You are on page 1of 56

‫مقدمة اإلَم ام الّنَو وي‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ٌّ ،‬قيوِم الَّسماوات واألرضين ‪ ،‬مدِّبر الخالئق أجمعين ‪ ،‬باعث الرسل صلوات‬
‫اهلل وسالُم ُه عليهم أجمعين ‪ ،‬إلى المكلفين لهدايتهم ‪ ،‬وبيان شرائِع الدين ‪ ،‬بالدالئل القطعية‬
‫وواضحات البراهين ‪ ،‬أحمُدُه على جميع نعمه ‪ ،‬وأسأله المزيَد من فضله وكرمه‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له الواحد القهار ‪ ،‬الكريم الغفار ‪.‬‬

‫وأشهد أن سيدنا محمدًا عبُد ه ورسوُله وحبُيبه وخليُله أفضُل المخلوقين ‪ ،‬المكَّر م بالقرآِن العزيز‬
‫المعجزة المستمرة على تعاقب السنين ‪ ،‬وبالُّسنِن المستنيرِة للمسترشدين سيدنا محمد‪ ،‬المخصوص‬
‫بجوامع الكلم وسماحة الدين ‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وآِل كِّل‬
‫وسائر الصالحين ‪.‬‬

‫‪ :‬فقد روينا عن علي ابن أبي طالب‪ ،‬وعبد اهلل بن مسعود‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وأبي‬
‫الدرداء ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬وأبي هريرة‪ ،‬وأبي سعيد الخدري رضي اهلل‬
‫عنهم من طرق كثيرات ‪ ،‬ومن روايات متنوعات ‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫(( َم ْن َح ِف َظ على أمتي أربعين حديثًا من أْم ِر دينها بعثه اهلل يوم القيامة في ُز ْمَر ِة الفقهاء والعلماء ))‬

‫وفي رواية ‪َ ((:‬بَع َثُه اهلل فقيهًا عالمًا ))‪.‬‬

‫وفي رواية أبي الدرداء ‪ ((:‬وكنُت له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا ))‪.‬‬

‫وفي رواية ابن مسعود ‪ ((:‬قيَل له ادخْل من أي أبواب الجنة شئتَ))‪.‬‬

‫وفي رواية ابن عمر ‪ ((:‬كتَب في ُز ْم رِة العلماء ‪ ،‬وحشر في زمرة الشهداء ))‪.‬‬
‫واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإ ن كثرت طرقه ‪ ،‬وقد صنف العلماء رضي اهلل عنهم في هذا‬
‫الباب ما ال يحصى من المصنفات‪ .‬فأول من علمته صنف فيه عبد اهلل بن المبارك‪ ،‬ثم محمد بن أسلم‬
‫الكندي العالم الرباني ‪ ،‬ثم الحسن بن سفيان النسائي‪ ،‬وأبو بكر اآلِج ِر ُّي ‪ ،‬وأبو بكر محمد بن ابراهيم‬
‫األصفهاني ‪ ،‬والدار قطني ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وأبو نعيم ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن الّس لمّي ‪ ،‬وأبو سعيد الماليني ‪،‬‬
‫وأبو عثمان الصابوني ‪ ،‬وعبد اهلل بن محمد األنصاري ‪ ،‬وأبو بكر البهقي ‪ ،‬وخالئق ال يحصون من‬
‫المتقدمين والمتأخرين ‪.‬‬

‫وقد استخرت اهلل تعالى في جمع أربعين حديثًا اقتداًء بهؤالء األئمة األعالم ‪ ،‬وحفاظ اإلسالم ‪ ،‬وقد‬
‫اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل األعمال ‪ ،‬ومع هذا فليس اعتمادي على‬
‫هذا الحديث بل على قوله صلى اهلل عليه وسلم في األحاديث الصحيحة ‪:‬‬

‫(( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )) ‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬نضر اهلل امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ))‪.‬‬

‫ثم من العلماء من جمع األربعين في أصول الدين ‪ ،‬وبعضهم في الجهاد ‪ ،‬وبعضهم في الزهد ‪،‬‬
‫وبعضهم في اآلداب ‪ ،‬وبعضهم في الخطب‪ .‬وكلها مقاصد صالحة رضي اهلل عن قاصديها ‪.‬‬

‫وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله ‪ ،‬وهي أربعون حديثًا مشتملة على جميع ذلك ‪ ،‬وكل حديث‬
‫منها قاعدة من قواعد الدين ‪ ،‬قد وصفه العلماء بأن مدار اإلسالم عليه ‪ ،‬أو هو نصف اإلسالم ‪ ،‬أو‬
‫ثلثه ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬ثم ألتزم في هذه األربعين أن تكون صحيحة‪ ،‬ومعظمها في صحيحي البخاري‬
‫ومسلم ‪ ،‬وأذكرها محذوفة األسانيد ‪ ،‬ليسهل حفظها ‪ ،‬ويعم االنتفاع بها ‪ ،‬إن شاء اهلل تعالى‪ ،‬ثم أتبعها‬
‫بباب في ظبط خفي ألفاظها ‪.‬‬

‫وينبغي لكل راغب في اآلخرة أن يعرف هذه األحاديث ‪ ،‬لما اشتملت عليه من المهمات ‪،‬و احتوت‬
‫عليه من التنبيه على جميع الطاعات ‪ ،‬وذلك ظاهر لمن تدبره ‪.‬‬

‫وعلى اهلل اعتمادي وإ ليه تفويضي واستنادي ‪ ،‬وله الحمد والنعمة ‪ ،‬وبه التوفيق والعصمة ‪.‬‬
‫دل الحديث على أن النية معيار لتصحيح األعمال ‪ ،‬فحيث صلحت النية صلح العمل ‪ ،‬وحيث فسدت‬
‫فسد العمل ‪ ،‬وإ ذا وجد العمل وقارنته النية فله ثالثة أحوال ‪:‬‬

‫(األول) ‪ :‬أن يفعل ذلك خوفًا من اهلل تعالى وهذه عبادة العبيد ‪.‬‬

‫(الثاني)‪ :‬أن يفعل ذلك لطلب الجنة والثواب وهذه عبادة التجار‪.‬‬

‫(الثالث)‪ :‬أن يفعل ذلك حياء من اهلل تعالى وتأدية لحق العبودية وتأدية للشكر ‪ ،‬ويرى نفسه مع ذلك‬
‫مقصرًا ‪ ،‬ويكون مع ذلك قلبه خائفًا ألنه ال يدري هل قبل عمله مع ذلك أم ال ‪ ،‬وهذه عبادة األحرار ‪،‬‬
‫وإ ليها أشار رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لما قالت له عائشة رضي اهلل عنها حين قام من الليل حتى‬
‫تورمت قدماه ‪ :‬يا رسول اهلل !‬

‫أتتكلف هذا وقد غفر اهلل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟قال ‪:‬‬

‫((أفال أكون عبدًا شكورًا ؟ )) ‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬هل األفضل العبادة مع الخوف أو مع الرجاء ؟ ‪ .‬قيل ‪ :‬قال الغزالي رحمه اهلل تعالى ‪:‬‬
‫العبادة مع الرجاء أفضل ‪ ،‬ألن الرجاء يورث المحبة ‪ ،‬والخوف يورث القنوط ‪.‬‬

‫وهذه األقسام الثالثة في حق المخلصين ‪ ،‬واعلم أن اإلخالص قد يعرض له آفة العجب ‪ ،‬فمن أعجب‬
‫بعمله حبط عمله ‪ ،‬وكذلك‬

‫من استكبر حبط عمله ‪.‬‬

‫الحال الثاني ‪ :‬أن يفعل ذلك لطلب الدنيا واآلخرة جميعها ‪ ،‬فذهب بعض أهل العلم إلى أن عمله‬
‫مردود واستدل بقوله صلى اهلل عليه وسلم في الخبر الرباني ‪:‬‬

‫((يقول اهلل تعالى ‪ :‬أنا أغنى الشركاء فمن عمل عمًال أشرك فيه غيري فأنا بريء منه ))‪.‬‬

‫وإ لى هذا ذهب الحارث المحاسبي في كتاب (( الرعاية )) فقال ‪ :‬اإلخالص أن تريده بطاعته وال‬
‫تريد سواه ‪ .‬والرياء نوعان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ال يريد بطاعته إال الناس ‪ ،‬والثاني ‪ :‬أن يريد الناس ورب‬
‫الناس ‪ ،‬وكالهما محبط للعمل ‪ ،‬ونقل هذا القول الحافظ أبو ُنعيم في ((الحلية ))عن بعض السلف ‪،‬‬
‫واستدل بعضهم على ذلك أيضًا بقوله تعالى‪ (:‬الَّجبار اُلمَتِّك بُر ُْس بَح ان اهلل َع ّم ا ُيْش ركْو َن ) (الحشر ‪:‬‬
‫‪ ، )23‬فكما أنه تكبر عن الزوجة والولد والشريك ‪ ،‬تكبر أن يقبل عمًال أشرك فيه غيره ‪ ،‬فهو تعالى‬
‫أكبر ‪ ،‬وكبير ‪ ،‬ومتكبر ‪.‬‬
‫وقال السمر قندي رحمه اهلل تعالى‪ :‬ما فعل هلل ُِق بَل وما فعل من أجل الناس ُر َّد ‪ .‬ومثال ذلك من صلى‬
‫الظهر مثًال وقصد أداء ما فرض اهلل تعالى عليه ولكنه طول أركانه وقراءتها وحَّسن هيئتها من أجل‬
‫الناس ‪ ،‬فأصل الصالة مقبول ‪ ،‬وأما طوله وحسنه من أجل الناس فغير مقبول ألنه قصد به الناس ‪.‬‬

‫وسئل الشيخ عز الدين ابن عبد السالم ‪ :‬عمن صلى فطول صالته من أجل الناس ؟ فقال ‪ :‬أرجو أن‬
‫ال يحبط عمله هذا كله إذا حصل التشريك في صفة العمل ‪ ،‬فإن حصل في أصل العمل بأن صلى‬
‫الفريضة من أجل اهلل تعالى والناس ‪ ،‬فال تقبل صالته ألجل التشريك في أصل العمل ‪ ،‬وكما أن‬
‫الرياء في العمل يكون في ترك العمل ‪ .‬قال الفضيل بن عياض‪ :‬ترك العمل من أجل الناس رياء‬
‫والعمل من أجل الناس شرك ‪ ،‬واإلخالص آن يعافيك اهلل منهما ‪.‬‬

‫ومعنى كالمه رحمه اهلل تعالى أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراها الناس ‪ ،‬فهو ُم راٍء ألنه‬
‫ترك العمل ألجل الناس ‪ ،‬أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب إال أن تكون فريضة ‪ ،‬أو‬
‫زكاة واجبة ‪ ،‬أو يكون عالمًا يقتدى به ‪ ،‬فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل ‪ ،‬وكما أن الرياء محبط للعمل‬
‫كذلك التسميع ‪ ،‬وهو أن يعمل هلل في الخلوة ثم يحدث الناس بما عمل ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( من سمع سمع اهلل به ومن راءى راءى اهلل به ))‪.‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬فإن كان عالمًا يقتدى به وذكر ذلك تنشيطًا للسامعين ليعملوا به فال بأس ‪ .‬قال‬
‫المرزباني ‪ ،‬رحمه اهلل تعالى عليه ‪ :‬يحتاج المصلى إلى أربع خصال حتى ترفع صالته ‪ :‬حضور‬
‫القلب ‪ ،‬وشهود العقل ‪ ،‬وخضوع األركان ‪ ،‬وخشوع الجوارح ‪ ،‬فمن صَّلى بال حضور قلب فهو‬
‫مصٍل الٍه ‪ ،‬ومن صلى بال شهود عقل فهو مصل ساٍه ‪ ،‬ومن صلى بال خضوع الجوارح فهو مصل‬
‫خاطئ ‪ ،‬ومن صلى بهذه األركان فهو مصٍل واٍف ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إنما األعمال بالنيات )) أراد بها أعمال الطاعات دون أعمال‬
‫المباحات ‪ ،‬قال الحارث المحاسبي ‪ :‬اإلخالص ال يدخل في مباح ‪ ،‬ألنه ال يشتمل على قربة وال‬
‫يؤدي إلى قربة ‪ ،‬كرفع البنيان ال لغرض الرعونة ‪ ،‬أما إذا كان لغرض كالمساجد والقناطر واألربطة‬
‫فيكون مستحبًا ‪ .‬قال ‪ :‬وال إخالص في محرم وال مكروه ‪ ،‬كمن ينظر إلى ما ال يحل له النظر إليه ‪،‬‬
‫ويزعم أنه ينظر إليه ليتفكر في صنع اهلل تعالى ‪ ،‬كالنظر إلى األمرد ‪ ،‬وهذا ال إخالص فيه بل ال‬
‫قربة البتة ‪ ،‬قال ‪ :‬فالصدق في وصف العبد في استواء السر والعالنية والظاهر والباطن ‪ ،‬والصدق‬
‫يتحقق بتحقق جميع المقامات واألحوال حتى إن اإلخالص يفتقر إلى الصدق ‪ ،‬والصدق ال يفتقر إلى‬
‫شيء ‪ .‬ألن حقيقة اإلخالص هو إرادة اهلل تعالى بالطاعة ‪ ،‬فقد يريد اهلل بالصالة ولكنه غافل عن‬
‫حضور القلب فيها ‪ ،‬والصدق هو إرادة اهلل تعالى بالعبادة مع حضور القلب إليه ‪ ،‬فكل صادق‬
‫مخلص ‪ ،‬وليس كل مخلص صادقًا ‪ ،‬وهو معنى االتصال واالنفصال ‪ ،‬ألنه انفصل عن غير اهلل‬
‫واتصل بالحضور باهلل ‪ ،‬وهو معنى التخلي عما سوى اهلل والتحلي بالحضور بين يدي اهلل سبحانه‬
‫وتعالى ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إنما األعمال )) يحتمل ‪ :‬إنما صحة األعمال أو تصحيح األعمال ‪ ،‬أو‬
‫قبول األعمال ‪ ،‬أو كمال األعمال ‪ ،‬وبهذا أخذ اإلمام أبو حنيفة رحمه اهلل تعالى ‪ ،‬ويستثنى من‬
‫األعمال ما كان قبيل التروك كإزالة النجاسة ‪ ،‬ورد الغصوب والعواري ‪ ،‬وإ يصال الهدية وغير ذلك‬
‫‪ ،‬فال تتوقف صحتها على النية المصححة ‪ ،‬ولكن يتوقف الثواب فيها على نية التقرب ‪ ،‬ومن ذلك ما‬
‫إذا أطعم دابته ‪ ،‬إن قصد بإطعامها امتثال أمر اهلل تعالى فإنه يثاب ‪ ،‬وإ ن قصد بإطعامها حفظ المالية‬
‫فال ثواب ‪ ،‬ذكره القرافي ‪ ،‬ويستثنى من ذلك فرس المجاهد ‪ ،‬إذا ربطها في سبيل اهلل فإنها إذا شربت‬
‫وهو ال يريد سقيها أثيب على ذلك كما في صحيح البخاري ‪ ،‬وكذلك الزوجة وكذلك إغالق الباب‬
‫وإ طفاء المصباح عند النوم إذا قصد به امتثال أمر اهلل أثيب وإ ن قصد أمرًا آخر فال ‪.‬‬

‫واعلم أن النية لغة ‪ :‬القصد ‪ ،‬يقال نواك اهلل بخير ‪ :‬أي قصدك به ‪ .‬والنية شرعًا ‪ :‬قصد الشيء‬
‫مقترنًا بفعله ‪ ،‬فإن قصد وتراخى عنه فهو عزم ‪ ،‬وشرعت النية لتمييز العادة من العبادة أو لتمييز‬
‫رتب العبادة بعضها عن بعض ‪ ،‬مثال األول ‪ :‬الجلوس في المسجد قد يقصد لالستراحة في العادة ‪،‬‬
‫وقد يقصد للعبادة بنية االعتكاف ‪ ،‬فالمميز بين العبادة والعادة هو النية ‪ ،‬وكذلك الغسل ‪ :‬يقصد به‬
‫تنظيف البدن في العادة ‪ ،‬وقد يقصد به العبادة فالمميز هو النية وإ لى هذا المعنى أشار النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل رياء ويقاتل حمية ويقاتل شجاعة ‪ ،‬أي ذلك في سبيل اهلل تعالى‬
‫؟ فقال ‪:‬‬

‫(( من قاتل لتكون كلمة اهلل هي العليا فهو في سبيل اهلل تعالى )) ومثال الثاني وهو المميز رتب‬
‫العبادة ‪ ،‬كمن صلى أربع ركعات قد يقصد إيقاعها عن صالة الظهر ‪ ،‬وقد يقصد إيقاعها عن السنن‬
‫فالمميز هو النية ‪ ،‬وكذلك العتق قد يقصد به الكفارة وقد يقصد به غيرها كالنذر ونحوه ‪ ،‬فالمميز هو‬
‫النية ‪.‬‬

‫وفي قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وإ نما لكل امرئ ما نوى )) دليل على أنه ال تجوز النيابة في‬
‫العبادات ‪ ،‬وال التوكيل من نفس النية ‪ ،‬وقد استثني من ذلك تفرقة الزكاة وذبح األضحية ‪ ،‬فيجوز‬
‫التوكيل فيهما في النية والذبح ‪ ،‬والتفرقة مع القدرة على النية ‪ .‬وفي الحج ‪ :‬ال يجوز ذلك مع القدرة‬
‫ودفع الدين ‪ ،‬أما إذا كان على جهة واحدة لم يحتج إلى نية ‪ ،‬وإ ن كان على جهتين كمن عليه ألفان‬
‫بأحدهما رهن فأدى ألفًا قال جعلته عن ألف الرهن ‪ ،‬صدق ‪ ،‬فإن لم ينو شئيًا حالة الدفع ‪ ،‬ثم نوى بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬وجعله عما شاء وليس لنا نية تتأخر عن العمل وتصح إال هنا ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬فمن كانت هجرته إلى اهلل ورسوله فهجرته إلى اهلل ورسوله ‪ ،‬ومن‬
‫كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ))‪.‬‬

‫أصل المهاجرة المجافاة والترك ‪ ،‬فاسم الهجرة يقع على رموز ‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬هجرة الصحابة رضي اهلل عنهم من مكة إلى الحبشة حين آذى المشركون رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪،‬ففروا منه إلى النجاشي ‪ ،‬وكانت هذه بعد البعثة بخمس سنين ‪ ،‬قاله البيهقي ‪.‬‬

‫الهجرة الثانية ‪ :‬من مكة إلى المدينة وكانت هذه بعد البعثة بثالث عشرة سنة ‪ ،‬وكان يجب على كل‬
‫مسلم بمكة أن يهاجر إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إلى المدينة ‪ ،‬وأطلق جماعة أن الهجرة‬
‫كانت واجبة من مكة إلى المدينة ‪،‬وهذا ليس على إطالقه فإنه ال خصوصية للمدينة ‪ ،‬وإ نما الواجب‬
‫الهجرة إلى رسول اهلل صلى عليه وسلم قال ابن العربي ‪ :‬قسم العلماء رضي اهلل عنهم الذهاب في‬
‫األرض هربًا وطلبًا ‪ ،‬فاألول ينقسم إلى ستة أقسام ‪:‬‬

‫(األول)‪ :‬الخروج من دار الحرب إلى دار اإلسالم وهي باقية إلى يوم القيامة ‪،‬و التي انقطعت بالفتح‬
‫في قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ال هجرة بعد الفتح )) ‪ .‬هي القصد إلى رسول اهلل صلى عليه‬
‫وسلم حيث كان ‪.‬‬

