You are on page 1of 12

‫تفسيرسورة الحجرات (‪)12-6‬‬

‫تقدم هذه املقالة الستيفاء أحد الواجبات في مادة التفسير ‪4‬‬

‫تحت اإلشراف ‪ :‬األستاذ أحمد قشيري سهيل‬

‫إعداد املجموعة العاشرة ‪:‬‬


‫‪Siti Marwa M. Hanafi‬‬ ‫‪11200600000070‬‬
‫‪Najmi Laila Elbasyarah‬‬ ‫‪11200600000096‬‬
‫‪Ni’matul Maola‬‬ ‫‪11200600000141‬‬

‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية‬


‫جامعة شريف هداية هللا اإلسالمية الحكومية جاكرتا‬
‫‪ 2023‬م – ‪ 1444‬ه‬
‫املقدمة‬

‫إن الحمد هلل تعالى‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهد هللا تعالى فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‬

‫فإن خير ما صرفت الجهود و اشتغل مع العلماء تعليما و تفسيرا و تفهما و دراسة و استنباطا كتاب‬
‫َْ‬
‫يد )[فصلت ‪ ]4٢ :‬فهو كتاب‬ ‫َ‬ ‫ٌ ْ َ‬
‫تقريل ِمن ح ِك ٍيم ح ِم ٍ‬ ‫هللا الذي ال يأتيه الباطل من بين َي َد ْي ِه َوال ِم ْن خل ِف ِه‬
‫هداية‪ ،‬و دستور أمة هي خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬ولقد تكفل هللا بحفظه‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ‬
‫الذك َر َو ِإ َّنا ل ُه ل َحا ِفظون ) [ الحجر ‪ ۱۹ :‬و پسر درسه كما قال تعالى‪( :‬‬
‫كما قال تعالى ‪ِ ( :‬إنا نحن للنا ِ‬
‫َ‬
‫ولقد َي َّس ْرنا القرآن للذكر فين من مذكر ) [ القمر ‪]١٧ :‬‬

‫في هذه املناسبة ال تنس ى أن نشكر على أستاذنا الكريم األستاذ فشير سهيل املاجستير الذي يقوم‬
‫دائما بتوجيه و تقديم األفكار و املعرفة املفيدة لنا‪ ،‬و الوالدينا الذين يصلون‬

‫باستمرار وتشجيع األطفالهم الذين يدرسون‪ ،‬لعليم في عون هللا‪ .‬آمين‪ .‬فأقدم لك أيها القارئ الكريم‬
‫املقالة في املادة التفسير سورة الحجرات اآلية ‪ .١٢ - ٦‬لعل هذه املقالة مفيدة لنا إن وجدتم الصواب‬
‫فذلك من هللا و إن وجدتم األخطاء فذلك منا ألناإلنسان محل الخطر و النسيان‬
‫‪ .1‬تفسيراآلية ‪7-6‬‬
‫َ ُْ َ َ‬ ‫ََٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ َٰٓ ۟ َ َٰٓ َ ُ ْ َ ٌۢ َ َ َ َ َ َّ ُ َٰٓ ۟ َ ُ ُ ۟ َ ْ ٌۢ َ َ َ َ ُ ْ ۟ َ‬
‫ص ِب ُحوا َعلى َما ف َعلت ْم ن ِد ِمين ﴿‪﴾6‬‬‫اسق ِبنب ٍإ فتبينوا أن ت ِصيبوا قوما ِبجهل ٍة فت‬ ‫يأيها ٱل ِذين ءامنوا ِإن جاءكم ف ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َّ َّ َ َ َّ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ َ َّ َ ُ ُ ُ ُْ‬ ‫َ ْ َ ُ َٰٓ ۟ َ َّ ُ ْ َ ُ َ َّ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫وبكم‬ ‫وٱعلموا أن ِفيكم رسول ٱ ِ‬
‫ّلل ۚ ل ْوي ِطيعكم ِ ُفى ََٰٓك ِث ٍير ِمن ٱألم ِرلع ِن َتم ول ِكن ٱّلل حبب ِإليكم ٱ ِإليمن وزينهۥ ِفى قل ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ ُ ُْْ ُْ َ‬
‫ص َيان ۚ أ ۟ول ِئ َك ُه ُم ٱ َّلر ِش ُدون ﴿‪﴾7‬‬ ‫َوك َّر َه ِإل ْيك ُم ٱلكف َر َوٱلف ُسوق َوٱل ِع‬

‫املفردات‬
‫فاسق الفسق‪ :‬الخروج من حدود الشرع‬
‫بلبل النبأ‪ :‬هو الخبر املهم‪.‬‬
‫فتبينوا أي‪ :‬فتثبتوا ‪ ،‬وبه قرئ‪ ،‬وهذا اللفظ مأخوذ من البيان الذي هو الكشف عن الش يء نادمين‪ :‬من الندم‬
‫الذي هو التحسر من خطأ في أمر فات واملادة تفيد املالزمة ومنه املنادمة والنديم‪.‬‬
‫لعنتم العنت‪ :‬الجهد واملشقة والبالك‬ ‫ُ‬
‫َو َزَّي َنه‪ :‬حسنه‬
‫صمان‪ :‬الخروج عن الطاعة‪ ،‬ومفارقة الجماعة‪ ،‬وأصله أن يمتنع الرجل بعصام‬ ‫َو ْالع ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫الراش ُدون الرشد‪ :‬ضد الغي وهو العمل لصالح الدين والدنيا‪١.‬‬
‫َّ ِ‬

