬
‫كنت ءايت بالـمنا يش َو ُه و شىء َر يص ًّدا إىَل بي الشيِخ لَيْك ي اإلخ َو ة الذيَن‬
‫َيْق رُءوَن َعَلى الشيِخ ألنه يِف العاَدة َأْكُلُه ال َيْك ِف ي َو ُه م كانوا َك ْثَر ة‪َ ،‬فالَح َظ ُه َو َأَّنيِن ءايت‬
‫ُك َّل َيْو م َهِبذا َر َمِحُه اهلل‪ ،‬فق اَل ‪" :‬ي ا َح اج َنِبي ل‪ ،‬ال َت ْأِت هِب ذا ُك َّل َيْو م‪ ،‬هذا َتَنُّعم" ِعْن َد نا‬
‫الفقُري الفقُري الفقري يْأُك ُل َأْك َثَر ِم ْن هذا‪ ،‬فُقْلَت َله‪َ" :‬مْو النا هذا شىٌء َخ ِف يف‪ ،‬الَعِج يَن ة بـ‬
‫‪ِ 250‬لَرية َو الَّز ْعرَت ِم َن البيت" قال‪َ" :‬و َلْو كاَن ‪ ،‬هذا َتَنُّعم" َفَس َأْلُتُه‪َ :‬ك ْي َف ال َيكوُن َتَنُّعًم ا؟‬
‫قاَل ‪َ" :‬تْاُك ُلُه َم َّر ة واِح َد ة يِف اُألْسُبوع"‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫َم َّر ة َح َّض َر ت َز ْو َج ُتُه َطعاًم ا َو َح َّس َنْتُه‪ ،‬ذاَقُه َفَو َج َد ُه َل ي ًذ ا‪َ ،‬فَطَلَب ْنها ش ْيًئا َت ْذ َه َب‬
‫ِن اَألْك ل‪ِ ،‬ه‬ ‫يِف‬ ‫َغ‬ ‫َأ‬ ‫الـماء‬ ‫و‬ ‫ُك‬ ‫َذ‬ ‫َأ‬ ‫ة‬ ‫ِإىَل الـمْط خ ِل ْأ ِب ِه‪ِ ،‬ه ذاِه‬
‫َي‬ ‫ْح‬ ‫َص‬ ‫ُه‬ ‫ْف‬
‫َو َر‬ ‫َب‬ ‫َخ‬ ‫َب َت َيِت َو َي َب‬
‫ِل‬
‫اْنَتَبَه ت‪ ،‬فاْلَتَف تت َو َس َألتُه لـما َفَع َل ذ َك ‪ ،‬قاَل هَل ا‪َ" :‬و َج ْدُتُه لذي ًذ ا" ُيِر ي ُد َأْن َيْق ُه َر َنْف َس ُه‬
‫وال َيْأُك له‪ ،‬وعاَدُة الناس ِإذا َو َج ُد وُه غَري َلِذ يذ ال َيْأُك ُلونه‪.‬‬
‫كاَن الّطعاُم الذي َيْطُلُب ِم ّن ا َأْن َحُنِّض َر ُه َعَلى ُم َّدة ُه َو ماء ُيْغَلى ُيوَض ع ِفي ِه الـمْلح‬
‫َو َنْس ُك ُبُه َعلى اُخلبز َو َيَض ع َعَلْي ِه شيًئا ِم َن اللنب‪ ،‬هذا الذي َيْأُك ُلُه ُك َّل َيْو م‪َ ،‬فجاَء ِإىَل بْيِتنا‬
‫َألَّن الّناِح َي ة اليت كاَن ُه َو ِفيها كاَن ِفيها َقْص ف َش ِد يد يِف اَحلرب ِح َني َدَخ َل الَيُه ود ِإىَل‬
‫بريوت‪َ ،‬فُك ّنا َنْع َم ُل َلُه هذا اَألْك ل‪َ ،‬و عادات َأْه ل بريوت ِعْنَد ما يريدوَن طبَخ ما ُيَس ّم ى‬
‫الَيْخ َنة‪َ ،‬يَض ُعوَن اللْح َم َمَع الباِم َي ة َمَع الـُم لوِخ ّية َم ع الُلوبيا‪َ ،‬فُأِّم ي َح ِف َظها اهلل َتْأُخ ُذ ِقْطَع ة‬
‫ْحَلم واِح َد ة‪ْ ،‬جَتَعُلها ِقطًع ا ِص غارا َو َتَض ُعها َفْو َق هذا الـماء الـمْغِلّي والـملح واللنب‪ ،‬الشيخ‬
‫يِل‬ ‫يِف ِم يِن‬
‫َعْب ُد اهلل َس َك َت َأّو ل َيْو م َعْن هذا‪ ،‬و الَيْو الث ا قاَل ‪" :‬يا حاج َنبيل‪ ،‬أنا ال ءاُك ُل‬
‫ْح‬ ‫َبْع َد الَيْو م ِم ْن هذا‪َ ،‬أنا ِخ ْف ت‪َ ،‬ظننُت ِفي ِه شىء ُقْلُت َل ُه‪ :‬لـماذا؟ قاَل يِل ‪َ :‬يَض ُعوَن الَّل‬
‫َم‬
‫يِف َطعاِم ي‪ َ،‬أنا ال ُأِر ي ُد اللحم‪ ،‬قاَل يِل ‪ :‬حن يِف ِبالِدنا ال َنْأُك ِإال َطعاًم ا واِح ًد ا حن يِف‬
‫َو ُن‬ ‫ُل‬ ‫ُن‬
‫مِد يَن ة‪َ ،‬ه رر ُتْع َتَبُر َم ِد يَن ة‪َ ،‬نْأُك ُل اخلبز َم ْف ُتوتا يِف الـمَر ق معه اللنب‪َ ،‬و هذا َنْأُك ُل ُه ُك َّل َيوم‪،‬‬
‫الذين هم أبعُد منا ال يضعوَن اللنب‪.‬‬
‫واِح د ِم ْن َأْه ِل الّثراء دعا الشيخ ِإىَل بْيِتِه‪َ ،‬فَو ضَع ماِئَد ة ِفيها َأْن واع َك ث َرية والشيخ‬
‫َيْأُك ُل ِم ْثَل الُعْص ُف ور‪َ ،‬ر َمِحُه اهلل‪َ ،‬فلما قاَم ِلَيْغُس َل َيَد ُه قاَل هذا الّر ُج ل الّثِر ّي للّن اِس ‪َ" :‬أَّو ل‬
‫َم ّر ة يِف حيايِت َأَر ى َرُج اًل ال َعالَقَة َلُه هِب ذه الُّد ْنيا"‪.‬‬
‫هذه األشياء َيْنَبِغي َأْن ُتْع َر ف َعِن الشيخ لُتْع َر ف َح ِق يَق ُتُه‪َ ،‬ألَّن َك ث ًريا ِم َن اَألكاِذيب‬
‫واألباِط يل َحُتكى َعْنه‪.‬‬
‫ج اَء َش ْخ ص ِم ْن خ اِرج لبن ان‪َ ،‬س َأَلُه َأْس ِئَلة َو صار الش يخ ِجُي يُب ُه ِبِد َّق ة َعْن َح واِدث‬
‫َحَص َلت ِم ْن َأّي اِم موَس ى َو ِقّص ة ِفْر َع ون‪َ ،‬بْع َد َأْن َفَر َغ ِم ْن َأْس ِئَلِتِه ق اَل ِلَش ْيِخ نا‪ُ :‬أِر ي ُد َأْن‬
‫ُأَك لُم َك ِبكالم خ اص‪َ ،‬يْع ىِن َعَلى اْنِف راد ليَس َأم ام الن اِس ‪ ،‬فق اَم الش يخ َو َأش اَر يِل ‪َ :‬تع اَل‬
‫ِس‬ ‫ِج‬
‫َمَعنا َح ىّت ُأَتْر َم َل ُه‪َ ،‬فأْج َلَس ُه الشيُخ َعلى الُك ْر ّي ‪ ،‬فقال للشيِخ ‪ :‬يا ش ْيخ‪َ ،‬أْنَت َك ْي َف‬
‫َتِعيش؟ فقاَل َلُه‪َ :‬أِعيُش َعَلى الَفْتِح ‪ُ ،‬ه َو ما َفِه َم اَجلواب‪ ،‬فقال للشيخ‪ :‬الّظاِه ر يا ش ْيخ ما‬
‫فهمَت السؤال‪َ ،‬عم اس َأَلك َك ْي َف َتِعيش؟ كي َف َتْأُك ل َك ي َف َتْش ب‪َ ،‬يْع ىِن ِم ْن َأْي َتْأيِت‬
‫َن‬ ‫َر‬
‫بالـمْص روف؟ فق ال‪َ :‬نَعم َفِه مت‪َ ،‬أِعيُش َعَلى الَفْتِح ُمَتَو ِّك اًل َعَلى اِهلل‪َ ،‬عَلى الَفْتِح َيْع ىِن‬
‫َعَلى ما َيْف َتُح اَهلل َعَلَّي ‪ ،‬قاَل َلُه‪َ :‬أنا ما َأَخ ْذ ُت ُأْج َر ًة َعَلى تِعليِم الِّدين يِف ُم َّد ِة َح ي ايِت ‪ُ ،‬مْن ُذ‬
‫َخ َر جُت ِم ْن ِبالِد ن ا َّمُث ِج ْئُت ِإىَل الّش ام‪ِ ،‬عْش ُت ُه ن اَك ِعش ريَن َس َنة ءاُك َل اُخلْبَز واللنب‬
‫َو اُخلْبَز والش اي‪ ،‬م ا اْش َتَر ْيُت حلًم ا َق ُّط ‪َ ،‬فَأْقَب َل اُهلل ِبُقُل وِب الن اِس ِإَّيَل‪ .‬ليَس لـماِلِه‪ ،‬لـم‬
‫حيمل َم َعُه مااًل َك ِثًريا َبْل ُزْه ًد ا َو ِعلما كثًريا َو َتْق َو ى‪.‬‬
‫ِج ِد‬ ‫يِف‬ ‫ِق يِف‬ ‫يِف ِد‬ ‫يِف ِت‬
‫الش يخ ق اَل ‪ْ :‬ل َك الـمّد ة لـما ُك ْنُت َم ْش ق‪ ،‬كان ُي يم ُغْر َف ة َم ْس‬
‫ِغ‬
‫القطاط‪( ،‬يف القيمِر َّية قال الشيخ مجيل) َلُه ُغْر َفة َص َرية َيص َعُد ِإَليها ِبَد َر ج‪ ،‬كاَن َيَتَر َّدُد‬
‫ِإليِه الشيخ َأَمحد احلارون َه ذا َو ّيِل َك بري ِم ْن َأْص حاِب الَك رامات‪َ ،‬قْب َل َأْن َيـموت ِبُأْس ُبوع‬
‫جاَء ِإىَل الشيخ َو َش َلَح اُجلَّب ة اليت كاَن َيلبسها َو أْلَبَس ها للشيخ َو َخ َر َج ِبِس ْر وال الُّص وف‬
‫والَق ِم يص الّد اِخ ِلّي ‪ ،‬هذه ِفيها ِإشاَر ة ِعْنَد َأْه ِل اهلل‪ ،‬ماذا قاَل ش ْيُخ نا َر َمِحُه اهلل؟ قال‪ :‬كاَن‬
‫َيَتَر َّدُد ِإَّيَل الشيخ َأَمحد احلارون‪ُ ،‬ه َو ُيِر يُد َأْن ُيكِر َم ُه ُأَقَّد ُم َل ُه اُخلْبَز والشاي واُخلْبَز واللنَب ‪،‬‬
‫فقاَل يِل َو ُه َو ِم ْن َأْز َه د الُّز ّه اد‪ُ :‬ك ّل َم َّر ة اُخلْبَز والشاي واُخلْبَز واللنَب ؟‪َ ،‬و ُه َو َو ّيِل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه َو الـمْبُعوُث ِإلى َعاَّم ِة الِج ِّن َو َك اَّف ِة ال َو َر ى ِب الَح ِّق‬
‫َو الُه َد ى َو ِبالُّنوِر والِّضياِء ‪.75‬‬
‫ٱ‬
‫َأْي ِإ َّن الَّنَّيِب َم بُع وٌث ِإ ىَل َعاَّم ِة اْلِج ِّن ِلَقوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬أِج يُبوْا َداِع َي ِهَّلل ﴾ [ُس وَر َة ا حَقا ‪ِ ]31 :‬ح اَك َيًة َعْن َقْو ِل اْلِج ِّن ِبَد ِليِل ِس َياِق اآلَي ِة َو ُه َو‬
‫أل ِف‬ ‫‪75‬‬

‫[ُس وَر َة‬


‫َقْو ُهُل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ْذ َرَص ْفَنآ َلْي َك َنَف ًر ا ِّم َن ٱْلِج ِّن َيْس َتِم ُع وَن ٱْلُق ْر َء اَن َفلـام َحُرَض وُه َق اُلۤو ْا َأنِص ُتوْا َفلام ُقَيِض َو َّل ْو ْا ٰىَل َق ْو ِم ِهم ُّم نِذ ِر يَن ﴾‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫اَألحَقاِف ‪َ ]29 :‬و اَألْقَرِإ ُب َأَّن اَّدل اِع َي ُه َو الَّر ُس وُل َعَلْي ِه الَّص الُة َو الَّس الُم ‪َ ،‬و ِف ي ِه َد ِلي ٌل َعىَل َأَّن ُه اَك َن َم ْبُع واًث ىَل اْلِج ِّن اَمَك اَك َن َم ْبُع واًث ىَل ا ْنِس ‪،‬‬
‫ِإ ِإل‬ ‫ِإ‬
‫َقاَل ُم َقاِتٌل ‪" :‬ولـم َيْب َع ِث ُهللا َنِب ًّيا ىَل ا نِس َو اْلِج ِّن َقْبًال“ َو ُم َقاِتٌل َه َذ ا ِم َن الَّتاِبِع َني ‪.‬‬
‫ِإ ِإل‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن َس ِّيَد نا َحُمَّم ًد ا َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُمْر َس ٌل ِإىل اِإل ْنِس واجلِّن ‪ 76‬وَلْيَس إىل‬
‫مجي ِع اخلْل ِق م الِئكٍة هباِئ وِج ٍّن وإْنٍس ‪ ،‬ع م ُقوُل وَن ‪ :77‬مر إىل الـمالئكِة‬
‫َس ٌل‬ ‫َو َب ُض ُه َي‬ ‫َو َم‬ ‫َن َم‬
‫ِر َس الَة تشريٍف ‪.‬‬

‫ِب‬
‫الدرُس السا ُع‬
‫ال م َنَتَك لم يِف م أَلة م َأ مساِئِل يِف ال ِق ي َد ة ِه مسَأَلُة إثب اِت الكالِم ِهلل‬
‫َو َي‬ ‫َع‬ ‫َس ْن َه ّم‬ ‫َيْو َس‬
‫تعاىل َعَلى الَو ْج ِه الالِئ ِق ِب ه‪َ .‬و َم ْع ىَن ذِل َك َأْن َيْع َتِق َد اإلنسان َأَّن اَهلل َل ُه َك الم َو ُه َو ِص َف ة‬
‫لما‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ُل‬ ‫ال‬ ‫ٍف وال ٍت‬ ‫لي‬ ‫َن‬ ‫بحا‬ ‫ال‬ ‫َك‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َل ‪ِ ،‬ذ ه الِّص َف ة َأ ِل ة َأ ِد‬
‫ُء‬ ‫ُع‬ ‫َغ‬ ‫ْو َو‬ ‫َص‬ ‫َحِب‬
‫َس ْر‬ ‫ُه‬ ‫َز ّي َب َو ُم ُس‬
‫ُه‬ ‫ّي‬ ‫ُه َو َه‬
‫َأْه ل الُّس َّنة َيُقولوَن ِبَو ْح َد ِة َك الِم اِهلل َتعاىل‪َ ،‬أي َيقولوَن َأَّن َك الَم اِهلل َتعاىل الذي ُه َو ِص َفُة‬
‫ذاِتِه َك الٌم واِح ٌد َو َم ْع ىَن هذه الَك لمِة "َك الٌم واِح د" َأَّن ُه ليَس ش ىْيًئا ُمَتَج ِّز ًئ ا ولْيَس ش ىْيًئا‬
‫ِّك ا ِم روف‪َ ،‬لي َل ِبدا ة وَليس َل هِن ا ة‪ .‬أبو علي السكوين هو ِم ال َلماِء‬
‫َن ُع‬ ‫ُه َي‬ ‫َو َس ُه َي‬ ‫ُمَتَر ًب ْن ُح‬
‫الذيَن قالوا بوحَد ِة الَك الِم ِهلل‪.‬‬
‫َو ُمِه ٌّم َأْن ُيْع َلَم ‪َ ،‬ك ما َأَّن الَعْب َد ال ِحُي ي ُط َم ْع ِر َفًة بذاِت خِب اِلِقِه‪َ ،‬ك ذِلَك ال ِحُي ي ُط َم ْع ِر َفًة‬
‫ِبِص فاِت خاِلِقِه‪ِ ،‬إَّنـما ِر ُف َأَّن َل هذه ال فات‪َ ،‬ك ِص َف ِة الكالِم وال ِع وال ِر واحلياِة‬
‫ّس ْم َبَص‬ ‫ّص‬ ‫ُه ُه‬ ‫َيْع‬
‫َو اِإل راَدِة َو ساِئِر الِص فاِت ‪ .‬الُك ُتب اليت ُأْنِز َلت َعَلى َأْنِبياِء اِهلل َنَز َل هِب ا ِج ِرْب يل َعَلْيِه السالُم‪،‬‬
‫ي‬ ‫هِذِه الُك ُتب ِفيها َك الم‪ ،‬فيها روف َأ وات ُلغات‪ ،‬الُق رءاُن بالُّلَغ ِة ال ِب ة واِإل ِجْن‬
‫ُل‬ ‫َعَر ّي‬ ‫َو‬ ‫َو ْص‬ ‫ُح‬
‫بالُّس ْر ياِنَّية َو الَّتْو راُة بالِعرْب اِنَّية اليت ُأْنِز َلت َعَلى ُموَس ى َعَلْيِه السالم‪ ،‬هذه الَك لمات ال َش َّك‬
‫ِل‬ ‫ِق‬
‫عنَد عا ل َأهَّن ا ْخَمُلوَقة ألهنا َتْنَطِبع َعَلى هذه اَألْو راق َو ْجَتِر ي َعَلى ساِن الـمْخ لوق‪ ،‬الـمَلُك‬

‫َقال ُهللا َتَع اىَل ‪ٰ﴿ :‬يَأَهُّيا ٱلَّنُّىِب َّنآ َأْر َس ْلٰن َك ٰش ِهًد ا َو ُمَبًرِّش ا َو َنِذ يًر ا﴾ [ُس وَر َة األحَز اِب ‪َ ]45 :‬م َع َكْو ِن ٱلَّنِّيِب ُأِّم ًّيا ُهللا َأعَط اُه ِم َن ٱلِع مل َو ٱْلِح َمكِة َم ا لـم‬‫‪76‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ ِإ‬


‫ُيْع ِط َأَح ًد ا ِم ْن َخ ْلِقِه ‪َ ،‬و ُألِّم ُّي اذلي ال َيْكُتُب َو ال َيقَر ُأ لـمكُتوَب ‪ ،‬الرس وُل َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم اَك َن َهكَذ ا‪َ ،‬أَّم ا ِعيىَس َعَلي ِه لَّس الُم‬
‫َتَع مل ٱلِكَتاَب َة ‪ ،‬يِف ِم َرص َتَع مل‪َ ،‬أَليَس ُأُّم ُه َأَخ َذ ْت ُه ىَل ِم َرص ‪َ ،‬م َكَث ُه َن اَك ِبْض َع َع َرْش َة َس َنًة ‪ ،‬والنُّيِب صىل هللا علي ه وسلـم َم ا اَك َن َيقَر ُأ‬
‫ِإ‬
‫ٱلـمكُتوَب َو ال اَك َن َيكُتُبُه َح ىَّت َبعَد َأْن َنَز َل َعَليِه ال َو ُيْح ‪َ ،‬أغَلُب ٱلَع َر ِب َم ا اكُنوا َيعِر ُف وَن ٱلِكَتاَب ة‪ ،‬والنُّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم ِم ُهنم‪،‬‬
‫َأغَلُب الَّص َح اَبِة ال َيعِر ُفوَن ٱْلَخَّط َّنـام ٱلِع مل َأَخ ُذ وُه ِم ْن َفِم ٱلَّر ُس وِل َعَليِه ٱلَّص الُة َو ٱلَّس الُم ‪.‬‬
‫ِإ‬

‫َتِقُّي ٱِّدل يِن ٱلُّس بُّيِك َو َغُري ُه ‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫َيْق َر ُأها‪ ،‬اِجلُّيِّن َيْق َر ُأها‪ ،‬اِإل ْنِس ُّي َيْق َر ُأها‪َ ،‬فال َش َّك َأَّن هذه اُحلروف اليت ِه َي ِعباَر ة َتَت َأَّلف‬
‫ِم ْنها الكلمات ال َش َّك َأهَّن ا ْخَملوَقة‪ِ ،‬إذا قال َش ْخ ٌص هذه ليَس ت ْخَملوَقة هذا ُمكاَبَر ٌة للِعيان‬
‫والعياُذ باهلل‪.‬‬
‫ُه َو يِف اَحلِق يَق ة َحَص َل َأْم راِن ‪ ،‬اُهلل تعاىل َأَم َر ِج ربيل َعَلْي ِه السالم َأْن َيْأُخ َذ َأْلفاَظ هذه‬
‫الُك ُتب ِم َن الَّل وِح الـمحُفوِظ ‪ُ ،‬ك ّل هذه الُك ُتب َأْلفاُظها َم ْس ُطوَر ة ُمَس َّجَلة يِف الل وِح‬
‫الـمحفوظ‪ ،‬اُهلل تعاىل َأَم َر ِج ربيَل َعَلْيِه الّس الم َأْن َيْأُخ َذ هذه اَألْلفاظ ِم َن الَّلوِح الـمحفوظ‪،‬‬
‫هذا َأْم ر‪َ .‬و اَألْم ُر الث ايِن َأَّن اَهلل تعاىل َخ َل َق َص ْو ًتا ُحِبروِف هذه الُك ُتب‪ ،‬فَح َم َلت ريح َه ذا‬
‫الّص ْو ت إىل ِج ربيل َعَلْي ِه السالم فسمعه جربيل‪َ .‬حَص َل َل ُه اأَل ْم ران‪ ،‬هكذا َأَخ َذ ِج ربيل‬
‫َعَلْيِه السالم َأْلفاَظ الُقرءان َو َأْلفاَظ الَّتوراة َو َأْلفاَظ اِإل ِجن يل َو ساِئِر الُك ُتب اليت ُأْنِز َلت َعَلى‬
‫الر ل‪ِ ،‬بَأْن َأخ َذ هذه اَألْلفاظ ِم اللوِح الـمحفوظ ِبَأْن َل ا َأ واًتا روِف هِذِه‬
‫َو َخ َق ُهلل ْص ُحِب‬ ‫َن‬ ‫ُس‬
‫الُك ُتب ال ِّر ي َلت ذا اَأل وات ال يت ِفيها هذه الَك لمات‪ ،‬ـِم ها ِج ربي ل َل ِه‬
‫َع ْي‬ ‫َس َع‬ ‫ْص‬ ‫َو ُح َمَح َه‬
‫السالم‪َّ ،‬مُث َنَز َل هِب ا ِج ربيل َعَلْي ِه السالم َعَلى َح َس ِب اَألواِم ر‪َ .‬س ِّيُد نا ِج ربي ُل َعَلْي ِه السالم‬
‫هَو الذي َقَر َأ الُقرءان َعَلى سِّيِد نا حممد‪ ،‬ليَس اُهلل َقَر َأ الُق رءان َعَلى س ِّيِد نا حممد كما َيقرَأ‬
‫اُألْس تاذ َعَلى الِّتلمي ذ‪ ،‬هذا ال جَي وُز على اهلل‪ .‬وال ذي ج اَء يِف الُق رءاِن الَك رمي‪َ﴿ :‬ف ِإَذا‬
‫َقَر ْأَناُه َفاَّتِبْع ُقْر َآَنُه (‪ ﴾)18‬سورة القيامة‪ ،‬ليَس َم ْع ناُه َأَّن اَهلل َقَر َأ كما حَن ُن َنقرُأ‪ ،‬ال‪َ ،‬م عناُه‬
‫َف ِإذا َقَر َأُه َعَلْي َك الـمَلُك ِج ربي ُل ِبَأْم ِر ن ا فاَّتِبع ي ا حممُد ِقراَءَت ُه‪َ ،‬أي َأْنِص ت َل ه ِح َني َيْق رأ‪.‬‬
‫ُيوَج د ِس ياق‪ ،‬الُعلماُء َيُقولون َأْح َس ُن َتْف ِس ري للنِّص القرءاّيِن َه َو ما ُيواِف ُق الِّس ياق‪ ،‬يعىن‬
‫يوجد كالم قبل اجلملة الـمَفَّس رة‪ ،‬هذا الكالم ُيَس َّم ى الِّس ياق‪َ ،‬و ُه نا ِإذا َنَظ َر الواِح د ِإىَل‬
‫اآليات ِجَي ُد ِس ياقا‪ ،‬الذي جاَء َقْب َل هذا الَّنص َيفَه َم هذا ِم ْن هذا السياق‪ .‬كان الرسول‬
‫ِم ن ِح رِص ِه على أْن ال َيْنَف ِلَت من ُه ش ىء ِم ن كلمات الُق رءاِن ‪ ،‬حني َي أيِت ِج ربي ُل ويق رأ‬
‫علي ه الرس ول يق رُأ مع ُه‪ ،‬فنزلت علي ِه اآلي ات ﴿ال َحُتِّر ْك ِب ِه ِلَس اَنَك ِلَتْع َج َل ِب ِه (‪ِ )16‬إَّن‬
‫ِل ِم‬ ‫ِم‬
‫َعَلْيَن ا ْمَجَع ُه َو ُقْر َآَن ُه (‪ ﴾)17‬سورة القياَم ة‪َ ،‬يْع ىِن حَن ُن َض ّنا َل َك َأْن ال يْنَف َت ْن َك شىٌء‬
‫َأ‬ ‫نا‪،‬‬ ‫ِر‬ ‫ْم‬‫َأ‬‫ِم الُق رءاِن ﴿َف ِإَذا ْأَناُه َف اَّتِبْع َآَنُه (‪َ ﴾)18‬ف ِإذا َأُه َعَلْي َك الـمَلُك ِج ربي ِب‬
‫ْي‬ ‫ُل‬ ‫َقَر‬ ‫ُقْر‬ ‫َقَر‬ ‫َن‬
‫ِم َن اهلل‪َ ،‬أْنَت يا حممد َأْنِص ت ِلِق راَءِة ِج ربيل‪.‬‬
‫ُه ن ا ُمِه ِج ًّدا َأن ُيْع َل َأَّن الرس وَل ال ْحَيُص ِم ْن ُه َأْن َيْن ى ش ْيًئا ِم الُق رءاِن يِف‬
‫َن‬ ‫َس‬ ‫ُل‬ ‫َم‬ ‫ّم‬ ‫َو‬
‫ِقراَءِة الّتْبِليِغ ‪ ،‬الِق راَءُة اُألوىَل اليت هو بْع َد َأْن َأْو َح ى ِإَلْيِه ِج ِرْب يل هِب ذه الَك ِلَم ات ِم َن الُقرءان‪،‬‬
‫ُه َو ُيَبِّل غ يِف هذه الِق راَءِة‪ ،‬الرس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ال َيْنَس ى ش ْيًئا ِم َن الُق رءان‪ ،‬ال‬
‫جَي وُز َعَلْيِه‪َ .‬فِإذا قاَل َلُك م قاِئل‪ِ :‬إًذا ما معَىن قوِلِه َتعاىل‪َ﴿ :‬س ُنْق ِر ُئَك َفال َتْنَس ى (‪ِ )6‬إاّل َم ا‬
‫َش اَء اُهلل ِإَّنُه َيْع لُم اَجلْه َر َو َم ا ْخَيَف ى (‪ ﴾)7‬سورة األعلى‪.‬‬
‫الـمعىَن َأَّن الرسوَل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َبْع َد ِتالَو ِة الّتْبِلي ِغ ‪َ ،‬أْثناَء الِق راَءِة َقْد َيْنَس ى‬
‫ش ْيًئا ِم َن الِق راَءِة اليت ِه َي َبْع َد ِق راَءِة الّتْبِليغ‪َ ،‬لِكْن ال َيْبَق ى ناِس ًيا َل ُه‪ ،‬بل َيُع وُد َو َيَت َذ َّك ُر ُه‪،‬‬
‫فَق ط َأْثناَء الِّتالَو ة َقْد ْحَيُصُل هذا للَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬
‫َو ُيوَج د َتْف ِس ٌري ءاَخ ر َق ِو ّي وَص ِح يح ِلآلَية قاَل ُه َأْه ل الُّس ّنة يِف َقْو ِل اِهلل تعاىل ﴿َف ِإَذا‬
‫َقَر ْأَناُه َفاَّتِبْع ُقْر َآَنُه (‪ ﴾)18‬سورة القيامة‪َ ،‬أْي َفِإذا َمَجْع ناُه َلَك يا حممُد يِف َص ْد ِر َك َفاْع َم ل‬
‫ِبه‪ ،‬يِف ُلَغِة العَر ب ُيقال َقَر َأ الـماَء يِف اَحلْو ِض ‪َ ،‬يْع ىِن َمَجَع الـماَء يِف اَحلْو ض‪َ﴿ ،‬فِإَذا َقَر ْأَناُه﴾‬
‫ِس‬
‫َأْي َمَجْع ناُه َلَك يِف َص ْد ِر َك ﴿َفاَّتِبْع ُقْر َآَنُه﴾ َفاْع َم ل ِبه يا حممُد ‪َ ،‬عَلى الَّتْف ري اَألَّو ل ﴿َف اَّتِبْع‬
‫ُقْر َآَنُه﴾ فاَّتِبع ِقراَءَتُه‪َ ،‬أْنِص ت ِإىَل ِقراَءِة ِج ربيل‪ ،‬هذا َص ِح يح َو هذا َص ِح يح‪.‬‬
‫اُهلل َتعاىل َقاَل ‪ِ﴿ :‬إَّنُه َلَق ْو ُل َرُس وٍل َك ِرٍمي (‪ ﴾)19‬سورة الّتكوير‪ِ﴿ ،‬إَّنُه﴾ َأِي الُق رءان‬
‫﴿َلَق ْو ُل ﴾ َأْي َم ْق روُء ﴿َرُس وٍل َك ِرٍمي ﴾ َأْي ِج ِرْب يل‪ ،‬اُهلل ال ُيَس ّم ى َرُس واًل َك ِر ًميا‪ ،‬هذا َدِليل‬
‫َعَلى َأَّن هذا القرءان الـموجود َبَنْي َأْي ِد ينا الذي َنْتُل وُه ِبَأْلِس َنِتنا َو ْحَنَف ُظ ُه يِف ُص ُد وِر نا هذا‬
‫ِجِل‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬ ‫ِج‬
‫َقَر َأُه ربي ُل َعَلى الرسو َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َألَّن هذا الَو ْص ف َو صف ِرْب يل‪ِ﴿ ،‬إَّن ُه‬
‫َلَق ْو ُل َرُس وٍل َك ِرٍمي (‪ِ )19‬ذي ُقَّو ٍة ِعْن َد ِذي الَع ْر ِش َم ِكٍني (‪ُ )20‬مَط اٍع َّمَث َأِم ٍني (‪﴾)21‬‬
‫سورة الّتكوير‪ ،‬هذا َو صف ِج ِرْب يل‪ُ .‬ه َو َلُه ُقَّو ة َو ُتطيُعُه الـمالِئَك ة‪ُ ،‬ه َو َر ِئيُس الـمالِئَك ة‪،‬‬
‫﴿ِذي الَعْر ِش ﴾ َيْع ىِن ِعْنَد خاِلِق الَع ْر ش‪َ﴿ ،‬م ِكٍني ﴾ ُمَتَم َّك ن‪َ ،‬ل ُه َدَر َج ة عاِلَي ة‪ ،‬هذا َو صف‬
‫ِج ِرْب يل‪َ ،‬و هذا ِفيِه َدِليل َعَلى َأَّن هذا اللفَظ ُيْطَلُق َعَلْيِه َك الُم اِهلل َو ُيْطَلُق َعَلْي ِه ِبَأَّنُه القرءان‪،‬‬
‫هذا اللفاظ الذي َتالُه ِج ربيل َعَلى َرُس وِل اهلل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬
‫ِه ِع‬ ‫ِع‬
‫هذه ال بارات‪ ،‬هذه األْلفاظ‪ ،‬هذه الكلمات اليت َنْق َر ُأها يِف القرءان َي باَر ة َعْن‬
‫ِص َف ِة اِهلل الكالم ِج ربي ُل َعَلْي ِه السالم ‪ ،‬فالِعباَر ُة شىء والـمَعَّبُر َعْن ُه شىٌء ءاَخ ر‪َ ،‬ك ما ِإذا‬
‫قاَل قاِئ ِم ّنا بلسانه‪" :‬اهلل" نَط روِف َلْف ِظ اِجلالَلة‪ ،‬هذه ا روف لي ت ذاِت‬
‫َس َعَنْي‬ ‫ُحل‬ ‫ُه َو َق ُحِب‬ ‫ٌل‬
‫اهلل‪ ،‬هذه اُحلروف َتُد ّل َعَلى ال ّذ ات الـمَق َّدس‪َ ،‬ح ىّت َتْق ُر َب َألْذهاِن الناس‪َ ،‬ك ما ِإذا واِح د‬
‫ِظ ِجل‬ ‫ِئ‬
‫َك َتَب عَلى هذا احلا ط ُح روَف َلْف ا الَل ة‪" :‬اهلل" َأْل ف‪ ،‬الم‪ ،‬الم‪ ،‬هاء‪َ ،‬ف ِإذا َس َأَلُه‬
‫ساِئل‪ :‬ما هذا؟ َيُق ول‪" :‬اهلل" َه ْل َيْع يِن ذِلك َأَّن اَهلل اخلاِلَق َح َّل يِف هذا احلاِئط؟‪ ،‬ال‪ِ ،‬إَّنـما‬
‫الـمعىَن َأَّن هذه اُحلروف َتُد ّل َعَلى اخلاِلق‪ ،‬هذه اُحلروف اليت َنْتُلوها ِبَأْلِس َنِتنا ِه َتُد ُّل‬
‫َي‬ ‫َو‬
‫َعَلى ِص َف ِة اِهلل الكالم‪ ،‬الِعباَر ُة شىء والـمَعَّبُر َعْن ُه شىء‪ِ .‬إذا َك َتَب الشخُص َعَلى َو َر َق ة‬
‫ِذِه ِل ِة‬ ‫ِب‬ ‫ِز‬ ‫ِة ِب‬
‫َك لمَة "نار" باللَغ الَعَر ّي ة‪َ ،‬أو االجنلي ّية َأْو َأِّي ُلَغ ة‪َّ ،‬مُث َو َض َع َيَد ُه َعَلى ه الَك َم َه ْل‬
‫يْش ُعر حِب رارة؟ ال‪ ،‬الّناُر ِم ْن شْأهِن ا ِإْن َقَّر ْبَت َيَد َك ِم ْنها َتْش ُعُر حِب راَر ة‪ ،‬معناُه هذه ِعبارة َعِن‬
‫الن اِر ليَس َعَنْي الن ار‪ ،‬وهذا ش ىء يِف الـمْخ ُلوق َح ىّت َيْف َه َم ُه الّش ْخ ص ِلَتْق ريِب ذِل َك ِإىَل‬
‫ِذ ْه ِنِه‪.‬‬
‫ُمَلَّخ ُص م ا َم َض ى َأَّن َك الَم اِهلل َل ُه ِإْطالق اِن ‪ُ ،‬يْطَل ُق َعَلى اللْف ِظ الـمَنَّز ِل َعَلى س ِّيِد نا‬
‫َت‬ ‫ْك‬‫ُي‬ ‫ة‪،‬‬ ‫َب‬ ‫َّك‬ ‫ُم‬ ‫لـمات‬ ‫َك‬ ‫روف‬ ‫ُح‬ ‫ألنه‬ ‫وق‬ ‫ُل‬ ‫ْخَم‬ ‫اللفظ‬ ‫هذا‬ ‫َّن‬‫َأ‬ ‫َّك‬ ‫َش‬ ‫ال‬ ‫َني‬ ‫ِّي‬‫حممٍد َعلى الَّنِب‬
‫ُب‬ ‫َر‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫ِق‬ ‫ِس ِة‬
‫َعَلى ال َوَر ق َو ْحُيَف ُظ يِف الُّص ُد ور َو ُيْتَلى ِبَأْل َن الـمْخ لو ني‪ ،‬فال َش َّك َأَّن ُه ْخَمُل وق‪َ ،‬و ُيْطَل ُق‬
‫لي‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ُل‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ف‬ ‫لي‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫َك ال اِهلل َلى الِّص َف ِة الّذ اِتَّي ة اَأل ِلَّي ة اَأل ِد‬
‫َس‬ ‫َغ‬ ‫َو‬ ‫ْو‬ ‫َص‬ ‫َو‬ ‫ْر‬‫َحِب‬ ‫َس‬ ‫ّي‬ ‫َب‬ ‫َز‬ ‫ُم َع‬
‫َك َك الِم العالـمني‪َ .‬و ال ُيق اُل اُهلل َنَط َق ِب ِه َألَّن الُّنْط َق ِم ْن ِص فاِت الـمْخ ُلوِقني‪َ ،‬و ال ُيَس ّم ى‬
‫ا ناِط ًق ا ِإَّنـما ى َك ِّل ا َأ َل ِص َفُة الكالِم الذا األ اَألب ِد الذي لي رٍف‬
‫َس َحب‬ ‫ّيِت َز ّيِل ّي‬ ‫ُيَس ّم ُمَت ًم ْي ُه‬ ‫ُهلل‬
‫َو ال َص وٍت وال ُلّغٍة‪.‬‬
‫ِح‬ ‫ِق‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِح‬
‫َأْفَض ُل م ا ُيْؤ تاُه اإلنسان الَف ْه ُم الّص يح ال ذي َيْع ِر ُف الَع ي َد َة الَّص يَح ة‪ ،‬اُهلل‬
‫تعاىل َح َر َم الَو ّه اِبّيَة الـمشِّبَه ة ُنفاة الّتَو ُّس ل الَف ْه َم الّص حيح‪َ ،‬فال َيْف َه ُم وَن الَعِق يَد َة الصحيَح ة‬
‫َو ال َيْع َتِق ُد وَن الَعِق ي َد َة الصحيَح ة‪َ ،‬يُقولون‪َ :‬أَليَس َنُق وُل ‪" :‬قاَل اهلل" َيُقولون‪ :‬معىن "قاَل "‬
‫َأَّنُه َيَتَك لم باَحلْر ِف َو الصوِت َو اللَغِة َو َأَّن لُه َش َف َتنْي َو ِلساًنا والِعياُذ باهلل‪ ،‬هكذا ُيَص ِّر ُح وَن ‪،‬‬
‫م الَف ال حيح‪ُ ،‬ل وا ا َك ْلِق ِه‪ ،‬وا ُق ول ﴿َفال َتْض ِر وا ِهلل‬
‫ُب‬ ‫ُهلل َي‬ ‫َجَع َهلل َخ‬ ‫اُهلل تع اىل َح َر َمُه ْه َم ّص‬
‫َأْم ثال﴾ َو ُه م َيْض ِر بوَن ِهلل اَألْم ثال َو ُيَش ِّبُه ون اَهلل َخِبْلِقِه‪.‬‬
‫وال ُجَيوُز َتسِم َية الوهاِبّية بالَّس َلِف ّية َألَّن هذا َغٌّش ِلْلّناس‪ُ ،‬ه م َيْز ُعموَن َأَّنُه َمَع الّس َلف‬
‫ِف ِل‬
‫َو يُقول وَن حنُن َس َل ّية ُيوُمِهوا الن اَس َأَّنُه م َعلى م ا كاَن َعَلْي ِه الّص حاَبة َو َمْن كاَن يِف ِتْل َك‬
‫الُقرون الثالَثة اُألوىَل ِلَيُغُّشوا الّناَس ِبذِلك‪ِ ،‬لذِلك َأْنُتم اْع ِر ُفوا َأَّنُه ال ُجَيوُز َتسِم َيَتُه م َس َلِف ّية‬
‫َأْد ِعياء الَّس َلِف ة َّد وَن َأَّن م َلِف ة‪ .‬الَّس َل الصاِلح َأ ثاُل أ ِنيَف ة الذي ِم‬
‫ُه َو ْن‬ ‫ْم يُب َح‬ ‫ُف‬ ‫ّي َي ُع ُه َس ّي‬ ‫َبْل‬
‫رؤوس السلِف ُو ِلَد َس َنة مَث اِنَني للِه ْج َر ة ق ال‪" :‬واُهلل َيَتَك َّلُم ال َك ما حنُن َنَتَك َّلم" اهـ‪ُ .‬ه م‬
‫َيُقول ون‪ :‬اُهلل َيَتَك َّلُم َك ما حنُن َنَتَك َّلم‪ ،‬ق اَل أُب و َح ِنيَف َة‪" :‬حنُن َنَتَك َّلُم باآلَل ِة َو اَحلْر ف" اآلَل ة‬
‫ىِن ْخَم ِج ا ف "وا َك َّل ِبال ءاَل ٍة ال ف" اهـ‪َ .‬لِك هذا ِم ن ِش َّد ِة َفساِد‬
‫ْن‬ ‫َو َح ْر‬ ‫ُهلل َيَت ُم‬ ‫َيْع َر َحلْر‬
‫َأْفهاِم ِه م َو ُعُق وِهِلَم ‪ .‬من ُذ ُم َّدة َقص َرية واحٌد ِم ْنُه م كاَن جُي اِدل َأحد َأحباِبن ا‪ ،‬ق اَل َل ُه‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِف‬
‫"الَّنَو ِو ُّي كا ر‪ ،‬الغزايِل كا ر‪ ،‬ابُن َحَج ر العْس َق الّيِن كا ر" َّمُث قال‪َ" :‬و َأُبو َح نيَف ة َج ْه ٌّي‬
‫كاِفر" أُبو َح ِنيَف ة الذي ُه و حاِف ظ َو َفِق يه َك بري واَّتَف َق الـمسِلموَن َعَلى َج الَلِة َقْد ِرِه َو ُعُلِّو‬
‫َم ْنِز َلِتِه يِف الِعلـم‪ .‬أُبو َح ِنيَف ة أرَبِعَني َس َنة كاَن ُيَص ِّلي الّص بح ِبُو ُضوِء الِعشاء َر ِض َي اُهلل َعْنُه‪،‬‬
‫َم عن اُه م ا كاَن َين ام ِم َن الِعش اِء ِإىَل الُّص بِح َيْق ِض يِه يِف طاَع ِة اهلل‪ُ .‬مِه ّم َأْن ْحَتفُظ وا َبْع ض‬
‫خَم اِز ي الوهاِبي ة ِلَتْح ُك وها للن اس‪ ،‬كاَن يِف اُألْر ُدن واِح د ِم ْن َأْح باِبن ا َي ْد ُر ُس َمَعن ا ِعْن َد‬
‫الش ْيخ اُمسُه َو ِليد‪ ،‬وكاَن ُيَد ِّر س يِف َم ْد َرَس ة امسها الَّلْيث بُن َس ْع د يِف ناِح َي ة اُمسها الّز ْر قاء‪،‬‬
‫َبْع َد َعّم ان ِبَنْج ِو ثالِثَني كلم‪َ ،‬و ُيوَج د يِف َنْف ِس الـمدَر َس ة واِح د ِم َن الَو ّه اِبّي ة اُمسُه َح َس ن‬
‫َأُبو ِدّية‪ ،‬هذا الَو ّه اّيِب ُيَد ِّر ُس الُّلَغَة الَعَر ِبّي ة‪َ ،‬فصاَر ِنقاش بَني َو ِليد وذاَك الوهاّيِب يِف َقِض ّية‬
‫الَّتَبُّر ك ِبالرس ول‪ ،‬فق اَل َأُخ ون ا َو ِلي د‪َ" :‬أُب و َأُّي وب اَألْنص اِر ّي َو َض َع َو ْجَه ُه َعَلى َقِرْب الَّنّيِب‪،‬‬
‫َثَبَت َعْنُه هذا َك ما َرَو ى َأَمْحد َو َغُريُه ِم َن اُحلّف اظ" فقاَل الَو ّه ايِب ‪َ" :‬لَق د َفَع َل ِش ْر ًك ا" َو هذا‬
‫َأم اَم الن اس‪ ،‬ق اَل َل ُه َو ِلي د‪َ :‬أُق وُل َل َك َأُب و َأُّي وب اَألْنص اِر ّي َو َتُق ول َفَع َل ِش ْر ًك ا‪ ،‬فق اَل‬
‫الَو ّه ايِب ‪َ" :‬لْو كاَن َحُمَّم د بُن َعْبِد اهلل َفَعَل ِش ْر ًك ا"‪.‬‬
‫الوهاِبي ُة م ا اْقَتَص َر َتْك ِف ُريُه م َعَلى َأيب َح ِنيَف ة والن َو ِو ّي َو األْش َعِر ي‪َ ،‬ك َّف ُر وا ُك َّل‬
‫الـمسلمني‪َ ،‬مْن لـم َيُك ن ِم ْنُه م ُيَك ِّف ُر وَنُه لـمَج َّر د َأَّنُه ليَس ِم ْنُه م ُيَك ِّف ُر وَنُه‪َ .‬ح َك ى َيِل َرُج ل‬
‫كاَن يِف اِحلجاز‪ ،‬لـما َدَخ ُلوا ِإىَل ِتْلَك الّنواِح ي َو َقَّتُلوا‪َ ،‬ج ُّد ُه كاَن ُه ناك‪َ ،‬فَل ُه َأقاِر ب ِم ْنُه م‬
‫امرأة َبْيضاء الّش كل‪َ ،‬فكاَن الَو ّه اِبية َيُقولوَن هَل ا‪َ :‬لْو ال َأَّنِك َبْيضاء َو َش ْق راء كاِفَر ة َلكاَن م ا‬
‫َأْح َسَن حاَلِك ‪ ،‬ألهنا ليَس ت ِم ْنُه م‪ ،‬لـمَج َّر د ذلَك َيُقولوَن َعْنها كاِفَر ة‪.‬‬
‫واِح د ِم ْن َأْح باِبن ا َح َك ى يِل ‪ ،‬ق اَل ‪ُ :‬ك ْنُت َأزوَر الّر ُس وَل َأم اَم الـمواِج َه ة الّش ِر يَف ة‪،‬‬
‫َفصاَر َيُقول كما عاَدًة َنُقول‪َ ،‬لِكْن ِبَص ْو ٍت ال َيْسَم َعُه الَبِعيد‪:‬‬
‫ِم ِط ِبِه‬ ‫ِف‬
‫َفطاَب ن ي َّن القاُع َو اَألَك ُم‬ ‫يا َخ ْيَر َمْن ُد َنت يف الُّتْر ِب َأْع ُظُم ـُه‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِس‬
‫في الَعف ـ ـ ــاُف وفيـ اجل ـ ـ ــوُد والَك ـَر ُم‬ ‫َنْف ـ ـ ـ ــي ال ـداُء لَق بـٍر َأْنَت َس ـ ـ ـ ــاكُنـُه‬
‫عنَد الصراِط ِإذا َم ـا َز َّلـِت الَق ـَد ُم‬ ‫َأْنَت احلبيُب الذي ُترَج ـى َش فاَعُتـُه‬
‫ِش ِم ِه‬ ‫ِح ِم‬
‫َفوا د َن الَو ّه اِبّي ة قاَل َل ُه‪ِ :‬إْم ي ْن نا‪ُ ،‬ه َو لـم َيْس َم ع م ا َيُق ول‪ِ ،‬إَّنـما َش ْك ُلُه‬
‫َلي ِم ْنُه م‪ ،‬فقاَل ال ّه اُّيِب اآلَخ ر‪ :‬ات كُه هذا ِم ْن َأْح زاب الِّش ْر ك‪َ ،‬و ُه ال َيْع ِر ُفُه َو لـم ْجَيِر‬
‫َو‬ ‫ُر‬ ‫َو‬ ‫َس‬
‫ِل‬
‫بيَنُه ما َك الم َقْبَل ذ ك‪.‬‬
‫ِف ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِب‬ ‫يِف‬
‫َح َّد َثنا ش يُخ نا َر َمِحُه اهلل ق ال‪ :‬اَحلَبَش ة الَو ّه ا َّي ة َس ـُّم وا ْئًر ا‪َ ،‬و َض ُعوا ي الُّس ّم‬
‫ِلَيْق ُتُلوا ُك َّل َأْه ِل الَبْلَد ة ألهنم ِم ْن َأْه ل الّس ّنِة‪ ،‬اُهلل َيْك ِف ينا َش َّر ُه م‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ِإَّن الُقْر ءاَن َك الُم اِهلل ِم ْنُه َبَد ا ِبال َك يِف َّيٍة َقْو ال‪.‬‬
‫ْحَنُن َنَتَم َّس ك ِبَق ْو ِلِه "ِبال َك يِف َّي ٍة" َألَّن الـمَش ِّبَه ة َيَتَم َّس ُك وَن ِبَك لَم ِة "ِم ْن ُه َب َد ا"‬
‫لـمآرِهِبم‪ِ ،‬لَيُقولوا َنَطَق ِبِه َك ما َيْنِط ُق اإلنسان َلْك ن الذي ِعْنَد ُه َفْه م َص حيح َيُق ول‪ :‬قاَل ‪:‬‬
‫"ِبال َك يِف َّيٍة" ما َم ْع ىَن ِبال َك ْيِف ّية؟ الَك ْيِف ّيُة ُك ّل ما كاَن ِم ْن ِص فات اَخلْل ق‪ ،‬هذا اللْف ُظ الذي‬
‫َنْنِط ُق ِب ِه َك ْيِف ّي ة‪ ،‬اَحلْر ف‪ْ ،‬خَمَر ُج الصوِت ‪ ،‬اللّغ ة‪ُ ،‬ك ّل هذه ُتَس ّم ى َك ْيِف َي ات‪َ ،‬فِعْنَد ما قال‪:‬‬
‫"ِبال َك يِف َّيٍة" َدّل َعَلى الّتنِز يه الذي ُه َو َعَلْيِه الّس َلف‪.‬‬
‫ِم‬
‫الش رُح ‪َ :‬أَّن الُق رءاَن مَن اِهلل َب َد ا َأْي َظَه َر َأْي ِإْن زااًل على نبِّي ِه‪َ ،‬فَيُك وُن َم ْع ىَن " ْن ُه‬
‫َبَد ا" ِإْنزالُه على نبِّيِه‪ ،‬هذا الـمْع ىَن ‪ ،‬وَليَس الـمراُد مْن َك لمِة "َبَد ا" أَّنُه خرَج منُه َتَلُّف ًظا كَم ا‬
‫ِد ِم ِل ِنِه‬
‫خَي رُج َك الُم َأح نا ْن سا تلُّف ًظا َك ما َتُقوُل الـمشِّبهُة‪ ،‬وَليَس َم عىن‪" :‬منُه َبَد ا" َأن ُه َنط َق‬
‫ي‬‫َل‬ ‫أ‬ ‫"‬ ‫ب ِه َك ا ْنِط الواحُد ِم َّنا ِبكالِم ه بع َد َأْن كاَن ساِكًتا بدليِل قوِله‪" :‬بال َك ِف َّيٍة‬
‫َس‬ ‫ْي‬ ‫ْي‬ ‫َم َي ُق‬
‫حِب ْر ٍف وال صوٍت ألَّن احلْر َف والصْو َت َك يِف َّيٌة ِم َن الَك ْيِف ّياِت ‪.78‬‬
‫َك الُم اِهلل ش ىٌء َمْو ُج وٌد َأَز اًل َو َأَب ًد ا‪ ،‬ليَس ش ْيًئا ُيوَج ُد َّمُث َيْنَق ِط ع‪َ ،‬يْع ىِن اُهلل ال ُيق اُل‬
‫َعْن ُه كاَن س اِكًتا َّمُث صاَر ُمَتَك لًم ا‪ ،‬اإلنساُن اآلن ُه َو س اِكت‪ ،‬لـما َأن ا َأْس ُك ت وأنت‬
‫تَتَك لم‪ ،‬هذا ِص َفُة الـمْخ ُلوق‪ ،‬اُهلل تع اىل ال ُيق اُل َعْن ُه كذِلك‪َ ،‬ك الُم ُه ش ىٌء َمْو ُج ود َأَز اُل‬
‫ِق ِة‬ ‫ِل ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬
‫َو َأَبًد ا َو ْمُي ْن َأْن ُيْسَم ع‪ْ ،‬ن َح ْيُث اِإل ْم كاُن الَعْق ّي ْمُي ْن َأْن ُيْسَم ع‪َ ،‬يْو ُم ال ياَم َك ما َسَبَق‬
‫َو َذَك ْر نا ُك ّل هذا اَخلْلق اِإل ْنُس واِجلّن ُك ُّلُه م سَيْسَم ُعوَن َك الَم اهلل الذي ُه َو شىٌء َمْو ُج ود‪،‬‬
‫ِهلل‬ ‫ِص‬ ‫ِإ ِئ‬
‫َف ذا ُس ْلت‪َ :‬ك ْي ُف َي ُري هذا؟ َتُق وُل َل ُه‪ :‬هذا الشىٌء الـمْو ُج ود الذي ُه َو َك الُم ا ‪ ،‬اُهلل‬
‫تعاىل ُيِز ي ُل َيْو َم الِق ياَم ة َعْن َأمْس اِع هذا اَخلْل ق اِحلجاَب الـمْع َنِو ّي الـماِنَع ِم ْن مَس اِع َك الِم ِه‪،‬‬
‫َو ُك ُّل هذا اَخلْل ق ِم َن اِإل ْنِس واِجلّن َيْس َم ُعوَن َك الَم اهلل َفَيْف َه ُم وَن ِم ْن ُه الُّس ؤال َعْن ِنّي اِهِتم‬
‫ِل‬ ‫ِهِل‬ ‫ِهِل‬
‫َو َأْق وا م َو َأْفع ا م‪ ،‬هذا الكالم كما ُقلت‪ِ :‬ص َفُة اهلل الكالم ُه َو َك الم واِح د َو َم ع ذ َك‬
‫اهلل‬ ‫الم‬ ‫َك‬ ‫اع‬ ‫مَس‬ ‫َل‬ ‫ل‬ ‫هِل ذا ال د الـمْؤ ِم ن الَّطِّيب الَق ِو ي الَّتِق ِح‬
‫ُل‬ ‫ُص‬ ‫ْحَي‬ ‫ُه‬ ‫ُص‬ ‫ْحَي‬ ‫َني‬ ‫ّي‬ ‫َعْب‬ ‫َح َني ْحَيُص ُل‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ ‪ :‬اَمَك َأَّن َبَرَص ُه َليَس بآٍةَل َأْي َح َد َقٍة َو َأجَفاٍن ‪َ ،‬و اَمَك َأَّن ْمَس َع ُه َليَس ِبآٍةَل َليَس ِبَأِمص َخ ٍة َو َء اَذ اٍن ‪َ ،‬ك َٰذ َكِل الَك ُم ُه َأَز ٌّيِل َاَب ِد ٌّي َليَس‬
‫‪78‬‬

‫َح ْر ًفا َو ال َص واًت ‪َ ،‬ألَّنُه َلْو اَك َن ُهللا َتَع اىَل َيَتلَك ـم َحِبرٍف َو َص ْو ٍت َلاَك َن مِثَلَن ا َألَّن الَك َمَن ا َحِبرٍف َو َص وٍت هَل ُم بَت َد ٌأ َو هَل ُم خَتٌمَت‪َ ،‬ه ذا ِص َفُة‬
‫اْلَح اِدِث َفال ُجَي وُز َأْن َيُك وَن الَك ُم ُه َتَع اىَل ُمَتَج ِّز ًئ ا‪َ ،‬ق اَل ُعلـامُء الَّتْو ِح ي ِد ‪َ :‬ح َياُت ُه ِص َفٌة ‪َ ،‬و اِح َد ٌة َو ِعلـمُه ِص َفٌة َو اِح َد ٌة‪َ ،‬و َم ِش يَئُتُه َم ِش يَئٌة‬
‫َو اِح َد ٌة‪َ ،‬و ُقدَر ُتُه ُقدَر ٌة َو اِح َد ٌة‪َ ،‬و الَك ُم ُه الَك ٌم َو اِح ٌد ‪َ ،‬ه َذ ا الالَك ُم َأمٌر َو ْهَنٌي َو َو ْعٌد َو َو ِع يٌد َو َخٌرَب ‪َ ،‬و اسِتْخ َباٌر ‪ ،‬اهـ‪.‬‬

‫َفاِئَد ة َج ِليٌةَل‪ِ :‬م َن اَّدل ِليِل َعىَل َأَّن الَّلْف َظ الـمَّزَن َل الـمَتَأِّلَف مَن اْلُح ُر وِف ال ُجَي وُز َأْن َيُكوَن ِم ْن الَك ِم ِهللا اَألَز ِّيِل الَقاِمِئ ِبِذ اِت ِه ‪َ ،‬فَق ْد َثَبَت َأَّن‬
‫َهللا َتَع اىَل ُيلَك ـم َّلُك َفْر ٍد ِم ْن َأفَر اِد الِع باِد َيوَم الِقَياَم ِة ‪َ ،‬فَلْو اَك َن ُهللا ُيلَك ـمُهم ِبَص ْو ٍت َو َح ْر ٍف لـم َيُكن ِح َس اُبُه ِلِع َب اِدِه ِرَس يًع ا‪ ،‬فاُهلل َتَب اَر َك‬
‫َو َتَع اىَل َو َص َف َنفَس ُه ِبَأَّنُه ِرَس يُع اْلِح ساِب ‪َ ،‬فَل ْو َأَّن الَك َم ِهللا ُحِب روٍف َو َأصَو اٍت َلاَك َن َأبَط َأ اْلَح اِس ِب َني َو َه َذ ا ِض ُّد َقوِهِل َتَع اىَل ‪َّ﴿ :‬مُث ُر ُّد ۤو ْا‬
‫ٰىَل ٱِهَّلل َم ْو لٰـ ُهُم ٱْلَحِّق َأَال ُهَل ٱْلُح ُمْك َو ُه َو َأَرْس ُع ٱْلَحٰـ ِس ِب َني ﴾ [ُس وَر َة اَألنعام‪َ ]62 :‬فال َيَتَح َّق ُق َم عىَن ‪َ﴿ :‬أَرْس ُع ٱْلَحٰـ ِس ِب َني ﴾ ال َعىَل َم ذَهِب َأه ِل‬
‫ِإالُّس َّنِة َو ُه َو َأَّن َهللا ُم َتلَك ـم ِبَالَكٍم َأَز ٍّيِل َأَب ِد ٍّي ِبَغِري َح رٍف َو ال َص وٍت ‪َ ،‬و َٰذَكِل َألَّن َعَد َد ا نِس َكِثٌري ال حُي ِص ِهيم ِإال ُهللا ‪َ ،‬أَّم ا َعىَل َق وِل‬
‫ِإ‬ ‫ِإل‬
‫الـمَش َهِّبِة َيسَتغِرُق ِح َس اُهُبم ُم َّد ًة َط ِو يًةَل ‪َ ،‬و َعىَل َق وِلِهم َه َذ ا لـم َيُكِن ُهللا ِبَأَرس ِع اْلَح اِس ِبني‪َ ،‬فَق وُل الـمَش َهِّبِة ُي َؤ ِّد ي ىَل ِخ الِف الُق رَء اِن‬
‫ِإ‬
‫َو َٰذَكِل ُم َح اٌل ‪َ ،‬و َم ا َأَّدى ىَل الـمَح اِل ُم َح اٌل ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫َل ُه ُس رور َعِظ يم‪ ،‬الكاِفر ال ْحَيُص ُل َل ُه ذِل ك‪ْ ،‬حَيُص ُل َل ُه اْغ ِتمام َش ِد يد‪َ ،‬يْنَز ِعُج اْنِز عاًج ا‬
‫َش ِد يًد ا‪َ ،‬و َك الُم اهلل واِح د‪ ،‬ليَس َحِبرف وال ِبَص ْو ت َو ال ُلَغة‪ ،‬سَـماُع هؤالِء اَخلْل ق حاِد ث‪،‬‬
‫ِص َف ُتُه م ُه م حاِد َث َأّم ا َم ْسُم وُعُه م وهو َك الُم اهلل َفُه َو ليَس َحبْر ف‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َأْنَز َل ُه َعلى َرُس وِلِه َو ْح ًي ا‪َ ،‬و َص َّد َقُه الـمؤِم ُنوَن َعَلى‬
‫َذِل َك َح ًّق ا‪َ ،‬و َأيَق ُن وا َأَّن ُه َك الُم اِهلل َتعالى بالَح ِق يَق ِة َليَس ِبَم خُل وٍق َك َك الِم الَبِر َّي ِة (هن ا‬
‫ِر‬ ‫َّن‬ ‫ِم‬ ‫ِة ِئ ِة ِهلل‬ ‫ِن‬
‫الكالم َع الِّص َف القا َم با ) فَم ْن َس َعُه َفَز َعَم أ ه كالُم الَبَش َفَق ْد َكَف َر (ألنه ليَس‬
‫ِم َتْأِليِف سيِد نا حمَّم ٍد وال ِم َت ِنيِف ِج يل ِإَّنـما كما ْلت‪ :‬شى ُأِم ِج ربيل ِبَأ ِذِه‬
‫ْخ‬ ‫ٌء َر‬ ‫ُق‬ ‫رْب‬ ‫ْن ْص‬ ‫ْن‬
‫ِم َن اللوِح الـمحُف وظ) َو َقْد َذَّمُه اُهلل وَعاَبُه وَأْو َعَد ُه بَس َق َر (َأي َجَه َّنم) َح ْيُث قاَل َتعالى‪:‬‬
‫﴿َس ُأْص ِليِه َس َق َر (‪ ﴾)26‬سورة الـمدثر‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اَهلل َأْنزَل الُقرءاَن على سِّيِد نا َحُمَّم ٍد َو ْح ًيا‪ ،‬والوحُي ُيطلُق على ما يْأيت ِب ه‬
‫الـمَلُك ِم اَخلِرب َعِن اِهلل َتبارَك وتعاىل إىل النِّيب‪ ،‬وُيطلُق على ما ُيْنـِز ُلُه اُهلل تعاىل على َقْلِب‬
‫َن‬
‫الن ِّيب ِبال واِس طِة مَل ٍك ‪ ،‬وُيطل ُق على الكالِم ال ذاِّيت كَم ا ِمَس َع موس ى وكَم ا ِمَس َع س ِّيُد نا‬
‫حمُّم ٌد ليل َة الـمْع راِج بع َد أْن وصَل إىل الـمستوى الذي كاَن يسمُع في ه صريَف األْقالِم ‪،‬‬
‫كُّل ذلَك ُيقاُل له وحٌي ‪.79‬‬
‫الرسول ليَلَة الـمعراج َو َص َل ِإىَل َح ّد ِمَس َع صريَف األْقالم‪َ ،‬أي َص وت أْقالِم الـمالِئكة‬
‫الذين َيْنُقُلوَن ِم ن اللوِح الـمحفوظ يِف صحاِئَف ُهَلم‪ ،‬اُهلل تعاىل َأَمْسَعُه َك الَم ُه ال ّذ اَّيِت اَألَو َّيِل‬
‫اَألَب ِد َّي ال ذي ُه َو ليَس َحِبْر ف َو ال َص ْو ت َو ال ُلَغ ة َو ْمَسَع ِم ْن ُه الرس ول م ا َفِه م‪َ ،‬و موَس ى‬
‫َعَلْي ِه السالم ِح َني كاَن يِف َجَب ِل الُّطور‪ ،‬طور س ْيناء‪ ،‬اُهلل تعاىل َأَمْسَعُه َك الَم ُه ال ّذ اَّيِت اَألزَّيِل‬
‫اَألَب ِد َّي ال ذي ليَس َحِبْر ف َو ال َص ْو ت َو ال ُلَغ ة‪ ،‬ق اَل تع اىل ﴿َو َك َّلَم اُهلل ُموَس ى َتْك ِليًم ا (‬

‫َه َذ ا الالَك ُم يِف اآلِخ َر ِة َيسَم ُع ُه ُّلُك ا نِس َو اْلِج ُّن ‪َ ،‬يسَم ُع ُو َن الَك ًم ا َليَس َح رًف ا َليَس َص واًت ‪ُ ،‬هللا ُيفِهُم ُهم‪ ،‬يِف اُّدل نَيا ِج ِرب ي ُل َيسَم ُع َه َذ ا‬ ‫‪79‬‬

‫الالَك َم َو َس ِيُد اَن ُم َح َّم ٌد َص ىَّل ُهللا َعَليِه َوِإلَس لـم ِمَس َع َم َّر ًة َو اِح َد ًة‪َ ،‬و ُم وىَس َعَليِه الَّس الُم ِمَس َع َم َّر َتِني ِع نَد الَّش َج َر ِة َو اِب لُّط وِر ‪َ ،‬ليَس ِت الَّش َج َر ُة‬
‫َقاَلْت ُهَل‪ ﴿ :‬يِّن َأاَن َر ُّبَك ﴾ َّنـام ِمَس َع الكَم ِهللا ‪ ﴿ ،‬يِّن َأاَن َر ُّبَك ﴾ َأِل ٌف َو ُنوٌن َو اَي ٌء َليَس َه َذ ا اذلي ِمَس َع ُه َّنـام ِمَس َع َذ اَك الالَك َم اَألَز َّيِل اذلي‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َليَس َح ْر ًفا َو ال َص ْو اًت ‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل َأعَط اُه القدرَة عىل سامِع َٰذَكِل الالكم‪.‬‬
‫‪ ﴾164‬س ورة النساء‪ ،‬يِف ُلَغ ة الع َر ب ِإذا َأراُدوا َتْأِكي َد الِف ْع ل َأَّن ُه َعَلى اَحلِق يَق ة ليَس َعَلى‬
‫الـمجاز ُيَؤ ِّك دوَن ذِل َك بالـمْص َد ر‪ُ ،‬يوَج د ش ىء ُيَس َّم ى اَحلِق يَق ة َو ش ىء ُيَس ّم ى الـمجاز‪،‬‬
‫َيْع ىِن ُيْس َتعَم ل هذا اللفظ ِلَغِري اللْف ظ الّظاِه ر الذي ُيْس َتعَم ل لُه عاَدًة‪َ ،‬فُه نا للَّتْأِكيد َأَّن هذا‬
‫ليَس َعَلى َم ْع ىَن الـمجاز‪ ،‬ق اَل تع اىل ﴿َو َك َّلَم اُهلل ُموَس ى َتْك ِليًم ا﴾ َتْك ِليًم ا َم ْص َد ر َك َّلَم ‪،‬‬
‫َو َم ْع ناه َأَّنُه ِمَس َع َك الَم اِهلل الذي ُه َو ليَس َحِبْر ٍف َو ال َص ْو ٍت َو ال ُلَغ ٍة‪ ،‬مَس اُع موسى حاِد ث‬
‫َو َم ْسُم وُعُه الذي ُه َو كالم اِهلل ليَس حِب اِدث‪.‬‬
‫يِف ُلَغة الَغَر ب‪َ" ،‬و ْح ٌي " ُتْس َتْع َم ُل َأْيًض ا َمِبْع ىَن اِإل شاَر ة َو َمِبْع ىَن اِإل هْل ام‪ُ ،‬يقال‪َ :‬أْو َح ى َل ُه‬
‫ِبكذا َم ْع ن اُه َأش اَر َل ُه ِبَك ذا‪ ،‬ليَس فَق ط بالـمْع ىَن ال ذي اصطلح َعَلْي ِه العلماء ِمِبْث ِل هذا‬
‫الـمْو ِض ع‪َ ،‬و ىِف َقْو ِل اِهلل تع اىل ﴿َو َأْو َح ْيَن ا ِإىَل ُأِّم ُموَس ى (‪ ﴾)7‬س ورة القص ص‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫َأَهْلْم ناها‪َ ،‬أَهْلَم ها اهلل‪ِ ،‬ه َي ليَس ت َنِبّية‪ ،‬اُمسها ُيوحاِنيث‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِب‬ ‫ِهلل‬ ‫ِلِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِإَّن‬
‫وأّم ا قوُل ه‪َ" :‬و الُقرءاَن كالُم ا " إىل َقو ‪" :‬أّنُه َك الُم ا َتعالى الحقيَق َليَس‬
‫بَم خلوٍق َك َك الِم الَبرَّيِة" َفَظ اِه ُر ُه ُيوِه ُم أَّن َك الَم اِهلل َتعاىل حاِدٌث ألَّن َك لمَة‪ِ" :‬م ْنُه َبَد ا"‬
‫ِت‬ ‫ِق‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬
‫ُت و ُم ذل َك ‪ ،‬ولْيَس م راُد الّطح اِو ِّي َر َمِحُه اُهلل ذ َك ‪َ ،‬فلْيَس ُم راُدُه َع ي دَة الَّص ْو ِّيَني ال ذيَن‬
‫ُقوُل وَن َك ال اِهلل ِب وٍت وحرٍف وال يعتق دوَن ِهلل كال ا غ ذل ‪َ ،80‬ف ِإَّن هؤالِء‬
‫ًم َري َك‬ ‫ُم َص‬ ‫َي‬
‫ِل‬
‫مشبهٌة‪َ ،‬و الطحاوُّي َنَف ى ذِل َك بقو ِه‪ِ" :‬بال كيفيٍة قواًل " َفَنَف ى َأْن َيكوَن كالُم اِهلل الذاُّيت‬
‫حْر ًفا َو َص ْو ًتا ألَّن احلْر َف والَّص ْو َت َك يفيٌة ِم َن الكْيِف ّياِت ‪.‬‬
‫َف إْن قي َل‪ :‬ما معىن َقوِله‪" :‬منه َبَد ا"؟ قي َل‪َ :‬م عناُه أَّن اَهلل أظهَر ُه لـمْن شاَء ِم ْن خلِق ه‬
‫بأْن أمسَعه ِم ْن َغِري أْن َيكوَن الَك الُم حاِدًثا‪ ،‬وِإَّنـما اُحلدوُث ِلَس ماِع َمْن شاَء اُهلل مْن َخ لِق ه‪،‬‬

‫َق اَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َعن ُه‪ :‬اْلَحَناِبُةَل الـمَتَأِّخ ُر وَن َدَخ َل ِف ِهي ُم الَّتشِبيُه‪ ،‬ابُن َتِميَي َة يِف اَألِص ل َح نَبٌّيِل َو ابُن َقِمِّي اْلَج ْو ِز َّي ِة ِم َن اْلَحَناِبِةَل ‪،‬‬ ‫‪80‬‬

‫ِع ن َد ُهام‪ :‬الَك ُم ِهللا َحِبرٍف َو َص ْو ٍت ‪َ ،‬ه ُؤ الِء َش ُهَّبوا َهللا َخِبْلِق ِه ‪ ،‬الَّش يُخ َعبُد الَق اِد ِر اْلَج ْي الُّيِن َح نَبٌّيِل ‪َ ،‬و َبغَد اُد اَك َن ِف َهيا َح َناِبٌةَل ُم َش َهِّبٌة ‪،‬‬
‫َهُؤ الِء َد ُّس وا يِف ِكَتاِب الَّش يِخ َعبِد الَق اِد ِر َأَّن َهللا يِف َهِجِة َف ْو ٍق َو َأَّن َه ِذِه اْلُح ُر وَف "اَألِل ُف َو الَب اُء َو الَف اُء َو ال َّز اُي َو اَب يِق اْلُح ُر وِف "‬
‫َقِد ْيَم ٌة ‪َ ،‬ألُهَّنم ُيِر يُد وَن َأن َيُقوُلوا‪َ :‬هللا َيَتلَك ـم اِب ْلَح رِف َو الَّص وِت ‪ِ ،‬كَتاُبُه اُمْس ُه "الُغنَيُة " َهُؤ الِء َأدَخ ُلوا ِف ي ِه الُكْف َر َح ىَّت ُيَص ِّد َقُهُم الَّن اُس يِف‬
‫َع ِقيَد ِهِت م‪.‬‬
‫َف ما ُأولِئ َك حادٌث أَّم ا مسمو م فلي حاِدًثا‪ ،‬ك ا أنه ِر ي الـمؤمن يو القيام ِة‬
‫َني َم‬ ‫ُي‬ ‫َم‬ ‫ُعُه َس‬ ‫َس ُع‬
‫ذاَته األزَّيل األبدَّي ورؤيُتُه م لُه حادثٌة‪.‬‬
‫ِب ِرِه‬ ‫ِل‬
‫كذ َك َأَلْيَس َنُق ول‪ :‬اُهلل َي رى ُك َّل م ا ُيَر ى َبَص اَألَز ّيِل‪ ،‬اُهلل َيَر ى ذاَت ُه اَألَز ّيِل‬
‫ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل يِف اَألَز ل َو َيَر ى احلاِدث ات ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل‪ ،‬احلاِد ث ات حاِدَث ة‪ْ ،‬خَمُلوَق ة‪َ ،‬يَر اها‬
‫ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل‪ ،‬ال ُيق ال‪َ :‬ح َدَث ِهلل َبَص ٌر ‪ ،‬ال ُيق ال َح َدَث ِهلل ِص َفُة الُّرْؤ َي ة ُحِبُد وِث هذا‬
‫اَخلْلِق ‪ ،‬ال‪ُ ،‬يقال‪َ :‬يَر ى احلاِد َث ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل‪ ،‬هذا َفْه ُم ُه ُمِه ّم‪ِ ،‬ل ذلَك ال َنُق ول‪ :‬اُهلل َيَر ى‬
‫احلاِد ثات يِف اَألَز ل َألَّن هذ ُيَؤ ِّدي ِبَأَّن احلاِد ثات َأَز ِلّي ة‪ ،‬وِح َني َنَتَك لم َعِن ال ّذ ات الـمَقّد س‬
‫َنُق ول‪َ :‬يَر ى ذاَت ُه اَألَز ّيِل ِبَبَص ِرِه اَألَز ّيِل يِف اَألَز ل َألَّن ذاَت ُه َأَز ّيِل‪ ،‬كما َنُق ول يسمُع كالَم ُه‬
‫الذايِت يِف اَألَز ل َألَّن كالَم ُه َأَز ّيِل َأَبِد ّي ‪.‬‬
‫َأَّم ا الوهابي ُة حَني يقرُءوَن هذا الكتاَب َفُيعجُبهم من ُه قوُل ه‪" :‬منُه بَد ا" وال يفهموَن‬
‫مع ىن "بال كيفي ٍة " على حَس ِب ُم راِد الـمؤِّلِف ‪ ،‬ويعجُبُه م أيًض ا قوُل ه‪" :‬بالحقيقِة" فُيق اُل‬
‫هلم‪ :‬مرا ه ِباحلقيقِة أَّن الُقرءاَن ْطَل على الَك الِم الّذ اِّيت وعلى اللفِظ الـم َّز ِل ألَّن قوَل اِهلل‬
‫َن‬ ‫ُي ُق‬ ‫ُد‬
‫ِة ِك‬ ‫ِب‬ ‫ِإ‬
‫ُيطلُق على هذا وَعلى هذا ْطالًقا مْن با احلقيق ألَّن ال اإلطالقِني حقيق ٌة شرعيٌة َأْي‬
‫شىٌء َم ْأُذوٌن ِبِه يِف الّش ْر ع‪ ،‬وليَس مراُدُه أَّن اللف َظ الـمَنَّزَل قائٌم بذاِت اِهلل ألَّن ذل َك ُينايف‬
‫ِت‬ ‫ِه‬ ‫ٍة‬
‫قوَل ه السابَق "بال كيفي " فهذ العب ارُة فيها ُغموٌض ‪ ،‬الوهاُّيب َيتعَّل ُق هبا جله ه‪ ،‬والُّس ُّيِّن‬
‫يتعلُق هبا جلهِته‪ ،‬الوهاُّيب يقوُل ‪" :‬منُه َبَد ا بال كيفيٍة قوال" هذا هو اللفُظ ‪ ،‬ويقوُل ‪ :‬اإلنزاُل‬
‫ال نع ِر ُف كيفيَت ه لك ه ا تب ارك وتع اىل يتكلم حبرٍف وصوٍت ‪ ،‬أَّم ا أه الُّس نِة‬
‫ُل‬ ‫ْن َو ُهلل‬
‫ٍت‬ ‫ٍف‬ ‫ٍة‬
‫فيقول وَن ‪ِ" :‬بال كيفي قوال" يع ين َتَك َّلَم ُه ب ه ِبال حر وَص و ألَّن احلْر َف والص وَت‬
‫كيفَّيٌة‪ ،‬وهو مرا الـمؤِّلِف وهو مذه أهِل احلِّق ‪ ،‬ألَّن أبا نيف َة َذك يف ِض ساِئِلِه‬
‫َر َبْع َر‬ ‫َح‬ ‫ُب‬ ‫ُد‬
‫َأَّن اَهلل يَتَك لم ال َك َتَك ُّلمن ا‪َ ،‬يَتَك َّلُم ِبال حْر ٍف َو ال َص ْو ٍت ‪ ،‬والَّطَح اوُّي مْن َأْه ِل مذهِب ه‪،‬‬
‫َأَلْيَس قاَل يف ابَتداِء الِكتاِب ‪" :‬على َمْذ َه ِب فقهاِء الـمَّلِة أبي حنيفَة الُّنعمان" ِإىَل ءاخِرِه‪.‬‬
‫الَو ّه اِبّي ة‪ ،‬م ا ال ُيْع ِج ُبُه م ِم َن الكالِم َو ال ُيواِف ُق َه واُه م َل ْو كاَن ِم ْن َك الِم اَألِئَّم ة‬
‫َحُيِّرُفوَنُه َأْو َيْر ُفُضوَنُه‪ِ ،‬إَّم ا َأْن َحُيِّرُفوُه ِم ْن َح يُث الـمْع ىَن َأْو َيْر ُفُضوَن هذا الكالم‪ ،‬ال َيْق َبُل وَن‬
‫هذا الكالم‪َ ،‬و ِم ث اٌل َعَلى ذِل َك ‪َ ،‬أْخ َبَر يِن َأخ ِم ْن ِإْخ واِنن ا كاَن يِف الـمديَنِة الـمنّوَر ة ق ال‪:‬‬
‫بيَنما َأن ا َأْم ِش ي يِف مسِج ِد الرس وِل َف ِإذا ِبالـمَد ِّر ٍس الَو ّه اّيِب َعلى ءاَل ِة الّص وت َي ذُك ر‬
‫ِه ِجل‬ ‫ِم ِق‬ ‫ِع‬
‫بارات َن الَع يَد ة الّطحاِو ّية َعَلى َأَّنُه يْش َر َح ها‪َ ،‬فذَك َر َقْو َل الطحاِو ّي ‪ :‬ال ْحَتِو ي ا هاُت‬
‫الِّس ّت َك ساِئِر الـمبَتَد عات‪ ،‬قاَل َفَو َقْف ُت ألَمْسع ماذا سَيُق ول‪ ،‬قال‪َ :‬فَس َك َت الَو ّه اُّيِب ِلُبْر َه ة‬
‫َّمُث قال‪َ :‬أْخ َطَأ الطحاِو ُّي يِف هذا‪َ ،‬يْع ىِن ما ال ُيْع ِج ُبُه م َيْر ُفُضوَنُه‪ ،‬ينُبُذ وَنُه‪ ،‬هذا ال ُيواِفُق ما‬
‫ُه م َعَلْيه‪.‬‬
‫ا َّدثنا َقب َأْن مَي و ب َنوات‪ ،‬قاَل ‪ :‬ءاِخ ر عالـم َأْع ِر ُف يِف الـمِديَنِة‬
‫ُه‬ ‫َت َس‬ ‫َل‬ ‫ش ْيُخ نا َر َمِحُه ُهلل َح‬
‫الـمنوَر ة كان ُمنُذ ْمَخٍس َو ثالِثَني َس َنة اُمسُه الشيخ اْبراِه يم اُخلَتّيِن‪ ،‬عالـم حنِف ّي ‪ ،‬كاَن عالـما‬
‫ِم ْن علـماء َأْه ل السّنة‪ ،‬ق ال‪ :‬كاَن ُي َد ِّر س يِف مسِج ِد الرس وِل َعَلى َم ْذ َه ِب َأْه ِل السّنة‪،‬‬
‫َفجاَءُه ُمَف ِّتُش الوهاِبية َيعىِن الذي َيْتَبُع ِتلك اَهلْيَئ ة الـمَس ّم اة هيَئ َة اَألمر بالـمعروِف والنهِي‬
‫ِح‬
‫َعِن الـمنَك ِر ‪ ،‬ال يت َتْس َت ّق أْن ُتَس َّم ى هيَئ َة اَألم ر ِبالـمنَك ِر والنهِي َعِن الـمعروف‪َ ،‬فجاَءُه‬
‫هذا الـمَف ِّتُش وقاَل َلُه‪َ :‬مَع َك َو َر َقة؟ قال‪ :‬ما معي َو َر َقة‪ُ ،‬ه َو َرُج ل عالـم‪ ،‬قاَل ‪ِ :‬إًذا تعال‬
‫ِإىَل اهليَئة‪َ ،‬عَلى َزْع ِم ِه م ِلَيْم َتِح ُنوُه‪ُ ،‬و هم ليَس ِفيِه م وال ُعْش ُر ُعْش ِر عالـم‪َ ،‬مَحُلوُه ِإىَل اهليَئ ة‬
‫َفَس َأَلُه الـمَف ِّتش الذي ُه ناَك ْمَيَتِح ُن الناَس َعَلى َزْع ِم ِه‪ :‬ماذا َتُق ول يِف ﴿الرٰمحُن َعَلى العرِش‬
‫اْس َتَو ى﴾ هذا دأُبُه م‪ ،‬فقاَل َل ُه‪ :‬اْس َتَو ى ِبال َك ْي ف‪ ،‬قاَل ال َيْك ِف ي هذا‪َ ،‬فِّس ر‪َ ،‬يْع ىِن ُيري ُد‬
‫ِم ْن ُه َأْن يق ول‪َ :‬ج َلَس ‪َ ،‬قَع َد ‪ ،‬اْس َتَقَّر ‪ ،‬فق اَل َل ُه‪ :‬هذا ال ذي ِعْن ِد ي‪ ،‬ق اَل َل ُه‪ِ :‬إًذا َأْنَت ال‬
‫ُتَد ِّر س‪َ ،‬أْص َد ُر وا َقراًر ا َمِبْنِعِه ِم الَّت ْد ِر ي ‪ ،‬ال ي ُح وَن ِلُعلـماِء َأْه ِل الُّس ّنِة َأْن ُيَد ِّر ُس وا يِف‬
‫ْس َم‬ ‫َس‬ ‫َن‬
‫الـمساِج د الذيَن ُه م َو َض ُعوا َأْيِد َيُه م َعَلْيها‪ ،‬هذا َش ْأُنُه م‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬فلما َأْو َعَد اُهلل بَس َق َر لـمْن َقاَل ‪ِ﴿ :‬إْن َه َذ ا ِإال َقْو ُل الَبَش ِر‬
‫(‪ ﴾)25‬سورة الـمدثر‪َ ،‬علمَنا َو َأيَق َّنا َأَّنُه َقوُل َخ اِلِق الَبَش ِر وال ُيشِبُه َقوَل الَبَش ِر ‪.‬‬
‫ِف ٍر‬ ‫ِم‬ ‫ِّل‬
‫الش رُح ‪ :‬يق وُل الـمؤ ُف إَّن َمْن مَس َع الق رءاَن وق اَل إَّن ُه ْن تْألي َبش فق ْد كف َر‬
‫‪81‬‬

‫واُهلل أْو عَد َمْن قاَل هذا ِبَس َق ر‪ ،‬فالَّلف ُظ ال َيْس تطيُع اإلَنساُن َأْن ي ْأَيت مبثِلِه‪( .‬اُهلل َجَع َل هذا‬
‫اللْف َظ ِفي ِه َأْع َلى البالَغ ة َيعىِن ال يسَتِط يع َأَح ْد َأْن َيِص َل لـمْثِل ذِل ك ِم ْن َح ْيُث الفص اَح ُة‬
‫ِم‬
‫والبالَغ ُة مْه ما حاَو َل الناس أن يرتبوا من الكال ال يستطيعون) َو َأَّم ا الَك الُم ال ّذ اُّيت فُه َو‬
‫ِص فٌة ذاتيٌة ِهلل كساِئِر ِص فاِته ال ُجيوُز َعْق اًل َأْن َيكوَن َله َش ِبيٌه‪.‬‬
‫كان يو د ش يخ يِف الش اِم يِف ِد ْش ق ا الش يخ امساِعيل الِّض ّناِو ‪ ،‬هذا ِم‬
‫َن‬ ‫ّي‬ ‫ُمسُه‬ ‫َم‬ ‫َج‬
‫ِد‬ ‫ِب‬ ‫ِل ِم‬
‫اَألْو ياء ْن َأصحا الكرامات‪َ ،‬أْه ُل َم ْش ق َيْع ِر ُفوَنُه‪ ،‬كان يْس ُك ن يِف مكان ُيَس ّم ى داَر‬
‫ا ِد يث‪ ،‬الذي كاَن ِفي ِه ال ِو يِف الـماِض ي كاَن َد ِّر ِفي ِه ا ِد يث‪ ،‬يسُك ن ِفي ِه‬
‫َو ّيِل‬ ‫َو‬ ‫ُي ُس َحل‬ ‫ّنَو ّي‬ ‫َحل‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِك‬ ‫ِد‬
‫ءاَخ ر اُمسُه الشيخ َب يُع الدين ال يالّيِن‪ ،‬المُه ا َيسُك ُن يِف َنْف ِس الـمكان‪ ،‬هذا َق ريب ْن‬
‫س وق َم ش ُه ور امسُه س وق احلِم يِد ّي ة‪ ،‬هذا ُه َو َحَتَّدث‪َ ،‬و ُس ِئل الش يخ َعْن هذا َو ق اَل ‪:‬‬
‫َص ِح يح‪ ،‬قال‪َ :‬م َّر ًة َذَهْبُت َأنا والشيخ َعْب ُد اهلل يِف ِر ْح َل ة ِإىَل الُق ُد س (ُه َيْع ىِن ِم ْن َطري ِق‬
‫َو‬
‫ب‬ ‫عامر‬ ‫ة‬ ‫َأبا‬ ‫مقام‬ ‫نا‬ ‫ِق العا ة‪ِ ،‬م َطريق ا ْط و‪ ،‬لي بالسيارة) رنا يِف َطريِق‬
‫َن‬ ‫َد‬ ‫ْي‬
‫َب‬ ‫ُع‬ ‫َو ُز‬ ‫َس‬ ‫َخل‬ ‫َد ْن‬ ‫َخ ْر‬
‫اَجلّر اح (يِف ناِح َي ة اُألْر ُدن ُتَس ّم ى اَألْغ وار) َو َظَه َر لنا َو َس لم َعَلْينا‪ ،‬فقال الشيخ إمساِعيل‪:‬‬
‫بيَنما حَن ُن يِف الطريق‪ ،‬ننتقل ِم ْن ناِح َي ة ِإىَل ناِح َي ة‪ ،‬الشيخ َعْب ُد اهلل َيِق ف َو ُيَص ِّلي َر ْك َعَتني‪،‬‬
‫ُك لما َو َص ْلنا ِإىَل مكان َيِق ف َو ُيَص ِّلي َر ْك َعَتني‪ ،‬الشيخ كاَن َك ِث َري الِعباَدة‪َ ،‬ك ث َري الصالة‪،‬‬
‫َك ث َري ال ِّذ كر َر َمِحُه اهلل‪ ،‬فقال‪َ :‬أْترُك ُه َو َأْم ِش ي‪َ ،‬فلـما َتَر ْك ُت ُه َو َم َش ْيُت ‪َ ،‬ظَه َر يِل شيخ َطِو يل‬
‫َع ِر يض فق ال يِل ‪َ :‬ك ي َف َتـُرتُك َو َل ِد ي َعْب َد اهلل‪ ،‬هذا الش يخ حممد بُن عب د السالم ال ذي‬
‫َذَك ْر ناُه َقْب َل هذا‪ ،‬فقْلُت َلُه‪َ :‬دِخ يَل ك يا شيخ‪َ ،‬خ َلص‪ ،‬ال َأْتُر ُك ه َبْع َد هذا‪َ ،‬فُس ِئل الشيخ‬
‫َعْن هذا‪ ،‬قاَل ‪َ :‬نَعم َص ِح يح‪.‬‬
‫فائدة‪َ ،‬و َر َد َح ِديث قاَل الشيخ ِإْس ناُدُه َق ِو ّي َأَّن َم ِن اْس َتْغَف َر للـمؤِمِنني والـمؤِم نات‬
‫ُك َّل يوم َس ْبًعا َو ِعْش ِر يَن َم ّر ة َيِص ُري جُم اَب الَّد ْع وة‪ ،‬قاَل الشيخ َح ىّت َلْو كاَن هذا الشخص‬
‫الُقرَء اُن اذلي َنقَر ُؤ ُه ِع َباَر ٌة َع ن َٰذَكِل الالَك ِم اَألَز ِّيِل اَألَب ِد ِّي ‪َ ،‬ليَس َع يَن ُه‪َ ،‬ه ِذِه اْلُح ُر وُف َليَس َس ِّيُد ان ُم َح َّم ٌد َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم‬ ‫‪81‬‬

‫ِمَع َلَها َو ال ِج ِرب يُل َعَليِه الَّس الُم ‪ُ ،‬هللا َخ َلَق َص واًت ُحِب ُر وِف الُقرَء اِن َأَمْس َع ُه ِج ِرب يَل َعَليِه الَّس الُم َّمُث ِج ِرب ي ُل َعَلي ِه الَّس الُم َنَز َل ِب ِه ِب َأمِر ِهللا ‪،‬‬
‫َليَس ُهللا َقَر َأُه َعىَل ِج ِرب يَل اَمَك َيقَر ُأ اُألسَتاُذ َعىَل الَّط اِلِب ‪.‬‬
‫ِص‬ ‫ِص‬ ‫ِك‬ ‫ِث ِم ِع‬
‫ال ُيْك ُر َن ال ب ادات‪َ ،‬ل ْن َل ْو حاَف َظ َعَلى هذا َي ُري جُم اَب ال َّد ْع وة‪ ،‬فنحُن رنا ْخُنُرِب‬
‫ِإْخ واننا هِب ذا واحلمُد هلل‪َ ،‬عَش رات ِم ْن ِإْخ واِننا داَو ُم وا َعَلى هذا ُك َّل َيْو م َو كاَن َعِق َب هذا‬
‫االْس ِتغفار ‪َ 27‬م َّر ة َيْس َأُلوَن اهلل رؤَي ة الرسوِل ‪َ ،‬عَش رات احلمُد هلل َر َأْو ا َرُس ول اهلل‪ ،‬فهذا‬
‫حاِفُظوا َعَلْي ه‪َ" :‬ر َّب اْغ ِف ر للـمْؤ ِمِنَني والـمؤِم نات اَألْح ياِء ِم ْنُه م واَألْم وات" َأو "َر ِّب اْغ ِف ر‬
‫يِل وللـمْؤ ِمِنَني والـمؤِم نات"‪.‬‬

‫الدرس الثاِم ن‪:‬‬


‫ِم‬
‫قاَل الـمؤلٌف رحَم ه اُهلل‪َ :‬و َمْن َو َص َف اَهلل ِبمعًنى ن َم عاني الَبَش ِر َفَق د َكَف َر َفَم ْن‬
‫َأْبَص َر َه َذ ا اعَتَبَر ‪َ ،82‬و َعْن ِم ْثِل َقوِل الُك َّف اِر اْنَزَج َر ‪َ ،‬و َعِلَم أَّنُه ِبِص َف اِتِه َلْيَس َك الَبَش ِر ‪.‬‬
‫ِع يِف ِق ِة‬ ‫ِذِه‬ ‫ِهلل‬
‫الش يُخ عب ُد ا َر َمِحُه اهلل ق اَل ‪" :‬ه َأْح َس ُن ب اَر ة الَع ي َد الطحاِو ّي ة" َأْح َس ُن‬
‫ِعباَر ة ِم ْن كالم الـمؤِّلف‪َ ،‬يْع ىِن َمْن َو َص َف اَهلل ِبِص َف ٍة ِم ْن ِص فاِت الَبَش ر َفُه َو كاِفر‪ ،‬الذي‬
‫َيُقول‪ :‬اُهلل َلُه ُعُضو‪َ ،‬لُه ُج ُز ء َلُه َو ْج ه َمِبْع ىَن هذا اُجلُز ء َأْو َيُق ول َلُه ِإْص َبع َمِبْع ىَن هذا اُجلُز ء‪،‬‬
‫الذي َيُقول‪ :‬اُهلل ْجَيِلس‪ ،‬اهلل يْس َتِق ّر ‪ ،‬اهلل حُي اِذي شيًئا ِم َن الـمْخ ُلوقات‪ُ ،‬ك ُّل هذا َو ْص ٌف هلل‬
‫َمِبْع ىَن ِم ْن مع ايِن الَبَش ر‪َ ،‬ب ْل َمِبْع ىَن ِم ْن مع ايِن الَبهاِئم‪ ،‬الَكْلُب َيْق ُع د واِحلماُر َيْق ُع د والَبَق َر ُة‬
‫ْجَتِلس‪ ،‬اُهلل ال جَي وُز َعَلْيِه هذا‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أَّن وصَف ا بمعنى ِم معاني البشِر َأ بوصٍف ِم أوصاِف‬
‫ْن‬ ‫ْي‬ ‫ْن‬ ‫َهلل‬ ‫ُح َمْن‬
‫َد َثٌة قواًل أِو اعتقاًدا فه كاف ألنه كَّذ قوَلُه تعالى ﴿َل َك ِم ْثِلِه‬ ‫البشِر التي ِه‬
‫َس‬ ‫ْي‬ ‫َب‬ ‫ٌر‬ ‫َو‬ ‫ْح‬ ‫ُم‬ ‫َي‬
‫َش ْى ٌء (‪ ﴾)11‬سورة الشورى‪.‬‬
‫اإلم ام َأمْح د َر ِض َي اُهلل َعْن ُه ق ال‪َ" :‬مْن ق اَل اُهلل ِج ْس ٌم ال كاَألْج ساِم َك َف ر" رواه‬
‫احلافظ ب در ال دين الزركش ي يف كتاب ه تش نيف املسامع‪ ،‬ىِن َد َأْن َأ اِجل ِس َّيَة ِهلل‬
‫ْثَبَت ْم‬ ‫َيْع َبْع‬
‫َو َل ْو ب الَق ْو ِل ‪َ ،‬ل ْو ق اَل ‪ :‬ال كاَألْج ساِم َك َف َر ‪َ ،‬بْعُض الَو ّه اِبّي ة َيُقول ون‪" :‬اُهلل ج اِلس َعَلى‬

