You are on page 1of 33

‫الكتاب‪ :‬آداب سلوك المريد‬

‫المؤلف‪ :‬اإلمام شيخ اإلسالم عبداهلل بن علوي بن محمد الحداد العلوي الحسيني‬
‫التريمي‪.‬‬
‫***‬

‫سلسلة كتب اإلمام الحداد‬


‫*************** رسالة ***************‬
‫********** آداب سلوك المريد ***********‬
‫تأليف‬
‫اإلمام شيخ اإلسالم قطب الدعوة واإلرشاد‬
‫الحبيب عبداهلل بن علوي الحداد‬
‫الحضرمي الشافعي‬
‫رحمه اهلل تعالى‬

‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‬

‫الحمُد هلل الذي َيِق ذُف إذا شاء في قلوب الُم ريدين َلْو َعة اإلرادة‪ ،‬فُيزِع ُج ُه م إلى ُس لوك َس بيل الّس عادة‪،‬‬

‫التي هي اإليماُن والِعبادة‪َ ،‬و َم ْح ُو كّل َر سٍم وَعادة‪ ،‬و صَّلى اهلل و سَّلم على سِّيدنا ُمحَّم ٍد َس ِّيد أهِل‬

‫الِّس يادة‪ ،‬وعلى آله و صحبِه الَّس ادة الَق ادة‪ ،‬أّم ا بعُد ‪:‬‬

‫َفقد قال اهلل تعالى وُه و أصدُق القائلين‪َ ( :‬مْن َك اَن ُيِر يُد الَعاِج َلة َعَّج ْلنا َلُه ِفيها ما َنشاُء ِلَمْن ُنريُد ُثَّم‬

‫َجَعْلنا َلُه َج هَّنَم َيْص الها َم ذُمومًا َم ْد حورًا َو َمْن أراَد اآلِخ َر َة َو َس عى َلها َس عَيها َو ُه َو ُمؤمٌن َفأولئَك كاَن‬

‫َس ْع ُيُه م َم ْش كورًا)‪ .‬والعاِج لة هي الدنيا‪ ،‬فإذا كاَن الُم ريُد لها فضًال عن الّس اعي ِلطلبها َم صيُر ُه إلى النار‬

‫َمَع اَّللوم و الّص غار‪ ،‬فما أجَد َر العاِقَل باإلعراِض عنها‪ ،‬واِال حتراِس ِم نها‪ ،‬و اآلخرُة هي الجنة‪ .‬وال َيكفي‬

‫في ُحُصوِل الفوِز بها اإلراَد ة فقط َبل هي مَع اإليمان والَعمِل الّص الح الُم شار إليه ِبقوله تعالى‪َ( :‬و َس عى‬

‫َلها َس ْع َيها َو ُه َو ُمؤِم ٌن )‪ ،‬والَّس عي الَم شكور هو العمُل الَم قبول الُم ستوِج ُب صاحُبه المدَح و الثناء و‬

‫الّثواب العظيم الذي ال ينَق ضي وال يفنى ِبفضل اهلل وَر حمته‪ ،‬و الخاِس ُر ِم ن كِّل وجٍه ِم ن الُم ريدين للدنيا‬

‫الذي يتحَّق ُق في حِّق ه الوعيُد الَم ذكور في اآلية هو الّذ ي ُيريد الدنيا إرادًة ينسى في َج نِبها اآلخرة فال‬

‫‪2‬‬
‫ُيؤمن بها‪ ،‬أو ُيؤمن و ال يعمُل لها‪ .‬فاألَّو ل كافٌر خالٌد في النار‪ ،‬و الثاني فاسٌق موسوٌم ِبالَخ سار‪ .‬وقال‬

‫رُس وِل اهلل صّلى اهلل عليه وسّلم "إّنما األعماُل ِبالِّنياِت وإِّنما ِلُك ِّل ِامِر ٍئ ما َنوى َفَم ن كاَنت ِه جَر ُتُه إلى‬

‫اهلل وَرُس وِله َفهجرُته إلى اهلل وَر سوِله َو َم ن كانت ِه جَر ُته إلى ُدنيا ُيصيُبها أو امرأٍة َينِكُح ها َف ُ‬
‫هجرته إلى ما‬

‫هاَج َر إليه"‪َ .‬أخَبر صّلى اهلل عليه و سَّلم أَّنه ال عمَل إال عن نّية‪ ،‬وأَّن اإلنسان بحسِب ما نوى ُيثاب‬

‫وُيجزى إن خيرًا فخير‪ ،‬وإن شّر ًا فشر‪ ،‬فمن حسنت نّيتُه حسن عمله ال محالة‪ ،‬ومن َخ ُبثت ِنّيته َخ ُبَث‬

‫عمله ال محالة‪ ،‬وإن كان في الصورة طّيبًا كالذي يعمل الّص الحات تصّنعًا للمخلوقين‪ .‬وأخبَر عليه‬

‫الَّص الة والسالم أّن من عمل هلل على ِو فِق الُم تابعة ِلرسوِل اهلل صّلى اهلل عليه وسّلم كان ثواُبه على اهلل‬

‫وكان ُمنقلبه ِإلى ِر ضواِن اهلل َو جّنته‪ ،‬في ِج واِر اهلل وخيرته‪ ،‬وأَّن َم ن َقصَد غير اهلل وعمل ِلغيِر اهلل كان‬

‫ثواُبه وجزاُؤ ه عند من تصَّنَع له و راءى له ِم َّم ن ال يملك له وال ِلنفسه ضّر ًا وال نفعًا وال موتًا وال حياًة‬

‫وال ُنشورًا‪.‬‬

‫وَخ َّص الِه جرَة عليه الّص الُة والَّس الم ِم ن بيِن َس اِئِر اَألعمال َتنِبيهًا على الُك ِّل ِبالبعِض ألَّن ِم ن المعلوِم عند‬

‫ُأولي اَألفهام أَّن اِإل خباَر ليَس خاّصًا بالهجَر ِة بل هو عاٌّم في جميِع شراِئِع اِإل سالم‪.‬‬

‫ثّم أقوُل ‪ِ :‬اعَلم َأُّيها الُم ريُد الطاِلُب ‪ ،‬والمتوجه الَّر اغُب أَّنك حين سَألَتني َأن َأْبعَث ِإليَك ِبشيٍء ِم َن الكالِم‬

‫‪3‬‬
‫ِج‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِب‬
‫المنسو إلَّي لم َيحُض رني منه ما َأراُه ُمناسبًا لما أنَت سبيل ‪َ .‬و َقد رأْيُت َأْن ُأَقِّيَد ُفُصوًال َو يزًة َتشتمُل‬

‫على شيٍء ِم ن آداِب اِإل رادِة ِبعبارٍة َس ِلسٍة‪.‬‬

‫واهلل أسأُل أن ينفعني و إَّياك وساِئر اِإل خواِن بما ُيورُدُه علَّي ِم ْن َذِلك وُيوِص ُلُه ِإلَّي ِم َّم ا ُه ناِلك‪ ،‬فهو‬

‫َح سبي وِنعَم الَو كيُل‪.‬‬

‫(( فصٌل ))‬

‫ِاعلم أّن أّو ل الطريق باعٌث قوّي ُيقذف في قلب العبد ُيزعجه وُيْق لقه وَيحُّثه على اإلقبال على اهلل‬

‫والّد اِر اآلخرة‪ ،‬وعلى اإلعراض عن الُّدنيا وعّم ا الَخ ْلُق مشغولون به ِم ن َعماَر ِتها وَج مِعها والَّتَم ُّتع‬

‫بشهواِتها واالغِتراِر ِبزَخ اِر فها‪ .‬وهذا الباِع ُث ِم ن جنود اهلل الباِط نة‪ ،‬وهو ِم ن َنفحاِت الِعناية وأعالِم‬

‫الِه داَية‪ ،‬وكثيرًا ما ُيفَتح بِه على العْبِد ِع ند الَتْخ ويف والّترغيب والّتشويق‪ ،‬وِع ند الّنَظِر إلى أهل اهلل تعالى‬

‫والّنَظِر منهم‪ ،‬وقد يقُع ِبدون سبٍب ‪ .‬والّتعُّر ُض للَّنفحات مأموٌر به وُمرَّغٌب فيه واالنِتظار واِال رِتقاب بدون‬

‫الَّتعُّر ض ولزوم الباب ُح مٌق وَغباوٌة‪ .‬كيف و قد قاَل عليه الّص الُة والّس الم‪ " :‬إَّن ِلَر ّبكم في أّيام دهرُك م‬

‫نفحاٍت أَال فَتعّر ضوا لها"‪ .‬وَم ن أكَر مه اهلل بهذا الباِع ث الَّش ريف َفلَيعِر ف َقدَر ُه الُم نيف‪َ ،‬و ْلَيعَلم أّنُه ِم ن‬

‫‪4‬‬
‫أعَظم ِنَعم اهلل تَعالى عليه التي ال ُيقّد ُر َقدُر ها وال ُيْبَلُغ ُش كُر ها َفْلُيباِلغ في ُش كر اهلل تعالى على ما مَنحه‬

‫وأْو الُه‪ ،‬وخّص ه به ِم ن بين أشكاِله وأقراِنه َفكم ِم ن ُمسلٍم بَلَغ ُعمُر ه ثمانين سَنًة وأكثر لم يجد هذا‬

‫الباِع ث ولم يْطُر ْقُه يومًا ِم ن الّد هر‪ .‬وعلى الُم ريد أن يجتهد في َتْق وَيته وِح فِظ ه وإجاَبته‪-‬أعني هذا‬

‫الباِع ث‪َ-‬فتقِو َيته بالّذكر هلل‪ ،‬والِف كر فيما ِع ند اهلل‪ ،‬والُم جالسة ألهل اهلل‪ ،‬وِح فِظ ه بالُبعد َعن ُمجالسة‬

‫المحجوبين واإلعراِض َعن َو سَو سة الشياطين‪ ،‬وإجاَبتِه بأن ُيبادر باإلنابة إلى اهلل تعالى‪ ،‬وَيْص ُد َق في‬

‫اإلقباِل على اهلل‪ ،‬وال َيَتَو انى وال ُيسِّو ف وال َيَتباَطأ وال ُيَؤ ِّخر وقد أمكَنْته الُفرصُة فْلَينتِه زها‪ ،‬وُفِتح له‬

‫الباب فْلَيدُخ ل‪ ،‬وَدعاه الّد اعي فلُيسرع َو ْليحَذ ر ِم ن غٍد بعد غٍد فإّن ذلك ِم ن عَم ل الّش يطان‪ ،‬وْلُيقبل وال‬

‫َيَتثّبط وال يَتعَّلل ِبَعدم الَف راغ وعدم الّص الِح ّية‪ .‬قال أبو الّر بيع رِح مه اهلل‪ِ :‬س يروا إلى اهلل ُعْر جًا َو َم َك اِس ير‬

‫وال َتنَتظروا الِّص حة فإّن انتظار الِّص حة َبطاَلٌة‪ .‬وقال ابُن عطاِء اهلل في الِح كم‪ :‬إحاَلُتك الَعَم ل على ُو جود‬

‫الفراِغ ِم ن ُر عوناِت الّنفوس‪.‬‬

‫(( فصٌل ))‬

‫َوأَّو ُل شيٍء َيْبَد أ به الُم ريُد في طريق اهلل تصحيُح الَّتوبة إلى اهلل تعالى ِم ن جميع الذنوب وإْن كان َعليه‬

‫شيٌء ِم ن الَم ظاِلم ألحٍد ِم ن الَخ لق َفلُيبادر ِبأدائها إلى أربابها إن أمكن وإال فَيطُلب اإلحالل منهم‪ ،‬فإّن‬

‫الذي تكون ذّمته ُمرَتهنة ِبحقوق الَخ لق ال ُيمكنه الّس يُر إلى الحّق ‪ .‬وَش رط ِص ّح ة الّتوبة ِص دق الّندم على‬

‫‪5‬‬
‫الذنوب مَع ِص ّح ة الَعزم على َتْر ك الَعْو د إليها ُمّد ة الُعمر‪ ،‬وَم ن تاَب َعن شيٍء ِم ن الذنوب وهو ُمصٌّر عليه‬

‫أو عازٌم على الَعْو د إليه فال توبة له‪َ .‬و ليُك ن الُم ريد على الدوام في غايٍة ِم ن اِال عتراف بالَتقصير عن القياِم‬

‫بما يجُب عليه ِم ن حِّق رِّبه‪ ،‬ومتى حِز َن على تْق صيره وانَك سر َقلبه ِم ن أجله فلَيعلم أَّن اهلل عنَدُه إذ يقول‬

