Professional Documents
Culture Documents
يستدل كثري من املتشددين على عدم جواز أمور كثرية يقوم هبا املسلمون حبجة أن النيب صلى اهلل عليه
وس لم مل يفعلها هو وأص حابه رضي اهلل عنهم ،فهل ترك النيب صلى اهلل عليه وسلم وأص حابه ألمر
إن موض وع ه ذا الس ؤال أل ف في ه الش يخ العالم ة الس يد عب د اهلل بن الص ديق الغم اري رس الة مساها:
«حسن التفهم والدرك ملسألة الرتك» ،وقد افتتحها بأبيات مجيلة حيث قال:
ال حظر ميكن إال إن هني أتى *** متوعــدا ملخالفيه عذابا
ولق د اتف ق علم اء املس لمني س ل ًفا وخل ًف ا ش رقًا وغربً ا على أن ال رتك ليس مس ل ًكا لالس تدالل مبف رده،
فكان مسلكهم إلثبات حكم شرعي بالوجوب أو الندب أو اإلباحة أو الكراهة أو احلرمة هو:
-1ورود نص من القرآن.
-2ورود نص من السنة.
-4القياس.
-1قول الصحايب.
-2سد الذريعة.
-4احلديث املرسل.
-5االستحسان.
-6احلديث الضعيف ،وغري ذلك من املسالك اليت اعتربها العلماء ،واليت ليس بينها الرتك.
حكم ا شرعيًّا مبفرده ،وهذا حمل اتفاق بني املسلمني ،وهناك من الشواهد واآلثار على
فالرتك ال يفيد ً
أن الص حابة رض ي اهلل عنهم مل يفهم وا من ترك ه ص لى اهلل علي ه وس لم التح رمي وال ح ىت الكراه ة،
وذل ك م ا فهم ه الفقه اء ع رب العص ور .وق د رد ابن ح زم على احتج اج املالكي ة واحلنفي ة على كراه ة
ذكرناه وال ولد إال بعد قتل عثمان بسنني ،مث لو صح ملا كانت فيه حجة ألنه ليس فيه أهنم رضي اهلل
عنهم هنوا عنهم ا وال أهنم كرهومها ،وحنن ال خنالفهم يف أن ت رك مجي ع التط وع مب اح»احمللى باآلث ار.
كثريا ابن حزم أمام ترك الصحابة لصالة الركعتني وقال إن تركهم تلك الصالة ال شيء
فلم يتوقف ً
طاملا أهنم مل يصرحوا بكراهتها ومل ينقلوا ذلك.
وه ذا مس لكه مع ت رك الص حابة لعب ادة ،وك ان ذل ك عني موقف ه من ت رك الن يب صلى اهلل علي ه وس لم
كثري ا » ...إىل آخر احلديث ،ومل يفهم الصحايب أن جمرد تركه للدعاء يف الصالة يوجب احلظر ،وإال
ً
كيف يقدم على شيء وهو يعتقد حرمته ،ومل يعاتبه النيب صلى اهلل عليه وسلم على املسلك ،فلم يقل
له مثال« :أحسنت وال تعد» أو هناه عن إنشاء أدعية أخرى يف الصالة ،وكما نعلم فإن تأخري البيان
كثريا طيبً ا مبار ًك ا فيه ،فلما انصرف ق ال« :من املتكلم؟» .قال :أنا .قال «رأيت
محدا ً
ولك احلمد ً
بضعة وثالثني َملَ ًك ا يبتدروهنا ،أيهم يكتبها أول»( أخرجه أمحد يف مسنده ،والبخاري يف صحيحه ،
وأب و داود يف س ننه والنس ائي يف س ننه ومال ك يف املوط أ ،وال بيهقي يف الك ربى]) .وعقب احلاف ظ ابن
حج ر ه ذا احلديث بقول ه«:واس تدل ب ه على ج واز إح داث ذك ر يف الص الة غ ري م أثور إذا ك ان غ ري
فمما سبق نعلم أن مطلق الرتك من النيب والصحابة وحىت القرون الثالثة اخلريية ال يفيد شيئًا ،ال حترميًا
وال كراهة وال غريمها ،وهذا ما فهمه أصحاب النيب يف حياته ،ومل ينكر عليهم صلى اهلل عليه وسلم
فهمهم ،وفهمه العلماء من بعدهم ،نسأل اهلل أن يفهمنا ديننا ،وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني،
احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه ،أما بعـد:
فالبد من التفريق يف باب الرتوك بني العادات والعبادات ،فإن األصل يف العادات اإلباحة ،بينما األصل
يف العب ادات التوقي ف ،كم ا س بق بيان ه يف الفت ويني .127965 ،:وعلى ذل ك ،فك ل عب ادة تركه ا
الرسول صلى اهلل عليه وسلم مع وجود املقتضي هلا ،وعدم املانع منها ،فرتكها سنة حممودة ،وفعلها
ومعرف ة ه ذا الض ابط وتقري ره أص ل عظيم من أص ول الش ريعة ،فالب د من حتري ره ،وق د كفان ا مئون ة
مناقشة املقال الذي نقله األخ السائل ،اإلمام الشاطيب يف كتابه اجلليل (االعتصام) فقال كأنه يرد على
ص احب املق ال :إطالق ه الق ول ب أن الرتك ال ي وجب حكم ا يف املرتوك إال ج واز ال رتك غ ري ج ار على
أصول الشرع الثابتة ،فلنقرر هنا أصال هلذه املسألة لعل اهلل ينفع به من أنصف من نفسه ،وذلك أن
ـ أحدمها :أن يسكت عنه أو يرتكه ألنه ال داعية له تقتضيه ،وال موجب يقرر ألجله ،وال وقع سبب