‫َأِي اعَتَرَب اِب لُكَّفاِر الَقاِئِلَني اِب لـمَم اِثِةَل الـمسَتِحِّقَني ِلَس َقر‪ ،‬لَيُكَّف َعن ِم ثِل َٰذَكِل الَقوِل ِلَئال َيلَز َم ُه َم ا َلِزَم ُهم ِم َن الَع َذ اِب ‪.‬‬ ‫‪82‬‬
‫ال رش ال َك لوِس نا" ال نَف م هذا َد َأْن َأ ُت وا َل ا ل وس ال ذي ِم ِص فاِت‬
‫ُه َو ْن‬ ‫ْثَب ُه ُجل‬ ‫َبْع‬ ‫َي ُعُه‬ ‫ُج‬ ‫َع‬
‫ِل ِم‬ ‫ِّل‬ ‫ِس‬
‫اَخلْلق‪ ،‬قوله‪" :‬ال َك ُج لو نا" ال َينَف ُعُه م‪ ،‬ال َخُي ُصُه م‪ ،‬وقد نَق ل أبو الَف ض الّت يمّي رئيُس‬
‫احلنابلة ببغداَد وابُن رئيِس ها يف كتاب اعتقاد اإلمام أمحد (ص‪ )45/‬عن أمحد قال‪" :‬وأنَك ر‬
‫أمحُد على ن يُقوُل باِجلسم" وقال‪" :‬إّن األسـما مأ وذٌة ِم الّش ريعِة والّلغة‪ ،‬وأه الّلغِة‬
‫ُل‬ ‫َن‬ ‫َء ُخ‬ ‫َم‬
‫وَض ُعوا هذا االس َم على ِذي ُط وٍل وَع ْر ٍض وْمَسٍك وَت رِكيٍب وُص وَر ٍة وَت أليٍف واُهلل َتعاىل‬
‫خارٌج عن ذلَك ُك ِّلِه‪ ،‬فَلم ُجَيز أن ُيَس َّم ى ِج سًم ا خلُر وِج ه عن معىن اِجلسِم ّية‪ ،‬ومل ِجي ىْء يف‬
‫الّش ريعِة ذلَك فَبَطل" اهـ‪.‬‬
‫كذِلَك اِإل م اُم الّش اِفِعُّي َر ِض َي اُهلل َعْن ُه ق ال‪" :‬الـمَج ِّس ُم كاِفر" رواُه احلاِف ُظ‬
‫السيوِط يف كتاِب ِه األشباه والنظائر ص‪َ ،488:‬تْك ِف الـم ِّس م ال ِخ الَف ِفي ِه ب َأِئَّم ِة‬
‫َني‬ ‫َف ُري َج‬ ‫ُّي‬
‫الـمسلـمني‪ .‬الـمَج ِّس م َأِي الذي َيُق ول َعِن اِهلل ِج سم َو ُه َو َيْع ِر ف َم ْع ىَن ما َيُق ول َأِو الذي‬
‫َتِق د َأَّن ا ِج م‪ ،‬ذا لي ِفي ِه ِخ الَف َأَّن كاِفر ألن ه َك َّذ الُق رءان ﴿َل َك ِم ْثِلِه‬
‫ْيَس‬ ‫َب‬ ‫ُه‬ ‫َهلل ْس َه َس‬ ‫َيْع‬
‫َش ٌء﴾ َو كذِلَك ق اَل الّش اِفِعُّي َر ِض اُهلل َعْن ُه‪َ" :‬م ِن اْع َتَق َد َأَّن اَهلل ج اِل َعَلى الَع ْر ِش‬
‫ٌس‬ ‫َي‬ ‫ْى‬
‫ِش ِه‬ ‫ِر ِل‬
‫َك َف ر"‪ُ .‬توَج د س اَلة عالـم اُمسُه ابن الـمَعلم الُقَر ّي َي ْخَمطوَطة (هذا الكتاب اُمسُه حنُم‬
‫الـمْه َتِدي َو َر ْج ُم الـمعَتِد ي يف الص حيفة رقم ‪َ 551‬ي ْذ ُك ُر هذا الكالم) َفَص َّو َر الش يخ عب ُد‬
‫اهلل َص حاِئف ِم نها َو َطَلَب َأْن ُتْطَب ع َو ُتَو َّزع‪ِ ،‬فيها َنْق ل‪ ،‬واِح د اُمْسُه القاِض ي ُح َس نْي هذا‬
‫ِم َن األكابر يِف الـمْذ َه ِب الشاِفِعّي ‪ِ ،‬م َن الَّطَبَق ة اليت َتِلي َطَبَق ة اِإل مام‪ُ ،‬يقاُل ُهَلم َأْص حاب‬
‫الُو جوه‪ ،‬القاِض ي ُح َس نْي َنَق َعِن الشاِفِع َأَّنُه قال‪َ" :‬م ِن اْع َتَقَد َأَّن اَهلل جاِل َعَلى الَع ْر ِش‬
‫ٌس‬ ‫ّي‬ ‫َل‬
‫َك َف ر" اب الـم لـم الُق ِش َل ُه ِر س اَلة‪ ،‬يِف هذه الرس اَلة ْذ ُك هذه الـمقاَلة َعِن اِإل م اِم‬
‫َي ُر‬ ‫َر ّي‬ ‫ُن َع‬
‫الش اِفِعّي َفينَبِغي َأْن ْحُتَف ظ َح ىّت َيْع ِر َف الن اَس َأَّن َتْك ِف َري الـمَج ِّس م ش ىء ُمَّتَف ق َعَلْي ِه ِعْن َد‬
‫اَألِئَّم ة‪.‬‬
‫ص الش افِِعِّي‪ ،‬يف ص ‪ 551‬م ا نص ه‪" :‬وهذا ينظم مَْن كُف ره‬ ‫القاضِي حُسني عَن نَ ِّ‬
‫ِ‬
‫املعدومات‬ ‫القرءان وبأنَُّه ال يَعلمُ‬
‫ِ‬ ‫خبلق‬
‫كالقائلنيَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫القبلَِة‬
‫رناه ِمن أهلِ ِ‬‫جممَعٌ عليه ومَن كََّف ُ‬
‫رش كما‬ ‫اهلل ج الس على العَ ِ‬ ‫يعتقِد ب أنَّ َ‬
‫ؤمن بالق درِ‪ ،‬وكذا مَن َ‬ ‫وجودها ومَْن ال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫قب َل‬
‫كاه القاضِي حُسني هن ا عن نصِّ الش افِِعيِّ" اهـ‪ .‬والقاضي ُح َس ني بن حممد هو إم ام‬ ‫َح ُ‬
‫جليل َأ د َأصحاب ال جوه يف املذ ِب الشاِفِع وكاَن لَّق حرب اُألمة كما قي يف عبِد‬
‫َل‬ ‫ُي ُب‬ ‫ِّي‬ ‫َه‬ ‫ُو‬ ‫َح‬
‫اِهلل بِن عباٍس رِض َي اُهلل عنه َح رب األمة‪ ،‬وهو من الثقات‪.‬‬
‫فِم ْن ِص فاِت الَبَش ِر اُحلُد وُث والَّتَط ُّو ُر َو االْنِف عاُل والتَأثُر واللوُن واحلركُة والسكوُن‬
‫والتحيُز بالـمكاِن وما َأْش َبه ذل َك ‪ ،‬كُّل هذا ِم ْن ِص فاِت الَبش ِر َفَم ِن اعتق َد َأَّن اَهلل ُمَّتِص ٌف‬
‫هِب ذا أو قاَل ُه بلساِنه فق ْد كَف َر ‪ ،‬فص فاُت اِهلل ال ُتْش بُه ِص فاِت الَبش ِر ألَّن صفاِتِه قديـَم ٌة‬
‫وِص فاِهِتم حمَد َثٌة‪ ،‬وال ُمشاهبَة بَني الَق ديـِم واحلادِث ‪.83‬‬
‫اِإل ما َأ و القاِس م ا ُد ال ْغ داِد ِض ا ْن ق ال‪" :‬الَّت ِح ي ُد ِإْف را الَق ِد ِمي ِم‬
‫َن‬ ‫ُد‬ ‫ْو‬ ‫ُجلَنْي َب ّي َر َي ُهلل َع ُه‬ ‫ُم ُب‬
‫وِد اهلل ِإْثباِت‬ ‫ِإ‬ ‫اِل ِظ‬ ‫ِح هِب‬
‫َم َع‬ ‫الـمْح َد ث" اْخ َتَص َر معىن الَّتْو يد ذا الَك م الَع يم‪َ ،‬م ْع ناُه ْثباُت ُو ُج‬
‫َأَّنُه ُمَّتِص ٌف بالِّص فاِت الواِج َبة َلُه اَألَز ِلّي ة اَألَبِد ّية اليت ِه َقِد َمية َك ما َأَّن ذاَت اِهلل َقِد مي َو َأَّن‬
‫َي‬
‫اَهلل تع اىل ال جَي وُز َأْن َيُك وَن ُمَّتِص ًف ا ِبِص َف ٍة ِم ْن َأْو صاِف الـمْخ لوقني‪ ،‬فق اَل هذه اُجلْم َل ة‪،‬‬
‫ق ال‪" :‬الَّت ِح ي ُد ِإْف را الَق ِد ِمي ِم الـم َد ِث " الـمحَد ث يِن الـمخلوق‪ ،‬ا ُد ال ْغ داِد‬
‫ُجلَنْي َب ّي‬ ‫َيْع‬ ‫َن ْح‬ ‫ُد‬ ‫ْو‬
‫كاَن َم ْش ُه وًر ا بالَّتَص ُّو ف ُيَس ّم ى س ِّيَد الّطاِئَف ِة الُّص وِفَّية َلِكَّن ُه كاَن َفِق يًه ا‪َ ،‬حُمِّد ًثا‪ ،‬عالـما‬
‫باللغِة الَعَر ِبّي ة‪َ ،‬ح ىّت ِإَّنُه قال‪" :‬ما َأْع َطى اُهلل َعْب ًد ا ِعْلًم ا ِإال َو َأْع ط ايِن َح ًظا ِم ْن ذِلَك الِعلم"‬
‫اُهلل تب اَر َك َو تع اىل َفَتَح َعَلْي ِه يف س اِئِر َأْن واِع الُعُل وم َفُه َو عالـم َك ب ري‪ُ ،‬ه َو ليَس فق ط من‬
‫الُّص وِفّية الصاِدِقني‪َ ،‬ب ْل كاَن َحَمَّط ِر حاِل الُّص وِفّية‪ ،‬كاَن س ِّيَد الّطاِئَف ِة الُّص وِفَّية َم َع الِعلم‬
‫الكبِري يِف ُعُلوِم الِّديِن ‪.‬‬
‫وقوُل ُه‪َ" :‬أْبَص َر " كأن ه أراَد بَص القلِب ال َبَص الَعِني ‪ ،‬إِذ الـمَعاين ال ُتْبَص ِب الَعِني‬
‫ُر‬ ‫َر‬ ‫َر‬
‫عاَدًة‪.‬‬
‫َأّم ا قوُل ُه‪" :‬اْع َتَبَر " َفُم راُدُه ِب ِه اعَتَبَر بالُك ّف اِر الق اِئِلَني بالـمماَثَلِة الـمْس َتِح ّق َني ِلَس َق ر‬
‫ِلَيُكَّف َعْن ِم ْثِل ذلَك الَق ْو ل ِلَئاّل َيْلَزَم ُه ما َلِز َمُه م ِم َن الَعذاِب ‪.‬‬

‫اَمَك َقاَل َس ِّيُد الَّط ِر يَقِة الُّص وِف َّيِة ‪" :‬الَّتوِح يُد فَر اُد الَقِد ِمْي ِم َن الـمحَد ِث "‬ ‫‪83‬‬

‫ِإ‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و الُّرْؤ َيُة َح ٌّق َألْه ِل الَج َّن ِة َم ْع ىَن َح ّق ‪ ،‬شىٌء َحُمَّق ٌق ثاِبت‬
‫ِبَغْيِر ِإحاَطٍة َو ال َك ْيفَّيٍة‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن الـمؤمنَني َيَر ْو َنُه ُس بحاَنه يف اآلِخ رِة ِم ْن غِري أْن حُي يُطوا بِه ألَّن اإلحاطَة‬
‫‪84‬‬

‫بِه مستحيلٌة‪ ،‬وهذا ٌّق جي اإلمياُن ب ِه‪ ،‬أما الـمعتزلُة والفالِس َفُة فقد خالُف وا أه الُّس َّنِة‬
‫َل‬ ‫َح ُب‬
‫حيُث إهنم َنَف ْو ا رؤَي َة اِهلل يف اآلِخ رِة‪ ،‬واحتُّج وا أن ه يل َزُم الق وُل بالرؤي ِة َتش بيُهُه ب اخللِق‬
‫فقالوا‪ :‬ألَّن الذي ُيَر ى ال بَّد أْن يكوَن يف جهٍة‪َ ،‬لِكْن حنُن معاِش َر أهِل الُّس نِة فنقوُل ‪ :‬هذا‬
‫لـم‪ ،‬ك ا صَّح علـم م ب ِه‪ 85‬م غ ِري جهٍة‬ ‫فغ‬ ‫بالنس ِة للـمخلوِق لـم أما بالنسبِة ِهلل‬
‫ْن‬ ‫ُه‬ ‫َم‬ ‫ُم‬
‫ُري َس‬ ‫ُمَس‬ ‫َب‬
‫صَّح أْن ُيَر ى بال جهٍة‪ ،‬وليس واجًب ا عقاًل أْن تكوَن رؤي ُة الـمؤِم نَني ل ُه كرؤيِتهم‬
‫للـمخلوِق يف اْس ِتْلزاِم اجلَه ِة‪.86‬‬
‫أب و َح نيَف ة ِض اُهلل َعْن ُه ق ال يِف ِكتاِب ِه الِف ْق ُه اَألْك رَب ‪" :‬واُهلل تع اىل ُي ى يِف اآلِخ ِة‬
‫َر‬ ‫َر‬ ‫َر َي‬
‫َو َيراُه الـمؤِم ُنوَن َو ُه م يِف اَجلّن ِة" َأّم ا اُهلل َمْو ُج وٌد ِبال مكان "ِبَأْع ِنُي رؤوِس ِه م ِبال َتْش ِبيه َو ال‬
‫َكِّم َّي ة َو ال َك ْيِف ّي ة َو ال َيكوُن بْيَن ُه َو بَني َخ ْلِق ِه َم ساَفة" هذا َر ّد َعَلى الـمشِّبَه ة َعَلى‬
‫الـمجِّس َم ة َعَلى الوهاِبي ة ألن ه َيُق ول "َو َي راُه الـمؤِم ُنوَن َو ُه م يِف اَجلّن ِة ِب َأْع ِنُي رؤوِس ِه م ِبال‬
‫َتْش ِبيه َو ال َكِّم َّي ة" َأي احلَج م‪ ،‬معناُه اُهلل تعاىل ليَس َل ُه حجم بالـمّر ة‪ ،‬ال حجم َص ِغري َو ال‬
‫حجم َك بري َو ال حجم َلِط يف َك هذا الُّنور الذي ْحَيُر ُج ِم َن اللـمَبة َو ال حجم َك ِثيف كهذه‬
‫الّطاِو َلة وهذه اآلَلة َو اإلنسان‪ ،‬اُهلل ال َكِّم َّيَة َلُه بالـمَّر ة‪ُ ،‬ه َو خاِلُق الَك ِّم ّي ات‪ ،‬احَف ُظوا هذا‪،‬‬
‫شا ِة ا ْل ق ﴿َل َك ِم ْثِلِه‬ ‫ُق ول الشيخ عبد اهلل ر اهلل‪َ :‬أْع َظ ءا ٍة يِف ْنِز ي ِه اِهلل‬
‫َس‬ ‫ْي‬ ‫َخل‬ ‫َه‬‫َب‬ ‫ُم‬ ‫ْن‬ ‫َع‬ ‫ُم َي َت‬ ‫َمِحُه‬ ‫َي‬
‫ٍء‬
‫َش ْى ٌء﴾ َتليها ءاَيُة ﴿َو ُك ُّل َش ْي ِعْنَد ُه ِمِبْق َد اٍر (‪ ﴾)8‬سورة الرعد‪ ،‬مْع ناها اُهلل َخ َل َق ُك َّل‬
‫ِث ِك‬ ‫ِط‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫شىء َعَلى ْق داٍر ْخَمُصوٍص َن احلجم‪ِ ،‬إّم ا َأْن َيكوَن َل يًف ا َو ِإّم ا َأْن َيُك وَن َك يًف ا َل ْن َل ُه‬

‫الـمؤِم ُنوَن َيَر وَنُه ِم ن ُدوِن َأْن ُحَيُّد وُه ‪ِ ،‬م ْن ُدوِن َأْن ِحُي يُط وا ِبِه ‪ِ ،‬م ْن ُدوِن َأْن ُيدِر ُكوا ُهَل َش ًالك َو ال َه يَئًة ‪َ ،‬ألَّنُه َم وُج وٌد ال َيشِبُه َش يًئا‬ ‫‪84‬‬

‫ِم َن الـمْو ُج وَداِت ‪ ،‬ال َش َلك ُهَل َو ال َه يَئَة ‪.‬‬


‫"اَمَك َّحَص ِعلـمهم" َأِي ِللـمخُلوِق َني "ِبِه " َأي اِب ِهلَّل َتَع اىَل ‪.‬‬ ‫‪85‬‬

‫اَمَك َّحَصْت َم عِر َفُتَنا ِبَر ِّبَنا َع قًال َو ُه َو ال ُيشِبُه اَألشَياَء ‪َ ،‬يِص ُّح َع قًال َأْن َيَر ى الـمْؤ ِم ُنوَن َر ُهَّبم َو ُه َو ال ُيشِبُه اَألشَياَء ‪.‬‬‫‪86‬‬
‫ِم ْق دار ْخَمُص وص ِم َن احلجم‪ ،‬ال َّذ َّرُة َم َع ِص َغِر ها هَل ا حجم‪َ ،‬ح َّب ُة اَخلْر َدل هَل ا حجم‪َ ،‬ح َّب ُة‬
‫ِع‬
‫الَع َد س هَل ا حجم‪َ ،‬ح َّب ُة ال َنب هَل ا حجم‪ ،‬اإلْنسان َل ُه حجم‪ ،‬الّس ماء هَل ا حجم‪ ،‬الَع ْر ش َل ُه‬
‫حجم‪ ،‬اهلل الذي َخ َلَق هذا اَخلْلق َعَلى َكِّم َّيٍة ْخَمُصوَص ٍة ِإْن كانت َلِط يَف ة َأْو َك ِثيَف ة ال ُجَيوز‬
‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِإ‬
‫َأْن َتُك وَن َلُه َكِّم َّية بالـمَّر ة‪َ ،‬ف ًذا ُه َو َمْو ُج ود ال مكان َو ال جهة‪َ ،‬لْو َف ُم وا هذا الذي ُه َو‬
‫َم أُخ وذ ِم َن القرءان‪َ﴿ :‬و ُك ُّل َش ْي ٍء ِعْنَد ُه ِمِبْق َد اٍر ﴾ َلَف ِه ُم وا التنزيه‪ ،‬الَعْق ُل الَّس ِليم َيُق ول‪:‬‬
‫اُهلل الذي َخ َل َق كَّل شىٍء َعَلى ِم ْق داٍر ْخَمُص وٍص ِم َن احلجم‪ ،‬ال ُجَيوُز َأْن َيُك وَن َل ُه ِم ْق دار‬
‫ِم َن احلجم بالـمَّر ة‪ ،‬هكذا َيُقوُل الَعْق ُل الَّس ِليم‪ ،‬كُّل شىء يكوُن يف مكاٍن أو جهٍة َيُك وَن‬
‫َلُه ِم ْق دار ِم َن احلجم‪ ،‬فال ُجَيوُز َعَلى اِهلل أن َيُك وَن َلُه ِم ْق داٌر ِم َن احلجم‪.‬‬
‫ُه ن ا مسَأَلٌة ُمِه َّم ٌة‪ِ :‬إذا ق اَل الَو هاُّيب للسّين‪ :‬أنَت حَني َتق ول اهلل موج ود بال مكان‬
‫فق د َنَف ْيَت وج وَدُه‪ُ ،‬يق اُل َل ُه‪ :‬اُهلل تع اىل ق ال عن َنفِس ِه يِف الق رءان ﴿هَو األَّو ل (‪﴾)3‬‬
‫سورة احلديد‪ ،‬أي هو الـموجوُد الذي ال ابتداَء ِلوجوِدِه‪َ ،‬و حدُه كذلك‪ ،‬يعىن ليس شىء‬
‫من اخلل ق يكون موج وٌد ِبال ِبداَي ة‪ ،‬الـمخلوق معن اه ل ه بداي ة‪ ،‬اهلل تع اىل قب ل هذا اخلل ق‬
‫كان موجوًدا‪ ،‬ماذا ُيقال عن وجوِد ه قْبل وجود هذا اخللق؟ ُيقال موجود بال مكان‪ ،‬بعد‬
‫أن خلق هذا اخللق م ا زاَل القوُل كذلك‪ ،‬اُهلل موجود بال مكان‪ ،‬فال يكون ذل ك نْف ًي ا‬
‫ِس ِه‬ ‫ِل ِدِه‬
‫وج و تع اىل وإال فإن ك تْز ُعُم أيها الوهاّيِب أَّن اهلل ينفي وج وَد نف ألن ه ق ال‪﴿ :‬هَو‬
‫األَّو ل (‪ ﴾)3‬وأنت تزُعم أَّن الرسول نفى وجوَد اهلل ألنه قال‪َ(( :‬ك اَن اُهلل َو لـم َيُك ْن َش ىٌء‬
‫َغ ُريُه)) مع ىن ذل ك أَّن اهلل كان موج وًد ا يف األزل ِبال جهة وال مكان ألن ه يف األزل لـم‬
‫تُك ن ِج هات وال أم اِكن‪ ،‬هل واحد مسلـم ي زُعم أن اهلل ينفي وج وَد نفِس ه؟ أو أَّن‬
‫الرسوَل ينفي وجوَد َر َّبِه؟!!‬
‫مسأَلٌة ُأخرى مِه َّم ة ِل َد ْفِع مَت ِو يهات الوهابية‪ ،‬حنن نقول‪ :‬اهلل موجود‪ ،‬ال نقول إنه‬
‫موج ود داِخ َل العالـم وال خ ارَج العالـم‪ ،‬أليَس اُهلل كان قب َل وج وِد العالـم مْو ج وًدا وال‬
‫ُيقال أنه يف داخ ِل العالـم وال ُيقال أنه يف خاِرج العالـم؟ هم ماذا يفَعلون؟ َمُيِّو هوَن على‬
‫الشخص‪ ،‬يقولوَن له‪ :‬أنت ماذا َتقول؟ اهلل يف داخ ِل العالـم أم يف خاِرج العالـم‪ ،‬وهو ال‬
‫ُيقال َعِن اهلل ال يف داخِل العالـم وال يف خاِرج العالـم ألَّن اَهلل ليَس ِج سًم ا‪ ،‬ليَس بينُه وبني‬
‫ٍء‬
‫شى ِم ْن خلِقِه ُمناسبة‪ ،‬الـمناسبة تكون بَني الـمخلوقات‪ ،‬هذا ُيلُقوَنُه للتمِو يه‪ ،‬الشيخ عبُد‬
‫اهلل كاَن مسروًر ا مْن واحد من تالمي ِذِه لـما كاَن يِف الـمغِر ب‪ ،‬قاَل ‪ :‬أنا كنُت يِف الغرفة‬
‫فجاَء بْعُض الوهابي ِة إىل الَبيت‪ُ ،‬يري دوَن أن ُيناِقُش ويِن َف اجتمعوا هِب ذا الش اب ال ذي كان‬
‫ممن خيِد موَن الشيخ َفَطَر ح الوهاُّيب عليِه هذا السؤال‪ ،‬قاَل لُه‪ :‬ماذا َتقول َعِن اهلل؟ موجود‬
‫داخَل العالـم أم خاِر َج العالـم‪ ،‬أخونا ُمَتَعلـم‪ ،‬قال‪ :‬نقوُل عِن اهلل موجود وال نقول داخ َل‬
‫العالـم وال خاِر َج العالـم‪ ،‬أليَس كاَن موجوًدا قب َل َخ ْل ِق العالـم وال ُيقال يف داخِلِه وال يف‬
‫خاِر ِج ِه؟ قاَل الشيخ‪َ :‬فَخ َّر َس ُه‪َ ،‬يعىِن َغلَب ُه َجِبواِب ِه هذا‪ ،‬الـمَتَعلـم َيْع ِر ف كي ُف ِجُي يب‪َ ،‬أّم ا‬
‫اجلاِه ُل َقْد ُيوِقُعوَن ُه يِف الكفر هِب ذه األس ِئَلة اليت ُيْلُقوَن ه‪َ ،‬ألّن الوّه اّيِب ماذا َيُق ول؟ َيُق ول‪:‬‬
‫واِح د ِم ْن تنني‪ ،‬يا َبُّدو يكون داِخ ل العالـم َأو خاِرج العالـم‪ ،‬شو بتقول؟ والِعياُذ باهلل‪،‬‬
‫ُيِر يد َأْن ُيوِقَعُه يِف الّض الل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رَمِحه اُهلل‪َ :‬ك َم ا َنَط َق ِب ِه ِكَت اُب َر ِّبَن ا ﴿ُو ُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إىَل‬
‫َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪ ﴾)23‬سورة القيامة‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬قاَل أهُل احلِّق ‪ :‬رؤي ُة اِهلل باَألبصاِر للـمؤمنَني يف اآلِخ رِة بع َد دخوهِل ُم اجلن َة‬
‫جاِئَز ٌة عقاًل ومسًعا َأي ِم ْن حيُث الَّنُّص القرءاُّيِن واَحلِد يِثُّي ‪ ،‬هذا شىٌء ثاِبت‪ ،87‬واحتُّج وا‬
‫بقوِلِه َتعاىل ﴿ُو ُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إىَل َر ِّبَه ا َناِظ َر ٌة (‪﴿ ﴾)23‬ناِض َر ة﴾ َيْع يِن ُمَنَّعَم ة‪،‬‬
‫ُيق اُل "َنَّض َر اُهلل َو ْج َه ُفالن" َأي َنَّعَم ُه وقوُل ُه‪َ﴿ :‬ن اِظ َر ٌة﴾ معن اه َت رى رهَّب ا ذل َك الي وم‪،‬‬
‫اسَتَد َّل َأه ُل اْلَح ِّق َعىَل َأَّن ُر ْؤ َي َة ِهللا َليَس ْت َأم ًر ا ُم سَتِح يًال ِبُو ُج وٍه ِم َهنا َأَّن ُم وىَس َس َأَل َر َّب ُه الُّر ْؤ َي َة ِبَقْو ِهِل ‪َ﴿ :‬و لـام َج آَء ُم وٰىَس‬ ‫‪87‬‬

‫لـميَقاِتَنا َو لَك ـمُه َر ُّبُه َقاَل َر ِّب َأِر ۤيِن َأنُظ ْر َلْي َك َق اَل َلن َتَر ايِن َو َلٰـ ِكِن ٱْنُظ ْر ىَل ٱْلَج َب ِل َف ِن ٱْس َتَقَّر َم اَك َنُه َفَس ْو َف َتَر ايِن َفلـام َجَتٰىَّل َر ُّب ُه‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ِلْلَج َبِل َجَع ُهَل َد اًّك َو َخ َّر موٰىَس َص ِع ًقا َفلـمآ َأَف اَق َق اَل ُس ْب َح اَنَك ُتْبُت َلْي َك َو َأْاَن َأَّو ُل ٱلـمْؤ ِإِمِنَني ﴾ [ُس وَر َة َألع راِف ‪َ ]143 :‬فَل ْو اَك َنْت ُر ْؤ َي ُة ِهللا ال‬
‫ٱ‬

‫ُجَت وُز َع قًال َأْو ْرَش ًعا َأْي َلْو اَك َنْت ُم سَتِح يًةَل لـم َيْس َأْل ُم وىَس َر َّبُه َأْن ِإ َيَر اُه َألَّن ُم وىَس َنٌّيِب َر ُس وٌل َفَيسَتِح يُل َعَليِه َأْن جَي َهَل َم ا َيِلي ُق اِب ِهلل‬
‫َو َم ا ال َيِليُق اِب ِهلل ‪َ ،‬و الـمخاِلُفوَن َأله ِل اْلَح ِّق َق اُلوا‪َّ " :‬نـام اَك َن ُس َؤ اُل ُم وىَس ِلُيْع لـم َقْو َم ُه‪َ ،‬أَّم ا ُه َو اَك َن َيعلـم َأَّنُه ال ُجَي وُز َأْن َيَر ى َهللا “‬
‫ِإ‬
‫وه ؤالء ُيَر ُّد علهيم ب َأن ُيقاَل ‪َ :‬ل و اَك َن الُّس َؤ اُل ِم ْن َقوِم ِه ُم َح اًال َلاَك َن ِم ن ُم وىَس ُم َح اًال َأيًض ا‪َ ،‬فال جَي وُز ِم َن الَّر ُس وِل أن ُيباَرِش اْلَح راَم‬
‫عالِم َغِري ِه ‪ ،‬مُث َأيًض ا َلو اَك َن ُس َؤ اُهُل َألْج ِل َقوِم ِه َلَس َأَل ُحِبُض وِر مِه ِلُيَش اِه ُد وا َو ِلَيعِر ُفوا اْلَح ِقيَقَة ‪َ ،‬أي َأنه ُم مَتِن ٌع ُر ْؤ ي ُة ِهللا َع ْقًال َو َق ْد َس َأَل‬
‫ُمِإلوىَس َر َّبُه أْن ُيِر َيُه َذ اَتُه يِف َم َقاِم اْلَخ ْلَو ِة ‪.‬‬
‫الوج و هن ا عب ارٌة عِن الـمؤمن ‪ ،‬واألحاديُث الثابت ُة لي فيها حتدي ُد أوق اِت الرؤي ِة‬
‫َس‬ ‫َني‬ ‫ُه‬ ‫َو‬
‫وتفص يُلها‪ ،‬لكْن ورَد حديٌث يف إْس ناِد ه َض ْع ٌف ب أَّن الـمقَّر بَني َأِي الـمَّتِق ني َيَر ْو َن ُه ُغ دًّو ا‬
‫َأَّو ُل النهار َقْب َل الُّظهر‪ ،‬وعش ًّيا ءاِخ ُر النهار قب َل الـمْغِر ب‪َ ،‬بْع َد الُّظُه ر‪ ،‬وأَّم ا غ ُريُه م َفِف ي‬
‫اُجلْمَعِة َم ّر ًة‪َ ،‬أي يف اُألسبوِع َم ّر ة‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِمِن يِف‬
‫َأْع َظم نعيم للـمؤ َني اَجلّنة ُه َو رؤَيُة اهلل‪ ،‬ال ُيوَج د نعيم َأْع َظُم ْن هذا النعيم‪ُ ،‬ه َو‬
‫َأْع َظم وَأْح َلى َو َأْفَض ل نعيم‪ ،‬اُهلل يرُز ُقنا ذِلك‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َتفِس يُر ُه َعلى َم ا أَر اَدُه اُهلل َتَعالى َو َعلمُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن َتْف ِس َري هذِه اآلي ِة ﴿ُو ُج وٌه َيْو َم ِئٍذ َناِض َر ٌة (‪ِ )22‬إىَل َر ِّبَه ا َن اِظ َر ٌة (‪﴾)23‬‬
‫سورة القيامة‪ُ ،‬ه َو على َح َس ِب ما َعلـم اُهلل تعاىل َو َأراَدُه َم ْع ىًن بكالِمِه هذا‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ُك ُّل َم ا َج اَء في ذِل َك ِم َن الَح ِد يِث الَّص حيِح َعِن‬
‫الَّر ُس وِل َص لى اُهلل َعَليِه َوَس َّلَم َفُه َو كما قاَل َو َم عَناُه على ما أراَد‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن كَّل ما جاَء يف احلديِث الثابِت الصحيِح عنه َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم فهو‬
‫على حَس ِب ما َأراَد ه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪ ،‬وأَّم ا الـمشبهُة ِم ْن وهابيٍة وأْس الِفِه م فالرؤيُة‬
‫‪88‬‬

‫عن َد ُه م تكوُن بالكيفي ِة واجلهِة وإْن كانوا يقول وَن لفًظ ا بال كيفي ٍة لكَّنُه م يعتق دوَن‬
‫الكيفي َة‪ ،‬ألهنم ُيثِبُت وَن اجلهَة ِهلل‪ .‬فالرؤي ُة عن َد ُه م ال ُبَّد أْن تكوَن بكيفي ٍة بالـمقاَبلِة ألهنم‬

‫ُس ِئَل الَّش يخُ َر َيِض ُهللا َعنُه‪َ :‬م ا الَّتْو ِف يُق َبَني اْلَح ِد يِث اذلي ِف يِه ‪َّ " :‬نْمُك َس َرَت ْو َن َر َّبمُك َيوَم الِقَياَم ِة " َو َبَني َقوِلَن ا‪" :‬الـمْؤ ِم ُنوَن َيَر ْو َن َهللا‬ ‫‪88‬‬

‫ِإ‬
‫َو ْمُه يِف اْلَجَّنِة " َو اذلي َتَع لـمَناُه َأَّن َيْو َم الِقَياَم ِة َينِهَت ي اِب سِتقَر اِر َأهِل اْلَجَّنِة يِف اْلَجَّنِة َو َأهِل الَّناِر يِف الَّناِر ؟‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َعنُه‪َ :‬قْد ُيطَلُق َيوُم الِقَياَم ِة َو ُيَر اُد ِبِه اآلِخ َر ُة‪ ،‬الـمْؤ ِم ُنوَن َيَر ْو َنُه َبْع َد اسِتْقَر اِر مِه يِف اْلَجَّنِة ‪َ ،‬أَّم ا اْلَح ِد يُث اذلي ِف ي ِه ‪:‬‬
‫"َتظَهُر ُص وَر ٌة" َأْي َتظَهُر َأَم اَم ُهم ُص وَر ٌة‪َ ،‬و الُّص وَر ُة ال َتَتلَك ـم‪َ ،‬أْي َقبَل ُدُخ وِلِهُم اْلَجَّن َة َفُيَق اُل ‪َ :‬أاَن َر ُّبمُك ‪َ ،‬فَيُقوُل وَن ‪َ" :‬أُع وُذ اِب ِهلل حَن ُن َذ ا‬
‫َر َأْيَنا َر َّبَنا َع َر ْفَن اُه ‪َ ،‬فَيَتَج ىَّل ُهللا َفَرَي ْو َنُه َو َيعِر ُفوَنُه“ َه َذ ا اْلَح ِد يُث َأنَك َر ُه َبعُض الُع لـامِء َو ُه َو َح ِد يٌث َر ِكي ٌك ‪َ ،‬ه َذ ا ِف ي ِه َأُهَّنم َيَر ْو َنُه َق ِإبَل‬
‫ُدُخ وِلِهُم اْلَج َّنَة ‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫يَفِّس روَن احلديَث الذي رواُه مسِلٌم‪َ(( 89‬أَم ا إَّنُك م َس َتَر ْو َن رَّبُك م كَم ا َتَر ْو َن هذا الَق َم َر ال‬
‫َتَض اُّموَن )) ِبَأَّن َم ْع ناُه َتَر ْو َنُه ُمواَجَه ًة كما َتَر ْو َن الَق َم َر ُمواَجَه ًة‪ ،‬وأجاَب أهُل الُّس نِة على‬
‫ِة ِهِل‬ ‫ِه‬
‫هذ الُّشبه بقو م‪ :‬الَّتشبيُه هنا وارٌد على غ ِري ذل َك الـمعىن الذي تَّدعوَن ‪ ،‬أْي أَّن العباَد‬
‫َيَر ْو َنُه ُر ْؤ َيًة ال َش َّك فيها كَم ا أَّن القَمَر ليلَة البدِر ِإذا لـم َيُك ْن َس حاٌب ُيَر ى ُر ْؤ ي ًة ال َش َّك‬
‫فيها‪.90‬‬
‫َيْع ىِن ما َش َّبَه اَهلل بالَق َم ر‪ِ ،‬إَّنـما ش َّبَه رؤَيَتنا ِلَر ِّبنا سبحاَنُه َو تعاىل‪ ،‬اُهلل ْجَيعُلنا ِم ْن َأْه ِل‬
‫ذلك‪ِ ،‬ب راِئي الَق َم ر ليَل َة الَب ْد ر‪ِ ،‬م ْن َح يُث ِإَّنُه ال َيُش ّك ‪َ ،‬ش َّبَه الُّرْؤ َية لـم ُيَش ِّبِه اَهلل ِب الَق َم ر‪.‬‬
‫ال‬ ‫ا‬ ‫معن‬ ‫م‪،‬‬ ‫زا‬ ‫َّت‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِو ا ِد يث ب اللْف َظ ((ال َت اُّموَن )) ِم الَّتضا ‪ِ ،‬م‬
‫ُل‬ ‫ُص‬ ‫ْحَي‬ ‫ُه‬ ‫ُح‬ ‫ّم َن‬ ‫َن‬ ‫َض‬ ‫نْي‬ ‫ُر َي َحل‬
‫الَت زاُح م‪َ ،‬و رِو َي ((ال ُتضاُمون)) ِم ْن ُدوِن الّش َّدة َعَلى الـميم‪ِ ،‬م َن الَّض ْيم َنِف ي ِللَّض ْيم‪،‬‬
‫َيْع ىِن ال َتقَلُقون ال َتنَز ِعُج ون‪ ،‬جَي وُز باللْف َظنْي ‪ .‬وُه ناَك ِر وايات ُأْخ َر ى‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬ال َن ْد ُخ ُل في ذل َك ُمَت أِّو ليَن ِبآراِئَن ا َو ال ُمَتَو ِّه ِم ين‬
‫ِبأهواِئَنا‪.‬‬
‫ِع‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬
‫الشرُح ‪ :‬أنُه َأِي الـمْؤ َن َال يدخُل يف ذل َك ُمَت َأِّو اًل برأِي َتَأُّو اًل ِبال َدلي ٍل َعْق لٍّي َقْط ٍّي‬

‫وه ذا احلديث ُر ِو َي اِب لَّتخِفيِف "ال ُتَض اُم وَن " َأْي ِب ُد وِن َرَض ٍر َتَر وَن ُه‪َ ،‬أي ال َيلَح ُقمُك َرَض ٌر ‪" ،‬ال َتَض اُّم ون" َأي ال َتَزَت اُمَح وَن ‪ ،‬ال‬ ‫‪89‬‬

‫حَت َتاُج وَن ىَل َأْن َيلَتِص َق َبعُض مُك ِبَبعٍض َح ىَّت َتَر ْو ُه ‪َ ،‬أهُل اْلَجَّنِة ِحُي ُّبوَن الَّنَظ َر ىَل َذ اِت ِهللا َأكَرَث ِم ْن َأِّي َنِع ٍمي‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬

‫َقاَل ا َم اُم َأُبو َح ِنيَفَة رَيِض ُهللا َعن ُه يِف الِفقِه اَألكِرَب ‪َ" :‬و ُهللا َتَع اىَل ُيَر ى يِف اآلِخ َر ِة َو َيَر اُه الـمْؤ ِم ُنوَن َو مُه يِف اْلَجَّن ِة ِب َأعِنُي ُر ُؤ وِس ِهم ِبال‬
‫َتشِبيٍهِإل َو ال َكيِفَّيٍة َو ال ِّمَكَّيٍة َو ال َيُكوُن َبيَنُه َو َبَني َخ ْلِقِه َم َس اَفٌة “ اهـ‪.‬‬
‫َقاَل الَّش ْي ُخ ‪َ :‬أه ُل الُّس َّنِة َيُقوُل وَن ‪َّ :‬ن الـمْؤ ِمِنَني َبعَد َأْن َيسَتِقُّر وا يِف اْلَجَّن ِة َيَر ْو َن َهللا ‪َ ،‬ليَس َم عَن اُه َأَّن َهللا َيُك وُن ُم ْس َتِقًّر ا َح اًّال يِف‬ ‫‪90‬‬

‫ِإ‬
‫اْلَجَّنِة ‪َ ،‬ال َيَر ْو َن َهللا َح اًّال يِف اْلَجَّنِة ‪َ ،‬و َليَس َم عَناُه َأُهَّنم َيَر ْو َنُه َذ ااًت َقِر يًبا ِم ُهنم‪َ ،‬و ال َأُهَّنم َيَر ْو َنُه َذ ااًت َبِع يًد ا ِم ُهنم‪َ ،‬ب ْل ِبال َم َس اَفٍة َيَر ْو َن ُه‪ِ ،‬بال‬
‫َم َس اَفٍة َقِر يبٍة َأْو َبِع يَد ٍة ‪َ ،‬يَر ْو َنُه ِبال َكي ٍف َو ال َهِج ٍة ‪َ ،‬و ال َيَر ْو َن ُه ُمَتَح ًزِّي ا َعْن َيِم يِنـِهم َو ال َيَر ْو َن ُه ُمَتَح ًزِّي ا َعْن َيَس اِر مِه َو ال َيَر ْو َن ُه ُم َتَح ِّي ـًز ا يِف‬
‫َهِجِة حَت ٍت َو ال َيَر ْو َنُه ُم َتَح ِّي ـًز ا يِف َهِجِة َفوٍق ‪ِ ،‬بال َهِجٍة َو ال َكيِفَّيٍة َيَر ْو َن َهللا َتَباَر َك َو َتَع اىَل عن دما َيُكوُن وَن يِف اْلَجَّن ِة ‪َ ،‬ه َذ ا َم عَن اُه َليَس اَمَك‬
‫ُيَر ى اْلَخ ْلُق ‪.‬‬
‫َو ال َدِلي ٍل مسعٍّي ث ابٍت ‪ 91‬كتْأوي ِل الـمْع تزلِة ِلآلي ِة الـمْذ ُك ورِة‪ ،‬وأن ُه ال َي دخُل يف ذل ك‬
‫متص ِّو ًر ا ِبَو ِمْهِه‪َ ،‬يْع يِن ال َك َم ا َذَه َبِت الـمعتزلُة يف نفِيِه م للُّر ؤي ِة وحتريِف ِه م لآلي ِة‪َ ،‬و ال كما‬
‫ذهبِت الـمشِّبهُة يف جعِلِه ُم الرؤي َة ِبكيفي ٍة حيُث أثبُت وا ِهلل تع اىل اجلهَة‪ ،‬فُه ْم َح ْيُث أْثَبُت وا‬
‫م‬ ‫َن‬ ‫و‬ ‫ُد‬ ‫ي‬ ‫ِلْلّذ اِت الـمَق َّد ِس اِجل َة َفال َّد َأَّن م ْثِبتوَن الرؤي َة يف جهٍة‪ .‬أما أه الُّس نِة ف ِع‬
‫ْن‬ ‫َب‬ ‫ُل‬ ‫ُب ُه ُي‬ ‫َه‬
‫ِئ ِج ٍة ِم‬ ‫ٍة ِم ِن‬ ‫ٍة‬ ‫ِق‬
‫ذل ك‪َ ،‬يْع َت ُد وَن أن ه ُيَر ى بال ُمقاَبل َو ال ُم داَبَر ‪ْ ،‬ن ُدو َأْن يكوَن ال َّر ا ي يف ه َن‬
‫اِهلل ال ْمَيَنًة َو ال َيْسَر ًة َو ال فْو َق َو ال َأْس فَل َو ال قَّداَم َو ال َخ ْلَف ‪.‬‬
‫ال يع ين كال الّطح اوِّي ‪ 92‬رَّد َتْأِو ي ِل َأ ِل الَّس نِة اِإل مْج اِّيل الَّتفص يل آلي اِت‬
‫ِّي‬ ‫َو‬ ‫ْه‬ ‫ُم‬ ‫َو‬
‫الصفاِت وأحاديِثها الـمتشاهِب ِة‪ ،‬فق ْد ثبَت ذل َك َعِن اإلم اِم َأمْح َد وغ ِري ه ِم َن الَّس لِف ‪َ ،‬ف إَّن‬
‫َتْر َك الت ْأويَلِني َعُنْي الَّتش بيِه والَّتجسيِم الـمنِف َّيِنْي بقوِله َتع اىل ﴿َلْيَس َك ِم ْثِل ِه َش ْى ٌء (‪﴾)11‬‬
‫سورة الشورى‪.‬‬
‫لي‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ِح ُق وُل الَّس َلِف ِم الّطحاوُّي "ِبال َك ِف ة" هذا ى َت ْأِو ياًل ِإمْج اِل‬
‫ًّي‬
‫َس‬ ‫ُيَس ّم‬ ‫ْي ّي‬ ‫َو ْنُه ُم‬ ‫َني َي‬
‫َك ما َتُق وُل الـمَش ِّبَه ة الَو ّه اِبّي ة‪َ ،‬يُقولوَن الَّتْأِو ي ُل َيْع ِط يل‪َ ،‬ك ْي َف َيُك وُن الَّتْأِو ي ُل تْع ِط ياًل َو َقْد‬
‫َدعا الرسول الْبِن َعّب اس َأْن َيُك وَن ِم ْن َأْه ِلِه‪ٰ ،‬ه ذا ال ُجَيوُز ‪ .‬الَّر ُس وُل كاَن ِحُي ُّب الـمكاَفَأَة‬
‫َعَلى اِإل ْح سان َو كاَن َعْبُد اهلل بُن َعّباٍس َأْح ياًنا ْخَيِد ُم الّر سول‪َ ،‬فَم َّر ًة َخ َد َم ُه فقاَل الّر سول‪:‬‬
‫ِحل‬
‫((الَّلُه َّم َعلـمُه ا ْك َم َة َو الَّتْأِو ي ل)) َبْعُض الَو ّه اِبّي ة م اذا َيُق ول؟ َيُق ول الَّتْأِو ي ُل ُه ن ا َم ْع ن اُه‬
‫الَّتْف ِس ري‪ُ ،‬يقاُل َلُه هذا َتْأِو يل‪َ ،‬يْع ىِن َتَق ُع يِف ما َتُظُّن َأَّنَك َتْه ُر ُب ِم ْنُه َعَلى َزْع ِم َك ‪.‬‬
‫إذا ذكر الش خُص اَهلل أل ف م رة يف الي وم هل يكوُن هذا إكث اٌر من النوافِل حبيُث‬
‫يصُل به إىل الواليِة؟‬
‫الشيخ عبُد اهلل‪ :‬إذا الشخُص قام بأداِء كل الواجباِت كل الـمحرماِت ومضت علي ه‬

‫َقاَل َفْخ ُر اِّدل يِن الَّر اِز ُّي يِف ِكتاِبِه (الـمحُص وِل )‪" :‬وال َيُس وُغ َتْأِو يُل الَّنِّص َّال َدِل ِليٍل َع قٍّيِل َقاِط ٍع َأْو ْمَس ِع ٍّي اَث ِبٍت “ اهـ‬ ‫‪91‬‬

‫ِإ‬

‫َق اَل الَّش ْي ُخ ‪َ :‬بْع ُض َّرُش اِح الَع ِقي َد ِة الَّط َح اِو َّي ِة َمَحَل ِع باَر َة الَّط َح اِوِّي َعىَل َظ اِه ِرَه ا‪َ ،‬و َم حِم ُل الَك ِم ه ذا الَبعِض الَّتَأِو ي ُل الَّتفِص يُّيِل ال‬ ‫‪92‬‬

‫الَّتاِو ي ُل ا َمْج اُّيِل َو ُه َو اعِتَق اُد َأَّن ِتَكل الَّظ واِه َر ِللـمَتَش اَهِباِت ِم َن اآلاَي ِت َو اَألَح اِد يِث ال َو اِر َد ِة يِف الِّص َفاِت الـموَمِهةِ لِلِج سِم َّيِة َو ِص َفاِت‬
‫اْلِج سِم َّيِة ـِإلاَك ْلَح َر َكِة َو الُّس ُكوِن ـ الـمراُد َهِبا َغُري َه ِذِه الـمَع ايِن اَّليِت َتَتَباَد ُر ىَل اِّذل ْه ِن ‪ .‬اهـ‬
‫ِإ‬
‫م دة ال يق ُع يف أي معص يٍة وأكثر من النوافِل ‪ ،‬يف ال ذكر كعش رة آالِف هتليل ة يص ُل إىل‬
‫الواليِة‪.‬‬
‫سألُت الشيخ‪ :‬كم هذه الـمدة؟‬
‫قال‪ :‬كسنٍة مثال‪.‬‬
‫ِه‬
‫إذا أجرى اإلنسان على قلب ال إله إال اهلل هل هذا هو الذكُر القليب الذي يقص ُد ُه‬
‫العلـماء؟‬
‫العلماُء إذا قالوا الذكر القليب يريدوَن اخلشوع‪ ،‬معىن اخلشوع‪ ،‬استحضاُر اخلوف‬
‫من اهلل يف القلب واستحضار تعظيَم اهلل حمب ة اهلل‪ ،‬ليس اخلوف من الن ار أو اخلوف من‬
‫ع ذاب الق رب‪ .‬فال ذكُر القل يب ال ذي هو اخلش وع ال حيت اُج إىل ني ٍة ألن ه يف حد ذاته ني ة‪.‬‬
‫واخلشوع يف كل األحوال فيه ثواب‪ ،‬ولو كان يعمل معصية‪ ،‬ميشي إىل اخلمارة ليشرب‬
‫اخلمر الذي هو حرام‪ ،‬وخشع قلُبُه له ثواب يف خشوِعِه‪.‬‬
‫االس تغفاُر ال ذي ورَد يف احلديِث ‪َ(( :‬مْن اس َتْغَف َر للـمؤِم نَني والـمْؤ ِم ناِت ُك ل ي وم‬
‫َس بًعا وِعْش ريَن َم َّر ة كاَن ِم َن الذيَن ُيستَج اب هلم وُيرَز ق هبم َأهل األرض)) ليس شرطا‬
‫أن يكوَن يف جملٍس واحٍد ‪ ،‬مث لو زاد على ذل َك ال يؤثر‪ ،‬وال بَّد أن يثبَت على ذلك كل‬
‫يوم‪.‬‬
‫س أل الش يخ عب د اهلل رمحه اهلل احلاضرين يف جملس من الـمجالس‪ :‬من منكم يق ول‬
‫ِد‬ ‫ٍد‬
‫كل صباٍح ((رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا ومبحم نبيا)) َفَر َف َع البعُض أيا َيهم فَنَظَر‬
‫إليهم الشيُخ قال هلم‪ :‬كل صباٍح ؟ فنزلت بعض األيدي‪ .‬يقول الشيخ نبيل‪ :‬هذا مهم‬
‫جدا ألنه ورَد يف احلديِث القابِت أن الرسول قال‪َ(( :‬مْن َقاَل ِإَذا َأْص َبَح َر ِض يُت ِباِهلل َر ًّبا‪،‬‬
‫َو ِباِإل ْس الِم ِديًنا‪َ ،‬و ُمِبَح َّم ٍد َنِبًّيا‪َ ،‬فَأَنا الَّز ِعيُم آلُخ َذ ِبَي ِدِه َح ىَّت ُأْد ِخ َل ُه اَجْلَّن َة)) رواه الطرباين يف‬
‫الكبري‪ .‬الزعيم معناُه الكافل الضامن‪ ،‬أي أن هذا األمر حمقق‪ .‬قال الشيخ عبد اهلل‪ :‬يأيت‬
‫الرس ول علي ه الص الة والسالُم‪ ،‬ويكوُن يف اجلن ِة‪ ،‬يق ُف على باهبا من داخلها‪ ،‬كل من‬
‫كان يقوُل هذا اللفظ ميسُك بيدِه ويدخُلُه بيدِه إىل اجلنة‪ ،‬وإن كات إمرًة أجنبي ًة ميسك‬
‫بيدها من فوِق الثياب هـ‪ .‬ألن ه ما كاَن حراًم ا يف ال دنيا كمس األجنبية بال حائل يبقى‬
‫حراًم ا يف اآلخرِة‪ .‬رضيُت هنا معناُه أحببُت ‪.‬‬

‫الدرس التاسع‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬فِإ َّن ُه َم ا َس لـم في ِد ْيِن ِه ِإال َمْن َس لـم ِهلل َع َّز َو َج َّل‬
‫‪93‬‬

‫ولرسوِلِه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َو َر َّد ِع لـم ما اْش َتَبَه عليِه إلى َعالـمِه‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أَّن الَّس ال َة يف الَّت ليِم ِهلل وِلرسوِله‪ ،‬أِي اعَتقاِد أَّن ما جا يف الشرِع ِم‬
‫ْن‬ ‫َء‬ ‫ْس‬ ‫َم‬ ‫ُح‬
‫أموِر الِّديِن فهو على ح ِب ما أراَد اُهلل تعاىل ورسوُله‪ ،‬لي مبنًّي ا على التوُّه ِم والتص ُّو ِر‬
‫َس‬ ‫َس‬
‫الـمعتِم ِد على ال َّر ْأِي أو على ما جرْت ِب ه العادُة بَني الـمخلوقاِت ‪ .‬فالـمعتزلُة َر َجُع وا إىل‬
‫الرْأِي الذي ُه ُم اَختُذ وُه أصاًل ‪ ،‬والـمشبهُة َر َجُعوا إىل ما هو مْأُلوٌف بَني الـمخلوِق وَفَتَنُه م‬
‫أهنم قاسوا اَهلل على اخللِق َفقالوا كَم ا أنُه ال ُيَر ى الشىُء ِإال يف ِج هٍة مَن ال َّر اِئي فاُهلل ُيَر ى‬
‫يف ِج هٍة‪ ،‬وِكال الـمْذ هَبِني باطٌل‪.‬‬
‫ِعن َد الـمسلـمني‪ ،‬الَّش ْر ُع ُه َو اَألْص ل والَعْق ُل الّس ِليُم شاِه ٌد َل ُه‪ ،‬والشرُع ال َي ْأيِت إال‬
‫ِز‬ ‫ِل‬ ‫يِت ِب ٍء‬ ‫ِت‬
‫ُمِبَج َّو زا الُعُق ول‪ ،‬ال َي ْأ ش ى ال َيْق َبُل ُه الَعْق ل الّس يم‪ .‬الـمعت َلة َجَعُل وا رْأَيُه م ُه َو‬
‫اَألْص ل‪ ،‬تَر ُك وا الّش ْر ع واَخَّتُذ وا رْأَيُه م ُه َو اَألْص ل‪َ ،‬فَض ُّلوا َو َه َلكوا َو َك َف ُر وا‪ِ ،‬م ثاُل ذِل ك‬
‫ِجَي‬ ‫ِهلل‬ ‫ِجَي‬
‫صاروا َيُقول ون‪ :‬اَألْص َلُح للَعْب د ب َعَلى اهلل َأْن َيْف َعَل ُه َل ُه‪َ ،‬أْو َجُب وا َعَلى ا م ا ال ُب‬
‫َعَلْي ِه س بحاَنُه وتع اىل وهذا كف ر‪ ،‬اُهلل تع اىل ال ِجَي ُب َعَلْي ِه ش ىء‪ .‬الـمعتِز َلة أيًض ا ق الوا‪:‬‬
‫ِخ‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬
‫كي ف يكوُن اُهلل خ ا َق الش ِّر َن العب د َّمُث ُيؤا ُذ ُه على هذا الفع ل؟ ق الوا‪ :‬اُهلل ال ْخَيُل ُق‬
‫ِت ٍل‬ ‫ِل‬ ‫ِع‬ ‫ِم ِع‬
‫الش ِّر ‪ ،‬وقالوا‪ :‬اُهلل لـم َيَش ْأ ُحُص وَل الش ِّر َن ال باد‪ُ ،‬ه م ال باد َفَعُل وا ذ َك باْس ْق ال َعْن‬
‫َم ِش يَئِة اهلل‪َ ،‬و هذا كف ر‪َ .‬م َّر ًة اْلَتَق ى واِح د ِم ْن هؤالِء الـمعتِز َلة ِبواِح د ِم َن الـمجوس‪،‬‬
‫الـمجوس ُكّف اٌر ُمْع ِلُن ون‪ ،‬الـمعتِز َلة َيْز ُعُم وَن َأَّنُه م ُمسلـمون َأّم ا الـمجوس ُكّف ار ُمْع ِلُن ون‪،‬‬

‫أي َّال َم ن َس لـم اَألمَر َّلُكُه ىَل ِهللا ِف َميا ال ُيمِكُنُه َد ْر ُكُه ِذ الَّتسِلُمي ِهَّلِل َتَع اىَل َأْن َيُر َّد ِعلـم َم ا َيشَتِبُه َعَلي ِه ىَل َعالـمِه َو ُه َو ُهللا ُس ْب َح اَنُه‬ ‫‪93‬‬

‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ىَل ِإ‬


‫َو َتَع ا ‪.‬‬
‫َيُقول ون للعالـم ُم َد ِّبران‪ُ ،‬م َد ِّبُر َخ ري َو ُم َد ِّبُر َّش ّر ‪َ ،‬يُقول ون‪ :‬الّن ار والُّن ور ُخَيلُق وَن اَخلري‬
‫ِز‬ ‫ِس‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِز يِف‬ ‫ُّظ‬
‫وال لـمُة ْخَتُل ُق الَّش ّر ‪ ،‬هذا الـمْع َت ّيِل الّس يَنة لـما اْج َتَم َع هذا الـمجو ّي ‪ ،‬الـمْع َت ّيِل‬
‫َيُظُّن ِبَنْف ِس ِه َأَّن ُه ُمْس لـم‪ ،‬قال للـمجوِس ‪ :‬لـماذا ال ُتْس لـم؟ َفقال الـمجوِس ‪ :‬اُهلل لـم َيَش ْأ‬
‫ّي‬ ‫ّي‬
‫ٍء‬
‫يِل ‪ُ ،‬ه َو َج واُبُه َص ِح يح‪َ ،‬لِكْن ليَس للكاِفر َأْن َيْع َت َر بالـمشيَئة‪ُ ،‬ك ُّل شى َمِبشيَئِة اهلل‪َ ،‬فقال‬
‫ِذ‬
‫ِف‬ ‫ِز‬ ‫ِس‬ ‫ِك ِإ ِل‬ ‫ِز‬
‫الـمْع َت ُّيِل الّض ال‪ :‬ال‪ ،‬اُهلل شاَء َل َك َل ْن ْب يس َم َنَع َك ‪َ ،‬فقال الـمجو ّي الـمْع َت ُّيِل الكا ُر‬
‫الـمْع ِلن‪ِ :‬إًذا َأنا َمَع الغاِلب‪َ ،‬فَس َك َت الـمْع َتِز ّيِل‪َ ،‬يْع ىِن الـمْع َتِز ّيِل َجَعَل اَهلل َم ْغُلوًبا‪.‬‬
‫شىٍء ِم اُأل وِر الـمتعلقِة‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬
‫َن ُم‬ ‫وقوله‪" :‬عالـم " الـمراُد بذلَك أَّن الذي اْش َتَبَه َعَلي َفْه ُم‬
‫ِباآلخرِة وغِري ها َيرِج ُع ب ِه إىل أْه ِل العلـم الراِس خَني ‪ُ 94‬ه الُعلـما الُك َّم الـمَت ِّك ُنوَن يِف‬
‫ُء ُل َم‬ ‫َو ُم‬
‫الِعلـم َك ابِن َعَّب اٍس َر ِض ٱْلَّل ُه َعنُه َم ا‪ ،‬فإَّم ا أْن يستفيَد منُه السائ التأوي التفصيلَّي أِو‬
‫َل‬ ‫ُل‬ ‫ُم‬ ‫َي‬
‫التأويَل اإلمجاَّيل وهَو أْن يعتقَد اإلْنساُن أَّن ما ُيضاُف إىل اِهلل مَن الِّص َف اِت هي ُمَنَّز هٌة عِن‬
‫اهليَئِة والَّشْك ِل وءاثاِر احلدوِث ‪.95‬‬
‫ِم الَّص حا ة‪ِ ،‬م‬ ‫يا‪،‬‬ ‫ْل‬ ‫ال‬ ‫ُد اهلل ب َّب اس ِم ال لـماِء ال اِس ِخ ني‪ِ ،‬م الَّط َق ِة‬
‫َب َن‬ ‫ُه‬
‫َو َو َن‬ ‫ُع‬ ‫َن َب‬ ‫ّر‬ ‫َن ُع‬ ‫ُن َع‬ ‫َعْب‬
‫ِه‬ ‫ِف ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬
‫الَّس َلف‪َ ،‬ن الذيَن كاُنوا يِف الَق ْر الذي كاَن ي الَّر سول َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َو َثَبَت‬
‫َعْن ُه الَّتْأِو ي ُل الَّتْف ِص يِلّي ‪ ،‬الَو ّه اِبّي ة َيُقول ون‪ :‬الَّس َلف لـم ُي َأِّو ُلوَن َت ْأِو ياًل َتْف ِص يِلًّيا‪َ ،‬ك َذ ُبوا‬
‫ِب ذِلك‪َ ،‬عْب ُد اهلل ْبُن َعَّب اس ق اَل يِف قوِلِه تع اىَل ‪َ﴿ :‬يْو َم ُيْك َش ُف َعْن َس اٍق (‪ ﴾)42‬س ورة‬
‫القلم‪ ،‬ق اَل ‪َ" :‬عْن ِش َّد ٍة َو َك ْر ٍب "‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َت ْأِو ياًل َتْف ِص يِلًّيا‪ .‬يِف ُلَغ ِة الَع َر ب ُيق اُل ‪:‬‬
‫َع ساِقها" ىِن اْش َتَّد ِت ا ب‪َ .‬ت َعِن ا ِن َعَّباس َأَّن قاَل يِف ِل‬ ‫ِت‬
‫َقْو‬ ‫ُه‬ ‫ْب‬ ‫َو َثَب‬ ‫َحلْر‬ ‫َيْع‬ ‫"َك َش َف اَحلْر ُب ْن‬
‫اِهلل َتع اىل‪َ﴿ :‬و َمْن لـم ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل اُهلل َفُأوَلِئ َك ُه ُم الَك اِفُر وَن (‪ ﴾)44‬س ورة الـمائدة‪،‬‬
‫ِص ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِإ ِه‬
‫ق ال‪َ :‬ليَس الُك ف َر الذي َت ْذ َه ُبوَن َلْي الـمْخ ِر َج َن الـمَّلة ٰه ذا َت ْأِو ياًل َتْف ي ًّيا‪ ،‬قاَل ُكْف ٌر‬
‫ُدوَن ُك ف ٍر ‪َ ،‬م ْع ناُه َم ْع ِص َية َك ب َرية‪ ،‬الَّش ْخ ص ِإذا ِمَس َع َك لـمة (ُك فر) عاَدًة َيْذ َه ب ِإىَل الُك ف ِر‬

‫َم عناُه الُع لـامُء الَّمُكُل الـمَتَم ِّكُنوَن يِف الِع لـم اَك بِن َعَّباٍس َر َيِض ُهللا َع ُهنَم ا َفَقَد َقاَل ‪َ" :‬أاَن ِم َن الَّر اِخِس َني يِف الِع لـم“‪.‬‬ ‫‪94‬‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ ‪َ :‬أَّو ُل َم َع ايِن الَبِرَش ُه َو اْلُح ُد وُث ‪.‬‬ ‫‪95‬‬


‫الـم وِد ال ذي ا رو ِم اِإل الم‪ ،‬هذا روا ْن احلاِكم يِف الـم د ك ِبِإ ناٍد‬
‫ْس َت َر ْس‬ ‫ُه َع ُه‬ ‫ُه َو ُخل ُج َن ْس‬ ‫ْع ُه‬
‫حيح َعِن َعْب ِد اهلل ْبِن َعَّب اٍس ِض ا َعْن ما‪ِّ .‬يد ُقُطب ال ذي ُه َز ِعي ِح ْز ِب‬
‫َو ُم‬ ‫َس‬ ‫َر َي ُهلل ُه‬ ‫َص‬
‫اِإل ْخ وان َلُه ُمَؤ َّلف َضْخ م ُيَس ِّم يِه يِف ِظ الِل الُق رءان‪ ،‬يِف هذا الِكتاِب ‪ ،‬يِف َتْف سِري هذه اآلَية‬
‫اليت ِه َي يِف سوَر ِة الـماِئَد ة َيُق ول‪" :‬اْر َت َّد ِت الَبَش ِر َّيُة ُجِبْم َلِتها"‪ ،‬معناُه ال ُيوَج د ُمْس ِلموَن ‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِتِه‬ ‫ِس‬
‫معناُه ُك ّل الناس ُكّف ار َو ى مَج اَع م‪ ،‬ألهنم َّمَسْو ا َأْنُفَس ُه م اَجلماَع َة اِإل ْس ال ّية‪ ،‬معناُه حنُن‬
‫ِس وانا لي وا لـمني‪ ،‬وقال‪" :‬الذي ُك ِبَغ ِري الّش رع َل و يِف ِئَّي ٍة‬
‫ُج ْز‬ ‫َو‬ ‫ْحَي ُم‬ ‫ُس ُمْس‬ ‫الـمْس لـمون َو َمْن‬
‫واِح َد ٍة َفُه َو ُمْع َتٍد َعَلى ُأُلوِه َّيِة اهلل َو ُمَّد ٍع اُألُلوِه ّيَة ِلَنْف ِس ِه"‪َ ،‬ك َّف َر ُك َّل الـمسلـمني‪ ،‬ليَس هذا‬
‫فقط‪َ ،‬بْل قال‪َ :‬ح ىّت هذا الذي ُيَؤ ِّذن كاِفر ألنه َيِعيُش ْحَتَت ِظ ِّل حاِكٍم ْحَيُك ُم بالقانون‪،‬‬
‫قاَل ‪" :‬اْر َتَّد ِت الَبَش ِر َّيُة ُجِبْم َلِتها َح ىّت ُأولِئَك الذيَن ُيَر ِّدُدوَن َعَلى الـمآِذ ن َك لـماِت ال ِإل َه ِإال‬
‫اهلل ِبال َم ْد لول َو ال واِق ع"‪َ ،‬و قال‪َ" :‬و هؤالِء َأَش ُّد ِإًمْثا"‪ .‬ولـم َيِق ف عن َد هذا احلِّد َبل قاَل‬
‫يف هذا الكتاِب ‪" :‬والتْأوي ُل والت ْأُّو ُل يف هذا احلكِم ُيَع ُّد حتريًف ا للَك لـم عْن مواِض ِعِه"‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫اب‬ ‫َّف‬ ‫َك‬ ‫ىِن‬ ‫رءان‪،‬‬ ‫ُق‬‫لل‬ ‫ف‬ ‫ِّر‬ ‫ر‪،‬‬‫ال ذي حُي اِو ل َأْن ُق ول ِخِب الِف هذه الـمقاَلة َفهذا كاِف‬
‫َر َن‬ ‫ْع‬
‫َي‬ ‫َحُم‬ ‫َي‬
‫ِح‬ ‫ِئ‬
‫َعّباس والّص حاَبة واَأل َّم َة الـمسلـمني‪َ ،‬ك َّف َر ُك َّل الـمْس لـمني‪َ .‬و يف َص يِح ُمْس لـم َأَّن الرَب اَء‬
‫بَن عاِز ٍب َص اِح َب الَّر سوِل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم قاَل يِف هذه اآلَية اليت ِفيها ﴿َو َمْن لـم‬
‫ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِئ‬
‫ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل اُهلل َفُأوَل َك ُه ُم الَك ا ُر وَن (‪ ﴾)44‬س ورة الـمائدة‪ ،‬واليِت يها ﴿َو ْلَيْح ُك ْم‬
‫َأْه ُل اِإل ِجْن ي ِل َمِبا َأْنَز َل اُهلل ِفي ِه َو َمْن لـم ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل اُهلل َفُأوَلِئ َك ُه ُم الَف اِس ُقوَن (‪﴾)47‬‬
‫س ورة الـمائدة‪ ،‬والىِت ِفيها ﴿َو َمْن لـم ْحَيُك ْم َمِبا َأْنَز َل اُهلل َفُأوَلِئ َك ُه ُم الَّظالـموَن (‪﴾)45‬‬
‫سورة الـمائدة‪ ،‬قاَل ‪َ :‬نَز َلت يِف الُك ّف اِر ُك ُّلها‪ ،‬يعىِن سيد ُقُطب َك َّف َر الرَب اَء بَن عاِز ب ألنه‬
‫َتَأَّو هَل ا ِبَغِري َتَأِو يِلِه‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِم‬
‫واحد ْن ُز عماء حزب اِإل خوان‪ ،‬دكت ور يِف يزي اء‪ ،‬ماَت يِف لبن ان‪ُ ،‬ه َو ق اَل َعْن‬
‫َنْف ِس ِه‪ :‬جاَءْتيِن ام رأة َغ ري ُمْس لـمة فق اَلت يِل ‪ :‬ي ا دكت ور‪َ ،‬أن ا ُأِر ي ُد ال ُّدخوَل يِف اِإل ْس الم‪،‬‬
‫فقاَل هَل ا‪ :‬روِح ي َفِّك ِر ي‪ ،‬اِإل ْس الم ليَس ش ْيًئا َس ْه اًل ‪ِ ،‬في ِه ِح جاب‪ِ ،‬في ِه َتْغِط َي ة‪ِ ،‬في ِه َص الة‪،‬‬
‫روِح ي َفِّكِر ي َّمُث ُعوِدي‪ ،‬هذا ُك ُف ر ألنه َأشاَر هَل ا الَبقاء َعلى الكفر ُطوَل هذه الـمَّدة‪.‬‬
‫سيد ُقُطب يِف ُك ُتِبِه َيُقول‪ :‬االْش ِتغاُل بالِف قه اآلن َم ْض َيَعٌة للُعْم ِر وال َو ْقت‪ ،‬هذا ُك ُف ر‪،‬‬
‫َيْد ُعو مَج اَعَتُه ِإىَل شىء ُي ُّم وَنُه الِف ْك ر‪ ،‬الرسول َيُق ول‪َ(( :‬مْن ُيِر ِد اُهلل ِبِه َخ ا ُيَف ِّق ْه ُه يِف‬
‫ًري‬ ‫َو‬ ‫َس‬
‫ال ّد ين)) ِل ذِلَك َيَتَك َّلموَن ب آراِئِه م‪ .‬س يد ُقُطب َص حاّيِف ليَس عالـما‪ ،‬كاَن َيْش َتِغل‬
‫ِك‬ ‫ِف‬
‫بالّص حاَفة َو َيْك ُتب َم قاالت‪َ ،‬ح ىّت َم قاالت يها َر ذاالت‪َ ،‬و َأَّل َف تاًبا َقْب َل َأْن ُيْق َت ل اُمْسُه‬
‫(لـماذا َأْعَد مويِن ) قاَل ِفيِه‪ُ :‬ك ْنُت َعَلى الـماِر ْك ِس ّية َأَح َد َعَش َر عاًم ا‪َ ،‬بْع َد الـماِر ْك ِس ّية‪َ ،‬بْع َد‬
‫اِإل حْل اِد ‪َ ،‬دَخ َل يِف هذا اِحلْز ب َو صاَر َز ِعيًم ا ِفي ِه َو ُه َو ليَس عالـما‪ ،‬ال بالِف قه وال باللَغ ة َو ال‬
‫باَحلِد يث‪ ،‬ليَس عالـما ِإَّنـما َص حاّيِف‪ ،‬كاَن يْش َتِغل بالـمقاالت‪َ ،‬ل ُه َقَلم َس ّيال‪َ ،‬ج َّر هِب ذا‬
‫الَق لـم الَّس ّيال الَف ساَد الَك بري ِلَنْف ِس ِه َو ِلَغِري ِه‪.‬‬
‫الُعلماء َيُقولون‪ِ :‬إذا َفَس َد اَألْص ُل َفَس َد الَف ْر ُع‪َ ،‬أْص ُلُه م فاِس د َو ِفرُعُه م فاِس د‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َتثُبُت َق َد ٌم في اِإل ْس الِم إال على َظْه ِر الَّتْس ليِم‬
‫واالسِتْس الِم ‪.‬‬
‫ِق‬ ‫ِت‬ ‫ِهلل‬ ‫ِل‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الَّتْس يُم هو الِّر ضى مبا جاَء َعِن ا َتعاىل‪ ،‬وَأَّم ا االْس ْس الُم فهو االْن ياُد‬
‫للشرِع أْي َقبوُل م ا جاَء في ِه ِم َن الَعقائِد واألحكاِم ‪ ،‬فال َيِّص ُّح الثباُت على اإلس الِم إال‬
‫لـمْن سلـم ِهلل تعاىل ولـم يعِرت ْض عليِه‪ ،‬ولـم َيِص ْف ُه مبا ال َيليُق بِه‪.‬‬
‫اُهلل تعاىل َأْع لـم َمِبصاِلِح الِعباد ِم ْن َأْنُفِس ِه م‪ِ ،‬إذا َفَر َض َعَلْيِه م شيًئا َعَلْيِه م َأْن ُيَس لـموا‬
‫َلُه‪َ ،‬و ِإذا َح َّر َم َعَلْيِه م شيًئا َعَلْيِه م َأْن ُيَس لـموا َلُه‪َ ،‬م ِن اْع َتَر َض َعَلى اهلل َك َف ر‪ ،‬اآلن اْنُظُر وا‪،‬‬
‫حنُن الَبَش ر َنْس َتِط يُع َأْن نعيش ِم ْن ُدون َض رر يِف الِّص ّح ة ِم ْن َغ ري َأْن َنْأُك َل ْحَلَم اَخلروف‬
‫وال َق ر والَّدجاج‪ ،‬ا َأ َّل َلنا أْن َنْذ ا روف وال َق ر والَّدجاج َأْن ُنؤلـم ا ِب ذِلك‪ِ ،‬ه‬
‫َي‬ ‫َه‬ ‫َو‬ ‫َب‬ ‫َبَح َخل‬ ‫ُهلل َح‬ ‫َب‬
‫َتَتَألـم‪ِ ،‬فيها روح‪َ ،‬أَليَس الرس ول ق ال‪َ(( :‬و ْلُيِح َّد َأَح ُد ُك م َش ْف َر َته وْلِرُي ح َذِبيَح َت ه)) ِفيها‬
‫روح‪َ ،‬تَتَألـم‪ ،‬اُهلل َأَح َّل َلن ا أْن َن ْذ َحَبها َو ُنْؤ لـمها ِب ذِلك ِلَنْس َتْم ِتَع ِبَأْك ِلها‪ ،‬ال ُيْع َتَر ُض َعَلى‬
‫اِهلل‪ ،‬ال ُيقال‪ :‬يا رّب ‪ ،‬كيَف ِحُت ُّل َلنا َأْن ُنْؤ لـم الَبِه يَم َة بالَّذ بح ِلَنْس َتْم ِتَع ِبَأْك ِلها وال َض روَر َة‬
‫َلنا ِإىَل ذِلك‪َ ،‬م ِن اْع َتَر َض َعَلى اهلل َك َف ر‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬فَم ْن َر اَم ِع لـم َم ا ُح ِظ َر َعْن ُه ِع لـمُه َو لـم َيقَن ْع ِبالَّتْس ِليِم‬
‫ِح ِد ‪96‬‬
‫ِح يِح اِإل يماِن‬ ‫ِة‬ ‫ِف‬
‫َو َص ا ي الـمْع ِر َف َو َص‬ ‫َفْه ُم ُه َحَجَب ُه َمَر اُم ُه َعْن َخ اِلِص الَّتْو ي‬
‫‪98‬‬
‫َفَيَتَذ ْبَذ ُب َبْيَن الُكْف ِر َو اِإل يَم اِن َو الَّتْص ِد يِق َو الَّتْك ِذ يِب َو اِإل ْقراِر‪َ 97‬و اِإل ْنكاِر ُمَو ْس ِو ًس ا‬
‫تائًه ا شاًّك ا‪ ،‬ال مْؤ مًنا ُمصِّد ًقا‪ 99‬وال جاِح ًد ا مكِّذ ًبا‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن مْن طلَب أْن َيعلـم م ا ُمن َع عن ُه علـمُه ولـم يقن ْع بتسليِم ه إىل عالـمه‬
‫َحَجَب ُه مطلوُب ُه عْن خ الِص التوحي ِد ‪ ،‬فيكوُن مضطرًبا مؤمًن ا ببعٍض َأْي ُمَص ّد ًقا ببعٍض ‪،‬‬
‫(ُمْؤ ِم ًنا هنا ِم ْن َح يُث الـمْع ىَن الُّلَغِو ُّي لَّلْف ظ) وكافًر ا ببعٍض ‪ ،‬ال كالكافِر الـمعِلِن ُكْف َر ُه وال‬
‫كالـمؤِم ِن ال ذي َص َد َق يف اإلمياِن وءامَن عْن َح قيق ٍة َأْي َفَيَتَذ ْب َذ ُب َبَنْي اِإل ْق راِر (الّظ اِه ِر )‬
‫ِباِإل مياِن َو َبَنْي ِإْنكاِرِه‪َ ،‬و هذا َبياُن َك ْو ِنِه ُمَذ ْبَذ ًبا‪.‬‬
‫الَغْيُب ُك ُّل ُه ال َيْع لمُه ِإال اُهلل‪َ ،‬م ِن اَّدعا ِعلـم الَغْيِب هذا كاِفر‪ ،‬ال الـمالِئَك ة َيْع لـموَن‬
‫الَغْيَب ُك َّلُه َو ال الَّنِبُّيون‪ ،‬ال َأَح َد ِم َن اَخلْلق َيْع لـم الَغيَب ُك َّلُه‪ُ ،‬يوَج د ِم َن الِف ئاِت اليت َتَّد ِعي‬
‫الَّتَص ُّو ف َيُقولون‪ :‬حممد َيْع لـم ُك َّل ما َيْع لـمُه اهلل‪َ ،‬يْع ىِن َجَعُلوا حمَّم ًد ا َش ِر يًك ا ِهلل يِف الِعلـم‬
‫ِبُك ِّل شىء‪ ،‬اُهلل تعاىل ال ُيشاِر ُك ُه َأَح ٌد يِف شىٍء ِم ْن ِص فاِتِه‪َ﴿ ،‬و ُه َو ِبُك ِّل َش ْى ٍء َعِليٌم (‪﴾)3‬‬
‫سورة احلديد‪ ،‬اُهلل َو ْح َد ُه عالـم ِبُك ِّل َش ىٍء ‪َ ،‬بْعُض َجَه َل ِة الـمَتَص ِّوَفة َيُظُّنون َأَّن هذا َم ْد ح‬
‫للَّن ‪ ،‬هذا ِم الُغُل الـم ِلِك ال ذي وِص صاِح ِإىَل الُك ُف ر‪ ،‬الَّر وُل لى ا َلي ِه‬
‫ُس َص ُهلل َع‬ ‫ُبُه‬ ‫ُي ُل‬ ‫َن ّو ْه‬ ‫ّيِب‬
‫َو َس َّلَم قال‪َ(( :‬و ِإّياُك م والُغُلَّو َفِإَّن الُغُلَّو َأْه َل َك َمْن كاَن َقْبَلُك م)) حَن ُن مْنِه ُّي وَن َعِن الُغُلِّو ‪،‬‬
‫َعْن جُم اَو َز ِة اَحلِّد الـمسُم وِح ِبِه َش ْر ًعا‪ ،‬الذي َيُق وُل ‪ :‬الَّر ُس وُل َيْع لـم ُك َّل ما َيْع لـمُه اُهلل هذا‬

‫أْي َحَج َبُه مطلوُبُه عن خالِص التوحيِد إ ْذ خلوُص ه مرشوٌط بتسلِمي ذَكل إىل ِهللا عَّز وجَّل ‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫أْي ويتذبذُب أيًض ا بَني اإلقراِر ابإلمياِن وبَني إناكِر ه وهذا بياُن كوِنه ُم َذ ْبَذ اًب ‪.‬‬ ‫‪97‬‬

‫هذا تأكيٌد لـام قبُل أْي ويكوُن موسِو ًس ا اتًهئا عْن طريِق احلِّق شااًّك زائًغا مائًال عِن احلِّق إىل الباطِل ‪.‬‬ ‫‪98‬‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪ :‬ألَّن اإلمياَن ال يكوُن مقبوال إال ابإلمياِن التاِّم اذلي ليَس في ه جتِز ئ ٌة مْن حيُث التصديُق ‪ ،‬أَّم ا أْن ُيصِّد َق‬ ‫‪99‬‬

‫ببعِض ما جاَء بِه الرسوُل وُيكِّذ َب ببعٍض فال يكوُن إميااًن مقبوال َّنـام ذكل إمياٌن جزٌّيئ من حيُث اللغُة ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫ُك ُف ر‪.‬‬
‫َو ِم َن الُغُل ّو َقْو ِل َبعِض ِه م َعِن الَّر ُس ول َعِق َب اَألذان‪ :‬الَّص الُة والَّس الُم َعَلْي َك ي ا َرُس وَل‬
‫ٍء‬ ‫ِهلل‬ ‫ِهلل‬
‫ا يا َأَّو َل َخ ْل ِق ا ‪ ،‬هذا ُغُل ّو َم ْنِه ٌّي َعْن ُه يِف َش ْر ِع ‪َ ،‬أَّو ُل شى َخ َلَق ُه اُهلل الـماء‪ ،‬ما َخ َل َق‬
‫ِه‬
‫اُهلل شيًئا َقْبَل الـماء‪ ،‬عْن َأيِب ُه َر ْيَر َة ‪َ ،‬قاَل ‪ُ :‬قْلُت ‪َ :‬يا َرُس وَل الَّل ‪ِ ،‬إيِّن ِإَذا َر َأْيُتَك َطاَبْت‬
‫ٍء ِل ِم ٍء‬ ‫ٍء‬ ‫ِس‬
‫َنْف ي َو َقَّر ْت َعْييِن َف َأْنِبْئيِن َعْن ُك ِّل َش ْي ‪َ ،‬فَق اَل ‪ُ(( :‬ك ُّل َش ْي ُخ َق ْن َم ا (( رواُه‬
‫البخ اري‪ ،‬معن اُه الـماء ُه َو َأَّو ُل ش ىٍء َخ َلَق ُه اهلل َو ُه َو َأْص ٌل هِل ذه الـمْخ ُلوقات‪ِ ،‬م ْن هذا‬
‫الـماء‪ ،‬اُهلل تعاىل َخ َلَق هذا اَخلْلق‪ُ ،‬ه ْم ُيعاِر ُضوَن هذا ِبَك الِم ِه م ِح َني َيُقولوَن "يا َأَّو َل َخ ْل ِق‬
‫اِهلل" َو َيَتناَقُضون َبعُضُه م َيُق ول‪" :‬يا َأَّو َل َخ ْل ِق اِهلل" و"يا خاَمَت ُرُس ِل اهلل" ُه َو خاَمَت الُّر ُس ل‬
‫َك ْيَف َيكوُن َأَّو َل اَخلْلق؟‪َ ،‬و ِم ْن َح يُث الَبَش ُر ‪ ،‬اآلَدِم ِّيون‪ ،‬ءاَدُم ُه َو َأَّو ُل الَبَش ر َعَلْيِه السالم‪.‬‬
‫وقوله‪ُ" :‬مَو ْس ِو ًس ا" َتْأِكيٌد لـما َقْبُل َأْي َو َيكوُن ُمَو ْس ِو ًس ا تاِئًه ا َعْن َطري ِق اَحلِّق شاًّك ا‬
‫زاِئًغا ماِئاًل َعِن اَحلِّق ِإىَل الباِط ل‪.‬‬
‫وقوله‪ُ" ::‬مَص ِّد ًقا" َألَّن اِإل مياَن ال َيكوُن َم ْق ُبواًل ِإاّل ِباِإل مياِن الّتاِّم الذي َليَس فيِه ْجتِز َئٌة‬
‫ِم ْن حيُث الَّتصديُق ‪ ،‬أَّم ا أْن ُيصِّد َق ِبَبْع ِض ما جاَء ب ِه الرسوُل وُيكِّذ َب ببعٍض فال يكوُن‬
‫إمياًنا مقبواًل ِإَّنـما ذلك إمياٌن ُج زئٌّي من حيُث الُّلغُة‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َيِص ُّح اِإل يماُن ِبالُّر ؤيِة َأله ِل داِر الَّس الِم ‪ 100‬لـمِن‬
‫اْع َتَبَر ها مْنُه م ِبَو ْه ٍم أْو َتَأَّو لَه ا ِبَف ْه ٍم ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ُه َم ِن اْعَتَبَر الُّر ؤي َة على َغ ِري الَو ْج ِه الـمْش ُر وِح الـمتقِّد ِم ِذكُر ُه الذي هو‬
‫ُمعَتَقُد َأهِل السنِة واجلماعِة فهو غُري ُمَص ِّد ٍق ِبِه كَم ا ُأِم َر ‪.‬‬
‫وقوُل ‪" :‬لـمِن اْع َت ها م م ِب ْه ٍم " الـمرا ِبِه الـمشب ُة ظاه ا قولوَن ‪ :‬ءامَّنا بالرؤي ِة‬
‫ًر َي‬ ‫َه‬ ‫ُد‬ ‫َبَر ْنُه َو‬ ‫ُه‬
‫أَّم ا يف احلقيقِة فلـم يؤِم نوا‪.‬‬

‫ألَّن فهيا السالمُة مْن ِّلك ءافٍة مْن ِّلك نَكٍد مْن ِّلك ما ُيزُجع ‪.‬‬ ‫‪100‬‬
‫‪101‬‬
‫وقول ه‪" :‬أْو َتَأَّو لَه ا ِبَف ْه ٍم " الـمراُد ِب ِه َمْن كاَن كالـمعتزلِة فق د َنَف ْو ا َنْف ًي ا صرًحيا‬
‫َح يُث إُهنم ق اُلوا ال ُي رى‪ ،‬وُه م ُيفِّس روَن قوَل ُه تع اىل ﴿ِإىَل َر ِّبَه ا َن اِظ َر ٌة (‪ ﴾)23‬س ورة‬
‫القيام ة‪ِ ،‬بَق ْو ِهِلم ِنعَم ُة رهِّب ا ن اِظ رٌة أْي ُمنتظ رٌة‪ ،‬وأم ا احلديُث فيْز ُعُم وَن أن ُه غ ُري ث اِبٍت ‪،‬‬
‫فالـمعتزلُة والـمشِّبَه ُة على َطَر ْيَف َنِق يٍض ‪.‬‬
‫وقول ه‪" :‬داِر السالِم " اس لل َّن ِة‪َّ ،‬مُس ت ِب َذ ِلَك ألَّن فيها السال َة ِم ُك ِّل ءافٍة‬
‫َم ْن‬ ‫َي‬ ‫ٌم َج‬
‫َو نَك ٍد َو ِم ْن كِّل ما ُيزعُج ‪ ،‬ومجيُع طبقاهِت ا َيشَم ُلُه هذا االسُم‪.‬‬
‫َأْه ُل اَجلَّن ِة ال َيْتَعُب وَن ِم ْن َح يُث اَجلَس ُد والِف ْك ُر ‪ ،‬اُهلل َتع اىَل َر َف َع الَّتَعَب الِف ْك ِر َّي‬
‫ِف‬ ‫ِة ِل ِل‬ ‫ِد‬
‫َو الَّتَعَب اَجلَس َّي َعْن َأْه ِل اَجلَّن ذ َك ال َيناُمون‪ ،‬اإلنساُن يِف هذه ال ُد نيا ْك ُر ُه َو َج َس ُد ُه‬
‫َيْتَعب َفَين ام ِلَيْر تاح‪ ،‬يِف اَجلَّن ة ال ْحَيت اُج وَن ِإىَل الن ْو م َألَّن َأْفكاَر ُه م ُمرتاَح ة َو َأْج َس اَدُه م‬
‫رتا ة َفال نا ون‪ ،‬و ناَك ال و د مَش س وَق ر‪ ،‬ا َّن ُة َّو ة ِم وِن الَّش ِس وِبُد وِن‬
‫ْم‬ ‫َم َجل ُمَن َر ْن ُد‬ ‫ُي َج‬ ‫ُه‬ ‫َي ُم‬ ‫ُم َح‬
‫الَق َم ر َو ال ُيوَج د ُظلـمة ِإَّنـما َجَع َل اُهلل تع اىل َألْه ِل اَجلَّن ِة َعالَم ًة َيْع ِر ُف وَن هِب ا َو ْقَت اللي ل‬
‫َو َو ْقَت الّنهار‪ ،‬اَجلَّن ُة َأْن وار ُمَتالِط َم ة‪ .‬الَّش ْم ُس والَق َم ر ُيْطَف ُأ ُنوُر مُه ا َو ُيْلَق ياِن يِف َجَه َّنم َح ىَّت‬
‫َيْز داَد َعَب َد ُتُه ما َنَك ًد ا َو َح ْس َر ًة‪َ ،‬أْه ُل اَجلَّن ِة ُك ُّلُه م َيَتَك لـموَن الَعَر ِبَّي َة‪َ ،‬ح ىّت ال ذيَن كاُنوا ال‬
‫َيْع ِر ُف وَن الَعَر ِبَّي َة‪َ ،‬و ُك ُّل َأْه ِل اَجلَّن ِة جِب ماِل ُيوُس َف َعَلْي ِه السالم‪َ ،‬و يِف ال ّد نيا‪ ،‬كاَن س ِّيُد نا‬
‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬
‫حممد َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪َ ،‬أَمْجَل ْن ُيوُس ف َعَلْي الّس الم َو يِف اَجلَّن َيكون َأَمْجَل ْن‬
‫و ف َل ِه السالم‪َ ،‬لِكن الَف ُق ب مَج اِل و ف ب مَج اِل حم د لى ا َلي ِه‬
‫ّم َص ُهلل َع‬ ‫ُي ُس َو َنْي‬ ‫ْر َنْي‬ ‫ُي ُس َع ْي‬
‫َو َس َّلَم ‪َ ،‬أَّن مَج اَل ُيوُس ف كاَن َم ْك ُش وًفا َو مَج اَل َس ِّيِد نا حممد َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم كاَن‬
‫َغًّطى ِبا ِة ال ق ار‪ .‬ع الص حا ِة ق ال‪ :‬م ا ُك ْن َأ ِط ي َأْن ُأ ِّد َق ِفي ِه ِم ِش َّد ِة‬
‫ْن‬ ‫ُت ْس َت ُع َح‬ ‫َب‬ ‫َب ُض‬ ‫َهلْيَب َو َو‬ ‫ُم‬
‫َهْيَبِتِه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪َ .‬و َبْع َد ُدُخ وِلِه اَجلَّنة َيُك وُن َأَمْجَل ِم َن اُحلوِر الِعني َعَلْي ِه الّس الم‪،‬‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا عنُه‪ :‬بدعهُت م هذِه ال تكِّفُر مه‪ ،‬أَّم ا الـمعزتُةل اذليَن زاُدوا عىل ه ذا أشياَء بعي دًة يف الضالِل فأولئَك حُي ُمك علهيم‬ ‫‪101‬‬

‫عىل حَس ِب ما أحدثوُه مَن الضالالِت كقوِل بعِض ِهم‪" :‬بأَّن العبَد خيلُق فعهَل " فإ َّن هذا كفٌر والعياُذ ابِهلل ‪ ،‬الـمعزتُةل يقولوَن ‪" :‬إ ْن ُقلنا نراُه‬
‫جعلنا هل ماكاًن جعلنا هل هجًة فال جيوُز أن ُيَر ى“ حنُن نقوُل (أِي الشيُخ )‪ :‬نراُه بال كيف وال ماكن وال هجة‪ُ﴿ ،‬و ُج وٌه َيْو َم ِئ ٍذ اَن َرِض ٌة* ىَل‬
‫َر َهِّبا اَن ِظ َر ٌة﴾ [س ورة القيام ة‪ ]23 -22 :‬ال يِص ُّح تفسُري ها بأهنم ينتظروَن نعمَة رهِّب م ألهنم حُّل وا بنعمِة ِهللا تعاىل فكي َف يقول وَن ينتظ روَن نع ِإمَة‬
‫ِهللا ؟! لـام دخلوا اجلنَة أليَس انلوا نعمًة عظميًة ؟! كيَف ُيقاُل ‪ :‬ينتظروَن نعمَة رهِّب م ومه قد َح ُّلوا هبا؟!‬
‫َفَيُج وُز َأْن ُيقال اآلن‪َ ،‬أي قب َل ُدُخ وِلِه اَجلّن ة‪ :‬حممد َأَمْجُل َخ ْل ِق اِهلل‪ ،‬هذا كالٌم َص ِح يح ال‬
‫َض َر َر ِفيِه‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ِ :‬إْذ كاَن تْأويُل الُّر ؤيِة وتأويُل ُك ِّل َم عًنى ُيضاُف ِإلى‬
‫الُّر ُبوبَّيِة ِبَتْر ِك الَّتأويِل َو ُلُز وِم الَّتْس ليِم وعليِه ِد يُن الـمسلـميَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬يري ُد الَّطحاوُّي برتِك التأوي ِل التأوي َل الذي هو بعي ٌد عِن احلِّق واإلصابِة‪،‬‬
‫وال َيْع ين التأوي َل ال ذي يفعُل ُه أهُل الُّس نِة إْن كاَن إمْج الًّي ا أو كان تْف ِص يِلًّيا‪ ،‬وهذا ال ذي‬
‫َيْنَبِغي ْمَحُل َك الِم الـمؤِّلِف علي ِه‪ ،‬أما ظاهُر ُه فَم ْن ُع ال َّذ هاِب إىل الَّتْأِو ي ِل أِي الَّتْف ِص يلِّي ‪ ،‬أما‬
‫التأويُل اإلمجاُّيل َفال َينفيِه ألَّن َمْن نَف ى التأويَل اإلمجاَّيل وقَع يف التشبيِه ال حمالَة‪.‬‬
‫هذا الكالُم َألَّن اآليات واَألحاِديث الـمتشاَهِبة َظواِه ُر ها ال َيَّتِف ق‪َ ،‬ف ِإذا واِح د قال‪:‬‬
‫ال ُيوَج د َتْأِو يل بالـمَّر ة‪َ ،‬يَق ع يِف الُك ُف ر‪َ ،‬بْعُض َظواِه ِر اآلياِت ُيوِه م َأَّن اَهلل يِف ِج َه ِة َفْو ق‪،‬‬
‫َو َبْعُض َظ واِه ِر اآليات ُيوِه م َأَّن اَهلل يِف ِج َه ِة اَألْر ض‪َ ،‬ف ِإذا واِح د قال‪ :‬ال َتْأِو يل بالـمَّر ة‪،‬‬
‫َم ْع ىَن كالِمِه َأَّن الُقرءان ُمَتناِقض َو َمْن قاَل ‪ :‬الُقرءاُن َم َتناِقض كاِفر‪.‬‬
‫و ق ِّو ي َك َن راِد الَّطح اوِّي ِبَنفِي الَّتْأِو ي ِل لي ْطل الَّتْأوي ِل ُل ه يف َأَلِة‬
‫َم ْس‬ ‫َقْو‬ ‫َس ُم َق‬ ‫ْو ُم‬ ‫ُي‬
‫الَك الِم ‪" :‬منُه َبَد ا ِبال كيفَّيٍة َقْو اًل " ألَّن هذا تأويٌل‪ِ ،‬ح َني قاَل "ِبال َك ْيِف َّيٍة " هذا تأويٌل‪.‬‬

