You are on page 1of 301

‫‪3‬‬

‫ألقاها‬
4
‫‪5‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪‬‬

‫الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن لخطبة الجمعة شأنًا عظيمًا يف ديننا القويم ولذا ُم ِّيزت على غيرها من‬
‫الخطابات والمواعظ والدروس بمميزات دلت على أهميتها وذلك كحرمة‬
‫الكالم حال الخطبة مثال وألهنا اللقاء األسبوعي الذي يحضره كثير ممن ال‬
‫يعرفون مجالس الذكر األخرى وال يلتقون بالعلماء وال يسمعون المواعظ‬
‫فكان حريًا بالخطيب أن يوليها اهتمامًا بالغًا وذلك بتخليص نيته من إرادة‬
‫غير اهلل‪ .‬ثم بالتحضير والسداد والقرب من أحاسيـس مستمعيه لتحصيل‬
‫أكرب قدر ممكن من االستــفادة‪ ،‬وال يكن همه إلقاء ما بدا له وكفى‪،‬‬
‫وأن يحرص على مشاركة مجتمعه آالمهم وهمومهم ويسعى يف طرح‬
‫الحلول الشرعية للمشكالت المجتمعية الظاهرة وربط أهلها برهبم‪ ،‬وأن‬
‫يحسن صورة الدين بالخطاب المتّزن بعيدا عن االنفعاالت‬
‫ِّ‬
‫‪6‬‬

‫وأن يطرق من المواضيع والقضايا ما يحسنه أمثاله‪ ،‬ويدع ما ال يحسنه‬


‫لمن يحسن الكالم فيه فليس كل ما ُيعلم ُيقال وال كل ما يقال محله المنابر‬
‫فلكل مقام مقال‪،‬‬
‫وأن يتخير من العبارات واأللفاظ أحسنها ويبتعد عن األلفاظ القاسية‬

‫والجافية التي تنفر القلب‪ ،‬قال اهلل سبحانه { ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ‬

‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ}‬
‫]آل عمران‪[٩5١ :‬‬

‫وكما قيل‪:‬‬
‫ُيصيب القلـوب ويـدمي المقـل‬ ‫وبعض الحروف كضـغط الزنـاد‬
‫ُيداوي الجـروح ويشـفي العلـل‬ ‫وبعض الحروف ُ‬
‫كشـرب الـدواء‬

‫وأن يختار الكلمة الفصيحة الواضحة لدى السامعين وال يغرب يف‬
‫‪ « :‬حدثوا الناس بما يعرفون‬ ‫األلفاظ كما قال أمير المؤمنين علي‬
‫أتريدون أن ُيكذب اهلل ورسوله »‪.‬‬
‫‪ « :‬لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا على قدر عقله‬ ‫قال الشافعي‬
‫ما فهمنا لكنه كان ُيكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه »‪.‬‬
‫وأن يضرب األمثلة المقربة للمقصود بغير توسع فقد ضرب اهلل يف كتابه‬
‫أكثر من أربعين مثال ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫من المهم جدا ها هنا أنه ينبغي للخطيب أن يقرأ الخطبة مرات قبل‬
‫إلقائها على الناس فما يراه غير مناسب لفهم أهل مجتمعه وضع عليه‬
‫خ ّطــًا أو دائرة‪ ،‬وما يراه يحتاج إلى زيادة شرح أو توضيح علق بقلمه ما‬
‫ُيــبــينه وهكذا الخطيب المتفاعل مع خطبته البد أن تظهر عناية فكره على‬
‫إلقائه وتعبيره وأن يكون لعلمه ومخالطته للناس وخربته هبم تقديم وتأخير‬
‫وزيادة وإضافة إلى ما يف الكتاب‪،‬‬
‫وأما مجرد القراءة على الناس مما يف الكتاب فقط فهذا أمر ُيجيده الكثير‬
‫ممن تعلم القراءة‬
‫وتلبيـة لرغبة كثير من المحبين يف إخراج بعض الخطب قام الولد عبد اهلل‬
‫وفقه اهلل بتفريغها من الصوتيات وقمت بمراجعتها وتنقيحها حسب‬
‫اإلمكان‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن ينفعنا هبا والمسلمين والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫حرره‪ :‬صاحل بن عبداهلل الغشامي‬


‫جامع الرمحن بآل ماجوح أعزهم اهلل بطاعته‬
‫‪ /6‬شعبان‪3441/‬هـ‬
‫‪8‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫هلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬ ‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ا ُ‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران ‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}[النساء ‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ } [األحزاب ‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫أما بعد فإن من أعظم المنن وأجل النعم التي يؤتاها العبد‪ ،‬الهداية إلى‬
‫سبيل السالم الهداية إلى الصراط المستقيم‪،‬‬
‫كيف ال وبالهداية تكون السعادة يف الدارين كيف ال وأهل الهداية هم من‬
‫ذاق الطمأنينة على وجهها الحقيقي‪ ،‬وعرفوا رهبم حقًا وسعدوا بـها صدقًا‬
‫‪١‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫ولعظم شأهنا ُأمِر العبد أن يسأل ربه إياها يف اليوم أكثر من سبع عشرة مرة‬

‫فيقول { ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ } ]الفاتحة‪[6-5 :‬‬

‫{ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} ]يونس‪[25 :‬‬

‫أيها المؤمنون إن الهداية منحة عظيمة ال ُتشرتى بمال وال يملك بذلها‬
‫البشر بل اهلل هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ومن يضلله اهلل فال‬

‫هادي له { ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ‬

‫ﮜ ﮝ }]القصص‪. [56 :‬‬


‫إن من هداه اهلل وشرح صدره لالستقامة يعيش حياة مميزة عن حياة من‬
‫ضل سواء السبيل فهو يذوق ماال يذوقه اآلخرون ويشعر بما ال يشعرون به‬
‫ويتلذذ بما ال يصدقون أنه خير من دنياهم‬
‫‪ « :‬لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن‬ ‫ولذا قال الحسن البصري‬
‫فيه لجالدونا عليه بالسيوف »‪.‬‬
‫‪ « :‬الهداية معرفة الحق والعمل به »‪.‬‬ ‫قال ابن القيم‬
‫الناس إلى ثالثة أقسام راشد وغاو‬ ‫وقد قسم الحافظ ابن رجب‬
‫وضال فالراشد من عرف الحق واتبعه والغاوي من عرف الحق ولم يتبعه‬
‫والضال من لم يعرفه بالكلية ‪،‬‬
‫‪٩٠‬‬

‫الخلفاء بالراشدين‬ ‫فكل راشد مهتد‪ ..‬ثم قال وإنما وصف النبي‬
‫ألهنم عرفوا الحق وقضوا به ‪.‬‬
‫هذا واعلموا أن أفضل ما يقدره اهلل لعبده وأجل ما يقسمه له الهدى‬
‫وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضالل وكل نعمة فهي دون نعمة الهدى‬
‫وكل مصيبة فهي دون مصيبة الضالل‬
‫ومن المعلوم الشهير أن الجميع يحب الهداية ويرجوا أن يجعله اهلل من‬
‫أهلها ولكنما يتبين الصادق يف طلبها من غيره عند العمل بأسباهبا فمن أرادها‬
‫بصدق وطلبها بجد فإنه يأيت البيوت من أبواهبا ويجتهد يف بذل أسباهبا ومثل‬
‫هذا حري بالنجاح والفوز ‪.‬‬
‫أما من جعل ديدنه (الهداية بيد اهلل) (اهلل يهدينا) وهو معرض عن اهلل ولم‬
‫يسلك للهداية سبيال وال صحب أهلها ولم يجتنب سبل الغواية فمثله‬
‫كالظمئان الذي بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ومثله كصاحب األرض الذي‬
‫لم يحرثها ولم يبذرها ولم يسقها ويقول الرزق بيد اهلل و جلس مع البطالين‬
‫بال عمل وال بذل أسباب‪ .‬وكما قيل ‪:‬‬
‫إن السفينة ال تجري على اليبس‬ ‫ترجـــو النجـــاة ولـــم تســـلك‬
‫مســـــــــــــــــــــــــالكهاويا من تطمع يف رحمة اهلل من قبل أن تقول‬
‫فيا أيها الحريص على الهداية‬

‫{ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ } ]الزمر‪.[57 :‬‬


‫‪٩٩‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫هاك أسبابها ‪ ,‬فأقبِل والزم بابها ‪ ,‬عساك أن حتظى بها‪:‬‬


‫أوهلا‪ :‬توحيد اهلل جل وعال وإخالص الدين له والبعد عن الشرك قليله‬

‫وكثيره ولهذا أخرب اهلل أن من وقع يف الشرك ضل عن الهداية فقال {ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ } ]النساء‪.[٩٩6 :‬‬
‫فالمشرك ظالم لنفسه ظلما عظيما‪ ،‬والمبتعد عن الشرك حصل من‬

‫الهداية واألمن على قدر ما حصل من التوحيد قال اهلل سبحانه‪{ :‬ﭑﭒ‬

‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ } ]األنعام‪. [82 :‬‬


‫لما سمع الصحابة الكرام هذه اآلية قالوا يا رسول اهلل أينا ال يظلم نفسه؟‬
‫ليس كما ت قولون إنما هو الشرك ألم تسمعوا‬ ‫فقال الرسول‬

‫ما قال لقمان البنه وهو يعظه {ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬

‫ﭴ ﭵ} ]لقمان‪.[٩3 :‬‬
‫فيا من تبتغي هداية اهلل تفقد نياتك يف التعامل مع اهلل‪ .‬واعلم ان تحقيق‬
‫النية الصحيحة ومعالجتها من اشق االشياء على النفوس‪.‬‬
‫قال يحيى بن أبي كثير‪ « :‬تعلموا النية فإهنا أبلغ من العمل‪ ،‬فطالب‬
‫الهداية حقًا البد أن يحرس قلبه من الرياء والكربياء ال يطلب سمعة وال‬
‫شهرة‪ ،‬ليس فخورا وال طالبًا جزاء وال شكورا »‪.‬‬
‫‪٩2‬‬

‫واجتناب‬ ‫ثانيا‪ :‬توطين المرء نفسه على امتثال أمر اهلل وأمر رسوله‬
‫ما هنيا عنه‪ .‬امتثال الراغب المحب المع ِّظم فال يقدّ م على أمر اهلل ورسوله أمر‬
‫غيرهما ال أبًا وال قائدا وال عادة من العادات وال نظاما من األنظمة‪،‬‬
‫وأصحابه الكرام هي عنده أفضل الطرق وأرقاها‬ ‫طريقة رسول اهلل‬
‫ويف سائر األحوال‬ ‫فمن كان هذا دأبه يف االمتثال واالتباع لرسول اهلل‬

‫فليبشر بالهداية قال اهلل تعالى {ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ }]النساء‪.[68 – 66 :‬‬

‫وقال { ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ } ]المائدة‪[٩6 – ٩5 :‬‬

‫وطاعة اهلل ورسوله هداية إلى اهلل قال‬ ‫فالعمل بأمر اهلل ورسوله‬

‫سبحانه {ﭡ ﭢ ﭣﭤ } ]النور‪.[54 :‬‬


‫أرأيتم أيها العقالء لو أن أحد الملوك له أمالك واسعة وهو متصف بالكرم‬
‫والعطاء فطلب من أحد أحبابه أن يقدُ م عليه ليضيفه وليكرمه فأعد له‬
‫المسكن الطيب والطعام الطيب وأرسل له رسوال أمينًا حاذقًا بصير‬
‫بالطريق ليدله على مكان المنزل المفروش وحدد له الطريق ‪.‬‬
‫‪٩3‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫فجاء الرسول إلى الحبيب المطلوب إكرامه ودله على الطريق فأراد‬
‫الحبيب الوصول إلى ما ُأ ِعد له لكنه لم ُيطِع الرسول الدالل فكلما قال له‬
‫الطريق أمامك أخذ يمنة و َي ْس َرة فإن قال له الطريق يمينك أخذ اليسار لشيء‬
‫فضل طريقها‬
‫يلهيه يف تلك الجهة‪ ،‬فانشغل بالمناظر الملهية على طريقه و ّ‬
‫على الطريق التي ُرسمت له‪.‬‬
‫فأخربوين بربكم هل سيصل إلى وجهتِه والمنزل المعدِّ له وهو على هذه‬
‫الحال والمخالفة لمن يريد له الخير‪.‬‬
‫فهذه حال من دعاهم رهبم الى جنته وإكرامه وارسل لهم رسوال صادقًا‬
‫فتلهوا عن هدية وع ّلقوا قلوهبم بمن سواه‬
‫ّ‬ ‫وهاديًا ومبشرا ونذيرا‬
‫فقلوب هويت االندية الرياضية‪ ،‬وقلوب هويت االصوات الغنائية والمزامير‬
‫الشيطانية‪ ،‬وقلوب هويت البدع والمحدثات‪ ،‬وقلوب هويت األفكار‬
‫المستوردات‪ ،‬ثم ينوحون على أنفسهم بأهنم لم يجدوا الهداية ‪،‬‬
‫فواهلل ال هدى إال هداه ‪ ،‬فإن أطعنا رسول اهلل وصلنا مبتغانا ووجدنا طعم‬
‫فلن نصل ولن نجد إال‬ ‫الهداية وإن سلكنا الطرق المخالفة لطريقه‬

‫الخيبة { ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ } ]النور‪.[63 :‬‬
‫‪٩4‬‬

‫أي ر جل من‬ ‫فالمؤمن الصادق يف طلب الهداية ال يعدل برسول اهلل‬


‫الرجال‪ ،‬أو شهير من المشاهير‪ ،‬فال يرتك هدي نبيه لنظريات العباقرة‪ ،‬وال‬
‫ألقوال الدكاترة‪ ،‬وال للموضات الخاسرة‪ ،‬وال لقوانين‬ ‫يرتك هديه‬
‫بائرة‪،‬‬

‫ثالثها‪ :‬اإلنابة إلى اهلل والتوبة إليه يف كل األحوال قال اهلل سبحانه {ﯽ‬

‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ} ] الرعد‪ [27 :‬وقال تعالى‬

‫{ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ } ]الشورى‪[٩3 :‬‬
‫وجمع اهلل سبحانه بين هذا وبين ما قبله يف قوله جل شأنه‬

‫{ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ } ]الزمر‪.[٩8- ٩7 :‬‬
‫فمن أناب إليه سبحانه وطلب الهداية من ربه بصدق وأقبل على طاعته‬

‫وسعى للهداية سعيها فإن اهلل قال { ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ }‬


‫]الكهف‪[3٠ :‬‬
‫ُ‬
‫العاقل تلك اللحظات‬ ‫وإن العبد ليجد للقلب إقباال وإدبارا فإن استغل‬
‫النفيسات واغتنم يقظة القلب وإقبا َله خير اغتنام كان ذلك من ُحسن اهتدائه‬
‫‪٩5‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫اللحظات إليه مرة أخرى فكونوا منيبين بقلوبكم إلى ربكم‬


‫ُ‬ ‫فقد ال تعود تلك‬
‫يهدكم إليه صراطًا مستقيما‪.‬‬
‫فيتوكل العبد‬ ‫رابعها‪ :‬االعتصام باهلل جل وعال وكتابه وسنة رسوله‬
‫عليه ويمتنع بقوته سبحانه من كل شر حتى يشعر هبداية اهلل له قال سبحانه‪:‬‬

‫{ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} ]آل عمران‪ [٩٠٩ :‬وقال جل‬

‫وعال {ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ} ]النساء‪[٩75 :‬‬

‫وتمسكك بغير‬
‫ُ‬ ‫فيامن ترجو الهداية حق اليقين‪ .‬ال تجعل اعتصامك‬
‫الرحمن الرحيم اترك التعلق بالسحرة والعرافين‪ ،‬اترك التمسك باألغنياء‬
‫وحول وجهتك واعتصامك إلى‬
‫ِّ‬ ‫والمرتفين ال تعتصم بالملوك والسالطين‬
‫هادي األنبياء والمرسلين واستغ ِن به عن الناس أجمعين‬
‫وأستغـفر اهلل العظيم‪.‬‬
‫‪٩6‬‬

‫الـخطبــة الثـانيــة‬
‫الحمد هلل الحميد األعلى‪ ،‬الذي خلق فسوى‪ ،‬والذي قدر فهدى‪ ،‬وبيّن‬
‫لخلقه سبيل الهدى‪ ،‬وأنذرهم ُسبل الردى‪ ،‬ويزيد اهلل الذين اهتدوا هدى‪،‬‬
‫والصالة والسالم على النبي المجتبى والرسول المصطفى وعلى صحابته‬
‫أيها الناس‪.‬‬ ‫ومن بنهجهم اقتدى ‪.‬‬
‫خامس‪ :‬أسباب الهداية‪ ،‬القرآن الكريم نور السالكين قال اهلل تبارك‬

‫وتعالى {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ } ]البقرة‪[2 - ٩ :‬‬

‫وقال { ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬

‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ } ]اإلسراء‪[١ :‬‬
‫فيا باحثًا عن الهداية إن كنت جادا صادقًا فدونك كتاب اهلل قراءة وتدبرا‬
‫واتباعًا‪ ،‬فيه الهدى والنور فيه الشفاء لما يف الصدور لمن عرفه حق المعرفة‬

‫استمعه الجن وتأملوه فأسلموا وانشرحت صدورهم وقالوا {ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ } ]الجن‪[2 – ٩ :‬‬

‫وقال اهلل سبحانه عنهم {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ } ]األحقاف‪[3٠-2١ :‬‬
‫‪٩7‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫وقال سبحانه { ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬

‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ } ]سبأ‪[6 :‬‬

‫وهو يقرأ يف المغرب‬ ‫النبي‬


‫كان جبير بن مطعم من أسارى بدر فسمع َ‬
‫بالطور فلما بلغ قوله تعالى { ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}‬
‫]الطور‪ [35 :‬قال كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر اإليمان يف قلبي ‪،‬‬

‫قال اهلل سبحانه {ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ } ] الشورى‪[52 :‬‬

‫وقال سبحانه { ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ }‬
‫]المائدة‪[٩6 -٩5 :‬‬

‫سادسها‪ :‬مجاهدة النفس يف االهتداء { ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ } ]محمد‪.[٩7 :‬‬
‫‪ :‬علق اهلل سبحانه الهداية بالجهاد فأ ُ‬
‫كمل الناس هداية‬ ‫قال ابن القيم‬

‫أعظمهم جهادا‪ ،‬أي جهادا ألنفسهم يف طاعته قال سبحانه {ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ } ]العنكبوت‪[6١ :‬‬
‫‪٩8‬‬

‫وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا‬
‫فمن جاهد هذه األربعة يف اهلل هداه اهلل سبل رضاه الموصلة إلى جنته ‪ ،‬ومن‬
‫ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد ‪،‬‬
‫فيا طالبًا للهداية ويا كارهًا للغواية راجع نفسك يف صدقها هل جاهدهتا‬
‫يف إقامة صالهتا؟ هل جاهدهتا يف تحقيق توحيد رهبا؟ هل جاهدهتا يف‬
‫إصالح صيامها؟ هل جاهدهتا يف أخذ حظها من القرآن؟‬
‫هل جاهدهتا يف اختيار صالح اإلخوان؟ هل جاهدهتا يف مجانبة فسدة‬
‫الخالن؟ إن كنت كذلك فاعلم أن اهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال‪ ،‬واحذر‬
‫أن تكون كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه‬
‫وسابع األسباب‪ :‬هو طلب الهداية من رب األرباب بالدعاء والتضرع‬
‫أن يسلك بك طرق الهداية ويصرفك عن الغواية فلوال هو سبحانه‬
‫ما اهتدينا وال تصدقنا وال صلينا ولذلكم قال سبحانه يف الحديث القدسي‬
‫«يا عبادي كلكم ٌّ‬
‫ضال إال من هديته فاستهدوين أهدكم ‪»...‬‬
‫كان يقول‬ ‫أن النبي‬ ‫ويف صحيح مسلم عن ابن مسعود‬
‫« اللهم إين أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى »‪.‬‬
‫يقول ‪« :‬اللهم اهدين ويسر هداي إلي» ‪ ،‬ويف دعاء القنوت‬ ‫وكان النبي‬
‫يطلب المسلم الهداية من اهلل اللهم اهدين يف من هديت‪.‬‬
‫‪٩١‬‬ ‫أسباب اهلداية‬

‫فاللهم اهدنا صراطك المستقيم‪ ،‬واجعلنا يف طلب الهداية من الصادقين ‪،‬‬


‫وألسباهبا سالكين ‪ ،‬واشرح صدورنا واصلح قلوبنا‪ ،‬اللهم اصلح أحوال‬
‫المسلمين حكامًا ومحكومين‪ ،‬اللهم اهدنا واهد بنا واصلحنا واصلح بنا ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪2٠‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َوأَ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلـه‬
‫‪.‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪ { .]٩:‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}‬
‫[األحزاب‪.]7٩-7٠ :‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬

‫َأ ُّي َها ُ‬


‫المسلمون إن ُخطبتَنا إليكم اليوم عن رجال‪ُّ ،‬‬
‫وأي رجال عن قوم هم‬
‫ن ُُجوم األرض قوم أثنى عليهم ر ُّب ُهم يف ُمحكم كتابِه‪ ،‬وأثنى عليهم نَبيُّنا‬
‫‪2٩‬‬ ‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‬

‫يف صحيح ُسنتِه‪ ،‬بل بشرهم اهلل بجنات عدن‪ ،‬وهم َيسيرون على‬
‫ُهم تالمِذته وأصهاره‬ ‫الرجال هم أصحاب نَب ِّيكم محمد‬
‫األرض هؤالء ِّ‬
‫لفاؤه‪ ،‬وآل بيتِه األطهار‪.‬‬
‫وخ ُ‬ ‫ُ‬
‫ُمؤمنًا به‪،‬‬ ‫هذا وإن الصحابي عند أهل اإلسالم هو من َل ِق َي النبي‬
‫ب النبي‬ ‫ِ‬
‫ومات على ذلك‪ ،‬وقال اإلمام أحمد بن حنبل‪ :‬الصحابي من َصح َ‬
‫سنة‪ ،‬أو شهرا‪ ،‬أو يومًا‪ ،‬أو ساعة‪،‬‬

‫‪{:‬ﭑﭒ‬ ‫على هؤالء األصفياء فقال‬ ‫فأما ثناء اهلل‬

‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬
‫‪{ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ﭝ}[التوبة‪ ،]٩٠٠ :‬وقال‬

‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ}‬
‫[التوبة‪،]88 :‬‬
‫واهلل ال ُيخلِف‬ ‫ِ‬
‫فهذا وعدُ اهلل لهم بأن ُه قد َرض َي عنهم‪ ،‬وأعد لهم الجنات‪ُ ،‬‬
‫بالحسنى لمن أسلم قبل الفتح أو بعده‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯳ‬
‫الميعاد‪ ،‬بل وعدهم وعدا ُ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫والحسنى هي الجنة‪ ،‬وقال‬
‫ُ‬ ‫ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ }[الحديد‪،]٩٠ :‬‬

‫سبحانه عن نجاهتم من ِخزي يوم القيامة‪{:‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬

‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}[التحريم‪،]8 :‬‬
‫‪22‬‬

‫وقال تعالى‪ {:‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ} [الفتح‪.]٩8 :‬‬


‫وس ِّم َيت بذلك ألن اهلل َر ِض َي‬
‫الرضوان‪ُ ،‬‬
‫وهذه ال َبيعة هي المعروفة ببيعة ِّ‬
‫َعن أهلها‪ ،‬و َعلِ َم ما يف ُق ُلوبِ ِهم من اإليمان فأنزل السكينة عليهم‪ ،‬وال شك أن‬
‫من أعظم ما ُيعطا ُه أهل الجنة هو إحالل اهلل عليهم ِرضوانه‪ ،‬وأن ُه ال يسخط‬
‫عليهم أبدا‪.‬‬
‫أما الصحابة فقد ُب ِّشروا برضوانه عليهم ُمقدمًا‪ ،‬وهم ال زالوا يف الدُّ نيا؛‬
‫الرضا‪ .‬وأخربنا سبحانه يف كتابه الكريم عن عظيم ما كان‬
‫فهنيئًا لهم هذا ِّ‬
‫راحم‪ ،‬والتآ ُلف بينهم‪ ،‬بل وأخرب عن ُحسن‬
‫عليه الصحابة من التواد والت ُ‬
‫‪{:‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫قصدهم ومبتغاهم و ُمرادهم؛ فقال‬

‫ﭙ ﭚ ﭛﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ}[الفتح‪]2١ :‬‬

‫أن صفوة وخيرة هذه األُمة هم من كانوا معه‪ ،‬ففي‬ ‫و ُيخرب رسول اهلل‬
‫قال‪ :‬خَ ْي ُرك ُْم َق ْرنِي‪،‬‬ ‫الحصين أن رسول اهلل‬ ‫الصحيحين عن عمران بن ُ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم‪ُ ،‬ثم الذ َ‬
‫ُثم الذ َ‬
‫وهم حملة الدِّ ين؛ فإنك إذا نظرت‬ ‫كيف ال يكون الصحابة خيار األُمة‪ُ ،‬‬
‫وحجك وك ُِّل عباداتك من أخربك أن هذا‬
‫ِّ‬ ‫أيها ال ُمسلم يف صالتِك وصيامك‪،‬‬
‫‪ ،‬ولم تسمعه من ُه؟ من‬ ‫تلق رسول اهلل‬
‫‪ ،‬وأنت لم َ‬ ‫هو دي ُن الر ُسول‬

‫نقل إ َليك وإلى ُ‬


‫المسلمين هذا الدِّ ين قبل وجود الطباعة لل ُكتُب؟‬
‫‪23‬‬ ‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‬

‫قال تعالى‪{:‬ﮓ ﮔ‬ ‫إن الذي وعى لنا ديننا هي ُصدُ ور الصحابة‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ}[العنكبوت‪.]4١ :‬‬
‫المسلمون كثيرا وكثيرا عن معارك اإلسالم كبدر‬
‫عباد اهلل‪ :‬لقد سمع ُ‬
‫ال ُكربى‪ ،‬و ُأ ُحد‪ُ ،‬‬
‫وحنين‪ ،‬والخندق‪ ،‬والقادسية وال ُب ُعوث الن َبوية‪ ،‬فمنهم‬
‫رجال تلك المغازي‪ ،‬ومن قادهتا‪ ،‬ومن ُشهداؤها؟ أال من كان يستهين بشأن‬
‫؛ فل ُيخربنا على أكتاف من ُفتِ َحت الشام؟ ومن‬ ‫أصحاب محمد‬
‫الفاتِحون لمصر؟ ومن فتحوا المشارق والمغارب وعلى يد َمن زلزلة‬
‫الروم وال ُفرس؟ ومن كسر كِسرى؟ ومن قصر قيصر؟‬ ‫ُعروش ُّ‬
‫لفاؤ ُه‬
‫وخ ُ‬ ‫‪ُ ،‬‬ ‫المهاجرون واألنصار إنهم أصحاب محمد‬ ‫إن ُهم ُ‬
‫الحلماء ال ُفهماء عاشوا مع َمن؟‬ ‫ِ‬
‫الرجال ال ُعظماء‪ ،‬وال ُعلماء ُ‬
‫الراشدون أولئك ِّ‬
‫لم ُهم مِن َفم‬ ‫ِ‬
‫وحجوا مع َمن؟ وصاموا مع َمن؟ وتعلموا ع َ‬ ‫ُّ‬ ‫وصلوا خلف َمن؟‬
‫مسجد من؟ وجاهدوا تحت ِ‬
‫راية َمن؟؟‬ ‫ِ‬ ‫َمن؟ وتربوا على َي ِد َمن؟ ودرسوا يف‬
‫َ‬
‫الذي حثنا على احرتامهم‬ ‫إن ُه إما ُمهم وحبي ُب ُهم و ُمع ِّل ُم ُهم رسول اهلل‬
‫‪َ «:‬ال ت َُس ُّبوا َأ ْص َحابِي‪َ ،‬ف َل ْو أن َأ َحدَ ك ُْم‬ ‫وأجاللهم‪ ،‬واألدب معهم؛ فقال‬
‫َأ ْن َف َق ِمثْ َل ُأحد َذهبا ما ب َلغَ مد َأح ِد ِهم و َال ن ِ‬
‫َص ْي َف ُه»‪.‬‬ ‫ُ ًَ َ َ ُ َ ْ َ‬
‫‪.‬‬ ‫روا ُه الشيخان عن أبي سعيد‬
‫‪24‬‬

‫ب فقال‬ ‫قد لعن من تعرض لهؤالء السادة القادة بالس ِّ‬ ‫بل إن ُه‬
‫ِ‬ ‫والمالئِك َِة والنا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ .‬روا ُه‬‫أج َمع ْ‬
‫س ْ‬ ‫أص َحابي َف َع َل ْيه لَ ْعنَ ُة اهلل َ‬
‫‪َ «:‬م ْن َسب ْ‬
‫المؤمن الكريم أن من‬
‫الطرباين عن ابن عباس‪ ،‬وصح َح ُه األلباين‪ ،‬فلتعلم أ ُّيها ُ‬
‫التعرض لهم بالطعن؛ فقد طعن اإلسالم ألن‬ ‫ُّ‬ ‫بسب الصحابة‪ ،‬أو‬ ‫ِّ‬ ‫ابتُلِ َي‬
‫الصحابة هم ُش ُهود اإلسالم‪ ،‬ونقلت ُه إلينا وإلى األُمم‪،‬‬
‫وخ َل ُ‬
‫طاؤه‪،‬‬ ‫ساؤه ُ‬
‫؛ ألن ُهم جل ُ‬ ‫ومن طعن فيهم فقد طعن يف النبِ ِّي‬
‫؛ ألن ُه‬ ‫والم ُلوك‪ ،‬فالطعن فيهم طعن فيه‬
‫ُ‬ ‫ور ُس ُل ُه إلى األُمم‬
‫ووزراؤه ُ‬
‫ُ‬
‫فر والحضر‪ ،‬والمرء على دين خليلِه‪ ،‬ومعنى ذلك‬ ‫ُمع ِّل ُمهم وإما ُم ُهم يف الس ِ‬

‫َ‬
‫والخ َونة‪ ،‬وال يدري بما‬ ‫المنافقين‬ ‫ِ‬
‫قر ُب من ُه ُ‬
‫ال يفطن لمن ُيجالسه‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫أن ُه‬
‫عن ذلك‪ ،‬وحاشا أصحابه وأحبابه عما يقو ُل ُه‬ ‫هم عليه‪ ،‬وحاشا ُه‬
‫والمنافقون‪.‬‬
‫الظالمون ُ‬
‫فسرين‬
‫والم ِّ‬
‫ُ‬ ‫والمحدِّ ثين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عباد اهلل لقد اهتم ُعلماء اإلسالم من ال ُف َق َهاء‬
‫ؤرخين قديمًا وحديثًا بحماية جناب الصحابة الكِرام‪ ،‬وتأصيل‬ ‫والـ ُم ِّ‬
‫محبتِهم ومواالهتم يف ُكتُب العقائد وفاء لِ َح ِّقهم علينا‪،‬‬
‫المطهرة يف‬
‫والسنة ُ‬
‫ُّ‬ ‫وواجبُنا الشرعي نحوهم واقتداء بال ُقرآن الكريم‬
‫تبجيلِ ِهم واحرتامهم‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‬

‫المجــامع‬
‫ُ‬ ‫جريــر‬
‫ُ‬ ‫إذا جمعتنــا يــا‬ ‫أولئــك آبــائي فجئنــي بمــثلهم‬
‫مسلم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫الهم ما كان يف‬
‫ولو ُ‬ ‫ـحاب النبــي وحز ُبــه‬
‫أولئــك أصـ ُ‬
‫هــم‬
‫ولكــن رواســيها وأوتادهــا ُ‬ ‫هـم كـادت تميـدُ بأهلهـا‬
‫ولوال ُ‬
‫ــم‬
‫ـم فيهــا بــدُ ور وأن ُْج ُ‬
‫ولكــن هـ ُ‬ ‫هم كانـت ظالمـًا بأهلهـا‬ ‫ولوال ُ‬
‫‪ ،‬وال‬ ‫أصحاب رسول اهلل‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وقد قال الطحاوي يف عقيدَ ته‪ « :‬ونُح ُّ‬
‫ُبغ ُض من ي ِ‬
‫بغ ُض ُهم‪،‬‬ ‫نُفر ُط يف حب أحد منهم‪ ،‬وال نتربأ من أحد منهم‪ ،‬ون ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وحبُّ ُهم دين وإيمان وإحسان‪،‬‬
‫خير‪ُ ،‬‬ ‫وبغير الخير يذك ُُرهم‪ ،‬وال نذك ُُرهم إال بِ َ‬
‫غض ُهم كُفر ونِفاق و ُطغيان‪َ ،‬و َم ْن َأ َح َس َن القول يف أصحاب رسول اهلل‬ ‫و ُب ُ‬
‫وذرياتِ ِه الـ ُمقدسين مِ ْن ك ُِّل ِرجس؛ فقد‬ ‫ِ ِ‬
‫وأزواجه الطاهرات من ك ُِّل َدنَس ِّ‬
‫َب ِر َئ مِ َن النِّفاق »‪،‬‬
‫السنة والجماعة سالم ُة‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ « :‬ومن ُأ ُصول أهل ُّ‬
‫كما وصفهم اهلل بِ َقولِ ِه‪:‬‬ ‫ِ‬
‫صحاب رسول اهلل‬ ‫وألسنَتِ ِهم ألَ‬
‫ِ‬ ‫ُق ُلوبِ ِهم‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} »[الحشر‪]٩٠ :‬‬

‫وأستغـفر اهلل‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫الــخـطبــــة الـثـــــانـيـــة‬
‫بأخيار‬ ‫المن ِة شديد ِ‬
‫المحال أكرم نبي ُه‬ ‫الحمد هلل الكبير الـمتعال عظيم ِ‬
‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬ونَصر دينه باألصحاب واآلل‪ ،‬وقال لنَبِيِّ ِه فيهم‪{ :‬ﭕ ﭖ‬ ‫ِّ‬
‫ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ}[األنفال‪ ،]63-62 :‬وصلوات اهلل وسال ُمه على خاتم النبِيِّين‪ ،‬وسيِّد‬
‫‪.‬‬ ‫المرسلين محمد‬
‫ُ‬
‫يت على إبراهيم وعلى‬ ‫صل على محمد وعلى ِ‬
‫آل محمد‪ ،‬كما صل َ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما‬
‫باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أ ُّيها الـمـُسلمون‪ ،‬لقد ابتلى اهلل الصحابة وامتحنهم حتى ت جلى فيهم‬
‫بعد ما َق ِدم المدينة يص ِّلي نحو ب ِ‬
‫يت‬ ‫ُر ُسوخ اإليمان والتسليم؛ فقد كان‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫المقدس ستة عشر شهرا‪ ،‬وكان يو ُّد أن ُيص ِّلي نحو الكعبة‪ ،‬فقال ُ‬
‫اهلل ل ُه‪:‬‬

‫{ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ }[البقرة‪]٩44 :‬‬

‫قال ابن ُع َمر‪ :‬فبينَما الناس بِ ُقباء يف صالة ُّ‬


‫الصبح إذ جاءهم آت‪ ،‬فقال‪ :‬إن‬
‫قد أنزل عليه الليلة ُقرآن‪ ،‬وقد أمر أن يستقبل الكعبة؛‬ ‫رسول اهلل‬
‫وجوههم إلى الشام‪ ،‬فاستداروا إلى الكعبة‪،‬‬
‫فاستقبلوها‪ ،‬وكانت ُ‬
‫‪27‬‬ ‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‬

‫وجه قبل ذلك إلى بيت المقدس ليُعلم من الذي سيتجرد‬


‫فجعل اهلل الت ُّ‬
‫ومن الذي َس َيرتدد‪،‬‬ ‫ال ِّتباع الرسول‬

‫‪{ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫فقال‬

‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}[البقرة‪،]٩43 :‬‬
‫حينها مثال قل مثي ُله؛ فاستداروا يف نفس‬ ‫فضرب أصحاب محمد‬
‫نفس الفريضة من ا ِّتجاه الشام إلى ا ِّت ِ‬
‫جاه الكعبة‪ ،‬ولم يتَوانوا‬ ‫ِ‬ ‫اللحظة‪ ،‬ويف‬
‫حتى ُيكملوا تلك الفريضة‪ ،‬فهنيئًا لهم استجابت ُُهم و ُمبادرهتم إلى الطاعة‬
‫مهما تغير عليهم من العادات؛‬
‫وخيَ َالئِها‪ ،‬وأرعدت وأزبدت أنها‬
‫ولـما أتت ُقريش يف بدر بخيلها ُ‬
‫قِلة‪،‬‬ ‫‪ ،‬ومن معه‪ ،‬وكان أصحاب رسول اهلل‬ ‫ُ‬
‫ستستأصل ُمحمدا‬
‫والعتاد قليل‪ ،‬فاستشار الصحا َب َة ليعلم مدى النُّصرة؛‪.‬‬

‫فتكلم بعضهم بما ُيثلِ ُج ُّ‬


‫الصدُ ور حتى قالوا‪ :‬واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬لن نقول‬
‫هاهنا‬ ‫ِ‬
‫لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‪( :‬إذهب أنت ور ُّبك فقاتال إنا ُ‬
‫قاعدون)‪ ،‬بل نقول لك‪ :‬إذهب أنت ور ُّبك فقاتال إنا معكما ُمقاتلون‪ ،‬واهلل‬
‫لو ُخ ْض َت بنا عرض هذا البحر ُ‬
‫لخضنا ُه معك‪ ،‬وما تخلف منا َر جل واحد‪،‬‬
‫وخذ من أموالنا ما ِشئت‪ ،‬وما‬
‫ئت‪ ،‬واقطع حبل من شئت‪ُ ،‬‬‫فصل حبل من ِش َ‬ ‫ِ‬
‫‪28‬‬

‫أحب إلينا مما تركت؛ فأشرق واستنار وجه رسول اهلل‬


‫ُّ‬ ‫أخذت من أموالنا‬
‫َ‬
‫‪.‬‬
‫على شرفِهم العالي‪ ،‬و َقدْ ِر ِهم السامي‬ ‫عباد اهلل‪ ،‬إن أصحاب محمد‬
‫ليس معناه أن ُهم معصومون من الخطأ‪ ،‬بل هم بشر ممن خلق اهلل يقع من‬
‫أفرادهم الزلل والهفوة‪ ،‬ويعرتيهم النقص البشري؛‬
‫ولكن يجب علينا أن نعلم أن ذلك ال ُيبيح ألحد من الناس النيل من‬
‫أعراضهم والتن ُّقص من قدرهم؛ فإن ُه مهما وقع من الصحابة من الخطأ؛ فهو‬
‫مغمور يف ُب ُحور فضائِلِهم وإحساهنم‪ ،‬والـ ُمسلم النقي الت ِقي هو من اتبع يف‬
‫؛ فقد علمنا كيف التعا ُمل مع أخطاء أصحابه إن‬ ‫ذلك هدي محمد‬
‫وإحسان الظ ِّن هبم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حصلت‪،‬‬
‫ول اهللِ‬
‫‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ب َعثَنِي َر ُس ُ‬ ‫يحين عن أمير المؤمنين َعلِي‬ ‫ِ‬
‫ففي الصح َ‬
‫الم ْقدَ ا َد ْب َن األَ ْس َودِ‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْنطَ ِل ُقوا َحتى تَأْتُوا َر ْو َض َة خَ اخ‪َ ،‬فإِن‬ ‫الزبير‪ ،‬و ِ‬
‫َأنَا َو ُّ َ ْ َ َ‬
‫المسافرة َو َم َع َها كِتَاب َفخُ ُذو ُه ِمن َْها»‪َ ،‬فانْ َط َل ْقنَا‬ ‫بِ َها َظعينَةً‪ ،‬والظعينة‪ :‬المرأ ُة ُ‬
‫ِ‬

‫َت َت َعا َدى بِنَا َخيْ ُلنَا َحتى ا ْن َت َه ْينَا إِ َلى الر ْو َض ِة‪َ ،‬فإِ َذا ن َْح ُن بِالظ ِعين َِة‪َ ،‬ف ُق ْلنَا َأ ْخ ِر ِجي‬
‫َاب‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬ما َم ِعي مِ ْن كِتَاب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكت َ‬
‫اص َها‬ ‫ُخ ِر ِجن الكِتَاب َأو َلنُ ْل ِقين الثِّياب؛ َف َأ ْخرج ْته مِن ِع َق ِ‬ ‫َف ُق ْلنَا‪َ :‬لت ْ‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫يه مِ ْن َحاطِ ِ‬
‫ب ْب ِن َأبِي َب ْلتَ َع َة إِ َلى ُأنَاس‬ ‫‪َ ،‬فإِ َذا فِ ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫حجزهتا‪َ ،‬ف َأ َتيْنَا بِ ِه َر ُس َ‬
‫‪2١‬‬ ‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‬

‫ول اهللِ‬ ‫ض َأم ِر رس ِ‬ ‫الم ْش ِركِي َن مِ ْن َأ ْه ِ‬ ‫ِ‬


‫َف َق َال َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫خبِ ُر ُه ْم بِبَ ْع ِ ْ َ ُ‬ ‫ل َمك َة ُي ْ‬ ‫م َن ُ‬
‫ب َما َه َذا؟»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪َ «:‬يا َحاط ُ‬
‫ال َت ْع جل َع َلي إِنِّي ُكن ُْت ا ْم َرأ ُم ْل َصقا فِي ُق َر ْيش‪َ ،‬و َل ْم‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ون‬ ‫َأ ُك ْن مِ ْن َأنْ ُف ِس َها‪َ ،‬وكَا َن م ْن م َع َك مِ َن الم َه ِ‬
‫اج ِري َن َل ُه ْم َق َرا َبات بِ َمك َة َي ْح ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫يهم‪َ ،‬أ ْن َأت ِ‬ ‫يهم و َأموا َلهم؛ َف َأحبب ُت إِ ْذ َفا َتنِي َذلِ َك مِن النس ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫خ َذ‬ ‫بف ِْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫بِ َها َأ ْهل ِ ْ َ ْ َ ُ ْ‬
‫ال ْارتِدَ ادا‪َ ،‬و َ‬
‫ال ِرضا بِال ُك ْف ِر‬ ‫ت ُك ْفرا َو َ‬ ‫ون بِ َها َق َرا َبتِي‪َ ،‬و َما َف َع ْل ُ‬
‫ِعنْدَ ُه ْم َيدا َي ْح ُم َ‬
‫‪«:‬لَ َقدْ َصدَ َقك ُْم»‪،‬‬ ‫ول اهللِ‬ ‫بَ ْعدَ ِ‬
‫اإل ْسالَ ِم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬

‫‪ :‬إِن ُه‬ ‫المنَافِ ِق‪َ ،‬ق َال‬ ‫ِ‬ ‫َف َق َال عمر‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬د ْعني َأ ْض ِر ْ‬
‫ب ُعن َُق َه َذا ُ‬ ‫ُ َُ َ َ ُ‬
‫ون َق ِد اط َل َع َع َلى َأ ْه ِل َبدْ ر‬
‫اهلل َأ ْن َي ُك َ‬
‫يك َل َعل َ‬ ‫َقدْ َش ِهدَ َبدْ را‪َ ،‬و َما ُيدْ ِر َ‬
‫َف َق َال‪ :‬ا ْع َم ُلوا َما ِش ْئت ُْم؛ َف َقدْ َغ َف ْر ُت َل ُك ْم ‪.‬‬
‫للمهاجرين واألنصار‪،‬‬
‫ارض عن الصحابة أجمعين‪ .‬اللهم اغفر ُ‬
‫اللهم َ‬
‫وآل ب ِ‬
‫يت نَبِ ِّي َك األطهار {ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬ ‫َ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ}‪ ،‬واجعلنا من الذين اتب ُعوهم بإحسان‪.‬‬
‫ول علينا ِشرارنا‪ .‬اللهم اجعل واليتنا يف من‬
‫ول علينا خيارنا‪ ،‬وال ُت ِّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫خافك واتقا َك‪ ،‬واتبَ َع ِر َ‬
‫ضاك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪3٠‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن َس ِّيئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل َت َعا َلى َبي َن َيدَ ِي السا َعة َبشيرا َونَذيرا‪َ ،‬و َداع َيًا إِ َلى اهلل بِإِ ْذنه َوس َر َ‬
‫اجًا‬ ‫َأ ْر َس َل ُه ُ‬
‫ات اهللِ وس َالمه َع َل ِ‬
‫يه َو َع َلى آلِ ِه َو َص ْحبِ ِه‪َ ،‬و َم ْن َتبِ َع ُهم بِإِ ْح َسان إِ َلى‬ ‫ُمنِيْرا َص َل َو ُ‬
‫َ َ ُُ‬
‫َي ْو ِم الدِّ ْي ِن‪.‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر ْاألُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫إِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ار‪...‬‬ ‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫‪3٩‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫عمة مِ َن النِّ َعم‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َأما بَ ْعدُ َأ ُّي َها اإلخو ُة الـ ُمسل ُمون‪ ،‬إن ُخطبة اليوم عن ن َ‬
‫الصلة َبين‬ ‫ِ‬ ‫العظام‪ ،‬وهي كذلك عبادة من العبادات ِ‬ ‫ِ‬
‫الجسام أال وهي نعمة ِّ‬
‫وربِّه إنها ُركن الدِّ ين العظيم إنها ماحي ُة السيِّئات‪ .‬إنها َعون الـ ُمسلم‬ ‫ِ‬
‫العبد َ‬
‫على قضاء الحاجات‪ ،‬وإ َليها يفزع الـ ُمؤمنون عند الـ ُملِمات‪ ،‬وتنهى أهلها‬
‫عن الفحشاء والـ ُمنكرات‪ ،‬وهي ُأنس الـ ُمتقين و ُقرة أعينهم لكنها ثقيلة على‬
‫غير الخاشعين والخاشعات‪.‬‬
‫اهلل العباد باالستعانة هبا على كُل ما ُيصلح الدِّ ين والدُّ نيا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وقد أمر ُ‬
‫{ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ } [البقرة‪.]45:‬‬

‫وقال‪{:‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ}‬
‫[البقرة‪ ،]٩53 :‬فهي عون من اهلل للعبد على ُأمور دينه‪ ،‬ومصالح ُدنياه لمن أداها‬
‫كما أمره اهلل‪،‬‬
‫‪ « :‬الصال ُة من أكرب ال َعون على تحصيل مصالح الدُّ نيا‬ ‫قال ابن ال َق ِّيم‬
‫واآلخرة‪ ،‬ودفع مفاسد الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وهي منهاة عن اإلثم‪ ،‬ودافعة ألدواء‬
‫ال ُقلوب‪ ،‬ومطردة لداء الجسد‪ ،‬ومنورة للقلوب‪ ،‬ومبيضة للوجه‪ ،‬ومنشطة‬
‫للرزق‪ ،‬ودافعة لل ُّظلم‪ ،‬وناصرة للمظلوم‪ ،‬وقامعة‬
‫للجوارح والنفس‪ ،‬وجالبة ِّ‬
‫ألخالط الشهوات‪ ،‬وحافظة للنِّعمة‪ ،‬ودافعة للنِّقمة‪ ،‬ومنزلة للرحمة‪،‬‬
‫وكاشفة لل ُغمة‪ ،‬ونافعة من كثير من أوجاع البطن »‪،‬‬
‫‪32‬‬

‫َ‬
‫أفضل‬ ‫المؤمنون‪ ،‬بما أن للصالة منافع عظيمة‪ ،‬ومزايا كثيرة تجع ُلها‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫من كثير من العبادات‪ ،‬فإننا نذكر يف مقامنا هذا واحدة من فضائلها وحسبنا‬
‫هبا‪ ،‬أال وهي تكفيرها ُّ‬
‫للذنوب وتطهيرها لل ُمؤمنين من السيِّئات‪ ،‬ونعمت‬
‫المطهر ُة ِهي‪.‬‬
‫فإن المسلم ال يخلو من الزالت والعثرات يف دنيا ِ‬
‫الفتَن ال ُملِمات يف‬ ‫ُ‬
‫سوقِه‪ ،‬أو مع جيرانِه والقرابات‪ ،‬فجعل اهلل مفزعه إلى هذه الصلوات؛‬
‫‪ :‬ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا‬ ‫‪ :‬قال النبِ ُّي‬ ‫قال ابن مسعود‬
‫َصل ْيت ُُم ال َف ْج َر َغ َس َلت َْها‪ُ ،‬ثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا َصليْت ُُم الظُّ ْه َر َغ َس َلت َْها‪،‬‬
‫ُثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا َصليْت ُُم ال َع ْص َر َغ َس َلت َْها‪ُ ،‬ثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن‬
‫الع َشا َء‬‫َفإِ َذا صليتُم الـم ْغرِب َغس َلتْها‪ُ ،‬ثم تَحتَرِ ُقو َن تَحتَرِ ُقو َن‪َ ،‬فإِ َذا صليتُم ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫َغ َس َلت َْها روا ُه الطرباين‪.‬‬
‫الذنُوب حروق وجمر على صاحبها‪،‬‬ ‫احرتاقًا؛ ألن ُّ‬ ‫فسما ُه الرسول‬
‫ولهذا فإن المسلم يطلب من اهلل أن ِ‬
‫يغسله من ُذنُوبِه بالماء والثلج والربد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الذنُوب لصاحبها ي ِ‬
‫غسله العبدُ المسلم‪ ،‬بإذن اهلل بإقامته‬ ‫فهذا التحريق من ُّ‬
‫للصالة المشروعة؛‬
‫اب َأ َح ِدك ُْم َي ْغت َِس ُل ِمنْ ُه‬ ‫‪َ :‬أ َر َأ ْيت ُْم لَ ْو أَن ن َْه ًرا َجار بِبَ ِ‬ ‫وهكذا قال النبِ ُّي‬
‫كُل َي ْوم َخ ْم َس َمرات َأ َي ْب َقى ِم ْن َد َرنِ ِه َش ْيء؟ َقالُوا‪َ :‬ال َي ْب َقى ِم ْن َد َرنِ ِه َش ْيء‪،‬‬
‫ك َمثَ ُل الص َل َوات الْخَ ْمس َي ْم ُحو اهلل ُ بِ ِهن الْخَ طَ َايا ‪،‬‬‫َق َال‪َ :‬ف َذلِ َ‬
‫‪33‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫فمن المعلوم الـ ُمبين ما يقع من الصفاء والنقاء‪ ،‬والنظافة ألجسام‬


‫المكثرين‪ ،‬ولو يف اليوم مرة كيف لو ُو ِجد من يغتسل يف‬ ‫تطهرين بالماء ُ‬
‫الـ ُم ِّ‬
‫يومِه خمس مرات ال شك أن ُه ال يبقى أثر لدرنِه‪ ،‬وال لِ َع َرقِه وال وسخ قليل‬
‫وال كثير‪،‬‬
‫لمن ُيحافظ على الصلوات‬ ‫فهذا المثل ضربه الرسول الكريم‬
‫اهلل بِ ِهن الخطايا‪،‬‬
‫الخمس كيف يمحو ُ‬
‫يقول‪َ « :‬ما ِم ِن‬ ‫سمعت رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫وعن ُعثمان بن عفان‬
‫وضو َء َها َوخُ ُشو َع َها َو ُركُو َع َها‬‫ْ‬ ‫ْامرِئ ُم ْس ِلم ت َْح ُض ُر ُه َص َالة َم ْكتُو َبة؛ َف ُي ْح ِس ُن‬
‫ك الد ْه َر كُل ُه»‬ ‫ُوب َما لَ ْم ت ُْؤ َت َكبِ َيرة َو َذلِ َ‬ ‫الذن ِ‬ ‫َت كَف َار ًة لِ َما َقبْ َل َها ِم َن ُّ‬
‫إِال كَان ْ‬
‫روا ُه مسلم‪.‬‬
‫المسلمون‪ ،‬لقد دل حديث ُعثمان لما شهد به الحديثان السابقان من‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫همًا ال يجوز أن‬ ‫تكفير الصلوات ُّ‬
‫للذنوب والمعاصي إال أن ُهناك شيئًا ُم ِّ‬
‫يغيب عن األذهان لمن أراد أن ال تكون صالته كصالة أهل الحرمان‪،‬‬
‫وضو َء َها َو ُخ ُشو َع َها‬
‫ْ‬ ‫وهو قوله عليه الصالة والسالم‪َ :‬ف ُي ْح ِس ُن‬
‫َو ُركُو َع َها ؛ فاشرتط فيها اإلحسان‪ ،‬وذلك ال يتم إال بإتمام شروطها‬
‫بذلك فقال‪َ :‬ص ُّلوا ك ََما‬ ‫وواجباهتا مع األركان‪ ،‬وقد أمركم نَب ُّيكم‬
‫َر َأ ْيت ُُمونِي أُ َص ِّلي ‪،‬‬
‫‪34‬‬

‫بالتفاصيل ُركنًا ُركنًا‪ ،‬وحرفًا‬ ‫وقد نقل الصحابة الكرام صالة نَبيّهم‬
‫حرفًا وحتى ال ُّطمأنينة والسكتة نقلوها‪َ ،‬و َدو َن ذلك كُله أئمة اإلسالم‬
‫َر ِح َم ُهم اهلل يف كتب الحديث والفقه كي ال يبقى لمسلم عذر ليعبث بصالته‪،‬‬
‫فليس كُل من صلى ُيعترب ُمقيمًا للصالة‪ ،‬وال حاصال على ما ُذكِ َر يف هذه‬
‫األحاديث مما ت ُعود به الصالة من المنافع العاجلة واآلجلة على أهلها‪،‬‬
‫َب لَ ُه ِمن َْها إِال‬
‫‪« :‬إِن الْ َع ْبدَ لَ ُي َص ِّلي الص َال َة َما ُي ْكت ُ‬ ‫ولهذا قال الرسول‬
‫ُع ْش ُر َها‪ ،‬ت ُْس ُع َها‪ُ ،‬ث ُمن َُها‪ُ ،‬سبُ ُع َها‪ُ ،‬سدُ ُس َها‪ُ ،‬خ ُم ُس َها‪ُ ،‬ربُ ُع َها‪ُ ،‬ث ُلثُ َها نِ ْص ُف َها»‪ .‬روا ُه‬
‫أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫فلهذا حرص أسالف األمة الصالحون على ضبط صلواهتم أوقاتًا‬
‫وطهارة‪ ،‬وسكينة وطمأنينة‪ُ ،‬‬
‫وخ ُشوعًا وجماعة؛‬
‫الزبير ُيص ِّلي يف الحجر‪،‬‬
‫‪ « :‬كان عبد اهلل بن ُّ‬ ‫قال عمرو بن دينار‬
‫والمنجنيق يلقي الحجارة‪ ،‬فما يلتفت وذلك لـما حاصروه »‪.‬‬
‫الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على‬
‫وقال يحيى بن وثاب‪ « :‬كان ابن ُّ‬
‫ظهره ال تحسب إال أن ُه جذم حائط »‪.‬‬
‫أ ُتحدِّ ث نفسك يف الصالة؟ قال‪:‬‬ ‫وقيل لعامر بن عبد قيس‬
‫« ُأ َحدِّ ثها بالوقوف بين يدي اهلل »‪.‬‬
‫الزبير‪ ،‬وحضرته سكرات الموت؛ فسمع‬
‫ومرض عامر بن عبد اهلل بن ُّ‬
‫ُمؤ ِّذنًا ُينادي للصالة‪ ،‬فقال خذوا بيدي قالوا‪ :‬إنك معذور‪ ،‬فقال‪ « :‬سبحان‬
‫‪35‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫اهلل أسمع منادي ربي؛ فال ُأجيبه؟ » فأخذوه ِ‬


