You are on page 1of 147

‫دراسات‬

‫يف‬

‫فقه العبادة‬
‫)‪(IIP1002‬‬

‫املؤلف‪ :‬د‪ .‬سعدان بن مان‬


‫الدرس األول‬

‫مفهوم العبادة يف االسالم‬


‫‪ -1‬معىن العبادة ىف اللغة‪:‬‬
‫ىف القاموس‪ :‬العبدية والعبودية والعبادة‪ :‬الطاعة‪ .‬وىف الصحاح‪ :‬أصل العبودية اخلضوع والذل‪ .‬والتعبيد‪ :‬التذليل‪.‬‬
‫يقال‪ :‬طريق معبد‪ .‬والبعري املعبد‪ :‬املهنوء ابلقطران املذلل‪ .‬والعبادة‪ :‬الطاعة‪ .‬والتعبد‪ :‬التنسك‪ .‬تفرق بني املعاىن حبسب‬
‫االشتقاق‪(( .‬فادخلى ىف عبادى)) أي ىف حزىب‪ .‬فأضاف معىن جديدا وهو الوالء‪ .‬اصل العبادة‪ :‬التذليل‪ .‬من قوهلم‬
‫طريق معبد أي بكثرة الوطء عليه‪ .‬والعبادة واخلضوع والتذلل واالستكانة قرائب ىف املعلىن‪ .‬يقال‪ :‬تعبد فالن لفالن‪-‬‬
‫إذا تذلل له‪ .‬وكل خضوع ليس فوقه خضوع فهو عبادة‪ ،‬طاعة كان للمعبود أو غري طاعة‪ ،‬وكل طاعة هلل على جهة‬
‫اخلضوع والتذلل فهى عبادة‪ .‬والعبادة نوع من اخلضوع ال يستحقه إال املنعم أبعلى أجناس النعم كاحلياة والفهم‬
‫والسمع والبصر‪ .‬ويرى االستاذ أبو االعلى املودودى استنادا إىل االستعمال اللغوى ملادة ع ب د‪ :‬أن مفهوم العبادة‬
‫االساسى أن يذعن املرء لعلو أحد وغلبته‪ ،‬مث ينرل له عن حريته واستقالله‪ .‬ويرتك ازاءه كل مقاومة وعصيان وينقاد له‬
‫انقيادا‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬أن العبادة ال تكون يف اللغة إال هلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ -2‬العبادة ىف الشرع خضوع وحب‪:‬‬


‫أما شيخ االسال ابن تيمية فهو ينظر إىل العبادة نظرة أعمق وأوسع‪ ،‬فهو حيلل معناها إىل عناصره البسيطة‪ .‬فيربز إىل‬
‫جواز املعىن االصلى ىف اللغة‪-‬وهو غاية الطاعة واخلضوع‪-‬عنصرا جديدا له أمهية كربى ىف االسالم‪ ،‬وىف كل االداين‪.‬‬
‫عنصرا ال تتحقق العبادة‪-‬كما أمر هللا‪-‬إال به‪ ،‬وذلك هو عنصر ((احلب)) فبغري هذا العنصر العاطفى الوجداىن ال‬
‫توجد العبادة الىت خلق هللا هلا اخللق‪ ،‬وبعث هبا الرسل‪ ،‬وانزل الكتب‪ .‬وىف توضيح ذلك يقول شيخ االسالم ىف‬
‫رسالته عن ((العبودية))‪(( :‬الدي ن يتضمن معىن اخلضوع والذل‪ .‬يقال‪ :‬دنته فدان‪ ،‬أى اذلته فذل‪ .‬ويقال‪ :‬يدين هللا‬
‫ويدين هللا‪ :‬أى يعبد هللا ويطيعه وخيضع له‪ .‬فدين هللا عبادته وطاعته واخلضوع له))‪(( .‬والعبادة اصل معناها‪ :‬الذل‬
‫أيضا‪ .‬يقال‪ :‬طريق معبد‪ ،‬إذا كان مذلال قد وطئته االقدام‪ ،‬لكن العبادة املأمور هبا تتضمن معىن الذل ومعىن احلب‪،‬‬
‫فهى تتضمن غاية الذل هلل تعاىل بغاية احملبة له‪ .‬فإن آخر مراتب احلب هو التتيم‪ ،‬وأوله العالقة‪ ،‬لتعلق القلب ابحملبوب‬
‫مث الصبابة النصباب القلب إليه‪ ،‬مث الغرام‪ ،‬وهو احلب املالزم للقلب‪ ،‬مث العشق‪ ،‬وآخرها التتيم‪ .‬يقال‪ :‬تيم هللا‪ ،‬أى‬
‫عبد هللا‪ ،‬فاملتيم‪ :‬املعبد حملبوبه))‪ .‬قال‪(( :‬ومن خضع إلنسان مع بغضه له ال يكون عابدا له‪ ،‬ولو أحب شيئا ومل‬
‫خيضع له‪ ،‬مل يكن عابدا له‪ .‬كما قد حيب الرجل ولده وصديقه‪ .‬وهلذا ال يكفى أحدمها ىف عبادة هللا تعاىل‪ ،‬بل جيب‬

‫‪2‬‬
‫أن يكون هللا أحب إىل العبد من كل شئ‪ .‬وأن يكون هللا أعظم عنده من كل شئ‪ ،‬بل ال يستحق احملبة واخلضوع‬
‫التام اال هللا‪ ،‬وكل ما أحب لغري هللا فمحبته فاسدة وما عظم بغري أمر هللا فتعظيمه ابطل‪.‬‬

‫ان العبادة املشروعة ال بد هلا من أمرين‪ :‬األول‪ :‬هو االلتزام مبا شرعه هللا ودعا إليه رسله‪ ،‬أمرا وهنيا‪ ،‬وحتليال‬
‫وحترميا‪ .‬وهذا هو الذي ميثل عنصر الطاعة واخلضوع هلل‪ .‬فليس عبدا والعابدا هلل من رفض االستسالم ألمره‪ ،‬واستكرب‬
‫يقرون بذلك‪ .‬ومل جيعلهم‬
‫عن اتباع هنجه‪ .‬واالنقياد لشرعه وإن أقر أبن هللا خالقه ورازقه‪ ،‬فقد كان مشركو العرب ّ‬
‫القرأن بذلك املؤمنني والعبادا هلل طائعني‪ ،‬فخضوع االقرار ابلربوبية اليكفى‪ ،‬وخضوع االستعانة ىف الكرابت‬
‫واالستغاثة ىف الشدائد ال يكفى‪ ،‬وال بد من خضوع التعبد واالنقياد والتباع الذي هو حبق االلوهية‪ .‬اساس اخلضوع‬
‫هلل الواحد القهار هو الشعور الذاتى ابحلاجة إىل من ميلك الضر والنفع واملوت واحلياة‪ ،‬ومن له اخللق واألمر‪ ،‬ومن‬
‫بيده ملكوت كل شئ‪ ،‬ومن إذا أراد شيئا قال له ((كن)) فيكون‪ ...‬الشعور ابلضعف أمام من ميلك القوة كل القوة‪.‬‬
‫والشعور ابحلهل أمام من أحاط بكل شئ علما‪ .‬والشعور ابلعجز أمام من ميلك القدرة كل القدرة‪ ،‬والشعور ابلفقر‬
‫أمام من ميلك الغىن كل الغىن‪ .‬وابختصار شعور العبودية املخلوقة الفانية الفقرية ابلذات أمام الربوبية اخلالقة األزلية‬
‫االبدية‪ ،‬املالكة لكل شئ‪ ،‬واملدبر لكل أمر‪.‬‬

‫والثاىن‪ :‬أن يصدر هذا االلتزام من قلب حيب هللا تعاىل‪ .‬فليس ىف الوجود من هو أجدر من هللا تعاىل أبن‬
‫حيب‪ ،‬فهو صاحب الفضل واالحسان‪ ،‬الذى خلق االنسان ومل يكن شيئا مذكورا‪ ،‬وخلق له ما ىف األرض مجيعا‪،‬‬
‫وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وابطنة‪ ،‬وخلقه يف أحسن تقومي وصوره فأحسن صورته‪ ،‬وكرمه وفضله على كثري من خلقه‪،‬‬
‫ورزقه من الطيبات‪ ،‬فمن أوىل من هللا أن حيب؟ إن اساس حمبة هللا هو الشعور بفضله ونعمته‪ ،‬وإحسانه ورمحته‪،‬‬
‫واال حساس جبماله وكماله‪ .‬فمن عرف هللا أحبه‪ ،‬وبقدر درجته ىف املعرفة تكون درجته ىف احملبة‪ ،‬وهلذا كان الرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم أشد الناس حبا هلل‪ ،‬ألنه كان أعرفهم ابهلل‪ .‬فإن اسباب احلب ترجع اىل مخسة هي‪ )1 :‬حب‬
‫االنسان وجود نفسه وكماله وبقائه‪ )2 ،‬وحبه من أحسن إليه فيما يرجع إىل دوام وجوده ويعني على بقائه ودفع‬
‫املهلكات عنه‪ )3 ،‬وحبه من كان حمسنا ىف نفسه إىل الناس وإن مل يكن حمسنا إليه‪ )4 ،‬وحبه لكل ما هو مجيل ىف‬
‫ذاته‪ ،‬سواء أكان من الصور الظاهرة أو الباطنة‪ )5 ،‬وحبه ملن بينه وبينه مناسبة خفية ىف الباطن‪.‬‬

‫‪ -3‬خطأ صنفني ىف فهم حقيقة العبادة‬


‫الصنف األول‪ :‬أسرف ىف دعوى احملبة‪ ،‬حىت أخرجه ذلك إىل نوع من الرعونة والدعوى الىت تناىف العبودية‪ ،‬وتدخل‬
‫العيد يف نوع الربوبية اليت ال تصلح إال هللا‪ ،‬فيدعى أحدهم دعاوى تتجاوز حدود األنبياء واملرسلني‪-‬فضال عن عامة‬
‫‪3‬‬
‫الناس‪-‬أو يطلب من هللا ماال يصلح بكل وجه إال هلل‪ ،‬ال يصلح لألنبياء وال للمرسلني‪ .‬قال ابن تيمية‪ :‬وهذا ابب‬
‫وقع فيه كثري من الشيوخ‪-‬يعىن من املتصوفة‪-‬وسببه‪ :‬ضعف حتقيق العبودية الىت بينها الرسل‪ ،‬وحررها األمر والنهى‬
‫الذى جاءوا به‪ ،‬بل ضعف العقل الذى به يعرف العبد حقيقته‪ .‬وكثري من السالكني سلكوا ىف دعوى حب هللا أنواعا‬
‫من أمور اجلهل ابلدين‪ .‬إما من تعدى حدود هللا‪ ،‬وإما من تضييع حقوق هللا‪.‬‬

‫والصنف الثاىن‪ :‬الذى غلط ىف فهم حقيقة العبادة‪ :‬هو الذى ظن أن احملبة تناىف أدب العبودية وال تصاحب‬
‫خشية هللا وخمافته الىت جيب أن يتصف هبا كل عبد هللا‪ .‬كما ظن أن احملبة ال تتحقق من املخلوق للخالق‪ ،‬إمنا‬
‫املطلوب منه الطاعة واخلضوع فقط‪ .‬واحلقيقة أن احملبة ال تناىف اخلشية واملخافة‪ ،‬بل اخلوف الزم للمحبة كما قال ابن‬
‫تيمية‪ ،‬إذ ليس عند القلب السليم أحلى وال ألذ وال أطيب وال أسر وال أنعم من حالوة االميان املتضمن عبوديته هلل‪،‬‬
‫وحمبته له وإخالصه الدين له‪ .‬وذلك يقتضى اجنذاب القلب إىل هللا‪ ،‬فيصري القلب منيبا إىل هللا‪ ،‬خائفا منه‪ ،‬راغبا‬
‫راهبا‪ ،‬كما قال تعاىل‪(( :‬من خشى الرمحان ابلغيب وجآء بقلب منيب))‪.‬‬

‫‪ -4‬جماالت العبادة كما بينها االسالم‬


‫عرفنا أن رسالة االنسان يف هذه األرض أن يعبد هللا الذى خلقه فسواه‪ ،‬وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وابطنة‪ .‬وعرفنا معىن‬
‫العبادة وحقيقتها ىف اللغة والشرع‪ .‬وبقى أن نعرف صور العبادة وأنواعها ومظاهرها وجماالهتا‪.‬‬

‫ا‪ -‬مشول العبادة لدين كله‬

‫لقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيمية عن قول هللا عز وجل‪(( :‬أييها الناس اعبدوا ربكم)) ما العبادة؟ وما فروفها؟ وهل‬
‫جمموع الدين داخل فيها أم ال؟ فأجاب رمحه هللا عن ذلك إجابة مبسوطة مفضلة تضمنتها رسالته املعروفة ابسم‬
‫((العبودية)) وقد بدأها بقوله‪(( :‬العبادة‪ :‬هي اسم جامع لكل ما حيبه هللا ويرضاه من األقوال واألعمال‪ ،‬الباطنة‬
‫والظاهرة‪ ،‬فالصالة‪ ،‬وال زكاة والصيام واحلج‪ ،‬وصدق احلديث‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة األرحام‪ ،‬والوفاء‬
‫ابلعهود‪ ،‬واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬واجلهاد للكفار واملنافقني‪ ،‬واإلحسان للجبار واليتيم واملسكني وابن‬
‫السبيل‪ ،‬واململوك من اآلدمني‪ ،‬والبهامث‪ ،‬والدعاء والذكر والقراءة‪ ،‬وأمثال ذلك من العبادة))‪(( .‬وكذلك حب هللا‬
‫ورسوله‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬وخشية هللا واإلانبة إليه وإخالص الدين له‪ ،‬والصرب احلكمة‪ ،‬والشكر لنعمه‪ ،‬والرضا‬
‫بقضائه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والرجاء لرمحته‪ ،‬واخلوف من عذابه‪ ،‬وأمثال ذلك هي من العبادة هللا))‪ .‬وأكثر من ذلك ماذكره‬
‫شي خ اإلسالم‪ :‬أن الدين كله داخل ىف العبادة‪ .‬إذ الدين يتضمن معىن اخلضوع والذل يقال‪ :‬دنته فدان‪ ،‬أى أذللته‬

‫‪4‬‬
‫فذل‪ .‬ويقال‪ :‬يدين هللا ويدين هلل‪ ،‬أى يبعد هللا ويطيعه وخيضع له‪ .‬فدين هللا‪ :‬عبادته وطاعته واخلضوع له‪ .‬والعبادة‬
‫أصل معناها الذل أيضا‪.‬‬

‫ب‪ -‬العبادة انقياد ملنهج هللا وشرعه‬

‫إن مقتضى عبادة اإلنسان هلل وحده‪ :‬أن خيضع أموره كلها ملا حيبه تعاىل ويرضاه‪ ،‬من االعتقادات واألقوال واألعمال‪،‬‬
‫وأن يكيّف حياته وسلوكه وقفا هلداية هللا وشرعه‪ .‬فإذا امره هللا أو هناه‪ ،‬أو أحل له أو حرم عليه كان موقفه ىف ذلك‬
‫كله‪َ(( :‬سعنا وأطعنا‪ ))...‬ففرق ما بني املؤمن وغريه‪ :‬أن املؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقني إىل العبودية‬
‫لربه‪ .‬خرج من طاعة هواه إىل طاعة هللا‪ .‬ليس املؤمن ((سائبا)) يفعل ما هتوى نفسه أو يهوى له غريه من اخللق‪ .‬إمنا‬
‫هو ((ملتزم)) بعهد جيب أن يفىن به‪ ،‬وميثاق جيب أن حيرتمه‪ ،‬ومنهج جيب أن يتبعه‪ .‬وهذا التزام منطقى انشئ من‬
‫طبيعة عقد اإلميان ومقتضاه‪ .‬وىف هذا يقول القرأن‪(( :‬وما كان ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى هللا ورسوله أمرا أن يكون هلم‬
‫اخلرية من أمرهم‪ ))...‬ليس بعباد هلل إذن من قال‪ :‬أصلى وأحج‪ ،‬ولكىن حر ىف أكل حلم اخلنزير‪ ،‬أو شرب اخلمر‪ ،‬أو‬
‫أكل الراب‪ ،‬أو رفض ماال يروقىن من أحكام الشريعة‪ ،‬فأحكم فيه بغري ما أنزل هللا!‬

‫ت‪ -‬من اتبع غري منهج هللا فقد أشرك ىف عبادته‬

‫إن من العبادة الىت يغفلها كثري من الناس‪ :‬اخلضوع لشرع هللا‪ ،‬واالنقياد ألحكامه الىت أحل هبا احلالل وحرم احلرام‪،‬‬
‫فرض الفرائض‪ ،‬وح ّد احلدود‪ .‬فمن أدى الشعائر وصلى وصام وحج واعتمر‪ ،‬ولكنه رضى أن حيتكم ىف شئون حياته‬
‫اخلاصة والعامة‪ ،‬أو ىف شئون اجملتمع والدولة‪ ،‬إىل غري شرع هللا وحكمه‪ ،‬فقد عبد غري هللا‪ ،‬وأعطى غريه ما هو من‬
‫خالص حقه سبحانه‪ .‬إن هللا وحده هو املشرع احلاكم خللقه‪ ،‬ألن الكون كله مملكته‪ ،‬والناس مجيعا عباده‪ ،‬وهو وحده‬
‫الذى له أن أيمر وأن ينهى‪ ،‬وأن يقول‪ :‬هذا حالل‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬مبقتضى ربوييته وملكه وألوهيته للناس‪ ،‬فهو رب‬
‫يشرع ما شاء‪ ،‬أمرا وهنيا وحتليال وحترميا‪ ،‬بدون إذن من‬
‫الناس‪ ،‬ملك الناس‪ ،‬إله الناس‪ .‬فمن ادعى من اخللق أن له أن ّ‬
‫أقر له هبذ احلق‪ ،‬وانقاد‬
‫هللا‪ ،‬فقد جتاوز حده‪ ،‬وعدا طوره‪ ،‬وجعل نفسه راب أو إهلا من حيث يدرى أو ال يدرى! ومن ّ‬
‫وحرم حرامه‪ ،‬فقد اختذه رابّ‪ ،‬وعبده مع هللا‪ ،‬أو من دون هللا‪،‬‬
‫أحل حالله ّ‬
‫لتشريعه ونظامه‪ ،‬وخضع ملذهبه وقانونه‪ ،‬و ّ‬
‫ودخل ىف زمرة املشركني من حيث يشعر أو ال يشعر!‬

‫‪5‬‬
‫الدرس الثاين‬

‫احكام الطهارة‪ :‬احكام املاء‪ ،‬جناسة‬


‫تعريف الطهارة‬
‫الطهارة لغة‪ :‬النظافة والنزاهة عن األقذار واألوساخ‪ ،‬سواء كانت حسية كاألجناس من بول وغريه أو معنوية كالعيوب‬
‫واملعاصى‪ .‬ان النيب (ص) كان إذا دخل على مريض قال‪(( :‬ال أبس‪ ،‬طهور إن شاء هللا))‪ ،‬املطهر من الذنوب فهو‬
‫(ص) يقول‪ :‬إن املرض مطهر من الذنوب‪ ،‬وهى اقذار معنوية‪.‬‬

‫أما تعريف الطهارة والنجاسة ىف اصطالح الفقهاء‪ ،‬ففيه تفصيل املذاهب‪ .‬وإن اختلفت ىف بعض الواحى‪،‬‬
‫ولكن ميكن أن أنخذ منها معىن للطهارة متفقا عليه‪ )1(،‬وهو أن الطهارة شرعا صفة اعتبارية قدرها الشارع شرطا‬
‫لصحة الصالة‪ ،‬وجواز استعمال اآلنية واألطعمة وغري ذلك‪ ،‬فالشارع اشرتط لصحة صالة الشخص أن يكون بدنه‬
‫موصوفا ابلطهارة‪ ،‬ولصحة الصالة ىف املكان أن يكون املكان موصوفا ابلطهارة‪ ،‬ولصحة الصالة ابلثوب أن يكون‬
‫موصوفا ابلطهارة‪ )2( .‬والطهارة شرعا‪ :‬النظافة عن النجاسة‪ :‬حقيقة كانت وهى اخلبث‪ ،‬أو حكمية وهى احلدث‪.‬‬

‫انواع املياه‪:‬‬
‫املياه أنواع ثالثة‪ :‬طهور‪ ،‬وطاهر غري مطهر‪ ،‬ومتنجس‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬املاء الطهور أو املطلق‪:‬‬


‫هو الطاهر ىف نفسه املطهر لغريه‪ ،‬وهو كل ماء نزل من السماء‪ ،‬أو نبع من األرض‪ ،‬مادام ابقيا على أصل‬
‫اخللقة‪ ،‬فلم يتغري أحد أو أوصافه الثالثة وهو (اللون والطعام والرائحة)‪ ،‬أو تغري بشئ مل يسلب طهوريته كرتاب طاهر‬
‫أو ملح أو نبات مائى‪ ،‬ومل يكن مستعمال‪ ،‬مثل ماء املطر واألودية والعيون والينابيع واآلابر واألهنار والبحار‪ ،‬وماء‬
‫الثلج والربد‪ ،‬وحنوها من كل ماء عذب أو ماحل‪ ،‬ويشمل املاء الذي ينعقد على صورة حيوان‪ ،‬أو ينعقد ملحا‪ ،‬أو‬
‫يرشح ويتبخر خبار ماء‪ ،‬ألنه ماء حقيقة‪ .‬إال أن احلنفية قالوا‪ :‬املاء الذى ينعقد فيه اللملح طهور قبل االنعقاد‪ ،‬أما‬
‫بعد االنعقاد والذوابن‪ ،‬فإنه يكون طاهر غري طهور فال يرفع احلدث‪ ،‬ويزيل اخلبث‪ .‬هذا املاء املطلق طاهر مطهر‬
‫إمجاعا‪ ،‬يزال به النجس‪ ،‬ويستخدم للوضوء والغسل‪ ،‬لقوله تعاىل‪(( :‬وأنزلنا من السماء ماء طهور)) ((وينزل عليكم‬
‫من السماء ماء ليطهركم به))‪ ،‬ولقوله (ص) عن ماء البحر‪(( :‬هو الطهور ماؤه احلل ميتته))‪ ،‬وقوله عليه السالم‪:‬‬
‫((إن املاء طهور‪ ،‬ال ينجسه إال ما غلب على رحيه وطعمه ولونه))‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ا‪ -‬التغري غري املؤثر ىف الطهورية‬

‫اتفق الفقهاء على أن كل ما يتغري املاء مما ال ينفك عنه غالبا‪ :‬أنه ال يسلبه صفة الطهارة والتطهري‪ ،‬فال يضر تغري‬
‫أوصاف املاء كلها أو بعضها بطول املكث (البقاء ىف املكان مدة طويلة) لتعذر االحرتاز عنه‪ ،‬والبرتاب طهور‪،‬‬
‫وطحلب (خضرة تعلو على وجه املاء)‪ ،‬وما ىف مقره وممره‪ ،‬وال مبخالط جماور (وهو ما ميكن فصله) كعود ودهن ولو‬
‫مطيبني ومنه البخور وال جبيفة ملقاة على الشاطئ تغري املاء برحيها‪ ،‬وال بدابغ إانئه كقطران وقرظ‪ ،‬وال ببعض املعادن‬
‫كملح ماء وكربيت‪ ،‬وال مبا يعسر االحرتاز عنه كالتنب وورق الشجر‪.‬‬

‫أن املاء املتغري الذى ال يضر التوضؤ به أربعة أنواع‪:‬‬

‫‪ -1‬ما أضيف إىل حمله ومقره‪ ،‬كماء النهر والبئر وأشباههما‪.‬‬

‫اخلز (الشوك األخضر) وسائر ما ينبت ىف املاء‪ ،‬وكذا ورق الشجر الذى‬ ‫‪ -2‬ما ال ميكن التحرز عنه كالطحلب و ّ‬
‫يسقط ىف املاء أو حتمله الريح فتلقيه فيه‪ ،‬وما جتذبه السويول من العيدان والتنب وحنوه‪ ،‬فتلقيه ىف املاء‪ ،‬وماء هو ىف‬
‫قرار املاء‪ ،‬كالكربيت والزفت وغريمها إذا جرى عليه املاء فتغري به‪ ،‬أو كان ىف األرض الىت يقف املاء فيها‪.‬‬

‫غري املاء‪ ،‬ال مينع الطهورية‪ ،‬ألنه طاهر مطهر كاملاء‪ ،‬فإن‬
‫‪ -3‬ما يوافق املاء ىف صفتيه‪ :‬الطهارة والطهورية‪ ،‬كالرتاب إذا ّ‬
‫ثخن حبيث ال جيري على األعضاء‪ ،‬مل جتز الطهارة به‪ ،‬ألنه طني وليس مباء‪ ،‬وال فرق ىف الرتاب بني وقوعه ىف املاء عن‬
‫قصد أو غري قصد‪ ،‬وكذلك امللح البحري أو املائي‪ ،‬واملعدىن‪ ،‬ألن هذا األخري خليط مستغىن عنه غري منعقد من‬
‫املاء‪ ،‬فهو كالزعفران وغريه‪.‬‬

‫‪ -4‬ما يتغري به املاء مبجاورته من غري خمالطة‪ ،‬كالدهن أبنواعه‪ ،‬ومثله القطران والزفت والشمع‪ ،‬والطاهرات الصلبة‪،‬‬
‫كالعود والكافور والعنرب‪ ،‬إذا مل يتلف ىف املاء‪ ،‬ومل ميع فيه‪ ،‬ألنه تغيري جماورة‪ ،‬فأشبه مالو تروح املاء بريح شيئ على‬
‫جانبه‪ ،‬وال خالف ىف هذا‪.‬‬

‫وال خالف بني العلماء ىف جواز التوضؤ مبا خالطه طاهر مل يغريه‪ ،‬فإذا سقط شئ من الباقال واحلمص والورد‬
‫والزعفران وغريه ىف ماء‪ ،‬وكان يسريا‪ ،‬فلم يوجد له طعم وال لون وال رائحة كثرية‪ ،‬جاز الوضوء به‪ ،‬ألنه (( ص) اغتسل‬
‫وزوجته من جفنة فيها أثر العجني))‪.‬‬

‫ب‪ -‬املاء الطهور املكروه االستعمال تنزيها عند احلنفية‬

‫‪7‬‬
‫هنال ماء طاهر مطهر مكروه استعماله تنزيها حال وجود غريه على األصح عند احلنفية‪ :‬وهو املاء القليل‬
‫الذى شرب منه حلوان مثل اهلرة األهلية ال الوحشية إذ سؤرها جنس‪ ،‬ومثل الدجاجة املخالة (املرتوكة أتكل‬
‫القاذورات) وسباع الطري‪ ،‬واحلية الفارة‪ :‬ألهنا ال تتحامى عن النجاسة‪ .‬وهذا عمل مبقتضى االستحسان‪ ،‬تيسريا على‬
‫الناس بسبب خمالطة الناس للهرة‪ ،‬وتطوافها هبم‪ ،‬وللضرورة ىف سباع الطري لعدم إمكان التحرز عنهما‪ ،‬وقد قرر النيب‬
‫(ص) طهارة سؤر اهلرة‪ ،‬فقال‪(( :‬إهنا ليست بنجس‪ ،‬إهنا من الطوافني عليكم‪ ،‬والطوافات))‪ ،‬وعن عائشة عن النيب‬
‫(ص) ((‘ نه كان يصغى إىل اهلرة اإلانء حىت تشرب‪ ،‬مث يتوضأ بفضلها))‪ .‬وتزول الكراهة إذا مل يوجد غري هذا املاء‪.‬‬
‫وقال الشافعية بطهارة فم اهلرة وطهارة سؤرها‪.‬‬

‫الفرق بني املاء الطهور وبني املاء الطاهر‬


‫أما الفرق بني املاء الطهور واملاء الطاهر‪ ،‬فهو أن املاء الطهور يستعمل ىف العبادات وىف العادات‪ ،‬فيجوز الوضوء‬
‫به واالغتسال من اجلنابة واحليض‪ ،‬كما جيوز تطهري النجاسة به واستعماله لنظافة البدن والثوب من األوساخ الظاهرة‬
‫وغري ذلك‪ ،‬خبالف املاء الطاهر فإنه ال يصح استعماله ىف العبادات من وضوء وغسل اجلنابة وحنومها‪.‬‬

‫حكم املاء الطاهر‬

‫أما حكم املاء الطهور‪ ،‬فهو ينقسم إىل قسمني‪ :‬أحدمها‪ :‬األثر الذى رتبه الشارع عليه‪ ،‬وهو أنه يرفع احلدث األصغر‬
‫واألكرب‪ ،‬فيصح الوضوء به واالغتسال من اجلنابة واحليض‪ ،‬وتزال به النجاسة احملسة وغريها‪ ،‬وتؤدى به الفرائض‬
‫واملندوابت وسائر القرب‪ .‬اثنيهما‪ :‬حكم استعماله‪ ،‬واملراد به ما يوصف به استعماله من وجوب وحرمة‪ ،‬وهو من‬
‫هذه اجلهة تعرتية األحكام اخلمسة‪ ،‬وهى‪ :‬الوجوب‪ ،‬واحلرمة‪ ،‬والندب‪ ،‬واإلابحة‪ ،‬والكراهة‪ .‬فأما ما جيب فيه استعمال‬
‫املاء‪ ،‬فهو أداء فرض يتوقف على الطهارة من احلدث واالكرب واألصغر‪ ،‬كالصالة‪.‬‬

‫النوع الثاىن‪ :‬املاء الطاهر غري الطهور‬


‫املاء الطاهر غري الطهور ثالثة أنواع‪:‬‬

‫األول‪:‬‬

‫أن خيالط املاء الطهور شىء طاهر‪ ،‬فإذا أضيف إىل املاء الطهور مثال ماء ورد‪ ،‬أو عجبني‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ،‬فإنه يسلب‬
‫طهوريته‪ ،‬حبيث ال يصح استعماله بعد ذلك ىف الوضوء أو الغسل‪ ،‬وإن صح استعماله ىف العادات‪ ،‬من شرب‪،‬‬
‫وتنظيف ثياب‪ ،‬ولكن ال يسلب الطهورية إال بشرطني‪ :‬أحدمها‪ :‬أن تتغري أحد أوصاف املاء الثالثة‪ :‬الطعم‪ ،‬او اللون‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫أو الريح‪ -‬بذلك املخالط‪ :‬اثنيهما‪ :‬أن يكون املخالط من األشياء الىت تسلب طهورية املاء وىف هذا االشياء تفصيل‬
‫املذاهب‪:‬‬

‫وسالب الطهورية عند احلنفية هو غلبة املاء عليه إما ىف خمالطة اجلامدات واما ىف املائعات‪ .‬والغلبة ىف‬
‫اجلامدات تكون إبخراج املاء عن رقته وسيالنه‪ ،‬أو الىت تزيل طبع املاء (وهو الرقة والسيالن واإلرواء واإلنبات) ابلطبخ‬
‫بنحو محص وعدس‪ ،‬ومل يقصد به التنظيف كالصابون واألشنان‪ ،‬ألن النىب (ص) اغتسل مباء فيه أثر العجني‪ ،‬وكان‬
‫يغتسل وهو جنب ويغسل رأسه ابخلطمى (ورق يدق ويغسل به الرأس)‪ ،‬وأمر النيب بغسل الذى وقصته (كسرته)‬
‫انقته‪ ،‬وهو حمرم مباء وسدر (شجر النبق)‪ ،‬وأمر قيس بن عاصم حني أسلم أن يغتسل مباء وسدر‪ .‬والغلبة ىف املائع‬
‫الذى ال وصف له كاملاء املستعمل‪ ،‬وماء الورد املنقطع الرائحة‪ :‬تكون إما بزايدة الوزن كأن اختلط رطالن من املاء‬
‫املستعمل برطل من املاء املطلق أو بظهور وصفني من مائع له أوصاف ثالثة‪ ،‬كاخلل له لون وطعم وريح‪ ،‬فأى وصفني‬
‫ظهرا منعا صحة الوضوء‪ ،‬وال يضر ظهور وصف واحد لقلته‪ ،‬أو بظهور وصف واحد من مائع له وصفان فقط‪،‬‬
‫كاللنب له اللون والطعم وال رائحة له‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬إن سالب الطهورية الذى يرتتب عليه أنه ال يرفع احلدث وال يزيل اخلبث‪ :‬هو كل طاهر خيالط‬
‫املاء مما يفارقه غالبا‪ ،‬ويغري أحد أوصافه (لونه أو طعمه أ و رحيه)‪ ،‬ومل يكن من أجزاء األرض‪ ،‬والدابغا إلانئه‪ ،‬وال مما‬
‫يعسر االخرتاز عنه‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬الذى يسلب طهورية املاء‪ ،‬فيجعله غري صاحل لرفع احلدث وال إلزالة النجس به‪:‬‬
‫هو كل خمالط طاهر يستغىن املاء عنه‪ ،‬إذا غري أحد أوصافه (لونه أو طعمه أو رحيه) تغريا كثريا مينع اطالق اسم املاء‬
‫عليه‪ ،‬ومل يكن املغري ترااب وال ملحا مائيا ولو طرحا قصدا‪ .‬وذلك مثل الزعفران وماء الشجر واملىن وامللح اجلبلى والتمر‬
‫والدقيق والطحلب املطروح ىف املاء‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬يسلب طهورية املاء أنواع منها‪ :‬املستخرج ابلعالج‪ ،‬كماء ورد وزهر‬
‫وبطيخ‪ ،‬إذا غلبت أجزاؤه على املاء‪ ،‬والطاهر الذى يغري اسم املاء حىت صار صبغا أو خال‪ :‬والطاهر الذى يغري احد‬
‫اوصاف املاء تغريا كثريا‪ ،‬أبن طبخ فيه كماء الباقال واحلمص‪ ،‬أو مل يطبخ كالزعفران وامللح املعدىن‪ ،‬أو طرحه فيه آدمى‬
‫عاقل قصدا كطحلب أو ورق شجر وحنوه‪ ،‬ففى كل ذلك ال يعد ماء مطلقا‪ ،‬فال يتوضأ به‪.‬‬

‫والثاىن‪ :‬املاء املستعمل القليل‬

‫والقليل‪ :‬هو ما نقص عن القلّتني أبكثر من رطلني‪ .‬والقلتني‪ :‬مخسمائة رطل يغدادى تقريبا (‪ )500‬وابملصر (‪7/3‬‬
‫‪ )446‬رطال وابلشامى ‪ 81‬رطال‪ ،‬والرطل الشامى‪ 2 ½ :‬كغ فيكون قدرمها (‪ 195 ،211‬كغ) زتساوى ‪10‬‬

‫‪9‬‬
‫تنكات (صفايح) وقيل‪ 15 :‬تنكة أو ‪ 270‬لرتا‪ ،‬وقدرمها ابملساحة ىف مكان مربع‪ :‬ذراع وربع طوال وعرضا وعمقا‬
‫ابلذراع املتوسط‪ .‬وىف املكان املدور كالبئر‪ :‬ذراعان عمقا‪ ،‬وذراع عرضا‪.‬‬

‫واملستعمل عند احلنفية‪ :‬هو املاء الذى استعمل لرفع حدث (وضوء أو غسل) أو لقربة (ثواب) كالوضوء‪ -‬ىف‬
‫جملس آخر‪ -‬على الوضوء بنية التقرب أو لصالة اجلنازة ودخول املسجد ومس املصحف وقراءة القرآن‪ .‬ويصري املاء‬
‫مستعمال مبجرد انفصصاله عن اجلسد‪ ،‬واملستعمل‪ :‬هو الذى اتصل ابألعضاء‪ ،‬ال كل املاء‪ .‬وحكمه عندهم أنه طاهر‬
‫بنفسه غري مطهر لغريه من احلدث ويطهر اخلبث أى أنه ال يزيل احلدث من وضوء وغسل‪ ،‬ويزيل النجاسة احلقيقة‬
‫عن الثوب والبدن على الراجح املعتمد‪.‬‬

‫واملستعمل عند املالكية‪ :‬هو املاء الذى استعمل ىف رفع حدث (وضوء أو غسل) أو ىف إزالة خبث (عني‬
‫النجاسة)‪ ،‬سواء أكان الغسل واجبا كغسل املست‪ ،‬أم غري واجب كالوضوء على الوضوء وغسل اجلمعة والعيدين‪،‬‬
‫والغسلة الثانية ىف الوضوء‪ ،‬إذا مل يغريه االستعمال‪ .‬واملاء املستعمل‪ :‬طاهر مطهر‪ ،‬وال يكره على األرجح استعماله مرة‬
‫أخرى ىف إزالة النجاسة‪ ،‬أو ىف غسل إانء وحنوه‪ ،‬لكن يكره استعماله ىف رفع حدث أو اغتساالت مندوبة مع وجود‬
‫غريه‪ ،‬إذا كان يسريا‪.‬‬

‫واملاء امل ستعمل عند الشافعية‪ :‬هو املاء القليل املستعمل ىف فرض الطهارة عن حدث كالغسلة األوىل فيه‪،‬‬
‫واألصح أن نفل الطهارة كالغسلة الثانية والثالثة طهور ىف املذهب اجلديد‪ .‬واملراد بفرضية الطهارة ولو صورة كوضوء‬
‫الصىب‪ ،‬إذ ال بد لصحة صالته من وضوء‪ .‬وحكم املستعمل‪ :‬أنه طاهر غري طهور ىف املذهب اجلديد‪ ،‬فال يتوضأ أو‬
‫يغتسل به‪ ،‬وال تزال النجاسة به‪ ،‬ألن السلف الصاحل كانوا ال حيرتزون عن ذلك‪ ،‬وال عما يتقاطر عليهم منه‪ ،‬وىف‬
‫الصحيحني ((أنه عاد جابرا ىف مرض موته‪ ،‬فتوضأ وصب عليه من وضوئه)) وكانوا مع قلة مياهم مل جيمعوا املستعمل‬
‫لالستعمال اثنيا‪ ،‬بل انتقلوا إىل التيمم‪ ،‬ومل جيمعوه للشرب‪ ،‬ألنه مستقذر‪.‬‬

‫واملستعمل عند احلنابلة‪ :‬هو املستعمل ىف رفع حدث أكرب (جنابة) أو أصغر (وضوء)‪ ،‬أو إزالة جناسة من‬
‫آخر غسلة زالت هبا النجاسة وهى الغسلة السابعة كما هو املذهب‪ ،‬ومل يتغري أحد أوصاف املاء (لونه أو طعمه أو‬
‫رحيه)‪ .‬وحكم املستعمل‪ :‬أنه ال يرفع احلدث وال يزيل اخلبث‪ ،‬كالشافعية‪.‬‬

‫والثالث‪:‬‬

‫ماء النبات من زهر أو مثر‪ ،‬كماء الورد‪ ،‬أو الزهر‪ ،‬وماء البطيخ وحنوه من الفاكهة‪ ،‬طاهر غري مطهر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬املاء املتنجس‬
‫املاء املتنجس هو الذى خالطته جناسة‪ ،‬أى وقعت فيه جناسة غري معفو عنها مثل قليل األرواث‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬

‫االول‪ :‬املاء الطهور الكثري‪ ،‬وهو ال يتنجس مبخالطة النجاسة‪ ،‬إال إذا تغري أحد أوصافه الثالثة‪ ،‬من لون‪ ،‬أو طعم‪ ،‬أو‬
‫رائحة‪ .‬والثاىن‪ :‬املاء الطهور القليل‪ ،‬وهو يتنجس مبجرد حلول النجاسة به‪ ،‬سواء تغريت أحد أوصافه أم ال‪ .‬واتفق‬
‫العلماء على جناسة النوع االول الذي تغريت فيه احد أوصاف املاء‪ ،‬كما أن الشافعية واحلنابلة وافقوا احلنفية ىف جناسة‬
‫النوع الثاىن إال ما يعفى عنه عند الشافعية كميتة ماال دم له سائل مثل الذابب والنحل إذا وقع بنفسه ألقته الرايح‪.‬‬
‫وقال املالكية ىف أرجح الرواايت ب طهورية النوع الثاىن وهو املاء القليل الذى وقعت فيه جناسة مل تغري أحد أوصافه‪،‬‬
‫لكنه مكروه‪ ،‬مراعة للخالف‪.‬‬

‫فالنجاسة ىف اللغة‪ :‬اسم لكل مستقذر‪ ،‬وكذلك النجس (بكسر اجليم وفتحها وكوهنا)‪ ،‬والفقهاء يقسمون‬
‫النجاسة إىل قسمني‪ :‬حكمية وحقيقة‪ ،‬وىف تعريفهما اختالف ىف املذاهب على أهنم خيصون النجس مبا كان جنسا‬
‫لذاته‪ ،‬فال يصح إطالقه على ما كانت جناسته عارضة‪ ،‬وأما النجس فإنه يطلق عندهم على ما كانت جناسته عارضة‬
‫أو ذاتية‪.‬‬

‫فالنجاسة احلقيقة‪ :‬هى لغة‪ :‬العني املستقدرة كالدم والبول والغائط‪ ،‬وشرعا‪ :‬هى مستقدرة مينع من صحة‬
‫الصالة حيث ال مرخص‪ .‬والنجاسة احلكمية‪ :‬هى أمر اعتبارى يقوم ابألعضاء مينع من صحة الصالة حيث ال‬
‫مرخص‪ .‬ويشمل احلدث األصغر الذى يزول ابلوضوء‪ ،‬واحلدث األكرب (اجلنابة) الذى يزول ابلغسل‪ .‬والنجاسة‬
‫احلقيقة أنواع‪ :‬إما مغلظة أو خمففة‪ ،‬وإما جامدة أو مائعة‪ ،‬وإما مرئية أو غري مرئية‪.‬‬

‫وأما حكم إزالة النجاسة غري املعفو عنها‪ :‬عن الثوب والبدن واملكان للمصلى‪ :‬فواجب عند اجلمهور الفقهاء‬
‫غري املالكية‪ ،‬لقوله تعاىل ((وثيالك فطهر))‪ .‬وهناك قوالن مشهوران ىف مذهب مالك‪ :‬الوجوب والسنية‪ .‬وذلك حالة‬
‫التذكر والقدرة والتمكن‪ ،‬واملعتمد واملشهور هو السنية‪ ،‬إال أن فروع املذهب بنيت على قول الوجوب‪ ،‬فإن صلى املرء‬
‫ابلنجاسة عامدا قادرا غلى إزالتها‪ ،‬أعاد صالته أبدا‪ ،‬وجواب‪ ،‬لبطالنه‪ .‬وعلى القول املشهور أبن إزالة النجاسة سنة ان‬
‫ذكر وقدر‪ ،‬تندب اإلعادة‪ .‬وعلى كال القولني‪ :‬تندب اإلعادة للناسى‪ ،‬وغري العامل بوجود النجاسة‪ ،‬والعاجز عن‬
‫إزالتها‪.‬‬

‫نوع النجاسات من حيث املتفق عليها واملختلف فيها‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫أوال‪ :‬النجاسات املتفق عليها ىف املذاهب‪:‬‬

‫امجع الفقهاء على جناسة األنواع التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬حلم اخلنزير‪ :‬وإن كان بذحبه شرعا‪ ،‬ألنه ابلنص القرآن جنس العني‪ ،‬فيكون حلمه ومجيع أجزائه من شعر وعظم‬
‫وجلد ولو مدبوغ جنسا‪.‬‬

‫‪ -2‬الدم‪ :‬دم اآلدمى غري الشهيد ودم احليوان غري املائي‪ ،‬الذى انفصل منه حيا أو ميتا‪ ،‬إذا كان مسفوحا (جاراي)‬
‫كثريا‪.‬‬

‫‪ -3‬بول اآلدمى وقيئه وغائطه‪ :‬إال بول الصىب الرضيع‪ ،‬فيكتفى برشه عند الشافعية واحلنابلة مع أنه جنس‪.‬‬

‫‪ -4‬اخلمر‪ :‬جنسة عند أكثر الفقهاء‪ ،‬ولقوله تعاىل ((‘منا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان))‬
‫وقال بعض احملدثني بطهارهتا‪.‬‬

‫‪ -5‬القيح‪ :‬وهو دم فاسد‪ ،‬ال خيالطه دم‪ ،‬وهو جنس ألنه دم مستحيل‪ .‬ومثله الصديد‪ :‬وهو ماء رقيق خيالطه دم‪.‬‬

‫‪ -6‬املذى والودى‪ :‬واملذى‪ :‬هو ماء أبيض رقيق خيرج عند ثوران الشهوة أو تذكر اجلماع بال تدفق‪ ،‬وهو جنس لألمر‬
‫بغسل الذكر منه الوضوء ىف حديث على رضى هللا عنه‪ ،‬قال‪(( :‬كنت رجال م ّذاء‪ ،‬فاستحيت أن أسأل رسول هللا‬
‫(ص) فأمرت املقداد بن األسود فسأله‪ ،‬فقال‪ :‬فيه الوضوء‪ ،‬واملسلم‪ :‬يغسل ذكره ويتوضأ))‪ .‬والودى‪ :‬ماء أبيض كدر‬
‫ثخني خيرج عقب البول‪ ،‬أو عند محل شيء ثقيل‪ .‬وهو جنس‪ ،‬ألنه خيرج مع البول أو بعده‪ ،‬فيكون له حكمه‪.‬‬

‫‪ -7‬حلم ميتة احليوان غري املائي الذى له دم سائل‪ ،‬مأكول اللحم أو غري املأكول‪ ،‬كالكلب والشاة واهلرة والعصفور‬
‫وحنوها‪ .‬ومثله‪ :‬جلد امليتة ان مل يدبع‪ .‬هذا هند احلنفية‪ .‬وقال غريهم‪ :‬ميتة غري اآلدمى جبميع أجزائه من عظم وشعر‬
‫وصوف ووبر وغري ذلك جنسة‪ ،‬ألن كال منها حتله احلياة‪.‬‬

‫‪ -8‬حلوم احليوان غري املأكول‪ ،‬وألبانه‪ ،‬ألهنا متولدة من اللحم فتأخذ حكمه‪.‬‬

‫‪ -9‬اجلزء املنفصل أو املقطوع من احلى ىف حال حياته كاليد واأللية‪ ،‬إال الشعر وما ىف معناه‪ ،‬لقوله (ص)‪(( :‬ما قطع‬
‫من البهيمة وهى حية فهو أى املقطوع ميت))‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬النجاسات املختلف فيها‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -1‬الكلب‬

‫األصح عند احلنفية‪ :‬أن الكلب ليس بنجس العني؛ ألنه ينتفع به حراسة واصطيادا‪ ،‬أما اخلنزير فهو جنس العني‪ ،‬ألن‬
‫س) منصرف إليه‪ ،‬لقربه‪ .‬وفم الكلب وحده أو لعابه ورجيعه هو النجس‪ ،‬فال يقاس‬
‫اهلاء يف اآلية القرآنية‪( :‬فإنَّه رج ٌ‬
‫عليه بقية جسمه‪ ،‬فيغسل اإلانء سبعا بولوغه فيه لقوله )ص(‪( :‬إذا شرب الكلب يف إانء أحدكم فليغسله سبعا)‬
‫وألمحد ومسلم‪( :‬طهور إانء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أوالهن ابلرتاب)‪ .‬وقال املالكية‪ :‬الكلب‬
‫مطلقا سواء أكان مأذوان يف اختاذه ككلب احلراسة واملاشية‪ ،‬أم ال‪ ،‬طاهر‪ ،‬والولوغ ال غريه كما لو أدخل رجله أو‬
‫لسانه بال حتريك‪ ،‬أو سقط لعابه‪ ،‬هو الذي يغسل من أجله تعبّدا سبع مرات‪ ،‬على املشهور عندهم‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ : :‬الكلب واخلنزير وما تولد منهما من الفروع وسؤره وعرقه جنس العني ويغسل ما‬
‫تنجس منه سبع مرات إحداهن ابلرتاب‪ ،‬ألنه إذا ثبتت جناسة فم الكلب بنص احلديث السابق‪[ :‬طهور إانء أحدكم‬
‫‪ ،]..‬والفم أطيب أجزائه‪ ،‬لكثرة ما يلهث‪ ،‬فبقيته أوىل‪ .‬ويف حديث آخر رواه الدارقطين واحلاكم‪[ :‬أنه )ص( دعي إىل‬
‫دا ر قوم‪ ،‬فأجاب‪ ،‬مث دعي إىل دار أخرى فلم جيب‪ ،‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إن يف دار فالن كلبا‪ ،‬قيل له‪ :‬وإن يف‬
‫دار فالن هرة‪ ،‬فقال‪ :‬إن اهلرة ليست بنجسة] فأفهم أن الكلب جنس‪.‬‬

‫‪ -2‬ميتة احليوان املائي‪ ،‬واحليوان الذي ال دم له سائل‬

‫اتفق أئمة املذاهب على طهارة ميتة حيوان املائي إذا كان َسكا وحنوه من حيوان البحر‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬أحلت لنا‬
‫ميتتان ودمان‪ :‬السمك واجلراد‪ ،‬والكبد والطحال]‪ ،‬ولقوله عليه السالم يف البحر‪( :‬هو الطهور ماؤه احلل ميتته)‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء يف ميتة احليوان الذي ال دم له سائل‪ ،‬وعباراهتم يف امليتة مطلقا ما أييت‪:‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬موت ما يعيش يف املاء فيه ال يفسده أي ال ينجسه‪ ،‬كالسمك والضفدع والسرطان‪ ،‬لكن حلم‬
‫امليتة ذات الدم السائل وجلدها قبل الدبغ جنس‪ .‬وما ال دم له سائل إذا وقع يف املاء ال ينجسه كالبق والذابب‬
‫والزانبري والعقرب وحنوها‪ ،‬حلديث الذابب‪[ :‬إذا وقع الذابب يف شراب أحدكم‪ ،‬فليغمسه‪ ،‬مث لينزعه فإن يف إحدى‬
‫جناحيه داء ويف األخرى شفاء]‪ ،‬وبه يتبني أن ميتة احليوان املائي وما ال دم له طاهر عند احلنفية‪ .‬ومثلهم قال‬
‫املالكية‪ :‬ميتة البحر وما ال دم له طاهرة‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬ميتة السمك واجلراد وحنومها من حيوان البحر طاهرة‪ ،‬وأما ميتة ما ال دم له سائل‬
‫كالذابب والبق واخلنافس والعقارب والصراصروحنوها‪ ،‬فهي جنسة عند الشافعية‪ ،‬طاهرة عند احلنابلة‪ .‬وميتة حيوان‬

‫‪13‬‬
‫البحر الذي يعيش يف الرب كالضفدع والتمساح واحلية‪ :‬جنسة عند الشافعية واحلنابلة‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬ما ال نفس (دم)‬
‫ش (البستان) وصراصره‬
‫له سائلة‪ :‬إن تولد من الطاهرات فهو طاهر حيا وميتا‪ ،‬وأما إن تولد من النجاسات كدود احل ّ‬
‫فهو جنس‪ ،‬حيا وميتا؛ ألنه متولد من النجاسة‪ ،‬فكان جنسا كولد الكلب واخلنزير‪.‬‬

‫‪ -3‬أجزاء امليتة الصلبة اليت ال دم فيها‬

‫كالقرن والعظم والسن ومنه عاج الفيل واحلافر واخلف والظلف والشعر والصوف والعصب واإلنفحة الصلبة‪:‬‬
‫طاهرة ليست بنجسة عند احلنفية‪ ،‬ألن هذه األشياء ليست مبيتة‪ .‬وقال اجلمهور غري احلنفية‪ :‬أجزاء امليتة كلها‬
‫جنسة‪ ،‬ومنها اإلنفحة واللنب إال إذا أخذا من الرضيع عند الشافعية؛ ألن كال منها حتله احلياة‪ ،‬إال أن احلنابلة قالوا‪:‬‬
‫صوف امليتة وشعرها طاهر‪ ،‬ملا رواه الدارقطين عن النيب )ص( أنه قال‪[ :‬ال أبس مبسك امليتة إذا دبغ‪ ،‬وصوفها وشعرها‬
‫إذا غسل] لكنه حديث ضعيف‪.‬‬

‫‪ -4‬جلد امليتة‬

‫قال املالكية واحلنابلة يف املشهور عندهم‪ :‬جلد امليتة جنس‪ ،‬دبغ أو مل يدبغ‪ ،‬ألنه جزء من امليتة‪ ،‬فكان‬
‫حمرما لقوله تعاىل‪( :‬حّرمت عليكم المي تة)‪ ،‬فلم يطهر ابلدبغ كاللحم‪ .‬وقال احلنفية والشافعية‪ :‬تطهر اجللود النجسة‬
‫ابملوت وغريه‪ ،‬كاملذبوح غري املأكول اللحم ابلدابغ‪ ،‬لقول النيب‪[ :‬أميا إهاب دبغ فقد طهر]‪ .‬وهذا هو الراجح لصحة‬
‫هذا احلديث‪ ،‬وألن الدبغ يقطع الرطوابت ويزيل النجاسات‪ ،‬ويؤيده حديث البخاري ومسلم عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫[تص ّدق على موالة مليمونة بشاة فماتت‪ ،‬فمر هبا رسول هللا فقال‪ :‬هال أخذمت إهاهبا فدبغتموه‪ ،‬فانتفعتم به ؟ فقالوا‪:‬‬
‫إهنا ميتة‪ ،‬قال‪ :‬إمنا حرم أكلها]‪.‬‬

‫الدرس الثالث‬

‫احكام الطهارة‪ :‬وضوء‪ ،‬تيمم‪ ،‬مسح على اجلبارر والعصارب‬

‫‪14‬‬
‫تعريف الوضوء‪ ،‬وحكمه‪:‬‬
‫الوضوء يف اللغة بضم الواو‪ :‬هو اسم للفعل أي استعمال املاء يف أعضاء خمصوصة‪ ،‬وأما بفتح الواو فيطلق على املاء‬
‫الذي يتوضأ به‪ .‬والوضوء شرعا‪ :‬نظافة خمصوصة‪ ،‬أو هو أفعال خمصوصة مفتتحة ابلنية‪ .‬وهو غسل الوجه واليدين‬
‫والرجلني‪ ،‬ومسح الرأس‪ .‬وحكمه األصلي أي املقصود أصالة للصالة‪ :‬هو الفرضية‪ ،‬ألنه شرط لصحة الصالة‪ ،‬بقوله‬
‫تعاىل‪( :‬اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا قمتم إىل َّ‬
‫الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم‬
‫إىل الكعب ني)‪ ،‬وبقوله )ص(‪[ :‬ال يقبل هللا صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ]‪ ،‬وإبمجاع األمة على وجوبه‪.‬‬

‫فرارض الوضوء‪:‬‬
‫نص القرآن الكرمي على أركان أو فرائض أربعة للوضوء‪ :‬وهي غسل الوجه‪ ،‬واليدين‪ ،‬والرجلني‪ ،‬ومسح الرأس‪ ،‬يف قوله‬
‫تعاىل‪( :‬اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا قمتم إىل َّ‬
‫الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم‬
‫إىل الكعب ني)‪ .‬وأضاف مجهور الفقهاء غري احلنفية أبدلة من السنة فرائض أخرى‪ ،‬اتفقوا فيها على النية‪ ،‬وأوجب‬
‫املالكية واحلنابلة املواالة‪ ،‬كما أوجب الشافعية واحلنابلة الرتتيب‪ ،‬وأوجب املالكية أيضا الدلك‪ .‬فتكون أركان الوضوء‬
‫أربعة عند احلنفية هي النصوص عليها وسبعة عند املالكية إبضافة النية والدلك واملواالة‪ ،‬وستة عند الشافعية إبضافة‬
‫النية والرتتيب‪ .‬وسبعة عند احلنابلة والشيعة اإلمامية إبضافة النية والرتتيب واملواالة‪.‬‬

‫أن األركان أو الفرارض نوعان‪ :‬متفق عليها‪ ،‬وخمتلف فيها‪.‬‬


‫النوع األول‪ :‬فرارض الوضوء املتفق عليها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬غسل الوجه‪ :‬قال تعاىل‪{ :‬فاغسلوا وجوهكم} أي غسل ظاهر ومجيع الوجه مرة‪ ،‬ولإلمجاع‪ .‬والغسل‪ :‬إسالة‬
‫امل اء على العضو حبيث يتقاطر‪ ،‬وأقله قطرنان يف األصح‪ ،‬وال تكفى اإلسالة بدون التقاطر‪ .‬واملراد ابلغسل‪ ،‬االنغسال‪،‬‬
‫سواء أكان بفعل املتوضئ أم غريه‪ .‬والفرض هو الغسل مرة‪ ،‬أما تكرار الغسل ثالث مرات فهو سنة وليس بفرض‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬غسل اليدين إىل املرفقني مرة واحدة‪ :‬لقوله تعاىل‪{ :‬وأيديكم إىل المرافق}‪ ،‬ولإلمجاع‪ .‬واملرفق‪ :‬ملتقى عظم‬
‫العضد والذراع‪ .‬وجيب عند مجهور العلماء منهم أئمة املذاهب األربعة إدخال املرفقني يف الغسل‪ ،‬ألن حرف "إىل"‬
‫النتهاء الغاية‪ ،‬وهي هنا مبعىن "مع" كما يف قوله تعاىل‪{ :‬ويزدكم ق َّوةً إىل ق َّوتكم}‪{ ،‬وال أتكلوا أمواهلم إىل أموالكم}‪،‬‬
‫وألن األصل يف اليد مشوهلا الكف إىل الذراع‪ ،‬لكن التحديد ابملرفق أسقط ما وراءها‪ ،‬وقد أوضحت السنة النبوية‬
‫املطلوب وبينت اجململ‪ ،‬روى مسلم عن أيب هريرة يف صفة وضوء رسول هللا )ص( [أنه توضأ فغسل وجهه‪ ،‬فأسبغ‬

‫‪15‬‬
‫الوضوء‪ ،‬مث غسل يده اليمىن حىت أشرع يف العضد‪ ،‬مث اليسرى حىت أشرع يف العضد‪ .]...‬وجيب عند اجلمهور حتريك‬
‫اخلامت الضيق‪ ،‬وال جيب عند املالكية حتريك اخلامت املأذون فيه لرجل أو امرأة‪ ،‬ولو ضيقا ال يدخل املاء حتته‪ ،‬وال يعد‬
‫حائال‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬مسح الرأس‪ :‬لقوله تعاىل‪{ :‬وامسحوا برؤوسكم}‪ ،‬وروى مسلم [أنه صلى هللا عليه وسلم مسح بناصيته وعلى‬
‫عمامته]‪ .‬واملسح هو إمرار اليد املبتلة عن العضو‪ .‬واختلف الفقهاء يف القدر اجملزئ منه‪:‬‬

‫‪ ) 1‬فقال احلنفية على املشهور املعتمد‪ :‬الواجب مسح ربع الرأس مرة‪ ،‬مبقدار الناصية‪ ،‬فوق األذنني ال على طرف‬
‫ذؤابة (ضفرية)‪ ،‬ولو إبصابة مطر أو بلل ابق بعد غسل مل يؤخذ من عضو آخر‪ .‬ودليلهم‪ :‬أنه البد من حتقيق معىن‬
‫املسح عرفا‪ ،‬فيحمل على مقدار يسمى املسح عليه مسحا يف التعارف‪ ،‬ومبا أن الباء لإللصاق‪ ،‬فيكون معىن اآلية‬
‫وامسحوا أيديكم ملصقة برؤوسكم‪ ،‬والقاعدة‪ :‬أن الباء إذا دخلت على املمسوح اقتضت استيعاب اآللة‪ ،‬وإذا دخلت‬
‫على اآللة اقتضت استيعاب املمسوح‪ ،‬فتفيد املسح مبقدار اليد؛ ألن استيعاب اليد ملصقة ابلرأس ال يستغرق غالبا‬
‫سوى الربع‪ ،‬فيكون هو املطلوب من اآلية‪ .‬ويوضحه ما رواه البخاري ومسلم عن املغرية بن شعبة‪[ :‬أن النيب )ص(‬
‫توضأ‪ ،‬فمسح بناصيته‪ ،‬وعلى العمامة‪ ،‬واخلفني]‪.‬‬

‫‪ )2‬وقال املالكية‪ ،‬واحلنابلة يف أرجح الروايتني عندهم ‪ :‬جيب مسح مجيع الرأس‪ ،‬وليس على املاسح نقض ضفائر‬
‫شعره‪ ،‬وال مسح ما نزل عن الرأس من الشعر‪ ،‬وال جيزئ مسحه عن الرأس‪ ،‬وجيزئ املسح على الشعر الذي مل ينزل‬
‫عن حمل الفرض‪ .‬فإن فقد شعره مسح بشرته؛ ألهنا ظاهر رأسه ابلنسبة إليه‪ .‬والظاهر عند احلنابلة‪ :‬وجوب االستيعاب‬
‫للرجل‪ ،‬أما املرأة فيجزئها مسح مقدم رأسها؛ ألن عائشة كانت متسح مقدم رأسها‪ .‬وجيب أيضا عند احلنابلة مسح‬
‫األذنني ظاهرمها وابطنهما‪‎‬؛ ألهنما من الرأس‪ ،‬ملا رواه ابن ماجه‪[ :‬األذانن من الرأس]‪ .‬ودليلهم‪ :‬أن الباء لإللصاق أي‬
‫إلصاق الفعل ابلفعل‪ ،‬فكأنه تعاىل قال‪ :‬ألصقوا املسح برؤوسكم أي املسح ابملاء‪.‬‬

‫‪ )3‬وقال الشافعية ‪ :‬الواجب مسح بعض الرأس ‪ ،‬ولو شعرة واحدة يف ح ّد الرأس‪ ،‬أبن ال خيرج ابمل ّد عنه من جهة‬
‫نزوله ‪ .‬واألصح عند الشافعية ‪ :‬جواز غسله ألنه مسح وزايدة ‪ ،‬وجواز وضع اليد على الرأس بال م ّد ‪ ،‬حلصول‬
‫املقصود من وصول البلل إليه ‪ .‬ودليلهم حديث املغرية السابق عند الشيخني‪[ :‬أنه )ص( مسح بناصيته ‪ ،‬وعلى‬
‫العمامة] فاكتفى مبسح البعض فيما ذكر ‪ ،‬ألن املطلوب مطلقا وهو املسح يف اآلية يتحقق ابلبعض ‪ ،‬والباء إذا‬
‫دخلت على متعدد ‪ ،‬كما يف اآلية ‪ ،‬تكون للتبعيض ‪ ،‬فيكفي القليل كالكثري‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫رابعا ‪ :‬غسل الرجلني إىل الكعبني‪ :‬لقوله تعاىل ‪{ :‬وأرجلكم إىل الكعب ني‪ }‎‬وإلمجاع العلماء‪ .‬والواجب عند مجهور‬
‫الفقهاء غسل الكعبني أو قدرمها عند فقدمها مع الرجلني مرة واحدة ‪ ،‬كغسل املرفقني ‪ ،‬لدخول الغاية يف املغيَّا اي‬
‫لدخول ما بعد (إىل) فيما قبلها‪ ،‬وحلديث أيب هريرة السابق‪[ :‬مث غسل رجله اليمىن حىت أشرع يف الساق‪ ،‬مث غسل‬
‫رجله اليسرى حىت أشرع يف الساق‪ ،‬مث قال‪ :‬هكذا رأيت رسول هللا )ص( يتوضأ]‪.‬‬

‫واخلال صة ‪ :‬أن أركان الوضوء املتفق عليها أربعة‪ :‬غسل الوجه واليدين والرجلني مرة واحدة ‪ ،‬واملسح ابلرأس مرة واحدة‬
‫‪ ،‬وأما التثليث فهو سنة‪.‬‬

‫فرارض الوضوء املختلف فيها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬النية‪ :‬النية لغة‪ :‬القصد ابلقلب‪ ،‬ال عالقة للسان هبا‪ ،‬وشرعا‪ :‬هي أن ينوي املتطهر أداء الفرض‪ ،‬أو رفع‬
‫احلدث‪ ،‬أو استباحة ما جتب الطهارة له‪ ،‬كأن يقول املتوضئ‪ :‬نويت فرائض الوضوء‪ ،‬أو يقول من دام حدثه‬
‫كمستحاضة وسلس بول أو ريح‪ :‬نويت استباحة فرض الصالة‪ ،‬أو الطواف أو مس املصحف‪ .‬وقد اختلف الفقهاء‬
‫يف اشرتاط النية للطهارة‪:‬‬

‫فقال احلنفية‪ :‬يسن للمتوضئ البداية ابلنية لتحصيل الثواب‪ .‬ويرتتب على قوهلم بعدم فرضية النية‪ :‬صحة وضوء‬
‫التربد‪ ،‬واملنغمس يف املاء للسباحة أو للنظافة أو إلنقاذ غريق‪ ،‬وحنو ذلك ‪ .‬واستدلوا على رأيهم مبا أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬عدم النص عليها يف السنة‪ :‬إن آية الوضوء مل أتمر إال بغسل األعضاء الثالثة واملسح ابلرأس‪ ،‬والقول ابشرتاط‬
‫النية حبديث آحاد زايدة على نص الكتاب‪ ،‬والزايدة على الكتاب عندهم نسخ‪ ،‬ال يصح ابآلحاد‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم النص عليها يف السنة‪:‬مل يعلمها النيب (ص) لألعرايب مع جهله‪.‬‬

‫‪ -3‬القياس على سائر أنواع الطهارة وغريها‪ :‬إن الوضوء طهارة مباء‪ ،‬فال تشرتط هلا النية كإزالة النجاسة‪ ،‬كما ال جتب‬
‫النية يف شروط الصالة األخرى كسرت العورة‪ ،‬وال جتب أيضا بغسل الذمية من حيضها لتحل لزوجها املسلم‪.‬‬

‫‪ -4‬إن الوضوء وسيلة للصالة‪ ،‬وليس مقصودا لذاته‪ ،‬والنية شرط مطلوب يف املقاصد‪ ،‬ال يف الوسائل‪.‬‬

‫وقال املالكية والشافعية‪ :‬النية فرض يف الوضوء ‪ ،‬وعند احلنابلة شرط‪ ،‬لتحقق العبادة أو قصد القربة هلل عز وجل‪ ،‬فال‬
‫تصح الصالة ابلوضوء لغري العبادة كاألكل والشرب والنوم وحنو ذلك‪ .‬واستدلوا مبا أييت‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -1‬السنة‪ :‬قوله )ص(‪[ :‬إمنا األعمال ابلنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى] أي إن األعمال املعت ّد هبا شرعا تكون‬
‫ابلنية‪ ،‬والوضوء عمل‪ ،‬فال يوجد شرعا إال بنية‪.‬‬