‫الدرس العاشر‬
‫ق ال الش يُخ رمحُه اهلل‪ :‬ق ال عمر رضي اهلل عن ه‪" :‬قي دوا الِعْلَم بالِكت اِب " هذا َألَّن‬
‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫أكثَر الناِس إذا ِمَس عوا الِعلَم َو لـم ُيَق ِّي دوُه َينَس ْو َن لذ َك ينَبِغي لطا ِب الِعلِم َأْن ُيَق ِّي َد ذ َك‬
‫َح ىت ال ينسى‪ ،‬مث بعَد ذِلَك ِإن َنِس َي َيرِج ع إىل ما كَتَبُه فَيَتذكر‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َمْن لـم َيَتَو َّق الَّنْف َي َو الَّتشِبيَه َز َّل َو لـم ُيِص ِب الَّتْنِز يَه‪.‬‬
‫م‬ ‫الشر ‪َ :‬أَّن ري بالنفِي التعطي ‪ ،‬و ري بالتشبيِه إثبا اجلهِة ِهلل تعاىل أو شىٍء‬
‫ْن‬ ‫َت‬ ‫َل ُي ُد‬ ‫ُح ُه ُي ُد‬
‫َأماراِت احلدوِث كاحلَر َك ِة والسُك وِن وكاالنتقاِل مْن عْلٍو إىل ُس فٍل أْو مْن ُس فٍل إىل ُعْل ٍو ‪،‬‬
‫ِص‬ ‫َّل‬ ‫ِم‬
‫َو ُك ٌّل ْن هَذ ْيِن الفريقِني "َز " أْي َض َّل عِن الطريِق "ولـم ُي ِب الَّتْنِز يَه" َأي َفَق َد وُح ِر َم‬
‫التْنِز يَه أي تْنِز يَه اِهلل َعِن ُمشاهبِة َخ ْلِقِه‪ .‬وَيِص ُّح أْن ُيفَّس َر قوله‪َ" :‬ز َّل ولـم ُيِص ِب الَّتْنزيَه"‬
‫ِج‬
‫بأْن ُيقاَل ‪ :‬زَّل را ٌع إىل الّن ايف أِي الـمعِّطِل ‪ ،‬وقوله‪" :‬ولـم ُيصِب التْنزيَه" راج ٌع إىل َمْن‬
‫ش َّبَه‪ ،‬فيكوُن الـمعىن أَّن الـمعِّطَل ال ذي َنَف ى م ا أثبَت ُه اُهلل تع اىل َز َّل أْي َح اَد عِن اَحلِّق‬
‫ِص‬
‫َو َض َّل‪ ،‬وأَّن ال ذي َأْثبَت َلْف ًظ ا َو لـم ُيَنِّز ْه معىًن ب ْل َش َّبَه لـم ُي ِب التْنزي َه أي لـم ُيَنِّز ِه اَهلل‬
‫ِن‬ ‫ِه‬
‫َعَّم ا ِجي ُب َتْنزيُهُه عنُه فَيكوُن هذا الَّتْف سُري مطابًق ا لـما َعلي الَف ِر يقا َفري ُق التعطي ِل َو َفري ُق‬
‫الَّتشبيِه َك الَو َّه ابيِة فإَّن إْثباَت َأْص ِل اجللوِس ِعن َد ُه م ليَس َتش ِبيًه ا‪ ،‬وُيراُد بالـمعِّطلِة الـمعتزلُة‬
‫والفالِس َفُة‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬فإّن َر َّبنا َج َّل َو َعلا َموُصوٌف ِبِص فاِت الَو ْح َد اِنَّية‪.‬‬
‫الشرح‪ :‬أَّنُه ُس ْبحاَنُه َمْو ُصوٌف بالِّص فاِت اليت َتْنِف ي عِن اِهلل َتعاىل الـمشاهَب َة لغِري ه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َأري ُد َأْن ُأْم ِلَي َعَلْيُك م نًّص ا كاَن الش يخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اُهلل ِحُي ُّب َأْن ُيْتَلى َو َأْن حُي َف َظ‬
‫ِب‬ ‫ِه يِف ِإ ِت‬ ‫ِد ِل ِض‬
‫َعْن َس ِّي نا َع ّي َر َي اُهلل َعْنُه‪ُ ،‬م ّم ْثبا ُكْف ِر الَو ّه ا ّي ة الـمَج ِّس َم ة الـمَش ِّبَه ة‪ ،‬قاَل بُن‬
‫ِل ِض‬ ‫ِح‬ ‫ِد‬ ‫ِد‬ ‫ِش‬
‫الـمَعِّلم الُقَر ُّي يِف ْجَنِم الـمهَت ي َو َر ْج ِم الـمْع َت ي يِف َص يَف ة ‪َ" :588‬و َعْن َع ٍّي َر َي اُهلل‬
‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِم ِذِه ِة ِع رِت ِب‬ ‫ِج‬
‫َعْن ُه قال‪َ" :‬س َيْر ُع ق ْو ٌم ْن ه اُألَّم ْنَد اْق ا الّس اَع ُكّف اًر ا" َفقاَل َر ُج ٌل‪ :‬يا َأ َري‬
‫الـمؤِمِنني‪ُ ،‬كْف ُر ُه م بِـماذا َأِباِإل ْح داِث َأْم باِإل ْنكاِر ؟ (َيعيِن َه ْل ِبَأَّنُه م ُيِز ي ُد وَن شيًئا يِف الدين‬
‫ِم ـّم ا ليَس ِم ْن ُه َح ْيُث ْخُيِر ُجُه م َعِن اِإل ْس الِم َأْم ِبِإْنكاِر ِه م ِلَش ىٍء ثاِبٍث يِف الدين‪ُ ،‬يْنِكروَنُه‪،‬‬
‫َك شىٍء يِف القرءان َأْو شىٍء َثَبَت َعِن الرسوِل َو صاَر َم ْع روًفا بَني الـمْس لـمني‪ ،‬هِب ذا َأْم هِب ذا)‬
‫ِء‬ ‫ِب ِجل ِم‬ ‫ِص‬ ‫ِل‬ ‫ِر ِك‬
‫َفق اَل ‪ :‬باِإل ْنكا ‪ُ ،‬يْن ُر وَن خ ا َق ُه م َفَي ُف وَنُه ا ْس َو اَألْع ضا "‪ .‬اهـ‪ٰ .‬ه ذا الَق ْو ل ُمهّم‬
‫ِج ًّدا‪ٰ ،‬ه ذا ِفيِه َأَّن ُأنا ا ْك ُف وَن ِم هذه اُألَّم ِة يِن ِم الذي َلَغ الَّد ْع ة هذا ِفي ِه‬
‫َيْع َن َن َب ْتُه ُم َو َو‬ ‫ًس َسَي ُر ْن‬
‫َر ٌّد َعَلى ال ذيَن َيُقول وَن ‪ْ :‬حَنُن ال ُنَك ِّف ُر َأَح ًد ا‪َ ،‬أَليَس َيْش َه ُد َأْن ال ِإَل ه ِإال اهلل َو َأَّن حممًد ا‬
‫َّر‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َّن‬‫وَد ة اآلن‪ٰ ،‬ه ذا ْحَتِر ي ٌف لل ِّدين‪ ،‬الرس وُل ق اَل ‪ِ(( :‬إ‬ ‫ة‬ ‫وَل اهلل‪ ،‬هذه الِف‬
‫ُج َل‬ ‫َمْو ُج‬ ‫َئ‬ ‫َرُس‬
‫ِع‬ ‫هِب‬ ‫هِب‬ ‫ِل ِة‬
‫َلَيَتَك َّلُم بالَك َم ال َيَر ى ا َبْأًس ا‪َ ،‬يْه ِو ي ا يِف الّناِر َس ْب َني َخ ريًف ا)) رواُه الرتمذي‪َ ،‬م عناُه‬
‫إنساٌن َيْنِط ُق ِبَك ل ٍة َه ال َيراها ضاَّرًة َلُه ال َي ى َأهَّن ا ُتَؤ ِّدي ِإىَل ما ُتَؤ ِّدي ِإَلْي ِه ِه ي يِف‬
‫َو‬ ‫َو َر‬ ‫َم ُو‬
‫اَحلِق يَق ة َأْو َص َلْتُه ِإىَل اسِتحقاِق الُّنُز وِل ِإىَل َقْع ِر َجَه َّنم‪َ ،‬م عناُه َأْو َقَعْتُه يِف الُك ْف ِر ‪ .‬وهو مكاٌن‬
‫ال يصلُه إال الكفار‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ِ﴿ :‬إَّن اْلُم َن اِفِق َني يِف الَّد ْر ِك اَألْس َف ِل ِم َن الَّناِر َو َلن ِجَت َد‬
‫ُهَلْم َنِص ًريا (‪ ﴾)145‬سورة النساء‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬م ْنُعوٌت ِبُنُعوِت الَف ْر َداِنَّيِة‪.‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬أَّن هذا مبْع ىن م ا َقْبَل ُه‪َ ،‬و ِإَّنـما عَّبَر بالِعب ارِة الثاني ِة لتأكي ِد العب ارِة اُألوىل‪،‬‬
‫والَّنعُت والَّص فُة بـمعىًن واِح ٍد ‪ ،‬والَو حداني ُة والَف ْر داِنَّي ُة ُمرتاِدفاِن ‪َ .‬م عناُه َتَك َّر َر َه ذا اللْف ظ‬
‫لتأكيِد الـمْع ىَن الـمراد‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬ليَس في َمعَناُه َأَح ٌد ِم َن الَبِر ّيِة‪.‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه ليَس يف صفاِته تعاىل أَح ٌد مَن اخلل ِق ‪ ،‬أْي َال َيِّص ُح عقاًل وال شرًعا أْن‬
‫َيَّتِص َف العبُد أْو أُّي شىٍء مَن األشياِء احلادث ِة بشىٍء مْن صفاِت اِهلل تعاىل‪( .‬هذا ِفي ِه َر ٌّد‬
‫َعَلى الِف ْر َق ة اليت َذَك ْر ناها اَألْم س الذيَن َيَّد ُعوَن الَّتَص ُّو ف َو َيُقولون ِإَّن الّر سوَل َيْع لم ُك َّل‬
‫ِث‬ ‫ِء‬ ‫ِف ِه‬
‫ما َيْع لمُه اُهلل‪ ،‬هذا ي َر ٌّد َعَلْيِه م) ولقْد أسا الَّتْع ِبَري َمْن قاَل يف تفسِري احلدي الذي رواُه‬
‫الُبخ ارُّي ‪ِ(( :‬إَّن اَهلل َخ َل َق َءاَدَم على ُص ورِتِه)) ِإَّن اَهلل جع َل ءاَدَم ُمَّتِص ًف ا ِبص فاِته ِم ْن مَس ٍع‬
‫وَبَص ٍر وحَن ِو ذِلَك ‪َ ،‬فهَذ ا التْع بُري فاِس ٌد ‪.‬‬
‫ومعىَن ‪(( :‬على صورِته)) َأْي على الُّص ورِة اليت َخ لَق ها اُهلل َو َش َّرَفها كَم ا هَو الـمعىن‬
‫يف قوِله َتعاىل يف حِّق ِعيسى ﴿َفَنَف ْخ َنا ِفيِه ِم ْن ُر وِح َنا (‪ ﴾)12‬سورة التحرمي‪.‬‬
‫ُه نا ِفيه َم ْع ىَن الَّتْش ِر يف َأْيًض ا َألَّن روَح ِعيَس ى روٌح ُمَش َّرٌف ِعْنَد اِهلل‪ ،‬فهذه ُتَس ّم ى‬
‫ِإضاَفَة ِم ْل ك َو َتْش ِر يف‪َ .‬و َك لمُة "َفَنَف ْخ نا" ليَس َم ْع ناُه َأَّن اَهلل َيْنُف ُخ َك ما ْحَنُن َنْف َع ل‪ ،‬هذا‬
‫ال جَي وُز َعَلى اِهلل‪َ ،‬بِل الـمْع ىَن َأَمْر نا الـمَلَك ِج ِرب يل َفَنَف َخ ِبَأْم ِر نا الروَح اليت َدَخ َلت ِم ْن َفِم‬
‫ِم ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِع‬ ‫ِمِح‬
‫َم رمَي ِإىَل َر ها َفَخ َل َق اُهلل يسى يِف بْط ها َخ ْلًق ا ْن ُدو ُنْطَف ة‪َ ،‬خ َلَق ُه َخ ْلًق ا َك ما َخ َل َق‬
‫ءاَدَم‪َ ،‬ك ما جاَء اَخلرَب يِف الُق ْر ءان ﴿ِإَّن َم َثَل ِعيَس ى ِعْنَد اِهلل َك َم َثِل َآَدَم َخ َلَق ُه ِم ْن ُتَر اٍب َّمُث‬
‫َقاَل َل ُك ُك وُن (‪ ﴾)59‬و ة ءال عمران‪ ،‬ا َتعاىل ِم َأمْس اِئِه اليت ت يِف الُق رءاِن‬
‫َو َر َد‬ ‫ْن‬ ‫ُهلل‬ ‫ُس َر‬ ‫ُه ْن َفَي‬
‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬
‫َو يِف اَحل يث "الـمَص ِّو ر" الـمَص ِّو ر َم ْع ناُه خا ُق الُّص َو ر‪ ،‬خا ُق الُّص َو ر ال جَي وز َأْن َتُك وَن َلُه‬
‫ُصوَر ة‪ ،‬الَو ّه اِبَّيُة َيُقولون‪ :‬اُهلل َلُه ُصوَر ة‪ ،‬واُهلل َتَنَّز َه عن اهليئِة‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف ِح ا ‪ :‬اَلى ِن ال ُد وِد الَغا اِت األرَك اِن اَألعَض اِء‬
‫َو‬ ‫َو َي َو‬ ‫َر َم ُه ُهلل َو َتَع َع ُح‬
‫َو اَألَد َو اِت ‪ ،‬ال َتحِو يِه الجهاُت الِّس ُّت كسائِر الـمْبَتَد عاِت ‪.‬‬
‫ِه‬ ‫ِء‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اَهلل تعاىل لْيَس َلُه حٌّد‪َ ،‬و احلُّد َم عناُه هناي ُة الشى ‪َ ،‬فال جيوُز علي احلدوُد‬
‫والـمساحُة والـمقداُر ‪ ،‬فنفُي احلِّد عنُه عبارٌة عْن َنفِي احلجِم ‪ .‬ومعىن "الغاياِت " الِّنهاياُت ‪،‬‬
‫وهذا ِم ْن ِص فاِت األجساِم ‪ ،‬ومعىن "األركاِن " اجلوانُب ‪ ،‬ومعىن "اَألعضاِء " مجُع ُعْض ٍو َأي‬
‫اَألْج زاُء الَك ب َريُة وذلك ِم ْن َخ صائِص األْج ساِم ‪ ،‬ومعىن "األدواِت " أِي األجزاُء الصغريُة‬
‫كاْلَّلَه اِة‪.‬‬
‫كاَن الش يخ ُيَفِّس ُر هذه َك لمة َك لمة‪َ ،‬ف َأنتم َأْيًض ا ِإذا َأَر ْد مُت َأْن َتْش َر ُح وها للّن اِس‬
‫اْفَعُل وا َطِر يَق َة الش يخ‪ ،‬ع اداُت السادات س اداُت الع ادات‪َ" .‬تَع اَلى" معن اُه َتَنَّز َه‪َ" ،‬عِن‬
‫ِد‬
‫الُح ُد و " اُحلُد ود َم ْع ناُه الَك ِّم َّي ة‪ُ ،‬ك ّل ش ىء َل ُه َكِّم َّي ة ُيق ال َعْن ُه ْحَمُد ود َأْو َل ُه ُح ُد ود‪ ،‬اُهلل‬
‫ِم‬ ‫ِم ٍر‬ ‫ِث‬ ‫ِط ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ٍء يِف‬
‫َخ َل َق ُك َّل شى هذا العالـم ْن كاَن َل يًف ا َو ْن كاَن َك يًف ا َعَلى ْق دا ْخَمُص وٍص َن‬
‫اَحلْج ِم َأِي الَك ِّم ّي ة‪ ،‬هذا ِعْنَد ُعلماِء اللَّغة وُعلماِء الشريَعة‪ ،‬ليَس كما يْس َتْع ِم ُلها الَع َر ب‬
‫الَعواُّم اليْو م‪ ،‬ال‪َ" .‬و الَغاَياِت " َم ْع ناُه الِّنهايات‪ ،‬هذا َأْيًض ا ِم ْن ِص فاِت اَألْج سام‪ ،‬اْنُظُر وا ِإىَل‬
‫هذه الّطاِو َل ة‪ ،‬هَل ا هِن اَي ة ِم ْن ُه ن ا‪ ،‬هِن اَي ة ِم ْن ُه ن ا‪ ،‬هِن اَي ة ِم ْن ُه ن ا‪ ،‬اْنُظ ُر وا ِإىَل َأْنُفِس ُك م‪َ ،‬لُك م‬
‫هِن اي ات ِم َن اَألْط راف‪َ" .‬و األرَك اِن " َم ْع ن اُه اَجلواِنب‪ ،‬هذه الُغْر َف ة هَل ا ج اِنب ِم ْن ُه ن ا‬
‫َو ج اِنب ِم ْن ُه ن ا َو ج اِنب ِم ْن ُه ن ا‪ ،‬هذا َأْيًض ا ِم ْن ِص فاِت اَألْج سام‪َ" .‬و اَألعَض اِء " هذه‬
‫األْج راء الَك ِبَرية كالَيِد اجلاِر َح ة َك هذا ال َّر ْأس كالِّر ْج ِل اجلاِر َح ة هذه ُيقال َعْنها اَألْع ضاء‪.‬‬
‫"َو اَألَد َو اِت " األْج راُء الَّص ِغَرية اَألْض راس واَألْس نان والِّلسان والَّلهاة هذه الِق َطع اليت َتُك وُن‬
‫يِف هِن اَيِة اَحلْل ق‪ ،‬هذه ُيقاُل هَل ا َأَدوات‪ .‬اْنُظروا‪ ،‬الَّطحاِو ّي َيقوُل هذه الَك لمات َقبل َأْل ف‬
‫َس َنة‪ ،‬هؤالء ال ذيَن َيْع ِرَت ُض وَن َعَليُك م ِح َني َتَتَك لموَن يِف َتْنِز ي ِه اِهلل‪ ،‬ال ُيش ِبُه الَّض ْو َء‪ ،‬ال‬
‫ُيْش ِبُه اِإل نسان‪َ ،‬يُق ولون‪ :‬لـماذا هِذ ه الّتفاِص يل؟؟ َقْبأل َأْلَف َس َنة َو َج َد الطحاِو ّي احلاَج ة ِإىَل‬
‫هذا الّتفِص يِل ‪َ ،‬فكيَف احلاُل اآلن!‬
‫الَو ّه اِبّي ة‪ِ ،‬م ن ْمُجَل ِة احتي االهتم َعَلى الّن اس َيُقول ون‪ُ :‬عَم ر كاَن َيُق ول‪ :‬اللُه َّم ِإمياًن ا‬
‫ِكِإمياِن الَعجاِئز َعَلى َزْع ِم ِه م‪ ،‬قاُلوا َيْع ىِن اْتُر ُك وا الناَس عَلى العِق ي َد ة اليت َنَش ُؤ وا َعَلْيها َأَّن‬
‫ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِج ِة‬
‫اَهلل يِف َه َفْو ق‪ ،‬هذا لـم َيْثُبت َعْن سِّي نا ُعَم ر‪َ ،‬و َلْو كاَن َيُق ول ْث َل هذا َلكاَن الـمْع ىَن‬
‫ِم‬ ‫يِف ِب ِد‬ ‫ِإ‬ ‫ِن‬
‫اللُه َّم َثِّبْتيِن َعَلى اِإل ميا كالذي َنَش َأ َعَلى اِإل ميان ىَل َأْن صاَر َعُج وًز ا‪ ،‬ال نا َك ثري َن‬
‫‪،‬‬ ‫الّناس كاُنوا ِق ُد وَن َأَّن ا ُك ال ما ‪ِ ،‬إذا ُد وا الَّن قلو ا ُقولون "اقِل‬
‫َو‬ ‫ُه‬ ‫ْبُه‬ ‫ْع َل َم ًب َي‬ ‫َهلل َيْس ُن ّس َء َو َج‬ ‫َيْع َت‬
‫يِف َو ْج ِه اهلل" والِعياُذ باهلل‪.‬‬
‫دكت ور َو هاّيِب َز َعَم َأَّن ِهلل ِر ج ل َيَض ُعها يِف الن ار َو َلِكن ألهنا ِر ْج ُل ُه ال ْحَتِرَت ق‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِح ِإ ِه‬ ‫ِإ ِه‬
‫الرُس وُل ُي وَح ى َلْي َأْن َيُق وَل َأْلفاًظ ا َفَيُقوهُل ا كما ُأو َي َلْي ‪ ،‬وَتُك وُن هذه اَألْلف اظ َن‬
‫اَألْلفاظ الـمَتشاَهِبة‪ ،‬هذا اْبِتالٌء ِم َن اهلل ِلِعباِدِه‪ ،‬فالَّر ُس ول قاَل يِف َح ِد يٍث َعَلْي ِه السالُم‪(( :‬اَل‬
‫َتَز اُل َجَه َّنُم‪َ ،‬تُق وُل َه ْل ِم ْن َم ِز ي ٍد ‪َ ،‬ح ىَّت َيَض َع َر ُّب الِع َّز ِة ِفيَه ا َقَد َم ُه َفَتُق وُل َق ْط َق ْط ))‬
‫ِل ِهِب‬ ‫ِخ‬
‫َص حيح البخاري‪ ،‬الِّر ْج ُل َم ْع ناُه الَف ْو ج اَأل ري الذيَن ْمَتَت ُئ م َجَه َّنم‪َ ،‬ألَّن َأْه َل الّن اِر اُهلل‬
‫تع اىل ال ُي ْد ِخ ُلُه م ُدْفَع ًة واِح َد ة ِإىَل َجَه َّنم‪َ ،‬ب ْل ُدفَع ة َّمُث ُدْفَع ة َّمُث ُدْفَع ة َح ىّت ْمَتَتِلئ َجَه َّنم‪،‬‬
‫فقاَل الرسول‪َ(( :‬فَيْنَز ِو ي َبْع ُض ها ِإىَل َبْع ٍض َو َتُق وُل َقٍط َقط)) َيْع ىِن اْم َتْأَلت‪ُ ،‬يقاُل يِف ُلَغ ة‬
‫الَع َر ب ِر ْج ٌل ِم ْن َج راد َأْي َفْو ٌج ِم ْن َج راد‪ ،‬أي الف وُج األخ ري ال ذي متتلئ في ه جهنم‪.‬‬
‫الوّه اِبّي ة َض ُّلوا‪ ،‬وهذا اجلاِه ُل َيعَت ُرب هذا ِإمياًن ا‪ ،‬يِف اآلِخ َر ة اُهلل س َيْجَعُل يِف َجَه َّنم اَألْص نام‬
‫ِم‬ ‫ِف‬
‫ال يت َعَب َد ها الُك ّف ار َح ىّت َيْز داُدوا َع ذاًبا َو َنَك ًد ا َو َح ْس َر ًة َو َس َيْجَعُل يها م ا َعَب ُد وُه َن‬
‫الُك ّف ار‪ِ ،‬ف ن س ُك وُن ناك غريه‪ ،‬ا تعاىل قال يِف ِبيِخ الُك ّف اِر ﴿َل َك اَن اَل ِء‬
‫َه ُؤ‬ ‫ْو‬ ‫َتْو‬ ‫ُهلل‬ ‫ْر َع ْو َي ُه َو‬
‫َآَهِلًة َم ا َو َر ُدوَه ا (‪ ﴾)99‬س ورة األنبي اء‪َ ،‬و ذاَك َيُق وُل ‪ :‬اُهلل َي ِر ُد ُج ْز ٌء ِم ْن ُه َجَه َّنم‪ ،‬والِعي اُذ‬
‫باِهلل‪ ،‬هذا ِض ُّد القرءان‪.‬‬
‫ومعىن قوِله‪" :‬ال َتْح ِو يِه الِج هاُت الِّس ُّت " أْي ال حُت يُط بِه اِجلهاُت الِّس ُّت وهَي َفوٌق‬
‫وْحتٌت وميٌني ومِش اٌل وُق ّد اٌم وَخ ْل ٌف ‪ ،‬ألَّن هذِه ال تِص ُّح ِإال لـمْن هو ِج ْر ٌم‪ ،‬ويف هذا َر ٌّد‬
‫على ابِن َتيم َة ي قاَل ‪" :‬إَّن ِهلل حًّدا لم و"‪ .‬لـم ِص َّح إْثبا احلِّد ِهلل َأحٍد‬
‫َعْن‬ ‫ُت‬ ‫َو َي‬ ‫َيْع ُه ُه‬ ‫َي َح ُث‬
‫مَن الَّس َلِف كَم ا َأوَه َم ذلَك ابُن َتيميَة‪ ،‬بْل َنْق ُل الَّطحاوِّي هذا في ِه أَّن الَّس َلَف كاُنوا على‬
‫ي‬‫َل‬ ‫و‬
‫َس َج ُه َس‬ ‫‪،‬‬ ‫خار‬ ‫ولي‬ ‫الـم‬ ‫ال‬
‫َل َع‬ ‫داخ‬ ‫َس‬ ‫لي‬ ‫اىل‬ ‫وتع‬ ‫ه‬‫َن‬ ‫بحا‬ ‫س‬ ‫ُهلل‬ ‫وا‬ ‫‪،‬‬ ‫‪102‬‬
‫َتنـزيِه اِهلل عِن اَحلِّد‬
‫ُمَّتِص اًل بِه َأو منفِص اًل عنه‪ ،‬ألنه ل ْو كاَن كذلَك َلكاَن ل ُه أمثاٌل ال ْحُتَص ى‪ .‬وهو ُس بحاَنه‬
‫نَف ى عْن نفِس ِه الـمماَثَلَة ِلَش ىٍء ِبَق وِلِه‪َ﴿ :‬لْيَس َك ِم ْثِلِه َش ىٌء (‪ ﴾)11‬سورة الشوَر ى‪ ،‬وق ْد‬
‫نَّص على ْف ِي الَّت ُّي ِز يف الـ كاِن واالِّتص اِل واالنِف ص اِل واالجِتماِع واالفرِت اِق عِن اِهلل‬
‫َم‬ ‫َن َح‬
‫َتعاىل َخ ْلٌق كثٌري مْن َم شاهِري ُعَلماِء الـمذاهِب اَألربَعِة‪َ ،‬فْلُتَر اَج ْع ُنصوُصُه م‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬والـمْع َر اُج َح ٌّق‪.‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الـمْع راَج هو الصعوُد إىل الَّس مواِت الَّس ْبِع وما شاَء اُهلل ِم َن الُعَلى‪.103‬‬
‫َو َص َل الرس وُل ِإىَل مكان َم َع ِج ربي ل‪َّ ،‬مُث َعاَل الّر ُس وُل َفْو َق ذِل ك ِم ْن ُدوِن ِج ربي ل‬
‫َعَلْيِه السالُم‪َ ،‬بعُض الَكّذ اِبني َيُقولون‪ :‬يِف ذِلَك الـمْو ِقع ِج ربيُل قاَل َلُه‪ :‬يا حممد ُج ْز َأْنَت ‪،‬‬
‫َأْي جَت اَو ز‪َ ،‬أنا ِإْن جَت اَو ْز ُت َأْح َتَر ْقُت وَأنَت ِإْن جَت اَو ْز َت اْخ َتَر ْقَت ‪َ ،‬ك ِذ ٌب ‪.‬‬
‫ِئ‬ ‫ِئ‬
‫اُجلّه ال َيْف َر ُح ون‪َ ،‬و ُه َو م ا َحَص َل‪ُ ،‬ه َو َر يُس الـمال َك ة َك ي َف ْحَيِرَت ق؟ َو َبْعُض‬
‫الَكّذ اِبني َيُقولون‪ :‬اْس َتْو َحَش الّر ُس ول يِف هذه الِّر ْح َلة َفَك لمُه اهلل ِبَص ْو ِت َأيِب َبكر ِلُيْؤ ِنَس ُه‪،‬‬
‫الّر ُس وُل َيسَتْو ِح ش يِف ِم ْثِل هذه الِّر ْح َلة؟!!‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ ريض هللا عنه‪ :‬الـمخُلوَقاُت ال ْخَت ُلو َعِن الَّتَح ِزُّي يِف حَد ى اْلِج َهاِت الِّس ِّت َألَّن اْلَح اِد َث ال ُبَّد َأْن َيُكوَن ِبَم اَك ٍن ‪.‬‬ ‫‪102‬‬

‫ِإ‬
‫اْلَح ُّد ‪َ :‬تَّزَن َه ُهللا َتَع اىَل َعِن اْلُح ُد وِد ‪ ،‬معن اُه ‪ :‬اْلَح ُّد َم نِفٌّي َعن ُه َألَّن الـمحُد وَد حَي َت اُج ىَل َح اٍّد َو ُهللا َتَع اىَل َل ْو اَك َن ُهَل ُح ُد وٌد الحَت اَج ىَل َمْن‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َح َّد ُه َهِبَذ ا اْلَح ِّد ‪ ،‬الـمْحَتاُج ىَل َغِري ِه َح اِدٌث َم ْخ ُلوٌق ال َيُكوُن َلًها َألَّن ا َهَل ِم ْن َش ْأِنِه َأْن ال حَي َتاَج ىَل َغريِه َو حَي َتاُج َليه ُّلُك ىَش ٍء ‪ ،‬اهـ‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإل‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫الُع ُر وُج ُه َو الُّص ُع وُد‪َ ،‬و الـمْع َر اُج اِب ْلَكِرْس ِش ْب ُه الُّس لـم‪.‬‬ ‫‪103‬‬
‫ِل‬
‫الّر ُس وُل قال‪َ(( :‬دَخ ْلُت اَجْلَّنَة َفَر َأْيُت َأْك َثَر َأْه َه ا الُفَق َر اَء)) هذه الرحلة ال يستوحُش‬
‫فيها‪ ،‬واحلديُث َم ْع ن اُه َأَّن اَهلل تع اىل َخ َل َق للَّر س وِل َأْم ِثَل َة ال ذيَن س َيْد ُخ ُلوَن اَجلَّن َة‪َ ،‬فَر آُه م‪.‬‬
‫َأّم ا َعِن الّن ار ما قال َدَخ ْلُت الناَر ‪ ،‬ال ُس وُل ال َيْد ُخ َجَه َّنم‪َ ،‬ب قاَل ‪(( :‬اَّطَلْعُت يِف الّن اِر‬
‫ْل‬ ‫ُل‬ ‫ّر‬
‫َفَر َأْيُت َأْك َثَر َأْه ِلها الِّنساء)) رواُه البخ اري‪ُ ،‬ك ُّل َنٍّيِب َو ُك ُّل صاِلٍح ال َي ْد ُخ لوَن الن ار‪،‬‬
‫والَّدليُل َعَلى ذِلَك قوُلُه تعاىل‪ِ﴿ :‬إَّن اَّلِذ يَن َس َبَق ْت ُهَلْم ِم َّنا اُحلْس ىَن ُأوَلِئ َك َعْنَه ا ُمْبَع ُد وَن (‬
‫‪ ﴾)101‬سورة األنبياء‪.‬‬
‫وهذا حٌّق (أِي الـمعراج) جيُب اإلمياُن بِه يف َح ِّق َر سوِل اِهلل َو َمْن َنفاُه فُه َو فاسٌق ‪.‬‬
‫الـمعراج َحَص َل َعَلى ِم ْر قاة‪ ،‬الّر ُس وُل َص ِعَد َعَلى ِم ْر قاٍة‪ ،‬الـمْر قاُة ِش ْبُه ُس لم َلُه َدَر َج ة‬
‫ِم ْن َذَه ب‪ ،‬وَدَر جة ِم ْن ِفَّضة‪ِ ،‬بِه اْر َتَق ى الّر ُس وُل ِإىَل َأْن َو َص َل ِإىَل ِتْلَك اَألماِكن‪.‬‬
‫ع َد اإل راِء َأ ع َد صوِلِه ِإىل الـم ِد اَألْق ى خاِر ا ِم‬
‫ًج َن‬ ‫َص‬ ‫ْس َج‬ ‫ْس ْي َب ُو‬ ‫والـمْع راُج َحَص َل َب‬
‫الـمْس جِد احلراِم ‪.104‬‬
‫وَقْد َثَبَت يِف اَألحاِديِث َأَّن الّر سوَل َص ّلى باَألنبياِء ِإماًم ا يِف الـمْس ِج ِد اَألْقَص ى َو هذا‬
‫ِفي ِه َدلي ل َعَلى ِص َّح ِة َتَص ُّر ِف اِإل نساِن َو هذا ليَس ممنوًع ا َش ْر ًعا َو ال َعْق اًل َبْع َد َمْو ِتِه‪َ ،‬أْن‬
‫َيُك وَن َل ُه َتَص ُّر فات ِبِإْذِن اهلل‪ .‬ثـماِنَيٌة ِم َن اَألنبي اِء اْج َتَم َع ِهِبم يِف السٰم واِت الّس بِع َو هذا‬
‫َأْيًض ا َدليل َعَلى ذِلك ُك ُّل هؤالِء كاُنوا ماُتوا ما َع دا ِعي ى َعَلْي ِه السالم‪ ،‬الذي ُه يِف‬
‫َو‬ ‫َس‬ ‫َو‬
‫السماء الثاِنية َو ما زاَل يِف الّس ماء الثاِنيِة‪َ .‬و موَس ى َعَلْيِه السالم َنَف َع ُأَّم َة حمَّم ٍد َنْف ًع ا َعِظ يًم ا‬
‫ألنه ُه َو الذي َطَلَب ِم ْن الرسوِل َأْن َيْس َأَل اَهلل َأْن َخُيَّف َف َعْن هِذِه اُألَّم ِة َع َد ُد الصلوات‪،‬‬
‫كانت ْمَخِس ني ِإىَل َأْن صاَر ت ْمَخَس َص لوات يِف الَيْو ِم والليَلة‪َ ،‬و هذا َنْف ع َعِظ يم‪.‬‬
‫َأرَس َل شْيُخ نا َر َمِحُه اهلل شاًّبا ِإىَل َرُج ل يِف اُألرُدن َيَّد ِعي ِعلم اَحلِد يث‪َ ،‬يَّد ِعي َأَّنُه َحُمِّدث‬
‫َو ُه َو َأْجَه ِل َخ ْل ِق اِهلل‪ ،‬ق اَل َل ُه ُز ْر ُه َو َك لمُه ِبُلط ٍف ‪َ ،‬فص اَر ذاَك ُيِر ي ُد َأْن جُي اِد ل فق ال‪:‬‬
‫الَّش ْخ ص ِإذا ماَت ال َيْنَف ع َبْع َد َمْو ِتِه‪ ،‬فقال َلُه َأخونا الذي كاَن ِعْنَد ُه ُقَّو ة يِف الـمَناَظَر ة‪:‬‬

‫الـمسجُد اَألقىَص ِّمُس َي َهِبَذ ا اِالِمس ِلُبعِد الـمَس اَفِة َبَني الـمسِج َد يِن ‪ ،‬والـمسجُد احلراُم ِّمُس َي َهِبَذ ا الاِمْس ِلُح ْر َم ِتِه َأْي ِلَرَش ِف ِه َعىَل َس اِئِر‬ ‫‪104‬‬

‫الـمَس اِج ِد ‪.‬‬


‫ِص‬ ‫ِن‬ ‫ِه‬
‫َأَلْيَس ُموَس ى َعَلْي السالم َنَف َع ُأَّم َة حمَّم د؟ فق ال ذاَك الـمعا د‪ :‬هذه َن يَح ة‪ ،‬فق ال َل ُه‬
‫َأخونا‪ :‬الَنِص يَح ُة ناِفَع ٌة َأْم ضاَّر ة؟ َفَس َك ت‪ ،‬قاَل َل ُه ال ُتناِقْش يِن ‪ ،‬ال جُت اِدْلِنيي‪ ،‬هذا َعَم ِلي‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِع‬
‫َقَص َد ُه َأَّنُه ُه َو َيْف َه م‪ُ ،‬ه َو ُيَس ّم ى َحُمِّقق ُك ُتب ُمْن ُذ َأْر َب َني َس َنة‪ ،‬فاْعَتَبَر َنْف َس ُه َأَّنُه صاَر ْن‬
‫َأْه ِل الَف هم‪َّ ،‬مُث قاَل َل ُه‪ :‬اْذُك ر يِل ِإماًم ا واِح ًد ا َتَبَّر َك ِبَق ٍرْب ‪ ،‬فقاَل َل ُه‪ :‬اِإل ماُم الشاِفِعُّي ‪ ،‬قاَل‬
‫َلُه‪َ :‬أْيَن هذا؟ قاَل َلُه‪ :‬يِف الِكتاِب الذي َخ ْلَف َظْه ِر َك ‪ِ ،‬كتاب تاِر يخ َبْغ داد َخ ْل َف َظْه ِر َك ‪،‬‬
‫كت اٌب َك ب ري للحاِف ظ اَخلِط يب الَبْغ داِدّي ‪ ،‬ق اَل َل ُه‪َ :‬أِريِن ‪َ ،‬فَأَخ َذ الِكت اب َو َفَتَح َل ُه َعَلى‬
‫احلاِد َثة الـمشُه و ة اليت واها الشيُخ َمِحُه اهلل‪ِ ،‬فيها َأَّن الشاِفِعَّي َيُق ول‪ِ" :‬إيِّن َأَلَتَبَّر ُك ِبَق ِرْب‬
‫َو‬ ‫َر‬ ‫َر‬ ‫َر‬
‫ِع‬ ‫ِن‬
‫َأيِب َح يَف ة َو م ا َعَر َض ت يِل حاَج ٌة ِإاّل ُك ْنُت آيِت َقْبَر ُه َو ُأَص ّلي ْن َد ُه َر ْك َعَتنْي َّمُث َأْس َأُل اَهلل‬
‫حاَج يِت َفما َتْلَبُث َأْن ُتْق َض ى يِل " َفصاَر َيْق َر أ َو َيْظَه ر َعَلْي ِه االنزعاج‪ ،‬ألنه ال ُيواِف ُق َه واُه‪،‬‬
‫ِع‬ ‫ِف‬ ‫ِث‬
‫مث ق ال‪َ" :‬ب ْد نا نُش فَل ِإذا اللي َرُو وها ق اة" َيْع ىِن الَّس َند ال ذي يها‪َ ،‬ف َد عى ال ذي ْن َد ُه‬
‫ِن‬ ‫ِهِت‬
‫َيْع َم ُل الشاي َو قاَل َل ُه‪َ" :‬خ ِّر ْج لنا َه ْر ُّر واة" َيْع ىِن َعَلى الكمبيوتر َك عاَد م‪َ ،‬فغاَب صا ُع‬
‫الشاي ِنْصَف ساَعة وَرَجَع َو َعلى َو ْج ِه ِه ْمُحَر ة‪ ،‬اْقَتَر َب ِم ْنُه َو قاَل َل ُه‪ُ" :‬طْلُع وا ُك ُّلن ِثقات"‬
‫ِح‬ ‫ِق‬
‫َو كاَن َح ِز ين‪َ" ،‬بس يِف واَح د ما لَق يُتو" َفقاَل َلُه‪" :‬آه‪ِ ،‬إًذا ال ّص ة ليَس ت َص يَح ة" َفَس َأَلُه‬
‫َأُخ ونا لـماذا َتُق وُل ذِل َك ؟ قاَل َل ُه‪" :‬ما َلَق ْيناُه" فقاَل َل ُه َأُخ ونا‪" :‬ما ِمَس ْعَت َقْو َل الُعلماء‪:‬‬
‫َعَد ُم الُو ْج داِن ليَس َدليَل الَعَد م"؟ َفقاَل َلُه‪ِ" :‬إْيش ِإيش إيش"؟ ما َفِه َم ما َيُقول‪ .‬هذا ألنه‬
‫عاِند ال ِر ي ُد ا ‪َ ،‬ل ِر ي ُد ا كاَن قال‪ :‬اِإل ما الشاِفِع يفعل ذِل َك هذا ِم َأِئَّم ِة‬
‫ْن‬ ‫َو‬ ‫ّي‬ ‫ُم‬ ‫ُي َحلّق ْو ُي َحلّق‬ ‫ُم‬
‫الـمسلمني‪َ ،‬أُّي َبْأٍس يِف هذا!‬
‫ِر ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِل ِإ‬ ‫ِء‬
‫والـمْع راُج َحَص َل َبع َد اإلْس را َأْي َبع َد ُو صو ه ىل الـمْس َج اَألقَص ى خا ًج ا َن‬
‫ِت‬ ‫ِه ِإ‬ ‫ِد ِم ِإ‬
‫الـمْس ج احلرا َف َّن ُه ُع ِر َج ب ىل الَّس ٰم وا َو م ا َفْو َقها إىل َح ْيُث ش اَء اُهلل‪ ،‬فاِإل ْس راُء‬
‫صَّر بِه يف القرءاِن بقوِلِه َتع اىَل ‪ْ ﴿ :‬ب اَن ال ِذ ي َأْس ى ِبَعْب ِدِه َلْيال ِم الـم ِج ِد ا اِم‬
‫َن ْس َحلَر‬ ‫َر‬ ‫ُس َح‬ ‫ُم ٌح‬
‫ِإىَل الـمْس ِج ِد اَألْقَص ى اَّل ِذ ي َباَر ْك َن ا َحْو َل ُه (‪ِ )105‬لُنِر َي ُه ِم ْن َآَياِتَن ا (‪ ﴾)1‬س ورة اإلس راء‪،‬‬
‫فلذلَك َيْك ُف ُر ُمْنِك ُر ُه‪ .‬والـمعراُج َيكاُد يكوُن نًّص ا َص رًحيا ِلقوِله َتعاىل ﴿َو َلَق ْد َر آُه َنْز َل ًة‬
‫قال بعُض العلـامِء ‪﴿ :‬اِذَّل ي اَب َر ْكَنا َح ْو ُهَل﴾ [الارساء‪ ]1 :‬أْي ابلامثِر واألجشاِر واألهناِر ‪ ،‬وقيَل‪ :‬ألنُه َم َقُّر األنبياِء وَم ْهِبُط الـمالئكِة ‪.‬‬ ‫‪105‬‬
‫ُأْخ َر ى (‪ِ )13‬عْنَد ِس ْد َر ِة الـمْنَتَه ى (‪ِ )14‬عْنَد َه ا َج َّن ُة الـمْأَو ى (‪ ﴾)15‬سورة النجم‪ ،‬وِإَّنـما‬
‫لـم ك ذل ك ر ا ألن ه لـم ْث ِبَنٍّص َقْطِع َك وُن ِس ْد رِة الـمُنت ى َق الَّس ٰم واِت‬
‫َه َفْو‬ ‫ٍّي‬ ‫َي ُبْت‬ ‫َص ًحي‬ ‫َي ْن‬
‫الَّس بِع ‪.‬‬
‫ِس ْد رُة الـمُنتَه ى ِه َي َش َج َر ة ِس در َو َلِكْن َو ْص ُفها ال ذي ج اَء َعِن الّر ُس ول ُيِف ي ُد َأهَّن ا‬
‫ليَس ت كالِّس در الذي يِف ال ّد نيا‪ِ ،‬م ْن َح ْيُث الّش ْك ُل‪ِ ،‬م ْن َح يُث اّجلماُل ‪ِ ،‬م ْن َح يُث احلجُم‪،‬‬
‫َو ِّمُسَيت الـمْنَتَه ى ألهنا َحَمَّط ة للـمالِئَك ة‪ِ ،‬إَلْيها َيْنَتِه ي الـمالِئَك ة الّن اِز ُلوَن ِم ْن َفْو ِقها‬
‫َو الصاِعُد وَن ِم ْن ْحَتِتها‪ ،‬لذلَك ِّمُسَيت ِس ْد رة الـمُنتَه ى‪.‬‬

‫الدرس احلادي عشر‬


‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬وقْد ُأْس ِر َي بالَّنِبِّي َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أنُه ُذِه َب بِه َلْياًل مَن الـمسجِد احلراِم إىل الـمْس جِد اَألقَص ى كَم ا تقَّد َم‪.106‬‬

‫ِء‬ ‫ِة‬ ‫ِب ِصِه‬ ‫ِح‬


‫قاَل الـمؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ُعِر َج َشْخ في الَيَق َظ إلى الَّس َم ا ُثَّم إلى َح ْيُث َش اَء‬
‫اُهلل ِم َن الُعلى‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أن ه ر ب ِه ِق ي اإلس راِء ‪ ،‬فاإلس را والـمعرا كان ا يف ليل ٍة واحدٍة‬
‫ُج‬ ‫ُء‬ ‫ُع َج َع َب‬ ‫ُح‬
‫ُمتعاقَبِني ‪ ،‬وَمُها عنَد أهِل احلِّق يف الَيَق َظِة بشخِصِه بروِح ه وجَس ِد ه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬

‫ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِح‬


‫قاَل الـمؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪ :‬وَأْك َر َم ُه اُهلل ما َش اَء َو َأوحى إَلي َم ا َأْو حى ﴿َم ا َك َذ َب‬
‫الُف َؤ اُد َم ا َر َأى (‪ ﴾)11‬االسراء‪َ ،‬فَص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم في اآلِخ َر ِة واُألْو لى‪.‬‬
‫(َو َم ْع ىَن ﴿َم ا َك َذ َب الُفَؤ اُد َم ا َر َأى﴾ ما َأْخ َطأ)‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬استَد َّل اجلمهوُر مْن أهِل احلِّق بقوِله َتَع اىل‪َ﴿ :‬م ا َك َذ َب الُف َؤ اُد َم ا َر َأى (‬

‫الَّر ُس ْو ُل َر ِك َب الَرُب اَق يِف َذ َه اِبِه ىَل الـمْس ِج ِد اَألقىَص ‪َ ،‬أَّم ا يِف الُّر ُج ْو ِع َر َجَع ِبَط ِر ْي ِق َخ ْر ِق العاَد ِة ِب ُد ْو ِن الَرُب اِق ‪َ ،‬أَّم ا الَرُب اُق َبعَد َم ا‬ ‫‪106‬‬

‫ِإ‬
‫َر ِكَبُه الَّر ُس وُل َعاَد ىَل اْلَجَّنِة ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫‪ ﴾)11‬س ورة النجم‪ ،‬عَلى َأَّن الَّن َأى رَّب بقلِب ه تل الليل َة ال ِبعيِن ه‪ ،‬والـ را ب الُفؤاِد‬
‫ُم ُد‬ ‫َك‬ ‫ُه‬ ‫َّيِب َر‬
‫ُفؤاُد الَّنِّيب َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ليس ِج ربيَل ‪.‬‬ ‫‪107‬‬

‫الى بِه ِغ اًث ا ُألَّمِت ِه‬ ‫ِح‬


‫َي‬ ‫قاَل الـمؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪ :‬والَح ْو ُض ال ذي َأكَر َم ُه اُهلل َتَع‬
‫َح ٌّق‪.108‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ُه جيُب اإلمياُن باَحلوِض الذي َيشرُب من ُه الـمؤمنوَن يوَم القيام ِة‪ ،‬أْي أَّن‬
‫ِط‬ ‫ِه‬ ‫ٍد‬ ‫ِل‬
‫اَهلل تبارَك وتعاىل أعَّد احلوَض َنِبِّيَنا َحُمَّم َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم إنقاًذا لـمْن كاَن َع ًش ا مْن‬
‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِتِه‬
‫ُأَّم يف القيام ‪ ،‬فإَّن َمْن َش ِر َب ْن ُه ال َيْظَم ُأ بع َد ذل َك ‪ ،‬وَأَّم ا َمْن لـم يكْن أصاَبه َعطٌش‬
‫وُه ُم األتقياُء فِإَّنـما يشربوَن َتَلُّذ ًذا‪.‬‬
‫ِبِه‬ ‫ِف ِه ِم‬
‫هذا اَحلْو ض ُيْس َك ُب ي ْن َنْه ِر الَك ْو َثر الذي ُه َو َخ َّص اُهلل َنِبَّينا حمَّم ًد ا َص لى اُهلل‬
‫َعَليِه َس َّل ‪ ،‬قاَل اُهلل تعاىل‪ِ﴿ :‬إّنا َأْع َطْيناَك الَك ْو َثر (‪ ﴾)1‬سورة الكوثر‪ ،‬هذا َنْه ٌر َأْص ُلُه يِف‬
‫َو َم‬
‫ٍد‬ ‫ِم‬
‫اَجلَّنة‪َ ،‬يْنِز ل ْن ُه ِإىَل هذا اَحلْو ض‪َ ،‬أْك رَب َح ْو ض ُه َو َح ْو ُض َنِبِّينا حمَّم ‪ُ ،‬ك ُّل َنٍّيِب َلُه َح ْو ٌض‬
‫َي ِر ُدُه ُأَّم ُت ُه‪ ،‬س ِّيدنا حممد ُأَّم ُت ُه َت ْأيِت ِإىَل َحْو ِض ِه‪َ .‬و َعَّلَم ن ا ش ْيخنا َأَّن ُه لـم َي ِر د َأَّن الَّر ُس وَل‬
‫َيْس ِق ي الّن اَس ِم ْن اَحلْو ض ِبَي ِدِه‪ ،‬ق اَل يِل ‪" :‬ال َتُقول وا اللُه ّم اْس ِق نا ِم ْن َي ِد الَّنِّيِب حممد ِعْن َد‬
‫ِض ِه‪ ،‬جَي و َأْن قال‪ :‬الل ا ِق يِن َش ًة ِم ِد الَّن حممد‪ ،‬هذا ما ِفي ِه َتعا ض‪َ ،‬لِك‬
‫ْن‬ ‫ُر‬ ‫ْر َب ْن َي ِّيِب‬ ‫ُه ّم ْس‬ ‫ُز ُي‬ ‫َحْو‬
‫ِعْن َد اَحلْو ِض م ا َو َر د"‪ .‬يِف ءاِخ ِر هذه الُّس وَر ة‪ِ﴿ ،‬إَّن َش اِنَئَك ُه َو اَألْبرَت (‪ ﴾)3‬س ورة‬
‫َثَبَت َع ِن اْبِن َعَّباٍس َأَّنُه َقاَل ‪َ" :‬ر َء اُه ِبُفَؤ اِدِه َم َّر َتِنْي “ َر َو اُه ُم ْس لـم‪َ ،‬أَّم ا َنْف ُي َعاِئَش َة َفُيْح َم ُل َعىَل ُر ْؤ َيِة الَبِرَص ‪َ ،‬و َعىَل َه َذ ا َفُيْم ِكُن اْلَجْم ُع‬ ‫‪107‬‬

‫َبَنْي ثَباِت اْبِن َع َّباٍس َو َنْف ِي َعاِئَش َة ِبَأْن ْحُي َم َل َنْف هُي ا َعىَل ُر ْؤ َي ِة الَبِرَص َو ثَباُت ُه َعىَل ُر ْؤ َي ِة الَقْلِب ‪ ،‬ال ُيَق اُل ‪َ :‬ر َأى ُم َح َّم ٌد َر َّب ُه يِف ُف َؤ اِدِه َّنـام‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ُيقال‪ِ :‬بُفَؤ اِدِه ‪،‬‬
‫"ِغ يااًث ُألَّم ِت ِه "‪َ :‬أْي َم ُغْو َث ًة َلُهم‪َ ،‬و َّنـام َق اَل ِغ َيااًث ُألَّم ِت ِه َألَّن الَّن اَس عن دما َيْش َتُّد َع َط ُش ُهم عن دما َت دُنو الَّش ْمُس ِم ُهْنم َو َيْع ُظ ُم َك رُهُبم‬ ‫‪108‬‬

‫َفَيُمُّر ْو َن َعَلْي ِه َفَيُكْو ُن ِغ َيااًث ِع نَد َم َس اِس ِإ اْلَح اَج ِة يِف ُكُر اَب ِت الـمْو ِقِف َيْو َم الِقَياَم ِة ‪ُّ ،‬لُك ُأَّم ٍة َلُهم َح ْو ٌض ‪ُّ ،‬لُك َنٍّيِب ُهَل َح ْو ٌض َتِر ُد ُه ُأَّمُت ُه ال‬
‫َتِر ُد ُه َغُرْي ُأَّم ِتِه َيَرْش ُب ِم ْنُه َأتَباُعُه اذليُن اَك ُنوا َم َع ُه يِف َأاَّي ِم ِه َو َمْن اَك ُنوا َعىَل ِرَش ْيَع ِتِه ‪َ" ،‬ح ٌق "‪َ :‬أْي َاثِبَتٌة لـام ُر ِو َي َع ْن ُه َأَّنُه َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه‬
‫َو َس لـم َقاَل ‪ُ" :‬أْنِز َلْت َعَّيَل ءاِنًفا ُس ْو َر ٌة َو َقَر َأ‪ ﴿ :‬اَّن َأْع َط ْيَناَك اْلَكْو َثَر ﴾ [ُس وَر َة الَك وَثِر‪َّ ]1 :‬مُث َقاَل ‪َّ " :‬نُه ْهَنٌر يِف اْلَجَّنِة َو َعَد ِنْي ِه َر يِّب َعَلْي ِه َخٌرْي َكِثٌرْي‬
‫اذلي َيْنَص ُّب ِف يِه ِم َن اْلَجَّنِة ‪ِ ،‬م َزي ااَب ِن ِم َن اْلَجَّن ِة‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َو ُه َو َح ْو يِض َتِر ُد َعَلْي ِه ُأَّم يِت َيْو َم الِقَياَم ِة ءاِنَيُتُه ِبَع َد ِد ُجُن ْو ِم الَّس َم اِء "‪َ ،‬ه َذ ا اْلَح ْو ُض ‪ ،‬الـامُء‬
‫َيُص َّباِن يِف َه َذ ا اْلَح ْو ِض ‪َّ ،‬مُث اذليَن ِرَش ُبوا ِم ْنُه ال ُيِص ْي ُهُبْم َظ َم ٌأ‪ ،‬ال َيْع َط ُش ْو َن َبْع َد َٰذَكِل ‪ ،‬ال ِجَيُد َأْه ُل اْلَجَّن ِة َع َط ًش ا ُيْز ُجِع ُهم َّنـام َيَرش ُبْو َن‬
‫َتُّذَلًذ ا‪َ ،‬و َر َد يِف َو ْص ِف اْلَح ْو ِض َم ا َر َو اُه الُبَخ اِر ُّي يِف ِحَص ْي ِح ِه َع ْن َعبِد ِهللا ْبِن َمُع رَ َق اَل ‪َ :‬ق اَل الَّنُّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس ِإلـم‪َ" :‬ح ْو يِض‬
‫َم ِس َرْي ُة َش ْهٍر ‪َ ،‬م اُؤ ُه َأْبَيُض ِم َن الَّلِنَب ‪َ ،‬و ِر ُحْي ُه َأْط َيُب ِم َن الـمْس ِك ‪َ ،‬و ِك َزْي اُنُه ـ ءاِنَيُتُه ـ َكُنُج ْو ِم الَّس َم اِء ‪َ ،‬مْن ِرَشَب ِم ْنُه َفَال َيْظ َم ُأ َأَبًد ا“‬
‫الكوثر‪ ،‬كان َبْعُض الّن اِس َيُقولوَن َعِن الَّر ُس وِل َأَّنُه َأْبرَت ‪َ ،‬م عناُه ال ُيأِتي ِه ُذِّر ّية َبْع َد ذِل ك‪،‬‬
‫فاُهلل تعاىَل َأْنَز َل هذه اآلَية يِف َتْو بيِخ هؤالِء ‪ ،‬معناها‪ِ :‬إَّن ُمْبِغَضَك يا حمَّم ُد ُه َو اَألْبَتُر َيْع ىِن‬
‫َم ْق ُطوٌع ِم َن اَخلِري ‪.‬‬
‫قوُل ُه‪ِ( :‬غ ياًث ا ُألَّمِتِه) َأْي َم ُغْو َث ًة ُهَلم‪َ ،‬و ِإَّنـما َق اَل ِغَياًث ا ُألَّم ِتِه َألَّن الَّناَس عْن دما َيْش َتُّد‬
‫َعَطُش ُه م عْندما َتْدُنو الَّش ْم ِم ْنُه م َو َيْع ُظُم َك ْر ُبُه م َفَيُم ُّر ْو َن َعَلْيِه َيُك وُن ِغَياًثا ِعْنَد ِم َس اِس‬
‫ُس‬
‫اَحلاَج ِة يِف ُك ُر َباِت الـمْو ِقِف َيْو َم الِق َياَم ِة‪.‬‬
‫َو َر َد يِف اَحلِد يث َأَّن الَّش ْم َس َيْو َم الِق ياَم ة َت ْدُنو ِم ْن رُؤ وِس الِعب اد َق ْد َر ِم ي ٍل واِح ٍد ‪،‬‬
‫َق ْد َر َأْلَف ِذراع‪ ،‬يِف هذا ال َو ْقِت ُك ُّل اَألْتِق ي اء الص اِحِلَني َيكون وَن يِف ِظ ِّل الَع ْر ش‪َ ،‬يْع يِن‬
‫ْي‬
‫ْحُيَف ُظ وَن ِم ْن َأَذى َح ِّر الَّش مِس ِب َأْن َيكون وا ِبِظ ِّل الَع ْر ش‪ ،‬اُهلل ْجَيَعُلن ا ِم ْنُه م‪َ .‬و ِم ْنُه م‬
‫الـمَتحاُبوَن يِف اِهلل‪ ،‬الذيَن كاُنوا ِحُي ُبوَن َبْع ُض ُه م َبْع ًض ا َألْج ِل ِد يِن اهلل‪ ،‬ليَس َألْج ِل الـمال‪،‬‬
‫ليس َألْج ِل غرٍض ُدْنَيِو ّي ‪ ،‬هؤالء َيكونوَن َأْيًض ا يِف ِظ ِّل الَعْر ش‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬والَّش َف اَعُة ال تي اَّدَخ َر ه ا َلُه ْم َح ٌّق َك َم ا ُر وَي في‬
‫األخباِر ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ِ :‬جي ُب اإلمياُن ِبالشفاعِة اليت اَّدخَر ها الِّنُّيِب ُألَّم ِتِه‪ ،109‬وَم عىن الّش فاَعِة ُس َؤ اُل‬
‫اخلِري ِم َن اِهلل تب ارَك وتع اىل لُألَّم ِة ‪َ ،‬أْي أَّن الرس وَل َيْطُلُب ي وَم القيام ِة مْن رِّب ه إنق اَذ‬
‫‪110‬‬

‫َخ ْل ٍق كث ٍري مْن ُأَّم ِتِه مَن الناِر بع َد أْن َدَخ ُلوها لبعِض ِه م وِبَع َد ِم ُدخوهِل ا لَبعٍض ءاَخ ريَن ‪.111‬‬
‫ِل ِرْي ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬
‫والذي ُخ َّص ب َنِّبُيَنا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم مَن الشفاَع هو الَك ْثرُة اليت ال حَت ُصُل َغ ه َن‬
‫األنبياِء ‪ ،‬وَليس الـمراُد َأَّن َمْن ِس واُه مَن األنبياِء ال َيْش فعوَن بِل الشفاعُة ُهَلْم ثابتٌة‪.‬‬
‫َقاَل َر ُس وُل ِهللا َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس لـم‪ُ" :‬خْرِّي ُت َبَني الَّش َفاَعِة َو َبَنْي َأْن َيْد َخ َل ِنْص ُف ُأَّم ِيِت اْلَجَنَّة َفاْخ ْرَت ُت الَّش فاَعَة َألَهَّنا َأُّمَع َو َأْك َفى“‬ ‫‪109‬‬

‫الَّش فاَعُة َيِه ُس َؤ اُل اْلَخِرْي أي طلُب اخلِري ِم َن الَغِرْي ِللَغِرْي ‪.‬‬ ‫‪110‬‬

‫الَّش َفاَعُة َّم ا َتُك وُن َش َفاَعَة إ ْنَق اٍذ ِم ْن َعَذ اٍب َو َّم ا َتُك وُن َبعَد َنْي ِل ْىَش ٍء ِم َن الَع َذ اِب ‪َ ،‬ق اَل َعَلي ِه الَّص الُة َو الَّس الُم ‪َ" :‬ش َفاَع يِت َألْه ِل‬ ‫‪111‬‬

‫ِإ‬
‫الَكَب اِئِر ِم ْن ُأَّم ِيِت " َح ِد يٌث َح َس ٌن َر َو اُه الْرِّت ِم ِذ ُّيِإ َو اْبُن ِح َّب اَن َو َغُري َمُها‪َ ،‬و َمْع ن اُه َأَّن الـمْحَتاِج َنْي ِللَّش َفاَعِة ْمُه َأْه ُل الَكباِئِر ُد ْو َن َغِرْي مِه ‪،‬‬
‫َو الَّش َفاَعُة ِجَي ُب ا ْيَم اُن َهِبا ِلُثُبْو هِت ا ِبَنِّص الُق رَء اِن َو اَألَح اِد ْيِث الـمْس َتفْيَض ِة َأِي ا ٱلـمْش ُهْو َر ِة ‪َ ،‬و َي ُد ُّل َعَلَهيا َقْو ُهُل َتَع اىَل ﴿َم ن َذ ا اذلي َيْش َفُع‬
‫ِع ْنَد ُه َّال ْذِنِه ﴾ [ُسِإل وَر َة الَبَقَر ِة ‪َ ]255 :‬و َقوُهُل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َال َيْش َفُع وَن َّال لـمِن ٱْر َتٰىَض ﴾ [ُس وَر َة َألنِبَياِء ‪.]28 :‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ ِإِب‬
‫ألن ه س ْش َف ع لـم كانوا ِم ُأَّم ِت ِه لـم كاُنوا ِم الـمسلـمني ِم َغ ِري ُأَّم ِت ِه‬
‫ْن‬ ‫َن‬ ‫َو ْن‬ ‫ْن‬ ‫ْن‬ ‫ُه َو َي‬
‫ِبالشفاَعِة العاَّم ة‪ ،‬الُعْظَم ى‪.‬‬
‫الَّش فاَعُة الُعْظَم ى َو ُتَس ّم ى الَّش فاَعَة العاَّم ة‪ ،‬هذه َخ َّص اُهلل هِب ا َنِبَّين ا حمَّم ًد ا‪َ ،‬و يوَج د‬
‫ِلُك ِّل الن بِّيَني َش فاَعة وللـَم الِئَك ِة َش فاَعة َو لَألْتِق ياِء َش فاَعة وللُّش َه داِء َش فاَعة والُّطف ِل الذي‬
‫ماَت َو َلُه َأَبَو ْيِن ُمْس لمِني ‪َ ،‬يْشَف ع ُهَلما‪ِ ،‬إْن ماَت ُدوَن الُبُلوغ‪.‬‬
‫ِم الـمسلمني ِم‬ ‫الذي‬ ‫اس‬ ‫ّن‬ ‫ال‬ ‫لـما ْشَف الَّر ول الَّشفا َة العاَّم ة ال ْظ ى ْن ِق‬
‫ْن‬ ‫َن ْم َن‬ ‫ُه‬ ‫ُع َم َي َت ُل‬ ‫َع‬ ‫َي ُع ُس‬
‫َأَذى َح ِّر الشمس‪َ ،‬يْع ىِن الذي َأصاَبُه م‪ِ ،‬إىل ما ُه َو َأَخ ّف ‪َ ،‬أّم ا الُك ّف ار َفَينَتِق لوَن ِم ْن هذه‬
‫الِّش ّد ة ِإىَل َأَشّد ‪َ ،‬ألَّن الُك ّف ار ال َخُيَّف ف َعْنُه م العذاب‪.‬‬
‫ِم‬
‫َو َن الـمِه ّم َأْن ُيْع لم َأَّن َبْعَض الـمْس لمني ال ُبَّد َسَيَتَعَّذ ُبوَن يِف الّن ار‪ ،‬هذا الذي َأفاَدُه‬
‫ِف ِل‬ ‫ِد ِل ِل‬
‫الَّنُّص الُق رءاُّيِن َو اَحل يِثّي ‪ ،‬ذ َك ال ُجَيوُز َأْن َيُق وَل الشخُص يِف ُدعاِئِه‪" :‬اللهَّم اْغ ر ُك ِّل‬
‫ِم‬ ‫ِج ِمَج‬ ‫ِل‬ ‫ِهِب‬ ‫ِمِن‬
‫الـمْؤ َني ُك َّل ُذنو م" ال ُجَيوز‪ ،‬كذ َك ال ُجَيوُز َأْن ُيقال‪" :‬اللهَّم َأ ر يَع الـمْس لمَني َن‬
‫ِة ٍد‬ ‫ِم‬
‫الّن ار" َألَّن الرس ول ق ال‪ْ(( :‬خَيُر ُج َقْو ٌم َن الن اِر ِبَش فاَع حمّم )) رواه البخ اري‪ ،‬معن اُه‬
‫كاُنوا يِف الّن ار َيَتَع َّذ ُبون‪ ،‬وهذا ِفي ِه َدلي ٌل َعَلى َأَّن َح ىّت الُّدعاَء وال ِّذ ْك َر حَي تاُج الش ْخ ُص َأْن‬
‫ِف ِل ِمِن‬ ‫ِئ‬
‫َيَتَعلمه َقب َل َأْن َيُقوَل ُه‪َ ،‬ف ِإن ق اَل َل َك قا ل‪ِ :‬إًذا َك ْي َف َتُق ول‪َ" :‬ر ِّب اْغ ر لـمْؤ َني‬
‫والـمْؤ ِم نات"؟‬
‫فاَجلواب‪ :‬هذا ليَس َم ْع ناُه كذاك‪ ،‬ذاَك َم عناُه يا َر ِّب ال ُتَعِّذ ب َأَح ًد ا‪َ ،‬أّما هذا َفَم ْع ناُه‬
‫يا َر ِّب اْغ ِف ر ِلَبْع ِض الـمْؤ ِمِنَني ُك َّل الُّذ ُنوب َو ِلَبْع ٍض َبْعَض الُّذ نوب‪.‬‬
‫َبْعُض الناس َيْغَلطوَن يِف الُّدعاء‪َ ،‬يُقولون‪" :‬اُهلل ُيباِر ُك ِبَك يا رّب " َأْنَت ِح َني تُق ول‪:‬‬
‫اُهلل ُيباِر ُك ِفي َك ‪ ،‬هذه ِفيها كاُف اِخلطاب‪َ ،‬ف ِإذا ُقْلَت َبْع َد ذل ِك "يا رّب " َيِص ُري الـمْع ىَن ‪:‬‬
‫"يا رّب ‪ ،‬باِر ك يِف َنْف ِس ك" ال َيْص ُلُح هذا‪ِ ،‬إذا ُقْلَت ‪" :‬اُهلل ُيباِر ُك ِفي َك " هذا َص حيح‪ ،‬أو‬
‫َتُقول‪" :‬يا رّب باِر ك ِفيِه" يعىِن َح ىّت الُّدعاء حيتاُج ِإىَل ِعلم‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬والـميَثاُق الذي َأَخ َذ ُه اُهلل تعالى ِم ْن ءاَدَم َو ُذرَّيِته َح ٌّق‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أّن الـميثاَق الذي أخ َذ ُه اُهلل على ءادَم هو الـميثاُق الذي َمَشَل األنبياَء‪ ،‬قاَل‬
‫تع اىل ﴿َو ِإْذ َأَخ ْذ َنا ِم َن الَّنِبِّيَني ِم يَث اَقُه ْم َو ِم ْن َك َو ِم ْن ُن وٍح َو ِإْبَر اِه يَم َو ُموَس ى َو ِعيَس ى اْبِن‬
‫َمْر َمَي َو َأَخ ْذ َنا ِم ْنُه ْم ِم يَثاًقا َغِليًظا (‪ ﴾)7‬سورة األحزاب‪.‬‬
‫أم ا الـميثاُق ال ذي ُأِخ َذ مْن ذري ِة ءادَم فهَو م ا َذَك َر ُه اُهلل َتع اىل بقوِلِه‪َ﴿ :‬و ِإْذ َأَخ َذ‬
‫َر ُّبَك ِم ْن َبيِن َآَدَم ِم ْن ُظُه وِر ِه ْم ُذِّر َّيَتُه ْم َو َأْش َه َد ُه ْم َعَلى َأْنُفِس ِه ْم َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك ْم َقاُلوا َبَلى‬
‫َش ِه ْدَنا َأْن َتُقوُلوا َيْو َم الِق َياَم ِة ِإَّنا ُك َّنا َعْن َه َذ ا َغاِفِلَني ﴾ سورة األعراف‪.‬‬
‫يِف َيْو ِم "َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك م" كاَن سِّيُد نا ءاَدُم يِف ناِح َية يِف َعَر فات ُتَس ّم ى َنْع مان األراك‪،‬‬
‫هناَك َأْخ َر َج اُهلل ِم ْن َظْه ِر ءاَدم َأْر واَح ُذِّر َّيِتِه ُك َّل ُذِّر َّيِتِه‪َ ،‬و َص َّو َر ُه م ِبَأْش كاِل الَبَش ِر ‪َ ،‬لِكن‬
‫ِغِري‬ ‫ِل‬ ‫ِل َّذ‬ ‫ِغ‬
‫ُصَو ر َص َرية كَأْم ثا ال رّ‪َ ،‬يْع ىِن كَأْم ثا الَّنْم ل الَّص ‪َ ،‬و َم ْع ىَن اْس َتْنَطَق ُه م اهلل َيْع ىِن َأْر َس َل‬
‫َم َلًك ا َو هذا الـمَلك قاَل ُهَلم ُمَبِّلًغا َعِن اهلل‪ِ :‬إَّن َر َّبُك م َيُقول َك ذا وَك ذا َأَلْس ُت ِبَر ِّبُك م‪ ،‬قاُلوا‬
‫َبلى‪َ ،‬م ْع ن اُه يِف ذِل َك ال َو ْقت َخ َل َق اُهلل تع اىل َم ْع ِر َفَت ُه يِف ُك ِّل هذه اَألْر واح‪ُ ،‬ك ُّل اَألْر واح‬
‫َع َر َفت يِف ذِل َك ال َو ْقت َو َص َّد َقت َأَّن اَهلل واِح ٌد ال َش ِر يَك َل ُه‪َ ،‬و ُك ُّلُه ُم اْعرَت ُف وا‪َ ،‬نَطُق وا‪،‬‬
‫قاُلوا َبَلى‪َ ،‬لِكْن ِبَس َبِب ُطوِل الَعْه د‪ ،‬حَني ي ْد ُخ ُل الروُح باجلسد هذا اإلنساُن يْنَس ى هذا‬
‫الَعْه د ال ذي ُأِخ َذ َعَلى روِح ِه ِح َني ُأْخ ِر َج روُح ُه ِم ْن َظْه ِر ءاَدم َعَلْي ِه السالم‪ .‬الرس وُل‬
‫َعلْي ِه والسالم لـما ق ال‪(( :‬م ا ِم ْن َمْو ل وٍد ُيوَل ُد ِإال ُيوَل ُد َعَلى الِف ْط َر ة)) ليَس َم عن اُه ُيوَل ُد‬
‫عاِر ًف ا باِهلل‪ ،‬ال‪َ ،‬م ْع ن اُه ُيوَل ُد َعَلى ُمْق َتَض ى ذِل َك الَعْه د ال ذي ُأِخ َذ ِم ْن روِح ِه ِح ني‬
‫اْس ُتْخ ِر َج ت هذه الُّر وح ِم ْن َظْه ِر ءاَدم َعلْيِه السالم‪ُ ،‬يوَلُد َعَلى ُمْق َتَض ى ذِلَك الَعْه د َو َعلى‬
‫االْس ِتْع داِد ِلَق ُبوِل اَحلّق ‪.‬‬
‫ِإضافة هلذا ا ِد يث م َأَّو ل ال ّد رس الـ‪ :12‬الِف ْط ُة‪ ،‬ن ا ناها اال ِت داِد ِلَق وِل‬
‫ُب‬ ‫ْس ْع‬ ‫َر ُه َم ْع‬ ‫َن‬ ‫َحل‬
‫اَحلّق ‪َ ،‬م ْع ن اُه ُيوَل ُد َعَلى ُمْق َتَض ى م ا كاَن َحَص َل ِم ْن روِح ِه لـما ُأْخ ِر َج ت ِم ْن َظْه ِر ءاَدم‬
‫َو اْس ُتْنِط َق ت ِم ْن ِقَبِل الـمَلك ِبَأْم ٍر ِم َن اهلل يِف عالـم ال َّذ ّر ‪ُ .‬يقاُل َلُه عالـم ال َّذ ّر َألَّن اَألْر واح‬
‫ُص ِّو َر ت ِبَش ْك ِل َبيِن ءاَدم َلِكْن َص ِغَرية َك َأْم ث اِل ال َّذ ّر َو ُه َو َنـْم ٌل َص ِغري‪َ .‬و ُك ّل روح‬
‫اْع َتَر ف‪َ ،‬ح ىّت َأْر واح الذيَن ُه م اآلن ُكّف ار اْع َتَر ف مِب ا ُه َو ُمْق َتَض ى الَّتْو ِح يد‪ُ ،‬ك ّل اَألرواح‬
‫ق اَلت‪َ :‬بَلى ال إَل ه لن ا َغ ُريك‪َ ،‬يْع ىِن َو َّح ُد وا اَهلل تع اىل بالـمقاِل واالْع ِتق اِد ‪َ ،‬فلما يوَل د هذا‬
‫الّش ْخ ص‪ُ(( ،‬يوَل ُد َعَلى الِف ْط َر ة)) َك ما قاَل الّر ُس ول َأْي َعَلى االْس ِتْع داِد ِلَق ُب وِل الَّتْو ِح يد‪،‬‬
‫ِعْنَد ُه َقُب ول ِلَق ُب وِل الَّتْو ِح يد‪ ،‬اَخلَط ر الذي َنَّبْه نا ِم ْن ُه‪ُ ،‬ه َو َأْن َيْع َتِق َد الّش ْخ ص َأَّن اإلنساَن‬
‫ِم‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِإ ِل‬
‫ذا ُو د ُيوَل ُد عاِر ًف ا َر ِّب ‪ ،‬هذا َخ َط ر‪َ ،‬ض الل‪ ،‬هذا ُمعاِر ض لآلَي ة‪َ﴿ :‬و اُهلل َأْخ َر َج ُك ْم ْن‬
‫ُبُطوِن ُأَّمَه اِتُك ْم ال َتْع َلُم وَن َش ْيًئا (‪ ﴾)78‬سورة النحل‪ُ ،‬ك ُّل إنساٍن ْخَيُر ُج ِم ْن َبْطِن ُأِّم ِه ال‬
‫َيْع َلُم ش ْيًئا‪ ،‬والَّنُّص اَحلِد يِثُّي ال خُي اِلُف الَّنَّص َب ْل َيَّتِف ق َمَع ُه‪ ،‬انتهى الكالم هبذا الـموضوع‬
‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِل ِل‬
‫من ال درس ‪ .12‬ذ َك ق اَل الرس وُل َبْع َد ذ َك ‪َ(( :‬أَب واُه ُيَه ِّو دا ُه َأْو ُيَنِّص را ُه َأْو‬
‫ِن‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِف ِإ‬ ‫ِنِه ِإ‬
‫ُيـَم ِّج سا )) َف ًذا ُه و ال َيكوُن عاِر ًف ا باهلل‪ ،‬ذا كاَن ْن َأَبَو ْين َيُه و َّينْي َأْو َنْص را َّينْي َأْو‬
‫ِل ِع‬ ‫ِه ِك‬ ‫ِه‬ ‫ِس‬
‫جَم و َّينْي ‪ ،‬هذا األب ُيَعلمُه ما ُه َو َعَلْي ‪ ،‬هذا ُيَعلمُه ما ُه َو َعَلْي ‪َ ،‬ل ْن ُه َو ُو َد َو ْنَد ُه‬
‫االْس ِتْع داد ِلَق ُب وِل اَحلّق َعَلى ُمْق َتَض ى ذِل َك الَعْه د الذي ُأِخ َذ ِم ْن روِح ِه ِح َني اْس ُتْخ ِر َج ت‬
‫ِم ْن َظْه ِر ءاَدم‪َ .‬ح ىّت ال َيُظَّن ظاّن ُه ن ا َأَّن الّش ْخ َص ِإذا ُو ِلَد َيُك وُن َعَلى الِعلـم باهلل‪ ،‬ال‬
‫ليَس َم ْع ن اُه كذِلك‪ ،‬لكن هو إذا ُو ِلَد مْن أَبَو ين مسلـمني نق ول عن ه مسلـم َأْي ُمْس لـم‬
‫بالَّتَبِعّية‪َ ،‬ك ما ِإذا ُو ِلَد ِم ْن َأَبَو ْين َيُه وِدَّينْي َنُقوُل َعْن ُه َيُه وِدّي َأْي بالَّتَبِعّي ة َو ليَس َم ْع ناُه َيَّتِب ع‬
‫الَيُه وِد َّيَة‪.‬‬
‫وهذا الـميثاُق أِي العهُد هو اعرتاُفهم بع َد أِن استخَر َجُه م ِم ْن ظهِر ءادَم بعدما َنزَل‬
‫إىل األرِض َفص َّو م وخل فيه الـمعرفَة واإلدراَك بأَّن ه ال إٰل هل إال ا ‪ ،‬فجمي ُذرَّيِة‬
‫ُع‬ ‫َه ْم ُهلل‬ ‫َق ُم‬ ‫َر ُه‬
‫ءادَم اعرتُفوا ذلك اليوم‪.112‬‬
‫اُهلل َتع اىل يِف هِذِه اَحلي اِة َجَع َل الع اَدَة َأْن َيُك وَن اإلنسان واِجلُّيِّن والـمَلُك َح ًّي ا ِإذا‬
‫كانت روُح ُه يِف َج َس ِدِه‪ ،‬اُهلل تعاىل قاِدر َأْن ْخَيُل َق َح ياًة يِف َش ىٍء ِبال ُر وح‪ ،‬لـما الرسول‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِج‬ ‫ِن‬ ‫كاَن يِف ِج ِدِه‬
‫ْخَيُطُب ُمْس َت ًد ا ِإىَل ْذِع ْخَنل‪َ ،‬و َع َر َض َعَلْي بعض َأْص حاِب َأْن ُيْع َم َل َلُه‬ ‫َم ْس‬
‫ِم‬ ‫ِجل‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬
‫ْنرَب ‪َ ،‬فلما َر َيُه َطَلَع َص ْو ت ْن هذا ا ذع الذي ُه َو َم ْق ُطوٌع ْن َش َج َر ة ْخَنل‪ ،‬هذا َم ْع ناُه‬
‫َأَّن ا تع اىل َل للِج ْذِع حي اًة ِإْد راًك ا ِإ سا ا ُش و ا َفَش ِب ا نِني ِل س وِل اِهلل‬
‫َو ْح ًس َو ُع ًر َعَر َحل َر‬ ‫َو‬ ‫َخ َق‬ ‫َهلل‬
‫َو ُه َو ما ِفيِه روٌح ‪ ،‬اُهلل قاِدٌر َعَلى ُك ِّل شىء‪.‬‬
‫قاَل الّر سول‪ُ(( :‬أُح د َجَب ٌل ِحُي ُّبنا َو ِحُن ُّب ُه)) قاَل َبْعُض الُعلماِء معناُه َخ َل َق اُهلل يِف َجَب ِل‬
‫ُأُح ٍد ُش ُعوًر ا َمِبَح َّبِه الَّر سول َفصاَر ِحُي ُّب الّر ُس ول من دون ُو ُج وِد روٍح ِفيِه‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َقْد َعِلَم اُهلل َتعالى ِفيما لـم َيَز ْل َعَد َد َمْن َي ْد ُخ ُل الَج َّن َة‬
‫َو َع َد َد َمْن َي دُخ ُل الناَر ُجْم َل ًة َو اِح َد ًة‪َ ،‬فال ُي زاُد في ذِل َك الَع َد ِد َو ال ُيْنَق ُص ِم ْن ُه‪،‬‬
‫َو َك ذِلَك َأْفَعاُلُه ْم ِفيَم ا َعِلَم ِم ْنُه ْم َأْن َيْف َعُلوه‪َ ،‬و ُك ٌّل ُمَيَّس ٌر ِلـَم ا ُخ ِلَق َلُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اجلمل َة اُألوىل اليت فيها بياُن إحاطِة ِعْلِم اِهلل ِبـَم ْن َيدخُل اجلن َة تفص ياًل‬
‫وِبعدِد َمْن يدخُل الناَر تفصياًل بياٌن ِلَس َعِة ِعلِم اِهلل وأَّن علَم ُه ال ُيَق َّد ُر بـمعُلوِم اخلالئِق ‪.‬‬

‫الـمعىَن َأَّن َهللا َأَخ َذ الَع ْهَد ِم ْن ُذ ِّر َّيِة ءاَد َم ‪َ ،‬أْخ َر ُهَج م ِم ْن ُص ْلِب ءاَد َم َو َص َّو َر مُه َأْي َأْر َو اُهُح م ُم َص َّو َر ٌة ِبَش ٍلْك َو َر َّكَب ِف ِهْي ُم الَع ْق َل‪َ ،‬ق اَل‬ ‫‪112‬‬

‫َلُهم َعىَل ِلَس اِن الـمالِئَكِة ‪َ" :‬أَلْس ُت ِبَر ِّبمُك َق اُلوا َبىَل َال َهَل َلَن ا َغُرْي ك" َفَع َر ُف وا َخ اِلَقُهم‪َ ،‬و َر َد يِف اْلَح ِد يِث ‪َ" :‬م ا ِم ْن َم ْو ُل ْو ٍد َّال َو ُيْو ُدَل َعىَل‬
‫الِفْط َر ِة " َم عَناُه َأَّنُه ُم ْس َتِع ٌّد ِلَقُبْو ِل ا ْس َال ِم َألَّنُه َيْو َم َأْخ َر ِإَج ُهللا َأْر َو اَح ُذ ِّر َّيِة َء اَد َم ِم ْن َظ ْهِر ءاَد َم َفَص َّو َر مُه ُص َو ًر ا َو اْس َتْنَط َق ِإُهم َفَنَط ُق وا‪َ" :‬ال‬
‫ِإل‬
‫َهل َلَنا َغُرْي َك “ ُّلُك َم ْو ُلْو ٍد َعىَل ُم ْو َج ِب َٰذَكِل ُيْو ُدُل ‪ ،‬عندما ُيْو ُدَل ال َيْذ ُكُر َٰذَكِل َلِكْن ُه َو ُم ْس َتِع ٌّد َأْن َيْب َقى َعىَل َٰذَكِل اِالْع ِتَق اِد ىل َأْن ُيَع لـمُه‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َأْهُهُل الـمُج ْو ِس َّيَة َأْو َغَرْي َها َفَيْعَتِقُد َع ِقْيَد ُهَتم‪َ ،‬ه َذ ا َمْع ناُه ‪ ،‬لـام ُر ِّكَبْت َأْر َو اُهُح م يِف َأجَس اِد مِه َنُس ْو ا َٰذَكِل الَع ْهَد َّمُث َأْخ َر ُهَج ْم ِم ن ُبُط وِن ُأَّم َه اِهِت م‬
‫ال َيعلـموَن َش يًئا‪َّ ،‬مُث َه َذ ا ا نَس اُن ُيلَك ـمُه َأُبوُه اِب لـمُج وِس َّيِة ‪َ ،‬و ُيلَك ـم اآلَخ َر َأُبوُه الـمسلـم َعِن ا سالِم َفَيْقَبُل َألَّنُه َيُك وُن ُم َهَّيًئ ا ِلَقُب وِل َم ا‬
‫ِإل‬ ‫ِإل‬
‫ُيلِقيِه َليِه َفالِفْط َر ُة َيِه ُم ْقَتىَض َٰذَكِل الَّتْو ِح يِد اذلي َع َر َف ِح َني ُأخِر َج ْت ُر وُح ُه ِم ن َظ ْهِر َء اَد َم َو ُص َّو َر ُه ِبُص َو ٍر َص ِغ َري ٍة ‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل َأخ َر َج‬
‫ِإ‬
‫َأرَو اَح َبيِن َء اَد َم َقبَل َأْن خَي ُل َق َأجَس اَد مُه ‪َ ،‬ر َّكَب ِف ِهي ُم الَع قَل َو الـمعِر َفَة َفَع َر ُف وا َأَّن َهللا َم ْو ُج وٌد ِبال َم اَك ٍن ‪َ ،‬و َأَّنُه َليَس ِج ْس ًم ا‪َ ،‬و َأَّنُه ال‬
‫َيسَتِح ُّق َأَح ٌد َأْن ُيعَبَد َغيْـُر ُه ‪َ ،‬و َقاُلوا‪َ" :‬ال َهَل َلَنا َغيـُر َك “‬
‫ِإ‬

‫َفاِئ َد ٌة‪ :‬اَألجَس اُم ُخ ِلَقْت َش ْيًئا َبعَد ْىَش ٍء َم ا ُخ ِلَقْت َأاَّي َم َء اَد َم ‪َ ،‬أاَّي َم َء اَد َم اَألرَو اُح اَك َنْت َم خُلوَق ٌة ‪ُّ ،‬لُك اَألرَو اِح‪َ ،‬و َلَه ا ُم ْس َتَقٌّر ‪َّ ،‬مُث لُك ـام‬
‫َمَح َلِت امَر َأٌة َو َص اَر َو قُت ُدُخوِل الُّر وِح يِف اْلَج ِنِني ‪َ ،‬م ُكَل الَّر ِح ِم الـمَو ُلَّك حَي ِم ُل الُّر وَح ُيدِخ ُلَها يِف َج ْو ِف اُألِّم َفَيدُخ ُل ىَل َه َذ ا اْلَج ِنِني ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫ِعلُم اِهلل ليَس ْحَمُصوًر ا َو ليس ُمْبَتَد ًء َو ليس ُمْنَتِه ًيا َو ُه َو ُمَتَعِّلٌق ِبـما ال هِن اَيَة َلُه‪.‬‬
‫وَح ْس ًم ا لـماَّدِة الَّش ِّك يف القضاِء والَق َد ِر مَن الَّض َعَف ِة‪ ،‬أْي ضَعفِة األفهاِم ‪ ،‬وَدفًع ا‬
‫لتل بيِس أوهاِم القَد ري ِة أِي الـمعتزلِة على الع واِّم‪ ،‬حيُث ق اُلوا‪ :‬كي َف ُيع ِّذ ُب اُهلل على م ا‬
‫قضاُه وقَّد َر ه‪ ،‬فَبَنَّي الَّطحاوُّي ما يَؤ ِّيُد ذلَك ‪.‬‬
‫ِقي اُس اخلاِلق َعَلى الـمْخ ُلوق ِقي اٌس ش ْيطاّيِن‪ُ ،‬ك ف ر‪ ،‬املعتزل ة قاُس وا اخلاِلق َعَلى‬
‫الـمْخ ُلوق‪َ .‬بْع ُض ُه م َيُق ول‪ِ :‬إَّن كان يِل َثالَثة َأْو الد َه ْل يِل َأْن َأْقَطَع رُؤ وَس ُه م؟ اُهلل تعاىل‬
‫ماِلُك ُك ِّل شىء َح ِق يَقًة‪ ،‬اَألْو الُد ليُس وا ِم ْلَك َك ‪ ،‬هؤالء َخ َلَق ُه ُم اهلل‪ُ ،‬ه م ِم ْل ٌك هلل‪ ،‬اُهلل هناَك‬
‫َعْن ذِل َك َفليَس َل َك َأْن َتْف َعَل ُه‪ ،‬ليَس َألَح ٍد َأْن َي ْأُمَر اهلل َأْو َيْنهاُه‪َ ،‬يِق يُس وَن اخلاِلق َعَلى‬
‫َأْنُفِس ِه م َفَيْك ُف ُر ون‪ .‬اآلن َلْو َأَح دنا َأَخ َذ الِّس ِّك ني َو َتَو َّج َه ِلَذ ْبِح َو َلِدِه َيُك وُن آًمِثا‪ِ ،‬إبراِه يم‬
‫َأ‬ ‫ا‬ ‫َّن‬‫َأل‬ ‫ا‬ ‫َل ِه السالم َأ َذ الِّس ِّك ني َّج ِل َذ ِح َل ِدِه ِإمساِعيل َلِك كاَن طاِئ‬
‫َهلل َم َر ُه‬ ‫ًع‬ ‫ْن‬ ‫َو َتَو َه ْب َو‬ ‫َخ‬ ‫َع ْي‬
‫ِت‬ ‫ِع‬ ‫ِل‬ ‫ِب ِل‬
‫ذ ك‪ ،‬حنُن هَن ان ا اهلل َعْن ذ ك‪ِ .‬إمْس ا يل ق اَل َأِلبي ه‪ :‬ي ا َأَب اْفَع ل م ا ُتْؤ َم ر‪َ ،‬م عن اُه اُهلل‬
‫َأَم َر َك ِبذِلك‪َ ،‬نِّفذ ما َأَم َر َك اُهلل ِبِه‪ .‬الذي ِعْنَد ُه الَف ْه َم الّس ليم الَص حيح َيْف َه ُم هذا‪َ ،‬و الذي‬
‫ا الَف الصحيح السليم ال ْف هذا‪ ،‬كون يِف ى الَق لب‪َ ،‬ت َذ َّك وا َل اِهلل‬
‫ُر َقْو‬ ‫َعَم‬ ‫َي‬ ‫َي َه ُم‬ ‫َح َر َم ُه ُهلل ْه َم‬
‫تع اىل ﴿َأْم َعَلى ُقُل وٍب َأْقَف اَهُلا (‪ ﴾)24‬س ورة حممد‪ ،‬الُقل وب َعَلْيها َأْقف ال َم ْع َنِو ّي ة ال‬
‫َألي‬ ‫ها"‪.‬‬ ‫ُق‬‫ْف ها ِإال خاِلُقها‪ ،‬هكذا قاَل س ِّيُد نا ر‪ ،‬قاَل ‪" :‬ال ْف الُقلو ِإال خاِل‬
‫َس‬ ‫َب‬ ‫َي َتُح‬ ‫ُعَم‬ ‫َي َتُح‬
‫ِل ِك‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِه‬
‫الرسول َعَلْي الصالُة والسالم حاَو َل َأْن َيْه َي َأبا طا ب (أبا َع ّي )؟ َل ن اُهلل ما شاَء َلُه‬
‫اِهلدا ة َفلم َت ِد َأَّن ال س ول كان ري ا َعَلى ذِل ك‪ ،‬ا تع اىل َأ َل َعَلى الرس وِل‬
‫ْنَز‬ ‫ُهلل‬ ‫َح ًص‬ ‫َيْه َم َع ّر‬ ‫َي‬
‫ِد‬ ‫ِك‬ ‫ِد‬ ‫ِإ‬
‫﴿ َّنَك ال َتْه ي َمْن َأْح َبْبَت َو َل َّن اَهلل َيْه ي َمْن َيَش اُء (‪ ﴾)56‬سورة القصص‪ُ ،‬ه نا َمْن‬
‫عن ا َأح َل اِهلدا ة‪ُ ،‬ك ُّل َن ِف َظ ا ِم َأْن ـِم ي ْل َإىَل َّب ِة ذاِت‬
‫ٍّيِب َح ُه ُهلل ْن َي َل َق ُب ُه َحَم‬ ‫َأحَبْبَت َم ُه َمْن َبْبَت ُه َي‬
‫كاِفر َو َلْو كاَن َقِر يًبا له َو َلْو كاَن َو َلَد ُه‪َ ،‬لْو كاَن َعَّم ُه‪َ ،‬فهذه اآلَية ليَس َم ْع ناها َأَّن الرسول‬
‫كاَن َقْلُبُه ِحُي ُّب َعَّم ُه َعلى الُك ُف ر‪َ ،‬بْل كاَن ِحُي ُّب َلُه اِهلداَية‪.‬‬
‫ومع ىن ذِل َك َأَّن اَهلل َعلم َع دَد َمْن ي ْد ُخ اجلَّن َة َأُهنم ُيْؤ ِم ُن وَن وُيطيُع وَن َعِن اْخ ِتي اٍر‬
‫ُل‬
‫َو ِإيث اٍر ‪َ( ،‬أْي خَي ت اروَن ذل َك َو ُيَف ِّض ُلوَنُه َعَلى َغ ِري ه) وَعلم ع َد َد َمْن َي ْد خُل الن اَر أُهنم‬
‫َيكُف روَن وخياِلفوَن َأواِم َر ُه عِن اختياٍر منُه ْم عن َد وُج وِدِه م وكوِهِنم ِبصفِة الُبلوِغ والعق ِل‬
‫َفال َيْس َتْو ِج ُبوَن الناَر عْن َج ٍرْب واْض ِط راٍر ‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َّنـما ٌه ُم اْخ تاروا الُك فر‪ ،‬لـم َيكون ُو ا ْجُمِرَب يَن ال راَد َة ُهَلم يِف ما َفَعُلوُه َأِو اْع َتَقُد وُه َأْو‬
‫ِئ‬ ‫ِخ‬ ‫ِع‬ ‫ِم‬
‫ق اُلوُه َن الُك ُف ر‪ .‬لل ْبَر ة‪َ :‬أْخ َبَر يِن َأ ي ق اَل يِل ‪ُ :‬ك ْنُت يِف س ياَر ِة اُألْج َر ة‪َ ،‬فَك َف َر س ا ُق‬
‫السياَر ة َو َأِخ ي ُعُمُر ُه َأْك َثر ِم ْن ِس ِّتَني َس َنة َو َلِط يف ِج ًّدا‪ ،‬قال‪َ :‬فَبَد ْأُت ُأَح ِّد ُثُه ِبُلطف َعَس ى‬
‫َأْن َيْر ِج َع َعِن الُك ف ر‪َ ،‬فُقْلُت َل ُه ال جيوُز ِإذا َغِض َب الش ْخ ص َأْن َيَتَك لم ِبَك الم فاِس د‬
‫ْخُيِر ُج ُه ِم َن اِإل ْس الم‪ ،‬قاَل َلُه الساِئق‪َ :‬و َأنا ما َبِّدي َنِص يَح ة‪ ،‬قاَل َلُه‪َ :‬أنا َأخاُف َعَلْي َك ِم ن‬
‫النار‪ ،‬فقاَل َله‪َ :‬أريُد الناَر ِلَنْف ِس ي َو َتَر ْك ُت اَجلَّنَة َلك‪ ،‬هذا َعِن اختيار‪.‬‬
‫وَيْس َتِح يُل َأْن ال َيعلم ما َيُك وُن مْن ْخمُلوقاِته قب َل وجوِدِه م إْذ ذاَك َج ْه ٌل واجلْه ُل يف‬
‫حِّق القدِمي حُم اٌل ‪َ ،‬فَثَبَت َس ْبُق ِعلِمِه يف اَألزِل بـما يكوُن مْن خملوقاِته‪.113‬‬
‫َأَّم ا َق وُل الـمؤِّلِف "وُك ُّل ُمَيَّس ٌر ِلـَم ا ُخ ِل َق ل ُه" هذا لف ُظ َح ديٍث َم ش هوٍر َص حيِح‬
‫أصحاب الكُتِب الِّس َّتِة‪ ،‬والـمعىن أَّنُه َمْن ُق ِّد َر َأَّنُه مْن أهِل اجلن ِة ُق ِّد َر له ما‬ ‫ُ‬ ‫ِد‬
‫اإلسنا رواُه‬
‫ُيَقِّر ُبُه إليها مْن قوٍل وَعَم ٍل َو ُو ِّفَق لذلك‪ ،‬وَمْن ُقِّد َر أنُه مْن أهِل الناِر ُقِّد َر له ِخ الُف ذلك‬
‫فَأَتى بأعماِل أْه ِل الناِر وأَص َّر عَليها حىت َطَو ى عليِه َص حيفَة ُعُم ِرِه‪.‬‬
‫عْن َعِلٍّي َر ِض َي اُهلل َعْنُه َقاَل ‪َ :‬ك اَن الَّنُّيِب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم يِف َج َن اَز ٍة‪َ ،‬فَأَخ َذ َش ْيًئا‬
‫َفَجَع َيْنُك ُت ِب ِه اَأْلْر َض ‪َ ،‬فَق اَل ‪َ(( :‬م ا ِم ْنُك ْم ِم ْن َأَح ٍد ِإاَّل َق ْد ُك ِت َم ْق َع ُد ُه ِم الَّن اِر‬
‫َن‬ ‫َب‬ ‫َو‬ ‫َل‬
‫َو َم ْق َع ُد ُه ِم َن اَجْلَّن ِة)) َق اُلوا‪َ :‬ي ا َرُس وَل اِهلل‪َ ،‬أَفاَل َنَّتِك ُل َعَلى ِكَتاِبَن ا َو َن َد ُع الَعَم َل؟ َق اَل ‪:‬‬
‫((اْع َم ُل وا َفُك ٌّل ُمَيَّس ٌر ِلَم ا ُخ ِل َق َل ُه‪َ ،‬أَّم ا َمْن َك اَن ِم ْن َأْه ِل الَّس َعاَدِة َفُيَيَّس ُر ِلَعَم ِل َأْه ِل‬