‫بيده‪ ،‬فدخل مع اإلمام يف صالة‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫المغرب‪ ،‬فسجد وفارق الدُّ نيا ولم يرفعوه إال ميِّتًا‪.‬‬

‫بعض السلف قول اهلل تعالى‪ { :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬


‫ولمـا سمع ُ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ }[النساء‪ ]43 :‬قال‪ :‬كم من مصل‬


‫لم يشرب الخمر‪ ،‬وهو يف صالته ال يعلم ما يقول قد أسكرته الدُّ نيا‪.‬‬
‫‪ ،‬والنبِ ُّي ينظر إ َليه؛ َف َجا َء َو َسل َم‬ ‫هذا وقد صلى ر جل بحضرة النبِ ِّي‬
‫ك لَ ْم ت َُص ِّل َف َر َج َع‬‫ك الس َال ُم ْار ِج ْع َف َص ِّل َفإِن َ‬ ‫َع َلى النبِ ِّي ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪َ :‬و َع َل ْي َ‬
‫ك الس َالم ْار ِج ْع َف َص ِّل‬ ‫َو َصلى‪ُ ،‬ثم َجا َء َف َسل َم َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه النبِ ُّي ‪َ :‬و َع َل ْي َ‬
‫الح ِّق‪َ ،‬ال ُأ ْح ِس ُن َغيْ َر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك لَ ْم ت َُص ِّل ‪ُ .‬ثم َق َال َل ُه في الثالثَة‪َ :‬والذي َب َعثَ َك بِ َ‬ ‫َفإِن َ‬
‫َان الص َالةِ‪،‬‬
‫َأ ْرك َ‬ ‫َه َذا؛ َف َع ِّل ْمنِي‪ُ ،‬ثم َعل َم ُه الر ُس ْو َل‬
‫فهذا َر جل ُمسلم صلى َو َر ُسول اهلل ينظر إِ َليه يف ذلك العصر الذي َخيْ ُره‬
‫ك لَ ْم ت َُص ِّل ‪ ،‬فعاد لِ َصالتِه؛‬
‫ال ُغبار َع َليه‪ ،‬ومع هذا قال ل ُه‪َ :‬ص ِّل َفإِن َ‬
‫المسلم أن تتصور كيف س ُيص ِّلي‪ ،‬وقد قال ل ُه يف األولى إن َِّك لم‬
‫ولك أ ُّيها ُ‬
‫ِّ‬
‫فصل‬ ‫صل‪ ،‬وكيف سيُ َغ ِّير و ُيصلِح‪ُ ،‬ثم بعد هذا يقول ل ُه يف الثانية ارجع‬
‫ُت ِّ‬
‫فإن َك لم ُت ِّ‬
‫صل؛‬
‫كم ُه على صالة هذا الر جل بأنها‬‫وح َ‬
‫ُ‬ ‫إن هذا الموقف من الرسول‬
‫المؤمن أن تكون صال ُته غير مقبولة ال ِسيما أولئك‬
‫ليست بصالة يخيف ُ‬
‫‪36‬‬

‫والس ُجود مع ال ُّطمأنينة‪ ،‬بل ينقروهنا نقرا { ﯢ‬


‫الركُوع ُّ‬
‫الذين ال ُيقيمون ُّ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ }[إبراهيم‪.]4٠:‬‬
‫جعلني اهلل وإياكُم ممن أقامها‪.........‬‬
‫وأستغـفر اهلل‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫الــخـطبـة الـثــانـيــة‬
‫غافر الذنب شديد العقاب‪ .‬والصالة والسالم‬ ‫الحمد هلل الكريم التواب‪ِ .‬‬

‫على خير من صلى وأناب‪ .‬وعلى آل بيتِه واألصحاب‪ .‬ومن َتبِ َعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الحساب‪.‬‬
‫المسلمون أال تتفكرون فيما جعل ر ُّبكم لصالتِكم من تعظيم وهتيئة‬‫أ ُّيها ُ‬
‫مكاهنا؛ فألجلها ُأمِر الـ ُمسلمون ببناء المساجد ألداء الصلوات فيها بعيدا‬
‫ِّ‬
‫والشراء‬ ‫عن الشواغل والـ ُملهيات‪ ،‬وألجلها ن ُِّزهت المساجد عن البيع‬
‫والسؤال عن المفقودات ُح ِّرمت يف المساجد؛‬ ‫وحتى نشد الضآلة ُّ‬
‫ج ِد؛‬
‫الم ْس ِ‬
‫َاع في َ‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ :‬إِ َذا ر َأيتُم من يبِيع َأو يبت ِ‬
‫َ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ َْ ُ‬
‫َف ُقولُوا‪َ :‬ال َأ ْر َب َح اهلل ُ تِ َج َارت َ‬
‫َك‪َ ،‬وإِ َذا َر َأ ْيت ُْم َم ْن َين ُْشدُ َضالةً؛ َف ُقولُوا‪َ :‬ال َرد َها اهللُ‬
‫اجدَ لَ ْم ُتبْ َن لِ َه َذا»‪.‬‬ ‫ك ‪ ،‬ويف رواية‪َ :‬فإِن الْ َم َس ِ‬ ‫َع َل ْي َ‬
‫وألجل الصالة ُأمِ َر الـ ُمسلم أن يجعل أمامه يف صالتِه ما َيستُره من‬
‫الـمارة‪ ،‬وإن مر أحد بينه وبين سرتته؛ فليد َف ْعه فإن أبى فليُقاتِل ُه أي يدافعه‬
‫أكثر‪ ،‬وألجل الصالة ن ُِه َي من بِ ِه رائحة الثُّوم والبصل أن يدخل المساجد‬
‫المص ِّلين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لئال ُيؤذي ُ‬
‫حرم على الـ ُمص ِّلي أن يأكل أو يشرب أو يتكلم‪ ،‬أو‬
‫ولتعظيم الصالة ِّ‬
‫يضحك أو يلتفت أو يصرف نظره يمينًا وشماال‪،‬‬
‫‪38‬‬

‫بالسواك مع ك ُِّل صالة‪ ،‬ولعظيم‬ ‫ألَمرهم ِّ‬ ‫ولوال أن َي ُشق على ُأمتِه‬
‫الم َص ِّلي َما َذا َع َل ْي ِه‪ ،‬لَك َ‬
‫َان َأ ْن‬ ‫‪« :‬لَ ْو َي ْع َل ُم ال َم ُّار َب ْي َن َيدَ ِي ُ‬ ‫المقام فيها قال‬
‫ين خَ ْي ًرا لَ ُه ِم ْن َأ ْن َي ُمر بَيْ َن َيدَ ْي ِه»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َي ِق َ‬
‫ف َأ ْربَع َ‬
‫المسلمين‪،‬‬
‫عباد اهلل‪ ،‬أليس هذا دليل واضح على مكانة الصالة يف حياة ُ‬
‫وأن شأهنا أعلى وأعلى بكثير مما هي عليه يف حياتنا اليوم‪،‬‬
‫وللمكانة العالية التي حازت عليها الصالة يف حياة األُمة الـ ُمحمدية أن‬
‫الح ِّج مرة يف ال ُعمر‪،‬‬ ‫ُش ِر َعت يف أمور ذات ِّ‬
‫أهمية؛ فكان ُركن اإلسالم يف َ‬
‫ورمضان يف العام مرة والزكاة يف العام مرة أما الصالة ففي ك ُِّل يوم خمس‬
‫وش ِر َعت‬
‫مرات‪ ،‬وليس ذلك فحسب بل ُش ِر َعت نوافل الليل ونوافل النهار‪ُ ،‬‬
‫وش ِر َعت عند ُ‬
‫الخسوف‬ ‫عند توديع الجنائز من الدُّ نيا صالة الجنازة‪ُ ،‬‬
‫والكسوف صالة‪،‬‬
‫وعند القحط والجدب صالة‪ ،‬وعند األعياد اإلسالمية صالة‪ ،‬وعند‬
‫االستخارة يف ُم ِهمات األمور صالة‪ ،‬وهذه داللة على أن الصالة تخللت‬
‫للمسلم‬
‫حياة المرء الـ ُمسلم يف كثير من المجاالت واألحوال؛ فال حياة ُ‬
‫يسعد هبا إال بِالصالة يخلو فيها بِ َر ِّبه تعالى‪ ،‬و ُيناجيه و َيبُ ُّ‬
‫ث فيها حاجته‬
‫وشكاويه‪.‬‬
‫‪َ « :‬أ ْق َر ُب َما َيكُو ُن الْ َع ْبدُ ِم ْن َر ِّب ِه‪َ ،‬و ُه َو َس ِ‬
‫اجد»‬ ‫قال النبِ ُّي‬
‫‪3١‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫يحجبك من ُه حاجب‪ ،‬وال َي ُر ُّدك ألنك‬ ‫ُ‬ ‫ئت ليس‬ ‫لمناجاتِه متى ِش َ‬
‫تدخل ُ‬
‫قرك‪ ،‬بل يسمعك بدون‬ ‫ضعيف‪ ،‬أو ليس لك جاه‪ ،‬وال ير ُّدك لِ َلونِك وال لِ َف ِ‬

‫واسطة مهما تعثرت يف تعبيرك بحاجاتك أو بكيت؛ فاحمد اهلل يا ُمسلم؛‬


‫‪ « :‬من مثلك يا ابن آدم ُخ ِّلي‬ ‫قال بكر بن عبد اهلل المزين‬
‫بينك وبين المحراب والماء كُلما شئت دخلت على اهلل ليس بينك و َبينه‬
‫ُترجمان »‪.‬‬
‫قال‪َ :‬ق َال اهلل ُ َت َعالَى‪َ :‬ق َس ْم ُ‬
‫ت‬ ‫بل جاء يف صحيح ُمسلم أن رسول اهلل‬

‫الص َال َة َبيْنِي َوبَ ْي َن َع ْب ِدي نِ ْص َف ْي ِن‪َ ،‬ولِ َعبْ ِدي َما َسأَ َل‪َ ،‬فإِ َذا َق َال الْ َع ْبدُ ‪ { :‬ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ}[الفاتحة‪َ ،]2 :‬ق َال اهللُ َت َعالَى‪َ :‬ح ِمدَ نِي َعبْ ِدي‪َ ،‬وإِ َذا َق َال‪:‬‬

‫{ﭛ ﭜ}[الفاتحة‪َ ،]3:‬ق َال اهلل ُ َت َعالَى‪ :‬أَ ْثنَى َع َلي َعبْ ِدي‪َ ،‬وإِ َذا َق َال‪:‬‬

‫{ﭞ ﭟ ﭠ} [الفاتحة‪َ ،]4:‬ق َال‪َ :‬مجدَ نِي َعبْ ِدي‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪ { :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥ }[الفاتحة‪َ .]5:‬ق َال‪َ :‬ه َذا َب ْينِي َو َب ْي َن َعبْ ِدي‪َ ،‬ولِ َع ْب ِدي َما َسأَ َل‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪:‬‬

‫{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ }[الفاتحة‪َ .]7-6:‬ق َال‪َ :‬ه َذا لِ َع ْب ِدي َولِ َع ْب ِدي َما َسأَ َل ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ولهذا قال اإلمام ابن ال َق ِّيم‬
‫« والنَّاس يف الصَّالة على مراتب مخس‪:‬‬
‫فرط‪ ،‬وهو الذي انتقص من وضوئها‬
‫األولى‪ :‬مرتبة الظالم لنفسه الـ ُم ِّ‬
‫ومواقيتها‪ ،‬وحدودها وأركاهنا‪.‬‬
‫‪4٠‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬من ُيحافظ على مواقيتها وأركاهنا الظاهرة لكن قد ضيع‬
‫ُمجاهدة نفسه يف الوسوسة؛ فذهب مع الوسواس واألفكار‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬من حافظ على حدودها وأركاهنا‪ ،‬وجاهد نفسه يف دفع‬

‫الوسواس؛ فهو مشغول بِمجاهدة ِّ‬


‫عدوه لئال يسرق صالته‪ ،‬فهو يف صالة‬
‫وجهاد‪.‬‬
‫المرتبة الرابعة‪ :‬من إذا قام إلى الصالة أكمل حقوقها وأركاهنا واستغرق‬
‫هم ُه ُك ُّل ُه مصروف‬ ‫ِ‬
‫قلبه ُمراعاة حدودها وحقوقها لئال ُيضيع شيئًا منها‪ ،‬بل ُّ‬
‫إلى إقامتها كما ينبغي‪.‬‬
‫المرتبة الخامسة‪ :‬من إذا قام إلى الصالة قام إ َليها كذلك‪ ،‬ولكن ُه قد أخذ‬
‫وعظمتِه كأن ُه يرا ُه‬
‫َ‬ ‫قلبه ووضعه َبين َيدَ ي ر ِّبه ُمراقبًا ل ُه ممتَلِئًا من محبتِه‬
‫شاهدُ ه وقد اضمحلت تلك الوساوس‪ .‬وهذا بينه وبين غيره يف الصالة‬ ‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫أعظم مما بَين السماء واألرض؛‬
‫حاسب‪ ،‬والثالث ُمك ّفر عن ُه‪ ،‬والرابع‬
‫فالقسم األول ُمعاقب‪ ،‬والثاين ُم َ‬
‫ُمثاب‪ ،‬والخامس ُمقرب من َر ِّبه »‪.‬‬
‫فع ِّظم رب َك أ ُّيها الـ ُمص ِّلي وأحسن عبادته‪ .‬وأتقن الوقوف َبين َيدَ يه؛ فهل‬
‫جزاء اإلحسان إال اإلحسان‪.‬‬
‫‪4٩‬‬ ‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب‬

‫‪ « :‬فالصال ُة من أكرب ال َعون على تحصيل‬ ‫قال العالمة اب ُن ال َق ِّيم‬


‫مصالح الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ودفع مفاسد الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وهي منهاة عن اإلثم »‪.‬‬
‫اللهم اغفر لنا ذنوبنا‪ ،‬وإسرافنا يف أمرنا‪ ،‬وال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‪،‬‬
‫اللهم أعنا على إقام الصالة‪ ،‬ربنا وتقبل دعاء‪........‬‬

‫‪‬‬
‫‪42‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫ـه األَ ْخ َيـار‪ .‬ما سجى ليل‬ ‫صلى اهلل وسلم عليه‪ ،‬وع َلى آلِ ِه األَبـرار‪ ،‬و َأصحـابِ ِ‬
‫ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫وأشرق هنار‪.‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر‬ ‫َأما َب ْعدُ ‪َ ،‬فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللِ‪َ ،‬و َخ ْي َر ال َهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي‬
‫الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫‪43‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫يف كتابِه الكريم أن الناس يف‬ ‫المؤمنون‪ ،‬عباد اهلل‪ :‬لقد أخرب اهلل‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫هذه الدُّ نيا منهم من يعيش يف سعادة‪ ،‬ومنهم من يعيش يف ضنك وضيق‪.‬‬

‫‪ {:‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ‬ ‫فقال‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ}‬
‫[طه‪،]321-321 :‬‬
‫وإذا نظر الناظر منكم‪ ،‬وسأل كثيرا من الناس اليوم كيف حياتك يا ُفالن؟‬
‫وكيف شؤونك‪ ،‬كيف أنت يف بيتك؟ كيف أنت مع زوجك؟ كيف أنت مع‬
‫أوالدك؟ كيف أنت مع جيرانك‪ ،‬وإخوانك‪ ،‬وشركائك يف العمل؟‪،‬‬
‫بل كيف أنت مع نفسك يف نومك ويف خلوتك؟؛ لنثر لك ِجرابًا من‬
‫وربما قال لك‪ :‬الولد عاق‪ ،‬والزوجة فيها‬
‫الشكاوى والهموم واألحزان‪ُ ،‬‬
‫كيت‪ ،‬والجيران فيهم وفيهم‪ ،‬وأنا كرهت الحياة‪ ،‬كرهت بلدي وال ُأريد‬
‫أهلها؛‬
‫والذي غادر البلد يقول‪ :‬كرهت االغرتاب‪ ،‬وهذا يشكو من َأبيه‪،‬‬
‫وذاك يشكو من أخيه‪ ،‬وهذه تشكو زوجها‪ ،‬وهذا يشكو زوجته‪ ،‬وآخر‬
‫عمه‪ ،‬وآخر يشكو من جاره‪ ،‬وأصحاب العمل يشكون من‬
‫يشكو ابن ِّ‬
‫ال ُعمال‪ ،‬وال ُعمال يشكون من ضغط أرباب األعمال‪ ،‬والراعي يشكو من‬
‫رعيتِه‪ُ ،‬‬
‫وش ُعوب تشكو من ُرعاهتا‪ ،‬هذا حال كثير من الناس‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫تنوعة‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫تجددة ُ‬
‫الم ِّ‬
‫دول العالم اليوم أرهقتها األمراض ُ‬
‫مصائب عامة وخاصة‪ ،‬يذكر لك المرء من أحواله‪ ،‬ما ي جلب لك‬
‫االستغراب‪ ،‬وآخر يشكو من قِلة األرزاق‪ ،‬وآخر عنده أرزاق لكن يشكو من‬
‫المحق‪ ،‬وقِلة الربكات‪ ،‬وآخر يشكو من األمراض النفسية والعصبية‪،‬‬
‫والسحر والشعوذات‪.‬‬
‫وأمراض المس ِّ‬
‫المجتمعات‪ ،‬ولكن ما هو دواؤها‬ ‫وهذه علل ومشاكل وأمراض تئن منها ُ‬
‫وما ِشفاؤها؟ قال عليه الصال ُة والسالم‪َ « :‬ما َأ ْن َز َل اهللُ ِم ْن َداء إِال َوأَ ْنز ََل لَ ُه‬
‫َد َوا ًء َع ِل َم ُه َم ْن َع ِل َم ُه‪َ ،‬و َج ِه َل ُه َم ْن َج ِه َل ُه»‪.‬‬
‫للمشكالت من هنايات‪ ،‬ولكن المرض ال ُيعالج إال‬
‫عباد اهلل‪ ،‬البد ُ‬
‫المس ِّببات‪ ،‬التي جلبت لنا اآلفات‪ ،‬وهكذا مشاكل البُيوت‬
‫بعد معرفة ُ‬
‫والمجتمعات يف األنفس‪ ،‬أو ُّ‬
‫الذريات أو الزوجات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الناس اآلن يشكون ويصيحون‪ ،‬كثير من الشباب يشكون مما يف طريق‬
‫الزواج من ُصعوبات‪ ،‬وآخرون يتألمون من كثرة البنات العانسات‪ ،‬هناك‬
‫مشاكل كثيرة ال ُت َعد وال تكفي فيها ُخطبة؛‬
‫الهموم؟ من أين‬
‫فما أسباهبا وما الذي جلب لنا هذه المصائب؟ من أين ُ‬
‫ال ُغموم؟ من أين األحزان التي جلبت على الناس؟ اشرتى الناس الدُّ شوش‬
‫واألغنيات من أجل أن يرتاحوا؛ فما وجدوا تلك األُمنيات‪ ،‬زمروا وطبلوا‪،‬‬
‫‪45‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫وتركوا ما تركوا من الدِّ ين‪ ،‬وتنصلوا من الحفاظ على الصلوات مع‬


‫الجماعات؛ ليسعدوا يف نظرهم الخاطئ؛ فما وجدوا إال ال ُك ُربات‪.‬‬
‫مسك الصحيح بالشريعة ألجل أن يأخذوا ما شاءوه‬
‫ترك بعض الناس الت ُّ‬
‫من الشهوات‪ ،‬فلم يجدوا طيب ال َعيش‪ ،‬ساح الناس يف الرباري‪ ،‬ويف‬
‫السواحل‪ ،‬ومن مدينة إلى ُأخرى‪ ،‬ومن دولة إلى ُأخرى‪ ،‬ليطردوا همومهم‪،‬‬
‫ويذهب عنهم ضيقهم‪ ،‬ولكن ال جدوى وهيهات‪ ،‬بل ربما زادت البلوى‬
‫بليات؛‬
‫المؤمنون‪ ،‬تختلف أفهام الجميع يف أسباب ما َس ِمعتم‪ ،‬ولكن العليم‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫السر وأخفى الذي يعلم الظاهر والباطن‪ ،‬والذي‬
‫الخبير سبحانه الذي يعلم ِّ‬
‫أحاط بكل شيء علمًا‪ .‬قد بي َن لنا أسباب تلك الباليا‪ ،‬وما الذي أوقعنا يف‬
‫األنكاد والرزايا من أجل أن نتجنبها إن كُنا ُعقالء‪.‬‬

‫أخربنا اهلل أن أسباب كُل هذه المشاكل يف األُسر ُ‬


‫والمجتمعات واألوطان‬
‫المسليات‪ ،‬وليست قِلة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫والش ُعوب والدُّ َول‪ .‬ليست قلة المال‪ ،‬وال قلة ُ‬
‫الجيوش والطائرات‪ ،‬بل أخرب سبحانه أن‬ ‫ِ‬
‫المآكل والمشروبات‪ ،‬وليست قلة ُ‬
‫ُّ‬
‫والذنُوب‬ ‫والمخالفات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫سبب ذلك كُل ُه أمر واحد‪ ،‬وهو المعاصي‬
‫المتتابِعات‪.‬‬
‫ُ‬
‫إن معصية اهلل هي التي جلبت للناس كُل هم وغم ومرض‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫عندك مشاكل بينك وبين زوجك ؟ اعلم أن ُهناك ُذنُوب ومعاصي‪.‬‬


‫عندك ولد عاق؟ اعلم أنك بحاجة إلى التوبة من ُذنُوبك‪ .‬عندك أب‬
‫ظالم؟ اعلم أنك بحاجة إلى االستغفار‪ .‬عندك إخوان وأعمام وأقارب‬
‫الذنُوب‬‫مشاحنون مشاغبون ؟ عليك باإلستغفار‪ .‬فقد أخرب اهلل سبحانه أن ُّ‬
‫وتمحق األرزاق و ُت ِ‬
‫فسدُ‬ ‫ُ‬ ‫فسدُ عـلـى اإلنـسـان حياتــه‪ ،‬بـل ُتـفـ ِسدُ الثِّمار‪،‬‬
‫ُت ِ‬
‫الرب‪ ،‬و ُت ِ‬
‫فسدُ البِحار‪.‬‬

‫اهلل جل وعال يف كتابه الكريم‪{ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬


‫قال ُ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌﰍ}[الروم‪،]4٩ :‬‬

‫ويقول سبحانه‪ { :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬

‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}[الشورى‪.]3٠ :‬‬

‫ويـقول سبحانه‪ { :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ }‬


‫[النحل‪]33 :‬‬

‫الناس هم الذين ظلموا أنفسهم‪ ،‬فإنها لم ت ُكن األمراض يف آباءنا وأجدادِنا‬


‫مثل ما هي عندنا اليوم‪ ،‬أجدادنا لم يملكوا مستشفيات‪ ،‬وال وزارات‬
‫للصحة‪ ،‬وال منظمات‪ ،‬وال شركات أدوية وال صيدليات‪.‬‬
‫ِّ‬
‫المس‬
‫ّ‬ ‫ومع ذلك لم ي ُكن عندهم من أنواع المرض الجسماين‪ ،‬وال‬
‫الشيطاين ما هو منتشر فينا اليوم‪ ،‬فلماذا نبقى غافلين‪ ،‬إن الحياة السعيدة‬
‫‪47‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫ليست بوجود األكالت الشهية وال الفواكه الجنية‪ ،‬وال المنازل العلية‪ .‬مع‬
‫الروح عن الحياة اإليمانية‪.‬‬
‫بعد ُّ‬
‫فعلينا أن نتدارك أنفسنا إن كُنا ُعقالء‪ ،‬وهذا بالغ أيضًا من نَبيِّنا محمد‬

‫ُيخبِرنا أن ُذنُوب العباد َت ُض ُّر أصحاهبا‪ُ ،‬‬


‫وربما تتعدى بضررها إلى‬
‫غيرهم من أهليهم‪ ،‬أو مواشيهم أو ُز ُروعهم‪.‬‬
‫أن‬ ‫روى اإلمام أحمد والتِّرمذي وصححه األلباين عن ابن عباس‬
‫اضا ِم َن اللبَ ِن‬
‫الجن ِة‪َ ،‬و ُه َو َأ َشدُّ بَيَ ً‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ « :‬ن َز َل َ‬
‫الح َج ُر األَ ْس َو ُد م َن َ‬ ‫النبي‬
‫َف َسو َد ْت ُه خَ طَ َايا بَنِي آ َد َم»‪.‬‬
‫هذه واحدة من آثار المعاصي‪ ،‬بل إن أي عرق يؤذيك‪ ،‬سببه ُّ‬
‫الذنُوب؛‬
‫قال‪:‬‬ ‫فلقد روى الطرباين عن الرباء بن عازب‪ ،‬وصحح ُه األلباين أن النبي‬
‫ِ‬
‫اختَ َل َج ع ْرق َو َال َعيْن إِال بِ َذنْب ‪َ ،‬و َما َيدْ َف ُع ُ‬
‫اهلل َعنْ ُه َأ ْكثَ ُر»‪.‬‬ ‫« َما ْ‬
‫َف َق َال‪َ « :‬يا َم ْع َش َر‬ ‫ول اهللِ‬‫َق َال‪َ :‬أ ْقبَ َل َع َل ْينَا َر ُس ُ‬ ‫وعن ابن عمر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْ ُم َه ِ‬
‫ُوهن‪ :‬لَ ْم‬ ‫ين‪َ ،‬خ ْم ُس خ َصال إِ َذا ابْتُليت ُْم بِ ِهن‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِاهلل َأ ْن تُدْ ِرك ُ‬ ‫اجرِ َ‬
‫اع‬‫ون َو ْاأل َ ْو َجــ ُ‬
‫يه ُم الطا ُع ُ‬ ‫اح َش ُة فِي َق ْوم َق ُّط َحتى ُي ْع ِلنُوا بِ َها‪ ،‬إِال َف َشا فِ ِ‬
‫َتظْهرِ الْ َف ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التِــي لَم َتـ ُكـن مـ َض ْ ِ‬
‫ت في َأ ْسـ َالف ِهـ ُم الذ َ‬
‫ين َم َض ْوا‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ين َو ِشدةِ الْ َمئُون َِة َو َج ْو ِر‬ ‫ولَم ينْ ُقصوا الْ ِم ْكي َال والْ ِميزَا َن إِال ُأ ِخ ُذوا بِ ِ‬
‫السن َ‬‫ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫ان ع َلي ِهم‪ ،‬ولَم يمنَعوا َزكَا َة َأموالِ ِهم‪ ،‬إِال منِعوا الْ َقطْر ِمن السم ِ‬
‫اء‪َ ،‬ولَ ْو َال‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫الس ْلطَ ِ َ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫ُّ‬
‫‪48‬‬

‫الْبَ َهائِ ُم لَ ْم ُي ْمطَ ُروا‪َ ،‬ولَ ْم َينْ ُق ُضوا َع ْهدَ اهلل ِ َو َع ْهدَ َر ُسولِ ِه‪ ،‬إِال َسل َط اهللُ َع َل ْي ِه ْم‬
‫يه ْم‪َ ،‬و َما لَ ْم ت َْحك ُْم أَئِمت ُُه ْم بِكِت ِ‬
‫َاب‬ ‫َعدُ ًّوا ِم ْن َغ ْيرِ ِه ْم َفأَخَ ُذوا َب ْع َض َما فِي َأ ْي ِد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل تعالى‪َ ،‬و َيتَخَ ي ُروا ف ْي َما َأ ْنز ََل اهللُ‪ ،‬إِال َج َع َل اهلل ُ بَأْ َس ُه ْم بَ ْين َُه ْم» روا ُه ا ْب ُن َم َ‬
‫اجه‬
‫و َغ ُيره‪.‬‬
‫‪ ،‬مصائب القحط واألمراض وجور السالطين‪ ،‬وتس ُّلط‬ ‫عد َد الرسول‬
‫األعداء‪ ،‬وفساد ذات ال َبين‪ُ ،‬ثم أرجع أسباهبا إلى أعمالنا‪ ،‬ومخالفاتنا لشرع‬
‫والشراء‪ ،‬وتطفيف الكيل والوزن‪ ،‬و ُفشو المنكرات‪،‬‬ ‫اهلل يف ِّ‬
‫الغش يف البَيع ِّ‬
‫وعدم تحكيم الشريعة يف كل ما شجر بيننا من خالفات‪ ،‬والتال ُعب بأموال‬
‫الزكوات‪ ،‬وهذا كالم اهلل‪ ،‬وهذا كالم رسولِ ِه عليه الصالة والسالم ُيخبِ ُر عن‬
‫بعض األُمم الماضية‪ ،‬التي جاءهتا النِّعم من ك ُِّل ناحية‪ ،‬وكانوا يف رغد من‬
‫ال َعيش وعافية‪ ،‬ولكن تلك النِّ َعم تحولت إلى نِ َقم‪ِّ ،‬‬
‫والشبع تحول إلى ُجوع‪،‬‬
‫واألمن إلى َخوف‪ ،‬والسبب ُذنُو ُبهم‪.‬‬

‫قال اهلل جل وعال يف كتابِ ِه الكريم‪ { :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ }[النحل‪]٩٩2 :‬‬

‫ُبدِّ لوا برغد ال َعيش جوعًا‪ ،‬وبدل األمن خوفًا‪ ،‬لماذا تغيرت األحوال؟‬

‫قال سبحانه‪ { :‬ﭷ ﭸ ﭹ }‪،‬‬


‫‪4١‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫الذنُوب أنها ُتزيل النِّعم‪ ،‬و ُت ِ‬


‫ح ُّل النِّ َقم فما زالت عن العبد‬ ‫ومن عقوبات ُّ‬
‫َ‬
‫نعمة إال لذنب ارتكبه‪ ،‬وال حلت به نقمة إال بذنب كما قال الخليفة الرابع‬
‫‪« :‬ما نزل بالء إال بذنب‪ ،‬وال ُرفِ َع إال بتوبة»‪،‬‬ ‫علي بن أبي طالب‬

‫وقد قال تعالى‪{ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬

‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ }[الشورى‪ ،]3٠ :‬وقال تعالى‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}[األنفال‪،]53 :‬‬
‫فأخرب اهلل تعالى أن ُه ال ُيغ ِّي ُر نعمته التي أنعم هبا على أحد من عباده‪ ،‬حتى‬
‫كره بِ ُك ِ‬
‫فره‪،‬‬ ‫بنفسه‪ .‬ف ُي َغ ِّير طاعة اهلل بمعصيَتِه‪ُ ،‬‬
‫وش َ‬
‫يكون هو الذي يغير ما ِ‬
‫ُ ِّ ُ‬
‫وأسباب رضا ُه بأسباب سخطِه‪ ،‬فإذا غير ُغ ِّير عليه‪ ،‬جزاء ِوفاقًا وما ر ُّبك‬
‫والذل بِ ِ‬
‫اهلل بال َء ُه بالعافية‪ُّ ،‬‬
‫الع ِّز‪.‬‬ ‫بظالم للعبيد‪ ،‬فإن َغي َر المعصيَة بالطاعة غير ُ‬
‫قال تعالى‪ { :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ }[الرعد‪،]٩٩ :‬‬
‫اهلل جل وعال عن بعض الممالك التي كانت يف بالد سبإ من‬
‫ولهذا أخرب ُ‬
‫الز ُروع والبساتين من أعظم النِّعم سماها‬
‫أعظم ُملوك اليمن‪ ،‬وكانت عندهم ُّ‬

‫اهلل يف كتابِه آية‪ ،‬فقال‪ {:‬ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ }[سبإ‪.]٩5 :‬‬


‫‪5٠‬‬

‫كانت الجنات عن يمين الوادي‪ ،‬وعن ِشماله‪ ،‬وفيها ما تشتهيه األن ُفس من‬
‫والزروع والثِّمار‪.‬‬
‫نعيم الدُّ نيا‪ ،‬الفواكه ُّ‬
‫فسرون أن المرأة كانت يف سبإ تحمل زنبيال على رأسها‪ ،‬وتمشي‬
‫الم ِّ‬
‫ذكر ُ‬
‫ِ‬
‫الناضجة‬ ‫تخرج إال وقد امتأل إناؤها من الثِّمار‬ ‫تحت األشجار‪ ،‬فما‬
‫ُ‬
‫اهلل عليهم سيال من الماء؛‬
‫المتساقطة‪ ،‬فكفروا النِّعمة ولم ُيبالوا‪ ،‬فأرسل ُ‬
‫ُ‬
‫فجرف تلك البساتين الغناء‪ ،‬فأصبحت قاحلة جرداء‪،‬‬

‫اهلل جل وعال‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫قال ُ‬
‫ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ }[سبإ‪،]٩5 :‬‬
‫الشكر هو‬ ‫الشكر ليس هو كلمة ُتقال فحسب‪ ،‬بل ُّ‬
‫الشكر بالطاعات‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬

‫مسك بدين المنعم وشرعه‪ { :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ‬


‫الت ُّ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ}[سبإ‪.]٩7-٩5 :‬‬

‫اهلل بكفر النِّعم‪ ،‬فقال‪ { :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫جازاهم ُ‬
‫والسدر معروفان‪ ،‬النِّ َع ُم ُبدِّ َلت‬
‫ِّ‬ ‫ﭳ}‪ ،‬والخمط‪ :‬هو األراك‪ ،‬واألثل‬
‫والذنوب ال زالت آثارها‪.‬‬
‫‪5٩‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫اهلل عنهم‪ { :‬ﮞ ﮟ} أي تتناقل األجيال ما فعلت ُه‬


‫ولهذا قال ُ‬
‫اهلل‪ { :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ُّ‬
‫الذنُوب بأهلها قال ُ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ }[سبأ‪،]٩١ :‬‬
‫الرزق‪ ،‬وبركة العلم‪ ،‬وبركة‬
‫ومن عقوباهتا أنها تمحق بركة ال ُعمر‪ ،‬وبركة ِّ‬
‫تمحق بركة الدِّ ين والدُّ نيا؛ فال تجد أقل‬
‫ُ‬ ‫وبالجملة أنها‬
‫ُ‬ ‫العمل‪ ،‬وبركة الطاعة‪،‬‬
‫حقت الربكة من األرض‬ ‫بركة يف عمره‪ ،‬ودينه ودنياه ممن عصى اهلل‪ ،‬وما م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إال بمعاصي الخلق‪.‬‬

‫اهلل تعالى‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫قال ُ‬
‫ﭛ ﭜ }[األعراف‪ ،]١6 :‬وقال تعالى‪ { :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ }[الجن‪ ،]٩7-٩6 :‬وإن العبد ل ُيحرم ِّ‬


‫الرزق‬
‫بالذنب ُيصيبُه‪،‬‬
‫وت َحتى‬ ‫ث فِي َر ْو ِعي إِن َن ْف ًسا لَ ْن ت َُم َ‬ ‫س َن َف َ‬‫وح الْ ُقدُ ِ‬‫ويف الحديث‪ :‬إِن ُر َ‬
‫ب؛ َفإِن ُه َال ُينَال َما ِعنْدَ‬ ‫ت َْستَك ِْم َل‪ِ ،‬ر ْز َق َها َوأجل َها‪َ ،‬فات ُقوا اهللَ‪َ ،‬و َأ ْج ِم ُلوا فِي الط َل ِ‬

‫اهلل ِ إِال بِطَا َعتِ ِه ‪.‬‬


‫الرضاء واليقين‪ ،‬وجعل الهم والحزن يف‬
‫وإن اهلل جعل الروح والفرح يف ِّ‬
‫الرزق والعمل بكثرته‪ ،‬وال طول العمر بكثرة‬
‫الشك والسخط‪ ،‬وليست سعة ِّ‬
‫الرزق والعمر‪ ،‬بالربكة فيه‪.‬‬
‫الشهور واألعوام‪ ،‬ولكن سعة ِّ‬
‫‪52‬‬

‫و ُع ُمر العبد هو ُمدة حياته‪ ،‬وال حياة لمن أعرض عن اهلل واشتغل بغيره‪،‬‬
‫بل حياة البهائم خير من حياته‪ ،‬فإن حياة اإلنسان بحياة قلبه وروحه‪ ،‬وال‬
‫حياة لقلبه إال بمعرفة فاطره‪ ،‬ومحبتِه وعبادته وحده‪ ،‬واإلنابة إ َليه وال ُّطمأنينة‬
‫بذكره واألُنس ب ُقربِه‪ ،‬ومن فقد هذه الحياة؛ فقد الخير كله‪ ،‬ولو تعوض عنها‬
‫بما تعوض‪ ،‬فليست الدُّ نيا بأجمعها عوضًا عن هذه الحياة‪.‬‬
‫أعمق األُمة علمًا‬ ‫المسلمون؛ لقد كان أصحاب نبينا محمد‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫خوفهم من ُّ‬
‫الذنُوب والمعاصي لعلمهم‬ ‫وأقواها فهمًا‪ ،‬ومن فقههم‬
‫أنها سبب ُّ‬
‫الشرور والمخاوف‪.‬‬
‫‪ « :‬كان الر جل ُيشاك الشوكة‪ ،‬فيقول‪ :‬إِنِّي‬ ‫قال الحسن البصري‬
‫ألعلم أنك بذنب‪ ،‬وما ظلمني ر ِّبي ‪.» ‬‬
‫من وجه صحيح أن‬ ‫بي‬ ‫الن‬ ‫عن‬ ‫‪ « :‬ولم ِ‬
‫يأت‬ ‫وقال ابن عبد الرب‬
‫ِّ‬
‫عصره‪ .‬وإنما كانت أول ما كانت على عهد عمر‪ ،‬فقال‪:‬‬‫ِ‬ ‫الزلزلة كانت يف‬
‫أظهرِكُم ‪ ،‬هذا الخليفة عمر‬ ‫لقد أحدثتُم‪ .‬واهلل ِ‬
‫إلن عادت ألخرجن من بَين ُ‬
‫الزلزال الجسيم إال لذنب وخيم »‪،‬‬
‫الفقيه العظيم‪ ،‬يفقه رعيته أن ُه ما وقع ِّ‬
‫وإليكم هذا المثال من فهم الصحابة الكرام ألسباب الهزائم والنكبات‪.‬‬
‫المسلمون ُقربُص‪ ،‬و ُف ِّرق بين أهلها وبكى بعضهم إلى‬
‫وذلك أن ُه لما فتح ُ‬
‫بعض قال ُجبير بن نُ َفير‪ُ :‬‬
‫رأيت أبا الدرداء جالسًا وحدَ ُه يبكي؛‬
‫‪53‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫اهلل فيه اإلسالم وأهله؟‬ ‫ف ُق ُ‬


‫لت‪ :‬يا أبا الدرداء‪ ،‬ما ُيبكيك يف يوم أعز ُ‬
‫إذا أضاعوا أمره»‪.‬‬ ‫فقال‪«:‬ويحك يا ُج َبير‪ ،‬ما أهون الخلق على اهلل‬

‫بينما هي ُأمة قاهرة ظاهرة لهم ُ‬


‫الملك تركوا أمر اهلل؛ فصاروا إلى ما ترى‪.‬‬

‫قال اهلل سبحانه‪{ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙﮚ}[هود‪ ]٩٠2 :‬أعاذنا ُ‬


‫اهلل وإياكُم من ُشرور أنفسنا‪.‬‬
‫وأستغفر اهلل‪.‬‬
‫‪54‬‬

‫الـخـطبـة الـثــانـيـة‬
‫رب العالمين حمدا كثيرا عدد قطر األمطار‪ ،‬وصلى اهلل وسلم‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫وبارك على نَبِيِّ ِه ال ُمختار‪ ،‬وعلى آلِ ِه األطهار‪ ،‬وصحا َبتِه األَخيار‪ ،‬ومن َتبِ َع ُهم‬
‫بإحسان ما تعا َقب الل ُيل والنهار‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬عباد اهلل‪ ،‬علينا أن نعلم علم اليقين أن كالم اهلل أحكم الكالم‪،‬‬
‫ُصحح األحوال التي‬
‫فخير الكالم كال ُم اهلل‪ ،‬وإذا علمنا ذلك‪ ،‬فعلينا أن ن ِّ‬
‫أخربنا سبحانه أنها جلبت لنا األهوال‪ ،‬ونُقلِع عن ُّ‬
‫الذنُوب التي أماتت‬
‫المؤ ِّديات إلى الهلكات‪.‬‬ ‫ال ُق ُلوب‪ ،‬والمعاصي ُ‬
‫والمخالفات‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫والخوف يف قلب‬ ‫الرعب‬
‫اهلل سبحانه من ُّ‬
‫واعلموا أن من عقوباهتا ما ُيلقيه ُ‬
‫العاصي؛ فال ترا ُه إِال خائفًا مرعوبًا؛ فإن الطاعة حصن اهلل األعظم الذي من‬
‫دخله كان من اآلمنين من ُعقوبات الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ومن خرج عن ُه أحاطت‬
‫به المخاوف من ك ُِّل جانب‪ ،‬فمن أطاع اهلل انقلبت المخاوف يف ح ِّق ِه أمانًا‪،‬‬
‫ومن عصا ُه انقلب مأمنه مخاوفًا‪،‬‬
‫الريح الباب‬
‫فال تجد العاصي إال وقلبه كأن ُه بين جناحي طائر إن حركت ِّ‬
‫قال جاء الطلب‪ .‬وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بال َع َطب‪ .‬يحسب‬
‫كُل صيحة عليه‪ ،‬وكُل مكروه قاصدا إِ َليه فمن خاف اهلل أمن ُه من كل شيء‪،‬‬
‫ومن لم يخف اهلل أخا َف ُه من ك ُِّل شيء‪.‬‬
‫أن المخــاوف واإلجــرام يف قــرن‬ ‫بذا قضى اهلل َبين الخلق مذ ُخلِقوا‬
‫‪55‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫المذنِب نفسه‬ ‫ِ‬


‫ومن عقوباهتا أنها ُتوقع الوحشة العظيمة يف القلب؛ فيجد ُ‬
‫مستوحشًا قد وقعت الوحشة بينَ ُه وبين ر ِّبه‪ ،‬و َبينَ ُه و َبين الخلق‪ ،‬و َبينَ ُه وبين‬
‫الذنُوب اشتدت الوحشة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وكلما كثُرت ُّ‬
‫وأمر ال َعيش َعيش المستوحشين الخائفين‪ ،‬وأطيب ال َعيش عيش‬ ‫ُّ‬
‫المستأنِسين‪ ،‬فلو نظر العاقل ووازن بين َلذةِ المعصية وما ُتو ِّلد فيه من‬ ‫ُ‬
‫الخوف والوحشة‪َ ،‬ل َعلِ َم سوء حالِه‪ ،‬وعظيم غبنِه‪ ،‬إذ باع ُأنس الطاعة وأمنها‬
‫َ‬
‫الخوف‪.‬‬ ‫وحالوهتا بوحشة المعصية وما ِ‬
‫توجبه من َ‬
‫ـــئت واســـتَأنِ ِ‬
‫س‬ ‫فـــدعها إذا ِش َ‬ ‫ُنت قد أوحشـتك ُّ‬
‫الـذنُوب‬ ‫إذا ك َ‬
‫وجب ال ُقرب من الر ِّب سبحانه‪ ،‬وكُلما اشتد‬ ‫وسر المسألة أن الطاعة ُت ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫ب البُعد من الر ِّب‪ ،‬وكُلما زاد البُعد‬ ‫ال ُقرب َق ِو َي األُنس‪ ،‬والمعصية ُت ِ‬
‫وج ُ‬
‫َق ِو َيت الوحشة‪،‬‬
‫ولهذا يجدُ العبد وحشة بينَ ُه وبين عَدُ ِّوه للبُعد الذي بين َُهما‪ ،‬حتى وإن كان‬
‫ُمالبسًا ل ُه قريبًا من ُه‪.‬‬
‫ب وإن كان بعيدا عن ُه‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫والوحشة سببها‬ ‫ويجدُ ُأنسًا َقويًا َبينَ ُه وبي َن من ُيح ّ‬
‫الحجاب‪ ،‬وكُلما غلظ الحجاب زادت الوحشة‪ ،‬فالغفلة ُت ِ‬
‫وجب الوحشة‪،‬‬
‫الشرك وال ُكفر‪،‬‬
‫وأشد منها وحشة المعصية‪ ،‬وأشدُّ منها وحشة ِّ‬
‫‪56‬‬

‫وال تجدُ أحدا ُيالبس شيئًا من ذلك إال ويع ُلوه من الوحشة بحسب ما‬
‫ال َب َس ُه من ُه؛ فتعلوا الوحشة وجهه وقلبه‪ ،‬ومن عقوباهتا أنها تعمي بصر‬
‫القلب‪ ،‬وتطمس نوره وتسد طرق العلم‪ ،‬وتحجب مواد الهداية‪.‬‬
‫وقد قال مالك للشافعي َر ِح َم ُهما اهلل تعالى‪ « :‬لما اجتمع به ورأى تلك‬
‫طف ْئه بِ ُظ ِ‬
‫لمة‬ ‫المخايل‪ :‬إنِّي أرى اهلل تعالى قد ألقى على قلبِك نورا؛ فال ُت ِ‬

‫المعصية »‪ .‬اهـ‬
‫وال يزال هذا النُّور يضعف ويضم ِ‬
‫حل‪ ،‬وظالم المعصية يقوى حتى يصير‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫القلب يف مثل الليل البَهيم‪ ،‬فكم من َم ْه َلك يسقط فيه وهو ال ُيبصر‪ ،‬كأعمى‬
‫خرج بالليل يف طريق ذات مهالك ومعاطب‪ ،‬فيا عزة السالمة‪،‬‬
‫وياسرعة العطب‪ُ ،‬ثم تقوى تلك ال ُّظ ُلمات وتفيض من القلب إلى‬
‫الجوارح؛ فيغشى الوجه منها سواد بحسب ُقوهتا وتزايدها‬
‫فإذا كانت عند الموت ظهرت يف الربزخ‪ ،‬فامتأل القرب ُظلمة كما قال النبِ ُّي‬
‫ور ُم ْمت َِلئَة َع َلى َأ ْه ِل َها ُظ ْل َمةً‪َ ،‬وإِن اهللَ ُين َِّو ُر َها بِ َص َالتِي‬ ‫ِِ‬
‫‪« :‬إِن َهذه الْ ُق ُب َ‬
‫َع َل ْي ِه ْم»‪.‬‬
‫ت ال ُّظ ْلم ُة ا ْلوجوه ُع ُلوا َظ ِ‬
‫اهرا َي َرا ُه‬ ‫َفإِ َذا كَا َن يوم ا ْلمعادِ‪ ،‬وح ِشر ا ْل ِعباد‪َ ،‬ع َل ِ‬
‫َ ُ ُ َ ًّ‬ ‫َْ ُ َ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫ك ُُّل َأ َحد‪َ ،‬حتى َي ِص َير ا ْل َو ْج ُه َأ ْس َو َد مِثْ َل ا ْل ُح َم َم ِة‪َ ،‬ف َيا َل َها مِ ْن ُع ُقو َبة َال ُت َو ِاز ُن‬
‫ص‬ ‫ط ا ْل َعبْ ِد ا ْل ُمنَغ ِ‬ ‫ف بِ ِقس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َلذات الدُّ نْيَا بِ َأ ْج َمع َها م ْن َأول َها إِ َلى آخ ِر َها‪َ ،‬ف َكيْ َ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ا ْلمنَك ِد ا ْلمتْع ِ ِ‬
‫ب في َز َمن إِن َما ُه َو َسا َعة م ْن ُح ْلم‪َ ،‬و ُ‬
‫اهلل ا ْل ُم ْستَ َعا ُن‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫‪57‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫وقد يقول قائل أين ُّ‬


‫الذنُوب أين المعاصي فينا ؟ ما قتلنا نفسًا ُمحرمة‪ ،‬وال‬
‫زنينا‪ ،‬وال قطعنا طريقًا وال أكلنا حرامًا‪ ،‬هكذا كثير من الناس يتعلل هبذا‬
‫الجواب‪ ،‬وحيا ُته خراب يف خراب؛‬
‫ُّ‬
‫الذنُوب أكثر من هذا يا عباد اهلل‪ ،‬أليس يف المسلمين من يتالعب‬
‫بالصلوات‪ ،‬وصنف ممن ُيص ِّليها ُمتخ ِّلف عن الجماعات؟‬
‫وربما صالها البعض يف غير ما شرع اهلل من األوقات‪ ،‬أليس فينا من‬
‫ُ‬
‫المسلمين‬
‫يحلف بالطالق والحرام وغيرهما من المخلوقات؟ أليس يف ُ‬
‫المسلمين من يأكل ميراث العمات‬
‫الربا والرشوات؟ أليس يف ُ‬
‫اليوم من يأكل ِّ‬
‫بالسحر والشعوذات؟ أليس يوجد‬
‫واألخوات؟ أليس يوجد اليوم من يتعامل ِّ‬
‫المسلمين من يرجو الخير والعافية من ُرفات األموات؟ أليس يوجد يف‬
‫يف ُ‬
‫المسلمين من يتعلق بغير اهلل من ال ُقبُور وال ُ‬
‫خرافات؟ معاصي تكاد أن تمنع‬ ‫ُ‬
‫األرض من النبات‪ ،‬لوال أن اهلل يعفو عنا ويرحمنا‪.‬‬
‫المؤمنون‪ :‬ر جل يف هذه األيام عندَ ُه آلة كبيرة‪ ،‬وتعطلت فذهب‬
‫ُّأيها ُ‬
‫ُيصلِحها‪ ،‬فجاءه شخص وقال ل ُه‪ :‬هذه أصاهبا فالن بالعين؛ فذهب صاحبها‪،‬‬
‫وعلق لها نعاال ممزقة‪ ،‬فلما قيل ل ُه مالك يا ُفالن؟ قال‪ :‬هذه ُتر ُّد العين‪،‬‬
‫سبحان اهلل !! وهل النِّعال َت ُر ُّد أمرا شاء اهلل أن يقع؟ عندك نعال أو ليس‬
‫أمر اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عندك نعال األمر ُ‬
‫‪58‬‬

‫المسلمين اليوم الغش يف التعليم‪.‬‬


‫المسلمون‪ :‬من معاصي بعض ُ‬ ‫ُّأي َها ُ‬
‫الزور‪ .‬بيع الحكم بالد ِ‬
‫راهم‪.‬‬ ‫الغش يف البَيع ِّ‬
‫والشراء‪ .‬شهادة ُّ‬
‫صال ُة الجمعة تبدأ الخطبة وليس يف المسجد إال العدد اليسير من كبار‬
‫ِ‬
‫باب عند أبواب الدكاكين والبقاالت‪ ،‬وعلى‬
‫جال الش ُ‬ ‫الس ِن واألطفال‪ِّ ،‬‬
‫والر ُ‬ ‫ِّ‬
‫حافة ال ُّط ُرقات‪ ،‬ال يدخل البعض إلى المساجد إال وهم كارهون‪ ،‬وإذا قاموا‬
‫إلى الصالةِ قاموا كُسالى‪.‬‬
‫ُتهجر المساجد و ُتعمر المجالس بالسمر‪ُ ،‬تهجر المصاحف و ُتعمر‬
‫الملهية‪،‬‬
‫المالعب‪ ،‬هجروا المصاحف واشتغلوا بالوسائل ُ‬
‫المبالي ليس ُمبالي‪ُ ،‬يرسل‬ ‫ِ‬
‫وال زال الالعب العب والساهي ساهي‪ ،‬وغير ُ‬
‫اهلل لنا الرسائل بعد الرسائل ُتنبِّهنا من غف َلتِنا‪ ،‬صواعق ُ‬
‫وخ ُسوف وك ُُسوف‪،‬‬

‫وزالزل ورجفات‪ ،‬أرضية وأمراض ُمتجدِّ دة‪ ،‬وأوبئة ُمتعدِّ دة‪ { .‬ﮄ ﮅ‬

‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓ ﮔ }[التوبة‪.]٩26 :‬‬
‫الجواالت لو ُفتِ َح ْت كم فيها من مقاطع ُقرآنية؟‬
‫وكم فيها من اللهو وال ُفكاهات والضحكات فضال عن صور الراقصات‬
‫والمتربِّجات‪ ،‬وما ورائها من ال ُمنكرات‪،‬‬
‫ُ‬
‫الزنا وقتل النفس‪ ،‬وقطع الطريق‪ُّ ،‬‬
‫الذنُوب‬ ‫المعاصي ليست محصورة يف ِّ‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫‪5١‬‬ ‫ما نــزل بــالء إال بِذنب‬

‫ُذنُوب ال ِّلسان الهمز والغمز يف الناس‪َ ،‬ل ْع ُن الطفل و َل ْع ُن الدابة‪ ،‬و َل ْع ُن‬
‫المسلمين اآلن‪.‬‬
‫البهيمة‪ ،‬يهرف الناس بما ال يعرفون هذه من أحوال بعض ُ‬
‫الشرور؛ فال َي ُغرنكم باهلل ال َغرور هذه أوروبا‬
‫فالمعاصي ليس فيها إال ُّ‬

‫الصناعات مبل َغهم صنعوا األقمار ِّ‬


‫الصناعية‪،‬‬ ‫والصين بلغوا يف ِّ‬
‫أمامنا وروسيا ِّ‬
‫والغواصات البحرية والطائرات العجيبة‪ ،‬وقطعة كحجم الظفر تحمل‬
‫والح ُروف التي ال يختلط بعضها ببعض‪ .‬هل ُس ِعدوا ؟‬
‫ماليين المعلومات ُ‬
‫االنتحارات يف ك ُِّل يوم لماذا ينتحرون؟ هذا يخنق نفسه‪ ،‬وهذا يسكب‬
‫على نفسه بنزينًا و ُيشعلها‪ ،‬وهذا يقفز من رأس مبنى مرتفع‪ ،‬ما لهم من اهلل‬
‫من عاصم‪.‬‬
‫أن يصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين‪ .‬اللهم ِ‬
‫أعز اإلسالم‬ ‫نسأل اهلل‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫والمسلمين‪ ،‬واجعل كلمتك هي ال ُعليا إلى يوم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وانصر اإلسالم ُ‬ ‫ُ‬
‫رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدِّ ين‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمدُ هلل ِّ‬

‫‪‬‬
‫‪6٠‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ ‪:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫أما بعدُ ‪َ :‬أ ُّي َها الـ ُمؤمنون‪ ،‬عباد اهلل إن ُه بسبب الغفلة عن الدار اآلخرة يسعى‬
‫كثير من الناس‪ ،‬و ُيؤ ِّمل كثير من الناس إلى السعادة العأجلة يف الدُّ نيا‪ ،‬فهناك‬
‫‪6٩‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫من يرى أن السعادة يف األموال؛ فيسعى يف تحصيلها بتلك النِّية والمقصد‪،‬‬


‫ومن الناس من يرى أن سعادة الدُّ نيا يف النِّساء‪ ،‬ومن النِّاس من يرى أن‬
‫سعادة الدُّ نيا يف المناصب‪ ،‬وآخر يف المزارع‪ ،‬وآخر يف التِّجارة؛‬
‫وكُل يسعى على حسب ما يرى أن فيه راحته‪ ،‬ذلك مبلغهم من العلم‪.‬‬
‫إنما ابتالنا يف ك ُِّل ما‬ ‫ولك ّن الذي ينبغي على ك ُِّل ُمسلم أن يعلم أن اهلل‬
‫جاءنا من محبوبات أو مكروهات‪ ،‬من ُأ ُمور َت ُس ّرنا‪ ،‬أو من ُأ ُمور ُت ِ‬
‫حزنُنا‪ ،‬فإنما‬
‫ذلك ُك ُّل ُه لتمحيصنا واختبارنا يف هذه الدار؛‬
‫فعلى الـ ُمسلم أن ال يستع جل الراحة فيها‪ ،‬بل يعرف ِحكمة اهلل وإرادة اهلل‬
‫من إيجادِ ِه يف الدُّ نيا‪ ،‬واعلم أن كُل ما أوصل اهلل إلى يدك من مال أو ولد‪،‬‬
‫أو وظيفة أو جاه أو غير ذلك‪ ،‬أو أصابك مكروه؛ فالختبار استقامتك على‬
‫‪.‬‬ ‫أمر ِه ونَهيِه‬
‫ِ‬

