You are on page 1of 10

‫‪ | 1‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‬

‫إن احلمد هلل‪ ,‬حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ,‬ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا‪ ,‬ومن سيئات أعمالنا‪,‬‬
‫من ِ‬
‫يهد هللا فال مضل له‪ ,‬ومن يضلل فال هادي له‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك‬

‫له‪ ,‬وأشهد أن دمحماً عبده ورسوله‪{ .‬ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ} [سورة آل عمران‪{ ,]201:‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ‬

‫ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬

‫ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ} [سورة النساء‪{ ,]2:‬ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ‬

‫ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ‬

‫ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [سورة األحزاب‪]07-07:‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أحسن احلديث كالم هللا‪ ,‬وخري اهلدى هدى ٍ‬
‫حممد صلى هللا عليه وسلم‪ ,‬وشر األمور‬
‫حمدثاهتا‪ ,‬وكل حمدثة بدعة‪ ,‬وكل بدعة ضاللة‪ ,‬وكل ضاللة يف النار‪.‬‬

‫مث إين أرحب بإخواين الخطباء‪:‬‬

‫وأودهم يف هللا ذي اآلالء‬ ‫أهال وسهال بالذين أخحبهم‬

‫عز وجل أن جيعل جملسنا هذا مما ينفعنا يف الدنيا واآلخرة‪ ,‬وأن جيعل بركته حالّةً‬
‫وأسال هللا َّ‬
‫خخرانا‪.‬‬
‫علينا يف خدنيانا ويف قبورنا ويف أ ْ‬
‫‪ | 2‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫معاشر الفضالء‪ :‬إن هللا َّ‬


‫عز وجل يصطفي من املسلمني أفراداً ملهمة عظيمة‪ ,‬وشأن عظيم‪,‬‬
‫ويكتب هلم الرفعة‪,‬‬
‫خ‬ ‫فيجعلهم طالب علم يتدرجون يف هذا العلم‪ ,‬ويرتقْون يف هذا العلم‪,‬‬

‫{ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠﳡ ﳦ} [سورة اجملادلة‪]77:‬‬

‫عز وجل حيث جيعلهم من ورثة األنبياء عليهم السالم‪ ,‬الذين يقومون‬
‫وهذا اصطفاء من هللا َّ‬
‫يف األمة مقام النيب صلى هللا عليه وسلم من جهة البيان‪ ,‬واألمر باملعروف‪ ,‬والنهي عن‬
‫املنكر‪ ,‬وإن مهمة طالب العلم إيصال احلق إىل اللق‪ ,‬ومن أهم وسائل إيصال احلق إىل‬
‫حيث ي دف خد املسلمون إىل‬
‫املسلمني‪ ,‬وأعظمها تأثرياً يف نفوسهم وقلوهبم خطبة امجمعة‪ ,‬خ‬
‫املسجد تعبداً وهم مقبلون بقلوهبم وأمساعهم على الطيب‪ ,‬حيث يعلمون أنه جيب عليهم‬
‫عز وجل‪ ,‬وإمنا يكون‬
‫النفوس مهيئةً يستمعون ويتأثرون بإذن هللا َّ‬
‫خ‬ ‫اإلنصات للخطيب‪ ,‬فتكو خن‬
‫خ‬
‫تأثريخ الطبة يف الناس إذا أحسن الطيب إعدادها وإلقائها‪ ,‬فأعدها بفقه‪ ,‬وألقاها بفقه‪,‬‬
‫ومن هنا تظهر جبالء أمهية فقه اخلطبة واخلطيب‪ ,‬وسأحاول يف هذا الوقت احملدود‪ ,‬واحملدد‬
‫د‬
‫أستوعب أمهها فضال‬ ‫بنصف ساعة‪ ,‬أن أذكر مجلة من أهم معامل فقه الطبة والطيب‪ ,‬ولن‬
‫عن أن أستوعبها كلها‪ ,‬ولكين سأذكر معامل أرى أهنا من األمهية مبكان للخطيب‪ ,‬واملعلوم أن‬
‫فرض الزم‪ ,‬وشرط لصحة صالة‬ ‫الطبة عبادة شرعية‪ ,‬فهي عبادة بإمجاع العلماء‪ ,‬وهي ٌ‬
‫امجمعة عند مجاهري العلماء من السلف واللف‪ ,‬وذلك لفعله صلى هللا عليه وسلم املطّرد‬
‫خ‬
‫الذي مل يتخلف‪ ,‬وهذا الفعل هو جزء من عبادة‪ ,‬وقد قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من‬
‫عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد))‪ ,‬فمن صلى صالة امجمعة بال خطبة فقط ع دمل عمالً‬
‫مردود غري مقبول‪ ,‬وألن الطبة هو الذكر‬
‫ٌ‬ ‫ليس عليه أمر النيب صلى هللا عليه وسلم فهو‬

