Professional Documents
Culture Documents
بقلم
فضيلة الشيخ العالمة
محمد بن صالح العثيمين
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِـن َّ ِب ْ
المقدمة
إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من
يهده اهلل فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له،
محمدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى
ً وأشهد أن
كثيرا،أما بعد:
تسليما ً
ً يوم الدين وسلم
فهذا شرح مختصر لدعاء قنوت الوتر قرره فضيلة الشيخ العالمة محمد بن صالح العثيمين
رحمه اهلل تعالى في دروسه العلمية التي كان يلقيها بالمسجد الحرام في شهر رمضان
المبارك.
خيرا بعرضه على فضيلة
مشكورا الشيخ محمد بن صالح بن محمد الحربي جزاه اهلل ً ً وقد قام
الشيخ المؤلف رحمه اهلل تعالى واعتنى أثابه اهلل بإخراج الطبعة األولى عام 1417هـ.
ومن أجل تعميم الفائدة بهذا الشرح الميسر ،وبعد مقابلته على النسخة التي راجعها واعتمدها
فضيلة الشيخ المؤلف رحمه اهلل تعالى فإنه يسر اللجنة العلمية إفراده مستقالًّ بهذه الرسالة
وإ عادة نشره مع فتوى لفضيلته رحمه اهلل عن سؤالين لهما صلة بالموضوع .
نافعا لعباده ،وأن يجزي فضيلة
خالصا لوجهه الكريمً ،
ً نسأل اهلل تعالى أن يجعل هذا العمل
شيخنا المؤلف عن اإلسالم والمسلمين خير الجزاء ،ويسكنه فسيح جناته ،إنه سميع قريب،
والحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
اللجنة العلمية
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيريةـ 1424-8-15هـ
الر ِح ِيم
الر ِح ِيم َّ سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِـن َّ ِب ْ
الحديث
ورد في مسند اإلمام أحمد عن الحسن بن علي رضي اهلل عنهما قال :علَّمني رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر« :اللهم اهدني فيمن هديت ،وعافني
شر ما قضيت ،فإنك
فيمن عافيت ،وتولني فيمن توليت ،وبارك لي فيما أعطيت ،وقني َّ
تقضي وال يقضىـ عليك ،إنه ال يذل من واليت ،تبارك ربنا وتعاليت»
رواه أحمد (،)1/199وأبوداود ،كتاب الصالة ،باب القنوت في الوتر ،رقمـ ( ،)1425والترمذي،ـ كتاب
الصالة ،باب ما جاء في القنوت في الوتر ،رقم ( ،)464والنسائي،كتابـ قيام الليل،باب الدعاء في الوتر،
رقم( ،)1745وابن ماجة ،كتاب إقامة الصالة ،باب ما جاء في القنوت في الوتر ،رقم (.)1178
الشرح
التامة
«اللهم اهدنا فيمن هديت» أي دلنا على الحق ووفقنا للعمل به؛ وذلك ألن الهداية َّ
النافعة هي التي يجمع اهلل فيها للعبد بين العلم والعمل؛ ألن الهداية بدون عمل ال تنفع ،بل
هي ضرر؛ ألن اإلنسان إذا لم يعمل بما علم صار علمه وباالً عليه.
استَ َحُّبوْا اْل َع َمى َعلَى
اه ْم فَ ْ
ود فَهَ َد ْيَن ُ
َما ثَ ُم ُ
مثال الهداية العلمية بدون العمل :قوله تعالىَ { :وأ َّ
بينا لهم الطريق وأبلغناهم العلم ،ولكنهم ـ والعياذ باهلل ـ استحبوا اْلهُ َدى } [فصلت ،]17 :أي َّ
العمى على الهدى.