‫الَّر ُس وُل َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس لـم َعلـم َأَحص اَبُه‪" :‬اللُهَّم َأُعوُذ ِبِر َض اَك ِم ْن َخَسِط َك َو َأُع وُذ ِب َك ِم نَك " َأْي َأطُلُب ِم نَك َأْن ُتِع ي َذ يِن ِم ن‬ ‫‪113‬‬

‫ِّرَش َم ا َخ َلْقَت ُه َأْنَت ‪َ ،‬ه َذ ا َد ِلي ٌل َأله ِل الُّس َّنِة َعىَل َأَّن َهللا َتَع اىَل ُه َو َخ اِلُق ا ْيَم اِن يِف الـمؤِم ِن َو ُه َو َخ َل َق الُكف َر يِف الاَك ِف ِر يَن ‪َ ،‬ليَس‬
‫ِإل‬
‫الـمؤِم ُنوَن َخ َلُقوا ا ْيَم اَن يِف ُنُفوِس ِهم َو َليَس الُكَّفاُر َخ َلُقوا الُكفَر يِف ُنُفوِس ِهم‪َّ ،‬مُث َلو َأعَط ى ا ْيَم اَن الِع باَد َّلُكُهم َلاَك َن ُّلُك الَبِرَش َو ُّلُك اْلِج ِّن‬
‫ُم سلـمَني ُمْؤ ِمِنَني ِإلكِّلُك الـمالِئَكِة َلِكْن َم ا َفَع َل‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل ِلِح َمكٍة َخ َل َق ا ْيَم اَن َو الَّط اَعَة يِفِإل َبعِض َخ ْلِق ِه َو يِف َبعِض ِهُم الُكْف َر َو الـمَع اَيِص ‪،‬‬
‫َفعندما َنَر ى َأَّن َهللا خَي ُلُق اَألضَد اَد ـ ا ْيَم اُن ِض ُّد الُكفِر ‪ ،‬الُكفُر ِض ُّد ا ْيَم اِإلِن ‪ ،‬الَّط اَعُة ِض ُّد الـمعِص يِة ـ َنزَداُد ِعلـام ِبَمَكاِل ُقْد َر ِة ِهللا ‪ ،‬اَمَك َأَّنَنا‬
‫عندما َنَر ى َبعَض اَألَجشاِر ِف َهيا َثَمٌر ُح ْل ٌوِإل َو َبعَض اَألَجشاِر َليَس َلَه ا َثَم ٌرِإل ُح ْل ٌو َو َبعُض اَألَجْشاِر َلَه ا ٌّمُس َتقُت ُل َو َبعَض اَألَجْشاِر َد َو اٌء‪ ،‬عن دما‬
‫َنَر ى َأَّن َهللا َخ َلَق َه ِذِه اَألَجشاَر َنزَداُد ِعلـام ِبَمَكاِل ُقدَر ِة ِهللا ‪ِ ،‬لَهِذِه اْلِح َمْكِة َم ا َخ َلَق اْلَخَري َفَقْط َخ َلَق اْلَخَري َو الَّرَّش ‪،‬‬
‫ِة‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬
‫الَّس َعاَد ‪َ ،‬و َأَّم ا َمْن َك اَن ْن َأْه ِل الَّش َق ا َفُيَيَّس ُر َعَم ِل َأْه ِل الَّش َق اَو )) َّمُث َقَر َأ ﴿َفَأَّم ا َمْن‬
‫َأْع َطى َو اَّتَق ى (‪َ )5‬و َص َّد َق ِباُحْلْس ىَن (‪ ﴾)6‬سورة الليل‪ ،‬اآلية‪.‬‬
‫الَغريِب ها ة)) رواه الطرباين‪ ،‬إذا شخ سا إىل كاٍن ِعي ٍد‬
‫ٌص َفَر َم َب‬ ‫َش َد‬ ‫حديُث ‪َ(( :‬مْو ُت‬
‫ِإْن كان للَعَم ِل أو لَطَلِب العلِم أو لِتجاَر ٍة ُمباَح ٍة ولـم يكن َم ع ُه َأهل ُه وَم اَت وهو غريب‬
‫يف ذاك الـَم كاِن البعيِد عن وطنِه فهذا يُناُل الشهاَدَة‪ ،‬أي تغفُر له ذنوُبُه‪.‬‬
‫ام رأة ج اءت إىل الش يخ رمحه اُهلل وق الت ل ه‪ :‬إن زوجي يعمُل يف ال دعوة إىل اهلل‬
‫ويغيُب كثًريا عن البيِت ونفسي تسوحُش فماذا أفعُل؟‬
‫ق ال رضي اهلل عن ُه‪ :‬عقَب صالِة الص بِح وعقَب صالِة الـمغرِب وأنت يف جل وِس‬
‫الص الِة قب َل أن حتركي رجل ِك ق ويل عش َر م راٍت "ال إل ه إال اُهلل وحَد ُه ال ش ريَك ل ه ل ه‬
‫يكت‬ ‫َك‬ ‫ذل‬ ‫الـملُك ول ه احلمُد حييي وميي وهو على كِّل ش ىٍء ق دير" فإن َك إن فعلِت‬
‫ُب‬ ‫ُت‬
‫ل ِك عش حسناٍت موجب ات ومتحى عن ِك عش س يئاٍت موبق اٍت وحتفظَني من السحِر‬
‫ُر‬ ‫ُر‬
‫ومن أذى اجلِّن ومن الـمكروِه وتكونَني مطمئن ة"‪ .‬ق ال العلما ‪ :‬موجب اٍت أي ل دخوِل‬
‫ُء‬
‫اجلنِة‪ ،‬وموبقات أي من الكبائِر ‪ .‬وهذا لـمن أدى الصالة لوقتها‪ ،‬والتزم يف اجللوِس الذي‬
‫كاَن فيه لـما يسلـم‪.‬‬
‫ق ال الش ي ‪" :‬التش وي على الن ائِم حرام"‪ .‬يف صالِة الفجِر نوق ُظ الن ا للص الِة‬
‫َس‬ ‫ُش‬ ‫ُخ‬
‫ِة‬
‫وهذا ال يسمى تشويًش ا هذا دع وى للطاع ‪ ،‬هو واجٌب على ال وِّيل أن يوق َظ أوالدُه‬
‫الـمميزي للصالِة كصالِة الفجِر ‪ ،‬ويستحُّب أن يوقَظ البالغ من أوالِدِه ومن غ ِري أوالِدِه‬
‫َني‬ ‫َن‬
‫ألنُه عمُل طاعٍة لفال يسمى تشويًش ا‪ .‬أما إذا كان شخص يتكلم مع ءاخر ويوج ُد أناس‬
‫نائموَن ويشوُش عليهم ال جيوُز ذل َك ‪ ،‬الرسول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم كاَن يكرُه احلديَث‬
‫ال ذي ال خ َري في ه بع َد العش اِء ‪ ،‬وأكثُر الن اس َيـْح ُلو هلم احلديث بع َد العش اِء ب دل أن‬
‫يشتغلوا بالطاعِة‪.‬‬

‫‪12‬‬ ‫الدرس‬
‫َقاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و اَألْع َم اُل ِباْلَخ واِتيِم ‪.‬‬
‫ِه ِل ِد ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِب‬
‫الش رُح ‪َ :‬م ع ىن اَألْع ماُل الَخ وا يِم َأْي أَّن اَجلزاَء َيكوُن َعلى م ا ْخُيَتُم ب لعب َن‬
‫العمِل ‪َ ،‬فَم ْن ُخ ِتَم لُه ِبَعمِل أْه ِل الَّس عادِة فُه و َس عيٌد ‪ ،‬وَمْن ُخ ِتَم له بعمِل أهِل الَّش قاَو ِة فهو‬
‫َش ِق ٌّي ‪ ،‬فَم ْن عاَش كافًر ا مث َأْس لـم وماَت َعلى َعَم ِل أهِل اجلن ِة فُه و َجُياَز ى مبا ُخ ِتَم َل ُه ِبِه‪،‬‬
‫َو َمْن كاَن على َعْك ِس ذلَك فُيَج اَز ى َحِبَس ِب ما ُخ ِتَم لُه بِه‪.‬‬
‫ِّيُد نا ر ِض ا ْن قب َأْن لـم كاَن ِر ي ُد ْت ال ول لى ا َلي ِه‬
‫ُي َق َل ّر ُس َص ُهلل َع‬ ‫َس ُعَم َر َي ُهلل َع ُه َل ُيْس‬
‫َو َس َّلَم ‪ ،‬كان ِمَس َع َأَّن َأبا َج ْه ل َو َض َع ماَئة ناَقة لـمْن َيْق ُتُل حممًد ا‪َ ،‬فَذ َه َب ِإَلْي ه‪ ،‬قاَل َلُه‪َ :‬أبا‬
‫اَحلَك م‪َ ،‬ص َّح الَّضمان؟ َيْع ىِن َص حيح ما ِقي َل َأَّنَك َجَعْلَت ماَئة ناَقة لـمْن َيْق ُت ُل حممًد ا؟ قاَل‬
‫َل ُه َص َّح ‪َ ،‬فَأَخ َذ ِخ ْنَج ًر ا َو َم َض ى َعَلْيها الُّس ّم ‪َّ ،‬مُث اُهلل تع اىل َغَّيَر حاَل ُه‪َ ،‬دَخ َل يِف اِإل ْس الم‬
‫َو صاَر ِم ْن َأْح َس ِن الن اس‪ ،‬الِعْبَر ة ب اَخلواِتيم) َلِكْن اإلنسان ال ذي َيِص ُل للِو الَي ة‪ ،‬هذا ال‬
‫ِّبِه‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِم ِلِه‬ ‫ِل‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َيْنَق ُب كا ًر ا َبْع َد ذ ك‪ُ ،‬ع ِر َف ذ َك ْن َقْو َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم يِف ما َيْر ِو ي َعْن َر‬
‫َع َّز َو َج ّل‪َ ،‬أْي يِف اَحلِديِث الُقْد ِس ّي ‪ ،‬قاَل تعاىل‪َ(( :‬فَيكوُن ِم ْن َأْص ِف ياِئي)) الُعلـماء قاُلوا‪:‬‬
‫َمْن صاَر ِم ْن َأْص ِف ياِء اهلل َأْي ِم ْن َأْج باِب ِه هذا ال َيْنَق ِلُب َع ُد ًّو ا هلل‪ ،‬اُهلل تع اىل ق ال‪ِ﴿ :‬إَّن‬
‫ِعَب اِدي َلْيَس َل َك َعَلْيِه ْم ُس ْلَطاٌن (‪ ﴾)65‬سورة اإلسراء‪َ ،‬يْع ىِن الِعباُد الّص اُحِلون‪ ،‬الش ْيطان‬
‫ِر‬ ‫ِص ِإ‬ ‫ِط‬ ‫ِر يِف ِص ِة ِهلل‬ ‫ِط‬
‫ال يْس َت يع َأْن ُيْغ َقُه م َم ْع َي ا ‪ ،‬ال يْس َت يُع َأْن ُيو َلُه م ىَل الُك ُف ‪َ ،‬م ْه ما َو ْس َو َس‬
‫ُهَلم‪.‬‬

‫ِق‬ ‫ِق‬ ‫ِع ِب ِء ِهلل‬ ‫ِّل ِح‬


‫َقاَل الـمؤ ُف َر َم ُه اُهلل‪َ :‬و الَّس عيُد َمْن َس َد َق َض ا ا َتَع الى َو الَّش ُّي َمْن َش َي‬
‫ِبَق َض اِء اِهلل َتَعالى‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الَّس عيَد َمْن َخ َلَق اُهلل تبارَك وَتعاىل فيِه اإلمياَن والَّطاَعَة َفَج َر ى ذلك على‬
‫ِدِه‬ ‫ِه‬ ‫ِدِه‬
‫َي وماَت عَليه‪ .‬والَّش قَي َمْن َخ َل َق اُهلل تبارك وتعاىل في الَّش َّر فأْج راُه على ي وماَت‬
‫عليِه‪.114‬‬
‫َقاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و َأْص ُل الَق َد ِر ِس ُّر اِهلل َتَع الى في َخ ْلِق ِه لـم َيَّطِل ْع َعَلى‬
‫‪115‬‬

‫َذِلَك َم َلٌك ُمَقَّر ٌب َو ال َنِبٌّي ُمْر َس ٌل ‪.‬‬


‫‪116‬‬

‫الشرُح ‪ :‬أَّن ذلك َم ستوٌر عِن العباِد ‪ ،‬فلذلك ِهُنْيَنا عِن اَخلْو ِض فيه‪ ،‬وِإَّنـما األمُر الذي‬
‫ينبغي يف َأمِر الَقَد ِر ‪ ،‬معرفُة معناُه وتفسِري ه‪.‬‬
‫َألَّن الَّر س ول َذَك َر ُه يِف اَجلواب َعَلى س ؤاِل ِج ربي ل‪َ :‬أْخ ْرِب يِن م ا اِإل ميان‪ ،‬فق اَل ‪َ(( :‬أْن‬
‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِخ‬ ‫ِلِه‬ ‫ِه‬ ‫ِم ِهلل ِئ ِت ِه‬
‫ُتْؤ َن با َو مال َك وُك ُتِب َو ُرُس َو ب الَيْو اآل ِر َو ُتْؤ َن بالَق َد ِر َخ ِرْي َو َش ِّر ِه)) رواُه‬
‫مسلم‪ ،‬هذه ال يت َذَك َر ها الّر ُس ول ُتَس ّم ى ُأُص وَل اِإل ميان الِّس َّتة‪ِ ،‬جَي ب َأْن َيَتَعلـم اإلنساُن‬
‫ِك‬ ‫ِد‬ ‫ِحِل ِظ ِع ِة‬
‫َق ْد ًر ا َيَتَعَّل ُق بالَق َد ِر ْف الَق ي َد ‪َ ،‬و َلْيَس َم عىَن اَحل يث ال ذي َس َيْأيِت ((إذا ُذ َر الَق َد ُر‬
‫ِد ِإ‬ ‫ِر ِإل‬ ‫ِم‬ ‫ِس‬
‫فَأْم ُك وا)) ال َتَتَعلموا‪ُ ،‬ه َو ق ال َأَّن هذا ْن ُأُم و ا ميان‪َ ،‬م ْع ىَن هذا اَحل يث ذا َع َر ْفُتُم‬
‫الَقْد َر الذي َيْل َز م ِلِص َّح ِة الَعِق ي َد ة‪ِ ،‬حِلْف ِظ الَعِق ي َد ِة ِم َن الَّزَلل‪ِ ،‬م َن اَخلَل ل يِف هذا اَألْم ر‪َ ،‬بْع َد‬
‫ذِلَك ال َتْس َتْر ِس ُلوا‪َ ،‬ألَّن االْسْرِت ساَل يِف ذِلَك ُيوِص ُل ِإىَل الِّتيه‪ِ ،‬إىَل الَّضياع‪ِ ،‬إىَل اَحلْيَر ة‪ ،‬ال‬
‫يسَتِط يع اإلنسان َأْن َيِص َل ِإىَل َح ِق يَق ِتِه‪.‬‬
‫َبُنو ِإْس راِئيل الذيَن َك َّذ ُبوا موَس ى َعَلْي ِه السالم‪ِ ،‬ح َني َأَم َر ُه م موَس ى َعَلْي ِه السالم َأْن‬
‫ُيقاِتُلوا َم َعُه اَجلباِبَر ة‪َ ،‬و َر َفُضوا َو قاُلوا َل ُه ﴿َفاْذَه ْب َأْنَت َو َر ُّبَك َفَق اِتال ِإَّنا َه اُه َن ا َقاِع ُد وَن (‬

‫َقاَل َعَليِه الَّص الُة َو الَّس الُم ‪َّ " :‬ن َأَح َد مُك َلَيْع َم ُل ِبَع َم ِل َأْه ِل اْلَجَّنِة َح ىَّت َم ا َيُكوُن َبيَنُه َو َبيَهَنا َّال ِذ َر اٌع َفَيسِب ُق َعَليِه الِكَتاُب َفَيعَم ُل ِبَع َم ِل‬ ‫‪114‬‬

‫َأهِل الَّناِر َفَيْد ُخ ُلَها‪َ ،‬و َّن َأَح َد ْمُك َلَيِإْع َم ُل ِبَع َم ِل َأهِل الَّناِر َح ىَّت َم ا َيُكوُن َبيَنُه َو َبيَهَنا َّال ِذ َر اٌع َفَيْسِإ ِب ُق َعَليِه الِكَتاُب َفَيعَم ُل ِبَع َم ِل َأهِل اْلَجَّن ِة‬
‫لـم‪ ،‬الـمعىَن َأَّنُه ال َيُكوُن الَع بُد َس ِع ْي ًد ا َّال َعىَل َح َس ِب َم ا َس َبَقِإ يِف ِعلـم ِهللا ‪َ ،‬فَم ن َعلـم ُهللا يِف اَألَز ِل َأَّنُه َيُم وُت َعىَل‬ ‫َف دُخ ُلها" َر اُه ُم ْس ِإ‬
‫َو‬ ‫َي‬
‫ِه‬ ‫ِإ‬
‫ا ْيَم اِن َفُهَو َس ِع يٌد َو َلو اَك َن َقبَل َٰذَكِل َعىَل ِخ الِف َم ا َخ َمَت ُهَل ِب ‪َ ،‬و كَٰذ َكِل الَّش ِقُّي ُه َو َمْن َعلـم ُهللا َأَّنُه َيُم وُت َعىَل الَّش َقاَو ِة ‪،‬‬
‫ِإل‬
‫أمٌر أخفاُه ُهللا تعاىل يف َخ ْلقِه ‪ ،‬أي ال ُخَت وضوا‪ ،‬ال َتَتَو َّغُلوا يف البحِث واخلوِض فيِه للوُص وِل إىل ِّرس ه‪ ،‬هذا ُم ِنْعَنا عنُه ألنه حبٌر ليَس‬ ‫‪115‬‬

‫ُهل سفينة‪ ،‬أما تفسُري القدِر اذلي َم َّر فيجُب معرفُته وهو تدبُري األشياِء عىل وجٍه مطابٍق ِلِع لـم ِهللا ومشيئِة ِهللا ‪،‬‬

‫ألَّن َهللا تعاىل قال يف كتابِه ﴿ُقْل ال َيْع لـم َم ن يِف الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض اْلَغْي َب َّال هللا﴾ الغيُب يف اآليِة ٌأريَد بِه مجيُع الغيِب ‪ ،‬والغيُب‬ ‫‪116‬‬

‫ه و م ا غاَب عن ِح ِّس اخلْل ِق ‪ ،‬مفا غاَب عن حٍّس ال َيعلـم مجيَع ُه إال هللا‪ ،‬وال ِإُيطِل ُع ُهللا عىل ذَكل نبًّي ا وال َم َلاًك َّنـام ُيْط ِل ُع عىل بعِض‬
‫ِإ‬
‫الغيِب من ش اَء من عبادِه ِم ْن مالئكٍة وأنبي اَء وأولي اَء ‪ ،‬فاحلاصُل أنُه ال أحَد من َخ ْل ِق ِهللا حُي ي ُط ابلغيِب ِعلـام ابِهلل ‪ ،‬فه و الـمنفرُد‬
‫ابإلحاطِة ابلغيِب ِعلـام‪ ،‬وَمِن اعتقَد أَّن أحًد ا غَري ِهللا حُي يُط ابلغيِب ِعلـام فقْد َكَّذ َب الُقرءاَن ‪ ،‬اهـ‬
‫‪ ﴾)24‬س ورة الـمائدة‪ ،‬هؤالء ال ذي خ اَلُف وا مو ى َك َّذ و ا تع اىل َأ م يِف ِتي ِه‬
‫ْو َقَعُه‬ ‫َس َو ُب ُه ُهلل‬ ‫َن‬
‫اَحلْيَر ة‪َ ،‬بُق وا يِف ُبْق َع ة ِم َن اَألْر ض َأْر َبِعَني َس َنة ال يسَتطيعوَن اخلروج منها‪َ ،‬ي ْذ َه بوَن‬
‫َو ِجَي يئون ال يسَتطيعوَن اخلروج من ُبْق َعة ِم َن اَألْر ض َأْر َبِعَني َس َنة‪َ ،‬سَبُب ذِلَك َأَّنُه م خ اَلُف وا‬
‫موَس ى َو َك َّذ ُبوُه‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى التي ه‪َ ،‬ض ياع‪ ،‬صاروا يِف ِتي ه‪ ،‬الَّش ْخ ص ال ذي َيْس َتْر ِس ل‬
‫َيُقول‪ :‬ال ُأِر يَد َأْن َأَتَو َّص ل ِإىَل َم ْع ِر َفة ِس ّر الَقَد ر َيِص ل ِإىَل الِّتيه‪ِ ،‬إىَل اَحلْيَر ة والّض الل‪.‬‬
‫وق ْد ق اَل رس وُل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪(( :‬إذا ُذِك َر الَق َد ُر فَأْم ِس ُك وا)) رواه‬
‫الَبيهقُّي ‪ ،‬هذا الَقْد ُر هو الذي َص َّح ‪ ،‬أما زيادُة ذكِر الَّص حابِة فلـم َيْثُبْت ‪.‬‬

‫َق اَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و الَّتَعُّم ُق َو الَّنَظ ُر في ذِل َك َذِر يَع ُة الِخ ْذ الِن َو ُس لـم‬
‫الِح ْر َم اِن َو َد َرَج ُة الُّطْغَياِن َفالَح َذ َر ُك َّل الَح َذ ِر ِم ْن ذِلَك َنَظًر ا َو ِفْك ًر ا َو َو ْس َو َس ًة‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬أِي اْح َذ روا مْن حيُث التفكُري واْد َفُع وا عْن َأنفِس ُك ْم َحُماَو ل َة االِّطَالِع على‬
‫ذلك‪ ،‬حىت ِم ْن طريِق الَو ْس َو َس ِة َفْلَيْشَغِل اإلْنساُن َقلَب ُه مبا ْحَيُج ُزُه عْن ذلك‪ ،‬واِخلذالُن ِض ُّد‬
‫الَّتْو فيِق ‪ ،‬ألنه َمْن َيَتَتَّبُع ذلك فهَو َعالمُة أَّنُه ْخَمُذ وٌل أْي ْحمُر وٌم‪.‬‬
‫الَّش ْخ ص ال ذي ُتِص يُبُه الَو ْس َو َس ة‪َ ،‬يْنَف ُع ُه َأْن ال َيْق ُع َد َو ْح َد ُه َب ْل َيْق ُع ُد َم َع الّن اس‬
‫ِق‬ ‫ِم‬
‫الطي بني‪ ،‬ال ذيَن ُه م ْن َأْه ِل اَخلري‪ ،‬الش يخ َعْب ُد اهلل َر َمِحُه اهلل ق ال‪ِ" :‬إذا َأَر ْد َت ال ُّر َّي‬
‫َفصاِح ِب اَألْخ ياَر " ألنه يسَتِف يُد ِم ْن صالِح ِه م‪ ،‬الذي ُيصاِح ب َأهَل الُّدنيا يِف الغاِلب َيَت َأَّثر‬
‫هبم‪ِ ،‬مَييُل ِإىَل الُّد ْنيا‪ ،‬الذي ُيصاِح ب َأهَل الّلُه و يِف الغاِلب َيَتَأَّثر هبم ِمَييُل ِإىَل الَّلُه و‪،‬‬
‫الن اس َيُقول ون‪ :‬الص اِح ب س اِح ب والرس ول ق ال‪(( :‬الـمرُء َعَلى ِد يِن َخ ليِل ه)) َأي‬
‫لي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ر))‬ ‫ُظ‬ ‫ْن‬ ‫((فل‬ ‫الرتمذي‪،‬‬ ‫روا‬ ‫ل))‬ ‫َأَّث ِبس ِة صاِح ِبه (( ْل ْنُظ ر َأ ُد ُك م خُي اِل‬
‫َس‬ ‫ُه‬ ‫َي‬ ‫ُه‬ ‫َمْن‬ ‫َف َي َح‬ ‫َيَت ُر َري‬
‫الـمق و فلينُظر ِب ِنِه‪ ،‬ىِن ِل َف ِّك ر‪ ،‬هذا حيتاج ِإىَل ْف ِكري‪ ،‬ل ُأصاحب هذا الذي ِحُي‬
‫ّب‬ ‫َه‬ ‫َت‬ ‫َعْي َيْع ُي‬ ‫ُص ُد‬
‫ِل ِحُي‬
‫السينما َأو الفوتب ول َأو األكل‪َ ،‬أو الص ا ح ّب الص الة وال ِّذ كر وُيَنِّبُه َك ِإْن َفَعْلَت‬
‫ِم ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِص‬
‫الـمع َية‪ .‬والرسول قال‪(( :‬اْلُم ْؤ ُن َم ْر آُة اْلُم ْؤ ِن )) السنن الكربى‪ ،‬معناُه الـمؤ ن ْن‬
‫ش ْأِنِه َيْنَص ُح َأخ اُه الـمْؤ ِم ن‪ ،‬الـمرآة ِإذا َنَظ ْر َت ِإَلْيها َو َو َج ْد َت م ا ال ُيْع ِج ُب َك ‪ُ ،‬تَغِّيُر ُه‪،‬‬
‫فالـمؤِم ُن الّطِّيب ِإذا َو َج َد ِفي َك م ا ال ُيْع ِج ب َيُق وُل َل َك َح ىّت ُتَغِّيَر هذا‪ .‬س ِّيُد نا أمحُد‬
‫الرفاِعُّي ق ال‪" :‬الّز اِه ُد ُيَو ِّك ُل اُهلل ِب ِه َم َلًك ا َيْغ ِر ُس اِحلْك َم َة يِف َقْلِب ه" الربهان املؤي د‪َ ،‬يع ىن‬
‫ال ُد ال اِه ُد ال ذي َخَتّلى َعِن ال ُّد ْنيا‪ِ ،‬كمث ِل الش يخ َعب ِد اهلل مِح اهلل‪ ،‬ا ْك ِر َمِبَل ٍك‬
‫ُهلل ُي ُم ُه‬ ‫َر ُه‬ ‫َعْب ّز‬
‫"َيْغِر ُس اِحلْك َم َة يِف َقْلِبه" َيْز داُد َخ ًريا‪َ ،‬فِإذا صاَح ْبَت شْخ ًص ا ِم َن اَألْو ِلياء َك الشيخ َعب ِد اهلل‬
‫ِئ ُّل ِل‬ ‫ِح‬
‫َفَأْنَت ُتصا ب هذا اإلنسان الذي َيُك وُن َمَعُه م مالئكة‪َ ،‬و الـمال َك ة ُك ُه م َأْو ياء اهلل َو ُه َو‬
‫جَي‬ ‫اىل‬ ‫تع‬ ‫ا‬ ‫ني‪،‬‬ ‫الص احِل‬ ‫ري‪.‬‬ ‫ب‬ ‫َك‬ ‫خ‬ ‫يها‬ ‫يِل ‪َ .‬ف ص ا ِة ِم ث ل هذا اإلنسان ِف‬
‫ُل‬ ‫َع‬ ‫ُهلل‬ ‫ْعُض‬ ‫َب‬ ‫ٌري‬ ‫ُم َحَب‬ ‫َو‬
‫الـمَلَك الذي ُه َو َو ّيِل َيَتَص َّرُف ِفيِه ِبِإْذِن اهلل َفَيْج ِر ي َعَلى ِلساِنِه َك الُم َخ ري‪ ،‬قال الرسول‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫((ِإَّن الل َه َجَع َل اَحْلَّق َعَلى َس اِن ُعَم َر َو َقْلِب ِه)) رواُه الرتمذي‪َ ،‬فكاَن ُعَم ر ْحَيُص ُل َل ُه ذ َك‬
‫ِـ ٍد ِم‬ ‫ِم ِل ِء‬ ‫ِل‬ ‫ِبِإ ِن‬
‫َك ثًريا‪ ،‬الـمَلك َيَتَص َّر ف ْذ اهلل‪َ ،‬و كذ َك ال َو ُّيِل ْن َأْو يا الَبَش ر َقْد َيَتَص َّر ف ب ُم ري ْن‬
‫ريِد يِه ِر ي ا ُّق َلى ِلساِنِه‪ ،‬ىِن ِبَأْش ياء َقْد ُك وُن ال ِّطط َأْن ُقوهَل ا‪ِ ،‬ب ُّر ِف‬
‫َتَص‬ ‫َي‬ ‫َي ُه َو َخُي‬ ‫َيْع‬ ‫َفَيْج َحل َع‬ ‫ُم‬
‫ِل‬ ‫ِف‬
‫هذا الَوّيِل حيصل ذلك‪َ ،‬و ِبَتَص ُّر الـمَلك ْحَيُصُل ذ ك‪ ،‬شْيُخ نا قال‪ُ" :‬عَم ر كاَن ْحَيُص ُل َل ُه‬
‫َك ثًريا ِلذِلَك قاَل الَّر ُس ول ذِلك ((ِإَّن اَحلَّق ْجَيِر ي َعَلى ِلساِن ُعَم ر))‪.‬‬

‫ِم ِه‬ ‫ِع‬ ‫ِح‬


‫َقاَل الـمؤِّلُف َر َم ُه اُهلل‪َ :‬فإَّن اَهلل َتَع الى َط َو ى لـم الَق َد ِر َعْن َأَنا َو َنَه اُه ْم َعْن‬
‫َم َر اِمِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أنُه َنَه اُه م عْن َطَلِبِه ألنه َأْم ٌر ال سبيَل ِإىَل َم عِر َفِتِه‪.‬‬

‫ِك ِب ِه‬ ‫ِح‬


‫قاَل الـمؤِّلُف ر َم ُه اُهلل‪َ :‬ك َم ا َق اَل َتَع الى في َتا ﴿ال ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َع ُل َو ُه ْم‬
‫ُيْس َأُلوَن (‪ ﴾)23‬س ورة األنبي اء‪َ ،‬فَم ْن َس َأَل لـم َفَع َل َفَق ْد َر َّد ُح ْك َم الِكَت اِب َو َمْن َر َّد‬
‫ُح ْك َم الِكَتاِب كاَن مَن الكافريَن ‪.117‬‬

‫َقاَل الَّش ْي ُخ َر َيِض ُهللا َع نُه‪َ :‬م هَم ا َتَّلَكَف َبعُض ُهُم اْلَخ ْو َض يِف َٰذَكِل ِلْلُو ُص وِل ىَل ِّرِس الَق َد ِر َفَلن َيسَتِط يُع وا َألَّن َهللا َتَع اىَل َأخَفى َع َّن ا‬ ‫‪117‬‬

‫ِإ‬
‫َٰذَكِل َو َهَنااَن َع ْن َط َلِب ِه ‪َ ،‬و َقْو ُل َعٍّيِل ‪" :‬ال َج ٌرْب َو ال َتفِو يٌض " َأِي الَع بُد ُهَل اخِتَياٌر َم ْم ُز وٌج َجِبٍرْب ‪َ ،‬و َأَّن الَع بَد ُم خَت اٌر حَت َت َم ِش يَئِة ِهللا َو َأَّنَن ا ال‬
‫َنقُو ُل ِبَم َقاةل اْلَج ِرْب َّيِة الَقاِئِلَني ِبَأَّن الَع بَد ال ِف ْع َل ُهَل اِب لـمَّر ِة َّنـام ُه َو اَك لِّر يَش ِة الـمَع َّلقِة يِف اْلَهَو اِء َتْأُخ ُذ ها الِّر اَي ُح َيْمَن ًة َو َيَرْس ًة‪َ ،‬و ال َنُق وُل ِبَم َقاِةَل‬
‫ِإ‬
‫الـمعِزَت ِةَل الَقاِئِلَني ِبَأَّن َهللا َبعَد َأْن َخ َلَق الَع بَد َص اَر َعاِج ًز ا َع ْن َخ ْلِق َأَمع اِهِل ‪َ ،‬و ِم ُهنم َمْن َيُق وُل ‪ :‬الَع ْب ُد َخ اِلٌق ِلَج ِم ي ِع ِف ْع ِهِل اِالخِتي اِر ِّي ‪َ ،‬و ِم ُهنم‬
‫الش ر ‪ :‬هذا يِف ال ذي ي َأُل ؤاَل اْع رِت اٍض ِب ِك الَق وِل لـما ج ا يِف ِك اتِب اِهلل‬
‫َء‬ ‫ْرت ُب‬ ‫ْس ُس‬ ‫ُح‬
‫َتعاىَل ‪َ ،‬أَّم ا َمْن َيْس َأل ِلَيْع ِر َف اُحلْك ِم َفِإَّن هذا ال يْنَطِبُق َعَلْيِه‪.‬‬
‫َم ْع ىَن َك الم الشيخ َأَّن َك ِثًريا ِم َن الناس يْس َأُلوَن هذا السؤال َعَلى َغ ِري َو ْج ِه االْع رِت اض‬
‫ِإَّنـما َمِبْع ىَن م ا اِحلْك َم ُة ِب ذِلك‪ ،‬كالم الّطح اِو ي َعْن ال ذي يسَأل َعَلى َو ْج ِه االع رتاض‪.‬‬
‫ِح َني ق اَلِت الـمالِئَك ة ﴿َأْجَتَع ُل ِفيَه ا َمْن ُيْف ِس ُد ِفيَه ا َو َيْس ِف ُك ال ِّد َم اَء َو ْحَنُن ُنَس ِّبُح َحِبْم ِد َك‬
‫َو ُنَق ِّد ُس َلَك (‪ ﴾)30‬سورة البق َر ة‪ ،‬هذا سؤاُل اْس ِتْك شاٍف َعِن اِحلْك َم ة‪َ ،‬م ْع ىَن َك الِم ِه م يا‬
‫ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ٍن‬ ‫ِحل‬
‫َر َّبن ا‪ ،‬م ا ا ْك َم ُة يِف َج ْع ِل إنسا ْخَيُر ُج ْن ُذِّر َي الن ّيب ءاَدم َعَلْي السالم َمْن َيْق ُت ل‪َ ،‬مْن‬
‫يسِف ُك ال دماء‪َ ،‬م ن َيْف َع ل َو َيْف َع ل‪َ ،‬و حَن ُن ال َنْف َع ُل ِإال الطاَع ة‪ ،‬هذا ليَس ُس ؤاَل اْع رِت اض‪،‬‬
‫الذي َيْع ِرَت ُض َعَلى اهلل َيْك ُف ر‪.‬‬
‫يل‬ ‫ة‬ ‫َل‬ ‫ي‬ ‫ِو‬‫ط‬ ‫ة‬ ‫َل‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫فق‬ ‫د‪،‬‬ ‫َّر ة ُك ْن يِف ِم ُأ ّلي الـمْغِر ب يِف م ِج‬
‫َب‬
‫َو ُس‬ ‫َي‬‫ْحِل‬ ‫ُه‬ ‫ُج‬ ‫َر‬ ‫َم‬ ‫ْس‬ ‫ُت ْص َر َص‬ ‫َم‬
‫ِعماَم ة َعَلى َر ْأِس ِه ُيقاُل َلُه ِم ْن مَج اَع ة الَّد ْع َو ة والَّتْبليغ‪ ،‬وهم حَي تاُج وَن ِإىَل الَّد ْع َو ِة والَّتْبليغ‪،‬‬
‫قاَم يِف الناس َو قاَل ُهَلم‪" :‬الـمالِئَك ة حَني خلَق اُهلل ءاَدم َعَلْيِه السالم اْع َتَر ُضوا َعَلْيه"‪َ ،‬يُق وُل‬
‫ذِلَك َعَلى َزْع ِمِه َعَلى َو ْج ِه الَّتْع ِليم‪.‬‬

‫نَّو َقل م َأ لياِء‬ ‫ِه‬ ‫ِذِه‬ ‫ِح‬


‫َقاَل الـمؤِّلُف َر َم ُه اُهلل‪َ :‬فه ُجْم َلُة َم ا َيحَتاُج إَلي َم ن ُه َو ُم ٌر ُب ُه ْن ْو‬
‫اِهلل َتَعالى‪.118‬‬
‫ِلِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِق‬ ‫ِب‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن َعْق َد الَق ْل على َتصدي ما جاَء عِن ا تعاىل وعْن َر سو هو أْص ٌل‬
‫ِل‬
‫َيَتَم َّس ُك الـمؤمنوَن ب ِه َو ما َذَك َر ُه الّطحاِو ُّي َر َمِحُه اُهلل ُه َو ما ْحَيتاُج ِإَلْي ِه الـمؤِم ُن يِف ذ َك‬
‫ِم ْن َح يُث اُجلْم َلة‪.‬‬

‫َم ن َيُقوُل ‪ :‬الَع بُد َخ اِلُق الِّرَّش ُدوَن اْلَخِري َو َالِك الَفِر يَقِني (اْلَج ِرب يُة َو الـمعِزَت ُةَل ) ُكَّفاٌر ‪ ،‬اَمَك ال ُتَقاُل ِه ِذِه الِع َب اَر ُة‪" :‬ا نَس اُن ُم َس ٌرَّي َأْم ُم َخٌرَّي "؟‬
‫َه ِذِه اللَك ـمُة َغَل ٌط ُلَغ ًة َو ْرَش ًعا‪َ ،‬فالَّن اُس ُم َس ُرَّي وَن ِبَم عىَن َأَّن َهللا ُيَم ِّكُهُنم ِم َن الَّس ِرْي يِف الِّرَب َو الَبْح ِر ‪َ ،‬فالَع بُد ُمِإلخَت اٌر حَت َت َم ِش يَئِة ِهللا ‪،‬‬
‫الـمخَتاُر ِم َن اِالخِتَياِر ‪َ ،‬أَّم ا ُم َخٌرَّي َفِم َن الَّتَّخ ِرُّي َأِي اذلي َخُيُرَّي َبَني َأمَر ْيِن َو حَن ِو َٰذَكِل ‪َ ،‬فالَّتَخُرُّي ُه َنا ال َم عىَن ُهَل‪،‬‬
‫ويف هذا إشارٌة إىل مجيِع ما َتَقَّد َم ِم َّم ا جيُب اعتقاُد ُه والعمُل به وإ ىل أَّن َمْن َح َو ى ذكل وِمَع َل بِه فقْد َنَّو َر ُهللا قلَبُه وانَتَظ َم يف ِس ِكْل‬ ‫‪118‬‬

‫األولياِء ‪ ،‬اهـ‬
‫َقاَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬و ِه َي َد َرَج ُة الّر اِس ِخ يَن ‪ 119‬في الِعلـم‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أي َدَرَج ُة الـمتمِّك ِنَني يف الِعلـم‪َ ،‬و ُه ُم الذيَن َثَبُتوا فيِه ومتَّك ُنوا‪.‬‬

‫َق اَل الـمؤِّلُف َر ِح َم ُه اُهلل‪َ :‬ألَّن الِعلَم ِع ْلماِن ِع لٌم في الَخ ْل ِق َمْو ُج وٌد َو ِع ْلٌم في‬
‫الَخ ْلِق َم ْف ُقوٌد‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬الِعلُم الـموجوُد يف اخلل ِق هو م ا َج ع َل اُهلل َس بياًل ِللعب اِد ِإلي ِه‪ ،‬وَأّم ا الِعلـم‬
‫الـمْف قو بالنسبِة م فهو ما استأث ا ب ِه ولـم جَي ع للخل ِق سبياًل إليه‪ .120‬فِعلـم العقائِد‬
‫ْل‬ ‫َر ُهلل‬ ‫ُهل‬ ‫ُد‬
‫واألحكاِم وِعلـم ما ُينتَف ُع ب ِه يف الـمعيشِة هو َّمِما َج ع َل اُهلل للَخ ْل ِق سبياًل إلي ِه‪ .121‬وأَّم ا َم ا‬
‫اس َتْأَثَر اُهلل ب ِه كِعلـم َو ْج َب ِة الِق يام ِة فذلَك ِم َن الِعلـم الـمفقوُد للِعب اِد ‪ .‬فاكِتساُب الِعلـم‬
‫األَّو ِل مطلوٌب وحمموٌد‪ ،‬وأما َحُماولُة اكِتساِب الِعلـم الَّثاين فهو َض الٌل ‪.‬‬

‫َق اَل الـمؤِّلُف ِح ُه ا ‪َ :‬فٍإ ْنكا الِعلـم الـم وِد ُك ف ‪ ،‬واِّدعا الِعلـم الـمفقوِد‬
‫ُء‬ ‫ٌر‬ ‫ْو ُج‬ ‫ُر‬ ‫َر َم ُهلل‬
‫ُك فٌر ‪ ،‬وال َيثُبُت اِإل يماُن إال بَق بوِل الِعلـم الـموجوِد وَتْر ِك َطَلِب الِعلـم الـمفقوِد ‪.‬‬
‫ِف ِئ ِة‬ ‫ِك ِع‬ ‫ِم‬
‫الشرُح ‪ْ :‬ن هنا ُيْع لـم ُكْف ُر َمْن ُين ُر ال لـم الـموجوَد كإنكاِر الُّس و ْس َطا ي ُو ُج وَد‬
‫األش ياِء ‪ ،‬وُيْع لـم ُك ف ُر َمْن ي َّد ِعي ِم َن اخلْل ِق اإلحاطَة بكِّل ش ىٍء ِعلـما‪ .‬فَم ِن ادع ا ذل ك‬
‫لَنْف ِس ِه أْو لغِري ِه ِم َن العباِد فقد َك َف َر ألَّن اَهلل تعاىل هو الـمْنفرُد باإلحاَطِة ِبالَغيِب ِعلـما‪ ،‬ال‬
‫أحَد ِم ْن َخ ْلِقِه ِحُي يُط ِعلـما بالَغْيِب ‪ .‬وَم ِن اعتقَد أَّن أَح ًد ا غ َري اِهلل حُي ي ُط بالَغيِب علـما فق ْد‬

‫ُيقال َر َخَس أي استحَمك وَثَبَت ‪ ،‬اهـ‬ ‫‪119‬‬

‫اْلِع لـم الـمْفُقوُد َو ُه َو َم ا اخَتَّص ُهللا ِبِه َفَد ْع َو اُه ُكفٌر اَك ذلي َيَّد ِع ي ِعلـم َو ْج َبِة الِقَياَم ِة ‪َ ،‬فَم ِن اَّدَع ى َأَّنُه َيعِر ُف َم ىَت َتُق وُم الَّس اَعُة َكَف َر ‪،‬‬ ‫‪120‬‬

‫ِج ِرب يُل َعَليِه الَّس الُم لـام َأىَت الَّنَّيِب َيْو ًم ا َفَس َأُهَل‪" :‬اَي ُم َح َّم ُد َأخْرِب يِن َعِن الَّس اَعِة " َفَقاَل َعَليِه الَّص الُة َو الَّس الُم ‪َ" :‬م ا الـمسُؤ وُل َع َهنا ِبَأْعلـم ِم َن‬
‫الَّس اِئِل " َفَم عَناُه َأاَن َو َأْنَت َس َو اٌء يِف َعَد ِم الِع لـم َهِبا‪،‬‬
‫َق اَل الَّش ْي ُخ ‪َ :‬و ِم نُه ُعُل وٌم ُرَض وِر َّيٌة َيعِر ُفَه ا الِع َب اُد ِم ْن َغِري اسِتْد الٍل َو َنَظ ٍر دَر اِك ُو ُج وِد ا نَس اِن َو اْلَح َيَو ااَن ِت اِب لـمَش اَهَد ِة َو دَر اِك‬ ‫‪121‬‬

‫ِإ‬ ‫ِإل‬ ‫َأَمع اِلِهُم الَّظ اِه َر ِة َو جَع َل ِف ِهيم دَر ااَك ٍت ُيَتوَّص ُل َلَهيا اِب لَّنَظ ِر َمع اِل الِفكِر يِف َخ ْلِقِهِإَك‪،‬‬
‫ِإِب‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َك َّذ َب الُق رءاَن ‪ ،‬ق اَل تع اىل‪ُ﴿ :‬ق ْل ال َيْع لـم َمْن يِف الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض الَغْيَب ِإال اُهلل (‬
‫‪ ﴾)65‬س ورة النمل‪ ،‬وق ْد َأَّل َف بعُض الُغالِة ِر سالًة َذَك َر فيها أَّن اَهلل َأْطَل َع الَّر س وَل على‬
‫كِّل ما َيعلـمُه َتْف ِص يال ِبال اسِتثناٍء وهذا ُغُلٌّو قبيٌح ‪َ 122‬و ُكْف ٌر والِعياُذ باِهلل تعاىل‪.‬‬
‫ِع‬ ‫ِد ِة‬
‫كاَن َرُج ٌل يِف الـم يَن النَّو َر ة َيَّد ي الـمشَيَخ ة َيُقوُل ِإَّن الَّر ُس وَل َيْع لـم ُك َّل ما َيْع لـمُه‬
‫يِف ا ِديِث‬ ‫ِم ِم ِت ِه ِإ‬ ‫ِهلل‬
‫اهلل‪َ ،‬فَأْر َس َل الش يخ َعْب ُد ا واحًد ا ْن َتال َذ َلْي ه‪ ،‬ق اَل َل ُه‪ُ :‬ق ْل َل ُه َثَبَت َحل‬
‫الَّص ِح يح َأَّن الَّر ُس وَل َأْر َس َل َس ْبِعَني ِم ْن ُق راِء الّص حاَبة ِإىَل ناِح َي ٍة ِلُيَعلـموا َفَك َمَن ُهَلم‬
‫الـمشِر ُك وَن يِف َم كان َو َأباُدوا الَّس ْبِعني‪َ ،‬قَتُلوُه م‪ُ ،‬قْل َلُه َلْو كاَن الَّر ُس وُل َيْع لـم َيْف َعُل ذِلك؟‬
‫ُيْر ِس ل السبِعني؟ َح ىَّت َيْنَز ِج َر َعْن هذه الـمقاَلة‪َ ،‬ف َذ َه َب َأُخ ون ا ِإَلْي ِه َو َأْخ َبَر ُه هِب ذا اَحلِد يث‬
‫الصحيح فقاَل َو الِعياُذ باهلل‪َ :‬يْع لـم َو َأْر َس َلُه م‪ ،‬وهذا ُك ُف ر‪.‬‬
‫ق ال َأَنٍس رضي اهلل عن ه‪ِ" :‬إَّنـما َقَنَت َرُس وُل الَّل ِه َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َش ْه ًر ا َبْع َد‬
‫ِهلل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ٍم ِم‬
‫الُّر ُك وِع َيْد ُعوا َعَلى َقْو َن الـمْش ِر َني َقَتُلوا َناًس ا َن اْلُقَّر ا َبَعَثُه ْم َرُس وُل ا َص لى اُهلل‬
‫َعَلي ِه َو َس َّلَم ِإىَل َقْو ٍم ِم َن الـمْش ِر ِكَني َفَم ُّر وا ِبَن اٍس ِم ْن َأْه ِل اْلَعْه ِد َفَق َتُلوُه ْم ‪َ ،‬فلـم َأَر َرُس وَل‬
‫اِهلل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َو َج َد َعَلى َش ْي ٍء َو ْج َد ُه َعَلْيِه ْم َفَق َنَت َش ْه ًر ا َبْع َد الُّر ُك وِع َيْد ُعوا‬
‫َعَلْيِه ْم " رواه البخاري‪.‬‬
‫قال شيخنا رضي اهلل عنه‪" :‬كل كالٍم يؤدي إىل إضعاِف سعِي اجلمعي ِة فهَو كبريٌة‬
‫من الكبائِر "‪.‬‬
‫ِد ِع ِة‬ ‫ِم ٍد ِم‬
‫وقال رمحُه اهلل‪" :‬الذي يعرُف منكًر ا َحمَّق ًق ا ْن َفْر ْن أْف را اجلم َّي فلَيْنَصْحُه ليَس‬
‫له َأْن يطَعَن يف اجلمعية"‪.‬‬

‫َيْك ِفي ِلَر ِّد قوِل َمْن َيقوُل إ َّن الرسوَل َيعلـم الَغيِب قوهُل تعاىل ﴿ُقْل َم ا ُكنُت ِبْد ًعا ِّم ْن الُّر ُس ِل َو َم ا َأْد ِر ي َم ا ُيْفَع ُل يِب َو ال ِبْمُك ْن َأَّتِب ُع‬
‫‪122‬‬

‫َّال َم ا ُيوىَح َّيَل ﴾ معناُه ما َأْد ِر ي تفاصيَل ما ُيفعُل يب وال بمُك َّنـام أع رُف الىشَء اذلي ُي وىَح ب ه إ َّيل َمفِن اَّدعى أَّن الَّر س وَل َي ِإعلـم َّلك‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫الغيَب يكوُن تكذيًبا للُقرءاِن ‪ ،‬كذَكل اذلي يقوُل الَّر س وُل َيْع لـم َّلك ىشٍء َيْع لـمُه ُهللا ه ذا َجَع َل الَّر س وَل ُم ساِو اًي ِهلل وه ذا مْن أكِرب‬
‫الرِّش ِك ‪ ،‬من أكِرب الُكف ِر ‪ ،‬أم ا قوُهل تعاىل‪َ﴿ :‬عالـم اْلَغْي ِب َفال ُيْظ ِه ُر َعىَل َغْي ِب ِه َأَح ًد ا(‪َّ )26‬ال َمِن اْر َتىَض ِم ن َّر ُس وٍل (‪" ﴾)27‬إ َّال" هن ا‬
‫ِإ‬
‫مبعىن "لِكْن " الـمعىن لِكْن مِن ارتىض‪ُ ،‬هللا تعاىل جَي عْل ُهل َمْن ْحَيَفُظ ُه ِم َن الـمالئكِة ِم ْن َأَم اٍم وِم ْن َخ ْلٍف ‪ ،‬ليس معناُه ه ؤالِء ُيْط ِلُع ُهُم ُهللا‬
‫عىل الَغيِب ‪ ،‬اهـ‬
‫‪13‬‬ ‫الدرس‬
‫ق ال الش يخ نبي ُل حِف َظ ُه اُهلل‪َ :‬م َّر ًة ُك ن ا يف ُج َّدة َم ع الش يِخ َر َمحُه اُهلل‪ ،‬بعض األحَّب ة‬
‫ِح ِة‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫َع ُل وا دع وًة للطع ا اجَتَم ُع وا عليها فنَظ َر إليهم الش يُخ وق ال‪" :‬اج ماُع اَأل َّب ُذخ ٌر‬
‫َعظيم"‪ .‬هذا االجِتماُع كان على الطع اِم فكي َف يف االجِتماِع على أم ِر ال ديِن ‪،‬‬
‫فاالجِتماُع على أم ِر ال ديِن في ه ث واٌب عظيٌم إْن كاَن للَتعليِم أو كاَن للَّتعُّلم أو كاَن‬
‫للبحِث يف ُأموِر الدعوِة‪ ،‬كل فيه فائدة عظيمة يف اآلخرة‪ ،‬كذلَك االجتماع لتهيئِة األمر‬
‫جللب اجلدِد لَتَعُّلِم علم ال دين فهذا في ه فائدٌة عظيمٌة‪ .‬يق وُل ش يخنا رمحُه اهلل‪" :‬بعض‬
‫الن اِس اهلل تع اىل أعط اهم ق وًة يف البي اِن فهؤالِء يعمل وَن بالبي اِن " للتعليِم وجلِب اجلدد‬
‫ومن اظرِة أهل الضالِل ونص ِب أدل ِة احلق وحنِو ذل َك ‪ .‬وبعُض الن اِس م ا عن دهم ق وة يف‬
‫البي اِن لكن اهلل رزقهم الـمال فإذا اس تعملوا هذا الـمال يف أم ِر ال دعوِة إىل اهلل يكون‬
‫جاهدوا يف س بيِل اهلل ب أمواهلم‪ .‬وأن اٌس ال عن دهم ق وُة بي ان وال عن دهم أم وال لكن اُهلل‬
‫أعطاهم الصحة فيستعلوَن أبداهنم يف سبيل اهلل تعاىل يف األمور اليت حيتاُج إليها يف الدعوة‬
‫إىل اهلل فيكونوَن جاهدوا بأجسامهم‪.‬‬
‫ويقوُل شيخنا رمحُه اهلل‪" :‬زيارُة الـمسلـم ألخي ِه الـمسلـم أحسُن من هذه النزهاِت "‬
‫فينبغي أن نكوَن متزاوري كما قال الرسول لى ا َليِه َّل يف احلديِث الذي يرويِه‬
‫َص ُهلل َع َو َس َم‬ ‫َن‬
‫عن رب ِه ع ز وج ل‪َ :‬رُس وَل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َيُق وُل ‪َ(( :‬ق اَل اُهلل َتَب اَر َك َو َتَع اىَل ‪:‬‬
‫َو َجَبْت َحَمَّبيِت ِلْلُم َتَح اِّبَني َّيِف َو الـُم َتَج اِلِس َني َّيِف َو اْلُم َتَز اِوِر يَن َّيِف َو الـُم َتَباِذِلَني َّيِف)) رواُه مال ٌك‬
‫يف املَو طأ‪َ(( ،‬و َجَبْت َحَمَّبيِت للـمَتَح اِّبَني َّيف)) هذا من ءاثاِر الـَم حبِة ِهلل ألنه حيبُه ألج ِل الديِن‬
‫ي زورُه ألج ِل ال ديِن يسأُل عن ُه ألج ِل ال ديِن ال س يما إن وقَعت ب ه مص يَبة وحنِو ذل َك ‪.‬‬
‫((َو َجَبْت َحَمَّبيِت للـمَتزاوريَن َّيف)) أي ال ذيَن ي زوُر بعضهم بعًض ا ألج ِل َم رضاِت اِهلل‪.‬‬
‫((َو َجَبْت َحَمَّبيِت للـمتباذلَني َّيف)) يعين الذيَن يبُذُل بعضهم لبعض ولو شيئا قليال كالسواِك ‪،‬‬
‫أي إن كان شخ ال يـملُك ماال كثريا لكن ألج ِل ال ِل باحلِد يِث وطل ا لـ رضاِة اِهلل‬
‫ًب َم‬ ‫َعَم‬ ‫ٌص‬
‫َأهَد ى أَخ اُه الـمسلَم ِس واًك ا َيكوُن َعِم َل هبذا احلديِث ‪َ(( .‬و َجَبْت َحَمَّبيِت للـمتواِص لَني َّيف))‬
‫أي الذي ِص بعضهم بع ا َق ر ا إىل اِهلل َتعاىل‪ ،‬والِّصَلُة َتكوُن بالزيارِة‪ ،‬أو بالـمسا َد ِة‬
‫َع‬ ‫ًض َت ًب‬ ‫َن َي ُل‬
‫الـماليِة‪ ،‬هذا يسمى صلة‪ .‬ومما كان يوصَني ب ه الش يُخ رمحُه اهلل أن َنكوَن ُمَتط اوعني‪،‬‬
‫ِه‬ ‫ٍري‬ ‫ِة ِهلل‬
‫التط اوع يف أم ِر ال دعو إىل ا ويف كِّل خ ‪ ،‬يتط اوُع مع ه وال ي رتفُع علي ه ويَّت ُم رْأَي‬
‫َنفِس ِه ويطيُعُه بـما فيه خري‪ .‬وقال رِض َي اُهلل عنه‪" :‬القلي ُل مع الَّتطاوِع كثري والكث ُري بال‬
‫َتطاوٍع قليل"‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنْؤ ِم ُن ِبالَّلوِح والَق لِم َو ِبَج ِم يِع َم ا ِفيِه َقْد ُرِقَم ‪.‬‬
‫ِع‬ ‫ِف‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه جيُب على ُك ِّل الـمكَّل َني اإليـماُن بالَّلْو ِح والَق لم‪ ،‬والَّل ْو ُح هو باَر ٌة عْن‬
‫ِج ٍم ْلِو ُّي قي هو حت العرِش وقي فوَق ‪ ،123‬وَأَّم ا الَق لم فهو ِج ْلِو ٌّي ‪ِ 124‬ل‬
‫ُخ َق َل‬
‫ْب‬ ‫َق‬ ‫ْر ٌم ُع‬ ‫َل ُه‬ ‫َت‬ ‫َل‬ ‫ْر ُع‬
‫الَّل ْو ِح ‪َّ 125‬مُث ُخ ِل َق الَّل وُح فُأِم َر ب أْن جَي ِر َي على الَّل وِح ‪ ،‬فَج َر ى ب أمِر اِهلل تع اىل فَك تَب م ا‬
‫كاَن وما يُك وُن إىل َيوِم الِق يامِة ‪ ،‬قاَل اُهلل تعاىل‪ُ ﴿ :‬ك َّل َش ىٍء َأْحَص ْيَناُه يِف ِإَم اٍم ُم ِبٍني (‪1‬‬
‫‪126‬‬
‫َو‬
‫‪ ﴾)2‬س ورة يس‪ ،‬فِعلم اِهلل غْيُر ُمتن اٍه‪ ،‬أَّم ا الـمكُتوُب يف الَّل وِح الـمحُف وِظ ش ىٌء ُمتن اٍه‪،‬‬
‫والَّلوُح ليَس فيِه تفاصيُل ما َيقُع يف اآلِخ رِة ألَّن هذا َش ىٌء ال هِن اَيَة لُه‪.‬‬
‫ِجل‬ ‫ِف ِه‬ ‫ِف ِه‬
‫الَّل وُح الـمحُف وُظ ي ُك ّل الُّلغ ات ألن ه ُك َتِب ي ُك ّل م ا َيقول ه اِإل ْنس وا ّن‬
‫والـمالِئَك ة‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح ه ا ‪َ :‬لِو اجَت الَخ ْلُق ُك ُّل َعَلى َش ىٍء َك َت ُه ا َتعالى ِفي ِه‬
‫َب ُهلل‬ ‫ُه ْم‬ ‫َمَع‬ ‫َم ُهلل َف‬

‫َليَس َأَكْلَو اِح َنا‪َ ،‬قاَل َبعُض الُع لـامِء ‪" :‬الَّلْو ُح الـمحُفوُظ َفوَق َبعِض اْلَع ْر ِش ُم نَفِص اًل َعْنُه َلْيَس ُمَّتِص اًل ِبِه “‪.‬‬ ‫‪123‬‬

‫َليَس َأَكْقَالِم َنا‪.‬‬


‫‪124‬‬

‫قاَل رسوُل ِهللا صىَّل ُهللا علي ِه وسلـم‪" :‬اكَن ُهللا ولـم َيُكْن ىشٌء غُرْي ُه واكَن عرُش ُه عىل الـامِء وَكَتَب يف اِّذل ْك ِر َّلك ىشٍء َّمُث َخ َل َق‬ ‫‪125‬‬

‫الَّس مواِت واألرَض “ فقوهُل ‪" :‬وَكَتَب يف اِّذل ْك ِر َّلُك ىشٍء " َيُد ُّل عىل أَّن القلـم األعىل هو اثلُث خملوقاِت ِهللا تعاىل‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫َر َو ى َأَمْحُد َو اِّلْرت ِم ِذ ُّي ِم ْن َح ِد يِث ُع َب اَدَة بِن الَّص اِم ِت َع ِن الَّنِّيِب َص ىَّل ُهللا َعَلي ِه َو َس لـم َأَّنُه َق اَل ‪َ" :‬أَّو ُل َم ا َخ َل َق ُهللا اْلَقلـم َّمُث َق اَل‬ ‫‪126‬‬

‫اْك ُتْب َفَج َر ى ِبَم ا ُه َو اَك ِئٌن ىَل َيوِم الِقياَم ِة “ َّمُث َه َذ ا اْلَح ديُث َمَج َع َبيَنُه َو َبَني َم ا َقبُهَل ِبَأَّن َأَّو ِلَّيَة الَقلـم اِب لِّنْس َبِة ىَل َم ا َعَد ا الـامَء َو الَع رَش ‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َأَّن ُه َك اِئٌن ِلَيْجَعُل وُه َغ يَر َك اِئٍن لـم َيْق ِد ُر وا َعَلي ِه‪َ ،‬و َل ِو اْجَتَم ُع وا ُك ُّلُه ْم َعلى َش ىٍء لـم‬
‫َيْك ُتْبُه اُهلل َتَعالى ِفيِه ِلَيْجَعُلوُه َك اِئًنا لـم َيْق ِد ُر وا َعَلْيِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن األْلفاَظ اليت َذَك َر ها الـمؤِّلُف ُه نا َو َر َدْت ِفيَم ا صَّح عْن رسوِل اِهلل َص لى‬
‫اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم يف بعِض أحاِديِث ِه‪َ ،‬بعُض ها بَعِني الَّلْف ِظ الـمْر ِو ِّي ‪ ،‬وَبعُض ها مبا هو مع ىن‬
‫الَّلْف ِظ الـمْر ِو ِّي ‪ ،‬وذلَك َّمِما َيشهُد العقُل ِبِص َّح ِتِه ألنه قاَم ِت الرَب اهُني الَعقلي ُة على أزلَّي ِة ِعلم‬
‫اِهلل مبا يكوُن أبًد ا َفَو َج َب االعتقاُد مبْض ُم وِن ما ُذِكَر ‪.‬‬
‫ق ال رس ول اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪َ(( :‬و اْع لم َأَّن اُألَّم َة َل ِو اْج َتَم َعْت َعَلى َأْن‬
‫َيْنَف ُع وَك ِبَش ْي ٍء لـم َيْنَف ُع وَك ِإال ِبَش ْي ٍء َقْد َك َتَب ُه اُهلل َل َك َو َل ِو اْج َتَم ُع وا َعَلى َأْن َيُض ُّر وَك‬
‫ِبَش ْي ٍء لـم َيُض ُّر وَك ِإال ِبَش ْي ٍء َقْد َك َتَب ُه اُهلل َعَلْي َك ُر ِفَعِت اَألْقالُم َو َج َّف ِت الُّص ُح ُف )) رواه‬
‫الرتمذي‪ .‬هذا تأكيد لـما تقدم أنه ال يكون خالف ما شاء اُهلل لك بنسخ وال تبديل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬ج َّف الَق لـم بَم ا ُه و َك اِئٌن إلى َيْو ِم الِق َياَمِة‪.‬‬
‫الش رُح ‪ :‬أَّن الَق َلَم ق ْد َفَر َغ ِم ْن ِكتاب ِة ذل َك ‪ ،‬وهن اَك أقالٌم ُأخ َر ى غ ُري ذل َك الَق لم‬
‫َتس ْنِس هبا الـمالِئَك ُة م الَّلوِح الـ حفوِظ ما ُأِم روا بِه‪ِ ،‬بَد ليِل احلِد يِث أنه لى ا َلي ِه‬
‫َص ُهلل َع‬ ‫َم‬ ‫َن‬ ‫َت ُخ‬
‫َو َس َّلَم ق اَل ‪َ(( :‬ح ىَّت َظَه ْر ُت لـمْس َتًو ى َأَمْسُع ِفي ِه َص ِر يَف اَألْقالِم )) رواُه الُبخ ارُّي‬
‫‪127‬‬

‫وُمسِلٌم‪.‬‬
‫ِت‬ ‫ِف ِت‬ ‫ِه‬
‫ق اَل الَّر س وُل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪ُ(( :‬ر َع اَألْقالم َو َج َّف الُّص ُح ُف )) رواُه‬
‫ِئِف‬ ‫ِئ‬
‫الرتمذي‪ ،‬هذا َيَتناَس ُب َم َع هذا‪َ ،‬م ْع نامُه ا َأَّن ما َنَق َلْت ُه الـمال َك ة يِف َص حا ها ّمِما شاَء اُهلل‬
‫َأْن ُك ون‪ ،‬هذا لـم َغرَّي ‪ .‬هذا ِف يد َأَّن الُّدعاء ال َغرِّي ِش يَئَة اهلل‪َ ،‬ل كاَنت ِش يَئُة اِهلل‬
‫َم‬ ‫ْو‬ ‫ُي َم‬ ‫َيَت َو ُي‬ ‫َي‬
‫ِق‬ ‫ِح‬
‫َتَتَغرَّي ‪ ،‬لكاَن هذا َعالَم َة ُح ُد وث واُحلُد وُث ُمْس َت يٌل َعَلى اهلل‪َ .‬فِإذا يَل َلَك ‪ِ :‬إًذا ما َم ْع ىَن‬
‫﴿اْد ُعويِن اسَتِج ْب َلُك م (‪ ﴾)60‬سورة غافر‪َ ،‬م عناُه اعُب ُد ويِن ُأِثْبكم‪ .‬الذي َيْد ُعو اُهلل تعاىل‬

‫َأْي َأْقالِم الـمالِئَكِة اَّليِت َتسَتنِس ُخ َهِبا ِم َن الَّلْو حِ الـمْح ُفوِظ ‪.‬‬ ‫‪127‬‬
‫ِت‬ ‫ِف‬ ‫ِن‬ ‫ِب ٍء‬
‫ُد عا َح َس ٍن ‪َ ،‬و َّيُت ُه َح َس َنة‪ ،‬هذا يْس َت يُد اَألْج َر َو هذا ُيَع ُّد اْس جاَبة‪ ،‬الرسوُل َص لى اُهلل‬
‫َعَلي ِه َو َس َّلَم َذَك َر يِف َح ِد يث م ا َم ْع ن اُه َأَّن اَهلل تع اىل ال َيُر ُّد الَعْب َد ِإذا َر َف َع َيَد ْي ِه َو َس َأَلُه ال‬
‫َيُر ُّدُه خاِئًب ا‪َ ،‬م ْع ن اُه ال ُب َّد َأْن يْس َتِف يد‪ ،‬يْس َتِف يد ِم َن الَّثواِب ‪َ ،‬و ق ال علي ِه الص الُة والسالم‪:‬‬
‫((الُّدعاُء ُه َو ِعباَدة)) رواه ابن حبان‪ ،‬الِعباَدة َأِي اَحلَس ناِت ‪َ ،‬م ْع ناُه الُّدعاء ِفي ِه َح َس نات‪،‬‬
‫َو يِف ِر واَي ٍة‪(( :‬ال ُّدعاُء ُمُّخ ِعب اَدة)) رواه الرتم ذي‪َ ،‬م ْع ن اُه ِفي ِه َث واب َعِظ يم‪ُ ،‬يق اُل َعْن هذا‬
‫اْس ِتجاَبة َفال َيكوُن خاَب هذا الَعْبد‪َ ،‬دعى اَهلل َفُأِثيَب َعَلى ذِلك‪.‬‬
‫يوَج د مْس َأَلة يِف الَق َد ِر َبياهُن ا ُمِه ّم َو ِه َي مسَأَلُة الَق َد ِر الـمَعَّلق‪ ،‬يوَج د ش ىء ُيَس ّم ى‬
‫شا‬ ‫ما‬ ‫الَقَد ر الـم َّلق‪ ،‬عنا ‪ ،‬الـمالِئَك ة الذي ْك ُت وَن يِف حاِئِف ِه م ِم الَّل ِح الـم ُفوِظ‬
‫َء‬ ‫ْح‬ ‫َن ْو‬ ‫َص‬ ‫َن َي ُب‬ ‫َع َم ُه‬
‫اُهلل ُهَلم َأْن َيْك ُتُبوا‪ِ ،‬م ْن ْمُجَلة ما َيْك ُتُب هؤالِء الـمالِئَك ة شىء ُيَس ّم ى الَقَد ر الـمَعَّلق‪ِ ،‬م ثاُلُه‪،‬‬
‫َيكون َم ْك ُتوب‪ُ :‬فالن ِإْن َو َص َل َر َمِحُه عاَش َك ذا‪َ ،‬أْي عاَش الُعْم َر اَألْك َثر مثاًل ِس ِّتَني َس َنة‪،‬‬
‫ِإْن لـم َيِص ل َر َمِحُه‪ ،‬عاَش َك ذا‪َ ،‬أْي عاَش الُعْم َر اَألَقّل مثاًل َأْر َبِعَني َس َنة‪ ،‬اهلل َيْع لم ِإْن كاَن‬
‫هذا الَعْب د َيِص ُل َر َمِحُه َو َيِعيُش َأْك َث ر أْو ال َيِص ُل َر َمِحُه َو َيِعيُش اَألَق ّل‪َ ،‬م ِن ال ذي ال َيْع لم؟‬
‫الـمالِئَك ة‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َقَد ًر ا ُمَعَّلًق ا َفُه َو ِإْن َفَعَل هذا اَألمر َيكوُن اْنَتَف َع ِبِف ْع ِلِه ِلذاَك اَألْم ر‪،‬‬
‫وكذِلَك يكوُن مكتوب يِف اللوِح احلُف وِظ مثاًل ِإْن دعا ُفالن ِبكذا َأْع طاُه اُهلل ذِلك‪ُ ،‬فالن‬
‫ِئ‬ ‫َّل‬ ‫ِل‬ ‫ِط ِه‬ ‫ِب‬ ‫ِإ‬
‫ْن لـم َيْد ُع َك ذا لـم ُيْع اُهلل ذ ك‪ ،‬هذا ُيَس ّم ى َق َد ًر ا ُمَع ًق ا ْخَيَف ى َعَلى الـمال َك ة‪َ ،‬ه ْل‬
‫َله‪َ ،‬فِإْن دعا ا تعاىل َّق را ِبـ ِش يَئِة اِهلل‬
‫َو َحَت َق ُم ُدُه َم‬ ‫َهلل‬ ‫َيْد ُعو َفَيْحُص َل َلُه َأْو ال َيْد ُعو َفال ْحَيُص َل‬
‫اندفع ِبذِلَك القدُر الـمعَّلُق اآلَخ ر‪ ،‬هذا َم ْع ىَن َقْو ِل النّيِب‪(( :‬ال َيُر ُّد الَق َد َر ِإاّل الُّدعاء)) رواه‬
‫الرتم ذي‪َ ،‬أِي الَق َد َر الـمَعَّلق هذا َيُر ُّدُه ال دعاُء ال ذي َيكوُن ِبـَم ِش يَئِة اهلل لي معن اُه َأَّن‬
‫َس‬
‫َتْق ِد يَر اِهلل اَألَز ّيِل َيَتَغرَّي َأْو َأَّن َم ِش يَئَة اِهلل َتَتَغرَّي ‪ ،‬هذا م ا َظَّن ُه بعض الن اس‪ ،‬هؤالء َك َف ُر وا‬
‫والِعي اُذ باهلل‪ .‬وم ا ش اَء اُهلل َأْن َيكوَن هذا ُيَس ّم ى الَق َد َر الـمْبَر م‪ ،‬الرس وُل علي ِه الص الُة‬
‫والسالُم َأْخ َبَر َأَّن ُه َس َأَل اَهلل َأْش ياء ق اَل ‪َ(( :‬س َأْلُت َر يِّب ُأِلَّم يِت َثالًث ا َفَأْع ط ايِن ِثْنَتنْي َو َم َنَعيِن‬
‫واِح َد ة)) مسلم‪ ،‬ويف رواي ة‪ِ(( :‬إَّن َر يِّب َز َو ى َيِل اَألْر َض َفَر َأْيُت َم َش اِر َقَه ا َو َم َغاِر َبَه ا َو ِإَّن‬
‫ُمْل َك ُأَّميِت َس َيْبُلُغ َم ا ُز ِو َي يِل ِم ْنَه ا َو ُأْع ِط يُت الَك ْنَزْيِن اَألَمْحَر َو اَألْبَيَض ‪َ ،‬و ِإيِّن َس َأْلُت َر يِّب‬
‫ِب‬ ‫ِس ِه‬ ‫ِم ِس‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِب ٍة ٍة‬
‫ُألَّميِت َأْن َال ُيْه َك َه ا َس َن َعاَّم َو ال ُيَس ِّلَط َعَلْي ْم َع ُد ًّو ا ْن َو ى َأْنُف ْم َفَيْس َت يَح‬
‫َبْيَض َتُه ْم ‪َ ،‬و ِإَّن َر يِّب َق اَل يِل َي ا َحُمَّم ُد ِإيِّن ِإَذا َقَض ْيُت َقَض اًء َفِإَّن ُه َال ُيَر ُّد)) رواه أب و داود‪،‬‬
‫َم ْع ن اُه َم ِش يَئُة اِهلل لـم َتَتَغرَّي َألَح ُّب اَخلْل ِق ِإَلي ِه‪ ،‬ألَّن هذا ال جَي وُز َعَلى اِهلل‪َ ،‬فَك ي ُف َتَتَغرَّي‬
‫واحٍد مْن َأفراِد الـمسِلمَني ؟!!‬

‫ِل ِص‬ ‫ِح‬


‫قاَل الـمؤِّلف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َم ا َأْخ َط َأ الَعْب َد لـم َيُك ْن ُي يَبُه َو َم ا َأَص اَبُه لـم َيُك ْن‬
‫ِلُيْخ ِط َئُه‪.‬‬
‫ِع ِهلل‬ ‫ِل‬
‫الش رُح ‪َ :‬أَّن م ا َأصاَب العب َد لـم َيكْن ُيخطَئ ُه‪ ،‬ألَّن لَم ا َس َبَق ب ذلَك وال َيتغ ُري‬
‫ِعلُم اِهلل‪ ،‬ألَّن َتَغُّيَر الِعلِم َيْس َتْلِز ُم اَجلْه َل واجلْه ُل ُمستحيٌل َعلى اِهلل‪ .‬وكذلَك ما َس َبَق يف‬
‫ِعلِم اِهلل َأَّنُه ال ُيِص يُب العبَد فَم حاٌل َأْن ُيِص يَبُه ذلَك ‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َعَلى الَعْب ِد َأْن َيْع َلَم أَّن اَهلل َق ْد َس َبَق ِع لُم ُه في ُك ِّل‬
‫ي‬ ‫ِز‬ ‫ال‬ ‫ِّق‬ ‫ال‬ ‫ٌض‬ ‫َك اِئٍن ِم َخ ْلِقِه َق َّد ذِلَك ْق ِد ي ا َك ا ا َل ِفيِه َناِق‬
‫ٌل‬ ‫ُم‬ ‫َو‬ ‫ٌب‬ ‫ُمَع‬ ‫َو‬ ‫َت ًر ُمْح ًم ُمْبَر ًم ْيَس‬ ‫َف َر‬ ‫ْن‬
‫وال ُمَغِّيٌر َو ال ُمَح ِّو ٌل وال َناِقٌص َو ال َز اِئٌد ِم ْن َخ ْلِقِه في َسَم اواِتِه َو أْر ِضِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه جيُب على الَعْبِد أْن َيْع لَم أَّن ما َس بَق يف علِم اِهلل أَّنُه يُك وُن فق ْد شاَء أْن‬
‫يكوَن ‪ ،‬والـمراُد هبذا أَّنُه ال ْحَيُص شىٌء إَّال ِبعْلِم اِهلل األزِّيل‪ ،‬وكُُّل ما َج ى وْجَيِر ي للعالـِم‬
‫َر‬ ‫ُل‬
‫الُّس فِلِّي والُعلوِّي فهو َّمِما َسَبَق يف ِعلِم اِهلل األزِّيل‪.‬‬
‫الِعل هو َم ْع ِر ُفة الشىِء َعَلى ما ُه َعَلْي ِه‪َ .‬فِح َني ُنْثِبُت ِلَش ْخ ٍص َأَّن ُك َّل شىٍء ِبِعلِم‬
‫َو‬ ‫ُم‬
‫اِهلل‪ِ ،‬إْن َفِه َم هذا َو اْع َتَق َد هذا َيْف َه ُم َأَّن ُك َّل ش ىٍء َمِبِش يَئِة اِهلل ألن ه ِإْن َحَص َل ِخ الف م ا‬
‫َعِلَم ‪َ ،‬يكوُن َج ْه اًل ‪ِ ،‬إْن كاَن َج ْه اًل ال َيكوُن ِعلًم ا َفَيْنَتِق ض ما َيقوله‪ُ :‬ه َو َأَّنُه ْحَيُص ل شىء‬
‫ِخِب الف م ا ش اَء اهلل‪ِ ،‬ل ذِلك هذه مسَأَلة َدِقيَق ة َو ُمِه َّم ة‪ ،‬ق اَل اِإل م اُم الش اِفِع ‪ِ" :‬إْن َس َّل‬
‫َم‬ ‫ّي‬
‫الَق َد ِر ُّي العلَم ُخ ِص م" فتح الباري‪ ،‬الَق َد ِر ّي الـمعتزّيل ِإذا َس لَم يِف مْس َأَلة َأَّن اَهلل ِعلُم ُه َقْد‬
‫َسَبَق بُك ِّل ما ُه كاِئن َسَيُك ون ُغِل واْنَق َطَع ‪ِ ،‬إذا َس َّل هِل ذا َم عناُه َأَّن ُك َّل َم ا ْحَيُص يِف‬
‫ُل‬ ‫َم‬ ‫َب‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫هذا الَك ْو ن ِبِعلِم اِهلل َو َم ِش يَئِتِه َفِإذا واِح د َزَعَم َأَّن شيًئا ْحَيُصل ِخِب الِف ما َعِلَم اُهلل ال َيكوُن‬
‫ِفِع ِض‬ ‫ِه‬ ‫ِء‬ ‫ِع‬ ‫ِع‬
‫لًم ا َيكوُن َج ْه اًل ‪َ ،‬ألَّن ال لَم َم ْع ِر َفُة الش ى َعَلى ما ُه َو َعَلْي ‪َ ،‬فالشا ُّي َر َي اُهلل َعْن ُه‬
‫ِع ِص‬ ‫ِظ‬ ‫ِة ِص ِة ِف‬ ‫هِب‬
‫َجَع َل ذه اُجلْم َل الق َري يها َم ْع ىًن َع يما "الَق َد ِر ُّي ِإذا َس لَم ال لم ُخ َم " ما َعلَم اُهلل‬
‫َك ْو َنُه شاَء َك ْو َنُه‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح ه ا ‪ :‬ذِل َك ِم َعْق ِد اِإل يماِن وُأ وِل الـم ِر َفِة واالْع ِت اِف‬
‫َر‬ ‫ْع‬ ‫ُص‬ ‫ْن‬ ‫َم ُهلل َو‬
‫ِبَتْو ِح يِد اِهلل َتَعالى َو ُرُبوِبَّيِتِه َك َم ا َقاَل َتَعالى في ِكَتاِبِه ﴿َو َخ َلَق ُك َّل َش ىٍء َفَق َّد َر ُه َتْق ِد يًر ا‬
‫(‪ ﴾)2‬س ورة الفرقان‪ ،‬وقاَل تعالى ﴿َو َك اَن َأْم ُر اِهلل َق َد ًر ا َم ْق ُد وًر ا (‪ ﴾)38‬س ورة‬
‫األحزاب‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن هذا ِز يادُة َبياٍن لـما َقب ‪ ،‬والـمراُد بالَعق ِد االعتقاُد‪َ ،‬و لي الـمراُد ِباألمِر‬
‫َس‬ ‫ُل‬
‫نا األم الَّتْك ِليف كالصالِة والصياِم ِإَّنـما ما شا ا تعاىل صوَل ووقو يف ال جوِد‬
‫َع ُه ُو‬ ‫ُح ُه‬ ‫َء ُهلل‬ ‫َّي‬ ‫َر‬ ‫ُه‬
‫ِم ْن أعياِن الـمخلوقاِت أْو مْن ِص فاِهِتم وَح ركاِهِتم وَس كناِهِتم‪ .‬فَك لَم ُة "َأْم ر" ُه نا َم عناها‬
‫الـمْف ُعول َأِي الكاِئناُت احلاِدَثة‪.‬‬

‫ِص‬ ‫ِهلل‬ ‫ِّل ِح‬


‫قاَل الـمؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬فَو يٌل لـمْن َص اَر َتَع اَلى في الَق َد ِر َخ يًم ا‪ ،‬وَأحَض َر‬
‫للَّنَظِر ِفيِه َقْلًبا َس ِق يًم ا‪َ ،‬لَق ِد الَتَم َس ِبَو ْه ِم ِه في َفْح ِص الَغيِب ِس ًّر ا َك ِتيًم ا َو َع اَد ِبَم ا َق اَل‬
‫فيِه َأَّفاًك ا َأِثيًم ا‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن هذا تصريٌح بذِّم َمْن أنكَر الَقَد َر ‪ ،‬هؤالِء الـمعتزلُة يقولوَن ‪ :‬ما ِش ْئَت لـم‬
‫َيُك ْن وكاَن ما لـم تش ْأ‪ ،‬فَيْز ُعُم وَن أَّن اَهلل تعاىل شاَء ِم َن الكفاِر أْن يؤمُن وا لكْن ما كاَن‬
‫وما ُو ِج َد ‪َ ،‬و لـم َيَش ِأ الشَّر ِم َن العباِد َو َمَع ذِلَك ُو ِج َد خبل ِق العباِد ‪ ،‬واُهلل تع اىَل َعَلى َزْع ِم ِه م‬
‫ما شاَءُه َو ما َخ َلَق ُه‪ ،‬فهؤالِء ُخَص َم اُء اِهلل‪ .128‬واألَّفاُك هو الَك َّذ اُب ‪ ،‬واَألِثيُم هو الفاِج ُر ‪.‬‬

‫َقاَل َر ُس وُل ِهللا َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس مل‪" :‬ٱْلَقَد ِر َّيُة َمُج وُس َه ِذِه ٱُألَّم ِة “ َو يِف ِر َو اَي ٍة ِلَه َذ ا ٱْلَح ِد يِث ‪ِ" :‬لِّلُك ُأَّم ٍة َمُج وٌس َو َمُج وُس َه ِذِه‬ ‫‪128‬‬

‫ٱُألَّم ِة اذليَن َيُقوُلوَن ال َقَد َر " َر َو اُه َأُبو َد اُو َد َعْن ُح َذ ْيَفَة َعِن ٱلَّنِّيِب ‪.‬‬
‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و الَعْر ُش َو الُك ْر ِس ُّي َح ٌّق‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه جيُب اإلمياُن بوجوِد العرِش والُك رس ِّي ألَّن اَهلل َنَّص عليِه ما يف الُق رءاِن ‪،‬‬
‫والعرُش هو أعَظُم األْج ساِم مْن َح يُث الـمساَح ُة وأما الُك رس ُّي فهو حتَت ُه وهو بـمثاَبِة ما‬
‫َيَض ُع راِكُب الَّس ريِر َقَد َم ُه َعَلْيِه‪ ،‬وهو َص غٌري جًّدا بالِّنسبِة للَّس ريِر ‪.‬‬
‫قاَل الرسوُل لى ا َليِه َّل ‪(( :‬ما ال ٰم وا الَّس ْنِب الُك ِس ِإاّل َك ْلَق ٍة‬
‫َح‬ ‫ْر ِّي‬ ‫ّس ُت ْبُع َجِب‬ ‫َص ُهلل َع َو َس َم‬
‫ُمْلق اٍة يِف َأْر ٍض َفالة َو َفْض ُل الَع ْر ِش َعَلى الُك ْر ِس ِّي َك َفْض ِل الَف الِة َعَلى اَحلْلَق ة)) األمساء‬
‫والص فات لل بيهقي‪ ،‬نا ال رش َش ىء واِس ع واِس ع واِس ع بالِّن ة للُك ِس الُك ِس‬
‫ْس َب ْر ّي َو ْر ّي‬ ‫َم ْع ُه َع‬
‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِة ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِس‬ ‫ِس‬
‫ش ىء وا ع وا ع وا ع بالِّنْس َب ْلّس ٰم وا الَّس ْبِع ‪ .‬اآلن الع رُش ْحَي ُل ُه َأْر َبَع ٌة َن‬
‫ِذ‬ ‫ِئ‬ ‫ِن ِم‬ ‫ِخ ِم‬ ‫ِئ‬
‫الـمال َك ة ويِف اآل َر ة ْحَي ُل ُه ثـما َية َن الـمال َك ة‪ ،‬قاَل الَّر ُس ول‪ُ(( :‬أ َن يِل َأْن ُأَح ِّد َث َعْن‬
‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِئ ِة ِهلل ِم‬ ‫ِم‬
‫َم َل ٍك ْن َم َال َك ا ْن َمَحَل الَع ْر ِش )) َيْع ىِن َعْن َم َل ك ْن َمَحَل الَع ْر ش ((ِإَّن َم ا َبَنْي‬
‫َش ْح َم ِة ُأُذِنِه ِإىَل َعاِتِقِه َم ِس َريُة َس ْبِعِم اَئِة َعاٍم )) رواه أبو داود‪ ،‬هذا واِح ْد ِم ْن َمَحَلِة الَعْر ش‪.‬‬
‫ِت‬ ‫ِس‬ ‫ِس‬
‫قوُل ُه‪َ :‬تع اىل ﴿َو َع ُك ْر ُّيُه السٰم وا واَألْر َض (‪ ﴾)255‬س ورة البق رة‪َ ،‬م ْع ن اُه‬
‫اْلّس ٰم واُت الَّس ْبع‪َ ،‬ل ْو ُو ِض َعت ُك ُّل مَس اٍء جِب ْنِب ُك ِّل مساء‪ ،‬واَألراُض ون الَّس بع‪َ ،‬ل ْو ُو ِض َعت‬
‫ُك ُّل أرض جِب ْنِب ُك ِّل أرض‪ ،‬هذا الكرِس َيُك وُن َأْو َس َع ِم ْنها‪ُ ،‬ك ُّل هذا َدِلي َعَلى َعِظ يِم‬
‫ٌل‬ ‫ّي‬
‫ُقْد َر ِة اِهلل تعاىل‪.‬‬

