You are on page 1of 87

‫النصح والتبيان‬

‫كتبه الفقري إىل اهلل‪/‬‬


‫أبي فريوز عبد الرمحن بن سوكايا اإلندونيسي‬
‫وفقه اهلل تعاىل‬

‫تقديم فضيلة اهلل‪/‬‬


‫أبي عبد الرمحن عبد الرقيب بن علي الكوكباني‬
‫حفظه اهلل تعاىل‬
‫‪2‬‬

‫‪‬‬

‫النصح والتبيان يف أككا احام اإلنسان‬

‫تأليف الفقري إىل اهلل‪:‬‬


‫أيب فريوز عبد الرمحن بن سوكايا اإلندونييس اجلاوي وفقه اهلل‬
‫تقديم فضيلة الشيخ‪:‬‬
‫أيب عبد الرمحن عبد الرقيب بن عيل الكوكباين حفظه اهلل‬

‫ـ‬

‫مكتتة فيروز الديل يم‬


‫‪3‬‬

‫إذن طبع الكتاب لألخ الفاضل أيب عبد الرمحن فيصل بن تونوت اإلندونييس‬
‫اجلاوي السيامرانجي السلفي حفظه اهلل تعاىل‬
‫‪4‬‬

‫صورة تقديم فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الرقيب ابن علي‬
‫الكوكباني حفظه هللا‬
‫‪5‬‬

‫‪‬‬

‫تقديم فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الرقيب ابن علي‬
‫الكوكباني حفظه هللا‬

‫رب والبحر‪ ،‬ثم زادهم‬


‫كرم بني آدم ومحلهم يف ال ّ‬
‫احلمد هلل الذي ّ‬
‫تكري ًام هبذا الدين احلنيف به كرماهتم ُ‬
‫وحفظ ْت به دماؤهم وأمواهلم وعقوهلم‬
‫فتمت عليهم هبذا الدين الق ّيم النعمة ونالوا به ذروة التكريم‪.‬‬
‫وأعراضهم ّ‬

‫والصالة والسالم عىل اهلادي البشري والرساج املنري الذي جاءنا من‬
‫أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا باملؤمنني رؤوف رحيم‪ ،‬وعىل آله وصحبه الكرام‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬

‫فبني يدي القرارئ الكريم هذه الرسالة العلمية القيمة للشيخ‬


‫املفضال ذي القلم الس ّيال والبحوث التي تشدّ هلا الرحال‪ /‬أيب فريوز عبد‬
‫الرمحن بن سوكايا اإلندونييس –حفظه اهلل وس ّلمه من سوء القدر‪ ،-‬وهي‬
‫بعنوان‪" :‬النصح والتبيان يف أحكا احام اإلناان"‪.‬‬

‫درة ثمينة وجوهرة‬


‫وقد أعطاين فيها نسخة فطالعتها كاملة وألفيتها ّ‬
‫مصونة ح ّقها أن تؤاخذ بعناية فتضاف إىل عقد أبحاثه النفيسة املتقدمة‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫وأسأل اهلل أن ينفع به وبأبحاثه ودعوته‪ ،‬إن ربنا بكل خري كفيل‪،‬‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫كتبه‪/‬‬

‫أبو عبد الرمحن عبد الرقيب بن عيل بن أمحد الكوكباين‬

‫عرص يوم اخلميس املوافق للعرشين من شهر ربيع اآلخر‬

‫لعام ألف وأربعامئة وأربعني من اهلجرة النبوية‬

‫يف كواال ملبور من بالد ماليزيا‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫‪‬‬

‫مقدمة المؤلف وفقه هللا‬


‫إن احلمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من رشور‬
‫أنفسنا وسيئات أعاملنا من هيده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممدا عبده ورسوله صىل اهلل عليه وعىل‬
‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا اهلل َح َّق ُت َقاتِ ِه َو َل َتَ ُوت َُّن إِ َّل‬ ‫ِ‬
‫آله وسلم تسلي ًام كثري ًا‪َ ﴿ ،‬يا َأ ه َُّيا ا َّلذ َ‬
‫َّاس ا َّت ُقوا َم َّبك ُُم ا َّل ِذي َخ َل َقك ُْم ِم ْن َن ْفس‬ ‫ون﴾ (‪َ ﴿ ،) 1‬يا َأ ه َُّيا الن ُ‬ ‫َو َأ ْنت ُْم ُم ْالِ ُم َ‬
‫اء َوا َّت ُقوا اهلل ا َّل ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احدَ ة و َخ َل َق ِمنْها زَوجها وب َّ ِ‬
‫ث من ُْه َم ِم َج ًال كَث ًريا َون َا ً‬ ‫َ ْ َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون بِ ِه َو ْاْلَ ْم َحا َ إِ َّن اهلل ك َ‬
‫ين َآمنُوا ا َّت ُقوا‬ ‫َان َع َل ْيك ُْم َمقي ًبا﴾(‪َ ﴿ ،)2‬يا َأ ه َُّيا ا َّلذ َ‬ ‫اء ُل َ‬
‫ت ََا َ‬
‫اهلل َو ُقو ُلوا َق ْو ًل َس ِديدً ا * ُي ْصلِ ْح َلك ُْم َأ ْع َملَك ُْم َو َيغ ِْف ْر لَك ُْم ُذنُو َبك ُْم َو َم ْن ُيِطِ ِِ‬
‫اهلل َو َم ُسو َل ُه َف َقدْ َفازَ َف ْوزًا َعظِ ًيم﴾(‪ .)3‬أما بعد‪:‬‬

‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪.)201( :‬‬


‫(‪ )2‬سورة النساء‪.)2( :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األحزاب‪.)02-00( :‬‬
‫‪8‬‬

‫فإن خري احلديث كتاب اهلل وخري اهلدى هدى رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وعىل آله وسلم‪ ،‬ورش األمور حمدثاهتا وكل حمدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضاللة وكل ضاللة يف النار‪.‬‬
‫وهذه نصائح مهمة خمترصة تتعلق بمحارم اإلنسان وأحكامها يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬وفيها إشارة إىل ك‬
‫احلكمم وحماسن الرشيعة اإلهلية يف ذل ‪.‬‬
‫وأمحد اهلل تعاىل عىل هذا التوفيق‪ ،‬ثم أشكر لفضيلة شيخنا الكريم‬
‫أيب عبد الرمحن عبد الرقيب بن عيل الكوكباين –حفظه اهلل ورعاه‪ -‬عىل بذله‬
‫اجلهود يف نرصته تلميذه عىل نفع املسلمني‪ ،‬وأسأل اهلل تعاىل أن يعينه يف‬
‫الكرب ويكرم ذرياته ويعيل مناقبه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ألن‬
‫مها ّمه‪ ،‬ويفرج عنه م‬
‫اهلل –جل ذكره‪ -‬ال يضيع أجر املحسنني‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫الباب األول‪ :‬وجوب اليقين بأن الدين الحكيم الكامل هو‬


‫اإلسالم‬

‫إن اهلل العليم احلكيم قد اصطفى لنا هذا الدين الشامل لنكون به من‬
‫ِ‬ ‫اه ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َيا َبن َّي إِ َّن اهلل ْ‬
‫اص َِط َف لَك ُُم‬ ‫السعداء‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َو ََّّص ِ َِبا إِ ْب َر ُ‬
‫يم َبنيه َو َي ْع ُق ُ‬
‫ون ﴾ [البقرة‪.]231 :‬‬ ‫ين َف ََل َتَ ُوت َُّن إِ َّل َو َأ ْنت ُْم ُم ْالِ ُم َ‬
‫الدِّ َ‬
‫وريض اهلل لنا هذا الدين الكامل لنفرح به ونشكره عليه فقال‪:‬‬
‫ت َع َل ْيك ُْم ن ِ ْع َمتِي َو َم ِض ُ‬
‫يت َلك ُُم ْ ِ‬
‫اإل ْس ََل َ‬ ‫ت َلك ُْم ِدينَك ُْم َو َأَتْ َ ْم ُ‬
‫﴿ا ْل َي ْو َ َأك َْم ْل ُ‬
‫ِدينًا﴾ [املائدة‪.]3 :‬‬
‫وأمرنا بالدخول يف مجيع رشائع اإلسالم لنفوز بطريق اجلنة ولنسلم‬
‫ين َآمنُوا ا ْد ُخ ُلوا ِيف‬ ‫ِ‬
‫من طرق الشيطان املفضية إىل جهنم فقال‪َ ﴿ :‬ي َاأ ه َُّيا ا َّلذ َ‬
‫الش ْي َِط ِ‬ ‫الا ْل ِم كَا َّف ًة و َل َت َّتبِعوا خُ ُِطو ِ‬
‫ني﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫ان إِ َّن ُه لَك ُْم َعدُ ٌّو ُمبِ ٌ‬ ‫ات َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫‪.]102‬‬
‫‪11‬‬

‫وقد أخربنا أن اإلسالم املبني عىل هداية القرآن (‪ ) 4‬ليس سبب ًا‬
‫آن لِت َْش َق *‬ ‫للشقاوة‪ ،‬بل هو سبب النجاة فقال‪﴿ :‬طه * َما َأ ْنزَ ْلنَا َع َل ْي َ‬
‫ك الْ ُق ْر َ‬

‫(‪ )4‬والقرآن يأمرنا باتباع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وسنته أيض ًا من وحي اهلل تعاىل‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫اْلك َْم ِة َي ِع ُظك ُْم بِ ِه﴾ [البقرة‪:‬‬
‫َاب و ِْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿وا ْذك ُُروا ن ِ ْع َم َ‬
‫ت اهلل َع َل ْيك ُْم َو َما َأ ْنز ََل َع َل ْيك ُْم م َن ا ْلكت ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪.]132‬‬

‫ك َما َل ْ َتك ُْن َت ْع َل ُم‬ ‫ك ا ْلكِتَاب و ْ ِ‬


‫اْلك َْم َة َو َع َّل َم َ‬ ‫وقال جل ذكره‪َ ﴿ :‬و َأن َ‬
‫ْزَل اهلل َع َل ْي َ‬
‫َ َ‬
‫ك َعظِ ًيم﴾ [النساء‪.]223 :‬‬ ‫َان َف ْض ُل اهلل َع َل ْي َ‬
‫َوك َ‬

‫قال اإلمام الشافعي رمحه اهلل‪ ... :‬ألن القرآن ذكر وأتبعته احلكمة‪ ،‬وذكر اهلل‬
‫منه عىل خلقه بتعليمهم الكتاب واحلكمة‪ ،‬فلم جيز اهلل ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن يقال "احلكمة"‬
‫ها هنا إال سنة رسول اهلل‪ .‬وذل أهنا مقرونة مع كتاب اهلل وأن اهلل افرتض طاعة رسوله‬
‫وحتم عىل الناس اتباع امره‪"( .‬الرسالة" ‪/‬للشافعي‪/‬ص ‪.)02‬‬
‫‪11‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّل ت َْذكِ َر ًة َِل ِ ْن َ ْ‬


‫مح ُن‬
‫الر ْ َ‬ ‫َي َش * َتن ِْز ًيَل ِم َّ ْن خَ َل َق ْاْلَ ْم َض َو َّ‬
‫الا َم َوات ا ْل ُع ََل * َّ‬
‫َع ََل ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش ْاست ََوى﴾ [طه‪.]5 - 2 :‬‬

‫وعن املطلب بن حنطب ريض اهلل عنه‪ :‬أن النبي ﷺ قال ‪« :‬ما تركت شيئا ِما‬
‫أمركم اهلل به إل وقد أمرتكم به ول تركت شيئا ِما هناكم عنه إل وقد هنيتكم عنه وإن‬
‫الروح اْلمني قد نفث يف موعي أنه لن َتوت نفس حت تاتويف مزقها فأمجلوا يف الِطلب»‪.‬‬
‫(أخرجه الشافعي يف مسنده (‪ )2253‬ومن طريقه البيهقي يف شعب اإليامن (‪)2212‬‬
‫سنده صحيح‪ ،‬وجاء من غري واحد من الصحابة ريض اهلل عنهم)‪.‬‬
‫وعن أيب قتادة ريض اهلل عنه‪ :‬عن رسول اهلل ﷺ أنه قام فيهم فذكر هلم‪« :‬أن‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل واإليمن باهلل أفضل اْلعمل»‪ .‬فقام رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل أرأيت إن‬
‫قتلت يف سبيل اهلل تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم إن قتلت يف سبيل‬
‫اهلل وأنت صابر احتاب مقبل غري مدبر»‪ .‬ثم قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬كيف قلت؟» قال‪:‬‬
‫أرأيت إن قتلت يف سبيل اهلل أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم وأنت صابر‬
‫احتاب مقبل غري مدبر إل الدين فإن جربيل عليه الاَل قال يل ذلك»‪( .‬أخرجه مسلم‬
‫(‪.))2225‬‬
‫وعن أيب رافع ريض اهلل عنه مرفوع ًا‪« :‬ل ألفني أحدكم جالا ًا عَل أميكته يأتيه‬
‫اْلديث عني فيقول‪ :‬بيننا وبينكم كتاب اهلل‪ ،‬فم وجدنا يف كتاب اهلل عملنا به‪ ،‬وما ل يوجد‬
‫يف كتاب اهلل فَل نعمل به‪ ،‬أل إين أوتيت القرآن ومثله معه»‪( .‬أخرجه أبو داود (‪)1005‬‬
‫والرتمذي (‪ )1003‬وابن ماجه (‪ ،)23‬وهو حديث صحيح)‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫نعم‪ ،‬إن الرمحن الذي استوى عىل العرش هو الذي جاء هبذا الدين‬
‫العظيم‪ ،‬فال يمكن أن يريد الرمحن لعباده التعاسة‪ .‬بل التعاسة تكون فيمن‬
‫اإل ْس ََل ِ ِدينًا َف َل ْن ُي ْق َب َل‬
‫غَري ْ ِ‬
‫أعرض عن هذا الدين‪ .‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي ْب َت ِغ ْ َ‬
‫ين﴾ [آل عمران‪.]25 :‬‬ ‫اْل ِ ِ‬
‫اِس َ‬ ‫ِم ْن ُه َو ُه َو ِيف ْاْ ِخ َرةِ ِم َن َْ‬

‫والتعاسة تكون فيمن أعرض عن تذكري اهلل‪ ،‬قال جل ذكره‪َ ﴿ :‬و َم ْن‬
‫ُش ُه َي ْو َ ا ْل ِق َي َام ِة َأ ْع َم * َق َال َم ِّب‬
‫يش ًة َضنْكًا َون َْح ُ ُ‬‫َأ ْع َر َض َع ْن ِذك ِْري َفإِ َّن َل ُه َم ِع َ‬
‫ك‬ ‫ْك آ َيا ُتنَا َفن َِايت ََها َوك ََذلِ َ‬ ‫ْت َب ِص ًريا * َق َال ك ََذلِ َ‬
‫ك َأ َتت َ‬ ‫ُشتَنِي َأ ْع َم َو َقدْ ُكن ُ‬ ‫ل َ َح َ ْ‬
‫ِ‬

‫اب ْاْ ِخ َر ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ِسفَ َو َل ْ ُي ْؤم ْن بِآ َيات َم ِّبه َولَ َع َذ ُ‬ ‫َ‬
‫ك ن َْج ِزي َم ْن أ ْ َ‬ ‫ا ْل َي ْو َ ُتن َْا * َوك ََذلِ َ‬
‫َأ َشده َو َأ ْب َق ﴾ [طه‪.]212 ،211 :‬‬
‫فمن عالمة اإليامن بآيات اهلل‪ :‬اإليامن بأحكامه املذكورة يف القرآن‬
‫ك‬ ‫والسنة‪ ،‬وطاعته فيها‪ ،‬والتسليم والرىض هبا‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬ف ََل َو َم ِّب َ‬
‫وك فِ َيم َش َج َر َب ْين َُه ْم ُث َّم َل ََيِدُ وا ِيف َأ ْن ُف ِا ِه ْم َح َر ًجا ِِمَّا‬‫ُيك ُِّم َ‬ ‫ُون َحتَّ ُ َ‬‫َل ُي ْؤ ِمن َ‬
‫َان َق ْو َل‬ ‫ت َو ُي َا ِّل ُموا ت َْالِ ًيم﴾ [النساء‪ ،]05 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬إِن ََّم ك َ‬ ‫َق َض ْي َ‬
‫ني إِ َذا ُد ُعوا إِ َىل اهللَِّ َو َم ُسولِ ِه لِ َي ْحك َُم َب ْين َُه ْم َأ ْن َي ُقو ُلوا َس ِم ْعنَا َو َأ َط ْعنَا‬ ‫ِِ‬
‫ا ُِْل ْؤمن َ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫َي َش اهلل َو َيتَّ ْق ِه َف ُأو َلئِ َ‬‫ون * َو َم ْن ُيِطِ ِِ اهلل َو َم ُسو َل ُه َو َ ْ‬
‫ك ُه ُم ا ُِْل ْفلِ ُح َ‬‫َو ُأو َلئِ َ‬
‫َان ُِل ِ ْؤ ِمن َو َل ُم ْؤ ِمنَة‬ ‫زُون ﴾ [النور‪ ،]51 ،52 :‬وقال جل ذكره‪َ ﴿ :‬و َما ك َ‬ ‫ا ْل َفائِ َ‬
‫‪13‬‬

‫اْل َ َري ُة ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم َو َم ْن َي ْع ِ‬
‫ص اهلل‬ ‫ُون ََُلم ِْ‬
‫إِ َذا َق ََض اهلل َو َم ُسو ُل ُه َأ ْم ًرا َأ ْن َيك َ ُ‬
‫َو َم ُسو َل ُه َف َقدْ َض َّل َض ََل ًل ُمبِينًا ﴾ [األحزاب‪.]30 :‬‬
‫وهذا هو اإليامن والعمل الصالح‪ .‬فمن فعل ذل يكون من أهل‬
‫اْلا ِم ْن‬
‫حياة طيبة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬كام وعدنا هبا اهلل تعاىل‪﴿ :‬من ع ِم َل ص ًِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َذكَر َأ ْو ُأ ْن َث َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن َف َلن ُْحيِ َينَّ ُه َح َيا ًة َط ِّي َب ًة َو َلن َْج ِز َين َُّه ْم َأ ْج َر ُه ْم بِ َأ ْح َا ِن َما‬
‫كَانُوا َي ْع َم ُل َ‬
‫ون﴾ [النحل‪.]70 :‬‬
‫فرشائع اهلل تعاىل يف حمرمية اإلنسان وغريها هي لرشفهم مجيع ًا –‬
‫رجاالً ونساء‪ -‬وصيانتهم‪ ،‬فاملنافع كلها راجعة إىل أفرادهم خاصة‪ ،‬وإىل‬
‫الناس عامة‪ ،‬ولكن ال يفهم ذل إال العاقل الفطن‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬ل َقدْ‬
‫َأ ْنزَ ْلنَا إِ َل ْيك ُْم كِتَا ًبا فِ ِيه ِذك ُْرك ُْم َأ َف ََل َت ْع ِق ُل َ‬
‫ون﴾ [األنبياء‪.]20 :‬‬
‫‪14‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬محارم اإلناان‬

‫الفصل األول‪ :‬محارم الرجال‬


‫ت َع َل ْيك ُْم‬
‫ذكرهن اهلل تعاىل يف قوله‪ُ ﴿ :‬ح ِّر َم ْ‬ ‫ّ‬ ‫إن حمارم الرجال‬
‫َات ْاْلُ ْخ ِ‬
‫ت‬ ‫َات ْاْلَخِ َو َبن ُ‬ ‫ُأ َّم َها ُتك ُْم َو َبنَا ُتك ُْم َو َأ َخ َوا ُتك ُْم َو َع َّم ُتك ُْم َو َخ َال ُت ُك ْم َو َبن ُ‬
‫ات نِ َاائِك ُْم‬ ‫اع ِة َو ُأ َّم َه ُ‬
‫الر َض َ‬
‫ِ‬
‫الَل ِت َأ ْم َض ْعنَك ُْم َو َأ َخ َوا ُتك ُْم م َن َّ‬ ‫َو ُأ َّم َها ُتك ُُم َّ‬
‫ومك ُْم ِم ْن نِ َاائِك ُُم َّ‬
‫الَل ِت َدخَ ْلت ُْم ِِبِ َّن َفإِ ْن َل ْ َتكُونُوا‬ ‫الَل ِت ِيف ُح ُج ِ‬ ‫َو َم َبائِ ُبك ُُم َّ‬
‫ين ِم ْن َأ ْص ََلبِك ُْم َو َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاح َع َليْك ُْم َو َح ََلئ ُل َأ ْبنَائك ُُم ا َّلذ َ‬
‫َد َخ ْلت ُْم ِِبِ َّن َف ََل ُجن َ‬
‫وما َم ِح ًيم﴾ [النااء‪.[32 :‬‬ ‫َان غَ ُف ً‬ ‫ني ْاْلُ ْخت ْ ِ‬
‫َني إِ َّل َما َقدْ َس َلفَ إِ َّن اهلل ك َ‬ ‫َ َْت َم ُعوا َب ْ َ‬
‫قال اإلمام الشافعي –رمحه اهلل‪ :-‬واأل ّمهات أ ّم الرجل الوالدة‪،‬‬
‫هنن يلزمهن اسم األ ّمهات‪.‬‬
‫وأ ّمهاهتا‪ ،‬وأ ّمهات آبائه وإن بعدت اجلدات‪ ،‬أل ّ‬
‫والبنات بنات الرجل لصلبه‪ ،‬وبنات بنيه‪ ،‬وبناهتن وإن سفلن‪،‬‬