‫بامجمعة الذي أمر هللا بالسعي إليه يف قوله سبحانه{ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ‬

‫ﱗ} [سورة امجمعة‪ ,]9:‬وإذا تقرر هذا وعلمنا أن الطبة عبادة شرعية بإمجاع العلماء‪ ,‬سواءًا‬
‫ط لصحة امجمعة كما هو مذهب مجاهري العلماء‪ ,‬أو عند القائلني أهنا‬ ‫عند القائلني أهنا شر ٌ‬
‫‪ | 3‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫ليست شرطاً لصحة امجمعة كما هو مذهب بعض التابعني‪ ,‬هي عبادة باإلمجاع‪ ,‬فإذا علمنا‬
‫أهنا عبادةٌ بإمجاع‪ ,‬فإن املعلوم أن العبادة الشرعية ال بد فيه من شرطني لصحتها وقبوهلا‪:‬‬

‫عز وجل‪.‬‬
‫اإلخالص هلل َّ‬
‫ُ‬ ‫الشرط األول‪:‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬املتابعة لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫خطيب امجمعة من خطابته وجه هللا سبحانه وتعاىل‪ ,‬ويكو خن مريداً نفع نفسه أوالً‪,‬‬
‫خ‬ ‫فيبتغي‬
‫ب‪,‬‬
‫الطيب يف خطبته عن األمور احملدثات يف الخط ْ‬
‫خ‬ ‫ويبتعد‬
‫خ‬ ‫ونفع الناس ثانياً هبذه الطبة‪,‬‬

‫بعض الناس‪ ,‬قال ربنا سبحانه وتعاىل‪ {:‬ﱠ ﱡ‬


‫وعن البدع اليت يستحسنها خ‬
‫ﱢ ﱣﱤ ﱴ} [سورة هود‪.]0:‬‬

‫عز وجل‪ :‬أي أخلصه وأصوبه‪ ,‬وقال‪ :‬إن كان العمل خالصاً‬
‫قال الفضيل بن عياض رمحه هللا َّ‬
‫عز‬
‫الالص إذا كان هلل َّ‬
‫ومل يكن صواباً مل يخ ْقبل‪ ,‬وإن كان صواباً ومل يكن خالصاً مل يقبل‪ ,‬و خ‬
‫وجل‪ ,‬والصواب إذا كان على سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫وقد َّ‬
‫حذر النيب صلى هللا عليه وسلم من عدم اإلخالص يف الطبة حتذيراً بليغاً عظيماً يأخ خذ‬
‫مبجامع القلوب‪ ,‬ويردعخ النفوس عن عدم اإلخالص يف الطبة‪ ,‬فقد قال النيب صلى هللا عليه‬
‫عز وجل يوم القيامة موقدف‬ ‫وسلم‪(( :‬من قام ٍ‬
‫خبطبة ال يلتمس هبا إال رياءً أو مسعة أوقفه هللا َّ‬
‫رياء ومسعة)) رواه اإلمام أمحد‪ ,‬وحسنه األرناؤوط‪.‬‬

