Professional Documents
Culture Documents
إن احلمد هلل ,حنمده ونستعينه ونستغفره ,ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ,ومن سيئات أعمالنا,
من ِ
يهد هللا فال مضل له ,ومن يضلل فال هادي له ,وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك
ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ
ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦ ﲧ
ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ} [سورة األحزاب]07-07:
أما بعد:
فإن أحسن احلديث كالم هللا ,وخري اهلدى هدى ٍ
حممد صلى هللا عليه وسلم ,وشر األمور
حمدثاهتا ,وكل حمدثة بدعة ,وكل بدعة ضاللة ,وكل ضاللة يف النار.
عز وجل أن جيعل جملسنا هذا مما ينفعنا يف الدنيا واآلخرة ,وأن جيعل بركته حالّةً
وأسال هللا َّ
خخرانا.
علينا يف خدنيانا ويف قبورنا ويف أ ْ
| 2فقه الخطبة والخطيب
{ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠﳡ ﳦ} [سورة اجملادلة]77:
عز وجل حيث جيعلهم من ورثة األنبياء عليهم السالم ,الذين يقومون
وهذا اصطفاء من هللا َّ
يف األمة مقام النيب صلى هللا عليه وسلم من جهة البيان ,واألمر باملعروف ,والنهي عن
املنكر ,وإن مهمة طالب العلم إيصال احلق إىل اللق ,ومن أهم وسائل إيصال احلق إىل
حيث ي دف خد املسلمون إىل
املسلمني ,وأعظمها تأثرياً يف نفوسهم وقلوهبم خطبة امجمعة ,خ
املسجد تعبداً وهم مقبلون بقلوهبم وأمساعهم على الطيب ,حيث يعلمون أنه جيب عليهم
عز وجل ,وإمنا يكون
النفوس مهيئةً يستمعون ويتأثرون بإذن هللا َّ
خ اإلنصات للخطيب ,فتكو خن
خ
تأثريخ الطبة يف الناس إذا أحسن الطيب إعدادها وإلقائها ,فأعدها بفقه ,وألقاها بفقه,
ومن هنا تظهر جبالء أمهية فقه اخلطبة واخلطيب ,وسأحاول يف هذا الوقت احملدود ,واحملدد
د
أستوعب أمهها فضال بنصف ساعة ,أن أذكر مجلة من أهم معامل فقه الطبة والطيب ,ولن
عن أن أستوعبها كلها ,ولكين سأذكر معامل أرى أهنا من األمهية مبكان للخطيب ,واملعلوم أن
فرض الزم ,وشرط لصحة صالة الطبة عبادة شرعية ,فهي عبادة بإمجاع العلماء ,وهي ٌ
امجمعة عند مجاهري العلماء من السلف واللف ,وذلك لفعله صلى هللا عليه وسلم املطّرد
خ
الذي مل يتخلف ,وهذا الفعل هو جزء من عبادة ,وقد قال النيب صلى هللا عليه وسلم(( :من
عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد)) ,فمن صلى صالة امجمعة بال خطبة فقط ع دمل عمالً
مردود غري مقبول ,وألن الطبة هو الذكر
ٌ ليس عليه أمر النيب صلى هللا عليه وسلم فهو
ﱗ} [سورة امجمعة ,]9:وإذا تقرر هذا وعلمنا أن الطبة عبادة شرعية بإمجاع العلماء ,سواءًا
ط لصحة امجمعة كما هو مذهب مجاهري العلماء ,أو عند القائلني أهنا عند القائلني أهنا شر ٌ
| 3فقه الخطبة والخطيب
ليست شرطاً لصحة امجمعة كما هو مذهب بعض التابعني ,هي عبادة باإلمجاع ,فإذا علمنا
أهنا عبادةٌ بإمجاع ,فإن املعلوم أن العبادة الشرعية ال بد فيه من شرطني لصحتها وقبوهلا:
عز وجل.
