You are on page 1of 9

‫كتب اُهلل تع الى على عب اده ص يام ش هر رمض ان في ش هر‬

‫الق رآن‪ ،‬ش هر الهداي ة والعرف ان لم ا في الص يام من ِح كٍم‬


‫عظيمة‪ ،‬منها ما نعلم ه وأكثره ا ال نعلم ه‪ ،‬فالص يام وس يلة‬
‫لتحقي ق التق وى‪ ،‬والتق وى هي فع ل م ا أم ر اهلل تع الى ب ه‪،‬‬
‫وترك ما نهى اهلل عنه‪.‬‬
‫لق د خ اطب اُهلل ع ز وج ل عب اده عن دما ش رع لهم عب ادة‬
‫ُك‬ ‫َل‬ ‫ِت‬ ‫ُك‬ ‫وا‬ ‫ُن‬ ‫آ‬ ‫َن‬ ‫ي‬ ‫ِذ‬ ‫الص يام ‪،‬بقول ه تع الى‪َ ﴿:‬ي ا َأُّيَه ا اَّل‬
‫َب َع ْي ُم‬ ‫َم‬
‫الِّص َياُم َك َم ا ُك ِتَب َع َلى اَّلِذ يَن ِم ْن َقْب ِلُك ْم َلَع َّلُك ْم َتَّتُق وَن ﴾‪ ،‬وه ذا‬
‫تكريٌم من اهلل لعباده ‪ ،‬قال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪ ":‬اذا‬
‫س معت اهلل يق ول‪َ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا) فأرعه ا س معك‪،‬‬
‫فإنه خيٌر ي أمر ب ه أو ش ٌّر ينهى عن ُه"‪ ،‬وقال علماؤن ا ‪ :‬إن‬
‫اهلل إذا قال‪َ ( :‬ي ا َأُّيَه ا اَّل ِذ يَن آَم ُن وا )‪ ،‬ف إن في ه تكريم ًا‬
‫للمؤم نين أن اهلل رب الع المين يخ اطبهم ويرف ع مك انتهم‬
‫بهذا النداء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فهنيئًا لنا معاشر المؤمنين أن ُيخاطَبَنا رُبنا الك ريم س بحانه‬
‫وتع الى‪ ،‬ونحُن في أول جمع ة من ش هر رمض ان المب ارك‪،‬‬
‫لتحقي ق التق وى ال تي جعله ا اهلل تع الى الغاي ة من عب ادة‬
‫الص يام ‪ ،‬وهي أفض ل م ا يتس لح ب ه اإلنس ان المس لم لين ال‬
‫ص فة المتقين‪ ،‬ل ذلك جع ل اهلل تع الى ش هر رمض ان ش هر‬
‫التق وى‪ ،‬قال اإلم ام علي ك رم اهلل وجه ه‪(:‬التق وى هي‬
‫الخ وف من الجلي ل‪ ،‬والعم ل بالتنزي ل‪ ،‬والقناع ة بالقلي ل‪،‬‬
‫واالستعداد ليوم الرحيل)‪.‬‬

‫ومن األس رار العظيم ة في الص وم أن المس لم ي ترك طعام ه‬


‫وش رابه وس ائر ش هواته المباحة ال تي جبلت عليه ا النفس‬
‫البشرية إرضاًء هلل تبارك وتعالى سرًا وعالنيًة ‪ ،‬وال يوجد‬
‫ذلك في عبادة غير الصيام … ومما ال ريب فيه أن الصوم‬
‫مدرس ة إيماني ة ُخ لقي ة وتربوي ة‪ ،‬يت درب فيه ا الص ائم على‬
‫ضبط نفسه‪ ،‬واإلقبال على أعمال الخ ير والطاع ة‪ ،‬فيتخ رُج‬
‫فيها المسلم‪ ،‬وقد زّك ى نفسه‪ ،‬وجدّد ايمانه‪ ،‬وسلك الطري ق‬
‫‪2‬‬
‫المس تقيم والمنهج الق ويم يبتغي األج ر والمثوب ة من اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬ويحرص كل الحرص على عبادته ‪،‬‬