أيضا من الهداية التي هي العلم وبيان الحق ،قول اهلل تبارك وتعالى للنبي صلى ومن ذلك ً
اط ُّم ْستَِق ٍيم ُّم ْستَِق ٍيم} [الشورى ،]52 :أي تدل وتبين
صر ٍِ اهلل عليه وسلّم{ :وإِ َّن َ ِ ِ
ك لَتَ ْهدي إلَى َ َ
وتعلم الناس الصراطـ المستقيم .وأما الهداية التي بمعنى التوفيق فمثل قوله تعالى {ِإَّن َ
ك الَ
ت } [القصص .]56 :هذه هداية التوفيق للعمل ،فالرسول صلى اهلل عليه وسلّم تَ ْه ِدي َم ْن أ ْ
َحَب ْب َ
أبدا ،ولو كان يستطيع ذلك الستطاع أن َي ْه ِدي عمه أحدا للعمل الصالح ً ال يستطيع أن يوفق ً
عمه« :يا عم ،قل: لعمه عند وفاة ِّ
أبا طالب ،وقد حاول معه حتى قال له عند وفاته ـ أي قال ِّ
عز َّ
وجل ـ الكلمة بأنه ال إله إال اهلل ،كلمة أحاج لك بها عند اهلل» ،ولكن قد سبقت من اهلل ـ َّ
من أهل النار ـ والعياذ باهلل ـ فلم يقل« :ال إله إال اهلل» ،وكان آخر ما قال« :هو على ملة عبد
المطلب»( ،)1لكن اهلل ـ َّ
عز وجل ـ أذن لرسوله صلى اهلل عليه وسلّم أن يشفع له ،ال ألنه عمه،
لكن ألنه قام بالدفاع عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم وعن اإلسالم ،فشفع النبي صلى اهلل عليه
وسلّم في عمه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعالن من نار يغلي منهما دماغه وإ نه
عذابا ،قال النبي صلى اهلل عليه وسلّم« :ولوال أنا لكان في الدرك األسفل
ألهون أهل النار ً
من النار».
( )1رواه البخاري ،كتاب المناقب ،باب قصة أبي طالب ،رقم( ،)3884ومسلم ،كتاب اإليمان ،باب
الدليل على صحة إسالم من حضره الموت ،...رقم(.)24
اللهم أهدنا فيمن هاديت
فإذا قلنا في دعاء القنوت« :اللهم اهدنا فيمن هديت» فإننا نسأل الهدايتين ،هداية العلم وهداية
يم} [الفاتحة ،]6 :يشمل الهدايتين هداية ِ العمل ،كما أن قوله تعالىِ ْ { :
ط اْل ُم ْستَق َ
ِّرا َ
اهدَنا الص َ
العلم ،وهداية العمل ،فينبغي للقارئ أن يستحضر أنه يسأل الهدايتين :هداية العلم وهداية
العمل.
وقوله« :فيمن هديت» هذه من باب التوسل بإنعام اهلل تعالى على من هداه ،أن ينعم علينا
أيضا بالهداية .ويعني :أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن
نحن ً
أناسا آخرين.
سابق فضلك فإنك قد هديت ً
«وعافنا فيمن عافيت» عافنا من أمراض القلوب وأمراض األبدان .وينبغي لك يا أخي أن
تستحضر وأنت تدعو ،أن اهلل يعافيك من أمراض البدن ،وأمراض القلب؛ ألن أمراض القلب
أعظم من أمراض البدن ولذلك نقول في دعاء القنوت« :اللهم ال تجعل مصيبتنا في ديننا».
أمراض األبدان معروفة لكن أمراض القلوب .تعود إلى شيئين:
األول :أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى.
الثاني :أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل.
فاألول :أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى ،أن يعرف اإلنسان الحق ،لكن ال يريده؛ ألن
هوى مخالفًا لما جاء به النبي صلى اهلل عليه وسلّم.
له ً
والثاني :أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل؛ ألن الجاهل يفعل الباطل يظنه حقًّا وهذا
مرض خطير ًّ
جدا .فأنت تسأل اهلل المعافاة والعافية من أمراض األبدان ،ومن أمراض
القلوب ،التي هي أمراض الشبهات ،وأمراض الشهوات.
