You are on page 1of 20

‫د‬

‫الرة الختصة‬
‫السل ِم‬ ‫د‬
‫ين ِ‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫اس‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ف‬‫ِ‬

‫يخ‪:‬‬
‫ت ِألف الش ِ‬
‫ص السع ِد دي‬
‫عب ِد الرح ِن ب ِن نا ِ ِ‬
‫(‪ 1307‬ـه– ‪1376‬ـه)‬
‫(‪)2‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل حنمده‪ ،‬ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا‪ .‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ .‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪،‬‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأن حممدا عبده ورسوله صلى هللا عليه وسلم تسليما كثيا‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن دين اإلسالم الذي جاء به حممد ﷺ أكمل األداين وأفضلها‪ ،‬وأعالها‬
‫وأجلها‪ ،‬وقد حوى من احملاسن والكمال والصالح والرمحة والعدل واحلكمة ما يشهد هلل تعاىل‬
‫ابلكمال املطلق وسعة العلم واحلكمة‪ ،‬ويشهد لنبيه ﷺ أنه رسول هللا حقا‪ ،‬وأنه الصادق‬
‫املصدوق‪ ،‬الذي ال ينطق عن اهلوى {ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ} [سورة النجم‪ ،]4:‬فهذا الدين‬
‫اإلسالمي أعظم برهان‪ ،‬وأجل شاهد هلل ابلتفرد والكمال املطلق كله‪ ،‬ولنبيه ﷺ ابلرسالة‬
‫والصدق‪.‬‬
‫وغرضي من هذا التعليق إبداء ما وصل إليه علمي من بيان أصول حماسن هذا الدين‬
‫العظيم‪ ،‬فإين وإن كان علمي ومعرفيت ت قصر كل القصور عن إبداء بعض ما احتوى عليه هذا‬
‫الدين من اجلالل واجلمال والكمال‪ ،‬وعباريت تضعف عن شرحه على وجه اإلمجال‪ ،‬فضال‬
‫عن التفصيل يف املقال‪ ،‬وكان ما ال يدرك مجيعه وال يوصل إىل غايته ومعظمه‪ ،‬فال ينبغي أن‬
‫{ﲗ ﲘ‬ ‫يرتك منه ما يعرفه اإلنسان لعجزه عما ال يعرفه‪ ،‬فال يكلف هللا نفسا إال وسعها‬
‫ﲙ ﲚ} [سورة التغابن‪.]16:‬‬
‫وذلك أن يف معرفة هذا العلم فوائد متعددة‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن االشتغال يف هذا املوضوع الذي هو أشرف املواضيع وأجلها من أفضل األعمال‬
‫الصاحلة‪ .‬فمعرفته والبحث عنه والتفكي فيه وسلوك كل طريق حيصل إىل معرفته خي ما شغل‬
‫العبد به نفسه‪ ،‬والوقت الذي تنفقه يف ذلك هو الوقت الذي لك ال عليك‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫ومنها‪ :‬أن معرفة النعم والتحدث هبا قد أمر هللا به ورسوله‪ ،‬وهو من أكرب األعمال‬
‫الصاحلة‪ ،‬وال شك أن البحث يف هذا اعرتاف وحتدث وتفكر يف أجل نعمه ‪-‬سبحانه‪ -‬على‬
‫عباده‪ :‬وهو الدين اإلسالمي الذي ال يقبل هللا من أحد دينا سواه‪ .‬فيكون هذا التحدث‬
‫شكرا هلل‪ ،‬واستدعاء للمزيد من هذه النعمة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الناس يتفاوتون يف اإلميان وكماله تفاوت عظيما‪ ،‬وكلما كان العبد أعرف هبذا‬
‫الدين وأشد تعظيما له وسرورا به وابتهاجا كان أكمل إميان وأصح يقينا‪ ،‬فإنه برهان على‬
‫مجيع أصول اإلميان وقواعده‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن من أكرب الدعوة إىل دين اإلسالم شرح ما احتوى عليه من احملاسن اليت يقبلها‬
‫ويتقبلها كل صاحب عقل وفطرة سليمة‪ .‬فلو تصدى للدعوة إىل هذا الدين رجال يشرحون‬
‫حقائقه ويبينون للخلق مصاحله‪ ،‬لكان ذلك كافيا كفاية تمة يف جذب اخللق إليه؛ ملا يرون‬
‫من موافقته للمصاحل الدينية والدنيوية‪ ،‬ولصالح الظاهر والباطن من غي حاجة إىل التعرض‬
‫لدفع شبه املعارضني والطعن يف أداين املخالفني‪ ،‬فإنه يف نفسه يدفع كل شبهة تعارضه؛ ألنه‬
‫حق مقرون ابلبيان الواضح‪ ،‬والرباهني املوصلة إىل اليقني‪ ،‬فإذا كشف عن بعض حقائق هذا‬
‫الدين صار أكرب داع إىل قبوله ورجحانه على غيه‪.‬‬
‫واعلم أن حماسن الدين اإلسالمي عامة يف مجيع مسائله ودالئله‪ ،‬ويف أصوله وفروعه‪،‬‬
‫وفيما دل عليه من علوم الشرع واألحكام‪ ،‬وما دل عليه من علوم الكون واالجتماع‪ .‬وليس‬
‫القصد هنا استيعاب ذلك وتتبعه‪ ،‬فإنه يستدعي بسطا كثيا‪ ،‬وإمنا الغرض ذكر أمثلة نفعة‬
‫يستدل هبا على سواها‪ ،‬وينفتح هبا الباب ملن أراد الدخول‪ ،‬وهي أمثلة منتشرة يف األصول‬
‫والفروع والعبادات واملعامالت‪.‬‬
‫فنقول مستعينني ابهلل‪ ،‬راجني منه أن يهدينا ويعلمنا‪ ،‬ويفتح لنا من خزائن جوده وكرمه‬
‫ما تصلح به أحوالنا وتستقيم به أقوالنا وأفعالنا‪:‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫املثال األول‬
‫{ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬ ‫مبن على أصول اإلميان املذكورة يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫دين اإلسالم ي‬
‫ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤ‬

‫ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ} [سورة‬
‫البقرة‪.]136:‬‬
‫فهذه األصول العظيمة اليت أمر هللا عباده هبا هي األصول اليت اتفق عليها األنبياء‬
‫واملرسلون‪ ،‬وهي حمتوية على أجل املعارف واالعتقادات‪ ،‬من اإلميان بكل ما وصف هللا به‬
‫نفسه على ألسنة رسله‪ ،‬وعلى بذل اجلهد يف سلوك مرضاته‪.‬‬
‫فدين أصله اإلميان ابهلل ومثرته السعي يف كل ما حيبه ويرضاه‪ ،‬وإخالص ذلك هلل‪ ،‬هل‬
‫يتصور أن يكون دين أحسن منه وأجل وأفضل؟‬
‫ودين أمر ابإلميان بكل ما أوتيه األنبياء‪ ،‬والتصديق برساالهتم‪ ،‬واالعرتاف ابحلق الذي‬
‫جاءوا به من عند رهبم‪ ،‬وعدم التفريق بينهم‪ ،‬وأهنم كلهم رسل هللا الصادقون‪ ،‬وأمناؤه‬
‫املخلصون‪ ،‬يستحيل أن يتوجه إليه أي اعرتاض وقدح‪.‬‬
‫فهو أيمر بكل حق‪ ،‬ويعرتف بكل صدق‪ ،‬ويقرر احلقائق الدينية املستندة إىل وحي هللا‬
‫لرسله‪ ،‬وجيري مع احلقائق العقلية الفطرية النافعة‪ ،‬وال يرد حقا بوجه من الوجوه‪ ،‬وال يصدق‬
‫بكذب‪ ،‬وال يروج عليه الباطل‪ ،‬فهو مهيمن على سائر األداين‪.‬‬
‫أيمر مبحاسن األعمال ومكارم األخالق ومصاحل العباد‪ ،‬وحيث على العدل والفضل‬
‫والرمحة واخلي‪ ،‬ويزجر عن الظلم والبغي ومساوئ األخالق‪ ،‬ما من خصلة كمال قررها األنبياء‬
‫واملرسلون إال وقررها وأثبتها‪ ،‬وما من مصلحة دينية ودنيوية دعت إليها الشرائع إال حث‬
‫عليها‪ ،‬وال مفسدة إال هنى عنها وأمر مبجانبتها‪.‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫واملقصود‪ :‬أن عقائد هذا الدين هي اليت تزكو هبا القلوب‪ ،‬وتصلح األرواح‪ ،‬وتتأصل هبا‬
‫مكارم األخالق وحماسن األعمال‪.‬‬

‫املثال الثان‬
‫ش رائع اإلس الم الكبار بعد اإلميان‪ :‬هي إقام الص الة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وص وم رمض ان‪،‬‬
‫وحج البيت احلرام‪.‬‬
‫أتمل هذه الشرائع العظيمة‪ ،‬وجليل منافعها‪ ،‬وما توجبه من السعي يف مرضاة هللا والفو‬
‫بثوابه العاجل واآلجل‪.‬‬
‫وأتمل ما يف الص الة من اإلخالص هلل واإلقبال التام عليه‪ ،‬والثناء والدعاء واخلض وع‪،‬‬
‫وأهنا من ش جرة اإلميان مبنزلة املالحظة والس قي للبس تان‪ .‬فلوال تكرر الص الة يف اليوم والليلة‬
‫ليبست شجرة اإلميان وذوى عوده‪ ،‬ولكنها تنمو وتتجدد بعبودايت الصالة‪.‬‬
‫وانظر إىل ما حتتوي عليه الص الة من االش تغال بذكر هللا الذي هو أكرب من كل ش يء‪،‬‬
‫وأهنا تنهى عن الفحشاء واملنكر‪.‬‬
‫وانظر إىل حكم الزكاة وما فيها من التخلق أبخالق الكرام‪ ،‬من الس خاء واجلود والبعد‬
‫عن أخالق اللئام‪ ،‬والش كر هلل على ما أواله من اإلنعام‪ ،‬وحفا املال من املنغص ات احلس ية‬
‫واملعنوية‪ ،‬وما فيها من اإلحسان إىل اخللق ومواساة احملتاجني‪ ،‬وسداد مصاحل احملتاج إليها‪.‬‬
‫فإن يف الزكاة دفع حاجة املض طرين احملتاجني‪ ،‬وفيها االس تعانة على اجلهاد واملص احل‬
‫الكلية اليت ال يستغن عنها املسلمون‪ ،‬وفيها دفع صولة الفقر والفقراء‪ ،‬وفيها الثقة لف هللا‬
‫والرجاء لثوابه وتصديق موعوده‪.‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫ويف الص وم من لرين النفوس على ترك حمبوهبا الذي ألفته؛ حبا هلل وتقراب إليه‪ ،‬وتعويد‬
‫النفوس ولرينها على قوة العزمية والص رب‪ ،‬وفيه تقوية داعي اإلخالص وحتقيق حمبته على حمبة‬
‫النفس‪ ،‬ولذلك كان الصوم هلل‪ ،‬اختصه لنفسه من بني سائر األعمال‪.‬‬
‫وأما ما يف احلج من بذل األموال وحتمل املش قات والتعرض لألخطار والص عوابت طلبا‬
‫لرض ى هللا‪ ،‬والوفادة على هللا‪ ،‬والتملق له يف بيته ويف عرص اته‪ ،‬والتنوع يف عبودايت هللا يف‬
‫تلك املشاعر اليت هي موائد مدها هللا لعباده ووفود بيته‪.‬‬
‫وما فيها من التعظيم واخلض وع التام هلل‪ ،‬والتذكر ألحوال األنبياء واملرس لني واألص فياء‬
‫واملخلص ني‪ ،‬وتقوية اإلميان هبم‪ ،‬وش دة التعلق مبحبتهم‪ ،‬وما فيه من التعارف بني املس لمني‬
‫والس عي يف مجع كلمتهم واتفاقهم على مص احلهم اخلاص ة والعامة ‪،‬ا ال ميكن تعداده‪ ،‬فإنه‬
‫من أعظم حماسن الدين وأجل الفوائد احلاصلة للمؤمنني‪.‬‬
‫وهذا على وجه التنبيه واالختصار‪.‬‬

