You are on page 1of 468

‫التعرف على سور القرآن‬

‫أعده‪ :‬محمود الرفاعي‬

‫نسخة ليست هنائية‪ ،‬وهي قيد التنقيح والزيادة والتعديل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فضائل السورة‪:‬‬

‫نبي قبل نبينا محم ٍد صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬ ‫َ‬


‫‪ -1‬أنها نور‪ ،‬ولم ي ْؤتها ٌّ‬
‫كما جاء يف الحديث‪ ،‬أن جربيل عليه السالم قال للنبي ﷺ‪ِ " :‬‬
‫أبش ْر‬
‫نبي قبلك‪ :‬فاتحة الكتاب‪ ،‬وخواتيم‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬
‫بنورين أوتيتَهما‪ ،‬لم يؤتهما ٌّ‬
‫سورة البقرة"‬

‫‪-2‬بقراءهتا تحصل المناجاة بين العبد وربه‪ ،‬قال أبو هريرة رضي اهلل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪ :‬قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫عنه‪ " :‬سمعت‬
‫قسمت الصالة َبيني و َبين عبدي نِصفين‪ ،‬ول َعبدي ما سأل‪ ،‬فإذا قال‬

‫رب العا َلمين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ :‬‬


‫حمدين َعبدي‪ ،‬وإذا‬ ‫العبد‪ :‬الحمد هلل ِّ‬
‫قال‪ :‬الرحمن الرحيم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ :‬أ ْثنَى علي عبدي‪ ،‬وإذا قال‪:‬‬
‫مالِك يو ِم الدِّ ين‪ ،‬قال‪َ :‬مجدين عبدي‪( ،‬وقال مرة‪ :‬فوض إلي عبدي)‪،‬‬
‫فإذا قال‪ :‬إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬قال‪ :‬هذا َبيني و َبين عبدي‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫المستقيم ِص َ‬
‫راط الذين‬ ‫الص َ‬
‫راط‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ول َعبدي ما سأل‪ ،‬فإذا قال‪ :‬اهدنا ِّ‬
‫أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وال الضا ِّلين‪ ،‬قال‪ :‬هذا ل َعبدي‪،‬‬
‫ولعبدي ما َ‬
‫سأل"‬

‫‪ -3‬رقي ٌة شافي ٌة بإذن اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪-4‬أهنا من أعظم سور القرآن‪ ،‬قال ﷺ‪" :‬الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫هي السبع المثاين‪ ،‬والقرآن العظيم الذي أوتيته"‪.‬‬
‫ِ‬
‫مقاصد سورة الفاتحة‪:‬‬

‫تبارك وتعالى‪ ،‬وقد اشتملت السورة إلى جميع‬ ‫ِ‬


‫‪ -1‬التعريف بالمعبود َ‬
‫أنواع التوحيد‪ ،‬فجاء فيها توحيد األلوهية‪" :‬الحمد هلل"‪ ،‬وجاء فيها‬
‫إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة واالستعانة‪ ،‬وهذا من معنى توحيد‬
‫األلوهية‪" :‬إياك نعبد وإياك نَستعين"‬

‫واشتملت على توحيد الربوبية‪" :‬رب العالمين"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫واشتملت أيضا على توحيد األسماء والصفات‪" :‬الرحمن الرحيم"‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان َط ِ‬
‫ريق العبودية‪" ،‬اهدنا الصراط المستقيم"‪ .‬فطريق العبودية‬
‫طريق مستقيم‪ ،‬كما بينه اهلل سبحانه وتعالى يف أكثر من موضع‪ ،‬وكما‬
‫أيضا يف الحديث‪ ،‬فعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‬ ‫بينه النبي ﷺ ً‬
‫قال‪ :‬خط رسول اهللِ صلى اهلل ِ‬
‫عليه وسلم خ ًّطا ِ‬
‫بيده ثم قال‪ :‬هذا‬ ‫َ‬
‫مستقيما‪ ،‬وخط خطو ًطا عن يمينِه وشمالِه‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه‬ ‫سبيل اهللِ‬
‫ً‬
‫شيطان يدعو إليه‪ ،‬ثم قرأ‪َ " :‬و َأن َه َذا‬ ‫ٌ‬ ‫سبيل إال عليه‬ ‫السبل ليس منها ٌ‬
‫يما َفاتبِعوه َو َال َتتبِعوا السب َل َف َت َفر َق بِكم َع ْن َسبِيلِ ِه"‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َراطي م ْستَق ً‬

‫‪ -3‬بيان أحوال الناس مع هذا الطريق‪ ،‬فأمرنا اهلل أن نتبع طريق‬


‫المهتدين‪ ،‬وأال نتبع طريق المغضوب عليهم‪ ،‬وهم اليهود‪ ،‬وال‬
‫الضالين‪ ،‬وهم النصارى‪.‬‬

‫‪-4‬ومن مقاصد سورة الفاتحة أنها عبارة عن دعاء‪ ،‬وتعلمك الدعاء!‬


‫فالسورة لو الحظنا كلها ثناء على اهلل عز وجل‪ ،‬بالحمد‪ ،‬وإثبات‬

‫‪4‬‬
‫الربوبية له‪ ،‬والثناء عليه بأنه رحمن ورحيم‪ ،‬وأنه يملك اليوم اآلخر‪،‬‬
‫وأننا نعبده‪ ،‬ونستعين به‪ ،‬كل هذا ألجل أن نطلب منه الهداية! " ِ‬
‫اهدنا‬
‫َ‬
‫الصراط المستقيم"‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فضائل السورة‪:‬‬

‫‪-1‬سبب لطرد الشياطين من البيت‪ ،‬قال ﷺ‪ " :‬ال تجعلوا بيوتكم‬


‫مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"‪.‬‬

‫‪-2‬تنجي من يحفظها ويداوم على قراءهتا يوم القيامة‪ ،‬قال ﷺ‪" :‬‬
‫اقرؤوا الزهراوين‪ :‬البقرة وآل عمران فإهنما يأتيان يوم القيامة كأهنما‬
‫غمامتان أو غيايتان أو كأهنما فرقان من طير صواف تحاجان عن‬
‫أصحاهبما"‬

‫‪-3‬تجلب الربكة‪ ،‬وتمنع السحر‪ ،‬قال ﷺ‪ " :‬اقرؤوا البقرة فإن أخذها‬
‫بركة وتركها حسرة وال تستطيعها البطلة السحرة "‬

‫ٌ‬
‫ترابط‬ ‫ٍ‬
‫سورة يف المصحف‪ ،‬وهناك‬ ‫تبدأ سورة البقرة بعد الفاتحة كثاين‬
‫بين هناية الفاتحة وبداية البقرة‪ ،‬حيث جاء يف الفاتحة الدعاء بالهداية‪:‬‬
‫لص َر ٰ َط ٱلمست َِقي َم﴾‪ ،‬ثم جاء يف بداية البقرة‪َ ﴿ :‬ذ ٰل ِ َك ٱلكِتَـب‬ ‫ِ‬
‫﴿ٱهدنَا ٱ ِّ‬
‫‪6‬‬
‫استجاب وجعل لنا الهداية يف‬
‫َ‬ ‫ب فِي ِه هدً ى ِّللمت ِقي َن﴾؛ كأن اهلل‬
‫َال َري َ‬
‫كتابه!‬

‫تسم ّية السورة‪:‬‬

‫أما عن اسم السورة‪ ،‬فسور القرآن لها مقصد ومعنى‪ ،‬فالبقرة من أكرب‬
‫رموز الشرك على مدى التاريخ يف األرض‪ ،‬فأراد اهلل من بني إسرائيل‬
‫ٍ‬
‫شرك يف قلوهبم‪.‬‬ ‫أن يذبحوا البقرة‪ ،‬حتى يتخلصوا من كل‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من مقاصد السورة األساسية؛ ومحور السورة األساسي هو الحديث‬


‫عن منهج خالفة اهلل يف األرض بين َمن أضاعوها و َمن أقاموها‪ ،‬حيث‬
‫ذكر ثالث َة نماذج للخلفاء يف األرض‪ ،‬يبدأ الخليفة األول سيدنا آدم‬
‫بالعصيان ثم الطاعة‪ ،‬ثم خالفة بني إسرائيل حيث كانوا يف تمام‬
‫العصيان‪ ،‬ثم خالفة سيدنا إبراهيم حيث أقام الخالفة وأحسن تمام‬
‫اإلحسان‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫األول‪:‬‬
‫المسار ّ‬

‫يبدأ الجزء األول من السورة بالحديث عن أنواع الناس من اآلية‬


‫‪1‬حتى اآلية ‪« :2٩‬مؤمنون‪ ،‬كفار‪ ،‬منافقون»‪ ،‬وكان الحديث عن‬
‫المنافقين له الحظ األكرب؛ لبيان خطرهم على األمة‪ ،‬ألن المنافق هو‬
‫مندس بيننا ال نعرفه‪ ،‬كأنه واحد منا‪ ،‬أما الكافر فهو عدونا المعروف‪،‬‬
‫لذلك كان المنافق أخطر على األمة من الكافر‪.‬‬

‫عز ّ‬
‫وجل‪:‬‬ ‫يقول اهلل ّ‬

‫﴿ َوإِذا َلقوا الذي َن آ َمنوا قالوا آ َمنّا َوإِذا َخ َلوا إِلى َشياطين ِ ِهم قالوا إِنّا‬
‫َم َعكم إِنما نَحن مست ِ‬
‫َهزئون﴾‪.‬‬

‫المسار الثاين‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫بعدها تبدأ خالفة سيدنا آدم على األرض‪ ،‬وهي أول قصة بدأت يف‬
‫المصحف من حيث الرتتيب؛ وكأهنا رسالة من اهلل لنا لتعريفنا بعدونا‬
‫األكرب وهو الشيطان‪.‬‬

‫ثم الحديث عن خالفة بني إسرائيل‪ ،‬ثم الحديث المفصل عن‬


‫البقرة‪ ،‬وكيف قست القلوب بسبب الرتدد يف قبول أحكام اهلل‪ ،‬وفيه‬
‫رسالة بأن نستسلم ألوامر اهلل وال نرتدد‪.‬‬

‫وينتهي الجزء بخالفة سيدنا إبراهيم التي أتمها حق التمام‪.‬‬

‫•الجزء الثاين‪:‬‬

‫يبدأ الجزء الثاين بتحويل القبلة‪َ ﴿ :‬قد نرى َتقلب َو َ‬


‫جهك يف السماء‬
‫فلنولين َك قبل ًة َترضاها﴾؛ فكأن النبي ﷺ ال يرضى إال أن يكون‬
‫للمسلمين قِبلة مختلفة ومميزة عن أهل الكتاب‪ ،‬وظهر ذلك من‬
‫النبي أكثر من مرة‪ ،‬وذلك لما أمر النبي ﷺ الصحابة فقال لهم‪:‬‬
‫"خالفوا اليهود والنصارى فإهنم ال يصلون يف نعالهم وال خفافهم"‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫أيضا لما تشاور الصحابة مع النبي ﷺ يف كيفية َجمع المسلمين‬
‫ً‬
‫للصالة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬نفعل كما تفعل اليهود والنصارى بقرع‬
‫الجرس أو النداء بالبوق؛ ف َك ِره النبي ﷺ ذلك رغب ًة منه يف مخالفة‬
‫اليهود والنصارى!‬

‫وأيضا لما أمر الصحابة فقال لهم‪" :‬أحفوا الشوارب ووفروا اللحى‬
‫ً‬
‫خالفوا المشركين"‬

‫وهذا فيه رسالة لنا بأن نخالفهم وال نقلدهم‪ ،‬فأنت مسلم يجب‬
‫َ‬
‫تكون ممي ًزا وال تقلد غيرك من الكفار‪.‬‬ ‫عليك أن‬

‫ثم يأيت يف باقي الجزء والسورة الكالم عن األحكام‪ ،‬والغريب أن‬


‫األحكام يأيت معها عبادات‪ ،‬والسؤال هنا‪:‬‬

‫لماذا جاءت العبادات يف وسط آيات األحكام؟‬

‫وهنا أكثر من إجابة‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫‪-‬كي نعلم أن العبادات عبارة عن زاد إيماين نستعين به يف تطبيق هذه‬
‫األحكام‪.‬‬

‫‪-‬لمعرفة أن االستقامة والتسليم ألوامر لها ال تتحقق إلى بصالح‬


‫القلب‪ ،‬وتزكية النفس‪ ،‬وكل هذا ال يأيت إال بالعبادات‪.‬‬

‫حتى نعرف أنه ال فرق بين العبادات واألحكام‪ ،‬وأنه الدين شامل‪،‬‬
‫فال ينبغي أن نفصله عن بعضه‪.‬‬

‫ومن بديع وإعجاز القرآن يف هذه السورة‪ ،‬هو ترابط كل حكم مع‬
‫العبادة التي جاءت معه‪ً ،‬‬
‫مثال‪ :‬جاءت عبادة الصيام مع أحكام المال‬
‫والرشوة والدم‪ ،‬لماذا؟‬

‫ألنّنا عندما نصوم فنحن نصوم عن الحالل‪ ،‬الطعام والشراب‬


‫وهكذا‪ ،‬فمن األولى أن نصوم عن المحرمات كالرشوة والدم‪.‬‬

‫وكذلك عبادة الحج مع أحكام القتال‪ ،‬لماذا؟‬

‫‪11‬‬
‫ألن الحج‪:‬‬

‫‪-‬يشبه الجهاد تما ًما‪ ،‬فأنت عندما تذهب للحج فأنت تتنازل عن جزء‬
‫كبير من مالك‪ ،‬وهكذا تفعل يف الجهاد لتجهيز نفسك‪ ،‬وتجهيز‬
‫الجيش‪.‬‬

‫‪-‬يدربك على تعظيم حرمات اهلل‪ ،‬وبذلك عندما ستسمع عن‬


‫حرمات اهلل تنتهك يف األرض ستذهب للجهاد والتغيير يف هذا‬
‫المكان‪ ،‬ألنك تدربت على تعظيم حرمات اهلل‪.‬‬

‫‪-‬عندما تذهب للحج ترتك أهلك وبيتك وأوالدك‪ ،‬وكذلك يف‬


‫الجهاد‪.‬‬

‫‪-‬الحج من أصعب العبادات من حيث الجهد البدين‪ ،‬وهذا يدربك‬


‫على تقوية عزيمتك ونفسك‪ ،‬وتحمل المشاق كما يف الجهاد‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وكذلك جاءت آيات الصالة يف وسط أحكام األسرة والطالق‪،‬‬
‫لماذا؟‬

‫ألن الصالة من أهم األمور التي ستذكرك باهلل وبلقاء اهلل‪ ،‬فأنت يف‬
‫وسط المشاكل والخناقات عندما تذهب إلى الصالة‪ ،‬ستتذكر ربك‬
‫ولن تظلم‪ ،‬أو تتعدى على زوجتك‪ ،‬فالصالة تعمل كرابط إيماين‪،‬‬
‫يصلح المجتمع بأكلمه‪ ،‬فنجد أن آيات الطالق بدأت من اآلية ‪223‬‬
‫وانتهت عند اآلية ‪ ،237‬ثم مباشرة يف اآلية التي تليهم تأيت آية‪:‬‬
‫ات َوالص َال ِة ا ْلو ْس َطى َوقوموا لِل ِه َقانِتِي َن﴾‪.‬‬
‫﴿حافِظوا َع َلى الص َلو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫وكذلك جاءت قصة طالوت وجالوت مع آية اإلنفاق‪ ،‬لماذا؟‬

‫كأنها رسالة أنه ال يوجد جهاد بدون إنفاق يف سبيل اهلل‪ ،‬وال يوجد‬
‫َتمكين دون التضحية بالنفس والمال‪ ،‬ونالحظ أن بعد آية اإلنفاق‬
‫جاءت آية القتال يف اآلية رقم (‪.)21٦‬‬

‫ثم تأيت يف هناية السورة أحكام الربا والدين‪ ،‬لماذا؟‬


‫‪13‬‬
‫ألن المال والتعامالت المادية من أصعب األشياء على النفوس‪،‬‬
‫ومن الفتن التي ال تخرج من قلب اإلنسان إال بصعوبة‪ ،‬وصعب على‬
‫الكثير أن يقول يف المال سمعنا وأطعنا‪ ،‬لذلك جاءت يف آخر السورة‪،‬‬
‫ألهنا آخر شيء يخرج من القلب‪.‬‬

‫ونالحظ أن بين األحكام وبعضها رابط مهم جدً ا وهو‪ :‬إقامة دولة‬
‫العدل‪:‬‬

‫أحكام الدم والقصاص = العدل مع الضعيف‪.‬‬

‫الرشوة = العدل مع الناس‪.‬‬

‫الطالق = العدل مع المرأة‪.‬‬

‫الميراث = العدل مع المرأة والضعيف‪.‬‬

‫الربا = العدل مع الضعيف‪.‬‬

‫ثم نالحظ ترتيب األحكام والعبادات بشكل مح َكم‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫فجاءت التشريعات األولى عبارة عن تشريعات اجتماعية‪« :‬الطالق‪،‬‬
‫الرشوة‪ ،‬الدم والقصاص»‪ ،‬ث ّم جاءت بعدها التشريعات االقتصادية‪:‬‬
‫«أحكام المال‪ ،‬الربا»‪.‬‬

‫فبعد اإلصالح الديني يجب أن يأيت اإلصالح االجتماعي وإصالح‬


‫األسرة‪ ،‬ثم بعدها يأيت اإلصالح االقتصادي‪.‬‬

‫كذلك جاءت العبادات مرتبة‪ ،‬من األسهل إلى األصعب‪:‬‬

‫تحويل القبلة‪ ،‬ثم الصالة‪ ،‬ثم الصوم‪ ،‬ثم الحج‪.‬‬

‫ويف سورة البقرة اثنتا عشرة وصية لليهود بعد النداء األول لهم يف‬
‫القرآن‪:‬‬

‫‪ -1‬وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق‬


‫وف بِع ِ‬
‫هدكم﴾‪.‬‬ ‫هدی أ ِ‬
‫﴿و َأوفوا بِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪ -۲‬وجوب الخوف من اهلل تعالى ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫فارهب ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ی َ‬ ‫﴿ َوإِيـ َ‬

‫‪ -3‬وجوب اإليمان بخاتم الرسول ﷺ‬

‫﴿ َو َءامِنوا بِ َما َأ َنزلت م َصدِّ قا ِّل َما َم َعكم﴾‬

‫‪ -4‬عدم الكفر بخاتم النبيين‪:‬‬

‫﴿ َو َال َتكونوا َأو َل كَافِ ِر بِ ِهۦ﴾‬

‫‪ -5‬عدم بيع اآلخرة بالدنيا‬

‫﴿ َو َال َتشتَروا بِـَا َيـتِی َث َمنا َقلِيال﴾‬

‫‪ -٦‬األمر بتقوى اهلل تعالى‬


‫ی َفاتق ِ‬
‫ون﴾‬ ‫﴿ َوإِيـ َ‬

‫‪ -7‬عدم خلط الباطل بالحق‬

‫لحق بال َبـطِ ِل﴾‬


‫﴿ َو َال َتلبِسوا ٱ َ‬

‫‪16‬‬
‫‪ -٨‬عدم كتمان أوصاف النبي ﷺ الموجودة لديهم يف التوراة‬
‫األصلية‬

‫لحق َو َأنتم َتع َلم َ‬


‫ون﴾‬ ‫﴿ َو َتكتموا ٱ َ‬

‫‪ -٩‬األمر بإقامة أصول اإلسالم وفروعه كالصالة والزكاة ﴿ َو َأقِيموا‬


‫ٱلص َلو َة َو َءاتوا ٱلزكَو َة﴾‬

‫‪ -1٠‬الركوع مع الراكعين من أمة محمد ﷺ‬

‫﴿ َوٱركَعوا َم َع ٱلر ⁠كِ ِعي َن﴾‬

‫‪ -11‬عدم مخالفة األقوال لألفعال‬

‫ون َأنف َسكم﴾‬ ‫اس بالبِ ِّر َو َت َ‬


‫نس َ‬ ‫﴿ َأ َتأمر َ‬
‫ون ٱلن َ‬

‫‪ -۱۲‬االستعانة بالصرب والصالة على أمور الدنيا واآلخرة‬

‫بٱلصربِ َوٱلص َلو ِة﴾‬


‫﴿ َوٱست َِعينوا ِ‬

‫ذكر يف السورة أيضا عشر من نعم اهلل تعالى على اليهود‪:‬‬


‫‪17‬‬
‫وتحدثت السورة يف الربع الثالث منها عقب النداء الثاين لبني إسرائيل‬
‫عن عشر من النعم التي أنعم اهلل تعالى هبا عليهم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ – 1‬نجاهتم من ظلم فرعون وبطشه‬

‫ال فِر َع َ‬
‫ون َيسومونَكم سو َء ٱل َع َذ ِ‬
‫اب﴾‬ ‫﴿ َوإِذ نَجينَـكم من ء ِ‬
‫ِّ َ‬

‫‪ -2‬فرق البحر وجعله طرقا يابسة بعدد أسباط بني إسرائيل‬

‫غرقنَا َء َال فِر َعو َن﴾‬ ‫﴿ َوإِذ َف َرقنَا بِكم ٱل َب َ‬


‫حر َف َأ َ‬
‫نجينَـكم َو َأ َ‬

‫‪ -3‬عفو اهلل عنهم بعد عبادهتم للعجل‬

‫عد َذ ⁠ل ِ َك﴾‬
‫﴿ثم َع َفونَا َعنكم من ب ِ‬
‫ِّ َ‬

‫‪ -4‬نزول التوراة على موسى عليه السالم‬


‫ِ‬
‫ان َل َعلكم َتهتَد َ‬
‫ون﴾‬ ‫ب َوٱلفر َق َ‬ ‫﴿ َوإِذ َءا َتينَا م َ‬
‫وسى ٱلكتَـ َ‬

‫‪ -5‬قبول توبتهم من عبادة العجل‬

‫‪18‬‬
‫َفتوبوا إِ َلى َب ِ‬
‫اريِكم إلى قوله تعالى‪َ ﴿ :‬فت َ‬
‫َاب َع َليكم﴾‬

‫‪-٦‬بعث من مات منهم بالصاعقة حين طلبوا رؤية اهلل تعالى جهرة‬

‫عد َموتِكم َل َعلكم َتشكر َ‬


‫ون﴾‬ ‫﴿ثم بعثنَـكم من ب ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ََ‬

‫‪ -۷‬تظليل الغمام لهم وهم يف صحراء سيناء‬

‫﴿ َو َظللنَا َع َليكم ٱل َغ َما َم﴾‬

‫‪ -۸‬نزول المن والسلوى عليهم‪:‬‬


‫﴿و َأ َنزلنَا َع َليكم ٱلمن وٱلسلوى كلوا مِن َطيبـ ِ‬
‫ت َما َر َزقنَـكم﴾‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫‪ -۹‬دخول أريحا أو بيت المقدس ﴿ َوإِذ قلنَا ٱدخلوا َهـ ِذ ِه ٱل َقر َي َة‬
‫َفكلوا مِنها حيث ِشئتم ر َغدا وٱدخلوا الباب سجدا وقولوا ِحطة ن ِ‬
‫غفر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫حسن ِي َن﴾‬‫َلكم َخ َطـيـكم وسن َِزيد ٱلم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬

‫‪ -۱۰‬تفجير الحجر وخروج الماء منه بعدد األسباط‬


‫ِ‬ ‫﴿ َفقلنَا ٱ ِ‬
‫ضرب ِّب َع َص َ‬
‫لح َج َر فان َف َج َرت منه ٱثنَتَا َع َ‬
‫شر َة َعينا﴾‬ ‫اك ٱ َ‬
‫‪19‬‬
‫•تسمية السورة‪:‬‬

‫تخيل أن سورة من القرآن‪ ،‬بل من السور الطوال قد س ِّميت باسم‬


‫عائلة صغيرة جدً ا! عائلة تتكون من أربع أفراد‪ :‬عمران‪ ،‬وامرأته‪،‬‬
‫وابنتها َمريم‪ ،‬وابنها عيسى؛ وهذا االصطفاء والشرف يأيت بسبب‬
‫شعار واحد‪( :‬أن تكون حياتك كلها هلل)‪،‬‬

‫لك ما فِي َبطني محر ًرا‬


‫امرأت ِعمران َر ّب إنِّي نَذرت َ‬
‫﴿إذا َقالت َ‬
‫فت َقبل مِنِّي إن َك أنت السميع العليم﴾‪.‬‬

‫ج َع َلت ونذرت كل حياهتا هلل‪ ،‬حتى الذي يف بطنها ولم يولد بعد!‬
‫وهذا يبين لنا أثر النية الصالحة على الولد حتى قبل الوالدة‪ ،‬فأنذر‬
‫حياتك كلها هلل‪ ،‬وأبشر بالخير واألثر الطيب‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ِ‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من مقاصد السورة‪ :‬الثبات‪ ،‬عوامله وعواقبه‪.‬‬

‫أما عن موضوعات السورة‪ ،‬فتنقسم السورة إلى موضوعين رئيسيين‪:‬‬

‫‪-1‬الموضوع األول من السورة هو الحديث عن قصة َوفد نصارى‬


‫نَجران‪ ،‬وهو وفد من النصارى يتكون من ستين رجال‪ ،‬وفيهم أربعة‬
‫عشر رجالً من أشرافهم‪ ،‬ويف األربعة عشر ثالثة نفر إليهم يؤول‬
‫أمرهم‪ ،‬فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورهتم الذي ال يصدرون إال‬
‫عن رأيه‪ ،‬واسمه عبد المسيح‪ ،‬والسيد إمامهم وصاحب رحلهم‬
‫واسمه األ ْيهم‪ ،‬وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحربهم وإمامهم‬
‫وصاحب مدارسهم‪ ،‬جاءوا إلى النبي ﷺ يف العام الثاين من الهجرة‬
‫يف المدينة‪ ،‬ليتناقشوا معه حول رسالة سيدنا عيسى عليه الصالة‬
‫والسالم وذلك يف أكثر من ثمانين آية‪ ،‬وجاء التعقيب بعدها يف أكثر‬
‫من ثالثين آية‪ ،‬فلما دخلوا على النبي ﷺ وقد حانت صالهتم فقاموا‬

‫‪21‬‬
‫فصلوا يف مسجد رسول اهلل‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬دعوهم‪ .‬فصلوا‬
‫إلى المشرق‪.‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ فقال لهما رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫فكلم السيد والعاقب‬
‫"أسلما" فقاال‪ :‬قد أسلمنا قبلك‪ ،‬قال‪" :‬كذبتما‪ ،‬منعكما من اإلسالم‬
‫دعاؤكما هلل ولد ًا‪ ،‬وعبادتكما الصليب‪ ،‬وأكلكما الخنزير"‬

‫قاال‪ :‬إن لم يكن عيسى ولد ًا هلل فمن أبوه؟ وخاصموه جميعًا يف‬
‫عيسى‪ ،‬فقال لهما النبي ﷺ‪" :‬ألسـتم تعلمــون أنـه ال يكون ولد إال‬
‫ويشبه أباه؟" قالوا‪ :‬بلى! قال‪" :‬ألستم تعلمون أن ربنا ق ّيم على كل‬
‫شيء يحفظه ويرزقه؟" قالوا‪ :‬بلى! قال‪" :‬فهل يملك عيسى من ذلك‬
‫شيئًا؟" قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪" :‬فإن ربنا صور عيسى يف الرحم كيف شاء‪،‬‬
‫وربنا ال يأكل وال يشرب وال ي ِ‬
‫حدث"‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى! قال‪" :‬ألستم‬
‫تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع‬
‫المرأة ولدها‪ ،‬ثم غ ِّذ َي كما يغذى الصبي‪ ،‬ثم كان يطعم ويشرب‬

‫‪22‬‬
‫وي ِ‬
‫حدث؟" قالوا‪ :‬بلى! قال‪" :‬فكيف يكون هذا كما زعمتم؟"‬
‫فسكتوا‪ ،‬فأنزل اهلل عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة‬
‫وثمانين آية منها‪ ،‬ومِن هذه اآليات‪:‬‬

‫َاب إِال مِن‬ ‫ِ‬ ‫اخ َت َل َ ِ‬


‫ف الذي َن أوتو ْا ا ْلكت َ‬ ‫﴿إِن الدِّ ي َن ِعندَ اهللِ ِ‬
‫اإل ْسالم َو َما ْ‬
‫اهلل َس ِريع‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬‫ف‬‫َ‬ ‫ات اهللِ‬
‫بع ِد ما جاءهم ا ْل ِع ْلم ب ْغيا بينَهم ومن ي ْكفر بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ ً َْ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫ح َس ِ‬
‫اب﴾‬ ‫ا ْل ِ‬

‫وك َفق ْل َأ ْس َل ْمت َو ْج ِه َي لِل ِه َو َم ِن ات َب َع ِن َوقل ِّلل ِذي َن أوتو ْا‬ ‫﴿ َفإِ ْن َحاج َ‬
‫َاب َواأل ِّم ِّيي َن َأ َأ ْس َل ْمت ْم َفإِ ْن َأ ْس َلمو ْا َف َق ِد ْاهتَدَ ْوا وإِن َت َول ْوا َفإِن َما‬ ‫ِ‬
‫ا ْلكت َ‬
‫اد﴾‬ ‫َع َلي َك ا ْلبالغ واهلل ب ِصير بِا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يسى ِعنْدَ اهللِ ك ََم َث ِل آ َد َم َخ َل َقه مِ ْن ت َر ٍ‬
‫اب ثم َق َال َله ك ْن‬ ‫ِ‬
‫﴿إِن َم َث َل ع َ‬
‫َف َيكون * ا ْل َحق مِ ْن َر ِّب َك َفال َتك ْن مِ َن ا ْلم ْمت َِرين﴾‬

‫ثم بعد ذلك طلب منهم النبي ﷺ المباهلة بأمر من اهلل‪ ،‬والمباهلة‬
‫بين طريف هو الدعاء باللعن على الكاذب من الطرفين‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫يه مِن َب ْع ِد َما َجا َء َك مِ َن ا ْل ِع ْل ِم َفق ْل َت َعا َل ْوا نَدْ ع َأ ْبنَا َءنَا‬
‫﴿ َفمن حاج َك فِ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫َو َأ ْبنَا َءك ْم َونِ َسا َءنَا َونِ َسا َءك ْم َو َأنف َسنَا َو َأنف َسك ْم ثم َن ْبت َِه ْل َفن َْج َعل ل ْعن ََت‬
‫اذبِين﴾‬‫اهللِ َع َلى ا ْل َك ِ‬

‫فلما أصبح الصباح وخرج نصارى نجران إلى موعدهم وخرج‬


‫رسول اهلل ﷺ بأهل بيته‪ ،‬وعرف النصارى استعداده ﷺ للمباهلة‬
‫تحققوا أنه نبي‪ ،‬وقالوا فيما بينهم‪ :‬واهلل إنه لنبي! ولئن باهلنا‬
‫ليستجيبن اهلل له فيهلكنا‪ ،‬وال ينجينا شيء منه إال أن نستقيله‪ ،‬فأقبلوا‬
‫وقالوا لرسول اهلل ﷺ‪ :‬نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة وأقلنا‪،‬‬
‫ويقول أهل التاريخ‪ :‬إنه قد أسلم نحو عشرين رجالً منهم فيما بعد‪.‬‬

‫ويف وسط اآليات تأيت النداءات إلى أهل الكتاب‪:‬‬

‫اهلل‬ ‫ال‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫دَ‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫ن‬


‫َ‬ ‫ال‬‫أ‬‫َ‬ ‫م‬ ‫َك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫َا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫اء‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫َاب َتعا َلوا إِ َلى كَلِم ٍ‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫ت‬‫﴿يا َأ ْه َل ا ْلكِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون اهللِ﴾‬‫خ َذ بعضنَا بع ًضا َأربابا من د ِ‬
‫ْ َ ً ِّ‬ ‫َْ‬
‫ال ن ْش ِر َك بِ ِه َشي ًئا و َ ِ‬
‫ال َيت َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َو َ‬

‫‪24‬‬
‫اإل ِ‬ ‫اهيم وما أ ِنز َل ِ‬
‫ت الت ْوراة َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاب لِم تحاج َ ِ‬ ‫ِ‬
‫نجيل‬ ‫َ‬ ‫ون في إِ ْب َر َ َ َ‬ ‫﴿ َيا َأ ْه َل ا ْلكت ِ َ َ‬
‫إِال مِن َب ْع ِد ِه َأ َفالَ َت ْع ِقل َ‬
‫ون﴾‬

‫ات اهللِ َو َأنت ْم َت ْش َهد َ‬


‫ون﴾‬ ‫ون بِآي ِ‬ ‫﴿يا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ ِ‬
‫َاب ل َم َت ْكفر َ َ‬ ‫َ‬

‫ات اهللِ َواهلل َش ِهيدٌ َع َلى َما َت ْع َمل َ‬


‫ون﴾‬ ‫ون بِآي ِ‬ ‫﴿يا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ ِ‬
‫َاب ل َم َت ْكفر َ َ‬ ‫َ‬

‫ون َعن َسبِي ِل اهللِ َم ْن آ َم َن َت ْبغون ََها ِع َو ًجا‬‫َاب ل ِ َم َتصد َ‬ ‫﴿ َيا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ‬

‫ون﴾‬ ‫َو َأنت ْم ش َهدَ اء َو َما اهلل بِ َغافِ ٍل َعما َت ْع َمل َ‬

‫‪-2‬الموضوع الثاين يف السورة الحديث عن غزوة أحد‬

‫ت مِ ْن َأ ْهلِ َك‬
‫من اآلية ‪ 1٨٩ :121‬بداية من قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ َغدَ ْو َ‬
‫يم﴾ وهزيمة أحد تركت‬ ‫َال َواهلل س ِم ٌ ِ‬
‫اعدَ ل ِ ْل ِقت ِ‬
‫تبوئ ا ْلم ْؤمِنِين م َق ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫يف نفوس المسلمين أثر ًا شديدا من ّ‬
‫جراء عصياهنم ألوامر الرسول‬
‫ﷺ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ونالحظ تسلسل قصة غزوة أحد وتثبيت المسلمين تأيت على سياق‬
‫غاية يف الحكمة سبحانه!‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬يذكر اهلل تعالى فضله على المسلمين‬
‫ِ‬ ‫اعدَ ل ِ ْل ِقت ِ‬
‫ت مِن َأ ْهلِ َك تبوىء ا ْلم ْؤمِنِين م َق ِ‬
‫َال َوال ّله َسم ٌ‬
‫يع‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫﴿ َوإِ ْذ َغدَ ْو َ ْ‬
‫يم * إِ ْذ َهمت طآئِ َفتَا ِن مِنك ْم َأن َت ْف َشالَ َوال ّله َولِيه َما َو َع َلى ال ّل ِه‬ ‫َعل ٌ‬
‫ِ‬

‫ون ۝ َو َل َقدْ ن ََص َركم ال ّله بِ َبدْ ٍر َو َأنت ْم َأ ِذل ٌة َفاتقو ْا ال ّل َه‬
‫َف ْل َيت ََوك ِل ا ْلم ْؤمِن َ‬
‫ون ۝ إِ ْذ َتقول ل ِ ْلم ْؤمِنِي َن َأ َلن َي ْك ِفيك ْم َأن ي ِمدك ْم َربكم‬ ‫َل َعلك ْم َت ْشكر َ‬
‫ف ِّم َن ا ْل َمآلئِ َك ِة م َنزلِي َن﴾‬
‫ال ٍ‬
‫بِ َثالَ َث ِة آ َ‬

‫ثم يرفع من روحهم المعنوية فيخفف عنهم ثم يلوم المخالفين لومًا‬


‫رقيقًا‬

‫﴿ َو َل َقدْ َصدَ َقكم ال ّله َوعْدَ ه إِ ْذ َتحسونَهم بِإِ ْذنِ ِه َحتى إِ َذا َف ِش ْلت ْم‬
‫ون مِنكم من‬ ‫حب َ‬ ‫و َتن ََاز ْعتم فِي األَم ِر و َعصيتم من بع ِد ما َأراكم ما ت ِ‬
‫ْ َ َ ْ ِّ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫‪26‬‬
‫اآلخ َر َة ثم َص َر َفك ْم َعنْه ْم ل ِ َي ْبتَلِ َيك ْم َو َل َقدْ‬
‫ي ِريد الد ْنيا ومِنكم من ي ِريد ِ‬
‫َ َ‬
‫َع َفا َعنك ْم َوال ّله ذو َف ْض ٍل َع َلى ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‬

‫ثم يرفع روحهم المعنوية مرة أخرى‬

‫اسا َي ْغ َشى َطآئِ َف ًة ِّمنك ْم َو َطآئِ َف ٌة‬ ‫ِ‬


‫﴿ثم َأ َنز َل َع َل ْيكم ِّمن َب ْعد ا ْل َغ ِّم َأ َمنَ ًة ن َع ً‬
‫ون َهل‬ ‫اهلِي ِة َيقول َ‬ ‫ون بِال ّل ِه َغير ا ْلح ِّق َظن ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َقدْ َأ َهمتْه ْم َأنفسه ْم َيظن َ‬
‫ون فِي َأنف ِس ِهم ما َ‬
‫ال‬ ‫لنَا مِ َن األَ ْم ِر مِن َشي ٍء ق ْل إِن األَ ْم َر كله لِل ِه ي ْخف َ‬
‫ْ‬
‫َان َلنَا مِ َن األَ ْم ِر َش ْي ٌء ما قتِ ْلنَا َهاهنَا قل ل ْو كنت ْم‬ ‫ون َل ْو ك َ‬ ‫ون َل َك َيقول َ‬ ‫ي ْبد َ‬
‫اج ِع ِه ْم َول ِ َي ْبتَلِ َي ال ّله‬‫ب َع َل ْي ِهم ا ْل َقتْل إِ َلى م َض ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في بيوتك ْم َل َب َر َز الذي َن كت َ‬
‫ِ‬
‫وركم ولِيمحص ما فِي قلوبِكم وال ّله َعلِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫َما في صد ِ ْ َ َ َ َ‬
‫الصد ِ‬
‫ور﴾‬

‫ثم يف وسط هذه اآليات التي تتحدث عن غزوة أحد‬

‫تأيت آية عن الربا! كأن اهلل عز ينبهنا إلى أن المعصية واألموال‬


‫المحرمة هي من أسباب الهزيمة والخراب إذا دخلت يف أي شيء‪،‬‬
‫‪27‬‬
‫سواء على المستوى الشخصي من حيث المشاريع الشخصية‪ ،‬أو من‬
‫حيث بناء الدولة‪ ،‬أو عمل مشاريع أو تجهيز الجيوش‪َ ﴿ :‬يا َأي َها‬

‫الر َبا َأ ْض َعا ًفا م َضا َع َف ًة َواتقو ْا َ‬


‫اهلل َل َعلك ْم‬ ‫ال ِذي َن آ َمنو ْا َ‬
‫ال َت ْأكلو ْا ِّ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ت ْفلِح َ‬

‫ولو الحظنا يف سورة سنجد أن من مقاصدها كيفية بناء المجتمع‪ ،‬ثم‬


‫تأيت بعدها سورة آل عمران لتخربك عن كيفية الحفاظ على هذا‬
‫المجتمع الذي بنيناه‪ ،‬وكيف تتصدى ألعداء الدين‪.‬‬

‫وتخربنا السورة بأعداء الدين‪:‬‬

‫ون َما َت َشا َب َه مِنْه‬


‫‪-1‬أهل الشبهات‪َ ﴿ :‬ف َأما ال ِذي َن فِي قلوبِ ِه ْم َز ْي ٌغ َف َيتبِع َ‬
‫ا ْبتِ َغاء ا ْل ِف ْتن َِة َوا ْبتِ َغاء َت ْأ ِويلِ ِه﴾‪.‬‬

‫ون إِ َلى َج َهن َم‬ ‫‪-2‬أهل السيف‪﴿ :‬قل ِّلل ِذي َن َك َفرو ْا َست ْغ َلب َ‬
‫ون َوت ْح َشر َ‬
‫َوبِئْ َس ا ْل ِم َهاد﴾‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪-3‬أهل الشهوات من المسلمين «ضعفاء الصف»‪﴿ :‬ز ِّي َن لِلن ِ‬
‫اس‬
‫حب الشهو ِ‬
‫ات﴾‪.‬‬ ‫ََ‬

‫جاء يف السورة آية الشهوات‪ ،‬ثم تأيت بعده آية معالجة الشهوات‪:‬‬

‫ات َت ْج ِري مِن‬ ‫﴿ق ْل َأؤ َن ِّبئكم بِ َخ ْي ٍر ِّمن َذلِك ْم لِل ِذي َن ات َق ْوا ِعندَ َر ِّب ِه ْم َجن ٌ‬
‫ان ِّم َن اهللِ َواهلل‬
‫اج م َطه َر ٌة َو ِر ْض َو ٌ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْحت َها األَن َْهار َخالدي َن ف َيها َو َأ ْز َو ٌ‬
‫اد﴾؛ فلكي تتخلص من هذه الشهوات يجب أن تتقي اهلل‪،‬‬ ‫ب ِصير بِا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ٌ‬
‫وتتعلق باآلخرة‪ ،‬وتراقب اهلل عز وجل‪ ،‬فإليك الداء والدواء‪ ،‬فتأمل!‬

‫ثم تتحدث السورة أيضا عن حرب الشبهات والجدال مع أهل‬


‫الكتاب من اآلية ‪ 1٩‬حتى اآلية ‪ ،٩٩‬ثم يأيت بعدها كيفية كَسب هذه‬
‫الحرب من اآلية ‪ 1٠٠‬حتى اآلية ‪.12٠‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنو ْا إِن تطيعو ْا َف ِري ًقا ِّم َن الذي َن أوتو ْا ا ْلكت َ‬
‫َاب َيردوكم‬
‫يمانِك ْم كَافِ ِري َن﴾ = عدم طاعتهم ومواالهتم‪.‬‬ ‫َب ْعدَ إِ َ‬

‫‪29‬‬
‫ون َو َأنت ْم ت ْت َلى َع َل ْيك ْم آ َيات اهللِ َوفِيك ْم َرسوله َو َمن‬
‫ف َت ْكفر َ‬
‫﴿ َك ْي َ‬
‫يم﴾ = أن نتمسك بالقرآن‬ ‫يعت َِصم بِاهللِ َف َقدْ ه ِدي إِ َلى ِصر ٍ‬
‫اط م ْست َِق ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫والسنة‪ ،‬وتكون تشريعاتنا منهما‪ ،‬وليس من الكفار وقوانينهم‪.‬‬

‫اهلل َحق ت َقاتِ ِه َو َ‬


‫ال َتموتن إِال َو َأنتم م ْسلِم َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنو ْا اتقو ْا َ‬
‫ال َت َفرقو ْا﴾ = تعظيم اهلل يف قلوبنا‪،‬‬ ‫َوا ْعت َِصمو ْا بِ َح ْب ِل اهللِ َج ِمي ًعا َو َ‬
‫والرتابط بين المسلمين‪ ،‬بأن يكون هناك بيننا وحدة مرتابطة‪.‬‬
‫ون بِا ْلمعر ِ‬
‫وف َو َينْ َه ْو َن َع ِن‬ ‫ون إِ َلى ا ْل َخ ْي ِر َو َي ْأمر َ َ ْ‬
‫﴿ َو ْلتَكن ِّمنك ْم أم ٌة َيدْ ع َ‬
‫ون﴾ = أن نكون يدً ا واحدة يف األمر‬ ‫ا ْلمن َك ِر َوأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِح َ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬لذلك جاءت الوحدة والرتابط قبل‬
‫الدعوة إلى اهلل؛ ألن الفرقة هتدم الدعوات‪.‬‬

‫﴿ َي ْو َم َت ْبيَض وجو ٌه َو َت ْس َود وجو ٌه﴾ = بعد كل هذا يجب علينا أال‬
‫ننسى اآلخرة‪ ،‬ونشحن قلوبنا بعقيدة اإليمان باليوم اآلخر‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الذلة َأ ْي َن َما ث ِقفو ْا﴾ = عدم تعظيمهم‪ ،‬وأال ننهزم‬
‫﴿ض ِر َب ْت َع َل ْي ِهم ِّ‬
‫نفس ًّيا أمام قوهتم وغناهم؛ فمهما أعطاهم اهلل من الدنيا‪ ،‬فهم أذلة‪.‬‬

‫حرب السيف‪ :‬تأيت حروب السيف يف ستين آية تتحدث عن غزوة‬


‫أحد‪ ،‬ثم مرة أخرى حروب الشبهات ومجادلة أهل الكتاب من اآلية‬
‫‪ 1٨1‬حتى اآلية ‪.1٨٩‬‬

‫ومن هذا الرتتيب‪« :‬حروب فكرية‪ ،‬حرب سيف‪ ،‬حروب فكرية»؛‬


‫ندرك أن الحروب الفكرية وحرب الشبهات أقوى من حروب‬
‫السيف‪ ،‬وهذا ما يفعله معنا األعداء‪ ،‬تكون بدايتهم بالشبهات‬
‫والحروب الفكرية‪ ،‬ثم السيف‪ ،‬ثم الحروب الفكرية مرة أخرى‪،‬‬
‫وهذا َن ْل َحظه يف بالدنا اإلسالمية‪ ،‬إي نعم أغلب بالدنا لم يعد يتواجد‬
‫فيها محتَل أجنبي‪ ،‬ولم يعد هناك احتالل عسكري‪ ،‬ولكن هناك‬
‫حروب فكرية ما زالت مستمرة‪ ،‬حروب شبهات يضعفون هبا‬
‫األجيال الصاعدة‪ ،‬ويغيبون هبا المسلمين‪ ،‬ويستخدمون الكثير من‬

‫‪31‬‬
‫الوسائل لتحقيق مطالبهم الخبيثة‪ ،‬مثل األفالم والمسلسالت‪،‬‬
‫وبعض المأجورين المندسين بيننا منهم الذين يلقون الشبهات على‬
‫المسلمين من خالل برامجهم التلفزيونية وغيرها من األساليب‬
‫الخبيثة‪.‬‬

‫بعد التحدث عن أساليب الكفار يف محاربة اإلسالم سواء الحرب‬


‫الفكرية‪ ،‬أو حرب السيف‪ ،‬وعن كيفية التصدي ليهم؛ سورة آل‬
‫أيضا كيفية جدال أهل الباطل ومحاورهتم برتتيب‬
‫عمران لتعلمنا ً‬
‫مت َقن‪:‬‬

‫‪ً -‬‬
‫أوال‪ :‬قبل إبطال الباطل ال بد من إظهار الحق‪ ،‬وإظهار الحقيقة‬
‫كاملة‪ ،‬وجا َء ذلك من خالل َعرض قصة امرأة عمران ووالدة مريم‪،‬‬
‫ثم البشرى بسيدنا عيسى‪ ،‬وقصته مع بني إسرائيل والحواريين‪.‬‬

‫‪-‬ثان ًيا‪ :‬المباهلة‪ ،‬وهي إلظهار ثقتنا يف ديننا‪ ،‬ومدى تمسكنا به‪ ،‬وجاء‬
‫يه مِن َب ْع ِد َما َجا َء َك مِ َن ا ْل ِع ْل ِم‬
‫ذلك يف قوله تعالى‪َ ﴿ :‬فمن حاج َك فِ ِ‬
‫َ ْ َ‬

‫‪32‬‬
‫َفق ْل َت َعا َل ْوا نَدْ ع َأ ْبنَا َءنَا َو َأ ْبنَا َءك ْم َونِ َساءنَا َونِ َساءك ْم َو َأنف َسنَا و َأنف َسك ْم‬
‫اذبِي َن﴾‪.‬‬‫ثم َنبت َِه ْل َفنَجعل لعنَ َة اهللِ َع َلى ا ْل َك ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ْ‬

‫‪-‬ثال ًثا‪ :‬إظهار مبدأ الحوار الهادئ‪ ،‬والتسامح واللين‪﴿ :‬ق ْل َيا َأ ْه َل‬
‫ِ ٍ‬ ‫ا ْلكِت ِ‬
‫ال ن ْش ِر َك‬ ‫َاب َت َعا َل ْوا إِ َلى كَل َمة َس َواء َب ْينَنَا َو َب ْينَك ْم َأال َن ْعبدَ إِال َ‬
‫اهلل َو َ‬
‫ون اهللِ َفإِن َت َول ْوا َفقولو ْا‬
‫خ َذ بعضنَا بع ًضا َأربابا من د ِ‬
‫ْ َ ً ِّ‬ ‫َْ‬
‫بِ ِه َشي ًئا و َ ِ‬
‫ال َيت َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬‫ْاش َهدو ْا بِ َأنا م ْسلِم َ‬

‫‪-‬راب ًعا‪ :‬إبطال الباطل‪ ،‬من خالل إظهار باطلهم ومساوئهم وكذهبم‬
‫من خالل‪:‬‬

‫‪-‬فضح َخبيئتهم‪ ،‬وما يكتمونه من ِغل وحسد وكره لنا‪َ ﴿ :‬ودت طائِ َف ٌة‬
‫ِّم ْن َأ ْه ِل ا ْلكِت ِ‬
‫َاب َل ْو ي ِضلونَك ْم﴾‪.‬‬

‫‪-‬حبهم للدنيا‪َ ﴿ :‬ومِنْهم م ْن إِن َت ْأ َمنْه بِ ِدين ٍَار ال ي َؤ ِّد ِه إِ َليْ َك﴾‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-‬كذهبم وتدليسهم وتحريفهم للكتب التي نزلت عليهم‪َ ﴿ :‬وإِن مِنْه ْم‬
‫َاب َو َما ه َو مِ َن‬
‫َاب لِت َْح َسبوه مِ َن ا ْلكِت ِ‬
‫ون َأ ْل ِسنَتَهم بِا ْلكِت ِ‬
‫َل َف ِري ًقا َي ْلو َ‬
‫ون ع َلى اهللِ‬ ‫ند اهللِ وما هو مِن ِع ِ ِ‬
‫ون هو مِن ِع ِ‬ ‫ا ْلكِت ِ‬
‫ند اهلل َو َيقول َ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َاب َو َيقول َ َ ْ‬
‫ون﴾‪.‬‬‫ا ْل َك ِذ َب َوه ْم َي ْع َلم َ‬

‫وكما ذكرنا أن من مقاصد السورة أهنا تعطيك خطة كاملة للثبات‪،‬‬


‫ومن هذه اآليات التي تحثنا على الثبات‪:‬‬

‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنو ْا اتقو ْا ال ّل َه َحق ت َقاتِ ِه َو َ‬


‫ال َتموتن إِال َو َأنتم‬
‫م ْسلِم َ‬
‫ون﴾‬

‫﴿ َوا ْعت َِصمو ْا بِ َح ْب ِل ال ّل ِه َج ِمي ًعا َو َ‬


‫ال َت َفرقو ْا﴾‬

‫ون كَثِ ٌير َف َما َو َهنو ْا ل ِ َما َأ َصا َبه ْم فِي َسبِي ِل‬
‫﴿ َوك ََأ ِّين ِّمن نبِي َقا َت َل َم َعه ِر ِّبي َ‬
‫ٍّ‬
‫حب الصابِ ِري َن﴾‬ ‫ال ّل ِه وما َضعفو ْا وما اس َت َكانو ْا وال ّله ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬

‫‪34‬‬
‫ِ‬
‫اخ َش ْوه ْم َف َزا َده ْم‬ ‫اس َقدْ َج َمعو ْا َلك ْم َف ْ‬ ‫﴿الذي َن َق َال َلهم الناس إِن الن َ‬
‫يمانًا َو َقالو ْا َح ْسبنَا ال ّله َونِ ْع َم ا ْل َوكِيل ۝ َفان َق َلبو ْا بِن ِ ْع َم ٍة ِّم َن ال ّل ِه‬
‫إِ َ‬
‫َو َف ْض ٍل ل ْم َي ْم َس ْسه ْم سو ٌء َوات َبعو ْا ِر ْض َوا َن ال ّل ِه َوال ّله ذو َف ْض ٍل َعظِ ٍ‬
‫يم﴾‬

‫اصبِرو ْا َو َصابِرو ْا َو َرابِطو ْا َواتقو ْا ال ّل َه َل َعلك ْم‬ ‫ِ‬


‫﴿يا َأي َها الذي َن آ َمنو ْا ْ‬
‫ت ْفلِح َ‬
‫ون﴾‬

‫ومن عوامل الثبات التي جاءت يف السورة‪:‬‬

‫‪ .1‬اللجوء الى اهلل تعالى‪:‬‬

‫نت‬ ‫ب َلنَا مِن لد َ‬


‫نك َر ْح َم ًة إِن َك َأ َ‬ ‫ال ت ِز ْغ قلو َبنَا َب ْعدَ إِ ْذ َهدَ ْي َتنَا َو َه ْ‬
‫﴿ َربنَا َ‬
‫ا ْل َوهاب﴾ إلى آخر اآليات‪.‬‬

‫ت ا ْم َر َأة ِع ْم َر َ‬
‫ان َر ِّب إِنِّي ن ََذ ْرت َل َك‬ ‫أيضا دعاء زوجة عمران ﴿إِ ْذ َقا َل ِ‬

‫نت الس ِميع ا ْل َعلِيم﴾‬ ‫َما فِي بَ ْطنِي م َحر ًرا َفتَ َقب ْل مِنِّي إِن َك َأ َ‬

‫‪35‬‬
‫ب لِي‬ ‫ِ‬
‫وكذلك دعوة سيدنا زكريا ﴿هنَال َك َد َعا َزك َِريا َربه َق َال َر ِّب َه ْ‬
‫مِن لدن َْك ذ ِّري ًة َط ِّي َب ًة إِن َك َس ِميع الد َعاء﴾‬

‫وسورة آل عمران هي أكثر السور التي ورد فيها دعاء ألننا إذا أردنا‬
‫الثبات على المنهج علينا أن ندعو اهلل تعالى ونلجأ إليه حتى يعيننا‬
‫بأمس الحاجة إلى عون اهلل تعالى للثبات‪.‬‬
‫على الثبات ألننا ّ‬

‫‪-2‬العبادة‪:‬‬

‫وهذه السورة مليئة بنماذج ع ّباد‪:‬‬

‫السيدة مريم وعبادهتا‪:‬‬

‫ول َح َس ٍن َو َأن َبت ََها َن َبا ًتا َح َسنًا َوكَف َل َها َزك َِريا كل َما‬‫﴿فتق ّبلها رب َها بِ َقب ٍ‬
‫َ‬
‫د َخ َل َع َليها َزك َِريا ا ْل ِمحراب وجدَ ِعندَ َها ِر ْزقًا َق َال يا مريم َأنى َل ِ‬
‫ك‬ ‫َ ََْ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫اب﴾‬ ‫ند ال ّل ِه إن ال ّل َه َي ْرزق َمن َي َشاء بِ َغ ْي ِر ِح َس ٍ‬ ‫َه َـذا َقا َل ْت هو مِن ِع ِ‬
‫َ ْ‬

‫‪36‬‬
‫سيدنا زكريا‬

‫﴿ َفنَا َد ْته ا ْل َمآلئِ َكة َوه َو َقائِ ٌم ي َص ِّلي فِي ا ْل ِم ْح َر ِ‬


‫اب َأن ال ّل َه ي َب ِّشر َك‬
‫بِيحيـى مصدِّ ًقا بِ َكلِم ٍة من ال ّل ِه وسيدً ا وحصورا و َنبِيا من الصال ِ ِ‬
‫حي َن﴾‬ ‫ً َ ًّ ِّ َ‬ ‫َ َ ِّ َ َ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬

‫دعاء المؤمنين‬

‫ان َأ ْن آمِنو ْا بِ َر ِّبك ْم َفآ َمنا َربنَا َفا ْغ ِف ْر‬


‫َادي لِإلِيم ِ‬
‫َ‬
‫َاديا ين ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ربنَا إِننَا َسم ْعنَا من ً‬
‫َلنَا ذنو َبنَا َو َك ِّف ْر َعنا َس ِّي َئاتِنَا َو َت َوفنَا َم َع األ ْب َر ِار﴾‬

‫‪ .3‬الدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫ألنه لما يدعو أحدنا غيره إلى اهلل تعالى فهذا يعين على الثبات‪.‬‬
‫ون بِا ْلمعر ِ‬
‫وف َو َين َْه ْو َن َع ِن‬ ‫ون إِ َلى ا ْل َخ ْي ِر َو َي ْأمر َ َ ْ‬
‫﴿ َو ْلتَكن ِّمنك ْم أم ٌة َيدْ ع َ‬
‫ون﴾‪ ،‬و ﴿كنت ْم َخ ْي َر أم ٍة أ ْخ ِر َج ْت لِلن ِ‬
‫اس‬ ‫ا ْلمن َك ِر َوأ ْو َلـئِ َك هم ا ْلم ْفلِح َ‬
‫ون بِال ّل ِه َو َل ْو آ َم َن َأ ْهل‬
‫وف َو َتن َْه ْو َن َع ِن ا ْلمن َك ِر َوت ْؤمِن َ‬
‫ون بِا ْلمعر ِ‬
‫َت ْأمر َ َ ْ‬
‫ون و َأ ْك َثرهم ا ْل َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْلكِت ِ‬
‫ون﴾‬ ‫اسق َ‬ ‫ان َخ ْي ًرا لهم ِّمنْهم ا ْلم ْؤمن َ َ‬ ‫َاب َل َك َ‬

‫‪37‬‬
‫األخوة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬

‫األخوة يف الدين بشكل شديد ألهنا من أهم ما‬ ‫ّ‬ ‫تركز السورة على‬
‫ال َت َفرقو ْا َوا ْذكرو ْا‬ ‫يعين على الثبات‪َ ﴿ .‬وا ْعت َِصمو ْا بِ َح ْب ِل ال ّل ِه َج ِمي ًعا َو َ‬
‫ف َب ْي َن قلوبِك ْم َف َأ ْص َب ْحتم بِن ِ ْع َمتِ ِه‬ ‫نِ ْع َم َة ال ّل ِه َع َل ْيك ْم إِ ْذ كنت ْم َأعْدَ اء َف َأل َ‬
‫ار َف َأن َق َذكم ِّمن َْها ك ََذل ِ َك يبَ ِّين ال ّله‬ ‫إِ ْخ َوانًا َوكنت ْم َع َل َى َش َفا ح ْف َر ٍة ِّم َن الن ِ‬

‫ون﴾‬ ‫َلك ْم آ َياتِ ِه َل َعلك ْم َت ْهتَد َ‬

‫اخ َت َلفو ْا مِن َب ْع ِد َما َجاءهم ا ْل َب ِّينَات‬


‫ال َتكونو ْا كَال ِذي َن َت َفرقو ْا َو ْ‬‫﴿ َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫اب َعظ ٌ‬ ‫َوأ ْو َلـئ َك َله ْم َع َذ ٌ‬

‫‪38‬‬
‫استغرق نزول السورة على النبي ﷺ نحو ثمانية أعوام‪ ،‬وظلت‬
‫مفتوحة طوال هذه المدة‪ ،‬حيث ابتدأ نزولها بعد أحداث الهجرة‬
‫وغزوة أحد‪ ،‬واستمرت اآليات واألحكام تنزل حسب الوقائع‬
‫والحوادث ومقتضى الحاجة على رسول اهلل ﷺ حتى أن فتحت مكة‬
‫يف العام الثامن من الهجرة‪.‬‬

‫ورد عن ابن مسعود رضي اهلل عنه‪ ،‬أن يف السورة خمس آيات أحب‬
‫إلى العبد من الدنيا وما فيها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫﴿إِن َت ْجتَنِبو ْا َك َبائِ َر َما تن َْه ْو َن َعنْه ن َك ِّف ْر َعنك ْم َس ِّي َئاتِك ْم َوندْ ِخ ْلكم‬

‫مدْ َخالً ك َِر ً‬


‫يما﴾‬

‫ت مِن لدنْه‬
‫اع ْفها وي ْؤ ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال َي ْظلِم م ْث َق َال َذرة َوإِن َتك َح َسنَ ًة ي َض َ َ‬ ‫﴿إِن َ‬
‫اهلل َ‬
‫ِ‬
‫يما﴾‬ ‫َأ ْج ًرا َعظ ً‬
‫‪39‬‬
‫ون َذل ِ َك ل ِ َمن َي َشاء﴾‬
‫ال َي ْغ ِفر َأن ي ْش َر َك بِ ِه َو َي ْغ ِفر َما د َ‬ ‫﴿إِن َ‬
‫اهلل َ‬

‫اس َت ْغ َف َر َلهم‬ ‫استَ ْغ َفرو ْا َ‬


‫اهلل َو ْ‬ ‫﴿ َو َل ْو َأنه ْم إِذ ظ َلمو ْا َأنف َسه ْم َجاؤ َ‬
‫وك َف ْ‬
‫ِ‬
‫الرسول َل َو َجدو ْا َ‬
‫اهلل َتوا ًبا رح ً‬
‫يما﴾‬
‫ِ‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‬

‫كما الحظنا يف سورة آل عمران أهنا تبين أساليب َهدم الدولة من‬
‫خالل محاربة الكفار لنا‪ ،‬ولكن األساليب يف هذه السورة أساليب‬
‫صدامية سريعة‪ ،‬أما يف سورة النساء فتتحدث عن أساليب هدم الدولة‬
‫لكن على المدى البعيد «الحروب الباردة»‪.‬‬

‫ومن خالل اسم السورة فموضوع السورة يدور حول دور المرأة‬
‫سواء يف بناء المجتمع أو يف هدمه‪ ،‬وبناؤه يكون يف دورها المهم جدً ا‬
‫يف الرتبية وإخراج األجيال‪ ،‬وهدمه من خالل التربج واالختالط‪،‬‬
‫وتحرير المرأة‪ ،‬والحمالت النسوية وغيرها من األمور التي هتدم‬
‫المرأة‪ ،‬فينهدم المجتمع‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫موضوعات السورة‪:‬‬

‫تتحدث السورة عن ثالث طوائف‪ ،‬اليهود‪ ،‬المنافقين‪ ،‬النصارى‪ ،‬ألن‬


‫السورة تن ِّظم شؤون المجتمع الداخلية والخارجية‪ ،‬لذلك ال بد عن‬
‫الحديث عن العد والداخلي والخارجي‬

‫طائفة اليهود‪:‬‬

‫جاء ذكرهم يف السورة يف ثالث عشرة آية‪ ،‬واليهود كانوا قد اتخذوا‬


‫لهم مستوطنات فجوار المدينة‪ ،‬والسورة تستنكر عليهم أفعالهم من‬
‫كفرهم بالوحي‪ ،‬والتحريف والتغيير والتبديل والتكذيب‪ ،‬وقد‬
‫هددهم اهلل تعالى بأن يطمس وجوههم فيردها على أدبراها‪َ ﴿ :‬يا َأي َها‬
‫َاب آمِنو ْا بِ َما َنز ْلنَا م َصدِّ ًقا ِّل َما َم َعكم ِّمن َق ْب ِل َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي َن أوتو ْا ا ْلكت َ‬
‫اب‬ ‫وها َفنَرد َها َع َلى َأ ْد َب ِ‬
‫ار َها َأ ْو َن ْل َعنَه ْم ك ََما َل َعنا َأ ْص َح َ‬ ‫ن ْط ِم َس وج ً‬
‫ال﴾‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬قد محى اهلل آثارهم من‬ ‫َان َأ ْمر اهللِ َم ْفعو ً‬ ‫السب ِ‬
‫ت َوك َ‬ ‫ْ‬
‫المدينة ومن حولها‪ ،‬وطمس وجودهم هبا‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫ومن خبث هؤالء‪ ،‬كانوا عندما يسئلون‪ :‬أي من السلمين والوثنيين‬
‫أقرب إلى الحق‪ ،‬كانوا يقولون أن الوثنية خير من اإلسالم! ﴿ َأ َل ْم َت َر‬
‫ت والطاغ ِ‬
‫وت‬ ‫ون بِا ْل ِ ِ‬
‫َاب ي ْؤمِن َ‬
‫إِ َلى ال ِذي َن أوتو ْا ن َِصيبًا ِّم َن ا ْلكِت ِ‬
‫ج ْب َ‬
‫ون لِل ِذي َن َك َفرو ْا َهؤالء َأ ْهدَ ى مِ َن ال ِذي َن آ َمنو ْا َسبِيالً﴾‬
‫َو َيقول َ‬

‫والسبب األكرب يف هذا الكره والحقد‪ ،‬ألن النبوة انتقلت إلى العرب‪،‬‬
‫حيث نبينا ﷺ من العرب‪ ،‬وانتشلت منهم بعد مدة كبيرة من الزمن‪،‬‬
‫فحسدوا الناس على ما آتاهم اهلل من فضله‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس َع َلى َما آ َتاهم اهلل من َف ْضله َف َقدْ آ َت ْينَا َآل إِ ْب َراه َ‬
‫يم‬ ‫ون الن َ‬ ‫َأ ْم َي ْحسد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‬‫َاب َوا ْلح ْك َم َة َوآ َت ْينَاهم م ْل ًكا َعظ ً‬
‫ا ْلكت َ‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬طائفة المنافقين‪.‬‬

‫أشارت السورة إلى بعض صفات المنافقين‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪-1‬ال يقبلون الحق‪ ،‬ويكرهون الجهاد يف سبيل اهلل‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫اخرجو ْا مِن ِد َي ِ‬
‫اركم ما‬ ‫﴿ َو َل ْو َأنا َك َت ْبنَا َع َل ْي ِه ْم َأ ِن ا ْقتلو ْا َأنف َسك ْم َأ ِو ْ‬
‫َف َعلوه إِال َقلِ ٌيل ِّمنْه ْم﴾‬

‫‪-2‬يدعون اإلسالم‪ ،‬ولكنهم يتحاكمون إلى غيره‪:‬‬

‫ون َأنه ْم آ َمنو ْا بِ َما أ ِنز َل إِ َل ْي َك َو َما أ ِنز َل مِن‬


‫﴿ َأ َل ْم َت َر إِ َلى ال ِذي َن َي ْزعم َ‬
‫وت َو َقدْ أمِرو ْا َأن َي ْكفرو ْا بِ ِه‬ ‫ون َأن يتَحاكَمو ْا إِ َلى الطاغ ِ‬
‫َق ْبلِ َك ي ِريد َ َ َ‬
‫ال َب ِعيدً ا﴾‬ ‫َوي ِريد الش ْي َطان َأن ي ِضله ْم َضال ً‬

‫‪-3‬يبتعدون ويكرهون أحكام وشرائع اإلسالم‪:‬‬

‫ول َر َأ ْي َت ا ْلمنَافِ ِقي َن‬


‫﴿ َوإِ َذا قِ َيل َلهم َت َعا َل ْوا إِ َلى ما َأ َنز َل اهلل َوإِ َلى الرس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َيصد َ‬
‫ون َع َ‬
‫نك صدو ًدا﴾‪.‬‬

‫‪-4‬يث ِّبطون ِ‬
‫الهمم‪:‬‬

‫﴿ َوإِن مِنك ْم َل َمن ليبَ ِّط َئن﴾‪.‬‬

‫يروجون اإلشاعات التي تضر اإلسالم وأهله‪:‬‬


‫‪ِّ -5‬‬

‫‪43‬‬
‫ف َأ َذاعو ْا بِ ِه﴾‪.‬‬
‫﴿وإِ َذا جاءهم َأمر من األَم ِن َأ ِو ا ْل َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ٌ ِّ َ ْ‬

‫‪-٦‬عندهم ال مباالة تجاه التجريح يف ثوابت اإلسالم وعلمائه‪:‬‬

‫ات اهللِ ي ْك َفر بِ َها‬


‫َاب َأ ْن إِ َذا س ِمعتم آي ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬ ‫﴿ َو َقدْ نَز َل َع َل ْيك ْم فِي ا ْلكِت ِ‬

‫يث َغ ْي ِر ِه إِنك ْم إِ ًذا‬


‫ويستَه َزأ بِها َفالَ َت ْقعدو ْا معهم حتى يخوضو ْا فِي ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫اهلل َجامِع ا ْلمنَافِ ِقي َن َوا ْل َكافِ ِري َن فِي َج َهن َم َج ِمي ًعا﴾‪.‬‬
‫ِّم ْثله ْم إِن َ‬

‫‪-3‬الطائفة الثالثة‪ :‬النصارى‪.‬‬

‫فهم غالوا يف سيدنا عيسى عليهم السالم‪ ،‬واتخذوه إلها‪ ،‬وزعموا أنه‬
‫قد صلب وقتل‪:‬‬

‫ال َتقولو ْا َع َلى اهللِ إِال ا ْل َحق إِن َما‬ ‫ال َت ْغلو ْا فِي ِدينِك ْم َو َ‬
‫َاب َ‬‫﴿ َيا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح ِّمنْه‬ ‫يسى ا ْبن َم ْر َي َم َرسول اهلل َوكَلِ َمته َأ ْل َق َ‬
‫اها إِ َلى َم ْر َي َم َور ٌ‬ ‫ا ْل َمسيح ع َ‬
‫احدٌ‬‫ال َتقولو ْا َثال َث ٌة انتَهو ْا َخيرا لكم إِنما اهلل إِ َله و ِ‬
‫ٌ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ًْ‬ ‫َفآمِنو ْا بِاهللِ َورسلِ ِه َو َ‬

‫‪44‬‬
‫اوات َو َما فِي األَ ْر ِ‬
‫ض َو َك َفى‬ ‫ِ‬ ‫س ْب َحانَه َأن َيك َ‬
‫ون َله َو َلدٌ له َما في الس َم َ‬
‫بِاهللِ َوكِيالً﴾‬

‫مسارات السورة‪:‬‬

‫تتحدث سورة النساء عن العدل يف ثالث محاور‪ ،‬والعدل هو‬


‫المحور الرئيسي الذي يربط آيات السورة ببعضها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب﴾‪،‬‬‫العدل مع الضعفاء‪َ ﴿ :‬وآتو ْا ا ْل َيتَا َمى َأ ْم َوا َله ْم﴾‪َ ﴿ ،‬وللن َِّساء نَص ٌ‬
‫حل َلكم َأن َت ِرثو ْا النِّساء كَر ًها﴾‪﴿ ،‬ا ْلمست َْضع ِفين مِن ا ْل ِو ْلدَ ِ‬ ‫ال ي ِ‬
‫ان‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ ََ‬
‫ط﴾‪.‬‬ ‫و َأن َتقومو ْا ل ِ ْليتَامى بِا ْل ِقس ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫َاب بِا ْل َح ِّق لِت َْحك َم َب ْي َن الن ِ‬


‫اس‬ ‫ِ‬
‫العدل مع األعداء‪﴿ :‬إِنا َأ َنز ْلنَا إِ َل ْي َك ا ْلكت َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫بِ َما َأ َر َ‬
‫يما﴾‪.‬‬‫ال َتكن ِّل ْل َخائني َن َخص ً‬ ‫اك اهلل َو َ‬
‫العدل على األولياء‪﴿ :‬يا َأيها ال ِذين آمنو ْا كونو ْا َقوامِين بِا ْل ِقس ِ‬
‫ط‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ش َهدَ اء لِل ِه َو َل ْو َع َلى َأنف ِسك ْم َأ ِو ا ْل َوالِدَ ْي ِن َواألَ ْق َربِي َن﴾‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ثم تحدث السورة عن أخطر فتنتَين يهدمان المجتمع‪:‬‬

‫فتنة المال‪ :‬حيث جاءت يف آيات أموال اليتامى والميراث‪.‬‬

‫ح َش َة مِن ن َِّسايِكم‬
‫فتنة النساء‪ :‬آيات الزنا‪﴿ :‬وٱلـتِی يأتِين ٱل َفـ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫مسكوهن فِی ٱلبي ِ‬
‫وت‬ ‫َشهدوا َع َلي ِهن َأربع ًة منكم َفإِن َش ِهدوا َف َأ ِ‬
‫فٱست ِ‬
‫َ‬
‫َ َ ِّ‬
‫لموت َأو َيج َع َل ٱهلل َلهن َسبِي ًال﴾‬
‫َحتى َيت ََوفيهن ٱ َ‬

‫ويأيت بعدهما مباشرة آيات التوبة‪ ،‬لتحثنا جمي ًعا على التوبة إلى اهلل؛‬
‫والمسارعة إليه؛ كي ال ينهدم المجتمع الداخلي بسب المعاصي‬
‫والفواحش‪.‬‬

‫ثم جاء يف السورة مواضيع خمسة متعددة‪ ،‬ولكن بينها ترابط عجيب‪:‬‬

‫«المرأة‪ ،‬المنافقين‪ ،‬اليهود‪ ،‬الجهاد‪ ،‬طاعة اهلل ورسوله»‪.‬‬

‫ونالحظ الرتابط اآليت‪ :‬اليهود يقومون بتجنيد المنافقين الذي هم يف‬


‫وسطنا والذين يعملون ليل هنار على َهدم األسرة والمجتمع‪ ،‬وهذا‬

‫‪46‬‬
‫نراه يوم ًيا ويف كل ساعة‪ ،‬من خالل َبث برامج‪ ،‬ومسلسالت فاجرة‬
‫هتدم المجتمع‪ ،‬ومن خالل حمالت النسويات وغيرها من‬
‫األساليب؛ فتهدَ م المرأة والتي هي نواة المجتمع‪ ،‬فعندما هتدم المرأة‬
‫تخرج أجيا ً‬
‫ال غير مطيعة هلل ورسوله‪ ،‬وبالتالي ال يوجد جهاد ودفاع‬
‫عن اإلسالم‪ ،‬معادلة م َمنهجة‪ ،‬وخطة َمدروسة على مجتمعنا‪،‬‬
‫المحسوسة‪ ،‬مثل‬ ‫فانتبِه!أ ً‬
‫يضا ذكرت السورة الفئات المجتمعة غير َ‬
‫المجرمين القتلة وشاربي الخمر‪ ،‬لذلك َ‬
‫جعل اهلل لهم حدو ًدا‬
‫لردعهم؛ حتى يتوقف الناس‪ ،‬وال يهدموا المجتمع‪.‬‬

‫وبالتالي‪ :‬فإن أسباب َهدم المجتمع والدولة على المدى الطويل‪:‬‬

‫(فتنة المال‪ ،‬فتنة النساء‪َ ،‬هدم األسرة‪ ،‬أعداء اإلسالم من المنافقين‬


‫والكفار‪ ،‬الظلم‪ ،‬الفئات الفردية غير المحسوسة)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫تسمية السورة‪:‬‬

‫قال ابن كثير رحمه اهلل يف البداية والنهاية‪:‬‬

‫أن عيسى عليه السالم أمر الحواريين بصيام ثالثين يوما فلما أتموها‬
‫طلبوا من عيسى عليه السالم أن يسأل ربه لينزل عليهم مائدة من‬
‫السماء من أجل أن يأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوهبم أن اهلل تعالى قد‬
‫قبل صيامهم‪ ،‬وتكون لهم عيدً ا يفطرون عليها يوم فطرهم‪ ،‬ولكن‬
‫عيسى عليه السالم وعظهم يف ذلك وخاف عليهم أال يقوموا‬
‫بشكرها‪ ،‬فأبوا عليه إال أن يسأل لهم ذلك‪ ،‬فلما ألحوا عليه أخذ‬
‫عيسى يتضرع إلى اهلل تعالى يف الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما‬
‫طلبوا فاستجاب اهلل عز وجل دعاءه فأنزل اهلل سبحانه وتعالى المائدة‬
‫من السماء والناس ينظرون إليها كيف تنحدر بين غمامتين‪ ،‬وجعلت‬
‫تدنو قليال قليال وكلما دنت منهم يسأل عيسى عليه السالم ربه أن‬

‫‪48‬‬
‫يجعلها رحمة ال نقمة‪ ،‬وأن يجعلها سال ًما وبركة‪ ،‬فلم تزل تدنو حتى‬
‫استقرت بين يدي عيسى عليه السالم وهي مغطاة بمنديل‪ ،‬فقام‬
‫عيسى عليه السالم يكشف عنها وهو يقول بسم اهلل خير الرازقين‬
‫فإذا عليها من الطعام سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة وقيل‪ :‬كان‬
‫عليها خل ورمان وثمار ولها رائحة عظيمة جدً ا‪ ،‬ثم أمرهم عيسى‬
‫عليه السالم باألكل منها أمر عليه السالم الفقراء والمحتاجين‬
‫والمرضى وأصحاب العاهات وكانوا قريبًا من األلف وثالثمائة‬
‫أمرهم أن يأكلوا من هذه المائدة‪ ،‬فأكلوا منها فربأ كل من به عاهة أو‬
‫آفة أو مرض مزمن واستغنى الفقراء وصاروا أغنياء‪َ ،‬ف ِ‬
‫ند َم الناس‬
‫الذين لم يأكلوا منها لما رأوا من إصالح حال أولئك الذين أكلوا‪.‬‬

‫ثم صعدت المائدة وهم ينظرون إليها حتى توارت عن أعينهم‪،‬‬


‫وقيل‪ :‬إن هذه المائدة كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها‪،‬‬
‫فيأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل‪ :‬إنه كان يأكل منها كل يوم‬

‫‪49‬‬
‫سبعة آالف شخص‪ .‬ثم أمر اهلل تعالى عيسى أن يقصرها على الفقراء‬
‫دون األغنياء‪ ،‬فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم يف‬
‫ذلك فرفعت المائدة ومسخ الذين تكلموا يف ذلك من المنافقين‬
‫خنازير‪.‬‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫هي سورة العقود‪ ،‬سورة تتحدث عن حق اهلل‪ ،‬عن العقود التي بيننا‬
‫وبين اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬على عكس السور التي سبقت التي‬
‫تكلمت أكثر عن بناء األمة وبناء األسرة وبعض األحكام وغيرها‪ ،‬من‬
‫أهم الصفات األساسية التي ركزت عليها السورة هي صفة الملك‬
‫هلل‪:‬‬

‫خلق َما َي َشاء َواهلل َع َلى‬


‫ض َو َما َب ْينَه َما َي ْ‬ ‫﴿ولِل ِه م ْلك السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ك ِّل َش ْي ٍء َق ِدير﴾‬

‫ض﴾‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫﴿ َأ َلم َتع َلم َأن اهلل َله م ْلك السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫‪50‬‬
‫يهن َوه َو َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء‬
‫ض َو َما فِ ِ‬ ‫﴿لِل ِه م ْلك السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬
‫َق ِدير﴾‪.‬‬

‫وعالقة هذه القصة بالصفة األساسية هلل تعالى التي دارت حولها‬
‫السورة (الملك) أن القصة جمعت بين شعورين؛ شعور النعمة‪،‬‬
‫وشعور الخوف! وهذان الشعوران أساسيان للتعامل مع الملِك‪:‬‬

‫يسى ا ْبن َم ْر َي َم اللهم َربنَا َأ ِنز ْل َع َل ْينَا َمائِدَ ًة ِّم َن الس َماء َتكون َلنَا‬ ‫ِ‬
‫﴿ َق َال ع َ‬
‫نت َخ ْير الر ِازقِي َن ‪َ .‬ق َال اهلل‬ ‫نك َو ْارز ْقنَا َو َأ َ‬ ‫ِعيد ًا ِّألَولِنَا و ِ‬
‫آخ ِرنَا َوآ َي ًة ِّم َ‬ ‫َ‬
‫إِنِّي من َِّزل َها َع َل ْيك ْم َف َمن َي ْكف ْر َب ْعد مِنك ْم َفإِنِّي أ َع ِّذبه َع َذا ًبا ال أ َع ِّذبه‬
‫َأ َحدً ا ِّم َن ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‪.‬‬

‫ثم تتحدث السورة عن أربع عقود‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫‪-‬العقد األول‪ ،‬عقد الحالل والحرام‪:‬‬