وتولنا فيمن توليت
عامة وخاصَّة. وليا لنا ،والوالية نوعانَّ : وقولنا« :تولنا فيمن توليت» أي ُك ْن ًّ
َِّ َّ
آمُنوْا ُي ْخ ِر ُجهُ ْم ِّم َن
ين َخاصة ،كما قال تعالى{ :اللهُ َوِل ُّي الذ َ َّ فالوالية الخاصَّة :للمؤمنين
ات أ ُْولَـئِ َـور ِإلَى الظُّلُم ِ آؤ ُه ُم الطَّ ُ الن ِ َِّ الظُّلُم ِ
ك َ الن ِ وت ُي ْخ ِر ُج َ
ونهُ ْم ِّم َن ُّ اغ ُ ين َكفَ ُروْا أ َْوِلَي ُ
ور َوالذ َ ات ِإلَى ُّ َ
ِ ِ
ون} [البقرة ،]752 :فتسأل اهلل تعالى الوالية الخاصة التي تقتضي الن ِار ُه ْم فيهَا َخال ُد َ
اب َّ
َص َح ُ أ ْ
وجل والتوفيق لمايحبه ويرضاه. عز َّ العناية بمن تواله اهلل َّ
أما الوالية العامة ،فهي تشمل كل أحد ،فاهلل ولي كل أحد ،كما قال تعالىَ { :حتَّى ِإ َذا َج َ
آء
ون} [األنعام ،]16 :وهذا عام لكل أحد ،ثم قال{ :ثَُّم ت تََوفَّتْهُ ُر ُسلَُنا َو ُه ْم الَ ُيفَِّرطُ َ َح َد ُك ُم اْل َم ْو ُ
أَ
ين} [األنعام.]26 : ِ
َس َرعُ اْل َحاسبِ َ ُر ُّدوْا ِإلَى اللَّ ِه َم ْوالَ ُه ُم اْل َح ِّ
ق أَالَ لَهُ اْل ُح ْك ُم َو ُه َو أ ْ
لكن عندما نقول« :اللهم اجعلنا من أوليائك» ،أو «اللهم تولنا» ،فإننا نريد بها الوالية
الخاصة ،وهي تقتضي العناية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.
وقولنا« :وبارك لنا فيما أعطيت» البركة هي الخير الكثير الثابت ،ويعيد العلماء ذلك إلى
اشتقاق هذه الكلمة ،فإنها من البِ ْركة ،بكسر الباء وهي مجمع الماء ،فهي شيء واسع ماؤه
فالب َر َكة هي الخيرات الكثيرة الثابتة .والمعنى أي :أنزل لي البركة فيما
كثير ثابتَ .
أعطيتني.
عز َّ
وجل، «فيما أعطيت» أي أعطيت من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى اهلل َّ
كثيرا.
خيرا ً
فتسأل اهلل البركة فيه؛ ألن اهلل إذا لم يبارك لك فيما أعطاك ،حرمت ً
ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ ألنهم ال ينتفعون بمالهم،
يجمعونه وال ينتفعون به .وهذا من نزع البركة.
كثير من الناس عنده أوالد ،لكن أوالده ال ينفعونه لما فيهم من عقوق ،وهؤالء لم ُيَب َار ْك
لهم في أوالدهم.
كثيرا لكنه بمنزلة األمي ،ال يظهر أثر العلم عليه في علما ً
تجد بعض الناس أعطاه اهلل ً
عبادته ،وال في أخالقه ،وال في سلوكه ،وال في معاملته مع الناس ،بل قد ُي ْك ِسبه العلم
واحتقارا لهم ،وما علم هذا أن الذي َّ
من عليه بالعلم هو ً وعلوا عليهم،
ًّ استكبارا على عباد اهلل،
ً
اهلل ،تجده لم ينتفع الناس بعلمه ،ال بتدريس ،وال بتوجيه ،وال بتأليف ،بل هو منحصر على
نفسه ،وهذا بال شك حرمان عظيم ،مع أن العلم من أبرك ما يعطيه اهلل للعبد؛ ألن العلم إذا
رت على ذلك من عدة وجوه: علَّمته غيرك ونشرته بين الناس ،أ ِ
ُج َ ْ
وجل ـ فتكون من المجاهدين في سبيل اهلل؛ عز َّنشرا لدين اهلل ـ َّ
األول :أن في نشرك للعلم ً
ألنك تفتح القلوب بالعلم ،كما يفتح المجاهد البالد بالسالح واإليمان.