‫خبطبة‪ :‬وهذه نكرة يف سياق الشرط فت عم‪ ,‬من قام ٍ‬


‫خبطبة ال يلتمس هبا إال رياءً أو‬ ‫من قام ٍ‬
‫خْ‬
‫مسعة‪ ,‬يخرائي الناس ويخظهر للناس خح ْسن ما عنده‪ ,‬أو يريد أن يخ ْس دمع الناس ولو بتسجيل هذه‬
‫عز وجل‪ ,‬فإن هللا عز وجل يقيمه يوم القيامة مقام الرياء‬ ‫الطبة‪ ,‬فهو ليس خملصاً هلل ًّ‬
‫وجيازى جبزائهم‪ ,‬وال يكون له‬
‫الس ْمعة‪ ,‬فيكون معهم‪ ,‬خ‬
‫الس ْمعة أي‪ :‬مقام جزاء أهل الرياء و خ‬
‫و خ‬
‫من عمله نصيب والعياذ باهلل‪.‬‬
‫‪ | 4‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫ومن معامل فقه اخلطيب أ ععلل اما عقول وأ تجتهد يف ذلك‪ ,‬ال سيما يف ترك‬
‫احملرمات‪ ,‬وفعل الفرائض املتحتدّمات‪ ,‬فيجب على الطيب إذا هنى الناس عن أمر حمرم أن‬
‫خ‬
‫يكون تاركاً لذلك احملرم‪ ,‬وإذا أمر الناس بفرض الزم وهو من أهل الفرض أن يكون فاعالً‬
‫ستحب له أن يكون فاعالً له إذا كان من باب املستحبات‪,‬‬
‫خ‬ ‫لذلك الفرض‪ ,‬مث ما وراء ذلك يخ‬
‫ويخستحب أن يكون تاركاً له إذا كان من باب املكروهات‪ ,‬وهذا أمر من األمهية مبكان‪ ,‬قال‬
‫ربنا سبحانه وتعاىل‪{ :‬ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} [سورة الصف‪]3-2:‬‬

‫مررت ليلة‬
‫وقد جاء يف حديث أنس رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال)) خ‬
‫تقرض شفاهم مبقاريض من نار‪ ,‬قال‪ :‬قلت ما هؤالء؟ قال‪- :‬أي‬
‫خ‬ ‫أخسري يب على أقوٍام‬
‫جربيل عليه السالم‪ -‬هؤالء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالرب وينسون‬
‫أتيت على‬
‫أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفال يعقون)) رواه أمحد ‪ ,‬ويف رواية عنده قال‪ )):‬خ‬
‫مساء الدنيا ليلة أسري يب فرأيت فيها رجاالً تخقطَّع ألسنتهم د‬
‫وشفاههم مبقاريض من نار‪,‬‬ ‫خ‬ ‫خ‬
‫فقلت يا جربيل‪ :‬ما هؤالء؟ قال‪ :‬خطباء من أمتك))‪.‬‬

‫حديث صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عز وجل‪ :‬هذا‬
‫قال الشيخ مقبل الوادعي رمحه هللا َّ‬

‫قرض شفاههم مبقاريض من‬


‫((أتيت ليلة أخسري يب على قوم تخ خ‬
‫خ‬ ‫ويف رواية عند البيهقي قال‪:‬‬
‫ت ‪-‬أي‪ :‬رجعت كما هي‪ -‬قال‪ :‬قلت يا جربيل ما هؤالء؟ قال‪:‬‬ ‫نار‪ ,‬كلما قرضت وف ْ‬
‫خطباء أمتك الذين يقولون ماال يفعلون‪ ,‬ويقرؤون كتاب هللا وال يعملون به )) وحسنه‬
‫األلباين‪.‬‬