‫ُس بحانه‪ :‬أنا ِع نَد الُم نَك ِس رِة ُقُلوبهم ِم ن أجلي ‪ .‬وعلى الُم ريد أن َيحَتِر ز ِم ن أصَغر الذنوب فضًال عن‬

‫أكبرها أشّد ِم ن ِاحتراِز ِه ِم ن َتناوِل الُّس م القاِتل‪ ،‬ويكون خوُفه لو اْر تكَب شيئًا منها أعظم من َخ وفه لو‬

‫أكَل الُّس م‪ ،‬وذلَك ألّن المعاصي تعمل في القلوب عَم ل الُّس م في األجسام‪ ،‬والقلُب أعُّز على الُم ؤمن ِم ن‬

‫ِج سمه بل رأس ماِل الُم ريد ِح فُظ قلبه وعماَر تُه‪ .‬والِج سُم غرٌض لآلفاِت وعّم ا قريٍب ُيتَلُف ِبالموِت ‪،‬‬

‫وليس في ذهاِبه إال ُمفارقُة الُّدنيا الَّنِكدة الَّنِغصة وأّم ا القلُب إن تِلف فقد تِلفت اآلِخ رة فإنه ال ينجو ِم ن‬

‫سخِط اهلل ويفوُز ِبِر ضوانه وَثوابه إال َم ن أتى اهلل‬

‫بقلٍب سليٍم ‪.‬‬

‫((فصٌل((‬

‫وعلى الُم ريد أن َيجتِه د في حفِظ َقلبه ِم ن الَو ساِو س واآلفات والخواِط ر الَّر ِد َّية‪ ،‬ولُيِق م على باِب َقلبه‬

‫حاِج بًا ِم ن الُم راقبة يمنُعها ِم ن الدخوِل إليه فإنها إن َدَخ لته أفَس دتُه‪ ،‬وَيعُس ر بعد ذلك إخراجها ِم نه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫َو لُيباِلغ في َتنِق ية َقلبه الذي هو َم وِض ُع َنَظر رِّبه ِم ن الَم يل إلى َش هوات الدنيا‪ ،‬وِم ن الِح قد والِغِّل والِغِّش‬

‫ألحٍد ِم ن المسلمين‪ ،‬وِم ن الّظّن السوء بأحٍد منهم‪ ،‬وليُك ن ناصحًا لهم رحيمًا بهم ُمشفقًا عليهم‪ُ ،‬معتقدًا‬

‫الخيَر فيهم‪ُ ،‬يحُّب لهم ما ُيحُّب لنفسه ِم ن الخير‪ ،‬ويكرُه لهم ما يكرُه ِلنفسه من الشر‪َ .‬و لَتْع لم أُّيها‬

‫الُم ريد أّن ِللقلِب َم عاصي ِه َي أفحُش وأقبُح وأخبُث ِم ن مَعاصي الجواِرح وال َيصُلح القلب ِلنزول معرَفة‬

‫اهلل ومحَّبته تعالى إال بعد الّتخلي عنها و الّتخُّلص منها‪ .‬فِم ن أفحِش ها الِكبر و الّر ياء والحسد‪ .‬فالِكبر‬

‫يُد ُّل ِم ن صاِح ِبه على غايِة الحماَقة‪ ،‬ونهاية الجهالة والغباوِة‪ ،‬وكيف يليُق التَكُّبر ِم ّم ن يعلم أّنه مخلوٌق ِم ن‬

‫ُنطفٍة َم ِذ رٍة وعلى الُقرب يِص ير ِج يفًة قِذ رًة‪ .‬وإن كان ِع نده شيٌء ِم ن الفَض اِئل والمحاِس ن فذلك ِم ن َفضل‬

‫اهلل وُصنعه‪ ،‬ليس له فيه ُقدرٌة وال في تحصيله َح وٌل وال قوٌة‪ ،‬أَو ال يخشى إذا تكّبر على عباِد اهلل بما آتاه‬

‫اهلل ِم ن َفضله أن َيسُلَبه ما أعطاُه ِبسوء أدِبه وُمنازعِته ِلرِّبه في َو صِف ه؟ ألن الِكبر ِم ن ِص فات اهلل الجّبار‬

‫الُم َتكّبر‪ .‬وأّم ا الِّر ياء فَيُد ل على ُخ ُلِّو قلِب الُم رائي ِم ن عظمِة اهلل وإجالله ألّنه يتَص َّنع و يتزَّين للمخلوقين‬

‫وال يقنع ِبعلِم اهلل رِّب العالمين‪.‬‬

‫ٍء ِه‬ ‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬


‫وَم ن ع ل الَّص ا حات وأحَّب أن يعِر فه الّناس بذلك ُيعِّظموه ويصط عوا إليه المعروف فهو ُمرا جا ٌل‬

‫راِغ ٌب في الدنيا‪ ،‬ألن الّز اهد َم ن لو أقَبل الّناس عليه ِبالتعظيم وَبْذ ِل األمواِل لكان ُيعرض عن ذلك‬

‫ِم‬ ‫ِخ‬
‫وَيكرُه ه‪ ،‬وهذا يطُلَب الُّدنيا ِبعمِل اآل رة فمن أجهُل نُه ؟ وإذا لم َيقِد ْر على الُّز هِد في الُّدنيا َفَينبغي َلُه‬

‫‪7‬‬
‫َأن َيطُلَب الُّدنيا ِم ن الماِلك لها‪ ،‬وُه َو اهلل فإَّن ُقلوَب الَخ الِئق ِبَيدِه ُيقِبُل بها على َم ن أقبَل عليِه‪ ،‬و‬

‫ُيسِّخرها لُه ِفيما يشاُء‪ .‬و َأَّما الَح َس ُد َفُه َو ُمعاداٌة ِهلل ظاِه رٌة‪ ،‬وُمنازَعٌة له في ُملِكِه بِّينٌة ألَّنُه ُس بحانُه إذا‬

‫َأنعَم على بعِض ِع باِدِه ِبِنعمٍة فال شَّك أَّنُه ُمريٌد ِلذلَك وُمختاٌر لُه إْذ ال ُمكِر َه لُه تعالى‪ ،‬فإذا أراَد العْبُد‬

‫ِخ الَف ما أراَد َمْو الُه فقد أساَء األَدَب ‪ ،‬واْسَتوجَب الَعطَب ‪.‬‬

‫ُثَّم إَّن الحَس َد قد َيكوُن على أُموِر الُّدنيا كالجاِه والماِل ‪ ،‬وهَي أصَغُر ِم ن أن ُيحسَد عليها َبل ينبغي لَك‬

‫أن َترحَم َم ن ِابُتِلَي ِبها وَتحَم َد اَهلل الذي عافاَك ِم نها‪ ،‬وَقد يكوُن على أموِر اآلخرِة كالِعلِم والَّص الِح ‪.‬‬

‫ِه‬ ‫ِه‬ ‫ِقِه‬ ‫ِب ِد‬


‫وَقبيٌح الُم ري أن َيحسَد َم ن واَفَق ُه على َطري ‪ ،‬وَعاوَنُه على أمِر ‪ ،‬بل ينَبغي لُه أن َيفرَح ب ألَّنُه صاَر‬

‫َع نًا له وِج نسًا يتَقَّو ى ِبِه‪ ،‬والمؤِم كثي ِبأخيِه‪ ،‬بل الذي نبغي ِلل ريِد أن ِح َّب ِبباِط نِه و جتِه َد ِبظاِه رِه‬
‫َي‬ ‫ُي‬ ‫ُم‬ ‫َي‬ ‫ُن ٌر‬ ‫ْو‬

‫في َجْم ِع الَّناِس على طريِق اهلل واِال شِتغاِل ِبطاعِته وال ُيبالي َأفضلوُه أم َفَض لُه م فإَّن ذِلَك ِر زٌق ِم َن اهلل ؛‬

‫وُه و ُس بحاَنُه وَتعالى َيختُّص ِبرحمِتِه َم ن َيشاُء‪.‬‬

‫وفي الَق لِب أخالٌق كثيرٌة مذمومٌة‪ ،‬لم نذُك رها ِح رصًا على اإليجاِز ‪ ،‬وقد نَّبهنا على أّمهاِتها‪ ،‬وأُّم الجميِع‬

‫وأصلها وَم غِر ُس ها ُح ُّب الُّدنيا َفُح ُّبها رأُس ُك ِّل خطيئٍة كما َو َر د‪ ،‬وإذا َس ِلم القلُب ِم نُه فقد َص لَح وصفا‪،‬‬

‫وَتنَّو ر وطاَب ‪ ،‬وتأَّه َل ِلواِر داِت األنواِر وَص ُلح ِللُم كاشفِة ِباألسراِر ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫((فصل))‬

‫وعلى الُم ريد أن َيجتِه د في َك ِّف َج واِر ِح ِه عِن الَم عاصي واآلثاِم ‪ ،‬وال ُيحِّر َك شيئًا ِم نها إّال في طاعٍة‪،‬‬

‫وال َيعمُل ِبها إال َش يئًا يعوُد عليِه َنفُعُه في اآلِخ رِة‪ .‬وَْلُيباِلغ في ِح فِظ الّلساِن فإّن ِج رَم ُه َص غيٌر َو ُج رُمُه كبيٌر ‪،‬‬

‫َفْليُك َّف ُه عِن الكذِب والغيبِة وس‪c‬ائِر الكالِم المحظ‪c‬وِر ‪َ ،‬و ْليحَت ِر ز ِم ن الكالِم الف‪c‬اِح ِش ‪ ،‬وِم َن الَخ وِض فيم‪c‬ا ال‬

‫يعني‪ِc‬ه‪ ،‬وإن لم َيُك ن ُمَح َّر م‪ًc‬ا فإّن ه ُيقِّس ي القلَب ‪ ،‬ويك‪cc‬وُن في‪ِc‬ه ض‪cc‬ياُع ال‪cc‬وقِت ‪ ،‬ب‪cc‬ل َينبغي ِللُم ري‪ِc‬د أن ال ُيح‪ّc‬ر َك‬

‫ٍء ِم‬
‫ِلس‪cc‬انُه إّال ِبتالوٍة أو ِذ ك ‪ٍc‬ر أو ُنصٍح ِلُم س‪cc‬لٍم أو أم ‪ٍc‬ر ِبمع‪cc‬روٍف أو نهٍي عن ُمنك ‪ٍc‬ر أو ش‪cc‬ي ن َح اجاِت ُدني‪cc‬اُه‬

‫التي َيستعيُن بها على ُأخراُه‪ ،‬وَقد ق‪c‬اَل علي‪ِc‬ه الّص الُة والّس الُم‪ُ" :‬ك ّل كالِم ابِن آَدَم علي‪ِc‬ه ال ل‪ُc‬ه إّال ِذ ك‪ُc‬ر اهلل‬

‫أْو أمٌر بمعروٍف أو نهٌي عن ُمنكٍر " واعلم أّن الّس مع والبَص َر باب‪c‬اِن َم فتوح‪c‬اِن إلى القلِب َيصيُر إلي‪ِc‬ه ُك ُّل م‪c‬ا‬

‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ٍء‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬


‫ي‪cc‬دُخ ُل نُه م‪cc‬ا‪ ،‬وكم ن ش‪cc‬ي يس‪َc‬م ُعُه اإلنس‪cc‬اُن أو َيراُه ّم ا ال َينبغي َيِص ُل ن‪ُc‬ه أثٌر إلى القلِب َتْع ُس ُر إزالُتُه‬

‫عنُه فإّن القلَب َس ريُع الت‪c‬أُّثِر ِبُك ِّل م‪c‬ا َيِر ُد علي‪ِc‬ه‪ ،‬وإذا ت‪c‬أّثَر بش‪c‬يٍء َيعُس ُر َم ح‪ُc‬و ُه عن‪ُc‬ه‪َ ،‬فْليُك ِن الُم ري‪ُc‬د حريصًا‬

‫على ِح ف‪ِc‬ظ س‪c‬مِعِه وبَص ِر ِه ُمجتهدًا في ك‪ِّc‬ف َج مي‪ِc‬ع َج واِر ِح ِه عن اآلثاِم والَف ض‪c‬وِل ‪ ،‬وليح‪َc‬ذ ْر من الَّنظ‪ِc‬ر ِبَعيِن‬

‫اِال ستحس ‪cc‬اِن إلى َز ه ‪cc‬رِة ال ‪ُّcc‬دنيا وزيَنتها ف ‪cc‬إّن ظاِه َر ه ‪cc‬ا ِفتن‪ٌcc‬ة‪ ،‬وباِط َنها ِع بَر ٌة‪ .‬والَعيُن َتنُظ ُر إلى ظ ‪cc‬اِه ِر ِفتَنِتها‬

