You are on page 1of 6

‫الفتن وأقسام الناس فيها‬

‫خطبة جمعة بتاريخ ‪ 1424-1-18 /‬هـ‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ‪ ,‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ,‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ‪ ,‬ومن يض لل فال ه ادي له ‪ ,‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك له ‪ ,‬وأش هد أن حمم داً‬
‫عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني ‪ ,‬وسلم تسليما كثريا ‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫جل وعال هي أساس السعادة وسبيل الفوز يف‬
‫أيها املؤمنون عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعاىل ‪ ,‬واعلموا أن تقوى اهلل ّ‬
‫ق هَّللا َ يَجْ َعلْ لَهُ ِم ْن َأ ْم ِر ِه ي ُْس رًا ﴾‬
‫ق هَّللا َ يَجْ َعلْ لَهُ َم ْخ َرجًا ﴾ [الطالق‪َ ﴿ ، ]٢:‬و َم ْن يَتَّ ِ‬
‫الدنيا واآلخرة ﴿ َو َم ْن يَتَّ ِ‬
‫[الطالق‪ , ]٤:‬والعاقبة دائماً وأبداً ألهل التقوى ‪.‬‬
‫مث اعلم وا ‪ -‬رمحكم اهلل ‪ -‬أن األم ور املدهلمة واألح داث املتتالية اليت تت واىل على الن اس فإهنا تكشف مع ادهنم‬
‫ومتيِّز أحواهلم وتبني أقسام الناس يف طاعتهم لرهبم عز وجل ‪.‬‬
‫ف فَ ِإ ْن َأ َ‬
‫ص ابَهُ‬ ‫عب اد اهلل ‪ :‬إن الن اس عند ن زول الفنت ينقس مون إىل أقس ام ‪ :‬فمنهم ﴿ َم ْن يَ ْعبُ ُد هَّللا َ َعلَى َحرْ ٍ‬
‫ين ﴾ [احلج‪:‬‬‫ان ْال ُمبِ ُ‬
‫ك هُ َو ْال ُخ ْس َر ُ‬ ‫ب َعلَى َوجْ ِه ِه َخ ِس َر ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َرةَ َذلِ َ‬ ‫َخ ْي ٌر ْ‬
‫اط َمَأ َّن بِ ِه َوِإ ْن َأ َ‬
‫صابَ ْتهُ فِ ْتنَةٌ ا ْنقَلَ َ‬
‫‪]١١‬‬

‫ومنهم ‪ -‬عب اد اهلل ‪ -‬من يعبد اهلل على علم وبص رية و إميان راسخ وعقي دة س ليمة ؛ ف إن أص ابته مص يبة صرب‬
‫فكان خريا له ‪ ،‬مث جاهد نفسه باإلتيان بالوسائل الصحيحة والسبل الشرعية للتخلص منها والوقاية من شرها ‪,‬‬
‫وإن أص ابته نعمة ش كر فك ان خ رياً له ‪ ,‬مث اس تعملها يف طاعة اهلل وما يق رب إىل اهلل ‪ .‬وهنيئ اً ملن ك انت حاله‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫السليمة أثراً عظيم اً ودوراً بارزاً يف التغلب على األحداث واملصائب‬
‫الصحيح والعقيدة ّ‬‫عباد اهلل ‪ :‬مث إن لإلميان ّ‬
‫واحملن والفنت اليت حتل بالن اس وت نزل هبم ؛ ذلك ‪ -‬عب اد اهلل ‪ -‬أن ص احب اإلميان والعقي دة الس ليمة يتعلم من‬
‫دينه أم وراً مهمة وقواعد عظيمة تعينه ب إذن اهلل ج ّل وعال على الثب ات يف امللم ات والوق وف وقوف اً ص حيحا‬
‫ينطلق من عقيدة صحيحة وإميان باهلل عز وجل ‪ .‬ولعلّي ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أشري إىل بعض هذه األمور ت ذكريا هبا ‪,‬‬