‫املثال الثالث‬
‫ما أمر به الشارع وحث عليه من وجوب االجتماع واالئتالف‪ ،‬وهنيه وحتذيره عن التفرق‬
‫واالختالف‪.‬‬
‫على هذا األصل الكبي من نصوص الكتاب والسنة شيء كثي‪.‬‬
‫وقد علم كل من له أدىن معقول منفعة هذا األمر‪ ،‬وما يرتتب عليه من املص احل الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬وما يندفع به من املض ار واملفاس د‪ .‬وال خيفى أيض ا أن القوة املعنوية املبنية على‬
‫احلق‪ ،‬هذا أصلها الذي تدور عليه‪.‬‬
‫(‪)7‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫كما أنه قد علم ما كان عليه املس لمون يف ص در اإلس الم من اس تقامة الدين وص الح‬
‫األحوال والعزة اليت مل يص ل إليها أحد س واهم‪ ،‬إذ كانوا مس تمس كني هبذا األص ل قائمني به‬
‫حق القيام‪ ،‬موقنني أشد اليقني أنه روح دينهم‪.‬‬
‫يزيد هذا بيان وإيضاحا‪:‬‬

‫املثال الرابع‬
‫إن دين اإلسالم دين رمحة وبركة وإحسان‪ ،‬وحث على منفعة نوع اإلنسان‪.‬‬
‫فما اش تمل عليه هذا الدين من الرمحة وحس ن املعاملة والدعوة إىل اإلحس ان‪ ،‬والنهي‬
‫عن كل ما يض اد ذلك هو الذي ص يه نورا وض ياء بني ظلمات الظلم والبغي وس وء املعاملة‬
‫وانتهاك احلرمات‪ ،‬وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألد أعدائه حا اس تظلوا‬
‫بظله الظليل‪ ،‬وهو الذي عطف وحنا على أهله‪ ،‬حا ص ارت الرمحة والعفو واإلحس ان‬
‫يتدفق من قلوهبم على أقواهلم وأعماهلم‪ ،‬وختطاهم إىل أعدائه‪ ،‬حا ص اروا من أعظم أوليائه‪.‬‬
‫فمنهم من دخل فيه حبس ن بص ية وقوة وجدان‪ ،‬ومنهم من خض ع له ورغب يف أحكامه‬
‫وفضلها على أحكام أهل دينه‪ ،‬ملا فيها من العدل والرمحة‪.‬‬

‫املثال اخلامس‬
‫دين اإلسالم هو دين احلكمة‪ ،‬ودين الفطرة‪ ،‬ودين العقل والصالح والفالح‪.‬‬
‫يوض ح هذا األص ل‪ :‬ما هو حمتو عليه من األحكام األص ولية والفروعية‪ ،‬اليت تقبلها‬
‫الفطر والعقول‪ ،‬وتنق اد هل ا بوا ع احلق والص واب‪ ،‬وم ا هي علي ه من اإلحك ام وحس ن‬
‫االنتظام‪ ،‬وأهنا صاحلة لكل مان ومكان‪.‬‬
‫(‪)8‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫فأخباره كلها حق وص دق‪ ،‬مل أيت ‪-‬ويس تحيل أن أييت‪ -‬علم س ابق أو الحق مبا‬
‫ينقضها أو يكذهبا‪ ،‬وإمنا العلوم احلقة كلها تؤا رها وتؤيدها‪ ،‬وهي أعظم برهان على صدقها‪.‬‬
‫وقد حقق احملققون املنصفون أن كل علم نفع دين أو دنيوي أو سياسي‪ ،‬فقد دل عليه‬
‫القرآن داللة ال ريب فيها‪ ،‬فليس يف ش ريعة اإلس الم ما حتيله العقول‪ ،‬وإمنا فيه ما تش هد‬
‫العقول الزكية بصدقه ونفعه وصالحه‪.‬‬
‫أو‬ ‫وكذلك أوامره ونواهيه كلها عدل ال ظلم فيها‪ ،‬فما أمر بش يء إال وهو خي خال‬
‫راجح‪ ،‬وما هنى إال عن الشر اخلال أو الذي مفسدته تزيد على مصلحته‪.‬‬
‫وكلما تدبر اللبيب أحكامه ا داد إميان هبذا األصل‪ ،‬وعلم أنه تنزيل من حكيم محيد‪.‬‬

