You are on page 1of 33

‫ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّـهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ‬

‫اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿‪ ﴾١٢‬وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ‬

‫الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿‪ ﴾١٣‬وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ‬

‫وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِريُ ﴿‪ ﴾١٤‬وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى‬

‫أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ‬

‫سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿‪ ﴾١٥‬يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن‬

‫تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا‬

‫اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِريٌ ﴿‪ ﴾١٦‬يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ‬

‫وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿‪ ﴾١٧‬وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا‬

‫تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿‪ ﴾١٨‬وَاقْصِدْ فِي‬

‫مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ ﴿‪﴾١٩‬‬

‫~‪~2‬‬
‫املقدمة‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن دمحما‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَال تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونََّ} [سورة آل عمران‪.]201:‬‬

‫{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَاالً كَثِرياً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ‬

‫الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًﱟ} [سورة النساء‪.]2:‬‬

‫{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْالً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ‬

‫فَوْزاً عَظِيماً} [سورة األحزاب‪.]02-00 :‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فخري القصص‪ ،‬وخري املواعظ‪ ،‬وخري احلِ َكم‪ ،‬تلكم القصص واملواعظ واحلكم الواردة يف كتاب هللا‬
‫وسنة نبيه ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬إذ هللا سبحانه وتعاىل قد خلق اخللق وهو سبحانه أعلم هبم وأعلم مبا ينفعهم‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَِّطِيفُ الْخَبِريُ} [سورة امللك‪.]21:‬‬

‫ردا مجيال‪ ،‬وتبصر اخللق مبا ينفعهم؛ أمر هللا نبيه‬


‫وملا كانت املواعظ ترقق القلوب وتردها إىل احلق َّ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص هبا فقال‪{ :‬وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} [سورة النساء‪.]36:‬‬

‫رسول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص َم ْو ِعظَة‬


‫وعظَنَا ُ‬
‫أمر ر ه‪ ،‬ومن هاا ما ذكره العرابر ن سارية ه‪َ " :‬‬
‫وامتثل النيب ملسو هيلع هللا ىلص َ‬
‫ت منها العيو ُن"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫القلوب‪ ،‬وذَ َرفَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ت منها‬
‫وجلَ ْ‬
‫ومن املواعظ واحلكم اليت ذكرها هللا تعاىل يف كتا ه‪( :‬وصااي لقمان البنه)‪ ،‬ذكرها سبحانه وتعاىل‬
‫لنتأملها ونتد رها ونعمل مبقتضاها‪.‬‬

‫)‪ -)1‬رواه أمحد يف مسنده (‪( )763/82‬ح‪ ،)13178/‬والرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب العلم‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف األخذ ابلسنة واجتناب البدع‪،‬‬
‫(ح‪ ،)8636/‬وغريمها‪ ،‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪( )616/8‬ح‪.)773/‬‬
‫~‪~3‬‬
‫ولو أتملنا هاه الوصية اجلامعة الشاملة لوجدانها مجعت خريا كثريا‪ ،‬فقد أوصى لقمان احلكيم ا نه‬
‫وصااي مجعت ني أصول العقيدة‪ ،‬والشريعة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬ومراقبة هللا يف السر والعلن‪ ،‬وإقامة الصالة‪ ،‬واألمر‬
‫ابملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬والصرب على ما نزل ه من مصائب‪ ،‬واالتِِّصاف لِني اجلانب‪ ،‬واال تعاد عن‬
‫ُ‬
‫التكرب‪ ،‬والتحدرث إىل الناس لُطف‪ ،‬مع خفض الصوت‪ ،‬واال تعاد عن الغلظة يف الكالم‪.‬‬ ‫ر‬
‫وقد قمت تقسيم احملاضرة إىل فصلني‪:‬‬

‫أما الفصل األول‪ :‬ففيه التعريف لقمان احلكيم‪ ،‬ويندرج حتته عدة مطالب‪.‬‬

‫والفصل الثاين‪ :‬ففيه الوصااي اليت أوصى هبا لقما ُن ا نه‪ ،‬وقد جعلت كل وصية يف مطلب‪.‬‬

‫واآلن‪ :‬فلنتمعن يف هاه الوصية العظيمة‪ ،‬اليت خلَّدها هللا يف كتا ه العظيم؛ لتكون لنا وللعاملني منارة‬
‫وم ْعلَ َم توجيه‪ ،‬سائلني هللا سبحانه وتعاىل أن ينفعنا هبا‪ ،‬وأن يرزقنا فهمها والعمل هبا‪.‬‬
‫هدى‪َ ،‬‬

‫~‪~4‬‬
‫الفصل األول‪{ :‬التعريف بلقمان احلكيم}‬

‫املطلب األول‪{ :‬امسه ونسبه}‬

‫هو لقمان ن ابعوراء ا ن َان ُح َور ن ََترٍِح‪ ،‬وهو َآزُر أ و إ راهيم‪ ،‬وقيل‪ :‬هو لقمان ا ن َعْن َقاءَ ن‬
‫(‪)1‬‬
‫َسرو َن‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪{ :‬أوصافه}‬

‫الرجلَ ِ‬
‫ني‪ ،‬قصريا أفطس‪.‬‬ ‫َّق ِِّ‬ ‫سودان ِمصر ذا َم َشافِر‪ ،‬أي‪ :‬عظيم الشَّفت ِ‬
‫ني‪ُ ،‬م َشق َ‬
‫ِ‬ ‫َكا َن لقما ُن أسوَد ِم ْن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقيل‪ :‬كا َن حبشيا‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪{ :‬صفاته}‬


‫النفس‪ ،‬ي ِفي ِ‬
‫ويكرم‬
‫ُ‬ ‫عهده‪،‬‬ ‫عفيف ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ويكف لسانَه‪،‬‬
‫ر‬ ‫صره‪،‬‬
‫ض َ‬
‫كان لقمان صاحلا حكيما وفطينا‪ ،‬يغ ر‬
‫سكِيتا‪،‬‬
‫وع َّف ٍة‪ ،‬وكان رجال ِّ‬
‫صادق احلديث‪ ،‬صاحب أمان ٍة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يق القلب‪،‬‬
‫ويرتك ما ال يعنيه‪ ،‬وكان رق َ‬
‫ضي َفه‪ُ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫يعبث وال يضحك‪.‬‬
‫يل التفكر‪ ،‬ال ُ‬‫طو َ‬
‫املطلب الرابع‪{ :‬مهنته}‬

‫ب ُك َّل يوم ملواله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫سعيد ُن املسيِّب‪ .‬وقيل‪ :‬كان ََْيتَط ُ‬
‫فِ يف صنعته‪ ،‬فقيل‪ :‬كان َخيَّاطا‪ ،‬قالهُ ُ‬ ‫اختُل َ‬
‫ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫ب‪ .‬وقيل‪ :‬كان راعيا‪ .‬وقيل‪ :‬كان َنََّارا‪.‬‬‫ُح ْزَمةَ حط ٍ‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪.)97/17‬‬


‫)‪ -(8‬انظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن البن العريب (‪ ،)982-983/7‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪ ،)97/17‬تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)779/6‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن البن العريب (‪ ،)982/7‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪ ،)61-66/17‬تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬
‫~‪~5‬‬
‫املطلب اخلامس‪{ :‬هل كان لقمان نبياً أم حكيماً؟}‬

‫ف يف لقما َن‪ :‬هل كان نبيَّا‪ ،‬أو عبدا صاحلا ِم ْن غ ِري نُبُ َّوةٍ؟ على قولني‪:‬‬
‫السلَ ُ‬
‫ف َّ‬‫اختل َ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّأويل أنَّهُ كان َوليَّا ومل يكن نبيَّا‪ .‬وقال ِنُبُ َّوته عك ِرَمةُ والش ْ‬
‫َّعِ ر‬
‫يب‪.‬‬ ‫أهل الت ِ‬
‫مجهور ِ‬
‫ُ‬
‫يل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب أنَّهُ كان رجال حكيما قاضيا يف ي إسرائ َ‬
‫الص َو ُ‬
‫و َّ‬
‫وعن ٍ‬
‫جماهد‪ :‬كان لُقما ُن عبدا صاحلا ومل يكن نبيَّا‪.‬‬

‫صا َةَ ِيف الْ َق ْوِل ِيف َغ ِْري نُبُ َّوةٍ(‪.)1‬‬ ‫اه ٍد‪{ :‬ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}‪ ،‬يَ ْع ِ ي‪ :‬الْ ِف ْقهَ والْ َع ْقل و ِْ‬
‫اْل َ‬
‫عن ُجم ِ‬
‫َْ َ‬
‫َ ََ‬
‫صرح فِ ِيه ِنَ ْف ِي َك ْونِِه نَبِيًّا‪َ ،‬وِمْن َها َما ُه َو ُم ْشعٌِر‬ ‫قال ا ُن َكث ٍري رمحه هللا‪" :‬فَ َه ِاهِ ْاآل ََث ُر ِمْن َها َما ُه َو ُم َّ‬
‫اب قَ ْوِم َها؛ َوِِلََاا َكا َن‬ ‫َحس ِ‬ ‫ت تُْب َع ُ ِ‬
‫ث يف أ ْ َ‬ ‫الر رق يُنَ ِايف َك ْونَهُ نَبِيًّا؛ ِأل َّ‬
‫َن الر ُس َل َكانَ ْ‬ ‫َن َك ْونَهُ َعْبدا قَ ْد َم َّسه ِِّ‬ ‫ك؛ ِأل َّ‬ ‫ِ‬
‫ِ َال َ‬
‫السنَ ُد إِلَْي ِه‪ ،‬فَِإنَّهُ َرَواهُ ا ْ ُن‬ ‫ِ‬ ‫مجُْهور َّ ِ‬
‫السلَف َعلَى أَنَّهُ َملْ يَ ُك ْن نَبِيًّا‪َ ،‬وإََِّّنَا يُْن َق ُل َك ْونُهُ نَبِيًّا َع ْن ع ْك ِرَمةَ ‪-‬إِ ْن َ‬
‫ص َّح َّ‬ ‫ُُ‬
‫يل‪َ ،‬ع ْن َجاِ ٍر‪َ ،‬ع ْن ِع ْك ِرَمةَ فَ َق َال‪َ :‬كا َن لُْق َما ُن نَبِيًّا‪َ .‬و َجاٌِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َجرير‪َ ،‬وا ْ ُن أَِب َحاِت م ْن َحديث َوكيع َع ْن إ ْسَرائ َ‬
‫يد ْ ِ‬
‫ضعِ ٌ‬ ‫َه َاا ُه َو ا ْ ُن يَِز َ‬
‫(‪)2‬‬
‫اّللُ أ َْعلَ ُم"‪.‬‬
‫يف‪َ ،‬و َّ‬ ‫اجلُْعف ري‪َ ،‬وُه َو َ‬
‫املشهور عن اجلمهوِر أنه كان رجال حكيما ومل يكن نبيَّا‪ ،‬وهاا هو احلق إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬وهللا‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫(‪)3‬‬
‫أعلم‪.‬‬

‫)‪ -)1‬تفسري جماهد (ص‪.)971‬‬


‫)‪ -)8‬تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪ ،)97/17‬تفسري ابن كثري (‪.)777-777/6‬‬
‫~‪~6‬‬
‫الفصل الثاني‪{ :‬وصايا لقمان البنه}‬

‫املطلب األول‪ :‬الوصية األوىل‪ :‬التحذير من الشرك‬

‫قال تعاىل‪{ :‬وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَِّ لَا تُشْرِكْ بِاللَِّهِ إِنَِّ الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان‪.]17:‬‬

‫هاه أوىل وأهم الوصااي يف موعظة لقمان ال نه‪ ،‬نبهه فيها على أساس األمر ودعامته‪ ،‬أوصاه ابلتوحيد‬
‫واحلار من الشرك‪ ،‬وهاا ما ال خيطر على ابل عض اآلابء لغفلتهم‪ ،‬ل إن عضهم يعلل ذلك أبننا‬
‫موحدون مسلمون‪ ،‬فما الداعي لالك؟!‬

‫األساس العظيم الاي دعا إليه كل األنبياء قبل‬


‫َ‬ ‫لقمان وا نه كاان مؤمنني‪ ،‬ومع هاا مل يُهمل لقما ُن هاا‬
‫الدخول مع أقوامهم يف تفاصيل العبادات‪ ،‬ل من قبله إ راهيم عليه السالم كان خيشى على نفسه وعلى‬
‫[إبراهيم‪:‬‬ ‫أ نائه من هاا املزلق وهو نيب‪ ،‬قال تعاىل على لسان نبيه إ راهيم‪{ :‬وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَِّ أَن نَِّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}‬
‫‪ ، ]79‬فما عساان نقول عن حالنا حنن؟!‬

‫{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}‪ :‬وهاا شأن أهل الفضل مع أ نائهم؛ يقدمون ِلم املواعظ‪ ،‬وخيوفوهنم‬
‫ابهلل‪ ،‬وَياروهنم عقا ه‪ ،‬ويرشدوهنم إىل ما يقرهبم من رهبم ولقائه‪.‬‬

‫إَّنا خص لقمان ا نه من ني سائر الناس العتبار األهم فاألهم ‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وَأَنْذِرْ عَشِريَتَكَ‬
‫(‪)1‬‬

‫الْأَقْرَبِنيَ} [الشعراء‪ ،]817:‬وإَّنا هناه عن الشرك؛ ألنه اخلطر األعظم على عبادته‪ ،‬وألنه ٌ‬
‫ظلم يف حق اخلالق‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬لالك علل له فقال‪{ :‬إِنَِّ الشِِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}‪.‬‬

‫وإن من الواجبات احملتمات على العبد أن يعرف معىن الشرك وخطره وأقسامه؛ وذلك حىت يسلم‬
‫توحيده‪ ،‬ويصح إميانه‪.‬‬