عز َّ
وجل ،وحماية لها؛ ألنه ظا لشريعة اهلل َّ
الثاني :من بركة نشر العلم وتعليمه أن فيه حف ً
لوال العلم لم تحفظ الشريعة.
الثالث :من بركة نشر العلم ،أنك تُ ْح ِسن إلى هذا الذي علمته؛ ألنك تبصره في دين اهلل ـ َّ
عز
وجل ـ فإذا عبد اهلل على بصيرة كان لك مثل أجره؛ ألنك أنت الذي دللته على الخير ،والدالَّ
على الخير كفاعله.
الرابعَّ :
أن في نشر العلم وتعلميه زيادة له ،فعلم العالم يزيد إذا علّم الناس؛ ألنه استذكار لما
حفظ وانفتاح لما لم يحفظ ،كما قال القائل:
يزيد بكثرة اإلنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددتا أي :إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
وجل يقضي بالخير ويقضي بالشر .أما قضاؤه بالخير فهو عز َّ«وقنا شر ما قضيت» اهلل َّ
خير محض في القضاء والمقضي.
مثال القضاء بالخير :القضاء للناس بالرزق الواسع ،واألمن والطمأنينة ،والهداية والنصر..
إلخ .هذا خير في القضاء والمقضي.
القضاء بالشر :خير في القضاء ،شر في المقضي.
مثال ذلك :القحط (امتناع المطر) هذا شر ،لكن قضاء اهلل به خير ،كيف يكون القضاء
يقدر علينا القحط ،والجدب ،فتموت المواشي ،وتفسد خيرا؟ لو قال قائل :إن اهلل ّ بالقحط ً
الزروع ،فما وجه الخير؟
ت أ َْي ِدي
اد ِفي اْلَب ِّر َواْلَب ْح ِر بِ َما َك َسَب ْ
ظهَ َر اْلفَ َس ُ
نقول :استمع إلى قول اهلل سبحانه وتعالىَ { :
َّ ِ َِّ الن ِ ِ ِ
ون} [الروم ،]14 :إ ًذا لهذا القضاء غاية حميدة، ض الذي َعملُوْا لَ َعلهُ ْم َي ْر ِج ُع َاس لُيذيقَهُ ْم َب ْع َ َّ
شرا والقضاء وهي الرجوع إلى اهلل سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته ،فصار المقضي ًّ
خيرا.
ً
وعلى هذا فـ«ما» هنا اسم موصول.
بالشر لحكمة بالغة حميدة ،وليست
ِّ والمعنىِ :قَنا َّ
شر الذي قضيت ،فإن اهلل تعالى يقضي
(ما) هنا مصدرية أي شر قضائك لكنها اسم موصول بمعنى الذي ،ألن قضاء اهلل ليس فيه
شر ،ولهذا قال النبي صلى اهلل عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه« :والخير بيديك والشر ليس
إليك» لهذا ال ينسب الشر إلى اهلل سبحانه وتعالى.
يعز من عاديت» وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق« :وتولنا فيمن «إنه ال يذل من واليت ،وال ّ
توليت» ،فإذا تولى اهلل اإلنسان فإنه ال يذل ،وإ ذا عادى اهلل اإلنسان فإنه ال يعز.
