You are on page 1of 82

‫مقرر التوحيد‬

‫عقد ‪102 - 133‬‬


‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫إ ن احلمد هلل حنمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل‬
‫له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أ ن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن من املواد املقررة مادة العقيدة اإلسالمية‪ ,‬وسيتم دراسة هذه املادة وفق املباحث التالية‪:‬‬
‫العقيدة‬
‫تعريفها وأمهية دراستها‬
‫تعريف العقيدة‪:‬‬
‫‪ -‬العقيدة لغة‪ :‬مأخوذة من العقد وهو ربط الشيء‪ ،‬واعتقدت كذا‪ :‬عقدت عليه القلب والضمري‪ .‬والعقيدة‪:‬‬
‫ما يدين به اإلنسان‪ ،‬يقال‪ :‬له عقيدة حسنة‪ ،‬أي‪ :‬ساملةٌ من الشك‪ .‬والعقيدةُ عمل قليب‪ ،‬وهي إميا ُن القلب‬
‫ابلشيء وتصديقه به‪.‬‬
‫شرعا‪ :‬هي اإلميان ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬واإلميان ابلقدر خريه وشره‪ ،‬وتُسمى‬
‫والعقيدةُ ً‬ ‫‪-‬‬

‫هذه أركا ُن اإلميان‪.‬‬

‫‪ -‬أمهية دراستها‪:‬‬
‫من أمهية دراسة العقيدة‪:‬‬
‫‪ -1‬أهنا الغاية اليت خلق هللا اجلن واإلنس ألجلها‪ ,‬قال عز وجل‪( :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون)‪,‬‬
‫والعبادة ال تقبل إال ابلتوحيد‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الدعوة إىل التوحيد هي دعوة األنبياء والرسل‪ ,‬قال عز وجل‪( :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي‬
‫إليه أنه ال إله إال أان فاعبدون)‪ ,‬وقال‪( :‬ولقد بعثنا يف كل أمة رسوال أن اعبدوا هللا واجتنبوا الطاغوت)‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اإلخالل ابلعقيدة يوقع يف الشرك األكرب الذي حيبط مجيع األعمال‪ ,‬قال عز وجل‪( :‬ولقد أوحي إليك‬
‫وإىل الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من اخلاسرين)‪.‬‬
‫‪ -4‬أن هللا عز وجل جعل الوصية ابلتوحيد قبل كل شيء‪ ,‬فأول أمر يف كتاب هللا عز وجل هو أمر ابلتوحيد‪,‬‬
‫قال عز وجل يف أول أمر يف سورة البقرة‪( :‬اي أيها الناس اعبدو ربكم الذي خلقكم ‪.)..‬‬
‫وكذلك يف وصااي لقمان البنه حيث بدأ ابلنهي عن نقيض التوحيد وهو الشرك كما قال تعاىل‪( :‬وإذ قال‬
‫لقمان البنه وهو يعظه ال بين ال تشرك ابهلل إن الشرك لظلم عظيم)‪ ..‬فال يليق مبسلم أن جيعل التوحيد أمرا‬
‫هامشيا فال يبذل له وقته وال يدعو إليه‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫واألدلة على أمهية التوحيد كثرية يصعب حصرها‪ ,‬قال ابن القيم‪( :‬القرآن كله يف التوحيد وحقوقه‬
‫ومكمالته)‪.‬‬
‫‪ -‬إشكال اجلواب عليه‪:‬‬
‫اإلشكال‪ :‬قد يقول بعض الناس‪ :‬ال داعي حملاضرات ودروس التوحيد‪ ,‬فنحن وهلل احلمد فهمناه وتربينا عليه‪.‬‬
‫وهذا واقع ملموس يف حياة كثري منا‪ ,‬فنجد أحياان مناشط كثرية يف األخالق واملعامالت‪ ,‬ويف املقابل جند‬
‫نسبة قليلة جدا يف جانب التوحيد وتصحيح العقيدة‪.‬‬
‫واجلواب على هذا اإلشكال خمتصر فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النيب صلى هللا عليه وسلم كان يعلم أصحابه التوحيد‪ ,‬وهو أتقى الناس وأفضلهم بعد األنبياء‪ ,‬يعلمهم‬
‫حىت آخر حلظة من حياته‪ ,‬ففي الصحيحني من حديث عائشة قالت‪( :‬ملا نُزل برسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬طفق يطرح مخيصة له على وجهه‪ ،‬فإذا اغتم هبا كشفها‪ ،‬فقال وهو كذلك‪" :‬لعنة هللا على اليهود‬
‫والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" ِّ‬
‫حيذر ما صنعوا‪ ،‬ولوال ذلك أُبرز قربه‪ ،‬غري أنه ُخشي أن يُتخذ‬
‫مسجداً‪.‬‬
‫‪ -2‬أن األنبياء والصاحلون خيافون على أنفسهم من اإلخالل ابلتوحيد والوقوع يف الشرك فهذا خليل هللا إبراهيم‬
‫يدهو ربه‪( :‬واجنبين وبين أن نعبد األصنام)‪ ,‬وكان عمر رضي هللا عنه يسأل حذيفة خمافة النفاق‪.‬‬
‫‪ -3‬أن إمهال التوحيد والتذكري به‪ ,‬يكون سببا يف ذهابه وإحالل الشرك مكانه‪ ,‬كما حدث يف قوم نوح‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يوجد يف جمتمعات املسلمني خمالفة يف التوحيد‪ ,‬كدعاء غري هللا عز وجل‪ ,‬وتعليق التمائم‪ ,‬والطرية وحنو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فدعوى أن الناس فهموا التوحيد ال حاجة إليه دعوى ابطلة خاصة يف هذا الزمن الذي كثرت فيه الفنت‬
‫وانتشر امللحدون واخلوارج وكثرت شبههم‪.‬‬
‫‪ -‬املراد أبهل السنة واجلماعة ومصادر التلقي عندهم‪:‬‬
‫‪ -‬السنة‪ :‬هي الطريقة اليت كان عليها النيب صلى هللا عليه يف أقواله وأفعاله وتقريراته‪.‬‬
‫‪ -‬مسوا أبهل السنة‪ ,‬النتساهبم إىل سنة الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬اجلماعة‪ :‬هم الذين اجتمعوا على احلق الثابت يف الكتاب والسنة‪ ,‬وهم الصحابة والتابعني ومن تبعهم‬
‫إبحسان‪ ,‬ولو كانوا قلة يسمون مجاعة ألن اجلماعة ما وافق احلق ولو كنت وحدك كما قال ابن مسعود‪.‬‬
‫‪ -‬مسو أبهل السنة أخذا من احلديث (وعليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني من بعدي)‪.‬‬
‫‪ -‬ومسوا ابجلماعة أخذا من حديث‪( :‬إن أهل الكتاب افرتقوا يف دينهم على ثنتني وسبعني ملة وإن هذه األمة‬
‫ستفرتق على ثالث وسبعني ملة ‪ -‬يعين األهواء ‪ -‬كلها يف النار إال واحدة وهي اجلماعة)‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ومصادر التلقي عند أهل السنة واجلماعة (يف عقائدهم وعباداهتم ومعامالهتم وسلوكياهتم وأخالقهم)‪:‬‬
‫القرآن الكرمي‪ ,‬قال هللا عز وجل‪( :‬اي أيها الذين آمنوا أمنوا ابهلل ورسوله والكتاب الذي نزل على‬ ‫‪-1‬‬
‫رسوله)‪.‬‬
‫السنة النبوية الصحيحة‪ ,‬قال عز وجل‪( :‬وما آاتكم الرسول فخذوه وما هناكم عنه فانتهوا)‪ ,.‬وقال‬ ‫‪-2‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أال إمنا أوتيت القرآن ومثله معه)‪.‬‬
‫اإلمجاع‪ ,‬فإذا أمجع أهل السنة على أمر فهو حق‪ ,‬ألن أمة حممد ال جتتمع على ضاللة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫قال عز وجل‪( :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما توىل‬
‫ونصله جهنم وساءت مصريا)‬
‫تنبيه‪ :‬فهم الكتاب والسنة يكون بفهم السلف الصاحل من الصحابة ومن تبعهم‪ ,‬والدليل على هذا نفس‬ ‫‪-‬‬

‫دليل حجية اإلمجاع‪ ,‬فاآلية من أقوى األدلة على حجية فهم السلف الصاحل‪.‬‬
‫أركان اإلميان‬
‫وجوب اإلميان هبا وكفر اتركها واألدلة على ذلك‬
‫ال خيفى على كل مسلم أمهية اإلميان‪ ،‬وعظم شأنه‪ ،‬وكـثرة عوائـده وفوائده على املؤمن يف كل خري يف الدنيا‬
‫واآلخرة متوقف على حتقق اإلميان الصحيح‪ ،‬فهو أجل املطالب‪ ،‬وأهم املقاصد‪ ،‬وأنبل األهداف‪ ،‬وبه حييا‬
‫العبد حياة طيبة سعيدة‪ ،‬وينجو من املكـاره والشـرور والشدائد‪ ،‬وينال ثواب اآلخرة ونعيمها املقيم وخريها‬
‫الدائم املستمر الذي ال حيول وال يزول‪.‬‬
‫{ ‪             ‬‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫‪( }     ‬النحل‪ .)97 :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫{ ‪ ‬‬ ‫‪(}       ‬اإلسراء‪ )19 :‬وقال تعـاىل‪:‬‬

‫{ ‪ ‬‬ ‫‪(}        ‬طه‪ .)75 :‬وقـال تعـاىل‪:‬‬
‫‪              ‬‬

‫‪(}‬الكهف‪ .)108 ،107 :‬واآلايت يف هذا املعىن يف القرآن الكرمي كثرية‪.‬‬


‫‪ -‬وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن اإلميان يقوم على األصـول الستة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلميان ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪،‬‬
‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقـدر خريه وشره‪ ،‬وقد جاء ذكر هذه األصول يف القرآن الكرمي والسنة النبويـة‬
‫يف مواطن عديدة‪ .‬منها‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫{ ‪            ‬‬ ‫‪ - 1‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪( }                ‬النساء‪:‬‬
‫‪.)136‬‬
‫‪              ‬‬ ‫‪ - 2‬وقوله تعاىل‪{ :‬‬

‫‪(}   ‬البقرة‪.)177 :‬‬


‫‪             ‬‬ ‫‪ - 3‬وقوله تعاىل‪{ :‬‬

‫‪(}                ‬البقرة‪.)285 :‬‬
‫‪ - 4‬وقوله تعاىل‪ (}      { :‬القمر‪.)49 :‬‬
‫‪ - 5‬وثبت يف صحيح مسلم من حديث عمر بن اخلطـاب املشهور حبديث جربيل {أن جربيل سأل النيب ‪‬‬
‫فقال‪ :‬أخربين عن اإلميان‪ ،‬قـال‪ ( :‬أن تؤمن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬وتؤمن ابلقدر خـريه‬
‫وشره}‪.‬‬
‫فهذه أصول ستة عظيمة يقوم عليها اإلميان‪ ،‬بل ال إميـان ألحـد إال ابإلميان هبا‪ ،‬وهي أصول مرتابطة متالزمة‪ ،‬ال‬
‫ينفك بعضها عـن بعـض‪ ،‬فاإلميان ببعضها مستلزم لإلميان بباقيها‪ ،‬والكفر ببعضها كفر بباقيها‪ ,‬والدليل قول هللا عز‬
‫وجل‪( :‬ومن يكفر ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر فقد ضل ضالال بعيدا)‪.‬‬
‫ولذا كان متأكدا يف حق كل مسلم أن تعظم عنايته واهتمامـه هبـذه األصول علما وتعلما وحتقيقا‪.‬‬
‫وفيما يلي بيان ما يتعلق ابألصل األول من هذه األصول وهو اإلميان ابهلل‪.‬‬
‫أركان اإلميان‬
‫الركن األول‪ :‬اإلميان ابلل تعاىل‬
‫إن اإلميان ابهلل ‪ ‬هو أهم أصول اإلميـان‪ ،‬وأعظمـها شـأان‪ ،‬وأعالها قدرا‪ ،‬بل هو أصل أصول اإلميان‪ ،‬وأساس‬
‫بنائ ه‪ ،‬وقوام أمره‪ ،‬وبقيـة األصول متفرعة منه‪ ،‬راجعة إليه‪ ،‬مبنية عليه‪ .‬واإلميان ابهلل عز وجـل هـو اإلميان بوحدانيته‬
‫سبحانه يف ربوبية‪ ،‬وألوهيته‪ ،‬وأمسائه وصفاته ‪ ،‬فهذه أصول ثالثة يقوم عليها اإلميان ابهلل‪ ،‬بل إن الدين اإلسالمي‬

‫‪5‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫احلنيف إمنـا سـمي توحيدا ألن مبناه على أن هللا واحد يف ملكه وأفعاله ال شريك له‪ ،‬وواحد يف ذاته وأمسائه وصفاته‬
‫ال نظري له‪ ،‬وواحد يف ألوهيته وعبادته ال ند له‪.‬‬
‫وهبذا يعلم أن توحيد األنبياء واملرسلني ينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫املميت‬
‫ُ‬ ‫القسم األول‪ :‬توحيد الربوبية ‪ ،‬وهو اإلقرار أبن هللا تعاىل رب كـل شيء وملي ُكه وخال ُقه ورازقُه‪ ،‬وأَنه احمليي‬
‫األمر كله‪ ،‬ال شريك‬ ‫ِّ‬
‫ـافع الضـار‪ ،‬املتفـرُد ابإلجابة عند االضطرار‪ ،‬الذي له األمر كله‪ ،‬وبيده اخلري كله‪ ،‬وإليه يُرجـع ُ‬‫الن ُ‬
‫له يف ذلك‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬توحيد األلوهية ‪ ،‬وهو إفراد هللا وحده ِّ‬
‫ابلذل واخلضـوع واحملبة واخلشوع والركوع والسجود والذبح‬
‫والنذر‪ ،‬وسائر أنواع العبـادة ال شريك له‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬توحيد األمساء والصفات ‪ ،‬وهو إفراد هللا تعاىل مبا مسـى ووصف نفسه يف كتابه وعلى لسان‬
‫نبيه ‪ ‬وتنـزيهه عـن النقـائص والعيوب ومماثلة اخللق فيما هو من خصائصه واإلقرار أبن هللا بك ِّل شـيء عليم‪ ،‬وعلى‬
‫كل شيء قدير‪ ،‬وأنه احل ُّـي القيُّوم الذي ال أتخذه ِّسنة وال نـوم‪ ،‬له املشيئة النافذة واحلكمة البالغة‪ ،‬وأنه مسيع بصري‪،‬‬
‫ِّ‬
‫رؤوف رحيـم‪ ،‬علـى العرش استوى‪ ،‬وعلى امللك احتوى‪ ،‬وأنه ال َـملِّك القدوس السالم املؤمـن املهيمن العزيز اجلبار‬
‫املت ِّ‬
‫كرب‪ ،‬سبحان هللا عما يشركون‪ ،‬إىل غري ذلك مـن األمساء احلسىن‪ ،‬والصفات العلى‪.‬‬
‫دالئل كثرية من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ولكل قسم من هذه األقسام الثالثة ُ‬
‫فالقرآن كله يف التوحيد‪ ،‬وحقوقه وجزائه ويف شأن الشـرك وأهلـه وجزائهم‪.‬‬
‫وهذه األقسام الثالثة للتوحيد قد أخذها أهل العلم ابالستقراء والتتبـع لنصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وهو استقراء اتمٌّ‬
‫لنصوص الشرع‪ ،‬أفـاد هـذه احلقيقة الشرعية‪ ،‬وهي أن التوحيد املطلوب من العباد هو اإلميان بوحدانيـة هللا يف ربوبيته‬
‫فمن مل أيت هبذا مجيعـه فليـس مبؤمن‪ ،‬وفيما يلي فصول ثالثة يف كل فصل منها بيان لقسـم‬
‫وألوهيته وأمسائه وصفاته‪َ ،‬‬
‫مـن هـذه األقسام‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫أوال‪ :‬توحيد الربوبية‬


‫معناه وأدلته من الكتاب والسنة والعقل والفطرة‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫الرب‪ ،‬فالربوبية صفـة هللا‪ ،‬وهي مأخوذة من اسم الرب‪ ،‬والرب يف‬
‫أ‪ -‬لغة ‪ :‬الربوبية مصدر من الفعل ربب‪ ،‬ومنه ُّ‬
‫صلِّح‪.‬‬
‫كالم العرب يطلق على معان‪ :‬منها املالك‪ ،‬والسيد املطاع‪ ،‬وال ُـم ْ‬
‫ب‪ -‬أما يف االصطالح ‪ :‬فإن توحيد الربوبية هو إفراد هللا أبفعاله‪.‬‬
‫ومنها اخللق والرزق والسيادة واإلنعام وامللك والتصوير‪ ،‬والعطاء واملنع‪ ،‬والنفع والضر‪ ،‬واإلحياء واإلماتة‪ ،‬والتدبري‬
‫احملكـم‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬وغـري ذلك من أفعاله اليت ال شريك له فيها‪ ،‬وهلذا فإن الواجب على العبد أن يؤمن بذلك‬
‫كله‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أدلته ‪:‬‬
‫{ ‪            ‬‬ ‫أ‪ -‬من الكتاب ‪ :‬قوله تعـاىل‪:‬‬
‫‪                    ‬‬

‫{ ‪  ‬‬ ‫‪(}           ‬لقمان‪ .)11 ،10 :‬وقولـه تعاىل‪:‬‬
‫‪(}     ‬الطور‪)35 :‬‬

‫ب‪ -‬من السنة ‪ :‬ما رواه اإلمام أمحد وأبو داود من حديث عبـد هللا بن الشخري ‪ ‬مرفوعا وفيه‪( :‬السيد هللا‬
‫تبارك وتعاىل‪ .) ..‬وقد ثبت يف الرتمـذي وغريه أن النيب ‪ ‬قال يف وصيته البن عباس رضي هللا عنـهما‪{ ...:‬واعلم‬
‫أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء مل ينفعـوك إال بشيء قد كتبه هللا لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء مل يضـروك إال بشيء قد كتبه هللا عليك‪ ،‬رفعت األقالم وجفت الصحف}‪.‬‬
‫ج‪ -‬داللة العقل ‪ :‬دل العقل على وجود هللا تعاىل وانفراده ابلربوبيـة وكمال قدرته على اخللق وسيطرته عليهم‪،‬‬
‫وذلك عن طريق النظر والتفكر يف آايت هللا الدالة عليه‪.‬‬
‫{ ‪   ‬‬ ‫د‪ -‬داللة اخللق‪ :‬فخلق األنفس وخلق اآلفاق دليل على تفرد هللا ابلربوبيةقال عز وجل‪:‬‬
‫اآلفاق‪   {:‬‬ ‫‪(} ‬الذارايت‪ ،)21 :‬وقال تعاىل‪}    { :‬وقال يف‬
‫‪(}                 ‬فصلت‪.)53 :‬‬

‫‪7‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وقد جاء يف بعض اآلاثر أن قوما أرادوا البحث مع اإلمام أيب حنيفـة يف تقرير توحيد الربوبية‪ ،‬فقال هلم رمحه‬
‫هللا‪ " :‬أخربوين قبل أن نتكلم يف هـذه املسألة عن سفينة يف دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام وغريه بنفسها وتعـود‬
‫بنفسها‪ ،‬فرتسو بنفسها وترجع‪ ،‬كل ذلك من غري أن يديرها أحد ؟ "‪.‬‬
‫فقالوا‪ " :‬هذا حمال ال ميكن أبدا‪ .‬فقال هلم‪ :‬إذا كان هـذا حمـاال يف سفينة فكيف يف هذا العامل كله علوه وسفله ؟‬
‫"‪.‬فنبه إىل أن اتساق العامل ودقة صنعه ومتام خلقه دليل علـى وحدانيـة خالقه وتفرده‪.‬‬
‫د‪ -‬داللة الفطرة‪ :‬وقد فطر هللا مجيع اخللق على اإلقرار بربوبيته؛ حىت إن املشركني الذين جعلوا له شريكا يف‬
‫العبادة يقرون بتفرده ابلربوبية‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون هلل قل‬
‫أفال تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو جيري وال جيار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون هلل قل فأىن تسحرون}‬
‫[املؤمنون‪. ]89 -86 :‬‬
‫فهذا التوحيد مل يذهب إىل نقيضه طائفة معروفة من بين آدم؛ بل القلوب مفطورة على اإلقرار به؛ أعظم من‬
‫كوهنا مفطورة على اإلقرار بغريه من املوجودات؛ كما قالت الرسل فيما حكى هللا عنهم‪{ :‬قالت رسلهم أيف هللا شك‬
‫فاطر السماوات واألرض} [إبراهيم‪. ]10 :‬‬
‫وأشهر من عرف جتاهله وتظاهره إبنكار الرب فرعون‪ ،‬وقد كان مستيقنا به يف الباطن كما قال له موسى‪{ :‬قال‬
‫لقد علمت ما أنزل هؤالء إال رب السماوات واألرض بصائر} [اإلسراء‪. ]102 :‬‬
‫وقال عنه وعن قومه‪{ :‬وجحدوا هبا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل‪. ]14 :‬‬
‫وكذلك من ينكر الرب اليوم من الشيوعيني؛ إمنا ينكرونه يف الظاهر مكابرة؛ وإال فهم يف الباطن ال بد أن يعرتفوا‬
‫أنه ما من موجود إال وله موجد‪ ،‬وما من خملوق إال وله خالق وما من أثر إال وله مؤثر‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬أم خلقوا من‬
‫غري شيء أم هم اخلالقون أم خلقوا السماوات واألرض بل ال يوقنون} [الطور‪. ]36 -35 :‬‬
‫بيان أن اإلقرار هبذا التوحيد وحده ال ينجي من العذاب‪.‬‬
‫إن توحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد الثالثة كما تقدم؛ ولذا فإنـه ال يصح إميان أحد وال يتحقق توحيده إال‬
‫إذا وحد هللا يف ربوبيته‪ ،‬لكن هذا النوع من التوحيد ليس هو الغاية من بعثة الرسل عليهم السالم‪ ،‬وال ينجـي وحده‬
‫من عذاب هللا ما مل أيت العبد بالزمه توحيد األلوهية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ولذا يقول هللا تعاىل‪(}        { :‬يوسف‪ ،)106 :‬واملعىن أي‪ :‬ما‬

‫يقر أكثرهم ابهلل راب وخالقا ورازقا ومدبـرا‪ -‬وكل ذلك من توحيد الربوبية ‪ -‬إال وهم مشركون معه يف عبادته غريه مـن‬
‫األواثن واألصنام اليت ال تضر وال تنفع‪ ،‬وال تعطي وال متنع‪.‬‬
‫وهبذا املعىن لآلية قال املفسرون من الصحابة والتابعني‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪ " :‬من إمياهنم إذا قيل هلـم مـن خلـق السماء‪ ،‬ومن خلق األرض ومن خلق‬
‫اجلبال ؟ قالوا‪ :‬هللا وهم مشركون "‪.‬‬
‫وقال عِّك ِّ‬
‫ْرَمة‪ " :‬تسأهلم من خ لقهم ومن خلـق السماوات واألرض فيقولون هللا فذلك إمياهنم ابهلل‪ ،‬وهم يعبدون‬
‫غريه "‪.‬‬
‫وقال جماهد‪ " :‬إمياهنم قوهلم‪ :‬هللا خالقنا ويرزقنا ومييتنا فهذا إميان مع شـرك عبادهتم غريه "‪.‬‬
‫وقال عبد الرمحن بن زيد بن أسلم بن زيد‪ " :‬ليس أحد يعبد مـع هللا غريه إال وهو مؤمن ابهلل ويعرف أن هللا ربُّه‪،‬‬
‫{ ‪      ‬‬ ‫وأن هللا خال ُقه ورازقُه‪ ،‬وهـو يشرك به‪ ،‬أال ترى كيف قال إبراهيم‪:‬‬
‫‪(}         ‬الشـعراء‪." )77 -75 :‬‬

‫والنصوص عن السلف يف هذا املعىن كثرية‪ ،‬بل لقد كـان املشـركون زمن النيب ‪ ‬مقرين ابهلل راب خالقا رازقا مدبرا‪،‬‬
‫وكان شركهم به من جهـة العبادة حيث اختذوا األنداد والشركاء يدعوهنم ويستغيثون هبم وينزلون هبم حاجاهتم وطلباهتم‪.‬‬
‫وقد دل القرآن الكرمي يف مواطن عديدة منه علـى إقـرار املشـركني بربوبية هللا مع إشراكهم به يف العبادة‪ ،‬ومن ذلك‬
‫‪             ‬‬ ‫قوله تعاىل‪{ :‬‬
‫{ ‪           ‬‬ ‫‪(}‬العنكبوت‪ ،)61 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪(}            ‬العنكبوت‪ ،)63 :‬فلم يكن املشركون يعتقدون‬

‫أن األصنام هي اليت تنزل الغيث وترزق العامل وتدبر شؤونه‪ ،‬بل كانوا يعتقدون أن ذلك مـن خصـائص الـرب سبحانه‪،‬‬
‫ويقرون أن أواثهنم اليت يدعون من دون هللا خملوقة ال متلك ألنفسها وال لعابديها ضرا وال نفعا استقالال وال موات وال‬
‫حيا ة وال نشورا‪ ،‬وال تسمع وال تبصر‪ ،‬ويقرون أن هللا هو املتفرد بذلك ال شريك له‪ ،‬ليس إليهم وال إىل أواثهنم شيء‬
‫من ذلك‪ ،‬وأنه سبحانه اخلالق وما عداه خملوق والرب ومـا عداه مربوب‪ ،‬غري أهنم جعلوا له من خلقه شركاء ووسائط‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫{ ‪     ‬‬ ‫يشفعون هلـم بزعمهم عند هللا ويقربوهنم إليه زلفى؛ ولذا قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫‪(}     ‬الزمـر‪ ،)3 :‬أي ليشفعوا هلم عن د هللا يف نصرهم ورزقهم وما ينوهبم من أمر‬

‫الدنيا‪.‬‬
‫ومع هذا اإلقرار العام من املشركني هلل ابلربوبية إال أنه مل يدخلـهم يف اإلسالم بل حكم هللا فيهم أبهنم مشركون‬
‫كافرون وتوعدهم ابلنار واخللـود فيها واستباح رسوله ‪ ‬دماءهم وأمواهلم لكوهنم مل حيققـوا الزم توحيـد الربوبية وهو‬
‫توحيد هللا يف العبادة‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن اإلقرار بتوحيد الربوبية وحده دون اإلتيان بالزمه توحيد األلوهية ال يكفي وال ينجي من عذاب‬
‫هللا‪ ،‬بل هو حجة ابلغة على اإلنسان تقتضي إخالص الدين هلل وحده ال شريك له‪ ،‬وتستلزم إفـراد هللا وحـده ابلعبادة‪.‬‬
‫فإذا مل أيت بذلك فهو كافر حالل الدم واملال‪.‬‬
‫مظاهر االحنراف يف توحيد الربوبية‬
‫ابلرغم من أن توحيد الربوبية أمر مركوز يف الفطر‪ ،‬جمبولـة عليـه النفوس‪ ،‬متكاثرة على تقريره األدلة‪ ،‬إال أنه وجد‬
‫يف الناس من حصل عنـده احنراف فيه‪ ،‬وميكن تلخيص مظاهر االحنراف يف هذا الباب فيما يلي‪:‬‬
‫أصال وإنكار وجوده سبحانه‪ ،‬كما يعتقد ذلـك املالحدة الذين يسندون إجياد هذه‬
‫‪ - 1‬جحد ربوبية هللا ً‬
‫املخلوقات إىل الطبيعة‪ ،‬أو إىل تقلب الليل والنهار‪ ،‬أو حنو ذلك { ‪     ‬‬

‫‪(}      ‬اجلاثية‪.)24 :‬‬

‫‪ -2‬جحد بعض خصائص الرب سبحانه وإنكار بعض معاين ربوبيتـه‪ ،‬كمن ينفي قدرة هللا على إماتته أو إحيائه‬
‫بعد موته‪ ،‬أو جلب النفع لـه أو دفع الضر عنه‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬إعطاء شيء من خصائص الربوبية لغري هللا سبحانه‪ ،‬فمن اعتقـد وجود متصرف مع هللا ‪ ‬يف أي شيء‬
‫من تدبري الكون من إجيـاد أو إعدام أو إحياء أو إماتة أو جلب خري أو دفـ ع شر أو غري ذلك مـن معاين الربوبية فهو‬
‫مشرك ابهلل العظيم‪.‬‬
‫فاالحنراف يف الربوبية‪ :‬تعطيل خصائص الربوبية أو بعضها‪ ,‬كشرك فرعون واملالحدة ومتثيل وتسوية كشرك عبد‬
‫األصنام والقبور‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ثانيا‪ :‬توحيد األلوهية‬