‫ج الدُّرر يف تفسري اآلي والسور للجرجاين (‪.)1727/7‬‬


‫)‪ -(1‬انظر‪َ :‬د ْر ُ‬
‫~‪~7‬‬
‫‪ -1‬معىن الشرك لغةً واصطالحاً‪:‬‬

‫الشرك لغة‪ :‬كالشريك‪ ،‬والشركة خمالطة الشريكني‪ ،‬يقال اشرتكا مبعىن تشاركا‪ ،‬وأشرك ابهلل‪ :‬أي جعل‬
‫(‪)1‬‬
‫له شريكا يف ملكه ‪-‬تعاىل هللا عن ذلك‪.-‬‬
‫ف نَوٍع ِمن العِبادةِ‬
‫ص ْر ُ ْ َ َ َ‬ ‫الشرك اصطالحا‪ :‬قال شيخ اْلسالم دمحم ن عبد الوهاب –رمحه هللا‪ُ " :-‬ه َو َ‬
‫ك ِم ْن أَنْ َو ِاع العِبَ َادةِ اليت أََمَر هللاُ ِهبَا"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫إىل َغ ِري هللا‪ ،‬أَو‪ :‬هو أَ ْن ي ْدعو مع هللاِ َغي ره‪ ،‬أَو ي ْق ِ‬
‫ص َدهُ ِغَ ِْري َذل َ‬ ‫ْ َُ ْ َ‬ ‫ُ َ َ َُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫وقال الشيخ عبد الرمحن ن انصر السعدي ‪-‬رمحه هللا‪ُ " :-‬ه َو أَ ْن َْي َع َل هلل نِ َّدا يَ ْدعُوهُ َك َما يَ ْدعو هللاَ‪،‬‬
‫وعا َم ْن أَنو ِاع العِبَ َادة"(‪.)3‬‬ ‫ف لَهُ نَ َ‬ ‫ص ِر َ‬
‫ب هللا‪ ،‬أو يَ ْ‬
‫ِ‬
‫أو َخيَافُه‪ ،‬أو يَ ْر ُجوه‪ ،‬أو َُيبُه َك ُح ِِّ‬
‫‪ -8‬خطر الشرك‪:‬‬

‫رك ابهلل أبنه ظُلم َعظيم‪ ،‬ألن الظلم وضع الشيء يف غري موضعه‪ ،‬فاملشرك وضع‬ ‫وصف لقما ُن ِِّ‬
‫الش َ‬ ‫لقد َ‬
‫وسوى ني اخلالق املالك املد ر و ني املخلوق الضعيف‪،‬‬
‫العبادة يف غري موضعها‪ ،‬وصرفها لغري مستحقها‪ِّ ،‬‬
‫لالك أنكر هللا على أهل الشرك قائال‪{ :‬أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل‪ ]13 :‬فهاا أعظم الظلم‬
‫والطغيان‪.‬‬
‫الشرك ابهلل تعاىل ِمن أعظم الكبائِر على اْلطالق‪ ،‬ومن أكرب الانوب وأقبحها‪ ،‬وكفى أنَّه‬ ‫لاا كان ْ‬
‫قبل أن ميوت‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ مَا‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الانْب الاي ال يَغفره هللا‪ ،‬إالَّ ملَن َتب وأانب َ‬
‫دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء‪ ،]72 :‬ومل يتوعد هللا جل وعال على ذنب مثلما‬
‫توعد على الشرك من الوعيد الشديد‪ ،‬حىت كان سببا للحرمان من اجلنة واخللود يف النار‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إِنَّهُ‬

‫مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [املائدة‪.]38 :‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬النهاية البن األثري (‪ ،)766/8‬لسان العرب البن منظور (‪.)8872/7‬‬
‫)‪ -(8‬جمموع مؤلفات شيخ اإلسالم دمحم بن عبدالوهاب‪ ،‬قسم العقيدة (ص‪.)821‬‬
‫)‪ -(7‬القول السديد يف مقاصد التوحيد (ص‪.)87‬‬
‫~‪~8‬‬
‫وقد خاطب هللا صفوة خلقه وهم الرسل قوله‪{ :‬ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [األنعام‪،]22:‬‬
‫ل وخاطب إمام املوحدين وسيد املرسلني دمحما ملسو هلآو هيلع هللا ىلص قوله‪{ :‬ولَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ‬

‫لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر‪.]66 - 69:‬‬

‫النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪:‬‬


‫وقد حار النيب ملسو هيلع هللا ىلص من الشرك حتايرا شديدا‪ ،‬فعن أب كرة نفيع ن احلارث ه أن ر‬
‫وق الوالِ َديْ ِن» (‪.)1‬‬
‫قال‪« :‬اْل ْشر ُاك اب َّّللِ‪ ،‬وعُ ُق ُ‬
‫اّللِ‪َ ،‬‬ ‫ُخِربُُك ْم أبَ ْك َِرب ال َكبائِِر؟» قالوا‪َ :‬لَى اي َر َ‬
‫سول َّ‬ ‫«أَال أ ْ‬
‫ب أ َْعظَ ُم؟ قَ َال‪« :‬أَ ْن ََْت َع َل َِّّللِ نِدًّا‬ ‫الانْ ِ‬
‫ي َّ‬ ‫اّللِ‪ ،‬أَ ر‬
‫ول َّ‬ ‫ت َاي َر ُس َ‬ ‫وعن عب ِد َِّ‬
‫اّلل ن مسعود ه‪ ،‬قَ َال‪ :‬قُ ْل ُ‬ ‫َْ‬
‫املثيل والنَّظريُ‪.‬‬ ‫وهو خلَ َق َ (‪ِ )2‬‬
‫ك»‪ ، .‬والنِّدر‪ُ :‬‬ ‫ََُ َ‬
‫وق‬‫س‪َ ،‬و ُع ُق ُ‬ ‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص َع ِن ال َكبَائِِر‪ ،‬قَ َال‪« :‬ا ِْل ْشَر ُاك ِاب َّّللِ‪َ ،‬وقَ ْتل النَّ ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫س ه قَ َال‪ُ :‬سئ َل النِ ر‬ ‫وع ْن أَنَ ٍ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫الوالِ َديْ ِن»‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ات يُ ْش ِرُك اب َّّلل َشْي ئا َد َخ َل الن َ‬
‫َّار»‬ ‫وعن عبدهللا ن مسعود ه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬م ْن َم َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ات الَ يُ ْش ِرُك ِاب َّّللِ َشْي ئا َد َخ َل اجلَنَّةَ»‪.‬‬ ‫ت أ ََان‪َ « :‬م ْن َم َ‬ ‫َوقُ ْل ُ‬
‫اّللِ َوَما ُه َّن؟ قَ َال‪:‬‬ ‫ول َّ‬‫ات»‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫السبع املوَِق ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اجتَنِبُوا َّ‬‫ْ‬ ‫َع ْن أَِب ُهَريْ َرةَ ه َع ِن النِ ِ‬
‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص قَ َال‪« :‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫« ِِّ ِ ِ ِ‬
‫الرَاب‪َ ،‬وأَ ْك ُل َم ِال اليَتِي ِم‪َ ،‬والت ََّوِِّّل يَ ْوَم‬
‫اّللُ إَِّال ِابحلَِِّق‪َ ،‬وأَ ْكل ِِّ‬
‫ُ‬ ‫س الَِّيت َحَّرَم َّ‬ ‫الس ْح ُر‪َ ،‬وقَ ْتل النَّ ْف ِ‬
‫ُ‬ ‫الش ْرُك اب َّّلل‪َ ،‬و ِّ‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬ ‫ات امل ْؤِمنَ ِ‬ ‫ف املحصنَ ِ‬ ‫الز ْح ِ‬
‫ات الغَافالَت»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‪َ ،‬وقَ ْا ُ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ات َال‬ ‫ِ ِ‬ ‫وعن جاِ ٍر ه قَ َال‪ :‬أَتَى النَِّيب ملسو هيلع هللا ىلص رجل فَ َق َال‪ :‬اي رس َ ِ‬
‫ول هللا‪َ ،‬ما الْ ُموجبَ تَان؟ فَ َق َال‪َ « :‬م ْن َم َ‬ ‫َ َُ‬ ‫ٌَُ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫يُ ْش ِرُك ِابهللِ َشْي ئا َد َخ َل ْ‬
‫ات يُ ْش ِرُك ابهلل َشْي ئا َد َخ َل الن َ‬
‫(‪)6‬‬
‫َّار»‪.‬‬ ‫اجلَنَّةَ‪َ ،‬وَم ْن َم َ‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬االستئذان‪ ،‬ابب‪ :‬من اتَّ َكأَ بني يدي أصحابه‪( ،‬ح‪.)6837/‬‬
‫)‪ -)8‬رواه أمحد يف مسنده (‪ ،)176/6‬وصححه الشيخ أمحد شاكر‪.‬‬
‫)‪ -)7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬ابب‪ :‬عقوق الوالدين من الكبائر‪( ،‬ح‪ ،)9733/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪،‬‬
‫ابب‪ :‬بيان الكبائر وأكربها‪( ،‬ح‪.)22/‬‬
‫)‪ -)7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلنائز‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف اجلنائز‪ ،‬ومن كان آخر كالمه‪ :‬ال إله إال هللا ‪( ،‬ح‪.)1872/‬‬
‫)‪ -)9‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الوصااي‪ ،‬ابب‪ :‬ابب قول هللا تعاىل‪{ :‬إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا‪ ،‬إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ‬

‫سَعِريًا}‪( ،‬ح‪ ،)8366/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬بيان الكبائر وأكربها‪( ،‬ح‪.)27/‬‬
‫)‪ -)6‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬من مات ال يشرك ابهلل شيئاً دخل اجلنة‪ ،‬ومن مات مشركاً دخل النار‪( ،‬ح‪.)77/‬‬
‫~‪~9‬‬
‫ب‪َ ،‬ع ْن أَِ ِيه‪ ،‬قَ َال‪ :‬لَ َّما‬ ‫يد ْ ِن املسيِِّ ِ‬ ‫والشرك ال يقبل هللا فيه شفاعة ولو كانت من النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فعن سعِ ِ‬
‫َُ‬ ‫َْ َ‬
‫ب الوفَاةُ دخل علَي ِه النَِّيب ملسو هيلع هللا ىلص و ِعْن َده أَ و جه ٍل وعب ُد َِّ‬ ‫ِ‬
‫َي‬ ‫اّلل ْ ُن أَِب أ َُميَّةَ‪ ،‬فَ َق َال النِ ر‬
‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬أ ْ‬ ‫ت أ ََاب طَال ٍ َ َ َ َ َ ْ ر َ ُ ُ َ ْ َ َْ‬ ‫ضَر ْ‬
‫َح َ‬
‫اّللِ ْن أَِب أ َُميَّةَ‪َ :‬اي أ ََاب طَالِ ٍ‬ ‫اّلل أُحا رج لَك ِهبا ِعْن َد َِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع ِِّم‪ ،‬قُ ْل‪ :‬الَ إلَهَ إَّال َُّ َ‬
‫ب‬ ‫اّلل»‪ ،‬فَ َق َال أَُو َج ْه ٍل‪َ ،‬و َعْب ُد َّ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ت‪{ :‬مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ‬ ‫ب‪ ،‬فَ َق َال النَِّيب ملسو هيلع هللا ىلص‪َ« :‬أل ِ‬
‫أَتَ ْر َغب َع ْن ِملَّ ِة َعْب ِد املطَّلِ ِ‬
‫ك»‪ ،‬فَنَ َزلَ ْ‬ ‫ك َما َملْ أُنْهَ َعْن َ‬ ‫َستَ ْغفَر َّن لَ َ‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِنيَ ولَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى‪ ،‬مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ اجلَحِيمِ} [التوبة‪.]117 :‬‬

‫‪ -7‬أقسام الشرك‪:‬‬

‫الشرك نوعان‪ :‬شرك أكرب‪ ،‬وشرك أصغر‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬الشرك األكرب‪ :‬وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغري هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وذلك كمن‬
‫ذ ح لغري هللا‪ ،‬أو نار لغري هللا‪ ،‬أو سجد لغري هللا‪ ،‬أو ركع لغري هللا‪ ،‬أو دعا غري هللا‪ ،‬أو استغاث ابألموات‪،‬‬
‫أو غري ذلك‪ ،‬فهاه العبادات كلها هلل‪ ،‬وال تصرف إال له سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن صرفها لغريه فقد أشرك شركا‬
‫أكرب‪.‬‬

‫وهاا النوع من الشرك خيرج صاحبه من امللة‪ ،‬وَيرم عليه دخول اجلنة‪ ،‬وخيلده يف النار‪ ،‬وَيبط مجيع‬
‫(‪)2‬‬
‫عمله‪ ،‬ويبيح دمه وماله‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬الشرك األصغر‪ :‬كل عمل قوّل أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك لكنه ال ينايف‬
‫(‪)3‬‬
‫التوحيد منافاة مطلقة‪.‬‬

‫وهو نوعان‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬شرك يف األلفاظ‪ :‬كمن َيلف غري هللا‪ ،‬ومثل قول‪ :‬لوال هللا وأنت‪ ،‬ما شاء هللا وشئت‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬شرك خفي‪ :‬وهو الشرك يف اْلرادات والنيات‪ ،‬كالرايء والسمعة‪ ،‬كأن يعمل عمال مما‬
‫يتقرب ه إىل هللا؛ يريد ه ثناء الناس عليه‪.‬‬

‫)‪ -)1‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬تفسري القرآن‪ ،‬ابب‪ :‬قوله‪{ :‬مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِنيَ}‪( ،‬ح‪ ،)7639/‬ورواه‬
‫مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬أول اإلميان قول ال إله إال هللا‪( ،‬ح‪.)87/‬‬
‫)‪ -)8‬انظر‪ :‬دروس يف شرح نواقض اإلسالم للشيخ صاحل الفوزان (صـ‪.)77‬‬
‫)‪ -)7‬القول املفيد على كتاب التوحيد (‪.)869/1‬‬
‫~ ‪~ 01‬‬
‫وخطر هاا النوع من الشرك عظيم‪ ،‬ومن أتمل نصوص الشرع أدرك ذلك‪ ،‬ولاا كان أصحاب رسول‬
‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص خيافونه‪ ،‬ل هو أخوف ما كان رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص خيافه على أصحا ه‪ ،‬فهاا النوع من الشرك َيبط‬
‫ول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬قَ َال هللاُ تَبَ َارَك َوتَ َع َاىل‪ :‬أ ََان أَ ْغ َىن الشَررَك ِاء‬
‫العمل الاي يصاحبه‪َ ،‬ع ْن أَِب ُهَريْ َرةَ ه قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫الش ْرِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َمال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي‪ ،‬تََرْكتُهُ َو ِش ْرَكهُ»‪.‬‬
‫َع ِن ِِّ‬
‫ول َِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اف َعلَْي ُك ُم ِِّ‬
‫الش ْرُك‬ ‫َخ ُ‬ ‫ف َما أ َ‬ ‫اّلل ملسو هيلع هللا ىلص قَ َال‪« :‬إِ َّن أ ْ‬
‫َخ َو َ‬ ‫اري ه أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬ ‫َنص ِّ‬‫و َع ْن ََْم ُمود ْ ِن لَبِيد األ َ‬
‫اّللُ َعَّز َو َج َّل َِلُْم يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة‪ :‬إِ َذا‬
‫ول َّ‬ ‫اّللِ؟ قَ َال‪ِِّ « :‬‬
‫الرَايءُ‪ ،‬يَ ُق ُ‬ ‫ول َّ‬‫َصغَُر َاي َر ُس َ‬ ‫َصغَُر» قَالُوا‪َ :‬وَما ِِّ‬
‫الش ْرُك ْاأل ْ‬ ‫ْاأل ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫ين ُكْن تُ ْم تَُراءُو َن ِيف الدرنْيَا فَانْظُُروا َه ْل ََِت ُدو َن ِعْن َد ُه ْم َجَزاء»‪.‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ج ِزي الن ِ ِِ‬
‫َّاس أب َْع َماِل ْم‪ :‬ا ْذ َهبُوا إ َىل الا َ‬
‫ُ َ ُ‬
‫والشرك األصغر خفي جدا‪ ،‬يدخل على اْلنسان من حيث ال يشعر‪ ،‬وقد نبه على هاا رسول هللا‬
‫َّج ِال؟» قَ َال‪:‬‬
‫يح الد َّ‬‫ف َعلَْي ُك ْم ِعْن ِدي ِم َن الْ َم ِس ِ‬ ‫َخ َو ُ‬ ‫ِ‬
‫ُخِربُُك ْم مبَا ُه َو أ ْ‬
‫ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث الاي يقول فيه‪« :‬أََال أ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫ص َالتَهُ‪ ،‬لِ َما يََرى ِم ْن نَظَ ِر َر ُج ٍل»‪.‬‬ ‫الرجل ي ِ‬
‫صلِّي‪ ،‬فَيُ َزيِِّ ُن َ‬
‫وم َّ ُ ُ ُ َ‬
‫الشرُك ْ ِ‬
‫اخلَف ري‪ ،‬أَ ْن يَ ُق َ‬
‫ِ‬
‫قُ ْلنَا‪َ :‬لَى‪ ،‬فَ َق َال‪ْ ِّ « :‬‬

