Professional Documents
Culture Documents
اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿ ﴾١٢وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ
الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿ ﴾١٣وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِريُ ﴿ ﴾١٤وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى
أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ
سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿ ﴾١٥يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن
تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا
اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِريٌ ﴿ ﴾١٦يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿ ﴾١٧وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا
تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿ ﴾١٨وَاقْصِدْ فِي
مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ ﴿﴾١٩
~~2
املقدمة
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده
هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن دمحما
عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَال تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونََّ} [سورة آل عمران.]201:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَاالً كَثِرياً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًﱟ} [سورة النساء.]2:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْالً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
أما بعد:
فخري القصص ،وخري املواعظ ،وخري احلِ َكم ،تلكم القصص واملواعظ واحلكم الواردة يف كتاب هللا
وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص ،إذ هللا سبحانه وتعاىل قد خلق اخللق وهو سبحانه أعلم هبم وأعلم مبا ينفعهم ،قال تعاىل:
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَِّطِيفُ الْخَبِريُ} [سورة امللك.]21:
) -)1رواه أمحد يف مسنده (( )763/82ح ،)13178/والرتمذي يف سننه ،أبواب العلم ،ابب :ما جاء يف األخذ ابلسنة واجتناب البدع،
(ح ،)8636/وغريمها ،وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (( )616/8ح.)773/
~~3
ولو أتملنا هاه الوصية اجلامعة الشاملة لوجدانها مجعت خريا كثريا ،فقد أوصى لقمان احلكيم ا نه
وصااي مجعت ني أصول العقيدة ،والشريعة ،واألخالق ،ومراقبة هللا يف السر والعلن ،وإقامة الصالة ،واألمر
ابملعروف ،والنهي عن املنكر ،والصرب على ما نزل ه من مصائب ،واالتِِّصاف لِني اجلانب ،واال تعاد عن
ُ
التكرب ،والتحدرث إىل الناس لُطف ،مع خفض الصوت ،واال تعاد عن الغلظة يف الكالم. ر
وقد قمت تقسيم احملاضرة إىل فصلني:
أما الفصل األول :ففيه التعريف لقمان احلكيم ،ويندرج حتته عدة مطالب.
والفصل الثاين :ففيه الوصااي اليت أوصى هبا لقما ُن ا نه ،وقد جعلت كل وصية يف مطلب.
واآلن :فلنتمعن يف هاه الوصية العظيمة ،اليت خلَّدها هللا يف كتا ه العظيم؛ لتكون لنا وللعاملني منارة
وم ْعلَ َم توجيه ،سائلني هللا سبحانه وتعاىل أن ينفعنا هبا ،وأن يرزقنا فهمها والعمل هبا.
هدىَ ،
~~4
الفصل األول{ :التعريف بلقمان احلكيم}
هو لقمان ن ابعوراء ا ن َان ُح َور ن ََترٍِح ،وهو َآزُر أ و إ راهيم ،وقيل :هو لقمان ا ن َعْن َقاءَ ن
()1
َسرو َن.
الرجلَ ِ
ني ،قصريا أفطس. َّق ِِّ سودان ِمصر ذا َم َشافِر ،أي :عظيم الشَّفت ِ
نيُ ،م َشق َ
ِ َكا َن لقما ُن أسوَد ِم ْن
َ َ َ
()2
وقيل :كا َن حبشيا.
ف يف لقما َن :هل كان نبيَّا ،أو عبدا صاحلا ِم ْن غ ِري نُبُ َّوةٍ؟ على قولني:
السلَ ُ
ف َّاختل َ
ِِ ِ ِ
َّأويل أنَّهُ كان َوليَّا ومل يكن نبيَّا .وقال ِنُبُ َّوته عك ِرَمةُ والش ْ
َّعِ ر
يب. أهل الت ِ
مجهور ِ
ُ
يل. ِ ِ
اب أنَّهُ كان رجال حكيما قاضيا يف ي إسرائ َ
الص َو ُ
و َّ
وعن ٍ
جماهد :كان لُقما ُن عبدا صاحلا ومل يكن نبيَّا.
صا َةَ ِيف الْ َق ْوِل ِيف َغ ِْري نُبُ َّوةٍ(.)1 اه ٍد{ :ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} ،يَ ْع ِ ي :الْ ِف ْقهَ والْ َع ْقل و ِْ
اْل َ
عن ُجم ِ
َْ َ
َ ََ
صرح فِ ِيه ِنَ ْف ِي َك ْونِِه نَبِيًّاَ ،وِمْن َها َما ُه َو ُم ْشعٌِر قال ا ُن َكث ٍري رمحه هللا" :فَ َه ِاهِ ْاآل ََث ُر ِمْن َها َما ُه َو ُم َّ
اب قَ ْوِم َها؛ َوِِلََاا َكا َن َحس ِ ت تُْب َع ُ ِ
ث يف أ ْ َ الر رق يُنَ ِايف َك ْونَهُ نَبِيًّا؛ ِأل َّ
َن الر ُس َل َكانَ ْ َن َك ْونَهُ َعْبدا قَ ْد َم َّسه ِِّ ك؛ ِأل َّ ِ
ِ َال َ
السنَ ُد إِلَْي ِه ،فَِإنَّهُ َرَواهُ ا ْ ُن ِ مجُْهور َّ ِ
السلَف َعلَى أَنَّهُ َملْ يَ ُك ْن نَبِيًّاَ ،وإََِّّنَا يُْن َق ُل َك ْونُهُ نَبِيًّا َع ْن ع ْك ِرَمةَ -إِ ْن َ
ص َّح َّ ُُ
يلَ ،ع ْن َجاِ ٍرَ ،ع ْن ِع ْك ِرَمةَ فَ َق َالَ :كا َن لُْق َما ُن نَبِيًّاَ .و َجاٌِر ِ ِ ٍِ ِ ِ ِ ِ ٍِ
َجريرَ ،وا ْ ُن أَِب َحاِت م ْن َحديث َوكيع َع ْن إ ْسَرائ َ
يد ْ ِ
ضعِ ٌ َه َاا ُه َو ا ْ ُن يَِز َ
()2
اّللُ أ َْعلَ ُم".
يفَ ،و َّ اجلُْعف ريَ ،وُه َو َ
املشهور عن اجلمهوِر أنه كان رجال حكيما ومل يكن نبيَّا ،وهاا هو احلق إن شاء هللا تعاىل ،وهللا
ُ ف
()3
أعلم.
قال تعاىل{ :وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَِّ لَا تُشْرِكْ بِاللَِّهِ إِنَِّ الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان.]17:
هاه أوىل وأهم الوصااي يف موعظة لقمان ال نه ،نبهه فيها على أساس األمر ودعامته ،أوصاه ابلتوحيد
واحلار من الشرك ،وهاا ما ال خيطر على ابل عض اآلابء لغفلتهم ،ل إن عضهم يعلل ذلك أبننا
موحدون مسلمون ،فما الداعي لالك؟!
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} :وهاا شأن أهل الفضل مع أ نائهم؛ يقدمون ِلم املواعظ ،وخيوفوهنم
ابهلل ،وَياروهنم عقا ه ،ويرشدوهنم إىل ما يقرهبم من رهبم ولقائه.
