Professional Documents
Culture Documents
إن الحمد هلل تعالى ،نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات
أعمالنا ،من يهد هللا تعالى فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال
شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
فإن خير ما صرفت الجهود و اشتغل مع العلماء تعليما و تفسيرا و تفهما و دراسة و استنباطا كتاب
َْ
يد )[فصلت ]4٢ :فهو كتاب َ ٌ ْ َ
تقريل ِمن ح ِك ٍيم ح ِم ٍ هللا الذي ال يأتيه الباطل من بين َي َد ْي ِه َوال ِم ْن خل ِف ِه
هداية ،و دستور أمة هي خير أمة أخرجت للناس ،ولقد تكفل هللا بحفظه
ُ َ َ َ ْ َّ َ ْ ُ َ
الذك َر َو ِإ َّنا ل ُه ل َحا ِفظون ) [ الحجر ۱۹ :و پسر درسه كما قال تعالى( :
كما قال تعالى ِ ( :إنا نحن للنا ِ
َ
ولقد َي َّس ْرنا القرآن للذكر فين من مذكر ) [ القمر ]١٧ :
في هذه املناسبة ال تنس ى أن نشكر على أستاذنا الكريم األستاذ فشير سهيل املاجستير الذي يقوم
دائما بتوجيه و تقديم األفكار و املعرفة املفيدة لنا ،و الوالدينا الذين يصلون
باستمرار وتشجيع األطفالهم الذين يدرسون ،لعليم في عون هللا .آمين .فأقدم لك أيها القارئ الكريم
املقالة في املادة التفسير سورة الحجرات اآلية .١٢ - ٦لعل هذه املقالة مفيدة لنا إن وجدتم الصواب
فذلك من هللا و إن وجدتم األخطاء فذلك منا ألناإلنسان محل الخطر و النسيان
.1تفسيراآلية 7-6
َ ُْ َ َ ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َٰٓ ۟ َ َٰٓ َ ُ ْ َ ٌۢ َ َ َ َ َ َّ ُ َٰٓ ۟ َ ُ ُ ۟ َ ْ ٌۢ َ َ َ َ ُ ْ ۟ َ
ص ِب ُحوا َعلى َما ف َعلت ْم ن ِد ِمين ﴿﴾6اسق ِبنب ٍإ فتبينوا أن ت ِصيبوا قوما ِبجهل ٍة فت يأيها ٱل ِذين ءامنوا ِإن جاءكم ف ِ
َ ْ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َّ َّ َ َ َّ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ ُ ُ ُ ُْ َ ْ َ ُ َٰٓ ۟ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ
وبكم وٱعلموا أن ِفيكم رسول ٱ ِ
ّلل ۚ ل ْوي ِطيعكم ِ ُفى ََٰٓك ِث ٍير ِمن ٱألم ِرلع ِن َتم ول ِكن ٱّلل حبب ِإليكم ٱ ِإليمن وزينهۥ ِفى قل ِ
ْ َ َ َ ُ ُْْ ُْ َ
ص َيان ۚ أ ۟ول ِئ َك ُه ُم ٱ َّلر ِش ُدون ﴿﴾7 َوك َّر َه ِإل ْيك ُم ٱلكف َر َوٱلف ُسوق َوٱل ِع
املفردات
فاسق الفسق :الخروج من حدود الشرع
بلبل النبأ :هو الخبر املهم.
فتبينوا أي :فتثبتوا ،وبه قرئ ،وهذا اللفظ مأخوذ من البيان الذي هو الكشف عن الش يء نادمين :من الندم
الذي هو التحسر من خطأ في أمر فات واملادة تفيد املالزمة ومنه املنادمة والنديم.
لعنتم العنت :الجهد واملشقة والبالك ُ
َو َزَّي َنه :حسنه
صمان :الخروج عن الطاعة ،ومفارقة الجماعة ،وأصله أن يمتنع الرجل بعصام َو ْالع ْ
ِ
َ
الراش ُدون الرشد :ضد الغي وهو العمل لصالح الدين والدنيا١.