‫وجاء ذلك من بداية السورة إلى اآلية ‪ ،4٠‬وبدأت السورة بكلمة‪:‬‬


‫أحل؛ وهي رسالة بأن أحكام اهلل يسيرة ال حرج فيها‪.‬‬

‫‪-‬العقد الثاين‪ :‬عقد الحاكمية‬

‫من اآلية ‪ 41‬حتى اآلية ‪ 5٠‬وفيه الحديث عن اليهود‪ ،‬وكيف أهنم لم‬
‫ف ي َح ِّكمون ََك َو ِعندَ هم الت ْو َراة‬ ‫يتحاكموا بالتوراة فعاقبهم اهلل‪َ ﴿ :‬و َك ْي َ‬
‫فِ َيها ح ْكم اهللِ ثم َيت ََول ْو َن مِن َب ْع ِد َذل ِ َك َو َما أ ْو َلئِ َك بِا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‪،‬‬
‫وكذلك النصارى لم يتحاكموا باإلنجيل‪ ،‬فعاقبهم اهلل‪َ ﴿ :‬و ْل َي ْحك ْم‬
‫اإل ِ‬
‫نجي ِل بِ َما َأ َنز َل اهلل﴾‬ ‫َأ ْهل ِ‬

‫‪52‬‬
‫فماذا عنا كمسلمين؟ هل سنتحاكم إلى كتابنا‪ ،‬أم سنفعل كما فعل‬
‫أهل الكتاب من قبلنا؟‬

‫وذكر اهلل يف وسط هذه اآليات سبب عدم تطبيق اليهود لشرع اهلل‪:‬‬

‫اخ َش ْو ِن﴾‪.‬‬ ‫﴿ َفالَ َت ْخ َشو ْا الن َ‬


‫اس َو ْ‬

‫ال َت ْشتَرو ْا بِآ َياتِي َث َمنًا َقلِيالً﴾‪.‬‬


‫﴿ َو َ‬

‫الخوف على األمن والزرق‪ ،‬مع أهنما أول ثمرتين نجنيهم من تطبيق‬
‫شرع اهلل‪:‬‬
‫اإل ِ‬
‫نج َيل َو َما أ ِنز َل إِ َل ْي ِهم ِّمن ر ِّب ِه ْم ألَكَلو ْا‬ ‫﴿ َو َل ْو َأنهم َأ َقامو ْا الت ْورا َة َو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت َأ ْرجلِ ِهم﴾‪.‬‬‫مِن َفوقِ ِهم ومِن َتح ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ َ‬

‫‪53‬‬
‫العقد الثالث‪،‬عقد الوالء والرباء‪:‬‬

‫من اآلية ‪ 51‬حتى اآلية ‪:5٨‬‬


‫ال َتت ِ‬
‫خذو ْا ا ْل َيهو َد‬ ‫الرباء من الكفار وأهل الباطل‪َ ﴿ :‬يا َأي َها ال ِذي َن آ َمنو ْا َ‬
‫َوالن َص َارى َأ ْول ِ َياء﴾‪.‬‬

‫الوالء للمؤمنين‪َ ﴿ :‬أ ِذل ٍة َع َلى ا ْلم ْؤمِنِي َن َأ ِعز ٍة َع َلى ا ْل َكافِ ِري َن﴾‪.‬‬

‫العقد الرابع‪ :‬عقد األمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪:‬‬

‫َاه ْو َن َعن من َك ٍر َف َعلوه َلبِ ْئ َس‬ ‫يبدأ هذا العقد من اآلية ‪﴿ 7٩‬كَانو ْا َ‬
‫ال َي َتن َ‬
‫ون﴾‪ ،‬بعد هذه اآلية التي تتكلم عن األمر بالمعروف‬ ‫َما كَانو ْا َي ْف َعل َ‬
‫والنهي عن المنكر‪ ،‬جاءت آية مواالة الكافرين‪َ ﴿ :‬ت َرى كَثِ ًيرا ِّمنْه ْم‬
‫َيت ََول ْو َن ال ِذي َن َك َفروا﴾‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وكأن الرابط بينهما والمقصد‪ ،‬أنه إذا برد قلبك تجاه المعصية‪ ،‬ولم‬
‫تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر؛ فستجد نفسك بعد فرتة ال مشكلة‬
‫معك يف مواالة الكافرين!‬

‫أيضا جاء يف السورة آيات تهاجم أهل الكتاب‪ ،‬وتبين جرائمهم يف‬
‫ً‬
‫حق اهلل‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اإل ْث ِم وا ْلعدْ و ِ‬
‫ان َو َأكْلِ ِهم الس ْح َت﴾‬ ‫ارع َ ِ‬
‫﴿ َو َت َرى كَثِ ًيرا ِّمنْه ْم ي َس ِ‬
‫َ‬ ‫ون في ِ َ‬

‫ت ا ْل َيهود َيد اهللِ َم ْغلو َلة﴾‬


‫﴿و َقا َل ِ‬
‫َ‬

‫اهلل ه َو ا ْل َم ِسيح ا ْبن َم ْر َيم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬


‫﴿ َل َقدْ َك َف َر الذي َن َقالو ْا إِن َ‬

‫ويف وسط هذه اآليات الهجومية‪ ،‬يأيت األمر من اهلل‪َ ﴿ :‬يا َأي َها الرسول‬
‫َب ِّل ْغ َما أ ِنز َل إِ َل ْي َك مِن ر ِّب َك َوإِن ل ْم َت ْف َع ْل َف َما َبل ْغ َت ِر َسا َلتَه َواهلل‬
‫َي ْع ِصم َك مِ َن الناس﴾‬

‫‪55‬‬
‫كأهنا رسالة من اهلل‪ :‬مهما اشتد طغيان وقوة أهل الكفر؛ فال تخف‪،‬‬
‫فاهلل يعصمك ويؤيدك‪ ،‬فال تتوقف عن الدعوة إلى اهلل‪ ،‬وتبليغ آيات‬
‫اهلل‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة المائدة‪:‬‬

‫الجوارحِ م َك ِّلبِين﴾‬
‫‪﴿ -1‬وما علمتم من َ‬

‫قال ابن القيم رحمه اهلل‪« :‬من شرف العلم أنه ال يباح إال صيد الكلب‬
‫المتع ِّلم»‪ .‬حتى الكالب تتمايز بينها بالعلم!‬

‫‪َ ﴿ -2‬‬
‫وقال اهلل إنِّي َمعكم ل َئن أقمتم الصالة ﴾‬

‫أقرب العباد إلى اهلل أكثرهم صالة‪ ،‬وهم الفائزون بمعية التأييد‬
‫والنصرة‪.‬‬

‫‪﴿-3‬فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء﴾‬

‫قال قتادة‪ :‬لما تركوا كتاب اهلل‪ ،‬وعصوا رسله‪ ،‬وضيعوا فرائضه‪،‬‬
‫وعطلوا حدوده‪ ،‬ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة‪ ،‬ولو‬
‫أخذ القوم كتاب اهلل وأمره‪ ،‬ما افرتقوا وال تباغضوا‪.‬‬

‫‪ ﴿-4‬إن َما َي َتقبل اهلل مِن المت ِقين﴾‬

‫‪57‬‬
‫القبول ال يخضع لظاهر العمل‪ ،‬بل لِما وقر يف قلبك من التقوى‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬س ّماعون للكذب﴾‬

‫ذم اهلل سماع الكذب‪ ،‬فما بالك بمن ير ِّدده وينشره؟!‬

‫أطفأها اهلل﴾‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫للحرب‬ ‫‪ ﴿-٦‬كلما أو َقدوا ً‬
‫نارا‬

‫اليهود دائما قادة إشعال الحروب والفتن بين الشعوب‪.‬‬

‫خذوا ال ِذي َن ات َخذوا ِدينَك ْم هز ًوا َو َل ِع ًبا‬ ‫‪ ﴿-7‬يا َأيها ال ِذين آمنوا َال َتت ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َاب مِ ْن َق ْبلِك ْم َوا ْلكف َار َأ ْول ِ َيا َء﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م َن الذي َن أوتوا ا ْلكت َ‬

‫دينكم أغلى ما تملكون‪ ،‬وهو رأس مالكم‪ ،‬فكيف التهاون مع من‬

‫أهانه؟!‬

‫‪َ ﴿-٨‬لبِ ْئ َس َما كَانوا َي ْع َمل َ‬


‫ون﴾‬

‫‪58‬‬
‫جمع اهلل بين صيغة الماضي‪﴿ :‬كانوا﴾‪ ،‬وصيغة‬
‫عادة اليهود مستمرة! َ‬
‫المضارع‪َ ﴿ :‬ي ْع َمل َ‬
‫ون﴾ لإلشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم‬

‫يف الماضي‪ ،‬وأهنم مستمرون عليه يف حاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬بدون‬

‫توبة أو ندم‪.‬‬

‫‪﴿-٩‬وارزقنا وأنت خير الرازقين﴾‬

‫سئل أحد العباد ‪ :‬ل ِ َم و ِصف اهلل بخير الرازقين؟‬

‫قال‪ :‬ألنه إذا كفر أحد ال يقطع رزقه‬

‫﴿هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم﴾‬

‫لن يصمد يوم القيامة إال الصادقون‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫من األشياء العجيبة واإلعجازية يف القرآن‪ ،‬الرتابط الموجود بين‬
‫السور‪ ،‬فمثال انتهت سورة المائدة بقوله تعالى‪ ﴿ :‬لِل ِه م ْلك ٱلسمو ِ‬
‫ت‬ ‫ََ‬
‫يهن ۚ َوه َو َع َلى ك ِّل َش ْى ٍءقدير﴾‪ ،‬وبدأت سورة‬
‫ض َو َما فِ ِ‬
‫َوٱ ْألَ ْر ِ‬

‫األنعام بعدها مباشرة لتعريفنا ببعض أنواع ملك اهلل عز وجل‪.‬‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة األنعام من السور التي تتحدث عن عظمة اهلل عز وجل بشكل‬

‫مفصل‪ ،‬كأهنا تر ِّبي القلب‪ ،‬وتجعله خاش ًعا خاض ًعا هلل عز وجل‪ ،‬فتبدأ‬

‫السورة بمشاهد عن عظمة اهلل عز وجل‪:‬‬

‫‪َ -1‬مشهد قدرة اهلل يف خلق السماوات واألرض‪ ﴿ :‬ا ْل َح ْمد لِل ِه ال ِذي‬
‫َخ َل َق السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر َض﴾‪.‬‬ ‫َ َ‬

‫‪-2‬مشهد قدرة اهلل يف خلق اإلنسان‪ ﴿ :‬ه َو ال ِذي َخ َل َقكم ِّمن طِ ٍ‬


‫ين﴾‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪َ -3‬مشهد َهيمنة اهلل على كل شيء‪ ﴿ :‬ثم َق َضى َأ َجالً َو َأ َج ٌل‬

‫م َس ًّمى﴾‪.‬‬

‫ثم تأيت قصة سيدنا إبراهيم‪ ،‬الذي بدأ بالتساؤل والتفكر والتدبر يف‬

‫عظمة خلق اهلل؛ وكأهنا رسالة‪ ،‬أنك إذا تدبرت يف عظمة خلق اهلل‬

‫وآياته‪ ،‬سيصل بك األمر إلى الوصول للنور األعظم‪ ،‬والهداية‬

‫الكربى‪ ،‬كما وصل إليها سيدنا إبراهيم‪.‬‬

‫ونالحظ يف القرآن أن اهلل عز وجل عندما يتحدث عن آياته يف هذا‬

‫الكون يذكر‪( :‬الشمس والقمر‪ ،‬والليل والنهار) كل هذه األشياء نراه‬

‫كل يوم يف حياتنا‪ ،‬فيذكرنا اهلل هبا بأن هذه اآليات للتدبر والتفكر‪ ،‬هذا‬

‫اآليات الكونية العظيمة التي ألِفناها وتعودنا عليها‪ ،‬يذكرنا ربنا عز‬

‫وجل هبا‪ ،‬لنتدبر فيها كل يوم‪ ،‬وكل ساعة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪-4‬مشهد العظمة المطلقة هلل‪ ،‬وعبودة الكون له‪َ ﴿ :‬وه َو اهلل فِي‬
‫ات َوفِي األَ ْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫السماو ِ‬
‫َ َ‬

‫‪-5‬مشهد عظمة ِعلم اهلل‪َ ﴿ :‬ي ْع َلم ِسرك ْم َو َج ْه َرك ْم َو َي ْع َلم َما‬
‫َت ْك ِسب َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫ثم تأيت آيات توضح أن اهلل يملك كل شيء‪:‬‬


‫‪-1‬اهلل يملك كل شيء يف كل مكان‪ ﴿ :‬قل ِّلمن ما فِي السماو ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ض قل لِل ِه﴾‪.‬‬
‫َواألَ ْر ِ‬

‫‪-2‬اهلل يملك كل شيء يف زمان‪َ ﴿ :‬و َله َما َس َك َن فِي الل ْي ِل َوالن َه ِ‬
‫ار﴾‪.‬‬

‫‪-3‬اهلل يملك أمر اآلخرة‪ ﴿ :‬ق ْل إِن َِّي َأ َخاف إِ ْن َع َصيْت َر ِّبي َع َذ َ‬
‫اب‬
‫َي ْو ٍم َعظِ ٍ‬
‫يم ﴾‬

‫‪-4‬اهلل يملك النفع والضر‪ ،‬أي أمر الدنيا‪َ ﴿ :‬وإِن َي ْم َس ْس َك اهلل بِض ٍّر‬

‫ف َله إِال ه َو َوإِن َي ْم َس ْس َك بِ َخ ْي ٍر َفه َو َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير﴾‪.‬‬ ‫َفالَ ك ِ‬


‫َاش َ‬
‫‪62‬‬
‫ثم تعدد يف السورة الكثير من مظاهر عظمة وقدرة اهلل بأسلوب‬

‫استفهامي يثير الذهن‪ ،‬ثم أجابت السورة عن كل هذه األسئلة‬

‫بالحجج والرباهين‪ ،‬وهذا من مقاصد السورة؛ أنها تقرر عقيدة‬

‫التوحيد بالرباهين العقلية‪ ،‬وتنقض االعتقادات الشركية‪ ،‬مثل‪:‬‬


‫‪ ﴿-‬قل ِّلمن ما فِي السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫ض قل هلل﴾‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫ض َوه َو ي ْط ِعم َو َ‬ ‫ِ ِ‬
‫خذ ولِيا َفاطِ ِر السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫ال‬ ‫َ َ‬ ‫‪ ﴿-‬ق ْل َأ َغ ْي َر اهلل َأت َ ًّ‬
‫ي ْط َعم﴾‬

‫‪ ﴿-‬ق ْل َأي َش ْي ٍء َأ ْك َبر َش َها َد ًة ق ِل اهللِ َش ِهيدٌ بَ ْينِي َو َب ْينَك ْم ﴾‬

‫‪ ﴿-‬ق ْل َأ َر َأ ْيت ْم إِ ْن َأ َخ َذ اهلل َس ْم َعك ْم َو َأ ْب َص َارك ْم َو َخت ََم َع َلى قلوبِكم﴾‬


‫‪ ﴿-‬ق ْل من ينَجيكم من ظلم ِ‬
‫ات ا ْل َب ِّر َوا ْل َب ْح ِر َتدْ عونَه َت َضر ًعا َوخ ْف َي ًة‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫نجانَا مِ ْن َه ِذ ِه َلنَكونَن مِ َن الشاكِ ِري َن (‪ )٦4‬ق ِل اهلل ين َِّجيكم ِّمن َْها‬ ‫ِ‬
‫لئ ْن َأ َ‬
‫َومِن ك ِّل ك َْر ٍ‬
‫ب ثم َأنت ْم ت ْش ِرك َ‬
‫ون﴾‬

‫‪63‬‬
‫ادر َع َلى َأن يبع َث َع َليكم َع َذابا من َفوقِكم َأو مِن َتح ِ‬
‫ت‬ ‫‪ ﴿-‬ق ْل هو ا ْل َق ِ‬
‫ْ‬ ‫ً ِّ ْ ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬
‫َأ ْرجلِك ْم َأ ْو َي ْلبِ َسك ْم ِش َي ًعا َوي ِذي َق َب ْع َضكم َب ْأ َس َب ْع ٍ‬
‫ض انظ ْر َك ْي َ‬
‫ف‬
‫نصرف اآلي ِ‬
‫ات َل َعله ْم َي ْف َقه َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬

‫ون اهللِ َما َ‬


‫ال َين َفعنَا َو َ‬
‫ال َيضرنَا﴾‬ ‫‪ ﴿-‬ق ْل َأنَدْ عو مِن د ِ‬

‫وردت كلمة (قل) يف السورة أكثر من أربعين مرة؛ كأهنا إشارة إلى‬

‫صلة اهلل سبحانه بنبينا ﷺ‪ ،‬وعصمته له‪ ،‬ونطقه بوحيه سبحانه‪ ،‬وفيها‬

‫إشارة لعلم اهلل عز وجل بما يصلح العباد ويهديهم‪ ،‬وحرص اهلل عز‬

‫وجل على َتبليغ أوامره‪.‬‬

‫ثم يف النصف الثاين من السورة جاء التفصيل يف أن الحق هلل يف‬

‫وفصلت السورة ذكر المحرمات‪ ،‬وبينت أن ما‬


‫التحليل والتحريم‪ّ ،‬‬
‫دوهنا مباحات أحلها اهلل لعباده؛ ر ًدا على من اتخذ هواه مشر ًعا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ثم يف خواتيم سورة األنعام قوله تعالى‪ ﴿ :‬ق ْل إِن َصالتِي َونسكِي‬

‫اي َو َم َماتِي لِل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن ﴾‬


‫َو َم ْح َي َ‬

‫هذا شعار لكل من عاش بقلبه آيات سورة األنعام‪ ،‬شعار يجب أن‬

‫تخرج منه إذا تدبرت يف آيات اهلل يف الخلق والكون‪ :‬أنا كلي لك يا‬

‫رب‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة األنعام‪:‬‬

‫حم َة﴾‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ﴿-1‬كت َ‬
‫َب َعلى نَفسه الر َ‬

‫دعوة للمسرفين على أنفسهم‪ ،‬والغارقين يف بحار اليأس‪ ،‬والظانين‬

‫باهلل ظن السوء‪.‬‬

‫اب َي ْو ٍم َعظِ ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫‪ ﴿-2‬إِن َِّي َأ َخاف إِ ْن َع َص ْيت َر ِّبي َع َذ َ‬

‫عجبا أن يخاف من عاقبة الذنب نبي معصوم‪ ،‬وال يخاف منه إنسان‬

‫جهول ظلوم‪.‬‬

‫‪﴿-3‬ثم نقول للذين أشركوا َمكانكم﴾‬

‫احتجاز إلهي قسري‪ :‬الزموا أماكنكم ال تربحوها!‬

‫حتى تعرفوا ما يفعل بكم‪ ،‬ويقضي اهلل يف أمركم‪.‬‬

‫‪ ﴿-4‬ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نر ّد﴾‬

‫‪66‬‬
‫مجرد أول نظرة إلى النار جعلت صاحبها يتمنى الرجوع للدنيا لفعل‬

‫الخير‪ ،‬فكيف يكون الحال بعد دخول النار ومقاساة العذاب؟!‬

‫وهذه اآلية َقتَلت علي بن الفضيل بن عياض‪ ،‬حيث سمعها يف صالته‬

‫فمات! وس ّمي‪ :‬قتيل القرآن!‬

‫‪َ ﴿ -5‬ف َل ْو َال إِ ْذ َجا َءه ْم َباسنَا َت َضرعوا َو َلكِ ْن َق َس ْت قلوبه ْم﴾‬

‫قسوة القلب هي التي تكبل العبد عن بلوغ هذه المنزلة العظيمة‪:‬‬

‫منزلة الضراعة والتمرغ يف تراب العبودية‪.‬‬

‫فإذا حرمت من التضرع هلل فاعلم أن يف قلبك قسوة‪ ،‬وعالجها كثرة‬

‫الذكر واالستغفار‪.‬‬

‫‪ ﴿-٦‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾‬

‫‪67‬‬
‫من أعظم االستدراج أن يتابع عليك نعمه‪ ،‬وأنت مقيم على معاصيه!‬

‫يف الحديث‪«:‬إذا رأيت اهلل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما‬

‫يحب‪ ،‬فإنما هو استدراج ثم تال‪﴿ :‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا‬

‫عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا‬

‫هم مبلسون﴾‬

‫‪﴿ .-7‬وما تسقط من ورقة إال يعلمها﴾‬

‫قال ابن عباس‪ :‬ما من شجرة يف بر وال بحر إال م َلك موكل هبا يكتب‬

‫ما يسقط منها!‬

‫‪﴿-٨‬قل اهلل ينجيكم منها ومن كل كرب﴾ قالها اهلل للمشركين‬

‫فعجبا لبعض المؤمنين كيف يتسرب اليأس إلى قلوهبم؟!‬

‫‪َ ﴿ -٩‬و َل َقدْ ِج ْئتمونَا ف َرا َدى ك ََما َخ َل ْقنَاك ْم َأو َل َمر ٍة﴾‬

‫‪68‬‬
‫وحيدا طول إقامتك يف قربك‪ ،‬ثم يف خمسين ألف سنة هي يوم‬

‫حشرك‪ ،‬وليس معك حينها سوى عملك!‬

‫وق ِعباده﴾ قال الطربي رحمه اهلل‪:‬‬


‫‪﴿-1٠‬وهو القاهر َف َ‬

‫بقهر ِه إياهم‪ ،‬ومن صفة‬


‫وصف نَفسه ِ‬
‫َ‬ ‫"إنما قال ﴿فوق ِ‬
‫عباده﴾ ألنه‬
‫َ‬
‫يكون مستعل ًيا عليه!"‪.‬‬ ‫كل قاهر شيئا؛ أن‬

‫وهي السورة الوحيدة التي ذكر فيها اسمه اهلل (القاهر) مرتين‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة األعراف سورة مليئة بالفتن‪ ،‬تأيت بعد سورة األنعام المليئة‬

‫باإليمانيات؛ وبالتالي العالقة بينهما‪ ،‬أنه ألجل أن تثبت أمام هذه‬

‫الفتن‪ ،‬ال بد أن يدخل يف قلبك إيمانيات سورة األنعام‪.‬‬

‫نالحظ يف السورة أسلوبين بارزين‪:‬‬

‫‪-1‬أسلوب التذكير بنعم اهلل تعالى‪ ،‬فتلفت السورة أنظار الناس إلى‬
‫نعمة َخ ْل ِ‬
‫قهم‪ ،‬وتصويرهم وتمكينهم يف األرض‪.‬‬

‫‪-2‬أسلوب التخويف من العذاب‪ ،‬فتستعرض السورة يف أكثر من‬

‫نصفها ما نزل باألمم الذين لم يستجيبوا لنصائح الرسل‪ ،‬وعصوا‬

‫رهبم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫تبدأ السورة بتعريف رسالة القرآن‪:‬‬

‫نذ َر بِ ِه ﴾ = الدعوة إلى اهلل واإلصالح‪.‬‬


‫﴿لِت ِ‬

‫﴿ َو ِذك َْرى ل ِ ْلم ْؤمِنِي َن﴾ = (العبادة وإصالح النفس)‬

‫جاء يف بداية السورة أثر المعصية يف الدنيا واآلخرة‪:‬‬

‫َاها َف َجا َء َها َب ْأسنَا َب َيا ًتا َأ ْو ه ْم َقائِل َ‬


‫ون﴾‬ ‫يف الدنيا‪َ ﴿ :‬وكَم ِّمن َق ْر َي ٍة َأ ْه َل ْكن َ‬

‫يف اآلخرة‪َ ﴿ :‬و َم ْن َخف ْت َم َو ِازينه َفأو َلئِ َك ال ِذي َن َخ ِسرو ْا َأنف َسهم بِ َما‬
‫كَانو ْا بِآ َياتِنَا َي ْظلِم َ‬
‫ون﴾‬

‫ثم ذكر مفصل لقصة أهل األعراف‪ ،‬وهم الذين تساوت حسناهتم مع‬

‫سيئاهتم‪ ،‬ويف هذه اآليات تعرض السورة مشاهد الفرق الثالث يوم‬

‫القيامة‪ :‬وهم أهل النار‪ ،‬وأهل الجنة‪ ،‬وأهل األعراف‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ثم تبدأ السورة بعرض الكثير من الفتن‪:‬‬

‫‪-1‬فِتنة الكِرب وعدم نظر القلب إلى اهلل‪ ،‬قصة إبليس‪.‬‬

‫‪-2‬فتنة َتمييع الدين كما يف قصة أهل األعراف‪ ،‬وأصحاب السبت‪.‬‬

‫‪-3‬فتنة استصغار المعاصي والهوان هبا‪﴿ :‬ق ْل إِن َما َحر َم َر ِّب َي‬
‫اح َش ما َظ َهر مِن َْها َوما َب َط َن َو ِ‬
‫اإل ْث َم َوا ْل َب ْغ َي بِ َغ ْي ِر ا ْل َح ِّق َو َأن‬ ‫ا ْل َفو ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال َت ْع َلم َ‬
‫ون﴾‬ ‫ت ْش ِركو ْا بِاهللِ َما َل ْم ين َِّز ْل بِ ِه س ْل َطانًا َو َأن َتقولو ْا َع َلى اهللِ َما َ‬

‫‪-4‬فتنة أن يكون الدين مجرد شيء هامشي جانبي يف حياتك‪ ،‬وهذا‬

‫نالحظه يف قصص األنبياء‪ ،‬أن الذي َينجو معهم هو الذي ال يفارقهم‪،‬‬

‫وال يفارق الدين وأهله‪.‬‬

‫او ْزنَا بِ َبنِي إِ ْس َرائِ َيل ا ْلبَ ْح َر َف َأ َت ْوا َع َلى‬


‫‪-5‬فتنة الرواسب القديمة‪َ ﴿ :‬و َج َ‬
‫ون َع َلى َأ ْصنَا ٍم له ْم﴾‬
‫َق ْو ٍم َي ْعكف َ‬

‫‪72‬‬
‫رغم إيماهنم إال أهنم لم يتخلصوا من المعاصي القديمة التي ترسبت‬

‫يف قلوهبم‪ ،‬فلما عرضت عليهم الفتنة والمعصية القديمة؛ وقعوا فيها‪.‬‬

‫‪-٦‬فتنة وراثة الدين‪ ،‬وال يعرفون منه سوى قشور‪ ،‬وعدم التضحية‬

‫من أجله‪:‬‬

‫ف َو ِرثوا ا ْلكِتَا َب َي ْأخذ َ‬


‫ون َع َر َض َه َذا‬ ‫ف مِن َب ْع ِد ِه ْم َخ ْل ٌ‬
‫﴿ َف َخ َل َ‬

‫ْاألَ ْدنَى﴾‪.‬‬

‫‪-7‬فتنة معاملة اهلل ألجل غرض دنيوي‪ ،‬فإذا تحقق هذا الغرض تركنا‬

‫العبادة‪:‬‬

‫يما آ َتاه َما ۚ َف َت َعا َلى اهلل َعما‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿ َف َلما آ َتاه َما َصال ًحا َج َع َال َله ش َركَا َء ف َ‬
‫ي ْش ِرك َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ثم ذكرت السورة الكثير من قصص االنتكاس‪ ،‬مثل انتكاس بني‬

‫إسرائيل‪ ،‬وقصة إبليس‪ ،‬وفيها أصعب قصة انتكاس‪ ،‬وهي قصة َبلعام‬

‫بن باعوراء‪:‬‬

‫انس َل َخ مِن َْها َف َأ ْت َب َعه الش ْي َطان َف َك َ‬


‫ان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوا ْتل َع َل ْي ِه ْم َن َب َأ الذي آ َت ْينَاه آ َياتنَا َف َ‬
‫مِ َن ا ْل َغ ِ‬
‫اوي َن﴾‪.‬‬

‫تأمل يف هذا التدرج المرعب المخيف‪:‬‬

‫‪﴿-1‬آتيناه آياتنا﴾ = َبصره اهلل بالعبادات والعلم‪ ،‬ووفقه لذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫فانسلخ منها﴾ = بدأ برتك العبادات‪ ،‬والصحبة الصالحة‪ ،‬وورد‬ ‫‪﴿-2‬‬

‫القرآن واألذكار‪.‬‬

‫‪﴿-3‬فأتب َعه الشيطان﴾ = لما خرج من حصون الثبات؛ اصطاده‬

‫الشيطان‪.‬‬

‫‪﴿-4‬فكان من الغاوين﴾ = النتيجة النهائية!‬


‫‪74‬‬
‫ويف وسط آيات الفتن واالنتكاسات‪ ،‬تأيت قصص بعض األنبياء؛‬

‫لتث ِّبتك على الطريق‪ ،‬وتقول لك أن هناك َمن استطاع‪ ،‬هناك َمن ثبت‪،‬‬

‫فبالتالي أنت تستطيع كما استطاعوا‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة األعراف‪:‬‬

‫‪َ ﴿ -1‬فال َيك ْن فِي َصدْ ِر َك َح َر ٌج مِنْه﴾‬

‫ال يك ْن فيك ضيق صد ٍر من تبليغ القرآن مخاف َة أن ّ‬


‫يكذبوك أو يؤذوك‬

‫أو يستهزؤوا بك‪ ،‬فب ِّلغ رسالة اهلل ولو ساءهم ذلك‪.‬‬

‫‪﴿-2‬فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين﴾‬

‫سيقص اهلل علينا يوم القيامة ما كنا نعمل يف الدنيا‪ ،‬وسنكتشف أنه‬

‫سبحانه لم يكن غائبًا عن شيء عملناه‪ ،‬فواخجلتاه يومئذ أو وا‬

‫فرحتاه!‬

‫‪َ ﴿ -3‬ف َجا َء َها َب ْأسنَا َب َيا ًتا َأ ْو ه ْم َقائِل َ‬


‫ون﴾قال ابن كثير‪ :‬فكان منهم من‬
‫جاءه أمر اهلل وبأسه ونقمته ﴿ َب َيا ًتا﴾ أي‪ :‬ليال ﴿ َأ ْو ه ْم َقائِل َ‬
‫ون﴾ من‬

‫القيلولة‪ ،‬وهي‪ :‬االسرتاحة وسط النهار‪ ،‬وكال الوقتين وقت غفلة‬

‫ولهو‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪﴿ -4‬فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين﴾‬

‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يدعى نوح يوم القيامة فيقال له‪ :‬هل بلغت؟!‬

‫فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬فيدعى قومه فيقال‪ :‬هل بلغكم؟‬

‫فيقولون‪ :‬ما أتانا من نذير‪ ،‬وما أتانا من أحد‪،‬‬

‫قال‪ :‬فيقال لنوح من يشهد لك فيقول‪ :‬محمد وأمته»‪.‬‬

‫‪﴿ . -5‬ونضع الموازين القسط ليوم القيامة﴾‬

‫قال وهب بن من ِّبه‪ :‬إنما يوزن من األعمال خواتيمها‪،‬‬

‫وإذ أراد اهلل بعبد خير ًا ختم له بخير‪،‬وإذا أراد اهلل به شر ًا ختم له بشر‬

‫عمله‪.‬‬

‫‪ ﴿ -٦‬خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾‬

‫قال ابن سيرين‪ :‬من قاس الدين برأيه قرنه اهلل مع إبليس!‬

‫‪77‬‬
‫‪َ ﴿ -7‬فدَ اله َما بِغر ٍ‬
‫ور﴾‬

‫قال ابن عباس‪ :‬غرهما بال َق َسم واليمين‪ ،‬وكان آدم يظن أنه ال يحلف‬

‫أحدٌ باهلل كاذبا!‬

‫‪﴿-٨‬ولباس التقوى ذلك خير﴾‬

‫مهما ارتديت أجمل الثياب‪ ،‬ستظل التقوى أجمل ثوب‪ ،‬ألهنا ما‬

‫يحب اهلل أن يراه عليك‪.‬‬

‫يقول ابن عباس ‪ :‬لباس التقوى هو العمل الصالح‪.‬‬

‫‪﴿-٩‬إنه يراكم هو وقبيله من حيث ال تروهنم ﴾‬

‫عدو يراك وال تراه‪ ،‬فما أسهل أن يظفر بك‪ ،‬فانتبِه!‬

‫‪﴿ -1٠‬ويحسبون أهنم مهتدون﴾ لو علم الضال أنه ضال‪ ،‬النفكت‬

‫العقدة‪ .‬أبشع ألوان الضالل من ظن صاحبها أنه على خير حال‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪﴿-11‬فإذا جاء أجلهم ال يستأخرون ساعة وال يستقدمون ﴾‬

‫قال ﷺ‪« :‬إن روح القدس نفث يف روعي أنه لن تموت نفس حتى‬

‫تستكمل رزقها وأجلها‪ ،‬فاتقوا اهلل وأجملوا يف الطلب»‬

‫‪﴿-12‬كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾‬

‫تحية أهل النار اللعن!‬

‫‪ -13‬قال ميمون بن مهران‪ :‬إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه‪.‬‬

‫قيل له‪ :‬وكيف يلعن نفسه؟ قال‪ :‬يقول‪:‬‬

‫﴿أال لعنة اهلل على الظالمين﴾ وهو ظالم!‬

‫ض َب ْعدَ إِ ْص َال ِح َها﴾قال ابن عطية‪ :‬وال‬


‫‪َ ﴿-14‬و َال ت ْف ِسدوا فِي ْاألَ ْر ِ‬

‫تعصوا يف األرض‪ ،‬فيمسك اهلل المطر‪ ،‬ويهلك الحرث بمعاصيكم‪،‬‬

‫ويف الحديث‪« :‬لم يمنع قوم زكاة أموالهم إال منعوا القطر من السماء‬

‫‪،‬ولوال البهائم لم يم َطروا»‬


‫‪79‬‬
‫‪َ ﴿-15‬وا ْدعوه َخ ْو ًفا َو َط َم ًعا﴾‬

‫اجعل خوف العقاب ورجاء الثواب جناحين يحمالن طير قلبك إلى‬
‫طريق االستقامة‪ ،‬فإن انفراد ِ‬
‫أحد الجناحين يسقط بالطائر‪ ،‬ويهلِك‬

‫العبد‪.‬‬

‫‪﴿-1٦‬قال موسى لقومه استعينوا باهلل واصربوا﴾‬

‫خارطة الطريق نحو النصر= توك ٌل ‪ +‬صرب‪.‬‬

‫‪﴿-17‬ولو شئنا لرفعناه هبا ولكنه أخلد إلى األرض واتبع هواه﴾‬

‫قال ابن الجوزي رحمه اهلل‪ :‬باهلل عليك يا مرفوع القدر بالتقوى‪ :‬ال‬

‫تبع عزها بذل المعاصي ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫هي سورة إعالن النصر؛ نزلت سورة األنفال –واألنفال معناها‬

‫الغنائم‪-‬بعد االنتصار يف غزوة البدر‪ ،‬والسورة لم تتكلم عن إنجاز‬

‫النصر وهكذا‪ ،‬بل تكلمت عن أسباب النصر‪ ،‬وما بعد النصر‪،‬‬

‫واستثمار النصر!‬

‫تتحدث السورة عن أسباب النصر بشكل العام‬

‫ند اهللِ﴾‬
‫‪ -1‬تعلم أن النصر من عند اهلل‪﴿ :‬وما النصر إِال مِن ِع ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫ون فِ ْتنَ ٌة َو َيك َ‬


‫ون الدِّ ين‬ ‫‪ -2‬ما بعد النصر الرؤية‪َ ﴿ :‬و َقاتِلوه ْم َحتى َ‬
‫ال َتك َ‬
‫كله لِله﴾‪﴿ ،‬و َأ ِعدو ْا َلهم ما اس َت َطعتم من قو ٍة ومِن رب ِ‬
‫اط ا ْل َخ ْي ِل ت ْر ِهب َ‬
‫ون‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫ْ ْ ِّ‬ ‫َ‬
‫بِ ِه َعدو اهللِ َو َعدوك ْم﴾‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -3‬استثمار النصر‪ :‬أن تستثمر النصر يف الدعوة إلى اهلل عز وجل‪﴿ :‬قل‬

‫لِل ِذي َن َك َفرو ْا إِن َينتَهو ْا ي ْغ َف ْر َلهم ما َقدْ َس َل َ‬


‫ف َوإِ ْن َيعودو ْا َف َقدْ َم َض ْت‬

‫سنة األَولِي َن﴾‪.‬‬

‫ثم تحدثت السورة باستفاضة عن ثمانية صفات لجيل النصر‪ ،‬وأسباب‬

‫النصر‪:‬‬

‫‪-1‬الرباينة‪:‬أن يكون جيالً ربان ًّيا‪ ،‬ال يتعلق وال يستعين سوى باهلل عز‬

‫وجل‪ ،‬ونالحظ ذلك يف رجال غزوة بدر‪ ،‬وكيف دبر اهلل هم النصر‪،‬‬

‫وهيأ لهم األسباب‪ ،‬وكيف كانت كرامات اهلل لهم‪.‬‬

‫‪-2‬العبودية‪:‬الجيل العابد‪:‬‬

‫ون ال ِذي َن إِ َذا ذكِ َر اهلل َو ِج َل ْت قلوبه ْم َوإِ َذا تلِيَ ْت َع َل ْي ِه ْم‬ ‫﴿إِن َما ا ْلم ْؤمِن َ‬

‫ون الصال َة َومِما‬ ‫ون‪ ،‬ال ِذي َن ي ِقيم َ‬‫يمانًا َو َع َلى َر ِّب ِه ْم َيت ََوكل َ‬‫آ َياته َزا َد ْته ْم إِ َ‬
‫ون﴾‬ ‫َر َز ْقنَاه ْم ي ِنفق َ‬

‫‪82‬‬
‫‪-3‬اإلخالص‪:‬‬

‫ويظهر هذا يف أول آية يف السورة حين تحدث عن األنفال (الغنائم) ال‬

‫تقاتل من أجل الدنيا والغنائم‪ ،‬بل القتال يكون ألجل اهلل فقط‪ ،‬أن‬

‫تخلص نيتك هلل عز وجل‪.‬‬

‫‪-4‬األخوة‪:‬‬

‫أن نوحد صفوفنا‪ ،‬وسورة األنفال من أكثر السور التي تكلمت عن‬

‫وحدة الصف وعدم التنازع‪:‬‬

‫ات بَ ْينِك ْم﴾‬


‫اهلل َو َأ ْصلِحو ْا َذ َ‬
‫﴿ َفاتقو ْا َ‬
‫ِ‬
‫ب ِريحك ْم َو ْ‬
‫اصبِرو ْا‬ ‫﴿ َو َأطيعو ْا َ‬
‫اهلل َو َرسو َله َو َ‬
‫ال َتن ََازعو ْا َف َت ْف َشلو ْا َو َت ْذ َه َ‬

‫إِن َ‬
‫اهلل َم َع الصابِ ِري َن﴾‬

‫ض َج ِمي ًعا ما َأل ْف ْت َبيْ َن‬


‫ف َب ْي َن قلوبِ ِه ْم َل ْو َأن َف ْق َت َما فِي األَ ْر ِ‬
‫﴿ َو َأل َ‬

‫قلوبِ ِه ْم﴾‬
‫‪83‬‬
‫‪-5‬االتباع‪:‬‬

‫﴿ َيا َأي َها النبِي َح ْسب َك اهلل َو َم ِن ات َب َع َك مِ َن ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‬

‫‪-٦‬الثبات‪:‬‬

‫َال إِن َيكن ِّمنك ْم ِع ْشر َ‬


‫ون‬ ‫ض ا ْلم ْؤمِنِي َن َع َلى ا ْل ِقت ِ‬
‫﴿ َيا َأي َها النبِي َح ِّر ِ‬

‫ون َي ْغلِبو ْا مِ َئتَ ْي ِن َوإِن َيكن ِّمنكم ِّما َئ ٌة َي ْغلِبو ْا َأ ْل ًفا ِّم َن ال ِذي َن َك َفرو ْا‬
‫َصابِر َ‬

‫ف اهلل َعنك ْم َو َعلِ َم َأن فِيك ْم َض ْع ًفا َفإِن‬ ‫ون‪َ ،‬‬


‫اآلن َخف َ‬ ‫بِ َأنه ْم َق ْو ٌم ال َي ْف َقه َ‬

‫َيكن ِّمنكم ِّما َئ ٌة َصابِ َر ٌة َي ْغلِبو ْا مِ َئ َت ْي ِن َوإِن َيكن ِّمنك ْم َأ ْل ٌ‬


‫ف َي ْغلِبو ْا َأ ْل َف ْي ِن‬

‫بِإِ ْذ ِن اهللِ َواهلل َم َع الصابِ ِري َن﴾‬

‫‪-7‬السمع والطاعة‪:‬‬

‫ال َت َول ْوا َعنْه َو َأنت ْم َت ْس َمع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ون﴾‬ ‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنو ْا َأطيعو ْا َ‬
‫اهلل َو َرسو َله َو َ‬

‫ول إِ َذا َد َعاكم ل ِ َما ي ْحيِيك ْم﴾‬


‫َجيبو ْا لِل ِه َولِلرس ِ‬
‫﴿يا َأي َها ال ِذي َن آمنو ْا است ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫‪84‬‬
‫ول َو َتخونو ْا َأ َمانَاتِك ْم َو َأنت ْم‬
‫اهلل َوالرس َ‬ ‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنو ْا َ‬
‫ال َتخونو ْا َ‬
‫َت ْع َلم َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪-٨‬التضحية‪:‬‬
‫﴿إِن ال ِذين آمنو ْا وهاجرو ْا وجاهدو ْا بِ َأموال ِ ِهم و َأنف ِس ِهم فِي سبِي ِل اهللِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫ض﴾‬ ‫َوال ِذي َن َآوو ْا ون ََصرو ْا أ ْو َلئِ َك َب ْعضه ْم َأ ْول ِ َياء َب ْع ٍ‬

‫اهدو ْا فِي َسبِي ِل اهللِ َوال ِذي َن َآوو ْا ون ََصرو ْا‬


‫اجرو ْا َو َج َ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوالذي َن آ َمنو ْا َو َه َ‬
‫ِ‬ ‫أ ْو َلئِ َك هم ا ْلم ْؤمِن َ‬
‫ون َح ًّقا لهم م ْغف َر ٌة َو ِر ْز ٌق ك َِر ٌ‬
‫يم﴾‬

‫‪85‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة األنفال‪:‬‬

‫‪﴿-1‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اهلل وجلت قلوهبم وإذا تليت‬

‫عليهم آياته زادهتم إيمانًا ﴾‪:‬‬

‫من أعظم عالمات اإليمان‪ :‬التأثر بكالم اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪﴿ -2‬وإذا تليت عليهم آياته زادهتم إيمانا﴾‬

‫نية جديدة احتسبها كلما قرأت القرآن‪ :‬أن تكون سببا يف زيادة إيمان‬

‫غيرك‪.‬‬

‫‪﴿ .-3‬فثبتوا الذين آمنوا﴾‬

‫مهما بلغ إيمان العبد‪ ،‬فإنه يحتاج إلى تثبيت الرب‪ ،‬ووسيلة التثبيت‬

‫هنا كانت المالئكة!‬

‫‪﴿ -4‬فلم تقتلوهم ولكن اهلل قتلهم﴾‬

‫‪86‬‬
‫ال تنسب لنفسك أي خير‪ ،‬فلوال اهلل ما ركع راكع وال سجد ساجد‪.‬‬

‫وهن َك ْي ِد ا ْل َكافِ ِري َن ﴾‬


‫‪﴿ .-5‬و َأن اهلل م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫قال السعدي‪« :‬مضعف كل مكر وكيد يكيدون به اإلسالم وأهله‪،‬‬

‫وجاعل مكرهم محيقا هبم»‬

‫‪﴿-٦‬واعلموا أن اهلل يحول بين المرء وقلبه﴾‬

‫أنت ال تملك قلبك‪ ،‬فاستعن بمن يملكه كي يث ِّبته على الحق‪.‬‬

‫‪﴿ -7‬واعلموا أن اهلل يحول بين المرء وقلبه﴾‬

‫سمع عمر رجال يقول‪:‬‬

‫اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه‪ ،‬فحل بيني وبين معاصيك أن أعمل‬

‫بشئ منها‪.‬‬

‫‪َ ﴿-٨‬و َال َتكونوا كَال ِذي َن َقالوا َس ِم ْعنَا َوه ْم َال َي ْس َمع َ‬
‫ون﴾‬

‫‪87‬‬
‫من فقد سماع التدبر واالتعاظ كان بمنزلة األصم الذي ال يسمع‬

‫أصال! وكم منا اليوم من فتح أذنيه وقد ضيع مفاتيح قلبه!‬

‫‪َ ﴿ -٩‬وا ْع َلموا َأن َما َأ ْم َوالك ْم َو َأ ْو َالدك ْم فِ ْتنَ ٌة﴾‬

‫المال فتنة إذا كان عن اهلل يشغلكم‪ ،‬واألوالد فتنة إذا كنتم ألجلهم‬

‫حق اهلل وفرطتم‪.‬‬


‫قصرتم ىف ِّ‬

‫ون َوال ِذي َن فِي قلوبِ ِه ْم َم َر ٌض َغر َهؤ َال ِء‬


‫‪﴿-1٠‬إِ ْذ َيقول ا ْلمنَافِق َ‬

‫ِدينه ْم﴾‬

‫دائما يتعجب المنافقون من ثقة المؤمنين وحسن ظنهم برهبم‪،‬‬

‫وتفاؤلهم مع قلة عددهم وعتادهم‪.‬‬

‫‪﴿-11‬هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوهبم﴾‬

‫أول شروط النصر األلفة بين المؤمنين‪ ،‬ال التنازع بينهم وتراشق‬

‫االهتامات‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫لوبكم َخيرا ي ْؤتِكم َخ ْيرا﴾‬
‫ْ‬ ‫‪﴿-12‬إِ ْن َي ْع َل ِم اهلل فِي ق‬

‫تفقد قلبك لتعلم من أين جاءك الحرمان؟!‬

‫والقلب مصدر الخير‪ ،‬فلو استطعنا أن نغرس فيه الخير الهنمرت‬

‫علينا الخيرات من رب األرض والسماوات‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫نزلت سورة التوبة بدون بسملة‪ ،‬وذلك ألسباب كثير اختلف عليها‬

‫العلماء ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬سألت علي بن أبي طالب رضي‬

‫اهلل عنه ل ِ َم َل ْم تكتب يف براءة بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬قال‪" :‬ألن‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم أمان‪ ،‬وبراءة نزلت بالسيف"‬

‫‪ -2‬أهنا نزلت هكذا على النبي ﷺ‪.‬‬

‫‪ -3‬أهنا تتحدث عن انتهاك حرمات اهلل‪ ،‬فاهلل يشعرك بغضبه‪ ،‬كي‬

‫نغضب النتهاك حرماته‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة التوبة تتحدث وتدور حول ثالثة محاور‪:‬‬

‫(انتهاك حرمات اهلل‪ ،‬صفات المنافقين‪ ،‬صفات الصادقين)‪.‬‬

‫يبدأ النصف األول من السورة بالتحدث عن ثمانية حرمات انتهكت‬

‫يف األرض‪ ،‬ويف حق اهلل عز وجل‪:‬‬

‫‪-1‬حرمة األشخاص‪:‬‬

‫ال ِذم ًة َوأو َلئِ َك هم ا ْلم ْعتَد َ‬


‫ون﴾‬ ‫ون فِي م ْؤمِ ٍن إِ ًّ‬
‫ال َو َ‬ ‫ال َي ْرقب َ‬
‫﴿ َ‬

‫‪-2‬حرمة القرآن‪:‬‬

‫ات اهللِ َث َمنًا َقلِيالً﴾‬


‫﴿ ْاشتَروا بِآي ِ‬
‫َ ْ َ‬

‫‪-3‬حرمة الدين‪:‬‬

‫ون َأن ي ْط ِفؤو ْا نور اهللِ بِ َأ ْفو ِ‬


‫اه ِه ْم﴾‪.‬‬ ‫﴿ َو َط َعنو ْا فِي ِدينِك ْم﴾‪﴿ ،‬ي ِريد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪91‬‬
‫‪-4‬حرمة األماكن المقدسة‪:‬‬

‫اجدَ اهلل َشاهدي َن على أنف ِس ِهم‬


‫َان ل ِ ْلم ْش ِركِي َن َأن َي ْعمرو ْا مس ِ‬
‫َ َ‬ ‫﴿ َما ك َ‬

‫بالكفر﴾‬

‫جدَ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنو ْا إِن َما ا ْلم ْش ِرك َ‬
‫ون ن ََج ٌس َفالَ َي ْقربو ْا ا ْلمس ِ‬

‫ا ْل َح َرا َم َب ْعدَ َعامِ ِه ْم َه َذا﴾‬

‫‪-5‬حرمة األزمنة المقدسة‪:‬‬


‫﴿إِنما الن ِسيء ِزياد ٌة فِي ا ْلك ْف ِر ي َضل بِ ِه ال ِذين َك َفرو ْا ي ِ‬
‫حلونَه َعا ًما‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ويحرمونَه َعاما ِّليواطِؤو ْا ِعد َة ما حرم اهلل َفي ِ‬
‫حلو ْا َما َحر َم اهلل﴾‬ ‫َ َ َ‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ ِّ‬

‫‪-٦‬حرمة المباديء واألخالق‪:‬‬

‫ال ت َقاتِل َ‬
‫ون َق ْو ًما ن َكثو ْا‬ ‫﴿ َوإِن ن َكثو ْا َأ ْي َمانَهم ِّمن َب ْع ِد َع ْه ِد ِه ْم﴾‪َ ﴿ ،‬أ َ‬

‫َأ ْي َمانَه ْم﴾‬

‫‪92‬‬
‫‪-7‬حرمة التوحيد‪:‬‬

‫ت ا ْل َيهود ع َز ْي ٌر ا ْبن اهللِ َو َقا َل ْت الن َص َارى ا ْل َم ِسيح ا ْبن اهللِ﴾‬


‫﴿و َقا َل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ات َخذو ْا َأ ْح َب َاره ْم َور ْه َبانَه ْم َأ ْر َبا ًبا ِّمن دون اهلل َوا ْل َمس َ‬
‫يح ا ْب َن َم ْر َي َم﴾‪.‬‬

‫‪-٨‬حرمة الحدود واألحكام‪:‬‬


‫ال بِا ْليو ِم ِ‬ ‫ال يؤمِن َ ِ‬
‫اآلخ ِر َو َ‬
‫ال ي َح ِّرم َ‬
‫ون َما َحر َم‬ ‫ون بِاهلل َو َ َ ْ‬ ‫﴿ َقاتِلو ْا ال ِذي َن َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال ي ِدين َ ِ‬
‫ون دي َن ا ْل َح ِّق م َن الذي َن أوتو ْا ا ْلكت َ‬
‫َاب َحتى‬ ‫اهلل َو َرسوله َو َ َ‬
‫ج ْزي َة َعن ي ٍد وهم ص ِ‬
‫اغر َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ي ْعطو ْا ا ْل ِ َ‬

‫ومن صفات المنافقين أو من الصفات التي تؤدي إلى النفاق التي‬

‫ذكرهتا السورة‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫‪-1‬ثِ َقل التضحية ألجل الدين على القلب‪:‬‬

‫انفرو ْا فِي َسبِي ِل اهللِ اثا َق ْلت ْم‬


‫﴿يا َأيها ال ِذين آمنو ْا ما َلكم إِ َذا قِ َيل َلكم ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اآلخر ِة َفما متَاع ا ْلحي ِ‬‫اة الد ْنيا مِن ِ‬ ‫ض َأر ِضيتم بِا ْلحي ِ‬
‫اة الد ْن َيا‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫إِ َلى األَ ْر ِ َ‬
‫اآلخ َر ِة إِال َقلِ ٌيل﴾‬
‫فِي ِ‬

‫والهم واالستعداد ليس للدين‪:‬‬


‫‪-2‬األولوية َ‬

‫وج ألَ َعدو ْا َله عد ًة﴾‬


‫﴿ َو َل ْو َأ َرادو ْا ا ْلخر َ‬

‫‪-3‬الهروب من المسؤولية تجاه الدين وتقديم األعذار‪:‬‬

‫ال َت ْفتِنِّي﴾‬
‫﴿ َومِنْهم من َيقول ائ َْذن ِّلي َو َ‬

‫ال َت ِنفرو ْا فِي ا ْل َح ّر﴾‪.‬‬


‫﴿ َو َقالو ْا َ‬

‫‪-4‬تقديم مصلحة النفس وأمنها على مصلحة الدين والعقيدة‪:‬‬

‫ات َأ ْو مد َخالً ل َول ْوا إِ َل ْي ِه َوه ْم َي ْج َمح َ‬


‫ون﴾‪.‬‬ ‫ون م ْلج ًأ َأو م َغار ٍ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َل ْو َيجد َ َ َ ْ َ َ‬

‫‪94‬‬
‫‪َ -5‬من يأخذ الدين كصفقة وتجارة‪:‬‬

‫ات َفإِ ْن أ ْعطو ْا مِن َْها َرضو ْا َوإِن ل ْم‬


‫﴿ومِنْهم من ي ْل ِمز َك فِي الصدَ َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾‬ ‫ي ْع َط ْوا مِن َْها إِ َذا ه ْم َي ْس َخط َ‬

‫‪-٦‬الربود والتهاون تجاه مشاكل الدين‪:‬‬


‫﴿رضو ْا بِ َأن يكونو ْا مع ا ْل َخوال ِ ِ‬
‫ف َو َط َب َع اهلل َع َلى قلوبِ ِه ْم َفه ْم َ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ْع َلم َ‬
‫ون﴾‪-7‬تقديم المحبوبات والمرجوات على الدين والعقيدة‪:‬‬

‫خلو ْا بِ ِه َو َت َول ْوا وهم م ْع ِرض َ‬


‫ون﴾‬ ‫﴿ َف َلما آ َتاهم من َفضلِ ِه ب ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬

‫ثم تعرض السورة بعض صفات الصادقين‪:‬‬

‫‪-1‬يضحون ويبيعون أنفسهم وأموالهم ألجل اهلل‪:‬‬

‫اهلل ْاشت ََرى مِ َن ا ْلم ْؤمِنِي َن َأنف َسه ْم َو َأ ْم َوا َلهم بِ َأن َلهم ا ْل َجن َة﴾‬
‫﴿إِن َ‬

‫‪-2‬خلف الدين ومصالحه دائما مهما كانت الصعاب‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫﴿ال ِذي َن ات َبعوه فِي َسا َع ِة ا ْلع ْس َر ِة﴾‬

‫‪-3‬الفهم‪ ،‬وكَيفية توزيع األدوار على الثغور‪:‬‬

‫ال َن َف َر مِن ك ِّل فِ ْر َق ٍة ِّمنْه ْم َطائِ َف ٌة‬


‫ون ل ِ َي ِنفرو ْا كَاف ًة َف َل ْو َ‬
‫َان ا ْلم ْؤمِن َ‬
‫﴿ َو َما ك َ‬
‫ين ولِي ِ‬
‫نذرو ْا َق ْو َمه ْم إِ َذا َر َجعو ْا إِ َل ْي ِه ْم َل َعله ْم‬ ‫ِ‬
‫ِّل َي َت َفقهو ْا في الدِّ ِ َ‬
‫َي ْح َذر َ‬
‫ون﴾‬

‫لطائف وتدبرات من سورة التوبة‪:‬‬

‫‪َ ﴿-1‬فإِ ْن ت ْبت ْم َفه َو َخ ْي ٌر َلك ْم﴾‬

‫كل ّبوابات الخير تنفتح لك مع التوبة‪.‬‬

‫‪َ ﴿-2‬و َضا َق ْت َع َل ْيكم ْاألَ ْرض بِ َما َرحبَ ْت﴾‬

‫قال الحسن البصري‪« :‬هكذا يقع ذنب المؤمن من قلبه»‪ ،‬فق ِّيم‬

‫إيمانك!‬

‫‪96‬‬
‫‪﴿ .-3‬ثم َأن َْز َل اهلل َسكِينَتَه َع َلى َرسول ِ ِه َو َع َلى ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‪:‬‬
‫السكينة من أعظم القوت الذي ي ِ‬
‫نعم به (المقيت) على قلوب‬

‫المؤمنين‪ ،‬وهو كفيل برتجيح كفتك يف كل معارك الحياة‪.‬‬

‫ون َأ ْن ي ْط ِفئوا نور اهللِ بِ َأ ْفو ِ‬


‫اه ِه ْم﴾‪:‬‬ ‫‪﴿ -4‬ي ِريد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫قال الخطيب اإلدريسي‪:‬‬

‫«إن اإلسالم إذا حاربوه اشتدّ ‪ ،‬وإذا تركوه امتدّ ‪ ،‬واهلل بالمرصاد لمن‬

‫يصدّ ‪ ،‬وهو غني عمن ارتدّ ‪ ،‬وبأسه عن المجرمين ال ير ّد‪ ،‬وإن كان‬

‫ووحد اهلل‬
‫العدو قد أعدّ ‪ ،‬فإن اهلل ال يعجزه أحد‪ ،‬فجدِّ د اإليمان جدِّ د‪ِّ ،‬‬
‫وحد‪ ،‬وسدِّ د الصفوف سدِّ د»‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪﴿-5‬مِن َْها َأ ْر َب َع ٌة حر ٌم﴾‬

‫ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب‪ ،‬وقد س ِّم َيت بذلك لعظم‬

‫حرمتها وحرمة الذنب فيها‪.‬‬


‫‪97‬‬
‫‪َ ﴿ -٦‬ف َال َت ْظلِموا فِ ِ‬
‫يهن َأنْف َسك ْم﴾ قال قتادة‪« :‬إن الظلم يف الشهر‬

‫الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه‪ ،‬وإن كان الظلم على‬

‫كل حال عظيما‪ ،‬وكأن اهلل يع ِّظم من أمره ما شاء»‪.‬‬

‫‪َ ﴿-7‬ال َت ْح َز ْن إِن َ‬


‫اهلل َم َعنَا﴾‬

‫منهج رباين يف التخفيف عن المكروبين‪ ،‬ال يتضمن االستغراق يف‬

‫يقوي النفس على المشكالت باالستعانة‬


‫تفاصيل المشكالت‪ ،‬بل ّ‬
‫برب األرض والسماوات‪.‬‬

‫َان َعر ًضا َق ِريبا وس َفرا َق ِ‬


‫اصدً ا َالت َبع َ‬
‫وك﴾‪:‬‬ ‫ً َ َ ً‬ ‫‪َ ﴿-٨‬ل ْو ك َ َ‬

‫المنافق قصير الن َفس‪ ،‬والصدق ال يختَرب إال يف األعمال طويلة‬

‫المدى‪.‬‬

‫‪َ ﴿ .-٩‬ع َفا اهلل َعن َْك ل ِ َم َأ ِذن َْت َله ْم﴾‬

‫ما أجمل أن تستفتح العتاب بأجمل الكلمات!‬


‫‪98‬‬
‫لتستميل قلب من تعاتِب!‬

‫‪﴿ -1٠‬ك َِر َه اهلل انْبِ َعا َثه ْم َف َثب َطه ْم﴾‬
‫ِ‬
‫أسقط هذه اآلية على صالة الفجر‪ ،‬وعالج هبا كسلك وتسويفك!‬

‫‪99‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫نزلت سورة يونس يف آخر العهد المكي‪ ،‬يف ظِل االبتالء‪ ،‬واالختناق‬

‫الدعوي‪ ،‬والتضييق على المسلمين‪ ،‬ووقتها كان أهل الكفار على‬

‫أشدهم‪ ،‬فنزلت هذه السورة كنوع من التصبير والتنفيس للنبي ﷺ؛‬

‫ألن قصة سيدنا يونس فيها أكثر من عربة‪ ،‬وأكثر من رسالة للنبي ﷺ‪،‬‬

‫منها‪:‬‬

‫‪-1‬أن سيدنا يونس ترك الدعوة‪ ،‬فعوقِب بالسجن داخل بطن‬

‫الحوت‪ ،‬ثم استغفر ورجع إلى قومه مرة أخرى‪.‬‬

‫‪-2‬أن سيدنا يونس هو النبي الذي آمن له قومه‪ ،‬فهذه بشرى للنبي‬

‫ﷺ‪ ،‬بأنه هذا الدين سينتشر‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫من مقاصد السورة أهنا تدور حول زاد المسلم‪ ،‬وزاد الداعية إلى اهلل‬

‫عليه وجل‪ ،‬حيث ذكرت أكثر من نوع من أنواع الزاد‪( :‬زاد إيماين‬

‫قلبي‪ ،‬زاد َد َعوي‪ ،‬زاد الثبات)‪.‬‬

‫بدأت السورة بالزاد اإليماين الدعوي‪ ،‬ألن هذا الذي نحتاجه يف‬

‫أوقات الشدة لكي نَحمل َهم الدين‪ ،‬وذكر منها‪:‬‬

‫‪-1‬القرآن‪:‬‬

‫َاب ا ْل َحكِ ِ‬
‫يم﴾‬ ‫﴿الر تِ ْل َك آ َيات ا ْلكِت ِ‬

‫‪ِ -2‬ذكر الموت والدار اآلخرة‪:‬‬


‫ون ل ِ َقاءنَا ورضو ْا بِا ْلحي ِ‬
‫اة الد ْن َيا َوا ْط َم َأنو ْا بِ َها‬ ‫﴿إِن ال ِذي َن َ‬
‫ََ‬ ‫ال َي ْرج َ َ َ َ‬
‫َوال ِذي َن ه ْم َع ْن آ َياتِنَا َغافِل َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪-3‬تعظيم اهلل‪:‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫﴿إِن ربكم اهلل ال ِذي َخ َل َق السم ِ‬
‫اوات َواألَ ْر َض في ستة َأيا ٍم ثم ْ‬
‫است ََوى‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ش يدَ ِّبر األَ ْم َر َما مِن َش ِفي ٍع إِال مِن َب ْع ِد إِ ْذنِ ِه َذلِكم اهلل َربك ْم‬
‫َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬

‫َفا ْعبدوه َأ َفالَ َت َذكر َ‬


‫ون﴾‪.‬‬

‫‪-4‬خروج حب الدنيا من القلب‪:‬‬

‫استِ ْع َجا َلهم بِا ْل َخ ْي ِر َلق ِض َي إِ َل ْي ِه ْم َأ َجله ْم‬ ‫﴿ َو َل ْو ي َع ِّجل اهلل لِلن ِ‬
‫اس الشر ْ‬
‫ون ل ِ َقا َءنَا فِي ط ْغ َيانِ ِه ْم َي ْع َمهون﴾‪-‬المسار الثاين‪:‬‬ ‫َفن ََذر ال ِذي َن َ‬
‫ال َي ْرج َ‬

‫ثم تحدثت السورة عن الزاد الدعوة يف ‪ 5‬نقاط‪:‬‬

‫‪َ -1‬هم الدعوة‪ :‬أن يكون همك مثلما كان َهم النبي ﷺ وهو إنقاد‬

‫الناس من النار‪:‬‬

‫ال َي ْع ِقل َ‬
‫ون‬ ‫نت ت ْس ِمع الصم َو َل ْو كَانو ْا َ‬ ‫﴿ َومِنْهم من َي ْست َِمع َ‬
‫ون إِ َليْ َك َأ َف َأ َ‬
‫ون﴾‬ ‫نت َت ْه ِدي ا ْلع ْمي َو َل ْو كَانو ْا َ‬
‫ال ي ْب ِصر َ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫‪َ .‬ومِنْهم من َينظر إِ َل ْي َك َأ َف َ‬
‫َ‬
‫‪102‬‬
‫‪-2‬الجهد يف الدعوة إلى اهلل‪ :‬ويظهر ذلك يف أغلب السورة يف مجادلة‬

‫أهل الباطل‪:‬‬

‫ض َأمن َي ْملِك الس ْم َع َواألَ ْب َص َار‬ ‫﴿ق ْل َمن َي ْرزقكم ِّم َن الس َماء َواألَ ْر ِ‬

‫ت َوي ْخ ِرج ا ْل َم ِّي َت مِ َن ا ْل َح ِّي َو َمن يدَ ِّبر‬


‫ومن ي ْخ ِرج ا ْلحي مِن ا ْلمي ِ‬
‫َ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ون اهلل َفق ْل َأ َفالَ َتتق َ‬
‫ون﴾‬ ‫األَ ْم َر َف َس َيقول َ‬

‫خ ْل َق ثم ي ِعيده ق ِل اهلل َي ْبدَ أ ا ْل َ‬


‫خ ْل َق ثم‬ ‫﴿ق ْل َه ْل مِن ش َركَائِكم من َي ْبدَ أ ا ْل َ‬

‫ي ِعيده َف َأنى ت ْؤ َفك َ‬


‫ون﴾‪.‬‬

‫‪-3‬الربانية يف الدعوة‪ :‬أن تعلم أنه ليس لك الحق يف تغيير الدعوة‬

‫واآليات أو تبديلها‪ ،‬فالرسالة جاءت من رب العالمين‪:‬‬


‫ون ل ِ َقاءنَا ائ ِ‬
‫ْت بِقر ٍ‬ ‫َات َق َال ال ِذي َن َ‬
‫﴿وإِ َذا ت ْت َلى َع َلي ِهم آياتنَا بين ٍ‬
‫آن‬ ‫ْ‬ ‫ال َي ْرج َ َ‬ ‫ْ ْ َ َ ِّ‬ ‫َ‬
‫َغ ْي ِر َه َذا َأ ْو َبدِّ ْله ق ْل َما َيكون لِي َأ ْن أ َبدِّ َله مِن تِ ْل َقاء َن ْف ِسي إِ ْن َأتبِع إِال َما‬
‫اب َي ْو ٍم َعظِ ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫وحى إِ َلي إِنِّي َأ َخاف إِ ْن َع َص ْيت َر ِّبي َع َذ َ‬
‫ي َ‬

‫‪103‬‬
‫‪-4‬القوة يف الحق واليقين باهلل‪ :‬ونالحظ هذا يف قصة سيدنا موسى‬

‫وسيدنا نوح يف هناية السورة‪ ،‬وقد نجاهما اهلل من َبطش قومهما‪:‬‬

‫َان كَب َر َع َل ْيكم م َقامِي‬


‫﴿ َوا ْتل َع َل ْي ِه ْم َن َب َأ نوحٍ إِ ْذ َق َال ل ِ َق ْومِ ِه َيا َق ْو ِم إِن ك َ‬

‫ات اهللِ َف َع َلى اهللِ َت َوك ْلت َف َأ ْج ِمعو ْا َأ ْم َرك ْم َوش َركَا َءك ْم ثم‬ ‫و َت ْذكِ ِيري بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾‬ ‫ال تنظِر ِ‬ ‫ال َيك ْن َأ ْمرك ْم َع َل ْيك ْم غم ًة ثم ا ْقضو ْا إِ َلي َو َ‬ ‫َ‬

‫ال فِي ا ْلحي ِ‬


‫وسى َربنَا إِن َك آ َت ْي َت فِ ْر َع ْو َن َو َمأله ِزينَ ًة َو َأ ْم َوا ً‬
‫اة‬ ‫ََ‬ ‫﴿ َو َق َال م َ‬
‫الد ْن َيا َربنَا لِي ِضلو ْا َعن َسبِيلِ َك َربنَا ا ْط ِم ْس َع َلى َأ ْم َوال ِ ِه ْم َو ْاشد ْد َع َلى‬

‫اب األَلِيم﴾‬ ‫ِ‬


‫قلوبِ ِه ْم َفالَ ي ْؤمنو ْا َحتى َي َرو ْا ا ْل َع َذ َ‬

‫‪-5‬فن الدعوة‪ :‬وهذه السورة توضح لنا كيفية الدعوة إلى اهلل‪،‬‬

‫والمنهج األمثل للتعامل مع الناس أثناء الدعوة‪ ،‬حيث بدأت السورة‬

‫بالكالم عن القرآن‪ ،‬ثم الكالم عن اهلل‪ ،‬ثم الكالم عن الدار اآلخرة‪،‬‬

‫ثم الكالم عن مظاهر الدنيا‪ ،‬ثم الكالم عن اهلل والقرآن مرة أخرى‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪-‬ثم يأيت زاد الثبات يف النهاية‪ ،‬وفيه رسالة بأن نثبت على ثالثة أشياء‬

‫وسى َيا َق ْو ِم إِن كنت ْم آ َمنتم بِاهللِ َف َع َل ْي ِه‬


‫جمعت يف آية واحدة‪َ ﴿ :‬و َق َال م َ‬
‫َت َوكلو ْا إِن كنتم م ْسلِ ِمي َن﴾‬

‫زاد الثبات = (اإليمان باهلل‪ ،‬التوكل على اهلل‪ ،‬االستسالم والطاعة‬

‫ألوامره)‪.‬‬
‫ِ‬
‫وحى إِ َل ْي َك َو ْ‬
‫اصبِ ْر‬ ‫آخر يف آخر آية يف السورة‪َ ﴿ :‬واتبِ ْع َما ي َ‬ ‫ثم زاد ثبات َ‬

‫َحت َى َي ْحك َم اهلل َوه َو َخ ْير ا ْل َحاكِ ِمي َن﴾‬

‫زاد الثبات = (اتباع أوامر اهلل‪ ،‬والصرب)‪.‬‬

‫وسورة يونس سورة التحديات‪ ،‬فيها تحديات لكل مشرك ومشكك‪،‬‬

‫تجعل َك راف ًعا رأسك‪ ،‬متحد ًيا لكل كافر ومشكك‪ ،‬فيها من اآليات‬

‫التي تبين عظمة اهلل تعالى‪ ،‬وتفرده باأللوهية والربوبية‪..‬‬

‫منها مثال ‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫﴿قل‪َ :‬من يرزقكم من السماء واألرض؟ أمن َيملك السمع‬

‫الحي ؟‬
‫واألبصار؟ ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من َ‬

‫و َمن يدبر األمر؟ ﴾‬

‫﴿قل هل من شركائكم َمن يبدَ ؤا الخلق ثم يعيده ؟‬

‫قل اهلل يبدؤا الخلق ثم يعيده﴾‬

‫"قل هل من شركائكم َمن يهدي إلى الحق ؟‬

‫قل اهلل يهدي للحق ﴾‬


‫ٍ‬
‫بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اهلل إن كنتم‬ ‫﴿قل فأتوا‬

‫صادقين﴾‬

‫أحق هو؟ قل إي وربي إنه لحق﴾‬


‫﴿ويستنبئونك ‪ٌ :‬‬

‫‪106‬‬
‫ٍ‬
‫الكتاب من‬
‫َ‬ ‫﴿فإن كنت يف شك مما أنزلنا إليك َفسئل الذين َي َ‬
‫قرءون‬

‫قبلك لقد جاءك الحق من ربك﴾‬


‫﴿قل‪ :‬يا أيها الناس إن كنتم يف ٍ‬
‫شك من ديني فال أعبد الذين تدعون‬

‫من دون اهلل ولكن أعبد اهلل الذي يتوفاكم﴾‬

‫﴿وإن َيمسسك اهلل بضر فال كاشف له إال هو وإن يردك ٍ‬


‫بخير فال راد‬

‫لفضله﴾‪.‬‬

‫لطائف من سورة يونس‪:‬‬

‫‪﴿-1‬إِ َل ْي ِه َم ْر ِجعك ْم َج ِمي ًعا﴾‬

‫يا من طالت غيبته‪ :‬ارجع إليه طوعا قبل أن ترجع إليه بالموت قهرا‪.‬‬

‫اب مِ ْن َح ِم ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿-2‬والذي َن َك َفروا َله ْم َش َر ٌ‬

‫قال الضحاك‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫«يسقى من حميم يغلي من يوم خلق اهلل السموات واألرض إلى يوم‬

‫يسقونه ويصب على رؤوسهم»‪.‬‬


‫‪﴿-3‬ق ْل من يرزقكم مِن السم ِ‬
‫اء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض﴾‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ٍ‬
‫واحدة؛‬ ‫من رحمة اهلل بنا أن لم يقصر رزقنا على ٍ‬
‫جهة‬

‫بل رزقنا من فوق رؤوسنا ومن تحت أرجلنا‪.‬‬

‫‪َ ﴿-4‬فق ْل لِي َع َملِي َو َلك ْم َع َملك ْم﴾‬

‫عار أن يعمل أهل الباطل‪ ،‬ويتخلف عن العمل أهل الحق‪ ،‬وعار أكرب‬

‫أن يجتهد أقوام يف السعي إلى النار‪ ،‬ويكسل عاشق الجنة‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -5‬و َال َي ْحزن َْك َق ْوله ْم إِن ا ْل ِعز َة لِل ِه َج ِمي ًعا ه َو الس ِميع ا ْل َعلِيم﴾‬

‫ال يحزنك هتديد واستهزاء وسخرية وتآمر أهل الباطل‪ ،‬فحرهبم‬

‫ليست معك‪ ،‬بل مع اهلل العزيز‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫اج َعلوا بيو َتك ْم قِ ْب َل ًة َو َأقِيموا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ﴿ .-٦‬ت َبوآ ل َق ْومك َما بِم ْص َر بيو ًتا َو ْ‬
‫الص َال َة﴾‪:‬‬

‫ال عذر ألحد يف ترك الصالة!‬

‫منعهم فرعون الصالة‪ ،‬فأمرهم اهلل أن يجعلوا مساجدهم يف بيوهتم‪.‬‬

‫‪ْ ﴿ -7‬آآل َن َو َقدْ َع َص ْي َت َق ْبل َوكن َْت مِ َن ا ْلم ْف ِس ِدي َن﴾(يونس‪:)٩1:‬‬

‫إذا طرق ملك الموت بابك‪ ،‬فقد أغلِق باب القبول‪ ،‬فات وقت‬

‫االعتذار‪ ،‬بعد الركض طويال يف ميدان االغرتار!‬

‫‪109‬‬
‫‪-‬تسمية السورة‪:‬‬

‫سميت السورة على اسم سيدنا هود الذي وقف بيقين وقوة أمام‬

‫طغيان قوم وقوة قوم عاد‪ ،‬وفيه رسالة للنبي ﷺ بأن يثبت على الحق‬

‫بقوة‪ ،‬وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬شيبتني هود"‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫موضوع السورة مشابه لسورة يونس‪ ،‬حيث نزلت سورة هود بعد‬

‫يونس مباشرة‪ ،‬وتدور السور حول الزاد الذي يجب أن يتزود به‬

‫الدعاة والمسلمون‪ ،‬وتكلمت السورة عن ثالثة أنواع من الزاد‪:‬‬

‫زاد إيماين = (القرآن‪ ،‬تعظيم اهلل‪ ،‬ذكر اآلخرة‪ ،‬الزهد يف الدنيا)‪.‬‬

‫زاد َد َعوي = (يف قصص األنبياء يف السورة)‪.‬‬


‫‪110‬‬
‫(أيضا يف قصص األنبياء يف السورة)‪.‬‬
‫زاد الثبات = ً‬

‫﴿ َوكالًّ نقص َع َل ْي َك مِ ْن َأن َباء الرس ِل َما نثَ ِّبت بِ ِه ف َؤا َد َك َو َجا َء َك فِي‬

‫َه ِذ ِه ا ْل َحق َو َم ْو ِع َظ ٌة َو ِذك َْرى ل ِ ْلم ْؤمِنِين﴾‬

‫من خالل قراءة القرآن سنالحظ تكرار قصص األنبياء‪ ،‬ولكن يف كل‬

‫سورة تركز القصة عن موضوع معين يختلف عن السورة األخرة‪،‬‬

‫فمثال سورة األعراف تركز على قصص األنبياء يف بداية الدعوة‪،‬‬

‫وسورة الشعراء تركز على وسط الدعوة‪ ،‬أما سورة هود فتركز على‬

‫االحتدام والصدام النهائي يف الدعوة‪ ،‬فقصص األنبياء زاد هام جدا‬

‫يف الدعوة إلى اهلل‪ ،‬من خالل التعرف على ما حدث لألنبياء من‬

‫بطوالت وكرامات أنزلها اهلل عليهم‪ ،‬وكيف وصلوا إلى اهلل من خالل‬

‫البطوالت اإليمانية والتعبدية‪ ،‬وكيف أقاموا الدين من خالل‬

‫‪111‬‬
‫بطوالت دعوية وجهادية‪ ،‬وهذه األحداث تعطينا الدافع والقوة‬

‫للثبات يف الطريق وعدم ترك الدعوة‪.‬‬

‫ومن الدروس المستفادة من قصص األنبياء يف السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا نوح‪:‬‬

‫وقد جاءت القصة يف هذه السورة مفصلة تفصيال ال يوجد مثله يف‬

‫سورة أخرى‪ ،‬حيث بين السورة كيف دعى نوح عليه السالم قومه‪،‬‬

‫وكيف صرب على دعوهتم ونصحهم‪ ،‬حيث دعاهم ألف سنة إلى‬

‫خمسين عا ًما! ومع ذلك ظلوا يسخرون منه‪ ،‬فأمره اهلل سبحانه‬

‫وتعالى‪ ،‬بأن يصنع سفينة‪ ،‬فأغرق اهلل عز وجل َمن لم يؤمن بنوح‪ ،‬بما‬

‫فيهم ابن سيدنا نوح عليه السالم‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ومن ِ‬
‫العرب المستفادة يف هذه القصة‪:‬‬

‫لمن يظلم أو يكفر‪ ،‬حتى لو كان أقرب الناس إليك‪،‬‬


‫‪-‬عدم الركون َ‬
‫فها هو ابن نوح يكفر ويصر على الكفر‪ ،‬ولم يركن ولم يلتفت إليه‬

‫سيدنا نوح عليه السالم‪ ،‬وهذه القصة لم ترد إال يف هذه السورة‪.‬‬

‫‪-‬ثِ َقل قبول الحق على قلوب المعرضين عن اهلل‪َ ﴿ :‬ق َال َيا َق ْو ِم َأ َر َأ ْيت ْم‬

‫ند ِه َفع ِّم َي ْت َع َل ْيك ْم‬


‫إِن كنت َع َلى بين ٍَة من ربي وآ َتانِي رحم ًة من ِع ِ‬
‫َ ْ َ ِّ ْ‬ ‫َ ِّ ِّ ِّ َ َ‬
‫َاره َ‬
‫ون﴾‬ ‫وها َو َأنت ْم َل َها ك ِ‬
‫َأن ْل ِزمكم َ‬

‫‪-‬من المهلكات َتقديم العقل على النقل! أن نح ِّكم عقلنا أمام آيات‬

‫اهلل‪ ،‬وهذا ما فعله ابن نوح فهلك‪ ،‬حكم عقله وقال‪﴿ :‬سآوي إلى‬
‫عاصم اليو َم مِن ِ‬
‫أمر‬ ‫َ‬ ‫جب ٍل َيعصمني من الماء﴾ والنقل يقول‪﴿ :‬ال‬

‫اهلل﴾ = فهلك!‬

‫‪113‬‬
‫‪-‬تربي الداعي قبل المدعوين‪ ،‬وذلك أن اهلل عز وجل يعلم أنه لن‬

‫يؤمن من قوم نوح إال القليل‪ ،‬ورغم ذلك قدر له أن يدعوا قومه مدة‬

‫وح َي إِ َلى نوحٍ َأنه َلن ي ْؤمِ َن مِن َق ْومِ َك إِال َمن َقدْ‬
‫‪ ٩5٠‬سنة! ﴿وأ ِ‬
‫َ‬
‫آ َم َن﴾‬

‫‪-2‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا هود‪:‬‬

‫تأيت قصة سيدنا هود‪ ،‬والسؤال الذي قد يأيت يف كثير من األذهان‪،‬‬

‫لماذا سميت هذه السورة باسم سيدنا هود‪ ،‬دونًا عن بقية األنبياء‬

‫الذين ذكرت قصتهم يف السورة؟‬

‫لو الحظنا قصة سيدنا هو مع قومه‪ ،‬سنجد أنه أرسل ألقوام أقوياء‬

‫جبابرة‪ ،‬ومن شدة قوهتم كانوا يغرتون هبا ويقولوا‪َ :‬من أشد مِنّا قوة؟‬

‫‪114‬‬
‫ومع ذلك وقف سيدنا هود ببطولة وجرأة‪ ،‬فلم يخيفه قوهتم‪ ،‬بل‬

‫وقف أمامهم وحقرهم كوهنم يشركون باهلل‪ ،‬وانتقص من آلهتهم‬

‫الباطلة‪ ،‬ومما قاله هود من جرأة وشدة تقريبا لم يقله نبي َقط!‬

‫وهي من القصص التي تعلمنا الثبات والقوة يف الحق‪ ،‬والقوة يف‬

‫مواجهة أهل الباطل‪:‬‬

‫﴿ َق َال إِنِّي أ ْش ِهد اهللِ َو ْاش َهدو ْا َأنِّي َب ِري ٌء ِّمما ت ْش ِرك َ‬
‫ون مِن دونِ ِه‬