‫قاَل الـمؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه َو ُمْس َتغٍن َعِن الَعْر ِش َو َم ا ُدوَنُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اَهلل تعاىل ُمستغٍن عِن العرِش وما ِس واُه‪ ،‬فاُهلل تعاىل لي ْحممواًل ِبالعرِش‬
‫َس‬
‫َألَّن ا ال ـ ُّس وال ـ ُّس ‪ ،‬سَتحي علي ِه ذل َك لـما ب ِذك م ال اهِني الَق ْطِعَّي ِة‬
‫َس َق ُر ُه َن رَب‬ ‫ُل‬ ‫ُي َم َي‬ ‫َهلل َي َم‬
‫الـمْح كمِة الـموِج َبِة للِعلِم الَق طعِّي يف إثب اِت تعاِلي ِه عِن احلاج اِت وَعْن مش اَبَه ِة اخلل ِق‬
‫كقوِلِه ﴿َيا َأُّيَه ا الَّناُس َأْنُتُم الُفَق َر اُء ِإىَل اِهلل َو اُهلل ُه َو الَغُّيِن اَحلِم يُد (‪ ﴾)15‬سورة فاطر‪ ،‬فقْد‬
‫أثَبَت الفقَر واحلاَج َة ِلعباِدِه وَنَف ى ذلَك عن َنْف ِس ِه بقوِلِه ﴿َو اُهلل ُه َو الَغُّيِن﴾‪.‬‬
‫ْغٍن َعِن ال ِش " رٌّد على ال وِد وجمِّس مِة هذه اُألَّم ِة‬
‫َيُه‬ ‫َع ْر‬ ‫وق وُل الـمؤِّلِف ‪" :‬وُه و ُمْس َت‬
‫َح ْيُث َو َص ُفوُه باِجلْس ِم واالستقراِر عَلى العرِش ‪.‬‬
‫َو َأّم ا قوُل ه تع اىل ﴿ال َّر َمْحُن َعَلى الَع ْر ِش اْس َتَو ى (‪ ﴾)5‬س ورة طه‪ ،‬فالعرُش ُي ْذ َك ُر‬
‫وُيراُد بِه الَّس ريُر الـمْح ُفوُف بالـمالئكِة‪ ،‬وهو ظاهٌر يف الشريعِة‪ ،‬وُيذكُر ويراُد به الـملُك‬
‫كقوِل الشاعِر ‪" :‬إذا ما َبُنو َم ْر واَن ُثَّلْت ُعُر وُش ُه ْم " أي َذَه َب ُمْلُك ُه م َو زاَل ‪َ ،‬فقوُلُه‪ :‬تعاىل‬
‫﴿الَّر َمْحُن َعَلى الَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾ سورة طه‪ ،‬لي ُح َّج ًة إلثباِت االستقراِر ِهلل على العرِش‬
‫َس‬
‫ِء‬
‫كَم ا تقوُل الـمشبهُة الـمجسمُة ب ِل الرَّت جيُح لـمعىن االستيال ألَّن اَهلل تبارَك وتعاىل متَّد َح‬
‫بقوِلِه ﴿ال َّر َمْحُن َعَلى الَع ْر ِش اْس َتَو ى﴾ س ورة طه‪ ،‬ول ِو اس ُتعمَِل هذا اللف ُظ على س بيِل‬
‫الـمدِح يف حِّق جاَز علي ِه االستقرا فال ْحُي على االستقراِر وال ف ِم ْن ‪ ،‬كَق وِل‬
‫ُي َه ُم ُه‬ ‫َم ُل‬ ‫ُر‬ ‫َمْن‬
‫الّش اعِر يف ِبْش ِر ْبِن َم رواَن ‪:‬‬
‫ِم َغِرْي ٍف ٍم اِق‬ ‫َقِد ا َتوى ِبْش َلى الِع اِق‬
‫ْن َس ْي َو َد ُمْه َر‬ ‫َر‬ ‫ٌر َع‬ ‫ْس‬
‫فليَس َم ْد ُح بش ِر بِن َم رواَن يف هذا البيِت ِم ْن حيُث إن ُه جالٌس يف هذا البل ِد ‪ِ ،‬إَّنـما‬
‫و يَط على الِع راِق ‪ ،‬ألَّن ا ُل و يف الِع راِق‬
‫ُجل َس‬ ‫الـمدُح ل ُه ألن ه اس تَو ى أْي َقَه َر وَهْيَمَن َس َر‬
‫َيشرتُك في ِه اإلنساُن الشريُف َو القوُّي واإلنساُن الَّدينُء والَّض عيُف ‪ ،‬فالـمْد ُح ِإَّنـما َيكوُن‬
‫بصفٍة يـمتاُز هبا الـممدوُح عَّم ا ال َيكاُد ُيداِنيِه وال ُيساِو يِه وال ُيكاِفُئُه فيه غُريُه‪ ،‬فال ُب َّد أْن‬
‫ف م االس تواِء القه واالس تيال إْذ هو أش رُف مع ايِن االس تواِء ‪ ،‬وهو َّمِما ِلي باِهلل‬
‫َي ُق‬ ‫ُء‬ ‫ُر‬ ‫ُي َه َم َن‬
‫تعاىل‪ ،‬ألنه َو َص َف نْف َس ُه ِبأَّنه َقَّه اٌر ‪َ ،‬فال ُجيوُز َأْن ُيْتَر َك ما ُه َو الِئٌق ِباِهلل تعاىل إىل ما هو‬
‫َغْيُر الِئٍق باِهلل َتعاىل وُه و اُجلُلوُس َو االِّتصاُل واالْس ِتْق راُر ‪.‬‬
‫س أل ش يخنا رمح اهلل عن الـمسِلم يف َأ ريكا َأهنم ِقَّل ة نَش ِغلوَن بالَّض رورياِت‬
‫َو ُم‬ ‫َني ْم‬ ‫ُه‬
‫بَتَعلِم وَتعليِم الَّضرورياِت فَش َغَلُه م ذلك عن حفِظ القرآِن هل َيكوُن عليهم إمث؟‬
‫قال الشيُخ ال‪ ،‬ال يكوُن عليهم إمث‪.‬‬
‫َمْن فاَتْتُه َص الة ِبُعْذ ٍر وأراَد أن ُيَص لي َر كَعيَت االسِتخاَر ة له ذلَك ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫الدرس‬
‫قال الشيُخ َنبيُل حفَظُه اُهلل‪ِ :‬إَّن اَهلل َش َر َع ألَّم ِة َس يِد نا حممٍد َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َأْن‬
‫حُي ِد ثوا يف ال ديِن م ا هو وافٌق ملا ج ا يف الُق رآِن الكرِمي واحلِد يِث ‪ ،‬وَق د ج رى ِم أي اِم‬
‫ْن‬ ‫َء‬ ‫ُم‬
‫َر س وِل اِهلل َأن حُي ِد َث َبْعُض الُعلماِء أش ياَء يف ال ديِن ال ختالُف م ا ج اَء يف الق رآِن وال‬
‫ختالُف ما جاَء يف حديِث الرسوِل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪ .‬وقد ثبت يف احلديِث الصحيِح‬
‫الذي رواُه مسلٌم أن الن َّيب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم قاَل ‪َ(( :‬مْن َس َّن يِف اِإل ْس الِم ُس َّنًة َح َس َنًة‬
‫َفَل ُه َأْج َه ا َأْج َمْن َعِم َهِبا َبْع َد ُه ِم ْن َغِرْي َأْن َيْنُقَص ِم ْن ُأُج وِر ِه ْم َش ٌء َمْن َس َّن يِف‬
‫ْى َو‬ ‫َل‬ ‫ُر َو ُر‬
‫ِم ا ِم ِدِه ِم َغِرْي َأْن ُق ِم‬ ‫ْز‬ ‫ِو‬ ‫ا‬ ‫ْز‬ ‫ِو‬ ‫اِإل الِم َّنًة ِّيَئًة َك اَن َل ِه‬
‫َي َص ْن‬ ‫ْن‬ ‫َع ْي ُر َو ُر َمْن َل ْن َب ْن‬
‫ْع‬ ‫َهِب‬ ‫َع‬ ‫َه‬ ‫ْس ُس َس‬
‫َأْو َز اِر ِه ْم َش ْى ٌء))‪.‬‬
‫يف هذا احلديِث تقوُل الوهابَّي ُة ((َمْن َس َّن يِف اِإل ْس الِم ُس َّنًة َح َس َنًة)) أي َم ن َأحيا يف‬
‫اإلس الِم سنًة ق د أميَتت‪ ،‬يقاُل هلم هذا تأوي ل وأنُتم تقول وَن ال تأوي ل‪ .‬وُي رُّد عليهم من‬
‫ِه‬ ‫ِث‬
‫احلدي الص حيِح ال ذي رواُه ُمسلٌم أيًض ا أن الرس وَل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ق ال‪َ(( :‬مْن‬
‫َأْح َدَث يِف َأْم ِر َن ا َه َذ ا َم ا َلْيَس ِم ْن ُه َفُه َو َر ٌّد)) رواُه ُمسِلٌم‪ ،‬يفَه ُم ِم ْن ه َأَّن َمْن َأحَدَث يف‬
‫الديِن َم ا هَو ِم َن الديِن فهو َم قبول ليَس مردوًدا‪ .‬يف َص حيِح الُبخارِي َعْن ِر َفاَعَة ْبِن َر اِفٍع‬
‫الُّز ِق َقاَل ‪ُ :‬ك َّنا ا ُن ِّلي ا الَّن لى ا َلي ِه َّل َلَّم ا َف ْأ ِم الَّر ْك ِة‬
‫َيْو ًم َص َو َر َء ِّىِب َص ُهلل َع َو َس َم َف َر َع َر َس ُه َن َع‬ ‫َر ِّي‬
‫َق اَل ‪ِ(( :‬مَس َع اُهلل ِلَم ْن ِمَح َد ُه)) َق اَل َر ُج ٌل َو َر اَءُه‪َ :‬ر َّبَن ا َو َل َك اَحْلْم ُد ْمَحدًا َك ِث ريا َطِّيبا ُمَباَر كا‬
‫ِفي ِه‪َ ،‬فَلَّم ا اْنَص َر َف َق اَل ‪َ(( :‬م ِن الـُم َتَك ِّلُم)) َق اَل ‪َ :‬أَن ‪َ ،‬ق اَل ‪َ(( :‬ر َأْيُت ِبْض َعًة َو َثالِثَني َم َلًك ا‬
‫َيْبَت ِدُر وَنَه ا َأُّيُه ْم َيْك ُتُبَه ا َأَّو ُل )) ما قال كي َف تقوُل يف الديِن شيًئا أنا مل أعلْم َك إياُه ما‬
‫أنكَر عليه‪.‬‬
‫ِس ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِهلل‬
‫عْن َأيِب ُه َر ْيَر َة َقاَل ‪َ :‬بَعَث َرُس وُل ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َعَش رَة َعْيًن ا َفُأ َر ْنُه ْم‬
‫ُخ َبْيٌب ‪َ ،‬فَلَّم ا َخ َر ُج وا ِبِه ِلَيْق ُتُلوُه َقاَل ‪َ :‬دُع ويِن ُأَص ِّلي َر ْك َعَتِنْي ‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬و اِهلل َلْو ال َأْن ْحَتَس ُبوا‬
‫َأَّن َم ا يِب َجَز ٌع َلِز ْد ُت ‪َ ،‬قاَل ‪:‬‬
‫َعَلى َأِّي َج ْنٍب َك اَن يِف اِهلل َم ْص َر ِعي‬ ‫َفَلْس ُت ُأَبايِل ِح َني ُأْقَتُل ُمْس ِلًم ا‬
‫ُيَباِر ْك َعَلى َأْو َص اِل ِش ْلٍو مُـَم َّز ِع‬ ‫َو َذِلَك يِف َذاِت اِإل َلِه َو ِإْن َيَش ْأ‬
‫ِني‬
‫َّمُث َقَتُل وُه‪ .‬رواه البخ اري‪ .‬الرس ول م ا كان َعلَم الص حاَبة أن ُيَص لوا َر كت َقب َل‬
‫القتِل ‪ ،‬قال أبو ُه ريرة‪َ :‬فكاَن َأول َم ن َص َّلى الركَعَتِني ِعن َد الَق ت ِل ‪ .‬الرسوُل ما َأنَك َر ُه‪ِ ،‬م ن‬
‫هنا َنْع َلم َأَّن ُخ َبيًبا َعِم َل يف اإلْس الِم َعَم ال ُيواِفُق الشْر ع‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ُ :‬مِح يٌط ِبُك ل َش ىٍء ‪.‬‬


‫الشر ‪َ :‬أَّن ا ِحُم ي ٌط ِبُك ِّل َش ىٍء ِب الِعْلِم والَغَل ِة والُّس لطاِن ال َك ِإحاَط ِة الَّظ رِف‬
‫َب‬ ‫َهلل‬ ‫ُح‬
‫باملْظُر وِف َألَّن ذِلك ِم ْن خصاِئِص اجلْس م واُهلل ُمَنَّز ٌه ِعْن ذِلك‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َفوَقُه‪.‬‬


‫الشرُح ‪ :‬أَّن كَّل شىٍء حتَت ِعْلِمِه وقدرِته‪ ،‬لقوِله َتعاىل ﴿َو ُه َو الَق اِه ُر َفْو َق ِعَب اِدِه (‬
‫ِل‬
‫‪ ﴾)18‬سورة األنعام‪ ،‬وهذا َم عىن الُعُلِّو الذي وصَف اُهلل نفَس ُه ِبه ِبقو ه ﴿َس ِّبِح اْس َم َر ِّبَك‬
‫اَألْع َلى (‪ ﴾)1‬س ورة األعلى‪ ،‬وبقوِله ﴿َو ُه َو الَعِلُّي الَعِظ يُم (‪ ﴾)255‬س ورة البق رة‪َ ،‬ألَّن‬
‫ِه‬ ‫ِص‬ ‫ِت‬ ‫ِه ِم‬ ‫ِجل ِة‬
‫ُعُلَّو ا ه ُمستحيٌل علي ألنه ْن صفا اخلل ِق ‪ ،‬وكي َف َي ُّح ذل َك يف حِّق وهو القدُمي‬
‫املتعاِل عِن الَّتناِه ي واحلدوِث ‪.‬‬
‫َو َأراَد ِبَق ْو ِلِه "َو َفْو َقُه" الَف ْو ِقّيَة ِم ْن َح ْيُث ا كاَنُة والَق ْه ُر والَغَلَبُة ال ِم ْن َح ْيُث املكان‪.‬‬
‫ِذِه‬ ‫َمل‬
‫وأَّم ا َدعوى َبعِض اجلهاِل أَّن اَهلل َفوَق الَع رِش َح يُث ال َم كاَن فه َدعوى ال دلي ٍل‬
‫ِب‬
‫ألَّن فوَق العرِش َم كاًنا ِبدليِل قوِلِه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم فيَم ا َر واُه الُبخارُّي ‪َ(( :‬لَّم ا َقَض ى‬
‫ِن‬ ‫ٍب‬
‫اُهلل اَخلْل َق َك َتَب يف كت ا فهو ْع ْن َد ُه َف وَق الَع رِش ‪ :‬إَّن َر َمْحيِت َغَلَبْت غضيِب )) َفال َيـمَت ُع‬
‫َش ْر ًعا وال َعْق ال أْن َيكوَن َف وَق الَع رِش َم كاٌن ‪َ ،‬و َل ْو ال أَّن َف وَق الَع رِش َم َك اًنا ْمَل َيُق ِل الَّنُّيِب‬
‫َص لى اُهلل َعَلي ِه َس َّل عْن ذل َك الَك تاِب ‪(( :‬فه َمْر ُفوٌع فوَق الَع رِش )) واملْق صوُد ِبِعْنَد يِف‬
‫َو‬ ‫َو َم‬
‫اَحلِد يِث ِعْنِد َّيُة التشريِف ‪ ،‬كما يف قوِلِه َتعاىَل ‪ِ :‬ح كاَيًة عْن قوِل ءاِس َيَة ﴿َر ِّب اْبِن يِل ِعْنَد َك‬
‫َبْيًتا يِف اَجلَّنِة (‪ ﴾)11‬سورة التحرمي‪َ .‬و ىِف ِر واَية ((َسَبقْت غضيِب ))‪.‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َقْد َأْع َجَز َعِن اِإل َح اَطِة َخ لَق ُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اَخلْلَق ال حُي يُط أحٌد ِم ْنُه ْم بكِّل شىٍء ِم َن املخلوقاِت ‪ ،‬قاَل تعاىل‪َ﴿ :‬و َم ا‬
‫َيْع َلُم ُج ُن وَد َر ِّب َك ِإال ُه و (‪ ﴾)31‬س ورة املدثر‪ ،‬فاملالئكُة ال َيعلُم ع دَدُه م إال اُهلل‪ ،‬حىت‬
‫ِئ‬ ‫ِة‬ ‫ِد‬ ‫ِة‬
‫ُر َؤ س اُء املالئك ال حُي يط وَن بع د املالئك ‪ ،‬فإذا كاَن املال َك ُة ال حُي ص يِه ْم ع دًدا إال اُهلل‬
‫فكيَف جبميِع اخللِق ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنُق وُل إَّن اَهلل اَّتَخ َذ ِإبراِه يَم َخ ِلياًل ‪َ ،‬و َك َّلَم اُهلل ُموسى‬
‫َتْك ِليًم ا إيماًنا وَتصِد يًق ا َو َتسِليًم ا‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬معناُه نؤِم ُن بذلَك وُنصِّد ُق وُنَس ِّلُم‪ ،‬ولْيسِت اُخلَّل ُة كالِو الدِة َألَّن ال ِو الَدَة‬
‫ُتوِج ُب الَبْع ِض َّيَة واُجلزِئيَة وهذا حُم اٌل يف َح ِّق الَق دِمي ‪.‬‬
‫َأ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِعْنَد ما ُقوُل سيِد نا ِإ راِه يم لي اِهلل عنا َل َغ الغا َة يِف االْنِق طاِع ِإىَل اِهلل‬
‫ْي‬ ‫َي‬ ‫َخ ُل َم ُه َب‬ ‫ْب‬ ‫َن َعْن‬
‫يِف الِعباَدة‪َ ،‬فَم قاُم اُخلَّلِة الذي هذا معناُه وهو لسِّيِد نا حممد ولسِّيِد نا ِإبراِه يم فقط‪َ ،‬يعىِن ال‬
‫ُيقال َخ ليل اِهلل إال ُهلما‪.‬‬
‫لي‬ ‫ذي‬ ‫ال‬ ‫َّي‬ ‫ِلِه‪َ " :‬ك َّل ا وسى َتْك ِلي ا" َأ َأمْس َك ال اَأل َّيِل اَأل ِد‬
‫َس‬ ‫ًم ْي َعُه َم ُه َز َب‬ ‫َو َم ْع ىَن َقْو َو َم ُهلل ُم‬
‫َأ‬ ‫ح ًف ا ال ًتا ال ُلَغ ًة َف ِه م ِم ْن و ى م ا ش ا اهلل َل َأْن ْف م‪َ ،‬تْك ِلي اِهلل‬
‫ّيِل‬ ‫َز‬ ‫ُه َي َه َف ُم‬ ‫َء‬ ‫ُه ُم َس‬ ‫َف‬ ‫ْر َو َص ْو َو‬
‫َو ُموَس ى َو مَس اِعِه ِلَك الِم اِهلل حاِد ثان‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنْؤ ِم ُن ِبالَم الِئَك ِة َو الَّن بّييَن َو الُك ُتِب الُم َنَّزَل ِة َعَلى‬
‫الُم رَس ِليَن َو َنشَه ُد َأَّنُه م َك اُنوا َعَلى الَح ِّق الُم ِبيِن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن ُه ِجي ُب اإلمياُن بوج وِد املالئكِة وُه ْم ِعَب اٌد ِهلل تع اىل َأْج ساٌم نوراِنَّي ٌة َذُو و‬
‫َأرواٍح َليُس وا ُذُك وًر ا وال ِإناًث ا ال َي ْأُك لوَن َو ال يْش َر ُبوَن َو ال ين اموَن َو ال يَتزاَو ُج وَن َو ال‬
‫َيَتواَلُد وَن َو ال ْخَيتاروَن ِإاّل الّطاَعة ال َيْع ُصوَن اَهلل َم ا أَم َر ُه ْم َك َم ا أخَرب ُس بحاَنُه‪.‬‬
‫اُهلل َخ َل َق املالِئَك ة ُدْفَع ًة واِح َد ة‪َ ،‬فال َيِز ي ُد َع َد ُدُه م‪ ،‬وال تتش ّك ل املالِئَك ة ِبَش ْك ِل‬
‫اِإل ناث َبْل ِبَش ْك ِل الّذ كر ِم ْن دوِن ءالة الُّذ كوَر ة‪ ،‬وبَأْش كال حيوانات مجيلة كالطري‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ِب‬
‫وأَّم ا اإليـماُن بالَّن ِّيَنْي فهَو أْن ُيْؤ َن بأَّن اَهلل ارتضاُه ْم للُّنُبَّو واصطفاُه ْم وأكرَمُه ْم‬
‫بالَّس فارِة َبْيَنُه وبَني عباِد ه مبا ُيوَح ى إَليِه م‪.‬‬
‫ِم ِد ِهلل‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬
‫وأَّم ا اإلمياُن ب الُك ُتِب الَّس ماِو ي َفهَو َأْن ُيْؤ َن بأهَّن ا ْن عن ا تع اىل‪ ،‬وَي ُد ُّل َك الُم‬
‫ِء‬ ‫ِم‬
‫املَؤ ِّل ِف على أَّن الُك تَب ال ُتْنَز ُل إال على الَّر س وِل ‪ ،‬وَمْن كاَن َن األنبي ا غ ِري املرس لَني‬
‫َيتَبُع كتاًبا ُأنِز َل على الَّر سوِل ‪.‬‬
‫ا‬ ‫َج‬ ‫ا‬ ‫قاَل المؤِّلُف رِح ه اُهلل‪ُ :‬ن ِّم ي َأْه ِقْبَلِتَن ا ُم ِلِم ي ُم ْؤ ِم ِني َم ا َداُم وا ِب‬
‫َم َء‬ ‫َن‬ ‫ْس َن‬ ‫َل‬ ‫َو َس‬ ‫َم‬
‫ِب‬ ‫ِف‬ ‫ِه َّل‬
‫به الَّن بُّي َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم ُمْعَت ِر يَن وَل ُه ُك ِّل َم ا َقاَل ُه َو َأْخ َبَر ُمَص ِّدقيَن َغ يَر‬
‫ُمْنِكِر يَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أننا ُنْطِل ُق على َأْه ِل ِقْبَلِتنا اس َم املسلِم َني واملؤمِنَني ‪ ،‬وال َنُق وُل َك َم ا َتقوُل‬
‫اَخلَو اِر ُج ‪َ" :‬م ِن ارتكَب معصيًة َو َلْو َص ِغَريًة فهَو كافٌر "‪ ،‬وال نُقوُل كَم ا تقوُل ا ْع َتِز َل ُة‪َ" :‬م ِن‬
‫ُمل‬
‫ارتكَب كبريًة ال ُيسَّم ى ُمْس ِلًم ا وال كاِفًر ا"‪.129‬‬
‫ِح َني َيُق ول َأْه ِقْبَلِتَن ا لي َم عناُه َأَّن ُك َّل َش ْخ ٍص َت َّج َه ِإىَل الِق ْبَل ة َأْو قاَم ِبُص و ِة‬
‫َر‬ ‫َو‬ ‫َس‬ ‫َل‬
‫الص الِة َيكوُن ِم َن املسِلمَني املؤِمِنني‪ ،‬ال‪ُ ،‬ه َو ُيِر ي ُد َأَّن َمْن كاَن َح ِق يَق ًة َعَلى اِإل س الِم ‪،‬‬
‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِق‬
‫َح يَق ًة َعَلى اِإل ميا ‪ ،‬هذا ْحَنُك ُم َعَلْي َعَلى َح َس ِب الّظ ا ِر ‪ْ ،‬حَنُك ُم َعَلْي ِبَأَّن ُه ُمْس م‪ِ ،‬بَأَّن ُه‬
‫مؤِم ن‪.‬‬
‫وَقْو ُل ُه‪َ" :‬م ا َداُم وا ِبَم ا َج اَء به الَّنبُّي َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ُمْعَت ِر ِفيَن وَل ُه ِبُك ِّل َم ا‬
‫َقاَلُه َو َأْخ َبَر ُمَص ِّدقيَن َغيَر ُمْنِكِر يَن " َأْو َض َح ِبِه ما َقبل ُه لُيْع َلَم َأَّن جمَّر َد الَّتَو ُّج ِه ِإىَل ِقْبَلِتنا ال‬
‫َي ُد ُّل على َح ِق يق ِة اِإل مياِن ِب النِّيب َألَّن َك ِث ًريا من الّن اِس يَتَو َّج ُه وَن ِإىَل ِقْبَلِتن ا وَلْيُس وا ِم ّن ا َو ال‬
‫على ِديِننا‪ .‬كاملنافقَني كانوا يَتَو َّج هوَن ِإىل الِق ْبَلِة ولـم َيكونوا ُمسِلِم َني ‪.‬‬

‫وال نقول بقوِل اُملْر ِج َئِة ‪" :‬ال َيُّرُض مَع اإلمياِن َذ ْنٌب “‬ ‫‪129‬‬
‫‪16‬‬‫الدرس‬
‫قال رسول اهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪ِ(( :‬إَذا َفَس َد َأْه ُل الَّش اِم َفاَل َخ ْيَر ِفيُك ْم )) رواه‬
‫الرتمذي‪ ،‬قال شيخنا رمحُه اهلل‪" :‬وقد فسد أهل الشام"‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنُخ وُض في اِهلل‪.‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬أَّنن ا ال ُنَف ِّك يف ذاِت اِهلل‪َ ،‬ألَّن الَّتَف ُك يف ذاِت اِهلل ُيَؤ ِّدي إىل اَحلْي ِة‬
‫َر‬ ‫َر‬ ‫ُر‬
‫ِم‬ ‫ِت ِهلل‬ ‫ُّك‬ ‫ِن ِم‬ ‫ِه ِهلل ِق ِه‬ ‫ِل‬
‫َو الَّض ال وُيَؤ ِّدي إىل َتْش بي ا خبْل ول ذلَك ُم ْع َن ا َن الَّتَف ِر يف ذا ا ‪ ،‬وَليَس َن‬
‫الَّتَف ُك ِر يف ذاِت اِهلل واَخلْو ِض في ِه َتْنِز يُه ُه عْن ُمش اهبِة اَخلْل ِق بق وِل "إَّن اَهلل موج وٌد أزٌّيل‬
‫أب دٌّي كاَن قب َل الزم اِن واملكاِن ‪ ،‬ال َيَّتِص ُف بش ىٍء ِم ْن ِص فاِت الَبَش ِر ‪ ،‬وإَّن ه َيَر ى ِبال‬
‫َح َد َق ٍة‪ ،‬وَيسمُع بال ِص ماٍخ وُأُذٍن ‪ ،‬وَيتكَّلُم كالًم ا ذاتًّي ا ليَس حرًف ا وال صوًتا" وحنُو ذل َك‬
‫مْن َم قاالِت علماِء أهِل الُّس َّنِة مَن الَّس َلِف واَخلَل ِف ‪ِ ،‬إَّنـما هذا َتْنِز ي ٌه ِهلل َعَم اًل بقوِله َتعاىل‪:‬‬
‫َل َك ِبَتْش ِبيِه اِهلل َتعاىل َخبلِقِه‬ ‫ِم ِلِه‬
‫﴿َلْيَس َك ْث َش ىٌء (‪ ﴾)11‬سورة الشورى‪ِ ،‬إَّنـما َه َل َك َمْن َه‬
‫ِب ِتِه ِم‬ ‫ِت ِم ٍق‬ ‫ِق‬ ‫ِهِل‬
‫َك َق و م‪" :‬بأَّنُه ُمست ٌّر على العرِش ‪ ،‬وأَّنُه َيْن ِز ُل بذا ه ْن َفْو إىل َأسفَل وَيْص َعُد ذا ْن‬
‫ْي‬‫َل‬‫﴿‬ ‫اىل‪:‬‬ ‫تع‬ ‫ُه‬ ‫َل‬ ‫قو‬ ‫َك‬ ‫ذل‬ ‫ب‬ ‫وا‬ ‫ُب‬ ‫َأْس ف ِإىل َأْع َلى" ألهنم قاُس وا اخلاِلَق على املْخ ل وِق َفَك َّذ‬
‫َس‬ ‫َل‬
‫َك ِم ْثِلِه َش ىٌء﴾ سورة الشورى‪.‬‬
‫اِإل م ام الَّنَس ِف ّي َيُق وُل يِف َعِق يَد ِت ِه‪َ" :‬و َر ُّد الُّنُص وِص ُكْف ٌر " َيْع ىِن ِإذا واِح د َر َّد َنَّص‬
‫ِل‬ ‫ِح‬ ‫ِد‬ ‫ِح‬ ‫ِن‬
‫الُق رءا َو َل ْو نًّص ا وا ًد ا‪َ ،‬أْو َنًّص ا اَحل يث‪َ ،‬و َل ْو نًّص ا وا ًد ا‪َ ،‬يْع ىِن َع َم َأَّن الّر ُس وَل قاَل ُه‬
‫َو َر َفَض ُه‪ ،‬هذا كاِفر‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَم اِر ي في ِد يِن اِهلل‪.‬‬


‫الشرُح ‪ :‬أن ه ال جُن اِد ُل يف ِد يِن اِهلل ِج دااًل َنَه ى اُهلل َتب ارَك وَتع اىل َعن ُه وهو اِجلداُل‬
‫فيما ال ُيْع َلُم‪َ ،‬فَم ْن َعَر َف احلَّق َجُياِد ُل ِإل ْح قاِق اَحلِّق ‪َ ،‬أَّم ا َمْن ْمَل َيْع ِر ْفُه فال َمُياِر ي‪.‬‬
‫َأّم ا اِجلداُل ال ذي َنَه ى َعْن ُه الّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ليَس اِجلداَل ال ذي هو‬
‫ِع‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِط‬ ‫ِق‬
‫ِإل ْح قا اَحلِّق َأْو ِإل ْبطا با ل‪ ،‬ال‪َ ،‬لّم ا ق ال الّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪َ(( :‬أنا َز يٌم‬
‫ِف‬ ‫ِحُم‬ ‫ِم ِإ‬ ‫ِة ِل‬ ‫ِبَبْيٍت يِف‬
‫َرَبِض اجلَّن َم ْن َتَر َك الـ راَء َو ْن كاَن ًّق ا)) رواُه أب و داود‪َ ،‬م عن اُه َأن ا كا ٌل‬
‫َو ضاِم ٌن َبْيًت ا يِف َط َر ِف اجلَّن ِة ِلَم ْن َتَر َك اِجلداَل ال ذي ال َخ َري ِفي ه‪ ،‬ال ُي راُد ِم ْن ُه ال ِإْح ق اُق‬
‫القاِئل‪َ ،‬لك ُك هذا َأ ن‪ ،‬وهذا ما َق ع ِفي ِه‬ ‫ِط ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َي‬ ‫ْح َس‬ ‫ْن َتْر‬ ‫اَحلِّق َأْو ْبطاُل با ٍل َو ْن كاَن اَحلّق َمَع‬
‫َك ِثري ِم َن الّناس‪ ،‬هذا ال َخ َري ِفيِه‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَج اِد ُل في الُقرءاِن ‪.‬‬


‫الشر ‪ :‬أن ال ُك يف الُق رءاِن ب ْف ِي شىٍء حَي تِم أْن يُك وَن من ال بإْثباِت ىٍء‬
‫َش‬ ‫ُه َو‬ ‫ُل‬ ‫َن‬ ‫ُح ُه ْحَن ُم‬
‫ِم غِري ِعْلٍم أَّن ِم ْن ‪ْ ،‬ق ُأ ما ِل َن ا أَّنه من وال ْنِف ي شيًئا وال ْثِب شيًئا أنه من بدوِن‬
‫ُه‬ ‫ُن ُت‬ ‫ُه َن‬ ‫ُه ُه َفَن َر َع ْم‬ ‫ْن‬
‫ِعلٍم ألَّن الُق رءاَن َل على ِع َّد ِة جوٍه‪ ،‬فق ْد نِك الَّش خ ق راءًة هي ثابت ٌة ع رسوِل‬
‫ْن‬ ‫ُص‬ ‫ُي ُر‬ ‫ُو‬ ‫َنَز‬
‫اِهلل وهو ْمَل َيعِر ْفها‪.‬‬
‫الّر ُس وُل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َقَر َأ الُق رءان َعَلى ِع َّد ِة ِق راءات‪ ،‬يِف َبعض هذه‬
‫ِل‬ ‫ِك‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِق‬
‫ال راءات الَك مات َأْح ياًن ا ْخَتَت ف َو أحياًن ا الَّتْش يل‪ ،‬اَحلَر َك ة ْخَتَت ف َعَلى َح َس ِب اَملْع ىَن‬
‫والَو ْج ه ال ذي َقَر َأ َعَلْي ِه الرس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪ ،‬مثاًل ُتوَج ُد ءاَي ة ﴿َو ِإَذا َأَر ْد َن ا َأْن‬
‫ُنْه ِلَك َقْر َيًة َأَمْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا َفَف َس ُقوا ِفيَه ا َفَح َّق َعَلْيَه ا الَق ْو ُل َفَد َّم ْر َناَه ا َتْد ِم ًريا (‪ ﴾)16‬سورة‬
‫اإلسراء‪ ،‬يِف ِقراَءٍة ﴿َأَّم ْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا﴾ َأْي صاروا ُأَم راء‪ ،‬صاروا حاِكِم ني‪ ،‬الِق راَءُة ا ْش ُه وَر ة‬
‫ِص َمل‬
‫﴿َأَمْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا﴾ َأْي َأَمْر ناُه م بالّطاَع ة ﴿َفَف َس ُقوا ِفيَه ا﴾ ليَس َأَم َر ُه م اُهلل با ْع َية‪َ ،‬و هذا‬
‫َمل‬
‫َأْيًض ا ّمِما ْحُيتاُج ِللُّر ُج وِع ِفيِه ِإىَل َأْه ِل الِعْلِم َح ىّت ُيْع َر ُف ا ْع ىَن املْق ُصود‪ ،‬أّم ا اجلاهل قد َيُظَّن‬
‫َمل‬
‫َأَّن ا ْع ىَن ‪َ :‬أَم َر اُهلل املْتَر ِفَني بالِف ْس ق والِعياُذ باهلل‪ ،‬اُهلل ال َيْأُمُر بال ْس ق‪ ،‬اُهلل َيْنَه ى َع ال ْس ق‬
‫ِف‬ ‫ِن‬ ‫ِف‬
‫ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫َمل‬
‫ِإ‬
‫والفجور‪َ﴿ ،‬و َذا َأَر ْد َن ا َأْن ُنْه َك َقْر َي ًة َأَمْر َن ا ُمْتَر يَه ا َفَف َس ُقوا يَه ا﴾ َأْي َأَمْر ن ا ُمْتَر يها‬
‫ِبالّطاَعِة َفخ اَلُفوا َأْم َر اهلل َفَف َس ُقوا ِفيه‪ ،‬الِق راَءُة الثاِنَي ة ظاِه َر ة ﴿َأَّم ْر َنا ُمْتَر ِفيَه ا﴾ َأْي صاروا‬
‫ُأَم راء‪ ،‬حاِكِم َني ﴿َفَف َس ُقوا ِفيَه ا﴾ َأْفَس ُد وا ِفيها‪ ،‬ما َأطاُعوا اَهلل ِفيها‪.‬‬

‫ِم‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َنشَه ُد َأَّن ُه َك الُم َر ِّب الَع اَل يَن َنَز َل ال ُّر وُح اَأل يُن‬
‫َك ال اِهلل الى ال اِو يِه‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬
‫ُيَس‬ ‫َفَعَّلَم ُه َس ّيَد الُمْر َس ين ُمَح َّم ًد ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َو ُه َو ُم َتَع‬
‫َش ىٌء ِم ْن َك الِم الَم خُلوِقيَن َو ال َنُقوُل ِبَخ ْلِقِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّننا ال َنُق وُل الُق رءاُن خملوٌق َألَّن َلْف َظ الُق رءاَن َقْد ُيراُد ب ِه َك الُم اِهلل ال َّذ اُّيت‬
‫َو َقْد ُيراُد ب ِه الَّلْف ُظ اْلُم َنَّزُل ‪َ ،‬ف ِإَّن الُق رءاَن ِإذا ُأِر ي َد ِب ِه الِّص َفُة الّذ اِتَّي ُة اليت ليسْت حرًف ا وال‬
‫وًتا َفظاه أن غ خملوٍق ‪ ،‬أَّم ا إْن ُأري َد ب ِه الَّلف ُظ اْل َّزُل فيِج اعتقا أن خملوٌق ِهلل‬
‫ُد ُه‬ ‫ُب‬ ‫ُم َن‬ ‫ٌر ُه ُري‬ ‫َص‬
‫تعاىل‪ ،‬لكْن لفًظا ال ُيقاُل إال حلاجِة الَّتعليِم ‪.‬‬
‫وال روُح األمُني هو ِج ربي ُل ق اَل تع اىل ﴿َنَز َل ِب ِه ال ُّر وُح اَألِم ُني َعَلى َقْلِب َك (‪﴾)13‬‬
‫سورة الشعراء‪.‬‬
‫ال ُّر وح ُيْطَل ق عَلى هذا اِجلْس م الَّلِط ي ف ال ذي َيُك وُن يِف اإلنسان ِح َني َيُك وُن َح ًّي ا‪،‬‬
‫ُيْطَل ق َعلى َم َل ك ِم املالِئَك ة ُيق ال َل ُه ال ُّر وح‪َ ،‬يْو م الِق ياَم ة‪ِ ،‬م ْن ُعْظِم َج ِدِه َيُك وُن يِف‬
‫َس‬ ‫َن‬ ‫َو‬
‫ٍّف َد ق اُل َل ال ُّر وح‪َ ،‬ل ك م‪ ،‬ق اُل ِج ِري ي ل ال ُّر وح اَألِم ني‪ ،‬يِف ُلَغ ِة‬
‫َو‬ ‫َم َض ْخ َو ُي َعْن‬ ‫ُه‬ ‫َص َو ْح ُه ُي‬
‫الَع َر ب‪ :‬ال ُّر وح َي ْأيِت َمِبْع َى الُق َّو ة‪ُ ،‬يق ال‪ُ :‬ر وُح اَخلِّل َأي ُقَّوُة اَخلّل‪َ ،‬و روُح الَّنْع َن ِع َأي ُقَّوُة‬
‫الَّنْع َن ِع ‪َ ،‬بْعُض َأْح باِبن ا كاُنوا خَي اُفوَن ِم ِن اْس ِتْع ماِل هذه الَك ِلَم ة‪َ ،‬يُقول ون‪" :‬اللي ِبيسُّم وه‬
‫َّل‬ ‫ِإل ِر‬ ‫ِش ِإ‬
‫ُر وح الَّنْع َن ِع " هذا ُيْر ُد نا ىَل َأَّن الَّش ْخ َص ليَس َل ُه َأْن َيَتَس َّر َع با ْنكا َقْب َل َأْن َيَتَع َم‬
‫يِن‬
‫املعا ‪َ ،‬يْع ىِن ليَس َلُه َأْن َيُقول "َح رام" َم ثاًل َأْو "ال جَي وز" َأْو "ال ُيقال" َقْب َل َأْن َيْس َأَل َأْه َل‬
‫الِعْلِم َه ْل هذِه الَك ِلَم ة ُتق ال َأم ال ُتق ال‪ ،‬جَت وز َأْم ال جَت وز‪ ،‬ليَس َل ُه َأْن َيَتَس َّر ع‪َ ،‬يُق ول‬
‫احتياًط ا َأن ا َأُق ول‪ :‬ال ُيق ال‪َّ ،‬مُث َنْنُظ ر‪ ،‬ال‪َ ،‬يْس َأل َو َيَتَعَّلم َّمُث َيُق ول َعَلى َح َس ِب م ا َيُق ول‬
‫َأْه َل الِعْلم‪ِ .‬م ثال َعْن ذِلك ُيقال للَّش ْخ ص‪َ :‬ك ْم ُعُمُر َك َو ُيقال‪َ :‬ك ْم َم َض ى َلَك ِم َن الُعُم ر‪،‬‬
‫َفَم َّر ة كاَن واِح د ج اِلس يِف ْجَمِلِس الش يخ َر َمِحُه اهلل‪َ ،‬فَس َأَل الش يخ َش ْخ ًص ا‪َ" :‬ك ْم َم َض ى‬
‫ِل‬ ‫ِح‬ ‫ِم‬
‫َلَك َن الُعُم ر"؟ َفوا د جا س قال‪ :‬آها‪ِ ،‬إًذا ال ُيقال َك ْم ُعُم ُر َك ‪َ ،‬ألَّن َك ْم ُعُم ُر َك َم ْع ناُه‬
‫َك ْم َس َتِعيش‪َ" ،‬ك ْم َم َض ى َل َك ِم َن الُعُم ر َك ْم ِعْش َت "‪َ ،‬فص اَر َيُق وُل َبَنْي الّن اس‪ :‬ال ُيق ال‬
‫"َك ْم ُعُم ُر َك " س ألين الش ْيخ‪ِ :‬م ْن َأْيَن ج اَء هذا؟ ُقلُت َل ُه‪ :‬يِف ْجَمِلٍس َأْنَت س ألَت َش ْخ ًص ا‬
‫َك ْم َم َض ى َلَك ِم َن الُعُم ر؟ َفواِح د ُه َو ِبَز ْع ِم ِه اْس َتْنَتَج قال‪ :‬آها‪ِ ،‬إًذا ال ُيقال "َك ْم ُعُم ُر َك "‬
‫َو َبىَن َعَلْيِه َأَّن "َك ْم ُعُمُر َك " َم ْع ناُه َك ْم َس َتِعيش‪ ،‬ما ُيْد ِر ينا َك ْم َس َيِعيش؟ ُيقال‪َ" :‬ك ْم َم َض ى‬
‫ِل‬ ‫ِم ِع ِد ِس ِه‬ ‫ِع‬ ‫ِم‬
‫َل َك َن الُعُم ر" َيْع ىِن َك ْم ْش َت ‪ ،‬هذا ُه َو ْن ْن َنْف قاَل هذا‪ ،‬كذ َك اْنتش َر ى بَنْي‬
‫َبْع ِض مَج اَعِتنا َأَّنُه ال ُيقال‪َ" :‬أِّديش َح ُّق و" قاَل هذا َغَلط َألَّن َم عناُه َك ْم َيْس َتِح ّق ‪ ،‬ما ُيْد ِر ينا‬
‫َك ْم َي َتِح ّق ؟ َنُق ول فق ط‪َ :‬ك ْم َمَثُن ُه‪ ،‬حَن ال َيْنُقُص نا َك ِلمات ْجَتِل االْع رِت اض َعَلْين ا يِف‬
‫ُب‬ ‫َو ُن‬ ‫ْس‬
‫َغ ِري َحَمِّل ِه‪َ ،‬فص اروا َيُقول ون‪ :‬قول وا "َأِّديش َمَتُن ه" م ا تقول وا "َأِّديش َح ُّق ه" َفَس َأْلنا الش يخ‪:‬‬
‫باللغ ِة العاِّمَّي ة ُيقاُل "َأِّديش َح ُّق و" َيْع ىِن َك ْم َح ُّق ُه‪ ،‬فقال الشيخ‪" :‬ما ِفي ِه َض رر‪ ،‬يريد كم‬
‫ُتريد ِم َن الَّثَم ن َألْج ِل هذا"‪ ،‬فتسُّر ُعهم ِبَنش ِر ِه م هِل ذا َقْب َل الُّر ُج وع َألْه ِل الِعْلم ُجَيُّر َعلين ا‬
‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِه‬
‫َض َر ًر ا‪ ،‬قْد َيُقول جا ل‪" :‬شوف شو معَّق ين‪َ ،‬ح ىّت هذا ال َيُقولوَنُه" هذا الَّتَس ُّر ع ْجَي ُب‬
‫َض ررا‪َ .‬بعُض العلماِء ق اُلوا‪َ" :‬ز َّل ُة الَعاِلـم َز َّل ُة العاَلـم" َم عن اُه الع امِل ِإذا َز َّل ‪ِ ،‬إذا َأْخ َط َأ‬
‫الَّص واَب َيْتَبُع ُه ن اس َك ث ُريون‪َ ،‬بْعُض َأْح باِبن ا كاُنوا ال َيقول ون َعِن الن اس ع امَل ‪ ،‬خَي اُفون‪،‬‬
‫ِء‬ ‫ِهلل‬ ‫ِس‬
‫َيقولوَن العامَل ُك ُّل َمْن َو ى ا ‪ ،‬كي َف َنُق ول َعْن هؤال الناس عامَل ؟ فقال الشيخ َر َمِحُه‬
‫اهلل‪َ :‬بْعُض الُعَلماِء ِم َن املاِلِكّي ة قال‪ُ" :‬يْطَل ُق العامَل َعَلى هؤالِء الناس" فاْس ِتْنكار ِم ْث ل هذا‬
‫َقْبَل الُّر جوع ِإىَل َأْه ِل الِعْلم َأْيًض ا ُجَيُّر َعَلْينا ضرًر ا‪َ ،‬ألَّن الَع واَّم يِف ِبالِد نا َتَع َّو ُدوا َأْن َيُقولوا‬
‫َعِن الناس عامَل ‪َ ،‬نَتَعَّلم َّمُث َنَتَك َّلم‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَخ اِلُف َج َم اَعَة الُمْس ِلِم يَن ‪.‬‬
‫كاَن على م ا كاَن علي ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬
‫الشرُح ‪ :‬املراُد باَجلماع َأهُل الُّس َّن واجلماَع وُه ْم َمْن‬
‫ِم ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬
‫الَّر س وُل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم والّص حاَبُة َن العقائ ‪ ،‬وَم ع ىن َك ال ‪ :‬ال خُن الُف ِإمْج اَع‬
‫ا ُأَّم َة َّم ٍد‬ ‫ٍد‬ ‫ِد‬
‫اجملته ين‪ ،‬فق ْد َثَبَت َعْن َأيب َم ْس عو الَب ْد ِر ِّي َر ضَي اُهلل عن ُه‪(( :‬ال ْجَيَم ُع ُهلل َحُم‬
‫‪130‬‬

‫على َض اللٍة)) رواُه احلافُظ ابُن َحَج ٍر يف َأَم اِلِّيِه وَص َّح َح ُه‪.‬‬
‫َو ُتوَج د ِر واَي ة َعِن الَّر ُس ول َر واها ش ْيُخ نا يِف َبْع ِض ُدروِس ِه‪(( :‬ال ْجَتَتِم ُع ُأَّم يِت على‬
‫َض الَلٍة َفِإذا َر َأْيُتُم اْخ ِتالًفا َك ِثًريا َفَعَلْيُك م باَجلماَع ة)) يِف بعِض اَألحاِديث اليت كان َأْو َر َدها‬
‫الش يخ َر َمِحُه اهلل يِف َبْع ِض مَؤ َّلفاِت ِه حاَو َل َبْعُض ِإْخ واِنن ا الُّر ُج وع ِإىَل ُأُص وهِل ا يِف الُك ُتب‬
‫املْطبوَعة‪ ،‬يف َبْع ِض اَألْلفاظ ما َو َج ُد وا َعَنْي هذا الَّلْف ظ َفَس َأُلوا شيَخ نا َر َمِحُه اهلل‪ :‬ما َو َج ْد نا‬
‫يِف الُك ُتِب َعَنْي هذا الَّلْف ظ ال ذي َرَو ْيَت ُه يِف ِكتاِب َك ‪ ،‬فق اَل ‪" :‬اْتُر ُك وُه َك ما ُه َو ‪ ،‬هكذا‬
‫َتَلَّق ْيناُه َعْن َم شاِخِي نا" َيْع ىِن هذا اإلْس ناد‪ ،‬الَّتَلِّقي باْلُم شاَفَه ة ِم ْن َأْه ِل الِعْلم‪.‬‬
‫وللفاِئ َد ة َأْيًض ا‪َ ،‬س َأْلُت الشيخ َر َمِحُه اهلل‪َ :‬ه ْل َص حيح َأَّن َبْعَض َم شاِخِي َك عاَد َو َقَر َأ‬
‫َعَلْيَك ما ُك ْنَت َأْنَت َقَر ْأَت َعَلْيِه؟ قال‪َ :‬نَعم َحَص َل يِف اَحلَبَش ة‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَك ِّف ُر َأَح ًد ا ِم ْن َأْه ِل الِق ْبَلِة ِبَذ نٍب َم ا َلم َيْس َتِح َّلُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬املراُد بَأهِل الِق بلِة املْؤ ِم ُنوَن ‪ ،‬فَم ْن كاَن عَلى اِإل مياِن ال ُجيوُز تْك فُريُه ِم ْن َأْج ِل‬
‫ِم‬ ‫ِإ ِإ‬
‫ال َّذ ْنِب اّل ذا اْس َتَح َّل ال َّذ نَب وكاَن ذل ك ال َّذ نُب َم علوًم ا َن ال ِّديِن بالُّض رورِة أن ُه َذْنٌب‬
‫فهذا الذي ُيكَّف ُر ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنُقوُل ال َيُضُّر َمَع اِإل يمان َذنٌب ِلَم ْن َعِم َلُه‪.‬‬
‫ِن‬ ‫ِهِل‬ ‫ِج ِة‬ ‫ِه‬
‫الشرُح ‪ :‬هذا في َر ٌّد على اُملْر َئ يف قو م‪ :‬ال َيُض ُّر َم َع اإلميا ذْنٌب كما ال َتْنَف ُع‬
‫الّطاع ُة م َع الُك ف ِر ‪ ،‬عن َد ُه م َم ْه َم ا َعِم َل املْؤ مُن مَن املعاِص ي ال ُيع اَقُب ‪ ،‬وهذا ِخ الُف‬
‫مْذ هِب أْه ِل الُّس َّنِة وفيِه َر ٌّد للُّنُصوِص وُه و ُك فٌر ‪.‬‬

‫اإلجامُع ‪ :‬هو اتفاُق جمهتِد ي ُأَّم ِة َّمحمٍد عىل أمٍر ِد يٍّين يف زمٍن مَن األزماِن ‪ ،‬ودليُهُل قوُهُل تعاىل ﴿ َو َم ن ُيَش اِق ِق الَّر ُس وَل ِم ن َبْع ِد َم ا َتَبَنَّي‬ ‫‪130‬‬

‫(سورَة النساء‪)115 :‬‬


‫ُهَل اْلُهَد ى َو َيَّتِب ْع َغَرْي َس ِبيِل اْلُم ْؤ ِمِنَني ُنَو ِهِّل َم ا َتَو ىَّل َو ُنْص ِهِل َهَجَمَّن َو َس اءْت َم ِص ًري ا﴾‬
‫ِخ‬ ‫ِم ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِّل ِح‬
‫قاَل الُم ؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬نرُج و لُم ْح سنيَن مَن الُم ْؤ يَن َأْن َيعُفَو َعنُه ْم َو ُيْد َلُه ُم‬
‫الجَّنَة بَر حَم ِتِه َو ال َنْأَمُن َعَلْيِه م‪.‬‬
‫ِئ‬ ‫ِس ‪131‬‬ ‫ِه‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن َمْن َر َأْين اُه ظا ًر ا ْحُم ًنا أي طا ًع ا َنق وُل َنْر ُج و اَهلل أْن َيْع ُف َو عن ُه‬
‫وُيْد ِخ َل ُه اَجلَّن َة ِبال َع ذاٍب ‪ ،‬وال َنقط ُع باحلكِم على الواِح ِد منُه م بأَّنُه ال ُيصيُبُه العذاُب يف‬
‫اآلِخ رِة البَّتَة‪ ،‬لكْن َنقوُل إْن كاَن هذا اإلْنساُن َتِق ًّيا فإَّنه َيدخُل اَجلَّنَة مْن غِري عذاٍب ‪.‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنشَه ُد َلُه ْم ِبالَج َّنِة‪.‬‬
‫ور‬
‫َمْن َد‬ ‫ا‬ ‫َّم‬‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِة ‪132‬‬
‫الشرُح ‪ :‬معناُه ال َنْش َه ُد ِم ْن ِتْلَق اِء َأنفِس نا أَّن ُفالًن ا ِم ْن أهِل اَجلَّن‬
‫َّش‬ ‫ري‬ ‫ا‬ ‫ٍس‬ ‫ا‬ ‫وُأن‬ ‫في ِه النُّص أَّن ِم أهِل ا َّن ِة ف ش هُد ل كأهِل ْد ٍر وأهِل ُأ ٍد‬
‫ُه‬
‫َء َن َر ُم‬ ‫َب‬ ‫َخ‬ ‫ُح‬ ‫َب‬ ‫ُه‬ ‫َجل َن‬ ‫ُه ْن‬
‫الَّر سوُل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم باَجلَّنِة‪.133‬‬
‫الَّر ُس وُل َبَّش ُأناًس ا باَجلَّن ة َغ الَعَش ة املْش ُه وِر ين‪َ ،‬لِكْن ُأولِئ َك ُش ِه روا بالَعَش ِة‬
‫َر‬ ‫َر‬ ‫َري‬ ‫َر‬
‫امل َّش ِر ي با َّنِة‪َ ،‬أبو كر ر ثمان ِل ساِئ ال َش ة َألَّن الَّر ول َّش م ِبِس ياٍق‬
‫ُس َب َر ُه‬ ‫َب َو ُعَم َو ُع َو َع ّي َو ُر َع َر‬ ‫َب َن َجل‬
‫واِح د‪ ،‬قاَل ‪َ(( :‬أبو َبكٍر يِف اَجلَّنة ُع يِف اَجلَّنة ُعثماُن يِف اَجلَّن ِة َعِلٌّي يِف اَجلَّن ِة َس ْع ٌد يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َو َمُر‬
‫اَجلَّنة َو َس ِعيٌد يِف اَجلَّنِة َعْبُد الرمحِن يِف اَجلَّنة)) أمحد‪َ ،‬فِلذِلَك ُش ِه روا ِبالَعَش َر ِة املَبَّش ِر يَن ‪َ ،‬و ِإاّل‬
‫َبَّش َر الَّر ُس وُل َغَريُه م باَجلَّنة قاَل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪َ(( :‬لْن َيْد ُخ َل الَّناَر َرُج ٌل َش ِه َد َبْد ًر ا‬

‫‪131‬‬

‫احملسنوَن ُمه املَّتُقوَن اذليَن َحَتَّقُقوا ابإلحساِن ‪ ،‬اذلي ورَد يف حديِث ِج ربيَل عْن فعهِل علي ه الصالُة والسالُم ‪" :‬اإلحساُن َأْن َتعُب َد َهللا‬
‫أكَّنَك َتراُه " ملا سأُهَل ِج ربيُل علي ِه السالُم عِن اإلحساِن ‪ ،‬وَمْن َو صَل إىل ه ذه احلاِةل فه َو ِم َن اآلمنَني ِم ْن عذاِب ِهللا يف اآلخ رِة ‪ ،‬وم َع‬
‫ذكل ال نقوُل ابلَّتعِيِني ألحِد ْمِه ‪ :‬فالٌن مْن أهِل اَجلَّنِة ألَّنَنا ال َنَّط ِلُع عىل ابطِن حاِهِل ‪ ،‬حنُن َنعُمَل ظاهَر حاِهل ‪ ،‬لكْن َنعتقُد أَّنه إ ْن َحَتَّقَقْت صفُة‬
‫اإلحساِن فهو ِم ْن أهِل اَجلَّنِة ءاِم ٌن ‪ ،‬وُهللا أعُمل حباِهِل ‪ ،‬أَّم ا ِم ْن حيُث الاعتقاُد فنحُن ْجَن ِز ُم ب أَّن املؤمَن اذلي َو َص َل إىل ه ذِه الُّر ْتَب ِة فه و‬
‫مقطوٌع ُهل بدخوِل اَجلَّنِة بال عذاٍب ‪،‬‬

‫أما قوُل الرسوِل صىَّل ُهللا عليِه وسَمَّل ‪" :‬ال ُيْنِج ي أَح َد مُك َمَع ُهُل " قالوا وال أنَت اي رسوَل ِهللا قاَل ‪(( :‬وال َأاَن إال أْن َيَتَغَّم دَيِن ُهللا منُه‬ ‫‪132‬‬

‫ِبَر َمْحِتِه )) فهذا معناُه ‪ :‬العمُل الصاِلُح ال ُيوِج ُب للعباِد دخوَل اجلنِة إال برمحِة ِهللا ألَّن َهللا ليَس ُم ْلَز ًم ا بأْن ُي دِخ َلُهُم اَجلَّن َة َّنـام ذَكل بفضِهِل‬
‫ِإ‬
‫ورمحِتِه ‪ ،‬هو هذا العمُل فضٌل منُه‪ ،‬هو َخ َلَقُه فِهي م ليسوا مه َخ َلُقوُه ‪ ،‬اهـ‬

‫الَع رشُة املبرَّش وَن ابَجلَّنِة مُه أبو بكٍر الصديُق ‪ ،‬وَمُع ُر بُن اَخلَّط اِب ‪ ،‬وُعامثُن بُن َع َّف اَن ‪ ،‬وعُّيل بُن أيب طاِلٍب ‪ ،‬وَط ْلَح ُة بُن ُعبي ِد ِهللا ‪،‬‬ ‫‪133‬‬

‫والُّز َبُرْي بُن الَع َّو اِم ‪ ،‬وَس ْع ُد بُن أيب َو َّقاٍص ‪ ،‬وَس ِع يُد بُن َز ْيٍد ‪ ،‬وعبُد الَّر محِن بُن عوف‪ ،‬وأبو عبيدَة عامُر بُن اَجلَّر اِح‪ ،‬اهـ‬
‫َو اُحْلَد ْيِبَيَة)) أمحد‪ ،‬معناُه ُك ّل َمْن َش ِه َد َمْو قَعة َبْد ر َو َمْو قَعة اُحلَد ْيِبَية ُك ٌّل ُمَبَّشروَن باَجلَّن ِة بال‬
‫َعذاب‪َ ،‬و هذا َنٌّص ‪َ ،‬فِح َني َيُك ون َنّص َنْش َه د كَم ا َش ِه َد الّر ُس ول‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنْس َتغِف ُر ِلُم ِس يِئِه م َو َنَخ اُف َعَليِه م َو ال ُنَق ِّنُطُه ْم ‪.‬‬
‫ِه‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِف‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنن ا َنسَتغ ُر للُم سي مَن املس مَني وخناُف َعلي أْن ُيع َّذ َب بذنوِبه إذا ْمَل‬
‫َيُتْب ِم ْنها‪ ،‬أَّم ا َمْن تاَب منها على َتقديِر أَّن توبَت ه عن َد اِهلل ثاِبت ٌة كما هي يف ظاِه ِر األْم ِر‬
‫عن َد نا َفَنُق وُل إَّنه ءاِم ٌن مْن عذاِب اِهلل‪ 134‬قاَل َتعاىل‪ُ﴿ :‬ق ْل َيا ِعَب اِدَي اَّل ِذ يَن َأْس َر ُفوا َعَلى‬
‫َأْنُفِس ِه ْم ال َتْق َنُطوا ِم ْن َر َمْحِة اِهلل ِإَّن اَهلل َيْغِف ُر الُّذ ُنوَب ِمَج يًعا (‪ ﴾)53‬سورة الزمر‪.‬‬
‫ومع ىن‪" :‬وال ُنَق ِّنُطُه ْم " أِي ال جنع َل املذنِبَني الُعص اَة َءاِيِس َني مْن رمحِة اِهلل‪ ،‬فنُق وُل‬
‫جيوُز أْن ُيَس اَحِمُه ُم اُهلل وجيوُز أْن ُيَعِّذ َبُه ْم ‪.‬‬
‫توَج ُد َأْش ياء ُيْف َه ُم ِم ْن َح ِد يِث َرُس وِل اِهلل َأَّن َمْن حاَفَظ َعَلْيها َيْس َلُم ِم ْن ُك ِّل َأْنواِع‬
‫ِم ِذ‬ ‫يِف ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِل ِق‬ ‫ِب ِم‬
‫الَع ذا ‪ ،‬ث اُل ذ َك راَءُة س وَر اْلُم ل ك ُك َّل َلْيَل ة‪َ ،‬ك ما َو َر َد ج ا ِع الِّتْر ي‪ ،‬ج اَء‬
‫َر ُج ٌل َعِن اْبِن َعَّب اٍس َق اَل ‪َ :‬ض َر َب َبْعُض َأْص َح اِب الَّنِّيِب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ِخ َب اَءُه َعَلى‬
‫َقٍرْب َو ُه َو َال ْحَيِس ُب َأَّنُه َقْبٌر ‪َ ،‬فِإَذا ِفيِه ِإْنَس اٌن َيْق َر ُأ ُس وَر َة ﴿َتَب اَر َك اَّلِذ ي ِبَي ِدِه اْلُم ْل ُك ﴾ َح ىَّت‬
‫َخ َت َه ا‪َ ،‬فَأَتى الَّنَّيِب َص لى اُهلل َعَلْي ِه َس َّل َفَق اَل ‪َ :‬يا َرُس وَل اِهلل ِإيِّن َض ْبُت ِخ َب اِئي َعَلى َقٍرْب‬
‫َر‬ ‫َو َم‬ ‫َم‬
‫َو َأَن ا َال َأْح ِس ُب َأَّن ُه َقْبٌر َف ِإَذا ِفي ِه ِإْنَس اٌن َيْق َر ُأ ُس وَر َة ﴿َتَب اَر َك ال ذي بي دِه اْلُم ْل ُك ﴾ َح ىَّت‬
‫َت ا‪َ ،‬ق اَل وُل اِهلل لى ا َل ِه َّل ‪ِ(( :‬ه اْل اِن ُة ِه اْل ْنِج ُة ْنِج ي ِه ِم‬
‫ْن‬ ‫َص ُهلل َع ْي َو َس َم َي َم َع َي ُم َي ُت‬ ‫َخ َم َه َف َرُس‬
‫َع َذ اِب اْلَق ِرْب )) الرتمذي‪َ ،‬م عناُه َتـْم َنُع َعْن صاِح ِبها َع ذاَب الَق ِرب َو ُتَنِّج ي ِه ِم ْن َع ذاِب الَق رب‪،‬‬
‫َفاملْس ِلم الذي َيْق رُأ سوَر َة اْلُم لك ُك َّل َلْيَلة ِقراَءًة َص ِح يَح ة ِبِنَّي ٍة َص حيَح ة َم ْض ُم وٌن َل ُه َأَّنُه ال‬
‫ُيَع َّذ ُب ال يِف الَق ِرب َو ال يِف اآلِخ َر ة‪َ ،‬يْنَبِغي باملْس ِلم ِإذا ِمَس ُع ِم ْث َل هذا َأْن ال َيْتُر َك ِق راَءَة‬
‫سوَر ِة اْل لك ُك َّل َح ياِتِه‪ ،‬كان الشيُخ َعْبُد اِهلل َر َمِحُه اُهلل ال َيْت َك ِقرا هَت ا ال يِف َس َف ٍر ال يِف‬
‫َو‬ ‫ُر َء‬ ‫ُم‬

‫قاَل عليِه الَّص الُة والَّس الُم ‪(( :‬الَّتاِئُب ِم َن اَّذل ْنِب َمَكْن ال َذ ْنَب ُهَل )) معناُه أكَّنُه َلْم ُيْذ ِنْب ‪ ،‬اهـ‪.‬‬ ‫‪134‬‬
‫َح َض ٍر ‪ ،‬ال يِف َم َر ٍض َو ال يِف ِص ّح ة‪ ،‬مضموُن ل ه أن ال يع ذب‪ ،‬م ا َأْع َظَم هذه الِبش اَر ة‪،‬‬
‫ِإ‬ ‫ِك‬
‫ول ْن ُيْش َتَر ط َأْن َيْق َر َأها َو ْقَت اللي ل‪َ ،‬و ْن ج اَء املرَأة اَحلْيض َأِو الّنف اس هذا ال َيْق َط ُع‬
‫َعَلْيها الِّس ّر ‪َ ،‬و ِإْن َنِس َي َأَح ٌد َليلة َأْو ليَلَتنْي َأو ثالثا َأْو َأربعا َأْو مَخ سا يِف ُعُم ِرِه هذا َأيًض ا‬
‫ال َيْق َط ُع علي ِه ذاك السر‪َ ،‬فحاِفُظوا َعَلى ِقراَءهِت ا ُك َّل َليَل ة‪ ،‬الّس ر الـُم َتَكّلم َعْن ُه َأْن َيْق َر َأها‬
‫ِإ ٍن ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِه‬ ‫ِهلل‬
‫ُك َّل َليَلة‪ .‬وقاَل َرُس وُل ا َص َّلى اُهلل َعَلْي َو َس َّلَم ‪َ(( :‬لَو ْد ُت َأَّنَه ا يِف َقْلِب ُك ِّل ْنَس ا ْن‬
‫ُأَّم يِت )) املعجم الكبري‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِه َّل‬
‫قاَل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم ‪ُ(( :‬س وَر ٌة َن اْلُق ْر آ َثاَل ُثوَن آَيًة َش َف َعْت َر ُج ٍل َح ىَّت ُغ َر‬
‫ِذ ِدِه‬ ‫ِه‬
‫َل ُه َو َي َتَب اَر َك اَّل ي ِبَي اْلُم ْل ُك )) احلاكم‪ ،‬يْع ىِن يِف الق ِرب ‪ ،‬الَق ُرب ُه َو بيُت الَو ْح َد ة َو بيُت‬
‫الِض يق َو بيُت الَو ْح َش ة َو بيُت ال ُّدود‪ ،‬والّش ْخ ُص ال ِجَي ُد ِفي ِه ُمْؤ ِنًس ا َعَلى َح َس ِب الع اَدة‪،‬‬
‫ِإَّنـما ُيْؤ ِنُس ُه َعَم ُل ُه الصاِلح‪ِ ،‬إْن كاَن َل ُه َعَم ل صاِلح َفذِلَك َس ُيْؤ ِنُس ُه‪َ ،‬فِق راَءِة هذه الُّس وَر ة‬
‫ِن‬ ‫ِح‬ ‫ِف‬
‫ُك ِّل ليَل ة َتكوُن س َبًبا َأهَّن ا ُتدا ُع َعْن صا ِبها‪َ ،‬فَتْم َن ُع َعْن ُه ِبِإْذ اهلل عذاَب الَق رب‪َ .‬س َأْلُت‬
‫الشيخ َعْب ُد اهلل ِلَتْأِكي ِد هذا‪َ :‬م ْض ُم وٌن َل ُه َأَّنُه ال ُيَع َّذ ُب ‪ ،‬ال يِف الَق ِرب َو ال يِف اآلِخ َر ة؟ قال‪:‬‬
‫"َنَعم‪َ ،‬م ْض ُم وٌن َلُه َأَّنُه ال ُيَعَّذ ُب ‪ ،‬ال يِف الَق ِرب َو ال يِف اآلِخ َر ة"‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و اَألْم ُن واِإل َياُس َيْنُقالِن َعِن ِم َّل ِة اِإل ْس الِم وَس ِبيُل الَح ِّق‬
‫َبيَنُه َم ا ألهِل الِق ْبَلِة‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِة ِهلل‬ ‫ِهلل‬ ‫ِم‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن األْم َن ْن َم ْك ِر ا واإلياَس مْن رمح ا كٌّل منُه ما خُي ِر ُج اإلنساَن ْن‬
‫ِد يِن اِهلل‪ ،‬هذا على تفسِري احلنِف ي ِة فعْن َد ُه م يعتربوَنُه ما ُك ف ًر ا‪ ،‬أَّم ا عن َد الَّش افعيِة فإَّنُه م‬
‫يعَترِب وَن هَذ ْيِن مَن الَك بائِر َو ال َيعترِب وَنُه ما ِم َن الُك فرياِت ‪.‬‬
‫و ْف س األ ِن ِم كِر اِهلل أَّن ال ذي َف ى ع ذا اِهلل ِلْل اِة فهذا َأِم مك اِهلل‬
‫َن َر‬ ‫ُعَص‬ ‫َب‬ ‫َن‬ ‫َت ُري ْم ْن َم‬
‫وكاَن مَن الكافِر يَن (ِم ثل اْلُم رِج َئ ة) َو َأَّم ا اآلِيُس ِم ْن رمحِة اِهلل َفُه َو الذي يعَتق ُد أَّن اَهلل ال‬
‫َيغف الذنَب للمسلِم التائِب فهو كافٌر ‪َ ،‬و هذا تفِس ُريمُه ا عن َد احلنفي ِة‪ .‬وأَّم ا األمُن مْن مكِر‬
‫ُر‬
‫اِهلل عن َد الشافعيِة املعدوُد مَن الكبائِر فهو أْن َيْس َتْر ِس َل يف املعاِص ي اتكااًل على رمحِة اِهلل‪،‬‬
‫ِه‬ ‫ِة ِهلل ِع‬
‫وأَّم ا الَي ْأُس مْن رمْح ا ن َد ُه م فهَو أْن جَي ِز َم الشخُص أَّن اَهلل ال َيرُمَحُه لذنوِب َب ْل ُيعذُبُه‬
‫ِة‬
‫فهو أيًض ا عن َد ُه م كبريٌة وَلْيَس ا عن َد ُه م مْن نوِع ال ِّر د ‪ ،‬وعلى هذا املعىن َع َّد َمُها كث ٌري مَن‬
‫الشافعيِة يف كتاِب الَّشهادِة مَن الكبائِر اليت ْمَتَنُع َقبوَل الَّشهادِة‪.135‬‬
‫وسبي احلِّق َنْي األمِن واإلياِس ‪ ،‬نقوُل ‪ :‬إْن ِم ْتَن ا وْحن حبال ِة الَّتوب ِة َجَن َنا ِم عذاِب‬
‫ْو ْن‬ ‫ُن‬ ‫َب‬ ‫ُل‬
‫اِهلل يف القِرب ويف اآلِخ رِة‪ ،‬وإاّل فَيجوُز أْن ُيساَحِمنا اُهلل َو ال ُيَع ِّذ َبَنا ُبذُنوِبنا‪ ،‬وجيوُز أْن ُيَع ِّذ َبنا‬
‫َهِبا‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫الدرس‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َيخُر ُج الَعْبُد ِم َن اِإل يماِن إال ِبُجُح وِد َم ا َأْدَخ َلُه ِفيِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الَعبَد ال خَي ُر ُج مَن اإلمياِن بالَّذ نِب إال أْن ُيْنِكَر ما َأْد َخ َل ُه يف اإلمياِن وهو‬
‫التكذي بِد يِن اِهلل ر ا َأ ِض ًنا‪َ ،‬فإذا قاَل قواًل كوُن َتكذي ا ِلَش رِع اِهلل بِعبارٍة رحيٍة‬
‫َص‬ ‫ًب‬ ‫َي‬ ‫َص ًحي ْو ْم‬ ‫ُب‬
‫هذا َنعتُرِبُه خاِر ًج ا مْن ِد يِن اِهلل‪َ ،‬أْو فع َل ِفعاًل ُه َو يف َم ع ىن الَّتكذيِب هذا أيًض ا َنعتُرِبه‬
‫خاِر ًج ا ِم َن اإلمياِن ‪ ،‬وَك ذا إِن اعَتقَد اعِتقاًدا خُي اِلُف َعقيدَة اإلْس الِم ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬واِإل يماُن ُه َو اِإل قَر اُر ِبالِّلَس اِن َو الَّتصديُق ِبالَج َناِن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اإلمياَن ُه َو اإلْق راُر ِبالّش هادَتِني َم َع الَّتْص ِد يِق الَق ل ِّيب‪ ،136‬ق اَل الَّنَو ِو ُّي ‪:‬‬
‫"َمْن َص َّد َق ِبَق ْلِبِه وْمَل َيْنِط ْق بِلساِنِه فُه َو كاِفٌر َخُمَّلٌد يف الّناِر ِباإلمْج اع"‪.‬‬

‫تفسُري املاُتِر يِد َّيِة لَأل ْمِن واليْأِس غُري تفسِري األشاعرِة ‪ ،‬فعنَد املاُتِر يدَّيِة ُكفٌر وعن َد األش اعرِة ذنٌب كبٌري ‪ ،‬وطري ُق الَّنجاِة اذلي َينبغي‬ ‫‪135‬‬

‫أْن يكوَن عليِه املؤمُن أْن يكوَن خاِئًفا راجًيا خياٌف عقاَب ِهللا عىل ذنوِب ِه وَيرُج و رمحَة ِهللا كام ق اَل املؤل ُف وسبيُل احلِّق بيُهنام أله ِل‬
‫الِقبِةل وذَكل هو الُو قوُف ابمجلِع بَني احلالَتِني اخلوِف والَّر جاِء قاَل تعاىل‪َ﴿ :‬و َيْر ُج وَن َر َمْحَتُه َو َخَياُفوَن َعَذ اَبُه﴾ (سورَة اإلرساء‪ )57 :‬اهـ‪.‬‬

‫اإلمياُن لغًة التصديُق ‪ ،‬ورشًعا تصديٌق خمصوٌص وه و التصديُق ملا جاَء ب ه الن ُّيب ‪َ ،‬مفْن آَمَن مبا جاَء ب ِه الن ُّيب وصَّد َق ذَكل ابلُّنطِق‬ ‫‪136‬‬

‫ابلشهادَتِني فهو ُم ْس ٌمِل ُم ؤِم ٌن ‪ ،‬وإ ْن م اَت عىل ذَكل ال ُب َّد أْن َي دُخَل اجلن َة ‪ .‬فالتصديُق القل ُّيب ال ُيقبُل عن َد ِهللا إال ابلُّنْط ِق ‪ ،‬والُّنْط ُق‬
‫ابلشهادَتِني ال ُيقبُل عنَد ِهللا بدوِن الَّتصديِق القلِّيب ‪ .‬اهـ‬
‫ِط‬ ‫ِت ِد ِح‬ ‫ِف ِه ِت‬ ‫ِف‬
‫هذا َم عناُه َأَّن الكا َر ال َيْك ي االْع قاد ِإَّنـما ال ُبَّد َم َع االْع قا الَّص يح َأْن َيْن َق‬
‫ْد يِف اِإل الم‪ِ ،‬إاّل َأْن ُك وَن عاِج ا ِن الُّنطق‪ ،‬قاَل لى ا َلي ِه‬ ‫ِني‬ ‫ِي‬
‫َص ُهلل َع‬ ‫ًز َع‬ ‫َي‬ ‫ْس‬ ‫الّش هادَت َح ىّت َي ُخ َل‬
‫َو َس َّلَم ‪ُ(( :‬أِم ْر ُت َأْن ُأقاِت َل الن اس َح ىّت يْش َه ُد وا َأْن ال ِإَل ه ِإال اهلل َو َأيِّن َر ُس وُل اِهلل))‬
‫البخ اري‪ِ ،‬م ْن هذا احلديث اَّتَف َق الُعَلماء َك ما ق اَل احلاِف ُظ الَّنَو ِو ي َأَمْجُع وا َعَلى َأَّن‬
‫الَّش ْخ َص ِإْن كاَن كاِفًر ا َّمُث َص َّد َق ِبَق ْلِبِه َو ْمَل َيْنِط ق مَع ُقْد َر ِتِه َعَلى الُّنُطق فُه َو كاِفٌر َخُمَّلٌد يف‬
‫الّناِر ِباإلمْج اع‪َ ،‬يْع ىِن ما ِفيِه ِخ الف‪.‬‬
‫ِإْن قاَل َلُك م قاِئل‪ :‬الّر ُس ول َيُق وُل ‪ُ(( :‬أِم ْر ُت َأْن ُأقاِتَل الناَس )) ُيقاِتُلُه م َح ىّت َيْد ُخ ُلوا‬
‫يِف اِإل سالم؟‬
‫اجلواب‪َ :‬أَليَس الّن اس الَيْو م َيَض ُعوَن َقاُنوًن ا ِم ْن ِعْن ِد َأْنُف ِس ِه م َّمُث الَّش ْخ ُص ال ذي ال‬
‫َيْلَت ِز ُم تْط بيق ذِل ك ِإّم ا ُيَغِّر موُه َو ِإّم ا َأْن ْحيِبُس وُه؟ َو َيْس َتْح ِس ُنوَن َأْن ُيعاِقُبوا الَّش خَص َعَلى‬
‫ِة ِع ِم ِس ِه‬ ‫ِل ِع‬ ‫ِة ِن‬
‫خُم اَلَف ظام ُه م الَبَش ر َو َض عوُه‪ ،‬اُهلل خا ُق ال باد‪َ ،‬أْع َلُم َمِبْص َلَح ال باد ْن َأْنُف م‪َ ،‬أَم َر‬
‫الَّنَّيِب ِب ذِلك َألَّن هذا ِفي ِه َم ْص َلَح ٌة للَعْب ِد َو ِإْن كاَن بالُقَّو ة‪َ ،‬و ِإال ِلما هذه الُّس ُج ون؟ أليس‬
‫ِلُعقوَب ة هُؤ الِء ال ذيَن خُي اِلُف وَن اَألْنِظ َم ة؟ هذه الق واِنني َمْن َو َض َعها؟ َبَش ر‪َ ،‬يْس َتْح ِس ُنوَن‬
‫ذِلك‪ ،‬الشىُء الذي َأْنَز َلُه اُهلل َو َأَم َر ِبِه واُهلل َجَع َل ُعُقوَبًة َعَلى َتْر ِك َتْنِف ي ِذ هذه الواِج بات‪،‬‬
‫ِل‬ ‫هذا ِفي ِه َم ْص َلَح ة هلذا الَعْب د َأْن ُي ْد َخ يِف م ا ُه س َبب ُخلُل وِدِه يِف‬
‫اَجلَّن ة و َيْتُر َك م ا ُه َو‬ ‫َو‬ ‫َل‬
‫الّس َبُب يِف ُخ ُل وِدِه يِف َجَه َّنم‪َ ،‬و َل ْو كاَن ِب الُقَّو ة‪ ،‬هذا ِلَم ْص َلَح ِتِه‪ُ .‬ك ّل الُعَق الء َيْع َتُرِبون َأَّن‬
‫َو َلَد َك ِإذا َتَو َّج َه ِلُيْم ِس َك النار َأْو ِلُيْلِق َي َنْف َس ُه يِف الّنار َأْو يِف الواِدي َأْو ْحَنَو ذِلك‪َ ،‬أَّن َك ِإْن‬
‫َم َنْع َت ُه ب الُقَّو ة َأَّن هذا ِح ْك َم ة َو َأَّن هذا ِفي ِه َم ْص َلَح ة َل ُه‪ ،‬وهذا يِف ال ُّد ْنيا‪ُ ،‬ك ُّل الُعَق الء‬
‫َيْع َتُرِبوَن هذا َص واًبا‪.‬‬

‫ِه َّل‬ ‫ِل ِهلل‬ ‫ِم‬ ‫ِّل ِح‬


‫قاَل المؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َج ي ُع َم ا َص َّح َعن َرُس و ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫ِم َن الَّش رِع َو الَبَياِن ُك ُّلُه َح ٌّق‪.‬‬
‫ِم ِعْن ِد اِهلل‬ ‫ِم ِع ِد ِهلل‬
‫الشرح‪َ :‬أَّنُه َلّم ا َثَبَت َأَّن الُقرءاَن ُمْنَز ٌل ْن ْن ا َو َأَّن الرسوَل ُمْر َس ٌل ْن‬
‫صاِد ٌق َثَبَت َأَّن ِمَج يَع ما يِف الُقْر ءان َو ما جاَء ِبِه الَّنُّيب يِف بياِن الّش رِع َح ٌّق ألنه مْع ُصوٌم َعِن‬
‫الَك ِذ ِب ‪ ،‬قاَل الشيُخ أمحُد املْر ُز وِقّي ‪:‬‬
‫وُك ـُّل َم ـا َأَتـى ِبـِه الـَّر سـوُل َفـَح ـُّق ُـه الـَّتـْس ـِلـيـُم والـَق ـُبـوُل‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و اِإل يماُن َو احٌد َو َأهُلُه في َأْص ِلِه َس َو اٌء‪ ،‬والَّتفاُضُل َبيَنُه م‬
‫ِبالَخ ْش َيِة والُّتَق ى وُمَخ اَلَف ِة الَه َو ى َو ُمالَز َمِة اَألْو لى‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اإلمياَن باْع ِتباِر َأْص ِلِه َش ىٌء واِح ٌد َبَني املْؤ مِنَني ُك ِّلِه ْم ال َيْف ُض ُل هذا على‬
‫ِق ِل‬ ‫ِش ِهلل‬ ‫ِتِه‬
‫هذا‪ ،‬لكْن باعتب اِر صف يكوُن الَّتفاُض ل‪َ ،‬فَم ْن كاَن خا ًيا تع اىل َت ًّي ا َخُما ًف ا َهِلواُه‬
‫الِز ا ِلَأل ىَل أ س اِلًك ا َلَك ال ِع هذا يزي ُد على َغ ِري ه َأي زي ُد ِإَمْياُن ه على ِإَمْياِن‬
‫َي‬ ‫َوَر‬ ‫َم ْس‬ ‫ُم ًم ْو ْي‬
‫َغِري ِه ِم ْن َح يُث الَو ْصُف ‪َ ،137‬أَّم ا ِم ْن َح ْيُث اَألْص ُل َفال َيزيُد إمياٌن على إمياٍن ‪.138‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و الُم ْؤ ِم ُنوَن ُك ُّلُه م َأوِلَياُء الَّر حمِن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬املْؤ منوَن كُّلُه م َيْد ُخ ُلوَن يف الِو اليِة العاَّم ِة‪.‬‬
‫َأْي َأَّن ُك َّل ا ْؤ ِمِنَني َص َّد ُقوا بُو ُج وِد اهلل َو اعَتَق ُد وُه َمْو ُج وًدا ال ُيْش ِبُه ا ْو ج ودات‬
‫َمل‬ ‫ُمل‬
‫َو اْع َتَقُد وا َأَّن حمَّم ًد ا َنِبُّيُه َو َأَّنُه خامَت الُّر ُس ل َو حنو ذِلك‪ ،‬هذا َم ْع ىَن ِم ْن َح يُث الِو الَيُة العاّم ة‪.‬‬
‫أَّم ا الِو اليُة اخلاصُة فهَي َألْه ِل االستقامِة فقْط ‪.‬‬
‫الَو يِل با ْع ىَن اخلاّص َم ْع ناُه َتَو ىَّل اَهلل بالّطاَعة ِبَأَّنُه اْلَتَزَم ِبَأْن ُيَؤ ِّدَي ُك َّل الواِج بات َو َأْن‬
‫ِن ِمَج َمل‬
‫ِّل‬
‫ْجَيَت َب يَع اَحملَّر مات‪َ ،‬فُه نا املراُد بالَوّيِل الذي َذَك َر ُه املَؤ ف هَو با ْع ىَن اخلاّص ‪.‬‬
‫َمل‬

‫يه فاِط مُة وإ ْن اكنْت أصغَر بناِت النِّيب ِس ًّنا لكْن اكنْت أْتَقى وأحسَن وأخىَش ِهلل تعاىل‪ ،‬اكنْت روهُح ا أق وى َتَع ُّلًق ا بطاعِة ِهللا مْن‬ ‫‪137‬‬

‫أخواهِت ا الثالِث زينَب وُر َقَّيَة وأِّم ْلُكُثوم مث يه َم اَتْت بعَد َأَخ َو اهِت ا الثالِث ‪ ،‬أخواهُت ا ِم َنْت يف حياِة الَّر سوِل أَّم ا فاطمُة ُت ُو ِّف َيْت بعَد َو َف اِة‬
‫رسوِل ِهللا ِبِس َّتِة أشهٍر ‪ ،‬اهـ‬
‫َمْن َق ال‪َّ :‬ن ا ْيَم اَن ال َيِز ي ُد َو ال َينُقُص َفُم َر اُد ُه َأَّن َأْص َل ٱ ْيَم اِن اذلي ال َيَتَح َّق ُق َم عَن اُه ِبُد ونِه ال َيِز ي ُد َو ال َينُقُص ‪َ ،‬و َق ِد ٱخَتَلَفْت‬ ‫‪138‬‬

‫ِإ‬
‫ِع َباَر اُت ٱلَّس َلِف يِفِإل َٰذَكِل ‪َ ،‬فِم ُهْنْم َمْن َقاَل َه َذ ا‪ُ ،‬ه َو َأُبو َح ِنيَفَة َو ِإلَمْن َتِب َع ُه‪َ ،‬و ِم ُهنم َمْن َقاَل ‪ :‬ٱ ْيَم اُن َيِز يُد َو َينُقُص َو َه َذ ا ٱخِتالٌف لفظّي ‪.‬‬
‫ِإل‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َأْك َر ُمُه ْم ِع نَد اِهلل َأطَو ُعُه ْم َو َأتَبُعُه ْم ِللُقرءاِن ‪.‬‬
‫ِن‬ ‫ِهلل‬
‫الشرُح ‪ :‬أِّن أش َّد ُه م طاع ًة هو أكرُمُه م عن َد ا ال ذي هو َأْتَبُعُه م للُق رءا أْي‬
‫أشُّد ُه م َعَم اًل بالقرءاِن ‪.‬‬

‫ِلِه‬ ‫ِه‬ ‫ِهلل ِئ ِت ِه‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و اِإل يماُن ُه َو اِإل يَم اُن ِبا َو َمال َك َو ُك ُتِب َو ُرُس‬
‫َو الَيْو ِم اآلِخ ِر َو الَق َد ِر َخ يِر ِه َو َشِّر ِه َو ُح ْلِو ِه َو ُمِّر ِه ِم َن اِهلل َتَعالى‪.‬‬
‫هذه اُألُمور اليت َذَك َر ها ُتَس ّم ى ُأُصول اإلميان الِّس َّتة‪ ،‬الّش خص ِإذا كان ُعِّلَم الَعِق ي َد َة‬
‫الّصِح يَح ة لكن ما ُذِكَر ت َلُه َتفاِص يُل اإلميان هذه اليت َذَك َر ها الّر ُس ول َو ْمَل َيْع َتِق د ِض َّد ُه م‪،‬‬
‫ِقيَل َلُه‪ :‬اُهلل َمْو ُج ود ال ُيْش ِبُه شيًئا‪َ ،‬حُمَّم ٌد َنِبُّي ُه ءاِخ ُر اَألنبياء جاَء باِإل ْس الم هذا ِديُن اَحلّق ‪،‬‬
‫َتَر َك ُك ّل ما ُيناِقض ذِلك‪ِ ،‬لَش ْخ ص كاَن َغ ري مْس ِلم‪َّ ،‬مُث ِقي َل َلُه‪ِ :‬لَت ْد ُخ َل يِف اِإل ْس الم اْنُطق‬
‫بالّش هاَدَتنْي ‪ ،‬ما اْع َتَق َد شيًئا ُيضاُّد اِإل ْس الم َو ما َخ َطَر يِف باِلِه هذه الَّتفاِص يُل اليت َذَك َر ها‬
‫الذي‬ ‫خا‬ ‫ْش‬‫اَأل‬ ‫ن‪،‬‬ ‫ال ول‪ ،‬ال َأْنَك ها ال اْع َق َد ِخِب الِف ذِل ك‪ ،‬هذا ِلم ْؤ ِم‬
‫َن‬ ‫ُص‬ ‫ُمْس ُم‬ ‫ّر ُس َو ُه َو َر َو َت‬
‫كاُنوا َي ْأُتوَن ِإىَل الرُس ول َي ْأُمَر ُه م ب الُّنْطِق بالّش هاَدَتنْي ‪ِ ،‬م ْن َأّو ل ْجَمِلس َعَّلَم ُه م الرس ول‬
‫ُأُص وَل اِإل مياِن الِّس َتة َو َش َر َح ها ُهَلم؟ ال‪َ ،‬فَنُق ول‪ :‬هذا ُمْس ِلم ُم ْؤ ِم ن‪ ،‬اْع َتَق َد الّص واَب َو م ا‬
‫اْع َتَق َد م ا ُيضاُّدُه َو َل ْو ْمَل ْخَتُط ر يِف باِلِه هذه الّتفاِص يل ال يت ِه َي َم ْذ ُك وَر ة‪ .‬ق اَل اُهلل تع اىل‬
‫ِلَنِبِّي ِه حمّم د‪َ﴿ :‬و َك َذ ِلَك َأْو َح ْيَن ا ِإَلْي َك ُر وًح ا ِم ْن َأْم ِر َن ا َم ا ُك ْنَت َت ْد ِر ي َم ا الِكَت اُب َو ال‬
‫اِإل َمياُن َو َلِكْن َجَعْلَناُه ُنوًر ا َنْه ِد ي ِبِه َمْن َنَش ا ِم ْن ِعَباِدَنا َو ِإَّنَك َلَتْه ِد ي ِإىَل ِص اٍط ُمْس َتِق يٍم‬
‫َر‬ ‫ُء‬
‫(‪ ﴾)52‬سورة الّش ورى‪ ،‬الرسول َقْبَل الَو ِح ي ما كاَن َيْع ِر ُف الُقرءان ﴿َم ا ُك ْنَت َتْد ِر ي َم ا‬
‫الِكَتاُب ﴾ َو ما كاَن َيْع ِر ُف َتفاِص يَل اِإل ميان ﴿َو ال اِإل يـَم اُن ﴾ هذه الَّتفاِص يل الرسول َعَر َفها‬
‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِق‬ ‫ِد‬
‫ِب الَو ِح ي‪َ ،‬لِكَّن ُه كاَن ُمْؤ ِم ًن ا كاَن ُمَص ِّد ًقا ِبُو ج و اهلل ُمْع َت ًد ا يِف اِهلل م ا َي ي ُق ِب ِه َو ذ َك‬
‫باِإل هْل ام‪ ،‬اُهلل َأَهْلَم ُه َك ما َأَهْلَم ِمَج يَع النبِّيني َقْبَل ُنزوِل الَو ِح ي باِإل ميان‪ ،‬وهو كاَن َعَلى اِإل ميان‬
‫ولِكْن َلْو واِح د سَأَلَك هذا الُّس ؤال‪ :‬اُهلل قال‪َ﴿ :‬م ا ُك ْنَت َتْد ِر ي َم ا الِكَت اُب َو ال اِإل َمياُن ﴾‬
‫ما َم ْع ناُه؟ َيْع ىِن ما ُك ْنَت َتْد ِر ي الُقرءان َو ال َتفاِص يل اِإل ميان‪َ ،‬عَر َفها بالَو ِح ي‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن هذِه املذكوراِت أَه ُّم األُم وِر وأعَظُم ها‪ ،‬فيجُب اإلمياُن َهِبا‪ ،‬والق َد ُر هنا‬
‫معناُه املقُد وُر (يعىِن املْخ ُلوق) أْي أْن ُتْؤ ِم َن باملْق ُد وِر خِري ه وَشِّر ِه َو ُح ْلِو ه وُمِّر ه أَّنه ِم َن اِهلل‪،‬‬
‫أْي أَّنُه َح ص َل مَن اِهلل مبشيئِتِه وِعْلِم ِه‪ ،‬أَّم ا صفُة اِهلل التقديُر فال ُتوَص ُف ِبذلَك ‪َ ،‬فال ُيقاُل‬
‫ِإَّن من ُه خ ًريا ومن ُه َش ًّر ا‪َ ،‬ب ْل َتْق ِد يُر اِهلل َح َس ٌن ‪َ ،‬ألَّن صفاِت اِهلل كَّلها كماٌل ليَس فيها‬
‫َنْق ٌص ‪ ،‬واُحلْلُو ما ُيالِئُم الَّطْبَع ‪ ،‬واملُّر َم ا ال ُيالِئُم الطبَع ‪.‬‬

‫ِلِه‬ ‫قاَل المؤِّلُف رِح ه ا ‪َ :‬نح ْؤ ِم وَن ِب َذ ِلَك ُك ِّل ِه ال َف ِّر ُق ي َأ ٍد ِم‬
‫ْن ُرُس‬ ‫ُن َب َن َح‬ ‫َم ُهلل َو ُن ُم ُن‬
‫َو ُنَص ِّد ُقُه ْم ُك َّلُه ْم َعَلى َم ا َج اُءوا ِبِه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬م عناُه نْؤ ِم ُن َجبميِع ُر سِله وأنبياِئه وُنصِّد ُقُه م مجيَعُه م‪.‬‬
‫وليَس َم ْع ىَن "ال ُنَف ِّر ُق َبيَن َأَح ٍد ِم ْن ُرُس ِلِه" َأَّننا ال ُنَف ِّض ُل َأَح ًد ا ِم ْنُه م َعَلى َأَح د‪ ،‬ال‪،‬‬
‫ِم‬ ‫ِت‬
‫قال اُهلل تعاىل‪ْ ﴿ :‬لَك الُّر ُس ُل َفَّض ْلَنا َبْع َض ُه ْم َعَلى َبْع ٍض ْنُه ْم َمْن َك َّلَم اُهلل َو َر َفَع َبْع َض ُه ْم‬
‫َدَرَج اٍت (‪ ﴾)253‬سورة البقرة‪ِ ،‬إَّنـما َم ْع ىَن "ال ُنَف ِّر ُق َبيَن َأَح ٍد ِم ْن ُرُس ِلِه" َأي ال ُنَف ِّرُق‬
‫باِإل مياِن َأْي ال ُنْؤ ِم َن ِبَبْع ض َو َنْك ُف َر ِبَبْع ض‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َأْه ُل الَك باِئِر ِم ْن ُأَّم ِة ُمَح َّم ٍد َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم في‬
‫الَّناِر ال َيْخ ُلُد وَن إَذا َم اُتوا َو ُه ْم ُمَو ِّح ُد وَن َو إْن َلْم َيُك وُنوا َتاِئبيَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن أهَل الكبائِر إْن ماُتوا مؤمنَني لكَّنُه م مل َيُتوبوا ال ْخَيُل ُد وَن يف الناِر ‪،139‬‬
‫لذلَك قاَل ‪" :‬وإْن لم َيُك وُنوا تائِبيَن " أْي َلْو ْمَل َيُتوُبوا ال ْخَيُلدوَن ِخ الُف ما تقوُلُه ا ْع َتِز لُة‪.‬‬
‫ُمل‬

‫ومَن ادلليِل عىل ذَكل قوُهُل عليِه الَّص الُة والَّس الُم ‪َ" :‬أشهُد أْن ال إَهل إ َّال ُهللا وَأيِّن رس وُل ِهللا ال َيْلَقى َهللا تعاىل ِهِب َم ا عبٌد غُري ش اٍّك‬ ‫‪139‬‬

‫َفُيْحَجَب عِن اجلن ِة “ رواه مسٌمل وابُن ِح َّب اَن ‪ ،‬وقوُهُل علي ِه الصالُة والسالُم ‪َ" :‬مْن اكَن ءاِخ ُر الكِم ِه "ال إَهل إ َّال ُهللا " عن َد املوِت دخَل‬
‫اجلنَة يوًم ا مَن اَّدل ْه ِر وإ ْن أصابُه قبَل ذكل ما أصاَبُه " رواُه ابُن ِح َّباَن ‪ ،‬اهـ‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬بْع َد َأْن َلُقوا اَهلل َعارِفيَن ُمْؤ ِم ِنيَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬معىن قوِله‪َ" :‬لُقوا اَهلل عارفيَن " َأي َم اُتوا عارِفَني باِهلل ورسوِلِه‪.‬‬
‫ِلق اُء اهلل َم ْع َن اُه ا ْو ت‪ ،‬ليَس َم ْع ن اُه َأَّن ُه َيِص ُري ُمقاَبَل ة َبَنْي اِهلل َو َبَنْي َأَح ٍد ِم ْن ِعب اِد ه‪،‬‬
‫َمل‬
‫الرس وُل ق ال‪َ(( :‬مْن َأَح َّب ِلق اَء اهلل‪َ ،‬أَح َّب اُهلل ِلق اَءُه)) مسلم‪ ،‬هذا َل ُه َم ْع ىًن وُه ن ا َم ْع ن ُها‬
‫ا ْو ت‪َ ،‬م ْع َناُه الَّش ْخ ُص ِعْنَد ما ْخَتُضُر ُه الَو فاة ِإْن كاَن ِم َن املَّتِق ني ِم َن الّصاحِل ني تْأِتي ِه مالِئَك ُة‬
‫َمل‬
‫الَّر َمْحة‪َ ،‬يْق ُع ُد وَن ِم ْن ُه َعَلى ُم َد ى‪ُ ،‬و ُج وُه ُه م كالَّش مس‪َ ،‬يْنُظ روَن ِإَلْي ِه ِب اْح رِت ام‪َ ،‬فَيْف َر ح‬
‫النا‬ ‫َّل‬ ‫ُك‬ ‫برؤَيِتِه م ِلقاِئِه م‪َّ ،‬مُث َيْأيِت َعزراِئيل َعَلْيِه السالم ِبُصوَر ٍة ُح ْل ة‪َ ،‬عزراِئيل ال َيْأيِت‬
‫َس‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫ِبُصوَر ٍة واِح َد ة‪ ،‬املؤِم ن الَّطيب الصاِلح َيْأِتيِه ِبُصوَر ة ِمَج يَل ة‪َ ،‬أحياًنا َهِبْيَئ ِة َر ُج ٍل صاِلح ِمَج يل‬
‫ِن ِح‬ ‫ِش ِب ِة ِهلل‬
‫َفَيُق وُل َلُه‪" :‬السالُم َعَلْي َك يا َو َّيِل اهلل‪َ ،‬أْب ر َر َمْح ا َو ِر ْض وا ه" َني َيَر ى هذا َو َيْس َم ُع‬
‫ِل‬ ‫ِل ِهلل‬ ‫ِل‬ ‫ِحُي‬
‫هذا‪ُّ ،‬ب اْلَم ْو ت‪ ،‬هذا َم ْع ىَن َقْو الَّنيِب ‪َ(( :‬مْن َأَح َّب ق اَء ا ‪َ ،‬أَح َّب اُهلل ق اَءُه)) َم ْع ن اُه‬
‫ِض‬ ‫ِم‬ ‫ِحُي‬
‫ال ذي ُّب اْلَم ْو َت يِف هذه الَّلْح َظ ة‪ ،‬هذا َن اْلَمْر يَني ‪ ،‬ليَس َم ْع ن اُه ال ذي خَي اُف املْو َت‬
‫اُهلل ال ِحُي ُّب ُه‪ ،‬ال‪ ،‬اهلل تع اىل َجَع َل ِم ْن َطبيَع ِة َبيِن ءاَدَم َأَّنُه م خَي اُفوَن ِم َن املْو ت ِإْن كاُنوا‬
‫ِل ِل ِئ ِض‬ ‫ِم‬ ‫ِح ٍد ِم‬
‫َطّيِبَني َو ِإْن كاُنوا ليُس وا طِّيِبني‪ُ ،‬ك ُّل وا ّن ا خَي اُف َن املْو ت‪ ،‬ذ َك عا َش ة َر َي اُهلل‬
‫َعْنها َمَع َأهَّن ا كانت َفِق يَه ة ْجُمَتِه َد ة ِعْلُم ها واِس ع‪َ ،‬عْن َعاِئَش َة َقاَلْت ‪َ :‬قاَل َرُس وُل اِهلل َص لى‬
‫اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪َ(( :‬مْن َأَح َّب ِلَق اَء اِهلل َأَح َّب اُهلل ِلَق اَءُه َو َمْن َك ِر َه ِلَق اَء اِهلل َك ِر َه اُهلل ِلَق اَءُه))‬
‫َفُقْلُت َي ا َنَّيِب اِهلل َأَك َر اِه َي ُة الـَمْو ِت ‪َ ،‬فُك ُّلَن ا َنْك َر ُه الـَمْو َت ‪َ ،‬فَق اَل ‪َ(( :‬لْيَس َك َذ ِلِك ‪َ ،‬و َلِكَّن‬
‫ِف‬ ‫ِإ‬ ‫ِل‬ ‫ِل ِهلل‬ ‫ِب ِة ِهلل ِر ِنِه ِتِه‬ ‫ِم ِإ‬
‫الـُم ْؤ َن َذا ُبِّش َر َر َمْح ا َو ْض َو ا َو َج َّن َأَح َّب َق اَء ا َف َأَح َّب اُهلل َق اَءُه‪َ ،‬و َّن الَك ا َر‬
‫ِإَذا ُبِّش َر ِبَعَذ اِب اِهلل َو َس َخ ِطِه َك ِر َه ِلَق اَء اِهلل َو َك ِر َه اُهلل ِلَق اَءُه)) رواه مسلم‪َ ،‬يعىن ليَس هذا‬
‫الذي َخ َطَر َلِك ‪َ ،‬و َفَّس َر هَل ا الرسول‪َ ،‬أّم ا الكاِفر َفَيْأِتيِه مالِئَك ُة الَعذاب ُو ُج وُه ُه م سود‪ِ ،‬إذا‬
‫آ م خ اَف ‪َّ ،‬مُث ْأيِت راِئي ل ِبَش كل خَي اُف ِم ْن الكاِفر ُق وُل َل ‪َ :‬أ ِش ر ِب ط اِهلل‬
‫ُه ْب َس َخ‬ ‫َفَي‬ ‫ُه‬ ‫َي َعْز‬ ‫َر ُه‬
‫َو َعذاِبِه‪َ ،‬يْك َر ُه املوت ُه نا ِز ياَدًة َعّم ا كاَن َعَلْي ِه‪ ،‬وِحُي ُّب َلْو َأَّن روَح ُه َيْنَح ِبُس يِف َج َس ِدِه‪،‬‬
‫َلِكْن ال ْحَيُصُل َلُه هذا‪ .‬وقاَل ش ْيُخ نا َر َمِحُه اهلل‪َ" :‬أْك َثُر اَألْو ِلياِء ال َيْع ِر ُفوَن َأَّنُه م َأْو ِلياء ِإال‬
‫ِعْنَد املْو ت من بشارة عزريل" وسأله شخُص ولو كان من األبدال؟ قال‪" :‬ولو كان من‬
‫األبدال" اُهلل ْجَيعَه ُلنا ِم ْنُه م‪.‬‬
‫وَقوِله‪" :‬مْؤ مِنيَن " أْي ُمْذ ِعِنَنْي يف ُقُلوِهِبم بذلَك ‪ ،‬هؤالِء َلْو ماُتوا ِبال َتْو َبٍة ال ْخَيُلُد وَن‬
‫يف الَّناِر ‪ ،‬وَمْن ُعِّذ َب ِم ْنُه ْم ال ُبَّد أْن خَي ُر َج مَن الناِر وَيدخَل اجلنَة‪.140‬‬