َّ ِ
معنی اجمالی:
َ ُ َ
اس َق ِبال أي إذا أتاكم رجل
ثم حدر تعالى من االستماع لألخبار بغير تثبت فقال يا أيها الذين أمنوا ِإن ج َاءك ْم ف ِ
فاسق غير موثوق بصدقه وعدالته بخير من األخبار (فتبينوا) أي فتليتوا من صحة الخبر أن تصيبوا قوما
ً
بجهالة) أي للال تصيبوا قوما وأنتم جاهلون حقيقة األمر األصبحوا على
ُ َ ْ َ
ما ف َعل ُت ْم ن ِاد ِمين) أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم واعلموا أن فيك ْم َر ُسول هللا أي واعلموا أيها
املؤمنون أن بينكم الرسول املعظم والنبي املكرم املعصوم عن اتباع الهوى ال يطيعكم في كثير من األمر ُ
لعبت ْم
١الزحيلي وهبة ،التفسير املنير في العقيدة والشريعة واملنهج ،دار الفكر املعاصر -دمشق ١4١٨ :هـ) ،ط ۲.ج ،٢٦ .ص ٥٠٣
٢الصابوني محمد علي ،صفوة التفاسير ،دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع -القاهرة ١4١٧ :هـ ۱۹۹۷ -م) ،طر ارج .ج ، ۳ص ٢١٥
أي لو يسمع وشاباتكم ،ويصغي يسمعه اإلراتكم ،ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه من األمور لوقعتكم فالجهد
والهالك قال ابن كثير :أي اعلموا أن بين أظهركم رسو الهلل فعظموه ووفروه ،فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق
َ ُ
عليكم منكم ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه ألدى لك ذلك إلى عنتكم وحرجكم أولكن هللا َح ْي َب ِإل ْيك ُم اإليمان
أي ولكنه تعالى بمنه وفضله نور بصائركم فحبب إلى نفوسكم اإليمان وزينة في قلوبكم أي وحسنه في قلوبكم
ُ َ ُ
أوكره ِإل ْيك ُم الكفر والفسوق والعصيان) أي وبعض إلى نفوسكم أنواع حتى أصبح أغلى عندكم من كل ش يء
الضالل من الكفر واملعاص ي والخروج عن طاعة هللا قال ابن كثير واملراد بالفسوق الذنوب الكبار ،وبالعصيان
جميع املعاص ي (أولئك هم الراشدون أي أولئك املتصفون بالنعوت الجليلة هم املهتدون الراشدون في سيرتهم
وسلوكهم .والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون ال غيرهم.
َّ
ويروى أنها ملا نزلت قرأها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض.
حق بينهما ،فقال أحدهما لآلخر :آلخذن حقي منك وقال قتادة :نزلت في رجلين من األنصار كانت بينهما مداراة في ٍ
عنوة ،لكثرة عشيرته ،وإن اآلخر دعاه ليحاكمه إلى نبي هللا صلى هللا عليه وسلم فأبى أن يتبعه ،فلم يزل األمر
ً
بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا باأليدي والنعال ،ولم يكن قتال بالسيوف.