‫(الثاني)‪ :‬الخروج من أرض البدعة ‪ ،‬قال ابن القاسم ‪ :‬سمعت مالكًا يقول ‪ :‬ال يحل ألحد أن يقيم‬
‫بأرض ُيَس ُب فيها السلف‪.‬‬

‫(الثالث) ‪ :‬الخروج من أرض يغلب عليها الحرام ‪ ،‬فإن طلب الحالل فريضة على كل مسلم ‪.‬‬

‫(الرابع) ‪ :‬الفرار من األذية في البدن ‪ ،‬وذلك فضل من اهلل تعالى أرخص فيه ‪ ،‬فإذا خشي على نفسه‬
‫في مكان فقد أذن اهلل تعالى له في الخروج عنه ‪ ،‬والفرار بنفسه يخلصها من ذلك المحذور ‪ ،‬وأول‬
‫من فعل ذلك إبراهيم عليه السالم حيث خاف من قومه فقال ‪ٍ{:‬إًّني ُمَهاِج رُ ِإلى َر ًّبي } [العنكبوت ‪:‬‬
‫‪ . ]26‬وقال تعالى مخبرًا عن موسى عليه السالم ‪َ{ :‬فَخ َر َج ِم ْن َها َخ اِئَفَا َيَتَر َّقبُ} [القصص‪.]21:‬‬

‫(الخامس)‪ :‬الخروج خوف المرض في البالد الوخمة ‪ ،‬إلى األرض النزهة ‪ ،‬وقد أذن صلى اهلل عليه‬
‫وسلم للعرنيين في ذلك حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المرج ‪.‬‬

‫(السادس) الخروج خوفًا من األذية في المال ‪ ،‬فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ‪.‬‬
‫وأما قسم الطلب ‪ ،‬فإنه ينقسم إلى عشرة ‪ :‬طلب دين وطلب دنيا ‪ ،‬وطلب الدين ينقسم إلى تسعة أنواع‬
‫‪:‬‬

‫ِق َّل ِم‬ ‫ِف‬ ‫ِس‬


‫(األول) سفر العبرة قال اهلل تعالى ‪َ{:‬أَو َلْم َي ْي رُو ا ي اَألْر ِض َفَيْن ُظُر وا َك ْيَف َك اَن َع ا َبُة ا ذيَن ْن‬
‫َقْب لِه م } [الروم‪ .]9:‬وقد طاف ذو القرنين في الدنيا ليرى عجائبها ‪.‬‬

‫(الثاني) ‪ :‬سفر الحج ‪.‬‬

‫(الثالث)‪ :‬سفر الجهاد‪.‬‬

‫(الرابع) ‪ :‬سفر العبرة المعاش‪.‬‬

‫(الخامس)‪ :‬سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ‪ ،‬وهو جائز لقوله تعالى ‪َ{ :‬لْي َس َع ْليُك ْم ُجَناُح َأْن‬
‫َتْب تُغوا َفْض ًال ِم ْن َر َّبكم } [البقرة ‪.]198 :‬‬

‫(السادس) ‪ :‬طلب العلم ‪.‬‬

‫(السابع) ‪:‬قصد البقاع الشريفة ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :‬ال تشد الرحال إال إلى ثالثة مساجد ))‪.‬‬

‫(الثامن) ‪ :‬قصد الثغور للرباط بها ‪.‬‬

‫(التاسع)‪ :‬زيارة اإلخوان في اهلل تعالى ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪ (( :‬زار رجل أخًا له في قرية ‪،‬‬
‫فأرسل اهلل ملكًا على مدرجته ‪ .‬فقال ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬أريد أخًا لي في هذه القرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل له‬
‫عليك من نعمة تؤديها قال ‪ :‬ال ‪ ،‬إال أنني أحبه في اهلل تعالى قال ‪ :‬فإني رسول اهلل إليك بأن اهلل أحبك‬
‫كما أحببته ))‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وغيره ‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬هجرة القبائل إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ليتعلموا الشرائع ويرجعوا إلى قومهم‬
‫فيعلموهم ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬هجرة من أسلم من أهل مكة ليأتي النبي صلى اهلل عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه ‪.‬‬

‫الخامسة ‪ :‬الهجرة من بالد الكفر إلى بالد اإلسالم ‪ ،‬فال يحل للمسلم اإلقامة بدار الكفر ‪ ،‬قال‬
‫الماوردي ‪ :‬فإن صار له بها أهل وعشيرة ‪ ،‬وأمكنة إظهار دينه ‪،‬لم يجز له أن يهاجر ‪ ،‬ألن المكان‬
‫الذي هو فيه قدر دار إسالم ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬هجرة المسلم أخاه فوق ثالثة ‪ ،‬بغير سبب شرعي ‪ ،‬وهي مكروهة في الثالثة ‪ ،‬وفيما زاد‬
‫حرام إال لضرورة ‪ ،‬وحي أن رجًال هجر أخاه فوق ثالثة أيام فكتب إليه هذه األبيات ‪:‬‬

‫فاسـتـفـت فـيـهـا ابـن أبــي خيثمه‬ ‫يا س ـيـدي عـنـدك لي مـظ ـلـمـة‬

‫ما قــد روى الـضـحـاك عـن عـكرمـه‬ ‫فــإنــه يــرويـه عــن جـ ــده‬

‫نـبـيـنـا المـبـعـوث بالمــرح ـمـه‬ ‫عــن ابن عبـاس عــن المـصـطـفــى‬

‫فــوق ثــالث رب ـنــا حــرمــه‬ ‫إن صـدود اإللــف عـن إل ـف ـ ــه‬

‫السابعة ‪ :‬هجرة الزوج الزوجة إذا تحقق نشوزها قال تعالى {واْهُج ُر وُهَّن ِفي َالَم َض اِج عِ} [ النساء ‪:‬‬
‫‪ .]34‬ومن ذلك هجرة أهل المعاصي في المكان ‪،‬و الكالم ‪،‬و جواب السالم وابتداؤه ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬هجرة ما نهى اهلل عنه ‪ ،‬وهي أعم الهجر ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬فمن كانت هجرته إلى اهلل ورسوله )) ‪ :‬أي نية وقصدًا فهجرته إلى‬
‫اهلل ورسوله حكمًا وشرعًا‪.‬‬

‫(( ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ‪ ..‬الخ )) نقلوا أن رجًال هاجر من مكة إلى المدينة ال يريد‬
‫بذلك فضيلة الهجرة وإ نما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس ‪ ،‬فسمي مهاجر أم قيس ‪ .‬فإن قيل‬
‫النكاح من مطلوبات الشرع ْف لَم كان من مطلوبات الدنيا؟ قيل في الجواب ‪ :‬إنه لم يخرج في الظاهر‬
‫لها ‪ ،‬وإ نما خرج في الظاهر للهجرة ‪ ،‬فلما أبطن خالف ما أظهر استحق العتاب واللوم ‪،‬وقيس بذلك‬
‫من خرج في الصورة الظاهرة لطلب الحج وقصد التجارة وكذلك الخروج لطلب العلم إذا قصد به‬
‫حصول رياسة أو والية ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬فهجرته إلى ما هاجر إليه )) يقتضي أنه ال ثواب لمن قصد بالحج‬
‫التجارة والزيارة ‪ ،‬وينبغي حمل الحديث على ما إذا كان المحرك الباعث له على الحج إنما هو‬
‫التجارة ‪ ،‬فإن كان الباعث له الحج فله الثواب ‪ ،‬والتجارة تبع له إال أنه ناقص األجر عمن أخرج‬
‫نفسه للحج ‪ ،‬وإ ن كان الباعث له كليهما فيحتمل حصول الثواب ألن هجرته لم تتمخص للدنيا ‪،‬‬
‫ويحتمل خالفه ألنه قد خلط عمل اآلخرة بعمل الدنيا ‪ ،‬لكن الحديث رتب فيه الحكم على القصد‬
‫المجرد ‪ ،‬فأما من قصدهما لم يصدق عليه أنه قصد الدنيا فقط ‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أخبرني عن اإليمان ‪ :‬اإليمان في اللغة ‪ :‬هو مطلق التصديق ‪ ،‬وفي‬
‫الشرع ‪ :‬عبارة عن تصديق خاص ‪ ،‬وهو التصديق باهلل ‪ ،‬ومالئكته ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬وباليوم‬
‫اآلخر ‪ ،‬وبالقدر خيره وشره ‪ .‬وأما اإلسالم فهو عبارة عن فعل الواجبات‪ ،‬وهو االنقياد إلى عمل‬
‫ِت‬
‫الظاهر ‪ .‬قد غاير اهلل تعالى بين اإليمان واإلسالم كما في الحديث ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪َ{:‬قاَل اَألْع َر اُب‬
‫آَم َّنا ُقْل َلْم ُتِْؤ ُم نوا َو َلِك ْن ُقوُلوا َأْس َلْم َنا } [الحجرات ‪.]14:‬وذلك أَّن المنافقين كانوا يصلون ويصومون‬
‫ويتصدقون ‪ ،‬وبقلوبهم ينكرون‪ ،‬فلما اَّد عوا اإليمان كَّذ َبهم اهلل تعالى في دعواهم اإليمان إلنكارهم‬
‫بالقلوب‪،‬وصدقهم في دعوى اإلسالم لتعاطيهم إياه ‪ .‬وقال اهلل تعالى‪ِ{ :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهُد‬
‫إنَك َلَر ُس وُل اِهلل واُهلل يعلُم إَّنك لرسوُلُه واُهلل َيْش َهُد إَّن المنافقيَن لَك اذبونَ} [المنافقون ‪ .]1:‬أي في‬
‫دعواهم الشهادة بالرسالة مع مخالفة قلوبهم ‪ ،‬ألن ألسنتهم لم تواطىء قلوبهم ‪،‬وشرط الشهادة بالرسالة‬
‫‪ :‬أن يواطىء اللسان القلب فلما كذبوا في دعواهم َّبين اهلل تعالى كذبهم ‪ ،‬ولما كان اإليمان شرطًا في‬
‫ِم‬
‫صحة اإلسالم استثنى اهلل تعالى من المؤمنين المسلمين قال اهلل تعالى ‪ { :‬فأخرْج نا َم ْن َك اَن فيها َن‬
‫المؤمنيَن فما َو َج ْد َنا فيها غير َبْي ٍت ِم َن المِْس لِم يَن } [الذاريات ‪ ]36 -35 :‬فهذا استثناء متصل لما بين‬
‫الشروط من االتصال ولهذا سمى اهلل تعالى الصالة ‪ :‬إيمانًا ‪:‬قال اهلل تعالى ‪ََ { :‬و َم ا َك اَن اُهلل ليضيع‬
‫إيمانكم } [البقرة ‪ .]143 :‬وقال تعالى ‪{ :‬ما كنت تدري ما الكتاب وال اإليمان } [الشورى ‪ ]52:‬أي‬
‫الصالة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وتؤمن بالقدر خيره وشره )) بفتح الدال وسكونها لغتان ‪ ،‬ومذهب‬
‫أهل الحق ‪ :‬إثبات القدر ‪ ،‬ومعناه أن اهلل سبحانه وتعالى قدر األشياء في القدم ‪ ،‬وعلم سبحانه وتعالى‬
‫أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى ‪ ،‬وفي أمكنة معلومة وهي تقع على حسب ما قدره‬
‫اهلل سبحانه وتعالى ‪ .‬واعلم أن التقادير أربعة ‪:‬‬

‫(األول) التقدير في العلم ولهذا قيل ‪ :‬العناية قبل الوالية ‪ ،‬والسعادة قبل الوالدة ‪،‬واللواحق مبنية على‬
‫السوابق ‪ ،‬قال اهلل تعالى {يؤفك عنه من ُأِفكَ} [الذاريات ‪ ]9:‬أي يصرف عن سماع القرآن وعن‬
‫اإليمان به في الدنيا من صرف عنه في القدم ‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ال يهلك اهلل‬
‫إال هالكًا )) أي من كتب في علم اهلل تعالى أنه هالك ‪.‬‬

‫(الثاني) التقدير في اللوح المحفوظ ‪ ،‬وهذا التقدير يمكن أن يتغير قال اهلل تعالى ‪{ :‬يمحو اهلل ما يشاُء‬
‫ويثبت وعنده أم الكتاب } [الرعد ‪ ]39:‬وعن ابن عمر رضي اهلل تعالى عنهما أنه كان يقول في‬
‫دعائه ‪ (( :‬اللهم إن كنت كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا ))‪.‬‬

‫(الثالث) التقدير في الرحم ‪ ،‬وذلك أن الملك يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ‪.‬‬

‫(الرابع ) التقدير وهو سوق المقادير إلى المواقيت ‪ ،‬واهلل تعالى خلق الخير والشر وقدر مجئيه إلى‬
‫العبد في أوقات معلومة ‪.‬و الدليل على أن اهلل تعالى خلق الخير والشر قوله تعالى‪ {:‬إن المجرمين في‬
‫ضالل َو ُسُعُر * يوم ُيسَح بون في النار على وجوِه هْم ذوقوا َم َّس َس َقر * إَّنا كَّل شي خلقناُه بَقَد رِ}‬
‫[القمر ‪ ]49-47‬نزلت هذه اآلية في القدرية ‪ ،‬يقال لهم ذلك في جهنم‪ ،‬وقال تعالى { قل أعوذ برب‬
‫الفلق * من شر ما خلق } [الفلق ‪ .]2-1‬وهذا القسم إذا حصل اللطف بالعبد صرف عنه قبل أن‬
‫يصل إليه ‪.‬‬

‫وفي الحديث ‪ (( :‬إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء وتقلبه سعادة ))‪.‬‬

‫وفي الحديث ‪ ((:‬إن الدعاء والبالء بين السماء واألرض يقتتالن ‪ ،‬ويدفع الدعاء البالء قبل أن ينزل‬
‫))‪.‬‬

‫وزعمت القدرية ‪ :‬أن اهلل تعالى لم يقدر األشياء في القدم ‪ ،‬وال سبق علمه بها ‪ ،‬وأنها مستأنفة ‪ ،‬وأنه‬
‫تعالى يعلمها بعد وقوعها ‪ ،‬وكذبوا على اهلل سبحانه وتعالى جَّل عن أقوالهم الكاذبة وتعالى علوًا كبيرًا‬
‫‪ ،‬وهؤالء انقرضوا وصارت القدرية في األزمان المتأخرة يقولون ‪ :‬الخير من اهلل والشر من غيره ‪،‬‬
‫تعالى اهلل عن قولهم ‪ ،‬وصح عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬القدرية مجوس هذه األمة )) ‪.‬‬
‫سماهم مجوسًا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس ‪ ،‬وزعمت الثنوية أن الخير من فعل النور والشر‬
‫من فعل الظلمة فصاروا ثنوية ‪ ،‬كذلك القدرية يضيفون الخير إلى اهلل والشر إلى غيره وهو تعالى‬
‫خالق الخير والشر ‪.‬‬
‫قال إمام الحرمين في كتاب ((اإلرشاد )) إن بعض القدرية تقول ‪ :‬لسنا بقدرية بل أنتم القدرية‬
‫العتقادكم أخبار القدر ‪،‬و رد على هؤالء الجهلة بأنهم يضيفون القدر إلى أنفسهم ‪ ،‬ومن يدعي الشر‬
‫لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن اإلحسان قال ‪ (( :‬األحسان أن تعبد اهلل كأنك تراه )) وهذا‬
‫مقام المشاهدة ألن من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلى غيره في الصالة وأن يشغل قلبه‬
‫بغيره ومقام اإلحسان مقام الصديقين وقد تقدم في الحديث األول اإلشارة إلى ذلك ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :‬فإنه يراك )) غافًال إن غفلت في الصالة وحدثت النفس فيها ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن الساعة فقال ‪ (( :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) هذا‬
‫الجواب على أنه صلى اهلل عليه وسلم كان ال يعلم متى الساعة؟ بل علم الساعة مما استأثر اهلل تعالى‬
‫به ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ { :‬إن اهلل عنده علم الساعة } [لقمان‪ .]34:‬وقال تعالى ‪{ :‬ثقلت في السماوات‬
‫واألرض ‪ ،‬ال تأتيكم إال بغتة } [األعراف‪.}187:‬وقال تعالى ‪ {:‬وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا }‬
‫[األحزاب‪.]63:‬‬

‫ومن ادعى أن عمر الدنيا سبعون ألف سنة وأنه بقي منها ثالثة وستون ألف سنة فهو قول باطل حكاه‬
‫الطوخي في ((أسباب التنزيل )) عن بعض المنجمين وأهل الحساب ‪ ،‬ومن ادعى أن عمر الدنيا‬
‫سبعة آالف سنة فهذا يسوف على الغيب وال يحل اعتقاده‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فأخبرني عن أماراتها قال ‪ (( :‬أن تلد األمة ربتها )) األمار واألمارة‬
‫بإثبات التاء وحذفها لغتان ‪ ،‬وروي ربها وربتها ‪ ،‬قال األكثرون هذا إخبار عن كثرة السراري‬
‫وأوالدهن ‪ ،‬فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ألن مال اإلنسان صائر إلى ولده ‪ ،‬وقيل معناه اإلماء‬
‫يلدن الملوك فتكون أمة من جملة رعيته ‪ ،‬ويحتمل أن يكون المعنى ‪ :‬أن الشخص يستولد الجارية‬
‫ولدًا ويبيعها فيكبر الولد ويشتري أمه ‪ ،‬وهذا من أشراط الساعة‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وأن ترى الحفاة العراة العالة ‪ ،‬رعاء الشاء يتطاولون في البنيان )) إذ‬
‫العالة هم الفقراء ‪ ،‬والعائل الفقير ‪ ،‬والعيلة الفقر وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر ‪ .‬والرعاء بكسر‬
‫الراء وبالمد ويقال فيه رعاة بضم الراء وزيادة تاء بال مد معناه أن أهل البادية وأشباهم من أهل‬
‫الحاجة والفاقة يترقون في البنيان والدنيا تبسط لهم حتى يتباهوا في البنيان ‪.‬‬

‫قوله ‪ (( :‬فلبث مليا )) هو بفتح الثاء على أنه للغائب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬فلبثت بزيادة تاء المتكلم وكالهما‬
‫صحيح ‪ .‬ومليًا بتشديد الياء معناه وقتًا طويًال‪.‬وفي رواية أبي داود والترمذي أنه قال ‪ :‬بعد ثالثة أيام‬
‫‪ .‬وفي (( شرح التنبيه )) للبغوي أنه قال ‪ :‬بعد ثالثة فأكثر ‪ ،‬وظاهر هذا أنه بعد ثالث ليال ‪ .‬وفي‬
‫ظاهر هذا مخالفة لقول أبي هريرة في حديثه ‪ ،‬ثم أدبر الرجل فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( ردوا علَّى الرجل )) فأخذوا يردونه فلم يروا شيئًا فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬رودا علَّى‬
‫الرجل )) فأخذوا يرودنه فلم يروا شيئًا فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬هذا جبريل )) فيمكن الجمع‬
‫بينهما بأن عمر رضي اهلل عنه لم يحضر قول النبي صلى اهلل عليه وسلم لهم في الحال ‪ ،‬بل كان قد‬
‫قام من المجلس فأخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم الحاضرين في الحال ‪ ،‬وأخبروا عمر بعد ثالث إذ‬
‫لم يكن حاضرًا عن إخبار الباقين ‪.‬‬

