You are on page 1of 66

‫كشف الشبهات‬

‫لفضيلة الشيخ‬
‫‪www.almosleh.com‬‬
‫الدرس األول‪:‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه والصالة والسالم على نبينا محمد وآله‬
‫أجمعين وعلى سائر عباد اهلل الطيبين الصالحين أما بعد‪. .‬‬
‫فنبدأ بهذه الرسالة المباركة التي ألفها اإلمام المجدد شيخ اإلسالم محمد بن عبدالوهاب رحمه اهلل وسماها كشف‬
‫الشبهات وقد أجاد وأفاد رحمه اهلل في هذه الرسالة كعادته في رسائله وكتبه فإنه فند شبه المبطلين ودحض أقوالهم‬
‫وبين زيفها مستندًا في ذلك كله على الكتاب والسنة ومعتصمًا بما جاء عن السلف الصالح رحمهم اهلل‪ ،‬وهذا الكتاب‬
‫له منزلة عظيمة إذ فيه تفنيد أقوال أعداء اهلل ورسوله من المشركين والمعاندين لدعوة الرسل ولذا فقد أثنى عليه الشيخ‬
‫سليمان بن سحمان رحمه اهلل ثناًء عاطرًا في كتابه (الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق) فقال رحمه اهلل في‬
‫الثناء على هذا الكتاب وبيان منزلته‪ " :‬صنف الشيخ رحمه اهلل كشف الشبهات وذكر األدلة من الكتاب والسنة على‬
‫بطالن ما أورده أعداء اهلل ورسوله من الشبهات فدحض حججهم وبين تهافتهم وكان كتابًا عظيم النفع على صغر‬
‫حجمه جليل القدر انقمع به أعداء اهلل وانتفع به أولياء اهلل فصار علمًا يقتدي به الموحدون وسلسبيًال يرده المهتدون‬
‫ومن كوثره يشربون وبه على أعداء اهلل يصولون" يقول رحمه اهلل‪" :‬فلله ما أنفعه من كتاب وما أوضح حججه من‬
‫خطاب لكن لمن كان ذا قلب سليم وعقل راجح مستقيم"‪ .‬وهذا الثناء العاطر في محله وسيتبين لنا هذا إن شاء اهلل‬
‫تعالى من خالل استعراض ما في هذا الكتاب من شبه وكيف أجاب الشيخ رحمه اهلل على هذه الشبه وفندها شبهًة‬
‫شبهة‪ .‬والكتاب اسمه كشف الشبهات والكشف هو‪ :‬اإلبانة واإلزالة والشبهات جمع شبهة والشبهة في اللغة هي‪:‬‬
‫االلتباس واالختالط وفي االصطالح التباس الحق بالباطل واختالطه حتى ال يتبين وقد عرفه عرف الشبهة ابن القيم‬
‫رحمه اهلل في كتابه مفتاح دار السعادة تعريفًا جيدًا فقال‪ " :‬وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق"‪.‬‬
‫والشبهات أيها اإلخوة أحد نوعي الفتن التي ترد على القلوب فإن القلب مغزٌو بفتنة الشبهة وبفتنة الشهوة‪ ،‬وفتنة‬
‫الشبهة أخطر إذ إنها إذا أنشبت أظفارها في قلب العبد قَّل أن ينجو ولذا فإن السلف رحمهم اهلل كانوا يتباعدون عن‬
‫الشبه ويحرصون على عدم الجلوس في المجالس التي تورد فيها الشبه بل كان أحدهم ال يسمع من المشبهين‬
‫المبتدعين أهل األهواء حتى قول اهلل وقول الرسول كما ورد ذلك عن ابن سيرين رحمه اهلل فإنه قد جاءه رجالن ممن‬
‫عرفوا بالبدعة والشبهة فجلسا بين يديه يريدان أن يقرأا عليه آية فقال‪ " :‬إما أن تقوما وإما أن أقوم" فال حل وسط‬
‫وذلك أن دينهم عزيز عليهم فكانوا يحرصون على التباعد عن الشبهات إلى هذه الدرجة بل كانوا ال يسمحون ألهل‬
‫البدع وأهل الشبهات وأهل األهواء وال بكلمة واحدة وهذا مستفيض ويمكن الوقوف عليه من خالل مطالعة الكتب‬
‫التي حفظت أقوال السلف في كتاب السنة لإلمام عبداهلل بن أحمد واإلبانة للعكبري وغيرهما من الكتب‪ .‬المهم أن‬
‫السلف رحمهم اهلل كانوا يحرصون على التباعد عن الشبه وهو منهج قرآني وهو أن اهلل سبحانه وتعالى قد أمر العباد‬
‫بأن يبعدوا عن الذين يخوضون في آيات اهلل فقال سبحانه وتعالى‪َ ? :‬قْد َّزَل َعَلْيُك ِفي اْلِكَتاِب َأْن ِإَذا ِم ْعُت آ اِت‬
‫َس ْم َي‬ ‫ْم‬ ‫َو َن‬
‫الَّلِه ُيْك َف ُر ِبَه ا َو ُيْس َتْه َز ُأ ِبَه ا َفال َتْق ُعُد وا َمَعُه ْم َح َّتى َيُخ وُضوا ِفي َح ِد يٍث َغْيِر ِه ِإَّنُك ْم ِإذًا ِم ْثُلُه ْم ?(‪ )1‬وقال جل ذكره‪? :‬‬
‫َو ِإَذا َر َأْيَت اَّلِذ يَن َيُخ وُضوَن ِفي آَياِتَنا َفَأْع ِر ْض َعْنُه ْم ?(‪ .)2‬والخوض في الشبهات وإيرادها هو من الخوض في آيات اهلل‬
‫ولذلك تدل هذه اآلية على ما كان عليه السلف رحمهم اهلل من تباعد عن الشبهات وحرص على النأي عنها وسبب‬
‫الشبهة أيها اإلخوة أحد أمرين‪ :‬قلة في العلم أو ضعف في البصيرة فكل شبهة تنشب أظفارها في قلب عبد إنما هي‬
‫ألجل ضعف في علمه أو ضعف في بصيرته فمن كان على علم راسخ وبصيرة نبوية نجا من الشبهات‪ .‬ومآل الشبهات‬
‫أيها اإلخوة الكفر أو النفاق أو البدعة أي من أنشبت الشبه أظفارها في قلبه فمآل هذه الشبهة إما أن يقع في الكفر أو‬
‫أن يقع في البدعة أو أن يقع في النفاق فما كفر من كفر وال ابتدع من ابتدع وال نافق من نافق إال ألجل شبهة في قلبه‬
‫أوجبت هذا األمر وال نجاة للعبد من الشبهات إال بتجريد المتابعة للنبي ( فإذا اقتفى العبد أمر النبي ( وهديه ظاهرًا‬
‫وباطنًا وحكم سنة الرسول ( في دق أمره وجليله وفي ظاهر أمره وباطنه فإنه ينجو من الشبهة وقد تكلم ابن القيم رحمه‬
‫اهلل كالمًا جيدًا في إغاثة اللهفان في المجلد الثاني في صفحة ستين ومئة (‪ )160‬عن فتنة الشبهة وطريق النجاة منها‬
‫فمراجعته مفيدة‪.‬‬
‫قال المؤلف شيخ اإلسالم محمد بن عبدالوهاب في كتابه كشف الشبهات‪:‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم اعلم رحمك اهلل أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬وهو دين الرسل الذي أرسلهم اهلل به إلى‬
‫عباده‪ .‬فأولهم نوح عليه السالم أرسله اهلل إلى قومه لما غلوا في الصالحين وّدًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا‪ ،‬وآخر‬
‫الرسل محمد (‪ ،‬وهو الذي كسر صور هؤالء الصالحين‪ ،‬أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون اهلل‬
‫كثيرًا‪ ،‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين اهلل‪ .‬يقولون‪ :‬نريد منهم التقرب إلى اهلل‪ ،‬ونريد شفاعتهم‬
‫عنده؛ مثل المالئكة‪ ،‬وعيسى و مريم‪ ،‬وأناس غيرهم من الصالحين‪ .‬قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم))‬
‫وتقدم لنا أن البسملة متعلقة بفعل مقدر مناسب لحال الذاكر مؤخٍر غالبًا‪ ،‬وذكرنا غالبًا ألجل أي شيء؟ إلخراج ما قدم‬
‫فيه الفعل أو المتعلق قبل البسملة مثل قوله تعالى‪? :‬اْقَر ْأ ِباْس ِم َر ِّبَك اَّلِذ ي َخ َلَق ?(‪ )3‬فإنه قدم القراءة الفعل على البسملة‬
‫وذلك ألهمية األمر وأيضًا في مثل قوله‪ِ? :‬إَّنُه ِم ْن ُس َلْيَم اَن َو ِإَّنُه ِبْس ِم الَّلِه الَّر ْح َم ِن الَّر ِح يِم ?(‪ .)4‬فبين مصدر الرسالة قبل‬
‫البسملة ألهمية هذا األمر وإال فالغالب أن الفعل يكون مؤخرًا وفهم هذا يفيدك ألن البسملة ترد في كل كتاب‪.‬‬

‫قال رحمه اهلل‪(( :‬اعلم رحمك اهلل أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة)) افتتح رسالته رحمه اهلل بتعريف التوحيد فقال‪:‬‬
‫التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة وهذا التعريف هو ألهم أنواع التوحيد فإن أهم أنواع التوحيد هو توحيد اإللهية الذي‬
‫دعت إليه الرسل وجاءت به األنبياء فإن الرسل دعت إلى إفراد اهلل بالعبادة وإن كانت قد دعت إلى توحيد الربوبية‬
‫واستدلت به وذكرته وأيضًا ذكرت توحيد األسماء والصفات إال أن أصل البعثة هو لتقرير عبودية اهلل سبحانه وتعالى ?‬
‫َو َلَق ْد َبَعْثَنا ِفي ُك ِّل ُأَّمٍة َرُس وًال َأِن اْع ُبُد وا الَّلَه َو اْجَتِنُبوا الَّطاُغوَت ?(‪ )5‬فعّر ف الشيخ رحمه اهلل التوحيد بأهم أنواعه وهو‬
‫توحيد اإللهية والتعريف العام للتوحيد هو‪ :‬إفراد اهلل تعالى بما يختص به في الربوبية وفي اإللهية وفي األسماء والصفات‬
‫وهذا أشمل ما يقال في تعريف التوحيد أما تعريفه هنا فهو كما ذكرنا بأهم أنواعه ويمكن أن يقال‪ :‬إن الشيخ رحمه اهلل‬
‫اقتصر على تعريف التوحيد باإللهية يعني بتعريف توحيد اإللهية أو بذكر تعريف توحيد اإللهية ألن الشيخ سيجيب على‬
‫الشبه الواردة على توحيد اإللهية فهو لم يتكلم على شبه المبتدعة والضالين في باب األسماء والصفات إنما سيتكلم‬
‫على شبه الذين ابتدعوا في باب توحيد اإللهية ولذلك عّر ف التوحيد بقوله رحمه اهلل‪ :‬هو إفراد اهلل بالعبادة والعبادة أيها‬
‫اإلخوة هي‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه اهلل تعالى ويرضاه من األعمال الظاهرة والباطنة وهذا أحد التعاريف التي تعرف بها‬
‫العبادة وذكر شيخ اإلسالم تعريفًا آخر وهو مختصر وجامع فقال‪ :‬العبادة هي كل ما أمر اهلل به ورسوله فكل ما أمر اهلل‬
‫به ورسوله فهو عبادة واألمر إما أن يكون أمر إيجاب أو أمر استحباب‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪(( :‬وهو دين الرسل الذي أرسلهم اهلل به إلى عباده)) الضمير في قوله‪ :‬وهو المراد به توحيد العبادة‪.‬‬
‫دين الرسل الذي أرسلهم اهلل به إلى عباده فاهلل سبحانه وتعالى أرسل الرسل إلى عباده بتوحيد اإللهية بإفراد اهلل سبحانه‬
‫وتعالى بالعبادة ودليل هذا قول اهلل جل وعال‪َ? :‬و َم ا َأْرَس ْلَنا ِم ْن َقْبِلَك ِم ْن َرُس وٍل ِإاَّل ُنوِح ي ِإَلْيِه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل َأَنا َفاْع ُبُد وِن ?‬
‫(‪ )6‬و ?ال ِإَلَه ِإاَّل َأَنا? أي وال إله إال اهلل معناها ال معبود بحق إال اهلل وهي تقتضي إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة‬
‫وأيضًا قال جل ذكره‪ُ? :‬يَنِّزُل اْلَم الِئَك َة ِبالُّر وِح ِم ْن َأْم ِر ِه َعَلى َمْن َيَش اُء ِم ْن ِع َباِدِه َأْن َأْنِذ ُر وا َأَّنُه ال ِإَلَه ِإاَّل َأَنا َفاَّتُقوِن ?(‪)7‬‬
‫وقال سبحانه وتعالى‪َ? :‬و َلَق ْد َبَعْثَنا ِفي ُك ِّل ُأَّمٍة َرُس وًال َأِن اْع ُبُد وا الَّلَه َو اْجَتِنُبوا الَّطاُغوَت ?(‪ )8‬قال النبي ( في الحديث‬
‫الذي في الصحيحين‪(( :‬أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا واآلخرة واألنبياء إخوة لعالت أمهاتهم شتى ودينهم‬
‫واحد))(‪ ( )9‬فهذا يدل على وحدة الرسالة وأن الرسل جاؤوا جميعًا بتقرير توحيد اإللهية وبدعوة الناس إلى عبادة اهلل‬
‫سبحانه وتعالى وحده دون غيره‪.‬‬

‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬فأولهم نوح عليه السالم)) أول الرسل نوح ودليل أوليته قول اهلل سبحانه وتعالى‪ِ ? :‬إَّنا َأْو َح ْيَنا‬
‫ِإَلْيَك َك َم ا َأْو َح ْيَنا إلى ُنوٍح َو الَّنِبِّييَن ِم ْن َبْع ِدِه ?(‪ )10‬هذه تشير إلى أن أول من أوحى اهلل إليه من الرسل هو نوح عليه‬
‫السالم وأصلح من هذا في الداللة على أولية رسالة نوح عليه السالم ما في الصحيحين من حديث أنس وغيره في‬
‫حديث الشفاعة عن النبي ( قال‪ :‬يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون‪ :‬لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون‪ :‬أنت‬
‫أبو الناس خلقك اهلل بيده وأسجد لك مالئكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا‬
‫فيقول‪ :‬لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه اهلل إلى أهل األرض))(‪ )11‬وكل هذا صريح‬
‫بّين في أن أول الرسل نوح عليه السالم ما الذي جاء به نوح؟ ((أرسله اهلل إلى قومه لما غلوا في الصالحين وّدًا وسواعًا‬
‫ويغوث ويعوق ونسرًا)) غلوا فيهم فتجاوزوا بهم الحد الذي جعله اهلل لهم والغلو أيها اإلخوة هو مجاوزة الحد هذا‬
‫تعريفه اللغوي فكل من جاوز الحد الذي جعل له فقد غال وأما تعريفه في االصطالح فهو مجاوزة أمر اهلل تعالى في‬
‫العبادات أو العقائد وقال بعضهم‪ :‬الزيادة على المشروع في العقائد أو العبادات ومرد الغلو هو الطغيان فمن طغى في‬
‫شيء أو فمن غال في شيء فقد طغى وتجاوز وهؤالء غلوا في الصالحين في وٍد وسواع ويغوث ويعوق ونسر وهؤالء‬
‫كما قال ابن عباس في الصحيح‪ :‬أسماء رجال صالحين من قوم نوح لما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا‬
‫إلى مجالسهم أنصابًا فنصبوا هذه األنصاب ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت فهم في أصل فعلهم إنما‬
‫نصبوا هذه األنصاب ألجل تذكر هؤالء والتشوق إلى العبادة واالشتغال بذكر الصالحين الذي يعين على العبودية هلل‬
‫سبحانه وتعالى فتجاوز األمر شيئًا فشيئًا إلى أن وقعوا في عبادتهم من دون اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬وآخر الرسل محمد ()) وهذا ال شك فيه فإن النبي ( آخر الرسل قال اهلل جل ذكره‪َ? :‬ما‬
‫َك اَن ُمَح َّم ٌد َأَبا َأَح ٍد ِم ْن ِر َج اِلُك ْم َو َلِكْن َرُس وَل الَّلِه َو َخ اَتَم الَّنِبِّييَن ?(‪ )12‬فختم اهلل سبحانه وتعالى النبوات بمحمد ( فال‬
‫نبي بعده‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪(( :‬وهو الذي كّس ر صور هؤالء)) اسم اإلشارة في هؤالء عائد إلى أي شيء؟ إلى أسماء الرجال‬
‫الصالحين أصنام الرجال الصالحين الذين غال بهم قوم نوح وكيف ذلك؟ بيان هذا ما ذكره البخاري من حديث ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنه قال‪ (( :‬صارت األوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد‪ :‬أما ود فكانت لكلب بدومة‬
‫الجندل وأما سواع فكانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان‬
‫وأما نسر فكانت لحمير آلل ذي الكالع))(‪ )13‬وهذا يدل على أن هذه األصنام بعثت وأحييت بعد الطوفان فصارت‬
‫إلى العرب وتعلقوا بها وعبدوها من دون اهلل بل وزادوا أصنامًا كثيرة وأوثانًا كثيرة عبدوها من دون اهلل فالكعبة كان‬
‫فيها أكثر من ثالثمائة صنم كما ذكر أصحاب السير‪ .‬وقد كّس ر النبي ( األصنام حسّيًا ومعنوّيًا أما حسيًا فقد باشر هو‬
‫( تكسير بعض األصنام وأما معنوّيًا فإن رسالته حطمت األصنام فإن الجزيرة دانت له ( وقد بعث البعوث لتحطيم‬
‫األصنام ولتحطيم ما كان يشرك به العرب من دون اهلل وبهذا نفهم أن األنبياء والرسل جاؤوا لتقرير أمٍر واحد فأولهم‬
‫نوح دعا إلى التوحيد وآخرهم محمد ( كسر األصنام وفي هذا بيان وحدة رسالة الرسل وأنهم جاؤوا لتقرير أمٍر واحد‬
‫فالذي اعتنى به أولهم هو مضادة الشرك والتحذير منه والذي عمله آخرهم هو تكسير األصنام وإقامة الدين هلل سبحانه‬
‫وتعالى وحده دون غيره‪.‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪(( :‬أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون اهلل كثيرًا)) الضمير في ((أرسله)) عائد إلى‬
‫أي شيء؟ إلى النبي ( إلى ((قوم)) هم قريش ((يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون اهلل كثيرًا)) بل ويصلون الرحم‬
‫ويطعمون المسكين لكن هذه العبادات لم تنفعهم شيئًا ولم تغن عن بعث رسول ألنها كانت مشوبة بالشرك وعدم‬
‫اإلخالص هلل جل وعال فكانوا يلهجون في تلبيتهم لبيك ال شريك لك لبيك إال شريكًا هو لك تملكه وما ملك وكانوا‬
‫يذبحون لغير اهلل ويستقسمون بغير اهلل ويلجؤون إلى غيره ويسألون جلب النفع ودفع الضر ورفعه من غير اهلل تعالى‬
‫ولذلك كانوا بحاجة إلى أن يبعث إليهم من يقرر التوحيد وبهذا نفهم أن اهلل سبحانه وتعالى لم يأمر خلقه أو لم يخلق‬
‫خلقه لمجرد العبادة فقط التي تكون له ولغيره بل خلق الخلق إلفراده بالعبادة قال جل ذكره‪َ? :‬و َم ا َخ َلْق ُت اْلِج َّن‬
‫َو اِإْل ْنَس ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وِن ?(‪ .)14‬قال ابن عباس‪" :‬كل موضع أمر اهلل سبحانه وتعالى فيه بالعبادة في القرآن فإن المراد به‬
‫التوحيد" أي ما خلق اهلل الخلق إال ليوحدوه جل ذكره وبهذا نفهم أن كثرة العبادة مع عدم اإلخالص ال تغني شيئًا بل‬
‫صاحبها في النار ولذلك قال ابن القيم رحمه اهلل‪" :‬كثير العبادة التي نزع منها اإلخالص ال تنفع‪ ،‬وقليل العبادة مع‬
‫اإلخالص والتوحيد تعلي قدر العبد عند اهلل سبحانه وتعالى وترفعه إلى منازل عليا"‪ .‬فاإلخالص هو األصل ولذلك لم‬
‫يأِت النبي ( لقوم ال يعبدون اهلل فأمرهم بالعبادة بل أتى إلى قوم يعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون اهلل كثيرًا إال‬
‫أنهم وقعوا في الشرك فصحح ( التوحيد وأمر بإفراد العبادة هلل جل ذكره‪.‬‬

‫ثم قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين اهلل)) وفسر هذه الوساطة بقوله‪:‬‬
‫((يقولون‪ :‬نريد منهم التقرب إلى اهلل ونريد شفاعتهم عنده مثل المالئكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين))‬
‫فهؤالء زعموا أن بين الخلق وبين اهلل وسائط والوسائط نوعان نوع البد من إثباته ونوع جاء الشرع بإبطاله ونفيه أما‬
‫النوع األول فهم الرسل الذين يبلغون رساالت اهلل ويدلون على طريق التعبد هلل ويبينون للناس معبودهم فهؤالء البد‬
‫منهم وال تقوم الحياة إال بهم ولذلك بعث اهلل سبحانه وتعالى الرسل إلى كل أمة فقال‪َ? :‬و َلَق ْد َبَعْثَنا ِفي ُك ِّل ُأَّمٍة َرُس وًال?(‬
‫‪ .) 15‬فكل أمة محتاجة إلى هذا النوع من الوساطة التي يحصل بها تبليغ الدين وتعريف الناس بحق اهلل سبحانه وتعالى‬
‫وما يجب له من العبادات وما يجب له من األسماء والصفات واألفعال وحق هؤالء الوسطاء أن يطاعوا ويتبعوا ويقتدى‬
‫بهم هذا حقهم وليس حقهم أن تصرف لهم أنواع العبادة بل حقهم أن يطاعوا وأن يتبعوا وأن يقتدى بهم أما النوع‬
‫الثاني من أنواع الوسائط فهو الذي ذكره الشيخ رحمه اهلل هنا في قوله‪(( :‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط‬
‫بينهم وبين اهلل يقولون‪ :‬نريد منهم التقرب)) وبهذا نفهم أن المشركين لم يكونوا يعتقدون في هذه الوسائط إنها تخلق‬
‫من دون اهلل وال أنها تملك من دون اهلل وال أنها تدبر من دون اهلل إنما كانوا يعتقدون أن هذه الواسطة وسيلة يتوصلون‬
‫بها إلى مقاصدهم يعتذرون يقولون‪ :‬نحن ليس عندنا أو ليس لنا عند اهلل جاه وليس لنا عند اهلل مكانة فنسأل اهلل بمن له‬
‫جاه عنده وبمن له مكانة عنده فوقعوا في الشرك وهذا هو قول اهلل سبحانه وتعالى‪َ? :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما‬
‫َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا إلى الَّلِه ُز ْلَف ى?(‪ )16‬فإنهم اتخذوا هؤالء األولياء ألجل أي شيء؟ ليقربوهم إلى اهلل زلفى وهذا أيها‬
‫اإلخوة هذا الموضوع أو هذه‬

‫القضية هي البوابة الكبرى التي يدخل منها المشركون في الشرك قديمًا وحديثًا فإن القضية التي يعتمد عليها أو السبب‬
‫الذي يعتمد عليه ويسوغ به كثير من المشركين وكثير من الواقعين في صرف العبادة لغير اهلل أفعالهم إنما هي قضية‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫الشفاعة والوسيلة ولذلك قطع اهلل سبحانه وتعالى عليهم الطريق وأغلق دونهم الباب فقال‪ُ? :‬قِل اْد ُعوا اَّل يَن َزَعْم ُتْم ْن‬
‫ُدوِن الَّلِه ال َيْم ِلُك وَن ِم ْثَق اَل َذَّر ٍة ِفي الَّس َم اَو اِت َو ال ِفي اَأْلْر ِض َو َما َلُه ْم ِفيِه َم ا ِم ْن ِش ْر ٍك َو َم ا َلُه ِم ْنُه ْم ِم ْن َظِه يٍر ?(‪)17‬‬
‫فأتى إلى الباب الذي يعتمدونه ويلجؤون إليه فالشفاعة التي تعتمدون عليها في تسويغ الشرك ال تنفع إال بإذنه ويدلك‬
‫على أن هذا هو أصل الشرك قوله جل ذكره‪َ? :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا ال َيُضُّر ُه ْم َو ال َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا‬
‫ِع ْنَد الَّلِه ُقْل َأُتَنِّبُئوَن الَّلَه ِبَم ا ال َيْع َلُم ِفي الَّس َم اَو اِت َو ال ِفي اَأْلْر ِض ُسْبَح اَنُه وتعالى َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن ?(‪ )18‬فجعل اتخاذ‬
‫هؤالء شفعاء شركًا ثم قال‪َ? :‬و َما َك اَن الَّناُس ِإاَّل ُأَّمًة َو اِح َد ًة?(‪ )19‬أي ما كان الناس إال ملة واحدة وهي التوحيد‬
‫فاختلفوا وسبب اختالفهم هو هذه الشبهة المذكورة في اآلية المتقدمة وهي أنهم قالوا‪َ? :‬ه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه? فهذا‬
‫يدلك على أن أصل الشرك الذي وقع بسببه المتقدمون وهو أيضًا وقع بسببه المتأخرون في الشرك هو أنهم لجؤوا إلى‬
‫غير اهلل في طلب حوائجهم وزعموا أن هؤالء شفعاء وأننا ال نصرف إليهم هذه العبادة ألنهم يخلقون وال ألنهم يملكون‬
‫وال ألنهم يدبرون بل ألنهم وسائط وشفعاء‪.‬‬
‫ثم قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط)) علة هذه الوسائط أنهم يتخذونهم سبيًال إلى‬
‫التقرب إلى اهلل ويتخذون شفاعتهم سبيًال إلى تحقيق مطالبهم‪.‬‬

‫ثم مثل لهذه الوسائط فقال‪(( :‬مثل المالئكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين)) والمشركون كما سيتبين لنا‬
‫من خالل كالم الشيخ رحمه اهلل لم يكونوا مقتصرين في عباداتهم على المالئكة والصالحين بل عبدوا أيضًا األحجار‬
‫واألشجار وغيرها وإنما يبدو لي والعلم عند اهلل أضرب الشيخ عن ذكر هذا ألنه إذا كانت عبادة هؤالء من دون اهلل ال‬
‫تصح عبادة المالئكة وعبادة عيسى ومريم وغيرهم من الصالحين ال تنفع فانتفاء النفع في عبادة غيرهم من الجمادات‬
‫من باب أولى‪.‬‬
‫الدرس الثاني‪:‬‬
‫فبعث اهلل إليهم محمدًا ( يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السالم‪ ،‬ويخبرهم أن هذا التقرب واالعتقاد محض حق اهلل‬
‫ال يصلح منه شيء لغير اهلل ال لملك مقرب‪ ،‬وال لنبي مرسل فضًال عن غيرهما‪ ،‬وإال فهؤالء المشركون مقرون يشهدون‬
‫أن اهلل هو الخالق وحده ال شريك له وأنه ال يرزق إال هو‪ ،‬وال يحيي إال هو‪ ،‬وال يميت إال هو‪ ،‬وال يدبر األمر إال هو‪،‬‬
‫وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن واألرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره‪.‬‬

‫ف إذا أردت الدليل على أن هؤالء الذين قاتلهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى‪ُ? :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم‬
‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأَّمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِرُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِرُج اْلَم ِّيَت َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر‬
‫ِل ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ? وقوله‪ُ? :‬قْل َم ِن اَأْلْرُض َو َمْن يَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن ( َس َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفال َتَذ َّك ُر وَن ( ُقْل َمْن‬
‫ِج‬ ‫ٍء‬ ‫ِب ِدِه‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِظ‬ ‫ِت‬
‫َر ُّب الَّس َم اَو ا الَّس ْبِع َو َر ُّب اْلَعْر ِش اْلَع يِم ( َس َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ( ُقْل َمْن َي َم َلُك وُت ُك ِّل َش ْي َو ُه َو ُي يُر َو ال ُيَج اُر‬
‫َعَلْيِه ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن ( َس َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َفَأَّنى ُتْسَح ُر وَن ? وغير ذلك من اآليات‪.‬قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬فبعث اهلل إليهم محمدًا‬
‫( يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السالم‪ )) ،‬بعث اهلل محمدًا ( إلى هؤالء الذين كانوا يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم‬
‫وبين اهلل يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم فالذين بعث فيهم النبي ( كان معهم من بقايا دين إبراهيم شيء قليل فبعث اهلل سبحانه‬
‫وتعالى محمدًا يجدد لهم هذا الدين ووراثتهم لدين إبراهيم إنما هي بسبب كونه من ولد إسماعيل وإسماعيل بقي في مكة وإال‬
‫فإنهم لم يبعث إليهم رسول خاص كما قال جل ذكره‪ِ? :‬لُتْنِذ َر َقْو مًا َما ُأْنِذ َر آَباُؤ ُه ْم َفُه ْم َغاِفُلوَن ?(‪ .)20‬فإن قريشًا والعرب لم‬
‫يبعث إليهم رسول يدعوهم إلى التوحيد وإنما كانوا على بقايا دين إبراهيم فلما اشتد االنحراف وعمت الضاللة بعث اهلل سبحانه‬
‫وتعالى نبينا محمدًا ( فجدد الرسالة وأقام الدين ونشر التوحيد فجزاه اهلل عن األمة خير ما جزى نبيًا عن أمته‪(( .‬يخبرهم أن هذا‬
‫التقرب واالعتقاد محض حق اهلل ال يصلح منه شيء ال لملك مقرب وال لنبي مرسل فضًال عن غيرهما)) بعد وهذا ال شك في أن‬
‫العبادة هي حق اهلل سبحانه وتعالى دون غيره ?َو َم ا ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ? (‪ )21‬واآليات الدالة على وجوب‬
‫إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة وعدم صرفها لغيره كثيرة جدًا منها هذه اآلية التي ذكرناها ويشهد لهذا أيضًا حديث معاذ الذي‬
‫فيه أن النبي ( سأله عن حق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل فقال مخبرًا له (‪(( :‬حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به‬
‫شيئًا))(‪ ) 22‬فهذا حق اهلل الذي ال يجوز صرفه لغيره وهو يغضب سبحانه وتعالى إذا صرف هذا الحق لغيره ((من عمل عمًال‬
‫أشرك معي فيه غيري تركته وشركه))(‪ )23‬ولذلك كان الشرك أعظم الظلم ?إن الشرك لظلم عظيم ?(‪ )24‬وذلك أنه وضع‬
‫للشيء في غير موضعه فالظلم وضع الشيء في غير موضعه فإذا صرفت العبادة لغير اهلل وتقربت لغير اهلل فقد وقعت فيما نهى‬
‫اهلل‬

‫سبحانه وتعالى عنه وضللت ووقعت في أشنع وأعظم أنواع الظلم‪.‬‬


‫ثم قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬ال يصلح منه شيء)) أي ال يصلح من هذا التقرب وهذه العبادة شيء ((ال لملك مقرب وال‬
‫لنبي مرسل)) فالواجب أن يفرد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة فال يصرف شيء لملك مقرب وال نبي مرسل‪(( .‬فضًال عن‬
‫غيرهما)) يشير بهذا إلى األحجار واألصنام وغيرها مما عبده المشركون‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل في بيان أن الذين بعث فيهم النبي ( كانوا يقرون بتوحيد الربوبية قال‪(( :‬وإال فهؤالء المشركون‬
‫يشهدون أن اهلل هو الخالق وحده ال شريك له وأنه ال يرزق إال هو وال يحيي إال هو وال يميت إال هو وال يدبر األمر إال‬
‫هو وأن جميع السماوات ومن فيهن واألرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره)) وهذا اإلقرار لم‬
‫ينفع المشركين فإن إقرارهم بأن اهلل سبحانه وتعالى هو الخالق وأنه هو المالك وأنه هو المدبر وأنه هو الرازق لم‬
‫ينقلهم من الشرك إلى التوحيد وهذا يفيدك فائدة مهمة وهي أن من يفسر ال إله إال اهلل بأنه ال خالق إال اهلل وأنه ال مدبر‬
‫إال اهلل وأنه ال مخترع إال اهلل فإنه قد ضل ضالًال مبينًا إذ إن هذا ال خالف فيه بين الرسل وأقوامهم فإن اهلل قد فطر‬
‫الخلق على اإلقرار بربوبيته سبحانه وتعالى وإنما وقع الخالف في صرف العبادة لغيره فالمشركون استساغوا وسوغوا‬
‫صرف العبادة لغير اهلل تعالى والرسل جاءت تأمر الناس بوجوب صرف العبادة له وحده دون غيره سبحانه وتعالى‬
‫وتوحيد الربوبية تقدم الكالم عليه وهو إفراد اهلل تعالى بالخلق والملك والتدبير ودليل هذا ما ذكره الشيخ قال‪ :‬فإذا‬
‫ُقُك ِم الَّس اِء‬
‫أردت الدليل على أن هؤالء الذين قاتلهم رسول اهلل ( يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى‪ُ ? :‬قْل َمْن َيْر ُز ْم َن َم‬
‫َو اَأْلْر ِض َأَّمْن َيْم ِلُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي ِم َن اْلَم ِّيِت َو ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت ِم َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن‬
‫الَّلُه َفُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ?(‪ )25‬هذا فيه أن المشركين يقرون بأن اهلل هو الخالق وأنه هو المالك وأنه هو المدبر من أين‬
‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬
‫نأخذ بأن المشركين يقرون بأن اهلل هو الخالق؟ يعني من هذه اآلية ?َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت َن‬
‫اْلَح ِّي ? فهذا فيه الخلق واإلقرار بأن اهلل سبحانه وتعالى هو المحيي المميت وأنه ال يحيي إال هو وال يميت إال هو هذا‬
‫من مستلزمات اإلقرار بتوحيد الربوبية ولذلك بعض العلماء يقولون‪ :‬توحيد الربوبية هو أن تقر بأنه ال خالق إال اهلل وال‬
‫مالك إال اهلل وال مدبر إال اهلل وأن اهلل هو المحيي المميت اإلحياء خلق وال إشكال فيه أما اإلماتة فكيف تكون خلقًا؟ إذ‬
‫اهلل عز وجل قال‪? :‬اَّلِذ ي َخ َلَق اْلَمْو َت َو اْلَحَياَة ِلَيْبُلَو ُك ْم َأُّيُك ْم َأْح َسُن َعَم ًال َو ُه َو اْلَعِز يُز اْلَغُفوُر ?(‪ )26‬فالذي قال‪ :‬إن‬
‫الموت خلق هو اهلل جل ذكره إذًا هذا الدليل على أن اإلماتة واإلحياء من الخلق والخلق من مستلزمات اإلقرار بأن اهلل‬
‫جل ذكره هو الرب ?اَّلِذ ي َخ َلَق اْلَمْو َت َو اْلَحَياَة ِلَيْبُلَو ُك ْم ? إذًا هذا دليل الخلق من هذه اآلية دليل الملك في قوله‪? :‬‬
‫َأَّمْن َيْم ِلُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر ? دليل التدبير ?َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ? والرزق داخل تحت هذه‬
‫الثالثة األمور ولو أضفته مستقًال ال بأس إذًا هذه اآلية جمعت ما يجب اعتقاده في ربوبية اهلل سبحانه وتعالى ولذلك‬
‫حفظها يجمع لك ما يجب اعتقاده في ربوبية اهلل سبحانه وتعالى في أنه هو الخالق وأنه هو المالك وأنه هو المدبر‬
‫واآليات في تقرير ذلك كثيرة منها ما ذكره الشيخ رحمه اهلل وقوله‪ُ? :‬قْل ِلَم ِن اَأْلْرُض َو َمْن ِفيَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن‬
‫( َس َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َأَفال َتَذ َّك ُر وَن ( ُقْل َمْن َر ُّب الَّس َم اَو اِت الَّس ْبِع َو َر ُّب اْلَعْر ِش اْلَعِظ يِم (‬