‫ِم ِه‬ ‫ِش ِت‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه ْم في َم يَئ ه َو ُح ْك إْن َش اَء َغَف َر َلُه ْم َو َعَف ا َعْنُه ْم‬
‫ِبَف ْض ِلِه َك َم ا َذَك َر َع َّز َو َج َّل في ِكَتاِب ِه ﴿َو َيْغِف ُر َم ا ُدوَن َذِل َك ِلَم ْن َيَش اُء (‪ ﴾)48‬سورة‬
‫ِع‬ ‫ِة‬ ‫ِم ِب ِتِه‬ ‫ِب ِلِه‬
‫النساء‪َ ،‬و إْن َش اَء َعَّذ َبُه ْم في الَّناِر َعْد ُثَّم ُيْخ ِر ُج ُه ْم ْنَه ا َر حَم َو َش َف اَع الَّش اف يَن‬
‫ِت ِه‬ ‫ِت ِه ِل‬ ‫ِت ِه‬ ‫ِم‬
‫ْن َأْه ِل َطاَع ُثَّم َيْبَعُثُه ْم إلى َج َّن وَذ َك بَأَّن اَهلل َتَع الى َتَو َّلى َأْه َل َم ْع ِر َف َو َلْم‬
‫َيْجَعْلُه ْم في الَّد اَر ْيِن َك َأْه ِل ُنْك َر ِتِه الذيَن َخ اُبوا ِم ْن ِه داَيِتِه َو َلْم َيَناُلوا ِم ْن ِو الَيِتِه‪ ،‬اللُه َّم‬
‫يا َو لَّي اإلسالِم وأهِله َثِّبْتَنا على اإلسالِم َح تى َنلَق اَك به‪ .‬ءامني‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬معىن‪" :‬ثم ُيْخ ِر ُج ُه م ِم ْنها ِبَر ْح َم ِتِه َو َش فاَعِة الّش اِفِعيَن " أَّنُه ِم ْن عقائِد أهِل‬
‫ِم‬ ‫ٍة‬ ‫ِب‬ ‫ِة‬
‫الُّس َّن أَّن ُعصاَة املؤمنَني الذيَن ماُتوا ال َتوب وكانوا ْن أهِل الكبائِر إذا عذَبُه ُم اُهلل أْي‬
‫َع َّذ َب َمْن ش اَء منُه م ال ُب َّد أْن ْخُيِر َجُه ْم مَن الن اِر برمحِت ِه وش فاعِة الش افِعَني ِم ْن أهِل‬
‫طاعِتِه‪ ،‬وهؤالِء الشافعوَن إَّم ا أْن َيكوُنوا أنبياَء‪ ،‬وإَّم ا أْن َيُك ونوا علماَء أتقياَء‪ ،‬أو َيُك ونوا‬
‫بصفٍة ُأْخ َر ى كالشهداِء ‪.141‬‬
‫ِتِه‬ ‫ِتِه‬
‫وقوُلُه‪" :‬وذلَك بأَّن اَهلل َتَو َّلى أهَل معرف " معناُه أَّن اَهلل حافٌظ أهَل معرف املؤمنَني‬
‫بِه‪.‬‬
‫و ع ىن‪َ" :‬أْه ِل ُنْك ِتِه" ال ذي َك َّذ بوا ب ِه إَّم ا ِب ْف ِي وج وِد اِهلل كالَّد ِر َّي ِة وإَّم ا بعب ادِة‬
‫ْه‬ ‫َن‬ ‫َن‬ ‫َر‬ ‫َم‬
‫غِري ِه وإَّم ا بتكذيِب رسوِلِه َأْو حنِو ذلَك ‪.‬‬
‫ومع ىن‪" :‬ولم َيناُلوا ِم ْن ِو اليِت ِه" أْي م ا صاَر ُهَلْم حٌّظ ِم ْن ِو الي ِة اِهلل تع اىل‪ ،‬يع ين‬

‫ق ال الشيُخ ‪ :‬جيُب القطُع اجلزُم ب أَّن بعَض عصاِة املسلمَني ال ُب َّد أْن َي دُخلوا هجَمن ومْن َّمَث خيرجوَن مهنا ومْن ق اَل ‪" :‬ال أحَد مَن‬ ‫‪140‬‬

‫املسلِم َني َيدُخ ُل هجَمن عىل اإلطالِق " فقْد َكَّذ َب الُقرءاَن واحلديَث ‪ ،‬اهـ‪.‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َو َر َد ِف َميا َر َو اُه ُم َح َّم ُد ْبُن ِح َّباَن َو لرِّت ِمِذ ُّي يِف ُس َنِنِه َأَّن لَّش ِهيَد َيْش َفُع يِف َس بِع َني ِم ْن َأهِل َبيِت ِه َو َق ْد َيُك وُن ْلُخ ُر وُج ِم َن لَّن اِر ِب ُد وِن‬
‫‪141‬‬

‫َش َفاَعِة َأَح ٍد ‪.‬‬


‫الوالَيَة العاَّم َة ِباإلسالِم ‪.‬‬
‫وقوُلُه‪َ" :‬ثِّبْتَنا على اإلسالِم حتى َنْلَق اَك بِه" أْي َثِّبْتَنا على اإلمياِن حىت ُمَنوَت ‪ ،‬وهذا‬
‫هو املراُد بلقاِء اِهلل‪.142‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنَر ى الَّص الَة َخ ْلَف ُك ِّل َبٍّر َو َفاِج ٍر ِم ْن َأْه ِل الِق ْبَلِة‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِبِب ِت ِه ِإ‬ ‫ِب ِل‬
‫وال َيْع ىِن املَؤ ِّل ُف ذ َك الُك ّف ار‪ ،‬ال ذي َو َص َل ْد َع ىَل َح ِّد الُك ُف ر‪ ،‬ال َأَح َد َن‬
‫اْجملَتِه ِد يَن ُيَص ِّح ُح الصالَة َخ ْلَف ه‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِج‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه ُجيوُز الَّص الُة َخ ْل َف ُك ِّل َبٍّر َو فا ٍر مْن أهِل ال بل م َع الكراه َخ ل َف‬
‫الفاِج ر‪ ،143‬واملعروُف يف َم ذَه ِب اإلماِم أمحَد بِن َح ْنَبٍل أنه ال َتِص ُّح اجلماع ُة َخ ل َف املْس ِلِم‬
‫الفاِج ِر إاّل يف اجلمعِة والعيِد ‪.‬‬
‫وقوُلُه‪َ" :‬نَر ى" أْي َنعتقُد ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َعَلى َم ن َم اَت ِم نُه ْم ‪.‬‬


‫الشرُح ‪َ :‬أَّنن ا نعَتق ُد وج وَب الص الِة على َمْن م اَت ِم َن املسلِم َني َبِّر ِه ْم وفاجِر ِه ْم ‪،‬‬
‫والَبُّر هَو الَّتِق ُّي ‪ ،‬والفاِج ُر هَو َمْن كاَن ِم ْن أهِل الكبائِر ‪.144‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَنِّز ُل َأَح ًد ا ِم ْنُه ْم َج َّنًة َو ال َناًر ا‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّننا ال حنُك ُم ِم ْن ِتْلَق اِء أنفِس نا بأَّن فالًنا مْن أهِل اجلن ِة وأَّن ُفالًنا مْن أهِل‬

‫ِلَقاُء ِهللا ُيَع ُرَّب َع ْنُه َعِن ٱْلَمْو ِت َو َع ِن ٱلُو ُقْو ِف َبَنْي َيَد ْيِه ِلْلِح َس اِب يِف ٱآلِخ َر ِة َو ٱْلَم عىَن ٱَألَّو ُل ُه َو ٱْلُم َر اُد ِبَقْو ِهِل َعَلي ِه ٱلَّص الُة َو ٱلَّس الُم ‪:‬‬ ‫‪142‬‬

‫"َمْن َأَحَّب ِلَقاَء ِهللا َأَحَّب ُهللا ِلَقاَء ُه َو َمْن َكِر َه ِلَقاَء ِهللا َكِر َه ُهللا ِلَقاَء ُه “ َر َو اُه ُم ْس ٌمِل يِف ِحَص يِح ِه ‪َ ،‬فِلَقاُء ِهللا ٱلَو اِر ُد يِف َكِثٍري ِم َن ٱَألَح اِد يِث‬
‫ٱلَّنَبِو َّيِة ُه َو ٱْلَمْو ُت َألَّن ٱلَع بَد َذ ا َم اَت َص اَر ُم َهَّيًئا َألْن َيْلَقى َجَز اَء ُه ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫ٱْلُمْس ُمِل ٱلَفاِج ُر َم ا َداَم َلْم ْخَي ُر ْج َعِن ٱ ْس الِم ِبُكفٍر َيقَط ُع ٱ ْس الَم َف َّن ٱلَّص الَة َخ ْلَفُه َتِص ُّح اَمَك َتِص ُّح َخ ْلَف ٱلَّتِقِّي َو ُه َو ٱلَبـُّر ‪.‬‬ ‫‪143‬‬

‫ِإ‬ ‫ِإل‬ ‫ِإل‬


‫الرسوُل َأَم َر ٱلَّص َح اَبَة اِب لَّص الِة َعىَل َبعِض َمْن ُأِق َمي َعَليِه َح ُّد ٱلِّز ىَن اِب لَّر ْج ِم َو َمْع ُلوٌم َأَّن ٱلَّز اَيِن ٱْلُم ْحَص َن َو َغَري ٱْلُم ْحَص ِن ِم َن ٱلَفاِس ِقَني ‪.‬‬ ‫‪144‬‬
‫الناِر ولو كاَن ُمْنَغِم ًس ا يف الذنوِب ‪َ ،‬فَم ا ُيدِر ينا إْن كاَن اُهلل كتَب ل ُه املوَت على التوب ِة‪،‬‬
‫وكذلَك ال َندِر ي إْن كاَن هذا اإلْنساُن الذي ظاهُر ُه اآلَن اخلُري َّمَمْن ُك ِتَب عليِه ُم الَّش قاوُة‬
‫ِة‬ ‫ِم‬
‫فإَّن ه ال ُب َّد أْن خُي َتَم ل ُه بعمِل أهِل الن اِر ‪ ،‬ل ذلَك ال َنق وُل ُفالٌن ْن أهِل اجلن أْو ُفالٌن مْن‬
‫أْه ِل الناِر مْن ِتلقاِء أنُف ِس نا إاّل َمْن َش ِه َد لُه الشرُع‪.145‬‬
‫َل‬ ‫ُك‬ ‫َد‬ ‫َأ‬ ‫َّن‬‫((إ‬ ‫‪:‬‬ ‫ُق‬ ‫و‬ ‫ُد‬ ‫الـ‬ ‫ُق‬ ‫الَّص اِد‬ ‫قال َر ُس وُل اِهلل َص لى اُهلل عليِه وَس َّل‬
‫ُل‬ ‫َم‬ ‫ْع‬
‫َي‬ ‫ْم‬ ‫َح‬ ‫ْص‬ ‫َم‬ ‫َو‬ ‫ُه‬ ‫َو‬ ‫َم‬
‫ِبَعَم ِل َأْه ِل اَجلَّن ِة َح ىَّت َم ا َيُك وُن َبْيَن ُه َو َبْيَنَه ا إاَّل ِذَر اٌع َفَيْس ِبُق َعَلْي ِه الِكَت اُب َفَيْع َم ُل ِبَعَم ِل‬
‫َأْه ِل الَّناِر َفَي ْد ُخ ُلَه ا‪َ ،‬و ِإَّن َأَح َد ُك ْم َلَيْع َم ِبَعَم ِل َأْه ِل الَّناِر َح ىَّت َم ا َيُك وُن َبْيَن ُه َو َبْيَنَه ا إاَّل‬
‫ُل‬
‫ِذَر اٌع َفَيْس ِبُق َعَلْيِه الِكَتاُب َفَيْع َم ُل ِبَعَم ِل َأْه ِل اَجْلَّنِة َفَيْد ُخ ُلَه ا)) َرَو اُه الُبَخ اِر ُّي ‪.‬‬
‫ِة الرضواِن‬ ‫ِه‬
‫أبو َهَلٍب نقوُل عن ُه مْن أهِل الناِر ألَّن الُق رءاَن َش ِه َد علي ‪ ،‬أَّم ا أهُل َبْيَع‬
‫وأشباُه ُه م َفَنشهُد هلم باجلنِة ألَّن الشرَع شهَد هلم‪.146‬‬
‫الّر ُس وُل َعَلْي ِه الصالُة والسالم ِح َني َنَز َلت َعَلْي ِه اآلَي ة ﴿َو َأْن ِذ ْر َعِش َريَتَك اَألْقَر ِبَني (‬
‫‪ ﴾)214‬سورة الشعراء‪َ ،‬نَّف َذ ‪َ ،‬مَجَع َعِش َريَتُه اَألقربني‪َ ،‬أقِر باَءُه َو َدَع اُه م ِإىَل اِإل ْس الم‪ ،‬كاَن‬
‫ِم ْن َبْيِنِه م َأبو َهَلب ألنه َعُّم الرسول‪ ،‬قاَل َأُبو َهَلب للرسوِل ‪َ" :‬تًّب ا َلَك َأهِل ذا َمَجْع َتنا"؟ َيْع ىِن‬
‫َس َّب الرسول والعياُذ باهلل‪َ ،‬فَنَز َلت ُس ورٌة يِف الُقرءاِن ُتْتَلى ِإىَل يوِم الِق ياَم ِة يِف َذِّم َأيِب َهَلب‪،‬‬
‫َو ال ُيوَج د َش خص َنَز لت ُس وَر ة كاِم َلة يِف َذِّم ِه ُتْتَلى ِإىَل يوِم الِق ياَم ة ِإال َأبو َهَلب َو َمَع ذِلك‬
‫َبْعُض اُجلّه ال يُقول وَن أب و َهَلب ألن ه ِح َني ُبِّش َر ِب ِو الَدِة حممد َأْعَت َق جاِر َي ًة َل ُه اُمْسها ُثَو ْيَب ة‬
‫ِم‬
‫َسُيَخ َّف ُف َعْن ُه يوم االثنِني َأْو سُيْس َق ى ماًء يِف يو االثنِني هبذا الَق دِر الذي يظهُر ِم ْن َض ِّم‬
‫اِإل ص ني‪ ،‬هذا ِخ الُف الق رءان‪ُ ،‬ظُّن وَن َأَّن هذا ِفي ِه ِإظها َّب ِة الَّر ول‪ِ ،‬إظها َّب ِة‬
‫ُر َحَم‬ ‫ُر َحَم ُس‬ ‫َي‬ ‫َبَع‬
‫َمْن َأْخ َرَب َع نُه الرسوُل ِبَأَّنُه ِم ْن َأْه ِل ٱْلَجَّنِة َفُنِّزَن ُهُل ٱْلَج َّنَة َأْي ْحَن ُمُك ُهَل َأَّنُه ِم ْن َأْه ِل ٱْلَجَّنِة اَك ْلَعَرَش ِة ٱْلُم َبِرَّش يَن َو َأْه ِل َبْد ٍر َو ْحَن ِو َٰذَكِل ‪.‬‬ ‫‪145‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َقاَل َبعُض أِئَّم ِة لَّتحِقيِق ‪َ :‬ذ ا ُس ِئَل ( لَّش ْخ ُص ) َع ِن ْلُم ْؤ ِم ِن ْلُم ْح ِس ِن ِبَع يِنِه ‪َ" :‬أيَن ُه َو "؟ َف اْلَج َو اُب َأْن ُيَق اَل ‪ْ :‬ن َم اَت َعىَل ْيَم اِن‬ ‫‪146‬‬

‫ِإل‬ ‫ِإ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ِإ ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َو َأَد اِء لَفَر اِئِض َو لَو اِج َباِت اَت ِئًبا ِم َن ْلَكَباِئِر ُم ْس َتْغِفًر ا ِم َن لَّص َغاِئِر َفُهَو يِف ْلَجَّنِة ‪َ ،‬و َذ ا ُس ِئَل َعْن َمَجاَعِة ْلُمْس ِلِم َني ‪َ" :‬أيَن ْمُه “؟ َفاْلَج َو اُب‬
‫َأْن ُيَقاَل ‪ْ" :‬مُه يِف اْلَجَّنِة ِلَقْو ِهِل َتَع اىَل ‪َّ ﴿ :‬ن ٱَهَّلل ُي ْد ِخ ُل اذليَن آَمُن وْا َو ِمَع ُل وْا ٱلَّص اِلَح ا ِإِت َج َّن اٍت ْجَت ِر ي ِم ن ْحَت َهِتا ٱَألَهْناُر ﴾ [ُس وَر َة ْلَح ِّج ‪َ ]23 :‬و ذا‬
‫ٱ‬

‫ِإ‬
‫ُس ِئَل َعْن اَك ِف ٍر ُم َش اٍر َليِه َأْي ُم َع ٍنَّي َيُقوُل ‪ْ :‬ن َم اَت َعىَل ُكْف ِر ِه َفُهَو يِف ٱلَّناِر َو ال َيُقوُل َه َذ ا يِف ٱلَّناِر ‪َ ،‬ألَّنُه َقْد َيُتوُب َو َيُم وُت ُمْؤ ِم ًن ا‪َ ،‬و ِإ َذ ا‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ُس ِئَل َعْن َمَجاَعِة ٱلاَك ِف ِر يَن َف اْلَج َو اُب َأْن َيُق وَل ‪ْ :‬مُه يِف ٱلَّن اِر َألَّن َهللا َق اَل ‪َ﴿ :‬و َّن ٱْلُفَّج اَر َلِفى َج ِح ٍمي﴾ [ُس وَر َة ِالْنِفَط اِر ‪ ]14 :‬ٱْلُفَّج اُر ُه َن ا ِبَم عِإىَن‬
‫ٱ‬

‫ِإ‬ ‫ٱْلُكَّفاِر ‪.‬‬


‫الَّر ُس ول ِبَك ماِل اِّتباِع الرسوِل ‪َّ ،‬مُث ُه َو َلّم ا َأْعَت َق ُثَو ْيَب ة ما كاَن َيْع ِر ُف َأَّن حممًد ا س َيُك وُن‬
‫َنِبًّيا‪ ،‬ليس ألنه الرسول سيصُري نبيا‪َ ،‬أْع َتَق ها َفَر ًح ا ألنه ُو ِلَد َألِخ ي ِه َو َلد وليَس ألنه َيْع ِر ُف‬
‫َأَّن حممًد ا سَيُك وُن َنِبًّيا‪َ ،‬لِكن هؤالء ُس َخ فاء الُعُق ول‪.‬‬

‫ِبِش ٍك ِبِن ٍق‬ ‫ِب‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنشَه ُد َعَليهْم ُك فٍر َو ال ر َو ال َف ا َم ا َلْم‬
‫َيْظَه ْر ِم ْنُه ْم َش ىٌء ِم ن ذِلَك ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّننا ال ُنكِّف ُر أحًد ا ِبدوِن دلي ٍل ‪ ،‬وال حَن ُك ُم على أحٍد بالشرِك بدوِن دلي ٍل ‪،‬‬
‫وال بالِّنف اِق ب دوِن دلي ٍل ش رعٍّي ‪َ ،‬و النف اُق هو اعتق اُد ِخ الِف م ا ُيظهُر ُه الش خُص من‬
‫نفِس ِه‪.147‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنَذ ُر سَر اِئَر ُه ْم إَلى اِهلل َتَعالى‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أ نق وُل ا أعل مبا يف قل وِهِبم‪ ،‬ألَّن ا هو املَّطِل عَليها دوَن العب اِد‬
‫ُع‬ ‫َهلل‬ ‫ُهلل ُم‬ ‫ُح ْي‬
‫فَو جَب َتْف ِو يُض ذلَك إليِه‪.‬‬

‫الدرس‬ ‫‪18‬‬

‫ق ال الش يُخ نبي ُل َح ِف َظ ُه اُهلل‪ :‬أول م رة ذهب الش يخ عب ُد اهلل رمحُه اهلل إىل سويسرا‬
‫قاَل ‪ :‬الذي يذَه ُب إىل ِتل َك البالِد فريى كي َف َّمَجلوا املباين وحَّس نوا الطرَق اِت ‪ ،‬إن كاَن‬
‫من أْه ِل ال دنيا يق وُل هذه هي احلي اة‪ ،‬وإن كان من أهِل اآلخ رِة يق ول إن العيَش عيُش‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َعبُد ِهللا ْبُن ُأّيَب ْبِن َأيِب َس ُلوٍل َظ َهَر ِم ْنُه لِّنَفاَق َح ىَّت َع َر َفُه ْلُم ْؤ ِم ُنوَن ‪َ ،‬لِكْن ِبَم ا َأَّنُه اَك َن َبعَد َم ا َظ َه َر ِم نُه ُيْنِك ُر َو َخُياِل ُط ْلُمْس ِلِم َني‬ ‫‪147‬‬

‫َفُيَص يِّل َم َع ُهم َّمُث َلَّم ا َمِر َض َم َر َض َو َفاِتِه َط َلَب ُهَل ٱْبُنُه َعبُد ِهللا ـ َو اَك َن ِم َن ٱْلُم ْؤ ِمِنَني ٱلَّث اِبِتَني َم َع ٱلَّر ُس وِل ـ َأْن ُيَكَّفَن ِبَث ْو ٍب ِم ْن َر ُس وِل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ِهللا َفَأْع َط اُه الرسوُل َثْو اًب َفُكِّفَن ِبِه َّمُث الرسوُل َقاَم َو َص ىَّل َعَليِه َألَّنُه اَك َن ِتَكل لَّس اَعَة َظ ُّن لَّر ُس وِل َأَّنُه َأْخ َلَص ْيَم اَن ِم َّم ا اَك َن َعَلي ِه ِم ْن‬
‫َظ اِه ِر ٱ ْس الِم َو ُهللا َم ا َأْط َلَع ُه َه ْل ُه َو َبْع ُد َعىَل ٱلَّش ِّك َأْم َتَر َك ٱلَّش َّك َو َأْيَقَن ِاب ْس الِم َو ٱ ْيَم اِن َّمُث َنَز َلِت ٱآلِإلَي ُة ﴿َو َال ُتَص ِّل َعٰىَل َأَح ٍد‬
‫ِإل‬ ‫ِإل‬ ‫ٱ‬ ‫ِإل‬
‫ِّم ُهْنم َّم اَت َأَب ًد ا َو َال َتُقْم َعٰىَل َقِرْب ِه ُهَّنْم َكَف ُر وْا ِب ِهَّلل َو َر ُس وِهِل َو َم اُتوْا َو ْمُه َفاِس ُقوَن ﴾ [ُس وَر َة الَّتْو َب ِة ‪َ ]84 :‬فَعَمِل َأَّنُه َلْم َيَز ْل اَك ِف ًر ا ِبِنَفاِق ِه َف َذ ا اَك َن‬
‫ِإ‬ ‫َفَك َغ ِإ‬
‫الرسوُل َه َذ ا َح اُهُل ْيَف ُرْي ُه ‪.‬‬
‫اآلخرِة‪.‬‬
‫أنس بن مال ك رضي اهلل عن ه ق ال‪َ :‬خ َر َج َرُس وُل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ِإىَل‬
‫اَخلْن َد ِق َف ِإَذا الـُم َه اِج ُر وَن َو اَألْنَص اُر ْحَيِف ُر وَن يِف َغ َد اٍة َب اِر َدٍة‪َ ،‬فَلْم َيُك ْن ُهَلْم َعِبي ٌد َيْع َم ُل وَن‬
‫َذِل َك ُهَلْم ‪َ ،‬فَلَّم ا َر َأى َم ا ِهِبْم ِم َن الَّنَص ِب َو اُجلوِع َق اَل ‪(( :‬الَّلُه َّم ِإَّن الَعْيَش َعْيُش اآلِخ َر ْه‪،‬‬
‫َفاْغ ِف ْر ِلَأْلْنَص اِر َو الـُم َه اِج َر ْه)) َفَق اُلوا ِجُم يِبَني َلُه‪:‬‬
‫ْحَنُن الِذ يَن َباَيُعوا َحُمَّم َد ا ‪َ ...‬عَلى اِجلَه اِد َم ا َبِق يَنا َأَبَد ا‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫عِن اْبِن َعَّب اٍس َر ِض َي اُهلل َعْنُه َم ا َأَّن َرُس وَل اِهلل َو َق َف ِبَعَر َف اٍت َفَلَّم ا َق اَل ‪َ(( :‬لَّبْي َك‬
‫الَّلُه َّم َلَّبْي َك )) َق اَل ‪ِ(( :‬إَّنـما اَخلْيُر َخ ْيُر اآْل ِخ َر ِة)) رواه ابن اجلارود يف املنتقى (ص‪،)126/‬‬
‫وابن خزمية يف صحيحه‪ ،‬والطرباين يف املعجم األوسط‪ ،‬واحلاكم يف املستدرك‪ ،‬والبيهقي‬
‫يف السنن الكربى‪.‬‬

‫ٍد‬ ‫ٍد ِم ِة‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنَر ى الَّس ْيَف َعَلى َأَح ْن ُأَّم ُمَح َّم َص لى اُهلل‬
‫َعَليِه َو َس َّلَم إال َمْن َو َج َب َعَليِه الَّس يُف ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ه ال جيوُز قت املسِلِم الَبِّر والف اجِر إاّل َمْن َثَبَت علي ِه القت ‪ ،‬كالنفِس‬
‫ُل‬ ‫ُل‬
‫بالنفِس والَثِّيُب الزاين‪ ،‬كذلَك جيوُز قتاُل الُبَغاِة حىت َيرِج عوا إىل طاعِة اخلليفِة‪.‬‬
‫َأَّو َل َمْن َطَّب َق ُح ْك م اآلَي ة ﴿َو ِإْن َطاِئَف َت اِن ِم َن ا ْؤ ِمِنَني اْقَتَتُل وا َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا َف ِإْن‬
‫ِف‬ ‫ِغ ُمل‬
‫َبَغْت ِإْح َد اَمُها َعَلى اُألْخ َر ى َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْب ي َح ىَّت َت يَء ىَل َأْم ِر ا (‪ ﴾)9‬س ورة‬
‫ِهلل‬ ‫ِإ‬
‫احلجرات‪ُ ،‬ه َو ِّس يُد نا َعِلّي َر ِض َي اُهلل َعْنُه‪َ ،‬فُه و قاَتَل الُبغاة‪ ،‬يِف ُك ِّل ِقتاٍل قاَتَلُه كان َص وابا‬
‫كاَن على اَحلِّق َر ِض َي اُهلل َعْن ُه‪ .‬اِإل ماُم الشاِفِعُّي َر ِض َي اُهلل َعْن ُه قاَل ‪ُ" :‬ك ُّل َمْن قاَت َل َعِلًّي ا‬
‫ِم ِل‬ ‫ِق‬ ‫ِفِع‬ ‫مِل‬
‫َفُه َو باٍغ " َأي ظا َك بري‪َ ،‬و قاَل الشا ُّي ‪َ" :‬أَخ ْذ نا َأْح كاَم تال الُبغاة ْن َع ٍّي " َفال ُجيوُز‬
‫َأْن يقاَل َأَّن َعِلًّي ا َو ُمقاِتِلي ِه َعَلى َح ٍّد َس واء هؤالِء َم ْأجورون وهؤالِء َم ْأجورون‪ ،‬أي هلم‬
‫ثواب‪ ،‬هذا فساد‪ُ .‬توَج ُد قاِع َد ة يِف اُألُص وِل "ال اْج ِتهاَد َمَع الَّنّص " َو قاِع َد ة ُأْخ َر ى‪ِ" :‬إذا‬
‫جاَء اَخلرَب اْنَق َطَع الَّنَظر" َفُيوَج ُد ُنُص وص‪ ،‬هذه اآلَية اليت َذَك ْر ناها َو ُنُص وص ُأْخ َر ى‪َ﴿ ،‬يا‬
‫َأُّيَه ا اَّلِذ يَن َآَم ُن وا َأِط يُع وا اَهلل َو َأِط يُع وا الَّر ُس وَل َو ُأويِل اَألْم ِر ِم ْنُك ْم (‪ ﴾)9‬سورة احلجرات‪،‬‬
‫َعِلّي ِم ْن ُأويِل اَألْم ر‪َ ،‬و َح ِد يُث الّر س ول املت واِتر‪َ(( :‬و ْيَح َعّم اٍر َتْق ُتُل ُه الِف َئ ُة الباِغَي ُة))‬
‫البخاري‪َ ،‬أْع َلى َدَر جات اَحلِد يث هَو اَحلِد يُث املَتواِتر‪َ(( ،‬و ْيَح َعّم اٍر )) معناُه يا ُح ْز يِن َعَلى‬
‫َعّم ار‪ ،‬يا َأَس ِف ي َعَلى َعّم ار‪َ(( ،‬تْق ُتُلُه الِف َئُة الباِغَية)) معناُه َتْق ُتُل ُه الِف َئ ُة الّظاِلَم ة‪ ،‬عّم اُر كاَن‬
‫َمَع سِيِد نا َعِلّي والذين ْقَتُلوُه ُمعاِو َية َو َمْن َم َعُه‪َ ،‬فهذا ِبَنِّص َح ِد يِث الّر سوِل َيُك ون َم عاِو َية‬
‫وَم ن َمَع ُه ُبغ اة َفَه ل بع َد َك الِم الرس وِل َك الم!!! وق ال الرس وُل ‪َ(( :‬مْن َس َّب َعِلًّي ا فَق ْد‬
‫َس َّبيِن )) أمحد‪ ،‬معناُه الذي َيُس ُّب َعِلًّي ا َذْنُب ُه َعِظ يم َك َأَّنُه س َّبيِن ‪َ ،‬ألَّن الذي يُس ُّب الرسوَل‬
‫ٍل ِو‬ ‫ِل‬ ‫ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِف‬
‫َيكوُن كا ًر ا َأّم ا َمْن َس ًّب َع ًّي ا َفُه َو فا ق‪َ ،‬فهذا َدليل َأَّن َع ًّي ا َلُه َقْد ًر ا عا ‪ُ ،‬معا َية َأَم َر‬
‫َأْن ُيَس َّب َعِلٌّي َعَلى املناِبر‪ ،‬والرسول قال‪َ(( :‬مْن َس َّب َعِلًّيا فَقْد َس َّبيِن )) معناه ُظْلُم ُه َك بري‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنَر ى الُخ روَج َعَلى َأِئَّم ِتَن ا َو ُو الِة أُموِر َن ا وإْن‬
‫َج اُر وا‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ه ْحَيُر ُم اخلروُج على السلطاِن ال ذي اْنَعَق َد ْت َبْيَعُت ُه الّش رِعيُة‪ ،‬وال‬
‫حناِر ُبُه م‪ ،‬وال ْخَنَلُعُه م مَن اخلالفِة وإْن َظَلُم وا‪ ،‬وِإَّنـما خُي َر ُج عليِه م إذا َك َف ُر وا‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َيْع ىِن َو ِإْن َظَلَم َألَّن اُخلروَج َعَلى اَخل يَف ة ِإْن كاَن جاِئًر ا ُيَؤ ِّدي ِإىَل ْتَن ة‪َ ،‬ألْج ِل ذ َك‬
‫الُعَلماء َيُقولون‪" :‬ال ُجَيوُز اخلُر وُج َعَلى اَخلِليَف ِة املسِلم َو ِإن جاَر " َيْع ىِن َو ِإْن َظَلم‪ ،‬لِكن ال‬
‫ُنِط يُعُه م يِف مْع ِص َيِة اِهلل َألَّن الرسوَل قاَل ‪(( :‬ال َطاَعَة ِلَم ْخ ُلوٍق يِف َم ْع ِص يِة ٱَخْلاِلِق )) أمحد‪.‬‬
‫اَخلِليَف ُة َيِص ُري َخ ِليَف ًة ِإذا باَيَع ُه َأهُل اَحلِّل والَعْق د َأي ِخ ي اُر الن اِس يِف الِعْلِم والَعَم ل‪،‬‬
‫ٍن‬ ‫ٍن‬ ‫ِق‬
‫هكذا َتْنَع ُد البْيَعُة ِإل نسا ‪ ،‬هذا اإلنساُن ِإذا باَيَعُه َأهُل اَحلِّل والَعْق د يِف َم كا َثَبَتْت بْيَعُتُه‬
‫ا رو َل ِه‪ ،‬س ِيُد نا ِل بوِي يِف املِد يَن ِة‬ ‫ِل‬
‫َع ّي َع‬ ‫َعَلى ُك ّل املس مني يِف ُك ِّل األْر ض َو َح ُر َم ُخل ُج َع ْي‬
‫املنّوَر ة‪َ ،‬أهُل اَحلِّل والَعْق د باَيُعوُه‪َ ،‬فَثَبتت َلُه الَبْيَعة َعَلى ُك ِّل املسِلمني يِف ُك ِّل األْر ض‪َ ،‬بْع َد‬
‫ذِلك َطَلَب ُمعاِو َية ِم ْن ُأناٍس َأْن ُيباِيعوُه‪َ ،‬يعىن بعَد ُثبوِت البْيَع ِة لسِّيِد نا َعِلّي ‪ ،‬وهذا خُم اِلف‬
‫للشِر يَعة‪.‬‬
‫ُيوَج د ِح زب ِجَي ُب َأْن َحُيَّذ َر ِم ْن ُه ُيَس َّم ى ِح ْز َب الَّتْح ري ر‪َ ،‬ر ِئيُس ُه م اُمْسُه َتِق ُّي ال ّد ين‬
‫ِم‬ ‫يِف‬ ‫يِف‬
‫الَّنَبهاّيِن‪ ،‬كاَن رْأِس الّنب ع ب ريوت‪ ،‬اآلن م اَت ‪ ،‬مَج اَعُت ُه كاُنوا َيُقول وَن َعْن ُه َأ ُري‬
‫املؤِم نني‪َ ،‬و ُيناُدوَن َز ْو َج َت ُه ُأَّم املؤِم نني‪ ،‬وَأوالُدُه َيقوُل ِلواِح د َأنَت َو ِز ي ُر كذا وَأنَت َو ِز ُري‬
‫كذا‪ ،‬ضاُّلون ُيَش ِّو ُش وَن َعَلى املسِلمني‪َ ،‬يُقول ون ِللمسِلمني‪ِ :‬إْن ْمَل ُتب اِيعوا َخ ِليَف ًة َف َأْنُتم‬
‫ءامِث ون‪َ (( ،‬مْن َم اَت َلْي يِف ُعُنِق ِه َبْيَع ٌة َم اَت ِم يَت ًة َج اِهِلَّي ًة)) رواه مسلم‪ ،‬الَّر ُس ول يِف‬
‫َو َس‬ ‫َو‬
‫هذا احلديث ُيريد َأَّنُه ِإْن كاَن َخ ِليَف ة َو َش ْخ ٌص َتَر َك َبْيَعَت ُه َو َخ َر َج َعْن ُه مَي وُت ِم يَت ًة َخ بيَثة‪،‬‬
‫ِط‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫ِإْن كاَن َخ يَف ة طيًب ا‪ِ .‬إْن كاَن املس موَن ال يسَت يُعوَن َنْص َب َخ ليَف ة ف ﴿ال ُيَك ِّل ُف اُهلل‬
‫َنْف ًس ا ِإال ُو ْسَعَه ا﴾ سورة البقرة‪ ،‬قاَل الَّر ُس ول‪(( :‬ال َيْنَبِغي ِلُم ْؤ ِم ٍن َأْن َيِذ َّل َنْف َس ُه)) ِقي َل ‪:‬‬
‫َيا َر ُس وَل اِهلل َو َك ْيَف َيِذ ُّل َنْف َس ُه؟ َقاَل ‪َ(( :‬أْن َيَتَعَّر َض ِم َن اْلَبالِء ِلَم ا ال ُيِط ي ُق )) الطرباين يف‬
‫الكبري‪ ،‬املسِلموَن اآلن ليَس يِف ُو ْس ِعِه م ذِلك ِإَّنـما ِح ْز ُب الَّتْح ِر ير ِلْلَّتْش ِو يِش َعَلى املْس ِلمني‬
‫اَألحكام‪.‬‬ ‫يِف‬ ‫روع‪،‬‬ ‫ُف‬ ‫ال‬ ‫يِف‬ ‫ساد‬ ‫َف‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ُل وا ذِلك‪ ،‬م ضاُّلوَن ‪ِ ،‬عْنَد م َفساد يِف ال ِق‬
‫ْم‬ ‫ُه‬ ‫َد‬
‫َع َو‬ ‫ُه‬ ‫ُه‬ ‫َفَع‬
‫َيُقولون َمِبقاَلِة املْع َتِز َلة يف االعتقاد‪َ ،‬يُقولون يوَج ُد َأشياء يِف هذا الَك ْو ن اُهلل َلُه ِفيها َدَخ ل‬
‫شىء ِم اِإل نساِن ِبِإرا ٍة‬
‫َد‬ ‫َحَص‬ ‫ذا‬ ‫وَأشياء اُهلل لي َلُه ِفيها َدَخ ل‪َ ،‬عَلى َزْع مِه م ُقولون ِإ‬
‫َن‬ ‫َل‬ ‫َي‬ ‫َس‬
‫ِم ْنُه هذا ال َدَخ ِهلل ِفيِه‪ِ ،‬إذا َحَص ل ِفيِه شىء ِبُد وِن ِإراَدٍة ِم ْن ُه َك َأْن كاَن ماِش ًيا َف َقَع يِف‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َل‬
‫ُح ْف َر ٍة َفَتَأَّذى َفَيُقولوَن هذا ِهلل ِفيِه َدَخ ل‪ ،‬هذا ِش ْر ك والِعياُذ باِهلل‪ ،‬وَيُقولوَن جِي وُز ُمصاَفَح ُة‬
‫اَألْج َنِبَّية َو جِي وز َتْق ِبيُل اَألْج َنِبَّية ِلَتْو ِديِعها ِإذا َأراَدِت الَّسَف ر والْس ِتقباهِل ا ِم َن الَّسَف ر‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال َنْد ُعو َعَلْيهْم وال َنْنِز ُع َيًد ا ِم ْن َطاَعِتِه ْم ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أنه ال َندُعو عليِه م ُدَعاًء ُيؤِّدي إىل حتري ِك ِفتَن ٍة‪ ،‬أَّم ا قوله‪" :‬وال َنْنـِز ُع َيًد ا‬
‫ِم ْن طاعِتِه ْم " فمعناُه ُنطيُعُه ْم وإْن كانوا جائريَن فيما ال معصيَة فيِه‪.‬‬

‫ِة ِهلل‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل َف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َنَر ى َط اَعَتُه ْم ْن طاَع ا َع َّز َو َج َّل َفريَض ًة َم ا لْم‬
‫َيْأُمُر وا ِبَم عِص َيٍة‪.148‬‬
‫ِن‬
‫الشرُح ‪ :‬طاَع ُة ُأويِل األْم ِر َف رٌض َفَر َض ُه اُهلل َتعاىل‪ ،‬والطاَع ُة اليت َأَم َر اُهلل هبا املؤم َني‬
‫ُألويِل األمِر هَي الطّاَعُة يف طاعِة اِهلل‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َندُعو َلُه م ِبالَّص الِح والُم َعاَفاِة‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أننا َنْد ُعو هلم أْن ُيْص ِلَحُه ُم اُهلل‪.149‬‬
‫وقوله‪" :‬الُم عافاِة" أْي أْن ُيزيَل عنُه م ما ِهِبم مَن اَجلْو ِر والُّظْلِم بأْن َيُتوَب َعَلْيِه ْم ‪.‬‬
‫َك ِلَم ة "العاِفَية" َتْص ُلُح َمِبْع ىَن العاِفَيِة يِف الَبَد ِن َو َمِبْع ىَن َص الِح احلاِل يِف َأْم ِر الِّدين‪َ ،‬يْع ىِن‬
‫الّس الَم َة ِم ْن َح ْيُث ُأُم وِر الِّدين‪ ،‬كاَن الَعّب اس يسَأُل الَّن َعْن شىٍء يدعو به‪ ،‬فعِن الَعَّب اِس‬
‫ّيِب‬
‫ْبِن َعْب ِد الـُم َّطِلِب َق اَل ‪ُ :‬قْلُت َيا َر ُس وَل اِهلل َعِّلْم يِن َش ْيًئا َأْس َأُلُه اَهلل َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬ق اَل ‪َ(( :‬س ِل‬
‫اَهلل الَعاِفَيَة)) َفَم َك ْثُت َأَّياًم ا َّمُث ِج ْئُت َفُقْلُت َيا َرُس وَل اِهلل َعِّلْم يِن َش ْيًئا َأْس َأُلُه اَهلل‪َ ،‬فَق اَل يِل ‪:‬‬
‫((َي ا َعَّب اُس َي ا َعَّم َرُس وِل اِهلل َس ِل اَهلل الَعاِفَي َة يِف ال ُّد ْنَيا َو اآْل ِخ َر ِة)) الرتم ذي‪ُ ،‬ه ن ا ُيِر ي ُد‬
‫الّر ُس وُل ِم ْن َح يُث الَبَد ُن َو ِم ْن َح يُث ُأُموُر الِّدين‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنْتَب ُع الُّس َّنَة والَج َم اَع َة َو َنجَتِنُب الُّش ُذ وَذ والِخ الَف‬
‫والُف ْر َقَة‪.‬‬
‫ِة ِبِع‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬
‫الشرُح ‪َ :‬أْه ُل الُّس َّن واجلماع هُم ال ذيَن يعَتق دوَن َعقي َد َة الص حاَب والت ا َني وَمْن‬
‫ِه َّل‬ ‫ِل ِهلل‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ٍن ِإ‬ ‫ِب‬
‫َت َعُه م بإْح سا ‪ ،‬و َّنـما ُّمُسوا َأهَل الُّس َّن ألهنْم على ُس َّن رُس و ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫(َأي َعَلى َش ِر يَعِتِه) ُمَّتِبُع وَن َألصحاِبِه‪ ،‬ألَّن الَّر س وَل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َأم َر باّتب اِع م ا‬
‫كاَن علي ِه َأصحاُبُه‪ ،‬وأم ا َتسميُتُه ْم باجلماع ِة فألهَّن م مل ْخَيُر ُج وا عن مجهوِر اُألَّم ِة يف‬

‫َألَّن ٱلَقاِعَد َة ٱلرَّش ِع َّيَة َح ِد يُث ٱلَّنِّيِب َص ىَّل ُهللا َعَليِه َو َس َمَّل ‪َ(( :‬ال َط اَعَة ِلَم ْخ ُلوٍق يِف َمْع ِص يِة ٱْلَخ اِلِق )) َر َو اُه ٱ َم اُم َأَمْحُد يِف ُم سَنِدِه ‪.‬‬ ‫‪148‬‬

‫ِإل‬
‫َو ُيَع اِف ُهَيْم ِم ْن ُم َخ اَلَفاِت َأْمِر ِه ‪.‬‬ ‫‪149‬‬
‫ِت ِت‬ ‫ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِذ‬ ‫ِت ِد‬
‫االع ق ا احلِّق ‪ ،‬أم ا الَّش َر ا ُم املفِرت َقُة عنُه م إىل اثن تِني وَس بعَني رق ًة َفهذ خ الَف اع ق اَد‬
‫الَّص حابِة‪ ،‬ويع ين بالش ذوِذ اخلروَج عِن اإلمجاِع يف املساِئِل االجتهاِدي ِة ال يت اجتهَد فيها‬
‫أهُل االجتهاِد ‪ ،150‬وباخلالِف خمالَفَة َمْن خالَف ذلَك بِف راِقِه ْم ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنِح ُّب َأْه َل الَع ْد ِل َو اَألَم اَن ِة َو ُنبِغُض َأْه َل الَج ْو ِر‬
‫والِخ َياَنِة‪.‬‬
‫ِة اخلروِج عِن اإلمجاِع ‪ ،‬وأراَد املؤِّل ُف بأهِل العدِل‬
‫الشرُح ‪ :‬هذا ُيَؤ ِّك ُد َتَض ُّم َن ُحْر َم‬
‫ِر ِخل ِة‬ ‫ِر‬ ‫ِة‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬
‫واألمان أهَل الُّس َّن املتمِّس َنْي بالعد ْن ُو ال اُألمو ‪ ،‬وأراَد بأهِل اَجلْو وا يان أهَل‬
‫اِخلالِف والِعْص ياِن ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنُقوُل اُهلل َأْع َلُم ِفيَم ا اْش َتَبَه َعَلْيَنا ِع ْلُم ُه‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن الشىَء الذي ال َنْع َلُم ُه نقوُل ِإَّننا ُنَف ِّو ُض في ِه الِعْلَم إىل اِهلل‪ ،‬واملعىن أَّن‬
‫اإلنساَن َقد َيَتَش َّك ُك عن َد ما َيشتِبُه علي ِه األم ُر ‪ ،‬فِعْنَد ِئٍذ َيْلَج ُأ إىل التْف ِو يِض إىل اِهلل وَيعتِق ُد‬
‫احلِّق َّيَة يف ُك ِّل ما َثَبَت عِن اِهلل وعْن َر سوِلِه َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪ ،‬وَيع ِر ُف َيِق يًن ا أَّن عقوَل‬
‫ِة‬ ‫ِحل‬ ‫ِة‬ ‫ِحل‬ ‫ِص‬
‫اخلل ِق قا َر ٌة عن ا َك ِم البش ري فَك ي َف ُت دِر ُك مجي َع ا َك ِم الُّر ُبوِبَّي ‪ ،‬كاَن أم ُري املؤم نَني‬
‫علُّي ابُن أيب طالٍب َر ِض َي اُهلل عن ُه يقوُل ‪" :‬يا َأُّيها الناُس اِهَّتُم وا ءاراَءُك ْم ‪ ،‬وأْح ِس ُنوا الَّظَّن‬
‫برسوِل اِهلل فيما ُيْر َو ى لُك ْم عنه"‪.‬‬
‫َيْع ىِن ِإذا َبَلَغُك م شىء َعِن الَّر ُس ول َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم وَل ْو كاَن ال ُيواِف ُق َر ْأَيُك م‬
‫ِئ ِجَي‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِل‬ ‫ِهَّت‬
‫ا ُم وا َر ْأَيُك م َو َس ِّلُم وا َر ُس و اهلل َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪َ ،‬و دا ًم ا ُب َعَلْين ا َأْن َحُنِّس َن‬
‫الَّظّن ‪َ ،‬يْع ىِن َأْن َنُظَّن َظًّنا َح َس ًنا ِفيما َثَبَت َعِن الَّر ُس ول علي ِه الَّص الُة والَّس الُم‪َ ،‬و َأْم ُر الِّديِن‬
‫ال ُيْبىَن َعَلى الرأي ِإَّنـما ُيْبىَن َعَلى االّتباع‪ ،‬لذِلَك سِّيُد نا َعِل قال‪َ" :‬لْو َك اَن الِّديُن ِب الَّر ْأِي‬
‫ّي‬
‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ْحَي ُر ُم ْلُخ ُر وُج َعْن َمْجاِع ْلُم جِهَتِد يَن ‪َ ،‬و ال َينَع ِق ُد َمْجاٌع َعىَل ِخ َال ِف َمْجاٍع‪َ ،‬ف َذ ا نَع َق َد َمْجاُع يِف َعِرْص لَّص َح اَبِة َعىَل ُح ٍمْك ِم َن‬ ‫‪150‬‬

‫ِإل‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬


‫ٱَألْح اَك ِم ٱلَفْر ِع َّيِة َح ُر َم َعىَل َمْن َبعَد مُه َأْن َخُياِلُفومُه ِبٱِالجَهِتاِد ‪َ ،‬أْهُل ٱ َمْجاِع ُمُه ٱلُع َلَم اُء اذليَن َلُهم َأْه ِلَّي ٌة يِف ٱسِتْخ َر اِج ٱَألْح اَك ِم ِم َن ٱلِكَت اِب‬
‫ِإل‬ ‫َو ٱلُّس َّنِة ‪.‬‬
‫َلَك اَن َأْس َف اُخْلِّف َأْو ىَل ِبالـَمْس ِح ِم ْن َأْع اَل ُه‪َ ،‬و َق ْد َر َأْيُت َر ُس وَل اِهلل َيـْم ُح َعَلى َظ اِه ِر‬
‫َس‬ ‫ُل‬
‫ُخ َّف ْيِه" السنن الكربى‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنَر ى الَم سَح َعَلى الُخ َّف ْيِن ِفي الَّس َف ِر َو الَح َض ِر كما‬
‫َج اَء في اَألَثِر ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬ال خُم اِلَف يف هِذِه املسَئَلِة بَني الَّص حابِة َو ال َمْن َبْع َد ُه م ِم ْن َأْه ِل احلِّق ‪،‬‬
‫ع‬ ‫م‬ ‫ى ِم احملِّد ِث يف َّلف اِهِت‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫َف ِد يُث امل ِح لى ا َّف ِنْي َت واِت‬
‫ْن‬ ‫َؤ‬ ‫ُم‬ ‫َني‬ ‫َن‬ ‫َص‬ ‫ْحُي‬ ‫َدٌد‬ ‫َع‬ ‫ُه‬ ‫ْس َع ُخل ُم ٌر َرَو‬ ‫َح‬
‫َس ْبِعَني ِم ْن َأْص حاِب رُس وِل اِهلل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪.‬‬

‫ِلِم‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِض ِن‬ ‫ِج‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و الَح ُّج وال هاُد َم ا َيا َم َع ُأو ي اَألمِر َن الُمْس يَن‬
‫َبِّر ِه ْم َو َفاِج ِر ِه ْم إلى قياِم الَّس اَعِة ال ُيْبِط ُلُه َم ا َش ىٌء َو ال َينُقُضُه ما‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِج‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ُه جيُب اجلهاُد م َع اإلم اِم الَبِّر والف ا ِر ‪ ،‬فإذا اْس َتْنَف َر اِإل م اُم املسل َني‬
‫للجهاِد وجَب عليِه ْم طاعُته إْن كاَن َبًّر ا وإْن كاَن فاِج ًر ا واملراُد جهاُد الكفاِر ‪ ،‬وكذلك‬
‫ُيطاُع للَح ِّج أْي ُيْق َتَد ى ب ِه وال ُيَتَم َّر ُد علي ِه ألنه أْد َر ى مبصلَح ِة العباداِت كَم ا هو َأْد َر ى‬
‫مبصلحِة اجلهاِد أْي ِقتاِل الُك ّف اِر ‪.151‬‬
‫كان ُيوَج د َر ُج ل ِم ْن َأْه ِل ا ِد يَنة وما زاَل هذا الَّر ُج ل َم وُج وًدا‪َ ،‬تَر َك ا ِد يَن َة املَنَّو َر ة‪،‬‬
‫َمل‬ ‫ِخ‬ ‫َمل‬ ‫ِهِب‬
‫ِّل‬
‫َو َخُت ُص‬ ‫ِّدين‬ ‫ال‬ ‫ِّل‬
‫ُتَع ُم‬ ‫يت‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ِر‬‫املدا‬ ‫يِف‬ ‫م‬ ‫َمَحَل َأْه َل ُه َو ج اَء م ِإىَل لبن ان َألْج ْن ُي ْد َلُه‬
‫َأ‬ ‫ِل‬
‫شىء َأنا ُأَك ِّل الشيخ َد اهلل بَأ الِد‬ ‫َن‬ ‫كا‬ ‫نا‪،‬‬ ‫اَأل الد ِم الُك ُف ر ِه داِر ْمَجِعَّيِت‬
‫ْو‬ ‫َعْب‬ ‫ُم‬ ‫َل‬ ‫َحَص‬ ‫َو َي َم ُس‬ ‫ْو َن‬
‫هذا الَّر ُج ل‪ ،‬فقال الشيخ َعْبُد اهلل‪ :‬هذا الَّر ُج ل َو َأْه ُلُه ِم ثُل اْلُم هاِج ِر ين‪ ،‬ألهنم َتَر ُك وا ا ِد يَن َة‬
‫َمل‬
‫املَنَّو َر ة ال يت ِه ُبْق َع ة ُك ُّل ُمْس ِلٍم ِحُي ُّب َأْن َي ْذ َه َب ِإَلْيها َو َأْن ْمَيُك َث ِفيها‪َ ،‬ت ُك وها َألْج ِل‬
‫َر‬ ‫َي‬
‫ِح ْف ِظ ال ِّدين‪َ ،‬و ُه َو لي ِم ْن َأْه ِل الّث راء الف اِح ش‪َ ،‬و َض َعُه م َح ىّت َخَتَّر ُج وا ِم ْن َم داِر ِس‬
‫َس‬
‫اهلل‪" :‬اِهل ُة كانت ِإىَل ا ِديَن ِة‬
‫ْج‬ ‫ُه‬‫َمِح‬ ‫َر‬ ‫َل‬ ‫قا‬ ‫ين‪.‬‬ ‫اَجلْم ِعّية‪ ،‬فقاَل الشيخ‪ :‬هؤالِء ِم ث اْلُم هاِج ِر‬
‫َمل‬ ‫َر‬ ‫ُل‬
‫َأَّم ا َلْو َأَم َر ِبِقَتاِل َط اِئَفٍة ِم َن ٱْلُمْس ِلِم َني ِبَغِري َحٍّق َفال ُيَط اُع‪.‬‬ ‫‪151‬‬
‫املَنَّو َر ة‪ ،‬اآلن الِعْلُم يِف ُلبن ان‪َ ،‬ف اِهلْج َر ُة ِإىَل ُلبن ان" اهـ‪َ .‬ألَّن َبْعَض الّن اِس ُيهاِج روَن ِإىَل‬
‫َأمريكا‪ُ ،‬يهاِج روَن ِإىَل سويسرا‪ُ ،‬يهاِج روَن ِإىَل َفَر ْنسا‪َ ،‬عْن َأِّي شىٍء َيْبَح ُثوَن يِف ِه ْج َر ِهِتم‬
‫هذه؟ َيْبَح ُث وَن َعْن َأْم ِر اآلِخ َر ة‪َ ،‬عْن َأْم ِر ال ِّدين؟ ال‪َ ،‬ب ْل َألَّن َك ِث ًريا ِم َن الّن اس صاَر ت‬
‫َتُغ ُّر ُه م ُأُم وُر الّر احات‪َ ،‬لّم ا هاَج َر الَّر ُس ول ِم ْن َم ّك ة ِإىَل املِد يَن ة‪َ ،‬بعُض َأْص حاِبِه ُص َهْيب‬
‫َر ِض َي اُهلل َعْن ُه َلّم ا َأراَد اِهلْج َر ة‪ ،‬كاَن َل ُه م ال َك ِث ري‪ ،‬املْش ِر ُك ون َم َنُع وُه َأْن ُيهاِج َر ِإال َأْن‬
‫َيْتُر َك ماَلُه‪َ ،‬فَتَر َك ُك َّل ماِلِه َو هاَج َر َأِلْج ِل َأْم ِر الِّدين َو ِحَلَق ِبَر سوِل اِهلل َو َعَلْي ِه َقِم يُصُه الذي‬
‫َعَلى َج َس ِدِه ُمَتَو ِّك اًل َعَلى اِهلل‪ ،‬ال ّر اِز ُق ُه َو اهلل‪ ،‬اخلاِلُق ُه َو اهلل‪ ،‬الّض اُّر الّن اِفُع ُه َو اهلل‬
‫س ْبحاَنُه َو َتع اىل‪ .‬اآلن ِإذا َش ْخ ص ِمَس ُع ِبُك م ُه ن ا َأْو ِبَش ْخ ٍص َيِعيُش يِف ُأوروب ا ُيِر ي ُد‬
‫الَّذ هاب ِإىَل لبنان َيقوُل ُهَلم‪ :‬ماذا َتْف َع ُل يِف ُلبنان؟ الُّز باَلة يِف الُّطُر قات‪ ،‬ال ُيوَج د َك ْه ُر باء‪،‬‬
‫ُيوَج د َم شاِكل‪ُ ،‬يوَج د َقالِق ل‪َ ،‬تْتُر ُك هذه الِبالد َو َتْذ َه ب ِإىَل ِلبنان؟ ُقولوا َلُه‪ :‬الشيخ َعْب ُد‬
‫اهلل قال‪َ" :‬قليُل الَبالء َقليُل اَحلّظ " ُه ناك َبالء َك ثري‪.‬‬
‫كاَن َرُج ل ِم َن الص احِل ني اُمْسُه َعْب ُد الواِح د بُن َز ْي د َر ِض َي اُهلل َعْن ُه َأصاَبُه فاِلج‪،‬‬
‫َيَتَعّط ل ج زء ِم َن اِجلسم‪ِ ،‬ر جُل ُه ال َتَتَح َّر ك‪َ ،‬ي ُد ُه ال َتَتَح َّر ك‪َ ،‬و ُه َو ِم َن اَألْو ِلي اء‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِل‬ ‫ِه‬
‫"اللهَّم َأْذ ب َعيِّن الفا َج َو ْقَت الَّطهاَر والصالة" ما قال‪ :‬اللهم َأْذ ْبُه َعيِّن باَملَّر ة‪َ ،‬فصاَر‬
‫ِإذا جاَء َو ْقُت الصالِة َيْذ َه ب الفاِلج‪َ ،‬يَتَو َّض أ‪ُ ،‬يَص ِّلي َّمُث َيُع وُد ِإَلْي ِه الفاِلج‪ ،‬ملاذا قاَل هذا؟‬
‫ألنه َيْع َلم َأَّن الَّص ْبَر َعَلى الَبالِء َدَرَج ٌة َعِظ يَم ٌة ِعْنَد اهلل‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنْؤ ِم ُن ِب الكَر اِم الَك اِتبيَن َف إَّن اَهلل َق ْد َجَعَلُه ْم َعَلينا‬
‫َح اِفِظ يَن ‪.152‬‬
‫الشر ‪ :‬الِك را الكاِت وَن ه املالِئكُة الذي َأم ا َتعاىل ِبِكتا ِة َأ ماِل العباِد‬
‫َب ْع‬ ‫َن َر ُه ُم ُهلل‬ ‫ُب ُم‬ ‫ُم‬ ‫ُح‬
‫َفَيُكوُن َٰذَكِل‬ ‫َثَبَت يِف ٱلَّنَقِةَل َأَّن ٱْلَح َفَظ َة َذ ا َص ِع ُد وا ُيَقاِبُلوَن َم ا َكَتُبوا يِف ٱلَّلْو ِح ٱْلَم حُفوِظ َو ال ُيَز اُد َو ال ُينَقُص َّمَعا يِف ٱلَّلْو ِح ٱْلَم ْح ُفوِظ‬ ‫‪152‬‬

‫ٱلَّرُّش اِح ىَل‬ ‫ِإ‬


‫ِم ْن َء ااَي ِت اْلِع ِمْل ٱَألَز ِّيِل َعَلِهيم‪َّ ،‬مُث ُيثَبُت َم ا ِف يِه ٱلَّثَو اُب َو ٱلِع َق اُب َو ُيْمَح ى َم ا َليَس ِف ي ِه َث َو اٌب َو ال ِع َق اٌب ‪َ ،‬و َق ْد َذ َه َب َبعُض‬
‫ِإ‬ ‫َتفِس ِري َقوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬يْم ُح و ُهللا َم ا َيَش اء َو ُيْثِب ُت َو ِع نَد ُه ُأُّم اْلِكَتاِب ﴾ [ُس وَر َة لَّر ْعِد ‪َ ]39 :‬ألَّن ٱْلُم راَد ِب ِه َيْم ُح و َم ا ُكِتَب ِم ْن َأَمْع اِل‬
‫ٱ‬
‫َبيِن َء اَد َم َم ا‬
‫ِس َو ى ٱْلَح َس َناِت َو ٱلَّس ِيَئاِت ‪َ ،‬و يِف ٱآلَيِة َتْف ِس ٌري َغُري َه َذ ا َر َّجَح ُه ٱلَّش اِفِع ُّي َو َغُرْي ُه َو ُه َو َأَهَّنا ٱلَّناُخِس َو ٱْلَم ْنُس وُخ ‪.‬‬
‫فإَّن اَهلل َج عَلُه م علين ا حافظَني ‪ ،‬ق اَل تع اىل ﴿َو ِإَّن َعَلْيُك ْم َحَلاِفِظ َني (‪ِ )10‬كَر اًم ا َك اِتِبَني (‬
‫‪َ )11‬يْع َلُم وَن َم ا َتْف َعُلوَن (‪ ﴾)12‬سورة االنفطار‪.‬‬

‫ُه ْم َيكُتبوَن ما َنُق ول َو ما َنْف َع ل َو ما َنْع ِق ُد يِف ُقُلوِبنا‪ ،‬اُهلل تعاىل ُيْلِه ُم ُه م ماذا اْع َتَق َد‬
‫ِت ِق‬ ‫ِق‬ ‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫يِف ِبِه‬
‫هذا اِإل نسان َقْل َفُيَس ِّج ُلوَن ذ ك‪ ،‬اللذا َيْك ُتبا اَألْع مال َر يب َو َع يد‪َ ،‬ر يب َيْك ُتُب‬
‫ِت‬ ‫ِق‬ ‫ِت ِت‬
‫اَحلَس نا َو َع ي د َيْك ُتُب الَّس ِّيئات‪َ ،‬و ِإّم ا َر يب َو ِإّم ا َع ي د َيْك ُتُب اْلُم باحات‪ ،‬اْلُم باحاُت‬
‫ْمُتَح ى َو َتْبَق ى اَحلَس نات والسيئات اليت ْمَل َيُتْب ِم ْنها الَّش ْخ ص‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنْؤ ِم ُن ِبَم َلِك الموِت الُم َو َّك ِل ِبَق بِض َأرَو اِح الَعاَلميَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬الع اَلُم وَن ُه ُم اِإل ْنُس واِجلُّن ‪ ،‬ومَل ُك املوِت املراُد ب ِه َعْز رائي ُل‪ ،‬وِعن َد‬
‫‪153‬‬

‫عِض ِه م رائي وأعواُن ‪ ،‬ق ْد جا إ نا الَّت يِّف إىل املالئكِة ِبلف ِظ اجلمِع وجا بلف ِظ‬
‫َء‬ ‫َء ْس ُد َو‬ ‫ُه َو‬ ‫َعْز ُل‬ ‫َب‬
‫ِب‬ ‫ِد‬ ‫ِد ِف‬
‫اإلفرا ‪َ ،‬ف ي املوضِع ال ذي ج اَء الَّلف ُظ ب اإلفرا َيكوُن املع ىن أَّن ال ذي َيْق ُض اَألرواَح‬
‫و‬ ‫م‬ ‫َن‬ ‫يكونو‬ ‫الذي‬ ‫مباشرًة ه زراِئي ‪َّ 154‬مُث ستِل من اَأل وا غ م املالئكِة‬
‫ْم‬ ‫ُه‬ ‫َعَه‬ ‫َن‬ ‫َي ُم ُه ْر َح ُريُه َن‬ ‫َو َع ُل‬
‫ِبِص ِة‬ ‫ٍب‬ ‫ٍة‬ ‫ِق ِن‬
‫سما مالئكُة َر َمْح ومالئكُة َع ذا ‪َ ،‬و حْيُث ج اَء يغ اَجلمِع َف املراُد َعزرائي ُل‬
‫وأعواُنُه‪ ،‬ألَّن كاًّل منُه م لُه َدَخ ٌل يف َقْبِض األرواِح ‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫الدرس‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و بعذاِب القبِر ِلَم ْن َك اَن َلُه َأهاًل ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ِ :‬جي ُب اإلمياُن ِبَع ذاِب الَق ِرب ِللكف اِر وأْه ِل الَك ب ائِر إِاّل َمْن رَمحُه اُهلل تع اىل‬
‫ِم نُه م أْي ِم ْن َأْه ِل الَك بائِر ‪ ،‬وِم ْن أْك ِرب أْس باِبِه َترُك االْس ِتْنَز اِه مَن الَبْو ِل والِغيبُة والَّنميمُة‪.‬‬

‫َم عَناُه َأَّن َم َكَل ٱْلَمْو ِت َو َلَّكُه ُهللا ِبَقْبِض َأرَو اِح ٱلَع اَلِم َني َقال َتَع اىَل ‪ُ﴿ :‬قْل َيَتَو َّفامُك َّم ُكَل اْلَم ْو ِت اِذَّل ي ُو َلِّك ِبْمُك َّمُث ىَل َر ِّبْمُك ُتْر َجُع وَن (‬ ‫‪153‬‬

‫ِإ‬ ‫[ُس وَر َة ٱلَّس ْج َد ِة ‪]11 :‬‬


‫‪﴾ )11‬‬

‫َتسِم َيُة َم ِكَل ٱْلَمْو ِت َع ْز َر اِئيُل َو َر َد ِف يِه َح ِد يٌث َر َو اُه ٱلَبَهْيِقُّي يِف ِكَتاِب "ٱلَبْع ِث " َو ٱلَّط َرَب اُّيِن يِف "ٱلِّط َو الاِت “‪.‬‬ ‫‪154‬‬
‫ِن‬ ‫ِم‬
‫َو ُه نا قاَل الشيُخ َر َمِحُه اهلل‪َ" ،‬أْي ْن أْه ِل الَك بائِر " َألَّن اَهلل تعاىل َو َع َد الذي ْجَيَت ُب‬
‫الَك باِئر َأْن َيْغِف َر َلُه الَّص غاِئر‪َ ،‬م عناُه ال ُيَعَّذ ب ِإْن كاَن َجَتَّنَب الكباِئر‪.‬‬
‫قاَل َتعاىل ﴿اَّلِذ يَن ْجَيَتِنُبوَن َك َباِئَر اِإلِمْث َو الَف َو اِح َش ِإال اللَمَم ِإَّن َر َّبَك َو اِس ُع ا ْغِف َر ِة (‬
‫َمل‬
‫‪ ﴾)32‬س ورة النجم‪َ .‬و ال َّد ِليُل على ُو ُج وِد َع ذاِب الَق ِرب قوُل ُه‪ :‬تع اىل ﴿الَّن اُر ُيْع َر ُض وَن‬
‫َعَلْيَه ا ُغ ُد ًّو ا َو َعِش ًّيا َو َيْو َم َتُق وُم الَّس اَعُة َأْد ِخ ُل وا آَل ِفْر َع ْو َن َأَش َّد الَع َذ اِب (‪ ﴾)46‬س ورة‬
‫غافر‪َ ،‬أحاِد يُث مْنها قوُل ه‪ :‬علي ِه الَّس الُم‪(( :‬إْس َتْنـِز ُه وا ِم الَبْو ِل َف ِإَّن عاَّم َة َع ذاِب الَق ِرْب‬
‫َن‬ ‫َو‬
‫ِم ْنه)) رواُه الَّداَر ُقْطُّيِن‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُس َؤ اِل ُمنَك ٍر َو َنِكيٍر في َقبِر ِه َعْن َر ّبِه َو ِد يِنِه وَنِبِّي ِه َعَلى‬
‫وِل اِهلل لى ا َعَلي ِه َّل َعِن الَّص حابِة ِر ْض اُن اِهلل‬ ‫ِه‬
‫َو‬ ‫َو َس َم َو‬ ‫َص ُهلل‬ ‫َم ا َج اَءْت ِب اَألْخ َباُر َعْن َرُس‬
‫َعَلْيِه م‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أ وُن ؤِم ب ذلَك أي ا‪ ،155‬والسؤاُل للب الِغ املكَّلِف من هذِه اُألَّم ِة‬
‫َني‬ ‫َني‬ ‫ًض‬ ‫ُن‬ ‫ُح ْي‬
‫فقْط ‪ ،‬وُيسَتْثىَن األنبياُء وشهداُء املعركِة واألطفاُل فإَّنُه م ال ُيسألوَن ‪ ،‬وال جَي ُب معرفُة‬
‫‪156‬‬

‫َك ْيِف َّي ِة الُّس ؤاِل ‪ ،‬لكْن جيُب اعتق اُد أَّن املِّيَت يع وُد إلي ِه عقُل ُه وإحساُس ُه بع وِد ال ُّر وِح إىل‬
‫اجلسِم ‪.157‬‬

‫َأْي ِجَي ُب ٱ ْيَم اُن ِبُس َؤ اِلِهَم ا ِلْلَم ِّي ِت َتْص ِد يًقا‪،‬‬ ‫‪155‬‬

‫ِإل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫َو َه َذ ا ُس َؤ اٌل ُألَّم ِة ُم َح َّم ٍد َفَقْط‪ُ ،‬ألَّم ِة َج اَبِة َو ُأَّم ِة َّدل ْع َو ِة ‪ُ ،‬أَّم ُة َج ابِة ُمُه اذليَن َّتَبُع وُه َأَّم ا ُأَّم ُة َّدل ْع َو ِة َفَيْش َم ُل اذليَن َّتَبُع وُه َو اذليَن‬ ‫‪156‬‬

‫ِإل‬ ‫ِإل‬ ‫َلْم َبَّتِب ُع وُه ‪.‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫ٱ َق اَل َبعُض ُهم‪ُ :‬هللا ْجَي َع ُل لُّش ُعٱوَر يِف َه ِذِه َألْر ِض ٱ‪َ ،‬و َألْج َز اء َّل يت َخ اَلَط ْت ُبُط وَن َألَمْس اِك َأِو لِّس َباِع َيُع وُد ِإ َلَهيا ٱلُّش ُع وُر َفَيْس َأُلُهُم‬ ‫‪157‬‬

‫ْلَم َلاَك ِن ‪َ ،‬و َقاَل َبعُض ُهم‪َّ :‬نـام ُيْس َأُل ْلَم ْقُبوُر َأَّم ا َم ا َأَلَكْتُه لِّس َباُع َفال ُيْس َأُل ‪َ ،‬أَّم ا اِب لِّنْس َبِة ِلْلَع َذ اِب َف الُّر وُح َتَتَع َّذ ُب َو َيِص ُل ْح َس اُس ىَل‬
‫ِإل ٱ ِإ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ ٱ‬ ‫ِإ‬ ‫ٱ‬
‫ٱَذ َّر اِت ْلَج َس ِد ِإ ال َأَّنُه يْب َقٱى َٰذَكِل لَع ْظ ُم لَّص ِغ ُري اذلي ٱُه َو َكَح َّب ِة ْلَخ ْر ٱَد ِل ‪َ ،‬و َأَّو ُل َم ا ْخُي َل ُق ِم ْن َع ْظ ِم ِإل نَس اِنٱ (يف بطِن ُأِّم ِه ) َٰذَكِل لَع ْظ ُم‬
‫لَّص ِغ ُري اذلي ُه َو َكَح َّبِة ْلَخ ْر َد ِل ‪َ ،‬عَلَهيا ُيَر َّكُب َس اِئُر لِع َظ اِم ‪َّ ،‬مُث َه ِذِه لِع َظ اُم ُتْك ىَس (ي وَم الَبْع ِث ) َلْح ًم ا يِف لَقِرب َلَّم ا َيْب ىَل ِم نُه ُّلُك ْىَش ٍء‬
‫َو ال َيبَقى ال َٰذَكِل ٱلَع ْظ ُم ‪ ،‬ٱلُّر وُح َبعَد َذ َكِل ال َعَالَق َة ُهَل ِب ٱلَقِرْب ‪ُ ،‬ر وُح ٱلَّتِقِّي َتْنَتِق ُل َك َذ َكِل ُر وُح َغِري ِه ‪َّ ،‬مُث َي وَم ٱلَّنفَخ ِة َتُع وُد ىَل َج َس ِد ها‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ٱْلَج ِد يِد َفَيْح ُرُش ها ُهللا ‪.‬‬
‫ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِنِه‬ ‫ِم‬
‫ُمْنَك ٌر َم ْع ن اُه ُخَموف َأْي ش ىٌء ْن ش ْأ خُي اُف ْن ُه‪َ ،‬و َن ري َم ْع ن اُه ُخَموف َأْي ش ىٌء‬
‫خُي اُف ِم ْن ُه‪ ،‬ليَس َم ْع ىَن ُمْنَك ر ُه ن ا م ا خُي اِلُف الّش ِر يَعة‪َ ،‬ألَّن َبْعَض َأْد ِعي اِء الِعْلم َزَعَم َأَّن ُه ال‬
‫ُيوَج ُد ُس ؤال يِف الَق ِرب َألَّن ُمْنَك ر َم ْع ناُه ما خاَلَف الشرع‪ ،‬هذا َغُري َص حيح‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬والَق ْبُر َر ْو َض ٌة ِم ْن ِر َي اِض الَج َّن ِة َأْو ُح ْف َر ٌة ِم ْن ُح َف ِر‬
‫النيران‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬قول ه‪" :‬روضٌة ِم رياِض ال َّن ِة" َلي املرا ب ِه أَّن الق ِص مث اجلَّن ِة‬
‫َرب َي ُري َل‬ ‫َس ُد‬ ‫َج‬ ‫ْن‬ ‫ُح‬
‫َس َو اًء‪ ،‬وكذلَك قوُل ه‪َ" :‬أْو ُح فرٌة مْن ُح َف ِر النيران" َم عن اُه أَّن في ِه َنَك ًد ا‪َ ،‬و الَّنَك ُد أن واٌع‬
‫كثريٌة‪ ،‬وهذا تشبيٌه جَم اِز ٌّي ‪ ،‬والتقدي ‪ :‬الق ُرب كروضٍة مْن ِر ياِض اجلن ِة أو َك ُح ْف ٍة مْن ُح َف ِر‬
‫َر‬ ‫ُر‬
‫الناِر ‪.‬‬
‫ق ال علي ه السالُم‪ِ(( :‬إَّنـَم ا الَق ُرب َر وَض ٌة ِم ن ِر َي اِض اَجلَّن ِة َأو ُح ف َر ٌة ِم ن ُح َف ِر الَّناِر ))‬
‫َر واُه الرِّت ِمِذ ي‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُن ؤِم ُن ِب الَبعِث َو َج َز اِء اَألْع َم اِل َيْو َم الِق َياَم ِة َو الَع ْر ِض‬
‫والِح َس اِب َو ِقَر اَءِة الِكَتاِب والَّثَو اِب والِعَق اِب والِّص راِط َو الِم يَز اِن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن ُه ِجي ُب اإلمياُن َمِبا ُذِك َر ألَّن ُك اًّل وَر َد ب ِه الَّنُّص الشرعُّي ‪ ،158‬والبعُث هو‬
‫َبعُث اِهلل تعاىل املوَتى ِم َن القبوِر ‪.‬‬
‫الذي َلى ُد ه َق ى ِم ْن ْظ ِغ يِف َأ َف ِل َظ ِرِه‪ُ ،‬ك ُّل إْنساٍن ِفي ِه‬
‫ْه‬ ‫َيْب َج َس َيْب ُه َع ٌم َص ٌري ْس‬ ‫الَّش ْخ ُص‬
‫هذا الَعْظم يسمى عجب الذنب‪َ ،‬عَلْيِه ُر ِّك َب َج َس ُد ابِن ءاَدم َو َعَلْيِه ُيعاُد َتْر ِكيُب ُه َبْع َد ِبَلى‬
‫اَجلَس د‪ُ ،‬ه َو َص ِغري ِبَقْد ِر َح َّبِة اَخلْر َدل‪َ ،‬ح َّبُة اَخلْر َدل ِبَقْد ِر ُر ْبِع ْمِسِس َم ٍة واِح َد ة‪َ ،‬م ْه ما َج َر ى‬
‫للَج َس د‪ ،‬هذا الَعْظُم ال َيْبَلى‪َ .‬أّم ا اَألنبي اء َفَأْج ساُدُه م ال َتْبَلى وال ُش َه داُء املعَر َك ة‪،‬‬

‫َه ِذِه ٱْلَم ذُكوَر اُت ِم َن ٱلَع َقاِئِد ٱلَّس ْم ِع َّيِة ٱَّليِت ال َيسَتِقُّل ٱْلَع ْقُل ِبَم ْع ِر َفَهِتا‪.‬‬ ‫‪158‬‬
‫َأْج ساُدُه م ال َتْبَلى‪ ،‬وَبْعُض اَألْو ِلي اء‪ ،‬ق ال َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪ِ(( :‬إَّن اَهلل َح َّر َم َعَلى‬
‫اَألْر ِض َأْن َتْأُك َل َأْج ساَد اَألْنبياء)) أبو داود‪َ .‬أّم ا الُّش َه داُء َفُعِلَم ذِل َك ِم َن اآلَيِة ﴿َأْح َي اء‬
‫ِعن َد َر ِهِّبْم ُيْر َز ُق وَن (‪ ﴾)169‬س ورة ءال عمران‪َ ،‬يْع يِن َأرواَحُه م ترزق‪َ ،‬أَّو ل م ا ُيْق َتُل وَن‬
‫ِم‬ ‫ِب‬ ‫ِع‬ ‫هِب ِإ‬
‫ُيْص َعُد ا ىَل اَجلَّنة‪ُ ،‬ر وح الّش هيد َت يُش يف اَجلَّنة َو َتَتَنَّعم ُه ن اك‪َ ،‬س َبِب َتَنُّع ها يِف اَجلّن‬
‫اَألَثر َيِص ُل ِإىَل اَجلَس د َفَيْبَق ى َطِر ًّيا َو ال َيْبَلى‪ ،‬والَّد ُم ْجَيِر ي يِف الُعروق َك َأَّنُه َح ّي ‪.‬‬
‫َأّم ا اَألْو ِلي اء َفَت واَتَر ذِل َك ‪َ ،‬ت واَتَر َأَّن بعض اَألْو لي اء ُفِتَح ت ُقب وُر ُه م َفُو ِج َد ت‬
‫َأْج ساُدُه م َك ما ِه َي ‪ .‬يِف ِدَم ش َق ُك ّن ا َم َع ش ْيِخ نا َر َمِحُه اهلل‪َ ،‬فَح َّد َث ُه الش يخ ُس َهْيل َأب و‬
‫ُس َلْيمان الَّز بي ِد ُّي الِّد َم ْش ِق ُّي ُتُوَيِّف َر َمِحُه اهلل‪ ،‬ق ال‪َ :‬ح َّد َثيِن املَو َّظ ُف يِف اَألْو ق اف اُمْسُه َعْب ُد‬
‫العال قال‪ :‬كاَن ُيوَج د َطريق ُتري ُد الّد ْو َلة َأْن َتْف َتَح ُه يَـُم ُّر هذا الطريق ِبَق ِرْب َأيب َعمرو بِن‬
‫الصالح الِّد َم ْش ِق ِّي الفقيِه العاِمِل الَو ِّيِل‪َ ،‬فَف َتُح وا َقْبَر هذا الَوّيِل الّصاِلح قال َفُو ِج َد َك ما ُه َو ‪،‬‬
‫الَك َف ُن كما ُه َو واَجلَس ُد كما ُه َو ‪ ،‬وكاَن َقْد َم َض ى َعَلى وفاِتِه َأْك َثُر ِم ْن مثان مائة َس َنة‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وجزاِء األعماِل " َم ْع ناُه ِجَي ُب اِإل مياُن ب َأَّن اِإل نساَن جُي اَز ى يِف داِر الَبقاِء َعَلى‬
‫َأْع ماِلِه يِف الُّد ْنيا َك ما قاَل تَعاىل‪َ﴿ :‬م اِلِك َيْو ِم الِّديِن (‪ ﴾)4‬سورة الفاحتة‪ ،‬أي َيوِم اَجلزاِء ‪،‬‬
‫َق ْد َّلِت ال َّدالِئ َأْن اإلمياَن واِج على الَّتْأبي ِد والكف حرا على التْأبي ِد ‪ ،‬و َّلِت‬
‫َد‬ ‫ٌم‬ ‫َر‬ ‫ٌب‬ ‫ُل‬ ‫َو َد‬
‫ال َّدالِئُل على َأَّن جزاَءمُه ا َيُك وُن على الَّتْأبي ِد ‪َ ،‬و ُج علِت احلي اُة ال ُّدنيا للَعمِل إىل املْو ِت ‪،‬‬
‫و ع املو للَّنْق ِل إىل اآلِخ رِة ال يت فيها ث وَن ي ا لل زاِء الِو فاِق (َأي لل زاِء‬
‫َج‬ ‫ُيْبَع مَج ًع َج‬ ‫ُج َل ُت‬
‫اْل واِف ق للَع ِل ) ول ْو كاَن وقوُع اجلزاِء املؤَّب ِد اْبِت دا يف الدْنيا َلَبَطَلِت اِملْح َن ُة عِن اختياٍر‬
‫ًء‬ ‫َم‬ ‫ُم‬
‫ِب‬ ‫ِة‬ ‫ِط‬
‫وكاَن اإلمياُن اْض رارًّيا باملعاين للعذا ‪ ،‬وق ْد قاَم الدليُل القطعُّي على أَّن اإلمياَن ال َينف ُع‬
‫عنَد ُمعاينِة البْأِس ‪.‬‬
‫ِع‬ ‫ِء‬ ‫ِة‬
‫وقوُل ُه‪َ" :‬ي وَم القيام " ألَّن ال ُّدنيا ال َتص ُلُح أْن تكوَن داَر اجلزا الع اِّم ألهنا ُج َلْت‬
‫داُر العمِل واآلِخ رُة ُج علْت داُر اجلزاِء ‪.‬‬
‫وقوُلُه‪" :‬والَعْر ِض " أِي العرِض على َأْس رِع احلاِس ِبَني ‪َ .‬و ليَس َم ْع ناُه َأَّنُه م ُيق اِبُلوَن‬
‫‪159‬‬

‫اهلل‪.‬‬
‫وقوُل ُه‪" :‬وقراءِة الكتاِب " أْي ُيْع َر ُض كتاُب املرِء يوَم القيام ِة الذي َك َتَبْت ُه املالئكُة‬
‫فُيقاُل لُه اقرْأ كتاَبَك ‪ ،‬فَيَر ى فيِه أعماَلُه‪.160‬‬
‫املْؤ ِم ُن َو َلْو كاَن فاِس ًق ا َسَيْأُخ ُذ ِكتَاُه ِبَيِم يِنِه َو ُك ُّل َأْع ماِلِه َس َتُك وُن مسطوَر ة َو َس رَي اها‪،‬‬
‫َأّم ا الكاِفُر َفِبَيساِرِه ِم ْن وراَء َظْه ِرِه‪.‬‬
‫ِء‬
‫وقوُل ُه‪" :‬والّث واِب والِعقاِب " فق ْد َتَض َّم َن معن اُه قوَل ُه‪" :‬وجزا األعماِل " وُأعي َد‬
‫تْأكيًد ا وُمباَلغًة‪.‬‬
‫وأما قوُلُه‪" :‬والِّص راِط " فِلَق ْو ِلِه َتع اىَل ‪َ﴿ :‬و ِإْن ِم ْنُك ْم ِإال َو اِر ُدَه ا (‪ ﴾)71‬سورة مرمي‪،‬‬
‫وِل ا َثَبَت عْن رس وِل اِهلل أن ُه ُيْض ُب الِّص راُط َعلى َم ِنْت َجَه َّن ‪ ،‬وَق ِد اْخ ُتِل َف يف تفسِري‬
‫َم‬ ‫َر‬ ‫َم‬
‫ال روِد ‪ ،‬والصوا أَّن ال روَد على وج ِني ‪ :‬و وُد دخوٍل و روُد ُعبوٍر ‪ ،‬ف وُد الُّدخوِل‬
‫ُوُر‬ ‫ُو‬ ‫ُر‬ ‫َه‬ ‫ُو‬ ‫ُب‬ ‫ُو‬
‫للُك َّف اِر ولبْع ِض ُعصاِة املسِلِم َني ‪ ،‬وُو روُد الُعبوِر لألتقياِء ‪.‬‬
‫وال ُو روُد بالِّنْس َبِة للُمْس ِلِم َني ُس ْر َعُتُه َعَلى َح َس ِب الَعَم ل‪ِ ،‬م ْنُه م كالِّر يِح املْر َس َلة‬
‫ِم م كا ل امل ِر ة ِم م كال ق‪َ ،‬لى ِب ال ل كوُن ال رود‪َ .‬ق اَل َلي ِه‬
‫َع‬ ‫ُو‬ ‫رَب َع َح َس َعَم َي‬ ‫َو ْنُه َخلْي ْس َع َو ْنُه‬
‫الَّص الُة َو الَّس الُم‪َ(( :‬ألـم َتَر وا ِإىل الرَب ِق َك ي َف َيـُم ُّر َو َيرِج ُع يِف َطرَفِة عني َّمُث َك َم ِّر ال ِّر يِح َّمُث‬
‫َك َم ِّر الَّطِري َو َش ِّد الِّر َج اِل جَت ِر ي ِهِبم َأعَم اُهُلم َو َنِبُّيُك م َق اِئٌم َعَلى الِّص َر اِط َيُق وُل َر ِّب َس ِّلم‬
‫َس ِّلم)) رواه مسلم‪.‬‬
‫وَأَّم ا اإلمياُن ِب امليزاِن وال َو ْز ِن فلقوِلِه تَع اىل‪َ﴿ :‬و َنَض ُع ا َو اِز يَن الِق ْس َط ِلَيْو ِم الِق َياَم ِة (‬
‫َمل‬
‫‪ ﴾)47‬سورة األنبياء‪،‬ولَألْخ باِر الواِر َدِة يف ذلَك ‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫اُهلل ال ْخَيَف ى َعَلْي ِه ش ىء‪ ،‬هذا اِمليزان ِإل ْظهاِر الَع ْد ل‪َ ،‬أّم ا اهلل َفَيْع َلُم ُك َّل ش ىء‪،‬‬
‫ٱ‬
‫َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُعِر ُض وا َعىَل َر ِّبَك َص ًّفا َّلَقْد ِج ْئُتُم واَن اَمَك َخ َلْقَن اْمُك َأَّو َل َم َّر ٍة ﴾ [ُس وَر َة ْلَكْه ِف ‪َ ]48 :‬و َق اَل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬ي ْو َم َيُق وُم الَّن اُس ِل َر ِّب‬ ‫‪159‬‬

‫[ُس وَر َة ٱْلُم َط ِّفِفَني ‪]6 :‬‬


‫اْلَع اَلِم َني ﴾‬
‫َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َّلُك ٱ نَس اٍن َأْلَز ْمَناُه َط آِئَر ُه يِف ُع ُنِقِه َو ْخُن ِر ُج ُهَل َيْو َم اْلِقَياَم ِة ِك َتااًب َيْلَقاُه َم نُش وًر ا ( ‪ )13‬اْقَر ْأ َكَتاَبَك َكَفى ِبَنْف ِس َك اْلَيْو َم‬ ‫‪160‬‬

‫[ُس وَر َة ِإ َرْس اِء ‪]14-13 :‬‬


‫ِإل‬ ‫َعَلْي َك َح ِس يًبا (‪﴾)14‬‬
‫واَألْع ماُل ليَس ت َأْج راًم ا‪ ،‬ال ذي ُي وَز ُن ق اَل َبْعُض الُعلماء‪َ :‬ص حاِئف اَألْع مال ِه اليِت‬
‫َي‬
‫ُتوَز ُن ‪ ،‬وقاَل َبْعُض الُعلماء‪ :‬اُهلل ْخَيُلُق ِم ْن هذه اَألْع مال َأْج راًم ا َفُتوَز ُن هذه اَألْج رام‪.‬‬
‫الكاِفر ليَس َل ُه َح َس نات‪َ ،‬ل ُه َس ِّيئات فق ط‪ ،‬املؤِم ُن ال ذي ِعْن َد ُه َح سنات َو َس ِّيئات‬
‫ُتوَز ُن َح َس ناُتُه َو ُتوَز ُن سِّيئاُتُه‪ِ ،‬فِإذا َغَلَبت اَحلَس ناُت َعَلى السِّيئاِت َيْد ُخ ُل اَجلَّن َة ِبال َع ذاب‪،‬‬
‫َو ِإذا َغَلَبت السِّيئاُت َي ْد ُخ ُل الّن اَر ِإْن ش اَء اُهلل َتع اىل َو ِإْن ش اَء َعَف ا َعْن ُه‪َ ،‬و ِإْن َتساَو ت‬
‫اَحلَس ناُت َمَع السِّيئاِت يدُخ ل اَجلَّنَة ِبَر َمْحِة اِهلل َتعاىل َلِكْن ال َيكوُن َمَع اَألَّو ِلني‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و الَج َّنُة والَّناُر َمْخ ُلوَقَتاِن ال َتفَنَياِن أَبًد ا وال َتبيَد اِن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ُ :‬يْف َه ُم ِم ْن كالِم ِه هذا َض الُل َمْن ق اَل ِبَف ن اِء اجلَّن ِة والّن اِر وُه ُم اَجلْه ِم َّي ُة‪،‬‬
‫وكذلَك َمْن قاَل ِبَف ناِء َج هَّنَم وُه و ابُن تيميَة‪ ،‬وِكال الفريَق ِني كاِفٌر ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬وِإَّن اَهلل َتَعالى َخ َلَق الَج َّنَة َو الَّناَر َقبَل الَخ ْلِق ‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أن جي أْن ُن ؤم ب أَّن اجلن َة والّن ا ِلَق َت ا َقب ال َش ِر و املرادوَن بقوِلِه‬
‫ُه ُم‬ ‫َل َب‬ ‫َر ُخ‬ ‫َن‬ ‫ُح ُه ُب‬
‫"قبَل الَخ ْلِق " أْي قبَل الَبَش ِر ‪ ،‬وليَس معناُه قبَل ُك ِّل شىٍء َخ َلَق اُهلل اجلنَة والناَر ‪.162‬‬

‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َخ َل َق َلُه َم ا َأْه اًل َفَم ْن َش اَء ْنُه ْم إلى الَج َّن ِة َفْض اًل ْن ُه‬
‫َو َمْن َش اَء ِم ْنُه م إلى الَّناِر َعداًل ِم ْنُه َو ُك ٌّل َيْع َم ُل ِلَم ا َقْد ُفِر َغ َلُه َو َص اِئٌر إلى َم ا ُخ ِلَق َلُه‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أَّن ِجي اإلمياُن بَأَّن ا َل لل ن ِة والّن اِر َأهاًل ‪ ،‬ف أدخَل اجلن َة ف َف ضِلِه‬
‫َب‬ ‫ُه‬ ‫َم ْن‬ ‫َهلل َخ َق َج‬ ‫ُح ُه ُب‬

‫َبْع ُض ٱْلُع َلَم اِء َلْم َيَتَع َّر ْض ِلَبَياِن َكيِفَّيِة ٱلَو ْز ِن ‪َ ،‬و ِم ُهنْم َمْن َتَع َّر َض ٰذِل َكِل ِبَأَّن اْلُمْو َز َن ٱْلَع َم ُل ‪ِ ،‬م ُهْنم َمْن َقاَل ‪ :‬ٱْلُم ْو َز ُن ٱلَّص َح اِئُف ‪َ ،‬و َيكِفي‬ ‫‪161‬‬

‫ِل ْيَم اِن ِبٰذ َكِل ٱالعِتَقاُد َحِبِّقَّيِة ٱْلُمَر اِد ِبِه ِبُد ُو ِن َم عِر َفِة ٱلَّتَفاِص يِل ‪.‬‬
‫ِإل‬

‫ُهللا َتَع اىَل َجَع َلَه ا َد اَر َأْعَد اِئ ِه ‪َ ،‬د اُر الُكَّف اِر َخ بِيَث ٌة ‪ُ ،‬جَي وُز َأْن ُيَق اَل َهَجُمَّن َخِب يَث ٌة ‪َّ ،‬نـام اذلي ال ُجَي وُز َأْن ُيَق اَل َعَذ اُب َهَجَمَّن َه ٌنِّي َليَس‬ ‫‪162‬‬