‫سبب النزول ‪:‬‬


‫وروي أن النبي بعث «الوليد بن عقبة إلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه‪،‬‬
‫َ َّ َّ ُ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِه وسلم وقال يا رسول هللا‪ :‬إنهم قد‬ ‫فلما سار الوليد واقترب منهم خاف وفزع‪ ،‬فرجع إلى رسول هللا صلى‬
‫ارتدوا ومنعوا الزكاة‪ .‬فهم بعض الصحابة بالخروج الهم وقتالهم فأنزل هللا (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق‬
‫بليز فتبينوا ) اآلية ‪٢.‬‬

‫معنی اجمالی‪:‬‬
‫َ ُ َ‬
‫اس َق ِبال أي إذا أتاكم رجل‬
‫ثم حدر تعالى من االستماع لألخبار بغير تثبت فقال يا أيها الذين أمنوا ِإن ج َاءك ْم ف ِ‬
‫فاسق غير موثوق بصدقه وعدالته بخير من األخبار (فتبينوا) أي فتليتوا من صحة الخبر أن تصيبوا قوما‬
‫ً‬
‫بجهالة) أي للال تصيبوا قوما وأنتم جاهلون حقيقة األمر األصبحوا على‬

‫ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ما ف َعل ُت ْم ن ِاد ِمين) أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم واعلموا أن فيك ْم َر ُسول هللا أي واعلموا أيها‬
‫املؤمنون أن بينكم الرسول املعظم والنبي املكرم املعصوم عن اتباع الهوى ال يطيعكم في كثير من األمر ُ‬
‫لعبت ْم‬

‫‪ ١‬الزحيلي وهبة ‪ ،‬التفسير املنير في العقيدة والشريعة واملنهج‪ ،‬دار الفكر املعاصر ‪ -‬دمشق ‪١4١٨ :‬هـ)‪ ،‬ط‪ ۲.‬ج‪ ،٢٦ .‬ص ‪٥٠٣‬‬
‫‪ ٢‬الصابوني محمد علي ‪ ،‬صفوة التفاسير‪ ،‬دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع ‪ -‬القاهرة ‪١4١٧ :‬هـ ‪ ۱۹۹۷ -‬م)‪ ،‬طر ارج‪ .‬ج ‪ ، ۳‬ص ‪٢١٥‬‬
‫أي لو يسمع وشاباتكم‪ ،‬ويصغي يسمعه اإلراتكم‪ ،‬ويطيعكم في غالب ما تشيرون عليه من األمور لوقعتكم فالجهد‬
‫والهالك قال ابن كثير‪ :‬أي اعلموا أن بين أظهركم رسو الهلل فعظموه ووفروه‪ ،‬فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق‬
‫َ ُ‬
‫عليكم منكم ولو أطاعكم في جميع ما تختارونه ألدى لك ذلك إلى عنتكم وحرجكم أولكن هللا َح ْي َب ِإل ْيك ُم اإليمان‬
‫أي ولكنه تعالى بمنه وفضله نور بصائركم فحبب إلى نفوسكم اإليمان وزينة في قلوبكم أي وحسنه في قلوبكم‬
‫ُ َ ُ‬
‫أوكره ِإل ْيك ُم الكفر والفسوق والعصيان) أي وبعض إلى نفوسكم أنواع‬ ‫حتى أصبح أغلى عندكم من كل ش يء‬
‫الضالل من الكفر واملعاص ي والخروج عن طاعة هللا قال ابن كثير واملراد بالفسوق الذنوب الكبار‪ ،‬وبالعصيان‬
‫جميع املعاص ي (أولئك هم الراشدون أي أولئك املتصفون بالنعوت الجليلة هم املهتدون الراشدون في سيرتهم‬
‫وسلوكهم‪ .‬والجملة تفيد الحصر أي هم الراشدون ال غيرهم‪.‬‬

‫‪ .2‬تفسيراآلية ‪10 - 8‬‬


‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُْ ْ َ ْ َ َُ ْ َ ْ ْ‬ ‫َ ََ‬ ‫ٱّلل َون ْع َمة َو َّ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ف ِإن َبغت‬ ‫ٱّلل َع ِليم َح ِكيم ﴿‪َ ﴾8‬و ِإن طآ ِئفت ِان ِمن ٱملؤ ِم ِنين ٱقتتلوا فأ‬ ‫َ َّ‬
‫فضال ِمن ِ ِ‬
‫َْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َّ َ ْ َ َّ َ ۤ َ َ َ ْ َّ َ َ َ ْ َ َ ْ ْ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ِبٱل َع ْد ِل َو أق ِسط ۤوا‬ ‫ِإحداهما على ٱألخرى فقا ِتلوا ٱل ِتي تب ِغي حتی ت ِفيء ِإلى أم ِر ِ‬
‫ٱّلل ف ِإن فآءت فأ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َن ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ ْ َّ َ َ َّ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْْ‬ ‫إ َّن َّ َ‬
‫ٱّلل ل َعلك ْم ت ْر َح ُمون ﴿‪﴾10‬‬ ‫ٱّلل ُي ِح ُّب ٱملق ِس ِطين ﴿‪ِ ﴾٩‬إنما ٱملؤ ِمنو ِإخوة فأص ِلحوا بين أخويكم وٱتقوا‬ ‫ِ‬