‫)‪ -)1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد والرقائق‪ ،‬ابب‪ :‬من أشرك يف عمله غري هللا‪( ،‬ح‪.)8729/‬‬
‫)‪ -)8‬رواه أمحد يف مسنده (‪( )77/77‬ح‪ ،)87676/‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب والرتهيب (‪.)186/1‬‬
‫)‪ -)7‬رواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد‪ ،‬ابب‪ :‬الرايء والسمعة‪( ،‬ح‪ ،)7867/‬من حديث أيب سعيد اخلدري هنع هللا يضر‪.‬‬
‫~ ‪~ 00‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬الوصية الثانية‪ :‬الوصية بالوالدين‬

‫قال تعاىل‪ ﴾١٣﴿{ :‬وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ‬

‫الْمَصِريُ ﴿‪ ﴾١٤‬وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ‬

‫إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿‪[ }﴾١٥‬لقمان‪.]19-17 :‬‬

‫ملا ذكر سبحانه وتعاىل ما أوصى ه ولده من شكر املنعم األول الاي مل يشركه يف إياده أحد‪ ،‬وذكر‬
‫ما عليه الشرك من الفظاعة والشناعة والبشاعة‪ ،‬أتبعه سبحانه وصيته للولد ابلوالد لكونه املنعم الثاين املتفرد‬
‫سبحانه كونه جعله سبب وجود الولد اعرتافا ابحلق وإن صغر ألهله‪ ،‬وإيااان أبنه ال يشكر هللا من ال‬
‫يشكر الناس‪ ،‬وتفخيما حلق الوالدين‪ ،‬لكونه قرن عقوقهما ابلشرك‪ ،‬وإعالما أبن الوفاء شيء واحد مىت‬
‫(‪)1‬‬
‫نقص شيء منه تداعى سائره‪.‬‬
‫أمر هللا تعاىل ربِّ الوالدين‪ ،‬جراي على عادة القرآن‪ ،‬فإنه كثريا ما يقرن هللا تعاىل يف القرآن ني األمر‬
‫رب الوالدين‪ ،‬كما يف قوله سبحانه‪{ :‬وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا‬
‫عبادة هللا واجتناب الشرك و ني األمر ِّ‬
‫تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة‪ ،]27 :‬وقوله تعاىل‪{ :‬وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}‬

‫{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـئاً وَبِٱلْوََٰلِدَيْنِ إِحْسََٰنًا} [األنعام‪:‬‬ ‫[النساء‪ ،]76 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ .]191‬وقوله‪{ :‬وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [اإلسراء‪ .]87 :‬وهاا ارتباط عظيم ني حق هللا‬
‫يف التوحيد‪ ،‬وحق الوالدين يف اْلحسان‪.‬‬

‫وجاء يف السنة النبوية الوصية ابلوالدين كالك‪ ،‬والنهي عن عقوقهما‪ ،‬ل جعله النيب ملسو هيلع هللا ىلص من أكرب‬
‫وق‬ ‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص َع ِن ال َكبَائِِر‪ ،‬قَ َال‪« :‬ا ِْل ْشَر ُاك ِاب َّّللِ‪َ ،‬وقَ ْتل النَّ ْف ِ‬
‫س‪َ ،‬وعُ ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫الكبائر‪ ،‬ف َع ْن أَنَ ٍ‬
‫س ه قَ َال‪ُ :‬سئ َل النِ ر‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫الوالِ َديْ ِن»‪.‬‬
‫َ‬
‫وطاعة الوالدين واْلحسان ِلما سبب لدخول اجلنة‪ ،‬وقد دعا رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص على من أدرك أ ويه ومل‬
‫يكوان سببا دخوله اجلنة‪ ،‬وكيف يكوان سببا دخوله اجلنة؟ ابْلحسان إليهما والرفق هبما والعناية هبما يف‬

‫)‪ -(1‬نظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور للبقاعي (‪.)167/19‬‬


‫)‪ -)8‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬ابب‪ :‬عقوق الوالدين من الكبائر‪( ،‬ح‪.)9733/‬‬
‫~ ‪~ 02‬‬
‫ول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬ر ِغ َم أَنْ ُفهُ‪ُُ ،‬ثَّ َر ِغ َم أَنْ ُفهُ‪ُُ ،‬ثَّ َر ِغ َم أَنْ ُفهُ»‬
‫كربمها‪ ،‬ف َع ْن أَِب ُهَريْ َرَة رضي هللا عنهما قَ َال‪ :‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫َح َد ُمهَا أ َْو كِلَْي ِه َما‪ُُ ،‬ثَّ َملْ يَ ْد ُخ ِل ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫قِيل‪ :‬من؟ اي رس َ ِ‬
‫ول هللا قَ َال‪َ « :‬م ْن أ َْد َرَك َوال َديْه عْن َد الْك َِرب‪ ،‬أ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫اجلَنَّةَ»‪.‬‬ ‫َ َْ َ َُ‬
‫ت النِ َّ‬
‫َّيب‬ ‫و ر الوالدين من أجل األعمال وأحبها إىل الرمحن‪ ،‬فعن عبدهللا ن مسعود مهنع هللا يضر قال‪َ :‬سأَلْ ُ‬
‫َي؟ قَ َال‪ُُ « :‬ثَّ ِر‬ ‫اّللِ؟ قَ َال‪َّ « :‬‬
‫الصالَةُ َعلَى َوقْتِ َها»‪ ،‬قَ َال‪ُُ :‬ثَّ أ ٌّ‬ ‫ب إِ َىل َّ‬ ‫الع َم ِل أ َ‬
‫َح ر‬ ‫ي َ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪ :‬أَ ر‬
‫َ‬
‫الوالِ َديْ ِن» قَ َال‪ُُ :‬ثَّ أ ٌّ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫اد ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫اّلل»‪.‬‬ ‫َي؟ قَ َال‪« :‬اجل َه ُ‬ ‫َ‬
‫والقيام شأن الوالدين‪ ،‬واالعتناء هبما كاجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬فعن عب َد َِّ‬
‫اّلل ْ َن َع ْم ٍرو مهنع هللا يضر قال‪َ :‬جاءَ‬ ‫َْ‬
‫(‪)3‬‬ ‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ ،‬فَاستأْ َذنَه ِيف اجلِه ِاد‪ ،‬فَ َق َال‪« :‬أَحي والِ َد َاك؟»‪ ،‬قَ َال‪ :‬نَعم‪ ،‬قَ َال‪« :‬فَِفي ِهما فَج ِ‬
‫اه ْد»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ٌّ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َر ُج ٌل إ َىل الن ِِّ‬
‫يل‪:‬‬‫ف‪ .‬وقِ‬
‫ض ْع ٍ‬ ‫ى‬‫َ‬‫ل‬‫ع‬ ‫ا‬ ‫ف‬‫ع‬ ‫ض‬ ‫قوله تعاىل‪{ :‬وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}‪ :‬أَي محلَْته ِيف طْنِها وِهي ت زداد ُكل ي وٍ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ‬
‫ضعِ ُف َها ْ‬
‫اخلِْل َق ِة ُُثَّ يُ ْ‬
‫ضعِي َفةُ ْ‬
‫(‪)4‬‬
‫احلَ ْم ُل‪.‬‬ ‫الْ َم ْرأَةُ َ‬

‫اىل‪{ :‬وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ‬ ‫ضعِ ِه ِيف َع َام ْ ِ‬


‫ني‪َ ،‬ك َما قَ َال تَ َع َ‬ ‫َوقَ ْولُهُ‪{ :‬وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أ ْ‬
‫َي‪ :‬تَ ْرِيَ تُهُ َوإِْر َ‬
‫ضاعُهُ َ ْع َد َو ْ‬
‫أَوْالدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}‪ :‬ابلقيام عبودييت‪ ،‬وأداء حقوقي‪ ،‬وأن ال تستعني نعمي على‬
‫معصييت‪{ ،‬وَلِوَالِدَيْكَ} ابْلحسان إليهما ابلقول اللني‪ ،‬والكالم اللطيف‪ ،‬والفعل اجلميل‪ ،‬والتواضع ِلما‪،‬‬
‫وإكرامهما‪ ،‬وإجالِلما‪ ،‬والقيام مبئونتهما‪ ،‬واجتناب اْلساءة إليهما من كل وجه‪ ،‬ابلقول والفعل(‪ .)5‬قال‬
‫سفيان ن عيينة‪" :‬من صلى الصلوات اخلمس فقد شكر هلل ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر ِلما"(‪.)6‬‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬إِلَيَِّ الْمَصِريُ}‪ :‬وهاا هتديد وختويف من عاقبة املخالفة والعقوق والعصيان‪ ،‬كما هو وعد‬
‫ابجلزاء احلسن على امتثال أمر هللا وطاعته و ِّر الوالدين وصلتهما‪.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الرب والصلة واآلداب‪ ،‬ابب‪ :‬رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدمها عند الكرب‪ ،‬فلم يدخل اجلنة‪،‬‬
‫(ح‪.)8991/‬‬
‫)‪ -(8‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬مواقيت الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬فضل الصالة لوقتها‪( ،‬ح‪ ،)983/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪،‬‬
‫ابب‪ :‬بيان كون اإلميان ابهلل تعاىل أفضل األعمال‪( ،‬ح‪.)29/‬‬
‫)‪ -(7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلهاد والسري‪ ،‬ابب‪ :‬اجلهاد إبذن الوالدين‪( ،‬ح‪ ،)7667/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الرب‬
‫والصلة واآلداب‪ ،‬ابب‪ :‬بر الوالدين وأهنما أحق به ‪( ،‬ح‪.)8977/‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬تفسري القرطيب (‪ ،)67/17‬تفسري ابن كثري (‪.)776/6‬‬
‫)‪ -(9‬تفسري السعدي (صـ‪.)672‬‬
‫)‪ -(6‬فتح الباري البن حجر (‪.)16/8‬‬
‫~ ‪~ 03‬‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}‪ :‬فطاعة الوالدين تكون يف غري‬
‫معصية هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ألنه ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق سبحانه‪ ،‬فإذا ما دعاه لإلشراك ابهلل‪ ،‬أو‬
‫لرتك فريضة واجبة عليه فال يطعهما‪ ،‬ومل يقل‪" :‬وإن جاهداك على أن تشرك ب ما ليس لك ه علم‬
‫(‪)1‬‬
‫فعقهما" ل قال‪{ :‬فَال تُطِعْهُمَا} أي‪ :‬ابلشرك‪ ،‬وأما رمها‪ ،‬فاستمر عليه‪.‬‬

‫قوله‪{ :‬وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُِّنْيَا مَعْرُوفًا}‪ :‬هاه اآلية دليل على صلة األ وين الكافرين مبا أمكن من املال‬
‫(‪)2‬‬
‫إن كاان فقريين‪ ،‬وإالنة القول والدعاء إىل اْلسالم رفق‪.‬‬

‫قوله‪{ :‬وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}‪ :‬وهم املؤمنون ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬املستسلمون لرهبم‪،‬‬
‫املنيبون إليه‪ ،‬واتباع سبيلهم‪ ،‬أن يسلك مسلكهم يف اْلان ة إىل هللا‪ ،‬اليت هي اَنااب دواعي القلب وإراداته‬
‫(‪)3‬‬
‫إىل هللا‪ُ ،‬ث يتبعها سعي البدن‪ ،‬فيما يرضي هللا‪ ،‬ويقرب منه‪.‬‬

‫)‪ -(1‬تفسري السعدي (صـ‪.)672‬‬


‫)‪ -(8‬انظر‪ :‬تفسري القرطيب (‪.)69/17‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬تفسري السعدي (صـ‪.)672‬‬
‫~ ‪~ 04‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الوصية الثالثة‪ :‬رقابة اهلل تعاىل‬

‫قال تعاىل‪{ :‬يَا بُنَيَِّ إِنَِّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَِّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَِّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَِّهُ إِنَِّ اللَِّهَ‬

‫لَطِيفٌ خَبِريٌ} [لقمان‪]16:‬‬

‫يف هاا اجلزء من الوصية يلفت لقما ُن نظر ا نه ألمر عظيم‪ ،‬يرب فيه حياة القلب‪ ،‬ورقا ة الضمري‪ ،‬أال‬
‫وعرفه ر ه الاي ال ختفى عليه خافية‪،‬‬
‫وهو رقا ة هللا‪ ،‬يوصي لقما ُن ولده ويعلمه وياكره مبراقبة هللا عز وجل‪َّ ،‬‬
‫ولو كانت حبة صغرية يف هاا امللكوت العظيم‪.‬‬

‫فينبهه أبن أي مظلمة أو خطيئة أو ذنب ولو كان مثقال حبة من خردل فإنه َيضرها يوم القيامة‬
‫حني يضع املوازين القسط‪ ،‬ولو كانت تلك الارة َمصنة َمجبة يف داخل صخرة صماء‪ ،‬أو غائبة ذاهبة يف‬
‫(‪)1‬‬
‫أرجاء السموات أو األرر فإن هللا أييت هبا؛ ألنه ال ختفى عليه خافية‪.‬‬