وقال سفيان عن السدي :كانت امرأة من األنصار يقال لها أم زيد تحت رجل ،وكان بينها وبين زوجها ش يء فرقى بها
إلى ُعلية وحبسها ،فبلغ ذلك قومها فجاؤوا ،وجاء قومه فاقتتلوا باأليدي والنعال ،فأنزل هللا عز وجل{َ :و ِإن
َ َ ُْْ َ ْ َ َُ ْ ََ ْ ْ َ
ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما} بالدعاء إلى حكم كتاب هللا والرضا بما فيه لهما وعليهما{ ،ف ِإن طآ ِئ َف َت ِان ِمن ٱملؤ ِم ِنين ٱقتتلوا فأ
َ َ َ ٰ ُ ْ َّ َ ََٰ ُ
ٱأل ْخ َر ٰ َ
اإلجابة إلى حكم كتاب هللا{ ،فقـ ِتلوا ٱل ِتى ت ْب ِغى َح َّت ٰى ت ِف ۤى َء}، ِ وأبت }،ى َبغ ْت ِإ ْح َد ُاه َما} ،تعدت إحداهما{ ،على
ْ ََ ْ ْ َ َ َٰ َ
ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ِبـٱل َع ْد ِل} ،بحملهما على اإلنصاف ٱهلل} ،في كتابه {ف ِإن ف َآء ْت} ،رجعت إلى الحق{ ،فأ ْ
ترجع{ِ ،إلى ِ ِ
ر م أ
ُ ْ ُ َ
والرضا بحكم هللا{َ ،وأ ْقسط ۤو ْا} ،اعدلوا{ ،إ َّن َ
ٱهلل ُي ِح ُّب ٱمل ْق ِس ِط َين}. ِ ِ
ْ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُْ َ ْ ٌ ُْ
ِ{إ َّن َما ٱمل ْؤ ِم ُنون ِإخ َوة} ،في الدين والوالية{ ،فأص ِلحوا بين أخويكم} ،إذا اختلفا واقتتال ،قرأ يعقوب بين إخوتكم
َ َ َّ ُ ُ بالتاء على الجمع{َ ،و َّٱت ُق ْوا َ
ٱهلل} ،فال تعصوه وال تخالفوا أمره{ ،ل َعلك ْم ت ْر َح ُمون}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد املليحي ،أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد املخلدي ،أخبرنا أبو العباس محمد بن
إسحاق السراج ،حدثنا قتيبة بن سعيد ،حدثنا الليث ،عن عقيل ،عن الزهري ،عن سالم ،عن أبيه أن رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم قال:
ُْ ً
املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يشتمه ،من كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته ،ومن فرج عن مسلم كربة
ً ً
فرج هللا بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن ستر مسلما ستره هللا يوم القيامة
اإليمان ،ألن هللا تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين، وفي هاتين اآليتين دليل على أن البغي ال يزيل اسم ِ
يدل عليه ما روي عن الحارث األعور أن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه سئل -وهو القدوة -في قتال أهل البغي،
عن أهل الجمل وصفين :أمشركون هم؟ فقال :الِ ،م َن الشرك فروا ،فقيل :أمنافقون هم؟ فقال :ال ،إن املنافقين
َ ً
ال يذكرون هللا إال قليال ،قيل :فما حالهم؟ قال :إخواننا بغ ْوا علينا.
اإلماماإلمام العدل ،فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة ِ والباغي في الشرع هو الخارج على ِ
ً
اإلمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته ،فإن أظهروا مظلمة العدل بتأويل محتمل ،ونصبوا إماما فالحكم فيهم أن يبعث ِ
اإلمام حتى يفيئوا إلى طاعته ،ثم الحكم في قتالهم أزالها عنهم ،وإن لم يذكروا مظلمة ،وأصروا على بغيهم ،قاتلهم ِ
أن ال يتبع ُم ْد ِب ُرهم وال يقتل أسيرهم ،وال يذفف على جريحهم ،نادى منادي علي رض ي هللا عنه يوم الجمل :أال ال
ُيتبع مدبر وال ُيذفف على جريح.
ً
وأتي علي رض ي هللا عنه يوم صفين بأسير فقال له :ال أقتلك صبرا إني أخاف هللا رب العاملين.
أتلفت إحدى الطائفتين على األخرى في حال القتال من نفس أو مال فال ضمان عليه. ْ وما
قال ابن شهاب :كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل واملقتول ،وأتلف فيها أموال كثيرة ،ثم صار
ً الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم ،وجرى الحكم عليهم فما ُ
علمته اقتص من أحد وال أغرم ماال أتلفه.
