Professional Documents
Culture Documents
بقلم
فضيلة الشيخ العلماة
ماحمد بن صالح العثيمين
حيم ِ
الر ِ
ّ ـن
م ِح َ
الر ْ
ّ سم ِ الل ّ ِ
ه بِ ْ
المقدماة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له،
وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
كثيرا،أما بعد:
ً ما
الدين وسلم تسلي ً
فهذا شرح مختصر لدعاء قنوت الوتر قرره فضيلة الشيخ العلمة محمد
بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في دروسه العلمية التي كان يلقيها
بالمسجد الحرام في شهر رمضان المبارك.
خيرا
ً مشكورا الشيخ محمد بن صالح بن محمد الحربي جزاه الله ً وقد قام
بعرضه على فضيلة الشيخ المؤلف رحمه الله تعالى واعتنى أثابه الله
بإخراج الطبعة الولى عام 1417هـ.
ومن أجل تعميم الفائدة بهذا الشرح الميسر ،وبعد مقابلته على النسخة
التي راجعها واعتمدهاـ فضيلة الشيخ المؤلف رحمه الله تعالى فإنه يسر
اللجنة العلمية إفراده مستقل ّ بهذه الرسالة وإعادة نشره مع فتوى
لفضيلته رحمه الله عن سؤالين لهما صلة بالموضوع .
صا لوجهه الكريم ،نافعًا لعباده،نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خال ً
وأن يجزي فضيلة شيخنا المؤلف عن السلم والمسلمين خير الجزاء،
ويسكنه فسيح جناته ،إنه سميع قريب ،والحمد لله رب العالمين وصلى
الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلىـ آله وأصحابه أجمعين.
اللجنة العلميةـ
في ماؤسسة الشيخ ماحمدـ بن صالح العثيمين الخيرية -8-15
1424هـ
حيم ِ
الر ِ
ّ حيم ِ
الر ِ
ّ ـن
م ِح َ
الر ْ
ّ سم ِ الل ّ ِ
ه بِ ْ
الحديث
ورد في ماسند الماام أحمد عن الحسن بن علي رضي الله
عنهما قال :علّمنيـ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات
أقولهن في قنوت الوتر» :اللهم اهدني فيمن هديت ،وعافني
فيمن عافيت ،وتولني فيمن توليت ،وبارك لي فيما أعطيت،
شر ماا قضيت ،فإنك تقضي ول يقضى عليك ،إنه ل يذل ّ وقني
مان واليت ،تبارك ربنا وتعاليت«
رواه أحمد )،(1/199وأبوداود ،كتاب الصلة ،باب القنوت في الوتر ،رقم )،(1425
والترمذي ،كتاب الصلة ،باب ما جاء في القنوت في الوتر ،رقم )،(464
والنسائي،كتاب قيام الليل،باب الدعاء في الوتر ،رقم) ،(1745وابن ماجة ،كتاب
إقامة الصلة ،باب ما جاء في القنوت في الوتر ،رقم ).(1178
الشرح
»اللهم اهدنا فيمن هديت« أي دلنا على الحق ووفقنا للعمل به؛ وذلك
مة النافعة هي التي يجمع الله فيها للعبد بين العلم لن الهداية التا ّ
والعمل؛ لن الهداية بدون عمل ل تنفع ،بل هي ضرر؛ لن النسان إذا لم
يعمل بما علم صار علمه وبال ً عليه.
َ
مود ُ فَهَدَيْنَاهُ ْ
م ما ث َ ُ
مثال الهداية العلمية بدون العمل :قوله تعالى} :وَأ ّ
مى ع َلَى الْهُدَى { ]فصلت ،[17 :أي بينّا لهم الطريق حبّوا ْ الْعَ َ فَا ْ
ست َ َ
وأبلغناهم العلم ،ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ استحبوا العمى على الهدى.