‫فالعبد ال د أن يعلم دائما أبن هللا ال خيفى عليه شيء من أموره‪ ،‬وأنه مطلع عليه يف مجيع أحواله‪،‬‬
‫ألن مراقبة هللا يف السر والعلن هي أساس األعمال القلبية‪ ،‬وعمودها الاي تقوم عليه‪ ،‬وقد ذكر النيب صلى‬
‫(‪)2‬‬
‫َّك تَ َراهُ‪ ،‬فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك»‬
‫اّللَ َكأَن َ‬
‫هللا عليه وسلم املراقبة يف قوله عن اْلحسان‪« :‬أَ ْن تَ ْعبُ َد َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫واملراقبة هي‪ :‬استدامة علم العبد ابطالع الرب عليه يف مجيع أحواله‪.‬‬

‫ومراقبة هللا ِلا مثرات‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪-‬اْلميان ابهلل وتعلق القلب ه‪ ،‬واليقني أبنه مطلع على أعمال العباد‪.‬‬

‫‪-‬البعد عن املعصية‪ :‬كما جاء يف الصحيحني(‪ )4‬يف حديث السبعة الاين يظلهم هللا يف ظله يوم ال‬
‫ٍ‬ ‫ظل إال ظلِّه ‪-‬ومنهم‪« :-‬ورجل دعْته امرأَةٌ َذات مْن ِ‬
‫اّللَ»‪.‬‬
‫اف َّ‬ ‫ب َو َمجَال فَ َق َال‪ :‬إِِِّين أ َ‬
‫َخ ُ‬ ‫صٍ‬ ‫ََ ُ ٌ َ َ ُ ْ َ ُ َ‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)772/6‬‬


‫)‪ -(8‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬سؤال جربيل النيب ملسو هيلع هللا ىلص عن اإلميان‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬وعلم الساعة‪( ،‬ح‪،)96/‬‬
‫ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬معرفة اإلميان‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬والقدر وعالمة الساعة‪( ،‬ح‪.)2/‬‬
‫)‪ -(7‬التعريفات للجرجاين (صـ ‪.)816‬‬
‫)‪ -)7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬ابب‪ :‬الصدقة ابليمني‪( ،‬ح‪ ،)1787/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬ابب‪ :‬فضل‬
‫إخفاء الصدقة‪( ،‬ح‪.)1671/‬‬
‫~ ‪~ 05‬‬
‫‪-‬من أدام مراقبة هللا تعاىل اتصف ابلورع‪.‬‬

‫‪-‬صالح السريرة‪ ،‬وذلك أبن العبد إذا علم وأيقن أبن هللا مطَّلع عليه فإنه يرتك احلرام‪ ،‬ألنه يعلم َّ‬
‫أبن‬
‫هللا‪{ :‬يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر‪.]17 :‬‬

‫الكبري‪{:‬إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِريٌ} [امللك‪.]18:‬‬ ‫‪-‬مغفرة الانوب واألجر‬

‫فعلى كل مسلم أن يرب نفسه وأ ناءه على هاا األمر‪ ،‬أن يزرع يف نفوس أ نائه مراقبة هللا يف السر‬
‫والعلن‪ ،‬واحلث على مراقبة هللا‪ ،‬والعمل طاعته‪ ،‬مهما أمكن‪ ،‬والرتهيب من عمل القبيح‪ ،‬قَ َّل أو َكثَُر(‪،)1‬‬
‫ألنه السبيل إىل السعادة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيَان‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنَّـ ْف ُ‬
‫س َداعيَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةً إىل الع ْ‬ ‫ت بريْـبَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة يف ُُْل َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـة‬
‫إذَا َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا َخلَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َ‬

‫س إ َّن ال ـ ـ ـ ــذي َخلَـ ـ ـ ـ ـ َق الظَـ ـ ـ ـ ـ َ‬


‫الم يَـ ـ ـ ـ ـ َراين‬ ‫َاي نَـ ْفـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫اس ـ ـ ـ ـ ـتَح م ـ ـ ـ ـ ـ ْن نَظَـ ـ ـ ـ ـ ـر اإللَ ـ ـ ـ ـ ـه َوقُ ـ ـ ـ ـ ـ ْل َلـَـ ـ ـ ـ ـا‬
‫فَ ْ‬

‫وقال آخر‪:‬‬
‫ـب‬
‫ـل َعلَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َّـي َرق ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ت َولَك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـن قُـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬ ‫ت ال ـ ـ ـ ـ ـ َّـد ْه َر يَـ ْوًمـ ـ ـ ـ ــا فَـ ـ ـ ـ ــال تَـ ُق ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫ـل َخلَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـو ُ‬ ‫إ َذا َمـ ـ ـ ـ ــا َخلَـ ـ ـ ـ ـ ْـو َ‬

‫ـب‬ ‫ـاعةً َوال أ َّ‬


‫َن َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ََيَْف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى َعلَْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه يَغ ْي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـل َسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ َّ هللاَ يَـغْ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫َوَال ََتْ َ‬

‫)‪ -(1‬تفسري السعدي (صـ ‪.)672‬‬


‫~ ‪~ 06‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬الوصية الرابعة‪ :‬الصالة و األمر باملعروف والنهي عن املنكر والصرب‬

‫قال تعاىل‪{ :‬يَا بُنَيَِّ أَقِمِ الصَِّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَِّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}‬
‫[لقمان‪]13 :‬‬

‫يوصي لقما ُن ا نه إبقامة الصالة‪ ،‬وابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وابلصرب على ما أصا ه‪ ،‬ولو‬
‫أتملنا هاه الثالثة؛ لوجدان فيها حقا هلل وهو الصالة‪ ،‬وحقا للناس نفعهم وداللتهم على اخلري وإ عادهم عن‬
‫آخر وهو املشقة‪ ،‬لالك كان الصرب عليها‬
‫أمر ُ‬
‫الشر‪ ،‬وحقا للنفس وهو الصرب‪ .‬وهاه األمور الثالثة يمعها ٌ‬
‫من عزم األمور‪.‬‬

‫قال تعاىل‪{ :‬يَا بُنَيَِّ أَقِمِ الصَِّلَاةَ}‬

‫الصالة لغة‪ :‬الدعاء ‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَالَتَكَ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‪ ،‬فَِإ ْن َكا َن‬ ‫سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة‪ ،]167:‬أي‪ :‬ادع ِلم‪ ،‬وقال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬إذَا ُدع َي أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم فَ ْليُج ْ‬
‫ص ِِّل‪َ ،‬وإِ ْن َكا َن ُم ْف ِطرا فَ ْليَطْ َع ْم»(‪ ،)2‬أي‪ :‬فليدع ابلربكة واخلري واملغفرة(‪.)3‬‬
‫صائما فَ ْليُ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫والصالة يف الشرع‪ :‬عبادة هلل ذات أقوال وأفعال معلومة خمصوصة‪ ،‬مفتتحة ابلتكبري‪ ،‬خمتتمة ابلتسليم‪،‬‬
‫ومسيت صالة الشتماِلا على الدعاء(‪.)4‬‬

‫والصالة واجبة ابلكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإمجاع األمة‪ ،‬على كل مسلم ابلغ عاقل‪ ،‬إال احلائض والنفساء‪.‬‬
‫أما الكتاب‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬إِنَّ الصَّالَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِنيَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء‪ ،]167:‬وقال سبحانه‬
‫وتعاىل‪{ :‬وَمَا أُمِرُوا إِال لِيَعْبُدُوا اهللَ مُخْلِصِنيَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّالةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة‪.]9:‬‬

‫)‪ -)1‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪ ،)96/7‬لسان العرب البن منظور (‪.)767/17‬‬
‫)‪ -)8‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬النكاح‪ ،‬ابب‪ :‬األمر إبجابة الداعي إىل دعوة‪( ،‬ح‪ ،)1771/‬من حديث أيب هريرة هنع هللا يضر‪.‬‬
‫)‪ -)7‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪.)96/7‬‬
‫)‪ -)7‬انظر‪ :‬املغين البن قدامة (‪ ،)9/7‬التعريفات للجرجاين (صـ ‪.)137‬‬
‫~ ‪~ 07‬‬
‫ِ‬
‫س‪َ ،‬ش َه َادة أَ ْن َال إِلَهَ‬ ‫اْل ْس َال ُم َعلَى َخَْ ٍ‬ ‫وأما السنَّة‪ :‬فعن ا ن عمر مهنع هللا يضر قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪ ُِ « :‬ي ِْ‬
‫َ‬
‫ت‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َالةِ‪ ،‬وإِيت ِاء َّ ِ‬
‫َن َُمَ َّمدا َعْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ‪َ ،‬وإِقَ ِام َّ َ َ‬ ‫إَِّال هللاُ‪َ ،‬وأ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ضا َن» ‪.‬‬ ‫ص ْوم َرَم َ‬ ‫الزَكاة‪َ ،‬و َح ِِّج الْبَ ْي َ َ‬
‫اّللُ َعلَى‬ ‫وعن عبادة ن الصامت ه قال‪ :‬مسعت رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪َ« :‬خَْس صلَو ٍ‬
‫ات َكتَ بَ ُه َّن َّ‬ ‫ُ ََ‬
‫اجلَنَّةَ‪َ ،‬وَم ْن َملْ‬ ‫استِ ْخ َفافا ِِبَ ِِّق ِه َّن‪َ ،‬كا َن لَهُ ِعْن َد َّ‬
‫اّللِ َع ْه ٌد أَ ْن يُ ْد ِخلَهُ ْ‬ ‫الْعِب ِاد‪ ،‬فَمن جاء هبِِ َّن َمل ي ِ‬
‫ضيِِّ ْع مْن ُه َّن َشْي ئا ْ‬
‫َُْ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫اّللِ َع ْه ٌد‪ ،‬إِ ْن َشاءَ َع َّا َهُ‪َ ،‬وإِ ْن َشاءَ أ َْد َخلَهُ ْ‬‫س لَهُ ِعْن َد َّ‬ ‫ِ ِِ‬
‫(‪)2‬‬
‫اجلَنَّةَ» ‪.‬‬ ‫َأيْت هب َّن فَلَْي َ‬
‫وأما اْلمجاع‪ :‬فقد نقل اْلمجاع على وجوب َخس صلوات يف اليوم والليلة‪ :‬ا ن حزم‪ ،‬وا ن رشد‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والنووي‪ ،‬وا ن تيمية‪.‬‬
‫منزلة الصالة يف اإلسالم‪:‬‬

‫ومنزلة الصالة يف اْلسالم عظيمة‪ ،‬ويدل على أمهيتها‪:‬‬

‫س األ َْم ِر‬ ‫‪ -‬الصالة عماد الدين الاي ال يقوم إال ه‪ ،‬فعن معاذ ن جبل ه أن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪َ « :‬رأْ ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اد»(‪.)4‬‬
‫الص َالةُ‪َ ،‬وذ ْرَوةُ َسنَامه اجل َه ُ‬
‫ودهُ َّ‬ ‫ا ِْل ْس َال ُم‪َ ،‬و َع ُم ُ‬
‫‪ -‬أول ما َياسب عليه العبد من عمله الصالة‪ :‬فعن أنس ن مالك ه عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬أ ََّو ُل َما‬
‫ت فَ َس َد َسائُِر‬ ‫ِ‬ ‫ب ِِه الْ َعْب ُد يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة َّ‬
‫صلَ َح لَهُ َسائُِر َع َمل ِه‪َ ،‬وإِ ْن فَ َس َد ْ‬ ‫ت َ‬ ‫الص َالةُ‪ ،‬فَإِ ْن َ‬
‫صلَ َح ْ‬ ‫اس ُ‬ ‫َُيَ َ‬
‫َع َملِ ِه»(‪.)5‬‬
‫‪ -‬آخر وصية أوصى هبا النيب ملسو هيلع هللا ىلص أمته قبل موته‪ :‬فعن أم سلمة اهنع هللا يضر قالت‪ :‬كان من آخر وصية رسول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص َالةَ‪ ،‬وما ملَ َكت أَْميَانُ ُكم» ح َّىت جعل نَِ ِ‬
‫ض‬‫ص ْد ِرهِ‪َ ،‬وَما يَفي ُ‬ ‫يب هللا ملسو هيلع هللا ىلص يُلَ ْجل ُج َها ِيف َ‬
‫ْ َ ََ َ ر‬ ‫الص َالةَ َّ َ َ َ ْ‬ ‫هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪َّ « :‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ِهبَا لِ َسانُهُ‪.‬‬
‫‪ -‬مدح هللا القائمني هبا ومن أمر هبا أهله‪ :‬فقال تعاىل‪{ :‬وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ‬

‫وَكَانَ رَسُوالً نَّبِيًّا* وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّالةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مرمي‪.]99-97:‬‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬بين اإلسالم على مخس»‪( ،‬ح‪ ،)2/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪:‬‬
‫اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬قول النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬بين اإلسالم على مخس»‪( ،‬ح‪.)16/‬‬
‫)‪ -(8‬رواه أبو داود يف سننه كتاب‪ :‬الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬فيمن مل يوتر‪( ،‬ح‪ ،)1786/‬وصححه األلباين يف صحيح أيب داود (‪.)866/1‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬احمللى البن حزم (‪ ،)7/8‬وبداية اجملتهد البن رشد (‪ ،)27/1‬واجملموع للنووي (‪ ،)7/7‬وجمموع فتاوى ابن تيمية (‪.)166/79‬‬
‫)‪ -(7‬رواه الرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف حرمة الصالة‪( ،‬ح‪ ،)8616/‬وحسنه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)172/8‬‬
‫)‪ -(9‬أخرجه الطرباين يف األوسط (‪( )876/8‬ح‪ ،)1297/‬وقال األلباين يف سلسلة األحاديث الصحيحة (‪" :)776/7‬وابجلملة فاحلديث‬
‫صحيح مبجموع طرقه وهللا أعلم"‪.‬‬
‫)‪ -(6‬رواه أمحد يف مسنده (‪( )27/77‬ح‪ ،)86727/‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)872/3‬‬
‫~ ‪~ 08‬‬
‫‪ -‬ذم هللا املضيعني ِلا واملتكاسلني عنها‪ :‬قال هللا تعاىل‪{ :‬فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّالةَ وَاتَّبَعُوا‬

‫الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مرمي‪ ،]97:‬وقال تعاىل‪{ :‬إِنَّ الْمُنَافِقِنيَ يُخَادِعُونَ اهللَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّالَةِ‬

‫قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَالَ يَذْكُرُونَ اهللَ إِالَّ قَلِيالً}[النساء‪.]178:‬‬