‫وتنويها ليكون املؤمن على بصرية فيما ينبغي أن يكون عليه عند حصول احملن والفنت ‪:‬‬
‫عب اد اهلل ؛ األمر األول‪ :‬أن املؤمن يعلم أن خ الق ه ذا الك ون وموج ده هو اهلل ج ّل وعال ؛ فهو ج ّل وعال‬
‫املتصرف يف خلقه كيف يشاء ‪ ,‬حيكم فيهم مبا يريد ‪ ،‬ال معقِّب حلكمه وال راد لقضائه ‪ ,‬فما شاء اهلل كان وما‬

‫‪1‬‬
‫ت َواَأْلرْ ِ‬
‫ض َو َما فِي ِه َّن َوهُ َو َعلَى‬ ‫مل يشأ مل يكن ‪ ,‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ﴿ هَّلِل ِ ُم ْل ُ‬
‫ك ال َّس َما َوا ِ‬
‫ُكلِّ َش ْي ٍء قَ ِدي ٌر ﴾ [املائدة‪. ]١٢٠:‬‬
‫األمر الثاين عباد اهلل ‪ :‬أن املؤمن يعلم بأن اهلل تك ّفل بنصرة املؤمنني وحفظ هذا الدين وإعزاز أهله وإعالء كلمته‬
‫ان َحقًّا َعلَ ْينَا نَصْ ُر ْال ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ين ﴾ [ال روم‪ ، ]٤٧:‬وق ال ج ّل وعال‪ ﴿ :‬يَا‬ ‫ج ّل وعال ‪ ،‬فهو القائل عز وجل ‪َ ﴿ :‬و َك َ‬
‫صرُوا هَّللا َ يَ ْنصُرْ ُك ْم َويُثَب ِّْت َأ ْق َدا َم ُك ْم ﴾ [حممد‪ , ]٧:‬ولكن عباد اهلل ال بد من نص ٍر لدين اهلل‬ ‫َأيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ِإ ْن تَ ْن ُ‬
‫‪ ,‬والبد من انتص ار على النفس والش هوات ‪ ,‬وانتص ار على ال ّدنيا وفتنها ومغرياهتا ‪ ,‬ال بد من إميان باهلل ‪ ،‬وثقة‬
‫باهلل ج ّل وعال وحسن ص لة به ‪ ,‬وحمافظة على طاعته ‪ ,‬وبُع ٍد على نواهيه ‪ ,‬ال بد ‪ -‬عب اد اهلل ‪ -‬أن ننتصر على‬
‫جل وعال وحفظ‬ ‫أنفسنا وأن ننتصر على شهواتنا وأن ننتصر على فنت الدنيا وملهياهتا باإلقبال الصادق على اهلل ّ‬
‫دينه يف أنفس نا واحملافظة على طاعة ربنا والبعد عما هنانا عنه ج ّل وعال ‪ ,‬فمن ك ان مؤمن اً مطيعا هلل ج ّل وعال‬
‫حفظه اهلل ونصره وأيده ووقاه من الشرور كلِّها ‪.‬‬
‫وجعلهم ع ربة‬ ‫وقص م ظه ورهم ْ‬ ‫األمر الث الث عب اد اهلل ‪ :‬أن اهلل ج ّل وعال وعد خبذالن الك افرين وقطْع داب رهم ْ‬
‫ك ِإ َذا َأ َخ َذ ْالقُ َرى‬
‫ك َأ ْخ ُذ َربِّ َ‬
‫للمعت ربين ‪ ,‬فهو ج ّل وعال ميلي للظ امل وال يهمله ‪ ,‬وإذا أخ ذه أخ ذه بغتة ﴿ َو َك َذلِ َ‬
‫َو ِه َي ظَالِ َمةٌ ِإ َّن َأ ْخ َذهُ َألِي ٌم َش ِدي ٌد ﴾ [هود‪. ]١٠٢:‬‬
‫نفس حىت تس تويف أجلَها وتس تتم‬‫األمر الرابع عب اد اهلل ‪ :‬أن املؤمن يعلم علم اً يقينيا ال شك فيه أهنا لن متوت ٌ‬
‫ون ﴾ [األع راف‪ , ]٣٤:‬فاآلج ال حمدودة واألوق ات‬ ‫رزقها ﴿ فَِإ َذا َج ا َء َأ َجلُهُ ْم اَل يَ ْس تَْأ ِخر َ‬
‫ُون َس ا َعةً َواَل يَ ْس تَ ْق ِد ُم َ‬
‫مق درة مع دودة ولن يتق دم أحد على منيّته ولن يت أخر ‪ ,‬وهلذا إذا علم املؤمن ب ذلك فإنه دائم اً وأب داً يس تعد‬
‫للم وت ويس تعد للق اء اهلل تب ارك وتع اىل ‪ ,‬وال يفتنت بال دنيا بل يعلم أنه عنها زائل ومنها مرحتل وأنه ٍ‬