‫نعوذ باهلل من سوء احلال‪ ,‬نعوذ باهلل من سوء احلال‪.‬‬


‫‪ | 5‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫وجاء يف احلديث عن أسامة بن زيد رضي هللا عنه وعن أبيه أنه قال‪(( :‬قال رسول هللا صلى‬
‫أقتاب بطنه ‪-‬أي خترج أمعائه‬
‫فتندلق خ‬
‫خ‬ ‫هللا عليه وسلم‪ :‬يؤتى بالرجل يوم القيامة فيخلقى يف النار‬
‫يدور احلمار يف الرحى‪ ,‬فيجتمع إليه أهل النار‪ ,‬فيقولون يا‬
‫فيدور هبا كما خ‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬خ‬
‫كنت آمركم يف‬
‫تأمرنا يف املعروف وتنهانا عن املنكر؟ فيقول‪ :‬قد خ‬
‫فالن‪ :‬ما لك؟ أمل تكن خ‬
‫كنت أهناكم عن املنكر وآتيه)) واحلديث يف الصحيحني‪.‬‬
‫املعروف وال آتيه‪ ,‬و خ‬
‫ويف رو ٍ‬
‫اية عند أمحد يقول‪ (( :‬إين كنت آمركم بأمر‪ ,‬وأخالفكم إىل غريه)) إذاً جيب على‬
‫الطيب أن جيتنب احلرام الذي ينهى الناس عنه‪ ,‬وأن يفعل الفرض الذي يأمر الناس به‪,‬‬
‫يأمر هبا ما استطاع‪ ,‬وأن جيتنب املكروهات اليت ينهى‬
‫ويستحب له أن يفعل املستحبات اليت خ‬
‫خ‬
‫عنها ما استطاع‪ ,‬وليحذر الطيب أن يكون متصفاً مبا قاله أبو العتاهية حيث قال‪:‬‬

‫تسط ٌع‬
‫يح الطايا من ثيابك ْ‬
‫ور خ‬ ‫وص ْفت التخقى حىت كأنك ذو تخقى‬

‫وهذا أيها الفضالء ال يعين أن ال خيطخب الطيب إال إذا كان كامال‪ ,‬وال يعين أن الطيب إذا‬
‫رأى من نفسه خلالً يف ذلك أن يرتك الطابة‪ ,‬ال و َّ‬
‫كال‪ ,‬وإمنا املقصود أن جياهد الطيب‬
‫نفسه يف هذا الباب‪.‬‬

‫قال سعيد بن خجبري رمحه هللا‪(( :‬إن مل يأمر باملعروف ومل ينهى عن املنكر إال من ال يكون فيه‬
‫شيء مل يأمر أح ٌد بشيء)) من الكامل؟!‪ ,‬ومن السامل؟! كل بينء آدم خطّاء‪.‬‬

‫ملطرف بن عبدهللا‪ :‬عظ أصحابك‪ ,‬فقال مطرف‪ :‬إين أخاف‬


‫وقال احلسن البصري رمحه هللا ّ‬
‫يرمحك هللا‪ ,‬وأينا يفعل كل ما يقول؟! لود‬
‫خ‬ ‫أن أقول ما ال أفعل‪ ,‬فقال احلسن رمحه هللا‪:‬‬
‫ظفر هبذه منكم فلم يأمر أحد مبعروف‪ ,‬ومل ينهى عن منكر‪.‬‬‫الشيطا خن أنه د‬
‫‪ | 6‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫وقال أبو الدرداء رضي هللا عنه‪ :‬عالمة امجهل ثالث‪ :‬العخ ْجب‪- ,‬أن يخ ْعجب اإلنسان بنفسه‪,‬‬
‫وهذا ينبغي أن حيذر الطيب حذراً شديداً‪ , -‬وكثرةخ املنطق فيما ال يعنيه ‪-‬وسيأيت الكالم‬
‫عنه قريباً‪ -‬وأن ينهى عن شيء ويأتيه‪ .‬هذا من امجهل بعواقب األمور‪.‬‬