‫حكم تارك الصالة‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫السؤال‪ :‬هل َترك الصالة يكفر كفرا خيرجه عن ملة اْلسالم أم ال؟‬
‫اجلواب‪َ" :‬ترك الصالة على حالني‪ :‬إحدامها‪ :‬أن يرتك الصالة مع اجلحد للوجوب‪ ،‬فريى أهنا غري‬
‫واجبة عليه وهو مكلف‪ ،‬فهاا يكون كافرا كفرا أكرب إبمجاع أهل العلم‪ ،‬فمن جحد وجوهبا كفر إبمجاع‬
‫املسلمني‪ ،‬وهكاا من جحد وجوب الزكاة‪ ،‬أو جحد وجوب صوم رمضان من املكلفني‪ ،‬أو جحد وجوب‬
‫احلج مع االستطاعة‪ ،‬أو جحد حترمي الزان‪ ،‬وقال‪ :‬إنه حالل‪ ،‬أو جحد حترمي اخلمر‪ ،‬وقال‪ :‬إنه حالل‪ ،‬أو‬
‫جحد حترمي الراب‪ ،‬وقال‪ :‬إنه حالل‪ .‬كل هؤالء يكفرون إبمجاع املسلمني‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬من تركها هتاوان وكسال وهو يعلم أهنا واجبة‪ ،‬فهاا فيه خالف ني أهل العلم‪ ،‬فمنهم من‬
‫كفره كفرا أكرب‪ ،‬وقال‪ :‬إنه خيرج من ملة اْلسالم ويكون مرتدا‪ ،‬كمن جحد وجوهبا فإنه ال يغسل وال يصلى‬
‫ني‬
‫عليه إذا مات‪ ،‬وال يدفن مع املسلمني وال يرثه املسلمون من أقار ه؛ لقوله ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث الصحيح‪َ ْ َ « :‬‬
‫الص َالةِ» رواه مسلم(‪ ،)2‬وهاا صريح منه ملسو هيلع هللا ىلص تكفريه‪ .‬والكفر والشرك إذا‬ ‫ني ِِّ‬
‫الش ْرِك َوالْ ُك ْف ِر تَ ْرَك َّ‬ ‫الر ُج ِل َوَ ْ َ‬
‫َّ‬
‫أطلق ابلتعريف هو الكفر والشرك األكرب‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬الْ َع ْه َد الَّ ِاي َْي نَنَا َوَْي نَ ُه ُم َّ‬
‫الصالَةُ‪،‬‬
‫فَ َم ْن تَ َرَك َها فَ َق ْد َك َفَر» خرجه اْلمام أمحد(‪ ،)3‬وأهل السنن األر عة(‪ )4‬إبسناد صحيح عن ريدة ه‪ ،‬مع‬
‫أحاديث أخرى جاءت يف الباب‪.‬‬
‫وقال آخرون من أهل العلم‪ :‬إنه ال يكفر الك كفرا أكرب‪ ،‬ل هو كفر أصغر؛ ألنه موحد يشهد أن‬
‫ال إله إال هللا وأن دمحما رسول هللا‪ ،‬ويؤمن أبهنا فريضة عليه وجعلوها كالزكاة والصيام واحلج ال يكفر من تركها‬
‫إَّنا هو عاص‪ ،‬وقد أتى جرمية عظيمة‪ ،‬ولكنه ال يكفر الك الكفر األكرب‪.‬‬

‫)‪ -(1‬جمموع فتاوى ابن ابز رمحه هللا (‪.)168/87‬‬


‫)‪ -(8‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬بيان إطالق اسم الكفر على من ترك الصالة‪( ،‬ح‪.)28/‬‬
‫)‪ -(7‬يف مسنده (‪( )86/72‬ح‪.)88773/‬‬
‫)‪ -)7‬رواه الرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف ترك الصالة‪( ،‬ح‪ ،)8681/‬ورواه النسائي يف السنن الكربى‪ ،‬كتاب‪ :‬الصالة‪،‬‬
‫الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬احلكم يف اترك الصالة وذكر االختالف يف ذلك‪( ،‬ح‪ ،)786/‬ورواه ابن ماجه يف سننه‪ ،‬كتاب‪ :‬إقامة الصالة والسنة فيها‪،‬‬
‫ابب‪ :‬ما جاء فيمن ترك الصالة‪( ،‬ح‪.)1637/‬‬
‫~ ‪~ 09‬‬
‫والصواب القول األول‪ ،‬ألن الصالة ِلا شأن عظيم غري شأن الزكاة والصيام واحلج‪ ،‬وهي أعظم من‬
‫س‬‫الزكاة والصيام واحلج‪ ،‬وهي تلي الشهادتني وهي عمود اْلسالم‪ ،‬كما قال عليه الصالة والسالم‪َ « :‬رأْ ُ‬
‫الص َالةُ»(‪ .)1‬ومن ذلك ما ثبت يف احلديث عن عبد هللا ن عمرو ن العاص رضي‬ ‫ودهُ َّ‬ ‫األ َْم ِر ا ِْل ْس َال ُم‪َ ،‬و َع ُم ُ‬
‫هللا عنهما يف مسند أمحد(‪- )2‬إبسناد جيد‪ -‬عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه ذكر الصالة يوما ني أصحا ه فقال‪َ « :‬م ْن‬
‫ور‪َ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اان َوََنَاة يَ ْوَم الْقيَ َامة‪َ ،‬وَم ْن َملْ َُيَاف ْظ َعلَْي َها‪َ ،‬ملْ يَ ُك ْن لَهُ ُْرَها ٌن‪َ ،‬وال نُ ٌ‬‫ت لَهُ نُورا َوُْرَه َ‬ ‫ظ َعلَْي َها‪ ،‬كانَ ْ‬ ‫َحافَ َ‬
‫ف» قال عض أهل العلم‪ :‬إن حشره مع‬ ‫ُب ْ ِن َخلَ ٍ‬ ‫ََنَاةٌ‪َ ،‬وكا َن يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة َم َع قَ ُارو َن‪َ ،‬وَه َاما َن‪َ ،‬وفِْر َع ْو َن‪َ ،‬وأ َِِّ‬
‫هؤالء يدل على أنه كافر كفرا أكرب؛ ألن حشره مع رؤوس الكفرة يدل على أنه قد صار مثلهم"‪.‬‬
‫من فضائل الصالة‪:‬‬
‫‪ -‬تنهى عن الفحشاء واملنكر‪ :‬قال هللا تعاىل‪{ :‬اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّالةَ إِنَّ الصَّالةَ تَنْهَى عَنِ‬

‫الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ولَذِكْرُ اهللِ أَكْبَرُ وَاهللُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}[العنكبوت‪.]79:‬‬


‫صلَّى هللاُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫ت النِ َّ‬
‫َّيب َ‬ ‫‪ -‬أفضل األعمال عد الشهادتني‪ :‬فعن عبدهللا ن مسعود مهنع هللا يضر قال‪َ :‬سأَلْ ُ‬
‫َي؟‬‫الوالِ َديْ ِن» قَ َال‪ُُ :‬ثَّ أ ٌّ‬ ‫ِ‬
‫َي؟ قَ َال‪ُُ « :‬ثَّ ر َ‬ ‫الصالَةُ َعلَى َوقْتِ َها»‪ ،‬قَ َال‪ُُ :‬ثَّ أ ٌّ‬ ‫اّللِ؟ قَ َال‪َّ « :‬‬ ‫ب إِ َىل َّ‬ ‫الع َم ِل أ َ‬
‫َح ر‬ ‫ي َ‬ ‫أَ ر‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫اد ِيف َسبِ ِيل َّ‬
‫اّلل»‪.‬‬ ‫قَ َال‪« :‬اجل َه ُ‬
‫س َك َمثَ ِل نَ ْه ٍر َجا ٍر‪،‬‬ ‫اخلَ ْم ِ‬
‫ات ْ‬ ‫الصلَو ِ‬
‫‪ -‬تغسل اخلطااي‪ :‬فعن جا ر ه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬مثَ ُل َّ َ‬
‫ب أَح ِد ُكم‪ ،‬ي ْغتَ ِسل ِمْنه ُك َّل ي وٍم َخَْس مَّر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات»(‪.)4‬‬ ‫َ َ‬ ‫َغ ْم ٍر َعلَى َاب َ ْ َ ُ ُ َ ْ‬
‫اجلُ ْم َعةُ إِ َىل‬
‫س‪َ ،‬و ْ‬ ‫اخلَ ْم ُ‬
‫ات ْ‬ ‫الصلَ َو ُ‬
‫تكفر السيئات‪ :‬حلديث أب هريرة ه أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪َّ « :‬‬ ‫‪ِّ -‬‬
‫ب الْ َكبَائَِر»(‪.)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫ات َما َْي نَ ُه َّن إِ َذا ْ‬
‫اجتَ نَ َ‬ ‫ضا َن‪ُ ،‬م َك ِّفَر ٌ‬‫ضا ُن إِ َىل َرَم َ‬
‫اجلُ ْم َعة‪َ ،‬وَرَم َ‬
‫ك‬‫‪ -‬يرفع هللا هبا الدرجات وَيط اخلطااي‪ :‬عن ثوابن موىل رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص عن النيب ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال له‪َ « :‬علَْي َ‬
‫ك ِهبَا َخ ِطيئَة»(‪.)6‬‬ ‫ك هللاُ ِهبَا َد َر َجة‪َ ،‬و َح َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ط َعْن َ‬ ‫ِ َكثْ َرةِ ال رس ُجود َّّلل‪ ،‬فَِإن َ‬
‫َّك َال تَ ْس ُج ُد َّّلل َس ْج َدة‪ ،‬إَِّال َرفَ َع َ‬

‫)‪ -(1‬رواه الرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب اإلميان‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف حرمة الصالة‪( ،‬ح‪ ،)8616/‬وحسنه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)172/8‬‬
‫‪( )171/11( -8‬ح‪.)6936/‬‬
‫)‪ -(7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬مواقيت الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬فضل الصالة لوقتها‪( ،‬ح‪ ،)983/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪،‬‬
‫ابب‪ :‬بيان كون اإلميان ابهلل تعاىل أفضل األعمال‪( ،‬ح‪.)29/‬‬
‫)‪ -(7‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬املشي إىل الصالة متحى به اخلطااي وترفع به الدرجات‪( ،‬ح‪.)662/‬‬
‫)‪ -(9‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الطهارة‪ ،‬ابب‪ :‬الصلوات اخلمس واجلمعة إىل اجلمعة ورمضان إىل رمضان مكفرات ملا بينهن ما اجتنبت‬
‫الكبائر‪( ،‬ح‪.)877/‬‬
‫)‪ -(6‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬فضل السجود واحلث عليه‪( ،‬ح‪.)722/‬‬
‫~ ‪~ 21‬‬
‫ت أَِ ُ‬
‫يت‬ ‫‪ -‬من أعظم أسباب دخول اجلنة رفقة النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪ :‬فعن ر يعة ن كعب األسلمي ه قال‪ُ :‬كْن ُ‬
‫اجلَن َِّة‪ .‬قَ َال‪« :‬أ َْو‬‫ك ِيف ْ‬ ‫ول هللاِ ملسو هيلع هللا ىلص فَأَتَي تُه ِوضوئِِه وح ِ ِ‬
‫مع رس ِ‬
‫َسأَلُ َ‬
‫ك ُمَرافَ َقتَ َ‬ ‫ت‪ :‬أ ْ‬ ‫اجته فَ َق َال ِّل‪َ « :‬س ْل» فَ ُق ْل ُ‬ ‫ْ ُ َ ُ ََ َ‬ ‫ََ َُ‬
‫ود»(‪.)1‬‬ ‫َع ِ ي علَى نَ ْف ِسك ِ َكثْ رةِ ال رسج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ت‪ُ :‬ه َو ذَ َاك‪ .‬قَ َال‪« :‬فَأ ِّ َ‬ ‫ك» قُ ْل ُ‬ ‫َغْي َر ذَل َ‬
‫‪ -‬انتظارها رابط يف سبيل هللا‪ :‬حلديث أب هريرة ه أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪« :‬أََال أ َُدلر ُك ْم َعلَى َما ميَْ ُحو‬
‫ول هللاِ قَ َال‪« :‬إِسباغُ الْوض ِ‬
‫وء َعلَى الْ َم َكا ِرهِ‪َ ،‬وَكثْ َرةُ‬ ‫ات؟» قَالُوا َلَى َاي َر ُس َ‬ ‫اخلطَااي‪ ،‬وي رفَع ِِه الدَّرج ِ‬ ‫ِِ‬
‫َْ ُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫هللاُ ه َْ َ َ َ ْ ُ‬
‫ط»(‪.)2‬‬ ‫الص َالةِ‪ ،‬فَ َالِ ُكم ِِّ‬
‫الرَاب ُ‬ ‫َّ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الص َالةِ‬
‫َّ‬ ‫ار‬
‫ُ‬ ‫ظ‬
‫َ‬ ‫اج ِد‪ ،‬وانْتِ‬
‫َ‬
‫اخلطَا إِ َىل الْمس ِ‬
‫ُْ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬

‫قال تعاىل‪{:‬وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}‪.‬‬

‫عد أن أمر لقما ُن ا نه ابلصالة اليت هي عمود الدين‪ ،‬أمره ابلقيام ابألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‬
‫الاي هو سفينة النجاة‪ ،‬واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر شعرية عظيمة‪ ،‬هبا انلت األمة اخلريية على ابقي‬
‫األمم‪{ :‬كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران‪.]116:‬‬

‫واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر مسةٌ تدل على فاعلية هاه األمة‪ ،‬وأهنا دوما تسعى لإلصالح‬
‫امر تُلقى‪ ،‬ل منهج إصالح وتغيري‪.‬‬
‫واخلري‪ ،‬وهو ليس جمرد أو َ‬
‫واملعروف‪ :‬اسم جامع لكل ما عرف من طاعة هللا‪ ،‬والتقرب إليه واْلحسان إىل الناس‪ ،‬وكل ما ندب‬
‫إليه الشرع وهنى عنه من احملسنات واملقبحات‪ .‬واملنكر‪ :‬ضد املعروف وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو‬
‫(‪)3‬‬
‫منكر‪.‬‬