‫تعريفه وأدلة إثباته وأمهيته‬


‫األلوهية مشتقة من اسم اإلله‪ ،‬أي املعبود املطاع‪ ،‬فاإلله اسم من أمسـاء هللا احلسىن‪ ،‬واأللوهية صفة من صفات‬
‫هللا العظيمة‪ ،‬فهو سـب حانه املـألوه املعبود الذي جيب أن أتهله القلوب وختضع له وتذل وتنقاد؛ ألنه سـبحانه الرب‬
‫العظيم‪ ،‬ا خلالق هلذا الكون‪ ،‬املدبر لشؤونه‪ ،‬املوصوف بكل كمـال‪ ،‬املنـزه عن كل نقص‪ ،‬وهلذا فإن الذل واخلضوع ال‬
‫ينبغي إال له‪ ،‬فحيـث كان متفردا ابخللق واإلنشاء واإلعادة ال يشركه يف ذلك أحـد وجـب أن ينفرد وحده ابلعبادة دون‬
‫سواه ال يشرك معه يف عبادته أحد‪.‬‬
‫العبد علم ِّ‬
‫اليقني أن هللا وحده هو املألوه املعبود‬ ‫فتوحيد األلوهية هو إفراد هللا وحده ابلعبادة‪ ،‬وذلك أبن يعلم ُ َ‬
‫على احلقيقة‪ ،‬وأن صفـات األلوهيـة ومعانيها ليست موجودة يف أحد من املخلوقات وال يستحقها إال هللا تعـاىل‪ ،‬فإذا‬
‫علم العبد ذلك واعرتف به حقا أفرد هللا ابلعبـادة كلـها الظـاهرة والباطنة‪ ،‬فيقوم بشرائع اإلسالم الظاهرة كالصالة‬
‫والزكاة والصوم واحلـج واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ِّ‬
‫وبر الوالدين وصلة األرحـام‪ ،‬ويقـوم أبصوله الباطنة من اإلميان‬
‫ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقـدر خريه وشره‪ ،‬ال يقصد بشيء من ذلك غرضا من األغراض غري رضا‬
‫ربـه وطلب ثوابه‪.‬‬
‫أدلته‪ ،‬وبيان أمهيته‬
‫لقد تضافرت النصوص وتظاهرت األدلة علـى وجـوب إفـراد هللا ابأللوهية‪ ،‬وتنوعت يف داللتها على ذلك‪:‬‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫‪ - 1‬اترة ابألمر به‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫‪(} ‬البقـرة‪ ،)21 :‬وقولـه‪(}        {:‬النساء‪ ،)36 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪(}    ‬اإلسراء‪ ،)23 :‬وحنوها من اآلايت‪.‬‬
‫تعاىل‪   { :‬‬ ‫‪ - 2‬واترة ببيان أنه األساس لوجود اخلليقة واملقصود من إجياد الثقلني‪ ،‬كما قال‬
‫‪(}   ‬الذارايت‪.)56 :‬‬
‫{ ‪      ‬‬ ‫‪ - 3‬واترة ببيان أنه املقصود من بعثة الرسل كمـا يف قولـه تعـاىل‪:‬‬
‫وقوله‪          { :‬‬ ‫‪(}    ‬النحـل‪،)36 :‬‬
‫‪(}     ‬األنبياء‪.)25 :‬‬

‫‪11‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫{ ‪    ‬‬ ‫‪ - 4‬واترة ببيان أنه املقصود من إنـزال الكتب اإللـهية‪ ،‬كمـا يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪(}             ‬النحل‪.)2 :‬‬

‫‪ - 5‬وتـارة ببيان عظيم ثواب أهله وما أعد هلم من أجور عظيمـة ونعم كرمية يف الدنيـا واآلخرة‪ ،‬كما قال هللا‬
‫‪(}        ‬األنعام‪.)82 :‬‬ ‫تعـاىل‪   { :‬‬

‫‪ - 6‬واترة ابلتحذير من ضده‪ ،‬وبيان خطورة مناقضته‪ ،‬وذكر ما أعـد سبحانه من عقاب أليم ملن تركه‪ ،‬كقوله‬
‫تعاىل‪(}                 { :‬املائدة‪:‬‬
‫‪ ،)72‬وقوله تعاىل‪(}            { :‬اإلسراء‪.)39 :‬‬

‫إىل غري ذلك من أنواع األدلة املشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليـه والتنويه بفضله وبيان ثواب أهله وعظم‬
‫خطورة خمالفته‪.‬‬
‫والسنة النبوية كذلك مليئة ابألدلة على هذا التوحيد وأمهيته‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما رواه البخاري يف صحيحه عن معاذ بن جبل ‪ ‬قال‪ :‬قال النيب ‪{ ‬اي معاذ أتدري ما حق هللا على‬
‫العباد ؟ قال‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ .‬قـال‪ :‬أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬أتدري ما حقهم عليه ؟ قال‪ :‬هللا ورسـوله أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أن ال يعذهبم}‪.‬‬
‫‪ - 2‬وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬ملا بعث النيب ‪ ‬معاذا حنو اليمن قال لـه‪{ :‬إنك تقدم على قوم من أهل‬
‫الكتاب فليكـن أول مـا ت دعوهـم إىل أن يوحدوا هللا تعاىل فإذا عرفوا ذلك فأخربهم أن هللا فـرض عليـهم مخـس‬
‫صلوات}‪ ،....‬احلديث‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ - 3‬وعن ابن مسعود ‪ ‬أن رسـول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬مـن مـات وهـو يـدعو من دون هللا نـدًّا دخل النار}رواه‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وعن جابر بن عبد هللا ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬من لقي هللا ال يشرك به شيئا دخل اجلنة‪ ،‬ومن لقيه‬
‫يشرك به شـيئا دخـل النـار}رواه مسلم ‪.‬واألحاديث يف هذا الباب كثرية‪.‬‬
‫معىن شهادة (ال إله إال هللا) وشروطها‬
‫معىن شهادة أن ال إله إال هللا‪ :‬االعتقاد واإلقرار أنه ال يستحق العبادة إال هللا‪ ،‬والتزام ذلك والعمل به‪( ،‬فال إله)‬
‫نفي الستحقاق من سوى هللا للعبادة كائنا من كان (إال هللا) إثبات الستحقاق هللا وحده للعبادة‪ ،‬ومعىن هذه الكلمة‬

‫‪12‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫إمجاال‪ :‬ال معبود حبق إال هللا‪ .‬وخرب (ال) جيب تقديره‪( :‬حبق) وال جيوز تقديره مبوجود؛ ألن هذا خالف الواقع‪،‬‬
‫فاملعبودات غري هللا موجودة بكثرة؛ فيلزم منه أن عبادة هذه األشياء عبادة هلل‪ ،‬وهذا من أبطل الباطل‪.‬‬
‫أركان الشهادتني‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ال إله إال هللا‪ :‬هلا ركنان مها‪ :‬النفي واإلثبات‪:‬‬
‫فالركن األول‪ :‬النفي‪ :‬ال إله‪ :‬يبطل الشرك جبميع أنواعه‪ ،‬ويوجب الكفر بكل ما يعبد من دون هللا‪.‬‬
‫والركن الثاين‪ :‬اإلثبات‪ :‬إال هللا‪ :‬يثبت أنه ال يستحق العبادة إال هللا‪ ،‬ويوجب العمل بذلك‪ .‬وقد جاء معىن‬
‫هذين الركنني يف كثري من اآلايت‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪{ :‬فمن يكفر ابلطاغوت ويؤمن ابهلل فقد استمسك ابلعروة‬
‫الوثقى} [البقرة‪. ]256 :‬‬
‫فقوله‪{ :‬فمن يكفر ابلطاغوت} هو معىن الركن األول (ال إله) وقوله‪{ :‬ويؤمن ابهلل} هو معىن الركن الثاين‬
‫(إال هللا) ‪.‬‬
‫وكذلك قوله عن إبراهيم عليه السالم‪{ :‬إنين براء مما تعبدون إال الذي فطرين} [الزخرف‪. ]27 ،26 :‬‬
‫فقوله‪{ :‬إن ين براء} هو معىن النفي يف الركن األول‪ ،‬وقوله‪{ :‬إال الذي فطرين} هو معىن اإلثبات يف الركن‬
‫الثاين‪.‬‬
‫وقد فسرت هذه الكلمة بتفسريات ابطلة منها‪:‬‬
‫(أ) أن معناه‪ :‬ال معبود إال هللا ‪ .‬وهذا ابطل؛ ألن معناه‪ :‬أن كل معبود حبق أو ابطل هو هللا‪ ،‬كما سبق بيانه‬
‫قريبا‪.‬‬
‫(ب) أن معن اها‪ :‬ال خالق إال هللا‪ .‬وهذا جزء من معىن هذه الكلمة؛ ولكن ليس هو املقصود؛ ألنه ال يثبت إال‬
‫توحيد الربوبية‪ ،‬وهو ال يكفي وهو توحيد املشركني‪.‬‬
‫(ج) أن معناها‪ :‬ال حاكمية إال هلل‪ ،‬وهذا أيضا جزء من معناها‪ ،‬وليس هو املقصود؛ ألنه ال يكفي؛ ألنه لو أفرد‬
‫هللا ابحلاكمية فقط ودعا غري هللا أو صرف له شيئا من العبادة مل يكن موحدا‪ ،‬وكل هذه تفاسري ابطلة أو انقصة؛ وإمنا‬
‫نبهنا عليها ألهنا توجد يف بعض الكتب املتداولة‪.‬‬
‫والتفسري الصحيح هلذه الكلمة عند السلف واحملققني‪ :‬أن يقال‪( :‬ال معبود حبق إال هللا) كما سبق‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫شروط ال إله إال هللا‪:‬‬


‫ال بد يف شهادة أن ال إله إال هللا من سبعة شروط‪ ،‬ال تنفع قائلها إال ابجتماعها؛ وهي على سبيل اإلمجال‪:‬‬
‫األول‪ :‬العلم املنايف للجهل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اليقني املنايف للشك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬القبول املنايف للرد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬االنقياد املنايف للرتك‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬اإلخالص املنايف للشرك‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الصدق املنايف للكذب‪.‬‬
‫السابع‪ :‬احملبة املنافية لضدها وهو البغضاء‪.‬‬
‫وأما تفصيلها فكما يلي‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬العلم‪ :‬أي العلم مبعناها املراد منها وما تنفيه وما تثبته‪ ،‬املنايف للجهل بذلك‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إال‬
‫من شهد ابحلق وهم يعلمون} [الزخرف‪. ]86 :‬‬
‫أي‪( :‬شهد) بال إله إال هللا‪( ،‬وهم يعل مون) بقلوهبم ما شهدت به ألسنتهم‪ ،‬فلو نطق هبا وهو ال يعلم معناها مل‬
‫تنفعه؛ ألنه مل يعتقد ما تدل عليه‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬اليقني‪ :‬أبن يكون قائلها مستيقنا مبا تدل عليه؛ فإن كان شاكا مبا تدل عليه مل تنفعه‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫{إمنا املؤمنون الذين آمنوا ابهلل ورسوله مث مل يراتبوا} [احلجرات‪. ]15 :‬‬
‫فإن كان مراتاب كان منافقا‪ ،‬وقال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬من لقيت وراء هذا احلائط يشهد أن ال إله‬
‫إال هللا مستيقنا قلبه فبشره ابجلنة» فمن مل يستيقن هبا قلبه‪ ،‬مل يستحق دخول اجلنة‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪:‬القبول‪ :‬ملا اقتضته هذه الكلمة من عبادة هللا وحده‪ ،‬وترك عبادة ما سواه؛ فمن قاهلا ومل يقبل‬
‫ذلك ومل يلتزم به؛ كان من الذين قال هللا فيهم‪{ :‬إهنم كانوا إذا قيل هلم ال إله إال هللا يستكربون ويقولون أئنا لتاركو‬
‫آهلتنا لشاعر جمنون} [الصافات‪. ]36 ،35 :‬‬
‫وهذا كحال عباد القبور اليوم؛ فإهنم يقولون‪( :‬ال إله إال هللا) ‪ ،‬وال يرتكون عبادة القبور؛ فال يكونون قابلني ملعىن‬
‫ال إله إال هللا‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬االنقياد‪ :‬ملا دلت عليه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ومن يسلم وجهه إىل هللا وهو حمسن فقد استمسك ابلعروة‬
‫الوثقى} [لقمان‪ . ]22 :‬والعروة الوثقى‪ :‬ال إله إال هللا؛ ومعىن يسلم وجهه‪ :‬أي ينقاد هلل ابإلخالص له‪.‬‬
‫الشرط اخلامس‪ :‬الصدق‪ :‬وهو أن يقول هذه الكلمة مصدقا هبا قلبه‪ ،‬فإن قاهلا بلسانه ومل يصدق هبا قلبه كان‬
‫منافقا كاذاب‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ومن الناس من يقول آمنا ابهلل وابليوم اآلخر وما هم مبؤمنني خيادعون هللا والذين آمنوا}‬
‫إىل قوله‪{ :‬وهلم عذاب أليم مبا كانوا يكذبون} [البقرة‪. ]10 -8 :‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬اإلخالص‪ :‬وهو تصفية العمل من مجيع شوائب الشرك؛ أبن ال يقصد بقوهلا طمعا من‬
‫مطامع الدنيا‪ ،‬وال رايء وال مسعة؛ ملا يف احلديث الصحيح من حديث عتبان قال‪« :‬فإن هللا حرم على النار من قال‪:‬‬
‫ال إله إال هللا‪ ،‬يبتغي بذلك وجه هللا» [احلديث أخرجه الشيخان] ‪.‬‬
‫الشرط السابع‪ :‬احملبة‪ :‬هلذه الكلمة‪ ،‬وملا تدل عليه‪ ،‬وألهلها العاملني مبقتضاها‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ومن الناس من‬
‫يتخذ من دون هللا أندادا حيبوهنم كحب هللا والذين آمنوا أشد حبا هلل} [البقرة‪. ]165 :‬‬
‫فأهل (ال إله إال هللا) حيبون هللا حبا خالصا‪ ،‬وأهل الشرك حيبونه وحيبون معه غريه‪ ،‬وهذا ينايف مقتضى ال إله إال‬
‫هللا‪.‬‬
‫نواقض التوحيد‬
‫هي نواقض اإلسالم؛ ألن الشهادتني هنا مها اللتان يدخل املرء ابلنطق هبما يف اإلسالم‪ ،‬والنطق هبما اعرتاف‬
‫مبدلوهلما‪ ،‬والتزام ابلقيام مبا تقضيانه؛ من أ داء شعائر اإلسالم‪ ،‬فإذا أخل هبذا االلتزام فقد نقض التعهد الذي تعهد به‬
‫حني نطق ابلشهادتني‪ .‬ونواقض اإلسالم كثرية قد عقد هلا الفقهاء يف كتب الفقه اباب خاصا مسوه (ابب الردة) ‪،‬‬
‫وأمهها عشرة نواقض ذكرها شيخ اإلسالم حممد بن عبد الوهاب رمحه هللا يف قوله‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشرك يف عبادة هللا ‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء}‬
‫[النساء‪ ، ] 116 ،48 :‬وقال تعاىل‪{ :‬إنه من يشرك ابهلل فقد حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار وما للظاملني من‬
‫أنصار} [املائدة‪. ]72 :‬‬
‫ومنه الذبح لغري هللا؛ كالذبح لألضرحة أو الذبح للجن‪.‬‬
‫‪ - 2‬من جعل بينه وبني هللا وسائط؛ يدعوهم ويسأهلم الشفاعة ويتوكل عليهم؛ فإنه يكفر إمجاعا‪.‬‬
‫‪ - 3‬من مل يكفر املشركني‪ ،‬ومن يشك يف كفرهم‪ ،‬أو صحح مذهبهم كفر‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ - 4‬من اعتقد أن هدي غري النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أكمل من هديه‪ ،‬أو أن حكم غريه أحسن من‬
‫حكمه‪ ،‬كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكم الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ويفضلون حكم القوانني على‬
‫حكم اإلسالم‪.‬‬
‫‪ - 5‬من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬ولو عمل به ‪ -‬كفر‪.‬‬
‫‪ - 6‬من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر‪ ،‬والدليل على ذلك قوله تعاىل‪{ :‬قل أابهلل وآايته‬
‫ورسوله كنتم تستهزئون ال تعتذروا قد كفرمت بعد إميانكم} [التوبة‪. ]66 ،65 :‬‬
‫‪ - 7‬السحر‪ ،‬ومنه الصرف والعطف (لعله يقصد عمل ما يصرف الرجل عن حب زوجته‪ ،‬أو عمل ما حيببها‬
‫إليه) فمن فعله‪ ،‬أو رضي به كفر‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬وما يعلمان من أحد حىت يقوال إمنا حنن فتنة فال تكفر}‬
‫[البقرة‪. ]102 :‬‬
‫‪ - 8‬مظاهرة املشركني‪ ،‬ومعاونتهم على املسلمني‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬ومن يتوهلم منكم فإنه منهم إن هللا ال‬
‫يهدي القوم الظاملني} [املائدة‪. ]51 :‬‬
‫‪ - 9‬من اعتقد أن بعض الناس يسعه اخلروج عن شريعة حممد ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬كما وسع اخلضر‬
‫اخلروج عن شريعة موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فهو كافر‪ .‬قلت‪ :‬وكما يعتقده غالة الصوفية أهنم يصلون إىل درجة ال‬
‫حيتاجون معها إىل متابعة الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.-‬‬
‫‪ - 10‬اإلعراض عن دين هللا‪ ،‬ال يتعلمه‪ ،‬وال يعمل به‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬والذين كفروا عما أنذروا‬
‫معرضون} [األحقاف‪{ ، ]3 :‬ومن أظلم ممن ذكر آبايت ربه مث أعرض عنها إان من اجملرمني منتقمون} [السجدة‪:‬‬
‫‪. ]22‬‬
‫قال الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ -‬رمحه هللا ‪( :-‬ال فرق يف مجيع هذه النواقض بني اهلازل واجلاد واخلائف‪،‬‬
‫إال املكره‪ .‬وكلها من أعظم ما يكون خطرا‪ ،‬وأكثر ما يكون وقوعا‪ ،‬فينبغي للمسلم أن حيذرها‪ ،‬وخياف منها على‬
‫نفسه‪ ،‬نعوذ ابهلل من موجبات غضبه‪ ،‬وأليم عقابه) ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫معىن العبادة وشروط قبوهلا‬


‫‪ -‬العبادة يف اللغة‪ :‬الذل واخلضوع‪ ،‬يقال‪ :‬بعري معبد‪ ،‬أي‪ :‬مذلل‪ ،‬وطريـق معبد‪ :‬إذا كان مذلال قد وطئته‬
‫األقدام‪.‬‬
‫‪ -‬وشرعا‪ :‬هي اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمـال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫وهي تبىن على ثالثة أركان‪:‬‬
‫األول‪ :‬كمال احلب للمعبود سبحانه‪ ،‬كما قال تعاىل‪(}      { :‬البقرة‪.)165 :‬‬
‫الثاين‪ :‬كمال الرجاء‪ ،‬كما قال تعاىل‪(}  { :‬اإلسراء‪.)57 :‬‬
‫الثالث‪ :‬كمال اخلوف من هللا سبحانه‪ ،‬كما قـال تعـاىل‪(}   { :‬اإلسراء‪.)57 :‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫وقد مجع هللا سبحانه بني هذه األركان الثالثة العظيمة يف فاحتة الكتـاب يف قوله سبحانه‪:‬‬
‫‪ ،}    { }   { } ‬فاآلية األوىل فيها احملبة؛ فإن هللا منعم‪،‬‬

‫ب علـى قـدر إنعامه‪ ،‬واآلية الثانية فيها الرجاء‪ ،‬فاملتصف ابلرمحة ترجى رمحتـه‪ ،‬واآلية الثالثة فيها اخلوف‪،‬‬
‫واملنعم ُحي ُّ‬
‫فمالك اجلزاء واحلساب خياف عذابه‪.‬‬
‫وهلذا قال تعاىل عقب ذلك‪ ،}  { :‬أي‪ :‬أعبدك اي رب هـذه الثالث‪ :‬مبحبتك اليت دل عليها‪{ :‬‬
‫‪ ،}    ‬ورجائك الـذي دل عليه‪ ،}   { :‬وخوفـك الـذي دل عليـه‪:‬‬
‫{ ‪.}   ‬‬

‫والعبادة ال تقبل إال بشرطني‪:‬‬

‫‪ - 1‬اإلخالص فيها للمعبود ؛ فإن هللا ال يقبل من العمل إال اخلـالص لوجهه سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬‬

‫‪(}      ‬البينة‪ ،)5 :‬وقَال تعاىل‪    { :‬‬

‫‪(}‬الزمر‪ ،)3 :‬وقال تعـاىل‪(}       { :‬الزمر‪.)14 :‬‬

‫‪ - 2‬املتابعة للرسول صلى هللا عليه وسلم؛ فإن هللا ال يقبل من العمل إال املوافق هلدي الرسول ‪ ‬قال هللا‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫‪(}‬احلشر‪ ،)7 :‬وقَال تعاىل‪:‬‬ ‫{ ‪       ‬‬ ‫تعاىل‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪               ‬‬

‫‪(}‬النساء‪.)65 :‬‬

‫وقوله ‪{ ‬من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فـهو رد} (أي مردود عليه)‪.‬‬
‫فال عربة ابلعمل ما مل يكـن خالصا هلل صوااب على سنة رسـول هللا ‪ ‬قال الفضيل بن عياض رمحه هللا يف قوله‬
‫‪(}‬هود‪ ،7 :‬امللك‪ " :)2 :‬أخلصه وأصوبه "‪ ،‬قيل‪ :‬اي أاب علي‪ ،‬وما‬ ‫{ ‪   ‬‬ ‫تعـاىل‪:‬‬

‫أخلصـه وأصوبه ؟ قال‪ " :‬إن العمل إذا كان خالصا ومل يكن صوااب مل يقبـل‪ ،‬وإذا كان صوااب ومل يكن خالصا مل يقبل‬
‫حىت يكون خالصا صوااب‪ ،‬واخلالص مـا كان هلل‪ ،‬والصواب ما كان على السنة "‪.‬‬
‫{ ‪      ‬‬ ‫ومن اآلايت اجلامعة هلذين الشرطني قوله تعاىل يف آخر سورة الكهف‪:‬‬
‫‪                 ‬‬

‫‪(}‬الكهف‪.)110 :‬‬

‫مفهوم الوالء والباء ومنزلته من الدين‬


‫مفهومه‪:‬‬
‫الوالء‪ :‬مصدر ويل مبعىن قرب منه‪ ،‬واملراد به هنا القرب من املسـلمني مبودهتم وإعانتهم ومناصرهتم على أعدائهم‬
‫والسكىن معهم‪.‬‬
‫والرباء‪ :‬مصدر برى‪ ،‬مبعىن قطع‪ .‬ومنه برى القلم مبعىن قطعه‪ .‬واملراد هنـا قطع الصلة مع الكفار فال حيبهم وال‬
‫يناصرهم وال يقيم يف دايرهم إال لضرورة‪.‬‬
‫الوالء والباء من حقوق التوحيد‪:‬‬
‫جيب على املسلم أن يوايل يف هللا وأن يعادي يف هللا وأن حيـب يف هللا‪ ،‬وأن يبغض يف هللا‪ ،‬فيحب املسلمني‬

‫ويناصرهم ويعادي الكافرين ويبغضـهم ويتربأ منهم‪ .‬قال تعاىل يف وجوب مـواالة املؤمنـني‪   { :‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪(}           ‬املائدة‪،55 :‬‬

‫‪18‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ .)56‬وقال تعـاىل‪           { :‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪(}‬املائدة‪ .)51 :‬وقال تعاىل‪        { :‬‬

‫‪}             ‬‬

‫(اجملادلة‪.)22 :‬‬
‫ويتضح من هذه اآلايت الكرمية وجوب مواالة املؤمنني وما ينتج عـن ذلك من اخلري ووجوب معاداة الكفار‬
‫والتحذير من مواالهتم وما تؤدي إليه مواالهتم من شر‪.‬‬
‫‪ -‬مكانة الوالء والباء يف الدين‪:‬‬
‫إن للوالء والرباء يف اإلسالم مكانة عظيمة‪ ،‬فهو أوثق عـرى اإلميـان‪ .‬ومعناه توثيق عرى احملبة واأللفة بني املسلمني‬
‫ومفاصلة أعداء اإلسالم‪ .‬فقـد روى ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬أوثـق عـرى اإلميان املواالة يف‬
‫هللا واملعاداة يف هللا واحلب يف هللا والبغض يف هللا}‪.‬‬
‫الفرق بني املداهنة واملداراة وأثرمها على الوالء والباء‪:‬‬
‫املداهنة‪ :‬هي ترك األمر ابملعروف والنهي عن املنكر ومصانعـة الكفـار والعصاة من أجل الدنيا والتنازل عما جيب‬
‫على املسلم من الغـرية علـى الدين‪ .‬ومثاله االستئناس أبهل املعاصي والكفار ومعاشرهتم وهـم علـى معاصيهم أو كفرهم‬
‫{ ‪        ‬‬ ‫وترك اإلنكار عليهم مع القدرة عليه‪ .‬قال هللا تعـاىل‪:‬‬
‫‪                ‬‬

‫‪(}           ‬املـائدة‪.)80 - 78 :‬‬

‫املداراة‪ :‬هي درء املفسدة والشر ابل قول اللني وترك الغلظة أو اإلعـراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو‬
‫حصل منه أكرب مما هو مالبس لـه‪ .‬كالرفق ابجلاهل يف التعليم‪ ،‬وابلفاسق يف النهي عن فعله وتـرك اإلغـالظ عليه‪،‬‬
‫واإلنكار عليه بلطف القول والفعل وال سيما إذا احتيج إىل أتليفـه‪ .‬ويف احلديث عن عائشة رضي هللا عنها‪{ ،‬أن‬
‫رجال استأذن على النيب ‪ ‬فلمـا رآه قال‪( :‬بئس أخو العشرية‪ .‬وبئس ابن العشرية)‪ ،‬فلما جلس تطلق النيب ‪ ‬يف‬

‫‪19‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وجهه وانبسط إليه‪ ،‬فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬اي رسول هللا حني رأيت الرجل قلت كذا وكـذا‪ ،‬مث‬
‫فحاشا‪ ،‬إن شر الناس عنـد هللا منـزلة يوم القيامة‬
‫تطلقـت يف وجهـه وانبسطت إليه‪ .‬فقال ‪( ‬اي عائشة مىت عهدتين ً‬
‫من تركه الناس اتقاء شره)}‪ ،‬فالنيب ‪ ‬دارى هـذا الرجل ملا دخل عليه مع ما فيه من الشر ألجل املصلحة الدينية‪،‬‬
‫فدل علـى أن املداراة ال تتناىف مع املواالة إذا كان فيها مصلحة راجحة من كف الشـر والتأليف أو تقليل الشر‬
‫وختفيفه‪ ،‬وهذا من مناهج الدعـوة إىل هللا تعـاىل‪ .‬ومن ذلك مداراة النيب ‪ ‬للمنافقني يف املدينة خشية شرهم وأتلي ًفـا‬
‫هلـم ولغريهم‪.‬‬
‫وه ذا خبالف املداهنة فإهنا ال جتوز إذ حقيقتها مصانعة أهل الشر لغـري مصلحة دينية وإمنا من أجل الدنيا‪.‬‬
‫مناذج من الوالء والباء‪:‬‬
‫{ ‪          ‬‬ ‫قال هللا تعاىل حكاية عن إبراهيم عليه السالم‪:‬‬
‫‪                 ‬‬

‫{ ‪                       ‬‬ ‫‪(}  ‬املمتحنة‪ .)4 :‬وقال تعـاىل يف مـواالة األنصـار إلخواهنم املهاجرين‪:‬‬
‫‪                                                                                            ‬‬

‫‪                                                                                          ‬‬

‫‪( }              ‬احلشر‪.)9 :‬‬

‫حكم مواالة العصاة واملبتدعني‪:‬‬


‫إذا اجتمع يف الرجل الواحد خري وشر وفجور وطاعة ومعصية وسـنة وبدعة‪ ،‬استحق من املواالة والثواب بقدر ما‬
‫فيه من اخلري‪ ،‬واستحق مـن املعاداة والعقاب حبسب ما فيه من الشر‪ .‬فقد جيتمع يف الشخص الواحـد موجبات اإلكرام‬
‫واإلهانة‪ ،‬فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقري تقطـع يده لسرقته ويعطى من بيت املال ما يكفيه حلاجته ويتصدق‬
‫عليه‪ .‬هذا هـو األصل الذي اتفق عليه أهل السنة واجلماعة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫هل يدخل يف املواالة معاملة الكفار يف األمور الدنيوية‪:‬‬


‫دلت النصوص الصحيحة على جواز التعامل مع الكفار يف املعـامالت الدنيوية كمسائل البيع والشراء واإلجيار‬
‫واالستئجار واالستعانة هبم عند احلاجة والضرورة على أن يكون ذلك يف نطاق ضيق وأن ال يضر ابإلسالم‬
‫واملسلمني‪{ .‬فقد استأجر النيب ‪ ‬عبد هللا بن َأريْقط هاديًـا ِّخ ِّريتًـا}‪ .‬واخلريـت هو اخلبري مبعرفة الطريق‪.‬‬
‫ورهن النيب ‪ ‬درعه عند يهودي يف صاع من شعري وأجر علي ‪ ‬نفسه ليهودية ميتح هلا املاء من البئر فمتح هلا‬
‫دلوا كـل دلـو بتمرة‪ .‬وقد استعان النيب ‪ ‬ابليهود الذين كـانوا يف املدينـة يف قتـال املشركني‪ .‬واستعان‬ ‫ست عشرة ً‬
‫ـخزاعة ضد كفار قريش‪ .‬وهذا كله ال يؤثر على الوالء والرباء يف هللا على أن يلتزم الكفار الذين يقيمـون بـني املسـلمني‬
‫بُ‬
‫ابآلداب العامة وأن ال يدعوا إىل دينهم‪.‬‬
‫مفهوم التوسل وأنواعه‬
‫أ‪-‬تعريفه‪ :‬التوسـل مأخوذ يف اللغة من الوسيلة‪ ،‬والوسـيلة والوصيلة معنامها متقارب‪ ،‬فالتوسـل هو التوصل إىل‬
‫املراد والسعي يف حتقيقه‪.‬‬
‫ويف الشرع يراد به التوصل إىل رضوان هللا واجلنة؛ بفعل ما شرعه وترك ما هني عنه‪.‬‬
‫ب‪ -‬معىن الوسيلة يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫وردت لفظة " الوسيلة " يف القرآن الكرمي يف موطنني‪:‬‬
‫{ ‪           ‬‬ ‫‪ - 1‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪( } ‬املائدة‪.)35 :‬‬