‫يم َح ِك ٌ‬ ‫فضال‪{ ،‬م َن ٱهلل َون ْع َم ًة َو ُ‬


‫ٱهلل َع ِل ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ ْ ً‬
‫يم}‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضال}‪ ،‬أي كان هذا‬ ‫{ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قوله عز وجل‪{َ :‬وإن طآئ َف َتان م َن ٱمل ْؤمن َين ٱق َت َتلوا فأ ْ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما}‪ ،‬اآلية‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أخبرنا عبد الواحد بن أحمد املليحي‪ ،‬أخبرنا أحمد بن عبد هللا النعيمي‪ ،‬أخبرنا محمد بن يوسف‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫ً‬
‫بن إسماعيل حدثنا مسدد‪ ،‬حدثنا معتمر قال سمعت أبي يقول‪ :‬إن أنسا قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قيل للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لو َ‬
‫أتيت عبد هللا بن أبي‪ ،‬فانطلق إليه النبي صلى هللا عليه وسلم وركب حمارا‬
‫وانطلق املسلمون يمشون معه‪ ،‬وهي أرض سبخة‪ ،‬فلما أتاهم النبي صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬إليك عني‪ ،‬وهللا‬
‫ً‬
‫لقد آذاني نتن حمارك‪ ،‬فقال رجل من األنصار منهم‪ :‬وهللا لحمار رسول هللا أطيب ريحا منك‪ ،‬فغضب لعبد هللا‬
‫رج ٌل من قومه فتشاتما‪ ،‬فغضب لكل واحد منهما أصحابه‪ ،‬فكان بينهما ضرب بالجريد واأليدي والنعال‪ ،‬فبلغنا‬
‫َ ُْْ َ ْ َ َُ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما}‬ ‫أنها نزلت‪{َ :‬و ِإن طآ ِئ َف َت ِان ِمن ٱملؤ ِم ِنين ٱقتتلوا فأ‬

‫َّ‬
‫ويروى أنها ملا نزلت قرأها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض‪.‬‬
‫حق بينهما‪ ،‬فقال أحدهما لآلخر‪ :‬آلخذن حقي منك‬ ‫وقال قتادة‪ :‬نزلت في رجلين من األنصار كانت بينهما مداراة في ٍ‬
‫عنوة‪ ،‬لكثرة عشيرته‪ ،‬وإن اآلخر دعاه ليحاكمه إلى نبي هللا صلى هللا عليه وسلم فأبى أن يتبعه‪ ،‬فلم يزل األمر‬
‫ً‬
‫بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضا باأليدي والنعال‪ ،‬ولم يكن قتال بالسيوف‪.‬‬
‫وقال سفيان عن السدي‪ :‬كانت امرأة من األنصار يقال لها أم زيد تحت رجل‪ ،‬وكان بينها وبين زوجها ش يء فرقى بها‬
‫إلى ُعلية وحبسها‪ ،‬فبلغ ذلك قومها فجاؤوا‪ ،‬وجاء قومه فاقتتلوا باأليدي والنعال‪ ،‬فأنزل هللا عز وجل‪{َ :‬و ِإن‬
‫َ‬ ‫َ ُْْ َ ْ َ َُ ْ ََ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما} بالدعاء إلى حكم كتاب هللا والرضا بما فيه لهما وعليهما‪{ ،‬ف ِإن‬ ‫طآ ِئ َف َت ِان ِمن ٱملؤ ِم ِنين ٱقتتلوا فأ‬
‫َ‬ ‫َ َ ٰ ُ ْ َّ َ‬ ‫ََٰ ُ‬
‫ٱأل ْخ َر ٰ‬ ‫َ‬
‫اإلجابة إلى حكم كتاب هللا‪{ ،‬فقـ ِتلوا ٱل ِتى ت ْب ِغى َح َّت ٰى ت ِف ۤى َء}‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأبت‬ ‫}‪،‬‬‫ى‬ ‫َبغ ْت ِإ ْح َد ُاه َما}‪ ،‬تعدت إحداهما‪{ ،‬على‬
‫ْ‬ ‫ََ ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َٰ َ‬
‫ص ِل ُحوا َب ْي َن ُه َما ِبـٱل َع ْد ِل}‪ ،‬بحملهما على اإلنصاف‬ ‫ٱهلل}‪ ،‬في كتابه {ف ِإن ف َآء ْت}‪ ،‬رجعت إلى الحق‪{ ،‬فأ‬ ‫ْ‬
‫ترجع‪{ِ ،‬إلى ِ ِ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫والرضا بحكم هللا‪{َ ،‬وأ ْقسط ۤو ْا}‪ ،‬اعدلوا‪{ ،‬إ َّن َ‬
‫ٱهلل ُي ِح ُّب ٱمل ْق ِس ِط َين}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ ُْ‬ ‫َ ْ ٌ‬ ‫ُْ‬
‫ِ{إ َّن َما ٱمل ْؤ ِم ُنون ِإخ َوة}‪ ،‬في الدين والوالية‪{ ،‬فأص ِلحوا بين أخويكم}‪ ،‬إذا اختلفا واقتتال‪ ،‬قرأ يعقوب بين إخوتكم‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ ُ‬ ‫بالتاء على الجمع‪{َ ،‬و َّٱت ُق ْوا َ‬
‫ٱهلل}‪ ،‬فال تعصوه وال تخالفوا أمره‪{ ،‬ل َعلك ْم ت ْر َح ُمون}‪.‬‬
‫أخبرنا عبد الواحد بن أحمد املليحي‪ ،‬أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد املخلدي‪ ،‬أخبرنا أبو العباس محمد بن‬
‫إسحاق السراج‪ ،‬حدثنا قتيبة بن سعيد‪ ،‬حدثنا الليث‪ ،‬عن عقيل‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن أبيه أن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ُْ ً‬
‫املسلم أخو املسلم ال يظلمه وال يشتمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته‪ ،‬ومن فرج عن مسلم كربة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فرج هللا بها عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره هللا يوم القيامة‬