‫املثال السادس‬
‫ما جاء به هذا الدين من اجلهاد‪ ،‬واألمر بكل معروف‪ ،‬والنهي عن كل منكر‪.‬‬
‫فإن اجلهاد الذي جاء به مقص ود به دفع عدوان املعتدين على حقوق هذا الدين وعلى‬
‫رد دعوته‪ ،‬وهو أفضل أنواع اجلهاد‪ ،‬مل يقصد به جشع وال طمع وال أغراض نفسية‪.‬‬
‫ومن نظر إىل أدلة هذا األص ل‪ ،‬وس ية الن ﷺ وأص حابه مع أعدائهم‪ ،‬عرف بال ش ك‬
‫أن اجلهاد يدخل يف الضرورايت ودفع عادية املعتدين‪.‬‬
‫وكذلك األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ملا كان ال يس تقيم هذا الدين إال ابس تقامة‬
‫أهله على أص وله وش رائعه‪ ،‬وامتثال أوامره اليت هي الغاية يف الص الح‪ ،‬واجتناب نواهيه اليت‬
‫هي ش ر وفس اد‪ ،‬وكان أهله ملتزمني هلذه األمور‪ ،‬ولكيال تزين لبعض هم نفوس هم الظاملة‬
‫التجرؤ على بعض احملرمات والتقص ي عن أداء املقدور عليه من الواجبات‪ ،‬وكان ذلك ال‬
‫يتم إال أبمر وهني حبس ب ذلك‪ :‬كان ذلك من أجل حماس ن الدين ومن أعظم الض رورايت‬
‫(‪)9‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫لقيامه‪ ،‬كما أن يف ذلك تقوي املعوجني من أهله وهتذيبهم وقمعهم عن رذائل األمور ومحلهم‬
‫على معاليها‪.‬‬
‫وأما إطالق احلرية هلم ‪-‬وهم قد التزموه ودخلوا حتت حكمه وتقي دوا بش رائعه‪ -‬فمن‬
‫أعظم الظلم والض رر عليهم وعلى ا تمع‪ ،‬خص وص ا احلقوق الواجبة املطلوبة ش رعا وعقال‬
‫وعرفا‪.‬‬

‫املثال السابع‬
‫ما جاءت به الش ريعة من إابحة البيوع واإلجارات والش ركات وأنواع املعامالت اليت‬
‫تتبادل فيها املعاوضات بني الناس يف األعيان والديون واملنافع وغيها‪.‬‬
‫فقد جاءت الش ريعة الكاملة حبل هذا النوع وإطالقه للعباد؛ الش تماله على املص احل يف‬
‫الض رورايت واحلاجيات والكماليات‪ ،‬وفس حت للعباد فس حا ص لحت به أمورهم وأحواهلم‬
‫واستقامت معايشهم‪.‬‬
‫وش رطت الش ريعة يف حل هذه األش ياء الرض ا من الطرفني‪ ،‬واش تمال العقود على العلم‪،‬‬
‫ومعرفة املعقود عليه وموض وع العقد‪ ،‬ومعرفة ما يرتتب عليه من الش روم‪ .‬ومنعت من كل‬
‫ما فيه ضرر وظلم من أقسام امليسر والراب واجلهالة‪.‬‬
‫فمن أتمل املعامالت الش رعية رأى ارتباطها بص الح الدين والدنيا‪ ،‬وش هد هلل بس عة‬
‫الرمحة ولام احلكمة‪ ،‬حيث أابح س بحانه لعباده مجيع الطيبات‪ ،‬من مكاس ب ومطاعم‬
‫ومشارب‪ ،‬وطرق املنافع املنظمة احملكمة‪.‬‬

‫املثال الثامن‬
‫ما جاءت به الشريعة من إابحة الطيبات من املطاعم واملشارب واملالبس واملناكح وغيها‪.‬‬
‫(‪)10‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫فكل طيب نفع فقد أابحه الشارع من أصناف احلبوب والثمار وحلوم احليوانت البحرية‬
‫مطلقا واحليوانت الربية‪ ،‬ومل مينع من هذا إال كل خبيث ضار على الدين أو العقل أو البدن‬
‫أو املال‪.‬‬
‫فما أابحه فإنه من إحسانه سبحانه وحماسن دينه‪ ،‬وما منعه فإنه من إحسانه‪ ،‬حيث‬
‫منعهم ‪،‬ا يضرهم‪ ،‬ومن حماسن دينه‪ ،‬حيث إن احلسن تبع للحكمة واملصلحة ومراعاة املضار‪.‬‬
‫وكذلك ما أابحه من األنكحة‪ ،‬وأن للعبد أن ينكح ما طاب له من النساء مثىن وثالث‬
‫ورابع؛ ملا يف ذلك من مصلحة الطرفني ودفع ضرر اجلانبني‪.‬‬
‫ومل يبح للعبد اجلمع بني أكثر من أربع حرائر ملا يرتتب على ذلك من الظلم وترك العدل‪،‬‬
‫مع أنه حثه عند خوف الظلم وعدم القدرة على إقامة حدود هللا يف الزوجية على االقتصار‬
‫على واحدة‪ ،‬حرصا على نيل هذا املقصود‪.‬‬
‫وكما أن الزواج من أكرب النعم ومن الضرورايت‪ ،‬فإابحة الطالق كذلك؛ خشية عيشة‬
‫{ﱻ‬ ‫اإلنسان مع من ال تالئمه وال توافقه‪ ،‬واضطراره للبقاء يف ضنك احلال وشدة العسر‪،‬‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ} [سورة النساء‪.]130:‬‬