‫{ ‪          ‬‬ ‫‪ - 2‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪( }        ‬اإلسراء‪.)57 :‬‬

‫واملراد ابلوسيلة يف اآليتني‪ ،‬أي‪ :‬القربة إىل هللا ابلعمل مبا يرضيه‪ ،‬فقد نقل احلافظ ابن كثري رمحه هللا يف تفسريه‬
‫لآلية األوىل عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن معىن الوسيلة فيها القربة‪ ،‬ونقل مثل ذلك عن جماهد وأيب وائـل‬
‫واحلسن البصري وعبد هللا بن كثري والسدي وابن زيد وغري واحد‪.‬‬
‫وأما اآلية الثانية فقد بني الصحايب اجلليل عبد هللا بن مسعود ‪ ‬مناسبة نزوهلا اليت توضح معناها فقال‪ " :‬نزلت‬
‫يف نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من اجلن‪ ،‬فأسلم اجلنيون‪ ،‬واإلنس الذين يعبدوهنم ال يشعرون "‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وهذا صريح يف أن املراد ابلوسيلة ما يتقرب به إىل هللا تعاىل من األعمال الصاحلة والعبادات اجلليلة‪ ،‬ولذلك قال‪:‬‬

‫{ ‪ }   ‬أي يطلبون ما يتقربون به إىل هللا وينالون به مرضاته من األعمال‬

‫الصاحلة املقربة إليه‪.‬‬


‫ج‪ -‬أقسام التوسل‪:‬‬
‫ينقسم التوسل إىل قسمني‪ :‬توسل مشروع‪ ،‬وتوسل ممنوع‪.‬‬
‫‪ - 1‬التوسل املشروع‪ :‬هو التوسل إىل هللا ابلوسيلة الصحيحـة املشروعة‪ ،‬والطريق الصحيح ملعرفة ذلك هو‬
‫الرجوع إىل ا لكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها‪ ،‬فما دل الكتاب والسنة على أنه وسيلة مشروعة فهو من‬
‫التوسل املشروع‪ ،‬وما سوى ذلك فإنه توسل ممنوع‪.‬‬
‫والتوسل املشروع يندرج حتته ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬التوسل إىل هللا تعاىل ابسم من أمسائه احلسىن أو صفة من صفاته العظيمة‪ ،‬كأن يقول املسلم يف دعائه‪:‬‬
‫اللهم إين أسألك أبنك الرمحن الرحيم أن تعافيين‪ ،‬أو يقول‪ :‬أسألك برمحتك اليت وسعت كل شيء أن تغفر يل‬
‫وترمحين‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫ودليل مشروعية هذا التوسل قوله تعاىل‪( }      { :‬األعراف‪.)180 :‬‬

‫الثاين‪ :‬التوسل إىل هللا تعاىل بعمل صاحل قام به العبد‪ ،‬كأن يقول‪ :‬اللهم إبمياين بك‪ ،‬وحمبيت لك‪ ،‬واتباعي‬
‫لرسولك اغفر يل‪ ،‬أو يقول‪ :‬اللهم إنـي أسألك حبيب لنبيك حممد ‪ ‬وإمياين به أن تفرج عين‪ ،‬أو أن يذكر الداعي‬
‫عمال صاحلا ذا ابل قام به فيتوسل به إىل ربه‪ ،‬كما يف قصة أصحاب الغـار الثالثة اليت سريد ذكرها‪.‬‬

‫ويدل على مشروعيته قوله تعاىل‪        { :‬‬

‫‪( }   ‬آل عمران‪ ،)16 :‬وقوله تعـاىل‪     { :‬‬

‫‪( }    ‬آل عمران‪.)53 :‬‬

‫ومن ذلك ما تضمن ته قصة أصحاب الغار الثالثة كما يرويها عبـد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬مسعت‬
‫رسول هللا ‪ ‬يقول‪ { :‬بينما ثالثة نفر ممن كان قبلكم ميشون إذ أصاهبم مطر‪ ،‬فأووا إىل غار فانطبق عليهم‪ ،‬فقال‬

‫‪22‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫بعضهم لبعض‪ :‬إنه وهللا اي هؤالء ال ينجيكم إال الصدق‪ ،‬فليدع كل رجل منكم مبا يعلم أنه قد صدق فيه‪ ،‬فقال‬
‫واحد منهم‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنـه كان يل أجري عمل يل على فرق من أرز فذهب وتركه‪ ،‬وأين عمـدت إىل ذلك‬
‫الفرق فزرعته‪ ،‬فصار من أمره أين اشرتيـ ت منه بقرا‪ ،‬وأنه أاتين يطلـب أجره‪ ،‬فقلت له‪ :‬اعمد إىل تلك البقر فسقها‪،‬‬
‫فقال يل‪ :‬إمنا يل عندك فـرق من أرز‪ ،‬فقلت له‪ :‬اعمد إىل تلك البقر‪ ،‬فإهنا من الفرق‪ ،‬فساقها‪ ،‬فإن كنت تعلم أين‬
‫فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا‪ ،‬فانساخت عنهم الصخـرة‪ ،‬فقال اآلخر‪ :‬اللهم إن كنت تعلم أنه كان يل أبوان‬
‫شيخان كبريان‪ ،‬وكنـت آتيهما كل ليلة بلنب غنم يل‪ ،‬فأبطأت عليهما ليلة‪ ،‬فجئت وقد رقدا‪ ،‬وأهلي وعيايل يتضاغون‬
‫من اجلوع‪ ،‬فكنت ال أسقيهم حىت يشرب أبواي‪ ،‬فكرهت أن أوقظهما‪ ،‬وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما‪ ،‬فلم‬
‫أزل أنتظر حىت طلع الفجر‪ ،‬فإن كنت تع لم أين فعلت ذلك من خشـيتك ففـرج عنـا‪ ،‬فانساخت عنهم الصخرة حىت‬
‫نظروا إىل السماء‪ ،‬فقال اآلخر‪ :‬اللـهم إن كنت تعلم أنه كانت يل ابنة عم من أحب الناس إيل‪ ،‬وإين راودتـها عـن‬
‫نفسها فأبت إال أن آتيها مبائة دينار‪ ،‬فطلبتها حىت قدرت‪ ،‬فأتيتها هبا فدفعتها إليها فأمكنتين من نفسها‪ ،‬فلما قعدت‬
‫بني رجليها فقالت‪ :‬اتق هللا وال تفـض اخلامت إال حبقه‪ ،‬فقمت وتركـت املائة دينار‪ ،‬فإن كنت تعلم أين فعلت ذلـك من‬
‫خشيتك ففرج عنا‪ ،‬ففرج هللا عنهم فخرجوا} ‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التوسل إىل هللا بدعاء الرجل الصاحل الذي ترجى إجابة دعائـه‪ ،‬كأن يذهب املسلم إىل رجل يرى فيه‬
‫الصالح والتقوى واحملافظة على طاعـة هللا‪ ،‬فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج كربته وييسر أمره‪.‬‬
‫ويدل على مشروعية هذا النوع أن الصحابة رضي هللا عنـهم كـانوا يسألون النيب ‪ ‬أن يدعو هلم بدعاء عام‬
‫ودعاء خاص‪.‬‬
‫ففي الصحيحني من حديث أنس بن مالك ‪{ ‬أن رجال دخل يـوم اجلمعة من ابب كان وجاه املنرب ورسول‬
‫هللا ‪ ‬قائم خيطب‪ ،‬فاسـتقبل رسول ‪ ‬قائما فقال‪ :‬اي رسول هللا هلكت املواشي وانقطعت السبل‪ ،‬فادع هللا يغيثنا‪،‬‬
‫قال‪ :‬فرفع رسول هللا ‪ ‬يديه فقال‪ :‬اللهم اسقنا‪ ،‬اللهم اسـقنا‪ ،‬اللهم اسقنا‪ ،‬قال أنس‪ :‬وال وهللا ما نرى يف السماء‬
‫من سحاب وال قزعـة (‪ )1‬وال شيئا‪ ،‬وما بيننا وبني سلع من بيت وال دار‪ ،‬قال‪ :‬فطلعت مـن ورائـه سحابة مثل الرتس‪،‬‬
‫فلما توسطت السماء انتشرت‪ ،‬مث أمطرت‪ ،‬قال‪ :‬وهللا ما رأينا الشمس ستا‪ ،‬مث دخل رجل من ذلك البـاب يف اجلمعـة‬
‫املقبلـة‪ -‬ورسول هللا ‪ ‬قائم خيطب‪ -‬فاستقبله قائما فقال‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬هلكـت األموال‪ ،‬وانقطعت السبل‪ ،‬فادع هللا‬

‫)‪ (1‬سحاب متفرق ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ميسكها‪ ،‬قال‪ :‬فرفع رسـول هللا ‪ ‬يديه مث قال‪ :‬اللهم حوالينا وال علينا‪ ،‬اللهم على اآلكام واجلبال والظـراب ومنابت‬
‫الشجر‪ ،‬قال‪ :‬فانقطعت‪ ،‬وخرجنا منشي يف الشمس} ‪ .‬قال شـريك‪ :‬فسألت أنسا‪ :‬أهو الرجل األول ؟ قَال‪ :‬ال‬
‫أدري‪.‬‬
‫ويف الصحيحني أن النيب ‪ ‬ملا {ذكر أن يف أمته سبعني ألفـا يدخلـون اجلنة بغري حساب وال عذاب‬
‫وقال‪ ( :‬هم الذي ال يسرتقون وال يكتوون وال يتطريون وعلى رهبم يتوكلون ) قام عكاشة بن حمصن فقال‪ :‬اي رسـول‬
‫هللا ادع هللا أن جيعلين منهم‪ ،‬فقال‪( :‬أنت منهم)}‪ .‬ومن ذلك حديـث ذكـر النيب ‪ ‬أويسا القرين وفيه قال‪:‬‬
‫{فاسألوه أن يستغفر لكـم} ‪.‬‬
‫وهذا النوع من التوسل إمنا يكون يف حياة من يطلب منه الدعاء‪ ،‬أمـا بعد موته فال جيوز؛ ألنه ال عمل له‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوسل املمنوع‪ :‬هو التوسل إىل هللا تعاىل مبا مل يثبت يف الشريعة أنه وسيلة‪ ،‬وهو أنواع بعضها أشد‬
‫خطورة من بعض‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬التوسل إىل هللا تعاىل بدعاء املوتى والغـائبني واالسـتغاثة هبـم وسؤاهلم قضاء احلاجات وتفريج الكرابت وحنو‬
‫ذلك‪ ،‬فهذا مـن الشـرك األكرب الناقل من امللة‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوسل إىل هللا بفعل العبادات عند القبور واألضرحة بدعـاء هللا عندها‪ ،‬والبناء عليها‪ ،‬ووضع القناديل‬
‫والستور وحنو ذلك‪ ،‬وهذا من الشـرك األصغر املنايف لكمال التوحيد‪ ،‬وهو ذريعة مفضية إىل الشرك األكرب‪.‬‬
‫‪ - 3‬التوسل إىل هللا جباه األنبياء والصـاحلني ومكانتهم ومنـزلتهم عند هللا‪ ،‬وهذا حمرم‪ ،‬بل هو من البدع احملدثة؛‬

‫ألنه توسل مل يشـرعه هللا ومل أيذن به‪ .‬قال تعاىل‪( }    { :‬يونـس‪ )59 :‬وألن جـاه الصـاحلني‬

‫ومكانتهم عند هللا إمنا تنفعهم هم‪ ،‬كما قال هللا تعاىل‪}       { :‬‬

‫(النجم‪ ،)39 :‬ولذا مل يكن هذا التوسل معروفا يف عهد النيب ‪ ‬وأصحابه‪ ،‬وقد نص على املنع منه وحترميه غري واحد‬
‫من أهل العلم‪:‬‬
‫قال أبو حنيفة رمحه هللا‪ (( :‬يكره أن يقول الداعي‪ :‬أسألك حبق فـالن أو حبق أوليائك ورسلك أو حبق البيت‬
‫احلرام واملشعر احلرام))‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫الشرك‬
‫تعريفه وأنواعه وبيان خطره‬
‫‪ -‬تعريفه‪ :‬يطلق الشرك يف اللغة على التسوية بني الشيئني‪.‬‬
‫وله يف الشرع معنيان‪ :‬عام وخاص‪.‬‬
‫‪ - 1‬املعىن العام‪ :‬تسوية غري هللا ابهلل فيما هو من خصائصه سـبحانه‪ ،‬ويندرج حتته ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬الشرك يف الربوبية‪ ،‬وهو تسوية غري هللا ابهلل فيمـا هـو مـن خصائص الربوبية‪ ،‬أو نسبة شيء منها إىل‬
‫غريه‪ ،‬كاخللق والرزق واإلجيـاد واإلماتة والتدبري هلذا الكون وحنو ذلك‪.‬‬

‫قال تعاىل‪               { :‬‬

‫‪( }  ‬فاطر‪.)3 :‬‬

‫الثاين‪ :‬الشـرك يف األمساء والصفات‪ ،‬وهو تسوية غـري هللا بـاهلل يف شيء منها‪ ،‬وهللا تعاىل يقول‪ { :‬‬

‫‪ ( }      ‬الشورى‪.) 11 :‬‬

‫الثالث‪ :‬الشرك يف األلوهية‪ ،‬وهو تسوية غري هللا ابهلل يف شـيء مـن خصائص األلوهية‪ ،‬كالصالة والصيام‬
‫والدعاء واالستغاثة والذبـح والنـذر وحنو ذلك‪.‬‬

‫قال هللا تعاىل‪}            { :‬‬

‫(البقرة‪.)165 :‬‬
‫‪ -2‬املعىن اخلاص‪ :‬وهو أن يتخذ هلل ندا يدعوه كـما يدعو هللا ويسأله الشفاعة كما يسأل هللا ويرجوه كما يرجو‬
‫هللا‪ ،‬وحيبه كما حيب هللا‪ ،‬وهـذا هو املعىن املتبادر من كلمة " الشرك " إذا أطلقت يف القرآن أو السنة‪.‬‬
‫والغالب اإلشراك يف األلوهية؛ أبن يدعو مع هللا غريه‪ ،‬أو يصرف له شيئا من أنواع العبادة‪ ،‬كالذبح والنذر‪،‬‬
‫واخلوف والرجاء واحملبة‪ .‬والشرك أعظم الذنوب؛ وذلك ألمور (خطره)‪:‬‬
‫‪ - 1‬ألنه تشبيه للمخلوق ابخلالق يف خصائص اإلهلية‪ ،‬فمن أشرك مع هللا أحدا فقد شبهه به‪ ،‬وهذا أعظم‬
‫الظلم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان‪. ]13 :‬‬

‫‪25‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫والظلم هو‪ :‬وضع الشيء يف غري موضعه‪ ،‬فمن عبد غري هللا فقد وضع العبادة يف غري موضعها‪ ،‬وصرفها لغري‬
‫مستحقها‪ ،‬وذلك أعظم الظلم‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن هللا أخرب أنه ال يغفره ملن مل يتب منه‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن‬
‫يشاء} [النساء‪. ]48 :‬‬
‫‪ - 3‬أن هللا أخرب أنه حرم اجلنة على املشرك‪ ،‬وأنه خالد خملد يف انر جهنم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬إنه من يشرك ابهلل فقد‬
‫حرم هللا عليه اجلنة ومأواه النار وما للظاملني من أنصار} [املائدة‪. ]72 :‬‬
‫‪ - 4‬أن الشرك حيبط مجيع األعمال‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ولو أشركوا حلبط عنهم ما كانوا يعملون} [األنعام‪. ]88 :‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬ولقد أوحي إليك وإىل الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من اخلاسرين}‬
‫[الزمر‪. ]65 :‬‬
‫‪ - 5‬أن املشرك حالل الدم واملال‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬فاقتلوا املشركني حيث وجدمتوهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا‬
‫هلم كل مرصد} [التوبة‪. ]5 :‬‬
‫وقال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬أمرت أن أقاتل حىت يقولوا‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬فإذا قالوها عصموا مين‬
‫دماءهم وأمواهلم إال حبقها» ‪.‬‬
‫‪ - 6‬أن الشرك أكرب الكبائر‪ ،‬قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬أال أنبئكم أبكرب الكبائر؟ قلنا‪ :‬بلى اي رسول‬
‫هللا‪ ،‬قال‪ :‬اإلشراك ابهلل‪ ،‬وعقوق الوالدين ‪ » ...‬احلديث‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم‪( :‬أخرب سبحانه أن القصد ابخللق واألمر‪ :‬أن يعرف أبمسائه وصفاته‪ ،‬ويعبد وحده ال يشرك‬
‫به‪ ،‬وأن يقوم الناس ابلقسط‪ ،‬وهو العدل الذي قامت به السماوات واألرض‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬لقد أرسلنا رسلنا‬
‫ابلبينات وأنزلنا معهم الكتاب وامليزان ليقوم الناس ابلقسط} [احلديد‪. ]25 :‬‬
‫فأخرب سبحانه أنه أرسل رسله‪ ،‬وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس ابلقسط‪ ،‬وهو العدل‪ ،‬ومن أعظم القسط‪ :‬التوحيد‪ ،‬وهو‬
‫رأس العدل وقوامه؛ وإن الشرك ظلم كما قال تعاىل‪{ :‬إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان‪. ]13 :‬‬
‫فالشرك أظلم الظلم‪ ،‬والتوحيد أعدل العدل؛ فما كان أشد منافاة هلذا املقصود فهو أكرب الكبائر) ‪.‬‬
‫إىل أن قال‪( :‬فلما كان الشرك منافيا ابلذات هلذا املقصود؛ كان أكرب الكبائر على اإلطالق‪ ،‬وحرم هللا اجلنة على‬
‫كل مشرك‪ ،‬وأابح دمه وماله وأهله ألهل التوحيد‪ ،‬وأن يتخذوهم عبيدا هلم ملا تركوا القيام بعبوديته‪ ،‬وأىب هللا سبحانه‬

‫‪26‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫أن يقبل ملشرك عمال‪ ،‬أو يقبل فيه شفاعة‪ ،‬أو يستجيب له يف اآلخرة دعوة‪ ،‬أو يقبل له فيها رجاء؛ فإن املشرك‬
‫أجهل اجلاهلني ابهلل‪ ،‬حيث جعل له من خلقه ندا‪ ،‬وذلك غاية اجلهل به‪ ،‬كما أنه غاية الظلم منه‪ ،‬وإن كان املشرك‬
‫يف الواقع مل يظلم ربه‪ ،‬وإمنا ظلم نفسه) انتهى‪.‬‬
‫‪ - 7‬أن الشرك تنقص وعيب نزه الرب سبحانه نفسه عنهما‪ ،‬فمن أشرك ابهلل فقد أثبت هلل ما نزه نفسه عنه‪،‬‬
‫وهذا غاية احملادة هلل تعاىل‪ ،‬وغاية املعاندة واملشاقة هلل‪.‬‬
‫أنواع الشرك‬
‫الشرك نوعان‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬شرك أكرب خيرج من امللة‪ ،‬وخيلد صاحبه يف النار‪ ،‬إذا مات ومل يتب منه‪ ،‬وهو صرف شيء من‬
‫أنواع العبادة لغري هللا‪ ،‬كدعاء غري هللا‪ ،‬والتقرب ابلذابئح والنذور لغري هللا من القبور واجلن والشياطني‪ ،‬واخلوف من‬
‫املوتى أو اجلن أو الشياطني أن يضروه أو ميرضوه ‪ ،‬ورجاء غري هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا من قضاء احلاجات‪،‬‬
‫وتفريج الكرابت‪ ،‬مما ميارس اآلن حول األضرحة املبنية على قبور األولياء والصاحلني‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ويعبدون من دون‬
‫هللا ما ال ي ضرهم وال ينفعهم ويقولون هؤالء شفعاؤان عند هللا قل أتنبئون هللا مبا ال يعلم يف السماوات وال يف األرض‬
‫سبحانه وتعاىل عما يشركون} [يونس‪. ]18 :‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬شرك أصغر ال خيرج من امللة؛ لكنه ينقص التوحيد‪ ،‬وهو وسيلة إىل الشرك األكرب‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬شرك ظاهر على اللسان واجلوارح وهو‪ :‬ألفاظ وأفعال‪ ،‬فاأللفاظ كاحللف بغري هللا‪ ،‬قال ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪« :-‬من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك» ‪ .‬وقول‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ :-‬ملا قال له رجل‪ :‬ما شاء هللا وشئت‪ ،‬فقال‪« :‬أجعلتين هلل ندا؟ ! قل‪ :‬ما شاء هللا وحده» ‪ .‬وقول‪ :‬لوال هللا وفالن‪،‬‬
‫والصواب أن يقال‪ :‬ما شاء هللا مث شاء ف الن؛ ولوال هللا مث فالن‪ ،‬ألن (مث) تفيد الرتتيب مع الرتاخي‪ ،‬وجتعل مشيئة‬
‫العبد اتبعة ملشيئة هللا‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬وما تشاءون إال أن يشاء هللا رب العاملني} [التكوير‪. ]29 :‬‬
‫وأما الواو‪ :‬فهي ملطلق اجلمع واالشرتاك‪ ،‬ال تقتضي ترتيبا وال تعقيبا؛ ومثله قول‪ :‬ما يل إال هللا وأنت‪ ،‬و‪ :‬هذا من‬
‫بركات هللا وبركاتك‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وأما األفعال‪ :‬فمثل لبس احللقة واخليط لرفع البالء أو دفعه‪ ،‬ومثل تعليق التمائم خوفا من العني وغريها؛ إذا‬
‫اعتقد أن هذه أسباب لرفع البالء أو د فعه‪ ،‬فهذا شرك أصغر؛ ألن هللا مل جيعل هذه أسبااب‪ ،‬أما إن اعتقد أهنا تدفع أو‬
‫ترفع البالء بنفسها فهذا شرك أكرب ألنه تعلق بغري هللا‪.‬‬
‫القسم الثاين من الشرك األصغر‪ :‬شرك خفي وهو الشرك يف اإلرادات والنيات‪ ،‬كالرايء والسمعة‪ ،‬كأن يعمل‬
‫عمال مما ي تقرب به إىل هللا؛ يريد به ثناء الناس عليه‪ ،‬كأن حيسن صالته‪ ،‬أو يتصدق؛ ألجل أن ميدح ويثىن عليه‪ ،‬أو‬
‫يتلفظ ابلذكر وحيسن صوته ابلتالوة ألجل أن يسمعه الناس‪ ،‬فيثنوا عليه وميدحوه‪ .‬والرايء إذا خالط العمل أبطله‪ ،‬قال‬
‫هللا تعاىل‪{ :‬فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عمال صاحلا وال يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف‪. ]110 :‬‬
‫وقال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬وما الشرك‬
‫األصغر؟ قال‪ :‬الرايء» ‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬العمل ألجل الطمع الدنيوي‪ ،‬كمن حيج أو يؤذن أو يؤم الناس ألجل املال‪ ،‬أو يتعلم العلم الشرعي‪ ،‬أو‬
‫جياهد ألجل املال‪ .‬قال النيب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬تعس عبد الدينار‪ ،‬وتعس عبد الدرهم‪ ،‬تعس عبد‬
‫اخلميصة‪ ،‬تعس عبد اخلميلة‪ ،‬إن أعطي رضي‪ ،‬وإن مل يعط سخط» ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪ -‬رمحه هللا ‪( :-‬وأما الشرك يف اإلرادات والنيات فذلك البحر الذي ال ساحل له‪ ،‬وقل من‬
‫ينجو من ه‪ .‬فمن أراد بعمله غري وجه هللا‪ ،‬ونوى شيئا غري التقرب إليه وطلب اجلزاء منه؛ فقد أشرك يف نيته وإرادته‪،‬‬
‫واإلخالص‪ :‬أن خيلص هلل يف أفعاله وأقواله‪ ،‬وإرادته ونيته‪ .‬وهذه هي احلنيفية ملة إبراهيم اليت أمر هللا هبا عباده كلهم‪،‬‬
‫وال يقبل من أحد غريها‪ ،‬وهي حقيقة اإلسالم‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬ومن يبتغ غري اإلسالم دينا فلن يقبل منه وهو يف‬
‫اآلخرة من اخلاسرين} [آل عمران‪. ]85 :‬‬
‫وهي ملة إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬اليت من رغب عنها فهو من أسفه السفهاء) انتهى‪.‬‬
‫يتلخص مما مر أن هناك فروقا بني الشرك األكب واألصغر‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الشرك األكرب‪ :‬خيرج من امللة‪ ،‬والشرك األصغر ال خيرج من امللة‪ ،‬لكنه ينقص التوحيد‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرك األكرب خيلد صاحبه يف النار‪ ،‬والشرك األصغر ال خيلد صاحبه فيها إن دخلها‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك األكرب حيبط مجيع األعمال‪ ،‬والشرك األصغر ال حيبط مجيع األعمال‪ ،‬وإمنا حيبط الرايء والعمل ألجل‬
‫الدنيا العمل الذي خالطاه فقط‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫الشرك األكرب يبيح الدم واملال‪ ،‬والشرك األصغر ال يبيحهما‪.‬‬ ‫‪-4‬‬