اإلخالص هلل َّ
ُ الشرط األول:
خطيب امجمعة من خطابته وجه هللا سبحانه وتعاىل ,ويكو خن مريداً نفع نفسه أوالً,
خ فيبتغي
ب,
الطيب يف خطبته عن األمور احملدثات يف الخط ْ
خ ويبتعد
خ ونفع الناس ثانياً هبذه الطبة,
عز وجل :أي أخلصه وأصوبه ,وقال :إن كان العمل خالصاً
قال الفضيل بن عياض رمحه هللا َّ
عز
الالص إذا كان هلل َّ
ومل يكن صواباً مل يخ ْقبل ,وإن كان صواباً ومل يكن خالصاً مل يقبل ,و خ
وجل ,والصواب إذا كان على سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
وقد َّ
حذر النيب صلى هللا عليه وسلم من عدم اإلخالص يف الطبة حتذيراً بليغاً عظيماً يأخ خذ
مبجامع القلوب ,ويردعخ النفوس عن عدم اإلخالص يف الطبة ,فقد قال النيب صلى هللا عليه
عز وجل يوم القيامة موقدف وسلم(( :من قام ٍ
خبطبة ال يلتمس هبا إال رياءً أو مسعة أوقفه هللا َّ
رياء ومسعة)) رواه اإلمام أمحد ,وحسنه األرناؤوط.
ومن معامل فقه اخلطيب أ ععلل اما عقول وأ تجتهد يف ذلك ,ال سيما يف ترك
احملرمات ,وفعل الفرائض املتحتدّمات ,فيجب على الطيب إذا هنى الناس عن أمر حمرم أن
خ
يكون تاركاً لذلك احملرم ,وإذا أمر الناس بفرض الزم وهو من أهل الفرض أن يكون فاعالً
ستحب له أن يكون فاعالً له إذا كان من باب املستحبات,
خ لذلك الفرض ,مث ما وراء ذلك يخ
ويخستحب أن يكون تاركاً له إذا كان من باب املكروهات ,وهذا أمر من األمهية مبكان ,قال
ربنا سبحانه وتعاىل{ :ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ
ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ} [سورة الصف]3-2:
مررت ليلة
وقد جاء يف حديث أنس رضي هللا عنه أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال)) خ
تقرض شفاهم مبقاريض من نار ,قال :قلت ما هؤالء؟ قال- :أي
خ أخسري يب على أقوٍام
جربيل عليه السالم -هؤالء خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالرب وينسون
أتيت على
أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفال يعقون)) رواه أمحد ,ويف رواية عنده قال )):خ
مساء الدنيا ليلة أسري يب فرأيت فيها رجاالً تخقطَّع ألسنتهم د
وشفاههم مبقاريض من نار, خ خ
فقلت يا جربيل :ما هؤالء؟ قال :خطباء من أمتك)).
حديث صحيح.
ٌ عز وجل :هذا
قال الشيخ مقبل الوادعي رمحه هللا َّ
وجاء يف احلديث عن أسامة بن زيد رضي هللا عنه وعن أبيه أنه قال(( :قال رسول هللا صلى
أقتاب بطنه -أي خترج أمعائه
فتندلق خ
خ هللا عليه وسلم :يؤتى بالرجل يوم القيامة فيخلقى يف النار
يدور احلمار يف الرحى ,فيجتمع إليه أهل النار ,فيقولون يا
فيدور هبا كما خ
والعياذ باهلل -خ
كنت آمركم يف
تأمرنا يف املعروف وتنهانا عن املنكر؟ فيقول :قد خ
فالن :ما لك؟ أمل تكن خ
كنت أهناكم عن املنكر وآتيه)) واحلديث يف الصحيحني.