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثالث بأن كانوا جماعة قليلين ال منعة لهم ،أو لم يكن لهم تأويل ،أو لم
ً ً
ينصبوا إماما فال يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتاال أو لم يتعرضوا للمسلمين ،فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق.
رجال يقول في ناحية املسجد :ال حكم إال هلل تعالى ،فقال علي :كلمة حق ُأ َ
ريد بها
ً عليا رض ي هللا عنه َ
سمع
ً
ُروي أن
باطل ،لكم علينا ثالث :ال نمنعكم من مساجد هللا أن تذكروا فيها اسم هللا ،وال نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم
مع أيدينا ،وال نبدؤكم بقتال.
.3تفسيراآلية 12-11
ْ ُ َ َ ْ َُ ُ َْ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ ُ
ساء َعس ی أن َيك َّن خ ْيرا ِم ْن ُه َّن ْ
يا أ ُّي َها ال ِذين َآمنوا ال ي ْسخ ْرق ْوم ِمن ق ْو ٍم عس ی أن يكونوا خيرا ِمن ُه ْم َوال ِنساء ِمن ِن ٍ
َّ ُ َ َ ُ َُ ْ َ ْ ُ ُْ ُ ُ َ َْ ْ َ َْ ُ َْ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َْ
يمان َو َم ْن ل ْم َيت ْب فأول ِئ َك ُه ُم الظ ِاملون
ِ ِ اإل د ع ب ق و س ف ال ماالس س ئبوال تل ِمزوا أنفسكم وال تنابزوا ِباأل ِ ِ
قاب ل
﴿﴾11
تفسيراملفردات
السخرية :االحتقار وذكر العيوب والنقائص على وجه يضحك منه ،يقال سخر به وسخر منه ،وضحك به ومنه،
وهزىء به ومنه واالسم السخرية والسخرى (بالضم والكسر) وقد تكون باملحاكاة بالقول أو بالفعل أو باإلشارة
أو بالضحك على كالم املسخور منه إذا غلظ فيه ،أو على صنعته ،أو على قبح صورته.
والقوم :شاع إطالقه على الرجال دون النساء كما في اآلية وكما قال زهير :
وال تلمزوا أنفسكم :أي ال يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة باليد أو العين أو نحوهما ،واملؤمنون كنفس واحدة
فمتى عاب املؤمن املؤمن فكأنما عاب نفسه ،والتنابز :التعاير والتداعي بما يكرهه الشخص من األلقاب ،واالسم:
الذكر والصيت ،من قولهم:
املعنی الجملي
بعد أن ذكر ما ينبغى أن يكون عليه املؤمن مع هللا تعالى ومع النبي صلى هللا عليه وسلم ومع من يخالفهما
ويعصيهما وهو الفاسق ،بين ما ينبغى أن يكون عليه املؤمن مع املؤمن ،فذكر أنه ال ينبغى أن يسخر منه وال أن
يعيبه بالهمز واللمز ،وال أن يلقبه باللقب الذي يتأذى منه ،فبئس العمل هذا ،ومن لم يتب بعد ارتكابه فقد أساء
إلى نفسه وارتكب جرما كبيرا.
روى أن اآلية نزلت فى وفد تميم إذ كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم كعمار وصهيب
وبالل وخباب وابن فهيرة وسلمان الفارس ي وسالم مولى أبى حذيفة فى آخرين غيرهم ملا رأوا من رثاثة حالهم.
وروى أنها نزلت فى صفية بنت حيى بن أخطب رض ى هللا عنها :أتت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقالت« :إن
النساء يقلن لى :يا يهودية بنت يهوديين ،فقال لها:
اإليضاح
َ َ َ )يا َأ ُّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا ال َي ْسخ ْر ق ْو ٌم ِم ْن ق ْو ٍم) أي ال يهزأ ناس من املؤمنين بآخرين ِ
ثم ذكر العلة فى ذلك فقال :
َ ُ ُ َ ً
( َعس ى أ ْن َيكونوا خ ْيرا ِم ْن ُه ْم) أي فقد يكون املسخور منهم خيرا عند هللا من الساخرين كما
جاء فى األثر «فرب أشعث أغبر ذى طمرين ال يؤبه له ،لو أقسم على هللا تعالى ألبره» .