‫الكفر‬
‫تعريفه و أنواعه‬
‫‪ -‬تعريفه‪ :‬الكفريف اللغة‪ :‬التغطية والسرت‪ ،‬والكفر شرعا‪ :‬ضد اإلميان‪ ،‬فإن الكفر‪ :‬عدم اإلميان ابهلل ورسله‪ ،‬سواء‬
‫كان معه تكذيب‪ ،‬أو مل يكن معه تكذيب‪ ،‬بل جمرد شك وريب أو إعراض أو حسد‪ ،‬أو كرب أو اتباع لبعض األهواء‬
‫الصادة عن اتباع الرسالة‪ .‬وإن كان املكذب أعظم كفرا‪ ،‬وكذلك اجلاحد واملكذب حسدا؛ مع استيقان صدق الرسل‪.‬‬
‫‪ -‬أنواعه‪ :‬الكفر نوعان‪ :‬النوع األول‪ :‬كفر أكرب خيرج من امللة‪ ،‬وهو مخسة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬كفر التكذيب‪ ،‬والدليل‪ :‬قوله تعاىل‪{ :‬ومن أظلم ممن افرتى على هللا كذاب أو كذب ابحلق ملا جاءه‬
‫أليس يف جهنم مثوى للكافرين} [العنكبوت‪. ]68 :‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬كفر اإلابء واالستكبار مع التصديق‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا آلدم فسجدوا‬
‫إال إبليس أىب واستكرب وكان من الكافرين} [البقرة‪. ]34 :‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬كفر الشك‪ ،‬وهو كفر الظن‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬ودخل جنته وهو ظامل لنفسه قال ما أظن أن تبيد‬
‫هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إىل ريب ألجدن خريا منها منقلبا قال له صاحبه وهو حياوره أكفرت‬
‫ابلذي خلقك من تراب مث من نطفة مث سواك رجال لكنا هو هللا ريب وال أشرك بريب أحدا} [الكهف‪. ]38 -35 :‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬كفر اإلعراض‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬والذين كفروا عما أنذروا معرضون} [األحقاف‪. ]3 :‬‬
‫القسم اخلامس‪ :‬كفر النفاق‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬ذلك أبهنم آمنوا مث كفروا فطبع على قلوهبم فهم ال يفقهون}‬
‫[املنافقني‪. ]3 :‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬كفر أصغر ال خيرج من امللة‪ ،‬وهو الكفر العملي‪ ،‬وهو الذنوب اليت وردت تسميتها يف الكتاب والسنة‬
‫كفرا‪ ،‬وهي ال تصل إىل حد الكفر األكرب‪ ،‬مثل كفر النعمة املذكور يف قوله تعاىل‪{ :‬وضرب هللا مثال قرية كانت آمنة‬
‫مطمئنة أيتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت أبنعم هللا} [النحل‪. ]112 :‬‬
‫ومثل قتال املسلم املذكور يف قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬سباب املسلم فسوق‪ ،‬وقتاله كفر» ‪.‬‬
‫ويف قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬ال ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» ‪.‬‬
‫ومثل احللف بغري هللا‪ ،‬قال ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬من حلف بغري هللا فقد كفر أو أشرك» ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫فقد جعل هللا مرتكب الكبرية مؤمنا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ايأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى} [البقرة‪:‬‬
‫‪. ]178‬‬
‫فلم خيرج القاتل من الذين آمنوا‪ ،‬وجعله أخا لويل القصاص فقال‪{ :‬فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع ابملعروف‬
‫وأداء إليه إبحسان} [البقرة‪. ]178 :‬‬
‫واملراد‪ :‬أخوة الدين‪ ،‬بال ريب‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وإن طائفتان من املؤمنني اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [احلجرات‪. ]9 :‬‬
‫إىل قوله‪{ :‬إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني أخويكم} [احلجرات‪ . ]10 :‬انتهى من شرح الطحاوية ابختصار‪.‬‬
‫‪ -‬وملخص الفروق بني الكفر األكب والكفر األصغر‪:‬‬
‫‪ -1 -‬أن الكفر األكرب خيرج من امللة‪ ،‬وحيبط األعمال‪ ،‬والكفر األصغر ال خيرج من امللة وال حيبط األعمال‪،‬‬
‫لكن ينقصها حبسبه‪ ،‬ويعرض صاحبها للوعيد‪.‬‬
‫‪ -2 -‬أن الكفر األكرب خيلد صاحبه يف النار‪ ،‬والكفر األصغر إذا دخل صاحبه النار فإنه ال خيلد فيها؛ وقد‬
‫يتوب هللا على صاحبه‪ ،‬فال يدخله النار أصال‪.‬‬
‫‪ -3 -‬أن الكفر األكرب يبيح الدم واملال‪ ،‬والكفر األصغر ال يبيح الدم واملال‪.‬‬
‫‪ -4 -‬أن الكفر األكرب يوجب العداوة اخلالصة بني صاحبه وبني املؤمنني‪ ،‬فال جيوز للمؤمنني حمبته ومواالته ولو‬
‫كان أقرب قريب‪ ،‬وأما الكفر األ صغر فإنه ال مينع املواالة مطلقا‪ ،‬بل صاحبه حيب ويواىل بقدر ما فيه من‬
‫اإلميان‪ ،‬ويبغض ويعادى بقدر ما فيه من العصيان‪.‬‬
‫النفاق‬
‫تعريفه‪ ،‬أنواعه‬
‫‪ -‬تعريفه‪:‬‬
‫النفاق لغة‪ :‬مصدر انفق‪ ،‬يقال‪ :‬انفق ينافق نفاقا ومنافقة‪ ،‬وهو مأخوذ من النافقاء‪ :‬أحد خمارج الريبوع من جحره؛‬
‫فإنه إذا طلب من خمرج هرب إىل اآلخر‪ ،‬وخرج منه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو من النفق وهو‪ :‬السر الذي يسترت فيه‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وأما النفاق يف الشرع فمعناه‪ :‬إظهار اإلسالم واخلري‪ ،‬وإبطان الكفر والشر؛ مسي بذلك ألنه يدخل يف الشرع من‬
‫ابب‪ ،‬وخيرج منه من ابب آخر‪ ،‬وعلى ذلك نبه هللا تعاىل بقوله‪{ :‬إن املنافقني هم الفاسقون} [التوبة‪ . ]67 :‬أي‪:‬‬
‫اخلارجون من الشرع‪.‬‬
‫وجعل هللا املنافقني شرا من الكافرين فقال‪{ :‬إن املنافقني يف الدرك األسفل من النار} [النساء‪. ]145 :‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬إن املنافقني خيادعون هللا وهو خادعهم} [النساء‪{ ، ]142 :‬خيادعون هللا والذين آمنوا وما‬
‫خيدعون إال أنفسهم وما يشعرون يف قلوهبم مرض فزادهم هللا مرضا وهلم عذاب أليم مبا كانوا يكذبون}‬
‫[البقرة‪. ]10 ،9 :‬‬
‫‪-‬أنواع النفاق‪:‬‬
‫‪ -‬النفاق نوعان‪ :‬النوع األول‪ :‬النفاق االعتقادي‪ :‬وهو النفاق األكرب الذي يظهر صاحبه اإلسالم‪ ،‬ويبطن‬
‫الكفر‪ ،‬وهذا النوع خمرج من الدين ابلكلية‪ ،‬وصاحبه يف الدرك األسفل من النار‪ ،‬وقد وصف هللا أهله‬
‫بصفات الشر كلها‪ :‬من الكفر وعدم اإلميان‪ ،‬واالستهزاء ابلدين وأهله‪ ،‬والسخرية منهم‪ ،‬وامليل ابلكلية إىل‬
‫أعداء الدين؛ ملشاركتهم هلم يف عداوة اإلسالم‪ .‬وهؤالء موجودون يف كل زمان‪ ،‬وال سيما عندما تظهر قوة‬
‫اإلسالم وال يستطيعون مقاومته يف الظاهر‪ ،‬فإهنم يظهرون الدخول فيه؛ ألجل الكيد له وألهله يف الباطن؛‬
‫وألجل أن يعيشوا مع املسلمني وأيمنوا على دمائهم وأمواهلم؛ فيظهر املنافق إميانه ابهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫وا ليوم اآلخر؛ وهو يف الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به‪ ،‬ال يؤمن ابهلل‪ ،‬وال يؤمن أبن هللا تكلم بكالم‬
‫أنزله على بشر جعله رسوال للناس يهديهم إبذنه‪ ،‬وينذرهم أبسه وخيوفهم عقابه‪ ،‬وقد هتك هللا أستار هؤالء‬
‫املنافقني‪ ،‬وكشف أسرارهم يف القرآن الكرمي‪ ،‬وجلى لعباده أمورهم؛ ليكونوا منها ومن أهلها على حذر‪ .‬وذكر‬
‫طوائف العامل الثالث يف أول البقرة‪ :‬املؤمنني‪ ،‬والكفار‪ ،‬واملنافقني‪ ،‬فذكر يف املؤمنني أربع آايت‪ ،‬ويف الكفار‬
‫آيتني‪ ،‬ويف املنافقني ثالث عشرة آية؛ لكثرهتم وعموم االبتالء هبم‪ ،‬وشدة فتنتهم على اإلسالم وأهله‪ ،‬فإن‬
‫بلية اإلسالم هب م شديدة جدا؛ ألهنم منسوبون إليه وإىل نصرته ومواالته‪ ،‬وهم أعداؤه يف احلقيقة؛ خيرجون‬
‫عداوته يف كل قالب يظن اجلاهل أنه علم وإصالح‪ ،‬وهو غاية اجلهل واإلفساد‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا النفاق ستة أنواع‪:‬‬
‫‪ - 1 -‬تكذيب الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ - 2 -‬تكذيب بعض ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬


‫‪ - 3 -‬بغض الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪ - 4 -‬بغض بعض ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 5 -‬املسرة ابخنفاض دين الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ - 6 -‬الكراهية النتصار دين الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬النوع الثاين‪ :‬النفاق العملي‪ :‬وهو عمل شيء من أعمال املنافقني؛ مع بقاء اإلميان يف القلب‪ ،‬وهذا ال خيرج‬
‫من امللة‪ ،‬لكنه وسيلة إىل ذلك‪ ،‬وصاحبه يكون فيه إميان ونفاق‪ ،‬وإذا كثر صار بسببه منافقا خالصا‪،‬‬
‫والدليل عليه قوله ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬أربع من ك ن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة‬
‫منهن كانت فيه خصلة من النفاق حىت يدعها؛ إذا»‬
‫‪« -‬اؤمتن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر» ‪.‬‬
‫فمن اجتمعت فيه هذه اخلصال األربع‪ ،‬فقد اجتمع فيه الشر‪ ،‬وخلصت فيه نعوت املنافقني‪ ،‬ومن كانت فيه‬
‫واحدة منها صار ف يه خصلة من النفاق‪ ،‬فإنه قد جيتمع يف العبد خصال خري‪ ،‬وخصال شر‪ ،‬وخصال إميان‪،‬‬
‫وخصال كفر ونفاق‪ ،‬ويستحق من الثواب والعقاب حبسب ما قام به من موجبات ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ومنه‪ :‬التكاسل عن الصالة مع اجلماعة يف املسجد؛ فإنه من صفات املنافقني‪ ،‬فالنفاق شر‪ ،‬وخطري جدا‪،‬‬
‫وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه‪ ،‬قال ابن أيب مليكة‪( :‬أدركت ثالثني من أصحاب رسول هللا ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬كلهم خياف النفاق على نفسه) ‪.‬‬
‫‪ -‬الفروق بني النفاق األكب والنفاق األصغر‪:‬‬
‫‪ - 1 -‬إن النفاق األكرب خيرج من امللة‪ ،‬والنفاق األصغر ال خيرج من امللة‪.‬‬
‫‪ - 2 -‬إن النفاق األكرب‪ :‬اختالف السر والعالنية يف االعتقاد‪ ،‬والنفاق األصغر‪ :‬اختالف السر والعالنية يف‬
‫األعمال دون االعتقاد‪.‬‬
‫‪ - 3 -‬إن النفاق األكرب ال يصدر من مؤمن‪ ،‬وأما النفاق األصغر فقد يصدر من املؤمن‪.‬‬
‫‪ - 4 -‬إن النفاق األكرب يف الغالب ال يتوب صاحبه‪ ،‬ولو اتب فقد اختلف يف قبول توبته عند احلاكم‪.‬‬
‫خبالف النفاق األصغر؛ فإن صاحبه قد يتوب إىل هللا‪ ،‬فيتوب هللا عليه‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية (وكثريا‬

‫‪32‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ما تعرض للم ؤمن شعبة من شعب النفاق‪ ،‬مث يتوب هللا عليه‪ ،‬وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق‪،‬‬
‫ويدفعه هللا عنه‪ ،‬واملؤمن يبتلى بوساوس الشيطان‪ ،‬وبوساوس الكفر اليت يضيق هبا صدره‪ ،‬كما قال الصحابة‪:‬‬
‫اي رسول هللا‪ ،‬إن أ حدان ليجد يف نفسه ما لئن خير من السماء إىل األرض أحب إليه من أن يتكلم به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«ذلك صريح اإلميان» ‪ .‬ويف رواية‪ :‬ما يتعاظم أن يتكلم به‪ ،‬قال‪« :‬احلمد هلل الذي رد كيده إىل الوسوسة» ‪،‬‬
‫أي حصول هذا الوسواس‪ ،‬مع هذه الكراهة العظيمة‪ ،‬ودفعه عن القلب‪ ،‬هو من صريح اإلميان) انتهى‪.‬‬
‫‪ -‬وأما أهل النفاق األكرب‪ ،‬فقال هللا فيهم‪{ :‬صم بكم عمي فهم ال يرجعون} [البقرة‪ . ]18 :‬أي‪ :‬إىل‬
‫اإلسالم يف الباطن‪ ،‬وقال تعاىل فيهم‪{ :‬أوال يرون أهنم يفتنون يف كل عام مرة أو مرتني مث ال يتوبون وال هم‬
‫يذكرون} [التوبة‪. ]126 :‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬وقد اختلف العلماء يف قبول توبتهم يف الظاهر؛ لكون ذلك ال يعلم‪ ،‬إذ هم‬
‫دائما يظهرون اإلسالم) ‪.‬‬
‫البدعة‬
‫تعريفها والتحذير من االبتداع يف الدين‬
‫‪ -‬تعريفها‪:‬‬
‫البدعة لغة‪ :‬هي االخرتاع على غري مثال سابق ومن ذلـك قول هللا تعاىل‪ }    { :‬أي‬

‫خمرتعهما‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬ما خالف الكتاب والسنة‪ ،‬أو إمجـاع سـلف األمـة من االعتقادات والعبادات احملدثة يف الدين‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬خطر البدع‪:‬‬
‫إن البدع واحملداثت يف الدين هلا خطورة عظيمة‪ ،‬وآاثر سيئة على الفرد واجملتمع بل وعلى الدين كله أصوله‬
‫وفروعه‪ .‬فالبدع‪ :‬إ حداث يف الديـن‪ ،‬وقول على هللا بغري علم وشرع يف الدين مبا مل أيذن به هللا‪ ،‬والبدعة سـبب يف عدم‬
‫قبول العمل وتفريق األمة‪ ،‬واملبتدع حيمل وزره ووزر من تبعـه يف بدعته‪ ،‬كما أن البدعة سبب يف احلرمان من الشرب‬
‫من حوض النيب ‪ ‬فعن سـهل بـن سـعد األنصاري‪ ،‬وأيب سعيد اخلـدري رضي هللا عنهما أن رسـول هللا ‪ ‬قـال‪:‬‬
‫أبدا‪ .‬لريدن علي أقوام أعرفهم ويعرفونين مث حيال‬
‫{أان فَـَرطُكم على احلوض من مر علي شرب‪ ،‬ومن شرب ال يظمأ ً‬

‫‪33‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫بيين وبينهم ِّ‬


‫فأقول إهنم من أميت‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ال تدري مـا أحدثوا بعدك‪ .‬فأقول‪ :‬سحقاَ ملن غري بعدي}‪ .‬والفرط‪:‬‬
‫الذي يسبق إىل املـاء‪.‬‬
‫بعدا‪.‬‬
‫وسح ًقا‪ :‬أي ً‬
‫والبدعة تشويه للدين‪ ،‬وتغيري ملعامله‪ .‬واخلالصة أن البدعة خطر عظيم على املسلمني يف أمر دينهم ودنياهم‪.‬‬
‫‪ -‬أسباب البدعة‪:‬‬
‫للبدع أسباب كثرية أعظمها البعد عن كتاب هللا تعاىل وسنة رسوله ‪ ‬ومنهج السلف الصاحل‪ ،‬األمر الذي‬
‫يؤدي إىل اجلهل مبصادر التشريع‪.‬‬
‫ومن أسباب انتشار البدع‪ ،‬التعلق ابلشبهات واالعتماد على العقل اجملرد وجلساء السوء‪ ،‬واالعتماد على‬
‫األحاديث الضعيفة واملوضوعة اليت يستدل هبا املبتدعة على بدعهم‪ ،‬والتشبه ابلكفار‪ ،‬وتقليد أهل الضالل وحنو ذلـك‬
‫من األسباب اخلطرية‪.‬‬
‫خطر البدع‪:‬‬
‫من أتمل الكتاب والسنة وجد أن البدع يف الدين حمرمة ومردودة علـى أصحاهبا من غري فرق بني بدعة وأخرى‪،‬‬
‫وإن كانت تتفاوت درجـات التحرمي حبسب نوعية البدعة‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن النهي عن البدع قد ورد على وجه واحد يف قول النيب ‪{ ‬إايكم وحمداثت األمور فإن كل حمدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضاللـة}‪ .‬وقوله ‪{ ‬من أحدث يف أمران هذا ما ليس منه فهو رد}‪ .‬فدل احلديثان على أن كل‬
‫حمدث يف الدين فهو بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة مردودة‪ ،‬ومعىن ذلك أن البدع يف العبادات واالعتقادات حمرمة‪ ،‬ولكن‬
‫التحـرمي يتفـاوت حبسب نوع البدعة فمنها ما هو كفر صراح كالطواف ابلقبور تقربـا إىل أصحاهبا‪ ،‬وتقدمي الذابئح‬
‫والنذور هلا‪ ،‬ودعاء أصحاهبا واالسـتغاثة هبـم‪ ،‬ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور‪ ،‬والصـالة والدعـاء‬
‫عندها‪ ،‬ومنها ما هو فسق ومعصية كإقامة األعياد اليت مل ترد يف الشـرع‪ ،‬واألذكار املبتدعة والتبتل والصيام قائما يف‬
‫الشمس‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫مظاهر االحنراف يف توحيد األلوهية‬


‫(دراسة بعض مظاهر الشرك األكب واألصغر اليت وقع فيها كثري من الانس)‬
‫لقد كان النيب ‪ ‬حريصا أشد احلرص على أمته؛ لتكون عزيزة منيعـة حمققة لتوحيد هللا ‪ ‬جمانبة لكل الوسائل‬

‫واألسباب املفضية ملا يضاده ويناقضه‪ ،‬قال هللا تعاىل‪     { :‬‬

‫‪(}         ‬التوبة‪:‬‬

‫‪.)128‬‬
‫وقد أكثر ‪ ‬يف النهي عن الشرك وحذر وأنذر وأبدأ وأعاد وخص وعم يف محاية احلنيفية السمحة ملة إبراهيم‬
‫اليت بعث هبا من كل مـا قـد يشوهبا من األقوال واألعمال اليت يضمحل معها التوحيد أو ينقص‪ ،‬وهـذا كثري يف السنة‬
‫الثابتة عنه ‪ ‬فأقام احلجة‪ ،‬وأزال الشبهة‪ ،‬وقطع املعـذرة‪ ،‬وأابن السبيل‪.‬‬
‫الرقى‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفها‪ :‬الـرقى مجـع رقية‪ ،‬وهي القراءة والنفث طلبا للشفاء والعافية‪ ،‬سواء كانت من القرآن الكرمي أو من‬
‫األدعية النبوية املأثورة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكمها‪ :‬اجلواز‪ ،‬ومن األدلة على ذلك ما يلي‪:‬‬
‫فعن عوف بن مالك ‪ ‬قال‪{ :‬كنا نرقي يف اجلاهلية فقلنا‪ :‬اي رسول هللا كيف ترى يف ذلك ؟ فقال‪ :‬اعرضوا‬
‫علي رقاكم‪ ،‬ال أبس ابلرقى ما مل يكـن فيه شرك}‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪{ :‬رخص رسـول هللا ‪ ‬يف الرقيـة مـن العني واحلمة والنملة}‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد هللا ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬مـن استطاع أن ينفع أخاه فليفعل}‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪{ :‬كان رسول هللا ‪ ‬إذا اشتكى منـا إنسان مسحه بيمينه مث قال‪ :‬أذهب‬
‫الباس رب الناس واشف أنت الشايف ال شفاء إال شفاؤك شفاء ال يغادر سقما}‪ ،‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ج‪ -‬شروطها‪ :‬وجلوازها وصحتها شروط ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن ال يعتقد أهنا تنفع لذاهتا دون هللا‪ ،‬فإن اعتقد أهنا تنفع بذاهتـا من دون هللا فهو حمرم‪ ،‬بل هو شرك‪ ،‬بل‬
‫يعتقد أهنا سبب ال تنفع إال إبذن هللا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫الثاين‪ :‬أن ال تكون مبا خيالف الشرع كما إذا كانت متضمنة دعاء غري هللا أو استغاثة ابجلن وما أشبه ذلك‪ ،‬فإهنا‬
‫حمرمة‪ ،‬بل شرك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تكون مفهومة معلومة‪ ،‬فإن كانت من جنـس الطالسـم والشعوذة فإهنا ال جتوز‪.‬‬
‫وقد سئل اإلمام مالك رمحه هللا‪ :‬أيرقي الرجل ويسرتقي ؟ فقـال‪ " :‬ال أبس بذلك‪ ،‬ابلكالم الطيب "‪.‬‬
‫د‪ -‬الرقية املمنوعة‪ :‬كل رقية مل تتوفر فيها الشروط املتقدمة فإهنا حمرمة ممنوعة‪ ،‬كأن يعتقد الراقي أو املرقي أهنا‬
‫تنفع وتؤثر بذاهتا‪ ،‬أو تكـون مشتملة على ألفاظ شركية وتوسالت كفرية وألفاظ بدعية‪ ،‬وحنو ذلـك‪ ،‬أو تكون أبلفاظ‬
‫غري مفهومة كالطالسم وحنوها‪.‬‬
‫التمائم‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفها‪ :‬التمـائم مجع متيمة‪ ،‬وهي ما يعلق على العنق وغـريه من تعويـذات أو خرزات أو عظام أو حنوها‬
‫جللب نفع أو دفع ضـر‪ ،‬وكان العرب يف اجلاهلية يعلقوهنا على أوالدهم يتقون هبا العـني بزعمـهم الباطل‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكمها‪ :‬التحرمي‪،‬‬
‫بل هي نوع من أنواع الشرك؛ ملا فيها من التعلق بغري هللا؛ إذ ال دافـع إال هللا‪ ،‬وال يطلب دفع املؤذايت إال ابهلل‬
‫وأمسائه وصفاته‪.‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقـول‪{ :‬إن الرقـى والتمائم والتولة شرك}‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫واحلاكم‪.‬‬
‫وعن عبد هللا بن عكيم ‪ ‬مرفوعا‪{ :‬من تعلق شيئا وكل إليـه}‪ ،‬رواه أمحد والرتمذي واحلاكم‪.‬‬
‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬مرفوعا‪{ :‬من تعلق متيمة فال أمت هللا له‪ ،‬ومـن تعلق ودعة فال ودع هللا له}‪ ،‬رواه أمحد‬
‫واحلاكم‪.‬‬
‫وعن عقبة بن عامر ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬من علق متيمة فقـد أشرك}‪ ،‬رواه أمحد‪.‬‬
‫فهذه النصوص وما يف معناها يف التحذير من الرقـى الشركية اليت كـانت هي غالب رقى العرب فنهي عنها ملا فيها‬
‫من الشـرك والتعلق بغري هللا تعاىل‪.‬‬
‫ج‪ -‬وإذا كان املعلق من القرآن الكرمي‪ ،‬فهذه املسألة اختلف فيها أهـل العلم‪ ،‬فذهب بعضهم إىل جواز ذلك‪،‬‬
‫ومنهم من منع ذلك‪ ،‬وقال ال جيـوز تعليق القرآن لالستشفاء‪ ،‬وهو الصواب لوجوه أربعة‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ -1‬عموم النهي عن تعليق التمائم‪ ،‬وال خمصص للعموم‪.‬‬


‫‪ -2‬سدا للذريعة‪ ،‬فإنه يفضي إىل تعليق ما ليس من القرآن‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا علق فال بد أن ميتهن املعلق حبمله معه يف حال قضاء احلاجـة واالستنجاء‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬أن االستشفاء ابلقرآن ورد على صفة معينة‪ ،‬وهي القراءة بـه علـى املريض فال تتجاوز‪.‬‬
‫املطلب الثالث لبس احللقة واخليط وحنوها‬
‫لبس احللقة واخليط وحنوها‪.‬‬
‫أ‪ -‬احللقة قطعة مستديرة من حديد أو ذهب أو فضة أو حناس أو حنـو ذلك‪ ،‬واخليط معروف‪ ،‬وقد جيعل من‬
‫الصوف أو الكتان أو حنوه‪ ،‬وكـانت العرب يف اجلاهلية تعلق هذا ومثله لدفع الضر أو جلب النفع أو اتقاء العـني‪،‬‬

‫وهللا تعاىل يقول‪             { :‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪(}   ‬الزمر‪ ،)38 :‬ويقول تعاىل‪     { :‬‬

‫‪(}        ‬اإلسراء‪.)56 :‬‬

‫وعن عمران بن حصني ‪{ ‬أن النيب ‪ ‬رأى رجال يف يده حلقة مـن صفر فقال‪ :‬ما هذه ؟ قال‪ :‬من الواهنة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬انـزعها؛ فإهنا ال تزيـدك إال وهنا‪ ،‬انبذها عنك‪ ،‬فإنك لو مت وهي عليك مـا أفلحـت أبـدا}‪ ،‬رواه أمحد‪.‬‬

‫وعن حذيفة بن اليمان ‪( ‬أنه رأى رجال يف يده خيط من احلمـى فقطعه وتال قوله تعـاىل‪  { :‬‬

‫‪( }     ‬يوسف‪.)106 :‬‬

‫ب‪ -‬حكم لبس احللقة واخليط وحنو ذلك‪ ،‬حمرم فإن اعتقد البسها أهنا مؤثرة بنفسها دون هللا فهو مشرك شركا‬
‫أكرب يف توحيد الربوبية؛ ألنه اعتقد وجود خالق مدبر مع هللا تعاىل هللا عما يشركون‪.‬‬
‫وإن اعتقد أن األمر هلل وحده وأهنا جمرد سبب‪ ،‬ولكنه ليس مؤثرا فـهو مشرك شركا أصغر ألنه جعل ما ليس سببا‬
‫سببا والتفت إىل غري ذلك بقلبه‪ ،‬وفعله هذا ذريعة لالنتقال للشرك األكرب إذا تعلق قلبه هبا ورجا منها جلـب النعماء‬
‫أو دفـع البالء‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫التبك ابألشجار واألحجار وحنوها‪.‬‬


‫التربك هو طلب الربكة‪ ،‬وطلب الربكة ال خيلو من أمرين‪:‬‬

‫‪ - 1‬أن يكون التربك أبمر شرعي معلوم مثل القرآن قال هللا تعـاىل‪}    { :‬‬

‫(األنعام‪ ،)155 ،92 :‬فمـن بركتـه هدايتـه للقلوب وشفاؤه للصدور وإصالحه للنفوس وهتذيبه لألخالق‪ ،‬إىل غري‬
‫ذلـك من بركاته الكثرية‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون التربك أبمر غري مشروع‪ ،‬كالتربك ابألشجار واألحجـار والقبور والقباب والبقاع وحنو ذلك‪ ،‬فهذا‬
‫كله من الشرك‪.‬‬
‫فعن أيب واقد الليثي قال‪{ :‬خرجنا مع رسول هللا ‪ ‬إىل حنني وحنـن حداثء عهد بكفر‪ ،‬وللمشركني‬
‫سدرة يعكفون عندها وينوطـون هبـا أسلحتهم‪ ،‬يقال هلا ذات أنواط‪ ،‬فمرران بسدرة‪ ،‬فقلنا‪ :‬يـا رسـول هللا ‪ ‬اجعل لنا‬
‫ذات أنواط كما هلم ذات أنواط‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ ‬هللا أكـرب‪ ،‬إهنا السـنن‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنـو‬

‫إسـرائيل ملوسـى‪}            { :‬‬

‫(األعـراف‪ ،)138 :‬لرتكنب سنـن مـن كـان قبلكـم} ‪ ،‬رواه التـرمـذي وصـححه‪.‬‬
‫فقد دل هذا احلديـث على أن ما يفعله من يعتقد يف األشجار والقبـور واألحجار وحنوها من التربك هبا والعكوف‬
‫عندها والذبح هلا هو الشـرك‪ ،‬وهلذا أخرب يف احلديث أن طلب هم كطلب بين إسرائيل ملـا قـالوا ملوسى‪ :‬اجعل لنا إهلا كما‬
‫هلم آهلة فهؤالء طلبوا سدرة يتربكون هبـا كمـا يتربك املشركون‪ ،‬وأولئك طلبوا إلـها كما هلم آهلة‪ ،‬فيكون يف كال الطلبني‬
‫منافاة للتوحيد؛ ألن التربك ابلشجر نوع من الشرك‪ ،‬واختاذ إلـه غـري هللا شرك واضح‪.‬‬
‫ويف قوله ‪ ‬يف احلديث‪{ :‬لرتكنب سنن من كان قبلكـم} إشـارة إىل أن شيئا من ذلك سيقع يف أمته ‪ ‬وقد‬
‫قال ذلك عليه الصالة والسالم انهيـا وحمذرا‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫النهي عن أعمال تتعلق ابلقبور‪.‬‬


‫لقد كان األمر يف صدر اإلسالم على منع زايرة القبور لقرب عـهدهم ابجلاهلية محاية حلمى التوحيد وصيانة‬
‫جلنابه‪ ،‬وملا حسن اإلمي ان وعظم شـأنه يف الناس ورسخ يف القلوب واتضحت براهني التوحيد وانكشـفت شـبهة الشرك‬
‫جاءت مشروعية زايرة القبور حمددة أهدافها موضحة مقاصدها‪.‬‬
‫فعن بريدة بن احلصيب ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬هنيتكم عن زايرة القبور فزوروها}‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النيب ‪{ ‬زوروا القبور فإنـها تذكـر املوت}‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال رسول هللا ‪{ ‬إين هنيتكـم عن زيـارة القبور فزوروها فإن فيها عربة}‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬كنت هنيتكم عـن زايرة القبور أال فزوروها؛ فإهنا ترق القلب‬
‫وتدمع العني وتذكر اآلخرة‪ ،‬وال تقولوا هجرا}‪.‬‬
‫وعن بريدة ‪ ‬قال‪{ :‬كان رسول هللا ‪ ‬يعلمهم إذا خرجوا إىل املقابر فكان قائلهم يقول‪ :‬السالم عليكـم أهل‬
‫الداير من املؤمنني واملسلمني‪ ،‬وإنـا إن شاء هللا بكم لالحقون‪ ،‬أسأل هللا لنا ولكم العافية}‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فهذه األحاديث وما جاء يف معناها تدل ع لى أن مشروعية زايرة القبـور بعد املنع من ذلك إمنا كانت هلدفني‬
‫عظيمني وغايتني جليلتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬التزهيد يف الدنيا بتذكر اآلخرة واملوت والبلى‪ ،‬واالعتبار بـأهل القبور مما يزيد يف إميان الشخص ويقوي‬
‫يقينه ويعظم صلته ابهلل‪ ،‬ويذهـب عنه اإلعراض والغفلة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬اإلحسان إىل املوتى ابلدعاء هلم والرتحم عليهم وطلب املغفـرة هلم وسؤال هللا العفو عنهم‪.‬‬
‫هذا الذي دل عليه الدليل‪ ،‬ومن ادعى غري ذلـك طولـب ابحلجـة والربهان‪.‬‬
‫مث إن السنة قد جاءت ابلنهي عن أمور عديدة متعلقة ابلقبور وزايرهتا‪ ،‬صيانة للتوحيد ومحاية جلنابه‪ ،‬جيب على‬
‫كل مسلم تعلمها ليكون يف أمنـة من الباطل وسالمة من الضالل‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ - 1‬النهي عن قول اهلجر عند زايرة القبور‪.‬‬
‫وقد تقدم قوله ‪{ ‬وال تقولوا هجرا} ‪ ،‬واملراد ابهلجر كل أمر حمظـور شرعا‪ ،‬وأييت يف مقدمة ذلك الشرك ابهلل‬
‫بدعاء املقبورين وسؤاهلم مـن دون هللا واالستغاثة هبم وطلب املدد والعافية منهم‪ ،‬فكل ذلك من الشرك البـواح والكفر‬
‫الصراح‪ ،‬وقد ثبت عن النيب ‪ ‬أحاديث عديدة صرحية يف املنع مـن ذلك والنهي عنه ولعن فاعله‪ ،‬ففي صحيح مسلم‬