‫اإليمان‪ ،‬ألن هللا تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين‪،‬‬ ‫وفي هاتين اآليتين دليل على أن البغي ال يزيل اسم ِ‬
‫يدل عليه ما روي عن الحارث األعور أن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه سئل ‪ -‬وهو القدوة ‪ -‬في قتال أهل البغي‪،‬‬
‫عن أهل الجمل وصفين‪ :‬أمشركون هم؟ فقال‪ :‬ال‪ِ ،‬م َن الشرك فروا‪ ،‬فقيل‪ :‬أمنافقون هم؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬إن املنافقين‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ال يذكرون هللا إال قليال‪ ،‬قيل‪ :‬فما حالهم؟ قال‪ :‬إخواننا بغ ْوا علينا‪.‬‬
‫اإلمام‬‫اإلمام العدل‪ ،‬فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة ِ‬ ‫والباغي في الشرع هو الخارج على ِ‬
‫ً‬
‫اإلمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته‪ ،‬فإن أظهروا مظلمة‬ ‫العدل بتأويل محتمل‪ ،‬ونصبوا إماما فالحكم فيهم أن يبعث ِ‬
‫اإلمام حتى يفيئوا إلى طاعته‪ ،‬ثم الحكم في قتالهم‬ ‫أزالها عنهم‪ ،‬وإن لم يذكروا مظلمة‪ ،‬وأصروا على بغيهم‪ ،‬قاتلهم ِ‬
‫أن ال يتبع ُم ْد ِب ُرهم وال يقتل أسيرهم‪ ،‬وال يذفف على جريحهم‪ ،‬نادى منادي علي رض ي هللا عنه يوم الجمل‪ :‬أال ال‬
‫ُيتبع مدبر وال ُيذفف على جريح‪.‬‬
‫ً‬
‫وأتي علي رض ي هللا عنه يوم صفين بأسير فقال له‪ :‬ال أقتلك صبرا إني أخاف هللا رب العاملين‪.‬‬
‫أتلفت إحدى الطائفتين على األخرى في حال القتال من نفس أو مال فال ضمان عليه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وما‬
‫قال ابن شهاب‪ :‬كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل واملقتول‪ ،‬وأتلف فيها أموال كثيرة‪ ،‬ثم صار‬
‫ً‬ ‫الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم‪ ،‬وجرى الحكم عليهم فما ُ‬
‫علمته اقتص من أحد وال أغرم ماال أتلفه‪.‬‬
‫أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثالث بأن كانوا جماعة قليلين ال منعة لهم‪ ،‬أو لم يكن لهم تأويل‪ ،‬أو لم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ينصبوا إماما فال يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتاال أو لم يتعرضوا للمسلمين‪ ،‬فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق‪.‬‬
‫رجال يقول في ناحية املسجد‪ :‬ال حكم إال هلل تعالى‪ ،‬فقال علي‪ :‬كلمة حق ُأ َ‬
‫ريد بها‬
‫ً‬ ‫عليا رض ي هللا عنه َ‬
‫سمع‬
‫ً‬
‫ُروي أن‬
‫باطل‪ ،‬لكم علينا ثالث‪ :‬ال نمنعكم من مساجد هللا أن تذكروا فيها اسم هللا‪ ،‬وال نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم‬
‫مع أيدينا‪ ،‬وال نبدؤكم بقتال‪.‬‬
‫‪ .3‬تفسيراآلية ‪12-11‬‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َُ ُ َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ ُ‬
‫ساء َعس ی أن َيك َّن خ ْيرا ِم ْن ُه َّن‬ ‫ْ‬
‫يا أ ُّي َها ال ِذين َآمنوا ال ي ْسخ ْرق ْوم ِمن ق ْو ٍم عس ی أن يكونوا خيرا ِمن ُه ْم َوال ِنساء ِمن ِن ٍ‬
‫َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫ْ َ ْ ُ ُْ ُ ُ َ َْ ْ‬ ‫َ َْ ُ َْ ُ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َْ‬
‫يمان َو َم ْن ل ْم َيت ْب فأول ِئ َك ُه ُم الظ ِاملون‬
‫ِ ِ‬ ‫اإل‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ال‬ ‫م‬‫االس‬ ‫س‬ ‫ئ‬‫ب‬‫وال تل ِمزوا أنفسكم وال تنابزوا ِباأل ِ ِ‬
‫قاب‬ ‫ل‬
‫﴿‪﴾11‬‬

‫تفسيراملفردات‬

‫السخرية‪ :‬االحتقار وذكر العيوب والنقائص على وجه يضحك منه‪ ،‬يقال سخر به وسخر منه‪ ،‬وضحك به ومنه‪،‬‬
‫وهزىء به ومنه واالسم السخرية والسخرى (بالضم والكسر) وقد تكون باملحاكاة بالقول أو بالفعل أو باإلشارة‬
‫أو بالضحك على كالم املسخور منه إذا غلظ فيه‪ ،‬أو على صنعته‪ ،‬أو على قبح صورته‪.‬‬

‫والقوم ‪ :‬شاع إطالقه على الرجال دون النساء كما في اآلية وكما قال زهير ‪:‬‬

‫وما أدرى وسوف إخال أدرى … أقوم آل حصن أم نساء‬

‫وال تلمزوا أنفسكم‪ :‬أي ال يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة باليد أو العين أو نحوهما‪ ،‬واملؤمنون كنفس واحدة‬
‫فمتى عاب املؤمن املؤمن فكأنما عاب نفسه‪ ،‬والتنابز‪ :‬التعاير والتداعي بما يكرهه الشخص من األلقاب‪ ،‬واالسم‪:‬‬
‫الذكر والصيت‪ ،‬من قولهم‪:‬‬