فينبغى أال يجترىء أحد على االستهزاء بمن تتقحمه عينه لرثاثة حاله ،أو لكونه ذا عاهة فى بدنه ،أو لكونه غير
لبق فى محادثته ،فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته ،فيظلم نفسه بتحقير من وقره هللا
تعالى
َ ُ َ ً
ساء َعس ى أ ْن َيك َّن خ ْيرا ِم ْن ُه َّن) أي وال يسخر نساء من نساء عس ى أن يكون املسخور منهن خيرا من َوال ن ٌ ْ
ساء ِمن ِن ٍ ِ
الساخرات ،وأتى بالجمع فى املوضعين ،من قبل أن األغلب فى السخرية أن تكون فى مجامع الناس ،وكم من متلذذ
بها ،وكم من متألم منها.
روى الترمذي عن عائشة قالت :حكيت للنبى صلى هللا عليه وسلم رجال فقال:
«ما يسرنى أنى حكيت رجال وأن لى كذا وكذا ،قالت فقلت يا رسول هللا إن صفية امرأة وقالت « »١بيدها هكذا
تعنى أنها قصيرة ،فقال :لقد مزحت بكلمة لو مزجت بماء البحر ملزجته» .
وروى مسلم عن أبى هريرة قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «إن هللا ال ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن
ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»
وفى هذا إيماء إلى أن املرء ال يقطع بمدح أحد أو عيبه كما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو املخالفة ،فلعل
من يحافظ على األعمال الظاهرة يعلم هللا من قلبه وصفا مذموما ال تصح معه تلك األعمال ،ولعل من رأينا منه
تفريطا أو معصية يعلم هللا من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه ،فاألعمال أمارات ظنية ،ال أدلة قطعية.
َْ ُ َْ
( َ(وال تل ِم ُزوا أن ُف َسك ْم) أي وال يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة على وجه الخفية
وفى قوله« :أنفسكم» تنبيه إلى أن العاقل ال يعيب نفسه ،فال ينبغى أن يعيب غيره ألنه كنفسه ،ومن ثم
قال النبي صلى هللا عليه وسلم« :املؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى»
.وقال عليه الصالة والسالم« :يبصر أحدكم القذاة « »٢فى عين أخيه ويدع الجذع فى عينه.
وقيل :من سعادة املرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره .قال الشاعر:
ال تكشفن من مساوى الناس ما ستروا … فيهتك هللا سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا … وال تعب أحدا منهم بما فيكا
َ َ َ ُ ْ َْ
قاب) أي ال يدع بعضكم بعضا باللقب الذي يسوءه ويكرهه كأن يقول ألخيه املسلم :يا فاسق، (وال تنابزوا ِباأل ِ
ل
يا منافق ،أو يقول ملن أسلم :يا يهودى ،أو يا نصرانى.
َ َ َ ُ ْ َْ
قاب) قدم رسول هللا صلىقال قتادة وعكرمة عن أبى جبيرة بن الضحاك قال :فى بنى سلمة نزلت (وال تنابزوا ِباأل ِ
ل
هللا عليه وسلم املدينة وليس فينا رجل إال وله اسمان أو ثالثة ،فكان إذا دعا واحدا باسم من تلك األسماء قالوا:
يا رسول هللا إنه يكرهه فنزلت .أخرجه البخاري فى األدب وأهل السنن وغيرهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :التنابز باأللقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب وراجع الحق،
فنهى هللا تعالى أن يعير بما سلف من عمله.