‫فك ّل ّ‬
‫هن يلزمهن اسم البنات‪ ،‬كام لزم اجلدّ ات اسم األ ّمهات وإن علون‬
‫وتباعدن منه‪.‬‬
‫وكذل ولد الولد وإن سفلوا‪ ،‬واألخوات من ولد أبيه لصلبه‪ ،‬أو‬
‫وعامته ممن مو ّلد جدّ ه األدنى أو األقىص ومن فوقهام من أجداده‪،‬‬
‫أ ّمه نفسها‪ّ ،‬‬
‫وخاال ُته ممن و ّلدته أم أمه وأ ّمها ومن فوقهام من جداته من قبلها‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫كل ما ولد األخ ألبيه أو أل ّمه أو هلام من ولد و ّلدته‬


‫وبنات األخ ّ‬
‫والدته‪ ،‬فك ّلهم بنو أخيه وإن تسفلوا‪ .‬وهكذا بنات األخت‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬وحرم اهلل تعاىل األخت من الرضاعة‪ ،‬فاحتمل‬
‫حتريمها معنيني‪ ،‬أحدمها‪ :‬إذ ذكر اهلل حتريم األ ّم واألخت من الرضاعة‪،‬‬
‫فأقامهام يف التحريم مقام األم واألخت من النسب‪ ،‬أن تكون الرضاعة ك ّلها‬
‫تقوم مقام النسب‪ ،‬فم حر بالناب حر بالرضاع مثله‪ ،‬وهبذا نقول بداللة‬
‫سنة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والقياس عىل القرآن‪ .‬واآلخر‪ :‬أن حيرم من الرضاع األ ّم‬
‫واألخت‪ ،‬وال حيرم سوامها‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فإن قال قائل فأين داللة السنة بأن الرضاعة تقوم‬
‫مقام النسب؟ قيل له‪ :‬إن شاء اهلل تعاىل‪ :‬أخربنا مال بن أنس‪ :‬عن عبد اهلل‬
‫بن دينار‪ :‬عن سليامن بن يسار‪ :‬عن عروة بن الزبري‪ :‬عن عائشة رىض اهلل‬
‫تعاىل عنها‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪ُ« :‬ير من الرضاع ما ُير من الولدة»(‪.)5‬‬

‫(‪ )5‬هذا الاند صحيح‪ ،‬وقد أخرجه أيض ًا اإلمام البخاري يف صحيحه برقم (‪)1011‬‬
‫ومسلم يف صحيحه برقم (‪ )2115‬وابن ماجه يف سننه برقم (‪ )2730‬من طريق عراك‬
‫عن عروة عن عائشة أهنا أخربته‪ :‬أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن‬ ‫بن مال‬
‫عليها فحجبته فأخربت رسول اهلل ﷺ فقال هلا‪« :‬ل حتتجبي منه فإنه ُير من الرضاعة ما‬
‫ُير من الناب»‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫أخربنا مال ‪ :‬عن عبد اهلل بن أيب بكر‪ :‬عن عمرة بنت عبد الرمحن‪:‬‬
‫أن عائشة زوج النبي ﷺ أخربهتا‪ :‬أن النبي ﷺ كان عندها وأهنا سمعت‬
‫صوت رجل يستأذن يف بيت حفصة‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬

‫هذا رجل يستأذن يف بيت ‪ .‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬أماه فَلن ًا» ّ‬
‫لعم حفصة من‬

‫الرضاعة‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬لو كان فالن ح ّي ًا‪ّ - ،‬‬
‫لعمها من الرضاعة‪-‬‬
‫عيل؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬نعم إن الرضاعة حتر ما ُير من‬
‫أيدخل ّ‬
‫الولدة»(‪.)6‬‬
‫أخربنا ابن عيينة قال‪ :‬سمعت ابن جدعان قال‪ :‬سمعت ابن املسيب‬
‫حيدث عن عىل بن أيب طالب رىض اهلل عنه أنه قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هل ل يف‬

‫(‪ )6‬هذا الاند صحيح‪ ،‬وقد أخرجه أيض ًا اإلمام مسلم يف صحيحه برقم (‪ )2111‬من‬
‫طريق مال به‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫ابنة عم بنت محزة فإهنا أمجل فتاة يف قريش‪ .‬فقال‪« :‬أما علمت أن محزة أخي‬
‫من الرضاعة‪ ،‬وأن اهلل تعاىل حر من الرضاعة ما حر من الناب؟»(‪.)7‬‬
‫أخرب الدراوردي‪ :‬عن هشام بن عروة‪ :‬عن أبيه‪ :‬عن عائشة‪ :‬عن‬
‫النبي ﷺ يف ابنة محزة‪ ،‬مثل حديث سفيان يف بنت محزة(‪.)8‬‬

‫(‪ )7‬هذا الاند صحيح‪ ،‬وقد أخرجه أيض ًا اإلمام الرتمذي يف سننه برقم (‪ )2210‬من‬
‫طريق إسامعيل بن إبراهيم‪ :‬حدثنا عيل بن زيد‪ :‬عن سعيد بن املسيب‪ :‬عن عيل بن أيب‬
‫طالب قال ‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ به‪.‬‬
‫ثم قال الرتمذي‪ :‬حديث عيل حسن صحيح‪ ،‬والعمل عىل هذا عند عامة أهل‬
‫العلم من أصحاب النبي ﷺ وغريهم‪ ،‬ال نعلم بينهم يف ذل اختالف ًا‪.‬‬
‫(‪ )8‬هذا الاند حان من أجل الدراوردي وهو عبد العزيز‪ ،‬وهو صدوق‪ .‬وقد أخرج‬
‫البخاري يف صحيحه برقم (‪ )1015‬من طريق قتادة‪ :‬عن جابر بن زيد‪ :‬عن ابن عباس ‪-‬‬
‫‪18‬‬

‫قال الشافعي‪ :‬ويف نفس السنّة أنه حيرم من الرضاع ما حيرم من‬
‫الوالدة‪ ،‬وأن لبن الفحل حيرم كام حيرم والدة األب حيرم لبن األب ال‬
‫اختالف يف ذل ‪ ،‬أخربنا مال ‪ :‬عن ابن شهاب‪ :‬عن عمرو بن الرشيد‪ :‬أن‬
‫ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحدامها غالم ًا‪،‬‬
‫وأرضعت األخرى جارية‪ ،‬فقيل له‪ :‬هل يتزوج الغالم اجلارية؟ فقال‪ :‬ل‪،‬‬
‫اللقاح واحد(‪.)9‬‬
‫(انتهى من "األم" ‪/‬للشافعي‪ /5/‬ص‪.)10-15‬‬
‫فبهذا ظهرت لنا حمارم الرجال‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬محارم النساء‬


‫وإذا تبني لنا حمارم الرجال يمكن حتديد حمارم النساء‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن عثيمني رمحه اهلل‪ :‬فاملحارم من القرابة سبعة‪:‬‬
‫‪ -2‬األصول؛ وهم اآلباء واألجداد وإن علوا‪ ،‬سواء من كقبم كل األب أو من‬
‫كق مب كل األم‪.‬‬

‫ريض اهلل عنهام‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ يف بنت محزة‪« :‬ل حتل يل ُير من الرضاع ما ُير من‬
‫الناب هي بنت أخي من الرضاعة»‪.‬‬
‫(‪ )9‬هذا الاند صحيح‪ ،‬وقد أخرجه اإلمام مال يف موطئه برقم (‪ ،)2152‬ومن طريقه‬
‫اإلمام عبد الرزاق يف مصنفه برقم (‪ )23711‬والرتمذي يف سننه برقم (‪.)2217‬‬
‫‪19‬‬

‫‪ -1‬الفروع؛ وهم األبناء وأبناء األبناء وأبناء البنات وإن نزلوا‪.‬‬


‫‪ -3‬اإلخوة؛ سواء كانوا إخو ًة أشقاء أم ألب أم ألم‪.‬‬
‫‪ -1‬األعامم؛ سواء كانوا أعامم ًا أشقاء أم ألب أو ألم‪ ،‬وسواء كانوا أعامم ًا‬
‫للمرأة أو ألحد من آبائها أو أمهاهتا‪ ،‬فإن عم اإلنسان عم له ولذريته مهام‬
‫نزلوا‪.‬‬
‫‪ -5‬األخوال سواء كانوا أخواال أشقاء أم ألب أم ألم‪ ،‬وسواء كانوا أخواال‬
‫للمرأة أو ألحد من آبائها أو أمهاهتا‪ ،‬فإن خال اإلنسان خال له ولذريته مهام‬
‫نزلوا‪.‬‬
‫‪ -0‬أبناء اإلخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناهتم وإن نزلوا‪ ،‬سواء كانوا أشقاء أم‬
‫ألب أم ألم‪.‬‬
‫‪ -0‬أبناء األخوات وأبناء أبنائهن وأبناء بناهتن وإن نزلوا‪ ،‬سواء كن شقيقات‬
‫أم ألب أم ألم‪.‬‬
‫واملحارم من الرضاع نظري املحارم من النسب‪ ،‬لقول النبي ‪ -‬ﷺ ‪ُ« :-‬ير‬
‫من الرضاع من ُير من الناب» ‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫* واملحارم باملصاهرة أربعة‪:‬‬
‫‪ -2‬أبناء زوج املرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا‪.‬‬
‫‪ -1‬آباء زوج املرأة وأجداده من قبل األب أو من قبل األم وإن علوا‪.‬‬
‫‪21‬‬

‫‪ -3‬أزواج بنات املرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناهتا وإن نزلن‪.‬‬
‫وهذه األنواع الثالثة تثبت املحرمية فيهم بمجرد العقد الصحيح عىل‬
‫الزوجة‪ ،‬وإن فارقها قبل اخللوة والدخول‪.‬‬
‫‪ -1‬أزواج أمهات املرأة وأزواج جداهتا وإن علوا‪ ،‬سواء من قبل األب أو‬
‫من قبل األم‪ ،‬لكن ال تثبت املحرمية يف هؤالء إال بالوطء‪ ،‬وهو اجلامع يف‬
‫نكاح صحيح‪ ،‬فلو تزوج امرأة ثم فارقها قبل اجلامع مل يكن حمرما لبناهتا وإن‬
‫نزلن‪.‬‬
‫(انتهى من "جمموع فتاوى ورسائل العثيمني" ‪/11/‬ص‪.)100-152‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬حكم المحارم‬


‫يتبني بآية الباب‪ :‬أن حمرم الرجل ال جيوز له نكاحها‪ ،‬فلذل سيمت‬
‫حمرم ًا‪.‬‬
‫ت َع َليْك ُْم‬
‫قال اإلمام البغوي –رمحه اهلل‪ :-‬قوله تعاىل‪ُ ﴿ :‬ح ِّر َم ْ‬
‫ُأ َّم َها ُتك ُْم﴾ اآلية‪ ،‬بني اهلل تعاىل يف هذه اآلية املحرمات بسبب ُ‬
‫الو ْصلة‪ ،‬ومجلة‬
‫املحرمات يف كتاب اهلل تعاىل أربع عرشة‪ :‬سبع بالنسب‪ ،‬وسبع بالسبب‪ .‬فأما‬
‫السبع بالسبب فمنها اثنتان بالرضاع وأربع بالصهرية والسابعة املحصنات‪،‬‬
‫وهن ذوات األزواج‪"( .‬معامل التنزيل" ‪/‬للبغوي ‪/1/‬ص ‪.)222‬‬
‫‪21‬‬

‫وقال اإلمام ابن كثري –رمحه اهلل‪ :-‬هذه اآلية الكريمة هي آية حتريم‬
‫املحارم من النسب‪ ،‬وما يتبعه من الرضاع واملحارم بالصهر‪"( .‬تفسري القرآن‬
‫العظيم"‪/‬البن كثري ‪/1/‬ص ‪.)110‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬محرمية البنت التي تولد بعد سنين من فراق أمها‬
‫لزوجها األول‬
‫سؤال‪ :‬رجل تزوج امرأة بضع سنني‪ ،‬ومل تنجب له‪ .‬ثم فارقها‪ ،‬ثم‬
‫تزوجت املرأة برجل أخر فأنجبت للثاين بنت ًا‪ .‬فهل البنت حمرم للرجل‬
‫األول؟‬
‫اجلواب مستعينا باهلل‪ :‬نعم‪ ،‬هي حمرم للرجل األول‪ ،‬ألن األول قد‬
‫دخل بأمها فصارت البنت حمرم ًا له‪ ،‬ال جيوز له نكاحها‪ ،‬لقاعدة مجهور‬
‫العلامء‪ :‬الدخول باألمهات حيرم البنات‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن مفلح احلنبيل –رمحه اهلل‪ :-‬فإذا دخل باألم‪ ،‬حرمت‬
‫عليه‪"( .‬املبدع رشح املقنع" ‪/‬البن مفلح‪/2/‬ص ‪.)50‬‬
‫وقال اإلمام حممد اخلريش املالكي –رمحه اهلل‪ :-‬أما األم فألن العقد‬
‫عىل البنات حيرم األمهات‪ .‬وأما البنت فألن الدخول باألمهات حيرم البنات‪.‬‬
‫("رشح خمترص خليل" ‪/‬للخريش ‪/3/‬ص ‪.)122‬‬
‫‪22‬‬

‫وقال اإلمام ابن عابدين احلنفي –رمحه اهلل‪ :-‬الدخول باألمهات‬


‫حيرم البنات‪ ،‬والعقد عىل البنات حيرم األ ّمهات‪"( .‬حاشية رد املحتار" ‪/‬ابن‬
‫عابدين‪/3/‬ص ‪.)112‬‬
‫وقال اإلمام سليامن البجريمي الشافعي –رمحه اهلل‪ :-‬إن الدخول‬
‫باألمهات حيرم البنات والعقد عىل البنات حيرم األمهات‪"( .‬حتفة احلبيب‬
‫عىل رشح اخلطيب" ‪/‬البجريمي‪/3/‬ص ‪.)111‬‬
‫ت َع َل ْيك ُْم ُأ َّم َها ُتك ُْم َو َبنَا ُتك ُْم –إىل‬
‫﴿ح ِّر َم ْ‬
‫والدليل قول اهلل تعاىل‪ُ :‬‬
‫الَل ِت َدخَ ْلت ُْم ِِبِ َّن﴾‬‫ومك ُْم ِم ْن نِ َاائِك ُُم َّ‬ ‫قوله‪َ -:‬و َم َبائِبُك ُُم َّ‬
‫الَل ِت ِيف ُح ُج ِ‬

‫[النااء‪.]32 :‬‬
‫هذا دليل واضح عىل أن بنات أزواجنا اللوايت من غرينا ه ّن حمارمنا‪.‬‬
‫ولكن اآلية ذكرت‪َ ( :‬و َم َبائِ ُبك ُُم َّ‬
‫الَل ِت ِيف ُح ُج ِ‬
‫ومك ُْم)‪ .‬فكيف إذا مل‬
‫تكن البنت حتت رعايتنا‪ ،‬وال يف بيتنا؟ فاجلواب‪ :‬عىل السواء يف احلالني‪ ،‬ألن‬
‫اآلية مل تأت بحرص –يف احلجور‪ ،-‬وإنام خرجت خمرج الغالب‪.‬‬
‫قال اإلمام القرطبي رمحه اهلل‪ :‬والربيبة‪ :‬بنت امرأة الرجل من غريه‪،‬‬
‫سميت بذل ألنه يربيها يف حجره فهي مربوبة‪ ،‬فعيلة بمعنى مفعولة‪ .‬واتفق‬
‫الفقهاء عىل أن الربيبة حترم عىل زوج أمها إذا دخل باألم‪ ،‬وإن مل تكن الربيبة‬
‫يف حجره‪ .‬وشذ بعض املتقدمني وأهل الظاهر فقالوا‪ :‬ال حترم عليه الربيبة إال‬
‫‪23‬‬

‫أن تكون يف حجر املتزوج بأمها‪ ،‬فلو كانت يف بلد آخر وفارق األم بعد‬
‫الدخول فله أن يتزوج هبا‪ ،‬واحتجوا باآلية فقالوا‪ :‬حرم اهلل تعاىل الربيبة‬
‫برشطني‪ :‬أحدمها‪ :‬أن تكون يف حجر املتزوج بأمها‪ .‬والثاين‪ -‬الدخول باألم‪،‬‬
‫فإذا عدم أحد الرشطني مل يوجد التحريم‪ .‬واحتجوا بقوله عليه السالم(‪:)11‬‬
‫(‪)11‬‬
‫«لو ل تكن مبيبتي يف حجري ما حلت يل إهنا ابنة أخي من الرضاعة»‬
‫فرشط احلجر‪ .‬ورووا عن عيل بن أيب طالب إجازة ذل ‪ .‬قال ابن املنذر‬
‫والطحاوي‪ :‬أما احلديث عن عيل فال يثبت‪ ،‬ألن راويه إبراهيم بن عبيد عن‬
‫بن أوس عن عيل‪ ،‬وإبراهيم هذا يعرف‪ ،‬وأكثر أهل العلم قد تلقوه‬ ‫مال‬
‫بالدفع واخلالف‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬ويدفعه قوله‪« :‬فَل تعرضن عيل بناتكن ول‬
‫أخواتكن» (‪ ) 12‬فعم‪ .‬ومل يقل‪ :‬الالئي يف حجري‪ ،‬ولكنه سوى بينهن يف‬