‫كم ا أن ه ذه العب ادة لعظمه ا تض اعف فيه ا األج ور‪ ،‬ول ذا‬
‫نسبها ربنا تبارك وتعالى لنفسه فقال في الحديث القدس ي‪:‬‬
‫« ُك ُّل َع َم ِل اْب ِن آَد َم ُيَض اَع ُف ‪ ،‬الَح َس َنُة َع ْش ُر َأْم َثاِلَه ا‪ ،‬إلى‬
‫َس ْب ع ِم اَئة ِض ْع ٍف ‪ ،‬قاَل الَّلُه َع َّز َو َج َّل ‪ :‬إاَّل الَّص ْو َم ؛ فإَّن ه لي‪،‬‬
‫َأَن ا َأْج ِز ي ب ه‪َ ،‬ي َدُع َش َتُه َط ا ُه ِم ن َأْج ِلي‪ِ .‬للَّص اِئِم‬
‫ْه َو َو َع َم‬ ‫َو‬
‫َفْر َح َتاِن ‪َ :‬فْر َح ٌة ِع ْن َد ِف ْطِر ِه ‪َ ،‬و َفْر َح ٌة ِع ْن َد ِلَقاِء َر ِّبِه ‪َ .‬و َلُخ ُل وُف‬
‫فيه َأْط ِع ْن َد اِهلل ِم ن ِر يِح الِم ِك » ‪ ،‬فهذه إضافة تشريٍف‬
‫ْس‬ ‫َيُب‬
‫وتعظيٍم ‪ ،‬يق ول الحاف ظ ابن حج ر رحم ه اهلل تع الى في‬
‫شرح هذا الحديث ‪ " :‬إن الصوم ال يقع فيه الرياء كما يق ع‬
‫في غ يره" ‪ ،‬وقال اإلم ام القرط بي رحم ه اهلل تع الى‪" :‬لم ا‬
‫كانت األعمال يدخلها الرياء‪ ،‬والصوم ال يطلُع عليه احٌد اال‬
‫اهلل‪ ،‬أضافه اهلل الى نفسه‪ ،‬وقال في نهاي ة الحديث ‪َ (:‬ي َدُع‬
‫َش ْه َو َتُه َو َطَع اَم ُه ِم ن َأْج ِلي)‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وقال‪" :‬أن االعمال قد كش فت مق ادير ثوابه ا للن اس‪ ،‬وأنه ا‬
‫تضاعف من عشرة الى سبعمائة ض عف الى م ا ش اء اهلل ‪،‬‬
‫إال الص يام ف إن اهلل ي ثيب علي ه بغ ير تق دير‪ ،‬ويش هد له ذا‬
‫حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل علي ه وس لم ‪َ « :‬م ن هَّم بحس نٍة فلم يعَم ْله ا كَتْب ُت ل ه‬
‫حسنًة فإْن عِم لها كَتْب ُتها بعشِر أمثاِلها إلى سبِع مئٍة وإ ْن هَّم‬
‫بس ِّيئٍة فلم يعَم ْله ا لم أكُتْب علي ه ف إْن عِم له ا كَتْب ُته ا علي ه‬
‫سِّيئًة واحدة »‪.‬‬