املعروف وال آتيه ,و خ
ويف رو ٍ
اية عند أمحد يقول (( :إين كنت آمركم بأمر ,وأخالفكم إىل غريه)) إذاً جيب على
الطيب أن جيتنب احلرام الذي ينهى الناس عنه ,وأن يفعل الفرض الذي يأمر الناس به,
يأمر هبا ما استطاع ,وأن جيتنب املكروهات اليت ينهى
ويستحب له أن يفعل املستحبات اليت خ
خ
عنها ما استطاع ,وليحذر الطيب أن يكون متصفاً مبا قاله أبو العتاهية حيث قال:
تسط ٌع
يح الطايا من ثيابك ْ
ور خ وص ْفت التخقى حىت كأنك ذو تخقى
وهذا أيها الفضالء ال يعين أن ال خيطخب الطيب إال إذا كان كامال ,وال يعين أن الطيب إذا
رأى من نفسه خلالً يف ذلك أن يرتك الطابة ,ال و َّ
كال ,وإمنا املقصود أن جياهد الطيب
نفسه يف هذا الباب.
قال سعيد بن خجبري رمحه هللا(( :إن مل يأمر باملعروف ومل ينهى عن املنكر إال من ال يكون فيه
شيء مل يأمر أح ٌد بشيء)) من الكامل؟! ,ومن السامل؟! كل بينء آدم خطّاء.
وقال أبو الدرداء رضي هللا عنه :عالمة امجهل ثالث :العخ ْجب- ,أن يخ ْعجب اإلنسان بنفسه,
وهذا ينبغي أن حيذر الطيب حذراً شديداً , -وكثرةخ املنطق فيما ال يعنيه -وسيأيت الكالم
عنه قريباً -وأن ينهى عن شيء ويأتيه .هذا من امجهل بعواقب األمور.
ومن معامل فقه اخلطيب يف خطبته أ عُِع َّد خطبته ,وأن يقرأها مراراً ,ويفهمها قبل أن
يخلقيها ,قال النيب صلى هللا عليه وسلم(( :نضَّر هللا امرأً مسع مقاليت فواعها مث ّأداها إىل من مل
يسمعها)) رواه أمحد وقال األرناؤوط :صحيح لغريه ,وذكرها األلباين يف الصحيحة ,رحم هللا
امجميع.
فالنيب صلى هللا عليه وسلم دعا ملن مسع مقالته فواعها فهمها وأداها وبلغها ملن مل يسمعها.
ومن أسف شدعد أننا جن ُد بعض اخلطباء ال ععتين بإعداد اخلطبة ,وال عهتم ,بل رمبا ترك
الطبة إىل قخبيل الصالة مث أخذ أوراقاً من أي كتاب ,مث ذهب يقرأ ويخت ْعتد خع وهو على املنرب,
ويخدرك الناس أنه ال يدري ما يقول يف بعض املواطن ,ورمبا أساء نطق بعض الكالم ,وهذا من
عدم الفقه ,بل الطيب ينبغي أن يعتين عناية شديدة يف اختيار املوضوع املناسب للحال ,مث
يعتين عناية شديدة يف إعداد الطبة ,مث يعتين عناية شديدة يف فهم الطبة ,فإن من مل ي ْفهم
يف الغالب ال يخ ْف ده ْم ,من مل ي ْفهم يف الغالب ال يخ ْف ده ْم ,فينبغي على الطيب أن يكون
حريصاً على فهم الطبة قبل أن يخلقيها.
ومن فقه اخلطيب يف خطبته أن جيتنب الوض يف خطبته فيما ال يعنيه وال يعين الناس ,أو
ليس مما أخوكل إليه وإىل الناس ,كأن خيوض فيما أخوكل إىل ويل األمر ,أو خيوض فيما هو ليس
مطلوباً من الناس ,وأن ال خيوض فيما ال حيتاجه الناس ,أو ال ينفعهم ,بعض الطباء قد
جيلب هلم الفتنة,
يقوم وخيطب عن فتنة واقعة يف بالد الصني ,ال تعين الناس شيئا ,وإمنا خ
| 7فقه الخطبة والخطيب
ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ حيرص على البالغة يف خطبته أن يكون سهل األلفاظ
مجيلها ,قريب املعاين ,أن جيتنب التفي خقه بالتوسع يف الكالم ,وأن جيتنب التشدق بذكر
العبارات الغريبة اليت ال يفهمها عامة الناس ,وقد جاء يف حديث ابن عمر رضي هللا
الناس لبياهنما ,فقال النيب صلى هللا د
عنهما(( أنه قدم رجالن من املشرق فخطبا ,فعجب خ
عليه وسلم :إن من البيان لسحرا)) رواه البخاري يف الصحيح.
