Professional Documents
Culture Documents
يف
فقه العبادة
)(IIP1002
2
أن يكون هللا أحب إىل العبد من كل شئ .وأن يكون هللا أعظم عنده من كل شئ ،بل ال يستحق احملبة واخلضوع
التام اال هللا ،وكل ما أحب لغري هللا فمحبته فاسدة وما عظم بغري أمر هللا فتعظيمه ابطل.
ان العبادة املشروعة ال بد هلا من أمرين :األول :هو االلتزام مبا شرعه هللا ودعا إليه رسله ،أمرا وهنيا ،وحتليال
وحترميا .وهذا هو الذي ميثل عنصر الطاعة واخلضوع هلل .فليس عبدا والعابدا هلل من رفض االستسالم ألمره ،واستكرب
يقرون بذلك .ومل جيعلهم
عن اتباع هنجه .واالنقياد لشرعه وإن أقر أبن هللا خالقه ورازقه ،فقد كان مشركو العرب ّ
القرأن بذلك املؤمنني والعبادا هلل طائعني ،فخضوع االقرار ابلربوبية اليكفى ،وخضوع االستعانة ىف الكرابت
واالستغاثة ىف الشدائد ال يكفى ،وال بد من خضوع التعبد واالنقياد والتباع الذي هو حبق االلوهية .اساس اخلضوع
هلل الواحد القهار هو الشعور الذاتى ابحلاجة إىل من ميلك الضر والنفع واملوت واحلياة ،ومن له اخللق واألمر ،ومن
بيده ملكوت كل شئ ،ومن إذا أراد شيئا قال له ((كن)) فيكون ...الشعور ابلضعف أمام من ميلك القوة كل القوة.
والشعور ابحلهل أمام من أحاط بكل شئ علما .والشعور ابلعجز أمام من ميلك القدرة كل القدرة ،والشعور ابلفقر
أمام من ميلك الغىن كل الغىن .وابختصار شعور العبودية املخلوقة الفانية الفقرية ابلذات أمام الربوبية اخلالقة األزلية
االبدية ،املالكة لكل شئ ،واملدبر لكل أمر.
والثاىن :أن يصدر هذا االلتزام من قلب حيب هللا تعاىل .فليس ىف الوجود من هو أجدر من هللا تعاىل أبن
حيب ،فهو صاحب الفضل واالحسان ،الذى خلق االنسان ومل يكن شيئا مذكورا ،وخلق له ما ىف األرض مجيعا،
وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وابطنة ،وخلقه يف أحسن تقومي وصوره فأحسن صورته ،وكرمه وفضله على كثري من خلقه،
ورزقه من الطيبات ،فمن أوىل من هللا أن حيب؟ إن اساس حمبة هللا هو الشعور بفضله ونعمته ،وإحسانه ورمحته،
واال حساس جبماله وكماله .فمن عرف هللا أحبه ،وبقدر درجته ىف املعرفة تكون درجته ىف احملبة ،وهلذا كان الرسول
صلى هللا عليه وسلم أشد الناس حبا هلل ،ألنه كان أعرفهم ابهلل .فإن اسباب احلب ترجع اىل مخسة هي )1 :حب
االنسان وجود نفسه وكماله وبقائه )2 ،وحبه من أحسن إليه فيما يرجع إىل دوام وجوده ويعني على بقائه ودفع
املهلكات عنه )3 ،وحبه من كان حمسنا ىف نفسه إىل الناس وإن مل يكن حمسنا إليه )4 ،وحبه لكل ما هو مجيل ىف
ذاته ،سواء أكان من الصور الظاهرة أو الباطنة )5 ،وحبه ملن بينه وبينه مناسبة خفية ىف الباطن.
والصنف الثاىن :الذى غلط ىف فهم حقيقة العبادة :هو الذى ظن أن احملبة تناىف أدب العبودية وال تصاحب
خشية هللا وخمافته الىت جيب أن يتصف هبا كل عبد هللا .كما ظن أن احملبة ال تتحقق من املخلوق للخالق ،إمنا
املطلوب منه الطاعة واخلضوع فقط .واحلقيقة أن احملبة ال تناىف اخلشية واملخافة ،بل اخلوف الزم للمحبة كما قال ابن
تيمية ،إذ ليس عند القلب السليم أحلى وال ألذ وال أطيب وال أسر وال أنعم من حالوة االميان املتضمن عبوديته هلل،
وحمبته له وإخالصه الدين له .وذلك يقتضى اجنذاب القلب إىل هللا ،فيصري القلب منيبا إىل هللا ،خائفا منه ،راغبا
راهبا ،كما قال تعاىل(( :من خشى الرمحان ابلغيب وجآء بقلب منيب)).
لقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عن قول هللا عز وجل(( :أييها الناس اعبدوا ربكم)) ما العبادة؟ وما فروفها؟ وهل
جمموع الدين داخل فيها أم ال؟ فأجاب رمحه هللا عن ذلك إجابة مبسوطة مفضلة تضمنتها رسالته املعروفة ابسم
((العبودية)) وقد بدأها بقوله(( :العبادة :هي اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمال ،الباطنة
والظاهرة ،فالصالة ،وال زكاة والصيام واحلج ،وصدق احلديث ،وأداء األمانة ،وبر الوالدين ،وصلة األرحام ،والوفاء
ابلعهود ،واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ،واجلهاد للكفار واملنافقني ،واإلحسان للجبار واليتيم واملسكني وابن
السبيل ،واململوك من اآلدمني ،والبهامث ،والدعاء والذكر والقراءة ،وأمثال ذلك من العبادة))(( .وكذلك حب هللا
ورسوله-صلى هللا عليه وسلم-وخشية هللا واإلانبة إليه وإخالص الدين له ،والصرب احلكمة ،والشكر لنعمه ،والرضا
بقضائه ،والتوكل عليه ،والرجاء لرمحته ،واخلوف من عذابه ،وأمثال ذلك هي من العبادة هللا)) .وأكثر من ذلك ماذكره
شي خ اإلسالم :أن الدين كله داخل ىف العبادة .إذ الدين يتضمن معىن اخلضوع والذل يقال :دنته فدان ،أى أذللته
4
فذل .ويقال :يدين هللا ويدين هلل ،أى يبعد هللا ويطيعه وخيضع له .فدين هللا :عبادته وطاعته واخلضوع له .والعبادة
أصل معناها الذل أيضا.
إن مقتضى عبادة اإلنسان هلل وحده :أن خيضع أموره كلها ملا حيبه تعاىل ويرضاه ،من االعتقادات واألقوال واألعمال،
وأن يكيّف حياته وسلوكه وقفا هلداية هللا وشرعه .فإذا امره هللا أو هناه ،أو أحل له أو حرم عليه كان موقفه ىف ذلك
كلهَ(( :سعنا وأطعنا ))...ففرق ما بني املؤمن وغريه :أن املؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقني إىل العبودية
لربه .خرج من طاعة هواه إىل طاعة هللا .ليس املؤمن ((سائبا)) يفعل ما هتوى نفسه أو يهوى له غريه من اخللق .إمنا
هو ((ملتزم)) بعهد جيب أن يفىن به ،وميثاق جيب أن حيرتمه ،ومنهج جيب أن يتبعه .وهذا التزام منطقى انشئ من
طبيعة عقد اإلميان ومقتضاه .وىف هذا يقول القرأن(( :وما كان ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا أن يكون هلم
اخلرية من أمرهم ))...ليس بعباد هلل إذن من قال :أصلى وأحج ،ولكىن حر ىف أكل حلم اخلنزير ،أو شرب اخلمر ،أو
أكل الراب ،أو رفض ماال يروقىن من أحكام الشريعة ،فأحكم فيه بغري ما أنزل هللا!
إن من العبادة الىت يغفلها كثري من الناس :اخلضوع لشرع هللا ،واالنقياد ألحكامه الىت أحل هبا احلالل وحرم احلرام،
فرض الفرائض ،وح ّد احلدود .فمن أدى الشعائر وصلى وصام وحج واعتمر ،ولكنه رضى أن حيتكم ىف شئون حياته
اخلاصة والعامة ،أو ىف شئون اجملتمع والدولة ،إىل غري شرع هللا وحكمه ،فقد عبد غري هللا ،وأعطى غريه ما هو من
خالص حقه سبحانه .إن هللا وحده هو املشرع احلاكم خللقه ،ألن الكون كله مملكته ،والناس مجيعا عباده ،وهو وحده
الذى له أن أيمر وأن ينهى ،وأن يقول :هذا حالل ،وهذا حرام ،مبقتضى ربوييته وملكه وألوهيته للناس ،فهو رب
يشرع ما شاء ،أمرا وهنيا وحتليال وحترميا ،بدون إذن من
الناس ،ملك الناس ،إله الناس .فمن ادعى من اخللق أن له أن ّ
أقر له هبذ احلق ،وانقاد
هللا ،فقد جتاوز حده ،وعدا طوره ،وجعل نفسه راب أو إهلا من حيث يدرى أو ال يدرى! ومن ّ
وحرم حرامه ،فقد اختذه رابّ ،وعبده مع هللا ،أو من دون هللا،
أحل حالله ّ
لتشريعه ونظامه ،وخضع ملذهبه وقانونه ،و ّ
ودخل ىف زمرة املشركني من حيث يشعر أو ال يشعر!
5
الدرس الثاين
أما تعريف الطهارة والنجاسة ىف اصطالح الفقهاء ،ففيه تفصيل املذاهب .وإن اختلفت ىف بعض الواحى،
ولكن ميكن أن أنخذ منها معىن للطهارة متفقا عليه )1(،وهو أن الطهارة شرعا صفة اعتبارية قدرها الشارع شرطا
لصحة الصالة ،وجواز استعمال اآلنية واألطعمة وغري ذلك ،فالشارع اشرتط لصحة صالة الشخص أن يكون بدنه
موصوفا ابلطهارة ،ولصحة الصالة ىف املكان أن يكون املكان موصوفا ابلطهارة ،ولصحة الصالة ابلثوب أن يكون
موصوفا ابلطهارة )2( .والطهارة شرعا :النظافة عن النجاسة :حقيقة كانت وهى اخلبث ،أو حكمية وهى احلدث.
انواع املياه:
املياه أنواع ثالثة :طهور ،وطاهر غري مطهر ،ومتنجس:
6
ا -التغري غري املؤثر ىف الطهورية
اتفق الفقهاء على أن كل ما يتغري املاء مما ال ينفك عنه غالبا :أنه ال يسلبه صفة الطهارة والتطهري ،فال يضر تغري
أوصاف املاء كلها أو بعضها بطول املكث (البقاء ىف املكان مدة طويلة) لتعذر االحرتاز عنه ،والبرتاب طهور،
وطحلب (خضرة تعلو على وجه املاء) ،وما ىف مقره وممره ،وال مبخالط جماور (وهو ما ميكن فصله) كعود ودهن ولو
مطيبني ومنه البخور وال جبيفة ملقاة على الشاطئ تغري املاء برحيها ،وال بدابغ إانئه كقطران وقرظ ،وال ببعض املعادن
كملح ماء وكربيت ،وال مبا يعسر االحرتاز عنه كالتنب وورق الشجر.
اخلز (الشوك األخضر) وسائر ما ينبت ىف املاء ،وكذا ورق الشجر الذى -2ما ال ميكن التحرز عنه كالطحلب و ّ
يسقط ىف املاء أو حتمله الريح فتلقيه فيه ،وما جتذبه السويول من العيدان والتنب وحنوه ،فتلقيه ىف املاء ،وماء هو ىف
قرار املاء ،كالكربيت والزفت وغريمها إذا جرى عليه املاء فتغري به ،أو كان ىف األرض الىت يقف املاء فيها.
غري املاء ،ال مينع الطهورية ،ألنه طاهر مطهر كاملاء ،فإن
-3ما يوافق املاء ىف صفتيه :الطهارة والطهورية ،كالرتاب إذا ّ
ثخن حبيث ال جيري على األعضاء ،مل جتز الطهارة به ،ألنه طني وليس مباء ،وال فرق ىف الرتاب بني وقوعه ىف املاء عن
قصد أو غري قصد ،وكذلك امللح البحري أو املائي ،واملعدىن ،ألن هذا األخري خليط مستغىن عنه غري منعقد من
املاء ،فهو كالزعفران وغريه.
-4ما يتغري به املاء مبجاورته من غري خمالطة ،كالدهن أبنواعه ،ومثله القطران والزفت والشمع ،والطاهرات الصلبة،
كالعود والكافور والعنرب ،إذا مل يتلف ىف املاء ،ومل ميع فيه ،ألنه تغيري جماورة ،فأشبه مالو تروح املاء بريح شيئ على
جانبه ،وال خالف ىف هذا.
وال خالف بني العلماء ىف جواز التوضؤ مبا خالطه طاهر مل يغريه ،فإذا سقط شئ من الباقال واحلمص والورد
والزعفران وغريه ىف ماء ،وكان يسريا ،فلم يوجد له طعم وال لون وال رائحة كثرية ،جاز الوضوء به ،ألنه (( ص) اغتسل
وزوجته من جفنة فيها أثر العجني)).
7
هنال ماء طاهر مطهر مكروه استعماله تنزيها حال وجود غريه على األصح عند احلنفية :وهو املاء القليل
الذى شرب منه حلوان مثل اهلرة األهلية ال الوحشية إذ سؤرها جنس ،ومثل الدجاجة املخالة (املرتوكة أتكل
القاذورات) وسباع الطري ،واحلية الفارة :ألهنا ال تتحامى عن النجاسة .وهذا عمل مبقتضى االستحسان ،تيسريا على
الناس بسبب خمالطة الناس للهرة ،وتطوافها هبم ،وللضرورة ىف سباع الطري لعدم إمكان التحرز عنهما ،وقد قرر النيب
(ص) طهارة سؤر اهلرة ،فقال(( :إهنا ليست بنجس ،إهنا من الطوافني عليكم ،والطوافات)) ،وعن عائشة عن النيب
(ص) ((‘ نه كان يصغى إىل اهلرة اإلانء حىت تشرب ،مث يتوضأ بفضلها)) .وتزول الكراهة إذا مل يوجد غري هذا املاء.
وقال الشافعية بطهارة فم اهلرة وطهارة سؤرها.
أما حكم املاء الطهور ،فهو ينقسم إىل قسمني :أحدمها :األثر الذى رتبه الشارع عليه ،وهو أنه يرفع احلدث األصغر
واألكرب ،فيصح الوضوء به واالغتسال من اجلنابة واحليض ،وتزال به النجاسة احملسة وغريها ،وتؤدى به الفرائض
واملندوابت وسائر القرب .اثنيهما :حكم استعماله ،واملراد به ما يوصف به استعماله من وجوب وحرمة ،وهو من
هذه اجلهة تعرتية األحكام اخلمسة ،وهى :الوجوب ،واحلرمة ،والندب ،واإلابحة ،والكراهة .فأما ما جيب فيه استعمال
املاء ،فهو أداء فرض يتوقف على الطهارة من احلدث واالكرب واألصغر ،كالصالة.
األول:
أن خيالط املاء الطهور شىء طاهر ،فإذا أضيف إىل املاء الطهور مثال ماء ورد ،أو عجبني ،أو حنو ذلك ،فإنه يسلب
طهوريته ،حبيث ال يصح استعماله بعد ذلك ىف الوضوء أو الغسل ،وإن صح استعماله ىف العادات ،من شرب،
وتنظيف ثياب ،ولكن ال يسلب الطهورية إال بشرطني :أحدمها :أن تتغري أحد أوصاف املاء الثالثة :الطعم ،او اللون،
8
أو الريح -بذلك املخالط :اثنيهما :أن يكون املخالط من األشياء الىت تسلب طهورية املاء وىف هذا االشياء تفصيل
املذاهب:
وسالب الطهورية عند احلنفية هو غلبة املاء عليه إما ىف خمالطة اجلامدات واما ىف املائعات .والغلبة ىف
اجلامدات تكون إبخراج املاء عن رقته وسيالنه ،أو الىت تزيل طبع املاء (وهو الرقة والسيالن واإلرواء واإلنبات) ابلطبخ
بنحو محص وعدس ،ومل يقصد به التنظيف كالصابون واألشنان ،ألن النىب (ص) اغتسل مباء فيه أثر العجني ،وكان
يغتسل وهو جنب ويغسل رأسه ابخلطمى (ورق يدق ويغسل به الرأس) ،وأمر النيب بغسل الذى وقصته (كسرته)
انقته ،وهو حمرم مباء وسدر (شجر النبق) ،وأمر قيس بن عاصم حني أسلم أن يغتسل مباء وسدر .والغلبة ىف املائع
الذى ال وصف له كاملاء املستعمل ،وماء الورد املنقطع الرائحة :تكون إما بزايدة الوزن كأن اختلط رطالن من املاء
املستعمل برطل من املاء املطلق أو بظهور وصفني من مائع له أوصاف ثالثة ،كاخلل له لون وطعم وريح ،فأى وصفني
ظهرا منعا صحة الوضوء ،وال يضر ظهور وصف واحد لقلته ،أو بظهور وصف واحد من مائع له وصفان فقط،
كاللنب له اللون والطعم وال رائحة له.
وقال املالكية :إن سالب الطهورية الذى يرتتب عليه أنه ال يرفع احلدث وال يزيل اخلبث :هو كل طاهر خيالط
املاء مما يفارقه غالبا ،ويغري أحد أوصافه (لونه أو طعمه أ و رحيه) ،ومل يكن من أجزاء األرض ،والدابغا إلانئه ،وال مما
يعسر االخرتاز عنه .وقال الشافعية :الذى يسلب طهورية املاء ،فيجعله غري صاحل لرفع احلدث وال إلزالة النجس به:
هو كل خمالط طاهر يستغىن املاء عنه ،إذا غري أحد أوصافه (لونه أو طعمه أو رحيه) تغريا كثريا مينع اطالق اسم املاء
عليه ،ومل يكن املغري ترااب وال ملحا مائيا ولو طرحا قصدا .وذلك مثل الزعفران وماء الشجر واملىن وامللح اجلبلى والتمر
والدقيق والطحلب املطروح ىف املاء .وقال احلنابلة :يسلب طهورية املاء أنواع منها :املستخرج ابلعالج ،كماء ورد وزهر
وبطيخ ،إذا غلبت أجزاؤه على املاء ،والطاهر الذى يغري اسم املاء حىت صار صبغا أو خال :والطاهر الذى يغري احد
اوصاف املاء تغريا كثريا ،أبن طبخ فيه كماء الباقال واحلمص ،أو مل يطبخ كالزعفران وامللح املعدىن ،أو طرحه فيه آدمى
عاقل قصدا كطحلب أو ورق شجر وحنوه ،ففى كل ذلك ال يعد ماء مطلقا ،فال يتوضأ به.
والقليل :هو ما نقص عن القلّتني أبكثر من رطلني .والقلتني :مخسمائة رطل يغدادى تقريبا ( )500وابملصر (7/3
)446رطال وابلشامى 81رطال ،والرطل الشامى 2 ½ :كغ فيكون قدرمها ( 195 ،211كغ) زتساوى 10
9
تنكات (صفايح) وقيل 15 :تنكة أو 270لرتا ،وقدرمها ابملساحة ىف مكان مربع :ذراع وربع طوال وعرضا وعمقا
ابلذراع املتوسط .وىف املكان املدور كالبئر :ذراعان عمقا ،وذراع عرضا.
واملستعمل عند احلنفية :هو املاء الذى استعمل لرفع حدث (وضوء أو غسل) أو لقربة (ثواب) كالوضوء -ىف
جملس آخر -على الوضوء بنية التقرب أو لصالة اجلنازة ودخول املسجد ومس املصحف وقراءة القرآن .ويصري املاء
مستعمال مبجرد انفصصاله عن اجلسد ،واملستعمل :هو الذى اتصل ابألعضاء ،ال كل املاء .وحكمه عندهم أنه طاهر
بنفسه غري مطهر لغريه من احلدث ويطهر اخلبث أى أنه ال يزيل احلدث من وضوء وغسل ،ويزيل النجاسة احلقيقة
عن الثوب والبدن على الراجح املعتمد.
واملستعمل عند املالكية :هو املاء الذى استعمل ىف رفع حدث (وضوء أو غسل) أو ىف إزالة خبث (عني
النجاسة) ،سواء أكان الغسل واجبا كغسل املست ،أم غري واجب كالوضوء على الوضوء وغسل اجلمعة والعيدين،
والغسلة الثانية ىف الوضوء ،إذا مل يغريه االستعمال .واملاء املستعمل :طاهر مطهر ،وال يكره على األرجح استعماله مرة
أخرى ىف إزالة النجاسة ،أو ىف غسل إانء وحنوه ،لكن يكره استعماله ىف رفع حدث أو اغتساالت مندوبة مع وجود
غريه ،إذا كان يسريا.
واملاء امل ستعمل عند الشافعية :هو املاء القليل املستعمل ىف فرض الطهارة عن حدث كالغسلة األوىل فيه،
واألصح أن نفل الطهارة كالغسلة الثانية والثالثة طهور ىف املذهب اجلديد .واملراد بفرضية الطهارة ولو صورة كوضوء
الصىب ،إذ ال بد لصحة صالته من وضوء .وحكم املستعمل :أنه طاهر غري طهور ىف املذهب اجلديد ،فال يتوضأ أو
يغتسل به ،وال تزال النجاسة به ،ألن السلف الصاحل كانوا ال حيرتزون عن ذلك ،وال عما يتقاطر عليهم منه ،وىف
الصحيحني ((أنه عاد جابرا ىف مرض موته ،فتوضأ وصب عليه من وضوئه)) وكانوا مع قلة مياهم مل جيمعوا املستعمل
لالستعمال اثنيا ،بل انتقلوا إىل التيمم ،ومل جيمعوه للشرب ،ألنه مستقذر.
واملستعمل عند احلنابلة :هو املستعمل ىف رفع حدث أكرب (جنابة) أو أصغر (وضوء) ،أو إزالة جناسة من
آخر غسلة زالت هبا النجاسة وهى الغسلة السابعة كما هو املذهب ،ومل يتغري أحد أوصاف املاء (لونه أو طعمه أو
رحيه) .وحكم املستعمل :أنه ال يرفع احلدث وال يزيل اخلبث ،كالشافعية.
والثالث:
ماء النبات من زهر أو مثر ،كماء الورد ،أو الزهر ،وماء البطيخ وحنوه من الفاكهة ،طاهر غري مطهر.
10
النوع الثالث :املاء املتنجس
املاء املتنجس هو الذى خالطته جناسة ،أى وقعت فيه جناسة غري معفو عنها مثل قليل األرواث ،وهو نوعان:
االول :املاء الطهور الكثري ،وهو ال يتنجس مبخالطة النجاسة ،إال إذا تغري أحد أوصافه الثالثة ،من لون ،أو طعم ،أو
رائحة .والثاىن :املاء الطهور القليل ،وهو يتنجس مبجرد حلول النجاسة به ،سواء تغريت أحد أوصافه أم ال .واتفق
العلماء على جناسة النوع االول الذي تغريت فيه احد أوصاف املاء ،كما أن الشافعية واحلنابلة وافقوا احلنفية ىف جناسة
النوع الثاىن إال ما يعفى عنه عند الشافعية كميتة ماال دم له سائل مثل الذابب والنحل إذا وقع بنفسه ألقته الرايح.
وقال املالكية ىف أرجح الرواايت ب طهورية النوع الثاىن وهو املاء القليل الذى وقعت فيه جناسة مل تغري أحد أوصافه،
لكنه مكروه ،مراعة للخالف.
فالنجاسة ىف اللغة :اسم لكل مستقذر ،وكذلك النجس (بكسر اجليم وفتحها وكوهنا) ،والفقهاء يقسمون
النجاسة إىل قسمني :حكمية وحقيقة ،وىف تعريفهما اختالف ىف املذاهب على أهنم خيصون النجس مبا كان جنسا
لذاته ،فال يصح إطالقه على ما كانت جناسته عارضة ،وأما النجس فإنه يطلق عندهم على ما كانت جناسته عارضة
أو ذاتية.
فالنجاسة احلقيقة :هى لغة :العني املستقدرة كالدم والبول والغائط ،وشرعا :هى مستقدرة مينع من صحة
الصالة حيث ال مرخص .والنجاسة احلكمية :هى أمر اعتبارى يقوم ابألعضاء مينع من صحة الصالة حيث ال
مرخص .ويشمل احلدث األصغر الذى يزول ابلوضوء ،واحلدث األكرب (اجلنابة) الذى يزول ابلغسل .والنجاسة
احلقيقة أنواع :إما مغلظة أو خمففة ،وإما جامدة أو مائعة ،وإما مرئية أو غري مرئية.
وأما حكم إزالة النجاسة غري املعفو عنها :عن الثوب والبدن واملكان للمصلى :فواجب عند اجلمهور الفقهاء
غري املالكية ،لقوله تعاىل ((وثيالك فطهر)) .وهناك قوالن مشهوران ىف مذهب مالك :الوجوب والسنية .وذلك حالة
التذكر والقدرة والتمكن ،واملعتمد واملشهور هو السنية ،إال أن فروع املذهب بنيت على قول الوجوب ،فإن صلى املرء
ابلنجاسة عامدا قادرا غلى إزالتها ،أعاد صالته أبدا ،وجواب ،لبطالنه .وعلى القول املشهور أبن إزالة النجاسة سنة ان
ذكر وقدر ،تندب اإلعادة .وعلى كال القولني :تندب اإلعادة للناسى ،وغري العامل بوجود النجاسة ،والعاجز عن
إزالتها.
11
أوال :النجاسات املتفق عليها ىف املذاهب:
-1حلم اخلنزير :وإن كان بذحبه شرعا ،ألنه ابلنص القرآن جنس العني ،فيكون حلمه ومجيع أجزائه من شعر وعظم
وجلد ولو مدبوغ جنسا.
-2الدم :دم اآلدمى غري الشهيد ودم احليوان غري املائي ،الذى انفصل منه حيا أو ميتا ،إذا كان مسفوحا (جاراي)
كثريا.
-3بول اآلدمى وقيئه وغائطه :إال بول الصىب الرضيع ،فيكتفى برشه عند الشافعية واحلنابلة مع أنه جنس.
-4اخلمر :جنسة عند أكثر الفقهاء ،ولقوله تعاىل ((‘منا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان))
وقال بعض احملدثني بطهارهتا.
-5القيح :وهو دم فاسد ،ال خيالطه دم ،وهو جنس ألنه دم مستحيل .ومثله الصديد :وهو ماء رقيق خيالطه دم.
-6املذى والودى :واملذى :هو ماء أبيض رقيق خيرج عند ثوران الشهوة أو تذكر اجلماع بال تدفق ،وهو جنس لألمر
بغسل الذكر منه الوضوء ىف حديث على رضى هللا عنه ،قال(( :كنت رجال م ّذاء ،فاستحيت أن أسأل رسول هللا
(ص) فأمرت املقداد بن األسود فسأله ،فقال :فيه الوضوء ،واملسلم :يغسل ذكره ويتوضأ)) .والودى :ماء أبيض كدر
ثخني خيرج عقب البول ،أو عند محل شيء ثقيل .وهو جنس ،ألنه خيرج مع البول أو بعده ،فيكون له حكمه.
-7حلم ميتة احليوان غري املائي الذى له دم سائل ،مأكول اللحم أو غري املأكول ،كالكلب والشاة واهلرة والعصفور
وحنوها .ومثله :جلد امليتة ان مل يدبع .هذا هند احلنفية .وقال غريهم :ميتة غري اآلدمى جبميع أجزائه من عظم وشعر
وصوف ووبر وغري ذلك جنسة ،ألن كال منها حتله احلياة.
-8حلوم احليوان غري املأكول ،وألبانه ،ألهنا متولدة من اللحم فتأخذ حكمه.
-9اجلزء املنفصل أو املقطوع من احلى ىف حال حياته كاليد واأللية ،إال الشعر وما ىف معناه ،لقوله (ص)(( :ما قطع
من البهيمة وهى حية فهو أى املقطوع ميت)).
12
-1الكلب
األصح عند احلنفية :أن الكلب ليس بنجس العني؛ ألنه ينتفع به حراسة واصطيادا ،أما اخلنزير فهو جنس العني ،ألن
س) منصرف إليه ،لقربه .وفم الكلب وحده أو لعابه ورجيعه هو النجس ،فال يقاس
اهلاء يف اآلية القرآنية( :فإنَّه رج ٌ
عليه بقية جسمه ،فيغسل اإلانء سبعا بولوغه فيه لقوله )ص(( :إذا شرب الكلب يف إانء أحدكم فليغسله سبعا)
وألمحد ومسلم( :طهور إانء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أوالهن ابلرتاب) .وقال املالكية :الكلب
مطلقا سواء أكان مأذوان يف اختاذه ككلب احلراسة واملاشية ،أم ال ،طاهر ،والولوغ ال غريه كما لو أدخل رجله أو
لسانه بال حتريك ،أو سقط لعابه ،هو الذي يغسل من أجله تعبّدا سبع مرات ،على املشهور عندهم.
وقال الشافعية واحلنابلة : :الكلب واخلنزير وما تولد منهما من الفروع وسؤره وعرقه جنس العني ويغسل ما
تنجس منه سبع مرات إحداهن ابلرتاب ،ألنه إذا ثبتت جناسة فم الكلب بنص احلديث السابق[ :طهور إانء أحدكم
،]..والفم أطيب أجزائه ،لكثرة ما يلهث ،فبقيته أوىل .ويف حديث آخر رواه الدارقطين واحلاكم[ :أنه )ص( دعي إىل
دا ر قوم ،فأجاب ،مث دعي إىل دار أخرى فلم جيب ،فقيل له يف ذلك ،فقال :إن يف دار فالن كلبا ،قيل له :وإن يف
دار فالن هرة ،فقال :إن اهلرة ليست بنجسة] فأفهم أن الكلب جنس.
اتفق أئمة املذاهب على طهارة ميتة حيوان املائي إذا كان َسكا وحنوه من حيوان البحر ،لقوله )ص([ :أحلت لنا
ميتتان ودمان :السمك واجلراد ،والكبد والطحال] ،ولقوله عليه السالم يف البحر( :هو الطهور ماؤه احلل ميتته).
واختلف الفقهاء يف ميتة احليوان الذي ال دم له سائل ،وعباراهتم يف امليتة مطلقا ما أييت:
قال احلنفية :موت ما يعيش يف املاء فيه ال يفسده أي ال ينجسه ،كالسمك والضفدع والسرطان ،لكن حلم
امليتة ذات الدم السائل وجلدها قبل الدبغ جنس .وما ال دم له سائل إذا وقع يف املاء ال ينجسه كالبق والذابب
والزانبري والعقرب وحنوها ،حلديث الذابب[ :إذا وقع الذابب يف شراب أحدكم ،فليغمسه ،مث لينزعه فإن يف إحدى
جناحيه داء ويف األخرى شفاء] ،وبه يتبني أن ميتة احليوان املائي وما ال دم له طاهر عند احلنفية .ومثلهم قال
املالكية :ميتة البحر وما ال دم له طاهرة.
وقال الشافعية واحلنابلة :ميتة السمك واجلراد وحنومها من حيوان البحر طاهرة ،وأما ميتة ما ال دم له سائل
كالذابب والبق واخلنافس والعقارب والصراصروحنوها ،فهي جنسة عند الشافعية ،طاهرة عند احلنابلة .وميتة حيوان
13
البحر الذي يعيش يف الرب كالضفدع والتمساح واحلية :جنسة عند الشافعية واحلنابلة .وقال احلنابلة :ما ال نفس (دم)
ش (البستان) وصراصره
له سائلة :إن تولد من الطاهرات فهو طاهر حيا وميتا ،وأما إن تولد من النجاسات كدود احل ّ
فهو جنس ،حيا وميتا؛ ألنه متولد من النجاسة ،فكان جنسا كولد الكلب واخلنزير.
كالقرن والعظم والسن ومنه عاج الفيل واحلافر واخلف والظلف والشعر والصوف والعصب واإلنفحة الصلبة:
طاهرة ليست بنجسة عند احلنفية ،ألن هذه األشياء ليست مبيتة .وقال اجلمهور غري احلنفية :أجزاء امليتة كلها
جنسة ،ومنها اإلنفحة واللنب إال إذا أخذا من الرضيع عند الشافعية؛ ألن كال منها حتله احلياة ،إال أن احلنابلة قالوا:
صوف امليتة وشعرها طاهر ،ملا رواه الدارقطين عن النيب )ص( أنه قال[ :ال أبس مبسك امليتة إذا دبغ ،وصوفها وشعرها
إذا غسل] لكنه حديث ضعيف.
-4جلد امليتة
قال املالكية واحلنابلة يف املشهور عندهم :جلد امليتة جنس ،دبغ أو مل يدبغ ،ألنه جزء من امليتة ،فكان
حمرما لقوله تعاىل( :حّرمت عليكم المي تة) ،فلم يطهر ابلدبغ كاللحم .وقال احلنفية والشافعية :تطهر اجللود النجسة
ابملوت وغريه ،كاملذبوح غري املأكول اللحم ابلدابغ ،لقول النيب[ :أميا إهاب دبغ فقد طهر] .وهذا هو الراجح لصحة
هذا احلديث ،وألن الدبغ يقطع الرطوابت ويزيل النجاسات ،ويؤيده حديث البخاري ومسلم عن ابن عباس قال:
[تص ّدق على موالة مليمونة بشاة فماتت ،فمر هبا رسول هللا فقال :هال أخذمت إهاهبا فدبغتموه ،فانتفعتم به ؟ فقالوا:
إهنا ميتة ،قال :إمنا حرم أكلها].
الدرس الثالث
14
تعريف الوضوء ،وحكمه:
الوضوء يف اللغة بضم الواو :هو اسم للفعل أي استعمال املاء يف أعضاء خمصوصة ،وأما بفتح الواو فيطلق على املاء
الذي يتوضأ به .والوضوء شرعا :نظافة خمصوصة ،أو هو أفعال خمصوصة مفتتحة ابلنية .وهو غسل الوجه واليدين
والرجلني ،ومسح الرأس .وحكمه األصلي أي املقصود أصالة للصالة :هو الفرضية ،ألنه شرط لصحة الصالة ،بقوله
تعاىل( :اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا قمتم إىل َّ
الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم
إىل الكعب ني) ،وبقوله )ص([ :ال يقبل هللا صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ] ،وإبمجاع األمة على وجوبه.
فرارض الوضوء:
نص القرآن الكرمي على أركان أو فرائض أربعة للوضوء :وهي غسل الوجه ،واليدين ،والرجلني ،ومسح الرأس ،يف قوله
تعاىل( :اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا قمتم إىل َّ
الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
إىل الكعب ني) .وأضاف مجهور الفقهاء غري احلنفية أبدلة من السنة فرائض أخرى ،اتفقوا فيها على النية ،وأوجب
املالكية واحلنابلة املواالة ،كما أوجب الشافعية واحلنابلة الرتتيب ،وأوجب املالكية أيضا الدلك .فتكون أركان الوضوء
أربعة عند احلنفية هي النصوص عليها وسبعة عند املالكية إبضافة النية والدلك واملواالة ،وستة عند الشافعية إبضافة
النية والرتتيب .وسبعة عند احلنابلة والشيعة اإلمامية إبضافة النية والرتتيب واملواالة.
أوال :غسل الوجه :قال تعاىل{ :فاغسلوا وجوهكم} أي غسل ظاهر ومجيع الوجه مرة ،ولإلمجاع .والغسل :إسالة
امل اء على العضو حبيث يتقاطر ،وأقله قطرنان يف األصح ،وال تكفى اإلسالة بدون التقاطر .واملراد ابلغسل ،االنغسال،
سواء أكان بفعل املتوضئ أم غريه .والفرض هو الغسل مرة ،أما تكرار الغسل ثالث مرات فهو سنة وليس بفرض.
اثنيا :غسل اليدين إىل املرفقني مرة واحدة :لقوله تعاىل{ :وأيديكم إىل المرافق} ،ولإلمجاع .واملرفق :ملتقى عظم
العضد والذراع .وجيب عند مجهور العلماء منهم أئمة املذاهب األربعة إدخال املرفقني يف الغسل ،ألن حرف "إىل"
النتهاء الغاية ،وهي هنا مبعىن "مع" كما يف قوله تعاىل{ :ويزدكم ق َّوةً إىل ق َّوتكم}{ ،وال أتكلوا أمواهلم إىل أموالكم}،
وألن األصل يف اليد مشوهلا الكف إىل الذراع ،لكن التحديد ابملرفق أسقط ما وراءها ،وقد أوضحت السنة النبوية
املطلوب وبينت اجململ ،روى مسلم عن أيب هريرة يف صفة وضوء رسول هللا )ص( [أنه توضأ فغسل وجهه ،فأسبغ
15
الوضوء ،مث غسل يده اليمىن حىت أشرع يف العضد ،مث اليسرى حىت أشرع يف العضد .]...وجيب عند اجلمهور حتريك
اخلامت الضيق ،وال جيب عند املالكية حتريك اخلامت املأذون فيه لرجل أو امرأة ،ولو ضيقا ال يدخل املاء حتته ،وال يعد
حائال.
اثلثا :مسح الرأس :لقوله تعاىل{ :وامسحوا برؤوسكم} ،وروى مسلم [أنه صلى هللا عليه وسلم مسح بناصيته وعلى
عمامته] .واملسح هو إمرار اليد املبتلة عن العضو .واختلف الفقهاء يف القدر اجملزئ منه:
) 1فقال احلنفية على املشهور املعتمد :الواجب مسح ربع الرأس مرة ،مبقدار الناصية ،فوق األذنني ال على طرف
ذؤابة (ضفرية) ،ولو إبصابة مطر أو بلل ابق بعد غسل مل يؤخذ من عضو آخر .ودليلهم :أنه البد من حتقيق معىن
املسح عرفا ،فيحمل على مقدار يسمى املسح عليه مسحا يف التعارف ،ومبا أن الباء لإللصاق ،فيكون معىن اآلية
وامسحوا أيديكم ملصقة برؤوسكم ،والقاعدة :أن الباء إذا دخلت على املمسوح اقتضت استيعاب اآللة ،وإذا دخلت
على اآللة اقتضت استيعاب املمسوح ،فتفيد املسح مبقدار اليد؛ ألن استيعاب اليد ملصقة ابلرأس ال يستغرق غالبا
سوى الربع ،فيكون هو املطلوب من اآلية .ويوضحه ما رواه البخاري ومسلم عن املغرية بن شعبة[ :أن النيب )ص(
توضأ ،فمسح بناصيته ،وعلى العمامة ،واخلفني].
)2وقال املالكية ،واحلنابلة يف أرجح الروايتني عندهم :جيب مسح مجيع الرأس ،وليس على املاسح نقض ضفائر
شعره ،وال مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ،وال جيزئ مسحه عن الرأس ،وجيزئ املسح على الشعر الذي مل ينزل
عن حمل الفرض .فإن فقد شعره مسح بشرته؛ ألهنا ظاهر رأسه ابلنسبة إليه .والظاهر عند احلنابلة :وجوب االستيعاب
للرجل ،أما املرأة فيجزئها مسح مقدم رأسها؛ ألن عائشة كانت متسح مقدم رأسها .وجيب أيضا عند احلنابلة مسح
األذنني ظاهرمها وابطنهما؛ ألهنما من الرأس ،ملا رواه ابن ماجه[ :األذانن من الرأس] .ودليلهم :أن الباء لإللصاق أي
إلصاق الفعل ابلفعل ،فكأنه تعاىل قال :ألصقوا املسح برؤوسكم أي املسح ابملاء.
)3وقال الشافعية :الواجب مسح بعض الرأس ،ولو شعرة واحدة يف ح ّد الرأس ،أبن ال خيرج ابمل ّد عنه من جهة
نزوله .واألصح عند الشافعية :جواز غسله ألنه مسح وزايدة ،وجواز وضع اليد على الرأس بال م ّد ،حلصول
املقصود من وصول البلل إليه .ودليلهم حديث املغرية السابق عند الشيخني[ :أنه )ص( مسح بناصيته ،وعلى
العمامة] فاكتفى مبسح البعض فيما ذكر ،ألن املطلوب مطلقا وهو املسح يف اآلية يتحقق ابلبعض ،والباء إذا
دخلت على متعدد ،كما يف اآلية ،تكون للتبعيض ،فيكفي القليل كالكثري.
16
رابعا :غسل الرجلني إىل الكعبني :لقوله تعاىل { :وأرجلكم إىل الكعب ني }وإلمجاع العلماء .والواجب عند مجهور
الفقهاء غسل الكعبني أو قدرمها عند فقدمها مع الرجلني مرة واحدة ،كغسل املرفقني ،لدخول الغاية يف املغيَّا اي
لدخول ما بعد (إىل) فيما قبلها ،وحلديث أيب هريرة السابق[ :مث غسل رجله اليمىن حىت أشرع يف الساق ،مث غسل
رجله اليسرى حىت أشرع يف الساق ،مث قال :هكذا رأيت رسول هللا )ص( يتوضأ].
واخلال صة :أن أركان الوضوء املتفق عليها أربعة :غسل الوجه واليدين والرجلني مرة واحدة ،واملسح ابلرأس مرة واحدة
،وأما التثليث فهو سنة.
أوال :النية :النية لغة :القصد ابلقلب ،ال عالقة للسان هبا ،وشرعا :هي أن ينوي املتطهر أداء الفرض ،أو رفع
احلدث ،أو استباحة ما جتب الطهارة له ،كأن يقول املتوضئ :نويت فرائض الوضوء ،أو يقول من دام حدثه
كمستحاضة وسلس بول أو ريح :نويت استباحة فرض الصالة ،أو الطواف أو مس املصحف .وقد اختلف الفقهاء
يف اشرتاط النية للطهارة:
فقال احلنفية :يسن للمتوضئ البداية ابلنية لتحصيل الثواب .ويرتتب على قوهلم بعدم فرضية النية :صحة وضوء
التربد ،واملنغمس يف املاء للسباحة أو للنظافة أو إلنقاذ غريق ،وحنو ذلك .واستدلوا على رأيهم مبا أييت:
-1عدم النص عليها يف السنة :إن آية الوضوء مل أتمر إال بغسل األعضاء الثالثة واملسح ابلرأس ،والقول ابشرتاط
النية حبديث آحاد زايدة على نص الكتاب ،والزايدة على الكتاب عندهم نسخ ،ال يصح ابآلحاد.
-3القياس على سائر أنواع الطهارة وغريها :إن الوضوء طهارة مباء ،فال تشرتط هلا النية كإزالة النجاسة ،كما ال جتب
النية يف شروط الصالة األخرى كسرت العورة ،وال جتب أيضا بغسل الذمية من حيضها لتحل لزوجها املسلم.
-4إن الوضوء وسيلة للصالة ،وليس مقصودا لذاته ،والنية شرط مطلوب يف املقاصد ،ال يف الوسائل.
وقال املالكية والشافعية :النية فرض يف الوضوء ،وعند احلنابلة شرط ،لتحقق العبادة أو قصد القربة هلل عز وجل ،فال
تصح الصالة ابلوضوء لغري العبادة كاألكل والشرب والنوم وحنو ذلك .واستدلوا مبا أييت:
17
-1السنة :قوله )ص([ :إمنا األعمال ابلنيات ،وإمنا لكل امرئ ما نوى] أي إن األعمال املعت ّد هبا شرعا تكون
ابلنية ،والوضوء عمل ،فال يوجد شرعا إال بنية.
-2حتقق اإلخالص يف العبادة :لقوله تعاىل{ :وما أمروا إال لي عبدوا هللا خملصني له ال ّدين} ،والوضوء عبادة مأمور
هبا ،ال يتحقق إال إبخالص النية فيه هلل تعاىل ،ألن اإلخالص عمل القلب وهو النية.
-3القياس :تشرتط النية يف الوضوء كما تشرتط يف الصالة ،وكما تشرتط يف التيمم الستباحة الصالة.
واحلق :القول بفرضية النية ؛ ألن أحاديث اآلحاد كثريا ما أثبتت أحكاما ليست يف القرآن ،وألن عموم املاء
لألعضاء بدون قصد أصال ،أو بقصد التربد ،ليس غسال للوضوء ،حىت يؤدي مهمته الشرعية ،وحيقق املأمور به كما
أمر به.
اثنيا :الرتتيب :الرتتيب :تطهري أعضاء الوضوء واحدا بعد أخرى كما ورد النص القرآين :أي غسل الوجه أوال مث
اليدين مث مسح الرأس مث غسل الرجلني .واختلف الفقهاء يف وجوبه .فقال احلنفية واملالكية :إنه سنة مؤكدة ال
فرض ،فيبدأ مبا بدأ هللا بذكره وابمليام ن؛ ألن النص القرآين الوارد يف تعداد فرائض الوضوء عطف املفروضات ابلواو،
اليت ال تفيد إال مطلق اجلمع ،وهو ال يقتضي الرتتيب ،ولو كان الرتتيب مطلواب لعطفه ابلفاء أو" مث" ،والفاء اليت يف
قوله تعاىل{ :فاغسلوا} ،لتعقيب مجلة األعضاء .وروى عن علي وابن عباس وابن مسعود ما يدل على عدم وجوب
الرتتيب ،قال علي رضي هللا عنه( :ما أابيل أبي أعضائي بدأت) ،وقال ابن عباس رضي هللا عنهما( :ال أبس ابلبداية
.
ابلرجلني قبل اليدين) وقال ابن مسعود رضي هللا عنه( :ال أبس أن تبدأ برجلك قبل يديك يف الوضوء)
وقال الشافعية واحلنابلة :الرتتيب فرض يف الوضوء ال يف الغسل .لفعل النيب (ص) املبني للوضوء املأمور به ،ولقوله
)ص( يف حجته[ :ابدؤوا مبا بدأ هللا به] ،والعربة بعموم اللفظ ،وألن يف آية الوضوء قرينة تدل على أنه أريد هبا
الرتتيب ،فإنه تعاىل ذكر ممسوحا بني مغسوالت ،والعرب ال تفرق بني املتجانسني وال تقطع النظري عن نظريه ،وهي
هنا الرتتيب ،وألن اآلية بيان للوضوء الواجب ،بدليل أنه مل يذكر فيها شيء من السنن .وقياسا على الرتتيب الواجب
يف أركان الصالة .والرتتيب مطلوب بني الفرائض ،وال جيب الرتتيب بني اليمىن واليسرى من اليدين والرجلني ،وإمنا هو
18
مندوب ،ألن خمرجهما يف القرآن واحد ،قال هللا تعاىل{ :وأيديكم ..وأرجلكم} ،والفقهاء يعدون اليدين عضوا،
والرجلني عضوا ،وال جيب الرتتيب يف العضو الواحد.
اثلثا :املواالة أو ال ِوالء :هي متابعة أفعال الوضوء حبيث ال يقع بينها ما يعد فاصال يف العرف .واختلف الفقهاء يف
وجوهبا :فقال احلنفية والشافعية :املواالة سنة ال واجب ،فإن فرق بني أعضائه تفريقا يسريا مل يضر؛ ألنه ال ميكن
االحرتاز عنه .واستدلوا على رأيهم ابآليت:
[ -1إنه )ص( توضأ يف السوق ،فغسل وجهه ويديه ،ومسح رأسه ،فدعي إىل جنازة ،فأتى املسجد ميسح على
خفيه وصلى عليها] ،قال اإلمام الشافعي :وبينهما تفريق كثري.
-2صح عن ابن عمر رضي هللا عنهما التفريق أيضا ،ومل ينكر عليه أحد.
[ -1إنه (ص) رأى رجال يصلي ،ويف ظهر قدميه لمعة (بقعة) قدر الدرهم،مل يصبها املاء ،فأمره النيب )ص( أن يعيد
الوضوء والصالة] ولو مل جتب املواالة ألجزأه غسل اللمعة.
-2عن عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه [أن رجال توضأ فرتك موضع ظفر على قدمه ،فأبصره النيب )ص( ،فقال:
ارجع فأحسن وضوءك ،فرجع مث صلى].
-3مواظبة النيب )ص( على الوالء يف أفعال الوضوء ،فإنه مل يتوضأ إال متواليا ،وأمر نارك املواالة إبعادة الوضوء.
-4القياس على الصالة :الوضوء عبادة يفسدها احلدث ،فاشرتطت املواالة كالصالة.
رابعا :الدلك اخلفيف ابليد .الدلك :هو إمرار اليد على العضو بعد صب املاء قبل جفافه .واملراد ابليد :ابطن
الكف ،فال يكفى دلك الرجل ابألخرى .فقال اجلمهور (غري املالكية) :الدلك سنة ال واجب ،ألن آية الوضوء مل
أتمر به ،والسنة مل تثبته ،فلم يذكر يف صفة وضوء النيب )ص( .والثابت يف صفة غسله عليه الصالة والسالم جمرد
إفاضة املاء مع ختلل أصول الشعر .وقال املالكية :الدلك واجب ،ويكون يف الوضوء بباطن الكف ،ال بظاهر اليد،
ويكفى الدلك ابلرجل يف الغسل ،والدلك في ه :هو إمرار العضو على العضو إمرارا متوسطا ،ويندب أن يكون خفيفا
مرة واحدة ،ويكوه التشديد والتكرار ملا فيه من التعمق يف الدين املؤدي للوسوسة.