‫ِإ‬
‫َص ْع ًبا‪َ ،‬ه َذ ا اَك ِف ٌر َكْي َف َيسَتِقُّل ِبَأْمِر َها َو َقْد َقاَل ُهللا َتَع اىَل خَباًر ا َعْن َعَذ اَهِبا‪ُ﴿ :‬ق ْل َأَر َأْيْمُت ْن َأْه َلَكَيِن ُهللا َو َم ن َّم ِع َي َأْو َر َمِح َن ا َفَم ن ِجُي ُري‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫[ُس وَر َة اْلُم ِكل ‪]28 :‬‬
‫ٱْلاَك ِف ِر يَن ِم ْن َعَذ اٍب َأِلٍمي﴾‬
‫وَمْن أدَخ َلُه الناَر فِبَعدِلِه‪.‬‬
‫وقوُل ‪" :‬وُك ٌّل عم ِل ا َقْد ُفِر َغ ل وصاِئ إلى ما ُخ ِلَق ل " أ أَّن ُك اًّل ِم الِعباِد‬
‫َن‬ ‫ُه ْي‬ ‫ٌر‬ ‫ُه‬ ‫َي ُل َم‬ ‫ُه‬
‫َيعَم ُل ِلَم ا قْد َك تَبُه اُهلل تباَر َك وتعاىل َلُه يف الَّلْو ِح ‪.‬‬

‫وَّمِما َي ُد ُّل على أَّن الث واَب يف اجلن ِة فضٌل مَن اِهلل تع اىل قوُل ُه َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪:‬‬
‫ِهلل‬ ‫ِج‬
‫((ال ُيْن ي أحَد ُك م َعَم ُلُه)) قاُلوا‪ :‬وال أنَت يا َر سوَل ا قاَل ‪(( :‬وال أَنا إاّل أْن َيَتَغَّم َد َيِن‬
‫اُهلل منُه برَمْحٍة)) رواُه اإلماُم أمحُد ‪.‬‬ ‫‪163‬‬

‫وقوُلُه‪َ" :‬عْد اًل " ذلَك ألَّن الُّظلَم َو ْض ُع الشىِء يف غِري مْو ضِعِه وهو تعاىل َيتص َّرُف يف‬
‫ِم ْلِك ِه وْمَل َيَتص َّرْف يف ِم ْل ِك غ ِري ِه فال ُيتَص وُر من ُه ُطلٌم‪ ،‬فُيع ِّذ ُب على ترِك األوام ِر‬
‫وارتكاِب النواِه ي َع ْد اًل وِح ْك َم ًة‪ ،‬وهذا مفهوٌم ِم ْن قوِلِه َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪َ(( :‬ل ْو أَّن‬
‫ِض ِه‬ ‫ِتِه‬
‫اَهلل َعَّذ َب أهَل ٰمسوا وأهَل أر َلَع َّذ َبُه ْم وهو غ ُري ظاٍمل ُهَلْم ‪ ،‬وَلْو َر َمِحُه ْم كانْت رمحُت ُه‬
‫ِهلل‬ ‫ِهِل‬ ‫ِم‬
‫خ ًريا هلم ْن أعما م)) رواُه أب و داوَد ‪ ،‬فطاع ُة الط ائِع فضٌل مَن ا فِإَّن العب َد وَعَم َل ُه‬
‫‪164‬‬

‫ِم ْلٌك ِهلل‪ ،‬قاَل َتعاىل ﴿َو َلْو ال َفْض ُل اِهلل َعَلْيُك ْم َو َر َمْحُتُه َم ا َزَك ى ِم ْنُك ْم ِم ْن َأَح ٍد َأَبًد ا (‪﴾)21‬‬
‫سورة النور‪.‬‬

‫يِف ُم ْس َنِد ا ماِم َأَمْحَد وَر َد َقوُل الَّنِّيِب َعَليِه الَّص الُة َو الَّس الُم ‪ " :‬ال َأْن َيَتَغَّم َد َيِن ُهللا ِم ْنُه ِبَر َمْحِتِه “‪.‬‬ ‫‪163‬‬

‫ِإ‬ ‫ِإل‬
‫َم عَناُه َلْو َأَّن َهللا َعَّذ َب اْلَم الِئَكَة َو اَألْنِب َياَء َلْو َر َم امُه يِف الَّناِر َال َيُكوُن َظ اِلًم ا َألَّنُه َتَّرَص َف يِف ُم لِك ِه ‪ُ ،‬ه َو َخ َلَقُهم َو َخل َق ِف ِهي ُم اَألَمع اَل ‪،‬‬ ‫‪164‬‬

‫ُهللا َتَع اىَل ُهَل الَفْض ُل يِف َخ ْلِقِهم َو َخ ْل ِق ا ْيَم اِن َو الَّتْق َو ى يِف اَألْنِب َي اِء َو اْلَم الِئَك ِة ‪َ ،‬فَل و َعَّذ ُهَبم يِف َهَجَمَّن ال َيُك وُن َظ اِلًم ا‪َ ،‬و َل ْو َر َمِح ُهم اَك َنْت‬
‫َر َمْحُتُه َخ ًرْي ا َلُهم ِم ْن َأَمع اِلِهم‪َ ،‬م عَناُه َر َمْح ُتُهِإل ِلَأل نِب َياِء َو ِلْلُم ْؤ ِمِنَني ِم ْن َأْه ِل اَألْر ِض َو الَّس َم اَو اِت ‪َ ،‬ر َمْح ُت ُه َلُهم ِب َأْن ّجنامه ِم َن الَع َذ اِب َو َأْك َر َم ُهم‬
‫َو َأْعىَل َم َقاَم ُهم‪َ ،‬فَر َمْحُتُه َلُهم َأفَض ُل ِم ْن َأَمْع اِلِهم‪َ ،‬م عَناُه َفْض ال ِم نُه َو َكَر ًم ا َألَّنُه ُه َو َخ َل َق ِف ِهي ُم ا ْيَم اَن َو الَّص َالَح ‪ُ ،‬ه َو ُهَل الَفْض ُل َعَلِهيم‪َ ،‬لِكَّن‬
‫َهللا َتَع اىَل َو َعَد اْلُم ْؤ ِمِنَني َأْن ُيْك ِرَم ُهم يِف اآلِخ َر ِة َفال ْخُي ِلُف يِف َو ْعِدِه ‪َّ ﴿ :‬ن ٱَهَّلل َال ْخُي ِلُف ٱْلِم يِإلَع اَد ﴾ [ُس وَر َة َءاِل ْمِعَر اَن ‪َ ]9 :‬فْض ال ِم ْن ُه َليَس َفْر ًض ا‬
‫ِإ‬
‫َعَليِه ‪َّ ،‬مُث َّن َهللا َو َعَد اْلُم ْؤ ِمِنَني َأْن ُيْد ِخ َلُهُم اْلَج َّنَة َو ُيْك ِرَم ُهْم َو ْحُي ِي ِهَي م َح َياًة ال َهِناَيَة َلَها َو ال َنَكَد ِف َهيا َو ال َم َش َّقَة ‪َ ،‬و ال ُبَّد َأْن ْحَي ُص َل ٰذ َكِل َألَّن‬
‫ِإ‬
‫َهللا ال ْخُي ِلُف اْلِم يَع اَد‪.‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و الَخ يُر والَّش ُّر ُمَق َّد َر اِن َعَلى الِعَباِد ‪.165‬‬
‫ِتِه‬ ‫ِع ِمِه‬ ‫ِد‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اَهلل َقَّد َر اخلَري والشَّر على العبا أْي قَّد َر ب ْل ومشيئ مَع َم ا جعَلُه اُهلل‬
‫يف العب ِد مَن االختي اِر هذا معن اُه‪ ،‬ق اَل تع اىل ﴿َو َخ َل َق ُك َّل َش ْي ٍء َفَق َّد َر ُه َتْق ِد يًر ا (‪﴾)2‬‬
‫سورة الفرقان‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و االْس ِتَطاَعُة ال تي َيِج ُب ِبها الِف ْع ُل ِم ْن َنْح ِو الَّتوِفي ِق‬
‫الِف عِل ‪َ ،‬أ ا اال ِتَطاَعُة ِم ِج ِة‬ ‫ِه‬
‫ْن َه‬ ‫َو ّم ْس‬ ‫اَّل ذي ال َيُج وُز َأْن ُيوَص َف الَم خُل وُق ِب َفِه َي َم َع‬
‫الِّص َّح ِة َو الُو ْس ِع والَّتَم ُّك ِن َوَس الَم ِة اآلالِت َفِه ي َقْب َل الِف ْع ِل ‪َ ،‬و ِبَه ا َيَتَعَّل ُق الِخ َط اُب ‪،‬‬
‫وِه َي َك َم ا َقاَل َتَعالى‪﴿ :‬ال ُيَك ِّلُف اُهلل َنْف ًس ا ِإال ُو ْسَعَه ا (‪ 166﴾)286‬سورة البقرة‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬االس تطاعُة عن َد أهِل احلِّق نوع اِن ‪ :‬اس ِتطاعٌة تكوُن م َع الفع ل ُتقاِر ُن ُه‪،‬‬
‫واس ِتطاعٌة تكوُن ِم ْن َش ْأَهِنا س ابقًة للفع ِل حىت ْحَيُص َل الفع ُل هبا‪ .167‬فاالس تطاعُة ال يت‬
‫َتكوُن م َع الفع ِل هي ال يت َيَتَح َّق ُق هبا مَن العب ِد الفع ُل‪ْ ،‬حُيِد ُثَه ا اُهلل َم قرون ًة بالفع ِل ‪ ،‬ففي‬

‫َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪ ﴿ :‬اَّن َهَد ْيَناُه الَّس ِبيَل َّم ا َش اِك ًر ا َو َّم ا َكُفوًر ا﴾ [ُس وَر َة اِإلنَس اِن ‪ ]3 :‬اْلُم ْؤ ِم ُن ‪ُ ،‬هللا َهَد اُه ‪َ ،‬دُهَّل َعىَل ا ْيَم اِن ‪َ ،‬و الاَك ِف ُر ‪ُ ،‬هللا َأْلَهَم ُه‬ ‫‪165‬‬

‫ِإل‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬


‫الُكْف َر ‪َ ،‬ه َذ ا َأْلَهَم ُه ا ْيَم اَن َفآَمَن َو َه َذ ا َأْلَهَم ُه الُكْف َر َفَك ِإَفَر ‪َ ،‬و َه َذ ا اذلي َكَفَر ْلَهاٍم ِم َن ِهللا َكَفَر ‪ُ ،‬ه َو َأعَط اُه اْلُق ْد َر َة َعىَل ٰذ َكِل َفَكَف َر ‪َ ،‬ليَس‬
‫ِإِب‬ ‫ِإل‬
‫َعىَل ِهللا َعَلي ِه ُحَّج ٌة ‪ِ ،‬م َن ِهللا َعْد ٌل ‪َ ،‬أَّم ا ِم َن الَع بِد ُكف ٌر َو ُظ ٌمْل َو َح َر اٌم‪ ،‬الَع بُد َظ َمَل َنْف َس ُه‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل ُه َو َخ اِلُق اَألْش َخاِص ‪ُ ،‬ه َو َخ اِلُق‬
‫الَّنَظ ِر َو الُّنْط ِق َو َح َر َك ِة الَقْلِب َو َح َر َك ِة الِّر ْج ِل َو ُق َّو ِة الِّر ْج ِل َو ُق َّو ِة اْلَي ِد ‪ُّ ،‬لُك َه َذ ا ُهللا َخ َلَق ُه ِف ي ِه ‪َّ ،‬مُث ُهللا َتَع اىَل ُيْلِهُم َبْع َض ِع َب اِدِه َأْن‬
‫َيسَتْع ِم ُلوا ُقَو امُه َه ِذِه يِف َط اَعِة ِهللا ‪َ ،‬و َبعُض الِع َباِد ُهللا َأْلَهَم ُهم َأْن َيسَتْع ِم ُلوا َه ِذِه الُقَّو َة يِف َم عِص َيِة ِهللا َأْلِس َنُهُتم َو َأْيِد ِهي م َو ُقُلوُهُبم‪ ،‬ال ُيَق اُل ‪:‬‬
‫ُهللا ِلَم َأْع َط ى َهُؤ الِء الُقَّو َة َّمُث ُه َو َأْلَهَم ُهم َأْن َيْفَع ُلوا الُكْف َر َو اْلَم َع اَيِص َّمُث ُيَع اِق ُهُبم يِف اآلِخ َر ِة ‪ُ ،‬يَق اُل ‪ُ :‬هللا َتَع اىَل ُه َو َم اُكِل ِّلُك ْىَش ٍء َيَتَّرَص ُف‬
‫يِف ُم ْلِكِه اْلَح ِقيِقِّي ال َيُكوُن ُظ ْلًم ا ِم نُه َال َيُكوُن َقِبيًح ا ِم ْنُه‪َ ،‬لِكْن ِم َن اْلَع ْب ِد َقِبيٌح ‪ ،‬ا ْنَس اُن َذ ا َكَف َر ‪َ ،‬ه َذ ا الُكف ُر ُهللا َخ َلَق ُه ِف ي ِه ‪َ ،‬و اْلُمْس ُمِل‬
‫اذلي ُه َو َخ َلَق ُه ِف ي ِه َو اْلُم سَمِل الَع اَيِص َعىَل َم عِص َيِتِه‬ ‫َذ ِّذ اَك ِف ىَل ُكْفِإل ِه ِإ‬
‫اذلي َيْع يِص ‪ُ ،‬هللا َتَع اىَل َخ َلَق َه ِذِه اْلَم ْع ِص يَة ِف يِه ‪َ ،‬و َم َع َه ا ُيَع ُب ال َر َع ِر‬
‫اَّليِت ُه َو َخ َلَقَها ِف يِه ال َيُكوُن ِم َن ِهللا َقِبيًح ا ال َيُكوُن ِم َن ِهللا ُظ ْلًم ا‪.‬‬

‫َّحِصُة الَّتِلْك يِف َتعَتِم ُد َه ِذِه اِالسِتَط اَعَة ‪ ،‬اِالسِتَط اَعُة اَّليِت َيِه َس الَم ُة اَألْس َباِب يِف اآلالِت ‪َ ،‬و ال ُيَّلَكُف الَع بُد ِبَم ا َليَس يِف ُو ْس ِع ِه ‪.‬‬ ‫‪166‬‬
‫الطاع اِت ُتَس َّم ى َتْو ِفيًق ا‪ ،‬ويف املعاصي ُتسَّم ى ِخ ذالًنا‪ .‬هذا عن َد أهِل احلِّق ‪ ،‬وأَّم ا‬
‫الِبْد ِعُّيوَن فيقولوَن ِإّن تلَك االستطاعَة متقِّدمًة للفعِل وهذا خالُف الصحيِح ‪.‬‬
‫وأَّم ا االس تطاعُة الثاني ُة هي س المُة األس باِب واآلالِت ‪ 168‬أْي كوُن اَحلواِّس ال يت‬
‫َيَت َأَّدى هبا الفع ُل س الَِم ًة‪ 169‬وهذِه قب َل الفع ِل بال خالٌف ‪ .‬وهذه االس تطاعُة الثاني ُة هي‬
‫ال يت َّل هبا اِخلط ا يع ين اخلط ا التكليف ال ذي خ اَط ا تع اىل ِب ِه ِعب ا ه ب أداِء‬
‫َد‬ ‫َب ُهلل‬ ‫َّي‬ ‫َب‬ ‫ُب‬ ‫َيَتَع ُق‬
‫َأوامِرِه واجتناِب َنواِه يِه هذا هو اِخلطاُب الذي َيْع ِنيِه املؤِّلُف ‪.170‬‬
‫ِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِم‬
‫عن َأيب ُه َر ْيَر َة َأَّنُه َس ـ َع َرُس وَل ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َيُق وُل ‪َ(( :‬م ا َنَهْيُتُك ْم َعْن ُه‬
‫َف اْج َتِنُبوُه‪َ ،‬و َم ا َأَم ْر ُتُك ْم ِب ِه َف اْفَعُلوا ِم ْن ُه َم ا اْس َتَطْع ُتْم )) مسلم‪َ ،‬يْع ىِن م ا َأْو َح ى اُهلل ِإَّيَل َأْن‬
‫آُم َر ُك م ِب ِه ِم َن الَف راِئِض ‪َ ،‬أْنُتم ال ذي ِجَي ُب َعَلْيُك م َأْن َت ْأُتوا م ا َتْس َتِط يُعون‪َ ،‬أّم ا م ا ال‬
‫َتْس َتِط يُعون ال ِجَي ُب َعَلْيُك م‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َأْفَعاُل الِعَباِد َخ ْلُق اِهلل َو َك ْسٌب ِم َن الِعَباِد ‪.‬‬

‫اَمَك يِف َقوِهِل َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ِهَّلِل َعىَل الَّن اِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْس َتَط اَع َلْي ِه َس ِبيال﴾ [ُس وَر َة َءاِل ْمِعَر اَن ‪ُ ]97 :‬فَرِّس ِت اسِتَط اَعُة الَّس ِبيِل اِب لَّز اِد‬ ‫‪167‬‬

‫ِإ‬
‫َو الَّر اِح ِةَل َألَّن َه ِذِه ُم َتَقِّد َم ٌة َعىَل ْا لِفْع ِل ‪.‬‬

‫َو َيِه ِص َفٌة خَي ُلُقَها ُهللا َتَع اىَل َبْع َد َس الَم ِة اَألْس َباِب َو اآلالِت َأْي َبعَد َأْن ْحَت ُص َل اَألْس َباُب اَّليِت حَت ُص ُل َهِبا َه ِذِه الِّص َفُة َو َيِه َس الَم ُة‬ ‫‪168‬‬

‫اَألْس َباِب َو اآلالِت ‪.‬‬

‫ال ُيوَص ُف‬ ‫اِالسِتَط اَعُة اَّليِت ْحَي ُص ُل َهِبا الَّتِلْك يُف َس اِبَقٌة ِلْلِفْع ِل ‪َ ،‬و اِالْس ِتَط اَعُة اَّليِت ْحَي ُص ُل َهِبا الَّتْم ِكُنْي ُم قَاِر َن ٌة ِلْلِفْع ِل ‪ ،‬اِالْس ِتَط اَعُة اَّليِت‬
‫‪169‬‬

‫ْحَت ُص ُل َهِبا‬ ‫َهِبا الَع ْب ُد َتُكوُن ُم قِرَت َنًة ِلْلِفْع ِل َو َيِه ِص َفٌة ْخَي ُلُقه ا ُهللا َتَع اىَل َبْع َد َس َال َم ِة اَألْس َباِب َو اآلالِت َأْي َبعَد َأْن حَت ُص َل اَألْس َباُب اَّليِت‬
‫َه ِذِه الِّص َفُة َو َيِه َس َالمُة اَألْس َباِب َو اآلالِت ‪َ ،‬ف ْن اَك َن ُنْط ًقا َفَس َال َم ُة الِّلَس اِن َو ْن اَك َن ُم َباَرَش ًة َفَس َال َم ُة الَيِد ‪َ ،‬و َه َكَذ ا َيُكوُن ‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ُقِّس َم ِت اِالستطاعُة ِق ْس َم ِنْي َألَّن اَألْم َر اِب ْلِفعِل ال ُب َّد ُهَل ِم َن الُق ْد َر ِة َعىَل الِفْع ِل ‪َ ،‬و اِالسِتطاَعُة َو اْلُق ْد َر ُة يِف َو ْص ِف الَع بِد ْىَش ٌء َو اِح ٌد‬ ‫‪170‬‬

‫َنُقوُل ‪َ :‬يسَتِط يُع َو َيْقِد ُر ِبَم ْع ىًن َو اِحٍد ‪َّ ،‬مُث الُقْد َر ُة اَب ِط َنٌة َو َظ اِه َر ُة‪َ ،‬فاِالسِتَط اَعُة الَباِط َنُة َيِه اَّليِت ُيوَج ُد َهِبا الِفْع ُل ْحُي ِد هُث ا ُهللا َم قُر وَن ًة اِب لِفعِل‬
‫َفِفي الَّط اَعِة ُتَس َّم ى َتْو ِف يًق ا َو يِف اْلَم َع ايِص ُتَس َّم ى ِخْذ الاًن ‪َ ،‬فَه ِذِه اِالسِتَط اَعُة َتُك وُن َم َع الِفعِل ‪َ ،‬يُك وُن الَع بُد ُم ْفَتِق ًر ا ىَل َتْو ِف ي ِق ِهللا َتَع اىَل‬
‫ٱْل ِم ُد [ُس وَر َة‬ ‫ِإ‬
‫َو َم ِش يَئِتِه َو َتْأِييِدِه يِف ِّلُك َلْمَح ٍة َو َيِه َح ِقيَقُة الُع ُبوِد َّيِة ‪َ ،‬قاَل ُهللا َتَع اىَل ‪ٰ﴿ :‬يَأَهُّيا ٱلَّن اُس َأنُمُت ٱْلُفَق َر آُء ىَل ٱِهَّلل َو ُهللا ُه َو ٱْلَغُّيِن َح ي ﴾‬
‫ِإ‬ ‫ٱ‬
‫ا ر‪َ ]15 :‬و َق اَل َتَع اىَل ‪ِ﴿ :‬إ َّن هَّلْل َلَغٌّيِن َع ِن اْلَع اَلِم َني ﴾ [ُس وَر َة ا َعْن ُب و ‪َ ]6 :‬أَّم ا اِالسِتَط اَعُة الَّثاِنَي ُة َفِهَي اْلُق ْد َر ُة الَّظ اِه َر ُة َو َيِه ِم ْن َهِجِة الُو ْس ِع‬
‫ْل َك ِت‬ ‫َف ِط‬

‫َو الَّتْم ِكِني ابَألسَباِب َو اآلالِت َو َيِه ُم َتَقِّد َم ٌة َعىَل الِفْع ِل ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن أفع اَل العب اِد ُك َّلها خملوَق ٌة ِهلل وهَي بالِّنسبِة للِعب اِد كْس ٌب ‪ ،‬فاألفع اُل‬
‫االختيارَّي ُة َتَق ُع َك ْس ًبا للعب ِد وَخ ْلًق ا مَن اِهلل َتع اىل‪َ ،‬فهو ُس ْبحاَنه ْخَيُلُقَه ا والعْب ُد ال ْخَيُلُقها‬
‫وِإَّنـما َيْك َتِس ُبها‪َ ،‬و ُيقاُل َيْع َم ُلها‪ُ ،‬ك ُّل هذا عبارٌة عْن أم ٍر واحٍد ‪ ،‬وهذا املذهُب احلُّق وهو‬
‫خارٌج عِن اَجلِرْب ‪ ،‬وَعْن مذهِب املعتزلِة الفاسِد يَن ‪.‬‬
‫َأْه الُّس َّنِة ُقول ون‪ :‬الَعْب ُد ْف ل وا ْخَيُل ق‪ ،‬معن اُه‪ :‬الَعْب ُد ُه ْظ الْك ِتساِب‬
‫َو َم َه ٌر‬ ‫َي َع ُهلل‬ ‫َي‬ ‫ُل‬
‫الَعَم ل‪َ ،‬ح ُّظُه ِم َن الَعَم ل َأَّنُه ُيَو ِّج ُه ِإراَدَتُه ْحَنَو الَعَم ل َأّم ا اَخلْلُق َفِلَّلِه ليَس للَعْبد‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َلْم ُيَك ّلْف ُه ُم اُهلل َتَع الى إال َم ا ُيِط يُق وَن ‪َ ،‬و ال ُيَطَّيُق وَن إال‬
‫َم ا َك َّلَف ُه ْم ‪.‬‬
‫الشرح‪ :‬اُجلمل ُة اُألوىل معناها ظاهٌر ‪ ،‬وأَّم ا اجلمل ُة الثاني ُة فمعناها ال ُيْلَزُم وَن ‪ ،‬أْي‬ ‫ُ‬
‫لي للعب اِد أْن ْلِز و إاّل م ا َك َّلَف ا ب ِه‪ ،‬ف ِط يق وَن يف ا مل ِة اُألوىل ِب ِّم الي اِء‬
‫َض‬ ‫ُجل‬ ‫ُي‬ ‫ُه ُم ُهلل‬ ‫ُي ُم ُه ْم‬ ‫َس‬
‫وِكسِر الط اِء وأَّم ا يف الثاني ِة َفَيَتَعُنَّي ِقراَءُتَه ا بضِّم الي اِء وفتِح الَّط اِء وتش ديِد الي اِء ال يت‬
‫بعَد ها‪ ،‬وال َيِص ُّح معىن هذه اُجلمل ِة الثاني ِة إاّل على هذا الوج ِه ِلُظهوِر َفَس اِد ما ِس واُه ألَّن‬
‫املع ىن على ذل َك َيْنَح ُّل إىل أَّن الِعَب اَد ال َيستطيعوَن أْن َيفعُل وا س وى م ا َك َّلَف ُه ُم اُهلل ب ِه‪،‬‬
‫والواقُع أَّن الِعباَد قاِدروَن على أْن خُي الُف وا ما َك َّلَف ُه ُم اُهلل بِه وذلَك َح اُل أكثِر الَبَش ِر ‪.‬‬
‫هِب ِه‬ ‫ِع‬
‫معناُه‪ ،‬اُهلل تعاىل َك َّلَف ال باَد بَأْش ياء‪ ،‬هذه اَألْش ياء اليت َك َّلَف ُه ا َي اليت َتْلَزُم ُه‪ُ ،‬ه ْم‬
‫ي‬ ‫ا تعاىل ِبِه ألنه اِإل نساُن ي َتِط‬
‫ُه‬ ‫َأ‬ ‫ا‬ ‫ّمِم‬ ‫ر‬‫َث‬ ‫ْك‬‫َأ‬‫ِط يُقوَن َأْك ِم ذِلك َلِك ْمَل َك َّلُفوا ِب‬
‫ْس ُع‬ ‫ُهلل‬ ‫َم َر ُم‬ ‫ْن ُي‬ ‫َثَر ْن‬ ‫ُي‬
‫ِم‬
‫َأْن ُيص ِّلَي مثاًل َأْك َثَر ِم ْن ْمَخِس َص َلواٍت يِف الَيْو والليَل ة‪ ،‬يْس َتِط يُع َأْن َيُص وَم ِم ْن َح يُث‬
‫الُو س ُع َأْك َث ر ِم ْن َش هر رمضان‪ ،‬يْس َتِط يُع َأْن َي ْذ َه ب ِإىَل احلّج َأْك َث ر ِم ْن َم َّر ة يِف الُعُم ر ِإْن‬
‫يَّس َر اُهلل َل ُه ِم ْن َح يُث اَألسباب‪ ،‬لِكْن َك م َم َّر ة ُك ِّل َف باحلّج ؟ َم َّر ة واِح َد ة يِف ُك ِّل الُعُم ر‪،‬‬
‫َك ْم َم َّر ة ُك ِّل َف بالَّص ْو م يِف الَّس َنة؟ َك ْم َش هر ُك ِّل َف َأْن َيُص وم؟ َعَلْي ِه َأْن َيُص وَم َش ْه ًر ا‬
‫ِم‬
‫واِح ًد ا‪َ ،‬ك ْم صالًة ِجَت ُب َعَلْيِه يِف الَيْو والليَلة؟ ْمَخُس َص َلوات َمَع َأَّنُه ِم ْن َح يُث االْس ِتطاَعُة‬
‫يْس َتِط يُع َأْن ُيَص ِّلَي َأْك َثَر ِم ْن ذِلك َلِكَّن اَهلل ما َك َّلَف ُه ِبَأْك َثر ّمِما َأَم َر ُه ِبه‪.‬‬
‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه َو َتْف ِس يُر ال َح وَل َو ال ُقَّو َة إاّل ِباِهلل َنُق وُل ‪ :‬ال ِح ْيَل َة‬
‫َألَح ٍد َو ال َح َر َكَة َألَح ٍد َو ال َتَح ُّو َل َألَح ٍد َعْن َم ْع ِص يِة اِهلل إال ِبَم ُعوَنِة اِهلل‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬قوله‪" :‬إاّل ِبَم ُعوَنِة اِهلل" أْي إاّل بِعصمِتِه‪ُ ،‬ه نا عَّبَر املؤِّل ُف باملُعون ِة‪ .‬أَّم ا يف‬
‫التفسِري ال ذي رواُه عب ُد اِهلل بِن َم سُعوٍد َعِن الَّنِّيِب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم َفَلْف ُظ ُه‪(( :‬إاّل‬
‫بِعصمِة اِهلل)) وَل ْو َعَّبَر بذلَك كاَن َأْح سَن (َألَّن الرسوَل قاهَل ا ِب َو ْح ٍي ِم َن اِهلل)‪ ،‬وٰه ذا ُه و‬
‫حقيق ُة الُعُبودي ِة َأْن َيكوَن الَعب ُد ُمْف َتِق ا ِإىل اِهلل يف الِعْص مِة عِن املعاِص ي الَّتوفي ِق‬
‫َو‬ ‫ًر‬
‫ِلْلَّطاعاِت ‪َ .‬فالَعْب ُد حُم تاٌج إىل اِهلل يف اَألْم َر ْيِن ‪ ،‬يف الَّتَح ُّف ِظ َعِن املعاِص ي َو الُق ْد َر ِة والَّتَم ُّك ِن‬
‫َعلى الَّطاع اِت ‪ ،‬فِل ذِلَك َّمَسى رس وُل اِهلل يف اَخلِرَب الَّص ِح يِح هذِه الَك لمَة َك ْنًز ا مْن ُك ُن وِز‬
‫اّجلَّن ِة‪ ،‬فإَّنُه قاَل َأليِب ُموسى اَألْش َعِر ِّي ‪َ(( :‬أال َأُدُّلَك على َك ْن ٍز ِم ْن ُك ُنوِز اَجلَّن ِة)) قاَل ‪َ :‬و ما‬
‫هَو ؟ قاَل ‪(( :‬ال َح ْو َل وال ُقَّوَة إال ِباهلل)) َر واُه اإلماُم َأمحُد ‪َ .‬و اْج َتَم َعِت اُألَّم ُة على َك ْو َهِنا‬
‫ِم ْن ُأُص وِل الَعقاِئ ِد َو ِه َي َك قوِله تع اىَل ‪َ﴿ :‬و َم ا َتَش اُءوَن ِإال َأْن َيَش اَء اُهلل َر ُّب الَع اَلِم َني (‬
‫‪ ﴾)29‬سورة التكوير‪ ،‬واملعىَن ‪َ :‬أَّن الِعباَد ال َتُك وُن ُهَلْم مشيئٌة ِإاّل أْن َيشاَء اُهلل أْن َيَش اُءوا‪،‬‬
‫َفَم ا شاَء اُهلل يف اَألَز ِل َأْن َيشاَءُه الِعباُد ْحُتُصُل َم ِش يئُتُه م َلُه َو إاّل َفال ْحَتُصُل َم ِش يَئُتُه م‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫الدرس‬
‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُقَّو َة َألَح ٍد َعَلى ِإَقاَم ِة َطاَع ِة اِهلل َو الَّثَب اِت َعَلْيَه ا ِإاّل‬
‫ِبَتوِفيِق اِهلل‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أْي ال َيْق َو ى َأَح ٌد على َعمِل اَخلرْي اِت إاّل ِبَتْو في ِق اِهلل‪َ ،171‬ك َم ا َأَّن ُه ال‬
‫َيْع َتِص ُم عِن الُّس وِء ِم َن املعاِص ي ِإاّل ِبِعْص َم ِة اِهلل‪.‬‬

‫َر َو ى الَبَهْيِقُّي يِف ُس َنَنِه َأَّن اْلُح َس َنْي ْبَن َعِّيِل ْبِن َأيِب َط اِلٍب َر َيِض ُهللا َع ُهْنَم ا َق اَل ‪َ" :‬و ِهللا َم ا َق اَلِت اْلُم ْع ِزَت ُةل ِبَق ْو ِل ِهللا َو ال ِبَق ْو ِل‬ ‫‪171‬‬

‫اْلَم الِئَكِة َو ال ِبَقْو ِل الَّنِب ِّيـَني َو ال ِبَقْو ِل َأْه ِل اْلَجَّن ِة َو ال ِبَق ْو ِل َأْه ِل الَّن اِر َو ال ِبَق وِل َص اِح ِهِب م بِلْيَس " َفَق اَل الَّن اُس ‪ُ :‬تَفُرِّس ُه َلَن ا اَي ٱْبَن ِبنِت‬
‫َر ُس وِل ِهللا ‪َ ،‬فَقاَل ‪َ" :‬قاَل ُهللا َع َّز َو َج َّل ‪َ﴿ :‬و ُهللا َي ْد ُعو ىَل َد اِر الَّس َال ِم َو ْهَيِد ي َم ن َيَش اء﴾ِإ [ُس وَر َة ُي وُنَس ‪َ ]25 :‬فاْلُم عِزَت ُةَل َخ اَلُفوا َهللا َتَع اىَل يِف‬
‫َقْو ِهِل َه َذ ا َألُهَّنم َقاُلوا َو الِع َياُذ اِب ِهلل ‪ ،‬الَع بُد خَل َق اْلَح َس نا ِإِت َو ِمَع َلَه ا َفَص اَر َفْر ًض ا َعىَل ِهللا َأْن ُي ْد ِخ َلُهُم اْلَجَّن َة َو َليَس دَخ اُهُل ِلْلِع َب اِد اْلَجَّن َة‬
‫َفْض ًال ِم نُه" َم عَناُه َعىَل َز ِمْع ِهم َأَّن َهللا َم دُيوٌن ِلْلِع َباِد َألُهَّنم َخ َلُقوا َه ِذِه اْلَح َس َناِت َفُهَو ُم ْلَز ٌم ِبَأْن ُي ْد ِخ َلُهُم اْلَجَّن َة ‪َ ،‬و الَّص ِإ َو اُب َأَّن َهللا َتَع اىَل‬
‫[ُس وَر َة ُي وُنَس ‪]25 :‬‬
‫َفْض ًال ِم ْنُه ُيْد ِخ ُل اْلُم ْؤ ِمِنَني اْلَج َّنَة َألَّنُه ُه َو اذلي َخ َلَقُهْم ُه َو اذلي َأْلَهَم ُهم َأَمْع اَل اْلَخِري ‪َ ،‬فَقْو ُل ِهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و ْهَيِد ي َم ن َيَش اُء ﴾‬
‫َأْفَهَم َنا َأَّنُه ال هَي َتِد ي َأَح ٌد ال ِبَم ِش يَئِتِه اَألَز ِلَّيِة ‪َ" ،‬و َأَّم ا ُم َخ اَلَفُهُتم ِلَم الِئَكِتِه َفَقْد َقاَل اْلَم الِئَكُة ‪َ﴿ :‬قاُلوْا ُس ْب َحٰـَنَك َال ِعَمْل َلَنا َّال َم ا َعَّلْم َتَن ا َّن َك‬
‫َأنَت اْلَع ِلُمي اْلَح ِكُمي ﴾ [ُس وَر َة ِإاْلَبَقَر ِة ‪َ ]32 :‬م عَناُه الِع ُمْل اذلي ِف يَنا َأْنَت ْخَت ُلُقُه اَي ُهللا ‪َ ،‬و كٰذ َكِل َس اِئُر َأَمْع اِلَنا الَباِطِنَّي ِة َو الَّظ اِه ِر َّي ِة الِإ َتُك وُن ال ِبَم ِإِش يَئِة‬
‫ِإ‬
‫ِهللا َو َخ ْلِقِه ‪َ ،‬أَّم ا اْلُم عِزَت ُةَل َقاُلوا‪ُ" :‬علوُمَنا َو ْد َر ااَك ُتَنا حَن ُن ْخَن ُلُقَها“‪َ .‬و َأَّم ا ُم َخالَفُهُتم ِللَّنِب ِي َنْي َفَقْد َقاَل الَّنِب ُّيوَن ‪َ﴿ :‬و َم ا َيُكوُن َلَن ا َأن َّنُع وَد ِف َهيا ال‬
‫ِإ‬
‫َأن َيَش آَء ُهللا َر ُّبَنا﴾ [ُس وَر َة اَألْعَر اِف ‪َ ]89 :‬بعُض ِإَأنِب َياِء ِهللا َتَع اىَل َقاَل يِف َم َقاِم الَّتُّرَب ِؤ ِم َن اْلُم ِرش ِك َني َو َأَمع اِلِهم‪ْ" :‬حَن ُن َليَس لَنا َأْن َنُع وَد يِف ِم َّلِتمُك "‪،‬‬
‫َم عَناُه ‪ :‬حَن ُن َأْنَقَذ اَن ُهللا ِم ْن َأْن َنُكوَن يِف ِم َّلِتمُك ‪َ ،‬أْي َمَح ااَن ُهللا َأْن َندُخَل ِف َهيا َو َنعَتِقَد َها اَمَك َأنمُت َتْع َتِقُد وَهَنا‪ِ﴿ ،‬إ َّال َأْن َيَش آَء ُهللا ﴾ َم عَناُه َأَّم ا َل ْو‬
‫َش آَء ُهللا َتَع اىَل يِف اَألَز ِل َأْن َنَّتِب َع مُك الَّتَبْعَنامُك َلِكْن َم ا َش آَء ٰذ َكِل َفال َنَّتِب ُع مُك ‪ ،‬وأما خمالَفُهُتم ألهِل اجلنِة فأهُل اجلن ِة ق الوا‪َ﴿:‬و َم ا ُكَّن ا ِلْهَنَت ِد َي‬
‫َلْو ال َأْن َهَد ااَن ُهللا ﴾ [ُس وَر َة اَألع َر اِف ‪ ]43 :‬اعَرَت ُفوا ِب َأَّن َه ِذِه اَألَمع اَل الَّص اِلَح َة اَّليِت اسَتَح ُّقوا َهِبا َه َذ ا الَّنِع َمي اْلُم ِقَمي َليَس ال ِبَم ِش يَئِة ِهللا َو َخ ْلِق ِه‬
‫ِف ِهي م‪َ ،‬و َلْو ال َأَّن َهللا َخ َلَق ِف ِهي م ٰذ َكِل َم ا َدَخ ُلوا َه ِذِه اْلَج َّنَة َو ال اَن ُلوا َه َذ ا الَّنِع َمي ‪ ،‬اْلُم عِزَت ُةَل َخ اَلَفْت َفَقاَلْت ‪ :‬حَن ُن َخ َلْقَنا ِإْيَم اَنَنا َو َأَمْع اَلَنا الَّص اِلَح َة‬
‫ِإ‬
‫[ُس وَر َة اْلُم ْؤ ِم ُن وَن ‪:‬‬
‫َفٰذِل َكِل َص اَر َعىَل ِهللا َفْر ًض ا الِز ًم ا َأْن ُيِثيَبَنا‪َ ،‬و َأَّم ا ُم َخ اَلَفُهُتم َألْه ِل الَّناِر َفَقْد َقاَل َأهُل الَّناِر ‪َ﴿ :‬قاُلوا َر َّبَنا َغَلَبْت َعَلْي َنا ِش ْقَو ُتَنا﴾‬
‫‪َ ]106‬ه َذ ا الالَك ُم َأْيًض ا ِف يِه اعَرِت اٌف ْمِض ٌّيِن ِبَأَّن َهللا َش اَء َو َخ َل َق ِف ِهي ُم الَّض َالَل اذلي اسَتَح ُّقوا ِب ِه َه ِذِه الَّن اَر ‪َ ،‬و َأَّم ا ُم َخ اَلَفُهُتم ْبِليَس الَّلِع ِني‬
‫ِإل‬
‫َفَقْد َقاَل َأُخ ومُه ْبِليُس ‪َ﴿ :‬قاَل َفِب َم ا َأْغَو ْيَتيِن َألْقُع َد َّن َلُهْم َرِص اَط َك اْلُمْس َتِقَمي ﴾ [ُس وَر َة اَألْع َر اِف ‪َ ]16 :‬فَم عىَن الَك ِم ْبِليَس "اَي َر ُّب َألَّنَك َأْغ َو ْيَتيِن‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َأْي َكَتْبَت َعَّيَل الَغَو اَيَة َأْي َأْن َأِض َّل اِب ْخ ِتَي اِر ي َض َلْلُت ‪َ ،‬أاَن َأْقُع ُد ِلَبيِن َء اَد َم َرِص اَط َك اْلُمْس َتِقَمي َأْي ُألِر ِج َع ُهم َو ُأْبِع َد مُه ِم ْن ُه‪َ ،‬ه َذ ا ْبِليُس‬
‫َص اَر َأْفَقَه ِم َن اْلُم ْع ِزَت ِةَل َألَّنُه َع َر َف َأَّن َهللا ُه َو َخ اِلُق الَغَو اَي ِة َو الَّض الِةَل ِف َميْن َض ُّلوا ِم ْن ِع َب اِد ِهللا َو َأُهَّنم َلْيُس وا ُم ْس َتِقِّلَني َعْن َم ِش يَئِإِة ِهللا‬
‫َو ْخَت ِلْي ِقِه َأْي ال َيْع َم ُلوَن َش يًئا ِم ْن َغِري َأْن َتْس ِب َق َم ِش يَئٌة ِم َن ِهللا يِف اَألَز ِل يِف ٰذ َكِل اذلي ْحَي ُص ُل ِم ُهنم‪.‬‬

‫‪َ -‬قاَل ُهللا َتَع اىَل ْخ َباًر ا َعْن سَيِد ان ُنوٍح َعَليِه ٱلَّس الُم ‪َ﴿ :‬و َال َينَفُع ْمُك ُنْص ِح ي ْن َأَر ْدُّت َأْن َأْنَص َح َلْمُك ْن اَك َن ُهللا ُيِر ي ُد َأْن ُيْغ ِو َيْمُك ﴾‬
‫[ُس وَر َة‬
‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ُه وٍد ‪َ ]34 :‬م عَناَها‪ُ :‬ه َنا ُنوٌح َأْثَبَت ِهَّلِل َتَع اىَل ٱْلَم ِش يَئَة َألَمْع اِل ٱلِع َباِد َخِري َها َو ِّرَش َها‪َ ،‬أْي َأَّن ٱلَّط اَعاِت ِم ْن ِع َباِدِه حَت ُص ُل ِبَم ِش يَئِتِه َو َأَّن َم َع اِص ُهَيم‬
‫حَت ُص ُل ِبَم ِش يَئِتِه ‪.‬‬
‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪ُ :‬ك ُّل َش ىٍء ِر ي ِب ِش يَئِة اِهلل الى ِع ْلِم ِه َقَض اِئِه‬
‫َو‬ ‫َتَع َو‬ ‫َم‬ ‫َيْج‬ ‫َم ُهلل َو‬
‫َو َقَد ِر ِه‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أَّن ُك َّل ٍل ُل اب ءاد وغ ذِل ك َّمِما د يف ال جوِد ِم َأعياٍن‬
‫ْن‬ ‫َي ُخ ُل ُو‬ ‫َعَم َيْع َم ُه ُن َم َري‬ ‫ُح‬
‫ِم‬ ‫ِئِه ِرِه‬ ‫ِة ِهلل ِع ِمِه‬ ‫ِد‬
‫وأْع راٍض ال َيْد ُخ ُل يف الوجو إال بـمشيَئ ا و ْل وَقضا وَقَد ‪َ ،‬فال ْحَيُصُل شىٌء َن‬
‫الَعاِمَل إاّل هبِذِه الِّص فاِت اَألْر َبِع ‪.‬‬
‫اَألْع راُض ِه ِص فات اَألْج راِم ِه حَن و َأْر َبِعني كالَّل ن والَّش ْك ِل اَحلال ِة املرا ِة‬
‫َو َو َو َر‬ ‫ْو‬ ‫َو َي‬ ‫َي‬
‫ِه َي ِص فات اَألْج رام َيْع ىِن ِص فات اَألْح جام‪.‬‬

‫ِح‬ ‫ِش ِت َّل‬ ‫ِش‬ ‫ِّل ِح‬


‫قاَل المؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬غَلَبْت َم يئُتُه الَم يَئا ُك َه ا‪ ،‬وَغَلَب َقَض اُؤ ُه ال َي َل‬
‫ُك َّلها‪.‬‬
‫ِت ِع ِد‬
‫الشرُح ‪ :‬أن ُه ال َيَتَنَّف ُذ ش ىٌء مْن مش يئا ال ب ا إاّل أْن يش اَء اُهلل ُنُفوَذها‪َ ،‬فُه ْم‬
‫ِم‬ ‫ِة ِهلل‬
‫َيشاءوَن لكْن ال َتَتَنَّف ُذ َم شيئاُتُه م إال مبشيئ ا ‪َ ،‬فَم ا شاَء اُهلل ُنُفوَذها نها َنَف َذ ‪ ،‬وَم ا ْمل‬
‫َيش ْأ ُنُف وَذُه مل َيْنُف ْذ ‪ .‬وذكَر املؤِّل ُف َأَّن ِح َي َل الِعباِد ال ُتوِص ُل إاّل إىل ما َقَض ى اُهلل تباَر َك‬
‫وتعاىل‪َ ،‬فَم ا مل َيْق ِض اُهلل تبارَك وتعاىل‪ ،‬أْي ما مل ْخَيُلْق ُه ال َتْنُفُذ اِحلَيُل فيِه‪.‬‬

‫ُك ِّل وٍء‬ ‫ِل‬ ‫ِح‬


‫ُس‬ ‫قاَل المؤِّلُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬يْف َعُل َم ا َيَش اُء َو ُه َو َغيُر َظا ٍم َأَبًد ا َتَق َّد َس َعْن‬
‫َو َح ْيٍن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬وَي ُد ُّل على ذل َك قوُل ُه‪ :‬تع اىل ﴿َفَّع اٌل ِلَم ا ُيِر ي ُد (‪ ﴾)107‬س ورة هود‪،‬‬
‫وقول ُه‪َ" :‬تَق َّد َس " َأِي اُهلل "عْن ُك ِّل ُس وٍء وَح ْيٍن " أْي ُظْلٍم ‪ ،‬فاُهلل تب ارَك وتع اىل ُمَنـَّز ٌه عِن‬
‫ِر‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬
‫الُّس و والُّظْلِم ألَّن اَخلا َق ال ُيَتَص َّو ُر من ُه االِّتص اُف ب الُّظلِم واَجلْو ‪ ،‬فالُّظلُم ُيَتَص َّو ُر مَن‬
‫الكاِس ِب وهَو العبُد أَّم ا اخلالُق فال َيَّتِص ُف بالُّظْلِم ألَّن اخلاِلَق َيَتص َّرُف يف ِم ْلِكِه الذي هو‬
‫َم اِلُك ُه اَحلِق يِق ُّي ‪ ،‬أَّم ا العبُد فَيتصرُف يف ِم ْلِك غِري ِه‪َ ،‬فَم ا َتَص َّرَفُه ب ِإْذِن َخ الِق ِه ال َيُك وُن ذلك‬
‫ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِخب ِف ِإ ِن ِلِق ِه‬
‫ُظْلًم ا وم ا َتَص َّرَفُه ال ْذ َخ ا أِي اإلْذ الش رعِّي كاَن ذل ك ُظْلًم ا من ُه أْي َن‬
‫العبِد ‪.‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َتَنَّز َه َعْن ُك ِّل َعْيٍب َو َش ْيٍن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه َتَنَّز َه َعْن ُك ِّل َنْق ٍص ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح َم ه اُهلل‪﴿ :‬ال ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َع ُل َو ُه ْم ُيْس َأُلوَن (‪ ﴾)23‬س ورة‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اَهلل ال ُيْس َأُل َعّم ا َيْف َعل َأي ال اْع رِت اَض َعَلْيِه َو ُه م أِي الِعَباَد ُه م ُيسَأُلوَن‬
‫َعَّم ا َيْف َعُلوَن َفَيِج ُب الَّتْس ِليُم َلُه ُس ْبحاَنُه‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و في ُدَعاِء اَألحَياِء َو َص َد َقاِتِه ْم َمنَف َعٌة ِلَألْم َو اِت ‪.‬‬
‫ِلِم‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن ال ُّد َعاُء َينَف ُع أم واَت املس َني باإلمجاِع ‪ ،‬والَّص َدَقُة كذلَك َتنف ُع‬
‫باإلمجاِع ‪ ،‬وكذلَك ِقراَءُة الُقرءاِن على الَق ِرب َتنفُع املِّيَت ‪.‬‬
‫َو َر َد َح ِد يٌث َر واُه احلاِف ُظ اِبُن ِح ّب ان وَص َّح َح ُه‪(( :‬اْقَر ؤوا ٰيس َعَلى َمْو تاُك م))‬
‫الَو ّه اِبَّي ُة َحُيِّر ُم وَن ِق راَءَة الُق رءاِن َعَلى ا ِّيت ُمْطَلًق ا َو خ اَلُف وا ِبذِلَك اِإل مْج اَع واَحلِد يث‪ ،‬هذا‬
‫َمل‬
‫اَحلِد يث ُيَض ِّعُف وَنُه َو ما ِفيِه م حاِف ظ وال ُعْش ُر حاِف ظ‪َ .‬و َبْعُض الَو ّه اِبَّي ُة َيُقولون‪(( :‬اْقَر ؤوا‬
‫ٰيس َعَلى َمْو تاُك م)) مْع ن اُه َعَلى اْلُم ْح َتَض ِر ين ال ذيَن َقُر َب َم ْو ُتُه م‪ُ ،‬يق اُل ُهَلم هذا تْأِو ي ل‬
‫َو َأنُتم َتُقول ون ال َتْأِو ي ل‪َّ .‬مُث َك ْلِم ُة "َمْو تاُك م" ِم ْن َح ْيُث الُّلَغ ة َتْص ُلُح لل ِذ يَن َق ْد م اُتوا‬
‫ولل ذيَن ُه م ْحُمَتَض ُر ون‪َ ،‬أي َح َض َر ْتُه ُم الَو فاة‪َ ،‬فَيْص ُلح َأْن ُيق ال‪ُ :‬يْس َتَح ُّب ِق راَءُة الق رءان‬
‫للُم ْح َتَض ر وللَم ِّيت‪.‬‬
‫ِث ِس‬ ‫ِن‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِد ِد‬
‫وق اس ُت َّل على راء الُق رءا على الق ِرب حبدي الَع يِب ال َّر ْطِب الذي شََّق ُه الن ُّيب‬
‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِه‬
‫َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم اثَنِنْي َّمُث َغ َرَس على ق ٍرب ْص ًف ا وَعلى َقٍرب ْص ًف ا وقاَل ‪َ(( :‬لَعَّل ُه َخُيَّف ُف‬
‫اَألْش جاِر وقراءُة الُق رءاِن‬ ‫ِم‬ ‫ِن‬
‫عنُه ما ما ْمَل َيْيَبسا)) رواُه الَّش يخا ‪ .‬وُيْس تفاُد ْن هذا َغ ْر ُس‬
‫على القب وِر ‪َ ،‬و ِإذا ُخ ِّف َف َعْنُه م ِباَألش جاِر َفَك ي َف بق راَءِة الَّر ُج ِل املؤمِن الُق رءاَن ‪ .‬ق اَل‬
‫الَّن ِو ُّي ‪" :‬اس َتَح َّب الُعَلما قرا َة الُق رءاِن عن َد الق ِرب ‪ ،‬واسَتْأَن وا لذلَك حبِد يِث اَجلِر ي َدَتِني‬
‫ُس‬ ‫ُء َء‬ ‫َو‬
‫النْف إىل املِّيِت بَتسبيِح ِه ما حاَل طو ِتِه ما فانِتفا املِّيِت بِق راءِة الُقرءاِن‬
‫ُع‬ ‫ُر َب‬ ‫وَقاُلوا‪ :‬إذا َو َص َل ُع‬
‫ِعن َد َقِرْب ِه َأْو ىَل " اهـ‪َ( .‬ألّن املْؤ ِم ن َأْفَض ُل ِم َن اَجلِر ي د‪ ،‬املْؤ ِم ُن َأْفَض ُل ِعْن َد اِهلل ِم َن الَك ْع َب ة‬
‫َو املْؤ ِم ُن َأْفَض ُل ِعْنَد اِهلل ِم َن اَجلَّنة) َف إَّن ِ قراَءَة الُق رءاِن ِم ْن إْنَس اٍن أْع ظُم وأْنف ُع مَن الَّتسبيِح‬
‫مْن ُعوٍد ‪ ،‬وَقْد َنَف َع الُقرءاُن َبعَض َمْن َحَص َل َلُه ضرٌر يف حاِل احلياِة‪َ ،‬فاملِّيُت كذلَك ‪.‬‬
‫ِك‬ ‫ِل ِئ‬
‫يِف َص حيِح الُبخاِر ِّي َأّن الَّر سوَل قاَل عا َش َة‪َ(( :‬ل ْو كاَن ذا َو َأنا َح ٌّي الْس َتْغَف ْر ُت‬
‫َل ِك َدَع ْو ُت ))‪َ(( .‬ل ْو كاَن ذاِك )) َأْي َمْو ُت ِك ‪َ ،‬م ْع ن اُه َل ْو كاَن َمْو ُت ِك َقْب َم ْو يِت‬
‫َل‬ ‫َو‬
‫اَل ْس َتْغَف رُت َلِك َو َدَعْو ُت َلِك ‪َ ،‬م ْع ناُه َبْع َد املْو ت‪َ ،‬لْو كاَن هذا ال َيْنَف ُعها ما كاَن الّر ُس وُل‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ِلَيْف َعُلُه‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و اُهلل َتَعالى َيْس َتِج يُب الَّد َعَو اِت َو َيْق ِض ي الَح اَج اِت ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّن اَهلل تع اىل َيستجيُب ال َّد َعواِت وَيقِض ي احلاج اِت َأْي ِلَم ْن ش اَء َأْن‬
‫‪172‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫َق اَل لَّش ْي ُخ ‪َ :‬و َر َد يِف ْلَح ِد يِث ‪ُّ (( :‬دل َعاُء ُم ُّخ لِع َب اَد ِة )) َم عَن اُه اذلي َي دُعو َهللا َفَه َذ ا ِع َب اَد ٌة َكِب َري ٌة‪َ ،‬ليَس اَمَك َتُق وُل لَو َّه اِبَّي ُة ‪ ،‬اذليَن‬ ‫‪172‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫ِع ن َد مُه َمْن َيُق وُل "اَي ُم َح َّم ُد " َأْو "اَي َعُّيِل " َأْو "اَي َعبَد لَق اِد ِر " َفُه َو اَك ِف ٌر حَي َتُّج وَن َهِبَذ ا ْلَح ِد يِث َو َليَس َلُهم ِف ي ِه ُحَّج ٌة ‪ْ ،‬لَح ِد يُث َم ْد ٌح‬
‫ِلُّدل َعاِء ِبَم عىَن َأَّنُه يِف ٱلِع َبادِة ُهَل َم ْر َتبٌة َعاِلَيٌة ‪ ،‬ٱلِع َباَدُة َم َر اِتُب ‪ ،‬ٱلَّص الُة ِع َباَد ٌة َو ٱلَّز اَك ُة ِع َباَد ٌة َو ٱلَّص ْو ُم ِع َب اَد ٌة َو ِبُّر ٱلَو اَدِل ْيِن ِع َب اَد ٌة َو َغُري ٰذ َكِل ‪،‬‬
‫َفَم عىَن ٱْلَح ِد يِث ٱلَّط َلُب ِم َن ِهللا ِع َباَد ٌة َع ِظ َميٌة ‪َ ،‬فٱُّدل َعاُء ِس الٌح ِلْلُم ْؤ ِم ِن ‪َ ،‬و َقْد َأْك َر َم ُهللا َتَع اىَل َبعَض ٱلَّص اِلِح َني اِب سِتَج ابِة ٱُّدل َعاِء َلُهم‪َ ،‬فَق ْد‬
‫َر َو ى ٱْلَح اِف ُظ َأَمْحُد ْبُن َحَج ٍر ٱلَع سَقالُّيِن يِف ِكَتاِبِه ‪( :‬ٱ َص اَبِة يِف َتمِي ِزي ٱلَّص َح اَبِة ) َم ا َنُّص ُه‪َ :‬عِن ٱْلَح َس ِن َعْن َأَنِس بِن ماٍكِل َر َيِض ُهللا َعن ُه‬
‫َقاَل ‪ :‬اكَن َر ُج ٌل ِم ْن َأَحصاِب َر سوِل ٱِهَّلل َص ىَّل ُهللا َعَليِإلِه َو َس َمَّل َيْك ىَن َأاَب اْلُم َع َّلِق ‪ ،‬اَك َن اَت ِج ًر ا َيْتَج ُر ِبامٍل ُهَل َو ِلَغِري ِه ‪َ ،‬و اَك َن ُهَل ُنُس ٌك َو َو َر ٌع‪،‬‬
‫واكَن َتِقًّيا َو ِر ًعا‪َ ،‬خ َر َج َم َّر ًة َفَلِقَيُه ِلٌّص ُم َتَقِّنٌع يِف ٱِلِّس الِح‪َ ،‬فَقاَل ُهَل‪َ" :‬ض ْع َمَتاَعَك َف يِّن َقاِتَكُل “ َقاَل ‪َ" :‬م ا ُتِر ي ُد ال َد ِم ي؟ ُخ ِذ ٱْلَم اَل " َق اَل ‪:‬‬
‫"َلْس ُت ُأِر يُد ال َد َم َك “ َقاَل ‪َ" :‬فَذ ْر يِن ُأَص يِّل " َقاَل ‪َ" :‬ص ِّل َم ا َبَد ا َكَل " َفَتَو َّض َأ َّمُث َصِإ ىَّل ‪َ ،‬فاَك َن ِم ْن ُد َعاِئ ِه ‪" :‬اَي ِإَو ُدوُد اَي َذ ا ٱلَع ْر ِش ٱْلَم ِج ي ِد‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ِإ‬
‫اَي َفَع اٌل ِلَم ا ُيريُد ‪َ ،‬أْس َأَكُل ِبِع ِّزَك اذلي ال ُيَر اُم ‪َ ،‬و ُم ْلِك َك ِذل ي ال ُيَض اُم َأْن َتكِفَييِن َّرَش َه َذ ا لِّلِّص ‪ ،‬اَي ُم ِغ يُث َأِغ ْثيِن ‪ ،‬اَي ُم ِغ يُث َأِغ ْثيِن ‪ ،‬اَي‬
‫ُم ِغ يُث َأِغ ْثيِن " َقاَلَها َثالاًث ‪َ ،‬ف َذ ا ُه َو ِبَفاِر ٍس َقْد َأقَبَل حَن َو ُه ِبَيِدِه َح ْر َبٌة َيَض ُع َها َبَنْي ُأُذيَن َفَر ِس ِه ‪َ ،‬فَلَّم ا َر َأى ٱلِّلَّص َأقَب َل حَن َو ُه َو َط َعَن ُه َو َقَتُهَل‪،‬‬
‫َّمُث َأقَبَل ىَل ٱلَّتاِج ِر ٱلَّص اِلِح َوِإ َقاَل ‪ُ" :‬قْم " َفَقاَل ‪َ" :‬مْن َأْنَت ِبَأيِب َأنَت َو ُا ِّم ي َفَقْد َأَغاَثيِن ُهللا ِبَك " َق اَل ‪ " :‬يِّن َم ٌكَل ِم ْن َأْه ِل ٱلَّس َم اِء ٱلَّر اِبَع ِة ‪،‬‬
‫َلَّم ا َدَع ْو ِإَت ِبُد َعاِئَك ٱَألَّو ِل ِمُس َع ْت َألب َو اِب ٱلَّس َم اِء َقعَقَع ٌة ‪َّ ،‬مُث َدَع ْو َت ِب ُد َعاِئَك ٱلَّث ايِن فُس ِم َع ْت َأله ِلِإ ٱلَّس َم اِء َّجَضٌة ‪َّ ،‬مُث َدَع ْو َت ِب ُد َعاِئَك‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫لَّثاِلِث َفِقيَل يِل ‪ُ" :‬د َعاُء َم كُر وٍب ‪َ ،‬فَس َأْلُت َهَّلل َأْن ُيَو ِّلـَييِن َقْتَلَـه َفَأِذ َن يِل “ َو ْحُي َم ُل اسِتْئَذ اُن ْلَم ِكَل َر َّب ُه ِبَقْت ِل َه َذ ا لِّلِّص َق اِط ِع لَّط ِر ي ِق‬
‫َعىَل َأَّنُه اَك َن ِم َن ٱلٱَكِف ِر يَن ‪.‬‬
‫ِج‬
‫َيْس َت يَب َلُه َفْض اًل منه وَك َر ًم ا ال ُو ُج وًبا‪َ ،‬و َليَس اَملْع ىَن َأَّن ُك َّل َمْن َيْد ُعو ُيْس َتجاُب َلُه َأْي‬
‫ِج‬
‫َيَتَح َّق ُق َم ْطلوُبُه‪ ،‬فَلْو مل ُيْس َتَجْب مل َيُك ْن ذلَك ُظْلًم ا‪َ ،‬و َأّم ا قوُلُه‪ :‬تعاىل ﴿اْد ُع ويِن َأْس َت ْب‬
‫َلُك ْم (‪ ﴾)60‬سورة عافر‪َ ،‬فَم ْع ناُه اْع ُبُد ويِن وَأِط يُعويِن ُأِثْبُك م‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪ :‬مِل ُك ُك َّل َش ىٍء ال مِلُك ُه َش ى ‪ ،‬ال ِغ َنى َعِن اِهلل‬
‫ٌء َو‬ ‫َو َي‬ ‫َم ُهلل َو َي‬
‫ِم‬ ‫ِهلل‬
‫َتَع الى َطرَف َة َعْيٍن ‪َ ،‬و َمْن [َزَعَم َأَّن ُه] اْس َتغَنى َعِن ا َطْر َف َة َعْيٍن َفَق د َكَف َر َو َص اَر ْن‬
‫َأْه ِل الَح ْيِن ‪.173‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن اَهلل ماِلُك كِّل شىٍء ‪ ،‬وأَّن ُك َّل شىٍء حَي تاُج إىل اِهلل تعاىل ألنه هو الذي‬
‫َأوَج َد ُه‪ ،‬وَم ِن اعتق َد أن ه َيستغين عِن اِهلل َطْر َف َة َعٍنْي فهَو كاِفٌر وصاَر مْن أهِل "الَح ْيِن "‬
‫وهَو اَهلالُك ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬واُهلل َيْغَض ُب َو َيْر َض ى ال َك َأَح ٍد ِم َن الَو َر ى‪.174‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أن ُه ِجَي ُب ِإْثب اُت ِص َف ِة الَغَض ِب َو ِص فِة الِّر َض ى ِهلل َم َع َتْنِز يِه ِه َتع اىل ِم ْن َأْن‬
‫َيُك وَن غضُبه وِر ضاُه َتَأُّثًر ا‪َ ،‬بْل َمُها ِص َف تاِن َأزِّليتاِن قدميتاِن َأَبِد َّيتاِن ‪.‬‬
‫ِإراَدُة اِهلل ال َتَتَغرَّي ‪ِ ،‬لذِلَك قاَل يِف الُّز َبد‪:‬‬
‫ِعْنَد إِهٰلِه َحِباَلِة الِّر َض ا‬ ‫ْمَل َيَز ِل الِّص ِّديُق ِفيما َقْد َم َض ى‬
‫َم ْع ناُه اِإل مام َأُبو بكٍر َر ِض َي اُهلل َعْن ُه ْمَل َيَز ِل ِبِص َف ِة َأَّنُه َمْر ِض ٌّي َعْن ُه باْع ِتباَر ما َيكوُن‬
‫حاُلُه يِف الِّنهاَية ليَس باْع ِتباِر ما َم َض ى َعَلْيِه ِم ْن َز َم ٍن َقْبَل َأْن َيْد ُخ َل يِف اِإل سالم‪َ ،‬ألَّن ِإراَدَة‬
‫اِهلل ال َتَتَغرَّي واُهلل عاٌمِل ِبِعْلِم ِه اَألَز َأَّن َأبا َبكر س ُيْخ َتم َل ُه باُحل ىَن َم ق اٍم عاٍل ‪ ،‬باْع ِتباِر‬
‫ْس َو‬ ‫ّيِل‬
‫َم عَناُه ِم ْن َأْه ِل ٱْلَهالِك َأْي َص اَر ِم َن ٱْلُم َع َّذ ِبَني ٱْلُم َؤ َّبِد يَن يِف ٱآلِخ َر ِة ‪.‬‬ ‫‪173‬‬

‫َو ُهللا َتَع اىَل َيْغَض ُب َو َيْر ىَض ال َأَكَح ٍد ِم َن ٱلَو َر ى اَمَك نَط َق ِبِه ٱلُقْر َء اُن ِلَقْو ِهل َتَع اىَل ‪َ ﴿ :‬ر َيِض ُهللا َع ُهْنْم ﴾ [ُس وَر َة ْلَم اِئَد ِة ‪َ ]119 :‬و يِف َحِّق ٱلُكَّفاِر ‪:‬‬
‫ٱ‬
‫‪174‬‬

‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬


‫﴿َو َغِض َب ُهللا َعَلِهْي ْم َو َلَع ُهَنْم َو َأَعَّد َلُهْم َهَجَمَّن َو َس آَء ْت َم ِص ًري ا﴾ [ُس وَر َة لَفتِح ‪َ ]6 :‬و َألْص ُل َأَّن َهللا ُيوَص ُف ِبَم ا َو َص َف ِب ِه َنفَس ُه يِف ِكَتاِب ِه لَع ِز يِز‬
‫َو ِبَم ا َّحَص َأَّن ٱلَّر ُس وَل َو َص َفُه ِبِه ِم ْن َغِري َأْن َيُكوَن َألَح ٍد ْرِش َكٌة َم َع ِهللا ال يِف َذ اِتِه َو ال يِف َأفَع اِهِل ‪َّ ،‬مُث ٱلَغَض ُب اِب لِّنسَبِة ِلْلَخ ْل ِق َتَغٌرُّي حَي ُص ُل‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫ِع نَد َغَلَياِن َّدل ِم يِف لَقْلِب ِإِب َر اَد ِة ِإ يَص اِل لَرَّض ِر ِإ ىَل ْلَم غُض وِب َعَليِه ‪َ ،‬و لَغَض ُب ِإ َذ ا ُو ِص َف ُهللا ِب ِه َيُك وُن ِبَم عىَن لَغاي ِة َأْي ِإ َر اَد ِة ِالنِتَق اِم‬
‫َو َر اَدُة ٱِالنِتَقاِم َأَز ِلَّيٌة ‪.‬‬
‫ِإ‬
‫ذِلَك املقام اُهلل راٍض َعْنُه‪َ ،‬ألَّن ِإراَدَة اهلل ال َتَتَغرَّي ‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِث‬
‫أَّم ا م ا َو َر َد يف احلدي ال ذي رواُه الُبخ ارُّي ْن َأَّن ءاَدَم َو غ َريُه َيُقوُل وَن ((ِإَّن اَهلل‬
‫ِب ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِض‬
‫َغ َب الَيْو َم َغَض ًبا َلـْم َيْغَض ْب َقْبَل ُه ْثَل ُه وال َيْغَض ُب َبْع َد ُه ْثَل ُه)) َف املراُد ذ َك ءاث اُر‬
‫الَغَض ِب وليَس املراُد الصَفَة‪ ،‬ألَّن الصَفَة أزلي ٌة أَبِد َّيٌة َلْيَس ْت طاِر ئًة ِهلل‪ُ .‬معناُه َأَّن اَهلل تعاىل‬
‫ِب‬ ‫ِب‬ ‫ِر‬ ‫ِم ِم‬
‫َأَع َّد يف ذل َك اليو ْن ءاثا الغض ما مل َيْس ْق قب َل ذل َك وال َيفع ُل بع َد ذل َك ما هَو‬
‫أش ُّد من ُه ألَّن اَهلل تع اىل ش اَء أْن َيُك وَن أْن حَي ُص َل ذل َك الي وِم مْن ءاث اِر الغضِب ُمْنَتَه ى‬
‫اآلثاِر اليت شاَء َأْن َتكوَن لكَّن اَهلل تعاىل قاِدٌر على أْن ْخَيُل َق ما هو أشُّد مْن ذل َك لكَّن ُه ال‬
‫َيفعُل‪.‬‬
‫مما حيص يوم القيامِة ما َقاَل وُل اِهلل لى ا َلي ِه َّل ‪َ (( :‬تى َّن ِئٍذ‬
‫َص ُهلل َع َو َس َم ُيْؤ َجِبَه َم َيْو َم‬ ‫َرُس‬ ‫ُل‬
‫َهَلا َس ْبُعوَن َأْل َف ِز َم اٍم َم َع ُك ِّل ِز َم اٍم َس ْبُعوَن َأْل َف َم َل ٍك ُجَيُّر وَنَه ا)) مسلم‪َ ،‬ح ىّت َيراها‬
‫الُك ّف ار‪َ ،‬يَعَّذ ُبوَن ِبَنَظِر ِه م ِإىَل هذا العُن ق ِم النار‪ ،‬هذا ِم اَألْه واِل الَعِظ ي ة اليت َتْظَه ر يِف‬
‫َم‬ ‫َن‬ ‫َن‬
‫هذا الَيْو م‪.‬‬
‫فالَعذاُب الذي أعَّد ُه َألْع داِئِه َو شاَء يف األزِل أْن ُيصيَبُه م يف اآلِخ رِة ال يَتجاَو ُز ذل َك‬
‫احلَّد الذي شاَء‪ ،‬هذا َم عىن ما َو َر َد يف َح ديِث الّش فاَعِة‪ ،‬وليَس َم عناُه أَّنُه َتَأَّثَر ذل َك الوْقت‬
‫ألَّن الَّتأُّثَر ُمستحيٌل على اِهلل ألَّن الذي يتأثُر ال ُبَّد أْن َيُك وَن حاِدًثا‪.‬‬
‫اء‬ ‫بي‬‫ْن‬ ‫األ‬ ‫َن‬ ‫و‬‫ُت‬‫ْأ‬ ‫ِو ِم املهِّم ياُن م ا يف ديِث الّش فاعِة ِب َأَّن الن ا ِح‬
‫َل‬ ‫ْب‬
‫َق‬ ‫ْعَض‬‫َب‬ ‫َي‬ ‫َني‬ ‫َس‬ ‫َح‬ ‫َب ُه‬ ‫َن‬
‫س ِّيِد نا حممد‪ُ ،‬ك ٌّل ِم ْنُه م َيُق ول "َنْف ِس ي َنْف ِس ي" ليَس َم ْع ن اُه َأَّن ُه خ اِئٌف ِم ن الَع ذاب‪ ،‬ال‪،‬‬
‫الَّنُّيِب ال خَي اُف ِم َن الَع ذاب‪َ﴿ ،‬أال ِإَّن َأْو ِلَي اء اِهلل َال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو َال ُه ْم ْحَيَز ُن وَن (‪﴾)62‬‬
‫سورة يونس‪ ،‬وهؤالِء األوِلياء‪ ،‬األنبياُء َأْع َلى ِم َن اَألْو لياء درج ًة‪ِ ،‬إَّنـما َم ْع ناُه ِهُتُّم يِن َنْف ِس ي‬
‫َو َلْس ُت هَل ا‪َ ،‬لْس ُت هِل ذه الّش فاَعة اليت َتْس َأُلون‪ُ ،‬ه م َيطُلبوَن ِم ْن َأْج ِل الشفاَعة العامة‪ ،‬هذه‬
‫الشفاَعة ُخ َّص ة للنِّيب حممد‪َ ،‬فَق ْو ُل الن ِّيب ِم َن األنبياء يِف ذِلَك ال َو ْقت "َنْف ِس ي" ِهُتُّم يِن َنْف ِس ي‬
‫ليَس َم ْع ناُه َأَّنُه خاِئٌف ِم ن الَعذاب‪ ،‬ال‪ ،‬النُّيِب ال خَي اُف ِم َن الَعذاب‪.‬‬
‫ِق‬
‫َو يِف هذا قال الن ُّيب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪(( :‬إَّن الَّش ْم َس َيْو َم ال َياَم ِة َتْدُنو َح ىَّت َيْبُلَغ‬
‫الِع ْر ُق ِنْص َف اُألُذِن ‪َ ،‬فَبْيَن ا ُه ْم َك َذ ِلَك اْس َتَغاُثوا ِب آَدَم‪َ ،‬فَيُق وُل ‪َ :‬لْس ُت ِبَص اِح ِب َذِل َك ‪َّ ،‬مُث‬
‫ُموَس ى‪َ ،‬فَيُق وُل َك َذ ِلَك ‪َّ ،‬مُث َحُمَّم ٌد َفَيْش َف ُع)) املعجم األوس ط‪ ،‬احلديث‪َ ،‬فَل ْو كاَنت‬
‫االْس ِتغاَثة ِبَغ ِري اِهلل ِش ْر ًك ا َأْو َح راًم ا ما قاَل الرسوُل ذِل ك‪ ،‬واالس ِتغاَثة والَّتَو ُّج ه والَّتَو ُّس ل‬
‫الو اِب ة َل ا ِقي َل ِذل ك ق ال‪ :‬هذا يِف ي وِم الِق يا ة ِص‬ ‫ِح‬
‫َم َي ُري‬ ‫والَّتَج ُّو ه َمِبعىًن وا د‪َ ،‬بْعُض ّه ّي ّم َل ُه‬
‫ِش ًك ا نا ِص حالاًل يِف يوِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِق‬
‫َح الاًل ‪َ ،‬ف ي َل َل ُه‪َ :‬أنَت ًذا َتْز ُعُم َأَّن الِّش ْر َك ال ذي َتْز ُعُم ُه ْر ُه َي ُري‬
‫الِق ياَم ة والعياُذ باهلل‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنِح ُّب َأْص َح اَب َرُس وِل اِهلل َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم ‪َ ،‬و ال‬
‫ُنْف ِر ُط في ُح ِّب َأَح ٍد ِم نُه ْم َو ال َنَتَبَّر ُأ ِم ْن َأَح ٍد ِم ْنُه ْم ‪َ ،‬و ُنْبِغُض َمْن ُيْبِغُضُه ْم وِبَغْيِر الَخ ْيِر‬
‫َيْذ ُك ُر ُه ْم ‪ ،‬وال َنْذ ُك ُر ُه ْم إال ِبَخ يٍر ‪ ،‬وُح ُّبُه ْم ِد يٌن وإيماٌن وإْح ساٌن ‪.‬‬
‫الشر ‪َ :‬أ حا رسوِل اِهلل لى ا َليِه َّل م َلُقو مؤمن ب ِه يف ياِتِه‬
‫َح‬ ‫َص ُهلل َع َو َس َم ُه َمْن ُه َني‬ ‫ُح ْص ُب‬
‫َو ماُتوا َعَلى ذِلَك َو كان ِلقاُؤ ُه م على الَو جِه املتعاَر ِف ليَس ما َيُك وُن ِبطري ِق َخ ْر ِق العادِة‪،‬‬
‫ِد‬
‫فاألنِبياُء الذيَن اجتمُع وا ب ِه ليل َة املعراِج يف املسْج األقصى ال ُيَع ُّدوَن َص حابًة ألَّن ذل َك‬
‫االْج تماَع ليَس على الَو جِه املتعاَر ِف ‪.‬‬
‫َأما قوُل ُه‪َ" :‬و ال ُنْف ِر ُط في ُح ِّب َأَح ٍد منُه م" أْي ال َنتجاوُز احلَّد يف َحَمَّب ِة َأَح ٍد كَم ا‬
‫جَت اوَز بعُض املبتِد عِة‪.‬‬
‫ومعىن قوِلِه‪" :‬وال َنَتَبَّر ُأ ِم ْن َأَح ٍد منُه م" أْي ال ُنَك ِّف ُر منُه م َأَح ًد ا‪.‬‬
‫ي‬ ‫التفص‬ ‫حي‬ ‫ومع ىن "وال َن ْذ ُك م إال بخيٍر " هذا م حيُث اإلمجاُل أَّم ا ِم‬
‫ُل‬ ‫ُث‬ ‫ْن‬ ‫ْن‬ ‫ُر ُه‬
‫فَنْم َد ُح وَن ُذُّم على حَس ِب م ا َيقتِض يِه الش رُع‪ .‬الَّر س وُل َذَّم َبْعَض الّص حاَبة ِلَبْع ِض‬
‫اَألْفعال‪َ ،‬فهذا ُيواِفُق الّش رع‪.‬‬
‫أَّم ا قوُل ُه‪" :‬وال َنَتَبَّر ُأ ِم ْن َأَح ٍد ِم نُه م" إىل قوِلِه‪" :‬وإْح ساٌن " َليَس معناُه أنه ُيَس اَو ى‬
‫ِة‬
‫بَني ُك ِّل َمْن َثَبَتْت ل ُه الُّص حَبُة يف احملَّب والتْع ظيِم واإلجالِل ‪ ،‬فذلَك غ ُري ُم راد‪ِ ،‬إَّنـما املراُد‬
‫َأَّنَن ا ال َنْنُب ُذ َأَح ًد ا َّمِمْن َثَبَتْت ل ُه الُّص حبُة وَثَبَت على ُمْق َتضاها ِإىل ءاِخ ِر حياِت ِه‪ ،‬أْي ال‬
‫ِخ‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬
‫خُن ِر ُج َأَح ًد ا منُه م ْن ُح ْك ِم الُّص حب ‪ ،‬هذا املقص وُد‪ ،‬ألَّن الُّص حبَة إذا ُأ َذ ْت على معىَن‬
‫ِإ‬ ‫ِن ِه‬
‫ُمْطَل ِق االجتماِع م َع اإلميا ب َتشمُل َمْن قاَل عن ُه الَّر سوُل فالٌن يف الناِر ‪َ ،‬ف َّنُه قاَل عْن‬
‫شخٍص مْن أهِل الُّص َّف ِة ُو ِج َد مع ُه ِد يناٌر أو ِديناراِن ‪َ(( :‬ك َّي ٌة َأْو كَّيتاِن )) أمحد‪ ،‬ألنه كاَن‬
‫م‬ ‫َن‬ ‫كا‬ ‫ءا‬ ‫ع‬ ‫َل‬ ‫وقا‬ ‫ري‪.‬‬ ‫تظاه بالَف ْق ِر وْخُيِف ي م ااًل ْأ ُذ م ااًل ِم الَغِرْي َلى َأَّن َفِق‬
‫َع‬ ‫َخ‬
‫ْن َر‬ ‫َع ُه‬ ‫َن‬ ‫َو َي ُخ‬ ‫َي ُر‬
‫الَّر سوِل يف الَغ ِو َغَّل ْمَشَلًة أ َأخ َذ ها ِر قًة قب أْن ْق املغا ‪(( :‬رأي ْمَشَلَت َتْش َتِع‬
‫ُت ُه ُل‬ ‫َل ُت َس َم ُمِن‬ ‫َس‬ ‫ْي‬ ‫ْز َف‬
‫علي ِه ناًر ا)) املستدرك‪َ .‬و كاَن شخٌص ءاَخ ُر كاَن ُيقاتُل يف بعِض الَغ َز واِت الُك َّف اَر قت ااًل‬
‫شديًد ا فَأعجَب بعَض الَّص حابِة ملا َر َأْو ا ِم ْن َنشاِطِه‪َّ ،‬مُث قاَل الَّر ُس وُل عن ُه‪(( :‬إَّنُه يف الَّناِر ))‬
‫رواُه الُبخارُّي ‪ ،‬واحلاِص ُل َأّنُه ليَس ُك ُّل فرٍد منُه م كاَن َتِق ًّيا صاًحِلا‪.‬‬
‫َعن َأيِب ُه َر ي َر َة َق اَل َش ِه دَنا َم َع َرُس وِل اِهلل َص َّلى اُهلل َعَلي ِه َو َس لـم ُح َنيًن ا َفَق اَل ِلَر ُج ٍل‬
‫ِم ـَّم ن ُيدَعى ِباِإل سَالِم ((َه َذ ا ِم ن َأهِل الَّناِر )) َفلما َح َض رَنا الِق َت اَل َقاَتَل الَّر ُج ُل ِقَت اال َش ِد يًد ا‬
‫ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِذ‬ ‫ِهلل‬ ‫ِق‬ ‫ِج‬
‫َفَأَص اَبتُه َر اَح ٌة َف ي َل َيا َرُس وَل ا الَّر ُج ُل اَّل ي ُقلَت َلُه آ ًف ا ((ِإَّنُه ن َأهِل الَّناِر )) َفِإَّنُه‬
‫ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِق‬
‫َقاَت َل الَي وَم تاال َش يًد ا َو َق د َم اَت ‪ ،‬فقال الَّنُّيِب َص َّلى اُهلل َعَلي َو َس لـم‪ِ(( :‬إىل الَّناِر )) َفَك اَد‬
‫َبعُض الـمسلمَني َأن َيرَت اَب ‪َ ،‬فَبيَنَم ا ُه م َعَلى َذِل َك ِإذ ِقي َل ِإَّنُه لـم َيـُم ت َو َلِكَّن ِب ِه ِج َر اًح ا‬
‫َش ِد يًد ا‪َ ،‬فلما َك اَن ِم الَّلي ِل لـم ص رِب َلى اِجل اِح َق َت َنف َفُأخ الَّن َّلى ا َلي ِه‬
‫َر َف َل َس ُه َرِب ُّيِب َص ُهلل َع‬ ‫َي َع‬ ‫َن‬
‫َس لم ِب َذ ِلَك َفق ال‪(( :‬اُهلل َأكَب َأش َه ُد َأيِّن َعب ُد اِهلل َر ُس وُلُه)) ثـ َأَم ِبَالال َفَن اَدى يِف‬
‫ّم َر‬ ‫َو‬ ‫ُر‬ ‫َو‬
‫الَّناِس ((ِإَّن ُه َال َي دُخ ُل اَجلَّن َة ِإَّال َنفٌس ُمسلمٌة َو ِإَّن اَهلل ُيَؤ ِّي ُد َه َذ ا ال ِّديَن ِبالَّر ُج ِل الَف اِج ِر ))‬
‫رواُه مسلم‪.‬‬
‫مث قول ه‪َ :‬ص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم يف أهِل ِص ِّف َني ال ذين ق اِتُلوا علًّي ا ((إَّنُه م ُدع اٌة إىل‬
‫الناِر )) َيْش َم ُل َع َد ًدا قلياًل ِم َن الَّص حاَبِة فهؤالِء الذيَن قاتُلوا س ِّيَد نا َعِلًّي ا ِقسٌم َقِلي ٌل َم ْنُه م‬
‫ِم الّص حا ة والِق س األك مل ُك ونوا م الَّص حابِة ِإَّنـما ِم اَّلذي َأسَل وا ِم أهِل الَّش اِم‬
‫َن َن ُم ْن‬ ‫َن‬ ‫ُم ُرب َي‬ ‫َب‬ ‫َن‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬
‫َن اَّلذيَن َم َّو َه عليِه م ُمعاَو َيُة وَأْو َمَهُه م أَّن َع ًّيا كاَن لُه َيٌد يف قتِل ُعثماَن ‪ ،‬وَع ٌّي َبِر يٌء ْن‬
‫ِه‬
‫ذل َك ‪َّ .‬مُث هَو ‪َ -‬أْي ُمعاِو ي ُة ‪ -‬بع َد أْن َحَص َل على َم ْطُلوِب َك َّف َي َد ُه َعْن ُأولئَك ال ذيَن‬
‫روا‬ ‫فيما‬ ‫عن‬ ‫ا‬ ‫رض‬ ‫عل‬ ‫َل‬ ‫قا‬ ‫ا‬ ‫ك‬ ‫الُّدنيا‬ ‫ُل‬‫ط‬ ‫َن‬ ‫كا‬ ‫أنه‬ ‫بذل‬ ‫ُل وا ثماَن ‪ ،‬ف ِل‬
‫ُه‬ ‫ُه‬ ‫َي ُهلل‬ ‫ٌّي‬ ‫َم‬ ‫َي ُب‬ ‫َك‬ ‫ُع َم‬ ‫َقَت ُع‬
‫عنُه ُمَس َّد ٌد يف ُمْس َنِدِه‪.‬‬
‫ِل‬
‫َو َيُد ُّل َعَلى ذ َك َأْيًض ا َأَّن ُمعاِو َي َة َقْب َل َأْن ُمَيوت صاَر َيْس َعى بَنْي الّن اس َح ىّت َخُيَّل َف‬
‫وِد َأكاِبِر الَّص حا ة ِم اَألْتِق ياء‪ِ ،‬م الذي ي َتِح ُّقوَن اِخلالَف ة َك ِد اِهلل‬
‫َعْب‬ ‫َن َن ْس‬ ‫َب َن‬ ‫ابنه َيِز يد َم َع ُو ُج‬
‫ْبِن الُّز َبرْي ‪َ ،‬ح ىّت قاَل َلُه َبْعُض الّص حاَبِة ِح َني َك َّلَم ُه م يِف َأْم ِر َو َلِدِه َيِز يد قاَل َلُه‪َ" :‬أَقْيَص ِر َّيٌة‬
‫ِه ي"؟ ُك َّلما ماَت َقْيصر َخ َلَف ُه َقْيَص ر‪.‬‬
‫م ع أكابِر الَّص حابِة ِحُن ُّب الس ِم الُّص حبِة با تباِر هذِه‬ ‫ِء‬
‫ْع‬ ‫ُه ْم‬ ‫فهؤال الذيَن َنَز َلْت َمْر َتَبُتُه ْن‬
‫الَّناحيِة‪ ،‬وِحُن ُّبُه م ألهنم َخ َد ُموا الِّديَن ‪.‬‬
‫ِح‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِل‬
‫َو َي ُد ُّل َعَلى ذ َك َأْيًض ا َأَّن َبْعَض الَّص حاَب كاَن َم َع الَّر ُس ول يِف َح َّج ال َو داع َني‬
‫قاَل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪(( :‬ال َتْر ِج ُعوا َبْع ِد ي ُكّف ارا َيْض ِر ُب َبْع ُض ُك م ِر قاَب َبْع ٍض )) أبو‬
‫يعلى‪ ،‬أي كالُك ّف ار‪ ،‬رُج ل ُيقاُل َلُه َأُبو الغاِدَية‪ُ ،‬ه َو الذي َقَت َل َعّم اَر بِن ياِس ر‪ ،‬وكاَن ِإذا‬
‫اٍر بالب اب‪ ،‬ىِن َلى ِه‬ ‫ِت‬ ‫ِق‬ ‫ِب‬ ‫ِإ‬
‫َيْع َع َو ْج‬ ‫ج اَء ىَل َأْب وا َبْع ِض َبيِن ُأّم َّي ة َو ي َل‪َ :‬مْن ؟ ق ال‪ :‬قا ُل َعّم‬
‫االْفِتخار والِعياُذ باهلل‪ ،‬وهذا كان ِمَس َع ِم ْن َفِم ال ُس ول هذا اَحلِد يث‪ِ ،‬م ْث هذا ال َيكوُن يِف‬
‫ُل‬ ‫ّر‬
‫ِم ْثِل َمْر َتَبِة َعِلٍّي َو ُعثمان َو ُعَم ر‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُبْغُضُه ْم ُكْف ٌر وِنَف اٌق َو ُطْغَياٌن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬املراُد هبذا بغُض مجيِعِه م‪َ ،‬فَم ْن أبغَض مَج ي َع الصحاَبِة فهو كافٌر ‪ ،‬وال يعين‬
‫ِبذلَك أَّن َمْن أبغَض واِح ًد ا يكوُن كاِفًر ا وال ِس َّيَم ا إْن كاَن ُبْغُض ُه ِلَبْع ٍض ِلَس َبٍب َش ْر ِعٍّي ‪.‬‬
‫(َك الذي َقَتَل َعّم اًر ا‪ ،‬هذا ال ِجَت ُب َحَمَّبُتُه)‪.‬‬

‫ِه َّل‬ ‫ِل ِهلل‬ ‫ِب ِخ‬ ‫ِّل ِح‬


‫قاَل المؤ ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ُنْث ُت ال الَف َة َبْع َد َرُس و ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫َأَّواًل َألبي ْك ٍر ال ِد يِق ِض ا َعْن ْف ِض ياًل َل ْق ِد ي ا َعَلى ِم يع اُألَّم ِة‪ُ ،‬ثَّم ِل‬
‫َر‬ ‫َم‬ ‫ُع‬ ‫َج‬ ‫ُه َو َت ًم‬ ‫َب ّص َر َي ُهلل ُه َت‬
‫ْبِن الَخ َّط اِب ِض ا َعْن ُه‪ُ ،‬ثَّم ِل ْث اَن ِض ا َعْن ُه‪ُ ،‬ثَّم ِل ِلِّي بِن َأِبي َط اِلٍب ِض‬
‫َر َي‬ ‫َع‬ ‫ُع َم َر َي ُهلل‬ ‫َر َي ُهلل‬
‫اُهلل َعْنُه‪َ ،‬و ُه ُم الُخ َلَف اُء الَّر اِش ُد وَن َو اَألِئَّمُة الُم ْهَتُد وَن ‪.‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أَّنُه ُيْع َلُم مْن هذِه الِعَب اَر ِة أَّن أفضَل ُأَّم ِة َحُمَّم ٍد عن َد اِهلل أُبو َبْك ٍر َّمُث ُعَم ُر َّمُث‬
‫ُعْثَم اُن َّمُث َعِلٌّي ‪ ،‬أَّم ا تفضيُل أيب َبْك ٍر وُعَم َر على َمْن بْع َد مُه ا َفِبِإمْج اِع أهِل احلِّق ‪ ،‬وأَّم ا‬
‫تفضيُل ُعثماَن على َعِلٍّي فهَو ما علي ِه أكثُر أهِل الُّس َّنِة‪ ،‬وق ْد خ اَلَف بعُض أهِل الُّس َّنِة يف‬
‫ذلَك فقاَل ‪ :‬ال ُنَف ِّض ُل هذا على هذا وال هذا على هذا‪.‬‬
‫وقوُل ُه‪" :‬الخلفاُء الَّر اشدوَن " ليس معن اه َح ْص َر اخلالفِة الراش دِة يف األربَع ِة َب ِل‬
‫احلسُن بُن َعِلِّي داِخ ٌل يِف اِخلالَف ِة الَّر اِش َد ِة وكذِلَك ُعَم ُر بُن َعْب ِد الَعِز ي ِز ُيَس ّم ى خليف ًة‬
‫راِش ًد ا‪.‬‬
‫َو َثَبَت َأَّن َعِلًّي ا َر ِض َي اُهلل َعْن ُه كاَن َل ُه َو َل د اُمْسُه َحُمَّم د ابُن اَحلَنِف ّي ة‪ ،‬كاَن َعِلّي َأَخ َذ‬
‫ِع‬ ‫ِف‬ ‫ِق‬ ‫ِف‬
‫اَحلَن ّي ة يِف ال تال واَخَّتَذ ها راًش ا َيْع ىِن َح َّلت َل ُه بالّطريق الّش ر ّي ‪َ ،‬و َل َد ت َل ُه َحُمَّم ًد ا َفَطَل َع‬
‫ِإماًم ا ْجُمَتِه ًد ا ِم َن األكابر‪ُ ،‬ه َو قال‪َ :‬أنا َس َأْلُت َأيِب َمْن َأْفَض ُل هذه اُألَّم ة َبْع َد َنِبِّينا حممد؟‬
‫فق ال َعِلٌّي ‪َ :‬أب و َبكر‪ ،‬ق ال‪ُ :‬قْلُت ‪َّ :‬مُث َمْن ؟ ق ال َعِلٌّي ‪ُ :‬عَم ر‪ ،‬ق ال‪ :‬فُقلُت ‪َّ :‬مُث َأْنَت ؟ ق ال‪:‬‬
‫ِإَّنـما َأن ا َر ُج ٌل ِم َن املْس ِلِم ني‪ ،‬هذا ِم ْن ِش َّد ِة َتواُض ِعِه‪َ .‬و َعِلٌي كاَن ِحُي ُّب َأب ا بْك ر َو ُعَم ر‬
‫َو ِحُي ُّب ُعْثمان‪ ،‬اُهلل َر َز َق ُه َأْو الد َك ِث ريين َو ّمَسى َو َل ًد ا َأب ا َبكر َو ّمَسى َو َل ًد ا عمر َو ّمَسى َو َل ًد ا‬
‫عثمان‪َ ،‬و َز َّو َج اْبَنَت ُه ُأّم ُك ْلُث وم َو كانت َص ِغَرية ُدوَن الَعْش ر َس َنوات ِلَس ِّيِد نا ُعَم ر َو كاَن‬
‫َق ا مسني َأْثنا ِخ الَفِتِه‪َ ،‬ل ال ِش ّد ُة احملَّبة َك ماُل ا َّب ة ما كان ْف ِم ْث هذا‪ِ .‬ل‬
‫َع ّي‬ ‫َي َع ُل َل‬ ‫َحمل‬ ‫َو‬ ‫ْو‬ ‫َء‬ ‫َفْو َخل‬
‫َأْر َس َل ابَنَت ُه ُأَّم ُك لُث وم ِإىَل ُعَم ر ِلَيْنُظ َر ِإَلْيها َو كانت َص ِغَرية ال َتْف َه ُم ُك َّل الِعب ارات‪ُ ،‬ك َّل‬
‫اجملاز‪ ،‬ق ال هلا‪ُ :‬ق ويِل َل ُه‪َ :‬ه ْل َأْع َج َبْت َك اُحلَّل ة؟ اُحلَّل ة ُتْطَل ق َعَلى الَق ِم يص َو ُتْس َتْع َم ل جماًز ا‬
‫عِن املرأة‪َ ،‬فَنَظ َر ِإَلْيها‪ ،‬ق ال هلا‪ُ :‬ق ويِل َألِبي ِك َأْع َج َبْتيِن اُحلَّل ة‪َ ،‬ف َذ َه َبت َو ِه َي ال َتْع ِر ُف م ا‬
‫املراد‪ ،‬فقاَلت َألِبيها قال أعجبتين‪َ ،‬فَز َّو َج ُه ِإّياها َو َو َلَد ت َلُه َز ْيًد ا‪َ .‬بْعُض الناس ِم ْن ِش َّدة‬
‫َك راِه َّيِتِه م ِلُعَم ر َيُقول ون‪ :‬هذه ِج ِّنَّي ة َظَه َر ت َل ُه ِبَش ْك ِل ُأّم ُك ْلُث وم‪ ،‬كاَن يْأِتيها‪ِ ،‬م ْن َأْين‬
‫جاَء َز ْيد بن ُعَم ر! بن أّم ُك ْلُثوم!!‬