‫ون إِنِّي َت َوك ْلت َع َلى اهللِ َر ِّبي َو َر ِّبكم ما مِن‬


‫ال تنظِر ِ‬
‫َفكِيدونِي َج ِمي ًعا ثم َ‬
‫اط م ْست َِق ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫َاصيتِها إِن ربي َع َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َدابة إِال ه َو آخ ٌذ بِن َ َ‬

‫‪-3‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا صالح‪:‬‬

‫عدم االهتمام بسخرية اآلخرين‪ ،‬ونركز يف دعوتنا‪َ ﴿ :‬قالو ْا َيا َصالِح‬

‫نت فِينَا َم ْرج ًّوا َق ْب َل َه َذا﴾‬


‫َقدْ ك َ‬

‫‪115‬‬
‫‪ -4‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا إبراهيم‪:‬‬

‫‪-‬الحرص على دخول الناس الجنة وقبول دعوة الحق‪ ،‬والخوف‬

‫على موهتم على الكفر‪ ،‬وذلك نشهده يف سيدنا إبراهيم عندما خاف‬

‫لما رأى المالئكة‪ ،‬ألنه يعلم أن المالئكة ال تنزل إال بعذاب‪:‬‬

‫ال َت ِصل إِ َل ْي ِه نَكِ َره ْم َو َأ ْو َج َس مِنْه ْم ِخي َف ًة َقالو ْا َ‬


‫ال‬ ‫﴿ َف َلما َر َأى َأ ْي ِد َيه ْم َ‬
‫ف إِنا أر ِس ْلنَا إِ َلى َقو ِم ل ٍ‬
‫وط﴾‬ ‫َت َخ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬

‫‪-‬يف رحمة اهلل وكرمه‪ ،‬حتى لو كان األمر على غير توقعنا وحساباتنا‬

‫البشرية‪َ ﴿ :‬قالو ْا َأ َت ْع َجبِي َن مِ ْن َأ ْم ِر اهللِ﴾‬

‫‪-5‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا لوط‪:‬‬

‫الغضب النتهاك حرمات اهلل‪َ ﴿ :‬ق َال َل ْو َأن لِي بِك ْم قو ًة َأ ْو ِ‬


‫آوي إِ َلى‬
‫ْن َش ِد ٍ‬
‫يد﴾‬ ‫رك ٍ‬

‫‪116‬‬
‫وقال رسول اهلل ﷺ عن سيدنا لوط‪" :‬رحم اهلل أخي لو ًطا‪ ،‬لقد كان‬

‫يأوي إلى ركن شديد"‪.‬‬

‫‪-٦‬الدروس المستفادة من قصة سيدنا شعيب‪:‬‬

‫اس َت ْغ ِفرو ْا َربك ْم ثم‬


‫‪-‬يف الدعوة‪ ،‬والتذكير برحمة اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬و ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توبو ْا إِ َل ْيه إِن َر ِّبي َرح ٌ‬
‫يم َودو ٌد﴾‬

‫اك فِينَا َض ِعي ًفا‬


‫‪-‬عدم الخوف من هتديد وكالم أهل الباطل‪َ ﴿ :‬وإِنا َلن ََر َ‬

‫نت َع َل ْينَا بِ َع ِزيز﴾‬


‫َاك َو َما َأ َ‬
‫ال َر ْهط َك َل َر َج ْمن َ‬
‫َو َل ْو َ‬

‫ثم تختم هذه القصص بالكالم عن الدار اآلخرة‪:‬‬


‫ِ ِ ِ‬ ‫﴿إِن فِي َذل ِ َك آل َي ًة ِّل َم ْن َخ َ‬
‫اب اآلخ َرة َذل َك َي ْو ٌم م ْجم ٌ‬
‫وع له‬ ‫اف َع َذ َ‬
‫الناس َو َذل ِ َك َي ْو ٌم م ْشهود﴾‬

‫‪117‬‬
‫ثم يأيت يف هناية السورة بعض األوامر‪:‬‬

‫ال َت ْط َغ ْوا إِنه بِ َما َت ْع َمل َ‬


‫ون‬ ‫اب َم َع َك َو َ‬ ‫است َِق ْم ك ََما أمِ ْر َ‬
‫ت َو َمن َت َ‬ ‫‪َ ﴿-1‬ف ْ‬
‫َب ِص ٌير﴾‬
‫ون اهللِ‬
‫ال َتركَنو ْا إِ َلى ال ِذين َظ َلمو ْا َفتَمسكم النار وما َلكم من د ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ﴿-2‬و َ ْ‬
‫نصر َ‬
‫ون﴾‬ ‫ال ت َ‬ ‫مِ ْن َأ ْول ِ َياء ثم َ‬

‫ار وز َل ًفا من اللي ِل إِن ا ْلحسن ِ‬


‫َات ي ْذ ِه ْب َن‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِّ َ ْ‬ ‫‪َ ﴿-3‬و َأق ِم الصال َة َط َر َف ِي الن َه ِ َ‬
‫ات َذل ِ َك ِذك َْرى لِلذاكِ ِري َن﴾‬ ‫السي َئ ِ‬
‫ِّ‬

‫ال ي ِضيع َأ ْج َر ا ْلم ْح ِسنِي َن﴾‬ ‫اصبِ ْر َفإِن َ‬


‫اهلل َ‬ ‫‪َ ﴿-4‬و ْ‬

‫أوامر وتوجيهات يحتاجها كل داعية إلى اهلل كَي يثبت ويمكن له‪:‬‬

‫(االستقامة‪ ،‬عدم الركون للظالمين‪ ،‬إقام الصالة‪ ،‬الصرب)‪.‬‬

‫وهناك تناسب بين بداية السورة وهنايتها‪ ،‬حيث بدأت السورة ب‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫﴿أال تعبدوا إال اهلل إنني لكم منه نذير وبشر﴾‬

‫وانتهت بـ ‪﴿ :‬فاعبده وتوكل عليه﴾‬

‫حيث بدأت السورة بالعبادة‪ ،‬وانتهت بالعبادة‪.‬‬

‫لطائف وتدبرات من سورة هود‪:‬‬

‫ت كل ِذي َف ْض ٍل َف ْض َله﴾‬
‫‪﴿-1‬وي ْؤ ِ‬
‫َ‬

‫تتفاوت الدرجات يف اآلخرة بحسب تفاوت أعمال العباد‪.‬‬

‫قال يحيى بن معاذ‪« :‬إنما ينبسطون (ينشطون ويجتهدون) إليه على‬

‫قدر منازلهم لديه»‬

‫‪﴿ -2‬وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا ﴾‬

‫أعظم متعة تجدها يف قلوب التائبين المستغفرين‪.‬‬


‫ون ا ْفتَراه ق ْل َف ْأتوا بِع ْش ِر سو ٍر مِ ْثلِ ِه م ْفتَري ٍ‬
‫ات﴾‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪﴿ -3‬أ ْم َيقول َ َ‬

‫‪119‬‬
‫اإلعجاز بالتحدي! تحدى اهلل عز وجل الخلق أن يأتوا بمثل القرآن‪،‬‬

‫فعجزوا‪ ،‬فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من سور القرآن‪ ،‬فعجزوا‪،‬‬

‫فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة‪ ،‬فعجزوا‪.‬‬


‫ون ا ْفتَراه ق ْل َف ْأتوا بِع ْش ِر سو ٍر مِ ْثلِ ِه م ْفتَري ٍ‬
‫ات﴾‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪﴿-4‬أ ْم َيقول َ َ‬

‫اإلعجاز بالتحدي!‬

‫تحدى اهلل عز وجل الخلق أن يأتوا بمثل القرآن‪ ،‬فعجزوا‪ ،‬فتحداهم‬

‫أن يأتوا بعشر سور من سور القرآن‪ ،‬فعجزوا‪ ،‬فتحداهم أن يأتوا‬

‫بسورة واحدة‪ ،‬فعجزوا‪.‬‬

‫‪َ ﴿5‬وأ ْتبِعوا فِي َه ِذ ِه الد ْن َيا َل ْعنَ ًة َو َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة﴾ [هود‪ :]٦٠ :‬استعمل‬

‫مع الدنيا اسم اإلشارة ﴿هذه﴾‪ ،‬لقصد تحقيرها وهتوين أمرها عند‬

‫مقارنتها بلعنة اآلخرة‪.‬‬


‫ْن َش ِد ٍ‬
‫يد ﴾‬ ‫‪َ ﴿ -٦‬ق َال َل ْو َأن لِي بِك ْم قو ًة َأ ْو ِ‬
‫آوي إِ َلى رك ٍ‬

‫‪120‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن إذا رأى من َكرا ال يقدر على إزالته؛ أن َ‬
‫يتحسر على‬ ‫هذا حال‬

‫فقد القوة أو المعين على دفعه‪.‬‬

‫ون اهللِ مِ ْن َش ْي ٍء َلما‬


‫ون مِن د ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -7‬ف َما َأ ْغن َْت َعنْه ْم آل َهتهم التي َيدْ ع َ ْ‬
‫َجا َء َأ ْمر َر ِّب َك﴾‬

‫قال أبو الفتح البستي‪:‬‬

‫من استعان بغير اهلل يف طلب ‪ ....‬فإن ناصره عجز وخذالن‪.‬‬

‫ار َله ْم فِ َيها َزفِ ٌير َو َش ِه ٌيق﴾‬


‫‪َ ﴿-٨‬ف َأما ال ِذي َن َشقوا َف ِفي الن ِ‬

‫تخيل التنفس داخل النار! وسط جوها المتصاعد باللهب والدخان‪،‬‬

‫فيتنفس المسكين نارا تحرق جوفه وأحشاءه ‪ ،‬فما أشده عذابه‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫تتحدث سورة يوسف عن أسباب التمكين يف األرض‪ ،‬وأسباب نصر‬

‫الدعوات‪ ،‬ونزلت هذه السورة لتثبيت النبي ﷺ؛ وذلك ألن قصة‬

‫سيدنا يوسف مشاهبة تما ًما لما كان عليه النبي ﷺ أثناء العهد المكي‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪-‬ظلم سيدنا يوسف من أقاربه‪ ،‬وكذلك سيدنا محمد‪.‬‬

‫‪-‬سجن سيدنا يوسف يف السجن‪ ،‬وكذلك سجن النبي يف ِشعب أبي‬

‫طالب‪.‬‬

‫‪-‬مكن اهلل لسيدنا يوسف يف أرض غير أرضه‪ ،‬وكذلك سيدنا محمد‪،‬‬

‫وكأهنا رسالة للنبي ﷺ بأن يصرب حتى يم ِّكن اهلل له يف أرض أخرى‬

‫غير مكة‪ ،‬وبالفعل مكن اهلل للنبي يف المدينة وليس يف مكة‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ذكرت السورة أسباب التمكين العشرة‪ ،‬لو تحققت هذه األسباب‬

‫لقامت دولة اإلسالم بقوهتا وعزهتا‪:‬‬

‫‪َ -1‬تدبير وترتيب اهلل عز وجل‪:‬‬

‫وهذا نراه يف قصة سيدنا يوسف‪ ،‬وكيف دبر اهلل له ليكون عزيز مصر‪،‬‬

‫ومكن له يف قلوب الخلق‪ ،‬ثم على أرض الواقع‪.‬‬

‫َ‬
‫تكون خير مرسال‪:‬‬ ‫‪-2‬أن‬

‫أن تعمل ألجل اهلل وألجل الدعوة‪ ،‬ال ألجل مصالحك الشخصية‪،‬‬

‫فسيدنا يوسف أول الرؤيا للسجينين والملك بدون مقابل‪.‬‬

‫‪-3‬التحكم يف النفس‪ :‬لما طلب الملك بأن يحضر سيدنا يوسف‪ ،‬لم‬

‫يخف‪ ،‬ولم يذهب إليه‪ ،‬ألن قلبه متعلق باهلل‪ ،‬فاستطاع أن يتحكم‬

‫بنفسه وال يخاف‪َ ﴿ :‬و َق َال ا ْل َملِك ائْتونِي بِ ِه َف َلما َجا َءه الرسول َق َال‬

‫ْار ِج ْع إِ َلى َر ِّب َك﴾‬

‫‪123‬‬
‫‪-4‬الفهم‪:‬‬

‫أن تفهم الدعوة والواقع وحال المدعوين‪ ،‬فسيدنا يوسف ً‬


‫مثال لم‬

‫يوافق على خروجه من السجن إلى بعد َتربئتِه أمام الناس‪ ،‬حتى يثقوا‬

‫فيه عندما يدعوهم‪ ،‬ويستطيع أن يتكلم دون أن يقدح فيه أحد‪.‬‬

‫‪-5‬دور المرأة يف التمكين‪:‬‬

‫لما فسدت المرأة يف سورة يوسف كانت سب ًبا يف َسجن نبي‪ ،‬يف سجن‬

‫داعية إلى اهلل! ولما َصلحت وتابت كانت من ضمن أسباب التمكين‬

‫ادقِي َن﴾‪.‬‬
‫لسيدنا يوسف‪َ ﴿ :‬أ َن ْا راودته َعن ن ْف ِس ِه وإِنه َل ِمن الص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫فالمرأة لها أدوار مهمة يف المجتمع منها‪:‬‬

‫‪-‬دورها يف العبادة وإصالح قلبها كي تستطيع أن تدعوا إلى اهلل‪.‬‬

‫‪-‬دورها يف الزواج واألمومة برتبيتها لألجيال‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪-٦‬تربية األطفال‪:‬‬

‫من األدوار المهمة جدً ا تربية النشأ على الدين الصحيح‪ ،‬فلقد كانت‬

‫كلمات وتربية سيدنا يعقوب محفورة يف سيدنا يوسف منذ صغره‪،‬‬

‫فنشأ عليها نشأة طيبة صالحة‪.‬‬

‫‪-7‬الدنيا‪:‬‬

‫األمور الدنيوية كالمال والسلطة وهكذا من األمور التي لها دور يف‬

‫التمكين‪ ،‬ولكن بشرط أال تدخل قلوبنا‪ ،‬نستخدمها للوصول إلى‬

‫الغاية‪ ،‬وهي الدعوة إلى اهلل‪ ،‬ونصرة الدين‪ ،‬فلقد طلب سيدنا يوسف‬

‫أن يكون على خزائن األرض؛ ليتمكن من التكلم مع الناس‪،‬‬

‫والوصول إليهم وبذلك قد جعل لنفسه منربًا دعويا‪ ،‬يدعوا من خالله‬

‫الناس‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪-٨‬التسامح‪:‬‬

‫سامح سيدنا يوسف أخوته حتى يكونوا عونًا له يف الدعوة‪.‬‬

‫‪-٩‬الرتبية‪:‬‬

‫اهلل عز وجل ترك سيدنا يوسف يف السجن من أجل الرتبية‪ ،‬فخرج‬

‫َمبن ًّيا‪.‬‬

‫‪ -1٠‬الدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫يف كل مكان كان يذهب إليه سيدنا يوسف كان يدعوا إلى اهلل! يف‬

‫أهله‪ ،‬ويف القصر‪ ،‬ويف السجن‪ ،‬ويف كل مكان يذهب إليه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة يوسف‪:‬‬

‫‪َ ﴿-1‬ق َال ِه َي َر َاو َد ْتنِي َع ْن َن ْف ِسي﴾‬


‫لم يسبقها يوسف بالكالم سرتا لها وصونا ِ‬
‫لعرضها‪ ،‬فلما اهتمته زورا‬
‫اضطر للدفاع عن نفسه‪.‬‬

‫يم َوإِ ْس َح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َان َلنَا َأ ْن‬
‫وب َما ك َ‬
‫اق َو َي ْعق َ‬ ‫‪َ ﴿-2‬وات َب ْعت مل َة آ َبائي إِ ْب َراه َ‬
‫ن ْش ِر َك بِاهللِ مِ ْن َش ْي ٍء﴾‬

‫انظر كيف قدم الدعوة على تأويل الرؤيا‪ ،‬واستغل الفرصة لينشر‬
‫دعوته ويب ِّلغ رسالته‪.‬‬

‫الس ْجن﴾‬ ‫ِ‬


‫‪﴿ -3‬يا صاح َبي ِّ‬

‫مر‪ ،‬فالبد أن يسبقه كالم حلو‪.‬‬


‫النصيحة دواء ٌّ‬

‫‪َ ﴿ -4‬ف ًص ْب ٌر َج ٌ‬
‫ميل﴾‬

‫قال سفيان الثوري عن بعض أصحابه‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫«ثالث من الصرب‪ :‬أال تحدِّ ث بوجعك‪ ،‬وال بمصيبتك‪ ،‬وال تزكِّي‬

‫نفسك»‪.‬‬

‫ور َاو َد ْته التِي ه َو فِي َب ْيتِ َها َع ْن َن ْف ِس ِه﴾‬


‫‪َ ﴿ -5‬‬

‫كانت محنة يوسف مع امرأة العزيز أشد من محنته مع إخوته‪ ،‬وصربه‬

‫عليها أعظم أجرا‪ ،‬ألنه صرب اختيار مع وجود دواعي السقوط‬

‫الكثيرة‪ ،‬وأما محنته مع إخوته‪ ،‬فصربه فيها صرب اضطرار‪ ،‬وليس له‬

‫إال الصرب عليها‪ ،‬طائعا أو كارها‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬واستبقا الباب﴾‬

‫إذا كنت خاليا‪ ،‬وحاصرتك الشهوة‪ ،‬فاهرب على الفور‪ ،‬وابحث عن‬

‫الباب‪.‬‬

‫‪﴿-7‬كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)‬


‫‪128‬‬
‫إذا جاهدت نفسك باالنصراف عن السوء والفحشاء فرتة من الزمن‪،‬‬

‫كافأك اهلل وأمر السوء والفحشاء أن ينصرفا عنك‪.‬‬

‫كيدهن﴾‬
‫َ‬ ‫فصرف عنه‬
‫َ‬ ‫فاستجاب له ربه‬
‫َ‬ ‫‪﴿-٨‬‬

‫لم يقل ‪ :‬فأدخله السجن!‬

‫ال تنظر إلى ظلمة المحنة وما أصاب دنياك‪ ،‬بل انظر إلى الخير الذي‬

‫وراءها وما أفاد دينك‪.‬‬

‫ض َي َت َبوأ مِن َْها َح ْيث َي َشاء﴾‬


‫ف فِي ْاألَ ْر ِ‬
‫‪َ ﴿ -٩‬وك ََذل ِ َك َمكنا لِيوس َ‬

‫وما أحسن قول البحرتي يواسي المسجونين ظلما‪:‬أما يف رسول اهلل‬


‫الج ْور ِ‬
‫واإلفك أقام جميل‬ ‫يوسف أسوة ‪ ..‬لمثلك محبوسا على َ‬
‫الصرب يف السجن برهة ‪ ..‬فآل به الصرب الجميل إلى الم ْل ِ‬
‫ك‬ ‫ِّ‬

‫‪﴿-1٠‬يوسف أيها الصدِّ يق أفتنا﴾‬

‫‪129‬‬
‫الكريم ال يع ِّلق لوح ًة فيها ذكر شهاداته وإنجازاته‪ ،‬بل أفعاله تتكلم‬

‫عنه‪.‬نسيه يف السجن بضع سنين‪ ،‬ثم عاد يستفتيه يف رؤيا الملك‪،‬‬

‫فأفتاه دون كلمة عتاب! أي نفوس هذه!‬

‫‪130‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة الرعد من السور التي تبين قدرة اهلل عز وجل يف هذا الكون‪،‬‬

‫حتى يؤمن كل جاحد بأن اهلل هو الخالق‪ ،‬وهو اإلله الواحد األحد‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫﴿اهلل ال ِذي ر َفع السم ِ‬
‫ش‬ ‫اوات بِ َغ ْي ِر َع َمد َت َر ْون ََها ثم ْ‬
‫است ََوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َو َسخ َر الش ْم َس َوا ْل َق َم َر ك ٌّل َي ْج ِري ألَ َج ٍل م َس ًّمى يدَ ِّبر األَ ْم َر ي َف ِّصل‬
‫ات َل َعلكم بِلِ َقاء َر ِّبك ْم توقِن َ‬
‫ون﴾‬ ‫اآلي ِ‬
‫َ‬

‫واسم السورة يبين تلك الظاهرة الكونية العجيبة التي تتجلى فيها‬

‫قدرة اهلل عز وجل وسلطانه وقوته‪ ،‬وهذا الرعد يجمع بين النقيضين‪،‬‬

‫فهو كونه مخي ًفا يف ظاهره‪ ،‬إال أنه فيه الخير ألن الرعد يأيت معه الماء‬

‫والمطر‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ -2‬من السور التي تبعث الطمأنينة يف قلوب المؤمنين الذين يحملون‬

‫َهم الدعوة والدين‪ ،‬تعرفك حجم المؤمن‪ ،‬وحجم الكافر‪ ،‬تعرفك‬

‫قدر َمن يفعل الخير‪ ،‬وقدر السفهاء الذين يسعون يف األرض فسا ًدا‪،‬‬

‫تعرفك قيمة الحق‪ ،‬وقيمة الباطل‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َأ َنز َل م َن الس َماء َماء َف َسا َل ْت َأ ْود َي ٌة بِ َقدَ ِر َها َف ْ‬
‫احت ََم َل الس ْيل َز َبدً ا رابِ ًيا‬

‫ار ا ْبتِ َغاء ِح ْل َي ٍة َأ ْو َمتَا ٍع َز َبدٌ ِّم ْثله ك ََذل ِ َك‬


‫ون َع َل ْي ِه فِي الن ِ‬
‫َومِما يوقِد َ‬
‫ِ‬
‫َي ْض ِرب اهلل ا ْل َحق َوا ْل َباط َل َف َأما الز َبد َف َي ْذ َهب ج َفاء َو َأما َما َين َفع الن َ‬
‫اس‬

‫ض ك ََذل ِ َك َي ْض ِرب اهلل األَ ْم َث َال﴾‬ ‫َف َي ْمكث فِي األَ ْر ِ‬

‫هكذا يبين اهلل لنا بمثالين‪:‬‬

‫األول‪ :‬الماء النازل من السماء على األودية والشعاب‪ ،‬فيجرف‬

‫ويأخذ يف طريقه الغثاء وكل ما ليس له قيمة‪ ،‬فيطفوا هذا الغثاء والزبد‬

‫على وجه الماء‪ ،‬ثم يذهب سري ًعا‪ ،‬ويبقى الماء الصايف‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫والثاين‪ :‬المعادن التي تذاب ليصنع منها األواين والحلي وغيرها من‬

‫الذهب والفضة‪ ،‬فكل ما يعلوا من هذه المعادن من الزبد سرعان ما‬

‫يذهب ويتالشى‪ ،‬ويبقى يف األرض المعدن الصايف الذي ينفع الناس‪.‬‬

‫وهكذا يثبت الحق والخير وكل ما ينفع الناس‪ ،‬ويذهب الباطل‬

‫والشر وكل ما يضر‪.‬‬

‫ومن األوامر يف هذه السورة‪ ،‬أن يتحلى كل مؤمن باألخالق الطيبة‪،‬‬

‫خاصة َمن يرد أن يفتح اهلل عليه يف دعوة أهل الباطل‪:‬‬

‫اق َوال ِذي َن َي ِصل َ‬


‫ون َما َأ َم َر‬ ‫ون ا ْل ِميثَ َ‬ ‫ون بِ َع ْه ِد اهللِ َو َ‬
‫ال َينقض َ‬ ‫﴿ال ِذي َن يوف َ‬
‫ون سوء ا ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫ح َس ِ‬ ‫َ‬ ‫وص َل َو َي ْ‬
‫خ َش ْو َن َربه ْم َو َي َخاف َ‬ ‫اهلل بِه َأن ي َ‬

‫َوال ِذي َن َص َبرو ْا ا ْبتِ َغاء َو ْج ِه َر ِّب ِه ْم َو َأ َقامو ْا الصال َة َو َأن َفقو ْا مِما َر َز ْقنَاه ْم‬

‫ون بِا ْل َح َسن َِة السيِّ َئ َة أ ْو َلئِ َك َله ْم ع ْق َبى الد ِار﴾‬ ‫ِس ًّرا َو َعالنِ َي ًة َو َيدْ َرؤ َ‬

‫‪133‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة الرعد‪:‬‬

‫ض فِي ْاألك ِل﴾‬


‫اح ٍد َون َف ِّضل َب ْع َض َها َع َلى َب ْع ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اء و ِ‬
‫‪﴿-1‬ي ْس َقى بِ َم َ‬

‫ماء واحد وتربة واحدة‪ ،‬وطعوم مختلفة‪ ،‬ومذاقات متنوعة‪ ،‬ليس‬

‫واحد منها يشبه اآلخر‪.‬‬

‫‪﴿-2‬ق ْل َه ْل َي ْست َِوي ْاألَ ْع َمى َوا ْل َب ِصير َأ ْم َه ْل َت ْست َِوي الظل َمات‬

‫َوالنور﴾‬

‫قال مجاهد‪« :‬أما األعمى والبصير فالكافر والمؤمن‪ ،‬وأما الظلمات‬

‫والنور فالهدى والضالل»‪.‬‬


‫‪﴿-3‬أو َلئِ َك َلهم سوء ا ْل ِ‬
‫ح َس ِ‬
‫اب﴾‬ ‫ْ‬

‫ب الرجل بذنبه كله ال‬


‫حاس َ‬
‫قال إبراهيم النخعي‪« :‬سوء الحساب أن ي َ‬
‫يغفر له من شيء»‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ ﴿-4‬ال ِذي َن آ َمنوا َو َت ْط َمئِن قلوبه ْم بِ ِذك ِْر اهللِ ﴾‬

‫هجرك الذكر هو ما جعل قلبك مرتعا للقلق والهموم؛ وإقبالك على‬

‫الذكر هو دواؤك‪ ،‬وفيه شفاؤك‪.‬‬


‫‪﴿-5‬ال ِذين آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ‬
‫ات طو َبى َله ْم َوح ْسن َم ٍ‬
‫آب﴾‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬

‫طابت يف الدنيا أوقاهتم‪ ،‬فطاب يف الجنة مقامهم‪ ،‬فطوبى لهم يف‬

‫الحال‪ ،‬وحسن مآب يف المآل‪.‬‬

‫‪﴿-٦‬أكل َها َدائِ ٌم ﴾‬

‫إذا نزع الرجل ثمرة من الجنة عادت مكاهنا أخرى‪.‬‬

‫‪ ( . -7‬أال بذكر اهلل تطمئن القلوب )‬

‫ِ‬
‫الناس دا ٌء‪ ،‬وذكْر اهلل دوا ٌء‪ .‬قال الذهبي مع ِّلقا‪ :‬إي‬ ‫قال ابن عون‪ِ :‬ذكْر‬

‫واهلل‪ ،‬فالعجب منا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداء؟!‬

‫‪135‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة إبراهيم من السور التي أن تعرفك بمجهود أهل الباطل‪ ،‬وكيف‬

‫هم أئمة يف باطلهم‪ ،‬فلماذا ال تكون إما ًما يف الحق؟‬

‫وهي من السور التي تبين أن أفضل وأهم نعمة هي نعمة اإليمان‪،‬‬

‫وأشر نقمة هي الكفر‪.‬‬

‫وقد سميت السورة باسم إمام األنبياء‪ ،‬سيدنا إبراهيم‪.‬‬

‫‪-‬تناسب سوريتّ الرعد و إبراهيم‪ :‬فسورة الرعد تعلمك كيف تثبت‪،‬‬

‫وتعطيك داف ًعا من الطمأنينة بأن اهلل معك‪ ،‬وجنود كالرعد معك‪ ،‬بعد‬

‫ذلك تأيت بعدها سورة إبراهيم لتقول لك‪ :‬تقدم! تقدم إلى األمام يف‬

‫طلب الحق‪ ،‬ودعوة الحق‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫تعرض السورة أربعة أنواع من أئمة الباطل‪:‬‬

‫‪-1‬فرعون‪:‬‬

‫نجاكم م ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬


‫آل‬ ‫ِّ‬ ‫وسى ل َق ْومه ا ْذكرو ْا ن ْع َم َة اهلل َع َل ْيك ْم إِ ْذ َأ َ‬
‫﴿ َوإِ ْذ َق َال م َ‬
‫ون َأ ْبنَا َءك ْم َو َي ْست َْحي َ‬
‫ون‬ ‫فِ ْر َع ْو َن َيسومونَك ْم سو َء ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب َوي َذ ِّبح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن َساءك ْم َوفي َذلكم َبالء ِّمن ر ِّبك ْم َعظ ٌ‬
‫يم﴾‬

‫‪-2‬أصحاب المناصب والنفوذ‪:‬‬

‫﴿ َو َق َال ال ِذي َن َك َفرو ْا لِرسلِ ِه ْم َلن ْخ ِر َجنكم ِّم ْن َأ ْر ِضنَا َأ ْو َلتَعودن فِي‬

‫مِلتِنَا َف َأ ْو َحى إِ َل ْي ِه ْم َربه ْم َلن ْهلِ َكن الظال ِ ِمي َن﴾‬

‫‪-3‬كرباء القوم‪:‬‬

‫﴿ َأ َل ْم َت َر إِ َلى ال ِذي َن َبدلو ْا نِ ْع َم َة اهللِ ك ْف ًرا َو َأ َحلو ْا َق ْو َمه ْم َد َار ا ْل َب َو ِار﴾‬

‫‪137‬‬
‫‪-4‬الماكرين‪:‬‬

‫ول مِنْه‬ ‫﴿ َو َقدْ َم َكرو ْا َم ْك َره ْم َو ِعندَ اهللِ َم ْكره ْم َوإِن ك َ‬


‫َان َم ْكره ْم لِتَز َ‬
‫ا ْل ِ‬
‫ج َبال﴾‬

‫ويف وسط قصص أهل الباطل‪ ،‬تأيت قصة سيدنا إبراهيم إمام الحق‪،‬‬

‫لينبهك اهلل بأال تتهاون يف الطريق إلى اهلل‪ ،‬بل تكون من األئمة‪.‬‬

‫وأيضا السورة َمليئة بمصير أهل الباطل‪ ،‬وآيات العذاب‪:‬‬


‫ً‬

‫يد ‪ِّ .‬من َو َرائِ ِه َج َهنم َوي ْس َقى مِن ماء‬


‫ار َعن ِ ٍ‬
‫اب كل َجب ٍ‬
‫اس َت ْفتَحو ْا َو َخ َ‬
‫﴿ َو ْ‬
‫يه ا ْلموت مِن ك ِّل م َك ٍ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ِد ٍ‬
‫ان َو َما ه َو‬ ‫َ‬ ‫ال َي َكاد يسيغه َو َي ْأت َ ْ‬
‫يد ‪َ .‬يت ََجرعه َو َ‬ ‫َ‬
‫اب َغلِ ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫يظ﴾‬ ‫بِ َم ِّيت َومن َو َرائه َع َذ ٌ‬

‫ون إِن َما ي َؤ ِّخره ْم ل ِ َي ْو ٍم‬


‫اهلل َغافِالً َعما َي ْع َمل الظالِم َ‬
‫ال َت ْح َسبَن َ‬
‫﴿ َو َ‬

‫ال َي ْر َتد إِ َل ْي ِه ْم َط ْرفه ْم‬ ‫يه األَبصار‪ ،‬مهطِ ِعين م ْقن ِ ِعي رؤ ِ‬
‫وس ِه ْم َ‬ ‫خص ف ِ ِ‬ ‫َت ْش َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َو َأ ْفئِدَ ته ْم َه َواء﴾‬

‫‪138‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة إبراهيم‪:‬‬
‫اف و ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ ﴿-1‬ذل ِ َك ل ِ َم ْن َخ َ‬
‫يد﴾‬ ‫اف َم َقامي َو َخ َ َ‬

‫خير ما يمنع العبد من الظلم اليوم‪ :‬خوفه من مقامه غدا بين يدي اهلل‪.‬‬

‫اد َي ال ِذي َن آ َمنو ْا ي ِقيمو ْا الصال َة َوي ِنفقو ْا مِما َر َز ْقنَاه ْم ِس ًّرا‬
‫‪﴿-2‬قل ِّل ِعب ِ‬
‫َ‬
‫ال ِخ ٌ‬
‫الل﴾‬ ‫و َعالنِي ًة من َقب ِل َأن ي ْأتِي يوم ال بيع فِ ِ‬
‫يه َو َ‬ ‫َ َ َ ْ ٌ َْ ٌ‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫َ‬

‫أعظم ما يحض الناس على إقام الصالة واإلنفاق يف سبيل اهلل تذكير‬

‫هم باليوم الذي تستحيل فيه الطاعات‪ ،‬وال يمكن استدراك ما فات‬

‫‪َ ﴿ -3‬وآ َتاك ْم مِ ْن ك ِّل َما َس َأ ْلتموه﴾‬

‫﴿ ِّمن ك ِّل ﴾ كل ما يفصلك عن فضل اهلل‪ :‬دعوة صادقة من ٍ‬


‫قلب‬
‫ي ِ‬
‫حسن الظن باهلل‪.‬‬

‫اجن ْبنِي َو َبنِي َأ ْن َن ْعبدَ ْاألَ ْصنَا َم﴾‬


‫‪َ ﴿-4‬و ْ‬

‫‪139‬‬
‫خاف خليل الرحمن من الكفر بعد اإلسالم‪،‬‬

‫فكيف ال يخاف غيره؟!‬


‫‪﴿-5‬إِن اهلل س ِريع ا ْل ِ‬
‫ح َس ِ‬
‫اب﴾‬ ‫َ َ‬

‫قال ابن عطية‪« :‬قيل لعلي كيف يحاسب اهلل العباد يف يوم؟‬

‫فقال‪ :‬كما يرزقهم يف يوم»‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬لنخرجنكم من أرضنا﴾‪:‬‬

‫طرد الدعاة من بالدهم عادة قديمة جرت سابقا على األنبياء‬

‫والمرسلين‪ ،‬وتسري على أتباعهم من المؤمنين إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -7‬و َب َرزوا لِل ِه َج ِميعًا﴾‬

‫كانوا يخفون فواحشهم ويظنون أهنا تخفى على اهلل‪ ،‬فإذا كان يوم‬

‫القيامة انكشفوا‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة الحجر على اسم أصحاب الحجر وهم قوم ثمود الذين كانوا‬

‫ينحتون من الجبال بيو ًتا‪ ،‬ورغم ذلك لم تنفعهم قوهتم يف الدنيا‪،‬‬

‫وبيوهتم المحصنة من عذاب اهلل‪.‬‬

‫‪-‬السور تخ ِّيرك إما أن تطلب الدنيا وإما أن تطلب اآلخرة‪ ،‬إما تكون‬

‫صاحب دعوة ورسالة‪ ،‬أو صاحب دنيا فقط‪.‬‬

‫جاء يف السورة األثر الدنيوي للطاعة‪ ،‬واألثري الدنيوي للمعصية؛‬

‫حتى تعتبِر‪.‬‬

‫األثر الدنيوي للطاعة‪:‬‬

‫‪-1‬رزق سيدنا إبراهيم بالولد‪﴿ :‬إِنا ن َب ِّشر َك بِغال ٍم َعلِ ٍ‬


‫يم﴾‬

‫األثر الدنيوي للمعصية‪:‬‬


‫‪141‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخر ْج من َْها َفإِن َك َرج ٌ‬
‫يم﴾‬ ‫‪-1‬لعن وطرد إبليس من الجنة‪َ ﴿ :‬ف ْ‬

‫‪-2‬عقوبة قوم لوط‪َ ﴿ :‬ف َج َع ْلنَا َعال ِ َي َها َسافِ َل َها َو َأ ْم َط ْرنَا َع َل ْي ِه ْم ِح َج َار ًة‬

‫ِّمن ِس ِّجي ٍل﴾‬


‫‪-3‬عقوبة الصيحة لقوم ثمود‪َ ﴿ :‬ف َأ َخ َذ ْتهم الصيحة مصبِ ِ‬
‫حي َن﴾‬ ‫ْ َ ْ‬

‫ويف السورة الكثير من الفوائد‪:‬‬

‫‪ -1‬يف السورة رسائل كثيرة يجب أن يفهمها كل مسلم‪ ،‬منها أن خلق‬

‫اإلنسان من طين تكرر أكثر من مرة يف السورة‪:‬‬

‫ان مِن َص ْل َص ٍ‬ ‫ِ‬


‫ال﴾‬ ‫﴿ َو َل َقدْ َخ َل ْقنَا اإل َ‬
‫نس َ‬

‫والصلصال يتشكل على أي شكل‪ ،‬مهما كان حالك يمكنك أن‬

‫تتغير‪ ،‬مهما كانت شخصيتك وطباعك‪ ،‬كل شيء يمكنه أن يتغير‪،‬‬

‫وهذه رسالة لكل َمن يقول‪ :‬ال أستطيع!‬

‫‪142‬‬
‫‪ٌ -2‬ذكر يف السورة الزينة يف السماء‪ ،‬والزينة يف األرض‪ ،‬فإلى أيهما‬

‫ستنتمي؟‬

‫السماء زينت ألجل أن تنظر إليها وتتدبر فيها‪ ،‬ويتعلق قلبك بالخالق‬

‫سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫اها لِلناظِ ِري َن﴾‬ ‫ِ‬


‫﴿ َو َل َقدْ َج َع ْلنَا في الس َماء بر ً‬
‫وجا َو َزين َ‬

‫والشيطان زين األرض لك كي يغويك‪:‬‬

‫ض َوأل ْغ ِو َينه ْم َأ ْج َم ِعي َن ‪.‬‬


‫﴿ َق َال َر ِّب بِ َما َأ ْغ َو ْيتَنِي أل َز ِّينَن َله ْم فِي األَ ْر ِ‬

‫إِال ِع َبا َد َك مِنْهم ا ْلم ْ‬


‫خ َل ِصي َن﴾ فتأمل وانتبِه‪.‬‬

‫‪ -3‬جاء يف السورة آية الحفظ‪ ،‬آية الشرف لكل مسلم‪﴿ :‬إِنا ن َْحن نَز ْلنَا‬
‫الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ‬
‫ون﴾‬ ‫ِّ‬

‫القرآن محفوظ بوعد من اهلل عز وجل‪ ،‬فاحفظ القرآن = يحفظك اهلل‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة الحجر‪:‬‬

‫‪﴿ -1‬ر َب َما َي َود ال ِذي َن َك َفروا َل ْو كَانوا م ْسلِ ِمي َن﴾‬

‫متى يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين؟‬

‫أقوال العلماء يف هذه اآلية راجعة إلى ثالثة أقوال‪ :‬عند االحتضار‪،‬‬

‫وعند معاينة النار‪ ،‬وحين يرى خروج عصاة المؤمنين من النار‪.‬‬

‫‪َ ﴿-2‬وي ْل ِه ِهم ْاألَ َمل﴾‬

‫قال الحسن‪ :‬ما أطال عبد األمل إال أساء العمل‪. .‬‬

‫قال اإلمام القرطبي‪« :‬فاألمل يكسل عن العمل‪ ،‬ويورث الرتاخي‬

‫والتواين‪ ،‬ويعقب التشاغل والتقاعس‪ ،‬ويخلد إلى األرض‪ ،‬ويميل‬

‫إلى الهوى‪ ،‬وهذا أمر قد شوهد بالعيان‪ ،‬فال يحتاج إلى بيان‪ ،‬وال‬

‫يطا َلب صاحبه بربهان‪ ،‬كما أن قصر األمل يبعث على العمل‪ ،‬ويحيل‬

‫على المبادرة‪ ،‬ويحث على المسابقة»‪.‬‬


‫‪144‬‬
‫الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ‬
‫ون ﴾‬ ‫‪﴿-3‬إِنا ن َْحن نَز ْلنَا ِّ‬

‫فال يزال نور القرآن يسري‪ ،‬وبحر هدايته يجري‪ ،‬رغم كيد الكائدين‪،‬‬

‫وإفساد المفسدين‪ ،‬واسمعوا حلقات برنامج (بالقرآن اهتديت) لرتوا‬

‫كيف أسلم هؤالء واهتدوا بسماعهم لكتاب اهلل‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫‪َ ﴿ -4‬وإِن َرب َك ه َو َي ْحشره ْم إِنه َحك ٌ‬
‫يم َعل ٌ‬

‫الموت ليس هو هناية الحياة‪ ،‬بل ابتداء حياة جديدة‪ ،‬يحاسب الناس‬

‫فيها على أعمالهم‪ ،‬ويقتسمون منازلهم بحسب ما عملوا ىف دنياهم‪.‬‬


‫ِ‬ ‫َاك َسبْ ًعا مِ َن ا ْل َم َثانِي َوا ْلق ْر َ‬
‫‪َ ﴿ -5‬و َل َقدْ آ َت ْين َ‬
‫آن ا ْل َعظ َ‬
‫يم﴾‬

‫المراد بالسبع المثاين‪ :‬صورة الفاتحة‪ ،‬وس ِّميت بذلك‪ ،‬ألهنا سبع‬

‫آيات‪ ،‬وألهنا تثنى أي تكرر يف كل ركعة من ركعات الصالة‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬ل َعمر َك إنهم لفي سكرهتِم َي َ‬


‫عمهون﴾‬

‫‪145‬‬
‫لم يقسم اهلل بحياة بشر إال بحياة نبيه تكريما له وتشريفا‪.‬‬

‫‪﴿ -7‬فاصفح الصفح الجميل﴾‬

‫قال علي بن أبي طالب‪ :‬الصفح الجميل صفح ال توبيخ فيه‪ ،‬وال‬

‫حقد بعده‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -٨‬ال َتمدن َع ْينَ ْي َك﴾‬

‫قال القرطبي‪ :‬المعنى‪ :‬قد أغنيتك بالقرآن عما يف أيدي الناس‪.‬‬

‫القرآن فرآى أن أحد ًا‬


‫َ‬ ‫قال أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪َ :‬م ْن أويتَ‬

‫أويتَ أفضل مما أويت‪ ،‬فقد ص ّغر عظيمًا وع ّظم صغيرا‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫قال قتادة‪ :‬هذه السورة ‪-‬النحل‪ -‬تسمى سورة النعم‪.‬‬

‫تتكون السورة من ‪ 5‬مسارات وخاتمة‪:‬‬

‫•المسار األول‪:‬‬

‫التحدث عن نِعم اهلل من اآلية ‪ 1‬حتى اآلية ‪:34‬‬

‫بدأت السورة بالتحدث عن القرآن‪ ،‬كأن القرآن أعظم نِعمة يف حياتنا‪،‬‬

‫وهو أهم وسيلة يف الدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫﴿ين َِّزل ا ْل َمالئِ َك َة بِا ْلروحِ مِ ْن َأ ْم ِر ِه﴾‬

‫‪147‬‬
‫ثم يبدأ مسار يف الحديث عن نِعم اهلل‪َ ﴿ :‬واألَ ْن َعا َم َخ َل َق َها َلك ْم فِ َيها‬

‫ون َو ِحي َن‬


‫ون‪َ ،‬و َلك ْم فِ َيها َج َم ٌال ِحي َن ت ِريح َ‬
‫ف ٌء َو َمنَافِع َومِن َْها َت ْأكل َ‬
‫ِد ْ‬
‫َت ْس َرح َ‬
‫ون﴾‬

‫لمن‬
‫ثم يف آخر هذا المسار من النعم يأيت األثر الدنيوي واألخروي َ‬
‫كفر وجحد بنعم اهلل‪:‬‬

‫﴿ َف َخر َع َل ْي ِهم الس ْقف مِن َف ْوقِ ِه ْم َو َأ َتاهم ا ْل َع َذاب مِ ْن َح ْيث َ‬


‫ال‬
‫َي ْشعر َ‬
‫ون﴾‬

‫اب َج َهن َم َخال ِ ِدي َن فِ َيها َف َلبِئْ َس َم ْث َوى ا ْلم َت َك ِّب ِري َن﴾‬
‫﴿ َفا ْدخلو ْا َأ ْب َو َ‬

‫• المسار الثاين‪:‬‬

‫حديث طويل عن الجدال من اآلية ‪ 35‬حتى اآلية ‪:٦4‬‬

‫بعد كل هذه النعم لم يؤمنوا‪ ،‬وقابلوها بالجدال‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫﴿ َو َق َال ال ِذي َن َأ ْش َركو ْا َل ْو َشاء اهلل َما َع َبدْ نَا مِن دونِ ِه مِن َش ْي ٍء ن ْحن َوال‬

‫ال َحر ْمنَا مِن دونِ ِه مِن َش ْي ٍء﴾‬


‫آ َباؤنَا َو َ‬

‫﴿ َو َأ ْق َسمو ْا بِاهللِ َج ْهدَ َأ ْي َمانِ ِه ْم َ‬


‫ال َي ْب َعث اهلل َمن َيموت﴾‬

‫أيضا الحديث عن عذاب من جحد بآيات‬


‫ويف وسط هذه اآليات يأيت ً‬
‫اهلل‪ ،‬وبيان سنن اهلل يف الظالمين‪:‬‬

‫ف اهلل بِ ِهم األَ ْر َض َأ ْو َي ْأتِ َيهم‬


‫ات َأن َي ْخ ِس َ‬
‫﴿ َأ َف َأمِن ال ِذين م َكرو ْا السي َئ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َع َذاب مِ ْن َح ْيث َ‬
‫ال َي ْشعر َ‬
‫ون﴾ = عذاب الفجأة مثل ما حصل يف‬

‫إعصار تسونامي يف إندونيسيا‪.‬‬

‫﴿ َأ ْو َي ْأخ َذهم فِي َت َقلبِ ِهم َفما هم بِم ْع ِ‬


‫ج ِزي َن﴾ = أو يأيت العز وهم يف‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫عز قوهتم‪ ،‬كما حدث مع قوم هود وثمود ولوط وغيرهم‪ ،‬وقد‬

‫يحدث للقوى العظمى التي تتحكم يف العالم اآلن‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫يم﴾ = أو ينتشر‬ ‫ف َفإِن ربكم َلرؤ ٌ ِ‬
‫َأو ي ْأخ َذهم َع َلى َت َخو ٍ‬
‫وف رح ٌ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫الخوف يف القلوب أوال قبل أن يحل العذاب‪.‬‬

‫ثم تأيت آية بخطاب هادئ للكافرين‪ ،‬وخطاب يقيني وتثبيتي‬

‫للمؤمنين‪:‬‬

‫﴿ َأ َو َل ْم َي َر ْوا إِ َلى َما َخ َل َق اهلل مِن َشي ٍء َي َت َفيأ ظِالله َع ِن ا ْل َي ِم ِ‬


‫ين‬ ‫ْ‬
‫ون ‪ .‬ولِل ِه يسجد ما فِي السماو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْلش َمائ ِل سجدً ا لله َوه ْم َداخر َ َ َ ْ‬
‫ض مِن َداب ٍة َوا ْل َمالئِ َكة َوه ْم َ‬
‫ال َي ْس َت ْكبِر َ‬
‫ون﴾‬ ‫َو َما فِي األَ ْر ِ‬

‫• المسار الثالث‪:‬‬

‫الكالم عن نِعم اهلل مرة أخرى من اآلية ‪ ٦5‬حتى اآلية ‪.1٠2‬‬

‫﴿ َواهلل َأ َنز َل مِ َن الس َماء َماء َف َأ ْح َيا بِ ِه األَ ْر َض َب ْعدَ َم ْوتِ َها إِن فِي َذل ِ َك‬

‫ون‪َ ،‬وإِن َلك ْم فِي األَ ْن َعا ِم َل ِع ْب َر ًة ن ْس ِقيكم ِّمما فِي بطونِ ِه‬
‫آل َي ًة ِّل َق ْو ٍم َي ْس َمع َ‬
‫ات الن ِ‬
‫اربِين‪ ،‬ومِن َثمر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خي ِل‬ ‫ََ‬ ‫من َب ْي ِن َف ْرث َو َد ٍم ل َبنًا َخال ًصا َسائ ًغا للش ِ َ َ‬
‫‪150‬‬
‫ون مِنْه َس َك ًرا َو ِر ْز ًقا َح َسنًا إِن فِي َذل ِ َك آل َي ًة ِّل َق ْو ٍم‬ ‫َاب َتت ِ‬
‫خذ َ‬ ‫َواألَ ْعن ِ‬

‫َي ْع ِقل َ‬
‫ون﴾‬

‫• المسار الرابع‪:‬‬

‫بمن عصى‬
‫الحديث عن الجدال مرة أخرى وبيان العذاب الذي يحل َ‬
‫وكفر من اآلية ‪ 1٠2‬حتى اآلية ‪:11٠‬‬

‫ون إِ َل ْي ِه‬ ‫ون إِنما يع ِّلمه ب َشر ِّلسان ال ِذي ي ْل ِ‬


‫حد َ‬ ‫﴿ َو َل َقدْ َن ْع َلم َأنه ْم َيقول َ َ َ َ ٌ َ‬
‫ات اهللِ َ‬
‫ال‬ ‫ون بِآي ِ‬ ‫ان َعربِي مبِين ‪ .‬إِن ال ِذين َ ِ‬
‫ال ي ْؤمن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْع َج ِمي َو َه َذا ل ِ َس ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫ال ي ْؤمِن َ‬
‫ون‬ ‫يم ‪ .‬إِن َما َي ْفت َِري ا ْل َك ِذ َب ال ِذي َن َ‬‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬ ‫َي ْه ِد ِ‬
‫يهم اهلل َو َله ْم َع َذ ٌ‬
‫ات اهللِ وأو َلئِ َك هم ا ْل َك ِ‬
‫اذب َ‬
‫ون﴾• المسار الخامس‪:‬‬ ‫بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫أثر الطاعة‪ ،‬وأثر المعصية‪:‬‬

‫أثر المعصية‪:‬‬
‫‪151‬‬
‫﴿ َو َض َر َب اهلل َم َثالً َق ْر َي ًة كَان َْت آمِنَ ًة م ْط َمئِن ًة َي ْأتِ َيها ِر ْزق َها َر َغدً ا ِّمن ك ِّل‬
‫ت بِ َأنْع ِم اهللِ َف َأ َذا َقها اهلل لِباس ا ْلجو ِع وا ْل َخو ِ‬
‫ف بِ َما كَانو ْا‬ ‫م َك ٍ‬
‫ان َف َك َف َر ْ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ْصنَع َ‬
‫ون﴾‬

‫أثر الطاعة مع سيدنا إبراهيم‪:‬‬


‫اآلخر ِة َل ِمن الصال ِ ِ‬
‫حي َن﴾‬ ‫﴿وآ َتينَاه فِي الد ْنيا حسنَ ًة وإِنه فِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬

‫ثم يف الخاتمة‪:‬‬

‫اد ْلهم بِالتِي ِه َي‬ ‫ح ْكم ِة وا ْلمو ِع َظ ِة ا ْلحسن َِة وج ِ‬


‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫﴿ا ْدع إِ َلى َسبِي ِل َر ِّب َك بِا ْل َ َ َ ْ‬
‫َأ ْح َسن إِن َرب َك ه َو َأ ْع َلم بِ َمن َضل َعن َسبِيلِ ِه َوه َو َأ ْع َلم بِا ْلم ْهت َِدي َن﴾‬

‫ومن السورة بشكل عام‪ ،‬نتعلم َفن الدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫‪-‬فعندما تدعوا الناس إلى اهلل عز وجل‪ ،‬كلمهم عن نِعم اهلل يف حياتنا‪،‬‬

‫كلمهم عن األثر الدنيوي واألخروي للطاعة والمعصية‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ -‬ذكرهم باآلخرة‪ ،‬بالجنة والنار‪.‬‬

‫‪-‬ادعوهم بالحكمة ال بد وأن يكون لديك ِحكمة وأسلوب أثناء‬

‫الدعوة‪.‬‬

‫ثم آخر آية يف السورة تقول لك عندما تتقي اهلل وتطيعه وتدعوا إليه؛‬
‫اهلل َم َع ال ِذي َن ات َقو ْا وال ِذي َن هم م ْح ِسن َ‬
‫ون﴾‬ ‫فال تخف‪ ،‬فاهلل معك‪﴿ ،‬إِن َ‬

‫‪153‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة النحل‪:‬‬

‫‪﴿-1‬ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلوهنم‬

‫بغير علم﴾‬

‫قال حبيب الفارسي‪ :‬إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -2‬و َلدَ ار اآلخرة َخ ْي ٌر﴾‬

‫خير من ماذا؟!‬

‫خير من كل حسنات الدنيا ولذاهتا‪ ،‬فالقادم أجمل!‬

‫‪﴿-3‬فاسألوا (أهل) الذكر ﴾‬

‫لم يقل‪ :‬من عنده ذكر ‪ ،‬بل ال بد أن يكون من أهل التخصص‬

‫واالحرتاف‪.‬‬

‫‪﴿-4‬وما بِكم ِّمن نعمة فمن اهلل﴾‬

‫‪154‬‬
‫النعم بنوعيها من اهلل وحده؛ نِعم الطا َعات‪ ،‬ونِعم الل َذات‪ ،‬فالجأ ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كي يعينك على شكرها‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪« :‬وإذا كانت القلوب مجبولة على حب من أحسن‬

‫إليها‪ ،‬وكل إحسان وصل إلى العبد فمن اهلل عز وجل‪ ،‬فال أألم ممن‬

‫شغل قلبه بحب غيره دونه»‪.‬‬

‫‪ ﴿ -5‬فتزل قد ٌم بعد ثبوهتا ﴾‬

‫قدم ثابتة ومع هذا زلت‪ ،‬فكيف بقدم مضطربة مهتزة؟!‬

‫‪155‬‬
‫اإلسراء هو الحدث الذي صلى فيه النبي ﷺ باألنبياء إما ًما يف‬

‫المسجد األقصى = اإلمامة يف الدين‪.‬‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫ومقصد السورة هو تحقيق اإلحسان‪ ،‬فلكي تصل إلى اإلمامة يف‬

‫الدين ال بد وأن تحقق وتصل إلى مقام اإلحسان‪.‬‬

‫بدأت السورة بالتحدث عن نموذج بني إسرائيل‪ ،‬وعن إساءتِهم‪:‬‬

‫َاب َلت ْف ِسدن فِي األَ ْر ِ‬


‫ض َمر َت ْي ِن‬ ‫﴿ َو َق َض ْينَا إِ َلى َبنِي إِ ْس َرائِ َيل فِي ا ْلكِت ِ‬

‫َو َل َت ْعلن عل ًّوا َكبِ ًيرا ‪ .‬فإِ َذا َجا َء َو ْعد أواله َما َب َع ْثنَا َع َل ْيك ْم ِع َبا ًدا لنَا أولِي‬

‫َان َو ْعدً ا م ْفعوال﴾‬


‫ار َوك َ‬ ‫يد َف َجاسو ْا ِخ َ‬
‫الل الدِّ َي ِ‬ ‫س َش ِد ٍ‬
‫َب ْأ ٍ‬

‫أي‪ :‬فإذا وقع منكم اإلفساد األول سلطنا عليكم عبا ًدا ذوي قوة‬

‫وشجاعة يغلبونكم ويقتلونكم‪ ،‬واختلف المفسرون عن َمن هم‬

‫‪156‬‬
‫هؤالء‪ ،‬فمنهم َمن قال أهنم أهل بابل واألقوال كثيرة ومختلفة يف هذا‬

‫األمر‪.‬‬

‫ثم يف المرة الثانية التي يفعلوهنا اآلن يف فلسطين‪﴿ :‬ثم َر َد ْدنَا َلكم‬

‫ال َو َبنِي َن َو َج َع ْلنَاك ْم َأ ْك َث َر ن َِف ًيرا﴾‬


‫ا ْل َكر َة َع َل ْي ِهم َو َأمدَ ْدنَاكم بِ َأم َو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬

‫رددنا لكم الكرة = معهم القوة والغلبة اآلن‪.‬‬

‫وأمددناكم بأموال وبنين = وهم اآلن أغنى بشر يف العالم‪ ،‬ويزدادون‬

‫يف األوالد‪.‬‬

‫نفيرا = هم اآلن الذين يتحكمون بكل شيء خاصة اإلعالم‬


‫أكثر ً‬
‫ووكاالت األنباء العالمية‪.‬‬

‫ثم يأيت الحديث عن حب الدنيا من خالل إفساد بني إسرائيل وغيرها‬

‫من اآليات من اآلية ‪ 1‬حتى اآلية ‪،22‬‬

‫‪157‬‬
‫اج َل َة َعج ْلنَا َله فِ َيها َما ن ََشاء ل ِ َمن ن ِريد ثم َج َع ْلنَا َله‬
‫َان ي ِريد ا ْل َع ِ‬
‫﴿من ك َ‬

‫الها َم ْذمو ًما مدْ ح ً‬


‫ورا﴾‬ ‫َج َهن َم َي ْص َ‬

‫ويف وسط هذه اآلية يأيت عالج حب الدنيا «القرآن والذكر اآلخر»‪:‬‬

‫آن َي ْه ِدي لِلتِي ِهي َأ ْق َوم َوي َب ِّشر ا ْلم ْؤمِنِي َن ال ِذي َن َي ْع َمل َ‬
‫ون‬ ‫﴿إِن َه َذا ا ْلق ْر َ‬
‫َ‬
‫اآلخ َر ِة َأ ْعتَدْ نَا‬
‫ون بِ ِ‬
‫ال ي ْؤمِن َ‬
‫ات َأن َله ْم َأ ْج ًرا َكبِ ًيرا ‪َ .‬و َأن ال ِذي َن َ‬
‫الصالِح ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َله ْم َع َذا ًبا َأل ً‬
‫يما﴾‬

‫ثم يبدأ شوط عبارة عن ثالثة عشر من األوامر والنواهي يف اآليات‬

‫من ‪ 22‬إلى ‪:3٩‬‬

‫‪-1‬عدم الشرك باهلل‬

‫﴿ال َت ْج َعل َم َع اهللِ إِ َل ًها َ‬


‫آخ َر َف َت ْقعدَ َم ْذمو ًما م ْخذو ً‬
‫ال﴾‬

‫‪-2‬األمر بالتوحيد ﴿ َو َق َضى َرب َك َأال َت ْعبدو ْا إِال إِياه﴾‬

‫‪158‬‬
‫‪-3‬اإلحسان إلى الوالدين ﴿ َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا﴾‬

‫آت َذا ا ْلق ْر َبى َحقه َوا ْل ِم ْسكِي َن َوا ْب َن السبِي ِل﴾‬
‫‪-4‬صلة الرحم ﴿و ِ‬
‫َ‬

‫ال ت َب ِّذ ْر َت ْب ِذ ًيرا ﴾‬


‫‪5‬النهي عن اإلسراف والتبذير ﴿ َو َ‬

‫ال َت ْج َع ْل َيدَ َك َم ْغلو َل ًة إِ َلى عن ِق َك﴾‬


‫‪-٦‬النهي عن البخل ﴿ َو َ‬

‫‪-7‬النهي عن اإلجهاض وقتل األطفال خشية الفقر‬

‫﴿ َت ْقتلو ْا َأ ْوال َدكم َخ ْش َي َة إِم ٍ‬


‫الق ن ْحن ن َْرزقه ْم َوإِياكم﴾‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫‪-٨‬التحذير والنهي عن الزنا‬


‫َان َف ِ‬
‫اح َش ًة َو َساء َسبِيالً﴾‬ ‫الزنَى إِنه ك َ‬
‫ال َت ْق َربو ْا ِّ‬
‫﴿ َو َ‬

‫‪-٩‬النهي عن قتل النفس التي حرم اهلل إال بالحق‬

‫ال َت ْقتلو ْا الن ْف َس التِي َحر َم اهلل إِال بِا ْل َح ِّق﴾‬


‫﴿ َو َ‬

‫‪159‬‬
‫يم إِال بِالتِي ِه َي‬
‫ال َت ْق َربو ْا َم َال ا ْل َيتِ ِ‬
‫‪ -1٠‬النهي عن أكل مال اليتيم ﴿ َو َ‬

‫َأ ْح َسن﴾‬

‫‪ -11‬األمر بالوفاء بالوعد والعهد‬

‫﴿ َو َأ ْوفو ْا بِا ْل َع ْه ِد إِن ا ْل َع ْهدَ ك َ‬


‫َان َم ْسؤو ً‬
‫ال﴾‬

‫‪ -12‬بوفاء الكيل والموازين‬

‫اس ا ْلم ْست َِق ِ‬


‫يم﴾‬ ‫﴿ َو َأ ْوفوا ا ْل َك ْي َل إِ َذا كِ ْلت ْم َو ِزنو ْا بِا ْل ِق ْس َط ِ‬

‫ال َت ْقف َما َل ْي َس َل َك بِ ِه ِع ْل ٌم﴾‬


‫‪ -13‬عن القول بغير علم ﴿ َو َ‬

‫كل هذه األوامر والنواهي مع تعظيم اهلل وحبه وشكره والخوف منه‬

‫والتوكل عليه‪ ،‬تصل بنا إلى مقام اإلحسان‪.‬‬

‫لطائف وتدبرات من سورة اإلسراء‪:‬‬

‫‪﴿ -1‬إن هذا القرآن يهدي﴾‬

‫‪160‬‬
‫القرآن مصدر الهداية‪ ،‬ومفتاح تقويم ِ‬
‫الفكر واألخالق‪ ،‬وهو وحده‬

‫مقياس الخطأ والصواب‪ ،‬ومن دونه تغرق البشرية يف الضالل‪.‬‬

‫‪َ ﴿-2‬و َيدْ ع ِ‬


‫اإلن َْسان بِالش ِّر د َعا َءه بِا ْل َخ ْي ِر﴾‬

‫قد تدعو وال تعلم أنك تدعو على نفسك وبما يضرك‪ ،‬فال يستجيب‬

‫اهلل لك‪ ،‬رحمة بك وشفقة عليك‪.‬‬

‫‪﴿-3‬ا ْق َر ْأ كِتَا َب َك َك َفى بِنَ ْف ِس َك ا ْل َي ْو َم َع َل ْي َك َح ِسي ًبا ﴾‬

‫تملي اليوم على المالئكة ما يسطرونه يف صحيفتك‪ ،‬وغدا ينشرون ما‬

‫أمليت من أعمال وأقوال‪.‬‬

‫‪﴿ -4‬وس ّبح بحمده﴾‬

‫تطبيقها العملي‪« :‬أحب الكالم إلى اهلل أن يقول العبد‪ :‬سبحان اهلل‬

‫وبحمده»‪ .‬صحيح الجامع رقم‪ ،174 :‬وقوله ﷺ‪« :‬من قال‪ :‬سبحان‬

‫‪161‬‬
‫اهلل وبحمده يف يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد‬

‫البحر»‪ .‬صحيح الجامع رقم‪٦431 :‬‬

‫‪﴿-5‬ومن أراد اآلخرة﴾‬

‫من أراد يعني من اإلرادة‪ ،‬فليس شراء اآلخرة باألماين واألحالم‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬إما يبلغن عندك الكرب﴾‬

‫﴿عندك﴾ وكأنه ٌّ‬


‫حث على أن (يسكن) والداك معك عند كربهما‪.‬‬
‫‪َ ﴿-7‬فإِنه ك َ ِ‬
‫َان ل ْألَوابِي َن َغف ً‬
‫ورا﴾‬

‫قال سعيد بن المسيب ‪« :‬األواب الذي يذنب ثم يستغفر‪ ،‬ثم يذنب‬

‫ثم يستغفر»‪.‬‬

‫‪﴿-7‬وإن من َشيء إال يسبح بحمده﴾‬

‫‪162‬‬
‫قال ابن عون‪:‬أما يستحي أحدكم أن تكون دابته التي يركب‪ ،‬وثوبه‬

‫الذي يلبس‪ ،‬أكثر ذكرا هلل منه؟‬

‫‪﴿-٨‬قل عسى أن يكون قريبًا ﴾‬

‫عسى مع اهلل تحقيق وليست ظنا‪ ،‬فح ِّطم هبذه اآلية أسوار يأسك‪،‬‬

‫ودع نور األمل ينتشر يف ربوع قلبك!‬

‫ون بِ َح ْم ِده﴾‬ ‫‪َ ﴿ -٩‬ي ْوم َيدْ عوكم َفتَست ِ‬


‫َجيب َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬

‫قال سعيد بن جبير‪ :‬ينفضون (أي الموتى) الرتاب عن رؤوسهم‬

‫ويقولون‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك‬

‫ونخوفهم فما يزيدهم إال طغيانا﴾‬


‫ِّ‬ ‫‪﴿-1٠‬‬

‫آيات اهلل الزاجرة إن لم تزد يف إيمانك كانت وباال عليك‪ ،‬وأدت‬

‫لقسوة قلبك‪ ،‬واجرتائك على محارم اهلل‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫اركْهم فِي األَم َو ِ‬
‫ال﴾‬ ‫ْ‬ ‫‪َ ﴿ -11‬و َش ِ ْ‬

‫مشاركة الشيطان لإلنسان يف المال بثالثة أشياء‪:‬‬

‫الطلب المحرم‪ :‬بأن يطلب زيادة المال عن طريق ربا‪ ،‬أو قمار‪ ،‬أو‬

‫سرقة‪ ،‬أو غصب‪ ،‬أو غش‪ ،‬أو رشوة‪ ،‬أو بيع حرام كالخمر ونحوه‪..‬‬

‫اإلنفاق المحرم‪ :‬مثل ما يعطى الكاهن أو العراف أو الساحر‪ ،‬أو مهر‬

‫البغي‪ ،‬أو شراء خمر‪ ،‬أو يسافر لمواطن ينفق فيها ما يلبي شهواته‬
‫ِّ‬
‫ونزواته المحرمة‪ ،‬أو يقع يف اإلسراف والتبذير الذي يلحقه بزمرة‬

‫الشياطين‪.‬‬

‫المنع المحرم‪:‬‬

‫مثل منع الزكاة المفروضة‪ ،‬وعدم أداء حج الفريضة‪ ،‬وعدم الوفاء‬

‫بالنذر‪ ،‬والتقصير يف النفقة على النفس واألهل‪.‬‬

‫‪﴿ -12‬ولوال أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال﴾‬


‫‪164‬‬
‫أكمل الخلق مفتقر إلى تثبيت اهلل له‪ ،‬وهو القائل ﷺ‪« :‬اللهم ال‬

‫تكلني إلى نفسي طرفة عين»‪ ،‬فكيف بغيره؟!‬

‫‪165‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬سورة الكهف من السور التي ذكر فيها أربعة قصص لم تذكر إال‬

‫يف هذه السورة‪.‬‬

‫‪ -2‬قال عنها النبي ﷺ‪" :‬من قرأ سورة الكهف يف يوم الجمعة‪ ،‬أضاء‬

‫له من النور ما بين الجمعتين"‪.‬‬


‫ات مِن َأو ِل سور ِة ا ْل َكه ِ‬
‫ف ع ِص َم‬ ‫أيضا‪" :‬من حفظ َع ْشر آي ٍ‬
‫‪ -3‬وقال ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫مِن فتنة الدجال"‪.‬‬

‫لماذا نور ما بين الجمعتين؟ ولماذا النجاة من أعظم فتنة؟ ألن سورة‬

‫الكهف من السور التي ذكر فين فتن‪ ،‬وطريقة النجاة من هذه الفتن‪،‬‬

‫فعندما يتبصر المسلم هبذه الفتن‪ ،‬ويتمسك بسبل النجاة منها‪ ،‬يجعل‬

‫نورا وبصيرة‪.‬‬
‫اهلل لو ً‬

‫‪166‬‬
‫ونالحظ أن دورات االستضعاف يف القرآن أطول من دورات‬

‫التمكين وهذا يشير إلى طول فرتات االستضعاف وقصر فرتات‬

‫التمكين‪ ،‬وسورة الكهف تبدأ بقمة االستضعاف (قصة أصحاب‬

‫الكهف) وتنتهي بقمة التمكين (قصة ذي القرنين)‬

‫‪-‬محاور القصص‪:‬‬

‫مع كل قصة من قصص الكهف تأيت فتنة‪ ،‬وحاشاه ربنا سبحانه أن‬

‫يخربنا بفتنة‪ ،‬ولم يدلنا ويبصرنا بسبيل النجاة من هذه الفتنة‪:‬‬

‫قصة أصحاب الكهف = فتنة الدين‪.‬‬

‫قصة موسى والخضر = فتنة العلم‪.‬‬

‫قصة صاحب الجنتين = فتنة المال‪.‬‬

‫قصة ذو القرنين = فتنة السلطة والقوة‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪-‬قصص السورة‪:‬‬

‫‪-1‬قصة فتية الكهف وفتنة الدين‪:‬‬

‫قصة بفتية فتِنوا يف دينهم‪ ،‬إما أن يكفروا ويظلوا يف النعيم وبين‬

‫أهليهم‪ ،‬أو يفروا بدينهم‪ ،‬ولكنهم ثبتوا واختاروا دينهم‪ ،‬ثم أخربنا اهلل‬

‫عز وجل بسبيل النجاة من فتنة الدين‪:‬‬

‫‪-1‬القرآن‪:‬‬

‫وح َي إِ َل ْي َك مِن‬
‫أن تتمسك بالقرآن‪ ،‬قراء ًة وتدبرا وعمالً‪﴿ :‬وا ْتل ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫جدَ مِن دونِ ِه م ْلت ََحدً ا﴾‬
‫َاب ر ِّب َك ال م َبدِّ َل ل ِ َكلِماتِ ِه َو َلن َت ِ‬
‫َ‬ ‫كت ِ َ‬
‫ِ‬

‫‪-2‬الصحبة الصالحة‪:‬‬

‫أن َتلزم صحبة تعينك على طاعة اهلل‪ ،‬وأن َتبتعد عن كل صاحب‬

‫سوء‪ ،‬غافل عن الذكر والصالة والقرآن‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫ون َربهم بِا ْل َغدَ ِاة َوا ْل َع ِشي ي ِريد َ‬
‫ون‬ ‫اصبِ ْر َن ْف َس َك َم َع ال ِذي َن َيدْ ع َ‬
‫﴿ َو ْ‬
‫ِّ‬
‫اة الد ْن َيا َوال تطِ ْع َم ْن َأ ْغ َف ْلنَا‬
‫َاك َعنْهم ت ِريد ِزينَ َة ا ْلحي ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َو ْج َهه َوال َت ْعد َع ْين َ‬

‫َق ْل َبه َعن ِذك ِْرنَا َوات َب َع َه َواه َوك َ‬


‫َان َأ ْمره فر ًطا﴾‬

‫‪-3‬قول الحق والدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫﴿ َوق ِل ا ْل َحق مِن ر ِّبك ْم َف َمن َشاء َف ْلي ْؤمِن َو َمن َشاء َف ْل َي ْكف ْر﴾‬

‫‪ -2‬صاحب الجنتين وفتنة المال‪:‬‬

‫رجل أعطاه اهلل المال واألوالد‪ ،‬وأعطاه جنتين مليئتين بالزروع‬

‫والخيرات‪ ،‬ولكنه كفر وجحد بنعمة اهلل‪ ،‬وذكر اهلل لنا كيفية النجاة من‬

‫فتنة المال‪:‬‬

‫‪-1‬معرفة حقيقة الدنيا‪:‬‬

‫﴿ َوق ِل ا ْل َحق مِن ر ِّبك ْم َف َمن َشاء َف ْلي ْؤمِن َو َمن َشاء َف ْل َي ْكف ْر﴾‬

‫‪169‬‬
‫‪-2‬كثرة ذكر اهلل عز وجل‪:‬‬

‫﴿ َوا ْل َباقِ َيات الصال ِ َحات َخ ْي ٌر ِعندَ َر ِّب َك َث َوا ًبا َو َخ ْي ٌر َأ َمال﴾‬

‫‪-3‬ذكر الموت واليوم اآلخر‪:‬‬

‫﴿ َوع ِرضوا َع َلى َر ِّب َك َص ًّفا ل َقدْ ِجئْتمونَا ك ََما َخ َل ْقنَاك ْم َأو َل َمر ٍة َب ْل‬

‫َز َع ْمت ْم َألن ن ْج َع َل َلكم م ْو ِعدً ا﴾‬

‫‪-4‬التعلق بالقرآن واليقين بأنه سبيل النجاة‪:‬‬

‫نسان َأ ْك َث َر‬ ‫اس مِن ك ِّل م َث ٍل َوك َ ِ‬


‫آن لِلن ِ‬
‫﴿و َل َقدْ صر ْفنَا فِي َه َذا ا ْلقر ِ‬
‫َان اإل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َش ْي ٍء َجدَ ال﴾‬

‫‪ -3‬قصة سيدنا موسى والخضر وفتنة العلم‪:‬‬

‫وبدأت قصة عندما ظن سيدنا موسى أنه أعلم أهل األرض لما سأله‬

‫رجل عن ذلك فقال أنا‪ ،‬فأوحى اهلل إلى سيدنا موسى أنه يوجد َمن‬

‫‪170‬‬
‫هو أعلم منه‪ ،‬فرحل إليه سيدنا موسى كي يطلب العلم منه‪ ،‬والنجاة‬

‫منها بـ‪:‬‬

‫‪-1‬الصرب‪ :‬أن تصرب على العلم وطلبه‪:‬‬

‫َجدنِي إِن َشاء اهلل َصابِ ًرا﴾‬


‫﴿س ت ِ‬
‫َ‬

‫‪-2‬التواضع مع َمن هو أعلم منك‪:‬‬

‫أمرا﴾‬ ‫﴿وال ِ‬
‫أعصي َ‬
‫لك ً‬

‫‪ -4‬قصة ذو القرنين ومعها فتنة القوة والسلطة‪:‬‬

‫قصة ملِك عادل‪ ،‬يحكم الناس بالعدل والقسط‪ ،‬ويطوف البالد لعمل‬

‫الخير‪ ،‬وطلب منه رعيته بعض المطالب‪ ،‬أعطاه اهلل القوة والنفوذ‪،‬‬

‫ولكنه نجح يف هذه الفتنة واستعملها يف الخير‪ ،‬والنجاة من فتنة‬

‫السلطة‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫‪-1‬أن يكون الحكم والعمل موافق لشرع اهلل عز وجل‪:‬‬

‫فهناك َمن يعمل المشاريع واألعمال ويقول أننا نتقدم‪ ،‬ويجاري‬

‫الغرب بأفكارهم ومشاريعهم كما نرى ما يحدث اآلن يف بالد‬

‫الحرمين‪ ،‬يظنون عندما تنفتح البالد بالفجر والمعاصي فهم بذلك‬

‫يتقدمون‪ ،‬وهؤالء قال اهلل عنهم‪:‬‬


‫﴿ق ْل َه ْل ننَبئكم بِاألَ ْخس ِرين َأ ْعماال ‪ .‬ال ِذين َضل سعيهم فِي ا ْلحي ِ‬
‫اة‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ ْ‬
‫ون َأنه ْم ي ْح ِسن َ‬
‫ون صنْ ًعا﴾‬ ‫الد ْن َيا َوه ْم َي ْح َسب َ‬

‫‪-2‬التذكير بالعمل الصالح والجنة‪:‬‬

‫ات كَان َْت َله ْم َجنات ا ْل ِف ْر َد ْو ِ‬


‫س‬ ‫﴿إِن ال ِذين آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫نزال﴾‬

‫‪-3‬اإلخالص هلل‪ ،‬واتباع النبي ﷺ‪:‬‬


‫‪172‬‬
‫َان َي ْرجو ل ِ َقاء َر ِّب ِه‬
‫وهذا تفسير بعض السلف لهذه اآلية‪َ ﴿ :‬ف َمن ك َ‬

‫َف ْل َي ْع َم ْل َع َمال َصال ِ ًحا َوال ي ْش ِر ْك بِ ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه َأ َحدً ا﴾‬

‫لطائف وتدبرات من سورة الكهف‪:‬‬

‫َاب َر ِّب َك َال م َبدِّ َل ل ِ َكلِ َماتِ ِه﴾‬


‫وحي إِ َل ْي َك مِ ْن كِت ِ‬
‫َ‬
‫‪﴿-1‬وا ْتل ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫اقرأ كتاب ربك لتكون معانيه وحقائقه مالزمة لك‪ ،‬مستقرة يف قلبك‪،‬‬

‫وإذا كان هذا أمر اهلل إلى المعصوم الذي ال سبيل إلى زيغ قلبه‪،‬‬

‫فكيف بمن أحاطت به الشبهات وأسباب الزيغ من كل الجهات؟!‬

‫‪َ ﴿-2‬و َد َخ َل َجنتَه َوه َو َظال ِ ٌم لِنَ ْف ِس ِه َق َال َما َأظن َأ ْن َتبِيدَ َه ِذ ِه َأ َبدً ا﴾‬

‫أكثر ما يدفع إلى الظلم استبعاد الموت مع ظن دوام النعمة وعدم‬

‫زوالها‪.‬‬

‫‪َ ﴿.-3‬لكِنا ه َو اهلل َر ِّبي َو َال أ ْش ِرك بِ َر ِّبي َأ َحدً ا ﴾‬

‫‪173‬‬
‫الفخر الحقيقي باإلسالم‪ ،‬والنعمة الباقية هي نعمة التوحيد‪ ،‬وكل ما‬

‫عدا ذلك عرضة للزوال‬

‫‪َ ﴿-4‬و َل ْو َال إِ ْذ َد َخ ْل َت َجنت ََك ق ْل َت َما َشا َء اهلل َال قو َة إِال بِاهللِ﴾‬

‫روى هشام بن عروة بن أبيه أنه كان إذا رأى شي ًئا ي ِ‬


‫عجبه أو دخل‬

‫حائ ًطا (بستانًا) من حيطانه‪ ،‬قال‪ :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل‪ ،‬فمن‬

‫أعجبه شيء من حاله أو ولده أو ماله‪،‬‬

‫فليقل‪ :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل‪ ،‬وهو مأخوذ من هذه اآلية الكريمة‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬ما َشا َء اهلل َال قو َة إِال بِاهللِ﴾ معناها‪ :‬الحض على االعرتاف بأن‬

‫جنته وما فيها تحت مشيئة اهلل‪ ،‬إن شاء أبقاها‪ ،‬وإن شاء أبادها‪ ،‬وهذا‬

‫حال المؤمن مع كل نعمة من نعم اهلل عليه‪.‬‬

‫‪َ ﴿-٦‬ف َع َسى َر ِّبي َأ ْن ي ْؤتِ َي ِن َخ ْي ًرا مِ ْن َجنتِ َك َوي ْر ِس َل َع َل ْي َها ح ْس َبانًا مِ َن‬

‫اء َفت ْصبِ َح َص ِعيدً ا َز َل ًقا﴾‬ ‫السم ِ‬


‫َ‬
‫‪174‬‬
‫اهلل قادر يف لحظة واحدة على أن يقلب حالك‪ ،‬فتصبح جنتك أرضا‬
‫«زلقا» أي جرداء ملساء ال ت ِ‬
‫خرج نبات‪ ،‬وال تثبت عليها قدم‪ ،‬أي‬

‫تصير عديمة النفع من كل شيء حتى من المشي عليها‬

‫‪َ ﴿-٦‬وع ِرضوا َع َلى َر ِّب َك َص ّفًا﴾‬

‫ب عن اهلل منهم أحد يف الدنيا ولو استرتوا‪ ،‬لكنهم يوم القيامة‬ ‫ِ‬
‫أنه لم َيغ ْ‬
‫أشد انكشافا وافتضاحا يف يوم العرض األكرب!‬

‫آيات َر ِّب ِه َف َأ ْع َر َض َعنْها َون َِس َي َما َقد َم ْت‬


‫‪﴿.-7‬ومن َأ ْظ َلم مِمن ذكِّر بِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َيداه﴾ كلما زاد ظلم العبد زاد نسيانه لذنبه وبعده عن ربه‪.‬‬
‫‪﴿ .-٨‬ورب َك ا ْل َغفور ذو الرحم ِة َلو ي ِ‬
‫ؤاخذه ْم بِما ك ََسبوا َل َعج َل َلهم‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ا ْل َع َ‬
‫ذاب﴾‬

‫تأخير العذاب من عالمات رحمة هلل‪ ،‬وهو إما إمهال للعبد كي‬

‫يتوب‪ ،‬أو إقامة للحجة عليه إن أصر على الذنوب‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪﴿ -٩‬ورب َك ا ْل َغفور ذو الرحم ِة َلو ي ِ‬
‫ؤاخذه ْم بِما ك ََسبوا َل َعج َل َلهم‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫ا ْل َع َ‬
‫ذاب﴾‬