عز َّ
وجل ،فال يمكن أن ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من اهلل سبحانه ،ونتقي من الذل باهلل َّ
يذل أحد واهلل تعالى وليه ،فالمهم هو تحقيق هذه الوالية .وبماذا تكون هذه الوالية؟
آء اللَّ ِه َّ
عز وجل{ :أَال ِإ َّن أ َْوِلَي َ
وجل في كتابه ،فقال َّ عز َّ هذه الوالية تكون بوصفين ّبينهما اهلل َّ
َِّ
ون} [يونس ،]36 ،26 :وصفات آمُنوْا َو َك ُانوْا َيتَّقُ َ
ين َ ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َي ْح َزُن َ
ون * الذ َ الَ َخ ْو ٌ
أحدهما في القلب ،والثاني في الجوارح( .الذين آمنوا) في القلب( ،وكانوا يتقون) هذه في
الجوارح ،فإذا صلح القلب والجوارح؛ نال اإلنسان الوالية بهذين الوصفين ،وليست الوالية
فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في
عز َّ
وجل التي بها العز هي شرع اهلل ما ليس منه ،ويقولون نحن األولياء .فوالية اهلل َّ
مجموعة في هذين الوصفين:اإليمان والتقوى.قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه اهلل أخ ًذا من
َِّ
ون} [يونس« ،]36 :من ون َو َك ُانوْا َيتَّقُ َ
آمُنوْا َو َك ُانوْا َيتَّقُ َ آمُنوْا َو َك ُانوْا َيتَّقُ َ
ون َ ين َ
هذه االية{ :الذ َ
دل عليه القرآن.وليا» ،وصدق رحمه اهلل؛ ألن هذا الذي َّ تقيا كان هلل ًّمؤمنا ًّ
ً كان
عدوا هلل فإنه ال يعز ،بل حاله الذل والخسران يعز من عاديت» يعني أن من كان ًّ «وال ّ
ان َع ُد ّواً للَّ ِه َو َمالئِ َكتِ ِه َو ُر ُسِل ِه َو ِج ْب ِري َل َو ِمي َكا َل فَِإ َّن اللَّهَ َع ُد ٌّو
والفشل ،قال اهلل تعالىَ { :من َك َ
ِّ ِ
ين} [البقرة ،]89 :فكل الكافرين في ذل وهم أذلة .ولهذا لو كان عند المسلمين عز لْل َكاف ِر َ
اإلسالم وعز الدين وعز الوالية؛ لم يكن هؤالء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه االن،
حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي ،ننظر إليهم من طريق الذل لنا ،والعز لهم؛ ألن أكثر
المسلمين اليوم مع األسف لم يعتزوا بدينهم ،ولم يأخذوا بتعاليم الدين ،وركنوا إلى مادة الدنيا،
وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل ،فصار الكفار في نفوسهم أعز منهم .لكننا نؤمن أن الكفار
َّ َِّ
ون اللهَ َو َر ُسولَهُ آد َ أعداء هلل وأن اهلل كتب الذل على كل عدو له ،قال اهلل تعالىِ{:إ َّن الذ َ
ين ُي َح ُّ
ب اللَّهُ أل ْ
َغِلَب َّن أََن ْا َو ُر ُسِلي ِإ َّن ين} [المجادلة .]02:وهذا خبر مؤكد،ثم قالَ { :كتَ َ ِّ أُولَـئِ َ ِ
ك في األَ َذل َ ْ
عزيزا
ً وجل فهو ذليل ال يمكن أن يكون عز َّ ي َع ِز ٌيز} [المجادلة ،]12 :فمن عادى اهلل َّاللَّهَ قَ ِو ٌّ
إال في نظر من ال يرى العزة إال في مثل ما كان عليه هذا الكافر ،وأما من نظر أن العزة ال
وجل واالستقامة على دينه فإنه ال يرى هؤالء إالَّ أَ َذ َّل خلق اهلل.
عز َّ
تكون إال بوالية اهلل َّ
تباركت ربنا وتعاليت
عز َّ
وجل بأمرين :أحدهما التبارك ،والتاء «تباركت ربنا وتعاليت» هذا ثناء على اهلل َّ
وجل هو أهل البركة «تباركت» أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت عز َّللمبالغة؛ ألن اهلل َّ
الخلق؛ ألن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله« :ربنا» أي يا ربنا ،فهو منادى حذفت منه ياء النداء.
وعلي
ٌّ علي بذاته
وقوله« :وتعاليت» من العلو الذاتي والوصفي.ـ فاهلل سبحانه وتعالى ٌّ
علي بذاته فوق جميع الخلق ،وعلوه سبحانه وتعالى وصف ذاتي أزلي أبدي ،أما بصفاتهٌّ .
