You are on page 1of 16

‫العقيدة والتصوف‬

‫‪UTD1022‬‬
‫الدرس العاشر (‪:)10‬‬
‫العالقة بين األخالق‬
‫والتصوف‬
‫‪2‬‬
‫التصوف هو الخلق‬
‫مر التصوف يف اإلسالم مبراحل متعددة وتواردت عليه ظروف خمتلفة واختذ‬
‫تبعًا لذلك مفاهيم متعددة‪ ،‬ولذلك كثرت تعريفاته وكل تعريف يشري إىل‬
‫بعض جوانبه دون البعض اآلخر‪ ،‬ولكن يظل هناك أساسًا واحدًا للتصوف‬
‫ال خالف عليه وهو أنه أخالقيات مستمدة من اإلسالم‪ ،‬وهذا ما أشار إليه‬
‫ابن القيم رمحه اهلل يف مدارج السالكني بقوله‪(( :‬واجتمعت كلمة الناطقني يف‬
‫هذا العلم على أن التصوف هو اُخلُلق))‬
‫‪3‬‬

‫تعاريف أخرى للتصوف باعتباره اخللق ‪:‬‬

‫‪-1‬يقول حممد علي بن احلسني بن علي بن أيب طالب رضي اهلل‬


‫عنه (‪ :‬التصوف خلق ‪ ،‬فمن زاد عليك يف اخللق زاد عليك يف‬
‫التصوف ‪).‬‬
‫‪ -2‬قال أبو حممد اجلريري ‪ ( :‬التصوف هو الدخول يف كل خلق‬
‫سين ‪ ،‬واخلروج من كل خلق دين ‪).‬‬
‫‪4‬‬

‫• إذن التص ‪kk‬وف يف أساس ‪kk‬ه خل ‪kk‬ق‪ ،‬وه ‪kk‬و هبذا اإلعتب ‪kk‬ار روح اإلس ‪kk‬الم‪ ،‬ألن‬
‫أحك‪kk‬ام اإلس‪kk‬الم كله‪kk‬ا م‪kk‬ردودة إىل أس‪kk‬اس أخالقي‪ ،‬ذل‪kk‬ك أنن‪kk‬ا إذا نظرن‪kk‬ا‬
‫إىل الق ‪kk k‬رآن الك ‪kk k‬رمي فس ‪kk k‬نجده ق ‪kk k‬د جاءن ‪kk k‬ا ب ‪kk k‬أنواع خمتلف ‪kk k‬ة من األحك ‪kk k‬ام‬
‫الش ‪kk‬رعية وهي تن ‪kk‬درج بوج ‪kk‬ه ع ‪kk‬ام حتت ثالث ‪kk‬ة أقس ‪kk‬ام رئيس ‪kk‬ية‪( :‬العقائ ‪kk‬د‪،‬‬
‫والف ‪kk k‬روع من العب ‪kk k‬ادات واملع ‪kk k‬امالت‪ ،‬واألخالق)‪ ،‬وناحي ‪kk k‬ة األخالق يف‬
‫القرآن الكرمي وردت فيها آيات كثرية حتث عليها بلغت ثلث القرآن‪.‬‬
‫أخالق اإلسالم هي أساس الدين‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫واحلقيقة أن أخالق اإلسالم هي أساس الشريعة حبيث إذا‬


‫افتقرت أحكام الشريعة إىل األساس اُخلُلقي سواء يف األحكام‬
‫االعتقادية أو الفقهية كانت صورة ال روح فيها أو هيكًال فارغًا‬
‫من املضمون‪ .‬وقال اإلمام الشعراين رمحه اهلل ( التصوف إمنا هو‬
‫زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خال من عمله العلل‬
‫‪6‬‬

‫•إن أهم ما ينبغي أن يفهم عليه الدين أنه يف جوهره‬


‫أخالق بني العبد وربه‪ ،‬وبينه وبني نفسه‪ ،‬وبينه وبني‬
‫أسرته‪ ،‬مث بينه وبني أفراد جمتمعه‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫أمثلة يف أن األحكام يف الدين أساسها األخالق‪.‬‬