‫وفي قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمر دينكم )) ‪ ،‬فيه دليل على ان اإليمان‬
‫‪،‬و اإلسالم ‪،‬و اإلحسان ‪ ،‬تسمى كلها دينًا ‪ ،‬وفي الحديث دليل على أن اإليمان بالقدر واجب ‪ ،‬وعلى‬
‫ترك الخوض في األمور ‪ ،‬وعلى وجوب الرضا بالقضاء ‪ .‬دخل رجل على ابن حنبل رحمه اهلل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬عظني ‪ .‬فقال له ‪ :‬إن كان اهلل تعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وإ ن كان الخلف على‬
‫اهلل حقًا فالبخل لماذا ؟ وإ ن كانت الجنة حقًا فالراحة لماذا ؟ وإ ن كان سؤال منكر ونكير حقًا فاألنس‬
‫لماذا؟وإ ن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا ؟ وإ ن كان الحساب حقًا فالجمع لماذا ؟ وإ ن كان كل شيء‬
‫بقضاء وقدر فالخوف لماذا ؟‬

‫(فائدة ) ذكر صاحب (( مقامات العلماء )) أن الدنيا كلها مقسومة على خمسة وعشرين قسمًا ‪:‬‬
‫خمسة بالقضاء والقدر ‪ ،‬وخمسة باالجتهاد ‪ ،‬وخمسة منها بالعادة ‪ ،‬وخمسة بالجوهر ‪ ،‬وخمسة‬
‫بالوراثة ‪ .‬فأما الخمسة التي بالقضاء والقدر ‪ :‬فالرزق ‪ ،‬والولد ‪ ،‬واألهل ‪ ،‬والسلطان ‪ ،‬والعمر ‪.‬‬
‫والخمسة التي باالجتهاد ‪ :‬فالجنة ‪ ،‬والنار ن والعفة ‪،‬و الفروسية ‪ ،‬والكتابة ‪ .‬والخمسة التي بالعادة ‪:‬‬
‫فاألكل ‪ ،‬والنوم ‪ ،‬والمشي ‪،‬و النكاح ‪،‬و التغوط ‪.‬و الخمسة التي بالجوهر ‪ :‬فالزهد ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والبذل‬
‫‪ ،‬والجمال ‪،‬و الهيبة‪ .‬والخمسة التي بالوراثة ‪ :‬فالخير ‪ ،‬والتواصل ‪ ،‬والسخاء والصدق ‪،‬و األمانة ‪.‬‬

‫وهذا كله ال ينافي قوله صلى اهلل عليه وسلم (( كل شيء بقضاء وقدر ))‪.‬‬

‫وإ نما معناه ‪ :‬أن بعض هذه األشياء يكون مرتبًا على سبب ‪،‬وبعضها يكون بغير سبب ‪ ،‬والجميع‬
‫بقضاء وقدر ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬بني اإلسالم على خمس )) أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسالمه ‪،‬‬
‫كما أن البيت يتم بأركانه كذلك اإلسالم يتم بأركانه وهي خمس ‪ ،‬وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ‪،‬‬
‫ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم ‪ ،‬فكذلك البناء المعنوي ‪ ،‬ولهذا قال صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( الصالة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين )) ‪،‬و كذلك يقاس البقية ‪ .‬ومما قيل في البناء‬
‫المعنوي ‪:‬‬

‫وإ ن تــولـوا فـبـاألش ــرار ت ـنـقــاد‬ ‫بـنـاء األمــور بأهـل الـديـن مـا صـلحـوا‬

‫والس ـ ــراة إذا ج ـهــالهم سـ ــادوا‬ ‫ال يـصـلح النـاس فـوضـى ال ســراة له ــم‬

‫وال ع ـم ــاد إذا لم تـ ــرس أوتـ ــاد‬ ‫والـبـيـت ال يـبـتنـى إال ل ــه ع ـمــد‬

‫وقد ضرب اهلل مثًال للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى ‪ { :‬أفمن أسس ُبنياَنُه على تقوى ِم َن اهلل‬
‫ورضوان خُير أم من أسس بنيانه علىشفا ُج ُر ف هاٍر فانهاَر به في نار جهنم واهلل ال يهدي القوم‬
‫الظالمين } [التوبة‪ .]109‬شبه بناء المؤمن بالذي وضع بنيانه على وسط طود أي ‪ :‬جبل راسخ‬
‫‪،‬وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار ‪ ،‬ال ثبات له فأكله البحر فانهار‬
‫الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر ‪ ،‬فغرق ‪ ،‬فدخل جهنم ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( بني اإلسالم على خمس )) أي بخمس على أن تكون على ‪ :‬بمعنى الباء وإ ال فالمبني غير المبنى‬
‫عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن اإلسالم وهو فاسد ‪ ،‬ويحتمل أن تكون بمعنى من‬
‫كقوله تعالى { إال على أزواجهم }‪[ .‬المومنون‪6:‬والمعارج ‪ .]30:‬أي من أزواجهم ‪ .‬الخمسة‬
‫المذكورة في الحديث أصول البناء وأما التتمات المكمالت كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي‬
‫زينة للبناء ‪ .‬وقد ورد في الحديث أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫(( اإليمان بضع وسبعون شعبة أعالها قول ال إله إال اهلل ‪ ،‬قال وأدناها إماطة األذى عن الطريق ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬


‫(( وحج البيت وصوم رمضان ))‪.‬‬

‫هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم ‪ ،‬وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم ‪،‬‬
‫ألن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية األخرى تقديم الصوم على الحج ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬بني اإلسالم على خمس )) أي فمن أتى بهذه الخمس فقد تم إسالمه ‪،‬‬
‫كما أن البيت يتم بأركانه كذلك اإلسالم يتم بأركانه وهي خمس ‪ ،‬وهذا بناء معنوي شبه بالحسي ‪،‬‬
‫ووجه الشبه أن البناء الحسي إذا انهدم بعض أركانه لم يتم ‪ ،‬فكذلك البناء المعنوي ‪ ،‬ولهذا قال صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( الصالة عماد الدين فمن تركها فقد هدم الدين )) ‪،‬و كذلك يقاس البقية ‪ .‬ومما قيل في البناء‬
‫المعنوي ‪:‬‬

‫وإ ن تــولـوا فـبـاألش ــرار ت ـنـقــاد‬ ‫بـنـاء األمــور بأهـل الـديـن مـا صـلحـوا‬

‫والس ـ ــراة إذا ج ـهــالهم سـ ــادوا‬ ‫ال يـصـلح النـاس فـوضـى ال ســراة له ــم‬

‫وال ع ـم ــاد إذا لم تـ ــرس أوتـ ــاد‬ ‫والـبـيـت ال يـبـتنـى إال ل ــه ع ـمــد‬

‫وقد ضرب اهلل مثًال للمؤمنين والمنافقين فقال تعالى ‪ { :‬أفمن أسس ُبنياَنُه على تقوى ِم َن اهلل‬
‫ورضوان خُير أم من أسس بنيانه علىشفا ُج ُر ف هاٍر فانهاَر به في نار جهنم واهلل ال يهدي القوم‬
‫الظالمين } [التوبة‪ .]109‬شبه بناء المؤمن بالذي وضع بنيانه على وسط طود أي ‪ :‬جبل راسخ‬
‫‪،‬وشبه بناء الكافر بمن وضع بنيانه على طرف جرف بحر هار ‪ ،‬ال ثبات له فأكله البحر فانهار‬
‫الجرف فانهار بنيانه فوقع به في البحر ‪ ،‬فغرق ‪ ،‬فدخل جهنم ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬


‫(( بني اإلسالم على خمس )) أي بخمس على أن تكون على ‪ :‬بمعنى الباء وإ ال فالمبني غير المبنى‬
‫عليه فلو أخذنا بظاهره لكانت الخمسة خارجة عن اإلسالم وهو فاسد ‪ ،‬ويحتمل أن تكون بمعنى من‬
‫كقوله تعالى { إال على أزواجهم }‪[ .‬المومنون‪6:‬والمعارج ‪ .]30:‬أي من أزواجهم ‪ .‬الخمسة‬
‫المذكورة في الحديث أصول البناء وأما التتمات المكمالت كبقية الواجبات وسائر المستحبات فهي‬
‫زينة للبناء ‪ .‬وقد ورد في الحديث أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫(( اإليمان بضع وسبعون شعبة أعالها قول ال إله إال اهلل ‪ ،‬قال وأدناها إماطة األذى عن الطريق ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( وحج البيت وصوم رمضان ))‪.‬‬

‫هكذا جاء في هذه الرواية بتقديم الحج على الصوم ‪ ،‬وهذا من باب الترتيب في الذكر دون الحكم ‪،‬‬
‫ألن صوم رمضان وجب قبل الحج وقد جاء في الرواية األخرى تقديم الصوم على الحج ‪.‬‬

‫قوله ‪ :‬وهو الصادق المصدوق ‪ ،‬أي شهد اهلل له بأنه الصادق ‪ ،‬والمصدوق بمعنى المصدق فيه‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (( يجمع خلقه في بطن أمه )) يحتمل أن يراد أن يجمع بين ماء الرجل‬
‫والمرأة فيخلق منهما الولد كما قال اهلل تعالى ‪ { :‬خلق من ماء دافق * َيْخ ُر ج من بين الصلب‬
‫والترائب } [الطارق‪.]6،7:‬‬

‫ويحتمل أن المراد أنه يجمع من البدن كله ‪ ،‬وذلك أنه قيل ‪ :‬إن النطفة في الطور األول تسري في‬
‫جسد المرأة أربعين يومًا ‪ ،‬وهي أيام التوحمة ‪ ،‬ثم بعد ذلك يجمع ويدر عليها من تربة المولود‬
‫فتصير علقة ثم يستمر في الطور الثاني فيأخذ في الكبر حتى تصير مضغة ‪ ،‬وسميت مضغة ألنها‬
‫بقدر اللقمة التي تمضغ ‪ ،‬ثم في الطور الثالث يصور اهلل تلك المضغ ويشق فيها السمع والبصر‬
‫والشم والفم ‪ ،‬ويصور في داخل جوفها الحوايا واألمعاء ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ { :‬هو الذي يصَّو ُر ُك م في‬
‫األرحام كيف يشاء ال إله إال هو العزيُز الحكيُم } [آل عمران ‪ ،]6:‬ثم إذا تم الطور الثالث وهو‬
‫أربعون صار للمولود أربعة أشهر نفخت فيه الروح ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ { :‬يا أيها الناس إن كنتم في‬
‫ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب } يعني أباكم آدم { ثم من نطفة } يعني ذريته ‪ ،‬والنطفة المني‬
‫وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف { ثم من علقة } وهو الدم الغليظ المتجمد ‪ ،‬وتلك النطفة تصير دمًا‬
‫غليظًا {ثم من مضغٍة } وهي لحمة { ُم َخ َّلَقٍة وغير ُم َخ َّلَقةٍ} [الحج‪ .]5:‬قال ابن عباس مخلقة ‪ :‬أي تامة‬
‫‪ ،‬وغير مخلقة أي غير تامة بل ناقصة الخلق ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬مصورة وغير مصورة ‪ ،‬يعني السقط‬
‫‪ .‬وعن ابن مسعود رضي اهلل تعالى عنه ‪ (( :‬إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه فقال‬
‫‪ :‬أي رب مخلقة ‪ ،‬أو غير مخلقة ؟ فإن قال ‪ :‬غير مخلقة ‪ ،‬قذفها في الرحم دمًا ولم تكن نسمة ‪ ،‬وإ ن‬
‫قال ‪ :‬مخلقة ‪ ،‬قال الملك ‪ :‬أي رب ذكُر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيُد ؟ ‪ ،‬ما الرزق وما األجل وبأي‬
‫أرض تموت ؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك ‪ .‬فيذهب فيجدها في أم الكتاب‬
‫فينسخها فال تزال معه حتى يأتي إلى آخر صفته ))‪.‬‬

‫ولهذا قيل ‪ :‬السعادة قبل الوالدة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬فيسبق عليه الكتاب )) أي الذي سبق في العلم ‪ ،‬أو الذي سبق في‬
‫اللوح المحفوظ ‪ ،‬أو الذي سبق في بطن األم ‪ .‬وقد تقدم أن المقادير أربعة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬حتى ما يكون بينه وبينها إال ذراع )) هو تمثيل وتقريب ‪ ،‬والمراد‬
‫قطعة من الزمان من آخر عمره وليس المراد حقيقة الذراع وتحديده من الزمان ‪ ،‬فإن الكافر إذا قال‬
‫‪ :‬ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل ثم مات دخل الجنة ‪ ،‬والمسلم إذا تكلم في آخر عمره بكلمة الكفر‬
‫دخل النار ‪.‬‬

‫وفي الحديث دليل على عدم القطع بدخول الجنة أو النار ‪ ،‬وإ ن عمل سائر أنواع البر ‪ ،‬أو عمل سائر‬
‫أنواع الفسق ‪ ،‬وعلى أن الشخص ال يتكل على عمله وال يعجب به ألنه ال يدري ما الخاتمة ‪ .‬وينبغي‬
‫لكل أحد أن يسأل اهلل سبحانه وتعالى حسن الخاتمة ويسعيذ باهلل تعالى من سوء الخاتمة وشر العاقبة ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬قال اهلل تعالى ‪ {:‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا ال ُنَض ِّيع أجر َم ن أحسن عمًال }‪.‬‬
‫[الكهف‪ ]30:‬ظاهر اآلية أن العمل الصالح من المخلص يقبل ‪ ،‬وإ ذا حصل القبول بوعد الكريم أمن‬
‫مع ذلك من سوء الخاتمة ‪.‬‬

‫فالجواب من وجهين ‪ :‬احدهما أن يكون ذلك معلقًا على شرط القبول وحسن الخاتمة ‪،‬و يحتمل أن من‬
‫آمن وأخلص العمل ال يختم له دائمًا إال بخير ‪ ،‬وأن خاتمة السوء إنما تكون في حق من أساء العمل‬
‫أو خلطه بالعمل الصالح المشوب بنوع من الرياء والسمعة ويدل عليه الحديث اآلخر (( إن أحدكم‬
‫ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس )) أي ‪ :‬فيما يظهر لهم صالح مع فساد سريرته وخبثها ‪،‬و‬
‫اهلل أعلم ‪.‬‬

‫وفي الحديث دليل على استحباب الحلق لتأكيد األمر في النفوس وقد أقسم اهلل تعالى ‪ { :‬فورب السماء‬
‫واألرض إنه لحق } ‪[.‬الذاريات‪ ،]23:‬وقال اهلل تعالى ‪{:‬قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم }‪.‬‬
‫[التغابن‪.]7:‬‬

‫واهلل تعالى أعلم‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))أي مردود‪ .‬فيه دليل على‬
‫أن العبادات من الغسل والوضوء والصوم والصالة إذا فعلت على خالف الشرع تكون مردودة على‬
‫فاعلها ‪ ،‬وأن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه وال يملك ‪،‬وقال صلى اهلل عليه وسلم للذي‬
‫قال له ‪ :‬إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته ‪ ،‬وإ ني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه‬
‫بمائة شاه ووليدة‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬الوليدة والغنم رّد عليك )) ‪ .‬وفيه دليل على أن من‬
‫ابتدع في الدين بدعة ال توافق الشرع فإثمها عليه ‪،‬و عمله مردود عليه وإ نه يستحق الوعيد ‪ ،‬وقد قال‬
‫صلى عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة اهلل ))‪.‬‬


‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬الحالل بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ‪ ....‬الخ )) اختلف‬
‫العلماء في حد الحالل والحرام ‪ ،‬فقال أبو حنيفة رحمه اهلل تعالى ‪ :‬الحالل مادل الدليل على حله ‪.‬‬
‫وقال الشافعي رحمه اهلل ‪ :‬الحرام ما دل الدليل على تحريمه ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وبينهما أمور مشتبهات )) أي بين الحالل والحرام أمور مشتبهة‬
‫بالحالل والحرام ‪ ،‬فحيث انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة ‪.‬وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فال‬
‫يجب البحث عن ذلك ‪ ،‬بل وال يستحب ‪،‬ويكره السؤال عنه ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )) أي طلب براءة دينه‬
‫وسلم من الشبهة ‪ .‬وأما براءة العرض فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل‬
‫الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في اإلثم وقد ورد عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬من كان يؤمن‬
‫باهلل واليوم اآلخر فال يقف ن مواقف التهم ))‪ ..‬وعن علي رضي اهلل عنه أنه قال ‪ :‬إياك وما يسبق‬
‫إلى القلوب إنكاره ‪ ،‬وإ ن كان عندك اعتذاره‪ ،‬فرب سامع نكرًا ال تستطيع أن تسمعه عذراً‌‪.‬‬

‫وفي صحيح الترمذي أنه عليه الصالة والسالم قال ‪:‬‬

‫((إذا أحدث أحدكم في الصالة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف )) وذلك لئال يقال عنه أحدث ‪.‬‬

‫قوله عليه الصالة والسالم‪ ((:‬فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام )) يحتمل أمرين ‪ :‬احدهما أن‬
‫يقع في الحرام وهو يظن أنه ليس بحرام ‪ .‬والثاني ‪ :‬أن يكون المعنى قد قارب أن يقع في الحرام كما‬
‫يقال ‪ :‬المعاصي بريد الكفر ‪.‬ألن النفس إذا وقعت في المخالفة تدرجت من مفسدة إلى أخرى أكبر‬
‫منها ‪،‬قيل ‪ :‬وإ لى ذلك اإلشارة بقوله تعالى ‪ { :‬ويقتلون األنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا‬
‫يعتدون }‪[ .‬آل عمران‪ .]112:‬يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل األنبياء ‪.‬‬

‫وفي الحديث ‪ ((:‬لعن اهلل السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده ))‪.‬‬

‫أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة ‪ ،‬والحمى ما يحميه الغير من الحشيش في األرض‬
‫المباحة فمن رعى حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعي فيما حماه الغير بخالف ما إذا رعى‬
‫إبله بعيدًا من الحمى ‪.‬واعلم أن كل محرم له حمى يحيط به ‪ ،‬فالفرج محرم وحماه الفخذان ألنهما‬
‫جعًال حريمًا للمحرم ‪ ،‬وكذلك الخلوة باإلجنبية حمى للمحرم ‪ ،‬فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم‬
‫والمحَّر م‪ ،‬فالمحرم حرام لعينه‪ ،‬والحريم محرم ألنه يتدرج به إلى المحرم ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬أال وإ ن في الجسد مضغة )) أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت‬
‫الجوارح‪ ،‬وإ ذا طمحت طمحت الجوارح وإ ذا فسدت فسدت الجوارح ‪ .‬قال العلماء ‪ :‬البدن مملكة‬
‫والنفس مدينتها‪،‬و القلب وسط المملكة ‪،‬و األعضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة ‪ ،‬والعقل‬
‫كالوزير المشفق الناصح به ‪ ،‬والشهوة طالب أرزاق الخدام‪،‬و الغضب صاحب الشرطة ‪ ،‬وهو عبد‬
‫مكار خبيث‪ ،‬يتمثل بصورة الناصح ونصحه سم قاتل ‪،‬و دأبه أبدًا منازعة الوزير الناصح ‪ ،‬والقوة‬
‫المخيلة في مقدم الدماغ كالخازن ‪ ،‬والقوة المفكرة في وسط الدماغ‪ ،‬والقوة الحافظة في آخر الدماغ ‪،‬‬
‫واللسان كالترجمان ‪،‬و الحواس الخمس جواسيس ‪ ،‬وقد وكل كل واحد منهم بصنيع من الصناعات ‪،‬‬
‫فوكل العين بعالم األلوان ‪ ،‬والسمع بعالم األصوات ‪،‬وكذلك سائرها فإنها أصحاب األخبار ‪ ،‬ثم قيل ‪:‬‬
‫هي كالحجبة توصل إلى النفس ما تدركه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن السمع والبصر والشم كالطاقات تنظر منها‬
‫النفس ‪ ،‬فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرعية وإ ذا فسد فسدت الرعية ‪ ،‬وإ نما يحصل‬
‫صالحه بسالمته من األمراض الباطنة كالغل والحقد والحسد والشح والبخل والكبر والسخرية‬
‫والرياء والسمعة والمكر والحرص والطمع وعدم الرضى بالمقدور‪ ،‬وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو‬
‫األربعين ‪ ،‬عافانا اهلل منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬الدين النصيحة هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم )) قال‬
‫الخطابي‪ :‬النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ‪ .‬وقيل النصيحة مأخوذة من نصح‬
‫الرجل ثوبه إذا خاطه‪ ،‬فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صالح الرجل ثوبه إذا خاطه‪ ،‬فشبهوا‬
‫فعل الناصح فيما يتحراه من صالح المنصوح له بما يسد من خلل الثوب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها مأخوذة من‬
‫نصحت العسل ‪ ،‬إذا صفيته من الشمع ‪ ،‬شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط ‪.‬‬