‫املثال التاسع‬
‫ما ش رعه هللا ورس وله بني اخللق من احلقوق اليت هي ص الح وخي وإحس ان وعدل‬
‫وقسط وترك للظلم‪.‬‬
‫وذل ك ك احلقوق اليت أوجبه ا وش رعه ا للوال دين‪ ،‬واألوالد‪ ،‬واألق ارب‪ ،‬واجليان‪،‬‬
‫واألص حاب‪ ،‬واملعاملني‪ ،‬ولكل واحد من الزوجني على اآلخر‪ ،‬وكلها حقوق ض رورايت‬
‫وكماليات‪ ،‬تس تحس نها الفطر والعقول الزاكية‪ ،‬وتتم هبا املخالطة‪ ،‬وتتبادل فيها املص احل‬
‫واملنافع‪ ،‬حبسب حال صاحب احلق ومرتبته‪.‬‬
‫(‪)11‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫وكلما تفكرت فيها رأيت فيها من اخلي و وال الش ر‪ ،‬ووجدت فيها من املنافع العامة‬
‫واخلاصة واأللفة ولام العشرة ما يشهدك أن هذه الشريعة كفيلة بسعادة الدارين‪.‬‬
‫وترى فيه ا ه ذه احلقوق مري مع الزم ان واملك ان واألحوال والعرف‪ ،‬وتراه ا حمص ل ة‬
‫للمصاحل‪ ،‬حاصال فيها التعاون التام على أمور الدين والدنيا‪ ،‬جالبة للخواطر‪ ،‬مزيلة للبغضاء‬
‫والشحناء‪.‬‬
‫وهذه اجلمل تعرف ابالستقراء والتتبع هلا يف مصادرها ومواردها‪.‬‬

‫املثال العاشر‬
‫ما جاءت به الشريعة من انتقال املال والرتكات بعد املوت‪ ،‬وكيفية تو يع املال على الورثة‪.‬‬
‫{ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ} [سورة‬ ‫وقد أشار تعاىل إىل حكمة ذلك بقوله‪:‬‬
‫النساء‪ ،]11:‬فوضعها هللا بنفسه حبسب ما يعلمه من قرب النفع‪ ،‬وما حيب العبد عادة أن‬
‫يصل إليه ماله‪ ،‬وما هو أوىل بربه وفضله‪ ،‬مرتبا ذلك ترتيبا تشهد العقول الصحيحة حبسنه‪،‬‬
‫وأنه لو وكل األمر إىل آراء الناس وأهوائهم وإراداهتم حلصل بسبب ذلك من اخللل واالختالل‬
‫و وال االنتظام وسوء االختيار ما يشبه الفوضى‪.‬‬
‫وجعل الشارع للعبد أن يوصي يف جهات الرب والتقوى بشيء من ماله فيما ينفعه آلخرته‪،‬‬
‫وقيد ذلك ابلثلث فأقل لغي وارث‪ ،‬لئال تصي األمور اليت جعلها هللا قياما للناس ملعبة‬
‫يتالعب هبا قاصرو العقول والداينة عند انتقاهلم من الدنيا‪ ،‬أما حاهلم يف حالة صحة األجسام‬
‫والعقول‪ ،‬فيما خيشونه من الفقر واإلفالس مانع هلم من صرفه فيما يضرهم غالبا‪.‬‬

‫املثال احلادي عشر‬


‫ما جاءت به الشريعة اإلسالمية من احلدود‪ ،‬وتنوعها حبسب اجلرائم‪.‬‬
‫(‪)12‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫وه ذا ألن اجلرائم والتع دي على حقوق هللا وحقوق عب اده من أعظم الظلم ال ذي خي ل‬
‫ابلنظ ام‪ ،‬وخيت ل ب ه ال دين وال دني ا‪ ،‬فوض ع الش ارع للجرائم والتجرؤات ح دودا تردع عن‬
‫مواقعته ا‪ ،‬وختفف من وط أهت ا‪ ،‬من القت ل والقطع واجلل د وأنواع التعزيرات‪ .‬وكله ا فيه ا من‬
‫املنافع واملص احل اخلاص ة والعامة ما يعرف به العاقل حس ن الش ريعة‪ ،‬وأن الش رور ال ميكن أن‬
‫ت قاوم وتدفع دفعا كامال إال ابحلدود الش رعية اليت رتبها الش ارع حبس ب اجلرائم قلة وكثرة‬
‫وشدة وضعفا‪.‬‬

‫املثال الثان عشر‬


‫ما جاءت به الش ريعة من األمر ابحلجر على اإلنس ان عن التص رف يف ماله إذا كان‬
‫تصرفه مضرا به أو بغيه‪.‬‬
‫وذلك كاحلجر على ا نون والص غي والس فيه وحنوهم‪ ،‬واحلجر على الغري ملص لحة‬
‫غرمائه‪.‬‬
‫وكل هذا من حماسن الشريعة‪ ،‬حيث منعت اإلنسان من التصرف يف ماله الذي كان يف‬
‫األص ل مطلق التص رف فيه‪ ،‬ولكن ملا كان تص رفه ض رره أكثر من نفعه وش ره أكرب من خيه‬
‫حجر عليه الش ارع حجرا للتص رفات يف ميدان املص احل‪ ،‬وإرش ادا للعباد أن يس عوا يف كل‬
‫تصرف نفع غي ضار‪.‬‬

‫املثال الثالث عشر‬


‫ما جاءت به الشريعة من مشروعية الواثئق اليت ي توثق هبا أهل احلقوق‪.‬‬
‫(‪)13‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫وذلك كالش هادة اليت تس توىف هبا احلقوق‪ ،‬ولنع التجاحد‪ ،‬ويزول هبا االرتياب‪ .‬وكالرهن‬
‫والضمان والكفالة اليت إذا ت عذر االستيفاء ‪،‬ن عليه احلق رجع صاحب احلق إىل الوثيقة اليت‬
‫يستوىف منها‪.‬‬
‫وال خيفى ما يف ذلك من املنافع املتنوعة‪ ،‬وحفا احلقوق‪ ،‬وتوسيع املعامالت‪ ،‬وردها إىل‬
‫القس ط والعدل‪ ،‬وص الح األحوال‪ ،‬واس تقامة املعامالت‪ ،‬فلوال الواثئق لتعطل القس م األكرب‬
‫من املعامالت‪ ،‬فإهنا نفعة للمتوثق‪ ،‬ونفعة ملن عليه احلق من وجوه متعددة معروفة‪.‬‬