إَّنا خص لقمان ا نه من ني سائر الناس العتبار األهم فاألهم ،قال تعاىل{ :وَأَنْذِرْ عَشِريَتَكَ
()1
الْأَقْرَبِنيَ} [الشعراء ،]817:وإَّنا هناه عن الشرك؛ ألنه اخلطر األعظم على عبادته ،وألنه ٌ
ظلم يف حق اخلالق
سبحانه وتعاىل ،لالك علل له فقال{ :إِنَِّ الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
وإن من الواجبات احملتمات على العبد أن يعرف معىن الشرك وخطره وأقسامه؛ وذلك حىت يسلم
توحيده ،ويصح إميانه.
الشرك لغة :كالشريك ،والشركة خمالطة الشريكني ،يقال اشرتكا مبعىن تشاركا ،وأشرك ابهلل :أي جعل
()1
له شريكا يف ملكه -تعاىل هللا عن ذلك.-
ف نَوٍع ِمن العِبادةِ
ص ْر ُ ْ َ َ َ الشرك اصطالحا :قال شيخ اْلسالم دمحم ن عبد الوهاب –رمحه هللاُ " :-ه َو َ
ك ِم ْن أَنْ َو ِاع العِبَ َادةِ اليت أََمَر هللاُ ِهبَا"(.)2 ِ إىل َغ ِري هللا ،أَو :هو أَ ْن ي ْدعو مع هللاِ َغي ره ،أَو ي ْق ِ
ص َدهُ ِغَ ِْري َذل َ ْ َُ ْ َ ُ َ َ َُ َ َ ْ
وقال الشيخ عبد الرمحن ن انصر السعدي -رمحه هللاُ " :-ه َو أَ ْن َْي َع َل هلل نِ َّدا يَ ْدعُوهُ َك َما يَ ْدعو هللاَ،
وعا َم ْن أَنو ِاع العِبَ َادة"(.)3 ف لَهُ نَ َ ص ِر َ
ب هللا ،أو يَ ْ
ِ
أو َخيَافُه ،أو يَ ْر ُجوه ،أو َُيبُه َك ُح ِِّ
-8خطر الشرك:
رك ابهلل أبنه ظُلم َعظيم ،ألن الظلم وضع الشيء يف غري موضعه ،فاملشرك وضع وصف لقما ُن ِِّ
الش َ لقد َ
وسوى ني اخلالق املالك املد ر و ني املخلوق الضعيف،
العبادة يف غري موضعها ،وصرفها لغري مستحقهاِّ ،
لالك أنكر هللا على أهل الشرك قائال{ :أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل ]13 :فهاا أعظم الظلم
والطغيان.
الشرك ابهلل تعاىل ِمن أعظم الكبائِر على اْلطالق ،ومن أكرب الانوب وأقبحها ،وكفى أنَّه لاا كان ْ
قبل أن ميوت ،قال تعاىل{ :إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا ِ َّ
الانْب الاي ال يَغفره هللا ،إالَّ ملَن َتب وأانب َ
دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء ،]72 :ومل يتوعد هللا جل وعال على ذنب مثلما
توعد على الشرك من الوعيد الشديد ،حىت كان سببا للحرمان من اجلنة واخللود يف النار ،قال تعاىل{ :إِنَّهُ
مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [املائدة.]38 :
) -(1انظر :النهاية البن األثري ( ،)766/8لسان العرب البن منظور (.)8872/7
) -(8جمموع مؤلفات شيخ اإلسالم دمحم بن عبدالوهاب ،قسم العقيدة (ص.)821
) -(7القول السديد يف مقاصد التوحيد (ص.)87
~~8
وقد خاطب هللا صفوة خلقه وهم الرسل قوله{ :ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [األنعام،]22:
ل وخاطب إمام املوحدين وسيد املرسلني دمحما ملسو هلآو هيلع هللا ىلص قوله{ :ولَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر.]66 - 69:
) -(1رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :االستئذان ،ابب :من اتَّ َكأَ بني يدي أصحابه( ،ح.)6837/
) -)8رواه أمحد يف مسنده ( ،)176/6وصححه الشيخ أمحد شاكر.
) -)7رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :األدب ،ابب :عقوق الوالدين من الكبائر( ،ح ،)9733/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان،
ابب :بيان الكبائر وأكربها( ،ح.)22/
) -)7رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :اجلنائز ،ابب :ما جاء يف اجلنائز ،ومن كان آخر كالمه :ال إله إال هللا ( ،ح.)1872/
) -)9رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :الوصااي ،ابب :ابب قول هللا تعاىل{ :إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا ،إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ
سَعِريًا}( ،ح ،)8366/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان ،ابب :بيان الكبائر وأكربها( ،ح.)27/
) -)6رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان ،ابب :من مات ال يشرك ابهلل شيئاً دخل اجلنة ،ومن مات مشركاً دخل النار( ،ح.)77/
~~9
بَ ،ع ْن أَِ ِيه ،قَ َال :لَ َّما يد ْ ِن املسيِِّ ِ والشرك ال يقبل هللا فيه شفاعة ولو كانت من النيب ملسو هيلع هللا ىلص ،فعن سعِ ِ
َُ َْ َ
ب الوفَاةُ دخل علَي ِه النَِّيب ملسو هيلع هللا ىلص و ِعْن َده أَ و جه ٍل وعب ُد َِّ ِ
َي اّلل ْ ُن أَِب أ َُميَّةَ ،فَ َق َال النِ ر
َّيب ملسو هيلع هللا ىلص« :أ ْ ت أ ََاب طَال ٍ َ َ َ َ َ ْ ر َ ُ ُ َ ْ َ َْ ضَر ْ
َح َ
اّللِ ْن أَِب أ َُميَّةََ :اي أ ََاب طَالِ ٍ اّلل أُحا رج لَك ِهبا ِعْن َد َِّ ِ ِ
َع ِِّم ،قُ ْل :الَ إلَهَ إَّال َُّ َ
ب اّلل» ،فَ َق َال أَُو َج ْه ٍلَ ،و َعْب ُد َّ ُ َ َ
ت{ :مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ب ،فَ َق َال النَِّيب ملسو هيلع هللا ىلصَ« :أل ِ
أَتَ ْر َغب َع ْن ِملَّ ِة َعْب ِد املطَّلِ ِ
ك» ،فَنَ َزلَ ْ ك َما َملْ أُنْهَ َعْن َ َستَ ْغفَر َّن لَ َ
ْ ر ُ
ُ
()1
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِنيَ ولَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ،مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ اجلَحِيمِ} [التوبة.]117 :
-7أقسام الشرك:
النوع األول :الشرك األكرب :وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغري هللا سبحانه وتعاىل ،وذلك كمن
ذ ح لغري هللا ،أو نار لغري هللا ،أو سجد لغري هللا ،أو ركع لغري هللا ،أو دعا غري هللا ،أو استغاث ابألموات،
أو غري ذلك ،فهاه العبادات كلها هلل ،وال تصرف إال له سبحانه وتعاىل ،ومن صرفها لغريه فقد أشرك شركا
أكرب.
وهاا النوع من الشرك خيرج صاحبه من امللة ،وَيرم عليه دخول اجلنة ،وخيلده يف النار ،وَيبط مجيع
()2
عمله ،ويبيح دمه وماله.
النوع الثاين :الشرك األصغر :كل عمل قوّل أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك لكنه ال ينايف
()3
التوحيد منافاة مطلقة.
وهو نوعان:
النوع األول :شرك يف األلفاظ :كمن َيلف غري هللا ،ومثل قول :لوال هللا وأنت ،ما شاء هللا وشئت.
النوع الثاين :شرك خفي :وهو الشرك يف اْلرادات والنيات ،كالرايء والسمعة ،كأن يعمل عمال مما
يتقرب ه إىل هللا؛ يريد ه ثناء الناس عليه.