‫‪ -2‬حتقق اإلخالص يف العبادة‪ :‬لقوله تعاىل‪{ :‬وما أمروا إال لي عبدوا هللا خملصني له ال ّدين}‪ ،‬والوضوء عبادة مأمور‬
‫هبا‪ ،‬ال يتحقق إال إبخالص النية فيه هلل تعاىل‪ ،‬ألن اإلخالص عمل القلب وهو النية‪.‬‬

‫‪ -3‬القياس‪ :‬تشرتط النية يف الوضوء كما تشرتط يف الصالة‪ ،‬وكما تشرتط يف التيمم الستباحة الصالة‪.‬‬

‫الصالة فاغسلوا وجوهكم}‪ ،‬فهذا‬


‫‪ -4‬الوضوء وسيلة للمقصود‪ ،‬فله حكم ذلك املقصود‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬إذا قمتم إىل َّ‬
‫يدل على أن الوضوء مأمور به عند القيام للصالة‪ ،‬ومن أجل هذه العبادة‪ ،‬فاملطلوب غسل األعضاء ألجل الصالة‪،‬‬
‫وهو معىن النية‪.‬‬

‫واحلق ‪ :‬القول بفرضية النية ؛ ألن أحاديث اآلحاد كثريا ما أثبتت أحكاما ليست يف القرآن‪ ،‬وألن عموم املاء‬
‫لألعضاء بدون قصد أصال‪ ،‬أو بقصد التربد‪ ،‬ليس غسال للوضوء‪ ،‬حىت يؤدي مهمته الشرعية‪ ،‬وحيقق املأمور به كما‬
‫أمر به‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬الرتتيب‪ :‬الرتتيب‪ :‬تطهري أعضاء الوضوء واحدا بعد أخرى كما ورد النص القرآين‪ :‬أي غسل الوجه أوال مث‬
‫اليدين مث مسح الرأس مث غسل الرجلني‪ .‬واختلف الفقهاء يف وجوبه‪ .‬فقال احلنفية واملالكية‪ :‬إنه سنة مؤكدة ال‬
‫فرض‪ ،‬فيبدأ مبا بدأ هللا بذكره وابمليام ن؛ ألن النص القرآين الوارد يف تعداد فرائض الوضوء عطف املفروضات ابلواو‪،‬‬
‫اليت ال تفيد إال مطلق اجلمع‪ ،‬وهو ال يقتضي الرتتيب‪ ،‬ولو كان الرتتيب مطلواب لعطفه ابلفاء أو" مث"‪ ،‬والفاء اليت يف‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬فاغسلوا}‪ ،‬لتعقيب مجلة األعضاء‪ .‬وروى عن علي وابن عباس وابن مسعود ما يدل على عدم وجوب‬
‫الرتتيب‪ ،‬قال علي رضي هللا عنه‪( :‬ما أابيل أبي أعضائي بدأت)‪ ،‬وقال ابن عباس رضي هللا عنهما‪( :‬ال أبس ابلبداية‬
‫‪.‬‬
‫ابلرجلني قبل اليدين) وقال ابن مسعود رضي هللا عنه‪( :‬ال أبس أن تبدأ برجلك قبل يديك يف الوضوء)‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬الرتتيب فرض يف الوضوء ال يف الغسل‪ .‬لفعل النيب (ص) املبني للوضوء املأمور به‪ ،‬ولقوله‬
‫)ص( يف حجته‪[ :‬ابدؤوا مبا بدأ هللا به]‪ ،‬والعربة بعموم اللفظ‪ ،‬وألن يف آية الوضوء قرينة تدل على أنه أريد هبا‬
‫الرتتيب‪ ،‬فإنه تعاىل ذكر ممسوحا بني مغسوالت‪ ،‬والعرب ال تفرق بني املتجانسني وال تقطع النظري عن نظريه‪ ،‬وهي‬
‫هنا الرتتيب‪ ،‬وألن اآلية بيان للوضوء الواجب‪ ،‬بدليل أنه مل يذكر فيها شيء من السنن‪ .‬وقياسا على الرتتيب الواجب‬
‫يف أركان الصالة‪ .‬والرتتيب مطلوب بني الفرائض‪ ،‬وال جيب الرتتيب بني اليمىن واليسرى من اليدين والرجلني‪ ،‬وإمنا هو‬

‫‪18‬‬
‫مندوب‪ ،‬ألن خمرجهما يف القرآن واحد‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬وأيديكم ‪ ..‬وأرجلكم}‪ ،‬والفقهاء يعدون اليدين عضوا‪،‬‬
‫والرجلني عضوا‪ ،‬وال جيب الرتتيب يف العضو الواحد‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬املواالة أو ال ِوالء‪ :‬هي متابعة أفعال الوضوء حبيث ال يقع بينها ما يعد فاصال يف العرف‪ .‬واختلف الفقهاء يف‬
‫وجوهبا‪ :‬فقال احلنفية والشافعية‪ :‬املواالة سنة ال واجب‪ ،‬فإن فرق بني أعضائه تفريقا يسريا مل يضر؛ ألنه ال ميكن‬
‫االحرتاز عنه‪ .‬واستدلوا على رأيهم ابآليت‪:‬‬

‫‪[ -1‬إنه )ص( توضأ يف السوق‪ ،‬فغسل وجهه ويديه‪ ،‬ومسح رأسه‪ ،‬فدعي إىل جنازة‪ ،‬فأتى املسجد ميسح على‬
‫خفيه وصلى عليها]‪ ،‬قال اإلمام الشافعي‪ :‬وبينهما تفريق كثري‪.‬‬

‫‪ -2‬صح عن ابن عمر رضي هللا عنهما التفريق أيضا‪ ،‬ومل ينكر عليه أحد‪.‬‬

‫وقال املالكية واحلنابلة‪ :‬املواالة يف الوضوء ال يف الغسل فرض ‪ ،‬بدليل ما أييت‪:‬‬

‫‪ [ -1‬إنه (ص) رأى رجال يصلي‪ ،‬ويف ظهر قدميه لمعة (بقعة) قدر الدرهم‪،‬مل يصبها املاء‪ ،‬فأمره النيب )ص( أن يعيد‬
‫الوضوء والصالة] ولو مل جتب املواالة ألجزأه غسل اللمعة‪.‬‬

‫‪ -2‬عن عمر ابن اخلطاب رضي هللا عنه [أن رجال توضأ فرتك موضع ظفر على قدمه‪ ،‬فأبصره النيب )ص(‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ارجع فأحسن وضوءك‪ ،‬فرجع مث صلى]‪.‬‬

‫‪ -3‬مواظبة النيب )ص( على الوالء يف أفعال الوضوء‪ ،‬فإنه مل يتوضأ إال متواليا‪ ،‬وأمر نارك املواالة إبعادة الوضوء‪.‬‬

‫‪ -4‬القياس على الصالة‪ :‬الوضوء عبادة يفسدها احلدث‪ ،‬فاشرتطت املواالة كالصالة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الدلك اخلفيف ابليد ‪ .‬الدلك‪ :‬هو إمرار اليد على العضو بعد صب املاء قبل جفافه‪ .‬واملراد ابليد‪ :‬ابطن‬
‫الكف‪ ،‬فال يكفى دلك الرجل ابألخرى‪ .‬فقال اجلمهور (غري املالكية)‪ :‬الدلك سنة ال واجب‪ ،‬ألن آية الوضوء مل‬
‫أتمر به‪ ،‬والسنة مل تثبته‪ ،‬فلم يذكر يف صفة وضوء النيب )ص(‪ .‬والثابت يف صفة غسله عليه الصالة والسالم جمرد‬
‫إفاضة املاء مع ختلل أصول الشعر‪ .‬وقال املالكية‪ :‬الدلك واجب‪ ،‬ويكون يف الوضوء بباطن الكف‪ ،‬ال بظاهر اليد‪،‬‬
‫ويكفى الدلك ابلرجل يف الغسل‪ ،‬والدلك في ه‪ :‬هو إمرار العضو على العضو إمرارا متوسطا‪ ،‬ويندب أن يكون خفيفا‬
‫مرة واحدة‪ ،‬ويكوه التشديد والتكرار ملا فيه من التعمق يف الدين املؤدي للوسوسة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫شروط الوضوء‪:‬‬
‫سبب وجوب الوضوء‪ :‬هو احلدث‪ ،‬ودخول وقت الصالة ‪ ،‬والقيام إليها وحنوها‪ ،‬واألصح عند الشافعية‪ :‬االثنان معا‬
‫أي احلدث والقيام إىل الصالة وحنوها‪ .‬وأما شروط الوضوء فنوعان‪ :‬شرط وجوب‪ ،‬وشرط صحة‪ .‬وشرائط الوجوب‪:‬‬
‫هي ما إذا اجتمعت وجبت الطهارة على الشخص‪ .‬وشرائط الصحة‪ :‬ما ال تصح الطهارة إال هبا‪.‬‬

‫أوال‪ :‬شروط الوجوب‪:‬‬


‫‪ -1‬العقل‪ :‬فال جيب وال يصح من جمنون حال جنونه‪ ،‬وال من مصروع حال صرعه‪ ،‬وال جيب على النائم والغافل وال‬
‫يصح منهما لعدم النية عند اجلمهور غري احلنفية؛ إذ ال نية لنائم أو غافل حال النوم أو الغفلة‪.‬‬

‫‪ -2‬البلوغ‪ :‬فال جيب على صيب‪ ،‬لكن ال يصح الوضوء إال من مميز‪ ،‬فالتمييز شرط لصحة الوضوء‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلسالم‪ :‬شرط وجوب عند احلنفية بناء على املشهور عندهم من أن الكفار غري خماطبني ابلعبادات وغريها من‬
‫فروع الشريعة‪ ،‬فال جيب على كافر إذ ال خياطب كافر بفروع الشريعة‪ .‬وهو شرط صحة عند اجلمهور بناء على أن‬
‫املقرر لد يهم خماطبة الكفار بفروع الشريعة‪ ،‬فال يصح من كافر‪ ،‬إذ يشرتط لصحة أدائه منه وجود اإلسالم‪ .‬وهذا شرط‬
‫يف مجيع العبادات من طهارة وصالة وزكاة وصوم وحج‪.‬‬

‫‪ -4‬القدرة على استعمال املاء الطهور الكايف‪ ،‬فال جيب على عاجز عن استعمال املطهر‪ ،‬وال على فاقد املاء‪ ،‬والرتاب‬
‫أيضا ‪ ،‬وال على واجد ماء ال يكفي جلميع األعضاء مرة مرة‪ .‬هذا عند احلنفية واملالكية‪ ،‬واألظهر عند الشافعية‬
‫واحلنابلة أنه جيب استعمال املاء الذي ال يكفيه مث يتيمم‪.‬‬

‫‪ -5‬وجود احلدث‪ :‬فال يلزم املتوضئ إعادة الوضوء أي الوضوء على الوضوء‪.‬‬

‫‪ -6‬عدم احليض والنفاس ابنقطاعهما شرعا‪ ،‬فال جيب على احلائض والنفساء‪.‬‬

‫‪ -7‬ضيق الوقت‪ :‬ألن اخلطاب الشرعي يتوجه للمكلف حينئذ توجها مضيقا‪ ،‬وموسعا يف ابتداء الوقت‪ ،‬فال جيب‬
‫الوضوء حال سعة الوقت‪ ،‬وجيب إذا ضاق الوقت‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬شروط الصحة‪:‬‬


‫يشرتط لصحة الوضوء شروط ثالثة عند احلنفية‪ ،‬وأربعة عند اجلمهور‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -1‬عموم البشرة ابملاء الطهور‪ :‬أي أن يعم املاء مجيع أجزاء العضو املغسول‪ ،‬حبيث ال يبقى منه شيء‪ ،‬إال وقد‬
‫غسل‪ ،‬لكي يغمر املاء مجيع أجزاء البشرة‪ ،‬حىت لو بقي مقدار مغرز إبرة مل يصبه املاء من املفروض غسله‪،‬مل يصح‬
‫الوضوء‪ .‬وال يصح الوضوء ابتفاق الفقهاء بغري املاء من املائعات كاخلل والعصري واللنب وحنو ذلك‪ ،‬كما ال يصح‬
‫التوضؤ ابملاء النجس‪ ،‬إذ ال صالة إال بطهور أو ال صالة إال بطهارة‪.‬‬

‫‪ -2‬إزالة ما مينع وصول املاء إىل العضو‪ :‬أي أال يكون على العضو الواجب غسله حائل مينع وصول املاء إىل البشرة‪،‬‬
‫كشمع وشحم ودهن ودهان‪ ،‬ومنه عماص العني‪ ،‬واحلرب الصيين املتجسم‪ ،‬وطالء األظافر للنساء‪ .‬أما الزيت وحنوه‬
‫فال مينه نفوذ املاء للبشرة‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم املنايف للوضوء أو انقطاع الناقض من خارج أو غريه‪ :‬أي انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به‪ ،‬لغري‬
‫املعذور‪ ،‬من دم حيض ونفاس وبول وحنومها‪ ،‬وانقطاع حدث حال التوضؤ؛ ألنه بظهور بول وسيالن انقض‪ ،‬ال يصح‬
‫الوضوء‪.‬‬

‫‪ -4‬دخول الوقت للتيمم عند اجلمهور غري احلنفية‪ ،‬وملن حدثه دائم كسلس البول عند الشافعية واحلنابلة‪ ،‬ألن طهارته‬
‫طهارة عذر وضرورة‪ ،‬فتقيدت ابلوقت‪.‬‬

‫واإلسالم كما عرفنا شرط لصحة أداء العبادات عند احلنفية‪ ،‬وعندهم‪ :‬شرط وجوب‪ .‬وأما التمييز فهو شرط لصحة‬
‫الوضوء وغريه من العبادات ابالتفاق‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬شروط الوضوء والغسل ثالثة عشر‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والتمييز‪ ،‬والنقاء من احليض والنفاس‪ ،‬وعما مينع وصول‬
‫املاء إىل البشرة‪ ،‬والعلم بفرضيته‪ ،‬وأال يعتقد فرضا معينا من فروضه وسننه‪ ،‬واملاء الطهور‪ ،‬وإزالة النجاسة العينية‪ ،‬وأال‬
‫يكون على العضو ما يغري املاء‪ ،‬وأال يعلق نيته‪ ،‬وأن جيري املاء على العضو‪ ،‬ودخول الوقت لدائم احلدث‪ ،‬واملواالة‬
‫(أي فقد الصارف)‪.‬‬

‫املسح على اجلبارر‬

‫معىن اجلبرية‪ :‬اجلبرية واجلبابرة‪ :‬خشب أو قصب ّ‬


‫يسوى ويشد على موضع الكسر أو اخللع لينجرب‪ .‬ويف معناها‪ :‬جرب‬
‫الكسور ابجلبس‪ ،‬ويف حكمها‪ :‬عصابة اجلراحة ولو ابلرأس‪ ،‬وموضع الفصد والكي‪ ،‬وخرقة القرحة‪ ،‬وحنو ذلك من‬
‫مواضع العمليات اجلراحية‪ .‬قال ابن جزي املالكي‪ :‬اجلبائر‪ :‬هي اليت تشد على اجلراح والقروح والفصادة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مشروعية املسح على اجلبرية‪ :‬املسح على اجلبائر جائز شرعا ابلسنة واملعقول‪.‬‬

‫‪ -1‬أما السنة‪ :‬فأحاديث منها‪ :‬حديث علي بن أيب طالب‪ ،‬قال‪[ :‬انكسرت إحدى زندي ‪ ،‬فسالت لنيب )ص(‪،‬‬
‫فأمرين أن أمسح على اجلبائر]‪ .‬ومنها حديث جابر يف الرجل الذي ش َّج (كسر) فاغتسل‪ ،‬فمات‪ ،‬فقال النيب (ص(‪:‬‬
‫[ إمنا كان يكفيه أن يتيمم ‪ ،‬وي عصب على جرحه خرقة ‪ ،‬مث ميسح عليها‪ ،‬ويغسل سائر جسده]‪.‬‬

‫‪ -2‬وأما املعقول‪ :‬فهو أن احلاجة تدعو إىل املسح على اجلبائر؛ ألن يف نزعها حرجا وضررا‪ .‬قال املرغيناين يف اهلداية‪:‬‬
‫إن احلرج فيه فوق احلرج يف نزع اخلف ‪ ،‬فكان أوىل بشرع املسح‪.‬‬

‫حكم ‪ -‬هل املسح على اجلبرية واجب أم سنة؟‬

‫قال أبو حنيفة وصاحباه يف األصح وعليه الفتوى‪ :‬املسح على اجلبائر واجب؛ وليس بفرض‪ ،‬لكن قال أبو حنيفة‪:‬‬
‫وإذا كان املسح على اجلبرية يضره سقط عنه املسح؛ ألن الغسل يسقط ابلعذر‪ ،‬فاملسح أوىل‪ .‬ودليل الوجوب‪ :‬أن‬
‫الفرضية ال تثبت إال بدليل مقطوع به‪ ،‬وحديث علي‪-‬املتقدم‪ -‬من أخبار اآلحاد‪ ،‬فال تثبت الفرضية به‪ .‬ويظهر أن‬
‫اإلمام وصاحبيه اتفقوا على الوجوب مبعىن عدم جواز الرتك‪ ،‬لكن عنده أيمث برتكه فقط مع صحة الصالة بدونه‪،‬‬
‫ووجوب إعادته‪ ،‬فهو يريد الوجوب األدىن‪ ،‬وعندمها‪ :‬ال تصح الصالة بدونه فهما أرادوا الوجوب األعلى‪.‬‬

‫وقال اجلمهور ( املالكية والشافعية واحلنابلة )‪ :‬املسح على اجلبائر مباء واجب أي فرض استعماال للماء ما أمكن‪،‬‬
‫وقياسا على اخلفني جبامع الضرورة وبطريق األوىل‪ ،‬ولألمر به يف حديث علي ‪-‬مع ضعفه‪[ :-‬امسحوا على اجلبائر]‬
‫واألمر للوجوب‪ .‬وال جيوز اتفاقا املسح على جبرية رجل مع مسح اخلف األخرى الصحيحة‪ ،‬وإمنا جيمع بني املسح‬
‫والغسل‪.‬‬

‫شرارط املسح على اجلبرية‪ :‬يشرتط جلوازه ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬أال ميكن نزع اجلبرية‪ ،‬أو خياف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض‪ ،‬أو زايدته‪ ،‬أو أتخر الربء كما يف التيمم‪.‬‬
‫قال املالكية‪ :‬جيب املسح إن خيف هالك أو شدة أو أذى‪ ،‬كتعطيل منفعة من ذهاب َسع أو بصر مثال‪ ،‬وجيوز إن‬
‫خيف شدة األمل أو أتخره بال شني‪ ،‬أو رمد أو دمل أو حنوها‪ .‬وذلك إذا كان اجلرح وحنوه يف أعضاء الوضوء يف حالة‬
‫احلدث األصغر‪ ،‬أو يف اجلسد يف حالة احلدث األكرب‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -2‬أال ميكن غسل أو مسح نفس املوضع بسبب الضرر‪ ،‬فإن قدر عليه فال مسح على اجلبرية‪ ،‬وإمنا ميسح على عني‬
‫اجلراحة إن مل يضر املسح هبا‪ ،‬وال جيزئه املسح على اجلبرية‪ ،‬وإن مل يستطع مسح على اجلبرية‪ .‬قال املالكية‪ :‬واألرمد‬
‫الذي ال يستطيع املسح على عينه أو جبهته إن خاف الضرر‪ ،‬يضع خرقة على العني أو اجلبهة وميسح عليها‪ .‬وقال‬
‫احلنفية‪ :‬يرتك املسح كالغسل إن ضر‪ ،‬وإال ال يرتك‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬ال ميسح على حمل املرض ابملاء ‪ ،‬وإمنا يغسل‬
‫اجلزء الصحيح ويتيمم عن اجلزء العليل‪ ،‬وميسح على اجلبرية إن وجدت‪.‬‬

‫‪ -3‬أال تتجاوز اجلبرية حمل احلاجة‪ ،‬فإن جتاوزت اجلبرية حمل احلاجة‪ :‬وهو ما البد منه لالستمساك‪ ،‬وجب نزعها‪،‬‬
‫ليغسل اجلزء الصحيح من غري ضرر ألهنا طهارة ضرورة‪ ،‬فتقدر بقدرها‪ ،‬فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا‪ ،‬تيمم لزائد‬
‫على قدر احلاجة‪ ،‬ومسح ما حاذى حمل احلاجة‪ ،‬وغسل ما سوى ذلك‪ ،‬فيجمع إذن بني الغسل واملسح والتيمم‪ ،‬وال‬
‫جيب مسح موضع العلة ابملاء‪ ،‬وإن مل خيف منه‪ ،‬ألن الواجب إمنا هو الغسل‪ ،‬لكن يستحب املسح‪ ،‬وال جيب عليه‬
‫وضع ساتر على العليل ليمسح على الساتر؛ ألن املسح رخصة؛ فال يليق هبا وجوب املسح‪ .‬وهذا شرط ذكره‬
‫الشافعية واحلنابلة‪.‬‬

‫‪ -4‬أن توضع اجلبرية على طهارة مائية‪ :‬وإال وجب إعادة الصالة‪ :‬هذا شرط عند الشافعية واحلنابلة؛ ألن املسح على‬
‫اجلبرية أوىل من املسح على اخلف‪ ،‬للضرورة فيها‪ ،‬ويشرتط لبس اخلف على طهارة ( وضوء أو غسل )‪ .‬وال تعاد‬
‫الصالة إن كانت اجلبرية بقدر االستمساك‪ ،‬ووضعت على طهر‪ ،‬وغسل الصحيح‪ ،‬وتيمم على اجلريح‪ ،‬ومسح على‬
‫اجلبرية‪ .‬ولو شد اجلبرية على غري طهارة‪ ،‬نزعها إن مل يتضرر‪ ،‬ليغسل ما حتتها‪ ،‬فإن خاف من نزعها تلفا أو ضررا‪،‬‬
‫تيمم لغسل ما حتتها‪ ،‬ولو عمت اجلبرية (الوجه واليدين) كفى مسحها ابملاء عند احلنابلة‪ ،‬وسقط التيمم‪ ،‬ويعيد‬
‫الصالة عند الشافعية ألنه كفاقد الطهورين ‪ .‬ومل يشرتط احلنفية واملالكية‪ :‬وضع اجلبرية على طهارة‪ ،‬فسواء وضعها‬
‫وهو متطهر أو بال طهر‪ ،‬جاز املسح عليها وال يعيد الصالة إذا صح‪ ،‬دفعا للحرج‪ .‬وهذا هو املعقول؛ ألنه يغلب يف‬
‫وضعها عنصر املفاجأة‪ ،‬فاشرتاط الطهارة وقتئذ فيه حرج وعسر‪.‬‬

‫‪ -5‬أال يكون اجلرب مبغصوب‪ ،‬وال حبرير حمرم على الذكر‪ ،‬وال كجلد امليتة واخلرقة النجسة‪ ،‬فيكون املسح حينئذ‬
‫ابطال‪ ،‬وتبطل الصالة أيضا‪ .‬وهذا شرط عند احلنابلة‪.‬‬

‫القدر املطلوب مسحه على اجلبرية‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫املفىت به عند احلنفية‪ :‬أنه يكفى مسح أكثر اجلبرية مرة‪ ،‬فال يشرتط استيعاب وتكرار‪ ،‬ونية اتفاقا‪ ،‬كما ال تطلب النية‬
‫يف مسح اخلف والرأس على اخلفني‪ ،‬حيث ال يشرتط فيهما مسح األكثر‪ ،‬وإمنا يكفى مقدار ثالث أصابع‪ :‬أن مسح‬
‫الرأس شرع ابلقرآن بواسطة حرف الباء الذي اقتضى تبعيضه‪ ،‬واملسح على اخلفني‪ :‬إن ثبت ابلقرآن بقراءة اجلر‪:‬‬
‫{وأرجلكم} فحكمه حكم املعطوف عليه‪ ،‬وإن ثبت ابلسنة‪ ،‬فهي أوجبت مسح البعض‪ .‬أما املسح على اجلبائر‪:‬‬
‫فإمنا ثبت حبديث علي رضي هللا عنه‪ ،‬وليس فيه ما ينبئ عن البعض‪ ،‬إال أن القليل سقط اعتباره دفعا للحرج‪ ،‬وأقيم‬
‫األكثر مقامه‪ .‬والواجب عند اجلمهور (املالكية والشافعية واحلنابلة)‪ :‬مسح اجلبرية كلها ابملاء‪ ،‬استعماال للماء ما‬
‫أمكن‪ ،‬وألن مسحها بدل عن غسل ما حتتها‪ ،‬وما حتت اجلبرية كان جيب استيعابه ابلغسل‪ ،‬فكذا املسح‪ ،‬وال ضرر‬
‫يف تعميمها ابملسح‪ ،‬خبالف اخلف يشق تعميم مجيعه‪ ،‬ويتلفه املسح‪.‬‬

‫وأوضح املالكية واحلنفية أو الواجب األصلي هو غسل أو مسح احملل اجملروح مباشرة إن أمك ن بال ضرر؛ فإن‬
‫مل يستطع املسح عليه ‪ ،‬مسح جبرية اجلرح‪ :‬وهي اللزقة اليت فيها الدواء الذي يوضع على اجلرح وحنوه‪ ،‬أو على العني‬
‫الرماد؛ فإن مل يقدر على مسح اجلبرية أو تعذر حلها‪ ،‬مسحت عصابته اليت تربط فوق اجلبرية‪ ،‬ولو تعددت العصائب‬
‫‪ ،‬فإنه ميسح عليها‪ .‬وال يقدر املسح مبدة‪ ،‬بل له االستدامة إىل الشفاء ( االندمال )؛ ألنه مل يرد فيه أتقيت‪ ،‬وألن‬
‫السفر ال ينزع للنجاسة‪ ،‬خبالف اخلف‪ ،‬وألن مسحها للضرورة‪ ،‬فيقدر بقدرها‪ ،‬والضرورة قائمة إىل حلها أو برء اجلرح‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬وإىل الربء عند احلنفية‪.‬‬

‫هل جيمع بني املسح على اجلبرية والتيمم؟‬

‫يرى احلنفية واملالكية‪ :‬االكتفاء ابملسح على اجلبرية‪ ،‬فهو بدل لغسل ما حتتها‪ ،‬وال يضم إليه التيمم؛ إذ ال جيمع بني‬
‫طهارتني‪ .‬ويرى الشافعية يف األظهر‪ :‬أنه جيمع بني املسح على اجلبرية والتيمم‪ ،‬فيغسل اجلزء الصحيح‪ ،‬وميسح على‬
‫اجلبرية‪ ،‬ويتيمم وجواب‪ ،‬ملا روى أبو داود والدارقطين إبسناد كل رجاله ثقات عن جابر يف املشجوج الذي احتلم‬
‫واغتسل‪ ،‬فدخل املاء شجته‪ ،‬فمات‪ :‬أن النيب )ص( قال‪[ :‬إمنا كان يكفيه التيمم‪ ،‬ويعصب على رأسه خرقة‪ ،‬مث ميسح‬
‫عليها‪ ،‬ويغسل جسده] والتيمم بدل عن غسل العضو العليل‪ ،‬ومسح الساتر بدل عن غسل ما حتت أطرافه من اجلزء‬
‫الصحيح؛ ألن الغالب أن الساتر أيخذ زايدة على حمل العلة‪ .‬فلو كان الساتر بقدر العلة فقط‪ ،‬أو أبزيد وغسل الزائد‬
‫كله‪ ،‬ال جيب املسح‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ولو كان يف بدنه جبائر كثرية وأجنب وأراد الغسل‪ ،‬كفاه تيمم واحد عن اجلمع؛ ألن بدنه كعضو واحد‪ .‬ويف‬
‫حالة احلدث األصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد األعضاء املريضة على األصح‪ ،‬كما يتعدد مسح اجلبرية بتعددها‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬إن كانت اجلراحة يف أعضاء الوضوء األربعة ومل تعمها فال بد من ثالثة تيممات‪ :‬األول للوجه‪ ،‬والثاين لليدين‪،‬‬
‫والثالث للرجلني‪ ،‬أما الرأس فيكفى فيه مسح ما قل منه‪ ،‬فإن عمت اجلراحة الرأس فأربعة تيممات‪ .‬وإن عمت‬
‫األعضاء كلها فتيمم واحد عن اجلميع لسقوط الرتتيب بسقوط الغسل‪.‬‬

‫وتوسط احلنابلة فرأوا أنه جيزئ املسح على اجلبرية‪ ،‬من غري تيمم‪ ،‬إذا مل جتاوز قدر احلاجة؛ ألنه مسح على‬
‫حائل‪ ،‬فأجزأ من غريهم‪ ،‬كمسح اخلف‪ ،‬بل أوىل‪ :‬إذ صاحب الضرورة أحق ابلتخفيف‪.‬‬

‫هل جتب إعادة الصالة بعد الربء؟‪:‬‬

‫الذين مل يشرتطوا وضع اجلبرية على طهارة وهم املالكية واحلنفية‪ ،‬ورأيهم هو احلق‪ ،‬مل يوجبوا إعادة الصالة بعد‬
‫الصحة من اجلرح‪ ،‬إلمجاع العلماء على جواز الصالة‪ ،‬وإذا جازت الصالة‪ ،‬مل جتب إعادهتا‪ .‬أما الذين اشرتطوا وضع‬
‫اجلبرية على طهارة وهم الشافعية واحلنابلة‪ ،‬فقد أوجبوا إعادة الصالة‪ ،‬لفوات شرط الوضع على طهارة‪ ،‬ولو يوجبها‬
‫احلنابلة إذا تيمم‪.‬‬

‫وتعاد الصالة عند الشافعية يف األحوال الثالثة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت اجلبرية يف أعضاء التيمم (الوجه اليدين) مطلقا‪ ،‬سواء على طهر أو حدث‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا وضعت اجلبرية على طهر (حدث) سواء يف أعضاء التيمم أو يف غريها‪.‬‬

‫‪ -3‬إذا زادت اجلبرية على قدر احلاجة أو االستمساك‪ ،‬مطلقا‪ ،‬سواء على طهر أو حدث‪.‬‬

‫وال تعاد الصالة عندهم يف حالتني ومها‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت يف غري أعضاء التيمم‪ ،‬ومل أتخذ من الصحيح شيئا‪ ،‬ولو على حدث‪.‬‬

‫‪ -2‬إذا كانت يف غري أعضاء التيمم‪ ،‬ووضعها على طهر‪ ،‬ولو زادت على قدر احلاجة‪.‬‬

‫نواقض املسح على اجلبرية‪:‬‬

‫يبطل املسح على اجلبرية يف حالتني مها‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -1‬نزعها وسقوطها‪ :‬قال احلنفية‪ :‬يبطل املسح على اجلبرية إن سقطت عن برء‪ ،‬لزوال العذر‪ ،‬وإن كان يف الصالة‪،‬‬
‫استأنف الصالة بعد الوضوء الكامل؛ ألنه قدر على األصل قبل حصول املقصود ابلبدل‪ .‬وقال املالكية‪ :‬يبطل املسح‬
‫بنزع اجلبرية أو سقوطها للمداواة أو غريها‪ ،‬فإذا صح غسل املوضع على الفور‪ ،‬وإن مل يصح وبدَّهلا للمداواة‪ ،‬أعاد‬
‫املسح‪ ،‬وإن سقطت اجل برية وهو يف الصالة‪ ،‬بطلت الصالة‪ ،‬وأعاد اجلبرية يف حملها‪ ،‬وأعاد املسح عليها‪ ،‬إن مل يطل‬
‫الفاصل‪ ،‬مث ابتدأ صالته‪ ،‬ألن طهارة املوضع قد انتقضت بظهوره‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬لو سقطت جبريته يف الصالة‪،‬‬
‫بطلت صالته‪ ،‬سواء أكان قد برئ‪ ،‬أم ال‪ ،‬كانقالع اخلف‪ .‬ويف حالة الربء تبطل الطهارة أيضا‪ ،‬فإن مل يربأ رد اجلبرية‬
‫إىل موضعها ومسح عليها فقط‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬زوال اجلبرية كالربء‪ ،‬ولو قبل برء الكسر أو اجلرح‪ ،‬وبرؤها كخلع‬
‫اخلف‪ ،‬يبطل املسح؛ والطهارة والصالة كلها‪ ،‬وتستأنف من جديد‪ ،‬ألن مسحها بدل عن غسل ما حتتها‪ ،‬أال أنه يف‬
‫الطهارة الكربى من اجلنابة يكفي بزوال اجلبرية غسل ما حتتها فقط‪ .‬ويف الطهارة الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها‬
‫عن برء توضأ فقط‪ ،‬وإن كان سقوطها عن غري برء‪ ،‬أعاد الوضوء والتيمم‪.‬‬

‫‪ -2‬احلدث‪ :‬يبطل املسح على ابتفاق ابالتفاق ابحلدث‪ .‬لكن إذا أحدث صاحب اجلبرية يعيد عند الشافعية ثالثة‬
‫أمور‪ :‬يغسل الصحيح‪ ،‬وميسح على اجلبرية‪ ،‬ويتيمم‪ .‬فإن مل حيدث وأراد صالة فرض آخر‪ ،‬تيمم فقط‪ ،‬ومل يعد غسال‬
‫وال مسحا؛ ألن الواجب عندهم إعادة لكل فريضة‪.‬‬

‫التيمم‬
‫تعريف التيمم ومشروعيته‬

‫التيمم لغة‪ :‬القصد‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪{ :‬وال ت ي َّمموا اخلبيث منه ت نفقون}‪ ،‬وشرعا‪ :‬عرفه الفقهاء بعبارات متقاربة‪ ،‬فقال‬
‫احلنفية‪ :‬مسح الوجه واليدين عن صعيد مطهر‪ .‬وقال املالكية‪ :‬طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إيصال الرتاب إىل الوجه واليدين بدال عن الوضوء أو الغسل أو عضو منهما بشرائط خمصوصة‪ .‬وقال‬
‫احلنابلة‪ :‬مسح الوجه واليدين برتاب طهور على وجه خمصوص‪.‬‬

‫مشروعيته‪ :‬التيمم من خصائص األمة اإلسالمية‪ ،‬شرع يف غزوة بني املصطلق (غزوة املريسيع) يف السنة السادسة من‬
‫اهلجرة حينما أضاعت عائشة عقدها‪ ،‬فبعث النيب )ص( يف طلبه‪ ،‬وحانت الصالة‪ ،‬وليس معهم ماء‪ ،‬فنزلت آية‬
‫التسمم‪ ،‬كما نزلت آايت براءة عائشة من اإلفك يف سورة النور‪ .‬وهو رخصة‪ ،‬وقال احلنفية‪ :‬إنه عزمية‪ ،‬وأدلة‬
‫مشروعيته‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع‪ :‬أما القرآن‪ :‬فقوله تعاىل‪{ :‬وإن كن تم مرضى أو على سف ٍر أو جاء أح ٌد منكم من‬

‫‪26‬‬
‫الغائط أو ال مستم النّساء‪ ،‬ف لم جتدوا ماءً‪ ،‬ف ت ي َّمموا صعيدا طيَّبا‪ ،‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أن التيمم فريضة بدل الغسل ابملاء‪ .‬وأما السنة‪ :‬فأحاديث كثرية منها خرب مسلم‪[ :‬جعلت لنا األرض كلها مسجدا‬
‫وتربتها طهورا]‪ ،‬ومنها [الرتاب طهور املسلم‪ ،‬ولو إىل عشر حجج‪ ،‬مامل جيد املاء أو حيدث]‪ .‬وامجعت االمة على جواز‬
‫التيمم ىف اجلملة‪.‬‬

‫هل التيمم للنفل جييز صالة الفرض‬

‫قال احلنفية الواصفون التيمم أبنه بدل مطلق‪ :‬إذا تيمم للنفل‪ ،‬جيوز له أن يؤدي به النف ل والف رض‪ .‬وجيوز عند أيب‬
‫حنيفة وأيب يوسف‪ :‬أن يؤم املتيمم املتوضئني إذا مل يكن معهم ماء؛ ألن التيمم يف حال عدم املاء طهارة مطلقة‪،‬‬
‫فيجوز إ قتداؤهم به‪ ،‬وإن كان معهم ماء ال جتوز صالهتم؛ ألن التيمم بدل عن املاء عند عدمه‪.‬‬

‫وقال املالكية ‪ :‬ال يصلى فرض بتيمم نواه لغريه‪ ،‬فإن نوى فرض الصالة صلى به ما عليه من فرض واحد‪،‬‬
‫وما شاء من النوافل على أن يقدم صالة الفرض على النفل‪ ،‬وال يصلى به الفريضة الفائتة معه‪ ،‬وإن نوى مطلق‬
‫الصالة صلى به النفل دون الفرض‪ ،‬ألن الفرض حيتاج لنية ختصه‪ ،‬ومن نوى نفال مل يصل به فرضا‪ .‬ويلزم حال نية‬
‫استباحة الصالة أو ما منعه احلدث نية احلدث األكرب من جنابة أو غريها إن كان عليه‪ .‬فإن مل يالحظه أبن نسيه أومل‬
‫يعتقد أنه عليه‪،‬مل جيزه وأعاد أبدا‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة ‪ :‬إن نوى فرضا ونفال صلى به الفرض والنفل‪ ،‬وإن نوى فرض استباح مثله‪ ،‬وما‬
‫دونه من النوافل‪ ،‬ألن النفل أخف‪ ،‬ونية الفرض تتضمنه‪ ،‬ومبا أن الفرض أعلى استباح ما دونه تبعا‪ .‬وإن نوى نفال أو‬
‫أطلق النية للصالة أبن نوى استباحة الصالة‪ ،‬ومل ينو فرضا وال نفال‪،‬مل يصل إال نفال‪ ،‬ومل يصل به فرضا؛ ألن الفرض‬
‫أصل والنفل نابع‪ ،‬فال جيعل املتبوع نابعا‪ ،‬وقياسا على ما لو أحرم ابلصالة‪ ،‬فإن صالته تنعقد نفال‪.‬‬

‫أسباب التيمم‬

‫‪ -1‬فقد املاء الكايف للوضوء أو الغسل‬

‫حسا أبن مل جيد ماء أصال أو وجد ماء ال يكفيه‪ ،‬أو شرعا‪ :‬أبن خاف الطريق إىل املاء أو كان عند احلنفية بعيدا عنه‬
‫مبقدار ميل ( ‪ 1848‬أو ‪ 4000‬ذراع أو خطوة ) أو أكثر‪ ،‬أو بقدر ميلني عند املالكية‪ ،‬أو احتاج إىل مثنه أو وجده‬
‫أبكثر من مثن املثل‪ ،‬لآلية السابقة {ف لم جتدوا ماءً ف ت ي َّمموا صعيدا طيّبا}‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -2‬فقد القدرة على استعمال املاء‬

‫قال املالكية واحلنابلة وغريهم‪ :‬يتيمم العاجز الذي ال قدرة له على املاء كاملكره واجملوس‪ ،‬واملربوط بقرب املاء‪ ،‬واخلائف‬
‫على نفسه من سبع أو لص‪ ،‬سواء يف احلضر أو السفر‪ ،‬ولو سفر معصية؛ ألن التيمم مشروع مطلقا‪ ،‬سواء يف احلضر‬
‫أو السفر‪ ،‬يف الطاعة أو املعصية‪ ،‬وألنه عادم للماء‪ ،‬ولعموم قوله )ص(‪[ :‬إن الصعيد طهور املسلم‪ ،‬وإن مل جيد املاء‬
‫عشر سنني‪ ،‬فإذا وجد املاء فليمسه بسرته‪ ،‬فإن ذلك خري]‪.‬‬

‫لكن عند الشافعية يقضي املقيم املتيمم لفقد املاء‪ ،‬ال املسافر‪ ،‬إال العاصي بسفره يف األصح‪ ،‬فإنه يقضي؛ ألنه ليس‬
‫م ن أهل الرخصة‪ .‬وال يعيد عند بقية املذاهب يف األرجح عند احلنابلة؛ ألنه أتى مبا أمر به‪ ،‬فخرج من عهدته‪ ،‬وألنه‬
‫صلى ابلتيمم املشروع على الوجه املشروع‪ ،‬فأشبه املريض واملسافر‪ .‬واستثىن احلنفية املكره على ترك الوضوء فإنه يتيمم‬
‫ويعيد صالته‪.‬‬

‫‪ -3‬املرض أو بطء الربء‬

‫يتيم م إذا خاف ابستعمال املاء على نفس أو منفعة عضو حدوث مرض من نزلة أو محى أو حنو ذلك‪ ،‬أو خاف من‬
‫استعماله زايدة املرض أو طوله‪ ،‬أو أتخر برئه‪ ،‬ويعرف ذلك ابلعادة‪ ،‬أو إبخبار طبيب عارف‪ ،‬ولو غري مسلم عند‬
‫املالكية والشافعية‪ ،‬مسلم عند احلنفية واحلنابلة‪ .‬وأضاف الشافعية يف األظهر واحلنابلة حدوث شني فاحش يف عضو‬
‫ظاهر‪ ،‬ألنه يشوه اخللقة ويدوم ضرره‪ .‬واملراد ابلظاهر ما يبدو عند املهنة غالبا كالوجه واليدين‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬من كان‬
‫مريضا ال يقدر على احلركة‪ ،‬وال من يناوله املاء للوضوء فهو كعادم للماء‪ ،‬له التيمم إن خاف فوت الوقت‪.‬‬

‫‪ -4‬احلاجة إىل املاء يف احلال أو يف املستقبل‬

‫للمرء التيمم إذا اعتقد أو ظن ولو يف املستقبل أنه حيتاج للماء احتياجا مؤداي إىل اهلالك أو شدة األذى‪ ،‬بسبب‬
‫عطش حيوان حمرتم شرعا‪ ،‬من آدمي وغريه‪ ،‬ولو كلب صيد أو حراسة‪ ،‬خبالف احلريب واملرتد والكلبغري املأذون فيه‬
‫(ومنه عن د احلنابلة‪ :‬الكلب األسود)‪ ،‬وذلك صوان للروح عن التلف‪ .‬ومن أصناف احلاجة‪ :‬االحتياج للماء لعجن أو‬
‫طبخ له ضرورة‪ ،‬أو إلزالة جناسة غري معفو عنها‪ ،‬بشرط أم تكون عند الشافعية على البدن‪ ،‬فإن كانت على الثوب‬
‫توضأ ابملاء‪ .‬وصلى عرايان إن مل جيد ساترا‪ ،‬وال إعادة عليه‪.‬‬

‫‪ -5‬اخلوف من تلف املال لو طلب املاء‬

‫‪28‬‬
‫قال املالكية‪ :‬يتيمم القادر على استعمال املاء من حاضر أو مسافر إذا خاف تلف مال ذي ابل‪ ،‬سواء أكان له أم‬
‫لغريه‪ ،‬لو طلب املاء الذي حتقق وجوده أو ظنه‪ ،‬أما إن شكه أو تومهه‪ ،‬فيتيمم ولو قل املال‪ .‬واملراد ابملال ذي البال‪:‬‬
‫ما زاد على ما يلزمه بذله يف شراء املاء‪.‬‬

‫‪ -6‬شدة الربد أي شدة برودة املاء‬

‫جيوز التيمم لشدة الربد إذا خاف ضررا من استعمال املاء‪ ،‬ومل جيد ما يسخن به املاء‪ .‬لكن قيد احلنفية إابحة التيمم‬
‫للب رد مبا إذا خاف املوت أو التلف لبعض األعضاء أو املرض‪ ،‬وابجلنب فقط ولو يف احلضر‪ ،‬إذا مل تكن له أجرة محام‬
‫وال ما يدفئه‪ ،‬ألنه هو الذي يتصور فيه ذلك‪ .‬أما احملدث حداث أصغر فال جيوز له التيمم للربد يف الصحيح‪.‬‬

‫وقيد املالكية جواز التيمم للربد حبالة اخلوف من املوت‪ .‬أما الشافعية واحلنابلة‪ :‬فأابحوا التيمم للربد إذا تعذر‬
‫تسخني املاء يف الوقت‪ ،‬أومل تنفع تدفئة أعضائه‪ ،‬وخاف على منفعة عضو أو حدوث شني فاحش‪ ،‬يف عضو طاهر‬
‫عند الشافعية‪ ،‬أو يف بدنه بسبب استعمال املاء عند احلنابلة‪ .‬ويقضي الصالة عند الشافعية من تيمم ملرض‪ ،‬أو لربد‬
‫يف األظهر‪ ،‬وال قضاء عليه عند املالكية واحلنفية‪ ،‬وعند احلنابلة‪ :‬روايتان‪ :‬إحدامها‪ :‬ال يلزمه القضاء‪ ،‬والثانية‪ :‬يلزمه‬
‫اإلعادة‪.‬‬

‫‪ -7‬فقد آلة املاء من دلو وحبل‬

‫يتمم من له قدرة على استعمال املاء‪ ،‬ولكن مل جيد من يناوله إايه‪ ،‬أومل جيد آلة من حبل أو دلو‪ ،‬إذا خاف خروج‬
‫الوقت‪ ،‬ألنه مبنزلة عادم املاء‪ .‬وأضاف احلنابلة‪ :‬أنه يلزم طلب اآللة ابالستعارة ليحصل به املاء‪ ،‬ألن ما ال يتم لواجب‬
‫إال به فهو واجب‪ ،‬ويلزمه قبول عارية؛ ألن املنة يف ذلك يسرية‪ .‬وإن قدر على استخراج املاء ماء بئر بثوب يبله‪ ،‬مث‬
‫يعصره‪ ،‬لزمه ذلك لقدرته على حتصيل املاء‪ ،‬كما لو وجد حبال ودلوا‪ ،‬إذا مل تنقص قيمة الثوب أكثر من مثن املاء‬
‫الذي يستخرجه يف مكانه‪ ،‬فإن نقصت أكثر من مثنه مل يلزمه كشرائه‪ .‬ويلزمه قبول املاء قرضا‪ ،‬وقبول مثنه قرضا‪ ،‬إذا له‬
‫ما يوفيه منه؛ ألن املنة يف ذلك يسرية‪ ،‬وال يلزمه اقرتاض مثن املاء للمنة‪ ،‬ويلزمه قبول املاء إذا بذل له هبة لسهولة املنة‬
‫فيه‪ ،‬لعدم متوله عادة‪ ،‬وال يلزمه قبول مثن املاء هبة للمنة‪ ،‬وال يلزمه شراء املاء بدين يف ذمته‪ ،‬ولو قدر على أدائه يف‬
‫بلده؛ ألن عليه ضررا يف بقاء الدين يف ذمته‪ ،‬ورمبا تلف ماله قبل أدائه‪.‬‬

‫‪ -8‬اخلوف من خروج وقت الصالة‬

‫‪29‬‬
‫مل جيز الشافعية التيمم خوفا من خروج الوقت؛ ألنه يكو ن متيمما مع وجود املاء‪ ،‬واستثنوا حالة املسافر فإنه ال يلزم‬
‫بطلب املاء ويتيمم إذا خاف خروج الوقت وخاف علة نفسه أو ماله أو انقطاعه عن الرفقة‪ .‬وكذلك احلنابلة مل جييزوا‬
‫التيمم خلوف فوت الوقت سواء جلنازة أو عيد أو فريضة‪ ،‬إال املسافر علم وجود املاء يف مكان قريب‪ ،‬لكن إذا قصده‬
‫خاف خروج الوقت‪ ،‬فيتيمم حينئذ‪ ،‬ويصلي وال إعادة عليه‪ ،‬ألنه قادر على استعماله يف الوقت‪ ،‬فأشبه عادم املاء‪.‬‬

‫أركان التيمم أو فرارضه‬

‫للمتيمم أركان أو فرائض‪ ،‬علما أبن املراد ابلركن أو الفرض ما يتوقف عليه أساسا وجود الشيء أو هو جانب األقوى‪،‬‬
‫وهو اصطالح اجلمهور ( غري احلنفية)‪ ،‬أما احلنفية فيحصرون الركن فيما يتوقف الشيء على وجدوه‪ ،‬وكان جزءا من‬
‫حقيقته‪ .‬وبناء عليه قالوا ‪ :‬للتيمم ركنان فقط‪ :‬مها الضربتان‪ ،‬واالستيعاب ابملسح وجهه ويديه إىل املرفقني‪ .‬أما‬
‫اجلمهور فقالوا‪ :‬أركان التيمم أربعة أومخسة على االختالف اآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬النية عند مسح الوجه‬

‫فرض اب تفاق املذاهب األربعة‪ ،‬منهم القدوري وصاحب اهلداية من احلنفية‪ ،‬وجعلها مجاعة من احلنفية وبعض احلنابلة‬
‫شرطا‪ ،‬وهو املعتمد يف مذهيب احلنابلة واحلنفية‪ .‬والنية عند املالكية‪ :‬أن ينوي استباحة الصالة أو استباحة ما منعه‬
‫احلدث‪ ،‬أو فرض التيمم عند مسح الوجه‪ ،‬ولو نوى رفع احلدث فقط كان تيممه ابطال؛ ألن التيمم ال يرفع احلدث‬
‫على املشهور عندهم‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬البد أن ينوي استباحة الصالة وحنوها‪ ،‬فال يكفى يف األصح نية فرض التيمم أو‬
‫فرض الطهارة‪ ،‬أو الطهارة عن احلدث أو اجلنابة أو رفع احلدث‪ ،‬ألن التيمم ال يرفع احلدث عندهم‪ ،‬وألن التيمم ليس‬
‫مقصودا يف نفسه‪ ،‬وإمنا يؤتى به عن ضرورة‪ ،‬فال جيعل مقصودا‪ .‬وينوي عند احلنابلة استباحة ما ال يباح إال ابلتيمم‬
‫كالصالة وحنوها‪ ،‬من طواف ومس مصحف‪ ،‬أي كما قال الشافعية‪ ،‬وال يصح بنية رفع احلدث؛ ألن التيمم ال يرفع‬
‫‪.‬‬
‫فأمسه جلدك‪ ،‬فإنه خري لك]‬
‫احلدث عندهم كاملالكية والشافعية‪ ،‬حلديث أيب ذر [فإذا وجدت املاء َّ‬
‫وقال احلنفية ‪ :‬يشرتط لصحة نية التيمم الذي تصح به الصالة أن ينوى أحد أمور ثالثة‪ :‬إما بنية الطهارة من‬
‫احلدث‪ ،‬أو استباحة الصالة‪ ،‬أو نية عبادة مقصودة ال تصح بدون طهارة كالصالة أو سجدة التالوة أو صالة اجلنازة‪.‬‬
‫فإ ن نوى التيمم فقط من غري أن يالحظ استباحة الصالة‪ ،‬أو رفع احلدث القائم به‪ ،‬مل تصح الصالة به‪ .‬كما ال تصح‬
‫الصالة إذا نوى ما ليس بعبادة أصال كدخول املسجد ومس املصحف‪ ،‬أو نوى عبادة غري مقصودة لذاهتا كاألذان‬
‫واإلقامة‪ ،‬أو نوى عبادة مقصودة تصح بدون طهارة كالتيمم من احلدث حداث أصغر لقراءة القرآن‪ ،‬أو للسالم أو رده‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وال يشرتط عندهم تعيني احلدث أو اجلنابة‪ ،‬وإمنا يصح التيمم إبطالق النية‪ ،‬ويصح أيضا بنية رفع احلدث؛ ألن التيمم‬
‫رافع له كالوضوء‪ .‬ويشرتط لصحة النية عندهم‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والتمييز‪ ،‬والعلم مبا ينويه ليعرف حقيقة املنوي‪.‬‬

‫‪ -2‬مسح الوجه واليدين مع االستيعاب‬

‫لقوله تعاىل { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه }‪ .‬واملطلوب يف اليدين عند احلنفية والشافعية‪ :‬مسحهما إىل املرفقني‬
‫كالوضوء‪ ،‬على وجه االستيعاب‪ ،‬لآلية املذكورة‪ ،‬لقيام التيمم مقام الوضوء‪ ،‬وألن اليد أطلقت يف التيمم‪ ،‬وقيدت يف‬
‫الوضوء بقوله تعاىل {إىل المرافق}‪ ،‬فيحمل التيمم على الوضوء‪ ،‬ويقاس عليه‪ ،‬وحلديث عمار‪ :‬أن النيب )ص( قال يف‬
‫التيمم [ضربة للوجه واليدين]‪.‬‬

‫واكتفى املالكية واحلنابلة مبسح اليدين إىل الكوعني‪ ،‬أما من الكوعني إىل املرفقني فسنة‪ ،‬مستدلني بقوله تعاىل‬
‫{وأيديكم}‪ ،‬وإذا علق حكم مبطلق اليدين‪،‬مل يدخل فيه الذراع‪ ،‬كقطع السارق‪ ،‬وحلديث عمار بن ايسر‪ :‬أن النيب‬
‫)ص( أمره ابلتيمم للوجه والكفني‪ ،‬ولقول عمار‪ :‬أجنبت فلم أصب املاء‪ ،‬فتمعكت (مترغت أو تقلبت) يف الصعيد‪،‬‬
‫وصليت‪ ،‬فذكرت ذلك للنيب )ص( فقال [إمنا يكفيك هكذا‪ ،‬وضرب النيب )ص( األرض‪ ،‬ونفخ فيهما‪ ،‬مث مسح هبما‬
‫وجهه وكفيه]‪.‬‬

‫واملفروض عند احلنفية والشافعية‪ :‬ضربتان‪ ،‬ضربة للوجه‪ ،‬وضربة لليدين‪ .‬وقال املالكية واحلنابلة‪ :‬الفريضة‪:‬‬
‫الضربة األوىل‪ :‬أي رضع الكفني على الصعيد‪ ،‬أما الضربة الثانية فهي سنة‪ ،‬كما سيأيت‪ .‬وسبب االختالف‪ :‬أن اآلية‬
‫جمملة يف ذلك‪ ،‬واألحاديث متعارضة‪ ،‬وقياس التيمم على الوضوء يف مجيع أحواله غري متفق عليه‪ .‬والذي يف حديث‬
‫عمار الثابت من ذلك‪ :‬إمنا هو ضربة للوجه والكفني معا‪ ،‬وهناك أحاديث فيها ضربتان‪ ،‬فرجح اجلمهور هذه‬
‫األحاديث قياسا للتيمم على الوضوء‪ ،‬ومن هذه األحاديث‪ ،‬حديث ابن عمر‪[ :‬التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه وضربة‬
‫لليدين] وروى أبو داود‪ [ :‬أنه )ص( تيمم بضربتني مسح إبحدامها وجهه‪ ،‬وأبخرى ذراعيه]‪.‬‬

‫واتفق الفقهاء على وجوب نزع اخلامت يف التيمم‪ ،‬خبالف الوضوء؛ ألن الرتاب كثيف ال يسري إىل ما حتت‬
‫اخلامت خبالف املاء‪ .‬وحمل الوجوب عند الشافعية يف الضربة الثانية‪ ،‬ويستحب يف األوىل‪ ،‬وإجياب النزع إمنا عند املسح‬
‫ال عند نقل الرتاب‪ .‬وأوجب املالكية واحلنفية أيضا ختليل األصابع بباطن الكف أو األصابع ليتم املسح‪ .‬واكتفى‬
‫الشافيعية واحلنابلة ابلقول أبنه يندب ختليل األصابع بعد مسح اليدين احتياطا‪.‬‬

‫‪ -3‬الرتتيب فرض عند الشافعية‪ ،‬وعند احلنابلة يف غري حدث أكرب‬

‫‪31‬‬
‫أي بني عضوي التيمم؛ ألن التسمم مبين على الطهارة ابملاء‪ ،‬والرتتيب فرض يف الوضوء‪ ،‬فكذا يف التيمم القائم مقامه‪،‬‬
‫أم التيمم حلدث أكرب وجناسة ببدن‪ ،‬فال يعترب فيه ترتيب‪ .‬وقال احلنفية واملالكية‪ :‬الرتتيب يف التيمم بني العضوين‬
‫(الوجه واليدين) مستحب ال واجب؛ ألن الفرض األصلي املسح‪ ،‬وإيصال الرتاب وسيلة إليه‪.‬‬

‫‪ -4‬املواالة‬

‫املواالة فرض عند احلنابلة واملالكية‪ ،‬قيدها احلنابلة بغري احلدث األكرب كالرتتيب‪ .‬أبن يوايل بني أجزاء التيمم‪ ،‬أبال‬
‫يؤخر مسح عضو عما قبله زمنا بقدرها يف الوضوء‪ ،‬أي حبيث لو قدر مغسوال جلف بزمن معتدل‪ .‬وأضاف املالكية‪:‬‬
‫أن يوايل بني التيمم وبني ما فعل له من صالة وحنوها‪ .‬وقال الشافعية واحلنفية‪ :‬مواالة التيمم كالوضوء سنة‪ ،‬كما تسن‬
‫املواالة أيضا بني التيمم والصالة‪ ،‬خروجا من خالف من أوجبها‪ ،‬وهم ملالكية كما قدمنا‪.‬‬

‫‪ -5‬الصعيد الطاهر فرض عند املالكبة‪ ،‬شرط عند غريهم‬

‫والصعيد عند املالكية‪ :‬كل ما صعد على األرض من أجزائها كرتاب وهو األفضل من غريه عند وجوده‪ ،‬ورمل وحجارة‬
‫وحصى‪ ،‬وجص مل حيرق ابلنار‪ ،‬فإن أحرق أو طبخ مل جيز التيمم به‪ ،‬ولو نقل ذلك من حمله‪ :‬أبن جيعل بينه وبني‬
‫األرض حائل‪ .‬وجيوز التيمم على املعادن ما دامت يف مواضعها ومل تنقل من حملها‪ ،‬إذا مل تكن من أحد النقدين‬
‫(الذهب والفضة) أو من اجلوهر كاللؤلؤ‪ .‬وجيوز التيمم على اجلليد‪ :‬وهو الثلج اجملمد من املاء على وجه األرض أو‬
‫البحر؛ ألنه أشبه جبموده احلجر‪ ،‬فالتحق أبجزاء األرض‪.‬‬

‫ومذهب احلنفية كاملالكية‪ ،‬فقال أبو حنيفة وحممد‪ :‬جيوز التيمم بكل ما كان من جنس األرض‪ ،‬كالرتاب‬
‫الزرنيخ‪ ،‬وإن مل يكن‬
‫ص (الكلس) والنُّورة (حجر الكلس)‪ ،‬والكحل و َّ‬
‫(وهو جممع عليه) والغبار‪ ،‬والرمل‪ ،‬واحلجر‪ ،‬واجل ّ‬
‫عليها غبار؛ ألن ألن الصعيد اسم لوجه األرض‪ ،‬وهذا ال يوجب االختصاص ابلرتاب‪ ،‬بل يعم مجيع أجواء األرض‪،‬‬
‫وحلديث أيب هريرة‪ :‬أن انسا من أهل البادية أتوا رسول هللا (ص)‪ ،‬فقالوا‪ :‬إان نكون ابلرمل‪ ،‬األشهر الثالثة واألربعة‪،‬‬
‫ويكون فينا اجلنب والنفساء واحلائض‪ ،‬ولسنا جند املاء‪ ،‬فقال عليه السالم [عليكم ابألرض‪ ،‬مث ضرب يده على‬
‫األرض لوجهه ضربة واحدة‪ ،‬مث ضرب أخرى‪ ،‬فمسح هبا على يديه إىل املرفقني] وقال اإلمام البخاري‪" :‬ال أبس‬
‫ابلصالة على السبخة والتيمم منها" وهو األرض ذات امللح والنزز‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬ال جيوز التيمم إال برتاب طاهر ذي غبار يعلق ابليد غري حمرتق ‪ ،‬فإن كان جرشا أو‬
‫نداي ال يرتفع له غبار مل يكف ‪ .‬وأضاف الشافعية ‪ :‬جيوز برمل فيه غبار ‪ ،‬وال جيوز عند احلنابلة التيمم برمل ‪ ،‬وحنت‬
‫حجارة وحنوه‪ ،‬وعن أمحد ‪ :‬رواية أخرى ‪ :‬أنه جيوز التيمم ابلرمل‪.‬‬

‫كيفية التيمم‬

‫‪ -1‬رأي احلنفية والشافعية‪ :‬التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه‪ ،‬وضربة لليدين إىل املرفقني‪ ،‬بدليل احلديث املتقدم‪ ،‬وهو ما‬
‫روى أبو أمامة وابن عمر رضي هللا عنهما‪ :‬أن النيب )ص( قال [التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه‪ ،‬وضربة لليدين إىل‬
‫املرفقني] وألن اليد عضو فيالتيمم‪ ،‬فوجب استيعابه كالوجه‪ .‬أما حديث عمار رضي هللا عنه الدال على االكتفاء‬
‫ابلكفني‪ ،‬فيتناول على أنه مسح كفيه إىل املرقني‪ ،‬بدليل حديث أيب أمامة وابن عمر‪.‬‬

‫‪ -2‬رأي املالكية واحلنابلة‪ :‬التيمم الواجب‪ :‬ضربة واحدة ميسح هبا وجهه بباطن أصابعه‪ ،‬مث كفيه براحتيه‪ ،‬حلديث‬
‫عمار‪ :‬أن النيب )ص( قال يف التيمم [ضربة واحد للوجه واليدين]‪ ،‬وألن اليد إذا أطلقت ال يدخل فيها الذراع بدليل‬
‫السرقة‪.‬‬

‫مكروهات التيمم‬

‫وقال املالكية‪ :‬تكره الزايدة على مرة يف املسح‪ ،‬وكثرة الكالم يف غري ذكر هللا‪ ،‬وإطالة املسح إىل ما فوق املرفقني وهو‬
‫املسمى ابلغرة والتحجيل‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يكره تكثري الرتاب‪ ،‬وتكرار املسح‪ ،‬وجتديد التيمم ولو بعد فعل صالة‪ ،‬ونفض اليدين بعد متام التيمم‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬يكره تكرار املسح‪ ،‬وإدخال الرتاب يف الفم واألنف‪ ،‬والضرب أكثر من مرتني‪ ،‬ونفخ الرتاب إن كان‬
‫خفيفا‪.‬‬

‫نواقض التيمم أو مبطالته‬

‫‪ -1‬كل ما ينقض الوضوء والغسل ينقض التيمم؛ ألنه بدل عنهما‪ ،‬وانقض األصل انقض خللفه‪ ،‬فلو تيمم للجنابة‪ ،‬مث‬
‫أحدث صار حمداث ال جنبا‪ ،‬فيتوضأ وينزع خفيه إن كان البسهما‪ ،‬مث بعدها ميسح عليهما‪ ،‬مامل جيد املاء‪.‬‬

‫‪ -2‬زوال العذر املبيح له كذهاب العدو واملرض والربد ووجود آلة نزح املاء‪ ،‬وإطالق سراحه من السجن الذي ال ماء‬
‫فيه؛ ألن ما جاز بعذر بطل بزواله‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -3‬رؤية املاء أو القدرة على استعمال املاء الكايف ولو مرة عند احلنفية واملالكية‪ ،‬ولومل يكف عند الشافعية واحلنابلة‪،‬‬
‫وذلك قبل الصالة‪ ،‬ال فيها ابتفاق العلماء‪ ،‬وأن يكون فاضال عن حاجته كعطش وعجن وغسل جناسة؛ ألن املشغول‬
‫ابحلاجة‪ ،‬وغري الكايف يف رأي احلنفية واملالكية كاملعدوم‪.‬‬

‫‪ -4‬خروج الوقت‪ :‬يبطل التيمم عند احلنابلة خبروج وقت الصالة‪ ،‬وأضاف احلنابلة‪ :‬إن خرج وقت الصالة وهو فيها‪،‬‬
‫بطل تيممه‪ ،‬وبطلت صالته‪ ،‬ألن طهارته انتهت ابنتهاء وقتها‪ ،‬فبطلت صالته‪ ،‬كما لو انقضت مدة املسح وهو يف‬
‫الصالة‪.‬‬

‫‪ -5‬الردة‪ :‬تبطل التيمم ع ند الشافعية‪ ،‬خبالف الوضوء‪ ،‬لقوته‪ ،‬وضعف بدله‪ ،‬لكن تبطل نية الوضوء فيجب جتديدها‪،‬‬
‫وألن التيمم الستباحة الصالة‪ ،‬وهي منتفية مع الردة‪ ،‬هذا والردة تبطل التيمم ولو صورة كالواقعة من الصيب‪.‬‬

‫‪ -6‬الفصل الطويل بني التيمم والصالة‪ :‬يبطل التيمم عند املالكية دون غريهم الشرتاطهم املواالة بينه وبني الصالة كما‬
‫قدمنا‪.‬‬

‫الدرس الرابع واخلامس‬

‫احكام الصالة‪ :‬حكم الصالة‪ ،‬شروط وجوب وصححة الصالة‪ ،‬اركان الصالة‬

‫الصالة لغة‪ :‬الدعاء أو الدعاء خبري‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وصل عليهم إن صالتك سكن هلم} أي ادع هلم‪ .‬وشرعا‪ :‬هي‬
‫أقوال وأفعال خمصوصة‪ ،‬مفتتحة ابلتكبري‪ ،‬خمتتمة ابلتسليم‪.‬‬

‫مشروعيتها‪ :‬الصالة واجبة ابلكتاب والسنة واإلمجاع‪:‬‬

‫أما الكتاب فقوله تعاىل‪{ :‬وما أمروا إال ليعبدوا هللا خملصني له الدين حنفاء‪ ،‬ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين‬
‫القيمة}‪ ،‬وقوله تعاىل‪{ :‬فأقيموا الصالة وآتوا الزكاة‪ ،‬واعتصموا ابهلل هو موالكم‪ ،‬فنعم املوىل ونعم النصري}‪ .‬وأما‬
‫السنة‪ :‬فأحاديث متعددة‪ ،‬منها‪ :‬حديث ابن عمر عن النيب (ص) أنه قال‪( :‬بين اإلسالم على مخس‪ :‬شهادة أن ال‬