19
شروط الوضوء:
سبب وجوب الوضوء :هو احلدث ،ودخول وقت الصالة ،والقيام إليها وحنوها ،واألصح عند الشافعية :االثنان معا
أي احلدث والقيام إىل الصالة وحنوها .وأما شروط الوضوء فنوعان :شرط وجوب ،وشرط صحة .وشرائط الوجوب:
هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص .وشرائط الصحة :ما ال تصح الطهارة إال هبا.
-2البلوغ :فال جيب على صيب ،لكن ال يصح الوضوء إال من مميز ،فالتمييز شرط لصحة الوضوء.
-3اإلسالم :شرط وجوب عند احلنفية بناء على املشهور عندهم من أن الكفار غري خماطبني ابلعبادات وغريها من
فروع الشريعة ،فال جيب على كافر إذ ال خياطب كافر بفروع الشريعة .وهو شرط صحة عند اجلمهور بناء على أن
املقرر لد يهم خماطبة الكفار بفروع الشريعة ،فال يصح من كافر ،إذ يشرتط لصحة أدائه منه وجود اإلسالم .وهذا شرط
يف مجيع العبادات من طهارة وصالة وزكاة وصوم وحج.
-4القدرة على استعمال املاء الطهور الكايف ،فال جيب على عاجز عن استعمال املطهر ،وال على فاقد املاء ،والرتاب
أيضا ،وال على واجد ماء ال يكفي جلميع األعضاء مرة مرة .هذا عند احلنفية واملالكية ،واألظهر عند الشافعية
واحلنابلة أنه جيب استعمال املاء الذي ال يكفيه مث يتيمم.
-5وجود احلدث :فال يلزم املتوضئ إعادة الوضوء أي الوضوء على الوضوء.
-6عدم احليض والنفاس ابنقطاعهما شرعا ،فال جيب على احلائض والنفساء.
-7ضيق الوقت :ألن اخلطاب الشرعي يتوجه للمكلف حينئذ توجها مضيقا ،وموسعا يف ابتداء الوقت ،فال جيب
الوضوء حال سعة الوقت ،وجيب إذا ضاق الوقت.
20
-1عموم البشرة ابملاء الطهور :أي أن يعم املاء مجيع أجزاء العضو املغسول ،حبيث ال يبقى منه شيء ،إال وقد
غسل ،لكي يغمر املاء مجيع أجزاء البشرة ،حىت لو بقي مقدار مغرز إبرة مل يصبه املاء من املفروض غسله،مل يصح
الوضوء .وال يصح الوضوء ابتفاق الفقهاء بغري املاء من املائعات كاخلل والعصري واللنب وحنو ذلك ،كما ال يصح
التوضؤ ابملاء النجس ،إذ ال صالة إال بطهور أو ال صالة إال بطهارة.
-2إزالة ما مينع وصول املاء إىل العضو :أي أال يكون على العضو الواجب غسله حائل مينع وصول املاء إىل البشرة،
كشمع وشحم ودهن ودهان ،ومنه عماص العني ،واحلرب الصيين املتجسم ،وطالء األظافر للنساء .أما الزيت وحنوه
فال مينه نفوذ املاء للبشرة.
-3عدم املنايف للوضوء أو انقطاع الناقض من خارج أو غريه :أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به ،لغري
املعذور ،من دم حيض ونفاس وبول وحنومها ،وانقطاع حدث حال التوضؤ؛ ألنه بظهور بول وسيالن انقض ،ال يصح
الوضوء.
-4دخول الوقت للتيمم عند اجلمهور غري احلنفية ،وملن حدثه دائم كسلس البول عند الشافعية واحلنابلة ،ألن طهارته
طهارة عذر وضرورة ،فتقيدت ابلوقت.
واإلسالم كما عرفنا شرط لصحة أداء العبادات عند احلنفية ،وعندهم :شرط وجوب .وأما التمييز فهو شرط لصحة
الوضوء وغريه من العبادات ابالتفاق.
وقال الشافعية :شروط الوضوء والغسل ثالثة عشر :اإلسالم ،والتمييز ،والنقاء من احليض والنفاس ،وعما مينع وصول
املاء إىل البشرة ،والعلم بفرضيته ،وأال يعتقد فرضا معينا من فروضه وسننه ،واملاء الطهور ،وإزالة النجاسة العينية ،وأال
يكون على العضو ما يغري املاء ،وأال يعلق نيته ،وأن جيري املاء على العضو ،ودخول الوقت لدائم احلدث ،واملواالة
(أي فقد الصارف).
21
مشروعية املسح على اجلبرية :املسح على اجلبائر جائز شرعا ابلسنة واملعقول.
-1أما السنة :فأحاديث منها :حديث علي بن أيب طالب ،قال[ :انكسرت إحدى زندي ،فسالت لنيب )ص(،
فأمرين أن أمسح على اجلبائر] .ومنها حديث جابر يف الرجل الذي ش َّج (كسر) فاغتسل ،فمات ،فقال النيب (ص(:
[ إمنا كان يكفيه أن يتيمم ،وي عصب على جرحه خرقة ،مث ميسح عليها ،ويغسل سائر جسده].
-2وأما املعقول :فهو أن احلاجة تدعو إىل املسح على اجلبائر؛ ألن يف نزعها حرجا وضررا .قال املرغيناين يف اهلداية:
إن احلرج فيه فوق احلرج يف نزع اخلف ،فكان أوىل بشرع املسح.
قال أبو حنيفة وصاحباه يف األصح وعليه الفتوى :املسح على اجلبائر واجب؛ وليس بفرض ،لكن قال أبو حنيفة:
وإذا كان املسح على اجلبرية يضره سقط عنه املسح؛ ألن الغسل يسقط ابلعذر ،فاملسح أوىل .ودليل الوجوب :أن
الفرضية ال تثبت إال بدليل مقطوع به ،وحديث علي-املتقدم -من أخبار اآلحاد ،فال تثبت الفرضية به .ويظهر أن
اإلمام وصاحبيه اتفقوا على الوجوب مبعىن عدم جواز الرتك ،لكن عنده أيمث برتكه فقط مع صحة الصالة بدونه،
ووجوب إعادته ،فهو يريد الوجوب األدىن ،وعندمها :ال تصح الصالة بدونه فهما أرادوا الوجوب األعلى.
وقال اجلمهور ( املالكية والشافعية واحلنابلة ) :املسح على اجلبائر مباء واجب أي فرض استعماال للماء ما أمكن،
وقياسا على اخلفني جبامع الضرورة وبطريق األوىل ،ولألمر به يف حديث علي -مع ضعفه[ :-امسحوا على اجلبائر]
واألمر للوجوب .وال جيوز اتفاقا املسح على جبرية رجل مع مسح اخلف األخرى الصحيحة ،وإمنا جيمع بني املسح
والغسل.
-1أال ميكن نزع اجلبرية ،أو خياف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض ،أو زايدته ،أو أتخر الربء كما يف التيمم.
قال املالكية :جيب املسح إن خيف هالك أو شدة أو أذى ،كتعطيل منفعة من ذهاب َسع أو بصر مثال ،وجيوز إن
خيف شدة األمل أو أتخره بال شني ،أو رمد أو دمل أو حنوها .وذلك إذا كان اجلرح وحنوه يف أعضاء الوضوء يف حالة
احلدث األصغر ،أو يف اجلسد يف حالة احلدث األكرب.
22
-2أال ميكن غسل أو مسح نفس املوضع بسبب الضرر ،فإن قدر عليه فال مسح على اجلبرية ،وإمنا ميسح على عني
اجلراحة إن مل يضر املسح هبا ،وال جيزئه املسح على اجلبرية ،وإن مل يستطع مسح على اجلبرية .قال املالكية :واألرمد
الذي ال يستطيع املسح على عينه أو جبهته إن خاف الضرر ،يضع خرقة على العني أو اجلبهة وميسح عليها .وقال
احلنفية :يرتك املسح كالغسل إن ضر ،وإال ال يرتك .وقال الشافعية :ال ميسح على حمل املرض ابملاء ،وإمنا يغسل
اجلزء الصحيح ويتيمم عن اجلزء العليل ،وميسح على اجلبرية إن وجدت.
-3أال تتجاوز اجلبرية حمل احلاجة ،فإن جتاوزت اجلبرية حمل احلاجة :وهو ما البد منه لالستمساك ،وجب نزعها،
ليغسل اجلزء الصحيح من غري ضرر ألهنا طهارة ضرورة ،فتقدر بقدرها ،فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا ،تيمم لزائد
على قدر احلاجة ،ومسح ما حاذى حمل احلاجة ،وغسل ما سوى ذلك ،فيجمع إذن بني الغسل واملسح والتيمم ،وال
جيب مسح موضع العلة ابملاء ،وإن مل خيف منه ،ألن الواجب إمنا هو الغسل ،لكن يستحب املسح ،وال جيب عليه
وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر؛ ألن املسح رخصة؛ فال يليق هبا وجوب املسح .وهذا شرط ذكره
الشافعية واحلنابلة.
-4أن توضع اجلبرية على طهارة مائية :وإال وجب إعادة الصالة :هذا شرط عند الشافعية واحلنابلة؛ ألن املسح على
اجلبرية أوىل من املسح على اخلف ،للضرورة فيها ،ويشرتط لبس اخلف على طهارة ( وضوء أو غسل ) .وال تعاد
الصالة إن كانت اجلبرية بقدر االستمساك ،ووضعت على طهر ،وغسل الصحيح ،وتيمم على اجلريح ،ومسح على
اجلبرية .ولو شد اجلبرية على غري طهارة ،نزعها إن مل يتضرر ،ليغسل ما حتتها ،فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا،
تيمم لغسل ما حتتها ،ولو عمت اجلبرية (الوجه واليدين) كفى مسحها ابملاء عند احلنابلة ،وسقط التيمم ،ويعيد
الصالة عند الشافعية ألنه كفاقد الطهورين .ومل يشرتط احلنفية واملالكية :وضع اجلبرية على طهارة ،فسواء وضعها
وهو متطهر أو بال طهر ،جاز املسح عليها وال يعيد الصالة إذا صح ،دفعا للحرج .وهذا هو املعقول؛ ألنه يغلب يف
وضعها عنصر املفاجأة ،فاشرتاط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر.
-5أال يكون اجلرب مبغصوب ،وال حبرير حمرم على الذكر ،وال كجلد امليتة واخلرقة النجسة ،فيكون املسح حينئذ
ابطال ،وتبطل الصالة أيضا .وهذا شرط عند احلنابلة.
23
املفىت به عند احلنفية :أنه يكفى مسح أكثر اجلبرية مرة ،فال يشرتط استيعاب وتكرار ،ونية اتفاقا ،كما ال تطلب النية
يف مسح اخلف والرأس على اخلفني ،حيث ال يشرتط فيهما مسح األكثر ،وإمنا يكفى مقدار ثالث أصابع :أن مسح
الرأس شرع ابلقرآن بواسطة حرف الباء الذي اقتضى تبعيضه ،واملسح على اخلفني :إن ثبت ابلقرآن بقراءة اجلر:
{وأرجلكم} فحكمه حكم املعطوف عليه ،وإن ثبت ابلسنة ،فهي أوجبت مسح البعض .أما املسح على اجلبائر:
فإمنا ثبت حبديث علي رضي هللا عنه ،وليس فيه ما ينبئ عن البعض ،إال أن القليل سقط اعتباره دفعا للحرج ،وأقيم
األكثر مقامه .والواجب عند اجلمهور (املالكية والشافعية واحلنابلة) :مسح اجلبرية كلها ابملاء ،استعماال للماء ما
أمكن ،وألن مسحها بدل عن غسل ما حتتها ،وما حتت اجلبرية كان جيب استيعابه ابلغسل ،فكذا املسح ،وال ضرر
يف تعميمها ابملسح ،خبالف اخلف يشق تعميم مجيعه ،ويتلفه املسح.
وأوضح املالكية واحلنفية أو الواجب األصلي هو غسل أو مسح احملل اجملروح مباشرة إن أمك ن بال ضرر؛ فإن
مل يستطع املسح عليه ،مسح جبرية اجلرح :وهي اللزقة اليت فيها الدواء الذي يوضع على اجلرح وحنوه ،أو على العني
الرماد؛ فإن مل يقدر على مسح اجلبرية أو تعذر حلها ،مسحت عصابته اليت تربط فوق اجلبرية ،ولو تعددت العصائب
،فإنه ميسح عليها .وال يقدر املسح مبدة ،بل له االستدامة إىل الشفاء ( االندمال )؛ ألنه مل يرد فيه أتقيت ،وألن
السفر ال ينزع للنجاسة ،خبالف اخلف ،وألن مسحها للضرورة ،فيقدر بقدرها ،والضرورة قائمة إىل حلها أو برء اجلرح
عند اجلمهور ،وإىل الربء عند احلنفية.
يرى احلنفية واملالكية :االكتفاء ابملسح على اجلبرية ،فهو بدل لغسل ما حتتها ،وال يضم إليه التيمم؛ إذ ال جيمع بني
طهارتني .ويرى الشافعية يف األظهر :أنه جيمع بني املسح على اجلبرية والتيمم ،فيغسل اجلزء الصحيح ،وميسح على
اجلبرية ،ويتيمم وجواب ،ملا روى أبو داود والدارقطين إبسناد كل رجاله ثقات عن جابر يف املشجوج الذي احتلم
واغتسل ،فدخل املاء شجته ،فمات :أن النيب )ص( قال[ :إمنا كان يكفيه التيمم ،ويعصب على رأسه خرقة ،مث ميسح
عليها ،ويغسل جسده] والتيمم بدل عن غسل العضو العليل ،ومسح الساتر بدل عن غسل ما حتت أطرافه من اجلزء
الصحيح؛ ألن الغالب أن الساتر أيخذ زايدة على حمل العلة .فلو كان الساتر بقدر العلة فقط ،أو أبزيد وغسل الزائد
كله ،ال جيب املسح.
24
ولو كان يف بدنه جبائر كثرية وأجنب وأراد الغسل ،كفاه تيمم واحد عن اجلمع؛ ألن بدنه كعضو واحد .ويف
حالة احلدث األصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد األعضاء املريضة على األصح ،كما يتعدد مسح اجلبرية بتعددها.
وعليه :إن كانت اجلراحة يف أعضاء الوضوء األربعة ومل تعمها فال بد من ثالثة تيممات :األول للوجه ،والثاين لليدين،
والثالث للرجلني ،أما الرأس فيكفى فيه مسح ما قل منه ،فإن عمت اجلراحة الرأس فأربعة تيممات .وإن عمت
األعضاء كلها فتيمم واحد عن اجلميع لسقوط الرتتيب بسقوط الغسل.
وتوسط احلنابلة فرأوا أنه جيزئ املسح على اجلبرية ،من غري تيمم ،إذا مل جتاوز قدر احلاجة؛ ألنه مسح على
حائل ،فأجزأ من غريهم ،كمسح اخلف ،بل أوىل :إذ صاحب الضرورة أحق ابلتخفيف.
الذين مل يشرتطوا وضع اجلبرية على طهارة وهم املالكية واحلنفية ،ورأيهم هو احلق ،مل يوجبوا إعادة الصالة بعد
الصحة من اجلرح ،إلمجاع العلماء على جواز الصالة ،وإذا جازت الصالة ،مل جتب إعادهتا .أما الذين اشرتطوا وضع
اجلبرية على طهارة وهم الشافعية واحلنابلة ،فقد أوجبوا إعادة الصالة ،لفوات شرط الوضع على طهارة ،ولو يوجبها
احلنابلة إذا تيمم.
-1إذا كانت اجلبرية يف أعضاء التيمم (الوجه اليدين) مطلقا ،سواء على طهر أو حدث.
-2إذا وضعت اجلبرية على طهر (حدث) سواء يف أعضاء التيمم أو يف غريها.
-3إذا زادت اجلبرية على قدر احلاجة أو االستمساك ،مطلقا ،سواء على طهر أو حدث.
-1إذا كانت يف غري أعضاء التيمم ،ومل أتخذ من الصحيح شيئا ،ولو على حدث.
-2إذا كانت يف غري أعضاء التيمم ،ووضعها على طهر ،ولو زادت على قدر احلاجة.
25
-1نزعها وسقوطها :قال احلنفية :يبطل املسح على اجلبرية إن سقطت عن برء ،لزوال العذر ،وإن كان يف الصالة،
استأنف الصالة بعد الوضوء الكامل؛ ألنه قدر على األصل قبل حصول املقصود ابلبدل .وقال املالكية :يبطل املسح
بنزع اجلبرية أو سقوطها للمداواة أو غريها ،فإذا صح غسل املوضع على الفور ،وإن مل يصح وبدَّهلا للمداواة ،أعاد
املسح ،وإن سقطت اجل برية وهو يف الصالة ،بطلت الصالة ،وأعاد اجلبرية يف حملها ،وأعاد املسح عليها ،إن مل يطل
الفاصل ،مث ابتدأ صالته ،ألن طهارة املوضع قد انتقضت بظهوره .وقال الشافعية :لو سقطت جبريته يف الصالة،
بطلت صالته ،سواء أكان قد برئ ،أم ال ،كانقالع اخلف .ويف حالة الربء تبطل الطهارة أيضا ،فإن مل يربأ رد اجلبرية
إىل موضعها ومسح عليها فقط .وقال احلنابلة :زوال اجلبرية كالربء ،ولو قبل برء الكسر أو اجلرح ،وبرؤها كخلع
اخلف ،يبطل املسح؛ والطهارة والصالة كلها ،وتستأنف من جديد ،ألن مسحها بدل عن غسل ما حتتها ،أال أنه يف
الطهارة الكربى من اجلنابة يكفي بزوال اجلبرية غسل ما حتتها فقط .ويف الطهارة الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها
عن برء توضأ فقط ،وإن كان سقوطها عن غري برء ،أعاد الوضوء والتيمم.
-2احلدث :يبطل املسح على ابتفاق ابالتفاق ابحلدث .لكن إذا أحدث صاحب اجلبرية يعيد عند الشافعية ثالثة
أمور :يغسل الصحيح ،وميسح على اجلبرية ،ويتيمم .فإن مل حيدث وأراد صالة فرض آخر ،تيمم فقط ،ومل يعد غسال
وال مسحا؛ ألن الواجب عندهم إعادة لكل فريضة.
التيمم
تعريف التيمم ومشروعيته
التيمم لغة :القصد ،ومنه قوله تعاىل{ :وال ت ي َّمموا اخلبيث منه ت نفقون} ،وشرعا :عرفه الفقهاء بعبارات متقاربة ،فقال
احلنفية :مسح الوجه واليدين عن صعيد مطهر .وقال املالكية :طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية.
وقال الشافعية :إيصال الرتاب إىل الوجه واليدين بدال عن الوضوء أو الغسل أو عضو منهما بشرائط خمصوصة .وقال
احلنابلة :مسح الوجه واليدين برتاب طهور على وجه خمصوص.
مشروعيته :التيمم من خصائص األمة اإلسالمية ،شرع يف غزوة بني املصطلق (غزوة املريسيع) يف السنة السادسة من
اهلجرة حينما أضاعت عائشة عقدها ،فبعث النيب )ص( يف طلبه ،وحانت الصالة ،وليس معهم ماء ،فنزلت آية
التسمم ،كما نزلت آايت براءة عائشة من اإلفك يف سورة النور .وهو رخصة ،وقال احلنفية :إنه عزمية ،وأدلة
مشروعيته :الكتاب والسنة واإلمجاع :أما القرآن :فقوله تعاىل{ :وإن كن تم مرضى أو على سف ٍر أو جاء أح ٌد منكم من
26
الغائط أو ال مستم النّساء ،ف لم جتدوا ماءً ،ف ت ي َّمموا صعيدا طيَّبا ،فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} ،وهذا يدل على
أن التيمم فريضة بدل الغسل ابملاء .وأما السنة :فأحاديث كثرية منها خرب مسلم[ :جعلت لنا األرض كلها مسجدا
وتربتها طهورا] ،ومنها [الرتاب طهور املسلم ،ولو إىل عشر حجج ،مامل جيد املاء أو حيدث] .وامجعت االمة على جواز
التيمم ىف اجلملة.
قال احلنفية الواصفون التيمم أبنه بدل مطلق :إذا تيمم للنفل ،جيوز له أن يؤدي به النف ل والف رض .وجيوز عند أيب
حنيفة وأيب يوسف :أن يؤم املتيمم املتوضئني إذا مل يكن معهم ماء؛ ألن التيمم يف حال عدم املاء طهارة مطلقة،
فيجوز إ قتداؤهم به ،وإن كان معهم ماء ال جتوز صالهتم؛ ألن التيمم بدل عن املاء عند عدمه.
وقال املالكية :ال يصلى فرض بتيمم نواه لغريه ،فإن نوى فرض الصالة صلى به ما عليه من فرض واحد،
وما شاء من النوافل على أن يقدم صالة الفرض على النفل ،وال يصلى به الفريضة الفائتة معه ،وإن نوى مطلق
الصالة صلى به النفل دون الفرض ،ألن الفرض حيتاج لنية ختصه ،ومن نوى نفال مل يصل به فرضا .ويلزم حال نية
استباحة الصالة أو ما منعه احلدث نية احلدث األكرب من جنابة أو غريها إن كان عليه .فإن مل يالحظه أبن نسيه أومل
يعتقد أنه عليه،مل جيزه وأعاد أبدا.
وقال الشافعية واحلنابلة :إن نوى فرضا ونفال صلى به الفرض والنفل ،وإن نوى فرض استباح مثله ،وما
دونه من النوافل ،ألن النفل أخف ،ونية الفرض تتضمنه ،ومبا أن الفرض أعلى استباح ما دونه تبعا .وإن نوى نفال أو
أطلق النية للصالة أبن نوى استباحة الصالة ،ومل ينو فرضا وال نفال،مل يصل إال نفال ،ومل يصل به فرضا؛ ألن الفرض
أصل والنفل نابع ،فال جيعل املتبوع نابعا ،وقياسا على ما لو أحرم ابلصالة ،فإن صالته تنعقد نفال.
أسباب التيمم
حسا أبن مل جيد ماء أصال أو وجد ماء ال يكفيه ،أو شرعا :أبن خاف الطريق إىل املاء أو كان عند احلنفية بعيدا عنه
مبقدار ميل ( 1848أو 4000ذراع أو خطوة ) أو أكثر ،أو بقدر ميلني عند املالكية ،أو احتاج إىل مثنه أو وجده
أبكثر من مثن املثل ،لآلية السابقة {ف لم جتدوا ماءً ف ت ي َّمموا صعيدا طيّبا}.
27
-2فقد القدرة على استعمال املاء
قال املالكية واحلنابلة وغريهم :يتيمم العاجز الذي ال قدرة له على املاء كاملكره واجملوس ،واملربوط بقرب املاء ،واخلائف
على نفسه من سبع أو لص ،سواء يف احلضر أو السفر ،ولو سفر معصية؛ ألن التيمم مشروع مطلقا ،سواء يف احلضر
أو السفر ،يف الطاعة أو املعصية ،وألنه عادم للماء ،ولعموم قوله )ص([ :إن الصعيد طهور املسلم ،وإن مل جيد املاء
عشر سنني ،فإذا وجد املاء فليمسه بسرته ،فإن ذلك خري].
لكن عند الشافعية يقضي املقيم املتيمم لفقد املاء ،ال املسافر ،إال العاصي بسفره يف األصح ،فإنه يقضي؛ ألنه ليس
م ن أهل الرخصة .وال يعيد عند بقية املذاهب يف األرجح عند احلنابلة؛ ألنه أتى مبا أمر به ،فخرج من عهدته ،وألنه
صلى ابلتيمم املشروع على الوجه املشروع ،فأشبه املريض واملسافر .واستثىن احلنفية املكره على ترك الوضوء فإنه يتيمم
ويعيد صالته.
يتيم م إذا خاف ابستعمال املاء على نفس أو منفعة عضو حدوث مرض من نزلة أو محى أو حنو ذلك ،أو خاف من
استعماله زايدة املرض أو طوله ،أو أتخر برئه ،ويعرف ذلك ابلعادة ،أو إبخبار طبيب عارف ،ولو غري مسلم عند
املالكية والشافعية ،مسلم عند احلنفية واحلنابلة .وأضاف الشافعية يف األظهر واحلنابلة حدوث شني فاحش يف عضو
ظاهر ،ألنه يشوه اخللقة ويدوم ضرره .واملراد ابلظاهر ما يبدو عند املهنة غالبا كالوجه واليدين .وقال احلنابلة :من كان
مريضا ال يقدر على احلركة ،وال من يناوله املاء للوضوء فهو كعادم للماء ،له التيمم إن خاف فوت الوقت.
للمرء التيمم إذا اعتقد أو ظن ولو يف املستقبل أنه حيتاج للماء احتياجا مؤداي إىل اهلالك أو شدة األذى ،بسبب
عطش حيوان حمرتم شرعا ،من آدمي وغريه ،ولو كلب صيد أو حراسة ،خبالف احلريب واملرتد والكلبغري املأذون فيه
(ومنه عن د احلنابلة :الكلب األسود) ،وذلك صوان للروح عن التلف .ومن أصناف احلاجة :االحتياج للماء لعجن أو
طبخ له ضرورة ،أو إلزالة جناسة غري معفو عنها ،بشرط أم تكون عند الشافعية على البدن ،فإن كانت على الثوب
توضأ ابملاء .وصلى عرايان إن مل جيد ساترا ،وال إعادة عليه.
28
قال املالكية :يتيمم القادر على استعمال املاء من حاضر أو مسافر إذا خاف تلف مال ذي ابل ،سواء أكان له أم
لغريه ،لو طلب املاء الذي حتقق وجوده أو ظنه ،أما إن شكه أو تومهه ،فيتيمم ولو قل املال .واملراد ابملال ذي البال:
ما زاد على ما يلزمه بذله يف شراء املاء.
جيوز التيمم لشدة الربد إذا خاف ضررا من استعمال املاء ،ومل جيد ما يسخن به املاء .لكن قيد احلنفية إابحة التيمم
للب رد مبا إذا خاف املوت أو التلف لبعض األعضاء أو املرض ،وابجلنب فقط ولو يف احلضر ،إذا مل تكن له أجرة محام
وال ما يدفئه ،ألنه هو الذي يتصور فيه ذلك .أما احملدث حداث أصغر فال جيوز له التيمم للربد يف الصحيح.
وقيد املالكية جواز التيمم للربد حبالة اخلوف من املوت .أما الشافعية واحلنابلة :فأابحوا التيمم للربد إذا تعذر
تسخني املاء يف الوقت ،أومل تنفع تدفئة أعضائه ،وخاف على منفعة عضو أو حدوث شني فاحش ،يف عضو طاهر
عند الشافعية ،أو يف بدنه بسبب استعمال املاء عند احلنابلة .ويقضي الصالة عند الشافعية من تيمم ملرض ،أو لربد
يف األظهر ،وال قضاء عليه عند املالكية واحلنفية ،وعند احلنابلة :روايتان :إحدامها :ال يلزمه القضاء ،والثانية :يلزمه
اإلعادة.
يتمم من له قدرة على استعمال املاء ،ولكن مل جيد من يناوله إايه ،أومل جيد آلة من حبل أو دلو ،إذا خاف خروج
الوقت ،ألنه مبنزلة عادم املاء .وأضاف احلنابلة :أنه يلزم طلب اآللة ابالستعارة ليحصل به املاء ،ألن ما ال يتم لواجب
إال به فهو واجب ،ويلزمه قبول عارية؛ ألن املنة يف ذلك يسرية .وإن قدر على استخراج املاء ماء بئر بثوب يبله ،مث
يعصره ،لزمه ذلك لقدرته على حتصيل املاء ،كما لو وجد حبال ودلوا ،إذا مل تنقص قيمة الثوب أكثر من مثن املاء
الذي يستخرجه يف مكانه ،فإن نقصت أكثر من مثنه مل يلزمه كشرائه .ويلزمه قبول املاء قرضا ،وقبول مثنه قرضا ،إذا له
ما يوفيه منه؛ ألن املنة يف ذلك يسرية ،وال يلزمه اقرتاض مثن املاء للمنة ،ويلزمه قبول املاء إذا بذل له هبة لسهولة املنة
فيه ،لعدم متوله عادة ،وال يلزمه قبول مثن املاء هبة للمنة ،وال يلزمه شراء املاء بدين يف ذمته ،ولو قدر على أدائه يف
بلده؛ ألن عليه ضررا يف بقاء الدين يف ذمته ،ورمبا تلف ماله قبل أدائه.
29
مل جيز الشافعية التيمم خوفا من خروج الوقت؛ ألنه يكو ن متيمما مع وجود املاء ،واستثنوا حالة املسافر فإنه ال يلزم
بطلب املاء ويتيمم إذا خاف خروج الوقت وخاف علة نفسه أو ماله أو انقطاعه عن الرفقة .وكذلك احلنابلة مل جييزوا
التيمم خلوف فوت الوقت سواء جلنازة أو عيد أو فريضة ،إال املسافر علم وجود املاء يف مكان قريب ،لكن إذا قصده
خاف خروج الوقت ،فيتيمم حينئذ ،ويصلي وال إعادة عليه ،ألنه قادر على استعماله يف الوقت ،فأشبه عادم املاء.
للمتيمم أركان أو فرائض ،علما أبن املراد ابلركن أو الفرض ما يتوقف عليه أساسا وجود الشيء أو هو جانب األقوى،
وهو اصطالح اجلمهور ( غري احلنفية) ،أما احلنفية فيحصرون الركن فيما يتوقف الشيء على وجدوه ،وكان جزءا من
حقيقته .وبناء عليه قالوا :للتيمم ركنان فقط :مها الضربتان ،واالستيعاب ابملسح وجهه ويديه إىل املرفقني .أما
اجلمهور فقالوا :أركان التيمم أربعة أومخسة على االختالف اآليت:
فرض اب تفاق املذاهب األربعة ،منهم القدوري وصاحب اهلداية من احلنفية ،وجعلها مجاعة من احلنفية وبعض احلنابلة
شرطا ،وهو املعتمد يف مذهيب احلنابلة واحلنفية .والنية عند املالكية :أن ينوي استباحة الصالة أو استباحة ما منعه
احلدث ،أو فرض التيمم عند مسح الوجه ،ولو نوى رفع احلدث فقط كان تيممه ابطال؛ ألن التيمم ال يرفع احلدث
على املشهور عندهم .وقال الشافعية :البد أن ينوي استباحة الصالة وحنوها ،فال يكفى يف األصح نية فرض التيمم أو
فرض الطهارة ،أو الطهارة عن احلدث أو اجلنابة أو رفع احلدث ،ألن التيمم ال يرفع احلدث عندهم ،وألن التيمم ليس
مقصودا يف نفسه ،وإمنا يؤتى به عن ضرورة ،فال جيعل مقصودا .وينوي عند احلنابلة استباحة ما ال يباح إال ابلتيمم
كالصالة وحنوها ،من طواف ومس مصحف ،أي كما قال الشافعية ،وال يصح بنية رفع احلدث؛ ألن التيمم ال يرفع
.
فأمسه جلدك ،فإنه خري لك]
احلدث عندهم كاملالكية والشافعية ،حلديث أيب ذر [فإذا وجدت املاء َّ
وقال احلنفية :يشرتط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصالة أن ينوى أحد أمور ثالثة :إما بنية الطهارة من
احلدث ،أو استباحة الصالة ،أو نية عبادة مقصودة ال تصح بدون طهارة كالصالة أو سجدة التالوة أو صالة اجلنازة.
فإ ن نوى التيمم فقط من غري أن يالحظ استباحة الصالة ،أو رفع احلدث القائم به ،مل تصح الصالة به .كما ال تصح
الصالة إذا نوى ما ليس بعبادة أصال كدخول املسجد ومس املصحف ،أو نوى عبادة غري مقصودة لذاهتا كاألذان
واإلقامة ،أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة كالتيمم من احلدث حداث أصغر لقراءة القرآن ،أو للسالم أو رده.
30
وال يشرتط عندهم تعيني احلدث أو اجلنابة ،وإمنا يصح التيمم إبطالق النية ،ويصح أيضا بنية رفع احلدث؛ ألن التيمم
رافع له كالوضوء .ويشرتط لصحة النية عندهم :اإلسالم ،والتمييز ،والعلم مبا ينويه ليعرف حقيقة املنوي.
لقوله تعاىل { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } .واملطلوب يف اليدين عند احلنفية والشافعية :مسحهما إىل املرفقني
كالوضوء ،على وجه االستيعاب ،لآلية املذكورة ،لقيام التيمم مقام الوضوء ،وألن اليد أطلقت يف التيمم ،وقيدت يف
الوضوء بقوله تعاىل {إىل المرافق} ،فيحمل التيمم على الوضوء ،ويقاس عليه ،وحلديث عمار :أن النيب )ص( قال يف
التيمم [ضربة للوجه واليدين].
واكتفى املالكية واحلنابلة مبسح اليدين إىل الكوعني ،أما من الكوعني إىل املرفقني فسنة ،مستدلني بقوله تعاىل
{وأيديكم} ،وإذا علق حكم مبطلق اليدين،مل يدخل فيه الذراع ،كقطع السارق ،وحلديث عمار بن ايسر :أن النيب
)ص( أمره ابلتيمم للوجه والكفني ،ولقول عمار :أجنبت فلم أصب املاء ،فتمعكت (مترغت أو تقلبت) يف الصعيد،
وصليت ،فذكرت ذلك للنيب )ص( فقال [إمنا يكفيك هكذا ،وضرب النيب )ص( األرض ،ونفخ فيهما ،مث مسح هبما
وجهه وكفيه].
واملفروض عند احلنفية والشافعية :ضربتان ،ضربة للوجه ،وضربة لليدين .وقال املالكية واحلنابلة :الفريضة:
الضربة األوىل :أي رضع الكفني على الصعيد ،أما الضربة الثانية فهي سنة ،كما سيأيت .وسبب االختالف :أن اآلية
جمملة يف ذلك ،واألحاديث متعارضة ،وقياس التيمم على الوضوء يف مجيع أحواله غري متفق عليه .والذي يف حديث
عمار الثابت من ذلك :إمنا هو ضربة للوجه والكفني معا ،وهناك أحاديث فيها ضربتان ،فرجح اجلمهور هذه
األحاديث قياسا للتيمم على الوضوء ،ومن هذه األحاديث ،حديث ابن عمر[ :التيمم ضربتان :ضربة للوجه وضربة
لليدين] وروى أبو داود [ :أنه )ص( تيمم بضربتني مسح إبحدامها وجهه ،وأبخرى ذراعيه].
واتفق الفقهاء على وجوب نزع اخلامت يف التيمم ،خبالف الوضوء؛ ألن الرتاب كثيف ال يسري إىل ما حتت
اخلامت خبالف املاء .وحمل الوجوب عند الشافعية يف الضربة الثانية ،ويستحب يف األوىل ،وإجياب النزع إمنا عند املسح
ال عند نقل الرتاب .وأوجب املالكية واحلنفية أيضا ختليل األصابع بباطن الكف أو األصابع ليتم املسح .واكتفى
الشافيعية واحلنابلة ابلقول أبنه يندب ختليل األصابع بعد مسح اليدين احتياطا.
31
أي بني عضوي التيمم؛ ألن التسمم مبين على الطهارة ابملاء ،والرتتيب فرض يف الوضوء ،فكذا يف التيمم القائم مقامه،
أم التيمم حلدث أكرب وجناسة ببدن ،فال يعترب فيه ترتيب .وقال احلنفية واملالكية :الرتتيب يف التيمم بني العضوين
(الوجه واليدين) مستحب ال واجب؛ ألن الفرض األصلي املسح ،وإيصال الرتاب وسيلة إليه.
-4املواالة
املواالة فرض عند احلنابلة واملالكية ،قيدها احلنابلة بغري احلدث األكرب كالرتتيب .أبن يوايل بني أجزاء التيمم ،أبال
يؤخر مسح عضو عما قبله زمنا بقدرها يف الوضوء ،أي حبيث لو قدر مغسوال جلف بزمن معتدل .وأضاف املالكية:
أن يوايل بني التيمم وبني ما فعل له من صالة وحنوها .وقال الشافعية واحلنفية :مواالة التيمم كالوضوء سنة ،كما تسن
املواالة أيضا بني التيمم والصالة ،خروجا من خالف من أوجبها ،وهم ملالكية كما قدمنا.
والصعيد عند املالكية :كل ما صعد على األرض من أجزائها كرتاب وهو األفضل من غريه عند وجوده ،ورمل وحجارة
وحصى ،وجص مل حيرق ابلنار ،فإن أحرق أو طبخ مل جيز التيمم به ،ولو نقل ذلك من حمله :أبن جيعل بينه وبني
األرض حائل .وجيوز التيمم على املعادن ما دامت يف مواضعها ومل تنقل من حملها ،إذا مل تكن من أحد النقدين
(الذهب والفضة) أو من اجلوهر كاللؤلؤ .وجيوز التيمم على اجلليد :وهو الثلج اجملمد من املاء على وجه األرض أو
البحر؛ ألنه أشبه جبموده احلجر ،فالتحق أبجزاء األرض.
ومذهب احلنفية كاملالكية ،فقال أبو حنيفة وحممد :جيوز التيمم بكل ما كان من جنس األرض ،كالرتاب
الزرنيخ ،وإن مل يكن
ص (الكلس) والنُّورة (حجر الكلس) ،والكحل و َّ
(وهو جممع عليه) والغبار ،والرمل ،واحلجر ،واجل ّ
عليها غبار؛ ألن ألن الصعيد اسم لوجه األرض ،وهذا ال يوجب االختصاص ابلرتاب ،بل يعم مجيع أجواء األرض،
وحلديث أيب هريرة :أن انسا من أهل البادية أتوا رسول هللا (ص) ،فقالوا :إان نكون ابلرمل ،األشهر الثالثة واألربعة،
ويكون فينا اجلنب والنفساء واحلائض ،ولسنا جند املاء ،فقال عليه السالم [عليكم ابألرض ،مث ضرب يده على
األرض لوجهه ضربة واحدة ،مث ضرب أخرى ،فمسح هبا على يديه إىل املرفقني] وقال اإلمام البخاري" :ال أبس
ابلصالة على السبخة والتيمم منها" وهو األرض ذات امللح والنزز.
32
وقال الشافعية واحلنابلة :ال جيوز التيمم إال برتاب طاهر ذي غبار يعلق ابليد غري حمرتق ،فإن كان جرشا أو
نداي ال يرتفع له غبار مل يكف .وأضاف الشافعية :جيوز برمل فيه غبار ،وال جيوز عند احلنابلة التيمم برمل ،وحنت
حجارة وحنوه ،وعن أمحد :رواية أخرى :أنه جيوز التيمم ابلرمل.
كيفية التيمم
-1رأي احلنفية والشافعية :التيمم ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين إىل املرفقني ،بدليل احلديث املتقدم ،وهو ما
روى أبو أمامة وابن عمر رضي هللا عنهما :أن النيب )ص( قال [التيمم ضربتان :ضربة للوجه ،وضربة لليدين إىل
املرفقني] وألن اليد عضو فيالتيمم ،فوجب استيعابه كالوجه .أما حديث عمار رضي هللا عنه الدال على االكتفاء
ابلكفني ،فيتناول على أنه مسح كفيه إىل املرقني ،بدليل حديث أيب أمامة وابن عمر.
-2رأي املالكية واحلنابلة :التيمم الواجب :ضربة واحدة ميسح هبا وجهه بباطن أصابعه ،مث كفيه براحتيه ،حلديث
عمار :أن النيب )ص( قال يف التيمم [ضربة واحد للوجه واليدين] ،وألن اليد إذا أطلقت ال يدخل فيها الذراع بدليل
السرقة.
مكروهات التيمم
وقال املالكية :تكره الزايدة على مرة يف املسح ،وكثرة الكالم يف غري ذكر هللا ،وإطالة املسح إىل ما فوق املرفقني وهو
املسمى ابلغرة والتحجيل.
وقال الشافعية :يكره تكثري الرتاب ،وتكرار املسح ،وجتديد التيمم ولو بعد فعل صالة ،ونفض اليدين بعد متام التيمم.
وقال احلنابلة :يكره تكرار املسح ،وإدخال الرتاب يف الفم واألنف ،والضرب أكثر من مرتني ،ونفخ الرتاب إن كان
خفيفا.
-1كل ما ينقض الوضوء والغسل ينقض التيمم؛ ألنه بدل عنهما ،وانقض األصل انقض خللفه ،فلو تيمم للجنابة ،مث
أحدث صار حمداث ال جنبا ،فيتوضأ وينزع خفيه إن كان البسهما ،مث بعدها ميسح عليهما ،مامل جيد املاء.
-2زوال العذر املبيح له كذهاب العدو واملرض والربد ووجود آلة نزح املاء ،وإطالق سراحه من السجن الذي ال ماء
فيه؛ ألن ما جاز بعذر بطل بزواله.
33
-3رؤية املاء أو القدرة على استعمال املاء الكايف ولو مرة عند احلنفية واملالكية ،ولومل يكف عند الشافعية واحلنابلة،
وذلك قبل الصالة ،ال فيها ابتفاق العلماء ،وأن يكون فاضال عن حاجته كعطش وعجن وغسل جناسة؛ ألن املشغول
ابحلاجة ،وغري الكايف يف رأي احلنفية واملالكية كاملعدوم.
-4خروج الوقت :يبطل التيمم عند احلنابلة خبروج وقت الصالة ،وأضاف احلنابلة :إن خرج وقت الصالة وهو فيها،
بطل تيممه ،وبطلت صالته ،ألن طهارته انتهت ابنتهاء وقتها ،فبطلت صالته ،كما لو انقضت مدة املسح وهو يف
الصالة.
-5الردة :تبطل التيمم ع ند الشافعية ،خبالف الوضوء ،لقوته ،وضعف بدله ،لكن تبطل نية الوضوء فيجب جتديدها،
وألن التيمم الستباحة الصالة ،وهي منتفية مع الردة ،هذا والردة تبطل التيمم ولو صورة كالواقعة من الصيب.
-6الفصل الطويل بني التيمم والصالة :يبطل التيمم عند املالكية دون غريهم الشرتاطهم املواالة بينه وبني الصالة كما
قدمنا.
احكام الصالة :حكم الصالة ،شروط وجوب وصححة الصالة ،اركان الصالة
الصالة لغة :الدعاء أو الدعاء خبري ،قال تعاىل{ :وصل عليهم إن صالتك سكن هلم} أي ادع هلم .وشرعا :هي
أقوال وأفعال خمصوصة ،مفتتحة ابلتكبري ،خمتتمة ابلتسليم.
أما الكتاب فقوله تعاىل{ :وما أمروا إال ليعبدوا هللا خملصني له الدين حنفاء ،ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين
القيمة} ،وقوله تعاىل{ :فأقيموا الصالة وآتوا الزكاة ،واعتصموا ابهلل هو موالكم ،فنعم املوىل ونعم النصري} .وأما
السنة :فأحاديث متعددة ،منها :حديث ابن عمر عن النيب (ص) أنه قال( :بين اإلسالم على مخس :شهادة أن ال
34
إله إال هللا ،وأن حممدا رسول هللا ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيال).
وأما اإلمجاع :فقد أمجعت األمة على وجوب مخس صلوات يف اليوم والليلة.
اترخيها ونوع فرضيتها وفرارضها :فرضت الصالة ليلة اإلسراء قبل اهلجرة بنحو مخس سنني على املشهور
بني أهل السري ،حلديث أنس ،قال( :فرضت على النيب )ص( الصلوات ليلة أسري به مخسني ،مث نقصت حىت
لدي ،وإن لك هبذه اخلمسة مخسني .وقال بعض احلنفية:جعلت مخسا ،مث نودي :اي حممد ،إنه ال يبدل القول ّ
فرضت ليلة اإلسراء قبل السبت سابع عشر من رمضان قبل اهلجرة بسنة ونصف .وجزم احلافظ ابن حجر أبنه ليلة
السابع والعشرين من رجب ،وعليه عمل أهل األمصار.
والصلوات املكتوابت مخس يف اليوم والليلة ،وال خالف بني املسلمني يف وجوهبا ،وال جيب غريها إال بنذر،
لألحاديث السابقة ،وحلديث األعرايب( :مخس صلوات يف اليوم والليلة) قال األعرايب( :هل على غريها ؟) قال( :ال،
تطوع) ولقوله (ص) ملعاذ حني بعثه إىل اليمن( :أخربهم أن هللا تعاىل فرض عليهم مخس صلوات يف كل يوم
إال أن َّ
وليلة) .وقال أبو حنيفة رمحه هللا :الوتر واجب ،لقوله )ص(( :إن هللا قد زادكم صالة ،وهي الوتر) وهذا يقتضي
وجوبه ،وقال عليه السالم( :الوتر واجب على كل مسلم).
حكم اترك الصالة :اتفق املسلمون على أن الصالة واجبة على كل مسلم ابلغ عاقل طاهر ،أي غري ذي حيض أو
نفاس ،وال ذي جنون أو إغماء ،وهي عبادة بدنية حمضة ال تقبل النيابة أصال ،فال يصح أن يصلي أحد ،كما ال
يصح أن يصوم أحد عن أحد .وأمجع املسلمون على أن من جحد وجوب الصالة ،فهو كافر مرتد ،لثبوت فرضيتها
ابألدلة القطعية من القرآن والسنة واإلمجاع .ومن تركها تكاسال وهتاوان فهو فاسق عاص ،إال أن يكون قريب عهد
اإلسالم ،أو مل خيالط املسلمون مدة يبلغه فيها وجوب الصالة.
وترك الصالة موجب للعقوبة األخروية والدنيوية ،أما األخروية فلقوله تعاىل{ :ما سلككم يف سقر ،قالوا مل
نك من املصلني} .وأما عقوبتها الدنيوية ملن يرتكبها كسال وهتاوان فلها أمناط عند الفقهاء:
-1فقال الفقهاء :نارك الصالة تكاسال فاسق حببس ويضرب -على املذهب -ضراب شديدا حىت يسيل منه الدم،
حىت يصلي ويتوب ،أو ميوت يف السجن ومثله نارك صوم رمضان ،وال يقتل حىت جيحد وجوهبما ،أو يستخف
أبحدمها كإظهار اإلفطار بال عذر هتاوان ،بدليل قوله )ص(( :ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى ثالث :الثيب الزاين،
والنفس ابلنفس ،والتارك لدينه املفارق للجماعة) .وأضاف احلنفية :أنه حيكم إبسالم فاعل الصالة بشروط أربعة :أن
35
يصلي يف الوقت ،مع مجاعة ،أو يؤذن يف الوقت ،أو يسجد للتالوة عند َساع آية سجدة ،وال حيكم إبسالم الكافر
يف ظاهر الرواية إن صام أو حج أو أدى الزكاة.
-2وقال األرمة اآلخرون :نارك الصالة بال عذر ولو ترك صالة واحدة .يستتاب ثالثة أايم كاملرتد ،وإال قتل إن مل
يتب ،ويقتل عند املالكية والشافعية حدا ،ال كفرا ،أي ال حيكم يكفره وإمنا يعاقب احلدود األخرى على مع اصي الزىن
والقذف والسرقة وحنوها ،وبعد املوت يغسل ويصلى عليه ،ويدفن مع املسلمني .ودليلهم على عدم تكفري نارك الصالة
قوله تعاىل{ :إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء} .وحديث أيب هريرة( :إن أول ما حياسب به
العبد يوم القيامة :الصالة املكتوبة ،فإن أمتها ،وإال قيل :انظر هل له من تطوع ؟ فإن كان له تطوع ،أكملت الفريضة
من تطوعه ،مث يفعل بسائر األعمال املفروضة مثل ذلك) فال يكفر برتك الصالة؛ ألن الكفر ابالعتقاد ،واعتقاد
صحيح ،ويكفر إن تركها جاحدا وجوهبا.
-3وقال ا إلمام أمحد رمحه هللا :يقتل نارك الصالة كفرا بسبب كفره ،لقوله تعاىل{ :فإذا انسلخ األشهر احلرم ،فاقتلوا
املشركني حيث وجدمتوهم ،وخذوهم واحصروهم واقعدوا هلم كل مرصد ،فإن نابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا
سبيلهم ،إن هللا غفور رحيم} ،فمن ترك الصالة،مل أيت بشرط التخلية ،فيبقى على إابحة القتل ،فال خيلى من مل يقم
الصالة .ولقوله )ص(( :بني الرجل وبني الكفر :ترك الصالة) فهو يدل على أن ترك الصالة من موجبات الكفر.
دوام فرضية الصالة طوال العمر :ال تسقط الصالة حبال حضرا أو سفرا أو مرضا ،فيلزم املسلم ابلصالة ما
دام ح يا ،ومل يصح يف حال غيبوبة أو فقد الوعي ،وإمنا يسر اإلسالم كيفية أداء الصالة كما يف صالة اخلوف ،وصالة
املريض حبسب القدرة من قيام أو قعود أو على جنب أو استلقاء أو ابلرأس أو ابألعني أو إجراء األركان على القلب.