‫والقلُب َينُظ ُر إلى ب‪cc‬اِط ِن ِع بَر ِتها‪ ،‬وكم ِم ن ُمري‪ٍc‬د َنظ‪َc‬ر إلى ش‪cc‬يٍء ِم ن َز خاِر ِف ال‪ُّcc‬دنيا فَم اَل ِبقلِب ِه إلى َم حَّبِتها‬

‫والّس عِي في َج مِعها وَعماَر ِتها‪ ،‬فَينبغي ل‪َc‬ك أُّيها الُم ري‪ُc‬د أن َتُغَّض َبصَر ِك َعن َج مي‪ِc‬ع الكاِئن‪c‬اِت وال تنُظَر إلى‬

‫‪9‬‬
‫شيٍء ِم نها إال على قصِد اِال عتباِر ‪ ،‬ومعناُه أن تذُك َر ِع نَد الّنَظِر إليها أَّنها َتف‪cc‬نى وَت ذهُب وأنها ق‪c‬د ك‪c‬اَنت ِم ن‬

‫َقب ‪ُc‬ل َم عدوم ‪ًc‬ة‪ ،‬وأَّن ُه َك م َنَظ ر إليها أح ‪ٌc‬د ِم َن اآلدمِّييَن ف‪cc‬ذَه َب وَبِق َيت ِه َي ‪ ،‬وَك م َتواَر ثها َخ ل ‪ٌc‬ف عن َس لٍف ‪.‬‬

‫وإذا نَظ ْر َت إلى الموجوداِت ف‪cc‬انُظر إليها َنَظ ر الُم س‪cc‬تِد ِّل ِبها على َك م‪cc‬اِل ُق درِة ُموِج ِد ها وباِر ِئها ُس بحاَنُه‪،‬‬

‫فإّن جميَع الموجوداِت ُتناِد ي ِبلساِن حاِلها ِنداًء َيسمُعُه أهُل الُقل‪cc‬وِب الُم َنَّو رِة‪ ،‬الّن اِظ روَن ِبن‪cc‬وِر اِهلل‪ -‬أن َال‬

‫ِإله إّال اُهلل العزيُز الحكيُم‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫وَينبغي ِللُم ريد َأن َال يَز اَل على طَه ارٍة‪ ،‬وُك َّلما أحدَث َتوَّضأ وص‪َّc‬لى ركَع تين‪ ،‬وإن ك‪cc‬اَن ُمَت أِّه ًال‬

‫وأتى أهَل ُه فل ب‪c‬اِد ر ِباِال غِتس‪c‬اِل ِم ال ناب‪ِc‬ة في ال‪ c‬قِت ‪ ،‬وَال يمُك ث ُنب‪ًc‬ا‪ ،‬يس‪َc‬تعي َعلى َدواِم الَّطها ِة ِبِق َّل ِة‬
‫َر‬ ‫ُن‬ ‫ُج َو‬ ‫َو‬ ‫َن َج‬ ‫ُي‬

‫األكِل ‪ ،‬فإَّن اّلذي ُيكِثُر األكَل يَق ُع ل‪ُc‬ه الَح دُث كث‪c‬يرًا َفتُش ُّق علي‪ِc‬ه الُم داَو م‪ِc‬ة على الَّطهارِة‪ ،‬وفي ِقَّل ِة األك‪ِc‬ل‬

‫أيضًا َم عوَنٌة على الّس َه ِر وُه و ِم ن آَك ِد وظاِئف اِإل رادِة‪ .‬واّلذي َينبغي ِللُم ري‪ِc‬د أن ال يأُك َل إال عن فاق‪ٍc‬ة‪ ،‬وَال‬

‫ين ‪cc‬ا إال عن َغل ٍة‪ ،‬وَال تكَّل إال في حا ٍة‪ ،‬وَال خاِل َط أح ‪cc‬دًا ِم الَخ ل‪ِc c‬ق إال إن ك ‪cc‬اِنت ل‪ُc c‬ه في خاَلطِت ِه‬
‫ُم‬ ‫َن‬ ‫ُي‬ ‫َج‬ ‫َي َم‬ ‫َب‬ ‫َم‬

‫ِن الِعب‪cc‬ادِة‪ ،‬وَك رُة األك ‪ِc‬ل دعو إلى َك ثرِة ال وِم‬
‫َن‬ ‫َت‬ ‫ْث‬ ‫فائ‪cc‬دٌة‪ ،‬وَم ن أكَثَر األك ‪َc‬ل َقس ‪cc‬ا َقلُب ه‪ ،‬وَثُقَلْت َج واِر ُح ُه َع‬

‫ِث‬
‫والكالِم ‪ ،‬والُم ري‪ُc‬د إذا ُك ُثَر َنوُم ُه وَك الُم ُه ص‪c‬اَر ت إراَد ت‪ُc‬ه ص‪c‬ورًة َال َح قيقَة لها‪ ،‬وفي الح‪c‬دي ‪" :‬م‪cc‬ا َم َأل ابُن‬

‫‪10‬‬
‫آدَم ِو ع ‪cc‬اًء ش ‪ّc‬ر ًا ِم ن َبطِن ِه‪َ ،‬ح س ‪ُc‬ب ابِن آدَم ُلقيم ‪cc‬اٌت ُيِق مَن ُص لَبُه ف ‪cc‬إن ك ‪cc‬اَن َال َم حال ‪َc‬ة َفُثلٌث ِلطعاِم ه وُثلٌث‬

‫ِلَش راِبه وُثلٌث ِلَنَف ِس ه"‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫وَينبغي ِللُم ري‪cc‬د َأن يك‪cc‬وَن َأبع ‪َc‬د الَّن اِس عِن الَم عاص‪cc‬ي والَم حظ‪cc‬وراِت ‪ ،‬وَأحَف ظُه م ِللَف راِئِض‬

‫والَم أموراِت ‪ ،‬وأحَر َص ُه م على الُقُر ب ‪cc‬اِت ‪ ،‬وأس‪َc c‬ر َعُه م إلى الَخ يراِت ‪ ،‬ف ‪cc‬إّن الُم ري‪َc c‬د َلم َيَتمَّيَز عن َغ يِر ِه ِم ن‬

‫الّن اِس إال باإلقب ‪cc‬اِل على اهلل وعلى طاَعت ‪ِc‬ه‪ ،‬والَّتف ‪ُّc‬ر ِغ عن ُك ِّل م ‪cc‬ا ُيش ‪ِc‬غُلُه عن ِع باَد ِتِه‪ .‬وِليُك ن َش حيحًا على‬

‫أنفاِس ِه‪َ ،‬بخيًال ِبأوقاِتِه‪َ ،‬ال َيصِر ُف ِم نها قليًال وال َك ث‪cc‬يرًا‪ ،‬إال ِفيم‪cc‬ا ُيَق ِّر ب ‪ُc‬ه ِم ن رّب ِه‪ ،‬وَيع‪cc‬وَد َعلي ‪ِc‬ه ِب الَّنفِع في‬

‫مَعاِدِه‪ .‬وَينبغي أن يكوَن لُه ِو ْر ٌد ِم ن ُك ِّل نوٍع ِم ن الِعباداِت ُيواِظ ُب عليها‪ ،‬وال يس‪َc‬م ح ِبَت رِك ش‪c‬يٍء ِم نها في‬

‫ُعسٍر وَال سٍر ‪ْ ،‬ل كِثر ِم ن ِتالوِة الُقرآِن العظيِم ع الَتدُّبِر ِلمعانيِه‪ ،‬والَّترتيِل أللفاِظ ه‪ ،‬وليُك ن متِلئًا ِب ظم‪ِc‬ة‬
‫َع‬ ‫ُم‬ ‫َم‬ ‫ُي َف ُي‬

‫ال تَك ِّلم ِع ن‪cc‬د ِتالوِة َك الِم ه‪ ،‬وَال قرُأ َك م‪cc‬ا قرُأ الغ‪cc‬اِفلون ال‪cc‬ذي قرؤوَن القرآَن ِبألِس نٍة فصيحٍة وأص‪cc‬واٍت‬
‫َن َي‬ ‫َي‬ ‫َي‬ ‫ُم‬

‫عاِلَي ٍة وقل ‪cc‬وٍب ِم َن الُخ ش ‪cc‬وِع والَتعظيِم هلل خالي ‪ٍc‬ة‪َ ،‬يقَر ؤون ‪ُc‬ه كم ‪cc‬ا ُأن ‪ِc‬ز َل ِم ن فاِتحِت ه إلى خاِتَم ِت ه وَال ي ‪cc‬دروَن‬

‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ٍء‬


‫َم عناُه‪ ،‬وَال يعَلموَن ألِّي شي ُأنِز َل ‪ ،‬وَلو َع موا َلعَم لوا‪ ،‬ف‪c‬إّن الِعلَم م‪c‬ا َنف‪َc‬ع ‪ ،‬وَم ن َع َم وم‪c‬ا َعِم َل َفَليَس بين‪ُc‬ه‬

‫وَبيَن الجاِه ِل َف رٌق إال ِم ن حيُث إّن ُح َّج َة اهلل علي ‪ِc‬ه آَك ُد ‪َ ،‬فَعلى ه ‪cc‬ذا َيك ‪cc‬وُن الجاِه ُل َأحس ‪ُc‬ن ح ‪cc‬اًال من ‪cc‬ه‪،‬‬

‫وِلذِلك قيَل‪ُ :‬ك ُّل ِع لٍم َال َيعوُد َعليَك َنفُعُه َفالَج هُل َأعَو ُد َعليَك ِم ن‪ُc‬ه‪ .‬وِليُك ن ل‪َc‬ك ‪ -‬أّيها الُم ري‪ُc‬د ‪َ -‬ح ٌّظ ِم ن‬

‫‪11‬‬
‫الَّتهُّج ِد فإّن الَّلي قُت َخ لوِة ال بِد م والُه فأكِثر فيِه ِم ن الَّتضُّر ِع واِال سِتغفاِر ‪ ،‬ون‪cc‬اِج رَّبَك ِبِلس‪cc‬اِن الِّذ ّل ِة‬
‫َع َع َم‬ ‫َل َو‬

‫واِال ض‪ِc‬ط راِر ‪َ ،‬عن قلٍب ُمتحّق ٍق ِبِنهاي‪ِc‬ة الَعجِز وغاَيِة اِال نِكس‪cc‬اِر ‪ ،‬واح‪َc‬ذ ر أن َت دَع ِقي‪cc‬اَم اللي‪ِc‬ل فال ي‪cc‬أتي عَلي‪cc‬ك‬

‫وقُت الَّس حِر إال وأنَت ُمستيِق ٌظ ذاِكٌر هلل ُس بحاَنُه وتعالى ‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫ِق ِم ِق ِت‬ ‫ِت‬ ‫ِة ِال ِت ِء ِة‬


‫وُك ن‪-‬أُّيها الُم ريُد ‪ -‬في غاَي ا ع نا ِبِإ قام الّص لوا الَخ مِس بإتماِم يا ِه َّن و راَء هّن‬

‫وُخ شوِع هّن وُر كوِع هّن وُس جوِد هّن وساِئِر أركاِنِه ّن وُس َنِنهّن وأشِعر َقلبَك َقبَل الُّدخوِل في الّص الِة َعظمَة‬

‫َم ن ُتريُد الُو قوَف َبيَن َيديِه جَّل وعال‪ ،‬واحَذ ر أن ُتناِج َي َم ِلَك الُم لوِك وجّباِر الجباِبرِة ِبقلٍب الٍه ُمسَترِس ٍل‬

‫في أوديِة الَغفلِة والَو ساِوِس جاِئٍل في َم ياديِن الَخ واِط ِر واألفكاِر الُّدنَيوّيِة‪َ ،‬فَتستوِج َب الَم قَت ِم ن اهلل‪،‬‬

‫والَّطرَد عن باِب اهلل‪ .‬وقد قاَل َعليِه الّص الُة والّس الُم "إذا قاَم الَعبُد إلى الّص الِة َأقبَل اهلل َعليِه ِبَو جهِه فإذا‬

‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِئِه‬


‫الَتفَت إلى ورا َيقوُل اهلل تعالى‪ ":‬ابُن آدَم الَتَف َت إلى َم ن ُه و خيٌر لُه ّني" ‪ ،‬فإن الَتَف َت الّثانيَة قاَل ثَل‬

‫ذِلَك فإن الَتَف َت الّثاِلثَة أعَر َض اهلل َعنُه" فإذا كاَن الُم لتِف ُت ِبَو جِه ِه الّظاِه ِر ُيعِر ُض اهلل َعنُه فكيَف َيكوُن‬

‫حاُل َم ن َيلتِف ُت ِبَق لِبِه في صالتِه إلى ُح ظوِظ الُّدنيا وزخاِر ِفها‪ ،‬واهلل ُس بحانُه وتعالى َال ينُظ إلى األجساِم‬
‫ُر‬