‫فمعىن األمر ابملعروف‪ :‬الدعوة إليه‪ ،‬والرتغيب فيه‪ ،‬ومتهيد أسبا ه حىت تتوطد أركانه‪ ،‬وتتطرق سبله‪،‬‬
‫ويعم اخلري ه‪ .‬ومعىن النهي عن املنكر‪ :‬الصد عنه‪ ،‬والتنفري منه‪ ،‬ومقاومته‪ ،‬وأخا السبل عليه حىت ال يقع‬
‫أصال‪ ،‬أو يتكرر‪.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬املساجد ومواضع الصالة‪ ،‬ابب‪ :‬املشي إىل الصالة متحى به اخلطااي وترفع به الدرجات ‪( ،‬ح‪.)666/‬‬
‫)‪ -(8‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الطهارة‪ ،‬ابب‪ :‬فضل إسباغ الوضوء على املكاره‪( ،‬ح‪.)891/‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬النهاية يف غريب احلديث واألثر البن األثري (‪ .)816/7‬لسان العرب البن منظور (‪.)877/9‬‬
‫~ ‪~ 20‬‬
‫قال شيخ اْلسالم ا ن تيمية رمحه هللا‪" :‬األَمر ابملعر ِ‬
‫وف والنَهي َع ِن املن َك ِر ُهو ِم ْن أَْو َج ِ‬
‫ب األَ ْع َم ِال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ُْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ضلِ َها َوأَ ْح َسنِ َها"‪.‬‬
‫َوأَفْ َ‬
‫الدين‪ ،‬وعُ ْم َدةٌ ِم ْن عُ َم ِد‬
‫روف والنَّهي ع ِن املْن َك ِر أَصل يف ِِّ‬
‫ٌْ‬ ‫ُ َ‬
‫ويقول أ و كر ن العرب‪" :‬األَمر ابملع ِ‬
‫ُ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫اس‪َ ،‬مثىن وفُر َادى ِ َش ْر ِط ال ُق ْدرةِ َعلَْيه"‪.‬‬
‫ر َعلى َمجي ِع النَّ ِ‬
‫وه َو فَ ْر ٌ‬
‫املسلمني‪ُ ،‬‬
‫ومما يؤكد مكانة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر يف اْلسالم أن هللا تعاىل قد ذكر من أوصاف‬
‫الصاحلني أهنم أيمرون ابملعروف وينهون عن املنكر‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ‬

‫آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ‪ -‬يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ‬

‫وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِنيَ} [آل عمران‪]117-117:‬‬

‫حكم األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬

‫اتفق علماء األمة على القول وجوب األمر ابملعروف والنهي عن املنكر فيما أثر عنهم من األقوال‬
‫مستدلني على ذلك ابلكتاب والسنة‪ ،‬ومن ذلك على سبيل املثال ما يلي‪:‬‬
‫قال ا ن حزم‪" :‬اتِّفقت ْاألمة كلها على وجوب ْاألَمر ِابلْمعر ِ‬
‫وف َوالن َّْهي َعن الْ ُمنكر ِ َال خالف من‬‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫أحد ِمْن ُهم"‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اب َوال رسنَّةُ َوإِ ْمجَاعُ‬ ‫وقال النووي‪َ " :‬وقَ ْد تَطَا َ َق َعلَى ُو ُجوب ْاأل َْم ِر ِابلْ َم ْع ُروف َوالن َّْه ِي َع ِن الْ ُمْن َك ِر الْكتَ ُ‬
‫ض ِة َوَال يُ ْعتَ رد ِِِب َالفِ ِه ْم َك َما‬ ‫الدين وَمل ُخيالِف ِيف َذلِك إَِّال عض َّ ِ‬
‫الراف َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫يح ِة الَِّيت ه َي ِّ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاأل َُّمة َوُه َو أَيْضا م َن النَّص َ‬
‫ِ‬
‫َمجَ َع الْ ُم ْسلِ ُمو َن َعلَْي ِه قَ ْب َل أَ ْن يَْن بُ َغ‬
‫ث ِِِب َالفِ ِه ْم ِيف َه َاا فَ َق ْد أ ْ‬‫ني َال يُكْتَ َر ُ‬ ‫احلَرَم ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قَ َال ْاْل َم ُام أَُو الْ َم َع ِاّل إ َم ُام ْ َ‬
‫َه ُؤَال ِء َوُو ُجوُهُ ِابلش َّْرِع َال ِابلْ َع ْق ِل ِخ َالفا لِْل ُم ْعتَ ِزلَة"‪.‬‬
‫ِ (‪)4‬‬

‫)‪ -(1‬األمر ابملعروف والنهي عن املنكر البن تيمية (صـ ‪.)12‬‬


‫)‪ -(8‬عارضة األحوذي (‪.)18/8‬‬
‫)‪ -(7‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل (‪.)178/7‬‬
‫)‪ -(7‬شرح صحيح مسلم (‪.)88/8‬‬
‫~ ‪~ 22‬‬
‫وقال أ و كر ن العرب‪" :‬يف مطلق قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولْتَ ُك ْن ِمْن ُك ْم أ َُّمةٌ ﴾ دليل على أن األمر ابملعروف‬
‫والنهي عن املنكر فرر يقوم ه املسلم‪ ،‬وإن مل يكن عدال‪ ،‬خالفا للمبتدعة الاين يشرتطون يف األمر‬
‫(‪)1‬‬
‫ابملعروف والنهي عن املنكر العدالة"‪.‬‬

‫وف والنَّهي عن الْمْن َك ِر ِيف مو ِ‬


‫اض َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال أ و كر ن اجلصاص‪" :‬أ َّ‬
‫ََ‬ ‫ر ْاأل َْمَر ابلْ َم ْع ُر َ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫اّللُ تَ َع َاىل فَ ْر َ‬
‫َك َد َّ‬
‫َخبَا ٍر ُمتَ َواتَِرةٍ َعْنهُ فِ ِيه َوأ ْ‬ ‫ول َِّ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫صا ِر َعلَى ُو ُجوِه"‪.‬‬
‫ف َوفُ َق َهاءُ ْاأل َْم َ‬
‫السلَ ُ‬
‫َمجَ َع َّ‬ ‫اّلل ملسو هيلع هللا ىلص ِيف أ ْ‬ ‫ِم ْن كِتَاِِه َوَْي نَهُ َر ُس ُ‬
‫اخل ِري وأيْمرو َن ِابلْمعر ِ‬
‫وف َويَْن َه ْو َن َع ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫وقال الشوكاين يف تفسري قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولْتَ ُك ْن مْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن إ َىل َْْ َ َ ُ ُ‬
‫وف َوالن َّْه ِي َع ِن الْ ُمْن َك ِر‪،‬‬ ‫ك ُهم الْم ْفلِحو َن ﴾‪" :‬وِيف ْاآلي ِة َدلِيل َعلَى وج ِ‬
‫وب ْاألَم ِر ِابلْمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ُْ‬ ‫ُُ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫الْ ُمْن َك ِر َوأُولَئ َ ُ ُ ُ‬
‫الش ِريع ِة الْمطَ َّهرةِ‪ ،‬وأَصل ع ِظيم ِمن أُص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ووجو هُ ََثِ ٌ ِ ِ‬
‫وِلَا‪َ ،‬وُرْك ٌن‬ ‫ت ِابلْكتَاب َوال رسنَّة‪َ ،‬وُه َو م ْن أ َْعظَِم َواجبَات َّ َ ُ َ َ ْ ٌ َ ٌ ْ ُ‬ ‫َُ ُ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ْم ُل نِظَ ُام َها َويَ ْرتَِف ُع َسنَ ُام َها"‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َشيَّ ٌد م ْن أ َْرَكاهنَا‪َ ،‬وِه يَك ُ‬
‫ُث اختلف العلماء يف هاا الوجوب؛ هل هو عي ي أم كفائي؟‬

‫وقد رجح شيخ اْلسالم ا ن تيمة‪ ،‬والقرطيب‪ ،‬وا ن العرب‪ ،‬كونه واجب على الكفاية(‪.)4‬‬

‫وقد ينتقل من واجب كفائي إىل عي ي‪ ،‬كما قال النووي‪ُ" :‬ث إنه قد يتعني كما إذا كان يف موضع ال‬
‫يعلم ه إال هو‪ ،‬أو ال يتمكن من إزالته إال هو‪ ،‬كمن يرى زوجته أو أوالده أو غالمه على منكر‪ ،‬أو تقصري‬
‫يف املعروف"(‪.)5‬‬

‫(‪)٦‬‬
‫الصفات اليت ينبغي أن تتوافر يف اآلمر باملعروف والناهي عن املنكر‪:‬‬

‫‪-‬اْلخالص‪ :‬فينبغي ملن أيمر ابملعروف وينهى عن املنكر أن ينوي يف ذلك وجه هللا تعاىل‪ ،‬ويعل نيته‬
‫خالصة له سبحانه‪ ،‬وأن يقصد عمله هاا أن تكون كلمة هللا هي العليا وأن يكون هللا عز وجل هو املطاع‬

‫)‪ -(1‬أحكام القرآن (‪.)878/1‬‬


‫)‪ -(8‬أحكام القرآن (‪.)978/8‬‬
‫)‪ -(7‬فتح القدير (‪.)762/1‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن تيمية (‪ ،)189/82‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪ ،)166/7‬أحكام القرآن البن العريب (‪.)878/1‬‬
‫)‪ -(9‬شرح صحيح مسلم (‪.)87/8‬‬
‫)‪ -(6‬األمر ابملعروف والنهي عن املنكر لشيخ اإلسالم ابن تيمية (صـ ‪ ،)17‬بتصرف‪.‬‬
‫~ ‪~ 23‬‬
‫يف األرر‪ ،‬فإن هللا تبارك وتعاىل يقول فيما خيرب عنه الرسول ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث القدسي‪« :‬أ ََان أَ ْغ َىن الشَررَك ِاء‬
‫الش ْرِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َمال أَ ْشَرَك فِ ِيه َمعِي َغ ِْريي‪ ،‬تََرْكتُهُ َو ِش ْرَكهُ»(‪.)1‬‬
‫َع ِن ِِّ‬
‫‪-‬العلم‪ :‬أن يكون عاملا مبا أيمر ه‪ ،‬عاملا مبا ينهى عنه‪ ،‬وإال فإنه قد يفسد دل أن يصلح‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ش ِيف شيء قط إال‬ ‫الرفْ ُق ِيف َش ْيء إَِّال َزانَهُ َوَال َكا َن الْ ُف ْح ُ‬ ‫‪-‬الرفق‪ :‬كما قال النيب ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬ما َكا َن ِِّ‬
‫الرفْ َق ِيف األ َْم ِر ُكلِِّ ِه»(‪.)3‬‬ ‫يق َُِي ر‬
‫ب ِِّ‬ ‫شانه»(‪ ،)2‬وقال‪« :‬إِ َّن َّ ِ‬
‫اّللَ َرف ٌ‬
‫‪-‬احللم والصرب على األذى‪ :‬فإنه ال د أن َيصل له أذى؛ فإن مل َيلم ويصرب كان ما يفسد أكثر مما‬
‫يصلح‪ ،‬وِلاا أمر هللا الرسل ‪-‬وهم أئمة األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ -‬ابلصرب‪ ،‬قال‪{ :‬وَاصْبِرْ لِحُكْمِ‬

‫رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور‪ ،]72:‬وقال تعاىل‪{ :‬وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}[املزمل‪،]16:‬‬
‫{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[األحقاف‪{ ،]79:‬فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم‪.]72:‬‬

‫( ‪)٤‬‬
‫املفاسد املرتتبة على ترك إنكار املنكر‪:‬‬

‫يرتتب على ترك إنكار املنكر مفاسد عظيمة منها‪:‬‬


‫‪ -1‬أن السكوت عن املنكر مع القدرة يُ َع ُد معصية‪ ،‬وإن مل يباشر الساكت فعل املنكر الاي سكت‬
‫عليه‪ ،‬فإنه كما يب اجتناب املعصية‪ ،‬يب اْلنكار على من فعل املعصية‪ ،‬فهما واجبان من ترك أحدمها‬
‫فقد عصى ر ه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن السكوت عن املنكر يدل على التهاون ابملعاصي وقلة االكرتاث هبا‪ ،‬والتهاون أبمر هللا‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يف السكوت عن املنكر فقد الغرية والغضب حملارم هللا أو ضعفها وضعف تعظيم الرب تعاىل‪.‬‬
‫‪ -4‬أن السكوت عن املنكر يرئ العصاة والفسقة على اْلكثار من املعاصي‪ ،‬حيث مل يردعوا عنها‬
‫الشر وتعظم‬
‫الشر‪ ،‬فيزداد الك ِّ‬ ‫حىت تكون ِلم الشوكة والظهور‪ ،‬ويضعف أهل اخلري عن مقاومة أهل ِّ‬
‫املصيبة الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد والرقائق‪ ،‬ابب‪ :‬من أشرك يف عمله غري هللا‪( ،‬ح‪.)8729/‬‬
‫)‪ -(8‬رواه ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الرب واإلحسان‪ ،‬ابب‪ :‬الرفق‪ ،‬ذكر األمر بلزوم الرفق يف األشياء إذ دوامه عليه زينته يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪( ،‬ح‪ ،)991/‬وصححه األلباين يف التعليقات احلسان (‪.)78/8‬‬
‫)‪ -(7‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬استتابة املرتدين واملعاندين وقتالم‪ ،‬ابب‪ :‬إذا عرض الذمي وغريه بسب النيب ملسو هيلع هللا ىلص ومل يصرح‪ ،‬حنو‬
‫قوله‪ :‬السام عليك‪( ،‬ح‪.)6783/‬‬
‫)‪ -)7‬القول البني األُهر يف الدعوة إىل هللا واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر للراجحي (صـ ‪.)126‬‬
‫~ ‪~ 24‬‬
‫‪ -5‬أن رتك إنكار املنكر يندرس العلم ويكثر اجلهل‪ ،‬فإن املعصية إذا تكرر صدورها من كثري من‬
‫الناس‪ ،‬ومل ينكرها أهل الدين والعلم والفضل‪ ،‬ظن اجلاهل أهنا ليست معصية‪ ،‬ورمبا ظن أهنا عبادة‬
‫مستحسنة‪ ،‬وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرم هللا حالال‪ ،‬ورؤية الباطل حقًّا‪ ،‬وانقالب احلقائق على‬
‫الناس؟!‬
‫‪ -6‬أن السكوت عن املنكر مع إعالن العاصي ملعصيته وإظهارها‪ ،‬إذن ودعوة إىل تقليد العاصي‪،‬‬
‫وتزيني للمعصية يف صدور الناس‪ ،‬والناس يقتدي عضهم بعض‪ ،‬واْلنسان مولع ابالقتداء أبقرانه و ي‬
‫جنسه‪.‬‬

‫(‪)١‬‬
‫احلامل على األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬
‫اآلمر ابملعروف والناهي عن املنكر والداعية إىل هللا تعاىل ال د له من ابعث يبعثه‪ ،‬وحامل َيمله على‬
‫القيام أبداء هاا الواجب العظيم‪ ،‬واألمور اليت حتمل اآلمر والناهي وتبعثه على األمر والنهي والدعوة إىل هللا‬
‫تعاىل كثرية متعددة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬رجاء ثواب هللا تعاىل‪ ،‬والطمع فيما لديه سبحانه من املثو ة العظيمة‪ ،‬واألجر اجلزيل على أداء‬
‫هاه الوظيفة العظيمة‪.‬‬
‫‪ -2‬خوف عقاب هللا تعاىل والتعرر لسخطه وغضبه ونقمته يف ترك واجب عظيم من واجبات‬
‫اْلسالم‪ ،‬ه يقوم الدين ويستقيم‪.‬‬
‫‪ -3‬االقتداء ابلرسل الكرام عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فإن الدعوة إىل هللا واألمر ابملعروف والنهي عن‬
‫املنكر وظيفة الرسل وأتباعهم‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِريَةٍ أَنَا وَمَنِ‬