‫‪34‬‬
‫إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع إليه سبيال)‪.‬‬
‫وأما اإلمجاع‪ :‬فقد أمجعت األمة على وجوب مخس صلوات يف اليوم والليلة‪.‬‬

‫اترخيها ونوع فرضيتها وفرارضها ‪ :‬فرضت الصالة ليلة اإلسراء قبل اهلجرة بنحو مخس سنني على املشهور‬
‫بني أهل السري‪ ،‬حلديث أنس‪ ،‬قال‪( :‬فرضت على النيب )ص( الصلوات ليلة أسري به مخسني‪ ،‬مث نقصت حىت‬
‫لدي‪ ،‬وإن لك هبذه اخلمسة مخسني‪ .‬وقال بعض احلنفية‪:‬‬‫جعلت مخسا‪ ،‬مث نودي‪ :‬اي حممد‪ ،‬إنه ال يبدل القول ّ‬
‫فرضت ليلة اإلسراء قبل السبت سابع عشر من رمضان قبل اهلجرة بسنة ونصف‪ .‬وجزم احلافظ ابن حجر أبنه ليلة‬
‫السابع والعشرين من رجب‪ ،‬وعليه عمل أهل األمصار‪.‬‬

‫والصلوات املكتوابت مخس يف اليوم والليلة‪ ،‬وال خالف بني املسلمني يف وجوهبا‪ ،‬وال جيب غريها إال بنذر‪،‬‬
‫لألحاديث السابقة‪ ،‬وحلديث األعرايب‪( :‬مخس صلوات يف اليوم والليلة) قال األعرايب‪( :‬هل على غريها ؟) قال‪( :‬ال‪،‬‬
‫تطوع) ولقوله (ص) ملعاذ حني بعثه إىل اليمن‪( :‬أخربهم أن هللا تعاىل فرض عليهم مخس صلوات يف كل يوم‬
‫إال أن َّ‬
‫وليلة)‪ .‬وقال أبو حنيفة رمحه هللا‪ :‬الوتر واجب‪ ،‬لقوله )ص(‪( :‬إن هللا قد زادكم صالة‪ ،‬وهي الوتر) وهذا يقتضي‬
‫وجوبه‪ ،‬وقال عليه السالم‪( :‬الوتر واجب على كل مسلم)‪.‬‬

‫حكم اترك الصالة‪ :‬اتفق املسلمون على أن الصالة واجبة على كل مسلم ابلغ عاقل طاهر‪ ،‬أي غري ذي حيض أو‬
‫نفاس‪ ،‬وال ذي جنون أو إغماء‪ ،‬وهي عبادة بدنية حمضة ال تقبل النيابة أصال‪ ،‬فال يصح أن يصلي أحد‪ ،‬كما ال‬
‫يصح أن يصوم أحد عن أحد‪ .‬وأمجع املسلمون على أن من جحد وجوب الصالة‪ ،‬فهو كافر مرتد‪ ،‬لثبوت فرضيتها‬
‫ابألدلة القطعية من القرآن والسنة واإلمجاع‪ .‬ومن تركها تكاسال وهتاوان فهو فاسق عاص‪ ،‬إال أن يكون قريب عهد‬
‫اإلسالم‪ ،‬أو مل خيالط املسلمون مدة يبلغه فيها وجوب الصالة‪.‬‬

‫وترك الصالة موجب للعقوبة األخروية والدنيوية‪ ،‬أما األخروية فلقوله تعاىل‪{ :‬ما سلككم يف سقر‪ ،‬قالوا مل‬
‫نك من املصلني}‪ .‬وأما عقوبتها الدنيوية ملن يرتكبها كسال وهتاوان فلها أمناط عند الفقهاء‪:‬‬

‫‪ -1‬فقال الفقهاء‪ :‬نارك الصالة تكاسال فاسق حببس ويضرب ‪-‬على املذهب‪ -‬ضراب شديدا حىت يسيل منه الدم‪،‬‬
‫حىت يصلي ويتوب‪ ،‬أو ميوت يف السجن ومثله نارك صوم رمضان‪ ،‬وال يقتل حىت جيحد وجوهبما‪ ،‬أو يستخف‬
‫أبحدمها كإظهار اإلفطار بال عذر هتاوان‪ ،‬بدليل قوله )ص(‪( :‬ال حيل دم امرئ مسلم إال إبحدى ثالث‪ :‬الثيب الزاين‪،‬‬
‫والنفس ابلنفس‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة)‪ .‬وأضاف احلنفية‪ :‬أنه حيكم إبسالم فاعل الصالة بشروط أربعة‪ :‬أن‬

‫‪35‬‬
‫يصلي يف الوقت‪ ،‬مع مجاعة‪ ،‬أو يؤذن يف الوقت‪ ،‬أو يسجد للتالوة عند َساع آية سجدة‪ ،‬وال حيكم إبسالم الكافر‬
‫يف ظاهر الرواية إن صام أو حج أو أدى الزكاة‪.‬‬

‫‪ -2‬وقال األرمة اآلخرون‪ :‬نارك الصالة بال عذر ولو ترك صالة واحدة‪ .‬يستتاب ثالثة أايم كاملرتد‪ ،‬وإال قتل إن مل‬
‫يتب‪ ،‬ويقتل عند املالكية والشافعية حدا‪ ،‬ال كفرا‪ ،‬أي ال حيكم يكفره وإمنا يعاقب احلدود األخرى على مع اصي الزىن‬
‫والقذف والسرقة وحنوها‪ ،‬وبعد املوت يغسل ويصلى عليه‪ ،‬ويدفن مع املسلمني‪ .‬ودليلهم على عدم تكفري نارك الصالة‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء}‪ .‬وحديث أيب هريرة‪( :‬إن أول ما حياسب به‬
‫العبد يوم القيامة‪ :‬الصالة املكتوبة‪ ،‬فإن أمتها‪ ،‬وإال قيل‪ :‬انظر هل له من تطوع ؟ فإن كان له تطوع‪ ،‬أكملت الفريضة‬
‫من تطوعه‪ ،‬مث يفعل بسائر األعمال املفروضة مثل ذلك) فال يكفر برتك الصالة؛ ألن الكفر ابالعتقاد‪ ،‬واعتقاد‬
‫صحيح‪ ،‬ويكفر إن تركها جاحدا وجوهبا‪.‬‬

‫‪ -3‬وقال ا إلمام أمحد رمحه هللا‪ :‬يقتل نارك الصالة كفرا بسبب كفره‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فإذا انسلخ األشهر احلرم‪ ،‬فاقتلوا‬
‫املشركني حيث وجدمتوهم‪ ،‬وخذوهم واحصروهم واقعدوا هلم كل مرصد‪ ،‬فإن نابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا‬
‫سبيلهم‪ ،‬إن هللا غفور رحيم}‪ ،‬فمن ترك الصالة‪،‬مل أيت بشرط التخلية‪ ،‬فيبقى على إابحة القتل‪ ،‬فال خيلى من مل يقم‬
‫الصالة‪ .‬ولقوله )ص(‪( :‬بني الرجل وبني الكفر‪ :‬ترك الصالة) فهو يدل على أن ترك الصالة من موجبات الكفر‪.‬‬

‫دوام فرضية الصالة طوال العمر‪ :‬ال تسقط الصالة حبال حضرا أو سفرا أو مرضا‪ ،‬فيلزم املسلم ابلصالة ما‬
‫دام ح يا‪ ،‬ومل يصح يف حال غيبوبة أو فقد الوعي‪ ،‬وإمنا يسر اإلسالم كيفية أداء الصالة كما يف صالة اخلوف‪ ،‬وصالة‬
‫املريض حبسب القدرة من قيام أو قعود أو على جنب أو استلقاء أو ابلرأس أو ابألعني أو إجراء األركان على القلب‪.‬‬
‫جمرب الكسور‪ ،‬يصلي على هذه‬
‫ومن كان ملطخا ابلدم إثر عملية جراحية‪ ،‬أو مربوطا بكيس يصب فيه الدم مثال‪ ،‬أو َّ‬
‫احلال بوضوء أو تيمم حبسب القدرة‪ ،‬مث يعيد الصالة‪ ،‬بعد الشفاء احتياطا‪.‬‬

‫شروط وجوب الصالة‬

‫جتب الصالة على كل مسلم ابلغ عاقل‪ ،‬ال مانع عنده كاحليض والنفاس‪ ،‬فتكون شروط وجوب الصالة ثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلسالم‬

‫‪36‬‬
‫جتب الصالة ع لى كل مسلم ذكر أو أنثى‪ ،‬فال جتب على كافر عند اجلمهور وجوب مطالبة هبا يف الدنيا‪ ،‬لعدم‬
‫صحتها منه‪ ،‬لكن جتب عليه وجوب عقاب عليها يف اآلخرة‪ ،‬لتمكنه من فعلها ابعتناق اإلسالم‪ ،‬وذلك ألن الكافر‬
‫عند اجلمهور خماطب بفروع الشريعة‪ ،‬أو اإلسالم يف حال كفره‪ .‬وال جتب عند احلنفية على الكافر‪ ،‬بناء على مبدئهم‬
‫يف أن الكافر غري مطالب بفروع الشريعة‪ ،‬ال يف حكم الدنيا وال يف حكم اآلخرة‪ .‬وال قضاء ابالتفاق على الكافر إذا‬
‫جيب ما قله) أي‬
‫أسلم‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف}‪ ،‬ولقوله )ص(‪( :‬اإلسالم ُّ‬
‫يقطعه‪ ،‬وامل راد أنه يذهب أثر املعاصي اليت قارفها حال كفره‪ .‬أما املرتد فيلزمه عند غري احلنفية قضاء الصالة بعد‬
‫إسالمه تغليظا عليه‪ ،‬وألنه التزمها ابإلسالم‪ ،‬فال تسقط عنه ابجلحود كحقوق اآلدميني املالية‪ .‬وال قضاء عليه عند‬
‫احلنفية كالكافر األصلي‪.‬‬

‫وإن أسلم يثاب عليها وال جيبُّها (يقطعها) اإلسالم‪ ،‬حلديث حكيم بن حزام عند مسلم وغريه‪ :‬أنه قال‬
‫لرسول هللا (ص)‪( :‬أرأيت أمورا كنت أحتنث هبا يف اجلاهلية‪ ،‬هل يل فيها من شيء؟ فقال له رسول هللا(ص)‪ :‬أسلمت‬
‫على ما أسلفت من خري) وقال عليه السالم‪( :‬إذا أسلم العبد‪ ،‬فحسن إسالمه‪ ،‬يكفر هللا عنه كل سيئة كان زلفها –‬
‫أي قدمها – وكان بعد ذلك القصاص‪ :‬احلسنة بعشر أمثاهلا‪ ،‬إىل سبعمائة ضعف‪ ،‬والسيئة مبثلها إال أن يتجاوز هللا‬
‫عنها)‪ .‬وقال النووي‪ :‬الصواب الذي عليه احملققون‪ ،‬بل نقل بعضهم اإلمجاع فيه أن الكافر إذا فعل أفعاال مجيلة‬
‫كالصدقة وصلة الرحم‪ ،‬مث أسلم ومات على اإلسالم‪ ،‬أن ثواب يكتب له‪.‬‬

‫‪ -2‬البلوغ‬

‫ال جتب الصالة على الصيب‪ ،‬لقوله )ص(‪( :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن اجملنون املغلوب على عقله حىت يربأ‪ ،‬وعن النائم‬
‫حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت حيتلم)‪ .‬ولكن يؤمر الصغري ذكرا أو أنثى ابلصالة‪ ،‬تعودا له‪ ،‬إذا بلغ سبع سنني أي‬
‫صار مميزا‪ ،‬ويضرب ‪ -‬ابليد ال خبشبة مبا ال يزيد عن ثالث ضرابت إن أفاد وإال فال ‪ -‬على تركها لعشر سنني زجرا‬
‫له‪ ،‬لقوله )ص(‪( :‬مروا أوالدكم ابلصالة وهو أبناء سبع سنني‪ ،‬واضربوهم عليها وهو أبناء عشر سنني‪ ،‬وفرقوا بينهم يف‬
‫املضاجع) أي حبيث ال يشملهم سلرت ساتر واحد مع التجرد‪ ،‬فإن استقل كل منهم بساتر فال مينع‪ ،‬والتفريق لعشر أمر‬
‫مندوب‪ ،‬وحيرم تالصق البالغني بعورتيهما بقصد اللذة‪ ،‬ويكره من غري لذة كتالصقهم ابلصدر‪ .‬واألمر موجه للويل ال‬
‫للصغري‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وامر أهلك ابلصالة واصطرب عليها}‪{ ،‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم انرا ‪.}..‬‬

‫‪ -3‬العقل‬

‫‪37‬‬
‫فال جتب الصالة عند اجلمهور غري احلنفية على اجملنون واملعتوه وحنومها كاملغمى عليه إال إذا أفاقوا يف بقية الوقت؛ ألن‬
‫العقل مناط التكليف‪ ،‬كما ثبت يف احلديث السابق‪( :‬عن اجملنون حىت يربأ) لكن يسن هلم القضاء عند الشافعية‪.‬‬
‫وقال احلنابلة‪ :‬جي ب القضاء على من تغطى عقله مبرض أو إغماء أو دواء مباح‪ ،‬ألن ذلك ال يسقط الصوم‪ ،‬فكذا‬
‫الصالة‪ .‬وجيب القضاء على السكران‪ ،‬لتعديه ابلسكر‪ .‬وجيب القضاء على انئم وجيب إعالمه إذا ضاق الوقت‪،‬‬
‫ودليل القضاء حديث‪( :‬من انم عن صالة أو نسيها‪ ،‬فليصلها إذا ذكرها‪ ،‬ال كفارة هلا إال ذلك) وهذا دليل على‬
‫وجوب قضاء الصلوات املفروضة املرتوكة عمدا أو سهوا‪ ،‬مهما طال الزمان‪.‬‬

‫زوال األعذار أو املوانع يف أثناء الصالة‬

‫إذا زالت هذه األسباب املانعة من وجوب الصالة‪ ،‬فبلغ الصيب‪ ،‬أو أفاق اجملنون‪ ،‬أو طهرت احلائض أو النفساء‪ ،‬أو‬
‫أسلم الكافر‪ ،‬وبقي من ال وقت عند احلنابلة والشافعية يف األظهر قدر تكبرية اإلحرام‪ ،‬فأكثر‪ ،‬وجب قضاء الصالة‪.‬‬
‫كما جيب عند مجهور الفقهاء غري احلنفية قضاء الصالة األخرى اليت ميكن مجعها مع الصالة اليت زال املانع يف وقتها‪.‬‬
‫فإن زال املانع مبقدار تكبرية اإلحرام عند الشافعية واحلنابلة يف آخر وقت العصر‪ ،‬وجب قضاء الظهر أيضا‪ ،‬وإن زال‬
‫املانع يف آخر وقت العشاء‪ ،‬وجب قضاء املغرب أيضا؛ الحتاد وقيت الظهر والعصر‪ ،‬ووقيت املغرب والعشاء يف العذر‪،‬‬
‫ففي الضرورة أوىل‪ .‬وذلك بشرط أن خيلو الشخص من املوانع قدر الطهارة‪ ،‬والصالتني أخف ما جيزئ‪ ،‬كركعتني يف‬
‫صالة املسافر‪.‬‬

‫أما املالكية فقالوا‪ :‬إن أدرك قدر مخس ركعات يف احلضر‪ ،‬وثالث يف السافر من وقت الثانية وجبت األوىل‬
‫أيضا؛ ألن قدر الركعة األوىل من اخلمس وقت للصالة األوىل يف حال العذر‪ ،‬فوحبت إبدراكه‪ ،‬كما لو أدرك ذلك من‬
‫وقتها املختار‪ ،‬خبالف ما لو أدرك دون ذلك‪ .‬وإن أدرك قدر ركعة فقط‪ ،‬وجبت األخرية وسقطت األوىل‪ .‬وإن بقي‬
‫من الوقت ما يسع أقل من ركعة‪ ،‬سقطت الصالنان‪ .‬وقال احلنفية ‪ :‬ال جتب إال الصالة اليت زال املانع يف وقتها‬
‫وحدها؛ ألن وقت األوىل خرج يف حال العذر‪ ،‬فلم جيب‪ ،‬كما لو مل يدرك من وقت الثانية شيئا‪ .‬وهذا يف تقديري هو‬
‫املعقول؛ ألن الصالة جتب بوقت معني‪ ،‬فإذا فات الوقت‪ ،‬سقط الوجوب‪.‬‬

‫شروط صحة الصالة‬

‫الشرط األول‪ :‬معرفة دخول الوقت‬

‫‪38‬‬
‫ال تصح الصالة بدون معرفة الوقت يقينا أو ظنا ابالجتهاد‪ ،‬فمن صلى بدوهنا مل تصح صالته‪ ،‬وإن وقعت يف الوقت‪،‬‬
‫لتكون عبادته بنية جازمة‪ ،‬ال شك فيها‪ ،‬فمن شك مل تصح صالته؛ ألن الشك ليس جبازم‪ .‬والدليل‪ :‬هو قوله تعاىل‪:‬‬
‫{إن الصالة كانت على املؤمنني كتااب موقونا}‪ ،‬أي فرضا مؤقتا حمدودا بوقت‪ .‬وقد حبثنا سابقا مواقيت الصالة‪،‬‬
‫واالجتهاد يف الوقت‪.‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬الطهارة عن احلدثني‬

‫األصغر واألكرب (اجلنابة واحليض والنفاس)‪ ،‬ابلوضوء والغسل‪ ،‬أو التيمم‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا إذا قمتم‬
‫إىل الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق ‪ ..‬إىل قوله سبحانه ‪ :‬وإن كنتم جنبا فاطهروا}‪ ،‬ولق وله (ص)‪ :‬ال‬
‫يقبل هللا صالة بغري طهور) (ال يقبل هللا صالة أحدكم إذا أحدث حىت يتوضأ)‪.‬‬

‫وإذا تعمد احلد ث بطلت صالته ابإلمجاع‪ ،‬إال يف آخر الصالة فال تبطل عند احلنفية‪ ،‬وإن سبقه احلدث‬
‫بطلت صالته حاال عند الشافعية واحلنابلة‪ ،‬لقوله )ص( (إذا فسا أحدكم يف الصالة‪ ،‬فلينصرف وليتوضأ وليعد‬
‫صالته) وقال احلنفية‪ :‬ال تبطل يف احلال وإمنا تبطل مبكثه قدر أداء ركن بعد سبق احلدث مستيقظا بال عذر‪ .‬فإن‬
‫وجد عذر كرعاف مثال بىن على صالته إن شاء (أي أكملها من بعد وقت العذر) بعد استكمال الطهارة‪ ،‬وإن شاء‬
‫استأنف الصالة‪ ،‬أي ابتدأها من جديد‪ ،‬وخيرج من الصالة واضعا يده على أنفه تسرتا‪.‬‬

‫وقال املالكية كاحلنفية‪ :‬جيوز البناء على الصالة يف حالة الرعاف بشروط ستة بعد أن خيرج من الصالة ممسكا‬
‫أنفه من أعاله وهو مارنه‪ ،‬وال من أسفله من الوترة لئال يبقى الدم يف طاقيت أنفه‪ .‬وهذه الشروط هي‪:‬‬

‫األول‪ :‬إن مل يتلطخ ابلدم مبا يزيد على درهم‪ ،‬وإال قطع الصالة‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ومل جياوز أقرب مكان ممكن‪ ،‬لغسل الدم فيه‪ ،‬فإن جتاوز بطلت الصالة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يكون املكان الذي يغسل فيه الدم قريبا‪ ،‬فإن كان بعيدا بعدا فاحشا بطلت‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أال يستدبر القبلة بال عذر‪ ،‬فإن استدبرها لغري عذر بطلت‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬أال يطأ يف طريقه جنسا‪ ،‬وإال بطلت‪.‬‬

‫السادس‪ :‬أال يتكلم يف مضيه للغسل‪ ،‬فإن تكلم ولو سهوا بطلت‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬الطهارة عن اخلبث‪ :‬أي النجاسة احلقيقية‪.‬‬

‫يشرتط لصحة الصالة الطهارة عن النجس الذي ال يعفى عنه يف الثوب والبدن واملكان حىت موضع القدمني واليدين‬
‫والركبتني‪ ،‬واجلبهة على األصح عند احلنفية‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وثيابك فطهر}‪ ،‬قال ابن سريين‪ :‬هو الغسل ابملاء‪ ،‬وخلرب‬
‫الصحيحني السابق‪( :‬إذا أقبلت احليضة فدعي الصالة‪ ،‬وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) وحلديث األعرايب‬
‫املتقدم الذي ابل يف املسجد‪( :‬أريقوا على بوله ذنواب ‪ -‬دلوا ‪ -‬من ماء) فاآلية دلت على وجوب طهارة الثوب‪،‬‬
‫واحلديث األول دل على وجوب طهارة البدن‪ ،‬واحلديث الثاين دل على وجوب طهارة املكان‪ .‬ومشهور مذهب‬
‫املالكية‪ :‬أن الطهارة من النجس سنة مؤكد‪ .‬والذي اعتربه شرطا شرطا كالشيخ خليل وشراح جرى على القول أبهنا‬
‫فرض مع الذكر والقدرة‪.‬‬

‫مسارل متفرعة على طهارة‪:‬‬

‫‪ -1‬إمساك حبل مربوط بنجس‪ :‬إذا أمسك املصلي حبال مربوطا بنجس‪ ،‬كاحلبل الذي ميسك به كلب بقالده يف‬
‫عنقه‪ ،‬أو دابة أو مركب صغري حيمالن جنسا‪ ،‬مل تصح صالته عند الشافعية يف األصح؛ ألن الكلب سواء أكان صغريا‬
‫أم كبريا جنس العني عندهم‪ ،‬ويصبح املصلي يف هذه احلالة حامال جنسا‪ ،‬ألنه إذا مشي اجنر معه‪.‬‬

‫وتصح صالته عند احلنفية كاحلالة السابقة يف حالة إمساك الكلب بناء على الراجح عندهم أنه ليس بنجس‬
‫العني‪ ،‬بل هو طاهر الظاهر‪ ،‬كغريه من احليواانت سوى اخلنزير‪ ،‬فال ينجس إال ابملوت‪ .‬وذلك إذا مل يسل من الكلب‬
‫ما مينع الصالة‪.‬‬

‫‪ -2‬محل صيب صغري يف الصالة‪ :‬لو محل املصلي صبيا صغريا عليه جنس‪ :‬تبطل صالته عند احلنفية إن مل يستمسك‬
‫بنفسه؛ ألنه يعد حامال للنجاسة‪ ،‬ويشرتط عندهم طهارة ما يعد حامال له أي ابستثناء ما يكون يف اجلوف كمسألة‬
‫الكلب والبيضة السابقة‪ .‬وتصح صالته إن كان الصغري يستمسك بنفسه؛ ألنه ال يعد حامال للنجاسة‪ .‬وقال‬
‫الشافعية كاحلنفية وغريهم اتفاقا ال خالف فيه؛ ال يضر محل الصيب الذي ال تظهر عليه جناسة‪ ،‬فلو محل حيواان طاهرا‬
‫يف صالته‪ ،‬صحت صالته؛ ألن النيب )ص( محل أمامة بنت أيب العاص يف صالته‪ ،‬وألن ما يف احليوان من النجاسة‬
‫يف معدن النجاسة هو كالنجاسة اليت يف جوف املصلي‪.‬‬

‫‪ -3‬وصل العظم بنجس‪ :‬قال الشافعية‪ :‬لو وصل عظمه املنكسر بنجس لفقد الطاهر‪ ،‬فهو معذور تصح صالته‬
‫‪.‬‬
‫معه للضرورة‬

‫‪40‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬سرت العورة‬

‫العورة لغة‪ :‬النقص‪ ،‬وشرعا‪ :‬ما جيب سرته وما حيرم النظر إليه‪ ،‬واملعىن األول‪ :‬هو املراد هنا يف الصالة‪ .‬يشرتط سرت‬
‫العورة على العيون‪ ،‬ولو كان خاليا يف ظلمة عند القدرة يف رأي اجلمهور‪ .‬وقال احلنفية‪ :‬جيب السرت حبضرة الناس‬
‫إمجاعا‪ ،‬ويف اخللوة على الصحيح‪ ،‬فلو صلى يف اخللوة عرايان‪ ،‬ولو يف بيت مظلم‪ ،‬وله ثوب طاهر‪ ،‬ال جيوز‪.‬‬

‫وجيب سرت العورة يف الصالة وغريها ولو يف اخللوة إال حلاجة كاغتسال وتغوط واستنجاء‪ .‬والدليل على‬
‫وجوب السرت‪ :‬قوله تعاىل ‪{ :‬خذوا زينتكم عند كل مسجد}‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬املراد به‪ :‬الثياب يف الصالة‪ .‬وأمجع‬
‫العلماء على وجوب سرتة العورة مطلقا‪ ،‬يف الصالة وغريها‪.‬‬

‫انكشاف العورة فجأة‬

‫إن انكشفت املصلي فجأة ابلريح مثال عن غري عمد‪ ،‬فسرته يف احلال‪ ،‬مل يبطل صالته عند الشافعية واحلنابلة النتفاء‬
‫احملذور‪ ،‬وإن قصر أو طال الزمان‪ ،‬بطلت بسبب لتقصريه‪ ،‬وألن الكثري يفحش انكشاف العورة فيه‪ ،‬وميكن التحرز‬
‫منه‪ ،‬فلم يعف عنه‪ ،‬وقال املالكية‪ :‬تبطل الصالة مطلقا ابنكشاف العورة املغلظة‪.‬‬

‫وقال احلنفية‪ :‬إذا نكشف ربع العضو من أعضاء العورة‪ ،‬فسدت الصالة إن استمر مبقدار أداء ركن‪ ،‬بال صنعه‪ ،‬فإن‬
‫كان بصنعه فسدت يف احلال‪.‬‬

‫حد العورة‬

‫يشرتط عند أئمة املذاهب لصحة الصالة سرت العورة كما تقدم‪ ،‬لكن الفقهاء اختلفوا يف حد العورة للرجل واألمة‬
‫واملرأة احلرة‪ ،‬فما هي آراؤهم تفصيال؟‬

‫مذهب احلنفية‪:‬‬

‫أ‪ -‬عورة الرجل‪ :‬هي ما حتت سرته إىل ما حتت ركبتيه‪ ،‬فالركبة من الفخذ عورة يف األصح‪ ،‬عمال ابملأثور عندهم‪:‬‬
‫(عورة الرجل ما بني سرته وركبتيه) أو (ما دون سرته حىت جياوز ركبتيه) وحلديث ضعيف عند الدارقطين‪( :‬الركبة من‬
‫‪.‬‬
‫العورة)‬

‫‪41‬‬
‫ب‪ -‬األمة (الرقيقة)‪ :‬كالرجل يف العورة‪ ،‬مع ظهوها وبطنها وجنبيها‪ ،‬لقول عمر رضي هللا عنه‪( :‬ألق عنك اخلمار اي‬
‫دفار‪ ،‬أتتشبهني ابحلرائر)‪ ،‬وألهنا خترج حلاجة موالها يف ثياب مهنتها عادة‪ ،‬فاعتربت كاحملارم يف حق األجانب عنهن‬
‫دفها للحرج‪.‬‬

‫ج ‪ -‬املرأة احلرة ومثلها اخلنثى‪ :‬مجيع بدهنا حىت شعرها النازل يف األصح‪ ،‬ما عدا الوجه والكفني‪ ،‬والقدمني ظاهرمها‬
‫وابطن هما على املعتمد لعموم الضرورة‪ ،‬والصوت على الراجح ليس بعروة‪ ،‬لكن ظهر الكف عورة على املذهب‪،‬‬
‫واألصح أن ابطن الكفني وظاهرمها ليسا بعورة‪ .‬والقدمان ليسا بعورة يف حق الصالة على املعتمد‪ ،‬والصحيح أهنا عورة‬
‫يف حق النظر واملس‪ .‬واستدلوا بقوله تعاىل‪{ :‬وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها} واملراد حمل زينتهن‪ ،‬وما ظهر منها‪:‬‬
‫الوجه والكفان‪ ،‬كما قال ابن عباس وابن عمر‪ ،‬وبقوله )ص(‪( :‬املرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها الشيطان) وحبديث‬
‫عائشة السابق‪( :‬اي أَساء‪ ،‬إن املرأة إذا بلغت احمليض‪ ،‬مل يصلح أن يرى منها إال هذا وهذا‪ ،‬وأشار إىل وجهه وكفه)‪.‬‬

‫مذهب املالكية‪:‬‬

‫جيب سرت العورة عن أعني الناس إمجاعا‪ ،‬أما يف الصالة فالصحيح من املذهب وجوب سرت ما أييت‪:‬‬

‫أ‪ -‬عورة الرجل يف الصالة‪ :‬هي املغلظة فقط وهي السوأتني ومها من القدم‪ :‬الذكر مع األنثيني‪ ،‬ومن املؤخر‪ :‬ما بني‬
‫األليتني‪.‬‬

‫ب‪ -‬عورة األمة هي السوأنان مع األ ليتني‪ ،‬فإذا انكشف منها شيء من ذلك أو كشفت فخذا كله أو بعضه‪ ،‬أعادت‬
‫أداء يف الوقت‪ ،‬كالرجل‪.‬‬

‫ج ‪ -‬عورة احلرة املغلظة‪ :‬مجيع البدن ما عدا الصدر واألطراف من رأس ويدين ورجلني‪ .‬وما قابل الصدر من الظهر‬
‫كالصدر‪.‬‬

‫مذهب الشافعية‪:‬‬

‫عورة الرجل‪ :‬ما بني سرته وركبته يف الصالة والطواف وأما الرجل األجانب والنساء احملارم‪ ،‬ملا روى احلارث بن أيب‬
‫أسامة عن أيب سعيد اخلدري رضي هللا عنه‪ ،‬قال‪( :‬عورة املؤمن ما بني سرته وركبته)‪ .‬وأما عورة الرجل أما النساء‬
‫األجانب ابلنسبة للنظر‪ ،‬فجميع بدنه‪ ،‬ويف اخللوة‪ :‬السوأنان فقط‪ .‬وعورة املرأة احلرة ابلنسبة للنظر‪ :‬خارج الصالة‬

‫‪42‬‬
‫مجيع بدهنا أما الرجال األجانب‪ ،‬وأمام النساء الكافرات ما عدا ما يبدو عند املهنة أي اخلدمة واالشغال بقضاء‬
‫حوائجها‪ .‬وأما أمام النساء املسلمات والرجال احملارم‪ :‬فعورهتا كالرجل ما بني السرة والركبة‪.‬‬

‫مذهب احلنابلة‪:‬‬

‫ا‪ -‬عورة الرجل‪ :‬ما بني سرته وركبته‪.‬‬

‫ب‪ -‬عورة األمة كالرجل‪ :‬ما بني السرة والركبة على الراجح‪.‬‬

‫ج ‪ -‬عورة احلرة البالغة‪ :‬مجيع بدهنا سوى وجهها‪ ،‬وكفيها على الراجح‪.‬‬

‫الشرط اخلامس‪ :‬استقبال القبلة‬

‫فول وجهك شطر‬


‫اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط يف صحة الصالة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬ومن حيث خرجت ّ‬
‫املسجد احلرام‪ ،‬وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره} إال يف حالتني‪ :‬يف شدة اخلوف‪ ،‬وصالة النافلة للمسافر على‬
‫الراحلة‪ .‬وقيد املالكية واحلنفية شرط االستقبال حبالة األمن من عدو وسبع وحبالة القدرة‪ ،‬فال جيب االستقبال مع‬
‫اخلوف‪ ،‬وال مع العجز كاملربوط واملريض الذي ال قدرة له على التحول وال جيد من حيوله‪ ،‬فيصلي لغريها إىل أي جهة‬
‫قدر‪ ،‬لتحقق العذر‪.‬‬

‫واتفق العلماء على أن من كان مشاهدا معاينا الكعبة‪ :‬ففرضه التوجه إىل عني الكعبة يقينا‪ .‬ومثل عند‬
‫احلنابلة‪ :‬أهل مكة أو الناشئ هبا وإن كان هناك حائل حمدث كاحليطان بينه وبني الكعبة‪ .‬وأما غري املعاين للكعبة‬
‫ففرضه عند اجلمهور (غري الشافعية) إصابة جهة الكعبة(‪ ،)1‬لقوله )ص(‪( :‬ما بني املشرق واملغرب قبلة)(‪ )2‬وظاهره أن‬
‫مجيع ما بينهما قبلة‪ ،‬وألنه لو كان الفرض إصابة عني الكعبة‪ ،‬ملا صحت صالة أهل الصف الطويل على خط مستو‪،‬‬
‫وال صالة اثنني متباعدين يستقبال ن قبلة واحدة‪ ،‬فإنه ال جيوز أن يتوجه إال الكعبة مع طول الصف إال بقدرها‪ .‬وهذا‬
‫هو الراجح لدي‪.‬‬

‫الشرط السادس‪ :‬النية‬

‫النية من شروط الصالة عند احلنفية واحلنابلة‪ ،‬وكذا عند املالكية على الراجح‪ ،‬وهي من فروض الصالة أو أركاهنا عند‬
‫الشافعية ولدى بعض املالكية؛ ألهنا واجبة يف بعض الصالة‪ ،‬وهو أوهلا‪ ،‬ال يف مجيعها‪ ،‬فكانت ركنا كالتكبري والركوع‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وهي لغة‪ :‬القصد‪ ،‬وشرعا‪ :‬عزم القلب على فعل العبادة تقراب إىل هللا تعاىل‪ .‬أبن يقصد بعمله هللا تعاىل‪ ،‬دون‬
‫شيء آخر من تصنع ملخلوق‪ ،‬أو اكتساب حممدة عند الناس‪ ،‬أو حمبة مدح أو حنوه‪ .‬وهذا هو اإلخالص‪ .‬والنية‬
‫واجبة يف الصالة ابتفاق العلماء لتتميز العبادة عن العادة‪ ،‬وليتحقق يف الصالة اإلخالص هلل تعاىل؛ ألن الصالة‬
‫عبادة‪ ،‬والعبادة إخالص العمل بكليته هلل تعاىل‪ ،‬قال هللا تعاىل‪{ :‬وما أمروا إال يتعبدوا هللا خملصني له الدين}‪ ،‬قال‬
‫املاوردي‪ :‬واإلخالص يف كالمهم النية‪.‬‬

‫شروط النية‪ :‬وشروط النية‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والتمييز‪ ،‬والعلم ابملنوي‪.‬‬

‫مقارنة النية للتكبري ‪ :‬ويشرتط اتصال النية ابلصالة بال فاصل أجنيب عند احلنفية(‪ )1‬بني النية والتكبرية‪ ،‬والفاصل عمل‬
‫ال يليق ابلصالة كاألكل والشرب وحنو ذلك‪ ،‬أما إذا فصل بينهما بعمل يليق ابلصالة كالوضوء واملشي إىل املسجد‪،‬‬
‫فال يضر‪ ،‬فلو نوى‪ ،‬مث توضأ أو مشي إىل املسجد‪ ،‬فكرب‪ ،‬ومل حتضره النية‪ ،‬جاز‪ ،‬لعدم الفاصل األجنيب‪ ،‬بدليل أن من‬
‫أحدث يف الصالة‪ ،‬مل البناء عليها بعد جتديد الوضوء‪ .‬ويندب اقرتان النية بتكبرية اإلحرام‪ ،‬خروجا من اخلالف‪ ،‬وال‬
‫يصح أن تتأخر النية عن التحرمية يف الصحيح‪ .‬وقال احلنابلة(‪ :)2‬األفضل مقارنة النية للتكبري‪ ،‬خروجا من خالف من‬
‫أوجبه‪ ،‬فإن تقدمت النية على التكبري بزمن يسري بعد دخول الوقت يف أداء وراتبة‪ ،‬ومل يفسخها‪ ،‬وكان ذلك مع بقاع‬
‫إسالمه‪ ،‬أبن مل يرت ّد‪ ،‬صحت صالته‪ .‬وقال املالكية(‪ :)1‬جيب استحضار النية عند تكبرية اإلحرام‪ ،‬أو قبلها بزمن‬
‫يسري‪ .‬وقال الشافعية(‪ : )2‬يشرتط اقرتان النية بفعل الصالة‪ ،‬فإن تراخى عنه َسي عزما‪ ،‬ولو قال‪" :‬نويت أصلى الظهر‪،‬‬
‫هللا أكرب‪ ،‬نويت" بطلت صالته؛ ألن قوله‪" :‬نويت" بعد التكبرية كالم أجنيب عن الصالة‪ ،‬وقد طرأ بعد انعقاد‬
‫الصالة‪ ،‬فأبطلها‪.‬‬

‫الشرط السابع والثامن‪ :‬الرتتيب يف أداء الصالة‪ ،‬ومواالة أفعاهلا‬

‫احلقيقة أن كال منهما شرط ألركان الصالة‪.‬‬

‫الشرط التاسع‪ :‬ترك الكالم األجنيب عن الصالة‬

‫الصالة عبادة خالصة هلل تعاىل‪ ،‬ال جيوز الكالم فيها‪ ،‬فتبطل صالة من تكلم حبرفني مفهمني ولو ملصلحة الصالة‬
‫مثل‪ :‬قم أواقعد‪ ،‬أوحبرف مفهم حن و "ق" من الوق اية‪ ،‬و"ع" من الوعي‪ ،‬و"ف" من الوفاء‪ ،‬و"ش" من الوشي‪ ،‬وكذا‬
‫مدَّة بعد حرف يف األصح عند الشافعية‪ ،‬وإن مل يفهم‪ ،‬حنو " آ " واملدَّ‪ :‬ألف‪ ،‬أو واو‪ ،‬أو ايء‪ ،‬فاملمدود يف احلقيقية‬

‫‪44‬‬
‫حرفان‪ .‬خلرب مسلم عن زيد بن أرقم‪( :‬كنا نتكلم يف لصالة‪ ،‬حىت نزلت‪{ :‬وقوموا هلل قانتني}‪ -‬فأمران ابلسكوت‪،‬‬
‫وهنينا عن الكالم‬

‫الشرط العاشر‪ :‬ترك الفعل الكثري من غري جنس الصالة‬

‫وهو ما خييل للناظر إليه أن فاعله ليس يف الصالة‪ .‬وسيأيت تفصيل الكالم فيه يف حبث مبطالت الصالة‪.‬‬

‫الشرط احلادي عشر‪ :‬ترك األكل والشرب‬

‫هذا وقد أضاف الشافعية شروطا مخسة أخرى‪ :‬وهي العلم بفرضية الصالة؛ وأال يعتقد فرضا من فروضها سنة؛ وأال‬
‫ميضي ركن قويل أو فعلي مع الشك يف نية الصالة‪ :‬هل نوى أو أمت النية أو أتى ببعض أجزائها أو بعض شروطها‪ :‬وأال‬
‫ينوي قطع الصالة أو يرتدد يف قطعها فمىت نوى قطعها ولو ابخلروج منها إىل أخرى‪ ،‬أو تردد فيه أو االستمرار فيها‬
‫بطلت‪ ،‬ملنافاة ذلك للجزم ابلنية؛ وعدم تعليق قطعها بشيء‪ ،‬فإن علقه بشيء ولو حماال‪ ،‬بطلت‪ ،‬ملنافاته للجزم ابلنية‪.‬‬

‫أركان الصالة (أو فرارضها)‬

‫والركن كالشرط يف أنه البد منه‪ ،‬إال أن الشرط‪ :‬هو الذي يتقدم على الصالة‪ ،‬وجيب استمراره فيها كالطهر والسرت‪،‬‬
‫وحنوها مما سبق بيانه‪ ،‬والركن‪ :‬ما تشتمل عليه الصالة‪ ،‬كالركوع والسجود‪ ،‬وحنومها مما سيبحث هنا‪ ،‬وال يسقط الركن‬
‫عمدا وال سهوا وال جهال‪ ،‬وَسي ركنا تشبيها له بركن البيت الذي ال يقوم إال به؛ ألن الصالة ال تتم إال به‪ .‬وعلى‬
‫هذا يكون الركن‪ :‬هو الواجب فعله وكان جزءاً من حقيقة العمل‪ ،‬والشرط‪ :‬هو الواجب فعله ولكنه ليس جزءا من‬
‫حقيقة الفعل‪ ،‬بل من مقدماته‪.‬‬

‫وشراح متنه‪ :‬فرائض الصالة أربع عشرة فريضة وهي‪ :‬النية‪ ،‬وتكبرية‬ ‫قال املالكية كما ذكر العالمة خليل ّ‬
‫اإلحرام‪ ،‬والقيام هلا يف الفرض‪ ،‬وقراءة الفاحتة لإلمام واملنفرد‪ ،‬والقيام هلا (أي للفاحتة) بفرض‪ ،‬والركوع‪ ،‬والرفع منه‪،‬‬
‫والسجود‪ ،‬واجللوس بني السجدتني‪ ،‬والسالم‪ ،‬واجللوس له‪ ،‬والطمأنينة يف مجيع األركان‪ ،‬واالعتدال بعد الركوع‬
‫والسجود‪ ،‬وترتيب األركان أبن يقدم النية على تكبرية اإلحرام‪ ،‬مث الفاحتة‪ ،‬مث الركوع‪ ،‬مث االعتدال‪ ،‬مث السجود ‪ ..‬اخل‪،‬‬
‫ووضع املالكية ضابطا لألركان فقالوا‪ :‬الصالة مركبة من أقوال وأفعال‪ ،‬فجميع أقواهلا ليست بفرائض إال ثالث‪ :‬تكبرية‬
‫اإلحرام‪ ،‬والفاحتة والسالم‪ ،‬ومجيع أفعاهلا فرائض إال ثالثة‪ :‬رفع اليدين عند تكبرية اإلحرام‪ ،‬واجللوس للتشهد‪ ،‬والتيامن‬
‫ابلسالم‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬أركان الصالة ثالثة عشر وهي‪ :‬النية‪ ،‬وتكبرية اإلحرام‪ ،‬القيام يف الفرض للقادر عليه‪ ،‬والفاحتة‬
‫مصل إال املعذور لسبق أو غريه‪ ،‬الركوع‪ ،‬والسجود مرتني‪ ،‬واجللوس بني السجدتني‪ ،‬التشهد األخري‪ ،‬القعود يف‬
‫لكل ّ‬
‫التشهد األخري‪ ،‬الصالة على النيب )ص( بعد التشهد األخري قاعدا‪ ،‬السالم‪ ،‬الرتتيب كما ذكر‪ .‬والفرض ال ينوب عنه‬
‫سجود السهو‪ ،‬بل إن تذكره وهو يف الصالة أو بعد السالم والزمان قريب أتى به وبىن على صالته وسجد للسهو‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬أركان الصالة أربعة عشر وهي‪ :‬تكبرية اإلحرام‪ ،‬والقيام يف فرض لقادر عليه‪ ،‬وقراءة الفاحتة يف‬
‫كل ركعة لإلمام واملنفرد‪ ،‬والركوع‪ ،‬واالعتدال بعده‪ ،‬والسجود‪ ،‬واالعتدال عنه‪ ،‬واجللوس بني السجدتني‪ ،‬والطمأنينة‬
‫يف هذه األفعال (الركوع وما بعده)‪ ،‬والتشهد األخري‪ ،‬والصالة على النيب )ص( بعد التشهد األخري عند أكثر احلنابلة‪،‬‬
‫واجللوس له وللتسليمتني‪ ،‬والتسليمتان‪ ،‬وترتيب األركان‪ ،‬على النحو املذكور‪ .‬والفرض أو الركن ال يسقط عمدا وال‬
‫سهوا وال جهال‪.‬‬

‫يالحظ أن الفقهاء اتفقوا على ستة فروض أو أركان وهي‪ :‬التحرمية‪ ،‬والقيام‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والركوع‪ ،‬والسجود‪،‬‬
‫والقعدة األخرية مقدار التشهد إىل قوله‪" :‬عبده ورسوله"‪.‬‬

‫الركن األول‪ :‬التحرمية أو تكبرية اإلحرام‬

‫هي أن يقول املصلي قائما مسمعا نفسه‪" :‬هللا أكرب" إال يف حالة العجز عن القيام‪ ،‬وذلك ابلعربية‪ ،‬ملن قدر عليها‪ ،‬ال‬
‫بغريها من اللغات‪ ،‬وبال فصل بني املبتدأ واخلرب عند املالكية واحلنابلة بكلمة أخرى وال بسكوت طويل‪ .‬هذا إذا كان‬
‫املصلي غري إمام‪ ،‬فأدانه أن يسمع نفسه‪ ،‬فإن كان إماما يستحب له أن جيهر ابلتكبري ليسمع من خلفه والتكبري ركن‬
‫ال شرط‪ ،‬فال تنعقد الصالة إال بقول "هللا أكرب"‪ ،‬وإن عجز عن التكبري كأن كان أخرس أو عاجزا عن التكبري بكل‬
‫لسان‪ ،‬سقط عنه‪ .‬وإن قدر على اإلتيان ببعضه‪ ،‬أتى به‪ ،‬إن كان له معىن‪ .‬ودليلهم على اشرتاط لفظ "هللا أكرب" وأنه‬
‫ركن‪ :‬هو قوله تعاىل‪{ :‬وربك فكرب}‪ ،‬واحلديث السباق عن علي‪( :‬مفتاح الصالة الطهور‪ ،‬وحترميها التكبري) وحديث‬
‫‪.‬‬
‫رفاعة بن رافع‪( :‬ال يقبل هللا صالة امرئ حىت يضع الوضوء مواضعه‪ ،‬مث يستقبل القبلة‪ ،‬فيقول‪ :‬هللا أكرب)‬

‫وقال الشافعية وحممد من احلنفية كاملالكية واحلنابلة‪ :‬التكبري ركن ال شرط‪ ،‬إال أن الشافعية قالوا‪ :‬ال تضر زايدة ال متنع‬
‫اسم التكبري‪ ،‬مثل‪" :‬هللا األكرب"؛ ألنه لفظ يدل على التكبري‪ ،‬وعلى زايدة مبالغة يف التعظيم‪ ،‬ومثل "هللا اجلليل أكرب"‬
‫يف األصح‪ ،‬وكذا كل صفة من صفاته تعاىل‪ ،‬إذا مل يطل هبا الفصل‪ ،‬لبقاء النظم‪ .‬ويشرتط إَساع نفسه التكبري كالقراء‬
‫وسائر األركان القولية‪ ،‬ويبني التكبري كما أوضح الشافعية واحلنابلة‪ ،‬وال ميد يف غري موضع املد‪ ،‬فإن فعل حبيث تغري‬

‫‪46‬‬
‫املعىن‪ ،‬مثل أن ميد اهلمزة األول‪ ،‬فيقول‪" :‬آهلل" أو ميد "آكرب" أو يزيد ألفاً بعد ابء "أكرب" مل يصح؛ ألن املعىن يتغري‬
‫به‪ .‬واألصح عند الشافعية‪ :‬أن من عجز عن التكبري ابلعربية أتى مبدلول التكبري أبي لغة شاء‪ .‬ووجب التعلم إن قدر‬
‫عليه‪ ،‬ومن عجز عن النطق ابلتكبري كأخرس‪ ،‬لزمه حتريك لسانه‪ ،‬وشفتيه وهلاته ما أمكنه‪ ،‬فإن عجز نواه بقلبه‪.‬‬

‫وقال أبو حنيفة وأبو يوسف‪ :‬التحرمية شرط‪ ،‬ال ركن‪ ،‬وقوهلما هو املعتمد لدى احلنفية‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وذكر‬
‫اسم ربه فصلى} فقالوا‪ :‬املراد ابلذكر هنا التحرمية‪ ،‬وهي غري الصالة‪ ،‬بدليل العطف عليها‪ ،‬والعطف يقتضي املغايرة‪،‬‬
‫وألن حديث علي السابق "وحترمها ال تكبري" أضيف التحرمي فيه إىل الصالة‪ ،‬واملضاف غري املضاف إليه؛ ألن الشيء‬
‫ال يضاف إىل نفسه‪ .‬وأجاز أبو حنيفة وحممد افتتاح الصالة بكل تعبري خالص هلل تعاىل‪ ،‬فيه تكبري وتعظيم‪ ،‬كقول‬
‫املصلي‪ :‬هللا أجل‪ ،‬هللا أعظم‪ ،‬وكبري أو جليل‪ ،‬والرمحن أعظم‪ ،‬وسبحان هللا‪ ،‬وال إله إال هللا‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وحنوه‪ ،‬ألن‬
‫ذلك كله يؤدي معىن التكبري‪ ،‬ويشتمل على معىن التعظيم‪ ،‬فأشبه قوله‪" :‬هللا أكرب" ولو افتتح الصالة ب "اللهم اغفر يل"‬
‫ال جيوز؛ ألنه مشوب حباجته‪ ،‬فلم يكن تعظيما‪ ،‬ولو افتتح بقوله "اللهم" فاألصح أنه جيزئه؛ ألن معناه‪ :‬اي هللا‪ .‬وخص‬
‫أبو حنيفة االفتتاح ابلتكبري ومشتقاته‪ ،‬مثل‪" :‬هللا أكرب" والكبري‪ ،‬والكبَّار‪ ،‬وتردد يف "هللا كبري" ومن عجز عن التكبري‬
‫كاألخرس‪ ،‬سقط عنه ذلك‪ ،‬لتعذر الواجب يف حقه‪ ،‬وتكفيه النية عن التحرمية‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬إنه جيزئه التكبري‬
‫بغري العربية‪ ،‬لقول هللا تعاىل‪{ :‬وذكر اسم رب ه فصلى}‪ ،‬وهذا قد ذكر اسم ربه‪ .‬أما الصاحبان فقاال كالشافعية‪ :‬إن‬
‫كان ال حيسن العربية أجزأه غريها‪ ،‬فإن كان حيسنها وكرب بغري العربية ال جيزئه لقوله )ص(‪( :‬صلوا كما رايتمواين‬
‫أصلي)‪.‬‬

‫واشرتط مجهور الفقهاء أال يكرب املأموم حىت يفرغ إمامه من التكبري‪ ،‬للحديث املتفق عليه‪( :‬إمنا جعل اإلمام‬
‫ليؤمت به‪ ،‬فإذا كرب فكربوا) وأجاز احلنفية مقارنة املأموم يف التكبري وغريه‪ ،‬فيكرب معه كما يركع معه‪.‬‬

‫الركن الثاين‪ :‬القيام يف الفرض لقادر عليه‪ ،‬وكذا يف الواجب كنذر وسنة فجر يف األصح عند احلنفية‬

‫(صل‬
‫لقوله تعاىل‪{ :‬وقوموا هلل قانتني} أي مطيعني‪ ،‬وقيل‪ :‬خاشعني‪ ،‬وقوله )ص( يف حديث عمران بن حصني‪ّ :‬‬
‫قائماً)‪ .‬وال جيب القيام يف النافلة‪ ،‬فتصح مع القدرة على القيام؛ ألن مبىن النوافل على التيسري واألخذ ابلرفق‪ ،‬وألن‬
‫النوافل كثرية‪ ،‬فلو وجب فيها القيام ش َّق وانقطعت النوافل‪ .‬وال جيب أيضا على املريض العاجز عن القيام‪ ،‬سواء سواء‬
‫يف الفريضة أم النافلة؛ ألن التكليف بقدر الوسع‪ ،‬ومن عجز عن القيام قعد كيف شاء‪ .‬وح ّد القيام عند احلنفية‪ :‬أن‬
‫يكون حبيث لو م ّد يديه ى ينال ركبتيه‪ .‬وعند املالكية واحلنابلة‪ :‬أال يكون يف حالة جلوس وال يف حالة احنناء حبيث‬

‫‪47‬‬
‫يصري راكعا‪ .‬وال خفض الرأس على هيئة اإلطراق ألنه ال خيرجه عن كونه يسمى قائماً‪ .‬وعند الشافعية‪ :‬يشرتط نصب‬
‫ف قار املصلي؛ ألن اسم القيام دائر معه‪ ،‬وال يشرتط نصب رقبته؛ ألنه يستحب إطالق الرأس‪ .‬فإن وقف منحنياً أو‬
‫مائالً مينة أو يسرة‪ ،‬حبيث ال يسمى قائماً مل يصح قيامه لرتكه الواجب بال عذر‪ .‬واالحنناء املنايف للقيام‪ :‬أن يصري إىل‬
‫الركوع أقرب‪ ،‬فلو كان إىل القيام أو استوى األمران صح‪ .‬فهم إذا كاملالكية واحلنابلة‪ .‬ومن مل يطق انتصااب بسبب‬
‫مرض أو تقوس ظهر بسبب الكرب‪ ،‬فالصحيح أنه يقف كذلك‪ ،‬ويزيد احنناءه للركوع إن قدر‪ .‬واملقدار املفروض من‬
‫القيام‪ :‬هو عن احلنفية بقدر القراءة املطلوبة فيه‪ ،‬وهو بقدر قراءة الفاحتة وسورة وتكبرية اإلحرام‪ .‬وعند اجلمهور‪ :‬بقدر‬
‫تكبرية اإلحرام وقراءة الفاحتة فقط؛ ألن الفرض عندهم قراءة الفاحتة‪ ،‬وأما السورة بعدها فهي سنة‪.‬‬

‫هل يشرتط االستقبال يف القيام؟‬

‫قال احلنفية‪ :‬يشرتط للقادر االستقبال يف الفرض‪ ،‬فمن اتكأ على عصاه‪ ،‬أو على حائط وحنوه‪ ،‬حبيث يسقط‬
‫لو زال‪ ،‬مل يصح صالته‪ ،‬فإن كان لعذر صحت‪ .‬أما يف التطوع أو النافلة‪ :‬فال يشرتط االستقالل ابلقيام سواء أكان‬
‫لعذر أم ال‪ ،‬إال أن صالته تكره ألنه إساءة أدب‪ ،‬وثوابه ينقص إن كان لغري عذر‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬جيب القيام مستقال يف الفرائض لإلمام واملنفرد حال تكبرية اإلحرام وقراءة الفاحتة واهلوي‬
‫للركوع‪ ،‬وأما حال قراءة السورة فهو سنة‪ ،‬فلو استند إىل شيء حبيث لو أزيل لسقط‪ ،‬فإن كان يف غري قراءة السورة‪،‬‬
‫بطلت صالته؛ ألنه مل أيت ابلفرض الركين‪ ،‬وإن كان يف حال قراءة السورة مل تبطل وكره استناده‪ ،‬ولو جلس يف حال‬
‫قراءة السورة بطلت صالته إلخالله هبيئة الصالة‪ ،‬أما املأموم فال جيب عليه القيام عليه لقراءة الفاحتة‪ ،‬فلو استند حال‬
‫قراءهتا لعمود حبيث لو أزيل لسقط‪ ،‬صحت صالته‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬ال يشرتط االستقبال يف القيام‪ ،‬فلو استند إيل شيء‪ ،‬أجزأه مع الكراهة‪ ،‬لوجود اسم القيام‪.‬‬
‫لكن لو استند إىل شيء حبيث لو رفع قدميه إن شاء‪ ،‬ظل مستندا ومل يسقط‪ ،‬مل تصح صالته؛ ألنه ال يسمى قائما‪،‬‬
‫بل معلقا نفسه‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬يشرتط االستقبال يف القيام للقادر عليه يف فرض‪ ،‬فلو استند استناداً قوايً على شيء بال عذر‪،‬‬
‫بطلت صالته‪.‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬القراءة لقادر عليها‬

‫‪48‬‬
‫الركن عند احلنفية الذي هو فرض عملي يف مجيع ركعات النفل والوتر‪ ،‬ويف ركعتني من الفرض‪ ،‬لإلمام واملنفرد‪ :‬هو‬
‫قراءة آية من القرآن‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فاقرءوا ما تيسر من القرآن}‪ ،‬ومطلق األمر للوجوب‪ ،‬ولقوله (ص)‪( :‬ال صالة إال‬
‫بقراءة) وأقل الواجب عند أيب حنيفة‪ :‬هو آية مبقدار ستة أحرف مثل {مث نظر}‪ ،‬ولو تقديرا مثل {مل يلد}‪ ،‬إذ أصله‬
‫{مل يولد}‪ ،‬وقال الصاحبان‪ :‬فرض القراءة ثالث آايت قصرية‪ ،‬أو آية طويلة‪ ،‬مبقدار ثالث آايت قصرية‪ .‬وأما تعيني‬
‫القراءة يف الركعتني األوليني من الف رض فهو واجب‪ ،‬لقول علي رضي هللا عنه‪( :‬القراءة يف األوليني قراءة يف األخريني)‬
‫وعن ابن مسعود وعائشة‪( :‬التخيري يف األخريني‪ ،‬إن شاء قرأ‪ ،‬وإن شاء سبح) وكذلك قراءة الفاحتة والسورة‪ ،‬أو ثالث‬
‫آايت‪ ،‬هو واجب أيضا‪ .‬وليست الفاحتة عندهم فرضا يف الصالة مطلقا‪ ،‬ال يف السرية وال يف اجلهرية‪ ،‬ال على اإلمام‪،‬‬
‫وال على املأموم‪ ،‬بل تكره قراءهتا للمأموم‪.‬‬

‫البسملة عند احلنفية‪:‬‬

‫وليست البسملة آية من الفاحتة وال من غريها من السور إال من سورة النمل يف أثنائها حلديث أنس رضي هللا‬
‫عنه قال‪( :‬صليت مع رسول هللا )ص( وأيب بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم فلم أَسع أحدا منهم يقرأ بسم هللا‬
‫الرمحن الرحيم)‪.‬‬

‫لكن يقرأ املنفرد بسم هللا الرمحن الرحيم مع الفاحتة يف كل ركعة سرا‪ ،‬كما أنه يسر ابلتأمني‪ ،‬فالتسمية والتأمني‬
‫يسر هبما القارئ‪ .‬أما اإلمام فال يقرأ البسملة وال يسر هبا لئال يقع السر بني جهرين‪ ،‬قال ابن مسعود‪( :‬أربع خيفيهن‬
‫اإلمام‪ :‬التعوذ‪ ،‬والتسمية‪ ،‬والتأمني‪ ،‬والتحميد)‪.‬‬

‫قراءة املقتدي‬

‫أما املقتدي‪ :‬فال قراءة عليه عند احلنفية لألدلة اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتاب‪ :‬قال هللا تعاىل {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترمحون}‬

‫‪ -2‬السنة‪ :‬قال النيب )ص(‪( :‬من صلى خلف إمام‪ ،‬فإن قراءة اإلمام له قراءة) وهو يشمل السرية واجلهرية‪ .‬وقال‬
‫عليه السالم أيضا‪( :‬إمنا جعل اإلمام ليؤمت به‪ ،‬فإذا كرب فكربوا‪ ،‬وإذا قرأ فأنصتوا)‪.‬‬

‫‪ -3‬القياس‪ :‬لو وجبت القراءة على املأموم ملا سقط عن املسبوق كسائر األركان‪ ،‬فقاسوا قراءة املؤمت على قراءة‬
‫املسبوق يف حكم السقوط‪ ،‬فتكون غري مشروعة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وقال اجلمهور (غري احلنفية)‪ :‬ركن القراءة الواجبة يف الصالة‪ :‬هو الفاحتة‪ ،‬لقوله )ص(‪( :‬ال صالة ملن مل يقرأ‬
‫بفاحتة الكتاب) وقوله أيضا‪( :‬ال جتزئ صالة ال يقرأ فيها بفاحتة الكتاب)‪ ،‬ولفعله )ص(كما يف صحيح مسلم مع‬
‫خرب البخاري‪( :‬صلوا كما رأيتموين أصلي)‪.‬‬

‫وأما قراءة سورة بعد الفاحتة يف الركعتني األوليني من كل صالة فهو سنة‪ ،‬وأما املأموم فيقرأ يف الصالة السرية‬
‫الفاحتة والسورة‪ ،‬وال يقرأ شيئا عند املالكية واحلنابلة يف اجلهرية‪ ،‬ويقرأ الفاحتة فقط يف اجلهرية عند الشافعية‪ .‬ويف ظاهر‬
‫كالم أمحد أنه استحسن قراءة بعض الفاحتة يف سكتة اإلمام األوىل‪ ،‬مث يقرأ بقية الفاحتة يف السكتة الثانية‪ .‬ويستمع‬
‫بينهما لقراءة اإلمام‪.‬‬

‫فلو تركها انسيا ال جيزيه يف اجلديد؛ ألن ما كان ركنا من الصالة‪ ،‬مل يسقط فرضه ابلنسيان كالركوع‬
‫والسجود‪ .‬وال تسقط على املصلي إال ملسبوق يف ركعة‪ ،‬فإن اإلمام يتحملها عنه‪ .‬وكاملسبوق‪ :‬زمحة أو نسيان أنه يف‬
‫الصالة‪ ،‬أو بطء حركة‪ ،‬أبن مل يقم من السجود إال واإلمام راكع أو قريب من الركوع‪ ،‬أو شك بعد ركوع إمامه يف‬
‫قراءة الفاحتة فتخلف هلا‪.‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬الركوع‬

‫الركوع لغة‪ :‬مطلق االحنناء‪ ،‬وشرعا‪ :‬االحنناء ابلظهر والرأس معاً حىت تبلغ يداه (أو راحتاه) ركبتيه‪ ،‬وأقله‪ :‬أن ينحين‬
‫حىت تنال راحتاه ركبتيه‪ ،‬وأكمله‪ :‬تسوية ظهره وعنقه (أي مي ّدمها ابحنناء خالص حبيث يصريان كالصفيحة الواحدة)‬
‫اتباعاً كما رواه مسلم‪ ،‬ونصب ساقيه وفخذيه‪ ،‬ومساواة رأسه بعجزه‪ ،‬ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه جلهة‬
‫القبلة‪ ،‬وال يرفع رأسه ويكفيه أخذ ركبتيه بيديه وتفرقة أصابعه جلهة القبلة‪ ،‬وال يرفع رأسه وال خيفضه‪ ،‬وجي ايف مرفقيه‬
‫عن جنبيه ابلنسبة للرجل ‪ ،‬أما املرأة فتضم بعضها إىل بعض‪ ،‬ومن تقوس ظهره يزيد يف االحنناء قليال إن قدر عليه‪.‬‬

‫ودليل فرضية الركوع‪ :‬قوله ت عاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا اركعوا}‪ ،‬وحديث املسيء صالته (‪ ...‬مث اركع حىت‬
‫تطمئن راكعاً) ولإلمجاع على فرضيته‪.‬‬

‫ودليل وضع اليدين على الركبتني‪ :‬ما ذكره أبو محيد يف صفة صالة رسول هللا )ص(‪( :‬رأيته إذا ركع‪ ،‬أمكن‬
‫يديه من ركبتيه‪ ،‬مث هصر ظهره) يعىن عصره حىت يعتدل‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ودل يل مشروعية التفريق بني األصابع‪ :‬ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو‪( :‬أنه ركع‪ ،‬فجاىف يديه‪ ،‬ووضع يديه‬
‫على ركبتيه‪ ،‬وفرج بني أصابعه من وراء ركبتيه‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا رأيت رسول هللا )ص( يصلي)‪.‬‬

‫ودليل عدم رفع الرأس وعدم خفضه‪ :‬قول عائشة رضي هللا عنها‪( :‬كان رسول هللا )ص( إذا ركع مل يرفع‬
‫رأسه ومل يصوبه‪ ،‬ولكن بني ذلك) وجاء يف احلديث عن النيب )ص( (أنه كان إذا ركع‪ ،‬لو كان قدح ماء على ظهره ما‬
‫حترك) وذلك الستواء ظهره‪.‬‬

‫االطمئنان يف الركوع‪ :‬أقل االطمئنان يف الركوع‪ :‬هو أن ميكث يف هيئة الركوع حىت تستقر أعضاؤه راكعا قدر‬
‫تسبيحة يف الركوع والسجود ويف الرفع منهما‪ .‬وهو واجب عند احلنفية كما بينا لقوله تعاىل‪{ :‬اركعوا واسجدوا} ومل‬
‫يذكر الطمأنينة‪ ،‬وفرض عند اجلمهور كما أشران‪ ،‬حلديث املسيء صالته‪( :‬مث اركع حىت تطمئن راكعا) وروى أبو قتادة‬
‫أن النيب )ص( قال‪( :‬أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صالته‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف يسرق من صالته؟ قال‪ :‬ال يتم ركوعها‬
‫وال سجودها وال خشوعها)‪ ،‬وقال أيضا‪( :‬ال جتزئ صالة ال يقيم الرجل صلبه فيها يف الركوع والسجود)‪ .‬إال أن أاب‬
‫حنيفة وحممد قاال‪ :‬هذه األحاديث أخبار آحاد‪ ،‬فال يزاد هبا فرض على النص القرآين {اركعوا واسجدوا} لئال يلزم‬
‫منه نسخ املتواتر ابآلحاد؛ ألن الزايدة على النص نسخ عندهم‪ .‬وقال أبو يوسف‪ :‬االطمئنان فريضة‪.‬‬

‫الركن اخلامس‪ :‬الرفع من الركوع واالعتدال‬

‫قال أبو حنيفة وحممد‪ :‬القيام من الركوع واالعتدال (االستواء) واجللوس بني السجدتني واجب ال ركن؛ ألنه من‬
‫مقتضيات الطمأنينة (تعديل األركان)‪ ،‬ولقوله تعاىل‪{ :‬اركعوا واسجدوا} وحيصل الركوع مبجرد االحنناء ومل أيمر هللا به‬
‫وإمنا أمر ابلركون والسجود والقيام‪ ،‬فال يفرض غريه‪ ،‬وملواظبة النيب )ص( على االعتدال قائما‪ ،‬ولألمر به يف حديث‬
‫املسيء صالته‪( :‬مث ارفع حىت تعتدل قائما) وهذا يدل على الوجوب لثبوته خبرب آحاد‪ ،‬فلو تركه أو ترك شيئا منه‬
‫ساهيا‪ ،‬يلزمه سجود السهو‪ ،‬ولو تركه عمدا كره أشد الكراهة‪ ،‬ويلزمه أن يعيد الصالة يف الوقت‪ ،‬وتكون اإلعادة جرباً‬
‫لألوىل؛ ألن الفرض ال يتكرر‪.‬‬