‫‪39‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫عن جندب بن عبـد هللا ‪ ‬أنه قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬قبل أن ميوت خبمس يقول‪{ :‬أال إن من كـان قبلكم كانوا‬
‫يتخذون قبور أنبيائهم وصاحليهم مساجد‪ ،‬أال فال تتخذوا القبور مساجد ِّإين أهناكم عن ذلك}‪ .‬فدعاء األمـوات‬
‫وسـؤاهلم احلاجـات وصرف شيء من العبادة هلم شرك أكرب‪ ،‬أما العكوف عند القبور وحتـري إجابة الدعاء عندها ومثله‬
‫الصالة يف املساجد اليت فيها القبور فهو من البـدع املنكرة‪.‬‬
‫ويف الصحيحني عن عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أنه ‪ ‬قال يف مرضه الـذي مل يقم منه‪{ :‬لعن هللا اليهود والنصارى‬
‫اختذوا قبور أنبيائهم مساجد}‪.‬‬
‫‪ - 2‬الذبح والنحر عند القبور‪.‬‬
‫فإن كان ذلك تقراب إىل املقبورين ليقضوا حاجة للشخص فهو شـرك أكرب وإن كان لغري ذلك فهو من البدع‬
‫اخلطرية اليت هي من أعظم وسـائل الشرك لقوله ‪{ ‬ال عقر يف اإلسالم}‪ ،‬قال عبد الرزاق‪{ :‬كانوا يعقرون عند‬
‫القرب بقرة أو شاة}‪.‬‬
‫‪ -7 ،6 ،5 ،4 ،3‬رفعها زايدة على الرتاب اخلارج منـها‪ ،‬وجتصيصها‪ ،‬والكتابة عليها‪ ،‬والبناء عليها‪،‬‬
‫والقعود عليها‪.‬‬
‫فكل ذلك من البدع اليت ضلت هبا اليهود والنصارى وكانت من أعظم ذرائع الشرك‪ ،‬فعن جابر ‪ ‬قال‪{ :‬هنى‬
‫رسول هللا ‪ ‬أن جيصص القـرب‪ ،‬وأن يقعد عليه‪ ،‬وأن يبىن عليه‪ ،‬وأن يزاد عليه‪ ،‬أو يكتب عليه}‪ .‬رواه مسلم‪ ،‬وأبو‬
‫داود‪ ،‬واحلاكم‪.‬‬
‫‪ - 8‬الصالة إىل القبور وعندها‪.‬‬
‫فعن أيب مرثد الغنوي قال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬ال تصلوا إىل القبور‪ ،‬وال جتلسوا عليها))‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬األرض كلـها مسجد‪ ،‬إال املقربة واحلمام}‪ .‬رواه أبو داود‬
‫والرتمذي‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ - 9‬بناء املساجد عليها‪.‬‬


‫وهو بدعة من ضالالت اليهود والنصارى وتقدم حديث عائشة‪{ :‬لعـن هللا اليهود والنصارى اختذوا قبور أنبيائهم‬
‫مساجد}‪.‬‬
‫‪ - 10‬اختاذها عيدا‪.‬‬
‫وهو من البدع اليت جاء النهي الصريح عنها لعظم ضررها‪ ،‬فعـن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬ال‬
‫تتخذوا قربي عيدا وال جتعلـوا بيوتكم قبورا‪ ،‬وحيثما كنتم فصلوا علي‪ ،‬فإن صالتكم تبلغين} ‪ ،‬رواه أبـو داود وأمحد‪.‬‬
‫‪ - 11‬شد الرحال إليها‪.‬‬
‫وهو أمر منهي عنه ألنه من وسائل الشرك فعن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬ال تشد الرحال إال إىل ثالثة‬
‫مساجد‪ :‬املسجد احلـرام‪ ،‬ومسجد الرسول ‪ ‬ومسجد األقصى} رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ادعاء علم الغيب وما يلحق به‬
‫الغيب هو كل ما غاب عن العقول واألنظار مـن األمـور احلـاضرة واملاضية واملستقبلة‪ ،‬وقد استأثر هللا ‪ ‬بعلمه‬
‫واختص نفسه سـبحانه بذلك‪.‬‬

‫قال هللا تعـاىل‪(}           { :‬النمل‪،)65 :‬‬

‫{ ‪ ‬‬ ‫وقال تعاىل‪(}     { :‬الكهف‪ ،)26 :‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫‪(}   ‬الرعد‪.)9 :‬‬

‫فال يعلم الغيب أحد إال هللا‪ ،‬ال ملك مقرب وال نيب مرسل فضال عمن هو دوهنما‪.‬‬
‫قال هللا تعاىل عن نوح عليه السالم‪(}         { :‬هود‪ ،)31 :‬وقال‬
‫تعاىل عن هود عليه السالم‪(}         { :‬األحقاف‪ ،)23 :‬وقال تعـاىل‬
‫لنبيـه حممد عليه الصالة والسالم‪(}          { :‬األنعام‪ ،)50 :‬وقـال‬
‫{ ‪               ‬‬ ‫تعـاىل‪:‬‬
‫‪(}             ‬البقرة‪.)32 -31 :‬‬

‫‪41‬‬
..‫العقيدة اإلسالمية‬

  { :‫ كما قال تعاىل‬،‫مث إنه سبحانه قد يطلع بعض خلقه على بعض األمور املغيبة عن طريـق الوحي‬
                   

‫ وهذا من‬،)28-26 :‫}(اجلن‬             

‫ ومـن‬،‫ أما الغيب املطلق فال يعلمه إال هو سبحانه‬،‫الغيب النسيب الذي غـاب علمـه عـن بعـض املخلوقات دون بعض‬
.‫ذا الذي يدعي علمه وقد استأثر هللا به‬
‫ الذين‬،‫وهلذا فإن الواجب على كل مسلم أن حيذر من الدجاجلة والكذابـني املدعني لعلم الغيب املفرتين على هللا‬
.‫ وغريهم‬،‫ كالسحرة والكذابني واملنجمني‬،‫ضلوا يف أنفسهم وأضلوا كثـريا وضلوا عن سواء السبيل‬
،‫ ويضلون هبا عوام املسلمني وجهاهلم‬،‫وفيما يلي عرض جلملة من أعمال هؤالء اليت يدعون هبا علم الغيـب‬
.‫ويفسدون هبا عقيدهتم وإمياهنم‬
.‫ وهو يف اللغة ما خفي ولطف سببه‬:‫ السحر‬- 1
،‫ فيمرض ويقتل ويفرق بني املرء وزوجه إبذن هللا‬،‫ويف االصطالح هو عزائم ورقى وعقد يؤثِّر يف القلـوب واألبـدان‬
    { :‫ قال هللا تعاىل‬،‫ وما له يف اآلخرة من خالق‬،‫ والساحر كـافر ابهلل العظيم‬،‫وهو كفر‬
               

                 

                    

                    

.)102 :‫}(البقرة‬  

               { :‫ قال هللا تعاىل‬،‫ومنه النفث يف العقد‬
.}            

‫ فعن ابن عباس رضي هللا‬،‫ وهو االستدالل ابألحوال الفلكية على احلوادث األرضية اليت مل تقع‬:‫ التنجيم‬- 2
‫ رواه أبـو‬،}‫ { من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد‬ ‫ قال رسول هللا‬:‫عنهما قال‬
.‫داود‬

42
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ - 3‬زجر الطري واخلط يف األرض‪ :‬فعن قطن بن قبيصة عن أبيه قـال‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬العيافة‬
‫والطرية والطرق من اجلبت} أي من السحر‪ ،‬والعيافة زجر الطري والتفاؤل والتشاؤم أبمسائها وأصواهتا وممرها‪ ،‬والطرق‬
‫اخلـط خيط يف األرض‪ ،‬أو الضرب ابحلصى وادعاء علم الغيب‪.‬‬
‫‪ - 4‬الكهانة‪ :‬وهي ادعاء علم الغيب‪ ،‬واألصل فيها اسـرتاق اجلـن السمع من كالم املالئكة فتلقيه يف أذن‬
‫الكاهن‪.‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬من أتى كاهنـا فصدقه مبا يقول فقد كفر مبا أنـزل على حممد ‪ }‬رواه‬
‫أبو داود وأمحـد واحلاكـم‪.‬‬
‫‪ - 5‬كتابة حروف أاب جاد‪ :‬وذلك أبن جيعل لكل حرف منها قـدرا معلوما من العدد وجيري على ذلك أمساء‬
‫اآلدميني واألزمنـة واألمكنـة‪ ،‬مث حيكم عليها ابلسعود أو النحوس وحنو ذلك‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما يف قوم يكتبون أاب جاد‪ ،‬وينظـرون يف النجوم‪(( :‬ما أرى من فعل ذلك له عند هللا‬
‫من خالق))‪ ،‬رواه عبد الرزاق يف املصنف‪.‬‬
‫‪ - 6‬القراءة يف الكف والفنجان وحنو ذلك مما يدعي به بعض هـؤالء معرفة احلوادث املستقبلة من موت وحياة‬
‫وفقر وغىن وصحة ومرض وحنـو ذلك‪.‬‬
‫‪ - 7‬حتضر األرواح‪ :‬ويزعم أراببه أهنم يستحضرون أرواح املوتـى ويسألوهنا عن أخبار املوتى من نعيم وعذاب‬
‫وغري ذلك‪ ،‬وهو نـوع مـن الدجل والشعوذة الشيطانية‪ ،‬ويراد منها إفساد العقائد واألخالق والتلبيـس على اجلهال‬
‫وأكل أمواهلم ابلباطل والتوصل إىل دعوى علم الغيب‪.‬‬
‫‪ - 8‬التطري‪ :‬وهو التشاؤم ابلسوانح والبوارح مـن الطـري والظبـاء وغريها‪ ،‬وهذا ابب من الشرك وهو من إلقاء‬
‫الشيطان وختويفه‪.‬‬
‫فعن عمران بن حصني مرفوعا‪{ :‬ليس منا من تطري أو تطـري لـه‪ ،‬أو تكهن أو تكهن له‪ ،‬أو سحر أو سحر له‪،‬‬
‫ومن أتى كاهنا فصدقه مبا يقـول فقد كفر مبا أنـزل على حممد ‪ ، }‬رواه البزار‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫توحيد األمساء والصفات‬


‫تعريفه ومنهج أهل السنة واجلماعة فيه وأدلته‬
‫أوال‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫توحيد األمساء والصفات‪ :‬هو إثبات ما أثبت هللا لنفسه‪ ،‬وأثبته له رسوله ‪ ‬ونفي ما نفى هللا عن نفسه‪ ،‬ونفاه‬
‫عنـه رسـوله ‪ ‬مـن األمسـاء والصفات واإلقرار هلل تعاىل مبعانيها الصحيحة ودالالهتا واستشعار آاثرهـا ومقتضياهتا يف‬
‫اخللق‪.‬‬
‫اثنيًا‪ :‬املنهج يف إثباته‪:‬‬
‫يقوم املنهج احلق يف ابب األمساء والصفات على اإلميان الكامل والتصديق اجلازم مبا وصف هللا به نفسه ووصفه‬
‫به رسوله ‪ ‬من غـري حتريـف وال تعطيل‪ ،‬ومن غري تكييف وال متثيل‪.‬‬
‫والتحريف‪ :‬هو التغيري وإمالة الشيء عن وجهه‪ .‬وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ - 1‬حتريف لفظي‪ .‬وذلك ابلزايدة يف الكلمة أو النقص أو تغيري حركة يف الكلمة كتحريف كلمة استوى يف قولـه‬

‫تعـاىل‪(}     { :‬طه‪ )5 :‬إىل استوىل‪.‬‬

‫‪ - 2‬حتريف معنوي‪ .‬وذلك بتفسري اللفظ على غري مراد هللا ورسوله منـه كمن فسر " اليد " هلل تعاىل ابلقوة أو‬
‫النعمة‪ .‬فإن هذا تفسري ابطل ال يـدل عليه الشرع وال اللغة‪.‬‬
‫والتعطيل‪ :‬هو نفي صفات هللا تعاىل كمن زعم أن هللا تعاىل ال يتصـف بصفة‪.‬‬
‫والفرق بني التحريف والتعطيل هو أن التحريف نفي املعىن الصحيح الذي دلت عليه النصوص واستبداله مبعىن‬
‫آخر غري صحيح أما التعطيل فهو نفـي املعىن الصحيح من غري استبدال له مبعىن آخر‪.‬‬
‫والتكييف‪ :‬تعيني كيفية الصفة واهليئة اليت تكون عليها كفعـل بعـض املنحرفني يف هذا الباب الذين يكيفون‬
‫صفات هللا فيقولون كيفية يده‪ :‬كـذا وكذا‪ ،‬وكيفية استوائه على هيئة كذا وكذا‪ .‬فإن هذا ابطل إذ ال يعلم كيفية صفات‬
‫هللا إال هو وحده وأما املخلوقون فإهنم جيهلون ذلك ويعجزون عـن إدراكه‪.‬‬
‫والتمثيل‪ :‬هو التشبيه كمن يقول هلل مسع كسمعنا ووجه كوجوهنا تعـاىل هللا عن ذلك‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وينتظم املنهج احلق يف ابب األمساء والصفات يف ثالثة أصول من حققـها سلم من االحنراف يف هذا الباب‪.‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬تنـزيه هللا جل وعال عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات املخلوقني‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬اإلميان‪ .‬مبا مسى ووصف هللا به نفسه ومبا مساه ووصفه بـه رسوله ‪ ‬على الوجه الالئق جبالل هللا‬
‫وعظمته‪.‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات هللا تعـاىل ألن إدراك املخلوق لذلك مستحيل‪.‬‬
‫فمن حقق هذه األصول الثالثة فقد حقق اإلميان الواجب يف ابب األمسـاء والصفات على ما قرره األئمة احملققون‬
‫يف هذا الباب‪.‬‬
‫اثلثًا‪ :‬أدلة هذا املنهج‪:‬‬
‫دلت األدلة من كتاب هللا تعاىل على تقرير هذا املنهج‪.‬‬

‫فمن األدلة على األصل األول‪ :‬وهو تنـزيه الرب ‪ ‬عن مشاهبة املخلوقني‪ ،‬قول هللا تبارك وتعـاىل‪ { :‬‬

‫‪(}      ‬الشورى‪ .)11 :‬ومقتضى اآلية نفي املماثلة بني اخلالق‬

‫واملخـلوق من كل وجه مع إثبات السمع والبصر هلل ‪ ‬ويف هذا إشـارة إىل أن ما يثبت هلل من السـمع والبصر ليس‬
‫كما يثبت للمخلوقني من هاتني الصفتني مع كثـرة من يتصف هبما من املخلوقني‪ .‬وما يقال يف السـمع والبصر يقال‬

‫يف غريمها من الصفات‪ .‬واقرأ قوله تعـاىل‪         { :‬‬

‫‪ .}          ‬أورد ابن كثري يف تفسري اآلية مـا رواه‬

‫البخـاري عن عائشة رضي هللا عنـها قالت‪ " :‬احلمد هلل الذي وسع مسعه األصوات لقد جاءت اجملادلة إىل النيب ‪‬‬

‫تكلمه وأان يف انحية البيت ما أمسع فأنزل هللا عز وجـل { ‪      ‬‬

‫‪.}‬‬

‫‪45‬‬
..‫العقيدة اإلسالمية‬

‫ قال الطربي يف تفسري‬.)74 :‫}(النحل‬     { :‫أيضا قول هللا تعاىل‬
ً ‫ومن األدلة‬

." ‫ " فال متثلوا هلل األمثال وال تشبهوا له األشباه فإنه ال مثل له وال شبه‬:‫اآلية‬

‫) قال ابن عبـاس رضي هللا عنهما يف‬65 :َ‫}(مرمي‬     { :‫وقال تعاىل‬

." ‫شبيها‬
ً ‫مثال أو‬
ً ‫ " هل تعلم للرب‬:‫تفسريها‬
)4 :‫}(اإلخالص‬      { :‫ قول هللا تبارك وتعاىل‬:‫ومن األدلة هلذا األصل‬

." ‫ " ومل يكن له شبيه وال عدل وليس كمثله شيء‬:‫قال الطربي‬
{  ‫ قول هللا‬،‫ وهو اإلميان مبا جاء يف الكتاب والسـنة من أمساء هللا وصفاته‬:‫ومن األدلة على األصل الثاين‬
                        

                    

{ :‫ وقوله تعـاىل‬.)255 :‫}(البقرة‬            
     { :‫ وقوله تعاىل‬.)3 :‫}(احلديد‬          
                    

              

-22 :‫}(احلشر‬                

.)24
‫ أيمران إذا أخذان مضجعنا‬ ‫ كـان رسول هللا‬:‫ومن السنة حديث أيب هريرة الذي أخرجه مسلم يف صحيحه قال‬
‫ ومنـزل‬،‫ { اللهم رب السماوات ورب األرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق احلب والنـوى‬:‫أن نقول‬
‫ وأنت‬،‫ اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‬.‫التوراة واإلجنيل والفرقان أعوذ بك من شر كل دابة أنـت آخـذ بناصيتها‬
‫ اقض عنا الديْن وأ ْغنِّنا‬،‫ وأنت الباطن فليس دونك شيء‬،‫اآلخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء‬
.‫ والنصوص يف تقرير هذا الباب كثرية جتل عـن احلصر‬.}‫من الفقر‬

46
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫{‬ ‫وأما األصل الثالث وهو قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات هللا تبـارك وتعاىل فقد دل عليه قول هللا تعاىل‪:‬‬
‫‪(}          ‬طه‪ .)110 :‬قال بعض أهل العلم يف معىن‬

‫اآلية‪ " :‬ال إحاطة للعلم البشري برب السماوات واألرض فينفي جنس أنواع اإلحاطـة عـن كيفيتها "‪.‬‬
‫أيضا قول هللا تعـاىل‪(}       { :‬األنعام‪)103 :‬‬
‫ومن األدلة هلذا األصل ً‬
‫قال بعض العلماء يف معرض حديثه عن اآلية‪ " :‬وهذا يدل على كمال عظمته وأنه أكرب من كل شيء‪ ،‬وأنه لكـمال‬
‫عظمته ال يدرك حبيث حياط به فإن اإلدراك وهو اإلحاطة ابلشيء قدر زائد علـى الرؤية فالرب يرى يف اآلخرة وال‬
‫يدرك كما يعلم وال حياط بعلمه "‪ .‬وينبغي للعاقل أن يعلم أن للعقل حدا يصل إليه وال يتعداه كما أن للسمع والبصر‬
‫حدا ينتهيان إليه‪ ،‬فمن تكلف ما ال ميكن أن يدرك ابلعقل كالتفكر يف كيفية صفات هللا‪ ،‬فهو كالذي يتكلف أن‬
‫يبصر ما وراء اجلدار أو يسمع األصوات يف األماكن البعيدة جدا عنه‪.‬‬
‫اإلميان ابملالئكة‬
‫تعريفهم‪:‬‬
‫املالئكة‪ :‬مجع ملَك‪ .‬أخذ من (األَلُ ِّ‬
‫وك) وهي‪ :‬الرسالة‪.‬‬ ‫َ‬
‫وهم‪ :‬خلق من خملوقات هللا‪ ،‬هلم أجسام نورانية لطيفـة قـادرة علـى التشكل والتمثل والتصور ابلصور الكرمية‪ ،‬وهلم‬
‫قوى عظيمة‪ ،‬وقدرة كبـرية على التنقل‪ ،‬وهم خلق كثري ال يعلم عددهـم إال هللا‪ ،‬قـد اختـارهم هللا واصطفاهم لعبادته‬
‫والقيام أبمره‪ ،‬فال يعصون هللا ما أمرهم‪ ،‬ويفعلـون مـا يؤمرون‪.‬‬
‫منـزلة اإلميان هبم‪:‬‬
‫اإلميان ابملالئكة ركن من أركـان اإلميان يف الدين اإلسالمي‪ ،‬ال يتحقـق اإلميان إال به‪ .‬وقد نص هللا على ذلك يف‬
‫كتابه‪ .‬وأخرب عنـه النيب ‪ ‬يف سنته‪.‬‬

‫قال تعاىل { ‪           ‬‬

‫‪(}  ‬البقرة‪ )285 :‬فأخرب أن اإلميان ابملالئكة مع بقيـة أركـان اإلميان مما أنـزله على‬

‫رسوله وأوجبه عليه وعلى أمته وأهنم امتثلـوا ذلك‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وقال تعاىل يف آية أخرى‪         { :‬‬

‫‪(}         ‬البقرة‪:‬‬

‫الرب اسـم جامع للخري‪ -‬وذلك أن هذه األشياء املذكورة هـي أصـول‬ ‫‪ .)177‬فجعل اإلميان هبذه اخلصال دليل ِّ‬
‫الرب‪ -‬و ُّ‬
‫األعمـال الصاحلة‪ ،‬وأركان اإلميان اليت تتفرع منها سائر شعبه‪.‬‬

‫كـما أخرب هللا ‪ ‬يف مقابل هذا أن من كفر هبذه األركان فقد كفـر ابهلل‪ :‬فقال‪   { :‬‬

‫‪(}         ‬النسـاء‪)136 :‬‬

‫فأطلق الكفر على من أنكر هذه األركـان‪ ،‬ووصفه ابلبعد يف الضالل‪ .‬فدل ذلك أن اإلميان ابملالئكة ركن عظيم مـن‬
‫أركان اإلميان وأن تركه خمرج من امللة‪.‬‬
‫موضحا يف حديث جربيل املشهور الذي أخرجه اإلمام مسلم يف‬
‫ً‬ ‫وقد دلت السنة كذلك على هذا‪ .‬وهو ما جاء‬
‫صحيحه من حديث عمر بن اخلطـاب ‪ ‬قال‪{ :‬بينما حنن عند رسول هللا ‪ ‬ذات يوم إذ طلع علينا رجل شـديد‬
‫بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر‪ ،‬ال يرى عليه أثر السفر‪ ،‬وال يعرفه منـا أحد‪ ،‬حىت جلس إىل النيب ‪ ‬فأسند ركبتيه‬
‫إىل ركبتيه‪ ،‬ووضع كفيه علـى فخذيه‪ ،‬وقال‪ :‬اي حممد ! أخربين عن اإلسالم ؟ فقال رسول هللا ‪ ‬اإلسالم أن تشهد‬
‫حممدا رسول هللا ‪ ‬وتقيم الصالة‪ ،‬وتـؤيت الزكـاة وتصوم رمضان‪ ،‬وحتج البيت إن استطعت إليه‬
‫أن ال إله إال هللا وأن ً‬
‫سبيال‪ .‬قال‪ :‬صدقـت‪ .‬قال‪ :‬فعجبنا له‪ ،‬يسأله ويصدقه‪ .‬قال‪ :‬فأخربين عن اإلميان ؟ قال‪ :‬أن تؤمـن ابهلل‪ ،‬ومالئكته‪،‬‬
‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ .‬وتؤمن ابلقدر خريه وشـره‪ .‬قال‪ :‬صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخربين عن اإلحسان‪ .‬قال‪ :‬أن تعبد هللا‬
‫كأنك تـراه‪ ،‬فإن مل تكن تراه فإنه يراك‪ .‬قال‪ :‬فأخربين عن الساعة ؟ قال ما املسؤول عنـها أبعلم من السائل‪ .‬قال‪:‬‬
‫العالة‪ِّ ،‬رعاءَ الشاء‪ ،‬يتطاولون يف البنيان‪ .‬قال‪:‬‬
‫فأخربين عن أماراهتا ؟ قال‪ :‬أن تلد األمة ربتـها‪ .‬وأن ترى ا ْحلُفاة العُراة‪َ ،‬‬
‫قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلـم‪ .‬قال‪ :‬فإنه جربيل‪ ،‬أاتكـم‬
‫مث انطلـق فلبثت مليًّا مث قال يل‪ :‬اي عمر ! أتدري من السائل ؟ َ‬
‫يعلمكم دينكـم}‪.‬‬
‫فهذا حديث عظيم اشتمل على أصول الدين ومراتبه كلها وهو منـهج فريد يف تعليم هذا الدين جاء على طريقة‬
‫احلوار بني الرسول امللكي‪ ،‬أفضـل املالئكة وهو جربيل عليه السالم وبني الرسول اإلنسي أفضل البشر‪ ،‬وهـو حممد ‪‬‬

‫‪48‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫فينبغي للمسلمني أن يعنوا هبذا احلديث العظيم وأن يستمدوا منهجهم يف التعلم والتعليم منه كما كـان على ذلك‬
‫السـلف رضـوان هللا عليهم‪ .‬وقد تضمن احلديث ذكر املالئكة وأن اإلميان هبم ركن من أركـان اإلميان وهو املقصود‬
‫هنا‪ ..‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫كيفية اإلميان ابملالئكة‪:‬‬
‫اإلميان ابملالئكة يتضمن عدة أمور ال بد للعبد من حتقيقها حىت يتحقق لـه اإلميان ابملالئكة وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اإلقرار بوجودهم والتصديق هبم كما دلت على ذلـك النصـوص املتقدمة من أن اإلميان هبم ركن من أركان‬
‫اإلميان فال يتحقـق اإلميـان إال بذلك‪.‬‬
‫‪ - 2‬اإلميان أبهنم خلق كثري جدًّا ال يعلم عددهم إال هللا تعاىل كـما دلـت على ذلك النصوص‪ .‬قال تعاىل {‬

‫‪(}      ‬املدثر‪.)31 :‬‬

‫أي ال يعلم جنود ربك وهم املالئكة إال هو وذلك لكثرهتم‪ .‬قـال بذلـك بعض السلف‪.‬‬
‫وجاء يف حديث اإلسراء الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث مالك بن صعصعة ‪ ‬عن النيب ‪‬‬
‫قال‪{ ...( :‬مث رفع يل البيت املعمور‪ ،‬فقلت‪ :‬اي جربيل ! ما هذا ؟ قال‪ :‬هذا البيت املعمور‪ .‬يدخله كل يوم سـبعون‬
‫ألـف ملك‪ ،‬إذا خرجوا منه مل يعودوا فيه آخر ما عليهم}‪.‬‬

‫‪ - 3‬اإلقرار هلم مبقاماهتم العظيمة عند رهبم وكرمهم عليه وشرفهم عنـده كـما قال تعاىل‪  { :‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪(} ‬األنبياء‪ .)27 ،26 :‬وقال جـل وعال‪     { :‬‬

‫‪(}‬عبس‪ .)16 ،15 :‬فوصفهم أبهنم مكرمون منـه سبحانه‪ .‬وقال تعاىل يف حقـهم‪   { :‬‬

‫‪(}        ‬فصلت‪ - 384 :‬اعتقاد تفاضلهم وعدم‬

‫تساويهم يف الفضل واملنـزلة عند هللا على ما دلت على ذلك النصوص‪ :‬قال تعاىل‪   { :‬‬

‫‪(}         ‬احلج‪ .)75 :‬وقال ‪{ ‬‬

‫‪49‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪(}          ‬النساء‪)172 :‬‬

‫فأخـرب أن منـهم مصطفني ابلرسالة ومقربني‪ ،‬فدل على فضلهم على غريهم‪ .‬وأفضل املالئكة‪ :‬املقربون مع محلة العرش‪.‬‬
‫وأفضل املقربني املالئكة الثالثة الوارد ذكرهـم يف دعاء النيب ‪ ‬الذي كان يفتتح به صالة الليل فيقول‪{ :‬اللهم رب‬
‫جـربيل وميكـائيل وإسرافيل فاطر السماوات واألرض عامل الغيب والشهادة}‪.) ..‬‬
‫وأفضل الثالثة جربيل عليه السالم وهو املوكـل بـالوحي‪ ،‬فشـرفه بشرف وظيفته‪ .‬وقد ذكره هللا يف كتابه مبا مل يذكر‬

‫أبشرف األمساء‪ ،‬ووصفه أبحسن الصفات‪ .‬فمن أمسائه الروح‪ :‬قال تعـاىل‪  { :‬‬
‫غريه من املالئكة‪ ،‬ومسـاه َ‬

‫‪(}  ‬الشعراء‪ .)193 :‬وقال عز وجـل‪(}    { :‬القدر‪:‬‬

‫‪ .)4‬وقد ورد هذا االسم مضافًا إىل هللا تعاىل إضافـة تشريف‪ .‬قال تعـاىل‪    { :‬‬

‫‪(}   ‬مرمي‪ .)17 :‬وورد مضافًا إىل القدس‪ ،‬قال تعاىل { ‪   ‬‬

‫‪(} ‬النحل‪ )102 :‬والقدس هو هللا على الصحيح من أقوال املفسرين‪ .‬ومما جاء يف وصفه قوله تعـاىل‪:‬‬

‫{ ‪              ‬‬

‫‪(}‬التكوير‪ .)21 -19 :‬وقال تعاىل‪       { :‬‬

‫‪(}‬النجم‪ )6 ،5 :‬فوصفه هللا تعاىل أبنه رسـول وأنـه كرمي عنده‪ ،‬وأنه ذو قوة ومكانة عند ربه سبحانه‪ ،‬وأنه مطاع‬

‫يف السماوات‪ ،‬وأنه أمني على الوحي وأنه ذو مرة (أي مظهر حسن)‪.‬‬

‫‪ - 5‬مواالهتم واحلذر من عداوهتم لقوله تعاىل‪    { :‬‬

‫‪(} ‬التوبة‪ ) 71 :‬فدخل املالئكة يف هذه اآلية؛ ألهنـم مؤمنـون قائمون بطاعة رهبم كما أخرب هللا عنهم { ‪‬‬

‫‪(}       ‬التحرمي‪.)6 :‬‬

‫‪ - 6‬االعتقاد أبن املالئكة خلق من خلق هللا ال شأن هلم يف اخللق والتدبـري وتصريف األمور‪ ،‬بل هم جند من‬
‫جنود هللا يعملون أبمر هللا‪ ،‬وهللا تعاىل هو الذي بيده األمر كله ال شريك له يف ذلك‪ .‬كما أنه ال جيوز صرف شـيء‬

‫‪50‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫من أنواع العبادة هل م‪ ،‬بل جيب إخالص العبادة خلالقـهم وخـالق اخللـق أمجعني‪ ،‬الذي ال شريك له يف ربوبيته وألوهيته‬

‫وال مثيـل لـه يف أمسائـه وصفاته‪ .‬وقد بني هللا تعاىل ذلك فقال عز مـن قـائل‪    { :‬‬

‫‪(}          ‬آل عمران‪.)80 :‬‬

‫وقال تعـاىل‪            { :‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪(}           ‬األنبياء‪:‬‬