‫قال سبحانه‪ { :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ }[المائدة‪.]48 :‬‬


‫فر ُّبنا جل وعال ُيخبِرنا يف كتابه الكريم أن ُه ما خلق الدُّ نيا وال السماء‪ ،‬وال‬
‫األرض وال الموت‪ ،‬وال الحياة وال األموال‪ ،‬وال الخير وال الشر إال ليبتلي‬
‫حسن السير يف هذه الدُّ نيا حتى يخرج منها‪ ،‬وهو‬ ‫العباد‪ ،‬ويختربهم أيهم ي ِ‬
‫ُّ ُ‬
‫على ما أراد اهلل؛‬

‫يف كتابه الكريم‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫فيقول‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ }[الملك‪،]2-٩ :‬‬
‫‪62‬‬

‫‪{:‬ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬ ‫وقال‬

‫ﭻ }[الكهف‪ ،]7 :‬فإذا انتهى مقصد البالء‪{ .‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂ }[الكهف‪،]8 :‬‬

‫‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬ ‫ويقول‬

‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ }[هود‪.]7 :‬‬

‫‪ {:‬ﭱ ﭲ ﭳ }‪ « :‬أي أخ َلص ُه‬ ‫قال ال ُفضيل بن عياض‬


‫وأصوبه »‪ ،‬وأخلص العمل ما قصد فيه وجه اهلل وأصوبه ما كان موافقًا‬
‫َ‬
‫؛ وكما أن اهلل يبتلينا بالشر‪ ،‬فكذلك يبتلينا بالخير‪.‬‬ ‫لطريقة رسول اهلل‬

‫قال سبحانه‪ {:‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃﰄﰅﰆ} [األنبياء‪]35:‬‬

‫قد يبتلي العبد بما ال يرى العبد أن ُه فتنة؛ فكثير من يرى أن‬ ‫فاهلل‬
‫العمى اختبار من اهلل لهذا األعمى كيف يفعل‪ ،‬وينسي أن البصير مبتلى‬
‫ببصره كما يبتلى األعمى بعماه‪ ،‬ويعلم الناس أن الفقر ابتالء ونسوا أن ِ‬
‫الغنى‬ ‫ُ‬
‫والمال لإلبتالء أيضًا‪ ،‬وكما أن المريض بالعاهات واإلعاقات أو غيرها من‬
‫الجراح مبتلى‪،‬‬
‫يه َما كَثِير ِم َن الن ِ‬
‫اس‪:‬‬ ‫َان َم ْغبُون فِ ِ‬
‫فالصحيح أيضًا ُمبتلى يف ِصحتِه نِ ْع َمت ِ‬

‫الصح ُة َوال َف َرا ُغ ‪ ،‬وكما أن الجاهل ُمبتلى بجهله‪ ،‬فالعالم أيضًا ُمبتلى بعلمه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫كيف يعملون؛‬ ‫فيبتلي اهلل الناس باألمر‪ ،‬وبِضدِّ ه وبعكسه لينظر اهلل‬
‫‪63‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫قال تعالى‪ {:‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ} [األنبياء‪،]35:‬‬

‫وقال تعالى‪{:‬ﮧﮨﮩ ﮪ ﮫﮬ} [األعراف‪.]٩68 :‬‬


‫اختَبرنَاهم بِالر َخ ِ‬
‫اء فِي ال َعيش‪ ،‬وال َ‬
‫خ ْف ِ‬
‫ض يف الدُّ نْيَا‪،‬‬ ‫يقول ابن جرير‪َ « :‬و ْ َ ْ ُ‬
‫ثناؤ ُه؛ ويعني‬ ‫الرزق‪ ،‬وهي الحسنات التي ذكرها جل ُ‬ ‫ِ‬
‫والسعة يف ِّ‬
‫ّ‬ ‫والدّ َعة‬
‫الشدة فِي ال َعيش‪ ،‬والش َظف فيه‪ ،‬والمصائب والرزايا يف األَم َو ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫بالسي ِ‬
‫ئات‪ِّ :‬‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫{ ﮪ ﮫ } يقول‪ :‬لِيَ ْر ِج ُعوا إلى طاعة َربِّ ِه ْم‪ ،‬و ُينِيبُوا إِ َليه‪ ،‬و َيتُوبْوا مِ ْن‬
‫مع ِ‬
‫اصيه »‪.‬اهـ‬ ‫ََ‬
‫وذكر ربنا سبحانه أنه لما شكى بنو إسرائيل إلى موسى عليه الصالة‬
‫والسالم ما فعله فرعون وقومه هبم من اإلهانة لهم‪ ،‬واإلذالل؛ قال لهم‬

‫‪ {:‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫موسى‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ } [األعراف‪.]٩2١ :‬‬
‫فال تستع جل أيها ال ُمسلم‪ ،‬فالدُّ نيا دول والحياة أيام بِأيام يداولها اهلل بين‬
‫أن‬ ‫الناس ليرى كُل أحد كيف يصنع وكيف يفعل؛ وقد أخربنا اهلل‬
‫االبتالء بالنعيم وبِالمحبوبات من األشياء التي ترغب لها النُّ ُفوس أشدُّ بالء‬
‫على اإلنسان من المكروهات؛‬
‫‪64‬‬

‫‪{:‬ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬ ‫فقال‬

‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }‬
‫[هود‪.]٩٩-١ :‬‬
‫فالصرب أيضًا يحتاجه اإلنسان على األشياء المحبوبة أشد مما يحتاجه‬
‫على األشياء المكروهة؛‬
‫بالسراء فلم‬
‫ّ‬ ‫ولهذا قال بعض الصحابة‪ :‬ابتُـلينا بالضراء فصربنا وابتلينا‬
‫نصرب‪،‬‬
‫وربما‬
‫فإن الصرب على المرض قد يقع من الـ ُمستقيم والعاصي والطائع‪ُ ،‬‬
‫ُيشاركهم الكافر‪ ،‬فإذا ابتُلِ َي بالمكروه فليس ل ُه سبيل إال الصرب‪ ،‬ولو لم ُي ِرد‬
‫الصرب؛ فال حيلة ل ُه سوى ذلك وإن كان عاصيًا‪ ،‬والفقير ليس ل ُه حيلة إال‬
‫الصرب على فقره وإن كان عاصيًا؛ إال النعماء والسراء متى ُأوتِيها اإلنسان؛‬
‫ِ‬
‫فإن ُه ال يصبِر عليها حينَئذ إال أفذاذ ِّ‬
‫الرجال؛‬
‫ونبيُّنا عليه الصالة والسالم ُيخربنا كيف ُيبتلى الناس بالنعيم‪ ،‬وأن‬
‫الناجحين فيه قليل‪،‬‬
‫فإن من الناس من قد يكون ذا خلق حسن‪ ،‬وذا طريقة محمودة بين الناس‬
‫وبين أهله وقرابته ومن حواليه؛ فإذا من اهلل عليه بمال أو جاه‪ ،‬أو أعطا ُه شيئًا‬
‫‪65‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫من زينة الدُّ نيا تغيرت معامالته‪ ،‬وانقلب إنسانًا آخر وترفع على العباد‪،‬‬

‫واحتجب عن الناس‪ ،‬وصارت معاملته ُأخرى‪ُ ،‬‬


‫وربما ُيبتلى بشيء من‬
‫ال ُعجب أو الفخر‪ ،‬واحتقار من دونه أو يرى لنفسه مكانة ورفعة على الناس‪،‬‬
‫وهذا ما شكر النِّعمة؛ فإن ُه ابتُلي فلم ينجح يف االبتالء‪ ،‬واختُبِ َر فلم ينجح‬
‫يف االختبار‪.‬‬
‫‪« :‬إن ُمصيبة ُتقبل بك على اهلل خير لك من نعمة‬ ‫قال ابن تيمية‬
‫ُتنسيك ذكر اهلل »‪،‬‬
‫صحيحيهما قصة الثَ َال َثة من َبنِي‬‫ِ‬ ‫وقد روى اإلمام ال ُبخاري و ُمسلم يف‬
‫ِ‬
‫اهلل َأ ْن َيبْتَلِيَ ُه ْم‪ُ ،‬‬
‫وهم‬ ‫إِ ْس َرائ َيل‪ :‬األَبْ َر َ‬
‫ص‪َ ،‬واألَ ْق َر َع‪َ ،‬واألَ ْع َمى‪ ،‬الذين َأ َرا َد ُ‬
‫اهلل أن يختَبِ َر ُهم اختبارا آخر أشد؛ فابتالهم بالنّعم بعدما‬ ‫ُمبتَ َلون‪ ،‬ولكن أراد ُ‬
‫وذهاب الشعر وبقاء‬
‫ُ‬ ‫ابتالهم بالمكروه‪ ،‬فإن العمى مكروه‪ ،‬والربص مكروه‪،‬‬
‫اهلل أن ُيعطيهم من النعيم ما‬
‫الرأس بدون شعر مكروه للنفوس أيضًا؛ فأراد ُ‬
‫ُت ِ‬
‫حبُّ ُه نُ ُفوسهم ليَ ْ‬
‫ختَربهم‪.‬‬
‫ففي ذلك يقول عليه الصالة والسالم‪ :‬إن ثالثة من بني إسرائيل أَ ْب َر َص‪،‬‬
‫َو َأ ْق َر َع‪َ ،‬و َأ ْع َمى َأرا َد اهلل أن يبتليهم َفبَ َع َ‬
‫ث إِلَ ْي ِه ْم َم َلكًا؛‬
‫واألبرص هو صاحب ال جلد المبرقع بالبياض‪ ،‬واللون‬
‫ُ‬ ‫َفأَتَى ْاأل َ ْب َر َص‪،‬‬
‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬
‫ب إِلَ ْي َ‬
‫ك؟ َق َال‪ :‬لَ ْون‬ ‫غير المحبوب‪ ،‬وغير الحسن؛ َف َق َال لَ ُه‪َ :‬أ ُّ‬
‫‪66‬‬

‫اس‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َس َح ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ب َعنِّي الذي َقدْ َقذ َرني الن ُ‬ ‫َح َسن‪َ ،‬و جلد َح َسن‪َ ،‬و َي ْذ َه ُ‬
‫ي الْم ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ال َأ َح ُّ‬ ‫ب َعنْ ُه َق َذ ُر ُه‪َ ،‬و ُأ ْعط َي لَ ْونًا َح َسنًا َو جلدً ا َح َسنًا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فأَ ُّ َ‬ ‫َف َذ َه َ‬
‫ك‬ ‫اإلبِ ُل َفأُ ْعطِ َي نَا َق ًة ُع َش َرا َء‪ ،‬أي يف بطنها الولد‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬بَ َار َك اهلل ُ لَ َ‬ ‫ك؟ َق َال‪ِ ْ :‬‬ ‫إِلَ ْي َ‬
‫ِ‬
‫ك؟‬ ‫ب إِلَ ْي َ‬ ‫ف َيها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فأَتَى ْاألَ ْق َر َع‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ُّ‬
‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬
‫اس‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َس َح ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َعنِّي َه َذا الذي َقذ َرني الن ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ش َعر َح َسن َو َي ْذ َه ُ‬
‫ي الْم ِ‬ ‫ِ‬
‫ك؟‬ ‫ال َأ َح ُّ‬
‫ب إِلَ ْي َ‬ ‫ب َعنْ ُه‪َ ،‬و ُأ ْعط َي َش َع ًرا َح َسنًا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فأَ ُّ َ‬
‫َف َذ َه َ‬
‫ك فِ َيها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فأَتَى‬ ‫َق َال‪ :‬الْب َقر‪َ ،‬فأُعطِي ب َقر ًة ح ِ‬
‫ام ًال‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬بَ َار َك اهللُ لَ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ك؟ َق َال‪َ :‬أ ْن َي ُرد اهلل ُ إِلَي َب َصرِي‪َ ،‬فأُ ْب ِص َر بِ ِه‬ ‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬
‫ب إِلَ ْي َ‬ ‫ْاألَ ْع َمى‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ُّ‬
‫ي الْم ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ؟ َق َال‪:‬‬ ‫ال َأ َح ُّ‬
‫ب إِلَ ْي َ‬ ‫اس‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َس َح ُه َف َرد اهلل ُ إِلَ ْيه َب َص َر ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فأَ ُّ َ‬ ‫الن َ‬
‫الْ َغن َُم‪َ ،‬فأُ ْعطِي َشا ًة َوالِدً ا‪َ ،‬فأُنْتِ َج َه َذ ِ‬
‫ان َو َولدَ َه َذا‪،‬‬ ‫َ‬
‫اإلبِ ِل‪َ ،‬ولِ َه َذا َواد ِم َن الْبَ َقرِ‪َ ،‬ولِ َه َذا َواد ِم َن الْ َغنَ ِم ‪.‬‬
‫َان لِ َه َذا َواد ِم َن ْ ِ‬
‫َق َال‪َ :‬فك َ‬
‫الض ّر؛ فماذا كان؟‬
‫حصل المقصود‪ ،‬وجاءت الرفاهية وكشف اهلل ُّ‬
‫وقف األمر على الدُّ نيا‪ ،‬وهناك من يعلم أن هذا بالء واختبار‪ ،‬و ُعبور إلى‬
‫اآلخرة؛ فيحسن أمر اهلل فيه‪ ،‬وهناك من يغفل‪ ،‬وانتهى مقصده و ُقطِ َعت آما ُله‬
‫على الدُّ نيا‪ ،‬ووقفت أمانيه مكاهنا؛ فهذا يفشل يف االختبار واالبتالء‪،‬‬
‫عنهم زمنًا‪ ،‬قال نَب ُّينا عليه الصالة والسالم‪ُ :‬ثم إِن ُه‬ ‫ُثم إن الملك مكث ُ‬
‫حبَ ُال‬‫ت بِي الْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َأتَى ْاألَبرص فِي ص ِ ِ‬
‫ورته َو َه ْيئَته‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر جل م ْسكين‪َ ،‬قد ا ْن َقطَ َع ْ َ‬
‫ُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫‪67‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫ك بِال ِذي َأ ْعطَا َك الل ْو َن‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْسأَلُ َ‬ ‫فِي َس َفرِي‪َ ،‬ف َال بَ َال َغ لِي الْيَ ْو َم إِال بِاهلل ِ ُثم بِ َ‬
‫الْ َح َس َن‪َ ،‬و ْال جلدَ الْ َح َس َن‪َ ،‬والْ َم َال َب ِع ًيرا‪َ ،‬أ َت َبلغُ َع َل ْي ِه فِي َس َفرِي‪،‬‬
‫ك‪َ ،‬ألَ ْم َتك ُْن َأ ْب َر َص َي ْق َذ ُر َك‬ ‫وق كَثِ َيرة‪َ ،‬ف َق َال لَ ُه‪ :‬كَأَنِّي َأ ْعرِ ُف َ‬ ‫َف َق َال‪ :‬الْ ُح ُق ُ‬
‫ت َه َذا الْ َم َال كَابِ ًرا َع ْن كَابِر ‪،‬‬ ‫اس؟ َف ِق ًيرا َفأَ ْعطَ َ‬
‫اك اهللُ؟ َف َق َال‪ :‬إِن َما َو ِر ْث ُ‬ ‫الن ُ‬
‫« أي من آبائي وأجدادي ِ‬
‫ور ْث ُت هذا المال؛ فهذا لم ينجح يف االبتالء‪،‬‬
‫الحسن كان بالء عليه »‪،‬‬
‫فإن المال والجمال وال جلد َ‬
‫ْت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َأتَى ْاألَ ْق َر َع فِي‬ ‫ْت كَاذِ ًبا‪َ ،‬ف َصي َر َك اهلل ُ إِلَى َما ُكن َ‬ ‫َف َق َال‪ :‬إِ ْن ُكن َ‬
‫حبَ ُال فِي َس َفرِي‪َ ،‬ف َال بَ َال َغ لِي‬ ‫ت بِي الْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ورته‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر جل م ْسكين‪َ ،‬قد ا ْن َقطَ َع ْ َ‬
‫ص ِِ‬
‫ُ َ‬
‫ك بِال ِذي َأ ْعطَ َ‬
‫اك الش ْع َر الْ َح َس َن َوالْ َم َال َب َق َر ًة َأ َت َبلغُ‬ ‫الْيَ ْو َم إِال بِاهلل ِ ُثم بِ َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْسأَلُ َ‬
‫بِ َها فِي َس َفرِي‪»،‬‬
‫تَأَم ُلوا أيها المؤمنون‪ :‬وادي من البقر يط ُلب من ُه بقرة يتبلغ هبا يف السفر؛‬
‫والم َل ُك أيضًا ال يحتاجها‪ ،‬ولكن اهلل ل ُه ِحكمة يف اختبار‬ ‫ِ‬
‫واهلل غني عن ُه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫العباد‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬ف ِق ًيرا َفأَ ْغن َ‬
‫َاك اهللُ؟ َق َال‪:‬‬ ‫وق كَثِ َيرة‪َ ،‬ق َال لَ ُه‪ :‬كَأَنِّي َأ ْعرِ ُف َ‬
‫« َف َق َال لَ ُه‪ :‬الْ ُح ُق ُ‬
‫ْت؛ َق َال‪:‬‬ ‫إِن َما َو ِر ْثتُ ُه كَابِ ًرا َع ْن كَابِر‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِ ْن ُكن َ‬
‫ْت كَاذِبًا َف َصي َر َك اهلل ُ إِلَى َما ُكن َ‬
‫ت‬‫ورتِ ِه َو َهيْئَتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر جل ِم ْسكِين َوابْ ُن َسبِيل‪ ،‬ا ْن َقطَ َع ْ‬ ‫ِ‬
‫َو َأتَى ْاألَ ْع َمى في ُص َ‬
‫ك بِال ِذي َرد‬ ‫حبَ ُال فِي َس َفرِي‪َ ،‬ف َال َب َال َغ لِي الْ َي ْو َم إِال بِاهللِ‪ُ ،‬ثم بِ َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْسأَلُ َ‬ ‫بِي الْ ِ‬
‫َ‬
‫ك َب َص َر َك‪َ ،‬و َأ ْع َطا َك ا ْل َم َال َشا ًة َأ َت َبلغُ بِ َها فِي َس َفرِي‪،‬‬‫َع َل ْي َ‬
‫‪68‬‬

‫ْت َف ِق ْيراً؛ َفأَ ْغنَانِي اهلل ُ َفخُ ْذ َما‬ ‫ْت َأ ْع َمى َف َرد اهللُ إِلَي بَ َصرِي‪َ ،‬و ُكن ُ‬
‫َف َق َال‪َ :‬قدْ ُكن ُ‬
‫له‪،‬‬‫ْت‪َ ،‬فو اهلل ِ َال َأجهدُ َك الْيوم َشيئًا َأ َخ ْذ َته لِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِشئ َ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْت‪َ ،‬و َد ْع َما شئ َ َ‬
‫ْك وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬أ ْم ِس ْ‬
‫خ َط َع َلى‬ ‫ك‪َ ،‬فإِن َما ابْتُليت ُْم‪َ ،‬ف َقدْ َرض َي اهلل ُ َعن َ َ َ‬ ‫يك َمالَ َ‬
‫ك َع َل َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ص ِ‬
‫اح َب ْي َ‬ ‫َ‬
‫تدل على مكنون يف القلب‪.‬‬ ‫أ ْم ِسك عليك مالك هي كلمات فقط‪ ،‬ولكنها ُّ‬
‫فال ِّل ُ‬
‫سان دل على ما يف ال ُفؤاد من عقيدة؛ فاألول والثاين ظنا أن ُهما حازا‬
‫السعادة بما لديهما‪ ،‬فأمسك ك ُُّل واحد ما رزقه اهلل‪ ،‬ورأى أن ُه بفوات هذا‬
‫المال سيخسر‪ ،‬وببقاء هذا المال هو الناجح السعيد‪ ،‬وكأن ُه َض ِم َن الفالح‬
‫لنفسه وأمن البالء؛ هذا مفهوم معكوس ُمخالف لما دلت عليه الشريعة‬
‫الـ ُمطهرة من أن ما عند الناس ينفد وما ِعنْدَ اهللِ باق‪.‬‬
‫شئت ودع ما‬ ‫َ‬ ‫ث وهو األعمى فوفق ُه اهلل ونجح‪ ،‬وقال‪ُ :‬خذ ما‬ ‫وأما الثالِ ُ‬
‫لمه ول َب ِص َيرتِه أن ما‬ ‫ئت؛ ألن أمله يف اآلخرة‪ ،‬وليس يف هذا المال‪ ،‬ولِ ِع ِ‬
‫ُ‬ ‫ِش َ‬
‫ُأعطِيَ ُه يف الدُّ نيا بالء وامتحان فقط‪ .‬كما يف الحديث‬
‫« َع َج ًبا ِألَ ْمرِ الْ ُم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِن َأ ْم َر ُه كُل ُه لَ ُه خَ ْير إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َسرا ُء َشك ََر؛ َفك َ‬
‫َان َخ ْي ًرا‬
‫ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن»‪.‬‬
‫َان َخ ْي ًرا لَ ُه‪َ ،‬ولَيْ َس َذلِ َ‬
‫لَ ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصابَتْ ُه َضرا ُء َصبَ َر؛ َفك َ‬
‫فيا عباد اهلل‪ ،‬على الـمـُسلم أن يستشعر هذا األمر‪ ،‬وأن ُه يف هذه الدُّ نيا‬
‫ُمبتلى و ُممت ََحن و ُمختَ َبر؛ فال ينتظر يف هذه الدُّ نيا راحة‪ ،‬وال ينتظر يف هذه‬
‫‪6١‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫‪ { :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫الدُّ نيا استعجال ثواب؛ قال اهلل‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ }[آل عمران‪]٩85 :‬‬

‫ال تستع جلوا توفية األُ ُجور يف هذه الدُّ نيا إنما ُتوفونَها يوم القيامة‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ }[آل عمران‪.]٩4٩ :‬‬


‫بارك اهلل لي ولكم يف ال ُقرآن العظيم‪ ،‬وأستغفر اهلل العظيم لي ولكم إن ُه هو‬
‫الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪7٠‬‬

‫الـخـطبـة الثــانـيـة‬
‫رب العالمين‪ ،‬يجزي الشاكرين‪ ،‬و ُيثيب و ُيعين الصابرين‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫والصال ُة والسال ُم على نَب ِّينا محمد األمين‪ ،‬وعلى آله االكرمين ورضي اهلل‬
‫عن خلفائه الراشدين وأصحابه والتابعين‪.‬‬
‫المؤمنون‪ ،‬عباد اهلل إن ُه ال ينبغي للعبد الـ ُمؤمن أن يغيب عن ذِهنِه هذا‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫األمر العظيم‪ ،‬وهو أن ُه ُمبتلى و ُمخترب و ُممتَحن يف هذه الدُّ نيا؛ فمتى غاب هذا‬
‫أحالهما ُمر؛‬
‫ُ‬ ‫األمر عن المؤمن؛ فإن ُه يعيش بين أمرين‬

‫فإن وقعت عليه المكروهات والـ ُمن ِّغصات وما ال ُتـحـِبُّه ُ‬


‫نفسه قد ُيصاب‬

‫وربما اليأس وال ُقنُوط‪ُ ،‬‬


‫وربما يتعدا‬ ‫بالجزع متى غاب عن باله أن ُه ُمبتلى‪ُ ،‬‬
‫وربما حكم على نفسه بذلك؛ ألن ُه‬
‫لالعرتاض على القدر‪ ،‬ويرى أن ُه شقيًا‪ُ ،‬‬
‫ليس ذا مال أو ألن ُه فقير أو عقيم أو ضعيف‪ ،‬أو ليس ذا حسب أو ليس ذا‬
‫جاه ومنزلة عند الناس؛‬
‫وإن اختربه اهلل بالعكس من ذلك؛ فأعطاه اهلل من المال والبنين والتِّجارة‬
‫والصحة ومتاع الدُّ نيا ظن‬ ‫ب من المناصب‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫أو البساتين وأعطاه ما ُيح ّ‬
‫المسكين واعتقد أن ُه قد نجح وفاز فوزا كبيرا؛ فأصابته الغفلة وابتعد عن اهلل‬
‫‪ ،‬وظن أن هذا خير األحوال والحقيقة أن هذا اختبار وفتنة‪.‬‬
‫فالمؤمن الذي إيمانه قوي‪ ،‬و ُيؤمن بكالم اهلل وأقدار اهلل وكالم رسول اهلل‬
‫ينجح يف كال الحالتين إليمانه أن كال األمرين اختبار‪.‬‬
‫‪7٩‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫قال‪:‬‬ ‫‪َ ،‬أن النبِي‬ ‫فقد روى ُمسلم يف صحيحه َع ْن ُص َهيْب ا ْل ُّر ْومِي‬
‫« َع َج ًبا ِألَ ْمرِ الْ ُم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِن َأ ْم َر ُه كُل ُه لَ ُه خَ ْير إِ ْن أَ َصا َبتْ ُه َسرا ُء َشك ََر؛ َفكَا َن َخ ْي ًرا‬
‫ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن»‪.‬‬
‫َان َخيْ ًرا لَ ُه‪َ ،‬ولَيْ َس َذلِ َ‬
‫لَ ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصابَتْ ُه َضرا ُء‪َ ،‬صبَ َر َفك َ‬
‫الشكر وزاده‬ ‫فرح ُه شكر؛ دفعه ذلك إلى ُّ‬ ‫إِن أصابته سراء أ ُمور ُّ‬
‫تسره و ُت ِ‬

‫معرفة بحق اهلل‪ ،‬وفضل اهلل عليه شكر اهلل بحسن االستقامة على شرعه وا ِّتباع‬
‫رسوله‪ ،‬وإن أصا َبت ُه ضراء صرب؛ فكان خيرا ل ُه؛‬
‫ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن ‪.‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪َ « :‬ولَيْ َس َذلِ َ‬
‫ف إيمانُه‪ ،‬أو انتهى إلى ال ُكفر شأنه‪ ،‬لن‬
‫هذا ليس لغير المؤمن‪ ،‬فالذي َض ُع َ‬
‫يحصل على هذا الخير‪ ،‬وهذا ُيشاهد من بعض النَاس‪ ،‬فمنهم من ُيبتلى بال‬
‫المستعصية؛ فيقول‪ :‬ما الذي عندي هلل؟ أنا ما فعلت‬
‫جلطات أو األمراض ُ‬
‫أكلت مال أحد‪ ،‬أيش عندي؟ يقول هذا‬
‫ُ‬ ‫ظلمت أحدا‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫شيئًا‪ ،‬واهلل ما‬
‫وتضجرا؛ ألن ُه لم ُي ِ‬
‫درك أن الدُّ نيا خيرها وشرها ابتالء وامتحان؛‬ ‫ُّ‬ ‫جزعًا‬
‫فحاله كما قيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫واألكــدار‬ ‫صــفوا مــن األقــذار‬ ‫ُطبِعت على كـدر وأنـت تريـدها‬
‫متط ّلــب يف المــاء جــذوة ِ‬
‫نــار‬ ‫ومكلــف األيــام ضــد طباعهــا‬
‫ُ‬
‫يف ذلك ِح َكم‬ ‫ور ُّبنا جل وعال أخربنا بأمور كثيرة أن ُه يبتلينا فيها‪ ،‬ول ُه‬
‫َ‬
‫عظيمة؛‬
‫‪72‬‬

‫فمنها أوال‪ :‬ليخترب اهلل صرب العباد؛ فإن صرب الصابرين ال ُيعلم إال عند‬

‫‪{ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫البالء‪ .‬قال‬

‫ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ }[البقرة‪.]٩57-٩55 :‬‬

‫‪{:‬ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬ ‫وقال‬
‫ﭨ }[محمد‪ .]3٩ :‬أي يبلو اهلل اإلنسان فيما أظهر‪ ،‬وفيما أخفى حتى يت جلى‬
‫على حقيقتِه؛‬
‫أن ُه ابتلى أصفياءه وأولياءه من األنبياء والـ ُمرسلين‬ ‫وقد أخربنا اهلل‬
‫إلى العباد‪،‬‬ ‫صالحهم وأهليتهم لحمل رسالته‬ ‫حتى علم اهلل‬
‫بِ ِعدة ُأ ُمور؛‬ ‫إبراهيم‬ ‫فقد اخترب اهلل‬
‫كغير ِه‬
‫ِ‬ ‫وجبِ َل على محبة األوالد‬‫منها أوال‪ :‬أن ُه كان يطلب من اهلل الولد‪ُ ،‬‬
‫من البشر‪ ،‬فلم ُيعطِ ِه اهلل الولد حتى بلغ مرحلة الكِبَر؛ َ‬
‫فرز َق ُه اهلل إسماعيل‬
‫وإسحاق‪،‬‬
‫ومن الناس من يقول يف مثل هذه الحال أما اآلن فهؤالء األوالد ليس لي‬
‫فيهم فائدة‪،‬‬
‫‪73‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫فقال‪ { :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬ ‫أما إبراهيم‬

‫ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ }[إبراهيم‪.]3١ :‬‬


‫فلما كرب إسماعيل وبلغ ِسن السعي مع أبيه‪ ،‬وأقبلت منفعته إلى أبيه‪،‬‬
‫َف َعلِ َم إبراهيم‬ ‫ُأمِ َر َأ ُبوه أن يذبحه‪ ،‬وهذا ابتالء آخر من اهلل إلبراهيم‬
‫ذلك‪ ،‬وعرف أن الدُّ نيا بالء؛‬

‫فقال‪ { :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ‬

‫ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ }[الصافات‪.]٩٠2 :‬‬
‫ومِما يزيد البالء على إبراهيم أن اهلل جعل يف هذا الولد من العلم والحلم‬
‫الصغار؛‬
‫والعقل ما ال يكون إال يف الكبار‪ ،‬وقل أن يكون يف ِّ‬
‫فإن من األوالد ما يكون فيه من األذى وقِلة األدب‪ ،‬أو الطيش ما ُيخ ِّفف‬
‫محبتَ ُه يف قلب أبيه‪ ،‬ومنهم من يرزقه اهلل الحلم واألدب واألخالق ما يزيد‬
‫َتم ُّكن محبتِه يف قلب أبيه‪،‬‬
‫الس ِّكين عازمًا ومقتنِعًا‬ ‫ِ‬
‫ف ُأم َر إبراهيم بذبح هذا ال ُغالم؛ فلما وضع عليه ِّ‬
‫و ُمس ِّلمًا ألمر اهلل جل وعال؛‬

‫قال اهلل‪ { :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ }[الصافات‪.]٩٠6-٩٠4 :‬‬
‫‪74‬‬

‫هذا البالء الذي ُيبَيِّن الـ ُمؤمنين الصادقين الذي ُيبَيِّن صفاء إبراهيم إن هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صد َق ُه وتسل َ‬
‫يمه‪.‬‬ ‫لهو البالء الـ ُمبين‪َ ،‬فعلم ُ‬
‫اهلل‬
‫ابتاله اهلل بإيذاء إخوانه وإبعادِه عن أبيه‪ُ ،‬ثم َرميِه يف‬ ‫يوسف‬
‫وهكذا ُ‬
‫الجب‪ُ ،‬ثم ابتُلِي فبيع‬
‫ّ‬ ‫الجب ابتالء آخر؛ فأخرجه اهلل ونجا من مهلكة‬
‫بالدراهم وهو ابن نَبِي كريم‪،‬‬
‫الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل عليه وعلى آبائِ ِه وعلى نبيِّنا‬
‫الصالة والسالم ُثم نجا‪،‬‬
‫ِ‬
‫ُثم ابتُل َي يف بيت العزيز بفتنة وهو شاب جميل يحتاج ما يحتاجه ِّ‬
‫الرجال؛‬
‫الس ُجون‬ ‫ِ‬
‫فابتُل َي بامرأة ذات منصب وجمال‪ ،‬منصب ال خوف عليه من ُّ‬
‫وإقامة العقاب‪ ،‬وجمال ال ُيمكِن أن ينفر منها؛ فنجح أيضًا يف ذلك االبتالء‪،‬‬
‫السجن بضع ِسنين‪ ،‬وثبت على دينِه‬ ‫بالسجن فلبث يف ِّ‬
‫ِ‬
‫ُثم ابتُلي بعد ذلك ِّ‬
‫ُث ُبوت الجبال الرواسي‪ .‬بل صار يف السجن داعيًا إلى التوحيد ‪،‬‬
‫وهكذا كُل مؤمن يعلم أن الحياة مراحل لالختبار مراحل للبالء‪ ،‬وعلى‬
‫الـ ُمسلم أن ال ينتظر السعادة حتى يدخل جنات النعيم‪ ،‬ولكن لما ُفتِن من‬
‫ُفتِ َن من الناس بالدُّ نيا‪ ،‬والماديات وانتظروا الراحة فيها والسعادة فيها‬
‫وصاحوا لفوات شيء منها‪ ،‬وحزنوا عليها صارت مقياسًا عندهم حتى‬
‫أذهبت من بالهم مقاصد الشريعة يف االبتالء واالمتحان‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫ُيخربنا عن النظرة المادية لدى بعضنا فيقول‪ { :‬ﮓ ﮔ ﮕ‬ ‫فاهلل‬

‫أكر َم ُه ونع َمه { ﮛ ﮜ‬


‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ } سما ُه اهلل ابتالء‪َ ،‬‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ } أي ضيق ُه وقلل عليه رزقه‬
‫ِ‬
‫{ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ} قال اهلل بعدها { ﮪ} أي ك َال ُ‬
‫الحكمين خطأ‪ ،‬ليس‬
‫األمر كذلك‪.‬‬
‫‪ :‬يف تفسير هاتين اآليتين‪ « :‬أي ليس كل من‬ ‫فسر السعدي‬
‫قال الـ ُم ِّ‬
‫قت عليه ِرزق ُه فهو ُمهان‬
‫نعمتُه يف الدنيا؛ فهو كريم علي‪ ،‬وليس ك ُّل من ضي ُ‬
‫لدي»‪،‬‬
‫فهذه مقايـيـس خاطئة لذلكم قال اهلل بعدها (كال) ليس األمر كذلك‪،‬‬
‫ولكن لفوات هذا وذهابه من بال الكثير منا ُيقاس اليوم صالح اإلنسان‪،‬‬
‫وعدم صالحه بالدُّ نيا فإن فتح اهلل على ُفالن يف تجارته أو زراعته؛ فجاءت‬
‫بالثمر الكثير قالوا واهلل هذا ُيؤ ِّدي حقوق اهلل هذا طيِّب‪ .‬ما ُيدريك يا من‬
‫جعلت ُحطام الدُّ نيا ميزانك به أفراحك وعليه أحزانك؟ فهذا ُيقال فيه طيِّب‪.‬‬
‫وإن ابتلى اهلل آخر فحرق بيته أو حرقت تجارته‪ ،‬أو ك ُِّسرت سيارته‪ ،‬أو‬
‫ذهب من ُه بعض ماله قالوا هذا بينه وبين اهلل أشياء هذا ما ُيؤ ِّدي حقوق اهلل‬
‫انظروا كيف فعل اهلل به تزوج األولى والثانية والثالثة‪ ،‬وما آتا ُه اهلل ولدا هذا‬
‫فيه وفيه وبينَ ُه وبين اهلل ُذنُوب عظام‪ ،‬فهذا أ ُّيها الـ ُمسلمون‪ ،‬مفهوم خاطئ‪.‬‬
‫‪76‬‬

‫فقد ابتُلِ َي ُ‬
‫بعض األنبياء بعدم الولد مات نبيُّنا عليه الصالة والسالم وليس‬
‫ب األوالد كغيره من الناس‪ ،‬ومن األنبياء‬ ‫ِ‬ ‫ل ُه حينها ولد من ُّ‬
‫الذكُور‪ ،‬وهو ُيح ُّ‬
‫ينبغي‬ ‫من ابتُلِ َي باألمراض؛ فهذه مفاهيم بعيدة عن ما أراد اهلل‬
‫تصحيحها‪.‬‬
‫عن نَبِي من األنبياء ممن ُأعطِ َي الملك والمال والجاه‪،‬‬ ‫وقد أخرب اهلل‬
‫و ُأعطِ َي ما ُأعطِي من الدُّ نيا وهو سليمان عليه الصالة والسالم أن ُه حين خرج‬

‫يف ُجيوش كبيرة تذكر اختبار اهلل ل ُه قال اهلل سبحانه‪ { :‬ﮄ ﮅ ﮆ‬

‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ }[النمل‪.]٩8-٩7 :‬‬
‫يف هذه اللحظة حين يرى الملك أو اإلنسان المعظم ل ُه السمع والطاعة‪،‬‬
‫ويرى من يخاف من ُه قد ُيبتلى بالعجب‪ ،‬ويقول الناس والرعايا ُّ‬
‫والش ُعوب‬
‫تخاف منِّي إذا لي سلطة قاهرة؛ ف ُيعجب بذلك ولكن سليمان‬
‫الستشعاره أن هذا ابتالء سأل اهلل العون على ُّ‬
‫الشكر‪ ،‬قال اهلل سبحانه‪:‬‬

‫{ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ}[النمل‪.]٩١ :‬‬

‫أعذين من شر نفسي أعذين من فخرها وألهمني الشكر { ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[النمل‪.]٩١ :‬‬
‫‪77‬‬ ‫االبتالء بالسراء والضراء‬

‫مستقرا عنده { ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ِّ‬ ‫ولـما رأى عرش بلقيس‬

‫ﮦ ﮧ ﮨ }[النمل‪.]4٠ :‬‬
‫هؤالء األنبياء هؤالء األصفياء الذين عرفوا مقاصد االبتالء‪.‬‬
‫‪ :‬أ ُّيهما أفضل للمرء أن ُيبتلى فيصرب أو‬ ‫وقد سئل اإلمام الشافعي‬
‫‪ « :‬إن ُه ال ُيمكن حتى ُيبتلى؛ ولم ُيم ِّكن اهلل لمحمد‬ ‫ُيمكن فيشكر ؟ قال‬
‫إال بعد أن‬ ‫عليه الصالة والسالم وال إلبراهيم وال نوح‪ ،‬وال موسى‬
‫فصربوا فم ّكن لهم »‪.‬‬ ‫اختربهم‬
‫يف العباد مقاصد ومصالح‬ ‫هذا واعلموا َر ِح َم ُكم اهلل أن البتالء اهلل‬
‫كثيرة‪ ،‬فمن الناس من يكون فيه غفلة‪ ،‬أو ُبعد عن اهلل‪ ،‬فإذا ابتُلِي َص ُلح‪،‬‬
‫وربما صقله االبتالء‪ ،‬وجعله ناصعًا كالذهب الذي ال يكون ناصعًا صافيًا‬
‫ُ‬
‫إال بعد إدخاله يف النار إال بعد أن توقد عليه النار ُيصبح ذهبًا خالصًا‪ ،‬وقد‬

‫‪ { :‬ﮈ ﮉ }[طه‪.]4٠:‬‬ ‫قال اهلل يف موسى‬


‫تقول العرب فتنت الذهب إذا أحرقته بالنار حتى تعلم الخالص من‬
‫المشوب‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫حب أن ُيص ِّفي عباده الـ ُمؤمنين‪ ،‬هذا من مقاصد االبتالء‬ ‫فاهلل‬
‫ُ‬
‫ليخترب صربهم‪ ،‬والثاين ليُخ ِّفف اهلل تعالى ُذنُوهبم‪ ،‬فعلى الـ ُمسلم أن يستشعر‬
‫أن البالء بالمكروه لتخفيف ُّ‬
‫الذنُوب؛‬
‫‪78‬‬

‫فقد كان نب ُّينا عليه الصالة والسالم إذا زار مريضًا قال ل ُه‪َ :‬ال َبأْ َس َط ُه ْور‬
‫إِ ْن َشا َء اهللُ ‪،‬‬
‫فليعلم الـمسلم أن ما يصيبه من النكد والفقر ِ‬
‫والقلة أو االستحقار بين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الناس أو األذى منهم؛ فإنما ذلك لقصد إبعاد ُذنُوبِه ولهذا ُيشاهد العاقل يف‬
‫نظره يف هذا العالم من تدبير اهلل لهذا الكون أن ال ُكفار إذا أنفقوا شيئًا من‬
‫المال مـما يسمونَه إغاثات‪ ،‬أو يسمونَه غير ذلك من معونات أن اهلل ي ِ‬
‫طعمهم‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُّ ُ‬ ‫ُ ُّ‬
‫الزروع الخضراء‪ ،‬أو الصناعات أو المآكل؛‬ ‫هبا يف الدُّ نيا باألمطار أو ُّ‬
‫ب اهلل أن تكون لكافر مِنة يوم القيامة‪ ،‬بل يأيت الكافر وهو ُمحمل‬ ‫ِ‬
‫فال ُيح ّ‬
‫ِ‬
‫بأوزاره‪ ،‬وأما ما أحسن فيه‪ ،‬وإن كان كافرا كافأَ ُه اهلل يف الدُّ نيا‪،‬‬
‫قال‪« :‬إِن الْكَافِ َر إِ َذا َع ِم َل َح َس َن ًة ُأ ْط ِع َم بِ َها‬
‫ففي صحيح ُمسلم أن ُه‬
‫ُط ْع َم ًة ِم َن الدُّ ْن َيا‪ ،‬وأما المؤمن فإن اهلل يدخر له حسناته يف اآلخرة ويعقبه رزقًا‬
‫يف الدنيا على طاعته »؛‬
‫ب اهلل أن‬ ‫ِ‬
‫وعلى العكس من ذلك الـ ُمؤمن‪ ،‬فإن ُه ما عمل من سيِّئة ُيح ُّ‬
‫طهره منها يف الدُّ نيا‪ ،‬وما َع ِم َل من حسنة ُي ِّ‬
‫ؤخرها ل ُه ليو ِّفيه ُأ ُجوره يوم القيامة‬ ‫ُي ِّ‬
‫{ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ}[آل عمران‪.]٩85:‬‬
‫فهذا من مقاصد االبتالء‪ ،‬ومن المقاصد العظيمة الكبيرة يف ابتالء اهلل‬
‫للعباد أن من العباد من قد كتبت له منزلة عالية يف الجنة؛ فجاء يف الدُّ نيا ولم‬
‫ؤهله لتلك المنزلة‪ ،‬فيبتليه اهلل و ُيس ِّلط عليه مما يكره‬ ‫يعمل األعمال التي ُت ِّ‬
‫حتى يرفعه إلى المنزلة التي كُتِبَت ل ُه؛‬
‫‪7١‬‬

‫َأن‬ ‫فقد روى ابن حبان والحاكم وصحح ُه األلباين عن أبي ُه َر َيرة‬
‫الجن ِة؛ َف َال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال‪« :‬إِن الر جل لتَكُون لَ ُه الْ َمن ِْزلَة ال َعال َية‪ ،‬عنْدَ اهلل في َ‬ ‫النبِي‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َيبْ ُلغ َُها بِ َص َالة َو َال بِصيَام‪َ ،‬ف َال َيز َُال اهلل ُ َيبْتَليه بِ َما َيك َْر ُه َحتى ُيبَ ِّل َغ ُه إِي َ‬
‫اها»‪.‬‬
‫عباد اهلل ما أحس َن المؤم َن إذا عاش يف الدُّ نيا وهو ُيعامل اهلل‪ ،‬وظنّه يف اهلل‬
‫ونِيتُه يف اهلل على ما أراد اهلل‪ ،‬وعلى ما شرع يف السراء ويف الضراء‪.‬‬
‫وإياك أ ُّيها المؤمن الكريم أن تفهم عن اهلل فهمًا خاطئًا‪ ،‬وتفهم أقداره‬
‫وحكمته فهمًا خاطئًا؛ فتُصاب باليأس والقنوط ويقع فيك ما يقع من البعد‬
‫على نور وبصيرة كما شرع‬ ‫عن موالك‪ ،‬وإنما حاول أن ُتعامل اهلل‬

‫اللهم إنا ن ُعو ُذ بك من َش ِّر فتنة الغنى‪ ،‬ومن َش ِّر فتنة الفقر‪ ،‬اللهم اغفر لنا‬
‫ُذنُوبنا‪ ،‬وإسرافنا يف أمرنا واسرت علينا ُعيُوبنا‪ ،‬اللهم احفظنا باإلسالم قائمين‬
‫والمسلمين وانصر اإلسالم‬ ‫أعز اإلسالم‬‫وقاعدين وراقدين‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ُ‬
‫ووالة ُأ ُمورنا‪ ،‬اللهم من أرادنا‬ ‫والمسلمين‪ ،‬اللهم أصلِ ْحنا و َأ ْصلِح أئمتنا ُ‬ ‫ُ‬
‫فأش ِغل ُه‬
‫وبال َدنا بسوء؛ ُفرد َكيدَ ُه يف ن َْح ِره‪ .‬اللهم من أرادنا وبِال َدنا وأمننا بسوء ْ‬
‫بِنَ ْف ِسه‪،‬‬
‫رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمدُ هلل ِّ‬

‫‪‬‬
‫‪8٠‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪ { .]٩ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }‬
‫[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫المسلمات أن اهلل جل وعال ما خلق‬
‫المؤمنون‪ :‬إن من المعلومات ُ‬ ‫ُّأيها ُ‬
‫معرفتِه‪.‬‬
‫ويعرفوه حق ِ‬ ‫ِ‬
‫والجن إال ليع ُبدوه وحدَ ُه ال شريك ل ُه‪ِ ،‬‬ ‫اإلنس‬
‫‪8٩‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫تنوعة و ُمختلِفة‪ ،‬ومن أعظم أنواع العبادات لِ َر ِّب العالمين‪،‬‬


‫وإن العبادات ُم ِّ‬
‫‪.‬‬ ‫َ‬
‫والخشي ُة من ُه‬ ‫الخوف‬
‫ُ‬ ‫عبد ِه الصالح‪،‬‬
‫من ِ‬

‫فزع ال َق ِ‬
‫لب‪ ،‬وتو ُّقع ال ُعقوبة على مجاري األنفاس‪ ،‬فإن اهلل‬ ‫َ‬
‫والخوف هو‪ُ :‬‬
‫يف‬ ‫َ‬
‫ويخشوه ويخافوه‪ ،‬وألجل هذا أخرب‬ ‫تعالى خلق الخلق ِ‬
‫ليعرفوه‬
‫تنوعات‪،‬‬
‫الم ِّ‬
‫كتابه عما أعد من العذاب والنكال وال ُعقوبات ُ‬
‫المتقين يسعون يف ما فيه النجاة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ووصف من شدة العذاب ما يجعل العباد ُ‬
‫يف كتابه ذكر النار‪ ،‬وما احتوت عليه‬ ‫والخالص من العذاب‪ ،‬ولهذا كرر‬

‫من الز ُّقوم والضريع‪ ،‬والسالسل واألغالل‪ ،‬واألهوال ُّ‬


‫والصراخ والحميم‪.‬‬

‫فقال تعالى‪{ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ }[الزُّ مر‪ .]٩6 :‬وقال سبحانه‪{ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ}[الحجر‪.]5٠ :‬‬

‫وقال جل شأنُه‪ { :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ}[ال ُبروج‪ ،]٩2 :‬وقال‪ { :‬ﭛ ﭜ‬

‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ }[الرعد‪،]6 :‬‬
‫بِأن الجمرة من جهنم تحت القدم يغلي منها الدِّ ماغ‪،‬‬ ‫وأخرب الرسول‬
‫المسلم اللبيب على يقظة‬
‫وأخرب عن ُبعد قعرها‪ ،‬وغير هذا مما يجعل ُ‬
‫وخوف من أن يكون من وقودها أو من أهلها؛‬
‫‪82‬‬
‫أمرا بأن نكون من الخائفين منه‪ ،‬الر ِ‬
‫اهبين‬ ‫ألجل هذا وغيره أمر ر ُّبنا‬
‫ُ‬
‫إياه فقال‪{ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ}[آل عمران‪ ،]٩75 :‬وقال‪{ :‬ﮚ‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ}[المائدة‪ .]44 :‬وقال‪{ :‬ﮭ ﮮ ﮯ}‬


‫[البقرة‪،]٩5٠ :‬‬

‫وقال‪{ :‬ﭻ ﭼ} [البقرة‪ .]4٠ :‬وقال‪ {:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ}[آل عمران‪.]3٠:‬‬
‫ِ‬
‫وألجل اليقين بحقيقة ما أخربنا به خاف الخائفون‪ ،‬وخشع هلل الخاشعون‬
‫ِ‬
‫تقشع ُّر ل ُه‬ ‫والرسل وأتباعهم‪ ،‬وذكر لنا من خوفهم وخشيتهم ما‬
‫من المالئكة ُّ‬
‫عن مالئكته‪{ :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫األبدان‪ ،‬وتحيا به ال ُق ُلوب الغافلة قال‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ } [النحل‪.]5٠ :‬‬
‫وقال‪ { :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ }[الرعد‪،]٩3 :‬‬
‫يل كَالْ ِ‬
‫ي بِي بِالْ َم َلِ ْاألَ ْع َلى‪َ ،‬و ِجبْرِ ُ‬
‫ح ْل ِ‬
‫س‬ ‫وقال النبِ ُّي ‪َ « :‬م َر ْر ُت لَ ْي َل َة ُأ ْسرِ َ‬
‫‪َ :‬ق َال رسول اهلل‬ ‫الْبَالِي ِم ْن خَ ْش َي ِة اهلل ِ»(‪ .)1‬وقال أنس بن مالك‬
‫احكًا َق ُّط ؟‬‫يل َض ِ‬ ‫‪َ :‬ما لِي لَ ْم َأ َر ِميكَائِ َ‬ ‫لِ ِ‬
‫ج ْب ِر َيل‬

‫(‪ )1‬روا ُه الطرباين عن جابر‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫‪83‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫من ُْذ ُخلِ َق ِ‬


‫ت الن ُار»(‪.)1‬‬ ‫ح َك مِي َكائِ ُيل‬
‫َق َال‪« :‬ما َض ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وأخرب الجبار جل وعال عن خشية ُر ُسلِه وأنبيائِه الكرام بقوله‪{ :‬ﯘ‬

‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫‪ ،]3١‬وقال‪ { :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫ﯦ}[األحزاب‪:‬‬

‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ}[األنبياء‪.]١٠ :‬‬
‫الريح أقبلت بالسحاب دخل وخرج‪ ،‬وأقبل وأدبر‬
‫إذا رأى ِّ‬ ‫وكان نب ّينا‬
‫خشية أن يكون فيها العذاب‪ ،‬فكم الفرق بين حالته هذه‪ ،‬وحالة غفلتنا‬
‫المؤلِمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ليلة فقام ُيص ِّلي؛‬ ‫‪ :‬تطهر الرسول‬ ‫المؤمنين عائشة‬ ‫وقالت أم ُ‬
‫جره‪ُ ،‬ثم بكى حتى بل لِح َيتَه‪ُ ،‬ثم بكى حتى بل األرض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فبكى حتى بل ح َ‬
‫يك وقد ُغ ِف َر َل َك َما َت َقد َم مِ ْن َذنْبِ َك َو َما َت َأخ َر؟ َق َال‬
‫فجاءه بالل‪ ،‬فقال‪ :‬ما ُيبْكِ َ‬
‫ت َع َلي الل ْي َل َة َآيات َو ْيـل لِمـَــ ْن‬
‫ُورا لَ َقدْ أُن ِْزلَ ْ‬ ‫‪َ «:‬أ َف َال َأك ُ‬
‫ُون َعبْدً ا َشك ً‬
‫َقـ َر َأ َها َولَ ْم َيتَ َفك ْر فِ َيها {ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ }»[ آل عمران‪.]٩١٩ - ٩١٠ :‬‬

‫(‪ )1‬روا ُه أحمد وصح َح ُه األلباين‪.‬‬


‫‪84‬‬

‫‪« :‬إِنِّي َألَ ْت َقاك ُْم هللِ‪َ ،‬و َأخْ َشاك ُْم لَ ُه»‪.‬‬ ‫وقال نَبِيُّنا‬
‫وأما الصحابة األخيار نجوم األُمة األبرار المهاجرون منهم واألنصار‪،‬‬
‫فقد نالوا حظًا كبيرا من خشية الجبار بلغهم ذلك المنازل العاليات يف دار‬
‫القرار؛‬
‫حين كان يف‬ ‫فمن ذلك ما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫ل ُه‬ ‫مرض َموته؛ فجعل الصحابة ُيؤنِسونه و ُي َذك ُِّرونه ببشارة الرسول‬
‫بالجنة‪ ،‬وبما جعل اهلل على يديه من ال ُفتوحات والدعوة‪،‬‬
‫ور ِض َي َعن ُه‪ « :‬المغرور من غرر ُتموه يا ليت ُأم عمر لم‬ ‫ِ‬
‫فقال َرح َم ُه اهلل َ‬
‫َتلِد ُعمر يا ليتها كفافًا ال لي وال علي‪ ،‬وكان وجهه على َف ِ‬
‫خذ ولده عبد اهلل‪،‬‬
‫اهلل يرحمني »‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا عبد اهلل ضع خدِّ ي على التُّراب لعل َ‬
‫‪ ،‬وهذا‬ ‫وما ذلك إال لليقين يف قلبه بشدة حاجته إلى عفو اهلل‬
‫َس ِمع َر جال يتمنى أن يكون من‬ ‫الصحابي ال جليل عبد اهلل بن مسعود‬
‫وددت أنِّي إذا مِ ُّت ال ُأ ْب َعث‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫المقربين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫ووددت َأنِّي لم ُأ ْخ َلق »‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُنت شجرة ُت َ‬
‫عضد‪،‬‬ ‫‪« :‬يا ليتني ك ُ‬ ‫وقال أبو ذر‬
‫ُنت كبشًا؛‬ ‫دت أنِّي ك ُ‬ ‫‪َ « :‬ودِ ُّ‬ ‫بالجنة‬
‫ويقول أبو ُعبَيدة بن الجراح ال ُمبشر َ‬
‫فذبحني أهلي‪ ،‬فأكلوا لحمي وحسوا مرقي »‪.‬‬
‫َ‬
‫‪85‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫‪ « :‬لو تعلمون حق العلم ما‬ ‫وقال عبد اهلل بن عمرو بن العاص‬


‫تلذذ ُتم بلذيذة‪ ،‬ولقام أحدكم َبين َيدَ ي ر ِّبه حتى ينكسر ُصل ُب ُه‪ ،‬ولصاح حتى‬
‫ينقطع َصو ُته »‪.‬‬
‫فيقول‪ « :‬يا َليتَني ك ُ‬
‫ُنت‬ ‫أما الصحابي ال ُمب جل عمران بن ُح َصين‬
‫الرياح »‪.‬‬
‫رمادا تذروه ِّ‬
‫‪ :‬لَ ْو َت ْع َل ُم َ‬
‫ون َما‬ ‫َقال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫حيحين عن َأنس‬ ‫بل يف الص َ‬
‫‪« :‬فغطى أصحاب‬ ‫ح ْكت ُْم َق ِل ًيال َولبَ َكيْت ُْم كَثِ ًيرا»‪ .‬قال أنس‬
‫َأع َلم لَ َض ِ‬
‫ْ ُ‬
‫وجوههم‪ ،‬ولهم خنين»‪ .‬وهذا الحال من األصحاب‬ ‫رسول اهلل‬
‫اهلل هبم دينه ُّ‬
‫يدل على فقههم العظيم‬ ‫األحباب‪ ،‬وهم السابقون‪ ،‬وهم من أعز ُ‬
‫أال وهو تغليب جانب خوف اهلل العظيم على جانب الرجاء‪ .‬فذلك خير‬
‫للعبد من إعطاء نفسه األمان وإحسان الظ ِّن هبا‪ ،‬وبما قدمت من يسير العمل‪،‬‬
‫وهذا اإلمام الشافعي لما كان على فراش الموت زاره المزين‪ ،‬فقال ل ُه‪:‬‬
‫أصبحت من الدُّ نيا راحال‪ ،‬وإلخواين‬
‫ُ‬ ‫كيف أصبحت يا أبا عبد اهلل ؟ فقال‪« :‬‬
‫ُمفارقًا ولكأس المنِية شاربًا‪ ،‬ولسوء عملي ُمالقيًا‪ ،‬وعلى اهللِ ِ‬
‫واردا؛ فال‬
‫عزيها‪ُ ،‬ثم بكى »‪.‬‬ ‫فأهنِّيها‪ ،‬أو إلى النار ُ‬
‫فأ ِّ‬ ‫أدري أتصير روحي إلى الجنة ُ‬