‫هذا ويالحظ أن املشهور يف مذهب احلنفية هو القول بسنية القيام من الركوع واجللسة بني السجدتني‬
‫وتعديلهما‪ ،‬وروي وجوهبا‪ ،‬وهو املوافق لألدلة‪ .‬وهو الصواب وهول الكمال بن اهلمام ومن بعده من متأخري احلنفية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وقال أبو يوسف واألئمة اآلخرون‪ :‬الرفع من الركوع واالعتدال قائما مطمئنا ركن أو فرض يف الصالة‪ ،‬وهو‬
‫أن يعود إىل اهليئة اليت كان عليها قبل الركوع‪ ،‬سواء أكان قائماً أم قاعداً‪ ،‬أو يفعل مقدوره إن عجز‪ .‬وال يقصد غريه‪،‬‬
‫فلو رفع ف زعاً (خوفا) من شيء كحية‪ ،‬مل يكف رفعه لذلك عن رفع الصالة‪ ،‬كما صرح الشافعية‪.‬‬

‫وإذا سجد ومل يعتدل‪ ،‬مل تصح وبطلت صالته‪ ،‬لرتكه ركنا من أركان الصالة‪ .‬لقوله )ص( للمسيء صالته‪:‬‬
‫(مث ارفع حىت تعتدل قائما) ودوام النيب )ص( فعله‪ ،‬وقال‪( :‬صلوا كما رأيتموين أصلي)‪ ،‬ونفي النيب )ص( كون ما فعل‬
‫املسيء صالته‪ ،‬فدل كل ذلك على أن االعتدال والطمأنينة ركن‪ ،‬ويدخل فيه الرفع من الركوع الستلزامه له‪.‬‬

‫الركن السادس‪ :‬السجود مرتني لكل ركعة‬

‫السجود لغة‪ :‬اخلضوع والتذلل‪ ،‬أو التطامن وامليل‪ ،‬وشرعا‪ :‬أقله وضع بعض اجلبهة مكشوفة على األرض أو غريها من‬
‫املصلَّى‪ ،‬خلرب‪( :‬إذا سجدت‪ ،‬فمكن جبهتك وال تنقر نقراً) وخرب خباب بن األرت‪( :‬شك وان إىل رس ول هللا )ص( حر‬
‫الرمضاء يف جباهنا وأكفنا‪ ،‬فلم يشكنا‪ ،‬أي مل يزل شكواان)‪ .‬وأكمل السجود‪ :‬وضع مجيع اليدين والركبتني والقدمني‬
‫واجلبهة مع األنف‪.‬‬

‫وهو فرض ابإلمجاع‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} وملواظبة النيب )ص(‪ ،‬وأمره به‬
‫املسيء صالته‪( :‬مث اسجد حىت تطمئن ساجدا‪ ،‬مث ارفع حىت تطمئن جالسا‪ ،‬مث اسجد حىت تطمئن ساجدا) وإلمجاع‬
‫األمة‪.‬‬

‫والواجب عند املالكية‪ :‬سجود على أيسر جزء من اجلبهة‪ :‬وهي ما فوق احلاجبني وبني اجلبينني‪ .‬ويندب‬
‫إلصاق مجيع اجلبهة ابألرض ومتكينها‪ ،‬ويندب السجود على أنفه أيضا‪ ،‬ويعيد الصالة لرتكه يف الوقت الضروري (وهو‬
‫يف الظهرين لالصفرار‪ ،‬ويف العشاءين لطلوع الفجر‪ ،‬ويف الصبح لطلوع الشمس) مراعاة ملن يقول بوجوبه‪ ،‬فلو سجد‬
‫على جبهته دون أنفه‪ ،‬مل يكفه‪ ،‬واملشهور يف املذهب‪ :‬أنه جيزئ السجود على اجلبهة خبالف األنف‪ ،‬وإن عجز عن‬
‫السجود على اجلبهة أومأ للسجود‪ ،‬كمن كن جبهته قروح تؤمله إن سجد‪.‬‬

‫وذكر الشافعية واحلنفية واحلنابلة‪ :‬أن من منعه الزحام عن السجود على أرض أو حنوها مع اإلمام‪ ،‬فله‬
‫السجود على شيء من إنسان أو متاع أو هبيمة أو حنو ذلك‪ ،‬لقول عمر فيما رواه البيهقي إبسناد صحيح‪( :‬إذا‬
‫الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه)‪ .‬وأما السجود على اليدين والركبتني وأطراف القدمني فهو سنة‪ .‬ودليلهم‬

‫‪52‬‬
‫حديث العباس بن عبد املطلب أنه َسع رسول هللا (ص) يقول‪( :‬إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ‪ -‬أعضاء ‪-‬‬
‫وجهه وك ّفاه وركبتاه وقدماه)‪.‬‬

‫واتفق العلماء على أن السجود الكامل يكون على سبعة أعضاء‪ :‬الوجه واليدين والركبتني وأطراف القدمني‪،‬‬
‫حلديث ابن عباس‪( :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‪ :‬على اجلبهة‪ ،‬وأشار بيده على أنفه‪ ،‬واليدين‪ ،‬والركبتني‪،‬‬
‫والقدمني) ويف رواية (أمر النيب )ص( أن يسجد على سبعة أعضاء‪ ،‬وال يكف شعراً وال ثوابً‪ :‬اجلبهة واليدين والركبتني‬
‫والرجلني) واملراد من عدم كف الشعر والثوب‪ :‬عدم رفع الثوب والشعر عن مباشرة األرض‪ ،‬فيشبه املتكربين‪ .‬وال‬
‫خالف أن السجود على جمموع اجلبهة واألنف مستحب‪ .‬ونقل ابن املنذر إمجاع الصحابة على أنه ال جيزئ السجود‬
‫على األنف وحده‪.‬‬

‫الركن السابع‪ :‬اجللوس بني السجدتني‬

‫اجللوس بني السجدتني مطمئنا ركن عند اجلمهور‪ ،‬واجب عند احلنفية‪ ،‬حلديث املسيء صالته‪( :‬مث ارفع حىت تطمئن‬
‫جالسا) ويف الصحيحني (كان )ص( إذا رفع رأسه‪ ،‬مل يسجد حىت يستوي جالسا)‪.‬‬

‫طوله‪ ،‬وال االعتدال؛‬


‫وأضاف الشافعية‪ :‬وجيب أال يقصد برفعه غريه‪ ،‬فلو رفع فزعاً من شيء مل يكف‪ ،‬وأال ي ّ‬
‫ألهنما ركنان قصريان ليسا مقصودين لذاهتما‪ ،‬بل للفصل بني السجدتني‪.‬‬

‫والسنة يف هيئة السجود‪ :‬أن جيلس بني السجدتني مفرتشاً‪ :‬وهو أن يثين رجله اليسرى‪ ،‬ويبسطها وجيلس‬
‫عليها‪ ،‬وينصب رجله اليمىن وخيرجها من حتته‪ ،‬وجيعل بطون أصابعه على األرض معتمدا عليها‪ ،‬لتكون أطراف‬
‫أصابعه إىل القبلة‪ .‬وذلك لالتباع‪ ،‬كما سيأيت يف صفة صالة رسول هللا )ص(‪( :‬مث ثىن رجله اليسرى وقعد عليها‪ ،‬مث‬
‫اعتدل حىت رجع كل عظم يف موضعه‪ ،‬مث هوى ساجدا) ويف حديث عائشة أن النيب )ص( (وكان يفرش رجله‬
‫اليسرى‪ ،‬وينصب اليمىن)‪.‬‬

‫الركن الثامن‪ :‬القعود األخري مقدار التشهد‬

‫هذا فرض عند احلنفية إىل قوله‪( :‬عبده ورسوله) على الصحيح‪ ،‬فلو فرغ املقتدي قبل فراغ اإلمام‪ ،‬فتكلم أو أكل‪،‬‬
‫فصالته نامة‪ ،‬وهو مع التشهد األخري والصالة على النيب )ص( بعده قاعدا مبقدار‪( :‬اللهم صل على حممد) ركن عند‬

‫‪53‬‬
‫الشافعية واحلنابلة‪ .‬والركن عند املالكية هو مبقدار اجللوس للسالم‪ .‬ويالحظ أن التشهد األول كاألخري واجب عند‬
‫احلنفية‪ ،‬سنة عند اجلمهور‪ ،‬كما أن الصالة على النيب )ص( يف التشهد األخري سنة عند احلنفية واملالكية‪.‬‬

‫استدل احلنفية‪ :‬حبديث ابن مسعود رضي هللا عنه حني علمه النيب التشهد‪ ،‬فقال له النيب )ص(‪( :‬إذا قلت‬
‫هذا‪ ،‬أو فعلت هذا‪ ،‬فقد متت صالتك) أي إذا قلت التشهد أو فعلت القعود‪ ،‬فقد متت صالتك‪ ،‬فإنه )ص( علق‬
‫متام ال صالة ابلفعل‪ ،‬وهو القعود‪ ،‬سواء قرأ التشهد أو مل يقرأ‪ ،‬ألنه علقه أبحد األمرين من قراءة التشهد والقعود‪،‬‬
‫والقراءة مل تشرع بدون القعود‪ ،‬حيث مل يفعلها رسول هللا )ص( إال فيه‪ ،‬فكان القعود هو املعلق به متام الصالة يف‬
‫احلقيقة‪ ،‬الستلزامه القراءة‪ ،‬وكل ما علق بشيء ال يوجد بدونه‪ ،‬ومبا أن متام الصالة واجب‪ ،‬أو فرض‪ ،‬ومتام الصالة ال‬
‫يوجد بدون القعود‪ ،‬فالقعود واجب أي فرض؛ ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬

‫وأما الشافعية واحلنابلة فاستدلوا‪ :‬أبن النيب )ص( فعل اجللوس‪ ،‬ودوام على فعله‪ ،‬وأمر به يف حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬وقال‪( :‬قولوا‪ :‬ال تحيات هلل) وسجد للسهو حني نسيه‪ ،‬وقد قال عليه السالم‪( :‬صلوا كما رأيتموين أصلي)‪،‬‬
‫وقال ابن مسعود‪( :‬كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد‪ :‬السالم على هللا قبل عباده‪ ،‬السالم على جربيل‪ ،‬السالم‬
‫على ميكائيل‪ ،‬السالم على فالن‪ ،‬فقال النيب )ص(‪ :‬ال تقولوا‪ :‬السالم على هللا‪ ،‬فإن هللا هو السالم‪ ،‬ولكن قولوا‪:‬‬
‫التحيات هلل ‪ )...‬اخل‪.‬‬

‫صيغة التشهد‬

‫للتشهد صيغتان مأثورنان‪:‬‬

‫فقال احلنفية واحلنابلة‪ :‬التشهد هو‪" :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النيب ورمحة هللا‬
‫وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد هللا الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله"‪ .‬وهو التشهد‬
‫الذي علمه النيب )ص( لعبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه‪.‬‬

‫وقال اإلمام مالك‪ :‬أفضل التشهد‪ :‬تشهد عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه (التحيات هلل‪ ،‬الزاكيات هلل‪،‬‬
‫الصلوات هلل) وسائره كتشهد ابن مسعود السابق‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬أقل التشهد‪ :‬التحيات هلل‪ ،‬سالم عليك أي ها الن يب ورمحة هللا وبركاته‪ ،‬سالم علينا وعلى عباد‬
‫هللا الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأشهد أن حممداً رسول هللا‪ .‬وأكمل التشهد ما ورد يف حديث ابن عباس قال‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫(كان رسول هللا )ص( يعلّمنا التشهد‪ ،‬كما يعلمنا السورة من القرآن‪ ،‬فكان يقول‪ :‬التحيات املباركات الصلوات‬
‫الطيبات هلل‪ ،‬السالم عليك أيها النيب ورمحة هللا وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد هللا الصاحلني‪ ،‬أشهد أن ال إله إال‬
‫هللا‪ ،‬وأشهد أن حممداً رسول هللا)‪.‬‬

‫الصالة على النيب يف ابلتشهد اخلري‬

‫أقل الصالة على النيب‪ ،‬الذي هو الركن عند الشافعية واحلنابلة يف التشهد األخري‪( :‬اللهم صل على حممد) لظاهر‬
‫اآلية‪{ :‬اي أيها الذين آمنوا‪ ،‬صلوا عليه وسلموا تسليماً} وهي تدل على الوجوب؛ ألن األمر للوجوب‪ ،‬علما أبنه قد‬
‫حصل السالم على النيب يف التشهد بقوله‪( :‬السالم عليك) وأما الصالة على اآلل فهي سنة‪.‬‬

‫وأكمل الصالة على النيب أن يقول‪( :‬اللهم صل على حممد وعلى آل حممد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى‬
‫آل إبراهيم‪ ،‬وابرك على حممد وعلى آل حممد‪ ،‬كما ابركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد)‪.‬‬

‫وقد ثبتت هذه الصيغة عند البخاري ومسلم بل عند اجلماعة عن كعب بن عجرة‪ ،‬قال‪( :‬إن النيب )ص(‬
‫خرج علينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬قد علمنا هللا‪ ،‬كيف نسلم عليك‪ ،‬فكيف نسلم عليك ؟ قال‪ :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على‬
‫حممد وعلى آل حممد‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد‪ ،‬وابرك على حممد وعلى آل حممد‪ ،‬كما ابركت‬
‫على آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد)‪.‬‬

‫الركن التاسع‪ :‬السالم‬

‫السالم األول للخروج من الصالة حال القعود فرض عند املالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والتسليمتان‪ :‬فرض عند احلنابلة‪ ،‬إال يف‬
‫صالة جنازة وانفلة وسجدة تالوة وشكر‪ ،‬فيخرج منها بتسليمة واحدة‪ ،‬وتنقضي الصالة عند املالكية والشافعية‬
‫ابلسالم األول‪ ،‬وعند احلنابلة ابلسالم الثاين‪.‬‬

‫ودليلهم قوله (ص) ‪( :‬مفتاح الصالة الطهور‪ ،‬وحترميها التكبري‪ ،‬وحتليلها التسليم)‪ ،‬وألن النيب (ص) (كان‬
‫يسلم من صالته) ويدمي ذلك‪ ،‬وال خيل به‪ ،‬وقال‪( :‬صلوا كما رأيتموين أصلي) وقال ابن املنذر‪( :‬أمجع كل من أحفظ‬
‫عنه من أهل العلم أن صالة من اقتصر على تسليمة واحدة جائز)‪.‬‬

‫وقال احلنفية‪ :‬السالم ليس بفرض‪ ،‬بل واجب والواجب تسليمتان‪ ،‬فلو قعد قدر التشهد‪ ،‬مث خرج من‬
‫الصالة بسالم أو كالم أو فعل أو حدث‪ ،‬أجزأه ذلك‪ ،‬فالفرض‪ :‬إمنا هو اخلروج من الصالة بصنع املصلي‪ ،‬عمال‬

‫‪55‬‬
‫حبديث ابن مسعود السابق‪( :‬إذا قضيت هذا متت صالتك) وألن السالم مل يذكر يف حديث املسيء صالته‪ .‬وتنقضي‬
‫الصالة عندهم ابلسالم األول قبل قوله (عليكم)‪.‬‬

‫ومما يدل على عدم فرضية السالم‪ ،‬وأن الفرض يف آخر الصالة هو القعود مبقدار التشهد‪ :‬حديث عبد هللا‬
‫بن عمرو بن العاص‪( :‬أن رسول هللا )ص( قال‪ :‬إذا قضى اإلمام الصالة‪ ،‬وقعد‪ ،‬فأحدث قبل أن يتكلم‪ ،‬فقد متت‬
‫صالته‪ ،‬ومن كان خلفه ممن أمت الصالة) ويؤيده حديث ابن عباس‪( :‬أن رسول هللا )ص( كان إذا فرغ من التشهد‪،‬‬
‫أقبل علينا بوجهه‪ ،‬وقال‪ :‬من أحدث حداثً بعد ما يفرغ من التشهد‪ ،‬فقد متت صالته)‪.‬‬

‫الركن العاشر‪ :‬الطمأنينة يف أفعال معينة‬

‫ال طمأنينة ركن أو شرط ركن عند اجلمهور يف الركوع واالعتدال منه‪ ،‬والسجود‪ ،‬واجللوس بني السجدتني‪ ،‬وواجب عند‬
‫فكرب‪ ،‬مث اقرأ ما تيسر معك من القرآن‪ ،‬مث اركع‬
‫احلنفية لألمر هبا يف حديث املسيء صالته‪( :‬إذا أقمت إىل الصالة ّ‬
‫حىت تطمئن راكعا‪ ،‬مث ارفع حىت تعتدل قائما‪ ،‬مث اسجد حىت تطمئن ساجدا‪ ،‬مث افعل ذلك يف الصالة كلها) وحلديث‬
‫مت على غري الفطرة اليت فطر هللا‬
‫ت َّ‬
‫حذيفة‪( :‬أنه رأى رجال ال يتم ركوعه وال سجوده‪ ،‬فقال له‪ :‬ما صليت‪ ،‬ولو م َّ‬
‫عليها حممداً )ص( وظاهره أهنا ركن واحد يف الكل‪ ،‬ألنه يعم القيام‪.‬‬

‫والطمأنينة‪ :‬سكون بعد حركة‪ ،‬أو سكون بني حركتني حبيث ينفصل مثالً رفعه عن هويه‪ .‬وأقلها‪ :‬أن تستقر‬
‫األعضاء يف الركوع مثال حبيث ينفصل الرفع عن اهلوي كما قال الشافعية‪ .‬وذلك بقدر الذكر الواجب لذاكره‪ ،‬وأما‬
‫الناسي فبقدر أدىن سكون‪ ،‬كما قال بعض احلنابلة‪ ،‬والصحيح من املذهب‪ :‬أهنا السكون وإن قل‪.‬‬

‫أو هي تسكني اجلوارح قدر تسبيحة يف الركوع والسجود‪ ،‬والرفع منهما‪ ،‬كما قال احلنفية‪.‬‬

‫أو هي استقرار األعضاء زمنا ما يف مجيع أركان الصالة‪ ،‬كما قال املالكية‪.‬‬

‫الركن احلادي عشر‪ :‬ترتيب األركان على النحو املشروع يف صفة الصالة يف السنة‬

‫الرتتيب ركن عند اجلمهور‪ ،‬واجب يف ابلقراءة وفيما يتكرر يف كل ركعة‪ ،‬وفرض فيما ال يتكرر يف الصالة أو يف كل‬
‫ركعة كرتتيب القيام على الركوع‪ ،‬وترتيب الركوع على السجود‪ ،‬عند احلنفية‪ ،‬أبن يقدم النية على تكبرية اإلحرام‪،‬‬
‫والتكبرية على الفاحتة‪ ،‬والفاحتة على الركوع‪ ،‬والركوع على الرفع منه‪ ،‬واالعتدال على السجود‪ ،‬والسجود على السالم‪،‬‬
‫والتشهد األخري على الصالة على النيب )ص( عند الشافعية واحلنابلة‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وذلك ألنه )ص( كان يصلي الصالة مرتبة‪ ،‬وعلمها للمسيء صالته مرتتبة ب "مث"‪ ،‬وألهنا عبادة تبطل عند‬
‫اجلمهور غري احلنفية ابحلدث‪ ،‬فكان الرتتيب فيها ركنا كغريه‪.‬‬

‫ويرتتب على كون الرتتيب ركنا عند اجلمهور‪ ،‬وكما ذكر الشافعية‪ :‬أن من تركه عمدا كأن سجد قبل ركوعه‪،‬‬
‫بطلت صالته إمجاعا لتالعبه‪ .‬وإن سها عن الرتتيب فما فعله بعد املرتوك لغو؛ لوقوعه يف غري حمله‪ .‬فإن تذكر املرتوك‬
‫قبل بلوغ مثله من ركعة أخرى‪ ،‬فعله بعد تذكره فورا‪ ،‬فإن أتخر بطلت صالته‪.‬‬

‫الدرس السادس‬

‫احكام الصالة‪ :‬مبطالت الصالة‬

‫مبطالت الصالة أو مفسداهتا‬

‫الصالة عبادة ذات أقوال وأفعال خمصوصة كما عرفنا‪ ،‬وجيب أدائها مستوفية شرائطها وأركاهنا لتكون صحيحة على‬
‫النحو الذي بينه النيب )ص(‪ ،‬وأمر به املسلمني فقال‪[ :‬صلوا كما رأيتموين أصلي]‪ .‬فإذا اشتملت الصالة على أمر‬
‫خمالف للكيفية املشروعة‪ ،‬فسدت أو بطلت‪ ،‬والفساد والبطالن يف العبادات مبعىن واحد ابتفاق الفقهاء‪ ،‬أما يف‬
‫املعامالت كالبيع فيهما عند احلنفية مفرتقان مبعىن خمتلف‪.‬‬

‫والصالة قد تبدأ فاسدة برتك شرط من شروطها الصحيحة كالطهارة وسرت العورة‪ ،‬أما كشف العورة يف أثناء‬
‫الصالة فمفسد هلا عند احلنفية إذا دام قدر أداء ركن وهو مقدار ثالث تسبيحات‪ ،‬كما قد تكون فاسدة برتك فريضة‬
‫من فرائضها كتكبرية اإلحرام‪ ،‬وقد يطرأ الفساد برتك ركن من أركاهنا كرتك الركوع أو السجود‪.‬‬

‫إن أهم مفسدات الصالة عند الفقهاء هي ما أييت‪ ،‬علماً أبن احلنفية ذكروا مثانية وستني أمراً مفسداً للصالة‪،‬‬
‫واملالكية حوايل ثالثني‪ ،‬والشافعية سبعة وعشرين‪ ،‬واحلنابلة حوايل ستة وثالثني‪.‬‬

‫‪ -1‬الكالم‪ :‬أي النطق حبرفني ولو مل يفهما أو حرف مفهم أجنيب عن الصالة‪ ،‬عمداً أو سهواً خلرب ويد بن أرقم [كنا‬
‫نتكلم يف الصالة‪ ،‬يكلّم الرجل منا صاحبه‪ ،‬وهو إىل جنبه حىت نزلت‪ :‬وقوموا هلل قانتني‪ ،‬فأمران ابلسكوت وهنينا عن‬
‫السلمي [بينما أان أصلي مع رسول هللا )ص( إذ عطس رجل من القوم‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫الكالم] وخرب معاوية بن احلكم ُّ‬

‫‪57‬‬
‫يرمحك هللا‪ ،‬فرماين القوم أببصارهم‪ ،‬فقلت‪ :‬واثكل أ َّماه‪ ،‬ما شأنكم تنظرون إيل ؟ فجعلوا يضربون أبيديهم على‬
‫سكت‪ ،‬فلما صلى رسول هللا )ص(‪ ،‬فبأيب وأمي ما رأيت معلماً قبله وال بعده‬
‫ُّ‬ ‫أفخاذهم‪ ،‬قلما رأيتهم يصمتونين لكين‬
‫أحسن تعليماً منه‪ ،‬فوهللا‪ ،‬ما كهرين (انتهرين) وال ضربين وال شتمين‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيء من‬
‫كالم الناس‪ ،‬إمنا هي التسبيح وقراءة القرآن]‪.‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬تفسد الصالة ابلكالم عمداً أو سهواً‪ ،‬أو جاهالً‪ ،‬أو خمطئاً‪ ،‬أو مكرهاً‪ ،‬على املختار‪ ،‬وذلك‬
‫ابلنطق حبرفني أو حرف مفهم‪ ،‬مثل "ع" و "ق" كما لو سلم على إنسان‪ ،‬أو رد السالم بلسانه‪ ،‬ال بيده‪ ،‬ويكره‬
‫ذلك على املعتمد‪ ،‬أو مشَّت عاطساً‪ ،‬أو اندى إنساانً بقوله "اي" ولو ساهياً‪ ،‬لكن لو سلم ساهياً للخروج من الصالة‬
‫قبل إمتامها على ظن إكماهلا‪ ،‬فال تفسد الصالة‪ ،‬ولو صافح بنية السالم‪ ،‬تفسد‪ ،‬ألنه عمل كثري‪ .‬ولو استعطف كلباً‬
‫أو هرة أو ساق محاراً مبا ليس من حروف اهلجاء ال تفسد صالته؛ ألنه صوت ال هجاء له‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬يشرتط لصحة الصالة ترك الكالم إال مبا هو من جنسها‪ ،‬أو مصلح هلا‪ .‬وتبطل بتعمد كالم‬
‫أجنيب ولو كلمة‪ ،‬حنو "نعم" أو "ال" ملن سأله عن شيء‪ ،‬لغري إصالح الصالة‪ ،‬فإن كان الكالم إلصالح الصالة‬
‫وبقدر احلاجة ال تبطل إال إن كان كثرياً‪ ،‬كأن يسلم اإلمام بعد ركعتني يف صالة رابعية‪ ،‬أو يقوم لركعة خامسة‪ ،‬ومل‬
‫يفهم ابلتسبيح‪ ،‬فقال له املأموم‪ :‬أنت سلمت من ركعتني أو قمت خلامسة‪ ،‬مل يضر عمالً بقصة ذي اليدين‪ ،‬روى أبو‬
‫هريرة‪ ،‬قال‪ :‬صلى بنا رسول هللا )ص( إحدى صاليت العشي‪ ،‬إما الظهر‪ ،‬وإما العصر‪ ،‬فسلم يف ركعتني‪ ،‬مث أتى جذعاً‬
‫يف قبلة املسجد‪ ،‬فاستند إليها مغضباً‪ ،‬ويف القوم أبو بكر وعمر‪ ،‬فهااب أن يتكلما‪ ،‬وخرج سرعان املاس (أي‬
‫املتسرعون)‪ ،‬فقام ذو اليدين‪ ،‬فقال [اي رسول هللا‪ ،‬أقصرت الصالة‪ ،‬أم نسيت ؟ فقال‪ :‬ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا‪:‬‬
‫صدق‪،‬مل تصل إال الركعتني‪ ،‬فصلى ركعتني‪ ،‬وسلم‪ ،‬مث سجد سجدتني‪ ،‬مث سلم]‪ .‬ومن تال وقصده التفهم لشخص مل‬
‫يضره كقوله‪" :‬ادخلوها بسالم"‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬تبطل الصالة ابلنطق بكالم البشر حبرفني مفهمني ولو ملصلحة الصالة كقوله‪ :‬ال تقم أو‬
‫اقعد‪ ،‬أم حبرف مفهم‪ ،‬أو مبدَّة بعد حرف يف األصح؛ ألن املمدود يف احلقيقة حرفان‪ .‬واألصح أن التنحنح والبكاء‬
‫واألنني‪ ،‬والنفخ إن ظهر به حرفان مبطل للصالة‪ .‬ويعذر يف يسري الكالم إن سبق لسانه إليه‪ ،‬أو نسي الصالة عمالً‬
‫بقصة ذي اليدين السابقة‪ ،‬أو جهل حترمي الكالم يف الصالة إن قرب عهده ابإلسالم‪ ،‬وتبطل بكثري الكالم يف‬
‫األصح‪ ،‬ويعذر يف اليسري عرفاً من التنحنح وحنوه كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة وحنوها‪،‬‬
‫لغلبة كل ما ذكر عليه فال تقصري منه‪ ،‬أو لتعذر القراءة الواجبة وغريها من األركان القولية يف حال التنحنح للضرورة‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫واجلهر ابلقراءة ال يصلح يف األصح عذراً ليسري التنحنح‪ .‬ولو أكره املصلي على الكالم اليسري يف صالته بطلت‬
‫صالته يف األظهر؛ ألنه أمر اندر كاإلكراه على احلدث‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬تبطل الصالة بكالم اآلدميني (وهو ما انتظم حرفني فصاعداً)‪ ،‬لغري مصلحة الصالة‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫اي غالم اسقين‪ ،‬وحنوه‪ .‬وال تبطل إن تكلم من سلَّم قبل إمتام صالته سهواً بكالم يسري عرفاً ملصلحة الصالة‪ ،‬عمالً‬
‫بقصة ذي اليدين‪ ،‬سواء أكان إماماً أم مأموماً‪ .‬وال تبطل إن تكلم مغلوابً على الكالم‪ ،‬أبن خرجت احلروف منه بغري‬
‫اختياره‪ ،‬كأن سلَّم سهواً أو انم فتكلم لرفع القلم عنه‪ ،‬أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة ال من القرآن‪ ،‬ألنه ال‬
‫ميكنه التحرز عنه‪ ،‬أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب‪ ،‬فبان منه حرفان‪.‬‬

‫‪ -2‬األكل والشرب‬

‫قال احلنفية‪ :‬تبطل الصالة ابألكل والشرب عامداً أن انسياً‪ ،‬سواء أكان املأكول قليالً أو كثرياً؛ ألنه ليس من أعمال‬
‫الصالة‪ ،‬إال إذا كان بني أسنانه مأكول دون احل َّمصة‪ ،‬فابتلعه‪ ،‬فال تبطل صالته ملشقة االحرتاز عنه دائماً‪ ،‬كما هو‬
‫احلال يف الصوم‪.‬‬

‫قل‪ ،‬وال تبطل أبكل يسري مثل‬


‫وقال املالكية‪ :‬تبطل الصالة بتعمد أكل ولو لقمة مبضغها‪ ،‬وتعمد شرب ولو ّ‬
‫احلبة بني أسنانه‪ ،‬كما ال تبطل أبكل أو شرب سهواً على الراجح‪ ،‬ويسجد له بعد السالم‪ .‬فإن اجتمع األكل‬
‫والشرب‪ ،‬أو وجد أحدمها مع السالم سهواً‪ ،‬فتبطل الصالة‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬تبطل الصالة بتعمد تناول قليل األكل‪ ،‬لشدة منافاته للصالة؛ ألن ذلك يشعر‬
‫ابإلعراض عنها‪ ،‬وال تبطل بتناول قليل األكل انسياً أو جاهالً حترميه‪ ،‬وتبطل بكثري األكل ولو مع النسيان واجلهل يف‬
‫األصح‪ ،‬ولو مفرقاً‪ ،‬خبالف الصوم‪ ،‬فإنه ال يبطل بذلك‪.‬‬

‫‪ -3‬العمل الكثري املتوايل‬

‫اتفق الفقهاء على بطالن الصالة ابلعمل الكثري املتوايل ولو سهواً؛ ألن احلاجة ال تدعو إليه‪.‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬تبطل الصالة بكل عمل كثري ليس من أعماهلا وال إصالحها‪ ،‬كزايدة ركوع أو سجود‪ ،‬وكمشي لغري‬
‫جتديد الوضوء ملن سبقه احلدث‪ .‬وال تفسد برفع اليدين يف تكبريات الزوائد ولكنه يكره‪ .‬والعمل الكثري‪ :‬هو الذي ال‬
‫يشك الناظر لفاعله أنه ليس يف الصالة‪ .‬فإن اشتبه فهو قليل على األصح‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وقال املالكية‪ :‬تبطل الصالة ابلفعل الكثري عمداً أو سهواً كحك جسده‪ ،‬وعبث بلحيته‪ ،‬ووضع رداء على‬
‫مار وإشارة بيد‪ .‬وال تبطل ابلفعل القليل أو اليسر جداً كاإلشارة وحك البشرة‪ ،‬أما املتوسط بني القليل‬
‫كتف‪ ،‬ودفع ّ‬
‫واليسري‪ ،‬كاالنصراف من الصالة‪ ،‬فيبطل عمده دون سهوه‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬تبطل الصالة بكثري العمل عمداً أو سهواً‪ ،‬ال بقليله‪ ،‬وتعرف الكثري والقليل‬
‫ابلعرف والعادة‪ ،‬فاخلطونان والضربتان قليل‪ ،‬والثالث املتواليات عند الشافية كثري‪ .‬ومعىن التوايل‪ :‬أال تعد إحدامها‬
‫منقطعة عن األخرى‪.‬‬

‫وأضاف الشافعية‪ :‬أن العمل الكثري يف العرف يضبط بثالث أفعال فأكثر‪ ،‬ولو أبعضاء متعددة‪ ،‬كأن حرك‬
‫رأسه ويده‪ .‬وحيسب ذهاب اليد وعودها مرة واحدة‪ ،‬ما مل يسكن بينهما‪ ،‬وكذا رفع الرجل‪ ،‬سواء عادت ملوضعها‬
‫الذي كانت فيه أو ال‪ .‬أما ذهاهبا وعودها فمرنان‪ .‬وقد عرفنا أن الوثبة الفاحشة كالعمل الكثري‪ ،‬وكذا حتريك كل‬
‫البدن‪ ،‬أو معظمه ولو من غري نقل قدميه‪.‬‬

‫‪ -4‬استدابر القبلة‪ :‬بتحويل الصدر عنها بغري عذر‪ ،‬عند احلنفية والشافعية‪ ،‬فإن كان بعذر‪ ،‬كاستدابر القبلة‬
‫للذهاب إىل الوضوء‪ ،‬فال تبطل ألنه مغتفر‪ .‬ومن العذر عند الشافعية‪ :‬احنراف اجلاهل والناسي إن عاد عن قرب‪.‬‬

‫فال تبطل الصالة عند املالكية ما مل تتحول قدما املصلي عن مواجهة القبلة‪ .‬وعند احلنابلة‪ :‬ما مل يتحول‬
‫املصلي جبملته عن القبلة‪.‬‬

‫‪ -5‬كشف العورة عمداً أو انكشافها بنحو ريح ومضى مقدار أداء ركن أو مقدار ثالث تسبيحات عند احلنفية إذا‬
‫انكشف ربع عضو من أعضاء العورة‪ ،‬وإن سرتها حاال مل تبطل صالته عند الشافعية واحلنابلة‪ .‬وتبطل الصالة عند‬
‫املالكية مبجرد انكشاف العورة املغلظة مطلقاً‪ ،‬ال غريها‪.‬‬

‫‪ -6‬طروء احلدث األصغر أو األكرب ولو من فاقد الطهورين عمداً أو سهواً‪ ،‬ولو من دائم احلدث‪ .‬لكن لو شك يف‬
‫احلدث استمر‪ .‬ومن احلدث‪ :‬نوم غري املمكن مقعدته من األرض‪ .‬واملفسد للصالة عند احلنفية‪ :‬هو احلدث العمد‬
‫ب عد اجللوس األخري قدر التشهد‪ ،‬أو قبل ذلك‪ ،‬فإن سبقه احلدث قبل السالم بعد اجللوس األخري صحت الصالة‬
‫عندهم‪ .‬كما أنه يبين على صالته استحساانً إن سبقه احلدث من غري قصد يف أثناء الصالة‪ :‬وهو ما خيرج من بدنه‬
‫من بول أو غائط أو ريح أو رعاف أو دم سائل من جرح أو دمل به بغري صنعه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -7‬حدوث النجاسة اليت ال يعفى عنها يف البدن والثوب واملكان‪ :‬فمن تنجس جسده أو ثوبه‪ ،‬أو سجد على‬
‫شيء جنس بنجاسة ال يعفى عنها‪ ،‬أو سالت جناسة داخل فمه أو أنفه أو أذنه‪ ،‬بطلت صالته‪ .‬وال تبطل الصالة‬
‫ابلنجاسة اليت يعفى عنها‪ ،‬وال مبا إذا وقع على ثوبه جناسة ايبسة فنفش ثوبه حاالً‪.‬‬

‫‪ -8‬القهقهة‪ :‬أي الضحك بصوت‪ ،‬تفسد الصالة عند اجلمهور (غري احلنفية) إن ظهر هبا حرفان فأكثر‪ ،‬أو حرف‬
‫مفهم‪ .‬فالبطالن فيها من جهة الكالم املشتملة عليه‪.‬‬

‫‪ -9‬الردة (وهي قطع اإلسالم بقول أو قعل) واملوت واجلنون واإلغماء‪.‬‬

‫‪ -10‬تغيري النية‪ :‬تبطل الصالة بفسخ النية أو تردده فيها‪ ،‬أو عزمه على إبطاهلا أو نية اخلروج من الصالة‪ ،‬أو إبطاهلا‬
‫وإلغاء ما فعله من الصالة‪ ،‬أو شكه هل نوى أو ال‪ ،‬فعمل مع الشك عمالً‪ .‬وهذا متفق عليه‪ .‬وتبطل الصالة أيضاً‬
‫عند احلنفية ابالنتقال من صالة إىل مغايرهتا‪ ،‬كأن ينوي االنتقال من صالته اليت هو فيها إىل صالة أخرى‪ :‬فمن صلى‬
‫ركعة من الظهر‪ ،‬مث افتتح بتكبري العصر أو التطوع‪ ،‬فقد نقض الظهر؛ ألنه صح شروعه يف غريه‪ ،‬فيخرج عنه‪ .‬ولو‬
‫كان يصلي منفرداً يف فرض‪ ،‬فكرب انوايً ابلشروع يف االقتداء إبمام‪ ،‬أو نوى إمامة النساء‪ ،‬فسدت الصالة األوىل‪،‬‬
‫وصار شارعاً يف الصالة الثانية‪.‬‬

‫‪ -11‬اللحن يف القراءة‪ ،‬أو زلة القارئ‪ :‬للحنفية يف هذا رأاين‪ :‬رأي املتقدمني‪ ،‬ومعهم الشافعية يف اجلملة‪ ،‬وهو‬
‫األحوط‪ ،‬ورأي املتأخرين‪ ،‬وهو األيسر‪.‬‬

‫غري املعىن تغرياً يكون اعتقاده كفراً‪ ،‬وبكل ما مل يكن مثله يف القرآن‪ ،‬واملعىن بعيد متغري تغرياً‬
‫تبطل الصالة بكل ما َّ‬
‫فاحشاً‪ ،‬كهذا الغبار مكان {هذا الغراب}‪ ،‬وبكل ما مل يكن له مثل يف القرآن‪ ،‬وال معىن له‪ ،‬كالسرائل مكان‬
‫{السرائر}‪ ،‬وتبطل أيضاً عند أيب حنيف ة وحممد مبا له مثل يف القرآن‪ ،‬واملعىن بعيد‪ ،‬ومل يكن متغرياً تغرياً فاحشاً‪ .‬وال‬
‫َّ‬
‫تبطل عند أيب يوسف‪ ،‬لعموم البلوى‪.‬‬

‫فإن مل يكن له مثل يف القرآن‪ ،‬ومل يتغري به املعىن‪ ،‬كقيامني مكان {ق َّوامني}‪ ،‬فعكس اخلالف السابق‪ :‬ال تبطل عند‬
‫الطرفني‪ ،‬وتبطل عند أيب يوسف‪ .‬وقال املتأخرون‪ :‬إن اخلطأ يف اإلعراب ال يفسد الصالة مطلقاً‪ ،‬ولو كان اعتقاده‬
‫كفراً؛ ألنه أكثر الناس ال مييزون بني وجوه اإلعراب‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -12‬ترك ركن بال قصد‪ ،‬وشرط بال عذر‪ :‬األول‪ :‬مثل ترك سجدة من ركعة‪ ،‬وسلم قبل اإلتيان هبا‪ .‬والثاين‪ :‬كرتك‬
‫سرت العورة بال عذر‪ ،‬فإن وجد عذر كعدم وجود ساتر أو مطهر للنجاسة‪ ،‬وعدم قدرة على استقبال القبلة‪ ،‬فال‬
‫تفسد‪.‬‬

‫‪ -13‬أن يسبق املقتدي إمامه عمداً بركن مل يشاركه فيه‪ :‬كأن يركع ويرفع قبل أن يركع اإلمام‪ .‬فإن كان سهواً‪ ،‬رجع‬
‫إلمامه وال تبطل صالته‪ ،‬لكن احلنفية قالوا‪ :‬تبطل الصالة ولو سبق سهواً إن مل يعد ذلك مع اإلمام‪ ،‬أو بعده ويسلم‬
‫معه‪ ،‬فإن أعاده أو معه أو بعده وسلم معه‪ ،‬فال تبطل‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬ال تبطل صالة املأموم إال بتقدمه عن اإلمام بركنني فعليني بغري عذر‪ ،‬كسهو مثالً‪ ،‬وكذا لو‬
‫ختلف عنه عمداً من غري عذر‪ ،‬كبطء قراءة‪.‬‬

‫‪ -14‬حماذاة املرأة الرجل يف الصالة من غري فرجة تسع مكان ٍ‬


‫مصل أو من غري حائل‪ ،‬سواء أكانت املرأة حمرماً‬
‫كأخت أو بنت‪ ،‬أم غري حمرم كزوجة‪.‬‬

‫وتتحقق احملاذاة عند احلنفية ابلشروط اآلتية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن تكون احملاذاة ابلساق والكعب‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬أن تكون الصالة مشرتكة بينهما يف التحرمية‪ ،‬واألداء‪ ،‬ونية اإلمام إمامتها‪ ،‬أو ابقتدائها مع الرجل إبمام آخر‪ ،‬أو‬
‫ابقتدائها برجل‪ ،‬ومل يشر إليها لتتأخر عنه‪ ،‬فإن مل ينو اإلمام إمامتها‪ ،‬ال تكون معه يف الصالة‪ ،‬وإن مل تتأخر إبشارته‬
‫فسدت صالهتا هي‪ ،‬ال صالته‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬أن يكون مكاهنما متحداً وال حائل بينهما‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬أن تكون املرأة مشتهاة‪.‬‬

‫ومقدار احملاذاة املفسدة‪ :‬أداء ركن عند حممد‪ ،‬أو قدره عند أيب يوسف‪ ،‬ويقدر مبقدار ثالث تسبيحات‪.‬‬

‫‪ -15‬إذا وجد املتيمم ماء قدر على استعماله وهو يف الصالة‪ :‬تبطل الصالة عند احلنابلة واحلنفية مبجرد رؤية‬
‫املاء‪ ،‬إال أن احلنفية قالوا‪ :‬تبطل إذا رأى املاء قبل القعود األخري قدر التشهد‪ ،‬وإال فال تبطل؛ ألن الصالة تكون قد‬
‫متت عندهم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وال تبطل الصالة برؤية املاء عند املالكية والشافعية‪ ،‬إال إذا كان عند املالكية انسياً للماء املوجود‪ ،‬مث تذكره‪ ،‬فتبطل‬
‫الصالة حينئذ إذا اتسع الوقت إلدراك ركعة من الصالة بعد استعماله‪.‬‬

‫‪ -16‬القدرة على الساتر لعورته‪ :‬إذا وجد العراين ثوابً ساتراً لعورته أثناء الصالة واحتاج إىل عمل كثري إلحضاره‪،‬‬
‫بطلت صالته‪ .‬إال أن املالكية قالوا‪ :‬ال تبطل إن كان بعيداً عنه أكثر من حنو صفني من صفوف الصالة غري صفه‪،‬‬
‫وإمنا يكمل الصالة‪ ،‬ويعيدها يف الوقت فقط‪.‬‬

‫‪ -17‬أن يسلم عمداً قبل متام الصالة‪ :‬فإن سلم سهواً‪،‬مل تبطل صالته إذا مل يعمل عمالً كثرياً‪ ،‬ومل يتكلم كالماً‬
‫كثرياً على اخلالف السابق يف حبث (السالم)‪.‬‬

‫‪ -18‬املسارل االثنتا عشرة عند احلنفية خالفاً للصاحبني‪:‬‬

‫تفسد الصالة عند اإلمام أيب حنيفة رمحه هللا ابثنيت عشرة مسألة وهي‪:‬‬

‫رؤية املتيمم املاء‪ ،‬ومتام مدة املسح على اخلفني‪ ،‬وتعلم األمي آية ما مل يكن مقتدايً بقارئ‪ ،‬ووجدان العاري ساتراً‪،‬‬
‫وقدرة املومي على الركوع والسجود‪ ،‬وتذكر فائتة إن كان من أصحاب الرتتيب‪ ،‬واستخالف من ال يصلح إماماً‬
‫كاملرأة‪ ،‬وطلوع الشمس يف صالة الفجر‪ ،‬وزوال الشمس يف صالة العيدين‪ ،‬ودخول وقت العصر يف اجلمعة‪ ،‬وسقوط‬
‫اجلبرية عن برء‪ ،‬وزوال عذر املعذور‪ .‬وهذا متفق عليه مع املالكية إن تذكرها عقد ركعة‪ ،‬فيقطع الصالة إن كان إماما‬
‫أو منفردا‪ ،‬أما املأموم فيتبع إمامه‪ ،‬وال تبطل الصالة بتذكر الفائتة عند الشافعية‪.‬‬

‫وقال الصاحبان‪ :‬ال تفسد الصالة هبذه املذكورات إن حدثت بعد اجللوس األخري بقدر التشهد‪ ،‬عمالً‬
‫حبديث ابن مسعود السابق [إذا قلت أو فعلت هذا‪ ،‬فقد متت صالتك] فإنه نص على أن إمتام الصالة ابلقعود‪،‬‬
‫فال شيء يفرتض بعد ذلك‪ ،‬وافرتضه زايدة على هذا النص‪ ،‬وهذه األمور وإن كانت مفسدة للصالة‪ ،‬إال أهنا حدثت‬
‫بعد متام الفرائض واألركان‪ ،‬فال تفسد الصالة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الدرس السابع‬

‫احكام الصالة‪ :‬صالة اجلماعة‪ ،‬املسبوق واملوافق‪ ،‬صالة اجلمعة‬

‫صالة اجلماعة‬

‫تعريف اجلماعة‬

‫اجلماعة‪ :‬هي االرتباط احلاصل بني صالة اإلمام واملأموم‪ .‬وقد شرع اإلسالم عدة مناسبات ولقاءات اجتماعية بني‬
‫املسلمني ألداء العبادة يف أوقات معلومة‪ ،‬منها أداء الصلوات اخلمس يف اليوم والليلة‪ ،‬ومنها صالة اجلمعة يف‬
‫األسبوع‪ ،‬ومنها صالة العيدين يف السنة مرة ألهل كل بلد‪ ،‬ومنها عام للبالد كلها وهو الوقوف بعرفة يف السنة مرة‪،‬‬
‫ألجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع‪.‬‬

‫مشروعية اجلماعة وفضلها وحكمتها‬

‫الصالة ‪}..‬‬
‫اجلماعة مشروعة ابلكتاب والسنة واإلمجاع‪ .‬أما الكتاب‪ :‬فقوله تعاىل‪{ :‬وإذا كنت فيهم فأقمت هلم َّ‬
‫اآلية‪ ،‬أمر هللا ابجلماعة يف حالة اخلوف أثناء اجلهاد‪ ،‬ففي األمن أوىل‪ ،‬ولومل تكن مطلوبة لرخص فيها حالة اخلوف‪،‬‬
‫ومل جيز اإلخالل بواجبات الصالة من أجلها‪.‬‬

‫وأما السنة‪ :‬فقوله )ص(‪[ :‬صالة اجلماعة أفضل من صالة الفذ‪ ،‬بسبع وعشرين درجة] وف رواية‪[ :‬خبمس‬
‫وعشرين درجة]‪.‬‬

‫وأما اإلمجاع‪ :‬فقد أمجع الصحابة على مشروعيتها بعد اهلجرة‪ .‬جاء يف اإلحياء للغزايل عن سليمان الداراين‬
‫يفوت أحد صالة اجلماعة إال بذنب أذنبه‪ ،‬قال‪ :‬وكان السلف يعزون أنفسهم ثالثة أايم إذا فاتتهم‬ ‫أنه قال‪ :‬ال ّ‬
‫التكبرية األوىل‪ ،‬وسبعة أايم إذا فاتتهم اجلماعة‪.‬‬

‫وفضلها‪ :‬كما ذكر يف احلديث السابق أهنا أفضل من صالة املنفرد بسبع وعشرين درجة‪ ،‬وأن بكل خطوة إليها حسنة‬
‫ورفع درجة‪ ،‬كما يف حديث ابن مسعود رضي هللا عنه‪[ :‬من سره أن يلقى هللا تعاىل غداً مسلماً‪ ،‬فليحافظ على هؤالء‬
‫الصلوات‪ ،‬حيث ينادى هبن‪ ،‬فإن هللا تعاىل شرع لنبيكم )ص( سنن اهلدى‪ ،‬وأهنن من سنن اهلدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم‬
‫يف بيوتكم‪ ،‬كما يصلي هذا املتخلف يف بيته‪ ،‬لرتكتم سنة نبيكم )ص(‪ ،‬ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم‪ ،‬وما من رجل‬

‫‪64‬‬
‫يتطهر فيحسن الطُّهور‪ ،‬مث ي عمد إىل مسجد من هذه املساجد‪ ،‬إال كتب هللا له بكل خطوة خيطوها حسنة‪ ،‬ويرفعه هبا‬
‫درجة‪ ،‬وحيط عنه سيئة‪ ،‬ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بني‬
‫الرجلني حىت يقام يف الصف]‪.‬‬

‫وأهنا أيضاً نور املسلم يوم القيامة‪ ،‬كما يف قوله )ص(‪[ :‬بشر العشاءين يف الظلم إىل املساجد ابلنور التام يوم‬
‫القيامة]‪.‬‬

‫وآكد اجلماعات يف غري اجلمعة‪ :‬مجاعة الصبح مث العشاء مث العصر‪ ،‬للحديثني اآلتيني‪ :‬عن أيب هريرة رضي‬
‫هللا عنه أن رسول هللا )ص( قال‪[ :‬لو يعلم الناس ما يف النداء والصف األول‪ ،‬مث مل جيدوا إال أن يستهموا عليه‪،‬‬
‫الستهموا عليه‪ ،‬ولو يعلمون ما يف التهجري‪ ،‬الستبقوا إليه‪ ،‬ولو يعلمون ما يف العتمة والصبح ألتومها‪ ،‬ولو حبواً]‪.‬‬

‫وحكمتها‪ :‬حتقيق التآلف والتعارف والتعاون بني املسلمني‪ ،‬وغرس أصول احملبة والود يف قلوهبم‪ ،‬وإشعارهم أبهنم إخوة‬
‫متساوون متضامنون يف السراء والضراء‪ ،‬دون فارق بينهم يف الدرجة أو الرتبة أو احلرفة أو الثروة واجلاه‪ ،‬أو الغىن‬
‫والفقر‪.‬‬

‫وفيها تعويد على النظام واالنضباط وحب الطاعة يف الرب واملعروف‪ ،‬وتنعكس آاثر ذلك كله على احلياة‬
‫العامة واخلاصة‪ ،‬فتثمر الصالة مجاعة أطيب الثمرات‪ ،‬وحتقق أبعد األهداف‪ ،‬وتريب الناس على أفضل أصول الرتبية‪،‬‬
‫وتربط أبناء اجملتمع أبقوى الروابط؛ ألن رهبم واحد‪ ،‬وإمامهم واحد‪ ،‬وغايتهم واحدة‪ ،‬وسبيلهم واحدة‪.‬‬

‫حكم صالة اجلماعة‬

‫صالة اجلماعة إما سنة مؤكدة أو فرض‪ .‬فقال احلنفية واملالكية‪ :‬اجلماعة يف الفرائض غ ري اجلمع ة سن ة مؤكدة‪ ،‬للرجال‬
‫العاقلني الق ادرين عليها من غري حرج‪ ،‬فال جتب على النساء والصبيان واجملانني والعبيد واملقعد واملريض والشيخ اهلرم‬
‫ومقطوع اليد والرجل من خالف‪ .‬وكوهنا سنة؛ ألن ظاهر احلديث السابق [صالة اجلماعة تفضل صالة الفذ خبمس‬
‫وعشرين درجة‪ ،‬أو بسبع وعشرين درجة] يدل على أن الصالة يف اجلماعات من جنس املندوب إليه‪ ،‬وكأهنا كمال‬
‫زائد على الصالة الواجبة‪ ،‬فكأنه قال عليه الصالة والسالم‪ :‬صالة اجلماعة أكمل من صالة املنفرد‪ ،‬والكمال إمنا هو‬
‫شيء زائد على اإلجزاء‪ .‬ويؤكده ما روي من حديث آخر [اجلماعة من سنن اهلدى‪ ،‬ال يتخلف عنها إال منافق]‪.‬‬
‫وهذا الرأي ليسره أوىل من غريه‪ ،‬خصوصاً يف وقتنا احلاضر حيث ازدمحت األشغال واالرتباط مبواعيد عمل معينة‪ ،‬فإن‬
‫تيسر لواحد املشاركة يف اجلماعة‪ ،‬وجب حتقيقاً لشعائر اإلسالم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وقال الشافعية يف األصح املنصوص‪ :‬اجلماعة فرض كفاية‪ ،‬لرجال أحرار مقيمني‪ ،‬ال عراة‪ ،‬يف أداء مكتوبة‪،‬‬
‫حبيث يظهر الشعار أي شعار اجلماعة إبقامتها‪ ،‬يف كل بلد صغري أو كبري‪ .‬فإن امتنعوا كلُّهم من إقامتها قوتلوا (أي‬
‫قاتلهم اإلمام أو انئبه دون آحاد الناس)‪ ،‬وال يتأكد الندب للنساء أتكده للرجال يف األصح‪ .‬بدليل قوله )ص( [ما‬
‫من ثالثة يف قرية وال بدو ال تقام فيهم اجلماعة إال استحوذ عليهم الشيطان‪ ،‬فعليك ابجلماعة فإمنا أيكل الذئب من‬
‫الغنم القاصية]‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬اجلماعة واجبة وجوب عني‪ ،‬لآلية السابقة {وإذا كنت فيهم ‪ }..‬ويؤكده قوله تعاىل {واركعوا‬
‫الراكعني}‪ ،‬وحديث أيب هريرة [أثقل صالة على املنافقني‪ :‬صالة العشاء وصالة الفجر ‪ ،]..‬ويف حديثه أي أيب‬
‫مع َّ‬
‫هريرة أيضاً‪ :‬أن رسول هللا )ص( قال [والذي نفسي بيده‪ ،‬لقد مهمت أن آمر حبطب ليحتطب‪ ،‬مث آمر ابلصالة‬
‫فأحر عليهم بيوهتم]‪ ،‬وحديث‬
‫فيؤذن هلا‪ ،‬مث آمر رجالً‪ ،‬فيؤم الناس‪ ،‬مث أخالف إىل رجال ال يشهدون الصالة‪ّ ،‬‬
‫األعمى املشهور‪ :‬وهو [أن رجالً أعمى‪ ،‬قال‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬ليس يل قائد يقودين إىل املسجد‪ ،‬فسأل النيب )ص( أن‬
‫وىل دعاه‪ ،‬فقال‪ :‬هل تسمع النداء ؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأجب]‪،‬‬ ‫يرخص له‪ ،‬فيصلي يف بيته‪ ،‬فرخص له‪ ،‬فلما َّ‬
‫وحديث ابن مسعود السابق [لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق ‪ ]..‬وحديث جابر وأيب هريرة [ال‬
‫صالة جلار املسجد إال يف املسجد]‪.‬‬

‫أقل اجلماعة أو من تنعقد به اجلماعة‬

‫أقل اجلماعة اثنان‪ :‬إمام ومأموم ولو مع صيب عند الشافعية واحلنفية‪ ،‬وال تنعقد اجلماعة مع صيب مميز عند املالكية‬
‫واحلنابلة؛ لكن عند احلنابلة يف فرض ال نفل فتصح به؛ ألن الصيب ال يصلح إماماً يف الفرض‪ ،‬ويصح أن يؤم صغرياً‬
‫يف نفل؛ ألن النيب ّأم ابن عباس‪ ،‬وهو صيب يف التهجد‪ .‬ودليلهم على أقل اجلماعة‪ :‬قوله )ص( [االثنان فما فوقهما‬
‫مجاعة]‪.‬‬

‫أفضل اجلماعة‪ ،‬وحضور النساء املساجد‬

‫اجلماعة يف املسجد لغري املرأة أو اخلنثى أفضل منها يف غري املسجد‪ ،‬كالبيت ومجاعة املرأة‪ ،‬خلرب الصحيحن [صلوا‬
‫أيها الناس يف بيوتكم‪ ،‬فإن أفضل صالة املرء يف بيته إال املكتوبة] أي فهي يف املسجد أفضل؛ ألن مشتمل على‬
‫الشرف والطهارة وإظهار الشعائر وكثرة اجلماعة‪.‬‬

‫إدراك الفريضة مع اإلمام‬

‫‪66‬‬
‫اتفق أئمة املذاهب على من أدرك اإلمام راكعاً يف ركوعه‪ ،‬فإنه يدرك الركعة مع اإلمام‪ ،‬وتسقط عنه القراءة كما بينا‬
‫سابقاً‪ ،‬لقوله )ص( [من أدرك ركعة من الصالة مع اإلمام‪ ،‬فقد أدرك الصالة] فإن ركع بعد رفع اإلمام رأسه من‬
‫الركوع‪ ،‬مل حتسب الركعة‪ .‬لكن املالكية قالوا‪ :‬إمنا تدرك الركعة مع اإلمام ابحنناء املأموم يف أول ركعة له مع اإلمام قبل‬
‫اعتدال اإلمام من ركوعه‪ ،‬ولو حال رفعه‪ ،‬ولو مل يطمئن املأموم يف ركوعه إال بعد اعتدال اإلمام مطمئناً‪ ،‬مث يكرب لركوع‬
‫أو سجود بعد تكبرية اإلحرام‪ ،‬وال يؤخر الدخول مع اإلمام يف أي حالة من احلاالت حىت يقوم للركعة اليت تليها‪ ،‬وإن‬
‫شك هل ركع قبل اعتدال اإلمام أو بعده مل حتسب له الركعة‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬من أدرك اإلمام راكعاً‪ ،‬أجزأته تكبرية اإلحرام عن تكبرية الركوع نصاً ألنه فعل زيد بن اثبت‬
‫وابن عمر‪ ،‬وال يعرف هلما خمالف يف الصحابة‪ ،‬وألنه اجتمع عبادنان من جنس واحد‪ ،‬فأجزأ الركن عن الواجب‪،‬‬
‫كطواف الزايرة والوداع‪ .‬واشرتط الشافعية كاملالكية تكبرية الركوع عدا تكبرية اإلحرام ليدرك جزءاً من القيام‪.‬‬

‫وهل يركع من أدرك اإلمام راكعاً دون الصف؟‬

‫قال املالكية‪ :‬حيرم (أي يكرب تكبرية اإلحرام) من خشي فوات ركعة برفع اإلمام من ركوعه إن مل حيرم‪ ،‬دون الصف‪ ،‬إن‬
‫ظن إدراكه قبل رفع رأس اإلمام من الركوع‪ .‬فإن مل يظن إدراك الصف قبل رفع اإلمام‪ ،‬نابع مشيه بال خبب (هرولة)‪،‬‬
‫إال أن تكون الركعة األخرية من صالة اإلمام‪ ،‬فإنه حيرم يف مكانه دون الصف‪ ،‬لئال تفوته الصالة‪ ،‬مث مشي‪ ،‬حىت‬
‫يدخل يف الصف‪.‬‬

‫وقال احلنابلة وغريهم من بقية الفقهاء‪ :‬ال يركع دون الصف إال إذا مشى ودخل يف الصف قبل رفع اإلمام‬
‫رأسه من الركوع ‪ ،‬أو أييت آخر فيقف معه‪ .‬ومجلة ذلك‪ :‬أن من ركع دون الصف مث دخل فيه ال خيلو من ثالثة‬
‫أحوال‪:‬‬

‫أ‪ -‬إذا صلى ركعة كاملة‪ ،‬فال تصح صالته‪ ،‬لقول النيب )ص( [ال صالة لفرد خلف الصف]‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن ميشي راكعاً حىت يدخل يف الصف قبل رفع اإلمام رأسه من الركوع‪ ،‬أو أن أييت آخر‪ ،‬فيقف معه قبل أو يرفع‬
‫اإلمام رأسه من الركوع‪ ،‬فإن صالته تصح ألنه أدرك مع اإلمام يف الصف ما يدرك به الركعة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ج ‪ -‬إذا دخل يف الصف بعد رفع رأسه من الركوع‪ :‬فمىت كان جاهالً بتحرمي ذلك‪ ،‬صحت صالته‪ ،‬وإن علم مل تصح‪،‬‬
‫بدليل ما روى البخاري وغريه [أن أاب بكرة انتهى إىل النيب )ص(‪ ،‬وهو راكع‪ ،‬فركع قبل أن يصل إىل الصف‪ ،‬فذكر‬
‫ذلك للنيب )ص( فقال‪ :‬زادك هللا حرصاً‪ ،‬وال تعد]‪ ،‬فلم أيمره إبعادة الصالة وهنى عن العود‪.‬‬

‫إعادة املنفرد الصالة مجاعة‬

‫اتفق الفقهاء على أنه جيوز ملن صلى منفرداً أن يعيد الصالة يف مجاعة وتكون الثانية نفالً‪ ،‬عمالً مبا ثبت يف السنة يف‬
‫حديث يزيد بن األسود السابق‪ ،‬ويف حديث آخر أن رجالً جاء إىل املسجد بعد صالة النيب )ص( العصر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫[من يتصدق على هذا‪ ،‬فيصلي معه؟ فصلى معه رجل من القوم]‪.‬‬

‫ولكن للفقهاء تفصيل يف إعادة الصالة‪:‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬جيوز للمنفرد إعادة الصالة مع إمام مجاعة‪ ،‬وتكون صالته الثانية نفالً بدليل حديث يزيد بن األسود‬
‫السابق يف حبث إدراك الفريضة‪ ،‬والذي قال فيه النيب )ص( لرجلني يف أخرايت الصفوف‪ ،‬مل يصليا معه صالة الظهر‬
‫[إذا صليتما يف رحالكما‪ ،‬مث أتيتما مسجد مجاعة‪ ،‬فصليا معهم فإهنا لكما انفلة]‪ .‬وإذا كانت نفالً‪ ،‬أعطيت حكم‬
‫النافلة‪ ،‬فتكره إعادة صالة العصر؛ ألن النفل ممنوع بعد العصر‪ ،‬وتكره صالة النفل خلف النفل إذا كانت اجلماعة‬
‫أكثر من ثالثة‪ ،‬وإال فال تكره إن أعادوها بدون أذان‪ ،‬وتكره مطلقاً إن أعادوها أبذان‪ .‬وجتوز إذا كان إمامه يصلي‬
‫فرضاً‪ ،‬ال نفالً؛ ألن صالة النافلة خلف الفرض غري مكروهة‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬من صلى يف مجاعة مل يعد يف أخرى إال إذا دخل أحد املساجد الثالثة فيندب له اإلعادة‪.‬‬
‫ومن صلى منفرداً جازت له اإلعادة يف مجاعة‪ :‬اثنني فأكثر‪ ،‬ال مع واحد‪ ،‬إال إذا كان مع راتباً مبسجد‪ ،‬فيعيد معه؛‬
‫ألن الراتب كاجلماعة‪ ،‬ويعيد كل الصلوات غري املغرب‪ ،‬والعشاء بعد الوتر‪ ،‬فتحرم إعادهتما لتحصيل فضل جلماعة‪،‬‬
‫أما املغرب فال تعاد؛ ألهنا تصري مع األول شفعاً؛ ألن املعادة يف حكم النفل‪ ،‬والعشاء تعاد قبل الوتر‪ ،‬وال تعاد بعده؛‬
‫ألنه إن أعاد الوتر يلزم خمالفة قوله )ص( [ال وتران يف ليلة]‪ ،‬وإن مل يعده‪ ،‬لزم خمالفة [اجعلوا آخر صالتكم من الليل‬
‫وتراً]‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يسن للمصلي وحده‪ ،‬وكذا للجماعة يف األصح‪ :‬إعادة الفرض بنية الفرض يف األصح مع‬
‫منفرد أو مع مجاعة يدركها يف الوقت ولو ركعة فيه عل ى الراجح‪ ،‬ولو كان الوقت وقت كراهة‪ ،‬وتكون اإلعادة مرة‬
‫واحدة على الراجح‪ ،‬وال يندب أن يعيد الصالة املنذورة وال صالة اجلنازة‪ ،‬إذ ال يتنفل هبا‪ ،‬ويشرتط أن تكون الصالة‬

‫‪68‬‬
‫الثانية صحيحة وإن مل تغن عن القضاء‪ ،‬وأال ينفرد وقت اإلحرام ابلصالة الثانية عن الصف مع إمكان دخوله فيه‪،‬‬
‫وأن تكون الصالة الثانية من قيام لقادر‪ ،‬وأن تكون اجلماعة مطلوبة يف حق من يعيدها‪ ،‬فإن كان عارايً فال يعيدها يف‬
‫ظالم‪ .‬ويصح أن يكون املعيد إماماً‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬يستحب ملن صلى فرضه منفرداً أو يف مجاعة أن يعيد الصالة إذا أقيمت اجلماعة وهو يف‬
‫املسجد‪ ،‬ولو كان وقت اإلعادة وقت هني‪ ،‬سواء أكانت اإلعادة مع اإلمام الراتب أو غريه‪ ،‬إال املغرب‪ ،‬فال تسن‬
‫إعادهتا؛ ألن املعادة تطوع‪ ،‬وهو ال يكون بوتر‪ .‬وتكون صالته األوىل فرضه‪ ،‬حلديث يزيد ابن األسود السابق‪ .‬وينوي‬
‫ابلثانية كوهنا معادة؛ ألن األوىل أسقطت الفرض‪ .‬وإن نوى املعادة نفالً صح‪ ،‬ملطابقته الواقع‪ ،‬وإن نواها ظهراً مثالً‪،‬‬
‫صحت وكانت نفالً‪.‬‬

‫وقت استحباب القيام للجماعة أو للصالة‬

‫عرفنا يف حبث أحكام اإلقامة للصالة أن للفقهاء آراء أربعة يف وقت استحباب القيام لصالة اجلماعة‪ ،‬نوجزها هنا‪:‬‬

‫ذهب احلنفية‪ :‬إىل أن املصلي يقوم عند (حي على الفالح) وبعد قيام اإلمام‪.‬‬

‫وذهب احلنابلة‪ :‬إىل أنه يقوم عند (قد قامت الصالة)‪.‬‬

‫ورأى الشافعية‪ :‬أنه يقوم بعد انتهاء املقيم من اإلقامة‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬ذلك موكول إىل قدر طاقة الناس‪ ،‬حال اإلقامة أو أوهلا أو بعدها‪ ،‬إذ ليس يف هذا شرع مسموع إال‬
‫حديث أيب قتادة السابق‪ :‬أنه عليه الصالة والسالم قال [إذا أقيمت الصالة فال تقوموا حىت تروين] قال ابن رشد‪ :‬فإن‬
‫صح هذا ‪-‬وقد بينا أنه حديث متفق عليه‪ -‬وجب العمل به‪ ،‬وإال فاملسألة ابقية على أصلها املعفو عنه‪ ،‬أعىن أنه‬
‫ليس فيها شرع‪ ،‬وأنه مىت قام كل واحد‪ ،‬فحسن‪.‬‬