) -)1رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :تفسري القرآن ،ابب :قوله{ :مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِنيَ}( ،ح ،)7639/ورواه
مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان ،ابب :أول اإلميان قول ال إله إال هللا( ،ح.)87/
) -)8انظر :دروس يف شرح نواقض اإلسالم للشيخ صاحل الفوزان (صـ.)77
) -)7القول املفيد على كتاب التوحيد (.)869/1
~ ~ 01
وخطر هاا النوع من الشرك عظيم ،ومن أتمل نصوص الشرع أدرك ذلك ،ولاا كان أصحاب رسول
هللا ملسو هيلع هللا ىلص خيافونه ،ل هو أخوف ما كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خيافه على أصحا ه ،فهاا النوع من الشرك َيبط
ول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص« :قَ َال هللاُ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل :أ ََان أَ ْغ َىن الشَررَك ِاء
العمل الاي يصاحبهَ ،ع ْن أَِب ُهَريْ َرةَ ه قَ َال :قَ َال َر ُس ُ
()1
الش ْرِكَ ،م ْن َع ِم َل َع َمال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي ،تََرْكتُهُ َو ِش ْرَكهُ».
َع ِن ِِّ
ول َِّ ٍ ِ
اف َعلَْي ُك ُم ِِّ
الش ْرُك َخ ُ ف َما أ َ اّلل ملسو هيلع هللا ىلص قَ َال« :إِ َّن أ ْ
َخ َو َ اري ه أ َّ
َن َر ُس َ َنص ِّو َع ْن ََْم ُمود ْ ِن لَبِيد األ َ
اّللُ َعَّز َو َج َّل َِلُْم يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة :إِ َذا
ول َّ اّللِ؟ قَ َالِِّ « :
الرَايءُ ،يَ ُق ُ ول ََّصغَُر َاي َر ُس َ َصغَُر» قَالُواَ :وَما ِِّ
الش ْرُك ْاأل ْ ْاأل ْ
()2
ين ُكْن تُ ْم تَُراءُو َن ِيف الدرنْيَا فَانْظُُروا َه ْل ََِت ُدو َن ِعْن َد ُه ْم َجَزاء». ِ َّ ِ ج ِزي الن ِ ِِ
َّاس أب َْع َماِل ْم :ا ْذ َهبُوا إ َىل الا َ
ُ َ ُ
والشرك األصغر خفي جدا ،يدخل على اْلنسان من حيث ال يشعر ،وقد نبه على هاا رسول هللا
َّج ِال؟» قَ َال:
يح الد َّف َعلَْي ُك ْم ِعْن ِدي ِم َن الْ َم ِس ِ َخ َو ُ ِ
ُخِربُُك ْم مبَا ُه َو أ ْ
ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث الاي يقول فيه« :أََال أ ْ
()3
ص َالتَهُ ،لِ َما يََرى ِم ْن نَظَ ِر َر ُج ٍل». الرجل ي ِ
صلِّي ،فَيُ َزيِِّ ُن َ
وم َّ ُ ُ ُ َ
الشرُك ْ ِ
اخلَف ري ،أَ ْن يَ ُق َ
ِ
قُ ْلنَاَ :لَى ،فَ َق َالْ ِّ « :
) -)1رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الزهد والرقائق ،ابب :من أشرك يف عمله غري هللا( ،ح.)8729/
) -)8رواه أمحد يف مسنده (( )77/77ح ،)87676/وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (.)186/1
) -)7رواه ابن ماجه يف سننه ،كتاب :الزهد ،ابب :الرايء والسمعة( ،ح ،)7867/من حديث أيب سعيد اخلدري هنع هللا يضر.
~ ~ 00
املطلب الثاني :الوصية الثانية :الوصية بالوالدين
قال تعاىل ﴾١٣﴿{ :وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِريُ ﴿ ﴾١٤وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ
إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿[ }﴾١٥لقمان.]19-17 :
ملا ذكر سبحانه وتعاىل ما أوصى ه ولده من شكر املنعم األول الاي مل يشركه يف إياده أحد ،وذكر
ما عليه الشرك من الفظاعة والشناعة والبشاعة ،أتبعه سبحانه وصيته للولد ابلوالد لكونه املنعم الثاين املتفرد
سبحانه كونه جعله سبب وجود الولد اعرتافا ابحلق وإن صغر ألهله ،وإيااان أبنه ال يشكر هللا من ال
يشكر الناس ،وتفخيما حلق الوالدين ،لكونه قرن عقوقهما ابلشرك ،وإعالما أبن الوفاء شيء واحد مىت
()1
نقص شيء منه تداعى سائره.
أمر هللا تعاىل ربِّ الوالدين ،جراي على عادة القرآن ،فإنه كثريا ما يقرن هللا تعاىل يف القرآن ني األمر
رب الوالدين ،كما يف قوله سبحانه{ :وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا
عبادة هللا واجتناب الشرك و ني األمر ِّ
تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة ،]27 :وقوله تعاىل{ :وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـئاً وَبِٱلْوََٰلِدَيْنِ إِحْسََٰنًا} [األنعام: [النساء ،]76 :وقوله تعاىل:
.]191وقوله{ :وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [اإلسراء .]87 :وهاا ارتباط عظيم ني حق هللا
يف التوحيد ،وحق الوالدين يف اْلحسان.
وجاء يف السنة النبوية الوصية ابلوالدين كالك ،والنهي عن عقوقهما ،ل جعله النيب ملسو هيلع هللا ىلص من أكرب
وق َّيب ملسو هيلع هللا ىلص َع ِن ال َكبَائِِر ،قَ َال« :ا ِْل ْشَر ُاك ِاب َّّللَِ ،وقَ ْتل النَّ ْف ِ
سَ ،وعُ ُق ُ ِ الكبائر ،ف َع ْن أَنَ ٍ
س ه قَ َالُ :سئ َل النِ ر
ُ
()2
الوالِ َديْ ِن».
َ
وطاعة الوالدين واْلحسان ِلما سبب لدخول اجلنة ،وقد دعا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على من أدرك أ ويه ومل
يكوان سببا دخوله اجلنة ،وكيف يكوان سببا دخوله اجلنة؟ ابْلحسان إليهما والرفق هبما والعناية هبما يف
) -(1رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الرب والصلة واآلداب ،ابب :رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدمها عند الكرب ،فلم يدخل اجلنة،
(ح.)8991/
) -(8رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :مواقيت الصالة ،ابب :فضل الصالة لوقتها( ،ح ،)983/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان،
ابب :بيان كون اإلميان ابهلل تعاىل أفضل األعمال( ،ح.)29/
) -(7رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :اجلهاد والسري ،ابب :اجلهاد إبذن الوالدين( ،ح ،)7667/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الرب
والصلة واآلداب ،ابب :بر الوالدين وأهنما أحق به ( ،ح.)8977/
) -(7انظر :تفسري القرطيب ( ،)67/17تفسري ابن كثري (.)776/6
) -(9تفسري السعدي (صـ.)672
) -(6فتح الباري البن حجر (.)16/8
~ ~ 03
قوله تعاىل{ :وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} :فطاعة الوالدين تكون يف غري
معصية هللا سبحانه وتعاىل ،ألنه ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق سبحانه ،فإذا ما دعاه لإلشراك ابهلل ،أو
لرتك فريضة واجبة عليه فال يطعهما ،ومل يقل" :وإن جاهداك على أن تشرك ب ما ليس لك ه علم
()1
فعقهما" ل قال{ :فَال تُطِعْهُمَا} أي :ابلشرك ،وأما رمها ،فاستمر عليه.