‫ومن معامل فقه اخلطيب يف خطبته أ عُِع َّد خطبته‪ ,‬وأن يقرأها مراراً‪ ,‬ويفهمها قبل أن‬
‫يخلقيها‪ ,‬قال النيب صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬نضَّر هللا امرأً مسع مقاليت فواعها مث ّأداها إىل من مل‬
‫يسمعها)) رواه أمحد وقال األرناؤوط‪ :‬صحيح لغريه‪ ,‬وذكرها األلباين يف الصحيحة‪ ,‬رحم هللا‬
‫امجميع‪.‬‬

‫فالنيب صلى هللا عليه وسلم دعا ملن مسع مقالته فواعها فهمها وأداها وبلغها ملن مل يسمعها‪.‬‬

‫ومن أسف شدعد أننا جن ُد بعض اخلطباء ال ععتين بإعداد اخلطبة‪ ,‬وال عهتم‪ ,‬بل رمبا ترك‬
‫الطبة إىل قخبيل الصالة مث أخذ أوراقاً من أي كتاب‪ ,‬مث ذهب يقرأ ويخت ْعتد خع وهو على املنرب‪,‬‬
‫ويخدرك الناس أنه ال يدري ما يقول يف بعض املواطن‪ ,‬ورمبا أساء نطق بعض الكالم‪ ,‬وهذا من‬
‫عدم الفقه‪ ,‬بل الطيب ينبغي أن يعتين عناية شديدة يف اختيار املوضوع املناسب للحال‪ ,‬مث‬
‫يعتين عناية شديدة يف إعداد الطبة‪ ,‬مث يعتين عناية شديدة يف فهم الطبة‪ ,‬فإن من مل ي ْفهم‬
‫يف الغالب ال يخ ْف ده ْم‪ ,‬من مل ي ْفهم يف الغالب ال يخ ْف ده ْم‪ ,‬فينبغي على الطيب أن يكون‬
‫حريصاً على فهم الطبة قبل أن يخلقيها‪.‬‬

‫ومن فقه اخلطيب يف خطبته أن جيتنب الوض يف خطبته فيما ال يعنيه وال يعين الناس‪ ,‬أو‬
‫ليس مما أخوكل إليه وإىل الناس‪ ,‬كأن خيوض فيما أخوكل إىل ويل األمر‪ ,‬أو خيوض فيما هو ليس‬
‫مطلوباً من الناس‪ ,‬وأن ال خيوض فيما ال حيتاجه الناس‪ ,‬أو ال ينفعهم‪ ,‬بعض الطباء قد‬
‫جيلب هلم الفتنة‪,‬‬
‫يقوم وخيطب عن فتنة واقعة يف بالد الصني‪ ,‬ال تعين الناس شيئا‪ ,‬وإمنا خ‬
‫‪ | 7‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫ينفع الناس‪ ,‬وال حيتاجه الناس‪ ,‬تقدم‬


‫ويخوقعهم يف البلبلة‪ ,‬وجيتنب الطيب أن يتكلف فيما ال خ‬
‫معنا قبل قليل أن أبا الدرداء رضي هللا عنه ذكر أن من عالمات امجهل كثرةخ املنطق فيما ال‬
‫يعينه‪ ,‬والواجب على الطيب أن حيرص على أن يكون هادياً هداية البيان ال فتّاناً للناس‪,‬‬
‫ٍ‬
‫مبحدث قواماً حديثاً ال تبلغه عقوهلم إال كان‬ ‫وقد قال ابن مسعود رضي هللا عنه‪ ((:‬ما أنت‬
‫لبعضهم فتنة))‪.‬‬

‫ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ حيرص على البالغة يف خطبته أن يكون سهل األلفاظ‬
‫مجيلها‪ ,‬قريب املعاين‪ ,‬أن جيتنب التفي خقه بالتوسع يف الكالم‪ ,‬وأن جيتنب التشدق بذكر‬
‫العبارات الغريبة اليت ال يفهمها عامة الناس‪ ,‬وقد جاء يف حديث ابن عمر رضي هللا‬
‫الناس لبياهنما‪ ,‬فقال النيب صلى هللا‬ ‫د‬
‫عنهما(( أنه قدم رجالن من املشرق فخطبا‪ ,‬فعجب خ‬
‫عليه وسلم‪ :‬إن من البيان لسحرا)) رواه البخاري يف الصحيح‪.‬‬