استواؤه على العرش فإنه وصف ِف ْعِل ٌّي يتعلق بمشيئته سبحانه وتعالى،والعرش:هوـ أعلى
علوا يليق بجالله وعظمته ،ال ن َكيِّفُه عز َّ
وجل ،يعني عال عليه ًّ المخلوقات ،وعليه استوى اهلل َّ
وال نمثِّله وهذا العلو أجمع عليه السلف الصالح لداللة القرآن والسنة والعقل والفطرة على
ذلك*.
وأما العلو الوصفي فمعناه أن اهلل له من صفات الكمال أعالها وأتمها ،وأنه ال يمكن أن
يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه.
وفي دعاء القنوت جملة يكثر السؤال عنها مما يدعو به أئمتنا في قنوتهم ،يقولون« :هب
المسيئين منا للمحسنين» فما معناها؟
أقرب األقوال فيها أنها من باب الشفاعة ،يعني أن هذا الجمع الكبير فيهم المسيء ،وفيهم
المحسن ،فاجعل المسيء هدية للمحسن بشفاعته له فكأنه قيل وشفع المحسنين منا في
المسيئين.
تم بحمد اهلل وتوفيقه وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى
يوم الدين.
راجع هذا البحث في شرح فضيلة شيخنا رحمه اهلل للعقيدة الواسطية. *
سؤال وجواب
سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه اهلل تعالى ـ هل تجوز الزيادة على هذا الدعاء الذي علَّمه رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلّم الحسن بن علي رضي اهلل عنهما ـ فأجاب فضيلته ـ رحمه اهلل ـ.
ال بأس أن يزيد اإلنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر؛ وإ ن كان وحده فليدعُ بما شاء،
ولكن األفضل أن يختار اإلنسان جوامع الدعاء؛ ألن النبي صلى اهلل عليه وسلّم كان يدعو
(
وي َدعُ ما دون ذلك ،وينبغي لإلمام أن ال يطيل على الناس وأن ال يشق عليهم
بجوامع الدعاء َ
.)4
وسئل فضيلة الشيخ ـ رحمه اهلل تعالى ـ عمن يدعو ويستبطىئ اإلجابة ويقول :قد دعوت اهلل ـ
ُ
عز َّ
وجل ـ فلم يستجب لي. َّ
فأجاب فضيلته ـ رحمه اهلل ـ بقوله:
الحمد هلل رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وأسأل
عز َّ
وجل ـ: اهلل تعالى لي وإلخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدةً وقوالً وعمالً يقول اهلل ـ َّ
ِ ب لَ ُكم ِإ َّن الَِّذين يستَ ْكبِرون ع ْن ِعب َ ِ ال رُّب ُكـم ْاد ُعونِي أ ْ ِ
ون َجهََّن َم َداخ ِر َ
ين} ادتي َسَي ْد ُخلُ َ َ َْ ُ َ َ َ َستَج ْ ْ {وقَ َ َ ْ َ
وجل ـ ولم يستجب اهلل له فيستشكل هذا الواقع عز َّ [غافر ،]06 :ويقول السائل إنه دعا اهلل ـ َّ
مع هذه االية الكريمة التي وعد اهلل تعالى فيها من دعاه بأن يستجيب له ،واهلل سبحانه وتعالى
طا البد أن تتحقق وهي: ال يخلف الميعاد .والجواب على ذلك أن لإلجابة شرو ً
وجل بأن يخلص اإلنسان في دعائه فيتجه إلى اهلل سبحانهعز َّ الشرط األول :اإلخالص هلل َّ
عز َّ
وجل قادر على إجابة الدعوة، وتعالى بقلب حاضر صادق في اللجوء إليه عالم بأنه َّ
مؤمل اإلجابة من اهلل سبحانه وتعالى.
الشرط الثاني :أن يشعر اإلنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة؛ بل في أمس الضرورةـ
إلى اهلل سبحانه وتعالى ،وأن اهلل تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف
السوء.
ٍ
مستغن عن اهلل سبحانه وتعالى وليس في عز َّ
وجل ـ وهو يشعر بأنه أما أن يدعو اهلل ـ َّ
ضرورة إليه وإ نما يسأل هكذا عادة فقط أو للتجربة فإن هذا ليس بحري ِ
باإلجابة.