ضا من الهداية التي هي العلم وبيان الحق ،قول الله تبارك ومن ذلك أي ً
َ َ ّ
وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم} :وَإِن ّ َ
قيم ٍ ست َ ِ
م ْ ط ّ
ص َرا ٍك لتَهْدِي إِلى ِ
ستَقِيم ٍ{ ]الشورى ،[52 :أي تدل وتبين وتعلم الناس الصراط م ْ ّ
ك لَ المستقيم .وأما الهداية التي بمعنى التوفيقـ فمثل قوله تعالى }إِن ّ َ
ت { ]القصص .[56 :هذه هداية التوفيقـ للعمل ،فالرسول تهدي م َ
حبَب ْ َ
نأ ْ َ ْ َْ ِ
صلى الله عليه وسلم ل يستطيع أن يوفق أحدًا للعمل الصالح أبدًا ،ولو ّ
كان يستطيع ذلك لستطاع أن يَهْدِي عمه أبا طالب ،وقد حاول معه حتى
مه» :يا عم ،قل :ل إله إل مه عند وفاة ع ّ قال له عند وفاته ـ أي قال لع ّ
لـ الله ،كلمة أحاج لك بها عند الله« ،ولكن قد سبقت من الله ـ ع ّز وج ّ
الكلمة بأنه من أهل النار ـ والعياذ بالله ـ فلم يقل» :ل إله إل الله« ،وكان
آخر ما قال» :هو على ملة عبد المطلب«) ،(1لكن الله ـ ع ّز وجل ـ أذن
لرسوله صلى الله عليه وسلّم أن يشفع له ،ل لنه عمه ،لكن لنه قام
بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعن السلم ،فشفع النبي صلى
الله عليه وسلّم في عمه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلن من نار
يغلي منهما دماغه وإنه لهون أهل النار عذابًا ،قال النبي صلى الله عليه
وسلّم» :ولول أنا لكان في الدرك السفل من النار«.
رواه البخاري ،كتاب المناقب ،باب قصة أبي طالب ،رقم) ،(3884ومسلم، )(1
كتاب اليمان ،باب الدليل على صحة إسلم من حضره الموت ،...رقم).(24
اللهم أهدنا فيمن هاديت
فإذا قلنا في دعاء القنوت» :اللهم اهدنا فيمن هديت« فإننا نسأل
ص َراطَ
الهدايتين ،هداية العلم وهداية العمل ،كما أن قوله تعالى} :اهْدِنَا ال ّ
م{ ]الفاتحة ،[6 :يشمل الهدايتين هداية العلم ،وهداية العمل، ستَقِي َ
م ْال ْ ُ
فينبغيـ للقارئ أن يستحضر أنه يسأل الهدايتين :هداية العلم وهداية
العمل.
وقوله» :فيمن هديت« هذه من باب التوسل بإنعام الله تعالى على من
ضا بالهداية .ويعني :أننا نسألك الهداية فإنهداه ،أن ينعم علينا نحن أي ً
ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت
سا آخرين. أنا ً
مة ن وليّا لنا ،والولية نوعان :عا ّ وقولنا» :تولنا فيمن توليت« أي ك ُ ْ
صة . وخا ّ
منُوا ْ ي الّذ ِ َ
ين آ َ ه وَل ِ ّصة ،كما قال تعالى} :الل ّ ُ صة :للمؤمنين خا ّ فالولية الخا ّ
َ
م الطّاغ ُ ُ
وت ين كَف َُروا ْ أوْلِيَآؤُهُ ُـ ات إِلَى النّورِ وَالّذ ِ َ م ِ ن الظّل ُ َ م َ م ّ جه ُ ْيُخْرِ ُ
َ ُ
ات أوْلَـئ ِ َ
ن{ م فِيهَا خَالِدُو َ اب النّارِ هُ ْ ح ُ ص َ كأ ْ م ِ ن النّورِ إِلَى الظّل ُ َ م َم ّ جونَهُ ْ يُخْرِ ُ
]البقرة ،[752 :فتسأل الله تعالى الولية الخاصة التي تقتضي العناية
ل والتوفيقـ لمايحبه ويرضاه. بمن توله الله ع ّز وج ّ