‫وقال احلافظ بن حجر رمحه هللا‪ :‬اتفق العلماء على مدح اإلجياز واإلتيان باملعاين الكثرية يف‬
‫األلفاظ اليسرية‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وأما التّجاري وراء األلفاظ امجميلة‪ ,‬والعبارات األنيقة‪ ,‬وكثرة السجع حىت يطغى على‬
‫املعاين‪ ,‬وجيعل ذلك الطبة مطربة ال نافعة‪ ,‬فذاك مذموم‪ ,‬قال ابن القيم رمحه هللا عن مثل‬
‫خالل هبا‪ ,‬فرصعوا الطب بالتسجيع و د‬
‫الفقر‬ ‫هؤالء الطباء‪ :‬وأخلّوا باملقاصد اليت ال ينبغي اإل خ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املقصود هبا‪.‬‬
‫خ‬ ‫د‬
‫القلوب منها‪ ,‬وفات‬ ‫وعلم البديع‪ ,‬فن قص بل عخ ددم ح خ‬
‫ظ‬

‫ب أن خيْطخب مرتسالً‪- ,‬أي ال يخسرع‬ ‫ومن د‬


‫مجيل كالم البغوي رمحه هللا تعاىل أنه قال‪ :‬ويخستح خ‬
‫يف الكالم‪ ,‬ويْنظ خم بعضه بعض حىت ال يكاد يخفهم‪ , -‬خمبيناً خم ْع دربا‪ ,‬ال يأيت بكلمات مبتذلة‬
‫ب حبيث ال يخ ْف ده خم‪ ,‬وال مبا يْن دكروه‬ ‫تدخل يف القلوب‪ -‬وال ي ْغ در خ‬
‫خ‬ ‫ال تنج خع يف القلوب‪-‬أي ال‬
‫د‬
‫اإلفهام‪ ,‬وحيرتز عن‬ ‫العوام لقصودر فهمهم‪ ,‬وال خُيد خد الكل د‬
‫مات مداً جيا دوخز احلد‪ ,‬وال ي ْعج خل عن‬
‫التغين‪.‬‬
‫‪ | 8‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ تكو خطبته على طرعقة رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وأداء‪ ,‬وقد قال ابن القيم رمحه هللا‪ :‬وكذلك كانت خخطبخه صلى هللا عليه‬‫وسلم مضلوناً ً‬
‫وسلم إمنا هي لتقري در أصول اإلُيان‪ ,‬من اإلُيان باهلل‪ ,‬ومالئكته‪ ,‬وكتبه‪ ,‬ورسله‪ ,‬ولقائه‪ ,‬وذكر‬
‫امجنة والنار‪ ,‬وما أع ّد هللا ألوليائه وأهل طاعته‪ ,‬وما أع ّد ألعدائه وأهل معصيته‪ ,‬فيمأل‬
‫القلوب من خطبته إُياناً وتوحيدا‪ ,‬ومعرفةً باهلل وأيامه‪.‬‬

‫وجاء يف حديث جابر بن عبدهللا رضي هللا عنه وعن أبيه أنه قال‪(( :‬كان رسول هللا صلى‬
‫منذر جيش))‬ ‫هللا عليه وسلم إذا خطب ا ْمحّرت عيناه‪ ,‬وعال صوته‪ ,‬و َّ‬
‫اشتد غضبه‪ ,‬حىت كأنه ٌ‬
‫رواه مسلم يف الصحيح‪.‬‬