‫‪﴿ -1٠‬ورأى المجرمون النار فظنوا أهنم مواقعوها﴾‬

‫عرض عليهم النار ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها‪،‬‬


‫ت َ‬
‫فيكون يف ذلك عذاب نفسي معجل بالهم والرعب‪ ،‬قبل العذاب‬

‫الحسي يف النار‪.‬‬

‫قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام‪،‬‬

‫مع كل زمام سبعون ألف ملك!‬

‫‪﴿ -11‬فأردنا أن يبدلهما﴾ ﴿فأراد ربك أن يبلغا أشدهما﴾‪﴿ ،‬فأراد‬

‫ربك﴾‬

‫كل ما يجري حولك هو تنفيذ إرادة اهلل‪ ،‬والواجب عليك أن تتعرف‬

‫على حكمته يف أقداره‪ ،‬ورحمته يف أفعاله‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫كان أبوهما َصالِحًا﴾‬
‫‪َ ﴿-12‬و َ‬

‫قال سعيد بن المسيب‪« :‬يا بني ‪ ..‬إين ألزيد يف صاليت من أجلك‪،‬‬

‫رجا َء أن أح َفظ فيك»‪،‬‬

‫كان أبوهما َصالِحًا﴾ فاجعل لصالتك نيات عديدة!‬


‫وتال اآلية‪َ ﴿ :‬و َ‬

‫‪177‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة مريم سورة العطاءات الربانية المبهرة ألهل اإليمان‪ ،‬سورة‬

‫كَسر األسباب‪ ،‬سورة المعجزات‪.‬‬

‫‪-‬تناسب سورة الكهف و مريم‪:‬‬

‫جاءت سورة مريم بعد سورة الكهف‪ ،‬ألن سورة الكهف كلها حركة‪،‬‬

‫سورة سريعة تقرأها وتتسارع أنفاسك مع الحركة فيها‪ :‬فتية آمنوا‬

‫برهبم‪ ،‬هربوا إلى الكهف‪ ،‬ثم سيدنا موسى يرحل ويسافر إلى سيدنا‬

‫الخضر لطلب العلم‪ ،‬ثم يرحلوا بسفينة إلى قرية‪ ،‬ثم يأيت الحديث‬

‫عن ذي القرنين الذي يجول بين مشرق األرض ومغرهبا‪ ،‬حتى‬

‫كلمات سورة الكهف كلها سرعة‪:‬‬

‫(فانطلقا‪ ،‬فأووا‪ ،‬قاموا‪ ،‬فقالوا‪ ،‬فابعثوا‪ ،‬جاوزا‪ ،‬آتنا‪ ،‬فأتبع سب ًبا)‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫كل هذه الحركة والسرعة من أجل الدعوة إلى اهلل‪ ،‬ومن أجل نَيل‬

‫رضا اهلل عز وجل‪ ،‬ثم تأيت سورة مريم كأهنا مِحراب تجلس فيه‬

‫وتتعبد إلى اهلل‪ ،‬وتأخذ فرتة راحة لتسرتيح من تحركات سورة‬

‫الكهف‪.‬‬

‫سورة مريم ذكرت أكثر من قصة‪ ،‬وليست قصة مريم فقط‪ ،‬وهي‬

‫رسالة للمرأة بأهنا يمكنها أن تسبق يف طريق اهلل كما الرجل تما ًما‪.‬‬

‫مسارات السورة‪:‬‬

‫تنقسم سورة مريم إلى ثالث مسارات‪:‬‬

‫المسار األول‪ :‬من اآلية ‪ 1‬إلى اآلية ‪ :5٠‬يشمل قصة سيدنا زكريا‬

‫ويحيى‪ ،‬وقصة مريم وسيدنا عيسى‪ ،‬تبدأ أول قصة بالحديث عن‬

‫معجزة والدة سيدنا يحيى من شيخ كبير قد وهن عظمه‪ ،‬وكرب سنه‪،‬‬

‫ومِن أم عجوز عقيم‪ ،‬كان أبوه سيدنا زكريا يتمنى بأن يرزقه اهلل الولد‬

‫‪179‬‬
‫ألن أقاربه من بني إسرائيل ال يصلحون لميراث النبوة‪ ،‬فسأل اهلل أن‬

‫يرزقه‪ ،‬فرزقه اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وهذا العطاء العجيب بسبب‪:‬‬

‫‪-1‬عبودية سيدنا زكريا‪ِ ﴿ :‬ذكْر َر ْح َم ِة َر ِّب َك َع ْبدَ ه َزك َِريا﴾‬

‫أن تكون عبدً ا خاض ًعا هلل فقط‪ ،‬وكلمة عبد جاءت من العبودية‪.‬‬

‫‪-2‬التضرع والدعاء‪﴿ :‬إِ ْذ نَا َدى َربه نِدَ اء َخ ِف ًّيا﴾‬

‫ثم تأيت قصة مريم وعيسى‪:‬‬

‫قصة فتاة عابدة تجلس يف مِحراهبا تعبد رهبا‪ ،‬يأتيها رز ًقا عجي ًبا من اهلل‬

‫عز وجل كما جاء يف سورة آل عمران عندما يدخل عليها سيدنا زكريا‬

‫فيتعجب ويقول لها‪﴿ :‬يا مريم أنى لك هذا﴾‬

‫‪180‬‬
‫فانعزلت عن أهلها لتعبد اهلل عز وجل وتتفرغ للطاعة‪ ،‬فأرسل اهلل عز‬
‫ِ ِ‬ ‫وجل لها مل ًكا‪َ ﴿ :‬فات َخ َذ ْ ِ‬
‫ت من دون ِه ْم ح َجا ًبا َف َأ ْر َس ْلنَا إِ َل ْي َها ر َ‬
‫وحنَا‬

‫َفت ََمث َل َل َها َب َش ًرا َس ِو ًّيا﴾‬

‫وبدأت معجزة والدة سيدنا عيسى بدون أب‪ ،‬كما ولد سيدنا آدم‬

‫بدون أب وأم‪ ،‬وولدت حواء بدون أب وأم كذلك‪ ،‬وأنطق اهلل سيدنا‬

‫عيسى يف المهد حين تكلم مع قومه ودافع عن أمه‪.‬‬

‫ثم وضحت السورة أسباب هذه العطاءات الربانية‪:‬‬

‫ت مِن دونِ ِه ْم ِح َجا ًبا﴾‬


‫‪-1‬الخلوة وكثرة العبادة‪َ ﴿ :‬فات َخ َذ ْ‬

‫‪-2‬اللجوء والتوكل على اهلل‪َ ﴿ :‬قا َل ْت إِنِّي َأعوذ بِالر ْح َمن مِ َ‬


‫نك﴾‬

‫‪181‬‬
‫•المسار الثاين‪:‬‬

‫يتضمن قصة سيدنا إبراهيم وحواره مع أبيه‪ ،‬حين ألح على والده‬

‫بأدب وبتكراره كلمة (يا أبت) عند حواره معه‪ ،‬فهدده والده بالرجم‬

‫والطرد‪ ،‬ولكن اهلل عز وجل نصر سيدنا إبراهيم‪ ،‬وأعطاه عطاءات‬

‫وب َوكال َج َع ْلنَا َنبِ ًّيا ‪َ .‬و َو َه ْبنَا َلهم ِّمن‬ ‫كثيرة‪َ ﴿ :‬و َه ْبنَا َله إِ ْس َح َ‬
‫اق َو َي ْعق َ‬
‫ر ْح َمتِنَا َو َج َع ْلنَا َله ْم ل ِ َس َ‬
‫ان ِصدْ ٍق َعلِ ًّيا﴾‬

‫والسبب‪:‬‬

‫‪-1‬التحرك من أجل اهلل عز وجل‪ ،‬ومن أجل عبادته‪ ،‬والغيرة على‬

‫ون اهللِ﴾‬
‫ون مِن د ِ‬
‫حرمات اهلل‪َ ﴿ :‬و َأ ْعت َِزلك ْم َو َما َتدْ ع َ‬

‫ون بِد َعاء َر ِّبي َش ِق ًّيا﴾‬


‫‪-2‬التضرع والدعاء‪َ ﴿ :‬و َأ ْدعو َر ِّبي َع َسى َأال َأك َ‬

‫•المسار الثالث‪:‬‬
‫‪182‬‬
‫يتضمن الحديث عن عقيدة البعث‪ ،‬وبعض مشاهد يوم القيامة‪َ ﴿ :‬ي ْو َم‬

‫ن َْحشر ا ْلمت ِقي َن إِ َلى الر ْح َم ِن َو ْفدً ا ‪َ .‬ونَسوق ا ْلم ْج ِرمِي َن إِ َلى َج َهن َم‬

‫ِو ْر ًدا﴾‬

‫وذكر يف سورة مريم اسم (الرحمن) ست عشرة مرة‪ ،‬ألن اسم اهلل‬

‫الرحمن من األسماء التي تحرك قلب كل واحد منا‪ ،‬وتجعل يف‬

‫القلب الرجاء لعطاءات الرحمن‪.‬‬

‫اختتمت السورة بآية تناسب ما دارت عليه السورة كلها وهي‬

‫عطاءات اهلل عز وجل للمؤمنين والعابدين‪﴿ :‬إِن ال ِذي َن آ َمنوا َو َع ِملوا‬


‫الصالِح ِ‬
‫ات َس َي ْج َعل َلهم الر ْح َمن و ًّدا﴾‬ ‫َ‬

‫‪183‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة مريم‪:‬‬

‫‪ِ ﴿ -1‬ذكْر ( رحمت ) ربك ( عبده ) زكريا﴾‬

‫كلما زادت عبودية العبد تدفقت رحمات الرب‪.‬‬


‫ِ‬
‫‪﴿-2‬ﻭلَمْ أكن بدعائ َك ِّ‬
‫رب شَقِيًّا﴾‬

‫ال يشقى مع الدعاء أحد! فال يجتمع دعا ٌء مع شقاء‪.‬‬

‫قال سفيان بن عيينة يف هذه اآلية‪ :‬سعدت بدعائك وإن َل ْم تعطني!‬

‫‪َ ﴿.-3‬ق َال إِنِّي َع ْبد اهللِ ﴾‬

‫قال الشنقيطي‪« :‬أن أول كلمة نطق لهم هبا عيسى وهو صبي يف مهده‬
‫أنه عبد اهلل‪ ،‬ويف ذلك أعظم ٍ‬
‫زجر للنصارى عن دعواهم أنه اهلل أو ابنه‬

‫أو إل ٌه معه»‬

‫ف مِ ْن َب ْع ِد ِه ْم َخ ْل ٌ‬
‫ف َأ َضاعوا الص َال َة﴾‬ ‫‪َ ﴿-4‬ف َخ َل َ‬

‫‪184‬‬
‫إضاعة الصالة يعقبها مباشرة اتباع الشهوات‪ ،‬فتأمل!‬

‫‪َ ﴿-5‬يا أ ْخ َت َهار َ‬


‫ون﴾‬

‫قال ابن كثير‪«:‬أي يا شبيهة هارون يف العبادة»‪.‬‬

‫فانظر شبيه من أنت اليوم‪ ،‬فسوف ت َ‬


‫حشر معه غدا!‬

‫‪﴿-٦‬إنه كان بي حفيا﴾‬

‫من الحفاوة وهي الرأفة والرحمة والكرامة‪ ،‬وإن من أسباب إجابة‬

‫الدعاء حس َن الظن باهلل عن طريق استشعار قلبك لهذه الحفاوة‪.‬‬

‫‪َ ﴿-7‬ونَسوق ا ْلم ْج ِرمِي َن إِ َلى َج َهن َم ِو ْر ًدا﴾‬

‫قال السعدي‪« :‬يساقون إلى جهنم ِوردا‪ ،‬أي‪ :‬عطاشا‪ ،‬وهذا أبشع ما‬

‫َسوقهم على وجه الذل والصغار إلى أعظم‬


‫يكون من الحاالت‪ْ ،‬‬
‫ونصبِهم»‪.‬‬
‫سجن وأفظع عقوبة‪ ،‬وهو جهنم‪ ،‬يف حال ظمئهم َ‬

‫‪185‬‬
‫‪﴿-٨‬ويزيد اهلل الذين اهتدوا هدى﴾‬

‫قال أبو الحسن المز ِّين‪« :‬الذنْب َب ْعدَ الذن ِ‬


‫ْب عقوبة الذنْب‪ ،‬والحسنة‬

‫بعد الحسنة ثواب الحسنة»‬

‫وقال ابن القيم‪« :‬فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جانبها‪:‬‬

‫جرا‪ ،‬فتضاعف‬
‫أيضا‪ ،‬فإذا عملها قالت الثانية كذلك‪ ،‬وهلم ًّ‬
‫اعملني ً‬
‫الربح‪ ،‬وتزايدت الحسنات»‬

‫يه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َف ْر ًدا﴾‬


‫‪﴿-٩‬وكلهم آتِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫يف الحديث‪« :‬ما منكم من أحد إال سيك ِّلمه اهلل يوم القيامة‪ ،‬ليس بينه‬

‫وبينه ترجمان‪ ،‬فينظر أيمن منه فال يرى إال ما قدم‪ ،‬وينظر أشأم منه‬

‫فال يرى إال ما قدم‪ ،‬وينظر بين يديه فال يرى إال النار تلقاء وجهه‪،‬‬

‫فاتقوا النار ولو بشق تمرة‪ ،‬ولو بكلمة طيبة»‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من السور التي تحدثت بالتفصيل عن قصة سيدنا موسى‪ ،‬بد ًءا من‬

‫تربيته على عين اهلل‪ ،‬ثم رسالته وقصته مع موسى‪ ،‬وقصته مع‬

‫السحرة‪ ،‬إلى عبادة بني إسرائيل للعجل‪.‬‬

‫بدأت السورة ببيان وتوجيه للنبي ﷺ‪ ،‬وكذلك كانت هنايتها‪ .‬بدأت‬

‫آن لِت َْش َقى﴾‬


‫السورة ب‪﴿ :‬طه‪َ ،‬ما َأ َنز ْلنَا َع َل ْي َك ا ْلق ْر َ‬

‫أي أن هذه الرسالة لم تنزل على النبي ﷺ ليشقى ويتعب‪ ،‬إنما عليه‬

‫البالغ‪ ،‬والهداية بيد اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وبعد هذه المقدمة تأيت قصة‬

‫سيدنا موسى‪ ،‬وصراعه مع فرعون وقومه‪ ،‬وهبذا فاهلل عز وجل ير ِّبي‬

‫النبي ﷺ بالقصص والعربة والتأسي بمن قبله من األنبياء حتى‬

‫‪187‬‬
‫يتحمل أعباء الدعوة‪ ،‬ويظهر له كيف واجه سيدنا موسى فرعون بقوة‬

‫وصرب‪ ،‬وكيف تحمل المشقة والتعب يف دعوة قومه‪.‬‬

‫مسارات السورة‪:‬‬

‫تنقسم السورة إلى ثالث مسارات‪:‬‬

‫•المسار األول‪:‬‬

‫من اآلية ‪ 1‬حتى اآلية ‪ ٩‬يبدأ بخطاب اهلل للنبي ﷺ ليعطيه داف ًعا وقوة‬

‫ليتحمل الدعوة‪.‬‬

‫•المسار الثاين‪:‬‬

‫يبدأ من اآلية ‪ 1٠‬حتى اآلية ‪ ٩٨‬وفيه قصة سيدنا موسى بداية من‬

‫وحي اهلل له‪ ،‬ثم صراعه مع فرعون بالحجة والمعجزة وإيمان‬

‫السحرة‪ ،‬ثم نجاة سيدنا موسى من بطش فرعون وجنوده‪ ،‬وغرق‬

‫وهالك فرعون وجنوده‪ ،‬ثم صناعة السامري للعجل‪ ،‬وتنتهي القصة‬


‫‪188‬‬
‫اليم؛ ويف هذا تسلية للنبي ﷺ ورسالة‪ ،‬بأن‬
‫بإحراق العجل وإلقائه يف ّ‬
‫رسالته ستنتصر‪ ،‬وسيؤمن به من عاند مع يف بادئ الدعوة وقد كان‪.‬‬

‫•المسار الثالث‪:‬‬

‫من اآلية ‪ ٩٩‬إلى هناية السورة‪ ،‬يف هذا القسم هتديد ووعيد لمن‬

‫َاك مِن لدنا ِذك ًْرا ‪َ .‬م ْن َأ ْع َر َض‬


‫أعرض عن القرآن وذكر اهلل‪َ ﴿ :‬و َقدْ آ َت ْين َ‬

‫َعنْه َفإِنه َي ْح ِمل َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ِو ْز ًرا﴾‬

‫ثم ذكرت السورة بعض مشاهد يوم القيامة للرتهيب‪َ ﴿ :‬ي ْو َمئِ ٍذ َيتبِع َ‬
‫ون‬

‫اع َي ال ِع َو َج َله َو َخ َش َعت األَ ْص َوات لِلر ْح َم ِن َفال َت ْس َمع إِال َه ْم ًسا‪،‬‬
‫الد ِ‬

‫َي ْو َمئِ ٍذ ّال َتن َفع الش َفا َعة إِال َم ْن َأ ِذ َن َله الر ْح َمن َو َر ِض َي َله َق ْوال﴾‬

‫‪189‬‬
‫والسورة مليئة بالكثير من اللطائف بين اهلل عز وجل وسيدنا موسى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كلمات يقولها ربنا سبحانه وتعالى إلى موسى وتشعر هبا كأنه‬ ‫فتجد‬
‫ٍ‬
‫بكلمات تطمأن القلب كي‬ ‫يداعب سيدنا موسى و َيلطف على قلبه‬

‫يتحمل المشاق التي سيقابلها‪ ،‬منها مثال لما قال اهلل‪:‬‬

‫﴿وأنا اخرتتك﴾ يا لهذا الشرف! أن يختارك اهلل لحمل رسالته‪.‬‬

‫أيضا لما قال له‪﴿ :‬ولت ْصن ََع على َعيني﴾‬

‫هو َمن‬
‫اهلل اهلل على المالطفة والبشرى‪ ،‬أن يبشر موسى بأن اهلل َ‬
‫سير ِّبيه و َيرعاه!‬

‫عالقة جميلة بين سيدنا موسى وربنا سبحانه وتعالى َتختلف عن‬

‫باقي األنبياء‪ ،‬ونالحظ ذلك من خالل تلك الكلمات التي َطي ْ‬


‫بت‬

‫قلب موسى‪ ،‬لو تدبرنا سنجد أن موسى سيمر عليه أيا ٌم ثِقال مع‬

‫‪190‬‬
‫فرعون‪ ،‬ثم بعد ذلك مع قومه‪ ،‬فيعلم اهلل أن موسى قبل أن يشد‬

‫عضدَ ه بأخيه‪ ،‬فهو يحتاج إلى (طمأنينة وثبات يف قلبه)‪.‬‬

‫أيضا من خوف موسى الدائم يف البداية‪ ،‬فتأتيه‬


‫‪ -2‬ونالحظ ذلك ً‬
‫كلمات ربه بالطمأنينة؛ كخوفه من مواجهة فرعون‪ ،‬فتأتيه الطمأنينة‬

‫والمالطفة‪﴿ :‬ال تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾‬

‫خاف موسى فجاءته السكينة‪﴿ :‬ال َت َخف‬


‫َ‬ ‫‪ -3‬ويف مواجهة السحرة‬

‫إن َك َ‬
‫أنت األعلى﴾‬

‫ثم يف هناية السورة أوامر وإرشادات لكي تنتصر الدعوات‪:‬‬

‫اصبِ ْر َع َلى َما َيقول َ‬


‫ون﴾‬ ‫‪-1‬الصرب على أذى الناس يف الدعوة‪َ ﴿ :‬ف ْ‬

‫‪-2‬كثرة ذكر اهلل‪َ ﴿ :‬و َس ِّب ْح بِ َح ْم ِد َر ِّب َك َق ْب َل طلو ِع الش ْم ِ‬


‫س َو َق ْب َل‬

‫غروبِ َها َومِ ْن آنَاء الليْ ِل َف َس ِّب ْح َو َأ ْط َر َ‬


‫اف الن َه ِ‬
‫ار َل َعل َك َت ْر َضى﴾‬

‫‪191‬‬
‫‪-3‬ال تنظر إلى الدنيا‪ ،‬وال تنظر إلى ما يف يد غيرك‪ ،‬ألن الداعية من‬
‫مهامه أن يح ِّقر الدنيا يف أعين الناس‪ ،‬فال بد أن تخرج من قلبه أو ً‬
‫ال‪:‬‬
‫﴿وال َتمدن َعينَي َك إِ َلى ما متعنَا بِ ِه َأ ْزواجا منْهم َز ْهر َة ا ْلحي ِ‬
‫اة الد ْن َيا‬ ‫َ ً ِّ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫لِنَ ْفتِنَهم فِ ِ‬
‫يه َو ِر ْزق َر ِّب َك َخ ْي ٌر َو َأ ْب َقى﴾‬ ‫ْ‬

‫‪-4‬الصالة بخشوع وصرب‪ ،‬وليس فقط لمجرد حركات يف الصالة‪،‬‬

‫بل ال بد أن نجاهد أنفسنا ونصرب حتى يرتبط القلب بالوقوف أمام اهلل‬

‫اص َطبِ ْر َع َل ْي َها﴾‬ ‫ِ‬


‫عز وجل‪َ ﴿ :‬و ْأم ْر َأ ْه َل َك بِالصالة َو ْ‬

‫‪192‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة طه‪:‬‬

‫‪﴿-1‬ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾‬

‫الشقاء والقرآن ال يجتمعان!‬

‫‪﴿ -2‬هارون أخي ‪ ..‬اشد ْد به َأزري﴾‬

‫موسى وهو من أولي العزم من الرسل احتاج صاحبا يعينه‪ ،‬فكيف‬

‫بك؟ هل لك صاحب يعينك؟!‬

‫‪﴿ -3‬ك َْي ن َس ِّب َح َك كَثِير ًا * َون َْذك َر َك كَثِير ًا ﴾‬

‫هذه أسمى مقاصد األخوة‪ ،‬وعالمات الحب يف اهلل‪ ،‬أن تعين على‬

‫طاعة اهلل وذكره‪.‬‬

‫‪﴿ -4‬وألقيت عليك محبة مني﴾‬

‫‪193‬‬
‫المحبة رزق رباين‪ ،‬وليس بحاجة لسبب‪ ،‬فموسى طفل رضيع لم‬

‫يصدر منه ما يوجب المحبة‪ ،‬ومع ذلك أحبه كل من رآه‪.‬‬

‫‪﴿ -5‬قال ال تخافا إنني معكما﴾‬

‫أعظم ما يطرد الخوف من قلبك استشعار معية اهلل ومعونته‪.‬‬

‫‪﴿-٦‬إنما تقضي هذه الحياة الدنيا﴾‬

‫لم يمض على إيماهنم سوى بضع دقائق‪ ،‬ومع ذلك عرفوا حقيقة‬

‫الدنيا‪ ،‬وقدر الجنة واآلخرة‪.‬‬

‫‪﴿-7‬إِ ْذ َيقول َأ ْم َثله ْم َط ِري َق ًة إِ ْن َلبِ ْثت ْم إِال َي ْومًا﴾‬

‫أي يقول أعلمهم باألمور إن لبثتم يف الدنيا إال يوما‪..‬‬

‫ما أحقر الدنيا وما أقصرها!‬

‫‪194‬‬
‫‪َ ﴿ -٨‬فإِن َله َم ِع َ‬
‫يش ًة َضنْكًا﴾‬

‫قال اإلمام ابن كثير‪« :‬أي يف الدنيا‪ ،‬فال طمأنينة له‪ ،‬وال انشراح‬

‫لصدره‪ ،‬بل صدره ضيق لضالله‪ ،‬وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء‪،‬‬

‫وأكل ما شاء‪ ،‬وسكن حيث شاء‪ ،‬فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين‬

‫والهدى‪ ،‬فهو يف قلق وحيرة وشك‪ ،‬فال يزال يف ريبة يرتدد‪ ،‬فهذا من‬

‫ضنك المعيشة»‬

‫‪195‬‬
‫سميت باألنبياء ألنه ذكر فيها ستة عشر نب ًّيا وهم‪ :‬موسى‪ ،‬وهارون‪،‬‬

‫وإبراهيم‪ ،‬ولوط‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬ونوح‪ ،‬وأيوب‪ ،‬وداوود‪،‬‬

‫وسليمان‪ ،‬وإسماعيل‪ ،‬وإدريس‪ ،‬ويونس‪ ،‬وزكريا‪ ،‬ويحيى‪ ،‬وذو‬

‫الكفل‪.‬‬

‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫ركزت سورة األنبياء على العبادة‪ ،‬والكرامات التي ينالها العباد‪،‬‬

‫فالسورة تصحح مفاهيم خاطئة يف الطريق إلى اهلل عز وجل‪ ،‬فاسم‬

‫السورة من المفروض أن تكون السورة تتكلم عن قصص هؤالء‬

‫األنبياء‪ ،‬لكنها تكلمت عند عبادهتم!‬

‫‪196‬‬
‫فمهما بلغت من المنزلة يف الدعوة أو الجهاد أو العلم أو أي شيء يف‬

‫الدين‪ ،‬فال بد أن تعبد اهلل عز وجل حق عبادته‪ ،‬وتعطي للعبادة حقها‬

‫فتكون من العباد‪ ،‬فيكون المجتمع المسلم عبارة عن‪ :‬عباد دعاة‪،‬‬

‫وعباد مجاهدون‪ ،‬وعباد طلبة علم‪ ،‬وعباد فاعلي الخير‪...‬إلخ‬

‫توضح السورة بطوالت هؤالء األنبياء يف عبادهتم‪ ،‬ثم الكرامات التي‬

‫نالوها بسبب العبادة‪:‬‬

‫‪-1‬سيدنا إبراهيم = العبادة‪:‬‬


‫الة وإِيتَاء الزك ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َاة َوكَانوا َلنَا‬ ‫﴿و َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي ِه ْم ف ْع َل ا ْل َخ ْي َرات َوإِ َقا َم الص َ‬
‫َعابِ ِدي َن﴾‬

‫العطاءات والكرامات‪:‬‬

‫‪َ ﴿-‬و َأ َرادوا بِ ِه َك ْيدً ا َف َج َع ْلنَاهم األَ ْخ َس ِري َن﴾‬

‫ض التِي َب َار ْكنَا فِ َيها ل ِ ْل َعا َل ِمي َن﴾‪.‬‬


‫‪َ ﴿-‬ونَج ْينَاه َولو ًطا إِ َلى األَ ْر ِ‬
‫‪197‬‬
‫اق ويعقوب نَافِ َل ًة وكال جع ْلنَا صال ِ ِ‬
‫حي َن﴾‪.‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ﴿-‬و َو َه ْبنَا َله إِ ْس َح َ َ َ ْ َ‬

‫‪َ ﴿-‬و َج َع ْلنَاه ْم َأئِم ًة َي ْهد َ‬


‫ون بِ َأ ْم ِرنَا﴾‪.‬‬

‫‪-2‬سيدنا داوود وسليمان = العبادة‪:‬‬

‫كثر الذكرة‪َ ﴿ :‬وسخرنَا م َع َداوو َد ا ْل ِ‬


‫ج َب َال ي َس ِّب ْح َن َوالط ْي َر﴾‪.‬‬ ‫َ ْ َ‬

‫العطاءات والكرامات‪:‬‬

‫ان َوكال آ َت ْينَا ح ْك ًما َو ِع ْل ًما﴾‪.‬‬


‫َاها س َل ْي َم َ‬
‫‪-‬العلم والحكمة‪َ ﴿ :‬ف َفه ْمن َ‬

‫وس لك ْم لِت ْح ِصنَكم ِّمن َب ْأ ِسك ْم‬


‫‪-‬القوة والتمكين‪َ ﴿ :‬و َعل ْمنَاه َصنْ َع َة َلب ٍ‬

‫َف َه ْل َأنت ْم َشاكِر َ‬


‫ون﴾‪.‬‬

‫اص َف ًة َت ْج ِري بِ َأ ْم ِر ِه‬


‫ان الريح َع ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬تسخير الكون لخدمتهم‪َ ﴿ :‬ولس َل ْي َم َ ِّ َ‬
‫ض التِي َب َار ْكنَا فِ َيها﴾‪.‬‬
‫إِ َلى األَ ْر ِ‬

‫‪-3‬سيدنا أيوب = العبادة‪:‬‬

‫‪198‬‬
‫وب إِ ْذ نَا َدى‬
‫كثرة العبادة‪ ،‬واستشعار الربوبية واألدب مع اهلل‪َ ﴿ :‬و َأي َ‬
‫نت َأ ْر َحم الرا ِح ِمي َن﴾‪.‬‬
‫َربه َأنِّي َمسن ِ َي الضر َو َأ َ‬

‫العطاءات والكرامات‪:‬‬

‫است ََج ْبنَا َله﴾‪.‬‬


‫‪-‬استجابة الدعاء‪َ ﴿ :‬ف ْ‬

‫‪-‬تفريج الكربات‪َ ﴿ :‬ف َك َش ْفنَا َما بِ ِه مِن ض ٍّر﴾‪.‬‬

‫‪-‬رجوع النعم مرة أخرى‪َ ﴿ :‬وآ َت ْينَاه َأ ْه َله َومِ ْث َلهم م َعه ْم﴾‪.‬‬

‫‪-4‬سيدنا يونس = العبادة‪:‬‬


‫ِ‬
‫ب‬‫قوة اإليمان‪ ،‬وكثرة الذكر والتسبيح والتوبة‪َ ﴿ :‬و َذا النون إِذ ذ َه َ‬
‫اضبا َف َظن َأن لن ن ْق ِدر َع َلي ِه َفنَادى فِي الظلم ِ‬
‫ات َأن ّال إِ َل َه إِال َأ َ‬ ‫ِ‬
‫نت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫م َغ ً‬
‫س ْب َحان ََك إِنِّي كنت مِ َن الظال ِ ِمي َن﴾‪.‬‬

‫العطاءات والكرامات‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫است ََج ْبنَا َله﴾‪.‬‬
‫‪-‬إجابة الدعاء‪َ ﴿ :‬ف ْ‬

‫‪-‬النجاة من الهموم‪َ ﴿ :‬ونَج ْينَاه مِ َن ا ْل َغ ِّم﴾‪.‬‬

‫‪-5‬سيدنا زكريا = العبادة‪:‬‬

‫المسارعة والمشاركة يف أعمال الخير‪ ،‬والتضرع إلى اهلل‪ ،‬والخشوع‬

‫الدائم هلل‪:‬‬
‫ون فِي ا ْل َخير ِ‬
‫ات َو َيدْ عو َننَا َر َغ ًبا َو َر َه ًبا َوكَانوا َلنَا‬ ‫﴿إِنه ْم كَانوا ي َس ِ‬
‫ارع َ‬
‫َْ‬
‫اش ِعي َن﴾‪.‬‬
‫َخ ِ‬

‫العطاءات والكرامات‪:‬‬

‫است ََج ْبنَا َله﴾‪.‬‬


‫‪-‬إجابة الدعاء‪َ ﴿ :‬ف ْ‬

‫‪-‬الرزق بالذرية وصالح األهل‪َ ﴿ :‬و َو َهبْنَا َله َي ْح َيى َو َأ ْص َل ْحنَا َله‬

‫َز ْو َجه﴾‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة األنبياء‪:‬‬

‫‪﴿-1‬اقرتب للناس حساهبم وهم يف غفلة﴾‬

‫احذر ‪ ..‬الموت يقرتب والغفلة كما هي!‬

‫مسني الضر ﴾ ؛ فنسب الضر والمرض للمجهول تأدبًا مع‬


‫‪ ﴿ -2‬أين ّ‬
‫اهلل‪ ،‬ولما أراد الخير نسبه إلى رحمة اهلل‪ ﴿ :‬وأنت أرحم الرحمين﴾‬

‫‪﴿-3‬فنادى يف الظلمات﴾‬

‫يف ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل‪ ،‬ومع ذلك‪:‬‬

‫﴿فاستجبنا له﴾‪..‬ال مستحيل مع اهلل!‬

‫‪﴿-4‬وكذلك ننجي المؤمنين﴾‬

‫‪201‬‬
‫ليست ليونس وحده‪ ،‬بل لكل مؤمن دعا بدعاء يونس‪ ،‬وافتقر افتقار‬

‫بالجنان‪.‬‬
‫يونس‪ ،‬ليس الدعاء كالما باللسان بل حاال َ‬

‫‪﴿-5‬ال إله إ ّ‬
‫ال أنت سبحانك إين كنت من الظالمين ﴾‬

‫صح عن حذيفة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬موقوفًا عليه‪ :‬يأيت عليكم زمان ال‬
‫ّ‬
‫ينجو فيه إال من دعا دعاء الغريق ‪.‬‬

‫‪َ ﴿-٦‬و َن ْبلوك ْم بِالش ِّر َوا ْل َخ ْي ِر فِ ْتنَ ًة﴾‬

‫قال ابن زيد‪ :‬نبلوهم بما يحبون وبما يكرهون‪ ،‬نختربهم بذلك لننظر‬

‫كيف شكرهم فيما يحبون‪ ،‬وكيف صربهم فيما يكرهون‪.‬‬

‫‪﴿-7‬ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة﴾ قال القرطبي‪« :‬أي زيادة‪،‬‬

‫ألنه دعا يف إسحاق‪ ،‬وزيد يعقوب من غير دعاء‪ ،‬فكان ذلك نافلة‪ ،‬أي‬

‫زيادة على ما سأل»‪ ،‬فاصدق مع اهلل يف الطلب‪ ،‬وسيعطيك فوق ما‬

‫تمنيت‬

‫‪202‬‬
‫ون اهللِ َح َصب َج َهن َم َأنْت ْم َل َها َو ِارد َ‬
‫ون﴾‬ ‫ون مِن د ِ‬
‫‪﴿-7‬إِنك ْم َو َما َت ْعبد َ ْ‬

‫قال السعدي‪« :‬والجكمة يف دخول األصنام النار‪ ،‬وهي جماد ال‬

‫تعقل‪ ،‬وليس عليها ذنب‪ ،‬بيان كذب من اتخذها آلهة‪ ،‬وليزداد‬

‫عذاهبم»‪.‬‬

‫‪َ ﴿-٨‬ال َي ْحزنهم ا ْل َف َزع ْاألَ ْك َبر﴾‬

‫المؤمنون غدا يف أمان وبال أحزان! قال ابن عباس‪ :‬الفزع األكرب‬

‫أهوال يوم القيامة والبعث‪،‬‬

‫وقال الحسن‪ :‬هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار‪ ،‬وقال سعيد بن جبير‬

‫والضحاك‪ :‬هو إذا أطبقت النار على أهلها‪ ،‬وذبِ َح الموت بين الجنة‬

‫والنار‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة الحج من السور التي تتكلم عن الجهاد بأنواعه المختلفة‪،‬‬

‫وتتحدث عن بناء شخصية المجاهد‪ ،‬ولكن ما العالقة بين الحج‬

‫والجهاد؟‬

‫الحج من العبادات التي تشبه الجهاد تما ًما‪ ،‬وتدربك على الجهاد‪،‬‬

‫ألن الجهاد يحتاج إلى ستة أشياء‪:‬‬

‫‪-1‬الغيرة على حرمات اهلل‪:‬‬

‫نمي يف قلبك تعظيم حرمات اهلل‪ ،‬وبالتالي الغيرة على‬


‫والحج ي ِّ‬
‫َ‬
‫حرماته‪ ،‬فأنت عندما ترى الكعبة‪ ،‬وترى كل أولئك البشر أتوا من كل‬

‫مكان ليعبدوا اهلل ويع ِّظموه‪ ،‬فسيمتلئ قلبك بتعظيم اهلل والغيرة على‬

‫حرماته‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫‪-2‬عدم الخوف من الموت‪:‬‬

‫الحج يربيك على عدم الخوف من الموت ألن لباس اإلحرام يشبه‬

‫الكفن‪ ،‬وألنك ترتك أهلك وبلدتك وكل ما تملك‪ ،‬وتذهب إلى‬

‫الحج‪.‬‬

‫‪-3‬الثبات‪:‬‬

‫ألن الحج من العبادة الوحيدة التي قال اهلل فيها‪﴿ :‬وأتموا﴿ أي أنك‬

‫إذا دخلت فيها فال يجوز لك أن تقطعها‪ ،‬فهذا يعلمك الثبات‪.‬‬

‫‪-4‬الثقة يف اهلل‪:‬‬

‫أنت تذهب إلى الحج وهناك الكثير من مراسم الحج ال تعرف‬

‫حكمتها‪ ،‬ولكنك واثق يف حكمة اهلل عز وجل‪ ،‬ومستسلم ألوامر اهلل‪.‬‬

‫‪-5‬الطاعة والجندية‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫تدخل الحج وتفعل طاعات ومناسك معينة ومرتبة بشكل ما‪ ،‬وطوال‬

‫الحج هتتف وتقول‪ :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬كل هذه األشياء تعلمك‬

‫الطاعة والنظام‪.‬‬

‫‪-٦‬الجهد وتحمل المشاق‪:‬‬

‫الحج من أصعب العبادات تأديةً‪ ،‬فأنت تسافر وتصلي وتقوم‬

‫وتطوف‪ ،‬ومناسك الصفا والمروة ومِنى‪ ،‬والوقوف يف عرفات‪ ،‬كل‬

‫هذه األمور شاقة على البدن‪ ،‬فأنت بذلك تتدرب على تحمل‬

‫المشاق‪.‬‬

‫ذكرت السورة ثالثة أنواع من الجهاد‪:‬‬

‫‪-1‬جهاد الدعوة إلى اهلل‪:‬‬

‫وذلك يف جدال أهل الباطل‪ ،‬وإقامة الحجة عليهم‪ ،‬وإبطال شبهاهتم‪:‬‬


‫‪206‬‬
‫ادل فِي اهللِ بِ َغي ِر ِع ْل ٍم ويتبِع كل َشي َط ٍ‬
‫ان م ِر ٍ‬ ‫اس من يج ِ‬ ‫ِ‬
‫يد﴾‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫﴿ َوم َن الن ِ َ َ‬

‫ادل فِي اهللِ بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َوال هدً ى َوال كِت ٍ‬


‫َاب من ِ ٍير﴾‬ ‫اس من يج ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوم َن الن ِ َ َ‬

‫وأيضا جدال المسلم المتذبذب‪:‬‬


‫ً‬
‫اس من يعبد اهلل َع َلى حر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف﴾‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوم َن الن ِ َ َ ْ‬

‫‪-2‬جهاد القتال‪:‬‬

‫اهلل َع َلى ن َْص ِر ِه ْم َل َق ِد ٌير﴾‬ ‫ِ‬ ‫﴿أ ِذ َن لِل ِذي َن ي َقا َتل َ‬
‫ون بِ َأنه ْم ظلموا َوإِن َ‬

‫‪-3‬الجهاد بمفهومه الشامل‪:‬‬

‫يبدأ بجهاد النفس‪ ،‬ثم أي عمل ينفع وينصر اإلسالم فهو جهاد مهما‬

‫كان هذا العمل‪:‬‬


‫اهدوا فِي اهللِ حق ِجه ِ‬
‫اد ِه﴾‬ ‫﴿وج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬

‫أيضا؛ بناء تعظيم اهلل يف القلب‪:‬‬


‫ومن مقاصد السورة ً‬

‫‪207‬‬
‫‪-1‬الحج عبادة تعلمك أن تعظم ربك‪:‬‬

‫﴿ َذل ِ َك َو َمن ي َع ِّظ ْم َش َعائِ َر اهللِ َفإِن َها مِن َت ْق َوى ا ْلقل ِ‬
‫وب﴾‬

‫‪-2‬تعظيم ثواب اهلل وعقابه‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأي َها الناس اتقوا َربك ْم إِن َز ْل َز َل َة السا َعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬
‫يم﴾‬

‫‪-3‬تعظيم مقام اهلل‪:‬‬

‫ات َو َمن فِي األَ ْر ِ‬


‫ض‬ ‫﴿ َأ َلم َتر َأن اهلل يسجد َله من فِي السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ َ‬
‫ج َبال َوالش َجر َوالد َواب َوكَثِ ٌير ِّم َن‬ ‫َوالشمس َوا ْل َقمر َوالنجوم َوا ْل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس وكَثِير حق َع َلي ِه ا ْلع َذاب ومن ي ِه ِن اهلل َفما َله مِ‬
‫اهلل‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ٍ‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫الن ِ َ ٌ َ‬
‫َي ْف َعل َما َي َشاء﴾‬

‫‪-4‬تعظيم صفات اهلل عز وجل‪ :‬ونالحظ ذلك يف ختام كل آية من‬

‫اآلية ‪ ٦1‬حتى اآلية ‪:٦٦‬‬

‫‪208‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل يولِج الل ْي َل فِي الن َه ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َويولج الن َه َار في الل ْي ِل َو َأن َ‬
‫اهلل‬ ‫﴿ َذل َك بِ َأن َ‬
‫يع َب ِص ٌير﴾‬ ‫ِ‬
‫َسم ٌ‬

‫‪-5‬تعظيم قدرة اهلل عز وجل‪:‬‬


‫ون اهللِ‬
‫ون مِن د ِ‬ ‫است َِمعوا َله إِن ال ِذي َن َتدْ ع َ‬‫﴿ َيا َأي َها الناس ض ِر َب َم َث ٌل َف ْ‬
‫اجت ََمعوا َله َوإِن َي ْسل ْبهم الذ َباب َش ْي ًئا ّال َي ْست َِنقذوه‬ ‫خلقوا ذ َبا ًبا َو َل ِو ْ‬
‫َلن َي ْ‬

‫ف الطالِب َوا ْل َم ْطلوب﴾‬ ‫مِنْه َضع َ‬

‫لطائف وتدبرات من سورة الحج‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿-1‬يا َأي َها الناس اتقوا َربك ْم إِن َز ْل َز َل َة السا َعة َش ْي ٌء َعظ ٌ‬
‫يم﴾‬

‫بدأت سورة الحج بذكر يوم القيامة؛ ألن الحج هو أشبه مشاهد الدنيا‬

‫بيوم الحشر‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫‪﴿ -2‬ذلك ومن يعظم شعائر اهلل فإهنا من تقوى القلوب﴾‬

‫ومن شعائر اهلل‪ :‬المصحف‪ ،‬فال تضعه على األرض‪ ،‬وال خلف‬

‫ظهرك‪ ،‬وال تضع فوقه كتابا‪ ،‬وال تضع فيه ورقة هامة‪ ،‬فليس أهم منه‪.‬‬

‫‪﴿ -3‬وأطعموا القانع﴾‬

‫وهو الفقير المتعفف الذي ال يع َلم حاله‪ ،‬فمن أعمال االتقياء البحث‬

‫عن الفقراء‪.‬‬

‫‪﴿ -4‬إن اهلل يدافع عن الذين آمنوا﴾‬

‫اهلل معك بقدر إيمانك‪ ،‬فاإليمان صمام أمان‪.‬‬

‫‪﴿-5‬ي ْص َهر بِ ِه َما فِي بطونِ ِه ْم َوا ْلجلود﴾‬

‫من فرط حرارة الحميم يؤ ِّثر يف باطنهم نفس تأثيره يف ظاهرهم‪،‬‬

‫فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫َان نَكِ ِير﴾‬
‫فك َ‬‫‪َ ﴿-٦‬ف َأ ْم َل ْيت ل ِ ْل َكافِ ِري َن ثم َأ َخ ْذته ْم َف َك ْي َ‬

‫يف الصحيحين عن أبي موسى األشعري أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إن‬

‫اهلل ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلِتْه»‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫تبدأ سورة المؤمنون ً‬


‫أوال بذكر صفات أهل الدين‪ ،‬ونالحظ أن‬

‫المؤمن ال بد أن يكون عبارة عن عبادات ومعامالت‪ ،‬وال يجوز‬

‫االقتصار على واحدة منهما فقط‪ .‬وهناك الكثير من الناس‬

‫يتحججون إذا كلمتهم عن العبادة‪ ،‬أو عن مظاهر الدين‪ ،‬فيقولون‪:‬‬

‫الدين المعاملة‪.‬‬

‫=نعم الدين المعاملة ولكن مع المعاملة ال بد من العبادة‪ ،‬ألن هناك‬

‫معامالت لن تستطيع أن تؤديها وتستمر عليها إذا لم تمتلك الزاد‬

‫األول يف السورة‪:‬‬
‫وهو العبادة‪ ،‬فنالحظ اآليات َ‬
‫ون‪ ،‬ال ِذين هم فِي صالتِ ِهم َخ ِ‬
‫اشع َ‬
‫ون = عبادات‬ ‫َقدْ َأ ْف َل َح ا ْلم ْؤمِن َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬

‫َوال ِذي َن ه ْم َع ِن الل ْغ ِو م ْع ِرض َ‬


‫ون = معامالت‬

‫‪212‬‬
‫َاة َف ِ‬
‫اعل َ‬
‫ون = عبادات‬ ‫وال ِذين هم لِلزك ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫وج ِه ْم َحافِظ َ‬
‫ون = معامالت‬ ‫َوال ِذي َن هم لِفر ِ‬
‫ْ‬

‫فنالحظ أن اآليات التي وصفت المؤمنين عبارة عن معامالت داخل‬

‫عبادات؛ ويؤكد هذا األمر ما ذكرناه يف سورة البقرة‪ ،‬أن كل معاملة أو‬

‫كل حكم جاء معها عبادة‪:‬‬

‫فمثال‪ ،‬الصيام من العبادات‪ ،‬جاء معه أحكام المال والدم والرشوة =‬

‫معامالت‬

‫الحج = عبادات‪ ،‬معه أحكام القتال = معامالت‬

‫الصالة = عبادات‪ ،‬معها أحكام الطالق واألسرة = معامالت‪.‬‬

‫إن الصالة = عبادات‪ ،‬تنهى عن الفحشاء والمنكر = معامالت‪.‬‬

‫•المسار الثاين‪ :‬الحديث عن الدين‪:‬‬

‫‪213‬‬
‫‪-1‬إخبار الناس بنعم اهلل عليهم‪:‬‬

‫جاء شوط من النعم وهو من األشياء التي يمكن أن نبدأ هبا أثناء دعوة‬

‫الناس‪ ،‬أن نذكرهم بنعم اهلل عليهم‪ ،‬ويف وسط هذه اآليات يأيت هتديد‬
‫اب بِ ِه َل َق ِ‬
‫ادر َ‬
‫ون﴾‬ ‫من اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬وإِنا َع َلى َذ َه ٍ‬

‫الناس ‪-‬كل الناس‪ -‬يخافون من زوال النعمة‪ ،‬فعندما تحدثهم أن‬

‫النعمة قد تزول بسبب المعصية‪ ،‬فهذا يكون من األبواب الجميلة يف‬

‫الدعوة التي تفتح لها قلوب الناس‪.‬‬

‫‪-2‬الجدال مع األنبياء‪:‬‬

‫اهلل َما َلكم ِّم ْن إِ َل ٍه‬


‫نالحظ بداية دعوة األنبياء تبدأ بـ‪َ ﴿ :‬يا َق ْو ِم ا ْعبدوا َ‬
‫َغ ْيره َأ َفال َتتق َ‬
‫ون﴾‬

‫ثم نالحظ رد أهل الكفر والضالل‪َ ﴿ :‬ما َه َذا إِال َب َش ٌر ِّم ْثلك ْم ي ِريد َأن‬

‫َي َت َفض َل َع َل ْيك ْم﴾‬

‫‪214‬‬
‫هذه طريقة أهل الباطل‪َ [ ،‬هدم الداعية وليس الدعوة ]‪ ،‬يريدون أن‬

‫يشوهوا صورة العلماء وأهل الدين يف أعين الناس‪ ،‬حتى تتالشى‬

‫ثقتهم يف كل من يتكلم عن اهلل‪ ،‬فيكونون عبارة عن لقمة سهلة ألي‬

‫شهوات وشبهات وأفكار‪.‬‬

‫‪-3‬الكالم عن اهلل‪ ،‬وعن الموت والدار اآلخرة‪:‬‬

‫ش ا ْل َعظِ ِ‬
‫يم﴾‬ ‫﴿ق ْل من رب السماو ِ‬
‫ات الس ْب ِع َو َرب ا ْل َع ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫ون‪َ ،‬ل َع ِّلي َأ ْع َمل َصال ِ ًحا‬


‫﴿حتى إِ َذا جاء َأحدَ هم ا ْلموت َق َال رب ار ِجع ِ‬
‫َ ِّ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يما َت َركْت كَال إِن َها كَلِ َم ٌة ه َو َقائِل َها َومِن َو َرائِ ِهم َب ْر َز ٌخ إِ َلى َي ْو ِم ي ْب َعث َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫اب َب ْينَه ْم َي ْو َمئِ ٍذ َوال َيت ََسا َءل َ‬
‫ون‪َ ،‬ف َمن‬ ‫‪َ .‬فإِ َذا ن ِف َخ فِي الص ِ‬
‫ور َفال َأ َ‬
‫نس َ‬
‫ون ‪َ .‬و َم ْن َخف ْت َم َو ِازينه َفأو َلئِ َك‬
‫َثق َل ْت َم َو ِازينه َفأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِح َ‬

‫ال ِذي َن َخ ِسروا َأنف َسه ْم فِي َج َهن َم َخالِد َ‬


‫ون‪َ ،‬ت ْل َفح وج َ‬
‫وههم النار َوه ْم‬
‫فِ َيها كَالِح َ‬
‫ون﴾‬

‫‪215‬‬
‫ال بد وأن يمتلئ القلب بالخوف من اهلل عز وجل‪ ،‬ونالحظ من‬

‫كلمات هذه السورة أهنا هبا شيء من الخوف والوجل‪:‬‬

‫(خاشعون‪ ،‬فاتقون‪ ،‬خشية رهبم‪ ،‬وقلوهبم وجلة‪ ،‬مشفقون)‪.‬‬

‫الوحدة‪َ ﴿ :‬وإِن َه ِذ ِه أمتك ْم‬


‫ويف وسط آيات الدعوة إلى اهلل‪ ،‬تأيت آية ِ‬

‫ون﴾‬ ‫أم ًة و ِ‬
‫احدَ ًة و َأنَا ربكم َفاتق ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬

‫= كأننا لن نتوحد ونعتصم بحبل اهلل إال بالدعوة إلى اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة المؤمنون‪:‬‬

‫ون * َوال ِذي َن ه ْم َع ِن الل ْغ ِو‬ ‫‪﴿-1‬ال ِذين هم فِي ص َالتِ ِهم َخ ِ‬
‫اشع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َاة َف ِ‬
‫ون * وال ِذين هم لِلزك ِ‬
‫اعل َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ ْ‬ ‫م ْع ِرض َ َ‬

‫ان مِ ْن س َال َل ٍة مِ ْن طِ ٍ‬
‫ين﴾‬ ‫‪َ ﴿-2‬و َل َقدْ َخ َل ْقنَا ْ ِ‬
‫اإلن َْس َ‬

‫عجب يوما بعملِك!‬


‫بأصلِك كي ال ت ِ‬
‫عرفك ْ‬

‫‪﴿ -3‬ثم إِنك ْم َب ْعدَ َذل ِ َك َل َم ِّيت َ‬


‫ون﴾‬

‫أين العتاة المتج ِّبرون‪ ،‬أين الفراعنة المتك ِّبرون‪ ،‬ما نفعتهم األموال‬

‫والحصون‪ ،‬وأتاهم ما هم عنه غافلون‪.‬‬

‫‪﴿ -4‬وما كنا عن الخلق غافلين﴾‬

‫ما كنا غافلين عن القيام بمصالحكم وحفظكم ولو مقدار لحظة‪ ،‬وإال‬

‫سقطت السماء عليكم فأهلكتكم‪ ،‬أو انقطع الهواء عنكم فاختنقتم‪،‬‬

‫‪217‬‬
‫فما أشمل هذه العناية اإللهية التي تحفظ الكون من الزوال أو‬

‫االختالل‪.‬‬

‫َاب َينْطِق بِا ْل َح ِّق َوه ْم َال ي ْظ َلم َ‬


‫ون﴾‬ ‫ِ‬
‫‪َ -5‬و َلدَ ْينَا كت ٌ‬

‫يجب أال تمر سيئاتك بذاكرتك مرورا عابرا‪ ،‬فغدا ترى لكتابك لسانا‬

‫ناطقا يشهد عليك‪ ،‬ويتكلم بما عملت بكلتا يديك‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫سورة النور من اسمها فهي نور‪ ،‬نور يضيء لك كل حياتك‪ ،‬بدأت‬

‫سورة النور بكلمة «سورة»‪ ،‬ومن المعروف أن كل سورة يف القرآن‬

‫اسمها سورة‪ ،‬ولكن ال يتوجد سورة تصدرت هبذا اللفظ يف أولها إال‬
‫سورة النور‪ ،‬وذلك لبيان فضلها ِ‬
‫وع َظم ما فيها من األوامر والنواهي‬

‫واألحكام‪ ،‬والحالل والحرام‪.‬‬

‫‪-‬نزول السورة‪:‬‬

‫نزلت السورة للتحدث عن جريمة الزنى والقذف به‪ ،‬بمناسبة قصة‬

‫اإلفك الذي رميت به السيدة عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬فبدأ السورة‬

‫بالحديث عن الزنى وحدّ ه الذي قرره الشرع‪ ،‬ثم بعد ذلك يأيت حدّ‬
‫القذف والمالعنة بين الرجل والمرأة‪ ،‬وكل هذا تمهيد لحادثة‬

‫اإلفك‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫تحدثت السورة عن مشكلة الزنا‪ ،‬ثم حددت كيفية‪:‬‬

‫‪-1‬عقوبة َمن يفعل هذه الفاحشة‪.‬‬

‫‪َ -2‬من السبب يف انتشار الزنا‪.‬‬

‫‪-3‬االجراءات الوقائية لالحرتاز من هذه الفاحشة‪.‬‬

‫‪-4‬العالج النهائي‪.‬‬

‫‪-1‬العقاب‪:‬‬

‫اح ٍد ِّمنْه َما مِا َئ َة َج ْلدَ ٍة َوال َت ْأخ ْذكم‬


‫﴿الزانِية والزانِي َفاجلِدوا كل و ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ون بِاهللِ وا ْليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر َو ْل َي ْش َهدْ‬ ‫ين اهللِ إِن كنت ْم ت ْؤمِن َ‬‫بِ ِه َما َر ْأ َف ٌة فِي ِد ِ‬
‫َ َْ‬
‫َع َذا َبه َما َطائِ َف ٌة ِّم َن ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‬

‫لو الحظنا سنجد أن اهلل عز وجل بدأ بـ‪« :‬الزانية»؛ ألن المرأة هي‬

‫التي تفتح الباب لهذا الفاحشة يف الغالب‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫‪َ -2‬من السبب يف انتشار الزنا؟‬

‫بعد ذكر آيات الزنا جاء بعدها ذكر أعداء اإلسالم‪ ،‬وهم الذين‬

‫يروجون لهذه الفاحشة؛ ألهنم يعلمون أنه ما من مجتمع ينتشر يف‬

‫العري والزنا إال فسد وفسد أهله‪ ،‬تبدأ السورة بذكر العدو األول‬

‫وهم‪:‬‬

‫العدو األول‪ :‬المنافقون‪:‬‬


‫اإل ْف ِ‬
‫ك ع ْص َب ٌة ِّمنك ْم﴾‬ ‫﴿إِن ال ِذي َن َجاؤوا بِ ِ‬

‫اح َشة فِي ال ِذي َن آ َمنوا﴾‬


‫ون َأن َت ِشيع ا ْل َف ِ‬
‫َ‬
‫﴿إِن ال ِذين ي ِ‬
‫حب َ‬ ‫َ‬

‫المنافقون يحبون أن تنتشر هذه الفاحشة‪ ،‬لذلك نجدهم اآلن أول َمن‬

‫يعارضون الحجاب والنقاب‪ ،‬وأول َمن ينادون بخلعه يف الجامعات‬

‫والمستشفيات وغيره‪ ،‬ألن هؤالء لديهم دافع جنسي شهواين وراء‬

‫‪221‬‬
‫ذلك‪ ،‬هو يريد كل امرأة أمامه عارية‪ ،‬يريد أن يعرف تفاصيلها‪ ،‬وهذه‬

‫خطوة من أولى خطوات الزنا‪.‬‬

‫العدو الثاين‪ :‬الشيطان‪:‬‬


‫﴿يا َأيها ال ِذين آمنوا ال َتتبِعوا خطو ِ‬
‫ات الشي َط ِ‬
‫ان﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬

‫اهلل عز وجل لم يقل ال تتبعوا الشيطان‪ ،‬بل «خطوات» ألن الشيطان‬

‫يأخذك خطوة خطوة حتى يوقعك يف فخ الزنا أو أي ذنب عمو ًما‪.‬‬

‫يف الغالب ال يزين الرجل بامرأة رآها ألول مرة فقال لها هيا نزين‬

‫فتوافق! تقري ًبا مستحيل إال إذا كانت هذه مهنتها‪ ،‬لكن الشيطان‬

‫يأخذك خطوة خطوة؛ تبدأ بإطالق البصر‪ ،‬ثم محاولة لفت انتباهها‬

‫بأي وسيلة‪ ،‬ثم محاولة الوصول إليها والحديث معها‪ ،‬ثم يبدأ‬

‫الخضوع بالقول وإيحاءات مع الوقت أثناء الحديث‪ ،‬ثم مقابلة‪ ،‬ثم‬

‫مقدمات الزنا من اللمس وغيره‪ ،‬ثم الوقوع يف الفاحشة!‬

‫‪222‬‬
‫هي خطوات‪ ،‬فاحذرها وانتبه‪.‬‬

‫العدو الثالث‪ :‬النفس‪:‬‬

‫﴿ َوال َي ْأ َت ِل أ ْولوا ا ْل َف ْض ِل مِنك ْم َوالس َع ِة َأن ي ْؤتوا أولِي ا ْلق ْر َبى‬


‫اج ِرين فِي سبِي ِل اهللِ و ْليعفوا و ْليص َفحوا َأال ت ِ‬ ‫ِ‬
‫حب َ‬
‫ون‬ ‫َ َْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َوا ْل َم َساكي َن َوا ْلم َه ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫َأن َي ْغف َر اهلل َلك ْم َواهلل َغف ٌ‬
‫ور رح ٌ‬

‫أيضا‪:‬‬
‫من أسباب نزول السورة ً‬

‫نزلت هذه السور لما منع سيدنا أبو بكر أن يعطي المال الذي يعطيه‬

‫معونة وصدقة ألحد الفقراء‪ ،‬ولكن هذا الرجل كان من الذين افرتوا‬

‫على السيدة عائشة‪ ،‬فامتنع عن إعطائِه‪ ،‬فأنزل اهلل هذه اآلية كي يعطيه‬

‫مرة أخرى‪ ،‬ولكن كيف؟ هذا الرجل تكلم على ابنته؟‬

‫نفسك جان ًبا‪ ،‬ألن‬


‫فنح َ‬
‫ال بأس‪ ،‬طالما هذا األمر فيه دين وحسنات‪ِّ ،‬‬
‫النفس عدو لك‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫‪-3‬االجراءات الوقائية لالحرتاز من هذه الفاحشة‪:‬‬

‫‪-1‬االستئذان‪:‬‬

‫﴿َا َأي َها ال ِذي َن آ َمنوا ال َتدْ خلوا بيو ًتا َغ ْي َر بيوتِك ْم َحتى َت ْست َْأنِسوا‬
‫َوت َس ِّلموا َع َلى َأ ْهلِ َها َذلِك ْم َخ ْي ٌر لك ْم َل َعلك ْم َت َذكر َ‬
‫ون﴾‬

‫وهذه الظاهرة لألسف نراها كثيرة‪ ،‬أن يدخل الناس على أقارهبم ً‬
‫مثال‬

‫دون استئذان‪ ،‬ولألسف يحدث ألفة للبيت‪ ،‬وقد يحدث طامات كما‬

‫نسمع ونرى‪.‬‬

‫‪-2‬غض البصر‪:‬‬

‫﴿قل ِّل ْلم ْؤمِنِي َن َيغضوا مِن َأ ْب َص ِ‬


‫ار ِه ْم﴾‬

‫‪224‬‬
‫‪-3‬حفظ الفرج‪:‬‬

‫﴿ َو َي ْح َفظوا فر َ‬
‫وجه ْم﴾ = حفظ الفرج ليس الزنا فقط‪ ،‬بل حفظه من‬

‫مقدمات الزنا‪ ،‬كالعادة السرية‪ ،‬واللمس‪ ،‬وغيره‪.‬‬

‫‪-4‬سرت الجسد بالحجاب الشرعي‪:‬‬

‫﴿ َوال ي ْب ِدي َن ِزينَتَهن﴾ = فالتربج من أوسع أبواب الزنا‪ ،‬فالشاب‬

‫عندما يرى فتاة متربجة‪ ،‬يبدأ عقله بتخيلها‪ ،‬ثم يبدأ بمطاردهتا حتى‬

‫يوقعها يف الفخ‪.‬‬

‫‪-5‬تيسير الزواج‪:‬‬

‫ادك ْم َوإِ َمائِك ْم إِن َيكونوا‬


‫حين مِن ِعب ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َأنكحوا األَ َيا َمى منك ْم َوالصال َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َق َراء ي ْغن ِهم اهلل من َف ْضله َواهلل َواس ٌع َعل ٌ‬
‫يم﴾‬

‫ولألسف ما نراه اآلن من األهالي يف تعسير الزواج على الشباب أمر‬

‫أيضا الزواج‪،‬‬
‫أيضا عما يسن من قوانين تصعب ً‬
‫مؤسف‪ ،‬ناهيك ً‬
‫‪225‬‬
‫كتحديد سن معين للزواج وغيره‪ ،‬وكل هذا يسبب خلل يف المجتمع‪،‬‬

‫كون الشاب والفتاة بداخلهما شهوة مكبوتة‪ ،‬فتخرج هذه الشهوة يف‬

‫الحرام‪ ،‬فينتشر الزنا!‬

‫‪-٦‬العفاف‪:‬‬

‫احا َحتى ي ْغن ِ َيه ْم اهلل مِن َف ْضلِ ِه﴾‬ ‫جد َ ِ‬


‫ون ن َك ً‬ ‫ف ال ِذي َن ال َي ِ‬
‫﴿و ْليس َتع ِف ِ‬
‫َ َْ ْ‬

‫فمن لم يستطع الزواج‪ ،‬فليصرب وليستعفف‪.‬‬


‫َ‬

‫تنور لنا كل حياتنا‪ ،‬ولكن كيف‬


‫كما ذكرنا أن من اسم السورة‪ ،‬فهي ِّ‬
‫نستمد النور من هذه السورة؟‬

‫يف ستة قناديل تضيء هبا كل حياتك‪:‬‬

‫‪-1‬قنديل االفتقار إلى اهلل‪:‬‬

‫‪226‬‬
‫أن تعلم أنك بدون اهلل ال شيء‪ ،‬وأنت تعلم أن كل شيء إنما هو‬

‫محض فضل من اهلل عليك‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬
‫اب َحك ٌ‬ ‫﴿ َو َل ْوال َف ْضل اهلل َع َل ْيك ْم َو َر ْح َمته َو َأن َ‬
‫اهلل َتو ٌ‬

‫يم﴾‬ ‫﴿و َلوال َف ْضل اهللِ َع َليكم ورحمته و َأن اهلل رؤ ٌ ِ‬


‫وف َرح ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ََ ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬

‫﴿ َو َل ْوال َف ْضل اهللِ َع َل ْيك ْم َو َر ْح َمته َما َزكَا مِنكم ِّم ْن َأ َح ٍد َأ َبدً ا﴾‬

‫ورا َف َما َله مِن ن ٍ‬


‫ور﴾‬ ‫﴿ َو َمن ل ْم َي ْج َع ِل اهلل َله ن ً‬

‫‪-2‬قنديل االتصال بالقرآن‪:‬‬

‫اجة ك ََأن َها‬ ‫اة فِيها مِصباح ا ْل ِمصباح فِي زج ٍ‬


‫ٍ‬ ‫﴿م َثل ن ِ ِ ِ‬
‫اجة الز َج َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫وره كَم ْش َك َ ْ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫َب د ِّر ٌّي يو َقد مِن َش َج َر ٍة م َب َارك ٍَة﴾‬
‫ك َْوك ٌ‬

‫= فالقرآن يوقِد قلبك بنور اإليمان‪.‬‬

‫‪-3‬قنديل المساجد‪:‬‬

‫‪227‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿في بيوت َأذ َن اهلل َأن ت ْر َف َع َوي ْذك ََر ف َيها ْ‬
‫اسمه﴾‬

‫أن تجلس يف المسجد‪ ،‬وتعتكف فيه حتى لو ساعة‪ ،‬وليس فقط‬

‫ذهابك للصالة ثم تجلس وتنتظر لحظة انتهاء اإلمام من الخطبة أو‬

‫الصالة كي تخرج! بل اجعل جلوسك يف المسجد أمر تعبدي تتقرب‬

‫إلى اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬تجلس فتقرأ وردك من القرآن‪ ،‬أو تذكر اهلل‬

‫عز وجل‪ ،‬فيرزقك اهلل األنس به‪.‬‬

‫‪-4‬قنديل العبادة‪:‬‬

‫اآلص ِ‬ ‫ِ‬
‫ال﴾‬ ‫﴿ي َس ِّبح َله ف َيها بِا ْلغد ِّو َو َ‬

‫أي يف أول النهار وآخره! فمثال تصلي الفجر‪ ،‬ثم تجلس لتذكر اهلل عز‬

‫وجل‪ ،‬وتقول أذكار الصباح يف جلسة الضحى‪ ،‬وكذلك بعد صالة‬

‫العصر أو المغرب تقول أذكار المساء‪.‬‬

‫‪-5‬قنديل االنضباط يف التعامل مع الدنيا‪:‬‬

‫‪228‬‬
‫يهم تِجار ٌة وال بيع َعن ِذك ِْر اهللِ وإِ َقا ِم الص ِ‬
‫الة َوإِيتَاء‬ ‫َ‬ ‫﴿ ِر َج ٌال ّال ت ْل ِه ِ ْ َ َ َ َ ْ ٌ‬
‫ون يوما َتتَ َقلب فِ ِ‬
‫يه ا ْلقلوب َواألَ ْب َصار﴾‬ ‫ِ‬
‫الزكَاة َي َخاف َ َ ْ ً‬

‫هؤالء لم يرتكوا تجارهتم وبيعهم‪ ،‬بل هم وازنوا‪ ،‬ولم تشغلهم هذا‬

‫التجارة عن الذكر والصالة وسائر العبادات‪ ،‬فالمسلم عليه أن يوازن‬

‫بين األمرين‪.‬‬

‫‪-٦‬قنديل التدبر يف خلق اهلل‪:‬‬

‫اهلل ي ْز ِجي َس َحا ًبا ثم ي َؤ ِّلف َب ْينَه ثم َي ْج َعله ركَا ًما َفت ََرى‬
‫﴿ َأ َل ْم َت َر َأن َ‬
‫ال فِ َيها مِن بَ َر ٍد‬
‫ا ْل َو ْد َق َي ْخرج مِ ْن ِخالل ِ ِه َوين َِّزل مِ َن السماء مِن ِج َب ٍ‬
‫َ‬
‫َفي ِصيب بِ ِه َمن َي َشاء َو َي ْص ِرفه َعن من َي َشاء َي َكاد َسنَا َب ْرقِ ِه َي ْذ َهب‬
‫ار‪ ،‬ي َق ِّلب اهلل الل ْي َل َوالن َه َار إِن فِي َذل ِ َك َل ِع ْب َر ًة ِّألولِي األَ ْب َص ِ‬
‫ار‪،‬‬ ‫بِاألَ ْب َص ِ‬

‫َواهلل َخ َل َق كل َداب ٍة مِن ماء َف ِمنْهم من َي ْم ِشي َع َلى َب ْطن ِ ِه َومِنْهم من‬

‫‪229‬‬
‫َي ْم ِشي َع َلى ِر ْج َل ْي ِن َومِنْهم من َي ْم ِشي َع َلى َأ ْر َب ٍع َي ْخلق اهلل َما َي َشاء إِن‬

‫اهلل َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير﴾‬


‫َ‬

‫لطائف وتدبرات من سورة النور‪:‬‬

‫‪﴿ -1‬إِ ْن َيكونوا ف َق َرا َء ي ْغن ِ ِهم اهلل مِ ْن َف ْضلِ ِه﴾‬

‫النكاح من أسباب الغنى وسعة الرزق‪ .‬قال بعض السلف‪« :‬التمسوا‬

‫الغنى يف النكاح»‪.‬‬

‫وقال أبو بكر الصديق "أطيعوا اهلل فيما أمركم به من النكاح‪ ،‬ي ِ‬
‫نجز‬

‫لكم ما وعدكم من"‬

‫احا َحتى ي ْغن ِ َيهم اهلل مِ ْن َف ْضلِ ِه﴾‬ ‫جد َ ِ‬


‫ون ن َك ً‬ ‫ف ال ِذي َن َال َي ِ‬
‫‪﴿ -2‬و ْليس َتع ِف ِ‬
‫َ َْ ْ‬

‫بشرى للمتعففين! قال السعدي‪« :‬وعدٌ للمستعفف أن اهلل سيغنيه‪،‬‬

‫وأمر له بانتظار الفرج‪ ،‬لئال يشق عليه ما هو فيه»‪.‬‬


‫وييسر له أمره‪ٌ ،‬‬

‫‪230‬‬
‫ات مبين ٍ‬
‫َات﴾‬ ‫‪﴿ -3‬و َل َقدْ َأن َْز ْلنَا إِ َليكم آي ٍ‬
‫َ ِّ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬

‫قال ابن تيمية‪« :‬من تدبر القرآن طالبا لهدى منه‪ ،‬تبين له طريق‬

‫الحق»‪.‬‬

‫ور َع َلى ن ٍ‬
‫ور﴾‬ ‫‪﴿ -4‬ن ٌ‬

‫قال ابن القيم‪« :‬نور الوحي‪ ،‬ونور العقل‪ ،‬ونور الشريعة‪ ،‬ونور‬

‫الفطرة‪ ،‬ونور األدلة السمعية‪ ،‬ونور األدلة العقلية»‪ ،‬فنور المصباح‬


‫ِ‬
‫وتضاعفه المكاة والزجاجة‪ ،‬وكذلك نور‬ ‫مستمد من نور هذا الزيت‪،‬‬

‫اإليمان يف قلب المؤمن‪ ،‬مستمد من القرآن والسنة‪ ،‬ويضاعفه العلم‬

‫النافع والعمل الصالح»‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬و َأقِيموا الص َال َة َوآتوا الزكَا َة﴾‬

‫تأمل روعة اإلسالم يف التكامل بين حق اهلل (الصالة)‪ ،‬وحق الخلق‬

‫(الزكاة)‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة الفرقان تتحدث عن سوء عاقبة من يكذب باهلل ورسوله‬

‫وكتابه‪ ،‬ولذلك فإننا نرى فيها ثالثة مسارات أساسية‪:‬‬

‫‪ -‬أنواع التكذيب التي لقيها النبي صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪ -‬التحذير من سوء عاقبة التكذيب‬

‫‪ -‬تثبيت النبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه‪.‬‬

‫وكل آيات السورة تدور حول هذه المحاور الثالث بشكل واضح‪،‬‬

‫ومن هنا سبب تسميتها بالفرقان‪ ،‬ألهنا توضح ‪ -‬من خالل هذه‬

‫المحاور الثالثة ‪ -‬كيف أن الدين والقرآن هما الفرقان بين الحق‬

‫والباطل‪.‬‬

‫ومن أنواع التكذيب التي جاءت يف السورة‪:‬‬


‫‪232‬‬
‫‪-1‬تكذيب القرآن‪َ :‬و َقالوا َأ َساطِير األَولِي َن ا ْك َت َت َب َها‬

‫‪-2‬تكذيب النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫ول ي ْأكل ٱلط َعام َويم ِشى فِى ٱألَس َو ِ‬ ‫ِ‬


‫اق َل ْوال أ ِنز َل‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫﴿ َو َقالو ْا َما ل َهـ َذا ٱلرس ِ َ‬
‫ون َم َعه ن َِذير ًا ‪َ .‬أ ْو ي ْل َقى إِ َل ْي ِه َكن ٌْز َأ ْو َتكون َله َجن ٌة َي ْأكل‬
‫إِ َل ْي ِه َم َل ٌك َف َيك َ‬

‫ون إِال َرجالً م ْسحور ًا ‪ .‬ٱنظ ْر َك ْي َ‬


‫ف َض َربو ْا‬ ‫مِن َْها َو َق َال ٱلظـلِم َ‬
‫ون إِن َتتبِع َ‬

‫َل َك ٱألَ ْم َثـ َل َف َضلو ْا َفالَ َي ْستَطِيع َ‬


‫ون َسبِيالً﴾‬

‫‪-3‬التكذيب باهلل‪:‬‬

‫اسجدوا لِلر ْح َم ِن َقالوا َو َما الر ْح َمن َأن َْسجد ل ِ َما َت ْأمرنَا‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوإِ َذا ق َيل َلهم ْ‬
‫ورا﴾‬
‫َو َزا َده ْم نف ً‬

‫‪233‬‬
‫‪-4‬التكذيب بالغيب‪:‬‬

‫ون ل ِ َقا َءنَا َل ْوال أ ِنز َل َع َل ْينَا ا ْل َمالئِ َكة َأ ْو ن ََرى َربنَا‬
‫﴿ َو َق َال ال ِذي َن ال َي ْرج َ‬

‫اس َت ْك َبروا فِي َأنف ِس ِه ْم َو َعت َْو عت ًّوا َكبِ ًيرا﴾‬ ‫ِ‬
‫َل َقد ْ‬

‫وبعد ذكر أنواع التكذيب‪ ،‬تذكر السورة السبب األكرب للتكذيب‬

‫واإلعراض عن آيات اهلل‪ ،‬وهو اتباع الهوى!‬

‫نت َتكون َع َل ْي ِه َوكِيالً﴾‬


‫قال سبحانه‪َ ﴿ :‬أ َرء ْي َت َم ِن ٱت َخ َذ إِ َلـ َهه َه َواه َأ َف َأ َ‬

‫ثم تأيت بعد ذلك شكوى خطيرة من كل من يهجر القرآن‪َ ﴿ :‬و َق َال‬

‫ٱلرسول ي َر ّب إِن َق ْومِى ٱت َخذو ْا َهـ َذا ٱ ْلق ْرء َا َن َم ْهجورا﴾‬

‫فحذار حذار من هجر القرآن‪ ،‬ألنه طريقك إلى الفرقان بين الحق‬

‫والباطل‪ ،‬بين الظلمات والنور‪ ،‬وبين اإليمان والتكذيب‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫تدبرات ولطائف من سورة الفرقان‪:‬‬

‫اس َت ْك َبروا فِي َأنْف ِس ِه ْم َو َعت َْوا عت ًّوا َكبِ ًيرا﴾[الفرقان‪:]21 :‬‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿-1‬ل َقد ْ‬

‫الكِرب من أعظم أسباب رد الحق‪ ،‬ولذا عرف النبي ﷺ الكِ ْبر بأنه دفع‬

‫الحق وإنكاره وعدم قبوله ترفعًا وتجربا‪ ،‬فقال‪« :‬الكِرب َب َطر الحق»‪.‬‬
‫‪-2‬ياوي َلتَا َليتَنِي َلم َأت ِ‬
‫خ ْذ ف َالنًا َخلِ ً‬
‫يال﴾[الفرقان‪:]2٨ :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ْ‬

‫تأمل كيف كان الصاحب سببا يف إهالك صاحبه؟! أال يدفعك هذا‬

‫إلى مراجعة معاييرك الختيار الصديق وتصحيح الطريق!‬

‫و لكل من فقد الصحبة الصالحة! قال ابن الجوزي‪« :‬وليكن‬

‫جلساؤك الكتب‪ ،‬وانظر ىف سير السلف‪ ،‬وتلمح سير الكاملين يف‬

‫العلم والعمل‪ ،‬وال تقنع بالدون»‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫‪ ﴿ -3‬ك ََذل ِ َك لِن َث ِّب َت بِ ِه ف َؤا َد َك َو َرت ْلنَاه َت ْرتِ ً‬
‫يال﴾[الفرقان‪:]32 :‬‬

‫القرآن أشد تأثيرا على القلب إذا قرأته مرتال بأناة ومن غير استعجال‪.‬‬

‫ون اهللِ َما َال َينْ َفعه ْم َو َال َيضره ْم﴾[الفرقان‪:‬‬


‫ون مِن د ِ‬
‫‪َ ﴿-4‬و َي ْعبد َ ْ‬
‫‪:]55‬‬

‫بعد تعداد النعم‪ ،‬سرد اهلل أحوال أهل الكفر‪ ،‬لنشمئز من هذا العقوق‪،‬‬

‫فبدال من أن يشكروا اهلل على ما أنعم به عليهم‪ ،‬كان الكفر به وإشراك‬

‫غيره معه‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬و َت َوك ْل َع َلى ا ْل َح ِّي ال ِذي َال َيموت﴾ [الفرقان‪:]5٨ :‬‬

‫إنما قال‪ :‬على الحي الذي ال يموت؛ ألن من توكل على الحي الذي‬

‫يموت‪ ،‬فإذا مات المتوكل عليه ضاع المتوكِّل‪ ،‬أما اهلل سبحانه‪ ،‬فإنه‬

‫حي ال يموت‪ ،‬فال يضيع من توكل عليه أبدا‪.‬‬

‫اد ِه َخبِ ًيرا﴾ [الفرقان‪:]5٨ :‬‬


‫وب ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿-٦‬و َك َفى بِه بِذن ِ َ‬
‫‪236‬‬
‫كفي هبذه اآلية وعيدا وهتديدا! كأنه قال‪ :‬إن أقدمتم على مخالفة‬

‫أمره‪ ،‬فكفاكم علمه الذي يعني مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫سورة الشعراء لها أكثر من مقصد‪ ،‬ولكن المقصد األهم لها هو أنواع‬

‫القلوب‪ ،‬ذكرت السورة نوعين من القلوب‪:‬‬

‫‪-1‬القلب المؤمن‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َل َعل َك َباخ ٌع ن ْف َس َك َأال َيكونوا م ْؤمني َن﴾ = ٌ‬
‫قلب َحي يحزن على‬

‫عدم طاعة الناس هلل‪.‬‬

‫ب َسلِ ٍ‬
‫يم﴾ = قلب سليم خالي من الشهوات‬ ‫﴿إِال َم ْن َأ َتى َ‬
‫اهلل بِ َق ْل ٍ‬

‫والنفاق والشبهات‪.‬‬

‫وتذكر السورة أقو ً‬


‫ال ألهل الحق تدل على القلب اإليماين‪:‬‬

‫‪-‬سيدنا موسى‪َ ﴿ :‬ق َال كَال إِن َم ِعي َر ِّبي َس َي ْه ِد ِ‬


‫ين﴾‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬سحرة فرعون‪َ ﴿ :‬قالوا آ َمنا بِ َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‪.‬‬
‫‪238‬‬
‫‪-‬سيدنا إبراهيم‪َ ﴿ :‬فإِنه ْم َعد ٌّو ِّلي إِال َرب ا ْل َعا َل ِمي َن ‪ .‬ال ِذي َخ َل َقنِي‬
‫ين ‪َ .‬وإِ َذا َم ِر ْضت َفه َو َي ْش ِف ِ‬
‫ين ‪.‬‬ ‫‪.‬وال ِذي ه َو ي ْط ِعمنِي َو َي ْس ِق ِ‬ ‫َفه َو َي ْه ِد ِ‬
‫ين َ‬
‫ين‪َ ،‬وال ِذي َأ ْط َمع َأن َي ْغ ِف َر لِي َخطِي َئتِي َي ْو َم‬
‫َوال ِذي ي ِميتنِي ثم ي ْحيِ ِ‬

‫الدِّ ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬

‫‪-2‬القلب الكافر العنيد‪:‬‬


‫يهم من ِذك ٍْر من الرحم ِن محدَ ٍ‬
‫ث إِال كَانوا َعنْه م ْع ِر ِضي َن﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ َ ْ َ‬ ‫﴿ َو َما َي ْأت ِ ِّ‬