‫ِج ي ال ا َعَل ِه ِإْن ُك ْنُت َل وَن ( ُقوُلوَن ِلَّلِه‬ ‫ٍء‬ ‫ِدِه‬ ‫ِل ِه‬
‫َس َي‬ ‫ْم َتْع ُم‬ ‫َس َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ( ُقْل َمْن ِبَي َم َلُك وُت ُك ِّل َش ْي َو ُه َو ُي ُر َو ُيَج ُر ْي‬
‫ُقْل َفَأَّنى ُتْسَح ُر وَن ?(‪ .)27‬ملكوت ما المراد بها؟ ملكوت هي خزائن السماوات واألرض فاهلل عز وجل أمر نبيه أن‬
‫يقول للمشركين‪ :‬من بيده خزائن السماوات واألرض؟ فأقر المشركون بأنها هلل سبحانه وتعالى فاهلل هو المالك والخالق‬
‫والمدبر سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وغير ذلك من اآليات الدالة على ربوبية اهلل سبحانه وتعالى والدالة على أن المشركين كانوا يقرون بأي أنواع‬
‫التوحيد؟ كانوا يقرون بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫الدرس الثالث‪:‬‬
‫فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا وأنه لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول اهلل (‪ ،‬وعرفت أن التوحيد الذي‬
‫جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا (االعتقاد) كما كانوا يدعون اهلل سبحانه ليًال ونهارًا‪ .‬ثم‬
‫منهم من يدعو المالئكة ألجل صالحهم وقربهم من اهلل ليشفعوا له‪ ،‬أو يدعو رجًال صالحًا مثل الالت‪ ،‬أو نبيًا مثل‬
‫عيسى وعرفت أن رسول اهلل (‪ ،‬قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخالص العبادة هلل وحده كما قال تعالى‪َ? :‬فال‬
‫َتْد ُعو َمَع الَّلِه َأَح دًا? وقال‪َ ? :‬لُه َدْع َو ُة اْلَح ِّق َو اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه ال َيْس َتِج يُبوَن َلُه ْم ِبَش ْي ٍء ?(‪.)28‬‬

‫وتحققت أن رسول اهلل ( قاتلهم ليكون الدعاء كله هلل‪ ،‬والنذر كله هلل‪ ،‬والذبح كله هلل‪ ،‬واالستغاثة كلها هلل‪ ،‬وجميع‬
‫أنواع العبادات كلها هلل‪ ،‬وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في اإلسالم‪ ،‬وأن قصدهم المالئكة أو األنبياء‪،‬‬
‫أو األولياء‪ ،‬يريدون شفاعتهم‪ ،‬والتقرب إلى اهلل بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم‪ ،‬عرفت حينئٍذ التوحيد الذي‬
‫دعت إليه الرسل‪ ،‬وأبى عن اإلقرار به المشركون‪ ،‬وهذا التوحيد هو معنى قولك‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فإن اإلله هو الذي‬
‫يقصد ألجل هذه األمور‪ ،‬سواء كان ملكًا‪ ،‬أو نبيًا‪ ،‬أو وليًا‪ ،‬أو شجرة‪ ،‬أو قبرًا‪ ،‬أو جنيًا لم يريدوا أن اإلله هو الخالق‬
‫الرازق المدبر‪ ،‬فإنهم يعلمون أن ذلك هلل وحده كما قدمت لك‪ ،‬وإنما يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ‬
‫السيد‪ .‬فأتاهم النبي ( يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (ال إله إال اهلل) والمراد من هذه الكلمة معناها ال مجرد لفظها‪.‬‬
‫والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي ( بهذه الكلمة هو إفراد اهلل تعالى بالتعلق به والكفر بما يعبد من دون اهلل والبراءة‬
‫منه‪ ،‬فإنه لما قال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬قالوا‪َ? :‬أَجَعَل اآْل ِلَه َة ِإَلهًا َو اِح دًا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ?‪.‬‬
‫فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك‪ ،‬فالعجب ممن يدعي اإلسالم وهو ال يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه‬
‫جهال الكفار‪ ،‬بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني‪ ،‬والحاذق منهم يظن أن‬
‫معناها ال يخلق وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال يدبر األمر إال اهلل‪ ،‬فال خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫يواصل الشيخ رحمه اهلل التقديم لهذه الشبهات التي يجيب عليها فيقول رحمه اهلل‪ :‬فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا وأنه‬
‫لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول اهلل (‪ ،‬وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه‬
‫المشركون في زماننا (االعتقاد) كما كانوا يدعون اهلل سبحانه ليًال ونهارًا‪ .‬ثم منهم من يدعو المالئكة ألجل صالحهم‬
‫وقربهم من اهلل ليشفعوا له‪ ،‬أو يدعوا رجًال صالحًا مثل الالت‪ :‬أو نبيا مثل عيسى وعرفت أن رسول اهلل (‪ ،‬قاتلهم على‬
‫هذا الشرك ودعاهم إلى إخالص العبادة هلل وحده كما قال تعالى‪َ ? :‬فال َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح دًا ?(‪ .)29‬هذا فيه بيان أن‬
‫اإلقرار بتوحيد الربوبية ال ينقل اإلنسان من الكفر إلى اإليمان إذ إن اإلقرار بتوحيد الربوبية أمر فطر اهلل سبحانه وتعالى‬
‫عليه الخالئق فكل الخلق يقرون بأن اهلل هو المالك وأنه هو الخالق وأنه هو المدبر وأنه هو الرزاق وإنما اختلف الخلق‬
‫وتشعبت طرقهم وتباينت مذاهبهم في صرف العبادة هلل سبحانه وتعالى فمن الخلق من أفردوا اهلل سبحانه وتعالى‬
‫بالعبادة فلم يصرفوها لغيره وهؤالء هم المتبعون للرسل ومنهم من تنكب عن هذا السبيل وخالف طريق المرسلين‬
‫فصرف العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى وهؤالء هم أعداء الرسل الذين بعثت الرسل لمحاربتهم ودعوتهم إلى دين الحق‪.‬‬

‫يقول رحمه اهلل‪(( :‬وتحققت أن رسول اهلل ( قاتلهم ليكون الدعاء كله هلل‪ ،‬والنذر كله هلل‪ ،‬والذبح كله هلل‪ ،‬واالستغاثة كلها هلل‪،‬‬
‫وجميع أنواع العبادات كلها هلل)) علمت بهذا أن النبي ( قد دعا إلى التوحيد وأنه ( أمر الناس بأن ال يصرفوا أي نوع من أنواع‬
‫العبادة لغير اهلل وبهذا تفهم أن الدعوة التي جاءت بها الرسل هي إفراد اهلل بالعبادة فمعنى ال إله إال اهلل أي ال معبود بحق إال اهلل‬
‫وبالتالي ال يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره تعالى فكل ما ثبت أنه عبادة فصرفه هلل تعالى توحيد جاءت به الرسل‬
‫وصرفه لغيره سبحانه وتعالى شرك نهت عنه الرسل‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في اإلسالم‪ ،‬وأن قصدهم المالئكة أو األنبياء‪ ،‬أو األولياء‪ ،‬يريدون‬
‫شفاعتهم‪ ،‬والتقرب إلى اهلل بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم‪ ،‬عرفت حينئٍذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل‪ ،‬وأنه توحيد‬
‫األلوهية الذي مقتضاه إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة‪ .‬يقول‪ :‬وأبى عن اإلقرار به المشركون‪ ،‬وال شك أن المشركين أبوا‬
‫اإلقرار بهذا التوحيد ولذلك وقعت الخصومة بينهم وبين الرسل‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬هو الذي أحل دماءهم وأموالهم‪ ،‬فإن النبي ( قد قال‪(( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل‬
‫وأني رسول اهلل ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم))(‪ )30‬وفي‬
‫حديث طارق بن أشيم عند مسلم قال‪(( :‬من قال‪ :‬ال إله إال اهلل وكفر بما يعبد من دون اهلل حرم ماله ودمه وحسابه على اهلل))(‬
‫‪ )31‬فعلمنا أن الذي جعل اهلل سبحانه وتعالى ورسوله محِّر مًا للدم والمال وعاصمًا لهما هو اإلقرار بالتوحيد الذي هو إفراد اهلل‬
‫سبحانه وتعالى فمن لم يقم بذلك فإنه مباح الدم والمال وال حرمة لدمه وال ماله‪.‬ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وهذا التوحيد هو معنى‬
‫قولك‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فمعنى قولك‪ :‬ال إله إال اهلل إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة وذكرنا لكم أيها اإلخوة أن العبادة هي كل ما‬
‫أمر اهلل به ورسوله فكل ما أمر اهلل به ورسوله من العبادة التي ال بد من إفراد اهلل سبحانه وتعالى بها فقولك‪ :‬ال إله إال اهلل أي ال‬
‫معبود بحق إال اهلل ويستطرد الشيخ رحمه اهلل في بيان التوحيد الذي جاءت به الرسل فيقول‪ :‬فان اإلله عندهم يعني عند العرب‬
‫هو الذي يقصد ألجل هذه األمور‪ ،‬ألجل هذه األمور المراد بها العبادة وقد تنوعت أقوال العلماء رحمهم اهلل في تعريف اإلله‬
‫فمنهم من قال‪ :‬اإلله اسم جنس يطلق على كل ما عبد بحق أو باطل فكل ما عبد بحق أو باطل فإنه يطلق عليه إله لكن غلب‬
‫استعمال هذا اللفظ في من عبد بحق وعّر فه شيخ اإلسالم رحمه اهلل بأنه المعبود المطاع وعرفه ابن القيم بأنه الذي تألفه القلوب‬
‫يعني تعبده وتحبه فإله بمعنى مألوه ككتاب بمعنى مكتوب وأشمل ما وقفت عليه من التعاريف لهذه الكلمة هو ما ذكره الشيخ‬
‫محمد بن عبدالوهاب رحمه اهلل وبعض تالميذه وأتباعه على دعوته حيث ذكروا أن اإلله هو الذي يقصد بشيء من العبادة كما‬
‫هو ظاهر من كالمه هنا فقال‪(( :‬فإن اإلله هو الذي يقصد ألجل هذه األمور)) أي ألجل العبادة فاإلله اسم جنس لكل ما قصد‬
‫بشيء من العبادة فكل ما توجه إليه العبد بشيء من العبادة أو قصده بصورة من صور التعبد فقد اتخذه إلهًا ولذلك سمى النبي‬
‫( طلب الصحابة أو طلب بعض الصحابة لما كانوا خارجين لغزوة حنين أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط‬
‫سمى ذلك اتخاذًا لهذه الشجرة إلهة فقال (‪(( :‬قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى ?اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة َقاَل‬
‫ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن ? إنها لسنن لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة))(‪ )32‬وهذا يدل على أن كل من قصد بشيء من التعبد‬
‫فإنه إله ولو كان التعبد في شيء ولو في‬

‫قصد شيء من التعبد وليس في كل التعبدات فمن صرف مثًال الدعاء لغير اهلل فسأل غير اهلل فإنه قد وقع في الشرك‬
‫ولو كان قد أخلص في الصالة وفي الحج وفي الصيام وفي باقي العبادات فصرف أي نوع من أنواع العبادة يوقع‬
‫اإلنسان في الشرك الذي هو اتخاذ إلٍه من دون اهلل‪ ،‬إذًا ((فإن اإلله هو الذي يقصد ألجل هذه األمور)) يفيدنا أن اإلله‬
‫هو ما قصد بشيء من العبادة اإلله هو ما قصد بشيء من العبادة وعليه نعرف ونفهم بطالن الذين يفسرون كلمة اإلله‬
‫بالخالق أو بالقادر على االختراع أو بالصانع كما سيتبين بعد قليل من كالم الشيخ‪.‬‬
‫يقول‪ :‬سواء ملكًا‪ ،‬أو نبيًا‪ ،‬أو وليًا‪ ،‬أو شجرة‪ ،‬أو قبرًا‪ ،‬أو جنيًا يعني سواء كان المقصود بهذه األنواع من العبادات أو‬
‫ببعضها ملكا أو نبيا أو وليا أو شجرة أو قبرًا أو جنيًا فكل ما قصدته بشيء من العبادة فهو اإلله ((لم يريدوا أن اإلله هو‬
‫الخالق الرازق المدبر)) واالستدالل على هذا أن العرب لم تكن تفهم من كلمة اإلله أنه الخالق الرازق المدبر‪ . .‬قال‪:‬‬
‫((فإنهم يعلمون أن ذلك هلل وحده)) أي الخلق والملك والرزق والتدبير هي هلل وحده كما تقدم في اآليات الدالة على‬
‫أن المشركين كانوا يقرون بأن اهلل هو المالك وأن اهلل هو الرازق وأن اهلل هو المدبر وأن اهلل هو الخالق يقول‪ :‬وإنما‬
‫يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد الذي يصرفون له أنواع العبادة وهذا موجود في بعض المدن‬
‫واألماكن يطلقون على من يصرفون لهم أنواع العبادة بالسادة أو باألولياء أو بالصالحين أو بما اصطلحوا عليه من‬
‫األلفاظ التي سموا بها هؤالء الذين يصرفون لهم العبادة من دون اهلل‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬فأتاهم النبي ( يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي ال إله إال اهلل)) فإنها هي دعوة الرسل وتقدم‬
‫الدليل على ذلك وفي حديث ابن عمر في الصحيحين‪(( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل))(‪)33‬‬
‫فالدعوة التي جاء بها النبي ( هي دعوتهم هلل وحده دون غيره وال إله إال اهلل معناها الذي يجهله كثير من المسلمين هو‬
‫ال معبود بحق إال اهلل تقدم لنا اإلله هو المعبود المطاع فتطبيق التعريف أو تنزيل هذا المعنى على هذه الجملة يبين لك‬
‫أن معناها ال معبود إال اهلل واحتجنا إلى تقدير الخبر ألن الجملة ال تتم إال به بمبتدأ وخبر الجملة االسمية ال تتم إال‬
‫بمبتدأ وخبر فاحتجنا إلى التقدير وهنا ال خبر إذا قلنا‪ :‬ال إله إال اهلل ولم نقدر خبرًا فإن الجملة ال تتم إذ أن "ال" ال‬
‫تعمل في المعارف وبالتالي ال يصلح أن يكون لفظ الجاللة في قوله‪ :‬إال اهلل خبرًا فاحتجنا إلى تقدير الخبر والخبر‬
‫المقدر أصح ما يقال فيه أنه مقدر يعني ال إله حق إال اهلل ودليل ذلك يعني دليل صحة ذلك التقدير قوله جل وعال‪? :‬‬
‫َفَذ ِلُك ُم الَّلُه َر ُّبُك ُم اْلَح ُّق َفَم اَذا َبْع َد اْلَح ِّق ِإاَّل الَّضالُل َفَأَّنى ُتْص َر ُفوَن ?(‪ )34‬فيكون أحسن ما قدر في هذه الجملة أن‬
‫تقول‪ :‬ال معبود حق أو بحق إال اهلل فيكون لفظ الجاللة بدًال عن الخبر وليس هو الخبر‪ ،‬إذًا عرفنا أن هناك تقديرًا‬
‫والتقدير أصح ما يقال فيه أيش؟ ما وجه هذا التقدير؟ قوله تعالى‪َ? :‬فَذ ِلُك ُم الَّلُه َر ُّبُك ُم اْلَح ُّق? لو قال قائل‪ :‬ال حاجة‬
‫للتقدير ال معبود إال اهلل قلنا‪ :‬هذا ال يستقيم على لسان العرب بل ال بد من التقدير بعضهم قدر موجود وهذا فيه نظر‬
‫يعني ال إله موجود قدر الخبر بموجود وهذا فيه نظر وأصح ما يقال في التقدير ما ذكرناه قبل قليل وهو الذي يسلم من‬
‫االعتراضات الواردة على تقديره بموجود‪.‬‬

‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬والمراد من هذه الكلمة معناها ال مجرد لفظها)) وهذا أول االنحرافات التي وقعت في هذه‬
‫الكلمة أن بعض المنتسبين لملة اإلسالم ظنوا أن الكلمة تفيد ما يترتب عليها من أحكام بمجرد نطق اللفظ دون تقييده‬
‫بالمعنى وال شك أن هذا انحراف خطير فإن ال إله إال اهلل كلمة يطلب لفظها ومعناها ولذلك وقعت الخصومة بين‬
‫الرسول وقومه فإنه لو كان المطلوب مجرد الكلمة لقالوها وأدوها لكن علموا أن المراد هو معنى الكلمة ولذلك‬
‫فيذكر الشيخ عنهم ما يدل على أنهم فهموا أن المعنى مراد فقالوا‪َ? :‬أَجَعَل اآْل ِلَه َة ِإَلهًا َو اِح دًا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ?(‬
‫‪ .) 35‬ولوال أن النبي ( قد طلب منهم التلفظ بهذه الكلمة لما استعجبوا ولما استغربوا هذا الطلب إذ إنه لفظ مجرد عن‬
‫معناه وال إله إال اهلل ال تنفع قائلها إال باستيفاء شروطها وتقييدها بالقيود كما ورد ذلك عن السلف‪.‬‬

‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي ( بهذه الكلمة هو إفراد اهلل تعالى بالتعلق به والكفر بما‬
‫يعبد من دون اهلل والبراءة منه)) هذا معنى ال إله إال اهلل معناها إفراد اهلل بالعبادة ومعناها البراءة من الشرك وأهله ولذلك‬
‫ذكر الشيخ رحمه اهلل في الثالثة األصول أن الذي يفسر معنى هذه اآلية هو قوله سبحانه وتعالى‪ِ ? :‬إْذ َقاَل ِإ اِه ي َأِلِبيِه‬
‫ْبَر ُم‬ ‫َو‬
‫َو َقْو ِمِه ِإَّنِني َبَر اٌء ِم َّم ا َتْع ُبُد وَن ( ِإاَّل اَّلِذ ي َفَطَر ِني َفِإ َّنُه َس َيْه ِد يِن ?(‪ )36‬فجعل تفسير ال إله إال اهلل البراءة من الشرك وأهله‬
‫وإفراد اهلل سبحانه وتعالى بالتوحيد والعبادة ولذلك ال يصح التوحيد إال بالجمع بين إفراد اهلل بالتوحيد وبين البراءة من‬
‫الشرك وأهله ولو أفرد العبد اهلل بالتوحيد لكنه لم يقم بالبراءة من الشرك وأهله فإنه ال ينفعه ذلك بشيء قال اهلل جل‬
‫ذكره‪? :‬ال ِإْك َر اَه ِفي الِّديِن َقْد َتَبَّيَن الُّرْش ُد ِم َن اْلَغِّي َفَمْن َيْك ُف ْر ِبالَّطاُغوِت َو ُيْؤ ِم ْن ِبالَّلِه َفَق ِد اْسَتْم َس َك ِباْلُعْر َو ِة اْلُو ْثَق ى?(‬
‫‪ ) 37‬فرتب اهلل سبحانه وتعالى االستمساك بالعروة الوثقى على أمرين‪ :‬الكفر بالطاغوت واإليمان باهلل فلو آمن باهلل‬
‫بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ولم يكفر بالطاغوت لم ينفعه ذلك شيء إذ إنه من مقتضيات إفراد اهلل بالعبادة الكفر‬
‫بما يعبد من دونه كما قال جل ذكره‪َ? :‬فَمْن َيْك ُفْر ِبالَّطاُغوِت َو ُيْؤ ِم ْن ِبالَّلِه َفَق ِد اْسَتْم َس َك ِباْلُعْر َو ِة اْلُو ْثَق ى?(‪ )38‬ويدل‬
‫عليه أيضًا ما في صحيح مسلم من حديث طارق بن أشيم أن النبي ( قال‪ " :‬من قال‪ :‬ال إله إال اهلل وكفر بما يعبد من‬
‫دون اهلل فقد حرم ماله ودمه))(‪ )39‬فقد رتب تحريم الدم والمال على قول ال إله إال اهلل والكفر بما يعبد من دون اهلل‬
‫ولذلك فسر الشيخ رحمه اهلل المراد بهذه الكلمة فقال‪ :‬هو إفراد اهلل تعالى بالتعلق والكفر بما يعبد من دون اهلل‬
‫والبراءة منه يعني البراءة مما عبد من دون اهلل فإنه لما قال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬ال إله إال اهلل قالوا‪َ? :‬أَجَعَل اآْل ِلَه َة ِإَلهًا َو اِح دًا ِإَّن‬
‫َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ?(‪ ) 40‬فاستعظموا قاتلهم اهلل واستغربوا أن يفرد اهلل بالعبادة مع أنهم يقرون أنه ال خالق إال اهلل وال‬
‫رازق إال اهلل وال مالك إال اهلل وال مدبر إال اهلل وال محيي وال مميت إال اهلل مع ذلك استغربوا كيف تصرف العبادة‬
‫لواحد وضاقت عقولهم عن أن يتوجهوا هلل سبحانه وتعالى وحده دون غيره فقالوا‪ِ? :‬إَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ? يعني في‬
‫منتهى العجب ومنتهى االستغراب أن نصرف العبادة لواحد وال شك أن ما استعجبوا منه ليس بعجيب بل هو الذي تدل‬
‫عليه العقول الصحيحة فإن من كان يرزق وحده ومن كان يملك وحده ومن كان يخلق وحده ومن كان يدبر وحده‬
‫فهو المستحق أن يعبد وحده ولذلك كانت الرسل تستدل بتوحيد الربوبية على توحيد اإللهية وتقرر توحيد اإللهية‬
‫بتقرير توحيد الربوبية ولكن لما فسدت قلوبهم فسدت عقولهم‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬فإذا عرفت أن الجهال يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي اإلسالم وهو ال يعرف من تفسير هذه‬
‫الكلمة ما عرفه جهال الكفار)) ما لذي عرفه جهال الكفرة من هذه الكلمة؟ أنه إفراد اهلل بالعبادة والكفر بما عبد من‬
‫دونه والبراءة منه هذا الذي فهمه الكفار فالعجيب ممن ينتسب إلى اإلسالم وال يفهم من هذه الكلمة ما فهمه جهال‬
‫الكفار‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني))‪.‬‬
‫انتهينا اآلن من االنحراف األول الذي وقع في مفهوم ال إله إال اهلل‪ .‬االنحراف الثاني أشار إليه الشيخ رحمه اهلل فيما‬
‫تقدم ونص عليه ثانيًا هنا‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪(( :‬والحاذق منهم يعني من هؤالء الجهال يظن أن معناها يعني معنى ال اله إال اهلل ال يخلق إال اهلل‬
‫وال يرزق إال اهلل وال يدبر األمر إال اهلل))‬

‫ثم قال الشيخ‪(( :‬فال خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بال إله إال اهلل)) وال شك أن تفسير ال إله إال اهلل بهذه‬
‫الكلمات انحراف وضالل وقد تقدم اإلشارة إلى هذا وجه ضالل قول من فسر ال إله إال اهلل بأنه ال خالق إال اهلل وال‬
‫صانع إال اهلل وال مخترع إال اهلل تبين من عدة أمور األول أن المعنى اللغوي لكلمة إله هو ما سمعتموه قبل قليل بأنه‬
‫المعبود المطاع وليس في معاجم العرب وال في ألسنتهم أن معنى اإلله الخالق وال أن معنى اإلله الرازق وال أن معنى‬
‫اإلله المالك وال أن معنى اإلله المدبر وال أن معنى اإلله المتصرف والمخترع والصانع بل لسان العرب يدل على أن‬
‫معنى اإلله هو المألوه أي المعبود وهذا يمكن الوقوف عليه من خالل مطالعة معاجم اللغة بل من معرفة الكفار للمعنى‬
‫الذي طولبوا به فإنهم فهموا من مطالبة األنبياء بال إله إال اهلل أي أن يفردوا اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة إذًا هذا الوجه‬
‫األول‪ ،‬الوجه الثاني أنه لم ينقل هذا التفسير عن أحد من السلف الوجه الثاني أنه لم ينقل هذا التفسير لكلمة ال إله إال‬
‫اهلل بأنه ال خالق أو ال مدبر أو ال مالك أو ال مخترع أو ال صانع إال اهلل لم يعرف عن أحد من السلف‪ .‬الوجه الثالث أن‬
‫المشركين الذين بعث فيهم النبي ( كانوا يقرون بأنه ال خالق إال اهلل وال مالك إال اهلل وال مدبر إال اهلل كما تقدم بيانه‬
‫فلو كان معنى ال إله إال اهلل ال خالق إال اهلل وال مدبر إال اهلل وال مخترع وال صانع إال اهلل لما كانت هناك خصومة بين‬
‫الرسل وأقوامهم ولما وقع الخالف ولما قالوا‪ِ? :‬إَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ? إذ إنهم يقرون بأنه ال خالق وال مالك وال مدبر‬
‫وال صانع إال اهلل‪ .‬رابع ما يتبين به بطالن هذا التفسير أن هذا تفسير بالالزم فإن من الزم اإلله أن يكون خالقًا ومالكًا‬
‫ومدبرًا وصانعًا ومخترعًا ورازقًا والتفسير بالالزم ال يسوغ إذا كان يقتضي تعطيل المعنى الحقيقي للكلمة فال بد من‬
‫تعريف الشيء بحقيقته وال‬

‫بأس بذكر اللوازم أما أن نقصر معنى الكلمة على لوازمها ونعطلها عن معناها الذي تدل عليه فإن هذا انحراف وضالل‬
‫إذًا تبين لنا بطالن هذا التعريف من خالل هذه األربعة األوجه‪.‬‬
‫إذًا اآلن تبين لنا نوعان من االنحراف في ال إله إال اهلل االنحراف األول هم الذين يقولون‪ :‬نكتفي بلفظها دون معناها‬
‫واالنحراف الثاني هم الذين يفسرونها بأنه ال خالق وال مالك وال مدبر إال اهلل واعلموا أيها اإلخوة أن كثيرًا من الكتاب‬
‫المتأخرين يفسرون ال إله إال اهلل بهذا التفسير وهذا ناشئ عن أن كثيرًا من المتكلمين عندهم التوحيد الذي هو غاية‬
‫المطلوب هو أن تقر بأن اهلل هو الخالق الرازق المدبر وال شك أن هذا انحراف فإنهم انتهوا إلى حيث ابتدأ الرسل‬
‫فالرسل كانوا يبتدئون من توحيد الربوبية وينتهون إلى تقرير توحيد اإللهية وهؤالء يبتدئون من أنواع من الضالالت‬
‫وينتهون إلى تقرير توحيد الربوبية‪.‬‬
‫الدرس الرابع‪:‬‬
‫إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب‪ ،‬وعرفت الشرك باهلل الذي قال اهلل فيه‪ِ? :‬إَّن الَّلَه ال َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َما‬
‫ُدوَن َذِلَك ِلَمْن َيَش اُء?(‪ .) 41‬وعرفت دين اهلل الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي ال يقبل اهلل من أحد‬
‫سواه‪ ،‬وعرفت ما أصبح غالب الناس عليه من الجهل بهذا أفادك فائدتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الفرح بفضل اهلل وبرحمته‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ? :‬قْل ِبَف ْض ِل الَّلِه َو ِبَر ْح َم ِتِه َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا َيْج َم ُعوَن ?(‬
‫‪)42‬‬
‫وأفادك أيضًا الخوف العظيم‪ ،‬فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه‪ ،‬وقد يقولها وهو جاهل‪ ،‬فال‬
‫يعذر بالجهل‪ ،‬وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى اهلل تعالى كما كان يفعل الكفار المشركون‪ ،‬خصوصًا إن ألهمك اهلل‬
‫ما قص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم‪ ،‬أنهم أتوه قائلين‪? :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة?(‪ .")43‬فحينئٍذ يعظم‬
‫حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله‪.‬‬

‫قال الشيخ رحمه اهلل‪ :‬إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب وعرفت الشرك ما ذكرت لك مما تقدم وعرفت الشرك‬
‫باهلل الذي قال فيه‪ِ? :‬إَّن الَّلَه ال َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َما ُدوَن َذِلَك ?(‪ .)44‬كيف تكون قد عرفت الشرك مع أن‬
‫الشيخ رحمه اهلل لم يذكر تعريفًا اصطالحيًا للشرك فيما تقدم يكون من خالل ما ذكره عن التوحيد أوًال ويكون من‬
‫خالل ما ذكره عن شبه الكافرين في صرفهم العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى وال شك أن التوحيد والعلم به ودراسته مما‬
‫يفيد اإلنسان معرفة الشرك إذ إن الضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز األشياء فإذا عرفت التوحيد ودرسته وعلمت‬
‫ما يجب فيه هلل سبحانه وتعالى عرفت الشرك والشرك أيها اإلخوة في االصطالح هو تسوية اهلل بغيره في ربوبيته أو‬
‫إلهيته أو أسمائه وصفاته وقال ابن القيم رحمه اهلل في تعريف الشرك قال‪ :‬هو التشبه بالخالق أو التشبيه للمخلوق به فإن‬
‫كال األمرين شرك فمن تشبه بالخالق فطلب العبادة من الناس فقد أشرك ومن شبه مخلوقًا باهلل سبحانه وتعالى في‬
‫ربوبيته أو إلهيته أو أسمائه وصفاته فقد وقع في الشرك واعلم يا أخي أن الشرك الذي يشير إليه الشيخ هنا هو الشرك‬
‫في اإللهية والشرك في اإللهية قسمان أكبر وأصغر أما الشرك األكبر فهو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير اهلل‬
‫تعالى سواًء كانت العبادة قولية أو فعلية أو اعتقادية فكل ما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لغير اهلل سبحانه وتعالى‬
‫شرك أكبر يخرج صاحبه من الملة إذًا الشرك األكبر هو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير اهلل سواء كانت العبادة‬
‫قولية أو فعلية أو اعتقادية كيف نعرف أن هذا الفعل عبادة أو ليس بعبادة؟ كيف تعرف أن هذا الفعل عبادة أو ليس‬
‫بعبادة حتى تحكم هل هو شرك أو ال؟ كل ما أمر اهلل به أو أمر رسوله به فهو عبادة سواء كان هذا األمر أمر إيجاب أو‬
‫أمر استحباب أما الشرك األصغر فهو كل ما نهى الشارع عنه مما هو ذريعة إلى الشرك األكبر يعني‬

‫مما يوصل إلى الشرك األكبر والغالب في الشرك األصغر أن يكون في األسباب وقد يكون في األلفاظ وقد يكون في‬
‫االعتقادات أيضًا لكن غالبه يكون في األسباب وفي األلفاظ‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وعرفت الشرك باهلل الذي قال اهلل فيه أو قال فيه‪ِ? :‬إَّن الَّلَه ال َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َما ُدوَن َذِلَك ?‬
‫(‪ ) 45‬وهذا فيه الترهيب والتحذير من الشرك فإن الشرك أمره عظيم فهو أظلم الظلم كما قال اهلل سبحانه وتعالى‪ِ? :‬إَّن‬
‫الِّش ْر َك َلُظْلٌم َعِظ يٌم?(‪ )46‬وعن عبداهلل بن مسعود قال‪ :‬سألت النبي (‪ :‬أي الذنب أعظم؟ قال‪(( :‬أن تجعل هلل ندًا وهو‬
‫خلقك))(‪ )47‬فالشرك أمره عظيم عند اهلل ولذلك لم يجعله اهلل سبحانه وتعالى قابًال للغفران إال بالتوبة منه واإلقالع‬
‫عنه ?ِإَّن الَّلَه ال َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َم ا ُدوَن َذِلَك ? هذه اآلية ال إشكال أن الشرك األكبر داخل فيها فإنها تدل على‬
‫أن الشرك األكبر ال يغفره اهلل سبحانه وتعالى إال باإلقالع عنه والتوبة منه أما الشرك األصغر فقد اختلف أهل العلم في‬
‫دخوله في هذه اآلية على قولين منهم من قال‪ :‬إن اآلية تشمل الشرك األصغر فالشرك األصغر ال يغفره اهلل إال بالتوبة منه‬
‫وهذا ال يلزم أن يكون صاحب الشرك األصغر مخلدًا في النار بل يعذب بحسب ما معه من الشرك األصغر حتى إذا‬
‫طهر دخل الجنة والقول الثاني أن اآلية ال تشمل الشرك األصغر وهذا األخير هو الذي عليه ابن القيم رحمه اهلل صرح‬
‫به في أكثر من موضع وهو أحد قولي شيخ اإلسالم رحمه اهلل والقول الثاني للشيخ دخول الشرك األصغر في اآلية أي‬
‫إن اهلل ال يغفر الشرك األصغر وال الشرك األكبر إال بالتوبة منهما واإلقالع عنهما وعلى كل الشرك أمره خطير فيجب‬
‫على العبد أن يتقي اهلل سبحانه وتعالى وينأى عنه وأن يكثر من قوله‪" :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم‬
‫وأستغفرك لما ال أعلم"(‪.)48‬‬

‫يقول‪ :‬وعرفت دين اهلل الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم الذي ال يقبل اهلل من أحد سواه ?ِإَّن الِّدي ِع ْنَد الَّلِه‬
‫َن‬
‫اإلسالم?(‪َ? )49‬و َمْن َيْبَتِغ َغْيَر اِإل ْس الِم ِد ينًا َفَلْن ُيْق َبَل ِم ْنُه?(‪ .)50‬واإلسالم هو االستسالم هلل بالتوحيد واالنقياد له‬
‫بالطاعة واإلسالم هو معناه شهادة أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل‪ ،‬وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل‬
‫بهذا كل هذه مقدمات أفادك هذا فائدتين‪ :‬األولى الفرح بفضل اهلل ورحمته كما قال تعالى‪ُ? :‬ق ِبَف ْض ِل الَّلِه ِب ِتِه‬
‫َو َر ْح َم‬ ‫ْل‬
‫َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا َيْج َم ُعوَن ?(‪ .)51‬فضل اهلل هو اإلسالم واإليمان ورحمته هي العلم والقرآن فأمر اهلل‬
‫سبحانه وتعالى نبيه أن يفرح باإليمان واإلسالم الذي هو فضل اهلل سبحانه وتعالى وبرحمته التي هي العلم والقرآن فإن‬
‫هذا من أجل ما يفرح به بل هو أعلى مراتب العارفين كما يقول ابن القيم رحمه اهلل فإن أعلى درجات العبد أن يفرح‬
‫باإلسالم وأن يفرح بالقرآن وأن يفرح باإليمان وأن يفرح بالعلم الدال على عبادة اهلل سبحانه وتعالى الواحد الديان قال‪:‬‬
‫?َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا? هذا تخصيص فبذلك يعني يفرحوا وال يفرحوا بغيره فإن غيره فاٍن زائل وأما هذا فهو باق ثابت في‬
‫الدنيا واآلخرة ?َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا َيْج َم ُعوَن ? وال شك أن اإليمان واإلسالم والعلم والقرآن خير ما جمع‬
‫بحق وخير ما حصله العبد في الدنيا واآلخرة وال شك أن من هداه اهلل سبحانه وتعالى لإليمان واإلسالم ولما دل عليه‬
‫القرآن من وجوب إفراد اهلل بالعبادة فقد وفق إلى خير عظيم وواجب هذه المنة الفرح ومقتضى الفرح الشكر‪. . .‬‬
‫أفادتكم النعماء مني ثالثة ……يدي ولساني والضمير المحجبا‬