‫(‪ )11‬كذا يف نص املصنف –رمحه اهلل‪ ،-‬واألوىل ذكر الصالة مع السالم‬


‫(‪ )11‬أخرجه البخاري (‪ )1015‬ومسلم (‪ )2110‬عن ابن عباس ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫(‪ )12‬أخرجه البخاري (‪ )5202‬ومسلم (‪ )2117‬عن زينب بنت أيب سلمة‪ :‬أن أم حبيبة‬
‫بنت أيب سفيان أخربهتا أهنا قالت‪ :‬يا رسول اهلل انكح أختي بنت أيب سفيان‪ .‬فقال‪ :‬أوحتبني‬
‫ذل ؟ فقلت‪ :‬نعم لست ل بمخلية‪ ،‬وأحب من شاركني يف خري أختي‪ .‬فقال النبي ﷺ‪:‬‬
‫«إن ذلك ل ُيل يل»‪ .‬قلت‪ :‬فإنا نحدث أن تريد أن تنكح بنت أيب سلمة؟ قال‪« :‬بنت أ‬
‫سلمة؟» قلت‪ :‬نعم‪ .‬فقال‪« :‬لو أهنا ل تكن مبيبتي يف حجري ما حلت يل إهنا لبنة أخي‬
‫من الرضاعة أمضعتني وأبا سلمة ثويبة فَل تعرضن عيل بناتكن ول أخواتكن»‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫التحريم‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وإضافتهن إىل احلجور إنام ذل عىل األغلب مما‬
‫يكون عليه الربائب‪ ،‬ال أهنن ال حيرمن إذا مل يكن كذل ‪"( .‬اجلامع ألحكام‬
‫القرآن"‪/5/‬ص‪.)221‬‬
‫وقال اإلمام ابن كثري رمحه اهلل‪ :‬وأما قوله‪﴿ :‬ومبائبكم الَلت يف‬
‫حجومكم﴾ فجمهور األئمة عىل أن الربيبة حرام سواء كانت يف حجر‬
‫الرجل أو مل تكن يف حجره‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا اخلطاب خرج خمرج الغالب‪ ،‬فال‬
‫مفهوم له كقوله تعاىل‪﴿ :‬ول تكرهوا فتياتكم عَل البغاء إن أمدن حتصنا﴾‬
‫[النور‪]33 :‬‬
‫‪-‬ثم ذكر حديث أم حبيبة ريض اهلل عنها مرفوع ًا‪« :‬إهنا لو ل تكن‬
‫مبيبتي يف حجري ما حلت يل‪ ،‬إهنا لبنت أخي من الرضاعة‪ ،‬أمضعتني وأبا‬
‫سلمة ثويبة فَل تعرضن عيل بناتكن ول أخواتكن»‪ .‬ويف رواية للبخاري‪:‬‬
‫«إين لو ل أتزوج أ سلمة ما حلت يل»‪.‬‬
‫فجعل املناط يف التحريم جمرد تزوجيه أم سلمة وحكم بالتحريم‬
‫لذل ‪ ،‬وهذا هو مذهب األئمة األربعة والفقهاء السبعة ومجهور اخللف‬
‫والسلف‪ .‬وقد قيل بأنه ال حترم الربيبة إال إذا كانت يف حجر الرجل‪ ،‬فإذا مل‬
‫يكن كذل فال حترم‪.‬‬
‫(انتهى من " تفسري القرآن العظيم"‪/1/‬ص‪/107‬ط‪ .‬دار احلديث)‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫وقال اإلمام حممد الشنقيطي رمحه اهلل‪ :‬وقد تقرر يف األصول‪ :‬أن‬
‫النص إذا جرى عىل الغالب ال يكون له مفهوم خمالفة له‪ ،‬الحتامل قصد نفس‬
‫األغلبية دون قصد إخراج املفهوم عن حكم املنطوق‪ .‬ولذا مل يعترب مجهور‬
‫العلامء مفهوم املخالفة يف قوله تعاىل‪ :‬وربائبكم الاليت يف حجوركم اآلية ‪،‬‬
‫جلريه عىل الغالب‪"( .‬أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن"‪/3/‬‬
‫ص‪.)72‬‬
‫وقال اإلمام عبد الرمحن السعدي رمحه اهلل‪ :‬الربيبة وهي بنت‬
‫﴿و َم َبائِ ُبك ُُم‬
‫زوجته وإن نزلت‪ ،‬فهذه ال حترم حتى يدخل بزوجته كام قال هنا‪َ :‬‬
‫ومك ُْم ِم ْن نِ َاائِك ُُم ِ‬
‫الَلت َدخَ ْلت ُْم ِِبِ َّن﴾ اآلية‪ .‬وقد قال اجلمهور‪:‬‬ ‫الَلت ِيف ُح ُج ِ‬
‫ِ‬
‫﴿الَلت ِيف ُح ُج ِ‬
‫ومك ُْم﴾ قيد خرج خمرج الغالب ال مفهوم له‪ ،‬فإن‬ ‫ِ‬ ‫إن قوله‪:‬‬
‫الربيبة حترم ولو مل تكن يف حجره ولكن للتقييد بذل فائدتان‪:‬‬
‫إحدامها‪ :‬فيه التنبيه عىل احلكمة يف حتريم الربيبة وأهنا كانت بمنزلة البنت‬
‫فمن املستقبح إباحتها‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬فيه داللة عىل جواز اخللوة بالربيبة وأهنا بمنزلة من هي يف حجره‬
‫من بناته ونحوهن‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(انتهى من "تيسري الكريم الرمحن"‪/‬ص‪.)203‬‬
‫‪26‬‬

‫وقد سئل فضيلة شيخنا أيب عبد الرمحن حييى بن عيل احلجوري –‬
‫حفظه اهلل‪ :-‬هل جيوز التزوج ببنت الزوجة املطلقة التي ُولدت بعد الطالق‬
‫من رجل آخر؟‬

‫فأجاب –حفظه اهلل‪ :-‬مادام قد تزوج أمها؛ فالدخول باألمهات‬


‫حيرم البنات‪ ،‬سوا ًء ُولدت من زوج قبله وصارت ربيبة له أو من زوج بعده؛‬
‫فهي حمرمة عليه‪ ..‬هذا هو الصحيح‪.‬‬

‫(انتهى من "البيان ملا عليه حركة طالبان" ‪/‬دماج ‪ -‬دار احلديث)‪.‬‬

‫سألت فضيلة شيخنا أيب عبد الرمحن عبد الرقيب الكوكباين‬


‫ُ‬ ‫وقد‬
‫حفظه اهلل عن هذه املسألة بالذات فكتب اجلواب قائالً‪ :‬القاعدة املتفق عليها‬
‫أن الدخول عىل األمهات حيرم البنات‪ .‬فاملحرمية ثابتة‪ ،‬وربام سميت هذه‬
‫البنت ربيبة من باب التوسع يف اللفظ‪ ،‬ألنه تزوج بأمها قبل أن ختلق‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬حكم المصافحة مع مختلف الجنس‬

‫ال جيوز لرجل أن يصافح امرأة ليست حمرم ًا له‪ ،‬ملخالفة هذا الصنيع‬
‫هدي رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫عن أميمة بنت رقيقة أهنا قالت‪ :‬أتيت النبي ﷺ يف نسوة من‬
‫األنصار نبايعه فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل نبايع عىل أن ال نرشك باهلل شيئ ًا‪ ،‬وال‬
‫نرسق‪ ،‬وال نزين‪ ،‬وال نأيت ببهتان نفرتيه بني أيدينا وأرجلنا‪ ،‬وال نعصي يف‬
‫معروف‪ .‬قال‪« :‬فيم استِطعتن وأطقتن»‪ .‬قالت‪ :‬قلنا‪ :‬رسول اهلل ﷺ أرحم بنا‬
‫من أنفسنا‪ .‬قلنا‪ :‬يا رسول اهلل ال تصافحنا؟ ه ّلم نبايع يا رسول اهلل‪ .‬فقال‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إين ل أصافح النااء‪ ،‬إنم قويل ِلائة امرأة كقويل لمرأة‬
‫واحدة‪ ،‬أو مثل قويل لمرأة»‪( .‬أخرجه النسائي يف "الكربى" (‪ ،)0201‬وابن‬
‫أيب عاصم يف "اآلحاد واملثاين" (‪ )1750‬والبيهقي يف "معرفة السنة"‬
‫(‪ )5025‬وابن ماجه (‪ /)1201‬صحيح)‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن عبد الرب املالكي –رمحه اهلل‪ :-‬يف قوله‪« :‬إين ل أصافح‬
‫النااء» دليل عىل أنه ال جيوز لرجل أن يبارش امرأة ال ّ‬
‫حتل له‪ ،‬وال يمسها بيده‬
‫وال يصافحها‪"( .‬التمهيد" ‪/21/‬ص ‪.)113‬‬
‫‪28‬‬

‫وقال احلافظ ابن حجر العسقالين الشافعي –رمحه اهلل‪ :-‬ويف‬


‫احلديث أن كالم األجنبية مباح سامعه‪ ،‬وأن صوهتا ليس بعورة‪ .‬ومنع ملس‬
‫برشة األجنبية من غري رضورة‪"( .‬فتح الباري" ‪/‬البن حجر ‪/23/‬‬
‫ص‪.)101‬‬
‫ومصافحة املرأة األجنبية من كبائر الذنوب لعظيم الوعيد عليها‪.‬‬
‫عن معقل بن يسار –ريض اهلل عنه‪ -‬يقول ‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«ْلن يِطعن يف مأس أحدكم بمخيط من حديد خري له من أن يمس امرأة ل‬
‫حتل له»‪( .‬أخرجه الطرباين يف "الكبري" (‪ /)120‬سنده حان)‪.‬‬
‫قال املناوي –رمحه اهلل‪ْ« :-‬لن يِطعن يف مأس أحدكم بمخيط»‬
‫بكرس امليم وفتح الياء وهو ما خياط به كاإلبرة واملسلة ونحوها «من حديد»‬
‫خصه أل ّنه أصلب من غريه وأشد بالطعن وأقوى يف اإليالم‪"( .‬فيض‬
‫ّ‬
‫القدير" ‪/5/‬ص ‪.)152‬‬
‫وقال اإلمام حممد بن إسامعيل األمري الصنعاين –رمحه اهلل‪« :-‬من‬
‫أن يمس امرأة ل حتل له» ظاهره ولو بغري شهوة‪ .‬وفيه حتريم ملس األجنبية‪.‬‬
‫("التنوير رشح اجلامع الصغري" ‪/7/‬ص ‪.)13‬‬
‫وقال اإلمام األلباين –رمحه اهلل‪ :-‬و يف احلديث وعيد شديد ملن مس‬
‫مما يشمله‬ ‫امرأة ال حتل له‪ ،‬ففيه دليل عىل حتريم مصافحة النساء ألن ذل‬
‫‪29‬‬

‫امل ّس دون ش ‪ .‬و قد بيل هبا كثري من املسلمني يف هذا العرص وفيهم بعض‬
‫بقلوهبم‪ ،‬هلان اخلطب بعض اليشء‪،‬‬ ‫أهل العلم‪ .‬و لو أهنم استنكروا ذل‬
‫ولكنهم يستح ّلون ذل ‪ ،‬بشتى الطرق و التأويالت‪ .‬و قد بلغنا أن شخصية‬
‫كبرية جد ًا يف "األزهر" قد رآه بعضهم يصافح النساء‪ ،‬فإىل اهلل املشتكى من‬
‫غربة اإلسالم‪ .‬بل إن بعض األحزاب اإلسالمية‪ ،‬قد ذهبت إىل القول بجواز‬
‫بام ال‬ ‫املصافحة املذكورة‪ ،‬وفرضت عىل كل حزيب تبنيه‪ ،‬واحتجت لذل‬
‫يصلح‪ ،‬معرضة عن االعتبار هبذا احلديث‪ ،‬واألحاديث األخرى الرصحية يف‬
‫عدم مرشوعية املصافحة‪"( .‬سلسلة األحاديث الصحيحة" ‪/2/‬ص‬
‫‪.)301-303‬‬
‫وقد سئل اإلمام ابن باز –رمحه اهلل‪ :-‬ما حكم مصافحة الطالب‬
‫لزميلته يف الدراسة ؟ وماذا يفعل لو مدت يدها للسالم عليه؟‬
‫فأجاب –رمحه اهلل‪ : -‬ال جتوز الدراسة املختلطة مع الفتيات يف ّ‬
‫حمل‬
‫واحد أو يف مدرسة واحدة‪ ،‬أو يف كراس واحدة‪ ،‬بل هذا من أعظم أسباب‬
‫الفتنة‪ ،‬فال جيوز للطالب وال للطالبة هذا االشرتاك ملا فيه من الفتن‪ .‬وليس‬
‫للمسلم أن يصافح املرأة األجنبية عنه ولو مدت يدها إليه‪ .‬وخيربها أن‬
‫املصافحة ال جتوز للرجال األجانب؛ ملا ثبت عن النبي ﷺ أنه قال حني بيعته‬
‫للنساء‪« :‬إين ل أصافح النااء»‪ .‬وثبت عن عائشة ريض اهلل عنها أهنا قالت‪:‬‬
‫‪31‬‬

‫«واهلل ما مات يد مسول اهلل ﷺ يد امرأة قط ‪ ،‬ما كان يبايعهن إل‬


‫بالكَل »(‪ .)13‬وقد قال اهلل عز وجل‪﴿ :‬لقد كان لكم يف مسول اهلل أسوة‬
‫حانة ِلن كان يرجو اهلل واليو اْخر وذكر اهلل كثرياً﴾‪ .‬وألن املصافحة‬
‫للنساء من غري حمارمهن من وسائل الفتنة للطرفني‪ ،‬فوجب تركها‪.‬‬
‫أما السالم الرشعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة وال ريبة‬
‫وال خضوع بالقول‪ ،‬ومع احلجاب وعدم اخللوة‪ ،‬فال بأس به‪ ،‬لقول اهلل عز‬
‫وجل‪﴿ :‬يا نااء النبي لاتن كأحد من النااء إن اتقيتن فَل ختضعن بالقول‬
‫فيِطمِ الذي يف قلبه مرض وقلن قولً معروف ًا﴾‪ ،‬وألن النساء يف عهد النبي‬
‫كن يسلمن عليه‪ ،‬ويستفتينه فيام يشكل عليهن‪ ،‬وهكذا كانت النساء‬
‫ﷺ ّ‬
‫يستفتني أصحاب رسول اهلل ﷺ فيام يشكل عليهن‪.‬‬
‫أما مصافحة املرأة للنساء وملحارمها من الرجال كأبيها وأخيها‬
‫وعمها وغريهم من املحارم فليس يف ذل بأس‪ ،‬واهلل ويل التوفيق‪.‬‬
‫(انتهى من "فتاوى ابن باز" ‪/1/‬ص ‪.)132-130‬‬
‫وسئل اإلمام ابن عثيمني –رمحه اهلل‪ :-‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أورد بعض‬
‫ال ُكتاب املعارصين شبهة حول مصافحة املرأة األجنبية وقالوا‪ :‬ال بأس‬
‫باملصافحة العفوية؛ واخللوة الربيئة باألجنبية مع سالمة القلب‪ ،‬وأن اإليامن‬

‫(‪ )13‬أخرجه البخاري (‪ )1023‬ومسلم (‪ )2200‬عن عائشة –ريض اهلل عنها‪.-‬‬


‫‪31‬‬

‫يف القلب‪ ،‬وأما قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬إين ل أصافح النااء»‪ ،‬فهذا‬
‫خاص به عليه الصالة والسالم‪ ،‬فام تعليقكم عىل هذه الشبهة وفقكم اهلل؟‬
‫فأجاب –رمحه اهلل‪ :-‬تعليقنا عىل هذه الشبهة‪ :‬أهنا خطأ‪ ،‬أن هذا‬
‫القول خطأ؛ ألن النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم قال‪« :‬ل َيلون مجل‬
‫بامرأة إل مِ ذي احر »(‪ )14‬وهذا عام‪ ،‬وقال‪« :‬إياكم والدخول عَل النااء»‬
‫وهذا عام‪ ،‬حتى قالوا‪( :‬يا رسول اهلل! أرأيت احلمو ‪-‬أي‪ :‬قريب الزوج‬
‫يدخل عىل بيت قريبه‪ -‬قال‪« :‬اْلمو اِلوت»(‪ )15‬أي‪ :‬فاحذروه‪ ،‬واملصافحة‬
‫أشد من اخللوة؛ ألن املصافحة إن كانت بال حائل ففيها مبارشة اجلسم‬
‫من فوران الشهوة‪ ،‬مهام كان قلب‬ ‫للجسم وال خيفى ما حيصل يف ذل‬
‫اإلنسان‪ ،‬والثاين‪ :‬إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى‬
‫يغمز اليد بقوة أو بشدة‪ ،‬أو ينفضها‪ ،‬أو ما أشبه ذل ‪ ،‬مما حيرك الشهوة‪،‬‬
‫فاملسألة خطأ كلها‪ .‬وأما أن النبي صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم مل متس يده يد‬
‫امرأة‪ ،‬فليس هذا خاص ًا به‪ ،‬بل هو عليه الصالة والسالم جيوز له من اخللوة‬
‫بالنساء ما ال جيوز لغريه‪ ،‬وقد ثبت يف أحاديث متعددة تدل عىل جواز خلوة‬
‫الرسول صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم باملرأة وجواز كشفها له‪ ،‬يف حجة‬

‫(‪ )14‬أخرجه البخاري (‪ )3000‬ومسلم (‪ )2312‬عن ابن عباس –ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫(‪ )15‬أخرجه البخاري (‪ )5131‬ومسلم (‪ )1201‬عن ابن عقبة بن عامر –ريض اهلل عنه‪.-‬‬
‫‪32‬‬

‫الوداع سألته امرأة‪ :‬عن حجها عن أبيها وكانت امرأة مجيلة فجعل الفضل‬
‫بن عباس وهو رديف الرسول صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم عىل ناقته جعل‬
‫ينظر إليها فرصف وجهه‪ ،‬وهذا يدل عىل أن الرسول صىل اهلل عليه وعىل آله‬
‫وسلم جيوز له من النظر إىل النساء ما ال جيوز لغريه؛ ألنه أبعد الناس عن‬
‫الريبة‪ ،‬فهذه الشبهة ليست شبهة يف الواقع إال عىل من كان يف قلبه مرض‪،‬‬
‫فإن املتنبي يقول‪:‬‬
‫ومن ي ذا فم مر مريض جيد مر ًا به املاء الزالل‪.‬‬
‫(انتهى من "لقاء الباب املفتوح" ‪/5/‬ص ‪.)123-121‬‬
‫‪33‬‬

‫الباب الرابع‪ :‬حكم سُكن زوج المربوبة في بيت العجوز‬


‫المضطرة أو المحتاجة‬
‫ّ‬

‫سؤال‪ :‬تزوجت امرأة هلا أم ‪ .‬وهذه األم ما ولدهتا وال رضعتها‪،‬‬


‫وإنام ربتها منذ صغرها‪ .‬واآلن هذه العجوز ليس لدهيا من يعيش معها‬
‫فاستوحشت من وحدهتا ‪.‬فطلبت العجوز هذه البنت أن تعيش معها يف‬
‫بيتها (يف بيت العجوز) فام موقف هذا األخ لعدم قرابة بينه وبني العجوز؟‬
‫اجلواب مستعينا باهلل‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أصل الحكم لهذه المسألة‬


‫إن هذه العجوز ليست حمرم ًا هلذا األخ‪ ،‬بل هي أجنبية له‪ ،‬فال جتوز‬
‫اخللوة هبا‪ ،‬وال االختالط هبا‪.‬‬
‫عن الزهري قال‪ :‬حدثتني هند بنت احلارث‪ :‬أن أم سلمة زوج‬
‫النبي ﷺ أخربهتا‪ :‬أن النااء يف عهد مسول اهلل ﷺ كن إذا سلمن من اِلكتوبة‬
‫قمن وثبت مسول اهلل ﷺ ومن صَل من الرجال ما شاء اهلل فإذا قا مسول‬
‫اهلل قا الرجال‪( .‬أخرجه البخاري (‪.))200‬‬
‫ويف رواية‪ :‬قال ابن شهاب‪ :‬فنرى واهلل أعلم لكي ينفذ من ينرصف‬
‫من النساء‪( .‬أخرجه البخاري (‪.))217‬‬
‫‪34‬‬

‫قال اإلمام ابن قدامة رمحه اهلل‪ :‬فإن كان مع اإلمام رجال ونساء‪،‬‬
‫فاملستحب أن تثب النساء‪ ،‬ويثبت هو والرجال‪ ،‬بقدر ما ينرصف النساء؛‬
‫لقول أم سلمة‪« :‬إن النساء يف عهد رسول اهلل ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬كن إذا سلمن من‬
‫املكتوبة قمن‪ ،‬وثبت رسول اهلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ومن صىل من الرجال ما شاء اهلل‪،‬‬
‫فإذا قام رسول اهلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قام الرجال‪ ،‬قال الزهري‪ :‬فنرى أن ذل لكي‬
‫ينفذ من ينرصف من النساء» ‪ ،‬رواه البخاري‪ .‬وألن اإلخالل بذل يفيض‬
‫إىل اختالط الرجال بالنساء‪"( .‬الكايف يف فقه اإلمام أمحد"‪/2/‬ص‪.)102‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪ :‬أن ويل األمر جيب عليه أن يمنع‬
‫اختالط الرجال بالنساء يف األسواق‪ ،‬والفرج‪ ،‬وجمامع الرجال‪ .‬قال مال ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬وريض عنه‪ :‬أرى لإلمام أن يتقدم إىل الصياغ يف قعود النساء‬
‫إليهم‪ ،‬وأرى أال يرتك املرأة الشابة جتلس إىل الصياغ فأما املرأة املتجالة‬
‫واخلادم الدون‪ ،‬التي ال تتهم عىل القعود‪ ،‬وال يتهم من تقعد عنده‪ :‬فإين ال‬
‫أرى بذل بأسا‪ ،‬انتهى‪ .‬فاإلمام مسئول عن ذل ‪ ،‬والفتنة به عظيمة‪ ،‬قال ‪-‬‬
‫ﷺ ‪« :-‬ما تركت بعدي فتنة أرض عَل الرجال من النااء»(‪"( .)16‬الطرق‬
‫احلكمية"‪/‬ص‪.)132-130‬‬