جمرب الكسور ،يصلي على هذه
ومن كان ملطخا ابلدم إثر عملية جراحية ،أو مربوطا بكيس يصب فيه الدم مثال ،أو َّ
احلال بوضوء أو تيمم حبسب القدرة ،مث يعيد الصالة ،بعد الشفاء احتياطا.
جتب الصالة على كل مسلم ابلغ عاقل ،ال مانع عنده كاحليض والنفاس ،فتكون شروط وجوب الصالة ثالثة:
-1اإلسالم
36
جتب الصالة ع لى كل مسلم ذكر أو أنثى ،فال جتب على كافر عند اجلمهور وجوب مطالبة هبا يف الدنيا ،لعدم
صحتها منه ،لكن جتب عليه وجوب عقاب عليها يف اآلخرة ،لتمكنه من فعلها ابعتناق اإلسالم ،وذلك ألن الكافر
عند اجلمهور خماطب بفروع الشريعة ،أو اإلسالم يف حال كفره .وال جتب عند احلنفية على الكافر ،بناء على مبدئهم
يف أن الكافر غري مطالب بفروع الشريعة ،ال يف حكم الدنيا وال يف حكم اآلخرة .وال قضاء ابالتفاق على الكافر إذا
جيب ما قله) أي
أسلم ،لقوله تعاىل{ :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف} ،ولقوله )ص(( :اإلسالم ُّ
يقطعه ،وامل راد أنه يذهب أثر املعاصي اليت قارفها حال كفره .أما املرتد فيلزمه عند غري احلنفية قضاء الصالة بعد
إسالمه تغليظا عليه ،وألنه التزمها ابإلسالم ،فال تسقط عنه ابجلحود كحقوق اآلدميني املالية .وال قضاء عليه عند
احلنفية كالكافر األصلي.
وإن أسلم يثاب عليها وال جيبُّها (يقطعها) اإلسالم ،حلديث حكيم بن حزام عند مسلم وغريه :أنه قال
لرسول هللا (ص)( :أرأيت أمورا كنت أحتنث هبا يف اجلاهلية ،هل يل فيها من شيء؟ فقال له رسول هللا(ص) :أسلمت
على ما أسلفت من خري) وقال عليه السالم( :إذا أسلم العبد ،فحسن إسالمه ،يكفر هللا عنه كل سيئة كان زلفها –
أي قدمها – وكان بعد ذلك القصاص :احلسنة بعشر أمثاهلا ،إىل سبعمائة ضعف ،والسيئة مبثلها إال أن يتجاوز هللا
عنها) .وقال النووي :الصواب الذي عليه احملققون ،بل نقل بعضهم اإلمجاع فيه أن الكافر إذا فعل أفعاال مجيلة
كالصدقة وصلة الرحم ،مث أسلم ومات على اإلسالم ،أن ثواب يكتب له.
-2البلوغ
ال جتب الصالة على الصيب ،لقوله )ص(( :رفع القلم عن ثالثة :عن اجملنون املغلوب على عقله حىت يربأ ،وعن النائم
حىت يستيقظ ،وعن الصيب حىت حيتلم) .ولكن يؤمر الصغري ذكرا أو أنثى ابلصالة ،تعودا له ،إذا بلغ سبع سنني أي
صار مميزا ،ويضرب -ابليد ال خبشبة مبا ال يزيد عن ثالث ضرابت إن أفاد وإال فال -على تركها لعشر سنني زجرا
له ،لقوله )ص(( :مروا أوالدكم ابلصالة وهو أبناء سبع سنني ،واضربوهم عليها وهو أبناء عشر سنني ،وفرقوا بينهم يف
املضاجع) أي حبيث ال يشملهم سلرت ساتر واحد مع التجرد ،فإن استقل كل منهم بساتر فال مينع ،والتفريق لعشر أمر
مندوب ،وحيرم تالصق البالغني بعورتيهما بقصد اللذة ،ويكره من غري لذة كتالصقهم ابلصدر .واألمر موجه للويل ال
للصغري ،لقوله تعاىل{ :وامر أهلك ابلصالة واصطرب عليها}{ ،اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم انرا .}..
-3العقل
37
فال جتب الصالة عند اجلمهور غري احلنفية على اجملنون واملعتوه وحنومها كاملغمى عليه إال إذا أفاقوا يف بقية الوقت؛ ألن
العقل مناط التكليف ،كما ثبت يف احلديث السابق( :عن اجملنون حىت يربأ) لكن يسن هلم القضاء عند الشافعية.
وقال احلنابلة :جي ب القضاء على من تغطى عقله مبرض أو إغماء أو دواء مباح ،ألن ذلك ال يسقط الصوم ،فكذا
الصالة .وجيب القضاء على السكران ،لتعديه ابلسكر .وجيب القضاء على انئم وجيب إعالمه إذا ضاق الوقت،
ودليل القضاء حديث( :من انم عن صالة أو نسيها ،فليصلها إذا ذكرها ،ال كفارة هلا إال ذلك) وهذا دليل على
وجوب قضاء الصلوات املفروضة املرتوكة عمدا أو سهوا ،مهما طال الزمان.
إذا زالت هذه األسباب املانعة من وجوب الصالة ،فبلغ الصيب ،أو أفاق اجملنون ،أو طهرت احلائض أو النفساء ،أو
أسلم الكافر ،وبقي من ال وقت عند احلنابلة والشافعية يف األظهر قدر تكبرية اإلحرام ،فأكثر ،وجب قضاء الصالة.
كما جيب عند مجهور الفقهاء غري احلنفية قضاء الصالة األخرى اليت ميكن مجعها مع الصالة اليت زال املانع يف وقتها.
فإن زال املانع مبقدار تكبرية اإلحرام عند الشافعية واحلنابلة يف آخر وقت العصر ،وجب قضاء الظهر أيضا ،وإن زال
املانع يف آخر وقت العشاء ،وجب قضاء املغرب أيضا؛ الحتاد وقيت الظهر والعصر ،ووقيت املغرب والعشاء يف العذر،
ففي الضرورة أوىل .وذلك بشرط أن خيلو الشخص من املوانع قدر الطهارة ،والصالتني أخف ما جيزئ ،كركعتني يف
صالة املسافر.
أما املالكية فقالوا :إن أدرك قدر مخس ركعات يف احلضر ،وثالث يف السافر من وقت الثانية وجبت األوىل
أيضا؛ ألن قدر الركعة األوىل من اخلمس وقت للصالة األوىل يف حال العذر ،فوحبت إبدراكه ،كما لو أدرك ذلك من
وقتها املختار ،خبالف ما لو أدرك دون ذلك .وإن أدرك قدر ركعة فقط ،وجبت األخرية وسقطت األوىل .وإن بقي
من الوقت ما يسع أقل من ركعة ،سقطت الصالنان .وقال احلنفية :ال جتب إال الصالة اليت زال املانع يف وقتها
وحدها؛ ألن وقت األوىل خرج يف حال العذر ،فلم جيب ،كما لو مل يدرك من وقت الثانية شيئا .وهذا يف تقديري هو
املعقول؛ ألن الصالة جتب بوقت معني ،فإذا فات الوقت ،سقط الوجوب.
38
ال تصح الصالة بدون معرفة الوقت يقينا أو ظنا ابالجتهاد ،فمن صلى بدوهنا مل تصح صالته ،وإن وقعت يف الوقت،
لتكون عبادته بنية جازمة ،ال شك فيها ،فمن شك مل تصح صالته؛ ألن الشك ليس جبازم .والدليل :هو قوله تعاىل:
{إن الصالة كانت على املؤمنني كتااب موقونا} ،أي فرضا مؤقتا حمدودا بوقت .وقد حبثنا سابقا مواقيت الصالة،
واالجتهاد يف الوقت.
األصغر واألكرب (اجلنابة واحليض والنفاس) ،ابلوضوء والغسل ،أو التيمم ،لقوله تعاىل{ :اي أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إىل الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق ..إىل قوله سبحانه :وإن كنتم جنبا فاطهروا} ،ولق وله (ص) :ال
يقبل هللا صالة بغري طهور) (ال يقبل هللا صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ).
وإذا تعمد احلد ث بطلت صالته ابإلمجاع ،إال يف آخر الصالة فال تبطل عند احلنفية ،وإن سبقه احلدث
بطلت صالته حاال عند الشافعية واحلنابلة ،لقوله )ص( (إذا فسا أحدكم يف الصالة ،فلينصرف وليتوضأ وليعد
صالته) وقال احلنفية :ال تبطل يف احلال وإمنا تبطل مبكثه قدر أداء ركن بعد سبق احلدث مستيقظا بال عذر .فإن
وجد عذر كرعاف مثال بىن على صالته إن شاء (أي أكملها من بعد وقت العذر) بعد استكمال الطهارة ،وإن شاء
استأنف الصالة ،أي ابتدأها من جديد ،وخيرج من الصالة واضعا يده على أنفه تسرتا.
وقال املالكية كاحلنفية :جيوز البناء على الصالة يف حالة الرعاف بشروط ستة بعد أن خيرج من الصالة ممسكا
أنفه من أعاله وهو مارنه ،وال من أسفله من الوترة لئال يبقى الدم يف طاقيت أنفه .وهذه الشروط هي:
األول :إن مل يتلطخ ابلدم مبا يزيد على درهم ،وإال قطع الصالة.
الثاين :ومل جياوز أقرب مكان ممكن ،لغسل الدم فيه ،فإن جتاوز بطلت الصالة.
الثالث :أن يكون املكان الذي يغسل فيه الدم قريبا ،فإن كان بعيدا بعدا فاحشا بطلت.
الرابع :أال يستدبر القبلة بال عذر ،فإن استدبرها لغري عذر بطلت.
السادس :أال يتكلم يف مضيه للغسل ،فإن تكلم ولو سهوا بطلت.
39
الشرط الثالث :الطهارة عن اخلبث :أي النجاسة احلقيقية.
يشرتط لصحة الصالة الطهارة عن النجس الذي ال يعفى عنه يف الثوب والبدن واملكان حىت موضع القدمني واليدين
والركبتني ،واجلبهة على األصح عند احلنفية ،لقوله تعاىل{ :وثيابك فطهر} ،قال ابن سريين :هو الغسل ابملاء ،وخلرب
الصحيحني السابق( :إذا أقبلت احليضة فدعي الصالة ،وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) وحلديث األعرايب
املتقدم الذي ابل يف املسجد( :أريقوا على بوله ذنواب -دلوا -من ماء) فاآلية دلت على وجوب طهارة الثوب،
واحلديث األول دل على وجوب طهارة البدن ،واحلديث الثاين دل على وجوب طهارة املكان .ومشهور مذهب
املالكية :أن الطهارة من النجس سنة مؤكد .والذي اعتربه شرطا شرطا كالشيخ خليل وشراح جرى على القول أبهنا
فرض مع الذكر والقدرة.
-1إمساك حبل مربوط بنجس :إذا أمسك املصلي حبال مربوطا بنجس ،كاحلبل الذي ميسك به كلب بقالده يف
عنقه ،أو دابة أو مركب صغري حيمالن جنسا ،مل تصح صالته عند الشافعية يف األصح؛ ألن الكلب سواء أكان صغريا
أم كبريا جنس العني عندهم ،ويصبح املصلي يف هذه احلالة حامال جنسا ،ألنه إذا مشي اجنر معه.
وتصح صالته عند احلنفية كاحلالة السابقة يف حالة إمساك الكلب بناء على الراجح عندهم أنه ليس بنجس
العني ،بل هو طاهر الظاهر ،كغريه من احليواانت سوى اخلنزير ،فال ينجس إال ابملوت .وذلك إذا مل يسل من الكلب
ما مينع الصالة.
-2محل صيب صغري يف الصالة :لو محل املصلي صبيا صغريا عليه جنس :تبطل صالته عند احلنفية إن مل يستمسك
بنفسه؛ ألنه يعد حامال للنجاسة ،ويشرتط عندهم طهارة ما يعد حامال له أي ابستثناء ما يكون يف اجلوف كمسألة
الكلب والبيضة السابقة .وتصح صالته إن كان الصغري يستمسك بنفسه؛ ألنه ال يعد حامال للنجاسة .وقال
الشافعية كاحلنفية وغريهم اتفاقا ال خالف فيه؛ ال يضر محل الصيب الذي ال تظهر عليه جناسة ،فلو محل حيواان طاهرا
يف صالته ،صحت صالته؛ ألن النيب )ص( محل أمامة بنت أيب العاص يف صالته ،وألن ما يف احليوان من النجاسة
يف معدن النجاسة هو كالنجاسة اليت يف جوف املصلي.
-3وصل العظم بنجس :قال الشافعية :لو وصل عظمه املنكسر بنجس لفقد الطاهر ،فهو معذور تصح صالته
.
معه للضرورة
40
الشرط الرابع :سرت العورة
العورة لغة :النقص ،وشرعا :ما جيب سرته وما حيرم النظر إليه ،واملعىن األول :هو املراد هنا يف الصالة .يشرتط سرت
العورة على العيون ،ولو كان خاليا يف ظلمة عند القدرة يف رأي اجلمهور .وقال احلنفية :جيب السرت حبضرة الناس
إمجاعا ،ويف اخللوة على الصحيح ،فلو صلى يف اخللوة عرايان ،ولو يف بيت مظلم ،وله ثوب طاهر ،ال جيوز.
وجيب سرت العورة يف الصالة وغريها ولو يف اخللوة إال حلاجة كاغتسال وتغوط واستنجاء .والدليل على
وجوب السرت :قوله تعاىل { :خذوا زينتكم عند كل مسجد} ،قال ابن عباس :املراد به :الثياب يف الصالة .وأمجع
العلماء على وجوب سرتة العورة مطلقا ،يف الصالة وغريها.
إن انكشفت املصلي فجأة ابلريح مثال عن غري عمد ،فسرته يف احلال ،مل يبطل صالته عند الشافعية واحلنابلة النتفاء
احملذور ،وإن قصر أو طال الزمان ،بطلت بسبب لتقصريه ،وألن الكثري يفحش انكشاف العورة فيه ،وميكن التحرز
منه ،فلم يعف عنه ،وقال املالكية :تبطل الصالة مطلقا ابنكشاف العورة املغلظة.
وقال احلنفية :إذا نكشف ربع العضو من أعضاء العورة ،فسدت الصالة إن استمر مبقدار أداء ركن ،بال صنعه ،فإن
كان بصنعه فسدت يف احلال.
حد العورة
يشرتط عند أئمة املذاهب لصحة الصالة سرت العورة كما تقدم ،لكن الفقهاء اختلفوا يف حد العورة للرجل واألمة
واملرأة احلرة ،فما هي آراؤهم تفصيال؟
مذهب احلنفية:
أ -عورة الرجل :هي ما حتت سرته إىل ما حتت ركبتيه ،فالركبة من الفخذ عورة يف األصح ،عمال ابملأثور عندهم:
(عورة الرجل ما بني سرته وركبتيه) أو (ما دون سرته حىت جياوز ركبتيه) وحلديث ضعيف عند الدارقطين( :الركبة من
.
العورة)
41
ب -األمة (الرقيقة) :كالرجل يف العورة ،مع ظهوها وبطنها وجنبيها ،لقول عمر رضي هللا عنه( :ألق عنك اخلمار اي
دفار ،أتتشبهني ابحلرائر) ،وألهنا خترج حلاجة موالها يف ثياب مهنتها عادة ،فاعتربت كاحملارم يف حق األجانب عنهن
دفها للحرج.
ج -املرأة احلرة ومثلها اخلنثى :مجيع بدهنا حىت شعرها النازل يف األصح ،ما عدا الوجه والكفني ،والقدمني ظاهرمها
وابطن هما على املعتمد لعموم الضرورة ،والصوت على الراجح ليس بعروة ،لكن ظهر الكف عورة على املذهب،
واألصح أن ابطن الكفني وظاهرمها ليسا بعورة .والقدمان ليسا بعورة يف حق الصالة على املعتمد ،والصحيح أهنا عورة
يف حق النظر واملس .واستدلوا بقوله تعاىل{ :وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها} واملراد حمل زينتهن ،وما ظهر منها:
الوجه والكفان ،كما قال ابن عباس وابن عمر ،وبقوله )ص(( :املرأة عورة ،فإذا خرجت استشرفها الشيطان) وحبديث
عائشة السابق( :اي أَساء ،إن املرأة إذا بلغت احمليض ،مل يصلح أن يرى منها إال هذا وهذا ،وأشار إىل وجهه وكفه).
مذهب املالكية:
جيب سرت العورة عن أعني الناس إمجاعا ،أما يف الصالة فالصحيح من املذهب وجوب سرت ما أييت:
أ -عورة الرجل يف الصالة :هي املغلظة فقط وهي السوأتني ومها من القدم :الذكر مع األنثيني ،ومن املؤخر :ما بني
األليتني.
ب -عورة األمة هي السوأنان مع األ ليتني ،فإذا انكشف منها شيء من ذلك أو كشفت فخذا كله أو بعضه ،أعادت
أداء يف الوقت ،كالرجل.
ج -عورة احلرة املغلظة :مجيع البدن ما عدا الصدر واألطراف من رأس ويدين ورجلني .وما قابل الصدر من الظهر
كالصدر.
مذهب الشافعية:
عورة الرجل :ما بني سرته وركبته يف الصالة والطواف وأما الرجل األجانب والنساء احملارم ،ملا روى احلارث بن أيب
أسامة عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه ،قال( :عورة املؤمن ما بني سرته وركبته) .وأما عورة الرجل أما النساء
األجانب ابلنسبة للنظر ،فجميع بدنه ،ويف اخللوة :السوأنان فقط .وعورة املرأة احلرة ابلنسبة للنظر :خارج الصالة
42
مجيع بدهنا أما الرجال األجانب ،وأمام النساء الكافرات ما عدا ما يبدو عند املهنة أي اخلدمة واالشغال بقضاء
حوائجها .وأما أمام النساء املسلمات والرجال احملارم :فعورهتا كالرجل ما بني السرة والركبة.
مذهب احلنابلة:
ب -عورة األمة كالرجل :ما بني السرة والركبة على الراجح.
ج -عورة احلرة البالغة :مجيع بدهنا سوى وجهها ،وكفيها على الراجح.
واتفق العلماء على أن من كان مشاهدا معاينا الكعبة :ففرضه التوجه إىل عني الكعبة يقينا .ومثل عند
احلنابلة :أهل مكة أو الناشئ هبا وإن كان هناك حائل حمدث كاحليطان بينه وبني الكعبة .وأما غري املعاين للكعبة
ففرضه عند اجلمهور (غري الشافعية) إصابة جهة الكعبة( ،)1لقوله )ص(( :ما بني املشرق واملغرب قبلة)( )2وظاهره أن
مجيع ما بينهما قبلة ،وألنه لو كان الفرض إصابة عني الكعبة ،ملا صحت صالة أهل الصف الطويل على خط مستو،
وال صالة اثنني متباعدين يستقبال ن قبلة واحدة ،فإنه ال جيوز أن يتوجه إال الكعبة مع طول الصف إال بقدرها .وهذا
هو الراجح لدي.
النية من شروط الصالة عند احلنفية واحلنابلة ،وكذا عند املالكية على الراجح ،وهي من فروض الصالة أو أركاهنا عند
الشافعية ولدى بعض املالكية؛ ألهنا واجبة يف بعض الصالة ،وهو أوهلا ،ال يف مجيعها ،فكانت ركنا كالتكبري والركوع.
43
وهي لغة :القصد ،وشرعا :عزم القلب على فعل العبادة تقراب إىل هللا تعاىل .أبن يقصد بعمله هللا تعاىل ،دون
شيء آخر من تصنع ملخلوق ،أو اكتساب حممدة عند الناس ،أو حمبة مدح أو حنوه .وهذا هو اإلخالص .والنية
واجبة يف الصالة ابتفاق العلماء لتتميز العبادة عن العادة ،وليتحقق يف الصالة اإلخالص هلل تعاىل؛ ألن الصالة
عبادة ،والعبادة إخالص العمل بكليته هلل تعاىل ،قال هللا تعاىل{ :وما أمروا إال يتعبدوا هللا خملصني له الدين} ،قال
املاوردي :واإلخالص يف كالمهم النية.
مقارنة النية للتكبري :ويشرتط اتصال النية ابلصالة بال فاصل أجنيب عند احلنفية( )1بني النية والتكبرية ،والفاصل عمل
ال يليق ابلصالة كاألكل والشرب وحنو ذلك ،أما إذا فصل بينهما بعمل يليق ابلصالة كالوضوء واملشي إىل املسجد،
فال يضر ،فلو نوى ،مث توضأ أو مشي إىل املسجد ،فكرب ،ومل حتضره النية ،جاز ،لعدم الفاصل األجنيب ،بدليل أن من
أحدث يف الصالة ،مل البناء عليها بعد جتديد الوضوء .ويندب اقرتان النية بتكبرية اإلحرام ،خروجا من اخلالف ،وال
يصح أن تتأخر النية عن التحرمية يف الصحيح .وقال احلنابلة( :)2األفضل مقارنة النية للتكبري ،خروجا من خالف من
أوجبه ،فإن تقدمت النية على التكبري بزمن يسري بعد دخول الوقت يف أداء وراتبة ،ومل يفسخها ،وكان ذلك مع بقاع
إسالمه ،أبن مل يرت ّد ،صحت صالته .وقال املالكية( :)1جيب استحضار النية عند تكبرية اإلحرام ،أو قبلها بزمن
يسري .وقال الشافعية( : )2يشرتط اقرتان النية بفعل الصالة ،فإن تراخى عنه َسي عزما ،ولو قال" :نويت أصلى الظهر،
هللا أكرب ،نويت" بطلت صالته؛ ألن قوله" :نويت" بعد التكبرية كالم أجنيب عن الصالة ،وقد طرأ بعد انعقاد
الصالة ،فأبطلها.
الصالة عبادة خالصة هلل تعاىل ،ال جيوز الكالم فيها ،فتبطل صالة من تكلم حبرفني مفهمني ولو ملصلحة الصالة
مثل :قم أواقعد ،أوحبرف مفهم حن و "ق" من الوق اية ،و"ع" من الوعي ،و"ف" من الوفاء ،و"ش" من الوشي ،وكذا
مدَّة بعد حرف يف األصح عند الشافعية ،وإن مل يفهم ،حنو " آ " واملدَّ :ألف ،أو واو ،أو ايء ،فاملمدود يف احلقيقية
44
حرفان .خلرب مسلم عن زيد بن أرقم( :كنا نتكلم يف لصالة ،حىت نزلت{ :وقوموا هلل قانتني} -فأمران ابلسكوت،
وهنينا عن الكالم
وهو ما خييل للناظر إليه أن فاعله ليس يف الصالة .وسيأيت تفصيل الكالم فيه يف حبث مبطالت الصالة.
هذا وقد أضاف الشافعية شروطا مخسة أخرى :وهي العلم بفرضية الصالة؛ وأال يعتقد فرضا من فروضها سنة؛ وأال
ميضي ركن قويل أو فعلي مع الشك يف نية الصالة :هل نوى أو أمت النية أو أتى ببعض أجزائها أو بعض شروطها :وأال
ينوي قطع الصالة أو يرتدد يف قطعها فمىت نوى قطعها ولو ابخلروج منها إىل أخرى ،أو تردد فيه أو االستمرار فيها
بطلت ،ملنافاة ذلك للجزم ابلنية؛ وعدم تعليق قطعها بشيء ،فإن علقه بشيء ولو حماال ،بطلت ،ملنافاته للجزم ابلنية.
والركن كالشرط يف أنه البد منه ،إال أن الشرط :هو الذي يتقدم على الصالة ،وجيب استمراره فيها كالطهر والسرت،
وحنوها مما سبق بيانه ،والركن :ما تشتمل عليه الصالة ،كالركوع والسجود ،وحنومها مما سيبحث هنا ،وال يسقط الركن
عمدا وال سهوا وال جهال ،وَسي ركنا تشبيها له بركن البيت الذي ال يقوم إال به؛ ألن الصالة ال تتم إال به .وعلى
هذا يكون الركن :هو الواجب فعله وكان جزءاً من حقيقة العمل ،والشرط :هو الواجب فعله ولكنه ليس جزءا من
حقيقة الفعل ،بل من مقدماته.
وشراح متنه :فرائض الصالة أربع عشرة فريضة وهي :النية ،وتكبرية قال املالكية كما ذكر العالمة خليل ّ
اإلحرام ،والقيام هلا يف الفرض ،وقراءة الفاحتة لإلمام واملنفرد ،والقيام هلا (أي للفاحتة) بفرض ،والركوع ،والرفع منه،
والسجود ،واجللوس بني السجدتني ،والسالم ،واجللوس له ،والطمأنينة يف مجيع األركان ،واالعتدال بعد الركوع
والسجود ،وترتيب األركان أبن يقدم النية على تكبرية اإلحرام ،مث الفاحتة ،مث الركوع ،مث االعتدال ،مث السجود ..اخل،
ووضع املالكية ضابطا لألركان فقالوا :الصالة مركبة من أقوال وأفعال ،فجميع أقواهلا ليست بفرائض إال ثالث :تكبرية
اإلحرام ،والفاحتة والسالم ،ومجيع أفعاهلا فرائض إال ثالثة :رفع اليدين عند تكبرية اإلحرام ،واجللوس للتشهد ،والتيامن
ابلسالم.
45
وقال الشافعية :أركان الصالة ثالثة عشر وهي :النية ،وتكبرية اإلحرام ،القيام يف الفرض للقادر عليه ،والفاحتة
مصل إال املعذور لسبق أو غريه ،الركوع ،والسجود مرتني ،واجللوس بني السجدتني ،التشهد األخري ،القعود يف
لكل ّ
التشهد األخري ،الصالة على النيب )ص( بعد التشهد األخري قاعدا ،السالم ،الرتتيب كما ذكر .والفرض ال ينوب عنه
سجود السهو ،بل إن تذكره وهو يف الصالة أو بعد السالم والزمان قريب أتى به وبىن على صالته وسجد للسهو.
وقال احلنابلة :أركان الصالة أربعة عشر وهي :تكبرية اإلحرام ،والقيام يف فرض لقادر عليه ،وقراءة الفاحتة يف
كل ركعة لإلمام واملنفرد ،والركوع ،واالعتدال بعده ،والسجود ،واالعتدال عنه ،واجللوس بني السجدتني ،والطمأنينة
يف هذه األفعال (الركوع وما بعده) ،والتشهد األخري ،والصالة على النيب )ص( بعد التشهد األخري عند أكثر احلنابلة،
واجللوس له وللتسليمتني ،والتسليمتان ،وترتيب األركان ،على النحو املذكور .والفرض أو الركن ال يسقط عمدا وال
سهوا وال جهال.
يالحظ أن الفقهاء اتفقوا على ستة فروض أو أركان وهي :التحرمية ،والقيام ،والقراءة ،والركوع ،والسجود،
والقعدة األخرية مقدار التشهد إىل قوله" :عبده ورسوله".
هي أن يقول املصلي قائما مسمعا نفسه" :هللا أكرب" إال يف حالة العجز عن القيام ،وذلك ابلعربية ،ملن قدر عليها ،ال
بغريها من اللغات ،وبال فصل بني املبتدأ واخلرب عند املالكية واحلنابلة بكلمة أخرى وال بسكوت طويل .هذا إذا كان
املصلي غري إمام ،فأدانه أن يسمع نفسه ،فإن كان إماما يستحب له أن جيهر ابلتكبري ليسمع من خلفه والتكبري ركن
ال شرط ،فال تنعقد الصالة إال بقول "هللا أكرب" ،وإن عجز عن التكبري كأن كان أخرس أو عاجزا عن التكبري بكل
لسان ،سقط عنه .وإن قدر على اإلتيان ببعضه ،أتى به ،إن كان له معىن .ودليلهم على اشرتاط لفظ "هللا أكرب" وأنه
ركن :هو قوله تعاىل{ :وربك فكرب} ،واحلديث السباق عن علي( :مفتاح الصالة الطهور ،وحترميها التكبري) وحديث
.
رفاعة بن رافع( :ال يقبل هللا صالة امرئ حىت يضع الوضوء مواضعه ،مث يستقبل القبلة ،فيقول :هللا أكرب)
وقال الشافعية وحممد من احلنفية كاملالكية واحلنابلة :التكبري ركن ال شرط ،إال أن الشافعية قالوا :ال تضر زايدة ال متنع
اسم التكبري ،مثل" :هللا األكرب"؛ ألنه لفظ يدل على التكبري ،وعلى زايدة مبالغة يف التعظيم ،ومثل "هللا اجلليل أكرب"
يف األصح ،وكذا كل صفة من صفاته تعاىل ،إذا مل يطل هبا الفصل ،لبقاء النظم .ويشرتط إَساع نفسه التكبري كالقراء
وسائر األركان القولية ،ويبني التكبري كما أوضح الشافعية واحلنابلة ،وال ميد يف غري موضع املد ،فإن فعل حبيث تغري
46
املعىن ،مثل أن ميد اهلمزة األول ،فيقول" :آهلل" أو ميد "آكرب" أو يزيد ألفاً بعد ابء "أكرب" مل يصح؛ ألن املعىن يتغري
به .واألصح عند الشافعية :أن من عجز عن التكبري ابلعربية أتى مبدلول التكبري أبي لغة شاء .ووجب التعلم إن قدر
عليه ،ومن عجز عن النطق ابلتكبري كأخرس ،لزمه حتريك لسانه ،وشفتيه وهلاته ما أمكنه ،فإن عجز نواه بقلبه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف :التحرمية شرط ،ال ركن ،وقوهلما هو املعتمد لدى احلنفية ،لقوله تعاىل{ :وذكر
اسم ربه فصلى} فقالوا :املراد ابلذكر هنا التحرمية ،وهي غري الصالة ،بدليل العطف عليها ،والعطف يقتضي املغايرة،
وألن حديث علي السابق "وحترمها ال تكبري" أضيف التحرمي فيه إىل الصالة ،واملضاف غري املضاف إليه؛ ألن الشيء
ال يضاف إىل نفسه .وأجاز أبو حنيفة وحممد افتتاح الصالة بكل تعبري خالص هلل تعاىل ،فيه تكبري وتعظيم ،كقول
املصلي :هللا أجل ،هللا أعظم ،وكبري أو جليل ،والرمحن أعظم ،وسبحان هللا ،وال إله إال هللا ،واحلمد هلل ،وحنوه ،ألن
ذلك كله يؤدي معىن التكبري ،ويشتمل على معىن التعظيم ،فأشبه قوله" :هللا أكرب" ولو افتتح الصالة ب "اللهم اغفر يل"
ال جيوز؛ ألنه مشوب حباجته ،فلم يكن تعظيما ،ولو افتتح بقوله "اللهم" فاألصح أنه جيزئه؛ ألن معناه :اي هللا .وخص
أبو حنيفة االفتتاح ابلتكبري ومشتقاته ،مثل" :هللا أكرب" والكبري ،والكبَّار ،وتردد يف "هللا كبري" ومن عجز عن التكبري
كاألخرس ،سقط عنه ذلك ،لتعذر الواجب يف حقه ،وتكفيه النية عن التحرمية .وقال أبو حنيفة :إنه جيزئه التكبري
بغري العربية ،لقول هللا تعاىل{ :وذكر اسم رب ه فصلى} ،وهذا قد ذكر اسم ربه .أما الصاحبان فقاال كالشافعية :إن
كان ال حيسن العربية أجزأه غريها ،فإن كان حيسنها وكرب بغري العربية ال جيزئه لقوله )ص(( :صلوا كما رايتمواين
أصلي).
واشرتط مجهور الفقهاء أال يكرب املأموم حىت يفرغ إمامه من التكبري ،للحديث املتفق عليه( :إمنا جعل اإلمام
ليؤمت به ،فإذا كرب فكربوا) وأجاز احلنفية مقارنة املأموم يف التكبري وغريه ،فيكرب معه كما يركع معه.
الركن الثاين :القيام يف الفرض لقادر عليه ،وكذا يف الواجب كنذر وسنة فجر يف األصح عند احلنفية
(صل
لقوله تعاىل{ :وقوموا هلل قانتني} أي مطيعني ،وقيل :خاشعني ،وقوله )ص( يف حديث عمران بن حصنيّ :
قائماً) .وال جيب القيام يف النافلة ،فتصح مع القدرة على القيام؛ ألن مبىن النوافل على التيسري واألخذ ابلرفق ،وألن
النوافل كثرية ،فلو وجب فيها القيام ش َّق وانقطعت النوافل .وال جيب أيضا على املريض العاجز عن القيام ،سواء سواء
يف الفريضة أم النافلة؛ ألن التكليف بقدر الوسع ،ومن عجز عن القيام قعد كيف شاء .وح ّد القيام عند احلنفية :أن
يكون حبيث لو م ّد يديه ى ينال ركبتيه .وعند املالكية واحلنابلة :أال يكون يف حالة جلوس وال يف حالة احنناء حبيث
47
يصري راكعا .وال خفض الرأس على هيئة اإلطراق ألنه ال خيرجه عن كونه يسمى قائماً .وعند الشافعية :يشرتط نصب
ف قار املصلي؛ ألن اسم القيام دائر معه ،وال يشرتط نصب رقبته؛ ألنه يستحب إطالق الرأس .فإن وقف منحنياً أو
مائالً مينة أو يسرة ،حبيث ال يسمى قائماً مل يصح قيامه لرتكه الواجب بال عذر .واالحنناء املنايف للقيام :أن يصري إىل
الركوع أقرب ،فلو كان إىل القيام أو استوى األمران صح .فهم إذا كاملالكية واحلنابلة .ومن مل يطق انتصااب بسبب
مرض أو تقوس ظهر بسبب الكرب ،فالصحيح أنه يقف كذلك ،ويزيد احنناءه للركوع إن قدر .واملقدار املفروض من
القيام :هو عن احلنفية بقدر القراءة املطلوبة فيه ،وهو بقدر قراءة الفاحتة وسورة وتكبرية اإلحرام .وعند اجلمهور :بقدر
تكبرية اإلحرام وقراءة الفاحتة فقط؛ ألن الفرض عندهم قراءة الفاحتة ،وأما السورة بعدها فهي سنة.
قال احلنفية :يشرتط للقادر االستقبال يف الفرض ،فمن اتكأ على عصاه ،أو على حائط وحنوه ،حبيث يسقط
لو زال ،مل يصح صالته ،فإن كان لعذر صحت .أما يف التطوع أو النافلة :فال يشرتط االستقالل ابلقيام سواء أكان
لعذر أم ال ،إال أن صالته تكره ألنه إساءة أدب ،وثوابه ينقص إن كان لغري عذر.
وقال املالكية :جيب القيام مستقال يف الفرائض لإلمام واملنفرد حال تكبرية اإلحرام وقراءة الفاحتة واهلوي
للركوع ،وأما حال قراءة السورة فهو سنة ،فلو استند إىل شيء حبيث لو أزيل لسقط ،فإن كان يف غري قراءة السورة،
بطلت صالته؛ ألنه مل أيت ابلفرض الركين ،وإن كان يف حال قراءة السورة مل تبطل وكره استناده ،ولو جلس يف حال
قراءة السورة بطلت صالته إلخالله هبيئة الصالة ،أما املأموم فال جيب عليه القيام عليه لقراءة الفاحتة ،فلو استند حال
قراءهتا لعمود حبيث لو أزيل لسقط ،صحت صالته.
وقال الشافعية :ال يشرتط االستقبال يف القيام ،فلو استند إيل شيء ،أجزأه مع الكراهة ،لوجود اسم القيام.
لكن لو استند إىل شيء حبيث لو رفع قدميه إن شاء ،ظل مستندا ومل يسقط ،مل تصح صالته؛ ألنه ال يسمى قائما،
بل معلقا نفسه.
وقال احلنابلة :يشرتط االستقبال يف القيام للقادر عليه يف فرض ،فلو استند استناداً قوايً على شيء بال عذر،
بطلت صالته.
48
الركن عند احلنفية الذي هو فرض عملي يف مجيع ركعات النفل والوتر ،ويف ركعتني من الفرض ،لإلمام واملنفرد :هو
قراءة آية من القرآن ،لقوله تعاىل{ :فاقرءوا ما تيسر من القرآن} ،ومطلق األمر للوجوب ،ولقوله (ص)( :ال صالة إال
بقراءة) وأقل الواجب عند أيب حنيفة :هو آية مبقدار ستة أحرف مثل {مث نظر} ،ولو تقديرا مثل {مل يلد} ،إذ أصله
{مل يولد} ،وقال الصاحبان :فرض القراءة ثالث آايت قصرية ،أو آية طويلة ،مبقدار ثالث آايت قصرية .وأما تعيني
القراءة يف الركعتني األوليني من الف رض فهو واجب ،لقول علي رضي هللا عنه( :القراءة يف األوليني قراءة يف األخريني)
وعن ابن مسعود وعائشة( :التخيري يف األخريني ،إن شاء قرأ ،وإن شاء سبح) وكذلك قراءة الفاحتة والسورة ،أو ثالث
آايت ،هو واجب أيضا .وليست الفاحتة عندهم فرضا يف الصالة مطلقا ،ال يف السرية وال يف اجلهرية ،ال على اإلمام،
وال على املأموم ،بل تكره قراءهتا للمأموم.
وليست البسملة آية من الفاحتة وال من غريها من السور إال من سورة النمل يف أثنائها حلديث أنس رضي هللا
عنه قال( :صليت مع رسول هللا )ص( وأيب بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم فلم أَسع أحدا منهم يقرأ بسم هللا
الرمحن الرحيم).
لكن يقرأ املنفرد بسم هللا الرمحن الرحيم مع الفاحتة يف كل ركعة سرا ،كما أنه يسر ابلتأمني ،فالتسمية والتأمني
يسر هبما القارئ .أما اإلمام فال يقرأ البسملة وال يسر هبا لئال يقع السر بني جهرين ،قال ابن مسعود( :أربع خيفيهن
اإلمام :التعوذ ،والتسمية ،والتأمني ،والتحميد).
قراءة املقتدي
-1الكتاب :قال هللا تعاىل {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترمحون}
-2السنة :قال النيب )ص(( :من صلى خلف إمام ،فإن قراءة اإلمام له قراءة) وهو يشمل السرية واجلهرية .وقال
عليه السالم أيضا( :إمنا جعل اإلمام ليؤمت به ،فإذا كرب فكربوا ،وإذا قرأ فأنصتوا).
-3القياس :لو وجبت القراءة على املأموم ملا سقط عن املسبوق كسائر األركان ،فقاسوا قراءة املؤمت على قراءة
املسبوق يف حكم السقوط ،فتكون غري مشروعة.
49
وقال اجلمهور (غري احلنفية) :ركن القراءة الواجبة يف الصالة :هو الفاحتة ،لقوله )ص(( :ال صالة ملن مل يقرأ
بفاحتة الكتاب) وقوله أيضا( :ال جتزئ صالة ال يقرأ فيها بفاحتة الكتاب) ،ولفعله )ص(كما يف صحيح مسلم مع
خرب البخاري( :صلوا كما رأيتموين أصلي).
وأما قراءة سورة بعد الفاحتة يف الركعتني األوليني من كل صالة فهو سنة ،وأما املأموم فيقرأ يف الصالة السرية
الفاحتة والسورة ،وال يقرأ شيئا عند املالكية واحلنابلة يف اجلهرية ،ويقرأ الفاحتة فقط يف اجلهرية عند الشافعية .ويف ظاهر
كالم أمحد أنه استحسن قراءة بعض الفاحتة يف سكتة اإلمام األوىل ،مث يقرأ بقية الفاحتة يف السكتة الثانية .ويستمع
بينهما لقراءة اإلمام.
فلو تركها انسيا ال جيزيه يف اجلديد؛ ألن ما كان ركنا من الصالة ،مل يسقط فرضه ابلنسيان كالركوع
والسجود .وال تسقط على املصلي إال ملسبوق يف ركعة ،فإن اإلمام يتحملها عنه .وكاملسبوق :زمحة أو نسيان أنه يف
الصالة ،أو بطء حركة ،أبن مل يقم من السجود إال واإلمام راكع أو قريب من الركوع ،أو شك بعد ركوع إمامه يف
قراءة الفاحتة فتخلف هلا.
الركوع لغة :مطلق االحنناء ،وشرعا :االحنناء ابلظهر والرأس معاً حىت تبلغ يداه (أو راحتاه) ركبتيه ،وأقله :أن ينحين
حىت تنال راحتاه ركبتيه ،وأكمله :تسوية ظهره وعنقه (أي مي ّدمها ابحنناء خالص حبيث يصريان كالصفيحة الواحدة)
اتباعاً كما رواه مسلم ،ونصب ساقيه وفخذيه ،ومساواة رأسه بعجزه ،ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه جلهة
القبلة ،وال يرفع رأسه ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه جلهة القبلة ،وال يرفع رأسه وال خيفضه ،وجي ايف مرفقيه
عن جنبيه ابلنسبة للرجل ،أما املرأة فتضم بعضها إىل بعض ،ومن تقوس ظهره يزيد يف االحنناء قليال إن قدر عليه.
ودليل فرضية الركوع :قوله ت عاىل{ :اي أيها الذين آمنوا اركعوا} ،وحديث املسيء صالته ( ...مث اركع حىت
تطمئن راكعاً) ولإلمجاع على فرضيته.
ودليل وضع اليدين على الركبتني :ما ذكره أبو محيد يف صفة صالة رسول هللا )ص(( :رأيته إذا ركع ،أمكن
يديه من ركبتيه ،مث هصر ظهره) يعىن عصره حىت يعتدل.
50
ودل يل مشروعية التفريق بني األصابع :ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو( :أنه ركع ،فجاىف يديه ،ووضع يديه
على ركبتيه ،وفرج بني أصابعه من وراء ركبتيه ،وقال :هكذا رأيت رسول هللا )ص( يصلي).
ودليل عدم رفع الرأس وعدم خفضه :قول عائشة رضي هللا عنها( :كان رسول هللا )ص( إذا ركع مل يرفع
رأسه ومل يصوبه ،ولكن بني ذلك) وجاء يف احلديث عن النيب )ص( (أنه كان إذا ركع ،لو كان قدح ماء على ظهره ما
حترك) وذلك الستواء ظهره.
االطمئنان يف الركوع :أقل االطمئنان يف الركوع :هو أن ميكث يف هيئة الركوع حىت تستقر أعضاؤه راكعا قدر
تسبيحة يف الركوع والسجود ويف الرفع منهما .وهو واجب عند احلنفية كما بينا لقوله تعاىل{ :اركعوا واسجدوا} ومل
يذكر الطمأنينة ،وفرض عند اجلمهور كما أشران ،حلديث املسيء صالته( :مث اركع حىت تطمئن راكعا) وروى أبو قتادة
أن النيب )ص( قال( :أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صالته ،قيل :وكيف يسرق من صالته؟ قال :ال يتم ركوعها
وال سجودها وال خشوعها) ،وقال أيضا( :ال جتزئ صالة ال يقيم الرجل صلبه فيها يف الركوع والسجود) .إال أن أاب
حنيفة وحممد قاال :هذه األحاديث أخبار آحاد ،فال يزاد هبا فرض على النص القرآين {اركعوا واسجدوا} لئال يلزم
منه نسخ املتواتر ابآلحاد؛ ألن الزايدة على النص نسخ عندهم .وقال أبو يوسف :االطمئنان فريضة.
قال أبو حنيفة وحممد :القيام من الركوع واالعتدال (االستواء) واجللوس بني السجدتني واجب ال ركن؛ ألنه من
مقتضيات الطمأنينة (تعديل األركان) ،ولقوله تعاىل{ :اركعوا واسجدوا} وحيصل الركوع مبجرد االحنناء ومل أيمر هللا به
وإمنا أمر ابلركون والسجود والقيام ،فال يفرض غريه ،وملواظبة النيب )ص( على االعتدال قائما ،ولألمر به يف حديث
املسيء صالته( :مث ارفع حىت تعتدل قائما) وهذا يدل على الوجوب لثبوته خبرب آحاد ،فلو تركه أو ترك شيئا منه
ساهيا ،يلزمه سجود السهو ،ولو تركه عمدا كره أشد الكراهة ،ويلزمه أن يعيد الصالة يف الوقت ،وتكون اإلعادة جرباً
لألوىل؛ ألن الفرض ال يتكرر.
هذا ويالحظ أن املشهور يف مذهب احلنفية هو القول بسنية القيام من الركوع واجللسة بني السجدتني
وتعديلهما ،وروي وجوهبا ،وهو املوافق لألدلة .وهو الصواب وهول الكمال بن اهلمام ومن بعده من متأخري احلنفية.
51
وقال أبو يوسف واألئمة اآلخرون :الرفع من الركوع واالعتدال قائما مطمئنا ركن أو فرض يف الصالة ،وهو
أن يعود إىل اهليئة اليت كان عليها قبل الركوع ،سواء أكان قائماً أم قاعداً ،أو يفعل مقدوره إن عجز .وال يقصد غريه،
فلو رفع ف زعاً (خوفا) من شيء كحية ،مل يكف رفعه لذلك عن رفع الصالة ،كما صرح الشافعية.
وإذا سجد ومل يعتدل ،مل تصح وبطلت صالته ،لرتكه ركنا من أركان الصالة .لقوله )ص( للمسيء صالته:
(مث ارفع حىت تعتدل قائما) ودوام النيب )ص( فعله ،وقال( :صلوا كما رأيتموين أصلي) ،ونفي النيب )ص( كون ما فعل
املسيء صالته ،فدل كل ذلك على أن االعتدال والطمأنينة ركن ،ويدخل فيه الرفع من الركوع الستلزامه له.
السجود لغة :اخلضوع والتذلل ،أو التطامن وامليل ،وشرعا :أقله وضع بعض اجلبهة مكشوفة على األرض أو غريها من
املصلَّى ،خلرب( :إذا سجدت ،فمكن جبهتك وال تنقر نقراً) وخرب خباب بن األرت( :شك وان إىل رس ول هللا )ص( حر
الرمضاء يف جباهنا وأكفنا ،فلم يشكنا ،أي مل يزل شكواان) .وأكمل السجود :وضع مجيع اليدين والركبتني والقدمني
واجلبهة مع األنف.
وهو فرض ابإلمجاع ،لقوله تعاىل{ :اي أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} وملواظبة النيب )ص( ،وأمره به
املسيء صالته( :مث اسجد حىت تطمئن ساجدا ،مث ارفع حىت تطمئن جالسا ،مث اسجد حىت تطمئن ساجدا) وإلمجاع
األمة.
والواجب عند املالكية :سجود على أيسر جزء من اجلبهة :وهي ما فوق احلاجبني وبني اجلبينني .ويندب
إلصاق مجيع اجلبهة ابألرض ومتكينها ،ويندب السجود على أنفه أيضا ،ويعيد الصالة لرتكه يف الوقت الضروري (وهو
يف الظهرين لالصفرار ،ويف العشاءين لطلوع الفجر ،ويف الصبح لطلوع الشمس) مراعاة ملن يقول بوجوبه ،فلو سجد
على جبهته دون أنفه ،مل يكفه ،واملشهور يف املذهب :أنه جيزئ السجود على اجلبهة خبالف األنف ،وإن عجز عن
السجود على اجلبهة أومأ للسجود ،كمن كن جبهته قروح تؤمله إن سجد.
وذكر الشافعية واحلنفية واحلنابلة :أن من منعه الزحام عن السجود على أرض أو حنوها مع اإلمام ،فله
السجود على شيء من إنسان أو متاع أو هبيمة أو حنو ذلك ،لقول عمر فيما رواه البيهقي إبسناد صحيح( :إذا
الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه) .وأما السجود على اليدين والركبتني وأطراف القدمني فهو سنة .ودليلهم
52
حديث العباس بن عبد املطلب أنه َسع رسول هللا (ص) يقول( :إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب -أعضاء -
وجهه وك ّفاه وركبتاه وقدماه).
واتفق العلماء على أن السجود الكامل يكون على سبعة أعضاء :الوجه واليدين والركبتني وأطراف القدمني،
حلديث ابن عباس( :أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :على اجلبهة ،وأشار بيده على أنفه ،واليدين ،والركبتني،
والقدمني) ويف رواية (أمر النيب )ص( أن يسجد على سبعة أعضاء ،وال يكف شعراً وال ثوابً :اجلبهة واليدين والركبتني
والرجلني) واملراد من عدم كف الشعر والثوب :عدم رفع الثوب والشعر عن مباشرة األرض ،فيشبه املتكربين .وال
خالف أن السجود على جمموع اجلبهة واألنف مستحب .ونقل ابن املنذر إمجاع الصحابة على أنه ال جيزئ السجود
على األنف وحده.
اجللوس بني السجدتني مطمئنا ركن عند اجلمهور ،واجب عند احلنفية ،حلديث املسيء صالته( :مث ارفع حىت تطمئن
جالسا) ويف الصحيحني (كان )ص( إذا رفع رأسه ،مل يسجد حىت يستوي جالسا).