‫فشكر بالقلب وحمد باللسان وشكر بالجوارح وهو بامتثال شرع اهلل سبحانه وتعالى وشعور هذه المنة مما ينبغي أيها‬
‫اإلخوة أن نهتم به فبعض الناس يظن أن منة اإلسالم منة كسائر المنن وال يتدبر مدى لطف اهلل به ورحمته به أن جعله‬
‫من المسلمين فإن اهلل سبحانه وتعالى اصطفاك من هذا الخلق وهذا الكون العظيم وهذا العدد الهائل الكبير من الناس‬
‫فجعلك من أتباع الرسل وخصك باتباع أفضلهم وأشرفهم وهو محمد ( الذي هو خير األنبياء وعليه أنزل أحسن‬
‫الكتب فهو أفضلهم وكتابه أحسن الكتب فهذه منة عظيمة نسأل اهلل سبحانه وتعالى أن نقوم بحقها وشكرها‪.‬ثم قال‪:‬‬
‫وأفادك أيضًا الخوف العظيم فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فال‬
‫يعذر بالجهل وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى اهلل تعالى كما كان يفعل الكفار خصوصًا إن ألهمك يعني يحدث عندك‬
‫الخوف إن ألهمك اهلل ما قص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين‪? :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة?(‬
‫‪ ) 52‬فحينئذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله‪ .‬والخوف أيها اإلخوة طريق نبوي قديم الخوف‬
‫من الشرك منهج نبوي قديم فهذا إبراهيم عليه السالم الذي شهد اهلل له باإلنابة بالتوحيد ?ِإَّن ِإ اِه ي َك اَن ُأَّمًة َقاِنتًا ِلَّلِه‬
‫ْبَر َم‬
‫َح ِنيفًا َو َلْم َيُك ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن ?(‪ )53‬ويقول‪َ? :‬و اْج ُنْبِني َو َبِنَّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم?(‪ )54‬يسأل اهلل سبحانه وتعالى أن يجنبه‬
‫من األصنام وذلك مع أنه معصوم عن الوقوع في الشرك وعبادة األصنام إال أنه قال ذلك لبيان خطورة الشرك وبيان‬
‫عظم منزلته وأنه مما ينبغي أن يحذره حتى األنبياء فإنه قال‪َ? :‬و اْج ُنْبِني َو َبِنَّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم? وقد قال اهلل سبحانه‬
‫وتعالى لنبيه في بيان عظم الشرك‪َ? :‬لِئْن َأْش َر ْك َت َلَيْحَبَطَّن َعَم ُلَك َو َلَتُك وَنَّن ِم َن اْلَخ اِس ِر يَن ?(‪ )55‬مع أنه منزه عنه عن‬
‫الوقوع في الشرك معصوم عن الوقوع في الكبائر فضًال عن الشرك وما ذلك إال لبيان خطورته وعظم أمره وقد قال‬
‫النبي ( مخاطبًا خير القرون مخاطبًا أصحابه (‪" :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر" قالوا‪ :‬وما الشرك األصغر يا‬
‫رسول اهلل؟ قال‪ :‬الرياء‪ .‬وقد قال النبي ( في بيان تحذيره بالخوف من الشرك‪" :‬الشرك في أمتي أخفى من دبيب النملة‬
‫السوداء في الليلة الظلماء على الصفاة السوداء" وما هذا إال للتحذير من الشرك فأفجع ذلك الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫حتى قالوا‪ :‬يا رسول اهلل فما النجاء منه؟ في حديث أبي بكر فقال (‪ " :‬أن تقول‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا‬
‫أعلم وأستغفرك لما ال أعلم"(‪ )56‬المهم أيها اإلخوة أمر خافه النبي ( على أصحابه الذين جاهدوا وقدموا أنفسهم في‬
‫سبيل تقرير التوحيد ينبغي أن نخافه على أنفسنا وأنا ال يأمن اإلنسان على نفسه من الشرك فإن الشرك كما وصفه النبي‬
‫( يدب إلى القلب من حيث ال تعلم "كدبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء" أنى ترى؟‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة ُيخرجها من لسانه وقد يكون جاهًال بها‪ :‬مثال هذه الكلمة‬
‫سب اهلل سبحانه وتعالى فإن الفطر متفقة على قبح هذا الفعل ولذلك سب اهلل سبحانه وتعالى من الكفر المخرج عن‬
‫الملة ولو جهل الساب أنه يكفر بالسب فإن ذلك ال يعفيه من الحكم بالكفر ألن سب اهلل اتفقت الفطر على أنه ُمحرم‬
‫فجهل العبد بما يترتب على هذا المحرم ال يعفيه من ما يترتب على الفعل فإنه يكفر بفعله ولذلك قول الشيخ رحمه‬
‫اهلل‪(( :‬وقد يقولها وهو جاهل فال يعذر بجهله)) يحمل على الجهل بما يترتب على قول المحرم وإال فإنه يعلم أنها‬
‫محرمة وإال لم يكن اهلل سبحانه وتعالى ليؤاخذه وهو ال يعلم حرمة هذا القول‪ .‬وقد استند بعض المتكلمين أو الشارحين‬
‫لهذا الكتاب استندوا إلى هذه الجملة في القول بأن الشيخ رحمه اهلل يذهب إلى عدم العذر بالجهل ! وهذه مسألة‬
‫كبيرة كثر فيها الكالم وطال فيها الخالف وألفت كتب تنصر قول القائلين بعدم العذر وكتب تنصر قول القائلين بالعذر‬
‫بالجهل والقول الفصل في هذه المسألة‪ :‬أنه ال يقال بالعذر مطلقًا وال يقال بعدم العذر مطلقًا بل يفّص ل في الجهل‪ ،‬فمن‬
‫الجهل ما يعذر به صاحبه ومن الجهل ما ال يعذر به صاحبه أما بالنسبة لعقيدة الشيخ رحمه اهلل في هذا فله رحمه اهلل من‬
‫النصوص ما يتبين من خالله أنه ال يقول بعدم العذر مطلقًا بل يقوله في أحوال وأحيان وأن العذر بالجهل حتى في مسائل‬
‫االعتقاد‪ .‬وسيتبين هذا من خالل نصوص نقرأها عليكم من كالم الشيخ ومن كالم طالبه واتباعه على دعوته‪.‬‬

‫فمن ذلك ما ذكره الشيخ رحمه في الدرر السنية في أحد رسائله قال رحمه اهلل‪(( :‬وإذا كنا ال نكفر من عبد الصنم‬
‫الذي على عبد القادر والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما ألجل جهلهما وعدم من ينبههم)) وهذا النص من كالم‬
‫الشيخ وهو يفيد أنه يعذر بالجهل مع وجود سببه كأن يكون الجهل فاشيًا في البالد وال يوجد من ينبه ويدعو إلى‬
‫التوحيد‪ ،‬ومن كالم ابنه عبداهلل في الدرر السنية أيضًا في بيان موقف أهل الدعوة وبيان موقف الشيخ رحمه اهلل يقول‪:‬‬
‫((وكان كالمه في عدم تكفيره من يقول يا رسول اهلل أسألك إذا كان جاهًال بهذا يقول رحمه اهلل ((ونعتذر عمن مضى‬
‫ألنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ)) ثم قال ((فإن قلت هذا في من ذهل ثم لما نبه انتبه فما القول‬
‫فيمن حرر األدلة واطلع على كالم األئمة القدوة واستمر مصرًا على ذلك حتى مات ‪ -‬يعني على تجويز سؤال النبي‬
‫( الشفاعة قلت ‪ -‬والقائل هو عبداهلل بن محمد ابن عبدالوهاب ‪(( -‬وال مانع أن نعتذر لمن ذكر وال نقول انه كفر وال‬
‫لمن تقدم انه مخطئ وان استمر على خطأه لعدم من يناظل عن هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه‪ ،‬فلم تقم‬
‫عليه الحجة وال وضحت له المحجة بل الغالب على زمان المؤلفين المذكورين ‪ -‬أي الذين اطلعوا على األدلة ومع‬
‫ذلك استمروا في تجويز هذه المسألة يقول بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين التواطئ على هجر كالم أئمة‬
‫السنة في ذلك رأسًا ومن اطلع عليه اعرض عنه قبل أن يتمكن ذلك في قلبه ولم تزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق‬
‫النظر في ذلك وصوله الملك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إال من شاء اهلل منهم‪.‬‬

‫وقال أيضًا‪(( :‬ونحن كذلك ال نقول بكفر من صحة ديانته وشهر صالحه وعلمه وورعه وزهده وحسنته سيرته وبلغ من‬
‫نصح األمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها وإن كان مخطئًا في هذه المسألة ‪ -‬وهي مسألة سؤال النبي‬
‫( الشفاعة ‪ -‬أو غيرها كابن حجر الهيثمي الذي كان له عددًا من الردود والكالم على بعض المسائل التي تكلم عنها‬
‫شيخ اإلسالم رحمه اهلل‪ .‬وقال عبدالرحمن بن حسن رحمه اهلل نقًال عن شيخ اإلسالم‪ :‬ونحن نعلم بالضرورة أن النبي‬
‫( لم يشرع ألحٍد أن يدعو أحدًا من األموات ال األنبياء وال الصالحين وال بغيرهم ال بلفظ االستغاثة وال بغيرها كما لم‬
‫يشرع ألمته السجود ال لميت وال إلى ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن هذه األمور كلها وأن ذلك من الشرك‬
‫الذي حرمه اهلل ورسوله‪ .‬ثم قال‪ :‬ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم‬
‫بذلك حتى يبين ما جاء به الرسول مما يخالفه‪ .‬وقال عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمه اهلل‪ (( :‬والشيخ محمد‬
‫رحمه اهلل ‪ -‬يقصد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬من اعظم الناس توقفًا وإحجامًا عن إطالق الكفر حتى انه لم يجزم‬
‫بتكفير الجاهل الذي يدعو غير من أهل القبور وغيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها))‬

‫هذه النصوص التي وقفت عليها وغيرها كثير تدل وتوضح موقف الشيخ رحمه اهلل وتالميذه من مسألة التكفير ومن‬
‫مسألة العذر بالجهل وأنه ال ينبغي اإلطالق بأن الشيخ ال يقول بالعذر بالجهل بل المسألة من حيث أصلها فيها تفصيل‬
‫وذلك هو موقف الشيخ فيما يظهر من كالمه‪ ،‬فينظر في حال الواقع في الشرك وعلى ضوء حاله يحكم هل عذره يعذر‬
‫أو هل جهله يعذر به وهذه المسألة قد أفردت بكتب وتكلم عليها كثير من المؤلفين المتأخرين من أراد االستزادة‬
‫فليرجع لهذه الكتب وشيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل يقول بعدم التفريق بين مسائل األصول ومسائل الفروع في‬
‫مسالة العذر بالجهل وله في هذا كالم كثير في مواضع كثيرة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى اهلل تعالى كما كان يفعل الكفار خصوصًا إن ألهمك اهلل تعالى ما‬
‫قص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم‪ :‬في قول الشيخ رحمه اهلل‪ :‬وعلمهم نظر فإن اهلل سبحانه وتعالى قد ذكر‬
‫عنهم بعد هذه اآلية من كالم موسى عليه السالم أنه قال‪َ? :‬بْل َأْنُتْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن ?(‪ .)57‬فهم ليسوا علماء لو كانوا‬
‫علماء ما طلبوا إلهًا يعبد من دون اهلل ففي قوله‪ :‬وعلمهم فيه بعض النظر فحينئذ يعظم حرصك وخوفك على ما‬
‫ُيخلصك من هذا وأمثاله‪.‬‬
‫الدرس الخامس‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫واعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إال جعل له أعداء كما قال تعالى‪َ? :‬و َكَذ َك َجَعْلَنا ُك ِّل َنِبٍّي‬
‫َعُد ّو ًا َش َياِط يَن اِأْل ْنِس َو اْلِج ِّن ُيوِح ي َبْع ُضُه ْم ِإَلى َبْع ٍض ُز ْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغُر ورًا?(‪.)58‬‬
‫وقد يكون ألعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال تعالى‪َ? :‬فَلَّم ا َج اَءْتُه ْم ُرُس ُلُه ْم ِباْلَبِّيَناِت َفِر ُح وا ِبَم ا‬
‫ِع ْنَد ُه ْم ِم َن اْلِعْلِم ?(‪.)59‬‬

‫إذا عرفت ذلك‪ ،‬وعرفت أن الطريق إلى اهلل ال بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلٍم وُح جج‪ ،‬فالواجب عليك‬
‫أن تتعلم من دين اهلل ما يصير لك سالحًا تقابل به هؤالء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل‪َ? :‬أَلْقُعَد َّن‬
‫َلُه ْم ِص َر اَطَك اْلُمْس َتِق يَم ( ُثَّم آَل ِتَيَّنُه ْم ِم ْن َبْيِن َأْيِد يِه ْم َو ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم َو َعْن َأْيَم اِنِه ْم َو َعْن َش َم اِئِلِه ْم َو ال َتِج ُد َأْك َثَر ُه ْم َش اِكِر يَن ?‬
‫(‪ .)60‬ولكن إذا أقبلت على اهلل‪ ،‬وأصغيت إلى حججه وبيناته‪ ،‬فال تخف وال تحزن ?ِإَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيفًا?(‬
‫‪.)61‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬واعلم أنه سبحانه من حكمته لم يبعث نبيًا بهذا التوحيد إال جعل له أعداء كما قال تعالى‪َ? :‬و َكَذ ِلَك‬
‫َجَعْلَنا ِلُك ِّل َنِبٍّي َعُد ّو ًا َش َياِط يَن اِإل ْنِس َو اْلِج ِّن ُيوِح ي َبْع ُضُه ْم ِإَلى َبْع ٍض ُز ْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغُر ورًا?(‪ :)62‬وهذا من ُس ّنة اهلل‬
‫سبحانه وتعالى في رسله وفي أتباعه أنه ال بد للرسل وألتباع الرسل من أعداء‪ ،‬هؤالء األعداء يضلون عن سبيل اهلل‬
‫يحاربون الرسل ويحاربون أتباعهم يريدون إطفاء نور اهلل الذي جاءت به الرسل وحمله أتباعهم ولذلك قال اهلل سبحانه‬
‫وتعالى مسليًا نبيه‪َ? :‬و َكَذ ِلَك َجَعْلَنا ِلُك ِّل َنِبٍّي َعُد ّو ًا َش َياِط يَن اِإل ْنِس َو اْلِج ِّن ُيوِح ي َبْع ُضُه ْم ِإَلى َبْع ٍض ُز ْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغُر ورًا?‬
‫وفي هذا تسلية للنبي ( وأن ما يلقاه من اعتداء وأذى من قومه لم يكن أمرًا ُخ ّص به دون سائر الرسل بل هو أمر درج‬
‫عليه الرسل وهي ُس ّنة اهلل سبحانه وتعالى في أوليائه ليتميز حزبه من حربه واهلل سبحانه وتعالى قد تكفل بإبطال كيد‬
‫هؤالء فقد قال جل ذكره في اآلية التي أخبر أنه البد لألنبياء من أعداء في سورة الفرقان من أنه سبحانه وتعالى سيبطل‬
‫كيدهم فقال جل ذكره‪َ? :‬و َكَذ ِلَك َجَعْلَنا ِلُك ِّل َنِبٍّي َعُد ّو ًا ِم َن اْلُم ْج ِرِم يَن َو َكَف ى ِبَر ِّبَك َه اِد يًا َو َنِص يرًا?(‪ )63‬فبعد أن أخبر‬
‫بوجود العداوة من المجرمين لألنبياء بّين سبحانه وتعالى أن هذه العداوة مبطلة بنصر اهلل سبحانه وتعالى وبهدايته‬
‫والنصر والهداية هما اللذان يحتاجهما العبد في مواجهة هؤالء فإن ما يغزو به هؤالء أهل الحق أو ما يشّغبون به على‬
‫أهل الحق أو أسلوبهم في محاربة أهل الحق ال يخرج عن طريقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬التشكيك والتضليل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المحاربة والمقاتلة‪.‬‬

‫وقد تعهد اهلل سبحانه وتعالى بإبطال هذين النوعين من الكيد فتعهد بالهداية التي تقابل التشكيك والتضليل وتعهد‬
‫بالنصر الذي يقابل المقاتلة والمحاربة وبهذا يعلم أنه مهما استطال الباطل وارتفعت أعالمه وانتشرت راياته وكثر أهله‬
‫فإنه مدحور فإن العاقبة للمتقين كما أخبر سبحانه وتعالى وقد تكون العاقبة بعد ممات الداعية أو المصلح أو العالم أو‬
‫المجدد فإن اهلل سبحانه وتعالى لم يضمن ظهور ثمار الرسالة للنبي ( في حياته بل وعده بالنصر مطلقًا ولم يتعهد بإظهار‬
‫هذا النصر في حياته ( لكنما العقبى ألهل الحق إن فاتت هنا يعني في الدنيا كانت لدى الديان فنسأل اهلل سبحانه وتعالى‬
‫أن يجعلنا وإياكم من أهل الحق‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وقد يكون ألعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج‪ :‬ولكن هذه العلوم والكتب والحجج هي مما‬
‫يصد عن سبيل اهلل سبحانه وتعالى وهي في الحقيقة شبه وليست حججًا ولذلك قال عنها األول‪:‬‬
‫حجج تهافت كالزجاج تخالها ……حقًا وكل كاسر مكسور‬

‫فما يأتي به المبطلون يتخيله بعض الناس حججًا وهي في الحقيقة شبه ولذلك اغتروا بما عندهم من علم وبما عندهم‬
‫من حجج وظنوا أن هذا سيقيهم عذاب اهلل سبحانه وتعالى وتكون لهم به العاقبة فأبطل اهلل سبحانه وتعالى ذلك وبين أن‬
‫هذا لن يغنيهم عند اهلل شيئًا فهم لما جاءتهم الرسل بالحق من اهلل فرحوا بما عندهم من العلم كما قال اهلل سبحانه‬
‫وتعالى‪َ? :‬فَلَّم ا َج اَءْتُه ْم ُرُس ُلُه ْم ِباْلَبِّيَناِت َفِر ُح وا ِبَم ا ِع ْنَد ُه ْم ِم َن اْلِعْلِم ?(‪ .)64‬وانظر إلى قوله‪ :‬البينات فإنهم أتوا بشيء‬
‫ظاهر بّين لكن هؤالء لما مردت قلوبهم على الكفر والفسق وأشربت قلوبهم حب الكفر والشرك لم يستطيعوا أن‬
‫ينفكوا من هذا البالء ففرحوا بما عندهم من العلم والذي عندهم من العلم هو حقيقة الجهل والعلم الذي عندهم وقد‬
‫فرحوا به هو علم الدنيا كما أخبر سبحانه وتعالى عنهم‪َ? :‬يْع َلُم وَن َظاِه رًا ِم َن اْلَحَياِة الُّد ْنَيا َو ُه ْم َعِن اآْل ِخ َر ِة ُه ْم َغاِفُلوَن ?(‬
‫‪.)65‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وإذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلى اهلل تعالى ال بد له من أعداٍء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم‬
‫وحجج فالواجب عليك أن تعلم من دين اهلل ما يصير لك سالحًا تقاتل به هؤالء الشياطين‪ :‬وال شك أنه يجب على العبد‬
‫أن يتعلم من دين اهلل ما يقيم به دينه فالذي يعيش في أوساط المبتدعة وفي أجواء الشرك يجب عليه من العلم ما ال‬
‫يجب على ذلك الذي يعيش في بالد التوحيد والذي يعيش في بالد السنة ولذلك ُيخطئ من ُيفّر ط في تعلم ما يجب‬
‫عليه تعلمه ثم ينكسر أمام شبه المشبهين وتضليل المضللين فينبغي على العبد أن يأخذ من العلوم ما يحتاج‪.‬‬

‫ِد‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِص‬


‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل‪َ? :‬ألْقُعَد َّن َلُه ْم َر اَطَك اْلُمْس َت يَم ( ُثَّم آل َيَّنُه ْم ْن َبْيِن َأْي يِه ْم‬
‫َو ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم َو َعْن َأْيَم اِنِه ْم َو َعْن َش َم اِئِلِه ْم َو ال َتِج ُد َأْك َثَر ُه ْم َش اِكِر يَن ?(‪ :)66‬وهذا فيه إحاطة الشيطان بالعبد وأنه يأتيه من بين‬
‫يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وما ذلك إال إلحكام القبضة عليه فهو يأتيه من أمامه وعن يمينه فيزهده في الطاعات‬
‫والصالحات والقربات ويأتيه من خلفه وعن شماله فيحثه على المعاصي والسيئات وقال بعضهم‪ :‬يأتيه عن يمينه فيزهده في‬
‫الطاعات ويأتيه عن شماله فيرغبه في السيئات ويأتيه من أمامه فيقعده عن طلب اآلخرة ألن اآلخرة أمامه ويأتيه عن خلفه ويجذبه‬
‫إلى الدنيا ألن الدنيا خلفه وعلى كل فالمراد من هذه اإلحاطة هو تسلط الشيطان على العبد وأنه ال نجاة لك من هذا الشيطان‬
‫الذي أحاط بك من كل جانب إال باإلقبال على العلم النافع والعمل الصالح الذي ينجيك من تسلطه وإحاطته‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ولكن إذا أقبلت على اهلل وأصغيت إلى حججه وبيناته فال تخف وال تحزن ? ِإَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيفًا ?(‬
‫‪ :)67‬وهذه من منة اهلل علينا أن اهلل سبحانه وتعالى وعدنا بأن الذي ُيقبل عليه وُيقبل على حججه سيهديه إلى السبيل والصراط‬
‫المستقيم ولذلك قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ? :‬و اَّلِذ يَن َج اَه ُد وا ِفيَنا َلَنْه ِد َيَّنُه ْم ُسُبَلَنَا?(‪ .)68‬فالواجب على العبد أن يقدم العربون‬
‫وأن ُيقبل على اهلل سبحانه وتعالى مجاهدًا في طلب العلم النافع مجاهدًا في تحقيق اإلخالص والعبودية هلل سبحانه وتعالى وليعلم‬
‫أنه سيحّص ل الخير وسيكفيه اهلل سبحانه وتعالى هذا الكيد الكبير وإن كان مع التوحيد اإلخالص والعمل يغدو كيد ضعيفًا كما‬
‫أخبر اهلل سبحانه وتعالى عنه‪ِ? :‬إَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيفًا?‪.‬‬

‫ِإ‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬والعاِّم ُّي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤالء المشركين كما قال تعالى‪َ? :‬و َّن ُج ْنَدَنا َلُه ُم‬
‫اْلَغاِلُبوَن ?(‪ :)69‬وكل من تمسك بكتاب اهلل وُس ّنة رسوله ودعا إلى اهلل وإلى ما جاء به الرسول ( فهو من جند اهلل وكل‬
‫من أعرض عن كتاب اهلل وُس ّنة رسوله وأقبل على الشهوات والشبهات فإنه من جند الشيطان فجند اهلل هم الغالبون‬
‫بالحجة واللسان كما هم الغالبون بالسيف والِّس نان‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فجند اهلل هم الغالبون بالحجة واللسان كما أنهم الغالبون بالسيف والِّس نان وإنما الخوف على‬
‫ٍء‬ ‫ِت ِل‬
‫الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح وقد َمَّن اهلل تعالى علينا بكتابه الذي جعله ? ْبَيانًا ُك ِّل َش ْي َو ُه دًى‬
‫َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِم يَن ?(‪ :)70‬فكل هدى في كتابه سبحانه وتعالى وكل ما يقربك إلى اهلل ويدلك على طريقه‬
‫ويبعدك عن الشيطان ويحذرك من سبله وأساليبه موجود في كتاب اهلل وفي ُس ّنة رسوله (‪.‬‬
‫ثم يقول رحمه اهلل‪ِ? :‬تْبَيانًا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه دًى َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِم يَن ? فال يأتي صاحب باطل بحجة إال وفي القرآن‬
‫ما ينقضها ويبين بطالنها كما قال تعالى‪َ? :‬و ال َيْأُتوَنَك ِبَم َثٍل ِإاَّل ِج ْئَناَك ِباْلَح ِّق َو َأْح َسَن َتْف ِس يرًا?(‪ :)71‬وهذا من بديع‬
‫إعجاز القرآن الكريم أنه ال يستدل به صاحب باطل على باطله إال وفي كتاب اهلل بل في ذلك الدليل الذي استدل به إن‬
‫كان دليًال ثابتًا سواء كان من السنة أو كان من القرآن فإنه في هذا الدليل ما ُيبطل حجته وما يرد شبهته كما قال تعالى‪:‬‬
‫?َو ال َيْأُتوَنَك ِبَم َثٍل ِإاَّل ِج ْئَناَك ِباْلَح ِّق َو َأْح َسَن َتْف ِس يرًا? وانظر كيف سّم ى ما يأتي به المبطلون مثًال وكيف سّم ى ما في‬
‫كتاب اهلل سبحانه وتعالى من الحجج حقًا وهذا ال شك فيه فإن ما يأتي به المبطلون هو ُش به ُتدحض بالحق الذي في‬
‫كتاب اهلل وُس ّنة رسوله (‪ ،‬قال تعالى‪َ? :‬و ال َيْأُتوَنَك ِبَم َثٍل ِإاَّل ِج ْئَناَك ِباْلَح ِّق َو َأْح َسَن َتْف ِس يرًا? قال المفسرون‪ :‬هذه اآلية‬
‫عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر اهلل في كتابه جوابًا لكالم احتج به المشركون في زماننا علينا‪ :‬هنا‬
‫شرع الشيخ رحمه اهلل في الكالم على الشبهات وردها وكل ما تقدم هو توطئة وتقدمة لهذه الشبهات وفهمنا من كالمه‬
‫أن هذه الشبهات ليست من نسج الخيال وال من صنع األفكار وإنما هي حصاد ما ورد على الشيخ من إيرادات ولذلك‬
‫كان هذا الكتاب بالمنزلة التي سمعتم من كالم الشيخ سليمان فيها رحمه اهلل‪.‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فنقول‪ :‬جواب أهل الباطل من طريقتين مجمل ومفصل‪ :‬وهذه الطريقة طريقة جيدة بديعة وذلك أن‬
‫الجواب على بدع المبطلين وشبهات المشبهين ُيسلك فيها جواب مجمل وجواب مفصل‪ .‬فالجواب المجمل ينفع في‬
‫اإلجابة على كل ُش بهة يوردونها‪ .‬وأما الجواب المفصل فتدفع به كل شبهة بعينها فإن أورد عليك المبطل شبهًا مفصلة‬
‫فيكفيك في الرد عليه أن ترد عليه جوابًا مجمًال فإن عجزت عن إجابة تفاصيل ما أورد عليك من الشبه كفاك ما أجبت‬
‫به إجماًال فالشيخ ذكر جوابًا مجمًال يصلح في اإلجابة على كل ما أورد من شبه تفصيلية‪.‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬أما المجمل فهو األمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله تعالى‪ُ? :‬ه َو اَّلِذ ي َأْنَز َل َعَلْيَك‬
‫اْلِكَتا ِم ْنُه آ اٌت َك اٌت َّن ُأُّم اْلِكَتاِب ُأَخ َتَش اِب اٌت َفَأَّما اَّلِذ ي ِفي ُلوِبِه َز ٌغ َّتِب وَن ا َتَش ا َه ِم ْنُه ا ِتَغا اْلِف َنِة‬
‫ْب َء ْت‬ ‫َن ُق ْم ْي َفَي ُع َم َب‬ ‫َو ُر ُم َه‬ ‫َي ُمْح َم ُه‬ ‫َب‬
‫ِلِه‬
‫َو اْبِتَغاَء َتْأِو ي َو َما َيْع َلُم َتْأِو يَلُه ِإال الَّلُه?(‪ .)72‬وقد صح عن رسول اهلل (‪(( :‬إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك‬
‫الذين سمى اهلل فاحذروهم))‪ :‬وهذه تقدمة في الجواب المجمل فإنه قال رحمه اهلل‪(( :‬أما المجمل فهو األمر العظيم‬
‫والفائدة الكبيرة لمن عقلها)) وذكر اآلية التي فيها أن كالم اهلل سبحانه وتعالى وأن آيات الكتاب قسمان‪ :‬محكمة و‬
‫متشابهه وبين سبيل المؤمنين المتبعين المقتفين آلثار الرسل وسبيل الزائغين المشبهين أما سبيل المؤمنين فهو اإليمان‬
‫بما جاء في الكتاب وحمل المتشابه على المحكم وأما الزائغون فهم يتبعون ما تشابه منه وآيات اهلل سبحانه وتعالى‬
‫قسمان‪ :‬القسم األول‪ :‬محكمة‪ .‬الثاني‪ :‬متشابهه‪ .‬فالمحكمة‪ :‬هي التي تكون بينة المعنى ظاهرة المعنى فال تحتمل إال‬
‫معنى واحدًا‪ .‬وأما التشابهه‪ :‬فهي اآليات التي تحتمل أكثر من معنى بدون مرجح ألحدها‪ .‬ومثال المحكم والمتشابه‬
‫قول اهلل سبحانه وتعالى‪ِ? :‬إَّنا َنْح ُن َنَّز ْلَنا الِّذ ْك َر َو ِإَّنا َلُه َلَح اِفُظوَن ?(‪ )73‬فهذه اآلية فيها الخطاب بالجمع ذكر اهلل سبحانه‬
‫وتعالى‪ِ? :‬إَّنا َنْح ُن َنَّز ْلَنا الِّذ ْك َر ? فأتى بضمير الجمع في الخطاب فهذه أخذ منها بعض المشككين من النصارى أن اآللهة‬
‫ثالثة وإال لما كان يسوغ أن يقول‪ :‬نحن وهو واحد سبحانه وتعالى وال يسوغ أن يقول إّنا وهو واحد سبحانه وتعالى‬
‫فالجواب على هذا أن نقول‪" :‬إنا" و "نحن" هنا المراد بها التعظيم فإن قالوا‪ :‬هذا محتِم ل فنقول‪ :‬اهلل سبحانه وتعالى قد‬
‫بين لنا في كتابه أنه واحد فقال‪ُ? :‬قْل‬

‫(‪)1/46‬‬

‫ُه َو الَّلُه َأَح ٌد ?(‪ ) 74‬فتكون هذه اآلية من سورة اإلخالص محكمة وهذه اآلية من سورة الحجر متشابهة ألنها تحتمل‬
‫أكثر من معنى بزعمهم وعلى هذا نقول‪ :‬نحمل المتشابه على المحكم‪ .‬هذا مثال للمحكم والمتشابه وطريقة حمل‬
‫المتشابه على المحكم وبّين اهلل سبحانه وتعالى أن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ولذلك تمسك النصارى‬
‫بهذه اآليات التي فيها تعبير اهلل سبحانه وتعالى عن نفسه بصيغة الجمع على أنه سبحانه وتعالى أكثر من واحد كما‬
‫يزعمون أنه ثالثة والمحكم الذي في كتاب اهلل سبحانه وتعالى أنه واحد كما قال سبحانه وتعالى‪ُ? :‬قْل ُه َو الَّلُه َأَح ٌد ?‬
‫وكما دلت عليه اآليات واألحاديث الكثيرة‪.‬‬

‫(‪)1/47‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وقد صح عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪(( :‬إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين‬
‫سمى اهلل فاحذروهم)) وهذا الحديث في الصحيحين من حديث عائشة وفيه التحذير عن السماع ألهل الشبهات وأهل‬
‫األهواء والشبهات أيها اإلخوة قد ترد على العبد ويظن أنها نابعة عن سعة علم وعن معرفة واطالع والغالب أن‬
‫الشبهات ال ترد إال على قلب ضعيف‪ ،‬فالشبهات ال تنشأ إال عن قلة في العلم أو ضعف في البصيرة ولذلك إذا تواردت‬
‫على قلبك الشبهات فاعلم أن علمك ضعيف وليس ذلك لكثرة علمك‪ .‬وقد تكلم ابن القيم رحمه اهلل كالمًا طيبًا في‬
‫الحذر من الشبهات وأهل الشبهات وذكر وصية لشيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل في مفتاح دار السعادة قال رحمه‬
‫اهلل‪(( :‬فأيما قلب صغى إليها ‪ -‬أي إلى شبهات الباطل ‪ -‬وركن إليها تشربها وامتأل بها فينضح لسانه وجوارحه بموجبها‬
‫فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات واإليرادات فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما‬
‫ذلك من عدم علمه ويقينه وقال لي شيخ اإلسالم رضي اهلل عنه ‪ -‬يشير إلى ابن تيمية رحمه اهلل ‪ -‬وقد جعلت أورد‬
‫عليه إيرادًا بعد إيراد‪ :‬ال تجعل قلبك لإليرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فال ينضح إال بها ولكن اجعله‬
‫كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها وال تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصالبته وإال فإذا أشَر بَت قلبك كل‬
‫شبهة تمر عليه صار مقرًا للشبهات أو كما قال ا‪ .‬هـ‪ )) .‬يقول ابن القيم رحمه اهلل‪(( :‬فما أعلم أني انتفعت بوصية في‬
‫دفع الشبهات كانتفاعي بذلك))‪ .‬وهذه وصية نافعة مباركة في دفع الشبهات ودحضها وهي أن يحذر اإلنسان منها وأن‬
‫ال يجعل قلبه مقرًا لها بل يدفعها عن قلبه ما استطاع ومن سبل دفعها دفع أهلها والنأي عنهم‪.‬‬

‫(‪)1/48‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬مثال ذلك‪ ،‬إذا قال لك بعض المشركين‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ?(‪)75‬‬
‫أو استدل بالشفاعة أنها حق وأن األنبياء لهم جاه عند اهلل أو ذكر كالمًا للنبي صلى اهلل عليه وسلم يستدل به على شيء‬
‫من باطله وأنت ال تفهم معنى الكالم الذي ذكره فجاوبه بقولك‪ :‬إن اهلل ذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم‬
‫ويتبعون المتشابه وما ذكرته لك من أن اهلل ذكر أن المشركين ُيقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على المالئكة‬
‫واألنبياء واألولياء مع قولهم‪َ ? :‬ه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه ?(‪ )76‬هذا أمر محكم بين ال يقدر أحد أن يغير معناه وما‬
‫ذكرته لي أيها المشرك من القرآن أو كالم النبي ( ال أعرف معناه‪ :‬يعني ال أعرف أن معناه هو الذي ذكرت وإال فمعنى‬
‫قوله تعالى‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ? بّين يعرفه الموحد ولكن ال يعرف الموحد من هذه اآلية‬
‫أنه يجوز االستشفاع بهم ويجوز سؤالهم من دون اهلل سبحانه وتعالى وصرف العبادات إليهم دون اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫(‪)1/49‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ولكن أقطع أن كالم اهلل ال يتناقض وأن كالم النبي ( ال يخالف كالم اهلل عز وجل وهذا جواب سديد‬
‫ولكن ال يفهمه إال من وفقه اهلل تعالى فال تستهن به فإنه كما قال تعالى‪َ ? :‬و َما ُيَلَّق اَه ا ِإال اَّلِذ يَن َص َبُر وا َو َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإال ُذو‬
‫َح ٍّظ َعِظ يٍم ?(‪ )77‬إذًا أجاب الشيخ رحمه اهلل على مجموع هذه الشبه التي أوردها المشرك بجواب مجمل وهو‬
‫التمسك بالمحكم من اآليات ورد كل ما خالف ذلك المحكم‪ .‬وهذا هو سبيل العلماء الراسخين والمقتفين آلثار النبيين‬
‫والصالحين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يتمسكون بالمحكم ويردون المتشابه إليه‪ ،‬فإذا قال القائل من هؤالء‬
‫المشركين‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ? هذا يدل على أنه يجوز االستشفاع بهم‪ :‬قلنا له‪ :‬ما‬
‫وجه داللة هذه اآلية على ما تذكر مع أن اهلل سبحانه وتعالى قد أنكر على المشركين طلب الشفاعة من األولياء‬
‫المزعومين أو ممن طلبوا منهم من الصالحين والمعبودين من المالئكة واألنبياء وغيرهم‪ .‬فهذا جواب مجمل ترد به على‬
‫هؤالء‪ .‬ومن هذا نفهم أن اآليات المتشابهة ليست آيات محددة العدد بل هي مختلفة فقد يشتبه على شخص ما ال‬
‫يشتبه على آخر فالتشابه في اآليات أمر نسبي وليس أمرًا محددًا‪ .‬فهذا المشرك اشتبه عليه األمر وظن أن في قوله‬
‫تعالى‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ? يدل على ما ذهب إليه من الشرك‪ .‬وذكر الشيخ رحمه اهلل‬
‫أن هذا الجواب سديد ولكن ال يفهمه إال من وفقه اهلل‪.‬‬

‫(‪)1/50‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فال تستهن به فإنه كما قال تعالى‪َ? :‬و َما ُيَلَّق اَه ا ِإال اَّلِذ يَن َص َبُر وا َو َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإال ُذو َح ٍّظ َعِظ يٍم ?‪ .‬وبهذا‬
‫تعلم أن جميع ما يورده المشركون من الشبه والحجج هي شبه وحجج داحضة يعني باطلة ألن الرسل دعت إلى‬
‫التوحيد ودعت إلى إفراد اهلل سبحانه وتعالى بالعبادة فأي عبادة صرفها لغير اهلل شرك فلو جاء بأدلة الدنيا كلها بجواز‬
‫صرف نوع من أنواع العبادة لغير اهلل رددنا هذه األدلة وأخذنا باألدلة الظاهرة في أن الرسل جاءت بالدعوة إلى التوحيد‬
‫وعدم جواز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير اهلل تعالى‪ .‬ثم صدر الشيخ رحمه اهلل الشبهات المفصلة بثالث شبه‬
‫مفصلة قال رحمه اهلل في وصفها‪ :‬واعلم أن هذه الشبه الثالث هي أكبر ما عندهم‪ :‬فبدأ رحمه اهلل في الشبهات بثالث‬
‫شبه هي كبار الشبه التي يوردوها المشبهون ويتمسك بها المسوغون والواقعون في الشرك‪.‬‬
‫وأول هذه الشبه قال رحمه اهلل‪ :‬وأما الجواب المفصل فإن أعداء اهلل لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها‬
‫الناس عنه‪ .‬منها قولهم‪ :‬نحن ال نشرك باهلل بل نشهد أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يضر إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫وأن محمدًا ( ال يملك لنفسه نفعًا وال ضرًا فضًال عن عبدالقادر أو غيره‪ :‬كل هذا فهمنا منه أن المشرك ُيقر بتوحيد‬
‫الربوبية ويظن أن عدم إشراكه هو إقراره بتوحيد الربوبية ألنه صّد ر كالمه بقوله‪(( :‬نحن ال نشرك باهلل)) وما الدليل على‬
‫عدم شركه باهلل؟ قال‪(( :‬بل نشهد أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يضر إال اهلل وحده ال شريك له)) فهذا أخطأ في‬
‫فهم توحيد اإللهية فظن أن توحيد اإللهية هو أن يعتقد أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يضر إال اهلل وأن محمدًا ( ال‬
‫يملك لنفسه ضرًا وال نفعًا فضًال عن عبدالقادر أو غيره‪.‬‬