‫مالق ربه‬
‫قصر ‪.‬‬
‫جل وعال طال البقاء أو ُ‬ ‫ّ‬
‫األمر اخلامس عب اد اهلل ‪ :‬أن املؤمن حلسن ثقته باهلل ومتام اعتم اده على اهلل فإنه ال ت ؤثر فيه األراجيف وال ختوفه‬
‫كمثَل الصحابة‬ ‫جل وعال واعتماداً عليه َ‬ ‫خوف بالذين من دونه اهلل زاد إمياناً باهلل وثقةً به ّ‬ ‫الدِّعايات ؛ بل إنه إذا ِّ‬
‫اخ َش ْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم ِإي َمانًا َوقَ الُوا َح ْس بُنَا هَّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل (‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫ين قَا َل لَهُ ُم النَّاسُ ِإ َّن النَّ َ‬ ‫﴿الَّ ِذ َ‬
‫يم ﴾ [آل‬ ‫ض ٍل َع ِظ ٍ‬ ‫ان هَّللا ِ َوهَّللا ُ ُذو فَ ْ‬
‫ض َو َ‬‫ض ٍل لَ ْم يَ ْم َس ْس هُ ْم ُس و ٌء َواتَّبَ ُع وا ِر ْ‬ ‫‪ )173‬فَا ْنقَلَبُوا بِنِ ْع َم ٍة ِم َن هَّللا ِ َوفَ ْ‬
‫عم ران‪ . ]١٧٤–١٧٣:‬روى اإلم ام البخ اري يف ص حيحه عن عبد اهلل بن عب اس رضي اهلل عنها ق ال‪َ (( :‬ح ْس ُبنَا اللَّهُ‬
‫ِ‬ ‫الس اَل م ِح ِ‬ ‫يم َعلَْي ِه َّ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني قَالُوا ﴿ ِإ َّن‬ ‫ني ُألْق َي يِف النَّا ِر ‪َ ،‬وقَاهَلَا حُمَ َّم ٌد صلى اهلل عليه وسلم ح َ‬ ‫َ‬ ‫يل ؛ قَاهَلَا ْبَراه ُ‬ ‫َون ْع َم الْ َوك ُ‬
‫اخ َش ْوهُ ْم فَ َزا َدهُ ْم ِإي َمانًا َوقَالُوا َح ْسبُنَا هَّللا ُ َونِ ْع َم ْال َو ِكي ُل ﴾ )) ‪.‬‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫النَّ َ‬

‫‪2‬‬
‫جل وعال ويتو ّكل عليه ويفوض أموره كلَّها إليه‬
‫األمر السادس عباد اهلل ‪ :‬أن املؤمن دائم اً وأبدا يعتمد على اهلل ّ‬
‫﴿ َو َم ْن يَتَ َو َّكلْ َعلَى هَّللا ِ فَهُ َو َح ْسبُهُ ﴾ [الطالق‪َ ﴿ ، ]٣:‬و َعلَى هَّللا ِ فَتَ َو َّكلُوا ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِ َ‬
‫ين ﴾ [املائدة‪. ]٢٣:‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬ومن يتوكل على اهلل ويعتمد على اهلل فإن اهلل عز وجل حيفظه ويقيه من الشرور كلها والفنت مجيعِها‬
‫ول اللَّ ِه‬ ‫َأخبر َأنَّه َغزا مع رس ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫مهما عظمت واشتدت ‪ ،‬روى البخاري (( َّ ِ‬
‫َأن َجابَر بْ َن َعْبد اللَّه َرض َي اللَّهُ َعْن ُه َما ْ َ َ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َق َف َل َم َعهُ فَ َْأد َر َكْت ُه ْم الْ َقاِئلَةُ يِف َو ٍاد َكثِ ِري‬ ‫صلَّى اللَّه علَي ِه وسلَّم قِبل جَنْ ٍد َفلَ َّما َق َفل رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ََُ‬ ‫ُ َْ َ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫ول اللَّ ِه صلَّى اللَّه علَي ِه وسلَّم وَت َفَّر َق النَّاس يستَ ِظلُّو َن بِالشَّج ِر َفَنز َل رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ُ َْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ض ِاه َفَنَز َل َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫الْع َ‬
‫وسلَّم حَتْت مَس ر ٍة وعلَّق هِب ا سي َفه ومِن ْنَا نَومةً فَِإذَا رس ُ ِ‬
‫ال‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يَ ْدعُونَا َوِإذَا ِعْن َدهُ ْ‬
‫َأعَرايِب ٌّ َف َق َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ َ َ َُ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ‬
‫ال من مَيَْنع َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫ت اللَّهُ ثَاَل ثًا َومَلْ‬
‫ك ميِّن َف ُق ْل ُ‬ ‫ص ْلتًا َف َق َ َ ْ ُ‬ ‫ت َو ُه َو يِف يَده َ‬ ‫ِإ َّن َه َذا ْ‬
‫اخَتَر َط َعلَ َّي َسْيفي َوَأنَا نَا ٌم فَ ْ‬
‫اسَتْي َقظْ ُ‬
‫جل وعال حيفظه اهلل ويقيه من كل شر وآفة ‪ ،‬ولكن ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬ال‬ ‫ِ‬
‫س )) ؛ فمن يتوكل على اهلل ّ‬ ‫يُ َعاقْبهُ َو َجلَ َ‬
‫بد مع التوكل من فعل األسباب الصحيحة والوسائل الشرعية اليت دلت عليها شريعة اهلل للوقاية من الفنت‬
‫جل‬
‫والسالمة من الشرور ‪ ,‬وأهم ذلك حفظ اهلل عز وجل بااللتزام بطاعته والبعد عن نواهيه وامتثال أوامره ّ‬
‫وعال ‪.‬‬
‫حريص كل احلرص على اجتماع‬ ‫ٌ‬ ‫األمر السابع عباد اهلل ‪ :‬إ ّن املسلم بعيد عن أسباب الفتنة وموجبات الفرقة ‪,‬‬
‫جل وعال ‪ ,‬ومن الدعوات املأثورة‬ ‫كلمة املسلمني وائتالف قلوهبم واحتاد صفهم على طاعة اهلل وامتثال أوامره ّ‬
‫الم )) ‪ ,‬فاملؤمن صحيح اإلميان حريص‬ ‫الس ِ‬ ‫ف َبنْي َ ُقلُوبِنَ ا‪َ ،‬و ْاه ِدنَا ُس بُ َل َّ‬ ‫ات َبْينِنَ ا‪َ ،‬وَألِّ ْ‬
‫العظيمة‪(( :‬اللَّه َّم ِ‬
‫َأص ل ْح َذ َ‬
‫ُ ْ‬
‫على اجتماع كلمة إخوانه املؤمنني ‪ ,‬بعي ٌد كل البعد عن األمور اليت توقع يف الفرقة وتس بِّب الشقاق واالختالف‬
‫فرق الكلمة ‪.‬‬ ‫وتَ ُّ‬
‫األمر الثامن عباد اهلل ‪ :‬عدم احلرص على نقل كل خرب والسيما األخبار اليت تتعلق بأمن الناس وخوفهم ‪ ,‬فبعض‬
‫الناس ‪ -‬هداهم اهلل ‪ -‬عندما تقع الفنت حيرصون متام احلرص على نقل األخبار كيف كانت وإلقائها على‬
‫عواهنها كما مسعها ‪ ,‬دون أن يستبني من صحيحها وسقيمها ودون أن ينظر يف غاياهتا وعواقبها ‪ ,‬وهلذا ‪ -‬عباد‬
‫اهلل ‪ -‬البد يف األخبار من التأكد من صحتها أوال ‪ ,‬مث بعد التأكد من صحتها ال بد من أن يتأمل قائلها وناقلها‬
‫هل يف نقلها للناس فائدة تعود على دينهم ودنياهم باملصلحة أو أن يف نقلها مضرة ؟ كإخافة الناس وإلقاء‬
‫جل وعال يف شأن هذه األخبار ‪َ ﴿ :‬وِإ َذا‬
‫الرعب يف قلوهبم والتشويش عليهم وحنو ذلك ‪ ,‬وهلذا يقول اهلل ّ‬