والسنة يف هيئة السجود :أن جيلس بني السجدتني مفرتشاً :وهو أن يثين رجله اليسرى ،ويبسطها وجيلس
عليها ،وينصب رجله اليمىن وخيرجها من حتته ،وجيعل بطون أصابعه على األرض معتمدا عليها ،لتكون أطراف
أصابعه إىل القبلة .وذلك لالتباع ،كما سيأيت يف صفة صالة رسول هللا )ص(( :مث ثىن رجله اليسرى وقعد عليها ،مث
اعتدل حىت رجع كل عظم يف موضعه ،مث هوى ساجدا) ويف حديث عائشة أن النيب )ص( (وكان يفرش رجله
اليسرى ،وينصب اليمىن).
هذا فرض عند احلنفية إىل قوله( :عبده ورسوله) على الصحيح ،فلو فرغ املقتدي قبل فراغ اإلمام ،فتكلم أو أكل،
فصالته نامة ،وهو مع التشهد األخري والصالة على النيب )ص( بعده قاعدا مبقدار( :اللهم صل على حممد) ركن عند
53
الشافعية واحلنابلة .والركن عند املالكية هو مبقدار اجللوس للسالم .ويالحظ أن التشهد األول كاألخري واجب عند
احلنفية ،سنة عند اجلمهور ،كما أن الصالة على النيب )ص( يف التشهد األخري سنة عند احلنفية واملالكية.
استدل احلنفية :حبديث ابن مسعود رضي هللا عنه حني علمه النيب التشهد ،فقال له النيب )ص(( :إذا قلت
هذا ،أو فعلت هذا ،فقد متت صالتك) أي إذا قلت التشهد أو فعلت القعود ،فقد متت صالتك ،فإنه )ص( علق
متام ال صالة ابلفعل ،وهو القعود ،سواء قرأ التشهد أو مل يقرأ ،ألنه علقه أبحد األمرين من قراءة التشهد والقعود،
والقراءة مل تشرع بدون القعود ،حيث مل يفعلها رسول هللا )ص( إال فيه ،فكان القعود هو املعلق به متام الصالة يف
احلقيقة ،الستلزامه القراءة ،وكل ما علق بشيء ال يوجد بدونه ،ومبا أن متام الصالة واجب ،أو فرض ،ومتام الصالة ال
يوجد بدون القعود ،فالقعود واجب أي فرض؛ ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.
وأما الشافعية واحلنابلة فاستدلوا :أبن النيب )ص( فعل اجللوس ،ودوام على فعله ،وأمر به يف حديث ابن
عباس ،وقال( :قولوا :ال تحيات هلل) وسجد للسهو حني نسيه ،وقد قال عليه السالم( :صلوا كما رأيتموين أصلي)،
وقال ابن مسعود( :كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد :السالم على هللا قبل عباده ،السالم على جربيل ،السالم
على ميكائيل ،السالم على فالن ،فقال النيب )ص( :ال تقولوا :السالم على هللا ،فإن هللا هو السالم ،ولكن قولوا:
التحيات هلل )...اخل.
صيغة التشهد
فقال احلنفية واحلنابلة :التشهد هو" :التحيات هلل ،والصلوات والطيبات ،السالم عليك أيها النيب ورمحة هللا
وبركاته ،السالم علينا وعلى عباد هللا الصاحلني ،أشهد أن ال إله إال هللا ،وأشهد أن حممدا عبده ورسوله" .وهو التشهد
الذي علمه النيب )ص( لعبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه.
وقال اإلمام مالك :أفضل التشهد :تشهد عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه (التحيات هلل ،الزاكيات هلل،
الصلوات هلل) وسائره كتشهد ابن مسعود السابق.
وقال الشافعية :أقل التشهد :التحيات هلل ،سالم عليك أي ها الن يب ورمحة هللا وبركاته ،سالم علينا وعلى عباد
هللا الصاحلني ،أشهد أن ال إله إال هللا ،وأشهد أن حممداً رسول هللا .وأكمل التشهد ما ورد يف حديث ابن عباس قال:
54
(كان رسول هللا )ص( يعلّمنا التشهد ،كما يعلمنا السورة من القرآن ،فكان يقول :التحيات املباركات الصلوات
الطيبات هلل ،السالم عليك أيها النيب ورمحة هللا وبركاته ،السالم علينا وعلى عباد هللا الصاحلني ،أشهد أن ال إله إال
هللا ،وأشهد أن حممداً رسول هللا).
أقل الصالة على النيب ،الذي هو الركن عند الشافعية واحلنابلة يف التشهد األخري( :اللهم صل على حممد) لظاهر
اآلية{ :اي أيها الذين آمنوا ،صلوا عليه وسلموا تسليماً} وهي تدل على الوجوب؛ ألن األمر للوجوب ،علما أبنه قد
حصل السالم على النيب يف التشهد بقوله( :السالم عليك) وأما الصالة على اآلل فهي سنة.
وأكمل الصالة على النيب أن يقول( :اللهم صل على حممد وعلى آل حممد ،كما صليت على إبراهيم وعلى
آل إبراهيم ،وابرك على حممد وعلى آل حممد ،كما ابركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ،إنك محيد جميد).
وقد ثبتت هذه الصيغة عند البخاري ومسلم بل عند اجلماعة عن كعب بن عجرة ،قال( :إن النيب )ص(
خرج علينا ،فقلنا :اي رسول هللا ،قد علمنا هللا ،كيف نسلم عليك ،فكيف نسلم عليك ؟ قال :قولوا :اللهم صل على
حممد وعلى آل حممد ،كما صليت على آل إبراهيم ،إنك محيد جميد ،وابرك على حممد وعلى آل حممد ،كما ابركت
على آل إبراهيم ،إنك محيد جميد).
السالم األول للخروج من الصالة حال القعود فرض عند املالكية ،والشافعية ،والتسليمتان :فرض عند احلنابلة ،إال يف
صالة جنازة وانفلة وسجدة تالوة وشكر ،فيخرج منها بتسليمة واحدة ،وتنقضي الصالة عند املالكية والشافعية
ابلسالم األول ،وعند احلنابلة ابلسالم الثاين.
ودليلهم قوله (ص) ( :مفتاح الصالة الطهور ،وحترميها التكبري ،وحتليلها التسليم) ،وألن النيب (ص) (كان
يسلم من صالته) ويدمي ذلك ،وال خيل به ،وقال( :صلوا كما رأيتموين أصلي) وقال ابن املنذر( :أمجع كل من أحفظ
عنه من أهل العلم أن صالة من اقتصر على تسليمة واحدة جائز).
وقال احلنفية :السالم ليس بفرض ،بل واجب والواجب تسليمتان ،فلو قعد قدر التشهد ،مث خرج من
الصالة بسالم أو كالم أو فعل أو حدث ،أجزأه ذلك ،فالفرض :إمنا هو اخلروج من الصالة بصنع املصلي ،عمال
55
حبديث ابن مسعود السابق( :إذا قضيت هذا متت صالتك) وألن السالم مل يذكر يف حديث املسيء صالته .وتنقضي
الصالة عندهم ابلسالم األول قبل قوله (عليكم).
ومما يدل على عدم فرضية السالم ،وأن الفرض يف آخر الصالة هو القعود مبقدار التشهد :حديث عبد هللا
بن عمرو بن العاص( :أن رسول هللا )ص( قال :إذا قضى اإلمام الصالة ،وقعد ،فأحدث قبل أن يتكلم ،فقد متت
صالته ،ومن كان خلفه ممن أمت الصالة) ويؤيده حديث ابن عباس( :أن رسول هللا )ص( كان إذا فرغ من التشهد،
أقبل علينا بوجهه ،وقال :من أحدث حداثً بعد ما يفرغ من التشهد ،فقد متت صالته).
ال طمأنينة ركن أو شرط ركن عند اجلمهور يف الركوع واالعتدال منه ،والسجود ،واجللوس بني السجدتني ،وواجب عند
فكرب ،مث اقرأ ما تيسر معك من القرآن ،مث اركع
احلنفية لألمر هبا يف حديث املسيء صالته( :إذا أقمت إىل الصالة ّ
حىت تطمئن راكعا ،مث ارفع حىت تعتدل قائما ،مث اسجد حىت تطمئن ساجدا ،مث افعل ذلك يف الصالة كلها) وحلديث
مت على غري الفطرة اليت فطر هللا
ت َّ
حذيفة( :أنه رأى رجال ال يتم ركوعه وال سجوده ،فقال له :ما صليت ،ولو م َّ
عليها حممداً )ص( وظاهره أهنا ركن واحد يف الكل ،ألنه يعم القيام.
والطمأنينة :سكون بعد حركة ،أو سكون بني حركتني حبيث ينفصل مثالً رفعه عن هويه .وأقلها :أن تستقر
األعضاء يف الركوع مثال حبيث ينفصل الرفع عن اهلوي كما قال الشافعية .وذلك بقدر الذكر الواجب لذاكره ،وأما
الناسي فبقدر أدىن سكون ،كما قال بعض احلنابلة ،والصحيح من املذهب :أهنا السكون وإن قل.
أو هي تسكني اجلوارح قدر تسبيحة يف الركوع والسجود ،والرفع منهما ،كما قال احلنفية.
أو هي استقرار األعضاء زمنا ما يف مجيع أركان الصالة ،كما قال املالكية.
الركن احلادي عشر :ترتيب األركان على النحو املشروع يف صفة الصالة يف السنة
الرتتيب ركن عند اجلمهور ،واجب يف ابلقراءة وفيما يتكرر يف كل ركعة ،وفرض فيما ال يتكرر يف الصالة أو يف كل
ركعة كرتتيب القيام على الركوع ،وترتيب الركوع على السجود ،عند احلنفية ،أبن يقدم النية على تكبرية اإلحرام،
والتكبرية على الفاحتة ،والفاحتة على الركوع ،والركوع على الرفع منه ،واالعتدال على السجود ،والسجود على السالم،
والتشهد األخري على الصالة على النيب )ص( عند الشافعية واحلنابلة.
56
وذلك ألنه )ص( كان يصلي الصالة مرتبة ،وعلمها للمسيء صالته مرتتبة ب "مث" ،وألهنا عبادة تبطل عند
اجلمهور غري احلنفية ابحلدث ،فكان الرتتيب فيها ركنا كغريه.
ويرتتب على كون الرتتيب ركنا عند اجلمهور ،وكما ذكر الشافعية :أن من تركه عمدا كأن سجد قبل ركوعه،
بطلت صالته إمجاعا لتالعبه .وإن سها عن الرتتيب فما فعله بعد املرتوك لغو؛ لوقوعه يف غري حمله .فإن تذكر املرتوك
قبل بلوغ مثله من ركعة أخرى ،فعله بعد تذكره فورا ،فإن أتخر بطلت صالته.
الدرس السادس
الصالة عبادة ذات أقوال وأفعال خمصوصة كما عرفنا ،وجيب أدائها مستوفية شرائطها وأركاهنا لتكون صحيحة على
النحو الذي بينه النيب )ص( ،وأمر به املسلمني فقال[ :صلوا كما رأيتموين أصلي] .فإذا اشتملت الصالة على أمر
خمالف للكيفية املشروعة ،فسدت أو بطلت ،والفساد والبطالن يف العبادات مبعىن واحد ابتفاق الفقهاء ،أما يف
املعامالت كالبيع فيهما عند احلنفية مفرتقان مبعىن خمتلف.
والصالة قد تبدأ فاسدة برتك شرط من شروطها الصحيحة كالطهارة وسرت العورة ،أما كشف العورة يف أثناء
الصالة فمفسد هلا عند احلنفية إذا دام قدر أداء ركن وهو مقدار ثالث تسبيحات ،كما قد تكون فاسدة برتك فريضة
من فرائضها كتكبرية اإلحرام ،وقد يطرأ الفساد برتك ركن من أركاهنا كرتك الركوع أو السجود.
إن أهم مفسدات الصالة عند الفقهاء هي ما أييت ،علماً أبن احلنفية ذكروا مثانية وستني أمراً مفسداً للصالة،
واملالكية حوايل ثالثني ،والشافعية سبعة وعشرين ،واحلنابلة حوايل ستة وثالثني.
-1الكالم :أي النطق حبرفني ولو مل يفهما أو حرف مفهم أجنيب عن الصالة ،عمداً أو سهواً خلرب ويد بن أرقم [كنا
نتكلم يف الصالة ،يكلّم الرجل منا صاحبه ،وهو إىل جنبه حىت نزلت :وقوموا هلل قانتني ،فأمران ابلسكوت وهنينا عن
السلمي [بينما أان أصلي مع رسول هللا )ص( إذ عطس رجل من القوم ،فقلت:
الكالم] وخرب معاوية بن احلكم ُّ
57
يرمحك هللا ،فرماين القوم أببصارهم ،فقلت :واثكل أ َّماه ،ما شأنكم تنظرون إيل ؟ فجعلوا يضربون أبيديهم على
سكت ،فلما صلى رسول هللا )ص( ،فبأيب وأمي ما رأيت معلماً قبله وال بعده
ُّ أفخاذهم ،قلما رأيتهم يصمتونين لكين
أحسن تعليماً منه ،فوهللا ،ما كهرين (انتهرين) وال ضربين وال شتمين ،قال :إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من
كالم الناس ،إمنا هي التسبيح وقراءة القرآن].
قال احلنفية :تفسد الصالة ابلكالم عمداً أو سهواً ،أو جاهالً ،أو خمطئاً ،أو مكرهاً ،على املختار ،وذلك
ابلنطق حبرفني أو حرف مفهم ،مثل "ع" و "ق" كما لو سلم على إنسان ،أو رد السالم بلسانه ،ال بيده ،ويكره
ذلك على املعتمد ،أو مشَّت عاطساً ،أو اندى إنساانً بقوله "اي" ولو ساهياً ،لكن لو سلم ساهياً للخروج من الصالة
قبل إمتامها على ظن إكماهلا ،فال تفسد الصالة ،ولو صافح بنية السالم ،تفسد ،ألنه عمل كثري .ولو استعطف كلباً
أو هرة أو ساق محاراً مبا ليس من حروف اهلجاء ال تفسد صالته؛ ألنه صوت ال هجاء له.
وقال املالكية :يشرتط لصحة الصالة ترك الكالم إال مبا هو من جنسها ،أو مصلح هلا .وتبطل بتعمد كالم
أجنيب ولو كلمة ،حنو "نعم" أو "ال" ملن سأله عن شيء ،لغري إصالح الصالة ،فإن كان الكالم إلصالح الصالة
وبقدر احلاجة ال تبطل إال إن كان كثرياً ،كأن يسلم اإلمام بعد ركعتني يف صالة رابعية ،أو يقوم لركعة خامسة ،ومل
يفهم ابلتسبيح ،فقال له املأموم :أنت سلمت من ركعتني أو قمت خلامسة ،مل يضر عمالً بقصة ذي اليدين ،روى أبو
هريرة ،قال :صلى بنا رسول هللا )ص( إحدى صاليت العشي ،إما الظهر ،وإما العصر ،فسلم يف ركعتني ،مث أتى جذعاً
يف قبلة املسجد ،فاستند إليها مغضباً ،ويف القوم أبو بكر وعمر ،فهااب أن يتكلما ،وخرج سرعان املاس (أي
املتسرعون) ،فقام ذو اليدين ،فقال [اي رسول هللا ،أقصرت الصالة ،أم نسيت ؟ فقال :ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا:
صدق،مل تصل إال الركعتني ،فصلى ركعتني ،وسلم ،مث سجد سجدتني ،مث سلم] .ومن تال وقصده التفهم لشخص مل
يضره كقوله" :ادخلوها بسالم".
وقال الشافعية :تبطل الصالة ابلنطق بكالم البشر حبرفني مفهمني ولو ملصلحة الصالة كقوله :ال تقم أو
اقعد ،أم حبرف مفهم ،أو مبدَّة بعد حرف يف األصح؛ ألن املمدود يف احلقيقة حرفان .واألصح أن التنحنح والبكاء
واألنني ،والنفخ إن ظهر به حرفان مبطل للصالة .ويعذر يف يسري الكالم إن سبق لسانه إليه ،أو نسي الصالة عمالً
بقصة ذي اليدين السابقة ،أو جهل حترمي الكالم يف الصالة إن قرب عهده ابإلسالم ،وتبطل بكثري الكالم يف
األصح ،ويعذر يف اليسري عرفاً من التنحنح وحنوه كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة وحنوها،
لغلبة كل ما ذكر عليه فال تقصري منه ،أو لتعذر القراءة الواجبة وغريها من األركان القولية يف حال التنحنح للضرورة.
58
واجلهر ابلقراءة ال يصلح يف األصح عذراً ليسري التنحنح .ولو أكره املصلي على الكالم اليسري يف صالته بطلت
صالته يف األظهر؛ ألنه أمر اندر كاإلكراه على احلدث.
وقال احلنابلة :تبطل الصالة بكالم اآلدميني (وهو ما انتظم حرفني فصاعداً) ،لغري مصلحة الصالة ،كقوله:
اي غالم اسقين ،وحنوه .وال تبطل إن تكلم من سلَّم قبل إمتام صالته سهواً بكالم يسري عرفاً ملصلحة الصالة ،عمالً
بقصة ذي اليدين ،سواء أكان إماماً أم مأموماً .وال تبطل إن تكلم مغلوابً على الكالم ،أبن خرجت احلروف منه بغري
اختياره ،كأن سلَّم سهواً أو انم فتكلم لرفع القلم عنه ،أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة ال من القرآن ،ألنه ال
ميكنه التحرز عنه ،أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ،فبان منه حرفان.
-2األكل والشرب
قال احلنفية :تبطل الصالة ابألكل والشرب عامداً أن انسياً ،سواء أكان املأكول قليالً أو كثرياً؛ ألنه ليس من أعمال
الصالة ،إال إذا كان بني أسنانه مأكول دون احل َّمصة ،فابتلعه ،فال تبطل صالته ملشقة االحرتاز عنه دائماً ،كما هو
احلال يف الصوم.
وقال الشافعية واحلنابلة :تبطل الصالة بتعمد تناول قليل األكل ،لشدة منافاته للصالة؛ ألن ذلك يشعر
ابإلعراض عنها ،وال تبطل بتناول قليل األكل انسياً أو جاهالً حترميه ،وتبطل بكثري األكل ولو مع النسيان واجلهل يف
األصح ،ولو مفرقاً ،خبالف الصوم ،فإنه ال يبطل بذلك.
اتفق الفقهاء على بطالن الصالة ابلعمل الكثري املتوايل ولو سهواً؛ ألن احلاجة ال تدعو إليه.
قال احلنفية :تبطل الصالة بكل عمل كثري ليس من أعماهلا وال إصالحها ،كزايدة ركوع أو سجود ،وكمشي لغري
جتديد الوضوء ملن سبقه احلدث .وال تفسد برفع اليدين يف تكبريات الزوائد ولكنه يكره .والعمل الكثري :هو الذي ال
يشك الناظر لفاعله أنه ليس يف الصالة .فإن اشتبه فهو قليل على األصح.
59
وقال املالكية :تبطل الصالة ابلفعل الكثري عمداً أو سهواً كحك جسده ،وعبث بلحيته ،ووضع رداء على
مار وإشارة بيد .وال تبطل ابلفعل القليل أو اليسر جداً كاإلشارة وحك البشرة ،أما املتوسط بني القليل
كتف ،ودفع ّ
واليسري ،كاالنصراف من الصالة ،فيبطل عمده دون سهوه.
وقال الشافعية واحلنابلة :تبطل الصالة بكثري العمل عمداً أو سهواً ،ال بقليله ،وتعرف الكثري والقليل
ابلعرف والعادة ،فاخلطونان والضربتان قليل ،والثالث املتواليات عند الشافية كثري .ومعىن التوايل :أال تعد إحدامها
منقطعة عن األخرى.
وأضاف الشافعية :أن العمل الكثري يف العرف يضبط بثالث أفعال فأكثر ،ولو أبعضاء متعددة ،كأن حرك
رأسه ويده .وحيسب ذهاب اليد وعودها مرة واحدة ،ما مل يسكن بينهما ،وكذا رفع الرجل ،سواء عادت ملوضعها
الذي كانت فيه أو ال .أما ذهاهبا وعودها فمرنان .وقد عرفنا أن الوثبة الفاحشة كالعمل الكثري ،وكذا حتريك كل
البدن ،أو معظمه ولو من غري نقل قدميه.
-4استدابر القبلة :بتحويل الصدر عنها بغري عذر ،عند احلنفية والشافعية ،فإن كان بعذر ،كاستدابر القبلة
للذهاب إىل الوضوء ،فال تبطل ألنه مغتفر .ومن العذر عند الشافعية :احنراف اجلاهل والناسي إن عاد عن قرب.
فال تبطل الصالة عند املالكية ما مل تتحول قدما املصلي عن مواجهة القبلة .وعند احلنابلة :ما مل يتحول
املصلي جبملته عن القبلة.
-5كشف العورة عمداً أو انكشافها بنحو ريح ومضى مقدار أداء ركن أو مقدار ثالث تسبيحات عند احلنفية إذا
انكشف ربع عضو من أعضاء العورة ،وإن سرتها حاال مل تبطل صالته عند الشافعية واحلنابلة .وتبطل الصالة عند
املالكية مبجرد انكشاف العورة املغلظة مطلقاً ،ال غريها.
-6طروء احلدث األصغر أو األكرب ولو من فاقد الطهورين عمداً أو سهواً ،ولو من دائم احلدث .لكن لو شك يف
احلدث استمر .ومن احلدث :نوم غري املمكن مقعدته من األرض .واملفسد للصالة عند احلنفية :هو احلدث العمد
ب عد اجللوس األخري قدر التشهد ،أو قبل ذلك ،فإن سبقه احلدث قبل السالم بعد اجللوس األخري صحت الصالة
عندهم .كما أنه يبين على صالته استحساانً إن سبقه احلدث من غري قصد يف أثناء الصالة :وهو ما خيرج من بدنه
من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغري صنعه.
60
-7حدوث النجاسة اليت ال يعفى عنها يف البدن والثوب واملكان :فمن تنجس جسده أو ثوبه ،أو سجد على
شيء جنس بنجاسة ال يعفى عنها ،أو سالت جناسة داخل فمه أو أنفه أو أذنه ،بطلت صالته .وال تبطل الصالة
ابلنجاسة اليت يعفى عنها ،وال مبا إذا وقع على ثوبه جناسة ايبسة فنفش ثوبه حاالً.
-8القهقهة :أي الضحك بصوت ،تفسد الصالة عند اجلمهور (غري احلنفية) إن ظهر هبا حرفان فأكثر ،أو حرف
مفهم .فالبطالن فيها من جهة الكالم املشتملة عليه.
-10تغيري النية :تبطل الصالة بفسخ النية أو تردده فيها ،أو عزمه على إبطاهلا أو نية اخلروج من الصالة ،أو إبطاهلا
وإلغاء ما فعله من الصالة ،أو شكه هل نوى أو ال ،فعمل مع الشك عمالً .وهذا متفق عليه .وتبطل الصالة أيضاً
عند احلنفية ابالنتقال من صالة إىل مغايرهتا ،كأن ينوي االنتقال من صالته اليت هو فيها إىل صالة أخرى :فمن صلى
ركعة من الظهر ،مث افتتح بتكبري العصر أو التطوع ،فقد نقض الظهر؛ ألنه صح شروعه يف غريه ،فيخرج عنه .ولو
كان يصلي منفرداً يف فرض ،فكرب انوايً ابلشروع يف االقتداء إبمام ،أو نوى إمامة النساء ،فسدت الصالة األوىل،
وصار شارعاً يف الصالة الثانية.
-11اللحن يف القراءة ،أو زلة القارئ :للحنفية يف هذا رأاين :رأي املتقدمني ،ومعهم الشافعية يف اجلملة ،وهو
األحوط ،ورأي املتأخرين ،وهو األيسر.
غري املعىن تغرياً يكون اعتقاده كفراً ،وبكل ما مل يكن مثله يف القرآن ،واملعىن بعيد متغري تغرياً
تبطل الصالة بكل ما َّ
فاحشاً ،كهذا الغبار مكان {هذا الغراب} ،وبكل ما مل يكن له مثل يف القرآن ،وال معىن له ،كالسرائل مكان
{السرائر} ،وتبطل أيضاً عند أيب حنيف ة وحممد مبا له مثل يف القرآن ،واملعىن بعيد ،ومل يكن متغرياً تغرياً فاحشاً .وال
َّ
تبطل عند أيب يوسف ،لعموم البلوى.
فإن مل يكن له مثل يف القرآن ،ومل يتغري به املعىن ،كقيامني مكان {ق َّوامني} ،فعكس اخلالف السابق :ال تبطل عند
الطرفني ،وتبطل عند أيب يوسف .وقال املتأخرون :إن اخلطأ يف اإلعراب ال يفسد الصالة مطلقاً ،ولو كان اعتقاده
كفراً؛ ألنه أكثر الناس ال مييزون بني وجوه اإلعراب.
61
-12ترك ركن بال قصد ،وشرط بال عذر :األول :مثل ترك سجدة من ركعة ،وسلم قبل اإلتيان هبا .والثاين :كرتك
سرت العورة بال عذر ،فإن وجد عذر كعدم وجود ساتر أو مطهر للنجاسة ،وعدم قدرة على استقبال القبلة ،فال
تفسد.
-13أن يسبق املقتدي إمامه عمداً بركن مل يشاركه فيه :كأن يركع ويرفع قبل أن يركع اإلمام .فإن كان سهواً ،رجع
إلمامه وال تبطل صالته ،لكن احلنفية قالوا :تبطل الصالة ولو سبق سهواً إن مل يعد ذلك مع اإلمام ،أو بعده ويسلم
معه ،فإن أعاده أو معه أو بعده وسلم معه ،فال تبطل.
وقال الشافعية :ال تبطل صالة املأموم إال بتقدمه عن اإلمام بركنني فعليني بغري عذر ،كسهو مثالً ،وكذا لو
ختلف عنه عمداً من غري عذر ،كبطء قراءة.
اثنياً :أن تكون الصالة مشرتكة بينهما يف التحرمية ،واألداء ،ونية اإلمام إمامتها ،أو ابقتدائها مع الرجل إبمام آخر ،أو
ابقتدائها برجل ،ومل يشر إليها لتتأخر عنه ،فإن مل ينو اإلمام إمامتها ،ال تكون معه يف الصالة ،وإن مل تتأخر إبشارته
فسدت صالهتا هي ،ال صالته.
ومقدار احملاذاة املفسدة :أداء ركن عند حممد ،أو قدره عند أيب يوسف ،ويقدر مبقدار ثالث تسبيحات.
-15إذا وجد املتيمم ماء قدر على استعماله وهو يف الصالة :تبطل الصالة عند احلنابلة واحلنفية مبجرد رؤية
املاء ،إال أن احلنفية قالوا :تبطل إذا رأى املاء قبل القعود األخري قدر التشهد ،وإال فال تبطل؛ ألن الصالة تكون قد
متت عندهم.
62
وال تبطل الصالة برؤية املاء عند املالكية والشافعية ،إال إذا كان عند املالكية انسياً للماء املوجود ،مث تذكره ،فتبطل
الصالة حينئذ إذا اتسع الوقت إلدراك ركعة من الصالة بعد استعماله.
-16القدرة على الساتر لعورته :إذا وجد العراين ثوابً ساتراً لعورته أثناء الصالة واحتاج إىل عمل كثري إلحضاره،
بطلت صالته .إال أن املالكية قالوا :ال تبطل إن كان بعيداً عنه أكثر من حنو صفني من صفوف الصالة غري صفه،
وإمنا يكمل الصالة ،ويعيدها يف الوقت فقط.
-17أن يسلم عمداً قبل متام الصالة :فإن سلم سهواً،مل تبطل صالته إذا مل يعمل عمالً كثرياً ،ومل يتكلم كالماً
كثرياً على اخلالف السابق يف حبث (السالم).
تفسد الصالة عند اإلمام أيب حنيفة رمحه هللا ابثنيت عشرة مسألة وهي:
رؤية املتيمم املاء ،ومتام مدة املسح على اخلفني ،وتعلم األمي آية ما مل يكن مقتدايً بقارئ ،ووجدان العاري ساتراً،
وقدرة املومي على الركوع والسجود ،وتذكر فائتة إن كان من أصحاب الرتتيب ،واستخالف من ال يصلح إماماً
كاملرأة ،وطلوع الشمس يف صالة الفجر ،وزوال الشمس يف صالة العيدين ،ودخول وقت العصر يف اجلمعة ،وسقوط
اجلبرية عن برء ،وزوال عذر املعذور .وهذا متفق عليه مع املالكية إن تذكرها عقد ركعة ،فيقطع الصالة إن كان إماما
أو منفردا ،أما املأموم فيتبع إمامه ،وال تبطل الصالة بتذكر الفائتة عند الشافعية.
وقال الصاحبان :ال تفسد الصالة هبذه املذكورات إن حدثت بعد اجللوس األخري بقدر التشهد ،عمالً
حبديث ابن مسعود السابق [إذا قلت أو فعلت هذا ،فقد متت صالتك] فإنه نص على أن إمتام الصالة ابلقعود،
فال شيء يفرتض بعد ذلك ،وافرتضه زايدة على هذا النص ،وهذه األمور وإن كانت مفسدة للصالة ،إال أهنا حدثت
بعد متام الفرائض واألركان ،فال تفسد الصالة.
63
الدرس السابع
صالة اجلماعة
تعريف اجلماعة
اجلماعة :هي االرتباط احلاصل بني صالة اإلمام واملأموم .وقد شرع اإلسالم عدة مناسبات ولقاءات اجتماعية بني
املسلمني ألداء العبادة يف أوقات معلومة ،منها أداء الصلوات اخلمس يف اليوم والليلة ،ومنها صالة اجلمعة يف
األسبوع ،ومنها صالة العيدين يف السنة مرة ألهل كل بلد ،ومنها عام للبالد كلها وهو الوقوف بعرفة يف السنة مرة،
ألجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع.
الصالة }..
اجلماعة مشروعة ابلكتاب والسنة واإلمجاع .أما الكتاب :فقوله تعاىل{ :وإذا كنت فيهم فأقمت هلم َّ
اآلية ،أمر هللا ابجلماعة يف حالة اخلوف أثناء اجلهاد ،ففي األمن أوىل ،ولومل تكن مطلوبة لرخص فيها حالة اخلوف،
ومل جيز اإلخالل بواجبات الصالة من أجلها.
وأما السنة :فقوله )ص([ :صالة اجلماعة أفضل من صالة الفذ ،بسبع وعشرين درجة] وف رواية[ :خبمس
وعشرين درجة].
وأما اإلمجاع :فقد أمجع الصحابة على مشروعيتها بعد اهلجرة .جاء يف اإلحياء للغزايل عن سليمان الداراين
يفوت أحد صالة اجلماعة إال بذنب أذنبه ،قال :وكان السلف يعزون أنفسهم ثالثة أايم إذا فاتتهم أنه قال :ال ّ
التكبرية األوىل ،وسبعة أايم إذا فاتتهم اجلماعة.
وفضلها :كما ذكر يف احلديث السابق أهنا أفضل من صالة املنفرد بسبع وعشرين درجة ،وأن بكل خطوة إليها حسنة
ورفع درجة ،كما يف حديث ابن مسعود رضي هللا عنه[ :من سره أن يلقى هللا تعاىل غداً مسلماً ،فليحافظ على هؤالء
الصلوات ،حيث ينادى هبن ،فإن هللا تعاىل شرع لنبيكم )ص( سنن اهلدى ،وأهنن من سنن اهلدى ،ولو أنكم صليتم
يف بيوتكم ،كما يصلي هذا املتخلف يف بيته ،لرتكتم سنة نبيكم )ص( ،ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ،وما من رجل
64
يتطهر فيحسن الطُّهور ،مث ي عمد إىل مسجد من هذه املساجد ،إال كتب هللا له بكل خطوة خيطوها حسنة ،ويرفعه هبا
درجة ،وحيط عنه سيئة ،ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق ،ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بني
الرجلني حىت يقام يف الصف].
وأهنا أيضاً نور املسلم يوم القيامة ،كما يف قوله )ص([ :بشر العشاءين يف الظلم إىل املساجد ابلنور التام يوم
القيامة].
وآكد اجلماعات يف غري اجلمعة :مجاعة الصبح مث العشاء مث العصر ،للحديثني اآلتيني :عن أيب هريرة رضي
هللا عنه أن رسول هللا )ص( قال[ :لو يعلم الناس ما يف النداء والصف األول ،مث مل جيدوا إال أن يستهموا عليه،
الستهموا عليه ،ولو يعلمون ما يف التهجري ،الستبقوا إليه ،ولو يعلمون ما يف العتمة والصبح ألتومها ،ولو حبواً].
وحكمتها :حتقيق التآلف والتعارف والتعاون بني املسلمني ،وغرس أصول احملبة والود يف قلوهبم ،وإشعارهم أبهنم إخوة
متساوون متضامنون يف السراء والضراء ،دون فارق بينهم يف الدرجة أو الرتبة أو احلرفة أو الثروة واجلاه ،أو الغىن
والفقر.
وفيها تعويد على النظام واالنضباط وحب الطاعة يف الرب واملعروف ،وتنعكس آاثر ذلك كله على احلياة
العامة واخلاصة ،فتثمر الصالة مجاعة أطيب الثمرات ،وحتقق أبعد األهداف ،وتريب الناس على أفضل أصول الرتبية،
وتربط أبناء اجملتمع أبقوى الروابط؛ ألن رهبم واحد ،وإمامهم واحد ،وغايتهم واحدة ،وسبيلهم واحدة.
صالة اجلماعة إما سنة مؤكدة أو فرض .فقال احلنفية واملالكية :اجلماعة يف الفرائض غ ري اجلمع ة سن ة مؤكدة ،للرجال
العاقلني الق ادرين عليها من غري حرج ،فال جتب على النساء والصبيان واجملانني والعبيد واملقعد واملريض والشيخ اهلرم
ومقطوع اليد والرجل من خالف .وكوهنا سنة؛ ألن ظاهر احلديث السابق [صالة اجلماعة تفضل صالة الفذ خبمس
وعشرين درجة ،أو بسبع وعشرين درجة] يدل على أن الصالة يف اجلماعات من جنس املندوب إليه ،وكأهنا كمال
زائد على الصالة الواجبة ،فكأنه قال عليه الصالة والسالم :صالة اجلماعة أكمل من صالة املنفرد ،والكمال إمنا هو
شيء زائد على اإلجزاء .ويؤكده ما روي من حديث آخر [اجلماعة من سنن اهلدى ،ال يتخلف عنها إال منافق].
وهذا الرأي ليسره أوىل من غريه ،خصوصاً يف وقتنا احلاضر حيث ازدمحت األشغال واالرتباط مبواعيد عمل معينة ،فإن
تيسر لواحد املشاركة يف اجلماعة ،وجب حتقيقاً لشعائر اإلسالم.
65
وقال الشافعية يف األصح املنصوص :اجلماعة فرض كفاية ،لرجال أحرار مقيمني ،ال عراة ،يف أداء مكتوبة،
حبيث يظهر الشعار أي شعار اجلماعة إبقامتها ،يف كل بلد صغري أو كبري .فإن امتنعوا كلُّهم من إقامتها قوتلوا (أي
قاتلهم اإلمام أو انئبه دون آحاد الناس) ،وال يتأكد الندب للنساء أتكده للرجال يف األصح .بدليل قوله )ص( [ما
من ثالثة يف قرية وال بدو ال تقام فيهم اجلماعة إال استحوذ عليهم الشيطان ،فعليك ابجلماعة فإمنا أيكل الذئب من
الغنم القاصية].
وقال احلنابلة :اجلماعة واجبة وجوب عني ،لآلية السابقة {وإذا كنت فيهم }..ويؤكده قوله تعاىل {واركعوا
الراكعني} ،وحديث أيب هريرة [أثقل صالة على املنافقني :صالة العشاء وصالة الفجر ،]..ويف حديثه أي أيب
مع َّ
هريرة أيضاً :أن رسول هللا )ص( قال [والذي نفسي بيده ،لقد مهمت أن آمر حبطب ليحتطب ،مث آمر ابلصالة
فأحر عليهم بيوهتم] ،وحديث
فيؤذن هلا ،مث آمر رجالً ،فيؤم الناس ،مث أخالف إىل رجال ال يشهدون الصالةّ ،
األعمى املشهور :وهو [أن رجالً أعمى ،قال :اي رسول هللا ،ليس يل قائد يقودين إىل املسجد ،فسأل النيب )ص( أن
وىل دعاه ،فقال :هل تسمع النداء ؟ فقال :نعم ،قال :فأجب]، يرخص له ،فيصلي يف بيته ،فرخص له ،فلما َّ
وحديث ابن مسعود السابق [لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق ]..وحديث جابر وأيب هريرة [ال
صالة جلار املسجد إال يف املسجد].
أقل اجلماعة اثنان :إمام ومأموم ولو مع صيب عند الشافعية واحلنفية ،وال تنعقد اجلماعة مع صيب مميز عند املالكية
واحلنابلة؛ لكن عند احلنابلة يف فرض ال نفل فتصح به؛ ألن الصيب ال يصلح إماماً يف الفرض ،ويصح أن يؤم صغرياً
يف نفل؛ ألن النيب ّأم ابن عباس ،وهو صيب يف التهجد .ودليلهم على أقل اجلماعة :قوله )ص( [االثنان فما فوقهما
مجاعة].
اجلماعة يف املسجد لغري املرأة أو اخلنثى أفضل منها يف غري املسجد ،كالبيت ومجاعة املرأة ،خلرب الصحيحن [صلوا
أيها الناس يف بيوتكم ،فإن أفضل صالة املرء يف بيته إال املكتوبة] أي فهي يف املسجد أفضل؛ ألن مشتمل على
الشرف والطهارة وإظهار الشعائر وكثرة اجلماعة.
66
اتفق أئمة املذاهب على من أدرك اإلمام راكعاً يف ركوعه ،فإنه يدرك الركعة مع اإلمام ،وتسقط عنه القراءة كما بينا
سابقاً ،لقوله )ص( [من أدرك ركعة من الصالة مع اإلمام ،فقد أدرك الصالة] فإن ركع بعد رفع اإلمام رأسه من
الركوع ،مل حتسب الركعة .لكن املالكية قالوا :إمنا تدرك الركعة مع اإلمام ابحنناء املأموم يف أول ركعة له مع اإلمام قبل
اعتدال اإلمام من ركوعه ،ولو حال رفعه ،ولو مل يطمئن املأموم يف ركوعه إال بعد اعتدال اإلمام مطمئناً ،مث يكرب لركوع
أو سجود بعد تكبرية اإلحرام ،وال يؤخر الدخول مع اإلمام يف أي حالة من احلاالت حىت يقوم للركعة اليت تليها ،وإن
شك هل ركع قبل اعتدال اإلمام أو بعده مل حتسب له الركعة.
وقال احلنابلة :من أدرك اإلمام راكعاً ،أجزأته تكبرية اإلحرام عن تكبرية الركوع نصاً ألنه فعل زيد بن اثبت
وابن عمر ،وال يعرف هلما خمالف يف الصحابة ،وألنه اجتمع عبادنان من جنس واحد ،فأجزأ الركن عن الواجب،
كطواف الزايرة والوداع .واشرتط الشافعية كاملالكية تكبرية الركوع عدا تكبرية اإلحرام ليدرك جزءاً من القيام.
قال املالكية :حيرم (أي يكرب تكبرية اإلحرام) من خشي فوات ركعة برفع اإلمام من ركوعه إن مل حيرم ،دون الصف ،إن
ظن إدراكه قبل رفع رأس اإلمام من الركوع .فإن مل يظن إدراك الصف قبل رفع اإلمام ،نابع مشيه بال خبب (هرولة)،
إال أن تكون الركعة األخرية من صالة اإلمام ،فإنه حيرم يف مكانه دون الصف ،لئال تفوته الصالة ،مث مشي ،حىت
يدخل يف الصف.
وقال احلنابلة وغريهم من بقية الفقهاء :ال يركع دون الصف إال إذا مشى ودخل يف الصف قبل رفع اإلمام
رأسه من الركوع ،أو أييت آخر فيقف معه .ومجلة ذلك :أن من ركع دون الصف مث دخل فيه ال خيلو من ثالثة
أحوال:
أ -إذا صلى ركعة كاملة ،فال تصح صالته ،لقول النيب )ص( [ال صالة لفرد خلف الصف].
ب -أن ميشي راكعاً حىت يدخل يف الصف قبل رفع اإلمام رأسه من الركوع ،أو أن أييت آخر ،فيقف معه قبل أو يرفع
اإلمام رأسه من الركوع ،فإن صالته تصح ألنه أدرك مع اإلمام يف الصف ما يدرك به الركعة.
67
ج -إذا دخل يف الصف بعد رفع رأسه من الركوع :فمىت كان جاهالً بتحرمي ذلك ،صحت صالته ،وإن علم مل تصح،
بدليل ما روى البخاري وغريه [أن أاب بكرة انتهى إىل النيب )ص( ،وهو راكع ،فركع قبل أن يصل إىل الصف ،فذكر
ذلك للنيب )ص( فقال :زادك هللا حرصاً ،وال تعد] ،فلم أيمره إبعادة الصالة وهنى عن العود.
اتفق الفقهاء على أنه جيوز ملن صلى منفرداً أن يعيد الصالة يف مجاعة وتكون الثانية نفالً ،عمالً مبا ثبت يف السنة يف
حديث يزيد بن األسود السابق ،ويف حديث آخر أن رجالً جاء إىل املسجد بعد صالة النيب )ص( العصر ،فقال:
[من يتصدق على هذا ،فيصلي معه؟ فصلى معه رجل من القوم].
قال احلنفية :جيوز للمنفرد إعادة الصالة مع إمام مجاعة ،وتكون صالته الثانية نفالً بدليل حديث يزيد بن األسود
السابق يف حبث إدراك الفريضة ،والذي قال فيه النيب )ص( لرجلني يف أخرايت الصفوف ،مل يصليا معه صالة الظهر
[إذا صليتما يف رحالكما ،مث أتيتما مسجد مجاعة ،فصليا معهم فإهنا لكما انفلة] .وإذا كانت نفالً ،أعطيت حكم
النافلة ،فتكره إعادة صالة العصر؛ ألن النفل ممنوع بعد العصر ،وتكره صالة النفل خلف النفل إذا كانت اجلماعة
أكثر من ثالثة ،وإال فال تكره إن أعادوها بدون أذان ،وتكره مطلقاً إن أعادوها أبذان .وجتوز إذا كان إمامه يصلي
فرضاً ،ال نفالً؛ ألن صالة النافلة خلف الفرض غري مكروهة.
وقال املالكية :من صلى يف مجاعة مل يعد يف أخرى إال إذا دخل أحد املساجد الثالثة فيندب له اإلعادة.
ومن صلى منفرداً جازت له اإلعادة يف مجاعة :اثنني فأكثر ،ال مع واحد ،إال إذا كان مع راتباً مبسجد ،فيعيد معه؛
ألن الراتب كاجلماعة ،ويعيد كل الصلوات غري املغرب ،والعشاء بعد الوتر ،فتحرم إعادهتما لتحصيل فضل جلماعة،
أما املغرب فال تعاد؛ ألهنا تصري مع األول شفعاً؛ ألن املعادة يف حكم النفل ،والعشاء تعاد قبل الوتر ،وال تعاد بعده؛
ألنه إن أعاد الوتر يلزم خمالفة قوله )ص( [ال وتران يف ليلة] ،وإن مل يعده ،لزم خمالفة [اجعلوا آخر صالتكم من الليل
وتراً].
وقال الشافعية :يسن للمصلي وحده ،وكذا للجماعة يف األصح :إعادة الفرض بنية الفرض يف األصح مع
منفرد أو مع مجاعة يدركها يف الوقت ولو ركعة فيه عل ى الراجح ،ولو كان الوقت وقت كراهة ،وتكون اإلعادة مرة
واحدة على الراجح ،وال يندب أن يعيد الصالة املنذورة وال صالة اجلنازة ،إذ ال يتنفل هبا ،ويشرتط أن تكون الصالة
68
الثانية صحيحة وإن مل تغن عن القضاء ،وأال ينفرد وقت اإلحرام ابلصالة الثانية عن الصف مع إمكان دخوله فيه،
وأن تكون الصالة الثانية من قيام لقادر ،وأن تكون اجلماعة مطلوبة يف حق من يعيدها ،فإن كان عارايً فال يعيدها يف
ظالم .ويصح أن يكون املعيد إماماً.
وقال احلنابلة :يستحب ملن صلى فرضه منفرداً أو يف مجاعة أن يعيد الصالة إذا أقيمت اجلماعة وهو يف
املسجد ،ولو كان وقت اإلعادة وقت هني ،سواء أكانت اإلعادة مع اإلمام الراتب أو غريه ،إال املغرب ،فال تسن
إعادهتا؛ ألن املعادة تطوع ،وهو ال يكون بوتر .وتكون صالته األوىل فرضه ،حلديث يزيد ابن األسود السابق .وينوي
ابلثانية كوهنا معادة؛ ألن األوىل أسقطت الفرض .وإن نوى املعادة نفالً صح ،ملطابقته الواقع ،وإن نواها ظهراً مثالً،
صحت وكانت نفالً.
عرفنا يف حبث أحكام اإلقامة للصالة أن للفقهاء آراء أربعة يف وقت استحباب القيام لصالة اجلماعة ،نوجزها هنا:
ذهب احلنفية :إىل أن املصلي يقوم عند (حي على الفالح) وبعد قيام اإلمام.
وقال املالكية :ذلك موكول إىل قدر طاقة الناس ،حال اإلقامة أو أوهلا أو بعدها ،إذ ليس يف هذا شرع مسموع إال
حديث أيب قتادة السابق :أنه عليه الصالة والسالم قال [إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حىت تروين] قال ابن رشد :فإن
صح هذا -وقد بينا أنه حديث متفق عليه -وجب العمل به ،وإال فاملسألة ابقية على أصلها املعفو عنه ،أعىن أنه
ليس فيها شرع ،وأنه مىت قام كل واحد ،فحسن.
كل من يقتدى به ويتبع يف خري أو شر ،فهو إمام ،قال هللا تعاىل {وجعلنا من هم أئ َّمةً ي هدون أبمران} ،وقال
{وجعلناهم أئ َّم ًة يدعون إىل النَّار}.
69
فالكربى :استحقاق تصرف عام على األانم أي على اخللق ،واملقصود ابلتصرف العام :طاعة اإلمام .أو هي رايسة
عامة يف الدين والدنيا ،خالفة عن النيب )ص( .قال املاوردي :اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة
الدنيا.
واإلمامة الصغرى :هي إمامة الصالة ،وهي ارتباط صالة املؤمت ابإلمام.
-1اإلسالم :فال تصح إمامة الكافر ابالتفاق .وذكر احلنابلة :إذا صلى خلف من شك يف إسالمه ،أو كونه خنثى،
فصالته صحيحة ،مامل ينب كفره ،وكونه خنثى مشكالً؛ ألن الظاهر من املصلني اإلسالم ،سيما إذا كان إماماً،
والظاهر السالمة من كونه خنثى ،سيما من يؤم الرجال .فإن تبني بعد الصالة أنه كان كافراً أو خنثى مشكالً فعليه
اإلعادة .وحيكم إبسالم الشخص ابلصالة ،سواء أكان يف دار احلرب أم يف دار اإلسالم ،وسواء صلى مجاعة أو
منفرداً ،فإن أقام بعد ذلك على اإلسالم ،فال كالم ،وإن مل يقم عليه ،فهو مرتد ،جيري عليه أحكام املرتدين .وإن
مات قبل ظهور ما ينايف اإلسالم فهو مسلم ،يرثه ورثته املسلمون دون الكافرين.
وكذلك قال الشافعية :لو ابن كون اإلمام كافراً أو امرأة ،وجبت إعادة الصالة.
-2العقل :فال تصح الصالة خلف جمنون؛ ألن صالته لنفسه ابطلة .فإن كان جنونه منقطعاً ،صحت الصالة وراءه
حال إفاقته ،ولن يكره االقتداء به ،لئال يعرض الصالة لإلبطال يف أثنائها ،لوجود اجلنون فيها ،والصالة صحيحة؛
ألن األصل السالمة ،فال تفسد ابالحتمال .ويالحظ أن َّ
عد هذين الشرطني من شروط اإلمام مساحة ،إذ مها
شرطان يف الصالة مطلقاً .واملعتوه والسكران مثل اجلنون ال تصح الصالة خلفهما ،كما ال تصح صالهتما.
-3البلوغ :فال تصح إمامة املميز عند اجلمهور للبالغ ،يف فرض أو نفل عند احلنفية ،ويف فرض فقط عند املالكية
واحلنابلة ،أما يف النفل ككسوف وتراويح فتصح إمامته ملثله ،ألنه متنفل يؤم متنفالً ،ودليلهم ما روى األثرم عن ابن
مسعود وابن عباس [ال يؤم الغالم حىت حيتلم] وألن اإلمامة حال كمال ،والصيب ليس من أهل الكمال ،وألنه ال يؤمن
الصيب إلخالله بشروط الصالة أو القراءة.