‫(‪)1/51‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل عنهم‪ :‬ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند اهلل وأطلب من اهلل بهم‪ :‬هذه هي الشبهة الكبرى التي‬
‫وقع بها المشركون في الشرك والدليل قوله تعالى‪ ? :‬اَّلِذ ي اَّتَخ ُذ وا ِم ُدوِنِه َأ ِل ا ا ُد ِإال ِل َق ِّر وَنا ِإَلى الَّلِه‬
‫ْو َي َء َم َنْع ُب ُه ْم ُي ُب‬ ‫ْن‬ ‫َو َن‬
‫ِء‬
‫ُز ْلَف ى?(‪ )78‬وقوله تعالى‪َ? :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا ال َيُضُّر ُه ْم َو ال َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ ال ُش َف َعاُؤَنا ْنَد الَّلِه?(‪ )79‬فما‬
‫ِع‬
‫ذكره هذا المشرك عين ما احتج به أعداء الرسل على رسلهم وأنهم لم يصرفوا العبادات ألجل هؤالء إنما صرفوها‬
‫ألجل تحصيل الشفاعة منهم وأن لهم جاهًا عند اهلل‪ .‬ولذلك قال الشيخ رحمه اهلل‪ :‬فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين‬
‫قاتلهم رسول اهلل ( مقرون بما ذكرت ومقرون بأن أوثانهم ال تدبر شيئًا وإنما أرادوا الجاه والشفاعة واقرأ عليه ما ذكر‬
‫اهلل في كتابه ووضحه‪ :‬إذًا فهمنا الجواب على الشبهة األولى‪ ،‬الجواب على الشبهة األولى من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬بيان معنى توحيد اإللهية‪ ،‬ألن هذا ظّن أن توحيد اإللهية هو أن يعتقد أنه ال يخلق وال يرزق وال يدبر وال‬
‫ينفع وال يضر إال اهلل وحده ال شريك له وإنما اإلقرار بهذا هو إقرار بتوحيد الربوبية الذي أقّر به المشركون كما قال‬
‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫سبحانه وتعالى‪ُ? :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن الَّس َم ا َو اَألْر ِض َأَّمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَألْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِرُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِرُج‬
‫اْلَم ِّيَت ِم َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَألْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفال َتَّتُقوَن ?(‪ )80‬فهم مقرون بهذا وال نقاش‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن نقول إن ما احتججت به هو الذي احتج به المشركون على رسلهم فإنك ليس تزعم أنك تطلب منهم‬
‫الشفاعة وأنك ترغب في الجاه الذي عندهم وأنت ليس عندك جاه واهلل سبحانه وتعالى قد ذكر ذلك عن المشركين‬
‫وحكم عليهم بالشرك بهذا‪.‬‬
‫الدرس السادس‪:‬‬

‫(‪)1/52‬‬

‫فإن قال‪ :‬هؤالء اآليات نزلت فيمن يعبد األصنام‪ ،‬كيف تجعلون الصالحين مثل األصنام أم كيف تجعلون األنبياء‬
‫أصنامًا؟ فجاوبه بما تقدم فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها هلل‪ ،‬وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إال الشفاعة‪.‬‬
‫ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره‪ ،‬فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين واألصنام ومنهم من‬
‫يدعو األولياء الذين قال اهلل فيهم‪ُ? :‬أوَلِئَك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب ?(‪ ،)81‬ويدعون عيسى‬
‫ُأُّمُه ِص ِّديَقٌة َك اَنا ْأُك الِن‬ ‫ِم ِلِه‬ ‫ِس‬
‫َي‬ ‫ابن مريم وأمه‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ? :‬م ا اْلَم يُح اْبُن َمْر َيَم ِإاَّل َرُس وٌل َقْد َخ َلْت ْن َقْب الُّر ُس ُل َو‬
‫ِل‬ ‫ِم‬
‫الَّطَعاَم اْنُظْر َك ْيَف ُنَبِّيُن َلُه ُم اآْل ياِت ُثَّم اْنُظْر َأَّنى ُيْؤ َفُك وَن ( ُقْل َأَتْع ُبُد وَن ْن ُدوِن الَّلِه َم ا ال َيْم ُك َلُك ْم َض ّر ًا َو ال َنْف عًا َو الَّلُه‬
‫ُه َو الَّس ِم يُع اْلَعِليُم?(‪ )82‬واذكر له قوله تعالى‪َ? :‬و َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم َج ِم يعًا ُثَّم َيُقوُل ِلْلَم الِئَك ِة َأَه ُؤ الِء ِإَّياُك ْم َك اُنوا َيْع ُبُد وَن‬
‫( َقاُلوا ُسْبَح اَنَك َأْنَت َو ِلُّيَنا ِم ْن ُدوِنِه ْم َبْل َك اُنوا َيْع ُبُد وَن اْلِج َّن َأْك َثُر ُه ْم ِبِه ْم ُمْؤ ِم ُنوَن ?(‪ ،)83‬وقال تعالى‪َ? :‬و ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا‬
‫ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت ِللَّناِس اَّتِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْيِن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َقاَل ُسْبَح اَنَك َما َيُك وُن ِلي َأْن َأُقوَل َما َلْيَس ِلي‬
‫ِبَح ٍّق?(‪ ،)84‬اآلية‪ ،‬فقل له‪ :‬أعرفت أن اهلل كفر من قصد األصنام‪ ،‬وكفر من قصد الصالحين وقاتلهم رسول اهلل (‪.‬‬

‫(‪)1/53‬‬

‫هذه هي الشبهة الثانية وملخصها أن الذين بعث النبي ( في اإلنكار عليهم ومحاربتهم وقتالهم قوم كانوا يعبدون األصنام‬
‫واألصنام ال شبهة في عبادتها ولذلك حاربتهم الرسل أما هو أي المشرك فيصرف العبادة إلى المالئكة والنبيين‬
‫والصالحين الذين في عبادتهم نفع وهو طلب جاههم و شفاعتهم‪ .‬ففّر ق بين الشرك باألصنام واألحجار وبين الشرك‬
‫بالمالئكة والصالحين‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ :‬فإن قال‪ :‬هؤالء اآليات نزلت فيمن يعبد األصنام كيف تجعلون الصالحين مثل األصنام أم كيف تجعلون‬
‫األنبياء أصنامًا؟ فجاوبه بما تقدم فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها هلل وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إال‬
‫الشفاعة‪ :‬ومقصدهم من قولهم‪ :‬هؤالء اآليات أي اآليات التي فيها النهي عن الشرك والتحذير منه وبيان عاقبة أهله‪.‬‬
‫وقول الشيخ رحمه اهلل‪ :‬فجاوبه بما تقدم أي في جوابك عليه في الشبهة األولى ومخلصه أن المشركين إنما عبدوا من‬
‫عبدوا لطلب الشفاعة والجاه فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها هلل وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إال الشفاعة‬
‫فبهذه اإلجابة سقطت عنا الشبهة األولى‪.‬‬

‫(‪)1/54‬‬

‫ثم أجاب رحمه اهلل عن الشبهة الثانية‪ :‬فقال‪ :‬ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر فاذكر له أن الكفار‬
‫ِإ‬ ‫ِئ َّلِذ‬
‫منهم من يدعو الصالحين واألصنام ومنهم من يدعو األولياء الذين قال اهلل فيهم ? ُأوَل َك ا يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن َلى َر ِّبِه ُم‬
‫اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب ?(‪ .)85‬قوله ولكن إذا أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر وهو من التفريق بين عبادة المالئكة‬
‫والصالحين وعبادة األصنام واألحجار فاذكر له أن الكفار منهم من يدعوا الصالحين واألصنام ومنهم من يدعو األولياء‬
‫الذين قال اهلل فيهم إذًا القوم الذين بعث فيهم النبي ( وقاتلهم بل وقاتلتهم الرسل جميعًا هم قوٌم وقعوا في الشرك في‬
‫ِس‬ ‫ِئ ِذ‬
‫الصالحين واألصنام وغيرها من أنواع الشرك الذين قال اهلل فيهم‪ُ? :‬أوَل َك اَّل يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو يَلَة َأُّيُه ْم‬
‫َأْقَر ُب ?(‪ ) 86‬هذه اآلية فيها بيان أن الذين يدعوهم المشركون هم قوم يتعبدون هلل سبحانه وتعالى ويطلبون القربة إليه‬
‫وهم المالئكة واألنبياء والصالحون وقد فسر ابن مسعود رضي اهلل عنه اآلية في اسم اإلشارة أولئك‪ :‬قال‪ :‬الجن ورجح‬
‫ذلك الطبري‪ ،‬وذهب شيخ اإلسالم وغيره إلى أن اآلية تشمل الجن وغيرهم ممن دعي من الصالحين كالمالئكة والنبيين‬
‫وصالحي الجن فاآلية دالة على أن الذين ُبعث فيهم النبي ( كانوا يعبدون األصنام والصالحين واألولياء‪.‬‬

‫(‪)1/55‬‬

‫ِلِه‬ ‫ِم‬ ‫ِس‬


‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ويدعون عيسى ابن مريم وأمه‪ ،‬وقد قال تعالى‪َ? :‬ما اْلَم يُح اْبُن َمْر َيَم ِإاَّل َرُس وٌل َقْد َخ َلْت ْن َقْب‬
‫الُّر ُس ُل َو ُأُّمُه ِص ِّديَقٌة َك اَنا َيْأُك الِن الَّطَعاَم اْنُظْر َك ْيَف ُنَبِّيُن َلُه ُم اآْل ياِت ُثَّم اْنُظْر َأَّنى ُيْؤ َفُك وَن ( ُقْل َأَتْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َما‬
‫ال َيْم ِلُك َلُك ْم َض ّر ًا َو ال َنْف عًا َو الَّلُه ُه َو الَّس ِم يُع اْلَعِليُم?(‪ )87‬واذكر له قوله تعالى‪َ? :‬و َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم َج ِم يعًا ُثَّم َيُقوُل‬
‫ِب‬ ‫ِج‬ ‫ِل ِم ِن‬ ‫ِء‬ ‫ِل ِئ ِة‬
‫ْلَم ال َك َأَه ُؤ ال ِإَّياُك ْم َك اُنوا َيْع ُبُد وَن ( َقاُلوا ُسْبَح اَنَك َأْنَت َو ُّيَنا ْن ُدو ِه ْم َبْل َك اُنوا َيْع ُبُد وَن اْل َّن َأْك َثُر ُه ْم ِه ْم‬
‫ُمْؤ ِم ُنوَن ?(‪ ،)88‬وقال تعالى‪َ? :‬و ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت ِللَّناِس اَّتِخ ُذ وِني َو ُأِّم َي ِإَلَهْيِن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َقاَل‬
‫ُسْبَح اَنَك َما َيُك وُن ِلي َأْن َأُقوَل َما َلْيَس ِلي ِبَح ٍّق?(‪.)89‬‬
‫وفي هذا إثبات أن الذين ُبعث فيهم النبي صلى اهلل عليه وسلم كانوا يعبدون الجن والشياطين ويعبدون أيضًا المالئكة‬
‫وبعضهم يعبد عيسى بن مريم‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فقل له‪ :‬أعرفت أن اهلل َك َّف ر من قصد األصنام وَك َّف ر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم؟ لكن المشبه الذي أشرب قلبه حب الشرك ُيراوغ‪.‬‬

‫(‪)1/56‬‬

‫فإن قال‪ :‬الكفار يريدون منهم‪ ،‬وأنا أشهد أن اهلل هو النافع الضار المدبر ال أريد إال منه والصالحون ليس لهم من األمر‬
‫شيء ولكن أقصدهم أرجو من اهلل شفاعتهم‪ .‬فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكفار سواء بسواٍء واقرأ عليه قوله تعالى‪َ ? :‬أال‬
‫ِلَّلِه الِّديُن اْلَخ اِلُص َو اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى?(‪ ،)90‬وقوله تعالى‪َ ? :‬و َيُقوُلوَن‬
‫َه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه ?(‪ .)91‬واعلم أن هذه الشبه الثالث هي أكبر ما عندهم‪ ،‬فإذا عرفت أن اهلل وضحها في كتابه‪،‬‬
‫وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وأنا أشهد أن اهلل هو النافع الضار ال أريد إال منه والصالحون ليس لهم من األمر شيء ولكن أقصدهم‬
‫أرجو من اهلل شفاعتهم‪ :‬ومعنى هذا ملخصًا هو تكرار الخطأ في الشبهة األولى وهو ظن أن التوحيد الذي ُينجيه هو‬
‫إقراره بأن اهلل سبحانه وتعالى هو أنه ال نافع وال ضار وال مدبر إال اهلل واإلقرار بهذا ال يزيد عن أن يكون إقرارًا بتوحيد‬
‫الربوبية ثم إنه فرق بين ما وقع منه وما وقع من المشركين بقوله‪ :‬إن المشركين يريدون منهم ولسان حاله يقول‪ :‬وأنا‬
‫أريد بهم ألنه قال‪ :‬ولكن أقصدهم أرجو من اهلل شفاعتهم فهو يريد بهم وأولئك يريدون منهم أي إن الكفار يسألونهم‬
‫ويطلبونهم جلب المنافع ودفع المضار وأما هذا فهو يقول‪ :‬أنا أريد بهم يعني أتوسل بهم لتحقيق مطلوبه‪ .‬والفرق بين‬
‫الشبهة األولى وبين هذه الشبهة‪ :‬أنهم في الشبهة األولى اعتمدوا على الجاه وفي هذه الشبهة اعتمدوا على الشفاعة‪.‬‬
‫هناك قال أن الصالحين لهم جاه وأنا مذنب ليس لي جاه فهناك نظروا إلى الجاه وهنا نظروا إلى الشفاعة‪.‬‬

‫(‪)1/57‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكفار سواء بسواء فاقرأ عليه قوله تعالى‪َ? :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما‬
‫َنْع ُبُد ُه ْم ِإال ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى?(‪ )92‬وقوله تعالى‪َ? :‬ه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه?(‪ ،)93‬هذا عين ما وقع فيه المشركون‬
‫ومن المشركين من كان يطلب منهم ويقصدهم ومنهم من كان يطلب بهم وال فرق في ميزان الشارع بين أن تطلب به‬
‫أو تطلب منه فإن اهلل سبحانه وتعالى نهى العباد عن جميع صور الشرك وأنواعه‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬واعلم أن هذه الشبه الثالث هي أكبر ما عندهم‪ ،‬فأنت إذا تأملت هذه الشبه الثالث وكان عندك‬
‫معرفة بكتاب اهلل بل بشيء من كتاب اهلل وشيء من هدي النبي ( تبددت هذه الشبهات وصدق عليها قول الشاعر‪:‬‬
‫وكل كاسر مكسور‬
‫فليس فيها متعلق وإنما هؤالء كما قيل يتعلقون بأشعة القمر فإنهم يبحثون عن أدنى متعلق يبررون به شركهم وما وقعوا‬
‫فيه من عبادة غير اهلل ويعتمدونه في مواقعة ما أشربت قلوبهم وهو الكفر باهلل تعالى واإلشراك به وإال فهذه أدنى من‬
‫عرف وتدبر كالم اهلل سبحانه وتعالى يعلم أنه ليس فيها مستمسك وليس عليها معول‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإذا عرفت أن اهلل وضحها في كتابه وفهمتها فهمًا جيدًا فما بعدها أيسر منها‪.‬‬
‫…‬
‫ثم بدأ الشيخ في ذكر فروع أو أنواع من الشبهات هي دون الثالث األول فأول هذه الشبه التي تعتبر فروع عما تقدم‬
‫هي ما قاله رحمه اهلل‪:‬‬
‫فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وهذا االلتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة فقل له‪ :‬أنت تقر أن اهلل فرض عليك‬
‫إخالص العبادة وهو حقه عليك؟ فإذا قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬بين لي هذا الذي فرض عليك وهو إخالص العبادة هلل وحده‬
‫وهو حقه عليك فإن كان ال يعرف العبادة وال أنواعها فبينها له بقولك‪ :‬قال اهلل تعالى‪? :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر عًا َو ُخ ْف َيًة ِإَّنُه‬
‫ال ُيِح ُّب اْلُم ْعَتِد يَن ?(‪.)94‬‬

‫(‪)1/58‬‬

‫فإذا أعلمته بهذا فقل له‪ :‬هل علمت هذا عبادة هلل؟ فال بد أن يقول لك‪ :‬نعم‪ ،‬والدعاء مخ العبادة‪ ،‬فقل له‪ :‬إذا أقررت‬
‫أنه عبادة هلل ودعوت اهلل ليًال ونهارًا خوفًا وطمعًا‪ ،‬ثم دعوت في تلك الحاجة نبيًا أو غيره هل أشركت في عبادة اهلل‬
‫غيره؟ فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬فإذا عملت بقول اهلل تعالى‪َ? :‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر ?(‪ )95‬وأطعت اهلل ونحرت له هل‬
‫هذا عبادة‪ ،‬فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما‪ ،‬هل أشركت في هذه العبادة‬
‫غير اهلل؟ فال بد أن يقر‪ ،‬ويقول‪ :‬نعم‪ ،‬وقل له أيضًا‪ :‬المشركون الذين نزل فيهم القرآن‪ ،‬هل كانوا يعبدون المالئكة‬
‫والصالحين والالت وغير ذلك؟ فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬فقل له‪ :‬وهل كانت عبادتهم إياهم إال في الدعاء والذبح‬
‫وااللتجاء ونحو ذلك‪ ،‬وإال فهم مقرون أنهم عبيد اهلل وتحت قهره‪ ،‬وأن اهلل هو الذي يدبر األمر ولكن دعوهم‪،‬‬
‫والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة‪ ،‬وهذا ظاهر جّدًا‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ :‬فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وهذا االلتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة الشبهة هي قوله‪ :‬أنا‬
‫التجئ إليهم وااللتجاء والدعاء ليس عبادة فمناقشتهم ستكون كما يلي‪:‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ :‬فقل له‪ :‬أنت تقر أن اهلل افترض عليك إخالص العبادة وهو حقه عليك؟‪ :‬أما داللة هذا فال أظن أحدًا‬
‫يؤمن باهلل ورسوله ينكر أن اهلل افترض عليه إخالص العبادة ألن اهلل نص في كتابه فقال تعالى‪َ? :‬و َما ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا‬
‫الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ?(‪ )96‬وأما كون إخالص العبادة هلل سبحانه وتعالى حقه فكما تقدم معنا في حديث معاذ‪(( :‬حق‬
‫اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئًا)) فهي أمره وحقه سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫(‪)1/59‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإذا قال‪ :‬نعم‪ .‬فقل له‪ :‬بِّين لي هذا الذي ُفرض عليك وهو إخالص العبادة هلل وحده وهو حقه عليك‬
‫فإنه ال يعرف العبادة وال أنواعها‪ :‬ال شك أن الذي يقول‪ :‬إن دعاء غير اهلل سبحانه وتعالى ليس عبادة ال يعرف العبادة‬
‫وال أنواعها ولذلك لم يترك له رحمه اهلل مجاًال للجواب فقال‪ :‬فإنه ال يعرف العبادة وال أنواعها‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فبينها له بقولك‪ :‬قال اهلل تعالى‪? :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر عًا َو ُخ ْف َيًة ِإَّنُه ال ُيِح ُّب اْلُم ْعَتِد يَن ?(‪ )97‬بينها له بما‬
‫أنكر أنه عبادة فإنه أنكر أن الدعاء عبادة ونحن قد تقدم لنا ضابط العبادة فقلنا‪ :‬العبادة هي كل ما أمر اهلل به ورسوله‪.‬‬
‫انظر إلى هذه اآلية‪ ،‬قال اهلل جل ذكره‪? :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر عًا َو ُخ ْف َيًة? وهذا فيه األمر بالدعاء فثبت بهذا أن الدعاء‬
‫عبادة‪ ،‬واعلم بارك اهلل فيك أن الدعاء في القرآن يرد تارة ويراد به دعاء المسألة ويرد تارة ويراد به دعاء العبادة وهما‬
‫متالزمان فإذا ورد في موضع دعاء العبادة فإنه يتضمن دعاء المسألة وإذا ورد في موضع دعاء المسألة فإنه يستلزم‬
‫دعاء العبادة ولذلك فسر كثير من أهل العلم الدعاء هنا بدعاء المسألة وقال بعضهم‪ :‬إن المراد هنا دعاء العبادة وال‬
‫ضير إذ إن كًال منهما يشمل أو يستلزم اآلخر‪? :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر عًا َو ُخ ْف َيًة? فأمر اهلل سبحانه وتعالى بدعائه تضرعًا‬
‫وانكسارًا وخفيًة دون الجهر من القول‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإذا أعلمته بهذا فقل له‪ :‬هل علمت هذا عبادة هلل فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬لماذا ال بد أن يقول‪ :‬نعم؟‬
‫ألن العبادة هي كل ما أمر اهلل به ورسوله وهنا أمر ظاهر ال إشكال فيه ونحن نقول‪ :‬كل ما أمر اهلل به ورسوله يشمل أمر‬
‫اإليجاب وأمر االستحباب‪.‬‬

‫(‪)1/60‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬والدعاء مخ العبادة(‪ :)98‬هذا أيضًا في االستدالل على أن الدعاء عبادة وهذا الحديث رواه الترمذي‬
‫وفيه ضعف وأصح منه ما رواه الترمذي أيضًا بسند جيد وهو قوله (‪( :‬الدعاء هو العبادة)(‪ )99‬ففسر النبي ( الدعاء‬
‫بالعبادة وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة‪ ،‬فأما دعاء المسألة فهو‪ :‬طلب جلب النفع أو كشف الضر أو دفعه‪.‬‬
‫وأما دعاء العبادة فهو يشمل كل قربة يتقرب بها العبد إلى اهلل سبحانه وتعالى من صالة أو زكاة أو حج أو صدقة أو‬
‫غير ذلك من أنواع العبادات‪ .‬فدعاء العبادة شامل لكل ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به وأما دعاء المسألة فهو طلب فعل‬
‫الخير من اهلل سبحانه وتعالى أو دفعه‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فقل له‪ :‬إذا أقررت أنه عبادة ودعوت اهلل ليًال ونهارًا خوفًا وطمعًا ثم دعوت في تلك الحاجة نبيًا أو‬
‫غيره هل أشركت في عبادة اهلل غيره؟ فال شك أنه سيقول‪ :‬نعم إذ إنه صرف العبادة لغير اهلل فمن دعا نبيًا أو وليًا أو‬
‫ملكًا أو جنيًا فإنه قد صرف نوعًا من العبادة لغير اهلل وهذا هو الشرك الذي جاءت الرسل للنهي عنه والدعوة إلى تركه‬
‫والتخلي عنه‪.‬‬

‫(‪)1/61‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬فقل له‪ :‬فإذا علمت بقول اهلل تعالى‪َ? :‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر ?(‪ )100‬وأطعت اهلل‬
‫ونحرت له هل هذا عبادة؟ فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬فقل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما‪ ،‬هل أشركت في‬
‫هذه العبادة غير اهلل؟ فال بد أن يقر‪ ،‬ويقول نعم‪ :،‬وهذا استدالل بما هو أظهر وأوضح ألنه يناقش في مسألة الدعاء فبعد‬
‫أن قررنا أن الدعاء عبادة وأن صرفه لغير اهلل شرك قطعًا للمنازعة وقطعًا لإليراد ضربنا في ذلك مثًال واضحًا وهو الذبح‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعالى قد أمر بالذبح له دون غيره فقال‪َ? :‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر ?(‪ )101‬فإذا عملت هذا وأطعت اهلل‬
‫وذبحت له أليس هذا عبادة فسيقول‪ :‬بلى هذه عبادة فقل له‪ :‬فإذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما‪ ،‬هل أشركت‬
‫في هذه العبادة غير اهلل؟ فالبد أن يقر ويقول‪ :‬نعم وإال فإذا كابر وقال‪ :‬ال فال معنى للشرك فما هو الشرك ! إذا لم‬
‫يكن هذا هو الشرك؟ ولذلك فال بد أن ُيقر ويقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وقل له أيضًا‪ ،‬المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون المالئكة والصالحين والالت‬
‫وغير ذلك؟ فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ ،‬ألننا قد أجبنا على شبهته وبينا له من كتاب اهلل وسنة رسوله أن المشركين الذين نزل‬
‫فيهم القرآن كانوا يعبدون المالئكة وكان منهم من يعبد الجن وكان منهم من يعبد الصالحين وغير ذلك‪ .‬وهذا هو‬
‫الجواب على الشبهة الثانية‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فقل له‪ :‬وهل كانت عبادتهم إياهم إال في الدعاء والذبح وااللتجاء ونحو ذلك‪ :‬ال لم تكن عبادتهم‬
‫في غير ذلك إنما كانت عبادتهم في هذه األشياء وإال فهم مقرون أنهم عبيد اهلل وتحت قهره‪ :‬ولذلك كان إذا وجه لهم‬
‫السؤال فيمن يملك ويدبر ويخلق ويرزق كانوا يقولون‪ :‬اهلل‪.‬‬

‫(‪)1/62‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وأن اهلل هو الذي يدبر األمر ولكن دعوهم والتجؤوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جدًا‪ :‬وليس‬
‫بعد هذا الجواب جواب فهو أظهر جواب في الرد على هذا الُم لِّبس أو الُم لَّبس عليه‪.‬‬
‫الدرس السابع‪:‬‬
‫فإن قال‪ :‬أتنكر شفاعة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتبرأ منها فقل‪ :‬ال أنكرها وال أتبرأ منها‪ ،‬بل هو صلى اهلل عليه‬
‫وسلم الشافع والمشفع وأرجو شفاعته‪ ،‬ولكن الشفاعة كلها هلل كما قال تعالى‪ُ? :‬قْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يعًًا?(‪ )102‬وال‬
‫تكون إال من بعد إذن اهلل كما قال عز وجل‪َ? :‬مْن َذا اَّلِذ ي َيْشَف ُع ِع ْنَدُه ِإاَّل ِبِإ ْذِنِه?(‪ ،)103‬وال يشفع في أحد إال من بعد‬
‫أن يأذن اهلل فيه كما قال عز وجل‪َ? :‬و ال َيْشَف ُعوَن ِإاَّل ِلَم ِن اْر َتَض ى?(‪ ،)104‬وهو ال يرضى إال التوحيد كما قال تعالى‪? :‬‬
‫َو َمْن َيْبَتِغ َغْيَر اِأْل ْس الِم ِد ينًا َفَلْن ُيْق َبَل ِم ْنُه?(‪ ،)105‬فإذا كانت الشفاعة كلها هلل وال تكون إال بعد إذنه وال يشفع النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وال غيره في أحٍد حتى يأذن اهلل فيه‪ ،‬وال يأذن إال ألهل التوحيد بين لك أن الشفاعة كلها هلل‪،‬‬
‫وأطلبها منه‪ ،‬وأقول‪ :‬اللهم ال تحرمني شفاعته‪ ،‬اللهم شفعه في‪ ،‬وأمثال ذلك‪.‬‬

‫(‪)1/63‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإن قال‪ :‬أتنكر شفاعة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتبرأ منها؟ هذه هي الشبهة الخامسة وهي‬
‫رجوع إلى موضوع الشفاعة وقد ذكرنا لكم أن الشفاعة هي أعظم ما يعتمد عليه المشركون في تسويغ الشرك‬
‫والوقوع فيه والشفاعة في اللغة‪ :‬من الشفع وهو الزوج‪ .‬وفي االصطالح‪ :‬هي التوسط لجلب نفع أو دفع ضر عن الغير‬
‫ألجله أي ألجل ذلك الغير‪ .‬والشفاعة يثبتها أهل الُس ّنة والجماعة للنبي ( وللمالئكة وللصالحين ولألنبياء وأعلى الخلق‬
‫نصيبًا في الشفاعة هة نبينا محمد ( فإن أهل الُس ّنة والجماعة يثبتون له ( شفاعات ال يشرك فيها غيره وشفاعات يشرك‬
‫فيها غيره‪ .‬والشفاعات التي يشارك فيها النبي ( له فيها النصيب األعلى األوفى وهذا من أكبر الرد على هذا المبطل إذ‬
‫أنه شّغب على الموحدين بقوله‪ :‬أتنكر شفاعة رسول اهلل ( وتبرأ منها؟ فالجواب‪ :‬أن الموحدين ال ينكرون شفاعة النبي (‬
‫بل يثبتون له أكمل الشفاعات و يثبتون له ( شفاعات يشرك فيها غيره وشفاعات ال يشرك فيها غيره‪ .‬والشفاعات التي‬
‫يشارك فيها النبي ( له فيها النصيب األعلى األوفى‪.‬‬
‫وأجاب الشيخ فقال رحمه اهلل‪ :‬فقل ال أنكرها وال أتبرأ منها بل هو صلى اهلل عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو‬
‫شفاعته‪ :‬إذًا فيه إبطال لشبهته‪ ،‬اآلن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك‪ ،‬بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي‬
‫( نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة وأن إثبات الشفاعة للنبي ( ال يسوغ التوسل به وال صرف أنواع العبادة له (‪.‬‬

‫(‪)1/64‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬لكن الشفاعة كلها هلل كما قال تعالى‪ُ? :‬قْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يعًا?(‪ :)106‬وهذا فيه إثبات الشفاعة هلل‬
‫سبحانه وتعالى وأنها ملكه وأنها له دون غيره وهذا ُيبّين لك أن الشفاعة محض فضل من اهلل سبحانه وتعالى على‬
‫الشافع والمشفع فيه ال كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع ولذلك قال تعالى‪ُ? :‬قْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يعًا? فإذا‬
‫كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه‬
‫علمنا بذلك أنه ال وجه لسؤالها من الشفيع بل الواجب أن تطلب من اهلل سبحانه وتعالى وُتسأل منه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ولذلك قال رحمه اهلل في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى‪ :‬وال تكون إال من بعد إذن اهلل‪ ،‬فهي ال تكون إال من بعد إذنه‬
‫وأمره كما قال اهلل تعالى‪َ? :‬مْن َذا اَّلِذ ي َيْشَف ُع ِع ْنَدُه ِإاَّل ِبِإ ْذِنِه?(‪ )107‬فنفى اهلل سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إال‬
‫بإذنه وهذا أحد شرطي الشفاعة‪ ،‬إذن اهلل سبحانه وتعالى والثاني وال يشفع في أحد إال من بعد أن يأذن اهلل فيه كما قال‬
‫اهلل تعالى‪َ? :‬و ال َيْشَف ُعوَن ِإال ِلَم ِن اْر َتَض ى?(‪ )108‬وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة وهو رضى اهلل سبحانه‬
‫وتعالى عن الشافع والمشفع فيه‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وهو ال يرضى إال التوحيد كما قال تعالى‪َ? :‬و َمْن َيْبَتِغ َغْيَر اإلْس الِم ِد ينًا َفَلْن ُيْق َبَل ِم ْنُه?(‪ )109‬وأظهر‬
‫من هذه اآلية في الدليل على أن الشفاعة ال تكون إال ألهل التوحيد ما روي في الصحيح عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‬
‫أنه سأل النبي ( فقال‪(( :‬يا رسول اهلل من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال (‪ :‬أسعد الناس بشفاعتي‪ :‬من قال‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫خالصًا من قلبه))(‪ )110‬فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي ( هم أهل التوحيد‪.‬‬

‫(‪)1/65‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإذا كانت الشفاعة كلها هلل وال تكون إال بعد إذنه وال يشفع النبي ( في أحد حتى يأذن اهلل فيه وال‬
‫يأذن إال ألهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها هلل‪ :‬فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها هلل تعالى فهل يسوغ طلبها من‬
‫غيره؟ ال‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وأطلبها منه وأقول‪ :‬اللهم ال تحرمني شفاعته اللهم شِّف عه فَّي وأمثال هذا وفي هذا غاية التوحيد‬
‫واإلقبال على اهلل تعالى واإلخالص فإن بيده الخير وال ُيسأل إال منه‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬النبي ( أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‪ ،‬فالجواب أن اهلل أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال‪َ? :‬فال‬
‫َتْد ُعو َمَع الَّلِه َأَح دًا?(‪ .)111‬فإذا كنت تدعو اهلل أن يشفع نبيه فيك‪ ،‬فأطعه في قوله ?فال تدعوا مع اهلل أحدًا? وأيضًا‬
‫فإن الشفاعة أعطيها غير النبي (‪ ،‬فصح أن المالئكة يشفعون واألفراد يشفعون واألولياء يشفعون‪ ،‬أتقول‪ :‬إن اهلل‬
‫أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر اهلل في كتابه‪ ،‬وإن قلت ال‪ ،‬بطل‬
‫قولك أعطاه اهلل الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإن قال‪ :‬النبي ( أعطى الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‪ :‬الشبهة هي أنه زعم أن إعطاء اهلل سبحانه‬
‫وتعالى لنبيه ( الشفاعة ُيسوغ طلب الشفاعة منه ( كطلب أي شيء فالنبي ( لما كان حيًا كان يطلبه الصحابة المال‬
‫والمال قد أعطاه اهلل إياه وكذلك الشفاعة أعطاه اهلل إياها وأنا أطلبها منه‪.‬‬

‫(‪)1/66‬‬

‫والجواب على هذه الشبهة ما قاله الشيخ رحمه اهلل‪ :‬فالجواب أن اهلل أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا‪ :‬أعطاه الشفاعة وال‬
‫شك كما ثبت ذلك في األحاديث الكثيرة ونهاك عن هذا أي نهاك عن سؤال الشفاعة من غيره فقال تعالى‪َ? :‬فال َتْد ُعو‬
‫َمَع الَّلِه َأَح دًا? وهذا يشمل النبي ( ويشمل غيره‪ .‬فدعاء غير اهلل تعالى وطلب الشفاعة منه نهى اهلل سبحانه وتعالى عنه‬
‫في هذه اآلية ?َفال َتْد ُعو َمَع الَّلِه َأَح دًا? وأحدًا نكره في سياق النهي فتعم كل أحد والدعاء الذي نهى عنه اهلل في هذه‬
‫اآلية هو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة‪ ،‬قال ابن تيمية رحمه اهلل‪ " :‬كل دعاء ذكره اهلل سبحانه وتعالى عن‬
‫المشركين ألوثانهم فإن المراد به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة"‪ .‬فقد نهى اهلل سبحانه وتعالى هنا عن الدعاء‬
‫الذي كان يفعله الجاهليون وهو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة فال يجوز طلب الحوائج من غير اهلل سبحانه‬
‫وتعالى وال يجوز صرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى وأيضًا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي (‪ .‬هذا الوجه الثاني في‬
‫الجواب على هذه الشبهة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فصح أن المالئكة يشفعون واألولياء يشفعون‪ ،‬أتقول‪ :‬إن اهلل أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن‬
‫قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر اهلل في كتابه‪ :‬فسؤال الشفاعة من النبي ( ألنه أعطيها سبيل لسؤال‬
‫المالئكة وسبيل لسؤال الصالحين الذين أعطوا الشفاعة وبالتالي يقع العبد فيما وقع فيه المشركون األوائل الذين عبدوا‬
‫المالئكة والجن والصالحين بدعوى‪َ? :‬م ا َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى?(‪ )112‬وبدعوى يقولون ?َه ُؤ الِء ُش َف َعاُؤَنا‬
‫ِع ْنَد الَّلِه?(‪ ) 113‬وقد تقدم بطالن هذا‪ ،‬فدل عدم جواز سؤال الشفاعة من المالئكة مع أنهم أعطوها ومن الصالحين مع‬
‫أنهم أعطوها أنه ال يجوز سؤال الشفاعة من النبي ( مع إثباتنا أنه ( قد أعطيها‪.‬‬