‫‪ .) 29-26‬فأخرب سبحانه أنه مل أيمر بعبادهتم وكيف يـأمر بعبـادهتم وهي كفر ابهلل العظيم مث أبطل تعاىل دعوى من‬
‫زعم أن املالئكة بنـات هللا ونـزه نفسه عن ذلك‪ ،‬وبني أهنم عباد مكرمون بكرامته هلم عاملون بـأمره مشفقون من‬
‫خشيته وأهنم ال ميلكون الشفاعة ألحد إال من رضي هللا عنـه من أهل التوحيد‪ .‬مث ختم السياق ببيان جزاء من ادعى‬
‫األلوهية منـهم وأن جزاءه جهنم‪ ،‬فظهر من ذلك أهم عباد مربوبون ال حول هلم وال قـوة إال برهبم وخالقهم‪.‬‬
‫‪ - 7‬اإلميان املفصل مبن جاء التصريح بذكرهم من املالئكة علـى وجـه اخلصوص يف الكتاب والسنة‪ :‬كجربيل‪،‬‬
‫وميكائيل‪ ،‬وإسـرافيل‪ ،‬ومـالك‪ ،‬وهاروت وماروت‪ ،‬ورضوان‪ ،‬ومنكر ونكري‪ ،‬وغريهم ممن جاءت النصـوص‬
‫بتسميتهم‪ .‬وكذلك من جاءت النصوص ابإلخبار عنه ابلوصف‪ :‬كرقيـب وعتيد‪ ،‬أو بذكر وظيفته‪ :‬كملك‬
‫املوت وملك اجلبـال‪ ،‬أو مـن جـاءت النصوص بذكر وظائفهم يف اجلملة‪ :‬كحملة العرش‪ ،‬والكـرام الكـاتبني‬
‫واملوكلني حبفظ اخللق‪ ،‬واملوكلني حبفظ األجنة واألرحام‪ ،‬وطواف البيـت املعمور‪ ،‬واملالئكة السياحني‪ ،‬إىل‬
‫آخر من أخرب هللا ورسـوله ‪ ‬عنـهم‪.‬‬
‫‪ -‬وظائف املالئكة‬
‫كثريا مـن األعمـال اجلليلة‪ ،‬والوظائف الكبرية‪ ،‬وأعطاهم القدرة‬
‫املالئكـة جند من جنود هللا تعاىل‪ ،‬أسند هللا إليهم ً‬
‫على أتديتها على أكمل وجـه‪ .‬وهم حبسب ما هيأهـم هللا تعاىل له ووكلهم به على أقسام‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫فمنهم املوكل ابلوحي من هللا تعاىل إىل رسله عليهم الصالة والسـالم وهو جربيل عليه السالم‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪(}‬الشعراء‪ )195 -193 :‬وقد تقدم أنـه أفضل املالئكة وأكرمهم على هللا‪ ،‬وقد وصفه هللا ابلقوة واألمانة على‬

‫أتديـة مهمته‪.‬‬
‫ومل يره النيب ‪ ‬يف صورته اليت ُخلق عليها إال مرتني‪ ،‬وبقية األوقـات أيتيه يف صورة رجل‪ .‬رآه مرة ابألفق من‬

‫انحية املشرق ويف ذلك يقـول هللا تعاىل { ‪(}    ‬التكوير‪ .)23 :‬ورآه مرة اثنية‬

‫ليلة اإلسراء يف السماء وهذا ما أخرب هللا عنه بقولـه‪       { :‬‬

‫‪(}     ‬النجم‪.)15 -13 :‬‬

‫ومنهم املوكل ابلقطر والنبات وهو ميكائيل عليه السـالم وقـد ورد ذكره يف القرآن‪ .‬قال تعاىل‪  { :‬‬

‫‪         ‬‬

‫‪(}‬البقرة‪ ) 98 :‬وهو ذو مكانه عالية‪ ،‬ومنـزلة رفيعة عند ربه‪ ،‬ولذا خصه هللا هنا ابلذكر مع جربيل‪ ،‬وعطفـهما‬

‫علـى املالئكة‪ ،‬مع أهنما من جنسهم لشرفهما‪ ،‬من قبيل عطف اخلاص على العام‪ .‬وكذا ورد ذكره يف السنة على ما‬
‫تقدم يف دعاء النيب ‪ ‬يف صالة الليل أنه يقول‪{ :‬اللهم رب جربيل وميكـائيل وإسرافيل}‪ .) ..‬ولذا قال العلمـاء إن‬
‫هؤالء الثالثة املذكورين هم أفضل املالئكة‪.‬‬
‫ابلصور وهو إسرافيل عليه السالم وهو اثلث املالئكـة املفضلني املتقدم ذكرهم‪.‬‬
‫ومنهم املوكل ُّ‬

‫ومنهم املوكل بقبض األرواح وهو ملك املـوت قـال تعـاىل‪      { :‬‬

‫‪(}      ‬السجدة‪.)11 :‬‬

‫ومللك املوت أعوان من املالئكة‪ ،‬أيتون العبد حبسب عملـه‪ ،‬وإن كـان حمسنًا ففي أحسن هيئة‪ ،‬وإن كان مسيئًا‬
‫ففي أشنع هيئـة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫قـال تعاىل‪          { :‬‬

‫‪(}‬األنعام‪.)61 :‬‬

‫ومنهم املوكل ابجلبال وهو ملك اجلبال‪ ،‬وقد ورد ذكـره يف حديـث خروج النيب ‪ ‬إىل أهل الطائف يف بداية‬
‫البعثة ودعوتـه إيـاهم وعـدم استجابتهم له وفيه يقول النيب ‪{ ‬فإذا أان بسحابة قد أظلتين‪ ،‬فنظـرت فإذا فيها جربيل‪،‬‬
‫فناداين فقال‪ :‬إن هللا قد مسع قول قومك لك ومـا ردوا عليك‪ ،‬وقد بعث هللا إليك ملك اجلبال لتأمره مبا شئت فيهم‪،‬‬
‫فناداين ملـك اجلبال‪ .‬فسلم علي مث ق ال‪ :‬اي حممد‪ .‬فـقال‪ :‬ذلك فيما شئت‪ ،‬إن شـئت أن أطبق عليهم األخشبني‪.‬‬
‫فقال النيب ‪ ‬بل أرجو أن خيرج هللا من أصالهبـم من يعبد هللا وحده ال يشرك به شيئًا}‪ .‬واألخشبان‪ :‬مها جبال مكةَ‪:‬‬
‫أبـو قبيس والذي يقابله‪.‬‬
‫ومنهم امللك املوكل ابلرحم على ما دل عليه حديث أنس بن مـالك ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬إن هللا ‪ ‬وكل‬
‫رب! علقة‪ .‬اي ِّ‬
‫رب مضغة‪ .‬فإذا أراد أن يقضي خلقه‪ ،‬قـال‪ :‬أذكـر أم أنثى ؟ شقي أم‬ ‫رب! نطفـة‪ .‬اي ِّ‬
‫مل ًكا يقول‪ :‬اي ِّ‬

‫سعيد ؟ فما الرزق واألجل ؟ فيكتب يف بطن أمه}‪.‬‬

‫ومنهم محلة العرش قال تعـاىل‪       { :‬‬

‫‪(}     ‬غـافر‪.)7 :‬‬

‫وقال تعاىل‪(}       { :‬احلاقة‪ .)17 :‬قـال بعض‬

‫العلماء‪ :‬الذين حول العرش هم املالئكة (الكروبيون) وهم مع محلة العرش أشرف املالئكة‪.‬‬

‫ومنهم خزنة اجلنة ‪ .‬قال تعاىل { ‪         ‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪( }‬الزمر‪ .)73 :‬وقال تعاىل { ‪       ‬‬

‫‪(}        ‬الرعد‪.)23 :‬‬

‫‪53‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ومنهم خزنة النار عياذاَ ابلل منها وهم الزابنية ورؤسـاؤهم تسـعة عشر‪ .‬قال تعاىل { ‪   ‬‬

‫‪(}         ‬غافر‪ )49 :‬وقال تعـاىل {‬

‫‪(}     ‬العلق‪ .)18 ،17 :‬وقال تعـاىل‪   { :‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪(}‬املدثر‪)31 ،30 :‬‬

‫ومنهم زوار البيت املعمور ‪ :‬يدخل يف كل يوم منهم البيـت املعمـور سبعون ألف ملك مث ال يعودون إليه على ما‬
‫ثبت من حديث مـالك بـن صعصعة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪ { ...( :‬مث رفـع يل البيت املعمور‪ ،‬فقلت‪ :‬يـا جربيل! ما‬
‫هذا ؟ قال‪ :‬هذا البيت املعمور‪ .‬يدخله كل يوم سبعون ألف ملك‪ ،‬إذا خرجوا منه مل يعودوا فيه آخر ما عليهم}‪.‬‬

‫ومنهم مالئكة سياحون يتبعون جمالس الذكر فقد َ‬


‫روى الشيخان مـن حديث أيب هريرة عن النيب ‪ ‬أنه قال‪:‬‬
‫قوما يذكـرون هللا تنـادوا هلمـوا إىل حاجتكـم قال‬
‫{إن هلل مالئكة يطوفون يف الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا ً‬
‫فيحفوهنم أبجنحتهم إىل السماء الدنيا}‪ ) ...‬قال العلمـاء‪ :‬وهؤالء املالئكة زائدون عن احلفظة وغريهم من املرتبني مع‬
‫اخلالئق‪.‬‬

‫ومنهم الكرام الكاتبون وعملهم كتابة أعمال اخللق وإحصاؤها عليـهم‪ .‬قـال تعاىل { ‪ ‬‬

‫‪(}        ‬االنفطار‪ )12 -10 :‬وقال تعاىل {‬

‫‪              ‬‬

‫‪(}  ‬ق‪ ) 17،18 :‬قال جمـاهد يف تفسري اآلية‪ :‬ملك عن ميينه وآخر عن يساره فأما الذي عن‬

‫ميينـه فيكتـب اخلري‪ ،‬وأما الذي عن مشاله فيكتب الشر‪.‬‬


‫ومنهم املوكلون بفتنة القب وسؤال العباد يف قبورهم ومها ُم ْن َكـر ونَكِّري‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اإلميان ابلكتب‬
‫ا لكتب مجع كتاب‪ .‬والكتاب مصدر كتب يكتب كتااب‪ ،‬مث مسـي بـه املكتوب والكتاب يف األصل اسم للصحيفة‬

‫مع املكتوب فيها كـما يف قولـه تعـاىل‪        { :‬‬

‫‪(} ‬النسـاء‪ )153 :‬يعين صحيفة مكتوابَ فيها‪.‬‬

‫ـذي أوحاه إىل رسله عليهم السالم‪ .‬سواء ما‬


‫واملراد ابلكتب هنا‪ :‬الكتب والصحف اليت حوت كالم هللا تعاىل ال َ‬
‫ألقاه مكتواب كالتوراة‪ ،‬أو أنـزله عن طريق امللك مشافهة فكتب بعد ذلك كسائر الكتب‪.‬‬
‫حكم اإلميان ابلكتب‪:‬‬
‫اإلميان بكتب هللا اليت أنـزل على رسله كلها ركن عظيـم من أركـان اإلميان وأصل كبري من أصول الدين‪ ،‬ال يتحقق‬
‫اإلميان إال به‪ .‬وقد دل علـى ذلك الكتاب والسنة‪.‬‬

‫فمن الكتاب قوله تعاىل‪        { :‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪(}        ‬النساء‪ .)136 :‬فأمر هللا عباده‬

‫املؤمنني يف اآلية ابلدخول يف مجيـع شـرائع اإلميان وشعبه وأركانه‪ .‬فأمرهم ابإلميان ابهلل ورسـوله وهـو حممـد ‪ ‬والكتاب‬
‫الذي أنـزل على رسوله وه و القرآن‪ ،‬والكتاب الذي أنـزل من قبل وهو مجيع الكتب املتقدمة‪ :‬كالتوراة‪ ،‬واإلجنيل‪،‬‬
‫والزبـور‪ ،‬مث بـني يف ختام اآلية أن من كفر بشيء من أركان اإلميان فقد ضل ضـالال بعيـدا وخرج عن قصد السبيل ومن‬
‫أركان اإلميان املذكورة اإلميان بكـتب هللا‪.‬‬

‫وقال تعـاىل‪           { :‬‬

‫‪(}       ‬البقرة‪ .)177 :‬فأخرب ‪ ‬أن‬

‫حقيقة الرب‪ :‬هو اإلميان مبا ذكر من أركـان اإلميان‪ ،‬والعمل خبصال الرب الواردة يف اآلية بعد هذا‪ .‬وذكر مـن أركـان‬

‫‪55‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اإلميان‪ " :‬اإلميان ابلكتاب " قال ابن كثري‪ :‬هو اسم جنس يشمل الكتـب املنـزلة من السماء على األنبياء‪ .‬حىت‬
‫ختمت أبشرفها‪ ،‬وهـو القرآن املهيمن على ما قبله من الكتب‪.‬‬

‫ولتقرير اإلميان ابلكتب كلها أمر هللا عباده املؤمنني أن خيـاطبوا أهـل الكتاب بقوله تعـاىل‪  { :‬‬

‫‪           ‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪(}  ‬البقرة‪ .)136 :‬فتضمنت اآلية إميان املؤمنني مبا أنـزل هللا عليهم بواسـطة رسوله ‪ ‬وما‬

‫أنـزل على أعيان الرسل املذكورين يف اآلية‪ ،‬وما أنزل على بقية األنبياء يف اجلملة وأهنم ال يفرقون بني الرسل يف اإلميان‬
‫ببعضـهم دون بعض فانتظم ذلك اإلميان جبميع الرسل وكل ما أنـزل هللا عليهم مـن الكتب‪.‬‬
‫واآلايت يف تقرير هذا من كتاب هللا كثرية‪.‬‬
‫وأما السنة فقد دلت كذلك على وجوب اإلميان ابلكتب‪ .‬وأن اإلميان هبا ركن من أركان اإلميان‪ ،‬دل على ذلك‬
‫حديث جربيل‪ ،‬وسؤاله النيب ‪ ‬أركان اإلميان‪ ،‬فذكر النيب ‪ ‬يف إجابته‪ :‬اإلميان ابلكتب مع بقية أركان اإلميان‪ .‬وقد‬
‫تقدم احلديث بنصه يف الفصل السابق فأغىن عن إعادته هنا‪.‬‬
‫فتقرر هبذا وجوب اإلميان ابلكتب والتصديق هبا مجيعها‪ ،‬واعتقاد أهنا كلها من هللا تعاىل أنـزهلا على رسله ابحلق‬
‫واهلدى والنور والضيـاء‪ ،‬وأن من كذب هبا أو جحد شيئا منها فهو كافر ابهلل خارج من الدين‪.‬‬

‫‪(}       ‬آل عمران‪.)79 :‬‬

‫سالمة القرآن من التحريف وحفظ هللا له وأدلة ذلك‪:‬‬


‫أما القرآن العظيم فهو سليم مما طرأ على الكتب السابقة من التحريـف والتبديل وهو حمفوظ من كل ذلك حبفظ‬

‫هللا له وصيانته إايه كما أخـرب هللا عن ذلك بقوله‪       { :‬‬

‫‪(}‬احلجر‪ .)9 :‬قـال الطربي يف تفسري اآلية‪ " :‬قال وإان للقرآن حلافظون من أن يزاد فيه ابطل مـا ليس منه‪ ،‬أو‬

‫ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه"‪ .‬كمـا أخرب هللا يف آايت أخرى عن متام إحكامه للقرآن وتفصيله‬

‫‪56‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وتنـزيهه مـن كل ابطل فقال عز من قائل‪          { :‬‬

‫‪ (}    ‬فصلت‪ .)42 :‬وقال تعاىل‪      { :‬‬

‫‪ (}     ‬هود‪ .)1 :‬وقال عز وجـل‪    { :‬‬

‫‪(}       ‬القيامة‪.)17 ،16 :‬‬

‫فدلت هذه اآلايت على كمال حفظ هللا للقرآن لفظـا ومعىن بـدءا بنـزوله إىل أن أيذن هللا برفعه إليه سليما من‬
‫كل تغيري أو تبديل‪ .‬إذ تكفـل بتعليمه لنبيه ‪ ‬مث مجعه يف صدره وبيانه له وتفسريه يف سنته املطـهرة‪ ،‬مث ما هيأ هللا له‬
‫بعد ذلك من عدول الرجال الذيـن حفظـوه يف الصـدور والسطور‪ ،‬عرب األجيال والقرون‪ ،‬فبقي سليما منـزها من كل‬
‫ابطل‪ ،‬يقرؤه الصغار والكبار‪ ،‬على خمتلف األعصار واألمصار‪ ،‬غضا طراي كما أنـزل من هللا على رسوله ‪. ‬‬
‫وقد نبه العلماء يف هذا املقام إىل سر لطيف ونكتة بديعة تتعلـق جبـواز التحريف على التوراة وعدم جوازه على‬
‫القرآن على ما روى أبو عمـرو الداين عن أيب احلسن املنتاب قال‪( :‬كنت يوما عند القاضي أيب إسـحاق إمساعيل بن‬
‫إسحاق فقيل له‪ :‬مل جاز التبديل على أهل التوراة ومل جيز علـى أهل القرآن ؟ فقال القاضي‪ :‬قال هللا عـز وجـل يف أهـل‬

‫التـوراة { ‪(}    ‬املائدة‪ )44 :‬فوكل احلفظ إليهم فجاز التبديـل عليهم‪ .‬وقال يف‬

‫القرآن { ‪(}       ‬احلجر‪ )9 :‬فلم جيز التبديل عليهم‪ .‬قال‪:‬‬

‫فمضيت إىل أيب عبد هللا احملاملي فذكرت لـه احلـكـاية فقال‪ " :‬ما مسعت كالما أحسن من هذا "‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اإلميان ابألنبياء والرسل‬


‫اإلميان برسل هللا تعاىل واجب من واجبات هذا الدين وركن عظيم مـن أركـان اإلميان‪ .‬وقد دلت على‬
‫ذلك األدلة من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪             ‬‬ ‫قال تعاىل‪{ :‬‬
‫‪(}           ‬الب َقرة‪ .)285 :‬فذكر هللا تعاىل اإلميان‬
‫ابلرسل يف مجلة ما آمن بـه الرسول واملؤمنون‪ ،‬من أركان اإلميان‪ .‬وبني أهنم يف إمياهنم ابلرسـل ال يفرقون‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫بينهم فيؤمنوا ببعضهم دون بعض‪ ،‬بل يصدقون هبم ً‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫وقد بني هللا يف كتابه حكم من ترك اإلميان ابلرسل‪ .‬فقال تعـاىل‪:‬‬
‫‪              ‬‬

‫‪(}       ‬النساء‪ .)151 ،150 :‬فأطلق الكفر علـى من كـذب‬
‫ابلرسل أو فرق بينهم ابإلميان ببعضهم والكفر ببعضهم‪ .‬مث قرر أن هـؤالء هم الكافرون حقًّا أي الذين‬
‫حتقق كفرهم وتقرر صراحة‪.‬‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫كما بني هللا يف مقابل ذلك يف السياق نفسه ما عليه أهل اإلميان مـن ذلك فقال‪:‬‬
‫‪               ‬‬

‫‪(}‬النساء‪ .)152 :‬فوصفـهم ابإلميان ابهلل ورسله كلهم من غري تفريق بني الرسل يف اإلميان ببعضهم‬
‫دون بعض وإمنا يعتقدون أهنم مرسلون من هللا تعاىل‪.‬‬
‫وأما السنة فدلت كذلك على ما دل عليه الكتاب من أن اإلميان ابلرسل ركن من أركان اإلميان وقد‬
‫َدل على ذلك حديث جربيل املتقدم بنصـه يف مبحـث " اإلميان ابملالئكة " وفيه أن النيب ‪ ‬أجاب ملا‬
‫سأله جربيل علـيه السالم عن اإلميان فقال‪{ :‬أن تؤمن ابهلل ومالئكـته وكتبه ورسـله واليـوم اآلخر}‪)...‬‬
‫احلديث‪ .‬فذكر اإلميان ابلرسل مع بقية أركان اإلميان األخرى الواجـب على املسلم حتقيقها واعتقادها‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اإلميان مبحمد صلى هللا عليه وسلم ويتضمن أمورا‪:‬‬


‫أحدا منـهم إال اتباعه واإلميان برسالته‪.‬‬
‫‪ - 1‬عموم رسالته لكافة الثقلني من اجلن واإلنس فال يسع ً‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫قال تعاىل‪(}       { :‬سبأ‪ .)28 :‬وقال تعـاىل‪:‬‬
‫‪(}‬الفرقان‪ .)1 :‬قال ابن عباس رضي هللا‬ ‫‪     ‬‬

‫عنهما‪ " :‬العاملني‪ :‬اجلن واإلنس "‪ .‬وعن أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬فضلت علـى األنبياء‬
‫طهورا‬
‫ً‬ ‫بست‪ :‬أعطيت جوامع الكلم‪ ،‬ونصرت ابلرعب‪ ،‬وأحلـت يل الغنائم‪ ،‬وجعلت يل األرض‬
‫مسجدا‪ ،‬وأرسلت إىل اخللق كافة‪ ،‬وختـم يب النبيون}‪ .‬وأخرج اإلمام مسلم يف صحيحه عن أيب‬
‫و ً‬
‫هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬والذي نفس حممد بيده ال يسمع يب أحد مـن هـذه األمـة يهودي وال‬
‫نصراين‪ ،‬مث ميوت ومل يؤمن ابلذي أرسلت به إال كـان مـن أصحاب النار}‪.‬‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫‪ - 2‬أنه خامت األنبياء واملرسلني كما دلت على ذلك النصوص‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪(}‬األحزاب‪ .)40 :‬وأخرج الشيخان من حديث أيب‬ ‫‪      ‬‬

‫هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪({ :‬إن مثلي ومثل األنبياء من قبلي كمثل رجل بىن بيتًا فأحسنه وأمجلـه‪ ،‬إال‬
‫موضع لبنة من زاوية‪ ،‬فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولـون‪ :‬هال وضعت هذه اللبنة ؟ قال‪ :‬فأان‬
‫اللبنة وأان خامت النبيني}‪ .‬وهلذه النصوص أمجعت األمة سل ًفا وخل ًفا على هذه العقيدة كما أمجعت على‬
‫تكفـري مـن ادعى النبوة بعده ‪ ‬ووجوب قتل مدعيها إن أصر علـى ذلـك‪ .‬قـال األلوسي‪ " :‬وكونه ‪‬‬
‫خامت النبيني مما نطق به الكتاب‪ ،‬وصدعت به السـنة‪ ،‬وأمجعت عليه األمة‪ ،‬فيكفر مدعي خالفه ويقتل‬
‫إن أصر "‪.‬‬
‫‪ - 3‬حمبته ‪ ‬وتقدمي حمبته على النفس وسائر اخللق‪ .‬واحملبة وإن كـانت واجبة لعموم األنبياء‬
‫والرسل إال أن لنبينا ‪ ‬مزيد اختصاص هبا ولذا وجب أن تكون حمبته مقدمة على حمبة الناس كلهم من‬
‫‪   ‬‬ ‫األبنـاء واآلبـاء وسـائر األقارب بل مقدمة على حمبة املرء لنفسه قال تعاىل {‬
‫‪          ‬‬

‫‪                 ‬‬

‫‪(} ‬التوبة‪ .)24 :‬فقرن هللا حمبة رسوله ‪ ‬مبحبته ‪ ‬وتوعد من كان مالـه وأهله وولده‬

‫‪59‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪         ‬‬ ‫أحب إليه من هللا ورسوله ‪ -‬توعدهم بقولـه‪{ :‬‬
‫‪ .} ‬ويف الصحيحني من حديث أنس ‪ ‬قال‪ :‬قال النيب ‪{ ‬ال يؤمن أحدكم حىت‬
‫أكون أحب إليه مـن والده وولده والناس أمجعني}‪ .‬وعـن عمـر ‪ ‬أنه قال للنيب ‪ ‬يـا رسول هللا أنت‬
‫أحب إيل من كل شيء إال من نفسي‪ .‬فقال النيب ‪{ ‬ال والذي نفسي بيده حىت أكون أحب إليك‬
‫من نفسك}‪ .‬فقال له عمر‪ :‬فإنـه اآلن وهللا ألنت أحـب إيل من نفسـي‪ .‬فقـال النيب ‪{ ‬اآلن يـا‬
‫عمر}‪.‬‬
‫ذر له أو الطواف بقربه أو استقبال قربه بصالة أو عبادة فكل هذا حمرم ألنه عبـادة وقد هنى هللا عن‬
‫‪    ‬‬ ‫صرف شيء من أنواع العبادة ألحد من املخلوقني فقال عـز وجل‪{ :‬‬
‫‪(}‬األنعام‪،162 :‬‬ ‫‪             ‬‬

‫‪.)163‬‬
‫الصحابة‬
‫تعريفهم وفضلهم ووجوب حمبتهم والكف عما شجر بينهم‬
‫تعريف الصحايب‪:‬‬
‫مسلما ومات على ذلك‪.‬‬
‫الصحايب هو من لقي النيب ‪ً ‬‬
‫وجوب حمبتهم ومواالهتم‪:‬‬
‫الصحابة هم خري القرون‪ ،‬وصفوة هذه األمة وأفضل هذه األمة بعد نبيها ‪ ‬وجيب علينا أن نتوالهم وحنبهم‬
‫ونرتضى عنهم وننـزهلم منازهلم‪ ،‬فإن حمبتهم واجبة على كل مسلم‪ ،‬وحبهم دين وإميان وقـرىب إىل الرمحـن‪ ،‬وبغضهم كفر‬
‫وطغيان‪ .‬فهم محلة هذا الدين‪ ،‬فالطعن فيهم طعن يف الديـن كله ألنه وصلنا عن طريقهم بعد أن تلقوه غضًّا طرًّاي عن‬
‫رسـول هللا ‪ ‬مشافهة ونقلوه لنا بكل أمانة وإخالص ونشروا الديـن يف كافـة ربـوع األرض يف أقل من ربع قرن وفتح‬
‫اجا‪.‬‬
‫هللا على أيديهم بالد الدنيا فدخل النـاس يف دين هللا أفو ً‬
‫وقد دل الكتاب والسنة على وجوب مواالة الصحابة وحمبتهم وأهنا دليل صدق إميان الرجل‪ .‬فمن الكتاب قولـه‬

‫تعـاىل‪(}      { :‬التوبة‪ .)71 :‬وإذا كان أصحاب‬

‫‪60‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫مقطوعـا إبمياهنم بل هم أفضل املؤمنني لتزكية هللا ورسوله هلم فإن مواالهتم وحمبتـهم دليل إميان من قامت به‬
‫ً‬ ‫النيب ‪‬‬
‫هذه الصفة‪.‬‬
‫ومن السنة حديث أنس عن النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬آية اإلميان حب األنصار وآية النفاق بغض األنصار}‪.‬‬
‫والنصوص يف هذا كثرية جدًّا ال يسع املقام ذكرها على أنه حيسن التنبيـه هنا على ما يرتتب على مواالة الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم من اآلاثر الطيبـة يف الدنيا واآلخرة مما يشحذ اهلمم على حتقيق مواالهتم‪.‬‬

‫فمن آاثر م واالهتم الطيبة يف الدنيا الفالح والغلبة والنصر كما قال تعاىل‪    { :‬‬

‫‪(}       ‬املائدة‪ .)56 :‬قال ابن كثري‪( :‬كل من رضي‬

‫بوالية هللا ورسوله واملؤمنني فـهو مفلح يف الدنيا واآلخرة ومنصور يف الدنيا واآلخرة)‪.‬‬
‫ومن مثار حمبتهم يف اآلخرة ما يُرجى ل ُـمحبهم من احلشر معهم لقـول النيب ‪ ‬كما يف حديث عبد هللا بن‬
‫قوما ومل يلحق هبم‪،‬‬
‫مسعود ‪ ‬قال‪{ :‬جاء رجل إىل رسـول هللا ‪ ‬فقال‪ :‬اي رسول هللا كيف تقول يف رجل أحب ً‬
‫فقال رسول هللا ‪( ‬املرء مع من أحب)}‪.‬‬
‫ولذا كان أصحاب رسول هللا ‪ ‬يتقربون إىل هللا مبحبة أيب بكر وعمـر ويعدون ذلك من أفضل أعماهلم وأرجاها‬
‫عند هللا‪ .‬روى اإلمام البخـاري من حديث أنس بن مالك ‪{ ‬أن رجال سأل النيب ‪ ‬عن الساعة فقـال‪ :‬مىت‬
‫الساعة ؟ فقال النيب ‪( ‬وماذا أعددت هلا)‪ .‬قـال‪ :‬ال شيء إال أين أحب هللا ورسوله‪ ،‬ف َقال النيب ‪( ‬أنت مع من‬
‫أحببت)‪ ،‬فقال أنس‪ :‬فمـا فرحنا بشيء فرحنا بقول النيب ‪ ‬أنت مع من أحببت‪ .‬قال أنس‪( :‬فأنـا أحب النيب ‪‬‬
‫وأاب بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم حبيب إيـاهم وإن مل أعمل مبثل أعماهلم}وجوب اعتقاد فضلهم وعدالتهم‬
‫والكف عما شجر بينهم يف ضوء األدلة الشرعية‬
‫فضلهم‪:‬‬

‫لقد أثىن هللا تعاىل على الصحابة ورضي عنهم ووعدهم احلسىن‪ .‬كمـا قال تعاىل { ‪‬‬

‫‪         ‬‬

‫‪             ‬‬

‫‪61‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪(}  ‬التوبة‪ .)100 :‬وقال تعـاىل { ‪      ‬‬

‫‪(}  ‬الفتـح‪ .)18 :‬وقـال تعاىل‪   { :‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪           ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪          ‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪(}‬احلشر‪.)10 -8 :‬‬