وقال الشافعية :جيوز اقتداء البالغ ابلصيب املميز ،ملا روى عن عمرو بن سلمة قال :أممت على عهد عهد رسول هللا
)ص( وأان غالم ابن سبع سنني ،واألصح صحة إمامة الصيب عندهم يف اجلمعة أيضاً ،مع الكراهة.
70
-4الذكورة احملققة إذا كان املقتدي به رجالً أو خنثى :فال تصح إمامة املرأة واخلنثى للرجال ،ال يف فرض وال يف نفل.
أما إن كان املقتدي نساء فال تشرتط الذكورة يف إمامهن عند اجلمهور ،فتصح إمامة املرأة للنساء عندهم ،بدليل ما
روي عن عائشة وأم سلمة وعطاء :أن املرأة تؤم النساء ،وروى الدارقطين عن أم ورقة :أنه )ص( [أذن هلا أن تؤم نساء
دارها].
وال تكره عند الشافعية مجاعة النساء ،بل تستحب وتقف وسطهن ،وروي عن أمحد روايتان :رواية أن ذلك مستحب،
ورواية أن ذلك غري مستحب.
-5الطهارة من احلدث واخلبث :فال تصح إمامة احملدث ،أو من عليه جناسة لبطالن صالته ،سواء عند اجلمهور
أكان عاملاً بذلك أم انسياً .وقا ل املالكية :الشرط :عدم تعمد احلدث ،وإن مل يعلم اإلمام بذلك إال بعد الفراغ من
الصالة ،فإن تعمد اإلمام احلدث ،بطلت صالته وصالة من اقتدى به ،وإن كان انسياً ،فصالته صحيحة إن مل يعلم
ابلنجاسة إال بعد الفراغ من الصالة؛ ألن الطهارة من اخلبث شرط لصحة الصالة مع العلم فقط عندهم ،وال يصح
االقتداء ابحملدث أو اجلنب إن علم ذلك ،وتصح صالة املقتدين ،وهلم ثواب اجلماعة ابتفاق املذاهب األربعة إال يف
اجلمعة عند الشافعية واحلنابلة إذا كان املصلون ابإلمام أربعني مع احملدث أو املتنجس ،إن علموا حبدث اإلمام أو
بوجود جناسة عليه ،بعد الفراغ من الصالة ،لقوله )ص( [إذا صلى اجلنب ابلقوم ،أعاد صالته ،ومتت للقوم صالهتم].
وقال الشافعية :ال يصح االقتداء مبن تلزمه إعادة الصالة كمقيم تيمم لفقد املاء ،ومن على بدنه جناسة خياف
من غسلها ،وحمدث صلى لفقد الطهورين.
-6إحسان القراءة واألركان :أي حيسن اإلمام قراءة ماال تصح الصالة إال به ،وأن يقوم ابألركان ،فال يصح اقتداء
قارئ أبمي عند اجلمهور ،وجتب اإلعادة على القارئ املؤمت به ،كما ال تصح الصالة خلف أخرس ولو أبخرس مثله،
وال خلف عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو استقبال القبلة ،أو اجتناب النجاسة ،إال مبثله ،فتصح الصالة خلف
املماثل ،إال ثالثة عند احلنفية :اخلنثى املشكل واملستحاضة واملتحرية الحتمال احليض.
وقال املالكية :يشرتط يف اإلمام القدرة على األركان ،فإن عجز عن ركن منها ،قويل كالفاحتة أو فعلي كالركوع
أو السجود أو القيام ،مل يصح االقتداء به ،إال إذا تساوى اإلمام واملأموم يف العجز ،فيصح اقتداء أمي مبثله إن مل
71
يوجد قارئ على األصح ،ويصح اقتداء أخرس مبثله ،وعاجز عن القيام صلى جالساً مبثله ،إال املومئ أي الذي فرضه
اإلمياء من قيام أو جلوس أو اضطجاع ،فال يصح له على املشهور االقتداء مبثله.
-7كونه غري مأموم :فال يصح االقتداء مبأموم (مقتد) بغريه ،يف حال قدرته؛ ألنه نابع لغريه يلحقه سهوه ،ومن شأن
اإلمام االستقالل ،وأن يتحمل هو سهو غريه ،فال جيتمعان ،وهذا إمجاع.
أما االقتداء مبن كان مقتدايً اإلمام (وهو املسبوق) بعد انقطاع القدرة :ففيه آراء:
قال احلنفية :ال جيوز اق تداء املسبوق بغريه وال االقتداء به ،ألنه يف األصل تبع لغريه ،فهو يف موضع االقتداء،
واالقتداء بناء التحرمية على التحرمية ،فاملقتدي عقد حترميته ملا انعقدت له حترمية اإلمام ،فكلما انعقدت له حترمية
اإلمام ،جاز البناء من املقتدي ،وماال فال.
وكذلك قال املالكية :ال جيوز االقتداء مبسبوق قام لقضاء ما عليه ،فاقتدى به غريه ،ولو مل يعلم أبن إمامه
مأموم ،إال بعد الفراغ من صالته .أما املدرك :وهو من أدرك مع اإلمام ما دون ركعة ،فيصح االقتداء به إذا قام
لصالته ،وينوي املدرك اإلمامية بعد أن كان انواي املأمومية؛ ألنه منفرد مل يثبت له حكم املأمومية.
وقال احلنابلة :إن صلى اإلمام فائتم أحد املصلني بصاحبه يف قضاء ما فاهتما ،صح ،أو ائتم مقيم مبثله فيما
بقي من صالهتما إذا سلم إمام مسافر ،صح ذلك؛ ألنه انتقال من مجاعة إىل مجاعة أخرى ،لعذر ،فجاز
كاالستخالف ،بدليل قصة أيب بكر :وهي أن النيب )ص( جاء وأبو بكر يف الصالة ،فتأخر أبو بكر ،وتقدم النيب
)ص( ،فائتم هبم الصالة .وفعل هذا مرة أخرى ،وكال احلديثني صحيح متفق عليهما.
كما يصح االقتداء مبن كان مسبوقاً بعد أن سلم إمامه ،أو بعد أن نوى مفارقة اإلمام ،وتصح عندهم نية
املفارقة ،يف غري اجلمعة ،أما فيها فال تصح االقتداء.
وقال الشافعية :تنقطع القدوة مبجرد خروج اإلمام من صالته بسالم من حدث أو غريه ،لزوال الرابطة،
وحينئذ فيسجد لسهو نفسه ،ويقتدي بغريه ،وغريه به.
-8اشرتط احلنفية واحلنابلة :السالمة من األعذار ،كالرعاف الدائم ،وانفالت الريح ،وسلس البول ،وحنوها ،فال تصح
إمامة من قام به عذر من هذه األعذار إال ملعذور مثله ،بشرط أن يتحد عذرمها؛ ألنه )ص( [صلى أبصحابه يف املطر
ابإلمياء] ،فإن اختلف العذر مل جيز ،فيصلي من به سلس البول خلف مثله ،أما إذا صلى خلف من به السلس
72
وانفالت الريح ،ال جيوز؛ ألن اإلمام صاحب عذرين ،واملؤمت صاحب عذر واحد .والذي يصح هو اقتداء ذي عذرين
بذي عذر ،وال عكسه.
ومل يشرتط املالكية هذا الشرط ،وإمنا يكره أن يؤم صاحب العذر من ليس به عذر ،ألنه يصح عندهم إمامة
من به سلس البول إذا الزمه ولو نصف الزمن ،وكذا من به انفالت ريح أو غري ذلك مما ال ينقض الوضوء عندهم.
وكذلك مل يشرتط الشافعية هذا الشرط ،فتصح إمامة صاحب العذر الذي ال جتب معه إعادة الصالة ملقتد
سليم.
-9أن يكون اإلمام صحيح اللسان ،حبيث ينطق ابحلروف على وجهها ،فال تصح إمامة األلثغ وهو من يبدل الراء
غيناً ،أو السني اثء ،أو الذال زاايً ،لعدم املساواة ،إال إذا املقتدي مثله يف احلال.
-10اشرتط احلنفية والشافعية :أن تكون صالة اإلمام صحيحة يف مذهب املأموم :فلو صلى حنفي خلف شافعي
سال منه جم ،ومل يتوضأ بعده ،أو صلى شافعي خلف حنفي ملس امرأة مثالً ،فصالة املأموم ابطلة؛ ألنه يرى بطالن
صالة إمامه.
وزاد احلنفية أنه تكره الصالة خلف شافعي .وقال الشافعية :األفضل الصالة خلف إمام شافعي ،ال حنفي
أو غريه ممن ال يعتقد وجوب بعض األركان والشروط ،وإن علم اإلتيان هبا؛ ألنه مع ذلك ال يعتقد وجوب بعض
األركان.
وقال املالكية واحلنابلة :ما كان شرطاً يف صحة الصالة ،فالعربة فيه مبذهب اإلمام فقط ،فلو اقتدى مالكي
أو حنبلي حبنفي أو شافعي مل ميسح مجيع الرأس يف الوضوء ،ألنه شرط عند األولني ،فصالته صحيحة ،لصحة صالة
اإلمام يف مذهبه.
-11اشرتاط احلنابلة أن يكون اإلمام عدالً ،فال تصح إمامة الفاسق ولو مبثله ،فلو صلى شخص خلف الفاسق ،مث
علم بفسقه ،وجبت عليه إعادة الصالة ،إال يف صالة اجلمعة والعيدين ،فإهنما تصحان خلف الفاسق إن مل تتيسر
الصالة خلف عدل.
73
واشرتط املالكية :أن يكون اإلمام سليماً من الفسق املتعلق ابلصالة ،كأن يتهاون يف شرائطها أو فرائضها،
كمن يصلي بال وضوء أو يرتك قراءة الفاحتة .أما إن كان الفسق ال يتعلق ابلصالة كالزاين ،أو شارب اخلمر ،فتصح
إمامته مع الكراهة على الراجح.
-12اشرتط املالكية واحلنفية واحلنابلة :أال يكون اإلمام معيداً صالته لتحصيل فضيلة اجلماعة ،فال يصح اقتداء
مفرتض مبعيد؛ ألن صالة املعيد نفل وال يصح فرض وراء نفل .وأن يكون اإلمام عاملاً بكيفية الصالة على الوجه
الذي تصح به ،وعاملاً بكيفية شرائطها ،كالوضوء والغسل على الوجه الصحيح ،وإن مل مييز األركان من غريها.
مذهب احلنفية:
املدرك :من صلى مجيع الصالة كاملة مع اإلمام .وهذا صالته نامة ال شيء فيها.
والالحق :من فاتته الركعات كلها أو بعضها مع اإلمام ،على الرغم من ابتدائه الصالة معه ،كأن عرض له عذر كغفلة
أو نوم أو زمحة أو سبق حدث ،أو صالة خوف (أي يف الطائفة األوىل ،وأما الثانية فمسبوقة) أو كان مقيما ائتم
مبسافر ،أو بال عذر :كأن سبق إمامه يف ركوع وسجود ،فإنه يقضي ركعة.
واملسبوق :إن أدرك اإلمام وهو راكع ،كرب لإلحرام قائما ،مث ركع معه ،وحتسب له هذه الركعة.
وإن أدرك ه بعد الركوع ،كرب لإلحرام قائما ،مث نابعه فيما هو فيه من أعمال الصالة ،وال حتسب الركعة ،مث
يقضي ما فاته بعد سالم اإلمام ،ويقرأ الفاحتة وسورة بعدها يف قضاء كل من الركعتني األوىل والثانية من صالته ،فلو
فاتته هانان الركعتان قرأ فيما يقضيه الفاحتة وسورة ،ولو فاته ركعة مثال قضى ركعة وقرأ فيها الفاحتة والسورة.
مذهب املالكية
املدرك :الذي أدرك مجيع الصالة مع اإلمام ،فصالته نامة ،وال قضاء عليه بعد سالم إمامه؛ ألنه مل يفته شيء من
الصالة.
74
والالحق :الذي فاته شيء من الصالة بعد الدخول مع اإلمام لعذر كزمحة أو نعاس ال ينتقض الوضوء ،له أحوال
ثالثة :أن يفوته ركوع أو اعتدال منه ،أن تفوته سجدة أو سجدنان ،أن تفوته ركعة فأكثر.
أما املسبوق :الذي فاته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع اإلمام ،فحكمه أنه جيب عليه أن يقضي يعد سالم اإلمام ما
فاته من الصالة .واملشهور أنه يقضي القول ،ويبين على األفعال ،علما أبن املراد ابلقول هو القراءة ،واملراد ابلفعل هو
ما عدا القراءة ،فيشمل التسميع والتحميد والقنوت.
ومعىن قضاء القول :أن جيعل ما فاته املسبوق قبل دخوله مع اإلمام ابلنسبة إليه هو أول صالته ،وما أدركه معه
آخرها ،فيأيت ابلقراءة على صفتها من سر أو جهر.
مذهب الشافعى
املقتدي :إما موافق أو مسبوق .واملوافق :هو من أدرك مع اإلمام قدر الفاحتة ،سواء الركعة األوىل وغريها .واملسبوق:
هو من مل يدرك مع اإلمام من الركعة األوىل أو غريها قدرا يسع الفاحتة.
واملوافق :إن ختلف عن اإلمام بركن فعلي عامدا بال عذر ،أبن فرغ اإلمام منه ،وهو فيما قبله ،مل تبطل صالته يف
األصح؛ ألنه ختلف يسري ،سواء أكان طويال ،كأن ابتدأ اإلمام رفع االعتدال ،واملأموم يف قيام القراءة ،أم قصري ،كأن
رفع اإلمام رأسه من السجدة األوىل ،وهوى من اجللسة بعدها للسجود ،واملأموم يف السجدة األوىل.
أ -فإن مل يكن عذر ،كأن ختلف لقراءة السورة أو لتسبيحات الركوع والسجود ،بطلت صالته ،لكثرة املخالفة.
ب -وإن كان عذر :أبن اشتغل بدعاء االفتتاح ،أو ركع إمامه فشك يف الفاحتة ،أو تذكر تركها أو أسرع اإلمام قراءته
مثال ،أو كان املأموم بطيء القراءة لعجز ،ال لوسوسة ،وركع أي اإلمام قبل إمتام املأموم الفاحتة ،فالصحيح أن املأموم
يتم الفتاحتة ،ويسعى خلف إمامه على نظم صالة نفسه ،ما مل يبق أبكثر من ثالثة أركان مقصودة يف نفسها ،طويلة
أي ما مل يسبق بثالثة فما دوهنا ،وهي الركوع والسجودان ،أخذا من صالته )ص( بعسفان فال يعد منها القصري :وهو
االعتدال واجللوس بني السجدتني.
75
فإن سبق أبكثر من األركان الثالثة ،أبن مل يفرغ من الفاحتة إال واإلمام قائم عن السجود ،أو جالس للتشهد،
فاألصح أنه ال تلزمه املفارقة ،بل يتبع اإلمام فيما هو فيه ،مث يتدارك بعد سالم اإلمام ما فاته ،كاملسبوق ،ملا يف
مراعاة نظم صالته يف هذه احلالة من املخالفة الفاحشة .وهذا كله مفرع على شرط متابعة املقتدي لإلمام.
أما املسبوق :فيسن له أال يشتغل بسنة بعد التحرم ،بل ابلفاحتة ،إال أن يظن إدراكها مع اشتغاله ابلسنة.
فإن مل يشتغل بسنة ،تبع إمامه يف الركوع وجواب ،وسقط عنه ما بقي من الفاحتة ،فإن ختلف إلمتام قراءته ،حىت رفع
اإلمام من الركوع ،فاتته الركعة ،وال تبطل صالته ،إال إذا ختلف عنه بركنني فعليني بال عذر.
وإن اشتغل املسبوق بسنة كدعاء االفتتاح أو التعوذ ،قرأ بقدرها من الفاحتة وجواب ،مث إن فرغ مما عليه ،وأدرك
الركوع مطمئنا يقينا مع اإلمام أدرك الركعة .وإن فرغ مما عليه ،واإلمام يف االعتدال ،وافقه وفاتته الركعة .وإن مل يفرغ مما
اهلوي للسجود ،تعينت نية املفارقة؛ ألنه إن هوي اإلمام للسجود ،ومل ينو
عليه واستمر يف القراءة وأراد اإلمام ّ
املفارقة ،بطلت صالته ،وإن هوى معه ،بطلت صالته أيضا.
واملسبوق الذي فاته بعض ركعات الصالة مع اإلمام :إن أدرك مع اإلمام مقدار الركوع اجلائز أبن أدركه راكعا
واطمأن معه ،فقد أدرك الركعة ،وإن مل يد رك ذلك أو أدركه يف ركوع زائد أو يف الثاين من صالة الكسوفني ،مل يدرك
الركعة ،ملا روى أبو هريرة رضي هللا عنه أن النيب )ص( قال [من أدرك الركوع من الركعة األخرية يوم اجلمعة ،فليضف
إليها أخرى ،ومن مل يدرك الركوع ،فليصل الظهر أربعا].
ويسن للمسبوق الذي فاتته الركتعان األوليان أو إحدامها أن يقرأ سورة بعد الفاحتة يف الركعتني األخريتني أو
األوىل منهما ،لئال ختلو صالته من سورة.
احلنابلة
املسبوق يشمل عندهم (الالحق) عند احلنفية واملالكية ،فمن اقتدى ابإلمام من أول الصالة ،أو بعد ركعة فأكثر وفاته
شيء منها فهو يف احلالتني مسبوق.
أما الالحق الذي بدأ صالته مع اإلمام من أوهلا ،وختلف عند بركن أو ركنني لعذر من نوم ال ينقض الوضوء
أو غفلة أو سهو أو عجلة وحنوه كزحام ،فيجب عليه أن يفعله ويلحق به إذا مل خيش فوات الركعة التالية؛ ألنه أمكنه
76
استدراكه من غري حمذور ،فلزمه ،وتصح الركعة اليت أتى هبا .وإن مل أيت هبا أو خشي فوت الركعة التالية مع اإلمام،
وجب عليه متابعة إمامه ،ولغت الركعة ،ووجب عليه قضاؤها على صفتها بعد إسالم اإلمام.
وأما املسبوق :فإن سبق ابلركوع أو بركنني عمدا بطلت صالته مطلقا ،وإن سبقه بغري ركوع كاهلوي للسجود،
أو سبقه سهوا مل تبطل صالته ،لكن جيب إعادة ما أتى به بعد إمامه ،فإن مل أيت به ،ألغيت الركعة.
وما أدرك املسبوق مع اإلمام فهو آخر صالته ،كما بينا ،فإن أدركه فيما بعد الركعة األوىل كالثانية أو الثالثة،
مل يستفتح ومل يستعذ ،وما يقضيه املسبوق هو أول صالته ،فيستفتح له ويتعوذ ،ويقرأ السورة ،حلديث أيب هريرة
السابق أن النيب )ص( قال [ما أدركتم فصلوا ،وما فاتكم فاقضوا].
وإذا سلم املسبوق مع إمامه سهوا ،وجب عليه أن يسجد يف آخر صالته .وكذا يسجد للسهو إن سها فيما
يصليه مع اإلمام ،وفيما انفرد بقضائه ،ولو شارك اإلمام يف سجوده لسهوه .وإذا مل يسجد اإلمام لسهوه ،وجب على
املسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته.
ويعترب املسبوق مدركا للجماعة مىت أدرك تكبرية اإلحرام قبل سالم إمامه التسليمة األوىل ،وال يكون مدركا
شاك يف إدراك اإلمام راكعا ،ولو مل يدرك معه الطمأنينة إذا
للركعة إىل إذا ركع مع اإلمام قبل رفع رأسه من الركوع ،غري ّ
اطمأن هو ،مث حلق إمامه ،حلديث أيب هريرة مرفوعا [إذا جئتم إىل الصالة ،وحنن سجود ،فاسجدوا ،وال تعدوها شيئا،
ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة].
اختلف الفقهاء يف صحة الصالة خلف الصفوف منفردا على رأيني :فقال اجلمهور غري احلنابلة :إذا صلى إنسان
خلف الصف وحده ،فصالته جتزئ ،بدليل حديث أنس املتقدم املتضمن قيام العجوز وحدها خلف الصف،
وحديث أيب بكرة [أنه انتهى إىل النيب )ص( وهو راكع فركع قبل أن يصل إىل الصف ،فذكر ذلك للنيب )ص(،
فقال :زادك هللا حرصا وال تعد] وحديث ابن عباس قال [أتيت النيب )ص( من آخر الليل ،فصليت خلفه ،فأخذ
فجرين حىت جعلين حذاءه].
بيديَّ ،
إال أن الشافعية واحلنفية قالوا :الصالة صحيحة مع الكراهة ،وقال الشافعية :فإن مل جيد املصلي سعة أحرم،
جر واحدا من الصف إليه ،ليصطف معه ،خروجا من اخلالف ،ومحلوا احلديثني اآلتيني الواردين ابإلعادة على
مث َّ
77
االستحباب مجعا بني األدلة ،وقوله (ص)" :ال صالة للذي خلف الصف" أي ال صالة كاملة ،كقوله )ص( [ال
صالة حبضرة الطعام] وهذا أوىل اآلراء ،لقوة دليله .لكت ذكر احلنفية :أنه لو انفرد مث مشي ليلحق ابلصف ،فإن
مشي يف صالته مقدار صف وا حد ال تفسد ،وإن مشي أكثر من ذلك فسدت ،ومل يوافق املالكية الشافعية فقالوا:
من مل جيد مدخال يف الصف ،صلى وراءه ،ومل جيذب إليه رجال.
وقال احلنابلة :صالة املنفرد إذا صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده فاسدة غري جمزئة ،وجتب إعادهتا ،بدليل
حديث وابصة بن معبد [أن النيب )ص( رأى رجال يصلي خلف الصف وحده ،فأمره أن يعيد صالته] وحديث علي
بن شيبان [أن رسول هللا )ص( رأى رجال يصلي خلف الصف ،فوقف ،حىت انصرف الرجل ،فقال له :استقبل
صالتك ،فال صالة لنفرد خلف الصف].
صالة اجلمعة
صالة اجلمعة فرض عني ،يكفر جاحدها لثبوهتا ابلدليل القطعي ،وهي فرض مستقل ليست بدال عن الظهر ،لعدم
انعقادها بنية الظهر ممن ال جتب اجلمعة عليه كاملسافر واملرأة ،وهي آكد من الظهر ،بل هي أفضل الصلوات ،ويومها
أفضل األايم ،وخري يوم طلعت فيه الشمس ،يعتق هللا فيه ستمائة ألف عتيق من النار ،من مات فيه كتب هللا له أجر
شهيد ،ويف فتنة القرب ،دليل فضل يومها حديث مرفوع[ :يوم اجلمعة سيد األايم وأعظمها ،وأعظم عند هللا من يوم
الفطر ،ويوم األضحى].
وأخرج الرتمذي من حديث أيب هريرة وقال :حسن صحيح :أن النيب )ص ( قال[ :خري يوم طلعت فيه
الشمس يوم اجلمعة ،فيه خلق آدم ،وفيه دخل اجلنة ،وفيه أخرج منها ،وال تقوم الساعة إال يف يوم اجلمعة].
وأدلة فرضيتها العينية املستقلة ،ال الكفائية :القرآن :وهو قوله تعاىل{ :اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا ن ودي ل َّ
لصالة
من ي وم اجلمعة ،فاسعوا إىل ذكر هللا وذروا الب يع} أي امضوا إىل ذكر هللا ،فأمر ابلسعي ،واألمر يقتضي الوجوب ،وال
جيب السعي إال إىل واجب ،وهنى عن البيع لئال يشتغل به عنها ،فلو مل واجبة ملا هني عن البيع من أجلها ،واملراد
ابلسعي ههنا :الذهاب إليها ،ال اإلسراع.
78
والسنة :وهو قوله )ص([ :لينتهني أقوام عن ودعهم اجلمعات ،أو ليختم َّن هللا على قلوهبم ،مث ليكون َّن من
الغافلني] وقوله :رواح اجلمعة واجب على كل حمتلم] وقوله عليه السالم أيضا[ :من ترك ثالث مجع هتاوان ،طبع هللا
على قلبه].
وناركها يستحق العقاب ،لقوله )ص( لقوم يتخلفون عن اجلمعة[ :لقد مهمت أن آمر رجال يصلي ابلناس،
مث أحرق على رجال يتخلفون عن اجلمعة بيوهتم].
جيب السعي ألداء اجلمعة كما بينا عند اجلمهور عند األذان الثاين الذي يكون بني يدي اخلطيب على املنرب ،وقال
احلنفية يف األصح :جيب السعي بعد األذان األول ،وإن مل يكن يف زمن الرسول (ص) ،بل يف زمن عثمان رضي هللا
عنه.
ويكره حترميا عند احلنفية ،وحيرم عند غريهم التشاغل عن اجلمعة ابلبيع وغريه من العقود من إجارة ونكاح
وصلح وسائر الصنائع واألعمال ،وذلك عند اجلمهور بعد الشروع يف األذان بني يدي اخلطيب ،مما فيه تشاغل عن
السعي إىل اجلمعة ،لقوله تعاىل{ :إذا نودي للصالة يوم اجلمعة ،فاسعوا إىل ذكر هللا ،وذروا البيع} ،فورد النص على
البيع ،وقيس عليه غريه ،سواء أكان عقدا أم ال ،ألن كل ذلك مينع عن حتقيق الغاية املطلوبة وهي أداء اجلمعة.
وأضاف الشافعية أنه يكره البيع وحنوه قبل األذان بعد الزوال.
وقال احلنابلة :ال حيرم غري البيع من العقود كاإلجارة والصلح والنكاح؛ ألن النهي خمتص ابلبيع ،وغريه ال يساويه يف
الشغل عن السعي ،لقلة وجوده ،فال يصح قياسه على البيع.
غري أين ال أتردد يف تصويب الرأي األول ،وعدم االلتفات للرأي الثاين؛ ألن األمور مبقاصدها ،وألن احلنابلة القائلني بسد الذرائع يلزمهم
وحترمي البيع ووجوب السعي خيتص ابملخاطبني ابجلمعة ،أما غريهم من النساء والصبيان واملسافرين ،فال يثبت يف حقهم ذلك.
وقال املالكية :إنه من البيوع الفاسدة ،ويفسح على املشهور .وكذلك قال احلنابلة :ال يصح هذا البيع.
79
جتب اجلمعة على كل مكلف (ابلغ عاقل) حر ،ذكر ،مقيم غري مسافر ،بال مرض وحنوه من األعذارَ ،سع النداء ،فال
جتب على صيب وجمنون وحنوه ،وعبد ،وامرأة ،ومسافر ،ومريض ،وخائف وأعمى وإن وجد قائدا عند أيب حنفية،
وجيب عليه إن وجد من يقوده عند املالكية والشافعية ،واحلنابلة والصاحبني من احلنفية ،ومن مل يسمع النداء ،على
تفصيل آت ،وال على معذور مبشقة مطر ووحل وثلج .لكن إن حضر هؤالء وصلوا مع الناس ،أجزأهم ذلك عن
ظهره ممن ال تلزمة اجلمعة فرض الوقت؛ ألهنم حتملوا املشقة ،فصاروا كاملسافر إذا صام ،وألن كل من صحت
صحت مجعته ابإلمجاع ،ألهنا إذا أجزأت عمن ال عذر له ،فصاحب العذر أوىل ،وإمنا سقطت عند رفقا به ،فرتك
اجلمعة للمعذور رخصة ،فلو أدى اجلمعة سقط عنه الظهر ،وتقع اجلمعة فرضا ،وترك الرتخص يعيد األمر إىل العزمية،
أي أنه إن تكلف حضورها وجبت عليه .وانعقدت به ،ويصح أن يكون إماما فيها .روى أبو داود عن النيب (ص)
قال" :اجلمعة حق واجب على كل مسلم يف مجاعة إال أربعة :عبد مملوك ،أو امرأة ،أو صيب ،أو مريض".
يشرتط لوجوب اجلمعة شروط وجوب الطهارة والصالة وهي ثالثة عند اجلمهور (اإلسالم والبلوغ والعقل) وعشرة عند املالكية وهي :اإلس
-3اإلقامة يف حمل اجلمعة :فال جتب على مسافر مل ينو اإلقامة حلديث [ال مجعة على مسافر] ،ويف هذا تفصيل
املذاهب :قال احلنفية :يشرتط اإلقامة يف مصر أي بلد كبري :وهو ما ال يسع أكرب مساجدها أهلها املكلفني ابجلمعة،
والقرية خبالفها .فال جتب اجلمعة على مقيم بقرية.
وقال الشافعية :جتب اجلمعة على املقيم يف بلد ،مصر أو قريةَ ،سع النداء أومل يسمعه ،وعلى من يف خارجه إن َسع النداء ،لقوله (ص):
-4السالمة من األعذار :فالبد ملن جتب عليه اجلمعة من الصحة ،واألمن ،واحلرية ،والبصر ،والقدرة على املشي،
وعدم احلبس ،وعدم املطر الشديد والوحل والثلج وحنوها ،كما بينا يف حبث أعذار مسقطات اجلماعة واجلمعة.
فال جتب اجلمعة على مريض لعجزه عن ذلك ،وممرض إن بقي املريض ضائعا ،وشيخ ٍ
فان ،وخائف على نفسه وماله أو خلوف غرمي أو ّ
ومعذور مبشقة مطر ووحل وثلج .وال جتب على قروي عند احلنفية.
80
للفقهاء رأاين يف مشروعية السفر يوم اجلمعة بعد الفجر ،فأجازه احلنفية واملالكية ،ومنعه الشافعية واحلنابلة إن خيف
فوت اجلمعة ،واتفقوا على منعه بعد دخول وقت الظهر (أي بعد الزوال) وقبل أداء صالهتا.
قال احلنفية :ال أبس اب لسفر يوم اجلمعة إذا خرج عن عمران املصر قبل دخول وقت الظهر ،والصحيح أنه يكره السفر
بعد الزوال وقبل أن يصلي اجلمعة ،وال يكره قبل الزوال.
وكذلك قال املالكية :جيوز السفر يوم اجلمعة قبل الزوال ،ولكنه يكره ملن ال يدركها يف طريقه وحيرم ومينع بعد الزوال وقبل الصالة اتفاقا .و
وقال الشافعية واحلنابلة :حيرم على من جتب عليه اجلمعة السفر قبل الزوال وبعده ،إال أن متكنه اجلمعة يف طريقه أو يتضرر بتخلفه عن
وجبت عليه ،فلم جيز له االشتغال مبا مينع منها كاللهو والتجارة.
كذلك كره الشافعية السفر ليلة اجلمعة ،جاء يف اإلحياء للغزايل" :من سافر ليلة اجلمعة دعا عليه ملكان".
-1وقت الظهر:
فتصح فيه فقط ،وال تصح بعده ،وال تقضى مجعة ،فلو ضاق الوقت ،أحرموا ابلظهر ،وال تصح عند اجلمهور غري
احلنابلة قبله أي قبل وقت الزوال ،بدليل مواظبة النيب (ص) على صالة اجلمعة إذا زالت الشمس ،قال أنس رضي هللا
عنه[ :كان رسول هللا )ص( يصلي اجلمعة حني متيل الشمس] ،أي إىل الغروب ،وهو الزوال ،وعلى ذلك جرى
اخللفاء الراشدون فمن بعدهم ،وألن اجلمعة والظهر فرضا وقت واحد ،فلم خيتلف وقتهما ،كصالة احلضر وصالة
السفر.
فقال احلنفية على الراجح :من أدرك اإلمام يوم اجلمعة يف أي جزء من صالته ،صلى معه ما أدرك ،وأكمل اجلمعة،
وأدرك اجلمعة ،حىت وإن أدركه يف التشهد أو يف سجود السهو .وهو رأي أيب حنيفة وأيب يوسف ،لقوله )ص([ :ما
أدركتم فصلوا ،وما فاتكم فاقضوا].
وقال اجلمهور :إذا أدرك الركعة الثانية مع اإلمام ،فقد أدرك اجلمعة ،وأمتها مجعة ،وإن مل يدرك معه الركعة الثانية ،أمتها ظهرا ،إلطالق قوله
-2البلد:
81
أي كوهنا يف مصر جامع ،أو يف مصلى املصر عند احلنفية :وهو كل موضع له أمري وقاض ينفذ األحكام ويقيم احلدود ،هذا يف مشهور ا
أداء اجلمعة فيها .ودليلهم على اشرتاط املصر :ما رواه عبد الرزاق عن علي موقوفا[ :ال مجعة ،وال تشريق إال يف مصر
جامع].
وقال املالكية :كوهنا يف موضع االستيطان ،وهو إما بلد أو قرية ،مبنية أبحجار وحنوها ،أو أبخصاص من قصب أو أعود شجر ،ال خيم
أبهلها عادة ،ابألمن على أنفسهم ،واالكتفاء يف معاشهم عن غريهم .وال حيدون حبد كمائة أو أقل أو أكثر.
وقرر الشافعية :أن تقام اجلمعة يف خطة بلد أو قرية ،وإن مل تكن يف مسجد .وال تلزم اجلمعة يف األظهر أهل اخليام وإن استقروا يف الصح
-3اجلماعة
اجل ماعة شرط ،ملا رواه أبو داود" :اجلمعة حق واجب على كل مسلم يف مجاعة "..وانعقد اإلمجاع على ذلك .وأقل
اجلماعة عند أيب حنيفة وحممد يف األصح :ثالثة رجال سوى اإلمام ،ولو كانوا مسافرين أو مرضى؛ ألن أقل اجلمع
الصحيح إمنا هو الثالث ،واجلماعة شرط مستقل يف اجلمعة ،لقوله تعاىل{ :فاسعوا إىل ذكر هللا} واجلمعة مشتقة من
اجلماعة ،والبد هلم من مذكر وهو اخلطيب .فإن تركوا اإلمام أو نفروا بعد التحرمية قبل السجود ،فسدت اجلمعة،
وصليت الظهر .وإن عادوا وأدركوا اإلمام راكعا ،أو بقي ثالثة رجال يصلون مع اإلمام ،أو نفروا بعد اخلطبة وصلى
اإلمام آبخرين ،صحت اجلمعة ،فوجود اجلماعة :شرط انعقاد األداء ،ال شرط دوام وبقاء إىل آخر الصالة ،وال
يتحقق األداء إال بوجود متام األركان وهي القيام والقراءة والركوع والسجود ،فلو نفروا بعد التحرمية قبل السجود
فسدت اجلمعة ،ويستقبل (يستأنف) الظهر.
وقال املالكية :يشرتط حضور اثين عشر رجال للصالة واخلطبة ،ملا روي عن جابر أن النيب )ص( كان خيطب قائما
يوم اجلمعة ،فجاءت عري (إبل حتمل التجارة) من الشام ،فانتقل الناس إليها ،حىت مل يبق إال اثنا عشر رجال ،فأنزل
هذه اآلية اليت يف اجلمعة[ :وإذا رأوا جتارة أو هلوا ،انفضوا إليها ،وتركوك قائما].
وقال الشافعية واحلنابلة :تقام اجلمعة حبضور أربعني فأكثر ابإلمام من أهل القرية املكلفني األحرار الذكور املستوطنني ،حبيث ال يظع ن م
زرارة كانوا أربعني رجال .وروى البيهقي عن ابن مسعود أنه (ص) مجع ابملدينة وكانوا أربعني رجال .ومل يثبت أنه (ص)
صلى أبقل من أربعني ،فال جتوز أبقل منه .فلو انفض األربعون أو بعضهم يف اخلطبة ،مل تصح اجلمعة؛ ألن َساع
األربعني مجيع أركان اخلطبة مطلوب؛ ألن املقصود من اخلطبة إَساع الناس ،فإن نقصوا عن األربعني قبل متام اجلمعة
استأنفوا ظهرا ومل يتموها مجعة؛ ألن العدد شرط ،فاعترب يف مجيعها كالطهارة.
82
-4كون األمري أو انربه هو اإلمام ،واإلذن العام من اإلمام بفتح أبواب اجلامع للواردين عليه
األول :أن يكون السلطان ولو متغلبا أو انئبه ،أو من أيذن له إبقامة اجلمعة كوزارة األوقاف اآلن هو إمام اجلمعة
وخطيبها؛ ألهنا تقام جبمع عظيم ،وقد تقع منازعة يف شؤون اجلمعة ،فالبد منه تتميما ألمره ،ومنعا من تقدم أحد.
والثاين :اإلذن العام :وهو أن تفتح أبواب اجلامع ويؤذن للناس ابلدخول إذان عاما ،أبن ال مينع أحد ممن تصح منه اجلمعة عن دخول املو
ومل يشرتط غري احلنفية هذين الشرطني ،فال يشرتط إذن اإلمام لصحة اجلمعة ،وال حضوره؛ ألن عليا صلى ابلناس،
وعثمان حمصور ،فلم ينكره أحد ،وصوبه عثمان ،وألن اجلمعة فرض الوقت ،فأشبهت الظهر يف عدم هذين الشرطني.
اشرتط املالكية هذين الشرطني ومها :أن تصلى إبمام مقيم ،فال تصح أفرادا ،وأن يكون مقيما غري مسافر ،ولو مل يكن
متوطنا ،وأن يكون هو اخلطيب إال لعذر يبيح االستخالف كرعاف ونقض وضوء ،وأن يكون حرا فال تصح إمامة
العبد .وال يشرتط أن يكون اإلمام واليا ،خالفا للحنفية.
وأن تكون الصالة جبامع جيمع فيه على الدوام ،فال تصح يف البيوت وال يف رحبة دار ،وال يف خان ،وال يف ساحة من األرض ،ويف اجلملة
اشرتط الشافعية لصحة اجلمعة أال يسبقها وال يقارهنا مجعة يف البلد أو القرية ،إال لكرب البلد وعسر اجتماع الناس يف مكان ،وتعسر االج
ودليل هذا الشرط أن )ص( وصحبه واخللفاء الراشدين والتابعني مل يقيموا سوى مجعة واحدة ،وألن االقتصار على واحدة أدعى لتحقيق
فإن سبقت إحدى اجلمع غريها فهي الصحيحة ،وما بعدها ابطل؛ ألنه ال يزاد على واحدة وإن تقارنتا فهما ابطلتان .والعربة يف السبق و
اتفق الفقهاء على أن اخلطبة شرط يف اجلمعة ،ال تصح بدوهنا ،لقوله تعاىل{ :فاسعوا إىل ذكر هللا} والذكر :هو
اخلطبة ،وألن النيب )ص( مل يصل اجلمعة بدون خطبة وقد قال[ :صلوا كما رأيتموين أصلي] ،وعن عمر وعائشة رضي
هللا عنهما أهنما قاال :قصرت الصالة ألجل اخلطبة .واألصح عند احلنفية :أن اخلطبة ليست قائمة مقام ركعتني ،بل
كشطرها يف الثواب ،ملا ورد به األثر من أول اخلطبة كشطر الصالة.
83
وهي خطبتان قبل الصالة اتفاقا ،واختلف الفقهاء يف شروط اخلطبة.
وقال الشافعية:
للخطبة مخسة أركان أو فروض :محد هللا تعاىل ،والصالة على رسول هللا (ص) ،والوصية ابلتقوى ،وجتب هذه الثالثة
يف كل من اخلطبتني ،وقراءة آية مفهمة يف إحدى اخلطبتني ،والدعاء للمؤمنني واملؤمنات أبمر أخروي.
أما األول وهو احلمد فلما رواه مسلم ،وأما الثاين فألن اخلطبة عبادة ،فتفتقر إىل ذكر هللا تعاىل وذكر رسوله ،كاألذان
والصالة ،وأما الثالث فلما رواه مسلم ،وألن املقصود من اخلطبة الوعظ والتحذير ،وال يتعني لفظ الوصية ابلتقوى على
الصحيح؛ ألن الفرض الوعظ واحلمل على طاعة هللا تعاىل ،فيكفي ما يدل على املوعظة ،طويال كان أو قصريا
كأطيعوا هللا وراقبوه .وأما الرابع :فلما رواه الشيخان ،سواء أكانت اآلية وعدا أم وعيدا أم حكما أم قصة .وأما
اخلامس :فلنقل اخللف له عن سلف .وكون الدعاء يف الثانية؛ ألنه يليق ابخلوامت.
كوهنما قبل الصالة ،وعدم االنصراف عنهما بصارف ،القيام ملن قدر عليه اتباعا للسنة ،وكوهنما ابلعربية ،ويف الوقت
بعد الزوال ،واجللوس بينهما ابلطمأنينة كاجللوس بني السجدتني بقدر سورة اإلخالص استحبااب ،أما القاعد فيفصل
بسكتة ،وإَساع العدد الذي تنعقد به اجلمعة :أبن يرفع اخلطيب صوته أبركاهنما حىت يسمعها تسعة وثالثون غريه
كاملون ،فالبد من اإلَساع والسماع ابلفعل ،ال ابلقوة ،فلو كانوا صما أو بعضهم مل تصح كبعدهم .وإذا كان
اخلطيب من األربعني فيشرتط أن يسمع نفسه ،فلو كان أصم مل يكف.
والوالء بني كلمات كل من اخلطبتني ،وبينهما وبني الصالة اتباعا للسنة ،فال جيوز الفصل الطويل بني اخلطبة
والصالة ،كما قال احلنفية.
وطهارة احلدثني وطهارة النجس يف الثوب والبدن واملكان وسرت العورة ،اتباعا للسنة؛ ألن اخلطبة قائمة مقام
الركعتني ،فتكون مبنزلة الصالة ،حىت يشرتط هلا دخول الوقت ،فيشرتط هلا سائر شروط الصالة من سرت العورة وطهارة
الثوب والبدن واملكان.
84
وأن تقع اخلطبتان يف مكان تصح فيه اجلمعة ،وأن يكون اخلطيب ذاكرا ،وأن تصح إمامته ابلقوم ،وأن يعتقد العامل
الركن ركنا والسنة سنة ،وغري العامل أال يعتقد الفرض سنة.
الدرس الثامن
وأما السنة :فقد تواترت األخبار أن رسول هللا )ص( كان يقصر يف أسفاره حاجا ومعتمرا وغزاي حماراب ،وقال ابن
عمر[ :صحبت النيب )ص( ،،فكان ال يزيد يف السفر على ركعتني ،وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك].
وأمجع أهل العلم على أن من سافر سفرا تقصر يف مثله الصالة ،سواء كان السفر واجبا كسفر احلج إىل املسجد
احلرام واجلهاد واهلجرة والعمرة ،أو مستحبا كالسفر لزايد اإلخوان ،وعياد املرضى ،وزايرة أحد املسجدين :مسجد
املدينة واألقصى ،وزايرة الوالدين أو أحدمها ،أو مباحا كالسفر لنزهة أو فرجة أو جتارة ،أو مكروها على السفر،
مغرب :وهو الزاين غري احملصن الذي ينفى سنة بعد اجللد ،أو مكروها كسفر بنفسه دون مجاعة.
كأسري أو زان َّ
والقصر :هو اختصار الصالة الرابعية إىل ركعتني.
والذي يقصر إمجاعا :هو الصالة الرابعية من ظهر وعصر وعشاء ،دون الفجر واملغرب؛ ألنه إذا اقتصر الفجر ،بقي
منه ركعة ،وال نظري هلا يف الفرض ،وإذا قصر الذي هو وتر النهار ،بطل كونه وترا.
85
روى أمحد عن عائشة رضي هللا عنها[ :فرضت الصالة ركعتني ،إال املغرب ،فإنه وتر النهار ،مث زيدت يف احلضر،
وأقرت يف السفر على ما كانت عليه] .وروى علي بن عاصم عن عائشة حديث يتضمن استثناء صالة املغرب
وصالة الغداة (الصبح) وصالة اجلمعة من جواز القصر.
ترتدد أقوال الفقهاء املعتمدة بني آراء ثالثة :إنه فرض ،إنه سنة ،إنه رخصة خمري فيها املسافر.
قال احلنفية :القصر واجب -عزمية ،وفرض املسافر يف كل صالة رابعية ركعتان ،ال جتوز له الزايدة عليهما عمدا،
وجيب سجود السهو إن كان سهوا ،فإن أمت الرابعية وصلى أربعا ،وقد قعد يف الركعة الثانية مقدار التشهد ،أجزأته
الركعتان عن فرضه ،وكانت الركعتان األخراين له انفلة ،ويكون مسيئا ،وإن مل يقعد يف الثانية مقدار التشهد ،بطلت
صالته ،الختالط النافلة هبا قبل إكماهلا.
ودليلهم أحاديث اثبتة ،منها حديث عائشة[ :فرضت الصالة ركعتني ركعتني ،فأقرت صالة السفر ،وزيد يف
صالة احلضر] وحديث ابن عباس[ :فرض هللا الصالة على لسان نبيكم يف احلضر أربع ركعات ،ويف السفر ركعتني،
ويف اخلوف ركعة].
وقال املالكية على املشهور الراجح :القصر سنة مؤكدة؛ لفعل النيب )ص( ،فإنه مل يصح عنه يف إسفاره أنه أمت
الصالة فقط ،كما يف احلديث املتقدم عن ابن عمر وغريه.
وقال الشافعية واحلنابلة :القصر رخصة على سبيل التخيري ،فللمسافر أن يتم أو يقصر ،والقصر أفضل من
اإلمتام مطلقا عند احلنابلة؛ ألنه )ص( داوم عليه ،وكذا اخللفاء الراشدون من بعده ،وهو عند الشافعية على املشهور
أفضل من اإلمتام إذا وجد يف نفسه كراهة القصر ،أو إذا بلغ ثالث مراحل عند احلنفية تقدر ب 96كم اتباعا للسنة،
وخروجا من خالف من أوجبه كأيب حنيفة .لكن الصوم يف السفر أفضل من الفطر إن مل يتضرر به لقوله تعاىل:
{وأن تصوموا خي ٌر لكم}.
ودليلهم:
86
-2واحلديث السابق عن عمر[ :صدقة تصدق هللا هبا عليكم فاقبلوا صدقته] وقوله )ص([ :إن هللا حيب أن تؤتى
رخصه كما حيب أن تؤتى عزائمه].
-3وثبت يف صحيح مسلم وغريه أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول هللا )ص( ،فمنهم القاصر ،ومنهم املتم،
ومنهم الصائم ومنهم املفطر ،ال يعيب بعضهم على بعض.
-4وقالت عائشة[ :خرجت مع النيب )ص( يف عمرة يف رمضان ،فأفطر وصمت ،وقصر وأمتمت ،فقلت :أبيب
وأمي ،أفطرت وصمت ،وقصرت وأمتمت ،فقال :أحسنت اي عائشة].
احلكمة من القصر :هو دفع املشقة واحلرج الذي قد يتعرض له املسافر غالبا ،والتيسري عليه يف حقوق هللا تعاىل،
ولرتغيب يف أداء الفرائض ،وعدم التنفري من القيام ابلواجب ،فال يبقى ملقصر أو مهمل أو ذريعة يف ترك الصالة.
وسبب مشروعيته القصر :هو السفر الطويل ،املباح عند اجلمهور غري احلنفية.
اختلف الفقهاء يف تقدير مسافة السفر اليت يقصر فيها ،فقال احلنفية :أقل ما تقصر فيه الصالة مسرية ثالثة أايم
ولياليها من أقصر أايم السنة يف البالد املعتدلة ،بسري اإلبل ومشي األقدام ،وال يشرتط سفر كل يوم إىل الليل ،بل
أن يسافر يف كل يوم منها من الصباح إىل الوال (الظهر) ،فاملعترب هو السري الوسط مع االسرتاحات العادية ،فلو
أسرع وقطع تلك املسافة يف أقل من ذلك كما يف وسائل املواصالت احلديثة ،جاز له القصر .فإذا قصد اإلنسان
موضعا بينه وبني مقصده مسرية ثالثة أايم ،جاز له القصر ،فإن مل يقصد موضعا ،وطاف الدنيا من غري قصد إىل
قطع مسرية ثالثة أايم ال يرتخص ابلقصر.
والتقدير بثالث مراحل قريب من التقدير بثالثة أايم؛ ألن املعتاد من السري يف كل يوم مرحلة واحدة ،خصوصا يف
أقصر أايم السنة .وال يصح القصر يف أقل من هذه املسافة ،كما ال يصح التقدير عندهم ابلفراسخ على املعتمد
الصحيح .ودليلهم القياس على مدة املسح على اخلف املقدرة ابلسنة وهي نص حديث[ :ميسح املقيم كمال يوم
وليلة ،واملسافر ثالثة أايم ولياليها].
87
واملعترب يف البحر واجلبل :ما يناسبه أو ما يليق حباله لقطع املسافة ،ففي البحر تعترب تلك املسافة حبسب اعتدال
الريح ،ال ساكنة وال عالية ،ويف اجلبل يعتربالسري فيه بثالثة أايم ولياليها حبسب طبيعته ،وإن كان تلك املسافة يف
السهل تقطع مبا دوهنا.