‫(‪)1/67‬‬

‫ثم قال‪ :‬وإن قلت‪ :‬ال‪ .‬بطل قولك‪ :‬أعطاه اهلل الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‪ .‬فيقر لنا بأنه ال تطلب الشفاعة من النبي‬
‫( مع إثباتها له وأنه قد أعطيها‪ .‬وهناك وجه أشار إليه شيخ اإلسالم رحمه اهلل في الجواب على هذه الشبهة في القاعدة‬
‫َّلِذ‬
‫الجليلة في التوسل والوسيلة‪ :‬ذكر رحمه اهلل أن اهلل سبحانه وتعالى أخبر أن المالئكة يشفعون ويدعون للمؤمنين ?ا يَن‬
‫َيْح ِم ُلوَن اْلَعْر َش َو َمْن َحْو َلُه ُيَس ِّبُح وَن ِبَحْم ِد َر ِّبِه ْم َو ُيْؤ ِم ُنوَن ِبِه َو َيْس َتْغِف ُر وَن ِلَّلِذ يَن آَم ُنوا َر َّبَنا َو ِس ْعَت ُك َّل َش ْي ٍء َر ْح َم ًة‬
‫َو ِع ْلمًا َفاْغِف ْر ِلَّلِذ يَن َتاُبوا َو اَّتَبُعوا َس ِبيَلَك َو ِقِه ْم َعَذ اَب اْلَج ِح يِم ?(‪ )114‬إلى اآليات التي تليها ففي جميعها دعاء للذين‬
‫تابوا والدعاء للمؤمنين واالستغفار لهم‪ ،‬فإثبات دعاء المالئكة من هذه اآلية لم يجعل سؤال الدعاء منهم مشروعًا فلم‬
‫ينقل عن النبي ( وال عن الصحابة وال عن القرون المفضلة أنهم سألوا المالئكة الدعاء فدل ذلك على عدم جواز‬
‫مشروعية سؤال الدعاء أو الشفاعة ممن أعطيها بل ال ُيسأل إال اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وبهذا تسقط هذه الشبهة‪ .‬وننتقل‬
‫إلى الشبهة التي بعدها‪. .‬‬
‫فإن قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل شيئًا حاشا وكال ولكن االلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬فقل له‪ :‬إذا كنت تقر أن اهلل حرم‬
‫الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن اهلل ال يغفره‪ ،‬فما الذي حرمه اهلل وذكر أنه ال يغفره‪ ،‬فإن كان ال يدري‪ ،‬فقل له‪:‬‬
‫كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت ال تعرفه؟ أم كيف يحرم اهلل عليك هذا ويذكر أنه ال يغفره وال تسأل عنه وال‬
‫تعرفه‪ ،‬أتظن أن اهلل يحرمه وال يبينه لنا؟؟‬

‫(‪)1/68‬‬

‫الشبهة السابعة تبتدئ بقوله‪ :‬فإن قال أنا ال أشرك باهلل شيئًا حاشا وكال ولكن االلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬قبل‬
‫قليل ماذا قال؟ االلتجاء إلى الصالحين ليس عبادة وأثبتنا له أنها عبادة والقاعدة أن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير‬
‫اهلل فهو شرك اآلن عاد وقال‪ :‬ليس بشرك فقل له‪ :‬إذا كنت ُتقر أن اهلل حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وُتقر أن اهلل ال‬
‫يغفره فما هذا األمر الذي عظمه اهلل وذكر أنه ال يغفر فإنه ال يدري‪ .‬وحقيقًة أنه ال يدري إذا كان يقول‪ :‬إن االلتجاء إلى‬
‫الصالحين ليس بشرك فإنه ال يدري ما الشرك الذي حرمه اهلل سبحانه وتعالى وذكر أنه ال يغفره فقل له‪ :‬كيف تبرئ‬
‫نفسك من الشرك وأنت ال تعرفه؟ أم كيف ُيحِّر م اهلل عليك هذا ويذكر أنه ال يغفره وال تسأل عنه وال تعرفه أتظن أن‬
‫اهلل ُيحِّر مه وال يبينه لنا؟! ال واهلل ال ُيحِّر م اهلل شيئًا علينا إال بعد أن ُيبينه ويوضحه إما في كتابه أو في ُس ّنة نبيه ( وأعظم‬
‫ما حرمه اهلل سبحانه وتعالى على الناس هو الشرك به ولذلك جاء الكتاب كله في تقرير التوحيد كما قال ابن القيم‬
‫رحمه اهلل‪ :‬فآيات الكتاب إما أن تكون بيانًا للتوحيد أو ونهيًا عن ضده أو بيانًا لحقوقه أو بيانًا لجزاء من حققه أو لبيان‬
‫عقوبة من خالفه‪ ،‬فالقرآن كله في بيان التوحيد الذي ضده الشرك‪ .‬والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز األشياء‪.‬‬

‫(‪)1/69‬‬

‫فاهلل سبحانه وتعالى بين التوحيد والشرك في كتابه أعظم بيان والشرك الذي حرمه اهلل سبحانه وتعالى هو تسوية غيره به‬
‫في الربوبية أو في األلوهية أو في األسماء والصفات والشرك الذي نتكلم عليه هنا هو شرك اإللهية الذي هو صرف أي‬
‫نوع من أنواع العبادة لغير اهلل‪ ،‬وقد تقدم معنا قبل قليل أن الدعاء عبادة فأجر القاعدة‪ :‬صرف العبادة إلى غير اهلل يؤدي‬
‫إلى الشرك وهذا صرف الدعاء لغير اهلل فهو واقع في الشرك‪ .‬ولذلك لم يفّص ل الشيخ رحمه اهلل في الجواب على هذه‬
‫الشبهة ألنه قد تكلم عليها فيما مضى أي في الشبهة التي ذكر فيها المشبه أن الدعاء ليس عبادة‪ .‬ثم انتقل إلى شبهة‬
‫أخرى فقال‪ :‬كالم المؤلف‪. . .‬‬
‫فإن قال‪ :‬الشرك عبادة األصنام ونحن ال نعبد األصنام فقل‪ :‬ما معنى عبادة األصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك‬
‫ِم‬
‫األخشاب واألحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ُ? :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن‬
‫الَّس َم اِء َو اَأْلْر ِض ?(‪.)115‬‬
‫وإن قال هو من قصد خشبة أو حجرًا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون‪ ،‬إنه يقربنا إلى اهلل‬
‫زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته‪.‬‬
‫فقل صدقت‪ ،‬وهذا فعلكم عند األحجار والبنايات التي على القبور وغيرها‪ ،‬فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة األصنام‪،‬‬
‫وهو المطلوب ويقال له أيضًا قولك‪" :‬الشرك عبادة األصنام"‪ ،‬هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا‪ ،‬وأن االعتماد على‬
‫الصالحين ودعاءهم ال يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر اهلل في كتابه من كفر من تعلق على المالئكة أو عيسى أو‬
‫الصالحين فال بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة اهلل أحدًا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫(‪)1/70‬‬

‫هذه الشبهة هي قريبة من الشبهة التي تقدمت في الشبه الكبار وهي التفريق بين عبادة األصنام وعبادة غيرها فإن قال‪:‬‬
‫الشرك عبادة األصنام ونحن ال نعبد األصنام‪ ،‬فقل‪ :‬وما معنى عبادة األصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك األخشاب‬
‫واألحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن‪ .‬إذًا مفهوم العبادة التي ذكرها الشيخ رحمه اهلل هنا أن‬
‫تلك األخشاب تخلق وترزق وتدبر ليس سليمًا وليس مستقيمًا إذ إنهم ال يعتقدون ذلك‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى أخبر عنهم‬
‫أنهم كانوا يقولون عندما ُيسألون‪ُ? :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم ِم َن الَّس َم اِء َو اَألْر ِض ?(‪ )116‬اآليات ?َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه?(‪)117‬‬
‫فكانوا يقرون هلل سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫وإن قال هو من قصد خشبة أو حجرًا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون‪ ،‬إنه يقربنا إلى اهلل‬
‫زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته‪.‬‬
‫فقل صدقت‪ ،‬وهذا فعلكم عند األحجار والبنايات التي على القبور وغيرها‪ ،‬فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة األصنام‪،‬‬
‫وهو المطلوب ويقال له أيضًا قولك‪" :‬الشرك عبادة األصنام"‪ ،‬هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا‪ ،‬وأن االعتماد على‬
‫الصالحين ودعاءهم ال يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر اهلل في كتابه من كفر من تعلق على المالئكة أو عيسى أو‬
‫الصالحين فال بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة اهلل أحدًا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫(‪)1/71‬‬

‫وسر المسألة أنه إذا قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل‪ ،‬فقل له‪ :‬وما الشرك باهلل؛ فسره لي؟ فإن قال‪ :‬هو عبادة األصنام‪ ،‬فقل‪ :‬وما‬
‫معنى عبادة األصنام فسرها لي؟ فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وحده‪ .‬فقل‪ :‬ما معنى عبادة اهلل وحده فسرها لي؟ فإن‬
‫فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب‪ ،‬وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئًا وهو ال يعرفه؟ وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له‬
‫اآليات الواضحات في معنى الشرك باهلل وعبادة األوثان‪ ،‬وأنه يفعلونه في هذا الزمان بعينه‪ ،‬وأن عبادة اهلل وحده ال‬
‫شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا‪( :‬أجعل اآللهة إلهًا واحدًا‪ ،‬إن هذا لشيء‬
‫عجاب)‪.‬‬
‫فهذه هي ثامن الشبة التي ذكرها الشيخ رحمه اهلل وهي قول المشبه الشرك عبادة األصنام‪. . .‬‬

‫(‪)1/72‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وسر المسألة أنه إذا قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل‪ .‬فقل‪ :‬وما الشرك باهلل فسره لي؟ فإن قال‪ :‬هو عبادة‬
‫األصنام‪ .‬فقل وما معنى عبادة األصنام فسرها لي؟ فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وحده‪ .‬فقل‪ :‬ما معنى عبادة اهلل وحده‬
‫فسرها لي؟ فإن فسرها بما بَّينه القرآن فهو المطلوب‪ :‬والذي بَّينه القرآن في تفسير العبادة هو أنها‪ :‬كل ما أمر اهلل‬
‫سبحانه وتعالى به وأمر به رسوله ( وأال ُتصرف إال هلل سبحانه وتعالى وحده دون غيره‪ .‬فهذا الذي يدل عليه القرآن في‬
‫معنى العبادة‪ .‬وان لم يعرف فكيف يّد عي شيئًا وهو ال يعرفه؟ وإن فسر ذلك معناه بّينت له اآليات الواضحات في معنى‬
‫الشرك باهلل وعبادة األوثان الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه وأن عبادة اهلل وحده ال شريك له هي التي ينكرونها علينا‬
‫ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا‪َ? :‬أَجَعَل اآلِلَه َة ِإَلهًا َو اِح دًا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ?(‪ :)118‬والمشركون‬
‫األوائل وورثتهم من مشركي األزمان المتأخرة يستهتزئون بكل من دعا إلى التوحيد ويسخرون منه بل ويصيحون بأعلى‬
‫أصواتهم قائلين‪َ? :‬أَجَعَل اآلِلَه َة ِإَلهًا َو اِح دًا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب ? وما ذلك إال أنه كبر عليهم أن يتوجهوا بالعبادة هلل‬
‫وحده سبحانه وتعالى وإال فالزم إقرارهم بأن اهلل هو الرزاق وأنه ال يرزق غيره وأنه ال يملك غيره وال يدبر غيره أال‬
‫تصرف العبادة إال له سبحانه وتعالى دون غيره‪.‬‬

‫(‪)1/73‬‬
‫فإن قال‪ :‬إنهم ال يكفرون بدعاء المالئكة واألنبياء‪ ،‬وإنما يكفرون لما قالوا‪ :‬المالئكة بنات اهلل؛ فإنا لم نقل‪ :‬عبد القادر‬
‫ابن اهلل وال غيره‪ .‬فالجواب‪ :‬أن نسبة الولد إلى اهلل كفر مستقل؛ قال اهلل تعالى‪ُ? :‬قْل ُه َو الَّلُه َأَح ٌد ( الَّلُه الَّصَم ُد ?(‬
‫‪ ،) 119‬واألحد الذي ال نظير له‪ ،‬والصمد المقصود في الحوائج‪ ،‬فمن جحد هذا؛ فقد كفر‪ ،‬ولو لم يجحد السورة‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ? :‬ما اَّتَخ َذ الَّلُه ِم ْن َو َلٍد َو َم ا َك اَن َمَعُه ِم ْن ِإَلٍه?(‪ ،)120‬ففرق بين النوعين‪ ،‬وجعل كال منهما كفرًا مستقًال‪.‬‬
‫وقال تعالى‪َ? :‬و َجَعُلوا ِلَّلِه ُش َر َك اَء اْلِج َّن َو َخ َلَق ُه ْم َو َخ َر ُقوا َلُه َبِنيَن َو َبَناٍت ِبَغْيِر ِع ْلٍم ?(‪ ،)121‬ففرق بين كفرين‪ .‬والدليل‬
‫على هذا أيضًا أن الذين كفروا بدعاء الالت‪ ،‬مع كونه رجًال صالحًا؛ لم يجعلوه ابن اهلل‪ ،‬والذين كفروا بعبادة الجن لم‬
‫يجعلوهم كذلك‪ ،‬وكذلك أيضًا العلماء في جميع المذاهب األربعة؛ يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم‬
‫أن هلل ولدًا؛ فهو مرتد‪ ،‬ويفرقون بين النوعين‪ ،‬وهذا في غاية الوضوح‪.‬‬
‫وإن قال‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ?(‪ .)122‬فقل‪ :‬هذا هو الحق‪ ،‬ولكن ال ُيعبُد ون‪ ،‬ونحن لم‬
‫نذكر إال عبادتهم مع اهلل‪ ،‬وشركهم معه‪ ،‬وإال؛ فالواجب عليك حبهم واتباعهم واإلقرار بكرامتهم‪ ،‬وال يجحد كرامات‬
‫األولياء إال أهل البدع والضالل‪ ،‬ودين اهلل وسط بين طرفين‪ ،‬وهدى بين ضاللتين‪ ،‬وحق بين باطلين‪.‬‬

‫(‪)1/74‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فإن قال‪ :‬إنهم ال يكفرون بدعاء المالئكة واألنبياء وإنما يكفرون لّم ا قالوا‪ :‬المالئكة بنات اهلل فإنا لم‬
‫نقل‪ :‬عبدالقادر ابن اهلل وال غيره‪ .‬وهذه الشبهة هي التاسعة وهي شبهة زائدة وهي قولهم إن المشركون إنما كفروا‬
‫بنسبة الولد إلى اهلل سبحانه وتعالى ولم يكفروا بالتوجه إلى الصالحين وإلى المالئكة وإلى غيرهم ممن زعموهم‬
‫يقربونهم عند اهلل‪ .‬فالجواب عن هذه الشبهة ما ذكره الشيخ رحمه اهلل‪ :‬إن نسبة الولد إلى اهلل كفر مستقل قال اهلل‬
‫تعالى‪ُ? :‬قْل ُه َو الَّلُه َأَح ٌد ( الَّلُه الَّصَم ُد ?(‪ )123‬واألحد‪ :‬الذي ال نظير له‪ .‬والصمد‪ :‬المقصود في الحوائج فمن جحد‬
‫هذا فقد كفر ووجه الداللة في نفي الولد عن اهلل سبحانه وتعالى في هذه السورة في قوله تعالى‪َ? :‬لْم َيِلْد َو َلْم ُيوَلْد ?(‬
‫‪ )124‬وكذلك في قوله‪َ? :‬أَح ٌد ? فهو ال يحتاج إلى ولد ‪ ,‬وفي قوله‪? :‬الَّصَم ُد ? الذي تصمد إليه الخالئق‪ ،‬والنص في‬
‫نفي الولد عنه سبحانه وتعالى في قوله تعالى‪َ? :‬لْم َيِلْد َو َلْم ُيوَلْد ?‪ .‬فمن جحد هذا فقد كفر ولو لم يجحد السورة وقال‬
‫تعالى‪َ? :‬ما اَّتَخ َذ الَّلُه ِم ْن َو َلٍد َو َما َك اَن َمَعُه ِم ْن ِإَلٍه?(‪ )125‬ففّر ق بين النوعين وجعل كَّال منهما كفرًا مستقًال‪ .‬وقال‬
‫تعالى‪َ? :‬و َجَعُلوا ِلَّلِه ُش َر َك اَء اْلِج َّن َو َخ َلَق ُه ْم َو َخ َر ُقوا َلُه َبِنيَن َو َبَناٍت ِبَغْيِر ِع ْلٍم ?(‪ )126‬جعل سبحانه وتعالى الكفر الذي‬
‫وقع فيه المشركون أنهم جعلوا هلل شركاء الجن واخترعوا له واختلقوا بنين وبنات بغير علم‪ .‬ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ففّر ق‬
‫بين الكفرين بين الكفر بنسبة الولد إلى اهلل سبحانه وتعالى وبين الكفر بإشراك غيره معه في العبادة‪ .‬والدليل على هذا‬
‫أيضًا أن الذين كفروا بدعاء الالت مع كونه رجًال صالحًا لم يجعلوه ابن اهلل والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم‬
‫كذلك‪ .‬إذًا استدل الشيخ رحمه اهلل على إبطال هذه الشبهة بأن هذا القول كفر مستقل ولو لم يضف إليه‬

‫(‪)1/75‬‬
‫الشرك باهلل سبحانه وتعالى واستدل لهذا بقوله تعالى‪َ? :‬و َجَعُلوا ِلَّلِه ُش َر َك اَء اْلِج َّن َو َخ َلَق ُه ْم َو َخ َر ُقوا َلُه َبِنيَن َو َبَناٍت ِبَغْيِر‬
‫ِع ْلٍم ? فذكر نوعي الكفر في هذه اآلية واستدل بواقع المشركين فإن من المشركين من كان يعبد غير اهلل وال يّد عيه‬
‫ولدًا هلل سبحانه وتعالى كما كانوا يعبدون الالت ولم يقولوا‪ :‬إنه ابن اهلل وكما كانوا يعبدون الجن ولم يقولوا‪ :‬إنهم‬
‫أبناء اهلل أو أوالد اهلل‪ .‬يقول‪ :‬وكذلك أيضًا‪ :‬يعني في االستدالل على أن نسبة الولد هلل تعالى كفر مستقل العلماء في‬
‫جميع المذاهب األربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن هلل ولدًا فهو مرتد ولو لم يشرك معه ذلك‬
‫الولد ولو لم يشرك معه غيره في العبادة ويفِّر قون بين النوعين وهذا في غاية الوضوح‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وإن قال في االستدالل على شبهته‪َ? :‬أال ِإَّن َأْو ِلَياَء الَّلِه ال َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو ال ُه ْم َيْحَز ُنوَن ?(‪ )127‬هذا‬
‫يستدل به على جواز دعائهم وسؤالهم وطلب الشفاعة منهم وهذه هي الشبهة العاشرة فقل‪ :‬هذا هو الحق ولكن ال‬
‫ُيعبدون هذا حق ما ذكرته من أن أولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون حق نثبته من وروده في كتاب اهلل سبحانه‬
‫وتعالى ولكن هذا ال يسوغ عبادتهم وال صرف العبادة لهم من دون اهلل سبحانه وتعالى ونحن لم نذكر إال عبادتهم مع‬
‫اهلل يعني لما أنكرنا عبادة األولياء لم ننكر فضلهم وال منزلتهم وال مكانهم وال ما أعده اهلل سبحانه وتعالى لهم إنما‬
‫أنكرنا صرف العبادة لهم دون اهلل ولكن ال ُيعبُد ون‪ ،‬ونحن لم نذكر إال عبادتهم مع اهلل‪ ،‬وشركهم معه‪ ،‬وإال؛ فالواجب‬
‫عليك حبهم واتباعهم واإلقرار بكراماتهم‪ ،‬وال يجحد كرامات األولياء إال أهل البدع والضالل‪ ،‬ودين اهلل وسط بين‬
‫طرفين‪ ،‬وهدى بين ضاللتين‪ ،‬وحق بين باطلين‪.‬‬
‫الدرس الثامن‪:‬‬

‫(‪)1/76‬‬

‫ثم استطرد الشيخ رحمه اهلل في ذكر شبه المتأخرين وبيان سوء حالهم وأنهم أسوأ ممن سبقهم في ما وقعوا فيه من‬
‫الشرك فقال رحمه اهلل‪:‬‬
‫فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا‪ :‬االعتقاد هو الشرك الذي نزل فيه القرآن وقاتل رسول اهلل‬
‫( الناس عليه فاعلم أن شرك األولين أخُّف من شرك أهل زماننا بأمرين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن األولين ال يشركون وال يدعون‬
‫المالئكة واألولياء أوثانًا مع اهلل إال في الرخاء وأما في الشدة فيخلصون هلل الدعاء كما قال تعالى‪َ? :‬و ِإَذا َمَّس ُك ُم الُّضُّر‬
‫ِفي اْلَبْح ِر َض َّل َمْن َتْد ُعوَن ِإاَّل ِإَّياُه َفَلَّم ا َنَّج اُك ْم ِإَلى اْلَبِّر َأْع َر ْض ُتْم َو َك اَن اِإل ْنَس اُن َكُف ورًا?(‪ )128‬وقوله‪ُ? :‬قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن‬
‫ِه‬ ‫ِش‬ ‫ِدِق‬ ‫َّلِه‬ ‫َّلِه‬
‫َأَتاُك ْم َعَذ اُب ال َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة َأَغْيَر ال َتْد ُعوَن ِإْن ُك ْنُتْم َص ا يَن ‪َ .‬بْل ِإَّياُه َتْد ُعوَن َفَيْك ُف َم ا َتْد ُعوَن ِإَلْي ِإْن َش اَء‬
‫َو َتْنَس ْو َن َما ُتْش ِر ُك وَن ?(‪ )129‬وقوله‪َ? :‬و ِإَذا َم َّس اإْل ْنَس اَن ُضٌّر َدَعا َر َّبُه ُمِنيبًا ِإَلْيِه ُثَّم ِإَذا َخ َّو َلُه ِنْع َم ًة ِم ْنُه َنِس َي َم ا َك اَن َيْد ُعو‬
‫ِإَلْيِه ِم ْن َقْبُل َو َجَعَل ِلَّلِه َأْنَد ادًا ِلُيِض َّل َعْن َس ِبيِلِه ُقْل َتَم َّتْع ِبُكْف ِر َك َقِليًال ِإَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر ?(‪ )130‬وقوله‪َ? :‬و ِإَذا‬
‫َغِش َيُه ْم َمْو ٌج َك الُّظَلِل َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ?(‪.)131‬‬
‫فمن فهم هذه المسألة التي وضحها اهلل في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يدعون اهلل تعالى ويدعون غيره في الرخاء وأما في الضر والشدة فال يدعون إال اهلل وحده ال شريك له وينسون ساداتهم‬
‫تبّين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك األولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهمًا جيدًا راسخًا؟ واهلل‬
‫المستعان‪.‬‬
‫(‪)1/77‬‬

‫هذا أول ما فارق به المشركون المتأخرون سلفهم المتقدمين وذلك أن المتقدمين كما سمعتم كانوا إذا اشتد بهم‬
‫الكرب وادلهمت عليهم الخطوب وأحدقت بهم األزمات وتوالت عليهم الكوارث والكروب توجهوا إلى اهلل سبحانه‬
‫وتعالى في الطلب ونسوا ما كانوا يدعون من دونه كما هو ظاهر اآليات التي ساقها الشيخ رحمه اهلل في االستدالل‬
‫على ذلك‪ .‬وأما حال المتأخرين فهم أسوأ منهم إذ إنهم يدعون اهلل وغيره في الرخاء فإذا اشتد بهم الكرب ونزلت بهم‬
‫المصائب وحلت بهم الكوارث سألوا غير اهلل سبحانه وتعالى وتضرعوا إليه وفزعوا إلى األولياء والصالحين المزعومين‬
‫يسألونهم كشف الكربات وإزالة الكوارث والنوازل وما ذلك إال لقلة علمهم باهلل سبحانه وتعالى وشدة كفرهم به‬
‫سبحانه وتعالى فأرباب الشرك وأهل الكفر من المتقدمين كانوا أحسن حاًال من هؤالء الذين اشتد بهم الكرب فلجؤوا‬
‫إلى المخلوقين وهذا أول ما فارق به المشركون المتأخرون سلفهم المتقدمين‪.‬‬
‫أما األمر الثاني‪ :‬فأن األولين يدعون مع اهلل أناسًا مقربين عند اهلل إما أنبياء وإما أولياء وإما مالئكة أو يدعون أشجارًا أو‬
‫أحجارًا مطيعة هلل ليست عاصية وأهل زماننا يدعون مع اهلل أناسًا من أفسق الناس والذين يدعون هم الذين ُيِح ُّلون لهم‬
‫الفجور من الزنى والسرقة وترك الصالة وغير ذلك والذي يعتقد في الصالح أو الذي ال يعصي مثل الخشب والحجر‬
‫أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به‪.‬‬

‫(‪)1/78‬‬

‫هذا هو األمر الثاني الذي فارق به المشركون المتأخرون سلفهم المتقدمين وهو أنهم أي المتأخرين يصرفون العبادة‬
‫لألولياء والصالحين ويصرفونها أيضًا للفسقة والفجرة والكافرين فبالنظر إلى الذين أشرك بهم األولون ُيعلم أنهم كانوا‬
‫يصرفون العبادة إما لمالئكة ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون أو أنبياء أو صالحين أو يصرفون العبادة إلى‬
‫أحجار وأشجار مطيعة هلل سبحانه وتعالى ليست عاصية وهذه األحجار واألشجار مطيعة طاعة قهرية فهي مربوبة هلل‬
‫سبحانه وتعالى‪َ? :‬و ِإْن ِم ْن َش ْي ٍء ِإاَّل ُيَس ِّبُح ِبَحْم ِدِه َو َلِكْن ال َتْفَق ُه وَن َتْس ِبيَحُه ْم ?(‪ )132‬فهي تعبد اهلل سبحانه وتعالى عبادة‬
‫قهرية وعبادة خاصة كما ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل في قنوت األشياء وسجودها هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وأما هؤالء فإنهم يصرفون العبادة إلى أمثال أحمد البدوي الذي لم ُيعرف عنه صالح وال علم وال ُتقى وال عبادة وال‬
‫ورع بل المعروف عنه والمشهور عنه خالف ذلك ويصرفون العبادة إلى أشياء كثيرة ال يعرف لها في األمة لسان صدق‬
‫وال يعرف لها عند اهلل سبحانه وتعالى جاه أو منزلة وما ذلك إال بتالعب الشيطان فإن الشيطان تالعب بهؤالء والغالب‬
‫أن الذين يدعوهم المتأخرون هم الذين ُيحّلون لهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصالة وغير ذلك فكأنهم افتضحوا‬
‫فاصطلحوا فهؤالء المعبودون رضوا من أولئك بالعبادة وهؤالء العابدون رضوا من معبوديهم إباحة الفجور من الزنى‬
‫والسرقة وترك الصالة‪.‬‬

‫(‪)1/79‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬والذي يعتقد في الصالح أو الذي ال يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه‬
‫وفساده ويشهر به وال شك وإن كان الكفر ملة واحدة وهم جميعًا مندرجون تحت قول اهلل تعالى‪ِ? :‬إَّنُه ن ْش ِر ْك ِبالّلِه‬
‫َم ُي‬
‫َفَق ْد َح َّر َم الّلُه َعَليِه اْلَج َّنَة َو َمْأَو اُه الَّناُر َو َم ا ِللَّظاِلِم يَن ِم ْن َأنَص اٍر ?(‪ )133‬إال أن الشرك والكفر درجات فهذا أخف من ذاك‬
‫وإن كانوا يتفقون في العقوبة األخروية‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وإذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أصح عقوًال وأخف شركًا من هؤالء‬
‫فاعلم أن لهؤالء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ بسمعك لجوابها وهي أنهم يقولون‪ :‬إن‬
‫الذين نزل فيهم القرآن ال يشهدون أن ال إله إال اهلل ويكذبون الرسول ( وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه‬
‫سحرًا ونحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل ( ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف‬
‫تجعلوننا مثل أولئك؟‪ .‬هنا عاد الشيخ رحمه اهلل إلى ذكر شبه هؤالء وهي شبهة عظيمة عندهم وهي الشبهة الحادية‬
‫عشرة وهي أنهم قالوا‪ :‬كيف تنزلون اآليات التي وردت في قوم يكذبون الرسول ويحاربونه وينكرون البعث وال‬
‫يشهدون بألوهية اهلل سبحانه وتعالى على قوم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل ويقيمون الصالة ويؤتون‬
‫الزكاة ويؤمنون بالبعث ويفعلون ما يفعلون من شرائع اإلسالم كيف ُتسوون بين هؤالء وأولئك وهذه من الشبه الكبار‬
‫التي أثارها مسوغو الشرك على اإلمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه اهلل فإنهم اتهموه بتكفير المسلمين‬
‫والمسلمون الذين يعنون في قولهم‪ :‬يكفر المسلمين هم عبدة القبور والذين يصرفون العبادة لغير اهلل بالذبح أو النذر أو‬
‫غير ذلك من أنواع العبادة التي يصرفونها لألولياء والمزعومين‪.‬‬
‫هذه الشبهة من الشبه الكبار ولذلك قال الشيخ رحمه اهلل في الجواب عليها رحمه اهلل في بداية جوابه‪:‬‬

‫(‪)1/80‬‬

‫فالجواب‪ :‬أنه ال خالف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول اهلل ( في شئ وكذبه في شئ أنه كافر لم يدخل‬
‫في اإلسالم وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه‪ ،‬كمن أقر بالتوحيد‪ ،‬وجحد وجوب الصالة‪ ،‬أو أقر بالتوحيد‬
‫والصالة‪ ،‬وجحد وجوب الزكاة‪ ،‬أو أقر بهذا كله وجحد الصوم‪ ،‬أو أقر بهذا كله وجحد الحج‪ ،‬ولما لم ينقد أناس في‬
‫زمن النبي ( للحج‪ ،‬أنزل اهلل في حقهم ?َو ِلَّلِه َعَلى الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبيًال َو َمْن َكَف َر َفِإ َّن الَّلَه َغِنٌّي َعِن‬
‫اْلَعاَلِم يَن ?(‪.)134‬‬
‫ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر باإلجماع وحل دمه وماله‪ ،‬كما قال جل جالله‪ِ? :‬إَّن اَّلِذ ي ْك ُف وَن ِبالَّلِه ِلِه‬
‫َو ُرُس‬ ‫َن َي ُر‬
‫َو ُيِر يُد وَن َأْن ُيَفِّر ُقوا َبْيَن الَّلِه َو ُرُس ِلِه َو َيُقوُلوَن ُنْؤ ِم ُن ِبَبْع ٍض َو َنْك ُف ُر ِبَبْع ٍض َو ُيِر يُد وَن َأْن َيَّتِخ ُذ وا َبْيَن َذِلَك َس ِبيًال ( ُأوَلِئَك‬
‫ُه ُم اْلَك اِفُر وَن َح ّق ًا َو َأْع َتْدَنا ِلْلَك اِفِر يَن َعَذ ابًا ُمِه ينًا?(‪ ،)135‬فإذا كان اهلل قد صرح في كتابه أن من آمن ببعٍض فهو الكافر‬
‫حقًا‪ ،‬وأنه يستحق ما ذكر‪ .‬زالت هذه الشبهة‪ ،‬وهذه هي التي ذكرها بعض أهل األحساء في كتابه الذي أرسله إلينا‪.‬‬

‫(‪)1/81‬‬
‫هذا جواب الشيخ على هذه الشبهة ملخص الشبهة‪ :‬كيف تنزلون اآليات التي أنزلها اهلل سبحانه وتعالى في المشركين‬
‫الذين أنكروا البعث وكذبوا الرسول ولم يقروا هلل سبحانه وتعالى باأللوهية كيف تنزلونها على قوم أقروا بذلك كله‬
‫يقول رحمه اهلل‪ :‬فالجواب على أنه ال خالف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول اهلل ( في شيء وكذبه في‬
‫شيء أنه كافر لم يدخل في اإلسالم‪ ،‬إذًا الجواب على شبهتهم أوًال أن إجماع أهل العلم انعقد على أن من صدق‬
‫الرسول ( في شيء وكذبه في شيء مما أخبر به فإنه ال ينفعه تصديقه بل هو كافر‪ .‬إذًا هذا أول ما أجاب به الشيخ وهو‬
‫نقل إجماع أهل العلم على أن من كذب بشيء جاء به النبي ( فإنه كافر‬
‫ثم قال‪ :‬وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصالة أو أقر بالتوحيد والصالة‬
‫وجحد الزكاة أو أقر بهذا كله وجحد الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج أي وكذلك أجمع أهل العلم أنه إذا آمن‬
‫ببعض القرآن وجحد ببعضه فإنه كافر‪ ،‬فقوله‪ :‬كذلك يعني في الحكم فإنه قد أجمع أهل العلم على أنه من آمن ببعض‬
‫الكتاب وجحد بعضه فقد كفر ثم بدأ بذكر األمثلة كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصالة أو أقر بالتوحيد والصالة‬
‫وجحد الزكاة أو أقر بهذا كله وجحد الصوم أو أقر بهذا كله وجحد الحج‪.‬‬

‫(‪)1/82‬‬

‫إذًا هذا تكميل لدليل اإلجماع ثم قال‪ :‬ولّم ا لم ينقد أناس في زمن النبي ( للحج أنزل اهلل تعالى في حقهم‪َ? :‬و ِلّلِه َعَلى‬
‫الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبيًال َو َمن َكَف َر َفِإ َّن اهلل َغِنٌّي َعِن اْلَعاَلِم يَن ?(‪ )136‬هذا دليل من الكتاب على كفر من‬
‫جحد وجوب الحج أو امتنع عن أدائه استكبارًا وجحودًا فهذا الدليل نص على كفر من جحد الحج ولو أقر بباقي‬
‫شرائع اإلسالم وهذا دليل من القرآن بعد أن ذكر دليل اإلجماع وهذه طريقة سلكها كثير من أهل العلم وهي أنه إذا‬
‫كان في المسألة دليل من اإلجماع قدم دليل اإلجماع على غيره من األدلة والعلة في ذلك أن دليل اإلجماع ال يدخله‬
‫النسخ خالفًا ألدلة الكتاب والسنة‪ .‬فأتى بعد اإلجماع بدليل من كتاب اهلل سبحانه وتعالى وهو قوله جل وعال‪ِ ? :‬لّلِه‬
‫َو‬
‫َعَلى الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َم ِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبيًال َو َمن َكَف َر َفِإ َّن اهلل َغِنٌّي َعِن اْلَعاَلِم يَن ?‪.‬‬

‫(‪)1/83‬‬

‫َّلِذ‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ومن أّقر بهذا كله وجحد البعث كفر باإلجماع وحّل دمه وماله كما قال جل وعال‪ِ? :‬إَّن ا يَن‬
‫ِخ‬ ‫ِب‬ ‫ِم ِب‬ ‫ِه ِلِه‬ ‫ِب ِه ِلِه‬
‫َيْك ُف ُر وَن الَّل َو ُرُس َو ُيِر يُد وَن َأْن ُيَفِّر ُقوا َبْيَن الَّل َو ُرُس َو َيُقوُلوَن ُنْؤ ُن َبْع ٍض َو َنْك ُفُر َبْع ٍض َو ُيِر يُد وَن َأْن َيَّت ُذ وا َبْيَن‬
‫َذِلَك َس ِبيًال ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن َح ّق ًا َو َأْع َتْدَنا ِلْلَك اِفِر يَن َعَذ ابًا ُمِه ينًا?(‪ )137‬فهذا فيه الحكم بالكفر على من صدق‬
‫ببعض الكتاب وجحد ببعضه فإذا كان اهلل قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقًا وأنه‬
‫يستحق ما ذكر زالت هذه الشبهة وكيف زوالها أننا نقول لهم‪ :‬إنكم وإن كنتم قد أقررتم بأنه ال إله إال اهلل وأن محمدًا‬
‫رسول اهلل وأقررتم بالبعث وبغير ذلك من شرائع اإلسالم فإنكم قد جحدتم وجوب صرف العبادة هلل وحده دون غيره‬
‫فلما جحدتم هذا فقد جحدتم ما دل عليه الكتاب وجاء به النبي ( ومن جحد شيئًا مما جاء به النبي ( فقد وقع في‬
‫الكفر وبهذا تندفع شبهتهم ويزول اإلشكال‪ .‬ثم قال رحمه‪ :‬وهذه هي التي ذكرها بعض أهل األحساء في كتابه الذي‬
‫أرسله إلينا‪.‬‬
‫واستطرادًا في الرد على هذه الشبهة قال رحمه اهلل‪ :‬ويقال أيضًا‪ :‬إذا كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء‬
‫وجحد وجوب الصالة‪ ،‬أنه كافر حالل الدم باإلجماع‪ ،‬وكذلك إذا أقر بكل شيء إال البعث‪ ،‬وكذلك إذا جحد وجوب‬
‫صوم رمضان ال يجحد هذا‪ ،‬وصدق بذلك كله وال تختلف المذاهب فيه‪ ،‬وقد نطق به القرآن كما قدمنا‪ ،‬فمعلوم أن‬
‫التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي محمد (‪ ،‬وهو أعظم من الصالة والزكاة والصوم والحج‪ ،‬فكيف إذا جحد‬
‫اإلنسان شيئُا من هذه األمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول‪ ،‬وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم ال‬
‫يكفر‪ ،‬سبحان اهلل! ما أعجب هذا الجهل‪.‬‬