أما الولية العامة ،فهي تشمل كل أحد ،فالله ولي كل أحد ،كما قال
َ
ن{ م ل َ يُف َّرطُو َ سلُنَا وَهُ ْ ه ُر ُت تَوَفّت ْ ُ مو ْ ُم ال ْ َ حدَك ُ ُ جآءَ أ َ
حتّى إِذ َا َ تعالىَ } :
موْلَهُ ُ
م م ُردّوا ْ إِلَى اللّهِ َ ]النعام ،[16 :وهذا عام لكل أحد ،ثم قال} :ث ُ ّ
َ َ
ين{ ]النعام.[26 : سب ِ َحا ِ س َرع ُ ال ْ َ م وَهُوَ أ ْ حك ْ ُـه ال ْ ُحقّ أل َ ل َ ُ ال ْ َ
لكن عندما نقول» :اللهم اجعلنا من أوليائك« ،أو »اللهم تولنا« ،فإننا
نريد بها الولية الخاصة ،وهي تقتضي العناية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وقولنا» :وبارك لنا فيما أعطيتـ« البركة هي الخير الكثيرـ الثابت ،ويعيد
العلماء ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة ،فإنها من الب ِ ْركة ،بكسر الباء وهي
مجمع الماء ،فهي شيء واسع ماؤه كثير ثابت .فالب َ َركَة هي الخيرات
الكثيرة الثابتة .والمعنى أي :أنزل لي البركة فيما أعطيتني.
»فيما أعطيت« أي أعطيتـ من المال والولد والعلم وغير ذلك مما
ل ،فتسأل الله البركة فيه؛ لن الله إذا لم يبارك لك أعطى الله ع ّز وج ّ
كثيراـ.
ً خيرا
ً فيما أعطاك ،حرمت
ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ لنهم ل
ينتفعون بمالهم ،يجمعونه ول ينتفعون به .وهذا من نزع البركة.
كثير من الناس عنده أولد ،لكن أولده ل ينفعونه لما فيهم من عقوق،
ك لهم في أولدهمـ. ار ْ
وهؤلء لم يُب َ َ
كثيرا لكنه بمنزلة المي ،ل يظهر أثر ً ما
تجد بعض الناس أعطاه الله عل ً
العلم عليه في عبادته ،ول في أخلقه ،ول في سلوكه ،ول في معاملته مع
استكبارا على عباد الله ،وعلوّا عليهم،
ً سبه العلمالناس ،بل قد يُك ْ ِ
من عليه بالعلم هو الله ،تجده لم ّ واحتقارا لهم ،وما علم هذا أن الذي ً
ينتفع الناس بعلمه ،ل بتدريس ،ول بتوجيه ،ول بتأليف ،بل هو منحصر
على نفسه ،وهذا بل شك حرمان عظيم ،مع أن العلم من أبرك ما يعطيه
ُ
رت على ج َ مته غيرك ونشرته بين الناس ،أ ِ الله للعبد؛ لن العلم إذا عل ّ ْ
ذلك من عدة وجوه:
ل ـ فتكون من نشرا لدين الله ـ ع ّز وج ّ ً الول :أن في نشرك للعلم
المجاهدين في سبيل الله؛ لنك تفتح القلوب بالعلم ،كما يفتح المجاهد
البلد بالسلح واليمان.
الثاني :من بركة نشر العلم وتعليمه أن فيه حفظًا لشريعة الله ع ّز وج ّ
ل،
وحماية لها؛ لنه لول العلم لم تحفظ الشريعة.
سن إلى هذا الذي علمته؛ لنك ح ِ الثالث :من بركة نشر العلم ،أنك ت ُ ْ
ل ـ فإذا عبد الله على بصيرة كان لك مثل تبصره في دين الله ـ ع ّز وج ّ
أجره؛ لنك أنت الذي دللته على الخير ،والدال على الخير كفاعله.
ن في نشر العلم وتعلميه زيادة له ،فعلم العالم يزيد إذا علّم الرابع :أ ّ
الناس؛ لنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ ،كما قال القائل:
يزيد بكثرة النفاق منه وينقص إن به كفّا شددتا أي :إذا أمسكته ولم
تعلمه نقص.