وقال اجلمهور غري احلنفية :السفر الطويل املبيح للقصر املقدر ابلزمن :يومان معتدالن أو مرحلتان بسري األثقال
ودبيب األقدام ،أي سري اإلبل املثقلة ابألمحال على املعتاد من سري وحط وترحال وأكل وشرب وصالة كاملسافة بني
جدة ومكة أو الطائف ومكة أو من عسفان إىل مكة .ويقدر ابملسافة ذهااب :أبربعة برد أو ستة عشر فرسخا ،أو
مثانية وأربعني ميال هامشيا ،وامليل :ستة آالف ذراع ،كما ذكر الشافعية واحلنابلة ،وقال املالكية على الصحيح :امليل
ثالثة آالف ومخس مئة ذراع ،وتقدر حبوايل ( 89كم) وعى وجه الدقة 88،704 :كم مثان ومثانني كيلو وسبعمائة
وأربعة أمتار ،ويقصر حىت لو قطع تلك املسافة بساعة واحدة ،كالسفر ابلطائرة والسيارة وحنوها؛ ألنه صدق عليه أنه
سافر أربعة برد.
ودليلهم :قول النيب (ص)[ :اي أهل مكة ،ال تقصروا يف أقل من أربعة برد،من مكة إىل عسفان] وما روي عن ابن
عباس رضي هللا عنهما :كاان يصليان ركعتني ويفطران يف أربعة ب رد ،فما فوق ،وألن يف هذا القدر تتكرر مشقة الشد
والرتحال ،وفيما دونه ال تتكرر.
وهذا املسافة عند الشافعية حمددة متاما ،فيضر نقص املسافة مهما قل .وهي تقريبا ال حتديدا عند احلنابلة واملالكية،
فال يضر عند احلنابلة نقصان املسافة عن هذا املقدار بشيء قليل كميل أو ميلني ،وال يضر عند املالكية نقصان مثانية
أميال.
شروط القصر
-1أن يكون السفر طويال مقدرا مبسرية مرحلتني أو يومني أو ستة عشر فرسخا عند اجلمهور ،أو ثالث مراحل أو
ثالثة أايم بلياليها عند احلنفية ،على اخلالف السابق بيانه.
88
-2أن يكون السفر مباحا غري حمرم أو حمظور كالسفر للسرقة أو لقطع الطريق ،وحنو ذلك ،يف رأي اجلمهور غري
احلنفية .فإن قصر املرء يف سفر املعصية ال تنعقد صالته عند الشافعية واحلنابلة؛ ألنه فعل ما يعتقد حترميه كمن صلى
وهو يعتقد أنه حمدث ،ويصح القصر مع اإلمث عند املالكية.
وال يقصر عند احلنابلة لسفر مكروه ،ويقصر عند املالكية والشافعية.
ويرى احلنفية :أنه جيوز القصر يف السفر احملرم واملكروه واملباح كما بينا ،ويقصر لسفر التجارة والتنزه والتفرج ،ولزايرة
املساجد واآلاثر ،والقبور ،وهو الصحيح عند احلنابلة يف زايرة القبور.
-3جماوزة العمران من موضع إقامته :كما بينا ،وللفقهاء تفريعات يف توضيح هذا الشرط.
فقال احلنفية :أن جياوز بيوت البلد اليت يقيم فيها من اجلهة اليت خرج منها ،وإن مل جياوزها من جانب آخر .وأن جياوز
كل البيوت ولو كانت متفرقة مىت كان أصلها من البلد ،وأن جياوز ما حول البلد من مساكن ،والقرى املتصلة ابلبلد.
ويشرتط أن جياوز الساحة (الفناء) املتصلة مبوضع إقامته :وهو املكان املعد لصاحل السكان كركض الدواب ودفن
املوتى وإلقاء الرتاب.
وال يشرتط أن تغيب البيوت عن بصره ،وبال جماوزة البيوت اخلربة ،وال جماوزة البساتني؛ ألهنا ال تعترب من العمران ،وإن
اتصلت ابلبناء أو سكنها أهل البلدة.
فاحلضري :الساكن يف مدينة أو بلد أو قرية ولو ال مجعة فيها ،ال يقصر إال إذا جاوز بنياهنا والفضاء الذي حوهلا
والبساتني املتصلة هبا ولو حكما :أبن يرتفق أو ينتفع سكاهنا هبا بنار أو خبز أو طبخ ،وابملسكونة أبهلها ولو يف
بعض العام .وال يشرتط جماوزة املزارع والبساتني املنفصلة ،أو غري املسكونة يف وقت من العام.
والبدوي :ساكن البادية أو اخليام ،ال يقصر إال إذا جاوز مجيع خيام أو بيوت القبيلة أو القبائل املتعاونة فيما بينها،
ولو كانت متفرقة ،حيث مجعهم اسم احلي والدار( ،)2أو الدار فقط.
وقال الشافعية :إن كان للبلد أو القرية سور ،فأول السفر جماوزة السور ،وإن كان وراءه عمارة يف األصح.
89
وإن مل يكن للبلد أو القرية سور :فأول السفر جماوزة آخر العمران ،وإن ختلله هنر أو بستان أو خراب ،حىت ال
يبقى بيت متصل أو منفصل عن حمل اإلقامة ،وال يشرتط جماوزة اخلراب املهجور اخلارج عن العمران؛ ألنه ليس حمل
إقامة ،كما ال يشرتط جماوزة البساتني واملزارع ،وإن اتصلت مبا سافر منه .والبد من جماوزة املقابر املتصلة ابلقرية اليت
ال سور هلا.
وساكن اخليام :يقصر إن جاوز احللَّة ،أي البيوت اليت جيتمع أهلها فيها للسمر ،ويستعري بعضهم من يعض،
سواء أكانت جمتمعة أم متفرقة ،وجاوز أيضا مرافق اخليام كمطرح الرماد وملعب الصبيان ومرابط اخليل؛ ألهنا معدودة
من مواضع إقامتهم.
ويعترب مع جماوز اإلقامة املرافق عرض الوادي إن سافر يف عرضه ،وجماوزة املهبط إن كان يف ربوة (مرتفع)،
واملصعد إن كان يف وهدة (منخفض) ،هذا إن اعتدلت الثالثة (الوادي واملهبط واملصعد) ،فإن اتسعت اكتفى مبجاوزة
احللة عرفا.
وساكن غري األبنية واخليام يبتدئ سفره مبجاوزة حمل رحله ومرافقه .هذا كله يف شفر الرب ،أم السفر يف
البحر :فيبتدئ من أول حت رك أو جري السفينة أو الزورق ،فإن جرت السفينة حماذية لألبنية اليت يف البلدة فالبد من
جماوزة تلك األبنية .وينتهي السفر بوصوله سور وطنه ،أو عمرانه إن كان غري مسور.
وقال احلنابلة :يقصر املسافر إذا فارق خيام قومه ،أو بيوت قريته العامرة ،سواء أكانت داخل السور أم
خارجه ،مبا يعد مفارقة عرفا؛ ألن هللا تعاىل إمنا أابح القصر ملن ضرب يف األرض ،وسواء اتصل هبا بيوت خربة أو
صحراء ،فإن اتصل ابلبيوت اخلربة بيوت عامرة أو بساتني يسكنها أهلها ولو ضيقا مثال وقت النزهة ،فال يقتصر إال
مبفارقة اجلميع من اخلراب والعامر والبساتني املسكونة.
ولو كان للبلد حمال ،كل حملة منفردة عن األخرى ،كبغداد يف املاضي ،فمىت خرج من حملته ،أبيح له القصر
إذا فارق أهله .وإن كان بعضها متصال ببعض كاتصال أحياء املدن املعاصرة ،مل يقصر حىت يفارق مجيعها.
-4أن يقصد من ابتداء السفر موضعا معينا ،وعزم أن يقطع مسافة القصر من غري تردد فال قصر وال فطر هلائم:
وهو من خرج على وجهه ال يدري أين يتوجه ،وال ملن خرج يطلب أبقا أو حيواان هاراب ،أو غرميا يرجع مىت وجده،
وال لسائح ال يقصد مكاان معينا ،كما ال قصر ملن طاف األرض كلها من غري قصد إىل قطع مسافة املطلوبة؛ ألنه مل
90
يقصد قطع املسافة ،وكذلك ال يقصر عند اجلمهور إذا نوى قطع املسافة ونوى اإلقامة أثناءها مبا يقطع السفر ،كما
سنبني.
وقال احلنفية :له أن يقصر حىت يقيم ابلفعل ،وال تضر نية اإلقامة السابقة ،وهذا هو املعقول األوىل ابالتباع.
-5االستقالل ابلرأي :فمن كان نابعا غريه ممن هو مالك أمره كالزوجة مع زوجها ،واجلندي مع أمريه ،واخلادم مع
سيده والطالب مع أستاذه ،وال يعرف كل واحد منهم مقصده ،ال يقصر؛ ألن شرط قصد موضع معني مل يتحقق.
وهذا الشرط عند الشافعية مقيد مبا قبل قطع مسافة القصر ،فإن قطعوا مسافة القصر ،قصروا ،وإن مل يقصر املتبوعون
لتيقن طول سفرهم.
وأضاف الشافعية :أن التابع إن نوى الرجوع من سفره مىت ختلص من التبعية ،كاجلندي إذا شطب اَسه،
واخلادم إذا ترك اخلدمة ،ال يقصر حىت يقطع مسافة القصر وهي املرحلتان أو اليومان.
أما عند احلنفية فهذا الشرط مطلق ،فليس للتابع القصر ما مل ينو متبوعه السفر .وال يلزم التبع إبمتام الصالة
إال إن علم بنية املتبوع اإلقامة يف األصح ،فلو صلى خمالفا له قبل علمه صحت يف األصح.
-6أال يقتدي من يقصر مبقيم أو مبسافر يتم الصالة ،أو مبشكوك السفر عند الشافعية واحلنابلة :فإن فعل ذلك
وجب عليه إمتام الصالة ،ولو اقتدى به يف التشهد األخري.
لكن احلنفية مل جييزوا اقتداء املسافر ابملقيم إال يف الوقت ،فيتم صالته؛ ألن فرضه يتغري من اثنتني إىل أربع.
أما بعد خروج الوقت فال جيوز له االقتداء ابملقيم؛ ألن فرضه استقر يف ذمته ركعتني فقط ،فال يعترب فرضه إىل أربع بعد
خروج الوقت ،فإن خالف واقتدى به بطلت صالته.
-7أن ينوي القصر عند اإلحرام ابلصالة :وهذا شرط عند الشافعية واحلنابلة؛ ألن األصل اإلمتام ،وإطالق النية
ينصرف إليه ،فكان البد من نية القصر.
واكتفى املالكية ابشرتاط نية القصر يف أول صالة يقصرها يف السفر ،وال يلزم جتديدها فيما بعدها من
الصلوات كنية الصيام أول رمضان ،فإهنا تكفي عن ابقي الشهر.
أما احلنفية :فاكتفوا بنية السفر قبل الصالة ،فمىت نوى السفر ،كان فرضه القصر ركعتني ،فال ينويه عند
اإلحرام لكل صالة.
91
-8البلوغ :شرط عند احلنفية ،فال يقصر الصيب الصالة يف السفر .ومل يشرتطه مجهور الفقهاء ،فيصح للصيب
القصر؛ ألن كل من له قصد صحيح ،ونوى سفرا يبلغ املسافة املقررة يقصر.
-9اشرتط الشافعية :أن يدوم سفره من أول الصالة إىل آخرها :فإن انتهت به سفينته إىل حمل إقامته ،أو سارت به
منها ،أو شك هل نوى اإلقامة ،أو هل هذه البلدة اليت وصلها هي بلده أو ال ،وهو يف أثناء الصالة يف اجلميع ،أمت
صالته ،لزوال سبب الرخصة ،أو الشك يف زواله.
ينتهي سفر املسافر ،وميتنع القصر ،وجيب اإلمتام بنية اإلقامة يف موضع أثناء سفره مدة معينة بيناها ( 15يوما عند
احلنفية ،و 4أايم عند املالكية والشافعية ،وأكثر من 4أايم عند احلنابلة) ،وابلرجوع فعال إىل حمل إقامته املعتادة،
وبغريها من حاالت أخرى مقررة يف املذاهب.
ملا روي عن أيب هريرة أنه [صلى مع النيب )ص( إىل مكة يف املسري واملقام مبكة إىل أن رجعوا ركعتني] ومبا أنه مل حيدد
النص مدة اإلقامة فقد اختلف الفقهاء يف تقدير املدة:
فقال احلنفية:
ميتنع القصر بنية اإلقامة ولو يف الصالة ما مل خيرج وقتها ومل يكن الحقا مدة نصف شهر ( 15يوما) كاملة
فأكثر ،فإن ىن اإلقامة أقل من هذه املدة ولو بساعة ،أو نواها بعد أن خرج الوقت وهو فيها ،أو كان الحقا مدركا
اإلمام أول الصالة ،واإلمام مسافر ،فأحدث أو انم ،فانتبه بعد فراغ اإلمام ،ونوى اإلقامة ،مل يتم الصالة ،وإمنا
يقصرها ولو بقي سنني مسافرا؛ ألن اإلقامة ال تتحقق أبقل من نصف الشهر ،وألن الواجب بعد خروج الوقت استقر
يف الذمة كما هو يف الوقت ،وألن الالحق يف احلكم كأنه خلف اإلمام.
وقال املالكية:
ميتنع القصر بنية اإلقامة أربعة أايم صحاح غري يومي الدخول واخلروج ،تستلزم عشرين صالة ،وإال فال ،أو
العلم إبقامة األربعة األايم عادة يف حمل ما ،أبن كانت عادة القافلة أن تقيم يف ذلك احملل أربعة أايم ،فإنه يتم .فإن مل
92
جتب عليه العشرون صالة ،كأن دخل بلدا قبل فجر السبت مثال ،ونوى اإلقامة إىل غروب يوم الثالاثء ،وخرج قبل
العشاء ،قصر ،ومل ينقطع حكم سفره؛ ألنه وإن كانت األربعة األايم صحاحا ،إال أنه مل جيب عليه عشرون صالة.
وإن مل يقم أربعة أايم كأن دخل بلدا قبل العصر ومل يكن صلى الظهر ،ونوى االرحتال بعد صبح اليوم
اخلامس ،مل ينقطع حكم سفره؛ ألنه وإن وجب عليه عشرون صالة ،إال أنه مل يقم إال ثالثة أايم صحاح.
وقال الشافعية:
ميتنع القصر إذا نوى املسافر إقامة أربعة أايم نامة بلياليها ،أو نوى اإلقامة مطلقا ،غري يومي الدخول
وا خلروج ،على الصحيح ،مبوضع صاحل لإلقامة أو غري صاحل كصحراء على األصح ،فإن نوى أقل من أربعة أايم،
قصر .وإن كانت له حاجة وجزم أبهنا ال تقضى يف أربعة أايم ،أمت ومل يقصر ،سواء نوى اإلقامة أم ال.
أما إن أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حتققت حاجة يتوقعها كل وقت ،فله القصر إىل مثانية عشر يوما ،كما
ذكران.
وقال احلنابلة:
ميتنع القصر لو نوى املسافر إقامة مطلقة أبن مل جيدها بزمن معني ،ولو يف مكان غري صاحل لإلقامة كبادية
ودار حرب ،أو نوى إقامة أكثر من عشرين صالة ،أو أكثر من أربعة أايم مع يومي الدخول واخلروج ،وأمت صالته.
سأحبث هذه احلالة يف ضوء املصطلحات احلديثة لإلقامة والوطن ابالعتماد على اصطالح الفقهاء يف املاضي،
واالصطالحات احلديثة هي ما يلي:
أ -الوطن :هو إقليم الدولة اليت ينتمي إليها وحيمل جنسيتها حبسب التقسيم اإلقليمي للدول املعاصرة .وهذا املفهوم
ال صلة له ببحثنا.
ب -حمل اإلقامة الدائمة :هو حمل العمل الذي يسكن فيه ،أو حمل املعيشة.
ج -حمل امليالد :هو البلد الذي ولد ونشأ فيه ،وفيه أهله وعشريته ،ويشمل هذين االثنني عند احلنفية :الوطن األصلي
إذ هو موطن الوالدة ،أو التزوج أو التوطن.
93
د -حمل اإلقامة املؤقتة :هو املكان الذي يقيم فيه لفرتة زمنية أو ملهمة قد تطول وقد تقصر ،ويقابله عند احلنفية (وطن
اإلقامة) إذا كانت نصف شهر فأكثر ،ووطن السكىن إذا أقام دون نصف شهر.
ه -بلد الزوجة :هو البلد الذي له فيه زوجة إما الزوجة الوحيدة أو الثانية ويدخل حتت مفهوم الوطن األصلي.
قال احلنفية:
الوطن األصلي :هو الذي ولد فيه أو تزوج ،أو مل يتزوج وقصد التعيش فيه ،ال االرحتال عنه.
ووطن اإلقامة :موضع نوى اإلقامة فيه نصف شهر فما فوقه.
ووطن السكىن :هو ما ينوي اإلقامة دون نصف شهر ،وهذا مل يعتربه احملققون يف حالة تغيري املوطن.
إذا دخل املسافر بلدة أي حمل إقامته الدائمة ،أمت الصالة ،وإن مل ينو اإلقامة فيه ،كأن دخله لقضاء حاجته؛ ألنه
معني لإلقامة ،وقد زال سبب الرخصة وهو السفر .هذا إن سار مدة الشفر ( 3أايم ابلياليها) ،وإال أبن رجع إىل بلده
قبل قطع مسافة السفر ،أمت مبجرد نية العودة ،لعدم حتقق السفر اجمليز للقصر .وإذا فيجب عليه اإلمتام يف هاتني
احلالتني :العودة للوطن ،ونية العودة قبل قطع مسافة القصر ،فإن عاد بعد قطع مسافة القصر ،يقصر حىت يعود لبلده
ابلفعل.
وقال املالكية:
94
الوطن :هو حمل اإلقامة الدائمة صيفا وشتاء .وميتنع القصر برجوعه إىل وطنه ،وإىل موضع نوى اإلقامة فيه مطلقا ،أو
أربعة أايم صحيحة ،أو حلاجة ال تنقضي إال يف املدة املذكورة ،كما ميتنع القصر بنية الرجوع إىل وطنه أو ابلرتدد فيه
وهو ماكث غري سائر ،ومستقل غري نابع ،ولو مبحل ال يصلح لإلقامة كمفازة ،من دون مسافة القصر ،فإن نوى
الرجوع وهو سائر أو نابع لغريه كالزوجة لزوجها فيقصر حىت يرجع فعال.
وقال احلنابلة:
من رجع إىل الوطن الذي سافر منه ،أو نوى الرجوع قبل قطع مسافة القصر ،فال يقصر وإمنا يتم الصالة ،كما أنه
مر (أي مسافر) بوطنه ،ولو مل يكن له حاجة سوى املرور؛ ألنه يف حكم املقيم إذ ذاك.
يتمها إذا ّ
قضاء الصالة الفارتة يف السفر
من فاتته صالة يف السفر قضاها يف احلضر ركعتني ،كما فاتته يف السفر ،ومن فاتته صالة يف احلضر قضاها يف السفر
أربعا؛ ألنه بعدما تقرر ال يتغري؛ وألن القضاء حبسب األداء.
الصالة الفائتة يف احلضر ،تقضى أربعا سواء يف السفر أم يف احلضر؛ ألن القصر رخصو من رخص السفر ،فيبطل
بزواله كاملسح ثالثة أايم ،وألهنا ثبتت يف ذمته نامة ،وفائتة السفر تقضى مقصورة يف السفر دون احلضر ،يف األظهر
عند الشافعية؛ ألهنا وجبت يف السفر ،فينظر إىل وجود السبب.
مشروعية اجلمع
جي وز عند اجلمهور غري احلنفية اجلمع بني الظهر والعصر تقدميا يف وقت األوىل ،وأتخريا يف وقت الثانية ،واجلمعة
كالظهر يف مجع التقدمي ،وبني املغرب والعشاء تقدميا وأتخريا أيضا يف السفر الطويل كما يف القصر ( 89كم).
95
فالصلوات اليت جتمع :الظهر والعصر ،واملغرب والعشاء يف وقت إحدامها ويسمى اجلمع يف وقت الصالة
األوىل :مجع تقدمي ،واجلمع يف وقت الصالة الثانية :مجع أتخري .واألفضل عدم اجلمع خروجا من اخلالف ،ولعدم
مداومته النيب )ص( عليه ،ولو كان أفضل ألدامه كالقصر.
ودليل مجع التأخري :الثابت يف الصحيحني عن أنس وابن عمر رضي هللا عنهما ،أما حديث األول ،فقال
أنس :كان رسول هللا )ص( إذا رحل قبل أن تزيغ -متيل ظهرا -الشمس ،أخر الظهر إىل وقت العصر ،مث نزل جيمع
بينهما ،فإن زاغت قبل أن يرحتل صلى الظهر ،مث ركب.
ودليل مجع التقدمي :الصحيح من حديث معاذ رضي هللا عنه :أن النيب )ص ( كان يف غزوة تبوك إذا ارحتل
بعد املغرب عجل العشاء فصالها مع املغرب.
وقال احلنفية :ال جيوز اجلمع إال يف يوم عرفة للمحرم ابحلج مجع تقدمي بني الظهر والعصر أبذان واحد
وإقامتني؛ ألن العصر يؤدى قبل وقته املعهود ،فيفرد ابإلقامة إعالما للناس .ويف ليلة املزدلفة مجع أتخري بني املغرب
والعشاء أبذان واحد وإقامة واحدة؛ ألن العشاء يف وقتها فلم حتتج لإلعالم .واحتجوا أبن مواقيت الصالة تثبت
ابلتواتر ،فال جيوز تركها خبرب الواحد.
اتفق اجمليزون اجلمع تقدميا وأتخريا على جوازه يف أحوال ثالثة :هي السفر ،واملطر وحنوه من الثلج والربد ،واجلمع بعرفة
واملزدلفة ،واختلفوا فيما سواها ،ويف شروط صحة اجلمع.
فقال املالكية :أسباب اجلمع بني الظهر والعصر ،واملغرب والعشاء تقدميا وأتخريا ستة :هي السفر ،واملطر،
والوحل مع الظلمة ،واملرض كاإلغماء وحنوه ،ومجع عرفة ،ومزدلفة ،وكلها يرخص هلا اجلمع جوازا للرجل أو املرأة ،إال
مجع عرفة ومزدلة ،فهو سنة.
الرب ال يف
أما السفر :فيجوز فيه اجلمع مطلقا ،سواء أكان طويال أم قصريا يف مسافة القصر ،إذا كان يف ّ
البحر ،قصرا للرخصة على موردها ،وكان غري عاص ابلسفر وغري الهٍ.
-1أن تزول عليه الشمس (يدخل الظهر) وهو مسافر يف مكان نزوله لالسرتاحة.
96
-2أن ينوي االرحتال قبل وقت العصر ،والنزول لالسرتاحة بعد غروب الشمس فإن نوى االسرتاحة قبل اصفرار
الشمس ،صلى الظهر فقط ،وأخر العصر وجواب لوقتها االختياري ،فإن قدمه أجزأته الصالة.
أما اجلمع بسبب املطر والثلج والربد الذائبني :فاألظهر جوازه تقدميا ملن صلى جبماعة يف مسجد بعيد ،وأتذى ابملطر
يف طريقه ،واملذهب اجلديد منع مجع التأخري فيه؛ ألن استدامة املطر غري متيقنة فقد ينقطع ،فيؤدي إىل إخراج الصالة
عن وقتها من غري عذر.
ودليلهم على جواز مجع التقدمي :ما يف الصحيحني عن ابن عباس[ :صلى بنا رسول هللا )ص( ابملدينة الظهر والعصر،
واملغرب والعشاء مجيعا] زاد مسلم [من غري خوف وال سفر] .وشرط جواز التقدمي :وجود املطر عند السالم من
الصالة األوىل ،ليتصل املطر أبول الثانية ،فالبد من امتداده بينهما ،وال يضر انقطاعه فيما عدا ذلك.
وجيمع العصر مع اجلمعة يف املطر مجع تقدمي ،وإن مل يكن موجودا حال اخلطبة؛ ألهنا ليست من الصالة.
واملشهور يف املذهب عدم جواز اجلمع بسبب الوحل والريح والظلمة واملرض حلديث املواقيت للصالة ،وال جيوز خمالفته
إال بنص صريح.
الدرس التاسع
-1صالة العيدين
سبب التسميةَ :سي العيد هبذا االسم؛ ألن هلل تعاىل فيه عوائد اإلحسان أي أنواع اإلحسان العائدة على عباده يف
كل عام ،منها الفطر بعد املنع عن الطعام وصدقة الفطر ،وإمتام احلج بطواف الزايرة ،وحلوم األضاحي وغريها؛ وألن
العادة فيه الفرح والسرور والنشاط واحلبور غالبا بسبب ذلك وأصل معىن "عيد" لغة :عود ،والعود هو الرجوع ،فهو
يعود ويتكرر ابلفرح كل عام.
97
أدلة مشروعية صالة العيد
شرعت صالة العيد يف السنة األوىل من اهلجرة ،بدليل ما روى أنس[ :قدم رسول هللا )ص( املدينة ،وهلم يومان
يلعبون فيهما ،فقال :ما هذان اليومان ؟ قالوا :كنا نلعب فيهما يف ابجلاهلية ،فقال رسول هللا )ص( :إن هللا قد
أبدلكما خريا منهما :يوم األضحى ،ويوم الفطر].
وأدلة مشروعيتها :الكتاب والسنة واإلمجاع :أما الكتاب :فقوله تعاىل{ :فص ّل لربّك واحنر}[الكوثر ]2 /108
املشهور يف التفسري :أن املراد بذلك صالة العيد أي صالة األضحى والذبح.
وأما السنة :فثبت أن رسول هللا )ص( ابلتواتر كان يصلي صالة العيدين .وأول عيد صاله )ص( عيد الفطر يف السنة
الثانية من اهلجرة .قال ابن عباس( :شهدت صالة الفطر مع رسول هللا )ص( وأيب بكر وعمر ،فكلهم يصليها قبل
اخلطبة) وعنه (أن النيب )ص( صلى العيد بغري أذان وال إقامة)(.)1
حكمها الفقهي
يرتدد حكم صالة العيدين بني آراء ثالث :كوهنا فرض كفاية ،أو واجب ،أو سنة.
فقال احلنابلة يف ظاهر املذهب :صالة العيد فرض كفاية ،إذا أقام هبا من يكفي سقطت عن الباقني ،أي كصالة
السري ،وكان النيب )ص( واخللفاء بعده
اجلنازة ،لآلية السابقة {فص ّل لربّك واحنر} هي صالة العيد يف املشهور يف ّ
يداومون عليها ،وألهنا من أعالم الدين الظاهرة ،فكانت واجبة كاجلهاد ،ومل جتب عينا على كل مسلم ،حلديث
األعرايب اآليت[ :إال أن تطَّوع] املقتضي نفي وجوب صالة ،سوى اخلمس ،وإمنا وجب العيد بفعل النيب )ص( ،ومن
صلى معه.
فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعني بال عذر ،قاتلهم اإلمام كاألذان؛ ألهنا من شعائر اإلسالم الظاهرة ،ويف
تركها هتاون ابلدين.
وقال احلنفية يف األصح :جتب صالة العيدين على من جتب عليه اجلمعة بشرائطها املتقدمة سوى اخلطبة،
فإهنا سنة بعدها .ودليلهم على الوجوب :مواظبة النيب )ص( عليها.
98
وقال املالكية والشافعية :هي سنة مؤكدة تلي الوتر يف التأكيد ،ملن جتب عليه اجلمعة :وهو الذكر البالغ احلر
املقيم ببلد اجلمعة ،أو النائي عنه كبعد فرسخ ( 5544م) منه ،وال تندب عند املالكية لصيب وامرأة وعبد ومسافر مل
ينو إقامة تقطع حكم السفر ،وندبت لغري املرأة الشابة ،وال تندب حلاج وال ألهل مىن ،ولو غري حاجني.
والتهنئة ابلعيد واألعوام واألشهر مشروعة مباحة ،ال سنة فيها وال بدعة.
قال احلنفية :كل ما هو شرط وجوب اجلمعة وجوازها فهو شرط وجوب صالة العيدين ،وجوازها ،من اإلمام
واجلماعة ،واملصر ،والوقت ،إال اخلطبة فإهنا سنة بعد الصالة ،ولو تركها جازت صالة العيد.
أما اإلمام أي حضور السلطان أو احلاكم أو انئبه :فهو شرط أداء العيد كاجلمعة ،ملا ثبت يف السنة ،وألنه لو
مل يشرتط السلطان ،ألدى إىل الفتنة ،بسبب جتمع الناس ،وتنازعهم على التقدم لإلمامة ملا فيها من الشرف والعلو
والرفعة.
وأما املصر :فلقول علي موقوفا ع ليه( :ال مجعة وال تشريق ،وال صالة فطر ،وال أضحى ،إال يف مصر جامع
أو مدينة عظيمة).
وأما الوقت :فإهنا ال تؤدى إال يف وقت خمصوص ،كما جرى به التوارث عن السلف.
والذكورة والعقل والبلوغ واحلرية وصحة البدن واإلقامة من شرائط وجوهبا ،كما هي من شرائط وجوب
اجلمعة ،فال جتب على النسوان والصبيان واجملانني والعبيد بدون إذن مواليهم ،وال على الزمىن واملرضى واملسافرين ،كما
ال جتب عليهم اجلمعة.
أما احلنابلة فقالوا :يشرتط لصحة صالة العيد االستيطان أربعني عدد اجلمعة وال يشرتط هلا إذن ،ويفعلها
املسافر والعبد واملرأة واملنفرد تبعا ألهل وجوهبا.
وقتها
99
اتفق الفقهاء على أن وقت صالة العيد :هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رحمني ،أي بعد حوايل نصف ساعة
من الطلوع ،إىل قبيل الزوال أي قبل دخول وقت الظهر ،وهو وقت صالة الضحى؛ للنهي عن الصالة عند طلوع
الشمس ،فتحرم عند الشروق ،وتكره بعدها عند اجلمهور ،فإذا صلوا قبل ارتفاع الشمس قدر رمح ال تكون عند
احلنفية صالة عيد ،بل نفال حمرما.
تعجيل الصالة وأتخريها :يسن تعجيل صالة األضحى يف أول وقتها حبيث يوافق احلجاج مبىن يف ذحبهم،
وأتخري صالة الفطر عن أول وقتها قليال ،ملا روى الشافعي مرسال أن النيب )ص( كتب إىل عمرو بن حزم ،وهو
عجل األضحى ،وأخر الفطر ،وذ ّكر الناس] وألنه يتسع بذلك وقت األضحية ،ووقت صدقة الفطر.
بنجران[ :أن ّ
موضع أداء صالة العيد
للفقهاء رأاين متقارابن ،فقال اجلمهور غري الشافعية :موضعها يف غري مكة :املصلى (الصحراء خارج البلد ،على أن
يكون قريبا من البلد عرفا عند احلنابلة) ال املسجد ،إال من ضرورة أو عذر ،وتكره يف املسجد ،بدليل فعل النيب
)ص( ،والكراهة ملخالفة فعله عليه السالم .فإن كان عذر مل تكره ،لقول أيب هريرة[ :أصابنا مطر يف يوم عيد ،فصلى
بنا النيب )ص( يف املسجد] وروي أن عمر وعثمان رضي هللا عنهما صليا يف املسجد يف املطر.
أما يف مكة :فاألفضل فعلها يف املسجد احلرام ،لشرف املكان ،ومشاهدة الكعبة ،وذلك من أكرب شعائر
الدين.
وقال الشافعية :فعل صالة العيد يف املسجد أفضل؛ ألنه أشرف وأنظف من غريه ،إال إذا كان مسجد البلد
ضيقا ،فالسنة أن تصلى يف املصلى ،ملا روي أن النيب )ص( كان خيرج إىل املصلى ،وألن الناس يكثرون يف صالة
العيد ،وإذا كان املسجد ضيقا أتذى الناس .قال الشافعي رمحه هللا :فإن كان املسجد واسعا ،فصلى يف الصحراء فال
أبس ،وإن كان ضيقا ،فصلى فيه ومل خيرج إىل املصلى ،كرهت.
صالة العيد ركعتان ابالتفاق ،لقول عمر رضي هللا عنه[ :صالة األضحى ركعتان ،وصالة الفطر ركعتان،
وصالة السفر ركعتان ،وصالة اجلمعة ركعتان متام غري قصر على لسان نبيكم ،وقد خاب من افرتى] وهي تشمل بعد
اإلحرام على تكبريات :ثالث عند احل نفية ،وست يف األوىل ومخس يف الثانية عند املالكية واحلنابلة ،وسبع يف األوىل
100
ومخس يف الثانية عند الشافعية قبل القراءة يف الركعتني إال عند احلنفية يف الركعة الثانية يكون التكبري بعد القراءة،
ويندب بعد الفاحتة قراءة سورتني مها عند اجلمهور{ :سبح اسم ربك األعلى}و{الغاشية} ،ولكن عند املالكية يقرأ
يف الثانية سورة {والشمس} وحنوها ،وعند الشافعية {ق} و{اقرتبت} .وال يؤذَّن هلا وال يقام ،ملا روي عن ابن
عباس رضي هللا عنهما قال[ :شهدت العيد مع رسول هللا )ص( ومع أيب بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم ،فكلهم
صلى قبل اخلطبة بغري أذان وال إقامة] والسنة أن ينادى هلا (الصالة جامعة) ملا روي عن الزهري أنه كان ينادى به
وقياسا على صالة الكسوف.
الكسوف واخلسوف :شيء واحد ،ويقال هلما كسوفان وخسوفان ،واألشهر يف تعبري الفقهاء :ختصيص الكسوف
ابلشمس واخلسوف ابلقمر.
والكسوف :هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه يف النهار حليلولة ظلمة القمر بني الشمس واألرض.
واخلسوف :هو ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليال حليلولة ظل األرض بني الشمس والقمر .وال حيدث عادة كسوف
الشمس إال يف االستسرار آخر الشهر إذا اجتمع النريان ،كما ال حيدث خسوف القمر إال يف اإلبدار ،إذا تقابل
النريان.
ّ
مشروعية صالة الكسوفني
صالة الكسوف واخلسوف سنة اثبتة مؤكدة ابتفاق الفقهاء ،بدليل قوله تعاىل{ :ومن آايته اللَّيل والنَّهار
والشَّمس والقمر ال تسجدوا للشَّمس وال للقمر واسجدوا َّّلِل الَّذي خلقه َّن} أي أنه يصلى عند كسوفهما .وقوله
)ص( يوم مات ابنه إبراهيم[ :إن الشمس والقمر آيتان من آايت هللا ،ال ينكسفان ملوت أحد ،وال حلياته فإذا رأيتم
ذلك ،فصلوا وادعوا ،حىت ينكشف ما بكم].
وهي مشروعة حضرا وسفرا للرجال والنساء ،أي يف حق كل من هو خماطب ابملكتوابت اخلمس؛ ألنه )ص(
فعلها لكسوف الشمس ،كما رواه الشيخان ،وخلسوف القمر ،كما رواه ابن حبان يف كتاىب الثقات ،وللصبيان
والعجائز حضورها كاجلمعة والعيدين .ويؤمر هبا من جتب عليه اجلمعة اتفاقا.
وإمنا مل جتب خلرب الصحيحني املتقدم[ :هل علي غريها ؟ -أي اخلمس -قال :ال ،إال أن تطََّّوع].
101
وتصلى مجاعة أو فرادى ،سرا أو جهرا ،خبطبة أو بال خطبة ،على التفصيل اآليت بني املذاهب ،لكن فعلها يف مسجد
اجلمعة واجلماعة أفضل؛ ألن النيب )ص( صلى يف املسجد.
وال يشرتط هلا إذن اإلمام ،كصالة االستسقاء؛ ألن كال منهما انفلة ،وليس إذنه شرطا يف انفلة.
كيفيتها
رأي احلنفية:
صالة الكسوف ركعتان كهيئة الصلوات األخرى من صالة العيد واجلمعة والنافلة ،بال خطبة وال أذان وال إقامة ،وال
تكرار ركوع يف كل ركعة ،بل ركوع واحد ،وسجدنان ،ملا رواه أبو داود يف سننه[ :أنه عليه الصالة والسالم صلى
ركعتني ،فأطال فيهما القيام ،مث انصرف ،واجنلت الشمس ،فقال :إمنا هذه اآلايت خيوف هللا تعاىل هبا عباده ،فإذا
رأيتموها فصلوا ،كأحدث صالة صليتموها من املكتوبة] قال الكمال بن اهلمام :وهي الصبح ،فإن كسوف الشمس
كان عند ارتفاعها قدر رحمني.
رأي اجلمهور:
صالة الكسوف ركعتان ،يف كل ركعة قيامان ،وقراءنان وركوعان ،وسجودان .والسنة أو األكمل أن يقرأ يف
القيام األول بعد الفاحتة سورة البقرة أو حنوها يف ابلطول ،ويف القيام الثاين بعد الفاحتة دون ذلك أي بقدر مائيت آية
مثل آل عمران ،ويف القيام الثالث بعد الفاحتة دون ذلك ،أي بقدر مائة ومخسني آية ،مثل النساء ،ويف القيام الرابع
بعد الفاحتة دون ذلك بقدر مائة تقريبا مثل املائدة.
فيقرأ أوال املقدار األول ،مث يركع ،مث يرفع ،ويقرأ املقدار الثاين ،مث يركع مث يرفع ،مث يسجد كما يسجد يف
غريها ،ويطيل الركوع ،والسجود يف الصحيح عند الشافعية ،ويكرر ذلك يف الركعة الثانية.
ودليل اجلمهور على تعدد الركوع اثنني :حديث عبد هللا بن عمرو ،قال[ :ملا كسفت الشمس على عهد النيب )ص(
نودي أن (الصالة جامعة) ،فركع النيب )ص( ركعتني يف سجدة ،مث قام فركع ركعتني يف سجدة ،مث جلي عن الشمس،
قالت عائشة :ما ركعت ركوعا قط ،وال سجدت سجودا قط ،كان أصول منه].
-3صالة االستسقاء
االستسقاء :لغة :طلب السقيا ،وشرعا :طلب السقي من هللا تعاىل مبطر عند حاجة العباد إليه على صفة خمصوصة
أي بصالة وخطبة واستغفار ومحد وثناء.
وسببه :قلة األمطار ،وشح املياه ،والشعور ابحلاجة لسقي الزرع وشرب احليوان ،وحيدث اجلفاف عادة ابتالء
من هللا تعاىل ،بسبب غفلة الناس عن رهبم ،وتفشي املعاصي بينهم ،فيحتاج األمر للتوبة واالستغفار والتضرع إىل هللا
تعاىل ،فإذ فعل العباد ذلك ،تفضل عليهم خالقهم وأنعم عليهم إبنزال املطر ،كما قص علينا القرآن الكرمي من دعاء
األنبياء نوح وموسى وهود عليهم السالم إلغاثة أقوامهم ،قال تعاىل عن نوح{ :ف قلت است غفروا ربَّكم إنَّه كان غ َّفارا
َّات وجيعل لكم أن هارا} وقال عن موسى{ :وإذ السماء عليكم مدرارا وميددكم أبمو ٍال وبنني وجيعل لكم جن ٍ
ي رسل َّ
استسقى موسى لقومه ف قلنا اضرب بعصاك احلجر }..وقال عن هود{ :واي ق وم است غفروا ربَّكم مثَّ ت وب وا إليه ي رسل
السماء عليكم مدرارا ويزدكم ق َّوةً إىل ق َّوتكم}.
َّ
مشروعية صالة االستسقاء
قال أبو حنيفة رمحه هللا :ليس يف االستسقاء صالة مسنونة يف مجاعة ،فإذا صلى الناس فرادى أو وحداان ،جاز من
غري كراهة؛ ألهنا نفل مطلق ،وإمنا االستسقاء :دعاء واستغفار؛ ألنه السبب إلرسال األمطار ،بال مجاعة مسنونة ،وبال
لسماء عليكم
خطبة ،وبال قلب رداء ،وبال حضور ذمي ،لقوله تعاىل{ :ف قلت است غفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّارا ي رسل ا َّ
مدرارا} ورسول هللا )ص( استسقى ،ومل يرو عنه الصالة.
وقال مجهور الفقهاء منهم الصاحبان :صالة االستسقاء سنة مؤكدة حضرا وسفرا ،عند احلاجة ،اثبتة بسنة رسول هللا
)ص( وخلفائه ،رضي هللا عنهم .وتكرر يف أايم اثنيا واثلثا وأكثر ،إن أتخر السقي ،حىت يسقيهم هللا تعاىل ،فإن هللا
حيب امللحني يف الدعاء.
103
ودليل سنيتها أحاديث متعددة منها حديث ابن عباس :أن النيب )ص( صلى يف االستسقاء ركعتني ،كصالة العيد.
اتفق اجلمهور غري أيب حنيفة على أن صالة االستسقاء ركعتان جبماعة يف ابملصلى ابلصحراء خارج البلد ،بال أذان وال
إقامة ،وإمنا ينادى هلا (الصالة جامعة)؛ ألنه )ص( مل يقمها إال يف الصحراء ،وهي أوسع من غريها يف املصلى ،وجيهر
فيهما ابلقراءة ،كصالة العيد ،بعدد تكبرياته عند الشافعية واحلنابلة بعد االفتتاح قبل التعوذ ،سبعا يف الركعة األوىل،
ومخسا يف الثانية برفع يديه ووقوفه بني كل تكبريتني كآية معتدلة ،قال ابن عباس( :سنة االستسقاء سنة العيدين)
فتسن يف الصحراء ،مع تكبري العيد ،بال أذان وال إقامة؛ ألهنا صالة شرع هلا االجتماع واخلطبة.
وأما وقتها :فليس هلا وقت معني ،وال ختتص بوقت العيد ،إال أهنا ال تفعل يف وقت النهي عن الصالة ،بغري خالف؛
ألن وقتها متسع ،فال حاجة إىل فعلها يف وقت النهي .ويسن فعلها أول النهار ،وقت صالة العيد ،حلديث عائشة:
[أنه )ص( خرج حني بدا حاجب الشمس] ،وألهنا تشبه صالة العيد يف املوضع والصفة ،فكذلك يف الوقت؛ ألن
وقتها ال يفوت بزوال الشمس؛ ألهنا ليس هلا يوم معني ،فال يكون هلا وقت معني.
واملكلف هبا :الرجال القادرون على املشي ،وال يؤمر هبا النساء والصبيان غري املميزين على املشهور عند املالكية ،وقال
الشافعية واحلنابلة :يندب خروج األطفال والشيوخ والعجائز ،ومن ال هيئة هلا من النساء ،واخلنثى القبيح املنظر؛ ألن
دعاءهم أقرب إىل اإلجابة ،إذ الكبري أرق قلبا ،والصغري ال ذنب عليه ،ولقوله )ص([ :وهل ترزقون وتنصرون إال
بضعفائكم] .ويكره خروج الشاابت والنساء ذوات اهليئة ،خوف الفتنة.
-1أيمر اإلمام الناس ابلتوبة من املعاصي ،والتقرب إىل هللا تعاىل بوجوه الرب واخلري من صدقة وغريها ،واخلروج من
املظامل وأداء احلقوق؛ ألن ذلك أرجى لإلجابة ،قال تعاىل{ :واي قوم استغفروا ربكم مث توبوا إليه ،يرسل السماء عليكم
مدراراً} ،وألن املعاصي واملظامل سبب القحط ومنع القطر ،والتقوى سبب الربكات ،لقوله تعاىل{ :ولو أن أهل القرى
آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض} ،وأيمر اإلمام أيضاً بصيام ثالثة أايم متتابعة قبل صالة االستسقاء،
وخيرج الناس يف آخر صيامها ،أو يف اليوم الرابع إىل الصحراء صياماً فتصري أايم الصيام أربعة؛ ألنه وسيلة إىل نزول
الغيث ملا فيه من الرايضة واخلشوع ،وقد روي[ :ثالثة ال ترد دعوهتم ،الصائم حىت يفطر ،واإلمام العادل واملظلوم].
104
-2أن خيرج اإلمام والناس مشاة إىل االستسقاء يف الصحراء ثالثة أايم متتابعة ،إال يف مكة واملدينة وبيت املقدس،
فيجتمعون يف املسجد احلرام ،واملسجد النبوي ،واملسجد األقصى.
-3التنظيف لالستسقاء بغسل وسواك وإزالة رائحة وتقليم أظفار وحنوه ،لئال يؤذي الناس ،وهو يوم جيتمعون له
كاجلمعة.
-4خيرج املرء إىل املصلى متواضعاً متذلالً ،متخشعاً (خاضعاً) متضرعاً (مستكيناً) متبذالً (يف ثياب بذلة) ،حلديث
ابن عباس السابق[ :خرج النيب )ص( لالستسقاء متذلالً متواضعاً متخشعاً ،حىت أتى املصلى].
-5التوسل أبهل الدين والصالح والشيوخ والعلماء املتقني والعجائز واألطفال والدواب ،حتصيالً للتحنن ،وإظهار
الضجيج ابحلاجات ،كما بينا سابقاً ،ويسن لكل من حضر أن يستشفع سراً خبالص عمله.
-6اخلروج إىل املصلى يف الصحراء :حلديث عائشة[ :شكا الناس إىل رسول هللا )ص( قحوط املطر ،فأمر مبنرب،
فوضع له يف املصلى] ،وألن اجلمع يكثر ،فكان املصلى أرفق هبم.
-7الدعاء ابملأثور يف اخلطبة كما بينا ،وعند نزول الغيث ،ملا روى البيهقي [أن الدعاء يستجاب يف أربعة مواطن:
عند التقاء الصفوف ،ونزول الغيث ،وإقامة الصالة ورؤية الكعبة] وملا روى البخاري عن عائشة [أن النيب )ص( كان
إذا رأى املطر ،قال :صيباً انفعاً] أي مطراً شديداً .وجمموع الدعاء عند نزول املطر من أحاديث متفرقة[ :اللهم صيّباً
هنيئاً ،وسيباً -أي عطاء -انفعاً ،مطران بفضل هللا ورمحته] ويقول عند التضرر بكثرة املطرة[ :اللهم حوالينا وال علينا،
اللهم على اآلكام والظراب ،وبطون األدوية ومنابت الشجر] [اللهم سقيا رمحة وال سقيا عذاب ،وال حمق وال بالء،
وال هدم وال غرق].
-4صالة الوتر
الوتر مطلوب ابإلمجاع ،لقوله )ص([ :اي أهل القرآن أوتروا فإن هللا وتر حيب الوتر] ،وكان واجباً على النيب )ص(،
حلديث[ :ثالث كتنب علي ومل تكتب عليكم ،الضحى ،واألضحى ،والوتر].
وهو واجب كصالة العيدين عند أيب حنيفة ،سنة مؤكدة وآكد السنن عند الصاحبني وبقية الفقهاء .
استدل أبو حنيفة بقوله (ص)[ :إن هللا تعاىل زادكم صالة ،أال وهي الوتر،
105
فصلوها ما بني العشاء إىل طلوع الفجر] وهو أمر واألمر للوجوب ،وإمنا مل يكفر جاحده ابتفاق احلنفية ؛ ألن وجوبه
ثبت بسنة اآلحاد ،وهو معمى ما روي عنه أنه سنة .وبناء عليه ال جيوز عنده أداؤه قاعداً أو على الدابة بال عذر.
الوتر عند أيب حنيفة كاجلمعة والعيدين واجب على كل مسلم ،ذكرا أو أنثى ،بعد أن يصبح أهالً للوجوب ،حلديث
أيب أيوب السابق[ :الوتر حق واجب على كل مسلم ،فمن أحب أو يوتر خبمس فليوتر ،ومن أحب أن يوتر بثالث
فليفعل ،ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر].
مقداره وكيفيته
الوتر عند احلنفية ثالث ركعات ،ال يفصل بينهن بسالم ،وسالمه يف آخره ،كصالة املغرب ،حىت لو نسي قعود
التشهد األول ،ال يعود إليه ،ولو عاد فسدت الصالة .حلديث عائشة [ :كان رسول هللا )ص( يوتر بثالث ،ال يسلم
إال يف آخرهن].
وال جيوز بدون نية الوتر ،فينويه ثالث ركعات ،ويقرأ الفاحتة وسورة يف الركعات الثالث ،ويتشهد تشهدين :األول
واألخري ،وال يقرأ دعاء االستفتاح يف بداية الركعة الثالثة ن ويكرب ويرفع يديه مث يقنت بعد القراءة قبل الركوع الثالثة ،
وابنتهائه يسلم مييناً ومشاالً ،ففيه تكبرية إحرام واحدة ،وسالم واحد.