‫تعريف اإلمامة ونوعاها‬

‫كل من يقتدى به ويتبع يف خري أو شر‪ ،‬فهو إمام‪ ،‬قال هللا تعاىل {وجعلنا من هم أئ َّمةً ي هدون أبمران}‪ ،‬وقال‬
‫{وجعلناهم أئ َّم ًة يدعون إىل النَّار}‪.‬‬

‫واإلمامة نوعان‪ :‬وكربى وصغرى‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫فالكربى‪ :‬استحقاق تصرف عام على األانم أي على اخللق‪ ،‬واملقصود ابلتصرف العام‪ :‬طاعة اإلمام‪ .‬أو هي رايسة‬
‫عامة يف الدين والدنيا‪ ،‬خالفة عن النيب )ص(‪ .‬قال املاوردي‪ :‬اإلمامة موضوعة خلالفة النبوة يف حراسة الدين وسياسة‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫واإلمامة الصغرى‪ :‬هي إمامة الصالة‪ ،‬وهي ارتباط صالة املؤمت ابإلمام‪.‬‬

‫شروط صحة اإلمامة أو اجلماعة‬

‫‪ -1‬اإلسالم‪ :‬فال تصح إمامة الكافر ابالتفاق‪ .‬وذكر احلنابلة‪ :‬إذا صلى خلف من شك يف إسالمه‪ ،‬أو كونه خنثى‪،‬‬
‫فصالته صحيحة‪ ،‬مامل ينب كفره‪ ،‬وكونه خنثى مشكالً؛ ألن الظاهر من املصلني اإلسالم‪ ،‬سيما إذا كان إماماً‪،‬‬
‫والظاهر السالمة من كونه خنثى‪ ،‬سيما من يؤم الرجال‪ .‬فإن تبني بعد الصالة أنه كان كافراً أو خنثى مشكالً فعليه‬
‫اإلعادة‪ .‬وحيكم إبسالم الشخص ابلصالة‪ ،‬سواء أكان يف دار احلرب أم يف دار اإلسالم‪ ،‬وسواء صلى مجاعة أو‬
‫منفرداً‪ ،‬فإن أقام بعد ذلك على اإلسالم‪ ،‬فال كالم‪ ،‬وإن مل يقم عليه‪ ،‬فهو مرتد‪ ،‬جيري عليه أحكام املرتدين‪ .‬وإن‬
‫مات قبل ظهور ما ينايف اإلسالم فهو مسلم‪ ،‬يرثه ورثته املسلمون دون الكافرين‪.‬‬

‫وكذلك قال الشافعية‪ :‬لو ابن كون اإلمام كافراً أو امرأة‪ ،‬وجبت إعادة الصالة‪.‬‬

‫‪ -2‬العقل‪ :‬فال تصح الصالة خلف جمنون؛ ألن صالته لنفسه ابطلة‪ .‬فإن كان جنونه منقطعاً‪ ،‬صحت الصالة وراءه‬
‫حال إفاقته‪ ،‬ولن يكره االقتداء به‪ ،‬لئال يعرض الصالة لإلبطال يف أثنائها‪ ،‬لوجود اجلنون فيها‪ ،‬والصالة صحيحة؛‬
‫ألن األصل السالمة‪ ،‬فال تفسد ابالحتمال‪ .‬ويالحظ أن َّ‬
‫عد هذين الشرطني من شروط اإلمام مساحة‪ ،‬إذ مها‬
‫شرطان يف الصالة مطلقاً‪ .‬واملعتوه والسكران مثل اجلنون ال تصح الصالة خلفهما‪ ،‬كما ال تصح صالهتما‪.‬‬

‫‪ -3‬البلوغ‪ :‬فال تصح إمامة املميز عند اجلمهور للبالغ‪ ،‬يف فرض أو نفل عند احلنفية‪ ،‬ويف فرض فقط عند املالكية‬
‫واحلنابلة‪ ،‬أما يف النفل ككسوف وتراويح فتصح إمامته ملثله‪ ،‬ألنه متنفل يؤم متنفالً‪ ،‬ودليلهم ما روى األثرم عن ابن‬
‫مسعود وابن عباس [ال يؤم الغالم حىت حيتلم] وألن اإلمامة حال كمال‪ ،‬والصيب ليس من أهل الكمال‪ ،‬وألنه ال يؤمن‬
‫الصيب إلخالله بشروط الصالة أو القراءة‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬جيوز اقتداء البالغ ابلصيب املميز‪ ،‬ملا روى عن عمرو بن سلمة قال‪ :‬أممت على عهد عهد رسول هللا‬
‫)ص( وأان غالم ابن سبع سنني‪ ،‬واألصح صحة إمامة الصيب عندهم يف اجلمعة أيضاً‪ ،‬مع الكراهة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -4‬الذكورة احملققة إذا كان املقتدي به رجالً أو خنثى‪ :‬فال تصح إمامة املرأة واخلنثى للرجال‪ ،‬ال يف فرض وال يف نفل‪.‬‬
‫أما إن كان املقتدي نساء فال تشرتط الذكورة يف إمامهن عند اجلمهور‪ ،‬فتصح إمامة املرأة للنساء عندهم‪ ،‬بدليل ما‬
‫روي عن عائشة وأم سلمة وعطاء‪ :‬أن املرأة تؤم النساء‪ ،‬وروى الدارقطين عن أم ورقة‪ :‬أنه )ص( [أذن هلا أن تؤم نساء‬
‫دارها]‪.‬‬

‫وال تكره عند الشافعية مجاعة النساء‪ ،‬بل تستحب وتقف وسطهن‪ ،‬وروي عن أمحد روايتان‪ :‬رواية أن ذلك مستحب‪،‬‬
‫ورواية أن ذلك غري مستحب‪.‬‬

‫وال تصح إمامة النساء عند املالكية‪ ،‬وتشرتط الذكورة يف اإلمام‪.‬‬

‫‪ -5‬الطهارة من احلدث واخلبث‪ :‬فال تصح إمامة احملدث‪ ،‬أو من عليه جناسة لبطالن صالته‪ ،‬سواء عند اجلمهور‬
‫أكان عاملاً بذلك أم انسياً‪ .‬وقا ل املالكية‪ :‬الشرط‪ :‬عدم تعمد احلدث‪ ،‬وإن مل يعلم اإلمام بذلك إال بعد الفراغ من‬
‫الصالة‪ ،‬فإن تعمد اإلمام احلدث‪ ،‬بطلت صالته وصالة من اقتدى به‪ ،‬وإن كان انسياً‪ ،‬فصالته صحيحة إن مل يعلم‬
‫ابلنجاسة إال بعد الفراغ من الصالة؛ ألن الطهارة من اخلبث شرط لصحة الصالة مع العلم فقط عندهم‪ ،‬وال يصح‬
‫االقتداء ابحملدث أو اجلنب إن علم ذلك‪ ،‬وتصح صالة املقتدين‪ ،‬وهلم ثواب اجلماعة ابتفاق املذاهب األربعة إال يف‬
‫اجلمعة عند الشافعية واحلنابلة إذا كان املصلون ابإلمام أربعني مع احملدث أو املتنجس‪ ،‬إن علموا حبدث اإلمام أو‬
‫بوجود جناسة عليه‪ ،‬بعد الفراغ من الصالة‪ ،‬لقوله )ص( [إذا صلى اجلنب ابلقوم‪ ،‬أعاد صالته‪ ،‬ومتت للقوم صالهتم]‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬ال يصح االقتداء مبن تلزمه إعادة الصالة كمقيم تيمم لفقد املاء‪ ،‬ومن على بدنه جناسة خياف‬
‫من غسلها‪ ،‬وحمدث صلى لفقد الطهورين‪.‬‬

‫‪ -6‬إحسان القراءة واألركان‪ :‬أي حيسن اإلمام قراءة ماال تصح الصالة إال به‪ ،‬وأن يقوم ابألركان‪ ،‬فال يصح اقتداء‬
‫قارئ أبمي عند اجلمهور‪ ،‬وجتب اإلعادة على القارئ املؤمت به‪ ،‬كما ال تصح الصالة خلف أخرس ولو أبخرس مثله‪،‬‬
‫وال خلف عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو استقبال القبلة‪ ،‬أو اجتناب النجاسة‪ ،‬إال مبثله‪ ،‬فتصح الصالة خلف‬
‫املماثل‪ ،‬إال ثالثة عند احلنفية‪ :‬اخلنثى املشكل واملستحاضة واملتحرية الحتمال احليض‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬يشرتط يف اإلمام القدرة على األركان‪ ،‬فإن عجز عن ركن منها‪ ،‬قويل كالفاحتة أو فعلي كالركوع‬
‫أو السجود أو القيام‪ ،‬مل يصح االقتداء به‪ ،‬إال إذا تساوى اإلمام واملأموم يف العجز‪ ،‬فيصح اقتداء أمي مبثله إن مل‬

‫‪71‬‬
‫يوجد قارئ على األصح‪ ،‬ويصح اقتداء أخرس مبثله‪ ،‬وعاجز عن القيام صلى جالساً مبثله‪ ،‬إال املومئ أي الذي فرضه‬
‫اإلمياء من قيام أو جلوس أو اضطجاع‪ ،‬فال يصح له على املشهور االقتداء مبثله‪.‬‬

‫‪ -7‬كونه غري مأموم‪ :‬فال يصح االقتداء مبأموم (مقتد) بغريه‪ ،‬يف حال قدرته؛ ألنه نابع لغريه يلحقه سهوه‪ ،‬ومن شأن‬
‫اإلمام االستقالل‪ ،‬وأن يتحمل هو سهو غريه‪ ،‬فال جيتمعان‪ ،‬وهذا إمجاع‪.‬‬

‫أما االقتداء مبن كان مقتدايً اإلمام (وهو املسبوق) بعد انقطاع القدرة‪ :‬ففيه آراء‪:‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬ال جيوز اق تداء املسبوق بغريه وال االقتداء به‪ ،‬ألنه يف األصل تبع لغريه‪ ،‬فهو يف موضع االقتداء‪،‬‬
‫واالقتداء بناء التحرمية على التحرمية‪ ،‬فاملقتدي عقد حترميته ملا انعقدت له حترمية اإلمام‪ ،‬فكلما انعقدت له حترمية‬
‫اإلمام‪ ،‬جاز البناء من املقتدي‪ ،‬وماال فال‪.‬‬

‫وكذلك قال املالكية ‪ :‬ال جيوز االقتداء مبسبوق قام لقضاء ما عليه‪ ،‬فاقتدى به غريه‪ ،‬ولو مل يعلم أبن إمامه‬
‫مأموم‪ ،‬إال بعد الفراغ من صالته‪ .‬أما املدرك‪ :‬وهو من أدرك مع اإلمام ما دون ركعة‪ ،‬فيصح االقتداء به إذا قام‬
‫لصالته‪ ،‬وينوي املدرك اإلمامية بعد أن كان انواي املأمومية؛ ألنه منفرد مل يثبت له حكم املأمومية‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬إن صلى اإلمام فائتم أحد املصلني بصاحبه يف قضاء ما فاهتما‪ ،‬صح‪ ،‬أو ائتم مقيم مبثله فيما‬
‫بقي من صالهتما إذا سلم إمام مسافر‪ ،‬صح ذلك؛ ألنه انتقال من مجاعة إىل مجاعة أخرى‪ ،‬لعذر‪ ،‬فجاز‬
‫كاالستخالف‪ ،‬بدليل قصة أيب بكر‪ :‬وهي أن النيب )ص( جاء وأبو بكر يف الصالة‪ ،‬فتأخر أبو بكر‪ ،‬وتقدم النيب‬
‫)ص(‪ ،‬فائتم هبم الصالة‪ .‬وفعل هذا مرة أخرى‪ ،‬وكال احلديثني صحيح متفق عليهما‪.‬‬

‫كما يصح االقتداء مبن كان مسبوقاً بعد أن سلم إمامه‪ ،‬أو بعد أن نوى مفارقة اإلمام‪ ،‬وتصح عندهم نية‬
‫املفارقة‪ ،‬يف غري اجلمعة‪ ،‬أما فيها فال تصح االقتداء‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬تنقطع القدوة مبجرد خروج اإلمام من صالته بسالم من حدث أو غريه‪ ،‬لزوال الرابطة‪،‬‬
‫وحينئذ فيسجد لسهو نفسه‪ ،‬ويقتدي بغريه‪ ،‬وغريه به‪.‬‬

‫‪ -8‬اشرتط احلنفية واحلنابلة‪ :‬السالمة من األعذار‪ ،‬كالرعاف الدائم‪ ،‬وانفالت الريح‪ ،‬وسلس البول‪ ،‬وحنوها‪ ،‬فال تصح‬
‫إمامة من قام به عذر من هذه األعذار إال ملعذور مثله‪ ،‬بشرط أن يتحد عذرمها؛ ألنه )ص( [صلى أبصحابه يف املطر‬
‫ابإلمياء]‪ ،‬فإن اختلف العذر مل جيز‪ ،‬فيصلي من به سلس البول خلف مثله‪ ،‬أما إذا صلى خلف من به السلس‬

‫‪72‬‬
‫وانفالت الريح‪ ،‬ال جيوز؛ ألن اإلمام صاحب عذرين‪ ،‬واملؤمت صاحب عذر واحد‪ .‬والذي يصح هو اقتداء ذي عذرين‬
‫بذي عذر‪ ،‬وال عكسه‪.‬‬

‫ومل يشرتط املالكية هذا الشرط‪ ،‬وإمنا يكره أن يؤم صاحب العذر من ليس به عذر‪ ،‬ألنه يصح عندهم إمامة‬
‫من به سلس البول إذا الزمه ولو نصف الزمن‪ ،‬وكذا من به انفالت ريح أو غري ذلك مما ال ينقض الوضوء عندهم‪.‬‬

‫وكذلك مل يشرتط الشافعية هذا الشرط‪ ،‬فتصح إمامة صاحب العذر الذي ال جتب معه إعادة الصالة ملقتد‬
‫سليم‪.‬‬

‫‪ -9‬أن يكون اإلمام صحيح اللسان‪ ،‬حبيث ينطق ابحلروف على وجهها‪ ،‬فال تصح إمامة األلثغ وهو من يبدل الراء‬
‫غيناً‪ ،‬أو السني اثء‪ ،‬أو الذال زاايً‪ ،‬لعدم املساواة‪ ،‬إال إذا املقتدي مثله يف احلال‪.‬‬

‫‪ -10‬اشرتط احلنفية والشافعية‪ :‬أن تكون صالة اإلمام صحيحة يف مذهب املأموم‪ :‬فلو صلى حنفي خلف شافعي‬
‫سال منه جم‪ ،‬ومل يتوضأ بعده‪ ،‬أو صلى شافعي خلف حنفي ملس امرأة مثالً‪ ،‬فصالة املأموم ابطلة؛ ألنه يرى بطالن‬
‫صالة إمامه‪.‬‬

‫وزاد احلنفية أنه تكره الصالة خلف شافعي‪ .‬وقال الشافعية‪ :‬األفضل الصالة خلف إمام شافعي‪ ،‬ال حنفي‬
‫أو غريه ممن ال يعتقد وجوب بعض األركان والشروط‪ ،‬وإن علم اإلتيان هبا؛ ألنه مع ذلك ال يعتقد وجوب بعض‬
‫األركان‪.‬‬

‫وقال املالكية واحلنابلة‪ :‬ما كان شرطاً يف صحة الصالة‪ ،‬فالعربة فيه مبذهب اإلمام فقط‪ ،‬فلو اقتدى مالكي‬
‫أو حنبلي حبنفي أو شافعي مل ميسح مجيع الرأس يف الوضوء‪ ،‬ألنه شرط عند األولني‪ ،‬فصالته صحيحة‪ ،‬لصحة صالة‬
‫اإلمام يف مذهبه‪.‬‬

‫‪ -11‬اشرتاط احلنابلة أن يكون اإلمام عدالً‪ ،‬فال تصح إمامة الفاسق ولو مبثله‪ ،‬فلو صلى شخص خلف الفاسق‪ ،‬مث‬
‫علم بفسقه‪ ،‬وجبت عليه إعادة الصالة‪ ،‬إال يف صالة اجلمعة والعيدين‪ ،‬فإهنما تصحان خلف الفاسق إن مل تتيسر‬
‫الصالة خلف عدل‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫واشرتط املالكية‪ :‬أن يكون اإلمام سليماً من الفسق املتعلق ابلصالة‪ ،‬كأن يتهاون يف شرائطها أو فرائضها‪،‬‬
‫كمن يصلي بال وضوء أو يرتك قراءة الفاحتة‪ .‬أما إن كان الفسق ال يتعلق ابلصالة كالزاين‪ ،‬أو شارب اخلمر‪ ،‬فتصح‬
‫إمامته مع الكراهة على الراجح‪.‬‬

‫‪ -12‬اشرتط املالكية واحلنفية واحلنابلة‪ :‬أال يكون اإلمام معيداً صالته لتحصيل فضيلة اجلماعة‪ ،‬فال يصح اقتداء‬
‫مفرتض مبعيد؛ ألن صالة املعيد نفل وال يصح فرض وراء نفل‪ .‬وأن يكون اإلمام عاملاً بكيفية الصالة على الوجه‬
‫الذي تصح به‪ ،‬وعاملاً بكيفية شرائطها‪ ،‬كالوضوء والغسل على الوجه الصحيح‪ ،‬وإن مل مييز األركان من غريها‪.‬‬

‫أحوال املقتدي (املدرك‪ ،‬الالحق‪ ،‬املسبوق)‬

‫للمقتدي أحوال ثالثة‪ :‬مدرك‪ ،‬والحق‪ ،‬ومسبوق‪ ،‬وألحكامهم تفصيل يف املذاهب‪:‬‬

‫مذهب احلنفية‪:‬‬

‫املدرك‪ :‬من صلى مجيع الصالة كاملة مع اإلمام‪ .‬وهذا صالته نامة ال شيء فيها‪.‬‬

‫والالحق‪ :‬من فاتته الركعات كلها أو بعضها مع اإلمام‪ ،‬على الرغم من ابتدائه الصالة معه‪ ،‬كأن عرض له عذر كغفلة‬
‫أو نوم أو زمحة أو سبق حدث‪ ،‬أو صالة خوف (أي يف الطائفة األوىل‪ ،‬وأما الثانية فمسبوقة) أو كان مقيما ائتم‬
‫مبسافر‪ ،‬أو بال عذر‪ :‬كأن سبق إمامه يف ركوع وسجود‪ ،‬فإنه يقضي ركعة‪.‬‬

‫واملسبوق‪ :‬من سبقه اإلمام بكل الصالة أو ببعضها‪.‬‬

‫واملسبوق‪ :‬إن أدرك اإلمام وهو راكع‪ ،‬كرب لإلحرام قائما‪ ،‬مث ركع معه‪ ،‬وحتسب له هذه الركعة‪.‬‬

‫وإن أدرك ه بعد الركوع‪ ،‬كرب لإلحرام قائما‪ ،‬مث نابعه فيما هو فيه من أعمال الصالة‪ ،‬وال حتسب الركعة‪ ،‬مث‬
‫يقضي ما فاته بعد سالم اإلمام‪ ،‬ويقرأ الفاحتة وسورة بعدها يف قضاء كل من الركعتني األوىل والثانية من صالته‪ ،‬فلو‬
‫فاتته هانان الركعتان قرأ فيما يقضيه الفاحتة وسورة‪ ،‬ولو فاته ركعة مثال قضى ركعة وقرأ فيها الفاحتة والسورة‪.‬‬

‫مذهب املالكية‬

‫املدرك‪ :‬الذي أدرك مجيع الصالة مع اإلمام‪ ،‬فصالته نامة‪ ،‬وال قضاء عليه بعد سالم إمامه؛ ألنه مل يفته شيء من‬
‫الصالة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫والالحق‪ :‬الذي فاته شيء من الصالة بعد الدخول مع اإلمام لعذر كزمحة أو نعاس ال ينتقض الوضوء‪ ،‬له أحوال‬
‫ثالثة‪ :‬أن يفوته ركوع أو اعتدال منه‪ ،‬أن تفوته سجدة أو سجدنان‪ ،‬أن تفوته ركعة فأكثر‪.‬‬

‫أما املسبوق‪ :‬الذي فاته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع اإلمام‪ ،‬فحكمه أنه جيب عليه أن يقضي يعد سالم اإلمام ما‬
‫فاته من الصالة‪ .‬واملشهور أنه يقضي القول‪ ،‬ويبين على األفعال‪ ،‬علما أبن املراد ابلقول هو القراءة‪ ،‬واملراد ابلفعل هو‬
‫ما عدا القراءة‪ ،‬فيشمل التسميع والتحميد والقنوت‪.‬‬

‫ومعىن قضاء القول‪ :‬أن جيعل ما فاته املسبوق قبل دخوله مع اإلمام ابلنسبة إليه هو أول صالته‪ ،‬وما أدركه معه‬
‫آخرها‪ ،‬فيأيت ابلقراءة على صفتها من سر أو جهر‪.‬‬

‫مذهب الشافعى‬

‫املقتدي‪ :‬إما موافق أو مسبوق‪ .‬واملوافق‪ :‬هو من أدرك مع اإلمام قدر الفاحتة‪ ،‬سواء الركعة األوىل وغريها‪ .‬واملسبوق‪:‬‬
‫هو من مل يدرك مع اإلمام من الركعة األوىل أو غريها قدرا يسع الفاحتة‪.‬‬

‫واملوافق‪ :‬إن ختلف عن اإلمام بركن فعلي عامدا بال عذر‪ ،‬أبن فرغ اإلمام منه‪ ،‬وهو فيما قبله‪ ،‬مل تبطل صالته يف‬
‫األصح؛ ألنه ختلف يسري‪ ،‬سواء أكان طويال‪ ،‬كأن ابتدأ اإلمام رفع االعتدال‪ ،‬واملأموم يف قيام القراءة‪ ،‬أم قصري‪ ،‬كأن‬
‫رفع اإلمام رأسه من السجدة األوىل‪ ،‬وهوى من اجللسة بعدها للسجود‪ ،‬واملأموم يف السجدة األوىل‪.‬‬

‫هوي السجود‪ ،‬واملأموم يف قيام‬


‫وإن ختلف بركنني فعليني‪ ،‬أبن فرغ اإلمام منهما‪ ،‬وهو فيما قبلهما‪ ،‬كأن ابتدأ اإلمام ّ‬
‫القراءة‪.‬‬

‫أ‪ -‬فإن مل يكن عذر‪ ،‬كأن ختلف لقراءة السورة أو لتسبيحات الركوع والسجود‪ ،‬بطلت صالته‪ ،‬لكثرة املخالفة‪.‬‬

‫ب‪ -‬وإن كان عذر‪ :‬أبن اشتغل بدعاء االفتتاح‪ ،‬أو ركع إمامه فشك يف الفاحتة‪ ،‬أو تذكر تركها أو أسرع اإلمام قراءته‬
‫مثال‪ ،‬أو كان املأموم بطيء القراءة لعجز‪ ،‬ال لوسوسة‪ ،‬وركع أي اإلمام قبل إمتام املأموم الفاحتة‪ ،‬فالصحيح أن املأموم‬
‫يتم الفتاحتة‪ ،‬ويسعى خلف إمامه على نظم صالة نفسه‪ ،‬ما مل يبق أبكثر من ثالثة أركان مقصودة يف نفسها‪ ،‬طويلة‬
‫أي ما مل يسبق بثالثة فما دوهنا‪ ،‬وهي الركوع والسجودان‪ ،‬أخذا من صالته )ص( بعسفان فال يعد منها القصري‪ :‬وهو‬
‫االعتدال واجللوس بني السجدتني‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫فإن سبق أبكثر من األركان الثالثة‪ ،‬أبن مل يفرغ من الفاحتة إال واإلمام قائم عن السجود‪ ،‬أو جالس للتشهد‪،‬‬
‫فاألصح أنه ال تلزمه املفارقة‪ ،‬بل يتبع اإلمام فيما هو فيه‪ ،‬مث يتدارك بعد سالم اإلمام ما فاته‪ ،‬كاملسبوق‪ ،‬ملا يف‬
‫مراعاة نظم صالته يف هذه احلالة من املخالفة الفاحشة‪ .‬وهذا كله مفرع على شرط متابعة املقتدي لإلمام‪.‬‬

‫أما املسبوق‪ :‬فيسن له أال يشتغل بسنة بعد التحرم‪ ،‬بل ابلفاحتة‪ ،‬إال أن يظن إدراكها مع اشتغاله ابلسنة‪.‬‬
‫فإن مل يشتغل بسنة‪ ،‬تبع إمامه يف الركوع وجواب‪ ،‬وسقط عنه ما بقي من الفاحتة‪ ،‬فإن ختلف إلمتام قراءته‪ ،‬حىت رفع‬
‫اإلمام من الركوع‪ ،‬فاتته الركعة‪ ،‬وال تبطل صالته‪ ،‬إال إذا ختلف عنه بركنني فعليني بال عذر‪.‬‬

‫وإن اشتغل املسبوق بسنة كدعاء االفتتاح أو التعوذ‪ ،‬قرأ بقدرها من الفاحتة وجواب‪ ،‬مث إن فرغ مما عليه‪ ،‬وأدرك‬
‫الركوع مطمئنا يقينا مع اإلمام أدرك الركعة‪ .‬وإن فرغ مما عليه‪ ،‬واإلمام يف االعتدال‪ ،‬وافقه وفاتته الركعة‪ .‬وإن مل يفرغ مما‬
‫اهلوي للسجود‪ ،‬تعينت نية املفارقة؛ ألنه إن هوي اإلمام للسجود‪ ،‬ومل ينو‬
‫عليه واستمر يف القراءة وأراد اإلمام ّ‬
‫املفارقة‪ ،‬بطلت صالته‪ ،‬وإن هوى معه‪ ،‬بطلت صالته أيضا‪.‬‬

‫واملسبوق الذي فاته بعض ركعات الصالة مع اإلمام‪ :‬إن أدرك مع اإلمام مقدار الركوع اجلائز أبن أدركه راكعا‬
‫واطمأن معه‪ ،‬فقد أدرك الركعة‪ ،‬وإن مل يد رك ذلك أو أدركه يف ركوع زائد أو يف الثاين من صالة الكسوفني‪ ،‬مل يدرك‬
‫الركعة‪ ،‬ملا روى أبو هريرة رضي هللا عنه أن النيب )ص( قال [من أدرك الركوع من الركعة األخرية يوم اجلمعة‪ ،‬فليضف‬
‫إليها أخرى‪ ،‬ومن مل يدرك الركوع‪ ،‬فليصل الظهر أربعا]‪.‬‬

‫ويسن للمسبوق الذي فاتته الركتعان األوليان أو إحدامها أن يقرأ سورة بعد الفاحتة يف الركعتني األخريتني أو‬
‫األوىل منهما‪ ،‬لئال ختلو صالته من سورة‪.‬‬

‫احلنابلة‬

‫املسبوق يشمل عندهم (الالحق) عند احلنفية واملالكية‪ ،‬فمن اقتدى ابإلمام من أول الصالة‪ ،‬أو بعد ركعة فأكثر وفاته‬
‫شيء منها فهو يف احلالتني مسبوق‪.‬‬

‫أما الالحق الذي بدأ صالته مع اإلمام من أوهلا‪ ،‬وختلف عند بركن أو ركنني لعذر من نوم ال ينقض الوضوء‬
‫أو غفلة أو سهو أو عجلة وحنوه كزحام‪ ،‬فيجب عليه أن يفعله ويلحق به إذا مل خيش فوات الركعة التالية؛ ألنه أمكنه‬

‫‪76‬‬
‫استدراكه من غري حمذور‪ ،‬فلزمه‪ ،‬وتصح الركعة اليت أتى هبا‪ .‬وإن مل أيت هبا أو خشي فوت الركعة التالية مع اإلمام‪،‬‬
‫وجب عليه متابعة إمامه‪ ،‬ولغت الركعة‪ ،‬ووجب عليه قضاؤها على صفتها بعد إسالم اإلمام‪.‬‬

‫وأما املسبوق‪ :‬فإن سبق ابلركوع أو بركنني عمدا بطلت صالته مطلقا‪ ،‬وإن سبقه بغري ركوع كاهلوي للسجود‪،‬‬
‫أو سبقه سهوا مل تبطل صالته‪ ،‬لكن جيب إعادة ما أتى به بعد إمامه‪ ،‬فإن مل أيت به‪ ،‬ألغيت الركعة‪.‬‬

‫وما أدرك املسبوق مع اإلمام فهو آخر صالته‪ ،‬كما بينا‪ ،‬فإن أدركه فيما بعد الركعة األوىل كالثانية أو الثالثة‪،‬‬
‫مل يستفتح ومل يستعذ‪ ،‬وما يقضيه املسبوق هو أول صالته‪ ،‬فيستفتح له ويتعوذ‪ ،‬ويقرأ السورة‪ ،‬حلديث أيب هريرة‬
‫السابق أن النيب )ص( قال [ما أدركتم فصلوا‪ ،‬وما فاتكم فاقضوا]‪.‬‬

‫وإذا سلم املسبوق مع إمامه سهوا‪ ،‬وجب عليه أن يسجد يف آخر صالته‪ .‬وكذا يسجد للسهو إن سها فيما‬
‫يصليه مع اإلمام‪ ،‬وفيما انفرد بقضائه‪ ،‬ولو شارك اإلمام يف سجوده لسهوه‪ .‬وإذا مل يسجد اإلمام لسهوه‪ ،‬وجب على‬
‫املسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته‪.‬‬

‫ويعترب املسبوق مدركا للجماعة مىت أدرك تكبرية اإلحرام قبل سالم إمامه التسليمة األوىل‪ ،‬وال يكون مدركا‬
‫شاك يف إدراك اإلمام راكعا‪ ،‬ولو مل يدرك معه الطمأنينة إذا‬
‫للركعة إىل إذا ركع مع اإلمام قبل رفع رأسه من الركوع‪ ،‬غري ّ‬
‫اطمأن هو‪ ،‬مث حلق إمامه‪ ،‬حلديث أيب هريرة مرفوعا [إذا جئتم إىل الصالة‪ ،‬وحنن سجود‪ ،‬فاسجدوا‪ ،‬وال تعدوها شيئا‪،‬‬
‫ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة]‪.‬‬

‫صالة املنفرد عن الصف‬

‫اختلف الفقهاء يف صحة الصالة خلف الصفوف منفردا على رأيني‪ :‬فقال اجلمهور غري احلنابلة‪ :‬إذا صلى إنسان‬
‫خلف الصف وحده‪ ،‬فصالته جتزئ‪ ،‬بدليل حديث أنس املتقدم املتضمن قيام العجوز وحدها خلف الصف‪،‬‬
‫وحديث أيب بكرة [أنه انتهى إىل النيب )ص( وهو راكع فركع قبل أن يصل إىل الصف‪ ،‬فذكر ذلك للنيب )ص(‪،‬‬
‫فقال‪ :‬زادك هللا حرصا وال تعد] وحديث ابن عباس قال [أتيت النيب )ص( من آخر الليل‪ ،‬فصليت خلفه‪ ،‬فأخذ‬
‫فجرين حىت جعلين حذاءه]‪.‬‬
‫بيدي‪َّ ،‬‬
‫إال أن الشافعية واحلنفية قالوا‪ :‬الصالة صحيحة مع الكراهة‪ ،‬وقال الشافعية‪ :‬فإن مل جيد املصلي سعة أحرم‪،‬‬
‫جر واحدا من الصف إليه‪ ،‬ليصطف معه‪ ،‬خروجا من اخلالف‪ ،‬ومحلوا احلديثني اآلتيني الواردين ابإلعادة على‬
‫مث َّ‬

‫‪77‬‬
‫االستحباب مجعا بني األدلة‪ ،‬وقوله (ص)‪" :‬ال صالة للذي خلف الصف" أي ال صالة كاملة‪ ،‬كقوله )ص( [ال‬
‫صالة حبضرة الطعام] وهذا أوىل اآلراء‪ ،‬لقوة دليله‪ .‬لكت ذكر احلنفية‪ :‬أنه لو انفرد مث مشي ليلحق ابلصف‪ ،‬فإن‬
‫مشي يف صالته مقدار صف وا حد ال تفسد‪ ،‬وإن مشي أكثر من ذلك فسدت‪ ،‬ومل يوافق املالكية الشافعية فقالوا‪:‬‬
‫من مل جيد مدخال يف الصف‪ ،‬صلى وراءه‪ ،‬ومل جيذب إليه رجال‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬صالة املنفرد إذا صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده فاسدة غري جمزئة‪ ،‬وجتب إعادهتا‪ ،‬بدليل‬
‫حديث وابصة بن معبد [أن النيب )ص( رأى رجال يصلي خلف الصف وحده‪ ،‬فأمره أن يعيد صالته] وحديث علي‬
‫بن شيبان [أن رسول هللا )ص( رأى رجال يصلي خلف الصف‪ ،‬فوقف‪ ،‬حىت انصرف الرجل‪ ،‬فقال له‪ :‬استقبل‬
‫صالتك‪ ،‬فال صالة لنفرد خلف الصف]‪.‬‬

‫صالة اجلمعة‬

‫فرضية اجلمعة ومنزلتها‬

‫صالة اجلمعة فرض عني‪ ،‬يكفر جاحدها لثبوهتا ابلدليل القطعي‪ ،‬وهي فرض مستقل ليست بدال عن الظهر‪ ،‬لعدم‬
‫انعقادها بنية الظهر ممن ال جتب اجلمعة عليه كاملسافر واملرأة‪ ،‬وهي آكد من الظهر‪ ،‬بل هي أفضل الصلوات‪ ،‬ويومها‬
‫أفضل األايم‪ ،‬وخري يوم طلعت فيه الشمس‪ ،‬يعتق هللا فيه ستمائة ألف عتيق من النار‪ ،‬من مات فيه كتب هللا له أجر‬
‫شهيد‪ ،‬ويف فتنة القرب‪ ،‬دليل فضل يومها حديث مرفوع‪[ :‬يوم اجلمعة سيد األايم وأعظمها‪ ،‬وأعظم عند هللا من يوم‬
‫الفطر‪ ،‬ويوم األضحى]‪.‬‬

‫وأخرج الرتمذي من حديث أيب هريرة وقال‪ :‬حسن صحيح‪ :‬أن النيب )ص ( قال‪[ :‬خري يوم طلعت فيه‬
‫الشمس يوم اجلمعة‪ ،‬فيه خلق آدم‪ ،‬وفيه دخل اجلنة‪ ،‬وفيه أخرج منها‪ ،‬وال تقوم الساعة إال يف يوم اجلمعة]‪.‬‬

‫وأدلة فرضيتها العينية املستقلة‪ ،‬ال الكفائية‪ :‬القرآن‪ :‬وهو قوله تعاىل‪{ :‬اي أيُّها الَّذين آمن وا إذا ن ودي ل َّ‬
‫لصالة‬
‫من ي وم اجلمعة‪ ،‬فاسعوا إىل ذكر هللا وذروا الب يع} أي امضوا إىل ذكر هللا‪ ،‬فأمر ابلسعي‪ ،‬واألمر يقتضي الوجوب‪ ،‬وال‬
‫جيب السعي إال إىل واجب‪ ،‬وهنى عن البيع لئال يشتغل به عنها‪ ،‬فلو مل واجبة ملا هني عن البيع من أجلها‪ ،‬واملراد‬
‫ابلسعي ههنا‪ :‬الذهاب إليها‪ ،‬ال اإلسراع‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫والسنة‪ :‬وهو قوله )ص(‪[ :‬لينتهني أقوام عن ودعهم اجلمعات‪ ،‬أو ليختم َّن هللا على قلوهبم‪ ،‬مث ليكون َّن من‬
‫الغافلني] وقوله‪ :‬رواح اجلمعة واجب على كل حمتلم] وقوله عليه السالم أيضا‪[ :‬من ترك ثالث مجع هتاوان‪ ،‬طبع هللا‬
‫على قلبه]‪.‬‬

‫وناركها يستحق العقاب‪ ،‬لقوله )ص( لقوم يتخلفون عن اجلمعة‪[ :‬لقد مهمت أن آمر رجال يصلي ابلناس‪،‬‬
‫مث أحرق على رجال يتخلفون عن اجلمعة بيوهتم]‪.‬‬

‫واإلمجاع‪ :‬فقد أمجع املسلمون على وجوب اجلمعة‪.‬‬

‫البيع وقت النداء لصالة اجلمعة‬

‫جيب السعي ألداء اجلمعة كما بينا عند اجلمهور عند األذان الثاين الذي يكون بني يدي اخلطيب على املنرب‪ ،‬وقال‬
‫احلنفية يف األصح‪ :‬جيب السعي بعد األذان األول‪ ،‬وإن مل يكن يف زمن الرسول (ص)‪ ،‬بل يف زمن عثمان رضي هللا‬
‫عنه‪.‬‬

‫ويكره حترميا عند احلنفية‪ ،‬وحيرم عند غريهم التشاغل عن اجلمعة ابلبيع وغريه من العقود من إجارة ونكاح‬
‫وصلح وسائر الصنائع واألعمال‪ ،‬وذلك عند اجلمهور بعد الشروع يف األذان بني يدي اخلطيب‪ ،‬مما فيه تشاغل عن‬
‫السعي إىل اجلمعة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬إذا نودي للصالة يوم اجلمعة‪ ،‬فاسعوا إىل ذكر هللا‪ ،‬وذروا البيع}‪ ،‬فورد النص على‬
‫البيع‪ ،‬وقيس عليه غريه‪ ،‬سواء أكان عقدا أم ال‪ ،‬ألن كل ذلك مينع عن حتقيق الغاية املطلوبة وهي أداء اجلمعة‪.‬‬

‫وأضاف الشافعية أنه يكره البيع وحنوه قبل األذان بعد الزوال‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬ال حيرم غري البيع من العقود كاإلجارة والصلح والنكاح؛ ألن النهي خمتص ابلبيع‪ ،‬وغريه ال يساويه يف‬
‫الشغل عن السعي‪ ،‬لقلة وجوده‪ ،‬فال يصح قياسه على البيع‪.‬‬

‫غري أين ال أتردد يف تصويب الرأي األول‪ ،‬وعدم االلتفات للرأي الثاين؛ ألن األمور مبقاصدها‪ ،‬وألن احلنابلة القائلني بسد الذرائع يلزمهم‬

‫وحترمي البيع ووجوب السعي خيتص ابملخاطبني ابجلمعة‪ ،‬أما غريهم من النساء والصبيان واملسافرين‪ ،‬فال يثبت يف حقهم ذلك‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬إنه من البيوع الفاسدة‪ ،‬ويفسح على املشهور‪ .‬وكذلك قال احلنابلة‪ :‬ال يصح هذا البيع‪.‬‬

‫من جتب عليه اجلمعة أو شروط وجوب اجلمعة‬

‫‪79‬‬
‫جتب اجلمعة على كل مكلف (ابلغ عاقل) حر‪ ،‬ذكر‪ ،‬مقيم غري مسافر‪ ،‬بال مرض وحنوه من األعذار‪َ ،‬سع النداء‪ ،‬فال‬
‫جتب على صيب وجمنون وحنوه‪ ،‬وعبد‪ ،‬وامرأة‪ ،‬ومسافر‪ ،‬ومريض‪ ،‬وخائف وأعمى وإن وجد قائدا عند أيب حنفية‪،‬‬
‫وجيب عليه إن وجد من يقوده عند املالكية والشافعية‪ ،‬واحلنابلة والصاحبني من احلنفية‪ ،‬ومن مل يسمع النداء‪ ،‬على‬
‫تفصيل آت‪ ،‬وال على معذور مبشقة مطر ووحل وثلج‪ .‬لكن إن حضر هؤالء وصلوا مع الناس‪ ،‬أجزأهم ذلك عن‬
‫ظهره ممن ال تلزمة اجلمعة‬ ‫فرض الوقت؛ ألهنم حتملوا املشقة‪ ،‬فصاروا كاملسافر إذا صام‪ ،‬وألن كل من صحت‬
‫صحت مجعته ابإلمجاع‪ ،‬ألهنا إذا أجزأت عمن ال عذر له‪ ،‬فصاحب العذر أوىل ‪ ،‬وإمنا سقطت عند رفقا به‪ ،‬فرتك‬
‫اجلمعة للمعذور رخصة‪ ،‬فلو أدى اجلمعة سقط عنه الظهر‪ ،‬وتقع اجلمعة فرضا‪ ،‬وترك الرتخص يعيد األمر إىل العزمية‪،‬‬
‫أي أنه إن تكلف حضورها وجبت عليه‪ .‬وانعقدت به‪ ،‬ويصح أن يكون إماما فيها‪ .‬روى أبو داود عن النيب (ص)‬
‫قال‪" :‬اجلمعة حق واجب على كل مسلم يف مجاعة إال أربعة‪ :‬عبد مملوك‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو صيب‪ ،‬أو مريض"‪.‬‬

‫يشرتط لوجوب اجلمعة شروط وجوب الطهارة والصالة وهي ثالثة عند اجلمهور (اإلسالم والبلوغ والعقل) وعشرة عند املالكية وهي‪ :‬اإلس‬

‫ويزاد عليها أربعة شروط‪:‬‬

‫‪ -1‬الذكورة‪ :‬فال جتب اجلمعة على أنثى‪.‬‬

‫‪ -2‬احلرية‪ :‬فال جتب على عبد‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلقامة يف حمل اجلمعة‪ :‬فال جتب على مسافر مل ينو اإلقامة حلديث [ال مجعة على مسافر]‪ ،‬ويف هذا تفصيل‬
‫املذاهب‪ :‬قال احلنفية‪ :‬يشرتط اإلقامة يف مصر أي بلد كبري‪ :‬وهو ما ال يسع أكرب مساجدها أهلها املكلفني ابجلمعة‪،‬‬
‫والقرية خبالفها‪ .‬فال جتب اجلمعة على مقيم بقرية‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬جتب اجلمعة على املقيم يف بلد‪ ،‬مصر أو قرية‪َ ،‬سع النداء أومل يسمعه‪ ،‬وعلى من يف خارجه إن َسع النداء‪ ،‬لقوله (ص)‪:‬‬

‫‪ -4‬السالمة من األعذار‪ :‬فالبد ملن جتب عليه اجلمعة من الصحة‪ ،‬واألمن‪ ،‬واحلرية‪ ،‬والبصر‪ ،‬والقدرة على املشي‪،‬‬
‫وعدم احلبس‪ ،‬وعدم املطر الشديد والوحل والثلج وحنوها‪ ،‬كما بينا يف حبث أعذار مسقطات اجلماعة واجلمعة‪.‬‬
‫فال جتب اجلمعة على مريض لعجزه عن ذلك‪ ،‬وممرض إن بقي املريض ضائعا‪ ،‬وشيخ ٍ‬
‫فان‪ ،‬وخائف على نفسه وماله أو خلوف غرمي أو‬ ‫ّ‬
‫ومعذور مبشقة مطر ووحل وثلج‪ .‬وال جتب على قروي عند احلنفية‪.‬‬

‫السفر يوم اجلمعة‬

‫‪80‬‬
‫للفقهاء رأاين يف مشروعية السفر يوم اجلمعة بعد الفجر‪ ،‬فأجازه احلنفية واملالكية‪ ،‬ومنعه الشافعية واحلنابلة إن خيف‬
‫فوت اجلمعة‪ ،‬واتفقوا على منعه بعد دخول وقت الظهر (أي بعد الزوال) وقبل أداء صالهتا‪.‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬ال أبس اب لسفر يوم اجلمعة إذا خرج عن عمران املصر قبل دخول وقت الظهر‪ ،‬والصحيح أنه يكره السفر‬
‫بعد الزوال وقبل أن يصلي اجلمعة‪ ،‬وال يكره قبل الزوال‪.‬‬

‫وكذلك قال املالكية‪ :‬جيوز السفر يوم اجلمعة قبل الزوال‪ ،‬ولكنه يكره ملن ال يدركها يف طريقه وحيرم ومينع بعد الزوال وقبل الصالة اتفاقا‪ .‬و‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬حيرم على من جتب عليه اجلمعة السفر قبل الزوال وبعده‪ ،‬إال أن متكنه اجلمعة يف طريقه أو يتضرر بتخلفه عن‬
‫وجبت عليه‪ ،‬فلم جيز له االشتغال مبا مينع منها كاللهو والتجارة‪.‬‬

‫كذلك كره الشافعية السفر ليلة اجلمعة‪ ،‬جاء يف اإلحياء للغزايل‪" :‬من سافر ليلة اجلمعة دعا عليه ملكان"‪.‬‬

‫شروط صحة اجلمعة‬

‫‪ -1‬وقت الظهر‪:‬‬

‫فتصح فيه فقط‪ ،‬وال تصح بعده‪ ،‬وال تقضى مجعة‪ ،‬فلو ضاق الوقت‪ ،‬أحرموا ابلظهر‪ ،‬وال تصح عند اجلمهور غري‬
‫احلنابلة قبله أي قبل وقت الزوال‪ ،‬بدليل مواظبة النيب (ص) على صالة اجلمعة إذا زالت الشمس‪ ،‬قال أنس رضي هللا‬
‫عنه‪[ :‬كان رسول هللا )ص( يصلي اجلمعة حني متيل الشمس]‪ ،‬أي إىل الغروب‪ ،‬وهو الزوال‪ ،‬وعلى ذلك جرى‬
‫اخللفاء الراشدون فمن بعدهم‪ ،‬وألن اجلمعة والظهر فرضا وقت واحد‪ ،‬فلم خيتلف وقتهما‪ ،‬كصالة احلضر وصالة‬
‫السفر‪.‬‬

‫للفقهاء رأاين يف إدراك جزء من صالة اجلمعة مع اإلمام‪.‬‬

‫فقال احلنفية على الراجح‪ :‬من أدرك اإلمام يوم اجلمعة يف أي جزء من صالته‪ ،‬صلى معه ما أدرك‪ ،‬وأكمل اجلمعة‪،‬‬
‫وأدرك اجلمعة‪ ،‬حىت وإن أدركه يف التشهد أو يف سجود السهو‪ .‬وهو رأي أيب حنيفة وأيب يوسف‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬ما‬
‫أدركتم فصلوا‪ ،‬وما فاتكم فاقضوا]‪.‬‬

‫وقال اجلمهور‪ :‬إذا أدرك الركعة الثانية مع اإلمام‪ ،‬فقد أدرك اجلمعة‪ ،‬وأمتها مجعة‪ ،‬وإن مل يدرك معه الركعة الثانية‪ ،‬أمتها ظهرا‪ ،‬إلطالق قوله‬

‫‪ -2‬البلد‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫أي كوهنا يف مصر جامع‪ ،‬أو يف مصلى املصر عند احلنفية‪ :‬وهو كل موضع له أمري وقاض ينفذ األحكام ويقيم احلدود‪ ،‬هذا يف مشهور ا‬
‫أداء اجلمعة فيها‪ .‬ودليلهم على اشرتاط املصر‪ :‬ما رواه عبد الرزاق عن علي موقوفا‪[ :‬ال مجعة‪ ،‬وال تشريق إال يف مصر‬
‫جامع]‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬كوهنا يف موضع االستيطان‪ ،‬وهو إما بلد أو قرية‪ ،‬مبنية أبحجار وحنوها‪ ،‬أو أبخصاص من قصب أو أعود شجر‪ ،‬ال خيم‬
‫أبهلها عادة‪ ،‬ابألمن على أنفسهم‪ ،‬واالكتفاء يف معاشهم عن غريهم‪ .‬وال حيدون حبد كمائة أو أقل أو أكثر‪.‬‬

‫وقرر الشافعية‪ :‬أن تقام اجلمعة يف خطة بلد أو قرية‪ ،‬وإن مل تكن يف مسجد‪ .‬وال تلزم اجلمعة يف األظهر أهل اخليام وإن استقروا يف الصح‬

‫‪ -3‬اجلماعة‬

‫اجل ماعة شرط‪ ،‬ملا رواه أبو داود‪" :‬اجلمعة حق واجب على كل مسلم يف مجاعة‪ "..‬وانعقد اإلمجاع على ذلك‪ .‬وأقل‬
‫اجلماعة عند أيب حنيفة وحممد يف األصح‪ :‬ثالثة رجال سوى اإلمام‪ ،‬ولو كانوا مسافرين أو مرضى؛ ألن أقل اجلمع‬
‫الصحيح إمنا هو الثالث‪ ،‬واجلماعة شرط مستقل يف اجلمعة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فاسعوا إىل ذكر هللا} واجلمعة مشتقة من‬
‫اجلماعة‪ ،‬والبد هلم من مذكر وهو اخلطيب‪ .‬فإن تركوا اإلمام أو نفروا بعد التحرمية قبل السجود‪ ،‬فسدت اجلمعة‪،‬‬
‫وصليت الظهر‪ .‬وإن عادوا وأدركوا اإلمام راكعا‪ ،‬أو بقي ثالثة رجال يصلون مع اإلمام‪ ،‬أو نفروا بعد اخلطبة وصلى‬
‫اإلمام آبخرين‪ ،‬صحت اجلمعة‪ ،‬فوجود اجلماعة‪ :‬شرط انعقاد األداء‪ ،‬ال شرط دوام وبقاء إىل آخر الصالة‪ ،‬وال‬
‫يتحقق األداء إال بوجود متام األركان وهي القيام والقراءة والركوع والسجود‪ ،‬فلو نفروا بعد التحرمية قبل السجود‬
‫فسدت اجلمعة‪ ،‬ويستقبل (يستأنف) الظهر‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬يشرتط حضور اثين عشر رجال للصالة واخلطبة‪ ،‬ملا روي عن جابر أن النيب )ص( كان خيطب قائما‬
‫يوم اجلمعة‪ ،‬فجاءت عري (إبل حتمل التجارة) من الشام‪ ،‬فانتقل الناس إليها‪ ،‬حىت مل يبق إال اثنا عشر رجال‪ ،‬فأنزل‬
‫هذه اآلية اليت يف اجلمعة‪[ :‬وإذا رأوا جتارة أو هلوا‪ ،‬انفضوا إليها‪ ،‬وتركوك قائما]‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬تقام اجلمعة حبضور أربعني فأكثر ابإلمام من أهل القرية املكلفني األحرار الذكور املستوطنني‪ ،‬حبيث ال يظع ن م‬
‫زرارة كانوا أربعني رجال‪ .‬وروى البيهقي عن ابن مسعود أنه (ص) مجع ابملدينة وكانوا أربعني رجال‪ .‬ومل يثبت أنه (ص)‬
‫صلى أبقل من أربعني‪ ،‬فال جتوز أبقل منه‪ .‬فلو انفض األربعون أو بعضهم يف اخلطبة‪ ،‬مل تصح اجلمعة؛ ألن َساع‬
‫األربعني مجيع أركان اخلطبة مطلوب؛ ألن املقصود من اخلطبة إَساع الناس‪ ،‬فإن نقصوا عن األربعني قبل متام اجلمعة‬
‫استأنفوا ظهرا ومل يتموها مجعة؛ ألن العدد شرط‪ ،‬فاعترب يف مجيعها كالطهارة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -4‬كون األمري أو انربه هو اإلمام‪ ،‬واإلذن العام من اإلمام بفتح أبواب اجلامع للواردين عليه‬

‫اشرتط احلنفية هذين الشرطني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون السلطان ولو متغلبا أو انئبه‪ ،‬أو من أيذن له إبقامة اجلمعة كوزارة األوقاف اآلن هو إمام اجلمعة‬
‫وخطيبها؛ ألهنا تقام جبمع عظيم‪ ،‬وقد تقع منازعة يف شؤون اجلمعة‪ ،‬فالبد منه تتميما ألمره‪ ،‬ومنعا من تقدم أحد‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬اإلذن العام‪ :‬وهو أن تفتح أبواب اجلامع ويؤذن للناس ابلدخول إذان عاما‪ ،‬أبن ال مينع أحد ممن تصح منه اجلمعة عن دخول املو‬

‫ومل يشرتط غري احلنفية هذين الشرطني‪ ،‬فال يشرتط إذن اإلمام لصحة اجلمعة‪ ،‬وال حضوره؛ ألن عليا صلى ابلناس‪،‬‬
‫وعثمان حمصور‪ ،‬فلم ينكره أحد‪ ،‬وصوبه عثمان‪ ،‬وألن اجلمعة فرض الوقت‪ ،‬فأشبهت الظهر يف عدم هذين الشرطني‪.‬‬

‫‪ -5‬أن تكون ابإلمام ويف اجلامع‬

‫اشرتط املالكية هذين الشرطني ومها‪ :‬أن تصلى إبمام مقيم‪ ،‬فال تصح أفرادا‪ ،‬وأن يكون مقيما غري مسافر‪ ،‬ولو مل يكن‬
‫متوطنا‪ ،‬وأن يكون هو اخلطيب إال لعذر يبيح االستخالف كرعاف ونقض وضوء‪ ،‬وأن يكون حرا فال تصح إمامة‬
‫العبد‪ .‬وال يشرتط أن يكون اإلمام واليا‪ ،‬خالفا للحنفية‪.‬‬

‫وأن تكون الصالة جبامع جيمع فيه على الدوام‪ ،‬فال تصح يف البيوت وال يف رحبة دار‪ ،‬وال يف خان‪ ،‬وال يف ساحة من األرض‪ ،‬ويف اجلملة‬

‫‪ -6‬عدم تعدد اجلمع لغري حاجة‬

‫اشرتط الشافعية لصحة اجلمعة أال يسبقها وال يقارهنا مجعة يف البلد أو القرية‪ ،‬إال لكرب البلد وعسر اجتماع الناس يف مكان‪ ،‬وتعسر االج‬

‫ودليل هذا الشرط أن )ص( وصحبه واخللفاء الراشدين والتابعني مل يقيموا سوى مجعة واحدة‪ ،‬وألن االقتصار على واحدة أدعى لتحقيق‬

‫فإن سبقت إحدى اجلمع غريها فهي الصحيحة‪ ،‬وما بعدها ابطل؛ ألنه ال يزاد على واحدة وإن تقارنتا فهما ابطلتان‪ .‬والعربة يف السبق و‬

‫‪ -7‬اخلطبة قبل الصالة‬

‫اتفق الفقهاء على أن اخلطبة شرط يف اجلمعة‪ ،‬ال تصح بدوهنا‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فاسعوا إىل ذكر هللا} والذكر‪ :‬هو‬
‫اخلطبة‪ ،‬وألن النيب )ص( مل يصل اجلمعة بدون خطبة وقد قال‪[ :‬صلوا كما رأيتموين أصلي]‪ ،‬وعن عمر وعائشة رضي‬
‫هللا عنهما أهنما قاال‪ :‬قصرت الصالة ألجل اخلطبة‪ .‬واألصح عند احلنفية‪ :‬أن اخلطبة ليست قائمة مقام ركعتني‪ ،‬بل‬
‫كشطرها يف الثواب‪ ،‬ملا ورد به األثر من أول اخلطبة كشطر الصالة‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫وهي خطبتان قبل الصالة اتفاقا‪ ،‬واختلف الفقهاء يف شروط اخلطبة‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪:‬‬

‫للخطبة مخسة أركان أو فروض‪ :‬محد هللا تعاىل‪ ،‬والصالة على رسول هللا (ص)‪ ،‬والوصية ابلتقوى‪ ،‬وجتب هذه الثالثة‬
‫يف كل من اخلطبتني‪ ،‬وقراءة آية مفهمة يف إحدى اخلطبتني‪ ،‬والدعاء للمؤمنني واملؤمنات أبمر أخروي‪.‬‬

‫أما األول وهو احلمد فلما رواه مسلم‪ ،‬وأما الثاين فألن اخلطبة عبادة‪ ،‬فتفتقر إىل ذكر هللا تعاىل وذكر رسوله‪ ،‬كاألذان‬
‫والصالة‪ ،‬وأما الثالث فلما رواه مسلم‪ ،‬وألن املقصود من اخلطبة الوعظ والتحذير‪ ،‬وال يتعني لفظ الوصية ابلتقوى على‬
‫الصحيح؛ ألن الفرض الوعظ واحلمل على طاعة هللا تعاىل‪ ،‬فيكفي ما يدل على املوعظة‪ ،‬طويال كان أو قصريا‬
‫كأطيعوا هللا وراقبوه‪ .‬وأما الرابع‪ :‬فلما رواه الشيخان‪ ،‬سواء أكانت اآلية وعدا أم وعيدا أم حكما أم قصة‪ .‬وأما‬
‫اخلامس‪ :‬فلنقل اخللف له عن سلف‪ .‬وكون الدعاء يف الثانية؛ ألنه يليق ابخلوامت‪.‬‬

‫واألصح أن ترتيب األركان ليس بشرط‪ ،‬وإمنا هو سنة‪.‬‬

‫وشروط كل من اخلطبتني مخسة عشر هي ما أييت‪:‬‬

‫كوهنما قبل الصالة‪ ،‬وعدم االنصراف عنهما بصارف‪ ،‬القيام ملن قدر عليه اتباعا للسنة‪ ،‬وكوهنما ابلعربية‪ ،‬ويف الوقت‬
‫بعد الزوال‪ ،‬واجللوس بينهما ابلطمأنينة كاجللوس بني السجدتني بقدر سورة اإلخالص استحبااب‪ ،‬أما القاعد فيفصل‬
‫بسكتة‪ ،‬وإَساع العدد الذي تنعقد به اجلمعة‪ :‬أبن يرفع اخلطيب صوته أبركاهنما حىت يسمعها تسعة وثالثون غريه‬
‫كاملون‪ ،‬فالبد من اإلَساع والسماع ابلفعل‪ ،‬ال ابلقوة‪ ،‬فلو كانوا صما أو بعضهم مل تصح كبعدهم‪ .‬وإذا كان‬
‫اخلطيب من األربعني فيشرتط أن يسمع نفسه‪ ،‬فلو كان أصم مل يكف‪.‬‬

‫والوالء بني كلمات كل من اخلطبتني‪ ،‬وبينهما وبني الصالة اتباعا للسنة‪ ،‬فال جيوز الفصل الطويل بني اخلطبة‬
‫والصالة‪ ،‬كما قال احلنفية‪.‬‬

‫وطهارة احلدثني وطهارة النجس يف الثوب والبدن واملكان وسرت العورة‪ ،‬اتباعا للسنة؛ ألن اخلطبة قائمة مقام‬
‫الركعتني‪ ،‬فتكون مبنزلة الصالة‪ ،‬حىت يشرتط هلا دخول الوقت‪ ،‬فيشرتط هلا سائر شروط الصالة من سرت العورة وطهارة‬
‫الثوب والبدن واملكان‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وأن تقع اخلطبتان يف مكان تصح فيه اجلمعة‪ ،‬وأن يكون اخلطيب ذاكرا‪ ،‬وأن تصح إمامته ابلقوم‪ ،‬وأن يعتقد العامل‬
‫الركن ركنا والسنة سنة‪ ،‬وغري العامل أال يعتقد الفرض سنة‪.‬‬

‫الدرس الثامن‬

‫احكام الصالة‪ :‬صالة املسافر‪ :‬مجع الصالة وقصرها‬

‫مشروعية القصر‪ ،‬وهو القصر عزمية أم رخصة ؟‬

‫القصر جائز ابلقرآن والسنة واإلمجاع‪.‬‬

‫لصالة إن خفتم أن ي فتنكم‬


‫أما القرآن فقوله تعاىل‪{ :‬وإذا ضرب تم يف األرض ف ليس عليكم جناٌح أن ت قصروا من ا َّ‬
‫الَّذين كفروا} والقصر جائز سواء يف حالة اخلوف أم األمن‪ ،‬لكن تعليق القصر على اخلوف يف اآلية‪ ،‬كان لتقرير‬
‫احلالة الواقعة؛ ألن غالب أسفار النيب )ص( مل ختل منه‪ .‬قال يعلى بن أمية لعمر بن اخلطاب‪[ :‬ما لنا نقصر وقد أمنا؟‬
‫فقال‪ :‬سألت النيب )ص( فقال‪ :‬صدقة تصدق هللا هبا‪ ،‬فاقبلوا صدقته]‪.‬‬

‫وأما السنة‪ :‬فقد تواترت األخبار أن رسول هللا )ص( كان يقصر يف أسفاره حاجا ومعتمرا وغزاي حماراب‪ ،‬وقال ابن‬
‫عمر‪[ :‬صحبت النيب )ص(‪ ،،‬فكان ال يزيد يف السفر على ركعتني‪ ،‬وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك]‪.‬‬

‫وأمجع أهل العلم على أن من سافر سفرا تقصر يف مثله الصالة‪ ،‬سواء كان السفر واجبا كسفر احلج إىل املسجد‬
‫احلرام واجلهاد واهلجرة والعمرة‪ ،‬أو مستحبا كالسفر لزايد اإلخوان‪ ،‬وعياد املرضى‪ ،‬وزايرة أحد املسجدين‪ :‬مسجد‬
‫املدينة واألقصى‪ ،‬وزايرة الوالدين أو أحدمها‪ ،‬أو مباحا كالسفر لنزهة أو فرجة أو جتارة‪ ،‬أو مكروها على السفر‪،‬‬
‫مغرب‪ :‬وهو الزاين غري احملصن الذي ينفى سنة بعد اجللد‪ ،‬أو مكروها كسفر بنفسه دون مجاعة‪.‬‬
‫كأسري أو زان َّ‬
‫والقصر‪ :‬هو اختصار الصالة الرابعية إىل ركعتني‪.‬‬

‫والذي يقصر إمجاعا‪ :‬هو الصالة الرابعية من ظهر وعصر وعشاء‪ ،‬دون الفجر واملغرب؛ ألنه إذا اقتصر الفجر‪ ،‬بقي‬
‫منه ركعة‪ ،‬وال نظري هلا يف الفرض‪ ،‬وإذا قصر الذي هو وتر النهار‪ ،‬بطل كونه وترا‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫روى أمحد عن عائشة رضي هللا عنها‪[ :‬فرضت الصالة ركعتني‪ ،‬إال املغرب‪ ،‬فإنه وتر النهار‪ ،‬مث زيدت يف احلضر‪،‬‬
‫وأقرت يف السفر على ما كانت عليه]‪ .‬وروى علي بن عاصم عن عائشة حديث يتضمن استثناء صالة املغرب‬
‫وصالة الغداة (الصبح) وصالة اجلمعة من جواز القصر‪.‬‬

‫حكم القصر أو هل القصر رخصة أو عزمية واجب؟‬

‫ترتدد أقوال الفقهاء املعتمدة بني آراء ثالثة‪ :‬إنه فرض‪ ،‬إنه سنة‪ ،‬إنه رخصة خمري فيها املسافر‪.‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬القصر واجب ‪ -‬عزمية‪ ،‬وفرض املسافر يف كل صالة رابعية ركعتان‪ ،‬ال جتوز له الزايدة عليهما عمدا‪،‬‬
‫وجيب سجود السهو إن كان سهوا‪ ،‬فإن أمت الرابعية وصلى أربعا‪ ،‬وقد قعد يف الركعة الثانية مقدار التشهد‪ ،‬أجزأته‬
‫الركعتان عن فرضه‪ ،‬وكانت الركعتان األخراين له انفلة‪ ،‬ويكون مسيئا‪ ،‬وإن مل يقعد يف الثانية مقدار التشهد‪ ،‬بطلت‬
‫صالته‪ ،‬الختالط النافلة هبا قبل إكماهلا‪.‬‬

‫ودليلهم أحاديث اثبتة‪ ،‬منها حديث عائشة‪[ :‬فرضت الصالة ركعتني ركعتني‪ ،‬فأقرت صالة السفر‪ ،‬وزيد يف‬
‫صالة احلضر] وحديث ابن عباس‪[ :‬فرض هللا الصالة على لسان نبيكم يف احلضر أربع ركعات‪ ،‬ويف السفر ركعتني‪،‬‬
‫ويف اخلوف ركعة]‪.‬‬

‫وقال املالكية على املشهور الراجح‪ :‬القصر سنة مؤكدة؛ لفعل النيب )ص(‪ ،‬فإنه مل يصح عنه يف إسفاره أنه أمت‬
‫الصالة فقط‪ ،‬كما يف احلديث املتقدم عن ابن عمر وغريه‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‪ :‬القصر رخصة على سبيل التخيري‪ ،‬فللمسافر أن يتم أو يقصر‪ ،‬والقصر أفضل من‬
‫اإلمتام مطلقا عند احلنابلة؛ ألنه )ص( داوم عليه‪ ،‬وكذا اخللفاء الراشدون من بعده‪ ،‬وهو عند الشافعية على املشهور‬
‫أفضل من اإلمتام إذا وجد يف نفسه كراهة القصر‪ ،‬أو إذا بلغ ثالث مراحل عند احلنفية تقدر ب ‪ 96‬كم اتباعا للسنة‪،‬‬
‫وخروجا من خالف من أوجبه كأيب حنيفة‪ .‬لكن الصوم يف السفر أفضل من الفطر إن مل يتضرر به لقوله تعاىل‪:‬‬
‫{وأن تصوموا خي ٌر لكم}‪.‬‬

‫ودليلهم‪:‬‬

‫الصالة}‪ ،‬وهذا يدل على أن القصر رخصة بني فعله وتركه‬


‫اح أن ت قصروا من َّ‬
‫‪-1‬اآلية السابقة‪{ :‬ف ليس عليكم جن ٌ‬
‫كسائر الرخص‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -2‬واحلديث السابق عن عمر‪[ :‬صدقة تصدق هللا هبا عليكم فاقبلوا صدقته] وقوله )ص(‪[ :‬إن هللا حيب أن تؤتى‬
‫رخصه كما حيب أن تؤتى عزائمه]‪.‬‬

‫‪ -3‬وثبت يف صحيح مسلم وغريه أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول هللا )ص(‪ ،‬فمنهم القاصر‪ ،‬ومنهم املتم‪،‬‬
‫ومنهم الصائم ومنهم املفطر‪ ،‬ال يعيب بعضهم على بعض‪.‬‬

‫‪ -4‬وقالت عائشة‪[ :‬خرجت مع النيب )ص( يف عمرة يف رمضان‪ ،‬فأفطر وصمت‪ ،‬وقصر وأمتمت‪ ،‬فقلت‪ :‬أبيب‬
‫وأمي‪ ،‬أفطرت وصمت‪ ،‬وقصرت وأمتمت‪ ،‬فقال‪ :‬أحسنت اي عائشة]‪.‬‬