‫‪ -‬ولكي يتبني لنا ذلك يف وضوح وجالء بأن أحكام‬
‫الشريعة كلها مردودة إىل أساس أخالقي نذكر ما يأيت‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪.1‬مثًال أحكام اإلميان‪ :‬فاإلميان باهلل تعاىل ووحدانيته تنافيه‬
‫أخالق احلرص واجلزع وعبادة املال واستغالل اإلنسان ألخيه‬
‫اإلنسان‪ ،‬وينافيه اتكال العبد على اَخللق دون اخلالق‪ ،‬وقهر‬
‫اليتيم وقساوة القلب وانعدام األمانة‪ .‬فاإلنسان إن مل يطرح‬
‫هذه األخالق املذمومة من نفسه ال يكون إميانه كامًال‬
‫صحيحًا‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫ويبني لنا الرسول (ص) هذا املعىن العميق لإلميان يف كثري من‬
‫أحاديثه منها‪:‬‬
‫قوله (ص) ‪ :‬ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه‪.‬‬
‫وقوله (ص) ‪ :‬أكمل املؤمنني إميانًا أحسنهم ُخ ُلقًا‪.‬‬
‫وقوله (ص) ‪ :‬خصلتان ال جيتمعان يف مؤمن‪ :‬البخل‪ ،‬وسوء اُخلُلق‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ .2‬وكذلك يف مجيع عبادات اإلسالم ومعامالته‪ :‬ما مل تقم هذه‬


‫العبادات واملعامالت على أساس أخالقي ال يكون هلا قيمة أو فائدة‪ ،‬وال‬
‫تكون مقبولة عند اهلل تعاىل‪ ،‬فمثًال الصالة جندها يف اإلسالم طهارة‬
‫النفس وترقيقًا للقلب وحتلية اإلنسان بفضائل اهليبة واخلشوع واملشاهدة‬
‫واملراقبة واملناجاة مع اهلل تعاىل واألنس به‪ .‬وبدون هذه املعاين تكون‬
‫الصالة هيكًال فارغًا من املضمون‪ .‬وهكذا الزكاة والصوم واحلج كلها‬
‫حتمل معاين أخالقية يف أدائها‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ .3‬وكذلك معامالت اإلسالم كلها‪ :‬هلا قواعد‬


‫أخالقية معينة جيب أن يراعيها املسلم يف‬
‫تعامله مع أﻓﺮاد اجملتمع فال استغالل وال‬
‫احتكار وال غش‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫طريق التحقق بالكمال األخالقي‬


‫إذن يتبني لنا مما تقدم أن جوهر الدين هو األخالق وهذا ‪‬‬
‫املعىن ندركه بعمق يف قوله تعاىل ( َو إَّنَّك َلَعلى ُخ ُلٍق َعظيم‬
‫) ‪ .‬ويف قوله عليه الصالة والسالم‪( :‬إمنا بعثت ألمتم‬
‫مكارم األخالق )‪ ،‬واإلسالم رسم لنا طريق التحقق‬
‫بالكمال األخالقي الذي دعا إليه فأمرنا جبهاد النفس‬
‫‪،‬بتخليتها من مذموم األخالق وحتليتها باألخالق احملمودة‬
‫‪.‬‬

‫وهذه ال تتحقق مبجرد سّن القوانني والعقوبات وإمنا‬


‫يتحقق إذا توفرت الرغبة لدى األفراد يف التغيري‪ ،‬قال‬
‫ٍم‬
‫تعاىل ‪ (:‬إَّن اهلل ال ُيغِّيُر ما ِبَق و حىّت ُيَغرِّي وا ما‬
‫ِس‬
‫ِبأنُف م ) ‪.‬‬
‫ِه‬
‫‪ ‬الخالصة‬
‫‪.‬‬

‫أدرك السادة الصوفية أمهية األساس األخالقي للدين فجعلوا‬


‫إهتمامهم موجهًا إليه و ذهبوا إىل أن أي علم من العلوم ال يقرتن‬
‫بالخشية من اهلل تعالى والمعرفة به فال جدوى منه‪ ،‬فما أكثر ما‬
‫جتد من العلم يف الكتب حبيث يسهل عليك حتصيله‪ ،‬أما‬
‫األخالق فتحصيلها عسري‪ ،‬ألهنا تكون مثرة ممارسة شاقة وصراع‬
‫بني اإلنسان ونفسه األمارة بالسوء ليلزمها جادة الصواب‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ ‬ومن هنا تأيت أمهية التصوف ودوره اهلام حنو‬


‫األخالق‪ ،‬فهو يعترب طريق للوصول إىل اهلدف‬
‫األخالقي النبيل‪ ،‬وهو مبثابة املصنع الذي ينتج‬
‫منتجات ذات جودة عالية‪.‬‬
‫‪ ‬فالذي يريد الوصول إىل الكمال اخللقي من‬
‫الصفات احملمودة ال بد له من أن ميّر طريق‬
‫التصوف‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫واهلل أعلم‬

You might also like