‫ُول َوِإلَى ُأولِي اَأْل ْم ِر ِم ْنهُ ْم لَ َعلِ َمهُ الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ف َأ َذا ُعوا بِ ِه َولَ ْو َر ُّدوهُ ِإلَى ال َّرس ِ‬ ‫َجا َءهُ ْم َأ ْم ٌر ِم َن اَأْل ْم ِن َأ ِو ْال َخ ْو ِ‬
‫ان ِإاَّل قَلِياًل ﴾ [النساء‪ , ]٨٣:‬فإذا جاء أمر من‬ ‫يَ ْستَ ْنبِطُونَهُ ِم ْنهُ ْم َولَ ْواَل فَضْ ُل هَّللا ِ َعلَ ْي ُك ْم َو َرحْ َمتُهُ اَل تَّبَ ْعتُ ُم ال َّش ْي َ‬
‫ط َ‬
‫ٌ‬
‫األمن أو اخلوف الواجب ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬أال نتسارع يف نشره وإشهاره وإذاعته بني الناس ‪ ,‬وإمنا الواجب رده إىل‬

‫‪3‬‬
‫الرسول أي إىل سنته عليه الصالة والسالم ‪ ,‬وإىل أويل األمر أي العلماء الراسخني أهل العلم والبصرية والرزانة‬
‫نتحمل تبِ َعته وإيذاء‬ ‫والدراية ‪ ,‬فإذا كان يف إشاعته ونقله مصلحة دلُّونا على ذلك ‪ ,‬وإال كففنا عن نشره لئال َّ‬
‫الناس بإذاعته ونشره بينهم ‪ ,‬وهلذا ثبت عن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه أنه قال (( اَل تَ ُكونُوا‬
‫يستعجلُون يف األمور وال يتأنون ‪ ,‬ومعىن املذاييع ‪ :‬أي‬ ‫ِ‬ ‫ذاييع بُ ُذ َراً )) ‪ .‬ومعىن العُجل ‪ :‬أي الذين‬ ‫عُ ُجالً َم َ‬
‫يذيعون األخبار وحيرصون على إشاعتها كيف كانت ‪ ,‬والبُ َذرة ‪ :‬أي الذين يبذرون الفنت وأسباب الفرقة‬
‫والشقاق بني الناس‪.‬‬
‫األمر التاسع عباد اهلل ‪ :‬أمهية الرجوع إىل العلماء الراسخني ؛ بسؤاهلم والصدور عن كلمتهم ‪ ,‬وااللتفاف‬
‫ٍ‬
‫الراسخني ‪،‬‬ ‫لكل أحد أن يتكلَّم يف دين اهلل وإمنا األمر يف ذلك ألهل العلم ّ‬ ‫حوهلم وعدم اإلفتيات عليهم ‪ ,‬فليس ِّ‬
‫أهل الدراية بدين اهلل ‪ ,‬أهل املعرفة باحلالل واحلرام والدراية باألحكام ‪ ،‬الذين يبنون أحكامهم على قال اهلل قال‬
‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وأجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار ؛ وهلذا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬ال بد يف الفنت‬
‫حيسن ‪,‬‬ ‫من الرجوع إىل العلماء ‪ ,‬واإلفادة من علومهم والصدور عن كلمتهم وعدم خوض اإلنسان فيما ال ِ‬
‫و ِم ْن ُح ْس ِن ِإ ْساَل ِم الْ َم ْر ِء َت ْر ُكهُ َما اَل َي ْعنِ ِيه وعدم خوضه فيما ال حيسن لئال يضر نفسه ويضر غريه ‪ ,‬وقد جاء يف‬
‫ت فَِإمَّنَا ِإمْثُهُ َعلَى َم ْن َأْفتَاهُ )) رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫احلديث ‪(( :‬من ُأفْيِت بُِفْتيا َغير ثَب ٍ‬
‫َ ْ َ َ َْ َ‬
‫جل وعال قريب من عباده ؛ يسمع نداءهم ‪ ،‬وجييب دعاءهم ‪,‬‬ ‫األمر العاشر عباد اهلل ‪ :‬أ ّن املؤمن يعلم أن ربه ّ‬
‫الس و َء َويَجْ َعلُ ُك ْم ُخلَفَ ا َء‬
‫ف ُّ‬ ‫ويغيث مله وفهم ‪ ,‬ويكشف ض رهم ﴿ َأ َّم ْن ي ُِجيبُ ْال ُم ْ‬