‫طار اسمه بين الناس بالكرم أو اللؤم‬

‫املعنی الجملي‬

‫بعد أن ذكر ما ينبغى أن يكون عليه املؤمن مع هللا تعالى ومع النبي صلى هللا عليه وسلم ومع من يخالفهما‬
‫ويعصيهما وهو الفاسق‪ ،‬بين ما ينبغى أن يكون عليه املؤمن مع املؤمن‪ ،‬فذكر أنه ال ينبغى أن يسخر منه وال أن‬
‫يعيبه بالهمز واللمز‪ ،‬وال أن يلقبه باللقب الذي يتأذى منه‪ ،‬فبئس العمل هذا‪ ،‬ومن لم يتب بعد ارتكابه فقد أساء‬
‫إلى نفسه وارتكب جرما كبيرا‪.‬‬

‫روى أن اآلية نزلت فى وفد تميم إذ كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم كعمار وصهيب‬
‫وبالل وخباب وابن فهيرة وسلمان الفارس ي وسالم مولى أبى حذيفة فى آخرين غيرهم ملا رأوا من رثاثة حالهم‪.‬‬

‫وروى أنها نزلت فى صفية بنت حيى بن أخطب رض ى هللا عنها‪ :‬أتت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقالت‪« :‬إن‬
‫النساء يقلن لى‪ :‬يا يهودية بنت يهوديين‪ ،‬فقال لها‪:‬‬

‫هال قلت‪ :‬أبى هارون‪ ،‬وعمى موس ى‪ ،‬وزوجى محمد‬

‫اإليضاح‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫)يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا ال َي ْسخ ْر ق ْو ٌم ِم ْن ق ْو ٍم) أي ال يهزأ ناس من املؤمنين بآخرين‬ ‫ِ‬
‫ثم ذكر العلة فى ذلك فقال ‪:‬‬
‫َ ُ ُ َ ً‬
‫( َعس ى أ ْن َيكونوا خ ْيرا ِم ْن ُه ْم) أي فقد يكون املسخور منهم خيرا عند هللا من الساخرين كما‬

‫جاء فى األثر «فرب أشعث أغبر ذى طمرين ال يؤبه له‪ ،‬لو أقسم على هللا تعالى ألبره‪» .‬‬

‫فينبغى أال يجترىء أحد على االستهزاء بمن تتقحمه عينه لرثاثة حاله‪ ،‬أو لكونه ذا عاهة فى بدنه‪ ،‬أو لكونه غير‬
‫لبق فى محادثته‪ ،‬فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته‪ ،‬فيظلم نفسه بتحقير من وقره هللا‬
‫تعالى‬
‫َ ُ َ ً‬
‫ساء َعس ى أ ْن َيك َّن خ ْيرا ِم ْن ُه َّن) أي وال يسخر نساء من نساء عس ى أن يكون املسخور منهن خيرا من‬ ‫َوال ن ٌ ْ‬
‫ساء ِمن ِن ٍ‬ ‫ِ‬
‫الساخرات‪ ،‬وأتى بالجمع فى املوضعين‪ ،‬من قبل أن األغلب فى السخرية أن تكون فى مجامع الناس‪ ،‬وكم من متلذذ‬
‫بها‪ ،‬وكم من متألم منها‪.‬‬

‫روى الترمذي عن عائشة قالت‪ :‬حكيت للنبى صلى هللا عليه وسلم رجال فقال‪:‬‬

‫«ما يسرنى أنى حكيت رجال وأن لى كذا وكذا‪ ،‬قالت فقلت يا رسول هللا إن صفية امرأة وقالت «‪ »١‬بيدها هكذا‬
‫تعنى أنها قصيرة‪ ،‬فقال‪ :‬لقد مزحت بكلمة لو مزجت بماء البحر ملزجته‪» .‬‬

‫وروى مسلم عن أبى هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «إن هللا ال ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن‬
‫ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»‬

‫وفى هذا إيماء إلى أن املرء ال يقطع بمدح أحد أو عيبه كما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو املخالفة‪ ،‬فلعل‬
‫من يحافظ على األعمال الظاهرة يعلم هللا من قلبه وصفا مذموما ال تصح معه تلك األعمال‪ ،‬ولعل من رأينا منه‬
‫تفريطا أو معصية يعلم هللا من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه‪ ،‬فاألعمال أمارات ظنية‪ ،‬ال أدلة قطعية‪.‬‬
‫َْ ُ‬ ‫َْ‬
‫( َ(وال تل ِم ُزوا أن ُف َسك ْم) أي وال يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة على وجه الخفية‬

‫وفى قوله‪« :‬أنفسكم» تنبيه إلى أن العاقل ال يعيب نفسه‪ ،‬فال ينبغى أن يعيب غيره ألنه كنفسه‪ ،‬ومن ثم‬

‫قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪« :‬املؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر‬
‫والحمى»‬

‫‪.‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬يبصر أحدكم القذاة «‪ »٢‬فى عين أخيه ويدع الجذع فى عينه‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬من سعادة املرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ال تكشفن من مساوى الناس ما ستروا … فيهتك هللا سترا عن مساويكا‬