‫مر‬
‫وحت ّ‬
‫يتأثر يف الطبة ويؤثر‪ ,‬وكان يعلو صوته إذا خطب‪ْ ,‬‬
‫فكان النيب صلى هللا عليه وسلم خ‬
‫عيناه‪ ,‬صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫يلتفت ُييناً ومشاالً ويخكْثدخر ذلك‪ ,‬وال‬


‫ينظر تلقاء وجهه‪ ,‬وال خ‬
‫وقد نص العلماء على أن الطيب خ‬
‫ينظر فوق رؤوس‬ ‫د‬
‫ينظر تلقاء وجهه‪ ,‬خ‬ ‫يخكْث خر احلركة‪ ,‬وذكر بعض العلماء أن الطيب عندما خ‬
‫ينظر يف وجوه الناس‪.‬‬
‫الناس‪ ,‬ال يرفع عينه فوق‪ ,‬وال خ‬
‫ينظر يف وجوه‬
‫يظن الناس أنه ال ينظخخر إليهم فينصرفون عنه‪ ,‬وال خ‬
‫ال يرفع عينه فوق حىت ال خ‬
‫ينظر فوق رؤوسهم‪ ,‬وقد جربنا هذا‬ ‫د‬
‫الناس حىت ال يتأثر بردود أفعاهلم يف أثناء خطبته وإمنا خ‬
‫ووجدنا له فوائد كثرية‪.‬‬
‫قال الشافعي رمحه هللا‪ :‬وال أحب أن د‬
‫يلتفت ُييناً ومشاالً‪.‬‬ ‫خ‬
‫ونقل النووي رمحه هللا يف اجملموع عن صاحب احلاوي‪ :‬أن التفات الطيب ُييناً ومشاالً ال‬
‫أصل له وباطل‪ ,‬وأن العلماء قد اتفقوا على كراهية هذا االلتفات‪ ,‬وأنه معدود من البدع‬
‫املنكرة ‪.‬‬
‫خ‬
‫‪ | 9‬فقه الخطبة والخطيب‬

‫ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ تكو اخلطبةُ قصريًة غريُ ُُملة‪ ,‬فتكو خن حسب احلاجة‪,‬‬
‫بعيد ًة عن اإلخالل واإلمالل‪ ,‬وقد قال أبو وائل‪ :‬خطبنا عمار رضي هللا عنه فأوجز وأبلغ‪,‬‬
‫فلما نزل قلنا يا أبا اليقضان‪ :‬لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست‪ ,‬أي لو كنت أطلت‬‫ّ‬
‫الرجل وقدصر خطبته‬
‫مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬إن طول صالة خ‬
‫فقال‪ :‬إين خ‬
‫مئنةٌ من فقهه‪ ,‬فأطيلوا الصالة وأقصروا الطبة‪ ,‬وإن من البيان لسحرا)) رواه مسلم يف‬
‫الصحيح‪.‬‬

‫وعند أيب داود وصححه األلباين قال عمار رضي هللا عنه‪ :‬أمرنا رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫ب‪.‬‬
‫وسلم بإقصار الخط ْ‬
‫عز وجل ولزوم السنة يف اخلُطب‪ ,‬و د‬
‫البعد‬ ‫وأختِ ُم بأ أوصي نفسي واخلطباء بتقوى هللا َّ‬
‫عن احملدثات‪ ,‬وليحرص الطيب بأن تكون خطبته مع قدص درها حاويةً على فائدة‪ ,‬وعلى‬
‫خماطبةً للعقول بالفوائد‪ ,‬د‬
‫وخماطبةً للقلوب باملواعظ‪.‬‬ ‫موعظة‪ ,‬فتكو خن د‬

‫عز وجل أن جيعل فيه خرياً وبركة‪,‬‬


‫ت يل‪ ,‬وأسال هللا َّ‬ ‫د‬
‫هذا ما تيسر يف النصف ساعة اليت خح ّدد ْ‬
‫وأن يتقبل من امجميع‪ ,‬والسالم عليكم ورمحه هللا وبركاته‪.‬‬

You might also like