‫اتَّبَعَنِي}[يوسف‪.]162:‬‬
‫‪ -4‬النصيحة للمؤمنني والرمحة ِلم‪ ،‬ورجاء إنقاذهم مما وقعوا فيه من التعرر لعقو ة هللا يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫‪ -5‬الغرية هلل والغضب حملارمه لئال تنتهك‪ ،‬وحدوده لئال تضاع‪ ،‬ودينه لئال يرتك‪ ،‬وأمره لئال يضاع‬
‫ويطِّرح‪.‬‬

‫)‪ -)1‬املرجع السابق (صـ ‪.)128‬‬


‫~ ‪~ 25‬‬
‫قال تعاىل‪{ :‬وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَِّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}‪.‬‬

‫ملا كان القا ض على دينه يف غالب األزمان كالقا ض على اجلمر‪ ،‬ألنه خيالف املعظم فريمونه عن‬
‫قوس واحدة ال سيما أن أمرهم وهناهم(‪)1‬؛ قال‪{ :‬وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}‪.‬‬

‫تعريف الصرب‪:‬‬

‫ِ‬
‫َي َحبَ ْستُ َها(‪ .)2‬وأييت مبعىن الثبات‪:‬‬ ‫ت نَ ْف ِسي َعلَى َذل َ‬
‫ك ْاأل َْم ِر‪ ،‬أ ْ‬ ‫صبَ ْر ُ‬
‫الصرب لغة‪ :‬احلبس‪ ،‬يقال‪َ :‬‬
‫كقوله تعاىل‪{ :‬وَاسْتَعِينُوا بِالصَِّبْرِ}[البقرة‪ ،]79:‬أي‪ :‬ابلثبات على ما أنتم عليه من اْلميان‪.‬‬

‫والصرب اصطالحا‪ :‬حبس النفس عن اجلزع‪ ،‬واللسان عن التشكي‪ ،‬واجلوارح عن لطم اخلدود وشق‬
‫(‪)3‬‬
‫الثياب وحنومها‪.‬‬

‫أو‪ :‬هو ُخلُ ٌق فاضل من أخالق النفس مينع صاحبه من فعل ما ال ََْي ُس ُن‪ ،‬وال يمل‪ ،‬وهو قوة من‬
‫(‪)4‬‬
‫قوى النفس اليت هبا صالح شأهنا‪ ،‬وقوام أمرها‪.‬‬

‫أنواع الصرب‪:‬‬

‫الصرب إىل ثالثة أنواع‪:‬‬


‫قسم العلماءُ َ‬
‫ِّ‬
‫‪-1‬الصرب على طاعة هللا‪ :‬الصرب على أداء العبادات اليت فرضها هللا سبحانه وتعاىل على عباده‬
‫والدوام عليها؛ ألن النفس طبعها متيل إىل الشهوات‪ ،‬قال هللا سبحانه وتعاىل‪{ :‬وَأمُر أَهلَكَ بِالصَِّالةِ وَاصطَبِر‬

‫عَلَيها ال نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَِّقوى}[طه‪ ،]178:‬فيجب على املسلم أن يعود نفسه على الصرب يف‬
‫ثالثة مواضع‪:‬‬
‫األول‪ :‬صرب قبل الطاعة إبخالص النية هلل‪ ،‬والتربؤ من شوائب الرايء‪.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬نظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور (‪.)139/19‬‬


‫)‪ -(8‬معجم مقاييس اللغة البن فارس (صـ ‪.)787‬‬
‫)‪ -(7‬عدة الصابرين وذخرية الشاكرين البن القيم (صـ ‪.)19‬‬
‫)‪ -(7‬عدة الصابرين البن القيم (صـ ‪.)87‬‬
‫~ ‪~ 26‬‬
‫الثاين‪ :‬الصرب حال القيام ابلطاعة‪ ،‬فيحرص املسلم على أدائها على أكمل وجه مشروع متِّبعا ما ينه‬
‫الرسول ملسو هيلع هللا ىلص‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الصرب عد أداء الطاعة‪ ،‬فال ينظر لنفسه عني العجب‪ ،‬وحب الثناء؛ لئال َيبط عمله ويبطل‬
‫أجره‪.‬‬
‫‪-2‬الصرب عن املعاصي واحملرمات‪ :‬الصرب عما هنى هللا سبحانه وتعاىل عنه من املعاصي واحملرمات‪،‬‬
‫وجماهدة النفس عن االقرتاب منها‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل يف يان عاقبة الصرب عن املعصية‪{ :‬وَأَمَِّا مَنْ خَافَ‬

‫مَقَامَ رَبِِّهِ ونَهَى النَِّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَِّ الْجَنَِّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات‪.]71-76:‬‬

‫‪-3‬الصرب على املصائب واحملن‪ :‬وهو الصرب على ما يقدره هللا سبحانه وتعاىل على عباده من كوارث‬
‫مفجعة‪ ،‬ومصائب مؤملة؛ كفقد عزيز‪ ،‬أو زوال الصحة وغريها من اال تالءات‪ ،‬ولقد وصف هللا عباده‬
‫قوله‪{ :‬ولَنَبْلُونَِّكُم بِشَيْءٍ مِِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ونَقْصٍ مِِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَِّمَرَاتِ وَبَشِِّرِ‬ ‫الصا رين‬
‫الصَِّابِرِينَ}[البقرة‪ ،]199:‬ووعد هللا عباده الصا رين ابألجر العظيم‪ ،‬فعن أنس ن مالك ه قال‪ :‬مسعت‬
‫يد‪َ :‬عْي نَ ْي ِه(‪.)1‬‬
‫ضتُهُ ِمْن ُه َما اجلَنَّةَ» يُِر ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اّللَ قَ َال‪ :‬إِ َذا ا ْتَ لَْي ُ‬
‫ت َعْبدي ِبَبِيبَ تَ ْيه فَ َ‬
‫صبَ َر‪َ ،‬ع َّو ْ‬ ‫رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬إِ َّن َّ‬

‫حكم الصرب‪:‬‬

‫الصرب واجب ابجلملة إبمجاع الفقهاء ‪ ،‬قال هللا سبحانه وتعاىل‪{ :‬يَا أَيُِّهَا الَِّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا‬
‫(‪)2‬‬

‫وَرَابِطُوا وَاتَِّقُوا اللَِّـهَ لَعَلَِّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران‪ ،]866:‬أما حكمه التفصيلي فيختلف ابختالف نوع املصبور عنه‬
‫أو املصبور عليه‪ ،‬فلكل نوع حكم خيصه من األحكام التكليفية اخلمسة‪:‬‬

‫احملرمات‪ ،‬والصرب على املصائب اليت ال‬


‫‪-‬الصرب الواجب‪ :‬وهو الصرب على الطاعات‪ ،‬والصرب عن ِّ‬
‫صنع للعبد فيها‪ :‬كاألمرار اليت تصيب اْلنسان‪ ،‬والفقر‪ ،‬وفقد الولد وغريها‪.‬‬

‫‪-‬الصرب املندوب‪ :‬هو الصرب على فعل املستحبات‪ ،‬وعن فعل املكروهات‪ ،‬أو عما هو خالف‬
‫األفضل‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬أن مقا لة السيئة مبثلها جائزة يف اْلسالم‪ ،‬وأفضل منها العفو والصفح‪ ،‬فلو أن‬
‫إنساان أساء إليك فإنه يستحب لك أن تصرب عليه‪.‬‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬املرضى‪ ،‬ابب‪ :‬فضل من يصرع من الريح‪( ،‬ح‪.)9698/‬‬
‫)‪ -(8‬انظر‪ :‬عدة الصابرين البن القيم (صـ ‪.)96‬‬
‫~ ‪~ 27‬‬
‫‪-‬الصرب احملرم‪ :‬كمن يصرب عن الطعام والشراب حىت ميوت‪ ،‬أو ميسك عن حلم اخلنزير أو عن امليتة يف‬
‫املخمصة واجملاعة حىت املوت‪ ،‬أو يصرب على ما يهلكه من سبع أو حية‪ ،‬أو حريق‪ ،‬وهو يستطيع مدافعة‬
‫ذلك ابألسباب النافعة‪.‬‬

‫‪-‬الصرب املكروه‪ :‬كمن يصرب عن الطعام والشراب حىت يتضرر الك دنه‪.‬‬

‫فعل مستوي الطرفني ُخِِّري ني فعله وتركه‪.‬‬


‫‪-‬الصرب املباح‪ :‬وهو الصرب عن كل ٍ‬

‫فضائل الصرب يف القرآن الكريم‪:‬‬

‫من فضائل الصرب اليت ذكرها هللا سبحانه وتعاىل يف كتا ه العزيز ما أييت‪:‬‬

‫‪ ‬مضاعفة أجر الصا رين‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬أُولَـئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَِّرَِّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ويَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَِّيِِّئَةَ وَمِمَِّا‬

‫رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[القصص‪.]97:‬‬
‫‪ ‬أن هللا سبحانه وتعاىل علق النصر ابلصرب والتقوى‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬بَلى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَِّقُوا ويَأْتُوكُم مِِّن‬

‫فَوْرِهِمْ هَـذا يُمْدِدْكُمْ رَبُِّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِِّمِنيَ}[آل عمران‪.]189:‬‬
‫‪ ‬أخرب هللا سبحانه وتعاىل أن مالئكته تسلم على الصا رين يف اجلنة صربهم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬جَنّاتُ‬

‫عَدنٍ يَدخُلونَها وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِم وَأَزواجِهِم وَذُرِِّيّاتِهِم وَاملَالئِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِِّ بابٍ * سَالمٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ‬

‫عُقبَى الدّارِ}[الرعد‪.]87-87 :‬‬

‫فضائل الصرب يف السنة النبوية‪:‬‬

‫وردت عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص العديد من األحاديث يف فضل الصرب وأمهيته‪ ،‬ومن تلك األحاديث ما أييت‪:‬‬

‫‪ ‬الصرب دليل على قوة اْلميان‪ :‬فعن صهيب ن سنان ه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬ع َجبا ِأل َْم ِر‬
‫َصا َْتهُ َسَّراءُ َش َكَر‪ ،‬فَ َكا َن َخْي را لَهُ‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫الْم ْؤِم ِن‪ ،‬إِ َّن أَمره ُكلَّه خي ر‪ ،‬ولَيس ذَ َاك ِأل ٍ ِ ِ‬
‫َحد إَِّال للْ ُم ْؤم ِن‪ ،‬إِ ْن أ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َُ ُ َ ْ ٌ َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫صبَ َر فَ َكا َن َخْي را لَهُ» ‪.‬‬
‫ضَّراءُ‪َ ،‬‬
‫َصا َْتهُ َ‬
‫أَ‬

‫)‪ -(1‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الزهد والرقائق‪ ،‬ابب‪ :‬املؤمن أمره كله خري‪( ،‬ح‪.)8777/‬‬
‫~ ‪~ 28‬‬
‫يب امل ْسلِ َم‪ِ ،‬م ْن‬
‫ُ‬
‫‪ ‬الصرب ابب لتكفري السيئات‪ :‬فعن أب هريرة ه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪« :‬ما ي ِ‬
‫ص‬ ‫َ ُ‬
‫ُ‬
‫اّللُ ِهبَا ِم ْن‬
‫ب‪َ ،‬والَ َه ٍِّم َوالَ ُح ْزٍن َوالَ أَذى َوالَ َغ ٍِّم‪َ ،‬ح َّىت الش َّْوَك ِة يُ َشا ُك َها‪ ،‬إَِّال َكفََّر َّ‬ ‫صٍ‬ ‫ب َوالَ َو َ‬ ‫صٍ‬ ‫نَ َ‬
‫َخطَ َاايهُ»(‪.)1‬‬
‫اّللِ‪ ،‬أَ ر‬
‫ي‬ ‫ول َّ‬ ‫ت‪َ :‬اي َر ُس َ‬ ‫‪ ‬الصرب يزيد املسلم قراب من هللا تعاىل‪ :‬فعن سعد ن أب وقاص ه قال‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫الرجل علَى حس ِ ِ ِ ِ‬
‫ب دينه‪ ،‬فَِإ ْن َكا َن دينُهُ ُ‬
‫ص ْلبا‬ ‫ِ‬
‫َش رد ََالء؟ قَ َال‪« :‬األَنْبيَاءُ ُُثَّ األ َْمثَ ُل فَاأل َْمثَ ُل‪ ،‬فَيُ ْب تَ لَى َّ ُ ُ َ َ َ‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس أ َ‬
‫ب ِدينِ ِه‪ ،‬فَ َما يَْب َر ُح البَ َالءُ ِاب َلعْب ِد َح َّىت يَْت ُرَكهُ ميَْ ِشي َعلَى‬
‫ا ْشتَ َّد ََال ُؤهُ‪ ،‬وإِ ْن َكا َن ِيف ِدينِ ِه ِرقَّةٌ ا ْتُلِي َعلَى َحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ر َما َعلَْيه َخطيئَةٌ» ‪.‬‬ ‫األ َْر ِ‬

‫)‪ -(1‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬املرضى‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف كفارة املرض‪( ،‬ح‪.)9671/‬‬
‫)‪ -(8‬رواه الرتمذي يف سننه‪ ،‬أبواب الزهد‪ ،‬ابب‪ :‬ما جاء يف الصرب على البالء‪( ،‬ح‪ ،)8772/‬وحسنه األلباين يف مشكاة املصابيح‬
‫(‪.)778/1‬‬
‫~ ‪~ 29‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الوصية اخلامسة‪ :‬التواضع و ذم الكرب واالختيال والفخر‬

‫قال تعاىل‪{ :‬وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿‪ ﴾١٨‬وَاقْصِدْ فِي‬

‫مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ ﴿‪}﴾١٩‬‬

‫خلُ ٌق ماموم‪ ،‬يكفي أنه خلق إ ليس‪ ،‬وأول ذنب عُصي هللاُ ه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ‬ ‫ِ‬
‫الكْب ُر ُ‬
‫اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىَٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة‪ِ ،]77:‬لاا وجه لقما ُن ا نَه إىل التواضع مع‬
‫الناس يف موعظته له‪ ،‬فقال‪{ :‬وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}‪.‬‬

‫{وَلَا تُصَعِِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}‪ :‬قال ا ن عباس ه‪" :‬أي‪ :‬ال تتكرب؛ فتحقر عباد هللا‪ ،‬وتعرر عنهم‬
‫ار ِابلْ َو ْج ِه َع ِن الن ِ‬
‫َّاس"(‪ ،)2‬وقال مقاتل‪" :‬ال‬ ‫ود و ِْ‬
‫اْل ْعَر ُ‬ ‫ص ُد ُ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫وجهك إذا كلموك" ‪ ،‬وقال جماهد‪ُ " :‬ه َو ال ر‬
‫تعرر وجهك عن فقراء الناس إذا كلموك فخرا ابخليالء والعظمة"(‪.)3‬‬