‫(‪ )16‬أخرجه البخاري (‪ )5070‬ومسلم (‪ )1010‬عن أسامة ابن زيد –ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫‪35‬‬

‫وعن عقبة بن عامر‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إياكم والدخول عَل‬
‫النااء» فقال رجل من األنصار‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفرأيت احلمو؟ قال‪« :‬اْلمو‬
‫اِلوت»‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )5131‬ومسلم (‪.))1201‬‬
‫هذا دليل واضح عىل عدم جواز االختالط بني الرجال والنساء‪.‬‬
‫فهو حمرم عىل األجانب‪ ،‬وهو عىل األقرباء الذين ليسوا حمارم أشدّ حرمة‬
‫خلفاء الرضر وتساهل الناس به‪.‬‬
‫قال النووي رمحه اهلل‪ :‬اتفق أهل اللغة عىل أن األمحاء أقارب زوج‬
‫املرأة كأبيه وعمه وأخيه وبن أخيه وبن عمه ونحوهم واألختان أقارب‬
‫زوجة الرجل واألصهار يقع عىل النوعني‪ .‬وأما قوله ﷺ‪« :‬اْلمو اِلوت»‪،‬‬
‫فمعناه‪ :‬أن اخلوف منه أكثر من غريه والرش يتوقع منه‪ ،‬والفتنة أكثر لتمكنه‬
‫من الوصول إىل املرأة واخللوة من غري أن ينكر عليه بخالف األجنبي‪ .‬واملراد‬
‫باحلمو هنا أقارب الزوج غري آبائه وأبنائه‪ .‬فأما اآلباء واألبناء فمحارم‬
‫لزوجته جتوزهلم اخللوة هبا وال يوصفون باملوت‪ ،‬وإنام املراد‪ :‬األخ وابن األخ‬
‫والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم‪ .‬وعادة الناس املساهلة فيه‪ ،‬وخيلو‬
‫بامرأة أخيه‪ ،‬فهذا هو املوت‪ ،‬وهو أوىل باملنع من األجنبي ملاذكرناه‪ .‬فهذا‬
‫الذي ذكرته هو صواب معنى احلديث‪"( .‬رشح صحيح مسلم"‪/‬‬
‫‪/21‬ص‪.)251‬‬
‫‪36‬‬

‫عن أسامة بن زيد ريض اهلل عنهام‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬ما تركت‬
‫بعدي فتنة أرض عَل الرجال من النااء»‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )5070‬ومسلم‬

‫(‪.))1010‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ال يأمنن عىل النساء أخ أخا ‪ ...‬ما يف الرجال عىل النساء أمني‬
‫إن األمني وإن حتفظ جهده ‪ ...‬ال بد أن بنظرة سيخون‬
‫(كام يف "الفروع وتصحيح الفروع"‪/‬للمرداوي‪/2/‬ص‪.)321‬‬
‫أن األنبياء والصديقني مؤمتنون‪ ،‬وإنام يتكلم الشاعر ىف‬ ‫ال ش‬
‫عموم الرجال الذين فطروا عىل امليل إىل النساء‪ .‬واحلكم ينبني عىل األغلب‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪ :‬واْلحكا إنم هي للغالب الكثري‪،‬‬
‫والنادم يف حكم اِلعدو ‪"( .‬زاد املعاد"‪/5/‬ص ‪/302‬الرسالة)‪.‬‬
‫إن حضور النساء يف املجامع جائز برشط عدم االختالط بالرجال‪.‬‬
‫ثبت يف "الصحيحني" من حديث أم عطية ريض اهلل عنها قالت‪ :‬أن‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أمرنا أن نخرج احليّض يوم العيدين‬
‫وذوات اخلدور فيشهدن اخلري ودعوة املسلمني‪ ،‬ويعتزل احليض عن‬
‫مصالهن‪ .‬قالت امرأة‪ :‬يا رسول اهلل إحدانا ليس هلا جلباب‪ .‬قال‪« :‬لتلباها‬
‫صاحبتها من جلباِبا»‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )352‬ومسلم (‪.))270‬‬
‫‪37‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر رمحه اهلل‪ :‬واألوىل أن خيص ذل بمن يؤمن‬
‫عليها وهبا الفتنة وال يرتتب عىل حضورها حمذور وال تزاحم الرجال يف‬
‫الطرق وال يف املجامع‪"( .‬فتح الباري"‪/‬البن حجر ‪/1/‬ص‪.)102‬‬
‫وقال سامل بن عبد اهلل بن عمر‪ :‬عن عبد اهلل بن عمر ‪-‬ريض اهلل‬
‫عنهام‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ل َتنعوا نااءكم اِلااجد إذا‬
‫استأذنكم إليها» قال‪ :‬فقال بالل بن عبد اهلل‪ :‬واهلل لنمنعهن‪ ،‬قال‪ :‬فأقبل عليه‬
‫عبد اهلل‪ :‬فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط وقال‪ :‬أخربك عن رسول اهلل‬
‫ﷺ وتقول‪ :‬واهلل لنمنعهن‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )277‬ومسلم (‪)111‬‬
‫واللفظ له)‪.‬‬
‫قال النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬قوله ﷺ‪( :‬ل َتنعوا إماء اهلل مااجد اهلل)‬
‫هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر يف أهنا ال متنع املسجد لكن برشوط‬
‫ذكرها العلامء مأخوذة من األحاديث‪ ،‬وهو أن ال تكون متطيبة وال متزينة‬
‫وال ذات خالخل يسمع صوهتا وال ثياب فاخرة وال خمتلطة بالرجال‪.‬‬
‫("رشح صحيح مسلم"‪/‬للنووي‪/1 /‬ص‪.)202‬‬
‫وعن عائشة ‪-‬ريض اهلل عنها‪ -‬قالت‪ :‬كن نااء اِلؤمنات يشهدن مِ‬
‫مسول اهلل ﷺ صَلة الفجر متلفعات بمروطهن‪ ،‬ثم ينقلبن إىل بيوهتن حني‬
‫‪38‬‬

‫يقضني الصَلة‪ ،‬ل يعرفهن أحد من الغلس‪( .‬أخرجه البخاري (‪)502‬‬


‫ومسلم (‪.))015‬‬
‫وقال العالمة ابن بطال ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬هذه السنة املعمول هبا أن‬
‫تنرصف النساء ىف الغلس قبل الرجال ليخفني أنفسهن‪ ،‬وال يتبني ملن لقيهن‬
‫من الرجال‪ ،‬فهذا يدل أهنن ال يقمن ىف املسجد بعد متام الصالة‪ ،‬وهذا كله‬
‫من باب قطع الذرائع‪ ،‬والتحظري عىل حدود اهلل‪ ،‬واملباعدة بني الرجال‬
‫والنساء خوف الفتنة ودخول احلرج‪ ،‬ومواقعة اإلثم ىف االختالط هبن‪.‬‬
‫("رشح صحيح البخارى"‪/‬البن بطال ‪/1/‬ص ‪.)103‬‬
‫قلت –مستعينا باهلل‪ :-‬قد كان مصىل النساء خلف مصىل الرجال‬
‫وهن يف‬
‫ّ‬ ‫بال حجاب‪ .‬وأما اآلن فبني مصىل النساء ومصىل الرجال جدار‪،‬‬
‫مكوثهن يف مصالهن‬
‫ّ‬ ‫غرفة أخرى مل حيصل بينهم اختالط فال حرج يف‬
‫للدروس وقراءة القرآن وغري ذل من احلاجات قبل أن يرجعن إىل بيوهتن‬
‫حمارمهن‪ .‬وكان بيوت املسلامت احلارضات يف مجاعات رسول اهلل ‪-‬صىل‬
‫ّ‬ ‫مع‬
‫اهلل عليه وآله وسلم‪ -‬قريبة من املسجد‪ ،‬كام هو معروف عند أهل السنة‬
‫املتمسكني هبدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وسنة السلف‪.‬‬
‫‪39‬‬

‫وعن أيب موسى األشعري ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫ﷺ‪« :‬أيم امرأة استعِطرت‪ ،‬فمرت بقو ليجدوا مُيها فهي زانية»‪( .‬أخرجه‬
‫اإلمام أمحد (‪ )27022‬والنسائي (‪/)5210‬صحيح)‪.‬‬
‫فبهذا احلديث وأمثاله علمنا أن عموم حديث إباحة اخلروج قد‬
‫ّ‬
‫مظان الفتنة‪ ،‬كاختاذ الطيب‪ ،‬وإظهار الزينة‪،‬‬ ‫ُخص برشوط عدم ارتكاب‬
‫واالختالط ونحو ذل ‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف ختصيص إباحة خروج املرأة‬
‫مس الطيب‪ :‬فأحلق بالطيب ما يف معناه‪ .‬فإن الطيب إنام منع منه ملا فيه‬
‫بعدم ّ‬
‫من حتري داعية الرجال وشهوهتم‪ .‬وربام يكون سببا لتحري شهوة املرأة‬
‫أيضا‪ .‬فام أوجب هذا املعنى التحق به‪ .‬وقد صح أن النبي ‪ -‬ﷺ – قال‪« :‬أيم‬
‫امرأة أصابت بخوما فَل تشهد معنا العشاء اْخرة»(‪ )17‬ويلحق به أيضا‪:‬‬
‫حسن املالبس‪ ،‬ولبس احليل الذي يظهر أثره يف الزينة‪ .‬ومحل بعضهم قول‬
‫عائشة ‪ -‬ريض اهلل عنها ‪ -‬يف الصحيح‪ :‬لو أن مسول اهلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مأى ما‬
‫أحدث النااء بعده‪ِ :‬لنعهن اِلااجد‪ ،‬كم منعت نااء بني إِسائيل‪ )18(.‬عىل‬
‫هذا‪ ،‬تعني إحداث حسن املالبس والطيب والزينة‪– .‬إىل قوله‪ -:‬ومما قيل‬

‫(‪ )17‬أخرجه مسلم (‪ )111‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه‪.‬‬


‫(‪ )18‬أخرجه البخاري (‪ )207‬ومسلم (‪ )115‬عن عائشة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫أيضا يف ختصيص هذا احلديث‪ :‬أن ال يزامحن الرجال‪"( .‬إحكام األحكام‬


‫رشح عمدة األحكام"‪/2/‬ص ‪.)270‬‬
‫وعن أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬خري‬
‫صفوف الرجال أوَلا‪ ،‬ورشها آخرها‪ ،‬وخري صفوف النااء آخرها‪ ،‬ورشها‬
‫أوَلا»‪( .‬أخرجه مسلم (‪.))110‬‬
‫قال اإلمام النووي رمحه اهلل‪ :‬أما صفوف الرجال فهي عىل عمومها‬
‫فخريها أوهلا أبدا ورشها آخرها أبدا‪ .‬أما صفوف النساء فاملراد باحلديث أما‬
‫صفوف النساء اللوايت يصلني مع الرجال وأما إذا صلني متميزات ال مع‬
‫الرجال فهن كالرجال خري صفوفهن أوهلا ورشها آخرها واملراد برش‬
‫الصفوف يف الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضال وأبعدها من مطلوب الرشع‬
‫وخريها بعكسه وإنام فضل آخر صفوف النساء احلارضات مع الرجال‬
‫لبعدهن من خمالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب هبم عند رؤية حركاهتم‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬ ‫وذم أول صفوفهن لعكس ذل‬ ‫وسامع كالمهم ونحو ذل‬
‫("رشح صحيح مسلم"‪/1/‬ص‪.)200-257‬‬
‫وقال العالمة السندي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬قوله‪( :‬خري صفوف النااء) أي‬
‫أكثرها ثوابا (ورشها) أي‪ :‬أقلها ثواب ًا ويف الزوائد وجاء له بالعكس وذل‬
‫ألن مقاربة أنفاس الرجال للنساء خياف منها أن تشوش املرأة عىل الرجال‬
‫‪41‬‬

‫والرجل عىل املرأة‪ .‬ثم هذا التفصيل يف صفوف الرجال عىل إطالقه ويف‬
‫صفوف النساء عند االختالط بالرجال كذا قيل‪ .‬ويمكن محله عىل إطالقه‬
‫ملراعاة السرت فتأمل‪"( .‬حاشية السندي عىل سنن ابن ماجه"‪/2/‬ص‬
‫‪.)321‬‬
‫وعن أنس بن مال ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬أن جدته مليكة دعت رسول‬
‫اهلل ﷺ لطعام صنعته له‪ ،‬فأكل منه‪ ،‬ثم قال‪« :‬قوموا فألصل لكم» قال أنس‪:‬‬
‫فقمت إىل حصري لنا‪ ،‬قد اسود من طول ما لبس‪ ،‬فنضحته بامء‪ ،‬فقام رسول‬
‫اهلل ﷺ‪ ،‬وصففت واليتيم وراءه‪ ،‬والعجوز من ورائنا‪ ،‬فصىل لنا رسول اهلل‬
‫ﷺ ركعتني‪ ،‬ثم انرصف‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )320‬ومسلم (‪.))052‬‬
‫قال العالمة ابن بطال ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬هكذا سنة صالة النساء أن يقمن‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬خشية الفتنة هبن‪ ،‬واشتغال النفوس بام‬ ‫خلف الرجال‪ ،‬وذل‬
‫جبلت عليه من أمورهن عن اخلشوع ىف الصالة واإلقبال عليها وإخالص‬
‫الفكر فيها هلل؛ إذ النساء مزينات ىف القلوب ومقدمات عىل مجيع الشهوات‪،‬‬
‫وهذا أصل ىف قطع الذرائع‪"( .‬رشح صحيح البخارى"‪ /‬البن بطال‬
‫‪/1/‬ص ‪.)103-101‬‬
‫فهذا بيان واضح عىل أمهية إبعاد الرجال من النساء لعظمة االفتتان‬
‫بني اجلنسني‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫قال اإلمام ابن باز ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬احلمد هلل والصالة والسالم عىل‬
‫رسول اهلل وبعد ‪ :‬فقد اطلعت عىل ما كتبه بعض الكتاب يف جريدة اجلزيرة‬
‫بعددها رقم ‪ 3051‬وتاريخ ‪ 2103 / 1 / 25‬هـ الذي اقرتح فيه اختالط‬
‫الذكور واإلناث يف الدراسة باملرحلة االبتدائية ‪ .‬وملا يرتتب عىل اقرتاحه من‬
‫عواقب وخيمة رأيت التنبيه عىل ذل فأقول ‪:‬‬

‫إن االختالط وسيلة لرش كثري وفساد كبري ال جيوز فعله‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي ﷺ‪« :‬مروا أبناءكم بالصَلة لابِ وارضبوهم عليها لعُش وفرقوا بينهم‬
‫يف اِلضاجِ»(‪ .)19‬وإنام أمر ﷺ بالتفريق بينهم يف املضاجع ألن قرب أحدمها‬
‫من اآلخر يف سن العارشة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختالط‬
‫البنني والبنات ‪ ،‬وال ش أن اجتامعهم يف املرحلة االبتدائية كل يوم وسيلة‬
‫لذل كام أنه وسيلة لالختالط فيام بعد ذل من املراحل ‪.‬‬

‫وبكل حال فاختالط البنني والبنات يف املراحل االبتدائية منكر ال‬


‫جيوز فعله ملا يرتتب عليه من أنواع الرشور ‪ .‬وقد جاءت الرشيعة الكاملة‬

‫(‪ )19‬سنده حان‪ ،‬أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده برقم (‪ )0027‬وأبو داود يف سننه برقم‬
‫(‪ )175‬وغريمها من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬وعمرو بن شعيب‬
‫صدوق‪ .‬واجلد األعىل عبد اهلل بن عمرو بن العاص –ريض اهلل عنهام‪.-‬‬
‫‪43‬‬

‫بوجوب سد الذرائع املفضية إىل الرشك واملعايص وقد دل عىل ذل دالئل‬


‫كثرية من اآليات واألحاديث ‪ ،‬ولوال ما يف ذل من اإلطالة لذكرت كثريا‬
‫منها ‪ .‬وقد ذكر العالمة ابن القيم رمحه اهلل يف كتابه " إعالم املوقعني " منها‬
‫تسعة وتسعني دلي ً‬
‫ال‪ .‬ونصيحتي للكاتب وغريه أال يقرتحوا ما يفتح عىل‬
‫املسلمني أبواب رش قد أغلقت ‪ .‬نسأل اهلل للجميع اهلداية والتوفيق ‪.‬‬

‫ويكفي العاقل ما جرى يف الدول التي أباحت االختالط من الفساد‬


‫الكبري بسبب االختالط ‪ .‬وأما ما يتعلق باحلاجة إىل معرفة اخلاطب خمطوبته‬
‫فقد رشع النبي ﷺ يف ذل ما يشفي بقوله ﷺ ‪« :‬إذا خِطب أحدكم امرأة‬
‫فإن استِطاع أن ينظر منها إىل ما يدعوه إىل نكاحها فليفعل»‪ ،‬فيرشع له أن‬
‫ينظر إليها بدون خلوة قبل عقد النكاح إذا تيرس ذل ‪ ،‬فإن مل يتيرس بعث من‬
‫يثق به من النساء للنظر إليها ثم إخباره بخلقها وخلقها ‪ .‬وقد درج املسلمون‬
‫رضهم ذل ‪ ،‬بل حصل هلم من النظر إىل‬
‫عىل هذا يف القرون املاضية وما ّ‬
‫املخطوبة أو وصف اخلاطبة هلا ما يكفي ‪ ،‬والنادر خالف ذل ال حكم له ‪.‬‬
‫واهلل املسئول أن يوفق املسلمني ملا فيه صالحهم وسعادهتم يف العاجل‬
‫واآلجل وأن حيفظ عليهم دينهم وأن يغلق عنهم أبواب الرش ويكفيهم‬
‫مكايد األعداء إنه جواد كريم وصىل اهلل وسلم عىل نبينا حممد وآله وصحبه ‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫("جمموع فتاوى و مقاالت ابن باز"‪/ 5/‬ص‪.)132-117‬‬

‫العجوز ليست حمرم ًا هلذا األخ فال جيوز‬ ‫فاْلَلصة‪ :‬أن تل‬
‫االختالط وال اخللوة هبا‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مخرج هذه المسألة‬


‫من ناحية أخرى‪ :‬هذه العجوز املذكورة يف السؤال منفردة مل جتد هلا‬
‫راعي ًا‪ ،‬وهي حمتاجة‪ ،‬وقد تكون حاجتها إىل الرعاية والنرصة واملعونة عظيمة‬
‫ماسة‪ .‬وقد تبلغ حدّ الرضورة جتب مراعاهتا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد قال اإلمام ابن قدامة رمحه اهلل يف مسألة جلب املنفعة أو دفع‬
‫املرضة‪ ... :‬الرضب الثالث‪ :‬ما يقع يف رتبة الرضوريات وهي ما عرف من‬
‫الشارع االلتفات إليها وهي مخسة أن حيفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم‬
‫ّ‬
‫املضل وعقوبة املبتدع‬ ‫ونسبهم وماهلم ومثاله قضاء الرشع بقتل الكافر‬
‫الداعي إىل البدع صيانة لدينهم وقضاؤه بالقصاص إذ به حفظ النفوس‬
‫وإجيابه حد الرشب إذ به حفظ العقول وإجيابه حدّ الزنا حفظ ًا للنسل‬
‫واألنساب وإجيابه زجر السارق حفظا لألموال وتفويت هذه األصول‬
‫اخلمسة والزجر عنها يستحيل‪"( .‬روضة الناظر وجنة املناظر"‪/‬‬
‫ص‪/537‬ط‪ .‬دار العاصمة)‪.‬‬
‫‪45‬‬