‫سبب مشروعية القصر‬

‫احلكمة من القصر‪ :‬هو دفع املشقة واحلرج الذي قد يتعرض له املسافر غالبا‪ ،‬والتيسري عليه يف حقوق هللا تعاىل‪،‬‬
‫ولرتغيب يف أداء الفرائض‪ ،‬وعدم التنفري من القيام ابلواجب‪ ،‬فال يبقى ملقصر أو مهمل أو ذريعة يف ترك الصالة‪.‬‬

‫وسبب مشروعيته القصر‪ :‬هو السفر الطويل‪ ،‬املباح عند اجلمهور غري احلنفية‪.‬‬

‫املسافة اليت جيوز فيها القصر‪:‬‬

‫اختلف الفقهاء يف تقدير مسافة السفر اليت يقصر فيها‪ ،‬فقال احلنفية‪ :‬أقل ما تقصر فيه الصالة مسرية ثالثة أايم‬
‫ولياليها من أقصر أايم السنة يف البالد املعتدلة‪ ،‬بسري اإلبل ومشي األقدام‪ ،‬وال يشرتط سفر كل يوم إىل الليل‪ ،‬بل‬
‫أن يسافر يف كل يوم منها من الصباح إىل الوال (الظهر)‪ ،‬فاملعترب هو السري الوسط مع االسرتاحات العادية‪ ،‬فلو‬
‫أسرع وقطع تلك املسافة يف أقل من ذلك كما يف وسائل املواصالت احلديثة‪ ،‬جاز له القصر‪ .‬فإذا قصد اإلنسان‬
‫موضعا بينه وبني مقصده مسرية ثالثة أايم‪ ،‬جاز له القصر‪ ،‬فإن مل يقصد موضعا‪ ،‬وطاف الدنيا من غري قصد إىل‬
‫قطع مسرية ثالثة أايم ال يرتخص ابلقصر‪.‬‬

‫والتقدير بثالث مراحل قريب من التقدير بثالثة أايم؛ ألن املعتاد من السري يف كل يوم مرحلة واحدة‪ ،‬خصوصا يف‬
‫أقصر أايم السنة‪ .‬وال يصح القصر يف أقل من هذه املسافة‪ ،‬كما ال يصح التقدير عندهم ابلفراسخ على املعتمد‬
‫الصحيح‪ .‬ودليلهم القياس على مدة املسح على اخلف املقدرة ابلسنة وهي نص حديث‪[ :‬ميسح املقيم كمال يوم‬
‫وليلة‪ ،‬واملسافر ثالثة أايم ولياليها]‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫واملعترب يف البحر واجلبل‪ :‬ما يناسبه أو ما يليق حباله لقطع املسافة‪ ،‬ففي البحر تعترب تلك املسافة حبسب اعتدال‬
‫الريح‪ ،‬ال ساكنة وال عالية‪ ،‬ويف اجلبل يعتربالسري فيه بثالثة أايم ولياليها حبسب طبيعته‪ ،‬وإن كان تلك املسافة يف‬
‫السهل تقطع مبا دوهنا‪.‬‬

‫وقال اجلمهور غري احلنفية‪ :‬السفر الطويل املبيح للقصر املقدر ابلزمن‪ :‬يومان معتدالن أو مرحلتان بسري األثقال‬
‫ودبيب األقدام‪ ،‬أي سري اإلبل املثقلة ابألمحال على املعتاد من سري وحط وترحال وأكل وشرب وصالة كاملسافة بني‬
‫جدة ومكة أو الطائف ومكة أو من عسفان إىل مكة‪ .‬ويقدر ابملسافة ذهااب‪ :‬أبربعة برد أو ستة عشر فرسخا‪ ،‬أو‬
‫مثانية وأربعني ميال هامشيا‪ ،‬وامليل‪ :‬ستة آالف ذراع‪ ،‬كما ذكر الشافعية واحلنابلة‪ ،‬وقال املالكية على الصحيح‪ :‬امليل‬
‫ثالثة آالف ومخس مئة ذراع‪ ،‬وتقدر حبوايل (‪ 89‬كم) وعى وجه الدقة‪ 88،704 :‬كم مثان ومثانني كيلو وسبعمائة‬
‫وأربعة أمتار‪ ،‬ويقصر حىت لو قطع تلك املسافة بساعة واحدة‪ ،‬كالسفر ابلطائرة والسيارة وحنوها؛ ألنه صدق عليه أنه‬
‫سافر أربعة برد‪.‬‬

‫ودليلهم‪ :‬قول النيب (ص)‪[ :‬اي أهل مكة‪ ،‬ال تقصروا يف أقل من أربعة برد‪،‬من مكة إىل عسفان] وما روي عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنهما‪ :‬كاان يصليان ركعتني ويفطران يف أربعة ب رد‪ ،‬فما فوق‪ ،‬وألن يف هذا القدر تتكرر مشقة الشد‬
‫والرتحال‪ ،‬وفيما دونه ال تتكرر‪.‬‬

‫وهذا املسافة عند الشافعية حمددة متاما‪ ،‬فيضر نقص املسافة مهما قل‪ .‬وهي تقريبا ال حتديدا عند احلنابلة واملالكية‪،‬‬
‫فال يضر عند احلنابلة نقصان املسافة عن هذا املقدار بشيء قليل كميل أو ميلني‪ ،‬وال يضر عند املالكية نقصان مثانية‬
‫أميال‪.‬‬

‫شروط القصر‬

‫اشرتط الفقهاء لصحة القصر الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون السفر طويال مقدرا مبسرية مرحلتني أو يومني أو ستة عشر فرسخا عند اجلمهور‪ ،‬أو ثالث مراحل أو‬
‫ثالثة أايم بلياليها عند احلنفية‪ ،‬على اخلالف السابق بيانه‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -2‬أن يكون السفر مباحا غري حمرم أو حمظور كالسفر للسرقة أو لقطع الطريق‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬يف رأي اجلمهور غري‬
‫احلنفية‪ .‬فإن قصر املرء يف سفر املعصية ال تنعقد صالته عند الشافعية واحلنابلة؛ ألنه فعل ما يعتقد حترميه كمن صلى‬
‫وهو يعتقد أنه حمدث‪ ،‬ويصح القصر مع اإلمث عند املالكية‪.‬‬

‫وال يقصر عند احلنابلة لسفر مكروه‪ ،‬ويقصر عند املالكية والشافعية‪.‬‬

‫ويرى احلنفية‪ :‬أنه جيوز القصر يف السفر احملرم واملكروه واملباح كما بينا‪ ،‬ويقصر لسفر التجارة والتنزه والتفرج‪ ،‬ولزايرة‬
‫املساجد واآلاثر‪ ،‬والقبور‪ ،‬وهو الصحيح عند احلنابلة يف زايرة القبور‪.‬‬

‫‪ -3‬جماوزة العمران من موضع إقامته‪ :‬كما بينا‪ ،‬وللفقهاء تفريعات يف توضيح هذا الشرط‪.‬‬

‫فقال احلنفية‪ :‬أن جياوز بيوت البلد اليت يقيم فيها من اجلهة اليت خرج منها‪ ،‬وإن مل جياوزها من جانب آخر‪ .‬وأن جياوز‬
‫كل البيوت ولو كانت متفرقة مىت كان أصلها من البلد‪ ،‬وأن جياوز ما حول البلد من مساكن‪ ،‬والقرى املتصلة ابلبلد‪.‬‬
‫ويشرتط أن جياوز الساحة (الفناء) املتصلة مبوضع إقامته‪ :‬وهو املكان املعد لصاحل السكان كركض الدواب ودفن‬
‫املوتى وإلقاء الرتاب‪.‬‬

‫وال يشرتط أن تغيب البيوت عن بصره‪ ،‬وبال جماوزة البيوت اخلربة‪ ،‬وال جماوزة البساتني؛ ألهنا ال تعترب من العمران‪ ،‬وإن‬
‫اتصلت ابلبناء أو سكنها أهل البلدة‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬املسافر إما حضري‪ ،‬أو بدوي‪ ،‬أو جبلي‪.‬‬

‫فاحلضري‪ :‬الساكن يف مدينة أو بلد أو قرية ولو ال مجعة فيها‪ ،‬ال يقصر إال إذا جاوز بنياهنا والفضاء الذي حوهلا‬
‫والبساتني املتصلة هبا ولو حكما‪ :‬أبن يرتفق أو ينتفع سكاهنا هبا بنار أو خبز أو طبخ‪ ،‬وابملسكونة أبهلها ولو يف‬
‫بعض العام‪ .‬وال يشرتط جماوزة املزارع والبساتني املنفصلة‪ ،‬أو غري املسكونة يف وقت من العام‪.‬‬

‫والبدوي‪ :‬ساكن البادية أو اخليام‪ ،‬ال يقصر إال إذا جاوز مجيع خيام أو بيوت القبيلة أو القبائل املتعاونة فيما بينها‪،‬‬
‫ولو كانت متفرقة‪ ،‬حيث مجعهم اسم احلي والدار(‪ ،)2‬أو الدار فقط‪.‬‬

‫واجلبلي‪ :‬سكن اجلبال يقصر إذا جاوز حمله أو مكانه‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬إن كان للبلد أو القرية سور‪ ،‬فأول السفر جماوزة السور‪ ،‬وإن كان وراءه عمارة يف األصح‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وإن مل يكن للبلد أو القرية سور‪ :‬فأول السفر جماوزة آخر العمران‪ ،‬وإن ختلله هنر أو بستان أو خراب‪ ،‬حىت ال‬
‫يبقى بيت متصل أو منفصل عن حمل اإلقامة‪ ،‬وال يشرتط جماوزة اخلراب املهجور اخلارج عن العمران؛ ألنه ليس حمل‬
‫إقامة‪ ،‬كما ال يشرتط جماوزة البساتني واملزارع‪ ،‬وإن اتصلت مبا سافر منه‪ .‬والبد من جماوزة املقابر املتصلة ابلقرية اليت‬
‫ال سور هلا‪.‬‬

‫وساكن اخليام‪ :‬يقصر إن جاوز احللَّة‪ ،‬أي البيوت اليت جيتمع أهلها فيها للسمر‪ ،‬ويستعري بعضهم من يعض‪،‬‬
‫سواء أكانت جمتمعة أم متفرقة‪ ،‬وجاوز أيضا مرافق اخليام كمطرح الرماد وملعب الصبيان ومرابط اخليل؛ ألهنا معدودة‬
‫من مواضع إقامتهم‪.‬‬

‫ويعترب مع جماوز اإلقامة املرافق عرض الوادي إن سافر يف عرضه‪ ،‬وجماوزة املهبط إن كان يف ربوة (مرتفع)‪،‬‬
‫واملصعد إن كان يف وهدة (منخفض)‪ ،‬هذا إن اعتدلت الثالثة (الوادي واملهبط واملصعد)‪ ،‬فإن اتسعت اكتفى مبجاوزة‬
‫احللة عرفا‪.‬‬

‫وساكن غري األبنية واخليام يبتدئ سفره مبجاوزة حمل رحله ومرافقه‪ .‬هذا كله يف شفر الرب‪ ،‬أم السفر يف‬
‫البحر‪ :‬فيبتدئ من أول حت رك أو جري السفينة أو الزورق‪ ،‬فإن جرت السفينة حماذية لألبنية اليت يف البلدة فالبد من‬
‫جماوزة تلك األبنية‪ .‬وينتهي السفر بوصوله سور وطنه‪ ،‬أو عمرانه إن كان غري مسور‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬يقصر املسافر إذا فارق خيام قومه‪ ،‬أو بيوت قريته العامرة‪ ،‬سواء أكانت داخل السور أم‬
‫خارجه‪ ،‬مبا يعد مفارقة عرفا؛ ألن هللا تعاىل إمنا أابح القصر ملن ضرب يف األرض‪ ،‬وسواء اتصل هبا بيوت خربة أو‬
‫صحراء‪ ،‬فإن اتصل ابلبيوت اخلربة بيوت عامرة أو بساتني يسكنها أهلها ولو ضيقا مثال وقت النزهة‪ ،‬فال يقتصر إال‬
‫مبفارقة اجلميع من اخلراب والعامر والبساتني املسكونة‪.‬‬

‫ولو كان للبلد حمال‪ ،‬كل حملة منفردة عن األخرى‪ ،‬كبغداد يف املاضي‪ ،‬فمىت خرج من حملته‪ ،‬أبيح له القصر‬
‫إذا فارق أهله‪ .‬وإن كان بعضها متصال ببعض كاتصال أحياء املدن املعاصرة‪ ،‬مل يقصر حىت يفارق مجيعها‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يقصد من ابتداء السفر موضعا معينا‪ ،‬وعزم أن يقطع مسافة القصر من غري تردد فال قصر وال فطر هلائم‪:‬‬
‫وهو من خرج على وجهه ال يدري أين يتوجه‪ ،‬وال ملن خرج يطلب أبقا أو حيواان هاراب‪ ،‬أو غرميا يرجع مىت وجده‪،‬‬
‫وال لسائح ال يقصد مكاان معينا‪ ،‬كما ال قصر ملن طاف األرض كلها من غري قصد إىل قطع مسافة املطلوبة؛ ألنه مل‬

‫‪90‬‬
‫يقصد قطع املسافة‪ ،‬وكذلك ال يقصر عند اجلمهور إذا نوى قطع املسافة ونوى اإلقامة أثناءها مبا يقطع السفر‪ ،‬كما‬
‫سنبني‪.‬‬

‫وقال احلنفية‪ :‬له أن يقصر حىت يقيم ابلفعل‪ ،‬وال تضر نية اإلقامة السابقة‪ ،‬وهذا هو املعقول األوىل ابالتباع‪.‬‬

‫‪ -5‬االستقالل ابلرأي‪ :‬فمن كان نابعا غريه ممن هو مالك أمره كالزوجة مع زوجها ‪ ،‬واجلندي مع أمريه ‪ ،‬واخلادم مع‬
‫سيده والطالب مع أستاذه‪ ،‬وال يعرف كل واحد منهم مقصده‪ ،‬ال يقصر؛ ألن شرط قصد موضع معني مل يتحقق‪.‬‬
‫وهذا الشرط عند الشافعية مقيد مبا قبل قطع مسافة القصر‪ ،‬فإن قطعوا مسافة القصر‪ ،‬قصروا‪ ،‬وإن مل يقصر املتبوعون‬
‫لتيقن طول سفرهم‪.‬‬

‫وأضاف الشافعية‪ :‬أن التابع إن نوى الرجوع من سفره مىت ختلص من التبعية‪ ،‬كاجلندي إذا شطب اَسه‪،‬‬
‫واخلادم إذا ترك اخلدمة‪ ،‬ال يقصر حىت يقطع مسافة القصر وهي املرحلتان أو اليومان‪.‬‬

‫أما عند احلنفية فهذا الشرط مطلق‪ ،‬فليس للتابع القصر ما مل ينو متبوعه السفر‪ .‬وال يلزم التبع إبمتام الصالة‬
‫إال إن علم بنية املتبوع اإلقامة يف األصح‪ ،‬فلو صلى خمالفا له قبل علمه صحت يف األصح‪.‬‬

‫‪ -6‬أال يقتدي من يقصر مبقيم أو مبسافر يتم الصالة‪ ،‬أو مبشكوك السفر عند الشافعية واحلنابلة‪ :‬فإن فعل ذلك‬
‫وجب عليه إمتام الصالة‪ ،‬ولو اقتدى به يف التشهد األخري‪.‬‬

‫لكن احلنفية مل جييزوا اقتداء املسافر ابملقيم إال يف الوقت‪ ،‬فيتم صالته؛ ألن فرضه يتغري من اثنتني إىل أربع‪.‬‬
‫أما بعد خروج الوقت فال جيوز له االقتداء ابملقيم؛ ألن فرضه استقر يف ذمته ركعتني فقط‪ ،‬فال يعترب فرضه إىل أربع بعد‬
‫خروج الوقت‪ ،‬فإن خالف واقتدى به بطلت صالته‪.‬‬

‫‪ -7‬أن ينوي القصر عند اإلحرام ابلصالة‪ :‬وهذا شرط عند الشافعية واحلنابلة؛ ألن األصل اإلمتام‪ ،‬وإطالق النية‬
‫ينصرف إليه‪ ،‬فكان البد من نية القصر‪.‬‬

‫واكتفى املالكية ابشرتاط نية القصر يف أول صالة يقصرها يف السفر‪ ،‬وال يلزم جتديدها فيما بعدها من‬
‫الصلوات كنية الصيام أول رمضان‪ ،‬فإهنا تكفي عن ابقي الشهر‪.‬‬

‫أما احلنفية‪ :‬فاكتفوا بنية السفر قبل الصالة‪ ،‬فمىت نوى السفر‪ ،‬كان فرضه القصر ركعتني‪ ،‬فال ينويه عند‬
‫اإلحرام لكل صالة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ -8‬البلوغ‪ :‬شرط عند احلنفية‪ ،‬فال يقصر الصيب الصالة يف السفر‪ .‬ومل يشرتطه مجهور الفقهاء‪ ،‬فيصح للصيب‬
‫القصر؛ ألن كل من له قصد صحيح‪ ،‬ونوى سفرا يبلغ املسافة املقررة يقصر‪.‬‬

‫‪ -9‬اشرتط الشافعية‪ :‬أن يدوم سفره من أول الصالة إىل آخرها‪ :‬فإن انتهت به سفينته إىل حمل إقامته‪ ،‬أو سارت به‬
‫منها‪ ،‬أو شك هل نوى اإلقامة‪ ،‬أو هل هذه البلدة اليت وصلها هي بلده أو ال‪ ،‬وهو يف أثناء الصالة يف اجلميع‪ ،‬أمت‬
‫صالته‪ ،‬لزوال سبب الرخصة‪ ،‬أو الشك يف زواله‪.‬‬

‫ما مينع القصر‬

‫ينتهي سفر املسافر‪ ،‬وميتنع القصر‪ ،‬وجيب اإلمتام بنية اإلقامة يف موضع أثناء سفره مدة معينة بيناها (‪ 15‬يوما عند‬
‫احلنفية‪ ،‬و‪ 4‬أايم عند املالكية والشافعية‪ ،‬وأكثر من ‪ 4‬أايم عند احلنابلة)‪ ،‬وابلرجوع فعال إىل حمل إقامته املعتادة‪،‬‬
‫وبغريها من حاالت أخرى مقررة يف املذاهب‪.‬‬

‫‪ -1‬أن ينوي املسافر اإلقامة مدة معينة‪:‬‬

‫ملا روي عن أيب هريرة أنه [صلى مع النيب )ص( إىل مكة يف املسري واملقام مبكة إىل أن رجعوا ركعتني] ومبا أنه مل حيدد‬
‫النص مدة اإلقامة فقد اختلف الفقهاء يف تقدير املدة‪:‬‬

‫فقال احلنفية‪:‬‬

‫ميتنع القصر بنية اإلقامة ولو يف الصالة ما مل خيرج وقتها ومل يكن الحقا مدة نصف شهر (‪ 15‬يوما) كاملة‬
‫فأكثر‪ ،‬فإن ىن اإلقامة أقل من هذه املدة ولو بساعة‪ ،‬أو نواها بعد أن خرج الوقت وهو فيها‪ ،‬أو كان الحقا مدركا‬
‫اإلمام أول الصالة‪ ،‬واإلمام مسافر‪ ،‬فأحدث أو انم‪ ،‬فانتبه بعد فراغ اإلمام‪ ،‬ونوى اإلقامة‪ ،‬مل يتم الصالة‪ ،‬وإمنا‬
‫يقصرها ولو بقي سنني مسافرا؛ ألن اإلقامة ال تتحقق أبقل من نصف الشهر‪ ،‬وألن الواجب بعد خروج الوقت استقر‬
‫يف الذمة كما هو يف الوقت‪ ،‬وألن الالحق يف احلكم كأنه خلف اإلمام‪.‬‬

‫وقال املالكية‪:‬‬

‫ميتنع القصر بنية اإلقامة أربعة أايم صحاح غري يومي الدخول واخلروج‪ ،‬تستلزم عشرين صالة‪ ،‬وإال فال‪ ،‬أو‬
‫العلم إبقامة األربعة األايم عادة يف حمل ما‪ ،‬أبن كانت عادة القافلة أن تقيم يف ذلك احملل أربعة أايم‪ ،‬فإنه يتم‪ .‬فإن مل‬

‫‪92‬‬
‫جتب عليه العشرون صالة‪ ،‬كأن دخل بلدا قبل فجر السبت مثال‪ ،‬ونوى اإلقامة إىل غروب يوم الثالاثء‪ ،‬وخرج قبل‬
‫العشاء‪ ،‬قصر‪ ،‬ومل ينقطع حكم سفره؛ ألنه وإن كانت األربعة األايم صحاحا‪ ،‬إال أنه مل جيب عليه عشرون صالة‪.‬‬

‫وإن مل يقم أربعة أايم كأن دخل بلدا قبل العصر ومل يكن صلى الظهر‪ ،‬ونوى االرحتال بعد صبح اليوم‬
‫اخلامس‪ ،‬مل ينقطع حكم سفره؛ ألنه وإن وجب عليه عشرون صالة‪ ،‬إال أنه مل يقم إال ثالثة أايم صحاح‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪:‬‬

‫ميتنع القصر إذا نوى املسافر إقامة أربعة أايم نامة بلياليها‪ ،‬أو نوى اإلقامة مطلقا‪ ،‬غري يومي الدخول‬
‫وا خلروج ‪ ،‬على الصحيح‪ ،‬مبوضع صاحل لإلقامة أو غري صاحل كصحراء على األصح ‪ ،‬فإن نوى أقل من أربعة أايم‪،‬‬
‫قصر‪ .‬وإن كانت له حاجة وجزم أبهنا ال تقضى يف أربعة أايم‪ ،‬أمت ومل يقصر‪ ،‬سواء نوى اإلقامة أم ال‪.‬‬

‫أما إن أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حتققت حاجة يتوقعها كل وقت‪ ،‬فله القصر إىل مثانية عشر يوما‪ ،‬كما‬
‫ذكران‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪:‬‬

‫ميتنع القصر لو نوى املسافر إقامة مطلقة أبن مل جيدها بزمن معني‪ ،‬ولو يف مكان غري صاحل لإلقامة كبادية‬
‫ودار حرب‪ ،‬أو نوى إقامة أكثر من عشرين صالة‪ ،‬أو أكثر من أربعة أايم مع يومي الدخول واخلروج‪ ،‬وأمت صالته‪.‬‬

‫‪ -2‬العودة إىل حمل اإلقامة الدائم‪ ،‬أو نية العودة‪:‬‬

‫سأحبث هذه احلالة يف ضوء املصطلحات احلديثة لإلقامة والوطن ابالعتماد على اصطالح الفقهاء يف املاضي‪،‬‬
‫واالصطالحات احلديثة هي ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬الوطن‪ :‬هو إقليم الدولة اليت ينتمي إليها وحيمل جنسيتها حبسب التقسيم اإلقليمي للدول املعاصرة‪ .‬وهذا املفهوم‬
‫ال صلة له ببحثنا‪.‬‬

‫ب‪ -‬حمل اإلقامة الدائمة‪ :‬هو حمل العمل الذي يسكن فيه‪ ،‬أو حمل املعيشة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬حمل امليالد‪ :‬هو البلد الذي ولد ونشأ فيه‪ ،‬وفيه أهله وعشريته‪ ،‬ويشمل هذين االثنني عند احلنفية‪ :‬الوطن األصلي‬
‫إذ هو موطن الوالدة‪ ،‬أو التزوج أو التوطن‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫د‪ -‬حمل اإلقامة املؤقتة‪ :‬هو املكان الذي يقيم فيه لفرتة زمنية أو ملهمة قد تطول وقد تقصر‪ ،‬ويقابله عند احلنفية (وطن‬
‫اإلقامة) إذا كانت نصف شهر فأكثر‪ ،‬ووطن السكىن إذا أقام دون نصف شهر‪.‬‬

‫ه ‪ -‬بلد الزوجة‪ :‬هو البلد الذي له فيه زوجة إما الزوجة الوحيدة أو الثانية ويدخل حتت مفهوم الوطن األصلي‪.‬‬

‫وحبثنا يرتدد بني هذه املصطلحات األربعة األخرية‪.‬‬

‫قال احلنفية‪:‬‬

‫الوطن ثالثة أنواع‪:‬‬

‫الوطن األصلي‪ :‬هو الذي ولد فيه أو تزوج‪ ،‬أو مل يتزوج وقصد التعيش فيه‪ ،‬ال االرحتال عنه‪.‬‬

‫ووطن اإلقامة‪ :‬موضع نوى اإلقامة فيه نصف شهر فما فوقه‪.‬‬

‫ووطن السكىن‪ :‬هو ما ينوي اإلقامة دون نصف شهر‪ ،‬وهذا مل يعتربه احملققون يف حالة تغيري املوطن‪.‬‬

‫مىت يتم املسافر الصالة عادة ؟‬

‫إذا دخل املسافر بلدة أي حمل إقامته الدائمة‪ ،‬أمت الصالة‪ ،‬وإن مل ينو اإلقامة فيه‪ ،‬كأن دخله لقضاء حاجته؛ ألنه‬
‫معني لإلقامة‪ ،‬وقد زال سبب الرخصة وهو السفر‪ .‬هذا إن سار مدة الشفر (‪ 3‬أايم ابلياليها)‪ ،‬وإال أبن رجع إىل بلده‬
‫قبل قطع مسافة السفر‪ ،‬أمت مبجرد نية العودة‪ ،‬لعدم حتقق السفر اجمليز للقصر‪ .‬وإذا فيجب عليه اإلمتام يف هاتني‬
‫احلالتني‪ :‬العودة للوطن‪ ،‬ونية العودة قبل قطع مسافة القصر‪ ،‬فإن عاد بعد قطع مسافة القصر‪ ،‬يقصر حىت يعود لبلده‬
‫ابلفعل‪.‬‬

‫وقال املالكية‪:‬‬

‫مر فيها‪ ،‬أو إىل‬


‫ميتنع القصر على املسافر وعليه اإلمتام إن عاد إىل بلدته األصلية اليت نشأ فيها وينتسب إليها‪ ،‬أو َّ‬
‫البلد اليت فيها‪ ،‬إقامة دائمة‪ ،‬أو إىل بلد الزوجة اليت دخل هبا وكانت غري انشز وإن مل ينو إقامة أربعة أايم‪ ،‬أو إىل البلد‬
‫اليت نوى فيها اإلقامة أربعة أايم فأكثر‪ .‬أما دخول بلد الزوجة اليت مل يدخل هبا أو كانت انشزا‪ ،‬فال مينع القصر‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫وقال الشافعية‬

‫‪94‬‬
‫الوطن‪ :‬هو حمل اإلقامة الدائمة صيفا وشتاء‪ .‬وميتنع القصر برجوعه إىل وطنه‪ ،‬وإىل موضع نوى اإلقامة فيه مطلقا‪ ،‬أو‬
‫أربعة أايم صحيحة‪ ،‬أو حلاجة ال تنقضي إال يف املدة املذكورة‪ ،‬كما ميتنع القصر بنية الرجوع إىل وطنه أو ابلرتدد فيه‬
‫وهو ماكث غري سائر‪ ،‬ومستقل غري نابع‪ ،‬ولو مبحل ال يصلح لإلقامة كمفازة‪ ،‬من دون مسافة القصر‪ ،‬فإن نوى‬
‫الرجوع وهو سائر أو نابع لغريه كالزوجة لزوجها فيقصر حىت يرجع فعال‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪:‬‬

‫من رجع إىل الوطن الذي سافر منه‪ ،‬أو نوى الرجوع قبل قطع مسافة القصر‪ ،‬فال يقصر وإمنا يتم الصالة‪ ،‬كما أنه‬
‫مر (أي مسافر) بوطنه‪ ،‬ولو مل يكن له حاجة سوى املرور؛ ألنه يف حكم املقيم إذ ذاك‪.‬‬
‫يتمها إذا ّ‬
‫قضاء الصالة الفارتة يف السفر‬

‫قال احلنفية واملالكية‪:‬‬

‫من فاتته صالة يف السفر قضاها يف احلضر ركعتني‪ ،‬كما فاتته يف السفر‪ ،‬ومن فاتته صالة يف احلضر قضاها يف السفر‬
‫أربعا؛ ألنه بعدما تقرر ال يتغري؛ وألن القضاء حبسب األداء‪.‬‬

‫وقال الشافعية واحلنابلة‬

‫الصالة الفائتة يف احلضر‪ ،‬تقضى أربعا سواء يف السفر أم يف احلضر؛ ألن القصر رخصو من رخص السفر‪ ،‬فيبطل‬
‫بزواله كاملسح ثالثة أايم‪ ،‬وألهنا ثبتت يف ذمته نامة‪ ،‬وفائتة السفر تقضى مقصورة يف السفر دون احلضر‪ ،‬يف األظهر‬
‫عند الشافعية؛ ألهنا وجبت يف السفر‪ ،‬فينظر إىل وجود السبب‪.‬‬

‫اجلمع بني الصالتني‬

‫مشروعية اجلمع‬

‫جي وز عند اجلمهور غري احلنفية اجلمع بني الظهر والعصر تقدميا يف وقت األوىل‪ ،‬وأتخريا يف وقت الثانية‪ ،‬واجلمعة‬
‫كالظهر يف مجع التقدمي‪ ،‬وبني املغرب والعشاء تقدميا وأتخريا أيضا يف السفر الطويل كما يف القصر (‪ 89‬كم)‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫فالصلوات اليت جتمع‪ :‬الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء يف وقت إحدامها ويسمى اجلمع يف وقت الصالة‬
‫األوىل‪ :‬مجع تقدمي‪ ،‬واجلمع يف وقت الصالة الثانية‪ :‬مجع أتخري‪ .‬واألفضل عدم اجلمع خروجا من اخلالف‪ ،‬ولعدم‬
‫مداومته النيب )ص( عليه‪ ،‬ولو كان أفضل ألدامه كالقصر‪.‬‬

‫ودليل مجع التأخري‪ :‬الثابت يف الصحيحني عن أنس وابن عمر رضي هللا عنهما‪ ،‬أما حديث األول‪ ،‬فقال‬
‫أنس‪ :‬كان رسول هللا )ص( إذا رحل قبل أن تزيغ ‪-‬متيل ظهرا‪ -‬الشمس‪ ،‬أخر الظهر إىل وقت العصر‪ ،‬مث نزل جيمع‬
‫بينهما‪ ،‬فإن زاغت قبل أن يرحتل صلى الظهر‪ ،‬مث ركب‪.‬‬

‫ودليل مجع التقدمي‪ :‬الصحيح من حديث معاذ رضي هللا عنه‪ :‬أن النيب )ص ( كان يف غزوة تبوك إذا ارحتل‬
‫بعد املغرب عجل العشاء فصالها مع املغرب‪.‬‬

‫وقال احلنفية‪ :‬ال جيوز اجلمع إال يف يوم عرفة للمحرم ابحلج مجع تقدمي بني الظهر والعصر أبذان واحد‬
‫وإقامتني؛ ألن العصر يؤدى قبل وقته املعهود‪ ،‬فيفرد ابإلقامة إعالما للناس‪ .‬ويف ليلة املزدلفة مجع أتخري بني املغرب‬
‫والعشاء أبذان واحد وإقامة واحدة؛ ألن العشاء يف وقتها فلم حتتج لإلعالم‪ .‬واحتجوا أبن مواقيت الصالة تثبت‬
‫ابلتواتر‪ ،‬فال جيوز تركها خبرب الواحد‪.‬‬

‫أسباب اجلمع بني الصالتني‬

‫اتفق اجمليزون اجلمع تقدميا وأتخريا على جوازه يف أحوال ثالثة‪ :‬هي السفر‪ ،‬واملطر وحنوه من الثلج والربد‪ ،‬واجلمع بعرفة‬
‫واملزدلفة‪ ،‬واختلفوا فيما سواها‪ ،‬ويف شروط صحة اجلمع‪.‬‬

‫فقال املالكية‪ :‬أسباب اجلمع بني الظهر والعصر‪ ،‬واملغرب والعشاء تقدميا وأتخريا ستة‪ :‬هي السفر‪ ،‬واملطر‪،‬‬
‫والوحل مع الظلمة‪ ،‬واملرض كاإلغماء وحنوه‪ ،‬ومجع عرفة‪ ،‬ومزدلفة‪ ،‬وكلها يرخص هلا اجلمع جوازا للرجل أو املرأة‪ ،‬إال‬
‫مجع عرفة ومزدلة‪ ،‬فهو سنة‪.‬‬

‫الرب ال يف‬
‫أما السفر‪ :‬فيجوز فيه اجلمع مطلقا‪ ،‬سواء أكان طويال أم قصريا يف مسافة القصر‪ ،‬إذا كان يف ّ‬
‫البحر‪ ،‬قصرا للرخصة على موردها‪ ،‬وكان غري عاص ابلسفر وغري الهٍ‪.‬‬

‫ويشرتط جلواز مجع التقدمي يف السفر شرطان‪:‬‬

‫‪ -1‬أن تزول عليه الشمس (يدخل الظهر) وهو مسافر يف مكان نزوله لالسرتاحة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -2‬أن ينوي االرحتال قبل وقت العصر‪ ،‬والنزول لالسرتاحة بعد غروب الشمس فإن نوى االسرتاحة قبل اصفرار‬
‫الشمس‪ ،‬صلى الظهر فقط‪ ،‬وأخر العصر وجواب لوقتها االختياري‪ ،‬فإن قدمه أجزأته الصالة‪.‬‬

‫الشافعية‪ :‬أجازوا اجلمع فقط يف السفر واملطر واحلج بعرفة ومزدلفة‪.‬‬

‫أما اجلمع بسبب املطر والثلج والربد الذائبني‪ :‬فاألظهر جوازه تقدميا ملن صلى جبماعة يف مسجد بعيد‪ ،‬وأتذى ابملطر‬
‫يف طريقه‪ ،‬واملذهب اجلديد منع مجع التأخري فيه؛ ألن استدامة املطر غري متيقنة فقد ينقطع‪ ،‬فيؤدي إىل إخراج الصالة‬
‫عن وقتها من غري عذر‪.‬‬

‫ودليلهم على جواز مجع التقدمي‪ :‬ما يف الصحيحني عن ابن عباس‪[ :‬صلى بنا رسول هللا )ص( ابملدينة الظهر والعصر‪،‬‬
‫واملغرب والعشاء مجيعا] زاد مسلم [من غري خوف وال سفر]‪ .‬وشرط جواز التقدمي‪ :‬وجود املطر عند السالم من‬
‫الصالة األوىل‪ ،‬ليتصل املطر أبول الثانية‪ ،‬فالبد من امتداده بينهما‪ ،‬وال يضر انقطاعه فيما عدا ذلك‪.‬‬

‫وجيمع العصر مع اجلمعة يف املطر مجع تقدمي‪ ،‬وإن مل يكن موجودا حال اخلطبة؛ ألهنا ليست من الصالة‪.‬‬

‫واملشهور يف املذهب عدم جواز اجلمع بسبب الوحل والريح والظلمة واملرض حلديث املواقيت للصالة‪ ،‬وال جيوز خمالفته‬
‫إال بنص صريح‪.‬‬

‫الدرس التاسع‬

‫احكام الصالة‪ :‬صالة التطوع‬

‫‪ -1‬صالة العيدين‬

‫سبب التسمية‪َ :‬سي العيد هبذا االسم؛ ألن هلل تعاىل فيه عوائد اإلحسان أي أنواع اإلحسان العائدة على عباده يف‬
‫كل عام‪ ،‬منها الفطر بعد املنع عن الطعام وصدقة الفطر‪ ،‬وإمتام احلج بطواف الزايرة‪ ،‬وحلوم األضاحي وغريها؛ وألن‬
‫العادة فيه الفرح والسرور والنشاط واحلبور غالبا بسبب ذلك وأصل معىن "عيد" لغة‪ :‬عود‪ ،‬والعود هو الرجوع‪ ،‬فهو‬
‫يعود ويتكرر ابلفرح كل عام‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫أدلة مشروعية صالة العيد‬

‫شرعت صالة العيد يف السنة األوىل من اهلجرة‪ ،‬بدليل ما روى أنس‪[ :‬قدم رسول هللا )ص( املدينة‪ ،‬وهلم يومان‬
‫يلعبون فيهما‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذان اليومان ؟ قالوا‪ :‬كنا نلعب فيهما يف ابجلاهلية‪ ،‬فقال رسول هللا )ص(‪ :‬إن هللا قد‬
‫أبدلكما خريا منهما‪ :‬يوم األضحى‪ ،‬ويوم الفطر]‪.‬‬

‫وأدلة مشروعيتها‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع‪ :‬أما الكتاب‪ :‬فقوله تعاىل‪{ :‬فص ّل لربّك واحنر}[الكوثر ‪]2 /108‬‬
‫املشهور يف التفسري‪ :‬أن املراد بذلك صالة العيد أي صالة األضحى والذبح‪.‬‬

‫وأما السنة‪ :‬فثبت أن رسول هللا )ص( ابلتواتر كان يصلي صالة العيدين‪ .‬وأول عيد صاله )ص( عيد الفطر يف السنة‬
‫الثانية من اهلجرة‪ .‬قال ابن عباس‪( :‬شهدت صالة الفطر مع رسول هللا )ص( وأيب بكر وعمر‪ ،‬فكلهم يصليها قبل‬
‫اخلطبة) وعنه (أن النيب )ص( صلى العيد بغري أذان وال إقامة)(‪.)1‬‬

‫وأمجع العلماء على مشروعة صالة العيدين‪.‬‬

‫حكمها الفقهي‬

‫يرتدد حكم صالة العيدين بني آراء ثالث‪ :‬كوهنا فرض كفاية‪ ،‬أو واجب‪ ،‬أو سنة‪.‬‬

‫فقال احلنابلة يف ظاهر املذهب‪ :‬صالة العيد فرض كفاية‪ ،‬إذا أقام هبا من يكفي سقطت عن الباقني‪ ،‬أي كصالة‬
‫السري‪ ،‬وكان النيب )ص( واخللفاء بعده‬
‫اجلنازة‪ ،‬لآلية السابقة {فص ّل لربّك واحنر} هي صالة العيد يف املشهور يف ّ‬
‫يداومون عليها‪ ،‬وألهنا من أعالم الدين الظاهرة‪ ،‬فكانت واجبة كاجلهاد‪ ،‬ومل جتب عينا على كل مسلم‪ ،‬حلديث‬
‫األعرايب اآليت‪[ :‬إال أن تطَّوع] املقتضي نفي وجوب صالة‪ ،‬سوى اخلمس‪ ،‬وإمنا وجب العيد بفعل النيب )ص(‪ ،‬ومن‬
‫صلى معه‪.‬‬

‫فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعني بال عذر‪ ،‬قاتلهم اإلمام كاألذان؛ ألهنا من شعائر اإلسالم الظاهرة‪ ،‬ويف‬
‫تركها هتاون ابلدين‪.‬‬

‫وقال احلنفية يف األصح‪ :‬جتب صالة العيدين على من جتب عليه اجلمعة بشرائطها املتقدمة سوى اخلطبة‪،‬‬
‫فإهنا سنة بعدها‪ .‬ودليلهم على الوجوب‪ :‬مواظبة النيب )ص( عليها‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وقال املالكية والشافعية‪ :‬هي سنة مؤكدة تلي الوتر يف التأكيد‪ ،‬ملن جتب عليه اجلمعة‪ :‬وهو الذكر البالغ احلر‬
‫املقيم ببلد اجلمعة‪ ،‬أو النائي عنه كبعد فرسخ (‪ 5544‬م) منه‪ ،‬وال تندب عند املالكية لصيب وامرأة وعبد ومسافر مل‬
‫ينو إقامة تقطع حكم السفر‪ ،‬وندبت لغري املرأة الشابة‪ ،‬وال تندب حلاج وال ألهل مىن‪ ،‬ولو غري حاجني‪.‬‬

‫والتهنئة ابلعيد واألعوام واألشهر مشروعة مباحة‪ ،‬ال سنة فيها وال بدعة‪.‬‬

‫شرارط وجوهبا وجوازها‬

‫قال احلنفية‪ :‬كل ما هو شرط وجوب اجلمعة وجوازها فهو شرط وجوب صالة العيدين‪ ،‬وجوازها‪ ،‬من اإلمام‬
‫واجلماعة‪ ،‬واملصر‪ ،‬والوقت‪ ،‬إال اخلطبة فإهنا سنة بعد الصالة‪ ،‬ولو تركها جازت صالة العيد‪.‬‬

‫أما اإلمام أي حضور السلطان أو احلاكم أو انئبه‪ :‬فهو شرط أداء العيد كاجلمعة‪ ،‬ملا ثبت يف السنة‪ ،‬وألنه لو‬
‫مل يشرتط السلطان‪ ،‬ألدى إىل الفتنة‪ ،‬بسبب جتمع الناس‪ ،‬وتنازعهم على التقدم لإلمامة ملا فيها من الشرف والعلو‬
‫والرفعة‪.‬‬

‫وأما املصر‪ :‬فلقول علي موقوفا ع ليه‪( :‬ال مجعة وال تشريق‪ ،‬وال صالة فطر‪ ،‬وال أضحى‪ ،‬إال يف مصر جامع‬
‫أو مدينة عظيمة)‪.‬‬

‫وأما اجلماعة‪ :‬فألهنا ما أديت إال جبماعة‪.‬‬

‫وأما الوقت‪ :‬فإهنا ال تؤدى إال يف وقت خمصوص‪ ،‬كما جرى به التوارث عن السلف‪.‬‬

‫والذكورة والعقل والبلوغ واحلرية وصحة البدن واإلقامة من شرائط وجوهبا‪ ،‬كما هي من شرائط وجوب‬
‫اجلمعة‪ ،‬فال جتب على النسوان والصبيان واجملانني والعبيد بدون إذن مواليهم‪ ،‬وال على الزمىن واملرضى واملسافرين‪ ،‬كما‬
‫ال جتب عليهم اجلمعة‪.‬‬

‫أما احلنابلة فقالوا‪ :‬يشرتط لصحة صالة العيد االستيطان أربعني عدد اجلمعة وال يشرتط هلا إذن‪ ،‬ويفعلها‬
‫املسافر والعبد واملرأة واملنفرد تبعا ألهل وجوهبا‪.‬‬

‫وقتها‬

‫‪99‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن وقت صالة العيد‪ :‬هو ما بعد طلوع الشمس قدر رمح أو رحمني‪ ،‬أي بعد حوايل نصف ساعة‬
‫من الطلوع‪ ،‬إىل قبيل الزوال أي قبل دخول وقت الظهر‪ ،‬وهو وقت صالة الضحى؛ للنهي عن الصالة عند طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬فتحرم عند الشروق‪ ،‬وتكره بعدها عند اجلمهور‪ ،‬فإذا صلوا قبل ارتفاع الشمس قدر رمح ال تكون عند‬
‫احلنفية صالة عيد‪ ،‬بل نفال حمرما‪.‬‬

‫تعجيل الصالة وأتخريها‪ :‬يسن تعجيل صالة األضحى يف أول وقتها حبيث يوافق احلجاج مبىن يف ذحبهم‪،‬‬
‫وأتخري صالة الفطر عن أول وقتها قليال‪ ،‬ملا روى الشافعي مرسال أن النيب )ص( كتب إىل عمرو بن حزم‪ ،‬وهو‬
‫عجل األضحى‪ ،‬وأخر الفطر‪ ،‬وذ ّكر الناس] وألنه يتسع بذلك وقت األضحية‪ ،‬ووقت صدقة الفطر‪.‬‬
‫بنجران‪[ :‬أن ّ‬
‫موضع أداء صالة العيد‬

‫للفقهاء رأاين متقارابن‪ ،‬فقال اجلمهور غري الشافعية‪ :‬موضعها يف غري مكة‪ :‬املصلى (الصحراء خارج البلد‪ ،‬على أن‬
‫يكون قريبا من البلد عرفا عند احلنابلة) ال املسجد‪ ،‬إال من ضرورة أو عذر‪ ،‬وتكره يف املسجد‪ ،‬بدليل فعل النيب‬
‫)ص( ‪ ،‬والكراهة ملخالفة فعله عليه السالم‪ .‬فإن كان عذر مل تكره‪ ،‬لقول أيب هريرة‪[ :‬أصابنا مطر يف يوم عيد‪ ،‬فصلى‬
‫بنا النيب )ص( يف املسجد] وروي أن عمر وعثمان رضي هللا عنهما صليا يف املسجد يف املطر‪.‬‬

‫أما يف مكة‪ :‬فاألفضل فعلها يف املسجد احلرام‪ ،‬لشرف املكان‪ ،‬ومشاهدة الكعبة‪ ،‬وذلك من أكرب شعائر‬
‫الدين‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬فعل صالة العيد يف املسجد أفضل؛ ألنه أشرف وأنظف من غريه‪ ،‬إال إذا كان مسجد البلد‬
‫ضيقا‪ ،‬فالسنة أن تصلى يف املصلى‪ ،‬ملا روي أن النيب )ص( كان خيرج إىل املصلى‪ ،‬وألن الناس يكثرون يف صالة‬
‫العيد‪ ،‬وإذا كان املسجد ضيقا أتذى الناس‪ .‬قال الشافعي رمحه هللا‪ :‬فإن كان املسجد واسعا‪ ،‬فصلى يف الصحراء فال‬
‫أبس‪ ،‬وإن كان ضيقا‪ ،‬فصلى فيه ومل خيرج إىل املصلى‪ ،‬كرهت‪.‬‬

‫كيفية صالة العيد‬

‫صالة العيد ركعتان ابالتفاق‪ ،‬لقول عمر رضي هللا عنه‪[ :‬صالة األضحى ركعتان‪ ،‬وصالة الفطر ركعتان‪،‬‬
‫وصالة السفر ركعتان‪ ،‬وصالة اجلمعة ركعتان متام غري قصر على لسان نبيكم‪ ،‬وقد خاب من افرتى] وهي تشمل بعد‬
‫اإلحرام على تكبريات‪ :‬ثالث عند احل نفية‪ ،‬وست يف األوىل ومخس يف الثانية عند املالكية واحلنابلة‪ ،‬وسبع يف األوىل‬

‫‪100‬‬
‫ومخس يف الثانية عند الشافعية قبل القراءة يف الركعتني إال عند احلنفية يف الركعة الثانية يكون التكبري بعد القراءة‪،‬‬
‫ويندب بعد الفاحتة قراءة سورتني مها عند اجلمهور‪{ :‬سبح اسم ربك األعلى}و{الغاشية}‪ ،‬ولكن عند املالكية يقرأ‬
‫يف الثانية سورة {والشمس} وحنوها‪ ،‬وعند الشافعية {ق} و{اقرتبت}‪ .‬وال يؤذَّن هلا وال يقام‪ ،‬ملا روي عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنهما قال‪[ :‬شهدت العيد مع رسول هللا )ص( ومع أيب بكر وعمر وعثمان رضي هللا عنهم‪ ،‬فكلهم‬
‫صلى قبل اخلطبة بغري أذان وال إقامة] والسنة أن ينادى هلا (الصالة جامعة) ملا روي عن الزهري أنه كان ينادى به‬
‫وقياسا على صالة الكسوف‪.‬‬

‫‪ -2‬صالة الكسوف واخلسوف‬

‫الكسوف واخلسوف‪ :‬شيء واحد‪ ،‬ويقال هلما كسوفان وخسوفان‪ ،‬واألشهر يف تعبري الفقهاء‪ :‬ختصيص الكسوف‬
‫ابلشمس واخلسوف ابلقمر‪.‬‬

‫والكسوف‪ :‬هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه يف النهار حليلولة ظلمة القمر بني الشمس واألرض‪.‬‬

‫واخلسوف‪ :‬هو ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليال حليلولة ظل األرض بني الشمس والقمر‪ .‬وال حيدث عادة كسوف‬
‫الشمس إال يف االستسرار آخر الشهر إذا اجتمع النريان‪ ،‬كما ال حيدث خسوف القمر إال يف اإلبدار‪ ،‬إذا تقابل‬
‫النريان‪.‬‬
‫ّ‬
‫مشروعية صالة الكسوفني‬

‫صالة الكسوف واخلسوف سنة اثبتة مؤكدة ابتفاق الفقهاء‪ ،‬بدليل قوله تعاىل‪{ :‬ومن آايته اللَّيل والنَّهار‬
‫والشَّمس والقمر ال تسجدوا للشَّمس وال للقمر واسجدوا َّّلِل الَّذي خلقه َّن} أي أنه يصلى عند كسوفهما‪ .‬وقوله‬
‫)ص( يوم مات ابنه إبراهيم‪[ :‬إن الشمس والقمر آيتان من آايت هللا‪ ،‬ال ينكسفان ملوت أحد‪ ،‬وال حلياته فإذا رأيتم‬
‫ذلك‪ ،‬فصلوا وادعوا‪ ،‬حىت ينكشف ما بكم]‪.‬‬

‫وهي مشروعة حضرا وسفرا للرجال والنساء‪ ،‬أي يف حق كل من هو خماطب ابملكتوابت اخلمس؛ ألنه )ص(‬
‫فعلها لكسوف الشمس‪ ،‬كما رواه الشيخان‪ ،‬وخلسوف القمر‪ ،‬كما رواه ابن حبان يف كتاىب الثقات‪ ،‬وللصبيان‬
‫والعجائز حضورها كاجلمعة والعيدين‪ .‬ويؤمر هبا من جتب عليه اجلمعة اتفاقا‪.‬‬

‫وإمنا مل جتب خلرب الصحيحني املتقدم‪[ :‬هل علي غريها ؟ ‪-‬أي اخلمس‪ -‬قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن تطََّّوع]‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫وتصلى مجاعة أو فرادى‪ ،‬سرا أو جهرا‪ ،‬خبطبة أو بال خطبة‪ ،‬على التفصيل اآليت بني املذاهب‪ ،‬لكن فعلها يف مسجد‬
‫اجلمعة واجلماعة أفضل؛ ألن النيب )ص( صلى يف املسجد‪.‬‬

‫وال يشرتط هلا إذن اإلمام‪ ،‬كصالة االستسقاء؛ ألن كال منهما انفلة‪ ،‬وليس إذنه شرطا يف انفلة‪.‬‬

‫كيفيتها‬

‫للفقهاء يف كيفية صالة الكسوف رأاين‪:‬‬

‫رأي احلنفية‪:‬‬

‫صالة الكسوف ركعتان كهيئة الصلوات األخرى من صالة العيد واجلمعة والنافلة‪ ،‬بال خطبة وال أذان وال إقامة‪ ،‬وال‬
‫تكرار ركوع يف كل ركعة‪ ،‬بل ركوع واحد‪ ،‬وسجدنان‪ ،‬ملا رواه أبو داود يف سننه‪[ :‬أنه عليه الصالة والسالم صلى‬
‫ركعتني‪ ،‬فأطال فيهما القيام‪ ،‬مث انصرف‪ ،‬واجنلت الشمس‪ ،‬فقال‪ :‬إمنا هذه اآلايت خيوف هللا تعاىل هبا عباده‪ ،‬فإذا‬
‫رأيتموها فصلوا‪ ،‬كأحدث صالة صليتموها من املكتوبة] قال الكمال بن اهلمام‪ :‬وهي الصبح‪ ،‬فإن كسوف الشمس‬
‫كان عند ارتفاعها قدر رحمني‪.‬‬

‫رأي اجلمهور‪:‬‬

‫صالة الكسوف ركعتان‪ ،‬يف كل ركعة قيامان‪ ،‬وقراءنان وركوعان‪ ،‬وسجودان‪ .‬والسنة أو األكمل أن يقرأ يف‬
‫القيام األول بعد الفاحتة سورة البقرة أو حنوها يف ابلطول‪ ،‬ويف القيام الثاين بعد الفاحتة دون ذلك أي بقدر مائيت آية‬
‫مثل آل عمران‪ ،‬ويف القيام الثالث بعد الفاحتة دون ذلك‪ ،‬أي بقدر مائة ومخسني آية‪ ،‬مثل النساء‪ ،‬ويف القيام الرابع‬
‫بعد الفاحتة دون ذلك بقدر مائة تقريبا مثل املائدة‪.‬‬

‫فيقرأ أوال املقدار األول‪ ،‬مث يركع‪ ،‬مث يرفع‪ ،‬ويقرأ املقدار الثاين‪ ،‬مث يركع مث يرفع‪ ،‬مث يسجد كما يسجد يف‬
‫غريها‪ ،‬ويطيل الركوع‪ ،‬والسجود يف الصحيح عند الشافعية‪ ،‬ويكرر ذلك يف الركعة الثانية‪.‬‬

‫ودليل اجلمهور على تعدد الركوع اثنني‪ :‬حديث عبد هللا بن عمرو‪ ،‬قال‪[ :‬ملا كسفت الشمس على عهد النيب )ص(‬
‫نودي أن (الصالة جامعة)‪ ،‬فركع النيب )ص( ركعتني يف سجدة‪ ،‬مث قام فركع ركعتني يف سجدة‪ ،‬مث جلي عن الشمس‪،‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬ما ركعت ركوعا قط‪ ،‬وال سجدت سجودا قط‪ ،‬كان أصول منه]‪.‬‬

‫وقت صالة الكسوف واخلسوف‬


‫‪102‬‬
‫تصلى هذه الصالة وقت حدوث الكسوف واخلسوف‪ .‬وهل تصلى يف األوقات املنهي عن الصالة فيها ؟ اجلمهور‪:‬‬
‫ال تصلى فيها؛ ألن تلك األوقات ختتص جبميع أجناس الصالة‪ ،‬والشافعية‪ :‬تصلى فيها؛ ألن تلك األحاديث الواردة‬
‫يف النهي عن الصالة يف أوقات مخسة ختتص ابلنوافل‪ ،‬وصالة الكسوف سنة‪ ،‬فتجوز يف أي وقت‪.‬‬

‫‪ -3‬صالة االستسقاء‬

‫تعريف االستسقاء وسببه‬

‫االستسقاء‪ :‬لغة‪ :‬طلب السقيا‪ ،‬وشرعا‪ :‬طلب السقي من هللا تعاىل مبطر عند حاجة العباد إليه على صفة خمصوصة‬
‫أي بصالة وخطبة واستغفار ومحد وثناء‪.‬‬

‫وسببه‪ :‬قلة األمطار‪ ،‬وشح املياه‪ ،‬والشعور ابحلاجة لسقي الزرع وشرب احليوان‪ ،‬وحيدث اجلفاف عادة ابتالء‬
‫من هللا تعاىل‪ ،‬بسبب غفلة الناس عن رهبم‪ ،‬وتفشي املعاصي بينهم‪ ،‬فيحتاج األمر للتوبة واالستغفار والتضرع إىل هللا‬
‫تعاىل‪ ،‬فإذ فعل العباد ذلك‪ ،‬تفضل عليهم خالقهم وأنعم عليهم إبنزال املطر‪ ،‬كما قص علينا القرآن الكرمي من دعاء‬
‫األنبياء نوح وموسى وهود عليهم السالم إلغاثة أقوامهم‪ ،‬قال تعاىل عن نوح‪{ :‬ف قلت است غفروا ربَّكم إنَّه كان غ َّفارا‬
‫َّات وجيعل لكم أن هارا} وقال عن موسى‪{ :‬وإذ‬ ‫السماء عليكم مدرارا وميددكم أبمو ٍال وبنني وجيعل لكم جن ٍ‬
‫ي رسل َّ‬
‫استسقى موسى لقومه ف قلنا اضرب بعصاك احلجر ‪ }..‬وقال عن هود‪{ :‬واي ق وم است غفروا ربَّكم مثَّ ت وب وا إليه ي رسل‬
‫السماء عليكم مدرارا ويزدكم ق َّوةً إىل ق َّوتكم}‪.‬‬
‫َّ‬
‫مشروعية صالة االستسقاء‬

‫قال أبو حنيفة رمحه هللا‪ :‬ليس يف االستسقاء صالة مسنونة يف مجاعة‪ ،‬فإذا صلى الناس فرادى أو وحداان‪ ،‬جاز من‬
‫غري كراهة؛ ألهنا نفل مطلق‪ ،‬وإمنا االستسقاء‪ :‬دعاء واستغفار؛ ألنه السبب إلرسال األمطار‪ ،‬بال مجاعة مسنونة‪ ،‬وبال‬
‫لسماء عليكم‬
‫خطبة‪ ،‬وبال قلب رداء‪ ،‬وبال حضور ذمي‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬ف قلت است غفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّارا ي رسل ا َّ‬
‫مدرارا} ورسول هللا )ص( استسقى‪ ،‬ومل يرو عنه الصالة‪.‬‬

‫وقال مجهور الفقهاء منهم الصاحبان‪ :‬صالة االستسقاء سنة مؤكدة حضرا وسفرا‪ ،‬عند احلاجة‪ ،‬اثبتة بسنة رسول هللا‬
‫)ص( وخلفائه‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ .‬وتكرر يف أايم اثنيا واثلثا وأكثر‪ ،‬إن أتخر السقي‪ ،‬حىت يسقيهم هللا تعاىل‪ ،‬فإن هللا‬
‫حيب امللحني يف الدعاء‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫ودليل سنيتها أحاديث متعددة منها حديث ابن عباس‪ :‬أن النيب )ص( صلى يف االستسقاء ركعتني‪ ،‬كصالة العيد‪.‬‬

‫صفة صالة االستسقاء ووقتها‬

‫اتفق اجلمهور غري أيب حنيفة على أن صالة االستسقاء ركعتان جبماعة يف ابملصلى ابلصحراء خارج البلد‪ ،‬بال أذان وال‬
‫إقامة‪ ،‬وإمنا ينادى هلا (الصالة جامعة)؛ ألنه )ص( مل يقمها إال يف الصحراء‪ ،‬وهي أوسع من غريها يف املصلى‪ ،‬وجيهر‬
‫فيهما ابلقراءة‪ ،‬كصالة العيد‪ ،‬بعدد تكبرياته عند الشافعية واحلنابلة بعد االفتتاح قبل التعوذ‪ ،‬سبعا يف الركعة األوىل‪،‬‬
‫ومخسا يف الثانية برفع يديه ووقوفه بني كل تكبريتني كآية معتدلة‪ ،‬قال ابن عباس‪( :‬سنة االستسقاء سنة العيدين)‬
‫فتسن يف الصحراء‪ ،‬مع تكبري العيد‪ ،‬بال أذان وال إقامة؛ ألهنا صالة شرع هلا االجتماع واخلطبة‪.‬‬

‫وأما وقتها‪ :‬فليس هلا وقت معني‪ ،‬وال ختتص بوقت العيد‪ ،‬إال أهنا ال تفعل يف وقت النهي عن الصالة‪ ،‬بغري خالف؛‬
‫ألن وقتها متسع‪ ،‬فال حاجة إىل فعلها يف وقت النهي‪ .‬ويسن فعلها أول النهار‪ ،‬وقت صالة العيد‪ ،‬حلديث عائشة‪:‬‬
‫[أنه )ص( خرج حني بدا حاجب الشمس]‪ ،‬وألهنا تشبه صالة العيد يف املوضع والصفة‪ ،‬فكذلك يف الوقت؛ ألن‬
‫وقتها ال يفوت بزوال الشمس؛ ألهنا ليس هلا يوم معني‪ ،‬فال يكون هلا وقت معني‪.‬‬

‫واملكلف هبا‪ :‬الرجال القادرون على املشي‪ ،‬وال يؤمر هبا النساء والصبيان غري املميزين على املشهور عند املالكية‪ ،‬وقال‬
‫الشافعية واحلنابلة‪ :‬يندب خروج األطفال والشيوخ والعجائز‪ ،‬ومن ال هيئة هلا من النساء‪ ،‬واخلنثى القبيح املنظر؛ ألن‬
‫دعاءهم أقرب إىل اإلجابة‪ ،‬إذ الكبري أرق قلبا‪ ،‬والصغري ال ذنب عليه‪ ،‬ولقوله )ص(‪[ :‬وهل ترزقون وتنصرون إال‬
‫بضعفائكم]‪ .‬ويكره خروج الشاابت والنساء ذوات اهليئة‪ ،‬خوف الفتنة‪.‬‬

‫ما يستحب يف االستسقاء أو وظارف االستسقاء‬

‫‪ -1‬أيمر اإلمام الناس ابلتوبة من املعاصي‪ ،‬والتقرب إىل هللا تعاىل بوجوه الرب واخلري من صدقة وغريها‪ ،‬واخلروج من‬
‫املظامل وأداء احلقوق؛ ألن ذلك أرجى لإلجابة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬واي قوم استغفروا ربكم مث توبوا إليه‪ ،‬يرسل السماء عليكم‬
‫مدراراً}‪ ،‬وألن املعاصي واملظامل سبب القحط ومنع القطر‪ ،‬والتقوى سبب الربكات‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬ولو أن أهل القرى‬
‫آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض}‪ ،‬وأيمر اإلمام أيضاً بصيام ثالثة أايم متتابعة قبل صالة االستسقاء‪،‬‬
‫وخيرج الناس يف آخر صيامها‪ ،‬أو يف اليوم الرابع إىل الصحراء صياماً فتصري أايم الصيام أربعة؛ ألنه وسيلة إىل نزول‬
‫الغيث ملا فيه من الرايضة واخلشوع‪ ،‬وقد روي‪[ :‬ثالثة ال ترد دعوهتم‪ ،‬الصائم حىت يفطر‪ ،‬واإلمام العادل واملظلوم]‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -2‬أن خيرج اإلمام والناس مشاة إىل االستسقاء يف الصحراء ثالثة أايم متتابعة‪ ،‬إال يف مكة واملدينة وبيت املقدس‪،‬‬
‫فيجتمعون يف املسجد احلرام‪ ،‬واملسجد النبوي‪ ،‬واملسجد األقصى‪.‬‬

‫‪ -3‬التنظيف لالستسقاء بغسل وسواك وإزالة رائحة وتقليم أظفار وحنوه‪ ،‬لئال يؤذي الناس‪ ،‬وهو يوم جيتمعون له‬
‫كاجلمعة‪.‬‬

‫‪ -4‬خيرج املرء إىل املصلى متواضعاً متذلالً‪ ،‬متخشعاً (خاضعاً) متضرعاً (مستكيناً) متبذالً (يف ثياب بذلة)‪ ،‬حلديث‬
‫ابن عباس السابق‪[ :‬خرج النيب )ص( لالستسقاء متذلالً متواضعاً متخشعاً‪ ،‬حىت أتى املصلى]‪.‬‬

‫‪ -5‬التوسل أبهل الدين والصالح والشيوخ والعلماء املتقني والعجائز واألطفال والدواب‪ ،‬حتصيالً للتحنن‪ ،‬وإظهار‬
‫الضجيج ابحلاجات‪ ،‬كما بينا سابقاً‪ ،‬ويسن لكل من حضر أن يستشفع سراً خبالص عمله‪.‬‬

‫‪ -6‬اخلروج إىل املصلى يف الصحراء‪ :‬حلديث عائشة‪[ :‬شكا الناس إىل رسول هللا )ص( قحوط املطر‪ ،‬فأمر مبنرب‪،‬‬
‫فوضع له يف املصلى]‪ ،‬وألن اجلمع يكثر‪ ،‬فكان املصلى أرفق هبم‪.‬‬

‫‪ -7‬الدعاء ابملأثور يف اخلطبة كما بينا‪ ،‬وعند نزول الغيث‪ ،‬ملا روى البيهقي [أن الدعاء يستجاب يف أربعة مواطن‪:‬‬
‫عند التقاء الصفوف‪ ،‬ونزول الغيث‪ ،‬وإقامة الصالة ورؤية الكعبة] وملا روى البخاري عن عائشة [أن النيب )ص( كان‬
‫إذا رأى املطر‪ ،‬قال‪ :‬صيباً انفعاً] أي مطراً شديداً‪ .‬وجمموع الدعاء عند نزول املطر من أحاديث متفرقة‪[ :‬اللهم صيّباً‬
‫هنيئاً‪ ،‬وسيباً ‪-‬أي عطاء‪ -‬انفعاً‪ ،‬مطران بفضل هللا ورمحته] ويقول عند التضرر بكثرة املطرة‪[ :‬اللهم حوالينا وال علينا‪،‬‬
‫اللهم على اآلكام والظراب‪ ،‬وبطون األدوية ومنابت الشجر] [اللهم سقيا رمحة وال سقيا عذاب‪ ،‬وال حمق وال بالء‪،‬‬
‫وال هدم وال غرق]‪.‬‬

‫‪ -4‬صالة الوتر‬

‫حكم الوتر أو صفته‬

‫الوتر مطلوب ابإلمجاع‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬اي أهل القرآن أوتروا فإن هللا وتر حيب الوتر]‪ ،‬وكان واجباً على النيب )ص(‪،‬‬
‫حلديث‪[ :‬ثالث كتنب علي ومل تكتب عليكم ‪ ،‬الضحى ‪ ،‬واألضحى ‪ ،‬والوتر]‪.‬‬

‫وهو واجب كصالة العيدين عند أيب حنيفة ‪ ،‬سنة مؤكدة وآكد السنن عند الصاحبني وبقية الفقهاء ‪.‬‬

‫استدل أبو حنيفة بقوله (ص)‪[ :‬إن هللا تعاىل زادكم صالة‪ ،‬أال وهي الوتر‪،‬‬
‫‪105‬‬
‫فصلوها ما بني العشاء إىل طلوع الفجر] وهو أمر واألمر للوجوب ‪ ،‬وإمنا مل يكفر جاحده ابتفاق احلنفية ؛ ألن وجوبه‬
‫ثبت بسنة اآلحاد ‪ ،‬وهو معمى ما روي عنه أنه سنة ‪ .‬وبناء عليه ال جيوز عنده أداؤه قاعداً أو على الدابة بال عذر‪.‬‬

‫من جيب عليه الوتر عند أيب حنيفة‬

‫الوتر عند أيب حنيفة كاجلمعة والعيدين واجب على كل مسلم‪ ،‬ذكرا أو أنثى‪ ،‬بعد أن يصبح أهالً للوجوب ‪ ،‬حلديث‬
‫أيب أيوب السابق‪[ :‬الوتر حق واجب على كل مسلم ‪ ،‬فمن أحب أو يوتر خبمس فليوتر‪ ،‬ومن أحب أن يوتر بثالث‬
‫فليفعل ‪ ،‬ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر]‪.‬‬