‫قال العلماء ‪ :‬أما النصيحة هلل تعالى فمعناها ينصرف إلى اإليمان باهلل ‪ ،‬ونفي الشريك عنه ‪،‬وترك‬
‫اإللحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجالل كلها ‪ ،‬وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع أنواع‬
‫النقائص ‪،‬و القيام بطاعته ‪،‬و اجتناب معصيته‪ ،‬والحب فيه ‪،‬والبغض فيه ‪ ،‬ومودة من أطاعه ‪،‬‬
‫ومعاداة من عصاه ‪ ،‬وجهاد من كفر به ‪ ،‬واالعتراف بنعمته ‪ ،‬وشكره عليها ‪ ،‬واإلخالص في جميع‬
‫األمور‪ ،‬والدعاء إلى جميع األوصاف المذكورة والحث عليها ‪،‬و التطلف بجميع الناس‪ ،‬أو من أمكن‬
‫منهم عليها ‪ ،‬وحقيقة هذه األوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه ‪،‬و اهلل تعالى غني عن نصح‬
‫الناصحين ‪.‬‬
‫وأما النصيحة لكتاب اهلل تعالى ‪ :‬فاإليمان بأنه كالم اهلل تعالى وتنزيله‪ ،‬ال يشبهه شيء من كالم الناس‬
‫‪ ،‬وال يقدر على مثله أحد من الخلق ثم تعظيمه وتالوته حق تالوته ‪،‬وتحسينها ‪ ،‬والخشوع عندها ‪،‬و‬
‫إقامة حروفه في التالوة ‪،‬و الذب عنه لتأويل المحرفين ‪ ،‬وتعريض الطاعنين والتصديق بما فيه ‪،‬‬
‫والوقوف مع أحكامه ‪ ،‬وتفهم علومه وأمثاله‪ ،‬واالعتبار بمواعظه‪،‬و التكفير في عجائبه‪ ،‬والعمل‬
‫بمحكمه ‪ ،‬والتسليم لمتشابهه ‪ ،‬والبحث عن عمومه وخصوصه ‪ ،‬وناسخه ومنسوخه ‪ ،‬ونشر علومه‬
‫والدعاء إليه وإ لى ما ذكرناه من نصيحته ‪.‬‬

‫وأما النصيحة لرسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬فتصديقه على الرسالة ‪،‬واإليمان بجميع ما جاء به ‪،‬‬
‫وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حيًا وميتًا ‪ ،‬ومعاداة من عاداه ومواالة من واله ‪ ،‬وإ عظام حقه‬
‫وتوقيره ‪ ،‬وإ حياء طريقته وسننه‪ ،‬وبث دعوته ونشر سنته ‪ ،‬ونفس التهم عنها ‪ ،‬و نشر علومها ‪،‬‬
‫والفقه فيها ‪ ،‬والدعاء لها ‪ ،‬والتلطف في تعلمها وتعليمها ‪ ،‬وإ عظامها وإ جاللها ‪ ،‬والتأدب عند‬
‫قراءتها‪ ،‬واإلمساك عن الكالم فيها بغير علم ‪،‬و إجالل أهلها النتسابهم إليها ‪ .‬والتخلق بأخالقه‬
‫والتأدب بآدابه ‪ ،‬ومحبة أهل بيته وأصحابه ‪ ،‬ومجانبة من ابتدع سنته أو تعرض ألحد من أصحابه‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬

‫وأما النصيحة ألئمة المسلمين ‪ :‬فمعاونتهم على الحق ‪ ،‬وطاعتهم فيه ‪ ،‬وأمرهم به ونهيهم وتذكيرهم‬
‫برفق ‪ ،‬وإ عالمهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين ‪ ،‬وترك الخورج عليهم ‪ ،‬وتأليف‬
‫قلوب المسلمين لطاعتهم ‪.‬‬

‫قال الخطابي ‪ :‬ومن النصيحة لهم ‪ ،‬الصالة خلفهم ‪ ،‬والجهاد معهم ‪ ،‬وأداء الصدقات إليهم‪ ،‬وترك‬
‫الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ‪ ،‬وأن ال يغروا بالثناء الكاذب عليهم ‪،‬‬
‫وأن يدعى لهم بالصالح ‪.‬‬

‫قال ابن بطال رحمه اهلل تعالى ‪ :‬في هذا الحديث دليل أن النصيحة تسمى دينًا وإ سالمًا ‪ ،‬وأن الدين‬
‫يقع على العمل كما يقع على القول ‪ ،‬قال ‪ :‬والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به ‪ ،‬يسقط عن الباقين‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬والنصيحة واجبة على قدر الطاعة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على‬
‫نفسه المكروه ‪ ،‬فإن خشي أذى فهو في سعة واهلل تعالى أعلم ‪ .‬فإن قيل ففي صحيح البخاري أنه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ (( :‬إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له )) ‪ ،‬وهويدل على تعليق الوجوب‬
‫باالستنصاح ال مطلقًا ‪ ،‬ومفهوم الشرط حجة في تخصيص عموم المنطوق ‪ .‬فجوابه ‪ :‬يمكن حمل‬
‫ذلك على األمور الدنيونية كنكاح امرأة ومعاملة رجل ونحو ذلك ‪ ،‬واألول يحتمل بعمومه في األمور‬
‫الدينية التي هي واجبة على كل مسلم ‪،‬و اهلل تعالى أعلم ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬أمرت إلخ‪ )) ..‬فيه دليل على أن مطلق األمر وصيغته تدل على‬
‫الوجوب‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم )) ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬فالصوم‬
‫من أركان اإلسالم وكذلك الحج ولم يذكرهما‍‍‍‍‪ ،‬فجوابه ‪ :‬أن الصوم ال يقاتل اإلنسان عليه بل يحبس‬
‫ويمنع الطعام والشراب ‪ ،‬والحج على التراخي‪ ،‬فاليقاتل عليه ‪ ،‬وإ نما ذكر رسول اهلل صلى عليه‬
‫وسلم هذه الثالثة ألنه يقاتل على تركها ولهذا لم يذكر الصوم والحج لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ‪ ،‬بل‬
‫ذكر هذه الثالثة ‪ ،‬خاصة ‪..‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :‬إال بحق اإلسالم )) فمن حق اإلسالم فعل الواجبات ‪ ،‬فمن ترك‬
‫الواجبات جاز قتاله كالبغاة ‪ ،‬وقطاع الطريق ‪ ،‬والصائل ‪ ،‬ومانع الزكاة ‪ ،‬والممتنع من بذله الماء‬
‫للمضطر والبهيمة المحترمة ‪ .‬والجاني والممتنع من قضاء الدين مع الُقدرة ‪ ،‬والزاني المحصن ‪،‬و‬
‫تارك الجمعة والوضوء‪.‬‬

‫ففي تلك األحوال يباح قتله وقتاله ‪ ،‬وكذلك لو ترك الجماعة ‪،‬وقلنا إنها فرض عين ‪ ،‬أو كفاية ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬و حسابهم على اهلل )) يعني من أتى بالشهادتين واقام الصالة وآتى‬
‫الزكاة عصم دمه وماله ‪ ،‬ثم إن كان فعل ذلك بنية خالصة صالحة فهو مؤمن ‪ ،‬وإ ن كان فعله تقية‬
‫وخوفًا من السيف كالمنافق فحسابه على اهلل ‪ ،‬وهو متولي السرائر ‪،‬وكذلك من صلى بغير وضوء أو‬
‫غسل من الجنابة ‪ ،‬أو أكل في بيته وادعى أنه صائم ‪ ،‬يقبل منه وحسابه على اهلل عز وجل واهلل أعلم‬
‫‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه )) أي اجتنبوه جملة واحدة ال تفعلوه وال شيئًا‬
‫منه ‪ ،‬وهذا محموله على نهي التحريم ‪ ،‬فأما نهي الكراهة فيجوز فعله ‪ ،‬وأصل النهي في اللغة ‪:‬‬
‫المنع ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم )) فيه مسائل ‪ :‬منها إذا وجد ماء‬
‫للوضوء ال يكفيه فاألظهر وجوب استعماله ثم يتيمم للباقي ‪ .‬ومنها إذا وجد بعض الصاع في الفطرة‬
‫فإنه يجب إخراجه ‪ .‬ومنها إذا وجد بعض ما يكفي لنفقة القريب أو الزوجة أو البهيمة فإنه يجب بذله‬
‫‪ .‬وهذا بخالف ما اذا وجد بعض الرقبة فإنه ال يجب عتقه عن الكفارة ‪ ،‬ألن الكفارة لها بدل وهو‬
‫الصوم ‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختالفهم علىأنبيائهم ))‪.‬‬
‫اعلم ان السؤال على أقسام ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬سؤال الجاهل عن فرائض الدين كالوضوء والصالة والصوم ‪ ،‬وعن أحكام المعاملة‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬

‫وهذا السؤال واجب وعليه حمل قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬طلب العلم فريضة على كل مسلم ))‬
‫ومسلمة ‪ ،‬وال يسع اإلنسان السكوت عن ذلك قال تعالى ‪ { :‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون }‬
‫[النحل‪ ،]43:‬وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ :‬إني أعطيت لسانًا سؤوًال وقلبًا عقوًال ‪ ،‬كذلك أخبر‬
‫عن نفسه رضي اهلل تعالى عنه ‪.‬‬

‫والقسم الثاني‪ :‬السؤال عن التفقه في الدين سبحانه وتعالى ‪ {:‬فلوال نفرَ ِم ْن ُك َّل فرقٍة منهم طائفة ‪،‬‬
‫ليتفقهوا في الدين وِلينِذ روا قوَمُهْم إذا َر َج عوا إليهم لعلهم َيحَذ رون } [التوبة‪.]122:‬‬

‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬أال فليعلم الشاهد منكم الغائب ))‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬أن يسأل عن شيء لم يوجبه اهلل عليه ‪ ،‬وال على غيره ‪ ،‬وعلى هذا حمل الحديث ألنه‬
‫قد يكون في السؤال ترتب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وسكت‬
‫عن أشياء رحمة لكم فال تسألوا عنها )) ‪ .‬وعن علي رضي اهلل عنه لما نزلت {وهلل على الناس حج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيالً}‪[ .‬آل عمران ‪.]97:‬‬

‫قال رجل ‪ :‬أكل عام يا رسول اهلل ؟ فأعرض عنه ‪ ،‬حتى أعاد مرتين أو ثالثًا فقال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( وما يوشك أن أقول نعم ‪ ،‬واهلل لو قلت ‪ :‬نعم لو جبت ‪ ،‬ولو وجبت لما استطعتم ‪ ،‬فاتركوني ما‬
‫تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختالفهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما‬
‫استطعتم وإ ذا نهيتكم عن أمر فأجتنبوه ))‪.‬‬

‫فإنزل اهلل تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن ُتْبَد لكم َتُسُؤ ُك م } [المائدة‪ .]101:‬أي لم‬
‫آمركم بالعمل بها ‪ ،‬وهذا النهي خاص بزمانه صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬أما بعد أن استقرت الشريعة ‪،‬و‬
‫أمن من الزيادة فيها زال النهي بزوال سببه ‪،‬وكره جماعة من السلف السؤال عن معاني اآليات‬
‫المشتبهة ‪.‬‬

‫سئل مالك رحمه اهلل تعالى عن قوله تعالى ‪{:‬الرحمن على العرش استوى }[طه‪ ]5:‬فقال ‪ :‬االستواء‬
‫معلوم‪ ،‬والكيف مجهول ‪ ،‬واإليمان به واجب ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة ‪ ،‬وأراك رجل سوء أخرجوه عني‬
‫‪.‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬مذهب السلف أسلم ‪ ،‬ومذهب الخلف أعلم ‪ :‬وهو السؤال ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬إن اهلل تعالى طيب )) ‪ ،‬عن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬سمعت‬
‫رسول اهلل صلى عليه وسلم يقول ‪ ((:‬اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر ‪ ،‬الطيب المبارك‬
‫األحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت ‪ ،‬وإ ذا سئلت به أعطيت ‪ ،‬وإ ذا استرحمت به رحمت ‪ ،‬واذا‬
‫استفرجت به فرجت )) ‪ ،‬ومعنى الطيب ‪ :‬المنزه عن النقائص والخبائث ‪ ،‬فيكون بمعنى القدوس‬
‫وقيل طيب الثناء ومسلتذ األسماء عند العارفين بها ‪ :‬وهو طيب عباده لدخول الجنة باإلعمال‬
‫الصالحة وطيبها لهم ‪ ،‬والكلمة الطيبة ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬ال يقبل إال طيبًا )) أي فال يتقرب إليه بصدقة حرام ‪ ،‬ويكره التصدق‬
‫بالرديء من الطعام كالحب العتيق المسوس ‪ ،‬وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة قال اهلل تعالى ‪:‬‬
‫{ وال تيمموا الخبيث منه تنفقون } [البقرة‪ .]267:‬فكما أنه تعالى ال يقبل المال إال الطيب كذلك ال‬
‫يقبل من العمل إال الطيب الخالص من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها ‪.‬‬

‫قوله ‪ :‬فقال تعالى ‪ { :‬يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا } [المؤمنون‪.]51:‬وقوله تعالى‬
‫‪ {:‬يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }[البقرة ‪ .]172:‬المراد بالطيبات الحالل‪.‬‬

‫في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه‬
‫‪،‬و ذلك من الواجبات ‪ ،‬بخالف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم ‪.‬‬

‫قوله ‪ ((:‬مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام )) أي شبع ‪ ،‬وهو بضم الغين المعجمة وكسر‬
‫الذال المعجمة المخففة من الغذي بالكسر والقصر ‪،‬و أما الغداء بالفتح والمد والدال المهملة ‪ :‬فهو‬
‫عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪ {:‬قال لفتاه آتنا غداءنا } [الكهف ‪.]62:‬‬

‫قوله ‪(( :‬فأنى يستجاب له )) أي استبعادُا لقبوله إجابة الدعاء ‪،‬و لهذا شرط العبادي لقبول الدعاء أكل‬
‫الحالل ‪ ،‬والصحيح أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال ‪{:‬إنك من المنظرين }‬
‫[األعراف‪.]15:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما ال يريبك )) فيه دليل على أن المتقي ينبغي له أن ال‬
‫يأكل المال الذي فيه شبهة ‪ ،‬كما يحرم عليه أكل الحرام ‪ ،‬وقد تقدم ‪.‬‬
‫قوله ‪ (( :‬إلى ما ال يريبك )) أي اعدل إلى ما ال ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب وتسكن‬
‫إليه النفس ‪ .‬والريبة ‪ :‬الشك وتقدم الكالم عن الشبهة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه )) أي ما ال يهمه من أمر‬
‫الدين والدنيا من األفعال واألقوال ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ألبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم‬
‫قال ‪ ((:‬كانت أمثاًال كلها ‪ ،‬كان فيها ‪ :‬أيها السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع األموال بعضها‬
‫على بعض ولكن بعثتك لترد عن دعوة المظلوم فإني ال أردها ‪ ،‬ولوكانت من كافر‪ .‬وكان فيها ‪:‬‬
‫على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له أربع ساعات ‪ :‬ساعة يناجي فيها ربه ‪ ،‬وساعة‬
‫يتفكر في صنع اهلل تعالى ‪ ،‬وساعة يحدث فيها نفسه ‪ ،‬وساعة يخلو بذي الجالل واإلكرام ‪ ،‬وإ ن تلك‬
‫الساعة عون له علىتلك الساعات‪. ،‬و كان فيها ‪ :‬على العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله ‪ ،‬أن ال‬
‫يكون ساعيًا إال في ثالث ‪ :‬تزود لمعاد‪ ،‬ومؤنة لمعاش ‪،‬ولذة في غير محرم ‪.‬وكان فيها ‪ :‬على العاقل‬
‫ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون بصيرًا لزمانه ‪ ،‬مقبًال على شأنه ‪ .‬حافظًا للسانه‪ ،‬ومن حسب‬
‫الكالم من عمله يوشك أن يقل الكالم إال فيما يعنيه )) ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال ‪ (( :‬كانت عبرًا كلها ‪ ،‬كان فيها ‪ :‬عجبًا لمن أيقن‬
‫بالنار كيف يضحك ‪ ،‬وعجبًا لمن أيقن بالموت كيف يفرح ‪ ،‬وعجبًا لمن رآى الدنيا وتقلبها بأهلها وهو‬
‫يطمئن إليها ‪،‬و عجبًا لمن أيقن بالقدر ثم هو يغضب ‪ ،‬وعجبًا لمن أيقن بالحساب غدًا وهو ال يعمل‬
‫))؟!‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال ‪(( :‬نعم يا أباذر { قد أفلح من تزكى *‬
‫وذكر اسم ربه فصلى* بل تؤثرون الحياة الدنيا * واآلِخ ة خيَّر وأبقى * إَّن هذا لفي الُّص ِف‬
‫ُح‬ ‫ُر‬
‫األولى * صحف إبراهيم وموسى } [األعلى‪ .]19-14:‬إلى آخر السورة ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬بأبي وأمي أوصني ‪،‬قال ‪ ((:‬أوصيك بتقوى اهلل فإنها رأس أمرك كله )) ‪،‬قال ‪ :‬قلت زدني ‪،‬‬
‫قال‪ (( :‬عليك بتالوة القرآن واذكر اهلل كثيرًا فإنه يذكرك في السماء )) ‪ ،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ ((:‬عليك‬
‫بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين )) ‪ ،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ (( :‬عليك بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك‬
‫‪ ،‬وعون لك على أمر دينك )) ‪ ،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪ (( :‬قل الحق ولو كان مرًا )) ‪،‬قلت زدني ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫(( ال تأخذك في اهلل لومة الئم ))‪ ،‬قلت ‪:‬زدني‪ ،‬قال((صل رحمك وإ ن قطعوك ))‪ ،‬قلت‪ :‬زدني ‪ ،‬قال‬
‫‪(( :‬بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه ‪ ،‬ويتكلف ما ال يعنيه ‪ .‬يا أبا ذر ‪ :‬ال عقل كالتدبير ‪،‬‬
‫وال ورع كالكف‪ ،‬وال حسن كحسن الخلق ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (( ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه ))‪ :‬األولى أن يحمل‬
‫ذلك علىعموم األخوة ‪ ،‬حتي يشمل الكافر والمسلم‪ ،‬فيحب ألخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في‬
‫اإلسالم ‪ ،‬كما يحب ألخيه المسلم دوامه على اإلسالم ‪،‬ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحبًا‪،‬‬
‫والحديث محمول على نفي اإليمان الكامل عمن لم يحب ألخيه ما يحب لنفسه ‪ .‬والمراد بالمحبة‬
‫إرادة الخير والمنفعة‪ ،‬ثم المراد‪ :‬المحبة الدينية ال المحبة البشرية ‪ ،‬فإن الطباع البشرية قد تكره‬
‫حصول الخير وتمييز غيرها عليها ‪ ،‬واإلنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو ألخيه‬
‫ويتمنى له ما يحب لنفسه ‪،‬والشخص متى لم يحب ألخيه ما يحب لنفسه كان حسودًا ‪.‬‬