‫وهذا الش هر ش هر ص لة األرحام واألقارب وزي ارتهم‪ ،‬قال‬


‫اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و اَّتُق وا الَّل َه اَّل ِذ ي َتَس اَء ُلوَن ِب ِه َو اَأْلْر َح اَم ۚ ِإَّن‬
‫الَّل َه َك اَن َع َلْي ُك ْم َر ِق يًب ا ﴾ ف إن ال رحَم معلق ٌة ب العرش‪ ،‬من‬
‫وصلها وصله اهلل‪ ،‬ومن قطعها قطعه اهلل‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫ففي حديث أبي هريرة رضي اهلل عن ه قال‪ :‬قال ص لى اهلل‬
‫علي ه وس لم «لّم ا َخ َل َق اُهلل الخل َق ‪ ،‬فلَّم ا ف رَغ من ه‪ ،‬قامت‬
‫ا‬ ‫مق‬ ‫هذا‬ ‫قالت‪:‬‬ ‫ه‪،‬‬ ‫له‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫حمن‪،‬‬ ‫َّر‬‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ْق‬ ‫ب‬ ‫فأخذت‬ ‫الَّر ِح‬
‫ُم‬ ‫َم‬ ‫َح‬ ‫ُم‬
‫العائ ِذ ب ك من الَقِط يع ة‪ ،‬قال‪ :‬أاَل َتْر َض ْيَن أْن أِص َل َم ن‬
‫وص لِك ‪،‬وأقط ُع َم ن قطع ِك ‪ ،‬قالت بلى ي ا‬
‫رِّب ‪ ،‬قال ف ذاك»‪ ،‬قال رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه‬
‫وس لم‪ :‬اقرءوا إن ش ئتم ‪﴿،‬فه ل عس يُتم إْن ت وَّليُتم أن‬
‫ُتْفِس دوا في األرض وُتَقِّطعوا أرحاَم كم﴾‪.‬‬

‫إَّن ص لَة ال رحم برك ة في ال رزق وبرك ة في العم ر‪ ،‬قال‬


‫ُيْب َس َط ل ه‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وس لم‪َ « :‬م ن َس َّر ُه أْن‬
‫»‪ ،‬وه ذه‬ ‫في ِر ْز ِق ِه ‪ ،‬أْو ُيْن َس َأ ل ه في أَث ِر ِه‪َ ،‬فْلَيِص ْل َر ِح َم ُه‬
‫فرص ة يجب أن نغتنمه ا في ش هر رمض ان‪ ،‬ألن األج ور‬
‫مضاعفة فكيف إذا كانت متعلقة باألرحام‪ ،‬قال الن بي ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ « :‬الصدقُة على المسكيِن ص دقٌة وعلى ذي‬
‫الَّر ِح ِم ِثْن َتاِن صدقٌة وِص َلٌة »‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وتظل صلُة األرحام واجبًة حتى وإ ن قاطعوك ولم يص لوك‪،‬‬
‫فاألفض ل أن تس تمر عالقات ك اُألس رية‪ ،‬لتبقى لحم ة الم ودة‬
‫والمحب ة مس تمرة‪ ،‬وإ ن ل ك ب ذلك أج رًا عظيم ًا عن د اهلل‬
‫الصحيح أَّن َر ُج اًل قاَل ‪ «:‬ي ا َر ُس وَل‬ ‫تعالى‪ ،‬ورد في الحديث‬
‫ُلُهْم َو َيْقَطُع وِن ي‪َ ،‬و ُأْح ِس ُن إليِه م‬
‫اِهلل ‪ ،‬إَّن لي َق ا ًة َأِص‬
‫َر َب‬
‫عْن هْم َو َيْج َه ُل وَن َع َلَّي ‪َ ،‬فق اَل ‪َ :‬لِئْن‬
‫ُل‬
‫َو ُم‬‫ْح‬‫َأ‬ ‫‪،‬‬ ‫َّي‬‫َل‬ ‫إ‬ ‫َن‬ ‫و‬ ‫ُؤ‬‫ي‬ ‫ِس‬
‫َو ُي‬
‫ُك ْن َت كم ا ُقْلَت ‪َ ،‬فَك أَّنم ا ُتِس ُّف ال َّل اَل َز اُل مع َك ِم َن اِهلل‬
‫ُه ُم َم َو َي‬
‫َظِه يٌر عليهم ما ُد ْم َت عَلى ذلَك »‪ ،‬وهذه الصلة مطلوبة وإ ن‬
‫بع دت المس افات والحواجز فوس ائل التواص ل االجتم اعي‬
‫جعلت الع الم كقري ة ص غيرة‪ ،‬فال تبخ ل برس الة أو مكالم ة‬
‫مع أقاربك وأرحامك وأه ل بيت ك‪ ،‬فه ذه مم ا ُت دخُل الس رور‬
‫على قل وبهم‪ ،‬وتق وّي الرواب ط العائلي ة‪ ،‬والعالقات‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬قال رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم« ك ُّل‬
‫المع روِف أن تلَقى أخ اَك بوْج ٍه‬ ‫مع روٍف ص دقٌة وإ َّن مَن‬
‫في إناِء أخيَك »‪.‬‬ ‫َطلٍق وأن ُتفِر َغ ِم ن دْلِو َك‬
‫‪6‬‬
‫وعن عب د اهلل بن عم رو أن رس ول اهلل ﷺ قال‪« :‬ليس‬
‫الواص ل بالمك افئ‪ ،‬ولكن الواص ل ال ذي إذا قطعت رحم ه‬
‫وصلها»‪.‬‬