ل يقضي بالخير ويقضي بالشر .أما »وقنا شر ما قضيت« الله ع ّز وج ّ
قضاؤه بالخير فهو خير محض في القضاء والمقضي.
مثال القضاء بالخير :القضاء للناس بالرزق الواسع ،والمن والطمأنينة،
والهداية والنصر ..إلخ .هذا خير في القضاء والمقضي.
القضاء بالشر :خير في القضاء ،شر في المقضي.
مثال ذلك :القحط )امتناع المطر( هذا شر ،لكن قضاء الله به خير ،كيف
خيرا؟ لو قال قائل :إن الله يقدّر علينا القحط، ً يكون القضاء بالقحط
والجدب ،فتموت المواشي ،وتفسد الزروع ،فما وجه الخير؟
ساد ُ فِي الْب َ ّر نقول :استمع إلى قول الله سبحانه وتعالى} :ظَهَ َر الْفَ َ
َ
ن{جعُو َ م ي َ ْر ِملُوا ْ لَعَلّهُ ْض الّذِي ع َ ِ
م بَعْ َاس لِيُذِيقَهُ ْ
ت أيْدِي الن ّ ِ ما ك َ َ
سب َ ْ وَالْب َ ْ
حرِ ب ِ َ
]الروم ،[14 :إذ ًا لهذا القضاء غاية حميدة ،وهي الرجوع إلى الله سبحانه
خيرا. ً شرا والقضاء ّ وتعالى من معصيته إلى طاعته ،فصار المقضي
وعلى هذا فـ»ما« هنا اسم موصول.
بالشر لحكمة ّ شر الذي قضيت ،فإن الله تعالى يقضي ّ والمعنى :قِنَا
بالغة حميدة ،وليست )ما( هنا مصدرية أي شر قضائك لكنها اسم
موصول بمعنى الذي ،لن قضاء الله ليس فيه شر ،ولهذا قال النبي صلى
الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه» :والخير بيديك والشر ليس إليك«
لهذا ل ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى.
انك تقضي و ل يقضى عليك ,إنه ل يزل مان واليت و ل يعز
مان عاديت
راجع هذا البحث في شرح فضيلة شيخنا رحمه الله للعقيدة الواسطية. *
سؤال وجواب
سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ هل تجوز الزيادة على هذا الدعاء
الذي علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحسن بن علي رضي الله
عنهما ـ فأجاب فضيلته ـ رحمه الله ـ.
ل بأس أن يزيد النسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر؛ وإن كان وحده
فليدع ُ بما شاء ،ولكن الفضل أن يختار النسان جوامع الدعاء؛ لن النبي
صلى الله عليه وسلّم كان يدعو بجوامع الدعاء ويَدَع ُ ما دون ذلك ،وينبغي
للمام أن ل يطيل على الناس وأن ل يشق عليهم).(4
سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ عمن يدعو ويستبطىئـ الجابة و ُ
ل ـ فلم يستجب لي. ويقول :قد دعوت الله ـ ع ّز وج ّ
فأجاب فضيلته ـ رحمه الله ـ بقوله:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه أجمعين وأسأل الله تعالى لي ولخواني المسلمين التوفيق
م ادْع ُونِي ل َربّكُـ ْ ل ـ} :وَقَا َ للصواب عقيدة ً وقول ً وعمل ً يقول الله ـ ع ّز وج ّ
َ
ين{
خرِ َ م دَا ِ جهَن ّ َن َسيَدْخُلُو َ عبَادَتِي َ َن ِنع ْ ستَكْب ِ ُرو َ ن الّذ ِ َ
ين ي َ ْ ب لَك ُ ْ
م إِ ّ ج ْ ست َ ِ
أ ْ
ل ـ ولم يستجب الله له ]غافر ،[06 :ويقول السائل إنه دعا الله ـ ع ّز وج ّ
فيستشكل هذا الواقع مع هذه الية الكريمة التي وعد الله تعالى فيها من
دعاه بأن يستجيب له ،والله سبحانه وتعالى ل يخلف الميعاد .والجواب
على ذلك أن للجابة شروطًا لبد أن تتحقق وهي:
ل بأن يخلص النسان في دعائه فيتجه الشرط الول :الخلصا لله ع ّز وج ّ
إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر صادق في اللجوء إليه عالم بأنه ع ّز
ل قادر على إجابة الدعوة ،مؤمل الجابة من الله سبحانه وتعالى. وج ّ
الشرط الثاني :أن يشعر النسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة؛ بل
في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى ،وأن الله تعالى وحده هو
الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
مستغن عن الله سبحانه ٍ ل ـ وهو يشعر بأنه أما أن يدعو الله ـ ع ّز وج ّ
وتعالى وليس في ضرورة إليه وإنما يسأل هكذا عادة فقط أو للتجربة
فإن هذا ليس بحري بالِجابة.