‫والحسد كما قال الغزالي‪ :‬ينقسم إلى ثالثة أقسام ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أن يتمنى زوال نعمة الغير وإ ن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ‪ ،‬وهذا‬
‫أشر من األول ‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى‬
‫بالمساواةوال يرضى بالزيادة ‪،‬وهذا أيضًا محرم ألنه لم يرض بقسمة اهلل تعالى ‪ {:‬أهم يقسمون رحمة‬
‫ربك؟! نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعَض ُهم فوق بعٍض درجاٍت ليتخَذ بعُض ًهم بعضًا‬
‫سخريًا ورحمُة ربَك خيُُر مما يجمعون } [الزخرف‪ .]32:‬فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض اهلل تعالى‬
‫في قسمته وحكمته‪.‬وعلى اإلنسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء ويخالفها بالدعاء لعدوه‬
‫بما يخالف النفس ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ (( :‬الثيب الزاني )) المراد ‪ :‬من تزوج ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬فإنه يرجم ‪ ،‬وإ ن لم يكن متزوجًا في حالة الزنا التصافه باإلحصان ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والنفس بالنفس )) أي بشرط المكافأة فال يقتل المسلم بالكافر وال الحر‬
‫بالعبد عند الشافعية ‪ ،‬ال الحنفية‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والتارك لدينه المفارق للجماعة ))وهو المرتد والعياذ باهلل تعالى ‪ ،‬وقد‬
‫يكون موافقًا للجماعة كاليهودي إذا تنصر ‪ ،‬وبالعكس يقتل ألنه تارك لدينه غير مفارق للجماعة ‪،‬‬
‫وفيه قوالن ‪ ،‬أصحها ‪ :‬ال يقتل بل يلحق بالمأمن ‪ .‬والثاني ‪:‬يقتل ألنه اعتقد بطالن دينه الذي كان‬
‫عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطالنه قبل ذلك ‪ ،‬وهو غير الحق فال يترك بل إن لم يسلم يقتل ‪،‬وقد‬
‫تقدم القتل أيضًا في صورة سبق الكالم عليها ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرًا أو ليصمت )) قال‬
‫الشافعي رحمه اهلل تعالى ‪ :‬معنى الحديث ‪ :‬إذا أراد أن يتكلم فليفكر ‪ ،‬فإن ظهر أنه ال ضرر عليه‬
‫تكلم ‪ ،‬وإ ن ظهر أن فيه ضرر أو شك فيه أمسك‪ .‬وقال اإلمام الجليل أبو محمد ابن أبي زيد إمام‬
‫المالكية بالمغرب في زمنه ‪ :‬جميع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث‪ :‬قول النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم (( من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرًا أو ليصمت ))‪ .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬‬
‫من حسن إسالم المرء تركه ما ال يعنيه )) ‪ .‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬للذي اختصر له الوصية ‪:‬‬
‫(( ال تغضب ))‪.‬‬

‫وقوله ‪ ((:‬ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه ))‪.‬‬
‫ونقل عن أبي القاسم القشيري رحمه اهلل تعالى أنه قال ‪ :‬السكوت في وقته صفة الرجال ‪ ،‬كما أن‬
‫النطق في موضعه من أشرف الخصال ‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت أبا علي الدقاق يقول ‪ :‬من سكت عن الحق‬
‫فهو شيطان أخرس ‪.‬وكذا نقله في (( حلية العلماء )) عن غير واحد ‪ .‬وفي (( حلية األولياء )) أن‬
‫اإلنسان ينبغي له أن ال يخرج من كالمه إال ما يحتاج إليه ‪ ،‬كما أنه ال ينفق من كسبه إال ما يحتاج‬
‫إليه وقال ‪ :‬لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لسكتم عن كثير من الكالم ‪ .‬وروي عنه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أنه قال ‪ ((:‬من فقه الرجل قلة كالمه فيما ال يعنيه )) وروي عنه صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫(( العافية في عشرة أجزاء ‪ :‬تسعة منها في الصمت إَّال عن ذكر اهلل تعالى عز وجل )) ‪.‬ويقال ‪ :‬من‬
‫سكت فسلم ‪ ،‬كمن قال فغنم ‪ .‬وقيل لبعضهم‪ :‬لم لزمت السكوت ؟ قال ‪ :‬ألن لم أندم على السكوت قط‬
‫‪،‬و قد ندمت على الكالم مرارًا‪ .‬ومما قيل‪ :‬جرح اللسان كجرح اليد‪ ،‬وقيل ‪ :‬اللسان كلب عقور إن‬
‫خلي عنه عقر ‪.‬وروي عن على رضي اهلل عنه ‪.‬‬

‫وليس يموت المرء من عثرة الرجل‬ ‫يموت الفتى من عثرة من لسانه‬

‫وعثرته بالرجل تبري على المهل‬ ‫فعثرته من فيه ترمي برأسه‬

‫ومما قيل ‪:‬‬

‫كـالمـه قـد يـعـد قـوت‬ ‫قد أفلح السـاكـت الصموت‬

‫جـواب ما يـكـره السـكوت‬ ‫ما كل نـطـق له جــواب‬

‫وا عـجـبًا ال مـرىء ظلوم مسـتيـقن أنــه يـمــوت‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليكرم جاره‪ ،‬ومن كان يؤمن باهلل‬
‫واليوم اآلخر فليكرم ضيفه ))‪.‬‬

‫قال القاضي عياض ‪ :‬معنى الحديث ‪ :‬أن من التزم شرائع اإلسالم ‪ ،‬لزمه إكرام الضيف والجار ‪.‬‬
‫وقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪ ((:‬ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) ‪ .‬وقال‬
‫صلى اهلل عليه وسلم (( من آذى جاره ملكه اهلل داره ))‪ .‬وقوله تعالى ‪{:‬والجار ذي القربي والجار‬
‫الجنب }[النساء‪.]36:‬‬
‫الجار يقع على أربعة ‪ :‬الساكن معك في البيت ‪ .‬قال الشاعر ‪:‬‬

‫أجارتنا بالبيت إنك طالق‬

‫ويقع على من الصق لبيتك‪ ،‬ويقع على أربعين دارًا من كل جانب‪ ،‬ويقع على من يسكن معك في البلد‬
‫‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬ثم ال يجاورنك فيها إال قليًال }[األحزاب‪]6:‬فالجار القريب المسلم له ثالثة حقوق‪،‬‬
‫والجار البعيد المسلم له حقان ‪ ،‬وغير القريب المسلم له حق واحد ‪.‬‬

‫والضيافة من آداب اإلسالم ‪،‬وخلق النبين والصالحين ‪،‬و قد أوجبها الليث ليلة واحدة ‪،‬واختلفوا ‪ :‬اهل‬
‫الضيافة على الحاضر والبادي ‪ ،‬أم على البادي خاصة ؟ فذهب الشافعي ‪ ،‬ومحمد بن عبد الحكم إلى‬
‫أنها على الحاضر والبادي ‪.‬وذهب مالك وسحنون ‪ :‬إلى أنها على أهل البوادي ‪ ،‬ألن المسافر يجد في‬
‫الحضر المنازل في الفنادق ومواضع النزول وما يشتري من األسواق وقد جاء في حديث ‪(( :‬‬
‫الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر ))‪.‬‬

‫لكنه حديث موضوع‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم (( ال تغضب )) معناه التنفذ غضبك ‪ ،‬وليس النهي راجعًا إلىنفس الغضب‬
‫‪ ،‬ألنه من طباع البشر ‪ ،‬وال يمكن اإلنسان دفعه ‪.‬‬

‫وقوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬إياكم والغضب فإنه جمرة تتوقد في فؤاد ابن آدم ‪ ،‬ألم تر إلى أحدكم‬
‫إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ‪ ،‬فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضجع أو ليلصق‬
‫باألرض ))‪.‬‬

‫وجاء رجل إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اهلل علمني علمًا يقربني من الجنة ويبعدني‬
‫من النار قال‪ (( :‬ال تغضب ولك الجنة ))‪.‬‬

‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬إن الغضب من الشيطان وإ ن الشيطان خلق من النار وإ نما يطفىء‬
‫النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ))‪.‬‬
‫وقال أبو ذر الغفاري ‪ :‬قال لنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬إذا غضب أحدكم وهو قائم‬
‫فليجلس ‪،‬فإن ذهب عنه الغضب وإ ال فليضجع ))‪.‬‬

‫وقال عيسى عليه الصالة والسالم ليحي بن زكريا عليه الصالة والسالم ‪ :‬إني معلمك علمًا نافعًا ‪ :‬ال‬
‫تغضب ‪ .‬فقال ‪ :‬وكيف لي أن ال أغضب ؟قال إذا قيل لك ما فيك فقل ‪ :‬ذنب ذكرته أستغفر اهلل منه ‪،‬‬
‫وإ ن قيل لك ما ليس فيك فاحمد اهلل إذ لم يجعل فيك ما عيرت به ‪ ،‬وهي حسنة سيقت إليك ‪.‬‬

‫وقال عمرو بن العاص ‪ :‬سألت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عما يبعدني عن غضب اهلل تعالى قال‬
‫‪ ((:‬ال تغضب ))‪.‬‬

‫وقال لقمان ألبنه ‪ :‬إذا أردت أن تؤاخي أخًا فأغضبه ‪ ،‬فإن أنصفك وهو مغضب ‪ ،‬وإ ال فاحذره ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ((:‬إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء )) من جملة اإلحسان عند قتل‬
‫المسلم في القصاص أن يتفقد آلة القصاص ‪ ،‬وال يقتل بآلة كاّلة‪،‬وكذلك يحد الشفرة عند الذبح ‪،‬و‬
‫يريح البهيمة ‪،‬و ال يقطع منها شيء حتى تموت ‪،‬و ال يحد السكين قبالتها ‪ ،‬وأن يعرض عليها الماء‬
‫قبل الذبح ‪ ،‬وال يذبح اللبون ‪ ،‬وال ذات الولد ‪ ،‬حتى يستغني عن اللبن‪.‬وإ ن ال يستقصي في الحلب ‪،‬‬
‫ويقلم أظفاره عند الحلب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وال يذبح واحدة قّد ام أخرى‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬اتق اهلل حيثما كنت )) أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة‬
‫الناس ‪ ،‬واتقه في سائر األمكنة واألزمنة‪ .‬مما يعين على التقوى استحضار أن اهلل تعالى مطلع على‬
‫العبد في سائر أحواله ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬ما يكون من نجوى ثالثة إال هو رابعهم وال خمسة إال هو‬
‫سادسهم وال أدنى من ذلك وال أكثر إال هو معهم أين ما كانوا ثم ُيَنِّبُئهم بما عملوا يوم القيامة إّن اهلل‬
‫بكل شيء عليم } [المجادلة‪.]7:‬‬
‫والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات ‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وأتبع السيئه الحسنة تمحها )) أي إذا فعلت سيئة فاستغفر اهلل تعالى‬
‫منها وافعل بعدها حسنة تمحها ‪.‬‬

‫اعلم ‪ :‬أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن الحسنة ال تمحو إال سيئة واحدة ‪ ،‬وإ ن كانت الحسنة بعشر‬
‫‪ ،‬وأن التضعيف ال يمحو السيئه ‪ ،‬وليس هذا على ظاهره ‪ ،‬بل الحسنة الواحدة تمحو عشر سئيات ‪.‬‬
‫وقد ورد في الحديث ما يشهد لذلك وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ(( :‬تِّك برون دبر كل الصالة عشرًا‬
‫وتحمدون عشرًا وُتسِّبحون عشرًا فذلك َم ائة وخمسون باللسان وألف وخمسائة في الميزان ))‪.‬‬

‫ثم قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أيكم يفعل في اليوم الواحد ألفًا وخمسمائة سيئة ))دل على أن‬
‫التضعيف يمحو السيئات ‪ .‬وظاهر الحديث ‪ :‬أن الحسنة تمحو السيئة المتعلقة بحق اهلل تعالى ‪ ،‬أما‬
‫السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة والنميمة ‪ ،‬فال يمحوها إال االستحالل من العباد ‪ ،‬وال‬
‫بد أن يعين له جهة الظالمة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬قلت عليك كيت وكيت ‪.‬‬

‫وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬حاسبوا أنفسكم قبل‬
‫أن تحاسبوا )) ‪ .‬وقال اهلل تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل ولَتنُظر نفُس ما قدمت لغدٍ} [الحشر‪:‬‬
‫‪.]18‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وخالق الناس بخلق حسن ))‪ ..‬اعلم أن الخلق الحسن كلمة جامعة‬
‫لإلحسان إلى الناس ‪ ،‬وإ لى كف األذى عنهم ‪،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إنكم لن تسعوا الناس‬
‫بأموالكم فسعوه ا ببسط الوجه وحسن الخلق ))‪.‬‬

‫وعنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬خيركم أحسنكم أخالقاً))‪.‬‬

‫وعنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أن رجًال أتاه فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ما أفضل األعمال ؟ قال ‪ ((:‬حسن‬
‫الخلق )) ‪ ،‬وهو على ما مر أن أن ال تغضب ‪.‬‬

‫ويقال ‪ :‬اشتكى نبي إلى ربه سوء خلق امرأته ‪ ،‬فأوحى اهلل إليه ‪ :‬قد جعلت ذلك حظك من األذى ‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أكمل المؤمنين إيمانًا‬
‫أحسنهم أخالقًا ‪ ،‬وخيارهم خيارهم لنسائهم )) ‪.‬‬
‫وعنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إن اهلل اختار لكم اإلسالم دينًا فأكرموه بحسن الخلق والسخاء ‪ ،‬فإنه‬
‫ال يكمل إال بها ))‪.‬‬

‫وقال جبريل عليه السالم للنبي صلى اهلل عليه وسلم حين نزل قوله تعالى ‪ { :‬خذ العفو وأمر بالعرف‬
‫وأعرض عن الجاهلين } [األعراف ‪.]199 :‬‬

‫قال في تفسير ذلك ‪ :‬أن تعفو عمن ظلمك ‪ ،‬وتصل من قطعك وتعطي من حرمك‪.‬‬

‫وقال اهلل تعالى ‪ُ {:‬اْد َفْع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [فصلت‪.]34:‬‬

‫وقيل في تفسير قوله تعالى ‪ {:‬وإ َّنَك لعلى ُخ ُلٍق عظيم } [القلم‪.]4:‬‬

‫قال ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬يأتمر بأمره وينزجر بزواجره ‪ ،‬ويرضى لرضاه ‪ ،‬ويسخط لسخطه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬احفظ اهلل يحفظك )) أي احفظ أوامره وامتثلها ‪ ،‬وانته عن نواهيه ‪،‬‬
‫يحفظك في تقلباتكم ودنياك وآخرتك قال اهلل تعالى ‪ { :‬من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن‬
‫فلنحيينه حياة طيبة } [النحل‪ .]97:‬وما يحصل للعبد من البالء والمصائب بسبب تضييع أوامر اهلل‬
‫تعالى ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم }[الشورى‪.]30:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬تجده تجاهك )) أي أمامك ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬تعرف إلى‬
‫اهلل في الرخاء يعرفك في الشدة )) وقد نص اهلل تعالى في كتابه ‪ :‬أن العمل الصالح ينفع في الشدة‬
‫وينجي فاعله ‪ ،‬وأن عمل المصائب يؤدي بصاحبه إلى الشدة ‪ ،‬قال اهلل تعالى حكاية عن يونس عليه‬
‫الصالة والسالم ‪{ :‬فلو ال أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [الصافات ‪-143:‬‬
‫‪ .]144‬ولما قال فرعون ‪{:‬آمنت أنه ال إله إال الذي آمنت به بنو إسرائيل } قال الملك ‪{:‬اآلن وقد‬
‫عصيت قبل وكنت من المفسدين } [يونس ‪.]91-90:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إذا سألت فاسأل اهلل )) إشارة إلى أن العبد ال ينبغي له أن يعلق سره‬
‫بغير اهلل ‪ ،‬بل يتوكل عليه في سائر أموره ‪ ،‬ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها‬
‫على أيدي خلقه ‪ :‬كطلب الهداية ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والفهم في القرآن والسنة ‪،‬وشفاء المرض ‪ ،‬وحصول‬
‫العافية من بالء الدنيا وعذاب اآلخرة ‪ ،‬سأل ربه ذلك ‪ .‬وإ ن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن‬
‫اهلل سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقه ‪ ،‬كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع ‪ ،‬ووالة‬
‫األمور ‪ ،‬سأل اهلل تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول ‪ :‬اللهم حنن علينا قلوب عبادك وإ مائك ‪ ،‬و ما‬
‫أشبه ذلك ‪ ،‬وال يدعو اهلل تعالى باستغنائه عن الخلق ألنه صلى اهلل عليه وسلم سمع عليًا يقول ‪ :‬اللهم‬
‫اغننا عن خلقك فقال ‪ (( :‬ال تقل هكذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ولكن قل ‪ :‬اللهم اغننا‬
‫عن شرار خلقك )) وأما سؤال الخلق واالعتماد عليهم فمذموم ‪ ،‬ويروى عن اهلل تعالى في الكتب‬
‫المنزلة ‪ :‬أيقرع بالخواطر باب غيري وبابي مفتوح ؟ أم هل يؤمل للشدائد سواي وأنا الملك القادر ؟‬
‫ألكسوَّن من أمل غيري ثوب المذلة بين الناس ‪ ...‬الخ ‪.‬‬

‫قوله ‪ (( :‬واعلم أن األمة )) الخ ‪ ،‬لما كان قد يطمع في بر من يحبه ويخاف شر من يحذره ‪ ،‬قطع اهلل‬
‫اليأس من نفع الخلق بقوله ‪{:‬وإ ن يمسسك اهلل ُبضٍر فال كاشف له إال هو وإ ن يردك بخير فال راد‬
‫لفضله }[يونس‪ .]107:‬وال ينافي هذا كله قوله تعالى حكاية عن موسى عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫{فأخاف أن يقتلون }[الشعراء‪[ .]14:‬والقصص‪ .]33:‬وقوله تعالى ‪{:‬إّننا نخاُف أن يفرَط علينا أو أْن‬
‫َيْطغى }[طه‪ .]45:‬وكذا قوله‪ {:‬خذوا حذركم }[النساء‪]71:‬إلى غير ذلك‪.‬‬