‫ض ك َْم َأن َب ْتنَا فِ َيها مِن ك ِّل َز ْوجٍ ك َِر ٍ‬


‫يم﴾‪.‬‬ ‫﴿ َأ َو َل ْم َي َر ْوا إِ َلى األَ ْر ِ‬

‫أيضا أقوال ألهل الباطل تدل على جحود قلوهبم‪:‬‬


‫وذكرت السورة ً‬

‫ت إِ َل ًها َغ ْي ِري َألَ ْج َع َلن َك مِ َن‬


‫‪-‬فرعون وجنوده‪َ ﴿ :‬ق َال َلئِ ِن ات َخ ْذ َ‬
‫ا ْل َم ْسجونِي َن﴾‪.‬‬

‫‪-‬قوم إبراهيم‪َ ﴿ :‬قالوا َن ْعبد َأ ْصنَا ًما َفنَ َظل َل َها َعاكِ ِفي َن﴾‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫اعظِي َن﴾‪.‬‬
‫‪-‬قوم عاد‪َ ﴿ :‬قالوا سواء َع َلينَا َأو َع ْظ َت َأم َلم َتكن من ا ْلو ِ‬
‫ِّ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬

‫لو نالحظ أن السورة تكررت فيها آية ﴿وإن ربك لهو العزيز‬

‫الرحيم﴾ تسع مرات؛ ألن اسم اهلل العزيز يخاطب اهلل به القلوب‬

‫القاسية‪ ،‬واسم اهلل الرحيم يخاطب به القلوب المؤمنة الرحيمة‪.‬‬

‫ثم تذكر السورة عن كيف سيحاربنا أهل الباطل‪:‬‬

‫‪-1‬الحرب اإلعالمية‬
‫﴿ َف َأرس َل فِر َعون فِي ا ْلمدَ ائِ ِن ح ِ‬
‫اش ِري َن﴾ = يبدأ بنشر الذين ينشرون‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ ْ‬
‫اإلشاعات‪ ،‬كما يحدث يف القنوات اإلعالمية واألفالم والمسلسالت‬

‫والصحف‪.‬‬

‫﴿إِن َهؤالء َل ِش ْر ِذ َم ٌة َقلِيل َ‬


‫ون﴾ = يبدأ هؤالء بتحقير أهل اإليمان يف‬

‫أعين الناس‪ ،‬ويقولون عنهم أهنم كذا وكذا‪ ،‬وهذه الحروب تكون‬

‫قبل الحرب بالسالح والتعذيب واألذى‪ ،‬حتى ال ينكِر الناس عليهم‪،‬‬

‫‪240‬‬
‫ألن الناس قد شربوا من السم الذي نشره هؤالء‪ ،‬ومن اسم السورة‬

‫(الشعراء) وهذا رمز للحرب اإلعالمية‪.‬‬

‫‪-2‬الحروب المادية‪:‬‬

‫﴿ َف َلما َجا َء الس َح َرة َقالوا ل ِ ِف ْر َع ْو َن َأئِن َلنَا ألَ ْج ًرا إِن كنا ن َْحن ا ْل َغالِبِين‪،‬‬

‫َق َال َن َع ْم َوإِنك ْم إِ ًذا ل ِم َن ا ْلم َقربِي َن﴾‪.‬‬

‫شوهون‬
‫لمن ي ِّ‬
‫أهل الباطل غال ًبا معهم األموال‪ ،‬فهم يدفعوهنا بكثرة َ‬
‫صورة أهل اإليمان‪.‬‬

‫ثم الختام العجيب للسورة‪ ،‬بعد ما رأيت أهل الباطل وقوهتم‬

‫اإلعالمية والمادية‪ ،‬يقول اهلل لك‪:‬‬

‫﴿ َأ َف َر َأ ْي َت إِن مت ْعنَاه ْم ِسنِي َن‪ ،‬ثم َجا َءهم ما كَانوا يو َعد َ‬


‫ون﴾‪.‬‬

‫﴿ َو َس َي ْع َلم ال ِذي َن َظ َلموا َأي من َق َل ٍ‬


‫ب َين َقلِب َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫هذه اآليات تبعث الطمأنينة يف قلب كل مؤمن‪ ،‬ال تيأس وتحزن‬

‫عندما تراهم يتمتعون بالقوة والمال‪ ،‬كل هذا سراب‪ ،‬وكل هذا‬

‫سيزول‪ ،‬وسيعذبون به يوم القيامة‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫تدبرات ولطائف من سورة الشعراء‪:‬‬

‫اخ ٌع َن ْف َس َك َأال َيكونوا م ْؤمِنِي َن﴾[الشعراء‪:]3 :‬‬


‫‪َ ﴿ -1‬لعل َك ب ِ‬
‫َ َ‬

‫تأمل يف حرص النبي على هداية الناس! يا محمد ‪ ..‬لعلك من شدة‬


‫حرصك على إيماهنم ت ِ‬
‫زهق روحك‪ ..‬ارفق بنفسك!‬

‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -2‬وا ْتل َع َل ْي ِه ْم َن َب َأ إِ ْب َراه َ‬
‫يم﴾[الشعراء‪:]٦٩:‬‬

‫اتل قصص األنبياء والصالحين‪ ،‬وخذ منها العربة والعظات‪ ،‬وع ِّلمها‬

‫أوالدك البنين والبنات‪ ،‬ولتتعلق قلوهبم هبذه القدوات بدال من أن‬

‫يكونوا إمعات‪.‬‬

‫ت ا ْل َجنة ل ِ ْلمت ِقي َن﴾[الشعراء‪:]٩٠:‬‬


‫‪﴿ -3‬وأ ْزل ِ َف ِ‬
‫َ‬

‫قمة النعيم وغاية التنعيم أن تقرب الجنة نحوهم حتى ال يتكبدوا ولو‬

‫مشقة المشي!‬

‫‪243‬‬
‫ت ا ْل َجنة ل ِ ْلمت ِقي َن﴾[الشعراء‪:]٩٠:‬‬
‫‪﴿ -4‬وأ ْزل ِ َف ِ‬
‫َ‬

‫قمة النعيم وغاية التنعيم أن تقرب الجنة نحوهم حتى ال يتكبدوا ولو‬

‫مشقة المشي!‬

‫‪َ ﴿ -5‬ون َِّجنِي َو َم ْن َم ِع َي مِ َن ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾[الشعراء‪:]11٨ :‬‬

‫قلوب المصلحين تشبِه قلوب النبيين‪ ،‬تمتلئ شفقة على الغير‪،‬‬

‫وتتمنى لهم دائما الخير‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -٦‬قالوا إِن َما َأن َْت مِ َن ا ْلم َسح ِري َن﴾[الشعراء‪:]153:‬‬

‫ما أسهل إلقاء التهم على الشرفاء‪ ،‬ولو سلم منه أحد لسلم منه السادة‬

‫األنبياء‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫بدأت سورة النمل بالحديث عن القرآن‪ ،‬ثم صفات شخصية المؤمن‬

‫العابد‪:‬‬

‫ين‪ ،‬هدً ى َوب ْش َرى ل ِ ْلم ْؤمِنِي َن‪،‬‬ ‫آن َوكِت ٍ‬


‫َاب مبِ ٍ‬ ‫﴿طس تِ ْل َك آيات ا ْلقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اآلخ َر ِة ه ْم يوقِن َ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ون الزكَا َة وهم بِ ِ‬
‫َ‬ ‫ال ِذي َن ي ِقيم َ‬
‫ون الصال َة َوي ْؤت َ‬

‫تحدثت السورة عن الدعوة إلى اهلل عز وجل يف أكثر من موطن‪:‬‬

‫منها ما فعله األنبياء مع قومهم‪ ،‬وما فعله الهدهد ما مملكة سبأ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿إِنِّي َو َجدت ا ْم َر َأ ًة َت ْملكه ْم َوأوت َي ْت من ك ِّل َش ْيء َو َل َها َع ْر ٌش َعظ ٌ‬
‫يم‪،‬‬

‫ون اهللِ َو َزي َن َلهم الش ْي َطان‬


‫س مِن د ِ‬
‫ون لِلش ْم ِ‬
‫َو َجدت َها َو َق ْو َم َها َي ْسجد َ‬

‫ون‪َ ،‬أال َي ْسجدوا لِل ِه ال ِذي‬


‫َأ ْع َما َله ْم َف َصده ْم َع ِن السبِي ِل َفه ْم ال َي ْهتَد َ‬

‫‪245‬‬
‫خبء فِي السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫ض َو َي ْع َلم َما ت ْخف َ‬
‫ون َو َما‬ ‫َ َ‬ ‫ي ْخ ِرج ا ْل َ ْ َ‬
‫ت ْعلِن َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫تأمل يف كالم الهدهد‪ ،‬وتأمل يف غيرته على حرمات اهلل لما رأى‬

‫الكفر من هؤالء!‬

‫َح َوت سورة النمل أربع قصص‪ :‬سيدنا موسى‪ ،‬سيدنا سليمان‪ ،‬سيدنا‬

‫صالح‪ ،‬سيدنا لوط‪.‬‬

‫‪-1‬قصة سيدنا موسى‪:‬‬

‫جاء يف السورة جزء بسيط من القصة‪ ،‬بداية من الوحي عليه يف طور‬

‫سيناء‪ ،‬ثم تكليفه بالرسالة إلى فرعون وقومه‪ ،‬ثم يف هناية القصة تذكر‬

‫السورة عاقبة المكذبين‪:‬‬

‫َان َعاقِ َبة‬


‫فك َ‬ ‫﴿ َو َج َحدوا بِ َها َو ْ‬
‫اس َتيْ َقنَت َْها َأنفسه ْم ظ ْل ًما َوعل ًّوا َفانظ ْر َك ْي َ‬

‫ا ْلم ْف ِس ِدي َن﴾‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫‪-2‬قصة سيدنا سليمان‪:‬‬

‫ورث سليمان النبوة والملك من أبيه سيدنا داوود‪ ،‬وعلمه اهلل لغة‬

‫الطير‪ ،‬والحيوانات‪ ،‬والحشرات‪ ،‬ثم جاءت قصته مع النملة‪ ،‬ومع‬

‫بلقيس ملكة سبأ‪ ،‬وإسالم هذا الملكة‪.‬‬

‫‪-3‬قصة سيدنا صالح‪:‬‬

‫أيضا جزء بسيط من القصة‪ ،‬عندما أرسل اهلل سيدنا صالح إلى‬
‫جاء ً‬
‫ثمود‪ ،‬فمنهم َمن آمن به ومنهم َمن كفر‪ ،‬فتآمروا على قتله‪ ،‬لكنهم‬

‫قتلوا الناقة التي نزلت لهم‪ ،‬فجاء يف هناية القصة عاقبتهم‪:‬‬

‫َان َعاقِ َبة َم ْك ِر ِه ْم َأنا َدم ْرنَاه ْم َو َق ْو َمه ْم َأ ْج َم ِعي َن﴾‪.‬‬


‫فك َ‬‫﴿ َفانظ ْر َك ْي َ‬

‫‪247‬‬
‫‪-4‬قصة سيدنا لوط‪:‬‬

‫دعا سيدنا لوط قومه إلى ترك الشذوذ الجنسي واللواط‪ ،‬فقد كانوا‬

‫يفعلون هذا الفاحشة علنًا يف النوادي والمجالس‪ ،‬فلم يستجيبوا‬

‫لسيدنا لوط‪ ،‬فعاقبهم اهلل عز وجل‪:‬‬

‫نذ ِري َن﴾‪.‬‬


‫﴿ َو َأ ْم َط ْرنَا َع َل ْي ِهم م َط ًرا َف َساء َم َطر ا ْلم َ‬

‫ثم يف هناية هذه القصص يأيت التعقيب بآيات وأسئلة تزلزل القلوب‪:‬‬

‫ات َواألَ ْر َض َو َأ َنز َل َلكم ِّم َن الس َماء َماء َف َأن َب ْتنَا بِ ِه‬
‫﴿ َأمن َخ َل َق السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َان َلك ْم َأن تنبِتوا َش َج َر َها َأإِ َل ٌه م َع اهللِ َب ْل ه ْم َق ْو ٌم‬
‫ات َب ْه َج ٍة ما ك َ‬
‫َحدَ ائِ َق َذ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬‫َي ْع ِدل َ‬

‫﴿ َأمن جع َل األَر َض َقرارا وجع َل ِخال َلها َأنْهارا وجع َل َلها رو ِ‬


‫اس َي‬ ‫َ َ ً َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ً َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫اج ًزا َأإِ َل ٌه م َع اهللِ َب ْل َأ ْك َثره ْم ال َي ْع َلم َ‬
‫َو َج َع َل َب ْي َن ا ْل َب ْحر ْي ِن َح ِ‬
‫َ‬

‫‪248‬‬
‫جيب ا ْلم ْض َطر إِ َذا َد َعاه َو َي ْك ِشف السو َء َو َي ْج َعلك ْم خ َل َفاء‬
‫﴿ َأمن ي ِ‬

‫ض َأإِ َل ٌه م َع اهللِ َقلِيال ما َت َذكر َ‬


‫ون﴾‬ ‫األَ ْر ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اح ب ْش ًرا َب ْي َن‬ ‫﴿ َأمن َي ْهديك ْم في ظل َمات ا ْل َب ِّر َوا ْل َب ْح ِر َو َمن ي ْرسل ِّ‬
‫الر َي َ‬
‫ون﴾‪.‬‬‫َيدَ ْي َر ْح َمتِ ِه َأإِ َل ٌه م َع اهللِ َت َعا َلى اهلل َعما ي ْش ِرك َ‬

‫﴿ َأمن َي ْبدَ أ ا ْل َخ ْل َق ثم ي ِعيده َو َمن َي ْرزقكم ِّم َن الس َماء َواألَ ْر ِ‬


‫ض َأإِ َل ٌه م َع‬
‫اهللِ ق ْل َهاتوا بر َهانَكم إِن كنتم ص ِ‬
‫ادقِي َن﴾‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫ثم تختم السورة بالكالم عن الحساب واليوم اآلخر‪ ،‬وخروج الدابة‬

‫التي ستكلم الناس وهي من عالمات الساعة الكربى‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َو َق َع‬
‫ا ْل َق ْول َع َل ْي ِه ْم َأ ْخ َر ْجنَا َله ْم َداب ًة ِّم َن األَ ْر ِ‬
‫ض ت َك ِّلمه ْم َأن الن َ‬
‫اس كَانوا‬
‫بِآ َياتِنَا ال يوقِن َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫ثم آخر آيات كما أول آيات السورة؛ تحدثت عن المؤمن العابد‪:‬‬

‫‪249‬‬
‫﴿إِن َما أمِ ْرت َأ ْن َأ ْعبدَ َرب َه ِذ ِه ا ْل َب ْلدَ ِة ال ِذي َحر َم َها َو َله كل َش ْي ٍء‬

‫ون مِ َن ا ْلم ْسلِ ِمي َن﴾‪.‬‬


‫َوأمِ ْرت َأ ْن َأك َ‬

‫آن َف َم ِن ْاهتَدَ ى َفإِن َما َي ْهت َِدي لِنَ ْف ِس ِه َو َمن َضل َفق ْل إِن َما‬
‫﴿ َو َأ ْن َأ ْتل َو ا ْلق ْر َ‬
‫َأنَا مِن ا ْلم ِ‬
‫نذ ِري َن﴾‪.‬‬ ‫َ‬

‫﴿ َوق ِل ا ْل َح ْمد لِل ِه َسي ِريك ْم آ َياتِ ِه َف َت ْع ِرفون ََها َو َما َرب َك بِ َغافِ ٍل َعما‬
‫َت ْع َمل َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة النمل‪:‬‬

‫يم﴾[النمل‪:]٦ :‬‬ ‫آن مِ ْن َلد ْن َحكِ ٍ‬


‫يم َعلِ ٍ‬ ‫‪َ ﴿ -1‬وإِن َك َلت َلقى ا ْلق ْر َ‬

‫هذا القرآن نزل من عند حكيم بتدبير خلقه‪ ،‬فحكمه هو العدل‪،‬‬


‫ٍ‬
‫وعليم بأحوالهم وما فيه الخير لهم‪ ،‬فخربه هو الصدق‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -2‬و َأ ْد ِخ ْل َيدَ َك فِي َج ْيبِ َك َت ْخر ْج َب ْي َضا َء مِ ْن َغ ْي ِر سوء﴾‬

‫احرص على انتقاء كلماتك! انظر جمال اختيار القرآن لأللفاظ‪ :‬قال‬

‫من غير سوء بدال من الربَص‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -3‬و َأن َْج ْينَا ال ِذي َن آ َمنوا َوكَانوا َيتق َ‬


‫ون﴾[النمل‪:]53 :‬‬

‫على قدر تقاتك تكون كفاءة طوق نجاتك‪.‬‬

‫‪﴿ -3‬وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم ﴾‪ :‬كم من نفوس تعرف‬

‫الحق‪ ،‬لكن عنادها وكربها يمنعها من االنقياد له‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫‪﴿ -4‬ولقد آتينا داوود وسليمان علما﴾‪ :‬أوسع عطاء هو عطاء العلم‪،‬‬

‫يؤتيك اهلل إياه‪ ،‬فتنفق منه على غيرك‪ ،‬فتكون متع ِّلما ومع ِّلما‪.‬‬

‫اد ِه ا ْلم ْؤمِنِي َن﴾‪:‬‬


‫‪﴿ -5‬و َق َاال ا ْلحمد لِل ِه ال ِذي َفض َلنَا َع َلى كَثِ ٍير مِن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫قال السعدي‪« :‬عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا هلل على نعمه‬

‫الدنيوية واألخروية‪ ،‬وأن يرى جميع النعم من ربه‪ ،‬فال يفخر هبا وال‬

‫يعجب هبا بل يرى أهنا تستحق عليه شكرا كثيرا»‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬ال يحطمنكم سليمان وجنوده وهم اليشعرون﴾‬

‫يقول أهل البالغة أن هذه النملة جمعت ثالثة عشر أمرا‪َ :‬أ َحس ْت ‪:‬‬
‫ِ‬
‫وجود الخطر‪ .‬وبادرت‪ :‬بادرت بإبالغ النمل بما سيأيت‪.‬‬‫أحست بِ‬

‫ونادت‪ :‬يا‪ .‬ونبهت‪ :‬أيها‪ .‬وأمرت‪ :‬ادخلوا‪ .‬وهنت‪ :‬ال يحطمنكم‪.‬‬

‫وأكدت‪ :‬نون التوكيد يف يحطمنكم‪ .‬ونصحت‪ :‬نصحت بنوع الفعل‬

‫الواجب عمله‪ .‬وبالغت‪ :‬يحطمنكم كلكم‪ .‬وبينت‪ :‬من الذي أتى‬

‫‪252‬‬
‫بالخطر‪َ .‬‬
‫وأنذرت‪ :‬أنذرت النمل‪ .‬وأعذرت‪ :‬وهم ال يشعرون‪.‬‬

‫ون َفت‪ :‬ال يشعرون‪.‬‬

‫‪﴿ -٦‬أحطت بما لم تحط به﴾‬

‫تأمل يف قول الهدهد لهذا الكالم لنبي من األنبياء! تأمل يف عدل‬

‫سيدنا سليمان الذي جعل الطيور يف حضرة األنبياء وهم أعظم‬

‫العظماء يمتلكون الجرأة على إبداء الرأي وقول الحق‪ ..‬حرية!‬

‫‪﴿ -7‬وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون اهلل﴾‬

‫غار الهدهد على محارم اهلل‪ ،‬فمتى نغار إذا انتهكت محارم اهلل!‬

‫‪َ ﴿ -٨‬ق َال َه َذا مِ ْن َف ْض ِل َر ِّبي ل ِ َي ْبل َونِي َأ َأ ْشكر َأ ْم َأكْفر﴾‪ :‬الفارق بين‬

‫الملوك الجهلة والملوك الشاكرين! قال الس ْع ِدي‪« :‬أي ليختربين‬

‫بذلك‪ ،‬فلم يغرت عليه السالم بملكه وسلطانه وقدرته كما هو دأب‬

‫‪253‬‬
‫الملوك الجاهلين‪ ،‬بل علِم أن ذلك اختبار من ربه فخاف أن ال يقوم‬

‫بشكر هذه النعمة»‪.‬‬

‫‪﴿ -٩‬قل الحمد هلل﴾ [النمل‪ :]5٩ :‬يف الحديث‪« :‬أفضل الذكر‪ :‬ال‬

‫إله إال اهلل وأفضل الدعاء‪ :‬الحمد هلل»‪ .‬صحيح الجامع رقم‪11٠4 :‬‬

‫‪َ ﴿ -1٠‬وإِن َرب َك َل َي ْع َلم َما تكِن صدوره ْم َو َما ي ْعلِن َ‬


‫ون﴾ [النمل‪:‬‬

‫‪ :]74‬أنت أمام اهلل كتاب مفتوح‪ ،‬فمهما تزينت أمام الخلق لتخفي‬

‫عنهم سيئاتك‪ ،‬فأنت عند اهلل مكشوف بحسناتك وسيئاتك‬

‫اس كَانوا بِآ َياتِنَا َال‬


‫ض ت َك ِّلمه ْم َأن الن َ‬
‫‪َ ﴿ -11‬أ ْخ َر ْجنَا َله ْم َداب ًة ِّم َن ْاألَ ْر ِ‬

‫يوقِن َ‬
‫ون﴾ [النمل‪ :]٨2 :‬تنزل الدابة ناطق ًة كعالمة من عالمات‬

‫الساعة‪ ،‬وال يق َبل عندها اإليمان‪ .‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ثالث إذا‬

‫خرجن ال ينفع نفسًا إيماهنا لم تكن آمنت من قبل أو كسبت يف‬

‫إيماهنا خير ًا‪ :‬طلوع الشمس من مغرهبا‪ ،‬والدجال‪ ،‬ودابة األرض»‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫آن َف َم ِن ْاهتَدَ ى﴾ تالوة القرآن على الناس من‬
‫‪َ ﴿ -12‬و َأ ْن َأ ْتل َو ا ْلق ْر َ‬
‫أعظم أسباب الهداية‪ ،‬وكم من ٍ‬
‫مهتد يف ليلة من ليالي رمضان‪ ،‬بعد أن‬
‫ِ‬
‫سمع القرآن يف خشوع بصالة التهجد أو الرتاويح‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫من مقاصد سورة القصص‪ ،‬الثقة بوعود اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وحسن‬

‫الظن به‪.‬‬

‫وهي سورة مك ّية تركّز يف آياهتا على قصة سيدنا موسى عليه السالم‬

‫يف مرحلة الوالدة‪ ،‬النشأة‪ ،‬الزواج‪ ،‬العودة إلى مصر وتحقق وعد اهلل‬

‫وقد نزلت هذه السورة وقت هجرة الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة‪،‬‬

‫وكان حزينًا لفراق مكة‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى هذه السورة تطمينًا لرسوله‬

‫ﷺ بأن وعده سيتحقق تمامًا كما تحقق وعد اهلل تعالى لموسى‪.‬‬

‫والسورة تعرض الكثير من القصص التي تخص سيدنا موسى‪:‬‬

‫القصة األولى (موسى و اليم )‬

‫يه فِي ا ْل َي ِّم‬


‫ت َع َلي ِه َف َأ ْل ِق ِ‬
‫ْ‬
‫يه َفإِ َذا ِخ ْف ِ‬‫﴿و َأوحينَا إِ َلى أم موسى َأ ْن َأر ِض ِع ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫اعلوه مِ َن ا ْلم ْر َسلِي َن﴾‬ ‫ك وج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َت َخافي َوال َت ْح َزني إِنا َرادوه إِ َل ْي َ َ‬
‫‪256‬‬
‫القصة الثانية (موسى و القبطي )‬
‫ين َغ ْف َل ٍة من َأ ْهلِها َفوجدَ فِيها رج َلي ِن ي ْقتَتِ ِ‬
‫الن‬ ‫﴿ َو َد َخ َل ا ْل َم ِدينَ َة َع َلى ِح ِ‬
‫َ َ ْ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ‬
‫اس َت َغا َثه ال ِذي مِن ِشي َعتِ ِه َع َلى ال ِذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َه َذا من شي َعته َو َه َذا م ْن َعد ِّوه َف ْ‬
‫مِن َعدو ِه َفوك ََزه موسى َف َق َضى َع َلي ِه َق َال َه َذا مِن َعم ِل الشي َط ِ‬
‫ان إِنه‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِّ َ‬
‫َعد ٌّو م ِض ٌّل مبِي ٌن﴾‬

‫القصة الثالثة (موسى و مدين )‬

‫ون َو َو َجدَ مِن‬ ‫﴿ َو َلما َو َر َد َماء َمدْ َي َن َو َجدَ َع َل ْي ِه أم ًة ِّم َن الن ِ‬


‫اس َي ْسق َ‬

‫ان َق َال َما َخ ْطبك َما َقا َلتَا ال ن َْس ِقي َحتى ي ْص ِد َر‬
‫دونِ ِهم امرأ َتي ِن َتذود ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ْ‬
‫الر َعاء َو َأبونَا َش ْي ٌخ َكبِ ٌير﴾‬
‫ِّ‬

‫القصة الرابعة (موسى و كالم اهلل)‬

‫ادي األَ ْي َم ِن فِي ا ْلب ْق َع ِة ا ْلم َب َارك َِة مِ َن‬


‫ودي مِن َشاطِ ِئ ا ْلو ِ‬
‫َ‬
‫اها ن ِ‬
‫﴿ َف َلما َأ َت َ‬
‫اك َف َلما‬‫وسى إِنِّي َأنَا اهلل َرب ا ْل َعا َل ِمي َن ‪َ .‬و َأ ْن َأ ْل ِق َع َص َ‬ ‫ِ‬
‫الش َج َرة َأن َيا م َ‬
‫‪257‬‬
‫وسى َأ ْقبِ ْل َوال َت َخ ْ‬
‫ف‬ ‫ب َيا م َ‬ ‫آها َت ْهتَز ك ََأن َها َج ٌّ‬
‫ان َولى مدْ بِ ًرا َو َل ْم ي َع ِّق ْ‬ ‫َر َ‬
‫إِن َك مِ َن اآلمِنِي َن﴾‬

‫القصة الخامسة (موسى و فرعون)‬

‫﴿ َو َق َال فِ ْر َع ْون َيا َأي َها ا ْل َم َأل َما َعلِ ْمت َلكم ِّم ْن إِ َل ٍه َغ ْي ِري َف َأ ْوقِدْ لِي َيا‬

‫وسى َوإِنِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اج َعل ِّلي َص ْر ًحا ل َع ِّلي َأطلع إِ َلى إِ َله م َ‬ ‫َها َمان َع َلى ال ِّط ِ‬
‫ين َف ْ‬
‫َألَظنه مِن ا ْل َك ِ‬
‫اذبِي َن﴾‬ ‫َ‬

‫القصة السادسة (موسى و قارون )‬

‫وسى َف َب َغى َع َليْ ِه ْم ۚ َوآ َت ْينَاه مِ َن ا ْلكن ِ‬


‫وز َما‬ ‫ون ك َ ِ‬
‫َان من َق ْو ِم م َ‬ ‫﴿ إِن َقار َ‬

‫إِن َم َفاتِ َحه َلتَنوء بِا ْلع ْص َب ِة أولِي ا ْلقو ِة إِ ْذ َق َال َله َق ْومه َال َت ْف َر ْح ۚ إِن‬

‫حب ا ْل َف ِر ِحي َن ﴾‬
‫اللـه َال ي ِ‬
‫َ‬

‫‪258‬‬
‫وتعرض السورة كيف كان يتعامل سيدنا موسى مع المشاكل‬

‫ون َظ ِه ًيرا ِّل ْلم ْج ِرمِي َن﴾‬


‫﴿ َق َال َر ِّب بِ َما َأ ْن َع ْم َت َع َلي َف َل ْن َأك َ‬

‫﴿ َق َال َر ِّب ن َِّجنِي مِ َن ا ْل َق ْو ِم الظال ِ ِمي َن ﴾‬

‫﴿ َق َال َع َسى َر ِّبي َأن َي ْه ِد َينِي َس َوا َء السبِي ِل ﴾‬

‫﴿ َف َق َال َر ِّب إِنِّي ل ِ َما َأ َنز ْل َت إِ َلي مِ ْن َخ ْي ٍر َف ِق ٌير ﴾‬

‫كانت مشاكله كلها يحلها بكلمة يارب!‬

‫تعرض السورة قصة سيدنا موسى عليه السالم قال تعالى ﴿ َو َأ ْو َح ْينَا‬

‫يه فِي ا ْل َي ِّم َو َال َت َخافِي‬


‫ت َع َلي ِه َف َأ ْل ِق ِ‬
‫ْ‬
‫يه َفإِ َذا ِخ ْف ِ‬
‫إِ َلى أم موسى َأ ْن َأر ِض ِع ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ َ‬
‫اعلوه مِ َن ا ْلم ْر َسلِي َن﴾‬
‫ك وج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َال َت ْح َزني إِنا َرادوه إِ َليْ َ َ‬

‫‪259‬‬
‫وقصة سيدنا محمد ﷺ قال تعالى﴿إِن ال ِذي َف َر َض َع َل ْي َك ا ْلق ْر َ‬
‫آن‬

‫اد قل ر ِّبي َأ ْع َلم َمن َجاء بِا ْلهدَ ى َو َم ْن ه َو فِي َض َال ٍل‬
‫َلراد َك إِ َلى مع ٍ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫مب ِ ٍ‬
‫ين﴾‬

‫وهذا تطمين من اهلل تعالى لرسوله ﷺ أنه كما عاد موسى إلى مصر‬

‫منصورا‪ ،‬كذلك سيعود الرسول ﷺ إلى مكة فاتحًا منتصر ًا مصداقًا‬

‫لوعد اهلل تعالى‪.‬‬

‫ومن المفارقات يف قصة موسى ورسولنا ﷺ أن موسى مكث خارج‬

‫مصر بين ‪ ٨‬و‪ 1٠‬سنوات التي كانت مهر ابنة شعيب‪ ،‬والرسول ﷺ‬

‫عاد لفتح مكة يف السنة الثامنة واختتمت الرسالة يف السنة العاشرة‪،‬‬

‫والرسول ﷺ خرج من مكة متخفيًا‪ ،‬وكذلك خرج موسى عليه‬

‫السالم من مصر خائفًا يرتقب‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫هي سورة الملتزم الجديد‪ ،‬سورة تعطيك الئحة من التحذيرات‬

‫والمشكالت التي ستقابلها يف بداية الطريق‪.‬‬

‫‪-‬أشواط السورة‪:‬‬

‫تبدأ السورة بتوضيح فقه الطريق هو الفتن؛ ال بد أنك ستخترب يف‬

‫ب الناس َأن يت َْركوا َأن َيقولوا آ َمنا َوه ْم ال‬ ‫دينك‪﴿ :‬آلم‪ِ ،‬‬
‫أحس َ‬
‫َ‬
‫ي ْفتَن َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫•المسار األول‪:‬‬

‫تبدأ السورة بتبيين الفتن الخارجية التي ستقابل كل َمن يقرر السير يف‬

‫طريق اهلل‪:‬‬

‫‪-1‬فتنة الوالدين‪:‬‬
‫‪261‬‬
‫اك لِت ْش ِر َك بِي َما َل ْي َس َل َك بِ ِه ِع ْل ٌم َفال تطِ ْعه َما إِ َلي‬ ‫﴿ َوإِن َج َ‬
‫اهدَ َ‬

‫َم ْر ِجعك ْم َفأ َن ِّبئكم بِ َما كنت ْم َت ْع َمل َ‬


‫ون﴾‪.‬‬

‫أحيانا يظن الوالدين أن ولدهما سيضيع لمجرد أنه يسير يف طريق اهلل‬

‫عز وجل‪ ،‬وهذا األمر يعوق الكثير من األخوة واألخوات‪ ،‬فمثال‬

‫الكثير من األخوات َيمنعهن أهليهم ارتداء الحجاب الشرعي أو‬

‫النقاب وذلك ألسباب وهمية كاذبة ال قيمة اهلل‪ ،‬ومع ذلك فأنت‬

‫مأمور باإلحسان إليهم‪.‬‬

‫‪-2‬فتنة الصدام بأهل الباطل‪:‬‬

‫وذ َي فِي اهللِ َج َع َل فِ ْتنَ َة الن ِ‬


‫اس‬ ‫اس من يقول آمنا بِاهللِ َفإِ َذا أ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫﴿ َوم َن الن ِ َ َ‬
‫اب اهللِ﴾‪.‬‬
‫َك َع َذ ِ‬

‫كثير من الناس يسير يف طريق اهلل‪ ،‬ثم إذا أصابه أذى يرتك الطريق!‬

‫‪-3‬الصحبة القديمة‪:‬‬

‫‪262‬‬
‫﴿ َو َق َال ال ِذي َن َك َفروا لِل ِذي َن آ َمنوا اتبِعوا َسبِي َلنَا َو ْلن َْح ِم ْل َخ َطا َياك ْم َو َما‬
‫هم بِحامِلِين مِن َخ َطاياهم من َشي ٍء إِنهم َل َك ِ‬
‫اذب َ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫•المسار الثاين‪:‬‬

‫ثم بعد ذلك تعرض السورة بعض قصص األنبياء لتثبتك‪:‬‬

‫قصة‪ :‬سيدنا نوح‪ ،‬سيدنا إبراهيم‪ ،‬سيدنا شعيب‪ ،‬سيدنا صالح‪ ،‬سيدنا‬

‫هود‪ ،‬سيدنا موسى‪.‬‬

‫•المسار الثالث‪:‬‬

‫ثم بعد ذلك تعرض السورة الحصون والحمايات التي يتحصن هبا‬

‫الواحد منا للنجاة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومنها حصون وهمية مزيفة‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪263‬‬
‫ون اهللِ َأ ْول ِ َياء‬
‫خذوا مِن د ِ‬
‫اتخاذ أهل الباطل أولياء‪َ ﴿ :‬م َثل ال ِذي َن ات َ‬
‫وت َلبيت ا ْلعن َكب ِ‬
‫وت َل ْو‬ ‫ت بيتًا وإِن َأو َهن ا ْلبي ِ‬ ‫كَم َث ِل ا ْلعن َكب ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫خ َذ ْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫وت ات َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كَانوا َي ْع َلم َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫ومنها حصون حقيقية مثل‪:‬‬

‫(القرآن‪ ،‬الصالة‪ ،‬ذكر اهلل)‪.‬‬

‫َاب َو َأقِ ِم الصال َة إِن الصال َة َتن َْهى َع ِن‬


‫﴿ا ْتل َما أو ِحي إِ َل ْي َك مِ َن ا ْلكِت ِ‬
‫َ‬
‫ا ْل َف ْح َشاء َوا ْلمن َك ِر َو َل ِذكْر اهللِ َأ ْك َبر َواهلل َي ْع َلم َما َت ْصنَع َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫•المسار الرابع‪:‬‬

‫بعد ما عرضت السورة الفتن الخارجية‪ ،‬وعرضت أمثلة من األنبياء‬

‫للثبات‪ ،‬ثم توضيح الحصون الوهمية والحقيقية‪ ،‬يأيت الدور على‬

‫الفتن الداخلية‪ ،‬وهي التي تمنع الناس وتخوفهم من السير يف طريق‬

‫‪264‬‬
‫اهلل‪ ،‬والحظ الرتابط العجيب الذي سيأيت‪ ،‬هذه الفتن الداخلية هي‬

‫الخوف على (الرزق‪ ،‬المحبوبات الدنيوية‪ ،‬األمن)‪.‬‬

‫‪-1‬الخوف على الرزق‪:‬‬

‫رزق الكفاية‪َ ﴿ :‬وك ََأ ِّين مِن َداب ٍة ال َت ْح ِمل ِر ْز َق َها اهلل َي ْرزق َها َوإِياك ْم‬

‫َوه َو الس ِميع ا ْل َعلِيم﴾‪.‬‬


‫وبعده آية التوحيد‪﴿ :‬و َلئِن س َأ ْلتَهم من َخ َل َق السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر َض‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َسخ َر الش ْم َس َوا ْل َق َم َر َل َيقولن اهلل َف َأنى ي ْؤ َفك َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫اهلل‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ل‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫اد ِه وي ْق ِ‬


‫د‬ ‫رزق البسط‪﴿ :‬اهلل يبسط الر ْز َق لِمن ي َشاء مِن ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫يم﴾‪.‬‬ ‫بِك ِّل َشي ٍء َعلِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫وبعدها آية التوحيد‪َ ﴿ :‬و َلئِن َس َأ ْلتَهم من نز َل مِ َن الس َماء َماء َف َأ ْح َيا بِ ِه‬

‫األَ ْر َض مِن َب ْع ِد َم ْوتِ َها َل َيقولن اهلل ق ِل ا ْل َح ْمد لِل ِه َب ْل َأ ْك َثره ْم ال‬
‫َي ْع ِقل َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫‪-2‬الخوف على محبوبات الدنيا‪:‬‬
‫﴿وما َه ِذ ِه ا ْلحياة الدنْيا إِال َلهو و َل ِعب وإِن الدار ِ‬
‫اآلخ َر َة َل ِه َي ا ْل َح َي َوان‬ ‫َ‬ ‫ٌْ َ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫َل ْو كَانوا َي ْع َلم َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫اهلل م ْخلِ ِصي َن َله‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫وبعده آية التوحيد‪َ ﴿ :‬فإِ َذا َركبوا في ا ْلف ْلك َد َعوا َ‬
‫الدِّ ي َن َف َلما نَجاه ْم إِ َلى ا ْل َب ِّر إِ َذا ه ْم ي ْش ِرك َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪-3‬الخوف على األمن‪:‬‬

‫﴿ َأ َو َل ْم َي َر ْوا َأنا َج َع ْلنَا َح َر ًما آمِنًا َويت ََخطف الناس مِ ْن َح ْول ِ ِه ْم﴾‪.‬‬

‫وبعده آية التوحيد‪َ ﴿ :‬و َم ْن َأ ْظ َلم مِم ِن ا ْفت ََرى َع َلى اهللِ ك َِذ ًبا َأ ْو كَذ َب‬

‫بِا ْل َح ِّق َلما َجا َءه َأ َليْ َس فِي َج َهن َم َم ْث ًوى ِّل ْل َكافِ ِري َن﴾‪.‬‬

‫انظر كيف ربط اهلل حل هذه المشكالت بالتوحيد! وللعلماء كالم‬

‫كثير عن قوة التوحيد‪ ،‬وقوة ال إله إال اهلل يف التمكين يف الحياة‪ ،‬وبسط‬

‫الرزق‪ ،‬وجلب األمن‪ ،‬فتأمل!‬


‫‪266‬‬
‫ثم الخاتمة القوية الرائعة للسورة‪:‬‬

‫اهلل َل َم َع ا ْلم ْح ِسنِي َن﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َوال ِذي َن َج َ‬


‫اهدوا فينَا َلن َْهد َينه ْم سب َلنَا َوإِن َ‬

‫= لو جاهدت نفسك يف إصالح قلبك سيصلحك اهلل‪ ،‬لو جاهدت‬

‫نفسك يف فهم القرآن وتدبره‪ ،‬سيفتح اهلل عليك‪.‬‬

‫لطائف وتدبرات من سورة العنكبوت‪:‬‬

‫ب الناس َأ ْن يت َْركوا َأ ْن َيقولوا آ َمنا َوه ْم ال ي ْفتَن َ‬ ‫ِ‬


‫ون﴾‬ ‫‪َ ﴿-1‬أ َحس َ‬

‫سئل اإلمام الشافعي‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ ..‬أيها أفضل للرجل‪ :‬أن ي َمكن أو‬

‫يبتلى؟ فقال‪ :‬ال ي َمكن حتى يبتلى‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -2‬و َل َقدْ َفتَنا ال ِذي َن مِ ْن َق ْبلِ ِه ْم َف َل َي ْع َل َمن اهلل ال ِذي َن َصدَ قوا َو َل َي ْع َل َمن‬
‫ا ْل َك ِ‬
‫اذبِي َن﴾ قال الحسن البصري‪« :‬كانوا يتساوون يف وقت النعم‪ ،‬فإذا‬

‫نزل البالء‪ ،‬تباينوا»‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫َان يرجو ل ِ َقاء اهللِ َفإِن َأج َل اهللِ ٍ‬
‫آلت َوه َو الس ِمع ا ْل َعلِيم﴾‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ﴿ -3‬م ْن ك َ َ ْ‬

‫قال ابن ج َزي‪« :‬ومعنى اآلية‪ :‬من كان يرجو ثواب اهلل فليصرب يف‬

‫الدنيا‪ ،‬على المجاهدة يف طاعة اهلل حتى يلقى اهلل‪ ،‬فيجازيه‪ ،‬فإن لقاء‬

‫اهلل قريب اإلتيان‪ ،‬وكل ما هو آت قريب»‪.‬‬

‫اهد لِنَ ْف ِس ِه﴾[العنكبوت‪ :]٦:‬قال السعدي‪:‬‬


‫اهدَ َفإِنما يج ِ‬
‫َ َ‬ ‫‪َ ﴿ -4‬و َم ْن َج َ‬
‫«ألن نفعه راجع إليه‪ ،‬وثمرته عائدة إليه‪ ،‬واهلل غني عن العالمين‪ ،‬لم‬

‫يأمرهم بما أمرهم به لينتفع به‪ ،‬وال هناهم عما هناهم عنه ب ْخال‬

‫عليهم»‪.‬‬

‫وذ َي فِي اهللِ َج َع َل فِ ْتنَ َة‬


‫اس من يقول آمنا بِاهللِ َفإِ َذا أ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -5‬وم َن الن ِ َ ْ َ‬
‫اب اهللِ﴾[العنكبوت‪ :]1٠:‬قال مجاهد‪« :‬نزلت يف ناس‬
‫اس َك َع َذ ِ‬
‫الن ِ‬

‫من المنافقين بمكة‪ ،‬كانوا يؤمنون‪ ،‬فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك»‪.‬‬
‫ض وال فِي السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ ﴿ -٦‬وما َأنْتم بِم ْع ِ‬
‫اء﴾‬ ‫َ‬ ‫ج ِزي َن في األَ ْر ِ َ‬ ‫َ ْ‬

‫‪268‬‬
‫أي ما أنتم بقادرين على أن تفلتوا من لقاء اهلل وحسابه‪ ،‬سواء كنتم يف‬

‫األرض أو يف السماء‪ ،‬وقال الفراء‪ :‬وال من يف السماء بمعجزين اهلل‬

‫فيها‪.‬‬

‫َاب إِال بِالتِي ِه َي َأ ْح َسن﴾ [العنكبوت‪:‬‬


‫ادلوا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ‬
‫‪﴿ -7‬وال تج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ :]4٦‬إذا كان اهلل قد أمرك أال تجادل أهل الكتاب إال بالتي هي‬

‫أحسن‪ ،‬فما بالك بأخيك المسلم؟ أليس ْأولى بإحسانك؟!‬

‫َاب ي ْت َلى َع َل ْي ِه ْم﴾ [العنكبوت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫‪َ ﴿ -٨‬أ َو َل ْم َي ْكف ِه ْم َأنا َأن َْز ْلنَا َع َل ْي َك ا ْلكت َ‬
‫‪ :]51‬القرآن كفاية كل محتاج‪ ،‬وال يكفيك ويروي روحك إال‬

‫القرآن!‬

‫‪269‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من مقاصد سورة الروم أهنا تثبت هيمنة اهلل على كل شيء‪ ،‬وتبين‬

‫قدرة اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪-‬مسارات السورة‪:‬‬

‫•المسار األول‪:‬‬

‫ت الروم‪ ،‬فِي َأ ْدنَى األَ ْر ِ‬


‫ض َوهم ِّمن‬ ‫تبدأ السورة بإعجاز غيبي‪﴿ :‬غلِب ِ‬
‫َ‬
‫َب ْع ِد َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغلِب َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫يتحدث القرآن عن نصر فارس على الروم‪ ،‬ثم ي ِّ‬


‫بشر بنصر الروم‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ‬ ‫عليهم يف مدة ال تقل عن ثالث سنوات‪ ،‬وال تزيد على عشر‪،‬‬

‫كان من غير المتوقع أن ينتصر الروم على فارس‪ ،‬كَون فارس وقتها‬

‫قوة عظمى‪ ،‬وأما عن فرح المؤمنين‪ ،‬فهو فرحهم لنصر الروم على‬
‫‪270‬‬
‫فارس ألن الروم أهل كتاب‪ ،‬ثم يبين اهلل عز وجل قدرته وهيمنته‪ ،‬أنه‬

‫كل هذا يحدث بأمر اهلل‪﴿ :‬هلل األمر مِن قبل ومن بعد﴾‪.‬‬

‫•المسار الثاين‪:‬‬

‫ثم تأيت آية َمن يعصي اهلل‪ ،‬وبعدها تذكير باليوم اآلخر‪:‬‬

‫ات اهللِ َوكَانوا بِ َها‬


‫َان َعاقِب َة ال ِذين َأساؤوا السو َأى َأن كَذبوا بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫﴿ثم ك َ َ‬
‫َي ْست َْه ِزؤون‪ ،‬اهلل َي ْبدَ أ ا ْل َخ ْل َق ثم ي ِعيده ثم إِ َل ْي ِه ت ْر َجعون‪َ ،‬و َي ْو َم َتقوم‬
‫السا َعة ي ْبلِس ا ْلم ْج ِرم َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫•المسار الثالث‪:‬‬

‫ثم جاء يف السورة اثني عشر دليالً على وحدانية اهلل يف سبع آيات من‬

‫اآلية ‪ 21‬حتى اآلية ‪27‬؛‬

‫اجا ِّلت َْسكنوا إِ َل ْي َها َو َج َع َل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫﴿ َوم ْن آ َياته َأ ْن َخ َل َق َلكم ِّم ْن َأنفسك ْم َأ ْز َو ً‬
‫ون‪َ ،‬ومِ ْن آ َياتِ ِه‬ ‫بينَكم مود ًة ورحم ًة ۚ إِن فِي َذل ِ َك َآلي ٍ‬
‫ات ِّل َق ْو ٍم َي َت َفكر َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫‪271‬‬
‫اختِ َالف َأ ْل ِسنَتِك ْم َو َأ ْل َوانِك ْم ۚ إِن فِي‬ ‫َخ ْلق السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض َو ْ‬ ‫َ َ‬
‫ار َوا ْبتِ َغاؤكم ِّمن‬
‫ات ِّل ْل َعال ِ ِمي َن‪َ ،‬ومِ ْن آ َياتِ ِه َمنَامكم بِالل ْي ِل َوالن َه ِ‬
‫َذل ِ َك َآلي ٍ‬
‫َ‬
‫ون‪َ ،‬ومِ ْن آ َياتِ ِه ي ِريكم ا ْل َب ْر َق‬ ‫َف ْضلِ ِه ۚ إِن فِي َذل ِ َك َآلي ٍ‬
‫ات ِّل َق ْو ٍم َي ْس َمع َ‬ ‫َ‬
‫َخو ًفا و َطمعا وين َِّزل مِن السم ِ‬
‫اء َما ًء َفي ْحيِي بِ ِه ْاألَ ْر َض َب ْعدَ َم ْوتِ َها ۚ إِن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ً َ‬
‫ون‪َ ،‬ومِ ْن آ َياتِ ِه َأن َتقو َم الس َماء َوا ْألَ ْرض‬
‫ت ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِقل َ‬
‫فِي َذل ِ َك َآليا ٍ‬
‫َ‬
‫ون‪َ ،‬و َله َمن فِي‬ ‫بِ َأ ْم ِر ِه ۚ ثم إِ َذا َد َعاك ْم َد ْع َو ًة ِّم َن ْاألَ ْر ِ‬
‫ض إِ َذا َأنت ْم َت ْخرج َ‬

‫ون‪َ ،‬وه َو ال ِذي َي ْبدَ أ ا ْل َخ ْل َق ثم ي ِعيده‬


‫ض ۚ ك ٌّل له َقانِت َ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬
‫وهو َأ ْهون َع َلي ِه ۚ و َله ا ْلم َثل ْاألَ ْع َلى فِي السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض ۚ َوه َو‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم﴾‪.‬‬

‫•المسار الرابع‪:‬‬

‫ثم بعد ذكر هذه القدرة والهيمنة‪ ،‬ماذا يريد اهلل منك؟‬

‫ين َحنِي ًفا ۚ﴾‪.‬‬


‫﴿ َف َأقِ ْم َو ْج َه َك لِلدِّ ِ‬

‫‪272‬‬
‫•المسار الخامس‪:‬‬

‫أيضا تأيت آية للداللة على وحدانية اهلل‪ ،‬وهي أن اهلل تعالى يرسل‬
‫ً‬
‫الرياح مبشرات بالمطر‪ ،‬والسفن تسير يف البحر بأمر اهلل تعالى‪:‬‬

‫ات َولِي ِذي َقكم ِّمن ر ْح َمتِ ِه َولِت َْج ِر َي‬


‫﴿ومِن آياتِ ِه َأن ير ِس َل الرياح مب ِّشر ٍ‬
‫ِّ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ون﴾‪.‬‬ ‫ا ْلف ْلك بِ َأ ْم ِر ِه َول ِ َت ْبتَغوا مِن َف ْضلِ ِه َو َل َعلك ْم َت ْشكر َ‬

‫وتأيت بعدها آيات البعث والنشور‪:‬‬

‫ون َما َلبِثوا َغ ْي َر َسا َع ٍة ۚ ك ََذل ِ َك‬


‫﴿ َو َي ْو َم َتقوم السا َعة ي ْق ِسم ا ْلم ْج ِرم َ‬
‫ان َل َقدْ َلبِ ْثت ْم فِي كِت ِ‬
‫َاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪َ ،‬و َق َال الذي َن أوتوا ا ْلع ْل َم َو ْاإل َ‬
‫يم َ‬ ‫كَانوا ي ْؤ َفك َ‬

‫ث َو َلكِنك ْم كنت ْم َال َت ْع َلم َ‬


‫ون‪،‬‬ ‫اهللِ إِ َلى يو ِم ا ْلبع ِ‬
‫ث ۚ َفه َذا يوم ا ْلبع ِ‬
‫َ َْ َْ‬ ‫َْ َْ‬
‫َف َي ْو َمئِ ٍذ ال َين َفع ال ِذي َن َظ َلموا َم ْع ِذ َرته ْم َو َال ه ْم ي ْس َت ْعتَب َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫ومن لطائف السورة أهنا أثبتت البعث بآيات تبطل مزاعم المشركين‬

‫المنكِرة للحساب والجزاء‪ ،‬وجاء ذلك يف أربع آيات متماثلة يف‬

‫األسلوب ألن كل آية منها تبدأ بلفظ الجاللة اهلل‪:‬‬

‫اآلية األولى‪ ﴿ :‬اهلل َي ْبدَ أ ا ْل َخ ْل َق ثم ي ِعيده ثم إِ َل ْي ِه ت ْر َجع َ‬


‫ون ﴾‪.‬‬

‫اآلية الثانية‪﴿ :‬اهلل ال ِذي َخ َل َقك ْم ثم َر َز َقك ْم ثم ي ِميتك ْم ثم ي ْحيِيك ْم َه ْل‬

‫مِن ش َركَائِكم من َي ْف َعل مِن َذلِكم ِّمن َش ْي ٍء س ْب َحانَه َو َت َعا َلى َعما‬
‫ي ْش ِرك َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫اح َفتثِير َس َحا ًبا َف َي ْبسطه فِي الس َماء‬


‫الر َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية الثالثة‪﴿ :‬اهلل الذي ي ْرسل ِّ‬
‫اب بِ ِه‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ف َي َشاء َو َي ْج َعله ك َس ًفا َفت ََرى ا ْل َو ْد َق َي ْخرج م ْن خالله َفإِ َذا َأ َص َ‬
‫َك ْي َ‬
‫اد ِه إِ َذا ه ْم َي ْس َت ْب ِشر َ‬
‫ون﴾‬ ‫من ي َشاء مِن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬

‫‪274‬‬
‫ف ثم جع َل مِن بع ِد َضع ٍ‬
‫ف‬ ‫اآلية الرابعة‪﴿ :‬اهلل ال ِذي َخ َل َقكم من َضع ٍ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫قو ًة ثم َج َع َل مِن َب ْع ِد قو ٍة َض ْع ًفا َو َش ْي َب ًة َي ْ‬
‫خلق َما َي َشاء َوه َو ا ْل َعلِيم‬

‫ا ْل َق ِدير﴾‪.‬‬

‫لطائف وتدبرات من سورة الروم‪:‬‬

‫ياة الدنْيا َوه ْم َع ِن ْاآل ِخ َر ِة ه ْم‬


‫ظاهر ًا مِن ا ْلح ِ‬
‫َ َ‬
‫ون ِ‬‫‪َ ﴿ -1‬ي ْع َلم َ‬

‫ون﴾[الروم‪ :]7 :‬قال الحسن‪« :‬إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف‬ ‫غافِل َ‬

‫ظفره فيذكر وزنه وال يخطىء وهو ال يحسن أن يصلي»‪.‬‬

‫اس لِي ِذي َقه ْم‬


‫‪َ ﴿ -2‬ظ َه َر ا ْل َف َساد فِي ا ْل َب ِّر َوا ْلبَ ْح ِر بِ َما ك ََسبَ ْت َأ ْي ِدي الن ِ‬

‫ون﴾‬ ‫َب ْع َض ال ِذي َع ِملوا َل َعله ْم َي ْر ِجع َ‬

‫(بعض) الذي عملوا؛ لو أذاقهم اهلل جميع ما كسبوا ما ترك على‬

‫ظهرها من دابة!‬

‫‪َ ﴿ -3‬ل َعله ْم َي ْر ِجع َ‬


‫ون﴾‬

‫‪275‬‬
‫هدف بعض االبتالءات رد الشاردين إلى رحاب اهلل‪ ،‬وجذب‬

‫الغافلين إلى روضات الطاعات‪.‬‬


‫ف ثم جع َل مِن بع ِد َضع ٍ‬
‫ف قو ًة ثم‬ ‫‪﴿ -4‬اهلل ال ِذي َخ َل َقكم مِن َضع ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫َج َع َل مِ ْن َب ْع ِد قو ٍة َض ْع ًفا َو َش ْي َب ًة﴾‬

‫الطفل= ضعف‪ ،‬والوالدان عند الكرب= ضعف ‪ +‬شيبة‪ ،‬فوالداك عند‬

‫الكِ َبر أشد ضعفا من األطفال‪ ،‬لذا يحتاج الوالدان رعايتك أكثر من‬

‫أوالدك‪.‬‬

‫ون َما َلبِثوا َغ ْي َر َسا َع ٍة﴾‬


‫‪َ ﴿ -5‬و َي ْو َم َتقوم السا َعة ي ْق ِسم ا ْلم ْج ِرم َ‬

‫الدنيا كلها يف جوار اآلخرة ساعة‪ ،‬فكيف بعتم خلود اآلخرة بنعيم‬

‫ساعة‪ ،‬وليته كان نعيما خالصا‪ ،‬بل مع تنغيص وهموم وأحزان‬

‫وغموم!‬

‫‪276‬‬
‫َخفن َك ال ِذي َن َال يوقِن َ‬
‫ون﴾[الروم‪ :]٦٠ :‬أي ال تضطرب‬ ‫‪﴿ -٦‬و َال يست ِ‬
‫َ َْ‬
‫لكالمهم‪ ،‬وال تقلق‪ ،‬وال يذهب عقلك بسبب ما يصنع هؤالء‬

‫المجرمون‪ ،‬وال تتسرع يف قرارك‪ ،‬وال تخرج عن طبعك وهدوئك‬

‫وال عن إيمانك‪ ،‬بل ثق بوعدنا‪ ،‬واطمئن لقضائنا!‬


‫‪َ ﴿ -7‬فاصبِر إِن وعْدَ اهللِ ح ٌّق و َال يست ِ‬
‫َخفن َك ال ِذي َن َال يوقِن َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ْ ْ َ‬

‫ختِ َمت السورة بالوعد بالنصر‪ ،‬كما افتتحت بالوعد به‪ ،‬فسورة الروم‬
‫مبشرة المؤمنين‪ِ ،‬‬
‫ونازعة القلق من قلوب الصلحين‪ ،‬وهي من‬ ‫هي ِّ‬

‫أهم جرعات اليقين!‬

‫‪277‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫هي سورة تربية األبناء‪ ،‬ومن أهم مقاصدها تسفيه من يتخذ آيات اهلل‬

‫هزوا ويتبع ما كان مله ًيا عن دين اهلل‪ ،‬وبيان قدرة اهلل عز وجل يف‬
‫ً‬
‫اإلبداع والخلق واإليجاد واإلمداد‬

‫مسارات السورة‪:‬‬

‫المسار األول‪:‬‬

‫أول قسم منها يتكلم عن صفات المحسنين‪ ،‬وجزاء المسيء‪:‬‬

‫اآلخ َر ِة ه ْم يوقِنون‪،‬‬
‫ون الزكَا َة وهم بِ ِ‬
‫َ‬ ‫﴿ألم‪ ،‬ال ِذي َن ي ِقيم َ‬
‫ون الصال َة َوي ْؤت َ‬

‫ون‪ ،‬ال ِذي َن‬


‫اآلخ َر ِة ه ْم يوقِن َ‬
‫ون الزكَا َة وهم بِ ِ‬
‫َ‬ ‫ون الصال َة َوي ْؤت َ‬ ‫ال ِذي َن ي ِقيم َ‬

‫ون﴾‪.‬‬‫اآلخ َر ِة ه ْم يوقِن َ‬
‫ون الزكَا َة وهم بِ ِ‬
‫َ‬ ‫ون الصال َة َوي ْؤت َ‬‫ي ِقيم َ‬

‫‪278‬‬
‫يث لِي ِضل َعن‬
‫اس من ي ْشت َِري َلهو ا ْلح ِد ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫جزاء المسيء‪َ ﴿ :‬وم َن الن ِ َ َ‬
‫اب م ِهي ٌن ‪َ .‬وإِ َذا ت ْت َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسبِي ِل اهلل بِ َغ ْي ِر ع ْل ٍم َو َيتخ َذ َها هز ًوا أ ْو َلئ َك َله ْم َع َذ ٌ‬
‫َع َل ْي ِه آ َياتنَا َولى م ْس َت ْكبِ ًرا ك ََأن ل ْم َي ْس َم ْع َها ك ََأن فِي أذ َن ْي ِه َو ْق ًرا َف َب ِّش ْره‬

‫اب َألِيم﴾‪.‬‬
‫بِ َع َذ ٍ‬

‫•المسار الثاين‪:‬‬

‫أدلة وحدانية اهلل وقدرته‪:‬‬


‫ض رو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫﴿ َخ َل َق السم ِ‬
‫اس َي َأن‬ ‫اوات بِ َغ ْي ِر َع َمد َت َر ْون ََها َو َأ ْل َقى في األَ ْر ِ َ َ‬
‫َ َ‬
‫َت ِميدَ بِك ْم َوبَث فِ َيها مِن ك ِّل َداب ٍة َو َأ َنز ْلنَا مِ َن الس َماء َماء َف َأن َب ْتنَا فِ َيها مِن‬
‫ك ِّل َز ْوجٍ ك َِر ٍ‬
‫يم﴾‪.‬‬

‫•المسار الثالث‪:‬‬

‫قصة لقمان ووصاياه البنه‪:‬‬

‫‪279‬‬
‫﴿ َوإِ ْذ َق َال ل ْق َمان ِال ْبن ِ ِه َوه َو َي ِعظه َيا بنَي ال ت ْش ِر ْك بِاهللِ إِن ِّ‬
‫الش ْر َك َلظ ْل ٌم‬

‫يم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َعظ ٌ‬

‫•المسار الرابع‪:‬‬

‫نعم اهلل عز وجل وعناد المشركين‪ ،‬وإثبات قدرته والبعث‪:‬‬

‫﴿ َوإِ َذا قِ َيل َلهم اتبِعوا َما َأ َنز َل اهلل َقالوا َب ْل نَتبِع َما َو َجدْ نَا َع َل ْي ِه آ َبا َءنَا‬

‫اب الس ِع ِير﴾‪.‬‬


‫َان الش ْي َطان َيدْ عوه ْم إِ َلى َع َذ ِ‬
‫َأ َو َل ْو ك َ‬

‫•المسار الخامس‪:‬‬

‫طبيعة الكفار واألمر بالتقوى‪ ،‬وعلم اهلل للغيب‪:‬‬

‫اهلل م ْخلِ ِصي َن َله الدِّ ي َن َف َلما نَجاه ْم‬ ‫ِ‬


‫﴿ َوإِ َذا َغش َيهم م ْو ٌج كَالظ َل ِل َد َعوا َ‬
‫ور﴾ ‪.‬‬‫ار كَف ٍ‬ ‫إِ َلى ا ْل َب ِّر َف ِمنْهم م ْقت َِصدٌ َو َما َي ْج َحد بِآ َياتِنَا إِال كل َخت ٍ‬

‫‪280‬‬
‫اخ َش ْوا َي ْو ًما ّال َي ْج ِزي َوالِدٌ َعن َو َل ِد ِه َوال‬
‫﴿ َيا َأي َها الناس اتقوا َربك ْم َو ْ‬

‫از َعن َوال ِ ِد ِه َش ْي ًئا إِن َوعْدَ اهللِ َح ٌّق َفال َتغرنكم ا ْل َح َياة‬
‫َم ْولو ٌد ه َو َج ٍ‬

‫الدنْ َيا َوال َيغرنكم بِاهللِ ا ْل َغرور﴾‪.‬‬

‫اهلل ِعندَ ه ِع ْلم السا َع ِة َوين َِّزل ا ْل َغ ْي َث َو َي ْع َلم َما فِي األَ ْر َحا ِم َو َما‬
‫﴿إِن َ‬
‫َتدْ ِري َن ْف ٌس ما َذا َت ْك ِسب َغدً ا َو َما َتدْ ِري َن ْف ٌس بِ َأ ِّي َأ ْر ٍ‬
‫ض َتموت إِن َ‬
‫اهلل‬

‫يم َخبِ ٌير﴾‪.‬‬ ‫ِ‬


‫َعل ٌ‬

‫‪281‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة لقمان‪:‬‬

‫يث لِي ِضل َع ْن َسبِي ِل اهللِ بِ َغ ْي ِر‬


‫اس من ي ْشت َِري َلهو ا ْلح ِد ِ‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -1‬وم َن الن ِ َ ْ َ‬
‫ِع ْل ٍم ويت ِ‬
‫خ َذ َها هز ًوا﴾[لقمان‪ :]٦ :‬خطورة عمل القلب! قال قتادة‪:‬‬ ‫ََ‬
‫«واهلل لعله أن ال ينفق فيه ماال‪ ،‬ولكن اشرتاؤه استحبابه‪ ،‬بحسب‬

‫الحق‪ ،‬وما‬
‫المرء من الضاللة أن يختار حديث الباطل على حديث ّ‬

‫يضر على ما ينفع»‪.‬‬


‫ّ‬
‫ان ا ْل ِ‬
‫ح ْك َم َة﴾ [لقمان‪ :]12 :‬الحكمة منحة ربانية‬ ‫‪َ ﴿ -2‬و َل َقدْ آ َت ْينَا ل ْق َم َ‬

‫وهدية إلهية‪ ،‬وليست بالضرورة عن كرب ِس ٍّن‪ ،‬ولكن عطاء اهلل يعطيه‬

‫من يشاء من عباده‪ ،‬فادع اهلل هبا‪.‬‬

‫‪﴿ . -3‬يا بني ال تشرك باهلل إن الشرك لظلم عظيم﴾ [لقمان‪:]13 :‬‬

‫من وسائل الرتبية أنك إذا أمرت أحدا بأمر أن تب ِّين له سببه‪ ،‬فهذا‬

‫أدعى لقبوله األمر منك‬

‫‪282‬‬
‫‪َ ﴿ -4‬قالوا َب ْل نَتبِع َما َو َجدْ نَا َع َل ْي ِه آ َبا َءنَا﴾[لقمان‪ :]21 :‬كم أضاع‬

‫التقليد األعمى وتعطيل العقل أجياال من المسلمين!‬

‫‪283‬‬
‫من مقاصد سورة السجدة بيان عظمة اهلل تعالى يف صفاته‪ ،‬وكمال‬

‫قدرته يف الخلق واألمر‪ ،‬والبعث والجزاء‪.‬‬

‫وافتتحت السورة بتقرير أن القرآن العظيم بال شك هو كتاب اهلل‬

‫المنزل على رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والرد على المشركين يف‬

‫ادعائهم أنه مفرتى‪.‬‬

‫يه مِن ر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن ‪َ .‬أ ْم َيقول َ‬


‫ون ا ْفت ََراه َب ْل‬ ‫َاب ال ريب فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َت ِنزيل ا ْلكت ِ َ ْ َ‬
‫نذ َر َق ْو ًما ما َأ َتاهم ِّمن ن ِذ ٍير ِّمن َق ْبلِ َك َل َعله ْم‬
‫هو ا ْلحق مِن رب َك لِت ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫َي ْهتَد َ‬
‫ون﴾‬

‫‪284‬‬
‫‪-2‬ذكر انفراد اهلل تعالى بخلق السموات واألرض‪ ،‬وبيان بعض‬

‫مظاهر قدرته‪ ،‬وبديع خلقه‪ ،‬ونشأة اإلنسان‪.‬‬

‫ات َواألَ ْر َض َو َما َب ْينَه َما فِي ِست ِة َأيا ٍم ثم‬


‫﴿اهلل ال ِذي َخ َل َق السماو ِ‬
‫َ َ‬
‫ش َما َلكم ِّمن دونِ ِه مِن َولِي َوال َش ِفي ٍع َأ َفال َتت ََذكر َ‬
‫ون‬ ‫است ََوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ْ‬
‫ٍّ‬
‫َان مِ ْقدَ اره‬
‫ض ثم َي ْعرج إِ َل ْي ِه فِي َي ْو ٍم ك َ‬
‫‪ .‬يدَ ِّبر األَ ْم َر مِ َن الس َماء إِ َلى األَ ْر ِ‬

‫ب َوالش َها َد ِة ا ْل َع ِزيز الر ِحيم ‪.‬‬


‫ون ‪َ .‬ذل ِ َك َعالِم ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ف َسن ٍَة ِّمما َتعد َ‬
‫َأ ْل َ‬
‫ان مِن طِ ٍ‬
‫اإلنس ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪ .‬ثم َج َع َل‬ ‫الذي َأ ْح َس َن كل َش ْيء َخ َل َقه َو َبدَ َأ َخ ْل َق َ‬
‫وح ِه َو َج َع َل‬
‫يه مِن ر ِ‬
‫ين ‪ .‬ثم سواه ونَ َف َخ فِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن َْس َله مِن سال َل ٍة ِّمن ماء م ِه ٍ‬

‫َلكم الس ْم َع َواألَ ْب َص َار َواألَ ْفئِدَ َة َقلِيال ما َت ْشكر َ‬


‫ون﴾‬

‫‪-‬ثم تعرض السورة مشهدً ا من مشاهد يوم القيامة‪ :‬مشهد المجرمين‬

‫وهم بين يدي اهلل يوم القيامة‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫وس ِه ْم ِعندَ َر ِّب ِه ْم َربنَا َأ ْب َص ْرنَا‬
‫ون نَاكِسو رؤ ِ‬
‫﴿ َو َل ْو َت َرى إِ ِذ ا ْلم ْج ِرم َ‬

‫َو َس ِم ْعنَا َف ْار ِج ْعنَا َن ْع َم ْل َصال ِ ًحا إِنا موقِن َ‬


‫ون﴾‬

‫‪-‬وذكرت السورة بعض صفات المؤمنين‪ ،‬وما أعده اهلل لهم من‬

‫نعيم‪ ،‬وما أعده للفاسقين من نار الجحيم‪.‬‬


‫﴿ َأما ال ِذين آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ‬
‫ات َف َله ْم َجنات ا ْل َم ْأ َوى نزال بِ َما‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ون ‪َ .‬و َأما ال ِذي َن َف َسقوا َف َم ْأ َواهم النار كل َما َأ َرادوا َأن‬
‫كَانوا َي ْع َمل َ‬

‫ار ال ِذي كنتم بِ ِه‬


‫اب الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْخرجوا من َْها أعيدوا ف َيها َوق َيل َله ْم ذوقوا َع َذ َ‬
‫ت َك ِّذب َ‬
‫ون﴾‬

‫‪-‬ثم دعوة للمشركين بأن يتفكروا يف آيات اهلل عز وجل لعلهم‬

‫يبصرون‬

‫ض ا ْلجر ِز َفن ْخ ِرج بِ ِه َز ْر ًعا َت ْأكل‬


‫﴿ َأ َو َل ْم َي َر ْوا َأنا نَسوق ا ْل َماء إِ َلى األَ ْر ِ‬

‫مِنْه َأ ْن َعامه ْم َو َأنفسه ْم َأ َفال ي ْب ِصر َ‬


‫ون﴾‬

‫‪286‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة السجدة‪:‬‬
‫‪﴿-1‬ب ْل هم بِلِ َق ِ‬
‫اء َر ِّب ِه ْم كَافِر َ‬
‫ون ﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫إنكار هذه اللقاء أو التعامي عنه هو مفتاح الشقاء األبدي والعذاب‬

‫أحدٌ لقاء اهلل إال ارتدع عن كثير من معاصيه‪.‬‬


‫السرمدي‪ ،‬وما ذكر َ‬

‫وس ِه ْم ِعنْدَ َر ِّب ِه ْم َربنَا َأ ْب َص ْرنَا َو َس ِم ْعنَا﴾‬


‫ون نَاكِسو رء ِ‬
‫‪﴿-2‬إِ ِذ ا ْلم ْج ِرم َ‬

‫ِ‬
‫سمعوا وأبصروا‪ ،‬لكن لألسف! يف الوقت الضائع‪ ،‬وبعد فوات‬

‫األوان!‬

‫‪َ ﴿ -3‬و َسبحوا بِ َح ْم ِد َر ِّب ِه ْم َوه ْم َال َي ْس َت ْكبِر َ‬


‫ون ﴾‬

‫ذر أن رسول اهلل ﷺ سئِل‪ :‬أي‬


‫ما أعظم فضل التسبيح! عن أبي ٍّ‬
‫الكالم أفضل؟ قال‪« :‬ما اصطفى اهلل لمالئكته أو لِعباده‪ :‬سبحان اهلل‬

‫وبحمده»‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫‪َ ﴿ -4‬و َسبحوا بِ َح ْم ِد َر ِّب ِه ْم َوه ْم َال َي ْس َت ْكبِر َ‬
‫ون ﴾‬

‫ذر أن رسول اهلل ﷺ سئِل‪ :‬أي‬


‫ما أعظم فضل التسبيح! عن أبي ٍّ‬
‫الكالم أفضل؟ قال‪« :‬ما اصطفى اهلل لمالئكته أو لِعباده‪ :‬سبحان اهلل‬

‫وبحمده»‪.‬‬

‫‪َ ﴿﴿-5‬ف َله ْم َجنات ا ْل َم ْأ َوى نز ًال بِ َما كَانوا َي ْع َمل َ‬


‫ون ﴾‬

‫العمل الصالح سبب دخول الجنة‪ ،‬والعمل ثالثة أنواع‪:‬‬

‫عمل القلب‪ :‬وأوله اإليمان‪ ،‬النية الصالحة‪ ،‬وإخالص العمل هلل‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬عمل اللسان بالنطق بالشهادتين‪ ،‬ثم الذكر والدعاء‬

‫والتسبيح‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬عمل الجوارح من صالة وصيام وزكاة وحج ٍ‬


‫وأمر‬
‫بالمعروف ٍ‬
‫وهني عن المنكر‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫اب ْاألَ ْك َب ِر َل َعله ْم‬
‫ون ا ْل َع َذ ِ‬ ‫‪َ ﴿-٦‬و َلن ِذي َقنه ْم مِ َن ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب ْاألَ ْدنَى د َ‬

‫َي ْر ِجع َ‬
‫ون﴾‬

‫أحيانا يكون نزول الشدة رحمة‪ ،‬وبمثابة صيحة تنبيه قبل نزول الشدة‬

‫األكرب غدا يف نار الجحيم‬

‫‪289‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من مقاصد سورة األحزاب‪ ،‬بيان تجمع األحزاب واألعداء حول‬

‫اإلسالم وأهله‪ ،‬وبيان عناية اهلل عز وجل بالنبي صلى اهلل عليه وسلم‬

‫وحمايته‪ ،‬التعرض لكثير من األحكام الشرعية‪ ،‬واآلداب‬

‫االجتماعية‪ ،‬واالهتمام بتنظيم المجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫تتحدث السورة عن خمس موضوعات رئيسية‪:‬‬

‫الجهاد يف غزوة األحزاب – اليهود – المنافقين – المرأة – طاعة اهلل‬

‫ورسوله‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الجهاد يف غزوة األحزاب‪:‬‬

‫كانت غزوة األحزاب يف شهر شوال‪ ،‬يف السنة الخامسة من الهجرة‪،‬‬

‫وكانت بسبب طرد يهود بني النضير من المدينة‪ ،‬فذهبوا إلى حصن‬

‫‪290‬‬
‫خيرب‪ ،‬وتآمروا على المسلمين من خالل إنشاء حزب مع الكفار‬

‫وقبيلة غطفان‪ ،‬وهتيأت األحزاب للخروج إلى المدينة‪ ،‬وبلغ عددهم‬

‫‪ 1٠‬آالف مقاتل‪ ،‬ولما علم النبي صلى اهلل عليه وسلم اجتمع‬

‫بأصحابه‪ ،‬فاقرتح سلمان الفارسي بحفر خندق‪ ،‬وكانت هذه الفكرة‬

‫مستجدة بالنسبة للعرب‪ ،‬وبالفعل حفر المسلمون خندقا يف شمال‬

‫المدينة‪ ،‬أما األماكن األخرى من المدينة‪ ،‬فكانت محصنة بالجبال‬

‫والبيوت‪ ،‬وظل هذا الحصار قرابة األربعية يوما دون أن تنال منهم‪،‬‬

‫فاضطر أبو سفيان إلى االتفاق مع يهود بني قريظة للسماح لقواهتم‬

‫للدخول إلى المدينة‪ ،‬وبذلك يكون يهود بني قريظة نقضوا العهد مع‬

‫المسلمين‪ ،‬فاشتد خوف المسلمين لما علموا بتلك االتفاقية‪ ،‬وقال‬

‫اهلل عز وجل عن خوفهم‪﴿ :‬إِ ْذ َجاؤوكم ِّمن َف ْوقِك ْم َومِ ْن َأ ْس َف َل مِنك ْم‬

‫ون بِاهللِ الظنونَا﴾‬ ‫َاج َر َو َتظن َ‬ ‫وإِ ْذ َزا َغ ْت األَبصار وب َل َغ ِ‬


‫ت ا ْلقلوب ا ْل َحن ِ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َ‬

‫‪291‬‬
‫ورغم هذا الخوف ثبت المسلمون‪ ،‬فأنعم اهلل عليهم بإسالم نعيم من‬

‫مسعود الغطفاين‪ ،‬الذي أسلم حديثا‪ ،‬فاستغله النبي صلى اهلل عليه‬

‫وسلم يف إفشال اإلتفاقية بين األحزاب‪ ،‬وعمل وقيعة بينهم‪.‬‬

‫وريحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فاشتد جيش األحزاب ثم بعد ذلك أرسل اهلل عز وجل جنو ًدا‬

‫﴿إِ ْذ َجا َء ْتك ْم جنو ٌد َف َأ ْر َس ْلنَا َع َل ْي ِه ْم ِر ً‬


‫يحا َوجنو ًدا ل ْم َت َر ْو َها َوك َ‬
‫َان اهلل‬

‫ون َب ِص ًيرا﴾‬
‫بِ َما َت ْع َمل َ‬

‫وكان لذلك أثر يف فك عضد األحزاب‪ ،‬والقضاء على معنوياهتم‪،‬‬

‫فغادروا المكان منهزمين‪ ،‬وكان النصر من عند اهلل عز وجل‪ ،‬وهذا‬

‫النصر جاء لما صرب المسلمون‪ ،‬فإنما النصر مع الصرب‪.‬‬

‫والغريب أن عدد المسلمين يف بداية الغزوة يقال انه كان حوالي ‪3‬‬

‫آالف‪ ،‬والذي صمد إلى هناية الغزوة حوالي ثالثمائة فقط!‬

‫ثان ًيا‪ :‬اليهود‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫بعد ما نقض اليهود العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين‪ ،‬فهل‬

‫سيرتكهم النبي صلى اهلل عليه وسلم؟ وكيف يرتكهم وقد كانوا‬

‫سيهلكون اإلسالم والمسلمين بسبب خيانتهم‪ ،‬لذلك لم يتهاون‬

‫معهم النبي‪ ،‬فانظر إلى تمكين المسلمين من اليهود والكفار وقتها‪،‬‬

‫وانظر إلى عزة اإلسالم يف األخذ بالثأر ممن خان‪ ،‬فأين نحن من هذه‬

‫العزة وزرع الرعب يف قلوب اليهود اآلن؟ ها هو القرآن يظهر‬

‫ويوضح لنا أن الخيانة تجري يف دمهم‪ ،‬فما بال المسلمون اآلن‬

‫يربمون معهد المعاهدات وهم قوم خيانة؟!‬

‫ثالثًا‪ :‬المناققون‪.‬‬

‫لو أسقطنا أحداث سورة األحزاب على واقعنا الذي نعيش فيه اآلن‪،‬‬

‫سنجد أنه واقع مماثل تما ًما! فاليهود والمشركون اجتمعوا من‬

‫‪293‬‬
‫الخارج‪ ،‬والمنافقون من الداخل‪ ،‬وكان للمنافقين دور كبير يف‬

‫محاولة التفرقة بين صفوف المسلمين‪:‬‬

‫ون َوال ِذي َن فِي قلوبِ ِهم م َر ٌض ما َوعَدَ نَا اهلل َو َرسوله‬
‫﴿ َوإِ ْذ َيقول ا ْلمنَافِق َ‬

‫ورا ‪َ .‬وإِ ْذ َقا َلت طائِ َف ٌة ِّمنْه ْم َيا َأ ْه َل َيثْ ِر َب ال م َقا َم َلك ْم َف ْار ِجعوا‬
‫إِال غر ً‬
‫ون إِن بيو َتنَا َع ْو َر ٌة َو َما ِه َي بِ َع ْو َر ٍة إِن‬
‫َو َي ْست َْأ ِذن َف ِر ٌيق ِّمنْهم النبِي َيقول َ‬

‫ون إِال فِ َر ًارا﴾‬


‫ي ِريد َ‬

‫فجاءهم التهيد من اهلل عز وجل‪:‬‬

‫ون فِي‬
‫ون َوال ِذي َن فِي قلوبِ ِهم م َر ٌض َوا ْلم ْر ِجف َ‬
‫﴿ َلئِن ل ْم َينت َِه ا ْلمنَافِق َ‬

‫اورون ََك فِ َيها إِال َقلِيال﴾‬


‫ا ْل َم ِدين َِة َلن ْغ ِر َين َك بِ ِه ْم ثم ال ي َج ِ‬

‫فهذا ما يفعله أهل النفاق يف صفوف اإلسالم اآلن‪ ،‬فهم دائما‬

‫يحاولون هدم ثوابت الدين‪ ،‬ومهاجمة رموز الدين‪ ،‬وزرع اليأس يف‬

‫قلوب المسلمين‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المرأة‪.‬‬

‫وقد تكلمت السورة عن المرأة من أكثر من جانب‪ ،‬فتحدثت عن‬

‫خروج المرأة من بيتها‪ ،‬وعن المرأة والكالم‪ ،‬وعن الحجاب‪ ،‬وعن‬

‫الدعوة!‬

‫‪-1‬المرأة وخروجها من بيتها‪:‬‬

‫اعتنى اإلسالم بالمرأة بكل الصور‪ ،‬فشرع ما يحفظها يف نفسها‪،‬‬

‫ويحفظ حياءها وكرامتها بين الناس يف كل األحوال؛ يف البيت‬

‫والشارع؛ فبين صفة ثياهبا وزينتها‪ ،‬كما بين كيفية خروجها عند‬

‫الحاجة‪ ،‬وقد جاءت الشريعة بأحكام تصون المرأة‪ ،‬فعلى المرأة أال‬

‫تكثِر الخروج من البيت إال لضرورة وحاجة‪ ،‬وخروجها يكون‬

‫بضوابط كما جاء يف آيات السورة‪َ ﴿ :‬و َق ْر َن فِي بيوتِكن َوال َت َبر ْج َن‬

‫اهلِي ِة األو َلى﴾‬


‫َتبرج ا ْلج ِ‬
‫َ َ َ‬

‫‪295‬‬
‫فما نراه من فتيات ونساء اإلسالم اآلن تربجه ّن وسفوره ّن‪،‬‬

‫ومزاحمة الرجال يف كل مكان –إال من رحم ربي‪ -‬ما أنزل اهلل به من‬

‫سلطان‪.‬‬

‫واإلسالم ال يحرم على المرأة الخروج مطل ًقا‪ ،‬بل تخرج لكن ال‬

‫تكثر الخروج لغير حاجة‪ ،‬وإن خرجت تلتزم بالضوابط الشرعية‪ ،‬من‬

‫عدم تربج‪ ،‬وعدم اختالطها بالرجال‪ ،‬وقد جاء يف السنة النهي عن‬

‫منع النساء من الخروج للمسجد! قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال‬