قوله{ :وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُِّنْيَا مَعْرُوفًا} :هاه اآلية دليل على صلة األ وين الكافرين مبا أمكن من املال
()2
إن كاان فقريين ،وإالنة القول والدعاء إىل اْلسالم رفق.
قوله{ :وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} :وهم املؤمنون ابهلل ،ومالئكته ،وكتبه ،ورسله ،املستسلمون لرهبم،
املنيبون إليه ،واتباع سبيلهم ،أن يسلك مسلكهم يف اْلان ة إىل هللا ،اليت هي اَنااب دواعي القلب وإراداته
()3
إىل هللاُ ،ث يتبعها سعي البدن ،فيما يرضي هللا ،ويقرب منه.
قال تعاىل{ :يَا بُنَيَِّ إِنَِّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَِّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَِّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَِّهُ إِنَِّ اللَِّهَ
يف هاا اجلزء من الوصية يلفت لقما ُن نظر ا نه ألمر عظيم ،يرب فيه حياة القلب ،ورقا ة الضمري ،أال
وعرفه ر ه الاي ال ختفى عليه خافية،
وهو رقا ة هللا ،يوصي لقما ُن ولده ويعلمه وياكره مبراقبة هللا عز وجلَّ ،
ولو كانت حبة صغرية يف هاا امللكوت العظيم.
فينبهه أبن أي مظلمة أو خطيئة أو ذنب ولو كان مثقال حبة من خردل فإنه َيضرها يوم القيامة
حني يضع املوازين القسط ،ولو كانت تلك الارة َمصنة َمجبة يف داخل صخرة صماء ،أو غائبة ذاهبة يف
()1
أرجاء السموات أو األرر فإن هللا أييت هبا؛ ألنه ال ختفى عليه خافية.
فالعبد ال د أن يعلم دائما أبن هللا ال خيفى عليه شيء من أموره ،وأنه مطلع عليه يف مجيع أحواله،
ألن مراقبة هللا يف السر والعلن هي أساس األعمال القلبية ،وعمودها الاي تقوم عليه ،وقد ذكر النيب صلى
()2
َّك تَ َراهُ ،فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك»
اّللَ َكأَن َ
هللا عليه وسلم املراقبة يف قوله عن اْلحسان« :أَ ْن تَ ْعبُ َد َّ
()3
واملراقبة هي :استدامة علم العبد ابطالع الرب عليه يف مجيع أحواله.
-اْلميان ابهلل وتعلق القلب ه ،واليقني أبنه مطلع على أعمال العباد.
-البعد عن املعصية :كما جاء يف الصحيحني( )4يف حديث السبعة الاين يظلهم هللا يف ظله يوم ال
ٍ ظل إال ظلِّه -ومنهم« :-ورجل دعْته امرأَةٌ َذات مْن ِ
اّللَ».
اف َّ ب َو َمجَال فَ َق َال :إِِِّين أ َ
َخ ُ صٍ ََ ُ ٌ َ َ ُ ْ َ ُ َ
-صالح السريرة ،وذلك أبن العبد إذا علم وأيقن أبن هللا مطَّلع عليه فإنه يرتك احلرام ،ألنه يعلم َّ
أبن
هللا{ :يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر.]17 :
الكبري{:إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِريٌ} [امللك.]18: -مغفرة الانوب واألجر
فعلى كل مسلم أن يرب نفسه وأ ناءه على هاا األمر ،أن يزرع يف نفوس أ نائه مراقبة هللا يف السر
والعلن ،واحلث على مراقبة هللا ،والعمل طاعته ،مهما أمكن ،والرتهيب من عمل القبيح ،قَ َّل أو َكثَُر(،)1
ألنه السبيل إىل السعادة يف الدنيا واآلخرة.
قال الشاعر:
ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَان وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّـ ْف ُ
س َداعيَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً إىل الع ْ ت بريْـبَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة يف ُُْل َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة
إذَا َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا َخلَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َ
وقال آخر:
ـب
ـل َعلَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي َرق ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ
ت َولَك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن قُـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ ت ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـد ْه َر يَـ ْوًمـ ـ ـ ـ ــا فَـ ـ ـ ـ ــال تَـ ُق ـ ـ ـ ـ ـ ْ
ـل َخلَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـو ُ إ َذا َمـ ـ ـ ـ ــا َخلَـ ـ ـ ـ ـ ْـو َ
قال تعاىل{ :يَا بُنَيَِّ أَقِمِ الصَِّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَِّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}
[لقمان]13 :
يوصي لقما ُن ا نه إبقامة الصالة ،وابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ،وابلصرب على ما أصا ه ،ولو
أتملنا هاه الثالثة؛ لوجدان فيها حقا هلل وهو الصالة ،وحقا للناس نفعهم وداللتهم على اخلري وإ عادهم عن
آخر وهو املشقة ،لالك كان الصرب عليها
أمر ُ
الشر ،وحقا للنفس وهو الصرب .وهاه األمور الثالثة يمعها ٌ
من عزم األمور.
الصالة لغة :الدعاء ،قال هللا تعاىل{ :خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَالَتَكَ
()1
ِ ِ ِ
ب ،فَِإ ْن َكا َن سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة ،]167:أي :ادع ِلم ،وقال النيب ملسو هيلع هللا ىلص« :إذَا ُدع َي أ َ
َح ُد ُك ْم فَ ْليُج ْ
ص ِِّلَ ،وإِ ْن َكا َن ُم ْف ِطرا فَ ْليَطْ َع ْم»( ،)2أي :فليدع ابلربكة واخلري واملغفرة(.)3
صائما فَ ْليُ َ
ِ
َ
والصالة يف الشرع :عبادة هلل ذات أقوال وأفعال معلومة خمصوصة ،مفتتحة ابلتكبري ،خمتتمة ابلتسليم،
ومسيت صالة الشتماِلا على الدعاء(.)4
والصالة واجبة ابلكتاب ،والسنة ،وإمجاع األمة ،على كل مسلم ابلغ عاقل ،إال احلائض والنفساء.
أما الكتاب :قال تعاىل{ :إِنَّ الصَّالَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِنيَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء ،]167:وقال سبحانه
وتعاىل{ :وَمَا أُمِرُوا إِال لِيَعْبُدُوا اهللَ مُخْلِصِنيَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّالةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة.]9:
) -)1انظر :النهاية يف غريب احلديث واألثر ( ،)96/7لسان العرب البن منظور (.)767/17
) -)8رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :النكاح ،ابب :األمر إبجابة الداعي إىل دعوة( ،ح ،)1771/من حديث أيب هريرة هنع هللا يضر.