‫إن الص ائم ال ذي يمس ك عن طعام ه وش رابه وش هواته‬


‫المباحة‪ ،‬قادٌر على أن يمن ع نفس ه من المعاص ي‬
‫والمحرمات واالخالق الس يئة‪ ،‬لتحقي ق الثم رة من الص يام‪،‬‬
‫وهي ثمرة التقوى (لعلكم تتقون)‪.‬‬

‫إن الفرص ة لتغي ير الس لوك س هلة على الص ائم الق ائم في‬
‫شهر رمض ان‪ ،‬ش هر الق رآن لنص بح مص احف حّي ة تمش ي‬
‫على األرض كحال الص حابة رض ي اهلل عنهم‪ ،‬قال اهلل‬
‫ِه‬ ‫تعالى‪ِ﴿ :‬إَّن الَّلَه اَل َغِّي ا ِب َق ٍم َّتٰى َغِّي وا ا ِبَأنُفِس‬
‫ْم‬ ‫ُي ُر َم ْو َح ُي ُر َم‬
‫ۗ﴾‪ ،‬فلنط رح حظ النفس جانب ًا‪ ،‬ونقب ل على الفض ائل‬
‫‪7‬‬
‫المحمودة‪ ،‬ونهجر الصفات المذموم ة فال غيب ة وال نميم ة‪،‬‬
‫وال تش احن وال تب اغض‪ ،‬وال حس د وال حق د وال غ ل ‪،‬‬
‫لتصبح قلوبنا مطمئنة بذكر اهلل تعالى قال رس ول اهلل ص لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ «:‬أفضُل الَّناِس كُّل مخم وِم القلِب ‪ ،‬ص دوق‬
‫الِّلساِن ‪ ،‬قالوا‪ :‬صدوُق الِّلس اِن نعِر ُف ه فم ا مخم وُم القلِب ؟‬
‫قال الَّتقُّي الَّنقُّي ‪ ،‬ال إثَم في ه ‪ ،‬و ال بْغ َي ‪ ،‬و ال ِغ َّل ‪ ،‬و ال‬
‫حَس د » ‪.‬‬

‫وهذا مم ا ي ؤدي الى ص فاء القل وب ونقائه ا؛ ليلقى المس لم‬

‫تب ارك وتع الى بقلب س ليم قال تع الى﴿ِإال َم ْن َأَتى الَّل َه‬ ‫رب ه‬
‫َس ِليٍم ﴾‪.‬‬ ‫ِبَقْلٍب‬

‫وال ننس ى أن نحاف ظ على الص لوات المفروض ة وص الة‬


‫التراويح مع اإلمام امتثاًال لقول النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫« َم ن َق اَم َر َم َض اَن إيَم اًن ا واْح ِتَس اًبا‪ُ ،‬غ ِف َر ل ه م ا َتَق َّد َم ِم ن‬

‫‪8‬‬
‫َذ ْن ِب ِه »‪ .‬لنجم ع بين القي ام والص يام ال ذي ورد في ه ( مْن‬
‫صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)‬

‫‪9‬‬

You might also like