‫فليس من رجحان املصلحة أن نرتكها ضائعة‪ .‬والدين مبني عىل‬


‫املضار‪ .‬قال شيخ اإلسالم رمحه اهلل‪ :‬الرسول ﷺ بعث‬
‫ّ‬ ‫جلب املصالح ودفع‬
‫بتحصيل املصالح وتكميلها وتعطيل املفاسد وتقليلها‪"( .‬جمموع‬
‫الفتاوى"‪/2/‬ص‪.)232‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪ :‬وليعلم العاقل أن العقل والرشع‬
‫يوجبان حتصيل املصالح وتكميلها‪ ،‬وإعدام املفاسد وتقليلها‪ ،‬فإذا عرض‬
‫للعاقل أمر يرى فيه مصلحة ومفسدة‪ ،‬وجب عليه أمران‪ :‬أمر علمي‪ ،‬وأمر‬
‫عميل‪ ،‬فالعلمي‪ :‬معرفة الراجح من طريف املصلحة واملفسدة‪ ،‬فإذا تبني له‬
‫الرجحان وجب عليه إيثار األصلح له‪"( .‬اجلواب الكايف"‪/‬ص ‪.)121‬‬
‫ومن املصلحة الراجحة‪ :‬صيانة امرأة ضائعة‪ ،‬ونجاة املضطرة‪.‬‬
‫عن عائشة ريض اهلل عنها يف قصة اإلف ‪ ... :‬وكانت النساء إذ ذاك‬
‫خفافا‪ ،‬مل هيبلن ومل يغشهن اللحم‪ ،‬إنام يأكلن العلقة من الطعام‪ ،‬فلم يستنكر‬
‫القوم ثقل اهلودج حني رحلوه ورفعوه‪ ،‬وكنت جارية حديثة السن‪ ،‬فبعثوا‬
‫اجلمل وساروا‪ ،‬ووجدت عقدي بعدما استمر اجليش‪ ،‬فجئت منازهلم وليس‬
‫هبا داع وال جميب‪ ،‬فتيممت منزيل الذي كنت فيه‪ ،‬وظننت أن القوم‬
‫سيفقدوين فريجعون إيل‪ ،‬فبينا أنا جالسة يف منزيل غلبتني عيني فنمت‪ ،‬وكان‬
‫صفوان بن املعطل السلمي ثم الذكواين قد عرس من وراء اجليش فادلج‪،‬‬
‫‪46‬‬

‫فأصبح عند منزيل فرأى سواد إنسان نائم‪ ،‬فأتاين فعرفني حني رآين‪ ،‬وقد كان‬
‫يراين قبل أن يرضب احلجاب عيل‪ ،‬فاستيقظت باسرتجاعه حني عرفني‪،‬‬
‫فخمرت وجهي بجلبايب‪ ،‬وواهلل ما يكلمني كلمة وال سمعت منه كلمة غري‬
‫اسرتجاعه‪ ،‬حتى أناخ ماحلته‪ ،‬فوطئ عَل يدها فركبتها‪ ،‬فانِطلق يقود يب‬
‫الراحلة‪ ،‬حتى أتينا اجليش‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )1212‬ومسلم (‪.))1000‬‬
‫انظر إىل فقه الصحايب صفوان بن املعطل ريض اهلل عنه‪ :‬أنه علم أن‬
‫اخللوة باألجنبية حمرمة‪ ،‬ولكن الرضورة تقتيض السعي يف نجاة هذه املرأة‬
‫املرتوكة يف الطريق فال بد من محايتها وإيصاهلا إىل أهلها‪ ،‬وإن كان يف ذل‬
‫يشء من االختالط‪ ،‬اضطرار ًا ال اختيار ًا‪.‬‬
‫قال العالمة عبد الرمحن بن حممد زاده ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ألن الرضورة‬
‫تبيح املمنوع‪"( .‬جممع األهنر يف رشح ملتقى األبحر"‪/2/‬ص‪.)112‬‬
‫ومع ذل مل يكثر صفوان ريض اهلل عنه الكالم مع عائشة ريض اهلل‬
‫عنها‪ .‬هذا يدل عىل أن الرضورة تقدر بقدرها‪.‬‬
‫قال العالمة عبد العزيز بن عبد السالم ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ألن ما ثبت‬
‫للرضورة تقدر بقدرها‪"( .‬قواعد األحكام يف مصالح األنام"‬
‫‪/2/‬ص‪.)200‬‬
‫‪47‬‬

‫وقال اإلمام النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف فوائد حديث عائشة ريض اهلل‬
‫عنها‪ :‬اخلامسة عرش‪ :‬إعانة امللهوف وعون املنقطع وإنقاذ الضائع وإكرام‬
‫ذوي األقدار كام فعل صفوان ريض اهلل عنه يف هذا كله‪ .‬السادسة عرش‪:‬‬
‫حسن األدب مع األجنبيات السيام يف اخللوة هبن عند الرضورة يف برية أو‬
‫غريها كام فعل صفوان من إبراكه اجلمل من غري كالم وال سؤال‪ ،‬وإنه ينبغي‬
‫أن يميش قدامها ال بجنبها وال وراءها‪ .‬السابعة عرش‪ :‬استحباب اإليثار‬
‫بالركوب ونحوه كام فعل صفوان‪ .‬الثامنة عرش‪ :‬استحباب االسرتجاع عند‬
‫املصائب سواء كانت يف الدين أو الدنيا وسواء كانت يف نفسه أو من يعز‬
‫عليه‪ .‬التاسعة عرش‪ :‬تغطية املرأة وجهها عن نظر األجنبي سواء كان صاحلا‬
‫أو غريه‪"( .‬رشح صحيح مسلم"‪/20/‬ص‪.)220-220‬‬
‫وال ينبغي أن يكثر الكالم مع األجنبية ‪-‬وإن مل يكن صوهتا عورة‪-‬‬
‫إال إن احتاج إىل ذل ‪.‬‬
‫قال اإلمام احلافظ عبد الرحيم بن حسني العراقي ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫(العرشون) ‪ :‬قوهلا «واهلل ما يكلمني كلمة» إنام عربت باملضارع إشارة إىل‬
‫استمرار ترك الكالم وجتدد هذا االستمرار‪ ،‬فإنه قد يفهم من التعبري باملايض‬
‫اختصاص النفي بحالة بخالف املضارع وقوهلا‪« :‬ول سمعت منه كلمة»‬
‫ليس تكرار‪ ،‬فإنه قد ال يكلمها ولكن يكلم نفسه أو جيهر بقراءة أو ذكر‬
‫‪48‬‬

‫احلالة أدبا‬ ‫بل استعمل الصمت يف تل‬ ‫بحيث يسمعها فلم يقع منه ذل‬
‫احلالة التي هو فيها‪"( .‬طرح التثريب يف رشح‬ ‫وصيانة وهلول تل‬
‫التقريب"‪/2/‬ص‪.)53‬‬
‫ومما يدل عىل اجلمع بني نرصة املضطرة وبني تقليل مفسدة اخللوة‪:‬‬
‫أن صفوان ريض اهلل عنه أناخ راحلته ليسهل لعائشة ريض اهلل عنها ركوب‬
‫الراحلة بدون مساعدته‪.‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬فوطيء عىل يدها أي ليكون‬
‫أسهل لركوهبا وال حيتاج إىل مسها عند ركوهبا‪"( .‬فتح‬
‫الباري"‪/2/‬ص‪.)103‬‬
‫والدليل اآلخر‪ :‬عن أنس بن مال ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬أنه أقبل هو‬
‫وأبو طلحة مع النبي ﷺ‪ ،‬ومع النبي ﷺ صفية مردفها عىل راحلته‪ ،‬فلام كانوا‬
‫ببعض الطريق عثرت الناقة‪ ،‬فرصع النبي ﷺ واملرأة‪ ،‬وإن أبا طلحة ‪ -‬قال‪:‬‬
‫أحسب قال‪ - :‬اقتحم عن بعريه‪ ،‬فأتى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا نبي اهلل‬
‫من يشء؟ قال‪« :‬ل‪ ،‬ولكن عليك باِلرأة»‪،‬‬ ‫جعلني اهلل فداءك هل أصاب‬
‫فألقى أبو طلحة ثوبه عىل وجهه‪ ،‬فقصد قصدها‪ ،‬فألقى ثوبه عليها‪ ،‬فقامت‬
‫املرأة‪ ،‬فشد هلام عىل راحلتهام فركبا‪ ،‬فساروا ‪ ...‬احلديث‪( .‬أخرجه البخاري‬
‫(‪.))3020‬‬
‫‪49‬‬

‫ففي هذا احلديث‪ :‬اجلمع بني إسعاف املرأة من الرضر وبني درء‬
‫فتنتها‪.‬‬
‫أنه جائز للرضورة‪ ،‬ألن إمهال املرأة يف مثل هذه القضية‬ ‫ال ش‬
‫يفيض إىل اهلالك أو قريب اهلالك أو الرضر‪.‬‬
‫قال العالمة الزركيش ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬فالرضورة‪ :‬بلوغه حدا إن مل‬
‫يتناول املمنوع هل أو قارب كاملضطر لألكل واللبس بحيث لو بقي جائعا‬
‫أو عريانا ملات أو تلف منه عضو‪ .‬وهذا يبيح تناول املحرم‪"( .‬املنثور يف‬
‫القواعد الفقهية"‪ /1/‬ص‪.)327‬‬
‫والرضورة تقدر بقدرها خالف ًا للحزبيني املميعني‪ .‬قال اإلمام ابن‬
‫اهلامم املرصي احلنفي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬والثابت بالرضورة يتقدر بقدر الرضورة‪.‬‬
‫("فتح القدير"‪ /‬للكامل ابن اهلامم ‪/2/‬ص‪.)35‬‬
‫فينبغي لألخ السائل أن يسكن بيت ًا قريب ًا من هذه العجوز ليمكن‬
‫ربها وتتفقد أحواهلا‪ ،‬ولتستأنس هبا العجوز‪ .‬وإذا مل جيد بيتا قريب ًا‬
‫امرأته أن ت ّ‬
‫من بيت العجوز‪ ،‬فلتعدّ العجوز داخل بيتها حجرة مستقلة للمرأة وزوجها‬
‫للجمع بني املصلحتني‪ :‬اجتناب الفتنة مهام أمكن مع رعاية العجوز من‬
‫َم َر ًجا * َو َي ْرزُ ْق ُه ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث َل‬ ‫قريب‪ .‬قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َم ْن َيت َِّق اهلل َ ْ‬
‫َي َع ْل َل ُه َ ْ‬
‫‪51‬‬

‫ب َو َم ْن َيت ََوك َّْل َع ََل اهلل َف ُه َو َح ْا ُب ُه إِ َّن اهلل َبالِغُ َأ ْم ِر ِه َقدْ َج َع َل اهلل لِك ُِّل‬ ‫َ ِ‬
‫ُيتَا ُ‬
‫ْ‬
‫َشء َقدْ ًما﴾ [الطالق‪ .]3 ،1 :‬واهلل تعاىل أعلم بالصواب‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫وقد سألت فضيلة شيخنا أبا عبد الرمحن عبد الرقيب الكوكباين ‪-‬‬
‫حفظه اهلل‪ -‬عن هذه املسألة بالذات فكتب اجلواب قائالً‪ :‬هل تستطيع هذه‬
‫العجوز أن هتيء للزوج حجرة ختصه وزوجته بحيث يستطيع الولوج يوميا‬
‫إىل زوجته بدون حرج ؟ فنعم إذن‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫الباب الخامس‪ :‬حكم مشاركة رج ٍل في مجموعة الوتااب‬


‫الخاصة بالنااء‬

‫سؤال‪ :‬أحد املدرسني أنشأ جمموعة وتساب خاصة بالنساء‬


‫يتحدث عن فقه النساء‪ ،‬فليس فيها رجل إال هذا األستاذ‪ .‬فام حكم ذل ؟‬
‫اجلواب‪ :‬هذا باب فتنة عظيمة ألن طبع الرجل يميل إىل املرأة‬
‫وكذل العكس‪.‬‬
‫عن أسامة بن زيد ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ‬
‫يقول‪« :‬ما تركت بعدي فتنة أرض عَل الرجال من النااء»‪( .‬أخرجه البخاري‬
‫(‪ )5070‬ومسلم (‪.))1010‬‬
‫وسدّ ذريعة الفتن واجب‪.‬‬
‫وقد أرسلت سؤال إىل بعض املشايخ‪ :‬السالم عليكم ورمحة اهلل‬
‫وبركاته ‪ .‬حياكم اهلل يا شيخنا الكريم ‪ .‬عندنا سؤال مهم وهو‪ :‬أحد‬
‫املدرسني أنشأ جمموعة واتسب خاصة بالنساء يتحدث عن فقه النساء‪،‬‬
‫فليس فيها رجل إال هذا األستاذ ‪ .‬فام حكم ذل ؟‬
‫فأجاب شيخنا عبد الرقيب الكوكباين ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬الذي أنصح‬
‫به هو ترك هذا العمل ألنه حيوي حماذير عدة منها أنه قد يفتن بام يكون بني‬
‫النساء من حوار جانبي عىل خلفية اتكاهلن عىل أهنن إنام يتحدثن يف جملس‬
‫‪52‬‬

‫نسوي خاص ‪ ،،،،‬ومنها أنه خيشى اطالع أولياء أمورهن عىل احلقيقة‬
‫فيتهمونه بالتسلل إىل أعراضهم باخلديعة ‪ ،،،،‬ومنها أن هذا متويه وتدليس‬
‫ال تدعو إليه رضورة فبإمكانه أن جيعل امرأته مرشفة املجموعة وترجع إليه‬
‫فيام أشكل إلفادهتن وأمور أخرى يدركها اللبيب عند التأمل‪.‬‬
‫وأجاب شيخنا طارق البعداين ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬ال ينبغي له ‪.‬وهذا‬
‫فتح باب فتنة له ‪.‬ولكن زوجته هي التي ختاطب وتناقش النساء ان كان‬
‫ً‬
‫اهال للتعليم ‪.‬وهو يسجل الدروس وترسلها زوجته‪.‬‬
‫وأجاب شيخنا منصور األديبي ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬القاعدة الرشعية ىف‬
‫اهلل‬ ‫هذه املسألة فيام خيتص بالنساء بشكل عام مقيد بالرضورة حفظ‬
‫والتوسع يف هذه املسائل غري حممود والنفوس ضعيفة وفق اهلل‪.‬‬
‫وقد سئل شيخنا فتح القديس ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬ملا كنا يف مسجد الفتح‬
‫بصنعاء‪ :‬ما حكم اشرتاك الرجل يف جمموعة النساء يف وتساب؟‬
‫فأجاب ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬هذا ال جيوز ألنه باب الفتنة عىل الرجل وعىل‬
‫النساء‪.‬‬
‫وقد سئل أيض ًا ‪-‬حفظه اهلل‪ -‬يف هذه األيام كام نقله أصحاب‬
‫جمموعة "ملتقى طالب وأحباب دماج"‪ :‬ما حكم املرأة األجنبية تدخل يف‬
‫جمموعة حق الرجال عرب وتساب؟‬
‫‪53‬‬

‫فأجاب ‪-‬حفظه اهلل‪ :-‬املرأة ال ختتلط بالرجال يف املجموعات‪ .‬هذا‬


‫من الفتنة‪.‬‬
‫‪54‬‬

‫الباب الاادس‪ :‬ال يجوز سفر المرأة بال محرم‬

‫إن اهلل تعاىل قد رشع هذا الدين كام ً‬


‫ال ملصالح عباده‪ ،‬وقد كتب اهلل‬
‫أعراضهن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أنفسهن وصيانة‬
‫ّ‬ ‫عىل الرجال مصاحبة حمارمهم لسالمة‬

‫الفصل األول‪ :‬أدلة تحريم سفر المرأة بال محرم‬


‫من أدلة التحريم‪ :‬حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه‪ :‬عن النبي ﷺ‬
‫قال‪« :‬ل ُيل إلمرأة تؤمن باهلل واليو اْخر تاافر مارية يو وليلة إل مِ‬
‫ذي احر »‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )2022‬ومسلم (‪.))2337‬‬
‫قال أبو الوليد الباجي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬قوله ﷺ‪« :‬ل ُيل لمرأة تؤمن‬
‫باهلل واليو اْخر» بمعنى التغليظ‪ ،‬يريد أن خمالفة هذا ليست من أفعال من‬
‫يؤمن باهلل وخياف عقوبته يف اآلخرة ‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬أن تاافر مارية يو وليلة‬
‫إل مِ ذي احر » يريد ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬ألن املرأة فتنة‪ ،‬وانفرادها سبب‬
‫للمحظور ؛ ألن الشيطان جيد السبيل بانفرادها فيغري هبا ويدعو إليها‪.‬‬
‫وحيتمل قوله ﷺ «إل مِ ذي احر » معنيني أحدمها‪ :‬أن ال تسافر هذه املسافة‬
‫مع إنسان واحد إال أن يكون ذا حمرم منها؛ ألنه مأمون عليها‪ .‬واملعنى الثاين‪:‬‬
‫أن ال تنفرد يف مثل هذا السفر دون ذي حمرم منها ؛ ْلنه ُيفظها وَيري إىل‬
‫‪55‬‬

‫صيانتها ِلا مكب يف طباع أكثر الناس من الغرية عَل ذوي احاممهم واْلمية‬
‫َلم‪"( .‬املنتقى رشح املوطأ"‪/ 1/‬ص‪.)131‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬وحكمته ظاهرة‪ ،‬فإن‬
‫ذب عنه(‪ ،)21‬واملرأة معرضة يف السفر للصعود‬
‫النساء حلم عىل مو مضم إال ما ّ‬

‫(‪ )21‬قال احلافظ العراقي –رمحه اهلل‪ :-‬قال النبي صىل اهلل عليه وسلم ( النساء حلم عىل‬
‫وضم )‪ .‬قلت‪ :‬غريب مرفوع ًا‪ .‬ورواه ابن املبارك موقوف ًا عىل عمر بن اخلطاب من حديث‬
‫حممد بن عمرو ابن علقمة عن حييى بن عبد الرمحن بن حاطب عن أبيه عن عمر بن‬
‫اخلطاب قال‪ :‬إنام النساء حلم عىل وضم إال ما ذب عنه فخذوا عىل أيدي نسائكم حتى‬
‫يبرص الشاب موضع قدميه انتهى‪.‬‬
‫وكذل رواه أبو عبيد القاسم بن سالم يف كتابه غريب احلديث بالسند واملتن‬
‫وقال الوضم ما يوضع عليه اللحم من خشبة أو بارية أو غري ذل كأنه يقول النساء يف‬
‫الضعف كاللحم املوضوع عىل الوضم الذي ال يمتنع من أحد إال أن يذب عنه‪.‬‬
‫‪56‬‬

‫وكذل رواه أبو بكر الفريايب يف سننه‪.‬‬


‫(انتهى من "ختريج أحاديث الكشاف" ‪/‬للعراقي‪/3/‬ص ‪.)330‬‬
‫الو مضم ‪ ( :‬هذا رشح األصمعي كام ذكر اهلروي )‬
‫وقال ابن األثري –رمحه اهلل‪ :‬م‬
‫اخلم مشبة أو ال مبارية التي ُي م‬
‫وضع عليه اللحم تمقيه من األرض –إىل أن قال‪ :-‬قال صاحب‬
‫"املصباح"‪ [ :‬الض ْعف بفتح الضاد يف لغة متيم ‪ .‬وبضمها يف لغة قريش ] ) ُ‬
‫مثل ذل‬
‫اللحم الذي ال يمتمنع عىل ٍ‬
‫أحد إال أن ُي مذب عنه و ُيدْ مف مع‪.‬‬ ‫م‬
‫وشبه به النساء ألن من عادة‬ ‫الو مضم م‬ ‫اللحم عىل م‬ ‫م‬ ‫قال األزهري ‪ :‬إنام مخص‬
‫العرب إذا ن ك‬
‫ُحر مبعري جلامعة ميقتمسمون محلمه أن مي ْق مل ُعوا مش مجر ًا ( يف اهلروي ‪ [ :‬مشجر ًا‬ ‫م‬
‫وضع عليه ثم ُي ْل مقى محل ُمه عن م‬
‫عُراقه‬ ‫اللحم و ُي م‬
‫ُ‬ ‫بعضه عىل بعض و ُي معَّض‬‫وضم ُ‬ ‫كثري ًا ] ) و ُي م‬
‫فشبه عُمر النكسا مء وقل مة‬ ‫الو مضم إىل مب ْيتكه ومل مي ْع كرض له أحد ‪ .‬م‬ ‫ٍ ك‬
‫و ُي مقط كل واحد ق ْسمه عن م‬
‫الو مضم‪.‬‬ ‫ك‬
‫امتناعه ّن عىل ُط ك‬
‫الهب ّن من الرجال باللحم ما دا مم عىل م‬
‫(انتهى من "النهاية يف غريب األثر" ‪ /5/‬ص‪.)131‬‬
‫وقد أفادين شيخنا عبد الرقيب الكوكباين –حفظه اهلل‪ -‬أن أثر عمر منقطع‪.‬‬
‫ومع ذل فاملعنى صحيح‪ ،‬والواقع يدل عىل ذل ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن العريب –رمحه اهلل‪ :-‬النساء حلم عىل وضم كل أحد يشتهيهن‬
‫وهن ال مدفع عندهن بل االسرتسال فيهن أقرب من االعتصام فحصن اهلل عليهن‬
‫باحلجاب –إىل أن قال‪ -:‬وباعد األشباح إال مع من يستبيحها وهو الزوج أو يمنع منها‬
‫وهو أولو املحارم وملا مل يكن بد من ترصفهن أذن هلن فيه برشط صحبة من حيميهن وذل‬
‫يف مكان املخالفة وهو السفر مقر اخللوة ومعدن الوحدة‪"( .‬فيض القدير رشح اجلامع‬
‫الصغري" ‪/‬للمناوي‪/0/‬ص ‪.)372‬‬
‫‪57‬‬