‫المسلمون‪ ،‬إن من عرف حق اهلل عليه وفضله عليه‪ ،‬واعرتف بتقصيره‬


‫أ ُّيها ُ‬
‫عاتب نفسه وخاف رب ُه مهما قدم من العمل‪ ،‬وهذا حال السابقين إلى الخير‬
‫‪86‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ { :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬

‫ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ }[المؤمنون‪،]6٩-57 :‬‬
‫وقال سبحانه عن ُعمار المساجد الذاكرين ل ُه ُبكرة وعشيًا‪ ،‬وعمروا‬

‫بالخوف من لقائِه‪{ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬


‫ُق ُلوهبم َ‬

‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ}‬
‫[النور‪.]37-36 :‬‬
‫الضعفاء الفقراء‪ ،‬فـــمن وضع نفسه موضعها‪،‬‬
‫أ ُّيهـا المسلمون‪ ،‬نح ُن ُّ‬
‫وراقب اهلل وخــاف وعـيده عرف قـدر نفسه‪ ،‬وعرف رب ُه‪ ،‬وحصل ثمرات‬
‫خــ ِ‬
‫ف‬ ‫َخوفِه من اهلل‪ ،‬فمن خاف من اهلل خاف منـ ُه ُكـ ُّل شـيء‪ ،‬ومن لــم َي َ‬
‫اهلل خــاف مـن ُكــ ِّل شيء‪،‬‬
‫الخوف من‬ ‫فإن العبد ال ُبد أن يخاف‪ ،‬فإ ْن وضعه موضعه الصحيح‪ ،‬وهو َ‬
‫اهلل‪ ،‬وإال فسيخاف ممن ِسوا ُه‪ ،‬والبُد للعبد أن يتذلل ويتعبد هكذا ُخلِ َق‪ ،‬فإن‬
‫ث‬‫كان َتع ُّبدُ ه هللِ‪ ،‬وإال تذلل لمن ِسوا ُه وال ُبد للعبد الضعيف أن يلتمس من َي ُب ُّ‬
‫إِ َليه شكواه‪ ،‬ويكشف عن ُه بلواه‪ ،‬وهم ُه وغم ُه‪،‬‬
‫‪87‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫فإن كان ذلك إلى اهلل وحدَ ُه‪ ،‬وإال احتاج أن َيبُثها لمن ِسواه ممن ال‬

‫يملكون ألنفسهم ضرا وال َر َشدا {ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ}[الزمر‪.]37-36 :‬‬
‫ومن لم يخشع هلل تعالى اليوم ُخ ُشوعًا ينفعه؛ فسيخشع غدا يوم ال ينفع‬

‫الخ ُشوع‪{ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬


‫ُ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ }[الغاشية‪ .]4-٩ :‬من لم يس ُكن َ‬


‫الخوف من اهلل‬

‫قلبه‪ ،‬و ُيذل ل ُه وجهه اليوم؛ فستعلوه القرتة وال َغبَرة غدا وال تنفعه‪ { .‬ﰔ‬

‫وقال‬ ‫[عبس‪]42-4٠ :‬‬ ‫ﰕ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚﰛ ﰜﰝﰞﰟﰠ}‬

‫تعالى‪{ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ}[االنشقاق‪.]٩3 :‬‬


‫أما أهل َ‬
‫الخوف من ُه سبحانه يف الدُّ نيا‪ ،‬فإنك يوم القيامة تعرف يف وجوههم‬
‫نضرة النعيم وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية‪.‬‬

‫ولما قالوا‪{ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ}[اإلنسان‪ .]٩٠ :‬قال فيهم‪:‬‬

‫{ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ}[اإلنسان‪.]٩٩:‬‬
‫‪88‬‬

‫اهلل َت َعا َلى‪َ « :‬و ِعزتِي َو جاللِي َال َأ ْج َم ُع لِ َع ْب ِدي‬ ‫‪َ :‬ق َال ُ‬ ‫المصطفى‬ ‫يقول ُ‬
‫َأ ْمنَيْ ِن َو َال َخ ْو َفيْ ِن‪ ،‬إِ ْن ُه َو َأ ِمنَنِي فِي الدُّ ْنيَا َأ َخ ْفتُ ُه َي ْو َم َأ ْج َم ُع ِعبَادِي‪َ ،‬وإِ ْن ُه َو‬
‫َخا َفنِي فِي الدُّ ْنيَا َأمنْتُ ُه َي ْو َم َأ ْج َم ُع ِعبَادِي»(‪.)1‬‬
‫ولكن ُه ولألسف لما غفلت قلوبنا قل َخوفها وانزعاجها من وعيد اهلل‪ ،‬بل‬
‫نسمع من أهل زماننا من يقول‪ :‬ال ُت َ‬
‫خ ِّوفونا دعونا على اهلل! وهذا ليس من‬
‫المرسلون؛ فإن ُه ال يأمن مكر اهلل إال القوم‬
‫الرشد والخيرية‪ ،‬وما هكذا كان ُ‬
‫ُّ‬
‫الخاسرون‪،‬‬
‫وبالموت واآلخرة‪ ،‬والتخويف مما أمامنا‬
‫َ‬ ‫فيفهم البعض أن التذكير باهلل‬
‫من الحوادث المفزعات يفهم أن هذا تنغيص لحياته‪ ،‬وتكدير ِ‬
‫لعيشه‪ ،‬و ُمناف‬
‫وبالمقابل يميل ويطمئن إلى‬
‫ُ‬ ‫للسعادة؛ فينفر عمن هذا سبيلهم وطريقهم‪،‬‬
‫خو ُفونه باهلل‪ ،‬وال ُيذكِّرو َن ُه باآلخرة‪،‬‬
‫قوم ال ُي ِّ‬
‫قيل ل ُه‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬إننا‬ ‫ومن هذا القبيل ما ُسئِ َل عن ُه الحسن البصري‬
‫خو ُفوننا من اهلل جل وعال حتى تكاد ُق ُلوبنا أن تطير من ِشدة‬
‫نُجالس أقوامًا ُي ِّ‬
‫َ‬
‫الخوف ؟‬
‫خو ُفونك يف الدُّ نيا حتى‬
‫فقال الحسن‪ « :‬واهلل إنك إن ُتخالط قومًا ُي ِّ‬
‫تصحب أقوامًا ُيؤ ِّمنونك يعني من عذاب اهلل حتى‬
‫َ‬ ‫ُي ِ‬
‫دركك األمن خير من أن‬
‫يلحقك َ‬
‫الخوف يف اآلخرة »‪.‬‬

‫‪ ،‬وصح َح ُه األلباين‪.‬‬ ‫وأبو نعيم عن شداد بن أوس‬ ‫(‪ )1‬روا ُه البزاز عن أبي ُهريرة‬
‫‪8١‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫‪ « :‬فمن لم يتقطع قلبه يف الدُّ نيا َخوفًا وحسرة على‬ ‫وقال ابن القيِّم‬
‫ما فرط لتقطع يف اآلخرة إذا حقت الحقائق‪ ،‬وظهرت األُ ُمور »‪.‬‬
‫عباد اهلل‪ ،‬إن َ‬
‫الخوف هو الدواء الناجح لمن وجد قلبه غافال ساهيًا الهيًا‬
‫ب الدُّ نيا‪.‬‬
‫غلب عليه ُح ُّ‬
‫الخوف من اهلل ُي ِ‬
‫حر ُق منابع الشهوات يف القلب‪ ،‬و ُين َِّمي العمل لآلخرة‪.‬‬
‫الخوف من اهلل ُيح ِّقر الدُّ نيا عندك؛ فال ُتقيم لها وزنًا‪ ،‬وهو رأس الحكمة‬

‫كل من خاف شيئًا ابتعد من ُه إال من خاف اهلل؛ فهو َي ْقت َِر ُ‬
‫ب من ُه‪.‬‬
‫الخوف من اهلل تعالى سيماء األنبياء والصالحين؛‬
‫‪ « :‬من خاف اهلل دل ُه الخوف على ك ُِّل َخير‪ ،‬وقلب ليس‬ ‫قال ال ُفضيل‬
‫فيه َخوف اهلل؛ فهو قلب خراب »‪.‬‬
‫المسلمون‪ ،‬إننا لنخشى على ُق ُلوبِنا من الخراب و ُطغيان الغفلة ندفن‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫الموتى يف المقابر‪ُ ،‬ثم نضحك ونمرح وكأننا لن نُغادر‪ ،‬ونسمع ونُشاهد‬
‫أحوال األُمم وما فيها من المواعظ والزواجر‪ ،‬وقل أن ترى فينا ُمسارعًا إلى‬
‫اهلل و ُمثابرا‪.‬‬
‫سطوته وأليم عقابه‪ ،‬وما نزل باألُمم‬
‫َ‬ ‫الخشيَ ِة‪ ،‬وتذكروا‬
‫أال فاخشوا اهلل حق َ‬
‫من قبلكم من ُصنُوف عذابه خسف وغرق ورياح ُمد ِّمرة عواصف وصعقة‪،‬‬
‫وقلب ال ُقرى‪ ،‬ومسخ الفجار إلى حيوانات‪ .‬قال رب ِ‬
‫العزة سبحانه‪{ :‬ﮄ‬ ‫ُّ‬
‫‪١٠‬‬

‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ} [التوبة‪.]٩26 :‬‬
‫اهلل أحوالنا‪ ،‬وأحيا ُق ُلوبنا‪.‬‬
‫أصلح ُ‬
‫وأستغــفر اهلل‪.‬‬
‫‪١٩‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫الـخـطبـة الـثـانيـــة‬
‫كور الليل على النهار‬ ‫كور النهار على الليل‪ ،‬و ُم ِّ‬
‫الحمد هلل الواحد القهار ُم ِّ‬
‫وعزتِه ك ُُّل فاجر وبار‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نَبِيِّ ِه‬ ‫خضع لجربوتِه ِ‬

‫المختار‪ ،‬وآل بيتِ ِه األطهار‪ ،‬وعلى صحا َبتِه الكرام األخيار‪ ،‬ومن سار على‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫هنجه واهتدى بِ َهديِه على ِّ‬
‫مر الدُّ ُهور واألعصار‪.‬‬
‫اهلل جل وعال ما خلقنا إال لعبادتِه سبحانه‪ ،‬فلتعلموا أن من‬
‫عباد اهلل‪ ،‬إن َ‬
‫والخوف منه سبحانه الذي أمرنا ِ‬
‫به أن نخشاه ونخا َف ُه‬ ‫َ‬ ‫أعظم العبادة َ‬
‫الخشية‬
‫ُ‬
‫يكتسب من الخير والسعادة يف الدُّ نيا‬
‫ُ‬ ‫ونت ِقيه‪ ،‬وذلك ألن الخائف من اهلل‬
‫واآلخرة ما ال يتصوره الغافلون الالهون؛‬
‫فمن أعظم ذلك الجنات العاليات بجوار خير الربيات؛ قال اهلل سبحانه‪:‬‬

‫{ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ}[الرحمن‪ .]46 :‬وقال‪ {:‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ} [النازعات‪،]4٩-4٠:‬‬
‫الخوف من اهلل دافع كبير للوصول إلى الجنة‬ ‫أن َ‬ ‫المصطفى‬ ‫وأخرب ُ‬
‫‪« :‬من َخافَ َأدلَج‪ ،‬ومن َأدلَج ب َلغَ المن ِْز َل‪َ ،‬أ َال إِن ِس ْلع َة اهلل ِ‬ ‫الغالية‪ .‬فقال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ََ ْ ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َغال َية‪َ ،‬أ َال إِن س ْل َع َة اهلل َ‬
‫الجن ُة»(‪.)1‬‬

‫‪.‬‬ ‫عن أبي ُهريرة‬ ‫(‪ )1‬روا ُه التِّرمذي‪ ،‬وصحح ُه األلباين‬


‫‪١2‬‬
‫فمن خاف العدو أن ُي ِ‬
‫دركَه وقت السحر مشى أول الليل‪ ،‬وهي الدُّ لجة‪،‬‬
‫ومن أدلج بلغ المنزل اآلمن‪ ،‬وهكذا من خاف أن ُي ِ‬
‫در َك ُه العذاب؛ فسارع إلى‬
‫منزل األمان‪ ،‬وهي ِ‬
‫الجنان بلغ بإذن اهلل؛‬

‫قال جل وعال‪{ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬

‫ﰌﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ}[ق‪،]33-3٩:‬‬

‫وقال‪{ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬

‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ}[يس‪.]٩٩ :‬‬
‫هذا وإن مخافة اهلل تعالى سبب للتمكين يف األرض للصالحين‪ ،‬وإهالك‬

‫‪{ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫الظالمين قال أصدق القائلين‬

‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡﮢ}[إبراهيم‪ ]٩4-٩3:‬خاف مقامي وخاف وعيدي‪،‬‬
‫إخالص العمل هلل‪ ،‬وعد َم انتظار األجر‬
‫َ‬ ‫ومخاف ُة اهلل تبعث يف نفس الخائف‬

‫من الناس قال تعالى‪ { :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ }[اإلنسان‪،]٩٠-١ :‬‬
‫‪١3‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫الحر واألهوال ُيظلل تحت ظِ ِّل‬ ‫ِّ‬ ‫ومن ثمراته الجزيلة أن صاحبه يف يوم‬
‫‪َ :‬سبْ َعة ُيظِ ُّل ُه ُم اهللُ فِي ظِ ِّل ِه‪َ ،‬ي ْو َم الَ ظِل إِال ظِ ُّل ُه ‪،‬‬ ‫العرش‪ .‬قال الر ُسول‬
‫ات َمن ِْصب َو َج َمال‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َأخَ ُ‬
‫اف‬ ‫وذكر أن منهم‪َ :‬ر جل َد َعتْ ُه ْام َر َأة َذ ُ‬
‫ت َع ْينَا ُه (‪،)1‬‬ ‫اهللَ ‪ ،‬وذكر كذلك منهم‪َ :‬ر جل َذك ََر اهلل َ خَ الِ ًيا َف َف َ‬
‫اض ْ‬
‫ومن فوائده أن ُه كاسر للشهوات‪ ،‬وحاجز للنفس عن محارم اهلل‪ ،‬والهوى‪،‬‬

‫رب العالمين {ﮟ‬


‫فقد ذكر اهلل أن ابن آدم امتنع من قتل أخيه َخوفًا من اهلل ِّ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ‬
‫ﯝﯞ ﯟﯠ}[المائدة‪،]2١-28:‬‬
‫ذات المنصـب والجمـال ُحـ ِفـ َظ مــن اهلل بسبب‬ ‫والر جل الذي دعـتْـ ُه ُ‬
‫َخوفِ ِه من اهلل‪َ :‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َأ َخافُ اهللَ ‪.‬‬
‫المؤمنين الذين عرفوا اهلل وعظمو ُه‪ ،‬أما من َد َفنَت َق ْلبَ ُه‬
‫هذه من أحوال ُ‬
‫الغفلة؛ فرتا ُه يف حال آخر‪ ،‬وهو اإلكثار من َتكرار إن اهلل غفور رحيم يف‬
‫ِ‬
‫أخطاءه‪ ،‬وباق على ُع ُيوبِه‪ ،‬و َأن اهلل عندَ ُه العفو؛‬ ‫الوقت الذي هو ُمقيم على‬
‫فغالطه الشيطان بكالم هو حق لكن ُأ ِريدَ به باطل‪ ،‬وهو حرمان الغافل‬
‫المسكين من نعمة التوبة والتصحيح‪ ،‬وألجل أن يبقى على حالته الضعيفة‬

‫‪.‬‬ ‫(‪ُ )1‬متفق عليه عن أبي ُهريرة‬


‫‪١4‬‬

‫الهابطة بعيدا عن ال ُع ُل ِّو ُ‬


‫والمسابقة إلى الخيرات‪ ،‬فخدر ُه الشيطان وأوهمه أن ُه‬
‫اهلل شيئًا‪.‬‬
‫المغالطة التي ال َي ُض ُّر هبا إال نفسه‪ ،‬ولن َي ُضر َ‬
‫سعيد هبذه ُ‬
‫يسأل اهلل أن يرزقه خشيَته؛ فيقول‪ :‬الل ُهم ا ْق ِس ْم‬ ‫هذا وقد كان نبيُّ ُكم‬
‫ك َما ُت َب ِّلغُنِي بِ ِه‬
‫ك‪َ ،‬ومن َطا َعتِ َ‬
‫ك َما ت َُح ْو ُل بِ ِه َبيْنِي َو َبيْ َن َم َع ِص َيت ِ َ‬‫لِ ْي ِم ْن َخ ْش َيتِ َ‬
‫َجنت َ‬
‫َك (‪.)1‬‬
‫ور ُبوبِيتِه‬ ‫وإنما يخشى اهلل من يخشاه على َح َس ِ‬
‫ب علم العبد باهلل وبدينه‪ُ ،‬‬
‫وصفاتِه ال ُعظمى‪ ،‬وأفعالِه قال سبحانه‪ { :‬ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫وهيتِه‪ ،‬وأسمائِ ِه ِ‬
‫و ُأ ُل ِ‬

‫ﯡ ﯢ ﯣ}[فاطر‪،]28 :‬‬
‫فكفى بخشية اهلل علمًا‪ ،‬وكفى بال ُغرور جهال‪ ،‬فال َي ُغرنك أ ُّيها العاقل‬
‫إمهال اهلل لك‪ ،‬وال تحسبن اهلل غافال عنك‪ .‬وإذا أردت أن تعرف أ ُّيها العبد‬
‫مدى خوفك من اهلل؛ فانظر كم خوفك من الفقر والعدو‪ ،‬ومن األمراض‪،‬‬
‫الضعفاء‪ُ ،‬ثم قارن ذلك بما حل بِ َك من‬
‫ومن ك ُِّل ما تخشا ُه من المخلوقين ُّ‬
‫َخوفِك من اهلل‪ ،‬وانظر من ترهب أكثر‪.‬‬
‫الموت‪،‬‬ ‫وكيف ال ُيخالِطنا َ‬
‫الخوف والرهبة‪ ،‬ونح ُن على يقين بمواجهة َ‬
‫وليس لنا من ُه مفر ألسنا موقنين بأننا سنُالقي نكير ومنكر ؟ ألسنا على موعد‬
‫الح َفر ؟ من َض ِم َن لنا أن ال يسكن فينا الدُّ ود وينخر ؟ أين ذهبت‬
‫لنُدْ َفن يف ُ‬

‫‪.‬‬ ‫من حديث ابن ُعمر‬ ‫(‪ )1‬روا ُه التِّرمذي وصح َح ُه األلباين‬
‫‪١5‬‬ ‫خوف املؤمنني من رب العاملني‬

‫العقول أين إحساس ُكم يا أهل ِ‬


‫العبَر ؟ أليس لنا موعد للخروج من األرض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ون ُْح َشر ؟ ولنا موقف عند نصب الموازين و ُدن ُِّو الشمس‪ ،‬ومجيء جهنم‪،‬‬
‫الص ُحف‪.‬‬
‫واصطفاف المالئكة ومجيء الجبار‪ ،‬وتطا ُير ُّ‬
‫ألسنا موقنين ومستشعرين لهذه األهوال ؟؟؟‪.‬‬
‫إن خشية اهلل وخوف عذابه إذا وقرت يف القلب حتى أبكت ال َعين‪،‬‬
‫‪َ «:‬ال َيلِ ُج الن َار َع ْبد‬ ‫وأسكبت دمعها كانت نجاة من النار‪ .‬قال ال ُمصطفى‬
‫بَكَى ِم ْن خَ ْشيَ ِة اهلل ِ َحتى َي ُعو َد اللبَ ُن فِي الض ْر ِع (‪.)1‬‬
‫هذا ولتعلموا أن َ‬
‫الخوف المحمود هو ما حجز عن محارم اهلل‪ ،‬ودفع إلى‬
‫المؤ ِّدي إلى اليأس وال ُقنُوط؛ فهذا مذموم شرعًا‪،‬‬
‫الخوف ُ‬ ‫طاعته‪ ،‬وما زاد من َ‬
‫ِ‬
‫رحمة ر ِّبه إال الضا ُّلون‪ ،‬فكن‬ ‫فاحذر عليك مداخل الشيطان‪ ،‬ومن يقنط من‬
‫عائشًا بَين َخوفِك من َعذابِه وراجيًا لما ِعنَدَ ه سبحانه من الرحمة والمغفرة‪،‬‬

‫وأنت باذل السبب المشروع لهذا وذاك {ﮘ ﮙﮚﮛ}[السجدة ‪]٩6‬‬

‫سم لنا من خشيتك َما تحول بِ ِه َبيْننَا َوبَين َم ْع ِصيَتِك‪َ ،‬ومن َطا َعتك‬ ‫الل ُهم ا ْق ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َما ُتبَ ِّل ُغنَا بِ ِه َجنت ََك‪َ ،‬ومِ َن ا ْليَ ِق ِ‬
‫ين َما ُت َه ِّو ُن بِه َع َل ْينَا َم َصائ َ‬
‫ب الدُّ نْ َيا‪،‬‬
‫طهر ُق ُلوبنا من غف َلتِها‪ ،‬وارزقنا خشيتك يف ال َغيب والشهادة‪.‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫راهبين‪.‬‬ ‫راغبين لك ِ‬ ‫اللهم اجعلنا لك ِ‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ،‬وصح َح ُه الشيخ األلباين‬ ‫(‪ )1‬روا ُه أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي ُهريرة‬
‫‪١6‬‬

‫اللهم اجعلنا ممن خاف عذابك‪ ،‬ورجى ثوا َبك‪.‬‬


‫المؤمنين‪...‬‬
‫اللهم انصر من ن ََصر الدِّ ين اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك ُ‬

‫‪‬‬
‫‪١7‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪َ ،‬ومِـ ْن‬
‫الحمدُ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َأ ْر َس َل ُه‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫وسراجًا ُمنيرا؛‬ ‫اهلل َتعا َلى بين يدَ ِي الساعة بشيرا ونذيرا‪ ،‬وداعيًا إلى اهللِ بإذنِ ِه ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة ونصح األُمة‪ ،‬وجاهد يف اهلل حق ِج َهادِه حتى َأتا ُه‬ ‫فبلغ ِّ‬
‫ـه‪ ،‬ومن َتبِ َعهم‬ ‫اليقين‪ ،‬فصلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وع َلى آلِ ِه و َأصحـابِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬
‫بإحسان إلى يوم الدِّ ين‪.‬‬

‫{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫‪َ ،‬و َشر ْاألُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬‫إِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫ار‪...‬‬ ‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫‪١8‬‬

‫أَمَّا بَعْدُ‪:‬‬
‫فإن من سنن اهلل الكونية حدُ وث ِ‬
‫الفتَن والتغيُّرات يف حياة البشر ما بين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫وأصل‬ ‫الحق من َغ ِير ِه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المؤمن‬
‫حين وآخر‪ ،‬والفت ُن هي التمحيص ليتميز ُ‬
‫ال َفتْن هو إدخال الذهب يف النار؛ ليظهر الجيِّد من الرديء؛ ولما أدخل‬

‫اهلل فِتنة؛ فقال‪ { :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫المـؤمنين يف النار سما ُه ُ‬ ‫ال ُكف ُار َ‬
‫بعض ُ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ}[الربوج‪،]٩٠:‬‬

‫وقال جل وعال‪{:‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬

‫ﮭﮮﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ}‬
‫[العنكبوت‪.]23:‬‬
‫المسلمون‪ ،‬كونوا عباد اهلل حقًا يف ِّ‬
‫الشدة والرخاء‪ ،‬واعلموا أن‬ ‫فيا أ ُّيها ُ‬
‫ِ‬
‫الفتَن تتنو ُع أشكالها‪ ،‬وتتغير تو ُّقعاهتا؛ فال تأيت على ُمراد العبد‪ ،‬بل على ما‬

‫تقتضيه حكم ُة اهلل الحكيم‪ ،‬فإذا أتت هذبت المؤمنين وفضحت ُ‬


‫المنافقين‪،‬‬
‫المعانِدين‪ ،‬ومن صرب وأرضى اهلل فيها كان ل ُه‬
‫وصقلت الصالحين وأذلت ُ‬
‫العز والتمكين‪ ،‬وقد تكون البلوى بالخير أو الشر‪ ،‬بال ُعسر أو ال ُيسر‪.‬‬
‫الفتَن وأشكالها؛ ُمدُ ن ُتهدم‪ ،‬ونُ ُفوس‬‫وإننا لفي زمن تعددت فيه صنُوف ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫المقتول‬ ‫ُتقتل‪ُ ،‬شبانًا وشيبًا‪ ،‬وأطفاال ونساء‪ ،‬ال يدري القاتل فيما قتل‪ ،‬وال‬
‫ِ‬
‫فيما ُقتل‪ ،‬ومصائب ونكبات يف كثير من بالد ُ‬
‫المسلمين؛‬
‫‪١١‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫يتألم لها قلب ك ُِّل ُمؤمن‪ ،‬ويستشعر جراحات ُ‬


‫المسلمين وجوعهم‬
‫جد ُمسلِمًا إال وهو حزين‬
‫وتشريدهم‪ ،‬وشماتة األعداء هبم‪ ،‬وإنك ال تكاد َت ِ‬
‫ألحوال المسلمين الم ِ‬
‫ؤسفة؛‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المسلم شرعًا تجاه هذه المآسي والمحن؟‬
‫ولكن ما هو المطلوب من ُ‬
‫هل يكفيه العويل‪ ،‬وتنا ُقل األخبار؟ هل ي ِ‬
‫ح ّل ل ُه السخط والجزع‪،‬‬ ‫َ‬
‫واالعرتاض؟ هل يفتح لنفسه باب اليأس وال ُقنُوط واإلحباط؟ هل يقول‬
‫هلك الناس؟‬
‫ف أمام المصائب وقفة خالية من العلم الشرعي بعيدا‬ ‫يحق لنا أن ِنق َ‬
‫هل ُّ‬
‫عن اإليمان‪ ،‬والثِّقة باهلل؟ ال نت ِعظ ال نعترب ال ِ‬
‫نكتسب منها ُدروسًا وتجارب؟‬
‫ال نستعد لها بما أمرنا به من األعمال الصالحة؟‪.‬‬
‫ويف ُخطبة هذا اليوم نذكر على مسامع الحاضرين وقفات ُمهمات إذا‬
‫الفت َِن؛ فإنهن من أسباب ِ‬
‫العصمة‬ ‫وعاهن المسلم‪ ،‬واستشعر العمل بِ ِهن أيام ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحق‪ ،‬والنجاة من مزالق ُ‬
‫الخسران‪.‬‬ ‫من ِ‬
‫الفتنة والثبات على ِّ‬
‫أمَّا الوقفة األوىل‪:‬‬
‫المسلم أن يعلم علم اليقين أن اهلل جل وعال عليم وخبير بِ ُك ِّل ما‬
‫فعلى ُ‬
‫أرضه من قليل وكثير‪ ،‬وأن ُه سبحانه يف ذلك ُك ِّله لطيف حكيم‬ ‫يحدُ ث يف ِ‬

‫ِ‬
‫وتقديره {ﰌ ﰍ ﰎ‬ ‫كمتِه وتدبِيره‬ ‫ِ ِ‬
‫بالمؤمنين رحيم‪ ،‬وك ُُّل ذلك ُ‬
‫بحكمه وح َ‬
‫‪٩٠٠‬‬

‫ﰏ ﰐ ﰑ } [القمر‪{ ]4١ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬


‫ﯹ ﯺ ﯻ } [المائدة‪.]٩٩8 :‬‬
‫خط وال َت َض ُّجر‪ ،‬وال َج َز َع وال (كيف ؟)‪،‬‬‫وما دام أن األمر كذلك؛ فال َت َس ُّ‬
‫وال (لِ َم ؟)‪ ،‬وال (لو) وما يدري أحد ما يف ال َغيب والمستقبل‪ ،‬فقد يكون يف‬
‫ِ‬
‫للمؤمنين الصابرين‪ ،‬وعواقب حميدة من‬ ‫الحوادث والنوازل والم َحن َخير ُ‬
‫حيث ال نشعر؛‬

‫فهو القائل سبحانه‪{:‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝﭞﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ}[البقرة‪ ]2٩6:‬وقال‪:‬‬

‫{ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ }[النساء‪.]31 :‬‬

‫وأما الوقفة الثانية‪:‬‬


‫المسلم أن ما من حدث يقع خير أو شر إال ول ُه سبب‪،‬‬
‫فهي أن تعلم أ ُّيها ُ‬
‫وهذه المصائب لها أسباب كثيرة صدرت من بني آدم أنفسهم‪.‬‬

‫قال تعالى‪{:‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ}[الروم‪،]4٩:‬‬

‫وقال‪ { :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆ ﰇ }[الشورى‪.]3٠ :‬‬
‫‪٩٠٩‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫أال وإن كثيرا من أبناء هذه األُمة قد ابتعدوا عن دينهم الذي ألجله ُخلِ ُقوا؛‬
‫تمسك بِه‪ ،‬وال نشر وال دعوة إليه‪،‬‬
‫فأعرضوا عن ُه؛ فال تع ُّلم وال تعليم‪ ،‬وال ُّ‬
‫وكُل ُيحدِّ ث نفسه أن ُه ليس بالمعني‪ ،‬وال شأن له بأمر هذا الدِّ ين‪ ،‬وهذا ُك ّله‬
‫صاحبه للعقوبة‪ ،‬و جلب الكرب والهم والنكد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يعرض‬ ‫إعراض خطير ِّ‬
‫قال اهلل تعالى‪ { :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ}[طه‪ ]٩26-٩24 :‬أي‪ :‬أهملتها { ﭗ ﭘ ﭙ }‪.‬‬
‫وح ُروب ونزاعات إال ولإلعراض عن دين اهلل‬
‫فما أصاب الناس من ضيق ُ‬
‫المسلمون تغا ُفال عن دين اهلل إن ما حل‬
‫األثر األكرب يف ذلك‪ ،‬فكفى كفى أ ُّيها ُ‬
‫ُبأمة اإلسالم يف أوطاهنا وأبنائِها‪ ،‬ومقدساهتا واختالف ذات بينها لرادع‬
‫‪.‬‬ ‫وزاجر عن التمادي يف ال ُبعد عن اهلل‬

‫‪ {:‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬ ‫قال‬

‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ} [التوبة‪ .]621:‬فاعلموا أن اهلل ال ُيغ ِّير‬


‫ما بقوم حتى ُيغ ِّيروا ما بأنفسهم‪.‬‬

‫أمَّا الوقفة الثَّالثة‪:‬‬


‫المسلم يتلقى يف أزمنة المحنة درسًا وهو‪َ « :‬أن ال ُم ْؤ ِم َن الَ ُي ْلدَ ُغ ِم ْن‬
‫فإن ُ‬
‫احد َمر َت ْينِ»؛ فلقد ُل ِد َغت األُمة لدغات ولدغات من جراء االنسياق‬ ‫جحر و ِ‬
‫ُ ْ َ‬
‫‪٩٠2‬‬

‫والمظاهرات والتفجيرات‪ ،‬واالعتداء على النُّ ُفوس‬


‫وراء النعرات والثورات‪ُ ،‬‬
‫المحـرمات‪ ،‬واألموال المصونات‪ ،‬فهل آن األوان أن نستفيد من هذه‬
‫ُ‬
‫وجرم ما فعلناه حتى ال‬
‫العواقب الوخيمات ؟ من معرفة شؤم ما ارتكبناه ُ‬
‫نعود إليه تارة ُأخرى‪.‬‬
‫اصحون‪ ،‬وصاح الصالحون عند ُب ُزوغ‬ ‫لقد نادى المصلحون ونصح الن ِ‬
‫ُ‬
‫وسنة نب ِّي ِه األمين‪ ،‬وطريقة‬
‫مسك بكتابه ُ‬‫الفتن بالوقوف عند حدود اهلل‪ ،‬والت ُّ‬
‫ُخ َلفائِه الراشدين‪ ،‬والصحابة المهتدين من التح ِّلي بالصرب والتقوى‪ ،‬والتقيُّد‬
‫ُهجنت إرشاداهتم‪ ،‬وانفلت من‬ ‫بالشرع الحكيم‪ ،‬ولكن نُبِ َذت نصائِ ُحهم واست ِ‬
‫ِ‬
‫شباب األُمة الكثير وراء الفتَن العارمة كالسيل ُ‬
‫المنحدر يرجون من ورائها‬
‫الرقي والنعماء‪ ،‬والراحة والسلوى‪ ،‬ورغد المعيشة وأين الخير من وجه‬
‫ُّ‬
‫ال ُغراب؟‬
‫فـأصبحـت كسـراب يحـس ُبـ ُه الـظمـئـآن مـاء حتـى إذا جـاءه لم يجـد ُه‬
‫شيئًا‪،‬‬
‫فلما وقع الفأس يف الرأس وسالت الدِّ ماء‪ ،‬وفسدت المعايش وتقطعت‬
‫السبُل‪ ،‬واختل األمن والسكينة‪ ،‬ونال ال ُكفار من ُأمة اإلسالم ما لم يكونوا‬
‫ُّ‬
‫يحتسبون‪ ،‬قال الناس حينها صدق رسول اهلل‪ ،‬وصدق العلماء وصدق‬
‫الناصحون‪ ،‬يا ليتنا أطعنا اهلل وأطعنا الرسول‪.‬‬
‫‪٩٠3‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫‪ « :‬العلماء يعرفون ِ‬
‫الفتَن عند إقبالها‪ ،‬وإذا‬ ‫يقول الحسن البصري‬
‫أدبرت عرفها العالم والجاهل »‪،‬‬
‫ولقد أحسن من قال‪:‬‬
‫تســـعى بزينتهـــا لكـــل جهـ ِ‬
‫ــول‬ ‫الحـــرب أول مـــا تكـــون فتيـــة‬
‫ولــت عجــوزا غيــر ذات حليــ ِ‬
‫ل‬ ‫حتى إذا اشتعلت وشب ضـرامها‬
‫للشــــم والتقبيــــ ِ‬
‫ل‬ ‫ِّ‬ ‫مكروهــــة‬ ‫شــمطاء ينكــر لوهنــا وتغيــرت‬
‫اعدُ فِ َيها خَ ْير ِم َن‬‫ُون فِتَن‪ ،‬ال َق ِ‬ ‫قال‪َ « :‬ستَك ُ‬ ‫ويف الصحيح أن رسول اهلل‬
‫اعي‪َ ،‬م ْن‬ ‫اشي فِيها خَ ير ِمن الس ِ‬ ‫اشي‪ ،‬والم ِ‬ ‫ال َقائِمِ‪ ،‬وال َقائِم فِيها خَ ير ِمن الم ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ف لَ َها ت َْست َْشرِ ْف ُه‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ ِمن َْها َم ْل َجأً‪ ،‬أَ ْو َم َعا ًذا‪َ ،‬ف ْل َي ُع ْذ بِ ِه»‪.‬‬ ‫ْاست َْش َر َ‬
‫أعاذنا اهلل وإياكم من شر الفتن‪.‬‬
‫أستغفر اهلل‪.‬‬
‫‪٩٠4‬‬

‫الـخـطبـة الـثــانـيـة‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم األنبياء‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫الحمد هلل ِّ‬

‫أمَّا الوقفةُ الرَّابعة‪:‬‬


‫للمسلمين مما تكرهه نُ ُفوسهم وتغيير أحوالهم مما اعتادوه‬ ‫فإن ما يحصل ُ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫من األمن والرفاهية‪ ،‬فيه تكفير لخطاياهم وغسل ُ‬
‫لذنُوهبم‪ ،‬فإن اهلل ُيح ُّ‬
‫المؤمن أن ُينقى من الخطايا ُّ‬
‫والذنُوب؛‬ ‫ِ ِ‬
‫لعبده ُ‬
‫ِ‬
‫قال ‪ :‬إِ َذا أَ َرا َد اهلل ُ بِ َعبْد خَ يْ ًرا َع جل لَ ُه الْ ُع ُقوبَ َة في الدُّ ْنيَا‪َ ،‬وإِ َذا أَ َرا َد اهلل ُ‬
‫‪َ :‬ما‬ ‫ك َعنْ ُه بِ ُذنُوبِ ِه َحتى ُي َوا َفى بِ ِه َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة ‪ ،‬وقال‬ ‫بِ َع ْبد َش ًّرا َأ ْم َس َ‬
‫يب الْ ُم ْس ِل َم ِم ْن ن ََصب‪َ ،‬و َال َو َصب‪َ ،‬و َال َهم َو َال َحزَن َو َال َأ ًذى َو َال َغم‪،‬‬ ‫ُيص ُ‬
‫ِ‬

‫َحتى الش ْوك َِة ُي َشاك َُها إِال كَف َر اهلل ُ بِ َها ِم ْن خَ طَ َايا ُه ‪،‬‬
‫فأراد اهلل بعباد من خلقه أن تنزل عليهم الر َحمات‪ ،‬وعليهم من اهلل‬
‫الصلوات‪ ،‬وكُتِ ُبوا من أهل ِ‬
‫الهدايات‪ ،‬وارتقوا إلى منازل الصابرين‬
‫والصابرات‪،‬‬

‫قال سبحانه‪{:‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ} [البقرة‪،]٩57-٩55 :‬‬
‫‪٩٠5‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫‪«:‬إِن ِعظَم الج َز ِ‬


‫اء‬ ‫فإذا أحب اهلل عبدا وابتال ُه؛ فال يأبى قال رسول اهلل‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َع عظَ ِم ال َب َالء‪َ ،‬وإِن اهللَ إِ َذا َأ َحب َق ْو ًما ا ْبت ََال ُه ْم‪َ ،‬ف َم ْن َرضي َف َل ُه ِّ‬
‫الر َضا‪َ ،‬و َم ْن‬
‫خ َط َف َل ُه السخَ ُط»‪.‬‬ ‫س ِ‬
‫َ‬

‫الوقفة اخلامسة ‪:‬‬


‫أن ُحب الدُّ نيا إذا تمكن من قلب العبد أفسد ُه‪ ،‬ولم يرتك فيه قبوال لمحب ِة‬
‫اآلخرة ومحبة ما عند اهلل‪ ،‬فإذا نزل البالء و ُأ ِصيب الناس يف أرزاقهم وتغيرت‬
‫ِ‬
‫المكاره على القاصي‬ ‫عليهم األحوال‪ ،‬وتنغصت مالذ ُدنياهم‪ ،‬وهبت‬
‫والداين‪ ،‬قل األمل يف الدُّ نيا وذهب كثير من ُحبِّها من ال ُق ُلوب‪ ،‬وظهرت على‬
‫اهلل ل ُه التوفيق‪ ،‬وانتقلت ال ُق ُلوب البتغاء دار ُأخرى‬
‫حقيقتها الزائفة لمن شاء ُ‬
‫المؤمن إذا ُأصيب‬
‫ال كدر فيها وال لغو فيها وال تأثيم‪ ،‬وهذه من ما ينتفع به ُ‬
‫الموفقون‪.‬‬
‫بما يكره‪ ،‬وال يتأملها إال القليل ُ‬

‫أمَّا الوقفة السَّادسة‪:‬‬


‫اهلل هبا العباد أن ُيكثروا من الدُّ عاء؛ فإن الدُّ عاء‬
‫إن من الواجبات التي أمر ُ‬
‫هو العبادة { ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ }[غافر‪،]6٠ :‬‬
‫ولكن قست ال ُق ُلوب وجفت األعيُن من الدمع‪ ،‬وقل يف الناس رفع َأكُف‬
‫ِ‬
‫والم َحن‬ ‫الضراعة إلى اهلل‪ ،‬ولما يحصل ما يحصل من ِ‬
‫الفتَن واألزمات‬
‫‪٩٠6‬‬
‫ُف إلى بارئها‪ ،‬وتت ِ‬
‫جه‬ ‫المد َل ِهمات‪ ،‬ويزداد ُ‬
‫الحزن وال ُك ُربات ُترفع األَك ُّ‬ ‫ُ‬
‫ال ُق ُلوب إلى عالم ال ُغ ُيوب؛ ليرفع ما حل هبا من ُ‬
‫الخطوب؛‬

‫ولذلكم يقول ر ُّبنا سبحانه‪ {:‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ}[األنعام‪ ،]42 :‬وقال‪ {:‬ﭞ ﭟ ﭠ‬

‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ }[المؤمنون‪،]76 :‬‬

‫فيا أ ُّيها الناس إن أرد ُّتم رفع ماحل بكم وبغيركم من ُ‬


‫المسلمين؛ فال‬
‫حسر واالنزعاج‪ ،‬ويشكو كُل مِنا على اآلخر ليتنفس عما بداخله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُتكثروا الت ُّ‬
‫وعليكم أن تأتوا ال ُب ُيوت من أبواهبا‪ ،‬وأن تط ُل ُبوا كشفها من عند اهلل وأن‬
‫َت ْصدُ ُق ْوا يف الطلب‪ ،‬وانظروا إلى ما حل بمن قبلكم من األنبياء والصالحين‬
‫لما صدقوا يف ُدعائِ ِهم إياه واثقين بِ َوعده كيف أنقذهم من ُش ُرور جسيمة‪،‬‬
‫التقمه الحوت يف البحر‪ ،‬وصار داخل أمعائِه؛‬ ‫فهذا ُيونُس‬
‫مكان قل من ُيؤمل بالنجاة منه‪ ،‬والحياة بعده إال َمن َق ِو َي ِص ُ‬
‫دق يقينه باهلل‬

‫تعالى‪ { :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ }[األنبياء‪،]88-87 :‬‬
‫اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُرم َي يف النار‪ ،‬فجعل حسيبه اهلل بكل ثقة؛ قائال‪ :‬حسبي ُ‬ ‫وإبراهيم‬

‫م الوكيل قال اهلل‪ { :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝﯞ} [األنبياء‪]6١ :‬‬


‫ِ‬
‫ون ْع َ‬
‫‪٩٠7‬‬ ‫وقفات مع األحداث‬

‫وموسى مع قومه كان أمامهم البحر والعدو من الخلف { ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ } ُّ‬
‫[الشعراء‪.]62 :‬‬
‫فأنجا ُه اهلل وأهلك عدُ و ُه يف طرفة عين؛‬
‫وهذه ثقة األنبياء يف اهلل‪ ،‬ويف ُقدرته على سرعة تغيير الحال‪ ،‬وهو على ك ُِّل‬
‫شيء قدير‪.‬‬
‫فما بالنا يا عباد اهلل‪ ،‬نسمع من يقول هلك الناس‪ ،‬وذهب الخير وحل‬
‫الويل والثُّبور‪ ،‬ونسمع الكلمات التي ُتقنِّط من رحمة اهلل وت جلب اليأس‬
‫َ‬
‫وتوحي بقلة األمل يف فرج اهلل تعالى‪.‬‬
‫وهذا ُك ُّله مما ال يليق بمؤمن باهلل راض بحكم اهلل قوي االعتماد على اهلل‬
‫اس؛ َف ُه َو َأ ْه َلك ُُهم ‪.‬‬ ‫واثق بفرج اهلل ونصره قال ‪َ :‬م ْن َق َال‪َ :‬ه َل َ‬
‫ك الن ُ‬
‫الفت َِن‪ ،‬وأن ِ‬
‫يحق َن دماءهم‪،‬‬ ‫يصرف عن المسلمين شر ِ‬ ‫نسأل من اهلل أن ِ‬
‫ُ‬
‫ويكفيهم شر ك ُِّل ذي شر‪ .‬والحمد هلل ِّ‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪٩٠8‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه‬
‫ورسو ُلــه‪ ،‬صلى اهلل وسلم عليه‪ ،‬وع َلى آل ِ ِه األَبـرار‪ ،‬و َأصحـابِ ِ‬
‫ـه األَ ْخ َيـار‪.‬‬ ‫ْ َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ْ‬

‫{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪]٩٠2:‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ}[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫ِ‬
‫‪َ ،‬و َشر‬ ‫َأما َب ْعدُ ‪َ :‬فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي‬
‫الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫ُ‬
‫يتساهل هبا كثير من‬ ‫المسلمون أن من أعظم األُ ُمور التي‬
‫اعلموا أ ُّي َها ُ‬
‫‪ ،‬ومن توفيق اهلل للعبد‬ ‫اهلل‬
‫الناس يف هذه األزمان عدم تعظيم ما عظ َم ُ‬
‫‪٩٠١‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫بعض السلف أن ُيع ِّظم ما عظ َم اهلل‪ ،‬وأن يح ِّق َر ما حقر ُ‬


‫اهلل‪.‬‬ ‫كما قال ُ‬

‫اهلل‪ ،‬أو ُيح ِّق ُر ما عظ َم ُ‬


‫اهلل‪ ،‬أو يقع يف‬ ‫والمخذول هو الذي ُيع ِّظ ُم ما حق َر ُ‬
‫الم ِصيبَتَين‪.‬‬
‫ُ‬
‫أال وإن من أعظم ما عظ َم ُه الرحمن‪ ،‬وشدد يف شأنه رسول اإلنس والجان‬
‫أعلى َ‬
‫شأن بني آدم وكر َم ُهم؛‬ ‫اهلل‬
‫د ُم المرء المسلم يف هذه الدُّ نيا‪ ،‬فإن َ‬
‫‪ {:‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫فقال‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ}[اإلسراء‪ ]7٠ :‬لقد خلق اهلل‬


‫أرض ِه‪.‬‬
‫هذا اإلنسان واختاره أن يكون خليفة يف ِ‬

‫{ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }[البقرة‪]3٠ :‬؛‬
‫‪ ،‬وجعله وذريت ُه خلفاء يف األرض‪،‬‬ ‫آدم‬ ‫فخلق اهلل‬
‫وبحرها‪ ،‬وزرو َعها‪،‬‬
‫َ‬ ‫وسخر كُل ما فيها لهم‪ ،‬فسخ َر هذه األرض برها‪،‬‬
‫ُنوزها‪ِ ،‬‬
‫ووديانَها‪ ،‬وجبا َلها‪ ،‬كُلها لمصلحة‬ ‫وأهنارها‪ ،‬ودوابها‪ ،‬وك َ‬
‫َ‬ ‫وثمارها‪،‬‬
‫َ‬
‫هذا اإلنسان‪،‬‬
‫الحدود وشرع الشرائع التي تحمي هذا‬ ‫ال ُكتُب‪ ،‬وحد ُ‬ ‫وأنزل اهلل‬
‫رضه ومالِه حتى يقوم يف هذه الحياة بواجبه‬ ‫اإلنسان‪ ،‬و ُتحافظ على دمِه ِ‬
‫وع ِ‬
‫َ‬
‫‪٩٩٠‬‬

‫وخ َل َق ُه ِألجله‪ ،‬أال وهو عبادة اهلل وحده ال شريك ل ُه‪،‬‬


‫اهلل عليه َ‬
‫أوجب ُه ُ‬
‫الذي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتسبب‬ ‫ومتى اعتُد َي على هذا اإلنسان‪ ،‬أو استُخف بِ ُحر َمته؛ فإن ذلك مما َ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫يف عدم قيامِه بما أوجب اهلل‬
‫الرساالت بالن ُُّصوص العظيمة يف الكتاب‬
‫وقد جاء دي ُن اإلسالم خاتم ِّ‬
‫وحرم َة غيره بحدود وضوابط‬ ‫والسنة التي ُتبَيِّن ُحرمة المرء ُ‬
‫المسلم‪ ،‬بل ُ‬ ‫ُّ‬
‫شرعية‪.‬‬
‫المسلمين التي انت ُِه َكت من‬ ‫ِ‬
‫ويف موقفنا هذا نتكلم اليوم عن ُحر َمة دماء ُ‬
‫قِ َب ِ‬
‫ل الكافرين بل ومن بعض أهل جلدتنا‪.‬‬
‫بحر َم ِة الدِّ ين‪ ،‬فإن‬
‫المسلم ُ‬
‫فإن اهلل أحكم الحاكمين قد قرن ُحرمة المرء ُ‬
‫المسلمين مقرون باالعتداء على الدِّ ين أال وهو‬
‫االعتداء على فرد من ُ‬
‫اإلشراك بِ َر ِّب العالمين جل وعال‪،‬‬

‫قال سبحانه‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}[الفرقان‪ ،]6١-68 :‬وبين سبحانه يف كتابِ ِه‬
‫المبين أن من تعدى على نفس معصومة بغير حق مستبين‪ ،‬فإن ُه كمن اعتدى‬
‫ُ‬
‫على الناس أجمعين‪.‬‬
‫‪٩٩٩‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫‪{:‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬ ‫فقال اهلل‬

‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ }[المائدة‪]32 :‬‬

‫‪ « :‬فإن قيل ففيما التشبيه بين قاتل النـ ِ‬


‫فس الواحدة‪،‬‬ ‫قال ابن الق ِّيم‬
‫وبين قـاتـل النـاس أجمعين؟ كـيف ُيقرن من قتل نفسًا بمن قتل ُأ ُلوفًا من‬
‫البشر؟ »‬
‫قــال‪ُ « :‬يشب ُه القاتل للنفس الواحدة بمن قتل الناس أجمعين يف ِعدة‬
‫ُأ ُمور‪ .‬أولها‪ :‬أن كِليهما عاص هلل تعالى ُمخالِف ِأل ِ‬
‫مره ُمتعد لِ ُحدودِه‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن كليهما استحق إزهاق النفس‪ ،‬فإن من قتل نفسًا ُأبيح َد ُمه‬
‫الحكم‪.‬‬
‫كمه ذلك ُ‬
‫بالقصاص‪ ،‬ومن قتل أكثر كان ُح ُ‬
‫المؤمنين يف توا ِّد ِهم وتعا ُط ِفهم كالجسد‬
‫واألمر الثالث‪ :‬أن اهلل جعل ُ‬
‫والحمى‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫ُ‬ ‫الواحد إذا اشتكى من ُه عضو تداعى ل ُه سائر الجسد بالسهر‬
‫ف القاتل عضوا من ذلك الجسد؛ فكانما أتلف سائر الجسد‪ .‬وقد قال‬ ‫َأ ْت َل َ‬
‫اح ِم ِه ْم‪ ،‬ك ََمثَ ِل‬ ‫ِ‬ ‫النبِي عليه الصال ُة والسالم‪ :‬مثَ ُل الْم ْؤ ِمن ِ ِ‬
‫ين في ت ََوا ِّده ْم َوت ََر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫اح ِد إِ َذا ْاشتَكَى ِمنْ ُه ُع ْضو تَدَ ا َعى لَ ُه َسائِ ُر الْ َج َس ِد ‪ ،‬وهكذا من أحيا‬
‫الْجس ِد الو ِ‬
‫َ َ َ‬
‫نفسًا؛ فكأنما أحيا الناس جميعًا‪.‬‬
‫‪٩٩2‬‬

‫والرابع‪ :‬أيضًا من وجه الشبه بين من قتل نفسًا واحدة ومن قتل الناس‬
‫ليه َما ُيسمى قاتال فاسقًا‪ ،‬والوجه الخامس أن ُهما سواء يف‬‫أجمعين أن كِ ِ‬

‫حق‪ ،‬وإنما لشهوة أخذ مال‪ ،‬أو ُب ُلوغ‬ ‫ِ‬


‫سفك الد ِم الحرام بغير ّ‬ ‫الجرأة على‬
‫ُ‬
‫جاه‪ ،‬فإن ُه لتلك الشهوة ُمستعد أن يقتل كُل نفس َظـ َفـ َر هبا‪ ،‬وأمكنه أن يقتلها‬
‫لذلك الغرض؛ فقد ُو ِجدَ الدافع لقتل نفس واحدة‪ ،‬ولقتل أكثر منها »‪.‬‬
‫القاتل لنفس واحدة بمن قتل الناس أجمعين تعظيمًا‬ ‫فهكذا شبه اهلل‬

‫لهذه النفس‪ ،‬وكذلكم يقول ر ُّبنا جل وعال يف كتابه الكريم‪ { :‬ﮔ ﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ}[اإلسراء‪]33 :‬‬

‫وقال عز وجل‪ { :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ‬

‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ} [األنعام‪ ،]٩5٩ :‬وقال جل وعال‪{:‬ﮓ ﮔ‬

‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} [النساء‪،]١3 :‬‬
‫ومن قتل ُمؤمنًا؛ فقد جلب لنفسه سخط اهلل وغضب اهلل‪ ،‬ولعن ُه اهلل‬
‫‪ ،‬ومأوا ُه جهنم خالدا فيها‪ ،‬والقاتل هو مِن ِّ‬
‫أقل الناس توبة ألن ُه باعتدائه‬
‫المحرمة َي ِض ُيق عليه دينه؛ فيتصور أن ُه ال توبة له‪ .‬وإال فإن اهلل‬
‫على النفس ُ‬
‫‪٩٩3‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫الر ُجوع وبذل نفسه‬


‫يتوب على التائب إذا نصح فيها‪ ،‬ورجع إلى اهلل حق ُّ‬
‫للحق‪.‬‬
‫أن النبي عليه الصال ُة‬ ‫وكذلكم جاء يف الصحيحين عن أبي بكرة‬
‫ِ‬
‫حجة الوداع يف يوم النحر‪:‬‬ ‫والسالم قال يف ُخطبته يف‬
‫ان َق ِد استَدَ ار كَهيئَتِ ِه يوم خَ َل َق اهلل السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر َض‪ ،‬السنَ ُة ا ْثنَا‬ ‫إِن الز َم َ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َْ َْ َ‬
‫الحج ِة‪،‬‬ ‫ع َشر َشهرا‪ِ ،‬منْها َأربعة حرم‪َ ،‬ثالَثة متَوالِيات‪ُ :‬ذو ال َقعدَ ةِ‪ ،‬و ُذو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ََْ ُُ‬ ‫َ َ ًْ‬
‫ان ‪ُ ،‬ثم قال عليه الصالة‬ ‫ب‪ُ ،‬م َض َر ال ِذي بَيْ َن ُج َما َدى‪َ ،‬و َش ْعبَ َ‬
‫الم َحر ُم‪َ ،‬و َر َج ُ‬
‫َو ُ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم؛ َف َس َك َت َحتى َظنَنا َأن ُه‬
‫ي َش ْهر َه َذا؟» ُق ْلنَا‪ُ :‬‬‫والسالم‪َ « :‬أ ُّ‬
‫يه بِ َغي ِر ِ ِ‬
‫سيسم ِ‬
‫الح َرام ؟» ُق ْلنَا‪ :‬بَ َلى‪،‬‬ ‫اسمه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬أَلَيْ َس الش ْهر َ‬‫ْ ْ‬ ‫َ ُ َ ِّ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم؛ َف َس َك َت َحتى َظنَنا َأن ُه‬
‫ي َب َلد َه َذا؟» ُق ْلنَا‪ُ :‬‬‫َق َال‪َ « :‬فأَ ُّ‬
‫يه بِ َغي ِر ِ ِ‬
‫سيسم ِ‬
‫الح َرام؟»‪ُ ،‬ق ْلنَا‪ :‬بَ َلى‪،‬‬ ‫اسمه‪ ،‬ف َق َال‪« :‬أَلَيْ َس الْبَ َلد َ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ُ َ ِّ‬
‫ت َحتى َظنَنا َأن ُه‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم؛ َف َس َك َ‬
‫ي َي ْوم َه َذا؟» ُق ْلنَا‪ُ :‬‬ ‫َق َال‪َ « :‬فأَ ُّ‬
‫يه الصال ُة والس َال ُم‪َ « :‬ألَيْ َس َي ْوم الن ْحرِ؟» ُق ْلنَا‪:‬‬ ‫يه بِ َغي ِر اس ِم ِه‪َ ،‬ف َق َال َع َل ِ‬
‫سيسم ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ُ َ ِّ‬
‫ول اهللِ‪،‬‬
‫َب َلى َيا َر ُس َ‬
‫اضك ُْم َح َرام َع َليْك ُْم‪ ،‬ك َُح ْر َم ِة َي ْو ِمك ُْم‬ ‫َق َال‪َ :‬أ َال َوإِن دِ َما َءك ُْم َو َأ ْم َوالَك ُْم َو َأ ْع َر َ‬
‫َه َذا‪ ،‬فِي َش ْهرِك ُْم َه َذا‪ ،‬فِي َب َل ِدك ُْم َه َذا‪ ،‬أَ َال َوإِنك ُْم َستَ ْل َق ْو َن َربك ُْم َف َي ْسأَلُك ُْم َع ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْع َمالك ُْم‪َ ،‬ف َال ت َْر ِج ُع ْوا بَ ْعدي كُف ًارا َي ْضرِ ُب بَ ْع ُضك ُْم ِر َق َ‬
‫اب بَ ْعض‪»،‬‬
‫‪٩٩4‬‬