‫والّظواِه ِر وإّنما ينُظُر إلى الُقلوِب والّس راِئِر ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫واعَلم أّن ُروَح َج ميِع الِعباداِت وَم عناها إّنما ُه و الحُضوُر مَع اهلل فيها‪َ ،‬فمن َخ لت ِع باَد ُتُه عِن الُح ضوُر ‪،‬‬

‫فِعبادُتُه هباٌء منثوٌر ‪ .‬ومَثُل اّلذي َال َيحُضُر َم ع اهلل في ِع بادتِه َم ثُل الذي ُيهدي إلى مِلٍك عظيٍم َو صيفٍة مّيَتًة‬

‫أو ٌصندوقًا فارغًا‪ ،‬فما أجدُر ُه ِبالعقوبِة وِح رماِن المثوبِة‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫واحَذ ر أُّيها ال ريُد كَّل الحَذ ِر ِم ن َترِك الج عِة وال ماعاِت ‪ ،‬فِإ َّن ذلَك ِم ن عاداِت َأهِل ال طاالِت‬
‫َب‬ ‫َج‬ ‫ُم‬ ‫ُم‬

‫وِس ماِت َأرباِب الجهاالِت ‪ .‬و اِفظ على الَّر واتِب المشروعاِت َقب الَّص الِة و عدها‪ ،‬و اِظ ب على الِة‬
‫َص‬ ‫َو‬ ‫َب‬ ‫َل‬ ‫َح‬

‫الَو تِر والُّضحى وِإحياِء ما بيَن الِعشاءين‪ ،‬وُك ن َش ديَد الِح رِص على ِع َم ارِة ما َبعَد َص الِة الُّص بِح إلى‬

‫الُّطلوِع ‪ ،‬وما بعد صالِة العصِر إلى الغروِب فهذاِن وقتاِن شريفاِن َتفيُض فيهما من اهلل تعالى األمداُد‪ ،‬على‬

‫المتوجهين إليه من العباِد ‪ .‬وفي عمارِة ما بعَد صالِة الصبِح خاصيٌة قويٌة في جلِب األرزاِق الجسمانيِة‪،‬‬

‫وفي عمارِة ما بعد العصِر خاصيٌة قويٌة لجلِب األرزاِق القلبيِة‪ ،‬كذلك جَّر َبه أرباُب البصائِر من العارفين‬

‫األكابِر ‪ .‬وفي الحديِث ‪ (( :‬إن الذي يقعُد في ُمصالُه يذكُر اَهلل بعد صالِة الصبِح أسرُع في تحصيِل‬

‫الرزِق من الذي يضرُب في اآلفاِق )) أعني يسافُر فيها لطلِب األرزاِق ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫((فْص ٌل))‬

‫والذي عليه ال عَّو ُل في طريِق اِهلل تعالى بعد فعِل األوامِر واجتناِب المحارِم‬
‫ُم‬

‫مالزمُة الذكِر هلل فعليك به أيها المريُد في كِّل حاٍل وفي كِّل وقِت وفي كِّل مكاٍن بالقلِب واللساِن ‪.‬‬

‫الذكُر الذي يجمُع جميَع معاني األذكاِر وثمراِتها الباطنِة والظاهرِة هو قوُل‬

‫"ال إلَه إال اُهلل" وهو الذكُر الذي يؤمُر بمالزمِته أهُل البدايِة ويرِج ُع إليه أهُل النهايِة‪.‬‬

‫ومن سَّر ه أن يذوَق شيئًا من أسراِر الطريقِة‪ ،‬وُيكاشُف بشيء من أنواِع‬

‫الحقيقِة ؛ فليعكف على الذكِر ِهلل تعالى بقلٍب حاضٍر ‪ ،‬وأدٍب وافٍر ‪ ،‬وإقباٍل صادٍق ‪ ،‬وتوجيٍه خارٍق ‪.‬‬

‫فما اجتمعت هذه المعاني ألحٍد إال ُك وِش َف بالملكوت األعلى ‪ ،‬و طالعت روُح ُه حقائَق العالِم األصفى‪،‬‬

‫وشاهدت عيُن سِّر ِه الجماَل األقدَس األسمى ‪.‬‬

‫ولتكن أيها المريُد ُمكثرًا من التفُّك ِر ‪ ،‬وهو على ثالثِة أقساٍم ‪:‬‬

‫تفكُر في عجائِب القدرِة‪ ،‬وبدائِع المملكِة السماويِة واألرضيِة‪ ،‬وثمرُته المعرفُة باِهلل‪.‬‬

‫وتفكٌر في اآلالِء والِّنعِم ‪ ،‬ونتيجُته المحَّبُة ِهلل‪ .‬وتفكٌر في الدنيا واآلخرِة وأحواِل الخلِق فيهما‪ ،‬وفائدُته‬

‫‪14‬‬
‫اإلعراُض عن الدنيا واإلقباُل على األخرى‪ .‬وقد شرحنا شيئًا من مجاري و ثمرته في رسالة المعاونة؛‬

‫فليطلبه من أراده ‪.‬‬

‫((فْص ٌل))‬

‫وإذا آنست من نفِس ك أيها المريُد تكاسًال عن الطاعاِت ‪ ،‬وتثاقًال عن الخيراِت ؛ فُقدها إليها بِز ماِم‬

‫الَّر جاِء ‪ ،‬وهو أن تذك لها ما وعد ا به العاملي بطاعِته من الفوِز العظيِم ‪ ،‬والنعيِم المقيِم ‪ ،‬والرحمِة‬
‫َن‬ ‫ُهلل‬ ‫َر‬

‫والِر ضواِن ‪ ،‬والخلوِد في فسيِح الِج ناِن ‪ ،‬والعِّز والرفعِة والشرِف والمكانِة عنَد ه سبحاَنه‪ ،‬وعند عباِد ه‪.‬‬

‫وإذا أحَسْس َت من نفسك ميًال إلى المخاَلفاِت ‪ ،‬أو التفاتًا إلى السيئاِت ؛ فُر دها عنها بسوِط الخوِف ‪ ،‬وهو‬

‫أن ُتَذ ِّك ها وَتعَظها بما َتوَّعَد ا به من عصاُه من الَه واِن والوباِل ‪ ،‬والخزي والَّنكاِل ‪ ،‬والَّطرِد والحرماِن‬
‫ُهلل‬ ‫َر‬

‫والَّص غاِر والخسراِن ‪.‬‬

‫وإياك والوقوَع فيما وقَع فيه بعُض الشاطحين ‪-‬الُم غالين‪ -‬من االستهانة بشأِن الجنِة والناِر ‪ ،‬وَعِّظم ما‬

‫عَّظَم اُهلل ورسوُله‪ .‬واعمل ِهلل ألنه رُّبَك وأنت عبُد ه‪ ،‬واسأله أن يدخَلك جنَته‪ ،‬وأن ُيعيَذ ك من ناِر ه بفضِله‬

‫ورحمِته‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وإن قال لك الشيطان لعَنُه اُهلل‪ :‬إَّن اهلل سبحانه وتعالى غنٌي عنك وعن عمِلك‪ ،‬وال تنفُعه طاعُتك‪ ،‬وال‬

‫تضُّر ه معصيُتك؛ فقل له صدقت‪ ،‬ولكن أنا فقيٌر إلى فضِل اِهلل وإلى العمِل الصالِح ‪ ،‬والطاعُة تنفُعني‬

‫والمعصيُة تضرني‪ ،‬بذلك أخبرني ربي في كتاِبه العزيِز وعلى لساِن رسوِله صلى اُهلل عليه وسَّلم‪.‬‬

‫فإن قال لك‪ :‬إن كنَت سعيدًا عند اِهلل؛ فإنك ال محالَة تصيُر إلى الجنِة سواًء كنَت طائعًا أو عاصيًا‪ ،‬وإن‬

‫كنَت شقيًا عنده فسوف تصير إلى الناِر وإن أنت مطيعًا ؛ فال تلتفت إلى قوِله‪ ،‬وذلك ألن أمر السابقِة‬

‫َغيٌب ال يطلُع عليه إال اُهلل وليس ألحٍد من الخلِق فيه شيٌء‪ ،‬والطاعُة أَدُّل دليٍل على سابقِة السعادِة‪ ،‬وما‬

‫بين المطيِع وبين الجنِة إال أن يموت على طاعِته‪ ،‬والمعصيُة أَدُّل دليٍل على سابقِة الشقاِء ‪ ،‬وما بين‬

‫العاصي وبين الَّناِر إال أن يموَت على معصيِته‪.‬‬

‫((فْص ٌل))‬

‫واعلم ‪-‬أيها المريُد ‪ -‬أَّن أَّو َل الطريِق َص بٌر وآخَر ها شكٌر ‪ ،‬وأَّو َلها عناٌء‬

‫وآخ ها فت وكشٌف ووصوٌل إلى نهايِة األ ِب ‪ ،‬وذلك معرفُة اِهلل‬


‫َر‬ ‫َر ٌح‬ ‫وآخَر ها هناٌء‪ ،‬وأَّو َلها تعٌب ونَصٌب‬

‫والوصوُل إليه واألنُس به‪ ،‬و الوقوف في كريم حضرته مع مالئكته بين يديه‪ ،‬ومن أَّس س جميع أموِر ه‬

‫‪16‬‬
‫على الصبِر الجميِل ؛ حصل على كِّل خيٍر ‪ ،‬و وصَل إلى كِّل مأموٍل وظِف َر بكِل مطلوٍب ‪ .‬واعلم أن النفس‬

‫تكون في أوِل األمر أَّمارًة تأمُر بالشِّر وتنهى عن الخيِر ‪ ،‬فإن جاهدها اإلنسان‪ ،‬وَص بَر على مخالفِة هواها؛‬

‫صارت لَّو امًة متلونًة لها وجٌه إلى المطمئنِة ووجٌه إلى األمارِة فهي مَّرًة هكذا ومَّرًة هكذا‪ ،‬فإن رَفَق بها‬

‫وسار بها يقوُدها بأَز َّمِة الَّر غبِة فيما عند اِهلل؛ صارت مطمئنًة تأمُر بالخيِر وتستِلُّذ ه وتأنُس به‪ ،‬وتنهى عن‬

‫الشِّر وتنِف عنه وتِف ُّر منه‪ .‬وصاح النفِس المطمئنِة يعُظ ت ُّج ه من الناِس في إعراِض ِه م عن الطاعاِت‬
‫ُم َع ُب‬ ‫ُب‬ ‫ُر‬

‫مع ما فيها من الَر ْو ِح واألنِس والَّلَّذ ِة‪ ،‬وفي إقباِلهم على المعاصي والشهواِت مع ما فيها من الغِم‬

‫والوحشِة والمرارِة‪ ،‬ويحسُب أنهم يجدون ويذوقون في األمريِن مثَل ما يجُد ويذوُق ‪ ،‬ثم يرِج ُع إلى‬

‫نفِس ه‪ ،‬ويذكُر ما كان يجُد من قبل في تناوِل الشهواِت من اللذاِت ‪ ،‬وفي فعِل الطاعاِت من المراراِت ؛‬

‫فيعلُم أنه لم يصل إلى ما هو فيه؛ إال بمجاهدٍة طويلٍة ‪ ،‬وعنايٍة من اِهلل عظيمٍة‪.‬‬

‫فقد علمت أن الصبَر عن المعاصي والشهواِت ‪ ،‬وعلى مالزمِة الطاعاِت هو المَو ِّص ل إلى كِل خيٍر ‪،‬‬

‫والمبِلُغ إلى كِل مقاٍم شريٍف ‪ ،‬وحاٍل ُمنيٍف ‪ ،‬وكيف ال وقد قال سبحانه وتعالى‪ ":‬يا أيها الذيَن آمنوا‬

‫اصبروا وصاِبروا وراِبطوا واتقوا اِهلل لعلُك م ُتفِلحون "‪.‬‬

‫وقال تعالى‪ ":‬وتَم ت كلمُة رِبَك الحسنى على بني إسرائيَل بما صِبروا "‪.‬‬

‫وقال جَّل شأنه ‪ ":‬وَج علناُه م أِئمًة يهدوَن بأمِر نا لّم ا صَبروا وكانوا بآياِتنا ُيوِقُنون "‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫و في الحديث ‪ (( :‬إَّن أقَّل ما ُأوتيتم اليقيُن وعزيمُة الصبر ‪ ،‬و من ُأوِتَي حَّظه منهما؛ فال يبالي بما فاته‬

‫من قيام الليل و صيام النهار )) ‪.‬‬

‫((فْص ٌل))‬

‫وقد ُيبَتلى المريُد بالفقِر والفاقِة وضيِق المعيشِة ؛ فينبغي له أن يشكَر اَهلل على ذلك ‪ ،‬ويعَّده من أعظِم‬