‫والنزول والربوز‪ ،‬حمتاجة إىل من يعاجلها‪ ،‬ويمس بدهنا‪ ،‬حتتاج هي ومن معها‬
‫من النساء إىل قيم يقوم عليهن‪ ،‬وغري املحرم ال يؤمن ولو كان أتقى الناس؛‬
‫فإن القلوب رسيعة التقلب‪ ،‬والشيطان باملرصاد‪ ،‬وقد قال النبي ‪ -‬ﷺ ‪:-‬‬
‫«ما خَل مجل بامرأة إل كان الشيِطان ثالثهم»(‪ .) 21‬قال أمحد ‪ -‬يف رواية‬
‫األثرم‪ :‬ال حتج املرأة إال مع ذي حمرم؛ ألن رسول اهلل ‪ -‬ﷺ ‪« -‬هن أن حتج‬
‫اِلرأة إل مِ ذي احر » ‪.‬‬
‫وليس يشبه أمر احلج احلقوق التي جتب عليها؛ ألن احلقوق الزمة‬
‫واجبة مثل احلدود وما أشبهها‪ ،‬وأمر النساء صعب جدا؛ ألن النساء بمنزلة‬
‫اليشء الذي يذب عنه‪ ،‬وكيف تستطيع املرأة أن حتج بغري حمرم؟ فكيف‬
‫بالضيعة وما خياف عليها من احلوادث؟!‬
‫وال جيوز هلا أن تسافر بغري حمرم إال يف اهلجرة؛ ألن الذي هترب منه‬
‫رش من الذي ختافه عىل نفسها‪ ،‬وقد خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن أيب معيط‪،‬‬
‫وغريها من املهاجرات بغري حمرم‪ ،‬ويف حضور جملس احلاكم؛ ألنه رضورة‬
‫خياف منه أن يضيع حق املدعي‪ ،‬ويف التغريب ألنه حد قد وجب عليها‪.‬‬

‫(‪ )21‬صحيح‪ ،‬أخرجه ابن املبارك كام يف مسند له (‪ )111‬واإلمام أمحد (‪ )200‬والرتمذي‬
‫(‪ )1205‬عن عمر –ريض اهلل عنه‪ -‬مرفوع ًا‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫(انتهى من "رشح عمدة الفقه البن تيمية" ‪/‬من كتاب الطهارة واحلج ‪/1/‬‬
‫ص‪.)202‬‬
‫فوجود املحرم للمرأة إجياب من اهلل تعاىل عىل لسان رسوله ﷺ يف‬
‫سفرهن‪ ،‬حلكمة عظيمة‪.‬‬
‫ّ‬

‫الفصل الثاني‪ :‬هذه األدلة عامة تشمل جميع أنواع السفر‪ ،‬منها‪ :‬سفر‬
‫الحج‬
‫إن هذه األدلة املذكورة يف املوضوع عا ّمة تشمل مجيع أنواع السفر‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬فاحلاصل أن كل ما يسمى سفرا‬
‫تنهى عنه املرأة بغري زوج أو حمرم سواء كان ثالثة أيام أو يومني أو يوم ًا أو‬
‫بريد ًا أو غري ذل لرواية ابن عباس املطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة‪:‬‬
‫«ل تاافر امرأة إل مِ ذي احر »‪ ،‬وهذا يتناول مجيع ما يسمى سفر ًا‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪"( .‬املنهاج"‪ /‬للنووي ‪/7/‬ص‪.)201-203‬‬
‫وال فرق بني أن تكون املرأة شا ّبة أم عجوز ًا‪ ،‬حسناء أم قبيحة‪ ،‬معها‬
‫مجع من النسوة أم ال‪ ،‬آمنة أم غري آمنة‪ ،‬لعموم الدليل‪ ،‬وألننا ال ندري ما‬
‫الرش متام ًا رمحة لعباده‪ ،‬لو كانوا‬
‫حيدث بعدُ ‪ ،‬فسدّ اهلل تعاىل باب الفتنة وذريعة ّ‬
‫يفهمون‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫قال اإلمام حممد بن إسامعيل الصنعاين ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ثم احلديث عام‬
‫للشابة والعجوز‪ .‬وقال مجاعة من األئمة‪ :‬جيوز للعجوز السفر من غري حمرم‪.‬‬
‫وكأهنم نظروا إىل املعنى فخصصوا به العموم‪ .‬وقيل‪ :‬ال خيصص بل العجوز‬
‫كالشابة‪ .‬وهل تقوم النساء الثقات مقام املحرم للمرأة؟ فأجازه البعض‬
‫مستدالً بأفعال الصحابة وال تنهض حجة عىل ذل ؛ ألنه ليس بإمجاع وقيل‪:‬‬
‫جيوز هلا السفر إذا كانت ذات حشم واألدلة ال تدل عىل ذل ‪"( .‬سبل‬
‫السالم" ‪/2/‬ص ‪.)002‬‬
‫وقال اإلمام ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪ّ :-‬‬
‫فكل ما يطلق عليه اسم سفر‬
‫فإنه ال جيوز للمرأة أن تسافر إال مع ذي حمرم خوف ًا عليها من الفتنة والرش‬
‫والبالء‪ .‬ثم ذكر املؤلف حديث أيب هريرة وابن عباس ريض اهلل عنهم فيام‬
‫يدل عىل أنه حيرم أن تسافر املرأة بال حمرم‪ .‬وظاهر احلديث أنه ال فرق بني‬
‫املرأة الشابة والكبرية واحلسناء والقبيحة ومن معها نساء ومن ال نساء معها‬
‫ومن هي آمنة وغري آمنة‪ .‬فاحلديث عام‪ .‬وإذا قدر أن يوجد يف سفر من‬
‫ال يوجد يف كل سفر‪ .‬وملا كانت املسألة‬ ‫األسفار السالمة يقين ًا فإن ذل‬
‫خطرية منعت املرأة منع ًا بات ًا من السفر بال حمرم‪.‬‬
‫وقد هتاون بعض الناس اليوم يف السفر بال حمرم والسيام يف سفر‬
‫الطائرة وكذل النقل اجلامعي‪ ،‬وهذا غلط وهتاون يف طاعة اهلل ورسوله‪ .‬فال‬
‫‪61‬‬

‫حيل للمرأة أن تسافر بال حمرم ولو بالطائرة‪ ،‬حتى لو كان حمرمها سيشيعها إىل‬
‫ال جيوز‪،‬‬ ‫أن تركب الطائرة وحمرمها الثاين يقابلها يف البلد اآلخر فإن ذل‬
‫ألننا مهام قدرنا من السالمة فإنه من يركب إىل جنب هذه املرأة؟ ألن النساء‬
‫اآلن يف الطائرة ال يفرق بينهم وبني الرجال‪ :‬جتد املرأة إىل جانب الرجل‪ .‬هلذا‬
‫نقول إنه حيرم عىل املرأة أن تسافر بال حمرم يف الطائرة أو السيارة أو اجلمل أو‬
‫احلامر أو األرجل‪ ،‬كل ذل حرام‪.‬‬
‫(انتهى من "رشح رياض الصاحلني" ‪/1/‬ص‪.)017-012‬‬
‫احلج فإنه داخل حتت عموم األدلة‪.‬‬
‫وكذل يف سفر ّ‬
‫قال اإلمام الصنعاين ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬واختلفوا يف سفر احلج الواجب‬
‫فذهب اجلمهور إىل أنه ال جيوز للشابة إال مع حمرم‪ ،‬ونقل قوال عن الشافعي‬
‫أهنا تسافر وحدها إذا كان الطريق آمن ًا‪ .‬ومل ينهض دليله عىل ذل ‪ .‬قال ابن‬
‫دقيق العيد‪ :‬إن قوله تعاىل‪﴿ :‬وهلل عَل الناس حج البيت﴾ [آل عمران‪]70 :‬‬
‫عموم شامل للرجال والنساء‪ .‬وقوله‪« :‬ل تاافر اِلرأة إل مِ ذي احر » عموم‬
‫لكل أنواع السفر فتعارض العمومان‪ ،‬وجياب بأن أحاديث‪« :‬ل تاافر اِلرأة‬
‫للحج إل مِ ذي احر » خمصص لعموم اآلية‪"( .‬سبل السالم" ‪/2/‬ص‬
‫‪.)002‬‬
‫‪61‬‬

‫يقوي ذل حديث ابن عباس ريض اهلل عنهام‪ ،‬أنه‪ :‬سمع النبي‬
‫ومما ّ‬
‫ﷺ يقول‪« :‬ل َيلون مجل بامرأة‪ ،‬ول تاافرن امرأة إل ومعها احر »‪ ،‬فقام‬
‫رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اكتتبت يف غزوة كذا وكذا‪ ،‬وخرجت امرأيت‬
‫حاجة‪ ،‬قال‪« :‬اذهب فحج مِ امرأتك»‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )3000‬ومسلم‬
‫(‪.))2312‬‬
‫الغزوة فصارت واجبة عينية‬ ‫إن هذا الصحايب معني عليه يف تل‬
‫ألغى النبي ﷺ وجوب اجلهاد عنه من أجل سفر امرأته‬ ‫عليه‪ ،‬ومع ذل‬
‫للحج‪ .‬فهذا ّ‬
‫يدل عىل تأكيد حتم وجود املحرم مع املرأة يف احلج‪.‬‬ ‫ّ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬فهذه نصوص من النبي‬
‫ﷺ يف حتريم سفر املرأة بغري حمرم‪ ،‬ومل خيصص سفرا من سفر‪ ،‬مع أن سفر‬
‫احلج من أشهرها وأكثرها‪ .‬فال جيوز أن يغفله‪ ،‬وهيمله ويستثنيه بالنية من غري‬
‫لفظ‪ ،‬بل قد فهم الصحابة منه دخول سفر احلج يف ذل ملا سأله ذل الرجل‬
‫عن سفر احلج‪ ،‬وأقرهم عىل ذل ‪ ،‬وأمره أن يسافر مع امرأته‪ ،‬ويرتك اجلهاد‬
‫الذي قد تعني عليه باالستنفار فيه‪ ،‬ولوال وجوب ذل مل جيز أن خيرج سفر‬
‫احلج من هذا الكالم‪ ،‬وهو أغلب أسفار النساء‪ ،‬فإن املرأة ال تسافر يف اجلهاد‪،‬‬
‫وال يف التجارة غالب ًا‪ ،‬وإنام تسافر يف احلج‪ ،‬وهلذا جعله النبي ﷺ جهادهن‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫وقد أمجع املسلمون عىل أنه ال جيوز هلا السفر إال عىل وجه يؤمن فيه‬
‫البالء‪ ،‬ثم بعض الفقهاء ذكر كل منهم ما اعتقده حافظ ًا هلا وصاينا‪ ،‬كنسوة‬
‫ثقات‪ ،‬ورجال مأمونني‪ ،‬ومنعها أن تسافر بدون ذل ‪ .‬فاشرتاط ما اشرتطه‬
‫اهلل ورسوله أحق وأوثق‪.‬‬
‫(انتهى من "رشح عمدة الفقه البن تيمية" ‪/‬من كتاب الطهارة واحلج ‪/1/‬‬
‫ص‪.)200-201‬‬
‫وقال القايض بدر الدين العيني ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ذكر ما يستفاد منه فيه‪:‬‬
‫أن املرأة ال تسافر إال مع ذي حمرم‪ ،‬وعموم اللفظ يتناول عموم السفر‪،‬‬
‫فيقتيض أن حيرم سفرها بدون ذي حمرم معها‪ ،‬سواء كان سفرها قليال أو كثريا‬
‫للحج أو لغريه‪ ،‬وإىل هذا ذهب إبراهيم النخعي والشعبي وطاووس‬
‫والظاهرية‪ ،‬واحتج هؤالء أيضا فيام ذهبوا إليه بحديث أيب هريرة أن رسول‬
‫اهلل قال‪« :‬ل تاافر اِلرأة إل ومعها ذو احر »‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬داللة عىل أن حج الرجل مع امرأته إذا أرادت حجة اإلسالم‬
‫أوىل من سفره إىل الغزوة لقوله ﷺ‪« :‬اخرج معها»‪ ،‬يعني إىل احلج‪ ،‬مع كونه‬
‫قد كتب يف الغزو‪ .‬وفيه‪ :‬داللة عىل اشرتاط املحرم يف وجوب احلج عىل املرأة‪.‬‬
‫(انتهى من "عمدة القاري" ‪/20/‬ص‪.)111-112‬‬
‫‪63‬‬

‫وقال اإلمام ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ومل يستفصله النبي ﷺ هل‬
‫كان معها نساء أم ال؟ وال هل كانت شابة مجيلة أم ال؟ وال هل كانت آمن ًة أم‬
‫ُ‬
‫صون املرأة عن الرش‬ ‫ال؟ واحلكمة يف منع املرأة من السفر بدون حمرم‬
‫والفساد‪ ،‬ومحايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن املرأة قارصة يف عقلها‬
‫مطمع الرجال‪ ،‬فربام ُختدع أو تُقهر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وتفكريها والدفاع عن نفسها‪ ،‬وهي‬
‫فكان من احلكمة أن ُمتنع من السفر بدون حمرم ُحيافظ عليها ويصوهنا؛‬
‫حرم بالغ ًا عاقالً‪ ،‬فال يكفي املحرم الصغري أو‬ ‫ولذل ُيشرتط أن يكون ا ممل م‬
‫كر محتر ُم عليه حتري ًام مؤبد ًا بقراب ٍة‪ ،‬أو‬
‫حر ُم زوج املرأة‪ ،‬وكل مذ ٍ‬
‫املعتوه‪ .‬وا ممل م‬
‫رضاع‪ ،‬أو مصاهرة‪"( .‬جمموع فتاوى ورسائل العثيمني" ‪/11/‬ص ‪.)152‬‬
‫وقال ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف رشح‪« :‬ل َيلون مجل بامرأة إل ومعها ذو‬
‫احر ‪ ،‬ول تاافر اِلرأة إل مِ ذي احر » فقام رجل فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن‬
‫امرأيت خرجت حاجة وإين اكتتبت يف غزوة كذا وكذا‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬ﷺ ‪:-‬‬
‫«انِطلق فحج مِ امرأتك»‪ .‬فأطلق النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬النهي عن سفر املرأة بدون‬
‫حمرم‪ ،‬ومل يقيده بسفر دون سفر‪ ،‬وال بامرأة دون أخرى‪ ،‬وال بحال دون حال‪،‬‬
‫ومل يستفصل الرجل عن امرأته‪( .‬انتهى من "جمموع فتاوى ورسائل‬
‫العثيمني" ‪/11/‬ص ‪.)111‬‬
‫‪64‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ال يجوز السفر مع المحرم المؤقت‬


‫هل جيوز سفر املرأة مع من حترح عليه مؤ ّقت ًا؟‬
‫ال‪ ،‬بل املراد يف تل األدلة‪ :‬حمرم مؤ ّبد‪ ،‬ال املحرم املؤ ّقت الذي يف‬
‫الغالب حتصل شهوة النكاح بينه وبينها‪.‬‬
‫عن عقبة بن عامر ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إياكم‬
‫والدخول عَل النااء» فقال رجل من األنصار‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أفرأيت احلمو؟‬
‫قال‪« :‬اْلمو اِلوت»‪( .‬أخرجه البخاري (‪ )5131‬ومسلم (‪.))1201‬‬
‫وعن أسامة بن زيد ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ‬
‫يقول‪« :‬ما تركت بعدي فتنة أرض عَل الرجال من النااء»‪( .‬أخرجه البخاري‬
‫(‪ )5070‬ومسلم (‪.))1010‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ال يأمنن عىل النساء أخ أخا * ما يف الرجال عىل النساء أمني‬
‫إن األمني وإن حتفظ جهده * ال بد أن بنظرة سيخون‬
‫(كام يف "الفروع وتصحيح الفروع" ‪/‬للمرداوي‪ /2/‬ص‪.)321‬‬
‫وقال اإلمام ابن قدامة ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬وال حيل اخللوة بأجنبية ولو كان‬
‫يف تعليمها القرآن‪"( .‬املغني" ‪/‬البن قدامة‪.)525/ 0/‬‬
‫فال جيوز أن يكون حمرم ًا للمرأة يف السفر إال ما كان حمرم ًا مؤبد ًا‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف املراد باملحرم يف سفر‬
‫النساء‪ :‬هو زوجها ومن حترم عليه عىل التأبيد بنسب‪ ،‬أو سبب مباح‪ .‬وتسمية‬
‫الزوج حمرما متس بقوله‪« :‬ل تاافر اِلرأة إل مِ احر »‪ .‬ويف أكثر الروايات‬
‫يسم‬
‫«ذو احر »‪ .‬ومعلوم أهنا تسافر مع الزوج‪ ،‬فيتناوله اسم حمرم‪ ،‬وربام مل ّ‬
‫حمرم ًا عىل ما جاء يف أكثر الروايات‪« :‬إل ومعها زوجها‪ ،‬أو ذو احر منها»‪.‬‬
‫("رشح عمدة الفقه البن تيمية" ‪/‬من كتاب الطهارة واحلج ‪/1/‬ص‬
‫‪.)220‬‬
‫وقال اإلمام ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬واملحرم هو من حترم عليه‬
‫حتري ًام مؤبد ًا بنسب أو مصاهرة أو رضاعة‪"( .‬رشح رياض الصاحلني"‬
‫‪/1/‬ص‪.)017‬‬
‫فإذا كان هذا النوع من املحرم الذي ع ّينه الرشع ال جيوز أن يكون‬
‫حمرم ًا هلا يف السفر‪ ،‬فكيف برجل أجنبي ع ّينه ويل األمر حمرم ًا هلا مؤ ّقت ًا؟ فهذا‬
‫النص والقياس‪.‬‬ ‫من باب أوىل باملنع والتحريم ملخالفته ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫ين َآ َمنُوا َأطي ُعوا اهلل َو َأطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َأ ه َُّيا ا َّلذ َ‬
‫ويل ْاْلَم ِر ِمنْكُم َفإِ ْن َتنَازَ ْعتُم ِيف ََشء َفر هدو ُه إِ َىل اهلل َوالرس ِ‬
‫ول إِ ْن ُكنْت ُْم‬ ‫َو ُأ ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك َخ ْ ٌري َو َأ ْح َا ُن ت َْأ ِو ًيَل﴾‪] .‬سورة النساء‪.[57 :‬‬ ‫ُون بِاهلل َوا ْل َي ْو ِ ْاَْ ِخ ِر َذلِ َ‬
‫ت ُْؤ ِمن َ‬
‫‪66‬‬

‫فيها دليل عىل وجوب طاعة والة األمور يف املعروف‪ ،‬ال يف معصية‬
‫اهلل‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن كثري ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬والظاهر ‪-‬واهلل أعلم‪-‬أن اآلية يف‬

‫مجيع أويل األمر من األمراء والعلامء‪ ،‬كام تقدم‪ .‬وقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ل ْول َين َْه ُ‬
‫اه ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر َّبانِ هي َ‬
‫ت﴾ (‪ .) 22‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫اْلح َب ُام َع ْن َق ْوَل ُم اإل ْث َم َو َأكْل ِه ُم ه‬
‫الا ْح َ‬ ‫ون َو ْ‬ ‫َّ‬
‫ون﴾(‪ .)23‬ويف احلديث الصحيح املتفق‬ ‫اس َأ ُلوا َأ ْه َل ِّ‬
‫الذ ْك ِر إِ ْن ُكنْت ُْم ل َت ْع َل ُم َ‬ ‫﴿ َف ْ‬
‫عليه‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن رسول اهلل ‪-‬صىل اهلل عليه وعىل آله وسلم‪ -‬أنه‬