‫بل السالمة بقدر اهلل ‪ ،‬والعطب بقدر اهلل ‪ ،‬واإلنسان يفر من أسباب العطب إلى أسباب إلى أسباب‬
‫السالمة ‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬وال تلقوا بأيديكم إلى التهُلكة }[البقرة‪.]195:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬واعلم أن النصر مع الصبر )) قال صلى عليه وسلم ‪ ((:‬ال تتمنوا لقاء‬
‫العدو ‪ ،‬واسألوا اهلل العافية‪ ،‬فإذا لقيتموهم فاصبروا وال تفروا ‪ ،‬فإن اهلل مع الصابرين ))‪ ..‬وكذلك‬
‫الصبر على األذى في موطن يعقبه النصر‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وأّن الفرج مع الكرب )) والكرب هو شدة البالء ‪ ،‬فإذا اشتد البالء‬
‫أعقبه اهلل تعالى الفرج كما قيل ‪ :‬اشتدي أزمة تنفرجي‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬وأن مع العسر يسرًا )) قد جاء في حديث آخر أنه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قال ‪ ((:‬لن يغلب عسر يسرين )) وذلك أن اهلل تعالى ذكر العسر مرتين وذكر اليسر مرتين ‪،‬‬
‫لكن عند العرب أن المعرفة إذا أعيدت معرفة توحدت ألن الالم الثانية للعهد ‪ ،‬واذا أعيدت النكرة‬
‫تعددت فالعسر ذكر مرتين معرفًا ‪ ،‬واليسر مرتين منكرًا فكان ‪ ،‬اثنين فلهذا قال صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ((:‬لن يغلب عسر يسرين ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬اذا لم تستح فاصنع ما شئت )) معناُه‪ :‬إذا أردت فعل شيء ‪ ،‬فإن كان‬
‫مما ال تستحي من فعله من اهلل ‪ ،‬وال من الناس فافعله ‪ ،‬وإ ال فال ‪ .‬وعلى هذا الحديث يدور مدار‬
‫اإلسالم كله ‪ ،‬وعلى هذا يكون قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬فاصنع ما شئت )) أمر إباحة ‪ ،‬ألن الفعل‬
‫إذا لم يكن منهيًا عنه شرعًا كان مباحًا‪.‬‬

‫ومنهم من فسر الحديث بأنك إذا كنت ال تستحي من اهلل وال تراقبه فاعط نفسك مناها وافعل ما تشاء ‪،‬‬
‫فيكون األمر فيه للتهديد ال لإلباحة ‪ ،‬ويكون كقوله تعالى ‪{:‬اعملوا ما شئتم }[فصلت‪.]40:‬‬

‫وكقوله تعالى‪{:‬واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك وَر جلَك وشاِر كُهْم في‬
‫األموال واألوالد وِع ْد ُهم وما يعدهم الشيطاُن إال غرورًا }[اإلسراء‪.]64:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬قل آمنت باهلل ثم استقم ))أي كما أمرت ونهيت ‪ ،‬واالستقامة مالزمة‬
‫الطريق بفعل الواجبات وترك المنهيات ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬فاستقم كما أمرت ومن تاب معك }[هود‪:‬‬
‫‪.]112‬وقال اهلل تعالى ‪{:‬إن الذين قالوا ربنا اهلل ثم استقاموا تتنزل عليهم المالئكة }[فصلت‪ .]30:‬أي‬
‫عند الموت تبشرهم بقوله تعالى‪{ :‬ال تخافوا وال تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنت توعدون }[فصلت‪:‬‬
‫‪.]30‬‬

‫وفي التفسير أنهم إذا بشروا بالجنة قالوا‪ :‬وأوالدنا ما يأكلون وما حالهم بعدنا؟ فيقال لهم ‪{ :‬نحن‬
‫أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي اآلخرة }‪[.‬فصلت‪]31:‬أي نتولى أمرهم بعدكم‪ ،‬فتقر بذلك أعينهم ‪.‬‬
‫َو َم ْع نى َح َّر ْم ُت الَح راَم ‪ :‬اْج َتَنْب ُتُه ‪َ .‬و َم ْع نى َأْح َلْلُت الَح الَل ‪َ:‬فَع ْلُتُه ُم ْع َِتقدًا ِح َّلُه‪.‬‬

‫قوله ‪ (( :‬أرأيت ‪ ...‬إلخ )) معناه ‪ :‬أخبرني‪.‬‬

‫وقوله ‪ (( :‬وأحللت الحالل )) أي اعتقدته حالًال وفعلت منه الواجبات ‪(( ،‬وحرمت الحرام )) أي‬
‫اعتقدته حرامًا ولم أفعله‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬نعم )) أي تدخل الجنة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬الطهور شطر اإليمان )) فسر الغزالي الطهور ‪ :‬بطهارة القلب من‬
‫الغل والحسد والحقد وسائر أمراض القلب ‪ .‬وذلك أن اإليمان الكامل إنما يتم بذلك ‪ ،‬فمن أتى‬
‫بالشهادتين حصل له الشطر ‪ ،‬ومن طهر قلبه من بقية األمراض كمل إيمانه ‪ ،‬ومن لم يطهر قلبه فقد‬
‫نقص إيمانه ‪.‬‬

‫قال بعضهم‪ :‬ومن طهر قلبه وتوضأ واغتسل وصلى ‪ ،‬فقد دخل الصالة بالطهارتين جميعًا‪ ،‬ومن‬
‫دخل في الصالة بطهارة األعضاء خاصة فقد دخل بإحدى الطهارتين‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى ال ينظر‬
‫إال إلى طهارة القلب لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬إن اهلل ال ينظر إلى صوركم وأبشاركم ولكن ينظر‬
‫إلى قلوبكم ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والحمد هلل تمأل الميزان ‪ ،‬وسبحان اهلل والحمد هلل تمآلن أو تمأل ما بين‬
‫السماء واألرض )) وهذا قد يشكل على الحديث اآلخر وهو أن موسى عليه الصالة والسالم قال ‪(( :‬‬
‫يا رب دلني على عمل يدخلني الجنة ؟ قال ‪ :‬يا موسى قل ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪ ،‬فلو وضعت السماوات‬
‫السبع واألرضون السبع في كفة ‪ ،‬وال إله إال اهلل في كفة ‪ ،‬لرجحت بهم ال إله إال اهلل ))‪ .‬ومعلوم أن‬
‫السماوات واألرضين أوسع مما بين السماء واألرض‪ ،‬وإ ذا كانت الحمد هلل تمأل الميزان وزيادة ‪ ،‬لزم‬
‫أن تكونا لحمد هلل تمأل ما بين السماء واألرض ألن الميزان أوسع مما بين السماء األرض ‪،‬و الحمد‬
‫هلل تملؤها ‪ .‬والمراد لو كان جسمًا لمأل الميزان ‪ ،‬أو أن ثواب الحمد هلل يملؤها ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والصالة نور )) أي ثوابها نور وفي الحديث ‪َ ((:‬بِّش ر الماشين في‬
‫الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والصدقة برهان )) أي دليل على صحة إيمان صاحبها ‪ ،‬وسميت‬
‫صدقة ألنها دليل على صدق إيمانه ‪،‬وذلك أن المنافق قد يصلي ‪،‬وال تسهل عليه الصدقة غالبًا‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬والصبر ضياء )) أي الصبر المحبوب ‪ ،‬وهو الصبر على طاعة اهلل‬
‫‪،‬و البالء ومكاره الدنيا ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬ال يزال صاحبه مستمرًا على الصواب ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬كل الناس يغدو فبائع نفسه )) معناه كل إنسان يسعى لنفسه ‪ ،‬فمنهم من‬
‫يبيعها هلل بطاعته فيعتقها من العذاب ‪ ،‬ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما ((فيوبقها )) أي‬
‫يهلكها‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪ ((:‬من قال حين يصبح أو يمسي‪ :‬اللهم إني أصبحت أشهدك‬
‫وأشهد حملة عرشك ومالئكتك وأنبياءك وجميع خلقك أنك أنت اهلل ال إله إال أنت وحدك ال شريك لك‬
‫‪،‬وأن محمدًا عبدك ونبيك‪ ،‬أعتق اهلل ربعه من النار ‪ ،‬فإن قالها مرتين أعتق اهلل نصفه من النار ‪ ،‬فإن‬
‫قالها ثالثُا أعتق اهلل ثالثة أرباعه من النار ‪ ،‬فإن قالها أربعًا أعتق اهلل كله من النار ))‪.‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬المالك إذا أتق بعض عبده سرى العتق إلى باقيه واهلل تعالى أعتق الربع األول فلم يسر‬
‫عليه وكذلك الباقي‪.‬‬

‫فالجواب‪ :‬إن السراية قهرية ‪ ،‬واهلل تعالى ال تقع عليه األشياء القهرية بخالف غيره ‪ ،‬وال يقع في‬
‫حكمه سبحانه ما ال يريد ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬إن اهلل اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأّن لهُم الجنَة‬
‫ُيقاتلون في سبيِل اهلل َفَيقتلون وُيقَتلون وعدًا عليه حقًا في التوارة واإلنجيل والقرآن و من أوفى بعهده‬
‫من اهلل فاستبشروا ببِيعُك م الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }[التوبة‪.]111:‬‬

‫قال بعض العلماء ‪ :‬لم يقع بيع أشرف من هذا ‪ ،‬وذلك أن المشتر ي هو اهلل ‪،‬و البائع المؤمنون‬
‫‪،‬والمبيع األنفس ‪ ،‬والثمن الجنة‪.‬‬
‫وفي اآلية دليل على أن البائع يجبر أوًال على تسليم السلعة قبل أن يقبض الثمن ‪،‬وأن المشتري ال‬
‫يجبر أوًال على تسليم الثمن‪.‬‬

‫وذلك أن اهلل تعالى أوجب على المؤمنين الجهاد حتى يقتلوا في سبيل اهلل فأوجب عليهم أن يسلموا‬
‫األنفس المبيعة ويأخذوا الجنة ‪ .‬فإن قيل ‪ :‬كيف يشتري السيد من عبيده أنفسهم ‪،‬و األنفس ملك له ؟!‬
‫قيل ‪ :‬كاتبهم ثم اشترى منهم ‪،‬واهلل تعالى أوجب عليهم الصلوات الخمس والصوم وغير ذلك ‪،‬فإذا‬
‫أّد وا ذلك فهم أحرار ‪،‬و اهلل تعالى أعلم ‪.‬‬

‫قوله عز وجل ‪ (( :‬إني حرمت الظلم على نفسي )) أي تقدست عنه ‪ ،‬والظلم مستحيل في حق اهلل‬
‫تعالى ‪ ،‬فإن الظلم مجاوزة الحد والتصرف في ملك الغير وهما جميعًا محال في حق اهلل تعالى ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ((:‬فال تظالموا )) أي فال يظلم بعضكم بعضًا‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ((:‬إنكم َتخَطأون بالليل والنهار )) بفتح التاء والطاء على أنه من خطىء بفتح الخاء‬
‫وكسر الطاء يخطأ في المضارع ‪ ،‬ويجوز فيه ضم التاء على أنه من أخطاء ‪ ،‬والخطأ يستعمل في‬
‫العمد والسهو وال يصح إنكار هذه اللغة ويرد عليه قوله تعالى ‪ {:‬إَّن َقْتلهُم كاَن ِخ طًأ كبيرًا }[اإلسراء‪:‬‬
‫‪ .]31‬بفتح الخاء والطاء وقرىء((خطئًا كبيرًا )) أيضًا‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪((:‬لو أن أولكم وآخركم وإ نسكم وجنكم ))‪...‬إلخ دلت األدلة السمعية والعقلية على أن اهلل‬
‫مستغن في ذاته عن كل شيء ‪ ،‬وأنه تعالى ال يتكثر بشيء من مخلوقاته ‪ ،‬وقد بين اهلل تعالى أن له‬
‫ملك السماوات واألرض وما بينهما ‪ ،‬ثم بين أنهم مستغن عن ذلك قال تعالى ‪{:‬يخلق اهلل ما يشاء }[آل‬
‫عمران‪ .]47:‬وهو قادر على أن يذهب هذا الوجود ويخلق غيره ‪ ،‬ومن قدر على أن يخلق كل شيء‪،‬‬
‫فقد استغنى عن كل موجود ‪ ،‬ثم بين سبحانه وتعالى أنه مستغن عن الشريك فقال تعالى ‪{:‬ولم يكن له‬
‫شريك في الملك }‪ .‬ثم بين سبحانه وتعالى أنه مستغن عن المعين والظهير فقال تعالى ‪{:‬ولم يكن له‬
‫ولي من الذل }[اإلسراء‪ .]111:‬فوصف العز ثابت أبدًا‪ ،‬ووصف الذل منتف عنه تعالى ‪ ،‬ومن كان‬
‫كذلك فهو مستغن عن طاعة المطيع ‪،‬ولو أن الخلق كلهم أطاعوا كطاعة أتقى رجل منهم ‪ ،‬وبادروا‬
‫إلى أوامره ونواهيه ولم يخالفوه‪ ،‬لم يتكثر سبحانه وتعالى بذلك ‪،‬وال يكون ذلك زيادة في ملكه ‪،‬و‬
‫طاعتهم إنما حصلت بتوفيقه وإ عانته ‪،‬وطاعتهم نعمة منه عليهم ‪،‬ولو إنهم كلهم عصوه كمعصية‬
‫أفجر رجل وهو إبليس ‪ ،‬وخالفوه أمره ونهيه لم يضره ذلك ولم ينقص ذلك من كمال ملكه شيئًا ‪ ،‬فإنه‬
‫لو شاء أهلكهم وخلق غيرهم فسبحان من ال تنفعه الطاعة ‪ ،‬وال تضره المعصية ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ((:‬فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إال كما ينقص المخيط اذا أدخل‬
‫البحر )) ومعلوم أن المخيط وهو اإلبرة وذلك في المشاهدة ال تنقص من البحر شيئًا‪ ،‬والذي يتعلق‬
‫بالمخيط ال يظهر له أثر في المشاهدة وال الوزن ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪ ((:‬فمن وجد خيرًا فليحمد اهلل )) أي على توفيقه لطاعته‪.‬‬

‫قوله تعالى‪ ((:‬ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال نفسه )) حيث اعطاها مناها واتبع هواها‪.‬‬

‫قوله‪ :‬قالوا يا رسول اهلل أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال‪ ((:‬أرأيتم لو وضعها في حرام أكان‬
‫عليه وزر )) اعلم أن شهوة الجماع أحبها األنبياء والصالحون ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لما فيها من المصالح الدينية‬
‫والدنيوية من غِّض البصر وكسر الشهوة عن الزنا وحصول النسل الذي تتم به عمارة الدنيا وتكثر‬
‫األمة إلى يوم القيامة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وسائر الشهوات يقسي تعاطيها القلب ‪ ،‬إال هذه فإنها ترقق القلب ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬كل سالمى من الناس عليه صدقة )) والسالمى أعضاء اإلنسان ‪،‬وذكر‬
‫أنها ثالث مائة وستون عضوًا منها صدقة كل يوم ‪ ،‬وكل عمل بر من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو‬
‫خطوة يخطوها إلى الصالة صدقة ‪ ،‬فمن أدى هذه في أول يومه فقد أدى زكاة بدنه فيحفظ بقيته ‪.‬‬

‫وجاء في الحديث ‪:‬‬

‫(( أن ركعتين من الضحى تقوم مقام ذلك ))‪.‬‬

‫وفي الحديث‪:‬‬

‫(( يقول اهلل تعالى ‪ :‬يا ابن آدم صِّل لي أربع ركعات في أول اليوم أكفك في أول اليوم وأكفك في‬
‫آخره ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ((:‬البر حسن الخلق )) وقد تقدم الكالم في حسن الخلق ‪ ،‬قال ابن عمر ‪:‬‬
‫البر أمر هين ‪ ،‬وجه طلق ولسان لين ‪ .‬وقد ذكر اهلل تعالى آية جمعت أنواع البر فقال تعالى ‪{:‬ولكن‬
‫البَّر َم ْن آَم َن باهلل واليوِم اآلخر }[البقرة‪.]177‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬واإلثم ما حاك في نفسك )) أي اختلج وتردد ولم تطمئن النفس إلىفعله ‪،‬‬
‫وفي الحديث دليل على أن اإلنسان يراجع قلبه إذا أراد اإلقدام على فعل شيء فإن اطمأنت عليه‬
‫النفس فعله وإ ن لم تطمئن تركه ‪ ،‬وقد تقدم الكالم على الشبهة في حديث (( الحالل بين والحرام بين‬
‫))‪ .‬ويروى أن آدم عليه الصالة والسالم أوصى بنيه بوصايا‪ ،‬منها أنه قال ‪:‬إذا أردتم فعل شيء فإن‬
‫اضطربت قلوبكم فال تفعلوه ‪ ،‬فإني لما دنوت من أكل الشجرة اضطرب قلبي عند األكل ‪ .‬ومنها أنه‬
‫قال ‪ :‬إذا أردتم فعل شيء فانظروا في عاقبته فإني لو نظرت في عاقبة األكل ما أكلت من الشجرة ‪.‬‬
‫ومنها أنه قال ‪:‬إذا أردتم فعل شيء فاستشيروا األخيار فإني لو استشرت المالئكة ألشاروا علّي بترك‬
‫األكل من الشجرة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وكرهت أن يطلع عليه الناس )) ألن الناس قد يلومون اإلنسان على‬
‫أكل الشبهة وعلى أخذها وعلى نكاح امرأة قد قيل إنها أرضعت معه ولهذا قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( كيف وقد قيل ))‪ .‬وكذلك الحرام إذا تعاطاه الشخص يكره أن يطلع عليه الناس ‪ ،‬ومثال الحرام‬
‫األكل من مال الغير ‪ ،‬فإن يجوز إن كان يتحقق رضاه ‪ ،‬فإن شك في رضاه حرم األكل ‪،‬وكذلك‬
‫التصرف في الوديعة بغير إذن صاحبها ‪ ،‬فإن الناس إذا اطلعوا على ذلك أنكروه عليه ‪ ،‬وهو يكره‬
‫اطالع الناس على ذلك ألنهم ينكرون عليه ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫(( ما حاك في النفس ‪ ،‬وإ ن أفتاك الناس وأفتوك ))‪.‬‬

‫مثاله الهدية إذا جاءتك من شخص ‪ ،‬غالب ماله حرام ‪،‬وترددت النفس في حلها ‪،‬وأفتاك المفتي بحل‬
‫األكل فإن الفتوى التزيل الشبهة ‪،‬وكذلك إذا أخبرته امرأة بأنه ارتضع مع فالنة ‪ ،‬فإن المفتي إذا‬
‫أفتاه بجواز نكاحها لعدم استكمال النصاب ال تكون الفتوى مزيلة للشبهة ‪ ،‬بل ينبغي الورع وإ ن أفتاه‬
‫الناس ‪،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫قوله ‪((:‬وعظنا )) الوعظ هو التخويف‪.‬‬

‫قوله ‪((:‬وذرفت منها العيون )) أي بكت ودمعت‪.‬‬


‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬عليكم بسنتي ))أي عند اختالف األمور الزموا سنتي ‪ ،‬وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ وهي مؤخر األضراس وقيل ‪ :‬األنياب ‪،‬واإلنسان متى عض بنواجذه كأن يجمع أسنانه‬
‫فيكون مبالغة ‪ ،‬فمن العض على السنة األخذ بها وعدم اتباع آراء أهل األهواء والبدع ‪ ،‬وعضوا ‪:‬‬
‫فعل أمر من عض يعض ‪ ،‬وهو بفتح العين ‪ ،‬وضمها لحن ‪،‬ولذلك تقول ‪ :‬بر أمك يازيد ‪ ،‬ألنه من بر‬
‫يبر وال تقول ‪ ،‬بر إمك بضم الباء ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫((وسنة الخلفاء الراشدين المهديين )) رضي اهلل عنهم ‪ ،‬يريد األربعة وهم ‪ :‬أبوبكر ‪ ،‬وعمر وعثمان‬
‫‪،‬وعلي ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وذرون سنامة )) أي أعاله ‪ ،‬و((ِم الك الشيء )) بكسر الميم‪ :‬أي‬
‫مقصوده‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ثكلتك أمك )) أي فقدتك ‪ ،‬ولم يقصد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫حقيقة الدعاء بل جرى ذلك على عادة العرب في المخاطبات ‪ ،‬و(( حصائد ألسنتهم )) جناياتها على‬
‫الناس بالوقوع في أعراضهم والمشي بالنميمة ونحو ذلك ‪ ،‬وجنايات اللسان ‪ :‬الغيبة والنميمة والكذب‬
‫والبهتان وكلمة الكفر والسخرية وخلف الوعد ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪َ{:‬ك ُبَر مقتًا ِع ْنَد اهلل أْن تقولوا ما ال‬
‫َتْفَع لون }[الصف‪.]30:‬‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬حرم أشياء فال تنتهكوها )) أي فال تدخلوا فيها ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وسكت عن أشياء رحمة لكم )) تقدم معناه ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم(( ازهد في الدنيا يحبك اهلل) ) الزهد ‪ :‬ترك ما ال يحتاج إليه من الدنيا ‪،‬و‬
‫إن كان حالًال ‪،‬و االقتصار على الكفاية ‪،‬والورع ‪ :‬ترك الشبهات ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وأعقل الناس الزهاد ‪،‬‬
‫ألنهم أحبوا ما أحب اهلل ‪ ،‬وكرهوا ما كره اهلل من جمع الدنيا ‪ ،‬واستعلموا الراحة ألنفسهم ‪ .‬قال‬
‫الشافعي رحمه اهلل تعالى ‪ :‬لو أوصى ألعقل الناس صرف للزهاد ‪ .‬ولبعضهم ‪:‬‬