‫النعِم ؛ ألن الدنيا عدوُة اهلل ُيقبُل بها على أعدائه‪ ،‬ويصرُفها عن أولياِئه؛ فليحمِد اهلل الذي شَّبَه ه بأنبياِئه‬

‫وأولياِئه وعباده الصالحين‪ .‬فلقد كان سيُد المرسلين وخيُر الخلِق أجمعين محمٌد صَّلى اُهلل عليه وسَّلم‬

‫يرِبُط حجرًا على بطِنه من الجوِع ‪ ،‬وقد يمُر شهران أو أكثُر ما توقد في بيِته ناٌر لطعاٍم وال غيِر ه‪ ،‬إنما‬

‫يكون على التمِر والماِء ‪ ،‬ونزل به ضيٌف فأرسل إلى أبياِته التسِع فلم يوجد فيها ما يطعُم ه الضيَف ‪ .‬ومات‬

‫يوَم مات ودرُعه مرهونٌة عند يهودٍي في َأصُو ٍع من شعيٍر وليس في بيِته ما يأكُله ذو كِبٍد غير كٍّف من‬

‫شعيٍر ‪ .‬فليكن قصُد ك ‪-‬أيها المريُد ‪ -‬وهمُتك من الدنيا ِخ رقًة تستُر بها عورَتك‪ ،‬ولقمًة تسُد بها َج وعَتك‬

‫من الحالِل فقط‪.‬‬

‫وإياك والسَّم القاتَل‪ ،‬وهو أن تشتاَق إلى التَنُّعِم بالدنيا‪ ،‬وترغب في الَّتَم ُّتِع‬

‫بشهواِتها ‪ ،‬وتغِبط المتَنِّعِم ين بها من الناِس ‪ ،‬فسوف ُيسألون عن نعيمها‬

‫‪18‬‬
‫ِت‬
‫وُيحاسبون على ما أصابوه وتمتعوا به من شهوا ها‪ .‬ولو أنك عرفت المشاَق التي ُيقاسوَنها‪ ،‬والُغَصَص‬

‫التي يتجرعوَنها‪ ،‬والغموَم والهموَم التي في قلوِبهم‪ ،‬وصدوِر هم في طلِب الدنيا‪ ،‬وفي الحرص على‬

‫تنميتها‪ ،‬واالعتناِء بحفِظ ها؛ لكنت ترى ذلك يزيُد بأضعاٍف كثيرٍة على ما هم فيه من لذِة التنعِم بالدنيا؛‬

‫إن كانت َثَّم لذٌة‪ .‬ويكفيك زاجرًا عن محبِة الدنيا‪ ،‬ومزِّهدًا فيها قوُله تعالى‪ ":‬ولوال أن يكون الناُس أمًة‬

‫واحدًة لجعلنا لمن يكفُر بالرحمِن لبيوتِه م ُس ُقفًا من فضٍة ومعارَج عليها يظهروَن * ولبيوِتِه م أبوابًا وُس ُر رًا‬

‫عليها يتِكؤن* وزخ فًا وإن كُّل ذلك لَّم ا متاُع الحياِة الدنيا واآلخرُة عند رِبَك للمتقي " ‪ .‬وقوُل رسوِل‬
‫َن‬ ‫ُر‬

‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬الدنيا سجُن المؤمِن وجنُة الكافِر ‪ ،‬ولو كانت تِز ُن عند اهلل َج ناَح بعوضٍة ما‬

‫سقى كافرًا منها َش ربَة ماٍء "‪ .‬و أنه سبحانه منُذ خلقها ما نظر إليها ‪ .‬واعلم أن الرزَق مقَّد ٌر ومقسوٌم فمن‬

‫العباِد من ُبِس َط له وُو ِّس ع عليه‪ ،‬ومنهم من ُضِّيق عليه وُقِّتر‪ ،‬حكمًة من اهلل‪.‬‬

‫فإن كنت ‪ -‬أيها المريُد ‪ -‬من الُم َق َّتِر عليهم؛ فعليك بالصبِر والرضا والقناعِة بما قسَم لك رُّبك‪ ،‬وإن‬

‫كنت من الُم وَّسِع عليهم ؛ فَأِص ْب ِكَف اَيَتَك َو ُخ ذ حاَج َتَك ِم َّم ا في َيِد َك ‪َ ،‬و اصِر ف َم ا َبِق في ُوُج وِه الَخ يِر‬
‫َي‬

‫وُسُبِل الِّبِّر ‪.‬‬

‫َو اعَلم َأَّنُه ال َيَتَعَّيُن على اِإل نساِن ِإذا َأراَد الُّد خوَل في َطريِق اهلل َأن َيخُر َج ِم ن َم اِلِه ِإن كاَن َلُه َم اٌل َأو‬

‫َيتُر َك ِح رَفتُه َو ِتجاَر َتُه ِإن كاَن ُمحتِر فًا َأو ُمَّتِج رًا َبل الَّذ ي َيتعَّيُن عليِه َتقوى اهلل ِفيما ُه َو ِفيِه َو اِإل جماُل في‬

‫‪19‬‬
‫الَّطلِب ِبحيُث ال َيتُر ُك َفريَض ًة َو ال َناِفلًة‪َ ،‬و ال َيقُع في ُمحَّر ٍم َو ال َفُضوٍل ال َتصُلُح اِال سِتعاَنُة ِبِه في َطريِق‬

‫اهلل‪.‬‬

‫ِل‬
‫فِإ ن َع َم الُم ريُد أَّنُه ال َيستقيُم َقلُبُه‪َ ،‬و ال َيسَلُم ِد يَنُه ِإَّال ِبالَّتَج ُّر ِد َعِن الَم اِل ‪َ ،‬و عِن اَألسباِب البَّتَة َلِز مُه‬

‫َذلَك ‪ ،‬فِإ ن كاَن َلُه َأزواٌج َأو َأوالٌد َتِج ُب َنفَق ُتُه م َو ِكسَو ُتُه م؛ َلِز َم ُه الِق ياُم ِبذلَك َو الَّس عَي َلُه‪ ،‬فِإ ن َعِج َز َعن‬

‫ذلَك َعجزًا َيعُذ ُر ُه الَّش رُع ؛ َفَق د َخ َر َج ِم َن الَح َر ِج َو َس ِلَم ِم َن اِإل ثِم ‪َ .‬و اعَلم َأُّيها الُم ريُد َأَّنَك ال َتقِد ُر َعلى‬

‫ُمالَز مِة الَّطاعاِت َو ُمجاَنبِة الَّش هواِت واِإل عراِض َعِن الُّدنيا ِإَّال ِبَأن َتسَتشِعَر في َنفِس َك َأَّن ُمَّد َة َبقاِئَك في‬

‫الُّدنيا َأَّياٌم َقِليلٌة‪ ،‬وَأَّنَك َعَّم ا َقِر يٍب َتموُت ‪َ ،‬فَتنِص َب َأَج لَك َبيَن َعيَنيَك ‪َ ،‬و َتسَتِعَّد ِللَم وِت َو ُتَق ِّد َر ُنزوَلُه ِبَك‬

‫في ُك ِّل َو قٍت ‪.‬‬

‫َو ِإَّياَك َو ُطوَل اَألَم ِل فِإ َّنُه َيميُل ِبَك ِإلى َمَح َّبِة الُّدنيا‪َ ،‬و ُيَثِّق ُل َعليَك ُمالَز مِة الَّطاعاِت واِإل قباَل عَلى الِعباَد ِة‪،‬‬

‫والَّتَج ُّر َد ِلطَر يِق اآلِخ رِة‪َ ،‬و في َتقديِر ُقرِب اَلموِت وِقَص ِر الُم َّد ِة الَخ يُر ُك َّلُه‪َ ،‬فعليَك ِبِه‪َ ،‬و َّفقَنا اهلل َو ِإَّياَك ‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫َو ُر َّبَم ا َتسَّلَط الَخ لُق َعلى َبعِض الُم ِر يديَن ِباِإل يذاِء َو الَج فاِء َو الَّذ ِّم‪ ،‬فِإ ن ُبليَت ِبشيٍء ِم ن َذلَك َفعَليَك‬

‫ِبالَّص بِر َو َترِك الُم كَاَفأِة َمَع َنظاَفِة الَق لِب ِم َن الِح قِد َو ِإضماِر الَّش ِّر ‪َ ،‬و احَذ ر الُّدعاَء َعلى َم ن آذاَك َو َال َتُقل‬

‫ِإذا َأصاَبتُه ُمصيَبٌة َه ذا ِبسَبِب أَذاُه ِلي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫َو أفَض ُل ِم َن الَّص بِر َعلى اَألذى الَعفُو َعِن الُم ؤِذ ي‪َ ،‬و الُّدعاُء َلُه‪َ ،‬و َذِلَك ِم ن َأخالِق الِّص ِّديقيَن ‪.‬‬

‫َو ُعَّد ِإعراَض الَخ لِق َعنَك ِنعَم ًة َعليَك ِم ن َر ِّبَك ؛ فِإ َّنهم َلو َأقَبلوا َعليَك ُر َّبما َش غُلوَك َعن َطاعِتِه‪ ،‬فِإ ن‬

‫اْبُتليَت ِبِإ قباِلِه م َو َتعِظ يمِه م‪َ ،‬و َثناِئِه م ‪،‬وَتَر ُّدِدِه م َعليَك ‪َ ،‬فاحَذ ر ِم ن ِفتَنتِه م َو اشُك ِر اَهلل الَّذ ي َس تَر َم ساِو يَك‬

‫َعنُه م‪.‬‬

‫ُثَّم ِإن َخ ِش يَت َعلى َنفِس َك ِم َن الَّتَص ُّنِع َو الَّتَز ُّيِن َلهم َو اِال شِتغاِل َعِن اهلل ِبُم خاَلَطتِه م َفاعَتِز لُه م َو َأغِلق َباَبَك‬

‫َعنُه م‪َ ،‬و ِإَّال فاِر ق الَم وِض َع الَّذ ي ُعِر فَت ِبِه ِإلى َم وِض ٍع َال ُتعَر ُف ِفيِه‪.‬‬

‫َو ُك ن ُمؤِثرًا ِللُخ موِل ‪َ ،‬فاّر ًا ِم َن الُّش هرِة والُّظُه وِر ‪ ،‬فِإ َّن ِفيِه الِف تَنُة َو اِلمحَنُة‪ .‬قاَل َبعُض الَّس لِف ‪َ :‬و اهلل َم ا‬

‫ِب ِنِه‬
‫َص َد َق اَهلل َعبٌد ِإَّال َأَح َّب َأن َال ُيشَعَر َم كا ‪َ .‬و قاَل آخُر ‪َ :‬م ا َأعِر ُف َرُج ًال َأَح َّب َأن َيعِر َفُه الَّناُس ِإَّال َذَه َب‬

‫ِد يُنُه َو افَتَض َح ‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫اجَتِه د أُّيها ال ريُد في َتنِز يِه َقلِبَك ِم ن َخ وِف الَخ لِق ِم الَّط ِع ِفيهم ِفِإ َّن َذلَك حِم َعلى الُّس كوِت‬
‫َي ُل‬ ‫َو َن َم‬ ‫ُم‬ ‫َو‬

‫َعلى الَّباِط ِل َو َعلى الُم داَه نِة في الِّديِن ‪َ ،‬و عَلى َترِك اَألمِر ِباَلمعروِف َو الَّنهِي َعِن الُم نَك ِر ‪َ ،‬و كَف ى ِبِه ُذًّال‬

‫‪21‬‬
‫ِن‬ ‫ِم‬ ‫ِس‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِلصاِح ِبِه ِأل‬
‫َّن الُم ؤ َن َعزيٌز َر ِّب َال َيخاُف َو ال َيرُج و َأحدًا واُه‪ .‬وِإن َو َص لَك َأحٌد ن ِإخوا َك الُم سلميَن‬

‫ِط‬ ‫ٍف ِم‬


‫ِبَم عرو ن َو جٍه َطِّيٍب ؛ َفُخ ذُه ِإن ُك نَت مُح تاجًا ِإليِه‪َ ،‬و اشُك ِر اهلل فِإ َّنُه الُم ع ي َح قيَقًة‪َ ،‬و اشُك ر َم ن َأوَص َلُه‬

‫ِإليَك َعلى َيدِه ِم ن ِع باِدِه‪ ،‬وِإن َلم َتُك ن لَك َح اجٌة ِإليِه؛ َفانُظر فِإ ن َو َج دَت اَألصَلَح ِلَق لِبك َأخَذ ُه َفُخ ذُه‪َ ،‬أو‬