‫(‪ )22‬سورة املائدة‪.)03( :‬‬


‫(‪ )23‬سورة النحل‪.)13( :‬‬
‫‪67‬‬

‫قال‪« :‬من أطاعني فقد أطاع اهلل‪ ،‬ومن عصاين فقد عصا اهلل‪ ،‬ومن أطاع أمريي‬
‫فقد أطاعني‪ ،‬ومن عصا أمريي فقد عصاين»(‪.)24‬‬
‫﴿أطِي ُعوا اهلل﴾‬
‫فهذه أوامر بطاعة العلامء واألمراء‪ ،‬وهلذا قال تعاىل‪َ :‬‬

‫ول﴾ أي‪ :‬خذوا بسنته ﴿ َو ُأ ِ‬ ‫ِ‬


‫اْلم ِر‬
‫ويل ْ‬ ‫أي‪ :‬اتبعوا كتابه ﴿ َو َأطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬
‫ِمنْك ُْم﴾ أي‪ :‬فيام أمروكم به من طاعة اهلل ال يف معصية اهلل‪ ،‬فإنه ال طاعة‬
‫ملخلوق يف معصية اهلل‪ ،‬كام تقدم يف احلديث الصحيح‪« :‬إنم الِطاعة يف‬
‫اِلعروف» (‪ .) 25‬انتهى‪").‬تفسري القرآن العظيم" ‪/1/‬ص ‪/321‬ط‪ .‬دار‬
‫احلديث)‪.‬‬
‫اس مت ْع مم مل مر ُج ً‬
‫ال‬ ‫رسي ًة مف ْ‬‫مع ْن مع ك ٍّىل رىض اهلل عنه مق مال‪ :‬مب مع مث النبكى ﷺ م ك‬
‫ك‬ ‫ك‬ ‫ك‬
‫ب مف مق مال‪ :‬مأ مل ْي مس مأ مم مرك ُُم النبكي ﷺ مأ ْن‬ ‫م من األمن مْص كار‪ ،‬مو مأ مم مر ُه ْم مأ ْن ُيطي ُعو ُه‪ ،‬مف مغض م‬
‫امج ُعوا كىل مح مط ًبا‪ .‬مف مج مم ُعوا‪ ،‬مف مق مال‪ :‬مأ ْو كقدُ وا ن ًمارا‪.‬‬ ‫وين‪ .‬مقا ُلوا‪ :‬مب مىل‪ .‬مق مال مف ْ م‬ ‫تُطكي ُع ك‬

‫وها‪ .‬مف مهموا‪ ،‬مو مج مع مل مب ْع ُض ُه ْم ُي ْم كس ُ مب ْع ًضا‪ ،‬مو مي ُقو ُلو من‪:‬‬ ‫وها‪ ،‬مف مق مال‪ :‬ا ْد ُخ ُل م‬ ‫مف مأ ْو مقدُ م‬
‫ك‬ ‫ك‬
‫من مغ مض ُب ُه‪ ،‬مف مب مل مغ‬‫مف مر ْرنما إك مىل النبي ﷺ م من الن كار‪ .‬مف مام مزا ُلوا محتى ممخمدم ت الن ُار‪ ،‬مف مسك م‬
‫اع ُة ِِف‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها َما َخ َر ُجوا من َْها إِ َىل َي ْو ِ ا ْلق َي َامة‪ ،‬ال َِّط َ‬‫النبكي ﷺ مف مق مال‪َ « :‬ل ْو َدخَ ُل َ‬
‫ا َِْلعر ِ‬
‫وف»‪( .‬أخرجه البخارى (‪ )1310‬ومسلم (‪.))2210‬‬ ‫ُْ‬

‫(‪ )24‬أخرجه البخاري (‪ )1750‬ومسلم (‪.)2235‬‬


‫(‪ )25‬عن عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪ ،‬أخرجه البخارى (‪ )1310‬ومسلم (‪.)2210‬‬
‫‪68‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪ :‬فأمر تعاىل بطاعته وطاعة رسوله‪،‬‬
‫وأعاد الفعل إعالم ًا بأن طاعة الرسول جتب استقالالً من غري عرض ما أمر‬
‫به عىل الكتاب بل إذا أمر وجبت طاعته مطلق ًا سواء كان ما أمر به يف الكتاب‬
‫أو مل يكن فيه‪ ،‬فإنه أويت الكتاب ومثله معه‪ .‬ومل يأمر بطاعة أويل األمر‬
‫استقالالً بل حذف الفعل وجعل طاعتهم يف ضمن طاعة الرسول إيذان ًا‬
‫بأهنم إنام يطاعون تبع ًا لطاعة الرسول‪ .‬فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت‬
‫طاعته‪ ،‬ومن أمر بخالف ما جاء به الرسول فال سمع له وال طاعة‪"( .‬إعالم‬
‫املوقعني" ‪/2/‬ص ‪.)12‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬شروط المحرم‬


‫يشرتط يف املحرم أن يكون بالغ ًا عاقالً‪ .‬فإن مل جتد املرأة هلا حمرم ًا‬
‫احلج‪ .‬هذا هو الصواب‪.‬‬ ‫بالغ ًا عاق ً‬
‫ال مل جيب عليها ّ‬
‫قال اإلمام ابن قدامة ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ويشرتط يف املحرم أن يكون بالغا‬
‫عاق ً‬
‫ال‪ .‬قيل ألمحد ‪ :‬فيكون الصبي حمرما قال ‪ :‬ال حتى حيتلم ألنه ال يقوم‬
‫ألن املقصود باملحرم حفظ املرأة وال‬ ‫بنفسه فكيف خيرج مع امرأة؟ وذل‬
‫حيصل إال من البالغ العاقل فاعترب ذل ‪"( .‬املغني" ‪/ 3/‬ص‪.)271‬‬
‫وقال اإلمام ابن مفلح ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬إذا كان بالغ ًا عاق ً‬
‫ال) ألن‬
‫الصبي واملجنون ال يقومان بأنفسهام‪ ،‬فكيف خيرجان مع غريمها‪ ،‬وألن‬
‫‪69‬‬

‫املقصود باملحرم حفظ املرأة وال حيصل ذل منهام‪"( .‬املبدع رشح املقنع" ‪1/‬‬
‫‪/‬ص‪.)201‬‬
‫وقال اإلمام منصور بن يونس البهويت احلنبيل ‪-‬رمحه اهلل‪( :-‬بالغ ًا‬
‫ال مسل ًام) فمن دون بلوغ واملجنون والكافر ليس حمرما ؛ ألن غري املكلف‬
‫عاق ً‬
‫ال حيصل به املقصود من احلفظ‪ّ "( .‬‬
‫كشاف القناع عن متن اإلقناع" ‪0/‬‬
‫‪/‬ص‪.)313‬‬
‫وقال اإلمام ابن عثيمني ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ويشرتط أن يكون املحرم‬
‫بالغ ًا عاقالً‪ ،‬فالصغري واملجنون ال يكفيان جلواز السفر معهام‪ .‬وعىل هذا فإذا‬
‫مل جتد املرأة حمرما مل جيب عليها احلج؛ ألهنا ال تستطيع إليه سبيال‪"( .‬جمموع‬
‫فتاوى ورسائل العثيمني" ‪/11/‬ص ‪.)111‬‬
‫‪71‬‬

‫الباب الاابع‪ :‬حكم الرقص بموسيقى للنااء في المكان‬


‫العا ّم‬

‫سؤال‪ :‬ما حكم الرقص بموسيقى للنساء يف املكان العا ّم؟‬


‫اجلواب مستعين ًا باهلل‪ :‬إن املوسيقى حرام‪ .‬عن أيب مال األشعري‬
‫ريض اهلل عنه عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬ليُشبن أناس من أمتي اْلمر ياموهنا‬
‫بغري اسمها ويرضب عَل مؤوسهم باِلعازف والقينات َياف اهلل ِبم‬
‫اْلمض وَيعل منهم القردة واْلنازير»‪( .‬أخرجه والطرباين يف "املعجم‬
‫(‪)26‬‬
‫الكبري" ‪/‬رقم (‪/)3127‬مطبعة الزهراء)‬

‫(‪ )26‬يف سنده عبد اهلل بن صالح‪ ،‬وهو لني احلديث‪ .‬وحاتم بن حريث هو الطائي احلميص‪،‬‬
‫يصلح للشواهد عىل األقل‪ .‬قال فيه ابن معني‪( :‬ال أعرفه) وقال فيه أبو حاتم‪( :‬شيخ)‪،‬‬
‫‪71‬‬

‫األشعري ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬أنه سمع النبي ﷺ‬ ‫وعن أيب مال‬
‫يقول‪« :‬ليكونن من أمتي أقوا ياتحلون اْلر واْلرير واْلمر واِلعازف‬
‫ولينزلن أقوا إىل جنب علم يروح عليهم باامحة َلم يأتيهم ‪ -‬يعني الفقري‬
‫‪ْ -‬لاجة فيقولوا‪ :‬امجِ إلينا غدا فيبيتهم اهلل ويضِ العلم ويماخ آخرين‬
‫قردة وخنازير إىل يو القيامة»‪( .‬رواه البخاري (كتاب األرشبة ‪/‬باب ما جاء‬
‫فيمن يستحل ‪/)5570(/ ...‬دار ابن اهليثم))‪.‬‬

‫فقد وثقه عثامن بن سعيد الدارمي‪ ،‬وقال ابن عدي‪( :‬أرجو انه ال بأس به)‪"( .‬هتذيب‬
‫التهذيب" ‪ /2/‬ص‪/311‬الرسالة)‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري يف "التاريخ الكبري" (رقم (‪/)700‬دار الكتب العلمية)‪،‬‬
‫ويف سنده اجلراح بن مليح احلميص‪ ،‬وفيه ضعف‪ .‬ويف سنده أيضا مبهم‪.‬‬
‫وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫قال الطرباين رمحه اهلل‪ :‬حدثنا عمرو بن أيب الطاهر بن الرسح املرصي ثنا سعيد‬
‫بن أيب مريم (ح) وحدثنا أبو حصني القايض ثنا حييى احلامين قاال ‪ :‬أنا عبد الرمحن بن‬
‫أسلم حدثني أبو حازم حدثني سهل بن سعد‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال ‪« :‬سيكون يف آخر‬
‫الزمان خاف وقذف وماخ» قيل‪ :‬ومتى ذل يا رسول اهلل؟ قال ‪« :‬إذا ظهرت املعازف‬
‫والقينات واستحلت اخلمر»‪"( .‬املعجم الكبري" ‪/)5220(/‬مطبعة الزهراء)‪.‬‬
‫عبد الرمحن بن أسلم جمهول‪ ،‬واْلديث حان لغريه‪ .‬وقال اإلمام األلباين رمحه‬
‫اهلل‪ :‬صحيح لغريه‪"( .‬صحيح الرتغيب والرتهيب" (‪/)1302‬املعارف)‪.‬‬
‫‪72‬‬

‫وأقوال علامء الشافعية ومجهور العلامء معروفة يف هذه املسألة أهنا‬


‫حرام‪.‬‬
‫قال اإلمام شيخ اإلسالم زكريا األنصاري الشافعي ‪-‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫والعجب كل العجب ممن هو من أهل العلم ويزعم أن الشبابة حالل وحيكيه‬
‫وجها يف مذهب الشافعي وال أصل له وقد علم أن الشافعي وأصحابه قالوا‬
‫بحرمة سائر أنواع املزامري والشبابة منها بل هي أحق من غريها بالتحريم فقد‬
‫قال القرطبي إهنا من أعىل املزامري وكل ما ألجله حرمت املزامري موجود فيها‬
‫وزيادة فتكون أوىل بالتحريم‪"( .‬أسنى املطالب" ‪/‬لألنصاري‪/11/‬ص‬
‫‪.)110‬‬
‫وقال اإلمام ابن الصالح الشافعي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬فليعلم أن الدف‬
‫والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستامع ذل حرام عند أئمة املذاهب وغريهم‬
‫من علامء املسلمني‪ .‬ومل يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله يف اإلمجاع واالختالف‬
‫أنه أباح هذا السامع‪ ،‬واخلالف املنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنام نقل‬
‫يف الشبابة منفرد ًا والدف منفرد ًا‪ .‬فمن ال حيصل أوال يتأمل ربام اعتقد فيه‬
‫وهم –إىل‬ ‫خالف ًا بني الشافعيني يف هذا السامع اجلامع هذه املالهي وذل‬
‫قوله‪ -:‬فإذا هذا السامع غري مباح بإمجاع أهل احلل والعقد من املسلمني‪.‬‬
‫("فتاوى اإلمام ابن الصالح" ‪/1/‬ص‪.)07‬‬
‫‪73‬‬

‫بل استخدام املوسيقى ليس باحلرام املجرد‪ ،‬بل هو من الكبائر ألن‬


‫املنهي عنه املتوعد بالوعيد بالعذاب يدل عىل أنه من الكبائر‪.‬‬
‫قال ابن حجر ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ومن أحسن التعاريف قول القرطبي يف‬
‫"املفهم"‪ :‬كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إمجاع أنه كبرية‪ ،‬أو‬
‫عظيم‪ ،‬أو أخرب فيه بشدة العقاب‪ ،‬أو علق عليه احلدّ ‪ ،‬أو شدّ د النكري عليه؛‬
‫فهو كبرية‪"( .‬فتح الباري" ‪/21/‬ص ‪.)221‬‬
‫ثم إن الرقص سبب لظهور أوصاف اجلسد‪ ،‬مع أن مجيع جسد املرأة‬
‫عورة‪.‬‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬عن النبي ﷺ قال ‪« :‬اِلرأة‬
‫عومة فإذا خرجت استُشفها الشيِطان وأقرب ما تكون من مِبا إذا هي يف‬
‫قعر بيتها»‪( .‬أخرجه ابن أيب شيبه (‪ )0020‬والرتمذي (‪ )2203‬والطرباين‬
‫يف الكبري (‪ )7122‬وابن خزيمة (‪ )2075‬وابن حبان (‪ /)5577‬حديث‬
‫صحيح)‪.‬‬
‫النسوة قد احتجبن بحجاب رشعي‪ ،‬ولكن كثرة‬ ‫فلعل تل‬
‫حرام ومن‬ ‫حتركاهتن يف الرقص تسبب ظهور أوصاف عرواهتن‪ ،‬وذل‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫‪74‬‬

‫عن أيب هريرة ‪-‬ريض اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬صنفان‬
‫من أهل النام ل أممها قو معهم سياط كأذناب البقر يرضبون ِبا الناس‪،‬‬
‫ونااء كاسيات عاميات ِميَلت مائَلت مؤسهن كأسنمة البخت اِلائلة ل‬
‫يدخلن اجلنة ول َيدن مُيها وإن مُيها ليوجد من مارية كذا وكذا»‪.‬‬
‫(أخرجه مسلم (‪.))1212‬‬
‫وهن يتاميلن يمنة ويرسة‬
‫ّ‬ ‫وهن يف أماكن مكشوفة ألنظار الرجال‪،‬‬
‫ّ‬
‫احلديث‪:‬‬ ‫وقدام ًا وخلف ًا‪ ،‬فرصن فتنة متيل بقلوب الرجال‪ ،‬كام يف ذل‬
‫«ِميَلت مائَلت»‪.‬‬
‫يل ا ْذك ُُروا ن ِ ْع َمتِ َي‬
‫ِسائِ َ‬ ‫ِ‬
‫وقد قال اهلل عز وجل لبني إرسائيل‪َ ﴿ :‬يا َبني إِ ْ َ‬
‫ت َع َل ْيك ُْم َو َأ ِّين َف َّض ْلتُك ُْم َع ََل ا ْل َعا َِلِني﴾ [البقرة‪ ،]10 :‬وقال تعاىل‬
‫ا َّلتِي َأ ْن َع ْم ُ‬
‫َري اهلل َأ ْب ِغيك ُْم إِ ًََلا َو ُه َو َف َّض َلك ُْم َع ََل‬ ‫َ‬
‫عن موسى عليه السالم‪َ ﴿ :‬ق َال أغ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ا ْل َعا َِل َ‬
‫ني﴾ [األعراف‪.]210 :‬‬
‫لعنهم اهلل وجعل منهم القردة واخلنازير وم ّثلهم‬ ‫ثم بعد ذل‬
‫بالكلب واحلامر‪ .‬ذل بسبب عصياهنم وفسوقهم‪ .‬وأول الفتنة تصيبهم هي‬
‫يف النساء‪.‬‬
‫عن أيب سعيد اخلدري ‪-‬ريض اهلل عنه‪ :-‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬إن‬
‫الدنيا حلوة خرضة وإن اهلل ماتخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا‬
‫‪75‬‬

‫واتقوا النااء فإن أول فتنة بني إِسائيل كانت يف النااء»‪( .‬أخرجه مسلم‬
‫(‪.))1011‬‬
‫ذكر النبي ﷺ قصة بني إرسائيل لتعترب هبم هذه األمة فال تقع فيام‬
‫وقعوا فيه‪.‬‬
‫وقد حذر النبي ﷺ هذه األمة من شدة االفتتان بالنساء‪ .‬عن أسامة‬
‫بن زيد ‪-‬ريض اهلل عنهام‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬ما تركت‬
‫بعدي فتنة أرض عَل الرجال من النااء»‪( .‬أخرجه البخاري (‪)5070‬‬
‫ومسلم (‪.))1010‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر العسقالين الشافعي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬ويف احلديث‬
‫أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغريهن‪ .‬ويشهد له قوله تعاىل‪﴿ :‬زين للناس‬
‫حب الشهوات من النااء﴾‪ ،‬فجعلهن من مجلة الشهوات‪ ،‬وبدأ هبن قبل بقية‬
‫األنواع إشارة إىل أهنن األصل يف ذل ‪"( .‬فتح الباري" ‪/7/‬ص ‪.)232‬‬
‫وقد قال اهلل تعاىل للصحابة ريض اهلل عنهم يف شأن أمهات املؤمنني‪:‬‬
‫اء ِح َجاب َذلِك ُْم َأ ْط َه ُر لِ ُق ُلوبِك ُْم‬
‫﴿وإِ َذا س َأ ْلتُموهن متَاعا َفاس َألُوهن ِمن وم ِ‬
‫َ َ ُ ُ َّ َ ً ْ ُ َّ ْ َ َ‬
‫وِبِ َّن﴾ [األحزاب‪.]53 :‬‬
‫َو ُق ُل ِ‬

‫إذا كان الصحابة وهم خيار أمة حممد ﷺ ُأمروا بعدم مواجهة‬
‫أمهات املؤمنني وه ّن خيار نساء هذه األمة‪ ،‬فال بد من احلجاب بينهم‬
‫‪76‬‬

‫وبينهن‪ ،‬فكيف بغريهم وبغريهن؟ وال سيام يف هذه األيام التي كثرت فيها‬
‫فتن‪ ،‬وعظمت فيها مساعي الشياطني يف إغواء الناس؟‬
‫فال بد من فهم مراد اهلل تعاىل وإشاراته لنكون أسلم من الفساد‬
‫والدمار اللذين أرادمها أتباع الشهوات‪.‬‬
‫ِ‬
‫ين َيتَّبِ ُع َ‬
‫ون‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬واهلل ُي ِريدُ َأ ْن َيت َ‬
‫ُوب َع َل ْيك ُْم َو ُي ِريدُ ا َّلذ َ‬
‫ات َأ ْن َتَ ِي ُلوا َميْ ًَل َعظِ ًيم﴾ [النساء‪.]10 :‬‬
‫الشهو ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫هذا مع كون أمهات املؤمنني يف حالة اجللوس يف مكاهنن بالوقار‬
‫والسكينة‪ ،‬فقد حتصل الفتنة بمواجهة الرجال مبارشة‪ .‬فكيف بتل النسوة‬
‫املتاميالت املتحركات هناك وهناك؟ ألسن أعظم فتنة من األوىل؟‬
‫ني ِم ْن‬ ‫رضبن بِ َأمجلِ ِهن لِيع َلم ما ُ ْ ِ‬
‫َيف َ‬ ‫وقد قال اهلل تعاىل‪َ ﴿ :‬و َل َي ْ ِ ْ َ ْ ُ َّ ُ ْ َ َ‬
‫ون ﴾ [النور‪.]32 :‬‬ ‫ُون َل َع َّلك ُْم ُت ْفلِ ُح َ‬
‫ِزينَتِ ِه َّن َوتُو ُبوا إِ َىل اهلل َمجِي ًعا َأ هي َه ا ُِْل ْؤ ِمن َ‬
‫سؤال‪ :‬ما حكم رضهبن بأرجلهن بدون نية اإلعالم بزينتهن‬
‫املخفية؟‬
‫اجلواب‪ :‬ليست العلة يف املنع وجود نيتهن اإلعالم بالزينة املخفية‬
‫ني ِم ْن‬ ‫وإنام العلة حصول الفتنة‪ .‬فعلم بذل أن قول اهلل تعاىل‪﴿ :‬لِيع َلم ما ُ ْ ِ‬
‫َيف َ‬ ‫ُْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِزينَتِ ِه َّن﴾ أن الالم الم العاقبة‪ ،‬ال الم العلة‪ .‬يعني‪ :‬أن ذل الفعل منهن سبب‬
‫لظهور الفتنة‪ ،‬سواء نوين ذل أو مل ينوين‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫فالرقص يف حق النساء املذكور يف السؤال ال جيوز بل حمرم‪.‬‬