‫ْت؟» َقا ُل ْوا‪َ :‬ن َع ْم‪َ .‬ق َال‪ :‬الل ُهم َف ْ‬


‫اش َهدْ الل ُهم َف ْ‬
‫اش َهدْ الل ُهم‬ ‫ُثم َق َال‪َ « :‬ه ْل َبلغ ُ‬
‫َف ْ‬
‫اش َهدْ ‪.‬‬
‫الخطبة العظيمة ُخطبة الوداع التي خطبها النبِ ُّي عليه الصال ُة‬
‫وهذه ُ‬
‫المسلمين‪ ،‬وبلغ فيها إلى ُأمتِ ِه البالغ العظيم‪،‬‬
‫والسالم يف نحو مائة ألف من ُ‬
‫ب التي ودع هبا الر ُسول عليه الصالة والسالم األُمة‬
‫الخ َط ِ‬
‫وكانت من أعظم ُ‬
‫وهي يف الحجة التي نزل عليه فيها آخر آية من ال ُقرآن‪،‬‬

‫الرسالة‪ { :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫وختمت ِّ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ}[المـائدة‪.]3 :‬‬
‫ما َب ِق َي بعدها إال نحو بضع وثمانين ليلة‪ُ ،‬ثم فارق الدُّ نيا عليه الصالة‬
‫والسالم‪،‬‬
‫ففي هذا الحديث العظيم ُيبيِّن الرسول عليه الصالة والسالم لألُمة‪،‬‬
‫المسلم ُحرمة أخيه‪ ،‬وأن‬
‫ويعظم عليها ُحرمة بعضهم على بعض‪ ،‬وأن يرعى ُ‬
‫المسلمين‪ ،‬وال يكون ُمعينًا على‬‫ُيحافظ عليها‪ ،‬وأال ُيشارك يف قطرة من دماء ُ‬
‫بسيفه وال بِ َق َل ِمه‪ ،‬وال بلسانه وال ُمشيرا‪ ،‬وال ُمؤيـدا‪.‬‬
‫ذلك ال ِ‬

‫رأيت النبي عليه‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫وصح عند ابن ماجه عن عبد اهلل بن ُع َمر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫وف َح ْو َل ال َك ْع َبة‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ْو ُل‪َ « :‬ما َأ ْط َي َبك‪َ ،‬و َما َأ ْط َي َ‬
‫الصال ُة والسالم َي ُط ُ‬
‫َك‪َ ،‬وال ِذي َن ْف ُس ُم َحمد بِ َي ِد ِه لَ ْل ُم ْؤ ِم ُن‬ ‫ك‪ ،‬وما َأعظَم حرمت ِ‬
‫ََ ْ َ َُْ‬
‫ك‪ ،‬ما َأعظَم ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِريح ِ‬
‫َ‬
‫َأعظَم حرم ًة ِعنْدَ اهلل ِ ِمن ِ‬
‫ْك َمالُ ُه َو َد ُم ُه‪َ ،‬و َأ ْن َال ُيظَ ُّن بِ ِه إِال خَ ْي َر ًا»‪.‬‬ ‫ْ ُ َُْ‬
‫‪٩٩5‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫المشرفة مع ِع َظ ِم َها ومكانتها عند اهلل‪ ،‬وعند أهل‬


‫َأ ُّي َها ال ُعقالء الكعبة ُ‬
‫المؤمن أعظم ُحرمة عند اهلل‬
‫اإلسالم ُيب ِّي ُن الر ُسول عليه الصالة والسالم أن ُ‬
‫المؤمن الواحد‪.‬‬
‫منها‪ُ .‬‬
‫المسلمين حق العلم لما ُس ِف َكت الدِّ ماء التي ال يكاد‬
‫لو علم هذا كثير من ُ‬
‫المسلم عند بعض الجهلة أ ّيما‬
‫يمر يوم إال ونسمع عنها‪ .‬حتى هانت مكانة ُ‬
‫ُّ‬
‫هوان‪ ،‬وسقطت أيما ُس ُقوط‪،‬‬
‫ب‬
‫وح ّ‬ ‫فمنهم من ل ُه دوافع من ُّ‬
‫الشبُهات‪ ،‬ومنهم من تدفعه الشهوات‪ُ ،‬‬
‫أي جهات‪ ،‬ومنهم من تدفعه الن َعرات والت َع ُّصبات‪،‬‬ ‫جمع األموال من ِّ‬
‫والمسلسالت التي ُأ ِعدت لتدريب األطفال على‬ ‫واألفكار وتعبئة القنوات‪ُ ،‬‬
‫الجرأة على القتل‪ ،‬وعلى شنق الشخص لنفسه حتى ن َِس َي الناس تعاليم‬ ‫ُ‬
‫وح ُرماتِه التي عظمها عليهم‪.‬‬
‫دينهم‪ ،‬ونسوا حدود اهلل التي حدها لهم‪ُ ،‬‬
‫أن النبِي عليه الصال ُة‬ ‫وقد جاء يف الصحيحين عن أبي ُهريرة‬
‫ول اهللِ َما ُهن ؟ َق َال‪:‬‬ ‫الموبِقات‪َ ،‬ف ِق َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫والس َال ُم َحذرهم من السبع ُ‬
‫الشر ُك بِاهللِ‪ ،‬والسحر‪ ،‬و َقت ُْل الن ْف ِ ِ‬
‫س التي َحر َم اهلل ُ إِال بِ َ‬
‫الح ِّق‪،‬‬ ‫َ ِّ ْ ُ َ‬ ‫الم ْوبِ َقات‪ْ ِّ :‬‬
‫« ُ‬
‫ف المحصن ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َأك ُْل الربا‪ ،‬و َأك ُْل م ِ ِ‬
‫َات‬ ‫ال ال َيتيمِ‪َ ،‬والت َولِّي َي ْو َم الز ْحف‪َ ،‬و َق ْذ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫َ‬
‫الموبقات التي ُتوبِ ُق صاحبها‪ ،‬و ُتهلِ ُكه إِال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الم ْؤمنَات الغَافالَت»‪ ،‬هذه السبع ُ‬
‫ُ‬
‫أن تتدارك ُه رحم ُة اهلل‪،‬‬
‫‪٩٩6‬‬

‫َق َال‪ :‬لَز ََو ُال الدُّ ْنيَا أَ ْه َو ُن َع َلى اهلل ِ ِم ْن َقت ِْل‬ ‫وعند النِّسائي والتِّرمِذي أن ُه‬
‫َر جل ُم ْس ِلم ‪.‬‬
‫ول اهللِ‬
‫‪َ :‬أن َر ُس َ‬ ‫ويف صحيح ُمسلم عن ُجندب بن عبد اهلل الب جلي‬
‫ث َب ْعثا مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن إِ َلى َق ْوم مِ َن ا ْل ُم ْش ِركِي َن‪َ ،‬وإِن ُه ُم ا ْلتَ َق ْوا َف َكا َن َر‬ ‫َب َع َ‬
‫جل مِ َن ا ْل ُم ْش ِركِي َن إِ َذا َشا َء َأ ْن َي ْق ِصدَ إِ َلى َر جل مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َق َصدَ َل ُه َف َقتَ َل ُه‪،‬‬
‫َوإِن َر جال مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َق َصدَ َغ ْف َلتَ ُه‪َ ،‬ف َلما َر َف َع َع َل ْي ِه السيْ َ‬
‫ف َق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِال‬
‫اهلل َف َقتَ َل ُه‪،‬‬
‫ُ‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِن ُه‬ ‫َد َعا ُه َف َس َأ َل ُه‪« :‬لِ َم َقتَ ْلتَ ُه؟» َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َف َلما َب َل َغ َذلِ َك النبِي‬
‫َأ ْو َج َع فِي ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪َ ،‬و َقت ََل ُف َالنا َو ُف َالنا‪َ ،‬و َسمى َل ُه نَ َفرا‪َ ،‬وإِنِّي َح َم ْل ُت َع َليْ ِه‪،‬‬
‫اهلل‪َ ،‬ق َال النبِ ُّي ‪َ « :‬أ َقتَ ْلتَ ُه ؟»‬ ‫ف َق َال‪َ :‬ال إِ َل َه إِال ُ‬ ‫َف َلما َر َأى الس ْي َ‬
‫ف ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا َجا َء ْت َي ْو َم الْ ِق َي َام ِة ؟» َق َال‪:‬‬
‫َق َال‪ :‬نَ َع ْم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َك ْي َ‬
‫استَ ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬و َك ْيفَ ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا َجا َء ْت َي ْو َم‬ ‫ي ا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪ْ ،‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫ول‪َ « :‬ك ْيفَ ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا‬ ‫الْ ِقيَ َام ِة ؟» َق َال‪َ :‬ف َج َع َل َال َي ِزيدُ َع َلى َأ ْن َي ُق َ‬
‫َجا َء ْت َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة»‪.‬‬
‫وكذلكم أيضًا يبين لنا نَبينا عليه الصال ُة والسالم َأنه ال ِ‬
‫يح ُّل دم المرء‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ِّ ُ‬
‫بأي ذريعة أو سبب إال ألحد ثالثة أسباب متى وقع يف واحد منها‬ ‫المسلم ِّ‬ ‫ُ‬
‫يح د ُم ُه للجهة التي ُأذِ َن لها شرعًا أن تقوم بما أوجب اهلل يف َدمِه‪.‬‬
‫ُأبِ َ‬
‫‪٩٩7‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫فقال عليه الصال ُة والسالم كما يف الصحيحين عن عبداهلل بن مسعود‬


‫ب‬ ‫ح ُّل َد ُم ْامرِئ ُم ْس ِلم إِال بِإِ ْحدَ ى َث َالث‪ :‬الن ْف ُس بِالن ْف ِ‬ ‫‪َ :‬ال ي ِ‬
‫س‪َ ،‬والث ِّي ُ‬ ‫َ‬
‫ار ُق لِ ْل َج َما َع ِة ‪.‬‬
‫ار ُك لِ ِدين ِ ِه الْ ُم َف ِ‬
‫الزانِي‪َ ،‬والت ِ‬

‫المسلم يف واحدة من هذه الثالث جاز قت ُله‪ ،‬وليس ألَ ِّي‬


‫فمتى وقع ُ‬
‫المسلمين الذي يقيم الحدود‬ ‫لولي أمر ُ‬
‫ِّ‬ ‫شخص أن يقوم بذلك؛ وإنما‬

‫الشرعية‪ ،‬حتى ال تكون ُأمور ُ‬


‫المسلمين فوضوية؛ فمتى قتل النفس ال ُمحرمة‬
‫ِ‬
‫ُأخ َذ بِها والن ُ‬
‫فس بالنفس‪،‬‬
‫حصن الذي َش ِهدَ عليه األربعة ُّ‬
‫الش ُهود ال ُعدُ ول؛ فقد ُأبيح‬ ‫الم َ‬
‫والثاين الزاين ُ‬
‫رجم ُه حتى الموت‪ ،‬والثالث من فارق دينه واختار على اإلسالم‬
‫د ُمه‪ ،‬وجاز ُ‬
‫دينًا آخر أو اختار على االسالم فكرة أو معتقدا آخر ففضله على االسالم أو‬
‫غير ذلك مما ُيغير هبا دينه‪.‬‬

‫{ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ} [آل عمران‪.]85 :‬‬
‫أن ُه عليه الصالة والسالم قال‪َ « :‬م ْن بَد َل‬ ‫ويف البخاري عن ابن عباس‬
‫دِينَ ُه؛ َفا ْقتُ ُلو ُه»‪،‬‬
‫المحرمة يتعلق بذمتِه ثالثة حقوق‪ :‬حق هلل‪ ،‬وحق‬ ‫أال وإن قاتل النفس ُ‬
‫حق اهللِ فال يسقط إال بالت ِ‬
‫وبة‬ ‫لورثة المقتول‪ ،‬وحق للمقتول نفسه‪ .‬فأما ُّ‬
‫‪٩٩8‬‬

‫حق الورثة؛ فال يسقط إال بتسليم القاتل نفسه للقصاص‪ ،‬أو‬
‫الصادقة‪ ،‬وأما ُّ‬
‫حق المقتول فيبقى دينًا خالصًا للمقتول حتى‬
‫تعويض ورثته‪ ،‬أو العفو‪ ،‬وأما ُّ‬
‫اهلل بين ُه وبين قاتله بين يديه سبحانه‪،‬‬ ‫يجمع ُ‬
‫ول‪َ :‬يأْتِي الْ َم ْقت ُ‬
‫ُول‬ ‫َي ُق ُ‬ ‫ت نَبِي ُك ْم‬‫‪َ :‬س ِم ْع ُ‬ ‫قال عبد اهلل بن عباس‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُه َد ًما َحتى‬ ‫خب َأ ْو َد ُ‬‫ُم َع ِّل ًقا َر ْأ َس ُه بِإِ ْحدَ ى َيدَ ْيه ُمتَ َلبِّبًا َقات َل ُه بِ َيده ْاألُخْ َرى‪ ،‬ت َْش ُ‬
‫ين‪َ :‬ر ِّب‪َ ،‬ه َذا َقتَ َلنِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول اهللُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْقت ُْو ُل ل َر ِّب ال َعالَم َ‬
‫ول َ‬ ‫ش َف َي ُق ُ‬‫َيأْتِي بِ ِه إِلَى الْ َع ْر ِ‬

‫ار ‪ .‬روا ُه التِّرمذي والطرباين‪،‬‬ ‫ب بِ ِه إِلَى الن ِ‬ ‫ت‪َ ،‬و ُي ْذ َه ُ‬ ‫لِ ْل َقاتِ ِل‪ :‬ت َِع ْس َ‬
‫وصحح ُه األلباين‪،‬‬
‫َق َال‪ :‬لَ ْو َأن َأ ْه َل‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫وعن أبي ُهريرة وأبي سعيد‬
‫ار ‪ .‬روا ُه‬ ‫ض ْاشت ََركُوا فِي َد ِم ُم ْؤ ِمن َألَكَب ُه ُم اهللُ فِي الن ِ‬ ‫السم ِ‬
‫اء َوأَ ْه َل ْاألَ ْر ِ‬ ‫َ‬
‫التِّرمذي وصحح ُه األلباين‪،‬‬
‫اس إِلَى اهلل ِ َث َال َثة‪ :‬م ْل ِ‬
‫حد فِي‬ ‫َق َال‪ :‬أَ ْبغ َُض الن ِ‬ ‫ويف صحيح البُخاري أن ُه‬
‫ُ‬
‫ب َدم ْامرِئ ُم ْس ِلم بِ َغ ْيرِ َحق‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫الْ َح َرمِ‪َ ،‬و ُمبْتَغ فِي ْ ِ‬
‫اإل ْس َال ِم ُسن َة الْ َجاهلية‪َ ،‬و ُمطل ُ‬
‫يق َد َم ُه ‪ ،‬فيا حسرة من أطاع الشيطان‪ ،‬وأغضب الرحمن‪ ،‬ورضي من‬ ‫لِ ُي ْهرِ َ‬
‫نفسه وقودا للنيران نسأل اهلل أن يحفظنا والسامعين من استدراج الشياطين‪.‬‬
‫وأستغفر اهلل العظيم إنَّهُ هو الغفور الرَّحيم‬
‫‪٩٩١‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫الـخطبـة الـثـانـيــة‬
‫رب العالمين‪ ،‬خلق األرض والسماوات‪ ،‬وجعل النُّور‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫والحـ ُرمات‪ .‬وأمر‬
‫ُ‬ ‫وال ُّظ ُلمات‪ ،‬وشرع الحدود الرادِعات‪ ،‬وعظم الدِّ ماء‬

‫بصون النُّ ُفوس الربيــئات‪ .‬وتوعد قاتل المسلم بالغضب واللعنات‪َ .‬‬
‫أحمدُ ه‬
‫سبحانه عدد المخلوقات‪،‬‬
‫أزواج ِه‬
‫ِ‬ ‫وصلى اهلل وسلم على نبيِّنا محمد أزكى الربيات‪ ،‬وعلى‬
‫الطاهرات‪ ،‬وعلى آلِ ِه وأصحابِه أهل المحاسن والطاعات‪ .‬وأشهدُ أن ال إله‬
‫ور ُسو ُله‪.‬‬
‫إال اهلل وحدَ ُه ال شريك ل ُه‪ ،‬وأشهدُ أن ُمحمدا عبدُ ُه َ‬
‫مع صحابتِه وخيار‬ ‫المؤمنون‪ ،‬عباد اهلل لقد مكث نبيُّنا‬
‫أما بعد‪ :‬أ ُّيها ُ‬
‫المسلم الذي قد َش ِهدَ أن ال إله‬ ‫ِ‬
‫ُأمته‪ ،‬وهو ُيب ِّي ُن لهم ما بين حين وآخر مكانة ُ‬
‫رض ُه‬ ‫إال اهلل‪ ،‬وأن محمدا رسول اهلل‪ ،‬وأقام الصالة بأن اهلل قد حرم دمه ِ‬
‫وع َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬
‫و َما َل ُه‪ ،‬وال َيح ُّل ألحد أن يس َتـبــ َ‬
‫يحه‪.‬‬
‫المسلم ما يصدُ ر من المعاصي التي ال ُتـبـيح َدم ُه؛ فإن‬ ‫وإن صدر من ُ‬
‫ِ‬
‫يستحل‬ ‫ح ُّل ِألحد أن‬
‫جميع المسلمين ُعرضة للخطأ‪ ،‬ومحال للزلل‪ ،‬فال ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫دماء ُهم بكل ذنب‪ .‬فقد جعل اهلل ل ُك ِّل شيء قدرا‪ ،‬ولِ ُك ِّل ذنب حد ُه من اإلثم‬
‫وال ُع ُقوبة‪ ،‬وال يحل َد ُمه بِ ُكل معصية‪.‬‬
‫‪٩2٠‬‬

‫‪ ،‬وكان ِحب رسول اهلل‬ ‫فقد جاء يف الصحيحين عن ُأسامة بن زيد‬


‫الح َر َق ِة مِ ْن‬
‫إِ َلى ُ‬ ‫‪َ :‬ب َعثَنَا النبِ ُّي‬ ‫أحب أصحابه إ َليه‪ ،‬قال‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،‬ومن‬
‫ار َر جال‬ ‫ح ْق ُت َأنَا َو َر جل مِ َن األَن َْص ِ‬ ‫جهينَة‪َ ،‬فصبحنَا ال َقوم؛ َفه َزمنَاهم‪َ ،‬ف َل ِ‬
‫ْ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َْ‬
‫اهلل َف َكف َعنْ ُه األَن َْص ِ‬
‫ار ُّي َو َط َعنْتُ ُه‬ ‫مِن ُْه ْم‪َ ،‬ف َلما َغ ِشينَا ُه َأ ْد َر ْكنَا ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ال إِ َل َه إِال ُ‬
‫‪َ ،‬ف َق َال لِي‪َ « :‬يا ُأ َس َامةُ‪،‬‬ ‫حي َحتى َقتَ ْلتُ ُه‪َ ،‬ف َلما َرج ْعنَا َب َل َغ َذلِ َك نبِي اهلل‬ ‫بِرم ِ‬
‫ُ ْ‬
‫َأ َقتَ ْلتَ ُه َب ْعدَ َأ ْن َق َال الَ إِلَ َه إِال اهلل»‪.‬‬
‫تستِّرا بِها من ال َقتْل وإِال‬ ‫ِ‬
‫ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس ْو َل اهلل إِن َما كَا َن ُمتَ َع ِّوذا أي ُمعتَصمًا ُم َ‬
‫هو قاتل مع قومه ضد اإلسالم َق َال‪َ :‬ف َما َز َال ُي َك ِّر ُر َها َع َلي؛ أي يقول «يا‬
‫أسامة أقتلته بعد ما قال (ال إله إال اهلل)» َحتى َت َمنيْ ُت َأنِّي َل ْم أَ ُك ْن َأ ْس َل ْم ُت َقبْ َل‬
‫َذلِ َك ال َي ْو ِم‪.‬‬
‫المسلمين اليوم فظيع‪ ،‬هناك من يقطع الطريق رافعًا سالحه‬
‫القتل بين ُ‬
‫المسلمين وألَدنى األسباب‪ .‬و ُيشير ِّ‬
‫بالسالح‪ ،‬و َيقتل النفس ألدنى‬ ‫على ُ‬
‫ُ‬
‫الخ ُصومات‪ ،‬وكأن ُه قتل دجاجة أو كأن ُه لم يفعل شيئًا ُيعاب‪ ،‬بل من شنيع‬
‫المسلم قيمتك‬
‫بالح ُرمات ما ُيسمع من البعض أن يقول ألخيه ُ‬
‫االستخفاف ُ‬
‫عندي رصاصة‪...‬‬
‫وهكذا ُمسلم يقتل مسلمًا آخر من أجل شاة‪ ،‬أو من أجل شجرة‪ ،‬أو من‬
‫أجل حفنة من التُّراب وألدنى األسباب‪ ،‬بل ُو ِجدَ من ُقتِ َل ألجل مائة ريال‪،‬‬
‫‪٩2٩‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫خرصات‪ ،‬أو التعبِئات‬


‫ويف بعض األحيان ألجل الت َُّه ِم وال ُّظنون والت ُّ‬
‫الخاطِئات‪.‬‬
‫ُثم يعقبها الندم والحسرات‪ ،‬وتتحول حياة القاتل إلى ضنك وغم وآهات‪،‬‬
‫ال يسرتيح بنوم‪ ،‬وال يطيب ل ُه عيش كلما تمثل المقتول َبين َعينَيه‪ ،‬وحينها ال‬
‫ينفعه من حر َض ُه وال من شجع ُه‪.‬‬
‫إذ يقول‪َ :‬ال َيز َُال ال ُم ْؤ ِم ُن فِي ُف ْس َحة ِم ْن دِين ِ ِه‪َ ،‬ما َل ْم‬ ‫وصدق الر ُسول‬
‫‪ « :‬إن من ورطات األُ ُمور التي ال‬ ‫ب َد ًما َح َر ًاما»‪ ،‬وقال ابن عمر‬ ‫ِ‬
‫ُيص ْ‬
‫مخرج لمن أوقع نفسه فيها‪ ،‬سفك الدم الحرام بغير ِح ِّل ِه »‪ .‬روا ُه ال ُبخاري‬
‫المسلم ليست َم ْك ُر َمة‪ ،‬وال رجولة وال‬
‫بحرمة ُ‬ ‫وهذا ُّ‬
‫يدل على أن االستهانة ُ‬
‫المسلمين‬
‫وح ُصول هذه الحوادث بين ُ‬
‫وحفرة شيطانية‪ُ ،‬‬
‫شجاعة‪ ،‬بل ورطة ُ‬
‫ُّ‬
‫تدل على جهل كثير منهم بحدود اهلل‪.‬‬
‫وأن كثيرا منهم لم ُيربى على التربية اإلسالمية الصحيحة التي َتربى عليها‬
‫السلف الصالح‪ ،‬فالمدارس والجامعات ضعيفة يف تعليم العقيدة اإلسالمية‬
‫بالمعتقدات الصحيحة الحصينة‬
‫حصن ُ‬‫الكاف َية‪ ،‬التي ُتر ِّبي األجيال على الت ُّ‬
‫المسلم وتصون أفراده؛‬ ‫التي ُتحافظ على ُ‬
‫المجتمع ُ‬
‫مهب الرياح ُمتابع ِّ‬
‫لكل‬ ‫ِّ‬ ‫الريشة يف‬
‫المسلمين من هو كـ ِّ‬
‫فصار من شباب ُ‬
‫ناعق‪ ،‬فال يجد التوجيهات الربانية من أبيه‪ ،‬وال أخيه وال من ُأ ِّمه‪ ،‬وال‬
‫‪٩22‬‬

‫وجهونه إلى ِح َل ِق العلم والمساجد‪ ،‬فرتكوه صيدا سهال لِ ُك ِّل من يحملون‬


‫ُي ِّ‬
‫األمراض الفكرية‪،‬‬
‫ُثم بعد ذلك يستغربون ويستنكرون كيف تشرب ولدهم األفكار الدموية‪،‬‬
‫فأدنى عقيدة وأدنى فكر ُيعبأ فيه‪ ،‬ويدخل فيه ومستعد أن يقتل الواحد‬
‫والعشرة‪ ،‬والمئات لشعار ُمعين أو لحزب معين‪ ،‬أو لِ ِفكر معين أو لِنَعرة‬
‫عصبية‪ ،‬أو للحمية الجاهلية‪ُ ،‬مستعد أن يفعل الموبقات‪.‬‬
‫‪َ « :‬ك ْيفَ َت ْف َع ْل بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا َجا َء ْت َي ْو َم‬ ‫ون َِس َي أو لم يتعلم قوله‬
‫الْ ِقيَ َام ِة»‪.‬‬
‫المؤمنين ونبيهم‪،‬‬ ‫صف الكافرين ُعباد الوثن ُيحارب ُ‬
‫ِّ‬ ‫والمقتول كان يف‬
‫واهلل العالم بما يف قلبه‪َ ،‬فلِ ِع َظم هذه الكلمة كلمة التوحيد ُأمِ َر‬
‫ولكن قالها ُ‬
‫المسلم أن ي ُكف عمن قالها‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم‪ُ :‬أ ِم ْر ُت َأ ْن ُأ َقاتِ َل‬
‫ُ‬
‫اس َحتى َي ُقولُوا َال إِلَ َه إِال اهللُ‪َ ،‬ف َم ْن َق َال‪َ :‬ال إِلَ َه إِال اهللُ َع َص َم ِمنِّي َمالَ ُه َو َن ْف َس ُه‬
‫الن َ‬
‫إِال بِ َح ِّق ِه َو ِح َسا ُب ُه َع َلى اهلل ِ ‪ .‬إذا َب ِق َي لهم أخطاء إذا قالوها ك َِذبًا إذا‬
‫تستروا؛ فحساهبم على اهلل‪،‬‬
‫عليه الصالة والسالم‬ ‫ومن األحاديث العظيمة أيضًا التي يربي فيها النبي ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫المسلم‪ ،‬وحتى يف حالة المزاح‪ .‬ولو أن ُيشار إ َليه‬ ‫أصحابه على تعظيم حق ُ‬
‫بحديدة (خنجر) أو (فأس) أو (قطعة حديد) أن هذا من انتهاك ُحرمة‬
‫‪٩23‬‬ ‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلم‪ .‬قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬ال َ ُيش ْر َأ َحدُ ك ُْم َع َلى َأخيه بِ ِّ‬
‫السال َحِ ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ار»‪ُ .‬متفق‬ ‫َفإِن ُه ال َ َيدْ ِري‪ ،‬لَ َعل الش ْيطَا َن َين ِْز ُع فِي َي ِد ِه؛ َف َي َق ُع فِي ُح ْف َرة ِم َن الن ِ‬

‫عليه‪.‬‬
‫أن النبِي عليه الصالة‬ ‫وروى اإلمام ُمسلم يف صحيحه عن أبي ُهريرة‬
‫الم َالئِكة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الم ْسل ُم إِلَى َأخ ْيه ُ‬
‫الم ْسلم بِ َحديدَ ة؛ َفإِن َ‬
‫ِ‬
‫والسالم قال‪ :‬إِ َذا َأ َش َار ُ‬
‫َان َأخَ ا ُه ِألَبِ ْي ِه َو ُأ ِّم ِه ‪ .‬ولو كان أخا ُه‪ ،‬ولو قال أنا أمزح‬
‫َت ْل َعن ُه َحتى َين ِْز َع‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫فقط أنا ُأ َخ ِّوف ُه فقط‪ .‬فقد وقع يف الحرام‪.‬‬
‫الحكم من ُيت َهم فيه‪ ،‬ومن ال ُيت َهم‪،‬‬
‫‪ « :‬يستوي يف هذا ُ‬ ‫قال النووي‬
‫المسلم حرام بكل حال‪ .‬وألن ُه‬
‫وسواء كان هذا هزال ولعبًا أم ال؛ ألن ترويع ُ‬
‫السالح » ا‪.‬هـ‬
‫قد يسبقه ِّ‬
‫السالح يرفع حديدة مزاحًا؛ فتلعنه المالئكة‪ .‬لماذا لعنته ؟‬
‫هذا فقط يرفع ِّ‬
‫‪ ،‬اليوم ال‬ ‫ألن ُه تعدى على ُحرمة عظيمة‪ ،‬وعلى حد عظيم من ُحدود اهلل‬
‫ُتشار قطعة حديد‪ ،‬بل ُيطلق الرصاص الحار‪ ،‬و ُترمى قنابل‪ ،‬و ُتفجر مساجد‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫على ُ‬
‫و ُيقتل المسلمون بالعشرات‪ ،‬وبالمئات من قبل الكافرين بل ومن قِب ِ‬
‫ل‬
‫بعضهم بعضًا‪ .‬وكم أخبار يف الدُّ نيا ال يكاد ي ُمــ ُّر يوم‪ ،‬بل ُربما ال تكاد تمر‬
‫وهناك من لم يقدر على‬
‫المسلمين متواصل‪ُ ،‬‬
‫الخمس الساعات إال والقتل يف ُ‬
‫المسلمين كذا وكذا‪.‬‬
‫القتل‪ ،‬ولكن ُيؤيد بقلبه‪ ،‬ويفرح بأن يقتل من ُ‬
‫‪٩24‬‬

‫الذنوب التي ال ُتك ِّفره والتي‬


‫المسلم‪ ،‬وإن وقع يف شيء من ُّ‬
‫ال يجوز قتل ُ‬
‫ال ُتبيح َد َم ُه‪ ،‬وأيضًا ُتقتل ُقرى بأكملها‪ ،‬و ُتقتل نساء ُ‬
‫المسلمين وأطفالهم من‬
‫المعظمة‪،‬‬
‫ل من جهلوا دينهم‪ ،‬وغفلوا عن حدود اهلل ُ‬ ‫قِ َب ِ‬
‫ألصحابه تعظيم ُحرمة من قال ال إله إال اهلل‪ .‬ما جاء يف‬ ‫ومن تعليمه‬
‫قال‪ُ :‬ق ُ‬
‫لت‪ :‬يا رسول‬ ‫ال ُبخاري و ُمسلم عن المقداد بن عمرو الكندي‬
‫اهلل‪ ،‬أرأيت إن التقيت مع ر جل من ال ُكفار؛ فتضاربنا بالسيف‪ ،‬فضرب‬
‫أردت أن ِ‬
‫أضربه قال‪ :‬ال إله‬ ‫ُّ‬ ‫إحدى َيدَ ي فقطعها‪ُ ،‬ثم الذ مني بشجرة‪ ،‬فلما‬
‫إال اهلل‪ ،‬قال النبِ ُّي عليه الصال ُة والسالم‪« :‬ال تَقتُله»‪ُ .‬ق ُ‬
‫لت إن ُه إنما قالها بعد‬
‫أن ضرب يدي وقطعها أفأقتُله؟ قال‪« :‬ال تَقتُله‪ ،‬فإن َقتَلتَ ُه؛ فإن ُه بمنزلتك قبل‬
‫أن تقتله‪ ،‬وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»‪.‬‬
‫المسلم لو قتل الكافر فإن ُه يكون‬ ‫وقد قال ُّ‬
‫الشراح هذا الحديث معناه أن ُ‬
‫بمنزلة الكافر قبل أن يقول كلمته وهي‪ :‬ال إله إال اهلل‪ .‬ومعنا ُه أن ُه بمنزلته من‬
‫حيث أن ُه ُيباح دمه‪.‬‬
‫فالكافر كان حالل الدم بِ ُك ْف ِره بالدِّ ين‪ ،‬وهذا حالل الدم قصاصًا‪ ،‬وليس‬
‫ألن ُه كفر ليس ألن ُه كان مثله كافرا‪ ،‬وإنما ُأبيح دمك كما كان دمه حالال وهو‬
‫بمنزلتك؛ ألنك كُنت معصومًا َف ُع ِص َم بـ ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫الح ُرمات‪،‬‬
‫الرجال الذين عظموا ُ‬
‫ألصحابه حتى أخرج ِّ‬ ‫هذه تعليماته‬
‫وإن كان يحصل منهم الزلل‪ ،‬ويحصل من أفرادهم الخطأ إال أنهم عاشوا‬
‫‪٩25‬‬

‫على هذا الدِّ ين العظيم‪ ،‬وعلى تعظيم ما عظم اهلل خير من كل من جاء‬
‫بعدهم‪.‬‬
‫المسلمين إلى معرفة مثل هذه اآليات واألحاديث‪،‬‬
‫فما أحوجنا معشر ُ‬
‫وحرمة‬
‫المسلمون قيمة بعضهم بعضًا‪ُ ،‬‬
‫وكالم أهل العلم حولها حتى يعرف ُ‬
‫بعضهم بعضًا‪ .‬ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان‪ ،‬وال تجعل يف‬
‫ُق ُلوبنا ِغ ًّال للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‪.‬‬
‫أن يحفظنا باإلسالم‪ ،‬اللهم أحفظنا باإلسالم قائمين‬ ‫نسأل اهلل‬
‫والمسلمين‪ ،‬وأذِل ِّ‬
‫الشرك‬ ‫ُ‬ ‫أعز اإلسالم‬‫وقاعدين وراقدين‪ ،‬اللهم ِ‬

‫ووالة‬
‫والمشركين‪ ،‬وعليك بأعداء الدِّ ين‪ ،‬الل ُهم أصلحنا وأصلح أئمتنا ُ‬
‫ُ‬
‫ُأ ُمورنا‪ ،‬اللهم اجعل واليتنا يف من خافك واتقاك‪،‬‬
‫اللهم آمِنا يف أوطاننا‪ ،‬اللهم أ ِّلف بين ُق ُلوبنا وأصلِح ذات بَينِنا‪ ،‬اللهم‬
‫احقن دماء‬ ‫واهد ِهم إِلى السنة المحم ِدية‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصلح الراعي والرعية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وسن ِة نَبِيِّ َك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المسلمين وف ِّق ُّهم يف دينهم‪ ،‬اللهم اشرح ُصدُ ورهم ال ِّتباع كتابِ َك ُ‬
‫ُ‬
‫رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمدُ هلل ِّ‬

‫‪‬‬
‫‪٩26‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫‪.‬‬
‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }‬
‫[النساء‪.]٩:‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪7٠:‬ـ ‪.]7٩‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫وحسًا أننا جميعًا سنُغادر هذه‬ ‫أيها المؤمنون‪ ،‬إن من المعلوم شرعًا ِ‬
‫ُّ َ ُ‬
‫الحياة كما غادرها غيرنا ممن هم أعظم مِنا‪ ،‬ولكن ليس إلى العدم والفناء؛‬
‫‪٩27‬‬ ‫االستعداد للموت‬

‫وإنما نخرج منها وندخل حياة ُأخرى َغيبِية عنا سنعلم ما فيها عند أن‬
‫نصل ُهناك كما لـم نكن نعلم عن حياتنا هذه شيئًا قبل وصولنا إليها‪ُ ،‬ثم‬
‫عرفناها‪،‬‬
‫وقد أخربنا ر ُّبنا سبحانه يف كتابه الكريم عن هذا االنتقال الذي ال محيص‬

‫عن ُه‪ ،‬فقال جل وعال‪ {:‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦ ﮧﮨ } [آل عمران‪،]٩85 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ {:‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ }‬


‫[القصص‪.]88:‬‬

‫وقال سبحانه{ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ}‬


‫[الرحمن‪ ،]27-26:‬ومع هذا ُربما تمنى العبد المسكين األماين بطول األمل‪ ،‬وكأن‬
‫الـمـمكن إيجاد حيلة للتخ ُّلص من الموت والفرار من قبضتِه‪ ،‬ولكن‬ ‫من ُ‬
‫هيهات؛‬

‫قال ر ُّبـنـا سبحانه‪{ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ }‬

‫[النساء‪ .]78:‬وقال جل وعال‪ {:‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬

‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ }‬
‫[الجمعة‪.]8 :‬‬
‫‪٩28‬‬

‫وربما مر‬
‫عباد اهلل‪ :‬لقد انتشر بين البعض من الناس مفهوم غير صحيح‪ُ ،‬‬
‫ال ُعمر على ذلك ال َفهم‪ ،‬وهو أن ذكر الموت ُيعدُّ تنغيصًا للحياة‪ ،‬وتكديرا‬
‫الموت جلب الهموم وال ُغموم؛ حتى إن ُه قيل لبعضهم‬ ‫لصفوها‪ ،‬وأن يف ذكر َ‬
‫إن ُفالنًا قد مات‪ ،‬فقال‪ :‬أعوذ باهلل‪ .‬أعوذ باهلل مِماذا من أمر حتمي ال مناص‬
‫من ُه ؟‪.‬‬
‫الـموت ألجل أن‬
‫وهكذا يتنصل من يتنصل‪ ،‬ويتناسى من يتناسى ذكر َ‬
‫نظره‪ ،‬ولو كان األمر كما يظن أن تناسي الموت راحة‬ ‫طمئنًا يف ِ‬
‫يبقى سعيدا ُم َ‬
‫وسعادة َلمـا قال لنا نبينا ‪َ «:‬أكْثِروا ِمن ذِ ْكرِ هادِ ِم اللذ ِ‬
‫ات»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫فالفالح والصالح ُك ُّله فيما جاء بِ ِه الرسول ‪ ،‬وال يمكن أن يأمرنا بما‬
‫فيه األذى والتنغيص لنا‪.‬‬
‫والقربُ باب وك ُُّل النـاس د ِ‬
‫اخ ُلـ ُه‬ ‫وت كأس َوك ُُّل الناس َش ِ‬
‫ار ُب ُه‬ ‫الم ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫الرحلة‪ ،‬التي‬
‫ولكن الشأن كُل الشأن هو هل نح ُن على استعداد تا ّم لهذه ِّ‬
‫ال مفر منها؛ فقد ُأثِ َر لنا من استعداد سلفنا الصالح للموت الشيء ال ُعجاب؛‬
‫فمن ذلك أن اإلمام سليمان بن مهران األعمش لمـا حضر ْت ُه الوفاة‪،‬‬
‫قال‪ :‬ألوالدِه ال تحزنوا وال تبكوا علي‪ ،‬فواهلل ما فاتتني تكبير ُة اإلحرام مع‬
‫منذ ِستِّين سنة‪.‬‬
‫الجماعة ُ‬
‫‪٩2١‬‬ ‫االستعداد للموت‬

‫رأيت شيخًا يف مسجد الكوفة يقول‪ :‬أنا يف‬


‫ُ‬ ‫‪«:‬‬ ‫وقال ُسفيان الثوري‬
‫منذ ثالثين سنة انتظر الموت لو نزل بي ما ُق ُ‬
‫لت له تقدم وال‬ ‫هذا المسجد ُ‬
‫تأخر‪ ،‬وليس عند أحد لي‪ ،‬وال عندي ألحد شيء »‪.‬‬
‫و ُذكِ َر عن عدد من الصالحين الذين قد َم َلـئُوا أوقاهتم بطاعة اهلل أن ُه لو قِ َيل‬
‫ألحدهم إن الموت بالباب لما زاد يف عملِ ِه شيئًا‪.‬‬
‫ِ‬

‫المسلم أن الموت لن يتكرر حتى تستعد ل ُه مرة ُأخرى؛‬


‫واعلم أ ُّيها األخ ُ‬
‫فتزود ل ُه يف هذه الدار قبل أن يذهب عمرك الثمين‪.‬‬
‫َ‬

‫هذا وإن مما ينبغي عم ُله قبل الفوات أن يكون ُ‬


‫للمسلم وصية يوصي فيها‬
‫وح ُقوقِه‪.‬‬
‫ب أن يكون بعده يف ماله وأهله ُ‬
‫ِ‬
‫بما ُيح ُّ‬
‫‪ ،‬وعن أبيه‬ ‫روى ال ُبخاري و ُمسلم عن عبد اهلل بن ُع َمر بن الخطاب‬
‫وصي فِ ِ‬
‫يه‪،‬‬ ‫‪«:‬ما ح ُّق امرِئ مس ِلم‪ ،‬لَه َشيء يرِيدُ َأ ْن ي ِ‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫يت َل ْي َلتَ ْي ِن‪ ،‬إِال َو َو ِصيتُ ُه َم ْكتُوبَة ِعنْدَ ُه»؛‬
‫َيبِ ُ‬
‫يقول‬ ‫‪ « :‬ما مرت علي ليلة منذ َس ِم ُ‬
‫عت رسول اهلل‬ ‫قال ابن ُع َمر‬
‫ذلك إال وعندي وصيتي مكتوبة »‪،‬‬
‫والـمــبادر ُة بـها قبل الغرغرة‬
‫ُ‬ ‫ل الوصي ِة‬
‫هاو ِن يف تعجي ِ‬
‫ولهذا ينبغي عدم الت ُ‬
‫حين ال يت ِسع الوقت‪ ،‬وال يت ِسع البال لقول وذكر ما ُيريدُ ه اإلنسان؛‬
‫‪٩3٠‬‬

‫قال‪َ :‬جا َء َر جل إِ َلى النبِ ِّي‬ ‫فعند البُخاري و ُمسلم عن أبي ُهريرة‬
‫ْت‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ُّي الصدَ َق ِة َأ ْع َظ ُم أَ ْجرا؟ َق َال‪َ « :‬أ ْن ت ََصد َق َوأَن َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫حيح تَخْ َشى الْ َف ْقر وتَأْم ُل الْ ِغنَى و َال تُم ِه ْل‪ ،‬حتى إِ َذا ب َلغ ِ‬
‫َت الْ ُح ْل ُقو َم‬ ‫حيح َش ِ‬ ‫ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫َان لِ ُف َالن»‪،‬‬ ‫ت لِ ُف َالن ك ََذا َولِ ُف َالن ك ََذا‪َ ،‬و َقدْ ك َ‬‫ُق ْل َ‬
‫فمن الوصايا ما يكون واجبًا‪ ،‬وذلك إذا كان عند اإلنسان ُحقوق‪ ،‬أو‬
‫الح ُقوق‪ ،‬وأنكرها‬ ‫يعلمها ِ‬ ‫ِ‬
‫أقار ُبه؛ فلو مات ضاعت تلك ُ‬ ‫ودائع‪ ،‬أو ُد ُيون‪ ،‬ال ُ‬
‫أهله‪ ،‬فيجب على من كان حا ُل ُه كذلك أن يأمر أهله بما تربأ بِ ِه ذِمتُه‪،‬‬
‫وصي بشيء‬ ‫واعلموا أن مما يستحب أن يوصي بِ ِه المسلم قبل موتِه أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫واألقربين‪،‬‬
‫َ‬ ‫من ماله يف ُسبُل الخير والمساجد‪ ،‬والعلم الشرعي‬
‫الحدود‬
‫المؤمنون‪ ،‬أن الوصايا ال يجوز أن تتعدى ُ‬
‫واعلموا أ ُّي َها ُ‬
‫المشروعة‪ ،‬بل إن ُهناك وصايا ممنوعة كأن يوصي بأكثر من ُث ُلث ماله‪ ،‬وال‬
‫ُيباح ل ُه ذلك‪ ،‬فإن فعل؛ فال ُينَفذ من وصيتِه إال الثُّ ُلث‪ ،‬وما زاد فال ُينَفذ؛‬
‫لما َم ِرض قال‪َ :‬يا َر ُس ْو َل اهللِ‪ ،‬أ َف َأ َت َصدق بِ َش ْط ِر َمالِي؟ َق َال‪:‬‬ ‫فإن سعدا‬
‫ث كَثِير ‪،‬‬
‫ث َوالثُّ ُل ُ‬
‫َال‪ .‬قال‪َ :‬فالثُّ ُل ُث؟ َق َال‪ :‬الثُّ ُل ُ‬
‫لولد ِه األكرب‬
‫وصي ِ‬‫وكذلك لو أوصى بشيء من ماله لبعض ور َثتِه كأن ي ِ‬
‫ُ‬
‫وصي بشيء لزوجته زيادة على‬ ‫أو األصغر بشيء زائد على إخوانِه‪ ،‬أو ي ِ‬
‫ُ‬
‫‪٩3٩‬‬ ‫االستعداد للموت‬

‫‪« :‬إِن‬ ‫ح ُّل ل ُه ذلك‪ ،‬وال يجوز إنفاذ هذه الوصية؛ لقول النبِ ِّي‬ ‫ميراثها؛ فال ي ِ‬
‫َ‬
‫اهللَ َقدْ َأ ْعطَى كُل ذِي َحق َحقه‪َ ،‬ف َال َو ِصي َة لِ َو ِارث»‪.‬‬
‫يوصي بأن ُيد َفن يف‬ ‫وأبعدها عن شريعة اهلل من ِ‬ ‫ِ‬ ‫أال وإن من أنكر الوصايا‪،‬‬
‫مسجد من المساجد تربُّكًا يف َظنِّه؛ فهذه وصايا ال يجوز فعلها‪ ،‬فإن حصل‬
‫من أحد أن ُه أوصى؛ فال يجوز تنفيذها والعمل هبا؛ ألن إدخال ال ُق ُبور يف‬
‫عند َموتِه؛‬ ‫المساجد ُسنة مِ ْن ُسن َِن اليهود والنصارى حذر منها الرسول‬
‫ِ‬
‫قالت‪ :‬قال‬ ‫الصديق‬‫المؤمنين عائشة بنت ِّ‬ ‫ففي الصحيحين عن ُأ ِّم ُ‬
‫ور َأ ْنب ِ َيائِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪« :‬لَ ْعنَ ُة اهلل َع َلى الْ َي ُهود َوالن َص َارى اتخَ ُذوا ُق ُب َ‬ ‫رسول اهلل‬
‫َم َس ِ‬
‫اجدَ »‪ُ ،‬ي َح ِّذ ُر َما َصنَ ُعوا»؛‬
‫وهناك‬ ‫فاحذر أيها المسلم الكريم أن ُت ِ‬
‫وصي بما يوديك العذاب األليم‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫أرض كذا‪،‬‬ ‫من يشتغل بوصايا عما هو أهم منها‪ :‬كمن ِ‬
‫يوصي بأن ُيد َفن يف‬ ‫ّ‬
‫بلد كذا‪ ،‬ومثل هذه الوصايا إن شقت على الناس‪ ،‬وليس لها‬ ‫وال يد َفن يف ِ‬
‫ُ‬
‫مصلحة شرعية؛ فال يلزمهم العمل بِها‪ ،‬ويدفن يف أقرب األماكن‪.‬‬
‫المسلم بِ ِه لِ َس َف ِره إلى اهلل التخ ُّلص من الدُّ يون‪ ،‬فالدين‬
‫وهكذا مما يستعدُّ ُ‬
‫الـمبادرة الجادة يف التخ ُّلص من ُه‪،‬‬
‫حمل كبير يجب على المسلم ُ‬
‫أن رسول اهلل‬ ‫ففي صحيح ُمسلم عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص‬
‫قال‪ :‬ي ْغ َفر لِلش ِه ِ‬
‫يد ك ُُّل َذنْب إِال الد ْين ‪ ،‬وذلكم أن ُه حق من ُحقوق‬ ‫ُ ُ‬
‫‪٩32‬‬

‫العباد التي ال ُبد من أدائِها إلى أهلها‪ ،‬فهي يف ذِمة المديون ُمعلقة بِ ِه حتى وإن‬ ‫ِ‬

‫قضى عن ُه‪.‬‬ ‫ُقتِ َل شهيدا يف سبيل اهلل؛ فهو محبوس بِ ُحقوق العباد حتى ُي َ‬
‫قال نبيُّنا ‪َ « :‬ن ْف ُس الْ ُم ْؤ ِم ِن ُم َعل َقة بِدَ ْين ِ ِه َحتى ُي ْق َضى َعنْ ُه»‪،‬‬
‫الـمؤمن الذي مات‪ ،‬ولم يتخلص من الدُّ ُيون تكون ُمعلقة؛ فال‬
‫فنفس ُ‬
‫تسرتيح وال تطمئن مع أن صاحبها ُمؤمن لكن أق َل َقتْ ُه ُد ُيونُه؛‬
‫ُربما ترك‬ ‫ولعظيم شأن الدُّ ُيون‪ ،‬وخطرها على المسلم كان الر ُسول‬
‫المسلِمين؛ لعدم تركهم قضاء لِدُ ُيونِهم‪ ،‬ففي‬ ‫ِ‬
‫الصالة على بعض جنائز ُ‬
‫كان ُيؤتى‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫صحيح البُخاري و ُمسلم عن أبي ُهريرة‬
‫عليه الدين؛ فيسأل‪َ :‬ه ْل َت َر َك لِدَ ْينِ ِه َق َضاء؟ َفإِ ْن ُحدِّ َ‬
‫ث َأن ُه َت َر َك‬ ‫بالر جل الميت ِ‬
‫َ ِّ‬
‫احبِك ُْم»‪،‬‬ ‫يه‪ ،‬وإِال َق َال‪« :‬ص ُّلوا ع َلى ص ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َفاء َصلى َع َل َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ت ُو ِّفي َر جل َف َأ َتيْنَا بِ ِه َر ُس َ‬ ‫وعن جابر بن عبد اهلل‬
‫َ‬
‫ان‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫خ َطا ُخطى‪ُ ،‬ثم َق َال‪« :‬أع َلي ِه دين؟» ُق ْلنَا‪ :‬دِينَار ِ‬ ‫لِيُ َص ِّلي َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫احبِك ُْم»‬ ‫«ص ُّلوا ع َلى ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫‪ُ « :‬ه َما َع َل ْي َ‬ ‫ول‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬د ْينُ ُه َع َلي‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬‫َف َق َال َأ ُبو َقتَا َد َة‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ت» َق َال‪ :‬نَ َع ْم‪َ ،‬ف َصلى َع َليْ ِه‪ُ ،‬ثم َل ِقيَ ُه مِ َن ا ْل َغ ِد‪َ ،‬و َق َال‪:‬‬ ‫َحق الْ َغرِيمِ‪َ ،‬و َبرِئَ الْ َم ِّي ُ‬
‫س‪ُ ،‬ثم َل ِق َي ُه مِ َن ا ْل َغ ِد‪،‬‬ ‫ات َأ ْم ِ‬‫ول اهللِ‪ ،‬إِن َما َم َ‬ ‫ان ؟» َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫الدين ََار ِ‬ ‫« َما َف َع َل ِّ‬
‫ول اهللِ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬قدْ َق َض ْيت ُُه َما‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫الدين ََار ِ‬
‫ان ؟» َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َف َق َال‪َ « :‬ما َف َع َل ِّ‬
‫‪٩33‬‬ ‫االستعداد للموت‬

‫‪ْ « :‬اآل َن‪ ،‬بَ َر َد ْت َع َل ْي ِه جلد ُه» روا ُه أحمد والنسائِي‪ ،‬وحسنَ ُه األلباين‬
‫‪،‬‬
‫َق ِ‬
‫اعدا َحيْ ُ‬
‫ث‬ ‫َان َر ُسول اهلل‬‫وعن محمد بن عبد اهلل بن جحش َق َال‪ :‬ك َ‬
‫اء‪ُ ،‬ثم َخ َف َض َب َص َر ُه؛ َف َو َض َع َيدَ ُه َع َلى‬ ‫وضع ا ْلجنَائِز‪َ ،‬فر َفع ر ْأسه قِب َل السم ِ‬ ‫ُت َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫يد َق َال َف َع َر ْفنَا َو َس َكتْنَا‪َ ،‬حتى إِذا‬ ‫جبهتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬سبحا َن اهلل ما أُن ِْز َل ِمن الت ْش ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َْ‬
‫َفسي‬ ‫كَا َن ال َغدُ س َأ ْلتُه؛ َف ُق ْلنَا‪ :‬ما الت ْش ِديد ال ِذي ن ََز َل؟ َق َال‪ :‬فِي الدي ِن وال ِذي ن ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اش ُثم ُقتِ َل‪َ ،‬و َع َليْ ِه‬ ‫اش ُثم ُقتِ َل‪ ،‬ثم َع َ‬ ‫بِيَ ِدهِ لَو ُقتِ َل َر جل فِي َسبِيْ ِل اهللِ‪ ،‬ثم َع َ‬
‫الجنةَ؛ َحتى ُي ْق َضى َد ْينُه ‪َ .‬ر َوا ُه الن َسائِ ّي َو َحسنَ ُه األَ ْل َبانِي‪.‬‬
‫َد ْين َما َد َخ َل َ‬
‫الـمسلم المديون ُيقدِّ م قضاء الدين على‬ ‫الـمؤمنون ال ُفطناء إذا كان ُ‬ ‫أ ُّيها ُ‬
‫والح ُّج ُركن من أركان اإلسالم؛ فكيف بمن ُي ِّ‬
‫ؤخر قضاء َدينه‪ ،‬و ُيقدِّ ُم‬ ‫الحج‪َ ،‬‬
‫عليه ُأ ُمورا صغيرة كالوالئم والكماليات‪ ،‬وذِمته مشغولة بالحقوق الواجبة‬ ‫ِ‬

‫للناس فما جوابه عند مواله‬


‫أستغفر اهلل‪.‬‬
‫‪٩34‬‬

‫الـخطبــة الـثــانيـة‬
‫الحمد هلل السميع البصير الحكيم الخبير خلقنا يف الدُّ نيا لعبادته‪ُ ،‬ثم إ َليه‬

‫المرجع وإ َليه المصير َأ َم َرنَا بطاعته وتقوا ُه‪ ،‬وحث ُ‬


‫المسافر على الت َز ُّود ليوم‬
‫اهلل وسلم وبارك على النبِ ِّي المختار‪ ،‬وآل بَيتِه األطهار‬ ‫لقاه‪ ،‬وصلى ُ‬
‫ِ‬