‫َر َّدُه َفُر َّدُه ِبرفٍق ِبحيُث َال َينَك ِس ُر َقلُب الُم عِط ي؛ َفِإ َّن ُح رَمَة الُم سِلِم ِع نَد اهلل َعظيمٌة‪.‬‬

‫ِإَّياَك الَّر َّد ِللُش ه ِة اَألخَذ ِبالَّش ه ِة‪َ ،‬ألن َتأُخ َذ ُه ِبالَّش ه ِة َخ ي َلَك ِم ن َأن َّدُه ِللُّش ه ِة ِبالُّز هِد‬
‫َر‬ ‫َتُر‬ ‫َو ٌر‬ ‫َو َو‬ ‫َر َو‬ ‫َو َو‬

‫َو اِإل عراِض َعِن الُّدنيا‪َ ،‬و الَّص اِد ُق َال َيلَتِبُس َعليِه َأمٌر ‪َ ،‬و ال ُبَّد َأن َيجَعَل َلُه َر ُّبُه ُنورًا في َقلِبِه َيعِر ُف ِبِه ما‬

‫ُيراُد ِم نُه‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫ِت ِه‬ ‫ِق‬ ‫ِت‬ ‫ِت ِإ‬ ‫ِت‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ٍء‬ ‫ِم‬
‫َو ن َأَض ِّر َش ي َعلى الُم ري َطلُبُه لُم كاَش فا ‪َ ،‬و اش ياُقُه لى الَك راما ‪ ،‬وَخ واِر الَعادا ‪َ ،‬و َي َال َتظَه ُر‬

‫َلُه َم ا َداَم ُمشتهيًا ِلُظُه وِر ها؛ َألَّنها ال َتظَه ُر ِإَّال َعلى َيِد َم ن َيكَر ُه ها َو ال ُيريُد ها َغالبًا‪.‬‬

‫َو َقد َتَق ُع ِلَطواِئَف ِم َن الَم غروريَن ؛ ِاسِتدراجًا َلُه م‪َ ،‬و ِابِتالًء ِلَض َعفِة الُم ؤمنيَن ِم نُه م‪َ ،‬و ِه َي في َح ِّق هم ِإهاناٌت‬

‫َو ليست كَر اماٍت ‪ِ ،‬إَّنما َتكوُن كَر اماٍت ِإذا َظهَر ت َعلى َأهِل اِال سِتقاَم ِة‪ ،‬فِإ ن َأكَر َم ك اهلل‪َ-‬أُّيها الُم ريُد ‪-‬‬

‫‪22‬‬
‫ِبشيٍء ِم نها َفاحُم دُه ُس بحاَنه عَليه‪َ .‬و ال َتِق ف َمَع َم ا َظهَر َلَك َو ال َتسُك ن ِإليِه‪َ ،‬و اكُتمُه َو َال ُتَح ِّدث ِبِه الَّناَس ‪،‬‬

‫َو ِإن َلم َيظَه ر َلَك ِم نها َش يٌء َفال َتَتَم َّناُه َو ال َتأَس ف َعلى َفقِدِه‪.‬‬

‫َو اعَلم َأَّن الَك رامَة الَج اِم َعَة ِلَج ميِع َأنواِع الَك راماِت الَح قيقَّياِت والُّص وِر َّياِت ِه ي اِال سِتقاَمُة الُم َعَّبُر َعنها‬

‫ِبامِتثاِل اَألواِم ِر ‪َ ،‬و اجِتناِب الَم ناِه ي ظاِه رًا َو َباِط نًا‪َ ،‬فَعليَك ِبَتصِح يِح ها َو ِإحَك اِم ها؛ تَخُد مَك اَألكواُن الُعلِو َّيُة‬

‫َو الُّس فِلَّيُة‪ِ ،‬خ دَم ًة ال َتحُجُبَك َعن َر ِّبَك ‪َ ،‬و َال َتشَغُلَك َعن ُمراِدِه ِم نَك ‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫َو لَتُك ن أُّيها الُم ريُد َح سَن الَّظِّن ِبَر ِّبَك َأَّنُه ُيعيُنَك ‪َ ،‬و َيكِف يَك ‪َ ،‬و َيحَف ُظَك َو َيِق يُك ‪َ ،‬و َال َيِكُل َك ِإلى َنفِس َك ‪َ،‬و َال‬

‫ِإل َأَح ٍد ِم َن الَخ لِق ‪َ ،‬فِإ َّنُه ُس بَح اًنُه َقد َأخَبَر َعن َنفِس ِه َأَّنُه ِع نَد َظِّن َعبِدِه ِبِه‪َ ،‬و َأخِر ْج ِم ن َقلِب َك َخ وَف الَف قِر‬
‫َى‬

‫َو َتَو ُّقِع الحاَج ِة ِإلى الَّناِس ‪.‬‬

‫َو احَذ ر ُك َّل الَح َذ ِر ِم َن اِال هِتماِم ِبَأمِر الِّر زِق ‪َ ،‬و ُك ن َو اِثقًا ِبَو عِد َر ِّبَك َو َتَك ُّف ِلِه ِب َك ‪َ ،‬ح يُث َيقوُل َتع‪cc‬الى‪َ( :‬و َم ا‬

‫ِم ْن َد اَّبٍة في اَألْر ِض ِإَّال َعلى اِهلل ِر ْز ُقَه ا) َو َأنَت ِم ن ُج مَل ِة ال‪َّcc‬د َو اِّب ‪َ ،‬فاش‪َc‬تِغل ِبَم ا َطلَب ِم ن‪َc‬ك ِم َن الَعَم ِل َل ُه‪،‬‬

‫َعَّم ا َض َمَن َلَك ِم َن الِّر زِق ؛ َفِإ َّن َم والَك َال َينَس اَك ‪َ ،‬و َقد َأخَبَر َك َأَّن ِر زَقَك ِع نَدُه‪َ ،‬و َأَم رَك ِبَطَلِب ِه ِم ن‪ُc‬ه ِبالِعب‪cc‬اَد ِة‪.‬‬

‫َفقاَل ت اَلى‪َ( :‬ف ا ُغوا ِع ْنَد اِهلل ال‪ِّc‬رْز َق اْع ُد وُه اْش ُك وا َل ُه)‪َ .‬أ ا َت راُه بحاَنُه رُز ُق الك‪c‬اِفري ِب ِه‬
‫ال‪َّc‬ذ يَن‬ ‫َن‬ ‫َي‬ ‫ُس‬ ‫َم‬ ‫َو ُب َو ُر‬ ‫ْبَت‬ ‫َع‬

‫‪23‬‬
‫َيعُبدوَن َغيَر ُه ؟ َأَفَتراُه َال َيرُز ُق المؤِم نيَن ال‪َّc‬ذ يَن َال َيعُب ُد وَن ِس َو اُه‪َ ،‬و َيرُز ُق الَعاِص يَن َل ُه َو الُم خ‪c‬اِلفيَن ألم‪ِc‬ر ِه؛‬

‫َأ َال رُز ُق ال طيعي َل ُه‪ ،‬ال كِث ري ِم ن ِذ ك ‪ِc c‬ر ِه ُش كِر ِه ؟‪ .‬اعَلم َأَّن ُه ال ر َعلي ‪َc c‬ك في َطلِب ال ‪ِّc c‬ر زِق‬
‫َح َج‬ ‫َو‬ ‫َو‬ ‫َن‬ ‫ُم‬ ‫ُم َن‬ ‫َو َي‬

‫ِبالَح رك‪cc‬اِت الَّظ اهَر ِة عَلى الَو جِه الَم أذوِن َل َك في ‪ِc‬ه َش رعًا وِإَّنم‪cc‬ا الَب أُس والَح رُج في َع َد ِم ُس كوِن الَق لِب‬

‫واهِتماِمِه َو اض‪ِc‬ط راِبِه َو ُمتاَبعِتِه ألوهاِم ِه‪َ ،‬و ِم َّم ا َيُد ُّل َعلى َخ راِب الَق لِب ِاهِتم‪c‬اِم اِإل نس‪c‬اِن ِبم‪c‬ا َيحت‪c‬اُج ِإلي‪ِc‬ه في‬

‫َو قٍت َلم َيخ‪ُc‬ر ج ِم َن الَع َد ِم ك‪َc‬الَيوِم الُم قِب ِل َو الَّش هِر اآلتي‪َ ،‬و َقوُلُه‪ِ :‬إذا َنِف َذ َه ذا َفِم ن َأين َيجيُء َغ يُر ُه‪ ،‬وِإذا‬

‫لَم َيجيء ال ‪ِّc‬ر زُق ِم ن ه ‪َc‬ذ ا الَو جِه َفِم ن َأِّي َو جٍه َي أتي؟‪َ .‬و أَّم ا الَّتَج ُّر ُد َعِن اَألس‪cc‬باِب وال‪ُّcc‬د خوُل ِفيها؛ َفُه َم ا‬

‫َم قام ‪cc‬اِن ُيقيُم اهلل فِيهم ‪cc‬ا ِم ن ِع ب ‪cc‬اِدِه َم ن َيش ‪cc‬اُء‪َ .‬فَم ن أِقيَم في الَّتجُّر ِد ؛ َفَعلي‪ِc c‬ه ِبُق ِّو ِة الَيقيَن ‪َ ،‬و ِس َعِة الَّص دِر ‪،‬‬

‫َو ُمالَز َم ِة الِعب‪cc‬اَدِة‪َ .‬و َم ن أِقيَم في اَألس‪cc‬باِب ؛ َفعلي‪ِc‬ه ِبَتقوى اهلل في َس َبِبِه‪َ ،‬و ِباِال عِتم‪cc‬اِد عَلى اهلل دوَنُه‪َ ،‬و ِلَيح‪َc‬ذ ر‬

‫ِم َن االشِتغاِل ِبِه َعن َطاعِة َر ِّبِه‪َ .‬و َقد َتِر ُد عَلى الُم ريِد َخ واِط ُر في َأمِر الِّر زِق ‪ ،‬وفي ُم راءاِة الخَل ِق ‪ ،‬وفي َغ يِر‬

‫َذلَك ‪َ ،‬و َليَس َم ُلومًا ‪َ ،‬و ال َم أُثومًا َعليها؛ ِإذا كَاَن َك اِر هًا َلها ‪َ ،‬و مُج َتِه دًا في َنفِيَه ا ِم ن َقلِبِه ‪.‬‬

‫((فصٌل))‬

‫َو لَتُك ن َلَك ‪-‬أُّيها الُم ريُد ‪ِ -‬ع ناَيٌة َتاَّمٌة ِبُص حبِة اَألخياِر َو ُمجاَلَس ِة الَّص اِلحيَن اَألبراِر ‪َ .‬و ُك ن َش ديَد الِح رِص‬

‫‪24‬‬
‫عَلى َطلِب َش يٍخ َص اِلٍح ُمرِش ٍد َناِص ٍح ‪َ ،‬عاِر ٍف ِبالَّش ريَعِة‪َ ،‬س اِلٍك ِللَطِر يَق ِة‪َ ،‬ذاِئٍق ِللَح ِق يَق ِة‪َ ،‬ك اِم ِل الَعقِل َو اِس ِع‬

‫الَّص دِر ‪َ ،‬ح َس ِن الِّس َياَس ِة عَاِر ٍف ِبطَبقاِت الَّناِس ُمَم ِّيٍز َبيَن َغراِئِز ِه م َو ِفَطِر ِه م َو َأحَو اِلِه م‪..‬‬

‫َفِإ ن َظِف رَت ِبِه َفألِق َنف َك َعليِه ِّك مُه في ج يِع ُأموِر َك ارِج ع ِإلى أِيِه ُش و ِتِه في ُك ِّل َش أِنَك اقَتِد‬
‫َو‬ ‫َر َو َم َر‬ ‫َو‬ ‫َم‬ ‫َو َح‬ ‫َس‬

‫ِبِه في َج ميِع َأفَعاِلِه َو َأقَو اِلِه ِإَّال ِفيَم ا َيكوُن َخ اّصًا ِم نها ِبَم رَتبِة الَم شَيَخ ِة‪َ ،‬ك ُم خاَلَطِة الَّناِس َو ُمدَاَر اِتهم‬

‫َو َدعَو ِة الَق ريِب والَبعيِد َإلى اهلل َو َم ا َأشَبَه َذلَك َفُتَس ِّلُم ُه َلُه‪َ ،‬و ال َتعَتِر ض َعليِه في َش يٍء ِم ن َأحَو اِلِه ال َظاِه رًا‬

‫وال َباِط نًا َو ِإن َو َقَع في َقلِبَك شيٌء ِم َن الَخ واِط ِر في ِج َه ِتِه فاجَتِه د في َنْف ِيِه َعنَك َفِإ ن َلم َينَتِف َفَح ِّدث ِبه‬