‫فقد دلت اآلايت الكرمية على فضل الصحابـة والثنـاء عليـهم مـن املهاجرين واألنصار وأهل بدر وأهل بيعة‬
‫الرضوان الذيـن بـايعوا حت ـت الشجرة وكل من حصل على شرف الصحبة‪ .‬ووصف الذين جاؤوا مـن بعدهم أبهنم‬
‫يستغفرون ملن سبقهم من الصحابة ويدعون هللا تعاىل أال جيعـل يف قلوهبم ًّ‬
‫غال للذين آمنوا‪.‬‬
‫كـما تضمنت اآلايت وغريها مما ال ميكن حصره من الـرتضي عنـهم وبشارهتم ابجلنة وحصوهلم على الفوز العظيم‬
‫ومدحـهم وذكـر بعـض صفاهتم من احلب واإليثار والكرم واجلود وحب إخواهنم املسلمني ونصرهم لدين هللا وحنو ذلك‬
‫من األوصاف العظيمة والذكر اجلميل ما هم أهل له‪.‬‬
‫وقد أثىن عليهم رسول هللا ‪ ‬أبحاديث كثرية منها ما رواه مسلم عـن جابر بن عبد هللا ‪ ‬أن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫{ال يدخل النار أح ٌد بـايع حتـت الشجرة} ‪ .‬وقد جاءت أحاديث بعضها عامة يف فضل مجيـع الصحابـة وبعضها يف‬
‫فضل أهل بدر‪ ،‬وبعضها يف أفراد خبصوصهم‪.‬‬
‫مجيعـا‪ ،‬وحمبتهم والرتضي عنهم‪ ،‬وذكرهم بكل‬
‫فالواجب على املسلمني تطبيق هذه النصوص وتويل الصحابة ً‬
‫مجيل‪ ،‬واالقتداء هبم والسري علـى منهجهم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وجوب الكف عما شجر بني الصحابة وحكم سبهم‪:‬‬


‫عرفنا أن أصحاب رسول هللا ‪ ‬هم الصفوة املختارة من هذه األمة بعد نبينا ‪ ‬فهم السابقون إىل اإلسالم وهم‬
‫أعالم اهلدى ومصابيح الدجـى‪ ،‬وهم الذين جاهدوا يف هللا حق جهاده وأبلوا بالءً حسنًا يف الـذود عـن حياض‬
‫اإلسالم حىت مكن هللا هلذا الدين يف األرض على أيديـهم‪ .‬فمـن تنقصهم أو سبهم أو انل من أحد منهم فهو من شر‬
‫اخلليقة؛ ألن عمله هـذا اعتداء على الدين كله‪ .‬ومن كفرهم أو اعتقد ردهتم فـهو أوىل بـالكفر والردة وإنه مهما عمل‬
‫أح ٌد بعدهم من عمل فإنه لن يبلغ شيئًا من فضلـهم‪ .‬فقد ثبت يف الصحيحني عن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫أحدا من أصحايب‪ ،‬فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا مـا أدرك ُمد أحدهم وال نصيفه}‪.‬‬
‫رسـول هللا ‪{ ‬ال تسبوا ً‬
‫فقد دل احلديث على حترمي سب أصحاب رسول هللا ‪ ‬والتأكيد على أنه لن يبلغ أحد مبلغهم مهما قدم من عمل‪.‬‬
‫فالواجب على املسلمني اعتقاد عدالتهم والرتضي عنهم والكف عمـا شجر بينهم وعدم اخلوض فيما جرى بينهم‬
‫م ن خالف وترك سـرائرهم إىل هللا تعاىل‪ .‬قال عمر بن عبد العزيز رمحه هللا‪( :‬أولئك قوم طهر هللا أيدينا مـن دمائهم‪،‬‬
‫فلنطهر ألسنتنا من أعراضهم)‪.‬‬
‫وخالصة القول أن أهل السنة يوالون الصحابـة كلـهم وينـزلوهنم منازهلم اليت يستحقوهنا ابلعدل واإلنصاف‪ ،‬ال‬
‫ابهلوى والتعصب‪ .‬فإن ذلـك كله من البغي الذي هو جماوزة احلد‪.‬‬
‫اإلميان ابليوم اآلخر‬
‫املراد اليوم اآلخر وما يدل فيه وما يتصل به مما سنذكره إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ﱖ ﱗ‬
‫ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ } [سورة البقرة‪ .]4:‬قال تعالى‪{ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ} [سورة النساء‪.]87:‬‬


‫وهذا اإلميان جيب أن يكون جمرداً عن ادعاء علم بوقت قيام الساعة فإن ذلك من مفاتح الغيب اليت‬
‫ال يعلمها إال هللا عز وجل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ‬

‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝﳞ ﳟ‬

‫ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ} [سورة األعراف‪.]187:‬‬

‫‪63‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫قال تعاىل‪{ :‬ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ } [سورة النازعات‪.]42:‬‬


‫وروى البخاري عن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((مفاتح الغيب مخس)) مث قرأ ‪{:‬ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ‬

‫ﳌ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ‬
‫ﳅﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳍ‬

‫ﳘ ﳙ} [سورة لقمان‪.]34:‬‬
‫وملا سأل أعرايب‪ :‬مىت الساعة قال له الرسول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬وحيك إن الساعة آتية فما أعددت‬
‫هلا ؟ ‪ )..‬واحلديث يف الصحيحني‪.‬‬
‫ومما يدخل يف اإلميان ابليوم اآلخر‪ ،‬اإلميان مبا يلي ‪:‬‬

‫أشراط الساعة‪:‬‬
‫تعريف أشراط الساعة‪:‬‬
‫األشراط‪ :‬مجع شرط وهو‪ :‬العالمة‪ .‬وقيل أشراط الشيء‪ :‬أوائله‪.‬‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫وأشـراط السـاعـة‪ :‬عالماهتا وأماراهتا اليت تقع قبل قيامـها‪ .‬قـال تعاىل‪:‬‬
‫‪(}      ‬حممد‪.)18 :‬‬
‫أقسام أشراط الساعة‪:‬‬
‫أشراط الساعة وأماراهتا تنقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬األمارات البعيدة‪ :‬وهي اليت ظهرت وانقضت‪.‬‬
‫منها بعثة الرسول ‪ ‬على ما جاء يف الصحيحني من حديث أنس بـن مالك ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أنه‬
‫قال‪{ :‬بعثت أان والساعة كهاتني‪ .‬وضم السـبابة والوسطى}‪.‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ومنها انشقاق القمر على ما أخرب هللا يف كتابه‪ ،‬قال تعـاىل‪{ :‬‬
‫‪(}‬القمر‪.)1 :‬‬
‫ومنها خروج انر من أرض احلجاز تضيء هلا أعناق اإلبل ببصرى علـى ما أخرج الشيخان من‬
‫حديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬ال تقوم الساعة حىت خترج انر من أرض احلجـاز تضـيء‬

‫‪64‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫أعنـاق اإلبـل ببصرى}‪ .‬وقد خرجـت هذه النار على ما أخرب النيب ‪ ‬يف مسـتهل مجادى اآلخرة سنة‬
‫أربع ومخسني وستمائة وكان خروجها من شرقي املدينة النبوية وسالت بسببها أودية من انر واراتع الناس‬
‫منها ورأى ضوءها أهـل الشام ورأى أهل بصرى ‪ -‬وهي إحدى قرى دمشق‪ ،-‬أعنـاق اإلبـل يف ضوئها‬
‫كـما أخرب النيب ‪. ‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬األمارات املتوسطة‪ :‬وهي اليت ظهرت ومل تنقض بـل تتزايد وتكثر وهي كثرية جدا‪.‬‬
‫منها أن تلد األمة ربتها وتطاول احلفاة العراة رعاء الشاء يف البنيان على ما جاء يف حديث جربيل‬
‫املشهور الذي أخرجه مسلم وقـد تقـدم يف الفصل األول من هذا الباب وفيه‪{ :‬قال فأخربين عن‬
‫الساعة ؟ قـال‪ :‬مـا املسئول عنها أبعلم من السائل‪ .‬قال‪ :‬فأخربين عن أماراهتا‪ ،‬قال‪ :‬أن تلـد األمة ربتها‪،‬‬
‫وأن ترى احلفاة العراة العالـة رعـاء الشاء يتطـاولون يف البنيان}‪.‬‬
‫ومنها خروج دجالني ثالثني يدعون النبوة كما جـاء يف حديـث أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪‬‬
‫{ال تقوم الساعة حىت يبعـث دجـالون كذابون قريبا من ثالثني كلهم يزعم أنه رسول هللا}‪ .‬ويف سـنن أيب‬
‫داود والرتمذي من حديث ثوابن عن النيب ‪{ ‬وإنه سيكون يف أميت ثالثـون كذابون كلهم يزعم أنه‬
‫نيب‪ ،‬وأان خامت النبيني ال نيب بعدي}‪.‬‬
‫ومنها احنسار الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه على ما جـاء يف حديـث أيب هريرة ‪‬‬
‫عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬ال تقوم الساعة حىت حيسـر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه‪ ،‬فيقتل‬
‫من كل مائـة تسـعة تسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أان الذي أجنو} وهذه العالمة مل تقع بعد‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬العالمات الكبى‪ :‬وهي الـيت تعقبـها السـاعة إذا ظهرت‪ .‬وهي عشر عالمات ومل‬
‫يظهر منها شيء‪ .‬روى مسلم يف صحيحه من حديث حذيفة بن أسيد قال‪{ :‬اطلع النيب ‪ ‬علينا‬
‫وحنن نتذاكر‪ ،‬فقال‪ :‬ما تذاكرون ؟ قالوا‪ :‬نذكر الساعة‪ .‬قال‪ :‬إهنا لن تقوم حىت تروا قبلها عشـر آايت‪:‬‬
‫فذكر الدخان والدجال‪ ،‬والدابة‪ ،‬وطلوع الشمس مـن مغرهبـا‪ ،‬ونـزول عيسى ابن مرمي ‪ ‬وأيجوج‬
‫ومأجوج‪ ،‬وثالثة خسوف‪ :‬خسف ابملشرق وخسف ابملغرب وخسف جبزيرة العرب‪ ،‬وآخر ذلك انر خترج‬
‫مـن اليمن تطرد الناس إىل حمشرهم}‪ .‬وجاء يف بعض األحاديث األخرى ذكر املهدي‪ ،‬وهدم الكعبة‪،‬‬
‫ورفع القرآن من األرض على مـا سـيأيت ذكـر األحاديث يف ذلك‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫والذي عليه أكثر احملققني من أهل العلم أن العالمات العشر العظمى هي هذه الثالث وما ذكر يف‬
‫حديث حذيفة بن أسيد سوى اخلسوف فإهنـا وإن كانت من عالمات الساعة بال شك كما هو نص‬
‫احلديث إال أهنا تقع قبـل العشر العظمى‪ ،‬وهي مقدمة هلا‪ ،‬ويشهد هلذا ما جاء يف رواية أخرى مـن‬
‫حديث حذيفة بن أسيد وقد خرجها مسلم أيضا وفيها تقدمي اخلسـوف يف الذكر على غريها من‬
‫العالمات حيث قال ‪{ ‬إن الساعة ال تكون حىت تكون عشر آايت خسف ابملشرق وخسف‬
‫ابملغرب وخسف يف جزيرة العرب والدخان والدجال}‪ ) ..‬مث ذكر بقية العالمات‪ .‬قال القرطيب‪( :‬فأول‬
‫اآلايت على ما يف هذه الرواية اخلسوفات الثالثة وقد وقع بعضها يف زمـن النيب ‪ ‬ذكره ابن‬
‫وهب‪.) ...‬‬
‫نعيم القب وعذابه‬
‫ا إلميان بنعيـم القرب ألهل الطاعة وبعذاب القرب ملن كان مستحقا له مـن أهل املعصية والفجور من أصول اإلميان‬
‫اليت دلت عليهـا نصوص الكـتـاب والسنة‪.‬‬

‫فمن أدلة الكتاب على نعيم القرب قول هللا تعاىل‪      { :‬‬

‫‪(}     ‬إبراهيم‪ ،)27 :‬فدلت اآلية علـى تثبيت هللا تعاىل للمؤمنني عند السؤال‬

‫يف القرب وما يتبع ذلك من النعيـم‪ .‬أخرج البخاري من حديث الرباء بن عازب رضي هللا عنهما عن النيب ‪ ‬أنه قال‪:‬‬

‫{إذا أقعد املؤمن يف قربه أيت مث شهد أن ال إله إال هللا وأن حممـدا رسول هللا فذلك قوله‪  { :‬‬

‫‪ .}   ‬ودليل عذاب القرب من القرآن قول هللا تعاىل‪  { :‬‬

‫‪            ‬‬

‫‪(}     ‬غافر‪ ،)46 ،45 :‬قال القرطيب‪( :‬اجلمهور علـى أن هذا‬

‫العرض يكون يف الربزخ وهو حجة يف تثبيت عذاب القـرب)‪ .‬وقـال احلافـظ ابن كثري‪( :‬وهذه اآلية أصل كبري يف‬
‫استدالل أهل السنة علـى عذاب الربزخ يف القبور)‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫كما دل على عذاب القرب من القرآن أيضا قوله تعاىل‪     { :‬‬

‫‪(}  ‬التوبة‪ ،)101 :‬فقد استدل هبا كثري من السـلف على عذاب القرب‪ ،‬فعن جماهد أنه قال يف‬

‫تفسري اآلية‪( :‬بـاجلوع وعـذاب القرب‪ ،‬قال‪ " :‬مث يردون إىل عذاب عظيم " يوم القيامة)‪ .‬وعن قتادة قـال‪( :‬عذاب‬
‫الدنيا وعذاب القرب مث يردون إىل عذاب عظيم)‪ ،‬وقد استدل هبذه اآلية واليت قبلها على عذاب القرب اإلمام البخاري‬
‫يف ترمجته لألحـاديث يف عذاب القرب‪.‬‬
‫وأما ما جاء يف السنة من األدلة على نعيم القرب وعذابه فكثري جدا مـن ذلك ما جاء يف الصحيحني من حديث‬
‫عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬إن أحدكم إذا مات عرض عليـه مقعـده بـالغداة والعشي إن‬
‫كان من أهل اجلنة فمن أهل اجلنة وإن كان من أهل النار فمـن أهل النار فيقال هذا مقعدك حىت يبعثك هللا يوم‬
‫القيامة}‪ .‬ويف صحيـح مسلم من حديث أنس ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬لوال أن ال تدافنوا لدعـوت هللا أن يسمعكـم‬
‫من عذاب القرب} ‪ .‬واألدلة على هذا كثرية من الكتـاب والسنة وقد ذكرت ما يستدل به يف إثبات عذاب القرب‬
‫ونعيمه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫اإلميان ابلبعث‬
‫اإلميان ابلبعث من أعظم أصول اإلميان يف هذا الدين وهو مشتمل علـى جوانب متعددة مما دلت عليه النصوص‬
‫يف هذا الباب‪ ،‬وسيكون حبثه هنـا من خالل عدة مطالب جتلي حقيقته وتربز أمهية اإلميان به وما جيب علـى املؤمن أن‬
‫يؤمن به من أحواله وأحداثه‪:‬‬
‫البعث وحقيقته‬
‫والبعث يف الشرع‪ :‬هو إحياء هللا للموتى وإخراجهم من قبورهم‪.‬‬
‫وحقيقة البعث‪ :‬أن هللا تعاىل جيمع أجساد املقبورين اليت حتللت ويعيدهـا بقدرته كـما كانت مث يعيد األرواح إليها‬

‫ويسوقهم إىل حمشـرهم لفصـل القضاء‪ .‬قال تعاىل‪         { :‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪(}‬يس‪.)79 ،78 :‬‬

‫‪67‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫رجال حضره املـوت ملا أيس من احلياة أوصى أهله‪ :‬إذا مت‬
‫وعن حذيفة ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬إن ً‬
‫انرا حىت إذا أكلت حلمي وخلصت إىل عظمي فخذوها فاطحنوها فـذروين يف اليم يف‬
‫كثريا مث أوروا ً‬
‫فامجعوا يل حطبًا ً‬
‫يوم حار أو راح فجمعه هللا فقال‪ :‬مل فعلت ؟ قال‪ :‬خشيتك‪ ،‬فغفـر له}‪.‬‬
‫فدلـت اآلية واألحاديث على أن هللا تعاىل يعيد األجساد نفسها وجيمـع رفاهتا املتحلل حىت تعود كما كانت‬
‫فيعيد إليها أرواحها فسبحان مـن ال يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫وقد جاء يف السنة بيان كيفية البعث وأن هللا ينزل إىل األرض مـاءً فينبت به أهل القبور كما ينبت العشب وقد‬
‫دل على ذلـك حديـث أيب هريرة الذي أخرجه الشيخان {أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ما بـني النفختـني أربعون) قال‪:‬‬
‫شهرا ؟ قال‪ :‬أبيـت‪ ،‬قال‪ :‬أربعون سنة ؟ قال‪ :‬أبيت‪ ،‬قال‪( :‬مث ينـزل هللا من‬
‫يوما‪ .‬قال‪ :‬أبـَْيت‪ ،‬قال‪ :‬أربعون ً‬
‫أربعون ً‬
‫احدا‪ ،‬وهـو عجب الذنب ومنه‬ ‫عظما و ً‬
‫السماء ماء فينبتـون كما ينبت البقل ليس من اإلنسان شيء إال يبلى إال ً‬
‫يركب اخللق يوم القيامة} ‪ .‬فقد دل هذا احلديث على كيفية البعث وأن أهل القبور يبقون يف قبورهم أربعني بني‬
‫شهرا أو‬
‫يوما أو ً‬
‫النفختني ومهـا نفخة اإلماتة ونفخة البعث ومل جيزم الراوي بتحديد األربعني ما هي وهـل املراد أربعون ً‬
‫مطرا من السماء‪ .‬جاء يف‬
‫سنة على أنه جاء يف بعض الرواايت أهنـا أربعون سنة‪ .‬مث إذا أراد هللا بعث اخلالئق أنزل ً‬
‫بعض الرواايت أنه مثل مين الرجال فينبت أهل القبور من ذلك املاء كمـا ينبت العشب بعد أن فتت أجسادهم إال‬
‫عجب الذنب وهذا خبالف األنبياء فإن أجسادهم ال تبلى كما تقدم تقريره فتبني هبذا حقيقة البعـث ووقتـه وكيفيته‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬
‫احلشر‬

‫د لت النصوص على حشر العباد بعد بعثهم إىل أرض احملشر حفاة عـراة غرال قال تعاىل‪ { :‬‬

‫‪(}    ‬الكهف‪ ،)47 :‬وقـال تعاىل‪     { :‬‬

‫‪(}      ‬إبراهيم‪.)48 :‬‬

‫وعن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ :‬مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬حيشـر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُ ْرال) قلت‪:‬‬
‫اي رسول هللا! النساء والرجـال مج ًيعا‪ ،‬ينظر بعضهم إىل بعض ؟ قال ‪( ‬اي عائشة األمر أشد من أن ينظر بعضهم إىل‬
‫بعض}‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وهذا احلشر عام جلميع اخلالئق‪ .‬وقد دلت النصوص أن هناك حشـرا آخر إما يف اجلنة وإما يف النار فيحشر‬

‫املؤمنون إىل اجلنة وفدا والوفد هـم القائمون الركبان‪ .‬قال تعـاىل‪      { :‬‬

‫‪(}‬مرمي‪.)85 :‬‬

‫أخرج الطربي عن علي ‪ ‬يف قولـه تعـاىل‪}       { :‬‬

‫قال‪( :‬أما وهللا ما حيشر الوفد على أرجلهم‪ ،‬وال يساقون سوقا ولكنهم يؤتون بنوق مل ير اخلالئق مثلها‪ ،‬عليها رحـال‬
‫الذهـب‪ ،‬وأزمتها الزبرجد فريكبون عليها حىت يضربوا أبواب اجلنة)‪ .‬وأما الكفـار فإهنم حيشرون إىل النار على وجوههم‬

‫عميا وبكما وصما‪ .‬قـال تعـاىل‪        { :‬‬

‫‪(}   ‬الفرقان‪ .)34 :‬قال تعاىل‪    { :‬‬

‫‪(}    ‬اإلسراء‪.)97 :‬‬

‫احلوض‪ ،‬صفته وأدلته‬


‫احلوض مورد عظيم أعطاه هللا لنبينا حممد ‪ ‬يف احملشر يرده هو وأمتـه‪ .‬جاء وصفه يف النصوص أنه أشد بياضا‬
‫من ا للنب‪ ،‬وأبرد من الثلج‪ ،‬وأحلـى من العسل‪ ،‬وأطيب رحيا من املسك‪ ،‬وهو يف غاية االتساع‪ ،‬عرضه وطولـه سواء‪،‬‬
‫كل زاوية من زواايه مسرية شهر‪ ،‬ميد ماؤه من اجلنة‪ ،‬فيه ميزاابن ميدانه من اجلنة‪ ،‬أحدمها من ذهب واآلخر من فضة‪،‬‬
‫وآنيته كعـدد جنوم السماء‪.‬‬
‫وقد دل على ثبوت احلوض وأ نه حق كثري من األحاديث الصحيحة ذكر بعض احملققني أهنا تبلغ حد التواتر‬
‫ورواها عن النيب ‪ ‬بضعة وثالثـون صحابيًّا‪ .‬منها حديث أنس بن مالك أن رسول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬إن قـدر حوضي‬
‫كما بني أيلة إىل صنعاء من اليمن وإن فيه من األابريق كعدد جنـوم السماء}‪ .‬وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص قال‪:‬‬
‫قـال رسـول هللا ‪{ ‬حوضي مسرية شهر وزواايه سواء ماؤه أبيض من اللنب‪ ،‬ورحيه أطيب مـن املسك‪ ،‬وكيزانه كنجوم‬
‫أبدا}‪.‬‬
‫السماء من يشرب منها فال يظمأ ً‬

‫‪69‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫واحلوض يكون يف أرض احملشر وميد ماؤه من الكوثر وهو هنـر آخـر أعطاه هللا لنبينا ‪ ‬يف اجلنة قال تعـاىل‪{ :‬‬

‫‪(}   ‬الكوثر‪ .)1 :‬وقـد اختلف أهل العلم يف امليزان واحلوض أيهما يكون قبل‬

‫اآلخر فقيل املـيزان قبل‪ ،‬وقيل‪ :‬احلوض‪ .‬والصحيح أن احلوض قبل‪ .‬قال القرطيب‪ :‬واملعىن يقتضيه فإن الناس خيرجون‬
‫عطاشا من قبورهم‪.‬‬
‫امليزان صفته وأدلته‬
‫مما جيب اإلميا ن به يف أحداث اليوم اآلخر‪ :‬امليزان‪ .‬وهو ميزان حقيقي له لسان وكفتان‪ ،‬توزن فيه أعمال العباد‬
‫فريجح مبثقال ذرة من خري أو شـر‪ ،‬وقد دلت األدلة من الكتاب والسنة على ثبوت امليزان‪.‬‬
‫اآلية (األنبـياء‪،)47 :‬‬ ‫{ ‪..}         ‬‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫‪                 { :‬‬ ‫وقال‬
‫‪(}‬ال َقارعة‪ .)9-6 :‬وأخرج الشيخان عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬كلمتـان حبيبتان إىل الرمحن‬

‫خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف املـيزان سـبحان هللا وحبمده سبحان هللا العظيم}‪ .‬وروى اإلمام أمحد واحلاكم وغريمها‬
‫عـن ابن مسعود ‪{ ‬أنه تسلق أراكة وكان دقيق الساقني فجعلت الريح تكفـؤه (أي حتركه) فضحك القوم فقال‬
‫رسول هللا ‪( ‬مم تضحكون ؟ ) قالوا‪ :‬اي نيب هللا من دقة ساقيه‪ .‬فقال‪( :‬والذي نفسي بيده هلما أثقل يف امليزان مـن‬
‫أحد)} صححه احلاكـم ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫والذي يوزن يف امليزان ثالثة‪ ،‬وقد دلت على ذلك النصوص‪:‬‬
‫‪ - 1‬األعمال‪ ،‬فقد ثبت أهنا جتسم وتوزن يف امليزان ودل عليه حديـث أيب هريرة السابق‪( :‬كلمتان حبيبتان إىل‬
‫الرمحن‪ ) ...‬احلديث‪.‬‬
‫‪ - 2‬صحف األعمال‪ ،‬وقد دل على ذلك ح ديث عبد هللا بن عمـرو بن العاص أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬إن‬
‫هللا سيخلص رجال من أميت علـى رؤوس اخلالئق يوم القيامة‪ ،‬فينشر له تَسعة وتسعني سجال كل سـجل مثل مد‬
‫البصر مث يقول‪ :‬أتنكر من هذا شيئًا ؟ أظلمك كتبيت احلـافظون ؟ فيقول‪ :‬ال اي رب‪ .‬فيقول‪ :‬ألك عذر أو حسنة ؟‬
‫فيبهت الرجل‪ ،‬فيقول‪ :‬ال اي رب‪ .‬فيقول‪ :‬بلى إن لك عندان حسنة واحدة‪ ،‬ال ظلـم عليـك اليوم فتخرج له بطاقة‬

‫‪70‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫حممدا رسـول هللا‪ ،‬فيقول‪ :‬فتوضع السجالت يف كفة والبطاقة يف كفة‪ ،‬قال‪ :‬فطاشت‬
‫فيها‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأن ً‬
‫السجالت وثقلت البطاقة وال يثقل شيء بسم هللا الرمحن الرحيم}‪.‬‬

‫‪ - 3‬العامل نفسه‪ ،‬وقد دل على وزنه قوله تعـاىل‪      { :‬‬

‫‪(}‬الكهف‪ ،)105 :‬وكذلك حديث عبد هللا بـن مسـعود السابق وأن ساقيه يف امليزان أثقل من أحد‪.‬‬

‫الصراط‪ ،‬صفته وأدلته‬


‫الصراط يف اللغة‪ :‬الطريق الواضح‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬جسر ممدود على منت جهنم يرده األولون واآلخرون وهـو طريق أهل احملشر لدخول اجلنة‪ .‬وقد دلت‬
‫األدلة من الكتاب والسنة علـى إثبات الصراط‪.‬‬
‫تعاىل‪                { :‬‬ ‫قال‬
‫‪(}‬مرمي‪ )72 ،71 :‬ذهـب أكـثر املفسرين أن املقصود بورود النار هنا‪ :‬املرور على‬ ‫‪  ‬‬

‫الصراط وهو منقول عـن ابن عباس وابن مسعود وكعب األحبار وغريهم‪.‬‬
‫ويف الصحيحني من حديث أيب سعيد اخلدري ‪ ‬وهو حديث طويـل يف الرؤية والشفاعة وفيه عن رسول هللا ‪‬‬
‫أنه قال‪{ ..( :‬مث يؤتى ابجلسـر فيجعل بني ظهري جهنم قلنا اي رسول هللا وما اجلسر ؟ قال‪ :‬مدحضة مزلة‪ ،‬عليه‬
‫خطاطيف وكالليب وحسكة مفلطحة هلا شوكة عقيفاء تكون بنجـد يقال هلا السعدان‪ ،‬املؤمن عليها كالطرف‬
‫وكالربق‪ ،‬وكالريح وكأجـاويد اخليل والركاب فناج مسلم وانج خمدوش ومكدوس يف انر جـهنم ميـر آخرهم يسحب‬
‫سحبا}‪.‬‬
‫وقد جاء وصف الصراط يف نصوص كثرية وملخص ما جاء فيها أنـه أدق من الشعر وأحد من السيف دحض‬
‫مزلة ال تثبت عليه قدم إال من ثبته هللا وأنه ينصب يف ظلمة فيعطى الناس أنوارا على قدر إمياهنم وميرون فوقه على قـدر‬
‫إمياهنم على ما جاء يف احلديث السابق‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اجلنة والنار‬
‫صفتهما وكيفية اإلميان بـهما وأدلة ذلك‬
‫مما جيب اعتقاده واإلميان به اجلنة والنار‪.‬‬

‫واجلنة هي دار الثواب ملن أطاع هللا وموضعها يف السماء السابعة عنـد سدرة املنتهى‪ .‬قال تعاىل‪ { :‬‬

‫‪(}           ‬النجم‪-13 :‬‬

‫‪ ،) 15‬واجلنة مائة درجة بني كل درجـة واألخرى كما بني السماء واألرض كما جاء يف صحيح البخـاري مـن حديث‬
‫أيب هريرة عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪ { :‬إن يف اجلنة مائـة درجـة أعدها هللا للمجاهدين يف سبيل هللا‪ ،‬ما بني الدرجتني‬
‫كما بـني السـماء واألرض}‪ .‬وأعلى اجلنة الفردوس األعلى وفوقه العرش ومنه تتفجر أهنـار اجلنة كما جاء يف حديث‬
‫أيب هريرة السابق عن النيب ‪ ‬قال‪ { :‬فإذا سـألتم هللا فسلوه الفردوس فإنه أوسط اجلنة وأعلى اجلنة وفوقه عرش الرمحن‬
‫ومنـه تفجر أهنار اجلنة}‪ .‬وللجنة مثانية أبواب كما جاء يف حديث سهل بن سـعد ‪ ‬يف صحيح البخاري عن‬
‫النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬يف اجلنة مثانية أبواب فيـها ابب يسمى الراين ال يدخله إال الصائمون} وقد أعد هللا ألهل اجلنة‬
‫فيها من النعيم ما ال عني رأت وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫وأما النار فهي دار العقاب األبدي للكافرين واملشركني واملنافقني النفاق االعتقادي‪ ،‬وملن شاء هللا من عصاة‬

‫املوحدين بقدر ذنوهبـم مث مـآهلم إىل اجلنة‪ .‬كـما قال تعاىل‪         { :‬‬

‫‪(}    ‬النساء‪ )48 :‬وموضعها يف األرض السابعة كذا نقل عن ابن عباس رضي هللا‬

‫عنهما‪ .‬وللنار دركات بعضها أسفل من بعض‪ ،‬قال عبد الرمحـن بـن أسلم‪ ( :‬درجات اجلنة تذهب علوا ودرجات النار‬