وقت الوتر
وقته عند اجلمهور :ما بعد صالة العشاء إىل طلوع الفجر ،فال يصح أداؤه قبل صالة العشاء ،فلو أوتر قبل العشاء
عمداً أو سهواً مل يعتد به .
وعند أيب حنيفة :وقته وقت العشاء ،إال أنه شرع مرتباً عليه ،فال جيوز أداؤه قبل صالة العشاء ،مع أنه
وقته ،لعدم شرطه ،وهو الرتتيب ،إال إذا كان انسياً ،فلو صاله قبل العشاء انسياً مل يعده .وقال الصاحبان
وغريمها :يعيد ،بدليل اخلرب [ :إن هللا أمدكم بصالة هي خري لكم من محر النعم ،وهي الوتر ،فجعلها لكم من
العشاء إىل طلوع الفجر].
106
ووقته املختار عند الشافعية إىل نصف الليل ،والباقي وقت جواز ،وإذا مجع العشاء مع املغرب مجع تقدمي،
كان له أن يوتر وإن مل يدخل وقت العشاء .فإن أوتر ،مث هتجد ،مل يعد الوتر أي ال يسن له إعادته خلرب [ :ال وتران
.
يف ليلة]
وكذلك األفضل عند احلنابلة :فعل الوتر يف آخر الليل ،فهذا متفق عليه ،خلرب مسلم السابق[ :من خاف أال يقوم من
آخر الليل ]...وخرب الشيخني السابق[ :اجعلوا آخر صالتكم ابلليل وتراً ،فإن خاف أال يقوم من آخر الليل
استحب أو يوتر أوله] وهذا متفق عليه أيضاً ؛ ألن النيب (ص) أوصى أاب هريرة وأاب ذر وأاب الدرداء ابلوتر قبل النوم ،
وقال[ :من خاف أال يقوم آخر الليل ،فليوتر من أوله].
ومن أوتر من الليل ،مث قام للتهجد ،فاملستحب عند احلنابلة أن يصلي مثىن مثىن ،وال ينقص وتره ،
ومعناه أنه إذا قام للتهجد صلى ركعة تشفع الوتر األول ،مث يصلي مثىن مثىن ،مث يوتر يف آخر التهجد ،لقول النيب
)ص([ :اجعلوا آخر صالتكم ابلليل وتراً] وهذا خمالف لرأي اجلمهور السابق.
احكام الصيام
تعريف الصوم
الصوم لغة :اإلمساك والكف عن الشيء ،يقال صام عن الكالم أي أمسك عنه ،قال تعاىل عن مرمي{ :إين نذرت
للرمحن صوما} أي صمتا وإمساكا عن الكالم ،وقال العرب :صام النهار :إذا وقف سري الشمس وسط النهار عند
الظهرية.
وشرعا :هو اإلمساك هنارا عن املفطّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إىل غروب الشمس.
فضل رمضان
107
رمضان سيد الشهور ،فيه بدأ نزول القرآن ،وهو شهر الطاعة والرب واإلحسان وشهر املغفرة والرمحة والرضوان ،فيه ليلة
القدر اليت هي خري من ألف شهر ،وبه عون املؤمن على أمر دينه وطلب إصالح دنياه ،وهو موسم تكثر فيه
مناسبات إجابة الدعاء.
[ -1سيد الشهور رمضان ،وسيد األايم يوم اجلمعة] [لو يعلم العباد ما يف شهر رمضان لتمىن أن يكون شهر رمضان
.
سنة]
[ -2إذا جاء رمضان فتّحت أبواب اجلنة ،وغلّقت أبواب النار ،وص ّفدت الشياطني].
أنواع الصيام
وهو ثالثة أقسام :منه ما جيب للزمان نفسه وهو صوم شهر رمضان ،ومنه ما جيب لعلة وهو صيام الكفارات ،ومنه ما
جيب إبجياب اإلنسان ذلك على نفسه ،وهو صيام النذر.
والصوم الالزم عند احلنفية نوعان :فرض وواجب .والفرض نوعان :معني كصوم رمضان أداء ،وغري معني كصوم
رمضان قضاء ،وصوم الكفارات ،ولكنه أي األخري فرض عمال ،ال اعتقادا ،ولذا ال يكفر جاحده.
والواجب نوعان :معني كالنذر املعني ،وغري املعني كالنذر املطلق ،وكقضاء ما أفسده من صوم النفل.
108
بغري إذن زوجها أو علمها برضاه إال إذا مل يكن حمتاجا هلا كأن كان غائبا أو حمرما حبج أو عمرة أو معتكفا ،خلرب
الصحيحني[ :ال حيل المرأة أن تصوم ،وزوجها شاهد إال إبذنه] وألن حق الزوج فرض ،فال جيوز تركه لنفل ،فلو
صامت بغري إذنه صح ،وإن كان حراما كالصالة يف دار مغصوبة ،وللزوج أن يفطرها ،لقيام حقه واحتياجه .وهذا
الصوم مكروه تنزيها عند احلنفية.
وهو يوم الثالثني من شعبان إذا تردد الناس يف كونه من رمضان ،وللفقهاء عبارات متقاربة يف حتديده ،واختلفوا يف
حكمه ،مع اتفاقهم على عدم الكراهة وإابحة صومه إن صادف عادة للمسلم بصوم تطوع كيوم االثنني أو اخلميس.
فقال احلنفية :و آخر يوم من شعبان يوم الثالثني إذا شك بسبب الغيم أمن رمضان هو أو من شعبان .فلو كانت
السماء صحوا ومل ير اهلالل أحد فليس بيوم شك.
وحكمه :أنه مكروه حترميا إذا نوى أنه من رمضان أو من واجب آخر.
وقال املالكية على الشهور :إنه يوم الثالثني من شعبان إذا كان ابلسماء يف ليلته (أي ليلة الثالثني) غيم ،ومل ير هالل
رمضان .فإن كانت السماء صحوا مل يكن يوم شك؛ ألنه إذا مل تثبت رؤية هالل رمضان ،كان اليوم من شعبان
جزما .وهذا كمذهب احلنفية.
وقال الشافعية :يوم الشك :هو يوم الثالثني من شعبان يف حال الصحو ،إذا حتدث الناس برؤية اهلالل ليلته ،ومل يعلم
من رآه ،ومل يشهد برؤيته أحد ،أو شهد هبا صبيان أو عبيد أو فسقة أو نساء ،وظن صدقهم ،أو شهد عدل ومل
يكتف به .وليس إطباق الغيم بشك ،كما أنه إذا مل يتحدث أحد من الناس ابلرؤية فليس بشك ،بل هو يوم من
شعبان ،وإن أطبق الغيم ،خلرب الصحيحني املتقدم[ :فإن غم عليكم ،فأكملوا عدة شعبان ثالثني].
وقال احلنابلة :يوم الشك :هو يوم الثالثني من شعبان إذا مل ير اهلالل ليلته ،مع كون السماء صحوا ال علة فيها من
غيم أو قرت وحنومها ،أو شهد برؤية اهلالل من ردت شهادته لفسق وحنوه ،فهم يف حتديده كالشافعية.
واخلالصة :أن صوم يوم الشك مكروه عند اجلمهور ،حرام عند الشافعية.
109
مكروه حترميا عند احلنفية ،حرام ال يصح عند ابقي األئمة سواء أكان الصوم فرضا أم نفال ،ويكون عاصيا إن قصد
صيامها ،وال جيزئه عن الفرض ملا روى أبو هريرة[ :أن رسول هللا )ص( هنى عن صيام يومني :يوم فطر ،ويوم أضحى]
والنهي عند غري احلنفية يقتضي فساد املنهي عنه وحترميه .وروى مسلم يف صحيحه عن النيب )ص([ :أايم مىن أايم
أكل وشرب وذكر هللا تعاىل] .وقصر املالكية حترمي صوم التشريق على يومني بعد األضحى ،وقال اجلمهور :ثالثة أايم
بعده ،وأما صوم اليوم الرابع عند املالكية فمكروه فقط.
وحترمي الصوم يف أايم العيدين عند الشافعية ،ولو ملتمتع ابحلج والعمرة ،للنهي عن صيامها كما رواه أبو داود إبسناد
صحيح .واستثىن اجلمهور (احلنفية واملالكية واحلنابلة) حال احلج للمتمتع والقارن ،فأجازوا هلما صيامهما ،لقول ابن
عمر وعائشة[ :مل يرخص يف أايم التشريق أن يصمن إال ملن مل جيد اهلدي].
حرام وال يصح وال ينعقد ،كما أبنت يف مبحث احليض والنفاس ،وعليهما قضاء الصوم دون الصالة.
-5قال الشافعية :حيرم صوم النصف األخري من شعبان الذي منه يوم الشك ،إال لورد أبن اعتاد صوم الدهر أو
صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معني كاالثنني فصادف ما بعد النصف ،أو نذر مستقر يف ذمته،أو قضاء لنفل أو
فرض ،أو كفارة ،أو وصل صوم ما بعد النصف مبا قبله ،ولو بيوم النصف.
ودليلهم حديث[ :إذا انتصف شعبان ،فال تصوموا] ومل أيخذ به احلنابلة وغريهم لضعف احلديث يف رأي أمحد.
هو صوم الدهر ،وإفراد يوم اجلمعة ابلصوم ،وإفراد يوم السبت ،وصوم يوم الشك وصوم يوم أو يومني قبل رمضان
عند اجلمهور ،وحيرم األخريان عند الشافعية ،والراجح عند املالكية عدم كراهة صوم الدهر وإفراد اجلمعة ابلصوم.
والكراهة فيهما عند غري املالكية تنزيهية.
110
التطوع :التقرب إىل هللا تعاىل مبا ليس بفرض من العبادات ،مأخوذ من قوله تعاىل{ :ومن تطوع خريا} ،وقد يعرب عنه
ابلنافلة كما يف الصالة ،لقوله تعاىل{ :ومن الليل فتهجد به انفلة لك} وال شك أن الصوم من أفضل العبادات ،ففي
الصحيحني[ :من صام يوما يف سبيل هللا ،ابعد هللا تعاىل وجهه عن النار سبعني خريفا] ويف احلديث املتقدم[ :كل
عمل ابن آدم له ،إال الصوم فإنه يل ،وأان أجزي به].
أفضل صوم التطوع صيام ،وإفطار يوم ،خلرب الصحيحني[ :أفضل صوم داود ،كان يصوم يوما ،ويفطر يوما] وفيه [ال
أفضل من ذلك].
واألفضل أن تكون األايم البيض أي أايم الليايل البيض ،وهي الثالث عشر والرابع عشر ،واخلامس عشر ،وَسيت بيضا
البيضاضها ليال ابلقمر ،وهنارا ابلشمس ،وأجرها كصوم الدهر ،بتضعيف األجر ،احلسنة يعشر أمثاهلا من غري حصول
املضرة أو املفسدة اليت يف صيام الدهر .ودليلها ما روى أبو ذر أن النيب )ص( قال له[ :إذا صمت من الشهر ثالثة
أايم ،فصم اثلث عشرة ،ورابع عشرة ،وخامس عشرة] وروي [أن النيب )ص( كان يصوم عدة ثالثة أايم من كل
شهر].
لقول أسامة بن زيد [إن النيب )ص( كان يصوم االثنني واخلميس ،فسئل عن ذلك فقال :إن أعمال الناس تعرض يوم
االثنني ومي اخلميس].
ولو متفرقة ،ولكن تتابعها أفضل عقب العيد مبادرة إىل العبادة ،وحيصل له ثواهبا ولو صام قضاء أو نذرا أو غري ذلك،
فمن صامها بعد أن صام رمضان ،فكأهنا صام الدهر فرضا ،ملا روى أبو أيوب [من صام رمضان ،مث أتبعه ستا من
شوال ،فذاك صيام الدهر].
111
-5صوم يوم عرفة
وهو ناسع ذو احلجة لغري احلاج ،خلرب مسلم[ :صيام يوم عرفة أحتسب على هللا أنه يكفر السنة اليت قبلها ،والسنة
اليت بعده] وهو أفضل األايم خلرب مسلم[ :ما من يوم أكثر من أن يعتق هللا فيه من النار يوم عرفة] ،أما قوله )ص(:
[خري يوم طلعت فيه الشمس يوم اجلمعة] فمحمول على غري يوم عرفة بقرينة ما ذكر.
أما احلاج فال يسن له صوم يوم عرفة ،بل يسن له فطره وإن كان قواي.
هن رسول هللا سلى هللا عليه وسلم :صيام عاشوراء ،والعشر ،وثالثة أايم من كل
لقول حفصة[ :أربع مل يكن يدع َّ
شهر ،والركعتني قبل الغداة] وقد تقدم يف حبث (صالة العيدين) أحاديث تدل على فضيلة العمل يف عشر ذي احلجة
عموما ،والصوم مندرج حتتها.
ومها التاسع من شهر احملرم ،ويسن اجلمع بينهما ،حلديث ابن عباس مرفوعا[ :لئن بقيت إىل قابل ألصومن التاسع
والعاشر] ويتأكد صيام عاشوراء لقوله )ص( فيه[ :أحتسب على هللا أن يكفر السنة اليت قبلها] وإمنا مل جيب صومه
خلرب الصحيحني[ :إن هذا اليوم يوم عاشوراء ،ومل يكتب عليكم صيامه ،فمن شاء فليصم ،ومن شاء فليفطر] ومحلوا
األخبار الواردة ابألمر بصومه على أتكيد االستحباب.
وهي أربع :ثالث متوالية :وهي ذو القعدة وذو احلجة واحملرم ،وواحد منفرد وهو رجب ،وهي أفضل الشهور للصوم
بعد رمضان ،وأفضل األشهر احملرم :احملرم ،مث رجب ،قم ابقي احلرم ،مث بعد احلرم شعبان.
-9صوم شعبان
حلديث أم سلمة :أن النيب )ص( مل يكن يصوم من السنة شهرا ناما إال شعبان يصل به رمضان وعن عائشة قالت:
[مل يكن النيب )ص ( يصوم أكثر من شعبان ،فإنه كان يصومه كله] وكره قوم صوم النصف األخري من شعبان ،وقال
الشافعية :ال يصح صومه ،للحديث املتقدم[ :إذا انتصف شعبان فال تصوموا].
112
مىت جيب الصوم؟
األول :النذر
أبن ينذر املرء صوم يوم أو شهر تقراب إىل هللا تعاىل ،فيجب عليه إبجيابه على نفسه ،ويكون سبب صوم املنذور هو
النذر ،فلو عني شهرا أو يوما ،وصام شهرا أو يوما قبله عنه ،أجزأه ،لوجود السبب ،ويلغو التعيني.
الثاين :الكفارات
عن معصية ارتكبها املرء ،كالقتل اخلطأ ،وحنث اليمني ،وإفطار رمضان ابجلماع هنارا ،والظهر ،ويكون سبب الصوم
هو القتل أو احلنث أو اإلفطار ،أو املظاهرة.
الثالث :شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو هنار على املختار عند احلنفية ،فيكون السبب شهود الشهر.
وجيب صوم رمضان :إما برؤية هالله إذا كانت السماء صحوا ،أو إبكمال شعبان ثالثني يوما إذا وجد غيم أو غبار
غم عليكم
وحنومها ،لقوله تعاىل{ :فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وقوله )ص([ :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن ّ
فأكملوا عدة شعبان ثالثني] ويف لفظ البخاري[ :الشهر تسع وعشرون ليلة ،فال تصوموا حىت تروه ،فإن غم عليكم
فأكملوا العدة ثالثني] ويف لفظ ملسلم[ :أنه ذكر رمضان ،فضرب بيديه ،فقال :الشهر هكذا وهكذا وهكذا ،مث عقد
إهبامه يف الثالث ،صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فاقدروا ثالثني] وقد يقع مقص أي تسعة وعشرين
يوما مدة شهرين أو ثالثة أو أربعة ،كما يف شرح مسلم للنووي ،وال تثبت بقية توابع رمضان كصالة الرتاويح ووجوب
اإلمساك على من أصبح مفطرا إال برؤية اهلالل ،أو إكمال شعبان ثالثني يوما.
ترتدد أقوال الفقهاء يف طرق إثبات هالل رمضان وشوال بني اجتاهات ثالثة :رؤية مجع عظيم ،ورؤية مسلمني عدلني،
ورؤية رجل عدل واحد.
113
أ -إذا كانت السماء صحوا :فالبد من رؤية مجع عظيم إلثبات رمضان ،والفطر أو العيد ،ومقدار اجلمع :من يقع
العلم الشرعي (أي غلبة الظن) خبربهم ،وتقديرهم مفوض إىل رأي اإلمام يف األصح؛ واشرتاط اجلمع ألن املطلع متحد
يف ذلك احملل ،واملوانع منتفية ،واألبصار سليمة ،واهلمم يف طلب اهلالل مستقيمة ،فالتفرد يف الرؤية من بني اجلم الغفري
– مع ذلك – ظاهر يف غلط الرأي.
ب -وأما إذا مل تكن السماء صحوا بسبب غيم أو غبار وحنوه :اكتفى اإلمام يف رؤية اهلالل بشهادة مسلم واحد
عدل عاقل ابلغ( ،والعدل :هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور احلال يف الصحيح ،رجال كان أو امرأة ،حرا
أم غريه ،ألنه أمر ديين ،فأشبه رواية األخبار .وال يشرتط يف هذه احلالة أن يقول" :أشهد" وتكون الشهادة يف مصر
أمام القاضي ،ويف القرية يف املسجد بني الناس.
وجتوز الشهادة على الشهادة ،فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى اهلالل.
ومن رأى اهلالل وحده ،صام ،وإن مل يقبل اإلمام شهادته ،فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة.
وقال املالكية يثبت هالل رمضان ابلرؤية على أوجه ثالثة هي ما أييت:
-1أن يراه مجاعة كثرية وإن مل يكونوا عدوال :وهم كل عدد يؤمن يف العادة تواطؤهم على الكذب .وال يشرتط أن
يكونوا ذكورا أحرارا عدوال.
-2أن يراه عدالن فأكثر :فيثبت هبما الصوم والفطر يف حالة الغيم أو الصحو .والعدل :هو الذكر احلر البالغ العاقل
الذي مل يرتكب معصية كبرية ومل يصر على معصية صغرية ،ومل يفعل ما خيل ابملروءة .فال جيب الصوم يف حالة الغيم
برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتني على املشهور ،وحيب الصوم قطعا على الرائي يف حق نفسه .وجتوز الشهادة بناء
على شهادة العدلني إذا نقل اخلرب عن كل واحد اثنان ،وال يكفي نقل واحد .وال يشرتط يف إخبار العدلني أو غريهم
لفظ "أشهد".
-3أن يراه شاهد واحد عدل :فيثبت الصوم والفطر له يف حق العمل بنفسه أو يف حق من أخربه ممن ال يعتين أبمر
اهلالل ،وال جيب على من ال يعتين أبمر اهلالل الصوم برؤيته ،وال جيوز اإلفطار هبا ،فال جيوز للحاكم أن حيكم بثبوت
اهلالل برؤية عدل فقط .وال يشرتط يف الواحد الذكورة وال احلرية .فإن كان اإلمام هو الرائي وجب الصوم واإلفطار.
114
وقال الشافعية :تثبت رؤية اهلالل لرمضان أو شوال أو غريمها ابلنسبة إىل عموم املاس برؤية شخص عدل ،ولو
مستور احلال ،سواء أكانت السماء مصحية أم ال ،بشرط أن يكون الرائي عدال مسلما ابلغا عاقال حرا ذكرا ،وأن
أييت بلفظ "أشهد" فال تثبت برؤية الفاسق والصيب واجملنون والعبد واملرأة .ودليلهم :أن ابن عمر رضي هللا تعاىل عنهما
رأى اهلالل ،فأخرب رسول هللا )ص( بذلك ،فصام وأمر الناس بصيامه وعن ابن عباس رضي هللا عنهما ،قال[ :جاء
أعرايب إىل رسول هللا )ص( فقال :إين رأيت هالل رمضان ،فقال :أتشهد أن ال إله إال هللا ؟ قال :نعم ،قال :أتشهد
أن حممدا رسول هللا ؟ قال :نعم ،قال :اي بالل ،أذن يف الناس ،فليصوموا غدا] واملعىن يف ثبوته ابلواحد االحتياط
للصوم.
أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم ،ولو مل يكن عدال (أي فاسقا) أو كان صبيا أو امرأة أو كافرا ،أو مل يشهد عند
القاضي ،أو شهد ومل تسمع شهادته ،كما جيب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته.
وإذا صمنا برؤية عدل ،ومل نر اهلالل بعد ثالثني ،أفطران يف األصح ،وإن كانت السماء صحوا ،لكمال العدد حبجة
شرعية.
وقال احلنابلة :يقبل يف إثبات هالل رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهرا وابطنا ذكرا أو أنثي حرا أو عبدا ،ولو مل
يقل :أشهد أو شهدت أين رأيته ،فال يقبل قول مميز وال مستور احلال لعدم الثقة بقوله يف الغيم والصحو ،ولو كان
صوم الناس بقول ابن عمر ،ولقبوله خرب
الرائي يف مجع كثري ومل يره منهم غريه .ودليلهم احلديث املتقدم أنه )ص( َّ
األعرايب السابق به ،وألمه خرب ديين وهو أحوط ،وال هتمة فيه ،خبالف آخر الشهر ،والختالف حال الرائي واملرأي،
فلو حكم حاكم بشهادة واحد ،عمل هبا وجواب .وال يعترب لوجوب الصوم لفظ الشهادة ،وال خيتص حباكم ،فيلزم
الصوم من َسعه من عدل .وال جيب على من رأى اهلالل إخبار الناس أو أن يذهب إىل القاضي أو إىل املسجد.
وجيب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غريه ،لعموم احلديث[ :صوموا لرؤيته] وال يفطر إال مع الناس؛ ألن
الفطر ال يباح إال بشهادة عدلني .وإن رأى هالل شوال وحده مل يفطر حلديث أيب هريرة يرفعه قال[ :الفطر يوم
يفطرون ،واألضحى يوم يضحون] والحتمال خطئه وهتمته ،فوجب االحتياط .وتثبت بقية األحكام إذا ثبت رؤية
هالل رمضان بواح د من وقوع الطالق املعلق به ،وحلول آجال الديون املؤجلة إليه ،وغريها كانقضاء العدة واخليار
املشروط ومدة اإليالء وحنوها تبعا للصوم.
وال جيب الصوم –كما تقدم -ابحلساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما ،لعدم استناده ملا يعول عليه شرعا.
115
واخلالصة :أن احلنفية يشرتطون إلثبا ت هالل رمضان وشوال رؤية مجع عظيم إذا كانت السماء صحوا ،وتكفي رؤية
العدل الواحد يف حال الغيم وحنوه .وال بد عند املالكية من رؤية عدلني أو أكثر ،وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم
يف حق من ال يهتم أبمر اهلالل.
وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية واحلنابلة ،ولو مستور احلال عند الشافعية ،وال يكفي املستور عند احلنابلة ،كما
ال بد عند احلنابلة من رؤية هالل شوال من عدلني إلثبات العيد.
-1اإلسالم :شرط وجوب عند احلنفية ،شرط صحة عند اجلمهور ،فال جيب الصوم على الكافر ،وال يطالب
ابلقضاء عند األولني ،وال يصح صوم الكافر حبال ولو مرتدا عند اآلخرين ،وليس عليه القضاء عندهم أيضا .ومنشأ
اخلالف :خماطبة الكفار بفروع الشريعة ،فعند احلنفية :إن الكفار غري خماطبني بفروع الشريعة اليت هي عبادات ،وعند
اجلمهور :الكفار خماطبون بفروع الشريعة يف حال كفرهم مبعىن أنه جيب عليهم اإلسالم ،مث الصوم ،إذ ال يصح الصوم
ألنه عبادة بدنية حمضة تفتقر إىل النية ،فكان من شرطه اإلسالم كالصالة ،ويزاد يف عقوبتهم يف اآلخرة يف مضاعفة
العذاب يف اآلخرة ،فعند احلنفية :العذاب واحد على الكفر ،وعند اجلمهور يضاعف العذاب على الكفر وعلى ترك
التكاليف الشرعية.
فإن أسلم الكافر يف شهر رمضان ،صام ما يستقبل من بقية شهره ،وليس عليه قضاء ما سبق ابالتفاق ،لقوله تعاىل:
{قل للذين كفروا :إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف} ،وألن يف إجياب قضاء ما فات يف حال الكفر تنفريا عن
اإلسالم .والردة متنع صحة الصوم ،لقوله تعاىل{ :لئن أشركت ليحبطن عملك}.
-3-2البلوغ والعقل :فال جيب الصوم على صيب وجمنون ومغمى عليه وسكران ،لعدم توجه اخلطاب التكليفي هلم
بعدم األهلية للصوم ،املفهوم من قوله )ص([ :رفع القلم عن ثالث :عن الصيب حىت يبلغ ،وعن اجملنون حىت يفيق،
وعن النائم حىت يستيقظ] فمن زال عقله غري خماطب ابلصوم يف حال زوال العقل ،وال يصح الصوم من اجملنون
واملغمى عليه والسكران لعدم إمكان النية منه.
116
ويصح الصوم من الصيب املميز أو املميزة كالصالة ،وجيب عند الشافعية واحلنفية واحلنابلة على وليه أمره به إذا أطاقه
بع د بلوغه سبع سنني ،وضربه حينئذ على الصوم بعد بلوغه عشر سنني ،إذا تركه ليعتاده ،كالصالة ،إال أن الصوم
أشق ،فاعتربت له الطاقة ،ألنه قد يطيق الصالة من ال يطيق الصيام.
وقال املالكية :ال يؤمر الصبيان ابلصوم خبالف الصالة ،فال صيام على الصبيان حىت حيتلم الغالم وحتيض الفتاة،
وابلبلوغ لزمتهم أعمال األبدان فريضة.
-5-4القدرة (أو الصحة من املرض) ،واإلقامة :فال جيب الصوم على املريض واملسافر ،وجيب عليهما القضاء إن
أفطر إمجاعا ،ويصح صومهما إن صاما ،والدليل قوله تعاىل{ :أايما معدودات ،فمن كان منكم مريضا أو على سفر،
فعدة من أايم أخر ،وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني ،فمن تطوع خريا فهو خري له ،وأن تصوموا خري لكم إن
كنتم تعلمون} وإذا قدم املسافر أمسك عن الطعام والشراب بقية يومه ،كما إذا طهرت احلائض يف بعض النهار.
كما ال جيب الصوم على من مل يطقه للكرب ،وال على حنو حائض لعجزها شرعا ،وال على حامل أو مرضع لعجزمها
حسا .ويشرتط لعدم وجوب الصوم على املسافر أن يكون السفر سفر قصر ،وأن يكون عند اجلمهور (غري احلنفية)
مباحا؛ ألن الرخص ال تناط ابملعاصي ،وال يشرتط كونه مباحا عند احلنفية؛ ألن سبب وجود الرتخص وهو السفر
قائم ،وأن يكون السفر عن د اجلمهور (غري احلنابلة) قبل الفجر ،فلو أصبح املقيم صائما ،فسافر ،فال يفطر؛ ألن
الصوم عبادة اجتمع فيها احلضر والسفر ،فغلب جانب احلضر؛ ألنه األصل .لكن لو أصبح صائما فمرض ،أفطر
لوجود املبيح اإلفطار ،ولو أقام املسافر ،وشفي املريض ،حرم الفطر.
اشرتط احلنفية لصحة الصوم شروطا ثالثة :هي النية ،واخللو عما ينايف الصوم من حيض ونفاس ،وعما يفسده .فإذا
حاضت املرأة أفطرت وقضت.
واشرتط املالكية أربعة شروط هي النية ،والطهارة عن احليض والنفاس ،واإلسالم ،والزمان القابل للصوم ،فال يصح يف
يوم العيد ،واشرتطوا أيضا لصحة الصوم :العقل :فال يصح من جمنون وال مغمى عليه ،وال جيب عليهما أيضا.
واشرتط الشافعية أربعة شروط أيضا :وهي اإلسالم ،والعقل ،والنقاء عن احليض والنفاس مجيع النهار ،وكون الوقت
قابال للصوم ،فال يصح صوم الكافر واجملنون والصيب غري املميز واحلائض والنفساء .أما النية فهي ركن عندهم.
117
واشرتط احلنابلة شروطا ثالثة :هي اإلسالم ،والنية ،والطهارة عن احليض والنفاس .ويظهر من ذلك أن الفقهاء اتفقوا
على اشرتاط النية ،والطهاة من احليض والنفاس مجيع النهار .وأما اإلسالم فهو شرط صحة عند اجلمهور وشرط
وجوب عند احلنفية.
تبييت النية
أي إيقاعها ليال ،وهو شرط متفق عليه ،للحديث السابق[ :من مل يبيت الصيام قبل طلوع الفجر ،فال صيام له] وألن
النية عند ابتداء العبادة كالصالة.
لكن تساهل بعض الفقهاء أحياان يف حتديد وقت النية لبعض أنواع الصيام.
فقال احلنفية :األفضل يف الصيامات كلها أن ينوي وقت ط لوع الفجر إن أمكنه ذلك ،أو من الليل؛ ألن النية عند
طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة ،ومن الليل تقارنه تقديرا.
وإن نوى بعد طلوع الفجر :فإن كان الصيام دينا ،ال جيوز ابإلمجاع ،وإن كان عينا وهو صوم رمضان ،وصوم التطوع
خارج رمضان ،واملنذور املعني ،جيوز.
فالصوم نوعان:
وهو ما يثبت يف الذمة :وهو قضاء رمضان ،وقضاء ما أفسده من نفل ،وصوم الكفارات أبنواعها ككفارة اليمني
وصوم التمتع والقران ،والنذر املطلق ،كقوله :إن شفى هللا مريضي ،فعلي صوم يوم مثال ،فحصل الشفاء .فال جيوز
صوم ذلك إال بنية من الليل.
ب -ونوع ال يشرتط فيه تبييت النية وتعيينها :وهو ما يتعلق بزمان بعينه ،كصوم رمضان ،والنذر املعني زمانه،
والنفل كله مستحبه ومكروهه ،يصح بنية من الليل إىل ما قبل نصف النهار على األصح ،ونصف النهار :من طلوع
الفجر إىل وقت الضحوة الكربى.
وقال املالكية :يشرتط لصحة النية إيقاعها يف الليل من الغروب إىل آخر جزء من منه ،أو إيقاعها مع طلوع الفجر،
وال يضر يف احلالة األوىل ما حدث بعد النية من أكل أو شرب أو مجاع ،أو نوم ،خبالف اإلغماء واجلنون ،فيبطالهنا
118
إن استمر للفجر ،وإال فال .فلو نوى هنارا قبل الغروب لليوم املستقبل ،أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه ،مل تنعقد ولو
نفال.
وقال الشافعية :يشرتط لفرض الصوم من رمضان ،أو غريه كقضاء أو نذر تبييت النية ليال ،والصحيح أنه ال يشرتط
النصف اآلخر من الليل ،وأنه ال يضر األكل واجلماع بعدها ،وأنه ال جيب جتديد النية إذا انم مث تنبه.
ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال؛ ألنه )ص( قال لعائشة يوما[ :هل عندكم من غداء ؟ قالت :ال ،قال :فإين إذن
أصوم ،قالت :وقال يل يوما آخر :أعندكم شيء؟ قلت :نعم ،قال :إذن أفطر ،وإن كنت فرضت الصوم] واختص مبا
قبل الزوال للخرب ،إذ الغداء :اسم ملا يؤكل قبل الزوال ،والعشاء :اسم ملا يؤكل بعده ،وألنه مضبوط ّبني ،وإلدراك
النهار به .وبدهي أنه يشرتط لصحة الصوم االمتناع عن املفطرات من أول النهار.
وقال احلنابلة كالشافعية :الصوم الواجب أو الفرض ال يصح إال بنية من الليل ،للحديث املتقدم[ :من مل جيمع
الصيام قبل الف جر ،فال صيام له] وأما صوم التطوع فيصح بنية قبل النهار ،وبعده خالفا للشافعية ،إذا مل يكن بعد
الفجر ،حلديث عائشة املتقدم ،قالت[ :دخل النيب )ص( ذات يوم ،فقال :هل عندكم شيء؟ فقلنا :ال ،قال :فإين
إذا صائم] ويدل عليه أيضا حديث عاشوراء[ :هذا يوم عاشوراء ،ومل يكتب هللا عليكم صيامه ،وأان صائم ،فمن شاء
فليصم ،ومن شاء فليفطر ،وألن الصالة خفف نفلها عن فرضها ،بدليل أنه ال يشرتط القيام لنفلها ،وجتوز الصالة يف
عن له ،فعفي عنه .وهذه قول أيب الدرداء
السفر على الراحلة إىل غري القبلة ،فكذا الصيام ،وملا فيه من تكثريه لكونه ي ّ
وأيب طلحة ومعاذ وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن املسيب وسعيد بن جبري والنخعي وأصحاب الرأي.
هذا شرط عند اجلمهور ،وليس بشرط عند املالكية فيشرتط عند اجلمهور النية لكل يوم من رمضان على حدة؛ ألن
صوم كل يوم عبادة على حدة ،غري متعلقة ابليوم اآلخر ،بدليل أن ما يفسد أحدمها ال يفسد اآلخر ،فيشرتط لكل
يوم منه نية على حدة.
وقال املالكية :جتزئ نية واحدة لرمضان يف أوله ،فيجوز صوم مجيع الشهر بنية واحدة ،وكذلك يف صيام متتابع مثل
كفارة رمضان وكفارة أو ظهار ما مل يقطعه بسفر أو مرض أو حنومها ،أو يكون على حالة جيوز له الفطر كحيض
ونفاس وجنون ،فليلزمه استئناف النية ،أي جتديدها فال تكفي النية الواحدة ،وإن مل جيب استئناف الصوم ،فالصوم
السابق صحيح ال ينقطع تتابعه ،ولكن جتدد النية ،وتندب النية كل ليلة تكفي فيه النية الواحدة .ودليلهم أن الواجب
119
صوم الشهر ،لقوله تعاىل{ :فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ،والشهر :اسم لزمان واحد ،فكان الصوم من أوله إىل
آخره عبادة واحدة ،كالصالة واحلج ،فيتأدى بنية واحدة.
مكروهات الصيام
-1صوم الوصال :وهو أال يفطر بني اليومني أبكل وشرب ،وهو مكروه عند أكثر العلماء وحمرم عند الشافعية ،كما
بينا ،إال للنيب )ص( فمباح له ،حلديث ابن عمر[ :واصل رسول هللا )ص( يف رمضان ،فواصل الناس ،فنهى رسول هللا
)ص( عن الوصال ،فقالوا :إنك تواصل ،قال :إين لست كأحدكم ،إين أظل يطعمين ريب ويسقيين] وهذا يقتضي
اختصاصه بذلك ،ومنع إحلاق غريه به .وال حيرم عند اجلمهور؛ ألن النهي وقع رفقا ورمحة ،وهلذا واصل رسول هللا
)ص( هبم ،وواصلوا بعده .وحيرم عند الشافعية للنهي عنه.
-2القبلة ،ومقدمة اجلماع ولو فكرا أو نظرا ،ألنه رمبا أداه للفطر ابملين ،وهذا إن علمت السالمة من ذلك وإال
حرم.
-4ذوق الطعام والعلك ،خوفا من وصول شيء إىل اجلوف ابلذوق ،وألن العلك جيمع الريق ،فإن ابتلعه أفطر يف
رأي ،وإن ألقاه عطشه.
-1السفر:
لقوله تعاىل{ :فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أايم أخر} والسفر يف عرف اللغة :عبارة عن خروج
يتكلف فيه مؤنة ،ويفصل فيه ب عد يف املسافة .ومل يرد فيه من الشارع نص ،لكن ورد فيه تنبيه ،وهو قوله عليه السالم
يف الصحيح[ :ال حيل المرأة تؤمن ابهلل واليوم اآلخر مسرية يوم وليلة إال معها ذو حمرم منها].
120
هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصالة الرابعية وذلك ملسافة تقدر حبوايل 89كم ،وبشرط عند اجلمهور :أن
ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إىل مكان يبدأ فيه جواز القصر حبيث يرتك البيوت وراء ظهره ،إذ ال يباح له
الفطر ابلشروع يف السفر بعد ما أصبح صائما ،تغليبا حلكم احلضر على السفر إذا اجتمعا .فإذا شرع ابلسفر أبن
جاوز عمران بلده قبل طلوع الفجر ،جاز له اإلفطار ،وعليه القضاء .وإن شرع يف الصوم ،مث تعرض ملشقة شديدة ال
حتتمل عادة ،أفطر وقضى ،حلديث جابر[ :أن رسول هللا )ص( خرج إىل مكة عام الفتح ،فصام حىت بلغ كراع الغميم
وصام الناس معه ،فقيل له :إن الناس قد شق عليهم الصيام ،وإن الناس ينظرون فيما فعلت ،فدعا بقدح من ماء بعد
العصر ،فشرب والناس ينظرون إليه ،فأفطر بعضهم ،وصام بعضهم ،فبلغه أن انسا صاموا ،فقال :أولئك العصاة] قال
الشوكاين :فيه دليل على أنه جيوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل ،وهو قول اجلمهور.
وأجاز احلنابلة للمسافر اإلفطار ولو سافر من بلده يف أثناء النهار ولو بعد الزوال ،ألن السفر معىن لو وجد
ليال واستمر يف النهار ،ألابح الفطر ،فإذا وجد يف أثنائه أابحه كاملرض ،وعمال مبا رواه أبو داود عن أيب بصرة
الغفاري الذي أفطر بعد شروعه يف السفر ،وقال :إهنا سنة رسول هللا )ص(.
واشرتط الشافعية شرطا اثلثا :وهو أال يكون الشخص مدميا للسفر ،فإن كان مدميا له كسائق السيارات،
حرم عليه الفطر ،إال إذا حلقه ابلصوم مشقة ،كاملشقة اليت تبيح التيمم :وهو اخلوف على نفس أو منفعة عضو من
التلف ،أو اخلوف من طول مدة املرض ،أو حدوث شني قبيح يف عضو ظاهر :وهو ما ال يعد كشفه هتكا للمروءة،
أبن يبدو يف املهنة غالبا.
وهناك شرطان آخران عند اجلمهور غري احلنفية :أن يكون السفر مباحا ،وأال ينوي إقامة أربعة أايم يف خالل
سفره ،فإن السفر ال يبيح قصرا وال فطرا إال ابلنية والفعل ،كما سنبني يف الفقرة التالية وأجاز احلنفية الفطرة يف السفر
ولو مبعصية.
واخلالصة :أن املالكية يبيحون الفطر بسبب السفر أبربعة شروط :أن يكون السفر سفر قصر ،وأن يكون
مباحا ،وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم ،وأن يبيت الفطر.
-2املرض
معىن يوجب تغري الطبيعة إىل الفساد ،وهو جييز الفطر كالسفر ،لآلية السابقة{ :فمن كان منكم مريضا أو على سفر
فعدة من أايم أخر}.
121
ضابط املرض املبيح الفطر
هو الذي يشق معه الصوم مشقة شديدة أو خياف اهلالك منه إن صام ،أو خياف ابلصوم زايدة املرض أو بطء الربء
أي أتخره .فإن مل يتضرر الصائم ابلصوم كمن به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل وحنوه ،مل يبح له الفطر.
والصحيح الذي خياف املرض أو الضعف بغلبة الظن أبمارة أو جتربة أو إبخبار طبيب حاذق مسلم مستور
العدالة ،كاملريض عند احلنفية .والصحيح الذي يظن اهلالك أو األذى الشديد كاملرض عند املالكية.
وإن غلب على الظن اهلالك بسبب الصوم ،أو الضرر الشديد كتعطيل حاسة من احلواس ،وجب الفطر.
وأضاف احلنفية أن احملارب الذي خياف الضعف عن القتال ،وليس مسافرا ،له الفطر قبل احلرب ،ومن له
نوبة محى أو عادة حيض ،ال أبس بفطره على ظن وجوده.
فاجلهاد ولو بدون سفر سبب من أسباب إابحة الفطر ،للتقوي على لقاء العدو ،وعمال ابلثابت يف السنة
عام فتح مكة.
فقال احلنفية والشافعية :املرض يبيح الفطر .وقال احلنابلة :يسن الفطر حالة املرض ويكره الصوم ،آلية {فمن كان
منكم مريضا أو على سفر فعدة من أايم أخر} ،أي فليفطر عدد ما أفطره .وقال املالكية :للمريض أحوال أربعة:
األوىل :أال يقدر على الصوم حبال ،أو خياف اهلالك من املرض أو الضعف إن صام ،فالفطر عليه واجب.
.
الثانية :أن بقدر على الصوم مبشقة فالفطر له جائز ،فهم كاحلنفية والشافعية ،وقال ابن العريب :يستحب
الثالثة :أن يقدر مبشقة وخياف زايدة املرض ،ففي وجوب فطره قوالن.
الرابعة :أال يشق عليه وال خياف زايدة املرض ،فال يفطر عند اجلمهور ،خالفا البن سريين.
-4-3احلمل والرضاع
122
يباح للحامل واملرضع إذا حافتا على أنفسهما أو على الولد ،سواء أكان الولد ولد املرضعة أم ال ،أي نسبا أو رضاعا،
وسواء أكانت أما أم مستأجرة ،وكان اخلوف نقصان العقل أو اخلوف أو اهلالك أو املرض ،واخلوف املعترب :ما كان
مستندا لغلبة الظن بتجربة سابقة ،أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل.
ودليل اجلواز هلما :القياس على املريض واملسافر ،وقوله )ص([ :إن هللا عز وجل وضع عن املسافر الصوم وشطر
الصالة ،وعن احلبلى واملرضع الصوم] وحيرم الصوم إن خافت احلامل أو املرضع على نفسها أو ولدها اهلالك.
وإذا أفطرنا وحب القضاء دون الفدية عند احلنفية ،ومع الفدية إن خافتا على ولدمها فقط عند الشافعية احلنابلة ،ومع
الفدية على املرضع فقط ال احلامل عند املالكية.
-5اهلرم
جيوز إمجاعا الفطر للشيخ الفاين والعجوز الفانية العاجزين عن الصوم يف مجيع فصول السنة ،وال قضاء عليهما ،لعدم
القدرة ،وعليهما عن كل يوم فدية طعام مسكني ،وتستحب الفدية فقط عند املالكية ،لقوله تعاىل{ :وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكني} قال ابن عباس :ليست مبنسوخة ،هي للشيخ الكبري واملرأة الكبرية ال يستطيعان أن
.
يصوما ،فيطعمان مكان كل يوم مسكينا}
ومثلما :املريض الذي ال يرجى برؤه ،لقوله تعاىل{ :وما جعل عليكم يف الدين من حرج} .أما من عجز عن الصوم
يف رمضان ولكن يقدر على قضائه يف وقت آخر ،فيجب عليه القضاء وال فدية عليه.
جيوز الفطر ملن حصل له أو أرهقه جوع أو عطش شديد خياف منه اهلالك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض احلواس،
حبيث مل يقدر على الصوم ،وعليه القضاء .فإن خاف على نفسه اهلالك ،حرم عليه الصيام ،لقوله تعاىل{ :وال تلقوا
أبيديكم إىل التهلكة}.
وإذا أفطر املرهق ابجلوع أو العطش ،فاختلف :هل ميسك بقية يومه ،أو جيوز له األكل.
-7اإلكراه
123
يباح الفطر للمستكره ،وعليه عند اجلمهور القضاء ،وعند الشافعية ال يفطر املستكره .وإذا وطئت املرأة مكرهة أو
انئمة ،فعليها القضاء.
هذه أهم األعذار املبيحة للفطر ،أما احليض والنفاس واجلنون الطارئ على الصائم فيبيح الفطر ،بل وال جيب الصوم
وال يصح معه.
قال أبو بكر اآلجري من صنعته شاقة :فإن خاف ابلصوم تلفا ،أفطر وقضى إن ضره ترك الصنعة ،فإن مل يضره تركها،
أمث ابلفط ر ،وإن مل ينتف التضرر برتكها ،فال إمث عليه ابلفطر للعذر .وقرر مجهور الفقهاء أنه جيب على صاحب العمل
الشاق كاحلصاد واخلباز واحلداد وعمال املناجم أن يتسحر وينوي الصوم ،فإن حصل له عطش شديد خياف منه
الضرر ،جاز له الفطر ،وعليه القضاء ،فإن حتقق الضرر وجب الفطر ،لقوله تعاىل{ :وال تقتلوا أنفسكم إن هللا كان
بكم رحيما}.
احلج لغة :القصد مطلقا ،وعن اخلليل قال :احلج :كثرة القصد إىل من تعظمه.
وشرعا :قصد الكعبة ألداء أفعال خمصوصة ،أو هو زايرة مكان خمصوص يف زمن خمصوص بفعل خمصوص .والزايرة:
هي الذهاب .واملكان املخصوص :الكعبة وعرفة .والزمن املخصوص :هو أشهر احلج وهي :شوال وذو القعدة وذو
احلجة ،والعشر األوائل من ذي احلجة ،ولكل فعل زمن خاص ،فالطواف مثال عند اجلمهور :من فجر النحر إىل آخر
العمر ،والوقوف بعرفة :من زوال الشمس يوم عرفة لطلوع فجر يوم النحر .والفعل املخصوص :أن أييت حمرما بنية احلج
إىل أماكن معينة.
والعمرة لغة :الزايرة ،وقيل :القصد إىل مكان عامر ،وَسيت بذلك؛ ألهنا تفعل يف العمر كله.
وشرعا :قصد الكعبة للنسك وهو الطواف والسعي .وال يغين عنها احلج وإن اشتمل عليها.
124
مكانة احلج والعمرة يف اإلسالم وحكمتهما
احلج :هو الركن اخلامس من أركان اإلسالم ،فرضه هللا تعاىل على املستطيع ،والعمرة مثله ،فهما أصالن عند الشافعية
واحلنابلة ،لقوله تعاىل{ :وأمتوا احلج والعمرة} وهي سنة عند املالكية واحلنفية ،كما سنبني ،وقد اعتمر النيب )ص( أربع
عمر ،كلهن يف ذي القعدة إال اليت مع حجته :األوىل من احلديبية سنة ست من اهلجرة ،والثانية سنة سبع وهي عمرة
القضاء ،والثالثة سنة مثان عام الفتح ،والرابعة مع حجته سنة عشر ،وكان إحرامها يف ذي القعدة وأعماهلا يف ذي
احلجة.
قال القاضي حسني من الشافع ية :احلج أفضل العبادات الشتماله على املال والبدن ،وقال احلليمي :احلج جيمع معاين
العبادة كلها ،فمن حج فكأهنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط يف سبيل هللا وغزا ،وألان دعينا إليه ،وحنن يف
أصالب اآلابء كاإلميان الذي هو أفضل العبادات.
والراجح عند الشافعية واحلنابلة أن الصالة أفضل منه؛ ألن الصالة عماد الدين.
حكمة املشروعية :يتحقق ابحلج والعمرة فرض الكفاية وهو إحياء الكعبة كل سنة ابلعبادة ،ومتتاز العمرة عن احلج
إبمكاهنا يف كل أايم العام أو العمر ،فهي أيسر من احلج الذي يتقيد أبايم معلومات.
واحلج يطهر النفس ،ويعيدها إىل الصفاء واإلخالص ،مما أدى إىل جتديد احلياة ،ورفع معنوايت اإلنسان ،وتقوية األمل
وحسن الظن ابهلل تعاىل.
ويقوي احلج اإلميان ،ويعني على جتديد العهد مع هللا ،ويساعد على التوبة اخلالصة الصدوق ،ويهذب النفس ،ويرفق
املشاعر ويهيج العواطف حنو بيت هللا العتيق.
ويشعر احلج بقوة الرابطة األخوية مع املؤمنني يف مجيع أحناء األرض{ :إمنا املؤمنون إخوة} وحيس الناس أهنم حقا
متساوون ،ال فضل لعريب على أعجمي ،وال ألبيض على أسود إال ابلتقوى.
اتفق العلماء على فرضية احلج مرة يف العمر ،بدليل الكتاب والسنة.
أما الكتاب :فقول هللا تعاىل{ :وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال ،ومن كفر فإن هللا غين عن
العاملني} روي عن ابن عباس[ :ومن كفر ابعتقاده أنه غري واجب] وقال تعاىل{ :وأمتوا احلج والعمرة هلل} وقال
125
سبحانه{ :وأذن يف الناس ابحلج أيتوك رجاال وعلى كل ضامر أيتني من كل فج عميق ،ليشهدوا منافع هلم ،ويذكروا
اسم هللا يف أايم معلومات}.
وأما السنة :فقول النيب )ص( [ :بين اإلسالم على مخس :شهادة أن ال إله إال هللا ،وأن حممدا رسول هللا ،وإقام
الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وحج البيت ،وصوم رمضان].
كون فريضة احلج مرة :والدليل على فريضة احل ج مرة واحدة يف العمر أبصل الشرع :هو حديث أيب هريرة[ :خطبنا
أكل عام اي رسول هللا ؟
رسول هللا (ص) فقال :اي أيها الناس ،قد فرض هللا عليكم احلج فحجوا ،فقال رجلَّ :
فسكت ،حىت قاهلا ثالاث ،فقال النيب )ص( :لو قلت :نعم ،لوجبت وملا استطعتم].