‫واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا … وال تعب أحدا منهم بما فيكا‬
‫َ َ َ ُ ْ َْ‬
‫قاب) أي ال يدع بعضكم بعضا باللقب الذي يسوءه ويكرهه كأن يقول ألخيه املسلم‪ :‬يا فاسق‪،‬‬ ‫(وال تنابزوا ِباأل ِ‬
‫ل‬
‫يا منافق‪ ،‬أو يقول ملن أسلم‪ :‬يا يهودى‪ ،‬أو يا نصرانى‪.‬‬
‫َ َ َ ُ ْ َْ‬
‫قاب) قدم رسول هللا صلى‬‫قال قتادة وعكرمة عن أبى جبيرة بن الضحاك قال‪ :‬فى بنى سلمة نزلت (وال تنابزوا ِباأل ِ‬
‫ل‬
‫هللا عليه وسلم املدينة وليس فينا رجل إال وله اسمان أو ثالثة‪ ،‬فكان إذا دعا واحدا باسم من تلك األسماء قالوا‪:‬‬
‫يا رسول هللا إنه يكرهه فنزلت‪ .‬أخرجه البخاري فى األدب وأهل السنن وغيرهم‪.‬‬

‫وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال‪ :‬التنابز باأللقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب وراجع الحق‪،‬‬
‫فنهى هللا تعالى أن يعير بما سلف من عمله‪.‬‬

‫أما األلقاب التي تكسب حمدا أو مدحا وتكون حقا وصدقا فال تكره كما قيل ألبى بكر‪ :‬عتيق‪ ،‬ولعمر‪ :‬الفاروق‪،‬‬
‫ولعثمان‪ :‬ذو النورين‪ ،‬ولعلى‪ :‬أبو تراب‪ ،‬ولخالد سيف هللا‪.‬‬
‫ْ َ ْ ُ ُْ ُ ُ َ َْ ْ‬
‫يمان) أي بئس الذكر املرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسوق بعد دخولهم فى اإليمان‬
‫اإل ِ‬‫( ِبئس ِاالسم الفسوق بعد ِ‬
‫واشتهارهم به‪.‬‬

‫وفى هذا إيماء إلى استقباح الجمع بين األمرين كما تقول بئس الصبوة بعد الشيخوخة أي معها‪.‬‬
‫َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َُ‬
‫( َو َم ْن ل ْم َيت ْب فأول ِئ َك ُه ُم الظ ِاملون) أي ومن لم يتب من نبزه أخاه بما نهى هللا عن نبزه من األلقاب‪ ،‬أو ملزه إياه‪،‬‬
‫أو سخريته منه‪ ،‬فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها عقاب هللا بعصيانهم إياه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ َّ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ َ‬
‫ضك ْم َب ْعضا أ ُي ِح ُّب‬ ‫اجت ِن ُبوا ك ِثيرا ِمن الظ ِن ِإن بعض الظ ِن ِإثم وال تجسسوا وال يغتب بع‬ ‫يا أيها ال ِذين آمنوا‬
‫َ‬ ‫َّللا إ َّن َّ َ‬
‫َّللا ت َّواب َر ِحيم ﴿‪﴾12‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َأ َح ُد ُك ْم َأ ْن َي ْأ ُك َل َل ْح َم أخيه َم ْيتا فكر ْهت ُم ُ‬
‫وه َ اتقوا َّ َ‬
‫و‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تفسيراملفردات‬

‫اجتنبوا‪ :‬أي تباعدوا‪ ،‬وأصل اجتنبته‪ :‬كنت منه على جانب‪ ،‬ثم شاع استعماله فى التباعد الالزم له‪ ،‬واإلثم‪:‬‬
‫الذنب‪ ،‬والتجسس‪ :‬البحث عن العورات واملعايب والكشف عما ستره الناس‪ ،‬والغيبة‪ :‬ذكر اإلنسان بما يكره فى‬
‫غيبته‪،‬‬

‫فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي «أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا هللا ورسوله‬
‫أعلم‪ ،‬قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ ،‬قيل‪ :‬أفرأيت لو كان فى أخى ما أقول؟‬

‫قال‪ :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته‬
‫املعنی الجملي‬

‫أدب هللا عباده املؤمنين بآداب إن تمسكوا بها دامت املودة والوئام بينهم‪ :‬منها ما تقدم قبل هذا‪ ،‬ومنها ما ذكره هنا‬
‫من األمور العظام التي تزيد توثيق رباط املجتمع اإلسالمى قوة وهى‪:‬‬

‫‪ -‬البعد عن سوء الظن بالناس وتخونهم فى كل ما يقولون وما يفعلون‪ ،‬ألن بعض ذلك قد يكون إثما محضا‬
‫فليجتنب كثير منه‪،‬‬

‫وقد روى عن عمر رض ى هللا عنه أنه قال‪ :‬وال تظنن بكلمة خرجت من أخيك املؤمن إال خيرا‪ ،‬وأنت تجد لها فى‬
‫الخير محمال‬

‫‪ -‬البحث عن عورات الناس ومعايبهم‬

‫‪ -‬عدم ذكر بعضهم بعضا بما يكرهون فى غيبتهم‪ ،‬وقد مثل الشارع املغتاب بآكل لحم امليتة استفظاعا له‬

‫قال قتادة‪ :‬كما تكره إن وجدت جيفة ممدودة أن تأكل منها‪ ،‬كذلك فاكره لحم أخيك وهو حى‪.‬‬

‫اإليضاح ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ ً‬
‫اج َت ِن ُبوا ك ِثيرا ِم َن الظ ِن) أي يا أيها الذين آمنوا ابتعدوا عن كثير من الظن باملؤمنين‪ ،‬بأن‬ ‫(يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين َآم ُنوا ْ‬
‫ِ‬
‫تظنوا بهم السوء ما وجدتم إلى ذلك سبيال‪)،‬‬