‫وصحابته األخيار‪ ،‬وأتباعهم األبرار ما جن ليل وأشرق هنار‪.‬‬


‫المسلمون‪ ،‬عباد اهلل‪.‬‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫المسلم ال ُمبادرة بِ ِه ليكون على استعداد للقاء‬
‫اعلموا أن مما يجب على ُ‬
‫ِ‬
‫اهلل إعاد ُة الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وطلب الح ِّل من أهل ُ‬
‫الح ُقوق سواء منها‬
‫ِ‬
‫ونحوه‪ ،‬فالـ ُمسارعة الجادة بأداء األمانات‬ ‫المالية‪ ،‬أو المعنوية‪ ،‬يف ِع ْرض‬
‫للموت‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حيث كان أشد الناس استعدادا َ‬ ‫إلى أهلها هي ُسن ُة الـ ُمصطفى‬
‫َق َال‪َ :‬صل ْي ُت َو َرا َء النبِ ِّي‬ ‫فعند اإلمام البُخاري عن أبي سروعة‬
‫ِ ِ‬
‫ض‬ ‫اس إِ َلى بَ ْع ِ‬‫اب الن ِ‬ ‫بِا ْل َمدينَة ال َع ْص َر‪َ ،‬ف َسل َم‪ُ ،‬ثم َقا َم ُم ْس ِرعا‪َ ،‬فت ََخطى ِر َق َ‬
‫ج ُبوا مِ ْن‬ ‫خر َج َع َل ْي ِهم‪َ ،‬فر َأى َأن ُهم َع ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس م ْن ُس ْر َعته؛ َف َ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ُح َج ِر ن َسائه‪َ ،‬ف َف ِز َع الن ُ‬
‫ت َأ ْن َي ْحبِ َسنِي‪َ ،‬فأَ َم ْر ُت‬‫ُس ْر َعتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ذك َْر ُت َش ْيئًا ِم ْن تِبْر ِعنْدَ نَا‪َ ،‬ف َكرِ ْه ُ‬
‫ذهب أو مِن فِضة؛‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫بِق ْس َمته»‪ ،‬والتِّ ْب ُر ق َطع من َ‬
‫َت‬
‫قال‪َ « :‬م ْن كَان ْ‬ ‫أن النبِي‬ ‫وعند اإلمام البُخاري عن أبي ُه َريرة‬
‫يه ِم ْن ِع ْر ِض ِه‪َ ،‬أ ْو ِم ْن َش ْيء‪َ ،‬ف ْل َيت ََحلل ُه ِمنْ ُه ال َي ْو َم َق ْب َل َأ ْن َال‬
‫ِعنْدَ ه مظْ َلمة ِألَ ِخ ِ‬
‫ُ َ َ‬
‫‪٩35‬‬ ‫االستعداد للموت‬

‫َان لَ ُه َع َمل َصالِح أُ ِخ َذ ِمنْ ُه بِ َقدْ ِر َمظْ َل َمتِ ِه‪َ ،‬وإِ ْن لَ ْم‬
‫ُون دِ ْينَار َو َال دِ ْر َهم إِ ْن ك َ‬
‫َيك َ‬
‫احبِ ِه َف ُح ِم َل َع َل ْي ِه »‪،‬‬
‫َات ص ِ‬
‫َ‬
‫يكُن لَه حسنَات ُأ ِخ َذ ِمن سيئ ِ‬
‫ْ َ ِّ‬ ‫َ ْ ُ َ َ‬
‫وق إِ َلى‬
‫َق َال‪« :‬لَت َُؤ ُّدن الْ ُح ُق َ‬ ‫أن النبِي‬ ‫ريرة‬
‫وعند ُمسلم عن أبي ُه َ‬
‫َاء»‪.‬‬‫اء‪ِ ،‬من الشاةِ الْ َقرن ِ‬
‫َأه ِلها يوم الْ ِقيام ِة‪ ،‬حتى ي َقاد لِلشاةِ ْال جلح ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َْ َ َ َ َ ُ َ‬
‫أعظم زادِكُم ليوم معادِكُم أن تت ُقوا‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنون‪َ ،‬أن من‬ ‫هذا واعلموا أ ُّيها ُ‬
‫‪{:‬ﭩﭪﭫﭬ‬ ‫رب ُكم وموالكُم يف ِس ِّركُم و َع َلنِ ُكم قال‬

‫ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ } [البقرة‪.]٩١7 :‬‬


‫َ‬
‫وسخط اهلل‬ ‫المسلم أن تجعل بينَك و َبين عذاب اهلل‬ ‫وتقواك لموالك أ ُّيها ُ‬
‫تجدها‬ ‫خطِه‪ ،‬وتلك ِ‬
‫الوقاية لن ِ‬ ‫وقاية ودِر َعًا يحميك اهلل به من الوقوع يف َس َ‬
‫مستشعرا يف َيومِ َك و َليلِ َك لهذه الوقاية‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أمره واجتناب هنيِه‪ ،‬ف ُكن‬‫إال بامتثال ِ‬

‫وتزود منها كثيرا قبل الرحيل؛‬

‫اهلل تعالى أن نت ِقيَ ُه‪ ،‬فقال سبحانه‪ { :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬


‫فقد وصانا ُ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ }[البقرة‪.]٩3٩ :‬‬
‫المسلم الكريم أن من َخ ِير ما َتل َقى اهلل عليه أن َتل َقا ُه‪،‬‬ ‫وأخيرا اعلم أ ُّي َها ُ‬
‫نك طالبًا ِ‬
‫مغف َرة اهلل لك‪،‬‬ ‫صدر مِ َ‬ ‫وأنت على َتوبة صادِقة وندم على ك ُِّل خطإ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وإن مما ال َشك فيه أن لِ ُك ِّل واحد مِنا أخطاء وزالت‪ ،‬وهفوات وسيِّئات‬
‫وخير الخطائين‬
‫ُ‬ ‫اهلل ونسيناها «كل ُكم خطاءون‬
‫طوهتا الليالي واأليام أحصاها ُ‬
‫التوا ُبون»؛‬
‫‪٩36‬‬
‫ِ‬
‫ولكن العاق َل اللبيب من ُيتْبِع السيِّئ َة َ‬
‫الحسنة { ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ }[هود‪،]٩٩4 :‬‬


‫حاسب‪ ،‬و ُيؤ ِّدهبا قبل أن ُتؤدب من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالذاك ُر ال َفطن ُيحاسب نفسه قبل أن ُي َ‬
‫بتصحيحه واستغفر‪ ،‬وتاب‪ ،‬وعلِم حب اهللِ‬
‫ِ‬ ‫غيره‪ ،‬ف ُكلما وقع من ُه خطأ بادر‬‫ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫للتائِبِين‪.‬‬

‫قال تعالى‪ { :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ }[البقرة‪،]222 :‬‬


‫رب ا ْغ ِف ْر لِي‬
‫يقول يف الم جلس الواحد مائة مرة‪ِّ :‬‬ ‫وقد كان نَبِ ُّي ُكم‬
‫اب الر ِح ْيم ‪.‬‬ ‫ك أَن َ‬
‫ْت التو ُ‬ ‫ُب َع َلي إِن َ‬ ‫َذ ْنبِي‪ ،‬وت ْ‬
‫الوجه‬
‫وأنت خفيف الظهر أب َي َض َ‬‫َ‬ ‫المسلم على أن تلقى اهلل‪،‬‬ ‫فاحرص أ ُّي َها ُ‬ ‫ِ‬

‫بريء ِّ‬
‫الذمة نظيف البَطن‪.‬‬
‫وحسن ِعبا َدتِك‪ .‬اللهم اقض عنا الدين‬
‫وش ْك ِرك ُ‬‫أعنا على ذِك ِْرك ُ‬
‫اللهم ِ‬

‫بالحسنى‪ .‬اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها‬ ‫ِ‬


‫واغننا من الفقر اللهم اختم لنا ُ‬
‫وخير أعمالنا خواتمها‪ ،‬وخير أيامِنا يوم لِقاك‪....‬‬

‫‪‬‬
‫‪٩37‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬ ‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫والتلهي هبا عن‬
‫ِّ‬ ‫أما بعد‪ :‬لقد حذر اهلل عباده من االغرتار بالحياة الدُّ نيا‬

‫الدار اآلخرة فقال سبحانه {ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }[ فاطر‪]5 :‬‬


‫‪٩38‬‬

‫وقال جل وعال { ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬

‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ } [الحديد‪]2٠ :‬‬

‫وقال { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬

‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ } [العنكبوت‪.]64 :‬‬


‫ب‬
‫وض َر َ‬
‫يف سنته المطهرة حقارة الدُّ نيا وهواهنا على اهلل َ‬ ‫وبين النبي‬
‫أمثلة عظيمة لحقارة الدُّ نيا‪،‬‬
‫مر بالسوق والناس كنفتيه‬ ‫منها ما رواه مسلم يف صحيحه أن النبي‬
‫فمر بِجدي ّ‬
‫أسك صغير األذنين ميّت فتناوله فأخذ بأذنه فقال‪« :‬أيكم يحب‬
‫أن هذا له بدرهم؟» فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به واهلل لو كان‬
‫حيًا كان عيبًا فيه ألنه أسك فكيف وهو ميت‪.‬‬
‫«فواهلل للدُّ نيا أهون على اهلل من هذا عليكم» ‪.‬‬ ‫فقال‬
‫لحقارة الدُّ نيا‪.‬‬ ‫ومن األمثلة التي ضرهبا‬
‫قال «إن‬ ‫أن النبي‬ ‫بي بن كعب‬ ‫ُ‬
‫ما رواه ابن حبان وغيره عن أ ّ‬
‫مطعم ابن آدم قد ُضرِ َب مثالً للدُّ نيا وإن قزحه وملحه فانظروا إلى ما يصير»‪،‬‬
‫الطعام الشهي ذو النكهة الطيبة والمنظر الجذاب ُتدفع فيه األثمان‬
‫و ُيستـمتـع بمنظره ورائحته وطعمه ولكن بعد أكله بساعات يسبب آالمًا يف‬
‫‪٩3١‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫البطن ثم يخرج وتتغير صفاته وتتبدل إلى أضدادها مما يعرفه كل الناس‬
‫وهكذا خالصة الدُّ نيا المزخرفة التي اغرت هبا من ال يعرف مآلها‪.‬‬
‫وهذا ليس من أمثلة الشعراء وال الفصحاء المعرضة للخطأ‪ ،‬بل هذا مثل‬
‫من مشكاة النبوة وحي ُيوحى عربة ألولي األلباب والنُّهى‪.‬‬
‫للدُّ نيا ما رواه الرتمذي عن سهل بن سعد قال‬ ‫ومن أمثلته التي ضرهبا‬
‫«لو كانت الدُّ نيا تعدل عند اهلل جناح بعوضة ما سقى كافر ًا‬ ‫قال النبي‬
‫منها شربة ماء»‪.‬‬
‫هذه أمثلة نبوية وعتها آذان الصحابة الكرام‪ ،‬فوضعوا الدُّ نيا يف الموضع‬
‫الالئق هبا وجعلوها مطية لآلخرة اكتَ َفوا منها بـيـسير الطعام واللباس‬
‫والسكن وتنافسوا يف عمل اآلخرة‪.‬‬
‫بمنكبي‬ ‫قال أخذ رسول اهلل‬ ‫ففي صحيح البخاري عن ابن عمر‬
‫فقال‪« :‬كن يف الدُّ نيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر‬
‫يقول‪ « :‬إذا أصبحت فال تنتظر المساء وإذا أمسيت فال تنتظر الصباح‬
‫وخذ من صحتك لـمرضك ومن حياتك لموتك »‪.‬‬
‫قطعوا المسافات الطوال والعقبات ِ‬
‫الصعاب يف‬ ‫صحابة رسول اهلل‬
‫نجح يف تحقير الدنيا يف‬ ‫وقت يسير‪ ،‬ألسباب من أعظمها‪ ،‬أن النبي‬
‫أعينهم فلم ينشغلوا بتعظيم الدينار والدرهم ولم ينشغلوا بتقديس العادات‬
‫العوجاء‪.‬‬
‫‪٩4٠‬‬

‫وليس يف قاموس أولئك الرجال (البد نكون مثل الناس)‪،‬وليس يف‬


‫قاموسهم (أ ّمن مستقبلك)‪،‬ولم يقل بعضهم ألخيه (من ُيزوجك)‪( ،‬من يبني‬
‫لك بيتًا)‪،‬‬
‫وليست لديهم وساوس اقتصادية‪ ،‬عن نقص االمور المادية‪ ،‬أو أخبار‬
‫ـوف ذهاب المياه الجوفية‪ ،‬ونحو ذلك مما يدندن‬
‫انخفاض الميزانية‪ ،‬أو تخ ّ‬
‫به الجاهلون‪ ،‬بل داسوا الدُّ نيا بأقدامهم فجاءت إليهم راغمة‪ ،‬تركوها هلل‬
‫فعوضهم خيرا مما تركوا‪.‬‬
‫ومن عجيب زهدهم يف الدُّ نيا ما رواه البخاري ومسلم يف صحيحيهما عن‬
‫وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش‬ ‫قال بعثنا رسول اهلل‬ ‫جابر‬
‫وزودنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره‪ ،‬فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة‬
‫ص الصبي ثم‬
‫يم ُّ‬
‫نمصها كما ُ‬
‫قال الراوي فقلت كيف كنتم تصنعون هبا قال ُّ‬
‫نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل‪ ،‬وكنا نضرب بعصينا الخبط‪،‬‬
‫ثم نبله بالماء فنأكله‬
‫قال وانطلقنا على ساحل البحر‪ُ ،‬فرفِ َع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب‬
‫الضخم‪ ،‬فأتيناه فإذا هي دابة ُتدعى العنرب‪ ،‬قال قال أبو عبيدة ميتة ثم قال ال‬
‫ويف سبيل اهلل وقد اضطررتم فكلوا‪،‬‬ ‫بل نحن رسل رسول اهلل‬
‫‪٩4٩‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫قال فأقمنا عليه شهرا ونحن ثالث مائة حتى سمنا‪ ،‬قال ولقد رأيتنا‬
‫نغرتف من وقب عينه بالقالل الدهن‪ ،‬ونقتطع منه الفدر كالثور‪ ،‬أو كقدر‬
‫الثور‪ ،‬فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثالثة عشر ر جال‪ ،‬فأقعدهم يف وقب عينه‪،‬‬
‫وأخذ ضلعًا من أضالعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير منا فمر من تحتها‬
‫فذكرنا‬ ‫وتزودنا من لحمه وشائق‪ ،‬فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اهلل‬
‫ذلك له فقال «هو رزق أخرجه اهلل لكم‪ ،‬فهل معكم من لحمه شيء‬
‫منه فأكله‪.‬‬ ‫فتطعمونا؟» قال فأرسلنا إلى رسول اهلل‬
‫فبكى‬ ‫زاره سعد بن أبي وقاص‬ ‫ُ‬
‫سلمان الفارسي‬ ‫ولما مرض‬
‫فقال‪ :‬سعد ما يبكيك يا أبا عبد اهلل؟ أليس قد صحبت رسول اهلل‬
‫؟‬
‫فقال‪ :‬سلمان ما أبكي ضنًا للدُّ نيا وال كراهية لآلخرة ولكن رسول اهلل‬
‫عهد إلي عهدا فما أراين إال قد تعديت‪ .‬قال‪ :‬وما عهد إليك؟ قال‪ :‬عهد‬
‫إلي أنه يكون زاد أحدنا مثل زاد الراكب وإين أخشى أن قد تعديت‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثابت فبلغني أنه ما ترك إال بضعة وعشرين درهمًا‪.‬‬
‫أال وإن من رحمة اهلل بعباده المؤمنين أن صرف عنهم الطغيان المادي‬
‫والتوسع الدُّ نيوي وحماهم من االنغماس يف الدُّ نيا انغماس أعدائه الكافرين‬
‫الذين أتتهم الدُّ نيا من أمامهم ومن خلفهم‪ .‬ويوضح لنا النبي الكريم‬
‫‪٩42‬‬

‫ذلك يف قوله «إن اهلل ليحمي عبده المؤمن من الدُّ نيا وهو يحبه كما تحمون‬
‫مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه» رواه أحمد‪.‬‬
‫ولقد حذر اهلل عبده المؤمن أن يغرت بما عليه الكافرون من زينة الحياة‬

‫الدُّ نيا فقال سبحانه‪ { :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ } [ طه‪ ]٩32 -٩3٩:‬وقال { ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ}‬
‫[ آل عمران‪.]٩١7 -٩١6 :‬‬
‫من االغرتار بعطاء اهلل للعصاة فإنما هو‬ ‫بل حذر الرسول الكريم‬
‫استدراج لهم‪.‬‬
‫‪« :‬إذا‬ ‫قال‪ :‬قال النبي‬ ‫فروى اإلمام أحمد عن عقبة بن عامر‬
‫حب فاعلم أنما هو استدراج‬
‫رأيت اهلل ُيعطي العبد من الدُّ نيا على معاصيه ما ُي ُّ‬

‫ثم تال قوله تعالى { ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ }» [األنعام‪.]44 :‬‬
‫وقال بـعض أهل العلم فـي معنى االستـدراج (أي‪ :‬كـل مـا أحدثـوا ذنبًا‬
‫أحدثنا لهم نعمة )‪.‬‬
‫‪٩43‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫فال تحزن أيها المسلم الكريم‪ ،‬على ما فاتك من متاعها الهشيم‪ ،‬وال‬
‫يخدعنك مادحها وعابدها اللئيم‪ ،‬فلن ينفعك عند ربك مال وال بنون‪ ،‬إال‬
‫من أتى اهلل بقلب سليم‪ ،‬وال تتمن منها ما صرفه عنك العليم الخبير‪ ،‬فكم من‬
‫قوم كانوا متحابين ُمتآلفين على القليل اليسير‪ ،‬ولما ُفتحت عليهم الدُّ نيا‬
‫وتجاذبوها قلبت حالهم سعيرا‪ ،‬وربما تقاطعوا‪ ،‬وربما تقاتلوا ألجل شيء‬
‫هو عند اهلل حقير‪.‬‬
‫ورحم اهلل الشافعي إذ يقول‪:‬‬
‫ــيق إِ َل ْينَــا َع ْ‬
‫ــذ ُب َها َو َع َ‬
‫ــذا ُب َها‬ ‫وس َ‬‫ِ‬ ‫وم ْن يبتغي الـدُّ نيا َفـإِنِّي َط ِع ْمت َُهـا‬
‫ظهـر ال َفـالةِ َس َـرا ُب َها‬
‫ِ‬ ‫الح يف‬
‫ك ََما َ‬ ‫فلــم َأر َهــا إال ُغــرورا و َغ ْف َلــة‬
‫اجتِـ َ‬
‫ـذا ُب َها‬ ‫عليهــا كــالب َه ُّم ُهــن ْ‬ ‫ــي إِال جيفــة مســتحيلة‬ ‫ومــا ِ‬
‫ه‬
‫َ‬
‫ْــك كِالَ ُب َهــا‬ ‫وإِ ْن َتجت ِ‬
‫َــذ ْب َها ن ََاز َعت َ‬ ‫ْ‬ ‫َفإِ ْن َت ْجتَنِبْ َها ُكن َْت ِسـ ْلمًا ِألَ ْهلِ َهـا‬
‫كرمت عليه نفسه لـم يـكــن للدُّ نيا‬
‫‪ « :‬من ُ‬ ‫وقال محمد ابن الحنفية‬
‫عنده قدر »‪.‬‬
‫‪ « :‬حرام على قلوبكم أن تذوق حالوة‬ ‫وقال الفضيل بن عياض‬
‫اإليمان حتى تزهدوا يف الدُّ نيا »‪.‬‬
‫‪ « :‬إذا زهد العبد يف الدُّ نيا أنبت اهلل الحكمة يف‬ ‫وقال سفيان الثوري‬
‫عيوب الدُّ نيا وداءها ودواءها »‪.‬‬
‫َ‬ ‫قلبه وأطلق بـها لسانه و َبص َر ُه‬
‫‪٩44‬‬

‫‪ « :‬ما مضى من الدُّ نيا فهو أحالم وما بقي فهو‬ ‫وقال ابو حازم‬
‫أماين »‪.‬‬
‫‪ « :‬إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدُّ نيا ما‬ ‫وقال عون بن عبد اهلل‬
‫َف ُض َل عن آخرهتم وإنكم تجعلون آلخرتكم ما فضل عن ُدنياكم »‪.‬‬
‫‪ « :‬يا ابن آدم بع ُدنياك بآخرتك تربحهما‬ ‫وقال الحسن البصري‬
‫جميعا وال تبيعن آخرتك بدُ نياك فتخسرهما جميعا »‪.‬‬
‫فرقان‬
‫وقال بعض السلف‪ « :‬الدُّ نيا أسحر من هاروت وماروت فإهنما ُي ِّ‬
‫بين المرء وزوجه والدُّ نيا ُتفرق بين العبد ور ِّبه »‪ .‬أعاذين اهلل وإياكم من‬
‫غرورها ُ‬
‫وشرورها‪.‬‬
‫وأستغــفر اهلل لي ولكم‬
‫‪٩45‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫الـخـطبــة الـثــانـيــة‬
‫الحمد هلل عظيم المنة‪ ،‬نحمده على إسباغ النعمة وصرف النقمة‪ ،‬جاعل‬
‫الدُّ نيا فتنة ومحنة‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا وقائدنا إلى الجنة‪ ،‬وعلى آله‬
‫الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال‬ ‫وصحبه ومن تبعهم على السنة ‪ ،‬والقائل‬
‫ذكر اهلل وما وااله ‪،‬‬
‫اعلموا أيها الناس أن حب الدُّ نيا ِ‬
‫واإلخال َد إليها هو من أكرب أسباب ُّ‬
‫الذل‬
‫‪« :‬يوشك أن تداعى عليكم‬ ‫قال‪ :‬قال النبي‬ ‫والهوان‪ .‬فعن َثو َبان‬
‫األمم كما تداعى األكلة على قصعتها» قالوا ومن قلة نحن يومئذ؟ قال‪« :‬بل‬
‫أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن اهلل الهيبة من قلوب‬
‫أعدائكم وليقذفن الوهن يف قلوبكم» قالوا وما الوهن ؟ قال «حب الدُّ نيا‬
‫وكراهية الموت»‪.‬‬
‫إن حب الدُّ نيا وتمكنها من القلوب وتنشـئة األجيال على تعظيمها وتكبير‬
‫شأهنا ليس باألمر الهين‪.‬‬
‫فمن سخر ُقدُ راته وإمكاناته وفكره وجهده لها فقد خسر ُخسرانًا كبيرا‬
‫‪« :‬من جعل الهمو َم همًا واحد ًا هم المعاد كفاه اهلل هم ُدنياه ومن‬ ‫قال‬
‫تشعبت به الهموم يف أحوال الدُّ نيا لم يبال اهلل به يف أي أوديتها هلك»‪.‬‬
‫‪٩46‬‬

‫وهم اآلخرة نور‬


‫هم الدُّ نيا ظلمة يف القلب ُّ‬
‫« ُّ‬ ‫قال جعفر بن سليمان‬
‫يف القلب »‪.‬‬
‫وج ِه القلوب إلى الدُّ نيا وإيثارها على الباقية شتات وفقر قال‬
‫نتائج َت ُّ‬
‫هكذا ُ‬
‫‪ « :‬من كانت اآلخرة همه جعل اهلل غناه يف قلبه وجمع له شمله وأتته‬
‫الدُّ نيا وهي راغمة‪ ،‬ومن كانت الدُّ نيا همه جعل اهلل فقره بين عينيه وفرق عليه‬
‫شمله ولم يأته من الدُّ نيا إال ما كُتب له »‪.‬‬
‫فإذا أردتم عزكم فأخرجوا الدُّ نيا من قلوبكم وإذا أردتم أن ُتك َفوا‬
‫وطر َد ِ‬
‫فقر َها‬ ‫ِ‬
‫القلوب ْ‬ ‫همومكم فأخرجوا الدُّ نيا من قلوبكم وإذا أردتم غنى‬
‫فأخرجوا الدُّ نيا من قلوبكم إذا أردتم جمع شتاتكم بعد الفرقة فأخرجوا‬
‫الدُّ نيا من قلوبكم‪.‬‬
‫حب الدِّ ينار والدِّ رهم‪،‬‬
‫أال وإن حب الدُّ نيا ليس محصورا يف ِّ‬
‫ِ‬
‫حب الرئاسات والوجاهات‬ ‫بل يدخل فيه ما ُشغ َل به األكثرون اليوم‪ ،‬من ِّ‬
‫والمظاهر والواليات والمفاخرة بالمال واألوالد والدور والقصور والنساء‬
‫حتى ُش ِغلت القلوب عن الدار اآلخرة‪،‬‬
‫هؤالء هم أبناء الدُّ نيا و ُمحبُّـوها‪ ،‬هبا ُيشغلون‪ ،‬ولها يضحكون‪ ،‬وعلى‬
‫ذهاهبا يحزنون‪ ،‬ولمصالحها يثورون‪ ،‬وبحصولها يسكنون ويأنسون‪ ،‬وعلى‬
‫‪٩47‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫حطامها يتقاتلون‪ ،‬ولها ُيداهنون‪ ،‬ويكذبون‪ ،‬ومن أجلها هم للمواريث‬


‫آكلون‪ ،‬وألرحامهم قاطعون‪ ،‬ويف المهور ُيغالون‪،‬‬
‫حب الشهرة يف الدُّ نيا والسمعة عند أهلها‪.‬‬
‫وأكرب دوافع ذلك ُّ‬
‫(حب الدُّ نيا رأس كل خطيئة)‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫فهذا هو الداء وجالب ِّ‬
‫كل بالء وكما قيل‬
‫ولـما أصبحت الدُّ نيا هي الهم المسيطر على القلوب‪ ،‬أصبحت حديث‬
‫الناس يف بيوهتم ومجالسهم وإعالمهم ومدارسهم وحتى مساجدهم‪،‬‬
‫أخذت الدُّ نيا منهم حضًا وافرا‪ ،‬فيملون من ذكر اآلخرة‪ ،‬وال يملون ذكر‬
‫الدُّ نيا‪ ،‬ويملون القران‪ ،‬يثقل عليهم الذكر إِذا طالت خطبة الجمعة وحلقات‬
‫العلم‪ ،‬وتطيب لهم المجالس كلما ذكروا ُدنياهم‪.‬‬
‫وما ذاك إال دليل على أهنا قد فتنـتهم‬
‫العالم العابدُ فقيل له إن بعضهم يعني يف زمن‬
‫ُ‬ ‫ولما ُسئِ َل الحس ُن البصري‬
‫التابعين أكثر عبادة من الصحابة فكيف صار الصحابة أفضل منهم؟ فقال‪« :‬‬
‫الصحابة تعبدوا ويف قلوهبم اآلخرة وهؤالء تعبدوا ويف قلوهبم الدُّ نيا »‪.‬‬
‫هذا واعلموا رحمكم اهلل أن مما يح ُّبه اهلل منكم أن َت ْع ِق ُلوا عنه مراده‪،‬‬
‫فإن اآليات واألحاديث التي سمعتموها ُتزهدكم يف الدُّ نيا وتحقر شأهنا‪،‬‬
‫ليس المقصود هبا أن ترتكوا أعمالكم‪ ،‬وتضيعوا أرزاقكم وأرزاق أبنائكم‪،‬‬
‫‪٩48‬‬

‫وال يعني ذلك ترك الزراعة والتجارة والصناعة‪ ،‬وال يحرم على المسلم‬
‫أن يكون غنيًا أو طبيبا أو غير ذلك‪،‬‬
‫الزراع والتُّجار‪ ،‬وكان منهم األمراء‬
‫ُّ‬ ‫فقد كان يف صحابة رسول اهلل‬
‫والخلفاء والقادة الكبار‪ ،‬وأهل الحرفة والمهنة‪ ،‬ولكن ذلك لم يشغلهم عن‬
‫تعاليم دينهم‪ ،‬ولم يضيعوا أمر اهلل‪ ،‬بل كانت الدُّ نيا يف أيديهم ولم يمكنوها‬
‫من قلوهبم‪ ،‬بل استخدموها ولم تستخدمهم واستعملوها ولم تستعملهم‪،‬‬
‫وعلموا أن الدُّ نيا ساعة فجعلوها طاعة وأن النفس طماعة فألزموها القناعة‪.‬‬
‫وإنما َأ ْل َم ْحنَا إلى هذا ألن من الجاهلين من إذا سمع التحذير من الدُّ نيا‬
‫قال‪ :‬إن الدُّ عاة يريدون منا البقاء يف المساجد وأن نضيع أعمالنا ونرتك‬
‫أرزاقنا ونمد أيدينا إلى غيرنا‪ ،‬وال شك أن هذا من الجهل العظيم والفهم‬
‫السقيم ‪،‬‬
‫فإن خير من فهم الشرع وعمل به على مراد اهلل هو رسول اهلل‬

‫وصحابته الكرام‪ ،‬وقد سمعتم حالهم معها َف ْ‬


‫اج َعلوا الدُّ نيا يف أيديكم وكلوا‬
‫من طيبات ما رزقكم اهلل وانكحوا ما طاب لكم من النساء‪ ،‬ولكن اجعلوا كل‬
‫ذلك مطية آلخرتكم وال تجعلوه غايتكم فليس المحذور أخذها أو‬
‫استخدامها‪ ،‬وإنما المحذور الضار هو ُحبها وتعظيمها والتفاين لها حتى‬
‫يصير العبد يعبدها بقلبه‬
‫‪٩4١‬‬ ‫االغرتار بالدنيا‬

‫قال تعس عبد الدِّ ينار وعبد الدِّ رهم‬ ‫ويف صحيح البخاري أن النبي‬
‫وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك‬
‫فال انتقش‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى {ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ ﰗ } [الكهف‪] 45 :‬‬

‫وقال { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬

‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ} [العنكبوت‪]64 :‬‬

‫همنا وال مبلغ علمنا ‪،‬‬


‫اللهم ال تجعل الدُّ نيا أكرب ِّ‬
‫اللهم اخرج حبها من قلوبنا‪ ،‬وأعذنا وأبناءنا من تعظيمها وتعظيم‬
‫أرباهبا‪.....‬‬
‫‪‬‬
‫‪٩5٠‬‬

‫رب العالمين‪ .‬الحمدُ هلل الذي خلق فسوى‪ ،‬والذي قدر فهدى‪،‬‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫والذي أخرج المرعى؛ فجعله ُغثاء أحوى‪ .‬الحمدُ هلل الذي ي ِ‬
‫طعم وال ُيط َعم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫خلق كُل نفس وسواها‪ ،‬وألهمها فجورها وتقواها‪ ،‬وكتب رزقها وأجلها‬
‫ومأواها‪ ،‬وأحاط ِعلمه بالخلق وأرزاقهم وأحصاها‪،‬‬
‫وأشهدُ َأ ْن ال إله إال اهلل وحدَ ُه ال شريك ل ُه شهاد َة َمن يرجو ُذخرها‬
‫ورسو ُله عليه أفضل الصالة وأزكاها‪.‬‬
‫و ُعقباها‪ .‬وأشهدُ أن ُمحمدا عبدُ ُه ُ‬
‫المسلمون عباد اهلل‪.‬‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫إن من أكثر مشاغل العباد يف هذه األزمان التي ُأ ِنفقت فيها كثير من‬
‫وص ِر َفت لها كثير من الطاقات وال ُقدُ رات هي مسألة طلب‬
‫األوقات‪ُ ،‬‬
‫األرزاق‪ ،‬و جلب المعيشة لألهل واألوالد‪ ،‬وهذه يف حدِّ ذاهتا مسألة مهمة؛‬
‫تعب نفسه فيها فوق القدر المشروع الذي‬ ‫إال أن هناك من الناس من قد ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وربما فا َت ُه الكثير والكثير من‬ ‫ُطلِ َ‬
‫ب من ُه؛ وبذلك ينسى حظًا كثيرا من آخرته‪ُ ،‬‬
‫عن األسباب‬ ‫رزق ال ُق ُلوب‪ ،‬ولهذا كانت ُخطبتنا يف هذا اليوم بإذن اهلل‬
‫التي هبا ُتطلب األرزاق‪ ،‬وكيف يحرص المسلم على أن يطلب ِرزقه بال ُّط ُرق‬
‫التي شرعها الرزاق‪،‬‬
‫‪٩5٩‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫وينبغي على العبد‪:‬‬


‫قد سبق علمه برزقه‪ ،‬وأن اهلل جل‬ ‫أوالً‪ :‬أن يعلم علم اليقين أن اهلل‬
‫وعال قد كتب أرزاق العباد ُمسلمهم وكافرهم صغيرهم وكبيرهم‪.‬‬
‫بل كتب أرزاق المخلوقات ُك ِّلها من إنسان أو حيوان؛ من يف البَر‪ ،‬ومن يف‬
‫البحر ومن يف الجو؛ كتب ذلك كُله وجف به القلم‪ ،‬ولن تموت نفس أو‬
‫ُتفارق هذه الحياة‪ ،‬وقد بقي لها يف هذه الحياةِ ُلقمة أو شربة أو نَ َفس واحد؛‬
‫ولو حرص من بأقطارها على أن ُيخرجوه من الحياة؛ فلن يخرج منها إال‬
‫بعد أن يستويف رزقه وأجله؛‬
‫رو ِعي َأن َها لَ ْن ت َُم ْو َت َن ْفس َحتى‬ ‫ث في ْ‬
‫قال النبِي ‪ :‬إِن روح ال ُقدُ س َن َف َ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫الرز ِْق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َْستَك ِْم َل ِر ْز َق َها؛ َفات ُقوا اهللَ َو َأ ْج ِم ُلوا فِي الط َل ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َال َي ْحم َلنك ُُم ْاستبْطَا ُء ِّ‬
‫اصي اهللِ؛ َفإِن َما ِعنْدَ اهلل ِ َال ُين َُال إِال بِطَا َعتِ ِه»‪،‬‬
‫َأ ْن َتطْ ُلبوه بِمع ِ‬
‫ُ ُ َ َ‬

‫بل ر ّبنا تعالى يقول يف كتابه الكريم‪ { :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ }[هود‪،]6 :‬‬

‫ويقول سبحانه‪{:‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬

‫أن ُه قال‪« :‬إِن ِّ‬


‫الرز َْق لَيَطْ ُل ُ‬
‫ب ابْ َن آ َد َم‬ ‫ﮋ}[الذاريات‪ ،]58-56:‬وصح ع ِن النبِ ِّي‬
‫ك ََما َيطْ ُلبُ ُه األَجل»‪.‬‬
‫‪٩52‬‬

‫ف‬ ‫ولـما َض ُع َفت هذه العقيدة الصحيحة عند البعض من الناس‪َ ،‬‬
‫وض ُع َ‬
‫التع ُّلق بِرب ِ‬
‫العزة وال جالل‪ ،‬الذي قد كفل األرزاق؛ ُو ِجدَ ت األراجيف‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وو ِجدَ َ‬
‫الخوف على األرزاق سواء عند األفراد‪ ،‬أو عند الحكومات‪ُ ،‬فربما‬ ‫ُ‬
‫تسمع من يقول ما من سنة إال والبشر تكثر من أين أرزاق هذه العباد؟‬
‫ويتخوف أن يأيت يوم وليس للعباد أرزاق‪ ،‬وهذا من الجهل الشنيع؛‬
‫وأما الدُّ َول فتسمعها تصيح من تو ُّقعات األزمات االقتصادية‪ ،‬ويوجد يف‬
‫البُيُوت‪ ،‬ويف المخازن واألسواق والمؤسسات ما يكفي الناس وأمثالهم؛‬
‫فهذا يصيح خشية حال االقتصاد بعد عشر سنين‪ ،‬وهذا يحسب االقتصاد‬
‫كيف سيكون بعد ثالثين سنة‪ ،‬وهذا يصيح من ِ‬
‫قلة المياه الجوفية‪ ،‬وأن‬
‫األرض ُمهددة بالجفاف؛ ونسوا أن األرزاق يف السماء‪ ،‬ونسوا أن اهلل‬
‫ما يخلق مخلوقًا إال وخلق معه رزقه؛‬

‫يقول عن الماء‪ {:‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬ ‫فاهلل‬

‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ} [الواقعة‪.]7٠-68:‬‬
‫نسي الغافلون أو تناسوا أن المياه‪ ،‬وأرزاق العباد ليست يف جوف األرض‬
‫فقط‪ .‬وإنما الماء واألرزاق يف السماء‪.‬‬

‫‪ {:‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫قال‬

‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ }[الحجر‪ {.]22:‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬

‫ﮆ ﮇ ﮈ }[المنافقين‪.]7:‬‬
‫‪٩53‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫{ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ}[البقرة‪.]268 :‬‬

‫ويقول سبحانه‪{:‬ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ }[النحل‪،]١6:‬‬


‫ويقول اهلل جل وعال يف كتابه الكريم حالفًا سبحانه باسمه ليُطمئن العباد‬

‫أنه كفل أرزاقهم‪ { :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫‪«:‬‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ }[الذاريات‪ ]23-22 :‬قال الحسن البصري‬


‫اهلل قومًا حلف لهم ر ُّبهم فما صدقوه »‪.‬‬
‫لعن ُ‬
‫لو أن إنسانًا ثقة صدوقًا من أقوى أصدقائك وأحبابك قال لك‪ :‬ال تطبخ‬
‫فعشاؤكم أعدد ُته يف بيتنا؛ لطلبت من أهل البَيت‬
‫ُ‬ ‫اليوم عشاء لك وألهلك؛‬

‫حركوا إناء وال يطبخوا ُلقمة ألنك قد وثقت بمن لم ُت ِّ‬


‫جرب عليه‬ ‫أن ال ُي ِّ‬
‫إخالف الميعاد؛‬
‫الذي حلف للعباد أن أرزاقهم يف السماء‪ ،‬فأنزل من‬ ‫فكيف باهلل‬
‫السماء ماء‪ُ ،‬ثم أنبت يف األرض حبًا‪ ،‬ثم خرج الحب حصيدا‪ُ ،‬ثم صار‬
‫طحينًا ُثم عجينًا‪ُ ،‬ثم ُخبزا‪ ،‬أو غيره من الفواكه والثِّمار؛ فأكل من ُه الن ُ‬
‫اس‬

‫‪{:‬ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬ ‫وأنعا ُمهم‪ .‬قال‬

‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ } [عبس‪.]32-24 :‬‬
‫‪٩54‬‬

‫المسلمون عباد اهلل‪:‬‬


‫ُّأيها ُ‬
‫ب‬ ‫إياكُم ُثم إياكُم أن تسمعوا ألهل اإلرجاف والتهويل ممن تثقفوا ُ‬
‫بح ِّ‬
‫الدُّ نيا‪ ،‬وأكثروا عليها العويل‪ ،‬ومن اعتقدوا أن من لم ي ُكن موظفًا؛ فليس ل ُه‬
‫الرزق ال كثير وال قليل‪ ،‬وشغلوا أنفسهم وغيرهم بتضخيم شأن‬
‫من ِّ‬
‫المستقبل الضئيل‪ ،‬وجهلوا أن مستقبل الجميع هو اليوم الطويل الثقيل‪.‬‬
‫كان آباؤنا وأجدا ُدنا ال يوجد يف ُبيُوهتم ربع ما ُيوجد عندنا يف المخازن‬
‫اآلن من الحبوب‪ ،‬وال ُعشر ما يوجد يف أسواقنا من أصناف الطعام‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬
‫يصل إليهم ُربع التخويف الذي حصل فينا اآلن على األرزاق؛‬
‫تسمع من يقول لك من أين ستأكل؟ من أي َن لك بيتًا؟ من سيزوجك؟‬
‫حتى يجعلك يف ُهموم وخيفة‪ .‬وكأن اهلل وكلك إلى نفسك الضعيفة‪.‬‬
‫فانتبه يا عبد اهلل‪ ،‬وكُن ُمؤمنًا قويًا معتمدا على اهللِ جل وعال‪ ،‬فإن اهلل‬
‫سبحانه جعل لك يف نفسك عربة لتعلم علم اليقين الذي ال شك فيه أن‬
‫ِرز َق َك ِ‬
‫بيده؛ فإن اهلل قبل أن يمكنك من الحرث والزرع‪ ،‬والبيع ِّ‬
‫والشراء‬
‫وكسب األرزاق‪ ،‬خلقك قبلها ضعيفًا حقيرا وحيدا يف بطن ُأ ِّمك ال تملك‬
‫لنفسك نفعًا وال ضرا‪ ،‬ولم يصل إ َليك من أهلك من ُيطعمك؛‬
‫فأطعمك هو سبحانه لتعلم أنك لم ُت ِ‬
‫طعم نفسك‪ ،‬وال أبوك وال ُأ ُّمك فقد‬
‫مكث كل واحد يف بطن ُأ ِّمه نحوا من تسعة ُ‬
‫أشهر ُيطعمه اهلل عرب ذلك الحبل‬
‫الس ِّري الضعيف ليعلم العبد أن ُه ضعيف‪ ،‬وأن اهلل هو القادر عليه؛‬
‫ّ‬
‫‪٩55‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫فلما نزل إلى األرض بدل اهلل ل ُه من ذلك الحبل َثد َيين سكابَين‪ ،‬وقبل‬
‫خلقه كانا من الحليب فارغين‪ ،‬فلما ُولِدَ ال ِّطفل جاء الحليب‪ ،‬ولما أكل‬
‫الخبز ُقطِع الحليب‪ ،‬فمن الذي قطعه؟ ومن الذي أنزله؟ ومن الذي‬ ‫ال ِّطفل ُ‬
‫صفا ُه؟ ومِن َبين الدم واللحم والشحم أجراه؟؛‬
‫إن ُه الرزاق الكريم جل يف ُعاله‪ ،‬ليعلم العبد أن ُه فقير إلى َمواله؛ وأن اهلل‬
‫سبحانه هو الذي أجرى ل ُه األرزاق‪ ،‬وسبب ل ُه األسباب؛ إن يف ذلك لذكرى‬
‫ألولي األلباب؛‬
‫ولهذا فإن األرزاق التي أوجدها خالق الربيات يف األرض قد قسم لكل‬
‫مخلوق قسمه من الطير ومِ َن الحيوانات‪ ،‬ومن الوحوش ومن البشر‪ ،‬وسائر‬
‫الربيات‪ ،‬ولن يقدر أحد أن يحول َبينك و َبين رزق كتبه اهلل لك‪.‬‬
‫المؤمنون‪ ،‬قد تكون اآلن أموال يف مخابِئنا ويف مخازننا‪ ،‬ويف َظنِّنا أنها‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫قد حيزت وكُتِبَت لنا‪ ،‬وقد كتبها اهلل يف علمه لغيرنا؛ فهذه هدية لِ ُفالن أو‬
‫ضيافة لِ ُفالن‪ ،‬أو صدقة لِ ُفالن أو ميراث لِ ُفالن‪ ،‬وأنت ال تدري وقد يكون يف‬
‫مخازن غيرك أموال كُتِ َبت لك‪ ،‬وهو ال يدري وأنت ال تدري؛‬
‫ك‪َ ،‬يا ابْ َن آ َد َم ِم ْن َمالِ َ‬
‫ك إِال َما‬ ‫ول ابْ ُن آ َد َم‪َ :‬مالِي‪َ ،‬مالِي‪َ ،‬و َه ْل لَ َ‬ ‫قال ‪َ :‬ي ُق ُ‬

‫ت؟ ‪ .‬روا ُه ُمسلم‪.‬‬ ‫ت َفأَ ْم َض ْي َ‬ ‫ت َفأَ ْب َل ْي َ‬


‫ت‪ ،‬أَ ْو ت ََصد ْق َ‬ ‫ت‪َ ،‬أ ْو لَب ِ ْس َ‬‫ت َفأَ ْفنَ ْي َ‬
‫َأ َك ْل َ‬
‫فخ ِّفف يا عبد اهلل على نفسك من الخوف‪ ،‬وكُن واثقًا باهلل؛‬
‫‪٩56‬‬

‫ولهذا يقول بعض الصالحين‪:‬‬


‫ثالثــة عــن يمــين بعــد ثانيهــا‬ ‫واهلل واهلل أيمــــــان ُمكــــــررة‬
‫يف البحــر راســية ملــس نواحيهــا‬ ‫لــو أن يف صــخرة صــما ُم َلم َلمــة‬
‫حتــى تــؤ ِّدي إ َليــه ُكـ ّ‬
‫ـل مــا فيهــا‬ ‫رزقــًا لعبــد بــرا ُه اهلل النفلقــت‬
‫لســهل اهلل يف المرقــى مراقيهــا‬ ‫أو كان فوق طباق السبع مسلكها‬
‫فـــإن أتتـــ ُه وإال ســـوف يأتيهـــا‬ ‫حتى ينال الذي يف اللوحِ ُخط لـ ُه‬
‫كتب اهلل سبحانه أرزاق الخلق‪ ،‬وقدرها تقديرا؛‬
‫ب ِر ْز ُقه يف المشارق‪ ،‬ومنهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ِرز ُق ُه يف بلده‪ ،‬ومنهم من كُت َ‬‫فمنهم من كُت َ‬
‫ب سبب ِرزقه أن يكون يف الجو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ِرز ُقه يف المغارب منهم من كُت َ‬ ‫من كُت َ‬
‫ب ِرزقه أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب سبب ِرزقه أن يكون بحارا‪ ،‬ومنهم من كُت َ‬ ‫طيارا‪ ،‬ومنهم من كُت َ‬
‫يعمل يف أسفل اآلبار‪ ،‬ومنهم من كُتِب ِر ْزقه يف الرباري ِ‬
‫والقفار‪.‬‬ ‫َ‬

‫{ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ }[الزخرف‪.]32 :‬‬
‫المسلم وثِقته باهلل جل وعال وإيمانه‬
‫المسلمون عباد اهلل‪ :‬بعد عقيدة ُ‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫الذي ُيفارق به ال ُكفار؛‬
‫‪٩57‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫للسعيِ يف األرض للت َس ُّبب يف األرزاق‪،‬‬ ‫فإن ُهناك أسبابًا شرعها اهلل‬
‫الرزق؛‬
‫المسلم يف طلب ِّ‬
‫ولهذا كان على ُ‬
‫أوال‪ :‬الثِّقة باهلل؛‬
‫ثانيًا‪ :‬بذل السبب؛ فإن ُه ليس من ديننا ترك األسباب‪ ،‬وليس من الدِّ ين‬
‫االعتماد على األسباب‪.‬‬
‫اس يف هذا األمر على ثالثة أقسام‪ :‬قسم أفرطوا‪ ،‬وقسم فرطوا‪،‬‬
‫والن ُ‬
‫والوسط هو الصواب‪ ،‬فمن الناس من قالوا ال حاجة لألسباب اجلس يف‬
‫ُ‬
‫والخبزة إلى بين يديك‪ ،‬وهذا‬ ‫بيتِك‪ ،‬ويف زاوية من الزوايا‪ ،‬وستأتيك ال ُّلقمة‬
‫فاهلل دعانا إلى ُس ُلوك األسباب؛ فقال سبحانه‪:‬‬
‫كالم ُيخالف أصول الشريعة؛ ُ‬
‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ‬
‫ﭲﭳ}[الملك‪ .]٩5 :‬وقال سبحانه‪ { :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ } [الواقعة‪.]64-63 :‬‬
‫فهو الزارع سبحانه‪ ،‬ونح ُن نتسبب بالحرث‪ ،‬فأثبت سبحانه األسباب‬
‫للناس‪.‬‬
‫وكان الصالحون أهل حرف وعمل‪ ،‬فمنهم من يدبغ ال جلود‪ ،‬ومنهم من‬
‫يبيع ويشرتي‪ ،‬ومنهم الخياط ومنهم الزراع‪ ،‬ومنهم الزيات وغير ذلك‪.‬‬
‫‪٩58‬‬

‫وقسم من الناس أيضًا بالغ يف األسباب‪ ،‬وأعطاها فوق حجمها؛ فكد يف‬
‫ذكاؤه ولوال ِحرصه ما‬
‫هذه الدُّ نيا كدّ الوحوش من أجل الدُّ نيا‪ ،‬وظن أن ُه لوال ُ‬
‫الرزق‪ .‬وهذه أيضًا طريق خاطئة‪ .‬بل من الناس من لم يقف عند‬‫جاء ُه ِّ‬
‫األسباب المشروعة من بيع وشراء‪ ،‬وزراعة ِ‬
‫وح َرف وصناعة‪ .‬فتجاوز إلى‬
‫األسباب الممنوعة؛‬
‫السلع الجيِّدة يف أعالي آنيتها‪،‬‬
‫فرتى من الناس من يبيع ويشرتي؛ فيضع ِّ‬
‫والفاسدة يف أسفلها‪ ،‬وظن أن هذه ت جلب ل ُه األرباح وإذا باع سلعة من‬
‫ماشية أو سيارات أو غيرها أخفى ُعيوهبا كي ال تنقص قيمتها‪ ،‬وظن أن هذا‬
‫ِ‬
‫والخداع‬ ‫السبب ي جلب األرزاق‪ ،‬وهذا ُمغفل مسكين اعتمد على الغش‬
‫‪،‬‬ ‫أعظم من اعتمادِه على اهلل‬
‫وآخر يبيع يف بقالته من الط ِّيبات الشيء الكثير فيها أنواع ال ُتحصى عدا‪،‬‬
‫ُثم يبيع معها الدُّ خان الـ ُمد ِّمر لِصحة الناس؛ فإذا قيل له لماذا تبيع؟ قال‪ :‬ي‬
‫جلب الزبائن‪ ،‬واعتقد الغافل أن ُه لوال الدُّ خان لنقص ِرزقه‪ ،‬والموظف يكون‬
‫الرشوة‬
‫الرشوة‪ ،‬وظن أن ُه لوال ِّ‬
‫ل ُه راتب من الحالل‪ ،‬فيزيد عليه شيئًا من ِّ‬
‫غطت الحاجيات لنقص رزقه عليه‪.‬‬
‫هذه وأمثالها أسباب أوحاها إلينا الشيطان‪ ،‬وأفرزها الجهل والواقع الذي‬
‫قلت فيه ال ُع ُلوم الشرعية النافعة‪.‬‬
‫‪٩5١‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫عباد اهلل‪ ,‬إنَّ األسباب تنقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫األول‪ :‬أسباب مادية ُدنيوية‪ ،‬وهي أعمال الناس‪ ،‬وحرفهم وصناعاهتم‬
‫التي تروهنا‪.‬‬
‫ب ُخطبَتِنا اليوم‪ ،‬أال وهي األسباب النافعات التي‬
‫أما القسم الثاين فهو ُل ُّ‬
‫والمؤمنات‪،‬‬
‫المؤمنون ُ‬ ‫عول ِ‬
‫عليهن إال ُ‬ ‫حثت عليها األحاديث واآليات‪ .‬وال ُي ّ‬
‫يهملهن إال أهل الغفالت الذين تعلقوا بالمادِيات‪ ،‬وتأثروا بما عند عبيد‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫الدُّ نيا من الثقافات‪.‬‬
‫فأول األسباب النافعة‪ :‬التوكُّل على اهلل‪ ،‬وهو صدق االعتماد على اهلل جل‬
‫وعال أن اهلل قادر على أن يأيت لك ِبرزقِك‪.‬‬

‫والتوكُّل يف حدِّ ذاتِه سبب من أعظم األسباب قال اهلل‪ { :‬ﮧ ﮨ ﮩ‬

‫ﮪ ﮫ ﮬﮭ }[الطالق‪ ،]3 :‬أي‪ :‬فهو كافيه‪.‬‬


‫‪« :‬لَ ْو ت ََوك ْلت ُْم َع َلى اهلل ِ َحق ت ََوك ُِّل ِه‪ ،‬لَ َر َز َقك ُْم ك ََما َي ْرز ُُق‬ ‫وقال النبِ ُّي‬
‫وح بِطَانًا» روا ُه التِّرمذي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اصا‪َ ،‬وت َُر ُ‬ ‫الط ْي َر‪َ ،‬ت ْغدُ و خ َم ً‬
‫تغدو ال ُّطيُور يف أول اليوم ِخماصًا جائعة‪ ،‬وال تدري أين طعامها غدا‪،‬‬
‫المتوكِّلين‪.‬‬ ‫ِرزق ُ‬ ‫وتروح بطانًا شابعة‪ ،‬هكذا شبه‬
‫تبق خاملة يف عشاشها‪ ،‬بل تنصرف إلى‬
‫ولكن أشار إلى أن الطير لم َ‬
‫المزارع والبساتين‪ ،‬وتبحث يف التُّراب‪ .‬وتنقر يف الماء بحثًا عن الحيتان‬
‫والحبوب؛ فهي تغدو وتروح ولها ذهاب وإياب‪.‬‬
‫‪٩6٠‬‬

‫وهذا ُيحتِّم على الشباب الـ ُمسلم أن ينفضوا ُ‬


‫الخ ُمول والكسل‪ ،‬وأن‬
‫والمنافسة يف‬
‫ينشط الشباب كآبائهم الكبار يف الحرث وغيره‪ ،‬ويرتكوا البطالة ُ‬
‫المفيدة ويف الن ُُّهوض بالبلد واالقتصاد قال‬
‫شمروا يف األعمال ُ‬
‫الموضات‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫‪ :‬إنِّي أكره أن أرى الر جل سبهلال ال يف عمل ُدنيا وال‬ ‫عمر بن الخطاب‬
‫يف عمل آخرة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬من األسباب الجالبة لألرزاق والربكات‪ .‬تقوى اهلل حق التقوى‪.‬‬

‫‪{:‬ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬ ‫قال اهلل‬

‫ﮥﮦ }[الطالق‪ ]23 :‬من حيث ال يخ ُطر ببالِه‪ .‬وقال سبحانه‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ }[األعراف‪ ،]١6 :‬فاتقوا اهلل سبحانه حق‬

‫الس ِّر والنجوى يؤتكم مِن لدُ نْ ُه ِرزقًا وفضال‪ { :‬ﰀ ﰁ‬ ‫ِ‬
‫التقوى‪ ،‬وراقبوه يف ِّ‬
‫[الطالق‪]5:‬‬ ‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ }‬
‫وأستغفـر اللـه لي ولكم إنَّهُ هو الغفور الرَّحيم‪.‬‬
‫‪٩6٩‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫اخلطبـة الـثــانـيــة‬
‫رب العالمين‪ ،‬الحمد هلل القائل جل وعال يف الحديث ال ُقدُ سي‪:‬‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫استَطْ ِع ُمونِي ُأ ْط ِع ْمك ُْم‪َ ،‬يا ِعبَادِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َيا عبَادي ُك ُّلك ُْم َجائع‪ ،‬إِال َم ْن َأ ْط َع ْمتُ ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫استَك ُْسونِي َأك ِْسك ُْم ‪.‬‬ ‫ُك ُّلك ُْم َعار‪ ،‬إِال َم ْن ك ََس ْو ُت ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫رزقهم‪ ،‬فاهلل هو الذي‬ ‫ِ‬
‫يستطع ُموه ليَ ُ‬ ‫يهم‪ ،‬وأن‬‫ِ‬
‫يأمر العباد أن يد ُعو ُه ليُعط ُ‬
‫يأمر الحبة فتَنبت إنباتًا‪ ،‬وهو الذي يجعل من الحبة ُسن ُب َلتين أو أربعًا‪ ،‬أو‬
‫ثالثًا أو يأكلها الطير أو ُتتلِفها اآلفات إتالفًا‪ ،‬أو يجعل فيها الربكة أضعافًا‬
‫وأضعافًا‪.‬‬
‫أ ُّيها الناس‪ :‬والسبب الثالث‪ :‬من أسباب األرزاق هو تفريغ القلب لإلقبال‬
‫قال‪ :‬قال النبِ ُّي ‪َ « :‬ي ُق ْو ُل َر ُّبكُم‪:‬‬ ‫معقل بن يسار‬ ‫على عبادة اهلل‪ ،‬فعن ِ‬

‫ك ِغنًى‪َ ،‬و ْأم َل ْ َيدَ َك ِر ْز ًقا‪َ ،‬يا ا ْب َن آ َد َم َال َت َبا َعدْ‬ ‫َيا ا ْب َن آ َد َم َت َفر ْغ لِ ِع َبا َدتِي َأ ْم َل ْ َق ْل َب َ‬
‫ك َف ْق ًرا‪َ ،‬و َأ ْم َل ْ َيدَ َك ُشغ ًْال»‪،‬‬ ‫ِمنِّي َأ ْم َل ْ َق ْل َب َ‬
‫ان َع َلى َع ْه ِد‬ ‫َان َأ َخو ِ‬
‫‪ ،‬أنه َق َال‪ « :‬ك َ َ‬ ‫َس ْب ِن َمالِك‬ ‫وروى التِّرمذي َع ْن َأن ِ‬