‫الَّش يَخ ِلُيَعِّر َفَك َو جَه الَخ الِص ِم نُه‪َ ،‬و َك ذِلَك ُتخِبَر ُه ِبُك ِّل ما َيَق ُع َلَك ُخ صوصًا ِفيما َيتَعَّلُق ِبالَّطريِق ‪.‬‬

‫َو احَذ ر َأن ُتطيَعُه في الَعالِنَيِة َو َح يُث َتعَلُم َأَّنُه َيَّطِلُع َعليَك َو َتعِص يِه في الِّسِّر َو َح يُث ال َيعَلُم َفَتقُع في‬

‫الَه الِك ‪.‬‬

‫َو ال َتجَتِم َع ِبَأحٍد ِم َن الَم شاِيِخ الُم َتظاِه ريَن ِبالَّتسِليِك ِإَّال َعن ِإذِنِه‪َ ،‬فِإ ن َأِذ َن َلَك فاحَف ظ َقلَبَك َو اجَتِم ع‬

‫َبَم ن َأَر دَت َو ِإن لَم َيأَذن َلَك َفاعَلم َأَّنُه َقد آَثَر َمَص َلَح َتَك َفال َتَّتِه َم ُه َو َتُظَّن ِبِه الَح سَد َو الَغيَر َة‪َ ،‬مَعاَذ اهلل َأن‬

‫َيصُد َر َعن َأهِل اهلل َو خاَّصِتِه ِم ثُل َذِلَك ‪.‬‬

‫َو احَذ ر ِم ن ُمطاَلَبِة الَّش يِخ ِبالَك َر اَم اِت َو الُم َك اَش َف ِة ِبَخ َو اِط ِر َك َفِإ َّن الَغيَب ال َيعَلُم ُه ِإَّال اهلل‪َ ،‬و َغاَيُة الَو ِلِّي َأن‬

‫ِم‬ ‫ِل‬
‫ُيط َعُه اُهلل عَلى َبعِض الغُيوِب في َبعِض اَألحيان‪َ ،‬و ُر َّبما َدَخ َل الُم ريُد عَلى َش يِخ ِه َيطُلُب نُه َأن ُيكاِش َف ُه‬
‫‪25‬‬
‫ِبخاِط ِر ِه َفال ُيكاِش َف ُه َو ُه َو ُمَّطِلٌع َعليِه َو ُمكاَشٌف ِبِه ِص َياَنًة ِللِس ِّر َو َس ترًا ِللحاِل َفِإ َّنُه م َر ِض َي اهلل َعنُه م‬

‫َأحَر ُص الَّناِس عَلى ِكتماِن اَألسراِر َو َأبَعُد ُه م َعِن الَّتظاُه ِر ِبالكَر اماِت والَخ واِر ِق َو ِإن ُمِّك ُنوا ِم نها َو ُصِّر ُفوا‬

‫ِفيها‪.‬‬

‫ِا‬
‫َو أكَثُر الكَر اماِت الَو اِقَعِة ِم َن اَألوِلَياِء َو قَعت ِبدوَن خِتَياِر ِه م‪َ ،‬و كَانوا ِإذا َظهَر َعليُه م َش يٌء ِم ن َذِلَك‬

‫وصوَن ن َظه َلُه َأن ال ِّد َث ِبِه َّتى خ وا ِم الُّدنيا‪َّ ،‬بما َأظ وا ِم نها َش يئًا اخِت ارًا ِل صل ٍة‬
‫َي َم َح‬ ‫َه ُر‬ ‫َو ُر‬ ‫َح َي ُر ُج َن‬ ‫ُيَح‬ ‫َر‬ ‫َم‬ ‫ُي‬

‫َتزيُد عَلى َمصَلحِة الِّس تِر ‪.‬‬

‫َو اعَلم َأَّن الَش يَخ الَك اِم َل ُه َو الِّذ ي ُيِف يُدُه ِبِه َّم ِتِه َو ِفعلِه َو َقوِلِه َو يَح َف ُظُه في ُح ضوِر ِه َو َغيَبِتِه َو ِإن كاَن الُم ريُد‬

‫َبعيدًا َعن َش يِخ ِه ِم ن َح يُث الَم كاُن ‪َ ،‬فلَيطُلب ِم نُه ِإشاَر ًة ُك ِّلَيًة ِفيما َيأتي ِم ن َأمِر ِه َو يتُر ُك ‪َ .‬و َأضُّر َش يٌء َعلى‬

‫ِح‬
‫الُم ريِد َتَغُّيِر َقلَب َش يِخ ِه َعليِه َو َلو اجَتمَع عَلى إصال ِه َبعَد َذِلَك َم شايُخ الَم شِر ِق َو الَم غِر ِب لَم َيسَتطيُعوُه‬

‫ِإَّال َأن َيرَض ى َعنُه َش يُخ ُه‪.‬‬

‫اعَلم َأَّنُه ن غي ِلل ريِد الَّذ ي ُطل َش يخًا َأن ال ِّك في َنفِس ِه ُك َّل ن ذَك ِبال ش َخ ِة َتسِليِك‬
‫َم ُي ُر َم َي َو‬ ‫ُيَح َم‬ ‫َي ُب‬ ‫َي َب ُم‬ ‫َو‬

‫الُم ريديَن َح َّتى َيعِر َف َأهِلَّيَتُه َو َيجتِم َع َعليِه َقلُبُه‪َ ،‬و كَذ ِلَك ال َينَبغي لِلَش يِخ ِإذا جاَء الُم ريُد َيطُلُب الَّطِر يَق َأن‬

‫َيسَمَح َلُه ِبها ِم ن َقبِل َأن َيخَتِبر ِص دَقُه في َطَلِبِه‪َ ،‬و ِش َّد ِة َتَعُّطِش ِه ِإلى َم ن َيُد ُّلُه عَلى َر ِّبِه‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫َو هَذ ا ُك ُّلُه في َش يِخ الَّتحِكيِم ‪َ ،‬و َقد َش َر ُطوا َعلى الُم ريِد َأن َيكوَن َم عُه َك اَلِّم يِت َبيَن َيَد ِّي الَغاِس ِل َو كالِّطفِل‬

‫َمَع ُأَّمِه‪َ ،‬و ال َيجِر ي َه ذا في َش يِخ الَّتَبُّر ِك ‪َ ،‬و َم هَم ا َك اَن َقصُد الُم ريِد الَّتَبُّر َك ُدوَن الَّتحِكيِم َفُك َّلما َأكَثَر ِم ن‬

‫ِلقاِء الَم شاِيِخ َو ِز ياَر ِتهم َو الَّتبُّر َك ِبهم َك ان َأحَسَن ‪َ .‬و إذا َلم َيِج ِد الُم ريُد َش يخًا َفَعليِه ِبُم الَز َم ِة الِج ِّد‬

‫َو االجِتهاِد َمَع َك ماِل الِّص دِق في اِال لِتجاِء ِإلى اهلل َو اِال فِتقاِر ِإليِه في َأن ُيَقِّيَض َلُه َمْن ُيرِش ُدُه‪َ ،‬فَس وَف‬

‫ُيِج يُبُه َم ن ُيِج يُب الُم ضَطَّر ‪َ ،‬و َيُس وُق ِإليِه َم ن َيأُخ ُذ ِبَيِدِه ِم ن ِع باِدِه‪َ .‬و َقد َيحِس ُب َبعُض الُم ريديَن َأَّنُه ال َش يَخ‬

‫َلُه َفَتِج َدُه َيطُل الَّش يَخ َلُه َش يٌخ َلم َي ُه‪ُ ،‬ي ِّبيِه ِبَنَظِر ِه ُي اعيِه ِبَعيِن ِع ناَيِتِه ُه ال َيشُع ‪ِ ،‬ع نَد الَتناُصِف‬
‫ُر َو‬ ‫َو َو‬ ‫َو َر‬ ‫َر َر‬ ‫َو‬ ‫ُب‬

‫َم ا َذهَب ِإَّال الِّص دُق ‪َ ،‬و ِإَّال َفالَم شاِيُخ الُمَح ِّق ُقوَن َم وُج ودوَن ‪َ ،‬و لِكن ُس بحاَن َم ن َلم َيجعِل الَّد ِليَل َعلى‬

‫َأوِلَياِئه ِإَّال ِم ن َح يُث الَّدلِيُل َعليِه َو لَم ُيوِص ل ِإليِه م ِإَّال َم ن َأراَد َأن ُيوِص َلُه ِإليِه‪.‬‬

‫((َتِتَّمٌة))‬

‫ٍء‬ ‫ِم‬
‫َو ِإذا َأردَت ‪-‬أُّيها الُم ريُد ‪ -‬ن َش يِخ َك َأمرًا َأو َبدا َلَك َأن َتسَأَلُه َعن َش ي َفال َيمَنُعَك ِإجالِلِه َو الَّتأُّدُب َمَعُه‬

‫َعن َطَلِبِه ِم نُه َو ُس َؤ اِلِه َعنُه‪َ ،‬و َتسَأُلُه الَم َّرَة َو المَّر تيِن َو الَّثالَث ‪َ ،‬فَليَس الُّس كوُت َعِن الُّس ؤَاِل َو الَّطلِب ِم ن‬

‫ُح سِن اَألَدِب ‪ ،‬الَّلُه َّم ِإَّال َأن ُيشيَر َعليَك الَّش يُخ ِبالِّس كوِت َو َيأُمَر َك ِبَترِك الُّس ؤاِل ‪َ ،‬فِعنَد َذلَك َيِج ُب َعليَك‬

‫ِق‬ ‫ِا ِت‬


‫م ثاُلُه‪َ .‬و ِإذا َم نَعَك الَّش يُخ َعن َأمٍر َأو َقَّد َم َعليَك َأحدًا َفِإ َّياَك َأن َتَّتِه َم ُه‪َ ،‬و ْلَتُك ن ُمعَت دًا َأَّنُه َقد َفَعَل َم ا ُه َو‬

‫اَألنَف ُع َو اَألحسُن َلَك ‪َ ،‬و إذا َو َقع ِم نَك َذنٌب َو َو جَد َعليَك الَّش يُخ ِبَس َبِبِه َفباِد ر ِباِال عِتذاِر ِإليِه ِم ن َذنِبَك َح َّتى‬

‫‪27‬‬
‫َيرَض ى َعنَك ‪َ .‬و ِإذا َأنَك رَت َقلَب الَّش يِخ َعليَك َك َأن َفَق دَت ِم نُه ِبشرًا ُك نَت َتَأَلُفُه َأو َنحَو َذلَك ‪َ ،‬فَح ِّدثُه ِبما‬

‫ِل ٍء‬ ‫ِم‬


‫َو قَع َلَك ن َتَخ ُّو ِفَك َتَغُّيَر َقلِبِه َعليَك َفَلعَّلُه َتَغَّيَر َعليَك شي َأحَد ثَتُه َفَتُتوَب َعنُه‪َ ،‬أو َلَعَّل الِّذ ي َتَو َّهمَتُه‬

‫َلم َيُك ن ِع نَد الَّش يِخ َو َألقاُه الَّش يطاُن ِإليَك ِلَيُس وَءَك ِبِه‪َ ،‬فِإ ذا َعَر فَت َأَّن الَّش يَخ َر اٍض َعنَك َس َك َن َقلُبَك‬

‫ِبخالِف َم ا ِإذا َلم ُتَح ِّدثُه َو َس َك َّت ِبَم عِر فٍة مِنَك ِبسالمِة ِج َه ِتَك ‪.‬‬

‫َو ِإذا َر أيَت الُم ريَد مُم َتِلئًا ِبَتعِظ يِم َش يِخ ِه‪َ ،‬و ِإجالِلِه ‪ُ ،‬مجَتِم عًا ِبظاِه ِر ِه َو َباِط نِه َعلى ِاعِتقاِدِه‪َ ،‬و امِتثاِلِه ‪،‬‬

‫َو الَّتَأُّدِب ِبآداِبِه؛ َفال ُبَّد َأن َيِر َث ِس َّر ُه ‪َ ،‬أو َش يئًا ِم نُه ِإن َبِق َي َبعَدُه‪.‬‬

‫((خاتمة))‬

‫نذكر فيها شيئًا من أوصاف المريد الصادق‪:‬‬

‫َقاَل َبعُض الَعاِر فيَن َر ِض َي اهلل َعنُه م َو َنَف عنا ِبهم َأجَم عين‪:‬‬

‫َال َيُك وُن الُم ريُد ُمِر يدًا َح َّتى َيِج َد في الُقرآِن ُك َّل َم ا ُيريُد ‪َ ،‬و َيعِر َف الُّنقَص اَن ِم َن الَم زيِد ‪َ ،‬و َيسَتغِني ِبالَم ولى‬