متجنبا ألكل الحرام َّ
فإن أكل الحرام حائل بين اإلنسان واإلجابة كما ً الشرط الثالث :أن يكون
طيبا ،وإ ن
ثبت في الصحيح عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم أنه قال« :إن اهلل طيب ال يقبل إال ً
طيِّب ِ ِ َِّ
ات َما آمُنوْا ُكلُوْا من َ َ اهلل أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى{ :يأَُّيهَا الذ َ
ين َ
َّ ِ
ون} [البقرة ،]271 :وقال تعالى: ون ُك ْنتُ ْم ِإَّياهُ تَ ْعُب ُد َ
َر َز ْقَنا ُك ْم َوا ْش ُك ُروْا لله ِإن ُك ْنتُ ْم ِإَّياهُ تَ ْعُب ُد َ
ِ اعملُوْا ِ َّ ِ ِ
يم}[المؤمنون:ـ ،]15ثم ذكر صالحاً ِإِّني بِ َما تَ ْع َملُ َ
ون َعل ٌ َ الر ُس ُل ُكلُوْا م َن الطيَِّبات َو ْ َ {يأَُّيهَا ُّ
النبي صلى اهلل عليه وسلّم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب
وغذي بالحرام قال النبي صلى اهلل عليه وسلّم« :فأنى يستجاب ومطعمه حرام وملبسه حرام ِّ
لذلك»(.)5
فاستبعد النبي صلى اهلل عليه وسلّم أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام باألسباب الظاهرة التي
بها تستجلب اإلجابة وهي:
عز َّ
وجل ـ ألنه تعالى في السماء فوق العرش، أوالً :رفع اليدين إلى السماء أي إلى اهلل ـ َّ
عز َّ
وجل ـ من أسباب اإلجابة كما جاء في الحديث الذي رواه اإلمام أحمد ومد اليد إلى اهلل ـ َّ
في المسند« :إن اهلل حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما ِ
ص ْف ًرا»(.)6 ّ
ثاني ا :هذا الرجل دعا اهلل تعالى باسم الرب «يا رب يا رب» والتوسل إلى اهلل تعالى بهذا
ً
االسم من أسباب اإلجابة؛ ألن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع األمور فبيده مقاليد
{رَّبَنآ ِإَّنَنآ السموات واألرض ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن الكريم بهذا االسمَّ :
وبَنا َو َكفِّ ْر َعَّنا َسيَِّئاتَِنا اغف ْر لََنا ُذُن َ
آمُنوْا بِرِّب ُكم فَآمَّنا رَّبَنا فَ ْ ِ
َ ْ َ َ
َن ِ يم ِ
ان أ ْ ِ ِِ ِ
َسم ْعَنا ُمَنادياً ُيَنادي لإل َ
ِ
فك الَ تُ ْخِل ُ ام ِة ِإَّن َ ِ
ك َوالَ تُ ْخ ِزَنا َي ْو َم اْلقَي َ َوتََوفََّنا َم َع األ َْب َر ِار * َرَّبَنا َوآتَِنا َما َو َعدتََّنا َعلَى ُر ُسِل َ
ِ ِ ِ
ض ُكم ِّمن َب ْع ٍ
ض اب لَهُ ْم َرُّبهُ ْم أَِّني الَ أُضيعُ َع َم َل َعام ٍل ِّم ْن ُك ْم ِّمن َذ َك ٍر أ َْو أ ُْنثَى َب ْع ُ
استَ َج َ اد * فَ ْ يع َ
اْلم َ
ُخ ِر ُجوْا ِمن ِدَي ِار ِه ْم َوأُو ُذوْا ِفي َسبِ ِيلي َوقَاتَلُوْا َوقُتِلُوْا ألُ َكفِّ َر َّن َع ْنهُ ْم َسيَِّئاتِ ِه ْم اج ُروْا َوأ ْ َِّ
ين َه َ فَالذ َ
اب} [آل ندهُ ُح ْس ُن الثَّو ِ
َ ات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِهَا األ َْنهَ ُار ثََواباً ِّمن ِع ِند اللَّ ِه َواللَّهُ ِع َ وأل ُْد ِخلََّنهم جَّن ٍ
ُْ َ َ
عمران 391 :ـ .]591
فالتوسل إلى اهلل تعالى بهذا االسم من أسباب اإلجابة.