‫املثال الرابع عشر‬


‫ما حث الشارع عليه من اإلحسان الذي يكسب صاحبه األجر عند هللا واملعروف عند‬
‫الناس‪ ،‬مث يرجع إليه ماله بعينه أو بدله‪ ،‬فيكون مكس ب هذا النوع أجل املكاس ب دون أن‬
‫يلحق صاحبه ضرر‪.‬‬
‫وذلك كالقرض والعارية وحنومها‪ ،‬فإن يف ذلك من املص احل وقض اء احلاجات وتفريج‬
‫الكرابت وحص ول اخلي واملربات ما ال ي عد وال حيص ى‪ ،‬وص احبه يرجع إليه ماله وقد اس تفاد‬
‫من رب ه أجرا جزيال‪ ،‬وب ذر عن د أخي ه إحس ان ومجيال‪ ،‬مع م ا يتبع ذل ك من اخلي والربك ة‬
‫وانشراح الصدر‪ ،‬وحصول األلفة واملودة‪.‬‬
‫وأما اإلحس ان احملض الذي يعطيه ص احبه ان وال يرجع إليه فقد تقدمت اإلش ارة إىل‬
‫حكمته يف الزكاة والصدقة‪.‬‬

‫املثال اخلامس عشر‬


‫األص ول والقواعد اليت جعلها الش ارع أس س ا لفص ل اخلص ومات وحل املش اكل وترجيح‬
‫أحد املتداعيني على اآلخر‪.‬‬
‫(‪)14‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫فإهنا أص ول مبنية على العدل والربهان‪ ،‬واطراد العرف‪ ،‬وموافقة الفطر‪ ،‬فإنه جعل البينة‬
‫على كل من ادعى ش يئا أو حقا من احلقوق‪ ،‬فإذا أتى ابلبينة اليت ترجح جانبه وتقويه ث بت‬
‫ل ه احلق ال ذي ادعى ب ه‪ ،‬وما مل أيت إال مبجرد ال دعوى حلف امل دعى علي ه على نفي‬
‫الدعوى ومل يتوجه للمدعى عليه حق‪.‬‬
‫وجعل الش ارع البينات حبس ب مراتب األش ياء‪ ،‬وجعل القرائن املبينة والعرف املطرد بني‬
‫الناس من البينات‪ ،‬فالبينة‪ :‬اسم جامع لكل ما يبني احلق ويدل عليه‪.‬‬
‫وجعل عند االش تباه وتس اوي اخلص مني طريق الص لح العادل املناس ب لكل قض ية طريقا‬
‫إىل حل املشاكل واملنا عات‪.‬‬
‫فكل طريق ال ظلم فيه وال يدخل العباد يف معص ية هللا‪ ،‬وهو نفع هلم‪ ،‬فقد حث عليه‬
‫إذا كان وسيلة إىل فصل اخلصومات وقطع املشاجرات‪.‬‬
‫وس اوى يف هذا بني القوي والض عيف‪ ،‬والرئيس واملرؤوس يف مجيع احلقوق‪ ،‬وأرض ى‬
‫اخلصوم بسلوك طرق العدل‪ ،‬وعدم احليف‪.‬‬

‫املثال السادس عشر‬


‫ما جاءت به الش ريعة من األمر ابلش ورى‪ ،‬والثناء على املؤمنني أبن مجيع أمورهم الدينية‬
‫والدنيوية الداخلية واخلارجية شورى بينهم‪.‬‬

‫وهذا األص ل الكبي قد أمجع العقالء على اس تحس انه‪ ،‬وعلى أنه هو الس بب الوحيد يف‬
‫س لوك أص لح األحوال‪ ،‬وأحس ن الوس ائل حلص ول املقاص د وإص ابة الص واب‪ ،‬وس لوك طرق‬
‫العدل‪ ،‬وأنه أرقى لألمم العاملة عليه يف حتص يل كل خي وص الح‪ .‬وكلما ا دادت معارف‬
‫الناس واتسعت أفكارهم عرفوا شدة احلاجة هلذا ومقداره‪.‬‬
‫(‪)15‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫وملا كان املسلمون قد طبقوا هذا األصل يف صدر اإلسالم على أمورهم الدينية والدنيوية‬
‫كانت األمور مس تقيمة‪ ،‬واألحوال يف رقي وا دايد‪ ،‬فلما احنرفوا عن هذا األص ل ما الوا يف‬
‫احنطام يف دينهم ودنياهم‪ ،‬حا وص لت هبم احلال إىل ما ترى‪ ،‬فلو راجعوا دينهم يف هذا‬
‫األصل وغيه ألفلحوا وجنحوا‪.‬‬