أما األلقاب التي تكسب حمدا أو مدحا وتكون حقا وصدقا فال تكره كما قيل ألبى بكر :عتيق ،ولعمر :الفاروق،
ولعثمان :ذو النورين ،ولعلى :أبو تراب ،ولخالد سيف هللا.
ْ َ ْ ُ ُْ ُ ُ َ َْ ْ
يمان) أي بئس الذكر املرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم فى اإليمان
اإل ِ( ِبئس ِاالسم الفسوق بعد ِ
واشتهارهم به.
وفى هذا إيماء إلى استقباح الجمع بين األمرين كما تقول بئس الصبوة بعد الشيخوخة أي معها.
َّ ُ َ َ ُ َُ
( َو َم ْن ل ْم َيت ْب فأول ِئ َك ُه ُم الظ ِاملون) أي ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى هللا عن نبزه من األلقاب ،أو ملزه إياه،
أو سخريته منه ،فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها عقاب هللا بعصيانهم إياه.
َ َ َّ َّ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ َ
ضك ْم َب ْعضا أ ُي ِح ُّب اجت ِن ُبوا ك ِثيرا ِمن الظ ِن ِإن بعض الظ ِن ِإثم وال تجسسوا وال يغتب بع يا أيها ال ِذين آمنوا
َ َّللا إ َّن َّ َ
َّللا ت َّواب َر ِحيم ﴿﴾12
ُ َّ َأ َح ُد ُك ْم َأ ْن َي ْأ ُك َل َل ْح َم أخيه َم ْيتا فكر ْهت ُم ُ
وه َ اتقوا َّ َ
و
ُ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ
تفسيراملفردات
اجتنبوا :أي تباعدوا ،وأصل اجتنبته :كنت منه على جانب ،ثم شاع استعماله فى التباعد الالزم له ،واإلثم:
الذنب ،والتجسس :البحث عن العورات واملعايب والكشف عما ستره الناس ،والغيبة :ذكر اإلنسان بما يكره فى
غيبته،
فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي «أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :أتدرون ما الغيبة؟ قالوا هللا ورسوله
أعلم ،قال :ذكرك أخاك بما يكره ،قيل :أفرأيت لو كان فى أخى ما أقول؟
قال :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
املعنی الجملي
أدب هللا عباده املؤمنين بآداب إن تمسكوا بها دامت املودة والوئام بينهم :منها ما تقدم قبل هذا ،ومنها ما ذكره هنا
من األمور العظام التي تزيد توثيق رباط املجتمع اإلسالمى قوة وهى:
-البعد عن سوء الظن بالناس وتخونهم فى كل ما يقولون وما يفعلون ،ألن بعض ذلك قد يكون إثما محضا
فليجتنب كثير منه،
وقد روى عن عمر رض ى هللا عنه أنه قال :وال تظنن بكلمة خرجت من أخيك املؤمن إال خيرا ،وأنت تجد لها فى
الخير محمال
-عدم ذكر بعضهم بعضا بما يكرهون فى غيبتهم ،وقد مثل الشارع املغتاب بآكل لحم امليتة استفظاعا له
قال قتادة :كما تكره إن وجدت جيفة ممدودة أن تأكل منها ،كذلك فاكره لحم أخيك وهو حى.
اإليضاح :
َّ َ ً
اج َت ِن ُبوا ك ِثيرا ِم َن الظ ِن) أي يا أيها الذين آمنوا ابتعدوا عن كثير من الظن باملؤمنين ،بأن (يا َأ ُّي َها َّالذ َ
ين َآم ُنوا ْ
ِ
تظنوا بهم السوء ما وجدتم إلى ذلك سبيال)،
ففى الحديث «إن هللا حرم من املسلم دمه وعرضه ،وأن يظن به ظن السوء» .
وال يحرم سوء الظن إال ممن شوهد منه الستر والصالح ،وأونست منه األمانة ،أما من يجاهر بالفجور كمن
يدخل إلى الخانات أو يصاحب الغواني الفواجر فال يحرم سوء الظن به.