‫خير لهن"‬
‫تمنعوا إماء اهلل مساجد اهلل وبيوهتن ٌ‬

‫وما زالت النساء يف عهد النبي عليه الصالة والسالم يخرجن إلى‬
‫األسواق‪ ،‬ولكنهن يخرجن على ٍ‬
‫وجه ليس فيه تربج و ال فتنة‪ ،‬فال‬

‫تخرج المرأة متطيبة وال متربج ًة بزينة‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫وقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬المرأة عور ٌة ‪ ،‬وإهنا إذا خرجت من‬

‫أقرب إلى اهللِ منها يف َق ْع ِر‬


‫َ‬ ‫بيتِها استشرفها الشيطان ‪ ،‬و إهنا ال تكون‬

‫بيتِها‬

‫ويف هذا الحديث يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬المرأة‬

‫عورة" والعورة‪ :‬كل ما يستحيا منه إذا ظهر‪ ،‬والمرأة إذا ظهرت‬

‫يستحيا منها‪ ،‬وقيل‪ :‬سميت المرأة عورة؛ ألن من حقها أن تسرت‪،‬‬

‫والمعنى‪ :‬أن المرأة عورة يستقبح تربزها وظهورها للرجال األجانب‬

‫عنها‪" ،‬فإذا خرجت"‪ ،‬أي‪ :‬من منزلها‪" ،‬استشرفها الشيطان"‪ ،‬أي‪:‬‬

‫ورفع البصر إليها‪ ،‬ووكل النظر‬


‫َ‬ ‫تطلع إليها الشيطان‪ ،‬فزينها للناس‪،‬‬

‫عليها؛ ليغويها أو يغوي هبا غيرها‪ ،‬فيوقع أحدهما‪ ،‬أو كليهما يف‬

‫الفتنة‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بالشيطان أهل الفسوق والخيانة‪ ،‬وسماهم‬

‫به على التشبيه‪ ،‬بمعنى‪ :‬أهنم إذا رأوها بارزة استشرفوها‪ ،‬وطمحوا‬

‫نحوها‪ ،‬ولكنه أسند الفعل إلى الشيطان لما أشربوا يف‬ ‫ِ‬
‫بأبصارهم َ‬
‫قلوهبم الفسوق‪ ،‬و َتجارى هبم الفجور‪ ،‬ففعلوا ما فعلوا‪ ،‬بإغواء‬

‫الشيطان وتسويلِه‪.‬‬

‫ويف الحديث‪ :‬التحرز للمرأة يف خروجها من بيتها‪ ،‬فال تخرج إال كما‬

‫أمرها الشرع‪.‬‬

‫وفيه‪ :‬التحذير من كشف العورات‪.‬‬

‫‪-2‬المرأة والكالم‪:‬‬

‫جاء النهي يف السورة عن الخضوع بالقول‪ ،‬فإن كانت هناك حاجة‬

‫وضرورة شرعية لحديث النساء مع الرجال فال بد وأن يكون‬

‫بضوابط‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫‪298‬‬
‫﴿ َف َال َت ْخ َض ْع َن بِا ْل َق ْو ِل َف َي ْط َم َع ال ِذي فِي َق ْلبِ ِه َم َرض﴾‬

‫‪-3‬المراة والحجاب‪:‬‬
‫اج َك وبنَاتِ َك ونِس ِ‬
‫اء ا ْلم ْؤمِنِي َن يدْ نِي َن َع َل ْي ِهن‬ ‫َ َ‬ ‫﴿ َيا َأي َها النبِي قل ِّألَ ْز َو ِ َ َ‬
‫مِن َج َالبِيبِ ِهن ۚ َذل ِ َك َأ ْدنَى َأن ي ْع َر ْف َن َف َال ي ْؤ َذ ْي َن ۚ َوك َ‬
‫َان اهلل َغف ً‬
‫ورا‬

‫يما﴾‬ ‫ِ‬
‫رح ً‬

‫لمن كان لها قلب! والعجب كل العجب‬


‫فها هي اآلية واضحة جلية َ‬
‫ممن يحاولون التحايل على شرع اهلل بإنكارهم الحجاب!‬

‫والذي نراه من حجاب المسلمات اآلن ال يرضي اهلل عز وجل‪،‬‬

‫وليس هذا بحجاب أصالً‪ ،‬فالتي تظهر خصيالت من شعرها‪ ،‬وتلبس‬

‫المالبس التي تصف الجسد‪ ،‬وأحيانا تشف‪ ،‬هذه ليست محجبة‪ ،‬بل‬

‫هذه مرتكبة لكبيرة من الكبائر‪ ،‬وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫‪299‬‬
‫"صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ‪ :‬قوم معهم سياط كأذناب البقر‬

‫يضربون الناس هبا ‪ ،‬ونساء كاسيات عاريات ‪ ،‬مميالت مائالت ‪،‬‬

‫رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ‪ ،‬ال يدخلن الجنة ‪ ،‬وال يجدن‬

‫ريحها ‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"‬

‫‪-4‬المرأة والدعوة‪:‬‬
‫ات اهللِ وا ْل ِ‬
‫ح ْك َم ِة﴾‬ ‫قال تعالى‪ ﴿ :‬وا ْذكر َن ما ي ْت َلى فِي بيوتِكن مِن آي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬

‫أي‪ :‬اعملن بما ينزل اهلل عز وجل من آيات وأحكام وبما أمر النبي‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬واذكرن كالم اهلل‪ ،‬وكالم نبيه يف بيوتكن‪ ،‬فهذا‬

‫له دور كبير يف الدعوة وتربية األبناء‪ ،‬وهذا أهم وظيفة للمرأة‪ ،‬أن‬

‫يخرج من بيتها َمن ينصر األمة‪ ،‬وتربي َمن يحمل َهم الدعوة‬

‫والدين‪٠‬‬

‫ثم تحدثت السورة عن طاعة اهلل ورسوله‪ ،‬قال سبحانه‪:‬‬

‫‪300‬‬
‫َان لِم ْؤمِ ٍن َوال م ْؤمِن ٍَة إِ َذا َق َضى اهلل َو َرسوله َأ ْم ًرا َأن َيك َ‬
‫ون َلهم‬ ‫﴿ َو َما ك َ‬

‫اهلل َو َرسو َله َف َقدْ َضل َضالال مبِينًا﴾‬


‫ص َ‬ ‫خ َي َرة مِ ْن َأ ْم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬
‫ا ْل ِ‬

‫فمن صفات المؤمنين االستسالم إلى أوامر اهلل وأوامر النبي صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫لطائف وتدبرات من سورة األحزاب‪:‬‬

‫‪َ ﴿ -1‬و َرد اهلل ال ِذي َن َك َفروا بِ َغ ْيظِ ِه ْم َل ْم َينَالوا َخ ْي ًرا ﴾‬

‫صدقوا اهلل‪ ،‬ونجحوا يف اختبار الشدة‪ ،‬فكافأهم بأن رد الكفار عنهم‬

‫دون قتال‪.‬‬

‫َان اهلل َق ِو ًّيا َع ِز ًيزا ﴾ قال السعدي‪« :‬ال يغالبه أحد إال غلِ َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫‪َ ﴿ -2‬وك َ‬

‫وال يستنصره أحد إال َغ َلب‪ ،‬وال يعجزه أمر أراده‪ ،‬وال ينفع أهل القوة‬

‫والعزة‪ ،‬قوهتم وعزهتم‪ ،‬إن لم يعنهم بقوته وعزته»‬

‫‪301‬‬
‫‪﴿ -3‬و َق َذ َ ِ‬
‫ف في قلوبِ ِهم الر ْع َ‬
‫ب ﴾ الرعب من جنود اهلل‪ ،‬يؤ ِّيد اهلل به‬ ‫َ‬
‫عباده الصادقين‪ ،‬إن بذلوا وسعهم‪ ،‬وتقطعت دوهنم أسباب‬

‫االنتصار‪.‬‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -4‬وا ْذك ْر َن َما يتْ َلى في بيوتكن م ْن آ َيات اهلل َوا ْلح ْك َمة إِن َ‬
‫اهلل ك َ‬
‫َان‬

‫َلطِي ًفا َخبِ ًيرا﴾‬

‫اآليات هي القرآن‪ ،‬والحكمة ما جاء به النبي ﷺ من أقوال وأفعال‬

‫وأحوال‪ ،‬وهذا أمر بتالوة اآليات يف جميع البيوت حتى التي لم ينزل‬

‫فيها الوحي‪ ،‬لتشمل تالوة أمهات المؤمنين‪ ،‬وتالوة غيرهن من‬

‫النساء تعلما وتعليما‬

‫‪َ ﴿-5‬ربنَا آتِ ِه ْم ِض ْع َف ْي ِن مِ َن ا ْل َع َذ ِ‬


‫اب َوا ْل َعنْه ْم َل ْعنًا َكبِ ًيرا ﴾‬

‫‪302‬‬
‫يوم القيامة يطالبون لهم بمضاعفة العذاب‪ ،‬وباألمس كانوا‬

‫يستقبلوهنم بالبِ ْشر والرتحاب‪ ..‬هذه لعنة من أطاع غيره يف معصية‬

‫اهلل‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬إبطال قواعد الشرك‪ ،‬والرد على شبه المشركين‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان الحجة على التوحيد‪ ،‬وصدق النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫من أهم الموضوعات التي تناولتها سورة سبأ‪:‬‬

‫‪ -1‬االستفتاح بالحمد هلل سبحانه المالك لما يف السموات واألرض‪،‬‬

‫المحمود يف اآلخرة؛ وبيان سعة علمه‪.‬‬

‫ض َو َله ا ْل َح ْمد فِي‬


‫ات َو َما فِي األَ ْر ِ‬
‫﴿ا ْلحمد لِل ِه ال ِذي َله ما فِي السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اآلخ َر ِة َوه َو ا ْل َحكِيم ا ْل َخبِير﴾‬
‫ِ‬

‫‪ -2‬بيان تكذيب المشركين بالقيامة والبعث‪ ،‬وحكاية جانب من‬

‫أقوالهم الباطلة مع الرد عليها‪.‬‬

‫﴿ َو َق َال ال ِذي َن َك َفروا ال َت ْأتِينَا السا َعة ق ْل َب َلى َو َر ِّبي َلت َْأتِ َينك ْم﴾‬
‫‪304‬‬
‫‪ -3‬ذكر طرف من قصة نبي اهلل داود عليه السالم‪ ،‬وابنه سليمان عليه‬

‫السالم‪.‬‬

‫﴿ َل َقدْ آ َت ْينَا َداوو َد مِنا َف ْضال َيا ِج َبال َأ ِّوبِي َم َعه َوالط ْي َر َو َأ َلنا َله ا ْل َح ِديدَ ‪.‬‬
‫ات َو َقدِّ ْر فِي الس ْر ِد َوا ْع َملوا َصال ِ ًحا إِنِّي بِ َما َت ْع َمل َ‬
‫ون‬ ‫َأ ِن ا ْعم ْل سابِ َغ ٍ‬
‫َ َ‬
‫يح غدو َها َش ْه ٌر َو َر َواح َها َش ْه ٌر َو َأ َس ْلنَا َله َع ْي َن‬ ‫الر َ‬ ‫َب ِص ٌير ‪َ .‬ولِس َل ْي َم َ‬
‫ان ِّ‬
‫ج ِّن َمن َي ْع َمل َب ْي َن َيدَ ْي ِه بِإِ ْذ ِن َر ِّب ِه َو َمن َي ِز ْغ مِنْه ْم َع ْن َأ ْم ِرنَا‬
‫ا ْل ِق ْط ِر َومِ َن ا ْل ِ‬

‫اب الس ِع ِير﴾‬ ‫ن ِذ ْقه مِ ْن َع َذ ِ‬

‫‪ -4‬ذكر قصة قبيلة سبأ‪ ،‬وما آل إليه أمرهم‪.‬‬

‫ال كلوا مِن‬


‫ين َو ِشم ٍ‬
‫َ‬ ‫َان َعن َي ِم ٍ‬
‫َان لِسبإٍ فِي مس َكن ِ ِهم آي ٌة جنت ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫﴿ َل َقدْ ك َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ِّر ْزق َر ِّبك ْم َو ْاشكروا َله َب ْلدَ ٌة َطيِّ َب ٌة َو َر ٌّب َغف ٌ‬
‫ور﴾‬

‫وسكن قوم سبأ بأرض اليمن‪ ،‬أنعم اهلل عليهم من النعم الظاهرة‬

‫والباطنه‪ ،‬وأصلح البال والحال‪ ،‬وبارك لهم يف األرض والمال‪،‬‬

‫‪305‬‬
‫ووضع عنهم األوزار واألحمال وجعل لهم الهواء نق ًيا‪ ،‬ونزلت‬

‫َان ل ِ َس َبإٍ فِي َم ْس َكن ِ ِه ْم َآ َي ٌة﴾‬


‫عليهم بركة من السماء‪ ،‬قال تعالي‪َ ﴿ :‬ل َقدْ ك َ‬

‫أي عالمة دالة على كمال قدرة المولي عز وجل وبديع صنعه‪ ،‬قال‬

‫اإلمام عبدالرحمن بن زيد‪ :‬إن اآلية التي كانت ألهل سبأ يف مساكنهم‬

‫أهنم لم يروا فيها بعوضة وال ذبا ًبا وال برغو ًثا وال قمال وال عقر ًبا وال‬

‫حية وال غير ذلك‪ ،‬وإذا جاءهم الركب يف ثياهبم القمل ماتت عند‬

‫رؤيتهم لبيوهتم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعالي‪﴿ :‬كلوا م ْن ِر ْزق َر ِّبك ْم َْاشكروا َله َب ْلدَ ٌة َط ِّي َب ٌة َو َر ٌّب َغف ٌ‬
‫ور﴾‬

‫كانوا يف رغد من العيش وسالمة الحال ورفاهيته‪ ،‬فأمروا بالصرب على‬

‫العافية والشكرعلى النعمة‪ ،‬هذا أمر سهل يسير‪ ،‬ولكنهم أعرضوا عن‬

‫الوفاق وكفروا بالنعمة وضيعوا الشكر‪ ،‬فبدلوا وبدل هبم الحال‪ ،‬قال‬

‫بعض الصالحين‪ :‬من لم يشكر اهلل على نعمه فقد تعرض لزوالها‪،‬‬

‫‪306‬‬
‫ومن شكره عليها فقد قيدها بعقالها ﴿ َف َأ ْع َرضوا﴾ أي عن الشكر‪،‬‬

‫وكفروا بالمنعم سبحانه‪ ،‬وكذبوا أنبياءه‪.‬‬

‫‪ -5‬إقامة األدلة على وحدانية اهلل تعالى وقدرته‪ ،‬ووجوب إخالص‬

‫العبادة له‪.‬‬

‫‪ -٦‬ذكر بعض مشاهد يوم القيامة‪ ،‬والحوار الذي يدور بين التابعين‬

‫والمتبوعين‪.‬‬

‫ون ِعندَ َر ِّب ِه ْم َي ْر ِجع َب ْعضه ْم إِ َلى َب ْع ٍ‬


‫ض‬ ‫﴿ َو َل ْو َت َرى إِ ِذ الظالِم َ‬
‫ون َم ْوقوف َ‬

‫اس َت ْكبَروا َل ْوال َأنت ْم َلكنا م ْؤمِنِي َن ‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ا ْل َق ْو َل َيقول الذي َن ْ‬
‫است ْضعفوا للذي َن ْ‬

‫است ْض ِعفوا َأن َْحن َصدَ ْدنَاك ْم َع ِن ا ْلهدَ ى‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫َق َال الذي َن ْ‬
‫اس َت ْك َبروا للذي َن ْ‬
‫است ْض ِعفوا لِل ِذي َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْعدَ إِ ْذ َجا َءكم َب ْل كنتم م ْج ِرمي َن ‪َ .‬و َق َال الذي َن ْ‬
‫ار إِ ْذ َت ْأمرو َننَا َأن ن ْكف َر بِاهللِ َون َْج َع َل َله‬
‫اس َت ْك َبروا َب ْل َم ْكر الليْ ِل َوالن َه ِ‬
‫ْ‬

‫‪307‬‬
‫الل فِي َأ ْعن ِ‬
‫َاق‬ ‫اب َو َج َع ْلنَا األَ ْغ َ‬
‫َأندَ ا ًدا َو َأ َسروا الندَ ا َم َة َلما َر َأوا ا ْل َع َذ َ‬
‫ال ِذي َن َك َفروا َه ْل ي ْج َز ْو َن إِال َما كَانوا َي ْع َمل َ‬
‫ون﴾‬

‫‪ -7‬الرد على المرتفين الذين زعموا أن أموالهم وأوالدهم ستنفعهم‬

‫يوم القيامة‪.‬‬

‫﴿ َو َما َأ ْم َوالك ْم َوال َأ ْوالدكم بِالتِي ت َق ِّربك ْم ِعندَ نَا ز ْل َفى إِال َم ْن آ َم َن‬

‫ف بِ َما َع ِملوا َوه ْم فِي‬ ‫الضع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َو َعم َل َصال ًحا َفأو َلئ َك َله ْم َج َزاء ِّ ْ‬
‫ِ‬

‫ون ﴾‬‫ات آمِن َ‬ ‫ا ْلغر َف ِ‬

‫‪ -٨‬دعوة الكافرين إلى التفكير والتدبر يف شأن دعوة الرسول صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫احدَ ٍة َأن َتقوموا لِل ِه َمثْنَى َوف َرا َدى ثم َت َت َفكروا َما‬
‫﴿ق ْل إِنما َأ ِعظكم بِو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اب َش ِديد﴾‬
‫احبِكم ِّمن ِجن ٍة إِ ْن ه َو إِال ن َِذ ٌير لكم َبيْ َن َيدَ ْي َع َذ ٍ‬
‫بِص ِ‬
‫َ‬

‫‪308‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة سبأ‪:‬‬
‫ض وما ي ْخرج مِنْها وما ين ِْزل مِن السم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫‪َ ﴿-1‬ي ْع َلم َما َيلج في ْاألَ ْر ِ َ َ َ‬
‫َو َما َي ْعرج فِ َيها ﴾‬

‫لو أن أهل األرض جميعا حاولوا إحصاء كل ﴿ما َيلِج فِي ْاألَ ْر ِ‬
‫ض‬
‫وما ي ْخرج مِنْها﴾‪﴿ ،‬وما ين ِْزل مِن الس ِ‬
‫ماء َوما َي ْعرج فِيها﴾ لما‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫استطاعوا‪ ،‬لكن اهلل أحصاها‪.‬‬

‫رب يعلم كل قطرة ماء تسقط من السماء أين تستقر‪ ،‬ويعلم كل نبتة‬
‫ٌّ‬
‫خرجت يف صحراء قاحلة‪ ،‬أفال يعلم همك وشكواك‪ ،‬وتفاصيل‬

‫بلواك؟!‬

‫‪﴿ -2‬وما يعرج فيها﴾‪ :‬قال الحسن‪« :‬المالئكة وأعمال العباد»‪،‬‬

‫فانظر بِ َم تعرج المالئكة من عملك اليوم‪ ،‬واطرد عنك الكسل‬

‫والنوم‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫‪ ﴿-3‬إِن فِي َذل ِ َك َآل َي ًة لِك ِّل َع ْب ٍد من ِ ٍ‬
‫يب﴾‬

‫شرط االنتفاع باآليات وجود نية التوبة والرجوع إلى رب األرض‬

‫والسماوات‪.‬‬

‫ون َعنْه َسا َع ًة َو َال َت ْس َت ْق ِدم َ‬


‫ون﴾‬ ‫‪ ﴿-4‬ق ْل َلك ْم مِي َعاد َي ْو ٍم َال َت ْست َْأ ِخر َ‬

‫هذا الميعاد قادم إما بالموت أو بيوم القيامة‪ ،‬وكل من مات فقد قامت‬

‫قيامته‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬أ ْن َتقوموا لِل ِه ﴾‬

‫أول المنازل اليقظة!‬

‫قال صاحب المنازل ما ملخصه‪ :‬هي القومة هلل المذكورة يف قوله‪:‬‬

‫﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا هلل مثنى وفرادى﴾‬

‫‪310‬‬
‫والقومة هلل هي اليقظة من ِسنة الغفلة‪ ،‬والنهوض عن ورطة الفرتة‪،‬‬

‫وهي على ثالثة أشياء‪:‬‬

‫‪-‬مالحظة القلب للنعمة‪ ،‬مع اليأس من عدِّ ها‪ ،‬والوقوف على حدِّ ها‪.‬‬

‫‪-‬والتفرغ إلى معرفة منة اهلل عليه هبا من غير استحقاق وال دفع ثمنها‪.‬‬

‫‪-‬والعلم بالتقصير يف حقها والقيام بشكرها‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من أهم مقاصد هذه السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬إثبات وحدانية اهلل تعالى عن طريق التذكير بنعمه المبثوثة يف‬

‫الكون‬

‫‪ -2‬إثبات قدرة اهلل الكاملة‪ ،‬ومنها قدرته على البعث‬

‫‪ -3‬إثبات صدق الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫من أهم موضوعات هذه السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬افتتاح السورة بحمد اهلل تعالى‪ ،‬وخلقه للسموات واألرض‪،‬‬

‫وجعله المالئكة رسال أولي أجنحة‪ ،‬وتقرير قدرته على كل شيء‪،‬‬

‫وذكر بعض مظاهر قدرة اهلل تعالى يف الخلق‪ ،‬ونعمه على عباده‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫اع ِل ا ْل َمالئِ َك ِة رسال أولِي‬
‫ضج ِ‬ ‫﴿ا ْلحمد لِل ِه َفاطِ ِر السم ِ‬
‫اوات َواألَ ْر ِ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َأ ْجن ِ َح ٍة م ْثنَى َوث َ‬
‫اع َي ِزيد في ا ْل َخ ْل ِق َما َي َشاء إِن َ‬
‫اهلل َع َلى ك ِّل‬ ‫الث َور َب َ‬
‫َشي ٍء َق ِد ٌير ‪َ .‬ما َي ْف َتحِ اهلل لِلن ِ‬
‫اس مِن ر ْح َم ٍة َفال م ْم ِس َك َل َها َو َما ي ْم ِس ْك‬ ‫ْ‬
‫َفال م ْر ِس َل َله مِن َب ْع ِد ِه َوه َو ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم﴾‬

‫‪ -2‬التحذير من الدنيا‪ ،‬ومن االغرتار بوساوس الشيطان‪.‬‬

‫﴿ َيا َأي َها الناس إِن َوعْدَ اهللِ َح ٌّق َفال َتغرنكم ا ْل َح َياة الدنْ َيا َوال َيغرنكم‬

‫خذوه َعد ًّوا إِن َما َيدْ عو ِح ْز َبه‬


‫ان َلكم َعدو َفات ِ‬ ‫ِ‬
‫بِاهلل ا ْل َغرور ‪ .‬إِن الش ْي َط َ ْ ٌّ‬
‫اب الس ِعير﴾‬
‫ل ِ َيكونوا مِ ْن َأ ْص َح ِ‬

‫‪-3‬بيان أن العزة من اهلل‪ ،‬واالستسالم هلل‪ ،‬واالفتقار التام إلى اهلل‬

‫يجلب للعبد الرفعة والعزة‬

‫َان ي ِريد ا ْل ِعز َة َفلِل ِه ا ْل ِعزة َج ِمي ًعا﴾‬


‫﴿ َمن ك َ‬

‫﴿ َيا َأي َها الناس َأنتم ا ْلف َق َراء إِ َلى اهللِ َواهلل ه َو ا ْل َغنِي ا ْل َح ِميد﴾‬

‫‪313‬‬
‫‪ -4‬بيان فضل الذين يتلون القرآن‪ ،‬ويقيمون الصالة‪ ،‬وينفقون سرا‬

‫وعالنية‪.‬‬

‫َاب اهللِ َو َأ َقاموا الصال َة َو َأن َفقوا مِما َر َز ْقنَاه ْم ِس ًّرا‬ ‫﴿إِن ال ِذين يتْل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫َ َ‬
‫وره ْم َو َي ِزيدَ هم ِّمن َف ْضلِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ور ‪ .‬لي َو ِّف َيه ْم أج َ‬
‫و َعالنِي ًة يرج َ ِ‬
‫ون ت َج َار ًة لن َتب َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬

‫إِنه َغف ٌ‬
‫ور َشك ٌ‬
‫ور﴾‬

‫‪-5‬بيان أن َمن أعطاه اهلل القرآن فقد اصطفاه اهلل عز وجل‪ ،‬مع ذكر‬

‫لمن أعطاهم القرآن‪ ،‬فأيهما أنت؟‬


‫أمثلة َ‬

‫ادنَا َف ِمنْه ْم َظال ِ ٌم ِّلنَ ْف ِس ِه‬


‫﴿ثم َأور ْثنَا ا ْلكِتَاب ال ِذين اص َط َفينَا مِن ِعب ِ‬
‫َ ْ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ات بِإِ ْذ ِن اهللِ َذل ِ َك ه َو ا ْل َف ْضل‬
‫ومِنْهم م ْقت َِصدٌ ومِنْهم سابِ ٌق بِا ْل َخير ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َكبِير﴾‬

‫لطائف وتدبرات من سورة فاطر‪:‬‬

‫وك َف َقدْ ك ِّذ َب ْت رس ٌل مِ ْن َق ْبلِ َك﴾‬


‫‪َ ﴿-1‬وإِ ْن ي َك ِّذب َ‬

‫‪314‬‬
‫عموم البالء فيه تسلية لسيد األنبياء ومن تبعه من المصلحين‬

‫واألتقياء‪.‬‬

‫‪َ ﴿-2‬يا َأي َها الناس إِن َوعْدَ اهللِ َح ٌّق َف َال َتغرنكم ا ْل َح َياة الد ْن َيا َو َال‬

‫َيغرنك ْم بِاهللِ ا ْل َغرور ﴾‬

‫الناس ثالثة أقسام‪:‬‬

‫فيقصر يف عمل اآلخرة‪.‬‬


‫قسم قليل العقل سخيف الرأي‪ ،‬يغرت بالدنيا‪ِّ ،‬‬

‫وقسم ثان يوسوس له شيطان اإلنس أو شيطان الجن‪ ،‬فيز ِّين له‬

‫الدنيا‪ ،‬في َغ ّرون هبا على حساب اآلخرة‪.‬‬

‫والقسم الثالث‪ :‬ال يغرتون بالدنيا‪ ،‬وال ي َغ ّرون بمن يز ِّين يف عيوهنم‬

‫الدنيا‪ ،‬جعلنا اهلل وإياكم منهم‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫ان َلكم َعدو َفات ِ‬
‫خذوه َعد ّو ًا﴾ التنبيه اإللهي للخطر‬ ‫‪﴿-3‬إِن الش ْي َط َ ْ ٌّ‬
‫ويحصنها ضد‬
‫ِّ‬ ‫قبل وقوعه ير ِّبي يف النفس المناعة المطلوبة‪،‬‬

‫األمراض لتأخذ نصيبها من المناعة الالزمة‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه اهلل‪« :‬واألمر باتخاذه عدو ًا تنبيه على استفراغ‬

‫الوسع يف محاربته و مجاهدته كأنه عدو ال يفرت [ وال َي ْقصر ] عن‬

‫محاربة العبد على عدد األنفاس»‪.‬‬

‫‪﴿-4‬إِن َما تن ِْذر ال ِذي َن َي ْخ َش ْو َن َربه ْم بِا ْل َغ ْي ِ‬


‫ب َو َأ َقاموا الص َال َة﴾‬

‫إنما تبلغ الموعظة مداها لمن جمع بين عمل الباطن‪َ ﴿ :‬ي ْخ َش ْو َن‬
‫َربه ْم بِا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب﴾‪ ،‬وعمل الظاهر‪َ ﴿ :‬و َأ َقاموا الص َال َة﴾‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬يا َأي َها الناس َأنْت ْم ا ْلف َق َراء إِ َلى اهللِ ﴾ الفقير إلى اهلل هو من‬

‫استغنى باهلل عن غيره‪ ،‬فصار أغنى الناس‪.‬كتب الحسن البصري إلى‬

‫عمر بن عبد العزيز‪ :‬يا أخي‪ ،‬من استغنى باهلل اكتفى‪ ،‬ومن انقطع إلى‬

‫‪316‬‬
‫غيره تعنى ِ‬
‫(تعب)‪.‬قال أبو الحسن المز ِّين‪« :‬من َل ْم يستغن باهلل‬

‫أحوجه اهلل إلى الخلق‪ ،‬ومن استغنى باهلل أحوج اهلل إليه الخلق»‪.‬‬
‫‪﴿-٦‬يرج َ ِ‬
‫ون ت َج َار ًة َل ْن َتب َ‬
‫ور﴾‬ ‫َْ‬

‫من هؤالء؟! الذين يتلون كتاب اهلل حق تالوته‪ ،‬ويقيمون الصالة‪،‬‬

‫وينفقون يف سبيل اهلل سرا وجهرا‪ ،‬فاعرف قيمة رأس مالك‪ ،‬وقدْ ر‬

‫الجواهر التي أعطاك اهلل‪ ،‬وال تض ِّيعها فرتد اآلخرة صفر اليدين ومن‬

‫المفاليس‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫من أهم مقاصد السورة‪ ،‬بيان قدرة اهلل عز وجل‪:‬‬

‫‪-1‬قدرة اهلل عز وجل على رد كيد أهل الباطل‪:‬‬


‫إِنا جع ْلنَا فِي َأ ْعنَاقِ ِهم َأ ْغ َال ًال َف ِهي إِ َلى ْاألَ ْذ َق ِ‬
‫ان َفهم م ْق َمح َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫‪-2‬قدرة اهلل عز وجل على الموت واإلحياء وإحصاء األعمال‪:‬‬

‫إِنا ن َْحن ن ْحيِي ا ْل َم ْو َتى َو َن ْكتب َما َقدموا َوآ َث َاره ْم ۚ َوكل َش ْي ٍء‬
‫َأ ْح َص ْينَاه فِي إِ َما ٍم مبِ ٍ‬
‫ين‬

‫‪-3‬قدرة اهلل عز وجل على إهالك َمن بارزه بالكفر والمعاصي‪:‬‬


‫ند من السم ِ‬
‫اء َو َما كنا م ِنزلِي َن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َ‬ ‫َو َما َأ َنز ْلنَا َع َلى َق ْومه من َب ْعده من ج ِّ َ‬
‫ون ﴿‪﴾2٩‬‬ ‫احدَ ًة َفإِ َذا ه ْم َخامِد َ‬
‫﴿‪ ﴾2٨‬إِن كَانَ ْت إِال صيح ًة و ِ‬
‫َ ْ َ َ‬

‫‪318‬‬
‫‪-4‬قدرة اهلل عز وجل على البعث‪:‬‬
‫احدَ ًة َت ْأخذهم وهم ي ِ‬
‫خ ِّصم َ‬
‫ون‬ ‫ون إِال صيح ًة و ِ‬
‫َما َينظر َ‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬

‫‪ -5‬قدرة اهلل عز وجل على خلق أصناف من النعيم يف الجنة‬

‫اب ا ْل َجن ِة ا ْل َي ْو َم فِي شغ ٍل َفاكِه َ‬


‫ون ﴿‪﴾55‬‬ ‫إِن َأ ْص َح َ‬

‫‪-٦‬قدرة اهلل عز وجل يف اليوم اآلخر‪:‬‬

‫اه ِه ْم َوت َك ِّلمنَا َأ ْي ِد ِ‬


‫يه ْم َو َت ْش َهد َأ ْرجلهم بِ َما كَانوا‬ ‫ا ْليوم ن َْختِم َع َلى َأ ْفو ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫َي ْك ِسب َ‬
‫ون ﴿‪﴾٦5‬‬

‫‪َ ﴿ -1‬و َن ْكتب َما َقدموا َوآ َث َاره ْم ﴾ [يس‪:]12:‬‬

‫اآلثار هي ما يبقى منأثر أعمالك الصالحة أو السيئة بعد موتك‪ ،‬ليظل‬

‫هنر أجرك أو وزرك جاريا عليك‬

‫وأنت يف القرب وحتى يوم الحشر!‬

‫‪319‬‬
‫‪َ ﴿ -2‬و َن ْكتب َما َقدموا َوآ َث َاره ْم ﴾ [يس‪:]12:‬‬

‫مراقب على مدار اللحظة!‬


‫ٌ‬ ‫نكتب! معناها أنك‬

‫‪َ ﴿ -3‬و َجا َء مِ ْن َأ ْق َصى ا ْل َم ِدين َِة َرج ٌل َي ْس َعى َق َال َيا َق ْو ِم اتبِعوا‬

‫ا ْلم ْر َسلِي َن﴾ [يس‪:]2٠:‬‬

‫‪ .‬رجل لم نعرف اسمه وال لقبه‪ ،‬إنما يعرفه اهلل‪ ،‬وشرفه بذكر خربه يف‬

‫القرآن‪ ،‬وكفا فخرا وشرفا تتحدث عنه األجيال!‬

‫لم ي ِ‬
‫لق بمسؤولية الدعوة على األنبياء والمرسلين‪ ،‬بل شاركهم لما‬

‫علم عدم حصول الكفاية يف تبليغ أمر الدين‪ ،‬وما زال األمر قائما إلى‬

‫اليوم‪.‬‬

‫ون * قِ َيل ا ْدخ ْل ا ْل َجن َة َق َال َيا َل ْي َت‬


‫‪﴿ -4‬إِنِّي آمنْت بِربكم َفاسمع ِ‬
‫َ ِّ ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾ [يس‪:]2٦ ،25:‬‬ ‫َق ْومِي َي ْع َلم َ‬

‫آذوه واحتقروه وقتلوه‪ ،‬ومع هذا يتمنى لو علموا‬


‫‪320‬‬
‫آذوه!‬
‫بمقعده يف الجنة‪ ..‬إهنا رحمة الداعية بقومه مهما ْ‬

‫‪َ ﴿ -5‬وا ْمتَازوا ا ْل َي ْو َم َأي َها ا ْلم ْج ِرم َ‬


‫ون ﴾‬

‫انفصلوا عن المؤمنين‪..‬ال تسيروا يف ركاهبم‪ ،‬فارقتموهم يف الدنيا يف‬

‫األعمال‪ ،‬فلتفارقوهم اليوم يف األحوال‪ :‬هم يف النعيم‪ ،‬وأنتم يف‬

‫الجحيم‪.‬‬

‫يه ْم َو َت ْش َهد َأ ْرجله ْم بِ َما كَانوا َي ْك ِسب َ‬


‫ون ﴾ [يس‪:‬‬ ‫‪َ ﴿ -٦‬وت َك ِّلمنَا َأ ْي ِد ِ‬

‫علمت أن جوارحك كانت‬


‫َ‬ ‫ظننت نفسك يف الدنيا خاليا‪ ،‬وما‬
‫َ‬ ‫‪.:]٦5‬‬

‫معك! شهدت عليك‪ ،‬وستؤدي الشهادة غدا بين يدي اهلل!‬

‫‪321‬‬
‫سميت الصافات ألن الصافات هي مشهد من مشاهد العبودية التامة‬

‫هلل (عبودية المالئكة وهي صافة تستمع ألمر اهلل ثم تنطلق فورا‬

‫للتنفيذ) والسورة تتحدث عن العبودية التامة هلل‪ ،‬عبودية المالئكة‪،‬‬

‫وعبودية األنبياء صلوات اهلل عليهم أجميعن‪.‬‬

‫تعرض السورة مشاهد هتز القلوب‪:‬‬

‫‪-1‬مشهد عظمة الكون الذي خلقه اهلل‬


‫احدٌ ‪ .‬رب السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض َو َما َب ْينَه َما َو َرب‬ ‫﴿إِن إِ َلـهكم َلو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ار ِق﴾‬
‫ا ْل َم َش ِ‬

‫‪-2‬مشهد عقوبة اهلل للشياطين‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ إِال َم ْن َخطِ َ‬
‫خ ْط َف َة َف َأ ْت َب َعه ش َه ٌ‬
‫اب َثاق ٌ‬
‫ب﴾‬ ‫ف ا ْل َ‬

‫‪322‬‬
‫‪-3‬مشهد الذي لم يستقيم على عبودية اهلل‬

‫ون ‪َ .‬ب ْل هم ا ْل َي ْو َم‬ ‫﴿ َوقِفوه ْم ۚ إِنهم م ْسئول َ‬


‫ون ‪َ .‬ما َلك ْم َال َتن َ‬
‫َاصر َ‬

‫م ْست َْسلِم َ‬
‫ون﴾‬

‫من لم يسلم هلل يف الدنيا‪ ،‬يستسلم له يف اآلخرة!‬

‫‪-4‬مشهد من عبدوا اهلل‪ ،‬وأخلصوا هلل‪ ،‬والجزاء الذي سينالوه‬

‫﴿إِال ِع َبا َد الل ِـه ا ْلم ْخ َل ِصي َن ‪ .‬أو َلـئِ َك َله ْم ِر ْز ٌق م ْعلو ٌم ‪َ .‬ف َواكِه ۚ َوهم‬
‫ات الن ِع ِ‬
‫يم ‪َ .‬ع َلى سر ٍر م َت َقابِلِي َن ﴾‬ ‫ون ‪ .‬فِي جن ِ‬
‫َ‬ ‫م ْك َرم َ‬

‫‪-5‬مشهد من عذاب أهل النار‬

‫ون مِن َْها‬


‫ون مِن َْها َف َمالِئ َ‬
‫﴿ َأ َذل ِ َك َخ ْي ٌر نز ًال َأ ْم َش َج َرة الزقو ِم ‪َ .‬فإِنه ْم َآلكِل َ‬

‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ون ‪ .‬ثم إِن َله ْم َع َل ْي َها َل َش ْو ًبا ِّم ْن َح ِم ٍ‬


‫يم ‪ .‬ثم إِن مر ِج َعهم َ ِ‬
‫إل َلى‬ ‫ا ْلبط َ‬
‫ح ِ‬
‫يم ﴾‬ ‫ا ْلج ِ‬
‫َ‬

‫‪323‬‬
‫بعضا من قصص األنبياء الذين حققوا العبودية‬
‫ثم تعرض السورة ً‬
‫واإلخالص التام هلل سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫‪-1‬قصة سيدنا نوح‬

‫وح َف َلن ِ ْعم ا ْلم ِ‬


‫جيب َ‬
‫ون ﴾‬ ‫﴿ َو َل َقدْ نَا َدانَا ن ٌ‬
‫َ‬

‫تأمل لما نادى نوح ربه‪ ،‬كانت نِعم اإلجابة! فأنت عندما تحقق‬

‫العبودية هلل‪ ،‬لن يرتكك اهلل عندما تلجأ إليه وتناديه‪.‬‬

‫‪-2‬قصة سيدنا إبراهيم‬

‫ب َسلِ ٍ‬
‫يم ﴾‬ ‫﴿ إِ ْذ َجا َء َربه بِ َق ْل ٍ‬

‫ذكر القلب السليم يف القرآن مرتين‪ ،‬والمرتين مع سيدنا إبراهيم‪،‬‬

‫فسيدنا إبراهيم َسلِ َم قلبه من الشرك‪ ،‬ومن خوفه من قومه‪ ،‬ومن‬

‫خوفه من النار‪ ،‬وحتى من حبه البنه‪ ،‬فخرج كل الخوف من قلبه‪،‬‬

‫وكل المرجوات من قلبه‪ ،‬ولم يعد يف قلبة إال اهلل‪.‬‬


‫‪324‬‬
‫‪-3‬قصة سيدنا موسى‬

‫ون ‪َ .‬ونَج ْينَاه َما َو َق ْو َمه َما مِ َن ا ْل َك ْر ِ‬


‫ب‬ ‫﴿ َو َل َقدْ َمنَنا َع َلى م َ‬
‫وسى َو َهار َ‬
‫ا ْل َعظِ ِ‬
‫يم ﴾‬

‫عطاءات اهلل الكثيرة لسيدنا موسى ألهنم من أهل اإليمان والعبودية‪،‬‬

‫ادنَا ا ْلم ْؤمِنِي َن‬


‫فقد قال اهلل عنهم‪ :‬إِنهما مِن ِعب ِ‬
‫َ ْ َ‬

‫‪-4‬قصة سيدنا إلياس‬

‫اس َل ِم ْن ا ْلم ْر َسلِي َن ‪ .‬إذا َق َال ل ِ َق ْومِ ِه َأال َتتق َ‬


‫ون ‪َ .‬أ َتدْ ع َ‬
‫ون َب ْعال‬ ‫﴿ َوإِن إِ ْل َي َ‬
‫اهلل َربك ْم َو َرب آ َبائِكم األَولِي َن﴾‬
‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ون َأحسن ا ْل َخال ِ ِ‬
‫ق‬ ‫َو َت َذر َ ْ َ َ‬

‫تأمل يف قوة سيدنا إلياس على مواجهة قومه بالحق!‬

‫‪325‬‬
‫‪-5‬قصة سيدنا لوط‪:‬‬

‫وزا فِي‬
‫﴿ َوإِن لو ًطا ل ِم َن ا ْلم ْر َسلِي َن ‪ .‬إِ ْذ نَج ْينَاه َو َأ ْه َله َأ ْج َم ِعي َن ‪ .‬إِال َعج ً‬
‫ا ْل َغابِ ِري َن﴾‬

‫رغم أنها زوجة نبي‪ ،‬إال أهنا لم َتس َلم من العذاب‪ ،‬ألهنا لم تؤمن‪.‬‬

‫‪-٦‬قصة سيدنا يونس‪:‬‬


‫﴿وإِن يونس َل ِمن ا ْلمرسلِين ‪ .‬إِ ْذ َأب َق إِ َلى ا ْلف ْل ِ‬
‫ك ا ْلم ْشح ِ‬
‫ون﴾‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫خالف أمر ربه‪ ،‬وترك الدعوة إلى اهلل عز وجل‪ ،‬فكانت النتيجة أنه‬

‫سيعاقب بأشد عقوبة يف التاريخ! ولكنه نجاه التسبيح‪:‬‬

‫حين ‪َ .‬ل َلبِ َث فِي َب ْطن ِ ِه إِ َلى َي ْو ِم ي ْب َعث َ‬


‫ون﴾‬ ‫َان مِن ا ْلمسب ِ‬
‫﴿ َف َل ْوال َأنه ك َ ْ َ ِّ‬

‫سجن يف بطن الحوت إلى أن تقوم الساعة!‬


‫تخيل أنه كان سي َ‬

‫‪326‬‬
‫ولكن أنقذه العبادة‪ ،‬أنقذه الزاد الذي ادخره‪ ،‬وأنت عندما تكون يف‬

‫مثل هذه المواقف‪ ،‬ما الذي سينقذك؟ ماذا سيقول اهلل عنك‪ ،‬فلوال‬

‫أنك كنت من‪....‬؟‬

‫ونتذكر حديث الثالثة والصخرة التي أغلقت عليهم‪ ،‬فكل واحد‬

‫فنجاهم اهلل‪ ،‬فهل لديك عمل صالح‬


‫منهم دعى اهلل بعمل صالح‪ّ ،‬‬
‫حتما ستأيت؟‬
‫ينجيب من كربات الدنيا‪ ،‬والتي ً‬

‫ثم تنتهي قصة سيدنا يونس بإيمان قومه‪ ،‬فأنعم اهلل عليهم!‬

‫َفآ َمنوا َف َمت ْعنَاه ْم إِ َلى ِح ٍ‬


‫ين‬
‫ِ‬
‫وأحسن إيمانك‪.‬‬ ‫فإذا أردت أن تتمتع يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأخلِص هلل‪،‬‬
‫ِ‬
‫احشروا الذي َن َظ َلموا َو َأ ْز َو َ‬
‫اجه ْم ﴾ [الصافات‪ :]22 :‬قال قتادة‬ ‫‪ْ ﴿ -1‬‬
‫والكلبي‪« :‬كل من عمل مثل عملهم‪ ،‬فأهل الخمر مع أهل الخمر‪،‬‬

‫وأهل الزنا مع أهل الزنا»‪ ..‬اخرت صحبتك غدا!‬

‫‪327‬‬
‫إيقاف على‬
‫ٌ‬ ‫‪َ -2‬وقِفوه ْم إِنه ْم َم ْسئول َ‬
‫ون﴾ [الصافات‪ :]24 :‬هذا‬

‫جمعون‬
‫حبس ي َ‬
‫الصراط للمساءلة عن جميع األقوال واألفعال‪ ،‬وهو ٌ‬
‫فيه مع أقراهنم قبل أن يساقوا إلى الجحيم‪.‬‬

‫‪َ ﴿ .-3‬ال فِ َيها َغ ْو ٌل َو َال ه ْم َعن َْها ين َْزف َ‬


‫ون﴾ [الصافات‪ :]47 :‬قال‬

‫الضحاك‪« :‬يف الخمر أربع خصال‪ :‬السكر والصداع والقيء والبول‪،‬‬

‫فذكر اهلل خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال»‪.‬‬


‫اصرات الطر ِ‬
‫ِ‬
‫ف عين﴾ [الصافات‪ :]4٨ :‬قال السعدي‪« :‬إما‬ ‫ْ‬ ‫‪َ ﴿-4‬ق َ‬
‫طرفها على زوجها‪ ،‬لعفتها وعدم مجاوزته لغيره‪،‬‬
‫أهنا قصرت ْ‬
‫ولجمال زوجها وكماله‪ ،‬بحيث ال تطلب يف الجنة سواه‪ ،‬وال ترغب‬

‫طرف زوجها عليها‪ ،‬وذلك يدل على‬


‫إال به‪ ..‬وإما ألهنا قصرت ْ‬
‫كمالها وجمالها الفائق‪ ،‬الذي أوجب لزوجها‪ ،‬أن يقصر طرفه‬

‫عليها»‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫‪َ ﴿ -5‬ط ْلع َها ك ََأنه رءوس الش َياطِ ِ‬
‫ين ﴾‬

‫ومع أنه لم ير أحد الشيطان حتى يخاف منه‪ ،‬لكن كفى بصورته‬

‫الغائبة المجهولة رعبا‪ ،‬فليس الطعم المريع ما ينتظر المعذب‬

‫فحسب‪ ،‬بل معه المنظر الفظيع والرعب من الشكل المخيف‪ ،‬وهذا‬

‫الحسي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫من العذاب النفسي الذي يضاعف أثر العذاب‬
‫َان مِن ا ْلمسب ِ‬
‫حي َن﴾ [الصافات‪ :]143 :‬قال الحسن‪:‬‬ ‫‪َ ﴿-٦‬ف َل ْو َال َأنه ك َ َ َ ِّ‬
‫«ما كان له صالةٌيف بطن الحوت‪ ،‬ولكنه قدم عمال صالحا يف حال‬

‫الرخاء فذكره اهلل به يف حال البالء»‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫من مقاصد سورة ص أهنا تتكلم عن عطاءات اهلل عز وجل لألوابين‪،‬‬

‫إقامة األدلة على وحدانية اهلل تعالى وقدرته‪ ،‬وعلى صدق النبي صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأن البعث حق‪ ،‬مع الرد على شبهات المشركين‪.‬‬

‫مواضيع السورة‪:‬‬

‫‪ -1‬بيان موقف المشركين من النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإنكارهم‬

‫لنبوته وما جاء به من التوحيد‪.‬‬


‫ِ‬ ‫نذ ٌر ِّمنْه ْم َو َق َال ا ْل َكافِر َ‬
‫جبوا َأن جاءهم م ِ‬
‫َو َع ِ‬
‫ون َه َذا َساح ٌر كَذ ٌ‬
‫اب‬ ‫َ َ‬

‫‪-2‬تسلية الرسول صلى اهلل عليه وسلم عما أصابه من قومه‪ ،‬بذكر‬

‫عدد من األمم التي كذبت رسلها‪ ،‬مع أمره صلى اهلل عليه وسلم‬

‫بالصرب‪.‬‬

‫إِن ك ٌّل إِال كَذ َب الرس َل َف َحق ِع َق ِ‬


‫اب‬

‫‪330‬‬
‫‪-3‬ذكرت السورة قصة سيدنا داوود وبعض العطاءات العجيبة التي‬

‫أعطاها اهلل له‪ ،‬والسر يف كلمة واحدة‪ :‬إِنه َأو ٌ‬


‫اب!‬

‫قال سعيد بن المسيب ‪« :‬األواب الذي يذنب ثم يستغفر‪ ،‬ثم يذنب‬

‫ثم يستغفر»‪.‬‬

‫وقيل أن األواب هو الذي بينه وبين اهلل عز وجل خلوة‪ ،‬يتوب فيه‪،‬‬

‫ويجدد فيها إيمانه‪.‬‬

‫‪-4‬ثم تأيت قصة سيدنا سليمان‪ ،‬لما غفل عن ذكر اهلل عز وجل بسبب‬

‫الخيل التي ظل ينظر إليها حتى بدأت الشمس يف الغياب‪:‬‬

‫إِ ْذ ع ِر َض َع َل ْي ِه بِا ْل َع ِشي الصافِنَات ا ْل ِ‬


‫ج َياد ‪َ .‬ف َق َال إِنِّي َأ ْح َببْت حب‬ ‫ِّ‬
‫ت بِا ْل ِ‬
‫ح َج ِ‬
‫اب‬ ‫ا ْل َخ ْي ِر َعن ِذك ِْر َر ِّبي َحتى َت َو َار ْ‬

‫فما فعل بعد ذلك؟‬

‫‪331‬‬
‫قيل أنه مسك سي ًفا وبدأ بذبح هذه الخيل التي شغلته عن ذكر اهلل عز‬

‫وجل‪ ،‬وهذا ما يجب علينا أن نفعله‪ ،‬أن نقطع كل ما يشغلنا عن اهلل‬

‫عز وجل‪.‬‬

‫َسل نفسك‪ ،‬ما الذي يشغلك عن ورد القرآن؟ ما الذي يشغلك عن‬

‫قيام الليل وصالة الفجر؟‬

‫ثم ابدأ باالبتعاد عن كل ما يعطلك عن اهلل عز وجل‪ ،‬مهما كان هذا‬

‫الشيء محبب إلى قلبك‪.‬‬

‫‪-5‬ثم قصة سيدنا أيوب‪ ،‬والكالم عن صربه‪ ،‬وعن تفريج اهلل عز‬
‫ِ‬
‫وجل عنه‪ ،‬وأيضا السر يف كلمة واحدة‪ :‬ن ْع َم ا ْل َع ْبد إِنه َأو ٌ‬
‫اب!‬

‫‪-٦‬ثناء اهلل على أنبيائه‪ :‬إبراهيم‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وإسماعيل‪،‬‬

‫واليسع‪ ،‬وذي الكفل‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫‪﴿-1‬إِن َه َذا َل َش ْي ٌء ي َراد﴾‬

‫اهتام نيات المصلحين مسلك قديم!‬

‫‪َ ﴿-2‬وا ْذك ْر َع ْبدَ نَا َداوو َد َذا ْاألَ ْي ِد﴾‬

‫يحب اهلل القوة ويمدحها يف عباده‪ ،‬والقوة الممدوحة هي قوة اإليمان‬

‫وقوة األبدان‪ ،‬فالبد للعبد أن يسعى يف امتالك أسباب القوتين‪ ،‬وال‬

‫يتكاسل عن طلب واحدة منهما‪.‬‬


‫ِ‬
‫اس َت ْغ َف َر َربه َو َخر َراك ًعا َو َأن َ‬
‫َاب﴾ [ص‪:‬‬ ‫‪َ ﴿-3‬و َظن َداوود َأن َما َفتَناه َف ْ‬
‫‪ :]24‬السجود طريق المغفرة! قال ﷺ‪« :‬ما من عبد يذنب ذنبا‬

‫فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر اهلل بذلك‬

‫الذنب إال غفر اهلل له»‬

‫‪﴿-4‬إِن َه َذا َل ِر ْزقنَا ما َله مِن َن َف ٍ‬


‫اد﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪333‬‬
‫قال الطربي‪« :‬كلما أخذوا ثمرة من ثمار شجرة من أشجارها‪،‬‬

‫فأكلوها‪ ،‬عادت مكاهنا أخرى مثلها‪ ،‬فذلك لهم دائم أبدا‪ ،‬ال ينقطع»‪.‬‬

‫‪َ ﴿-5‬قالوا َربنَا َم ْن َقد َم َلنَا َه َذا َف ِز ْده َع َذا ًبا ِض ْع ًفا فِي الن ِ‬
‫ار﴾‬

‫ِ‬
‫حذار أن تكون سببا يف عصيان أحد!‬ ‫ِ‬
‫حذار‬

‫‪334‬‬
‫من أهم مقاصد سورة الزمر أهنا تتكلم عن المقامات يف الدين‪،‬‬

‫فتتكلم عن مقامات عالية‪ ،‬وتتكلم عن مقامات أقل!‬

‫واسم السورة الزمر‪ ،‬والزمر هي الجماعات واألفواج‪ ،‬فمع أي زمر‬

‫ستكون يوم القيامة؟‬

‫أقل مقامات يف الدين‪:‬‬

‫ان ض ٌّر َد َعا َربه منِي ًبا إِ َل ْي ِه ثم إِ َذا َخو َله نِ ْع َم ًة ِّمنْه ن َِس َي‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوإِ َذا َمس ْاإل َ‬
‫نس َ‬

‫َان َيدْ عو إِ َل ْي ِه مِن َق ْبل َو َج َع َل لِل ِـه َأندَ ا ًدا ِّلي ِضل َعن َسبِيلِ ِه ۚ ق ْل‬
‫َما ك َ‬

‫َت َمت ْع بِك ْف ِر َك َقلِ ً‬


‫يال ﴾‬

‫أعلى مقامات يف الدين‪:‬‬

‫‪335‬‬
‫اجدً ا َو َقائِ ًما َي ْح َذر ْاآل ِخ َر َة َو َي ْرجو َر ْح َم َة‬
‫﴿ َأم ْن ه َو َقانِ ٌت آنَاء الل ْي ِل س ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون َوال ِذي َن َال َي ْع َلم َ‬
‫ون ۚ إِن َما َيت ََذكر‬ ‫َر ِّب ِه ۚ ق ْل َه ْل َي ْست َِوي ال ِذي َن َي ْع َلم َ‬
‫أولو ْاألَ ْل َب ِ‬
‫اب﴾‬

‫فأي المقامات ستسلك؟ ومع أي جماعة ستكون يوم القيامة؟‬

‫‪-‬تبدأ السورة بالتنويه بشأن وعظمة القرآن الذي نزل على النبي صلى‬

‫اهلل عليه وسلم بالحق‪ ،‬واألمر باإلخالص‪.‬‬


‫ِ‬ ‫َاب مِ َن اهللِ ا ْل َع ِز ِيز ا ْل َحكِ ِ‬
‫يم ‪ .‬إِنا َأ َنز ْلنَا إِ َل ْي َك ا ْلكت َ‬
‫َاب بِا ْل َح ِّق‬ ‫﴿ َت ِنزيل ا ْلكِت ِ‬

‫اهلل م ْخلِ ًصا له الدِّ ي َن﴾‬ ‫َفا ْعب ِ‬


‫د‬
‫َ‬

‫‪-‬ثم تقارن السورة بين الكافرين والمؤمنين‪ ،‬وذكر العاقبة‪:‬‬

‫ار َومِن َت ْحتِ ِه ْم ظ َل ٌل َذل ِ َك ي َخ ِّوف اهلل بِ ِه‬


‫﴿ َلهم ِّمن َف ْوقِ ِه ْم ظ َل ٌل ِّم َن الن ِ‬
‫ِعباده يا ِعب ِ‬
‫اد َفاتق ِ‬
‫ون﴾‬ ‫َ َ َ َ‬

‫‪336‬‬
‫ف م ْبنِي ٌة َت ْج ِري مِن‬
‫ف ِّمن َف ْوقِ َها غ َر ٌ‬
‫َلكِ ِن ال ِذي َن ات َق ْوا َربه ْم َله ْم غ َر ٌ‬

‫َت ْحتِ َها األَن َْهار َوعْدَ اهللِ ال ي ْخلِف اهلل ا ْل ِمي َعا َد‬

‫‪-‬ثم يأيت الحديث عن القرآن يف أكثر من موضع يف السورة‪:‬‬

‫يث كِتَا ًبا مت ََشابِ ًها مثَانِ َي َت ْق َش ِعر مِنْه جلود ال ِذي َن‬
‫﴿اهلل نَز َل َأحسن ا ْلح ِد ِ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫ي ْخ َشو َن ربهم ثم َتلِين جلودهم وقلوبهم إِ َلى ِذك ِْر اهللِ َذل ِ َك هدَ ى اهللِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫اد﴾‬ ‫يه ِدي بِ ِه من ي َشاء ومن ي ْضلِ ْل اهلل َفما َله مِن َه ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬

‫آن مِن ك ِّل َم َث ٍل ل َعله ْم َيت ََذكر َ‬


‫ون ‪.‬‬ ‫اس فِي َه َذا ا ْلقر ِ‬
‫ْ‬ ‫﴿ َو َل َقدْ َض َر ْبنَا لِلن ِ‬

‫ق ْرآنًا َع َربِ ًّيا َغ ْي َر ِذي ِع َوجٍ ل َعله ْم َيتق َ‬


‫ون﴾‬

‫اس بِا ْل َح ِّق َف َم ِن ْاهتَدَ ى َفلِنَ ْف ِس ِه َو َمن َضل‬


‫اب لِلن ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿إِنا َأ َنز ْلنَا َع َليْ َك ا ْلكتَ َ‬
‫نت َع َل ْي ِهم بِ َوكِي ٍل﴾‬
‫َفإِن َما َي ِضل َع َل ْي َها َو َما َأ َ‬

‫ونالحظ أن الهداية جاءت مع القرآن‪ ،‬وهذه رسالة بأن القرآن أسرع‬

‫وسيلة للهداية‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫أيضا ذكرت السورة بعض دالئل وحدانية اهلل وقدرته‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫﴿اهلل َخالِق ك ِّل َشي ٍء وهو َع َلى ك ِّل َشي ٍء وكِ ٌيل ‪َ .‬له م َقالِيد السماو ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ات اهللِ أو َلئِ َك هم ا ْل َخ ِ‬
‫ض وال ِذين َك َفروا بِآي ِ‬
‫اسر َ‬
‫ون﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َواألَ ْر ِ َ‬

‫لمن كان له قلب‪:‬‬


‫‪-‬وتأيت آيات‪ ،‬لعلها من أصعب اآليات يف القرآن َ‬

‫﴿ َو َبدَ ا َلهم ِّم َن اهللِ َما َل ْم َيكونوا َي ْحت َِسب َ‬


‫ون َو َبدَ ا َله ْم َس ِّي َئات َما ك ََسبوا‬

‫اق بِ ِهم ما كَانوا بِ ِه َي ْست َْه ِزؤون! ﴾‬


‫َو َح َ‬

‫هذه اآلية سماها البعض آية الصدمة! أن تصدم يوم القيامة بأن‬

‫عول عليها لم تكن كما‬


‫أعمالك لم تنجيك‪ ،‬وأن أعمالك التي كنت ت ِّ‬
‫يف حسبانك‪ ،‬وأن المعاصي التي هتاونت فيها اندهشت وانصدمت‬

‫عندما رأيت عاقبتها!‬

‫أرجى آية يف كتاب اهلل كما يقول العلماء‪:‬‬


‫‪-‬ويف السورة َ‬

‫‪338‬‬
‫اد َي ال ِذي َن َأ ْس َرفوا َع َلى َأنف ِس ِه ْم ال َت ْقنَطوا مِن ر ْح َم ِة اهللِ إِن‬
‫﴿ق ْل يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫وب َج ِمي ًعا إِنه ه َو ا ْل َغفور الر ِحيم﴾‬ ‫ِ‬
‫اهلل َي ْغفر الذن َ‬
‫َ‬

‫تأمل جيدً ا يف هذه الياء! أن ينسبك اهلل إلى نفسه رغم أنك مسرف‬

‫على نفسك بالمعاصي! يا عبادي! ما أجملها من ياء‬

‫ثم بعدها أوامر ربانية من اهلل سبحانه وتعالى لكل َمن أراد أن يسير يف‬

‫طريقه‪:‬‬

‫﴿ َو َأنِيبوا إِ َلى َر ِّبك ْم َو َأ ْسلِموا َله مِن َق ْب ِل َأن َي ْأتِ َيكم ا ْل َع َذاب ثم ال‬

‫ون ‪ .‬واتبِعوا َأ ْح َس َن َما أ ِنز َل إِ َل ْيكم ِّمن ر ِّبكم ِّمن َق ْب ِل َأن َي ْأتِ َيكم‬
‫نصر َ‬
‫ت َ‬
‫ا ْل َع َذاب َب ْغ َت ًة َو َأنت ْم ال َت ْشعر َ‬
‫ون﴾‬

‫ثن تختم السورة على مشهد من مشاهد العلو والعظمة هلل‬

‫ون بِ َح ْم ِد َر ِّب ِه ْم ۚ‬ ‫﴿ َو َت َرى ا ْل َم َالئِ َك َة َحا ِّفي َن مِ ْن َح ْو ِل ا ْل َع ْر ِ‬


‫ش ي َس ِّبح َ‬

‫َوق ِض َي َب ْينَهم بِا ْل َح ِّق َوقِ َيل ا ْل َح ْمد لِل ِـه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‬

‫‪339‬‬
‫لطائف وتدبرات من سورة الزمر‪:‬‬
‫‪َ ﴿ -1‬أ َليس اهلل بِ َك ٍ‬
‫اف َع ْبدَ ه ﴾‬ ‫ْ َ‬

‫تقوية لقلب كل مؤمن عند الشدائد‪ ،‬وإزالة للخوف الذي يف قلبه‬

‫تجاه أي خطر‪.‬‬

‫ب َوالش َها َد ِة َأن َْت‬


‫ض َعال ِ َم ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫‪﴿ -2‬ق ِل اللهم َفاطِر السماو ِ‬
‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اد َك فيما كَانوا فِ ِ‬
‫يه َي ْختَلِف َ‬
‫ون﴾ [الزمر‪ :]4٦ :‬كان النبي‬ ‫َتحكم بين ِعب ِ‬
‫ْ َْ َ َ‬
‫ﷺ إذا قام من الليل افتتح صالته‪« :‬اللهم رب جربيل وميكائيل‬

‫وإسرافيل‪ ،‬فاطر السموات واألرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ ،‬أنت‬

‫تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‪ ،‬اهدين لما اختلف فيه من‬

‫الحق بإذنك إنك هتدي من تشاء إلى صراط مستقيم»‪.‬‬

‫‪َ ﴿-3‬و َبدا َله ْم مِ َن اهللِ َما َل ْم َيكونوا َي ْحت َِسب َ‬


‫ون﴾ [الزمر‪ :]47 :‬قال‬

‫مجاهد والسدِّ ي‪« :‬عملوا أعماال توهموا أهنا حسنات فإذا هي‬

‫‪340‬‬
‫سيئات»‪ ،‬وقال سفيان الثوري يف هذه اآلية‪« :‬ويل ألهل الرياء ‪ ..‬ويل‬

‫ألهل الرياء ‪ ..‬هذه آيتهم وقصتهم»‪.‬‬


‫بادي ال ِذين َأسرفوا على َأنْف ِس ِهم ال َت ْقنَطوا مِن رحم ِة اهللِ‬
‫ِ ِ‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫‪﴿ -4‬ق ْل يا ع َ‬
‫﴾ [الزمر‪ :]53 :‬قال عبد اهلل بن مسعود وغيره‪« :‬هذه أرجى آية يف‬

‫كتاب اهلل تعالى»‪.‬‬

‫اهلل َفا ْعبدْ َوك ْن مِ َن الشاكِ ِري َن﴾‬


‫‪َ ﴿ -5‬ب ِل َ‬

‫قال السعدي‪« :‬فكما أنه تعالى يشكر على النعم الدنيوية‪ ،‬كصحة‬

‫الجسم وعافيته‪ ،‬وحصول الرزق وغير ذلك‪ ،‬كذلك يش َكر ويثنى‬

‫عليه بالنعم الدينية‪ ،‬كالتوفيق لإلخالص‪ ،‬والتقوى‪ ،‬بل نعم الدين‪،‬‬

‫هي النعم على الحقيقة»‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫‪َ ﴿-٦‬ت َرى ال ِذي َن ك ََذبوا َع َلى اهللِ وجوهه ْم م ْس َود ٌة﴾‬

‫قال القشيري‪« :‬هؤالء الذين ا ّدعوا أحواال ولم يصدقوا فيها‪،‬‬

‫وأظهروا المحبة هلل ولم يتحققوا هبا‪ ،‬وكفاهم افتضاحا بذلك!‬

‫‪َ ﴿ .-7‬و ِس َيق ال ِذي َن ات َق ْوا َربه ْم إِ َلى ا ْل َجن ِة﴾‬

‫قال القرطبي‪« :‬قال يف حق الفريقين﴿ َو ِس َيق﴾ بلفظ واحد‪ ،‬فسوق‬

‫أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان‪ ،‬كما يفعل باألسارى‬

‫والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل‪.‬‬

‫‪َ ﴿-٨‬و ِس َيق ال ِذي َن ات َق ْوا َربه ْم إِ َلى ا ْل َجن ِة ز َم ًرا َحتى إِ َذا َجاء َ‬
‫وها‬

‫َوفتِ َح ْت َأ ْب َواب َها﴾ زيادة الواو دليل على أن األبواب فتحت لهم قبل‬

‫أن يأتوا لكرامتهم على اهلل تعالى‪ ،‬والتقدير حتى إذا جاءوها وأبواهبا‬

‫مفتحة‪ ،‬لكنه حذف الواو يف قصة أهل النار‪ ،‬ألهنم وقفوا على النار‪،‬‬

‫وفتِحت أبواهبا بعد وقوفهم عليها ترويعا لهم وتخويفا‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪َ ﴿-٩‬وقِ َيل ا ْل َح ْمد لِل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن ﴾‬

‫قال ابن كثير‪« :‬أي ونطق الكون أجمعه ناطقه وهبيمه هلل رب العالمين‬

‫بالحمد يف حكمه وعدله‪ ،‬ولهذا لم يسند القول إلى قائل‪ ،‬بل أطلقه‪،‬‬

‫فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد»‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫من مقاصد سورة غافر إبطال جدل الذين يجادلون يف آيات اهلل‪،‬‬

‫والحديث عن أهوال اآلخرة‪ ،‬وحقارة الدنيا مقارنة باآلخرة‪.‬‬

‫والغريب أن اسم السورة غافر‪ ،‬ومع ذلك فالسورة تتحدث عن‬

‫عذاب اهلل‪ ،‬كأن اهلل عز وجل يذكرك بعذابه‪ ،‬ويذكرك بحلمه ومغفرته‬

‫حتى ال تيأس‪ ،‬وحتى ال تغرت أيضا‪.‬‬

‫تبدأ السورة بالثناء على القرآن‪ ،‬والثناء على اهلل عز وجل‪ ،‬وعرض‬

‫قدرته سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫نب َو َقابِ ِل الت ْو ِ‬


‫ب‬ ‫َاب مِ َن اهللِ ا ْل َع ِز ِيز ا ْل َعلِ ِ‬
‫يم ‪َ .‬غافِ ِر الذ ِ‬ ‫﴿ َت ِنزيل ا ْلكِت ِ‬

‫اب ِذي الط ْو ِل ال إِ َل َه إِال ه َو إِ َليْ ِه ا ْل َم ِصير﴾‬


‫يد ا ْل ِع َق ِ‬
‫َش ِد ِ‬

‫ويعرض اهلل عز وجل يف هذه السورة عبودية المالئكة‪:‬‬

‫‪344‬‬
‫ون بِ َح ْم ِد َر ِّب ِه ْم َوي ْؤمِن َ‬
‫ون‬ ‫﴿ال ِذي َن َي ْح ِمل َ‬
‫ون ا ْل َع ْر َش َو َم ْن َح ْو َله ي َس ِّبح َ‬

‫بِ ِه﴾‬

‫فعندما يستشعر العبد قدرة اهلل عز وجل‪ ،‬مع كثرة عبودية المالئكة له؛‬

‫ينكسر هلل‪ ،‬ويعلم أنه يف تقصير يف حق اهلل ويف حق عبادته‪.‬‬

‫ثم تعرض السورة ثالثة مشاهد من مشاهد يوم القيامة‪:‬‬

‫‪-1‬يوم التالق‪:‬‬

‫وح مِ ْن َأ ْم ِر ِه َع َلى َمن َي َشاء مِ ْن‬ ‫ات ذو ا ْلعر ِ ِ‬


‫ش ي ْلقي الر َ‬ ‫َْ‬
‫﴿رفِيع الدرج ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬
‫نذر ي ْوم الت ِ‬
‫الق﴾‬ ‫ع َباده لي َ َ َ‬

‫أي يوم التالقي‪ ،‬يوم يلتقي فيه أهل السماء بأهل األرض‪ ،‬ويلتقي‬

‫الخلق بخالقهم العظيم ليحاسبهم‪ ،‬ويلتقي المظلوم مع ظالمه‬

‫ليقتص منه‪ ،‬ويأخذ حقه منه‪ ،‬ويلتقي أهل اإليمان بأصحاهبم من أهل‬

‫اإليمان‪ ،‬ويلتقي أهل الكفر بأصحاهبم من أهل الكفر‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪-2‬يوم اآلزفة‪:‬‬

‫َاج ِر كَاظِ ِمي َن َما لِلظال ِ ِمي َن‬


‫اآلز َف ِة إِ ِذ ا ْلقلوب َلدَ ى ا ْل َحن ِ‬ ‫﴿و َأ ِ‬
‫نذ ْره ْم َي ْو َم ِ‬ ‫َ‬
‫يم َوال َش ِفي ٍع ي َطاع ‪َ .‬ي ْع َلم َخائِنَ َة األَ ْعي ِن َو َما ت ْخ ِفي الصدور﴾‬ ‫مِ ْن َح ِم ٍ‬

‫واليوم ِ‬
‫اآلزف هو اليوم القريب‪ ،‬فاهلل عز وجل ينذرنا بيوم قد اقرتب‪،‬‬

‫فانتبِه!‬

‫‪-3‬يوم التناد‪:‬‬
‫﴿ويا َقو ِم إِنِّي َأ َخاف َع َليكم يوم التن ِ‬
‫َاد﴾‬ ‫ْ ْ َْ َ‬ ‫ََ ْ‬

‫أي يوم التنادي‪ ،‬أي أنه اليوم الذي َيكثر فيه النداءات!‬

‫بعضا‪ ،‬وأهل النار ينادون‬


‫ينادي اهلل الناس‪ ،‬والناس ينادي بعضهم ً‬
‫ويستغيثون بأهل الجنة‪ ،‬وأهل الجنة ينادون أهل النار‬

‫‪346‬‬
‫وتذكر السورة أيضا بعض أنواع العذاب‪:‬‬

‫‪-1‬العذاب الجسدي‪:‬‬

‫يم ثم فِي‬
‫السل ي ْس َحبون ‪ .‬فِي ا ْل َح ِم ِ‬
‫﴿إِ ِذ األَ ْغالل فِي َأ ْعنَاقِ ِهم والس ِ‬
‫ْ َ‬
‫الن ِ‬
‫ار ي ْس َجرون﴾‬

‫‪-2‬العذاب النفسي‪:‬‬

‫﴿ثم قِ َيل َله ْم َأ ْي َن َما كنت ْم ت ْش ِرك َ‬


‫ون﴾‬

‫سؤال للذل والعذاب النفسي‪ :‬أين الذين كنتم تعبدوهنم‪ ،‬وتشركون‬

‫باهلل من أجلهم‪ ،‬أين هم لينقذوكم مما أنتم فيه اآلن؟!‬

‫‪-3‬عذاب القرب‪:‬‬

‫ون َع َل ْي َها غد ًّوا َو َع ِش ًّيا ۚ َو َي ْو َم َتقوم السا َعة َأ ْد ِخلوا َآل‬


‫﴿النار ي ْع َرض َ‬
‫فِ ْر َع ْو َن َأ َشد ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب﴾‬

‫‪347‬‬
‫ثم تذكر السورة بعض القصص المليئة بالعرب والفوائد‪:‬‬

‫‪-1‬قصة سيدنا موسى مع فرعون‪:‬‬

‫وهي من القصص التي تكررت كثيرا يف القرآن‪ ،‬ومن أحد مقاصدها‬

‫أهنا تظهر كيف يتعامل الظالم والطاغية مع المصلحين!‬

‫منها‪ :‬كسب الرأي العام ضد المصلحين‪ ،‬ومحاولة نشر اإلشاعات‬

‫وتخويف الناس منهم‪ ،‬وإظهار أهنم يريدون مصلحة شعبهم‪:‬‬

‫وسى َو ْل َيدْ ع َربه إِنِّي َأ َخاف َأن ي َبدِّ َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َق َال ف ْر َع ْون َذروني َأ ْقت ْل م َ‬
‫ِدينَك ْم َأ ْو َأن ي ْظ ِه َر فِي األَ ْر ِ‬
‫ض ا ْل َف َسا َد﴾‬

‫‪-2‬قصة مؤمن آل فرعون‪:‬‬


‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َرجال َأن َيق َ‬
‫ول‬ ‫﴿ َو َق َال َرج ٌل م ْؤم ٌن ِّم ْن آل ف ْر َع ْو َن َي ْكتم إِ َ‬
‫يمانَه َأ َت ْقتل َ‬

‫َر ِّب َي اهلل ﴾‬

‫‪348‬‬
‫يف وسط الظالم‪ ،‬ويف قلب األزمة‪ ،‬يخرج اهلل عز وجل َمن يجهر‬

‫بالحق‪ ،‬ويحاول نصر الدين‪.‬‬

‫ثم تختم السورة بعرض نعم اهلل علينا‪ ،‬وعرض آيات اهلل يف خلقه‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿اهلل الذي َج َع َل َلكم الل ْي َل لت َْسكنوا فيه َوالن َه َار م ْبص ًرا إِن َ‬
‫اهلل َلذو‬

‫ون ‪َ .‬ذلِكم اهلل َربك ْم‬ ‫اس َو َلكِن َأ ْك َث َر الن ِ‬


‫اس ال َي ْشكر َ‬ ‫َف ْض ٍل َع َلى الن ِ‬

‫َخالِق ك ِّل َشي ٍء ّال إِ َل َه إِال ه َو َف َأنى ت ْؤ َفك َ‬


‫ون﴾‬ ‫ْ‬
‫﴿اهلل ال ِذي َج َع َل َلكم األَ ْر َض َق َر ًارا َوالس َماء بِنَاء َو َصو َرك ْم َف َأ ْح َس َن‬

‫ات َذلِكم اهلل َربك ْم َف َت َب َار َك اهلل َرب‬‫صوركم ور َز َقكم من الطيب ِ‬


‫ِّ َ ِّ َ‬ ‫ََ ْ ََ‬
‫ا ْل َعا َل ِمي َن ‪ .‬ه َو ا ْل َحي ال إِ َل َه إِال ه َو َفا ْدعوه م ْخلِ ِصي َن َله الدِّ ي َن ا ْل َح ْمد‬

‫لِل ِه َر ِّب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‬

‫اب ثم مِن ن ْط َف ٍة ثم مِ ْن َع َل َق ٍة ثم ي ْخ ِرجك ْم‬


‫﴿ه َو ال ِذي َخ َل َقكم ِّمن ت َر ٍ‬

‫وخا َومِنكم من يت ََوفى مِن َق ْبل‬ ‫طِ ْفال ثم لِتَ ْبلغوا َأشدك ْم ثم لِتَكونوا شي ً‬

‫‪349‬‬
‫ون ‪ .‬ه َو ال ِذي ي ْحيِي َوي ِميت َفإِ َذا‬
‫َول ِ َت ْبلغوا َأ َجال م َس ًّمى َو َل َعلك ْم َت ْع ِقل َ‬

‫َق َضى َأ ْم ًرا َفإِن َما َيقول َله كن َف َيكون‬

‫ون ‪َ .‬و َلك ْم فِ َيها‬


‫﴿اهلل ال ِذي َج َع َل َلكم األَ ْن َعا َم لِت َْركَبوا مِن َْها َومِن َْها َت ْأكل َ‬
‫وركم و َع َليها و َع َلى ا ْلف ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‬ ‫اج ًة في صد ِ ْ َ ْ َ َ‬
‫َمنَافع َول َت ْبلغوا َع َل ْي َها َح َ‬
‫ت ْح َمل َ‬
‫ون﴾‬

‫‪350‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫تبدأ سورة فصلت بالحديث والثناء على القرآن‪:‬‬

‫َاب ف ِّص َل ْت آ َياته ق ْرآنًا َع َربِ ًّيا ِّل َق ْو ٍم‬ ‫﴿ َت ِنز ٌيل من الرحم ِن الر ِح ِ ِ‬
‫يم ‪ .‬كت ٌ‬ ‫ِّ َ ْ َ‬
‫َي ْع َلم َ‬
‫ون﴾‬

‫ثم بعد ذلك تعرض موقف الكفار من هذا القر آن‪:‬‬

‫﴿ َو َقالوا قلوبنَا فِي َأكِن ٍة ِّمما َتدْ عونَا إِ َل ْي ِه َوفِي آ َذانِنَا َو ْق ٌر َومِن َب ْينِنَا‬
‫اب َفا ْع َم ْل إِننَا َعامِل َ‬
‫ون﴾‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َب ْين َك ح َج ٌ‬

‫‪-‬عرض بعض مظاهر قدرة اهلل تعالى؛ كتخليق األرض‪ ،‬وما جعل‬

‫فيها من جبال‪ ،‬وما قدر فيها من أقوات‪ ،‬وتخليق السموات السبع‪،‬‬

‫وتزيين السماء الدنيا منها بالنجوم‬

‫‪351‬‬
‫ون بِال ِذي َخ َل َق األَ ْر َض فِي َي ْو َم ْي ِن َو َت ْج َعل َ‬
‫ون َله‬ ‫﴿ق ْل َأئِنك ْم َل َت ْكفر َ‬

‫اس َي مِن َف ْوقِ َها َو َب َار َك فِ َيها‬


‫َأندَ ادا َذل ِ َك رب ا ْلعا َل ِمين ‪ .‬وجع َل فِيها رو ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫است ََوى إِ َلى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َقد َر ف َيها َأ ْق َوا َت َها في َأ ْر َب َعة َأيا ٍم َس َواء ِّللسائلين ‪ .‬ثم ْ‬
‫ض اِئْتِ َيا َط ْو ًعا َأ ْو ك َْر ًها َقا َلتَا َأ َت ْينَا‬ ‫ان َف َق َال َل َها َول ِ ْ َ‬
‫أل ْر ِ‬ ‫الس َماء َو ِهي د َخ ٌ‬
‫َ‬
‫ات فِي َي ْو َم ْي ِن َو َأ ْو َحى فِي ك ِّل َس َماء‬
‫َطائِ ِعين ‪َ .‬ف َق َضاهن سبع سماو ٍ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يح َو ِح ْف ًظا َذل ِ َك َت ْق ِدير ا ْل َع ِز ِيز‬
‫َأ ْم َر َها َو َزينا الس َماء الد ْن َيا بِ َم َصابِ َ‬
‫ا ْل َعلِيم﴾‬