‫َعِن الَعِبيِد ‪َ ،‬و َيسَتِو ي ِع نَدُه الَّذ هُب َو الَّص عيُد ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الُم ِر يُد َم ن َح ِف َظ الُح دوَد‪َ ،‬و َو َّفى ِبالُعُه وِد ‪َ ،‬و َر ِض َي ِبالَم وُج وِد ‪َ ،‬و َص َبَر َعِن اَلمفُقوِد ‪.‬‬

‫‪ ...‬ال ريُد ن َش َك لى الَّنعماِء ‪ ،‬ب عَلى الَّبالِء ‪ِ ،‬ض ِب ِّر الَق ضاِء ‪َ ،‬د َّب في الَّس راِء‬
‫َو َحَم َر ُه‬ ‫َو َر َي ُم‬ ‫َو َص َر‬ ‫َر َع‬ ‫ُم َم‬

‫والَّضراِء ‪َ ،‬و َأخَلَص َلُه في الِّسِّر َو الَّنجَو ى‪.‬‬

‫‪ ...‬الُم ريُد َم ن َال َتسَتِر ُّقُه اَألغَياُر ‪َ ،‬و ال َتسَتعِبُدُه اآلثاُر ‪َ ،‬و ال َتغِلُبُه الَّش هَو اُت ‪َ ،‬و ال َتحُك ُم َعليِه الَعاداُت ‪.‬‬

‫ِع‬ ‫ِع‬ ‫ِح‬


‫َك الُمُه ِذ كٌر َو كمٌة‪َ ،‬و َص مُتُه ِفكَر ٌة َو بَر ٌة‪َ ،‬يسِبُق ِفعَلُه َقوَلُه َو ُيَص ِّد ُق لَم ُه َعَم ُلُه‪ِ ،‬ش عاُر ُه الُخ شوُع‬

‫ِك ِح‬ ‫ِط‬ ‫ِث‬ ‫ِب‬ ‫ِال ِك‬ ‫ِد‬


‫َو الَو قَاُر ‪َ ،‬و ثَاُر ُه الَّتواُضُع َو ا ن ساُر ‪َ ،‬يَّت ُع الَح َّق َو ُيؤ ُر ُه‪َ ،‬و َيرُفُض البا َل َو ُين ُر ُه‪ُ ،‬ي ُّب اَألخياَر‬

‫َو ُيواِليِه م‪َ ،‬و َيْبَغُض اَألشراَر َو ُيعاِد يِه م‪ُ ،‬خ ْبُر ُه َأحسُن ِم ن َخ َبِر ِه‪َ ،‬و ُمَعاَش َر ُتُه َأطَيُب ِم ن ِذ كِر ِه‪َ ،‬ك ِثُير الَم ُعوَنِة‪،‬‬

‫َخ ِف يُف الَم ُؤ وَنِة‪َ ،‬بعيٌد َعِن الُّر ُعونِة‪َ .‬أميٌن َم أُموٌن ‪ ،‬ال َيكِذ ُب َو ال َيخوُن ‪َ ،‬ال َبخيًال َو ال َج بانًا‪َ ،‬و ال َس َّبابًا وال‬

‫َلَّعانًا‪َ ،‬و ال َيشَتِغُل َعن ُبِّد ِه‪َ ،‬و ال َيِش ُّح ِبما في َيِدِه‪َ ،‬طِّيُب الَّطِو َّيِة‪َ ،‬ح َسُن الِّنِّيِة‪َ ،‬س اَح ُتُه ِم ن ُك ِّل َشٍّر َنِق َّيٌة‪،‬‬

‫َو ِه َّم تُه فيما ُيَق ِّر بُه ِم ن َر ِّبِه َعِلَّيٌة‪َ ،‬و َنفُس ُه َعلى الُّدنيا َأِبَّيٌة‪،‬‬

‫ال ُيِص ُّر عَلى الَه فَو ِة‪َ ،‬و ال ُيقِد ُم َو ال ُيحِج ُم ِبُم قَتضى الَّش هَو ِة‪َ ،‬قِر يُن الَو َفاِء َو الُفُتَّو ِة‪َ ،‬ح ِليُف الَح ياِء َو المُر َّو ِة‪،‬‬

‫ِن‬ ‫ِط‬ ‫ِم ٍد‬ ‫ِص‬ ‫ٍد ِم ِس ِه‬ ‫ِص‬


‫ُين ُف ُك َّل َأح ن َنف َو ال َينَت ُف َلها ن َأَح ‪ِ .‬إن ُأع َي َش َك َر ‪َ ،‬و ِإن ُم َع َص َبَر ‪َ ،‬و ِإن َظَلَم َتاَب‬

‫َو اسَتغَف َر ‪َ ،‬و ِإن ُظِلَم َعفا َو َغَف َر ‪ُ ،‬يِح ُّب الُخ ُم وَل َو اِال ِس تَتاَر ‪َ ،‬و َيكَر ُه الُّظهوَر َو اِال شِتهاَر ‪ِ ،‬لَس اَنُه َعن ُك ِّل َم ا ال‬

‫ِق‬ ‫ِه‬ ‫ِة ِه‬ ‫ِص ِه‬ ‫ِه‬


‫َيعنِي َم خزوٌن ‪َ ،‬و َقلَبُه عَلى َتق ير في طاع َر ِّب َم حُز وٌن ‪َ ،‬ال ُيدا ُن في الِّديِن َو ال ُيرضي الَم خلو َيَن‬
‫‪29‬‬
‫ِبَس خِط َر ِّب الَعالِم يَن ‪َ ،‬يأَنُس ِبالِو حَد ِة َو اِال نِف راِد ‪َ ،‬و َيسَتوِح ُش ِم ن ُمخاَلَطِة الِعباِد ‪َ ،‬و ال َتلَق اُه ِإَّال َعلى َخ يٍر‬

‫ع ُلُه‪َ ،‬أو ِع لٍم ِّلمُه‪ ،‬ر ي َخ ي ُه‪ ،‬ال خَش ى َش ُّر ُه‪ ،‬ال ؤِذ ي ن آذاُه‪ ،‬ال جُفو ن َف اُه‪َ ،‬ك الَّنخلِة‬
‫َو َي َم َج‬ ‫َو ُي َم‬ ‫ُيَع ُي َج ُر َو ُي‬ ‫َي َم‬

‫ُترَم ى ِبالَحَج ِر َفَترِم ي ِبالُّر َطِب ‪َ ،‬و َك اَألرِض ُيطَر ُح َعليَه ا ُك ُّل َقبيٍح َو ال َيخُر ُج ِم نها ِإَّال ُك ُّل َم ليٍح ‪،‬‬

‫َتلوُح َأنواُر ِص دِقِه عَلى َظاِه ِر ِه‪َ ،‬و َيكاُد ُيفِص ُح َم ا ُيَر ى عَلى َو جِه ِه َعَّم ا ُيضِم ُر في َس راِئرِِه‪َ ،‬س عُيُه َو ِه َّم ُتُه في‬

‫ِر َض ا والُه‪ِ ،‬ح ر ُه وَنه ُتُه في تا ِة وِلِه ِبيِبِه صَطفاُه‪َ ،‬تَأَّس ى ِبِه في ميِع َأح اِلِه‪ ،‬قتِد ي ِبِه‬
‫َو َو َي‬ ‫َج‬ ‫َي‬ ‫ُم َبَع َرُس َو َح َو ُم‬ ‫َو َص َم‬ ‫َم‬

‫في َأخالِقِه َو َأفَعاِلِه َو َأقواِلِه‪ُ ،‬ممَتِثًال ألمِر َر ِّبِه الَعِظ يِم في ِكتاِبِه الَك ِر يم َح يُث َيقوُل ‪َ( :‬و َم ا آَتاُك ُم الَّر ُس وُل‬

‫ِل‬ ‫ِهلل‬
‫َفُخ ُذ وُه َو َم ا َنَه اُك ْم َعنُه َفاْنَتُه وا)‪َ( ،‬لَق ْد َك اَن َلُك ْم في َرُس وِل ا ُأْس َو ٌة َح َس َنٌة َمْن َك اَن َيْر ُج و اَهلل َو الَيوَم‬

‫اآلِخ َر َو َذَك َر اهلل َك ثيرًا) ‪َ ( ،‬و َمْن ُيِط ِع الَّر ُس وَل َفَق ْد َأطاَع اهلل) ‪ِ( ،‬إَّن الَّذ يَن ُيَباِيُعوَنَك ِإَّنَم ا ُيَباِيُعوَن اهلل) ‪،‬‬

‫ِح‬ ‫ِف‬ ‫ِب ِن ِب‬ ‫ِح‬


‫(ُقْل ِإْن ُك ْنُتْم ُت ُّبوَن اَهلل َفاَّت ُعو ي ُيْح ْبُك ُم اهلل َو َيْغ ْر َلُك ْم ُذُنوَبُك ْم َو اهلل َغُفوٌر َر يٌم) ‪َ( ،‬فْلَيْح َذ ِر الَّذ يَن‬

‫خاِلفوَن َع َأ ِر ِه َأْن ُتِص ي ِف َنٌة َأ ِص ي َعذا َأِلي )‪ .‬اُه في َغا ِة الِح رِص َعلى تا ِة َنِبِّيِه‬
‫ُم َبَع‬ ‫َي‬ ‫َبُه ْم ْت ْو ُي ُبُه ْم ٌب ٌم َفَتَر‬ ‫ْن ْم‬ ‫ُي‬

‫ُمْم َتثًال َألمِر َر ِّبِه َو َر اِغ بًا في الَو عِد الَك ريِم َو هاِر بًا ِم َن الَو ِع يِد اَألِليِم الَو اِر َديِن في اآلياِت اَّلتي َأوَر دناها‬

‫َو ِفيما َلم ُنوِر ُدُه ِم َّم ا ُه و في َم عناها الُم شَتِم َلِة َعلى الِبشاَر ِة ِبَغاَيِة الَف وِز َو الَف الِح لِلُم َّتِبعيَن ِللَّر سوِل ‪َ ،‬و َعلى‬

‫الَّنذاَر ِة ِبغاَيِة الِخ زِي َو الَه واِن ِللُم خاِلِف يَن َلُه‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪( ...‬الَّلُه َّم ) ِإَّنا َنسَأُلَك ِبَأَّنَك َأنَت اهلل الّذ ي ال ِإلَه ِإَّال َأنَت الَح َّناُن اَلمَّناُن َبديُع الَّس مواِت َو اَألرِض َيا ذا‬

‫ال الِل اِإل ك اِم َأن َترُز قنا َك ماَل ال تا عِة ِلعبِد َك سوِلِك ِّيدنا حَّم ٍد صّلى اهلل َعليِه َّلم في َأخالِقِه‬
‫َو َس‬ ‫َس ُم‬ ‫َو َر‬ ‫ُم َب‬ ‫َج َو َر‬

‫َو أعَم اِلِه وَأقواِلِه َظاِه رًا َو باِط نًا َو ُتحيينا َو ُتميَتنا َعلى َذلَك ِبرحَم ِتَك يا َأرَح َم الَّر اِح مين‪.‬‬

‫‪( ...‬الَّلُه َّم ) َر َّبنا َلَك الَح مُد حمدًا َك ثيرًا َطِّيبًا ُمباَر كًا ِفيِه كَم ا َينَبغي ِلَج الِل َو جِه َك َو َعظيِم ُس لطاِنك‬

‫ِم‬ ‫ِع‬
‫(ُس بحاَنَك َال لَم َلنا ِإَّال ما َعَّلمَتنا ِإَّنَك َأنَت الَعليُم الَح كيُم)‪َ( .‬ال ِإلَه ِإَّال َأنَت ُس بَح اَنَك ِإِّني ُك نُت َن‬

‫الَّظاِلِم يَن )‪.‬‬

‫…تمت هذِه الِّر سالُة ِللُم ريِد الَم خصوِص ِم ن َر ِّبِه الَم جيِد ِبالتثبيِت َو اَلتأِييِد َو الَتسديِد ‪.‬‬

‫كاَن ِب مِد اِهلل ِإمالُؤ ها في بِع َلياٍل َأو َثماٍن ِم ن َش هِر مضاَن نَة ِإحدى بعي َألٍف ِم ن ِه ج ِتِه‬
‫َر‬ ‫َو َس َن َو‬ ‫َس‬ ‫َر‬ ‫َس‬ ‫َح‬ ‫َو‬

‫َص َّلى اهلل َعليِه َو َس َّلم تسليمًا كثيرًا ‪ ،‬والَح مُد هلل َر ِّب الَعاَلميَن ‪.‬‬

‫‪31‬‬
: ‫مباحث الرسالة‬

‫ة‬cc c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c ‫الخطب‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
32
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ف صل‬
‫ة‬cc c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c c ‫تتم‬
‫خاتمة‬

33

You might also like