‫كن زاهـدًا فـيـمـا َح ـَو ت أيدي الــورى‬

‫َتــضْـَح ــى إلى كـَّل األن ــام حـبيـبا‬

‫أو ما ترى الخّطاف حَّر م زادهم فغدا رئيسًا في الحجور قريبًا‪.‬‬

‫وللشافعي رضي اهلل عنه في ذم الدنيا ‪:‬‬

‫وســيق إل ـي ـنــا عــذبـهـا وعذابــها‬ ‫ومــن يــذق الــدنـيــا فـإنـي طمعتهـا‬


‫ك ـمـا الح في ظ ـهــر الـفــالة سرايهـا‬ ‫فـلـم أرها إال غــرورًا وبــاطـ ـ ـ ـًال‬

‫ع ـلـيـهــا كـالب هـمـهـن اجتذابــها‬ ‫وماهـي إال ج ـي ـفــة م ـسـتحـيـلـة‬

‫وإ ن تجـتذبــها نــازع ـتـك كــالبــها‬ ‫فــإن تجـتـنـبـها كـنـت سلـمًا ألهـلـها‬

‫حــرام على ن ـفــس الــتقـي ارتـكابـها‬ ‫فــدع عــنك فضــالت األمــور فإنــها‬

‫قوله ‪ (( :‬حرام على نفس التقي ارتكابها )) يدل على تحريم الفرح بالدنيا ‪ ،‬وقد صرح بذلك البغوي‬
‫في تفسير قوله تعالى ‪{:‬وفرحوا بالحياة الدنيا }[الرعد‪ .]26:‬ثم المراد بالدنيا بالمذمومة ‪ :‬طلب الزائد‬
‫على الكفاية ‪ ،‬أما طلب الكفاية فواجب ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬وليس ذلك من الدنيا ‪ ،‬وأما الدنيا فالزائدة على‬
‫الكفاية ‪،‬واستدل بقوله تعالى ‪ُ { :‬ز ِّين للناِس ُح ُّب الشهواِت من النساِء والَبِنيَن والقناطير المقنطرة‬
‫من الذهب والفضة والخيل المسُّو ِم ة واألنعاِم والحرث ذلك متاُع الحياِة الدنيا واهلل عنده حسن المآب }‬
‫[آل عمران ‪ .]14:‬فقوله تعالى ذلك إشارة إلى ما تقدم من طلب التوسع والتبسط ‪ ،‬قال الشافعي‬
‫رحمه تعالى ‪ :‬طلب الزائد من الحالل عقوبة ابتلى اهلل بها أهل التوحيد ‪ .‬ولبعضهم ‪:‬‬

‫إال التي كــان قـ ـبــل المــوت يبنيها‬ ‫ال دار للمــرء ب ـعــد المـوت يـسـكـنـها‬

‫وإ ن ب ـنـاها ب ـشـر خــاب بـانـيها‬ ‫فــإن بـنـاها بـخـير طــاب مـسـكـنـه‬

‫الن ـفـس تـرغــب في الدنـيـا وقد عـلمـت‬

‫أن الـزهـادة فــيهـا تــرك مـا فـيـها‬

‫فـاغــرس أصـول التـقى مـادمــت مجتهـدا‬

‫واعــلم بأنــك بــعد المــوت القــيها‬

‫ثم بعد ذلك إذا فرح بها ألجل المباهاة والتفاخر والتطاول على الناس فهو مذموم ‪ ،‬ومن فرح بها‬
‫لكونها من فضل اهلل عليه فهو محمود‪.‬‬

‫قال عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬اللهم إنا ال نفرح إال بما رزقتنا ‪.‬‬
‫وقد اهلل تعالى المقتصدين في العيش فقال تعالى ‪{:‬والذين إذا أنفقوا لم ُيسرفوا ولم َيقُتروا وكان بين‬
‫ذلك قواماً}[الفرقان‪.]67:‬‬

‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ما خاب من استخار وال ندم من استشار ‪ ،‬وال افتقر من اقتصد ))‪.‬‬
‫وكان يقال ‪ :‬القصد في المعيشة يكفي عنك نصف المؤنة ‪ ،‬واالقتصاد ‪ :‬الرضى بالكفاية ‪ ،‬قال بعض‬
‫الصالحين ‪ :‬من اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا قدم فضًال‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ال ضرار )) أي ال يضر أحدكم أحدًا بغير حق وال جناية سابقة ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وال ضرار )) أي التضر من ضرك ‪ ،‬وإ ذا سبك أحد فال تسبه ‪ ،‬وإ ن‬
‫ضربك فال تضربه ‪ ،‬بل اطلب حقك منه عند الحاكم من غير مسابة ‪ ،‬وإ ذا تساب رجالن أو تقاذفا لم‬
‫يحصل التقاص ‪ ،‬بل كل واحد يأخذ حقه بالحاكم ‪ ،‬وفي الحديث عنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪(( :‬‬
‫للمتسابين ما قاال ‪ ،‬وعلى البادي منهما اإلثم ‪ ،‬ما لم يعتد المظلوم بسبب زائد ))‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر )) إنما كانت البينة على‬
‫المدعي ألنه يدعي خالف الظاهر واألصل براءة الذمة ‪ ،‬وإ نما كانت اليمين في جانب المدعى عليه‬
‫ألنه يدعي ما وافق األصل وهو براءة الذمة ‪.‬‬

‫ويستثنى مسائل ‪ ،‬فيقبل المدعي بال بينة فيما ال يعلم إال من جهته كدعوى األب حاجة إلى اإلعفاف ‪،‬‬
‫ودعوى السفيه التوقان إلى النكاح مع القرينة‪ ،‬ودعوى الخنثى األنوثة والذكورة ‪ ،‬ودعوى الطفل‬
‫البلوغ باالحتالم ‪،‬ودعوى القريب عدم المال ليأخذ النفقة ‪ ،‬ودعوى المدين اإلعسار في دين لزمه بال‬
‫مقابل ‪ ،‬كصداق الزوجة ‪،‬و الضمان ‪،‬وقيمة المتلف ‪،‬و دعوى المرأة انقضاء العدة باإلقراء ‪ ،‬أو‬
‫بوضع الحمل ‪ ،‬ودعواها أنها استحلت وطلقت ‪،‬ودعوى المودع تلف الوديعة أو ضياعها بسرقة‬
‫ونحوها ‪.‬‬

‫ويستثنى أيضًا‪ :‬القسامة فإن اإليمان يكون في جانب المدعي مع اللوث ‪ ،‬والِلعان فإن الزوج يقذف‬
‫ويالعن ويسقط عنه الحدود ‪،‬و دعوى الوطء في مدة اللعنة ‪ ،‬فإن المرأة اذا أنكرته يصدق الزوج‬
‫بدعواه ‪ ،‬إال أن تكون الزوجة بكرًا ‪ ،‬وكذا لو ادعى أنه وطىء في مدة اإليالء ‪،‬وتارك الصالة إذا قال‬
‫‪ :‬صليت في البيت ‪،‬ومانع الزكاة إذا قال ‪ :‬أخرجتها إال أن ينكر الفقراء وهم محصورون فعليه البينة‬
‫‪ ،‬وكذا لو ادعى الفقر وطلب الزكاة أعطي وال يحلف ‪ ،‬بخالف ما إذا ادعى العيال فإنه يحتاج إلى‬
‫البينة ‪ ،‬ولو أكل في يوم الثالثين من رمضان وادعى أنه رأى الهالل لم يقبل منه إن ادعى ذلك بعد‬
‫األكل ‪ ،‬فإنه ينفي عن نفسه التعزير‪ ،‬وإ ذا ادعى ذلك قبل األكل قبل ولم يعزر‪ ،‬وينبغي أن يأكل سرًا‬
‫ألن شهادته وحده ال تقبل‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬واليمين على من أنكر )) هذه اليمين تسمى يمين الصبر‪ ،‬وتسمى‬
‫الغموس ‪ ،‬وسميت يمين الصبر ألنها تحبس صاحب الحق عن حقه والحبس ‪ :‬الصبر ‪ ،‬ومنه قيل‬
‫للقتيل والمحبوس عن الدفن مصبر ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬من حلف على يمين صبر يقتطع‬
‫به مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي وهو عليه غضبان )) وهذه اليمين ال تكون إال على الماضي‪،‬‬
‫ووقعت في القرآن العظيم في مواضع كثيرة ‪ :‬منها قوله تعالى ‪{:‬يِح ُلفون باهلل ما قالوا } [التوبة‪،]74:‬‬
‫ومنها قوله تعالى إخبارًا عن الكفرة ‪{ :‬ثم لم تكن فتنتهم إال أن قالوا ‪ :‬واهلل رّبنا ما ُك َّنا ُم شِر كين }‬
‫[األنعام‪ .]23:‬ومنها قوله تعالى‪{:‬إَّن الذين يشترون بعهِد اهلل وأيمانهم ثمنًا قليًال أولئك الخالق لهم في‬
‫اآلخرة وال ُيكلُمُهم اُهلل وال ينظُر إليهم يوم القيامِة وال ُيزكيهْم وُلهْم عذاِّب أليم }[آل عمران‪.]77:‬‬

‫ويستحب للحاكم أن يقرأ هذه اآلية عن تحليفه للخصم لينزجر ‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وذلك أضعف اإليمان )) ليس المراد أن العاجز إذا أنكر بقلبه يكون‬
‫إيمانه أضعف من إيمان غيره ‪ ،‬وإ نما المراد أن ذلك أدنى اإليمان ‪ ،‬وذلك أن العمل ثمرة اإليمان‬
‫‪،‬وأعلى ثمرة اإليمان في باب النهي عن المنكر أن ينهي بيده ‪ ،‬وإ ن قتل كان شهيدًا‪ ،‬قال اهلل تعالى‬
‫حاكيًا عن لقمان ‪{:‬يا ُبَّني أِقِم الصالَة وأُمْر بالمعروِف واْن ه عن الُم نَك ِر واصِبْر على ما أصاَبك }‬
‫[لقمان‪ ]17:‬ويجب النهي على القادر باللسان وإ ن لم يسمع منه ‪ ،‬كما إذا علم أنه إذا سلم ال ُيرد عليه‬
‫السالم فإنه يسلم‪.‬‬

‫فإن قيل قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬فإن‪ ،‬لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه )) يقتضي أن غير‬
‫المستطيع ال يجوز له التغيير بغير القلب واألمر للوجوب ‪ .‬فجوابه من وجهين ‪ :‬احدهما أن المفهوم‬
‫مخصص بقوله تعالى ‪{:‬واصبر على ما أصابك }‪.‬‬

‫والثاني أن األمر فيه يعني رفع الحرج ال رفع المستحب‪.‬‬

‫فإن قيل اإلنكار بالقلب ليس تغيير المنكر فما معنى قوله صلى اهلل عليه وسلم ((فبقلبه ))‪.‬‬

‫فجوابه ‪ :‬أن المراد أن ينكر ذلك وال يرضاه ويشتغل بذكر اهلل ‪ ،‬وقد مدح اهلل تعالى العاملين بذلك‬
‫فقال ‪{:‬وإ ذا مُّر وا بالّلغو مُّر وا كرامًا }[الفرقان‪.]72:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ال تحاسدوا )) قد تقدم أن الحسد على ثالثة أنواع ‪ .‬والنجش‪ :‬أصله‬
‫االرتفاع والزيادة ‪،‬و هو أن يزيد في ثمن سلعة ليغر غيره ‪ ،‬وهو حرام ‪،‬ألنه غش وخديعة ‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وال تدابروا )) أي ال يهجر أحدكم أخاه وإ ن رآه أعطاه دبره أو ظهره‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ال يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثالثة أيام يلتقيان فُيعرض هذا‬
‫وُيعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسالم ))‪.‬‬

‫والبيع على بيع أخيه ‪ ،‬صورته ‪ :‬أن يبيع أخوه شيئًا فيأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله أ و أحسن منه‬
‫بأقبل من ثمن ذلك ‪ ،‬والشراء علىالشراء حرام ‪ :‬بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه منه بأغلى ثمن ‪،‬‬
‫وكذلك يحرم السوم على سوم أخيه ‪ ،‬وكل هذا داخل في الحديث لحصول المعنى ‪،‬و هو التباغض‬
‫والتدابر ‪ ،‬وتقييد النهي ببيع أخيه يقتضي أنه ال يحرم على بيع الكافر ‪ ،‬وهو وجه البن خالويه ‪،‬‬
‫والصحيح ال فرق ألنه من باب الوفاء بالذمة والعهد‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬التقوى ههنا )) وأشار بيده إلى صدره وأراد القلب‪ ،‬وقدتقدم قوله صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬أال وإ ن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله )) قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلك ‪ ((:‬وال يخذله )) أي عند أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر ‪ ،‬أو عند مطالبته بحق من‬
‫الحقوق ‪ ،‬بل ينصره ويعينه ويدفع عنه األذى ما استطاع‪.‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬وال يحقره )) أي فال يحكم على نفسه بأنه خير من غيره ‪ ،‬بل يحكم‬
‫على غيره بأنه خير منه ‪ ،‬أو ال يحكم بشيء فإن العاقبة منطوية وال يدري العبد بما يختم له ‪ ،‬فإذا‬
‫رأى صغيرًا مسلمًا حكم بأنه خير منه باعتبار أنه أخف ذنوبًا منه ‪ ،‬وإ ن رأى من هو أكبر سنًا منه‬
‫حكم له بالخيرية باعتبار أنه أقدم هجره مه في اإلسالم ‪ ،‬وإ ن رأى كافرًا لم يقطع له بالنار ال حتمال‬
‫أنه يسلم فيموت مسلمًا‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬بحسب امرىء من الشر )) ‪ .‬أي يكفيه من الشر (( أن يحقر أخاه ))‬
‫يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب ‪..‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬كل المسلم إلخ )) قال في حجة الوداع ‪ ((:‬إن دماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ))‪ .‬واستدل الكرابيسي بهذا الحديث على أن‬
‫الغيبة الوقوع في عرض المسلمين كبيرة إما لداللة االقتران بالدم والمال إما لتشبيه بقوله ‪ ((:‬كحرمة‬
‫يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )) وقد توعد اهلل تعالى بالعذاب األليم عليه فقال تعالى ‪َ{:‬و َم ْن‬
‫ُيِر ْد ِف يِه ِبِإْلَح اٍد ِبْظلٍم ُنِذ ْقُه ِم ْن َع َذ اٍب أليٍم }[الحج‪.]25:‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس اهلل عنه كربة من كرب‬
‫يوم القيامة )) فيه دليل على استحباب خالص األسير من أيدي الكفار بماله يعطيه ‪،‬و على تخليص‬
‫المسلم من أيدي الظلمة وخالصه من السجن ‪.‬يقال ‪ :‬إن يوسف عليه السالم لما خرج من السجن‬
‫كتب على بابه ‪ ((:‬هذا قبر األحياء ‪ ،‬وشماتة األعداء ‪ ،‬وتجربة األصدقاء ))‪ .‬ويدخل في هذا الباب‬
‫الضمان عن المعسر ‪ ،‬والكفالة ببدنه ‪ ،‬لمن هو قادر عليه ‪ ،‬أما العاجز فال ينبغي له ذلك ‪،‬وقال بعض‬
‫أصحاب القفال ‪ :‬إن في التوراة مكتوبًا ‪ ((:‬الكفالة مذمومة )) أولها ندامة وأوسطها مالمة‪ ،‬وآخرها‬
‫غرامة ))‪ .‬فإن قيل ‪:‬قال اهلل تعالى ‪{:‬ومن جاء بالحسنة فله َع ْش ُر أمثالها }[األنعام‪ .]160:‬وهذا‬
‫الحديث يدل على أن الحسنة بمثلها ألنها قوبلت بتنفيس كربة واحدة ‪،‬و لم تقابل بعشر كرب من يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫فجوابه من وجهين ‪ :‬أحدهما أن هذا من باب مفهوم العدد ‪ ،‬والحكم المعلق بعدد ال يدل على نفي‬
‫الزيادة والنقصان ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن كل كربة من كرب يوم القيامة تشتمل على أهوال كثيرة وأحوال صعبة ومخاوف جمة ‪،‬‬
‫وتلك األهوال تزيد علىالعشرة وأضعافها ‪ .‬وفي الحديث سر آخر مكتوم يظهر بطريق الالزم للملزوم‬
‫‪،‬وذلك أن فيه وعدًا بإخبار الصادق‪ :‬أن من نفس الكربة عن المسلم يختم له بخير ‪ ،‬ويموت على‬
‫اإلسالم ‪ ،‬ألن الكفار ال يرحم في دار اآلخرة وال ينفس عنه من كربه شيء ‪ ،‬ففي الحديث إشارة إلى‬
‫بشارة تضمنتها العبارة الواردة عن صاحب اإلمارة ‪ ،‬فبهذا الوعد العظيم فليثق الواثقون {لمثل هذا‬
‫فليعمل العاملون }[الصافات‪.]61:‬فأفضل العمل تنفيس الكرب‪.‬‬

‫وفي الحديث دليل على استحباب ستر المسلم إذا اطلع عليه أنه عمل فاحشة قال اهلل تعالى ‪{:‬إَّن الذين‬
‫يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا‪ ،‬لهم عذاب أليم في الدنيا واآلخرة }[النور‪ .]19:‬والمستحب‬
‫لإلنسان إذا اقترف ذنبًا أن يستر علىنفسه ‪ ،‬وأما شهود الزنا ‪ ،‬فاختلف فيهم على وجهين ‪ ،‬احدهما ‪:‬‬
‫يستحب لهم الستر‪ ،‬والثاني ‪ :‬الشهادة‪.‬‬
‫وفصل بعضهم فقال ‪ :‬إن رأوا مصلحة في الشهادة شهدوا ‪ ،‬أو في الستر ستروا‪.‬‬

‫وفي الحديث دليل على استحباب المشي في طلب العلم ‪،‬ويروى أن اهلل سبحانه وتعالى أوحى إلى‬
‫داود عليه الصالة والسالم ‪:‬أن خذ عصا من حديد ونعلين من حديد وامش في طلب العلم حتى يتخرق‬
‫النعالن وتتكسر العصا‪.‬‬

‫وفيه دليل على خدمةالعلماء ومالزمتهم والسفر معهم واكتساب العلم منهم ‪،‬قال اهلل تعالى حاكيًا عن‬
‫موسى عليه الصالة والسالم‪{:‬هل َأِتبُعَك على أن تعلمني مما علمت ُر شدًا }[الكهف‪.]66:‬‬

‫وعلم أن هذا الحديث له شرائط‪ ،‬منها العمل بما يعلمه ‪ ،‬وقال أنس رضي اهلل عنه ‪ :‬العلماء همتهم‬
‫الرعاية ‪ ،‬والسفهاء همتهم الرواية ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬

‫حــتى ي ـعـيـهــا ق ـل ـب ــه أوال‬ ‫م ــواع ــظ الــواعــظ لــن تـقـبال‬

‫خـ ــالــف مــا قــد قـالـه في المـال‬ ‫يــاق ــوم مــن أظ ـلــم مـن واعــظ‬

‫وخــالــف ال ــرح ـمــن لـمـا خال‬ ‫أظ ـهــر بـيـن ال ــخلــق إحـســانه‬

‫ومن شرائطه نشره قال اهلل تعالى ‪{:‬فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة َليَتَفَّقُهوا في الدين ولينذروا‬
‫قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }[التوبة‪ .]122:‬وروى أنس رضي اهلل تعالى عنه أن النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال ألصحابه ‪((:‬أال أخبركم عن أجود األجواد )) قالوا بلى يا رسول اهلل ‪ ،‬قال‬
‫‪ ((:‬اهلل أجود األجواد‪ ،‬وأنا أجود ولد آدم ‪ ،‬وأجودهم بعدي رجل علم علمًا فنشره يبعث يوم القيامة‬
‫أمةوحده ‪،‬ورجل بنفسه في سبيل اهلل حتى قتل ))‪.‬‬

‫ومن شرائطه ترك المباهاة والممارة ‪ .‬وروي عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ ((:‬من طلب‬
‫العلم ألربعة دخل النار ‪ :‬ليباهي به العلماء ‪ ،‬أو يماري به السفهاء ‪ ،‬أو يأخذ به األموال ‪ ،‬أو يصرف‬
‫به وجوه الناس إليه ))‪.‬‬

‫ومن شرائطه االحتساب في نشره وترك البخل به ‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬قل ال أسألكم عليه أجرًا }‬
‫[األنعام‪.]90:‬‬
‫ومن شرائطه ترك األنفة من قول ال أدري ‪ ،‬قال صلى اهلل عليه وسلم في علو مرتبته لما سئل عن‬
‫الساعة‪ ((:‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) ‪ .‬وسئل عن الروح فقال ‪ ((:‬ال أدري ))‪.‬‬

‫ومن شرائطه التواضع قال اهلل تعالى ‪{:‬وعباُد الرحمن الذين يمشون على األرض هوناً}[الفرقان‬
‫‪ .]63‬قال صلى اهلل عليه وسلم ألبي ذر‪ ((:‬يا أبا ذر احفظ وصية نبيك عسى أن ينفعك اهلل بها ‪،‬‬
‫تواضع هلل عز وجل عسى أن يرفعك القيامة ‪ ،‬وسلم على من لقيت من أمتي بَّر ها وفاجرها ‪ ،‬والبس‬
‫الخشن من الثياب ‪ ،‬والُتِر ْد بذلك إال وجه اهلل تعالى ‪ ،‬لعل الكبر والحمية ال يجدان في قبلك مساغًا ))‪.‬‬

‫ومن شرائطه احتمال األذى في بذل النصيحة واالقتداء بالسلف الصالح في ذلك قال اهلل تعالى ‪{:‬وأنه‬
‫عن المنكر واصبر على ما أصابك}[لقمان‪ . ]17:‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬ما أوذي نِّبي مثل ما‬
‫أوذيت ))‪.‬‬

‫ومن شرائطه أن يقصد بعلمه من كان أحوج إلى التعليم ‪ ،‬كما يقصد بالصدقة بالمال األحوج فاألحوج‬
‫‪ ،‬فمن أحيا جاهُال بتعليم العلم فكأنما أحيا الناس جمعيًا ‪ ،‬ومما قيل في تنبيه الغافل ورده إلى الطاعة ‪.‬‬

‫ع ـفــا ع ــن الذن ــب لــه الـغـافر‬ ‫مــن رد ع ـبــدًا آب ـق ـًا شـ ــاردًا‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬إال نزلت عليه السكينة )) هي فعيلة من السكون ‪ ،‬أي الطمأنينة من اهلل‬
‫‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬أال بذكِر تطَم ِئُّن القلوب }[الرعد‪ .]28:‬وكفى بذكر اهلل شرفًا ذكر اهلل العبد في المأل‬
‫األعلى ‪.‬ولهذا قيل‪:‬‬

‫لـتـذكــر في ال ـس ـمـاء إذا ذك ــرنا‬ ‫وأكــثر ذكــره في األرض دوم ـ ـ ـ ـًا‬

‫وقيل ‪:‬‬

‫وســاعة اللـهــو إف ــالس وفــاقــات‬ ‫وســاعـة الذكـر فـاعـلـم ثـروة وغـنــى‬


‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ومن بطأ به عمله )) أي وإ نكان نسيبًا (( لم يسرع به نسبه )) إلى‬
‫الجنة فيقدم العامل بالطاعة ولو كان عبدًا حبشيًا على غير العامل ولو كان شريفًا قرشيًا ‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى ‪{:‬إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم }[الحجرات‪.]13:‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬كتبها اهلل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ))‬
‫روى البزار في مسنده أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪(:‬األعمال سبعة ‪ :‬عمالن موجبان ‪،‬وعمالن‬
‫واحد بواحد‪ ،‬وعمل الحسنة فيه بعشرة ‪ ،‬وعمل الحسنة فيه بسبعمائة ضعف ‪ ،‬وعمل ال يحصي ثوابه‬
‫إال اهلل تعالى ‪ .‬فأما العمالن الموجبان فالكفر واإليمان ‪ ،‬فاإليمان يوجب الجنة والكفر يوجب النار ‪،‬‬
‫وأما العمالن اللذان هما واحد بواحد ‪ ،‬فمن هم بحسنة ولم يعملها كتبها اهلل له حسنة ‪ ،‬ومن عمل سيئة‬
‫كتب اهلل عليه سيئة واحدة ‪ ،‬وأما العمل الذي بسبعمائة ضعف فهو الجهاد في سبيل اهلل تعالى ‪ {:‬كمثل‬
‫حبٍة أْن بَتْت سبع سنابل في كل سنبلة مائُة حبة }[البقرة‪ .]26:‬ثم ذكر اهلل سبحانه وتعالى أنه يضاعف‬
‫لمن يشاء زيادة على ذلك ‪ ،‬وقال اهلل تعالى ‪{:‬وإ ن تُك َح َس نة يضاعفها ويؤِت من لدنه أجرًا عظيماً}‬
‫[النساء‪.]40:‬فدلت اآلية والحديث وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬إلى أضعاف كثيرة )) إن العشر‬
‫والسبعمائة كلمة ليست للتحديد وأنه يضاعف لمن يشاء ويعطي من لدنه ما ال يعد وال يحصى‬
‫فسبحان من ال تحصى آالؤه وال تعد نعماؤه فله الشكر والنعمة والفضل ‪.‬‬

‫وأما السابع فهو الصوم ‪((،‬يقول اهلل تعالى ‪ُ:‬ك ُّل َع َم ِل اْب ن آدم له إال الصوُم فإَّنُه لي وأنا أجزي به ))‪.‬‬
‫فال يعلم ثواب الصوم إال اهلل ‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم عن ربه تعالى ‪((:‬من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب )) المراد هنا بالولي‬
‫‪:‬المؤمن قال اهلل تعالى‪{:‬اهلل ولي الذين آمنوا }[البقرة‪.]257:‬فمن آذى مؤمنًا فقد آذنه اهلل ‪ ،‬أي أعلمه‬
‫اهلل أنه محارب له ‪ ،‬واهلل تعالى إذا حارب العبد أهلكه ‪ ،‬فليحذر اإلنسان من التعرض لكل مسلم قوله‬
‫تعالى ‪ ((:‬وما تقرب إلَّي عبدي بشيء أحب إلًّي مما افترضته عليه )) فيه دليل على أن فعل الفريضة‬
‫من أفضل النوافل‪ ،‬وجاء في الحديث‪((:‬إن ثواب الفريضة يفضل على ثواب النافلة بسبعين مرة ))‪.‬‬

‫قوله تعالى‪ ((:‬وال يزال عبدي يتقرب إلَّي بالنوافل حتى أحبه )) ضرب العلماء رضي اهلل تعالى‬
‫عنهم لذلك مثًال فقالوا‪ :‬مثل الذي يأتي بالنوافل مع الفرائض ‪ ،‬ومثل غيره كمثل رجل أعطى ألحد‬
‫عبديه درهمًا ليشتري به فاكهة‪ ،‬وأعطى آخر درهمًا ليشتري فاكهة ‪ ،‬فذهب أحد العبدين فاشترى‬
‫فاكهة فوضعها في قوصرة ‪ ،‬وطرح عليها ريحانًا ومشمومًا من عنده ‪ ،‬ثم جاء فوضعها بين يدي‬
‫السيد ‪ ،‬وذهب اآلخر واشترى الفاكهة في حجره ثم جاء فوضعها بين يدي السيد على األرض ‪ ،‬فكل‬
‫واحد من العبدين قد امتثل ‪ ،‬لكن أحدهما زاد من عنده القوصرة والمشموم فيصير أحب إلى السيد‪.‬‬
‫فمن صلى النوافل مع الفرائض يصير أحب إلى اهلل ‪ ،‬والمحبة من اهلل إرادة الخير ‪ ،‬فإذا أحب عبده‬
‫شغله بذكره وطاعته وحفظه من الشيطان ‪ ،‬واستعمل أعضاءه في الطاعة ‪ ،‬وحبب إليه سماع القرآن‬
‫والذكر وكَّر ه إليه سماع الغناء وآالت اللهو وصار من الذين قال اهلل تعالى ‪{:‬وإ ذا خاطبهم الجاهلون‬
‫قالوا سالمًا }[الفرقان‪.]63:‬فإذا سمعوا منهم كالمًا فاحشًا أضربوا عنه وقالوا قوًال يسلمون فيه ‪،‬‬
‫وحفظ بصره عن المحارم فال ينظر إلى ما ال يحل له ‪ ،‬وصار نظره فكر واعتبار ‪ ،‬فال يرى شيئًا‬
‫من المصنوعات إال استدل به على خالقه ‪ .‬وقال على رضي اهلل عنه ‪ :‬ما رأيت شيئًا إال ورأيت اهلل‬
‫تعالى قبله ‪ .‬ومعنى االعتبار العبور الفكر في المخلوقات إلى قدرة الخالق ‪ ،‬فيسبح عند ذلك ويقدس‬
‫ويعظم وتصير حركاته باليدين والرجلين كلها هلل تعالى وال يمشي فيما ال يعنيه وال يفعل بيده شيئًا‬
‫عبثًا بل تكون حركاته وسكناته هلل تعالى ‪ ،‬فيثاب على ذلك في حركاته وسكناته وفي وفي سائر أفعاله‬
‫‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪((:‬كنت سمعه ))يحتمل كنت الحافظ لسمعه ولبصره ولبطش يده ورجله من الشيطان‬
‫‪،‬ويحتمل كنت في قلبه عند سمعه وبصره وبطشه‪ .‬فإذا ذكرني كَّف عن العمل لغيري‪.‬‬
‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪((:‬إن اهلل تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‬
‫))أي تجاوز عنهم إثم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‪ ،‬وأما حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه‬
‫فغير مرفوع ‪ ،‬فلو أتلف شيئًا خطأ أو ضاعت منه الوديعة نسيانًا ضمن ‪ ،‬ويستثنى من اإلكراه‬
‫علىالزنا والقتل فال يباحان باإلكراه ‪ ،‬ويستثنى من النسيان ما تعاطى اإلنسان سببه فإنه يأثم بفعله‬
‫لتقصيره‪.‬‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) أي ال تركن إليها وال‬
‫تتخذها وطنًا وال تحدث نفسك بالبقاء فيها وال تتعلق منها إال بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي‬
‫يريد الذهاب منه إل أهله ‪ ،‬وهذا معنى قول سلمان الفارسي رضي اهلل عنه‪ :‬أمرني خليلي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أن ال أتخذ من الدنيا إال كمتاع الراكب ‪ .‬ومما قيل في الزهد في الدنيا ‪.‬‬

‫مقــامـك ف ـيـها لــو ع ـقـلـت قـليل‬ ‫أتـبـنـي بـنـاء ال ـخــالــدين وإ ن ـمـا‬

‫لـمـن كــان ف ـيـهـا يـعـتريـه رحـيـل‬ ‫ل ـقـد كـان في ظــل األراك كـ ـفــايـة‬

‫ومما قيل في الزهد في الدنيا ‪:‬‬

‫وهــل س ـمـعـت بـظـل غـيـر مـنـتقل‬ ‫تــرجـو الـبـقـاء بـدار ال ب ـقـاء ل ـهـا‬

‫وقال آخر ‪:‬‬

‫فـكـيـف تـحـب مـا فـيـه سـجـنـتــا‬ ‫س ـجـنـت بـهـا وأنـت ل ـهـا مـحــب‬

‫ت ـفــارق مـنــك يـوم ـًا ما ل ـهـوتها‬ ‫فـال تـلـهـو بـدار أنــت فـ ـي ـه ــا‬
‫س ـتـطــعم مـنـك مــا م ـنـهـا طعمتا‬ ‫وتطـعمـك الـطـعـام وعــن ق ــري ــب‬

‫وفي الحديث دليل على قصر األمل وتقديم التوبة واالستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء اهلل تعالى‬
‫‪ ،‬قال اهلل تعالى ‪{:‬وال تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إال ان يشاء اهلل } [الكهف‪.]24-23:‬‬

‫قوله ‪((:‬وخذ من صحتك )) أمره صلى اهلل عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها ‪،‬‬
‫‪.‬فإنه يعجز عن الصيام والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ومن حياتك لموتك ))‪ ،‬أمره صلى اهلل عليه وسلم بتقديم الزاد‪ .‬وهذا‬
‫كقوله تعالى‪{ :‬نظر نفٌس ما َقَّد مْت ِلغدٍ}[الحشر‪ .]18:‬ال يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول ‪{:‬رب‬
‫ارجعوِن لعلي أعمل صالحًا فيما تركت }[المؤمنون‪.]99:100:‬وقال الغزالي رحمه اهلل تعالى ‪:‬ابن‬
‫آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها األعمال الصالحة ‪،‬فإذا اكتسب خيرًا ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك‬
‫إلى الشبكة ‪ ،‬وهو البدن الذي فارقه بالموت ‪ ،‬وال شك أن اإلنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا‬
‫واشتهت نفسه العمل الصالح ألنه زاد القبر ‪ ،‬فإن كان معه استغنى به وإ ن لم يكن معه طلب الرجوع‬
‫منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد ‪ ،‬وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له ‪:‬هيهات قد فات! فيبقى‬
‫‪ .‬متحيرًا دائمًا نادمًا على تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة‬

‫فلهذا قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬وخذ من حياتك لموتك ))‪.‬ال حول وال قوة إال باهلل العلي‬
‫العظيم‬

‫قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ((:‬ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به )) يعني أن الشخص‬
‫يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنةويخالف هواه ويتبع ما جاء به صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬
‫وهذا نظير قوله تعالى ‪ {:‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى اهلل ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة‬
‫من أمرهم }[األحزاب‪.]36:‬فليس ألحد مع اهلل عز وجل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم أمر وال هوى‪.‬‬

‫وعن إبراهيم بن محمد الكوفي قال ‪ :‬رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس ‪ ،‬ورأيت إسحاق بن راهويه‬
‫وأحمد بن حنبل حاضرين ‪ ،‬فقال أحمد إلسحاق ‪ :‬تعال حتى أريك رجًال لم تر عيناك مثله ‪ .‬فقال له‬
‫إسحاق‪ :‬لم تر عيناي مثله؟! قل نعم ؛ فجاء به فوقفه على الشافعي فذكر القصة إلى أن قال ‪ :‬ثم تقدم‬
‫إسحاق إلى مجلس الشافعي فسأله عن كراء بيوت مكة ‪،‬فقال الشافعي‪ :‬هذا عندنا جائز ‪ .‬قال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪((:‬فهل ترك لنا عقيل من دار ))؟ فقال إسحاق‪:‬أخبرنا يزيد ابن هارون عن‬
‫هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك ‪ ،‬وعطاء وطاووس لم يكونا يريان ذلك‪ ،‬فقال له الشافعي‪ :‬أنت‬
‫الذي تزعم أهل خرسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق‪ :‬كذا يزعمون! قال الشافعي‪ :‬ما أحوجني أن يكون‬
‫غيرك في موضعك فكنت آمرًا بفرك أذنيه‪ ،‬أنا أقول‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬وأنت‬
‫تقول ‪ :‬قال عطاء وطاووس والحسن وإ براهيم‪ ،‬هؤالء ال يرون ذلك؟ وهل ألحد مع رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم حجة ؟ ثم قال الشافعي‪ :‬قال اهلل تعالى ‪{:‬للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم }‬
‫[الحشر‪ .]8:‬أفتنسب الديار إلى مالكين أو غير مالكين؟قال إسحاق‪ :‬إلى مالكين‪ .‬قال الشافعي ‪:‬فقول‬
‫اهلل تعالى أصدق األقاويل ‪ .‬وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ((:‬من دخل دار أبي سفيان فهو‬
‫آمن ))‪ .‬وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي اهلل تعالى عنه دار الحجلتين ‪ .‬وذكر الشافعي جماعات‬
‫من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال له إسحاق‪{:‬سواء العاكف فيه والباد }[الحج‪:‬‬
‫‪.]25‬فقال له الشافعي‪ :‬فالمراد به المسجد خاصة ‪ ،‬وهو الذي حول الكعبة ‪ ،‬ولو كان كما تزعم لكان‬
‫ال يجوز ألحد أن ينشد في دور مكة ضالة‪ ،‬وال تحبس فيها البدن ‪ ،‬وال تلقى األرواث ‪ ،‬ولكن هذا في‬
‫المسجد خاصة ‪ ،‬فسكت إسحاق ولم يتكلم فسكت الشافعي عنه ‪.‬‬

‫قوله تعالى ‪((:‬عنان السماء ))‪ ،‬هو بفتح العين المهملة قيل هوالسحاب وقيل ‪ :‬ما عن لك منها‪ ،‬أي‬
‫ظهر إذا رفعت رأسك‪.‬‬

‫قوله تعالى‪ ((:‬ثم استغفرتني غفرت لك ))‪ ،‬هو نظير قوله تعالى‪{:‬ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم‬
‫يستغفر اهلل يجد اهلل غفورًا رحيمًا }[النساء‪ .]110:‬االستغفار ال بد أن يكون مقرونًا بالتوبة‪ .‬قال اهلل‬
‫تعالى ‪{:‬وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه }[هود‪.]3:‬وقال تعالى‪{:‬وتوبوا إلى اهلل جمعيًا أيها المؤمنون‬
‫لعلكم تفلحون }[النور‪.]31:‬‬
‫واعلم أن االستغفار معناه طلب المغفرة وهو استغفار المذنبين ‪ ،‬وقد يكون عن تقصير في أداء‬
‫الشكر؛ وهو استغفار األولياء والصالحين ‪ ،‬وقد يكون ال عن واحد منهما بل يكون شكرًا وهو‬
‫استغفاره صلى اهلل عليه وسلم واستغفار األنبياء عليهم الصالة والسالم قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( سيد االستغفار ‪ :‬اهلل أنت ربي ال إله إال أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما‬
‫استعطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأوبوء بذنبي فاغفر لي فإنه ال يغفر‬
‫الذنوب إال أنت ))‪.‬‬

‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ألبي بكر رضي اهلل عنه ‪ ((:‬قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا‪ .‬وفي‬
‫رواية ـ كبيرًا ـ‪ ،‬وال يغفر الذنوب إال أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم ))‬

You might also like