ن أكل الحرام حائل بين الشرط الثالث :أن يكون متجنبًا لكل الحرام فإ ّ
النسان والجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه
قال» :إن الله طيب ل يقبل إل طيبًا ،وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
َ
ما َر َزقْنَاك ُ ْ
م ات َ من طَيّب َ ِ منُوا ْ كُلُوا ْ ِ
ين آ َ المرسلين فقال تعالى} :يأيّهَا الّذ ِ َ
ن{ ]البقرة،[271 : م إِيّاه ُ تَعْبُدُو َ ن كُنْت ُ ْ وَاشْ ك ُ ُرواْـ للّهِ إِن كُنْت ُ ْ
م إِيّاه ُ تَعْبُدُو َ
َ
ما صالِحا ً إِنّي ب ِ َ ملُوا ْ َ ات وَاع ْ َ ن الطّيّب َ ِ م َ ل كُلُوا ْ ِ س ُ الر ُ وقال تعالى} :يأيّهَا ّ
م{]المؤمنون ،[15:ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلّم ن عَلِي ٌ ملُو َتَعْ َ
الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب
ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذ ّي بالحرام قال النبي صلى الله عليه
وسلّم» :فأنى يستجاب لذلك«).(5
فاستبعد النبي صلى الله عليه وسلّم أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام
بالسباب الظاهرة التي بها تستجلب الجابة وهي:
ل ـ لنه تعالى في أولً :رفع اليدين إلى السماء أي إلى الله ـ ع ّز وج ّ
ل ـ من أسباب الجابة السماء فوق العرش ،ومد اليد إلى الله ـ ع ّز وج ّ
حيي
ّ كما جاء في الحديث الذي رواه المام أحمد في المسند» :إن الله
صف ًْرا«).(6 كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما ِ
ثاني ًا :هذا الرجل دعا الله تعالى باسم الرب »يا رب يا رب« والتوسل
إلى الله تعالى بهذا السم من أسباب الجابة؛ لن الرب هو الخالق
المالك المدبر لجميع المور فبيده مقاليد السموات والرض ولهذا تجد
منَادِيا ً معْنَا ُ س ِ }ربّنَآ إِنّنَآ َ أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا السمّ :
َ
سيّئَاتِنَا منّا َربّنَا فَاغْفِ ْر لَنَا ذ ُنُوبَنَا وَكَف ّْر ع َنّا َ م فَآ َ منُوا ْ ب ِ َربّك ُ ْ نآ ِ ان أ ْ م ِ يُنَادِي لِلِي َ
م ال ْ ِ َ
مة ِ قيَا َ ك وَل َ تُخْزِنَا يَوْ َ سل ِ َما وَع َدتّنَا ع َلَى ُر ُ معَ الب ْ َرارِ * َربّنَا وَآتِنَا َ وَتَوَفّنَا َ
ُ َ
منْك ُ ْـ
م ل ّ م ٍ ل ع َا ِ م َ ضيعُ ع َ َ م أنّي ل َ أ ِ م َربّهُ ْاب لَهُ ْ ج َ ست َ َ ميعَاد َ * فَا ْ ف ال ْ ِ خل ِ ُك ل َ تُ ْ إِن ّ َ
ُ َ ُ
م
من دِيَارِه ِ ْ جوا ْ ِ ج ُروا ْ وَأخْرِ ُ ين هَا َض فَالّذ ِ َ ٍ من بَعْ ضكُم ّ منذ َكَرٍ أوْ أنْثَى بَعْ ُ ّ
َ ُ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ
اتجن ّ ٍ م َ خلنّهُ ْـ م وَلد ْ ِ سيّئَاتِهِ ْ م َ ن ع َنْهُ ْ سبِيلِي وَقَاتَلوا وَقُتِلوا لكَف َّر ّ وَأوذ ُواـ فِي َ
َ
اب{ ]آل ن الثّوَ ِ س ُح ْ عندَه ُ ُ ه ِعند ِ اللّهِ وَالل ّ ُ من ِ ار ثَوَابا ً ّ حتِهَا النْهَ ُ من ت َ ْ جرِي ِ تَ ْ
عمران 391 :ـ .[591
فالتوسل إلى الله تعالى بهذا السم من أسباب الجابة.