) -)7انظر :النهاية يف غريب احلديث واألثر (.)96/7
) -)7انظر :املغين البن قدامة ( ،)9/7التعريفات للجرجاين (صـ .)137
~ ~ 07
ِ
سَ ،ش َه َادة أَ ْن َال إِلَهَ اْل ْس َال ُم َعلَى َخَْ ٍ وأما السنَّة :فعن ا ن عمر مهنع هللا يضر قال :قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ُِ « :ي ِْ
َ
ت ،و ِ ِ الص َالةِ ،وإِيت ِاء َّ ِ
َن َُمَ َّمدا َعْب ُدهُ َوَر ُسولُهَُ ،وإِقَ ِام َّ َ َ إَِّال هللاَُ ،وأ َّ
()1
ضا َن» . ص ْوم َرَم َ الزَكاةَ ،و َح ِِّج الْبَ ْي َ َ
اّللُ َعلَى وعن عبادة ن الصامت ه قال :مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقولَ« :خَْس صلَو ٍ
ات َكتَ بَ ُه َّن َّ ُ ََ
اجلَنَّةََ ،وَم ْن َملْ استِ ْخ َفافا ِِبَ ِِّق ِه َّنَ ،كا َن لَهُ ِعْن َد َّ
اّللِ َع ْه ٌد أَ ْن يُ ْد ِخلَهُ ْ الْعِب ِاد ،فَمن جاء هبِِ َّن َمل ي ِ
ضيِِّ ْع مْن ُه َّن َشْي ئا ْ
َُْ َ َْ َ َ
اّللِ َع ْه ٌد ،إِ ْن َشاءَ َع َّا َهَُ ،وإِ ْن َشاءَ أ َْد َخلَهُ ْس لَهُ ِعْن َد َّ ِ ِِ
()2
اجلَنَّةَ» . َأيْت هب َّن فَلَْي َ
وأما اْلمجاع :فقد نقل اْلمجاع على وجوب َخس صلوات يف اليوم والليلة :ا ن حزم ،وا ن رشد،
()3
والنووي ،وا ن تيمية.
منزلة الصالة يف اإلسالم:
س األ َْم ِر -الصالة عماد الدين الاي ال يقوم إال ه ،فعن معاذ ن جبل ه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قالَ « :رأْ ُ
ِِ ِ ِ
اد»(.)4
الص َالةَُ ،وذ ْرَوةُ َسنَامه اجل َه ُ
ودهُ َّ ا ِْل ْس َال ُمَ ،و َع ُم ُ
-أول ما َياسب عليه العبد من عمله الصالة :فعن أنس ن مالك ه عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال« :أ ََّو ُل َما
ت فَ َس َد َسائُِر ِ ب ِِه الْ َعْب ُد يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة َّ
صلَ َح لَهُ َسائُِر َع َمل ِهَ ،وإِ ْن فَ َس َد ْ ت َ الص َالةُ ،فَإِ ْن َ
صلَ َح ْ اس ُ َُيَ َ
َع َملِ ِه»(.)5
-آخر وصية أوصى هبا النيب ملسو هيلع هللا ىلص أمته قبل موته :فعن أم سلمة اهنع هللا يضر قالت :كان من آخر وصية رسول
ِ ِ الص َالةَ ،وما ملَ َكت أَْميَانُ ُكم» ح َّىت جعل نَِ ِ
ضص ْد ِرهَِ ،وَما يَفي ُ يب هللا ملسو هيلع هللا ىلص يُلَ ْجل ُج َها ِيف َ
ْ َ ََ َ ر الص َالةَ َّ َ َ َ ْ هللا ملسو هيلع هللا ىلصَّ « :
()6
ِهبَا لِ َسانُهُ.
-مدح هللا القائمني هبا ومن أمر هبا أهله :فقال تعاىل{ :وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ
وَكَانَ رَسُوالً نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّالةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مرمي.]99-97:
) -(1رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :اإلميان ،ابب :قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص« :بين اإلسالم على مخس»( ،ح ،)2/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب:
اإلميان ،ابب :قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص« :بين اإلسالم على مخس»( ،ح.)16/
) -(8رواه أبو داود يف سننه كتاب :الصالة ،ابب :فيمن مل يوتر( ،ح ،)1786/وصححه األلباين يف صحيح أيب داود (.)866/1
) -(7انظر :احمللى البن حزم ( ،)7/8وبداية اجملتهد البن رشد ( ،)27/1واجملموع للنووي ( ،)7/7وجمموع فتاوى ابن تيمية (.)166/79
) -(7رواه الرتمذي يف سننه ،أبواب اإلميان ،ابب :ما جاء يف حرمة الصالة( ،ح ،)8616/وحسنه األلباين يف إرواء الغليل (.)172/8
) -(9أخرجه الطرباين يف األوسط (( )876/8ح ،)1297/وقال األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (" :)776/7وابجلملة فاحلديث
صحيح مبجموع طرقه وهللا أعلم".
) -(6رواه أمحد يف مسنده (( )27/77ح ،)86727/وصححه األلباين يف إرواء الغليل (.)872/3
~ ~ 08
-ذم هللا املضيعني ِلا واملتكاسلني عنها :قال هللا تعاىل{ :فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّالةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مرمي ،]97:وقال تعاىل{ :إِنَّ الْمُنَافِقِنيَ يُخَادِعُونَ اهللَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّالَةِ
) -(1رواه الرتمذي يف سننه ،أبواب اإلميان ،ابب :ما جاء يف حرمة الصالة( ،ح ،)8616/وحسنه األلباين يف إرواء الغليل (.)172/8
( )171/11( -8ح.)6936/
) -(7رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :مواقيت الصالة ،ابب :فضل الصالة لوقتها( ،ح ،)983/ورواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :اإلميان،
ابب :بيان كون اإلميان ابهلل تعاىل أفضل األعمال( ،ح.)29/
) -(7رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :املساجد ومواضع الصالة ،ابب :املشي إىل الصالة متحى به اخلطااي وترفع به الدرجات( ،ح.)662/
) -(9رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الطهارة ،ابب :الصلوات اخلمس واجلمعة إىل اجلمعة ورمضان إىل رمضان مكفرات ملا بينهن ما اجتنبت
الكبائر( ،ح.)877/
) -(6رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الصالة ،ابب :فضل السجود واحلث عليه( ،ح.)722/
~ ~ 21
ت أَِ ُ
يت -من أعظم أسباب دخول اجلنة رفقة النيب ملسو هيلع هللا ىلص :فعن ر يعة ن كعب األسلمي ه قالُ :كْن ُ
اجلَن َِّة .قَ َال« :أ َْوك ِيف ْ ول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص فَأَتَي تُه ِوضوئِِه وح ِ ِ
مع رس ِ
َسأَلُ َ
ك ُمَرافَ َقتَ َ ت :أ ْ اجته فَ َق َال ِّلَ « :س ْل» فَ ُق ْل ُ ْ ُ َ ُ ََ َ ََ َُ
ود»(.)1 َع ِ ي علَى نَ ْف ِسك ِ َكثْ رةِ ال رسج ِ ِ ِ
ُ َ َ تُ :ه َو ذَ َاك .قَ َال« :فَأ ِّ َ ك» قُ ْل ُ َغْي َر ذَل َ
-انتظارها رابط يف سبيل هللا :حلديث أب هريرة ه أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال« :أََال أ َُدلر ُك ْم َعلَى َما ميَْ ُحو
ول هللاِ قَ َال« :إِسباغُ الْوض ِ
وء َعلَى الْ َم َكا ِرهَِ ،وَكثْ َرةُ ات؟» قَالُوا َلَى َاي َر ُس َ اخلطَااي ،وي رفَع ِِه الدَّرج ِ ِِ
َْ ُ ُ ََ هللاُ ه َْ َ َ َ ْ ُ
ط»(.)2 الص َالةِ ،فَ َالِ ُكم ِِّ
الرَاب ُ َّ دَ ع
ْ َ
الص َالةِ
َّ ار
ُ ظ
َ اج ِد ،وانْتِ
َ
اخلطَا إِ َىل الْمس ِ
ُْ
ُ ََ
عد أن أمر لقما ُن ا نه ابلصالة اليت هي عمود الدين ،أمره ابلقيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر
الاي هو سفينة النجاة ،واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر شعرية عظيمة ،هبا انلت األمة اخلريية على ابقي
األمم{ :كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران.]116:
واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر مسةٌ تدل على فاعلية هاه األمة ،وأهنا دوما تسعى لإلصالح
امر تُلقى ،ل منهج إصالح وتغيري.