‫»‪َ ،‬وفِي ِر َوا َية‪َ « :‬ي ْح ُض ُر َح ِد ْي َث‬ ‫‪َ ،‬ف َكا َن َأ َحدُ ُه َما َي ْأتِي النبِي‬ ‫النبِ ِّي‬
‫ف‪َ ،‬ف َش َكا ا ْل ُم ْحت َِرفُ أَ َخا ُه إِ َلى النبِ ِّي ؛‬ ‫اآلخ ُر َي ْحت َِر ُ‬‫َو َمجل َسه »‪َ ،‬و َ‬ ‫النبِ ِّي‬
‫ك‬ ‫‪ :‬لَ َعل َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس ْول اهللِ‪ ،‬إِن َه َذا َأ ِخ ْي َال ُي ِعيْنُنِي بِ َشيء‪َ ،‬ف َق َال النبِ ُّي‬
‫ت ُْرز َُق بِ ِه ‪.‬‬
‫‪٩62‬‬

‫الرابع‪ :‬من األسباب أيضًا‪ :‬صلة األرحام‪ ،‬وذلك باإلحسان إ َليهم بِتف ُّقد‬
‫الزيارة أو السالم عليهم‪،‬‬ ‫أحوالهم‪ .‬وقد تكون بالمال أو الخدمة‪ ،‬أو ِّ‬
‫‪َ :‬م ْن َأ َحب َأ ْن ُيبْ َس َط لَ ُه فِي ِرزْقِ ِه‬ ‫وتتفاوت يف ذلك درجاهتم‪ .‬قال نَبيُّنا‬
‫َو ُين َْسأَ لَ ُه فِي َأ َثرِ ِه َف ْل َي ِص ْل َر ِح َم ُه ‪.‬‬
‫من أسباب بسط األرزاق والربكة يف األعمار صلة األرحام‪.‬‬
‫‪ « :‬وإن القوم ليتواصلون‪ ،‬وهم فجرة؛ فتكثُر أموالهم‪،‬‬ ‫قال ابن الق ِّيم‬
‫فتق ُّل أموالهم و َي ِق ُّل عد ُدهم »‪،‬‬
‫ويكثر عددهم‪ ،‬وإن القوم ليتقاطعون ِ‬

‫والصلة بالكلمة‬
‫ِّ‬ ‫ُنت قادر‪،‬‬
‫الصلة واسع‪ ،‬فهي تكون بالمال إن ك َ‬
‫وباب ِّ‬
‫والصلة‪ ،‬ولو باال ِّتصال تسأل عن أحوالهم و ُتخ ِّفف‬
‫ِّ‬ ‫بالزيارة‬
‫والصلة ِّ‬
‫ِّ‬ ‫الطيِّبة‬
‫ُه ُمو َمهم‪ ،‬و ُتشير عليهم فيما ينفع فيه مشورتك لهم‪.‬‬
‫ولكن كثيرا من الناس ُيحدِّ ث ُه الشيطان أن ُه فقير‪ ،‬وأن السخاء والعطاء‬
‫يكون من األغنياء؛ مع أن كثيرا من الناس قادر يف الشهر أو يف الشهرين أن‬
‫يتفقد األرحام ولو باليسير‪ُ ،‬فربما أنفق أضعاف ذلك يف شراء ما ال يعود عليه‬
‫بالمنفعة ال يف ُدنيا وال يف آخرة‪ ،‬ال ينف ُعه يف ِصحتِه وال يف مالِه؛ ولكن نشكوا‬
‫إلى اهلل جهلنا وقسوة ُق ُلوبنا كيف غفلنا عن ما به صالح ديننا و ُدنيانا‪ .‬ولهذا‬

‫قال اهلل‪{ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ }[الحشر‪ .]٩١ :‬فمن ن َِس َي‬


‫اهلل أنسا ُه اهلل مصالح نفسه‪.‬‬
‫‪٩63‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫الخامس‪ :‬من أسباب األرزاق العظيمة اإلنفاق يف وجوه الخير؛ فإن اهلل‬

‫يقول يف كتابه‪{ :‬ﯼﯽﯾﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ}‬

‫[سبإ‪ .]3١:‬هذا وعدُ اهلل ما أنفقتم ي ُع ُّم كُل صغير وكبير‪ { .‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ‬

‫ﰃ ﰄ ﰅ }‪.‬‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال ُ‬
‫اهلل جل‬ ‫أن النبِي‬ ‫حيحين عن أبي ُه َريرة‬ ‫ويف الص َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫َو َع َال‪َ :‬يا ابْ َن آ َد َم أَن ِْف ْق ُأن ِْف ْق َع َل ْي َ‬
‫َق َال‪َ :‬ما ِم ْن َي ْوم‬ ‫أن النبِي‬ ‫يحين أيضًا عن أبي ُه َريرة‬ ‫ِ‬
‫ويف الصح َ‬
‫ط ُمن ِْف ًقا خَ َل ًفا‪،‬‬
‫ول َأحدُ هما‪ :‬اللهم َأع ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َان َين ِْزال َِن‪َ ،‬فيَ ُق ُ َ ُ َ‬ ‫يه‪ ،‬إِال َو َم َلك ِ‬ ‫العباد فِ ِ‬‫ِ‬
‫ُي ْصبِ ُح َ ُ‬
‫ط ُم ْم ِسكًا َت َل ًفا ‪.‬‬ ‫اآلخر‪ :‬اللهم َأع ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َو َي ُق ُ‬

‫المؤمنون‪ ،‬ال يكون حالنا كأننا يف أمريكا وروسيا دول ال ُكفر‪ ،‬و ُعباد‬
‫يا أ ُّيها ُ‬
‫الدِّ رهم والدِّ ينار؛ نح ُن يف بالد اإلسالم يف بالد اإليمان يف بالد الحكمة؛‬
‫تعودوا العطاء يا عباد اهلل بما ال يعود عليكم بالضرر؛ قال ربُّ ُكم سبحانه‪:‬‬

‫{ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ }[اإلسراء‪.]2١ :‬‬


‫اسمه اإلنفاق ولو دراهم قليلة‪ .‬هل عرف‬
‫« أوجد يف برنامج حياتك شيئًا ُ‬
‫منك مسجد القرية يف سنين كثيرة يومًا من األيام تصلح قصبة للماء؟ أو أن‬
‫ُتصلح أنواره؟‪ ،‬أو تضع فيه كتابًا نافعًا؟ »‪.‬‬
‫‪٩64‬‬

‫قد يكون هذا عندك سهال‪ ،‬ولكن ترى أن حقك أن تقوم بأعظم من هذا‪،‬‬
‫أكرم‪،‬‬ ‫عود نفسك اإلنفاق فإن اهلل‬
‫لتسهل لك الكبيرة‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فابدأ بالصغيرة‬
‫المعاملة معه‪ ،‬وكم من القصص والحكايات‬
‫ولكن أثبت هلل أنك فتحت باب ُ‬
‫يف واقع الناس من أخبار عطاء اهلل وإخالفه على الـ ُمنفقين أضعاف أضعاف‬
‫ما أنفقوه؛‬
‫َق َال‪َ :‬بيْن ََما َر جل‬ ‫‪َ ،‬أن النبِ ِّي‬ ‫جاء يف صحيح ُمسلم َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة‬
‫ك‬ ‫اس ِق َح ِدي َق َة ُف َالن‪َ ،‬فتَنحى َذلِ َ‬ ‫ض َف َسم َع َص ْوتًا يف َس َحا َبة‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫بِ َف َالة ِم َن ْاألَ ْر ِ‬

‫ت‬ ‫الش َراجِ َق ِد ْاست َْو َع َب ْ‬ ‫ك ِّ‬‫اب‪َ ،‬فأَ ْف َر َغ َما َء ُه فِي َحرة‪َ .‬فإِ َذا َش ْر َجة ِم ْن تِ ْل َ‬ ‫الس َح ُ‬
‫ك الْ َما َء كُل ُه؛ فتتبع الماء‪َ ،‬فإِذا َر جل َقائِم فِي َح ِد ْي َقتِ ِه ُي َح ِّو ُل الْ َما َء‬ ‫َذلِ َ‬
‫بِ ِم ْس َحاتِ ِه‪،‬‬
‫ك؟ َق َال‪ُ :‬ف َالن لِالس ِم ال ِذي َس ِم َع فِي الس َحا َب ِة‬ ‫َف َق َال لَ ُه‪َ :‬يا َعبْدَ اهللِ‪َ ،‬ما ْاس ُم َ‬
‫ت َص ْوتًَا فِي‬ ‫َف َق َال لَ ُه‪َ :‬يا َعبْدَ اهللِ‪ ،‬لِ َم ت َْسأَلُنِي َع ْن ْاس ِمي؟ َف َق َال‪ :‬إِنِّي َس ِم ْع ُ‬
‫ك؛ َف َما ت َْصن َُع فِ َيها؟‬ ‫ول‪ْ :‬اس ِق َح ِدي َق َة ُف َالن ِال ْس ِم َ‬ ‫اب ال ِذي َه َذا َماؤُ ه َي ُق ُ‬ ‫الس َح ِ‬

‫ت َه َذا‪َ ،‬فإِنِّي أَ ْنظُ ُر إِلَى َما َيخَ َر ُج ِمن َْها‪َ ،‬فأَتَصد ُق بِثُ ُلثِ ِه‪َ ،‬وآك ُُل َأنَا‬ ‫َق َال‪َ :‬أما إِ ْذ ُق ْل َ‬
‫َو ِع َيالِي ُث ُلثًا‪َ ،‬و َأ ُر ُّد فيها ُث ُلثَ ْه ‪.‬‬

‫من الذي أنطق المالئكة هبذا الكالم؟ إن النفقات الصالحات ُت ِّ‬


‫حرك‬
‫َدر مياهها الـ ُمباركات‪.‬‬
‫الس ُحب الساكنات‪ ،‬وتست ّ‬
‫ُّ‬
‫‪٩65‬‬ ‫أسباب الرزق‬

‫الزروع يابسة واألرض هامدة‪ ،‬والمراعي‬


‫ونح ُن يف هذه األيام الكالحة‪ُّ .‬‬
‫خاشعة‪ .‬نح ُن بحاجة إلى أن نست جلب أرزاقنا من ر ِّبنا ذي الرحمة‬
‫الواسعة‪.‬‬
‫وهكذا أيضًا من أسباب األرزاق شكر اهلل على ما أعطى؛ فإذا أعطاك اهلل‬
‫قليال أو كثيرا‪ ،‬فاشكر ليأتيك الذي بعده فإن ُّ‬
‫الشكر على النِّعم صمام أمان‬
‫لبقاء النِّعمة الحاضرة‪ ،‬وهو جالب للنِّعمة الغابرة‪،‬‬

‫‪{ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬ ‫قال اهلل‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ} [إبراهيم‪ُّ .]7 :‬‬


‫والشكر على النِّ َعم ليس مقصورا‬
‫على ال ِّلسان؛ بل ال ُبد أن يقوم بِ ِه القلب‪ ،‬وسائر األركان‪ ،‬طاعة وانقيادا‬
‫وإذعان‪ ،‬واعرتافًا للر ِّب الكريم بالفضل واإلحسان؛ قال اهلل تعالى‪:‬‬

‫{ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ} [سبأ‪.]٩3 :‬‬


‫لي ُكن عملكم عمل الشاكرين‪ ،‬فإذا أكلت؛ فشبِعت وحمدت اهلل بلسانك؛‬
‫لِتَ ُك ْن جوارحك ماشية وساعية فيما فيه ُشكر اهلل؛ ال تأكل النِّعمة وتتبعها‬
‫بأسباب النِّقمة؛ كل من الطيِّبات‪ ،‬واشرب من الطيِّبات‪ ،‬والبس من أفضل ما‬

‫رب النِّعم { ﭙ‬
‫آتاك اهلل‪ ،‬وإياك أن تستعين بتلك النِّعم على معصية ِّ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ }[األعراف‪.]3٩ :‬‬
‫‪٩66‬‬

‫نسأل اهلل تعالى أن يجعلنا وإياكُم من ِعبادِه الشاكرين اللهم ال ُتؤآخذنا‬


‫ُ‬
‫بِ ُذنُوبنا‪ ،‬ربنا ال ُت ِ‬
‫ؤآخذنا إن نسينا أو أخطأنا‪ ،‬اللهم أصلح لنا قلوبنا‪ ،‬اللهم‬
‫أرسل السماء علينا مِدرارا اللهم‬
‫استُر ُعيوبنا‪ ،‬اللهم اصلح أحوالنا اللهم ِ‬
‫ُ‬
‫اسقنا َغيثًا مغيثًا هنيئًا مريعًا وسحًا غدَ قًا‪ ،‬وعاجال غير آجل ونافعًا غير‬
‫ضار‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪٩67‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ ل ِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُله‪، :‬‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠:‬‬
‫ِ‬
‫‪َ ،‬و َشر‬ ‫َأما َب ْعدُ ‪َ :‬فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي‬
‫الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫أ ُّيها الناس‪ ،‬عباد اهلل إن مما شرع ُه لكم ربكم جل وعال ونَدَ بَكم إ َليه‪،‬‬
‫وحث ُكم عليه ُسنة الزواج‪ ،‬فهي من ُسن َِن ال ُمرسلين‪ ،‬وهبا عمران األرض‪،‬‬

‫ورباط األُ َسر وبناء ُ‬


‫المجتمعات‪ ،‬وهي داعية التآ ُلف والتواد‪ ،‬ووسيلة ال ُّطهر‬
‫‪٩68‬‬

‫والعفاف أمر اهلل هبا يف كتابِه فقال‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} [النور‪،]32 :‬‬
‫اع ِمنْك ُُم‬ ‫اب‪َ ،‬م ِن ْاستَطَ َ‬ ‫‪ ،‬فقال‪َ « :‬يا َم ْع َش َر الش َب ِ‬ ‫خاتم النبيِّين‬ ‫ُ‬ ‫ودعا إ َليه‬
‫الْبَا َء َة َف ْليَتَزَو ْج؛ َفإِن ُه َأ َغ ُّض لِ ْلبَ َصرِ‪َ ،‬و َأ ْح َص ُن لِ ْل َف ْرجِ ‪َ ،‬و َم ْن لَ ْم َي ْستَطِ ْع َف َع َليْ ِه‬
‫‪.‬‬ ‫بِالص ْومِ؛ َفإِن ُه لَ ُه ِو َجاء»‪ ،‬وهو يف الصحيحين عن ابن مسعود‬
‫وقال ‪َ :‬ث َال َثة َح ٌّق َع َلى اهلل ِ َع ْون ُُه ْم ‪َ ،‬و َذك ََر الناكِح ال ِذي ُيرِيدُ ال َع َف َ‬
‫اف‬
‫صححه األلباين‪ ،‬وقال ‪َ « :‬تزَو ُجوا الْ َو ُدو َد الْ َولُو َد َفإِنِّي ُمكَاثِر بِك ُُم ْاألُ َم ْم»؛‬
‫زاوج المشروع‬
‫المسلمين بالحرص على الت ُ‬
‫المطهر إلى ُ‬
‫فهذه أوامر الشرع ُ‬
‫والتعاون على تسهيله‪ ،‬والزواج نعمة على الفرد والمجتمع وصالح لدين‬
‫المرء و ُدنياه‪ ،‬ولكن هناك من ُيحارب هذه النِّعمة‪ ،‬أو ُيشارك يف كفر هذه‬
‫النِّعمة جاهال أو ُمتجاهال النُّصـوص ال ُمتقدِّ مة‪ ،‬ف ُيخالف مقاصد الشرع‬
‫المصادمة لِنِ َعم اهلل‪.‬‬
‫بطرق وأخرى‪ ،‬ومن هذه ال ُّط ُرق ُ‬
‫والمتاجرة ليتناقل‬
‫ُ‬ ‫للمفاخرة‬
‫المغاالة يف المهور‪ ،‬وجعلها محال ُ‬
‫أوالً‪ُ :‬‬
‫الناس يف المجالس ضخامة هذا المهر‪ ،‬وأن ُفالنًا زوج ابنته بكذا َ‬
‫وصو َر ل ُه‬
‫الشيطان أن هذه سمعة رفيعة ترف ُع قدره بين الناس‪ ،‬وهذا واهلل من الهوان‬

‫والجهالة { ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ }[الحج‪،]٩8 :‬‬


‫‪٩6١‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫فمتى كانت المعاصي سبيل عزة؟‪ ،‬ومتى كان الطمع مكرمة ِ‬


‫وصف َة‬
‫المسلمين؛ فقد أوجع نفسه أما‬ ‫مدح؟‪ ،‬ومن التمس المصالح بتعقيد أمور ُ‬
‫اللهم َم ْن َولِ َي ِم ْن َأ ْمرِ ُأمتِي َشيْئًا‬
‫يقول‪ُ « :‬‬ ‫يعلم هذا المسكين أن الرسول‬
‫اش ُق ْق َع َل ْي ِه»‪.‬‬
‫َف َشق َع َل ْي ِه ْم؛ َف ْ‬
‫المغالي يف جلب المشقة على شباب اإلسالم‪ ،‬بل ُربما‬
‫فقد شارك هذا ُ‬
‫يتحمل مثل أوزار من يقتدي به يف ُمرافعات ال ُمهور؛‬
‫َان َع َليْ ِه ِوز ُْر َها َو ِوز ُْر َم ْن‬ ‫فقد قال ‪َ :‬و َم ْن َسن فِي ْ ِ‬
‫اإل ْس َال ِم ُسن ًة َسيِّئَةً‪ ،‬ك َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫المهور أن ُهم هبذا الفعل‬ ‫َعم َل بِ َها إِلَى َي ْو ِم الق َي َامة»‪ .‬ألم يعلم أهل المغاالة يف ُ‬
‫قد أساءوا إلى أنفسهم بمعصية اهلل تعالى؟ ألم يعلموا أن ُهم أساءوا إلى بناهتم‬

‫قبل أن ُيسيئوا إلى الناس؟‪ ،‬بحيث أن ُه يأيت لها ال ُك ْفؤ ُ‬


‫المناسب لها‪ ،‬ولكن ُه‬
‫غير قادر على المبالغ الكبيرة؛ فيرجع عنها ألجل هذا‪.‬‬
‫بل كم من امرأة على خير تركها األخيار‪ ،‬وأعرضوا عن نكاحها لطمع‬
‫أبيها‪ ،‬أو أخيها أو وليها الجشع‪ ،‬فإياك يا ُمسلم أن تكون قاطعًا للرحم من‬
‫حيث ال تشعر‪.‬‬
‫هذا وإن سهولة مهر المرأة من األسباب التي ُتحبِّب بين الزوجين‪ ،‬فعن‬
‫‪« :‬إِن ِم ْن ُي ْم ِن الْ َم ْر َأةِ َتيْ ِسير ِخطْ َبتِ َها‬ ‫قالت‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫عائشة‬
‫َو َت ْي ِسير َصدَ اقِ َها»‪ .‬صححه األلباين‪.‬‬
‫‪٩7٠‬‬

‫ألم يعلم المبالغون يف المهور أن هذه ال ُمغــاالة إساءة إلى ُأمتهم‬


‫ومجتمعهم حيث أن رفع الـ ُمهور من أسباب انتشار الفاحشة‪ ،‬وكثرة العنوسة‬
‫يف النِّساء ألم يعلموا أن ُمغاالهتم يف المهور دليل على نقص إيماهنم؛ فقد قال‬
‫حبه لِنَ ْف ِس ِه ‪ ،‬فمن الذي ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حب‬ ‫ُ‬ ‫‪َ :‬ال ُي ْؤم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتى ُيحب ألَخيه َما ُي ُّ ُ‬
‫أن ُيصد و ُيمنع عن امرأة ُتناسبه ألن ماله قليل‪.‬‬
‫ألم يعلموا أن ُه كما تدين ُتدان‪ ،‬وأن الجزاء من جنس العمل‪ ،‬فمن عقد‬
‫المسلمين‪ ،‬وأتعبهم فإن المعاقب هو اهلل الغيور على عباده‪ ،‬فكن أ ُّيها‬
‫أمور ُ‬
‫المغالي والطماع على حذر من عقوبة اهلل‪ ،‬فإن اهلل ل ُيملي للظالم فإذا أخذه‬
‫لم يفلته؛‬
‫؟ وهل أنت مقتد‬ ‫وسل نفسك هل ابنتك أغلى أم بنـات رســول اهلل‬

‫‪{ :‬ﭡ ﭢ‬ ‫به أم مخالف لهديه؟‪ ،‬فخير الهدي هدي محمد‬

‫ﭣﭤ} [النور‪]54:‬‬

‫ولي المرأة‬
‫الم ُهور جريمة ذات طرفين يشرتك فيها ُّ‬
‫المغاالة يف ُ‬
‫هذا وإن ُ‬
‫وخاطبها‪ ،‬فالخاطب متى وافق على باطل معتمدا على كثرة ماله‪ ،‬فهو‬
‫ُمتعاون على اإلثم وال ُعدوان‪ ،‬ولن ينفعه االعتذار بأن ُه غير راض‪ ،‬فلو كان‬
‫المنكر لرتك أهل الطمع والجشع‪،‬‬
‫منكرا ُ‬
‫‪٩7٩‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫وهناك من الناس من إذا خطب امرأة ودخل بيت أهلها‪ ،‬وفاجأوه بغالء‬
‫ُ‬
‫مهر ابنتهم التي كأهنم عزموا على بيعها؛ فـ يتحمل ما قرروه‪ ،‬وإن كان كارهًا‬
‫الجور ويعلم أن ُه َجور‪،‬‬
‫والرجوع؛ فيقبل َ‬
‫ويرى أن ُه ال طاقة ل ُه باالنسحاب ُّ‬
‫وهذا مفهوم غير صحيح؛‬
‫فعلى من ابتُلِ َي بمثل هذا أن يرفض الباطل ويصدع بالحق‪ ،‬فالباطل باطل‬
‫مهما كان الحال الباطل ُيداس وال ُيحرتم ُي َرد وال ُيقبل الباطل ُي َرد على‬
‫صاحبه‪ ،‬وينبغي أن يسحب خطبته من مثل هذا النوع؛ و ُمصاهرة الجشعين‬
‫ذِلة وليست ِعزة وسواهم من أهل القناعة ِ‬
‫والعفة كثير؛‬
‫الحق حتى يكون ردعًا ألولئِك‬
‫فيا من ابتُلِيت هبذا احتسب عند اهلل قولك ّ‬
‫الذين ال يتقيدون بشرع اهلل‪ ،‬وال ُيبالون بنصح الناصحين‪ ،‬بل ال ُيبالون‬
‫بسعادة بناهتم أو شقاوهتن‪ ،‬فيا أ ُّيها اآلباء‪ ،‬ويا أولياء النِّساء ارحموا شبابكم‬
‫فإن أحسنتُم فألنفسكم‪ ،‬وإن أسأ ُتم فلها‪،‬‬
‫وبناتكم يرحمكم من يف السماء‪ْ ،‬‬
‫والجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫المفرط بالرصاص‬
‫المنغصة لنعمة الزواج الرمي ُ‬
‫المخالفات ُ‬
‫ومن ُ‬
‫للسكان بحيث ُيزعج اآلخرين‪ ،‬فهناك من يفرح‬
‫المؤذية ُّ‬
‫واألالعيب النارية ُ‬
‫بحرمة مريض وال مهموم‪ ،‬وال نائم ُفرب‬‫وكأن ُه ال يهم ُه إال نفسه؛ فال ُيبالي ُ‬
‫المــؤذي؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دعوة من نائم أو مسكين أصابت هذا ُ‬
‫‪٩72‬‬

‫واهلل يقول‪{ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬

‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ}[األحزاب‪.]58:‬‬
‫ِ‬
‫وكم أخبار تذكُر أن ُهناك من ُقت َل يف ُعرس بسبب الرمي‪ُ ،‬‬
‫وهناك من‬
‫الفوض ِويين‪ ،‬وأما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُأصيب بل قد حصل أن ُقت َل عريس يف ُعرسه من ُّ‬
‫الرماة‬
‫األلعاب النارية فحوادِث ال ُتحصى‪،‬‬
‫فكم ُقطِعت أصابع وكم من أهلها من يمشي اآلن بنصف يد أو بيد شالء‬

‫أو ُمعاق اليدين {ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ}‬


‫ِ‬
‫[الشورى‪ ،]3٠ :‬والسعيد َمن ُوع َظ بِ َغ ِيره‪ .‬وليعلم ُ‬
‫المسلم أن شرعنا اإلسالمي قد‬

‫دعانا إلى تع ُّلم ِّ‬


‫الرماية‪ ،‬ولكن يف أهداف ُمعينة وبدون أذية لآلخرين‪.‬‬
‫المخالفات الشنيعة‪ ،‬والعادات القبيحة أيضًا عند بعض‬
‫عباد اهلل‪ :‬ومن ُ‬
‫حياؤهم وعظمت جرأهتم على محارم اهلل ما ُيف َعل‬ ‫ُ‬ ‫من ضعف دينهم‪ ،‬وقل‬
‫يف بعض المناطق يدخل العريس‪ ،‬وي جلس بجانب الزوجة‪ِ ،‬‬
‫وه َي َبين‬
‫ِ‬
‫وهم يف‬ ‫الصور‪ُ ،‬‬ ‫وربما ُأخ َذت لهم ُّ‬
‫المتَربِّجات‪ ،‬وهو كذلك ُ‬
‫المتَز ِّينات ُ‬
‫النساء ُ‬
‫تلك األجواء األثيمة القبيحة؛‬
‫سلوته وراحته إال إذا عصى اهلل وأطاع الشيطان وخلع‬ ‫ِ‬
‫فتبًا ل َر جل ال يجد َ‬
‫ُر ُجو َلته؛‬
‫‪٩73‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫المسلم عن الرذائِل والمخازي‪ ،‬فتزين وتحل بِالطاعة‬


‫فرتفع أ ُّيها الشاب ُ‬
‫لِ َر ِّبك والحياء من خالِقك‪ ،‬وال تتشبه بأعداء دينك‪.‬‬
‫المخالفات أحيانًا عند األعراس‪ ،‬المفاهيم الخاطئة‬
‫أال وإن مما يقع من ُ‬
‫صور‬
‫المعكوسة وهي أن من الناس من يستخدمه إبليس‪ ،‬فيتصور و ُي ِّ‬
‫المخالفات‬
‫لآلخرين أن من أقام زواجه على طاعة اهلل‪ ،‬واستقام وابتعد عن ُ‬
‫والمباهاة والفخر وال ُعجب أن هذا ُعرس يشبه الموت والعزاء‪ ،‬و َليس‬
‫ُ‬
‫؛‬ ‫وبسنة رسول اهلل‬
‫فرحًا‪ ،‬وهذا مسكين جاهل بشرع اهلل‪ُ ،‬‬
‫والملو َك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والخلفا َء‬ ‫غيره‪،‬‬
‫قد تزو َج وزو َج َ‬ ‫أوال يعلم أن الر ُس َ‬
‫ول‬
‫الصالحين قد تزو ُجوا وزو ُجوا على حسب تعاليم اإلسالم‪،‬‬
‫والسرور‪ ،‬والقصائد والشعر الجميل الباعث‬
‫ُّ‬ ‫وعرفوا من ألوان الفرح‬
‫ِّ‬
‫والشعر الذي فيه المدح والثناء على العادات‬ ‫والرجولة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫على الكرم‬
‫الحميدة‪ ،‬والخصال الرفيعة‪ ،‬ومدح الغيرة وأهلها‪ ،‬ومدح العريس‪ ،‬وغير‬
‫المــباح كالدُّ ف للنِّساء وغيره مما استغنوا به عن‬
‫ذلك من اللعب واللهو ُ‬
‫العادات السافلة‪ ،‬والتش ُّبه باألعداء‪،‬‬
‫المباحات حتى يلجأوا إلى اللهو المحرم‪،‬‬
‫ولم ُيضيِّقوا على أنفسهم باب ُ‬
‫والتش ُّبه بالساقطين يف المعاصي‪.‬‬
‫‪٩74‬‬

‫قال اهلل تعالى‪ { :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ}[النور‪.]2٩:‬‬
‫وأستــغـفر اهلل‪.‬‬
‫‪٩75‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫الـخطبــة الـثــانيــة‬
‫المؤمنين سبيل النِّكاح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رب العالمين‪ ،‬الذي شرع لعباده ُ‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫السفاح دعانا سبحانه إلى تسهيل المـُباح‪ ،‬وأشهدُ أن ال‬
‫وحذرهم من مهالك ِّ‬
‫تسليمًا كثيرا‪ ،‬ما جن ليل‪ ،‬وانشق‬ ‫إله إال اهلل‪ ،‬وأن ُمحمدا عبده ورسوله‬
‫صباح‪ ،‬وعلى آله األطهار وصحابته األخيار كانوا أهل ال ُّطهر وال ُيسر يف‬
‫ملبس ومسكن ونكاح‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫عدوكم‬
‫المسلمون أ ُّيها ال ُعقالء يا أهل الغيرة والعفاف إن الشيطان ُّ‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫يعدكم الفقر‪ ،‬ويأمركم بالفحشاء‪ ،‬ويحرص على أن ال تبقى نعمة أنعم اهلل هبا‬
‫عليكم حتى يحو َلها إلى نقمة ووبال على صاحبها‪.‬‬
‫فكونوا ُحراسًا على النِّعم بشكر اهلل عليها وطاعته فيها‪ ،‬واستخدامها يف ما‬
‫ُيرضيه‪.‬‬
‫المـخالفات التي ُترتكب أيام الزواج إهمال‬
‫هذا واعلموا أن من تلك ُ‬
‫العروسين للصالة؛ فمن الناس من إذا تزوج اعتزل المسجد أيامًا‪ ،‬وصلى‬
‫ِ‬
‫يف بيته ومنهم من يرتكها ُك ِّليًا والعياذ باهلل‪ُ ،‬‬
‫وربما وجدوا من الجهلة من‬
‫يفتيهم بأن العروس له ترك الصالة‪ ،‬وله ِ‬
‫الفطر يف رمضان‪ ،‬ولذلك العريس‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصيام فيما بعد أال فليعلموا أن‬
‫يفرح ويرتكب هذه الكبائر‪ ،‬ويقول سأقضي ِّ‬
‫يقول‪َ « :‬م ْن ت ََرك ََها َف َقدْ َك َف َر» عريسًا كان أو غيره؛‬ ‫رسول اهلل‬
‫‪٩76‬‬

‫ومن جامع زوجته يف هنار رمضان؛ فكفار ُته صيام شهرين متتابعين‪،‬‬
‫المسلم على نفسه أن يقع يف المحذور‪ُ ،‬ثم يقول سأخرج كذا أو كذا‬
‫فليحذر ُ‬
‫من ال ُف ُلوس‪.‬‬
‫فع ِّظموا ربكم ُيصلح لكم أمركم‪ ،‬وقدِّ سوا شعائر اهلل يرفع اهلل شأنكم‪ ،‬فإن‬
‫المسلم‬ ‫من عظم ُع ِّظم‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪ ،‬والدِّ ين ُ‬
‫رأس مالك أ ُّيها ُ‬
‫دنيا و ُأخرى‪.‬‬
‫بمجالسة األخيار الذين‬
‫تزوج أن يستعين على طاعة اهلل ُ‬ ‫هذا وننصح الـ ُمـ ِّ‬
‫سهلون ل ُه المعصية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُيبعدونه عن الحرام‪ ،‬وال ُي ِّ‬
‫أما المرأة يف ُعرسها يف زماننا هذا‪ ،‬فهي مسكينة محرومة من نصيحة‬
‫تنفعها يف صلب حياهتا‪ ،‬ويف تأسيس حياة أصيلة‪ ،‬فقلما تجد أبًا َأو ُأمًا‪ ،‬أو‬
‫أخًا أو ُأختًا‪ ،‬أو عمًا أو خاال َيحثُّون ابنتهم يف زفافها على الحفاظ على‬
‫دينها خصوصًا الصالة وما بينها وبين اهلل‪،‬‬
‫فما تدري إال ومرت عليها أيام بدون صالة حياء من النساء حتى ال ُتتهم‬
‫بأنها ُمتشدِّ دة‪ ،‬أو حفاظًا على الخضابـات التي على أعضاء الوضوء‪ ،‬فتعيش‬
‫الصلة باهلل‪ ،‬و ُت ْؤثِ ُر بقاء هذه‬
‫يف أجواء ُتعظم فيها النِّقاشات أكرب من تعظيم ِّ‬
‫األلوان على إقامة ُركن اإلسالم‪ ،‬فتضيع كذا وكذا من الفروض بنية أنها‬
‫ستتوب فيما بعد؛‬
‫‪٩77‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫تزوج ر جل كان أو امرأة هو من‬


‫الم ِّ‬
‫وهذا ُمنكر عظيم ينبغي اجتنابه‪ ،‬بل ُ‬
‫ب على غيره‪ ،‬وقرب‬
‫أولى الناس أن َيشكر اهلل إذ يسر اهلل ل ُه من النِّعمة ما َص ُع َ‬
‫ل ُه من األماين ما بَ ُعدَ على غيره‪ ،‬ومن حسن الشكر القيام بما أمرنا اهلل به من‬
‫أركان الدِّ ين؛‬
‫قال تعالى يف الحديث القدسي‪َ :‬و َما َت َقر َب إِلَي َعبْ ِدي بِ َش ْيء َأ َحب إِلَي‬
‫ِمما ا ْفت ََر ْضتُ ُه َع َل ْي ِه ‪.‬‬
‫والم َغنِّين‪،‬‬
‫المخالفات أيضًا يف األعراس است جالب الـ ُمطربين ُ‬
‫وإن من ُ‬
‫والمـبالغة يف اللهو والطرب وهذا بال شك من لعب الشيطان على بعض‬
‫ُ‬
‫الناس؛‬

‫فقد قال اهلل تعالى للشيطان { ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬

‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ }[اإلسراء‪ .]64-63 :‬وهذه األصوات العصيانية هي من أصوات‬
‫الشيطان المذكورة يف اآلية‪.‬‬
‫ومن تلك األخطاء عباد اهلل الواقعة يف بعض األعراس‪ ،‬التباهي والت ُ‬
‫فاخر‬
‫المكشوف بالذبائح والوالئم إلى حدِّ التبذير‪ ،‬واإلسراف بال ُّلحوم‬
‫‪٩78‬‬

‫وربما فعل الناس تلك‬


‫الزباالت‪ُ ،‬‬
‫يذهب كثير منها إلى ّ‬
‫ُ‬ ‫وربما‬
‫واألطعمة‪ُ ،‬‬
‫خمة وهم ُمث َقلون بالدُّ يون وحقوق النِّاس‪،‬‬
‫الوالئم الض َ‬
‫المفاخرة‬
‫فكان أولى هبم أن يسعوا إلى براءة ذممهم عند اهلل قبل طلب ُ‬
‫والسمعة عند الناس‪ ،‬فإياك يا ُمسلم واالستسالم للعادات السيِّئة ال ُمخالفة‬
‫ُّ‬
‫لشرع اهلل‪ ،‬فاستقم كما ُأمِرت وال تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك‪،‬‬
‫بل يتعدى البعض‪ ،‬فيصرف عشرات اآلالف يف العادات السيِّئة من شراء‬
‫الجرأة عند البعض‪ ،‬فيشرتي الدُّ خان‬
‫الشجرة الخبيثة القات‪ ،‬وقد تزداد ُ‬
‫لألضياف؛ أو يلعب به شيطانه فيستأجر بمال اهلل الفرق الغنائية من ال ُعصاة‬
‫وال ُف ّساق وكأن المال ماله‪.‬‬
‫ون فِي م ِ‬
‫ال‬ ‫يقول‪« :‬إِن ِر َج ًاال َيتَخَ و ُض َ‬ ‫الهدى‬ ‫َأوال يعلم هؤالء أن نَبِي ُ‬
‫َ‬
‫اهلل ِ بِ َغيرِ حق‪َ ،‬ف َلهم النار يوم ِ‬
‫الق َي َام ِة»‪.‬‬ ‫ُ ُ ُ َْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ُهناك من الشباب من تأخر عن الزواج بسبب عدم توفير ما جرت عليه‬
‫لصعوبة قيمة القات وهي من عادات‬
‫الهموم ُ‬
‫عادة الناس‪ ،‬فيعيش يتجرع ُ‬
‫السوء التي أثقلت كواهل الشباب‪ ،‬وصعبت شأن الزواج؛‬
‫ُّ‬
‫فليُراجع أهل السرف والبذخ حساباهتم‪ ،‬وليسألوا أنفسهم من الذي‬
‫رزقهم األموال؟ ومن الذي سهل لهم الكسب؟‬
‫‪٩7١‬‬ ‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة‬

‫المخالفات نشكر اهلل؟ أفال نستحي أن نُقابل إحسان ربِّنا إ َلينا‬


‫هل هبذه ُ‬
‫باإلساءة؟ ونُقابل النِّعمة بأسباب النِّقمة؟‬

‫{ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ }[إبراهيم‪.]7 :‬‬

‫وقال ر ُّب ُكم‪ { :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ} [البقرة‪،]٩52 :‬‬


‫فإن لم نشكر ربنا؛ فلنحذر ِعقابه؛‬

‫َف ُرب أفراح انقلبت إلى أحزان‪ُ ،‬‬


‫ورب امرأة انتظرها الزوج زمنًا لتكون‬
‫أنيسته يف الحياة؛ فكانت نكدا وشقاوة عليه‪ ،‬وكابوسًا على األُسرة‪ ،‬وفرقت‬

‫وربما جلبت من الش ِّر ما جلبت { ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫ِ‬


‫َبين األحبة‪ُ ،‬‬
‫ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ}[الشورى‪،]3٠ :‬‬
‫وال يستوي من أسس َبيت ُه على تقوى من اهلل ِ‬
‫ور ْضوان‪ ،‬من أول يوم وعلى‬
‫أدب وطاعة كمن أسس َبيت ُه من أول يوم على المعاصي والسرف وال َفوضى‬
‫سيحصد الثمرة من جنس البذرة التي بذر؛‬
‫ُ‬ ‫وإيذاء الناس‪ ،‬فإن ُه‬

‫{ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ }[التوبة‪.]٩٠١ :‬‬
‫‪٩8٠‬‬

‫المسلمين أجمعين‪.‬اللهم يسر ألبناء وبنات‬ ‫ِ‬


‫نسأل اهلل أن ُيصل َح أحوال ُ‬
‫المسلمين ما شرعته من النكاح ‪ ،‬وجنبهم طرق السفاح اللهم ِ‬
‫أعز اإلسالم‬
‫والمسلمين‪.........‬‬
‫ُ‬
‫الــــدعـــــــاء‬

‫‪‬‬
‫‪٩8٩‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُله‬ ‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫قول اهلل‬ ‫نسمع من بعضنا َ‬ ‫ُ‬ ‫أما بعد‪ :‬أ ُّيها المسلمون عباد اهلل كثيرا ما نقر ُأ وما‬

‫‪ {:‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬

‫ﮄ ﮅﮆ }[المائدة‪]3 :‬‬
‫‪٩82‬‬

‫يف هذه اآلية أن ُه أتم علينا النِّعمة بدين اإلسالم وال شك أننا‬ ‫ُيبين اهلل‬
‫وأي نعمة‪ ،‬وال يفوقها نعمة إذ أن ُه ينبني على كون‬
‫نعرف أنها نعمة‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫جميعًا‬
‫المرء مسلمًا أو غير ُمسلم المصير يف الدار اآلخرة إما يف جنة وإما يف نار‪.‬‬
‫أي مسلم أن صاحب النعمة‬
‫ولكن من األمور التي ينبغي أن ال يجهلها ُّ‬
‫محسود‪ ،‬والناس يدركون أن بعضًا يحسد بعضًا على الثوب وعلى الدار‬
‫وعلى المال وعلى الفصاحة أو على المكانة أو على الجاه أو غير ذلك‪،‬‬
‫ويغفل كثير من الناس أننا محسودون على هذه النعمة العظمى وهي نعمة‬
‫« إن الحسد يكرب‬ ‫دين اإلسالم‪ ،‬وال شك أننا محسودون كما قال عمر‬
‫على قدر كرب النعمة ف ُكـلما كَـ ُبرت النعمة على العبد ك ُبر حاسدوها »‪،‬‬
‫وح ّسادنا على اإلسالم ُكثُر‪ ،‬ولكن على حسب قِ ّلة معرفة قيمة النعمة‬ ‫ُ‬
‫عندنا قـ ّلت معرفـتنا بحسادها‪ ،‬فإن ُحساد اإلسالم يحسدون أهله منذ جاء‬
‫‪ ،‬والكفار يحسدونا وعلى رأسهم أهل‬ ‫دين اإلسالم منذ بعث اهلل محمدا‬
‫الكتابين اليهود والنصارى إلى يومنا هذا‪ ،‬وكثير مما يدور يف العالم اليوم من‬
‫صراعات ما هو إال حسد على الدين والقيم‪،‬‬
‫وليس كما يروج له أرباب المادة أن هذا حسد على النفط وعلى الثروات‬
‫األصيل هو الحسدُ على ِ‬
‫دين‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاألصل‬ ‫فهذه قد تكون درجة ثنائية وإال‪،‬‬
‫ِ‬
‫ومعرفة أهل اإلسال ِم لربِهم وتطهيرهم من الشرك من‬ ‫ِ‬
‫ودين التوحيد‬ ‫اإلسال ِم‬
‫عبادة األوثان وعبادة الجن والقبور‪.‬‬
‫‪٩83‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫ل اإلسال ِم ُ‬
‫منذ فجره األول‬ ‫ِ‬
‫الكفار أله ِ‬ ‫ِ‬
‫حسد‬ ‫وقد أخرب اهلل جل وعال عن‬

‫يف كتابه الكريم‪ {:‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}‬ ‫فقال‬


‫[النساء‪]8١ :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢ }[البقرة ‪،]٩٠١ :‬‬

‫‪ { :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬ ‫وقال‬

‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ }[البقرة‪،]2٩7 :‬‬
‫حذرنا سبحانه من أهل الكتابين من حسدهم وسعيهم على أن نكون على‬

‫طريقتهم الكفرية فقال سبحانه‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ }[البقرة‪،]٩35 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ‬

‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ } [البقرة‪،]٩2٠ :‬‬
‫‪٩84‬‬

‫وقال سبحانه مخربا عن المكر العظيم من أهل الكتاب يف تثبيط المسلمين‬

‫عن دينهم وخلخلة ثقتهم بدينهم‪ { .‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ}‬
‫[آل عمران‪.]72 :‬‬
‫قال أهل التفسير إن هذه الطائفة من أهل الكتاب تآمروا على أن يدخل‬
‫منهم ومن كبارهم مجموعة يف اإلسالم يف أول النهار حتى يرى المسلمون‬
‫دخولهم وإعالن إسالمهم ثم يرجعون عن الدين بحيث يقول العرب‬
‫الجهلة ما رجع هؤالء وهم أهل الكتاب وهم من يعرفون الرساالت إال وقد‬
‫عرفوا أن هذا الدين ليس هو دين الحق بعدما اعتنقوه وقرأوه عرفوا أن ُه دين‬
‫باطل وهذا يدل على شدة ُ‬
‫الخبث عند اليهود والنصارى ومكرهم‬
‫بالمسلمين لثنيهم عن دينهم ولصد من لم ُيسلم عن هذا الدين العظيم‪.،‬‬
‫ولهذا دسوا الدسائس وزرعوا الجواسيس بين الـ ُمسلمين من أول عهد‬
‫اإلسالم لرد الناس عن دينهم كما فعل عبد اهلل بن سبأ اليهودي وهو من يهود‬
‫اليمن ذهب إلى المدينة للنخر بين المسلمين فأنشأ السبئية التي اليوم تعيث‬
‫يف األرض فسادا‪،‬‬
‫وهذا ُك ُّل ُه من فعل اليهود ومن صناعات اليهود والزالوا مراكب لليهود‬
‫إلى يومنا هذا و ُينفذون مؤامراهتم باسم اإلسالم وباسم نبي اإلسالم وباسم‬
‫‪٩85‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫الفضائل وباسم األمور التي يريدون أن يخدعوا هبا أهل اإلسالم فإن لم يكن‬
‫أهل اإلسالم على بصيرة بدينهم وعلى بصيرة بالشر وما ُيحاك لسلب هذه‬
‫النعمة فإنه َس ِ‬
‫ـيز ُّل َمن يزل‪.،‬‬
‫فإذا كان الناس ُيحافظون اليوم على السيارة وعلى المال وعلى الجوال‬
‫وعلى الصحة الحفاظ العظيم وتراهم مهملين دينهم وربما نظروا إلى من‬
‫يصيح يف الحفاظ على الدين بأن ُه ُمتـشدِّ د وأن عنده وعندَ ه فإنه يد ُّلك على‬
‫ُرخص النعمة وقِل ِة قيمتها يف ُعيُون من قلت معرفتهم بدينهم من أبناء أهل‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫عباد اهلل‪ ،‬ال زال المكر من اليهود والنصارى مستمرا كما قال اهلل‪ { :‬ﮎ‬

‫ﮏ} مما ُّ‬


‫يدل على الدوام ال يزالون أي أن المكر لن يحصل مرة وال‬
‫مرتين‪ ،‬وهذا موجود‪ ،‬فتارة يظهر وتارة ينخفت‪.‬‬
‫وقد اشتد المكر يف مطلع القرن الرابع عشر الهجري من اليهود والنصارى‬
‫فأنشأوا خططًا عظيمة شديدة للتأثير على المسلمين تبـنّـَتها الماسونية‬
‫العالمية‪ ،‬وهي منظمة يهودية خطتها السيطرة على العالم بأسره وهذه‬
‫الماسونية قد خدعت من خدعت من المسلمين وذلك برتكها مصادمة‬
‫اإلسالم جهارا ألنه ال يأيت بمرادهم‪،‬‬
‫‪٩86‬‬

‫ولكن رأوا أن يدعوا إلى المؤالفة والـ ُمحاببة والتسامح بين أهل األديان‬
‫وأن تكون اليهودية والنصرانية مع اإلسالم دينا واحدا إذ أنها كلها تؤمن باهلل‬
‫ربًا‪ ،‬وليست كاألديان التي تعبُد بوذا أو تعبُدُ األبقار أو تعبُدُ الفئران‬
‫والنيران‪ ،‬فخدعوا هبا بعض المسلمين‪،‬‬
‫نشئت لِذلك جمعيات و ُع ِقدَ ت مؤتمرات وندوات عالمية تحت عدة‬
‫و ُأ ِ‬

‫ُمسميات منها اسم وحدة األديان ومنها اسم األُ ُخوة اإليمانية ومنها اسم‬
‫اجتماع المؤمنين باهلل أي أن المسلم مؤمن باهلل والنصراين مؤمن باهلل‬
‫واليهودي مؤمن باهلل على اختالف أدياهنم وهكذا عدة أسماء فـراجت على‬
‫بعض الـ ُمسلمين‪،‬‬
‫ودخلت هذه الدعوة إلى ح ِّيز التنفيذ العملي يف عام ستة وثمانين بعد‬
‫المائة التاسعة عشر من التاريخ الميالدي يف إيطاليا فدعا النصارى إلى إقامة‬

‫صالة ُمشرتكة بين الـ ُمسلمين واليهود والنصارى‪ ،‬و ُأقيمت الصالة ُ‬
‫المشرتكة‬
‫يف جماعة واحدة‪،‬‬
‫ُثم ُأقيمت مرة أخرى و ُأطلِ َق عليها اسم صالةِ ُروحِ ال ُقدُ س وصلى من‬
‫صلى وحضرها بعض من ينتسب إلى اإلسالم ثم ُد ِع َي إليها يف اليابان يف‬
‫مؤتمر كبير فحضره بعض المحسوبين على اإلسالم ممن يعرفون خطر هذا‬
‫‪٩87‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫يبيع دينَ ُه‬ ‫ِ‬


‫الخلط بين الحق والباطل ولكن اهلل أعلم من الراغب ومن الذي ُ‬
‫بالمصالح‪،‬‬
‫ور عبادِ ِه‪ ،‬ظن بعض الناس أن هذه الدعوة دعوة صالحة‪،‬‬
‫اهلل يتولى ُأ ُم َ‬
‫ُ‬
‫وأنها ُتصلِ ُح اإلنسانية‪.،‬‬
‫ويف هذه السنوات كُررت و ُكثِّفت الدعوة إليها‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫دخ َلت يف بعض إعالم‬ ‫ِّ‬
‫الـ ُمسلمين باسم اإلبراهيمية ومعناه الدعوة إلى صناعة دين ملفق ومجمع‬
‫من القرآن ومن الكتب المحرفة مجمع فيه الحق والباطل والكفر‬
‫‪،‬‬ ‫والمتناقضات أي أننا ُك ُّلنا من أتباع إبراهيم‬
‫الزور وال َك ِذ ِ‬
‫ب‬ ‫الـ ُمسلم واليهودي والنصراين ُك ُّلنا أتباع إبراهيم وهذا من ُّ‬
‫كان قد ُبعث قبل اليهودية والنصرانية وال‬ ‫المفضوح فإن إبراهيم‬
‫يعرفها فاليهود يزعمون أن ُه على مِلتِ ِهم والنصارى قالوا على مِلتِ ِهم و ُمشركوا‬

‫العرب قالوا إن ُهم على اإلبراهيمية‪ ،‬فقال اهلل نافيًا لذلك ُك ِّله‪ { :‬ﮱ ﯓ‬

‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ}‬
‫[آل عمران‪.]67 :‬‬
‫فظن بعض الجهلة من الـ ُمسلمين أن الدعوة إلى اإلبراهيمية المزعومة‬
‫وخ ِدعوا مِن قِ َب ِ‬
‫ل ال ُكفار‬ ‫الشرور التي يف العالم ُ‬ ‫دعوة صالحة وأنها ُت ِ‬
‫طف ُئ ُّ‬
‫َ‬
‫فيدعون‪،‬‬ ‫بدعوات بعيدة عن التد ُّين الحق‪ ،‬ومغزاها يف الحقيقة ديني كُفري‬
‫‪٩88‬‬

‫إلى ما يسمى بالسالم العالمي‪ ،‬والوحدة اإلنسانية‪ ،‬وعدم ذكر األديان التي‬
‫فر ُق بين الناس‪.،‬‬
‫ُت ِّ‬
‫بالمثقفـين ُخ ِد َع بعضهم‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫فخدع من ُخدع ُخ ُصوصًا من الطبقة التي ُتسمى ُ‬
‫بعض من ُيط َلق عليه هذا اللقب قائال كيف ُتك ِّف ُرون اليهودي‬
‫وتكل َم ُ‬
‫لهما دين كما لك دين؟‬
‫والنصراين أليس ُ‬
‫رضيت أنت بِ ُمحمد نبيًا وبِال ُقرآن كِتابًا فقد َر ِض َي ُهو بِ ُموسى نَبيًا‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫المسيح ُّي بالنصرانية دينًا وبعيسى نبيًا وباإلنجيل‬ ‫ِ‬ ‫ور ِض َي‬ ‫ِ‬
‫وبالتوراة كتابًا َ‬
‫لز ُم ُه باتباع دينك؟ وكيف ُتك ِّف ُره وهو ُمؤمن باهلل؟ وهو ُمؤمن‬ ‫كتابًا‪ ،‬فكيف ُت ِ‬

‫بنبِي وهو ُمؤمن بكتاب مثلك؟‪.‬‬


‫فهذه المغالطات والتلبيسات متى تروج؟ وهذا متى ُيقبل؟ عند الجهلة‬
‫الذين لم يربكوا يف حلق العلم ولم يأخذوا المعتقدات من معينها الصايف‬
‫الذين ما عرفوا العقيدة والوالء والرباء والناسخ‬ ‫كتاب اهلل وسنة رسوله‬
‫؛ فيقال جوابًا على هذا‬ ‫رب العالمين‬
‫والمنسوخ والدين المرضي من ِّ‬
‫الفهم إن ربنا سبحانه هو الذي كفرهم وليس غيره‪.‬‬
‫هو الذي كفرهم يف كتابِ ِه الكريم وإن حملوا الكتابين التوراة‬‫فاهلل ر ُّب ُهم َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫شر ما خلق‪ ،‬فقال جل وعال‪ { :‬ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫واإلنجيل‪ ،‬بل حكم بِأنهم من ِّ‬
‫‪٩8١‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫ﮭ ﮮ ﮯ } هكذا { ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬

‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[الب ِّينة‪،]6:‬‬

‫وقال سبحانه { ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ }[الجمعة‪،]5 :‬‬
‫ونبيُّنا عليه الصالة والسالم يقول كما يف "صحيح ُمسلم"‪َ :‬ال َي ْس َم ُع بِ ْي‬
‫ْت بِ ِه إِال كَا َن ِم ْن َأ ْه ِل‬
‫ِم ْن َه ِذهِ األُم ِة َي ُه ْودِي َو َال ن َْص َرانِي ُثم َال ُي ْؤ ِم ُن بِال ِذي ِجئ ُ‬
‫النار ‪ ،‬لو آمن شخص بموسى وعيسى وك ُِّل األنبياء وأنكر محمدا‬
‫ُفر ِه ولو صلى ما صلى على‬ ‫عليه الصالة والسالم فإن ُه كافر ال شك يف ك ِ‬

‫األديان السابقة‪.‬‬

‫ثم كفر بالقرآن فالجنة عليه حرام { ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫﮬ }[البقرة‪.]285 :‬‬
‫عقيد ُة الـ ُمسلمين أن موسى وعيسى لو جاؤوا ما وسعهم إال ا ِّتباع ُمحمد‬
‫ولما حكموا بتوراة وال إنجيل إذ أنها ُكتُب أوال حرفها أه ُلها وقد‬
‫حرفوها قبل أن ينسخها اهلل و َل ِعبوا هبا وقالوا على اهلل الكذب كما قال اهلل‪:‬‬
‫‪٩١٠‬‬

‫{ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ} [البقرة‪.]7١ :‬‬
‫ثم إنها كتب منسوخة‪ ،‬فقد نسخها ال ُقرآن الكريم كما قال جل وعال‬

‫{ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ}‪[ ،‬المائدة‪ .]48 :‬فهو م ِ‬
‫هيمن عليها وهو الكتاب الشامل الكامل الذي {ﮓ‬ ‫ُ‬
‫والسن ِة‬
‫ُّ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ} وال ُيحتاج بعد ال ُقرآن‬
‫المطهرة ال إلى توراة وال إلى إنجيل وال إلى قانون وال إلى أي شيء ُيخالِف‬
‫ُ‬
‫والسنة‪.‬‬
‫الكتاب ُّ‬
‫ُ‬
‫نسأل اهلل أن يحفظ علينا دي َن اإلسالم‪ ،‬وأن يتوفانا ُمسلمين وأستغفر اهلل‬
‫لي ولكم إن ُه هو الغفور الرحيم‪...‬‬
‫‪٩١٩‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫الـخطبــة الـثــانـيــة‬
‫رب العالمين حمدا كثيرا طيبًا مباركًا فيه‪ ،‬الحمد هلل الذي‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬
‫المشركون‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبيِّنا محمد‪ ،‬خاتم النبيين وإمام‬
‫المرسلين وخليل رب العالمين كتابه أشرف الكتب‪ ،‬وأمته خير أمة‪،‬‬
‫أخرجت للناس‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬ومن سار على هديه‪ ،‬واستن‬
‫بِ ُسنتِه إلى يوم الدِّ ين‪.‬‬