‫وهو عند اجلمهور سنة مؤكدة على كل مسلم‪.‬‬

‫مقداره وكيفيته‬

‫الوتر عند احلنفية ثالث ركعات‪ ،‬ال يفصل بينهن بسالم‪ ،‬وسالمه يف آخره‪ ،‬كصالة املغرب‪ ،‬حىت لو نسي قعود‬
‫التشهد األول‪ ،‬ال يعود إليه‪ ،‬ولو عاد فسدت الصالة‪ .‬حلديث عائشة ‪[ :‬كان رسول هللا )ص( يوتر بثالث‪ ،‬ال يسلم‬
‫إال يف آخرهن]‪.‬‬

‫وال جيوز بدون نية الوتر ‪ ،‬فينويه ثالث ركعات ‪ ،‬ويقرأ الفاحتة وسورة يف الركعات الثالث ‪ ،‬ويتشهد تشهدين‪ :‬األول‬
‫واألخري ‪ ،‬وال يقرأ دعاء االستفتاح يف بداية الركعة الثالثة ن ويكرب ويرفع يديه مث يقنت بعد القراءة قبل الركوع الثالثة ‪،‬‬
‫وابنتهائه يسلم مييناً ومشاالً ‪ ،‬ففيه تكبرية إحرام واحدة ‪ ،‬وسالم واحد‪.‬‬

‫وقت الوتر‬

‫وقته عند اجلمهور ‪ :‬ما بعد صالة العشاء إىل طلوع الفجر ‪ ،‬فال يصح أداؤه قبل صالة العشاء ‪ ،‬فلو أوتر قبل العشاء‬
‫عمداً أو سهواً مل يعتد به ‪.‬‬

‫وعند أيب حنيفة ‪ :‬وقته وقت العشاء ‪ ،‬إال أنه شرع مرتباً عليه ‪ ،‬فال جيوز أداؤه قبل صالة العشاء ‪ ،‬مع أنه‬
‫وقته ‪ ،‬لعدم شرطه ‪ ،‬وهو الرتتيب ‪ ،‬إال إذا كان انسياً ‪ ،‬فلو صاله قبل العشاء انسياً مل يعده ‪ .‬وقال الصاحبان‬
‫وغريمها ‪ :‬يعيد ‪ ،‬بدليل اخلرب ‪[ :‬إن هللا أمدكم بصالة هي خري لكم من محر النعم ‪ ،‬وهي الوتر ‪ ،‬فجعلها لكم من‬
‫العشاء إىل طلوع الفجر]‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ووقته املختار عند الشافعية إىل نصف الليل ‪ ،‬والباقي وقت جواز ‪ ،‬وإذا مجع العشاء مع املغرب مجع تقدمي‪،‬‬
‫كان له أن يوتر وإن مل يدخل وقت العشاء‪ .‬فإن أوتر ‪ ،‬مث هتجد ‪ ،‬مل يعد الوتر أي ال يسن له إعادته خلرب ‪[ :‬ال وتران‬
‫‪.‬‬
‫يف ليلة]‬

‫وكذلك األفضل عند احلنابلة‪ :‬فعل الوتر يف آخر الليل‪ ،‬فهذا متفق عليه‪ ،‬خلرب مسلم السابق‪[ :‬من خاف أال يقوم من‬
‫آخر الليل ‪ ]...‬وخرب الشيخني السابق‪[ :‬اجعلوا آخر صالتكم ابلليل وتراً ‪ ،‬فإن خاف أال يقوم من آخر الليل‬
‫استحب أو يوتر أوله] وهذا متفق عليه أيضاً ؛ ألن النيب (ص) أوصى أاب هريرة وأاب ذر وأاب الدرداء ابلوتر قبل النوم ‪،‬‬
‫وقال‪[ :‬من خاف أال يقوم آخر الليل ‪ ،‬فليوتر من أوله]‪.‬‬

‫ومن أوتر من الليل ‪ ،‬مث قام للتهجد ‪ ،‬فاملستحب عند احلنابلة أن يصلي مثىن مثىن ‪ ،‬وال ينقص وتره ‪،‬‬
‫ومعناه أنه إذا قام للتهجد صلى ركعة تشفع الوتر األول‪ ،‬مث يصلي مثىن مثىن ‪ ،‬مث يوتر يف آخر التهجد ‪ ،‬لقول النيب‬
‫)ص(‪[ :‬اجعلوا آخر صالتكم ابلليل وتراً] وهذا خمالف لرأي اجلمهور السابق‪.‬‬

‫الدرس العاشر واحلادى عشر‬

‫احكام الصيام‬

‫تعريف الصوم‬

‫الصوم لغة‪ :‬اإلمساك والكف عن الشيء‪ ،‬يقال صام عن الكالم أي أمسك عنه‪ ،‬قال تعاىل عن مرمي‪{ :‬إين نذرت‬
‫للرمحن صوما} أي صمتا وإمساكا عن الكالم‪ ،‬وقال العرب‪ :‬صام النهار‪ :‬إذا وقف سري الشمس وسط النهار عند‬
‫الظهرية‪.‬‬

‫وشرعا‪ :‬هو اإلمساك هنارا عن املفطّرات بنية من أهله من طلوع الفجر إىل غروب الشمس‪.‬‬

‫فضل رمضان‬

‫‪107‬‬
‫رمضان سيد الشهور‪ ،‬فيه بدأ نزول القرآن‪ ،‬وهو شهر الطاعة والرب واإلحسان وشهر املغفرة والرمحة والرضوان‪ ،‬فيه ليلة‬
‫القدر اليت هي خري من ألف شهر‪ ،‬وبه عون املؤمن على أمر دينه وطلب إصالح دنياه‪ ،‬وهو موسم تكثر فيه‬
‫مناسبات إجابة الدعاء‪.‬‬

‫وقد ورد يف السنة النبوية على فضل الصوم فيه‪.‬‬

‫‪[ -1‬سيد الشهور رمضان‪ ،‬وسيد األايم يوم اجلمعة] [لو يعلم العباد ما يف شهر رمضان لتمىن أن يكون شهر رمضان‬
‫‪.‬‬
‫سنة]‬

‫‪[ -2‬إذا جاء رمضان فتّحت أبواب اجلنة‪ ،‬وغلّقت أبواب النار‪ ،‬وص ّفدت الشياطني]‪.‬‬

‫‪[ -3‬من قام رمضان إمياان واحتسااب‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه]‪.‬‬

‫أنواع الصيام‬

‫الصوم أنواع‪ :‬واجب‪ ،‬وتطوع‪ ،‬وحرام‪ ،‬ومكروه‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬الواجب‬

‫وهو ثالثة أقسام‪ :‬منه ما جيب للزمان نفسه وهو صوم شهر رمضان‪ ،‬ومنه ما جيب لعلة وهو صيام الكفارات‪ ،‬ومنه ما‬
‫جيب إبجياب اإلنسان ذلك على نفسه‪ ،‬وهو صيام النذر‪.‬‬

‫والصوم الالزم عند احلنفية نوعان‪ :‬فرض وواجب‪ .‬والفرض نوعان‪ :‬معني كصوم رمضان أداء‪ ،‬وغري معني كصوم‬
‫رمضان قضاء‪ ،‬وصوم الكفارات‪ ،‬ولكنه أي األخري فرض عمال‪ ،‬ال اعتقادا‪ ،‬ولذا ال يكفر جاحده‪.‬‬

‫والواجب نوعان‪ :‬معني كالنذر املعني‪ ،‬وغري املعني كالنذر املطلق‪ ،‬وكقضاء ما أفسده من صوم النفل‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬الصوم احلرام‬

‫عند اجلمهور أو املكروه حترميا عند احلنفية‪ :‬وهو ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬صيام املرأة نفال‬

‫‪108‬‬
‫بغري إذن زوجها أو علمها برضاه إال إذا مل يكن حمتاجا هلا كأن كان غائبا أو حمرما حبج أو عمرة أو معتكفا‪ ،‬خلرب‬
‫الصحيحني‪[ :‬ال حيل المرأة أن تصوم‪ ،‬وزوجها شاهد إال إبذنه] وألن حق الزوج فرض‪ ،‬فال جيوز تركه لنفل‪ ،‬فلو‬
‫صامت بغري إذنه صح‪ ،‬وإن كان حراما كالصالة يف دار مغصوبة‪ ،‬وللزوج أن يفطرها‪ ،‬لقيام حقه واحتياجه‪ .‬وهذا‬
‫الصوم مكروه تنزيها عند احلنفية‪.‬‬

‫‪ -2‬صوم يوم الشك‬

‫وهو يوم الثالثني من شعبان إذا تردد الناس يف كونه من رمضان‪ ،‬وللفقهاء عبارات متقاربة يف حتديده‪ ،‬واختلفوا يف‬
‫حكمه‪ ،‬مع اتفاقهم على عدم الكراهة وإابحة صومه إن صادف عادة للمسلم بصوم تطوع كيوم االثنني أو اخلميس‪.‬‬

‫فقال احلنفية ‪ :‬و آخر يوم من شعبان يوم الثالثني إذا شك بسبب الغيم أمن رمضان هو أو من شعبان‪ .‬فلو كانت‬
‫السماء صحوا ومل ير اهلالل أحد فليس بيوم شك‪.‬‬

‫وحكمه‪ :‬أنه مكروه حترميا إذا نوى أنه من رمضان أو من واجب آخر‪.‬‬

‫وقال املالكية على الشهور‪ :‬إنه يوم الثالثني من شعبان إذا كان ابلسماء يف ليلته (أي ليلة الثالثني) غيم‪ ،‬ومل ير هالل‬
‫رمضان‪ .‬فإن كانت السماء صحوا مل يكن يوم شك؛ ألنه إذا مل تثبت رؤية هالل رمضان‪ ،‬كان اليوم من شعبان‬
‫جزما‪ .‬وهذا كمذهب احلنفية‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يوم الشك‪ :‬هو يوم الثالثني من شعبان يف حال الصحو‪ ،‬إذا حتدث الناس برؤية اهلالل ليلته‪ ،‬ومل يعلم‬
‫من رآه‪ ،‬ومل يشهد برؤيته أحد‪ ،‬أو شهد هبا صبيان أو عبيد أو فسقة أو نساء‪ ،‬وظن صدقهم‪ ،‬أو شهد عدل ومل‬
‫يكتف به‪ .‬وليس إطباق الغيم بشك‪ ،‬كما أنه إذا مل يتحدث أحد من الناس ابلرؤية فليس بشك‪ ،‬بل هو يوم من‬
‫شعبان‪ ،‬وإن أطبق الغيم‪ ،‬خلرب الصحيحني املتقدم‪[ :‬فإن غم عليكم‪ ،‬فأكملوا عدة شعبان ثالثني]‪.‬‬

‫وقال احلنابلة‪ :‬يوم الشك‪ :‬هو يوم الثالثني من شعبان إذا مل ير اهلالل ليلته‪ ،‬مع كون السماء صحوا ال علة فيها من‬
‫غيم أو قرت وحنومها‪ ،‬أو شهد برؤية اهلالل من ردت شهادته لفسق وحنوه‪ ،‬فهم يف حتديده كالشافعية‪.‬‬

‫واخلالصة‪ :‬أن صوم يوم الشك مكروه عند اجلمهور‪ ،‬حرام عند الشافعية‪.‬‬

‫‪ -3‬صوم عيد الفطر واألضحى وأايم التشريق بعده‬

‫‪109‬‬
‫مكروه حترميا عند احلنفية‪ ،‬حرام ال يصح عند ابقي األئمة سواء أكان الصوم فرضا أم نفال‪ ،‬ويكون عاصيا إن قصد‬
‫صيامها‪ ،‬وال جيزئه عن الفرض ملا روى أبو هريرة‪[ :‬أن رسول هللا )ص( هنى عن صيام يومني‪ :‬يوم فطر‪ ،‬ويوم أضحى]‬
‫والنهي عند غري احلنفية يقتضي فساد املنهي عنه وحترميه‪ .‬وروى مسلم يف صحيحه عن النيب )ص(‪[ :‬أايم مىن أايم‬
‫أكل وشرب وذكر هللا تعاىل]‪ .‬وقصر املالكية حترمي صوم التشريق على يومني بعد األضحى‪ ،‬وقال اجلمهور‪ :‬ثالثة أايم‬
‫بعده‪ ،‬وأما صوم اليوم الرابع عند املالكية فمكروه فقط‪.‬‬

‫وحترمي الصوم يف أايم العيدين عند الشافعية‪ ،‬ولو ملتمتع ابحلج والعمرة‪ ،‬للنهي عن صيامها كما رواه أبو داود إبسناد‬
‫صحيح‪ .‬واستثىن اجلمهور (احلنفية واملالكية واحلنابلة) حال احلج للمتمتع والقارن‪ ،‬فأجازوا هلما صيامهما‪ ،‬لقول ابن‬
‫عمر وعائشة‪[ :‬مل يرخص يف أايم التشريق أن يصمن إال ملن مل جيد اهلدي]‪.‬‬

‫‪ -4‬صوم احلارض والنفساء‬

‫حرام وال يصح وال ينعقد‪ ،‬كما أبنت يف مبحث احليض والنفاس‪ ،‬وعليهما قضاء الصوم دون الصالة‪.‬‬

‫‪ -5‬قال الشافعية‪ :‬حيرم صوم النصف األخري من شعبان الذي منه يوم الشك‪ ،‬إال لورد أبن اعتاد صوم الدهر أو‬
‫صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معني كاالثنني فصادف ما بعد النصف‪ ،‬أو نذر مستقر يف ذمته‪،‬أو قضاء لنفل أو‬
‫فرض‪ ،‬أو كفارة‪ ،‬أو وصل صوم ما بعد النصف مبا قبله‪ ،‬ولو بيوم النصف‪.‬‬

‫ودليلهم حديث‪[ :‬إذا انتصف شعبان‪ ،‬فال تصوموا] ومل أيخذ به احلنابلة وغريهم لضعف احلديث يف رأي أمحد‪.‬‬

‫‪ -6‬صيام من خياف على نفسه اهلالك بصومه‬

‫النوع الثالث‪ :‬الصوم املكروه‬

‫هو صوم الدهر‪ ،‬وإفراد يوم اجلمعة ابلصوم‪ ،‬وإفراد يوم السبت‪ ،‬وصوم يوم الشك وصوم يوم أو يومني قبل رمضان‬
‫عند اجلمهور‪ ،‬وحيرم األخريان عند الشافعية‪ ،‬والراجح عند املالكية عدم كراهة صوم الدهر وإفراد اجلمعة ابلصوم‪.‬‬
‫والكراهة فيهما عند غري املالكية تنزيهية‪.‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬صوم التطوع أو الصوم املندوب‬

‫‪110‬‬
‫التطوع‪ :‬التقرب إىل هللا تعاىل مبا ليس بفرض من العبادات‪ ،‬مأخوذ من قوله تعاىل‪{ :‬ومن تطوع خريا}‪ ،‬وقد يعرب عنه‬
‫ابلنافلة كما يف الصالة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬ومن الليل فتهجد به انفلة لك} وال شك أن الصوم من أفضل العبادات‪ ،‬ففي‬
‫الصحيحني‪[ :‬من صام يوما يف سبيل هللا‪ ،‬ابعد هللا تعاىل وجهه عن النار سبعني خريفا] ويف احلديث املتقدم‪[ :‬كل‬
‫عمل ابن آدم له‪ ،‬إال الصوم فإنه يل‪ ،‬وأان أجزي به]‪.‬‬

‫وأايم صوم التطوع ابالتفاق ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬صوم يوم وإفطار يوم‬

‫أفضل صوم التطوع صيام‪ ،‬وإفطار يوم‪ ،‬خلرب الصحيحني‪[ :‬أفضل صوم داود‪ ،‬كان يصوم يوما‪ ،‬ويفطر يوما] وفيه [ال‬
‫أفضل من ذلك]‪.‬‬

‫‪ -2‬صوم ثالثة أايم من كل شهر‬

‫واألفضل أن تكون األايم البيض أي أايم الليايل البيض‪ ،‬وهي الثالث عشر والرابع عشر‪ ،‬واخلامس عشر‪ ،‬وَسيت بيضا‬
‫البيضاضها ليال ابلقمر‪ ،‬وهنارا ابلشمس‪ ،‬وأجرها كصوم الدهر‪ ،‬بتضعيف األجر‪ ،‬احلسنة يعشر أمثاهلا من غري حصول‬
‫املضرة أو املفسدة اليت يف صيام الدهر‪ .‬ودليلها ما روى أبو ذر أن النيب )ص( قال له‪[ :‬إذا صمت من الشهر ثالثة‬
‫أايم‪ ،‬فصم اثلث عشرة‪ ،‬ورابع عشرة‪ ،‬وخامس عشرة] وروي [أن النيب )ص( كان يصوم عدة ثالثة أايم من كل‬
‫شهر]‪.‬‬

‫‪ -3‬صوم يومي االثنني واخلميس من كل أسبوع‬

‫لقول أسامة بن زيد [إن النيب )ص( كان يصوم االثنني واخلميس‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬إن أعمال الناس تعرض يوم‬
‫االثنني ومي اخلميس]‪.‬‬

‫‪ -4‬صوم ستة أايم من شوال‬

‫ولو متفرقة‪ ،‬ولكن تتابعها أفضل عقب العيد مبادرة إىل العبادة‪ ،‬وحيصل له ثواهبا ولو صام قضاء أو نذرا أو غري ذلك‪،‬‬
‫فمن صامها بعد أن صام رمضان‪ ،‬فكأهنا صام الدهر فرضا‪ ،‬ملا روى أبو أيوب [من صام رمضان‪ ،‬مث أتبعه ستا من‬
‫شوال‪ ،‬فذاك صيام الدهر]‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -5‬صوم يوم عرفة‬

‫وهو ناسع ذو احلجة لغري احلاج‪ ،‬خلرب مسلم‪[ :‬صيام يوم عرفة أحتسب على هللا أنه يكفر السنة اليت قبلها‪ ،‬والسنة‬
‫اليت بعده] وهو أفضل األايم خلرب مسلم‪[ :‬ما من يوم أكثر من أن يعتق هللا فيه من النار يوم عرفة]‪ ،‬أما قوله )ص(‪:‬‬
‫[خري يوم طلعت فيه الشمس يوم اجلمعة] فمحمول على غري يوم عرفة بقرينة ما ذكر‪.‬‬

‫أما احلاج فال يسن له صوم يوم عرفة‪ ،‬بل يسن له فطره وإن كان قواي‪.‬‬

‫‪ -6‬صوم الثمانية األايم من ذي احلجة قبل يوم عرفة للحاج وغريه‬

‫هن رسول هللا سلى هللا عليه وسلم‪ :‬صيام عاشوراء‪ ،‬والعشر‪ ،‬وثالثة أايم من كل‬
‫لقول حفصة‪[ :‬أربع مل يكن يدع َّ‬
‫شهر‪ ،‬والركعتني قبل الغداة] وقد تقدم يف حبث (صالة العيدين) أحاديث تدل على فضيلة العمل يف عشر ذي احلجة‬
‫عموما‪ ،‬والصوم مندرج حتتها‪.‬‬

‫‪ -7‬صوم اتسوعاء وعاشوراء‬

‫ومها التاسع من شهر احملرم‪ ،‬ويسن اجلمع بينهما‪ ،‬حلديث ابن عباس مرفوعا‪[ :‬لئن بقيت إىل قابل ألصومن التاسع‬
‫والعاشر] ويتأكد صيام عاشوراء لقوله )ص( فيه‪[ :‬أحتسب على هللا أن يكفر السنة اليت قبلها] وإمنا مل جيب صومه‬
‫خلرب الصحيحني‪[ :‬إن هذا اليوم يوم عاشوراء‪ ،‬ومل يكتب عليكم صيامه‪ ،‬فمن شاء فليصم‪ ،‬ومن شاء فليفطر] ومحلوا‬
‫األخبار الواردة ابألمر بصومه على أتكيد االستحباب‪.‬‬

‫‪ -8‬صيام األشهر احلرم‬

‫وهي أربع‪ :‬ثالث متوالية‪ :‬وهي ذو القعدة وذو احلجة واحملرم‪ ،‬وواحد منفرد وهو رجب‪ ،‬وهي أفضل الشهور للصوم‬
‫بعد رمضان‪ ،‬وأفضل األشهر احملرم‪ :‬احملرم‪ ،‬مث رجب‪ ،‬قم ابقي احلرم‪ ،‬مث بعد احلرم شعبان‪.‬‬

‫‪ -9‬صوم شعبان‬

‫حلديث أم سلمة‪ :‬أن النيب )ص( مل يكن يصوم من السنة شهرا ناما إال شعبان يصل به رمضان وعن عائشة قالت‪:‬‬
‫[مل يكن النيب )ص ( يصوم أكثر من شعبان‪ ،‬فإنه كان يصومه كله] وكره قوم صوم النصف األخري من شعبان‪ ،‬وقال‬
‫الشافعية‪ :‬ال يصح صومه‪ ،‬للحديث املتقدم‪[ :‬إذا انتصف شعبان فال تصوموا]‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫مىت جيب الصوم؟‬

‫جيب الصوم أبحد أمور ثالثة‪:‬‬

‫األول‪ :‬النذر‬

‫أبن ينذر املرء صوم يوم أو شهر تقراب إىل هللا تعاىل‪ ،‬فيجب عليه إبجيابه على نفسه‪ ،‬ويكون سبب صوم املنذور هو‬
‫النذر‪ ،‬فلو عني شهرا أو يوما‪ ،‬وصام شهرا أو يوما قبله عنه‪ ،‬أجزأه‪ ،‬لوجود السبب‪ ،‬ويلغو التعيني‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬الكفارات‬

‫عن معصية ارتكبها املرء‪ ،‬كالقتل اخلطأ‪ ،‬وحنث اليمني‪ ،‬وإفطار رمضان ابجلماع هنارا‪ ،‬والظهر‪ ،‬ويكون سبب الصوم‬
‫هو القتل أو احلنث أو اإلفطار‪ ،‬أو املظاهرة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو هنار على املختار عند احلنفية‪ ،‬فيكون السبب شهود الشهر‪.‬‬

‫وجيب صوم رمضان‪ :‬إما برؤية هالله إذا كانت السماء صحوا‪ ،‬أو إبكمال شعبان ثالثني يوما إذا وجد غيم أو غبار‬
‫غم عليكم‬
‫وحنومها‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وقوله )ص(‪[ :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن ّ‬
‫فأكملوا عدة شعبان ثالثني] ويف لفظ البخاري‪[ :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فال تصوموا حىت تروه‪ ،‬فإن غم عليكم‬
‫فأكملوا العدة ثالثني] ويف لفظ ملسلم‪[ :‬أنه ذكر رمضان‪ ،‬فضرب بيديه‪ ،‬فقال‪ :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا‪ ،‬مث عقد‬
‫إهبامه يف الثالث‪ ،‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا ثالثني] وقد يقع مقص أي تسعة وعشرين‬
‫يوما مدة شهرين أو ثالثة أو أربعة‪ ،‬كما يف شرح مسلم للنووي‪ ،‬وال تثبت بقية توابع رمضان كصالة الرتاويح ووجوب‬
‫اإلمساك على من أصبح مفطرا إال برؤية اهلالل‪ ،‬أو إكمال شعبان ثالثني يوما‪.‬‬

‫كيفية إثبات هالل رمضان وهالل شوال‬

‫ترتدد أقوال الفقهاء يف طرق إثبات هالل رمضان وشوال بني اجتاهات ثالثة‪ :‬رؤية مجع عظيم‪ ،‬ورؤية مسلمني عدلني‪،‬‬
‫ورؤية رجل عدل واحد‪.‬‬

‫أما احلنفية فقالوا‪:‬‬

‫‪113‬‬
‫أ‪ -‬إذا كانت السماء صحوا‪ :‬فالبد من رؤية مجع عظيم إلثبات رمضان‪ ،‬والفطر أو العيد‪ ،‬ومقدار اجلمع‪ :‬من يقع‬
‫العلم الشرعي (أي غلبة الظن) خبربهم‪ ،‬وتقديرهم مفوض إىل رأي اإلمام يف األصح؛ واشرتاط اجلمع ألن املطلع متحد‬
‫يف ذلك احملل‪ ،‬واملوانع منتفية‪ ،‬واألبصار سليمة‪ ،‬واهلمم يف طلب اهلالل مستقيمة‪ ،‬فالتفرد يف الرؤية من بني اجلم الغفري‬
‫– مع ذلك – ظاهر يف غلط الرأي‪.‬‬

‫ب‪ -‬وأما إذا مل تكن السماء صحوا بسبب غيم أو غبار وحنوه‪ :‬اكتفى اإلمام يف رؤية اهلالل بشهادة مسلم واحد‬
‫عدل عاقل ابلغ‪( ،‬والعدل‪ :‬هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور احلال يف الصحيح‪ ،‬رجال كان أو امرأة‪ ،‬حرا‬
‫أم غريه‪ ،‬ألنه أمر ديين‪ ،‬فأشبه رواية األخبار‪ .‬وال يشرتط يف هذه احلالة أن يقول‪" :‬أشهد" وتكون الشهادة يف مصر‬
‫أمام القاضي‪ ،‬ويف القرية يف املسجد بني الناس‪.‬‬

‫وجتوز الشهادة على الشهادة‪ ،‬فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر رأى اهلالل‪.‬‬

‫ومن رأى اهلالل وحده‪ ،‬صام‪ ،‬وإن مل يقبل اإلمام شهادته‪ ،‬فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفارة‪.‬‬

‫وقال املالكية يثبت هالل رمضان ابلرؤية على أوجه ثالثة هي ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يراه مجاعة كثرية وإن مل يكونوا عدوال‪ :‬وهم كل عدد يؤمن يف العادة تواطؤهم على الكذب‪ .‬وال يشرتط أن‬
‫يكونوا ذكورا أحرارا عدوال‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يراه عدالن فأكثر‪ :‬فيثبت هبما الصوم والفطر يف حالة الغيم أو الصحو‪ .‬والعدل‪ :‬هو الذكر احلر البالغ العاقل‬
‫الذي مل يرتكب معصية كبرية ومل يصر على معصية صغرية‪ ،‬ومل يفعل ما خيل ابملروءة‪ .‬فال جيب الصوم يف حالة الغيم‬
‫برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتني على املشهور‪ ،‬وحيب الصوم قطعا على الرائي يف حق نفسه‪ .‬وجتوز الشهادة بناء‬
‫على شهادة العدلني إذا نقل اخلرب عن كل واحد اثنان‪ ،‬وال يكفي نقل واحد‪ .‬وال يشرتط يف إخبار العدلني أو غريهم‬
‫لفظ "أشهد"‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يراه شاهد واحد عدل‪ :‬فيثبت الصوم والفطر له يف حق العمل بنفسه أو يف حق من أخربه ممن ال يعتين أبمر‬
‫اهلالل‪ ،‬وال جيب على من ال يعتين أبمر اهلالل الصوم برؤيته‪ ،‬وال جيوز اإلفطار هبا‪ ،‬فال جيوز للحاكم أن حيكم بثبوت‬
‫اهلالل برؤية عدل فقط‪ .‬وال يشرتط يف الواحد الذكورة وال احلرية‪ .‬فإن كان اإلمام هو الرائي وجب الصوم واإلفطار‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬تثبت رؤية اهلالل لرمضان أو شوال أو غريمها ابلنسبة إىل عموم املاس برؤية شخص عدل‪ ،‬ولو‬
‫مستور احلال‪ ،‬سواء أكانت السماء مصحية أم ال‪ ،‬بشرط أن يكون الرائي عدال مسلما ابلغا عاقال حرا ذكرا‪ ،‬وأن‬
‫أييت بلفظ "أشهد" فال تثبت برؤية الفاسق والصيب واجملنون والعبد واملرأة‪ .‬ودليلهم‪ :‬أن ابن عمر رضي هللا تعاىل عنهما‬
‫رأى اهلالل‪ ،‬فأخرب رسول هللا )ص( بذلك‪ ،‬فصام وأمر الناس بصيامه وعن ابن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬قال‪[ :‬جاء‬
‫أعرايب إىل رسول هللا )ص( فقال‪ :‬إين رأيت هالل رمضان‪ ،‬فقال‪ :‬أتشهد أن ال إله إال هللا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أتشهد‬
‫أن حممدا رسول هللا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬اي بالل‪ ،‬أذن يف الناس‪ ،‬فليصوموا غدا] واملعىن يف ثبوته ابلواحد االحتياط‬
‫للصوم‪.‬‬

‫أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم‪ ،‬ولو مل يكن عدال (أي فاسقا) أو كان صبيا أو امرأة أو كافرا‪ ،‬أو مل يشهد عند‬
‫القاضي‪ ،‬أو شهد ومل تسمع شهادته‪ ،‬كما جيب الصوم على من صدقه ووثق بشهادته‪.‬‬

‫وإذا صمنا برؤية عدل‪ ،‬ومل نر اهلالل بعد ثالثني‪ ،‬أفطران يف األصح‪ ،‬وإن كانت السماء صحوا‪ ،‬لكمال العدد حبجة‬
‫شرعية‪.‬‬

‫وقال احلنابلة ‪ :‬يقبل يف إثبات هالل رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهرا وابطنا ذكرا أو أنثي حرا أو عبدا‪ ،‬ولو مل‬
‫يقل‪ :‬أشهد أو شهدت أين رأيته‪ ،‬فال يقبل قول مميز وال مستور احلال لعدم الثقة بقوله يف الغيم والصحو‪ ،‬ولو كان‬
‫صوم الناس بقول ابن عمر‪ ،‬ولقبوله خرب‬
‫الرائي يف مجع كثري ومل يره منهم غريه‪ .‬ودليلهم احلديث املتقدم أنه )ص( َّ‬
‫األعرايب السابق به‪ ،‬وألمه خرب ديين وهو أحوط‪ ،‬وال هتمة فيه‪ ،‬خبالف آخر الشهر‪ ،‬والختالف حال الرائي واملرأي‪،‬‬
‫فلو حكم حاكم بشهادة واحد‪ ،‬عمل هبا وجواب‪ .‬وال يعترب لوجوب الصوم لفظ الشهادة‪ ،‬وال خيتص حباكم‪ ،‬فيلزم‬
‫الصوم من َسعه من عدل‪ .‬وال جيب على من رأى اهلالل إخبار الناس أو أن يذهب إىل القاضي أو إىل املسجد‪.‬‬
‫وجيب الصوم على من ردت شهادته لفسق أو غريه‪ ،‬لعموم احلديث‪[ :‬صوموا لرؤيته] وال يفطر إال مع الناس؛ ألن‬
‫الفطر ال يباح إال بشهادة عدلني‪ .‬وإن رأى هالل شوال وحده مل يفطر حلديث أيب هريرة يرفعه قال‪[ :‬الفطر يوم‬
‫يفطرون‪ ،‬واألضحى يوم يضحون] والحتمال خطئه وهتمته‪ ،‬فوجب االحتياط‪ .‬وتثبت بقية األحكام إذا ثبت رؤية‬
‫هالل رمضان بواح د من وقوع الطالق املعلق به‪ ،‬وحلول آجال الديون املؤجلة إليه‪ ،‬وغريها كانقضاء العدة واخليار‬
‫املشروط ومدة اإليالء وحنوها تبعا للصوم‪.‬‬

‫وال جيب الصوم –كما تقدم‪ -‬ابحلساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما‪ ،‬لعدم استناده ملا يعول عليه شرعا‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫واخلالصة‪ :‬أن احلنفية يشرتطون إلثبا ت هالل رمضان وشوال رؤية مجع عظيم إذا كانت السماء صحوا‪ ،‬وتكفي رؤية‬
‫العدل الواحد يف حال الغيم وحنوه‪ .‬وال بد عند املالكية من رؤية عدلني أو أكثر‪ ،‬وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم‬
‫يف حق من ال يهتم أبمر اهلالل‪.‬‬

‫وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية واحلنابلة‪ ،‬ولو مستور احلال عند الشافعية‪ ،‬وال يكفي املستور عند احلنابلة‪ ،‬كما‬
‫ال بد عند احلنابلة من رؤية هالل شوال من عدلني إلثبات العيد‪.‬‬

‫شروط وجوب الصوم‬

‫اشرتط الفقهاء لوجوب الصوم شروطا مخسة هي ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلسالم‪ :‬شرط وجوب عند احلنفية‪ ،‬شرط صحة عند اجلمهور‪ ،‬فال جيب الصوم على الكافر‪ ،‬وال يطالب‬
‫ابلقضاء عند األولني‪ ،‬وال يصح صوم الكافر حبال ولو مرتدا عند اآلخرين‪ ،‬وليس عليه القضاء عندهم أيضا‪ .‬ومنشأ‬
‫اخلالف‪ :‬خماطبة الكفار بفروع الشريعة‪ ،‬فعند احلنفية‪ :‬إن الكفار غري خماطبني بفروع الشريعة اليت هي عبادات‪ ،‬وعند‬
‫اجلمهور‪ :‬الكفار خماطبون بفروع الشريعة يف حال كفرهم مبعىن أنه جيب عليهم اإلسالم‪ ،‬مث الصوم‪ ،‬إذ ال يصح الصوم‬
‫ألنه عبادة بدنية حمضة تفتقر إىل النية‪ ،‬فكان من شرطه اإلسالم كالصالة‪ ،‬ويزاد يف عقوبتهم يف اآلخرة يف مضاعفة‬
‫العذاب يف اآلخرة‪ ،‬فعند احلنفية‪ :‬العذاب واحد على الكفر‪ ،‬وعند اجلمهور يضاعف العذاب على الكفر وعلى ترك‬
‫التكاليف الشرعية‪.‬‬

‫فإن أسلم الكافر يف شهر رمضان‪ ،‬صام ما يستقبل من بقية شهره‪ ،‬وليس عليه قضاء ما سبق ابالتفاق‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫{قل للذين كفروا‪ :‬إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف}‪ ،‬وألن يف إجياب قضاء ما فات يف حال الكفر تنفريا عن‬
‫اإلسالم‪ .‬والردة متنع صحة الصوم‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬لئن أشركت ليحبطن عملك}‪.‬‬

‫‪ -3-2‬البلوغ والعقل‪ :‬فال جيب الصوم على صيب وجمنون ومغمى عليه وسكران‪ ،‬لعدم توجه اخلطاب التكليفي هلم‬
‫بعدم األهلية للصوم‪ ،‬املفهوم من قوله )ص(‪[ :‬رفع القلم عن ثالث‪ :‬عن الصيب حىت يبلغ‪ ،‬وعن اجملنون حىت يفيق‪،‬‬
‫وعن النائم حىت يستيقظ] فمن زال عقله غري خماطب ابلصوم يف حال زوال العقل‪ ،‬وال يصح الصوم من اجملنون‬
‫واملغمى عليه والسكران لعدم إمكان النية منه‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ويصح الصوم من الصيب املميز أو املميزة كالصالة‪ ،‬وجيب عند الشافعية واحلنفية واحلنابلة على وليه أمره به إذا أطاقه‬
‫بع د بلوغه سبع سنني‪ ،‬وضربه حينئذ على الصوم بعد بلوغه عشر سنني‪ ،‬إذا تركه ليعتاده‪ ،‬كالصالة‪ ،‬إال أن الصوم‬
‫أشق‪ ،‬فاعتربت له الطاقة‪ ،‬ألنه قد يطيق الصالة من ال يطيق الصيام‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬ال يؤمر الصبيان ابلصوم خبالف الصالة‪ ،‬فال صيام على الصبيان حىت حيتلم الغالم وحتيض الفتاة‪،‬‬
‫وابلبلوغ لزمتهم أعمال األبدان فريضة‪.‬‬

‫‪ -5-4‬القدرة (أو الصحة من املرض)‪ ،‬واإلقامة‪ :‬فال جيب الصوم على املريض واملسافر‪ ،‬وجيب عليهما القضاء إن‬
‫أفطر إمجاعا‪ ،‬ويصح صومهما إن صاما‪ ،‬والدليل قوله تعاىل‪{ :‬أايما معدودات‪ ،‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر‪،‬‬
‫فعدة من أايم أخر‪ ،‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني‪ ،‬فمن تطوع خريا فهو خري له‪ ،‬وأن تصوموا خري لكم إن‬
‫كنتم تعلمون} وإذا قدم املسافر أمسك عن الطعام والشراب بقية يومه‪ ،‬كما إذا طهرت احلائض يف بعض النهار‪.‬‬

‫كما ال جيب الصوم على من مل يطقه للكرب‪ ،‬وال على حنو حائض لعجزها شرعا‪ ،‬وال على حامل أو مرضع لعجزمها‬
‫حسا‪ .‬ويشرتط لعدم وجوب الصوم على املسافر أن يكون السفر سفر قصر‪ ،‬وأن يكون عند اجلمهور (غري احلنفية)‬
‫مباحا؛ ألن الرخص ال تناط ابملعاصي‪ ،‬وال يشرتط كونه مباحا عند احلنفية؛ ألن سبب وجود الرتخص وهو السفر‬
‫قائم‪ ،‬وأن يكون السفر عن د اجلمهور (غري احلنابلة) قبل الفجر‪ ،‬فلو أصبح املقيم صائما‪ ،‬فسافر‪ ،‬فال يفطر؛ ألن‬
‫الصوم عبادة اجتمع فيها احلضر والسفر‪ ،‬فغلب جانب احلضر؛ ألنه األصل‪ .‬لكن لو أصبح صائما فمرض‪ ،‬أفطر‬
‫لوجود املبيح اإلفطار‪ ،‬ولو أقام املسافر‪ ،‬وشفي املريض‪ ،‬حرم الفطر‪.‬‬

‫شروط صحة الصوم‬

‫اشرتط احلنفية لصحة الصوم شروطا ثالثة‪ :‬هي النية‪ ،‬واخللو عما ينايف الصوم من حيض ونفاس‪ ،‬وعما يفسده‪ .‬فإذا‬
‫حاضت املرأة أفطرت وقضت‪.‬‬

‫واشرتط املالكية أربعة شروط هي النية‪ ،‬والطهارة عن احليض والنفاس‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬والزمان القابل للصوم‪ ،‬فال يصح يف‬
‫يوم العيد‪ ،‬واشرتطوا أيضا لصحة الصوم‪ :‬العقل‪ :‬فال يصح من جمنون وال مغمى عليه‪ ،‬وال جيب عليهما أيضا‪.‬‬

‫واشرتط الشافعية أربعة شروط أيضا‪ :‬وهي اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنقاء عن احليض والنفاس مجيع النهار‪ ،‬وكون الوقت‬
‫قابال للصوم‪ ،‬فال يصح صوم الكافر واجملنون والصيب غري املميز واحلائض والنفساء‪ .‬أما النية فهي ركن عندهم‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫واشرتط احلنابلة شروطا ثالثة‪ :‬هي اإلسالم‪ ،‬والنية‪ ،‬والطهارة عن احليض والنفاس‪ .‬ويظهر من ذلك أن الفقهاء اتفقوا‬
‫على اشرتاط النية‪ ،‬والطهاة من احليض والنفاس مجيع النهار‪ .‬وأما اإلسالم فهو شرط صحة عند اجلمهور وشرط‬
‫وجوب عند احلنفية‪.‬‬

‫تبييت النية‬

‫أي إيقاعها ليال‪ ،‬وهو شرط متفق عليه‪ ،‬للحديث السابق‪[ :‬من مل يبيت الصيام قبل طلوع الفجر‪ ،‬فال صيام له] وألن‬
‫النية عند ابتداء العبادة كالصالة‪.‬‬

‫لكن تساهل بعض الفقهاء أحياان يف حتديد وقت النية لبعض أنواع الصيام‪.‬‬

‫فقال احلنفية‪ :‬األفضل يف الصيامات كلها أن ينوي وقت ط لوع الفجر إن أمكنه ذلك‪ ،‬أو من الليل؛ ألن النية عند‬
‫طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة‪ ،‬ومن الليل تقارنه تقديرا‪.‬‬

‫وإن نوى بعد طلوع الفجر‪ :‬فإن كان الصيام دينا‪ ،‬ال جيوز ابإلمجاع‪ ،‬وإن كان عينا وهو صوم رمضان‪ ،‬وصوم التطوع‬
‫خارج رمضان‪ ،‬واملنذور املعني‪ ،‬جيوز‪.‬‬

‫فالصوم نوعان‪:‬‬

‫أ‪ -‬نوع يشرتط له تبييت النية وتعيينها‪:‬‬

‫وهو ما يثبت يف الذمة‪ :‬وهو قضاء رمضان‪ ،‬وقضاء ما أفسده من نفل‪ ،‬وصوم الكفارات أبنواعها ككفارة اليمني‬
‫وصوم التمتع والقران‪ ،‬والنذر املطلق‪ ،‬كقوله‪ :‬إن شفى هللا مريضي‪ ،‬فعلي صوم يوم مثال‪ ،‬فحصل الشفاء‪ .‬فال جيوز‬
‫صوم ذلك إال بنية من الليل‪.‬‬

‫ب‪ -‬ونوع ال يشرتط فيه تبييت النية وتعيينها‪ :‬وهو ما يتعلق بزمان بعينه‪ ،‬كصوم رمضان‪ ،‬والنذر املعني زمانه‪،‬‬
‫والنفل كله مستحبه ومكروهه‪ ،‬يصح بنية من الليل إىل ما قبل نصف النهار على األصح‪ ،‬ونصف النهار‪ :‬من طلوع‬
‫الفجر إىل وقت الضحوة الكربى‪.‬‬

‫وقال املالكية ‪ :‬يشرتط لصحة النية إيقاعها يف الليل من الغروب إىل آخر جزء من منه‪ ،‬أو إيقاعها مع طلوع الفجر‪،‬‬
‫وال يضر يف احلالة األوىل ما حدث بعد النية من أكل أو شرب أو مجاع‪ ،‬أو نوم‪ ،‬خبالف اإلغماء واجلنون‪ ،‬فيبطالهنا‬

‫‪118‬‬
‫إن استمر للفجر‪ ،‬وإال فال‪ .‬فلو نوى هنارا قبل الغروب لليوم املستقبل‪ ،‬أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه‪ ،‬مل تنعقد ولو‬
‫نفال‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬يشرتط لفرض الصوم من رمضان‪ ،‬أو غريه كقضاء أو نذر تبييت النية ليال‪ ،‬والصحيح أنه ال يشرتط‬
‫النصف اآلخر من الليل‪ ،‬وأنه ال يضر األكل واجلماع بعدها‪ ،‬وأنه ال جيب جتديد النية إذا انم مث تنبه‪.‬‬

‫ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال؛ ألنه )ص( قال لعائشة يوما‪[ :‬هل عندكم من غداء ؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإين إذن‬
‫أصوم‪ ،‬قالت‪ :‬وقال يل يوما آخر‪ :‬أعندكم شيء؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إذن أفطر‪ ،‬وإن كنت فرضت الصوم] واختص مبا‬
‫قبل الزوال للخرب‪ ،‬إذ الغداء‪ :‬اسم ملا يؤكل قبل الزوال‪ ،‬والعشاء‪ :‬اسم ملا يؤكل بعده‪ ،‬وألنه مضبوط ّبني‪ ،‬وإلدراك‬
‫النهار به‪ .‬وبدهي أنه يشرتط لصحة الصوم االمتناع عن املفطرات من أول النهار‪.‬‬

‫وقال احلنابلة كالشافعية‪ :‬الصوم الواجب أو الفرض ال يصح إال بنية من الليل‪ ،‬للحديث املتقدم‪[ :‬من مل جيمع‬
‫الصيام قبل الف جر‪ ،‬فال صيام له] وأما صوم التطوع فيصح بنية قبل النهار‪ ،‬وبعده خالفا للشافعية‪ ،‬إذا مل يكن بعد‬
‫الفجر‪ ،‬حلديث عائشة املتقدم‪ ،‬قالت‪[ :‬دخل النيب )ص( ذات يوم‪ ،‬فقال‪ :‬هل عندكم شيء؟ فقلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فإين‬
‫إذا صائم] ويدل عليه أيضا حديث عاشوراء‪[ :‬هذا يوم عاشوراء‪ ،‬ومل يكتب هللا عليكم صيامه‪ ،‬وأان صائم‪ ،‬فمن شاء‬
‫فليصم‪ ،‬ومن شاء فليفطر‪ ،‬وألن الصالة خفف نفلها عن فرضها‪ ،‬بدليل أنه ال يشرتط القيام لنفلها‪ ،‬وجتوز الصالة يف‬
‫عن له‪ ،‬فعفي عنه‪ .‬وهذه قول أيب الدرداء‬
‫السفر على الراحلة إىل غري القبلة‪ ،‬فكذا الصيام‪ ،‬وملا فيه من تكثريه لكونه ي ّ‬
‫وأيب طلحة ومعاذ وابن مسعود وحذيفة وسعيد بن املسيب وسعيد بن جبري والنخعي وأصحاب الرأي‪.‬‬

‫تعدد النية بتعدد األايم‬

‫هذا شرط عند اجلمهور‪ ،‬وليس بشرط عند املالكية فيشرتط عند اجلمهور النية لكل يوم من رمضان على حدة؛ ألن‬
‫صوم كل يوم عبادة على حدة‪ ،‬غري متعلقة ابليوم اآلخر‪ ،‬بدليل أن ما يفسد أحدمها ال يفسد اآلخر‪ ،‬فيشرتط لكل‬
‫يوم منه نية على حدة‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬جتزئ نية واحدة لرمضان يف أوله‪ ،‬فيجوز صوم مجيع الشهر بنية واحدة‪ ،‬وكذلك يف صيام متتابع مثل‬
‫كفارة رمضان وكفارة أو ظهار ما مل يقطعه بسفر أو مرض أو حنومها‪ ،‬أو يكون على حالة جيوز له الفطر كحيض‬
‫ونفاس وجنون‪ ،‬فليلزمه استئناف النية‪ ،‬أي جتديدها فال تكفي النية الواحدة‪ ،‬وإن مل جيب استئناف الصوم‪ ،‬فالصوم‬
‫السابق صحيح ال ينقطع تتابعه‪ ،‬ولكن جتدد النية‪ ،‬وتندب النية كل ليلة تكفي فيه النية الواحدة‪ .‬ودليلهم أن الواجب‬

‫‪119‬‬
‫صوم الشهر‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه}‪ ،‬والشهر‪ :‬اسم لزمان واحد‪ ،‬فكان الصوم من أوله إىل‬
‫آخره عبادة واحدة‪ ،‬كالصالة واحلج‪ ،‬فيتأدى بنية واحدة‪.‬‬

‫مكروهات الصيام‬

‫يكره يف الصوم ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬صوم الوصال‪ :‬وهو أال يفطر بني اليومني أبكل وشرب‪ ،‬وهو مكروه عند أكثر العلماء وحمرم عند الشافعية‪ ،‬كما‬
‫بينا‪ ،‬إال للنيب )ص( فمباح له‪ ،‬حلديث ابن عمر‪[ :‬واصل رسول هللا )ص( يف رمضان‪ ،‬فواصل الناس‪ ،‬فنهى رسول هللا‬
‫)ص( عن الوصال‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك تواصل‪ ،‬قال‪ :‬إين لست كأحدكم‪ ،‬إين أظل يطعمين ريب ويسقيين] وهذا يقتضي‬
‫اختصاصه بذلك‪ ،‬ومنع إحلاق غريه به‪ .‬وال حيرم عند اجلمهور؛ ألن النهي وقع رفقا ورمحة‪ ،‬وهلذا واصل رسول هللا‬
‫)ص( هبم‪ ،‬وواصلوا بعده‪ .‬وحيرم عند الشافعية للنهي عنه‪.‬‬

‫‪ -2‬القبلة‪ ،‬ومقدمة اجلماع ولو فكرا أو نظرا‪ ،‬ألنه رمبا أداه للفطر ابملين‪ ،‬وهذا إن علمت السالمة من ذلك وإال‬
‫حرم‪.‬‬

‫‪ -3‬الرتفه ابملباحات كالتطيب هنارا وشم الطيب واحلمام‪.‬‬

‫‪ -4‬ذوق الطعام والعلك‪ ،‬خوفا من وصول شيء إىل اجلوف ابلذوق‪ ،‬وألن العلك جيمع الريق‪ ،‬فإن ابتلعه أفطر يف‬
‫رأي‪ ،‬وإن ألقاه عطشه‪.‬‬

‫األعذار املبيحة للفطر‬

‫‪ -1‬السفر‪:‬‬

‫لقوله تعاىل‪{ :‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أايم أخر} والسفر يف عرف اللغة‪ :‬عبارة عن خروج‬
‫يتكلف فيه مؤنة‪ ،‬ويفصل فيه ب عد يف املسافة‪ .‬ومل يرد فيه من الشارع نص‪ ،‬لكن ورد فيه تنبيه‪ ،‬وهو قوله عليه السالم‬
‫يف الصحيح‪[ :‬ال حيل المرأة تؤمن ابهلل واليوم اآلخر مسرية يوم وليلة إال معها ذو حمرم منها]‪.‬‬

‫والسفر املبيح للفطر‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصالة الرابعية وذلك ملسافة تقدر حبوايل ‪ 89‬كم‪ ،‬وبشرط عند اجلمهور‪ :‬أن‬
‫ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إىل مكان يبدأ فيه جواز القصر حبيث يرتك البيوت وراء ظهره‪ ،‬إذ ال يباح له‬
‫الفطر ابلشروع يف السفر بعد ما أصبح صائما‪ ،‬تغليبا حلكم احلضر على السفر إذا اجتمعا‪ .‬فإذا شرع ابلسفر أبن‬
‫جاوز عمران بلده قبل طلوع الفجر‪ ،‬جاز له اإلفطار‪ ،‬وعليه القضاء‪ .‬وإن شرع يف الصوم‪ ،‬مث تعرض ملشقة شديدة ال‬
‫حتتمل عادة‪ ،‬أفطر وقضى‪ ،‬حلديث جابر‪[ :‬أن رسول هللا )ص( خرج إىل مكة عام الفتح‪ ،‬فصام حىت بلغ كراع الغميم‬
‫وصام الناس معه‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن الناس قد شق عليهم الصيام‪ ،‬وإن الناس ينظرون فيما فعلت‪ ،‬فدعا بقدح من ماء بعد‬
‫العصر‪ ،‬فشرب والناس ينظرون إليه‪ ،‬فأفطر بعضهم‪ ،‬وصام بعضهم‪ ،‬فبلغه أن انسا صاموا‪ ،‬فقال‪ :‬أولئك العصاة] قال‬
‫الشوكاين‪ :‬فيه دليل على أنه جيوز للمسافر أن يفطر بعد أن نوى الصيام من الليل‪ ،‬وهو قول اجلمهور‪.‬‬

‫وأجاز احلنابلة للمسافر اإلفطار ولو سافر من بلده يف أثناء النهار ولو بعد الزوال‪ ،‬ألن السفر معىن لو وجد‬
‫ليال واستمر يف النهار‪ ،‬ألابح الفطر‪ ،‬فإذا وجد يف أثنائه أابحه كاملرض‪ ،‬وعمال مبا رواه أبو داود عن أيب بصرة‬
‫الغفاري الذي أفطر بعد شروعه يف السفر‪ ،‬وقال‪ :‬إهنا سنة رسول هللا )ص(‪.‬‬

‫واشرتط الشافعية شرطا اثلثا‪ :‬وهو أال يكون الشخص مدميا للسفر‪ ،‬فإن كان مدميا له كسائق السيارات‪،‬‬
‫حرم عليه الفطر‪ ،‬إال إذا حلقه ابلصوم مشقة‪ ،‬كاملشقة اليت تبيح التيمم‪ :‬وهو اخلوف على نفس أو منفعة عضو من‬
‫التلف‪ ،‬أو اخلوف من طول مدة املرض‪ ،‬أو حدوث شني قبيح يف عضو ظاهر‪ :‬وهو ما ال يعد كشفه هتكا للمروءة‪،‬‬
‫أبن يبدو يف املهنة غالبا‪.‬‬

‫وهناك شرطان آخران عند اجلمهور غري احلنفية‪ :‬أن يكون السفر مباحا‪ ،‬وأال ينوي إقامة أربعة أايم يف خالل‬
‫سفره‪ ،‬فإن السفر ال يبيح قصرا وال فطرا إال ابلنية والفعل‪ ،‬كما سنبني يف الفقرة التالية وأجاز احلنفية الفطرة يف السفر‬
‫ولو مبعصية‪.‬‬

‫واخلالصة ‪ :‬أن املالكية يبيحون الفطر بسبب السفر أبربعة شروط‪ :‬أن يكون السفر سفر قصر‪ ،‬وأن يكون‬
‫مباحا‪ ،‬وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم‪ ،‬وأن يبيت الفطر‪.‬‬

‫‪ -2‬املرض‬

‫معىن يوجب تغري الطبيعة إىل الفساد‪ ،‬وهو جييز الفطر كالسفر‪ ،‬لآلية السابقة‪{ :‬فمن كان منكم مريضا أو على سفر‬
‫فعدة من أايم أخر}‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫ضابط املرض املبيح الفطر‬

‫هو الذي يشق معه الصوم مشقة شديدة أو خياف اهلالك منه إن صام‪ ،‬أو خياف ابلصوم زايدة املرض أو بطء الربء‬
‫أي أتخره‪ .‬فإن مل يتضرر الصائم ابلصوم كمن به جرب أو وجع ضرس أو إصبع أو دمل وحنوه‪ ،‬مل يبح له الفطر‪.‬‬

‫والصحيح الذي خياف املرض أو الضعف بغلبة الظن أبمارة أو جتربة أو إبخبار طبيب حاذق مسلم مستور‬
‫العدالة‪ ،‬كاملريض عند احلنفية‪ .‬والصحيح الذي يظن اهلالك أو األذى الشديد كاملرض عند املالكية‪.‬‬

‫وليس الصحيح كاملريض عند الشافعية واحلنابلة‪.‬‬

‫وإن غلب على الظن اهلالك بسبب الصوم‪ ،‬أو الضرر الشديد كتعطيل حاسة من احلواس‪ ،‬وجب الفطر‪.‬‬

‫وأضاف احلنفية أن احملارب الذي خياف الضعف عن القتال‪ ،‬وليس مسافرا‪ ،‬له الفطر قبل احلرب‪ ،‬ومن له‬
‫نوبة محى أو عادة حيض‪ ،‬ال أبس بفطره على ظن وجوده‪.‬‬

‫فاجلهاد ولو بدون سفر سبب من أسباب إابحة الفطر‪ ،‬للتقوي على لقاء العدو‪ ،‬وعمال ابلثابت يف السنة‬
‫عام فتح مكة‪.‬‬

‫وللفقهاء آراء يف فطر املريض‬

‫فقال احلنفية والشافعية‪ :‬املرض يبيح الفطر‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬يسن الفطر حالة املرض ويكره الصوم‪ ،‬آلية {فمن كان‬
‫منكم مريضا أو على سفر فعدة من أايم أخر}‪ ،‬أي فليفطر عدد ما أفطره‪ .‬وقال املالكية‪ :‬للمريض أحوال أربعة‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أال يقدر على الصوم حبال‪ ،‬أو خياف اهلالك من املرض أو الضعف إن صام‪ ،‬فالفطر عليه واجب‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن بقدر على الصوم مبشقة فالفطر له جائز‪ ،‬فهم كاحلنفية والشافعية‪ ،‬وقال ابن العريب‪ :‬يستحب‬

‫الثالثة‪ :‬أن يقدر مبشقة وخياف زايدة املرض‪ ،‬ففي وجوب فطره قوالن‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬أال يشق عليه وال خياف زايدة املرض‪ ،‬فال يفطر عند اجلمهور‪ ،‬خالفا البن سريين‪.‬‬

‫‪ -4-3‬احلمل والرضاع‬

‫‪122‬‬
‫يباح للحامل واملرضع إذا حافتا على أنفسهما أو على الولد‪ ،‬سواء أكان الولد ولد املرضعة أم ال‪ ،‬أي نسبا أو رضاعا‪،‬‬
‫وسواء أكانت أما أم مستأجرة‪ ،‬وكان اخلوف نقصان العقل أو اخلوف أو اهلالك أو املرض‪ ،‬واخلوف املعترب‪ :‬ما كان‬
‫مستندا لغلبة الظن بتجربة سابقة‪ ،‬أو إخبار طبيب مسلم حاذق عدل‪.‬‬

‫ودليل اجلواز هلما‪ :‬القياس على املريض واملسافر‪ ،‬وقوله )ص(‪[ :‬إن هللا عز وجل وضع عن املسافر الصوم وشطر‬
‫الصالة‪ ،‬وعن احلبلى واملرضع الصوم] وحيرم الصوم إن خافت احلامل أو املرضع على نفسها أو ولدها اهلالك‪.‬‬

‫وإذا أفطرنا وحب القضاء دون الفدية عند احلنفية‪ ،‬ومع الفدية إن خافتا على ولدمها فقط عند الشافعية احلنابلة‪ ،‬ومع‬
‫الفدية على املرضع فقط ال احلامل عند املالكية‪.‬‬

‫‪ -5‬اهلرم‬

‫جيوز إمجاعا الفطر للشيخ الفاين والعجوز الفانية العاجزين عن الصوم يف مجيع فصول السنة‪ ،‬وال قضاء عليهما‪ ،‬لعدم‬
‫القدرة‪ ،‬وعليهما عن كل يوم فدية طعام مسكني‪ ،‬وتستحب الفدية فقط عند املالكية‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وعلى الذين‬
‫يطيقونه فدية طعام مسكني} قال ابن عباس‪ :‬ليست مبنسوخة‪ ،‬هي للشيخ الكبري واملرأة الكبرية ال يستطيعان أن‬
‫‪.‬‬
‫يصوما‪ ،‬فيطعمان مكان كل يوم مسكينا}‬

‫ومثلما‪ :‬املريض الذي ال يرجى برؤه‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وما جعل عليكم يف الدين من حرج}‪ .‬أما من عجز عن الصوم‬
‫يف رمضان ولكن يقدر على قضائه يف وقت آخر‪ ،‬فيجب عليه القضاء وال فدية عليه‪.‬‬

‫‪ -6‬إرهاق اجلوع والعطش‬

‫جيوز الفطر ملن حصل له أو أرهقه جوع أو عطش شديد خياف منه اهلالك أو نقصان العقل أو ذهاب بعض احلواس‪،‬‬
‫حبيث مل يقدر على الصوم‪ ،‬وعليه القضاء‪ .‬فإن خاف على نفسه اهلالك‪ ،‬حرم عليه الصيام‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وال تلقوا‬
‫أبيديكم إىل التهلكة}‪.‬‬

‫وإذا أفطر املرهق ابجلوع أو العطش‪ ،‬فاختلف‪ :‬هل ميسك بقية يومه‪ ،‬أو جيوز له األكل‪.‬‬

‫‪ -7‬اإلكراه‬

‫‪123‬‬
‫يباح الفطر للمستكره‪ ،‬وعليه عند اجلمهور القضاء‪ ،‬وعند الشافعية ال يفطر املستكره‪ .‬وإذا وطئت املرأة مكرهة أو‬
‫انئمة‪ ،‬فعليها القضاء‪.‬‬

‫هذه أهم األعذار املبيحة للفطر‪ ،‬أما احليض والنفاس واجلنون الطارئ على الصائم فيبيح الفطر‪ ،‬بل وال جيب الصوم‬
‫وال يصح معه‪.‬‬

‫صاحب العمل الشاق‬

‫قال أبو بكر اآلجري من صنعته شاقة‪ :‬فإن خاف ابلصوم تلفا‪ ،‬أفطر وقضى إن ضره ترك الصنعة‪ ،‬فإن مل يضره تركها‪،‬‬
‫أمث ابلفط ر‪ ،‬وإن مل ينتف التضرر برتكها‪ ،‬فال إمث عليه ابلفطر للعذر‪ .‬وقرر مجهور الفقهاء أنه جيب على صاحب العمل‬
‫الشاق كاحلصاد واخلباز واحلداد وعمال املناجم أن يتسحر وينوي الصوم‪ ،‬فإن حصل له عطش شديد خياف منه‬
‫الضرر‪ ،‬جاز له الفطر‪ ،‬وعليه القضاء‪ ،‬فإن حتقق الضرر وجب الفطر‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وال تقتلوا أنفسكم إن هللا كان‬
‫بكم رحيما}‪.‬‬

‫الدرس الثاىن عشر والثالث عشر‬

‫احكام احلج والعمرة‬

‫تعريف احلج والعمرة‬

‫احلج لغة‪ :‬القصد مطلقا‪ ،‬وعن اخلليل قال‪ :‬احلج‪ :‬كثرة القصد إىل من تعظمه‪.‬‬

‫وشرعا‪ :‬قصد الكعبة ألداء أفعال خمصوصة‪ ،‬أو هو زايرة مكان خمصوص يف زمن خمصوص بفعل خمصوص‪ .‬والزايرة‪:‬‬
‫هي الذهاب‪ .‬واملكان املخصوص‪ :‬الكعبة وعرفة‪ .‬والزمن املخصوص‪ :‬هو أشهر احلج وهي‪ :‬شوال وذو القعدة وذو‬
‫احلجة‪ ،‬والعشر األوائل من ذي احلجة‪ ،‬ولكل فعل زمن خاص‪ ،‬فالطواف مثال عند اجلمهور‪ :‬من فجر النحر إىل آخر‬
‫العمر‪ ،‬والوقوف بعرفة‪ :‬من زوال الشمس يوم عرفة لطلوع فجر يوم النحر‪ .‬والفعل املخصوص‪ :‬أن أييت حمرما بنية احلج‬
‫إىل أماكن معينة‪.‬‬

‫والعمرة لغة‪ :‬الزايرة‪ ،‬وقيل‪ :‬القصد إىل مكان عامر‪ ،‬وَسيت بذلك؛ ألهنا تفعل يف العمر كله‪.‬‬

‫وشرعا‪ :‬قصد الكعبة للنسك وهو الطواف والسعي‪ .‬وال يغين عنها احلج وإن اشتمل عليها‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫مكانة احلج والعمرة يف اإلسالم وحكمتهما‬

‫احلج‪ :‬هو الركن اخلامس من أركان اإلسالم‪ ،‬فرضه هللا تعاىل على املستطيع‪ ،‬والعمرة مثله‪ ،‬فهما أصالن عند الشافعية‬
‫واحلنابلة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وأمتوا احلج والعمرة} وهي سنة عند املالكية واحلنفية‪ ،‬كما سنبني‪ ،‬وقد اعتمر النيب )ص( أربع‬
‫عمر‪ ،‬كلهن يف ذي القعدة إال اليت مع حجته‪ :‬األوىل من احلديبية سنة ست من اهلجرة‪ ،‬والثانية سنة سبع وهي عمرة‬
‫القضاء‪ ،‬والثالثة سنة مثان عام الفتح‪ ،‬والرابعة مع حجته سنة عشر‪ ،‬وكان إحرامها يف ذي القعدة وأعماهلا يف ذي‬
‫احلجة‪.‬‬

‫قال القاضي حسني من الشافع ية‪ :‬احلج أفضل العبادات الشتماله على املال والبدن‪ ،‬وقال احلليمي‪ :‬احلج جيمع معاين‬
‫العبادة كلها‪ ،‬فمن حج فكأهنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط يف سبيل هللا وغزا‪ ،‬وألان دعينا إليه‪ ،‬وحنن يف‬
‫أصالب اآلابء كاإلميان الذي هو أفضل العبادات‪.‬‬

‫والراجح عند الشافعية واحلنابلة أن الصالة أفضل منه؛ ألن الصالة عماد الدين‪.‬‬

‫حكمة املشروعية‪ :‬يتحقق ابحلج والعمرة فرض الكفاية وهو إحياء الكعبة كل سنة ابلعبادة‪ ،‬ومتتاز العمرة عن احلج‬
‫إبمكاهنا يف كل أايم العام أو العمر‪ ،‬فهي أيسر من احلج الذي يتقيد أبايم معلومات‪.‬‬

‫واحلج يطهر النفس‪ ،‬ويعيدها إىل الصفاء واإلخالص‪ ،‬مما أدى إىل جتديد احلياة‪ ،‬ورفع معنوايت اإلنسان‪ ،‬وتقوية األمل‬
‫وحسن الظن ابهلل تعاىل‪.‬‬

‫ويقوي احلج اإلميان‪ ،‬ويعني على جتديد العهد مع هللا‪ ،‬ويساعد على التوبة اخلالصة الصدوق‪ ،‬ويهذب النفس‪ ،‬ويرفق‬
‫املشاعر ويهيج العواطف حنو بيت هللا العتيق‪.‬‬

‫ويشعر احلج بقوة الرابطة األخوية مع املؤمنني يف مجيع أحناء األرض‪{ :‬إمنا املؤمنون إخوة} وحيس الناس أهنم حقا‬
‫متساوون‪ ،‬ال فضل لعريب على أعجمي‪ ،‬وال ألبيض على أسود إال ابلتقوى‪.‬‬

‫حكم احلج والعمرة‬

‫اتفق العلماء على فرضية احلج مرة يف العمر‪ ،‬بدليل الكتاب والسنة‪.‬‬

‫أما الكتاب‪ :‬فقول هللا تعاىل‪{ :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال‪ ،‬ومن كفر فإن هللا غين عن‬
‫العاملني} روي عن ابن عباس‪[ :‬ومن كفر ابعتقاده أنه غري واجب] وقال تعاىل‪{ :‬وأمتوا احلج والعمرة هلل} وقال‬
‫‪125‬‬
‫سبحانه‪{ :‬وأذن يف الناس ابحلج أيتوك رجاال وعلى كل ضامر أيتني من كل فج عميق‪ ،‬ليشهدوا منافع هلم‪ ،‬ويذكروا‬
‫اسم هللا يف أايم معلومات}‪.‬‬

‫وأما السنة‪ :‬فقول النيب )ص( ‪[ :‬بين اإلسالم على مخس‪ :‬شهادة أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬وإقام‬
‫الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصوم رمضان]‪.‬‬

‫كون فريضة احلج مرة‪ :‬والدليل على فريضة احل ج مرة واحدة يف العمر أبصل الشرع‪ :‬هو حديث أيب هريرة‪[ :‬خطبنا‬
‫أكل عام اي رسول هللا ؟‬
‫رسول هللا (ص) فقال‪ :‬اي أيها الناس‪ ،‬قد فرض هللا عليكم احلج فحجوا‪ ،‬فقال رجل‪َّ :‬‬
‫فسكت‪ ،‬حىت قاهلا ثالاث‪ ،‬فقال النيب )ص(‪ :‬لو قلت‪ :‬نعم‪ ،‬لوجبت وملا استطعتم]‪.‬‬