‫ففى الحديث «إن هللا حرم من املسلم دمه وعرضه‪ ،‬وأن يظن به ظن السوء‪» .‬‬

‫وال يحرم سوء الظن إال ممن شوهد منه الستر والصالح‪ ،‬وأونست منه األمانة‪ ،‬أما من يجاهر بالفجور كمن‬
‫يدخل إلى الخانات أو يصاحب الغواني الفواجر فال يحرم سوء الظن به‪.‬‬

‫أخرج البيهقي فى شعب اإليمان عن سعيد بن املسيب قال‪ :‬كتب إلى بعض إخوانى من أصحاب رسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ .‬أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك‪ ،‬وال تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا‬
‫وأنت تجد لها فى الخير محمال‪ ،‬ومن عرض نفسه للتهم فال يلومن إال نفسه‪ ،‬ومن كتم سره كانت الخيرة فى يده‪،‬‬
‫وما كافأت من عص ى هللا تعالى فيك بمثل أن تطيع هللا فيه‪ ،‬وعليك بإخوان الصدق فكن فى اكتسابهم‪ ،‬فإنهم‬
‫زينة فى الرخاء‪ ،‬وعدة عند عظيم البالء‪ ،‬وال تتهاون بالحلف فيهينك هللا تعالى‪ ،‬وال تسألن عما لم يكن حتى يكون‪،‬‬
‫وال تضع حديثك إال عند من تشتهيه‪ ،‬وعليك بالصدق وإن قتلك‪ ،‬واعتزل عدوك‪ ،‬واحذر صديقك إال األمين‪ ،‬وال‬
‫أمين إال من خش ى هللا‪ ،‬وشاور فى أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب‪.‬‬

‫قال ابن عباس فى اآلية‪ :‬نهى هللا املؤمن أن يظن باملؤمن سوءا اه‪.‬‬

‫ثم ملا أمرهم سبحانه باجتناب كثير من الظن نهاهم عن التجسس فقال ‪:‬‬
‫َ‬
‫َوال ت َج َّس ُسوا أي وال يتتبع بعضكم عورة بعض‪ ،‬وال يبحث عن سرائره يبتغى بذلك الظهور على عيوبه‪ ،‬ولكن‬
‫اقنعوا بما ظهر لكم من أمره‪ ،‬وبه فاحمدوا أو ذموا‪ ،‬ال على ما تعلمون من الخفايا‪.‬‬

‫وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪« :‬إياكم والظن‪ ،‬فإن الظن أكذب الحديث‪ ،‬وال‬
‫تجسسوا وال تحسسوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد هللا إخوانا‪ ،‬وال يحل ملسلم أن يهجر‬
‫أخاه فوق ثالثة أيام»‬

‫التجسس‪ :‬البحث عما يكتم عنك‪ ،‬والتحسس‪ :‬طلب األخبار والبحث عنها‪ ،‬والتناجش‪:‬‬

‫البيع على بيع غيرك (الزيادة عليه) والتدابر‪ :‬الهجر والقطيعة‪.‬‬

‫وعن أبى برزة األسلمى قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل اإليمان‬
‫قلبه‪ ،‬ال تغتابوا املسلمين وال تتبعوا عوراتهم‪ ،‬فإن من اتبع عوراتهم يتبع هللا عورته‪ ،‬ومن يتبع هللا عورته يفضحه‬
‫فى عقر بيته‪» .‬‬

‫وروى الطبراني عن حارثة بن النعمان رض ى هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم «ثالث الزمات ألمتى‪:‬‬
‫الطيرة والحسد وسوء الظن‪ ،‬فقال رجل وما يذهبهن يا رسول هللا ممن هن فيه؟ قال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إذا‬
‫حسدت فاستغفر هللا‪ ،‬وإذا ظننت فال تحقق‪ ،‬وإذا تطيرت فامض‪» .‬‬

‫وقال عبد الرحمن بن عوف‪ :‬حرست ليلة مع عمر بن الخطاب باملدينة‪ ،‬إذ تبين لنا سراج فى بيت بابه مجاف على‬
‫قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط‪ ،‬فقال عمر‪ :‬هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم اآلن شرب‪ ،‬فما ترى؟ قلت‪:‬‬
‫َ‬
‫أرى أنا قد أتينا ما نهى هللا عنه‪ ،‬قال تعالى‪«َ :‬وال ت َج َّس ُسوا» وقد تجسسنا‪ ،‬فانصرف عمر وتركهم‪.‬‬

‫وقال أبو قالبة‪ :‬حدث عمر بن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له فى بيته‪ ،‬فانطلق عمر‬
‫حتى دخل عليه‪ ،‬فإذا ليس عنده إال رجل‪ ،‬فقال أبو محجن‪ :‬إن هذا ال يحل لك‪ ،‬قد نهاك هللا عن التجسس‪.‬‬
‫فخرج عمر وتركه‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ َْ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫ضك ْم َب ْعضا) أي وال يذكر بعضكم بعضا بما يكره فى غيبته‪ ،‬واملراد بالذكر الذكر صريحا أو إشارة‬ ‫(وال يغتب بع‬
‫أو نحو ذلك مما يؤدى مؤدى النطق‪ ،‬ملا فى ذلك من أذى املغتاب‪ ،‬وإيغار الصدور وتفريق شمل الجماعات‪ ،‬فهى‬
‫النار تشتعل فال تبقى وال تذر‪ ،‬واملراد بما يكره ما يكره فى دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته‬
‫أو خادمه أو ملبسه أو غير ذلك مما يتعلق به‪.‬‬

‫قال الحسن‪ :‬الغيبة ثالثة أوجه كلها فى كتاب هللا‪ :‬الغيبة‪ ،‬واإلفك‪ ،‬والبهتان‪.‬‬