غالبا من أسباب اإلجابة؛ ألن اإلنسان في السفر يشعر مسافرا والسفر ً
ً ثالثًا :هذا الرجل كان
مقيما في أهله ،السيما في َّ بالحاجة إلى اهلل ـ َّ
عز وجل ـ والضرورة إليه أكثر مما إذا كان ً
الزمن السابق «وأشعث أغبر» كأنه غير َم ْعنِي بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجىء إلى اهلل
ويدعوه على أي حال كان هو ،سواء كان أشعث أغبر أم مترفًا ،والشعث والغبر له أثر في
اإلجابة كما في الحديث الذي روي عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم أن اهلل تعالى ينزل إلى
السماء الدنيا عشية عرفة يباهي المالئكة بالواقفين فيها يقول «أتوني شعثا ُغ ْب ًرا ضاحين من
كل فج عميق».
شيئا لكون مطعمه حراما وملبسه حراما ِّ
وغذي بالحرام ً ً هذه األسباب إلجابة الدعاء لم تُ ْج ِد ً
قال النبي صلى اهلل عليه وسلّم« :فأنى يستجاب لذلك» فهذه الشروط إلجابة الدعاء إذا لم
تتوافر فإن اإلجابة تبدو بعيدة ،فإذا توافرت ولم يستجب اهلل للداعي فإنما ذلك لحكمة يعلمها
شيئا وهو شر لكم وإ ذا تمت هذه عز َّ
وجل ـ وال يعلمها هذا الداعي فعسى أن تحبوا ً اهلل ـ َّ
عز َّ
وجل ـ فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم ،وإ ما أن الشروط ولم يستجب اهلل ـ َّ
يدخرها له يوم القيامة فيوفيه األجر أكثر وأكثر؛ ألن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط
ومنِ َع الجواب
ولم يستجب له ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم يكون قد فعل األسباب ُ
لحكمة فيعطى األجر مرتين :مرة على دعائه ومرة على مصيبته بعدم اإلجابة فيدخر له عند
أيضا أن ال يستبطىء اإلنسان اإلجابة فإن
وجل ـ ما هو أعظم وأكمل .ثم إن المهم ً عز َّ اهلل ـ َّ
هذا من أسباب منع اإلجابة كما جاء في الحديث عن النبي صلى اهلل عليه وسلّم« :يستجاب
ألحدكم ما لم يعجل قالوا :كيف يعجل يا رسول اهلل؟ قال :يقول :دعوت ودعوت ودعوت فلم
وي َدع الدعاء بل
َ الدعاء عن فيستحسر اإلجابة يستبطىئ أن لإلنسان ينبغي فال ()7
يستجب لي»
عز َّ
وجل ـ عز َّ
وجل فإنها عبادة تقربك إلى اهلل ـ َّ يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو بها اهلل َّ
عز َّ
وجل ـ في كل أمورك العامة والخاصة الشديدة أجرا فعليك يا أخي بدعاء اهلل ـ َّ
وتزيدك ً
جديرا بالمرء أن
واليسيرة ولو لم يكن من الدعاء إال أنه عبادة هلل سبحانه وتعالى لكان ً
يحرص عليه ،واهلل الموفق.
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ ـ رحمه اهلل ـ ()41/831 ()4
رواه مسلم ،كتاب الزكاة ،باب قبول الصدقة ،...رقم (.)5101 ()5
رواه الترمذي ،كتاب الدعوات ،باب في دعاء النبي صلى اهلل عليه وسلّم ،....رقم( ()6
،)6553وأبوداود ،كتاب الصالة ،باب الدعاء ،رقم( ،)8841وابن ماجة ،كتاب الدعاء ،باب
رفع اليدين في الدعاء ،رقم(.)5683
رواه البخاري ،كتاب الدعوات ،باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ،رقم( ،)0436ومسلم، ()7
كتاب الذكر والدعاء ،...باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل ،...رقم(.)5372