‫اّللُ(‪ .)4‬قال‬ ‫ك َّ‬ ‫ضَ‬ ‫{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}‪ :‬أي‪ :‬ج ْاال متَ َكِربا جبَّارا عنِيدا‪َ ،‬ال تَ ْفعل ذَلِ َ ِ‬
‫ك يُْبغ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ ُ ِّ َ َ‬
‫اخلُلُ ِق ُم َال ِزُمو َن لِْل َف ْخ ِر‬
‫اج ٍة‪َ ،‬وأ َْه ُل َه َاا ْ‬
‫ط َوالْ َم ْش ُي فَ َرحا ِيف َغ ِْري ُش ْغ ٍل َوِيف َغ ِْري َح َ‬
‫َّشا ُ‬
‫القرطيب‪َ " :‬وُه َو الن َ‬
‫ال ِيف ِم ْشيَتِ ِه"(‪.)5‬‬
‫ِح خمُْتَ ٌ‬ ‫وْ ِ‬
‫اخلُيَ َالء‪ ،‬فَالْ َمر ُ‬ ‫َ‬
‫َي َعلَى َغ ِْريهِ(‪ ،)6‬وقال مقاتل‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫{إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}‪ :‬خمُْتَ ٍال‪ُ :‬م ْع َج ٍ‬
‫ب ِيف نَ ْفسه‪ ،‬فَ ُخ ٌ‬
‫ور‪ :‬أ ْ‬
‫(‪)7‬‬
‫"يع ي كل طر مرح فخور يف نعم هللا تعاىل ال أيخاها ابلشكر"‪.‬‬

‫)‪ -)1‬تفسري الطربي (‪.)177/86‬‬


‫)‪ -)8‬تفسري جماهد (صـ ‪.)978‬‬
‫)‪ -)7‬تفسري مقاتل بن سليمان (‪.)779/7‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪ ،)777/6‬تفسري السعدي (صـ ‪.)672‬‬
‫)‪ -(9‬تفسري القرطيب (‪.)36/17‬‬
‫)‪ -(6‬انظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬
‫)‪ -(3‬تفسري مقاتل بن سليمان (‪.)779/7‬‬
‫~ ‪~ 31‬‬
‫لس ِري ِع الْ ُم ْف ِر ِط‪ْ َ ،‬ل‬ ‫صدا لَيس ِابلْب ِط ِ‬
‫يء الْ ُمتَ ثَبِِّ ِط‪َ ،‬وَال ِاب َّ‬ ‫ش م ْشيا م ْقتَ ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}‪ :‬أي‪ْ :‬ام ِ َ ُ‬
‫شي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ال‬‫َ‬‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫اض َعا ُمستَ ِكْي نَا‪ ،‬ال َم ْشي البَطَ ِر والتَّ َك رِ‬
‫رب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش متَ و ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ني(‪ .)1‬وقال السعدي‪" :‬اِ ْم ِ‬
‫ني َ ْ َ‬
‫َع ْدال َو َسطا َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫التَّ َماوت"‪.‬‬

‫فإن أقبح األصوات‬ ‫{وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ}‪ :‬يع ي واخفض من صوتك َّ‬
‫يما َال فَائِ َدةَ فِ ِيه؛‬ ‫لصوت احلمري(‪ .)3‬قال ا ن كثري رمحه هللا‪" :‬أَي‪َ :‬ال تُبالِ ْغ ِيف الْ َك َالِم‪ ،‬وَال تَرفَع صوتَك فِ‬
‫َ ْ ْ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اح ٍد‪ :‬إِ َّن أَقْ بح ْاأل ِ‬
‫اه ٌد و َغي ر و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫ص ْو ُ‬ ‫َص َوات لَ َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َوِلََاا قَ َال تَ َع َاىل‪{ :‬إِنَّ أَنْكَرَ األصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِريِ} قَ َال ُجمَ َ ْ ُ َ‬
‫احل ِم ِري‪ ،‬أَي‪َ :‬غايةُ من رفَع صوتَه أَنَّه يشبه ِاب ْحل ِم ِري ِيف علُ ِوهِ ورفْعِ ِه‪ ،‬ومع ه َاا هو غِيض إِ َىل َِّ‬
‫اّلل تَ َع َاىل‪َ .‬وَه َاا‬ ‫ُ ِّ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ َْ ُ ُ ُ َ‬ ‫َْ‬
‫َّ ِ (‪)4‬‬ ‫التَّ ْشبِيه ِيف ه َاا ِاب ْحل ِم ِري ي ْقتَ ِ‬
‫ضي َْحت ِرميَهُ َوذَ َّمهُ َغايَةَ الا ِّم"‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬

‫تعريف التواضع‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الر ُج ُل‪ :‬إذا تَ َالَّ َل‪.‬‬
‫اض َع َّ‬
‫التواضع لغة‪ :‬التالل‪ ،‬وتَ َو َ‬
‫ط ني ِ‬
‫الك ْرب‬ ‫والتواضع اصطالحا‪ :‬رضا اْلنسان مبنزلة دون ما يستحقره فضله ومنزلته‪ .‬وهو وس ٌ‬
‫فالض َعة‪ :‬وضع اْلنسان نفسه مكاان يزري ه تضييع ِِّ‬
‫حقه‪ .‬و ِ‬ ‫الض َعة‪ِِّ ،‬‬
‫و ِِّ‬
‫(‪)6‬‬
‫الك ْرب‪ :‬رفع نفسه فوق قدره‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وقيل هو‪ :‬إظهار التَّنرزل عن املرتبة ملن يراد تعظيمه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو تعظيم َمن فوقه فضله‪.‬‬

‫الرتغيب يف التواضع‪:‬‬

‫قال هللا تعاىل‪{ :‬وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى األَرْضِ هَوْنًا}[الفرقان‪ ،]67:‬قال ا ن القيِِّم رمحه هللا‪:‬‬
‫"أي‪ :‬سكينة ووقارا‪ ،‬متواضعني غري أشرين وال َم ِرحني وال ِِّ‬
‫(‪)8‬‬
‫متكربين"‪.‬‬

‫)‪ -(1‬انظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬


‫)‪ -(8‬تفسري السعدي (صـ ‪.)672‬‬
‫)‪ -(7‬انظر‪ :‬تفسري مقاتل بن سليمان (‪ ،)779/7‬تفسري الطربي (‪،)176/87‬‬
‫)‪ -(7‬تفسري ابن كثري تفسري ابن كثري (‪.)777/6‬‬
‫)‪ -(9‬العني للفراهيدي (‪ ،)176/8‬اتج العروس ملرتضى الزبيدي (‪.)777/88‬‬
‫للراغب األصفهاين (صـ ‪.)877‬‬‫الشريعة َّ‬ ‫)‪َّ -(6‬‬
‫الذريعة إىل مكارم َّ‬
‫)‪ -(3‬فتح الباري البن حجر (‪.)771/11‬‬
‫السالكني البن القيم (‪.)162/7‬‬
‫)‪ -(2‬مدارج َّ‬
‫~ ‪~ 30‬‬
‫وأمر هللا سبحانه وتعاىل نبيه ملسو هيلع هللا ىلص أن يلني جانبه للمؤمنني‪ ،‬وأن يتواضع ِلم‪ ،‬فقال‪{ :‬وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ‬
‫(‪)1‬‬
‫اضع ِلم"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لِلْمُؤْمِنِنيَ}[احلجر‪ ،]22:‬قال‬
‫القرطيب يف تفسري هاه اآلية‪" :‬أي‪ :‬أَلن جانبك ملن آمن ك‪ ،‬وتو ْ‬
‫ر‬
‫اضع للمؤمنني‪،‬‬ ‫أبهنم يظهرون العطف واحلُنُ َّو والتَّو ُ‬ ‫َّيب ملسو هيلع هللا ىلص َّ‬
‫ووصف هللا سبحانه وتعاىل أصحاب الن ِِّ‬
‫الرتفرع على الكافرين حيث قال‪{ :‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي‬ ‫ويظهرون ِِّ‬
‫الشدَّة والغلظة و َّ‬
‫اللِّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِنيَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[املائدة‪ ،]97:‬قال ا ن كثري رمحه هللا‪" :‬هاه صفات‬
‫متعززا على خصمه ِِّ‬
‫وعدوه‪ ،‬كما قال تعاىل‪:‬‬ ‫املؤمنني ال ُك َّمل أن يكون أحدهم متواضعا ألخيه ووليِِّه‪ِِّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[الفتح‪."]87:‬‬

‫ص َدقَةٌ ِم ْن َم ٍال‪َ ،‬وَما َز َاد هللاُ َعْبدا ِ َع ْف ٍو‪ ،‬إَِّال ِعًّزا‪،‬‬


‫ت َ‬ ‫صْ‬ ‫وعن أب هريرة ه قال‪ :‬قال رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص‪َ « :‬ما نَ َق َ‬
‫(‪)3‬‬
‫َح ٌد َِّّللِ إَِّال َرفَ َعهُ هللاُ»‪.‬‬
‫اض َع أ َ‬
‫َوَما تَ َو َ‬
‫صلَّى‬ ‫وعن حارثة ن وهب ه أنَّه مسع النَّيب ملسو هيلع هللا ىلص يقول‪« :‬أََال أُخِربُكم ِأبَه ِل ْ ِ‬
‫اجلَنَّة؟» قَالُوا‪َ :‬لَى‪ ،‬قَ َال َ‬ ‫ُْْ ْ‬ ‫َّ‬
‫ُخِربُُك ْم ِأب َْه ِل النَّا ِر؟» قَالُوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ض ِّعِ ٍ‬ ‫ضعِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف‪ ،‬لَ ْو أَقْ َس َم َعلَى هللا َألَََّرهُ» ُُثَّ قَ َال‪« :‬أََال أ ْ‬ ‫يف ُمتَ َ‬ ‫هللاُ َعلَْيه َو َسلَّ َم‪ُ « :‬ك رل َ‬
‫ْرب»(‪.)6‬‬ ‫اظ(‪ُ )5‬مستَكِ ٍ‬ ‫لَى‪ ،‬قَ َال‪ُ « :‬ك رل عتُ ٍل(‪ )4‬ج َّو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُ ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ضعيف متضعِف] هو ِص َفةُ نَفي ِ‬
‫الكْب َرايء‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬
‫قال القاضي عيار رمحه هللا‪" :‬وقوله يف أهل اجلنَّة [ ر‬
‫ِّ ُ َ‬
‫وحض عليه"(‪.)7‬‬
‫َّ‬ ‫وجل‪،‬‬ ‫اضع واخلمول‪ ،‬والتَّالرل هلل َّ‬
‫عز َّ‬ ‫وم َدح التَّو ُ‬ ‫وت اليت ِهي ِص َفةُ ِ‬
‫أهل النَّار‪َ ،‬‬
‫واجلرب ِ‬
‫ََ‬
‫َ‬

‫)‪ -(1‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (‪.)96/16‬‬


‫)‪ -(8‬تفسري ابن كثري (‪.)176/7‬‬
‫)‪ -(7‬رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬الرب والصلة واآلداب‪ ،‬ابب‪ :‬استحباب العفو والتواضع‪( ،‬ح‪.)8922/‬‬
‫)‪ -(7‬العتل‪ :‬اجلايف الشديد اخلصومة ابلباطل وقيل اجلايف الفظ الغليظ‪ ،‬انظر‪ :‬شرح مسلم للنووي (‪.)122/13‬‬
‫جلواظ‪ :‬اجلموع املنوع‪ ،‬وقيل كثري اللحم املختال يف مشيته‪ ،‬وقيل القصري البطني‪ ،‬وقيل الفاخر‪ .‬انظر‪ :‬شرح مسلم للنووي‬ ‫)‪ -(9‬ا َّ‬
‫(‪.)122/13‬‬
‫)‪ -(6‬رواه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬األدب‪ ،‬ابب‪ :‬الكرب‪( ،‬ح‪ ،)6631/‬ورواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلنة وصفة نعيمها وأهلها‪،‬‬
‫ابب‪ :‬النار يدخلها اجلبارون واجلنة يدخلها الضعفاء‪( ،‬ح‪.)8297/‬‬
‫)‪ -(3‬إكمال ال ُْمعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (‪.)727/2‬‬
‫~ ‪~ 32‬‬
‫اخلامتة‬

‫ويف ختام حديثنا اليوم عن لقمان ووصاايه‪ ،‬نرى أن شخصية لقمان من الشخصيات املهمة يف كتاب‬
‫هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬واليت جعلها عربة وعظة‪ .‬إن لقمان وما أنزله هللا عليه من حكمة هو أ لغ شيء وأعلى‬
‫منزلة يب أن يتعلم منها الناس‪ ،‬فإن حديث لقمان مع ا نه وحكمته يف إسداء النصح ميثل منهجا تر واي‬
‫عظيما‪ .‬ووصاايه انفعة‪ ،‬ونصائح غالية‪ ،‬وحكم نبيلة‪ ،‬وتوجيهات سديدة‪ ،‬يقدمها لقمان ال نه‪ ،‬ليكون ا نا‬
‫ابرا‪ ،‬يتعامل مع الناس ِبسن اخللق وطيب املعاملة‪ ،‬يعرف للناس حقوقهم‪ ،‬وال ينسى حق هللا عليه‪.‬‬

‫فحري ابآلابء واملر ني أن يستفيدوا من تلك الوصااي يف تر ية أ نائهم‪ ،‬وتوجيه تالمياهم‪ ،‬فهي ال‬
‫شك املنهاج الصحيح ألصول الرت ية احلسنة الناجحة‪ ،‬والطريقة املثلى ْلعداد جيل صاحل على أساس قوي‬
‫من عقيدة التوحيد‪ ،‬يعرف حقوق ر ه‪ ،‬وحقوق والديه‪ ،‬وحقوق جمتمعه‪.‬‬
‫ال سبيل لفالحهم وَناحهم يف هاه احلياة إال أن ينهلوا من سنن اْلسالم ومنهاجه القومي يف تر ية‬
‫أ نائهم‪ ،‬ويف إصالح نفوسهم‪ ،‬وتثبيت عقيدهتم‪ ،‬وتعليمهم مبادئ اخلري والفضيلة‪ ،‬وتنشئتهم على األخالق‬
‫احلميدة‪.‬‬
‫أسأل هللا عز وجل أن يوفق ي وإايكم للعمل مبا علمنا‪ ،‬وأن يعلمنا ما جهلنا‪ ،‬إنه خري مأمول‪ ،‬وأكرم‬
‫مسؤول‪ ،‬وهللا من وراء القصد‪ ،‬وهو اِلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على رسوله دمحم ملسو هيلع هللا ىلص وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫~ ‪~ 33‬‬

You might also like