‫وأمجع العلماء على أن احلج ال جيب إال مرة‪ ،‬والزائد عن ذلك تطوع‪ ،‬قال )ص(‪[ :‬نابعوا بني احلج والعمرة‪ ،‬فإهنما‬
‫ينفيان الفقر والذنوب‪ ،‬كما ينفي الكري خبث احلديد والذهب والفضة‪ ،‬وليس للحجة املربور ثواب إال اجلنة]‪.‬‬

‫تكرار العمرة‪ :‬الأبس عند الشافعية واحلنابلة واحلنفية أن يعتمر يف السنة مرارا؛ ألن عائشة اعتمرت يف شهر مرتني‬
‫أبمر النيب )ص( عمرة مع قراهنا‪ ،‬وعمرة بعد حجها‪ ،‬وألن النيب )ص( قال فيما رواه البخاري ومسلم عن أيب هريرة‪:‬‬
‫[العمرة إىل العمرة كفارة ملا بينهما]‪.‬‬

‫وكره املالكية تكرار العمرة يف السنة‪ ،‬وقال النخعي‪ :‬ما كانوا يعتمرون يف السنة إال مرة‪ ،‬وألن النيب )ص( مل يفعله‪.‬‬

‫حكم العمرة‬

‫قال احلنفية على املذهب واملالكية على أرجح القولني‪ :‬العمرة سنة (مؤكدة) مرة واحدة يف العمر؛ ألن األحاديث‬
‫املشهورة الثابتة الواردة يف تعداد فرائض اإلسالم مل يذكر منها العمرة‪ ،‬مثل حديث ابن عمر‪[ :‬بين اإلسالم على مخس]‬
‫فإ نه مل يذكر احلج مفردا‪ ،‬وروى جابر أن أعرابيا جاء إىل رسول هللا (ص)‪ ،‬فقال‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬أخربين عن العمرة‪،‬‬
‫أواجبة هي ؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬وأن تعتمر خري لك] ويف رواية [أوىل لك]‪.‬‬

‫وقال الشافعية يف األظهر‪ ،‬واحلنابلة‪ :‬العمرة فرض كاحلج‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وأمتوا احلج والعمرة هلل} أي ائتوا هبما نامني‬
‫ومقتضى األمر الوجوب‪ ،‬وخلرب عائشة رضي هللا عنها قالت‪[ :‬قلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬هل على النساء جهاد ؟ قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬جهاد ال قتال فيه‪ ،‬احلج والعمرة]‪.‬‬

‫شروط احلج والعمرة وموانعهما‬

‫‪126‬‬
‫شروط احلج والعمرة‬

‫‪ -1‬اإلسالم‪ :‬فال جيب احلج على الكافر وجوب مطالبة به يف الدنيا حال كفره‪ ،‬وال يصح منه‪ ،‬لعدم أهليته ألداء‬
‫العبادة‪ .‬فلو حج الكافر‪ ،‬مث أسلم جيبعليه حجة اإلسالم‪ ،‬وال يعتد مبا حج يف حال الكفر‪ .‬وكذا ال جيب عند احلنفية‬
‫على الكافر يف حق أحكام اآلخرة‪ ،‬فال يؤاخذ ابلرتك‪ ،‬لعدم خطاب الكافر بفروع الشريعة‪ ،‬ويؤاخذ عند اجلمهور‪،‬‬
‫ألنه خماطب ابلفروع‪.‬‬

‫ويرى املالكية أن اإلسالم شرط صحة ال وجوب‪ ،‬فيجب احلج على الكافر وال يصح منه إال اإلسالم‪ .‬والشافعية‬
‫أوجبوا احلج على املرتد وال يصح منه إال إذا أسلم‪ ،‬أما الكافر األصلي فال جيب عليه‪.‬‬

‫‪ -2‬التكليف أي البلوغ والعقل‪ :‬فال جيب على الصغري واجملنون؛ ألهنما غري مطالبني ابألحكام الشرعية‪ ،‬فال يلزمهما‬
‫حجا مث بلغ الصغري‪ ،‬وأفاق اجملنون‪،‬‬
‫احلج‪ ،‬وال يصح احلج أو العمرة أيضا من اجملنون؛ ألنه ليس أهال للعبادة‪ .‬ولو ّ‬
‫فعليهما حجة اإلسالم‪ ،‬وما فعله الصيب قبل البلوغ يكون تطوعا‪ .‬قال النيب (ص)‪[ :‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم‬
‫حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت يشب‪ ،‬وعن املعتوه حىت يعقل]‪ ،‬وقال أيضا‪[ :‬أميا صيب حج به أهله‪ ،‬فمات أجزأت‬
‫عنه‪ ،‬فإن أدرك فعليه احلج‪ ،‬وأميا رجل مملوك حج به أهله‪ ،‬فمات‪ ،‬أجزأت عنه‪ ،‬فإن أعتق فعليه احلج]‪.‬‬

‫وال يبطل اإلحرام ابجلنون واإلغماء واملوت والسكر والنوم كالصوم‪.‬‬

‫ولو حج الصيب‪ ،‬صح حجه‪ ،‬ومل جيزئه عن حجة اإلسالم‪.‬‬

‫ولو حج اجملنون والصيب الذي ال يعقل (غري املميز) مل يصح أداؤه منهما‪ ،‬ألن أداءه يتوقف على العقل‪.‬‬

‫‪ -4‬االستطاعة البدنية واملالية واألمنية املوجبة للحج‬

‫وهي القدرة على الوصول إىل مكة‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال}لكن للفقهاء‬
‫بعض االختالفات يف حدود ووجوه االستطاعة‪.‬‬

‫قال احلنفية‪ :‬االستطاعة أنواع ثالثة‪ :‬بدنية ومالية وأمنية‪ ،‬أما االستطاعة البدنية‪ :‬فهي صحة البدن‪ ،‬فال حج على‬
‫الزمن واملقعد واملفلوج واألعمى وإن وجد قائدا‪ ،‬والشيخ الكبري ابلذي ال يثبت على الراحلة بنفسه‪ ،‬واحملبوي‪،‬‬
‫املريض و َّ‬
‫واملمنوع من قبل السلطان اجلائر عن اخلروج إىل احلج؛ ألن هللا تعاىل شرط االستطاعة لوجوب احلج‪ ،‬واملراد منها‬
‫استطاعة التكليف‪ :‬وهي سالمة األسباب ووسائل الوصول‪ .‬ومن مجلة األسباب‪ :‬سالمة البدن عن اآلفات املانعة من‬

‫‪127‬‬
‫القيام مبا البد منه يف سفر احلج‪ ،‬فسر ابن عباس {من استطاع إليه سبيال} أن السبيل أن يصح بدع العبد‪ ،‬ويكون‬
‫له مثن زاد وراحلة‪ ،‬من غري أن حيجب‪.‬‬

‫وأما االستطاعة املالية‪ :‬فهي ملك الزاد والراحلة‪ ،‬أبن بقدر على الزاد ذهااب وإاياب‪ ،‬وعلى الراحلة – وسيلة الركوب‪،‬‬
‫زائدا ذلك عن حاجة مسكنه وما البد منه كالثياب وأاثث املنزل واخلادم وحنو ذلك؛ ألهنا مشغولة ابحلاجة األصلية‪،‬‬
‫وزائدا أيضا عن نفقة عياله الذين تلزمه نفقاهتم إىل حني عودته‪.‬‬

‫وقال املالكية‪ :‬االستطاعة‪ :‬هي إمكان الوصول إىل مكة حبسب العادة‪ ،‬إما ماشيا أو راكبا‪ ،‬أي االستطاعة ذهااب‬
‫فقط‪ ،‬وال تعترب االستطاعة يف اإلايب إال إذا مل ميكنه اإلقامة مبكة أو يف أقرب بلد ميكنه أن يعيش فيه‪ ،‬وال يلزم‬
‫رجوعه خلصوص بلده‪.‬‬

‫وتكون االستطاعة بثالثة أشياء‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أ‪ -‬قوة البدن‪ :‬أي إمكان الوصول ملكة إمكاان عاداي مبشي أو ركوب‪ّ ،‬‬
‫برب أو حبر‪ ،‬بال مشقة فادحة‪ ،‬أي عظيمة‬
‫خارجة عن العادة‪ ،‬أما املشقة املعتادة فالبد منها‪ ،‬إذ السفر قطعة من العذاب‪ .‬واالستطاعة ابلقدرة على املشي مما‬
‫تفرد به املالكية‪ .‬حىت إن األعمى القادر على املشي جيب عليه احلج إذا وجد قائدا يقوده‪ .‬ويكره للمرأة احلج مبشي‬
‫بعيد‪.‬‬

‫ب‪ -‬ووجود الزاد املبلِغ حبسب أحوال الناس وحبسب عوائدهم‪ ،‬ويقوم مقام الزاد الصنعة إذا كانت ال تزري‬
‫بصاحبها وتكفي حاجته‪ .‬ويدل ذلك على أن املالكية مل يشرتطوا وجود الزاد والراحلة ابلذات‪ ،‬فاملشي يغين عن‬
‫الراحلة ملن قدر عليه‪ ،‬والصنعة اليت قدر رحبا كافيا تغين عن اصطحاب الزاد أو النفقة عليه‪.‬‬

‫هـ‪ -‬توفر السبيل‪ :‬وهو الطريق املسلوكة ابلرب أو ابلبحر مىت كانت السالمة فيه غالبة‪ ،‬فإن مل تغلب فال جيب احلج إذا‬
‫تعني البحر طريقا‪ .‬ويكره للمرأة احلج يف ركوب حبر إال أن ختتص مبكان يف السفينة‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬لالستطاعة املباشرة ابلنفس حبج أو عمرة ملن كان بعيدا عن مكة مسافة القصر (‪ 89‬كم) شروط‬
‫سبعة نشمل أنواع االستطاعة الثالثة السابقة‪:‬‬

‫األول‪ :‬القدرة البدنية‪ :‬أبن يكون صحيح اجلسد‪ ،‬قادرا أن يثبت على الراحلة بال ضرر شديد أو مشقة شديدة‪ ،‬وإال‬
‫فهو ليس مبستطيع بنفسه‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫الثاين‪ :‬القدرة املالية‪ :‬بوجود الزاد وأوعيته‪ ،‬ومؤنة (كلفة) ذهابه ملكة وإايبه (أي رجوعه منها إىل بلده‪ ،‬وإن مل يكن له‬
‫فيها أهل وعشرية)‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬وجود الراحلة (وسيلة الركوب) الصاحلة ملثله بشراء بثمن املثل‪ ،‬أو استئجار أبجرة املثل‪ ،‬ملن كان بينه وبني‬
‫مكة مرحلتان فأكثر‪ ،‬قدر على املشي أم ال‪ ،‬خالفا للمالكية‪ ،‬ولكن يستحب للقادر على املشي احلج خروجا من‬
‫خالف من أوجبه‪ .‬وهذا الشرط من القدرة املالية أيضا‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬وجود املاء والزاد وعلف الدابة يف املواضع املعتاد محله منها‪ ،‬بثمن املثل‪ :‬وهو القدر املناسب به يف ذلك الزمان‬
‫وااملكان‪ ،‬وإن غلت األسعار‪ .‬فإن مل يوجدوا‪ ،‬أو وجد أحدهم‪ ،‬أو وجد أبكثر من مثن املثل‪ ،‬مل يلزمه النسل (احلج‬
‫والعمرة)‪ .‬وهذا شرط أيضا يف القدرة املالية‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬االستطاعة األمنية‪ :‬أمن الطريق ولو ظنا على نفسه وماله يف كل مكان حبسب ما يليق به‪ ،‬واملراد هو األمن‬
‫صداي (وهو من يرصد أي يرقب من مير ليأخذ منه‬
‫العام‪ ،‬فلو خاف على نفسه أو زوجه أو ماله سبعا أو عدوا أو ر ّ‬
‫شيئا)‪ ،‬وال طريق له سواه‪ ،‬مل جيب احلج عليه‪ ،‬حلصول الضر‪.‬‬

‫السادس‪ :‬أن يكون مع املرأة زوج‪ ،‬أو حمرم بنسب أو غره‪ ،‬أو نسوة ثقات؛ ألن سفرها وحدها حرام‪ ،‬وإن كانت يف‬
‫قافلة أو مع مجاعة‪ ،‬خلوف استمالتها وخديعتها‪ ،‬وخلرب الصحيحني‪[ :‬ال تسافر املرأة يومني إال ومعها زوجها أو ذو‬
‫حمرم] وال يشرتط كون الزوجة واحملرم ثقة‪ ،‬ألن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي‪.‬‬

‫السابع‪ :‬إمكان املسري‪ :‬وهو أن يبقى من وقت احلج بعد القدرة أبنواعها ما يكفي ألدائه‪ .‬وتعترب االستطاعة عند‬
‫دخول وقته وهو شوال إىل عشرة ذي احلجة‪ ،‬فال جيب احلج إذا عجز يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫النية يف احلج واحلج عن الغري‬

‫أوال‪ :‬ما يقبل النيابة من العبادات وما ال يقبلها‬

‫العبادات أنواع ثالثة‪:‬‬

‫أ‪ -‬عبادة مالية حمضة كالزكاة والكفارة وتوزيع األضاحي‪ :‬جيوز النيابة فيها ابالتفاق يف حاليت االختيار والضرورة؛ ألن‬
‫املقصود انتفاع أهلها هبا‪ ،‬وذلك حاصل أبي شخص‪ ،‬أصيل أو انئب‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫ب‪ -‬عبادة بدنية حمضة كالصالة والصوم‪ :‬ال جتوز النيابة فيها؛ ألن املقصود وهو إتعاب النفس ال حيصل ابإلانبة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬عبادة مركبة – بدنية ومالية معا – كاحلج‪ :‬جيوز فيها عند اجلمهور (غري املالكية) النيابة عند العجز أو الضرورة؛‬
‫ألن املشقة املقصودة حتصل بفعل النفس‪ ،‬وحتصل أيضا بفعل الغري إذا كان مباله‪ ،‬فهذه العبادة ختتلف عن الصالة‬
‫ابشتماهلا على القربة املالية غالبا ابإلنفاق يف األسفار‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬إهداء ثواب األعمال للميت‬

‫اتفق العلماء على وصول ثواب الدعاء والصدقة واهلدي للميت‪ ،‬للحديث السابق [إذا مات اإلنسان انقطع عمله إال‬
‫من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صاحل يدعو له]‪.‬‬

‫وقال مجهور أهل السنة واجلماعة‪ :‬لإلنسان أن جيعل ثواب عمله لغريه صالة أو صوما أو صدق أو تالوة قرآن‪ ،‬أبن‬
‫يقول‪ :‬اللهم اجعل ثواب ما أفعل لفالن‪ ،‬ملا وري أن النيب )ص( [ضحى بكبشني أملحني‪ ،‬أحدمها عن نفسه‪،‬‬
‫واآلخر عن أمته‪ ،‬ممن أقر بوحدانية هللا تعاىل‪ ،‬وشهد له ابلبالغ] فإنه جعل تضحية إحدى الشاتني ألمته‪ .‬وملا روي‬
‫أن رجال سأل النيب )ص( فقال‪ :‬كان يل أبوان أبرمها حال حياهتما‪ ،‬فكيف يل بربمها بعد موهتما ؟ فقال له عليه‬
‫الصالة والسالم‪ :‬إن من الرب بعد الرب‪ :‬أن تصلي هلما مع صالتك وأن تصوم هلما مع صيامك‪.‬‬

‫وقال املعتزلة‪ :‬ليس لإلنسان أن جيعل ثواب عمله لغريه‪ ،‬وال يصل إليه‪ ،‬وال ينفعه‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬وأن ليس لإلنسان‬
‫إال ما سعى‪ ،‬وأن سعيه سوف يرى} وألن الثواب هو اجلنة‪ ،‬وليس يف قدرة العبد أن جيعلها لنفسه فضال عن غريه‪.‬‬

‫وقال مالك والشافعي‪ :‬جيوز جعل ثواب العمل للغري يف الصدقة والعبادة املالية ويف احلج‪ ،‬وال جيوز يف غريه من‬
‫الطاعات كالصالة والصوم وقراءة القرآن وغريه‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬مشروعية النيابة يف احلج وأقوال الفقهاء فيما جيوز منها‬

‫جيوز احلج عن الغري الذي مات ومل حيج‪ ،‬أو عن املريض احلي الذي عجز عن احلج لعذر وله مال‪ ،‬وآراء‬
‫الفقهاء هي ما أييت‪ .‬قال احلنفية‪ :‬من مل جيب عليه احلج بنفسه لعذر كاملريض وحنوه‪ ،‬وله مال‪ ،‬يلزمه أن حيج رجال‬
‫عنه‪ ،‬وجيزئه عن حجة اإلسالم‪ ،‬أي أنه جتوز النيابة يف احلج عند العجز فقط ال عند القدرة‪ ،‬بشرط دوام العجز إىل‬
‫املوت‪ .‬وأما املقصر الذي مات فتصح منه بل جتب الوصبة ابإلحجاج عنه ويكون من بلده‪ ،‬إن مل يعني مكاان آخر‪،‬‬
‫فهما حالتان‪ :‬العجز وبعد املوت ابلوصية‪ .‬واملعتمد عند املالكية‪ :‬أن النيابة عن احلي ال جتوز‪ ،‬وال تصح مطلقا إال‬

‫‪130‬‬
‫عن م يت أوصى ابحلج‪ ،‬فتصح مع الكراهة وتنفذ من ثلث ماله‪ .‬وال حج على املعضوب إال عن يستكيع بنفسه‪،‬‬
‫لآلية‪{ :‬من استطاع إليه سبيال} وهذا غري مستطيع‪.‬‬

‫وأجاز الشافعية احلج عن الغري يف حالتني‪:‬‬

‫أ‪ -‬حالة املعضوب‪ :‬وهو العجز عن احلج بنفسه لكرب أو زمانة أو غري ذلك‪ ،‬الذي ال يثبت على الراحلة‪ .‬بل يلزمه‬
‫احلج إن وجد من حيج عنه أبجرة املثل بشرط كوهنا فاضلة عن حاجاته املذكورة فيمن حج بنفسه‪ ،‬لكن ال يشرتط‬
‫نفقة العيال ذهااب وإاياب؛ ألنه مستطيع بغريه؛ ألن االستطاعة كما تكون ابلنفس تكون ببذل املال وطاعة الرجال‪،‬‬
‫فيجب على من عجز عن احلج بنفسه هلرم أو مرض ال يرجى برؤه االستنابة إن قدر عليها مباله أو مبن يطيعه أبن كان‬
‫متربعا موثوقا به‪.‬‬

‫ب‪ -‬وحالة من أيتيه املوت ومل حيج‪ ،‬فيجب على ورثته اإلحجاج عنه من تركته‪ ،‬كما يقضى منها دينه‪ ،‬ويلزمهم أن‬
‫خيرجوا من ماله مبا حيج به عنه‪ ،‬ابلنفقة الكافية ذهااب وإاياب‪.‬‬

‫وأجاز احلنابلة كالشافعية احلج عن الغري يف حالتني أيضا‪:‬‬

‫‪ -1‬املعضوب‪ :‬وهو من عجز عن السعي إىل احلج والعمرة لكرب أو زمانة‪ ،‬أو مرض ال يرجى برؤه‪ ،‬أو ثقل ال يقدر‬
‫معه الركوب على الراحلة إال مبشقة غري حمتملة‪ ،‬أو أيست املرأة من حمرم‪.‬‬

‫‪ -2‬امليت الذي وجب عليه احلج‪ :‬من وجب عليه احلج‪ ،‬الستكمال الشرائط السابقة املطلوبة‪ ،‬مث تويف قبله‪ّ ،‬فرط‬
‫يف احلج أبن أخره لغري عذر‪ ،‬أو مل يفرط كالتأخري ملرض يرجى برؤه أو حلبس أو أسر أو حنوه‪ ،‬أخرج عنه من مجيع‬
‫ماله حجة وعمرة‪ ،‬ولو مل يوص به‪ .‬ويكون اإلحجاج عنه من حيث وجب عليه‪ ،‬ال من حيث مكان موته؛ ألن‬
‫القضاء يكون بصفة األداء‪ ،‬بل جيب أال يكون النائب من خارج بلده اليت تبعد مسافة القصر‪ ،‬وجيوز من انئب من‬
‫بلد آخر دون مسافة القصر؛ ألن ما دوهنا يف حكم احلاضر‪ .‬وإن مات من وجب عليه احلج يف الطريق أو مات انئبه‬
‫يف الطريق‪ ،‬حج عنه من حيث مات هو أو انئبه‪ ،‬فيما بقي مسافة قوال وفعال‪.‬‬

‫أدلة املشروعية‪ :‬استدل الفقهاء على مشروعية النيابة يف احلج حبديث ابن عباس وغريه‪[ :‬أن امرأة من خث عم‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫اي رسول هللا‪ ،‬إن أيب أدركته فريضة هللا يف احلج شيخا كبريا‪ ،‬ال يستطيع أن يستوي على ظهر بعريه ؟ قال‪ :‬فح ّجي‬
‫عنه] فدل على جواز احلج عن الوالد غري القادر على احلج‪ ،‬علما أبن ذلك كان يف حجة الوداع‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وعن ابن عباس أيضا‪[ :‬أن امرأة من جهينة جاءت إىل النيب (ص)‪ ،‬فقالت‪ :‬إن أمي نذرت أن حتج‪ ،‬فلم حتج‪ ،‬حىت‬
‫مات‪ ،‬أفأحج عنها ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ح ّجي عنها‪ ،‬أرأيت لو كانت على ّأمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا هللا‪ ،‬فاهلل أحق‬
‫ابلوفاء]‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االستئجار على احلج‬

‫مل جيز متقدمو احلنفية االستئجار على احلج واألذان وتعليم القرآن والفقه وحنوه من القرابت الدينية الختصاص فاعلها‬
‫هبا‪ ،‬فلو قال رجل آلخر‪( :‬استأجرتك على أن عين بكذا) مل جيز حجه‪ ،‬واملذهب وقوع احلج عن احملجوج عنه‪ .‬وإمنا‬
‫يقول‪ :‬أمرتك أن حتج عين‪ ،‬بال ذكر إجارة‪ ،‬وتكون له نفقة مثله بطريق الكفاية؛ ألنه فرغ نفسه لعمل ينتفع به‬
‫املستأجر‪ .‬وإمنا جاز احلج عنه؛ ألنه ملا بطلت اإلجارة‪ ،‬بقي األمر ابحلج‪ .‬والزائد عن نفقة املثل يف الطريق وغريه يرد‬
‫على اآلمر إال إذا تربع به الورثة‪ ،‬أو أوصى امليت أبن الفضل للحاج‪.‬‬

‫وأجاز مجهور الفقهاء ومتأخرو احلنفية‪ :‬اإلجارة على احلج وبقية الطاعات‪ ،‬لقول النيب )ص(‪[ :‬إن أحق ما أخذمت‬
‫عليه أجرا كتاب هللا]‪ ،‬وأخذ أصحاب النيب )ص( اجلعل على الرقية بكتاب هللا‪ ،‬وأخربوا بذلك النيب‪ ،‬فصوهبم فيه‪،‬‬
‫وألنه أخذ النفقة على احلج‪ ،‬كما أقر متقدمو احلنفية أنفسهم‪ ،‬فجاز االستئجار عليه‪ ،‬كبناء املساجد والقناطر‪.‬‬

‫موانع احلج‬

‫أ‪ -‬األبوة‪ :‬لألبوين وإن عال أحدمها منع الولد غري املكي من اإلحرام بتطوع حج أو عمرة‪ ،‬وليس هلما املنع من‬
‫الفرض؛ ألن خدمة األبوين جهاد كما يف الصحيحني‪ .‬ويسن استئذاهنما يف الفرض أيضا‪.‬‬

‫‪ -2‬الزوجية‪ :‬للزوج عند الشافعية منع الزوجة من احلج الفرض واملسنون؛ ألن حقه على الفور‪ ،‬والنسك عندهم على‬
‫الرتاخي‪ ،‬ويسن هلا أن حترم بغري إذنه‪ .‬وقال اجلمهور‪ :‬ليس للزوج منع الزوجة من الفرض؛ ألنه واجب على الفور‪ ،‬ولو‬
‫أحرمت ابلفرض مل يكن له حتليلها إال أن يضر ذلك به‪.‬‬

‫‪ -3‬الرق‪ :‬للسيد منع عبده من احلج الفرض واملسنون‪ ،‬ويتحلل إذا منعه كاحملصر‪ ،‬وليس له منعه من اإلمتام إذا أحرم‬
‫إبذنه‪ ،‬ودليل جواز املنع أن منافع العبد مستغرقة للسيد‪.‬‬

‫‪ -4‬احلبس ظلما أو بدين وهو معسر‪ ،‬فله التحلل‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -5‬استحقاق الدين‪ :‬للمستحق الد ائن منع املوسر من السفر‪ ،‬وليس له التحليل‪ ،‬وليس للمدين أن يتحلل‪ ،‬بل‬
‫يؤدي الدين‪ .‬فإن كان الدين مؤجال مل مينعه الدائن من السفر‪.‬‬

‫‪ -6‬احلجر‪ :‬فال حيج السفيه إال إبذن وليه أو وصيه‪ .‬وقد ذكر املالكية دون غريهم هذه احلالة‪.‬‬

‫‪ -7‬اإلحصار بسبب عدو بعد اإلحرام‪ :‬أبن مينع احملرم عن املضي يف نسكه من مجيع الطرق إال بقتال أو بذل‬
‫مال‪ ،‬فللمحصر التحلل إمجاعا بعد أن ينتظر مدة يرجى فيها كشف املانع‪.‬‬

‫‪ -8‬املرض‪ :‬من أصابه املرض بعد اإلحرام‪ ،‬لزمه عند املالكية واحلنابلة والشافعية أن يقيم على إحرامه حىت يربأ‪ ،‬وإن‬
‫طال ذلك‪.‬‬

‫وقت احلج والعمرة‬

‫‪ -1‬وقت احلج‪ :‬للحج وقت معني‪ ،‬أشار إليه القرآن الكرمي يف آية‪{ :‬يسألونك عن األهلة قل هي مواقيت للناس‬
‫واحلج} وقوله تعاىل‪{ :‬احلج أشهر معلومات} أي معظمه يف أشهر معلومات‪.‬‬

‫وأشهر احلج عند املالكية‪ :‬هي األشهر الثالثة كلها‪ :‬وهي شوال وذو القعدة وذو احلجة‪ ،‬فهي كلها حمل للحج‪ ،‬لعموم‬
‫قوله سبحانه‪{ :‬احلج أشهر معلومات} فوجب أن يطلق على مجيع أايم ذي احلجة؛ ألن أقل اجلمع ثالثة‪ .‬ويبتدئ‬
‫وقت اإلحرام قبل فجر األضحى بلحظة‪ ،‬وهو بعرفة‪ ،‬فقد أدرك احلج‪ ،‬وبقي عليه طواف اإلفاضة والسعي بعدها؛‬
‫ألن الركن عندهم الوقوف بعرفة ليال‪ ،‬وقد حصل‪.‬‬

‫وأشهر احلج عند احلنفية واحلنابلة‪ :‬شوال وذو القعدة وعشر من ذي احلجة‪ ،‬ملا روي عن العبادلة األربعة (ابن مسعود‪،‬‬
‫وابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن الزبري) ولقول النيب )ص(‪[ :‬يوم احلج األكرب‪ :‬يوم النحر]‪ ،‬فكيف جيوز أن يكون يوم‬
‫احلج األكرب ليس من أشهره ؟ وألن يوم النحر فيه ركن احلج‪ ،‬وهو طواف الزايرة‪ ،‬وفيه كثري من أفعال احلج‪ ،‬كرمي‬
‫مجرة العقبة والنحر واحللق والطواف والسعي والرجوع إىل مىن‪ ،‬وألن احلج يفوت مبضي عشر ذي احلجة‪ ،‬ومع بقاء‬
‫الوقت ال يتحقق الفوات‪.‬‬

‫وأما الشافعية فقالوا كاحلنفية واحلنابلة‪ :‬أشهر احلج‪ :‬شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي احلجة‪ :‬وهو إىل أن يطلع‬
‫الفجر من يوم النحر‪ ،‬لكنهم رأوا أنه إن أحرم شخص ابحلج يف غري أشهره‪ ،‬انعقد إحرامه ابلعمرة؛ ألهنا عبادة مؤقتة‪،‬‬
‫فإذا عقدها يف غري وقتها‪ ،‬انعقد من جنسها‪ ،‬كصالة الظهر إذا أحرم قبل الزوال‪ ،‬فإنه ينعقد إحرامه ابلنفل‪ ،‬فهم‬

‫‪133‬‬
‫شبهوا ميقات الزم ان بوقت الصالة‪ ،‬فال يقع احلج قبل الوقت‪ .‬ودليلهم اآلية‪{ :‬احلج أشهر معلومات} تقديره وقت‬
‫احلج أشهر‪ ،‬أو أشهر احلج أشهر معلومات‪ ،‬فحذف املضاف وأقام املضاف إليه مقامه‪ ،‬ومىت ثبت أنه وقته ‪ ،‬مل جيز‬
‫تقدمي إحرامه عليه كأقات الصلوات‪.‬‬

‫‪ -2‬وقت العمرة‪ :‬اتفق العلماء على أن العمرة جتوز يف أي وقت من أوقات السنة‪ ،‬يف أشهر احلج وغريها‪ ،‬أي إن‬
‫ميقات العمرة الزماين مجيع العام‪ ،‬فهو وقت إلحرام العمرة‪ ،‬لعدم املخصص هلا بوقت دون آخر‪ ،‬وألن النيب (ص)‬
‫اعتمر عمرتني يف ذي القعدة ويف شوال‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪[ :‬عمرة يف رمضان تعدل حجة] وقال فيما رواه‬
‫مسلم‪[ :‬دخلت العمرة يف احلج – مرتني‪ ،‬ال بل ألبد أبد] ومعناه يف أصح األقوال أن العمرة جيوز فعلها يف أشهر‬
‫احلج إىل يوم القيامة‪ ،‬واملقصود به إبطال ما كانت اجلاهلية تزعمه من امتناع العمرة يف أشهر احلج‪.‬‬

‫ميقات احلج والعمرة املكاين‬

‫هذه هي املواقيت اخلم سة لغري املقيم مبكة‪ ،‬منقسمة حبسب جهات احلرم‪ ،‬وال جيوز أن يتجاوزها اإلنسان مريدا مكة‬
‫ابحلج وأو ابلعمرة‪ ،‬إال حمرما أبحد هذين النسكني وهي ما أييت‪:‬‬

‫‪ -1‬ميقات أهل املدينة‪ :‬ذو احلليفة (آابر علي)‪ :‬مكان على ستة أميال من املدينة‪ ،‬وعشر مراحل من مكة‪ ،‬فهو‬
‫أبعد املواقيت‪.‬‬

‫‪ -2‬ميقات أهل الشام ومصر واملغرب كله‪ :‬اجلحفة (رابغ)‪ :‬موضع على ثالث مراحل من مكة (‪ 187‬كم)‪ .‬ومبا أن‬
‫مر مبيقاتني‬
‫أهل الشام اآلن ميرون مبيقات أهل املدينة وهبذا امليقات‪ ،‬فيجيزون ابإلحرام منهما؛ ألن الواجب على من ّ‬
‫أال يتجاوز آخرمها إال حمرما‪ ،‬ومن األول أفضل‪.‬‬

‫‪ -4‬ميقات أهل اليمن وهتامة واهلند‪ :‬يلملم‪ :‬جبل جنويب مكة على مرحلتني منها‪.‬‬

‫‪ -5‬ميقات أهل جند والكويت‪ :‬قرن املنازل‪ :‬جبل على مرحلتني من مكة‪ ،‬ويقال أيضا قرن الثعالب‪ .‬وهو قريب من‬
‫املكان املسمى اآلن ابلسيل‪.‬‬

‫أركان احلج‬

‫‪ -1‬اإلحرام‬

‫‪134‬‬
‫حقيقته‪ :‬الدخول يف احلرمة‪ ،‬واملراد هنا نية الدخول يف النسك من حج أو عمرة‪ ،‬أو الدخول يف حرمات خمصوصة أي‬
‫التزامها‪ .‬وإذا مت اإلحرام ال خيرج عنه إال بعمل النسك الذي أحرم به‪ ،‬فإن أفسده وجب قضاؤه‪ ،‬وإن فاته الوقوف‬
‫بعرفة أمته عمرة‪ ،‬وإن أحصر أي منع عن إكماله‪ ،‬ذبح هداي وقضاه‪.‬‬

‫ما يصري به الشخص حمرما‬

‫ال خالف يف أنه إذا نوى حجا أو عمرة‪ ،‬وقرن النية بقول أو فعل من خصائص اإلحرام‪ ،‬يصري حمرما‪ ،‬أبن لىب انواي به‬
‫احلج‪ ،‬أو العمرة‪ ،‬أو هبما معا‪.‬‬

‫وال خالف بني الشافعية واحلنابلة ويف األرجح عند املالكية أن اإلحرام ينعقد مبجرد النية‪ ،‬لكن يلزمه عند املالكية دم‬
‫يف ترك التلبية‪ ،‬والتجرد من املخيط وحنوه‪ ،‬حني النية‪ .‬أما قرن النية بقول أو فعل‪ ،‬فقال احلنفية‪:‬‬

‫ال يصري شارعا يف اإلحرام مبجرد النية‪ ،‬ما مل أيت ابلتلبية‪ ،‬أي ان اإلحرام ال يثبت مبجرد النية ما مل يقرتن هبا قول أو‬
‫فعل هو من خصائص اإلحرام أو دالئله‪ ،‬والنية ليست بركن عندهم‪ ،‬بل هي شرط‪ ،‬وإذا لىب انواي فقد أحرم عندهم‪.‬‬

‫وعبارة املالكية‪ :‬اإلحرام‪ :‬ينعقد ابلنية املقرتنة بقول أو فعل متعلق ابحلج‪ ،‬كالتلبية والتوجه إىل الطريق‪ ،‬لكن األرجح أنه‬
‫ينعقد مبجرد النية‪ ،‬ويلزمه دم يف ترك التلبية والتجرد من املخيط حني النية‪.‬‬

‫وعبارة الشافعية واحلناب لة‪ :‬اإلحرام‪ :‬أبن ينوي الدخول يف النسك‪ ،‬فال ينعقد بدون النية‪ ،‬فإن اقتصر على النية‪ ،‬ومل‬
‫يلب‪ ،‬أجزأه‪ ،‬وإن لىب بال نية مل ينعقد إحرامه وال يشرتك قرن النية ابلتلبية؛ ألهنا من األذكار‪ ،‬فلم جتب يف احلج كسائر‬
‫األذكار‪.‬‬

‫وال يصح اإلحرام إال ابلنية‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬إمنا األعمال ابلنيات‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى] وألنه عبادة حمضة‪ ،‬فلم‬
‫تصح من غري نية‪ ،‬كالصوم والصالة‪.‬‬

‫وحمل النية‪ :‬القلب‪ ،‬واإلحرام‪ :‬النية ابلقلب‪ ،‬واألفضل عند أكثر العلماء أن ينطق مبا نواه؛ ملا روى أنس رضي هللا عنه‬
‫قال‪َ[ :‬سعت رسول هللا (ص) يقول‪ :‬لبيك حبجة وعمرة] وألنه إذا نطق به كان أبعد عن السهو‪.‬‬

‫فيقول‪ :‬نويت احلج أو العمرة وأحرمت به أو هبا هلل تعاىل‪ ،‬أو يقول‪ :‬اللهم إين أريد احلج أو العمرة‪ ،‬فيسره يل وتقبله‬
‫مين‪ .‬وإن أراد القران قال‪ :‬اللهم إين أريد العمرة واحلج‪ ،‬مث جيب أن يليب عند احلنفية عقيب صالته‪ ،‬ألنه (ص) "لىب يف‬
‫دبر صالته" ويستحب التلبية عند اجلمهور بعد اإلحرام أي مع النية‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫وإن حج أو اعتمر عن غريه قال‪( :‬نويت احلج أو العمرة عن فالن وأحرمت به أو هبا هلل تعاىل)‪.‬‬

‫‪ -2‬الطواف‬

‫أنواع الطواف وحكم كل نوع‬

‫األطوفة املشروعة يف احلج ثالثة‪ :‬طواف القدوم‪ ،‬وطواف اإلفاضة (أو الزايرة‪ ،‬أو طواف الركن)‪ ،‬وطواف الوداع (أو‬
‫يودع البيت ويصدر به‪.‬‬
‫الصدر) وهو طواف آخر العهد ابلبيت‪َ ،‬سي بذلك ألنه ّ‬
‫طواف َّ‬

‫وأمجعوا على أن املتمتع عليه طوافان‪ :‬طواف للعمرة حلله منها‪ ،‬وطواف للحج‪ ،‬يوم النحر‪.‬‬

‫أما املفرد للحج فليس عليه إال طواف واحد يوم النحر‪ ،‬وجيب عليه عند املالكية القدوم أيضا إن اتسع الوقت له‪،‬‬
‫ويسن ذلك عند اجلمهور‪.‬‬

‫وأما القارن فيجزئه عند اجلمهور طواف واحد وسعي واحد‪ ،‬عمال مبذهب ابن عمر وجابر‪ ،‬وقال احلنفية‪ :‬على القارن‬
‫طوافان وسعيان عمال مبذهب علي وابن مسعود‪.‬‬

‫وأمجعوا على أن الواجب من هذه األطوفة الثالثة الذي يفوت احلج بفواته‪ :‬هو طواف اإلفاضة‪ ،‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫{وليطََّّوفوا ابلب يت العتيق} وأنه ال جيزئ عنه دم‪.‬‬

‫ورأي مجهور العلماء أن طواف الوداع جيزئ عن طواف اإلفاضة إن مل يكن طاف طواف اإلفاضة؛ ألنه طواف ابلبيت‬
‫معمول يف وقت الوجوب الذي هو طواف اإلفاضة‪ ،‬خبالف طواف القدوم الذي هو قبل وقت طواف اإلفاضة‪.‬‬

‫واحلاصل أن العمرة ليس فيها طواف قدوم‪ ،‬وإمنا فيها طواف واحد‪ ،‬يقال له طواف الفرض وطواف الركن‪ ،‬وإذا طاف‬
‫للعمرة أجزأه عن طواف القدوم وطواف الفرض‪.‬‬

‫والقارن واملفرد ابحلج يطوف ثالثة أطوفة‪ :‬طواف القدوم‪ ،‬وطواف اإلفاضة‪ ،‬وطواف الوداع‪ .‬وهناك طواف رابع متطوع‬
‫به غري ما ذكر‪ ،‬وال يكفي القارن عند احلنفية طواف واحد‪ ،‬بل عليه طوافان للعمرة وللحج وطواف القدوم للمفرد‬
‫والقارن إذا كاان قد أحرما من غري مكة ودخالها قبل الوقوف بعرفة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫أما طواف القدوم‪ :‬فهو سنة عند مجهور الفقهاء حلاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة‪ ،‬سواء أكان مفردا أم قاران‪،‬‬
‫وليس على أهل مكة طواف القدوم‪ ،‬النعدام القدوم يف حقهم‪ ،‬وأما غري أهل مكة فسنة هلم بدليل الثابت يف خرب‬
‫الصحيحني‪ ،‬وال يسن للحاج بعد الوقوف بعرفة‪ ،‬وال للمعتمر؛ ألنه دخل وقت طوافهما املفروض‪.‬‬

‫وأما طواف اإلفاضة أو الزايرة‪ :‬فهو ركن ابتفاق الفقهاء‪ ،‬ال يتم احلج إال به‪ ،‬لقوله عز وجل‪{ :‬وليطََّّوفوا ابلب يت‬
‫العتيق} قال ابن عبد الرب‪ :‬هو من فرائض احلج‪ ،‬ال خالف يف ذلك بني العلماء‪ .‬وقالت عائشة‪[ :‬حججنا مع النيب‬
‫(ص)‪ ،‬فأفضنا يوم النحر‪ ،‬فحاضت صفية‪ ،‬فأراد النيب )ص( منها ما يريد الرجل من أهله‪ ،‬فقالت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬إهنا‬
‫حائض‪ ،‬قال‪ :‬أحابستنا هي ؟ قالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬إهنا قد أفاضت يوم النحر‪ ،‬قال‪ :‬اخرجوا] فدل على أن هذا‬
‫الطواف البد منه‪ ،‬وأنه حابس ملن مل أيت به‪ ،‬وألن احلج أحد النسكني‪ ،‬فكان الطواف ركنا كالعمرة‪.‬‬

‫وأما طاف الوداع ملن أراد اخلروج من مكة‪ :‬فهو مندوب عند املالكية؛ لكل من خرج من مكة ولو كان مكيا؛ ألنه ال‬
‫جيب على احلائض والنفساء‪ ،‬ولو كان واجبا عليهما كطواف الزايرة‪.‬‬

‫‪ -3‬الشعي‬

‫السعي واجب عند احلنفية‪ ،‬ركن عند عند ابقي األئمة‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬اسعوا فإن هللا كتب عليكم السعي] و[كتب‬
‫اّلِل فمن ح َّج الب يت أو اعتمر فال جناح عليه‬ ‫عليكم السعي فاسعوا] وأما قوله تعاىل‪{ :‬إ َّن َّ‬
‫الصفا والمروة من شعائر َّ‬
‫أن يطََّّوف هبما} فهو لرفع اإلمث على من تطوف هبما‪ ،‬ردا على ما كان يف اجلاهلية من التحرج من السعي بينهما‪،‬‬
‫ألنه عليهما صنمان‪.‬‬

‫واجبات السعي أو شروطه‬

‫‪ -1‬أن يتقدمه طواف صحيح حبيث ال يتخلل بينهما الوقوف بعرفة‪ ،‬اتباعا للسنة‪ ،‬وقد قال )ص(‪[ :‬خذوا عين‬
‫مناسككم] وألن السعي تبع للطواف‪ .‬ومن سعى بعد طواف قدوم مل يعده‪ ،‬واألفضل للقارن عند احلنفية تقدمي‬
‫السعي‪.‬‬

‫‪ -2‬الرتتيب‪ :‬أبن يبدأ ابلصفا وخيتم ابملروة؛ ألنه )ص( بدأ ابلصفا‪ ،‬وقال‪ :‬ابدؤوا مبا بدأ هللا به] وهو وهو قوله تعاىل‪:‬‬
‫اّلِل} فإذا بدأ ابملروة إىل الصفا ال يعتد بذلك الشوط‪.‬‬ ‫{إ َّن َّ‬
‫الصفا والمروة من شعائر َّ‬

‫‪137‬‬
‫‪ -3‬أن يكون سبعة أشواط‪ :‬أبن يقف على الصفا أربع مرات‪ ،‬وعلى املروة أربعا وخيتم هبا‪ ،‬وحيسب الذهاب إىل‬
‫املروة مرة‪ ،‬والعود منها إىل الصفا مرة أخرى‪ .‬فإن شك يف العدد بىن على األقل‪ .‬ودليل هذا املقدار‪ :‬إمجاع األمة‪،‬‬
‫وفعل رسول هللا (ص)‪.‬‬

‫‪ -4‬استيعاب ما بني الصفا واملروة‪ :‬جيب أن يقطع مجيع املسافة بني الصفا واملروة‪ ،‬فلو بقي منها بعض خطوة مل‬
‫يصح سعيه‪ ،‬اقتداء بفعل النيب (ص)‪.‬‬

‫‪ -5‬املواالة بني األشواط‪ :‬شرط عند املالكية واحلنابلة‪ ،‬سنة عند غريهم‪ ،‬كالطواف‪.‬‬

‫‪ -4‬الوقوف بعرفة‬

‫أمجع العلماء على أنه الركن األصلي من أركان احلج‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬احلج عرفة] أي احلج‪ :‬الوقوف بعرفة‪ ،‬وأمجعت‬
‫األمة على كون الوقوف ركنا يف احلج‪ ،‬ال يتم إال به‪.‬‬

‫فمن فاته فعليه حج من عام قابل‪ ،‬واهلدي يف قول أكثرهم‪.‬‬

‫عرفة كلها موقف‪ ،‬لقول النيب )ص(‪[ :‬قد وقفت ههنا‪ ،‬وعرفة كلها موقف] فمن وقف بعرفة يف أي مكان‪ ،‬واألفضل‬
‫عند جبل الرمحة‪ ،‬فقد مت حجه مكلقا من غري تعيني دون موضع‪ .‬إال أنه ينبغي أال يقف يف بطن عرنة؛ ألن النيب‬
‫)ص( هنى عن ذلك‪ ،‬وأخرب أنه وادي الشيطان‪ ،‬قال النيب )ص(‪[ :‬كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة] فليس‬
‫وادي عرنة من املوقف‪ ،‬وال جيزئ الوقوف قبل عرفة كنمرة مثال‪ ،‬قال ابن عبد الرب‪ :‬أمجع العلماء على أن من وقف به‬
‫ال جيزئه‪.‬‬

‫يقف احلاج ابالتفاق من حني زوال الشمس يوم عرفة إىل طلوع الفجر الثاين من يوم النحر‪ ،‬ألن النيب )ص( وقف‬
‫بعد الزوال وقال‪ :‬خذوا عين منسككم‪ .‬وقال احلنابلة‪ :‬يبدأ وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إىل طلوع فجر‬
‫يوم النحر‪ ،‬لقوله )ص(‪[ :‬من شهد صالتنا هذه‪ ،‬ووقف معنا حىت ندفع‪ ،‬وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليال أو هنارا‪ ،‬فقد‬
‫مت حجه‪ ،‬وقضى تفثه]‪.‬‬

‫وجيب عند اجلمهور (احلنفية واملالكية واحلنابلة) الوقوف إىل غروب الشمس‪ ،‬ليجمع بني الليل والنهار يف الوقوف‬
‫بعرفة‪ ،‬فإن النيب )ص( وقف بعرفة حىت عابت الشمس‪ ،‬يف حديث جابر السابق‪ .‬ويف حديث علي وأسامة [أن النيب‬
‫(ص) دفع حني غابت الشمس] فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح نام عند أكثر أهل العلم‪ ،‬وعليه دم‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫واجبات احلج‬

‫واجبات احلج والعمرة اليت جيزئ الدم برتكها خمتلف فيها بني الفقهاء كما عرفنا‪ :‬فواجبات احلج عند احلنفية اثنان‬
‫وعشرون وأوصلها يف كتاب الباب إىل مخسة وثالثني‪ ،‬منها‪ :‬السعي‪ ،‬والوقوف ابملزدلفة ولو مبقدار حلظة يف النصف‬
‫الثاين من الليل‪ ،‬ورمي اجلمار‪ ،‬واحللق أو التقصري‪ ،‬وطواف الوداع‪ .‬وذلك عند احلنفية لآلفاقي غري احلائض‪ ،‬أي من‬
‫هو خارج املواقيت‪.‬‬

‫ووجبات العمرة عندهم اثنان‪ :‬السعي‪ ،‬واحللق أو التقصري‪.‬‬

‫وواجبات احلج عند املالكية مخسة‪ :‬طواف القدوم على األصح‪ ،‬والوقوف ابملزدلفة‪ ،‬ورمي اجلمار‪ ،‬واحللق أو التقصري‬
‫على املشهور واملبيت مبىن‪ ،‬وواجب العمرة هو احللق أو التقصري‪.‬‬

‫وواجبات احلج عند الشافعية مخسة‪ :‬اإلحرام من امليقات الزماين واملكاين‪ ،‬ورمي اجلمار‪ ،‬واملبيت يف املزدلفة أي‬
‫الوقوف فيها‪ ،‬واملبيت مبىن على الراجح‪ ،‬وطواف الوداع‪ .‬وأعمال العمرة كلها أركان عندهم‪ ،‬إال اإلحرام من احلل فإنه‬
‫واجب‪ ،‬كما أن احللق أو التقصري ركن يف احلج والعمرة على املشهور‪.‬‬

‫وواجبات احلج عند احلنابلة ستة‪ :‬إحرام من امليقات‪ ،‬ووقوف بعرفة هنارا للغروب‪ ،‬ومبيت مبزدلفة لبعد نصف الليل‪،‬‬
‫ومبيت مبىن‪ ،‬ورمي اجلمرات مرتبا‪ ،‬وحلق أو تقصري‪ ،‬وطواف وداع‪.‬‬

‫وواجبات العمرة اثنان‪ :‬حلق أو تقصري‪ ،‬وإحرام من احلل‪ .‬وقد بينا أحكام اإلحرام من امليقات‪ ،‬والسعي‪ ،‬وأنواع‬
‫الطواف‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الوقوف ابملزدلفة‪:‬‬

‫الوقوف ابملزدلفة واجب ابتفاق املذاهب ال ركن‪ ،‬فمن تركه لزمه دم‪ ،‬واملبيت هبا واجب عند احلنابلة‪ ،‬سنة عند‬
‫احلنفية‪ ،‬واملالكية‪ ،‬وعند الشافعية قوالن‪ :‬واجب أو سنة‪ ،‬والراجح عند النووي والسبكي الوجوب‪ ،‬وحمل القولني‪:‬‬
‫حيث ال عذر‪ ،‬أما املعذور فال دم عليه جزما‪ ،‬ومن املعذورين‪ :‬من جاء عرفة ليال فاشتغل ابلوقوف عنه‪ ،‬ومن أفاض‬
‫من عرفة إىل مكة وطاف للركن وفاته الوقوف مبزدلفة‪ ،‬قال األذرعي‪ :‬وينبغي محله على من مل ميكنه الدفع إىل املزدلفة‪،‬‬
‫أي بال مشقة‪ ،‬فإن أمكنه وجب مجعا بني الواجبني‪ .‬ومن املعذورين‪ :‬ما لو خافت املرأة طروء احليض أو النفاس‬

‫‪139‬‬
‫فبادرت إىل مكة ابلطواف‪ .‬ويف كفاية األخيار‪ :‬املبيت ابملزدلفة سنة‪ ،‬وقدر الواجب عند احلنفية‪ :‬ساعة ولو لطيفة ولو‬
‫مارا‪ ،‬كما يف عرفة‪ ،‬وقدر السنة‪ :‬امتداد الوقوف إىل اإلسفار جدا‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬رمي اجلمار يف مىن وحكم املبيت فيها‬

‫وحد مىن‪ :‬ما بني وادي حم ّسر ومجرة العقبة‪ ،‬ومىن‪ :‬شعب طويل حنو ميلني‪ ،‬وعرضه يسري‪ ،‬أما اجلبال احمليطة به فما‬
‫أقبل منها عليه فهو من مىن‪ ،‬وما أدبر منها فليس من مىن‪.‬‬

‫واجلمرات ثالث‪ :‬األوىل (أو صغرى)‪ ،‬والوسطى‪ ،‬ومجرة العقبة (أو الكربى أو األخرية)‪ ،‬واألوىل تلي مسجد اخليف‪،‬‬
‫ومسجد اخليف أو مسجد إبراهيم عليه السالم على أقل من ميل عن مكة‪ .‬ومجرة العقبة‪ :‬يف آخر مىن من جهة مكة‪،‬‬
‫وليست العقبة اليت تنسب إليها هذه اجلمرة من مىن‪ ،‬وهي اجلمرة اليت ابيع رسول هللا (ص) األنصار عندها قبل اهلجرة‬
‫وهي صخرة عظيمة يف أول مىن ابلنسبة لآليت من مكة‪ ،‬وهي كلها تقع يف وسط الشارع‪ .‬وتبعد األخرية عن الوسطى‬
‫حنر ‪ 155‬مرتا‪ ،‬ويبدأ احلاج ابألوىل‪ ،‬وخيتم ابلثالثة‪.‬‬

‫ورمي اجلمرات الثالث أايم التشريق‪ :‬بعد زوال الشمس يف كل يوم أي بعد الظهر ابالتفاق‪ ،‬لقول ابن عباس‪[ :‬رمى‬
‫رسول هللا (ص) اجلمار حني زالت الشمس] فال جيوز الرمي قبل الزوال‪ ،‬ويستمر الوقت للغروب‪.‬‬

‫وإن أخر الرمي إىل الليل كان قضاء عند املالكية‪ ،‬خلروج وقت األداء وهو النهار الذي جيب فيه الرمي‪ ،‬وعليه دم‬
‫ابلتأخري‪ ،‬والوجوب دم واحد يف أتخري حصاة فأكثر‪.‬‬

‫حكم املبيت مبىن‪:‬‬

‫املبيت مبىن ليلى الثامن من ذي احلجة سنة اتفاقا‪ ،‬لكن للفقهاء رأاين يف املبيت مبىن يف ليلة التشريق‪ :‬رأي أنه سنة‪،‬‬
‫ورأي أنه واجب‪.‬‬

‫أما الرأي األول فهو للحنفية‪ :‬فإهنم قالوا‪ :‬املبيت مبىن ليلة الثامن من ذي احلجة سنة‪ ،‬وكذلك املبيت مبىن ليلة احلادي‬
‫عشر والثاين عشر من ذي احلجة سنة أيضا‪ ،‬فإن أقام مبىن ألجل الرمي فعل األفضل‪ ،‬وإن تركه ال شيء عليه‪ ،‬ويكون‬
‫مسيئا؛ ألن النيب (ص) أرخص للعباس أن يبيت مبكة للسقاية‪ ،‬كما أوضحت سابقا‪.‬‬

‫وأما الرأي الثاين فهو للجمهور‪ :‬وهو أن املبيت مبىن ليليت التشريق واجب‪ ،‬فمن تركه كان عليه دم عند املالكية‬
‫والشافعية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬احللق أو التقصري‪:‬‬

‫هو إزالة شعر الرأس أو التقصري يف حج أو عمرة يف وقته‪.‬‬

‫رأى اجلمهور أن احللق أو التقصري نسك واجب‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬مثَّ لي قضوا ت فث هم} والتفث – كما قال ابن عمر‪:‬‬
‫حالق الشعر ولبس الثياب وما يتبع ذلك‪ ،‬وملا روى أنس‪[ :‬أن رسول هللا (ص) أتى مىن‪ ،‬فأتى اجلمرة‪ ،‬فرماها‪ ،‬مث أتى‬
‫منزله مبىن وحنر‪ ،‬مث قال للحالّق‪ :‬خذ‪ ،‬وأشار إىل جانبه األمين‪ ،‬مث األيسر‪ ،‬مث جعل يعطيه الناس‪ ،‬وقال أبو هريرة‪ :‬قال‬
‫رسول هللا (ص)‪[ :‬اللهم اغفر للمحلّقني‪ ،‬قالوا‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬وللمقصرين ؟ قال‪ :‬اللهم اغفر للمحلقني‪ ،‬قالوا‪ :‬اي‬
‫رسول هللا‪ ،‬وللمقصرين ؟ قال‪ :‬وللمقصرين]‪.‬‬

‫ورأى الشافعية‪ :‬أن احللق أو التقصري ركن يف احلج والعمرة؛ ألنه نسك على املشهور؛ ألن احللق أفضل من التقصري‬
‫للذكر‪ ،‬والتفضيل إمنا يقع يف العبادات دون املباحات‪ ،‬وروى ابن حبان يف صحيحيه أنه (ص) قال‪[ :‬لكل من حلق‬
‫رأسه‪ ،‬بكل شعرة سقطت‪ :‬نور يوم القيامة]‪.‬‬

‫صرين} فإن العرب تبدأ ابألهم واألفضل‪،‬‬


‫األفضل حلق مجيع الرأس ابالتفاق‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬حملّقني رءوسكم ومق ّ‬
‫وحلديث أيب هريرة املتقدم‪ ،‬الذي جعل فيه التقصري يف املرتبة الثالثة بعد احللق‪.‬‬

‫وقال الشافعية‪ :‬أقل إزالة شعر الرأس أو التقصري‪ :‬ثالث شعرات‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬حملّقني رءوسكم} أي شعر رؤوسكم؛‬
‫ألن الرأس ال حيلق‪ ،‬والشعر مجع‪ ،‬وأقله ثالث‪ ،‬أو أن يقدر لفظ الشعر منكرا فيكتفي يف الوجوب مبسمى اجلمع‪ ,‬ولو‬
‫مل يكن هناك إال شعرة وجب إزالتها‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫املراجع‬

‫‪ )1‬عبد الرمحن اجلزيرى‪ ،‬الفقه على املذاهب االربعة‪ ،‬ط‪( 4.‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.)2010 ،‬‬

‫‪ )2‬يوسف القرضاوى‪ ،‬العبادة ىف االسالم‪ ،‬ط‪( 25.‬القاهرة‪ :‬مكتبة وهبة‪.)1995 ،‬‬

‫‪ )3‬وهبة الزحيلى‪ ،‬الفقه االسالمى وادلته‪ ،‬ط‪( 2.‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪.)1985 ،‬‬

‫‪142‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫الرقم‬
‫‪6-2‬‬ ‫مفهوم العبادة يف االسالم‬ ‫‪.1‬‬
‫احكام الطهارة‪ :‬احكام املاء‪ ،‬جناسة‬ ‫‪.2‬‬
‫‪6‬‬ ‫تعريف الطهارة‬
‫‪12-6‬‬ ‫انواع املياه‪ :‬النوع األول‪ :‬املاء الطهور أو املطلق‬
‫‪10-8‬‬ ‫النوع الثاىن‪ :‬املاء الطاهر غري الطهور‬
‫‪11‬‬ ‫النوع الثالث‪ :‬املاء املتنجس‬
‫‪12-11‬‬ ‫النجاسات املتفق عليها ىف املذاهب‬
‫‪14-12‬‬ ‫النجاسات املختلف فيها‬
‫احكام الطهارة‪ :‬وضوء‪ ،‬تيمم‪ ،‬مسح على اجلبارر والعصارب‬ ‫‪.3‬‬
‫‪15-14‬‬ ‫تعريف الوضوء‪ ،‬وحكمه‬
‫‪19-15‬‬ ‫فرائض الوضوء‬
‫‪21-20‬‬ ‫شروط الوضوء‬
‫‪21‬‬ ‫املسح على اجلبائر‪ :‬معىن اجلبرية‬
‫‪22‬‬ ‫مشروعية املسح على اجلبرية‬
‫‪22‬‬ ‫هل املسح على اجلبرية واجب أم سنة؟‬
‫‪23-22‬‬ ‫شرائط املسح على اجلبرية‬
‫‪24-23‬‬ ‫القدر املطلوب مسحه على اجلبرية‬
‫‪25-24‬‬ ‫هل جيمع بني املسح على اجلبرية والتيمم؟‬
‫‪25‬‬ ‫هل جتب إعادة الصالة بعد الربء؟‬
‫‪26-25‬‬ ‫نواقض املسح على اجلبرية‬
‫‪27-26‬‬ ‫تعريف التيمم ومشروعيته‬
‫‪27‬‬ ‫هل التيمم للنفل جييز صالة الفرض؟‬
‫‪30-27‬‬ ‫أسباب التيمم‬

‫‪143‬‬
‫‪33-30‬‬ ‫أركان التيمم أو فرائضه‬
‫‪33‬‬ ‫كيفية التيمم‬
‫‪33‬‬ ‫مكروهات التيمم‬
‫‪34-33‬‬ ‫نواقض التيمم أو مبطالته‬
‫احكام الصالة‪ :‬حكم الصالة‪ ،‬شروط وجوب وصححة الصالة‪ ،‬اركان‬ ‫‪.4‬‬
‫الصالة‬
‫‪34‬‬ ‫الصالة لغة ومشروعيتها‬
‫‪36-35‬‬ ‫حكم نارك الصالة‬
‫‪38-36‬‬ ‫شروط وجوب الصالة‬
‫‪45-38‬‬ ‫شروط صحة الصالة‬
‫‪57-45‬‬ ‫أركان الصالة (أو فرائضها)‬
‫احكام الصالة‪ :‬مبطالت الصالة‬ ‫‪.5‬‬
‫‪63-57‬‬ ‫مبطالت الصالة أو مفسداهتا‪ :‬الكالم‪ ،‬األكل والشرب‪ ،‬العمل الكثري‬
‫املتوايل‪ ،‬استدابر القبلة‪ ،‬كشف العورة عمداً‪ ،‬طروء احلدث األصغر أو‬
‫األكرب‪ ،‬حدوث النجاسة اليت ال يعفى عنها يف البدن والثوب واملكان‪،‬‬
‫القهقهة‪ ،‬الردة‪ ،‬تغيري النية‪ ،‬اللحن يف القراءة‪ ،‬ترك ركن بال قصد‪ ،‬أن يسبق‬
‫املقتدي إمامه عمداً بركن مل يشاركه فيه‪ ،‬حماذاة املرأة الرجل يف الصالة من‬
‫غري فرجة‪ ،‬إذا وجد املتيمم ماء قدر على استعماله وهو يف الصالة‪ ،‬القدرة‬
‫على الساتر لعورته‪ ،‬أن يسلم عمداً قبل متام الصالة‬
‫احكام الصالة‪ :‬صالة اجلماعة‪ ،‬املسبوق واملوافق‪ ،‬صالة اجلمعة‬ ‫‪.6‬‬
‫‪64‬‬ ‫تعريف اجلماعة‬
‫‪65-64‬‬ ‫مشروعية اجلماعة وفضلها وحكمتها‬
‫‪68-65‬‬ ‫حكم صالة اجلماعة‬
‫‪69‬‬ ‫وقت استحباب القيام للجماعة أو للصالة‬
‫‪69‬‬ ‫تعريف اإلمامة ونوعاها‬
‫‪73-70‬‬ ‫شروط صحة اإلمامة أو اجلماعة‬

‫‪144‬‬
‫‪76-73‬‬ ‫أحوال املقتدي (املدرك‪ ،‬الالحق‪ ،‬املسبوق)‬
‫‪77‬‬ ‫صالة املنفرد عن الصف‬
‫صالة اجلمعة‬
‫‪78-77‬‬ ‫فرضية اجلمعة ومنزلتها‬
‫‪79-78‬‬ ‫البيع وقت النداء لصالة اجلمعة‬
‫‪80-79‬‬ ‫من جتب عليه اجلمعة أو شروط وجوب اجلمعة‬
‫‪81-80‬‬ ‫السفر يوم اجلمعة‬
‫‪85-81‬‬ ‫شروط صحة اجلمعة‬
‫احكام الصالة‪ :‬صالة املسافر‪ :‬مجع الصالة وقصرها‬ ‫‪.7‬‬
‫‪86‬‬ ‫مشروعية القصر‪ ،‬وهو القصر عزمية أم رخصة ؟‬
‫‪88-86‬‬ ‫حكم القصر أو هل القصر رخصة أو عزمية واجب؟‬
‫‪88‬‬ ‫سبب مشروعية القصر‬
‫‪89-88‬‬ ‫املسافة اليت جيوز فيها القصر‬
‫‪92-89‬‬ ‫شروط القصر‬
‫‪94-92‬‬ ‫ما مينع القصر‬
‫‪95-94‬‬ ‫مىت يتم املسافر الصالة عادة‬
‫‪96-95‬‬ ‫قضاء الصالة الفائتة يف السفر‬
‫اجلمع بني الصالتني‬
‫‪96‬‬ ‫مشروعية اجلمع‬
‫‪97‬‬ ‫أسباب اجلمع بني الصالتني‬
‫احكام الصالة‪ :‬صالة التطوع‬ ‫‪.8‬‬
‫صالة العيدين‬
‫‪98‬‬ ‫أدلة مشروعية صالة العيد‬
‫‪99-98‬‬ ‫حكمها الفقهي‬
‫‪100-99‬‬ ‫شرائط وجوهبا وجوازها‬
‫‪100‬‬ ‫وقتها‬

‫‪145‬‬
‫‪101‬‬ ‫موضع أداء صالة العيد‬
‫‪101‬‬ ‫كيفية صالة العيد‬
‫صالة الكسوف واخلسوف‬
‫‪102-101‬‬ ‫مشروعية صالة الكسوفني‬
‫‪103-102‬‬ ‫كيفيتها‬
‫‪103‬‬ ‫وقت صالة الكسوف واخلسوف‬
‫صالة االستسقاء‬
‫‪103‬‬ ‫تعريف االستسقاء وسببه‬
‫‪104‬‬ ‫مشروعية صالة االستسقاء‬
‫‪104‬‬ ‫صفة صالة االستسقاء ووقتها‬
‫‪105‬‬ ‫ما يستحب يف االستسقاء أو وظائف االستسقاء‬
‫صالة الوتر‬
‫‪106‬‬ ‫حكم الوتر أو صفته‬
‫‪107‬‬ ‫وقت الوتر‬
‫احكام الصيام‬ ‫‪.9‬‬
‫‪108‬‬ ‫تعريف الصوم‬
‫‪108‬‬ ‫فضل رمضان‬
‫‪113-108‬‬ ‫أنواع الصيام‪ :‬الواجب‪ ،‬الصوم احلرام‪ ،‬الصوم املكروه‪ ،‬صوم التطوع أو الصوم‬
‫املندوب‬
‫‪116-113‬‬ ‫مىت جيب الصوم؟‬
‫‪117-116‬‬ ‫شروط وجوب الصوم‬
‫‪118-117‬‬ ‫شروط صحة الصوم‬
‫‪119-118‬‬ ‫تبييت النية‬
‫‪120-119‬‬ ‫تعدد النية بتعدد األايم‬
‫‪120‬‬ ‫مكروهات الصيام‬
‫‪124-120‬‬ ‫األعذار املبيحة للفطر‬

‫‪146‬‬
‫احكام احلج والعمرة‬ ‫‪.10‬‬
‫‪125-124‬‬ ‫تعريف احلج والعمرة‬
‫‪125‬‬ ‫مكانة احلج والعمرة يف اإلسالم وحكمتهما‬
‫‪127-125‬‬ ‫حكم احلج والعمرة‬
‫‪129-127‬‬ ‫شروط احلج والعمرة‬
‫‪132-130‬‬ ‫النية يف احلج واحلج عن الغري‬
‫‪133-132‬‬ ‫موانع احلج‬
‫‪134-133‬‬ ‫وقت احلج والعمرة‬
‫‪135-134‬‬ ‫ميقات احلج والعمرة املكاين‬
‫‪139-135‬‬ ‫أركان احلج‬
‫‪142-139‬‬ ‫واجبات احلج‬

‫‪147‬‬

You might also like