واخلري ،وهو ليس جمرد أو َ
واملعروف :اسم جامع لكل ما عرف من طاعة هللا ،والتقرب إليه واْلحسان إىل الناس ،وكل ما ندب
إليه الشرع وهنى عنه من احملسنات واملقبحات .واملنكر :ضد املعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو
()3
منكر.
فمعىن األمر ابملعروف :الدعوة إليه ،والرتغيب فيه ،ومتهيد أسبا ه حىت تتوطد أركانه ،وتتطرق سبله،
ويعم اخلري ه .ومعىن النهي عن املنكر :الصد عنه ،والتنفري منه ،ومقاومته ،وأخا السبل عليه حىت ال يقع
أصال ،أو يتكرر.
) -(1رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :املساجد ومواضع الصالة ،ابب :املشي إىل الصالة متحى به اخلطااي وترفع به الدرجات ( ،ح.)666/
) -(8رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الطهارة ،ابب :فضل إسباغ الوضوء على املكاره( ،ح.)891/
) -(7انظر :النهاية يف غريب احلديث واألثر البن األثري ( .)816/7لسان العرب البن منظور (.)877/9
~ ~ 20
قال شيخ اْلسالم ا ن تيمية رمحه هللا" :األَمر ابملعر ِ
وف والنَهي َع ِن املن َك ِر ُهو ِم ْن أَْو َج ِ
ب األَ ْع َم ِال َ َ ْ ُ ُْ
()1
ضلِ َها َوأَ ْح َسنِ َها".
َوأَفْ َ
الدين ،وعُ ْم َدةٌ ِم ْن عُ َم ِد
روف والنَّهي ع ِن املْن َك ِر أَصل يف ِِّ
ٌْ ُ َ
ويقول أ و كر ن العرب" :األَمر ابملع ِ
ُ ْ
()2
اسَ ،مثىن وفُر َادى ِ َش ْر ِط ال ُق ْدرةِ َعلَْيه".
ر َعلى َمجي ِع النَّ ِ
وه َو فَ ْر ٌ
املسلمنيُ ،
ومما يؤكد مكانة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر يف اْلسالم أن هللا تعاىل قد ذكر من أوصاف
الصاحلني أهنم أيمرون ابملعروف وينهون عن املنكر ،قال هللا تعاىل{ :لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ
آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ -يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
اتفق علماء األمة على القول وجوب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فيما أثر عنهم من األقوال
مستدلني على ذلك ابلكتاب والسنة ،ومن ذلك على سبيل املثال ما يلي:
قال ا ن حزم" :اتِّفقت ْاألمة كلها على وجوب ْاألَمر ِابلْمعر ِ
وف َوالن َّْهي َعن الْ ُمنكر ِ َال خالف منَ ُْ َ
()3
أحد ِمْن ُهم".
وقد رجح شيخ اْلسالم ا ن تيمة ،والقرطيب ،وا ن العرب ،كونه واجب على الكفاية(.)4
وقد ينتقل من واجب كفائي إىل عي ي ،كما قال النوويُ" :ث إنه قد يتعني كما إذا كان يف موضع ال
يعلم ه إال هو ،أو ال يتمكن من إزالته إال هو ،كمن يرى زوجته أو أوالده أو غالمه على منكر ،أو تقصري
يف املعروف"(.)5
()٦
الصفات اليت ينبغي أن تتوافر يف اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر:
-اْلخالص :فينبغي ملن أيمر ابملعروف وينهى عن املنكر أن ينوي يف ذلك وجه هللا تعاىل ،ويعل نيته
خالصة له سبحانه ،وأن يقصد عمله هاا أن تكون كلمة هللا هي العليا وأن يكون هللا عز وجل هو املطاع
رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور ،]72:وقال تعاىل{ :وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[املزمل،]16:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[األحقاف{ ،]79:فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم.]72:
( )٤
املفاسد املرتتبة على ترك إنكار املنكر:
) -(1رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الزهد والرقائق ،ابب :من أشرك يف عمله غري هللا( ،ح.)8729/
) -(8رواه ابن حبان يف صحيحه ،كتاب :الرب واإلحسان ،ابب :الرفق ،ذكر األمر بلزوم الرفق يف األشياء إذ دوامه عليه زينته يف الدنيا
واآلخرة( ،ح ،)991/وصححه األلباين يف التعليقات احلسان (.)78/8
) -(7رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :استتابة املرتدين واملعاندين وقتالم ،ابب :إذا عرض الذمي وغريه بسب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ومل يصرح ،حنو
قوله :السام عليك( ،ح.)6783/
) -)7القول البني األُهر يف الدعوة إىل هللا واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر للراجحي (صـ .)126
~ ~ 24
-5أن رتك إنكار املنكر يندرس العلم ويكثر اجلهل ،فإن املعصية إذا تكرر صدورها من كثري من
الناس ،ومل ينكرها أهل الدين والعلم والفضل ،ظن اجلاهل أهنا ليست معصية ،ورمبا ظن أهنا عبادة
مستحسنة ،وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم هللا حالال ،ورؤية الباطل حقًّا ،وانقالب احلقائق على
الناس؟!
-6أن السكوت عن املنكر مع إعالن العاصي ملعصيته وإظهارها ،إذن ودعوة إىل تقليد العاصي،
وتزيني للمعصية يف صدور الناس ،والناس يقتدي عضهم بعض ،واْلنسان مولع ابالقتداء أبقرانه و ي
جنسه.
()١
احلامل على األمر باملعروف والنهي عن املنكر:
اآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر والداعية إىل هللا تعاىل ال د له من ابعث يبعثه ،وحامل َيمله على
القيام أبداء هاا الواجب العظيم ،واألمور اليت حتمل اآلمر والناهي وتبعثه على األمر والنهي والدعوة إىل هللا
تعاىل كثرية متعددة منها:
-1رجاء ثواب هللا تعاىل ،والطمع فيما لديه سبحانه من املثو ة العظيمة ،واألجر اجلزيل على أداء
هاه الوظيفة العظيمة.
-2خوف عقاب هللا تعاىل والتعرر لسخطه وغضبه ونقمته يف ترك واجب عظيم من واجبات
اْلسالم ،ه يقوم الدين ويستقيم.
-3االقتداء ابلرسل الكرام عليهم الصالة والسالم ،فإن الدعوة إىل هللا واألمر ابملعروف والنهي عن
املنكر وظيفة الرسل وأتباعهم ،كما قال تعاىل{ :قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِريَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي}[يوسف.]162:
-4النصيحة للمؤمنني والرمحة ِلم ،ورجاء إنقاذهم مما وقعوا فيه من التعرر لعقو ة هللا يف الدنيا
واآلخرة.
-5الغرية هلل والغضب حملارمه لئال تنتهك ،وحدوده لئال تضاع ،ودينه لئال يرتك ،وأمره لئال يضاع
ويطِّرح.