‫ض طَ َّر ِإ َذا َد َع اهُ َويَ ْك ِش ُ‬
‫ُون ﴾ [النم ل‪ . ]٦٢:‬ف املؤمن ‪ -‬عب اد اهلل ‪ -‬يعلم أن اهلل ق ريب منه ؛ يس مع‬ ‫ض َأِإلَ هٌ َم َع هَّللا ِ قَلِياًل َما تَ َذ َّكر َ‬
‫اَأْلرْ ِ‬
‫دع اءه وحيقق رج اءه ويعطيه ُس ْؤ له ‪ ,‬وهلذا فاملس لم كثري اإلقب ال على اهلل ي دعوه بص دق وإحلاح ب أن جينّب‬
‫املسلمني الفنت ‪ ,‬وأن يصرف عنهم الفنت ‪ ,‬وأن يرزقهم يف بالدهم وأوطاهنم األمن واإلميان والسالمة واإلسالم‬
‫والوقاية من الشرور كلها واآلفات مجيعها‪ ,‬والدعاء مفتاح كل خري يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫جل وعال بأمسائه احلسىن وصفاته العلى أن يثبّت قلوبنا مجيعا على طاعته ‪ ,‬وأن يعيذنا من الفنت كلها‬ ‫نسأل اهلل ّ‬
‫ما ظهر منها وما بطن ‪ ,‬وأن حيفظ علينا ديننا وأمننا وإمياننا ‪ ,‬وأال يكلنا إال إليه ‪ ,‬وأن يكفينا شر أعدائنا ‪,‬‬
‫اللهم إنا جنعلك يف حنر أعدائنا ‪ ,‬ونعوذ بك اللهم من شرورهم ‪ ,‬وقد ثبت يف سنن أيب داوود عن النيب صلى اهلل‬
‫ك ِم ْن ُش ُرو ِر ِه ْم )) ‪ .‬أقول ما‬ ‫ِ‬
‫ك يِف حُنُو ِره ْم َو َنعُوذُ بِ َ‬
‫عليه وسلم أنه كان إذا خاف قوما قال‪(( :‬اللَّ ُه َّم ِإنَّا جَنْ َعلُ َ‬
‫تسمعون وأستغفر اهلل يل ولكم ولسائر املسلمني من كل ذنب ‪,‬فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫احلمد هلل عظيم اإلحس ان ‪ ,‬واسع الفضل واجلود واالمتن ان ‪ ،‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك له ‪,‬‬
‫وأش هد أن حمم داً عب ده ورس وله ؛ ص لى اهلل وس لم عليه وعلى آله وأص حابه أمجعني وس لم تس ليما كث ريا ‪ ,‬أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬اتقوا اهلل تعاىل ‪ ,‬فإن من اتقى اهلل وقاه ‪ ,‬وأرشده إىل خري أمور دينه ودنياه ‪ ،‬مث اعلموا ‪ -‬رمحكم اهلل‬
‫‪ -‬أن التق وى أس اس النج اة يف الفنت ‪ ,‬وس بيل الس عادة والف وز يف ال دنيا واآلخ رة ‪ ,‬ملا وقعت الفتنة يف زمن‬
‫الت ابعني ج اء بعض الن اس إىل طلق بن ح بيب رمحه اهلل وس ألوه ‪ :‬كيف نتقي ه ذه الفتنة ونتخلص من ش ِّرها ؟‬
‫أمجل لنا التقوى ؟ قال رمحه اهلل ‪ " :‬تقوى اهلل أن تعمل‬ ‫قال‪ " :‬اتقوا هذه الفتنة بتقوى اهلل جل وعال " ‪ ،‬قالوا‪ِ :‬‬
‫ّ‬
‫بطاعة اهلل على ن ور من اهلل ترجو ث واب اهلل ‪ ,‬وأن ت رتك معص ية اهلل على ن ور من اهلل ختاف ع ذاب اهلل "‪ ,‬فما‬
‫أعظم هذا املنهج ! وما أعظم أثره وما أكثر عوائده احلميدة على أهله يف الدنيا واآلخرة ! أن نالقي الفنت بتقوى‬
‫جل وعال ؛ بأن نلزم طاعته وحنافظ على عبادته وأن جنتنب معاصيه لننال حفظه وعونه ونصره ‪ .‬جعلنا اهلل‬ ‫اهلل ّ‬
‫جل وعال مسيع جميب ‪.‬‬ ‫وإياكم من املتقني ‪ ,‬ووقانا ووقاكم من الشرور كلها واآلفات مجيعها إنه ّ‬
‫صلُّ َ‬