مسافرا والسفر غالبًا من أسباب الجابة؛ لن ً ثالثًا :هذا الرجل كان
ل ـ والضرورة إليه النسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله ـ ع ّز وج ّ
ما في أهله ،لسيما في الزمن السابق »وأشعث أكثر مما إذاـ كان مقي ً
معْنِي بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجىء إلى الله أغبر« كأنه غير َ
ويدعوه على أي حال كان هو ،سواء كان أشعث أغبر أم مترفًا ،والشعث
والغبر له أثر في الجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى الله
عليه وسلّم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي
الملئكة بالواقفين فيها يقول »أتوني شعثا غُب ْ ًرا ضاحين من كل فج
عميق«.
ما وملبسه جد ِ شيئًا لكون مطعمه حرا ً هذه السباب لجابة الدعاء لم ت ُ ْ
ّ
ما وغذ ّي بالحرام قال النبي صلى الله عليه وسلم» :فأنى يستجاب حرا ً
لذلك« فهذه الشروط لجابة الدعاء إذا لم تتوافر فإن الجابة تبدو بعيدة،
فإذا توافرت ولم يستجب الله للداعي فإنما ذلك لحكمة يعلمها الله ـ ع ّز
ل ـ ول يعلمها هذا الداعيـ فعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم وإذا وج ّ
ل ـ فإنه إما أن يدفع عنه تمت هذه الشروط ولم يستجب الله ـ ع ّز وج ّ
من السوء ما هو أعظم ،وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الجر أكثر
وأكثر؛ لن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط ولم يستجب له ولم
منِعَ الجواب يصرف عنه من السوء ما هو أعظم يكون قد فعل السباب و ُ
لحكمة فيعطىـ الجر مرتين :مرة على دعائه ومرة على مصيبته بعدم
ل ـ ما هو أعظمـ وأكمل .ثم إن المهم الجابة فيدخر له عند الله ـ ع ّز وج ّ
ض ا أن ل يستبطىء النسان الجابة فإن هذا من أسباب منع الجابة كما أي ً
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم» :يستجاب لحدكم ما
لم يعجل قالوا :كيف يعجل يا رسول الله؟ قال :يقول :دعوت ودعوت
ودعوت فلم يستجب لي«)(7فل ينبغي للنسان أن يستبطىئ الجابة
فيستحسر عن الدعاء ويَدَع الدعاء بل يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو
أجرا
ً ل فإنها عبادة تقربك إلى الله ـ ع ّز وج ّ
ل ـ وتزيدك بها الله ع ّز وج ّ
ل ـ في كل أمورك العامة والخاصة فعليك يا أخي بدعاء الله ـ ع ّز وج ّ
الشديدة واليسيرة ولو لم يكن من الدعاء إل أنه عبادة لله سبحانه
جديرا بالمرء أن يحرصا عليه ،والله الموفق. ً وتعالى لكان