‫(‪)1/84‬‬

‫بعد أن بين لهم الشيخ رحمه اهلل أن من جحد أو أنكر شيئًا مما جاء به النبي ( فإنه يكفر نّز ل هذا على ما احتجوا به أو‬
‫على ما وقعوا فيه من الشرك باهلل سبحانه وتعالى فقال‪ :‬ويقال‪ :‬إذا كنت ُتقر أن من صّد ق الرسول في كل شيء وجحد‬
‫وجوب الصالة أنه كافر حالل الدم باإلجماع وكذلك إذا أقر بكل شيء إال البعث وكذلك لو جحد وجوب صوم‬
‫رمضان ال يجحد هذا وال تختلف المذاهب فيه وقد نطق به القرآن كما قّد منا فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء‬
‫بها النبي ( وهو أعظم من الصالة والزكاة والصوم والحج فكيف إذا جحد اإلنسان شيئًا من هذه األمور كفر ولو عمل‬
‫بكل ما جاء به الرسول وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم ال يكفر؟ سبحان اهلل ! تعجبًا من هذا التناقض‬
‫الذي أورده هؤالء وإنما أوردوه ألنهم تكالبت على قلوبهم الشبهات‪:‬‬
‫ما زالت الشبهات تغزو قلبه……حتى تّش حط بينهن قتيال‬

‫(‪)1/85‬‬

‫فهؤالء لما غطت الشبهات وطغت على قلوبهم غيبت عنهم هذه الحقائق الواضحة الجلية وإال فإن من له أدنى بصيرة‬
‫ومن عنده معرفة بالقواعد العقلية ال يقول هذا الذي ذهبوا إليه‪ .‬ومعلوم أن أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به التوحيد‬
‫ويدلك على هذا أن اهلل سبحانه وتعالى خلق الخلق ألجله فقال جل ذكره‪َ? :‬و َم ا َخ َلْق ُت اْلِج َّن َو اِإل ْنَس ِإال ِلَيْع ُبُد وِن ?(‬
‫‪ )138‬ويدلك على هذا أيضًا أن اهلل سبحانه وتعالى بعث الرسل لتقريره فقال جل ذكره‪َ? :‬و َلَق ْد َبَعْثَنا ِفي ُك ِّل ُأَّمٍة َرُس وًال‬
‫َأِن اْع ُبُد وا الَّلَه َو اْجَتِنُبوا الَّطاُغوَت ?(‪ )139‬وقال جل ذكره‪َ? :‬و َم ا َأْرَس ْلَنا ِم ْن َقْبِلَك ِم ْن َرُس وٍل ِإال ُنوِح ي ِإَلْيِه َأَّنُه ال ِإَلَه ِإال‬
‫َأَنا َفاْع ُبُد وِن ?(‪ )140‬واآليات في أن الرسل إنما ُبعثوا لتقرير التوحيد ودعوة الناس إليه كثيرة جدًا ويدلك أيضًا على أن‬
‫أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به التوحيد أول واجب على المكلف فأول ما ُيطلب من العبد هو أن يقول‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫كما في حديث َبْع ث معاذ إلى اليمن حيث قال له النبي (‪(( :‬فادعهم إلى أن يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأني رسول اهلل ))‬
‫(‪ ) 141‬ذكر النبي ( له بقية الشرائع التي يأمرهم بها ‪ ,‬ويدلك على أن أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به التوحيد أنه‬
‫هو الذي إذا ختم اإلنسان حياته به دخل الجنة فإن آخر ما تندب إليه وآخر ما ُيشرع لك فعله هو قول‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫فإن النبي ( قال‪(( :‬من كان آخر كالمه من الدنيا ال إله إال اهلل دخل الجنة))(‪ )142‬كل هذا وغيره مما دل عليه‬
‫الكتاب والسنة بالنظر كل هذا يدل على أن أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به التوحيد فمن الخطأ أن تقول‪ :‬إن جحد‬
‫بعض شرائع الدين يكفر به اإلنسان وجحد التوحيد الذي هو أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به ال يكفر به اإلنسان وال‬
‫ينقص إيمانه وال تنزل عليه آيات الكافرين‪.‬‬

‫(‪)1/86‬‬

‫ِذ ِم‬ ‫ِذ‬


‫وأول َأْم ر َأَم ر اهلل به عباده في كتابه هو توحيده وذلك في قوله‪َ? :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس اْع ُبُد وا َر َّبُك ُم اَّل ي َخ َلَقُك ْم َو اَّل يَن ْن‬
‫َقْبِلُك ْم َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن ?(‪ ) 143‬فإن أول أمر أمر اهلل به في كتابه هو عبادته وعبادته هي توحيده سبحانه وتعالى‪ .‬وهذا‬
‫أيضًا مما ينضاف إلى ما سبق مما يدل على أن أعظم ما أمر اهلل سبحانه وتعالى به هو التوحيد‪.‬‬
‫ويقال أيضًا‪ :‬هؤالء أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي (‪ ،‬وهم يشهدون أن‬
‫ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل‪ ،‬ويصلون ويؤذنون‪ ،‬فإن قال‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬أن مسيلمة نبي‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا هو‬
‫المطلوب‪ ،‬إذا كان من رفع رجًال إلى رتبة النبي (‪ ،‬كفر وحل ماله ودمه‪ ،‬ولم تنفعه الشهادتان وال الصالة‪ ،‬فكيف بمن‬
‫رفع شمسان أو يوسف‪ ،‬أو صحابيًا‪ ،‬أو نبيًا‪ ،‬إلى مرتبة جبار السموات واألرض؟ سبحان اهلل ما أعظم شأنه ? َكَذ ِلَك‬
‫َيْطَبُع الَّلُه َعَلى ُقُلوِب اَّلِذ يَن ال َيْع َلُم وَن ?(‪.)144‬‬
‫هذا أول شاهد ذكره الشيخ رحمه اهلل على ما تقدم ذكره من أنه ال ينفع اإلقرار بالشرائع مع إنكار بعضها ال ينفع‬
‫اإلقرار بشرائع الدين وما جاء به النبي ( مع إنكار بعضها بل ال بد من اإلقرار بالجميع وإال فإنه يحكم عليهم بالكفر هذا‬
‫أول شاهد وهو ما فعله الصحابة رضي اهلل عنهم من قتال بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي ( وهم يشهدون أن ال إله إال‬
‫اهلل وأن محمدًا رسول اهلل ويصلون ويؤذنون‪ ،‬إال أنهم قالوا‪ :‬إن مسيلمة نبي‪ ،‬فكذبوا ما جاء به النبي ( من قوله جل‬
‫وعال‪َ? :‬م ا َك اَن ُمَح َّم ٌد َأَبا َأَح ٍد ِم ْن ِر َج اِلُك ْم َو َلِكْن َرُس وَل الَّلِه َو َخ اَتَم الَّنِبِّييَن ?(‪ )145‬فكذبوا ختم النبوة به ( وهذا جحد‬
‫لبعض ما جاء به النبي ( أباح دماءهم وأموالهم وأخرجهم من ملة اإلسالم مع أنهم يشهدون أن ال إله إال اهلل بل ويصلون‬
‫ويؤذنون‪.‬‬

‫(‪)1/87‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬قلنا‪ :‬هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجًال إلى رتبة النبي ( فأثبت له النبوة كفر وحّل دمه وماله‬
‫ولم تنفعه الشهادتان وال الصالة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابيًا أو نبيًا في مرتبة جبار السماوات‬
‫واألرض أليس هذا أولى بالتكفير؟ بلى واهلل إنه أولى بالتكفير ولذلك استعظم الشيخ رحمه اهلل التفريق بين هذين فقال‪:‬‬
‫سبحان اهلل ما أعظم شأنه من أن ُيسوى به غيره ثم ال يكفر هذا المسوي‪َ? :‬كَذ ِلَك َيْطَبُع الَّلُه َعَلى ُقُلوِب اَّلِذ يَن ال‬
‫َيْع َلُم وَن ?(‪ )146‬واهلل هو الطبع الذي أعمى بصائرهم عن رؤية هذه اآليات البينات الواضحات‪.‬‬
‫ثاني شاهد‪ :‬ويقال أيضًا‪ :‬الذين حَّر قهم علُّي بن أبي طالب رضي اهلل عنه كلهم يّد عون اإلسالم وهم من أصحاب علٍّي‬
‫رضي اهلل عنه وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علٍّي مثل االعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما‪ .‬فكيف‬
‫أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟ أم تظنون االعتقاد في تاج وأمثاله ال يضر‬
‫واالعتقاد في علٍّي بن أبي طالب ُيكِّف ر؟‪.‬‬

‫(‪)1/88‬‬

‫هذا هو الشاهد الثاني وهو ما حدث من حرق علّي بن أبي طالب رضي اهلل عنه بالنار للذين قالوا‪ :‬إنه ربهم وغلوا فيه‬
‫حتى رفعوه إلى مرتبة األلهية كلهم يّد عون اإلسالم بل هم من أصحاب علّي وتعلموا العلم من الصحابة !! ولكن‬
‫اعتقدوا في علّي مثل االعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما من أنهما ُتصرف لهما العبادة من دون اهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫يقول‪ :‬فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم؟ فإن عليًا رضي اهلل عنه لما قتلهم لم ينكر ذلك أحد من صحابة النبي‬
‫( وإنما وقع الخالف في إحراقهم فقال ابن عباس رضي اهلل عنهما قوًال ُفهم منه أنه ال يرى إحراقهم وإنما يرى قتلهم‬
‫بغير اإلحراق لقول النبي (‪(( :‬ال يعذب بالنار إال رب النار))(‪ )147‬وإال فالصحابة اتفقوا على جواز قتلهم وأنهم إنما‬
‫قتلوا كفارًا أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين ال واهلل حاشاهم فهم أورع الناس أن يكفروا مسلمًا‪ .‬أم تظنون أن‬
‫االعتقاد في تاج وأمثاله ال يضر واالعتقاد في علِّي بن أبي طالب ُيكّف ر الظاهر أنهم يظنون وإال لما أجازوا صرف العبادة‬
‫لهؤالء‪.‬‬
‫والشاهد الثالث الذي ذكره الشيخ رحمه اهلل‪ :‬ويقال أيضًا‪ :‬بنو عبيد القَّداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني‬
‫العباس كلهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل ويدعون اإلسالم ويصلون الجمعة والجماعة فلما أظهروا‬
‫مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بالدهم بالد حرب وغزاهم‬
‫المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين‪.‬‬

‫(‪)1/89‬‬

‫بنو عبيد القّد اح انتسبوا إلى عبيداهلل بن ميمون القّد اح وهو يهودي في األصل ادعى اإلسالم وادعى أنه من ولد علّي بن‬
‫أبي طالب رضي اهلل عنه من فاطمة فدعا إلى نفسه وتشرذم حوله بعض ضعفاء الدين واإليمان والعقل فكّو ن دولة في‬
‫بالد المغرب حكم فيها المسلمين وتسلط عليهم وأظهر الكفر والفساد والبدع وامتدت دولته إلى مصر وهم يعرفون‬
‫بالدولة العبيدية أو الفاطمية ومدة حكم هذه الدولة كانت قرابة مائتي سنة وهم الروافض الغالة الذين ساموا المسلمين‬
‫سوء العذاب إال أن اهلل طهر البالد منهم وأدال أهل السنة عليهم فأسقطت دولتهم وتبددوا وتفرقوا‪ .‬هؤالء ملكوا‬
‫المغرب ومصر في زمن بني العباس كلهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل ويّد عون اإلسالم ويصلون‬
‫الجمعة والجماعة إال أنهم أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه من صرف العبادة لغير اهلل أو من تجويز‬
‫صرف العبادة لغير اهلل‪.‬‬
‫يقول رحمه اهلل‪ :‬أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم‪ .‬فالعلماء في ذاك الزمان أباحوا قتالهم بل أوجبوا قتالهم وحكموا‬
‫عليهم بالكفر والردة وأن بالدهم بالد حرب كما يقول الشيخ وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان‬
‫المسلمين فلم ينفعهم اإلقرار بالشهادتين ولم ينفعهم إقامة الجمعة والجماعات ‪ ,‬مع ما أنكروه من شريعة رب‬
‫السماوات‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل أيضًا في الجواب على هذه الشبهة‪ :‬ويقال أيضًا‪ :‬إذا كان األولون لم يكفروا إال ألنهم جمعوا بين الشرك‬
‫وتكذيب الرسول صلى اهلل عليه وسلم والقران‪ ،‬وإنكار البعث‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل‬
‫مذهب "باب حكم المرتد" وهو المسلم الذي يكفر بعد إسالمه‪ ،‬ثم ذكروا أنواعًا كثيرة كل نوٍع منها يكفر ويحل دم‬
‫الرجل وماله‪ ،‬حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها‪ ،‬مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو كلمة يذكرها على‬
‫وجه المزح واللعب‪.‬‬

‫(‪)1/90‬‬

‫هذا رابع الشواهد الدالة على أن من أنكر شيئًا مما جاء به النبي ( فإنه يكّف ر ولو أتى ببقية شرائع الدين وأقر بها وذلك‬
‫أن العلماء على اختالف مذاهبهم ذكروا في كتبهم باب حكم المرتد وذكروا في هذا الباب أشياء يكّف ر بها وهي دون‬
‫ما يزعمونه من جواز صرف العبادة هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪ :‬ذكروا أنواعًا كثيرة كل نوع منها ُيكِّف ر وُيحُّل دم الرجل وماله حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند‬
‫من قالها مثل كلمة يذكرها بلسانه كأن يسب اهلل أو يسب رسوله أو يسب الدين أو يستهزئ بآيات اهلل ورسوله دون‬
‫قلبه أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب كأن يسب اهلل مازحًا أو يستهزئ بالنبي ( أو يضحك مازحًا وهذا له‬
‫شواهد سيذكر الشيخ رحمه اهلل منها ما ذكره اهلل سبحانه وتعالى وقصه علينا في نبأ أولئك الذين استهزؤوا بالنبي‬
‫( وأصحابه في غزوة تبوك‪.‬‬
‫ويقال أيضًا‪ :‬الذين قال اهلل فيهم‪َ? :‬و َيْح ِلُف وَن ِبالَّلِه ِإَّنُه ْم َلِم ْنُك ْم َو َم ا ُه ْم ِم ْنُك ْم َو َلِكَّنُه ْم َقْو ٌم َيْف َر ُقوَن ?(‪ )148‬أما سمعت‬
‫أن اهلل كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يجاهدون معه ويصلون معه ويزكون ويحجون‬
‫ويوحدون‪ ،‬وكذلك الذين قال اهلل فيهم‪ُ? :‬قْل َأِبالَّلِه َو آَياِتِه َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن ( ال َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد‬
‫ِإيَم اِنُك ْم ?(‪ ) 149‬فهؤالء الذين صرح اهلل أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم في غزوة‬
‫تبوك‪ ،‬قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح‪.‬‬

‫(‪)1/91‬‬

‫ومن هذا يتبين عظيم خطر اللسان وأن اإلنسان قد يتكلم بالكلمة ال يلقي لها باًال يهوي بها في النار أبعد ما بين‬
‫المشرق والمغرب فالواجب امتثال قول النبي (‪(( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر فليقل خيرًا أو ليصمت))(‪)150‬‬
‫فاألصل الصمت كما قال النبي (‪(( :‬من صمت نجا))(‪ )151‬فإن احتجت إلى الكالم فانظر هل في هذا الكالم خير؟‬
‫فإن كان فيه خير فبادر إليه وسابق فإنك مأمور بالمسابقة إلى الخيرات وإن كان غير ذلك فتوقف حتى تنظر عاقبة‬
‫كالمك‪.‬‬
‫فالشاهد من إيراد هذه القصة أن هؤالء قوم آمنوا باهلل وآمنوا برسوله وآمنوا بالبعث فيما يظهر وجاهدوا مع النبي‬
‫( كفروا بسبب كلمة قالوها وهذا يدل على أن من أقر ببعض الدين وأتى بمكفر من جهة أخرى فإنه يحكم بكفره وال‬
‫ُينظر إلى إقراره بال إله إال اهلل بل ال بد أن ُيِق ر بال إله إال اهلل وأن يأتي بجميع ما يقتضيه هذا اإلقرار‪.‬‬
‫الدرس التاسع‪:‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم‪ُ :‬تكِّف رون المسلمين أناسًا يشهدون أن ال إله إال اهلل ويصلون‬
‫ويصومون ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه األوراق‪.‬‬

‫(‪)1/92‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل وقد أطال الكالم على هذه الشبهة ألهميتها وكثرة إيرادهم لها وأيضًا النخداع كثير من الناس بها‬
‫يقول‪ :‬ومن الدليل على ذلك أي إنه من أتى بالتوحيد ومن أقر بالرسالة ثم أتى بمكفر من جهة أخرى غير اإلقرار‬
‫بالتوحيد وغير اإلقرار بالرسالة فإنه يحكم عليه بالكفر قال رحمه اهلل‪ :‬ما حكى اهلل تعالى عن بني إسرائيل مع إسالمهم‬
‫وعلمهم وصالحهم أنهم قالوا لموسى‪? :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة?(‪ )152‬وقد تقدم تعليقنا على قوله رحمه اهلل‪:‬‬
‫وعلمهم ذكرنا أن ظاهر اآلية يدل على جهلهم كما قال اهلل سبحانه وتعالى حاكيًا عن موسى ?َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن ?‬
‫(األعراف‪ :‬من اآلية‪ )138‬وقول ناس من الصحابة‪(( :‬اجعل لنا ذات أنواط)) فحلف ( أن هذا نظير قول بني إسرائيل‪:‬‬
‫اجعل لنا إلهًا‪ .‬وسيأتي الكالم على هذا الحديث وهو حديث رواه الترمذي بسند جيد عن أبي واقد الليثي وفيه أن بعض‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم طلبوا من النبي ( أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للكفار ذات أنواط وهذه السدرة التي‬
‫كانوا ينوطون بها أسلحتهم ويعكفون عندها يطلبون منها البركة فطلب الصحابة رضي اهلل عنهم من النبي ( شيئًا مماثًال‬
‫فاستعظم األمر ( وقال‪(( :‬اهلل أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى‪ ? :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا‬
‫َك َم ا َلُه ْم آِلَه ٌة ?))(‪ )153‬وسيأتي الكالم على هذا‪ .‬فالنبي ( جعل طلبهم من جنس طلب بني إسرائيل لموسى عليه‬
‫السالم وطلب بني إسرائيل كفر وال شك إذ إنهم طلبوا إلهًا يعبدونه ويتوجهون إليه بالقصد مع اهلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وبعض الصحابة الذين كانوا حدثاء عهد بكفر طلبوا شجرة يتبركون بها كما يتبرك المشركون بالسدرة التي كانوا‬
‫ينوطون بها أسلحتهم فأنكر النبي ( عليهم هذا اإلنكار العظيم وجعل طلبهم من جنس طلب بني إسرائيل‪ .‬وفي هذا دليل‬
‫على أنه من أقر باأللوهية وأقر برسالة النبي ( ثم أتى ما يعكر هذا اإلقرار أو‬

‫(‪)1/93‬‬

‫ما يناقضه فإنه ال يشفع له ذلك اإلقرار بل ال بد من اإليمان بالكتاب كله ومن اإليمان بما جاء به النبي ( كله‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون‪ :‬فإن بني إسرائيل لم يكفروا‬
‫بذلك‪ ،‬وكذلك الذين قالوا‪" :‬اجعل لنا ذات أنواط" لم يكفروا‪.‬‬
‫فالجواب أن تقول‪ :‬إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك وكذلك الذين سألوا النبي صلى اهلل عليه وسلم لم يفعلوا‪ ،‬وال‬
‫خالف في أن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لكفروا‪ ،‬وكذلك ال خالف في أن الذين نهاهم النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك ال يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن‬
‫قول الجاهل التوحيد فهمناه أن هذا من أكبر الجهل وكايد الشيطان‪.‬‬
‫"وتفيد" أيضًا أن المسلم إذا تكلم بكالم ُك فر وهو ال يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته‪ ،‬أنه ال يكفر‪ ،‬كما فعل بنو‬
‫إسرائيل والذين سألوا النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" ،‬وتفيد" أيضًا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكالم تغليظًا شديدًا كما‬
‫فعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫(‪)1/94‬‬

‫هذه الشبهة التي أوردوها هي شبهة فرعية أوردوها على قول الشيخ رحمه اهلل والدليل على ذلك أيضًا ما حكى اهلل عن‬
‫بني إسرائيل مع إسالمهم وعلمهم وهي قولهم‪ :‬إن هؤالء الذين استدللتم بإنكار موسى عليهم وإنكار النبي ( عليهم لم‬
‫يكفروا فدل ذلك على أنه إذا أقر بالتوحيد وأقر بالرسالة وأقر بالبعث فإنه ال يضره أن يتوجه إلى غير اهلل سبحانه وتعالى‬
‫بطلب الشفاعة أو ما إلى ذلك فالجواب على هذه الشبهة وهي استداللهم بعدم التكفير ما قاله الشيخ رحمه اهلل في‬
‫حكاية الشبهة‪ :‬ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة وهي أنهم يقولون‪ :‬إن بني إسرائيل لم يكفروا وكذلك‬
‫الذين قالوا‪ :‬اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا هذه الشبهة والجواب عليها ما ذكره الشيخ‪ :‬إن بني إسرائيل لم يفعلوا‬
‫ذلك أي إن بني إسرائيل لم يتخذوا آلهة كما اتخذ الكفار آلهة بل لما نهاهم موسى عليه السالم امتنعوا عن هذا الطلب‬
‫وكذلك الذين سألوا النبي ( لم يفعلوا أي إنهم لم يتخذوا شجرة ينوطون بها أسلحتهم ويطلبون منها البركة‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وال خالف في أن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك ولو فعلوا ذلك لكفروا وكذلك ال خالف في أن الذين نهاهم النبي‬
‫( لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫إذًا ال حجة فيما ذكرتم إذ إن الصحابة رضي اهلل عنهم لم يفعلوا لم يتخذوا هذه الشجرة ينوطون بها أسلحتهم ويطلبون‬
‫منها البركة‪ .‬وكذلك بنو إسرائيل لم يتخذوا إلهًا كما للمشركين آلهة بل انتهوا عندما نهاهم نبيهم عليه السالم‪.‬‬

‫(‪)1/95‬‬

‫أما بالنسبة لقصة بني إسرائيل فهي واضحة فما ذكره الشيخ جواب سديد إذا حمل أن الصحابة طلبوا شجرة يتبركون‬
‫بها استقالًال يعني يتبركون بها كما يتبرك بها المشركون‪ .‬وقال بعض ُش راح هذا الحديث‪ :‬إن الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫لم يطلبوا جنس ما كان يفعله المشركون إنما طلبوا أن يسأل النبي ( ربه أن يجعل لهم شجرة مباركة فتكون مباركة‬
‫شرعًا وما كان مباركًا شرعًا جاز التبرك به وهذا ذكره الشيخ رحمه اهلل في بعض أجوبته في الدرر السنية إال أن ظاهر‬
‫الحديث يدل على أنهم طلبوا شيئًا من جنس ما كان يفعله المشركون ولذلك اعتذر أبو واقد رضي اهلل عنه عن هذا‬
‫الطلب في مقدمة هذا الخبر بقوله‪(( :‬خرجنا مع النبي ( إلى غزوة حنين أو في غزوة حنين ونحن حدثاء عهد بكفر))‬
‫فكأنه اعتذر لما صدر عنهم من سؤال مشابهة الكفار في ما وقعوا فيه فالظاهر أن هذا المعنى هو المراد وهو ظاهر فعل‬
‫الشيخ هنا وأما إذا كان على المعنى الذي ذكره الشيخ رحمه اهلل في بعض أجوبته في الدرر السنية فإنه ال يكون في‬
‫الحديث دليل للمشركين على فعلهم إذ إنهم لم يطلبوا شركًا إنما طلبوا من النبي ( أن يسأل اهلل أن يجعل شجرة‬
‫مباركة وهذا ال إشكال فيه فما كان مباركًا شرعًا جاز التبرك به مثل ماء زمزم وغيره مما جعله النبي ( مباركًا بمباركة‬
‫اهلل تعالى له ومع هذا فنحن نعتقد أن ما جعله الشارع مباركًا في الشرع فإن بركته إنما هي من اهلل تعالى وليست بركة‬
‫استقاللية منه كما تقدم هذا في كتاب التوحيد ودليل ذلك قول النبي (‪(( :‬إنما البركة من اهلل))(‪ )154‬فالبركة من اهلل‬
‫تعالى ليست من أي شي آخر وإنما جعل هذا سببًا لتحصيل البركة وليس هو المستقل في إيجادها وإعطائها‪.‬‬

‫(‪)1/96‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل في التعليق على هاتين القصتين يقول رحمه اهلل‪ :‬ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع‬
‫في أنواع من الشرك ال يدري عنها فتفيد التعلم والتحرز ومعرفة أن قول الجاهل‪ :‬التوحيد فهمناه ! أن هذا من أكبر‬
‫الجهل ومكايد الشيطان‪ :‬وال شك أيها اإلخوة أن هذا من أبرز ما يستفاد من الحديث فإن الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫سألوا هذا وقد سأله أيضًا بنو إسرائيل مع أنهم سألوه عندما خرجوا من ظلم فرعون ألنهم سألوه في الطريق وهم قد‬
‫خرجوا من مصر بعد أن دعاهم وبّين لهم التوحيد وأتى لهم بالدالئل فبقوا معه سنوات وسألوه هذا السؤال فدل ذلك‬
‫على خطورة هذا األمر ودل أيضًا على وجوب الحذر من قول من يقول‪ :‬التوحيد فهمناه بل يجب على الدعاة إلى اهلل‬
‫سبحانه وتعالى وطلبة العلم أن يهتموا بهذا العلم وأن يعتنوا به وأن يرشدوا الناس إلى دراسته وفهمه واالعتناء به وال‬
‫يلزم من عرض التوحيد أن يعرض عرضًا موحدًا أو عرضًا ثابتًا بل يمكن عرض التوحيد من خالل شرح بعض آيات‬
‫الكتاب أو شرح بعض أحاديث النبي ( المهم أنه البد من تعلق قلوب الناس باهلل سبحانه وتعالى ومن أعظم ما ُيسلك في‬
‫ربط قلوب الناس باهلل سبحانه وتعالى وتعليق قلوبهم به جل وعال ذكر صفاته وذكر أسمائه وذكر أفعاله فإن أسماء اهلل‬
‫وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى من أعظم ما يدل على وجوب صرف العبادة له فلذلك االهتمام بذكر صفات اهلل سبحانه‬
‫وتعالى وشرحها للناس وإفهامهم لمعانيها ومقاصدها وما تضمنته من أمور يحتاجها الناس هذا ما يعين على الدعوة إلى‬
‫التوحيد وربط قلوب الناس بالتوحيد‪ .‬المهم أن االشتغال بهذا األمر هو من آكد ما ينبغي للعبد ويدل على هذا أن أول‬
‫دعوة األنبياء هي الدعوة إلى التوحيد بل جل دعوتهم إلى التوحيد فالنبي ( استهل دعوته الناس بوجوب إفراد اهلل‬
‫سبحانه وتعالى بالعبادة وختمها بالتحذير من الشرك‪ .‬فينبغي لنا االهتمام بهذا واالعتناء به فإن هذا مما درج عليه السلف‬

‫(‪)1/97‬‬

‫الصالحون وسار عليه األئمة المهديون‪.‬‬


‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وتفيد أيضًا أن المسلم إذا تكلم بكالم كفر وهو ال يدري فنبه على ذلك فتاب من ساعته أنه ال يكفر‬
‫كما فعل بنو إسرائيل والذين سألوا النبي (‪ .‬وهذا النص ممكن أن تضيفه إلى النصوص التي سبق وأن قرأناها عليكم في‬
‫مسألة العذر بالجهل وأن الشيخ رحمه اهلل ليس من القائلين بعدم العذر مطلقًا‪ . .‬فأضف هذا النص إلى النصوص‬
‫المتقدمة وهذا النص يشرح النص الذي أو الكلمة التي ذكرها الشيخ رحمه اهلل في أول كتابه من أنه قد يقول كلمة‬
‫يكفر بها وهو جاهل بها أو جاهل بمعناها‪.‬‬

‫(‪)1/98‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ثالثة الفوائد التي تؤخذ من هذه القصة وتفيد أيضًا أنه لو لم يكفر فإنه يغلظ عليه الكالم تغليظًا شديدًا‬
‫كما فعل رسول اهلل ( فإن النبي ( غلظ األمر فقال‪(( :‬سبحان اهلل هذا كما قال قوم موسى‪? :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلهًا َك َم ا َلُه ْم‬
‫آِلَه ٌة? والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم))(‪ )155‬وهذا فيه أعظم تغليظ على هؤالء السائلين والتغليظ أيها‬
‫اإلخوة هو هدي المتقدمين في مسائل التوحيد فإن حذيفة رضي اهلل عنه عندما رأى على رجل خيطًا من الحمة فنزعه ثم‬
‫قال‪َ? :‬و َما ُيْؤ ِم ُن َأْك َثُر ُه ْم ِبالَّلِه ِإاَّل َو ُه ْم ُمْش ِر ُك وَن ?(‪ )156‬وفي الحديث‪(( :‬أن النبي ( جاءه عشرة رجال يريدون أن‬
‫يبايعوه ( فبايع تسعة وترك واحدًا كان على يده حلقة من صفر فقال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬من الواهنة‪ ،‬قال‪ :‬انزعها فإنها ال‬
‫تزيدك إال وهنًا وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا))(‪ )157‬وهذا فيه تعظيم الشرك وذلك أن الشرك أعظم الظلم‬
‫كما تقدم فإن اهلل سبحانه وتعالى قال‪ِ? :‬إَّن الِّش ْر َك َلُظْلٌم َعِظ يٌم?(‪ )158‬وقال النبي ( لما سئل‪ :‬أي الظلم أعظم؟ قال‪:‬‬
‫((أن تجعل هلل ندًا وهو خلقك)) فالواجب علينا أيها اإلخوة التغليظ في هذا األمر ولكن ال يعني هذا أن يغلظ على من‬
‫كان معتادًا على هذا األمر وليس في باله أن هذا األمر محرم أو ليس في باله أن هذا األمر منكر بل ينبغي سلوك‬
‫الحكمة فمن الناس من يغلظ عليه خاصة في بالد التوحيد وفي البالد التي دعاة التوحيد فيها ظاهرون ويتكلمون‬
‫ويعلمون الناس التوحيد فهؤالء ُيغلظ عليهم فهؤالء صحابة وهؤالء أتباع رسول بالنسبة لقوم موسى أما في البالد التي‬
‫ليس فيها أهل توحيد والشرك فيها هو المنتشر وعلماء السوء هم الظاهرون في الدعوة إلى الشرك وتسويغ الشرك‬
‫ودعوة الناس إليه فيكون من المناسب في هذه الحال أن يسلك اإلنسان سبيًال قاصدًا وهو من الحكمة أن يدعوهم‬
‫بأسلوب هادئ يشرح لهم ويبّين لهم خطورة األمر ويسرد لهم األدلة من‬

‫(‪)1/99‬‬

‫الكتاب والُس َّنة الدالة على أن هذا من المحرمات وأن هذا من الشرك‪ .‬المهم الواجب علينا أن نفعل ما هو مناسب‬
‫بالنسبة لمن كان بين ظهراني أهل التوحيد وأهل الدعوة السلفية الصحيحة المبنية على الكتاب والسنة فهذا ينبغي أن‬
‫يشدد عليه ويغلظ ألن هذا من تقصيره وتفريطه أما من كان بين ظهراني المبتدعة وكان بين علماء السوء الذين‬
‫يسوغون الشرك ويدعون إليه فسلوك السبيل المناسب هو األولى وهو األحسن‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وهذا يصدق عليه قول ذلك الرجل‪ :‬وللمشركين شبهة أخرى يقولون‪ :‬إن النبي ( أنكر على أسامة‬
‫قتل من قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وقال له‪" :‬أقتلته بعد ما قال ال إله إال اهلل؟" وكذلك قوله‪" :‬امرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‬
‫ال إله إال اهلل"‪ ،‬وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها‪ ،‬ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر وال يقتل ولو فعل ما‬
‫فعل‪.‬‬
‫فيقال لهؤالء الجهلة‪ :‬معلوم أن رسول اهلل ( قاتل اليهود وسباهم وهو يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن أصحاب رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمدًا رسول اهلل ويصلون ويدعون اإلسالم‪،‬‬
‫وكذلك الذين حرقهم على بن أبي طالب بالنار‪.‬‬
‫وهؤالء الجهلة يقولون‪ :‬إن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن من جحد شيئًا من أركان اإلسالم‬
‫كفر وقتل ولو قالها‪ ،‬فكيف ال تنفعه إذا جحد فرعًا من الفروع؟ وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل‬
‫ورأسه‪ ،‬ولكن أعداء اهلل ما فهموا معنى األحاديث‪ ،‬ولن يفهموا‪.‬‬
‫هؤالء يصدق عليهم قول القائل‪:‬‬
‫ما زالت الشبهات تغزو قلبه …… حتى تّش حط بينهن قتيال‬

‫(‪)1/100‬‬

‫فهؤالء غزت الشبهات قلوبهم ولذلك أصبحوا يتعلقون في تسويغ ما هم عليه من باطل وشرك بكل ما فيه أدنى شبهة‬
‫وإال فاألحاديث يصدق بعضها بعضًا ?َو َلْو َك اَن ِم ْن ِع ْنِد َغْيِر الَّلِه َلَو َج ُد وا ِفيِه اْخ ِتالفًا َك ِثيرًا?(النساء‪ :‬من اآلية‪)82‬‬
‫فالكتاب والُس ّنة من عند اهلل سبحانه وتعالى وال يمكن أن يوجد فيها اختالف كما أخبر جل وعال في قوله‪َ? :‬و َلْو َك اَن‬
‫ِم ْن ِع ْنِد َغْيِر الَّلِه َلَو َج ُد وا ِفيِه اْخ ِتالفًا َك ِثيرًا? استندوا إلى هذه الشبهة في تسويغ الشرك وأنه من قال‪ :‬ال إله إال اهلل فإنه‬
‫ال يكفر وهذا تفريع عن الشبهة السابقة استدلوا بحديث أسامة رضي اهلل عنه أنه قتل رجًال قال‪ :‬ال إله إال اهلل وذلك في‬
‫إحدى الغزوات فإن أسامة رضي اهلل عنه تبع رجًال فلما تمكن منه قال الرجل‪ :‬ال إله إال اهلل فقتله أسامة رضي اهلل عنه‬
‫فلما رجعوا إلى المدينة ُأخبر النبي ( بما فعل أسامة فقال له‪(( :‬أقتلته بعدما قال‪ :‬ال إله إال اهلل؟‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنما‬
‫قالها تعوذًا‪ ،‬فقال النبي (‪ :‬أشققت عن قلبه)) وفي بعض الروايات أنه قال‪(( :‬ما تصنع بال إله إال اهلل)) أخذ يكررها‬
‫( حتى قال أسامة رضي اهلل عنه‪ :‬وددت أني لم أسلم إال يومئذ وذلك من شدة ما وجد من إنكار النبي ( واستدلوا أيضًا‬
‫بما رواه الشيخان من حديث ابن عمر‪(( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأني رسول اهلل ويقيموا‬
‫الصالة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحقها وحسابهم على اهلل)) فاستدلوا بهذا على‬
‫تحريم دم من قال‪ :‬ال إله إال اهلل وعصمة ماله وقالوا‪ :‬إن من قال‪ :‬ال إله إال اهلل فال يكفر‪.‬‬