‫ون‬ ‫وص لوا رمحكم اهلل على حممد بن عبد اهلل كما أم ركم اهلل ب ذلك يف كتابه فق ال‪ِ ﴿ :‬إ َّن هَّللا َ َو َماَل ِئ َكتَهُ يُ َ‬
‫صلُّوا َعلَ ْي ِه َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيما ً ﴾ [األحزاب‪ ، ]٥٦:‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪َ (( :‬م ْن‬ ‫ين آ َمنُوا َ‬ ‫َعلَى النَّبِ ِّي يَا َأيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه هِبَا َع ْشًرا)) ‪.‬‬ ‫صال ًة َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬ ‫َ‬
‫اللّهم ص ِّل على حممد وعلى آل حممد كما ص ليت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم إنك محيد جميد ‪ ,‬وب ارك على‬
‫وارض اللهم عن اخللف اء‬ ‫َ‬ ‫حممد وعلى آل حممد كما ب اركت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم إنك محيد جميد ‪,‬‬
‫الراش دين األئمة امله ديني ؛ أيب بكر الص ديق ‪ ،‬وعمر الف اروق ‪ ،‬وعثم ان ذي الن ورين ‪ ،‬وأيب الس بطني علي ‪,‬‬
‫اللهم عن الص حابة أمجعني وعن الت ابعني ومن تبعهم بإحس ان إىل ي وم ال دين ‪ ,‬وعنا معهم مبنِّك وكرمك‬ ‫وارض َّ‬ ‫َ‬
‫أعز اإلسالم واملسلمني ‪ ,‬اللهم أعز اإلسالم واملسلمني ‪ ,‬اللهم أعز اإلسالم‬ ‫وإحسانك يا أكرم األكرمني ‪ ,‬اللهم َّ‬
‫انصر من‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ,‬واحم حوزة الدِّين يا رب العاملني ‪ ,‬اللهم ْ‬ ‫واملسلمني ‪ ,‬وأذل الشرك واملشركني ‪ِّ ,‬‬
‫نصر دينك ‪ ,‬اللَّهم انص ْر من نصر دينك ‪ ,‬اللهم انصر من نصر دينك ‪ ,‬اللهم انصر إخواننا املس لمني اجملاه دين‬
‫ؤزرا ‪ ,‬اللهم أيّ دهم بتأيي دك واحفظهم حبفظك ‪ ,‬واكألهم‬ ‫يف س بيلك يف كل مك ان ‪ ,‬اللهم انص رهم نص را م ّ‬
‫برعايتك وعنايتك يا ذا اجلالل واإلك رام ‪ ,‬اللهم وعليك بأع داء ال دين ف إهنم ال يعجزونك ‪ ,‬اللهم م زقهم ش ّر‬
‫وألق الرعب يف قلوهبم يا ذا اجلالل واإلكرام ‪ ,‬اللهم إنا جنعلك‬ ‫ممزق ‪ ,‬اللهم خالف بني قلوهبم وش تِّت مشلهم ‪ِ ,‬‬
‫يف حنورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم ‪.‬‬
‫اللهم آمنا يف أوطاننا وأص لح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ,‬واجعل واليتنا فيمن خافك واتق اك واتبع رض اك يا رب‬
‫الع املني ‪ ,‬اللهم وفق ويل أمرنا ملا حتب وترضى ‪ ,‬وأعنه على الرب والتق وى ‪ ,‬وس دده يف أقواله وأعماله ‪ ,‬وألبسه‬
‫‪5‬‬
‫ث وب الص حة والعافية ‪ ,‬وارزقه البطانة الص احلة الناص حة يا ذا اجلالل واإلك رام ‪ ,‬اللهم ووفق مجيع والة أمر‬
‫املس لمني للعمل بكتابك واتب اع س نة نبيك حممد ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ,‬واجعلهم رمحة على عب ادك املؤم نني ‪,‬‬