‫املثال السابع عشر‬


‫أن هذه الش ريعة جاءت إبص الح الدين وإص الح الدنيا‪ ،‬واجلمع بني مص لحة الروح‬
‫واجلسد‪.‬‬
‫وهذا األص ل يف الكتاب والس نة منه ش يء كثي‪ ،‬حيث هللا ورس وله على القيام ابألمرين‪،‬‬
‫وأن كل واحد منهما ‪ ،‬يد لآلخر‪ ،‬ومعني عليه‪.‬‬
‫وهللا تعاىل خلق اخللق لعبادته والقيام حبقوقه‪ ،‬وأدر عليهم األر اق‪ ،‬ون وع هلم أس باب‬
‫الر ق وطرق املعيش ة؛ ليس تعينوا ب ذل ك على عب ادت ه‪ ،‬وليكون ذل ك قي ام ا ل داخليتهم‬
‫وخارجيتهم‪ ،‬ومل أيمر بتغذية الروح وحدها وإمهال اجلسد‪.‬‬
‫كما أنه هنى عن االش تغال ابللذات والش هوات‪ ،‬وتقوية مص احل القلب والروح(‪.)1‬‬
‫ويتضح هذا أبصل آخر‪ ،‬وهو هذا‪:‬‬

‫املثال الثامن عشر‬


‫أن الشرع جعل العلم والدين والوالية واحلكم متآ رت مت عاضدات‪.‬‬

‫(‪ )1‬كذا يف األصل‪ ،‬ولعل الصواب‪© :‬وأمر بتقوية مصاحل‪.®...‬‬


‫(‪)16‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫فالعلم وال دين يقوم الوالايت‪ ،‬وتنبن علي ه الس لط ة واألحك ام‪ ،‬والوالايت كله ا مقي دة‬
‫ابلعلم والدين‪ ،‬الذي هو احلكمة‪ ،‬وهو الصرام املستقيم‪ ،‬وهو الصالح والفالح والنجاح‪.‬‬
‫فحيث كان الدين والس لطة مقرتنني متس اعدين فإن األمور تص لح‪ ،‬كما أن األحوال‬
‫تس تقيم‪ ،‬وحيث فص ل أحدمها عن اآلخر اختل النظام‪ ،‬وفقد الص الح واإلص الح‪ ،‬ووقعت‬
‫الفرقة‪ ،‬وتباعدت القلوب‪ ،‬وأخذ أمر الناس يف االحنطام‪.‬‬
‫يؤي د ه ذا‪ :‬أن العلوم مهم ا اتس ع ت‪ ،‬واملع ارف مهم ا تنوع ت‪ ،‬واالخرتاع ات مهم ا‬
‫عظمت وكثرت‪ ،‬فإنه مل يرد منها ش يء ينايف ما دل عليه القرآن‪ ،‬وال يناقض ما جاءت به‬
‫الش ريعة‪ ،‬فالش رع ال أييت مبا حتيله العقول وإمنا أييت مبا تش هد العقول الص حيحة حبس نه‪ ،‬أو‬
‫مبا ال يهتدي العقل إىل معرفته مجلة أو تفصيال‪ .‬وهذا ينبغي أن يكون مثاال آخر‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫املثال التاسع عشر‬


‫أن الش رع ال أييت مبا حتيله العقول‪ ،‬وال مبا ينقض ه العلم الص حيح‪ ،‬وهذا من أكرب األدلة‬
‫على أن ما عند هللا حمكم اثبت‪ ،‬صاحل لكل مان ومكان‪.‬‬
‫وهذه اجلمل املختص رة تعرف على وجه التفص يل ابلتتبع واالس تقراء جلميع احلوادث‬
‫الكونية وحوادث علوم االجتماع‪ ،‬وتطبيق ذلك إذا كان من احلقائق الصحيحة على ما جاء‬
‫به الشرع‪ ،‬فبذلك يعرف أنه تبيان لكل شيء‪ ،‬وأنه ال يغادر صغية وال كبية إال أحصاها‪.‬‬

‫املثال العشرون‬
‫نظرة ملة يف فتوحات اإلس الم املتس عة اخلارقة للعوائد‪ ،‬مث لبقائه حمرتما مع تكالب‬
‫األعداء ومقاوماهتم العنيفة ومواقفهم املعروفة معه‪.‬‬
‫(‪)17‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫وذل ك أن من نظر إىل منبع ه ذا ال دين‪ ،‬وكيف ألف جزيرة العرب على افرتاق قلوهب ا‬
‫وكثرة ض غائنها وتعاديها‪ ،‬وكيف ألفهم ومجع قاص يهم لدانيهم‪ ،‬وأ ال تلك العداوات‪ ،‬وأحل‬
‫األخوة اإلمي اني ة حمله ا‪ ،‬مث ان دفعوا يف أقط ار األرض يفتحوهن ا قطرا قطرا‪ ،‬ويف مق دم ة ه ذه‬
‫األقط ار أم ة ف ارس والروم أقوى األمم وأعظمه ا ملك ا وأش ده ا قوة وأكثره ا ع ددا وع دة‪،‬‬
‫ففتحومها وما وراءمها بفض ل دينهم وقوة إمياهنم ونص ر هللا ومعونته هلم‪ ،‬حا وص ل اإلس الم‬
‫إىل مش ارق األرض ومغارهبا‪ ،‬فص ار هذا ي عد من آايت هللا‪ ،‬وبراهني دينه‪ ،‬ومعجزات نبيه‪،‬‬
‫وهبذا دخل اخللق فيه أفواجا ببصية وطمأنينة ال بقهر وال إ عاج‪.‬‬
‫فمن نظر نظرة إمج الي ة إىل ه ذا األمر عرف أن ه ذا هو احلق ال ذي ال يقوم ل ه الب اط ل‬
‫مهما عظمت قوته وتعاظمت س طوته‪ ،‬وهذا يعرف ببداهة العقول‪ ،‬وال يرتب فيه منص ف‪،‬‬
‫وهو من الض رورايت‪ ،‬الف ما يقوله طائفة من كتاب هذا العص ر الذين دفعهم الرض وخ‬
‫مبن‬
‫الفكري إىل مش اي عة أعداء اإلس الم‪ ،‬فزعموا أن انتش ار اإلس الم وفتوحه اخلارقة للعادة ي‬
‫على أمور مادية حمض ة‪ ،‬حللوها مبزاعمهم اخلاطئة‪ ،‬ويرجع حتليلها إىل ض عف دولة األكاس رة‬
‫ودولة الرومان وقوة املادة يف العرب‪.‬‬
‫وهذا رد تص وره كاف يف إبطاله‪ ،‬فأي قوة يف العرب تؤهلهم ملقاومة أدىن حكومة من‬
‫احلكومات الص غية يف ذلك الوقت؟ فض ال عن احلكومات الكبية الض خمة‪ ،‬فض ال عن‬
‫مقاومة أض خم األمم يف وقتها على اإلطالق وأقواها وأعظمها عددا وعدة يف وقت واحد‪،‬‬
‫حا مزقوا اجلميع ك ل ‪،‬زق‪ ،‬وحل ت حم ل أحك ام هؤالء امللوك اجلب ابرة أحك ام القرآن وال دين‬
‫العادلة‪ ،‬اليت قبلها وتلقاها ابلقبول كل منص ف مريد للحق‪ ،‬فهل ميكن تفس ي هذا الفتح‬
‫املنتشر املتسع األرجاء بتفوق العرب يف األمور املادية احملضة؟‬
‫وإمنا يتكلم هبذا من يريد القدح يف الدين اإلسالمي أو من راج عليهم كالم األعداء من‬
‫غي معرفة للحقائق‪.‬‬
‫(‪)18‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫مث بقاء هذا الدين على تواا النكبات وتكالب األعداء على حمقه وإبطاله ابلكلية من‬
‫آايت هذا الدين‪ ،‬وأنه دين هللا احلق‪ ،‬فلو س اعدته قوة كافية ترد عنه عادية العادين وطغيان‬
‫الطاغني مل يبق على وجه األرض دين س واه ولقبله اخللق من غي إكراه وال إلزام؛ ألنه دين‬
‫احلق‪ ،‬ودين الفطرة‪ ،‬ودين الص الح واإلص الح‪ ،‬لكن تقص ي أهله وض عفهم وتفرقهم وض غط‬
‫أعدائهم عليهم هو الذي أوقف سيه‪ ،‬فال حول وال قوة إال ابهلل‪.‬‬