‫(‪)1/101‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر وال يقتل ولو فعل ما‬
‫فعل ! وهذا تكذيب لباقي ما جاء في الكتاب والُس ّنة من وجوب اإلقرار ببقية الشرائع ومن أنه قد يكفر ببعض األفعال‬
‫أو بعض األقوال ولو كان مقرًا بال إله إال اهلل‪.‬‬
‫فقال رحمه اهلل في الجواب على هذه الشبهة‪ :‬فيقال لهؤالء الجهلة‪ :‬معلوم أن رسول اهلل ( قاتل اليهود وسباهم وهم‬
‫يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل وأن أصحاب رسول اهلل ( قاتلوا بني حنيفة وهم يشدون أن ال إله إال اهلل وأن محمدًا رسول اهلل‬
‫ويصلون ويّد عون اإلسالم وكذلك الذين حرقهم علّي بن أبي طالب بالنار‪ ،‬إذًا هذا أول دليل ساقه الشيخ رحمه اهلل على‬
‫أنه قد يقول المرء‪ :‬ال إله إال اهلل ويكفر وُيَق اتل بسبب إنكاره شيئًا من الدين أو جحده شيئًا مما تقتضيه هذه الكلمة من‬
‫وجوب إفراد اهلل بالعبادة ومن وجوب اتباع النبي ( واالنقياد لما جاء به‪ .‬هذا أول ما ساقه في إبطال هذه الشبهة‪.‬‬

‫(‪)1/102‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وهؤالء الجهلة يقولون ‪-‬هذا ثاني ما ذكره في إبطال هذه الشبهة‪ :-‬إن من أنكر البعث كفر وقتل‬
‫ولو قال‪ :‬ال إله إال اهلل فهم متناقضون وهذا هو وصف كل من كتاب اهلل وُس ّنة رسوله ( فإنه في أمر مريج كما قال اهلل‬
‫سبحانه تعالى‪َ ? :‬بْل َك َّذ ُبوا ِباْلَح ِّق َلَّم ا َج اَءُه ْم َفُه ْم ِفي َأْم ٍر َم ِر يٍج ?(‪ )159‬مضطرب غير ثابت ولذلك اضطربوا في هذا‬
‫فكفروا من أنكر البعث مع قوله‪ :‬ال إله إال اهلل وأحلوا دمه وماله وهذا ثاني ما يجاب به على شبهتهم وعلى ما استدلوا‬
‫به من األحاديث ولو قال‪ :‬ال إله إال اهلل وأن من جحد شيئًا من أركان اإلسالم كفر وقتل ولو قالها فكيف ال تنفعه إذا‬
‫جحد فرعًا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أساس دين الرسل ورأسه؟! ولكن أعداء اهلل ما فهموا معنى‬
‫األحاديث ولن يفهموا ما فهموا ألنهم لم يتأملوا ولم يأخذوا بالنصوص وُيعملوها جميعًا إنما أخذوا ببعضها ولم يفسروا‬
‫قول اهلل بعضه ببعض وقول النبي ( بعضه ببعض وإنما ضربوا كتاب اهلل بعضه ببعض وقول النبي ( بعضه ببعض لذلك‬
‫ِم‬
‫فانتقوا ما يشاؤون‪َ? :‬فَلَّم ا َز اُغوا َأَز اَغ الَّلُه ُقُلوَبُه ْم ?(‪ )160‬وقال‪َ? :‬فَأَّما اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َز ْيٌغ َفَيَّتِبُعوَن َما َتَش اَبَه ْنُه‬
‫اْبِتَغاَء اْلِف ْتَنِة َو اْبِتَغاَء َتْأِو يِلِه?(‪ )161‬وأما قوله‪ :‬ولن يفهموا‪ :‬ألن قلوبهم ُأشربت قلوبهم هذه الشبه وعشعشت في‬
‫نفوسهم فال يتمكنون من التخلص منها إال بتوفيق من اهلل سبحانه وتعالى وإال فالدالئل على كذب ما يقولون وبطالن ما‬
‫يشبهون به واضحة بينة‪.‬‬

‫(‪)1/103‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل في الجواب على شبهتهم وهو ثالث جواب وهو جواب على ما استدلوا به‪ :‬فأما حديث أسامة فإنه‬
‫قتل رجًال ادعى اإلسالم بسبب أنه ظن أنه ما ادعى اإلسالم يعني سبب قتل أسامة رضي اهلل عنه لهذا الرجل أنه ظن أنه‬
‫ما ادعى اإلسالم إال خوفًا ولذلك قال‪(( :‬إنما قالها تعوذًا)) إال خوفًا على دمه وماله والرجل إذا أظهر اإلسالم ‪-‬اآلن‬
‫يبين الشيخ وجه إنكار النبي ( على أسامة‪-‬وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك أي ما يخالف ما أقر به ما‬
‫يخالف إسالمه وإقراره بالتوحيد‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وأنزل اهلل تعالى في ذلك يعني في هذا األمر يعني وجوب الكف عمن ظهر منه ما يدل على إسالمه حتى يتبين‬
‫أمره وأنزل اهلل تعالى في ذلك‪َ? :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذا َض َر ْبُتْم ِفي َس ِبيِل الَّلِه َفَتَبَّيُنوا?(‪ )162‬أي‪ :‬تثبتوا‪ .‬قال رحمه‬
‫اهلل‪ :‬فاآلية تدل على أنه يجب الكف عمن ظهر منه ما يدل على اإلسالم من قول‪ :‬ال إله إال اهلل أو التحية بتحية أهل‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫يقول‪ :‬على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم قتل لقوله تعالى‪َ? :‬فَتَبَّيُنوا? يقول‪:‬‬
‫ولو كان ال يقتل إذا أقّر بال إله إال اهلل إذا قالها لم يكن للتثبت معنًى ‪ .‬واضح لو كان ال يقتل لما أمرنا بالتبّين لقال كفوا‬
‫عنه وانتهينا ما احتاج أن يقول‪ :‬فتبينوا لكن أمر بالتبّين حتى يروا هل ما قاله صدق وعن قلب مؤمن بما يقول أم إنه‬
‫كذب ومين‪.‬‬
‫وقال رحمه اهلل‪ :‬وكذلك الحديث اآلخر وأمثاله يعني يحمل على هذا المعنى أنه من قال‪ :‬ال إله إال اهلل لم يقاتل بل‬
‫يجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يناقض ما أقر به‪.‬‬

‫(‪)1/104‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬معناه ما ذكرناه أن من أظهر التوحيد واإلسالم وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك‬
‫والدليل على هذا أن رسول اهلل ( الذي قال‪(( :‬أقتلته بعدما قال‪ :‬ال إله إال اهلل؟!)) وقال‪(( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى‬
‫يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل)) هو الذي قال في الخوارج وهم الذين خرجوا عن الجماعة وكفروا الصحابة وقاتلوهم‪(( :‬أينما‬
‫لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد)) إذًا في هذا الحديث إخبار أن النبي ( يقتل من قال‪ :‬ال إله إال اهلل‬
‫إذا زاغ عن مقتضاها وإذا كفر بما يجب اإليمان به من شرائع الدين فإذا أتى مكفرًا فإنه ال ينفعه إقراره بال إله إال اهلل‬
‫فعلى سبيل المثال من سب اهلل لو قال‪ :‬ال إله إال اهلل ليل نهار وهو يسب اهلل فهو كافر إذا لم يتب من ذلك أو سب‬
‫النبي ( أو سب القرآن أو سب شيئًا من شرائع الدين فإنه يكفر بهذا الفعل فاإلقرار بال إله إال اهلل يفيد عصمة الدم‬
‫والمال إال إذا تبين ما يناقض هذه الكلمة وما يبطل أثرها في حفظ المال والدم فهذا النبي ( يقول‪(( :‬لئن أدركتهم‬
‫ألقتلنهم قتل عاد))(‪ )163‬وما ذلك إال أنهم أتوا أمرًا كبيرًا في الدين وهو تكفير صحابة النبي ( والخروج عن‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليًال وتسبيحًا يقول‪ :‬حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم كما قال النبي (‪:‬‬
‫تحقرون صالتكم إلى صالتهم وصيامكم إلى صيامهم وقراءتكم إلى قراءتهم لكن خاتمتهم ماذا؟ يمرقون من الدين كما‬
‫يمرق السهم من الرمية‪.‬‬

‫(‪)1/105‬‬

‫قال رحمه اهلل‪ :‬وتعلموا العلم من الصحابة لم تنفعهم ال إله إال اهلل وال كثرة العبادة وال ادعاء اإلسالم لما ظهر منهم‬
‫مخالفة الشريعة وهذا من أوضح األدلة وأبينها على أن قول‪ :‬ال إله إال اهلل يعصم ابتداًء فإذا تبين ما يناقض هذا القول‬
‫ويبطل أثره فإنه يعمل بمقتضى هذه المناقضة من إباحة الدم والمال‪ ،‬أما بالنسبة للخوارج أيها اإلخوة فيظهر من كالم‬
‫الشيخ هنا تكفيرهم وإن كان ليس تصريحًا فإنه قال‪ :‬لم تنفعهم ال إله إال اهلل وال كثرة العبادة وال ادعاء اإلسالم لما‬
‫ظهر منهم مخالفة الشريعة‪ ،‬وإن كان يمكن أن يقال‪ :‬إنها لم تنفعهم في عصمة دمهم وال يلزم من هذا تكفيرهم إذ إنه‬
‫قد يباح الدم فيما دون الكفر‪.‬‬
‫ومسألة تكفير الخوارج للعلماء فيها قوالن في مذهب أحمد ومالك والشافعي ففي قول لهم أنهم كفار لتكفيرهم‬
‫الصحابة ولخروجهم على الجماعة ولألقوال المبتدعة المنكرة التي قالوها‪ .‬والقول اآلخر‪ :‬أنهم ال يكفرون بل هم ممن‬
‫أباح النبي ( دماءهم إذا اجتمعوا على بدعتهم وخرجوا على المسلمين وهم من المعتدين الظالمين الذين يقاتلون قتال‬
‫أهل البغي والظلم واالعتداء‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم رحمه اهلل‪ :‬وهذا الذي كان عليه الصحابة فلم ُينقل عن أحد منهم أنه كّف رهم ال علي وال غيره بل‬
‫لما ُس ئل علّي بن أبي طالب رضي اهلل عنه عن الخوارج هل هم كفار؟ قال‪ :‬من الكفر فروا‪ .‬والظاهر أن ما ذهب إليه‬
‫القائلون بعدم تكفيرهم أقرب للصواب إذ هذا القول هو الذي مضى عليه الصحابة رضي اهلل عنهم وهم أعلم بكالم‬
‫النبي ( ومقاصده‪.‬‬

‫(‪)1/106‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة وكذلك أراد ( أن يغزو بني المصطلق‬
‫لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل اهلل‪َ? :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإْن َج اَءُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَبٍأ َفَتَبَّيُنوا?(‪ )164‬وكان‬
‫الرجل كاذبًا عليهم وكل هذا يدل على أن مراد النبي ( في األحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه‪ .‬وهذه أيضًا شواهد‬
‫لما تقدم ذكره من أن قول‪ :‬ال إله إال اهلل يفيد في عصمة الدم والمال ابتداًء ما لم يبِد ما يناقض هذه الكلمة فإن‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم قتلوا بني حنيفة وأراد ( أن يغزو بني المصطلق مع أنهم يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل وأيضًا قاتل‬
‫( اليهود مع أنهم يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل إال أنهم لم يقروا بالرسالة فال إله إال اهلل ال تنفع صاحبها إال إذا أقر بكل ما‬
‫يقتضيه هذا الدين وما جاء به النبي ( فمن جحد شيئًا من ذلك فإنه ال ينتفع بها‪.‬‬
‫الدرس العاشر‪:‬‬
‫وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة‪ ،‬وكذلك أراد صلى اهلل عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق‬
‫لما أخبره رجل منهم أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل اهلل ?يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا?‪ ،‬وكان الرجل‬
‫كاذبًا عليهم‪ ،‬وكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى اهلل عليه وسلم في األحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه‪.‬‬
‫ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي صلى اهلل عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم‪ ،‬ثم بنوح‪ ،‬ثم بإبراهيم‪،‬‬
‫ثم بموسى‪ ،‬ثم بعيسى‪ ،‬فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول اهلل ( قالوا‪ :‬فهذا يدل على أن االستغاثة بغير اهلل ليست‬
‫شركًا‪.‬‬

‫(‪)1/107‬‬

‫والجواب أن تقول‪ :‬سبحان من طبع على قلوب أعدائه‪ ،‬فإن االستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ال ننكرها‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى في قصة موسى ?فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه? وكما يستغيث اإلنسان بأصحابه في الحرب أو‬
‫غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق‪ ،‬ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور األولياء أو في غيبتهم في‬
‫األشياء التي ال يقدر عليها إال اهلل‪.‬‬
‫إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم باألنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا اهلل أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من‬
‫كرب الموقف‪ ،‬وهذا جائز في الدنيا واآلخرة‪ ،‬وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كالمك وتقول له‪:‬‬
‫ادع اهلل لي كما كان أصحاب رسول اهلل ( يسألونه ذلك في حياته‪ ،‬وأما بعد موته‪ ،‬فحاشا وكال أنهم سألوا ذلك عند‬
‫قبره‪ ،‬بل أنكر السلف على من قصد دعاء اهلل عند قبره‪ ،‬فكيف بدعائه نفسه صلى اهلل عليه وسلم؟‪.‬‬

‫(‪)1/108‬‬

‫قال رحمه اهلل‪ :‬ولهم شبهة أخرى وهي ما ذكر النبي ( أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم‬
‫بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول اهلل ( قالوا‪ :‬فهذا يدل على أن االستغاثة بغير اهلل ليست شركًا‬
‫وهذا من جملة ما يتعلق به المبتدعون في تجويز صرف العبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى وإال فلو كان ما ذكروه داًال على‬
‫ما ذهبوا إليه من جواز استغاثة المخلوق بغير اهلل وأن االستغاثة بغير اهلل ليست شركًا لعددنا ذلك من المتشابه الذي‬
‫يحمل على المحكم وهو أن اهلل سبحانه وتعالى قد قال‪َ? :‬فال َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح دًا?(‪ )165‬ونقول‪ :‬أحوال يوم القيامة‬
‫تختلف عن أحوال الدنيا هذا إن سّلمنا بأن ما ذكروه يصح االحتجاج به أو فيه شبهة لما قالوا كيف وما ذكروه ليس‬
‫فيه دليل على جواز االستغاثة بغير اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وبيان ذلك من خالل ما ذكره الشيخ‬
‫رحمه اهلل في جوابه وقبل أن نشرع في اإلجابة أو مطالعة كالم الشيخ رحمه اهلل في الجواب نقول‪:‬‬

‫(‪)1/109‬‬

‫االستغاثة‪ :‬هي طلب الغوث‪ ،‬وطلب الغوث ال يكون إال عند الشدة والكرب وفي الغالب يكون عند نزوله وحلوله‬
‫خالفًا لالستعاذة فإنها قد تكون قبل نزول البالء‪ ،‬وأما االستعانة فهي تكون في الشدة والرخاء‪ .‬أما االستغاثة فال تكون‬
‫إال عند نزول البالء والكرب وشدة البالء والكرب‪ ،‬وطلب الغوث على نوعين‪ :‬النوع األول‪ :‬ما ال يقدر عليه إال اهلل‬
‫سبحانه وتعالى فهذا ال يجوز طلبه من غيره بل ال بد أن يتوجه العبد بقلبه ولسانه إلى اهلل سبحانه وتعالى طالبًا أن ُيغيثه‬
‫وأن يكشف عنه كربه وأما ما كان في مقدور المخلوق والمخلوق حي حاضر فهذا يجوز طلب الغوث منه ومنه قوله‬
‫تعالى في كتابه‪َ? :‬فاْس َتَغاَثُه اَّلِذ ي ِم ْن ِش يَعِتِه َعَلى اَّلِذ ي ِم ْن َعُد ِّو ِه?(‪ )166‬في قصة موسى فهذه االستغاثة جائزة ألنها‬
‫طلب لما هو في مقدور المخلوق الحاضر‪ ،‬فإن كان المخلوق غائبًا فإن نداءه وطلب الغوث منه يكون من الشرك إال‬
‫إذا كان النداء يبلغه ويسمعه وأيضًا من باب أولى لو كان المخلوق ميتًا فإنه ال يجوز سؤاله ألنه ليس في مقدوره أما ما‬
‫ذكروه مما ورد في حديث الشفاعة العظمى التي تكون في الموقف من سؤال الناس لألنبياء آدم ونوحًا وإبراهيم‬
‫وموسى وعيسى ونبينا محمدًا ( أن يسألوا اهلل أن يكشف ما بهم فإن هذا ليس من الشرك بل هو سؤال للمخلوق فيما‬
‫يقدر عليه وهو سؤال اهلل سبحانه وتعالى ودعاؤه وهذا ليس من الشرك في شيء ولذلك أجاب الشيخ رحمه اهلل بهذا‬
‫الجواب فقال رحمه اهلل‪:‬‬

‫(‪)1/110‬‬

‫والجواب أن نقول‪ :‬سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن االستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه ال ننكرها إذًا الذي‬
‫ننكره هو االستغاثة بالمخلوق فيما ال يقدر عليه إال اهلل سبحانه وتعالى فلو كان المخلوق يقدر عليه ولكنه ليس حاضرًا‬
‫كالذين يستغيثون مثًال باألولياء األحياء البعيدين الذين ال يسمعون فإذا نزل به كرب قال‪ :‬يا فالن أغثني فهذا أيضًا من‬
‫الشرك ألنه ولو كان حّيًا قادرًا على الفعل لو كان حاضرًا إال أنه بسب غيبته ال يقدر أن يجيبك فهذا دعاء لغير اهلل‬
‫سبحانه وتعالى أما سؤال المخلوق فيما يقدر عليه فال إنكار سواٌء كان ذلك استعانة أو استغاثة أو استعاذة أما دليل‬
‫االستغاثة فظاهر وأما دليل االستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه فأن النبي ( قال في حديث الدجال‪(( :‬من وجد ملجأ أو‬
‫معاذًا فليعذ به))(‪ )167‬وأما االستعانة فال إشكال في جواز طلب العون من المسلم فيما يقدر عليه‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل في االستدالل على جواز طلب اإلعانة من المخلوق فيما يقدر عليه‪ :‬كما قال تعالى في قصة‬
‫موسى‪َ? :‬فاْس َتَغاَثُه اَّلِذ ي ِم ْن ِش يَعِتِه َعَلى اَّلِذ ي ِم ْن َعُد ِّو ِه ?(‪ )168‬وكما يستغيث اإلنسان بأصحابه في الحروب أو غيرها‬
‫في أشياء يقدر عليها المخلوق وهذا ال ينكره أحد‪ .‬قال رحمه اهلل‪ :‬ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور‬
‫األولياء أو في غيبتهم في األشياء التي ال يقدر عليها إال اهلل سبحانه‪ .‬إذًا هذا الذي ننكره وهذا الذي نقول‪ :‬إنه من‬
‫الشرك وهو استغاثة العبادة وهي التي تكون عند قبور األولياء وذلك أن هؤالء ال يقدرون فسؤالهم من التعلق باألموات‬
‫الذي نهى اهلل سبحانه وتعالى عنه وبعث رسله ألجل نفيه والتحذير منه‪.‬‬

‫(‪)1/111‬‬

‫وأيضًا أو في غيبتهم في األشياء التي ال يقدر عليها إال اهلل فإن سؤالهم في غيبتهم أيضًا من الشرك وذلك أنه إذا غاب‬
‫ليس في مقدوره كشف البالء عنك وال رفع الكرب عنك ولذلك سؤالك الغائب تفريج الكربات وكشف النكبات وما‬
‫إلى ذلك من جنس سؤال المخلوق فيما ال يقدر عليه إال اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬يقول‪ :‬إذا ثبت ذلك أي إذا ثبتت هذه‬
‫المقدمة فاستغاثتهم باألنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا اهلل أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب‬
‫الموقف وهذا جائز في الدنيا واآلخرة ال إشكال في جوازه‪ ،‬ال إشكال في جواز سؤال المخلوق اآلخر أن يدعو له في‬
‫كشف أمر في الدنيا أو في اآلخرة إذا كان ذلك في مقدوره بشرط حضوره وهذا هو الذي حدث فإن الناس يوم القيامة‬
‫يقولون لما يشتد عليهم كرب الموقف‪ :‬اذهبوا إلى آدم أبيكم خلقه اهلل بيده فيذهبون إلى آدم فيقولون‪ :‬يا آدم أنت أبو‬
‫البشر خلقك اهلل بيديه فيطلبون منه أن يسأل اهلل أن يفرج عنهم فيحولهم إلى نوح فيذهبون إلى نوح فيحولهم إلى‬
‫إبراهيم ثم يحولهم إبراهيم إلى موسى ثم يحولهم موسى إلى عيسى ثم يحولهم عيسى إلى النبي ( فيقول‪ :‬أنا لها أنا لها‬
‫ثم ال يشفع ( مباشرة بل يقوم ويسجد عند العرش ال يبدأ بالشفاعة أوًال حتى يؤذن له فيقال له‪" :‬ارفع رأسك واشفع‬
‫تشفع وقل يسمع" فيطلب من اهلل عز وجل الشفاعة في القضاء بين الناس وهذا لتفريج الكرب عن أهل اإليمان(‪)169‬‬
‫وإال فإن أهل الكفر ال يستفيدون من هذا بشيء إذ إن ما يقبلون عليه من أعظم وأدهى وأمر‪ .‬ولذلك قال الشيخ رحمه‬
‫اهلل‪ :‬أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف وإال فالكفار ظلمات بعضها فوق بعض نسأل اهلل‬
‫سبحانه وتعالى السالمة والعافية‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وهذا جائز في الدنيا واآلخرة سؤال الدعاء من الحي الحاضر جائز في الدنيا واآلخرة وال إشكال في ذلك‪.‬‬

‫(‪)1/112‬‬

‫يقول‪ :‬وذلك أن تأتي عند رجل ‪-‬توضيح لقوله‪ :‬وهذا في الدنيا واآلخرة جائز‪ -‬صالح حٌّي يجالسك ويسمع كالمك‬
‫وتقول له‪ :‬ادع اهلل لي كما كان أصحاب رسول اهلل ( يسألونه ذلك في حياته وأما بعد موته فحاشا وكال أنهم سألوا‬
‫ذلك عند قبره‪ .‬فسؤال الحي الدعاء ال بأس به هذا الذي يفهم من كالم الشيخ رحمه اهلل والذين كرهوا سؤال الحي‬
‫الدعاء إنما كرهوه ألجل ذم المسألة عمومًا وليس ألن ذلك من الشرك فإن شيخ اإلسالم رحمه اهلل له قول بكراهة‬
‫سؤال المخلوق الدعاء إال إذا كان يقصد من سؤاله نفع المسؤول وله قول آخر قال فيه رحمه اهلل‪ :‬وطلب الدعاء من‬
‫المؤمن للمؤمن مشروع فله في المسألة قوالن والقول الذي فيه كراهة سؤال الدعاء من المسلم أو من المؤمن وهو‬
‫بسبب أن المسألة مذمومة مطلقًا وأن العبد الواجب عليه أن يعود نفسه السؤال والتضرع إلى اهلل سبحانه وتعالى وذلك‬
‫أن الدعاء عبادة وقربة إلى اهلل سبحانه وتعالى فاألولى للعبد أن يباشر ذلك بنفسه وأال يعتمد على غيره بذلك ثم أيضًا‬
‫قد ُيخشى أن يترتب على هذا السؤال مفسدة للمسؤول فيظن في نفسه خيرًا فيغتر وقد ُيخشى أيضًا من هذا أن يتكل‬
‫اإلنسان على دعاء غيره فيكون من عادته إذا أراد الدعاء ذهب إلى غيره ليدعو له‪ .‬كل هذه المفاسد جعلت شيخ‬
‫اإلسالم رحمه اهلل يقول في أحد قوليه‪ :‬إن سؤال الغير الدعاء مكروه وليس ذلك لكونه من الشرك أو ما إلى ذلك بل‬
‫لكونه تترتب عليه بعض المفاسد التي تقدم ذكر شيء منها‪.‬‬

‫(‪)1/113‬‬

‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬كما كان أصحاب رسول اهلل ( يسألونه في حياته وأما بعد موته فحاشا وكال أنهم سألوا ذلك عند‬
‫قبره فلم ُينقل عن أحد من الصحابة رضي اهلل عنهم أنهم كانوا يأتون إلى قبره ويسألونه الدعاء ولو ُفعل لُنقل بل الذي‬
‫ُنقل عنهم رضي اهلل عنهم أنهم نهوا من أتى يسأل اهلل عند قبره كما روي ذلك عن علّي بن الحسين بن علّي بن أبي‬
‫طالب رضي اهلل عنهما فإنه رأى رجًال كان يأتي إلى فرجة عند بيت النبي ( يدعو فنهاه وقال له‪ :‬إن النبي ( قد قال‪(( :‬ال‬
‫تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علّي أينما كنتم فإن صالتكم تبلغني)) وهذا فيه النهي عن قصد القبر من أجل الدعاء فمن‬
‫قصد القبر قبر النبي ( أو غيره ألجل أن يدعو اهلل سبحانه وتعالى بنفسه فإن هذا بدعة فلو قصده للطلب من الميت أن‬
‫يدعو اهلل سبحانه وتعالى له فهذا بدعة منكرة وهو من وسائل الشرك فلو سأل الميت نفسه فإنه قد وقع في الشرك‬
‫الذي ينقل عن الملة كما قال سبحانه وتعالى‪َ ? :‬فال َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح دًا ?(‪ )170‬فمن دعا غير اهلل فقد أشرك في هذه‬
‫العبادة ومن صرف عبادة لغير اهلل سبحانه وتعالى فقد وقع في الشرك وُفهم من هذا خطأ ما يفعله كثير من الناس اآلن‬
‫إذا ذهب للسالم على النبي ( في قبره توجه إلى القبلة يدعو فإن هذا األمر محدث بل نص شيخ اإلسالم رحمه اهلل في‬
‫الجواب الباهر على أن هذا من البدع فعلى العبد إذا سلم أن ينصرف ويدعو في أي مكان في المسجد وال يتقصد وال‬
‫يتحرى الدعاء عند قبر النبي ( فإن هذا من المحدثات ولو قال قائل‪ :‬إن هذا من المسجد فإن المسجد قد أحاط ببيت‬
‫النبي ( من كل جانب فالجواب‪ :‬أن الممنوع هو أن تتقصد هذا المكان للدعاء ألن الناس ال يفهمون أن هذا من‬
‫المسجد بل هم يظنون أنك وقفت تدعو هنا ألجل بركة المكان وهو قربك من قبر النبي ( فاذهب وانصرف وادع اهلل‬
‫حيثما شئت وقد ذكر شيخ اإلسالم رحمه اهلل أن الصحابة رضي اهلل عنهم لم ُينقل عنهم قصد الحجرة للسالم على‬
‫النبي (‬

‫(‪)1/114‬‬

‫إال ما جاء عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر يأتي ويسلم على النبي ( وعلى أبي بكر وعلى عمر يقول‪ :‬السالم‬
‫عليك يا رسول اهلل السالم عليك يا أبا بكر السالم عليك يا أبي وينصرف وُنقل مثل هذا عن أنس رضي اهلل عنه أيضًا‬
‫وأما سائر الصحابة فلم يفعلوا ذلك حتى المجيء إلى السالم كانوا يكتفون بالسالم عند دخول المسجد وال يقصدون‬
‫الحجرة أو القبر للسالم على النبي ( فهذا من األمور التي انتشرت بعد عهد الصحابة رضي اهلل عنهم‪ .‬وقد ذكر شيخ‬
‫اإلسالم أن الوفود كانت تفد إلى المسجد النبوي وتدخل وتخرج وال تقف عند القبر ال للسالم وال لغيره‪ .‬والذي يظهر‬
‫لي أن هذا هو األحسن واألكمل فيكتفي بالسالم عند دخوله للمسجد وال يقصد الحجرة أو القبر للسالم فإن هذا لم‬
‫يفعله إال ابن عمر رضي اهلل عنه فمن فعله تأسيًا بابن عمر رضي اهلل عنه فليقتفي على ما ورد عن ابن عمر رضي اهلل عنه‬
‫فإن الذي ورد عنه أنه كان يقول‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل السالم عليك يا أبا بكر السالم عليك يا أبتي وينصرف‬
‫وال يفعله إال عند المجيء من السفر أما ما يفعله كثير من الناس من السالم عليه بعد كل صالة وبعضهم إذا لم يتمكن‬
‫أو كان عنده شغل ال يستطيع الذهاب إلى مجاورة الحجرة وقف في مكانه وتوجه إلى القبر وتمتم ببعض الكلمات ثم‬
‫انصرف فهذا ال شك أنه من البدع والمحدثات وكل بدعة ضاللة‪.‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض عليه جبريل في الهواء فقال له‪ :‬ألك‬
‫حاجة؟ فقال إبراهيم‪ :‬أما إليك فال‪ .‬قالوا‪ :‬فلو كانت االستغاثة شركًا لم يعرضها على إبراهيم‪.‬‬

‫(‪)1/115‬‬

‫فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الشبهة األولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كما قال اهلل تعالى‪? :‬‬
‫َش ِد يُد اْلُقَو ى?(‪ ) 171‬فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من األرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب‬
‫لفعل ولو أمره أن يضع إبراهيم عليه السالم في مكان بعيد عنهم لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل وهذا كرجل‬
‫غني له مال كثير يرى رجًال محتاجًا فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج‬
‫أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه اهلل برزق ال منة فيه ألحد فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟‬
‫هذه شبهة أخرى ولعلها آخر الشبه التي يوردها الشيخ رحمه اهلل في هذا الكتاب المبارك قال رحمه اهلل‪ :‬ولهم شبهة‬
‫أخرى وهي قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض عليه جبريل في الهواء فقال له‪ :‬ألك حاجة؟ فقال إبراهيم‪ :‬أما لك‬
‫فال‪ .‬قالوا‪ :‬فلو كانت االستغاثة شركًا لم يعرضها على إبراهيم‪.‬‬
‫وهذا كما قال الشيخ رحمه اهلل فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الشبهة األولى فإن الشبهة األولى فيها سؤال المخلوق ما‬
‫يقدر عليه وهذا أيضًا فيه عرض المخلوق ما يقدر عليه فإن جبريل عليه السالم عرض إلبراهيم لما ألقي في النار أو قبل‬
‫أن يلقى في النار لما تآمر قومه على إلقائه في النار قال‪ :‬ألك حاجة؟ فقال إبراهيم‪ :‬أما إليك فال فقالوا‪ :‬فلو كانت‬
‫االستغاثة شركًا لم يعرضها على إبراهيم‪ .‬نقول‪ :‬هذه ليست من االستغاثة الممنوعة هذه من االستغاثة التي نتفق معكم‬
‫على جوازها لكننا نختلف معكم في كونها دالة على جواز االستغاثة العبادية التي ال يجوز صرفها إال هلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫أما االستغاثة التي من هذا الجنس وهي سؤال المخلوق ما يقدر فليس ذلك من الشرك في شيء‪.‬‬

‫(‪)1/116‬‬

‫قال رحمه اهلل فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الشبهة األولى وأنتم تالحظون أيها اإلخوة هذه الشبهات التي مرت معنا أنها‬
‫في غالب األحيان تكون مكررة والخالف فيها خالف لفظي فهو من تنويع العبارة لعرض نفس الشبهة المتقدمة ولذلك‬
‫سلك الشيخ رحمه اهلل مسلكًا جيدًا في هذه الشبهات فقد عرض أوًال كبريات شبهاتهم ثم بعد أن فرغ من عرض هذه‬
‫الكبريات ذكر ما هو فروع أو ما هو تنوع في اللفظ للشبه المتقدمة وكذلك هنا فإنهم أعادوا ما أجبنا عليه قبل قليل‬
‫في القصة المتقدمة‪.‬‬
‫(‪)1/117‬‬

‫فالجواب على هذا من جنس الشبهة األولى فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه وتوضيح هذا أنه قال رحمه‬
‫اهلل‪ :‬فإنه كما قال اهلل تعالى فيه يعني في جبريل‪َ? :‬ش ِد يُد اْلُقَو ى?(‪ )172‬فلو ُأذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها‬
‫ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل وهذا ال شك فيه ولو أمره أن يضع إبراهيم عليه السالم في مكان بعيد عنهم لفعل‬
‫وهذا ال شك أنه في قدرة جبريل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجًال محتاجًا‬
‫فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئًا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى يأتيه اهلل برزق‬
‫ال منة فيه ألحد وهذا تفسير من الشيخ رحمه اهلل لما فعله إبراهيم فإن إبراهيم عليه السالم قال‪ :‬أما إليك فال‪ :‬أي فال‬
‫حاجة لي بما عندك‪ .‬ومعنى هذا الكالم‪ :‬أما إلى اهلل فنعم فإنه صبر على ما لقي منتظرًا فرج اهلل سبحانه وتعالى وما‬
‫يختاره له وهذا فيه غاية التسليم وإبراهيم عليه السالم إنما كان ُأمة قانتًا هلل حنيفًا بسبب تسليمه هلل سبحانه وتعالى ومن‬
‫أبرز ما يظهر فيه تسليم إبراهيم عليه السالم قصة رؤياه التي رأى فيها ذبح ابنه الذي حرمه سنين طويلة ثم لما جاءه‬
‫وبلغ معه السعي رأى هذه الرؤيا فما كان منه إال أن سلم وآمن ? َفَلَّم ا َأْس َلَم ا َو َتَّلُه ِلْلَج ِبيِن ?(‪ )173‬فما كان أن فّر ج‬
‫اهلل سبحانه وتعالى عنه وفداه بذبح عظيم وما ذلك إال لتسليم إبراهيم واسماعيل عليهما السالم فمن السمات البارزة‬
‫في حياة إبراهيم عليه السالم تسليمه هلل سبحانه وتعالى وهذا من تسليمه إذ إنه رضي بما يختاره اهلل سبحانه وتعالى له‬
‫وما ُيقّد ره له ولم يركن إلى اختياره لنفسه وهذه فائدة ينبغي لطلبة العلم والدعاة وأهل الخير أن يتنبهوا لها وهي أنه قد‬
‫نختار ألنفسنا أمرًا من األمور نحب وقوعه ونجاهد في تحقيقه ويكون الخير فيما اختاره اهلل لنا إذ يقع شيء يخالف ما‬
‫نحب فتجد بعض اإلخوة وبعض أهل الخير‬

‫(‪)1/118‬‬

‫يضجر ويغضب لهذا الذي وقع أو على أقل األحوال يشعر في نفسه بمضاضة وغضاضة لما وقع فنقول له‪ :‬ينبغي لك‬
‫أن تسلم وأن تعلم أن ما قدره اهلل سبحانه وتعالى لك هو خير لك وال شك ((عجبًا ألمر المؤمن فإن أمره كله له خير‬
‫إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وال يكون ذلك إال للمؤمن)) فالواجب على‬
‫العبد المؤمن أن يرضى بما اختاره اهلل سبحانه وتعالى من تأخر النصر أو من تأخر تحصيل العلم أو من فوات فرص أو ما‬
‫إلى ذلك وال يستعجل بل ما اختاره اهلل سبحانه وتعالى لنا هو الخير ?َو َر ُّبَك َيْخ ُلُق َما َيَش اُء َو َيْخ َتاُر َما َك اَن َلُه ُم اْلِخ َيَر ُة?(‬
‫‪ )174‬واهلل يصنع لدينه ما ال نصنع فينبغي لنا أن نسّلم وهذا بارز من هذه القصة فإنه ( قال‪ :‬أما إليك فال فجاءه الفرج‬
‫من اهلل سبحانه وتعالى بأن قال‪َ? :‬يا َناُر ُك وِني َبْر دًا َو َس المًا َعَلى ِإْبَر اِه يَم ?(‪ )175‬تفريج من رب العالمين سبحانه وتعالى‬
‫فالواجب علينا أيها اإلخوة أن ننتبه إلى هذه الفوائد وهذه العبر من قصص األنبياء في كتاب اهلل سبحانه وتعالى فإن اهلل‬
‫سبحانه وتعالى إنما قص علينا قصصهم للعبرة وليس للتسلي والنظر فيما جرى لهم فقط بل لالعتبار وأشار اهلل سبحانه‬
‫وتعالى إلى ذلك مخاطبًا نبيه‪َ ? :‬و ُك ًال َنُقُّص َعَلْيَك ِم ْن َأْنَباِء الُّر ُس ِل َم ا ُنَثِّبُت ِبِه ُفَؤ اَدَك ?(‪ )176‬فلقصص الرسل فائدة‬
‫وهي التثبيت واالعتبار‪ .‬فينبغي لنا أن نتنبه لهذا‪ . .‬ثم قال رحمه اهلل‪ :‬فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا‬
‫يفقهون‪.‬‬
‫الدرس الحادي عشر‪:‬‬
‫ولنختم الكالم إن شاء اهلل تعالى بمسألة عظيمة مهمة تفهم مما تقدم ولكن نفرد لها الكالم لعظم شأنها ولكثرة الغلط‬
‫فيها فنقول‪:‬‬