‫اللهم وارزقهم الرأي السديد والقول الرشيد الذي فيه نفع اإلسالم واملسلمني يا ذا اجلالل واإلكرام ‪.‬‬
‫اللهم آت نفوس نا تقواها ‪ ،‬زكها أنت خري من زكاها ‪ ،‬أنت وليها وموالها ‪ ,‬اللهم أص لح لنا ديننا ال ذي هو‬
‫عصمة أمرنا ‪ ,‬وأصلح لنا دنيانا اليت فيها معاشنا ‪ ,‬وأصلح لنا آخرتنا اليت فيها معادنا ‪ ,‬واجعل احلياة زيادة لنا‬
‫يف كل خري واملوت راحة لنا من كل شر ‪ ,‬اللهم أص لح ذات بيننا وألف بني قلوبنا واه دنا س بل الس الم ‪,‬‬
‫وأخرجنا من الظلم ات إىل الن ور ‪ ,‬وب ارك لنا يف أمساعنا وأبص ارنا وأزواجنا وأموالنا وذرياتنا واجعلنا مب اركني‬
‫أينما كنا ‪ ,‬اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخ ره س ره وعلن ه‪ ,‬اللهم اغفر لنا ما ق دمنا وما أخرنا وما‬
‫أس ررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت املق دم وأنت املؤخر ال إله إال أنت ‪ .‬اللهم اغفر ذن وب املذنبني من‬
‫املسلمني ‪,‬اللهم اغفر ذنوب املذنبني من املسلمني وتب على التائبني ‪ ,‬اللهم فرج هم املهمومني ‪ ,‬ون ّفس كرب‬
‫املك روبني ‪ ,‬واقض ال دين عن املدينني ‪ ,‬واشف مرض انا ومرضى املس لمني ‪ ,‬اللهم إنّا نس ألك اهلدى والتقى‬
‫والعفة والغىن ‪ ,‬اللهم إنا نس ألك اهلدى والس داد‪ ،‬اللهم إنا نع وذ برض اك من س خطك ومبعافاتك من عقوبتك‬
‫وبك منك ال حنصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ‪.‬‬
‫اللهم إنا نس تغفرك إنك كنت غف ارا فأرسل الس ماء علينا م درارا ‪ ,‬اللهم اس قنا وأغثنا ‪ ,‬اللهم اس قنا وأغثنا ‪,‬‬
‫اللهم اسقنا وأغثنا ‪ ,‬اللهم اسقنا غيث اً مغيثا هنيئ اً مريئا سحاً طبقا نافع اً غري ضار عاجالً غري آجل ‪ ,‬اللهم أغث‬
‫قلوبنا باإلميان وديارنا ب املطر ‪ ,‬اللهم اس قنا الغيث وال جتعلنا من الق انطني ‪ ,‬اللهم اس قنا الغيث وال جتعلنا من‬
‫اليائسني ‪ ,‬اللهم ال تؤاخ ذنا مبا فعله الس فهاء منا ‪ ,‬اللهم اس تجب دعاءنا وحقق رجاءنا وأعطنا س ؤلنا يا ذا‬
‫اع ِإ َذا َد َع ِ‬ ‫ُأ‬ ‫اجلالل واإلك رام ‪ ,‬ف أنت القائ ل‪َ ﴿ :‬وِإ َذا َس َألَ َ‬
‫ان‬ ‫ك ِعبَ ا ِدي َعنِّي فَ ِإنِّي قَ ِريبٌ ِجيبُ َد ْع َوةَ ال َّد ِ‬
‫ون ﴾ [البق رة‪ ، ]١٨٦:‬اللهم بك آمنا ولك استجبنا ؛ اللهم فأغثنا ‪ ,‬اللهم‬ ‫فَ ْليَ ْستَ ِجيبُوا لِي َو ْليُْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّهُ ْم يَرْ ُش ُد َ‬
‫أغثنا ‪ ,‬اللهم أغثنا ‪ ,‬اللهم أعطنا وال حترمنا ‪ ,‬وزدنا وال تنقصنا ‪ ,‬وآثِْرنا وال تؤثر علينا ‪ ,‬اللهم اسقنا الغيث وال‬
‫جتعلنا من اليائسني ‪ .‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب الع املني ‪ ,‬وص لى اهلل وس لم وب ارك وأنعم على عبد اهلل‬
‫ورسوله نبينا حممد وعلى أله وأصحابه أمجعني ‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like