‫‪-‬ثم بعد ذكر النعم‪ ،‬يأيت التهديد من اهلل سبحانه وتعالى‪:‬‬


‫اع َق ِة َع ٍ‬
‫اع َق ًة م ْث َل ص ِ‬
‫نذرتكم ص ِ‬
‫اد َو َثمو َد﴾‬ ‫ِّ َ‬ ‫﴿ َفإِ ْن َأ ْع َرضوا َفق ْل َأ َ ْ ْ َ‬

‫‪-‬ثم ذكر بعض مشاهد يوم القيامة‪ ،‬وبيان بعض أحوال الكفار السيئة‬

‫يف هذا اليوم؛ كشهادة جوارحهم عليهم‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫وزعون ‪َ .‬حتى إِ َذا َما َجاؤ َ‬
‫وها‬ ‫﴿ َو َي ْو َم ي ْح َشر َأعْدَ اء اهللِ إِ َلى الن ِ‬
‫ار َفه ْم ي َ‬
‫َش ِهدَ َع َل ْي ِه ْم َس ْمعه ْم َو َأ ْب َصاره ْم َوجلوده ْم بِ َما كَانوا َي ْع َمل َ‬
‫ون﴾‬

‫ود ِه ْم ل ِ َم َش ِهدت ْم َع َل ْينَا َقالوا َأن َط َقنَا اهلل ال ِذي َأن َط َق كل َش ْي ٍء‬
‫و َقالوا لِجل ِ‬
‫َ‬
‫َوه َو َخ َل َقك ْم َأو َل َمر ٍة َوإِ َل ْي ِه ت ْر َجع َ‬
‫ون﴾‬

‫‪-‬ومن اآليات العجيبة التي تصف ِعلم الكفار ّ‬


‫بأن هذا القرآن هو‬

‫سبب النصر‪ ،‬وأننا لو تمسكنا به ستكون الغلبة لنا عليهم‪:‬‬


‫آن وا ْل َغوا فِ ِ‬
‫يه َل َعلك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َق َال الذي َن َك َفروا ال َت ْس َمعوا ل َه َذا ا ْلق ْر َ ْ‬
‫َت ْغلِب َ‬
‫ون﴾‬

‫فالكفار يحاولون صد المسلمين عن سماع القرآن‪ ،‬وذلك باستخدام‬

‫طرق شتى‪ ،‬فاآلن نرى برامج الغناء يصرف عليها الماليين من‬

‫األموال‪ ،‬ليصدوا األجيال عن القرآن‪ ،‬ولكن هيهات هيهات‪ ،‬فاهلل‬

‫توعد بحفظ هذا القرآن‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫‪-‬ثم تأيت آيات تجدد الثقة والطمأنينة يف قلوب المؤمنين حتى ال‬

‫لمن‬
‫نخاف من محاوالت الكفار للصد عن سبيل اهلل‪ ،‬فيأيت هتديد َ‬
‫ون فِي آ َياتِنَا ال‬ ‫يحارب القرآن ويلحد باآليات‪ ﴿ :‬إِن ال ِذين ي ْل ِ‬
‫حد َ‬ ‫َ‬
‫َي ْخ َف ْو َن َع َل ْينَا﴾‬

‫وتأيت آيات تظهر قوة القرآن‪:‬‬

‫يه ا ْل َباطِل مِن َب ْي ِن َيدَ ْي ِه َوال مِ ْن َخ ْل ِف ِه َت ِنز ٌيل‬


‫﴿وإِنه َلكِتَاب َع ِز ٌيز ‪ .‬ال ي ْأتِ ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يم ح ِم ٍ‬‫ِ‬
‫يد﴾‬ ‫ِّم ْن َحك ٍ َ‬

‫تأمل يف وصف القرآن العزيز‪ ،‬فمهما فعل أهل الباطل‪ ،‬لن يستطيعوا‬

‫أن يلغبوا القرآن وأهله‪ ،‬ولن يستطيعوا أن يحرفوه‪.‬‬

‫وتذكر السورة َمن ينتفع هبذا القرآن حق االنتفاع‪:‬‬

‫ون فِي آ َذانِ ِه ْم َو ْق ٌر َوه َو‬


‫﴿ه َو لِل ِذي َن آ َمنوا هدً ى َو ِش َفاء َوال ِذي َن ال ي ْؤمِن َ‬

‫َع َل ْي ِه ْم َع ًمى﴾‬

‫‪354‬‬
‫ويف سورة آية البشرى لكل َمن آمن باهلل‪ ،‬واستقام على طريق الحق‪،‬‬

‫وطريق الهداية‪:‬‬

‫اس َت َقاموا َتتَنَزل َع َل ْي ِهم ا ْل َمالئِ َكة َأال َت َخافوا‬ ‫ِ‬


‫﴿إِن الذي َن َقالوا َربنَا اهلل ثم ْ‬
‫َوال َت ْح َزنوا َو َأ ْب ِشروا بِا ْل َجن ِة التِي كنت ْم تو َعد َ‬
‫ون﴾‬

‫تدبرات ولطائف من سورة فصلت‪:‬‬

‫َاب ف ِّص َل ْت آ َياته ق ْرآنًا َع َربِ ًّيا ل ِ َق ْو ٍم َي ْع َلم َ‬


‫ون ﴾‬ ‫ِ‬
‫‪ ﴿-1‬كت ٌ‬

‫ومن تفصيل آياته معرفة معانيها وانتشار تفاسيره‪.‬‬

‫اها إِال ال ِذي َن َص َبروا ﴾‬


‫‪َ ﴿-2‬ما ي َلق َ‬

‫وما يلقى هذه الخصلة من دفع السيئة بالتي هي أحسن إال الصابرون‪،‬‬

‫وهكذا كل خصال الخير‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫است َِع ْذ بِاهللِ إِنه ه َو الس ِميع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿-3‬وإِما َين َْز َغن َك م َن الش ْي َطان ن َْز ٌغ َف ْ‬
‫ا ْل َعلِيم﴾‬

‫إذا تسللت إلى قلبك نزغات شيطان فبادر إلى ذكر ر ِّبك‪ ،‬فإن لم‬

‫تفعل تحولت النزغة إلى فكرة‪ ،‬والفكرة إلى عزم‪ ،‬فإن لم تتحصن‬

‫بحصن االستعاذة أوقعك العزم يف الزلل‪.‬‬

‫اس َت ْك َبروا َفال ِذي َن ِعنْدَ َر ِّب َك ي َس ِّبح َ‬


‫ون َله بِالل ْي ِل َوالن َه ِ‬
‫ار َوه ْم َال‬ ‫ِ‬
‫‪َ﴿-4‬إِن ْ‬
‫َي ْس َأم َ‬
‫ون﴾‬

‫عن حكيم بن حزام قال‪:‬‬

‫«بينما رسول اهلل ﷺ يف أصحابه إذ قال لهم‪ :‬أتسمعون ما أسمع؟‬

‫قالوا‪ :‬ما نسمع من شيء‪ ،‬قال‪ :‬إين ألسمع أطيط السماء‪ ،‬وما تالم أن‬

‫تئط‪ ،‬ما فيها موضع شرب إال عليه ملك ساجد أو قائم»‬

‫‪356‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ ﴿-5‬ال َيس َأم ْ ِ‬
‫وط ﴾‬ ‫اإلن َْسان م ْن د َعاء ا ْل َخ ْي ِر َوإِ ْن َمسه الشر َف َيئ ٌ‬
‫وس َقن ٌ‬ ‫ْ‬

‫هذا خل ٌق مرتكز يف نفس اإلنسان والفطرة البشرية‪ ،‬وهو حب‬

‫االستزادة من الخير‪ ،‬واليأس عند نزول الشر‪ ،‬اليأس من زواله‪،‬‬

‫واليأس أن يعقبه الخير‪ ،‬لكن يتم هتذيبه بوازع اإليمان‪.‬‬

‫ان َأ ْع َر َض َون ََأى بِ َجانِبِ ِه َوإِ َذا َمسه الشر‬


‫اإلنْس ِ‬
‫ِ‬
‫‪َ ﴿ -٦‬وإِ َذا َأ ْن َع ْمنَا َع َلى ْ َ‬
‫َفذو د َع ٍ‬
‫اء َع ِر ٍ‬
‫يض﴾‬

‫كلما زادت نعم اهلل على لعبد زاد نسيانه للشكر وإعراضه عن الذكر‪،‬‬

‫والعكس عند نزل الضر‪ ،‬يكون إقباله على الذكر واالستعانة بالرب‪،‬‬

‫وهنا تكون النعمة بالء‪ ،‬والحرمان عطاء‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫مقاصد وموضوعات ومسارات السورة‪:‬‬

‫تبدأ السورة ببيان أن القرآن وحي من اهلل تعالى‪ ،‬وأنه أوحاه إلى نبيه‬

‫كما أوحى إلى غيره من األنبياء‪:‬‬

‫وحي إِ َل ْي َك َوإِ َلى ال ِذي َن مِن َق ْبلِ َك اهلل ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم‬


‫﴿ك ََذل ِ َك ي ِ‬

‫نذر يوم ا ْلجم ِع ال ريب فِ ِ‬


‫يه‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫اسما ليوم القيامة‪َ ﴿ :‬وت َ َ ْ َ َ ْ‬
‫وتعرض السورة ً‬
‫َف ِر ٌيق فِي ا ْل َجن ِة َو َف ِر ٌيق فِي الس ِع ِير﴾‬

‫فمع أي فريق ستجتمع يوم القيامة؟‬

‫أيضا عن تتحدث السورة عن ثالثة جرائم ارتكبها‬


‫‪-‬تتحدث السورة ً‬
‫المشركون يف حق اهلل‬

‫‪358‬‬
‫‪َ ﴿ -1‬أ ِم ات َخذوا مِن دونِ ِه َأ ْول ِ َيا َء ۚ َفاللـه ه َو ا ْل َولِي﴾‬

‫شرك التوحيد (الشرك يف حق اهلل )‬

‫ين َما َل ْم َي ْأ َذن بِ ِه اللـه ﴾‬


‫‪َ ﴿ -2‬أ ْم َله ْم ش َركَاء َش َرعوا َلهم ِّم َن الدِّ ِ‬

‫شرك النهي واألمر ( شرك الشريعة و التحاكم)‬

‫ون ا ْفت ََرى َع َلى الل ِـه ك َِذ ًبا﴾‬


‫‪َ ﴿ -3‬أ ْم َيقول َ‬

‫التكذيب لرسول اهلل‬

‫ونالحظ أن موضوع الرزق تكرر يف السورة يف أكثر من موضع أثناء‬

‫الحديث عن جرائم المشركين يف حق اهلل‪:‬‬

‫يم ﴾‬‫﴿ي ْبسط الر ْز َق لِمن ي َشاء َوي ْق ِدر ۚ إِنه بِك ِّل َشي ٍء َعلِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬

‫اد ِه َي ْرزق َمن َي َشاء ۚ َوه َو ا ْل َق ِوي ا ْل َع ِزيز ﴾‬


‫يف بِ ِعب ِ‬‫ِ‬
‫﴿اللـه َلط ٌ َ‬

‫‪359‬‬
‫ض َو َلـكِن ين َِّزل بِ َقدَ ٍر ما‬
‫اد ِه َل َب َغ ْوا فِي ْاألَ ْر ِ‬
‫و َلو بس َط اللـه الر ْز َق ل ِ ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫اد ِه َخبِ ٌير َب ِص ٌير﴾‬
‫ي َشاء ۚ إِنه بِ ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫والعربة من ذلك لعلها أن الجرائم التي ترتكب يف حق اهلل بسبب‬

‫حب الدنيا والخوف على الرزق!‬

‫لذلك يأيت الحل يف قوله تعالى‪:‬‬

‫ث‬ ‫ث ْاآل ِخ َر ِة ن َِز ْد َله فِي َح ْرثِ ِه ۚ َو َمن ك َ‬


‫َان ي ِريد َح ْر َ‬ ‫َان ي ِريد َح ْر َ‬
‫﴿ َمن ك َ‬

‫الد ْن َيا ن ْؤتِ ِه مِن َْها َو َما َله فِي ْاآل ِخ َر ِة مِن ن ِصيب﴾‬

‫ويف السورة الكثير من األوامر التي تشعر فيها بالمسؤولية الكبيرة‪:‬‬


‫﴿ َأقِيموا الدِّ ين وال َتتَ َفرقوا فِ ِ‬
‫يه‬ ‫َ َ‬

‫هل أقمت الدين حقا؟ هل أقمت الدين يف نفسك أو ً‬


‫ال‪ ،‬ثم يف َمن‬

‫حولك؟‬

‫‪360‬‬
‫است َِق ْم ك ََما أمِ ْر َ‬
‫ت َوال َتتبِ ْع َأ ْه َواءه ْم َوق ْل آ َمنت بِ َما َأ َنز َل اهلل‬ ‫﴿ َفا ْدع َو ْ‬
‫َاب َوأمِ ْرت ِألَ ْع ِد َل َب ْينَكم﴾‬
‫مِن كِت ٍ‬

‫ثم بعد ذكر هذه األوامر جاءت آيات التوبة العفو والزرق‪:‬‬
‫اد ِه ويعفو َع ِن السي َئ ِ‬
‫ات َو َي ْع َلم َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫﴿ َوه َو الذي َي ْق َبل الت ْو َب َة َع ْن ع َب َ َ ْ‬
‫َجيب ال ِذين آمنوا و َع ِملوا الصالِح ِ‬
‫ات َو َي ِزيدهم ِّمن‬ ‫َت ْف َعلون ‪َ .‬و َيست ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اد ِه َل َب َغ ْوا‬
‫ون َلهم َع َذاب َش ِديدٌ ‪ .‬و َلو بس َط اهلل الر ْز َق ل ِ ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َف ْضله َوا ْل َكافر َ ْ‬
‫اد ِه َخبِ ٌير َب ِص ٌير ‪َ .‬وه َو‬
‫ض و َلكِن ين َِّزل بِ َقدَ ٍر ما ي َشاء إِنه بِ ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫في األَ ْر ِ َ‬
‫ِ‬

‫ال ِذي ين َِّزل ا ْل َغ ْي َث مِن َب ْع ِد َما َقنَطوا َو َينشر َر ْح َمتَه َوه َو ا ْل َولِي‬

‫ا ْل َح ِميد﴾‬

‫فهي رسالة من اهلل‪ ،‬لو نفذنا أوامره‪ ،‬سيغدق علينا من عفوه وكرمه‬

‫ولطفه‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫‪-‬وتصف السورة حال ودناءة الدنيا بالنسبة لآلخرة‪ ،‬وتصف َمن‬

‫يستحق الفور باآلخرة‪:‬‬

‫اة الد ْن َيا َو َما ِعندَ اهللِ َخ ْي ٌر َو َأ ْب َقى‬


‫﴿ َفما أوتِيتم من َشي ٍء َفمتَاع ا ْلحي ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ون َك َبائِر ِ‬
‫اإل ْث ِم‬ ‫ون ‪َ .‬وال ِذي َن َي ْجتَنِب َ‬
‫لِل ِذي َن آ َمنوا َو َع َلى َر ِّب ِه ْم َيت ََوكل َ‬
‫َ‬
‫است ََجابوا ل ِ َر ِّب ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫ون ‪َ .‬والذي َن ْ‬ ‫اح َش َوإِ َذا َما َغ ِضبوا ه ْم َي ْغ ِفر َ‬ ‫وا ْل َفو ِ‬
‫َ َ‬
‫ون ‪َ .‬وال ِذي َن‬ ‫ورى َب ْينَه ْم َومِما َر َز ْقنَاه ْم ي ِنفق َ‬ ‫َو َأ َقاموا الصال َة َو َأ ْمره ْم ش َ‬
‫ون ‪َ .‬و َج َزاء َس ِّي َئ ٍة َس ِّي َئ ٌة ِّم ْثل َها َف َم ْن َع َفا‬
‫إِ َذا َأ َصا َبهم ا ْل َب ْغي ه ْم َينت َِصر َ‬

‫حب الظال ِ ِمي َن‪﴾ .‬‬ ‫و َأص َلح َف َأجره َع َلى اهللِ إِنه ال ي ِ‬
‫َ ْ َ ْ‬

‫ثم تصف السورة على الكافرين الظالمين عندما يعرضوا على النار‪،‬‬

‫وتصف الخوف والذل الذي هم فيه‪:‬‬

‫﴿ َت َرى الظال ِ ِمي َن م ْش ِف ِقي َن مِما ك ََسبوا َوه َو َواقِ ٌع بِ ِه ْم﴾‬

‫ف َخ ِف ٍّي‬
‫ون مِن َطر ٍ‬
‫ْ‬ ‫اش ِعي َن مِ َن الذ ِّل َينظر َ‬
‫ون َع َليها َخ ِ‬
‫﴿ َو َت َراه ْم ي ْع َرض َ ْ َ‬

‫‪362‬‬
‫ثم تختم السورة بتعظيم القرآن‪ ،‬ووصفه بأوصاف تجعل القلب‬

‫يتلهف للشرب من بحر القرآن‪ ،‬والغوص بين آياته‪ ،‬فآية واحدة‬

‫وصف اهلل فيها القرآن بالروح‪ ،‬والنور‪ ،‬والهدى!‬

‫نت َتدْ ِري َما ا ْلكِتَاب َوال‬ ‫ِ‬


‫﴿ َوك ََذل َك َأ ْو َح ْينَا إِ َل ْي َك ر ً‬
‫وحا ِّم ْن َأ ْم ِرنَا َما ك َ‬
‫ادنَا َوإِن َك َلت َْه ِدي‬
‫اإليمان و َلكِن جع ْلنَاه نورا نه ِدي بِ ِه من ن َشاء مِن ِعب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ َ‬
‫اط م ْست َِق ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬

‫وتأمل يف هذه اآلية‪ ،‬وتأمل يف نعمة القرآن وفضله حتى على نبينا‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فاهلل عز وجل يقول له أنك ما كنت تعلم ما هو‬

‫اإليمان‪ ،‬وما كنت تدري كيفية الوصول إلى اهلل لوال هذا القرآن!‬

‫لطائف وتدبرات من سورة الشورى‪:‬‬

‫‪َ ﴿ -1‬وه َو ا ْل َعلِي ا ْل َعظِيم﴾‬

‫‪363‬‬
‫هذا الخالق والمالك العظيم البد أن يكون منَز ًها‪ ،‬فهو ال َعلِي أي‬

‫المتعالي عن األشباه واألنداد واألمثال واألضداد‪ ،‬وهو العظيم يف‬

‫ذاته‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪.‬‬

‫اوات َي َت َفط ْر َن مِ ْن َف ْوقِ ِهن﴾‬


‫‪َ ﴿-2‬ت َكاد الس َم َ‬

‫أي ‪ ،‬تنشق كل سماء فوق التي تليها َف َرقا من عظمة اهلل‪ ،‬ولوال أن اهلل‬

‫أمسكها لتفط َرت‪.‬‬

‫ون ل ِ َم ْن فِي ْاألَ ْر ِ‬


‫ض﴾‬ ‫‪َ ﴿ -3‬و َي ْس َت ْغ ِفر َ‬

‫ما أرحم اهلل بنا‪ ،‬نقرتف الذنوب ونبارز هبا عالم الغيوب‪ ،‬فيك ِّلف‬

‫مالئكته باالستغفار لنا عسانا نتوب!‬


‫‪﴿ -4‬وتن ِْذر يوم ا ْلجم ِع َال ريب فِ ِ‬
‫يه﴾‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َْ َ َ ْ‬

‫من أسماء القيامة‪ :‬يوم الجمع‪ ،‬يجمع اهلل فيه األولين واآلخرين يف‬

‫صعيد واحد للحساب ثم الجزاء‪ ،‬ويجمع فيه بين المرء وعمله‪ ،‬وبين‬
‫‪364‬‬
‫الجسد وروحه‪ ،‬وبين المرء وشكله يف الخير والشر‪ ،‬وكل هذا ال‬

‫ريب فيه إال عند المنافقين والمعاندين‪.‬‬

‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْز َق ل َم ْن َي َشاء َو َي ْقدر إِنه بِك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم ﴾‬ ‫‪َ ﴿-5‬ي ْبسط ِّ‬

‫يوسع رزقه على من يشاء من خلقه‪ ،‬فيكثِر ماله‪ ،‬وي َقتِّر على من يشاء‬
‫ِّ‬
‫منهم فيض ِّيق عليه وي ْف ِقره؛ ألنه عليم بمن يصلِحه بسط الرزق‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫يفسده‪.‬‬

‫است َِق ْم ك ََما أمِ ْر َ‬


‫ت﴾‬ ‫ِ ِ‬
‫‪َ ﴿ -٦‬فل َذل َك َفا ْدع َو ْ‬
‫ٍ‬
‫امتثال لألمر‪،‬‬ ‫البد مع الدعوة من استقامة‪ ،‬ومع األمر بالمعروف من‬
‫ٍ‬
‫اجتناب له‪.‬‬ ‫ومع النهي عن المنكر من‬

‫‪365‬‬
‫أيضا‬
‫من مقاصد السورة أهنا تعرض زخرف الدنيا وزينتها‪ ،‬وتعرض ً‬
‫نعيم الجنة وعظمة اليوم اآلخر‪ ،‬فأيهما ستختار؟‬

‫فهي تتحدث عن المتعلقين بمظاهر الدنيا المادية‪ ،‬والمنخدعين هبا‪،‬‬

‫ثم تحذرنا السورة من أمر االنخداع والتعلق بالدنيا وزينتها‪ ،‬ألن فيه‬

‫هالك لألمة‪.‬‬

‫الدنيا‪:‬‬

‫احدَ ًة ل َج َع ْلنَا ل ِ َمن َي ْكفر بِالر ْح َمـ ِن‬


‫ون الناس أم ًة و ِ‬
‫َ‬ ‫﴿ َو َل ْو َال َأن َيك َ‬

‫ون ‪َ .‬وز ْخر ًفا َوإِن كل‬ ‫لِبيوتِ ِه ْم سق ًفا ِّمن فِض ٍة َو َم َع ِ‬
‫ار َج َع َل ْي َها َي ْظ َهر َ‬

‫اة الدنْ َيا َو ْاآل ِخ َرة ِعندَ َر ِّب َك ل ِ ْلمت ِقي َن﴾‬
‫َذل ِ َك َلما متَاع ا ْلحي ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬

‫‪366‬‬
‫وهذه اآلية توضح هوان الدنيا على اهلل عز وجل لدرجة أن يعطي‬

‫للكافرين بيوتا من فضة وغيرها من المتاع‪ ،‬ولكن ليس لهم يف اآلخرة‬

‫إال النار والعذاب!‬

‫وبعد ذكر الدنيا وزينتها‪ ،‬جاءت آية اإلعراض عن القرآن وعن ذكر‬

‫اهلل!‬

‫﴿ َو َمن َي ْعش َعن ِذك ِْر الر ْح َمـ ِن ن َق ِّي ْض َله َش ْي َطانًا َفه َو َله َق ِري ٌن﴾‬

‫ّ‬
‫كأن الدنيا والتعلق هبا هي التي تبعد اإلنسان عن القرآن وعن الذكر‪.‬‬

‫ثم تذكر السورة عظمة اآلخرة‪:‬‬

‫‪-‬أول يوم يف الجنة‪:‬‬

‫ون ال ِذي َن آ َمنوا بِآ َياتِنَا‬


‫ف َع َل ْيكم ا ْل َي ْو َم َو َال َأنت ْم َت ْح َزن َ‬ ‫﴿يا ِعب ِ‬
‫اد َال َخ ْو ٌ‬ ‫َ َ‬
‫َوكَانوا م ْسلِ ِمي َن ا ْدخلوا ا ْل َجن َة َأنت ْم َو َأ ْز َواجك ْم ت ْح َبر َ‬
‫ون ﴾‬

‫‪367‬‬
‫‪-‬أول يوم يف النار‪:‬‬
‫ون ‪َ .‬ال ي َفتر َعنْهم وهم فِ ِ‬
‫يه‬ ‫اب َج َهن َم َخالِد َ‬
‫﴿إِن ا ْلم ْج ِرمِي َن فِي َع َذ ِ‬
‫ْ َ ْ‬
‫م ْبلِس َ‬
‫ون﴾‬

‫‪-‬وكما قلنا أن السورة تذم َمن يتعلق بالدنيا‪ ،‬وأيضا تركز السورة على‬

‫تعرفينا بالشرف الحقيقي‪ ،‬وأنه ليس يف المال والجاه والمظاهر‬

‫المادية‪ ،‬بل هو يف الدين والقرآن‪ ،‬والتمسك بأحكام اهلل‪:‬‬

‫يم ‪َ .‬وإِنه َل ِذك ٌْر‬


‫اط م ْست َِق ٍ‬
‫وحي إِ َلي َك إِن َك َع َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫است َْمس ْك بِالذي أ َ ْ‬
‫ِ‬
‫﴿ َف ْ‬
‫ون﴾‬ ‫ل َك َول ِ َق ْومِ َك َو َس ْو َ‬
‫ف ت ْس َأل َ‬

‫لذكر أي‪ :‬وإنه لشرف لك ولقومك!‬


‫وإنه ٌ‬
‫ِ‬
‫فاستمسك! تشعر وكأن القرآن شيء عظيم –وهو‬ ‫وتأمل يف كلمة‬

‫كذلك‪ -‬يريد اهلل أن نتمسك ونتشبث به‪ ،‬وال نفلته من قلوبنا أبدا‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫ووجه تسميتها بـ (الدخان) وقوع لفظ الدخان فيها يف قوله سبحانه‪:‬‬
‫﴿ َفار َت ِقب يوم َت ْأتِي السماء بِد َخ ٍ‬
‫ان مبِ ٍ‬
‫ين﴾ (الدخان‪،)1٠:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َْ َ‬

‫المراد بالدخان بأنه آية من آيات اهلل‪ ،‬هو عذاب من عند اهلل‪ ،‬فالسورة‬

‫من اسمها هي للتنذير!‬

‫لذلك الفكرة التي تدور عليها السورة هي التحذير من عذاب الدنيا‬

‫واآلخرة‪ ،‬ويف آخر السورة يأيت الحديث عن الجنة‪.‬‬

‫والسورة تبدأ بذكر شرف ومكانة القرآن‪ ،‬والليلة بوركت بسبب نزول‬

‫القرآن يف هذه الليلة‪ ،‬وتبدأ بالتنذير بالعذاب للكافرين!‬


‫ين ‪ .‬إِنا َأ َنز ْلنَاه فِي َلي َل ٍة مبارك ٍَة إِنا كنا م ِ‬
‫نذ ِري َن ‪.‬‬ ‫﴿حم ‪َ .‬وا ْلكِت ِ‬
‫َاب ا ْلمبِ ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫يم﴾‬‫فِ َيها ي ْف َرق كل َأ ْم ٍر َحكِ ٍ‬

‫وتحذر السورة من االنخداع بالسلطة والتمكين‬


‫‪369‬‬
‫﴿ َو َن ْع َم ٍة كَانوا فِ َيها َفاكِ ِهي َن﴾‬

‫والتخويف من العذاب المرتقب‪:‬‬

‫﴿ َفار َت ِقب يوم َت ْأتِي السماء بِد َخ ٍ‬


‫ان مبِ ٍ‬
‫اس َه َذا َع َذ ٌ‬
‫اب‬ ‫ين ‪َ .‬ي ْغ َشى الن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َْ َ‬
‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫َأل ٌ‬

‫ثم بين السورة ما تم وعظهم مِن قبل األنبياء‪ ،‬لكنهم اغرتوا وأصروا‬

‫على الكفر‪ ،‬فعاقبهم اهلل عز وجل‪ ،‬مثل فرعون‪.‬‬

‫وتختتم السورة بذكر مشاهد من العذاب‪:‬‬


‫يم ‪ .‬كَا ْلمه ِل ي ْغلِي فِي ا ْلبط ِ‬
‫ون ‪َ .‬ك َغ ْل ِي‬ ‫﴿إِن َش َج َر َة الزقو ِم ‪َ .‬ط َعام األَثِ ِ‬
‫ْ َ‬
‫يم ‪ .‬ثم صبوا َف ْو َق َر ْأ ِس ِه مِ ْن‬
‫ح ِ‬ ‫يم ‪ .‬خذوه َفا ْعتِلوه إِ َلى سواء ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ا ْل َح ِم ِ‬

‫نت ا ْل َع ِزيز ا ْل َك ِريم﴾‬ ‫اب ا ْل َح ِم ِ‬


‫يم ‪ .‬ذ ْق إِن َك َأ َ‬ ‫َع َذ ِ‬

‫ثم مشاهد من النعيم‪:‬‬

‫‪370‬‬
‫ون مِن سند ٍ‬
‫س‬ ‫ٍ‬
‫ات وعي ٍ‬
‫ون ‪َ .‬ي ْل َبس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿إِن ا ْلمتقي َن في َم َقا ٍم َأمين ‪ .‬في َجن َ‬
‫ون فِ َيها بِك ِّل‬ ‫ور ِع ٍ‬
‫ين ‪َ .‬يدْ ع َ‬ ‫َوإِ ْس َت ْب َر ٍق م َت َقابِلِي َن ‪ .‬ك ََذل ِ َك َو َزو ْجنَاهم بِح ٍ‬

‫ون فِ َيها ا ْل َم ْو َ‬
‫ت إِال ا ْل َم ْو َت َة األو َلى َو َو َقاه ْم‬ ‫َفاكِ َه ٍة آمِنِي َن ‪ .‬ال َيذوق َ‬

‫يم﴾‬ ‫ح ِ‬‫َع َذاب ا ْلج ِ‬


‫َ َ‬

‫‪371‬‬
‫الجاثية من الجثو‪ ،‬فإنسان يجثوا أي‪ :‬يجلس على ركبتيه‪ ،‬سميّت‬

‫السورة هذا االسم لألهوال التي يلقاها الناس يوم الحساب‪ ،‬حيث‬

‫تجثو الخالئق على الركب من الفزع يف انتظار الحساب‪.‬‬

‫﴿ َو َت َرى كل أم ٍة َجاثِيَ ًة كل أم ٍة تدْ َعى إِ َلى كِتَابِ َها ا ْل َي ْو َم ت ْج َز ْو َن َما كنت ْم‬
‫َت ْع َمل َ‬
‫ون﴾ (‪)2٨‬‬

‫من مقاصد السورة أهنا تحذر من التكرب على آيات اهلل‪:‬‬

‫ات اهللِ ت ْت َلى َع َل ْي ِه ثم ي ِصر م ْستَ ْكبِ ًرا‬


‫يم ‪ .‬يسمع آي ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫﴿ َو ْي ٌل ِّلك ِّل َأفاك َأث ٍ َ ْ َ َ‬
‫اب َأل ِ ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫ك ََأن ل ْم َي ْس َم ْع َها َف َب ِّش ْره بِ َع َذ ٍ‬

‫وسبب نزول هذه اآلية‪ :‬ما كان يفعله أبو جهل والنضر بن الحارث‬

‫وغيرهما‪ ،‬من إصرار على الكفر وعناد‪ .‬وتعم اآلية كل من دخل‬

‫تحت األوصاف المذكورة إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫والمتدبر يف هذه السورة ‪ ،‬يراها تدعو الناس إلى التفكر فيما اشتمل‬

‫عليه هذا الكون من آيات دالة على وحدانية اهلل تعالى وكمال قدرته‪:‬‬

‫ات ِّل ْلم ْؤمِنِين ‪َ .‬وفِي َخ ْل ِقك ْم َو َما‬


‫ض َآلي ٍ‬ ‫﴿إِن فِي السم ِ‬
‫اوات َواألَ ْر ِ َ‬
‫َ َ‬
‫اختِ ِ‬
‫الف الل ْي ِل َوالن َه ِ‬
‫ار َو َما َأ َنز َل اهلل‬ ‫ات ِّل َق ْو ٍم يوقِن َ‬
‫ون ‪َ .‬و ْ‬ ‫َيبث مِن َداب ٍة آ َي ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن الس َماء من ِّر ْزق َف َأ ْح َيا بِه األَ ْر َض َب ْعدَ َم ْوت َها َو َت ْص ِريف ِّ‬
‫الر َياحِ‬

‫ون﴾‬‫ات ِّل َق ْو ٍم َي ْع ِقل َ‬


‫آ َي ٌ‬

‫يه بِ َأ ْم ِر ِه َول ِ َت ْبتَغوا مِن‬


‫﴿اهلل ال ِذي سخر َلكم ا ْلبحر لِتَج ِري ا ْلف ْلك فِ ِ‬
‫َ َْ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات َو َما فِي‬
‫ون ‪ .‬وسخر َلكم ما فِي السماو ِ‬
‫َ َ‬
‫ِِ‬
‫َف ْضله َو َل َعلك ْم َت ْشكر َ َ َ َ‬
‫ض ج ِميعا منْه إِن فِي َذل ِ َك َآلي ٍ‬
‫ات ِّل َق ْو ٍم َي َت َفكر َ‬
‫ون﴾‬ ‫َ‬ ‫األَ ْر ِ َ ً ِّ‬

‫ومن اآليات المؤثرة يف السورة‪:‬‬

‫﴿ َأ َف َر َأ ْي َت َم ِن ات َخ َذ إِ َل َهه َه َواه َو َأ َضله اهلل َع َلى ِع ْل ٍم َو َخت ََم َع َلى َس ْم ِع ِه‬


‫يه مِن َب ْع ِد اهللِ َأ َفال َت َذكر َ‬
‫ون‬ ‫و َق ْلبِ ِه وجع َل َع َلى بص ِر ِه ِغ َشاو ًة َفمن يه ِد ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬

‫‪373‬‬
‫تأمل جيدا يف هذه اآليات‪ ،‬وتخيل ّ‬
‫أن أحدً ا يتبع هواه ويطيعه‪ ،‬حتى‬

‫صار كاإلله بالنسبة له! فالنتيجة كانت‪:‬‬

‫‪َ ﴿-1‬و َأ َضله اهلل َع َلى ِع ْل ٍم ﴾‬

‫أي‪ :‬علم من هذا الضال بأنه على ضالل‪ ،‬ولكنه يتبع الضالل معاندة‪.‬‬

‫‪َ ﴿ -2‬و َخت ََم َع َلى َس ْم ِع ِه وقلبه﴾‬

‫ال يسمع ما ينفعه من الحق‪ ،‬وال يعي الخير‪.‬‬


‫ِ ِ‬
‫‪َ ﴿-3‬و َج َع َل َع َلى َب َص ِره غ َش َ‬
‫او ًة﴾‬

‫ال يرى الحق‪ ،‬وال يتبعه‪.‬‬

‫‪-‬أيضا تأيت آية التحذير من كل فعل وقول نفعله‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫﴿ َه َذا كِتَابنَا ينطِق َع َليكم بِا ْلح ِّق إِنا كنا نَست ِ‬
‫َنسخ َما كنت ْم َت ْع َمل َ‬
‫ون﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫فكل شيء نفعله‪ ،‬وكل قول نقوله‪ ،‬ينقل وينسخ‪ ،‬فانتبِه!‬

‫‪374‬‬
‫األحقاف جمع حقف‪ ،‬والح ْقف هو الجبل من الرمل‪ ،‬وهو المكان‬

‫الذي عاش فيه قوم عاد‪ ،‬ومن مقاصد سورة األحقاف الحديث عن‬

‫التوحيد‪ ،‬ومناقشة المشركين‪ ،‬واإليمان بالبعث‪ ،‬والحديث عن‬

‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم واإليمان برسالته‪ ،‬وهي آخر سورة يف‬

‫الحواميم‪.‬‬

‫‪ -‬أوضحت السورة ضالل الكفار وهبتاهنم وخطأهم يف عبادة األوثان‬

‫واألصنام‪ ،‬التي ال تضر وال تنفع‪ ،‬وال تبصر وال تسمع‪ ،‬وال تغني من‬

‫الحق شيئًا‬

‫ون اهللِ َأرونِي َما َذا َخ َلقوا مِ َن األَ ْر ِ‬


‫ض َأ ْم‬ ‫ون مِن د ِ‬ ‫﴿ق ْل َأ َر َأ ْيتم ما َتدْ ع َ‬

‫َاب ِّمن َق ْب ِل َه َذا َأ ْو َأ َث َار ٍة ِّم ْن ِع ْل ٍم‬


‫ات ائْتونِي بِكِت ٍ‬
‫َلهم ِشر ٌك فِي السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ْ‬

‫‪375‬‬
‫ون اهللِ من ّال َيست ِ‬
‫َجيب‬ ‫ادقِين ‪ .‬ومن َأ َضل مِمن يدْ عو مِن د ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫إِن كنتم ص ِ‬
‫ْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َله إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة َوه ْم َعن د َعائِ ِه ْم َغافِل َ‬
‫ون﴾‬

‫ردت على المشركين مزاعمهم‪ ،‬وسفهتهم يف زعمهم أن القرآن سحر‬

‫مبين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬قل أرأيتم إن كان من عند اهلل وكفرتم به وشهد‬

‫شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكربتم﴾‬

‫‪ -‬عرضت السورة ألولئك النفر من الجن الذين صرفهم اهلل‬

‫ووجههم إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لسماع القرآن الكريم‪،‬‬

‫فأنصتوا إليه عند سماعه‪ ،‬ثم ذهبوا إلى قومهم منذرين ومخوفين لهم‬

‫من أن يخافوه؛ ألن القرآن مصدق لما جاء به موسى عليه السالم؛‬

‫وألنه يهدي إلى الحق الثابت والصراط المستقيم‪ ،‬وآمرين لهم باتباع‬

‫ما جاء فيه ليغفر اهلل لهم ذنوهبم وينجيهم من عذاب أليم‪ ،‬وذلك تنبيه‬

‫وتوبيخ للمشركين‪ ،‬حيث آمن به الجن‪ ،‬وكفر به المشركون وعاندوا‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫ضرب اهلل تعالى مثل من استمع للقرآن وهم الجن‪ ّ،‬وكيف تفاعلوا‬

‫مع القرآن عندما سمعوه‪:‬‬

‫آن َف َلما َح َضروه َقالوا‬ ‫ج ِّن َي ْست َِمع َ‬


‫ون ا ْلق ْر َ‬ ‫﴿ َوإِ ْذ َصر ْفنَا إِ َل ْي َك َن َفرا م َن ا ْل ِ‬
‫ً ِّ‬ ‫َ‬
‫نذ ِري َن ‪َ .‬قالوا َيا َق ْو َمنَا إِنا َس ِم ْعنَا‬
‫نصتوا َف َلما ق ِضي ولوا إِ َلى َقومِ ِهم م ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َأ ِ‬

‫وسى م َصدِّ ًقا ِّل َما َب ْي َن َيدَ ْي ِه َي ْه ِدي إِ َلى ا ْل َح ِّق َوإِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتَا ًبا أ ِنز َل من َب ْعد م َ‬
‫اع َي اهللِ َوآمِنوا بِ ِه َي ْغ ِف ْر َلكم ِّمن‬
‫يم ‪ .‬يا َقومنَا َأ ِجيبوا د ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َط ِر ٍيق م ْستَق ٍ َ ْ َ‬
‫اب َأل ِ ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫ذنوبِكم َوي ِ‬
‫ج ْركم ِّم ْن َع َذ ٍ‬ ‫ْ‬

‫وضرب لنا مثالً آخر ألب يدعو ابنه ليطيعه واالبن يرفض‬

‫ف لك َما َأ َت ِعدَ انِنِي َأ ْن أ ْخ َر َج َو َقدْ َخ َل ْت ا ْلقرون‬


‫﴿ َوال ِذي َق َال ل ِ َوالِدَ ْي ِه أ ٍّ‬

‫اهلل َو ْي َل َك آمِ ْن إِن َوعْدَ اهللِ َح ٌّق َف َيقول َما َه َذا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫من َق ْبلي َوه َما َي ْس َتغيثَان َ‬
‫إِال َأ َساطِير ْاألَولِي َن﴾‬

‫‪377‬‬
‫‪ -‬ختمت السورة بتثبيت الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأمر من اهلل‬

‫لرسوله أن يصرب على تكذيب قومه‪ ،‬وإيذائهم له كما صرب أصحاب‬

‫العزائم العالية من الرسل عليهم السالم‪ ،‬وهناه جل شأنه أن يستعجل‬

‫لهم العذاب؛ فإنه آتيهم ال محالة‪﴿ ،‬كأهنم يوم يرون ما يوعدون لم‬

‫يلبثوا إال ساعة من هنار﴾‬

‫‪378‬‬
‫تسمى (سورة القتال) وتسميتها هبذا؛ ألهنا ذكرت فيها مشروعية‬

‫القتال‪.‬‬

‫ومن مقاصدها أن معظم ما يف هذه السورة التحريض على قتال‬

‫المشركين‪ ،‬وترغيب المسلمين يف ثواب الجهاد‪ .‬وقد افتتحت بما‬

‫يثير حنق المؤمنين على المشركين؛ ألهنم كفروا باهلل‪ ،‬وصدوا عن‬

‫سبيله‪ ،‬أي دينه‪ .‬فـ (القتال) هو موضوع السورة؛ فهي تبدأ ببيان‬

‫حقيقة الذين كفروا‪ ،‬وحقيقة الذين آمنوا يف صيغة هجوم أدبي على‬

‫الذين كفروا‪ ،‬وتمجيد كذلك للذين آمنوا‪ ،‬مع إيحاء بأن اهلل عدو‬
‫لألولين‪ ،‬ولي َ‬
‫لآلخرين‪ ،‬وأن هذه حقيقة ثابتة يف تقدير اهلل سبحانه‪.‬‬ ‫ٌّ‬
‫فهو إذن إعالن حرب منه تعالى على أعدائه وأعداء دينه منذ اللفظ‬

‫األول يف السورة‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫وضحت السورة أن اهلل أبطل أعمال الكافرين إلعراضهم عن الحق‬
‫‪ّ -‬‬
‫واتباع الباطل‪ ،‬والوقوف يف وجه الدعوة؛ ليصدوا الناس عن دين اهلل‪،‬‬

‫وأنه سبحانه كَفر عن المؤمنين سيئاهتم؛ ألهنم نصروا الحق‪ ،‬وسلكوا‬

‫طريقه‪ ،‬واتبعوا ما أنزل على محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فكان ذلك‬

‫كفالة للمؤمنين بالنصر على أعدائهم‪.‬‬

‫﴿ َذل ِ َك بِ َأن ال ِذي َن َك َفروا ات َبعوا ا ْل َباطِ َل َو َأن ال ِذي َن آ َمنوا ات َبعوا ا ْل َحق‬
‫مِن ر ِّب ِه ْم ك ََذل ِ َك َي ْض ِرب اهلل لِلن ِ‬
‫اس َأ ْم َثا َلهم﴾‬

‫‪-‬بينت وجوب الدفاع عن الحق‪ ،‬وما يتطلبه ذلك عند لقاء الكفار يف‬

‫بدء المعركة وهنايتها‪ ،‬وذكرت جزاء من قتل يف سبيل اهلل‪.‬‬

‫اب َحتى إِ َذا َأ ْث َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫خنتموه ْم َفشدوا‬ ‫﴿ َفإِ َذا َلقيتم الذي َن َك َفروا َف َض ْر َب ِّ‬
‫الر َق ِ‬

‫اق َفإِما َمنًّا َب ْعد َوإِما فِدَ اء َحتى َت َض َع ا ْل َح ْرب َأ ْو َز َار َها َذل ِ َك َو َل ْو‬
‫ا ْل َو َث َ‬

‫‪380‬‬
‫ض َوال ِذي َن قتِلوا فِي‬
‫َي َشاء اهلل النت ََص َر مِنْه ْم َو َلكِن ِّل َي ْبل َو َب ْع َضكم بِ َب ْع ٍ‬

‫َسبِي ِل اهللِ َف َلن ي ِضل َأ ْع َما َله ْم﴾‬

‫‪-‬حذرت كفار مكة سوء المصير‪ ،‬فضربت لهم األمثال بالطغاة‬

‫المتجربين من األمم السابقة‪ ،‬وبينت أن اهلل دمر عليهم بسبب‬

‫إجرامهم وطغياهنم‪﴿ :‬أفلم يسيروا يف األرض فينظروا كيف كان‬

‫عاقبة الذين من قبلهم﴾ (محمد‪ ،)1٠:‬ثم ذكرت جزاء الذين آمنوا‬

‫وعملوا الصالحات‪ ،‬وعاقبة الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل‬

‫األنعام والنار مثوى لهم‪ ،‬وأشارت إلى أن سنة اهلل إهالك القرى‬

‫الظالمة التي هي أشد من قريتك التي أخرجتك ﴿فال ناصر لهم﴾‬

‫(محمد‪.)13:‬‬

‫‪381‬‬
‫‪-‬ثم وصفت السورة الجنة ونعيمها‪:‬‬

‫آس ٍن َو َأن َْه ٌار مِن‬


‫ون فِيها َأنْهار من ماء َغي ِر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿ َم َثل ا ْل َجنة التي وعدَ ا ْلمتق َ َ َ ٌ ِّ‬
‫ل َب ٍن ل ْم َي َت َغي ْر َط ْعمه َو َأن َْه ٌار ِّم ْن َخ ْم ٍر لذ ٍة ِّللش ِ‬
‫اربِي َن َو َأن َْه ٌار ِّم ْن َع َس ٍل‬

‫ات َو َم ْغ ِف َر ٌة ِّمن ر ِّب ِه ْم ك ََم ْن ه َو َخالِدٌ‬


‫مص ًّفى و َلهم فِيها مِن ك ِّل الثمر ِ‬
‫ََ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫يما َف َقط َع َأ ْم َعا َءهم﴾‬ ‫ِ‬ ‫فِي الن ِ‬
‫ار َوسقوا َماء َحم ً‬

‫‪-‬ثم وصفت السورة حال المنافقين‪ ،‬وأهنم يخافون أن ينزل سورة‬

‫فيها قتال‪ ،‬ألهنم ال يريدون القتال وال الموت‬

‫ور ٌة م ْح َك َم ٌة َوذكِ َر فِ َيها ا ْل ِقتَال َر َأ ْي َت ال ِذي َن فِي قلوبِ ِهم‬


‫﴿ َفإِ َذا أ ِنز َل ْت س َ‬
‫ون إِ َلي َك َن َظر ا ْلم ْغ ِشي َع َلي ِه مِن ا ْلمو ِ‬
‫ت َف َأ ْو َلى َله ْم﴾‬ ‫َ َ ِّ ْ َ َ ْ‬ ‫م َر ٌض َينظر َ ْ‬

‫‪-‬ثم تذكر السورة حال المنافقين الذي ارتدوا عن اإلسالم وكفروا‬

‫وذكرت أن ذلك لعدة أسباب‪:‬‬

‫‪-‬اتباع الشيطان‬
‫‪382‬‬
‫‪-2‬اتباعهم الكفار الذي كرهوا ما ينزل من القرآن‪ ،‬وقالوا لهم أهنم‬

‫سيطيعوهنم يف بعض األمور‪.‬‬

‫ار ِهم ِّمن َب ْع ِد َما َت َبي َن َلهم ا ْلهدَ ى الش ْي َطان‬


‫﴿إِن ال ِذي َن ْار َتدوا َع َلى َأ ْد َب ِ‬

‫َسو َل َله ْم َو َأ ْم َلى َلهم ‪َ .‬ذل ِ َك بِ َأنه ْم َقالوا لِل ِذي َن ك َِرهوا َما نَز َل اهلل‬
‫َسنطِيعك ْم فِي َب ْع ِ‬
‫ض األَ ْم ِر َواهلل َي ْع َلم إِ ْس َر َاره ْم﴾‬

‫‪-‬ثم تصف السورة حال هؤالء عند الموت‪:‬‬

‫وهه ْم َو َأ ْد َب َاره ْم﴾‬ ‫ف إِ َذا َت َوفتْه ْم ا ْل َمالئِ َكة َي ْض ِرب َ‬


‫ون وج َ‬ ‫﴿ َف َك ْي َ‬

‫‪-‬ثم تهدد السورة كل من كان يف قلبه مرض من المنافقين‪ ،‬وكل َمن‬

‫أصر على هذا المرض أنه سيفضحهم‪:‬‬


‫ّ‬

‫ب ال ِذي َن فِي قلوبِ ِهم م َر ٌض َأن لن ي ْخ ِر َج اهلل َأ ْض َغانَه ْم َو َل ْو‬ ‫ِ‬


‫﴿ َأ ْم َحس َ‬
‫يماه ْم َو َل َت ْع ِر َفنه ْم فِي َل ْح ِن ا ْل َق ْو ِل َواهلل‬ ‫ِ‬
‫ن ََشاء َألَ َر ْينَاكَه ْم َف َل َع َر ْفتَهم بِس َ‬
‫َي ْع َلم َأ ْع َما َلك ْم﴾‬

‫‪383‬‬
‫‪-‬ثم الخاتمة المؤلمة‪ ،‬وهي سنة االستبدال!‬

‫سترتك العمل لدين اهلل سيأيت غيرك ليأخذ مكانك‪ ،‬سترتك دينك‪،‬‬

‫سيأيت غيرك‬

‫﴿ َوإِن َتت ََول ْوا َي ْس َت ْب ِد ْل َق ْو ًما َغ ْي َرك ْم ثم ال َيكونوا َأ ْم َثا َلك ْم﴾‬

‫‪384‬‬
‫‪-‬ب ِدئت السورة الكريمة بالبشارة بالفتح المبين‪ ،‬وبما أفاء اهلل به على‬

‫رسوله والمؤمنين من نصر عزيز وتأييد مبين‪.‬‬

‫﴿إِنا َفت َْحنَا َل َك َفت ًْحا مبِينًا﴾‬

‫‪ -‬تضمنت السورة بشارة المؤمنين بحسن عاقبة صلح الحدَ ْيبِ َية‪ ،‬وأنه‬

‫نصر وفتح‪ ،‬فنزلت به السكينة يف قلوب المسلمين‪ ،‬وأزال حزهنم من‬

‫صدهم عن االعتمار بالبيت‪ ،‬وكان المسلمون ِعدَ ة ال تغلب من قلة‪،‬‬

‫فرأوا أهنم عادوا كالخائبين‪ ،‬فأعلمهم اهلل بأن العاقبة لهم‪ ،‬وأن دائرة‬

‫السوء على المشركين والمنافقين‬


‫ِِ ِ‬ ‫﴿ه َو ال ِذي َأ َنز َل السكِينَ َة فِي قل ِ‬
‫وب ا ْلم ْؤمني َن ل َي ْز َدادوا إِ َ‬
‫يمانًا م َع‬

‫يما ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َوك َ‬ ‫إِيمانِ ِهم ولِل ِه جنود السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫يما َحك ً‬ ‫َان اهلل َعل ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ات َت ْج ِري مِن َت ْحتِ َها األَن َْهار َخال ِ ِدي َن‬ ‫َات جن ٍ‬
‫َ‬
‫لِيدْ ِخ َل ا ْلم ْؤمِنِين وا ْلم ْؤمِن ِ‬
‫َ َ‬

‫‪385‬‬
‫يما ‪َ .‬وي َع ِّذ َب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِيها وي َك ِّفر َعنْهم سيئَاتِ ِهم وك َ ِ ِ‬
‫َان َذل َك عندَ اهلل َف ْو ًزا َعظ ً‬ ‫ْ َ ِّ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َات الظانِّي َن بِاهللِ َظن‬ ‫ات وا ْلم ْش ِركِين وا ْلم ْش ِرك ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ا ْلمنَافقي َن َوا ْلمنَاف َق َ‬
‫ب اهلل َع َل ْي ِه ْم َو َل َعنَه ْم َو َأ َعد َله ْم َج َهن َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْوء َع َل ْي ِه ْم َدائ َرة الس ْوء َو َغض َ‬
‫ت َم ِص ًيرا﴾‬ ‫َو َسا َء ْ‬

‫‪ -‬تناولت اآليات أصحاب األعذار الذين يباح لهم التخلف عن‬

‫القتال؛ لعجزهم عن مباشرته‪ ،‬وأهنم ال إثم عليهم يف ذلك‪.‬‬

‫﴿ َل ْي َس َع َلى األَ ْع َمى َح َر ٌج َوال َع َلى األَ ْع َرجِ َح َر ٌج َوال َع َلى ا ْل َم ِر ِ‬


‫يض‬

‫ات َت ْج ِري مِن َت ْحتِ َها األَن َْهار‬


‫حرج ومن يطِ ِع اهلل ورسو َله يدْ ِخ ْله جن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ ٌ َ َ‬
‫ِ‬
‫يما﴾‬‫َو َمن َيت ََول ي َع ِّذ ْبه َع َذا ًبا َأل ً‬

‫‪386‬‬
‫ومن المالحظ يف السورة أهنا تكررت فيها السكينة ثالث مرات‪:‬‬

‫وب ا ْلم ْؤمِنِي َن ﴾‬


‫‪ ﴿-1‬ه َو ال ِذي َأ َنز َل السكِينَ َة فِي قل ِ‬

‫‪ ﴿ -2‬ل َقدْ َر ِض َي اهلل َع ِن ا ْلم ْؤمِنِي َن إِ ْذ ي َبايِعون ََك َت ْح َت الش َج َر ِة َف َعلِ َم‬

‫َما فِي قلوبِ ِه ْم َف َأ َنز َل السكِينَ َة َع َل ْي ِه ْم ﴾‬

‫اهلِي ِة َف َأ َنز َل‬


‫‪ ﴿- 3‬إِ ْذ جع َل ال ِذين َك َفروا فِي قلوبِ ِهم ا ْلح ِمي َة ح ِمي َة ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اهلل َسكِينَتَه َع َلى َرسول ِ ِه َو َع َلى ا ْلم ْؤمِنِي َن ﴾‬

‫‪387‬‬
‫تسمى سورة األدب‪ ،‬الشتمالها على اآلداب التي يجب أن يتحلى هبا‬

‫كل مسلم‪..‬‬

‫‪-‬األدب مع اهلل‬

‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنوا َال ت َقدِّ موا َب ْي َن َيدَ ِي الل ِـه َو َرسول ِ ِه ۚ َواتقوا اللـ َه ۚ‬

‫يم‬‫إِن اللـه س ِم ٌ ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َ َ‬

‫‪-‬األدب مع النبي‬
‫﴿يا َأيها ال ِذين آمنوا َال َتر َفعوا َأصوا َتكم َفو َق صو ِ‬
‫ت النبِ ِّي َو َال‬ ‫ْ َ ْ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َج ْه ِر َب ْع ِضك ْم ل ِ َب ْع ٍ‬
‫ض َأن َت ْح َب َط َأ ْع َمالك ْم َو َأنت ْم َال‬ ‫َت ْج َهروا َله بِا ْل َق ْو ِل ك َ‬
‫َت ْشعر َ‬
‫ون﴾‬

‫‪388‬‬
‫‪-‬األدب مع المؤمنين‬
‫﴿يا َأيها ال ِذين آمنوا إِن جاءكم َف ِ‬
‫اس ٌق بِنَ َبإٍ َف َت َبينوا َأن ت ِصيبوا َق ْو ًما‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َادمِي َن﴾‬
‫بِجها َل ٍة َفتصبِحوا َع َلى ما َفع ْلتم ن ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنوا َال َي ْس َخ ْر َق ْو ٌم ِّمن َق ْو ٍم َع َسى َأن َيكونوا َخ ْي ًرا ِّمنْه ْم‬

‫اء َع َسى َأن َيكن َخ ْي ًرا ِّمنْهن ۚ َو َال َت ْل ِمزوا َأنف َسك ْم‬ ‫و َال نِساء من نِّس ٍ‬
‫َ َ ٌ ِّ َ‬
‫اإليم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ۚ َو َمن ل ْم‬ ‫اب ۚ بِ ْئ َس اال ْسم ا ْلفسوق َب ْعدَ ْ َ‬ ‫َو َال َتنَا َبزوا بِ ْاألَ ْل َق ِ‬

‫اجتَنِبوا َكثِ ًيرا ِّم َن الظ ِّن‬ ‫ِ‬


‫ون ‪َ .‬يا َأي َها الذي َن آ َمنوا ْ‬‫ب َفأو َلـئِ َك هم الظالِم َ‬ ‫َيت ْ‬
‫حب‬ ‫إِن بع َض الظن إِ ْثم ۚ و َال َتجسسوا و َال ي ْغتَب بعضكم بع ًضا ۚ َأي ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ٌ َ‬ ‫َْ‬
‫يه َم ْيتًا َف َك ِر ْهتموه ۚ َواتقوا اللـ َه ۚ إِن اللـ َه‬ ‫َأحدكم َأن ي ْأك َل َلحم َأ ِخ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫يم‪﴾ .‬‬ ‫اب رح ٌ‬ ‫َتو ٌ‬

‫‪-‬األدب بين البالد والدول اإلسالمية‪:‬‬

‫‪389‬‬
‫َان مِ َن ا ْلم ْؤمِنِي َن ا ْقتَتَلوا َف َأ ْصلِحوا َب ْينَه َما﴾‬
‫﴿وإِن َطائِ َفت ِ‬
‫َ‬

‫﴿إِن َما ا ْلم ْؤمِن َ‬


‫ون إِ ْخ َو ٌة َف َأ ْصلِحوا َب ْي َن َأ َخ َو ْيك ْم ۚ َواتقوا اللـ َه َل َعلك ْم‬

‫ت ْر َحمون﴾‬

‫‪-‬األدب بين الناس جمي ًعا‬

‫﴿ َيا َأي َها الناس إِنا َخ َل ْقنَاكم ِّمن َذك ٍَر َوأن َثى َو َج َع ْلنَاك ْم شعو ًبا َو َق َبائِ َل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َت َع َارفوا ۚ إِن َأك َْر َمك ْم عندَ اللـه َأ ْت َقاك ْم ۚ إِن اللـ َه َعل ٌ‬
‫يم َخبِ ٌير ﴾‬

‫ذكر الفيروزآبادي أن "معظم مقصود السورة‪ :‬محافظة أمر الحق‬

‫تعالى‪ ،‬ومراعاة ح ْرمة األَكابر‪ ،‬والتؤدة يف األمور‪ ،‬واجتناب التهور‪،‬‬

‫بالخ ْلق‪ ،‬والحذر عن‬


‫وإغاثة المظلوم‪ ،‬واالحرتاز عن السخرية َ‬

‫التجسس والغيبة‪ ،‬وترك الفخر باألحساب واألنساب‪ ،‬والتحاشي‬

‫عن المنة على اهلل بالطاعة‪ ،‬وإحالة علم الغيب إِلى اهلل تعالى"‪.‬‬

‫ثم خاتمة السورة تتكلم عن موقف األعراب و إساءة األدب‬

‫‪390‬‬
‫ت ْاألَ ْع َراب آ َمنا قل ل ْم ت ْؤمِنوا َو َلـكِن قولوا َأ ْس َل ْمنَا َو َلما َيدْ خ ِل‬
‫﴿ َقا َل ِ‬

‫يمان فِي قلوبِك ْم َوإِن تطِيعوا اللـ َه َو َرسو َله َال َيلِتْكم ِّم ْن َأ ْع َمالِك ْم‬ ‫ْاإل َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫يم ﴾‬‫ور رح ٌ‬ ‫َش ْي ًئا إِن اللـ َه َغف ٌ‬

‫‪391‬‬
‫سورة ق هي سورة الغافلين‪ ،‬سور هتز القلوب‪ ،‬وتقذف يف قلب كل‬

‫غافل صواعق‪ ،‬لعله يتعظ‪.‬‬

‫تبدأ السورة بتعظيم شأن القرآن‪ ،‬ثم بيان حال الكفار لما سمعوا ما‬

‫فيه من آيات‪:‬‬
‫جبوا َأن جاءهم م ِ‬
‫نذ ٌر ِّمنْه ْم َف َق َال‬ ‫جيد ‪َ .‬ب ْل َع ِ‬ ‫﴿ق وا ْلقر ِ‬
‫آن ا ْلم ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫يب ‪َ .‬أئِ َذا مِ ْتنَا َوكنا ت َرا ًبا َذل ِ َك َر ْج ٌع َب ِعيدٌ ﴾‬
‫ج ٌ‬ ‫ا ْل َكافِر َ‬
‫ون َه َذا َشيء َع ِ‬
‫ْ ٌ‬

‫ثم يأيت االستدالل على إثبات البعث وأنه ليس بأعظم من ابتداء خلق‬

‫السماوات وما فيها وخلق األرض وما عليها‪ ،‬ونشأة النبات والثمار‬

‫من ماء السماء وأن ذلك مثل لإلحياء بعد الموت‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫‪-‬ومن أهداف السورة أهنا تعرض عليك الجنة والنار‪ ،‬لكي تسأل‬

‫نفسك يف أي طريق تريد أن تسير!‬

‫بدأت بعرض النار وأهوال القيامة‪:‬‬

‫حيد ‪َ .‬ون ِف َخ فِي‬


‫نت مِنْه َت ِ‬
‫ت بِا ْل َح ِّق َذل ِ َك َما ك َ‬
‫ت س ْكرة ا ْلمو ِ‬
‫﴿ َو َجا َء ْ َ َ َ ْ‬
‫س م َع َها َسائِ ٌق َو َش ِهيدٌ ‪َ .‬ل َقدْ‬
‫ت كل َن ْف ٍ‬ ‫ور َذل ِ َك يوم ا ْلو ِع ِ‬
‫يد ‪َ .‬و َجا َء ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫الص ِ‬

‫نك ِغ َطا َء َك َف َب َصر َك ا ْل َي ْو َم َح ِديدٌ ‪.‬‬


‫نت فِي َغ ْف َل ٍة ِّم ْن َه َذا َف َك َش ْفنَا َع َ‬
‫ك َ‬
‫ار َعن ِ ٍ‬
‫يد ‪ .‬منا ٍع‬ ‫َو َق َال َق ِرينه َه َذا َما َلدَ ي َعتِيدٌ ‪َ .‬أ ْل ِق َيا فِي َج َهن َم كل كَف ٍ‬

‫اب‬ ‫يب ‪ .‬ال ِذي َج َع َل َم َع اهللِ إِ َل ًها َ‬


‫آخ َر َف َأ ْل ِق َياه فِي ا ْل َع َذ ِ‬ ‫ِّل ْل َخ ْي ِر م ْعت ٍَد م ِر ٍ‬
‫الش ِد ِ‬
‫يد﴾‬

‫ثم عرضت الجنة‪:‬‬

‫‪393‬‬
‫اب ح ِف ٍ‬ ‫يد َه َذا ما تو َعد َ ِ‬
‫ت ا ْلجنة ل ِ ْلمت ِقين َغير ب ِع ٍ‬
‫﴿وأ ْزل ِ َف ِ‬
‫يظ‬ ‫ون لك ِّل َأو ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وها بِ َسال ٍم َذل ِ َك‬ ‫ب من ِ ٍ‬
‫يب ا ْدخل َ‬ ‫َم ْن َخ ِشي الر ْح َمن بِا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب َو َجا َء بِ َق ْل ٍ‬
‫َ‬
‫ون فِ َيها َو َلدَ ْينَا َم ِزيدٌ ﴾‬ ‫يوم ا ْلخل ِ‬
‫ود َلهم ما َي َشاؤ َ‬ ‫َْ‬

‫‪394‬‬
‫من مقاصد السورة أهنا تركز على قضية الرزق‪ ،‬فقد نزلت السورة‬

‫يف عام الحزن‪ ،‬أي أهنا نزلت بعد حصار ِشعب أبي طالب‪ ،‬فقد‬

‫حوصر النبي مع أصحابه وأهله يف هذا الشعب لمدة ثالث سنوات‪،‬‬

‫وذلك لما رأت قريش أن أمر النبي يتزايد‪ ،‬والمسلمون يتزايدون يوما‬

‫بعد يوم‪ ،‬ولم يستطع عمه أبو طالب أن يكف النبي من دعوته‪،‬‬

‫فاتفقوا على حصارهم‪ ،‬فقطعوا عنهم الطعام والشراب‪ ،‬وال يتواصل‬

‫معهم أحد‪ ،‬حتى عاش النبي صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه أشد‬

‫المعاناة والتضييق يف الرزق‪.‬‬

‫فبالطبع خرج الصحابة من هذا الحصار وهم يف ابتالء يف أرزاقهم‪،‬‬

‫فجاءت السورة تقول لك‪ :‬رزقك يف السماء‪ ،‬وليس يف األرض!‬

‫﴿ َوفِي الس َماء ِر ْزقك ْم َو َما تو َعد َ‬


‫ون‪﴾ .‬‬

‫‪395‬‬
‫تبدأ السورة بالقسم‪:‬‬
‫اري ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ي ْس ًرا ‪.‬‬ ‫﴿ َوالذ ِار َيات َذ ْر ًوا ‪َ .‬فا ْل َحامالت ِو ْق ًرا ‪َ .‬فا ْل َج ِ َ‬
‫َفا ْلم َقسم ِ‬
‫ات َأ ْم ًرا﴾‬ ‫ِّ َ‬

‫الذاريات‪ :‬هي الريح الشديدة‪.‬‬

‫الحامالت‪ :‬هي الريح التي تحمل السحاب المحمل بالمطر‪.‬‬

‫الجاريات‪ :‬هي الفلك التي تجري يف البحر بدفع الريح لها‪ ،‬فتجلب‬

‫الرزق للناس‪ ،‬وتقضي حوائجهم‪.‬‬

‫قسمات‪ :‬هي المالئكة التي أمرت أن تقسم أرزاق العباد‪.‬‬


‫الم ِّ‬

‫وكما قلنا أن من مقاصد السورة أهنا تعالج قضية الزرق‪ ،‬فاهلل عز‬
‫وجل يقول لك‪َ ﴿ :‬وفِي الس َماء ِر ْزقك ْم َو َما تو َعد َ‬
‫ون‪﴾ .‬‬

‫‪396‬‬
‫فرزقك يف السماء‪ ،‬فال تعلق قلبك بأي شيء دنيوي‪ ،‬وال تخف من‬

‫أي هتديد يخص رزقك‪ ،‬فرزقك يأتيك من السماء وليس من‬

‫األرض‪.‬‬

‫ومن اللطائف يف هذه السورة والتي تعالج قضية الرزق‪ ،‬أن اهلل عز‬

‫اهلل ه َو الرزاق ذو ا ْلقو ِة ا ْل َمتِين﴾‬


‫وجل قال‪ ﴿ :‬إِن َ‬

‫لم يقل اهلل أنه رزاق فقط‪ ،‬بل قال أنه الرزاق ذو القوة! فحينما‬

‫تستشعر أن رزقك بيد القوي‪ ،‬ستشعر باألمان أكثر‪ ،‬فرزقك لو بيد‬

‫ضعيف‪ ،‬لخفت عليه‪ ،‬وكنت يف قلق دائم على رزقك لئال يضيع‪ ،‬أما‬

‫اهلل فهو القوي الذي ال يغلب‪ ،‬فاطمئِن‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫ومن األمور التي عالجت قضية الرزق يف السورة‪ ،‬أن اهلل ذكر السماء‬

‫يف أكثر من مرة‪ ،‬حتى تتعلق بالسماء و َمن فيها‪ ،‬وال تركن إلى‬

‫األرض‪:‬‬
‫﴿وفِي السم ِ‬
‫اء ِر ْزقك ْم َو َما تو َعد َ‬
‫ون(‪﴾)22‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ض إِنه َل َح ٌّق مِ ْث َل َما َأنك ْم َتنْطِق َ‬


‫ون (‪﴾)23‬‬ ‫﴿ َفورب السم ِ‬
‫اء َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ‬
‫َاها بِ َأي ٍد وإِنا َلم ِ‬
‫وسع َ‬
‫ون (‪﴾)47‬‬ ‫﴿ َوالس َما َء َبنَ ْين َ ْ َ‬

‫‪398‬‬
‫سورة الطور من السور التي كان النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقرأ‬

‫هبا كثيرا يف صالته‪ ،‬سم ّيت الطور ألن اهلل تعالى بدأ بالقسم بجبل‬

‫الطور الذي ك ّلم اهلل تعالى عليه موسى‪ ،‬وقد نال هذا الجبل من‬

‫مشرفًا على سائر الجبال‬


‫األنوار والتجليات اإللهية ما جعله مكانًا ّ‬
‫يف األرض‪.‬‬

‫تبدأ السورة بالقسم بخمسة أمور‪ ،‬وهذا دليل على أهمية الموضوع‬

‫وهو أهوال اآلخرة‪ ،‬وما يلقاه الكافرون يف ذلك الموقف الرهيب‪،‬‬

‫وأقسمت أن العذاب واقع بالكفار ال محالة وال يمنعه مانع‪.‬‬

‫وهذا االفتتاح الذي يبعث الوجل والخوف يف النفوس فتقول‪:‬‬


‫ور ۞ وا ْلبي ِ‬
‫ت‬ ‫ور ۞ فِي َر ٍّق َمنْش ٍ‬ ‫ور ۞ َوكِ ٍ‬
‫تاب َم ْسط ٍ‬ ‫﴿ َوالط ِ‬
‫َ َْ‬

‫‪399‬‬
‫ور ۞ والس ْق ِ‬
‫ف ا ْل َم ْرفو ِع ۞ َوا ْل َب ْح ِر ا ْل َم ْسج ِ‬ ‫ا ْل َم ْعم ِ‬
‫ور ۞ إِن َع َ‬
‫ذاب‬ ‫َ‬
‫َر ِّب َك َلواقِ ٌع ۞ ما َله مِ ْن دافِ ٍع﴾‬

‫وكعادة القرآن الكريم يف المقارنة بين األخيار واألشرار‪ ،‬يأيت‬

‫الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين‪ ،‬بعد الحديث عن سوء عاقبة‬


‫ات َون َِع ٍ‬
‫يم ۞‬ ‫المكذبين‪ ،‬فيقول‪ -‬سبحانه‪﴿ :-‬إِن ا ْلمت ِقين فِي جن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫يم ۞ كلوا‬ ‫فاكِ ِهين بِما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم َعذاب ا ْلج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َو ْاش َربوا َهنِيئًا بِما كنْت ْم َت ْع َمل َ‬
‫ون﴾‪.‬‬

‫والسورة تطرح اختيار ًا جديد ًا هو‪:‬‬

‫ماذا نختار؟ عذاب أهل النار أو نعيم أهل الجنّة؟‬

‫تبدأ السورة بوصف جهنم وأهلها ﴿ َف َو ْي ٌل َي ْو َمئِ ٍذ ل ِ ْلم َك ِّذبِي َن﴾‬

‫ثم تنتقل إلى وصف الجنّة وأهلها من المتقين ﴿إِن ا ْلمت ِقي َن فِي‬
‫ات َون َِع ٍ‬
‫يم﴾‬ ‫جن ٍ‬
‫َ‬
‫‪400‬‬
‫ثم تختتم السورة الكريمة بما يسلي النبي صلى اهلل عليه وسلم وبما‬

‫يرسم له العالج الشايف‪ ،‬فتقول‪َ ﴿ :‬وا ْصبِ ْر لِح ْك ِم َر ِّب َك َفإِن َك بِ َأ ْعينِنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َس ِّب ْح بِ َح ْمد َر ِّب َك حي َن َتقوم ۞ َوم َن الل ْي ِل َف َس ِّب ْحه َوإِ ْد َ‬
‫بار النجو ِم﴾‬

‫‪401‬‬
‫تعرض السورة لنا أن العلوم والمعرفة باهلل خالق األكوان لها طريقان‪:‬‬

‫وطريق الوحي الذي جاء به النبي ﷺ وهو الكالم الصادق‪ ،‬وطريق‬

‫الظنون واألوهام‪ ،‬وما عدا طريق الوحي هو الظن والوهم‪.‬‬

‫وقد أسهبت اآليات يف عرض أن الوحي صدق من اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َما‬
‫ِ‬
‫َينطق َع ِن ا ْل َه َوى ۞ إِ ْن ه َو إِال َو ْح ٌي ي َ‬
‫وحى﴾‬

‫﴿ َما ك ََذ َب ا ْلف َؤاد َما َر َأى﴾‬

‫﴿ َما َزا َغ ا ْل َب َصر َو َما َط َغى﴾كل هذه اآليات توضح أن القرآن إنما هو‬

‫من عند اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فإياك أن يكون يف النفس شك أو ريب يف‬

‫صدق هذا الوحي الذي هو من علم اهلل تعالى‪.‬‬

‫فهذا القرآن ﴿ َعل َمه َش ِديد ا ْلق َوى﴾ [‪]5‬‬

‫‪402‬‬
‫ومع ّلم القرآن الناقل عن رب العزة‪ :‬هو جربيل عليه ّ‬
‫السالم‪،‬‬

‫الشديد بقواه العلمية والعملية‪ ،‬وهو ذو قوة وشدة‪ ،‬وذو حصافة يف‬

‫العقل‪ ،‬ومتانة يف الرأي‪.‬‬

‫‪-‬ثم تأيت آيات تحذرنا بأال نكون مثل األمم السابقة‪ ،‬وذلك يف أكثر‬

‫من موضع‪:‬‬

‫وها َأنتم وآباؤكم ما َأ َنز َل اهلل بِها مِن س ْل َط ٍ‬


‫ان‬ ‫﴿إِ ْن ِه َي إِال َأ ْس َماء َسم ْيتم َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ون إِال الظن َو َما َت ْه َوى ْاألَنفس َو َل َقدْ َجاءهم ِّمن ر ِّب ِهم‬
‫إِن َيتبِع َ‬

‫ا ْلهدَ ى﴾‬

‫ون إِال الظن َوإِن الظن َال ي ْغنِي مِ َن ا ْل َح ِّق‬


‫﴿ َو َما َلهم بِ ِه مِ ْن ِع ْل ٍم إِن َيتبِع َ‬

‫َش ْي ًئا﴾‬

‫﴿ َذل ِ َك َم ْب َلغهم ِّم َن ا ْل ِع ْل ِم إِن َرب َك ه َو َأ ْع َلم بِ َمن َضل َعن َسبِيلِ ِه َوه َو‬

‫َأ ْع َلم بِ َم ِن ْاهتَدَ ى﴾‬

‫‪403‬‬
‫﴿ َأ ِعندَ ه ِع ْلم ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب َفه َو َي َرى﴾‬

‫‪-‬أخربت السورة عن الحساب والجزاء يوم القيامة‪ ،‬وبينت أن‬


‫اإلنسان ال يحمل وزر غيره‪﴿ ،‬و َأن ليس ل ِ ْإلِنس ِ‬
‫ان إِال َما َس َعى ۞‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ف ي َرى ۞ ثم ي ْج َزاه ا ْل َج َزا َء ْاألَ ْو َفى﴾‬
‫َو َأن َس ْع َيه َس ْو َ‬

‫‪-‬ثم تحدثت عن اهلل عز وجل أن اهلل هو الذي يحيي ويميت‪ ،‬وأنه‬

‫إليه المنتهى والمصير‪ ،‬وأنه وحده هو الذي خلق الزوجين الذكر‬

‫واألنثى‪.‬‬

‫﴿ َو َأن إِ َلى َربِّ َك ا ْلمنت ََهى ‪َ .‬و َأنه ه َو َأ ْض َح َك َو َأ ْب َكى ‪َ .‬و َأنه ه َو َأ َم َ‬
‫ات‬

‫َو َأ ْح َيا ‪َ .‬و َأنه َخ َل َق الز ْو َج ْي ِن الذك ََر َواألنثَى﴾‬

‫‪404‬‬
‫افتتحت السورة الكريمة هبذا االفتتاح الذى يبعث ىف النفوس الرهبة‬

‫والخشية ‪ ،‬فهو يخرب عن قرب انقضاء الدنيا وزوالها ‪.‬‬

‫وأطلق على يوم القيامة يوم الساعة‪ ،‬لوقوعه بغتة‪ ،‬أو لسرعة ما فيه‬

‫من الحساب‪ ،‬أو ألنه على طوله قدر يسير عند اهلل تعالى ‪.‬‬

‫انشق ا ْل َق َمر﴾‬ ‫﴿ا ْقتَرب ِ‬


‫ت السا َعة َو َ‬ ‫ََ‬

‫هذه السورة تتحدث بمعظم آياهتا على نماذج لمن ّ‬


‫كذب بآيات‬

‫القرآن‪ ،‬وتحمل السورة طابع التهديد والوعيد واإلنذار مع صور‬

‫شتّى من مشاهد العذاب والدمار‪.‬‬

‫فتحدثت عن عاقبة الذين كذبوا سيدنا نوح‪:‬‬

‫َان َع َذابِي َونذ ِر﴾‬


‫فك َ‬‫َاها آ َي ًة َف َه ْل مِن مدكِ ٍر ‪َ .‬ف َك ْي َ‬
‫﴿ َو َل َقد ت َر ْكن َ‬

‫ثم تحدثت أيضا عن عاقبة قوم عاد الذين كذبوا سيدنا هود‪:‬‬
‫‪405‬‬
‫ِ‬ ‫يحا َص ْر َص ًرا فِي َي ْو ِم ن َْح ٍ‬
‫س م ْس َتم ٍّر ‪َ .‬ت ِنزع الن َ‬
‫اس‬ ‫﴿إِنا َأ ْر َس ْلنَا َع َل ْي ِه ْم ِر ً‬
‫ك ََأنه ْم َأ ْع َجاز ن َْخ ٍل من َق ِع ٍر﴾‬

‫‪-‬وأيضا تحدثت عن عاقبة قوم ثمود‪ ،‬الذين كذوا نبيهم صالح‪:‬‬

‫يم ا ْلم ْحتَظِ ِر﴾‬


‫احدَ ًة َف َكانوا ك ََه ِش ِ‬
‫﴿إِنا َأرس ْلنَا َع َلي ِهم صيح ًة و ِ‬
‫ْ ْ َ ْ َ َ‬ ‫ْ َ‬

‫‪-‬وعن عاقبة قوم لوط‪:‬‬


‫اصبا إِال َآل ل ٍ‬
‫ِ‬
‫وط نج ْينَاهم بِ َس َح ٍر﴾‬ ‫﴿إِنا َأ ْر َس ْلنَا َع َل ْي ِه ْم َح ً‬

‫‪-‬وعن عاقبة آل فرعون‪:‬‬

‫﴿كَذبوا بِآ َياتِنَا ك ِّل َها َف َأ َخ ْذنَاه ْم َأ ْخ َذ َع ِز ٍيز م ْقت َِد ٍر﴾‬

‫وبعد ذكر األقوام الذين عذبوا بسبب تكذيبهم للرسل‪ ،‬جاءت آية‬

‫التهديد ألهل مكة‬

‫﴿ َأكفارك ْم َخ ْي ٌر ِّم ْن أ ْو َلئِك ْم َأ ْم َلكم َب َرا َء ٌة فِي الزب ِر﴾‬

‫‪406‬‬
‫أي‪ :‬ليس كفاركم يا أهل مكة‪ ،‬أو يا معشر العرب‪ ،‬خير من كفار من‬

‫تقدمكم من األمم الذين أهلكوا بسبب الكفر‪ ،‬فكيف تطمعون يف‬

‫السالمة من العذاب‪ ،‬وأنتم شر منهم؟‬

‫‪-‬ثم تختم السور بذكر عاقبة المجرمين‪ ،‬وعاقبة المتقين!‬

‫ون فِي الن ِ‬


‫ار َع َلى‬ ‫﴿إِن ا ْلم ْج ِرمِي َن فِي َض ٍ‬
‫الل َوسع ٍر ‪َ .‬ي ْو َم ي ْس َحب َ‬
‫وج ِ‬
‫وه ِه ْم ذوقوا َمس َس َق َر﴾‬

‫يك م ْقت َِد ٍر﴾‬


‫ات ونَه ٍر ‪ .‬فِي م ْقع ِد ِصدْ ٍق ِعندَ ملِ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫﴿إِن ا ْلمتقي َن في َجن َ َ‬

‫واسم اهلل المليك لم يرد يف القرآن إال يف هذه اآلية‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫من مقاصد السورة‪ :‬التعرف على اهلل عز وجل من خالل آالئِه ونعمه‪،‬‬

‫ومن مميزات سورة الرحمن بديع أسلوهبا‪ ،‬وافتتاحها الباهر باسمه‬

‫الرحمن‪ ،‬وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء اهلل‪ ،‬لم‬

‫يتقدمه غيره‪.‬‬

‫ولنتأمل كيف قدم اهلل نعمة الهداية واإلرشاد على نعمة الخلق‬
‫ِ‬
‫آن ‪َ .‬خ َل َق اإل َ‬
‫نس َ‬
‫ان﴾‬ ‫واإليجاد‪ ،‬فقال اهلل‪َ ﴿ :‬عل َم ا ْلق ْر َ‬