‫املثال احلادي والعشرون‬


‫اجلامع لكل ما سبق‬
‫مبن على العقائد الص حيحة النافعة‪ ،‬وعلى األخالق الكرمية املهذبة‬
‫دين اإلس الم ي‬
‫لألرواح والعقول‪ ،‬وعلى األعمال املصلحة لألحوال‪ ،‬وعلى الرباهني يف أصوله وفروعه‪ ،‬وعلى‬
‫نب ذ الوثني ات والتعلق ابملخلوقني واملخلوق ات وإخالص ال دين هلل رب الع املني‪ ،‬وعلى نب ذ‬
‫اخلرافات واخلزعبالت املنافية للحس والعقل احملية للفكر‪ ،‬وعلى الص الح املطلق‪ ،‬وعلى دفع‬
‫ك ل ش ر وفس اد‪ ،‬وعلى الع دل ورفع الظلم بك ل طريق‪ ،‬وعلى احل ث على الرقي ألنواع‬
‫الكماالت‪.‬‬
‫وهذه اجلمل يطول تفص يلها‪ ،‬وكل من له أدىن معرفة يهتدي إىل تفص يلها على وجه‬
‫الوضوح والبيان الذي ال إشكال فيه‪.‬‬
‫ولنقتص ر على هذا الكالم على اختص اره‪ ،‬فإنه حيتوي على أص ول وقواعد يعرف هبا ما‬
‫لإلسالم من الكمال والعظمة واإلصالح احلقيقي لكل شيء‪ ،‬وابهلل التوفيق‪.‬‬

‫وقع الفراغ من تعليقها غرة مجادى األوىل سنة ‪1364‬ه‬


‫وصلى هللا على حممد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫بقلم معلقها‪ :‬عبد الرمحن بن نصر السعدي‬
‫(‪)19‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫فهرس احملتوايت‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫املقدمة ‪2 ..................................................................................‬‬
‫املثال األول‪4 ..............................................................................‬‬
‫املثال الثاين ‪5 ..............................................................................‬‬
‫املثال الثالث ‪6 .............................................................................‬‬
‫املثال الرابع ‪7 ..............................................................................‬‬
‫املثال اخلامس ‪7 ............................................................................‬‬
‫املثال السادس ‪8 ...........................................................................‬‬
‫املثال السابع‪9 .............................................................................‬‬
‫املثال الثامن ‪9 .............................................................................‬‬
‫املثال التاسع ‪10 ...........................................................................‬‬
‫املثال العاشر‪11 ...........................................................................‬‬
‫املثال احلادي عشر ‪11 .....................................................................‬‬
‫املثال الثاين عشر ‪12 .......................................................................‬‬
‫املثال الثالث عشر‪12 ......................................................................‬‬
‫املثال الرابع عشر ‪13 .......................................................................‬‬
‫املثال اخلامس عشر ‪13 ....................................................................‬‬
‫املثال السادس عشر ‪14 ....................................................................‬‬
‫(‪)20‬‬ ‫الدرة املختصرة يف حماسن الدين اإلسالمي‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫املثال السابع عشر ‪15 .....................................................................‬‬
‫املثال الثامن عشر ‪15 ......................................................................‬‬
‫املثال التاسع عشر‪16 ......................................................................‬‬
‫املثال العشرون ‪16 .........................................................................‬‬
‫املثال احلادي والعشرون اجلامع لكل ما سبق ‪18 ..............................................‬‬

‫‪‬‬

You might also like