أخرج البيهقي فى شعب اإليمان عن سعيد بن املسيب قال :كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول صلى هللا
عليه وسلم .أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ،وال تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا
وأنت تجد لها فى الخير محمال ،ومن عرض نفسه للتهم فال يلومن إال نفسه ،ومن كتم سره كانت الخيرة فى يده،
وما كافأت من عص ى هللا تعالى فيك بمثل أن تطيع هللا فيه ،وعليك بإخوان الصدق فكن فى اكتسابهم ،فإنهم
زينة فى الرخاء ،وعدة عند عظيم البالء ،وال تتهاون بالحلف فيهينك هللا تعالى ،وال تسألن عما لم يكن حتى يكون،
وال تضع حديثك إال عند من تشتهيه ،وعليك بالصدق وإن قتلك ،واعتزل عدوك ،واحذر صديقك إال األمين ،وال
أمين إال من خش ى هللا ،وشاور فى أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب.
قال ابن عباس فى اآلية :نهى هللا املؤمن أن يظن باملؤمن سوءا اه.
ثم ملا أمرهم سبحانه باجتناب كثير من الظن نهاهم عن التجسس فقال :
َ
َوال ت َج َّس ُسوا أي وال يتتبع بعضكم عورة بعض ،وال يبحث عن سرائره يبتغى بذلك الظهور على عيوبه ،ولكن
اقنعوا بما ظهر لكم من أمره ،وبه فاحمدوا أو ذموا ،ال على ما تعلمون من الخفايا.
وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال« :إياكم والظن ،فإن الظن أكذب الحديث ،وال
تجسسوا وال تحسسوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد هللا إخوانا ،وال يحل ملسلم أن يهجر
أخاه فوق ثالثة أيام»
التجسس :البحث عما يكتم عنك ،والتحسس :طلب األخبار والبحث عنها ،والتناجش:
وعن أبى برزة األسلمى قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل اإليمان
قلبه ،ال تغتابوا املسلمين وال تتبعوا عوراتهم ،فإن من اتبع عوراتهم يتبع هللا عورته ،ومن يتبع هللا عورته يفضحه
فى عقر بيته» .
وروى الطبراني عن حارثة بن النعمان رض ى هللا عنه قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «ثالث الزمات ألمتى:
الطيرة والحسد وسوء الظن ،فقال رجل وما يذهبهن يا رسول هللا ممن هن فيه؟ قال صلى هللا عليه وسلم :إذا
حسدت فاستغفر هللا ،وإذا ظننت فال تحقق ،وإذا تطيرت فامض» .
وقال عبد الرحمن بن عوف :حرست ليلة مع عمر بن الخطاب باملدينة ،إذ تبين لنا سراج فى بيت بابه مجاف على
قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط ،فقال عمر :هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم اآلن شرب ،فما ترى؟ قلت:
َ
أرى أنا قد أتينا ما نهى هللا عنه ،قال تعالى«َ :وال ت َج َّس ُسوا» وقد تجسسنا ،فانصرف عمر وتركهم.
وقال أبو قالبة :حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له فى بيته ،فانطلق عمر
حتى دخل عليه ،فإذا ليس عنده إال رجل ،فقال أبو محجن :إن هذا ال يحل لك ،قد نهاك هللا عن التجسس.
فخرج عمر وتركه.
ً َ َ َْ ْ َ ْ ُ ُ
ضك ْم َب ْعضا) أي وال يذكر بعضكم بعضا بما يكره فى غيبته ،واملراد بالذكر الذكر صريحا أو إشارة (وال يغتب بع
أو نحو ذلك مما يؤدى مؤدى النطق ،ملا فى ذلك من أذى املغتاب ،وإيغار الصدور وتفريق شمل الجماعات ،فهى
النار تشتعل فال تبقى وال تذر ،واملراد بما يكره ما يكره فى دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته
أو خادمه أو ملبسه أو غير ذلك مما يتعلق به.