‫قال اإلمام النووي الشافعي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬قال احلليمي‪ :‬لكن‬
‫الرقص الذي فيه تثن وتكرس يشبه أفعال املخنثني حرام عىل الرجال والنساء‪.‬‬
‫("روضة الطالبني" ‪/‬للنووي‪ /1/‬ص‪.)205‬‬
‫وقال أيض ًا اإلمام النووي ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬وحيرم رضب الكوبة‪ ،‬وهي‬
‫طبل طويل ضيق الوسط‪ .‬ال الرقص إال أن يكون فيه تكرس كفعل املخنث‪.‬‬
‫("املنهاج" ‪/‬للنووي ‪/‬ص ‪.)170‬‬
‫وقال شارحه يف "هناية املحتاج إىل رشح املنهاج" (‪/12‬ص ‪:)127‬‬
‫( إال أن يكون فيه تكرس كفعل املخنث ) بكرس النون وهذا أشهر وفتحها‬
‫وهو أفصح ‪ ،‬فيحرم عىل الرجال والنساء‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال اإلمام زكريا األنصاري الشافعي يف رشحه عىل قول اإلمام‬
‫إسامعيل بن املقري الشافعي ‪-‬رمحهام اهلل‪ :-‬والرقص ليس بحرام (وبالتكرس‬
‫حرام ولو من النساء) ألنه يشبه أفعال املخنثني‪"( .‬أسنى املطالب"‬
‫‪/‬لألنصاري الشافعي‪/11/‬ص ‪.)127‬‬
‫سئل اإلمام ابن عثيمني رمحه اهلل‪ :‬فضيلة الشيخ ‪ :‬اسمحوا يل أن‬
‫أعرض هنا بعض املخالفات التي تقع يف بعض الزواجات راجيا تفضلكم‬
‫ببسط احلديث حوهلا ‪ ،‬وهذه املخالفات هي كالتايل ‪:‬‬
‫‪78‬‬

‫أوال ‪ :‬لبس النساء للثياب التي خرجن هبا عن املألوف يف جمتمعنا‬


‫معلالت بأن لبسها إنام يكون بني النساء فقط ‪ ،‬وهذه الثياب فيها ما هو ضيق‬
‫تتحدد من خالله مفاتن اجلسم ‪ ،‬ومنها ما يكون مفتوحا من أعىل بدرجة‬
‫يظهر من خالهلا جزء من الصدر أو الظهر ‪ ،‬ومنها ما يكون مشقوقا من‬
‫األسفل إيل الركبة أو قريب منها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬من األخطاء الشائعة يف بعض الزواجات ( الطق ) بمكرب‬
‫الرجل‬ ‫الصوت والغناء من النساء والتصوير بالفيديو ‪ ،‬واألشد من ذل‬
‫املتزوج يقبل زوجته أمام النساء ‪ ،‬وعند إسداء النصح من الغيورين عىل‬
‫حمارم اهلل جياهبون بقوهلم ‪ :‬إن الشيخ الفالين أفتى بجواز(الطق ) فإذا كان‬
‫هذا صحيحا نرجو من فضيلتكم إيضاح احلق للمسلمني ؟‬
‫فأجاب ‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬أما بالنسبة للمخالفة األوىل فقد ثبت يف‬
‫صحيح مسلم عن أيب هريرة رىض اهلل عنه قال‪« :‬صنفان من أهل النام ل أممها‬
‫‪ :‬قو معهم سياط كأذناب البقر يرضبون ِبا الناس ‪ ،‬ونااء كاسيات‬
‫عاميات ‪ِ ،‬ميَلت مائَلت ‪ ،‬مؤوسهن كأسنمة البخت اِلائلة ل يدخلن اجلنة‬
‫‪ ،‬ول َيدن مُيها ‪ ،‬وإن مُيها ليوجد من مارية كذا وكذا»‪ .‬فقوله ﷺ ‪:‬‬
‫«كاسيات عاميات» يعني أن عليهن كسوة ال تفي بالسرت الواجب إما‬
‫لقرصها أو خفتها أو ضيقها ‪ ،‬وهلذا روى اإلمام أمحد يف مسنده بإسناد فيه‬
‫‪79‬‬

‫لني عن أسامة بن زيد رىض اهلل عنهام قال ‪ :‬كساين رسول اهلل ﷺ قبطية ـ نوع‬
‫من الثياب ـ فكسوهتا امرأيت‪ .‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬مرها فلتجعل حتتها‬
‫غَللة ‪ ،‬إين أخاف أن تصف حجم عظامها»(‪.)27‬‬
‫ومن ذل فتح أعىل الصدر فإنه خالف أمر اهلل تعاىل‪﴿ :‬وليرضبن‬
‫بخمرهن عَل جيوِبن﴾ (النور‪ ) 32:‬قال القرطبي يف تفسريه ‪ :‬وهيئة ذل‬
‫أن ترضب املرأة مخارها عىل جيبها لتسرت صدرها ‪ ،‬ثم ذكر أثر ًا عن عائشة أن‬
‫حفصة بنت أخيها عبد الرمحن بن أيب بكر رىض اهلل عنهام دخلت بيش يشف‬
‫عن عنقها وما هنال فشقته عليها وقالت ‪ :‬إنام يرضب بالكثيف الذي يسرت‪،‬‬
‫ومن ذل ما يكون مشقوق ًا من األسفل‪ .‬إذا مل يكن حتته يش ساتر فال بأس‬
‫إال أن يكون عىل شكل ما يلبسه الرجال ‪ ،‬فيحرم من أجل التشبه بالرجال‪.‬‬
‫وعىل ويل املرأة أن يمنعها من كل لباس حمرم ‪ ،‬ومن اخلروج متربجة‬
‫أو متطيبة ‪ ،‬ألنه وليها فهو مسئول عنها يوم القيامة يف يوم ﴿ل َتزي نفس‬
‫عن نفس شيئا ول يقبل شفاعة منها عدل ول هم ينرصون﴾ ( البقرة ‪.) 12:‬‬
‫أما املخالفة الثانية ‪( :‬الطق ) يف الدف أيام العرس جائز أو سنة إذا‬
‫كان يف ذل إعالن النكاح ولكن برشوط ‪:‬‬

‫(‪ )27‬نعم‪ ،‬أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده برقم (‪ )12230‬والبيهقي يف معرفة السنن برقم‬
‫(‪ )2055‬من طريق عبد اهلل بن حممد بن عقيل وهو لني اْلديث عَل الراجح‪.‬‬
‫‪81‬‬

‫الرشط األول ‪ :‬أن يكون الرضب بالدف وهو ما يسمى عند بعض‬
‫الناس ( الطار ) وهو املختوم من وجه واحد ‪ ،‬ألن املختوم بالوجهني يسمى‬
‫( الطبل ) وهو غري جائز ‪ ،‬ألنه من آالت العزف‪ ،‬واملعازف كلها حرام ‪ ،‬إال‬
‫ما دل الدليل عىل حلة وهو الدف حال أيام العرس ‪.‬‬
‫الرشط الثاين ‪ :‬أن ال يصحبه حمرم كالغناء اهلابط املثري للشهوة ‪ ،‬فإن‬
‫هذا ممنوع سواء كان معه دف أم ال ‪ ،‬وساء كان يف أيام العرس أم ال ‪.‬‬
‫الرشط الثالث ‪ :‬أن ال حيصل بذل فتنة كظهور األصوات اجلميلة‬
‫‪ ،‬فإن حصل بذل فتنة كان ممنوع ًا‪.‬‬
‫الرشط الرابع ‪ :‬أن ال يكون فيه أذية عىل أحد ‪ ،‬فإن كان فيه أذية كان‬
‫ممنوعا مثل أن تظهر األصوات عرب مكربات الصوت ‪ ،‬فإن يف ذل أذية عىل‬
‫اجلريان ومن هم غريهم ممن ينزعج هبذه األصوات ‪ ،‬وال خيلو من الفتنة أيضا‬
‫‪ ،‬وقد هنى النبي ﷺ املصلني أن جيهر بعضهم يف القراءة ملا فيه من التشويش‬
‫واإليذاء ‪ ،‬فكيف بأصوات الدفوف والغناء ‪.‬‬
‫عاقل يف قبحه‪ ،‬وال‬ ‫وأما تصوير املشاهد بآلة التصوير فال يش‬
‫يرىض عاقل فضالً عن املؤمن أن تلتقط صور حمارمه من األمهات والبنات‬
‫واألخوات والزوجات وغريهن لتكون سلعة تعرض لكل واحد‪ ،‬أو ألعوبة‬
‫يتمتع بالنظر إليها كل فاسق‪ .‬وأقبح من ذل تصوير املشهد بواسطة الفيديو‬
‫‪81‬‬

‫ألنه يصور املشهد حيا باملرأى واملسمع‪ ،‬وهو أمر ينكره كل ذي عقل سليم‬
‫ودين مستقيم ‪ ،‬وال يتخيل أحد أن يستبيحه أحد عنده حياء وإيامن(‪.)28‬‬

‫(‪ )28‬إن أدلة حتريم تصوير ذوات األرواح صحيحة حمكمة متواترة‪.‬‬
‫قال اإلمام الشنقيطي ‪-‬رمحه اهلل‪ْ ...: -‬لن تصوير اإلناان دلت اْلحاديث‬
‫الصحيحة عَل أنه حرا ‪ ،‬وظاهرها العمو يف كل أنواع التصوير‪ .‬وال ش أن ارتكاب‬
‫أي يشء حرمه رسول اهلل ﷺ أنه من األقذار‪ ،‬واألنجاس املعنوية التي يلزم تطهري بيت‬
‫اهلل منها‪ .‬وكذل ما يقع يف املسجد من الكالم املخل بالدين والتوحيد ال جيوز إقرار يشء‬
‫منه‪ ،‬وال تركه‪"( .‬أضواء البيان يف تفسري القرآن بالقرآن" ‪/1/‬ص ‪.)302‬‬
‫وقال فضيلة الشيخ صالح الفوزان –حفظه اهلل‪ :-‬وكذل قوله‪" :‬بكل صورة‬
‫صورها" عام أيض ًا لكل صورة أ ًّيا كانت‪ ،‬رس ًام أو نحت ًا‪ ،‬أو التقاط ًا باآللة‪ ،‬غاية ما يكون‬
‫ّ‬
‫يرسم‪ ،‬وإال فالنتيجة واحدة‪ ،‬كل من هؤالء قصده‬
‫ال من الذي ُ‬ ‫ّ‬
‫أن صاحب اآللة أرسع عم ً‬
‫إجياد صورة‪ ،‬فالذي ينحت أو يبني التمثال قصده إجياد صورة‪ ،‬والذي يرسم قصده إجياد‬
‫‪82‬‬

‫والرسول ﷺ‬ ‫نفرق بينهم ّ‬ ‫الصورة‪ ،‬ملاذا ّ‬


‫صورة‪ ،‬والذي يلتقط بالكامريا قصده إجياد ّ‬
‫يقول‪" :‬كل مصو ٍر يف النّار؟ "‪ ،‬ما هو الدليل املخصص إالّ فلسفة يأتون هبا‪ ،‬وأقواالً‬
‫الرسول ﷺ برأهيم‪ ،‬واملحذور الذي يف الصور‬
‫خيصصوا كالم ّ‬
‫خيرتعوهنا يريدون أن ّ‬
‫وأهنا‬
‫الفوتوغرافية والتمثال ّية أو املرسومة هو حمذور واحد‪ ،‬وهو ّأهنا وسيلة إىل الرشك‪ّ ،‬‬
‫مضاهاة خللق اهلل تعاىل‪ ،‬كل منهم مصور‪ ،‬والنتيجة واحدة‪ ،‬واملقصود واحد‪ ،‬فام الذي‬
‫خيصص صاحب اآللة عن غريه؟‪ ،‬إن مل يكن صاحب اآللة أشد‪ّ ،‬‬
‫ألن صاحب اآللة يأيت‬ ‫ّ‬
‫ويلو ُهنا‪ ،‬ويتعب يف إخراجها حتى تظهر‬
‫حيم ُضها ّ‬
‫بالصورة أحسن من الذي يرسم‪ ،‬فهو ّ‬
‫ف أو هذا التمحل يف التفريق‬
‫أحسن من التي تُرسم‪ ،‬فاملعنى واحد‪ ،‬وال داعي هلذا التكل م‬
‫بني الصور‪.‬‬
‫خيصص إالّ بدليل من كالم‬ ‫ومعلوم ّ‬
‫أن كالم اهلل وكالم رسوله ﷺ ال جيوز أن ّ‬
‫اهلل أو كالم رسوله‪ ،‬ال باجتهادات البرش وخترصات البرش وفلسفات البرش‪ ،‬هذا مردود‬
‫عىل صاحبه‪ ،‬وهذا معروف من ُأصول احلديث و ُأصول التفسري ّ‬
‫أن العا ّم ال خيمصص إالّ‬
‫‪83‬‬

‫وأما الرقص من النساء فهو قبيح ال نفتي بجوازه ملا بلغنا من‬
‫األحداث التي بني النساء بسببه ‪ ،‬وأما إن كان من الرجال فهو أقبح ‪ ،‬وهو‬
‫من تشبه الرجال بالنساء وال خيفى ما فيه ‪ ،‬وأما إن كان من الرجال والنساء‬
‫خمتلطني كام يفعله بعض السفهاء فهو أعظم وأقبح ملا فيه من االختالط‬
‫والفتنة العظيمة ال سيام وأن املناسبة مناسبة نكاح ونشوة عرس ‪.‬‬

‫خيصص العا ّم باجتهادات من النّاس يقولوهنا‪ ،‬هذه قاعدة مس ّلمة م‬


‫جممع عليها‪،‬‬ ‫بدليل‪ ،‬وال ّ‬
‫فام ُ‬
‫باهلم تغيب عنهم هذه القاعدة ويقولون‪" :‬إن التصوير باآللة الفوتوغرافية ال يدخل‬
‫كل هذا كالم فارغ ال قيمة له عند أهل العلم وعند األُصول ّيني‪.‬‬
‫يف املمنوع" إىل آخره؟‪ّ ،‬‬
‫القواعد األُصولية تأبى هذا ك ّله‪ ،‬وهم يعرفون هذا‪ ،‬ولكن‪ -‬سبحان اهلل‪ -‬اهلوى واملغا ملطة‬
‫أحيان ًا يذهبان بصاحبهام مذهب ًا بعيد ًا‪.‬‬
‫يقول الرسول ﷺ‪" :‬كل مصو ٍر يف النّار" ويأيت فالن ويقول‪" :‬ال‪ ،‬املصور‬
‫صورها نفس يع ّذ ُب هبا يف‬‫بكل صورة ّ‬ ‫بالفوتوغرايف ليس يف النّار"‪ .‬وقوله‪ُ " :‬جيعل له ّ‬
‫ٍ‬
‫بالتقاط باآللة‬ ‫صورها بأي وسيلة إ ّما بنحت وإ ّما برسم وإ ّما‬ ‫جهنّم" أي‪ّ :‬‬
‫كل صورة ّ‬
‫وجيعل‬ ‫الفوتوغرافية‪ ،‬كثرت الصور أو ق ّلت‪ ،‬حترض هذه الصور التي ّ‬
‫صورها يوم القيامة‪ُ ،‬‬
‫يف كل صورة نفس ّ‬
‫يعذب هبا يف جهنّم‪ ،‬هذه الصور تصاله بالعذاب يوم القيامة‪.‬‬
‫(انتهى املراد من "إعانة املستفيد برشح كتاب التوحيد" ‪ /1/‬ص‪.)100-105‬‬
‫وأما احتجاج بعض الناس يف إباحة التصوير بتعليالت بعض الفقهاء فال جيدي‬
‫له شيئ ًا‪.‬‬
‫ما العلم نصب للخالف سفاهة * بني الرسول وبني رأي فقيه‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫وأما ما ذكرته من أن الزوج حيرض جممع النساء ويقبل زوجته‬


‫أمامهن ‪ ،‬فإن تعجب فعجب أن حيدث مثل هذا من رجل أنعم عليه بنعمة‬
‫الزواج فقابلها هبذا الفعل املنكر رشعا وعقال ومروءة ‪ ،‬وكيف يمكنه أهل‬
‫الزوجة من ذل ‪ ،‬أفال خيافون أن يشاهد هذا الرجل يف جمتمع النساء من هي‬
‫أمجل من زوجته وأهبى فتسقط زوجته من عينيه ويدور يف رأسه من التفكري‬
‫اليش الكثري ‪ ،‬وتكون العاقبة بينه وبني عروسه غري محيدة‪.‬‬
‫وإنني يف ختام جوايب هذا أنصح إخواين املسلمني من القيام بمثل‬
‫هذه األعامل السيئة‪ ،‬وأدعوهم إىل القيام بشكر اهلل عىل النعمة وغريها ‪ ،‬وأن‬
‫يتبعوا طريق السلف الصالح فيقترصوا عىل ما جاءت به السنة ﴿ول تتبعوا‬
‫أهواء قو قد ضلوا من قبل وأضلوا كثريا وضلوا عن سواء الابيل﴾ (املائدة‬
‫‪. )00 :‬‬
‫(انتهى من " كتب و رسائل للعثيمني" ‪/2/‬ص‪.)50-53‬‬
‫‪85‬‬

‫واهلل تعاىل أعلم بالصواب‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬


‫ماليزيا‪ 25 ،‬ربيع اآلخر ‪ 2110‬هـ‬
‫‪86‬‬

‫فهرس الرسالة‬

‫‪TableofContents‬‬

‫صورة تقديم فضيلة الشيخ أيب عبد الرمحن عبد الرقيب ابن عيل الكوكباين‬
‫حفظه اهلل ‪1 .............................................................‬‬

‫تقديم فضيلة الشيخ أيب عبد الرمحن عبد الرقيب ابن عيل الكوكباين حفظه‬
‫اهلل ‪5 ....................................................................‬‬

‫مقدمة املؤلف وفقه اهلل ‪0 ................................................‬‬

‫الباب األول‪ :‬وجوب اليقني بأن الدين احلكيم الكامل هو اإلسالم ‪7 ......‬‬

‫الباب الثاين‪ :‬حمارم اإلنسان ‪21 ..........................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬حمارم الرجال ‪21 ........................................‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬حمارم النساء ‪22 ..........................................‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬حكم املحارم ‪10 ........................................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬حمرمية البنت التي تولد بعد سنني من فراق أ ّمها لزوجها‬
‫األول‪12 ...............................................................‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬حكم املصافحة مع خمتلف اجلنس ‪10 .....................‬‬


‫‪87‬‬

‫املضطرة أو املحتاجة‬
‫ّ‬ ‫الباب الرابع‪ :‬حكم ُسكن زوج املربوبة يف بيت العجوز‬
‫‪33 ....................................................................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أصل احلكم هلذه املسألة ‪33 ..............................‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬خمرج هذه املسألة ‪11 ......................................‬‬

‫ٍ‬
‫رجل يف جمموعة الوتساب اخلاصة‬ ‫الباب اخلامس‪ :‬حكم مشاركة‬
‫بالنساء ‪52 .............................................................‬‬

‫الباب السادس‪ :‬ال جيوز سفر املرأة بال حمرم ‪51 ..........................‬‬

‫الفصل األول‪ :‬أدلة حتريم سفر املرأة بال حمرم ‪51 .........................‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬هذه األدلة عا ّمة تشمل مجيع أنواع السفر‪ ،‬منها‪ :‬سفر‬
‫احلج‪52 ................................................................‬‬
‫ّ‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ال جيوز السفر مع املحرم املؤقت ‪01 ......................‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬رشوط املحرم ‪02 ........................................‬‬

‫الباب السابع‪ :‬حكم الرقص بموسيقى للنساء يف املكان العا ّم‪00 ..........‬‬

‫فهرس الرسالة ‪20 ......................................................‬‬

You might also like