وقال احلافظ بن حجر رمحه هللا :اتفق العلماء على مدح اإلجياز واإلتيان باملعاين الكثرية يف
األلفاظ اليسرية.
قلت :وأما التّجاري وراء األلفاظ امجميلة ,والعبارات األنيقة ,وكثرة السجع حىت يطغى على
املعاين ,وجيعل ذلك الطبة مطربة ال نافعة ,فذاك مذموم ,قال ابن القيم رمحه هللا عن مثل
خالل هبا ,فرصعوا الطب بالتسجيع و د
الفقر هؤالء الطباء :وأخلّوا باملقاصد اليت ال ينبغي اإل خ
ّ ّ
املقصود هبا.
خ د
القلوب منها ,وفات وعلم البديع ,فن قص بل عخ ددم ح خ
ظ
ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ تكو خطبته على طرعقة رسول هللا صلى هللا عليه
وأداء ,وقد قال ابن القيم رمحه هللا :وكذلك كانت خخطبخه صلى هللا عليهوسلم مضلوناً ً
وسلم إمنا هي لتقري در أصول اإلُيان ,من اإلُيان باهلل ,ومالئكته ,وكتبه ,ورسله ,ولقائه ,وذكر
امجنة والنار ,وما أع ّد هللا ألوليائه وأهل طاعته ,وما أع ّد ألعدائه وأهل معصيته ,فيمأل
القلوب من خطبته إُياناً وتوحيدا ,ومعرفةً باهلل وأيامه.
وجاء يف حديث جابر بن عبدهللا رضي هللا عنه وعن أبيه أنه قال(( :كان رسول هللا صلى
منذر جيش)) هللا عليه وسلم إذا خطب ا ْمحّرت عيناه ,وعال صوته ,و َّ
اشتد غضبه ,حىت كأنه ٌ
رواه مسلم يف الصحيح.
مر
وحت ّ
يتأثر يف الطبة ويؤثر ,وكان يعلو صوته إذا خطبْ ,
فكان النيب صلى هللا عليه وسلم خ
عيناه ,صلى هللا عليه وسلم.
ومن فقه اخلطيب يف خطبته أ تكو اخلطبةُ قصريًة غريُ ُُملة ,فتكو خن حسب احلاجة,
بعيد ًة عن اإلخالل واإلمالل ,وقد قال أبو وائل :خطبنا عمار رضي هللا عنه فأوجز وأبلغ,
فلما نزل قلنا يا أبا اليقضان :لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ,أي لو كنت أطلتّ
الرجل وقدصر خطبته
مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول :إن طول صالة خ
فقال :إين خ
مئنةٌ من فقهه ,فأطيلوا الصالة وأقصروا الطبة ,وإن من البيان لسحرا)) رواه مسلم يف
الصحيح.
وعند أيب داود وصححه األلباين قال عمار رضي هللا عنه :أمرنا رسول هللا صلى هللا عليه
ب.
وسلم بإقصار الخط ْ
عز وجل ولزوم السنة يف اخلُطب ,و د
البعد وأختِ ُم بأ أوصي نفسي واخلطباء بتقوى هللا َّ
عن احملدثات ,وليحرص الطيب بأن تكون خطبته مع قدص درها حاويةً على فائدة ,وعلى
خماطبةً للعقول بالفوائد ,د
وخماطبةً للقلوب باملواعظ. موعظة ,فتكو خن د