قال الحسن :الغيبة ثالثة أوجه كلها فى كتاب هللا :الغيبة ،واإلفك ،والبهتان.
وال خالف بين العلماء فى أن الغيبة من الكبائر وأن على من اغتاب أحدا التوبة إلى هللا أو االستغفار ملن اغتابه
أو االستحالل منه.
وعن شعبة قال :قال لى معاوية بن قرة :لو مر بك رجل أقطع (مقطوع اليد) فقلت هذا أقطع كان غيبة ،قال
شعبة فذكرته ألبى إسحاق فقال صدق.
وه) أي أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته؟ فإذا كنتم ( َأ ُيح ُّب َأ َح ُد ُك ْم َأ ْن َي ْأ ُك َل َل ْح َم َأخيه َم ْي ًتا َف َكر ْه ُت ُم ُ
ِ ِ ِ ِ
ال تحبون ذلك بل تكرهونه ألن النفس تعافه ،فكذلك فاكرهوا أن تغتابوه فى حياته.
والخالصة -إنكم كما تكرهون ذلك طبعا فاكرهوا ذلك شرعا ملا فيه من شديد العقوبة.
وقد شبهت بأكل اللحم ملا فيها من تمزيق األعراض املشابه ألكل اللحم وتمزيقه ،وقد جاء هذا على نهج العرب فى
كالمهم .قال املقنع الكندي:
فإن أكلوا لحمى وفرت لحومهم … وإن هدموا مجدى بنيت لهم مجدا
وقد زادت اآلية فجعلت اللحم لحم أخ ميت تصويرا له بصورة بشعة تستقذرها النفوس جميعا.
سمع على بن الحسين رض ى هللا عنهما رجال يغتاب آخر فقال :إياك والغيبة فإنها إدام كالب الناس،
وقيل لعمرو بن عبيد :لقد وقع فيك فالن حتى رحمناك ،قال:
إياه فارحموا.
وقال رجل للحسن البصري :بلغني أنك تغتابنى ،فقال :لم يبلغ قدرك عندى أن أحكمك فى حسناتى.
وقد ثبت فى الصحيح من غير وجه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال حين خطب فى حجة الوداع« :إن دماءكم
وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا» .
َو َّات ُقوا َّ َ
َّللا أي فاكرهوا الغيبة ،واتقوا هللا فيما أمركم به ونهاكم عنه ،وراقبوه واخشوه
وال تحرم الغيبة إذا كانت لغرض صحيح شرعا ال يتوصل إليه إال بها ،وينحصر ذلك فى ستة أمور:
التظلم ،فلمن ظلم أن يشكو ملن يظن أنه يقدر على إزالة ظلمه أو تخفيفه.
االستعانة على تغيير املنكر بذكره ملن يظن قدرته على إزالته.
االستفتاء ،فيجوز للمستفتى أن يقول للمفتى :ظلمنى فالن بكذا فهل يجوز له ذلك.
تحذير املسلمين من الشر كجرح الشهود والرواة واملتصدين لالفتاء مع عدم أهليتهم لذلك ،وكأن يشير وإن لم
يستشر على مريد التزوج أو مخالطة غيره فى أمر دينى أو دنيوى ويقتصر على ما يكفى ،فإن احتاج إلى ذكر عيب
أو عيبين ذكر ذلك.
أن يجاهروا بالفسق كاملدمنين على شرب الخمور وارتياد محال الفجور ،ويتباهوا بما يفعلون.
التعريف بلقب أو نحوه ،كاألعور واألعمش ونحو ذلك إذا لم تمكن املعرفة بغيره.
واألمة مجمعة على قبح الغيبة وعظم آثامها مع ولوع الناس بها حتى إن بعضهم ليقولون :هى صابون القلوب ،وإن
لها حالوة كحالوة التمر ،وضراوة كضراوة الخمر.