‫(‪)1/119‬‬

‫ال خالف أن التوحيد ال بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شئ من هذا لم يكن الرجل مسلمًا‪ ،‬فإن عرف‬
‫التوحيد ولم يعمل به فهو كافر مرتد معاند ككفر فرعون وإبليس وأمثالهما‪ ،‬وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون‪ :‬أن‬
‫هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه حق‪ ،‬ولكننا ال نقدر أن نفعله‪ ،‬وال يجوز عند أهل بلدنا إال من وافقهم‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك من األعذار‪ ،‬ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق‪ ،‬ولم يتركوه إال لشئ من األعذار كما قال‬
‫تعالى‪? :‬اشتروا بآيات اهلل ثمنًا قليًال? وغير ذلك من اآليات‪ ،‬كقوله‪? :‬يعرفونه كما يعرفون أبناءهم?‪.‬‬
‫فإن عمل بالتوحيد عمًال ظاهرًا وهو ال يفهمه وال يعتقده بقلبه‪ ،‬فهو منافق‪ ،‬وهو شر من الكافر الخالص ?إن المنافقين‬
‫في الدرك األسفل من النار?‪.‬‬
‫وهذه المسألة مسألة طويلة تبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به‪ ،‬لخوف نقص دنيا‬
‫أو جاه أو مداراة ألحد‪ ،‬وترى من يعمل به ظاهرًا ال باطنًا‪ ،‬فإذا سألته عما يعتقده بقلبه فإذا هو ال يعرفه‪ .‬ولكن عليك‬
‫بفهم آيتين من كتاب اهلل‪:‬‬
‫أوالهما‪ ،‬قوله تعالى‪? :‬ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم? فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح‪ ،‬تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل‬
‫به خوفًا من نقص ماٍل ‪ ،‬أو جاٍه أو مداراة ألحد‪ ،‬أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها‪.‬‬

‫(‪)1/120‬‬

‫واآلية الثانية قوله تعالى‪? :‬من كفر باهلل من بعد إيمانه إال من اكره وقلبه مطمئن باإليمان ولكن من شرح بالكفر صدره‬
‫فعليهم غضب من اهلل ولهم عذاب عظيم‪ ،‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة? اآلية‪ ،‬فلم يعذر اهلل من هؤالء‬
‫إال من أكره مع كون قلبه مطمئنًا باإليمان‪ ،‬وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفًا أو مداراة‪ ،‬أو مشحًة‬
‫بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله‪ ،‬أو فعل على موجه المزح أو لغير ذك من األغراض إال المكره‪.‬‬
‫فاآلية تدل على هذا من وجهين‪:‬‬
‫األول قوله تعالى‪? :‬إال من أكره?‪ ،‬فلم يستثن اهلل تعالى إال المكره‪ ،‬ومعلوم أن اإلنسان ال يكره إال على الكالم أو‬
‫الفعل‪ ،‬وأما عقيدة القلب فال يكره أحد عليها‪ ،‬والثانية قوله تعالى‪? :‬ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة?‬
‫فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب االعتقاد والجهل والبغض للدين أومحبة الكفر‪ ،‬وإنما سببه أن له في ذلك‬
‫حظا من حظوظ الدنيا فآثره على الدين‪ ،‬واهلل سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫ختم الشيخ رحمه اهلل هذه الرسالة المباركة بهذا التنبيه المهم فإنه بعد أن أبطل حجج المشبهين وبين لنا ظاهرًا صدق‬
‫قول الشاعر فيها‪:‬‬
‫حجٌج تهافت كالزجاج تخالها……حقًا وكل كاسر مكسور‬

‫(‪)1/121‬‬

‫فلما تبين هذا السراب وانكشف الغطاء واتضح أنه ليس معهم شيء بل هم كما قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ? :‬فَلَّم ا َج اَءْتُه ْم‬
‫ُرُس ُلُه ْم ِباْلَبِّيَناِت َفِر ُح وا ِبَم ا ِع ْنَد ُه ْم ِم َن اْلِعْلِم ?(‪ )177‬وليس عندهم من العلم إال ظاهره وإال فحقيقته قد تجردوا عنها‬
‫ذكر رحمه اهلل تنبيهات مهمة فبعد أن أبطل الحجج التفت رحمه اهلل إلى مهرب نفسي يلجأ إليه بعض الذين تنكشف‬
‫لهم الحقائق فيعلمون أن ما أوردوه من شبه وما ذكروه من أباطيل إنما هي ذرائع تتساقط واحدة تلو أخرى ذكر أن من‬
‫الناس من يفر إلى تحكيم عادته وتحكيم ما عليه أهل بلده وتحكيم ما يخشاه من مواجهة الناس وما يخشاه من إنكارهم‬
‫لما جاء به وبين أن هذا ال يفيد أيضًا في ترك الحق فلو أن إنسانًا اعتمد في ترك الحق على هذه األمور وهي أن أهل‬
‫البلد ينكرون هذا أو أنه يخشى أن يسلب الجاه أو يسلب المال أو يخشى أن يفقد مكانته أو ما إلى ذلك لم ينفعه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فقال رحمه اهلل‪ :‬ولنختم الكالم إن شاء اهلل سبحانه وتعالى بمسألة عظيمة مهمة جدًا تفهم مما تقدم ولكن ُيفرد لها‬
‫الكالم لعظم شأنها ولكثرة الغلط فيها‪ .‬وهذه المسألة هي قوله رحمه اهلل‪ :‬هذه المسألة ال خالف أن التوحيد ال بد أن‬
‫يكون بالقلب واللسان والعمل وهذا ال شك فيه فإنه عقد أهل السنة والجماعة في اإليمان والتوحيد أن يكون بالقلب‬
‫واللسان والعمل وعلى هذا تواطأت أقوال السلف رحمهم اهلل‪ ،‬وقد قال الناظم في نظم عقيدة من سلف‪:‬‬
‫إيماننا قول وصدق وعمل …… يزيد بالتقوى وينقص بالزلل‬

‫(‪)1/122‬‬

‫فال بد من اإليمان بالقلب وال بد من اإليمان باللسان وال بد من اإليمان بالجوارح وال يكفي اإليمان بالقلب مع إنكار‬
‫وتخلف إيمان الجوارح واللسان وال اللسان مع تخلف الباطن وال الجوارح مع تخلف الباطن بل ال بد من تواطؤ هذه‬
‫األشياء حتى يتحقق التوحيد‪ .‬ال خالف أي بين أهل السنة والجماعة أن التوحيد ال بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل‬
‫فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلمًا وتوضيح ذلك فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر ال شك أن من‬
‫عرف التوحيد وعرف أن اهلل سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة وحده دون غيره ثم صرف العبادة لغيره ولم يقم‬
‫بمقتضى هذه المعرفة فإن تلك المعرفة ال تفيده شيئًا فهو كافر معاند‪ .‬قال رحمه اهلل‪ :‬وكفره ككفر فرعون فإن فرعون‬
‫يعرف ربوبيته سبحانه وتعالى ويعرف إلهيته وإنما أنكرها علوًا واستكبارًا كما قال اهلل سبحانه وتعالى‪َ ? :‬و َجَح ُد وا ِبَه ا‬
‫َو اْس َتْيَق َنْتَه ا َأْنُفُس ُه ْم ُظْلمًا َو ُعُلّو ًا ?(‪ )178‬ومع ذلك لم يفده هذا اإلقرار‪ .‬و إبليس عليه من اهلل ما يستحق من اللعن‬
‫والسخط أيضًا مقر بألوهية اهلل سبحانه وتعالى وإنما اعترض على أمر من أوامره فأبى استكبارًا السجود آلدم فكان‬
‫عاقبته أن ُع وقب بما ذكره اهلل سبحانه وتعالى من اللعن والطرد والعقوبة التي تنتظره في اآلخرة أعظم وأكبر وأمثالهما‪.‬‬
‫يقول رحمه اهلل‪ :‬وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون‪ :‬إن هذا حق يعني ما ذكرنا من وجوب إفراد اهلل سبحانه وتعالى‬
‫بالعبادة وإن هذا الذي جاءت به الرسل يقولون‪ :‬إن هذا حق ونحن نفهم هذا ونشهد أنه الحق ولكنا ال نقدر أن نفعله‬
‫وال يجوز عند أهل بلدنا إال من وافقهم فُيسوغون وقوع الشرك منهم بهذا الذي ذكروه من أن هذا ال يجوز هذا عند‬
‫أهل بلدهم وأنه ال يوافق أهل بلدهم إال بموافقتهم على الشرك أو غير ذلك من األعذار !‬

‫(‪)1/123‬‬

‫قال رحمه اهلل‪ :‬ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق فمعرفة الحق ليست هي المطلوبة ومعرفة الحق‬
‫ليست هي المطلوبة فقط بل المطلوب معرفة الحق والعمل بمقتضاه ولذلك قال‪ :‬غالب أئمة الكفر يعرفون الحق كما‬
‫قال تعالى عنهم‪َ? :‬و َجَح ُد وا ِبَه ا َو اْس َتْيَق َنْتَه ا َأْنُفُس ُه ْم ُظْلمًا َو ُعُلّو ًا?(‪ )179‬واليقين ُم نتهى العلم لكن جحدوها فلم تنفعهم‬
‫هذه المعرفة وال هذا اليقين يعرفون الحق ولم يتركوه إال لشيء من األعذار وتختلف أعذار الناس فمن الناس من يعتذر‬
‫بالقبيلة وبالعشيرة ومن الناس من يعتذر باألهل ومن الناس من يعتذر بالبلد ومن الناس من يعتذر بالمال والجاه والمنصب‬
‫ومن الناس من يعتذر بالضعف وما إلى ذلك من األعذار فتعددت األعذار والسبب أو األسباب والمآل أو المنتهى واحد‬
‫وهو عدم القيام بما فرض اهلل سبحانه وتعالى من وجوب إفراده بالعبادة كما قال تعالى‪? :‬اْش َتَر ْو ا ِبآياِت الَّلِه َثَم نًا َقِليًال?(‬
‫‪ )180‬فهم يعرفون آيات اهلل سبحانه وتعالى إال أنهم استبدلوا بهذه اآليات البينات ثمنًا قليًال بخسًا فأخذوا هذه الدنيا‬
‫عوضًا عن جنة عرضها السماوات واألرض‪.‬‬
‫يقول‪ :‬وغير ذلك من اآليات كقوله‪َ ? :‬يْع ِر ُفوَنُه َك َم ا َيْع ِر ُفوَن َأْبَناَءُه ْم ?(‪ )181‬أي يعرفون الحق ويعرفون صدق ما جاء‬
‫به النبي ( كما يعرفون أبناءهم‪.‬‬

‫(‪)1/124‬‬

‫فإن عمل بالتوحيد عمًال ظاهرًا وهو ال يفهمه‪ . .‬اآلن انتهينا من القسم األول وهو أن التوحيد البد فيه من المعرفة مع‬
‫العمل فهو ال يكفي في التوحيد المعرفة فقط حتى لو كان معتذرًا بالمعاذير التي ذكر فإن عمل بالتوحيد عمًال ظاهرًا‬
‫وهو ال يفهمه وال يعتقده بقلبه فهو منافق وهو شر من الكافر الخالص‪ِ? :‬إَّن اْلُم َناِفِق يَن ِفي الَّد ْر ِك اَألْس َف ِل ِم َن الَّناِر ?(‬
‫‪ )182‬فمن أظهر اإليمان والتزم شعائر اإلسالم إال أنه لم يقَّر بذلك قلبه ولم يرسخ ذلك في قلبه فإن ذلك ال ينفعه إذ‬
‫إنه ممن حسن ظاهره وخبث باطنه واهلل سبحانه وتعالى إنما يطلع ويحاسب العبد في األصل على قلبه وما يظهر من‬
‫الجوارح هو فرع عما في القلب‪(( :‬إن اهلل ال ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))(‪)183‬‬
‫هذا في األصل وأعمالكم في الفرع فال بد من إقامة الباطن وإقامة الظاهر على ما يحبه اهلل سبحانه وتعالى ويرضاه‪.‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ :‬فهو منافق‪ ،‬وهو شر من الكافر الخالص الشك أن داللة القرآن على أن المنافقين شر من الكفار ظاهرة‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِفِق ِف‬
‫فاهلل سبحانه وتعالى أخبر عن عذاب الكفار إال أنه خص المنافقين بقوله جل وعال‪ِ? :‬إَّن اْلُم َنا يَن ي الَّد ْر اَألْس َف ِل َن‬
‫الَّناِر ?(‪.)184‬‬
‫ثم قال رحمه اهلل‪ :‬وهذه المسألة مسألة طويلة تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به‬
‫لخوف نقص دنيا أو جاه أو ُمداراة ألحد وترى من يعمل به ظاهرًا يعني في الدين ظاهرًا ال باطنًا فإذا سألته عما يعتقد‬
‫بقلبه فإذا هو ال يعرفه‪ .‬ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب اهلل‪ :‬يعني هاتين اآليتين من كتاب اهلل توضح لك صدق ما‬
‫تقدم من وجوب اإلقرار بالتوحيد ظاهرًا وباطنًا وأنه ال بد فيه من قول القلب وعمل القلب وقول اللسان وعمل‬
‫الجوارح‪.‬‬

‫(‪)1/125‬‬

‫قال رحمه اهلل‪ :‬أوالهما قوله تعالى‪ ? :‬ال َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم ?(‪ )185‬فإن اهلل سبحانه وتعالى لم يقبل منهم‬
‫عذرًا بعد أن وقع منهم ما يناقض التوحيد فأبطل عذرهم ورده عليهم‪.‬‬
‫قال الشيخ رحمه اهلل‪ :‬فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول اهلل ( كفروا بسبب كلمة قالوها على‬
‫وجه اللعب والمزح تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفًا من نقص مال أو جاه أو مداراة ألحد أعظم ممن‬
‫يتكلم بكلمة يمزح بها‪ :‬كان هذا أعظم ألنه تبين له الحق وعرفه وخالفه عن قصد وإرادة جازمة وأما الذي يمزح فهو‬
‫هازل أي دون ذلك الذي قصد المخالفة وعلم بعاقبتها أما هذا الهازل فإنه خالف هازًال والعبًا وليس كذلك الذي‬
‫خالف قاصدًا عازمًا جازمًا فينبغي للعبد أن يحذر الكفر وأال يعتذر لنفسه في مواقعة الكفر بأي عذر كان بل يجب عليه‬
‫أن يقلع عن الكفر وقد قال اهلل سبحانه وتعالى في انتفاء العذر عمن تبين له الحق وعرفه‪ِ ? :‬ل اِإل ْن اُن َعَلى ْف ِس ِه‬
‫َن‬ ‫َس‬ ‫َب‬
‫َبِص يَر ٌة ( َو َلْو َأْلَق ى َمَعاِذ يَر ُه?(‪ )186‬فقد تغش الناس بأعذارك وقد يعذرك الناس بظاهر حالك أو بحسن بيانك وقولك‬
‫ولكن اهلل الذي يطلع على السرائر قد قالها في كتابه جل ذكره‪? :‬ال َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم ?(‪ )187‬فالكفر ال‬
‫تقبل فيه األعذار ولذلك ينبغي على العبد أن يتقي اهلل سبحانه وتعالى وأن يحذر الشرك صغيره وكبيره فإن الشرك أعظم‬
‫الظلم كما تقدم بيانه في غير هذا الموضع‪.‬‬

‫(‪)1/126‬‬

‫ِن ِك‬ ‫ِئ‬ ‫ِه ِم ِد ِنِه‬


‫قال رحمه اهلل‪ :‬واآلية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪َ ? :‬مْن َكَف َر ِبالَّل ْن َبْع ِإيَم ا ِإال َمْن ُأْك ِر َه َو َقْلُبُه ُمْطَم ٌّن ِباِإل يَم ا َو َل ْن َمْن‬
‫َش َرَح ِباْلُكْف ِر َص ْد رًا َفَعَلْيِه ْم َغَض ٌب ِم َن الَّلِه َو َلُه ْم َعَذ اٌب َعِظ يٌم‪َ .‬ذِلَك ِبَأَّنُه ُم اْسَتَح ُّبوا اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َعَلى اآلِخ َر ِة ?(‪)188‬‬
‫قال رحمه اهلل في التعليق على اآلية‪ :‬فلم يعذر اهلل من هؤالء إال من أكره مع كون قلبه مطمئنًا باإليمان منشرحًا باإلسالم‬
‫وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعل خوفًا أو مداراة فمن واطأ كفره الظاهر الذي أكره عليه انشراحًا في القلب‬
‫وميًال وسكونًا وطمأنينة بالكفر فإنه كفر ولو كان مكرهًا والذي استثناه اهلل سبحانه وتعالى من فعل الكفر أو قاله وهو‬
‫مكره عليه مع انشراح قلبه باإلسالم واطمئنانه إلى اإليمان أما ما عدا ذلك فهو كافر‪ .‬أو مشحة بوطنه أو أهله أو‬
‫عشيرته أو ماله أو فعل على وجه المزح أو لغير ذلك من األغراض إال المكره‪.‬‬

‫(‪)1/127‬‬
‫قال رحمه اهلل‪ :‬فاآلية تدل على هذا من وجهين‪ :‬على أنه ال يعذر إال من أكره مع اطمئنان قلبه وانشراحه باإليمان‬
‫قوله‪ِ ? :‬إال َمْن ُأْك ِر َه ? فلم يستثن اهلل تعالى إال المكره ومعلوم أن اإلنسان ال يكره إال على الكالم أو الفعل وأما على‬
‫االعتقاد فال يكرهك أحد على أن تعتقد ما حرم اهلل سبحانه وتعالى عليك اعتقاده فالقلب ال سبيل إليه أما الظاهر‬
‫واللسان فإن السبل إليه كثيرة فقد عذر اهلل سبحانه وتعالى ظهور الكفر بسب اإلكراه الملجئ على اللسان والجوارح‬
‫أما على القلب فإنه سبحانه وتعالى لم يعذر في ذلك أحدًا وذلك أنه ال سبيل إلى تحويل ما في القلب إال إذا كان القلب‬
‫فاسدًا‪ .‬أما إذا كان القلب مطمئنًا باإليمان صحيحًا سليمًا معافى فإنه لو وضع عليه ما وضع عليه من العذاب فإنه ال‬
‫يمكن أن ينصرف عن اإليمان واإلسالم إلى الكفر واإللحاد بل سيكون مستقرًا مطمئنًا باإليمان وشواهد هذا في حياة‬
‫الصحابة وحياة من بعدهم من التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين كثيرة جدًا‪.‬‬
‫ويفهم من كالمه ال يكره على الكالم والفعل أن اآلية تشمل اإلكراه في القول واإلكراه على الفعل فمن أكره على قول‬
‫الكفر وقلبه مطمئن باإليمان إكراهًا ملجئًا لم يضره ذلك‪ ،‬ومن أكره على فعل الكفر وقلبه مطمئن باإليمان لم يضره‬
‫ذلك أيضًا‪.‬‬
‫وهذه المسألة فيها خالف بين أهل العلم منهم من قال‪ :‬إن اإلكراه الذي يعذر به العبد هو في القول فقط‪ .‬وأما اإلكراه‬
‫في الفعل فإنه ال يجوز أن يفعل فعًال شركيًا ولو أكره على ذلك ولو كان اإلكراه ُملجئًا يؤول به إلى فقد حياته‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬هو القول األول وهو الذي عليه جمهور أهل العلم أن اإلكراه الذي يسوغ الوقوع في الكفر يستوي فيه‬
‫اإلكراه على الكالم أو اإلكراه على الفعل كاإلكراه على قول الكفر أو اإلكراه على فعل الكفر‪.‬‬

‫(‪)1/128‬‬

‫ثم قال‪ :‬وأما عقيدة القلب فال يكره عليها‪ .‬ثم قال رحمه اهلل‪ :‬والثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ ? :‬ذِلَك ِبَأَّنُه ُم اْسَتَح ُّبوا اْلَحَياَة الُّد ْنَيا‬
‫َعَلى اآلِخ َر ِة ?(‪ ) 189‬فلما استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة كان ذلك سبب كفرهم‪ .‬فصرح أن هذا الكفر والعذاب‬
‫لم يكن بسبب االعتقاد والجهل والبغض للدين ومحبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا فآثره‬
‫على الدين واهلل سبحانه وتعالى أعلم وأعز وأكرم هذا واهلل سبحانه وتعالى أعلم وأعزم وأكرم والحمد هلل رب العالمين‬
‫وصلى اهلل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫تم بحمد اهلل وتوفيقه وبهذا نكون قد انتهينا من كشف الشبهات نسأل اهلل سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا‬
‫وأن يجعلنا وإياكم من المباركين‪. . . .‬‬
‫(‪ )1‬النساء‪.140 :‬‬
‫(‪ )2‬األنعام‪.68 :‬‬
‫(‪ )3‬العلق‪.1 :‬‬
‫(‪ )4‬النمل‪.30 :‬‬
‫(‪ )5‬النحل‪.36 :‬‬
‫(‪ )6‬األنبياء‪.25 :‬‬
‫(‪ )7‬النحل‪.2 :‬‬
‫(‪ )8‬النحل‪.36 :‬‬
‫(‪ )9‬أخرجه البخاري في أحاديث األنبياء برقم ‪ 3187‬وأخرجه مسلم في الفضائل برقم ‪.4362‬‬
‫(‪ )10‬النساء‪.163 :‬‬
‫(‪ )11‬أخرجه البخاري في تفسير القرآن برقم ‪ 4116‬وأخرجه مسلم في اإليمان برقم ‪.284‬‬
‫(‪ )12‬األحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )13‬أخرجه البخاري في تفسير القرآن برقم ‪.4539‬‬
‫(‪ )14‬الذاريات‪.56 :‬‬
‫(‪ )15‬النحل‪.36 :‬‬
‫(‪ )16‬الزمر‪.3 :‬‬
‫(‪ )17‬سبأ‪.22 :‬‬
‫(‪ )18‬يونس‪.18 :‬‬
‫(‪ )19‬يونس‪.19 :‬‬
‫(‪ )20‬يس‪.6 :‬‬
‫(‪ )21‬البينة‪.5 :‬‬
‫(‪ )22‬أخرجه البخاري في الجهاد والسير برقم ‪.2644‬‬
‫(‪ )23‬أخرجه مسلم في الزهد والرقائق برقم ‪.5300‬‬
‫(‪ )24‬لقمان‪.13 :‬‬
‫(‪ )25‬يونس‪.31 :‬‬
‫(‪ )26‬الملك‪.2 :‬‬
‫(‪ )27‬المؤمنون‪.89-84 :‬‬
‫(‪ )28‬الرعد‪14 :‬‬
‫(‪ )29‬الجن‪.18 :‬‬
‫(‪ )30‬أخرجه البخاري في كتاب اإليمان من حديث ابن عمر برقم‪ 24 :‬وأخرجه مسلم في كتاب اإليمان من حديث‬
‫ابي هريرة برقم‪.31 :‬‬
‫(‪ )31‬أخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم‪.34 :‬‬
‫(‪ )32‬أخرجه أحمد من حديث أبي واقد الليثي برقم‪.20892 :‬‬

‫(‪)1/129‬‬

‫(‪ )33‬أخرجه البخاري في كتاب اإليمان برقم‪ 24 :‬وأخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم‪.33 :‬‬
‫(‪ )34‬يونس‪.32 :‬‬
‫(‪ )35‬ص‪.5 :‬‬
‫(‪ )36‬الزخرف‪.27-26 :‬‬
‫(‪ )37‬البقرة‪.256 :‬‬
‫(‪ )38‬البقرة‪.256 :‬‬
‫(‪ )39‬أخرجه مسلم في كتاب اإليمان برقم‪.34 :‬‬
‫(‪ )40‬ص‪.5 :‬‬
‫(‪ )41‬النساء‪.48 :‬‬
‫(‪ )42‬يونس‪.58 :‬‬
‫(‪ )43‬األعراف‪.138 :‬‬
‫(‪ )44‬النساء‪.48 :‬‬
‫(‪ )45‬النساء‪.48 :‬‬
‫(‪ )46‬لقمان‪.13 :‬‬
‫(‪ )47‬أخرجه البخاري في كتاب التوحيد برقم ‪.6966‬‬
‫(‪ )48‬أخرجه أحمد من حديث أبي بكر برقم ‪ ،18781‬وهو في مسند ابي يعلى (‪ )1/62‬من حديث ابي بكر ولفظه‬
‫((‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما ال أعلم)) وفي األدب المفرد (برقم‪ )250 :‬للبخاري إال‬
‫ان حديث ابي بكر ضعيف‪ .‬وفيه ليث بن ابي سليم‪ .‬وفي اسناده ضعف‪.‬‬
‫(‪ )49‬آل عمران‪.19 :‬‬
‫(‪ )50‬آل عمران‪.85 :‬‬
‫(‪ )51‬يونس‪.58 :‬‬
‫(‪ )52‬األعراف‪.138 :‬‬
‫(‪ )53‬النحل‪.120 :‬‬
‫(‪ )54‬إبراهيم‪.35 :‬‬
‫(‪ )55‬الزمر‪.65 :‬‬
‫(‪ )56‬أخرجه أحمد من حديث أبي بكر برقم ‪ ،18781‬وهو في مسند ابي يعلى (‪ )1/62‬من حديث ابي بكر ولفظه‬
‫((‪ :‬اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما ال أعلم)) وفي األدب المفرد (برقم‪ )250 :‬للبخاري إال‬
‫ان حديث ابي بكر ضعيف‪ .‬وفيه ليث بن ابي سليم‪ .‬وفي اسناده ضعف‪.‬‬
‫(‪ )57‬النمل‪.55 :‬‬
‫(‪ )58‬األنعام‪.…112 :‬‬
‫(‪ )59‬غافر‪.83 :‬‬
‫(‪ )60‬األعراف‪.17 -16 :‬‬
‫(‪ )61‬النساء‪.76 :‬‬
‫(‪ )62‬األنعام‪.…112 :‬‬
‫(‪ )63‬الفرقان‪.31 :‬‬
‫(‪ )64‬غافر‪.83 :‬‬
‫(‪ )65‬الروم‪.7 :‬‬
‫(‪ )66‬األعراف‪.17 -16 :‬‬
‫(‪ )67‬النساء‪.76 :‬‬
‫(‪ )68‬العنكبوت‪.69 :‬‬
‫(‪ )69‬الصافات‪.173 :‬‬
‫(‪ )70‬النحل‪.89 :‬‬
‫(‪ )71‬الفرقان‪.33 :‬‬
‫(‪ )72‬آل عمران‪.7 :‬‬
‫(‪ )73‬الحجر‪.9 :‬‬
‫(‪ )74‬اإلخالص‪.1 :‬‬
‫(‪ )75‬يونس‪.62 :‬‬
‫(‪ )76‬يونس‪.18 :‬‬
‫(‪ )77‬فصلت‪.35 :‬‬
‫(‪ )78‬الزمر‪.3 :‬‬
‫(‪ )79‬يونس‪18 :‬‬
‫(‪ )80‬يونس‪31 :‬‬
‫(‪ )81‬اإلسراء‪.57 :‬‬
‫(‪ )82‬المائدة‪.76-75 :‬‬
‫(‪ )83‬سبأ‪.41-40 :‬‬
‫(‪ )84‬المائدة‪.116 :‬‬
‫(‪ )85‬اإلسراء‪.57 :‬‬
‫(‪ )86‬اإلسراء‪.57 :‬‬
‫(‪ )87‬المائدة‪.76-75 :‬‬
‫(‪ )88‬سبأ‪.41-40 :‬‬
‫(‪ )89‬المائدة‪.116 :‬‬
‫(‪ )90‬الزمر‪.3 :‬‬

‫(‪)1/130‬‬

‫(‪ )91‬يونس‪.18 :‬‬


‫(‪ )92‬الزمر‪.3 :‬‬
‫(‪ )93‬يونس‪.18 :‬‬
‫(‪ )94‬األعراف‪.55 :‬‬
‫(‪ )95‬الكوثر‪.2 :‬‬
‫(‪ )96‬البينة‪.5 :‬‬
‫(‪ )97‬األعراف‪.55 :‬‬
‫(‪ )98‬أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات من حديث أنس بن مالك برقم‪… .3293 :‬‬
‫(‪ )99‬أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن من حديث النعمان بن بشير برقم‪ ،2895 :‬وأخرجه أبو داوود …في‬
‫كتاب الصالة برقم‪.1264 :‬‬
‫(‪ )100‬الكوثر‪.2 :‬‬
‫(‪ )101‬الكوثر‪.2 :‬‬
‫(‪ )102‬الزمر‪.44 :‬‬
‫(‪ )103‬البقرة‪.255 :‬‬
‫(‪ )104‬االنبياء‪.28 :‬‬
‫(‪ )105‬آل عمران‪.85 :‬‬
‫(‪ )106‬الزمر‪44 :‬‬
‫(‪ )107‬البقرة‪255 :‬‬
‫(‪ )108‬األنبياء‪28 :‬‬
‫(‪ )109‬آل عمران‪85 :‬‬
‫(‪ )110‬أخرجه البخاري في كتاب العلم من حديث أبي هريرة برقم ‪.97‬‬
‫(‪ )111‬الجن‪18 :‬‬
‫(‪ )112‬الزمر‪.3 :‬‬
‫(‪ )113‬يونس‪.18 :‬‬
‫(‪ )114‬غافر‪.7 :‬‬
‫(‪ )115‬يونس‪.31 :‬‬
‫(‪ )116‬يونس‪.31 :‬‬
‫(‪ )117‬يونس‪.31 :‬‬
‫(‪ّ )118‬ص ‪5 :‬‬
‫(‪ )119‬اإلخالص‪.2-1 :‬‬
‫(‪ )120‬المؤمنون‪.91 :‬‬
‫(‪ )121‬األنعام‪100 :‬‬
‫(‪ )122‬يونس‪64 :‬‬
‫(‪ )123‬اإلخالص‪2 ،1 :‬‬
‫(‪ )124‬اإلخالص‪3 :‬‬
‫(‪ )125‬المؤمنون‪.91 :‬‬
‫(‪ )126‬األنعام‪.100 :‬‬
‫(‪ )127‬يونس‪.62 :‬‬
‫(‪ )128‬اإلسراء‪.67 :‬‬
‫(‪ )129‬األنعام‪.41-40 :‬‬
‫(‪ )130‬الزمر‪.8 :‬‬
‫(‪ )131‬لقمان‪.32 :‬‬
‫(‪ )132‬اإلسراء‪.44 :‬‬
‫(‪ )133‬المائدة‪72 :‬‬
‫(‪ )134‬آل عمران‪.97 :‬‬
‫(‪ )135‬النساء‪.151 - 150 :‬‬
‫(‪ )136‬آل عمران‪.97 :‬‬
‫(‪ )137‬النساء‪.151 - 150 :‬‬
‫(‪ )138‬الذريات‪.56 :‬‬
‫(‪ )139‬النحل‪.36 :‬‬
‫(‪ )140‬األنبياء‪.25 :‬‬
‫(‪ )141‬أخرجه البخاري في كتاب باب أخذ الصدقة من األغنياء برقم‪ 1401 :‬من حديث ابن عباس رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫(‪ )142‬أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز من حديث معاذ بن جبل برقم‪.2709 :‬‬
‫(‪ )143‬البقرة‪.21 :‬‬
‫(‪ )144‬الروم‪.59 :‬‬
‫(‪ )145‬األحزاب‪.40 :‬‬
‫(‪ )146‬الروم‪.59 :‬‬
‫(‪ )147‬أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد من حديث حمزة األسلمي برقم‪.2299 :‬‬
‫(‪ )148‬التوبة‪56 :‬‬
‫(‪ )149‬التوبة‪66-65 :‬‬
‫(‪ )150‬أخرجه البخاري في كتاب األدب من حديث أبي هريرة برقم‪.5559 :‬‬

‫(‪)1/131‬‬

‫(‪ )151‬أخرجه أحمد من حديث عبداهلل بن عمر بن العاص برقم‪ 6367 :‬وأخرجه الدارمي في كتاب الرقاق برقم‪:‬‬
‫‪.2597‬‬
‫(‪ )152‬األعراف‪…138 :‬‬
‫(‪ )153‬أخرجه الترمذي في كتاب الفتن من حديث أبي واقد الليثي برقم ‪.2106‬‬
‫(‪ )154‬أخرجه البخاري في كتاب المناقب من حديث عبداهلل بن مسعود برقم‪.3314 :‬‬
‫(‪ )155‬أخرجه الترمذي في كتاب الفتن من حديث أبي واقد الليثي برقم ‪.2106‬‬
‫(‪ )156‬يوسف‪.106 :‬‬
‫(‪ )157‬أخرجه أحمد في مسنده من حديث عمران بن الحصين برقم ‪.19149‬‬
‫(‪ )158‬لقمان‪.13 :‬‬
‫(‪ )159‬ق‪.5 :‬‬
‫(‪ )160‬الصف‪.5 :‬‬
‫(‪… )161‬آل عمران‪.7 :‬‬
‫(‪… )162‬النساء‪.94 :‬‬
‫(‪ )163‬أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري برقم ‪ 3166‬وأخرجه مسلم برقم ‪.1064‬‬
‫(‪ )164‬الحجرات‪.6 :‬‬
‫(‪ )165‬الجن‪.18 :‬‬
‫(‪ )166‬القصص‪.15 :‬‬
‫(‪ )167‬أخرجه البخاري في كتاب المناقب برقم ‪.3334‬‬
‫(‪ )168‬القصص‪.15 :‬‬
‫(‪ )169‬أخرجه البخاري في كتاب أحاديث األنبياء برقم ‪.3092‬‬
‫(‪ )170‬الجن‪18 :‬‬
‫(‪ )171‬النجم‪.5 :‬‬
‫(‪ )172‬النجم‪.5 :‬‬
‫(‪ )173‬الصافات‪.103 :‬‬
‫(‪ )174‬القصص‪.68 :‬‬
‫(‪ )175‬األنبياء‪.69 :‬‬
‫(‪ )176‬هود‪.120 :‬‬
‫(‪ )177‬غافر‪.83 :‬‬
‫(‪ )178‬النمل‪.14 :‬‬
‫(‪ )179‬النمل‪.14 :‬‬
‫(‪ )180‬التوبة‪.9 :‬‬
‫(‪ )181‬البقرة‪.146 :‬‬
‫(‪ )182‬النساء‪.145 :‬‬
‫(‪ )183‬أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة باب تحريم ظلم المسلم وخذله من حديث ابي هريرة برفم‪.4651 :‬‬
‫(‪ )184‬النساء‪.145 :‬‬
‫(‪ )185‬التوبة‪.66 :‬‬
‫(‪ )186‬القيامة‪.15 -14 :‬‬
‫(‪ )187‬التوبة‪.66 :‬‬
‫(‪ )188‬النحل‪.107-106 :‬‬
‫(‪ )189‬النحل‪.107 :‬‬
‫??‬
‫??‬
‫??‬
‫??‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس األول‬
‫(‪)8‬‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الثاني‬
‫(‪)40‬‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الثالث‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الرابع‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الخامس‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس السادس‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس السابع‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الثامن‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس التاسع‬
‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس العاشر‬

‫(‪)1/132‬‬

‫درس ‪ -‬شرح كشف الشبهات ‪ -‬الدرس الحادي عشر‬

‫(‪)1/133‬‬

You might also like