ملا كان القا ض على دينه يف غالب األزمان كالقا ض على اجلمر ،ألنه خيالف املعظم فريمونه عن
قوس واحدة ال سيما أن أمرهم وهناهم()1؛ قال{ :وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}.
تعريف الصرب:
ِ
َي َحبَ ْستُ َها( .)2وأييت مبعىن الثبات: ت نَ ْف ِسي َعلَى َذل َ
ك ْاأل َْم ِر ،أ ْ صبَ ْر ُ
الصرب لغة :احلبس ،يقالَ :
كقوله تعاىل{ :وَاسْتَعِينُوا بِالصَِّبْرِ}[البقرة ،]79:أي :ابلثبات على ما أنتم عليه من اْلميان.
والصرب اصطالحا :حبس النفس عن اجلزع ،واللسان عن التشكي ،واجلوارح عن لطم اخلدود وشق
()3
الثياب وحنومها.
أو :هو ُخلُ ٌق فاضل من أخالق النفس مينع صاحبه من فعل ما ال ََْي ُس ُن ،وال يمل ،وهو قوة من
()4
قوى النفس اليت هبا صالح شأهنا ،وقوام أمرها.
أنواع الصرب:
عَلَيها ال نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَِّقوى}[طه ،]178:فيجب على املسلم أن يعود نفسه على الصرب يف
ثالثة مواضع:
األول :صرب قبل الطاعة إبخالص النية هلل ،والتربؤ من شوائب الرايء.
مَقَامَ رَبِِّهِ ونَهَى النَِّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَِّ الْجَنَِّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات.]71-76:
-3الصرب على املصائب واحملن :وهو الصرب على ما يقدره هللا سبحانه وتعاىل على عباده من كوارث
مفجعة ،ومصائب مؤملة؛ كفقد عزيز ،أو زوال الصحة وغريها من اال تالءات ،ولقد وصف هللا عباده
قوله{ :ولَنَبْلُونَِّكُم بِشَيْءٍ مِِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ونَقْصٍ مِِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَِّمَرَاتِ وَبَشِِّرِ الصا رين
الصَِّابِرِينَ}[البقرة ،]199:ووعد هللا عباده الصا رين ابألجر العظيم ،فعن أنس ن مالك ه قال :مسعت
يدَ :عْي نَ ْي ِه(.)1
ضتُهُ ِمْن ُه َما اجلَنَّةَ» يُِر ُ ِ ِ ِ
اّللَ قَ َال :إِ َذا ا ْتَ لَْي ُ
ت َعْبدي ِبَبِيبَ تَ ْيه فَ َ
صبَ َرَ ،ع َّو ْ رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول« :إِ َّن َّ
حكم الصرب:
الصرب واجب ابجلملة إبمجاع الفقهاء ،قال هللا سبحانه وتعاىل{ :يَا أَيُِّهَا الَِّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا
()2
وَرَابِطُوا وَاتَِّقُوا اللَِّـهَ لَعَلَِّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران ،]866:أما حكمه التفصيلي فيختلف ابختالف نوع املصبور عنه
أو املصبور عليه ،فلكل نوع حكم خيصه من األحكام التكليفية اخلمسة:
-الصرب املندوب :هو الصرب على فعل املستحبات ،وعن فعل املكروهات ،أو عما هو خالف
األفضل ،ومثال ذلك :أن مقا لة السيئة مبثلها جائزة يف اْلسالم ،وأفضل منها العفو والصفح ،فلو أن
إنساان أساء إليك فإنه يستحب لك أن تصرب عليه.
) -(1رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :املرضى ،ابب :فضل من يصرع من الريح( ،ح.)9698/
) -(8انظر :عدة الصابرين البن القيم (صـ .)96
~ ~ 27
-الصرب احملرم :كمن يصرب عن الطعام والشراب حىت ميوت ،أو ميسك عن حلم اخلنزير أو عن امليتة يف
املخمصة واجملاعة حىت املوت ،أو يصرب على ما يهلكه من سبع أو حية ،أو حريق ،وهو يستطيع مدافعة
ذلك ابألسباب النافعة.
-الصرب املكروه :كمن يصرب عن الطعام والشراب حىت يتضرر الك دنه.
من فضائل الصرب اليت ذكرها هللا سبحانه وتعاىل يف كتا ه العزيز ما أييت:
مضاعفة أجر الصا رين ،قال تعاىل{ :أُولَـئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَِّرَِّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ويَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَِّيِِّئَةَ وَمِمَِّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[القصص.]97:
أن هللا سبحانه وتعاىل علق النصر ابلصرب والتقوى ،قال تعاىل{ :بَلى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَِّقُوا ويَأْتُوكُم مِِّن
فَوْرِهِمْ هَـذا يُمْدِدْكُمْ رَبُِّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِِّمِنيَ}[آل عمران.]189:
أخرب هللا سبحانه وتعاىل أن مالئكته تسلم على الصا رين يف اجلنة صربهم ،قال تعاىل{ :جَنّاتُ
عَدنٍ يَدخُلونَها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِِّيّاتِهِم وَاملَالئِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِِّ بابٍ * سَالمٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ
وردت عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص العديد من األحاديث يف فضل الصرب وأمهيته ،ومن تلك األحاديث ما أييت:
الصرب دليل على قوة اْلميان :فعن صهيب ن سنان ه قال :قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلصَ « :ع َجبا ِأل َْم ِر
َصا َْتهُ َسَّراءُ َش َكَر ،فَ َكا َن َخْي را لَهَُ ،وإِ ْن الْم ْؤِم ِن ،إِ َّن أَمره ُكلَّه خي ر ،ولَيس ذَ َاك ِأل ٍ ِ ِ
َحد إَِّال للْ ُم ْؤم ِن ،إِ ْن أ َ
َ ْ َُ ُ َ ْ ٌ َ ْ َ ُ
()1
صبَ َر فَ َكا َن َخْي را لَهُ» .