‫)‪(1‬فأما الغيبة‪ :‬فهى أن تقول فى أخيك ما هو فيه‪.‬‬

‫)‪(2‬وأما اإلفك‪ :‬فأن تقول فيه ما بلغك عنه‪.‬‬


‫)‪(3‬وأما البهتان‪ :‬فأن تقول فيه ما ليس فيه‪.‬‬

‫وال خالف بين العلماء فى أن الغيبة من الكبائر وأن على من اغتاب أحدا التوبة إلى هللا أو االستغفار ملن اغتابه‬
‫أو االستحالل منه‪.‬‬

‫وعن شعبة قال‪ :‬قال لى معاوية بن قرة‪ :‬لو مر بك رجل أقطع (مقطوع اليد) فقلت هذا أقطع كان غيبة‪ ،‬قال‬
‫شعبة فذكرته ألبى إسحاق فقال صدق‪.‬‬

‫ثم ضرب سبحانه مثال للغيبة للتنفير والتحذير منها فقال‪:‬‬

‫وه) أي أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه بعد مماته؟ فإذا كنتم‬ ‫( َأ ُيح ُّب َأ َح ُد ُك ْم َأ ْن َي ْأ ُك َل َل ْح َم َأخيه َم ْي ًتا َف َكر ْه ُت ُم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال تحبون ذلك بل تكرهونه ألن النفس تعافه‪ ،‬فكذلك فاكرهوا أن تغتابوه فى حياته‪.‬‬

‫والخالصة‪ -‬إنكم كما تكرهون ذلك طبعا فاكرهوا ذلك شرعا ملا فيه من شديد العقوبة‪.‬‬

‫وقد شبهت بأكل اللحم ملا فيها من تمزيق األعراض املشابه ألكل اللحم وتمزيقه‪ ،‬وقد جاء هذا على نهج العرب فى‬
‫كالمهم‪ .‬قال املقنع الكندي‪:‬‬

‫فإن أكلوا لحمى وفرت لحومهم … وإن هدموا مجدى بنيت لهم مجدا‬

‫وقد زادت اآلية فجعلت اللحم لحم أخ ميت تصويرا له بصورة بشعة تستقذرها النفوس جميعا‪.‬‬

‫سمع على بن الحسين رض ى هللا عنهما رجال يغتاب آخر فقال‪ :‬إياك والغيبة فإنها إدام كالب الناس‪،‬‬

‫وقيل لعمرو بن عبيد‪ :‬لقد وقع فيك فالن حتى رحمناك‪ ،‬قال‪:‬‬

‫إياه فارحموا‪.‬‬

‫وقال رجل للحسن البصري‪ :‬بلغني أنك تغتابنى‪ ،‬فقال‪ :‬لم يبلغ قدرك عندى أن أحكمك فى حسناتى‪.‬‬

‫وقد ثبت فى الصحيح من غير وجه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال حين خطب فى حجة الوداع‪« :‬إن دماءكم‬
‫وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا‪» .‬‬
‫َو َّات ُقوا َّ َ‬
‫َّللا أي فاكرهوا الغيبة‪ ،‬واتقوا هللا فيما أمركم به ونهاكم عنه‪ ،‬وراقبوه واخشوه‬

‫ثم علل هذا بقوله‪:‬‬


‫َّللا َت َّو ٌ‬
‫اب َر ِح ٌ‬
‫يم أي إن هللا يتوب على من تاب إليه عما فرط منه من الذنب‪ ،‬رحيم به أن يعذبه بعد توبته‪.‬‬ ‫إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ويجب على املغتاب أن يبادر إلى التوبة حين صدورها منه‪ ،‬بأن يقلع عنها ويندم على ما فرط منه‪ ،‬ويعزم عزما‬
‫مؤكدا على أال يعود إلى مثل ما فرط منه‪.‬‬

‫وال تحرم الغيبة إذا كانت لغرض صحيح شرعا ال يتوصل إليه إال بها‪ ،‬وينحصر ذلك فى ستة أمور‪:‬‬

‫التظلم‪ ،‬فلمن ظلم أن يشكو ملن يظن أنه يقدر على إزالة ظلمه أو تخفيفه‪.‬‬

‫االستعانة على تغيير املنكر بذكره ملن يظن قدرته على إزالته‪.‬‬

‫االستفتاء‪ ،‬فيجوز للمستفتى أن يقول للمفتى‪ :‬ظلمنى فالن بكذا فهل يجوز له ذلك‪.‬‬

‫تحذير املسلمين من الشر كجرح الشهود والرواة واملتصدين لالفتاء مع عدم أهليتهم لذلك‪ ،‬وكأن يشير وإن لم‬
‫يستشر على مريد التزوج أو مخالطة غيره فى أمر دينى أو دنيوى ويقتصر على ما يكفى‪ ،‬فإن احتاج إلى ذكر عيب‬
‫أو عيبين ذكر ذلك‪.‬‬

‫أن يجاهروا بالفسق كاملدمنين على شرب الخمور وارتياد محال الفجور‪ ،‬ويتباهوا بما يفعلون‪.‬‬

‫التعريف بلقب أو نحوه‪ ،‬كاألعور واألعمش ونحو ذلك إذا لم تمكن املعرفة بغيره‪.‬‬

‫واألمة مجمعة على قبح الغيبة وعظم آثامها مع ولوع الناس بها حتى إن بعضهم ليقولون‪ :‬هى صابون القلوب‪ ،‬وإن‬
‫لها حالوة كحالوة التمر‪ ،‬وضراوة كضراوة الخمر‪.‬‬

You might also like