‫لى ا َعَلي ِه‬ ‫ِح‬


‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ِإَّن الَعَش َر َة الذيَن َس َّم اُه ْم َرُس وُل اُهلل َص ُهلل‬
‫وُل اِهلل لى ا َعَلي ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬
‫َص ُهلل‬ ‫َو َس َّلَم َو َبَّش َر ُه ْم ِبالَج َّن َنْش َه ُد َلُه ْم ِبالَج َّن َعَلى َم ا َش ِه َد َلُه ْم َرُس‬
‫َو َس َّلَم َ‪ ،‬وقول ه‪ :‬الَح ُّق َو ُه ْم َأُب و َبْك ٍر َو ُعَم ُر َو ُعْثَم اُن َو َعِلٌّي َو َطْلَح ُة والُّز َب يُر َو َس ْع ٌد‬
‫ِعيٌد َعْبُد ال َّر ْح مِن ب َع ٍف وَأ و ُع ْي َد َة ب ال َّر اِح ُه َأِم ي ه ِذِه اُألَّم ِة ِض‬
‫َر َي‬ ‫ُب َب ُن َج َو َو ُن‬ ‫ُن ْو‬ ‫َو َس َو‬
‫اُهلل َعْنُه ْم َأْج َم ِعيَن ‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬أننا َنْش ُد با َّن ِة لل َش ِة الذي َّش الَّن لى ا َلي ِه َّل با َّن ِة‬
‫َن َب َر ُه ُم ُّيِب َص ُهلل َع َو َس َم َجل‬ ‫َه َجل َع َر‬ ‫ُح‬
‫وا‬ ‫ٍص‬ ‫ا‬ ‫َّق‬ ‫يِب‬
‫َأ‬ ‫ب‬ ‫ِث‬
‫كَم ا جاَء ذل َك يف احلدي ال ذي َر واُه أب و داوَد وغ ُريُه َو‬
‫‪،‬‬ ‫‪175‬‬
‫ُم‬ ‫ْس‬ ‫ُن َو‬ ‫ُد‬ ‫ْع‬ ‫َس‬
‫َأيِب َو َّقاٍص ماِلٌك ‪ ،‬وأما َس ِعيٌد فهو َس ِعيُد ابُن َز ْيٍد ‪ ،‬وأَّم ا أبو ُعَبْيَد َة َفاُمْسُه عاِم ٌر ‪.‬‬
‫ِهلل‬ ‫ِح‬
‫قاَل المؤِّل ف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و َمْن َأْح َس َن الَق ْو َل في َأْص َح اِب َرُس وِل ا َص لى اُهلل‬
‫َعَلي ِه َو َس َّلَم َو َأْز َو اِج ِه الَّط اِه راِت ‪ِ 176‬م ْن ُك ِّل َدَنٍس َو ُذِّر َّياِتِه المَق َّد ِس يَن ِم ن ُك ِّل ِر ْج ٍس‬
‫فقد برئ ِم َن الِّنَف اِق ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أَّن َأْز واَج الن َّيب َص لى اُهلل َعَلي ِه َو َس َّلَم الاّل يِت ُفْز َن ِبِعْش َر ِتِه جيُب َتعظيُم ُه َّن‬
‫وَحَمَّبُتُه َّن كَم ا جيُب َحَمَّب ُة الَّص حابِة‪( .‬الَّز ْو جاُت الاليت َبِق َني َم َع الَّر ُس ول َأْو ماَت الّر ُس ول‬
‫َو ُه َّن َز ْو ج ات َل ُه‪ُ ،‬ك ٌّل ِم ْنُه َّن ُكَّن ِم َن الَو ِلّي ات)‪ .‬وال ِّر ْج ُس املذُك وُر يف قوِلِه تع اىَل ‪:‬‬
‫دي‬ ‫َّتق‬ ‫ل‬ ‫وا‬ ‫‪،‬‬ ‫ُك‬ ‫ر‬ ‫الِّش‬ ‫هو‬ ‫األحزاب‪،‬‬ ‫ورة‬ ‫س‬ ‫)﴾‬ ‫َأْه الَبْيِت (‪33‬‬ ‫ِّر‬ ‫ال‬ ‫ُك‬ ‫ْن‬ ‫﴿ِل ْذ ِه‬
‫ُس‬ ‫َل‬ ‫َس‬ ‫ْج‬ ‫ُم‬ ‫َع‬ ‫َب‬ ‫ُي‬
‫الَّتْطِه ُري‪.‬‬
‫َيْع ىِن ليَس َم ْع ىَن هِذِه اآلَية َمْن كاَن ِم ْن َأْه ِل البيت ال ْحَتُص ُل ِم ْن ُه َم ْع ِص َية‪ ،‬اُهلل تعاىل‬
‫ق اَل ِح كاَي ًة َعْن ِإب راِه يم َعَلْي ِه السالُم ﴿َو اَّل ِذ ي َأْطَم ُع َأْن َيْغِف َر يِل َخ ِط يَئيِت َيْو َم ال ِّديِن (‬
‫‪ ﴾)82‬سورة الشعراء‪ِ ،‬إبراِه يم َأْف ن عَد سِّيِد نا حممٍد كاَن جاِئ ا َل ِه ِف املعِص ِة‬
‫َي‬ ‫ًز َع ْي ْع ُل‬ ‫َو‬ ‫َض ُل ٍّىِب َب‬
‫يِف حياِتِه‪ ،‬ولي َم ْع ىَن اآلَي ة َأَّن ُه َيكوُن َعَلْي ِه َم عِص َية ماَت ْمَل تْغَف ر َل ُه‪ ،‬هذا ال َيكوُن يِف‬
‫َو‬ ‫َس‬
‫الن بِّيني‪ ،‬الن ُّيب ِإْن َحَص َلت ِم ْن ُه َم ْع ِص َية صِغرية م ا ِفيها ِخ ّس ة َو ال دن اَءة ال ُمَيوُت ِإاّل تاِئًب ا‬
‫ِم ْنها‪ ،‬لِكْن هذا َم ْع ن اُه َج واُز ُو ُق وُع ا عِص َيِة ِم ْن ِإب راِه يم َأْفَض ل نّىِب َبع د س ِّيِد نا حممد‪،‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱَمل‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫لَعَرَش ُة ْلُم َبُرَّش وَن اِب ْلَجَّنِة مُه َأُبو َبْك ٍر لِّص ِّد يُق َو َمُع ُر ْبُن ْلَخ َّط اِب َو ُع َمثاُن ْبُن َع َّفاَن َو َعُّيِل ْبُن َأيِب َط اِلٍب َو َط لَح ُة ْبُن ُع َبْي ِد ِهللا َو لُّز َبُرْي‬ ‫‪175‬‬

‫ْبُن ٱلّعَّو اِم َو َس ْع ُد ْبُن َأيِب َو َّقاٍص َو َس ِع يُد ْبُن َز ْيٍد َو َعْب ُد ٱلَّر ٰمْح ِن ْبُن َع ْو ٍف َو َأُبو ُع َبْي َد َة ْبُن ٱْلَج َّر اِح‪،‬‬
‫ٱ‬ ‫ٱ‬ ‫ٱ‬
‫قاَل لَّش ْي ُخ ريض هللا عنه‪" :‬أفَض ُل ِنَس اِء ْلَع اَلِم َني َم ْر ُمَي َّمُث فاطمُة مث َخ ِد َجْيُة َّمُث َء اِس َيُة َّمُث َعاِئَش ُة “ َأَّم ا َعاِئَش ُة َفِهَي َأْفَقُه ِنَس اِء ْلَع اَلِم َنِي‬ ‫‪176‬‬
‫َفَك َمِبن كاَن وَن ْنِز َل ة‪ ،‬ق اُل ْن ع وم؟! ال حَت ل ِم ْن عِص ة كَأ ِل بيِت‬
‫ُه َم َي ْه‬ ‫ُص‬ ‫ُي َع ُه َم ُص‬ ‫ُد ُه َم‬ ‫ْي َف‬
‫الرسول؟! ال‪.‬‬
‫وهذا الفضُل شاِم ٌل َألهِل بيِتِه َعِلٍّي َو فاطمَة واحلسِن واُحلَس ِني والَعَّباِس وحَن ِو ِه م‪ ،‬وال‬
‫ُيَتَو َّه ُم أَّن أهَل البيِت خاٌّص بالُّذ ُك وِر بدليِل قوِلِه تعاىَل ‪َ﴿ :‬قاُلوا َأَتْع َج ِبَني ِم ْن َأْم ِر اِهلل َر َمْحُة‬
‫اِهلل َك اُت َل ُك َأ ال ِت (‪ ﴾)73‬س ورة هود‪ ،‬واِخلط ا يف هذِه اآل ِة إىل زو ِة‬
‫َج‬ ‫َي‬ ‫ُب‬ ‫َو َبَر ُه َع ْي ْم ْه َل َبْي‬
‫إبراهيَم ‪.‬‬

‫ي‬ ‫عَد ُه ِم الَّتاِبِع‬ ‫ي‬ ‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪ُ :‬عَل ا الَّس َلِف ِم الَّس اِبِق‬
‫َن‬ ‫ْم َن‬ ‫َب‬ ‫َمْن‬ ‫َن َو‬ ‫َن‬ ‫َم ُهلل َو َم ُء‬
‫ِب وٍء‬ ‫ِب ِم‬ ‫ِف ِه‬
‫َأْه ُل الَخ يِر واَألَث ِر َو َأْه ُل ال ْق َو الَّنَظ ِر ال ُي ْذ َك ُر وَن إال الَج ي ِل َو َمْن َذَك َر ُه ْم ُس‬
‫َفُه َو َعَلى َغيِر الَّس ِبيِل ‪.‬‬
‫الشر ‪ :‬ذلَك ألَّن تعظي هؤالِء وَتوِق م ِم تعظيِم ِديِن اِهلل‪ ،‬و م لفا الَّر س وِل‬
‫ُه ُخ ُء‬ ‫َريُه ْن‬ ‫َم‬ ‫ُح‬
‫يف َتبلي ِغ الَّش ريعِة إىل الن اِس َفَو َج َب َتوِق ُريُه م وَتعِظ يُم ُه م واِّتب اُعُه م‪ ،‬وألَّن اَهلل َن َد َبَنا إىل‬
‫الُّد َعاِء واالستغفاِر هلم بقوِلِه‪َ﴿ :‬و اَّلِذ يَن َج اُءوا ِم ْن َبْع ِدِه ْم َيُقوُلوَن َر َّبَنا اْغ ِف ْر َلَنا َو ِإل ْخ َو اِنَنا‬
‫اَّل ِذ يَن َس َبُقوَنا ِباِإل َمياِن َو ال ْجَتَع ْل يِف ُقُلوِبَن ا ِغاًل ِلَّل ِذ يَن َآَم ُن وا (‪ ﴾)10‬سورة احلشر‪ ،‬اآلي َة‪،‬‬
‫ِن‬ ‫ِن‬
‫فهذا هو س بيُل املؤم َني أْن ُيَو اَيِل َبْع ُض ُه م َبْع ًض ا َحِلِّق اإلميا ال ذي َمَجَعُه م‪َ ،‬و ق ْد ق اَل اُهلل‬
‫تعاىل‪َ﴿ :‬و الـُم ْؤ ِم ُنوَن َو ا ْؤ ِم َن اُت َبْع ُض ُه ْم َأْو ِلَي اُء َبْع ٍض (‪ ﴾)71‬سورة التوبة‪َ ،‬فَم ْن َذَك َر ُه م‬
‫ِن‬ ‫ِخل‬ ‫ِق‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ُمل‬ ‫ٍء‬
‫ِبُس و َفَق ْد َع َد َل عْن َس ِبيِل املواال الِّديني ‪ ،‬وذل َك ْن َعالما الِّنفا وا ْذ ال ‪ ،‬وذل َك‬
‫ألهنم ِبَص الِح ِه م صاُر وا أحباَب اِهلل‪.‬‬
‫انتهى الدرس ‪20‬‬

‫ما َتَبّق ى ِملْن هذا امللّف ‪ ،‬الكتاب ْمَل ُيَتَلَّق َعِن الشيخ نبيل حفظه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪ :‬وال َف ِّض َأ ًد ا ِم اَألوِل اِء َلى َأ ٍد ِم اَألْنِب اِء‬
‫َي َع َح َن َي‬ ‫ُن ُل َح َن‬ ‫َم ُهلل‬
‫َعَلْيِه ُم الَّس الُم َو َنُقوُل َنِبٌّي َو اِح ٌد َأْفَض ُل ِم ْن َج ميِع اَألْو ِلَياِء ‪:‬‬
‫الشرُح ‪ :‬وذل َك ِلقوله تع اىَل ‪َ﴿ :‬و ُك اًّل َفَّض ْلَنا َعَلى الَع اَلِم َني (‪ ﴾)86‬سورة األنعام‪،‬‬
‫أي َأَّن كاَّل ِم َن األنبي اِء ال ذيَن ُذِك ُر وا َفَّض ْلَناُه على الع اَلِم َني وذل َك ِم ْن َمْر َتَب ِة الُّنُبَّو ِة‪،‬‬
‫وُيشارُك ُه م يف ذلَك غ ُري املذكوِر يَن ألَّن الِّص فَة اليت ُفِّض ُلوا ِم ْن َأْج ِلها موجودٌة يف اجلمي ِع‬
‫وهي الُّنُبَّوُة‪ ،‬وال جيوُز تأوي ُل اآلي ِة ب أَّن املراَد َع اَلُم و زم اِن أولئَك املذُك وِر يَن ‪ ،‬ألَّن هذا‬
‫تأويٌل بال دليٍل وهو ممنوٌع‪.‬‬

‫َّح ِن الِّثَق اِت ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِح‬


‫ْن‬ ‫قاَل المؤِّل ُف ر َم ه اُهلل‪َ :‬و ُن ؤ ُن ِبَم ا َج اَء ْن َك َر اَم اِتِه ْم َو َص َع‬
‫ِر َو اَياِتِه ْم ‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬جيُب اإلمياُن بكرام اِت األولي اِء ‪ ،‬وُه ُم املؤمن وَن املستقيُم وَن بطاع ِة اِهلل‪َّ ،‬مُث‬
‫الكرامُة هي أمٌر خارٌق للعادِة َتظهُر على َيِد املؤمِن املستقيِم بطاعِة اِهلل‪ ،‬وحُي تَم ُل أْن يكوَن‬
‫مراُد املؤِّلِف بقوِلِه‪" :‬كراماِتِه م" ما َيشمُل معجزاِت األنبياِء ألنه مْن حيُث املعىن الُّلَغ ِو ُّي‬
‫كَر ام ٌة وإْن كاَن َخُيُّص ِباس ِم املعجزِة ما حَي ص ُل لألنبياِء َّمِما َيَتَح َّد ْو َن ب ِه ُأَمَمُه ُم الكافريَن ‪،‬‬
‫ِة‬ ‫ِه‬ ‫ِق ِم‬ ‫ِم‬
‫َفال مَي نُع ذلَك ْن إطال ْثِل هذ العبار يف هذا املوضِع باملعىن الشامِل لألمَر ْيِن ‪ ،‬وحُي تمُل‬
‫أْن يكوَن أراَد بقوِلِه‪" :‬كراماِتِه م" األولياَء دوَن األنبياِء ‪.‬‬

‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه اُهلل‪ُ :‬نْؤ ِم ِبَأْش اِط الَّس اَعِة ِم ْن ُخ وِج ال َّد َّج اِل ُنُز وِل‬
‫َو‬ ‫ُر‬ ‫َو ُن َر‬ ‫َم‬
‫ِع يسى ابِن َمْر َيَم َعَليِه الَّس الُم ِم َن الَّس َم اِء ‪.‬‬
‫ِط‬ ‫ِه‬ ‫ِة‬ ‫ٍط‬
‫الشرُح ‪ :‬األشراُط مجُع شر مبعىن العالم ‪ ،‬وَأَّو ُل هذ األشرا على ظاهِر ما ورَد‬
‫يف ُمْس ِلٍم خروُج الَّد َّج اِل ‪َّ ،‬مُث األشراُط ِقسماِن ‪ُ :‬ك َربى وهَي َعَش َر ٌة‪ ،‬وما ِس َو ى ذلَك ُيقاُل‬
‫ِط‬ ‫ِء ِم‬ ‫ِع‬
‫هلا األشراُط الُّص ْغَر ى‪ ،‬ونزوُل يسى مَن الَّس ما َن األشرا الُك ْبَر ى‪ ،‬أَّم ا َم ا َذَك َر َبعُض‬
‫م‬ ‫َل‬ ‫نزو‬ ‫َّن‬‫أ‬ ‫ْد‬ ‫ِر‬ ‫مل‬ ‫يسى‬ ‫ُك َّتاِب الَق اِد اِنَّيِة يف منشوٍر ل أَّن ما جا يف احلديِث ِم ُنزوِل ِع‬
‫َن‬ ‫ُه‬ ‫َي‬ ‫ْن‬ ‫َء‬ ‫ُه‬ ‫َي‬
‫الَّس ماِء فهذا جهٌل من ُه باحلديِث ‪ ،‬فق ْد َو َر َدْت رواي ٌة يف الَبْيَه ِق ِّي وغ ِري ِه‪( :‬مَن الَّس ماِء )‬
‫هذا َغَّر ُه أَّنُه مل ُيْذ َك ْر يف أكثِر الِّر واياِت ‪.‬‬
‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪ْ :‬ؤ ِم ِبُطُل وِع الَّش ِس ِم غِر ِب ا ُخ وِج َداَّب ِة‬
‫ْم ْن َم َه َو ُر‬ ‫َم ُهلل َو ُن ُن‬
‫اَألْر ِض ِم ْن َمْو ِضِعَه ا‪.‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أْي جيُب اإلمياُن بذلَك ‪ ،‬أَّم ا طلوُع الَّش مِس ِم ْن َم ْغِر َهِبا فق ْد جاَء ِذ ْك ُر ُه يف‬
‫ِل‬
‫الُبخارِّي وُمْس ٍم ‪ ،‬وأَّم ا موضُع خروِج الَّد اَّبِة على ما جاَء يف األث ِر الَّص َف ا ومل َيْثُبْت ذل َك‬
‫بطريٍق صحيٍح فليَس فرًض ا علينا أْن ُنْؤ ِم َن بأَّن ُخ روَج ها مْن هناَك ‪ ،‬وِإَّنـما الواجُب علينا‬
‫أْن ُنْؤ ِم َن أهنا ستخرُج مْن حيُث شاَء اُهلل‪.‬‬

‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ال ُنَص ِّد ُق َك اِه ًنا َو ال َعَّر اًفا َو ال َمْن َيَّد ِع ي َش يًئا ُيَخ اِلُف‬
‫الِكَتا والُّس َّنَة إج اَع اُألَّمِة‬
‫َو َم‬ ‫َب‬
‫الشرُح ‪ :‬الَك اِه ُن هو ال ذي َيَتع اَطى اإلخب اَر عَّم ا ْحَيُدُث يف املستقبِل اعتماًدا على‬
‫صاحٍب ل ُه ِم َن اِجلِّن أِو اعتماًد ا على الَّنْج ِم أْو على ُمَق ِّدماٍت وأسباٍب اْص َطَلُح وا عليها‪،‬‬
‫أَّم ا الع َّر اُف فهَو ال ذي َيتح َّد ُث عِن اُألم وِر اَخلِف َّي ِة َّمِما َحَص َل كالَّس ِر قِة والَّض اِئعاِت ‪ ،‬فال‬
‫َف‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫جيو تص دي هذا وال هذا‪ ،‬ومع ىن قوِله‪" :‬وإجما اُألَّم ِة" ه اِّتف اُق اجملتهِد‬
‫َن َم ْن‬ ‫َو‬ ‫َع‬ ‫ُق‬ ‫ُز‬
‫ٍد‬ ‫ِه‬
‫خ اَلَف ما اَّتَف َق علي اجملتهدوَن فقوله‪ :‬مردوٌد‪ ،‬أَّم ا اِّتفاُق مشايِخ أهِل بل َأْو َبَل َد ْيِن أْو‬
‫ثالثٍة على أمٍر شرعٍّي فال ُيَس َّم ى إمجاًعا‪،‬‬
‫والَّدليُل على حترِمي إتياِن الَع َّر اِف والكاِه ِن أحاديُث منها حديُث مسِلٍم ‪َ" :‬مْن َأَتى‬
‫َعَّر اًفا َفَس َأَلُه عْن شىٍء لم ُتقَب ْل ل ُه صالُة أربعيَن ليلة" وحديُث احلاِكِم يف اْلُمْس َتْد َر ِك ‪:‬‬
‫( َأَتى َعَّر اًف ا َأ َك اِه ًن ا َف َّد َقُه ِب ا يقوُل فقْد َكَف ِب ا ُأْن ِز َل على َّم ٍد ) أ إِن‬
‫ْي‬ ‫ُمَح‬ ‫َر َم‬ ‫َم‬ ‫َص‬ ‫ْو‬ ‫َمْن‬
‫ِف‬ ‫ِل‬
‫اعتق َد أَّن ُه َيَّط ُع على الغيِب ‪ ،‬وليَس املراُد َمْن َيُظُّن أَّن ُه َق ْد ُيوا ُق الواق َع وق ْد ال ُيوافُق‬
‫الواق َع فإَّنُه ال َيْك ُف ُر َبْل َيُك وُن عاِص ًيا لسؤاِلِه إَّياُه م‪ ،‬وَّمَمْن َيدخُل يف ذل َك َمْن َيْع َتِم ُد يف‬
‫إخباِرِه على الَّض ِب باملندِل والَّنظِر يف ُفنجاِن قهوِة الِّنُب ‪ ،‬والذي عتمُد على كتاِب ُقرع ِة‬
‫َي‬ ‫ْر‬
‫األنبياِء ‪ ،‬وكتاِب ُقرع ِة الُّطي وِر ‪ ،‬وكتاِب َأيب معش ِر الَف َلِكِّي ال ذي ّي َّد ِعي أَّن البش َر كَّلُه م‬
‫أحواُهُلم مرتبط ٌة بالربوِج االْثْيَن َعَش َر وأَّن كَّل مولوٍد َيرج ُع أم ُر ُه إىل َأَح ِد هذِه اَألبراِج ‪،‬‬
‫وكذلَك الذي عتمدوَن على الَّر ْم ِل املعروِف عن َد بعِض ِه م والَّض ِب با ى أِو ا بوِب‬
‫ُحل‬ ‫ْر َحلَص‬ ‫َن َي‬
‫ل ذلَك ‪ ،‬وِم َن الُك َّه اِن َمْن ُيَس ِّم يِه م بعُض الن اِس الُّر وحاِنِّيَني َيقول وَن ‪ :‬فالٌن روحاٌّين‪،‬‬
‫َيعتمدوَن على كالِم ه َظًّنا من ُه أَّن له اتصاال باملالئكِة‪ ،‬وِإَّنـما هو ُمعتِم ٌد على ُفَّس اِق اِّجلِّن‬
‫ِم ْن ُك َّف اِر ِه م وَغِرْي ِه م‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنَر ى الَج َم اَعة َح ًّق ا َو َص َو اًبا والُفْر َقَة َز ْيًغا َو َعَذ اًبا‪:‬‬
‫الشرُح ‪ :‬م راُدُه باجلماع ِة إمجاُع أهِل احلِّق يف مسئلٍة ِد يني ٍة يف االعتق اِد أِو الف روِع‬
‫وحَي تمُل أْن يكوَن مراُدُه باجلماع ِة طاع َة اإلم اِم الذي َباَيَع ُه املسلُم وَن ‪ ،‬ألَّن اخلروَج على‬
‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِلِه‬
‫اإلم اِم ال ذي َص َّح ْت َبْيَعُت ُه مَن الكب ائِر ‪ ،‬لقو َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪َ( :‬مْن َخ َل َع َي ًد ا ْن‬
‫طاعٍة َلِق َي اَهلل ال ُح َّج َة ل ُه يوَم القيامِة‪ ،‬وَمْن ماَت وليَس في ُعُنِق ِه َبْيعٌة ماَت ِم يتًة‬
‫جاهلي ًة) رواُه مسلٌم وغ ُريُه‪ ،‬وَينطب ُق ذل َك على ال ذيَن َخ رُج وا على أم ِري املؤم نَني علٍّي‬
‫رض ا عن وقاتلو ‪ ،‬وال ِص ُّح أْن قال إَّن اجتهُد وا فإَّن هذا لي ِنًّي ا على اجتهاٍد‬
‫َس َم ْب‬ ‫ُه ُم‬ ‫ُي‬ ‫َي‬ ‫ُه‬ ‫َي ُهلل ُه‬
‫شرعٍّي بدليِل قوِل َعِلٍّي رضَي اُهلل عن ُه‪( :‬إَّن َبيِن ُأَم َّي َة يقاتلونين َيْز ُعموَن أنين قتلُت ُعثماَن‬
‫وَك َذ ُبوا ِإَّنـما ُيري دون ا ل َك ) رواُه احلافُظ ُمَس َّد ُد بُن ُمَس ْر َه ٍد يف ُمْس َنِدِه‪ ،‬وكذلَك ق اَل‬
‫ُمل‬
‫َعَّم ا ب ياسٍر رض ا عن ما فيما روا عن البيهقُّي واب َأيب َش َة‪ ،‬وهذاِن َأْد ى حباِل‬
‫َر‬ ‫ْيَب‬ ‫ُن‬ ‫ُه ُه‬ ‫َي ُهلل ُه‬ ‫ُر ُن‬
‫ُمعاويَة َّمِمْن قاَل ‪ :‬إن ُه اجتهَد فَأخَطَأ فل ُه أج ٌر واحٌد ‪ ،‬وق ْد نق َل الفقي ُه املتكِّلُم ابُن ُفوَر ك يف‬
‫كتاِب مقاالِت األشعرِّي كالَم اإلم اِم َأيب احلسِن األشعرِّي يف أم ِر املخالِف َني ِلَعِلِّي بِن َأيب‬
‫طالٍب رض ا عن فقاَل ما َنُّص ‪( :‬وكاَن ـ أِي األشعرُّي ـ يقوُل يف أم ِر اخلارِج علي ِه‬
‫َني‬ ‫ُه‬ ‫َي ُهلل ُه‬
‫واملنِك ِر يَن إلمامِت ِه إَّنُه م كَّلهم كانوا على اخلط ِإ فيما َفعُل وا ومل يكْن هلم أْن َيفعُل وا م ا‬
‫َفعُل وا م إنكاِر إمامِت ِه واخلروِج علي ِه‪ ،‬وكاَن يق وُل يف أم ِر عائش َة إهَّن ا ِإَّنـما َق َد ِت‬
‫َص‬ ‫ْن‬
‫اخلروَج َطَلًب ا لإلصالِح بَني الط ائفَتِني هِب ا للتوس ِط يف أمِر مِه ا‪ ،‬فأَّم ا طلح ُة والُّز َبْيُر فإَّنُه ما‬
‫َخ َر َج ا عليِه وكانا يف ذلك ُمَت َأِّو َلِنْي جمتهَد ْيِن َيَر َياِن ذل َك َص واًبا بنوٍع مَن االجتهاِد ‪ ،‬وأَّن‬
‫ذلك كاَن منُه ما َخ َطا وأَّنُه ما َر َجَعا عْن ذلَك وَنِد َم ا وَأْظَه َر ا التوبَة وماتا تائَبِنْي َّمِما َعِم ال‪،‬‬
‫وكذلَك كاَن يقوُل يف حرِب ُمعاوي َة إَّنه كاَن باجتهاٍد من ُه وإَّن ذل َك كاَن خطا وباِط ال‬
‫وُمنَك ًر ا وَبْغًيا على معىن أَّنه خروٌج عْن إماٍم عادٍل ‪ ،‬فأَّم ا خطُأ َطْلَح َة والُّز َبِرْي فكاَن يقوُل‬
‫إَّن ُه َق َع مغُف و ا للخ ِرب الث ابِت عِن الن ِّيب أَّن ه حَك هلما باجلن ِة فيما ِو يف خ ِرب ِبش ارِة‬
‫ُر َي‬ ‫َم‬ ‫ًر‬ ‫َو‬
‫عَش ٍة م أصحاِبِه باجلن ِة فذَك ر فيِه م طلح َة والُّز ب ‪ ،‬وأَّم ا خطُأ مل ِّش رسوُل اِهلل‬
‫َمْن ُيَب ْر ُه‬ ‫َري‬ ‫َر ْن‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم باجلنِة يف أمِرِه فإَّنه َجُمَّو ٌز ُغفراُنُه والعفُو عنُه) اهـ‬
‫فهذا َنٌّص صريٌح مْن إم اِم أهِل الُّس َّنِة أيب احلسِن األشعرِي بأَّن كَّل مقاتِلي ِه َعَص ْو ا‪،‬‬
‫ِف‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬
‫وأَّن طلح َة والُّز ب َري تابا ْن ذل َك َج ْز ًم ا‪ ،‬وأَّن اآلَخ ِر يَن حتَت املشيئ جيوُز أْن َيغ َر اُهلل ملْن‬
‫ش اَء منُه م‪ ،‬فبع َد هذا ال َيسوُغ ألش عرٍّي أْن خُي الَف كالَم اإلم اِم فَيُق وُل ‪ :‬إَّن ُمعاوي َة‬
‫ِف‬ ‫ِمِث‬
‫وَج يَش ُه غ ُري َءا َني م َع االعرتا ب أَّنُه م ُبَغ اٌة‪ ،‬وأَّم ا َمْن يق وُل إَّنُه م م أجوروَن فأبع ُد مَن‬
‫احلِّق ‪،‬‬
‫وعىن املؤل ُف بالُف ْر َق ِة خمالف َة اإلمجاِع ‪ ،‬والَّز ْي ُغ هو اْلَم ْي ُل‪ ،‬وقوله‪( ::‬وَع َذ اًبا) أْي أَّن‬
‫اخلروَج مَن اجلماعِة سبُب العذاِب أْي يف الدنيا واآلِخ رِة‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ِد يُن اِهلل في اَألرِض والَّس َم اِء َو اِح ٌد َو ُه َو ِد يُن اِإل ْس الِم‬
‫‪ 19‬وقاَل تعالى ﴿َو َر ِض يُت‬
‫[س ورة ءال عمران‪] :‬‬
‫قاَل اُهلل تعالى‪ِ﴿ :‬إَّن الِّديَن ِع ْنَد اِهلل اِإل ْس الُم﴾‬
‫َلُك ُم اِإل ْس الَم ِد يًنا﴾ [سورة املائدة‪َ ]3 :‬و ُه َو َبْيَن الُغُلّو والَّتْق ِص يِر َو َبيَن الَّتْش بيِه َو الَّتْع ِط يِل ‪:‬‬
‫الشرُح ‪َ :‬أْي أَّن املالئكَة َي ِد ينوَن باإلس الِم ‪ ،‬وأَّن املؤم نَني ِم ْن أهِل األرِض ِم ْن إنٍس‬
‫[س ورة ءال عمران‪:‬‬
‫وِج ٍّن َيِد ينوَن باإلسالِم ‪ ،‬ومعىن قوله تعاىَل ‪ِ﴿ ::‬إَّن الِّديَن ِع ْنَد اِهلل اِإل ْس الُم﴾‬
‫‪ ]19‬أْي أَّن الِّديَن الصحيَح املقبوَل عن َد اِهلل هَو اإلسالُم وما سواُه مَن األدياِن باطٌل‪ ،‬ويف‬
‫هذا دلي ٌل على أَّن أوَل البش ِر كاَن على اإلس الِم مل يكْن هلم ِد يٌن غ ُريُه‪ ،‬ق اَل اُهلل تع اىل‪:‬‬
‫﴿َك اَن الَّناُس ُأَّمًة َو اِح َد ًة﴾ [س ورة البق رة‪ ]213 :‬قاَل ابُن عباٍس ‪ُ( :‬ك ُّلُه م على اإلس الِم ) رواُه أبو‬
‫َيْع َلى يف ُمسنِدِه وغُريُه‪،‬‬
‫أَّم ا الُغُلُّو فهو جماوزُة احلِّد اْل وِل للِعباِد يف الِّديِن ‪ ،‬أَّم ا التقص فه ُك ال صوِل‬
‫ُري َو َتْر ُو‬ ‫َم ْجُع‬
‫إىل َح ِّد املأموِر ‪ ،‬وأَّم ا التشبيُه فهو تشبيُه اِهلل خبلِق ِه‪ ،‬وأما التعطي ُل فهو َنْف ُي وجوِد اِهلل أو‬
‫صفاِتِه‪ ،‬وكُّل واحٍد مَن املذكوراِت مذموٌم وباطٌل خلروِج ِه عِن العدِل واحلِّق ‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪ :‬وَبيَن الَج ْبِر والَق َد ِر ‪:‬‬
‫ع‬ ‫الشر ‪ :‬يع ين أَّن ِد ي اِهلل ب ا ِرْب والَق َد ِر ‪ ،‬وا هو اعتق ا أَّن اإلنساَن ال ِف‬
‫َل‬ ‫ُد‬ ‫َجلْبُر‬ ‫َن َني َجل‬ ‫ُح‬
‫لُه‪ ،‬وأَّم ا الَقَد ُر فهَو اعتقاُد أَّن اإلنساَن ْخَيُلُق أفعاَلُه االختياريَة بُقدرٍة خلَق َه ا اُهلل فيِه‪،‬‬
‫وق ْد أفاَد املؤِّل ُف هبذا أَّن املش بهَة ُك َّف اٌر َلْيُس وا مسلِم َني ‪ ،‬وأَّن املَعِّطَل َة كف اٌر ‪ ،‬وأَّن‬
‫اَجلِرْب َّي َة كف اٌر ‪ ،‬وأَّن الَقَد ِر َّي َة كف اٌر وُه ُم املعتزل ُة‪ ،‬وِإَّنـما َأع اَدُه ِلُيَبَنِّي أَّن املعتزل َة َك َف روا‬
‫بسبِب األم َر يِن أم ِر التعطي ِل أْي تعطي ِل اِهلل عِن الِّص فاِت وبسبِب الق وِل ب أَّنُه م خَي ُلُق وَن‬
‫َأفعاُهَلم‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َبيَن اَألْم ِن َو اِإل َياِس ‪:‬‬
‫الشر ‪ :‬معىن قوِل املؤِّل ِف ‪( :‬وبي اَأل ِن واإل اِس )‪ :‬أَّن اإلسال الذي هو ِدي اِهلل‬
‫ُن‬ ‫َم‬ ‫َي‬ ‫َن ْم‬ ‫ُح‬
‫هو أْن يكوَن العبُد بَني اخلوِف والَّر جاِء ‪ ،‬فهَو حقيق ُة الُعبودي ِة إْذ يف األمِن َعَّم ا َأوع َد َظُّن‬
‫العجِز عِن الِعق اِب ‪ ،‬ويف اإلي اِس ِم ْن رمحِت ِه َظُّن العجِز عِن الَعْف ِو ‪ ،‬وَمُها َينقالِن عِن اِملَّل ِة‪،‬‬
‫أْي أَّن ذل َك كف ٌر ‪ ،‬هذا ظاهٌر على تفسِري املاُتِر يِد َّي ِة لألمِن والي أِس ‪ ،177‬وق ِد اش تهَر عِن‬
‫الشافعيِة َعُّد َمُها مْن كبائِر الُّذ نوِب غِري ا ْثِبَتِة للِر َّدِة‪،‬‬
‫ِط‬ ‫ِه‬ ‫ُمل‬ ‫ِح‬
‫ا إَلى اِهلل‬ ‫ِت‬ ‫ِد‬
‫قاَل المؤِّلُف ر َم ه اهلل‪َ :‬فهذا يُننا َو اع َق اُدنا َظا ًر ا َو َبا ًن ا َو َنْح ُن ُبَرَء ُء‬
‫ِم ْن ُك ِّل َمْن َخ اَلَف الِذ ي ذَك ْر َناُه َو َبَّيَّناُه‪:‬‬
‫الشرُح ‪ :‬أي َأَّنَنا ُبَرَءاُء ِم ْن هؤالِء ُك ِّلِه م‪،‬‬
‫قاَل المؤِّل ُف رِح ه ا ‪َ :‬نسَأُل ا الى َأْن َثِّب َن ا َعَلى اِإل يماِن خِت َلَن ا ِب ِه‬
‫َو َي َم‬ ‫ُي َت‬ ‫َهلل َتَع‬ ‫َم ُهلل َو‬
‫ِص مَنا ِم اَألْه اِء ال ْخ َتِلَف ِة واآلراِء ال َف ِّر َق ِة ال َذ اِه ِب الَّر ِد َّي ِة ِم ْث ِل ال َش بهِة‬
‫ُم‬ ‫َو َم‬ ‫ُم َت‬ ‫َو ُم‬ ‫َن‬ ‫َو َيْع‬
‫والُم عَتِز َل ِة والَج ْه ِم َّي ِة َو الَج ْبرَّيِة َو الَق َد ِر َّيِة َو َغْي ِر ِه ْم ِم َن الذيَن َخ الُفوا الُّس َّنَة َو الَج َم اَع َة‬
‫َو َح اَلُف وا الَّضالَلَة‪:‬‬
‫َتفِس ُري ٱْلَم اُتِر يِد َّيِة ِلَأل ْمِن َو ٱلَيْأِس َغُري َتفِس ِري ٱَألَش اِع َر ِة َفِع ْنَد ٱْلَم اُتِر يِد َّيِة ُكفٌر َو ِع ْنَد ٱَألَش اِع َر ِة َذ ْنٌب َكِبٌري ‪َ ،‬و َط ِر ي ُق ٱلَّنَج اِة اذلي َينَبِغ ي‬‫‪177‬‬

‫َأْن َ يُكوَن َعَليِه ٱْلُم ْؤ ِم ُن َأْن َيُكوَن َخ اِئًفا َر اِج ًيا َخَياُف ِع َقاَب ِهللا َعىَل ُذ ُنوِبِه َو َيرُج و َر َمْح َة ِهللا اَمَك َقاَل ٱْلُم َؤ ِّلُف َو َس ِبيُل ٱْلَح ِّق َبيُهَنَم ا َأله ِل‬
‫[ُس وَر َة ٱ َرس اِء ‪]57 :‬‬
‫ِإل‬ ‫ٱلِقبِةَل َو َٰذَكِل ُه َو ٱلُو ُقوُف اِب ْلَجْم ِع َبَني ٱْلَح اَلَتِني ٱْلَخ ْو ِف َو ٱلَّر َج اِء َقاَل ُهللا َتَع اىَل ‪َ﴿ :‬و َيْر ُج وَن َر َمْحَتُه َو َخَياُفوَن َعَذ اَبُه ﴾‬
‫الشرُح ‪ِ :‬إَّنـما َس َأَل املؤِّل ُف الَّثباَت على الِّديِن ألَّن ذل َك ِم ْن َأَه ِّم ُأموِر الِّديِن ‪ ،‬قاَل‬
‫تع اىل ا ع وس َف ‪ِّ ﴿ :‬ب َق ْد ا ْيَتِني ِم ال ْل ِك َعَّل َتِني ِم َتْأِو يِل اَأل اِد يِث‬
‫َح‬ ‫ْن‬ ‫َن ُم َو ْم‬ ‫َء َت‬ ‫َر‬ ‫َخ َبًر ْن ُي‬
‫َف اِط َر الَّس َمَو اِت َو اَألْر ِض َأْنَت َو ِلِّيي ِفي ال ُّد ْنَيا َو اآلِخ َر ِة َتَو َّفِني ُمْس ِلًم ا َو َألِح ْق ِني‬
‫ِبالَّص اِلِح ي ﴾ [س ورة يوس ف‪ ]101 :‬واألهوا مج هوى وه األم الباط ال ذي ِمَتي إلي ِه‬
‫ُل‬ ‫ُل‬ ‫َو ُر‬ ‫ُء ُع‬ ‫َن‬
‫الُّنفوُس ‪ ،‬وقْد ُيطَلُق اهلوى مبعىن احلِّب ‪ ،‬لكَّنه ليس املعىن املقصوَد هنا‪،‬‬
‫التحذي‬ ‫َّن‬ ‫أل‬ ‫هذا‬ ‫قب‬ ‫َك‬‫َذ‬ ‫ا‬ ‫وقْد َذَك املؤِّل املشبهَة وا ِم َّيَة والَقَد ِر َّيَة تأكيًد ا ِل‬
‫َر‬ ‫َر َل‬ ‫ُه‬ ‫َم‬ ‫َجلْه‬ ‫َر ُف‬
‫ِم ْن هذِه املذاهِب َّمِما افرتَض اُهلل‪َّ ،‬مُث املش بهُة ق ْد َم َّر َتفسُريها‪َ ،‬أَّم ا اَجلْه ِم َّي ُة فهَي طائف ٌة‬
‫ٍء‬
‫منسوبٌة إىل َج ْه ِم بِن َص ْف َو اَن كاَن يقوُل ‪ :‬إَّن اَهلل هَو هذا اهلواُء م َع ُك ِّل شى وعلى ُك ِّل‬
‫شىٍء ‪ ،‬وهو يقوُل بفناِء اجلن ِة والناِر ‪ ،‬وَتِبَعُه ابُن َتيِم ي َة اَحلَّر اُّيِن يف الَق وِل بفناِء الناِر ‪ ،‬ومعىن‬
‫قوِل املؤِّلِف ‪( :‬وَح الُفوا الَّضاللَة) أي َلِز ُموا‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و َنْح ُن ِم ْنُه ْم َبَر اٌء‪:‬‬
‫الشرُح ‪ :‬هذا زيادُة تأكيٍد ِلَم ا َتَق َّد َم‪،‬‬
‫قاَل المؤِّلُف رِح َم ه اُهلل‪َ :‬و ُه ْم ِع نَد َنا ُضَّالٌل َو َأْر ِد ياٌء َو ِباِهلل الِعْص َم ُة َو الَّتْو ِفيُق ‪:‬‬
‫الشرُح ‪ :‬وهذا َأيًض ا فيِه زيادُة تأكيٍد ملزيِد الَّتْنِف ِري ِم ْن هؤالِء ُك ِّلِه م‪،‬‬
‫َّمَت هذا الشر بفضِل اِهلل تعاىل وَك ِم ِه يو األحِد تاس ِع شهِر ِذي اِحلَّج ِة سنَة أل ٍف‬
‫َم‬ ‫َر‬ ‫ُح‬
‫وأربعمائٍة ومخٍس مَن اهلجرِة املباركِة يف مدين ِة اس تانبول‪ ،‬واحلمُد ِهلل رِّب الع املَني ‪،‬‬
‫وصَّلى ا على س ِّيِد نا حمَّم ٍد خ اِمت األنبي اِء واملرس ل ‪ ،‬وعلى صحابِتِه وأهِل بيِت ِه‬
‫َني‬ ‫ُهلل‬
‫الطاهِر يَن الَّطِّيِبَني ‪،‬‬
‫ْت ال ِق يَد ِة الَّط اِو َّيِة‬
‫َح‬ ‫َم ُن َع‬
‫قاَل العَّالمُة‪ُ 178‬ح َّج ُة‪ 179‬اِإل سالِم أبو جعفٍر الَو َّر اُق الَّطحاِو ُّي مبصَر رَمحُه اُهلل‪:‬‬
‫هذا ذْك اِن ِق يَد ِة َأْه ِل الُّس َّنِة ا ا ِة َلى ْذ ِب َق اِء اِملَّلِة َأيب ِنيَفَة الُّن ماِن‬
‫ْع‬ ‫َح‬ ‫َو َجلَم َع َع َم َه ُف َه‬ ‫ُر َبَي َع‬
‫ْبِن َثاِبٍت الُك وِّيِف‪ ،‬وَأيب يوُس َف َيْع ُقوَب ْبِن إْبَر اِه يَم األْنَص اِر ِّي ‪َ ،‬و َأيِب َعْبِد اِهلل حُم َّم ِد ْبِن‬
‫ا ِن الَّشي اِّيِن‪ِ ،‬ر ْض اُن اِهلل َل ِه َأمْج ع ما َتِق ُد وَن ِم ُأ وِل الِّديِن يِد يُنوَن ِبِه‬
‫َو‬ ‫ْن ُص‬ ‫َع ْي ْم َني َو َيْع‬ ‫َو‬ ‫َب‬ ‫َحلَس‬
‫ِلَر ِّب الَعاَلِم َني ‪َ ،‬نُقوُل يف َتوِح يِد اِهلل ُمْع َتِقِد يَن ِبَتْو ِفيِق اِهلل‪ :‬إَّن اَهلل َو اِح ٌد ال َش ِر يَك َلُه‪َ ،‬و ال‬
‫َش ىَء ِم ثُلُه‪َ ،‬و ال َش ىَء ُيْع ِج ُزُه‪َ ،‬و ال ِإلَه َغْيُر ُه‪َ ،‬قِد ٌمي ِبال اْبِتَد اٍء ‪َ ،‬داِئٌم ِبال اْنِتَه اٍء ‪ ،‬ال َيْف ىَن َو ال‬
‫َيِبيُد ‪َ ،‬و ال َيكوُن إَّال ما ُيريُد ‪ ،‬ال َتْبُلُغُه اَألْو َه اُم‪َ ،‬و ال ُتْد ِر ُك ُه اَألْفَه اُم‪َ ،‬و ال ُيشِبُه اَألَناَم‪ ،‬حٌّي‬
‫ال ُمَيوُت َقُّيوٌم ال َيَناُم‪َ ،‬خ اِلٌق ِبال َح اجٍة‪َ ،‬ر اِز ٌق ِبال ُمْؤ َنٍة‪ِ ،‬مُميٌت ِبال َخَماَفٍة‪َ ،‬باِعٌث بال‬
‫َم َش َّق ٍة‪َ ،‬م ا َز اَل ِبِص َف اِتِه َقِد ًميا َقْبَل َخ ْلِقِه ْمَل َيْز َدْد ِبَك ْو ِهِنْم َش يًئا ْمَل َيُك ْن َقبَلُه ْم ِم ْن ِص َف ِتِه‪،‬‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫َف‬ ‫ا‬ ‫ِق‬ ‫ْل‬ ‫ا‬ ‫ِق‬ ‫ْل‬ ‫َل‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ًّي‬ ‫َك ما َك اَن ِبِص َف اِتِه َأ ِلًّيا َك َذ ِل ال اُل َل ها َأ ِد‬
‫َم‬ ‫ْس‬ ‫َد‬ ‫َت‬ ‫ْس‬ ‫َخل‬ ‫َخ‬ ‫َد‬ ‫ْع‬
‫َس َب‬ ‫ْي‬ ‫َك َيَز َع ْي َب‬ ‫َز‬ ‫َو‬
‫اَخلاِلِق ال بِإْح َد اِثِه الِرب َّيَة اسَتَف اَد اْس الَبارئ‪َ ،‬لُه َم ْع ىَن الُّر ُبوِبَّيِة ال َمْر ُبوَب َم ْع ىَن اَخلاِلِق‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َم‬ ‫َو‬
‫ِل‬
‫َو ال ْخَمُلوَق ‪َ ،‬و َك َم ا َأَّنُه ْحُمِيي ا ْو َتى َبْع َد َم ا َأْح يا اْس َتَح َّق هذا االْس َم َقْبَل إْح ياِئِه م‪َ ،‬ك َذ َك‬
‫َمل‬
‫اْس َتَح َّق اْس َم اَخلاِلِق َقْبَل ِإْنَش اِئِه ْم ‪َ ،‬ذِلَك ِبَأَّنُه َعَلى ُك ِّل َش ىٍء َقِد يٌر ‪َ ،‬و ُك ُّل َش ىٍء إَليِه َفِق ٌري‪،‬‬
‫ِم ِص‬ ‫ِم ِلِه‬ ‫ٍء‬ ‫ِه ِس‬
‫َو ُك ُّل َأْم ٍر َعَلي َي ٌري‪ ،‬ال ْحَيَتاُج إىل َش ى ‪َ ،‬لْيَس َك ْث َش ىٌء َو ُه َو الَّس يُع الَب ُري‪َ ،‬خ َلَق‬
‫اَخلْلَق ِبِعْلِمِه َو َقَّد َر ُهَلْم َأْقَد اًر ا وَض َر َب ُهَلم َءاَج اال‪ ،‬وْمَل ْخَيَف َعَلْيِه َش ْى ٌء َقْبَل َأْن ْخَيُلَق ُه ْم ‪،‬‬
‫ِبَطا ِتِه ا ن ِص ِتِه‪ُ ،‬ك ىٍء‬ ‫ِل‬
‫َو َع َم َم ا ُه ْم َعاِم ُلوَن َقْبَل َأْن ْخَيُلَق ُه ْم ‪َ ،‬و َأَم َر ُه ْم َع َو َنَه ُه ْم َع َم ْع َي َو ُّل َش‬
‫ْجَيِر ي ِبَتْق ِد يِرِه َو َم ِش يَئِتِه‪َ ،‬و َم ِش يَئُتُه َتْنُفُذ ال مشيئَة للعباِد إَّال َم ا َش اَء ُهَلْم ‪َ ،‬فَم ا َش اء ُهَلْم َك اَن‬
‫َو َم ا ْمَل َيَش ْأ ْمَل َيُك ْن ‪َ ،‬يْه دي َمْن َيَش اُء َو َيْع ِص ُم وُيَعايف َفْض ال‪َ ،‬و ُيِض ُّل َمْن يشاُء َو ْخَيُذُل‬

‫َقاَل يِف ِلَس اِن ٱْلَع َر ِب ‪" :‬ٱْلَع َّالَم ُة َذ ا اَب َلْغَت يِف َو ْص ِفِه اِب ْلِع ِمْل َأْي َعاِلٌم ِج ًّد ا“ اهـ‬ ‫‪178‬‬

‫ِإ‬

‫َقاَل يِف ِلَس اِن ٱْلَع َر ِب ‪" :‬وٱْلُحَّج ُة ٱْلْرُب َهاُن ‪َ ،‬و َحَّج ُه ُحَي ُّج ُه َحًّج ا‪َ :‬غَلَبُه َعىَل ُحَّج ِتِه " اهـ‪َ ،‬قاَل يِف ِلَس اِن ٱْلَع َر ِب ‪" :‬ٱ ْس الُم َو ٱِالْس ِتْس الُم ‪:‬‬ ‫‪179‬‬

‫ِإل‬ ‫ٱِالْنِقـَياُد “ اهـ‬


‫اٍل عن األْض داِد‬ ‫ِلِه ِلِه‬ ‫ِش ِتِه‬
‫َو َيْبَتلي َعْد ال‪َ ،‬و ُك ُّلُه ْم يتقَّلبوَن يف َم يئ َبَنْي َفْض َو َعْد ‪َ ،‬و ُه َو ُمَتَع‬
‫َو األْنداِد ‪ ،‬ال َر اَّد ِلَق َض اِئِه َو ال ُمَعِّق َب ُحِلْك ِمِه َو ال َغاِلَب ألْم ِرِه‪ ،‬ءاَم َّنا ِبَذ ِلَك ُك ِّلِه َو َأْيَق َّنا َأَّن‬
‫ِه‬ ‫ِم ِع ِدِه‬
‫ُك ال ْن ْن ‪َ ،‬و ِإَّن َحُمَّم ًد ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َعْبُد ُه اُملْص َطفى َو َنِبُّيُه اُملْج َتىَب َو َرُس وُلُه‬
‫ِء‬
‫ا ْر َتَض ى َو إَّنُه َخ اُمَت األنِبَيا وإماُم األتقياء وسّيُد ا ْر َس لني َو َح بيُب َر ب الَعاَلِم َني ‪َ ،‬و ُك ُّل‬
‫ِة‬ ‫ِجل‬ ‫ِة‬ ‫ُمل‬ ‫ِه‬‫ِت‬ ‫ٍة‬ ‫ُمل‬
‫ا‬ ‫ِب‬ ‫ى‬
‫َو َك َوَر َحلِّق‬ ‫ال‬ ‫َّف‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫إىل‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ى‪،‬‬
‫َدْع َو ُنُبَّو َبْع َد ُنُبَّو َفَغٌّي َو َه ًو َو ُه َو ْبُع ُث َع َّم‬ ‫ى‬
‫َمل‬
‫َو اُهلَد ى َو ِبالُّنوِر والِّض ياِء ‪ ،‬واَّن الُقرءاَن كالُم اهلل ْنُه َبَد ا بال َك ْي َّي َقْو ال‪َ ،‬و َأْنَز َلُه َعلى‬
‫ٍة‬ ‫ِف‬ ‫ِم‬
‫َل‬ ‫وِلِه ا‪َّ ،‬د َق ا ْؤ ِم ُنوَن َلى َذِلَك ًّق ا‪َ ،‬أ َق ُنوا َأَّن َك ال اهلل َتعاىل با ِق يَق ِة‬
‫َس‬ ‫ْي‬ ‫َحل‬ ‫ُه ُم‬ ‫َح َو ْي‬ ‫َع‬ ‫ُمل‬ ‫َرُس َو ْح ًي َو َص ُه‬
‫ِمَس‬ ‫ِة‬ ‫ٍق‬
‫َمِبْخ ُلو َك َك الِم الِرَب َّي ‪ ،‬فَم ْن َعُه َفَز َعَم أَّنه كالُم الَبَش ِر َفَق د َك َف َر ‪َ ،‬و َقْد َذَّم ُه اهلل وَعاَبُه‬
‫وَأْو َعَد ُه بَس َق َر حيُث قاَل تعاىل‪َ﴿ :‬س ُأْص ِليِه َس َق ر﴾(‪ )26‬فلَّم ا َأْو َعَد اهلل بَس َق َر ِلَم ن َقاَل ‪:‬‬
‫﴿ِإْن َه َذ ا ِإال َقْو ُل الَبَش ِر ﴾(‪َ )25‬عِلْم َنا َو َأْيَق َّنا َأَّنُه َقْو ُل َخ اِلِق الَبَش ِر وال ُيْش ِبُه َقْو َل الَبَش ِر ‪،‬‬
‫َف اهلل مِب ع ِم عاين ال َش ِر َقْد َك َف ‪َ ،‬ف َأ ر َذ ا اعَت ‪َ ،‬ع ِم ْثِل ِل‬
‫رَب َو ْن َقْو‬ ‫َر َم ْن ْبَص َه‬ ‫َب َف‬ ‫ىًن ْن َم‬ ‫َو َمْن َو َص‬
‫الُك َّف ار اْنَز جر َو َعِلَم أَّنُه ِبِص َف اِتِه َلْيَس َك الَبَش ِر ‪ ،‬والرْؤ يُة َح ٌّق ألْه ِل اَجلَّنِة ِبَغِرْي إحاَطٍة َو ال‬
‫ِظ (‪ِ )23‬س‬ ‫ِئٍذ ِض (‪)22‬‬ ‫ِه ِك‬ ‫ٍة‬
‫َك يفَّي َك َم ا َنَطَق ِب َتاُب َر ِبَنا‪ُ﴿ :‬و ُج وٌه َيْو َم َنا َر ٌة ِإَلى َر ِّبَه ا َنا َر ٌة﴾ َو َتْف ُريُه‬
‫َعلى ا أ اَد اهلل اىل َعِل ‪ُ ،‬ك ُّل ا ا يف ذِلَك ِم ا ِد يِث الَّص حيِح َعِن الَّر وِل‬
‫ُس‬ ‫َن َحل‬ ‫َم َر ُه َتَع َو َم ُه َو َم َج َء‬
‫ِه‬
‫َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم َفُه َو كما قاَل َو َم ْع َناُه على ما أراَد ‪ ،‬ال َنْد ُخ ُل يف ذلَك ُمَتأِّو لَني‬
‫َّل ِهلل َّز و َّل ولرسوِلِه‬ ‫ِنِه‬ ‫ِل‬ ‫ِمّه ِب ِئ‬ ‫ِب‬
‫آرائَنا َو ال ُمَتَو ني أْه وا نا‪ ،‬فإنُه َم ا َس َم يف دي إَّال َمْن َس َم َع َج‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َو َر َّد ِعْلَم ما اشَتَبَه عليِه إىل َعاِلِمِه‪َ ،‬و ال َتْثُبُت َقَد ٌم يف اِإل ْس الِم إَّال‬
‫ِل‬ ‫ِع‬ ‫ِظ‬ ‫ِع‬ ‫ِت‬
‫على َظْه ِر الَّتْس ليِم واالس ْس الِم ‪َ ،‬فَم ْن َر اَم ْلَم َم ا ُح َر َعْنُه ْلُم ُه َو ْمَل َيْق َنْع ِبالَّتْس يِم َفْه ُم ُه‬
‫َحَجَبُه َم اُم ُه َعْن َخ اِلِص الَّتْو ِح يِد َو َص ايِف ا ْع ِر َفِة َو َص ِح يِح اِإل مياِن ‪َ ،‬فَيَتَذ ْبَذ ُب َبَنْي الُك ْف ِر‬
‫َمل‬ ‫َر‬
‫َو اِإل َمياِن َو الَّتْص ِد يِق َو الَّتْك ِذ يِب َو اِإل ْقراِر َو اِإل ْنكاِر ‪ُ ،‬مَو ْس ِو ًس ا تاِئًه ا شاًّك ا ال مؤمًنا ُمَص ِّد ًقا‬
‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِص‬ ‫ِح‬
‫وال جا ًد ا مكِّذ ًبا‪ ،‬وال َي ُّح اِإل مياُن بالرؤي ألهِل داِر الَّس ال ملِن اعتَربها مْنُه م بَو ْه ٍم أْو‬
‫تأَّو هَل ا بَف ْه ٍم إْذ كاَن تأويُل الرؤيِة وتأويُل كِّل معىًن يضاُف إىل الُّر ُبوِبَّيِة برتِك التأويِل‬
‫ولزوِم الَّتسليِم وعليِه ِديُن املسِلمَني ‪َ ،‬و َمْن ْمَل َيَتَو َّق الَّنْف َي َو الَّتْش ِبيَه َز َّل َو ْمَل ُيِص ِب الَّتْنِز يَه‪،‬‬
‫ِن ِة‬ ‫ِت‬ ‫ِن‬ ‫ِص ِت‬
‫َفإّن َر َّبنا َج َّل َو َعال َمْو ُصوٌف ِب فا الَو ْح َد ا َّية‪َ ،‬م ْنُعوٌت ِبُنُعو الَف ْر َدا َّي ‪َ ،‬ليَس يف َم ْع َناُه‬
‫َأَح ٌد ِم َن الِرَب ّيِة‪َ ،‬و َتَعاىَل َعِن اُحلُد وِد َو الَغاَياِت َو األْر َك اِن َو اَألْعَض اِء َو اَألَدَو اِت ‪ ،‬ال حتويه‬
‫اجلهاُت الِّس ُّت كسائِر املبتدعاِت ‪ ،‬واِملْع َر اُج َح ٌّق ‪ ،‬وقْد ُأْس ِر َي بالَّنِّيِب َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ‪،‬‬
‫َو ُعِر َج ِبَش ْخ ِصِه يف الَيَق َظِة إىل الَّس َم اِء َّمُث إىل َح ْيُث َش اَء اُهلل ِم َن الُعلى‪ ،‬وَأْك َر َم ُه اُهلل مِب ا‬
‫َش اَء‪َ ،‬و َأوَح ى إَلْيِه َم ا َأْو َح ى ﴿َم ا َكَذ َب الُف َؤ اُد َم ا َر َأى﴾(‪َ )11‬فَص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم يف‬
‫اآلِخ َر ِة واُألْو ىل‪ ،‬واَحلوُض الذي َأْك َر َم ُه اُهلل َتَعاىل بِه ِغَياًثا ُألَّم ِتِه َح ٌّق ‪ ،‬والَّش َف اَعُة اليت‬
‫اَّدَخ َر ها ُهَلْم َح ٌّق كَم ا ُر وَي يف األخباِر ‪ ،‬واِمليَثاُق الذي َأَخ َذ ُه اُهلل تعاىل ِم ْن ءاَدَم َو ُذرَّيِته‬
‫َح ٌّق ‪َ ،‬و َقْد َعِلَم اُهلل َتعاىل ِفيَم ا ْمَل َيَز ْل َعَد َد َمْن َيْد ُخ ُل اَجلَّنَة َو َعَد َد َمْن َيْد ُخ ُل الناَر ْمُجَلًة‬
‫َو اِح َد ًة‪َ ،‬فال ُيزاُد يف ذِلَك الَعَد ِد َو ال ُيْنَق ُص ِم ْنُه‪َ ،‬و َك ذِلَك َأْفَعاُهُلْم ِفيَم ا َعِلَم ِم ْنُه ْم َأْن‬
‫ِعَد ِبَق اِء اِهلل‬ ‫ِت‬ ‫ِل ِل‬
‫َيْف َعُلوه‪َ ،‬و ُك ٌّل ُمَيَّس ٌر َم ا ُخ َق َلُه‪َ ،‬و اَألْع َم اُل ِباَخْلوا يِم ‪َ ،‬و الَّس عيُد َمْن َس َض‬
‫ِل‬ ‫ِقِه‬ ‫ِس ِهلل‬ ‫ِء ِهلل‬ ‫ِق‬ ‫ِق‬
‫َتَعاىل‪َ ،‬و الَّش ُّي َمْن َش َي ِبَق َض ا ا َتَعاىل‪َ ،‬و َأْص ُل الَقَد ِر ُّر ا َتَعاىل يف َخ ْل ْمَل َيَّط ْع‬
‫َعَلى َذِلَك َم َلٌك ُمَقَّر ٌب َو ال َنٌّيِب ُمْر َس ‪َ ،‬و الَّتَعُّم ُق َو الَّنَظ يف ذِلَك َذِر يَعُة اِخلْذ الِن َو ُس َّل‬
‫ُم‬ ‫ُر‬ ‫ٌل‬
‫ِف‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِن‬ ‫ِحل ِن‬
‫ا ْر َم ا َو َدَرَج ُة الُّطْغَيا ‪َ ،‬فاَحلَذ َر ُك َّل اَحلَذ ِر ْن ذ َك َنَظًر ا َو ْك ًر ا َو َو ْس َو َس ًة‪َ ،‬فإَّن اَهلل‬
‫َتَعاىل َطَو ى ِعْلَم الَقَد ِر َعْن َأَناِمِه َو َنَه اُه ْم َعْن َم َر اِمِه‪َ ،‬ك َم ا َقاَل َتَعاىل يف ِكَتاِبِه‪﴿ :‬ال‬
‫ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َعُل َو ُه ْم ُيْس َأُلوَن ﴾(‪َ )23‬فَم ْن َس َأَل َمِل َفَعَل َفَقْد َر َّد ُح ْك َم الِكَتاِب ‪َ ،‬و َمْن َر َّد‬
‫نَّو ْل م َأ لياِء‬ ‫ِه‬ ‫ِذِه‬ ‫ِك ِب‬
‫ُح ْك َم ال َتا كاَن مَن الكافِر يَن ‪َ ،‬فه ْمُجَلُة َم ا ْحَيَتاُج إَلْي َمْن ُه َو ُم ٌر َق ُبُه ْن ْو‬
‫ِع‬ ‫ِق‬ ‫ِع ِع ِن ِع‬ ‫ِع‬ ‫ِس ِخ‬ ‫ِه‬ ‫ِهلل‬
‫ا َتَعاىل‪َ ،‬و َي َدَرَج ُة الّر ا َني يف ال ْلِم ‪ ،‬ألَّن ال لَم ْلما ‪ :‬لٌم يف اَخلْل َمْو ُج وٌد َو ْلٌم‬
‫يف اَخلْلِق َم ْف ُقوٌد‪ ،‬فإنكاُر الِعْلِم املوجوِد كفٌر واِّدعاُء الِعْلِم املفقوِد كفٌر ‪ ،‬وال َيْثُبُت اِإل مياُن‬
‫إال بَق بوِل الِعْلِم املوجوِد و ِك َطَلِب الِعلِم املفقوِد ‪ْ ،‬ؤ ِم ِبالَّل ِح والَق َلِم ِم يِع ا ِفيِه‬
‫َو َجِب َم‬ ‫َو ُن ُن ْو‬ ‫َتْر‬
‫ِئ ِل‬ ‫ِف ِه‬ ‫ٍء‬ ‫ُّل‬ ‫ِق ِو‬
‫َقْد ُر َم ‪َ ،‬فَل اْج َتَم َع اَخلْلُق ُك ُه ْم َعَلى َش ْى َك َتَبُه اُهلل َتَعاىل ي َأَّنُه َك ا ٌن َيْجَعُلوُه َغْيَر‬
‫ِف ِه ِل‬ ‫ٍء‬ ‫ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِئ‬
‫َك ا ٍن ْمَل َيْق ُر وا َعَلْي ‪ ،‬ولِو اْج َتَم ُعوا ُك ُّلُه ْم َعلى َش ْى ْمَل َيْك ُتْبُه اُهلل َتَعاىل ي َيْجَعُلوُه‬
‫ُك‬ ‫َد‬‫العب‬ ‫َأ‬‫َط‬ ‫َأ‬ ‫ا‬ ‫‪،‬‬ ‫َك اِئًنا ْق ِد وا َل ِه‪َّ ،‬ف الَق َل َمبا و َك اِئ إىل ِم الِق ا ِة‬
‫ْمل َي ْن‬ ‫ْخ‬ ‫ُم ُه ٌن َيْو َي َم َو َم‬ ‫ْمَل َي ُر َع ْي َج‬
‫ِد‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫ُيصيَبُه َو َم ا َأَص اَبُه ْمَل َيُك ْن ُيخِط َئُه‪َ ،‬و َعَلى الَعْب َأْن َيْع َلَم أَّن اَهلل َقْد َسَبَق ِعْلُم ُه يف ُك ِّل‬
‫َك اِئٍن ِم ْن َخ ْلِقِه َفَق َّد َر ذِلَك َتْق ِد يًر ا ْحُمَك ًم ا ُمْبَر ًم ا َلْيَس ِفيِه َناِقٌض َو ال ُمَعِّق ٌب َو ال ُمِز يٌل وال‬
‫َغِّي ال َحُمِّو ٌل وال َناِق ال َز اِئٌد ِم ْلِقِه يف اواِتِه َأ ِضِه‪ ،‬ذِلَك ِم ْق ِد اِإل مياِن‬
‫ْن َع‬ ‫َمَس َو ْر َو‬ ‫ْن َخ‬ ‫ٌص َو‬ ‫ُم ٌر َو‬
‫َو ُأُصوِل ا ْع ِر َفِة واالْع َرِتاِف ِبَتْو ِح يِد اِهلل َتَعاىل َو ُرُبوِبَّيِتِه َك َم ا َقاَل َتَعاىل يف ِكَتاِبِه‪َ﴿ :‬و َخ َلَق‬
‫ٍءَمل‬
‫ِل‬ ‫ِهلل‬ ‫ِد‬
‫ُك َّل َش ْي َفَق َّد َر ُه َتْق يًر ا﴾ وقاَل تعاىل‪َ﴿ :‬و َك اَن َأْم ُر ا َقَد ًر ا َمْق ُد وًر ا﴾ َفَو ْيٌل َم ْن‬
‫(‪)38‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫َص اَر ِهلل َتَعاىَل يف الَقَد ِر َخ ِص يًم ا‪ ،‬وَأْح َض َر للَّنَظِر ِفيِه َقْلًبا َس ِق يًم ا‪َ ،‬لَق ِد الَتَم َس ِبَو ِمْهِه يف‬
‫ِس‬ ‫ِث‬ ‫ِه‬ ‫ِب ِس ِت‬
‫َفْح ِص الَغْي ًّر ا َك يًم ا َو َعاَد َمِبا َقاَل في َأَّفاًك ا َأ يًم ا‪َ ،‬و اْلَعْر ُش َو الُك ْر ُّي َح ٌّق ‪َ ،‬و ُه َو‬
‫ُمْس َتْغٍن َعِن الَعْر ِش َو َم ا ُدوَنُه‪ِ ،‬حُم يٌط ِبُك ِّل َش ىٍء َو َفْو َقُه‪َ ،‬و َقْد َأْع َجَز َعِن اِإل َح اَطِة َخ لَق ُه‪،‬‬
‫َو َنُقوُل إَّن اَهلل اَخَّتَذ ِإبراِه يَم َخ ِليال‪َ ،‬و َك َّلَم اُهلل ُموسى َتْك ِليًم ا إمياًنا وَتْص ِد يًق ا َو َتْس ِليًم ا‪،‬‬
‫َو ُنْؤ ِم ُن با الِئَك ِة َو الَّنِبِّيَني والُك ُتِب ا َنَّزَلِة َعَلى ا ْر َس ِلَني ‪َ ،‬و َنْش َه ُد َأَّنُه ْم َك اُنوا َعَلى اَحلِّق‬
‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫مِب‬ ‫ُمل‬ ‫ِمِن‬ ‫ِق ِت ِلِم ُمل‬ ‫َمل‬
‫َّل‬ ‫ِني‬
‫اُملب ‪َ ،‬و ُنَس ِّم ي َأْه َل ْبَل َنا ُمْس َني ُمْؤ َني َم ا َداُموا ا َج اَء ب الَّنُّيب َص لى اُهلل َعَلي َو َس َم‬
‫ُمْع رَت فَني وَلُه ِبُك ِّل َم ا َقاَلُه َو َأْخ َبَر ُمَص ِّدقَني َغْيَر ُمْنِكِر يَن ‪َ ،‬و ال ُخَنوُض يف اهلل‪َ ،،‬و ال َمناِر ي‬
‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِن‬ ‫ِد‬ ‫ِد ِهلل‬
‫يف يِن ا ‪َ ،‬و ال َجُنا ُل يف الُقرءا ‪َ ،‬و َنْش َه ُد َأَّنُه َك الُم َر ِّب الَعاَل َني ‪َ ،‬نَز َل ِب الُّر وُح األ ُني‬
‫ِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬
‫َفَعَّلَم ُه َس ِّيَد اُملْر َس َني َحُمَّم ًد ا َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم ‪َ ،‬و ُه َو َك الُم ا َتعاىل ال ُيَس اِو ي َش ىٌء‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِقِه‬ ‫ِق‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬
‫ْن َك ال اَملْخ ُلو َني ‪َ ،‬و ال َنُقوُل َخِبْل ‪َ ،‬و ال َخُنا ُف َمَجاَعَة اُملْس مني‪َ ،‬و ال ُنَك ِّف ُر َأَح ًد ا ْن‬
‫َأْه ِل الِق ْبَلِة ِبَذ ْنٍب َم ا ْمَل َيْس َتِح َّلُه‪َ ،‬و ال َنُقوُل ال َيُضُّر َمَع اِإل مياِن َذنٌب ِلَم ْن َعِم َلُه‪َ ،‬نْر ُج و‬
‫ِللُم ْح سنَني مَن ا ْؤ ِمِنَني َأْن َيعُفَو َعْنُه م َو ُيْد ِخ َلُه ُم اجلَّنَة بَر َمْحِتِه َو ال َنأَم ُن َعَلْيِه م‪َ ،‬و ال َنْش َه ُد‬
‫ِبا َّنِة‪َ ،‬ن ُملْغِف ِل ِس يِئِه َخَناُف َل ِه ال َق ِّنُط ‪ ،‬اَأل واِإل اس ُقالِن‬
‫َع ْي ْم َو ُن ُه ْم َو ْم ُن َي َيْن َعْن‬ ‫ُهَلْم َجل َو ْس َت ُر ُم ْم َو‬
‫ِم َّلِة اِإل ْس الِم ‪ ،‬وَس ِبيُل اَحلِّق َبْيَنُه َم ا ألهِل الِق ْبَلِة‪َ ،‬و ال ْخَيُر ُج الَعْبُد ِم َن اِإل مياِن إَّال جِب ُح وِد َم ا‬
‫َأْد َخ َلُه ِفيِه‪ ،‬واِإل مياُن ُه َو اِإل ْقَر اُر ِباللَس اِن َو الَّتْص ديُق ِباَجلَنا‪َ ،،‬و ِمَج يُع َم ا َص َّح َعْن َرُس وِل اهلل‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم ِم َن الَّش ْر ِع َو الَبَياِن ُك ُّلُه َح ّق ‪َ ،‬و اِإل مياُن َو احٌد ‪َ ،‬و أْه ُلُه يف َأْص ِلِه َس َو اٌء‪،‬‬
‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِب ِة‬
‫والَّتفاُضُل َبْيَنُه م اَخلْش َي والُّتَق ى وَخُماَلَف اَهلَو ى َو ُمالَز َم اَألْو ىل‪َ ،‬و اُملْؤ ُنوَن ُك ُّلُه م َأْو َياُء‬
‫ِللُق ءاِن ‪ ،‬اِإل مياُن اِإل َمياُن ِباهلل الِئَك ِتِه‬ ‫ِع‬
‫َو َم‬ ‫ُه َو‬ ‫َو‬ ‫الَّرمْح ِن ‪َ ،‬و َأْك َر ُمُه ْم ْنَد اهلل َأْطَو ُعُه ْم َو َأْتَبُعُه ْم ْر‬
‫ِه ِه ِم ِهلل‬ ‫ِر ِرْي ِه ِه‬ ‫ِم ِخ‬ ‫ِبِه ِلِه‬
‫َو ُك ُت َو ُرُس َو الَيْو اآل ِر َو الَقَد َخ َو َشِّر َو ُح ْلِو َو ُمِّر َن ا َتَعاىل‪َ ،‬و ْحَنُن‬
‫ُمْؤ ِم ُنوَن ِبَذ ِلَك ُك ِّلِه‪ ،‬ال ُنَفِّرُق َبَنْي َأَح ٍد ِم ْن ُرُس ِلِه‪َ ،‬و ُنَص ِّد ُقُه ْم ُك َّلُه ْم َعَلى َم ا َج اُءوا ِبِه‪،‬‬
‫ِه‬ ‫ِئ ِم ِة ٍد‬
‫َو َأْه ُل الَك با ِر ْن ُأَّم َحُمَّم َص لى اُهلل َعَلي َو َس َّلَم يف الَّناِر ال ْخَيُلُد وَن إَذا َم اُتوا َو ُه ْم‬
‫ُمَو ِّح ُد وَن َو إْن ْمَل َيُك وُنوا َتاِئِبَني َبْع َد َأْن َلُقوا اَهلل َعارِفَني ُمْؤ ِمِنَني ‪َ ،‬و ُه ْم يف َم ِش يَئِته‬
‫َو ُح ْك ِمِه‪ ،‬إْن َش اَء َغَف َر ُهَلْم َو َعَف ا َعْنُه ْم ِبَفْض ِلِه َك َم ا َذَك َر َعَّز َو َج َّل يف ِكَتاِبِه‪َ﴿ :‬و َيْغِف ُر َم ا‬
‫ِم ا ِب ِتِه‬ ‫ِلِه‬ ‫ِل ِل‬
‫ُدوَن َذ َك َم ْن َيَش اُء﴾ َو إْن َش اَء َعَّذ َبُه ْم يف الَّناِر ِبَعْد َّمُث ْخُيِر ُجُه ْم ْنَه َر َمْح‬
‫(‪)48‬‬

‫ىَّل‬ ‫ِتِه ِل‬ ‫ِتِه‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬


‫َو َشَف اَع الَّشافعَني ْن َأْه ِل َطاَع َّمُث َيْبَعُثُه ْم إىل َج َّن ‪ ،‬وَذ َك بَأَّن اَهلل َتَعاىل َتَو َأْه َل‬
‫َم ْع ِر َفِتِه َو ْمَل ْجَيَعْلُه ْم يف الَّداَر ْيِن َك َأْه ِل ُنْك َر ِتِه اَّلِذ يَن َخ اُبوا ِم ْن ِه داَيِتِه‪َ ،‬و مَل َيَناُلوا ِم ن‬
‫ِو الَيِتِه‪ ،‬اللهَّم يا َو َّيِل اإلسالِم وَأهِلِه َثِّبْتَنا َعَلى اإلسالِم حىت َنلَق اَك ِبِه‪َ ،‬و َنَر ى الَّص الَة‬
‫َخ ْلَف ُك ِّل َبٍّر َو َفاِج ٍر ِم ْن َأْه ِل الِق ْبَلِة‪َ ،‬و َعَلى َمْن َم اَت ِم ْنُه ْم ‪َ ،‬و ال ُنَنِّز ُل َأَح ًد ا ِم ْنُه ْم َج َّنًة‬
‫َو ال َناًر ا‪َ ،‬و ال َنشَه ُد َعَلْيهْم ِبُك ْف ٍر َو ال ِبِش ْر ٍك َو ال ِبِنَف اٍق َم ا ْمَل َيْظَه ْر ِم ْنُه ْم َش ىٌء ِم ن ذِلَك ‪،‬‬
‫َلى َأ ٍد ِم ُأَّم ِة َّم ٍد لى ا َليِه‬ ‫ِهلل‬ ‫ِئ‬
‫َو َنَذ ُر سَر ا َر ُه ْم إىَل ا َتَعاىل‪َ ،‬و ال َنَر ى الَّس ْيَف َع َح ْن َحُم َص ُهلل َع‬
‫َو َس َّلَم إَّال َمْن َو َج َب َعَليِه الَّس ْيُف ‪َ ،‬و ال َنَر ى اُخلروَج َعَلى َأِئَّم ِتَنا َو ُو الِة أُموِر َنا وإْن‬
‫َج اُر وا‪َ ،‬و ال َنْد ُعو َعَلْيهْم وال َنْنِز ُع َيًد ا ِم ْن َطاَعِتِه ْم ‪ ،‬وَنَر ى َطاَعَتُه ْم ِم ْن طاَعِة اِهلل َعَّز‬
‫َو َج َّل َفريَض ًة َم ا ْمل يأُمُر وا َمِبْع ِص َيٍة‪َ ،‬و َنْد ُعو ُهَلْم ِبالَّص الِح وا َعاَفاِة‪َ ،‬و َنْتَبُع الُّس َّنَة واَجلَم اَعَة‬
‫ُمل‬
‫ْجَنَتِن الُّش ُذ وَذ واِخلالَف والُف ْر َقَة‪ِ ،‬حُن ُّب َأْه الَعْد ِل اَألَم اَنِة ُنْبِغُض َأْه اَجلْو ِر‬
‫َل‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َل‬ ‫َو‬ ‫َو ُب‬
‫واِخلَياَنِة‪َ ،‬و َنُقوُل اُهلل َأْع َل ِفيَم ا اْش َتَبَه َعَلْيَنا ِعْلمُه‪َ ،‬و َن ى ا ْسَح َعَلى اُخلَّف ِني يِف الَّسَف ِر‬
‫َمل‬ ‫َر‬ ‫ُم‬
‫ِلِم ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِض ِن‬
‫َو اَحلَض ِر كَم ا َج اَء يف اَألَثِر ‪َ ،‬و اَحلُّج واجلهاُد َم ا َيا َمَع ُأويِل اَألمِر َن اُملْس َني َبِّر ْم‬
‫َو َفاِج ِر ِه ْم إىل قياِم الَّس اَعِة‪ ،‬ال ُيْبِط ُلُه َم ا َش ْى ٌء َو ال َيْنُقُضُه ما‪َ ،‬و ُنْؤ ِم ُن ِبالكَر اِم الَك اِتِبَني َفإَّن‬
‫اَهلل َقْد َجَعَلُه ْم َعَلْينا َح اِفِظ َني ‪َ ،‬و ُنْؤ ِم ُن َمِبَلِك املْو ِت ا َو َّكِل ِبَق ْبِض َأْر َو اِح الَعاَلمَني ‪،‬‬
‫ِكُمل‬
‫َو بعذاِب القِرْب ِلَم ْن َك اَن َلُه َأهال‪َ ،‬و ُس َؤ اِل ُمْنَك ٍر َو َن يف َق َعْن َر ّب َو ي وَنبِّي َعَلى‬
‫ِه‬ ‫ِنِه‬ ‫ِد‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِرْب‬ ‫ٍري‬
‫َم ا َج اَءْت ِبِه اَألْخ َباُر َعْن َرُس وِل اهلل َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َو َعِن الَّص حابِة ِر ْض َو اُن اهلل‬
‫اِء‬ ‫ِث‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬
‫َعَلْيِه م‪ ،‬والقْبُر َر ْو َض ٌة ْن ِر َياِض اَجلَّن َأْو ُح ْف َر ٌة ْن ُح َف ِر النريان‪َ ،‬و ُنْؤ ُن ِبالَبْع َو َجَز‬
‫الِق ا ِة ال ِض واِحل اِب ِق اءِة الِكَتاب‪ ،‬والَّث اِب والِعَق اِب والصراِط‬ ‫ِل‬
‫َو‬ ‫َس َو َر‬ ‫اَألْع َم ا َيْو َم َي َم َو َعْر‬
‫ِب ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِن‬ ‫ِمل‬
‫َو ا يَز ان‪َ ،‬و اَجلَّنُة َو الَّناُر ْخَملوَقَتا ال َتْف َنيا َأَبًد ا وال َت يَد ا ‪ ،‬وإَّن اَهلل َتَعاىل َخ َلَق اَجلَّنَة َو الَّناَر‬
‫َقْب اَخلْلِق ‪َ ،‬خ َلَق ُهَل ا َأْه ال‪َ ،‬ف ْن َش ا ِم ْنُه ْم إىل اَجلَّنِة َفْض ال ِم ْنُه َمْن َش ا ِم ْنُه م إىل الَّناِر‬
‫َء‬ ‫َو‬ ‫َم َء‬ ‫َم‬ ‫َو‬ ‫َل‬
‫ِل ا َقْد ُفِر َغ َل اِئ إىل ا ِل َله‪ ،،‬اَخل والَّش ُّر َق َّد اِن‬ ‫ِم‬
‫ُم َر‬ ‫َو ْيُر‬ ‫ُه َو َص ٌر َم ُخ َق‬ ‫َعْد ال ْنُه‪َ ،‬و ُك ٌّل َيْع َم ُل َم‬
‫ِف‬ ‫هِب ِف ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِع ِد‬
‫َعَلى ال َبا ‪َ ،‬و االْس َطاَعُة اليت ِجَي ُب ا ال ْع ُل ْن ْحَنِو الَّتْو يِق اَّلذي ال ُجَيوُز َأْن ُيوَص َف‬
‫الف ِل ‪َ ،‬أ ا اال تَطا ُة ِم ِج ِة الصَّح ِة ال ِع والَّت ُّك ِن ال ِة‬ ‫ِه‬
‫َم َو َس َم‬ ‫َو ُو ْس‬ ‫اَملْخ ُلوُق ِب َفِه َي َمَع ْع َو ّم ْس َع ْن َه‬
‫اآلالِت َفِه ي َقْبَل الِف ْع ِل َو َهِبا َيَتَعَّلُق اِخلَطاُب ‪ ،‬وِه َي َك َم ا َقاَل َتَعاىل‪﴿ :‬ال ُيَك ِّلُف اُهلل َنْف ًس ا‬
‫ِإال ُو ْسَعَه ا﴾(‪َ )286‬و َأْفَعاُل الِعَباِد َخ ْلُق اِهلل َو َك ْسٌب ِم َن الِعَباِد ‪َ ،‬و ْمَل ُيَك ِّلْف ُه ُم اُهلل َتَعاىل إَّال َم ا‬
‫ُيِط يُقوَن ‪َ ،‬و ال ُيَطَّيُقوَن إَّال َم ا َك َّلَف ُه ْم ‪َ ،‬و ُه َو َتْف ِس ُري ال َحْو َل َو ال ُقَّوَة إَّال ِباِهلل‪َ ،‬نُقوُل ال‬
‫ِح يَلَة َألَح ٍد َو ال َح َر َك َة ألَح ٍد َو ال َحَتُّو َل ألَح ٍد َعْن َم ْع ِص يِة اِهلل إَّال َمِبُعوَنِة اِهلل‪َ ،‬و ال ُقَّوَة‬
‫َأل ٍد َلى إَقامِة َطا ِة اِهلل الَّث اِت َل ا إَّال ِب ِفيِق اِهلل‪ُ ،‬ك ُّل َش ىٍء ِر ي َمِبِش يَئِة اِهلل‬
‫ْجَي‬ ‫َو‬ ‫َتْو‬ ‫َع َو َب َع ْيَه‬ ‫َح َع‬
‫َتَعاىل َو ِعْلِمِه َو َقَض اِئِه َو َقَد ِرِه‪َ ،‬غَلَبْت َم ِش يئُتُه ا ِش يَئاِت ُك َّلَه ا‪ ،‬وَغَلَب َقَض اُؤ ُه اِحلَيَل ُك َّلها‪،‬‬
‫َمل‬
‫َيْف َع َم ا َيَش ا ُه َغ َظاٍمِل َأَبًد ا‪َ ،‬تَق َّد َعْن كِّل ُس وٍء َح ٍنْي ‪َ ،‬تَنَّز َه َعْن ُك ِّل َعْيٍب‬
‫َو‬ ‫َو‬ ‫َس‬ ‫ُء َو َو ُري‬ ‫ُل‬
‫َو َش ٍنْي ‪﴿ ،‬ال ُيْس َأُل َعَّم ا َيْف َعُل َو ُه ْم ُيْس َأُلوَن ﴾ ‪َ 23‬و يف ُدَعاِء اَألْح َياِء َو َص َد َقاِهِتْم َم ْنَف َعٌة‬
‫( )‬

‫ِل‬ ‫ٍء‬ ‫ِت ِل‬ ‫ِت ِض‬ ‫ِج‬ ‫ِل ِت‬


‫َألْم َو ا ‪َ ،‬و اهلل َتَعاىل َيْس َت يُب الَّد َعَو ا َو َيْق ي اَحلاَج ا ‪َ ،‬و ْمَي ُك ُك َّل َش ى َو ال ْمَي ُك ُه‬
‫َش ْى ٌء‪َ ،‬و ال ِغىَن َعِن اِهلل َتَعاىل َطرَفَة َعٍنْي ‪َ ،‬و َمْن [َزَعَم َأَّنُه] اْس َتْغىَن َعِن اِهلل َطْر َفَة َعٍنْي َفَقْد‬
‫ِحُن‬ ‫ٍد ِم‬ ‫ِم‬
‫َك َف َر َو َص اَر ْن َأْه ِل اَحلِنْي ‪ ،‬واُهلل َيْغَض ُب َو َيْر َض ى ال َك َأَح َن الَو ر‪،‬ى‪َ ،‬و ُّب َأْص َح اَب‬
‫وِل اِهلل لى ا َليِه َّل ‪ ،‬ال ْف ِر ُط يف ِّب َأ ٍد ِم ن ‪ ،‬ال َّر ُأ ِم َأ ٍد‬
‫ُح َح ُه ْم َو َنَتَب ْن َح‬ ‫َص ُهلل َع َو َس َم َو ُن‬ ‫َرُس‬
‫ِد‬ ‫ِغ‬ ‫ِغ‬ ‫ِم‬
‫ْنُه ْم ‪َ ،‬و ُنْب ُض َمْن ُيْب ُضُه ْم وِبَغِرْي اَخلِرْي َيْذ ُك ُر ُه ْم ‪ ،‬وال َنْذ ُك ُر ُه ْم إَّال َخِبٍرْي ‪ ،‬وُح ُّبُه ْم يٌن‬
‫ِل ِهلل‬ ‫ِخل‬ ‫ِن‬
‫وإمياٌن وإْح ساٌن ‪َ ،‬و ُبْغُضُه ْم ُكْف ٌر و َف اٌق َو ُطْغَياٌن ‪َ ،‬و ُنْثِبُت ا الَفَة َبْع َد َرُس و ا َص لى اُهلل‬
‫َعَليِه َو َس َّلَم َأَّو ال َأليب َبْك ٍر الِّص ِّديِق َر ِض َي اُهلل َعْنُه َتْف ِض يال َلُه َو َتْق ِد ًميا َعَلى ِمَج يِع اُألَّم ِة‪َّ ،‬مُث‬
‫ِل ِن اَخلَّطاِب ِض اهلل ْن ‪َّ ،‬مُث ِل ْث اَن ِض اهلل ْن ‪َّ ،‬مُث ِل ِل بن َأيِب َطالٍب ِض‬
‫َر َي‬ ‫َر َي َع ُه ُع َم َر َي َع ُه َع ِّي‬ ‫ُعَمَر ْب‬
‫وُل اِهلل‬ ‫ِإ‬ ‫ِئ‬ ‫ِش‬
‫اهلل َعْنُه‪َ ،‬و ُه ُم اُخلَلَف اُء الَّر ا ُد وَن َو اَأل َّم ُة اُملْه َتُد وَن ‪َ ،‬و َّن الَعَش َر َة الذيَن َّمَساُه ْم َرُس‬
‫َص لى اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم َو َبَّش َر ُه ْم ِباَجلَّنِة َنْش َه ُد ُهَلْم ِباَجلَّنِة َعَلى َم ا َش ِه َد ُهَلْم َرُس وُل اِهلل َص لى‬
‫اُهلل َعَليِه َو َس َّلَم وقوله اَحلُّق ‪َ ،‬و ُه ْم َأُبو َبْك ٍر َو ُعَمُر َو ُعْثَم اُن َو عِلٌّي َو َطْلَح ُة والُّز َبْيُر َو َس ْع ٌد‬
‫ِض‬ ‫ِم ِذِه‬ ‫ٍف‬ ‫ِع‬
‫َو َس يٌد َو َعْبُد الَّرمْح ِن بُن َعْو وَأُبو ُعَبْيَد َة ْبُن اَجلَّر اِح َو ُه َو َأ ُني ه اُألَّم ةِ‪َ ،‬ر َي اُهلل‬
‫الَق َل يف َأ اِب وِل اِهلل لى ا َليِه َّل َأْز اِج ِه‬ ‫ِع‬
‫َص ُهلل َع َو َس َم َو َو‬ ‫ْص َح َرُس‬ ‫َعْنُه ْم َأَمْج َني ‪َ ،‬و َمْن َأْح َسَن ْو‬
‫ا‬ ‫َل‬ ‫‪،‬‬ ‫الَّطاِه راِت ِم ُك ِّل َنٍس ُذِّر َّياِتِه املَق َّد ِس ِم ُك ِّل ِر ٍس فقد برئ ِم الِّنفاِق‬
‫َو َم ُء‬ ‫ُع‬ ‫َن‬ ‫ْج‬ ‫َني ْن‬ ‫ْن َد َو‬
‫الَّس َلِف ِم َن الَّس اِبِق َني َو َمْن َبْع َد ُه ْم ِم َن الَّتاِبِعَني َأْه ُل اَخلِرْي واَألَثِر َو َأْه ُل الِف ْق ِه َو الَّنَظِر ال‬
‫َلى َغِرْي الَّس ِبيِل ‪ ،‬وال َف ِّض َأ ًد ا ِم‬ ‫َذَك ِب وٍء‬ ‫ِب ِم‬
‫ُن ُل َح َن‬ ‫َع‬ ‫ُيْذ َك ُر وَن إَّال اَجل يِل ‪َ ،‬و َمْن َر ُه ْم ُس َف َو‬
‫ُه‬
‫اَألْو ِلَياِء َعَلى َأَح ٍد ِم َن اَألْنِبَياِء َعَلْيِه ُم الَّس الُم‪َ ،‬و َنُقوُل َنٌّيِب َو اِح ٌد َأْفَض ُل ِم ْن مَج يِع اَألْو ِلَياِء ‪،‬‬
‫َّح ِن الثَق اِت ِم ر ا اِهِتم‪ْ ،،‬ؤ ِم ِبَأْش اِط الَّس ا ِة ِم‬ ‫ِم ا ا ِم َك ا اِهِت‬
‫ْن‬ ‫َع‬ ‫َو ُن ُن َر‬ ‫ْن َو َي‬ ‫َع‬ ‫َص‬ ‫َو ُنْؤ ُن َمِب َج َء ْن َر َم ْم َو‬
‫ُخ ُر وِج الَّد َّج اِل َو ُنُز وِل عيسى ابِن َمْر َمَي َعَليِه الَّس الُم ِم َن الَّس َم اِء ‪َ ،‬و ُنْؤ ِم ُن ِبُطُلوِع الَّش ْم ِس‬
‫ِه‬ ‫ِضِع‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬
‫ْن َم ْغِر َهِبا‪َ ،‬و ُخ ُر وِج َداَّب اَألْر ِض َمْن مو ها‪َ ،‬و ال ُنَص ِّد ُق َك ا ًنا َو ال َعَّر اًفا َو ال َمْن‬
‫َيَّد ِعي َش ْيًئا َخُياِلُف الِكَتاَب والُّس َّنَة َو إَمجاَع اُألَّم ِة‪َ ،‬و َنَر ى اَجلَم اَعَة َح ًّق ا َو َص َو اًبا والُف ْر َقَة‬
‫زْيًغا َو عذاًبا‪َ ،‬و ِديُن اِهلل يف اَألْر ِض والَّس َم اِء َو اِح ٌد َو ُه َو ِديُن اِإل ْس الِم ‪ ،‬قاَل اُهلل تعاىل‪ِ﴿ :‬إَّن‬
‫َو ُه َو َبَنْي‬
‫(‪)3‬‬
‫﴾‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِد‬ ‫ال‬ ‫ِإل‬ ‫ا‬
‫َو َر ُت ُم ْس َم ًن‬ ‫ُك‬‫َل‬ ‫ي‬ ‫ِض‬ ‫﴿‬ ‫تعاىل‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫(‪)19‬‬
‫الِّديَن ِع ْنَد اِهلل اِإل ْس الُم﴾‬
‫الُغُلِّو والَّتْق ِص ِري ‪َ ،‬و َبَني الَّتْش بيِه َو الَّتْع ِط يِل ‪ ،‬وَبَنْي اَجلِرْب والَقَد ِر ‪َ ،‬و َبَنْي اَألْم ِن َو اِإل َياِس ‪َ ،‬فهذا‬
‫ِذ‬ ‫ِهلل ِم‬ ‫ِط‬ ‫ِه‬ ‫ِت‬ ‫ِد‬
‫ْيُننا َو اع َق اُدنا َظا ًر ا َو َبا ًنا‪َ ،‬و ْحَنُن ُبرَءاُء إىَل ا ْن كِّل َمْن َخ اَلَف ال ي ذَك ْر َناُه‬
‫َّيَّنا ‪َ ،‬ن َأُل ا اىل َأْن َثِّب َنا َلى اِإل مياِن ْخَيِت َلَنا ِبِه ِص َنا ِم اَأل اِء ا َتِلَف ِة‬
‫َو َيْع َم َن ْه َو ُملْخ‬ ‫َو َم‬ ‫ُي َت َع‬ ‫َو َب ُه َو ْس َهلل َتَع‬
‫ِة ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِه ِب ِد ِة ِم‬ ‫ِة‬ ‫ِء‬
‫واآلرا اُملَتَف رَق َو اَملَذ ا الَّر َّي ْثِل اُملَش به واُملعَتِز َل واَجلْه مية َو اَجلرْب َّي َو الَقَد رَّي َو َغرْي ْم‬
‫ِم َن الذيَن َخ الُف وا الُّس َّنَة َو اَجلَم اَعَة َو َح الُف وا الَّض الَلة‪َ ،‬و ْحَنُن ِم ْنُه ْم َبَر اٌء‪َ ،‬و ُه ْم ِعنَدَنا ُضّالٌل‬
‫َو َأْر ِدياٌء َو ِباِهلل الِعْص َم ُة َو الَّتْو ِفيُق ‪.‬‬

You might also like