ضَّراءَُ ،
َصا َْتهُ َ
أَ
) -(1رواه مسلم يف صحيحه ،كتاب :الزهد والرقائق ،ابب :املؤمن أمره كله خري( ،ح.)8777/
~ ~ 28
يب امل ْسلِ َمِ ،م ْن
ُ
الصرب ابب لتكفري السيئات :فعن أب هريرة ه قال :قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص« :ما ي ِ
ص َ ُ
ُ
اّللُ ِهبَا ِم ْن
بَ ،والَ َه ٍِّم َوالَ ُح ْزٍن َوالَ أَذى َوالَ َغ ٍِّمَ ،ح َّىت الش َّْوَك ِة يُ َشا ُك َها ،إَِّال َكفََّر َّ صٍ ب َوالَ َو َ صٍ نَ َ
َخطَ َاايهُ»(.)1
اّللِ ،أَ ر
ي ول َّ تَ :اي َر ُس َ الصرب يزيد املسلم قراب من هللا تعاىل :فعن سعد ن أب وقاص ه قال :قُ ْل ُ
ِ الرجل علَى حس ِ ِ ِ ِ
ب دينه ،فَِإ ْن َكا َن دينُهُ ُ
ص ْلبا ِ
َش رد ََالء؟ قَ َال« :األَنْبيَاءُ ُُثَّ األ َْمثَ ُل فَاأل َْمثَ ُل ،فَيُ ْب تَ لَى َّ ُ ُ َ َ َ الن ِ
َّاس أ َ
ب ِدينِ ِه ،فَ َما يَْب َر ُح البَ َالءُ ِاب َلعْب ِد َح َّىت يَْت ُرَكهُ ميَْ ِشي َعلَى
ا ْشتَ َّد ََال ُؤهُ ،وإِ ْن َكا َن ِيف ِدينِ ِه ِرقَّةٌ ا ْتُلِي َعلَى َحس ِ
َ َ َ
()2 ِ ِ
ر َما َعلَْيه َخطيئَةٌ» . األ َْر ِ
) -(1رواه البخاري يف صحيحه ،كتاب :املرضى ،ابب :ما جاء يف كفارة املرض( ،ح.)9671/
) -(8رواه الرتمذي يف سننه ،أبواب الزهد ،ابب :ما جاء يف الصرب على البالء( ،ح ،)8772/وحسنه األلباين يف مشكاة املصابيح
(.)778/1
~ ~ 29
املطلب اخلامس :الوصية اخلامسة :التواضع و ذم الكرب واالختيال والفخر
قال تعاىل{ :وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿ ﴾١٨وَاقْصِدْ فِي
مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ ﴿}﴾١٩
خلُ ٌق ماموم ،يكفي أنه خلق إ ليس ،وأول ذنب عُصي هللاُ ه ،قال تعاىل{ :وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ِ
الكْب ُر ُ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىَٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرةِ ،]77:لاا وجه لقما ُن ا نَه إىل التواضع مع
الناس يف موعظته له ،فقال{ :وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
{وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} :قال ا ن عباس ه" :أي :ال تتكرب؛ فتحقر عباد هللا ،وتعرر عنهم
ار ِابلْ َو ْج ِه َع ِن الن ِ
َّاس"( ،)2وقال مقاتل" :ال ود و ِْ
اْل ْعَر ُ ص ُد ُ َ
()1
وجهك إذا كلموك" ،وقال جماهدُ " :ه َو ال ر
تعرر وجهك عن فقراء الناس إذا كلموك فخرا ابخليالء والعظمة"(.)3
اّللُ( .)4قال ك َّ ضَ {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} :أي :ج ْاال متَ َكِربا جبَّارا عنِيداَ ،ال تَ ْفعل ذَلِ َ ِ
ك يُْبغ ُ َُ َ ُ ِّ َ َ
اخلُلُ ِق ُم َال ِزُمو َن لِْل َف ْخ ِر
اج ٍةَ ،وأ َْه ُل َه َاا ْ
ط َوالْ َم ْش ُي فَ َرحا ِيف َغ ِْري ُش ْغ ٍل َوِيف َغ ِْري َح َ
َّشا ُ
القرطيبَ " :وُه َو الن َ
ال ِيف ِم ْشيَتِ ِه"(.)5
ِح خمُْتَ ٌ وْ ِ
اخلُيَ َالء ،فَالْ َمر ُ َ
َي َعلَى َغ ِْريهِ( ،)6وقال مقاتل: ِِ {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} :خمُْتَ ٍالُ :م ْع َج ٍ
ب ِيف نَ ْفسه ،فَ ُخ ٌ
ور :أ ْ
()7
"يع ي كل طر مرح فخور يف نعم هللا تعاىل ال أيخاها ابلشكر".
فإن أقبح األصوات {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ} :يع ي واخفض من صوتك َّ
يما َال فَائِ َدةَ فِ ِيه؛ لصوت احلمري( .)3قال ا ن كثري رمحه هللا" :أَيَ :ال تُبالِ ْغ ِيف الْ َك َالِم ،وَال تَرفَع صوتَك فِ
َ ْ ْ َْ َ َ َ ْ
اح ٍد :إِ َّن أَقْ بح ْاأل ِ
اه ٌد و َغي ر و ِ ِ ِ
تص ْو ُ َص َوات لَ َ ََ ْ َوِلََاا قَ َال تَ َع َاىل{ :إِنَّ أَنْكَرَ األصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ} قَ َال ُجمَ َ ْ ُ َ
احل ِم ِري ،أَيَ :غايةُ من رفَع صوتَه أَنَّه يشبه ِاب ْحل ِم ِري ِيف علُ ِوهِ ورفْعِ ِه ،ومع ه َاا هو غِيض إِ َىل َِّ
اّلل تَ َع َاىلَ .وَه َاا ُ ِّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ َ َْ ُ ُ ُ َ َْ
َّ ِ ()4 التَّ ْشبِيه ِيف ه َاا ِاب ْحل ِم ِري ي ْقتَ ِ
ضي َْحت ِرميَهُ َوذَ َّمهُ َغايَةَ الا ِّم". َ َ ُ َ
تعريف التواضع:
()5
الر ُج ُل :إذا تَ َالَّ َل.
اض َع َّ
التواضع لغة :التالل ،وتَ َو َ
ط ني ِ
الك ْرب والتواضع اصطالحا :رضا اْلنسان مبنزلة دون ما يستحقره فضله ومنزلته .وهو وس ٌ
فالض َعة :وضع اْلنسان نفسه مكاان يزري ه تضييع ِِّ
حقه .و ِ الض َعةِِّ ،
و ِِّ
()6
الك ْرب :رفع نفسه فوق قدره.
()7
وقيل هو :إظهار التَّنرزل عن املرتبة ملن يراد تعظيمه ،وقيل :هو تعظيم َمن فوقه فضله.
الرتغيب يف التواضع:
قال هللا تعاىل{ :وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى األَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان ،]67:قال ا ن القيِِّم رمحه هللا:
"أي :سكينة ووقارا ،متواضعني غري أشرين وال َم ِرحني وال ِِّ
()8
متكربين".
ويف ختام حديثنا اليوم عن لقمان ووصاايه ،نرى أن شخصية لقمان من الشخصيات املهمة يف كتاب
هللا سبحانه وتعاىل ،واليت جعلها عربة وعظة .إن لقمان وما أنزله هللا عليه من حكمة هو أ لغ شيء وأعلى
منزلة يب أن يتعلم منها الناس ،فإن حديث لقمان مع ا نه وحكمته يف إسداء النصح ميثل منهجا تر واي
عظيما .ووصاايه انفعة ،ونصائح غالية ،وحكم نبيلة ،وتوجيهات سديدة ،يقدمها لقمان ال نه ،ليكون ا نا
ابرا ،يتعامل مع الناس ِبسن اخللق وطيب املعاملة ،يعرف للناس حقوقهم ،وال ينسى حق هللا عليه.
فحري ابآلابء واملر ني أن يستفيدوا من تلك الوصااي يف تر ية أ نائهم ،وتوجيه تالمياهم ،فهي ال
شك املنهاج الصحيح ألصول الرت ية احلسنة الناجحة ،والطريقة املثلى ْلعداد جيل صاحل على أساس قوي
من عقيدة التوحيد ،يعرف حقوق ر ه ،وحقوق والديه ،وحقوق جمتمعه.
ال سبيل لفالحهم وَناحهم يف هاه احلياة إال أن ينهلوا من سنن اْلسالم ومنهاجه القومي يف تر ية
أ نائهم ،ويف إصالح نفوسهم ،وتثبيت عقيدهتم ،وتعليمهم مبادئ اخلري والفضيلة ،وتنشئتهم على األخالق
احلميدة.
أسأل هللا عز وجل أن يوفق ي وإايكم للعمل مبا علمنا ،وأن يعلمنا ما جهلنا ،إنه خري مأمول ،وأكرم
مسؤول ،وهللا من وراء القصد ،وهو اِلادي إىل سواء السبيل.
وصلى هللا وسلم على رسوله دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وعلى آله وصحبه أمجعني.
~ ~ 33