‫فبدأ بتعليم القرآن قبل خلق اإلنسان لبيان أن نعمة اهلل على عبده‬

‫بالقرآن أعظم من نعمته عليه بخلقه‪ ،‬وأهنا َأولى النعمتين بالشكر‪،‬‬

‫وأهنا أدل على رحمته بخلقه حيث أنزل عليهم هذا القرآن الذي‬

‫يهديهم ويدلهم على الطريق ويبين لهم سواء الصراط‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫ذكرت السورة الكثير من النعم المتعددة يف الشمس والقمر والسماء‬

‫واألرض والبحر‬

‫﴿الشمس وا ْل َقمر بِحسب ٍ‬


‫ان﴾‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ‬

‫﴿ َوالس َماء َر َف َع َها َو َو َض َع ا ْل ِم َيز َ‬


‫ان‬

‫ألنَا ِم ر‪ .‬فِ َيها َفاكِ َه ٌة َوالن ْخل َذات األَك َْما ِم ‪.‬‬
‫﴿ َواألَ ْر َض َو َض َع َها ل ِ ْ َ‬
‫وا ْلحب ذو ا ْلعص ِ‬
‫ف َوالر ْي َحان﴾‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫﴿مرج ا ْلبحري ِن ي ْلت َِقي ِ‬
‫ان﴾‬‫ََ َ َ َْْ َ َ‬

‫‪-‬ومن بديع أسلوب السورة‪ ،‬التعداد يف مقام االمتنان والتعظيم قوله‬


‫﴿ َفبِ َأي َآال ِء ربكما ت َك ِّذب ِ‬
‫ان ﴾؛ إذ تكررت هذه اآلية يف سورة الرحمن‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫ِّ‬
‫إحدى وثالثين مرة‪ ،‬وذلك أسلوب عربي جليل‪.‬‬

‫‪-‬وجاء يف السورة استخدام أسلوب الرتغيب والرتهيب؛ ألن اهلل‬

‫سبحانه ذكر أهوال يوم القيامة‪ ،‬وتحدث سبحانه عن حال األشقياء‬


‫‪409‬‬
‫المجرمين‪ ،‬وما يالقونه من فزع‪ ،‬وبعدها يذكر مشهد النعيم للمتقين‬

‫يف شيء من اإلسهاب والتفصيل؛ إذ يكونون يف الجنان مع الحور‬

‫العين‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫من السور التي شيبت النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ذلِك لِما يف تلك‬
‫ِ‬
‫العذاب‪،‬‬ ‫ابقة‪ ،‬وما حدَ ث لهم مِن‬
‫مم الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ ِ ِ‬
‫ور من ذك ِْر َهالك األ ِ ّ‬
‫ِ‬
‫وأحوال‬ ‫القيامة‪ ،‬و َمواقِ ِفها وعجائبِها و َمصائبِها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهوال‬ ‫ِ‬
‫وذك ِْر‬

‫باالستقامة‪ ،‬وهو مِن‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫عضهن مِن‬
‫الهالِكين والمعذبين مع ما يف ب ِ‬
‫َ‬
‫اد َر مِن‬
‫الخوف الص ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫يب‬ ‫ِ‬ ‫أص َع ِ‬
‫ب المقامات‪ ،‬وكأن ذلك الش َ‬
‫ِ‬
‫والخوف عليهم‪.‬‬ ‫اإلشفاق على أمتِه‬
‫ِ‬ ‫بي ﷺ مِن‬
‫الن ِّ‬
‫مسارات السورة‪:‬‬

‫‪-1‬تتحدث آياهتا بشك ٍل رئيسي عن يوم القيامة‪ ،‬وأحواله‪،‬‬

‫اسم من أسماء‬
‫وخصوصياته‪ ،‬حيث تبتدئ آياهتا بذكر الواقعة‪ ،‬وهي ٌ‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وتتحدث عن األحداث المرعبة التي تجري فيه‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫َاذب ٌة ‪َ .‬خافِ َض ٌة رافِع ٌة ‪ .‬إِ َذا رج ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫﴿إِ َذا َو َق َعت ا ْل َواق َعة ‪َ .‬ل ْي َس ل َو ْق َعت َها ك َ‬
‫األَرض رجا ‪ .‬وبس ِ‬
‫ت ا ْل ِ‬
‫ج َبال َب ًّسا ‪َ .‬ف َكانَ ْت َه َبا ًء من َب ًّثا﴾‬ ‫َ ًّ َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫أصناف وهم ‪ :‬أصحاب الشمال‪،‬‬ ‫‪-2‬ورد فيها تقسيم الناس إلى ثالثة‬

‫والمقربون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأصحاب اليمين‪،‬‬

‫‪-3‬تحدثت عن جزاء عباد اهلل " المقربين "‪ ،‬وبينت أنواع النعيم لهم‬

‫يف الجنة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إلهية يف‬ ‫‪-4‬تحدثت عن أصحاب اليمين‪ ،‬وما ينتظرهم من منحٍ‬

‫الجنة‪.‬‬

‫‪-5‬تحدثت عن أصحاب الشمال‪ ،‬وعذاهبم المقيم يف جهنم‪ ،‬وما‬

‫ينتظرهم من أصناف العذاب‪.‬‬

‫‪-٦‬أورد اهلل تعالى يف آياهتا العديد من األدلة الواضحة على حقيقة‬

‫يوم المعاد‪ ،‬وهو يوم القيامة‪ ،‬وذلك ببيان عظيم قدرته‪ ،‬وكيف أنه‬

‫‪412‬‬
‫خلق اإلنسان من نطفة‪ ،‬وكيف يحيي النباتات‪ ،‬وكيفية نزول المطر‪،‬‬

‫واشتعال النار‪ ،‬والعديد من األدلة التي تتحدث عن توحيد اهلل‬

‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪-7‬وصفت سكرات الموت‪ ،‬ولحظات االحتضار‪ ،‬واالنتقال من‬

‫الدنيا‪ ،‬إلى العالم اآلخر بالموت‪ ،‬والذي يكون أول مراتب اآلخرة‪.‬‬

‫ت ا ْلح ْلقو َم ‪َ .‬و َأنت ْم ِحينَئِ ٍذ َتنظر َ‬


‫ون﴾‬ ‫﴿ َف َلوال إِ َذا ب َل َغ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬

‫‪-٨‬نظرة شاملة وكاملة لجزاء المؤمنين‪ ،‬وعقاب الكفار‪.‬‬

‫ان َو َجنة ن َِع ٍ‬


‫يم ‪َ .‬و َأما إِن ك َ‬
‫َان‬ ‫َان مِ َن ا ْلم َقربِي َن ‪َ .‬ف َر ْو ٌح َو َر ْي َح ٌ‬
‫﴿ َف َأما إِن ك َ‬
‫اب ا ْل َي ِم ِ‬
‫ين ‪َ .‬و َأما إِن ك َ‬
‫َان‬ ‫ين ‪َ .‬ف َسال ٌم ل َك مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫اب ا ْليَ ِم ِ‬
‫مِ َن َأ ْص َح ِ‬
‫يم ‪ .‬و َتصلِية ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم﴾‬ ‫م َن ا ْلم َك ِّذبِي َن الضا ِّلي َن ‪َ .‬فنز ٌل ِّم ْن َحم ٍ َ ْ َ َ‬

‫‪413‬‬
‫افتتحت السورة بآيات تبين عظمة الباري جل جالله‪ ،‬بتسبيح‬

‫المخلوقات له‪ ،‬و َبينَت عظيم ملكه‪ ،‬وإحاطته الشاملة للزمان‬

‫والمكان‪ ،‬فهو األول وال شيء قبله‪ ،‬وهو اآلخر فال شيء بعده‪ ،‬وهو‬

‫الظاهر فال شيء فوقه‪ ،‬وهو الباطن فال شيء دونه‪ ،‬و َبينَت معيته‬
‫الشاملة لخلقه‪ ،‬وعظيم سلطانه وقهره‪ ،‬ثم ِ‬
‫دعت العباد إلى اإليمان‬

‫واإلنفاق‬

‫ض َوه َو ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم ‪َ .‬له م ْلك‬ ‫﴿سبح لِل ِه ما فِي السماو ِ‬


‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ض ي ْحيِي َوي ِميت َوه َو َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير ‪ .‬ه َو‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫َ َ‬
‫يم ‪ .‬ه َو ال ِذي َخ َل َق‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األَول َواآلخر َوالظاهر َوا ْل َباطن َوه َو بِك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫ش َي ْع َلم َما َيلِج‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫السم ِ‬
‫است ََوى َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬‫اوات َواألَ ْر َض في ستة َأيا ٍم ثم ْ‬ ‫َ َ‬
‫ض َو َما َي ْخرج مِن َْها َو َما َي ِنزل مِ َن الس َماء َو َما َي ْعرج فِ َيها َوه َو‬
‫فِي األَ ْر ِ‬
‫ون ب ِصير ‪َ .‬له م ْلك السماو ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ‬ ‫َم َعك ْم َأ ْي َن َما كنت ْم َواهلل بِ َما َت ْع َمل َ َ ٌ‬
‫‪414‬‬
‫ض َوإِ َلى اهللِ ت ْر َجع األمور ‪ .‬يولِج الل ْي َل فِي الن َه ِ‬
‫ار َويولِج الن َه َار‬ ‫َواألَ ْر ِ‬
‫ات الصد ِ‬
‫ور﴾‬ ‫فِي اللي ِل وهو َعلِيم بِ َذ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ْ َ َ‬

‫‪-‬يأيت يف السورة حوار المنافقين مع المؤمنين يوم القيامة‪:‬‬

‫ون َوا ْلمنَافِ َقات لِل ِذي َن آ َمنوا انظرونَا َن ْقتَبِ ْس مِن‬
‫﴿ َي ْو َم َيقول ا ْلمنَافِق َ‬
‫ورا ‪َ .‬فض ِر َب َب ْينَهم بِس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِ ِ‬
‫ور له‬ ‫ورك ْم ق َيل ْارجعوا َو َراءك ْم َفا ْلتَمسوا ن ً‬
‫اهره مِن قِ َبلِ ِه ا ْل َع َذاب ‪ .‬ينَادونَه ْم َأ َل ْم نَكن‬ ‫باب باطِنه فِ ِ‬
‫يه الرحمة و َظ ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫م َعك ْم َقالوا َب َلى َو َلكِنك ْم َفتَنت ْم َأنف َسك ْم َو َت َرب ْصت ْم َو ْار َت ْبت ْم َو َغر ْتكم‬

‫األَ َمانِي َحتى َجا َء َأ ْمر اهللِ َو َغركم بِاهللِ ا ْل َغرور﴾‬

‫‪-‬ثم تعرض السورة حقيقة الدنيا‪ ،‬وأهنا لهو متاع‪:‬‬

‫ب َو َل ْه ٌو َو ِزينَ ٌة َو َت َفاخ ٌر َب ْينَك ْم َو َت َكاث ٌر فِي‬ ‫ِ‬


‫﴿ا ْع َلموا َأن َما ا ْل َح َياة الد ْن َيا َلع ٌ‬
‫ب ا ْلكف َار َن َباته ثم َي ِهيج َفت ََراه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫األَم َو ِ‬
‫ال َواألَ ْوالد ك ََم َث ِل َغ ْيث َأ ْع َج َ‬ ‫ْ‬

‫‪415‬‬
‫اآلخر ِة ع َذاب َش ِديدٌ وم ْغ ِفر ٌة من اهللِ‬
‫مص َفرا ثم يكون ح َطاما وفِي ِ‬
‫َ َ َ ِّ َ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ًّ‬
‫ان َو َما ا ْل َح َياة الد ْن َيا إِال َمتَاع ا ْلغر ِ‬
‫ور﴾‬ ‫َو ِر ْض َو ٌ‬

‫‪416‬‬
‫هذه السورة مدنية؛ وتسمى الم ِ‬
‫جادلة بكسر الدال‪ ،‬أو المجا َدلة بفتح‬

‫الدال؛ والراجح بكسر الدال‪.‬‬

‫نزلت هذه السورة لتنظم أحوال المسلمين يف المدينة‪.‬‬

‫بدأت السورة بقضية األسرة والمرأة خاصة؛ فتحدثت عن حادثة‬

‫خولة بنت َثعلبة لما قال لها زوجها َأوس بن الصامت‪ :‬أنت علي‬

‫كظهر أمي؛ وهذه عادة من عادات الجاهلية؛ أن يقول الرجل‬

‫لزوجته‪ :‬أنت كمثل أمي‪ ،‬أي أهنا أصبحت محرمة عليه‪ ،‬ولكن جاء‬

‫اإلسالم وحرم هذه األشياء‪.‬‬

‫فجاءت َخولة إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم لتشتكي َله‪:‬‬

‫ادل َك فِي َز ْو ِج َها َو َت ْشتَكِي إِ َلى اهللِ َواهلل‬


‫﴿ َقدْ س ِمع اهلل َقو َل التِي تج ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ون مِنكم ِّمن‬ ‫يسمع َتحاوركما ۚ إِن اهلل س ِميع ب ِصير ۝ ال ِذين ي َظ ِ‬
‫اهر َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌ َ ٌ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬

‫‪417‬‬
‫ن َِّسائِ ِهم ما هن أم َهاتِ ِه ْم ۚ إِ ْن أم َهاته ْم إِال الالئِي َو َلدْ نَه ْم ۚ َوإِنه ْم‬
‫ِ‬
‫ور﴾‬ ‫ورا ۚ َوإِن َ‬
‫اهلل َل َعف ٌّو َغف ٌ‬ ‫ون من َك ًرا ِّم َن ا ْل َق ْول َوز ً‬
‫َل َيقول َ‬

‫فأنزل اهلل عز وجل كَفارة لمن يقول لزوجته هكذا‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫عتق رقبة‪ ،‬أو فصيام شهرين متتابعين‪ ،‬أو إطعام ستين مسكينًا‪.‬‬

‫بداية السورة بقضية تخص المرأة‪ ،‬وتحدث الجزء عمو ًما عن بعض‬

‫قضايا المرأة ما هو إال تشريف للمرأة‪ ،‬وتعظيم اإلسالم لمكانة‬

‫المرأة‪ ،‬وحرص اإلسالم على االهتمام بحقوقها التي شرعها اهلل لها‪.‬‬

‫إذ ال يقوم المجتمع إال بقيام األسرة‪ ،‬ولن تقوم األسرة وتنضبط إال‬

‫بانضباط المرأة‪ ،‬وتربيتها السليمة ألبنائها‪.‬‬

‫وهذه المواقف واآليات يف اإلسالم‪ ،‬يعمى عنها أصحاب القلوب‬

‫المريضة‪ ،‬من الذي يبثون يف الناس أن اإلسالم قد ظلم المرأة‪ ،‬فيبدأ‬

‫بتحريضها واستغاللها لمصلحته‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫ومن عجيب حكمة اهلل سبحانه وتعالى؛ أن قضايا النساء تأيت يف‬

‫القرآن دائما مع ذكر المنافقين والكفار!‬

‫فسورة النساء هي من أكثر السور التي تحدثت عن النفاق‬

‫والمنافقين‪.‬‬

‫أيضا فيها رأس النافقين‪ ،‬كذلك غالب جزء قد سمع‪.‬‬


‫وسورة النور ً‬

‫كأن هناك رابط بين المنافقين واستغالل المرأة‪ ،‬وتحريضها على‬

‫طلب ما ليس لها؛ وهذا نجده اآلن؛ فلو نظرت إلى الحركات‬

‫النسوية‪ ،‬ستجد َمن يساندهم رجل ومنظمات معادية لإلسالم‪.‬‬

‫لو نظرت إلى حركات مساواة الميراث وزواج المرأة بالمرأة‪ ،‬وكل‬

‫أيضا أغلب من يساندهم رجال خبثاء‪،‬‬


‫هذه الحركات الخبيثة ستجد ً‬
‫ومنظمات عالمية ودولية خبيثة معروفة العداء لإلسالم وألهله‪.‬‬

‫ما نستفيده من السورة‪:‬‬

‫‪419‬‬
‫‪-1‬الوالء للمسلمين‪ ،‬واالنتماء لإلسالم والمسلمين؛ ال لقومية‪ ،‬وال‬
‫ٍ‬
‫لبلد وال ل َع ٍ‬
‫لم وال لفريق؛ نحن ننتمي إلى اإلسالم وأهله‪ ،‬ناهيك عن‬

‫هذه الحركات الجاهلية التي بثت القومية يف قلوب المسلمين‪،‬‬

‫فالمسلم يف مصر هو هو المسلم يف بورما وسوريا وفلسطين وكندا‪،‬‬

‫أدافع عن المسلم وأحبه وأحمل همومه‪ ،‬وأحزن إليذاءه‪ ،‬مهما كان‬

‫عرقه وبلده ومكانه وشكله‪.‬‬

‫وأعادي الكافر الذي يعاديني ال أذهب إليه وأتودد إليه‪ ،‬وأبرم معه‬

‫االتفاقات وأنا أعلم أنه يقتل مسلم يف بلد غير بلدي‪ ،‬ال أضع يدي يف‬

‫يده وهي ملطخة بدم أخي المسلم!‬

‫فاهلل اهلل على َمن والى المسلمين أينما كانوا؛ وعادى أعداء الكافرين‬

‫أينما كانوا‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫اهلل َو َرسو َله‬ ‫ون بِاهللِ َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر ي َواد َ‬
‫ون َم ْن َحاد َ‬ ‫جد َق ْو ًما ي ْؤمِن َ‬
‫﴿ال َت ِ‬

‫َو َل ْو كَانوا آ َبا َءه ْم َأ ْو َأ ْبنَا َءه ْم َأ ْو إِ ْخ َوانَه ْم َأ ْو َع ِش َير َته ْم ‪﴾...‬‬

‫‪-2‬حكم الظهار وكفارته كما ذكر يف البداية‪.‬‬

‫‪-3‬الشكوى واللجوء إلى اهلل عز وجل‪ ،‬مهما كان الذي تشتكي له‬
‫فاألصل أن شكوتك وتوكلك على اهلل‪ :‬و َت ْشتَكِي إِ َلى اهللِ‬
‫َ‬

‫‪-4‬حكم التناجي‬

‫اإل ْث ِم وا ْلعدْ و ِ‬ ‫ِ‬


‫ان‬ ‫َ‬ ‫َاج ْوا بِ ْ ِ َ‬ ‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنوا إِ َذا َتن َ‬
‫َاج ْيت ْم َف َال َت َتن َ‬
‫اهلل ال ِذي إِ َل ْي ِه‬
‫َ‬ ‫وا‬‫ق‬‫ات‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ۚ‬ ‫ى‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫الت‬‫و‬‫َ‬ ‫ر‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫َاج‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ول‬ ‫ومع ِصي ِ‬
‫ت الرس ِ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ت ْح َشر َ‬
‫ون﴾‬

‫سرا‪ ،‬فال يكون‬


‫أي أنك إذا كنت مع أحد وتحدثتم فيما بينكم ً‬
‫حديثكم فيه معصية وإثم من القول‪ ،‬أو شيء يخالف ما جاء به‬

‫الرسول‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫‪ -5‬أدب المجالس‬

‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنوا إِ َذا قِ َيل َلك ْم َت َفسحوا فِي ا ْل َم َجال ِ ِ‬
‫س َفا ْف َسحوا‬

‫َي ْف َسحِ اهلل َلك ْم ۚ َوإِ َذا قِ َيل انشزوا َفانشزوا َي ْر َف ِع اهلل ال ِذي َن آ َمنوا مِنك ْم‬

‫ون َخبِ ٌير﴾‬ ‫وال ِذين أوتوا ا ْل ِع ْلم درج ٍ‬


‫ات ۚ َواهلل بِ َما َت ْع َمل َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫فإذا طلب منكم التوسع يف المجالس لغيرك فأوسعوا لهم‪.‬‬

‫‪-٦‬بيان حكم المنافقين والكفار ووصفهم بأهنم حزب الشيطان‬


‫﴿ استَحو َذ َع َلي ِهم الشي َطان َف َأنساهم ِذكْر اهللِ ۚ أو َلئِ َك ِح ْزب الشي َط ِ‬
‫ان‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ان هم ا ْل َخ ِ‬
‫اسر َ‬
‫ون﴾‬ ‫ۚ َأ َال إِن ِح ْزب الشي َط ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫‪-7‬بيان أن اكتمال إيمانك يتطلب معاداة ألعداء اهلل ورسوله‬

‫اهلل َو َرسو َله‬ ‫ون بِاهللِ َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر ي َواد َ‬


‫ون َم ْن َحاد َ‬ ‫جد َق ْو ًما ي ْؤمِن َ‬
‫﴿ ال َت ِ‬

‫‪422‬‬
‫‪ -٨‬بيان حكم من يوالي أعداء اهلل وأعداء اإلسالم والمسلمين‬

‫كالمنافقين الذين يوالون اليهود وأحبوهم‪ ،‬ويفشون أسرار‬

‫المسلمين إليهم‪ ،‬ويساندوهم ويعاونوهم على المسلمين‪:‬‬

‫ب اهلل َع َل ْي ِهم ما هم ِّمنك ْم َو َال مِنْه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿ َأ َل ْم َت َر إِ َلى الذي َن َت َول ْوا َق ْو ًما َغض َ‬
‫ب َوه ْم َي ْع َلمون ۝ َأ َعد اهلل َله ْم َع َذا ًبا َش ِديدً ا ۚ‬ ‫ون َع َلى ا ْل َك ِذ ِ‬
‫َو َي ْحلِف َ‬

‫إِنه ْم َسا َء َما كَانوا َي ْع َمل َ‬


‫ون﴾‬

‫‪-٩‬تعظيم مبدأ الحب والكره‬

‫فالذي بحب يجب أن يحب هلل‪ ،‬و َمن أبغض فيجب أن يكون البغض‬

‫يف اهلل‪.‬‬

‫وإياك إياك الحب لمن يعادي اهلل ورسوله‪ ،‬إياك وحب من يقول على‬

‫اهلل أن له ولد وله زوجة؛ فاألمر َجد خطير‪ ،‬كما جاء يف السورة أن‬

‫‪423‬‬
‫بذلك ال يكتمل إيمانك‪ ،‬بل قد تكون منهم وكما قال نبينا صلى اهلل‬

‫مع َمن أحب!‬


‫المرء َ‬
‫عليه وسلم‪َ :‬‬

‫‪-1٠‬االهتمام بقضية المرأة‪ ،‬وسماع شكواها‬

‫فنبينا صلى اهلل عليه وسلم بنفسه تقف أمامه امرأة وتشتكي له‬

‫زوجها؛ واهلل بعظمته يسمعها!‬

‫‪424‬‬
‫نزلت هذه السورة بعد إخراج يهود بني النضير من أطراف المدينة‪،‬‬

‫وتحدثت عن قصة بني النضير وخيانتهم‪..‬‬

‫غزوة بني النضير‪:‬‬

‫أسباب الغزوة‬

‫‪.1‬نقض يهود بني النضير العقد الذي بينهم وبين المسلمين‪ ،‬وإرشاد‬

‫كفار قريش على مواطن ضعف المسلمين‪.‬‬

‫‪.2‬محاولة بني النضير الغتيال وقتل النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪-‬أحداث الغزوة‪:‬‬

‫بعد ِعلم النبي صلى اهلل عليه وسلم هبذه األمور؛ أرسل إليهم محمد‬

‫بن َمسلمة إلى يهود بني النضير وقال له‪:‬‬

‫‪425‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫"اذهب إلى يهود بني النضير وقل لهم‪ :‬إن‬

‫وسلم أرسلني إليكم أن اخرجوا من بالدي؛ لقد نقضتم العهد الذي‬

‫ئي‬
‫عشرا‪ ،‬فمن ر َ‬
‫جعلت لكم مما هممتم به من الغدر‪ ،‬وقد أجلتكم ً‬
‫مِنكم ضربت عنقه"‬

‫فخافت بني نضير واضطربت وتوترت‪..‬‬

‫فأمهلهم النبي صلى اهلل عليه وسلم مهلة حوالي عشرة أيام‪ ،‬ويف أثناء‬

‫تلك فرتة أرسل رأس المنافقين عبد اهلل بن سلول إلى يهود بني‬

‫النضير أنه سيناصرهم وسيقاتل معهم‪ ،‬وسيخرج معهم إن خرجوا‪:‬‬

‫ون ِ ِ‬
‫إل ْخ َوانِ ِهم ال ِذي َن َك َفروا مِ ْن َأ ْه ِل‬ ‫﴿ َأ َل ْم َت َر إِ َلى ال ِذي َن نَا َفقوا َيقول َ‬

‫َاب َلئِ ْن أ ْخ ِر ْجت ْم َلن َْخر َجن َم َعك ْم َو َال نطِيع فِيك ْم َأ َحدً ا َأ َبدً ا َوإِن‬
‫ا ْلكِت ِ‬
‫قوتِ ْلتم َلنَنصرنكم واهلل ي ْشهد إِنهم َل َك ِ‬
‫اذب َ‬
‫ون﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬

‫‪426‬‬
‫فتشجع اليهود وأرسلوا إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم أهنم َلن‬

‫يرحلوا‪..‬‬
‫َ‬

‫فكبر النبي صلى اهلل عليه وسلم وكرب المسلمون معه وقال‪ :‬حاربت‬

‫اليهود‪.‬‬

‫بعد انتهاء المهلة حاصر المسلمون بني النضير مدة خمس عشرة‬

‫يو ًما‪ ،‬وبدأ المسلمون بقطع الطرق عليهم والتضييق عليهم‪ ،‬ال يخرج‬

‫وال يدخل شيء إليهم‪ ،‬وألقى اهلل يف قلوهبم الرعب‪ ،‬وأدركوا أن ال‬

‫مفر من الذهاب والخروج‪..‬‬

‫فأرسلوا إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم يلتمسون منه أن يؤمنهم حتى‬

‫يخرجوا من ديارهم فوافقهم النبي صلى اهلل عليه وسلم وقال لهم‪:‬‬

‫اخرجوا منها‪ ،‬ولكم دماؤكم وما حملت اإلبل إال الحلقة ‪ -‬وهي‬

‫الدروع والسالح‬

‫‪427‬‬
‫فرضوا بذلك‪ ،‬وقبل أن يخرجوا هدموا أسقف وأعمدة بيوهتم حتى‬
‫ْ‬
‫ال يستفيد منها المسلمون!‬

‫ار ِه ْم ِألَو ِل‬


‫َاب مِن ِد َي ِ‬
‫﴿ه َو ال ِذي َأ ْخ َر َج ال ِذي َن َك َفروا مِ ْن َأ ْه ِل ا ْلكِت ِ‬

‫ا ْل َح ْش ِر ۚ َما َظنَنت ْم َأن َي ْخرجوا ۚ َو َظنوا َأنهم مانِ َعته ْم حصونهم ِّم َن‬
‫اهللِ َف َأ َتاهم اهلل مِن حيث َلم يحت َِسبوا ۚ و َق َذ َ ِ‬
‫بۚ‬ ‫ف في قلوبِ ِهم الر ْع َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ْ َْ‬
‫ار﴾‬‫يه ْم َو َأ ْي ِدي ا ْلم ْؤمِنِي َن َفا ْع َتبِروا َيا أولِي ْاألَ ْب َص ِ‬
‫ون بيو َتهم بِ َأ ْي ِد ِ‬
‫ي ْخ ِرب َ‬

‫أهداف السورة‪:‬‬

‫‪.1‬بيان حقيقة اليهود وأهنم أهل الخيانة وعدم الوفاء بالعهود‬

‫‪.2‬بيان خطر المنافقين على اإلسالم‬

‫‪.3‬التحذير من الشيطان وأنه أول من سيتخلى عن اإلنسان‪:‬‬

‫ان إِ ْذ َق َال ل ِ ْإلِنس ِ‬


‫ان اكْف ْر َف َلما َك َف َر َق َال إِنِّي َب ِري ٌء ِّم َ‬
‫نك‬ ‫﴿كَم َث ِل الشي َط ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اهلل َرب ا ْل َعا َل ِمي َن﴾‬
‫إِنِّي َأ َخاف َ‬
‫‪428‬‬
‫فعندما يتدبر اإلنسان يف هذه اآلية‪ ،‬ويضع نفسه هذا الموضوع‬

‫ويتخيل كَم الحسرة آنذاك‪ ،‬وكَم وقاحة الشيطان‪ ،‬وقتها سيعرف‬

‫اإلنسان أنه يف حرب بينه وبين الشيطان‪ ،‬ويا َسعدَ َمن اتخذ اهلل ول ًيا‪،‬‬

‫عدوا‪.‬‬ ‫َ‬
‫الشيطان ً‬ ‫َ‬
‫واتخذ‬

‫‪.4‬تصنيف أهل اإليمان على مر األجيال على ثالثة أصناف‪:‬‬

‫‪.1‬من ينتمي إلى اإلسالم‪:‬‬

‫ار ِه ْم َو َأ ْم َوال ِ ِه ْم َي ْبتَغ َ‬


‫ون‬ ‫﴿ ل ِ ْلف َقر ِاء ا ْلم َه ِ‬
‫اج ِري َن ال ِذي َن أ ْخ ِرجوا مِن ِد َي ِ‬ ‫َ‬
‫اهلل َو َرسو َله ۚ أو َلئِ َك هم‬ ‫َ‬
‫ون‬ ‫ر‬‫نص‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ًا‬
‫ن‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ض‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫و‬ ‫َفض ًال من اهللِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِّ َ‬
‫الص ِ‬
‫ادق َ‬
‫ون﴾‬

‫‪ .2‬األنصار‪:‬‬

‫‪429‬‬
‫اج َر إِ َل ْي ِه ْم َو َال‬ ‫ان مِن َقبلِ ِهم ي ِ‬
‫حب َ‬ ‫يم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َم ْن َه َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫﴿ َوالذي َن َت َبوءوا الد َار َو ْاإل َ‬
‫ون َع َلى َأنف ِس ِه ْم َو َل ْو‬
‫اج ًة ِّمما أوتوا َوي ْؤثِر َ‬ ‫ون فِي صد ِ ِ‬
‫وره ْم َح َ‬ ‫جد َ‬ ‫َي ِ‬

‫ون﴾‬ ‫وق شح َن ْف ِس ِه َفأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِح َ‬ ‫َان بِ ِه ْم َخ َص َ‬


‫اص ٌة ۚ َو َمن ي َ‬ ‫ك َ‬

‫‪ .3‬األجيال المتعاقبة‪:‬‬

‫ون ربنَا ا ْغ ِفر َلنَا َو ِ ِ‬


‫إل ْخ َوانِنَا ال ِذي َن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫﴿ َوالذي َن َجاءوا من َب ْعده ْم َيقول َ َ‬
‫ان َو َال َت ْج َع ْل فِي قلوبِنَا ِغ ًّال ِّلل ِذي َن آ َمنوا َربنَا إِن َك َرء ٌ‬
‫وف‬ ‫اإليم ِ‬
‫ِ‬
‫َس َبقونَا بِ ْ َ‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬
‫رح ٌ‬

‫‪ .5‬تذكير المسلمين بيوم الحساب‪ ،‬وبيان من هو الفائز‪:‬‬


‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َو ْلتَنظ ْر َن ْف ٌس ما َقد َم ْت ل َغد ۚ َواتقوا َ‬
‫اهلل‬ ‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنوا اتقوا َ‬
‫ِ‬
‫اهلل َف َأ َ‬
‫نساه ْم‬ ‫ون ۝ َو َال َتكونوا كَالذي َن نَسوا َ‬ ‫ۚ إِن َ‬
‫اهلل َخبِ ٌير بِ َما َت ْع َمل َ‬
‫ون ۝ َال َي ْست َِوي َأ ْص َحاب الن ِ‬
‫ار‬ ‫اسق َ‬ ‫َأنفسهم ۚ أو َلئِ َك هم ا ْل َف ِ‬
‫َ ْ‬
‫ون﴾‬ ‫َو َأ ْص َحاب ا ْل َجن ِة ۚ َأ ْص َحاب ا ْل َجن ِة هم ا ْل َفائِز َ‬

‫‪430‬‬
‫‪.٦‬بيان عظمة القرآن‬

‫ويف اآليات كشف حقيقة قلوبنا وأهنا أقسى من الحجارة!‬


‫اشعا متَصدِّ عا من َخ ْشي ِة اهللِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫آن َع َلى َج َب ٍل ل َر َأ ْيتَه َخ ً َ ً ِّ ْ‬ ‫﴿ َل ْو َأ َنز ْلنَا َه َذا ا ْلق ْر َ‬

‫ون﴾‬ ‫ۚ َوتِ ْل َك ْاألَ ْم َثال ن َْض ِرب َها لِلن ِ‬


‫اس َل َعله ْم َي َت َفكر َ‬

‫‪.7‬بيان عظمة اهلل من خالل ذكر أسماء اهلل الحسني‪.‬‬

‫ب َوالش َها َد ِة ۚ ه َو الر ْح َمن‬


‫﴿ ه َو اهلل ال ِذي َال إِ َل َه إِال ه َو ۚ َعالِم ا ْل َغ ْي ِ‬

‫الر ِحيم ۝ ه َو اهلل ال ِذي َال إِ َل َه إِال ه َو ا ْل َملِك ا ْلقدوس الس َالم‬
‫ان اهللِ َعما ي ْش ِرك َ‬
‫ون‬ ‫ا ْلم ْؤمِن ا ْلم َهيْ ِمن ا ْل َع ِزيز ا ْل َجبار ا ْلم َت َك ِّبر ۚ س ْب َح َ‬
‫۝ ه َو اهلل ا ْل َخالِق ا ْلبَ ِ‬
‫ارئ ا ْلم َص ِّور ۚ َله ْاألَ ْس َماء ا ْلح ْسنَى ۚ ي َس ِّبح َله‬

‫ض ۚ َوه َو ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم﴾‬ ‫ما فِي السماو ِ‬


‫ات َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫فالمؤمن يتدبر هذه األسماء ويعلم عظمة ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫تسمى سورة الممت ِ‬
‫َحنة بكسر الحاء‪ ،‬باعتبار أن السورة نزلت بآيات‬

‫االمتحان‪ ،‬فتعترب السورة هي الفاعل‬


‫وتسمى الممتحنة بفتح الحاء‪ ،‬إشارة إلى المرأة التي امت ِ‬
‫حنَت يف‬ ‫َ‬
‫إيماهنا‪ ،‬وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط‪.‬‬

‫سبب النزول‪:‬‬

‫عن علي رضي اهلل عنه قال‪ :‬بعثنا رسول اهلل ‪-‬صلى هلل عليه وسلم‪-‬‬

‫أنا والزبير والمقداد بن األسود وقال‪ " :‬انطلقوا حتى تأتوا روضة فإن‬

‫فيها ظعينة معها كتاب‪،‬‬

‫فخرجنا تعادي بنا خيلنا‪ ،‬فإذا نحن بظعينة فقلنا أخرجي الكتاب‪،‬‬

‫فقالت‪ :‬ما معي كتاب‪ ،‬فقلنا لها‪ :‬لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب‪،‬‬

‫فأخرجته من عقاصها‪،‬‬

‫‪432‬‬
‫فأتينا به رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فإذا فيه‪ :‬مِن حاطب بن‬

‫أبي بلتعة إلى أناس مِن المشركين بمكة يخرب ببعض أمر النبي ‪-‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأنه يتجهز لفتح مكة فقال‪ " :‬ما هذا يا‬

‫حاطب؟"‬

‫علي‪ ،‬إين كنت امرأ ملصقا يف قريش ولم أكن مِن‬


‫فقال‪" :‬ال تعجل ّ‬
‫نفسها‪ ،‬وكان َمن معك مِن المهاجرين لهم قرابات يحمون هبا‬

‫قراباهتم‪ ،‬ولم يكن لي بمكة قرابة‪ ،‬فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ‬

‫عندهم يدا‪ ،‬واهلل ما فعلته شاكًا يف ديني وال رضا بالكفر بعد اإلسالم‬

‫فقال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ " :-‬إنه قد صدق" فقال‬

‫عمر‪ ":‬دعني يا رسول اهلل أضرب عنق هذا المنافق" فقال‪ " :‬إنه قد‬

‫شهد بدرا وما يدريك لعل اهلل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما‬

‫شئتم فقد غفرت لكم "‬

‫‪433‬‬
‫وملخص هذا أن حاطب بن أبي َبلتعة كتب إلى أهل مكة يخربهم بأن‬

‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يتجهز لفتح مكة‬

‫االمتحانات التي يف السورة‪:‬‬

‫‪-1‬االمتحان األول‬

‫امتحان حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلى أهل مكة يخربهم بأسرار‬

‫المسلمين كما ذكرنا فأنزل اهلل عز وجل‪:‬‬

‫يهم‬ ‫خذوا َعد ّوي َو َعدوكم َأولِيا َء ت َ‬


‫لقون إِ َل ِ‬ ‫﴿يا َأيها الذين آمنوا ال َتت ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫سول َوإِ ّياكم َأن‬ ‫الح ِّق ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جون الر َ‬
‫خر َ‬ ‫الم َودة َو َقد َك َفروا بِما جا َءكم م َن َ‬
‫بِ َ‬
‫تؤمِنوا بِاهللِ َر ِّبكم إِن كنتم َخ َرجتم ِجها ًدا يف َسبيلي َوابتِغا َء َمرضايت‬

‫الم َود ِة َو َأنا َأع َلم بِما َأخ َفيتم َوما َأع َلنتم َو َمن َيف َعله‬ ‫ت ِس ّر َ‬
‫ون إِ َل ِ‬
‫يهم بِ َ‬
‫مِنكم َف َقد َضل َسوا َء السبي ِل﴾‬

‫‪434‬‬
‫‪-2‬االمتحان الثاين امتحان سيدنا إبراهيم‬

‫براهيم َوالذي َن َم َعه إِذ قالوا ل ِ َقومِ ِهم‬


‫َ‬ ‫سو ٌة َح َسنَ ٌة يف إِ‬
‫﴿ َقد كانَت َلكم أ َ‬
‫دون اهللِ َك َفرنا بِكم َو َبدا َبينَنا َو َبينَكم‬
‫دون مِن ِ‬
‫إِنّا ب َرآء مِنكم َومِ ّما َتعب َ‬
‫ول إِبراهيم ِألَ ِ‬
‫بيه‬ ‫داوة َوال َبغضاء َأ َبدً ا َحتّى تؤمِنوا بِاهللِ َوحدَ ه إِ ّال َق َ‬
‫َ‬ ‫ال َع َ‬
‫َغفرن َل َك وما َأملِك َل َك مِن اهللِ مِن َش ٍ‬
‫ِ‬
‫يء َربنا َع َل َ‬
‫يك َت َوكلنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َألَست َ‬
‫المصير﴾‬
‫يك َ‬‫يك َأنَبنا َوإِ َل َ‬
‫َوإِ َل َ‬

‫‪-3‬االمتحان الثالث امتحان العدل يف معاملة غير المسلمين‬

‫خرجوكم مِن‬ ‫﴿ال َينهاكم اهلل َع ِن الذي َن َلم يقاتِلوكم فِي الدّ ِ‬
‫ين َو َلم ي ِ‬
‫حب الم ِ‬
‫قسطي َن۝إِنما‬ ‫يهم إِن اهلل ي ِ‬ ‫ياركم َأن َتبروهم وت ِ‬
‫قسطوا إِ َل ِ‬ ‫ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫خرجوكم مِن ِد ِ‬
‫ياركم‬ ‫َينهاكم اهلل َع ِن الذي َن قا َتلوكم فِي الدّ ِ‬
‫ين َو َأ َ‬
‫خراجكم َأن َت َولوهم َو َمن َيت ََولهم َفأولئِ َك هم‬
‫ِ‬ ‫ظاهروا َعلى إِ‬
‫َو َ‬
‫ال ّظال ِ َ‬
‫مون﴾‬

‫‪435‬‬
‫‪-4‬االمتحان الرابع امتحان مبايعة النساء‬
‫رات َفامت ِ‬
‫َحنوهن اهلل‬ ‫هاج ٍ‬
‫﴿يا َأي َها الذي َن آمنوا إِذا جاءكم المؤمِنات م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رجعوهن إِ َلى الك ّف ِ‬
‫ار ال‬ ‫َأع َلم بِإيمانِ ِهن َفإِن َعلِمتموهن مؤمِ ٍ‬
‫نات َفال َت ِ‬
‫هن ِح ٌّل َلهم وال هم ي ِ‬
‫ون َلهن َوآتوهم ما َأن َفقوا َوال ج َ‬
‫ناح َع َليكم‬ ‫ح ّل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مسكوا بِ ِع َص ِم ال َكوافِ ِر‬
‫َأن َتنكِحوهن إِذا آ َتيتموهن أجورهن وال ت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سألوا ما َأن َفقوا ذلِكم حكم اهللِ َيحكم َبينَكم َواهلل‬
‫اسألوا ما َأن َفقتم َول َي َ‬
‫َو َ‬

‫كيم﴾‬
‫ليم َح ٌ‬
‫َع ٌ‬

‫أسلمت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بمكة‪ ،‬ولم يتهيأ لها هجرة‬

‫إلى سنة سبع وكان خروجها زمن صلح الحديبية‪ ،‬فخرج يف إثرها‬

‫أخواها ‪-‬الوليد وعمارة‪ -‬فما زاال حتى قدما المدينة‪ ،‬فقاال‪ :‬يا محمد‬

‫ف لنا بشرطنا‬

‫‪436‬‬
‫فقالت‪ :‬أتردين يا رسول اهلل إلى الكفار يفتنوين عن ديني وال صرب‬

‫لي‪ ،‬وحال النساء يف الضعف ما قد علمت؟!‬

‫فأنزل اهلل اآليات فكان يقول‪ :‬آهلل ما أخرجكن إال حب اهلل ورسوله‬

‫واإلسالم؟ ما خرجتن لزوج وال مال؟! فإذا قلن ذلك لم يرجعهن‬

‫إلى الكفار‪.‬‬

‫ما نستفيده من السورة‪:‬‬

‫‪-1‬ابتدأت السورة بالنهي عن مواالة المشركين وأسباب ذلك إيذاء‬

‫المؤمنين وعداوهتم هلل وللرسول ولمن آمن‬

‫‪ -2‬الصداقة والقرابة لن تنفعك يوم القيامة فإنما ينفع المرء إيمانه‪:‬‬


‫القيام ِة ي ِ‬
‫فصل َبينَكم َواهلل بِما‬ ‫﴿ َلن َتن َفعكم َأرحامكم وال َأوالدكم يوم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صير﴾‬ ‫عم َ‬
‫لون َب ٌ‬ ‫َت َ‬

‫‪437‬‬
‫‪ -3‬ضرب اهلل عز وجل ً‬
‫مثاال بقصة سيدنا إبراهيم و َمن آمن معه‬

‫وتربئهم مِن قومهم المشركين وهذا للتأسي هبم‬

‫‪-4‬وضعت السورة أصول العالقات بين المسلمين وغيرهم مِن أهل‬

‫الكتاب يف حالتي السلم والحرب المودة والعداوة‪:‬‬

‫خرجوكم مِن‬ ‫﴿ال َينهاكم اهلل َع ِن الذي َن َلم يقاتِلوكم فِي الدّ ِ‬
‫ين َو َلم ي ِ‬
‫حب الم ِ‬
‫قسطي َن۝إِنما‬ ‫يهم إِن اهلل ي ِ‬ ‫ياركم َأن َتبروهم وت ِ‬
‫قسطوا إِ َل ِ‬ ‫ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫خرجوكم مِن ِد ِ‬
‫ياركم‬ ‫َينهاكم اهلل َع ِن الذي َن قا َتلوكم فِي الدّ ِ‬
‫ين َو َأ َ‬
‫خراجكم َأن َت َولوهم َو َمن َيت ََولهم َفأولئِ َك هم‬
‫ِ‬ ‫ظاهروا َعلى إِ‬
‫َو َ‬
‫ال ّظال ِ َ‬
‫مون﴾‬

‫‪-5‬ختمت السورة بتأكيد النهي عن مواالة أعداء المؤمنين‪:‬‬

‫يهم َقد َيئِسوا مِ َن‬


‫ب اهلل َع َل ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿يا َأي َها الذي َن آ َمنوا ال َتت ََولوا َقو ًما َغض َ‬
‫صحاب الق ِ‬
‫بور﴾‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ َر ِة كَما َيئِ َس الك ّفار مِن َأ‬
‫ِ‬

‫‪438‬‬
‫سبب النزول‪:‬‬

‫نفرا مِن أصحاب رسول اهلل ‪-‬صلى‬


‫عن عبد اهلل بن سالم قال‪ :‬قعدنا ً‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬فتذاكرنا‪ ،‬فقلنا‪ :‬لو نعلم أي األعمال أحب إلى اهلل‬

‫تعالى لعملناه‪ ،‬فأنزل اهلل سورة الصف‪ ،‬فقرأها علينا رسول اهلل ‪-‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ما نستفيده مِن السورة‪:‬‬

‫‪-1‬من اسم السورة ففيها دعوة إلى الوحدة والصف والرتاص وذلك‬

‫بالجهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬والتضحية من أجل الدين والدعوة‪:‬‬

‫رصوص﴾‬
‫ٌ‬ ‫لون يف َسبيلِ ِه َص ًّفا ك ََأنهم ب ٌ‬
‫نيان َم‬ ‫حب الذي َن يقاتِ َ‬
‫﴿إِن اهلل ي ِ‬
‫َ‬

‫‪-2‬حذرت السورة مِن الفرقة والعصيان والمخالفة‪ ،‬شأن بني‬

‫إسرائيل الذين عصوا أمر سيدنا موسى وعيسى‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫حينما أمرهم موسى بقتال الجبارين‪ ،‬وأمرهم عيسى باتباعه وإتباع‬

‫نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬

‫سرائيل إِنّي َرسول اهللِ إِ َليكم‬


‫َ‬ ‫عيسى ابن َمر َي َم يا َبني إِ‬ ‫﴿ َوإِذ َ‬
‫قال َ‬
‫سول يأيت مِن ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عدي اسمه‬ ‫َ‬ ‫م َصدِّ ًقا لما َبي َن َيدَ ي م َن التوراة َوم َب ِّش ًرا بِ َر ٍ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حمد َف َل ّما جا َءهم بِال َب ِّينات قالوا هذا س ٌ‬
‫حر مبي ٌن﴾‬ ‫َأ َ‬

‫‪-3‬بشرى وتأكيد على أن دين اهلل سينتصر‪ ،‬فنحن أمة تمرض وال‬

‫تموت‪:‬‬

‫نور ِه َو َلو ك َِر َه‬ ‫طفئوا نور اهللِ بِ َأ ِ‬


‫فواه ِهم َواهلل متِم ِ‬ ‫ريدون لِي ِ‬
‫َ‬ ‫﴿ي‬
‫َ‬
‫رون﴾‬ ‫الكافِ َ‬

‫‪440‬‬
‫‪-4‬رسمت السورة طريق الفوز والنجاة‪:‬‬

‫جار ٍة تنجيكم مِن َع ٍ‬


‫ذاب‬ ‫ِ‬
‫﴿يا َأي َها الذي َن آ َمنوا َهل َأدلكم َعلى ت َ‬
‫دون يف َسبي ِل اهللِ بِ َأموالِكم‬ ‫نون بِاهللِ ورسول ِ ِه وت ِ‬
‫جاه َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ليم۝تؤمِ َ‬
‫َأ ٍ‬

‫َو َأنف ِسكم ذلِكم َخ ٌير َلكم إِن كنتم َتع َل َ‬


‫مون﴾‬

‫‪441‬‬
‫سبب التسمية‪ :‬ألهنا ذكر فيها لفظ يوم الجمعة‪.‬‬

‫ما نستفيده من السورة‪:‬‬

‫‪-1‬بدأت السورة بتنزيه اهلل سبحانه وتعظيمه‪ ،‬وهذا يجعل المسلم‬

‫يوقر اهلل سبحانه وتعالى ويسارع إلى فعل األوامر التي يف السورة‪.‬‬

‫‪-2‬وصفت السورة نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهي عروبته وتالوته‬

‫للقرآن على قومه ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والسنة‪ ،‬سواء يف زمنه أم‬

‫لألجيال المتالحقة‪ ،‬وبيان فضل النبي صلى اهلل عليه وسلم يف إخراج‬

‫الناس من الضالل‪ ،‬وذلك فضل من اهلل علينا‪.‬‬

‫وال ِّمنْه ْم َيتْلو َع َل ْي ِه ْم آ َياتِ ِه َوي َزك ِ‬


‫ِّيه ْم‬ ‫﴿ه َو ال ِذي َب َع َث فِي ْاأل ِّم ِّيي َن َرس ً‬

‫ين﴾‬ ‫ح ْك َم َة َوإِن كَانوا مِن َق ْبل َل ِفي َض َال ٍل مبِ ٍ‬ ‫ويع ِّلمهم ا ْلكِتَاب وا ْل ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬

‫‪442‬‬
‫‪-3‬توبيخ اليهود بسبب تركهم العمل بأحكام التوراة‪ ،‬وتشبيههم‬

‫بالحمار الذي على ظهره الكتب النافعة‪ ،‬ولكنه ال يفهم منها شيئا‪،‬‬

‫وال يناله إال التعب‪ .‬وهذا تنبيه لكل َمن يحفظ القرآن وال يعمل به‬

‫ار َي ْح ِمل‬ ‫وها كَم َث ِل ا ْل ِ‬


‫ح َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َم َثل الذي َن ح ِّملوا الت ْو َرا َة ثم َل ْم َي ْحمل َ َ‬
‫ات اهللِ ۚ َواهلل َال َي ْه ِدي‬
‫َأس َفارا ۚ بِ ْئس م َثل ا ْل َقو ِم ال ِذين كَذبوا بِآي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ً‬
‫ا ْل َق ْو َم الظال ِ ِمي َن﴾‬

‫‪-4‬تحدي اليهود بتمني الموت إن كانوا أولياء اهلل‪.‬‬


‫﴿ق ْل يا َأيها ال ِذين َهادوا إِن َز َعمتم َأنكم َأولِياء لِل ِه مِن د ِ‬
‫ون الن ِ‬
‫اس‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ادقِي َن﴾‬
‫ت إِن كنتم ص ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َفت ََمنوا ا ْل َم ْو َ‬

‫‪-5‬الحث والمسارعة لصالة الجمعة بمجرد سماع النداء‪ ،‬وبيان‬

‫بعض األحكام المتعلقة بيوم الجمعة كحرمة البيع أثناء صالة‬

‫‪443‬‬
‫الجمعة‪ ،‬مع أن أمر البيع (مباح) لكن لو أن هذا المباح سيشغل عن‬

‫الواجب (صالة الجمعة) فال يجوز‪.‬‬

‫وهذا رد على َمن يقول العمل عبادة‪ ،‬فيرتك الصالة ويظل يشرح‬

‫درسه يف المدرسة مثال‪ ،‬أو يف محله‪...‬إلخ‬

‫اس َع ْوا إِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنوا إِ َذا نود َي للص َالة من َي ْو ِم ا ْلجم َعة َف ْ‬
‫ِذك ِْر اهللِ َو َذروا ا ْل َب ْي َع ۚ َذلِك ْم َخ ْي ٌر لك ْم إِن كنت ْم َت ْع َلم َ‬
‫ون﴾‬

‫‪-٦‬معاتبة المسلمين الذين تركوا الرسول وهو على المنرب‪ ،‬وسارعوا‬

‫مت ِع ٌير المدينة ورسول‬


‫إلى تجارهتم‪ ،‬عن جابر بن عبد اهلل قال‪َ :‬ق ِد ْ‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم يخطب‪ ،‬فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجالً‪،‬‬

‫وك َقائِ ًما ۚ ق ْل‬


‫فنزلت‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َر َأ ْوا تِ َج َار ًة َأ ْو َل ْه ًوا ان َفضوا إِ َل ْي َها َو َت َرك َ‬

‫َما ِعندَ اهللِ َخ ْي ٌر ِّم َن الل ْه ِو َومِ َن الت َِّج َار ِة ۚ َواهلل َخ ْير الر ِازقِي َن﴾‬

‫‪444‬‬
‫سبب النزول‪:‬‬

‫قال أهل التفسير وأصحاب السير‪ :‬غزا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬

‫وسلم‪ -‬بني المصطلق‪ ،‬فنزل على ماء مِن مياههم يقال له‪ :‬المريسيع‪،‬‬

‫فوردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له مِن بني غفار‬

‫يقال له‪ :‬جهحاه بن سعيد يقود فرسه‪ ،‬فازدحم جهجاه وسنان‬

‫الجهني حليف بني عوف مِن الخزرج على الماء‪ ،‬فاقتتال‪ ،‬فصرخ‬

‫الجهني يا معشر األنصار‪ ،‬وصرخ الغفاري‪ :‬يا معشر المهاجرين‪،‬‬

‫فقيرا فقال له‬ ‫ِ‬


‫فأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له جعال وكان ً‬
‫عبد اهلل بن أبي‪ :‬وإنك لهناك! فقال‪ :‬وما يمنعني أن أفعل ذلك؟‬

‫واشتد لسان جعال على عبد اهلل فقال عبد اهلل‪ :‬والذي يحلف به‬

‫ألذرنك ويهمك غير هذا شيء؟ وغضب عبد اهلل فقال‪ :‬واهلل ما مثلنا‬

‫‪445‬‬
‫ومثلهم إال كما قال القائل‪ :‬سمن كلبك يأكلك إنا واهلل لئن رجعنا‬

‫إلى المدينة ليخرجن األعز منها األذل يعني باألعز نفسه وباألذل‬

‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬

‫ثم أقبل على َمن حضره مِن قومه فقال‪ :‬هذا ما فعلتم بأنفسكم‪،‬‬

‫أحللتموهم بالدكم‪ ،‬وقاسمتموهم أموالكم‪ ،‬أما واهلل لو أمسكتم عن‬

‫جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم‪ ،‬وألوشكوا أن يتحولوا‬

‫عن بالدكم‪ ،‬فال تنفقوا عليهم حتى ينفضوا مِن حول محمد‪.‬‬

‫حاضرا ويسمع ذلك‪ -‬فقال‪ :‬أنت واهلل‬


‫ً‬ ‫قال زيد بن أرقم ‪-‬وكان‬

‫الذليل الفقير المبغض يف قومك‪ ،‬ومحمد يف عز مِن الرحمن‪ ،‬ومودة‬

‫مِن المسلمين‪ ،‬واهلل ال أحبك بعد كالمك هذا‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫فقال عبد اهلل‪ :‬اسكت‪ ،‬فإنما كنت ألعب‪ ،‬فمشى زيد بن أرقم إلى‬

‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فأخربه الخرب‪ ،‬وعنده عمر بن‬

‫الخطاب فقال‪ :‬دعني أضرب عنقه يا رسول اهلل‪.‬‬

‫فقال‪" :‬إذن ترعد له أنف كبيرة يثرب "‪ .‬فقال عمر‪ :‬فإن كرهت يا‬

‫رسول اهلل أن يقتله رجل مِن المهاجرين‪ ،‬فمر سعد بن عبادة أو‬

‫محمد بن مسلمة أو عبادة بن بشر فليقتلوه‪ .‬فقال‪" :‬إذن يتحدث‬

‫الناس أن محمدً ا يقتل أصحابه" وأرسل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه‬

‫وسلم‪ -‬إلى عبد اهلل بن أبي فأتاه‪ ،‬فقال له‪" :‬أنت صاحب هذا الكالم‬

‫الذي بلغني؟" فقال عبد اهلل‪ :‬والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شي ًئا‬

‫مِن هذا قط‪ ،‬وإن زيدً ا لكاذب‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫عظيما‪ ،‬فقال َمن حضر مِن األنصار‪ :‬يا‬
‫ً‬ ‫وكان عبد اهلل يف قومه شري ًفا‬

‫رسول اهلل شيخنا وكبيرنا‪ ،‬ال تصدق عليه كالم غالم مِن غلمان‬

‫األنصار عسى أن يكون وهم يف حديثه فلم يحفظ‪.‬‬

‫فعذره رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وفشت المالمة يف األنصار‬

‫لزيد وكذبوه‪ ،‬وقال له عمه‪ :‬ما أردت إال أن كذبك رسول اهلل ‪-‬صلى‬

‫اهلل عليه وسلم‪ -‬والمسلمون ومقتوك‪..‬‬

‫فاستحيا زيد بعد ذلك أن يدنو مِن النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فلما‬

‫ارتحل رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لقيه أسيد بن حضير‪ ،‬فقال‬

‫له‪ :‬أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد اهلل بن أبي؟‬

‫قال‪ :‬وما قال؟ قال‪ :‬زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن األعز منها‬

‫األذل‪ ،‬قال أسيد‪ :‬فأنت يا رسول اهلل واهلل تخرجنه إن شئت‪ ،‬هو واهلل‬

‫الذليل‪ ،‬وأنت العزيز‪ .‬ثم قال‪ :‬يا رسول اهلل ارفق به‪ ،‬فواهلل لقد جاء اهلل‬

‫‪448‬‬
‫بك وإن قومه لينظمون له الخرز‪ ،‬ليتوجوه وإنه ليرى أنك سلبته‬

‫مل ًكا‪.‬‬

‫وبلغ عبد اهلل بن عبد اهلل بن أبي ما كان مِن أمر أبيه‪ ،‬فأتى رسول اهلل ‪-‬‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فقال‪ :‬إنه بلغني أنك تريد قتل عبد اهلل بن أبي‬

‫لما بلغك عنه‪ ،‬فإن كنت ً‬


‫فاعال فمرين به‪ ،‬فأنا أحمل إليك رأسه!‬

‫فواهلل لقد علمت الخزرج ما هبا رجل أبر بوالديه مني‪ ،‬وأنا أخشى أن‬

‫تأمر به غيري فيقتله‪ ،‬فال تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد اهلل بن أبي‬

‫يمشي يف الناس‪ ،‬فأقتله‪ ،‬فأقتل مؤمنًا بكافر‪ ،‬فأدخل النار‪ ،‬فقال رسول‬

‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬بل نحسن صحبته ما بقى معنا"‬

‫ولما واىف رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم المدينة‪ ،‬قال زيد بن‬

‫أرقم‪ :‬جلست يف البيت لما بي مِن الهم والحياء‪ ،‬فأنزل اهلل تعالى‬

‫سورة المنافقين يف تصديقي وتكذيب عبد اهلل فلما نزلت أخد رسول‬

‫‪449‬‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬بأذن زيد‪ ،‬فقال‪ " :‬يا زيد‪ ،‬إن اهلل تعالى‬

‫صدقك وأوىف بأذنك"‬

‫وكان عبد اهلل بن أبي يقرب المدينة‪ ،‬فلما أراد أن يدخلها جاء ابنه‬

‫عبد اهلل بن عبد اهلل بن أبي قال ابنه‪ :‬وراءك! قال‪ :‬ما لك؟ ويلك؟!‬

‫قال‪ :‬ال واهلل ال تدخلها إال بإذن رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬

‫ولتعلم اليوم َمن األعز مِن األذل؟‬

‫فشكى عبد اهلل إلى رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ما صنع ابنه‪،‬‬

‫فأرسل إليه رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" -‬أن خل عنه حتى‬

‫يدخل"‬

‫فقال‪ :‬أما إذ جاء أمر النبي عليه الصالة والسالم فنعم فدخل‬

‫فلما نزلت هذه السورة وبان كذبه قيل له‪ :‬يا أبا حباب إنه قد نزلت‬

‫فيك آي شداد فاذهب إلى رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬

‫‪450‬‬
‫قيل َلهم َتعا َلوا يست ِ‬
‫َغفر‬ ‫ليستغفر لك‪ ،‬فلوى رأسه‪ ،‬فذلك قوله ﴿ َوإِذا َ‬
‫َ‬
‫ون َوهم مستَكبِ َ‬
‫ءوسهم َو َر َأيتَهم َيصدّ َ‬ ‫ِ‬
‫رون﴾‬ ‫َلكم َرسول اهلل َلووا ر َ‬

‫ما نستفيد مِن السورة‪:‬‬

‫‪-1‬ذكرت السورة بعض صفات المنافقين مثل‪:‬‬

‫‪-‬الكذب يف ا ِّدعاء اإليمان‬

‫‪-‬االستكبار عن التوبة والرجوع إلى اهلل‬

‫‪-‬جبنهم وضعفهم إذا تعلق األمر بالدفاع عن الدين‬

‫‪-‬تآمرهم على المسلمين‬

‫‪-‬صد الناس عن دين اهلل‬

‫‪-‬حلف األيمان الفاجرة الكاذبة‬

‫‪451‬‬
‫‪-2‬بيان أن العزة هلل ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬وهذا ما يجب أن يكون‬
‫ً‬
‫شامخا راف ًعا رأسه طالما أنه يرضي‬ ‫عزيزا‬
‫عليه المؤمن‪ ،‬أن يكون ً‬
‫اهلل‪...‬‬

‫العزة َول ِ َرسول ِ ِه َولِلمؤمِني َن َولكِن المنافِقي َن ال َيع َل َ‬


‫مون﴾‬ ‫﴿ولِل ِه ِ‬
‫َ‬

‫‪-3‬التحذير من الغفلة والفتنة بمتاع الدنيا‬

‫كر اهللِ َو َمن‬


‫لهكم َأموالكم َوال َأوالدكم َعن ِذ ِ‬
‫﴿يا َأي َها الذي َن آ َمنوا ال ت ِ‬
‫ِ‬
‫الخاس َ‬
‫رون﴾‬ ‫َيف َعل ذل ِ َك َفأولئِ َك هم‬

‫‪452‬‬
‫معنى التغابن‪:‬‬

‫ِ‬
‫سران أهل الكفر‬‫سمي يوم القيامة‪( :‬يوم التغابن)؛ لِما يظهر فيه من خ‬

‫والضالل‪ ،‬حيث باعوا آخرهتم‪ ،‬واشرتوا هبا دنياهم؛ فظهر خسراهنم‪،‬‬

‫وبوار تجارهتم‪.‬‬

‫‪ -‬بدأت السورة ببيان بعض صفات اهلل عز وجل‪ ،‬ثم بيان قدرة اهلل‬

‫وعلمه‪ ،‬وخلقة اإلنسان‪ :‬كافر ومؤمن‪.‬‬

‫ات َو َما فِي ْاألَ ْر ِ‬


‫ض ۚ َله ا ْلم ْلك َو َله ا ْل َح ْمد‬ ‫﴿يسبح لِل ِه ما فِي السماو ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ۚ َوه َو َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير ۝ ه َو ال ِذي َخ َل َقك ْم َف ِمنك ْم كَافِ ٌر َومِنكم‬
‫م ْؤمِ ٌن ۚ َواهلل بِ َما َت ْع َمل َ‬
‫ون َب ِص ٌير﴾‬

‫‪453‬‬
‫‪-‬أنذرت الكفار بما حل باألمم الماضية التي كذبت الرسل‪ ،‬بسبب‬

‫إنكارهم البعث‪ ،‬والرد عليهم بقسم اهلل بوقوعه وأنه حق‪ ،‬وبجزائه‬

‫على األعمال‪.‬‬

‫﴿ َز َع َم ال ِذي َن َك َفروا َأن لن ي ْب َعثوا ۚ ق ْل َب َلى َو َر ِّبي َلت ْب َعثن ثم َلتنَبؤن بِ َما‬

‫َع ِم ْلت ْم ۚ َو َذل ِ َك َع َلى اهللِ َي ِس ٌير﴾‬

‫‪-‬بعد ذلك دعت السورة إلى اإليمان باهلل تعالى وبالنبي صلى اهلل‬

‫عليه وسلم‪ ،‬والقرآن النور الذي أنزل على النبي‪ ،‬وبشرت المؤمنين‬

‫بالجنة‪ ،‬وهددت بما يلقاه الكفار يوم القيامة‪ ،‬يوم يغبن فيه الكافر‬

‫برتكه اإليمان‪.‬‬

‫﴿ َفآمِنوا بِاهللِ َو َرسول ِ ِه َوالن ِ‬


‫ور ال ِذي َأ َنز ْلنَا ۚ َواهلل بِ َما َت ْع َمل َ‬
‫ون َخبِ ٌير ۝‬
‫يوم يجمعكم لِيو ِم ا ْلجم ِع ۚ َذل ِ َك يوم الت َغاب ِن ۚ ومن يؤمِن بِاهللِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ َ َ ْ َ ْ َْ‬
‫ات َت ْج ِري مِن َت ْحتِ َها‬
‫ويعم ْل صالِحا ي َك ِّفر َعنْه سي َئاتِ ِه ويدْ ِخ ْله جن ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ َ َ ً‬

‫‪454‬‬
‫ْاألَن َْهار َخال ِ ِدي َن فِ َيها َأ َبدً ا ۚ َذل ِ َك ا ْل َف ْوز ا ْل َعظِيم ۝ َوال ِذي َن َك َفروا‬

‫ار َخال ِ ِدي َن فِ َيها ۚ َوبِ ْئ َس ا ْل َم ِصير﴾‬


‫َوكَذبوا بِآ َياتِنَا أو َلئِ َك َأ ْص َحاب الن ِ‬

‫‪-‬وضحت السورة بأن كل ما يحدث يف الكون فهو يحدث بإرادة اهلل‬

‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫اب مِن م ِصي َب ٍة إِال بِإِ ْذ ِن اهللِ ۚ َو َمن ي ْؤمِن بِاهللِ َي ْه ِد َق ْل َبه ۚ َواهلل‬
‫﴿ َما َأ َص َ‬
‫ٍ ِ‬
‫بِك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫يم﴾‬

‫‪-‬أمرتنا بطاعة اهلل عز وجل‪ ،‬وطاعة النبي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫ول ۚ َفإِن َت َول ْيت ْم َفإِن َما َع َلى َرسولِنَا‬


‫اهلل َو َأطِيعوا الرس َ‬
‫َ‬ ‫وا‬‫يع‬‫﴿و َأطِ‬
‫َ‬
‫ا ْل َب َالغ ا ْلمبِين﴾‬

‫‪-‬حذرت السورة من فتنة األزواج واألوالد واألموال‪ ،‬الذين يمنعون‬

‫اإلنسان يف كثير من األوقات من بعض العبادات‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫اجك ْم َو َأ ْو َال ِدك ْم َعد ًّوا لك ْم‬
‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آمنوا إِن مِ ْن َأ ْز َو ِ‬
‫َ‬
‫ور ر ِحيم ٌ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اح َذروه ْم ۚ َوإِن َت ْعفوا َو َت ْص َفحوا َو َت ْغفروا َفإِن َ‬
‫اهلل َغف ٌ‬ ‫َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫إِن َما َأ ْم َوالك ْم َو َأ ْو َالدك ْم ف ْتنَ ٌة ۚ َواهلل عندَ ه َأ ْج ٌر َعظ ٌ‬

‫‪-‬أمرت السورة بالتقوى واإلنفاق يف سبيل اهلل إلعالء الدين‪،‬‬

‫وحذرت من الشح والبخل‪.‬‬

‫اس َمعوا َو َأطِيعوا َو َأ ِنفقوا َخ ْي ًرا ِّألَنف ِسك ْم ۚ‬


‫اس َت َط ْعت ْم َو ْ‬ ‫﴿ َفاتقوا َ‬
‫اهلل َما ْ‬
‫وق شح َن ْف ِس ِه َفأو َلئِ َك هم ا ْلم ْفلِح َ‬
‫ون﴾‬ ‫َو َمن ي َ‬

‫‪-‬بيان مضاعفة الثواب للمحسنين المنفقين من أجل إعالء كلمة‬

‫اع ْفه َلك ْم َو َي ْغ ِف ْر َلك ْم ۚ َواهلل‬


‫الدين ﴿إِن ت ْق ِرضوا اهلل َقر ًضا حسنًا ي َض ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫َشك ٌ‬
‫ور َحل ٌ‬

‫‪-‬ختمت السورة بتعظيم اهلل عز وجل‪.‬‬

‫ب َوالش َها َد ِة ا ْل َع ِزيز ا ْل َحكِيم﴾‬


‫﴿ َعالِم ا ْل َغ ْي ِ‬

‫‪456‬‬
‫نزلت محدد ًة‬ ‫ِ‬
‫كشأن السور المدنية جميعها ْ‬ ‫‪-‬سورة الطالق شأهنا‬

‫للتشريعات اإلسالمية‪ ،‬التي كانت األساس يف بناء مجتمع المدينة‪،‬‬

‫مجتمع اإلسالم األول‪،‬‬

‫فاحتوت آيات هذه السورة الكريمة على قضية أسرية مهمة جدً ا‪،‬‬
‫بكل أحكامه وأنواعه ّ‬
‫وكل ما يتعلق به‪،‬‬ ‫وهي الطالق ِّ‬

‫‪ -‬بينت اآليات الكريمة الوقت الذي يقع فيه الطالق ويقبله اهلل تعالى‬

‫النبي ﷺ بأن تكون المرآة يف طهارة حتى تبدأ أيام العدة‬


‫بحسب سنة ِّ‬
‫دون وقوع ضرر عليها‪ ،‬وتظل المرأة يف بيت زوجها حتى تنتهي من‬

‫عدهتا‪.‬‬

‫‪-‬تبين اآليات الكريمة حكم مراجعة الزوجة المطلقة قبل أن تنتهي‬

‫من عدهتا‪ ،‬وتنبه الزوج على تقوى اهلل‪،‬‬

‫‪457‬‬
‫فصل اآليات يف مدة العدة عند النساء اللوايت انقطعن من‬
‫‪-‬كما ت ّ‬
‫الحيض أي الكبيرات يف السن‪ ،‬أو الاليت لم يحضن لصغرهن‪ ،‬بأن‬

‫عدهتن ثالثة أشهر‪ ،‬وعدة المرأة الحامل حتى تضع مولودها‪،‬‬

‫‪-‬ثم تطلب اآليات من األزواج أن ينفقوا على زوجاهتم طوال مدة‬

‫العدة من تأمين للسكن وحتى أجرة إرضاعهن ألوالدهن بحسب‬


‫القدرة المالية ِّ‬
‫لكل زوج‪.‬‬

‫‪-‬ويحذر اهلل تعالى عباده من تعدي شريعته‪ ،‬فإن من يتعدى حدود‬

‫اهلل سيعاقب أشد العقاب‪ ،‬وتأيت األمثلة يف من سبق من األمم التي لم‬

‫تخف اهلل وخرجت عن أمره‪ ،‬فذاقت ألوان العذاب جزاء التكذيب‬

‫واالستهزاء بشرع اهلل سبحانه خالق السموات واألرض‪ ،‬الواحد‬


‫األحد‪ ،‬الذي أحاط علمه ‪-‬جل جالله‪ِّ -‬‬
‫بكل شيء‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫ب ّينت السورة نوعًا من التفكك اإلجتماعي الذي يجب أن نحرص‬

‫على التقوى فيه حتى ال تتفكك المجتمعات واألسر‪،‬‬

‫فإذا وجدت التقوى يف كل األمور تبقى وحدة المجتمع ويبقى‬

‫االنتماء‪ ،‬وقد جاءت كلمة التقوى كثير ًا يف السورة‬

‫اهلل َربك ْم ﴾‬
‫﴿ َواتقوا َ‬

‫﴿ َو َمن َيت ِق َ‬
‫اهلل َي ْج َعل له َم ْخ َر ًجا﴾‬

‫اهلل َي ْج َعل له مِ ْن َأ ْم ِر ِه ي ْس ًرا﴾‬


‫﴿ َو َمن َيت ِق َ‬

‫اهلل ي َك ِّف ْر َعنْه َس ِّي َئاتِ ِه َوي ْعظِ ْم َله‬ ‫ِ‬


‫ق‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ه‬‫ل‬‫َ‬ ‫نز‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫﴿ َذل ِ َك َأمر اهللِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َأ ْج ًرا﴾‬

‫‪459‬‬
‫السورة يف مطلعها تحكي جانبا مما دار بين النبي ﷺ وبين بعض‬

‫زوجاته فتعرض صفحة من حياته ﷺ يف بيته‪ ،‬ومن عتاب اهلل تعالى‬

‫له ومن فضله عليه‪ ،‬ودفاعه عنه‪.‬‬

‫﴿ َيا َأي َها النبِي ل ِ َم ت َح ِّرم َما َأ َحل اهلل َل َك َت ْبت َِغي َم ْر َض َ‬
‫ات َأ ْز َو ِ‬
‫اج َك َواهلل‬
‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫َغف ٌ‬
‫ور رح ٌ‬

‫بينت السورة أهمية االهتمام باألهل واألسرة‪:‬‬

‫﴿ َيا َأي َها ال ِذي َن آ َمنوا قوا َأنف َسك ْم َو َأ ْهلِيك ْم ن ًَارا َوقود َها الناس‬

‫اهلل َما َأ َم َره ْم‬


‫ون َ‬ ‫ح َج َارة َع َل ْي َها َم َالئِ َك ٌة ِغ َال ٌظ ِشدَ ا ٌد َال َي ْعص َ‬
‫وا ْل ِ‬
‫َ‬
‫ون َما ي ْؤ َمر َ‬
‫ون﴾‬ ‫َو َي ْف َعل َ‬

‫فاألسرة محور أساسي يف ترابط المجتمع وبدوهنا يتفكك وال يوجد‬

‫انتماء‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫والمرأة لها دور أساسي يف كل هذا ألهنا هي التي تربي األجيال وتؤثر‬

‫على أفراد المجتمع وهي مصنع الرجال‪.‬‬

‫لذلك جاء الحديث يف هناية السورة عن امرأة فرعون ومريم ابنت‬

‫عمران‪:‬‬

‫﴿ َو َض َر َب اهلل َم َثال ِّلل ِذي َن آ َمنوا ا ْم َر َأ َة فِ ْر َع ْو َن إِ ْذ َقا َل ْت َر ِّب ا ْب ِن لِي‬

‫ِعندَ َك َب ْيتًا فِي ا ْل َجن ِة َون َِّجنِي مِن فِ ْر َع ْو َن َو َع َملِ ِه َون َِّجنِي مِ َن ا ْل َق ْو ِم‬

‫يه مِن‬
‫خنَا فِ ِ‬
‫ان التِي َأ ْح َصن َْت َف ْر َج َها َفنَ َف ْ‬
‫الظال ِ ِمين ‪َ .‬و َم ْر َي َم ا ْبن ََت ِع ْم َر َ‬

‫ات َر ِّب َها َوكتبِ ِه َوكَان َْت مِ َن ا ْل َقانِتِي َن﴾‬


‫وحنَا وصد َق ْت بِ َكلِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ر ِ‬

‫وجهت السورة نداء إلى المؤمنين أمرهتم فيه بأن يداوموا على العمل‬

‫الصالح الذي ينجيهم من عذاب اهلل تعالى‪ ،‬وحرضتهم على التسلح‬

‫بالتوبة النصوح ألهنا على رأس األسباب التي تؤدي إلى تكفير‬

‫سيئاهتم‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحا َع َسى َربك ْم َأن ي َك ِّف َر‬ ‫﴿ َيا َأي َها الذي َن آ َمنوا توبوا إِ َلى اهلل َت ْو َب ًة نص ً‬
‫ات َت ْج ِري مِن َت ْحتِ َها األَن َْهار َي ْو َم ال‬ ‫َعنكم سي َئاتِكم ويدْ ِخ َلكم جن ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ِّ‬
‫يه ْم َوبِ َأ ْي َمانِ ِه ْم‬
‫ي ْخ ِزي اهلل النبِي َوال ِذي َن آ َمنوا َم َعه نوره ْم َي ْس َعى َب ْي َن َأ ْي ِد ِ‬

‫ورنَا َوا ْغ ِف ْر َلنَا إِن َك َع َلى ك ِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير﴾‬ ‫ِ‬


‫ون َربنَا َأ ْتم ْم َلنَا ن َ‬
‫َيقول َ‬

‫‪462‬‬
‫موضوعات سورة الملك‪:‬‬

‫قدرة اهلل يف خلقه – الرد على إنكار الكافرين للبعث – مشهد عذاب‬

‫الكافرين يف السعير – عجز األنداد والشركاء من دون اهلل‪.‬‬

‫موضوعات سورة القلم‪:‬‬

‫التهم واألكاذيب التي يدعيها المكذبون بالدعوة – قصة أصحاب‬

‫الجنة – رد الحجج الباطلة للمكذبين – قصة يونس والعربة منها‪.‬‬

‫موضوعات سورة الحاقة‪:‬‬

‫نماذج من تكذيب األقوام السابقة لرسلهم وهالكهم – مشاهد‬

‫القيامة واهل الجنة والنار– القرآن حق ورد الحجج الباطلة‬

‫للمكذبين‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫موضوعات سورة المعارج‪:‬‬

‫عرض مشاهد القيامة وأحوال الناس فيها – صفات المؤمنين‬

‫الصادقين الناجين ووعيد اهلل للكافرين المكذبين يوم القيامة‪.‬‬

‫موضوعات سورة نوح‪:‬‬

‫قصة نوح عليه السالم والعرب المستفادة منها‪.‬‬

‫موضوعات سورة الجن‪:‬‬

‫الجن خربهم وصفتهم – دعوة الرسول لقومه وما كان منهم‪.‬‬

‫موضوعات سورة المزمل‪:‬‬

‫عبادة قيام اهلل وأثرها على المسلم ‪ -‬مهمة الرسول بتبليغ الدعوة وما‬

‫كان من قومه ‪ -‬مشاهد من يوم القيامة‬

‫‪464‬‬
‫موضوعات سورة المدثر‪:‬‬

‫عبادة قيام اهلل وأثرها على المسلم ‪ -‬مهمة الرسول بتبليغ الدعوة وما‬

‫كان من قومه ‪ -‬مشاهد من يوم القيامة‬

‫موضوعات سورة القيامة‪:‬‬

‫تعالج السورة موضوع البعث والجزاء والذي هو من أركان االيمان ‪،‬‬

‫وتعرض شيئا من مشاهد من يوم القيامة وأهوالها وضرورة‬

‫االستعداد لها ‪ ،‬وحالة االنسان عند االحتضار ‪ ،‬وما يلقاه الكافر من‬

‫شدة وكرب ‪.‬‬

‫موضوعات سورة اإلنسان‪:‬‬

‫ذكر خلق اإلنسان ‘ وفيها أحوال الناس وتمايزهم إلى كافر ومؤمن ‪،‬‬

‫وفيها أمر المعاد وحشر العباد ‪ ،‬وصفات األبرار وما أعد اهلل لهم من‬

‫النعيم يف الجنة ‪ ،‬ويف آخرها التثبيت للنبي ومن بعده للمؤمنين ‪ .‬وقد‬

‫‪465‬‬
‫كان – صلى اهلل عليه وسلم – يقرأها كل يوم جمعة يف الركعة الثانية‬

‫من صالة الفجر‪.‬‬

‫موضوعات سورة المرسالت‪:‬‬

‫مشاهد من يوم القيامة ‪ -‬عرض لبعض اآليات الدالة على قدرة اهلل يف‬

‫الكون ‪ -‬جزاء المؤمنين وعذاب الكافرين‬

‫‪466‬‬
‫عم وهو الجزء الثالثون واألخير يف القرآن الكريم يحتوي على‬
‫جزء ّ‬
‫‪ 37‬سورة هي من السور القصيرة والمحور الرئيسي لهذه السور‬

‫وللجزء بشكل عام هو أن اآلخرة هلل تعالى ويا أيها اإلنسان كن‬
‫موصو ً‬
‫ال بربك طائعًا هلل تعالى ألن األمر كله بيد اهلل تبارك وتعالى‬
‫وهذا الجزء يذكّر باآلخرة وبالمعاد وبلقاء اهلل عز ّ‬
‫وجل وقدرته اهلل‬

‫تعالى يف الكون وكل هذا يأيت يف سور قصيرة مؤثرة ورقيقة‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫‪-‬تم بفضل اهلل تعالى ومنته‪ ،‬فما كان من توفيق فمن اهلل‪ ،‬وما كان من‬

‫سهو وخطأ فمني ومن الشيطان‪.‬‬

‫تم اإلعداد من خالل النقل من الكثير من المراجع والكتب‪،‬‬

‫والسالسل الصوتية‪.‬‬

‫‪468‬‬

You might also like