تقريره ،كالنوازل احلادثة بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم ،فإهنا مل تكن موجودة مث سكت عنها
مع وجودها ،وإمنا حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الش ريعة إىل النظر فيها وإجرائها على ما تبني يف
الكليات اليت كمل هبا ال دين ،وإىل هذا الض رب يرجع مجيع ما نظر فيه السلف الصاحل مما مل يسنه
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على اخلصوص مما هو معقول املعىن ،كتضمني الصناع ومسألة احلرام
واجلد مع اإلخوة وعول الفرائض ،ومنه مجع املصحف مث تدوين الشرائع وما أشبه ذلك ،مما مل حيتج
ـ والضرب الثاين :أن يسكت الشارع عن احلكم اخلاص أو يرتك أمرا ما من األمور ،وموجبه املقتضي
له قائم ،وسببه يف زمان الوحي وفيما بعده موجود ثابت ،إال إنه مل حيدَّد فيه أمر زائد على ما كان يف
ذلك الوقت ،فالسكوت يف هذا الضرب كالنص على أن القصد الشرعي فيه أن ال يزاد فيه على ما
ك ان من احلكم الع ام يف أمثال ه وال ينقص من ه؛ ألن ه ملا ك ان املع ىن املوجب لش رعية احلكم العقلي
اخلاص موج ودا ،مث مل يش رع وال نب ه على اس تنباطه ،ك ان ص رحيا يف أن الزائ د على م ا ثبت هنال ك
بدعة زائدة وخمالفة لقصد الشارع؛ إذ فهم من قصده الوقوف عندما حد هنالك ،ال الزيادة عليه وال
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف (اقتضاء الصراط) :ترك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم له مع وجود
ما يعتقد مقتضيا وزوال املانع سنة ،كما أن فعله سنة ،فلما أمر باألذان يف اجلمعة وصلى العيدين بال
أذان وال إقامة كان ترك األذان فيهما سنة ،فليس ألحد أن يزيد يف ذلك ،بل الزيادة يف ذلك كالزيادة
يف أعداد الصالة وأعداد الركعات أو احلج ،فإن رجال لو أحب أن يصلي الظهر مخس ركعات وقال:
هذا زيادة عمل صاحل ،مل يكن له ذلك ،وكذلك لو أراد أن ينصب مكانا آخر يقصد لدعاء اهلل فيه
وذكره مل يكن له ذلك ،وليس له أن يقول :هذه بدعة حسنة ،بل يقال له :كل بدعة ضاللة .وحنن
نعلم أن هذا ضاللة قبل أن نعلم هنيا خاصا عنها ،أو أن نعلم ما فيها من املفسدة ،فهذا مثال ملا حدث
مع قيام املقتضي له وزوال املانع لو كان خريا .فإن كل ما يبديه احملدث هلذا من املصلحة أو يستدل به
من األدلة قد كان ثابتا على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم ،ومع هذا مل يفعله رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم ،فهذا الرتك سنة خاصة مقدمة على كل عموم وكل قياس .اهـ.
وق ال ابن حج ر اهليتمي يف (الفت اوى احلديثي ة) :أال ت رى أن الص حابة رض ي اهلل عنهم والت ابعني هلم
بإحس ان أنك روا غ ري الص لوات اخلمس كالعي دين وإن مل يكن في ه هني ،وكره وا اس تالم الرك نني
الشاميني ،والصالة عقيب السعي بني الصفا واملروة قياسا على الطواف ،وكذا ما تركه صلى اهلل عليه
وسلم مع قيام املقتضى فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة ،وخرج بقولنا :مع قيام املقتضى يف
حيات ه ،ترك ه إخ راج اليه ود من جزي رة الع رب ومجع املص حف ،وم ا ترك ه لوج ود املانع كاالجتماع
وق د أمجل الشيخ الف وزان يف (خالص ة األصول) هذا املعىن فقال :يقابل األفعال الرتوك ،وهي ثالثة
أنواع:
)1أن يرتك الفعل لعدم وجود املقتضي له ،فال يكون سنة.
ِ
بسبب مان ٍع ،فهذا ال يكون سنة ،لكن إذا زال املانع كان )2أن يرتك الفعل مع وجود املقتضي له
)3أن يرتك الفعل مع وجود املقتضي له وعدم املانع ،فيكون تركه سنة.
وهذا النوع من السنة أصل عظيم وقاعدة جليلة به حُت فظ أحكام الشريعة ،ويُوصد باب االبتداع يف
الدين .اهـ.
ولل دكتور حمم د اجليزاين كت اب مفي د بعن وان (قواع د معرف ة الب دع) فك انت القاع دة الثالث ة من ه ذه
القواع د ،قاع دة :إذا َت َر َك الرس ول ص لى اهلل علي ه وس لم فع ل عب ادة من العب ادات م ع ك ون موجبه ا
نقلها أو تدوينها يف كتبهم أو التعرض هلا يف جمالسهم فإهنا تكون بدعة بشرط أن يكون املقتضي لفعل
السنة هي الرتك تأسياً اهـ .وراجع ملزيد الفائدة الفتوى رقم.132702 :
ُّ
وأم ا م ا فعل ه الص حابة ابت داءً من أن واع العب ادات ال يت مل يأخ ذوها من دلي ل خ اص ،فراج ع يف بيان ه
واهلل أعلم.