‫تذهب سفوال‪ ،‬وأسـفل الدركات هي دار املنافقني كما قال تعاىل‪     { :‬‬

‫‪ ...} ‬اآلية (النساء‪ ،)145 :‬وللنار سبعة أبواب‪ ،‬قال تعاىل‪     { :‬‬

‫‪(}   ‬احلجر‪ ،)44 :‬وانر الدنيا جـزء مـن سبعني جزءا من انر جهنم على ما جاء يف‬

‫الذي أخرجـه الشيخان عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬انركـم جزء من سبعني جـزءا مـن نـار جهنم}‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة َ‬

‫‪72‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫واإلميان ابجلنة والنار يتحقق بثالثة أمور‪:‬‬


‫{ ‪ ‬‬ ‫األول‪ :‬االعتقاد اجلازم أبهنما حق وأن اجلنة دار املتقـني والنـار دار الكافرين واملنافقني‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪                ‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪(} ‬النساء‪.)57 ،56 :‬‬


‫الثاين‪ :‬اعتقاد وجودمها اآلن‪ .‬قال تعاىل يف اجلنـة‪(}   { .‬آل عمران‪ ،)133 :‬وقال تعاىل يف‬
‫النار‪(}   { :‬البقرة‪ ،)24 :‬وجاء يف الصحيحني من حديث عمران بن حصني عن النيب ‪ ‬أنه‬

‫قال‪{ :‬اطلعت يف اجلنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء‪ ،‬واطلعت يف النار فرأيت أكـثر أهلـها النساء}‪.‬‬
‫{ ‪  ‬‬ ‫الثالث‪ :‬اعتقاد دوامهما وبقائهما وأهنما ال تفنيان وال يفىن من فيـهما‪ .‬قال تعاىل يف اجلنة‪:‬‬
‫{ ‪       ‬‬ ‫‪(}   ‬النساء‪ ،)13 :‬وقال تعاىل عن النار‪:‬‬
‫‪(}   ‬اجلن‪ .) 23 :‬واملقصود من املعصية هنا الكفر‪ ،‬لتأكيد اخللود يف النـار ابلتأبيد‪ ،‬قال القرطيب‬

‫قوله (أبدا) دليل على أن العصيان هنا هو الشـرك‪ .‬وروى الشيخان من حديث عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أن‬
‫رسـول هللا ‪ ‬قال‪ { :‬يدخل هللا أهل اجلنة اجلنة‪ ،‬وأهل النار النار‪ ،‬مث يقوم مؤذن بينـهم فيقول‪ :‬اي أهل اجلنة ال موت‬
‫واي أهل النار ال موت كل خالد فيمـا هـو فيه}‪.‬‬
‫الشفاعة‪ ،‬تعريفها وأنواعها وأدلتها‬
‫الشفاعة يف اللغة‪ :‬الوسيلة والطلب‪ .‬ويف العرف‪ :‬سؤال اخلري للغري‪.‬‬
‫والشفاعة عند هللا‪ :‬سؤال هللا التجاوز عن الذنوب واآلاثم للغري‪.‬‬
‫وحقيقتها أن هللا تعاىل بلطفه وكرمه أيذن يوم القيامة لبعض الصاحلني من خلقه من املالئكة واملرسلني واملؤمنني‬
‫إظهارا لكرامة الشافعني عنده ورمحـة ابملشفوع فيهم‪.‬‬
‫أن يشـفعوا عنـده يف بعـض أصحاب الذنوب من أهل التوحيد ً‬
‫وال تصح الشفاعة عند هللا تعاىل إال بشرطني‪:‬‬

‫‪73‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫أحدمها‪ :‬إذن هللا تعاىل للشافع أن يشفع‪ ،‬وقد دل على هذا الشرط قوله تعاىل‪    { :‬‬

‫‪(}   ‬الب َقرة‪ .)255 :‬وقولـه تعـاىل‪      { :‬‬

‫‪(}  ‬سبأ‪.)23 :‬‬

‫الثاين‪ :‬رضا هللا عن املشفوع له أن يشفع فيه‪ ،‬وقد دل على هذا الشرط قوله تعاىل‪  { :‬‬

‫‪(}  ‬األنبيـاء‪ .) 28 :‬وقـد دلـت النصوص أن هللا ال يرضى أن يشفع إال يف أهل التوحيد ملا ثبت‬

‫يف صحيـح مسلم عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬لكـل نيب دعـوة مستجابة فتعجل كل نيب دعوته وإين‬
‫اختبأت دعويت شفاعة ألمـيت يـوم القيامة فهي انئلة إن شاء هللا من مات من أميت ال يشرك بـاهلل شـيئًا}‪ .‬وقال تعاىل‬

‫يف الكفار‪(}     { :‬املدثر‪.)48 :‬‬

‫وقد دلت األدلة من الكتاب والسنة على إثبات الشفاعة عند هللا يـوم القيامة‪ .‬أما الكتاب فقد تقدم ذكر‬
‫بعضها‪ ،‬وأما من السنة فاألحـاديث يف إثبات الشفاعة كثرية منها حديث أيب سعيد اخلدري ‪ ‬أن رسـول هللا ‪‬‬
‫قال (‪ { ..‬فيقول هللا تبارك وتعاىل شفعت املالئكة وشفع النبيـون وشـفع املؤمنون ومل يبق إال أرحم الرامحني فيقبض‬
‫خريا قط}‪.‬‬
‫قوما مل يعملوا ً‬
‫قبضة من النار فيخرج منها ً‬
‫واألحاديث يف إثبات الشفاعة كثرية جدًّا وقد صرح األئمـة احملققـون بتواترها واشتهارها يف كتب الصحاح‬
‫واملسانيد‪ .‬ففي الصحيحني‪ُ { :‬خيـرج من النار من كان يف قلبه حبة من خردل من إميان}‪.‬‬
‫أقسام الشفاعة‪:‬‬
‫والشفاعة تنقسم من حيث القبول والرد إىل قسمني‪ :‬مردودة وهي ما فقدت أحد شروط الشفاعة السابقة‪،‬‬
‫ومقبولة وهي ما حتققت فيها شـروط الشفاعة‪ .‬وقد ثبت لنبينا حممد ‪ ‬منها مثانية أنواع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الشفاعة العظمى وهي شفاعته ‪ ‬يف أهل املوقف أن يقضي هللا بينهم وهي املقام احملمود وهذه الشفاعة‬
‫مما اختص هبا نبينا ‪ ‬على غريه مـن الرسل صلوات هللا عليهم أمجعني‪.‬‬
‫‪ - 2‬شفاعته ‪ ‬يف قوم تساوت حسناهتم وسيئاهتم فيشفع فيهم أن يدخلـوا اجلنة‪.‬‬
‫‪ - 3‬شفاعته يف أقوام استحقوا النار أن ال يدخلوها‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫‪ - 4‬شفاعته ‪ ‬رفع درجات أهل اجلنة يف اجلنة‪.‬‬


‫‪ - 5‬شفاعته ‪ ‬يف أقوام أن يدخلوا اجلنة بغري حساب‪.‬‬
‫‪ - 6‬شفاعته ‪ ‬يف ختفيف العذاب عمن كان يستحقه كشفاعته يف عمـه أيب طالب‪.‬‬
‫‪ - 7‬شفاعته ‪ ‬يف أهل اجلنة أن يؤذن هلم بدخول اجلنة‪.‬‬
‫‪ - 8‬شفاعته ‪ ‬يف أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن خيرج منها‪.‬‬
‫وقد دلت النصوص الصحيحة على هذه األنواع كلها وهي مبسـوطة يف مواضعها من كتب السنة واالعتقاد‪.‬‬
‫وهذه األنواع منها ما هو خاص بـالنيب ‪ ‬كالشفاعة العظمى وشفاعته يف عمه أيب طالب وشفاعته يف أهل اجلنـة أن‬
‫يدخلوها ومنها ما يشاركه فيها غريه من األنبياء والصاحلني كالشـفاعة يف أهل الكبائر وغريها من األنواع األخرى على‬
‫اختالف بني أهل العلم يف اختصاصه ببعضها من عدمه‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫تعريف القضاء والقدر‪ ،‬وأدلة ثبوهتما‬
‫مع بيان الفرق بينهما‬
‫تعريف القضاء والقدر‪:‬‬
‫القضاء لغة‪ :‬احلكـم والفصل‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬هو ما قضى به هللا سبحانه وتعاىل يف خلقه من إجياد أو إعـدام أو تغيري‪.‬‬
‫والقدر‪ :‬مصدر قدرت الشيء أقدره إذا أحطت مبقداره‪.‬‬
‫والقدر يف الشرع‪ :‬هو ما قدره هللا تعاىل يف األزل‪ ،‬أن يكون يف خلقـه بناء على علمه السابق بذلك‪.‬‬
‫الفرق بني القضاء والقدر‪:‬‬
‫ذكر العلماء يف التفريق بني القضاء والقدر‪ .‬أن القدر‪ :‬هو تقدير لشـيء قبل قضائه‪ .‬والقضاء هو‬
‫الفراغ من الشيء‪ .‬ومن الشواهد اليت ذكرها أبـو حـامت للتفريق بني القضاء والقدر أن القدر منـزلة تقدير‬
‫اخلياط للثوب فهو قبل أن يفصله يقدره فيزيد وينقص فإذا فصله فقد قضاه وفرغ منه وفاتـه التقدير‪.‬‬
‫وعلى هذا يكون القدر سابقا للقضاء‪ .‬قال ابن األثري‪( :‬فالقضـاء والقدر أمران متالزمان ال ينفك‬
‫أحدمها عن اآلخر ألن أحدمها مبنزلة األساس وهو القدر‪ ،‬واآلخر مبنـزلة البناء وهو القضاء فمن رام‬
‫الفصـل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه)‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫والقضاء والقدر إذا اجتمعا يف الذكر افرتقا يف املعىن فأصبح لكل منـهما معىن خيصه‪ ،‬وإذا افرتقا يف‬
‫الذكر دخل أحدمها يف معىن اآلخر‪ .‬ذكر ذلـك بعض أهل العلم‪.‬‬
‫األدلة على إثبات القدر‪:‬‬
‫اإلميان ابلقدر ركن من أركان اإلميان وقد دلت األدلة مـن الكتـاب والسنة على إثباته وتقريره‪.‬‬
‫{ ‪‬‬ ‫فمن الكتاب قول هللا تعاىل‪(}      { :‬القمر‪ ،)49 :‬وقوله تعاىل‬
‫‪    ‬‬ ‫‪(}‬األحزاب‪ )38 :‬وقوله تعاىل {‬ ‫‪   ‬‬

‫‪(}‬الفرقان‪.)2 :‬‬
‫وأما السنة فقد دلت كذلك على إثبات القدر يف أحاديث كثرية منها حديث جربيل وسؤاله‬
‫للنيب ‪ ‬عن أركان اإلميان فذكر منها‪{ :‬اإلميان ابلقدر خريه وشره} وقدم تقدم احلديث بنصه يف‬
‫مبحث املالئكة‪ .‬وروى مسلم يف صحيحه عن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما قال‪:‬‬
‫مسعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪{ :‬كتب هللا مقادير اخلالئق قبل أن خيلق السماوات واألرض خبمسني ألف‬
‫سنة وقال‪ :‬وكان عرشه على املاء}‪.‬‬
‫واإلميان ابلقدر حمل إمجاع األمة من الصحابة ومن بعدهم‪ .‬أخرج مسلم يف صحيحه عن طاوس أنه‬
‫قال‪( :‬أدركت انسا من أصحاب رسول هللا ‪ ‬يقولون كل شيء بقدر)‪ .‬قال‪ :‬ومسعت عبد هللا بن عمر‬
‫يقول‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬كل شيء بقدر حىت العجز والكيس أو الكيس والعجز} والكيس‪ :‬ضد‬
‫العجز وهو النشاط واحلذق ابألمور‪ .‬قال اإلمام النووي‪( :‬تظاهرت األدلة القطعية من الكتاب والسنة‬
‫وإمجاع الصحابة وأهل احلل والعقد من السلف واخللف على إثبات قدر هللا سبحانه وتعاىل)‪.‬‬
‫مراتب القدر‬
‫للقدر أربع مراتب دلت عليها النصوص وقررها أهل العلم‪ .‬وهي‪:‬‬
‫املرتبة األوىل‪ :‬علم هللا بكل شـيء مـن املوجـودات واملعدومـات واملمكنات واملستحيالت وإحاطته‬
‫علما فعلم ما كان وما يكون ومـا مل يكن لو كان كيف يكون‪ .‬وقد دل على ذلك قوله تعاىل‪{ :‬‬
‫بذلك ً‬
‫‪( }              ‬الطالق‪.)12 :‬‬

‫‪76‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ويف الصحيحني من حديث ابن عباس رضي هللا عنهما قـال‪{ :‬سئل النيب ‪ ‬عن أوالد املشركني‬
‫فقال‪ :‬هللا أعلم مبا كانوا عاملني}‪.‬‬
‫‪ ‬‬ ‫املرتبة الثانية‪ :‬كتابة هللا تعاىل لكل شيء مما هو كائن إىل قيام السـاعة‪ .‬قال تعـاىل‪{ :‬‬
‫‪ (}                  ‬احلج‪ .)70 :‬وقال‬
‫تعـاىل‪ (}       { :‬يس‪ .)12 :‬ومن السنة حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص‬
‫املتقدم يف كتابة هللا مقادير اخلالئق قبل خلـق السماوات واألرض خبمسني ألف سنة‪.‬‬
‫{ ‪    ‬‬ ‫املرتبة الثالثة‪ :‬املشيئة فإن ما شاء هللا كان وما مل يشأ مل يكـن‪ .‬قـال تعاىل‪:‬‬
‫‪       ‬‬ ‫‪(}     ‬يس‪ .)82 :‬وقال تعاىل‪{ :‬‬
‫‪(}‬التكوير‪ .)29 :‬وأخرج الشيخان من حديث أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬قال‪{ :‬ال يقولن‬
‫أحدكـم اللهم اغفر يل إن شئت! اللهم ارمحين إن شئت! ليعزم يف الدعاء فـإن هللا صانع ما شاء ال مكره‬
‫له} ‪.‬‬
‫املرتبة الرابعة‪ :‬خلق هللا تعاىل لألشياء وإجيادها وقدرته الكاملة علـى ذلك فهو سبحانه خالق لكل‬
‫{ ‪       ‬‬ ‫عامل وعمله وكل متحرك وحركته وكـل ساكن وسكونه‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪(}  ‬الزمر‪ .)62:‬وقال تعاىل‪(}     {:‬الصافـات‪ .)96 :‬وروى‬
‫البخاري يف صحيحه من حديث عمران بن حصني عن النيب ‪{ :‬كان هللا ومل يكن شيء غريه وكان‬
‫عرشه على املاء وكتب يف الذكر كل شـيء وخلق السماوات واألرض}‪.‬‬
‫فيجب اإلميان هبذه املراتب األربع لتحقيق اإلميان ابلقدر ومن أنكر شيئًا منها مل حيقق اإلميان‬
‫ابلقدر‪ .‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫اإلميان وأركانه‬
‫وبيان حكم مرتكب الكبرية‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫اإلميان لغة‪ :‬التصديق واإلقرار‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬اعتقاد ابلقلب وإقرار ابللسان وعمل ابجلوارح‪.‬‬
‫ً‬
‫أركانه وأدلته‪:‬‬
‫{ ‪         ‬‬ ‫أركان اإلميان ستة يدل عليها قـول هللا تعـاىل‪:‬‬
‫‪( }        ‬البقرة‪.)177 :‬‬

‫ومن السنة ما جاء يف حديث جربيل عندما سأل النيب ‪ ‬وقال‪{ :‬أخـربين عن اإلميان‪ ،‬قال‪( :‬أن تؤمن ابهلل‬
‫ومالئكته وكتبه ورسله واليـوم اآلخر وتؤمن ابلقدر خريه وشره‪ .‬قال‪ :‬صدقت}‪ ...‬إخل)‪.‬‬
‫زايدة اإلميان ونقصانه‪:‬‬
‫دل الكتاب والسنة على أن اإلميان يزيد ابلطاعة وينقص ابملعصية‪.‬‬
‫فالدليل من الكتاب قول هللا تعـاىل‪(}       { :‬حممد‪ .)17 :‬وقال‬
‫تعاىل‪                 { :‬‬

‫‪(}‬األنفال‪.)2 :‬‬

‫وقال تعاىل‪(}            { :‬الفتح‪.)4 :‬‬

‫ومن السنة قوله ‪{ ‬خيرج من النار من كان يف قلبه مثقال ذرة مـن إميان}‪ .‬وكذلك قوله ‪{ ‬اإلميان بضع‬
‫وسبعون شعبة أعالها ال إلـه إال هللا وأدانها إماطة األذى عن الطريق واحلياء شعبة من اإلميان}‪.‬‬
‫حكم مرتكب الكبرية‪:‬‬
‫كبائر الذنوب نوعان‪ :‬مكفر وغري مكفر‪ .‬فأما املكفر فهو الشرك ابهلل ألنه أعظم ذنبا عُصي به هللا والنفاق‬
‫االعتقادي وسب هللا ورسوله وحنـو ذلك‪.‬‬
‫والنوع الثاين كبائر غري مكفرة وال خيرج مرتكبـها مـن امللـة إال إذا استحلها‪ .‬وهي سائر الذنوب اليت دون الكفر‬
‫كالراب والقتل والزان وحنـو ذلك‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫وقد دل الكتاب والسنة على أن مرتكب الكبرية غري املكفـرة مؤمـن انقص اإلميان‪ ،‬ويسمى فاس ًقا وعاصيًا‪.‬‬
‫وحكمه يف اآلخرة أنه حتت املشيئة فإن شاء هللا غفر له برمحته وإن شـاء عذبه بعدله وهو مع هذا ال خيلد يف‬
‫{ ‪        ‬‬ ‫النار إذا عُذب بل مآله إىل اجلنة مبا معه من التوحيد واإلميان‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫‪(}            ‬النسـاء‪.)116 :‬‬

‫ويف الصحيحني من حديث أنس ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أنه قال‪{ :‬خيرج من النار من قال ال إله إال هللا ويف قلبه وزن‬
‫شعرية من خري‪ ،‬وخيرج من النار مـن قال ال إله إال هللا ويف قلبه وزن برة من خري‪ ،‬وخيرج من النار من قال ال إله إال هللا‬
‫ويف قلبه وزن ذرة من خري}‪.‬‬
‫وهذا الذي دلت عليه النصوص هنا هو الذي عليه سلف األمـة مـن الصحابة والتابعني واتبعيهم على اخلري‬
‫واهلدى يف حكـم مرتكب الكبـرية وهو املنهج الوسط بني الغلو يف هذا الباب وهو مذهب اخلـوارج قدميًـا وحديثًا الذين‬
‫يكفرون مرتكب الكبرية وخيرجونه من امللة ويستبيحون دمـه ويعتقدون أنه يوم القيامة خالد خملد يف النار‪ ،‬وبني أهل‬
‫التقصري الذين يرون أن مرتكب الكبرية مؤمن كامل اإلميان وال يفرقون بني مرتكب الكبـرية وبني املؤمن الكامل الذي‬
‫أدى الطاعات وجتنب احملرمات كما هو مذهـب غالة املرجئة‪.‬‬
‫األدلة على أن مرتكب الكبرية ليس بكافر‪:‬‬
‫دل القرآن والسنة على أن مرتكب الكبرية ليس بكافر‪.‬‬
‫{ ‪           ‬‬ ‫فمن القرآن قوله تعاىل‪:‬‬
‫‪                   ‬‬

‫‪(}             ‬احلجرات‪،9 :‬‬

‫‪ .)10‬ووجه الداللة من اآليتني هو أن هللا أثبت اإلميـان ملرتكيب معصية االقتتال من املؤمنني والباغي من بعض‬
‫الطوائف على بعـض وهي من الكبائر وجعلهم إخوة وأمر تعاىل املؤمنني ابإلصالح بني إخوهتـم يف اإلميان‪.‬‬
‫ومن السنة ما رواه مسلم عن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬أن رسـول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬يدخل أهل اجلنة اجلنة‪ ،‬يدخل من‬
‫يشاء برمحته‪ ،‬ويدخل أهل النـار النار مث يقول‪ :‬انظروا من وجدمت يف قلبه مثقال حبة من خردل من إميـان‬
‫فأخرجوه}‪.) ..‬‬

‫‪79‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫ووجه الداللة من احلديث هو عدم ختليد مرتكيب الكبائر يف النار حيـث خيرج منها من كان يف قلبه أدىن شيء‬
‫من اإلميان كـما يدل احلديث علـى تفاوت أهل اإلميان على حسب أعماهلم وأنه يزيد وينقص حبسب ما يـرتك املؤمن‬
‫من واجبات أو يرتكـب من حمظورات‪.‬‬
‫الواجب حنو أئمة املسلمني وعامتهم‬
‫ولزوم مجاعتهم‬
‫روى مسلم عن أيب رقية متيم الداري ‪ ‬أن النيب ‪ ‬قـال‪{ :‬الديـن النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة‪،‬‬
‫قلنا‪ :‬ملن اي رسول هللا ؟ قـال‪ :‬هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة املسلمني وعامتهم}‪.‬‬
‫فالنصيحة هلل‪ :‬إفراده تعاىل ابلعبادة وتعظيمه وخوفه ورجـاؤه وحمبتـه وفعل أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫والنصيحة لرسوله ‪ ‬تصديقه فيما أخرب به وطاعته فيما أمر به‪ ،‬واتباع سنته‪ ،‬واالهتداء هبديه وحمبته‪ ،‬وأال نعبد‬
‫هللا إال وفق ما جاء به ‪. ‬‬
‫وأما النصيحة ألئمة املسلمني فهي الدعاء هلم وحمبتـهم وطاعتـهم يف حدود طاعة هللا تعاىل‪.‬‬
‫وحب اخلري هلم كـما حنب ألنفسنا وبذل‬
‫وأما النصيحة لعامة املسلمني فهو أمرهم ابملعروف وهنيهم عن املنكـر‪ُ ،‬‬
‫اخلري هلم ومساعدهتم بقـدر مـا نستطيع‪.‬‬
‫الواجب حنو والة األمور‪:‬‬
‫لقد دل الكتاب والسنة وإمجاع سلف األمة على وجوب طاعة اإلمـام وإن جار يف حدود طاعة هللا تعاىل‪ ،‬ما مل‬
‫أيمر مبعصية‪ ،‬فإن أمر مبعصية فـال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق‪ .‬كما جتب الصالة خلفه‪ ،‬واحلج واجلـهاد معه‪،‬‬
‫ويطاع يف مواضع االجتهاد‪ ،‬وليس عليه أن يطيع أتباعـه يف مـوارد االجتهاد بل عليهم طاعته يف ذلك‪ ،‬وترك رأيهم‬
‫لرأيه‪ ،‬فإن مصلحة اجلماعة واالئتالف وجتنب مفسدة الفرقة واالختالف‪ ،‬أعظم مـن أمـر املصـاحل اخلاصة‪ .‬كما جتب‬
‫النصيحة له ابلطرق املشروعة وترك منازعتـه وعـدم اخلروج عليه‪.‬‬
‫قال اإلمام الطحاوي رمحه هللا‪( :‬وال نرى اخلروج علـى أئمتنـا ووالة أموران وإن جاروا‪ ،‬وال ندعو عليهم‪ ،‬وال ننـزع‬
‫يدا من طاعتهم ونـرى طاعتهم من طاعة هللا ‪ ‬فريضة‪ ،‬ما مل أيمروا مبعصية‪ ،‬وندعو هلـم ابلصالح واملعافاة)‪.‬‬
‫ً‬

‫‪80‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫واألدلة على ذلك كثرية من الكتاب والسنة‪ ،‬فمن الكتاب قوله تعـاىل‪    { :‬‬

‫‪(}      ‬النساء‪.)59 :‬‬

‫ومن السنة حديث أيب هريرة ‪ ‬عن النيب ‪ ‬أنه قال‪ { :‬من أطاعين فقد أطاع هللا‪ ،‬ومن عصاين فقد عصى‬
‫هللا‪ ،‬ومن يطع األمري فقد أطاعين‪ ،‬ومـن يعص األمري فقد عصاين}‪ .‬وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قـال‪ :‬قـال رسول‬
‫هللا ‪ { ‬على املرء املسلم السمع والطاعة فيما أحـب وكـره إال أن يؤمر مبعصية‪ ،‬فإذا أمر مبعصية فال مسع وال طاعة}‪.‬‬
‫بعيدا عن اإلاثرة والتـهويل يـدل لذلك ما رواه ابن أيب عاصم وغريه‪ ،‬عن‬
‫سرا ً‬‫والسنة أن تُبذل النصيحة لإلمام ًّ‬
‫عياض بن غنم ‪ ‬قـال‪ :‬قـال رسول هللا ‪{ ‬من أراد أن ينصح لذي سلطان فال يبده عالنية‪ ،‬وليـأخذ بيده فإن مسع‬
‫منه فذاك‪ ،‬وإال أدى الذي عليه}‪.‬‬
‫هذه النصوص من القرآن والسنة كلها أتمر بطاعة األئمة ووالة األمـور يف غري معصية هللا تعاىل‪ .‬وميكن أن‬
‫نستخلص منها ما أييت‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن السمع والطاعة واجبة يف كل األحوال يف غري معصية‪.‬‬
‫‪ - 2‬عدم اخلروج على والة األمر إذا مل يقبلوا النصيحة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن من نصح لوالة األمر وأنكر عليهم ابلطريقة املشروعة فقد برئ مـن الذنب‪.‬‬
‫‪ - 4‬النهي عن إاثرة الفنت وأسباب إاثرهتا‪.‬‬
‫‪ - 5‬عدم اخلروج على الوالة ما مل يظهر منهم الكفر البـواح أي الظـاهر الذي ال حيتمل التأويل‪.‬‬
‫اعتقادا ومواالهتم واتباع‬
‫‪ - 6‬وجوب لزوم مجاعة املسلمني الذين يسريون على هدى الكتاب والسنة قوال وعمال و ً‬
‫{ ‪ ‬‬ ‫سبيلهم واحلرص علـى مجع كلمتهم على احلق وعدم مفارقتهم أو االنشقاق عليهم‪ .‬كمـا قـال تعاىل‪:‬‬
‫‪                  ‬‬

‫‪(} ‬النساء‪ )115 :‬وقال رسول هللا ‪ { ‬عليكم ابجلماعة فإن يد هللا مع اجلماعة‪ ،‬ومن شذ شذ يف النار} وعن‬

‫شربا فمات‬
‫ابن عباس ‪ ‬قـال‪ :‬قـال رسول هللا ‪{ ‬من رأى من أمريه شيئًا يكرهه فليصرب‪ ،‬فإنه من فـارق اجلماعة ً‬
‫فميتته جاهلية}‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫العقيدة اإلسالمية‪..‬‬

‫فـدلت هذه النصوص على وجوب لزوم اجلماعة وعدم منازعـة األمـر أهله‪ ،‬والوعيد الشديد ملن خيالف ذلك‪ .‬إذ‬
‫‪‬‬
‫أن اجلماعـة رمحـة والفرقـة عذاب‪.‬‬
‫التحذير من الغلو يف الدين والتقصري فيه‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬الغلو يف اللغة هو جماوزة احلد‪ ،‬أبن يزيد يف محد الشيء أو ذمه على ما يستحق‪.‬‬
‫ويف الشرع‪ :‬هو جماوزة حدود ما شرع هللا لعباده سواء يف العقيـدة أو العبادة‪.‬‬
‫ب‪ -‬حكمه‪ :‬التحرمي؛ ملا جاء من النصوص يف النهي عنه والتحذيـر منه وبيـان سـوء عواقبه على أهله يف العاجل‬
‫{ ‪(}            ‬النساء‪.)171 :‬‬ ‫واآلجل‪ .‬قال هللا تعـاىل‪:‬‬
‫تعاىل‪                { :‬‬ ‫وقال‬
‫‪(}       ‬املائدة‪.)77 :‬‬

‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ :‬أن رسـول هللا ‪ ‬قـال‪{ :‬إيـاكم والغلو‪ ،‬فإمنا هلك من كان قبلكم ابلغلو يف‬
‫الدين} رواه أمحد واحلـاكـم وصححه ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪{ ‬هلك املتنطعون} قاهلـا ثالاث‪ ،‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن عمر بن اخلطاب ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪{ :‬ال تطروين كمـا أطرت النصارى عيسى ابن مرمي‪ ،‬إمنـا أنـا‬
‫عبـد هللا ورسـوله} رواه البخاري‪.‬‬
‫واملراد هذا احلديث‪ ،‬أي‪ :‬ال متدحوين فتغلوا يف مدحي كمـا غلـت النصارى يف عيسى فادعوا فيه الربوبية‬
‫واأللوهية‪ ،‬وإمنا أان عبد هللا فصفـوين مبا وصفين به ريب‪ ،‬وقولوا‪ :‬عبد هللا ورسوله‪ ،‬فأىب الضالل إال خمالفة ألمـره وارتكااب‬
‫لنهيه وانقضوه أعظم املناقضة فغلوا فيه وابلغوا يف إطرائه وادعوا فيه ما ادعت النصارى يف عيسى أو قريبا منه‪ ،‬فسألوه‬
‫مغفرة الذنوب وتفريـج الكروب وشفاء األمراض وحنو ذلك مما هو خمتص ابهلل وحده ال شريك لـه‪ ،‬وكل ذلك من الغلو‬
‫يف الدين‪.‬‬
‫واحلمد لل رب العاملني‬

‫وفقكن هللا ملا حيب ويرضى‬

‫‪82‬‬

You might also like