وأمجع العلماء على أن احلج ال جيب إال مرة ،والزائد عن ذلك تطوع ،قال )ص([ :نابعوا بني احلج والعمرة ،فإهنما
ينفيان الفقر والذنوب ،كما ينفي الكري خبث احلديد والذهب والفضة ،وليس للحجة املربور ثواب إال اجلنة].
تكرار العمرة :الأبس عند الشافعية واحلنابلة واحلنفية أن يعتمر يف السنة مرارا؛ ألن عائشة اعتمرت يف شهر مرتني
أبمر النيب )ص( عمرة مع قراهنا ،وعمرة بعد حجها ،وألن النيب )ص( قال فيما رواه البخاري ومسلم عن أيب هريرة:
[العمرة إىل العمرة كفارة ملا بينهما].
وكره املالكية تكرار العمرة يف السنة ،وقال النخعي :ما كانوا يعتمرون يف السنة إال مرة ،وألن النيب )ص( مل يفعله.
حكم العمرة
قال احلنفية على املذهب واملالكية على أرجح القولني :العمرة سنة (مؤكدة) مرة واحدة يف العمر؛ ألن األحاديث
املشهورة الثابتة الواردة يف تعداد فرائض اإلسالم مل يذكر منها العمرة ،مثل حديث ابن عمر[ :بين اإلسالم على مخس]
فإ نه مل يذكر احلج مفردا ،وروى جابر أن أعرابيا جاء إىل رسول هللا (ص) ،فقال :اي رسول هللا ،أخربين عن العمرة،
أواجبة هي ؟ فقال :ال ،وأن تعتمر خري لك] ويف رواية [أوىل لك].
وقال الشافعية يف األظهر ،واحلنابلة :العمرة فرض كاحلج ،لقوله تعاىل{ :وأمتوا احلج والعمرة هلل} أي ائتوا هبما نامني
ومقتضى األمر الوجوب ،وخلرب عائشة رضي هللا عنها قالت[ :قلت :اي رسول هللا ،هل على النساء جهاد ؟ قال:
نعم ،جهاد ال قتال فيه ،احلج والعمرة].
126
شروط احلج والعمرة
-1اإلسالم :فال جيب احلج على الكافر وجوب مطالبة به يف الدنيا حال كفره ،وال يصح منه ،لعدم أهليته ألداء
العبادة .فلو حج الكافر ،مث أسلم جيبعليه حجة اإلسالم ،وال يعتد مبا حج يف حال الكفر .وكذا ال جيب عند احلنفية
على الكافر يف حق أحكام اآلخرة ،فال يؤاخذ ابلرتك ،لعدم خطاب الكافر بفروع الشريعة ،ويؤاخذ عند اجلمهور،
ألنه خماطب ابلفروع.
ويرى املالكية أن اإلسالم شرط صحة ال وجوب ،فيجب احلج على الكافر وال يصح منه إال اإلسالم .والشافعية
أوجبوا احلج على املرتد وال يصح منه إال إذا أسلم ،أما الكافر األصلي فال جيب عليه.
-2التكليف أي البلوغ والعقل :فال جيب على الصغري واجملنون؛ ألهنما غري مطالبني ابألحكام الشرعية ،فال يلزمهما
حجا مث بلغ الصغري ،وأفاق اجملنون،
احلج ،وال يصح احلج أو العمرة أيضا من اجملنون؛ ألنه ليس أهال للعبادة .ولو ّ
فعليهما حجة اإلسالم ،وما فعله الصيب قبل البلوغ يكون تطوعا .قال النيب (ص)[ :رفع القلم عن ثالثة :عن النائم
حىت يستيقظ ،وعن الصيب حىت يشب ،وعن املعتوه حىت يعقل] ،وقال أيضا[ :أميا صيب حج به أهله ،فمات أجزأت
عنه ،فإن أدرك فعليه احلج ،وأميا رجل مملوك حج به أهله ،فمات ،أجزأت عنه ،فإن أعتق فعليه احلج].
ولو حج اجملنون والصيب الذي ال يعقل (غري املميز) مل يصح أداؤه منهما ،ألن أداءه يتوقف على العقل.
وهي القدرة على الوصول إىل مكة ،لقوله تعاىل{ :وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال}لكن للفقهاء
بعض االختالفات يف حدود ووجوه االستطاعة.
قال احلنفية :االستطاعة أنواع ثالثة :بدنية ومالية وأمنية ،أما االستطاعة البدنية :فهي صحة البدن ،فال حج على
الزمن واملقعد واملفلوج واألعمى وإن وجد قائدا ،والشيخ الكبري ابلذي ال يثبت على الراحلة بنفسه ،واحملبوي،
املريض و َّ
واملمنوع من قبل السلطان اجلائر عن اخلروج إىل احلج؛ ألن هللا تعاىل شرط االستطاعة لوجوب احلج ،واملراد منها
استطاعة التكليف :وهي سالمة األسباب ووسائل الوصول .ومن مجلة األسباب :سالمة البدن عن اآلفات املانعة من
127
القيام مبا البد منه يف سفر احلج ،فسر ابن عباس {من استطاع إليه سبيال} أن السبيل أن يصح بدع العبد ،ويكون
له مثن زاد وراحلة ،من غري أن حيجب.
وأما االستطاعة املالية :فهي ملك الزاد والراحلة ،أبن بقدر على الزاد ذهااب وإاياب ،وعلى الراحلة – وسيلة الركوب،
زائدا ذلك عن حاجة مسكنه وما البد منه كالثياب وأاثث املنزل واخلادم وحنو ذلك؛ ألهنا مشغولة ابحلاجة األصلية،
وزائدا أيضا عن نفقة عياله الذين تلزمه نفقاهتم إىل حني عودته.
وقال املالكية :االستطاعة :هي إمكان الوصول إىل مكة حبسب العادة ،إما ماشيا أو راكبا ،أي االستطاعة ذهااب
فقط ،وال تعترب االستطاعة يف اإلايب إال إذا مل ميكنه اإلقامة مبكة أو يف أقرب بلد ميكنه أن يعيش فيه ،وال يلزم
رجوعه خلصوص بلده.
أ -قوة البدن :أي إمكان الوصول ملكة إمكاان عاداي مبشي أو ركوبّ ،
برب أو حبر ،بال مشقة فادحة ،أي عظيمة
خارجة عن العادة ،أما املشقة املعتادة فالبد منها ،إذ السفر قطعة من العذاب .واالستطاعة ابلقدرة على املشي مما
تفرد به املالكية .حىت إن األعمى القادر على املشي جيب عليه احلج إذا وجد قائدا يقوده .ويكره للمرأة احلج مبشي
بعيد.
ب -ووجود الزاد املبلِغ حبسب أحوال الناس وحبسب عوائدهم ،ويقوم مقام الزاد الصنعة إذا كانت ال تزري
بصاحبها وتكفي حاجته .ويدل ذلك على أن املالكية مل يشرتطوا وجود الزاد والراحلة ابلذات ،فاملشي يغين عن
الراحلة ملن قدر عليه ،والصنعة اليت قدر رحبا كافيا تغين عن اصطحاب الزاد أو النفقة عليه.
هـ -توفر السبيل :وهو الطريق املسلوكة ابلرب أو ابلبحر مىت كانت السالمة فيه غالبة ،فإن مل تغلب فال جيب احلج إذا
تعني البحر طريقا .ويكره للمرأة احلج يف ركوب حبر إال أن ختتص مبكان يف السفينة.
وقال الشافعية :لالستطاعة املباشرة ابلنفس حبج أو عمرة ملن كان بعيدا عن مكة مسافة القصر ( 89كم) شروط
سبعة نشمل أنواع االستطاعة الثالثة السابقة:
األول :القدرة البدنية :أبن يكون صحيح اجلسد ،قادرا أن يثبت على الراحلة بال ضرر شديد أو مشقة شديدة ،وإال
فهو ليس مبستطيع بنفسه.
128
الثاين :القدرة املالية :بوجود الزاد وأوعيته ،ومؤنة (كلفة) ذهابه ملكة وإايبه (أي رجوعه منها إىل بلده ،وإن مل يكن له
فيها أهل وعشرية).
الثالث :وجود الراحلة (وسيلة الركوب) الصاحلة ملثله بشراء بثمن املثل ،أو استئجار أبجرة املثل ،ملن كان بينه وبني
مكة مرحلتان فأكثر ،قدر على املشي أم ال ،خالفا للمالكية ،ولكن يستحب للقادر على املشي احلج خروجا من
خالف من أوجبه .وهذا الشرط من القدرة املالية أيضا.
الرابع :وجود املاء والزاد وعلف الدابة يف املواضع املعتاد محله منها ،بثمن املثل :وهو القدر املناسب به يف ذلك الزمان
وااملكان ،وإن غلت األسعار .فإن مل يوجدوا ،أو وجد أحدهم ،أو وجد أبكثر من مثن املثل ،مل يلزمه النسل (احلج
والعمرة) .وهذا شرط أيضا يف القدرة املالية.
اخلامس :االستطاعة األمنية :أمن الطريق ولو ظنا على نفسه وماله يف كل مكان حبسب ما يليق به ،واملراد هو األمن
صداي (وهو من يرصد أي يرقب من مير ليأخذ منه
العام ،فلو خاف على نفسه أو زوجه أو ماله سبعا أو عدوا أو ر ّ
شيئا) ،وال طريق له سواه ،مل جيب احلج عليه ،حلصول الضر.
السادس :أن يكون مع املرأة زوج ،أو حمرم بنسب أو غره ،أو نسوة ثقات؛ ألن سفرها وحدها حرام ،وإن كانت يف
قافلة أو مع مجاعة ،خلوف استمالتها وخديعتها ،وخلرب الصحيحني[ :ال تسافر املرأة يومني إال ومعها زوجها أو ذو
حمرم] وال يشرتط كون الزوجة واحملرم ثقة ،ألن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي.
السابع :إمكان املسري :وهو أن يبقى من وقت احلج بعد القدرة أبنواعها ما يكفي ألدائه .وتعترب االستطاعة عند
دخول وقته وهو شوال إىل عشرة ذي احلجة ،فال جيب احلج إذا عجز يف ذلك الوقت.
أ -عبادة مالية حمضة كالزكاة والكفارة وتوزيع األضاحي :جيوز النيابة فيها ابالتفاق يف حاليت االختيار والضرورة؛ ألن
املقصود انتفاع أهلها هبا ،وذلك حاصل أبي شخص ،أصيل أو انئب.
129
ب -عبادة بدنية حمضة كالصالة والصوم :ال جتوز النيابة فيها؛ ألن املقصود وهو إتعاب النفس ال حيصل ابإلانبة.
ج -عبادة مركبة – بدنية ومالية معا – كاحلج :جيوز فيها عند اجلمهور (غري املالكية) النيابة عند العجز أو الضرورة؛
ألن املشقة املقصودة حتصل بفعل النفس ،وحتصل أيضا بفعل الغري إذا كان مباله ،فهذه العبادة ختتلف عن الصالة
ابشتماهلا على القربة املالية غالبا ابإلنفاق يف األسفار.
اتفق العلماء على وصول ثواب الدعاء والصدقة واهلدي للميت ،للحديث السابق [إذا مات اإلنسان انقطع عمله إال
من ثالث :صدقة جارية ،أو علم ينتفع به ،أو ولد صاحل يدعو له].
وقال مجهور أهل السنة واجلماعة :لإلنسان أن جيعل ثواب عمله لغريه صالة أو صوما أو صدق أو تالوة قرآن ،أبن
يقول :اللهم اجعل ثواب ما أفعل لفالن ،ملا وري أن النيب )ص( [ضحى بكبشني أملحني ،أحدمها عن نفسه،
واآلخر عن أمته ،ممن أقر بوحدانية هللا تعاىل ،وشهد له ابلبالغ] فإنه جعل تضحية إحدى الشاتني ألمته .وملا روي
أن رجال سأل النيب )ص( فقال :كان يل أبوان أبرمها حال حياهتما ،فكيف يل بربمها بعد موهتما ؟ فقال له عليه
الصالة والسالم :إن من الرب بعد الرب :أن تصلي هلما مع صالتك وأن تصوم هلما مع صيامك.
وقال املعتزلة :ليس لإلنسان أن جيعل ثواب عمله لغريه ،وال يصل إليه ،وال ينفعه ،لقوله تعاىل{ :وأن ليس لإلنسان
إال ما سعى ،وأن سعيه سوف يرى} وألن الثواب هو اجلنة ،وليس يف قدرة العبد أن جيعلها لنفسه فضال عن غريه.
وقال مالك والشافعي :جيوز جعل ثواب العمل للغري يف الصدقة والعبادة املالية ويف احلج ،وال جيوز يف غريه من
الطاعات كالصالة والصوم وقراءة القرآن وغريه.
جيوز احلج عن الغري الذي مات ومل حيج ،أو عن املريض احلي الذي عجز عن احلج لعذر وله مال ،وآراء
الفقهاء هي ما أييت .قال احلنفية :من مل جيب عليه احلج بنفسه لعذر كاملريض وحنوه ،وله مال ،يلزمه أن حيج رجال
عنه ،وجيزئه عن حجة اإلسالم ،أي أنه جتوز النيابة يف احلج عند العجز فقط ال عند القدرة ،بشرط دوام العجز إىل
املوت .وأما املقصر الذي مات فتصح منه بل جتب الوصبة ابإلحجاج عنه ويكون من بلده ،إن مل يعني مكاان آخر،
فهما حالتان :العجز وبعد املوت ابلوصية .واملعتمد عند املالكية :أن النيابة عن احلي ال جتوز ،وال تصح مطلقا إال
130
عن م يت أوصى ابحلج ،فتصح مع الكراهة وتنفذ من ثلث ماله .وال حج على املعضوب إال عن يستكيع بنفسه،
لآلية{ :من استطاع إليه سبيال} وهذا غري مستطيع.
أ -حالة املعضوب :وهو العجز عن احلج بنفسه لكرب أو زمانة أو غري ذلك ،الذي ال يثبت على الراحلة .بل يلزمه
احلج إن وجد من حيج عنه أبجرة املثل بشرط كوهنا فاضلة عن حاجاته املذكورة فيمن حج بنفسه ،لكن ال يشرتط
نفقة العيال ذهااب وإاياب؛ ألنه مستطيع بغريه؛ ألن االستطاعة كما تكون ابلنفس تكون ببذل املال وطاعة الرجال،
فيجب على من عجز عن احلج بنفسه هلرم أو مرض ال يرجى برؤه االستنابة إن قدر عليها مباله أو مبن يطيعه أبن كان
متربعا موثوقا به.
ب -وحالة من أيتيه املوت ومل حيج ،فيجب على ورثته اإلحجاج عنه من تركته ،كما يقضى منها دينه ،ويلزمهم أن
خيرجوا من ماله مبا حيج به عنه ،ابلنفقة الكافية ذهااب وإاياب.
-1املعضوب :وهو من عجز عن السعي إىل احلج والعمرة لكرب أو زمانة ،أو مرض ال يرجى برؤه ،أو ثقل ال يقدر
معه الركوب على الراحلة إال مبشقة غري حمتملة ،أو أيست املرأة من حمرم.
-2امليت الذي وجب عليه احلج :من وجب عليه احلج ،الستكمال الشرائط السابقة املطلوبة ،مث تويف قبلهّ ،فرط
يف احلج أبن أخره لغري عذر ،أو مل يفرط كالتأخري ملرض يرجى برؤه أو حلبس أو أسر أو حنوه ،أخرج عنه من مجيع
ماله حجة وعمرة ،ولو مل يوص به .ويكون اإلحجاج عنه من حيث وجب عليه ،ال من حيث مكان موته؛ ألن
القضاء يكون بصفة األداء ،بل جيب أال يكون النائب من خارج بلده اليت تبعد مسافة القصر ،وجيوز من انئب من
بلد آخر دون مسافة القصر؛ ألن ما دوهنا يف حكم احلاضر .وإن مات من وجب عليه احلج يف الطريق أو مات انئبه
يف الطريق ،حج عنه من حيث مات هو أو انئبه ،فيما بقي مسافة قوال وفعال.
أدلة املشروعية :استدل الفقهاء على مشروعية النيابة يف احلج حبديث ابن عباس وغريه[ :أن امرأة من خث عم ،قالت:
اي رسول هللا ،إن أيب أدركته فريضة هللا يف احلج شيخا كبريا ،ال يستطيع أن يستوي على ظهر بعريه ؟ قال :فح ّجي
عنه] فدل على جواز احلج عن الوالد غري القادر على احلج ،علما أبن ذلك كان يف حجة الوداع.
131
وعن ابن عباس أيضا[ :أن امرأة من جهينة جاءت إىل النيب (ص) ،فقالت :إن أمي نذرت أن حتج ،فلم حتج ،حىت
مات ،أفأحج عنها ؟ قال :نعم ،ح ّجي عنها ،أرأيت لو كانت على ّأمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا هللا ،فاهلل أحق
ابلوفاء].
مل جيز متقدمو احلنفية االستئجار على احلج واألذان وتعليم القرآن والفقه وحنوه من القرابت الدينية الختصاص فاعلها
هبا ،فلو قال رجل آلخر( :استأجرتك على أن عين بكذا) مل جيز حجه ،واملذهب وقوع احلج عن احملجوج عنه .وإمنا
يقول :أمرتك أن حتج عين ،بال ذكر إجارة ،وتكون له نفقة مثله بطريق الكفاية؛ ألنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به
املستأجر .وإمنا جاز احلج عنه؛ ألنه ملا بطلت اإلجارة ،بقي األمر ابحلج .والزائد عن نفقة املثل يف الطريق وغريه يرد
على اآلمر إال إذا تربع به الورثة ،أو أوصى امليت أبن الفضل للحاج.
وأجاز مجهور الفقهاء ومتأخرو احلنفية :اإلجارة على احلج وبقية الطاعات ،لقول النيب )ص([ :إن أحق ما أخذمت
عليه أجرا كتاب هللا] ،وأخذ أصحاب النيب )ص( اجلعل على الرقية بكتاب هللا ،وأخربوا بذلك النيب ،فصوهبم فيه،
وألنه أخذ النفقة على احلج ،كما أقر متقدمو احلنفية أنفسهم ،فجاز االستئجار عليه ،كبناء املساجد والقناطر.
موانع احلج
أ -األبوة :لألبوين وإن عال أحدمها منع الولد غري املكي من اإلحرام بتطوع حج أو عمرة ،وليس هلما املنع من
الفرض؛ ألن خدمة األبوين جهاد كما يف الصحيحني .ويسن استئذاهنما يف الفرض أيضا.
-2الزوجية :للزوج عند الشافعية منع الزوجة من احلج الفرض واملسنون؛ ألن حقه على الفور ،والنسك عندهم على
الرتاخي ،ويسن هلا أن حترم بغري إذنه .وقال اجلمهور :ليس للزوج منع الزوجة من الفرض؛ ألنه واجب على الفور ،ولو
أحرمت ابلفرض مل يكن له حتليلها إال أن يضر ذلك به.
-3الرق :للسيد منع عبده من احلج الفرض واملسنون ،ويتحلل إذا منعه كاحملصر ،وليس له منعه من اإلمتام إذا أحرم
إبذنه ،ودليل جواز املنع أن منافع العبد مستغرقة للسيد.
132
-5استحقاق الدين :للمستحق الد ائن منع املوسر من السفر ،وليس له التحليل ،وليس للمدين أن يتحلل ،بل
يؤدي الدين .فإن كان الدين مؤجال مل مينعه الدائن من السفر.
-6احلجر :فال حيج السفيه إال إبذن وليه أو وصيه .وقد ذكر املالكية دون غريهم هذه احلالة.
-7اإلحصار بسبب عدو بعد اإلحرام :أبن مينع احملرم عن املضي يف نسكه من مجيع الطرق إال بقتال أو بذل
مال ،فللمحصر التحلل إمجاعا بعد أن ينتظر مدة يرجى فيها كشف املانع.
-8املرض :من أصابه املرض بعد اإلحرام ،لزمه عند املالكية واحلنابلة والشافعية أن يقيم على إحرامه حىت يربأ ،وإن
طال ذلك.
-1وقت احلج :للحج وقت معني ،أشار إليه القرآن الكرمي يف آية{ :يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس
واحلج} وقوله تعاىل{ :احلج أشهر معلومات} أي معظمه يف أشهر معلومات.
وأشهر احلج عند املالكية :هي األشهر الثالثة كلها :وهي شوال وذو القعدة وذو احلجة ،فهي كلها حمل للحج ،لعموم
قوله سبحانه{ :احلج أشهر معلومات} فوجب أن يطلق على مجيع أايم ذي احلجة؛ ألن أقل اجلمع ثالثة .ويبتدئ
وقت اإلحرام قبل فجر األضحى بلحظة ،وهو بعرفة ،فقد أدرك احلج ،وبقي عليه طواف اإلفاضة والسعي بعدها؛
ألن الركن عندهم الوقوف بعرفة ليال ،وقد حصل.
وأشهر احلج عند احلنفية واحلنابلة :شوال وذو القعدة وعشر من ذي احلجة ،ملا روي عن العبادلة األربعة (ابن مسعود،
وابن عباس ،وابن عمر ،وابن الزبري) ولقول النيب )ص([ :يوم احلج األكرب :يوم النحر] ،فكيف جيوز أن يكون يوم
احلج األكرب ليس من أشهره ؟ وألن يوم النحر فيه ركن احلج ،وهو طواف الزايرة ،وفيه كثري من أفعال احلج ،كرمي
مجرة العقبة والنحر واحللق والطواف والسعي والرجوع إىل مىن ،وألن احلج يفوت مبضي عشر ذي احلجة ،ومع بقاء
الوقت ال يتحقق الفوات.
وأما الشافعية فقالوا كاحلنفية واحلنابلة :أشهر احلج :شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي احلجة :وهو إىل أن يطلع
الفجر من يوم النحر ،لكنهم رأوا أنه إن أحرم شخص ابحلج يف غري أشهره ،انعقد إحرامه ابلعمرة؛ ألهنا عبادة مؤقتة،
فإذا عقدها يف غري وقتها ،انعقد من جنسها ،كصالة الظهر إذا أحرم قبل الزوال ،فإنه ينعقد إحرامه ابلنفل ،فهم
133
شبهوا ميقات الزم ان بوقت الصالة ،فال يقع احلج قبل الوقت .ودليلهم اآلية{ :احلج أشهر معلومات} تقديره وقت
احلج أشهر ،أو أشهر احلج أشهر معلومات ،فحذف املضاف وأقام املضاف إليه مقامه ،ومىت ثبت أنه وقته ،مل جيز
تقدمي إحرامه عليه كأقات الصلوات.
-2وقت العمرة :اتفق العلماء على أن العمرة جتوز يف أي وقت من أوقات السنة ،يف أشهر احلج وغريها ،أي إن
ميقات العمرة الزماين مجيع العام ،فهو وقت إلحرام العمرة ،لعدم املخصص هلا بوقت دون آخر ،وألن النيب (ص)
اعتمر عمرتني يف ذي القعدة ويف شوال ،وقال عليه الصالة والسالم[ :عمرة يف رمضان تعدل حجة] وقال فيما رواه
مسلم[ :دخلت العمرة يف احلج – مرتني ،ال بل ألبد أبد] ومعناه يف أصح األقوال أن العمرة جيوز فعلها يف أشهر
احلج إىل يوم القيامة ،واملقصود به إبطال ما كانت اجلاهلية تزعمه من امتناع العمرة يف أشهر احلج.
هذه هي املواقيت اخلم سة لغري املقيم مبكة ،منقسمة حبسب جهات احلرم ،وال جيوز أن يتجاوزها اإلنسان مريدا مكة
ابحلج وأو ابلعمرة ،إال حمرما أبحد هذين النسكني وهي ما أييت:
-1ميقات أهل املدينة :ذو احلليفة (آابر علي) :مكان على ستة أميال من املدينة ،وعشر مراحل من مكة ،فهو
أبعد املواقيت.
-2ميقات أهل الشام ومصر واملغرب كله :اجلحفة (رابغ) :موضع على ثالث مراحل من مكة ( 187كم) .ومبا أن
مر مبيقاتني
أهل الشام اآلن ميرون مبيقات أهل املدينة وهبذا امليقات ،فيجيزون ابإلحرام منهما؛ ألن الواجب على من ّ
أال يتجاوز آخرمها إال حمرما ،ومن األول أفضل.
-4ميقات أهل اليمن وهتامة واهلند :يلملم :جبل جنويب مكة على مرحلتني منها.
-5ميقات أهل جند والكويت :قرن املنازل :جبل على مرحلتني من مكة ،ويقال أيضا قرن الثعالب .وهو قريب من
املكان املسمى اآلن ابلسيل.
أركان احلج
-1اإلحرام
134
حقيقته :الدخول يف احلرمة ،واملراد هنا نية الدخول يف النسك من حج أو عمرة ،أو الدخول يف حرمات خمصوصة أي
التزامها .وإذا مت اإلحرام ال خيرج عنه إال بعمل النسك الذي أحرم به ،فإن أفسده وجب قضاؤه ،وإن فاته الوقوف
بعرفة أمته عمرة ،وإن أحصر أي منع عن إكماله ،ذبح هداي وقضاه.
ال خالف يف أنه إذا نوى حجا أو عمرة ،وقرن النية بقول أو فعل من خصائص اإلحرام ،يصري حمرما ،أبن لىب انواي به
احلج ،أو العمرة ،أو هبما معا.
وال خالف بني الشافعية واحلنابلة ويف األرجح عند املالكية أن اإلحرام ينعقد مبجرد النية ،لكن يلزمه عند املالكية دم
يف ترك التلبية ،والتجرد من املخيط وحنوه ،حني النية .أما قرن النية بقول أو فعل ،فقال احلنفية:
ال يصري شارعا يف اإلحرام مبجرد النية ،ما مل أيت ابلتلبية ،أي ان اإلحرام ال يثبت مبجرد النية ما مل يقرتن هبا قول أو
فعل هو من خصائص اإلحرام أو دالئله ،والنية ليست بركن عندهم ،بل هي شرط ،وإذا لىب انواي فقد أحرم عندهم.
وعبارة املالكية :اإلحرام :ينعقد ابلنية املقرتنة بقول أو فعل متعلق ابحلج ،كالتلبية والتوجه إىل الطريق ،لكن األرجح أنه
ينعقد مبجرد النية ،ويلزمه دم يف ترك التلبية والتجرد من املخيط حني النية.
وعبارة الشافعية واحلناب لة :اإلحرام :أبن ينوي الدخول يف النسك ،فال ينعقد بدون النية ،فإن اقتصر على النية ،ومل
يلب ،أجزأه ،وإن لىب بال نية مل ينعقد إحرامه وال يشرتك قرن النية ابلتلبية؛ ألهنا من األذكار ،فلم جتب يف احلج كسائر
األذكار.
وال يصح اإلحرام إال ابلنية ،لقوله )ص([ :إمنا األعمال ابلنيات ،وإمنا لكل امرئ ما نوى] وألنه عبادة حمضة ،فلم
تصح من غري نية ،كالصوم والصالة.
وحمل النية :القلب ،واإلحرام :النية ابلقلب ،واألفضل عند أكثر العلماء أن ينطق مبا نواه؛ ملا روى أنس رضي هللا عنه
قالَ[ :سعت رسول هللا (ص) يقول :لبيك حبجة وعمرة] وألنه إذا نطق به كان أبعد عن السهو.
فيقول :نويت احلج أو العمرة وأحرمت به أو هبا هلل تعاىل ،أو يقول :اللهم إين أريد احلج أو العمرة ،فيسره يل وتقبله
مين .وإن أراد القران قال :اللهم إين أريد العمرة واحلج ،مث جيب أن يليب عند احلنفية عقيب صالته ،ألنه (ص) "لىب يف
دبر صالته" ويستحب التلبية عند اجلمهور بعد اإلحرام أي مع النية.
135
وإن حج أو اعتمر عن غريه قال( :نويت احلج أو العمرة عن فالن وأحرمت به أو هبا هلل تعاىل).
-2الطواف
األطوفة املشروعة يف احلج ثالثة :طواف القدوم ،وطواف اإلفاضة (أو الزايرة ،أو طواف الركن) ،وطواف الوداع (أو
يودع البيت ويصدر به.
الصدر) وهو طواف آخر العهد ابلبيتَ ،سي بذلك ألنه ّ
طواف َّ
وأمجعوا على أن املتمتع عليه طوافان :طواف للعمرة حلله منها ،وطواف للحج ،يوم النحر.
أما املفرد للحج فليس عليه إال طواف واحد يوم النحر ،وجيب عليه عند املالكية القدوم أيضا إن اتسع الوقت له،
ويسن ذلك عند اجلمهور.
وأما القارن فيجزئه عند اجلمهور طواف واحد وسعي واحد ،عمال مبذهب ابن عمر وجابر ،وقال احلنفية :على القارن
طوافان وسعيان عمال مبذهب علي وابن مسعود.
وأمجعوا على أن الواجب من هذه األطوفة الثالثة الذي يفوت احلج بفواته :هو طواف اإلفاضة ،لقوله تعاىل:
{وليطََّّوفوا ابلب يت العتيق} وأنه ال جيزئ عنه دم.
ورأي مجهور العلماء أن طواف الوداع جيزئ عن طواف اإلفاضة إن مل يكن طاف طواف اإلفاضة؛ ألنه طواف ابلبيت
معمول يف وقت الوجوب الذي هو طواف اإلفاضة ،خبالف طواف القدوم الذي هو قبل وقت طواف اإلفاضة.
واحلاصل أن العمرة ليس فيها طواف قدوم ،وإمنا فيها طواف واحد ،يقال له طواف الفرض وطواف الركن ،وإذا طاف
للعمرة أجزأه عن طواف القدوم وطواف الفرض.
والقارن واملفرد ابحلج يطوف ثالثة أطوفة :طواف القدوم ،وطواف اإلفاضة ،وطواف الوداع .وهناك طواف رابع متطوع
به غري ما ذكر ،وال يكفي القارن عند احلنفية طواف واحد ،بل عليه طوافان للعمرة وللحج وطواف القدوم للمفرد
والقارن إذا كاان قد أحرما من غري مكة ودخالها قبل الوقوف بعرفة.
136
أما طواف القدوم :فهو سنة عند مجهور الفقهاء حلاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة ،سواء أكان مفردا أم قاران،
وليس على أهل مكة طواف القدوم ،النعدام القدوم يف حقهم ،وأما غري أهل مكة فسنة هلم بدليل الثابت يف خرب
الصحيحني ،وال يسن للحاج بعد الوقوف بعرفة ،وال للمعتمر؛ ألنه دخل وقت طوافهما املفروض.
وأما طواف اإلفاضة أو الزايرة :فهو ركن ابتفاق الفقهاء ،ال يتم احلج إال به ،لقوله عز وجل{ :وليطََّّوفوا ابلب يت
العتيق} قال ابن عبد الرب :هو من فرائض احلج ،ال خالف يف ذلك بني العلماء .وقالت عائشة[ :حججنا مع النيب
(ص) ،فأفضنا يوم النحر ،فحاضت صفية ،فأراد النيب )ص( منها ما يريد الرجل من أهله ،فقالت :اي رسول هللا ،إهنا
حائض ،قال :أحابستنا هي ؟ قالوا :اي رسول هللا ،إهنا قد أفاضت يوم النحر ،قال :اخرجوا] فدل على أن هذا
الطواف البد منه ،وأنه حابس ملن مل أيت به ،وألن احلج أحد النسكني ،فكان الطواف ركنا كالعمرة.
وأما طاف الوداع ملن أراد اخلروج من مكة :فهو مندوب عند املالكية؛ لكل من خرج من مكة ولو كان مكيا؛ ألنه ال
جيب على احلائض والنفساء ،ولو كان واجبا عليهما كطواف الزايرة.
-3الشعي
السعي واجب عند احلنفية ،ركن عند عند ابقي األئمة ،لقوله )ص([ :اسعوا فإن هللا كتب عليكم السعي] و[كتب
اّلِل فمن ح َّج الب يت أو اعتمر فال جناح عليه عليكم السعي فاسعوا] وأما قوله تعاىل{ :إ َّن َّ
الصفا والمروة من شعائر َّ
أن يطََّّوف هبما} فهو لرفع اإلمث على من تطوف هبما ،ردا على ما كان يف اجلاهلية من التحرج من السعي بينهما،
ألنه عليهما صنمان.
-1أن يتقدمه طواف صحيح حبيث ال يتخلل بينهما الوقوف بعرفة ،اتباعا للسنة ،وقد قال )ص([ :خذوا عين
مناسككم] وألن السعي تبع للطواف .ومن سعى بعد طواف قدوم مل يعده ،واألفضل للقارن عند احلنفية تقدمي
السعي.
-2الرتتيب :أبن يبدأ ابلصفا وخيتم ابملروة؛ ألنه )ص( بدأ ابلصفا ،وقال :ابدؤوا مبا بدأ هللا به] وهو وهو قوله تعاىل:
اّلِل} فإذا بدأ ابملروة إىل الصفا ال يعتد بذلك الشوط. {إ َّن َّ
الصفا والمروة من شعائر َّ
137
-3أن يكون سبعة أشواط :أبن يقف على الصفا أربع مرات ،وعلى املروة أربعا وخيتم هبا ،وحيسب الذهاب إىل
املروة مرة ،والعود منها إىل الصفا مرة أخرى .فإن شك يف العدد بىن على األقل .ودليل هذا املقدار :إمجاع األمة،
وفعل رسول هللا (ص).
-4استيعاب ما بني الصفا واملروة :جيب أن يقطع مجيع املسافة بني الصفا واملروة ،فلو بقي منها بعض خطوة مل
يصح سعيه ،اقتداء بفعل النيب (ص).
-5املواالة بني األشواط :شرط عند املالكية واحلنابلة ،سنة عند غريهم ،كالطواف.
-4الوقوف بعرفة
أمجع العلماء على أنه الركن األصلي من أركان احلج ،لقوله )ص([ :احلج عرفة] أي احلج :الوقوف بعرفة ،وأمجعت
األمة على كون الوقوف ركنا يف احلج ،ال يتم إال به.
عرفة كلها موقف ،لقول النيب )ص([ :قد وقفت ههنا ،وعرفة كلها موقف] فمن وقف بعرفة يف أي مكان ،واألفضل
عند جبل الرمحة ،فقد مت حجه مكلقا من غري تعيني دون موضع .إال أنه ينبغي أال يقف يف بطن عرنة؛ ألن النيب
)ص( هنى عن ذلك ،وأخرب أنه وادي الشيطان ،قال النيب )ص([ :كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة] فليس
وادي عرنة من املوقف ،وال جيزئ الوقوف قبل عرفة كنمرة مثال ،قال ابن عبد الرب :أمجع العلماء على أن من وقف به
ال جيزئه.
يقف احلاج ابالتفاق من حني زوال الشمس يوم عرفة إىل طلوع الفجر الثاين من يوم النحر ،ألن النيب )ص( وقف
بعد الزوال وقال :خذوا عين منسككم .وقال احلنابلة :يبدأ وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إىل طلوع فجر
يوم النحر ،لقوله )ص([ :من شهد صالتنا هذه ،ووقف معنا حىت ندفع ،وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليال أو هنارا ،فقد
مت حجه ،وقضى تفثه].
وجيب عند اجلمهور (احلنفية واملالكية واحلنابلة) الوقوف إىل غروب الشمس ،ليجمع بني الليل والنهار يف الوقوف
بعرفة ،فإن النيب )ص( وقف بعرفة حىت عابت الشمس ،يف حديث جابر السابق .ويف حديث علي وأسامة [أن النيب
(ص) دفع حني غابت الشمس] فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح نام عند أكثر أهل العلم ،وعليه دم.
138
واجبات احلج
واجبات احلج والعمرة اليت جيزئ الدم برتكها خمتلف فيها بني الفقهاء كما عرفنا :فواجبات احلج عند احلنفية اثنان
وعشرون وأوصلها يف كتاب الباب إىل مخسة وثالثني ،منها :السعي ،والوقوف ابملزدلفة ولو مبقدار حلظة يف النصف
الثاين من الليل ،ورمي اجلمار ،واحللق أو التقصري ،وطواف الوداع .وذلك عند احلنفية لآلفاقي غري احلائض ،أي من
هو خارج املواقيت.
وواجبات احلج عند املالكية مخسة :طواف القدوم على األصح ،والوقوف ابملزدلفة ،ورمي اجلمار ،واحللق أو التقصري
على املشهور واملبيت مبىن ،وواجب العمرة هو احللق أو التقصري.
وواجبات احلج عند الشافعية مخسة :اإلحرام من امليقات الزماين واملكاين ،ورمي اجلمار ،واملبيت يف املزدلفة أي
الوقوف فيها ،واملبيت مبىن على الراجح ،وطواف الوداع .وأعمال العمرة كلها أركان عندهم ،إال اإلحرام من احلل فإنه
واجب ،كما أن احللق أو التقصري ركن يف احلج والعمرة على املشهور.
وواجبات احلج عند احلنابلة ستة :إحرام من امليقات ،ووقوف بعرفة هنارا للغروب ،ومبيت مبزدلفة لبعد نصف الليل،
ومبيت مبىن ،ورمي اجلمرات مرتبا ،وحلق أو تقصري ،وطواف وداع.
وواجبات العمرة اثنان :حلق أو تقصري ،وإحرام من احلل .وقد بينا أحكام اإلحرام من امليقات ،والسعي ،وأنواع
الطواف.
الوقوف ابملزدلفة واجب ابتفاق املذاهب ال ركن ،فمن تركه لزمه دم ،واملبيت هبا واجب عند احلنابلة ،سنة عند
احلنفية ،واملالكية ،وعند الشافعية قوالن :واجب أو سنة ،والراجح عند النووي والسبكي الوجوب ،وحمل القولني:
حيث ال عذر ،أما املعذور فال دم عليه جزما ،ومن املعذورين :من جاء عرفة ليال فاشتغل ابلوقوف عنه ،ومن أفاض
من عرفة إىل مكة وطاف للركن وفاته الوقوف مبزدلفة ،قال األذرعي :وينبغي محله على من مل ميكنه الدفع إىل املزدلفة،
أي بال مشقة ،فإن أمكنه وجب مجعا بني الواجبني .ومن املعذورين :ما لو خافت املرأة طروء احليض أو النفاس
139
فبادرت إىل مكة ابلطواف .ويف كفاية األخيار :املبيت ابملزدلفة سنة ،وقدر الواجب عند احلنفية :ساعة ولو لطيفة ولو
مارا ،كما يف عرفة ،وقدر السنة :امتداد الوقوف إىل اإلسفار جدا.
وحد مىن :ما بني وادي حم ّسر ومجرة العقبة ،ومىن :شعب طويل حنو ميلني ،وعرضه يسري ،أما اجلبال احمليطة به فما
أقبل منها عليه فهو من مىن ،وما أدبر منها فليس من مىن.
واجلمرات ثالث :األوىل (أو صغرى) ،والوسطى ،ومجرة العقبة (أو الكربى أو األخرية) ،واألوىل تلي مسجد اخليف،
ومسجد اخليف أو مسجد إبراهيم عليه السالم على أقل من ميل عن مكة .ومجرة العقبة :يف آخر مىن من جهة مكة،
وليست العقبة اليت تنسب إليها هذه اجلمرة من مىن ،وهي اجلمرة اليت ابيع رسول هللا (ص) األنصار عندها قبل اهلجرة
وهي صخرة عظيمة يف أول مىن ابلنسبة لآليت من مكة ،وهي كلها تقع يف وسط الشارع .وتبعد األخرية عن الوسطى
حنر 155مرتا ،ويبدأ احلاج ابألوىل ،وخيتم ابلثالثة.
ورمي اجلمرات الثالث أايم التشريق :بعد زوال الشمس يف كل يوم أي بعد الظهر ابالتفاق ،لقول ابن عباس[ :رمى
رسول هللا (ص) اجلمار حني زالت الشمس] فال جيوز الرمي قبل الزوال ،ويستمر الوقت للغروب.
وإن أخر الرمي إىل الليل كان قضاء عند املالكية ،خلروج وقت األداء وهو النهار الذي جيب فيه الرمي ،وعليه دم
ابلتأخري ،والوجوب دم واحد يف أتخري حصاة فأكثر.
املبيت مبىن ليلى الثامن من ذي احلجة سنة اتفاقا ،لكن للفقهاء رأاين يف املبيت مبىن يف ليلة التشريق :رأي أنه سنة،
ورأي أنه واجب.
أما الرأي األول فهو للحنفية :فإهنم قالوا :املبيت مبىن ليلة الثامن من ذي احلجة سنة ،وكذلك املبيت مبىن ليلة احلادي
عشر والثاين عشر من ذي احلجة سنة أيضا ،فإن أقام مبىن ألجل الرمي فعل األفضل ،وإن تركه ال شيء عليه ،ويكون
مسيئا؛ ألن النيب (ص) أرخص للعباس أن يبيت مبكة للسقاية ،كما أوضحت سابقا.
وأما الرأي الثاين فهو للجمهور :وهو أن املبيت مبىن ليليت التشريق واجب ،فمن تركه كان عليه دم عند املالكية
والشافعية.
140
املطلب الثالث :احللق أو التقصري:
رأى اجلمهور أن احللق أو التقصري نسك واجب ،لقوله تعاىل{ :مثَّ لي قضوا ت فث هم} والتفث – كما قال ابن عمر:
حالق الشعر ولبس الثياب وما يتبع ذلك ،وملا روى أنس[ :أن رسول هللا (ص) أتى مىن ،فأتى اجلمرة ،فرماها ،مث أتى
منزله مبىن وحنر ،مث قال للحالّق :خذ ،وأشار إىل جانبه األمين ،مث األيسر ،مث جعل يعطيه الناس ،وقال أبو هريرة :قال
رسول هللا (ص)[ :اللهم اغفر للمحلّقني ،قالوا :اي رسول هللا ،وللمقصرين ؟ قال :اللهم اغفر للمحلقني ،قالوا :اي
رسول هللا ،وللمقصرين ؟ قال :وللمقصرين].
ورأى الشافعية :أن احللق أو التقصري ركن يف احلج والعمرة؛ ألنه نسك على املشهور؛ ألن احللق أفضل من التقصري
للذكر ،والتفضيل إمنا يقع يف العبادات دون املباحات ،وروى ابن حبان يف صحيحيه أنه (ص) قال[ :لكل من حلق
رأسه ،بكل شعرة سقطت :نور يوم القيامة].
وقال الشافعية :أقل إزالة شعر الرأس أو التقصري :ثالث شعرات ،لقوله تعاىل{ :حملّقني رءوسكم} أي شعر رؤوسكم؛
ألن الرأس ال حيلق ،والشعر مجع ،وأقله ثالث ،أو أن يقدر لفظ الشعر منكرا فيكتفي يف الوجوب مبسمى اجلمع ,ولو
مل يكن هناك إال شعرة وجب إزالتها.
141
املراجع
)1عبد الرمحن اجلزيرى ،الفقه على املذاهب االربعة ،ط( 4.بريوت :دار الكتب العلمية.)2010 ،
)3وهبة الزحيلى ،الفقه االسالمى وادلته ،ط( 2.دمشق :دار الفكر.)1985 ،
142
الفهرس
الصفحة املوضوع الرقم
6-2 مفهوم العبادة يف االسالم .1
احكام الطهارة :احكام املاء ،جناسة .2
6 تعريف الطهارة
12-6 انواع املياه :النوع األول :املاء الطهور أو املطلق
10-8 النوع الثاىن :املاء الطاهر غري الطهور
11 النوع الثالث :املاء املتنجس
12-11 النجاسات املتفق عليها ىف املذاهب
14-12 النجاسات املختلف فيها
احكام الطهارة :وضوء ،تيمم ،مسح على اجلبارر والعصارب .3
15-14 تعريف الوضوء ،وحكمه
19-15 فرائض الوضوء
21-20 شروط الوضوء
21 املسح على اجلبائر :معىن اجلبرية
22 مشروعية املسح على اجلبرية
22 هل املسح على اجلبرية واجب أم سنة؟
23-22 شرائط املسح على اجلبرية
24-23 القدر املطلوب مسحه على اجلبرية
25-24 هل جيمع بني املسح على اجلبرية والتيمم؟
25 هل جتب إعادة الصالة بعد الربء؟
26-25 نواقض املسح على اجلبرية
27-26 تعريف التيمم ومشروعيته
27 هل التيمم للنفل جييز صالة الفرض؟
30-27 أسباب التيمم
143
33-30 أركان التيمم أو فرائضه
33 كيفية التيمم
33 مكروهات التيمم
34-33 نواقض التيمم أو مبطالته
احكام الصالة :حكم الصالة ،شروط وجوب وصححة الصالة ،اركان .4
الصالة
34 الصالة لغة ومشروعيتها
36-35 حكم نارك الصالة
38-36 شروط وجوب الصالة
45-38 شروط صحة الصالة
57-45 أركان الصالة (أو فرائضها)
احكام الصالة :مبطالت الصالة .5
63-57 مبطالت الصالة أو مفسداهتا :الكالم ،األكل والشرب ،العمل الكثري
املتوايل ،استدابر القبلة ،كشف العورة عمداً ،طروء احلدث األصغر أو
األكرب ،حدوث النجاسة اليت ال يعفى عنها يف البدن والثوب واملكان،
القهقهة ،الردة ،تغيري النية ،اللحن يف القراءة ،ترك ركن بال قصد ،أن يسبق
املقتدي إمامه عمداً بركن مل يشاركه فيه ،حماذاة املرأة الرجل يف الصالة من
غري فرجة ،إذا وجد املتيمم ماء قدر على استعماله وهو يف الصالة ،القدرة
على الساتر لعورته ،أن يسلم عمداً قبل متام الصالة
احكام الصالة :صالة اجلماعة ،املسبوق واملوافق ،صالة اجلمعة .6
64 تعريف اجلماعة
65-64 مشروعية اجلماعة وفضلها وحكمتها
68-65 حكم صالة اجلماعة
69 وقت استحباب القيام للجماعة أو للصالة
69 تعريف اإلمامة ونوعاها
73-70 شروط صحة اإلمامة أو اجلماعة
144
76-73 أحوال املقتدي (املدرك ،الالحق ،املسبوق)
77 صالة املنفرد عن الصف
صالة اجلمعة
78-77 فرضية اجلمعة ومنزلتها
79-78 البيع وقت النداء لصالة اجلمعة
80-79 من جتب عليه اجلمعة أو شروط وجوب اجلمعة
81-80 السفر يوم اجلمعة
85-81 شروط صحة اجلمعة
احكام الصالة :صالة املسافر :مجع الصالة وقصرها .7
86 مشروعية القصر ،وهو القصر عزمية أم رخصة ؟
88-86 حكم القصر أو هل القصر رخصة أو عزمية واجب؟
88 سبب مشروعية القصر
89-88 املسافة اليت جيوز فيها القصر
92-89 شروط القصر
94-92 ما مينع القصر
95-94 مىت يتم املسافر الصالة عادة
96-95 قضاء الصالة الفائتة يف السفر
اجلمع بني الصالتني
96 مشروعية اجلمع
97 أسباب اجلمع بني الصالتني
احكام الصالة :صالة التطوع .8
صالة العيدين
98 أدلة مشروعية صالة العيد
99-98 حكمها الفقهي
100-99 شرائط وجوهبا وجوازها
100 وقتها
145
101 موضع أداء صالة العيد
101 كيفية صالة العيد
صالة الكسوف واخلسوف
102-101 مشروعية صالة الكسوفني
103-102 كيفيتها
103 وقت صالة الكسوف واخلسوف
صالة االستسقاء
103 تعريف االستسقاء وسببه
104 مشروعية صالة االستسقاء
104 صفة صالة االستسقاء ووقتها
105 ما يستحب يف االستسقاء أو وظائف االستسقاء
صالة الوتر
106 حكم الوتر أو صفته
107 وقت الوتر
احكام الصيام .9
108 تعريف الصوم
108 فضل رمضان
113-108 أنواع الصيام :الواجب ،الصوم احلرام ،الصوم املكروه ،صوم التطوع أو الصوم
املندوب
116-113 مىت جيب الصوم؟
117-116 شروط وجوب الصوم
118-117 شروط صحة الصوم
119-118 تبييت النية
120-119 تعدد النية بتعدد األايم
120 مكروهات الصيام
124-120 األعذار املبيحة للفطر
146
احكام احلج والعمرة .10
125-124 تعريف احلج والعمرة
125 مكانة احلج والعمرة يف اإلسالم وحكمتهما
127-125 حكم احلج والعمرة
129-127 شروط احلج والعمرة
132-130 النية يف احلج واحلج عن الغري
133-132 موانع احلج
134-133 وقت احلج والعمرة
135-134 ميقات احلج والعمرة املكاين
139-135 أركان احلج
142-139 واجبات احلج
147