‫المؤمنون الكرام‪ ،‬لقد حثنا اهلل تعالى يف كتابه بقوله سبحانه‪ { :‬ﭧ‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ }[آل عمران‪]٩٠2 :‬‬

‫إن الموت على اإلسالم ليس باألمر الهيِّن فقد يعيش المرء ُمسلمًا حتى‬
‫ما يكون بينه وبين الجنة إال ذراع؛ ف ُيفتَن يف دينه‪.‬‬
‫الذي ثبت على الدين الحق يف المحاور الصعبة‪ ،‬ويف‬ ‫ُيوسف‬
‫السجن‪ ،‬ويف الفتنة عند امرأة‬ ‫ِ‬
‫العقبات المتتابعة‪ ،‬وصرب وثبت على الدين يف ِّ‬
‫العزيز‪ ،‬وثبت على الدين حين تولى خزائن مصر‪ ،‬ولم يتزعزع ولم ينحرف‬
‫عن دين اهلل‪ ،‬الزال خائفًا من االنحراف‪،‬‬
‫‪٩١2‬‬

‫يف آخر المطاف يقول ُيوسف داعيًا ربه‪ { :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ }[يوسف‪،]٩٠٩ :‬‬
‫وهو يعلم أن ُه ُمسلم ذلك الوقت لكن همه أن يختم له بالموت على‬

‫اإلسالم والثبات عليه‪ ،‬فقال‪{ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}‪،‬‬


‫وألحقني بالصالحين‬
‫اهلل العبد وهو على‬
‫المؤمنون الكرام إن الثبات على الدِّ ين حتى يتوفى ُ‬
‫أيها ُ‬
‫ِ‬
‫باألمر اله ِّين فنح ُن يف‬ ‫الحنيفية‪ ،‬وعلى التوحيد وعلى الطريق القويم ليس‬
‫مراحل ابتالءات‪.،‬‬
‫فال ينبغي أن يغيب عن أذهانكم أن أعداء اهلل الزالوا يسعون يف تشويه هذا‬
‫نشئون للناس مصطلحات وكلمات ّجذابات يف ظاهرهن‪ ،‬خداعات‬ ‫الدِّ ين وي ِ‬
‫ُ‬
‫ئون من األسماء التي تدعوا إلى هذا الخليط بين الكتاب‬ ‫نش َ‬‫يف باطنهن‪ ،‬في ِ‬
‫ُ‬
‫المنحرفة ال ُكفرية‪،‬‬
‫المحفوظ والكتب المحرفة فاخرتعوا العناوين ُ‬
‫ومن آخرها الدعوة إلى االجتماع اإلسالمي المسيحي ضد ِّ‬
‫الشيوعية‪ ،‬أو‬
‫االجتماع اإلسالمي المسيحي ومنها اجتماع المؤمنين باهلل وكأن المسيحية‬
‫واإلسالم أخوان وليسوا أعداء‪ ،‬وصوروا للناس أن هؤالء كُلهم عبا ُد اهلل‬
‫‪٩١3‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫ؤمنون باهلل على حد سواء وهل يستوي من يقول‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫َ‬ ‫ُي‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }[اإلخالص‪،]٩3 :‬‬
‫ومن يقول إن عيسى اب ُن اهلل؟ هل يستوي من يقول ُع َزير ابن اهلل؟‪ ،‬ومن‬

‫يقول‪ { :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣﯤ }[مريم‪ .]35 :‬هل يستوي الشرك‬


‫الصريح والتوحيد والتعظيم الصحيح لِ َر ِّب العالمين سبحانه؟‬
‫هل يستوي من ُيع ِّظم اهلل و َي ِص ُف ُه بِصفات ال جالل والكمال والجمال هو‬
‫وهم أغنياء؟ هل يستوي‬ ‫ِ‬
‫ومن يقول إن يدَ اهلل مغلولة؟ ومن يقول إن اهلل فقير ُ‬
‫من يقول إن ُمحمدا رسول العالمين عليه الصالة والسالم ومن يقول إن‬
‫ُمحمدا عليه الصالة والسالم نَبِ ُّي العرب فقط؟ أو من يقول إن ُه ُمعلم فقط؟‬
‫ابن زنا؟ كما هي عقيد ُة اليهود ومن‬ ‫هل يستوي من يقول إن عيسى‬
‫يقول هو عبدُ اهلل ورسو ُله وكَلِ َمتُه ألقاها إلى مريم؟ وهي عقيدة المسلمين‬

‫المسلمين هذا الخليط؟ بين المتناقضات واهلل يقول {ﮮ‬


‫كيف يروج عند ُ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ } [السجدة‪.]٩8 :‬‬

‫وقال { ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ } [القلم‪.]36-35 :‬‬

‫وقال { ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ } [الجاثية‪.]2٩ :‬‬
‫‪٩١4‬‬

‫وقد فرق ربنا الحكيم بين المؤمنين وبين الذين كفروا من أهل الكتاب‬
‫فجعلهم شر الربية ومأواهم النار خالدين فيها أبدا وجعل المؤمنين خير‬
‫الربية‪،‬‬
‫وانربا يف بعض البُلدان اإلسالمية من يدعوا إلى طبع ال ُقرآن والتوراة‬
‫واإلنجيل يف غالف واحد‪ ،‬وإلى أن ُيبنى مسجد ومعبد وكنيسة يف أماكن‬
‫ُ‬
‫وتكون يف سور واحد‬ ‫التجمعات العامة كالجامعات والمطارات واألسواق‪،‬‬
‫ُّ‬
‫فقال الـ ُمغفلون هذا تسا ُمح هذا تآ ُلف بين األديان هذا أمر جيِّد وهذا البأس‬
‫بِ ِه‪.‬‬
‫لقد علم الكفار بطالن ما عندهم فأرادوا خلطه بالحق الذي مع المسلمين‬

‫{ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ } [القلم‪ ]١ :‬وإال فهم يعرفون صحة ديننا كما‬

‫يعرفون أبنائهم { ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ} [البقرة‪]٩46 :‬‬

‫إن قيل فلماذا الكفار يسعون هذا السعي كُله ضد اإلسالم ماذا صنع هبم‬
‫اإلسالم؟! والجواب ان ُهم يعلمون أنه دين العزة والسيادة وأنه دين ُيعلى وال‬
‫ُيعلى عليه وأن من قام به حق القيام خضعت له الجبابرة وصلحت دنياه‬
‫وأخراه‪.‬‬
‫وأيضًا يعلمون أن دين اإلسالم معناه ال دين آخر مقبول عند اهلل فإن اهلل‬
‫لن يقبل من أحد أن يتدين إال هبذا الدِّ ين الذي أنزله على ُمحمد عليه الصال ُة‬
‫‪٩١5‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫والسالم قال اهلل جل وعال‪ { :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ }[آل عمران‪]85:‬‬
‫أيضًا مما ي ِ‬
‫زع ُج ُهم أن دين اإلسالم دين الصفاء والنقاء والوالء والرباء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وهم ُيريدون الخلط بين النصراين والـ ُمسلم والـ ُمـنْ ّ‬
‫حل والمستقيم والفضائل‬
‫والرذائل يريدون أن يخلطوا ذلك ُك ِّله‪،‬‬
‫ب دعوة الماسونية الدعوة إلى الدعارة‪ ،‬والدعوة إلى‬ ‫ولهذا كان من ُش َع ِ‬
‫االنحالل وما يسمونه بالحرية حرية ِ‬
‫الفكر ُحري ُة الـ ُمعتقد ُحرية المرأة‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُّ‬
‫وحرية كذا‪ ،‬فجعلوها ُحريات وهي أصال عبودية لهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫لرب العالمين ليكونوا‬
‫ُيريدون أن ُيخرجوا العباد من أن يكونوا عبيدا ِّ‬
‫عبيدا للشهوات وما هتوى األنفس وليكونوا عبيدا لهم ولكن حين يجهل‬
‫العبد هذا فال ُيستغرب أن ُه يقبل مثل هذه األغاليط‬
‫ومن ُخططهم العصرية المكرية الخطيرة أنهم قسموا اإلسالم إلى قسمين‬
‫حتى صرح بعض رؤوس الكفر بقوله سنضع لهم إسالمًا مناسبًا لنا‪ ،‬والذي‬
‫يريدون أن يضعوه هم هو إسالم السماحة والمحبة المزورة وذلك أن‬
‫يتحاب ويتآلف أهل األديان فال والء هلل ورسوله وال ِعداء ألعداء اهلل‬
‫ّ‬
‫ورسوله وال براءة من الشرك والكفر‪ ،‬ومن رق دينُه وآثر ُدنياه على ُأخراه‬
‫أحب مثل هذا‪.،‬‬
‫‪٩١6‬‬

‫ومن تمسك بدينِه لمزوه بأنه يريد (دين ال ُعنف دين اإلرهاب والتشدُّ ُد‬
‫والتز ُّمت واألُ ُصولية) وألقوا هذه األلقاب المنفرة عن الدِّ ين الحق‪ ،‬و ُينفس‬
‫للدِّ ين الباطل المزيف فجعلوا لـهذا الباطل الذي سموه دين التسا ُمح دعاة‬
‫وهناك يف ُبلدان تظهر على القنوات وتظهر عمائمها‬ ‫وشخصيات ُهنا ُ‬
‫ِ‬
‫صور دين المحبة (أنا ُأح ُّ‬
‫ب اليهود) (وأنا ال أحمل الحقد على‬ ‫الضخمة ُت ُّ‬
‫أحد)‪،‬‬

‫و ُيظهرون السماحة وكأهنم ال يقرأون قوله تعالى { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ}‬
‫[الممتحنة‪]٩ :‬‬

‫الحق كي تتهيأ األجيال الصاعدة التي ال‬


‫ّ‬ ‫ويلمزون من يدعو إلى الدِّ ين‬
‫وشيطنوا‬ ‫تعرف العقيدة الصحيحة إلى الدِّ ين الذي صنعت ُه اليهود للناس َ‬
‫أن ُه قد ُع ِر َض عليه من الكافرين يف‬ ‫الدين الحق وقد أخرب اهلل عن نب ِّينا‬
‫داهنونه يتنازل عن بعض دينه وس ُيقدِّ موا‬‫داهن وسي ِ‬ ‫أو ِل اإلسالم أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نازالت فقال اهلل‪ { :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[القلم‪.]١ :‬‬ ‫الت ُ‬
‫و ُّدوا لو ُتداهنهم ف ُيدْ ِهنون تع ُبد رب ُهم يومًا ويعبدُ ون ربك يومًا‬
‫رضون منك هبذا‪.،‬‬
‫فس َي َ‬
‫الحق‬
‫ِّ‬ ‫ولكن صاحب الدِّ ين الحق ال يمكن أن يرضى بِ َأن يجمع بين‬
‫والباطل يف غالف واحد‪ ،‬الكفر واإليمان يف مبنى واحد المسجد الذي قال‬
‫‪٩١7‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫اهلل عنه‪ { :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ }[الجن‪ ،]٩8 :‬والكنيسة‬


‫ا ّلتي فيها عبادة المسيح‪ ،‬وفيها عبادة المخلوقين وفيها الكفر‪ ،‬وهو الزعم أن‬
‫اهلل سبحانه كان ل ُه ولد‪.‬‬
‫أيها الـ ُمؤمنون ال تيأسوا‪ ،‬علينا أن نعلم أن مكر ال ُكفار قائم‪ ،‬وأن كيدهم‬

‫عظيم ولكن لنعلم يف نفس الوقت أن اهلل يقول‪ { :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ }[الطارق‪]٩6 – ٩5 :‬؛‬

‫فكيدُ ُهم قائم وكيدُ اهلل لهم حاصل‪ ،‬ويقول‪ { :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬

‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ } [النمل‪ .]5٠ :‬ويقول‪{ :‬ﭛ ﭜ‬

‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ }[آل عمران‪ .]54 :‬وقال { ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬

‫ﭨ } [القلم‪،]44 :‬‬
‫قيمتَه ويعرفون كيف ُيب ِّل ُغونه و ُيحبِّبُونَه‬
‫ولكن اإلسالم ُيريدُ رجاال يعرفون َ‬
‫عنه من الدِّ عايات الباطلة رجاال مؤمنين‬ ‫إلى أهله وغيرهم‪ ،‬وينفون ما يقال ِ‬

‫ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وإال فاهلل‬
‫حافظ دينه بِنا أو بغيرنا‪.‬‬
‫فلقد مات النبي عليه الصالة والسالم ودي ُن اإلسال ِم شامخًا مات أبوبكر‬
‫اهلل الدِّ ين ُقتِ َل ُعثمان‬ ‫ثم ُقتِ َل ُعمر وظن المنافقون أن اإلسالم انتهى ِ‬
‫وحف َظ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪٩١8‬‬

‫علي ومات الشافعي وأحمد والبُخاري و ُمسلم و َب ِق َي دي ُن اإلسالم‬


‫ِّ‬ ‫ل‬‫ثم ُقتِ َ‬
‫محفوظًا‪،‬‬
‫والمغف ُلون يقولون ُقتِ َل ُفالن إذا ُقتِ َل العالم ال ُفالين أو مات ُفالن أن الدِّ ين‬
‫ُ‬
‫مات‪ ،‬الدِّ ين سيموت لو كان ُفالن هو الحافِظ له‪ ،‬ولكننا محفوظون بالدِّ ين‬

‫{ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ } [الزخرف‪]44 :‬‬
‫ِ‬
‫فنحن ُأمرنا أن نحفظ أن ُفسنا باالستقامة عليه أما الدِّ ين ُ‬
‫فاهلل حاف ُظ ُه‬
‫فلهذا بعض الـ ُمغفلين كما قال الفوزان حفظ ُه اهلل يقولون‪ « :‬اإلسالم‬
‫سيقضى عليه اإلسالم سينتهي قال‪ :‬ال تخف على اإلسالم َخف على ِ‬
‫نفسك‬ ‫ُ‬
‫أن ُيس َلب مِنَك اإلسالم »؛‬

‫‪{:‬ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ‬ ‫فاهلل حافظ دينه وقد قال‬

‫ما َض ِم َن اهلل لهم حفظ التوراة مع أن ُه الذي أنزلها وال‬ ‫}[الحجر‪]١ :‬‬ ‫ﮞ‬

‫اإلنجيل وإنما جعل ش َأهنا إلى أهلها فقال عنهم‪ { :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ} [المائدة‪]44:‬؛‬
‫اهلل رجال الحديث فأنشأوا اإلسناد‬ ‫ِ‬
‫فما حفظوها‪ ،‬أما هذا الدِّ ين فأنشأ ُ‬
‫والمتُون الصحيحة من الضعيفة والسقيمة‬
‫ودونوا الدواوين ونخلوا األسانيد ُ‬
‫والمعلولة وغير ذلك‪.‬‬
‫‪٩١١‬‬ ‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم‬

‫ومن عجيب ما وقع من الفروق بين الكتاب المحفوظ وغيره من الكتب‬


‫الجوزي يف كتابِ ِه (المنتظم يف تاريخ الـ ُملوك واألُمم) أن المأمون‬
‫ما ذكره ابن َ‬
‫الخالفة كان له م جلس للنظر‪ ،‬فيأيت الناس ي جلسون‬ ‫العباسي قبل أن يتقلد ِ‬

‫معه‪،‬‬
‫ومرة جلس الناس فرأى ر جال كأن ُه يهودي عليه هيئة حسنة ووجه‬
‫حسن‪ ،‬وثيابه طيبة‪ ،‬ورائحته طيبة َف ِ‬
‫طمع المأمون أن يدعوا هذا الر جل إلى‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ُ ِّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فلما انفض الم جلس دعا ُه المأمون وخال به وقال ل ُه‪ :‬إسرائيلي؟!‬
‫قال نعم أي ءأنت إسرائيلي؟! قال نعم؛‬
‫فعرض عليه اإلسالم‪ ،‬فقال اإلسرائيلي دين آبائي وأجدادي أي ال أتنازل‬
‫عنه وال أتركه وأصر ثم ذهب‪،‬‬
‫وبعد سنة كان المأمون يف م جلسه؛ فحضر الناس فدخل هذا الر جل وقد‬
‫أسلم‪ ،‬فدعا ُه المأمون فقال له‪ :‬ألست صاحبنا الذي ُق َ‬
‫لت إنك إسرائيلي؟!‬
‫قال نعم‪ .‬قال ما الذي غيرك؟! قال إين حسن الخط‪ ،‬ولم ت ُكن حينها‬
‫مطابع تكتُب وال كمبيوترات‪ ،‬إنما الكتابة باليد هي التي ُتباع يف األسواق‬
‫دت فيها‬ ‫كتبت من التوراة ثالث نسخ ِ‬
‫فز ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقال إين ر جل حسن الخط وقد‬
‫ونقصت ُثم بِعتُها عند اليهود؛ فنظروا فيها فاشرتوها‪،‬‬
‫ُ‬
‫‪2٠٠‬‬

‫ونقصت؛ فبِعتُها عند‬


‫ُ‬ ‫فزدت فيها‬
‫ُ‬ ‫كتبت من اإلنجيل ثالث نُسخ‬
‫ُ‬ ‫ُثم إين‬
‫النصارى فاشرتوها‪،‬‬
‫ونقصت ُثم بِعتُها على‬
‫ُ‬ ‫ونسخت من ال ُقرآن ثالث ن َُسخ فز ْد ُ‬
‫ت فيها‬ ‫ُ‬
‫الوراقين من الـ ُمسلمين فنظروا وقرأوا فيها ور ُّدوها ولم يأخذوا منها شيئًا‬
‫فعلمت أن هذا دين محفوظ فاعتنقت اإلسالم‪.،‬‬
‫ُ‬
‫وهذه واحدة من عدة وقائع يتبين هبا حفظ اهلل لهذا الدين ومثله حماية اهلل‬
‫لجسد نبيه وهو ميت بعد احتيالهم لسرقته‪ ،‬وغير ذلك من الوقائع‪.‬‬

‫فأين المسلمون من معرفة قيمة دينهم؟! {ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ }[التوبة‪.]33 :‬‬

‫{ﭪﭫﭬ‬ ‫فال اجتماع صحيح إال على ما جاء به محمد‬

‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ } [آل عمران‪.]64 :‬‬
‫أال تدري أيها المسلم الكريم أنك أشرف من سائر أمم الدنيا اليوم‪ ،‬فأمة‬
‫تعبد األشجار وأمة تعبد األحجار وأخرى تعبد الفأر وأخرى تعبد القبور‬
‫وأخرى تعبد األبقار وتعبد النار‪،‬‬
‫‪2٠٩‬‬

‫وأنت تعبد الواحد القهار ال تخضع لسواه فدين اإلسالم كرمك أن تعبد‬
‫مخلوقًا حتى لو كان نبيًا أو رسوال أو ملكًا فإن دينك العظيم يحرم عليك‬
‫أن تعبدهم فهم مخلوقون وأنت ال تعبد إال خالقك وخالقهم‬
‫وختاماً‪ :‬أ ُّيها ال ُعقالء حافظوا على أبنائكم فإن ُهناك ُمخططات ناعمة‬
‫لينشأوا على غير دين اإلسالم حافظوا على عقيدهتم أعظم من حفاظكم‬
‫على توفير ارزاقهم‪ ،‬ع ِّلموهم َتوحيد رهبم واتباع نبيهم وشرف دين اإلسالم‪،‬‬
‫فإن أهملتم فإنكم مسئولون عن إهمالكم ال ت ُظـــنُّــوا أننا غير مسئولين‬
‫الردة أو دخلت عليه ُّ‬
‫الشبَهة‪ ،‬وكان لدينا‬ ‫بعض أوالدنا على ِّ‬
‫أمام اهلل إن مات ُ‬
‫ال ُقدرة يف َصدِّ ها‪.‬‬
‫ُ‬
‫نسأل اهلل تعالى أن يحفظ علينا ديننا‪ ،‬اللهم احفظ علينا دين اإلسالم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وألحقنا بالصالحين‪ ،‬وأعذنا من ملة الكافرين واصرف‬ ‫اللهم توفنا ُمسلمين‬
‫عنا مكر الماكرين اللهم عليك بأعداء الدين وأعداء المسلمين‪ ،‬والحمدُ هللِ‬

‫رب العالمين‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪‬‬
‫‪2٠2‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫أما بعد‪ :‬أيها الناس إن من أكرب أسباب قوة األمة المسلمة ترابط أبنائها‬
‫فيما بينهم فبالرتابط يقوى بنا ُء األمة أمام أعدائِها‪ ،‬قال « َمثَ ُل المؤمنين يف‬
‫‪2٠3‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له‬
‫سائر الجسد بالسهر والحمى»‪.‬‬
‫ولقد امتن اهلل علينا بنعمة الزوجات والبنين والحفدة فقال جل وعال‬

‫{ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ} [النحل‪.] 72 :‬‬
‫هذا ومن المعلوم أن المجتمع المسلم يتكون من األُ َسر والبيوت‪ ،‬وكثير‬

‫أرباب ُأ َسر ُ‬
‫ورؤساء بيوت‪ ،‬فأسرتك أ ُّيها المسلم ُتعدُّ‬ ‫ُ‬ ‫منكم أيها السامعون‬
‫َلبنة يف هذا البناء العظيم والمجتمع الواسع فأصلح لبنتك وارع رعيتك وإياك‬
‫أن يأيت الخلل من قِبَـلِك‪.‬‬
‫ويف خطبتنا هذه نذكر ما تيسر حول نعمة الرتابط األسري‪ ،‬الذي يسعد به‬
‫المجتمع البشري سعادة ال يقدر على صناعتها مخرتع وال عبقري‪ ،‬وال تأيت‬
‫المقنّـنين وال الضغط العسكري‪ ،‬وإنما تثمرها شجرة اإليمان باهلل‬
‫هبا قوانين ُ‬
‫العظيم والتمسك بشرعه القويم وصراطه المستقيم‪.‬‬
‫ولتعلموا أيها الكرام ما يف دينكم العظيم من أساسيات ترابط األسرة‬
‫المسلمة تقرأون يف القرآن والسنة ما كتبه اهلل من حقوق لبعض أفراد األسرة‬
‫على البعض اآلخر‪ ،‬فكتب اهلل حقوقًا على األبناء لآلباء‪ ،‬وحقوقًا على‬
‫‪2٠4‬‬

‫اآلباء لألبناء‪ ،‬وحقوقًا للزوجة على زوجها‪ ،‬وحقوقًا على الزوجة لزوجها‪،‬‬
‫وحقوقًا للكبار على الصغار‪ ،‬وحقوقًا للصغار على الكبار‪.‬‬

‫يف ذلك { ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬ ‫فقال اهلل‬

‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ }[اإلسراء‪]24 – 23:‬‬

‫وقال تعالى { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ } [األحقاف‪]٩5 :‬‬

‫وقال { ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ‬

‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ } [النساء‪.]٩٩ :‬‬
‫يف حق النساء «استوصوا بالنساء خير ًا»‪.‬‬ ‫وقال‬
‫ألمرت المرأ َة أن‬
‫ُ‬ ‫وقال يف حق الرجال «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد ألحد‬
‫تسجد لزوجها من ِعظَ ِم ح ِّقه عليها والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى‬
‫مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه»‪.‬‬
‫‪2٠5‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫ي جل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا‬


‫«ليس منا من لم ُ‬ ‫وقال‬

‫حقه» وأوصى ربنا بحق القرابة فقال سبحانه‪{ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬

‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ } [اإلسراء‪.]27 – 26 :‬‬
‫بس َع ِة األرزاق والحسنات‬
‫بل وأوجب علينا صلة األرحام‪ ،‬ووعد واصليها َ‬
‫العظام‪ ،‬وتوعد قاطعيها بسرعة االنـتـقام‪.،‬‬
‫«من أحب أن‬ ‫قال قال رسول اهلل‬ ‫ففي الصحيحين عن أنس‬
‫وينسأ له يف أثره فليصل َر ِح َمه»‪.‬‬
‫يبسط له يف رزقه ُ‬
‫قال «ما من ذنب أحرى أن ُيع‬ ‫أنه‬ ‫وعند الرتمذي عن أبي بكرة‬
‫جل اهلل لصاحبه العقوبة يف الدُّ نيا مع ما يدخره له يف اآلخرة من البغي وقطيعة‬
‫الرحم»‪.‬‬

‫بل ربنا سبحانه وتعالى يقول { ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ } [محمد‪.]23 – 22 :‬‬
‫وهكذا جاء اإلسالم بحق األقربين جميعًا وبحق الجيران وشدد فيها أيما‬
‫ظننت أنه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالجار حتى‬ ‫ُ‬
‫جبريل يوصيني‬ ‫«ما زال‬ ‫تشديد حتى قال‬
‫س ُيورثه»‪ .‬رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة‪.‬‬
‫‪2٠6‬‬

‫«كم من جار متعلق برقبة جاره يوم القيامة يقول يا رب سل‬ ‫بل قال‬
‫هذا لم أغلق دوين بابه ومنعني فضله» رواه البخاري يف األدب‬
‫وهكذا جاءت شريعة اإلسالم العظيمة‪ ،‬بتنظيم العالقات األسرية‬
‫والزوجية أعظم تنظيم‪ ،‬يحفظ األسرة المسلمة من التفكك والتشرذم‪ ،‬متى‬
‫ما قام كل فرد فيها بما عليه من الحقوق المشروعة‪ ،‬نحو قرابته وجيرته‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬اربطوا أبناءكم وأحفادكم بما كان عليه آباؤكم وأجدادكم‬

‫من التوحيد وصحة المعتقد‪ ،‬قال اهلل جل وعال‪ { :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬

‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ }[البقرة‪]٩33 – ٩3٠:‬‬

‫وقال سبحانه عن يوسف { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ}[يوسف‪] 38 :‬‬
‫‪2٠7‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫فلقد عاش أجدادكم وآباؤكم المسلمون‪ ،‬ينعمون يف ظل األسرة المسلمة‬


‫المستمسكة بدينها‪ ،‬المتماسكة فيما بينها‪ ،‬المرتابطة المتآلفة المتعاطفة‬
‫المرتاحمة‪،‬‬
‫األسر ُة التي كانت ألفرادها المأوى المأمون‪ ،‬واألم الحنون‪ ،‬بيوت‬
‫يتشرف فيها األحفاد‬
‫مطمئنة‪ ،‬لم تخرتقها سهام التقليد الشرقية وال الغربية‪ّ ،‬‬
‫بخدمة األجداد‪ ،‬ويتأدبون بآداهبم الجياد‪ ،‬ويعطف فيها األجداد على‬
‫األحفاد وفلذات األكباد‪ ،‬ويحيطونـهم بالرعاية والسداد‪.،‬‬
‫سارت المجتمعات المسلمة على تقديم صغارها لكبارها يف المهمات‪،‬‬
‫كبير القرية والديرة كاألب لكل أبنائها كلمته مسموعة‪ ،‬يأمر بالمعروف‬
‫وينهى عن المنكر‪ ،‬يتعاونون على المكارم‪ ،‬ويغار جميعهم على المحارم‪،‬‬
‫يتنافسون يف الكرم واإليثار والنجدة‪.‬‬
‫التأثر بالعادات األجنـبـية‪ ،‬واغرتوا‬
‫ُ‬ ‫ولما دب إلى بعض المسلمين‬
‫بزخرف الحياة المادية‪ ،‬وانخدع البعض بتلميع اإلعالم لحياة الكافرين‪،‬‬
‫كثرت فيهم المشاكل األسرية‪ ،‬والخالفات الزوجية‪ ،‬وكَـثُر يف الشباب‬
‫ُ‬
‫وإهمال ما لآلخرين من حقوق‪،‬‬ ‫العقوق‪،‬‬
‫وفضل بعض المفتونين زوجته على والديه‪ ،‬تتــنكر الزوجة لصلته‬
‫شعورها‬
‫ُ‬ ‫ألرحامه‪ ،‬وتتأ ّفف من تأديب إخوانه ألوالده‪َ ،‬سه َل لـها ذلك‬
‫‪2٠8‬‬
‫بضعف ِ‬
‫القوامة والوازع اإليماين لدى الزوج الغافل‪ ،‬الذي ال يعرف إال‬
‫وفرقت بينه وبين أقرب أهله إليه‪.،‬‬
‫شهواته‪ ،‬فربما استحوذت عليه‪ّ ،‬‬
‫فأ ّدوا إلى أزواجكم من الحق ما كتب اهلل لهن‪ ،‬وال ترفعوهن َ‬
‫فوق‬
‫منزلتِ ِهن التي أمر بـها ربـهن فإن فعلتم فقد أضررتم بأنفسكم وهبن‪.‬‬
‫رفعت أحداً َ‬
‫فوق قدره‬ ‫َ‬ ‫‪« :‬إذا‬ ‫قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‬
‫رفعت منه»‪.‬‬
‫َ‬ ‫فتوقع منه أن يحط منك بقدر ما‬
‫فكونوا رحمكم اهلل كما ارادكم اهلل‪ ،‬وع ِّلموا زوجاتكم وأبناءكم‪ ،‬أن‬
‫إلخوانكم وأعمامكم وقراباتكم حقوقًا مشروعة‪ ،‬ال تسمحون بالمساس‬
‫هبا‪ ،‬وال قطع صالهتا‪ ،‬اغرسوا يف أبنائكم وبناتكم ونسائكم‪ ،‬حقوق بعضكم‬
‫على بعض‪ ،‬وما شرعه ربكم على لسان نبيكم‪ ،‬مما لكم وعليكم‪.‬‬
‫يحرتمون كبارهم‪ ،‬يسمعون لنصح بعضهم‪ ،‬وعندها تجدون األسرة‬
‫الصالحة المطمئنة‪ ،‬امنعوا صغاركم من التطاول على أعماهم وأجدادهم‬
‫يا عمر أما شعرت أن عم الر جل صنو أبيه‪.‬‬ ‫فإنـهم لهم آباء قال النبي‬
‫أيها العقالء‪ :‬امنعوا نساءكم من غيبة أقاربكم‪ ،‬وأعلموهن أنكم تحبون رد‬
‫اإلحسان باإلحسان ومقابلة الزلة بالغفران‪ ،‬لتشعر نساؤكم منكم شعور‬
‫المؤمنات بِ ُح َر ِم المؤمنين‪ ،‬وقوامة الرجال األكرمين‪ ،‬إياكم وسبهللة‬
‫الكافرين الساذجين‪،‬‬
‫‪2٠١‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫الذين ليس بينهم وبين نسائهم إال فارق الذكورة واألنوثة‪ ،‬كالفرق بين‬
‫ذكور البهائم وإناثها‪ ،‬لم تشم أنوفهم رائحة الرجولة‪ ،‬وال ذاقت مشاعرهم‬
‫غيرة رجال اإليمان‪،‬‬
‫ال تتنصلوا عن حقوق والديكم وأرحامكم‪ ،‬إرضاء للجاهالت من‬
‫زوجاتكم‪ ،‬الاليت يصبحن ويمسين ال يعرفن إال التلفزة والوا تساب‪ ،‬كونوا‬

‫كما أراد منكم ربكم‪ ،‬يف قوله العزيز‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ }[النساء‪]34 :‬‬

‫ع ِّظموا يف أعينهن حق والديكم وحقكم وحق أبنائكم‪ ،‬ولقنوا أهليكم أن‬


‫من أسباب تماسك األسرة تبادل الوفاء بينهم‪ ،‬فال يستغل الزوج ضعف‬
‫الزوجة أو ضعف أهلها‪ ،‬وال تستغل الزوجة فقر زوجها و َت َغ ُّير حاله‪ ،‬فتتنكر‬
‫لمعروفه‪ ،‬فاأليام دول والكفة تصعد وتنزل‪ ،‬فال يدوم الود إال بالوفاء‪.‬‬
‫وفيًا ألهله‪ ،‬فقد كان يذبح الشاة ويق ِّطعها‪ ،‬ثم يـبـعث‬ ‫كان نبيكم‬
‫لحمها يف صديقات خديجة‪ ،‬ويقول إهنا كانت وكانت‪.،‬‬
‫‪2٩٠‬‬

‫فع ِّلموهن أن حقوقكم ليست محصورة يف الطعام والشراب والزينة‬


‫واللباس واالهتمام بطعام األبناء ولباسهم فحسب‪ ،‬بل أعظم من ذلك‬
‫االهتمام بآداهبم وأخالقهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫تحث‬ ‫تحث أبناءها على بِ ّر أبيهم‪ ،‬وهي َمن‬
‫ّ‬ ‫إن المرأة الصالحة هي من‬
‫زوجها على بر والديه وصلة أرحامه‪ ،‬والر جل الصالح هو من يحث أوالده‬
‫على بر أ ّمهم ورحمتها‪،‬‬
‫ِ‬
‫فاغر ُسوا يف أهليكم أنكم تريدون العناية باألبناء عقيدة وخلقًا وآدابًا‬
‫وقيمًا‪ ،‬إياكم أن تغلبكم الجوانب المادية‪َ ،‬فتــُـنسيكم الجوانب الروحية‪،‬‬
‫فاألم ُت ِعدُّ وتخرج الرجال الكرام األبطال‪ ،‬وهذه األم البد لها من الر جل‬
‫المحرك لها‪ ،‬صاحب القوامة الرشيدة‪.‬‬
‫وكما قيل‪.‬‬
‫ِ‬
‫األعـراق‬ ‫أعددت شـعبًا طيـب‬ ‫األم مدرســـة َفـــإن أعـــددهتا‬
‫فمتى شعرت الزوجة الجاهلة أن َهم زوجها محصور يف طعامه وفراشه‪،‬‬
‫اقتبست منه طِباعًا وأخالقًا‪ ،‬فكانت أشد منه إهماال‪ ،‬وصار همها زينتها‬
‫ومنافسة مثيالهتا يف الموضات‪ ،‬وحينها تضيع األسرة وكأن أبناءها أيتام ال‬
‫مربي لهم وال ُم َو ِّجه‪.‬‬
‫‪2٩٩‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫كما قيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫القـرون األُولـى‬ ‫َقد َ‬
‫كان ذلك يف‬ ‫اليتيم الذي َقدْ َ‬
‫مات والـدُ ُه‬ ‫ليس‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ــت َأو َأبــًا مشـــغوال‬
‫ُأمــًا تخلـ ْ‬ ‫اليتـــيم الـــذي َتلقـــى لـــه‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫بعض نساء زماننا‪ ،‬أن كمالها وجمالها‪ ،‬تلوين الشفتين وصباغ‬
‫لقد ظنت ُ‬
‫الوجه وتنويع الثياب‪ ،‬وغاب عنها المنافسة يف جمال الروح وزينة العقل‬
‫وسمو األخالق وكثرة الحياء وتقواها لرهبا وأن ذلك أعلى جمالها وكمالها‪.‬‬
‫استحضر أيها المسلم الكريم دائمًا أن لزوجتك وابنتك وأختك قدوات‬
‫عظيمات‪ ،‬البد أن تذكّرها هبن‪ ،‬أمثال عائشة الصديقة وفاطمة بنت محمد‬
‫وأم ُسليم وخديجة بنت خويلد‪ ،‬وكثير ممن ِسرن على خطاهن من نساء‬
‫أمتنا الماجدات‪،‬‬
‫ل ُف ِّضــلت النســاء علــى الرجـ ِ‬
‫ـال‬ ‫ولـــو أن النســـاء كمـــن عرفنـــا‬
‫ِ‬
‫للهـــالل‬ ‫وال التـــذكير فخـــر‬ ‫فما التأنيث السم الشمس عيب‬
‫فإياكم أن تستبدلوهن بقدوات شرقيات أو غربيات أو الممثالت أو‬
‫الراقصات‪ ،‬فتستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وحينها تضي ُع األمانة‬
‫وتعظم الخيانة‪.‬‬
‫«كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول»‪.‬‬ ‫قال‬
‫وأستغــفر اهلل‪.‬‬
‫‪2٩2‬‬

‫الـخطبـة الـثــانيــة‬
‫الحمد هلل ذي ال جالل واإلكرام‪ ،‬له ِ‬
‫المنّة وله الفضل واإلنعام‪ ،‬أكرمنا‬
‫باإلسالم دين السالم والوئام‪ ،‬أمرنا ببذل الحقوق واالحرتام‪ ،‬وحرم علينا‬
‫قطيعة وهجران األرحام‪ ،‬والصلوات والربكات والسالم‪ ،‬على شفيع األنام‬
‫ومحمود المقام‪ ،‬محمد النبي األمي وعلى آله وأصحابه وخلفائه الكرام‪ ،‬هم‬
‫خير من صلى وصام‪ ،‬ووصل األرحام‪ ،‬وجانب القطيعة واآلثام‪.‬‬
‫أ ُّيها المسلمون الكرام‪ ،‬ولكي تزدادوا معرفة بفضل اهلل عليكم وعلى‬
‫البيوت المؤمنة‪ ،‬وما تنعم به من الروابط اإلسالمية الكريمة بين كل أفرادها‪،‬‬
‫وألن السعيد من ا ّتعظ بغيره‪.‬‬
‫فهذه نبذة نذكرها لكم عن حال األسرة المف ّككة المبعثرة يف بالد الغرب‬
‫وغيرها من بالد الكافرين البعيدين عن منهج رب العالمين ‪،‬‬
‫يعطف على‬
‫ُ‬ ‫كبيرهم ال‬ ‫بيوت منهكة مح ّطمة‪ ،‬أفرا ُد َها يف ِّ‬
‫كل واد يهـيمون‪ُ ،‬‬
‫كبيرهم‪ ،‬ماليي ُن منهم ال يعرفون آباءهم وال‬
‫يوقر َ‬
‫وصغيرهم ال ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫صغيرهم‪،‬‬
‫أنساهبم‪ ،‬بال ُد الغرب وما أدراك ما بال ُد الغرب‪ ،‬بالد من أفقر بقاع العالم‪ ،‬يف‬
‫القيَ ِم واألخالق والروابط االجتماعية والتعاليم الربانية والعفاف‬ ‫باب ِ‬

‫والعادات الحميدة‪.‬‬
‫‪2٩3‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫مل بعضهم من بعض‪ ،‬ونفر بعضهم عن بعض‪ ،‬فالتَمست نفوسهم أنيسًا‬


‫جديدا غير البشر‪ ،‬فلجأ بعضهم إلى اتخاذ أنيس وصديق من الكالب‪ ،‬ينام‬
‫معه ويأكل معه ويصحبه يف سيارته ورحلته‪.‬‬
‫فضلته على والديها‪ ،‬واالبن مع الصديقات‬
‫البنت قد اتخذت عشيقًا ّ‬
‫والخليالت والخمور والمخدرات‪ ،‬بيوت ُتـخرج أوالدا ال يعرفون حقًا‬
‫للوالدين وال إلخوان وال أعمام وال أخوال‪.‬‬

‫لم تطرق آذاهنم تعاليم فيها { ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬

‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ} [اإلسراء‪]24 -23 :‬‬

‫لم تسمع آذاهنم دينًا فيه { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ } [األحقاف‪]٩5 :‬‬

‫لم يسمع يف بيته وال مدرسته وال جامعته وال من زمالئه وال يف إعالم بلده‬
‫أن أحق الناس بالصحبة األم ثم األم ثم األم ثم األب‪.،‬‬
‫المال‪ ،‬قيم ُة المرأةِ عندَ هم أنها سلعة رخيصة‪ُ ،‬تستخدم‬
‫َ‬ ‫ُأ ّمـة ال تعبدُ إال‬
‫لجذب العمالء يف اإلعالم‪ ،‬أو ُتوضع صورها على السلع التجارية‪ ،‬أو عاملة‬
‫فندقية‪ ،‬أو مستقبلة سياحية‪ ،‬فإذا ذهب رونق شبابـها ون َِفدَ ت قواها وقل‬
‫نشاطها‪ُ ،‬رميت كما ُترمى الزباالت ال كرامة لها عند زوج وال ولد‪.،‬‬
‫‪2٩4‬‬

‫ولـهذا كثرت النداءات‪ ،‬وتعالت الصيحات‪ ،‬من النساء الغربيات‬


‫واألمريكيات‪ ،‬إلنقاذهن من جحيم حياة الحريات المزعومة عند أهل‬
‫اإلجرام‪ ،‬وطالبن بإرجاعهن إلى بيوهتن مع أطفالهن كما هي الحال يف‬
‫تكريم نساء أهل اإلسالم‪،‬‬
‫َفأل َفت بعض نساء الكفار يف ذلك ُكتُبًا ومنشورات وصحفًا وم جالت‪،‬‬
‫يذكرن فيها أن التجارب أثبتت لهن أن عودة المرأة إلى البيت وقرارها فيه‪،‬‬
‫هي الطريق الوحيدة إلنقاذهن وإنقاذ الجيل من التدهور والتفكك وصيانة‬
‫األسرة من الضياع والتشرذم‪ ،‬ومنهن من لجأن إلى االنتحارات‪ ،‬ومنهن من‬
‫اعتنقن دين اإلسالم‪،‬‬
‫وأخذن ُيخربن عما وجدن من السعادة العظيمة يف تعاليم اإلسالم‬
‫الحكيمة‪ ،‬وأهنن وجدن فيها أكرب غنيمة‪ ،‬و َين ُْحن على ما ذهب من األعمار يف‬
‫أحالم مزاعم الحريات العقيمة‪ ،‬و ُي َع ِّبرن عن غبطته ّن للمرأة المسلمة‬
‫الشريفة النظيفة بحيائها واحتشامها وحجاهبا وعفافها وصيانة المجتمع‬
‫المسلم لها بجعلها ملكة بيتها‪.‬‬
‫وأدركن بعد حين أهنن وقعن يف مصيبة الدعوة لتحريق المرأة‪.‬‬
‫ولقد ذكر بعض إخواننا المسلمين الدعاة الذين عاشوا يف تلك الديار‬
‫الغربية‪ُ ،‬ص َورا موحشة لما تعيشه األسرة الكافرة من تنافر وشتات بين‬
‫‪2٩5‬‬ ‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم‬

‫أفرادها‪ ،‬ففي المطاعم إذا أكمل الزوجان الطعام أخرج كل منهما حافظة‬
‫الدراهم ليدفع قيمة أكله وشربه وحده ال يجزي واحد عن صاحبه‪.‬‬
‫ويف بعض المحاكم خصومات بين بعضهم‪ ،‬فتجد زوجًا يشكو زوجته أو‬
‫العكس ألن اآلخر استخدم صابونه أو شيئًا من متاعه‪.‬‬
‫بَل إن من عجيب أمرهم ما حدث يف ألمانيا مع بعض المسلمين العرب‪،‬‬
‫حيث كان يسكن يف مكان له جيران منهم امرأة بلغت من الكِ َبر عتيا فإذا‬
‫مرت بجانبه حمل معها متاعها إلى بابـها وحين كرر هذا اإلحسان سألته من‬
‫ُيكافـئُك على عملك هذا؟‬
‫فقال‪ :‬ال أحد‪ ،‬وعاد لمعاملته لـها بالعون واإلحسان فألحـت عليه تسأله‬
‫مرة أخرى كيف له أن يعينها بال مكافأة وهل هو مدفوع إلعانتها من قِبل‬
‫أوالدها فسألها عنهم فقالت إن لي أحد عشر ولدا لم أر أحدا منهم منذ كذا‬
‫وكذا‪.‬‬
‫فقال ال أعرفهم قالت فمن ُيعطيك؟ قال أعمل المعروف ألجل اهلل وهو‬
‫الذي يجازيني‪ .‬فسألته عن هذه التعاليم‪ ،‬فأخربها أهنا من دين اإلسالم‬
‫فجعلت تسأله عن هذا الدين وهل ممكن لها أن تعتنقه؟ فقال نعم‪.‬‬
‫وأخذها عند بعض الدعاة إلى اهلل المسلمين يف مركز للدعوة فع ّلموها‬
‫فأسلمت وبعد ليلة أو ليلتين جاء أجلها فماتت على اإلسالم ولما علم‬
‫‪2٩6‬‬

‫أوالدها بموهتا جاءوا للميراث وتقاسموا أموالها ثم عزموا على دفنها‬


‫بمقابرهم فقال لهم الجار إهنا قد أسلمت قبل موهتا وماتت مسلمة فسندفنها‬
‫بمقابر المسلمين‪،‬‬
‫ولما جاءهم بشهادة إسالمها من المركز اإلسالمي وافقوا على دفنها مع‬
‫المسلمين بشرط أن يشرتي المسلمون منهم جثتها فباعها أوالدها بمبلغ‬
‫كبير من المال ودفع ذلك الثمن َمن حضر مِن المسلمين وأخذوها لِتُدْ َفن مع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫أيها المسلمون هل سمعتم يف مجتمعاتكم اإلسالمية الكريمة بر جل باع‬
‫أمه حتى وإن كان من العصاة والفساق فلن تجد مسلمًا يبـيع أمه وال أباه‪.‬‬
‫فاعتربوا يا أولي األبصار بمن يسميهم الناس أهل الحضارة كيف‬
‫يتعاملون مع الوالدين‪ ،‬تبًا لها من حضارة كافرة انعدمت فيها األخالق‬
‫والقيم حتى مع أقرب قريب والوالد والشفيق‪.‬‬
‫هذه األمة المخدوعة‪ ،‬التي انخدع هبا المخدوعون‪ ،‬وروج لها ال ُم َر ِّو ِ‬
‫جون‪،‬‬
‫تلك الشعوب ال تتعامل مع قريب وال بعيد‪ ،‬إال بالمادة الصرفة‪ ،‬فال إله‬
‫يعرفونه‪ ،‬وال نبيًا يحبونه ويتبعونه‪ ،‬وال دينًا يعتنقونه‪ ،‬سوى الدوالر‪ ،‬هو‬
‫همهم‪ ،‬وهو أملهم‪ ،‬وهم عبيده‪ ،‬له يوالون‪ ،‬وعليه يعادون‪ ،‬وبه يفرحون‪،‬‬
‫وعليه يحزنون‪.‬‬
‫‪2٩7‬‬

‫أحدهم يخنق ولده وهو يف السنة الخامسة من عمره‪ ،‬فلما قبضت عليه‬
‫ـم خنق ولده؟ فقال‪ :‬إنه أرهقني بتكاليف النفقة‪ ،‬فأصبح‬‫ِ‬
‫الشرطة وسألوه‪ ،‬ل َ‬
‫عنده بقاء الدوالر أحب من بقاء الولد‪.‬‬
‫فاحمدوا اهلل أ ُّيها المسلمون يا من أكرمكم اهلل بخير كتبه وأشرف رسله‬
‫وكونوا لذلك من الشاكرين‪ ،‬و ْليَ ُق ْم ُّ‬
‫كل فرد بما عليه من حقوق ألبويه‬
‫وقرابته وإياك أن تكون ممن يعدد ما هو له ويهمل ما عليه‪.‬‬

‫عباد اهلل { ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌ} [النحل‪]١٠ :‬‬

‫اللهم احفظ علينا دين االسالم ‪ ،‬اللهم اصلح نياتنا وذرياتنا ‪،‬‬
‫ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ‪ ،‬اللهم و ّفقنا لنصح الرعية‬
‫وأداء األمانة ‪ ،‬اللهم وفقنا لرب آبائنا وأمهاتنا وارزقنا بر أبنائنا‪......‬‬
‫‪‬‬
‫‪2٩8‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّي َئات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬ ‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ} [آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر األُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫أيها الناس لقد خلق اهلل اإلنسان فجعله يف هذه األرض خليفة وسخر له ما‬

‫سخر من الخليقة وكرمه فقال سبحانه { ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ } [اإلسراء‪]7٠ :‬‬
‫‪2٩١‬‬ ‫املخدرات واحلفاظ على العقل‬

‫وخلق الحيوانات والوحوش والدواب وجعل للبهائم السمع والبصر‬


‫وغيرها من الجوارح وكذلك اإلنسان؛‬
‫غير أن اهلل ميزك أيها اإلنسان بنعمة العقل الذي به تخرج عن سائر‬
‫الحيوان ولوال هذه النعمة لكان الشخص مجنونا من المجانين يعبث به‬
‫الصبيان وال فائدة بعد ذهاب العقل ال لليد وال للسان وال للسمع وال للبصر‬
‫وال غيرها‪،‬‬
‫إن فاقد العقل ال يعرف ربه وال يعرف عدوه من وليه ربما قتل أمه أو ولده‬
‫أو زوجته أو أحرق ماله أو تعرى من مالبسه ال يفرق بين الطهارة‬
‫والنجاسات وال بين المساكن النظيفة والقمامات‪ .‬وال بين محارمه من‬
‫النساء واألجنبيات وال بين جميل األلفاظ والقبيحات‪.‬‬
‫فربما خاطب امه كخطاب الزوجات‪ .‬وربما خاطب الزوجة خطاب‬
‫االمهات ‪ ،‬ال يميز االب الحبيب من الر جل الغريب‪.‬‬
‫المجنون ال قيمة له يف المجتمعات ال عند أقارب وال أباعد ال عند ولده‬
‫وال والده وال قريته وال قبيلته والسبب األوحد يف ذلك هو فقدان العقل‬
‫ومهما كان جميل الصورة طويل القامة صحيح البدن فإن تلك القوى‬
‫واألعضاء بدون العقل تعد ال شيء‬
‫أيها الكرام إن فقد العين أو اليد أو الر جل أو النطق أو السمع ال يخرج‬
‫صاحبه من عداد العقالء النبالء بل كم من أعمى كان عالمًا فاهمًا وكم من‬
‫‪22٠‬‬

‫أعرج كان له شأن وكم من أبكم فاقد النطق كان له شأن يف تجارة أو صناعة‬
‫أو مواهب إبداعية أو اخرتاعية ورب مشلول كان مفكرا بعقله يقود دولة أو‬
‫جيشا ‪،‬‬
‫ولكن ايها المؤمنون ان الرزية كل الرزية هي فقدان العقل بصنع يد‬
‫صاحبه حين جانب شكر النِّعمة وسلك سبيل جلب النقمة‪،‬‬
‫إن من سلمت له جميع أعضائه وأطرافه وقد افتقد العقل ال يمكنه القيام‬
‫بالعبادات‪ ،‬وال يحسن المعامالت‪ ،‬وال ينتج الصناعات ولو ال إنعام اهلل على‬
‫البشر هبذا العقل لكانوا كالوحوش يف الغابات ال يعرفون نظام الحياة ولما‬
‫رأينا السيارات وال الطائرات وال المباين الشاهقات وال األجهزة الحديثة‬
‫وما فيها من العجائب المدهشات‪،‬‬
‫قال عباد المنقري ¬‪ « :‬لو كان العقل ِعلقًا ُيــشرتى لتغالى الناس يف‬
‫شرائه فالعجب من أقوام يشرتون بأموالهم ما يذهب بعقولهم »‪ .‬صدق‬
‫رحمه اهلل‬
‫تنبهوا لهذه الجملة العظيمة وهي قوله‪ :‬فالعجب من أقوام يشرتون‬
‫بأموالهم ما يذهب بعقولهم‬
‫فاحمدوا اهلل ربكم على جزيل الهبات واشكروه على ما ميزكم به عن‬
‫البهائم والحيوانات‪ ،‬وحافظوا على عقولكم أشد من حرصكم على سواد‬
‫عيونكم‪ ،‬وجنبوها ما ُيفسدها من قاذورات الخمور والمخدرات‪.‬‬
‫‪22٩‬‬ ‫املخدرات واحلفاظ على العقل‬

‫قال ابن الوردي‪:‬‬


‫كيف يسعى يف جنون مـن َع َقـل‬ ‫واهجــر الخمــرة إن كنــت فتــى‬
‫يتعوذ بربه سبحانه من زوال النعمة وحلول النقمة‬ ‫وقد كان النبي‬
‫فيقول «اللهم إين أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك‬
‫«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة‬ ‫وجميع سخطك» وقال‬
‫والفراغ» رواه البخاري‬
‫أال وإن أعداءنا يتمنون زوال النعم عنا ويسعون بكل جهد إلى غزونا يف‬
‫عقولنا فروجوا للخمور والحشيش والمخدرات و َأعَدُّ وا لرتويجها مواقع‬
‫ِعدة وقنوات‪،‬‬
‫وذللوا المصاعب والعقبات لوصولها إلى الشباب والشابات‪ .‬كي يقضوا‬
‫على عقول أجيالنا ما استطاعوا إلى ذلك سبيال‪ .‬فتخرب بسبب ذلك بيوت‬
‫وتتشتت أسر و ُتطلق نساء وتقتل نفوس بريئة وتنتشر البطالة يف الشباب‬
‫فيسهرون الليل وينامون النهار يبغضون العمل وسيماهم الملل فتنشأ‬
‫العصابات وتكثر السرقات‪.‬‬
‫وترى بعينك شبابا أمراضًا يف األسواق والطرقات وقد كانوا قبلها أصحاء‬
‫ومحط أمل األمهات واآلباء ‪ ،‬فإذا هبم قد ُقيدت أيديهم أو أقدامهم‬
‫بالسالسل وعادت إلى أهلها نساؤهم وضاع أطفالهم‪ ،‬يفرتش أحدهم‬
‫‪222‬‬

‫الرتاب أو الكراتين ونومه على أبواب الدكاكين {ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬

‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ } [النحل‪]33 :‬‬

‫وليس بخاف عليكم انتشار المخدرات يف هذه األيام وما نتج عن تعاطيها‬
‫من مصائب قتل وغيرها مما زاد يف السجون من ضحايا المخدرات‪.‬‬
‫فيا أيها العقالء حصنوا أنفسكم وأبناءكم وبيوتكم من خراب الدنيا‬
‫واآلخرة قبل وقوع الندم‪.‬‬
‫ولهذا فإن الشريعة االسالمية الغراء قد جاءت بحماية كيان األمة من‬
‫مزالق األخطار فأوجبت حماية الضروريات الخمس وهي النفس والعقل‬
‫والدين والمال والعرض وحرمت ما يضر ذلك‪ .‬وإن مِن ِحفظ اهلل الحكيم‬
‫لعقلك‬

‫أيها المسلم الكريم أن حرم عليك المسكرات فقال سبحانه { ﭑ ﭒ‬

‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ }[المائدة‪]١٩ – ١٠ :‬‬

‫‪« :‬إن اهلل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها‬ ‫وقال نبينا‬
‫وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها»‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫املخدرات واحلفاظ على العقل‬

‫عن شراب‬ ‫ويف صحيح مسلم أن ر جال قدم من اليمن فسأل النبي‬
‫« َأ َو ُم ْسكِر ُه َو» قال‬ ‫يشربونه بأرضهم من الذرة ُيقال له المزر فقال النبي‬
‫«كل مسكر حرام إن على اهلل عهد ًا لمن يشرب المسكر‬ ‫نعم فقال النبي‬
‫أن يسقيه من طينة الخبال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار»‪.‬‬

‫أم الخبائث واهلل يقول {ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫بل سماها النبي‬

‫ﮈ ﮉ ﮊ }[األعراف‪.]٩57 :‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ « :‬إن الحشيشة حرام ُيحد متناولها كما ُيحد‬
‫شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أهنا تفسد العقل والمزاج حتى‬
‫يصير يف الر جل دياثة وغيرها من الفساد »‪ .‬اهـ‬
‫ولخبث المسكرات وما تجنيه على شاربيها من الويالت والندامات وما‬
‫تغمسهم فيه من الخبائث والمنكرات‪ ،‬فقد حرمها العقالء على أنفسهم حتى‬
‫يف زمن الجاهلية قبل نزول القرءان ترفعًا منهم عما ال يليق بعقولهم ولِ َما‬
‫َر َأو ُه من شاربيها من السفاهة والدناءات وسقوط المروآت‬
‫وعثمان بن عفان وورقة بن نوفل‬ ‫فمن هؤالء أبو بكر الصديق‬
‫يف زمن‬ ‫وعباس بن مرداس وقيس بن عاصم فقد رأى أبو بكر الصديق‬
‫الجاهلية ر جال قد سكر فجعل يأخذ الغائط (النجاسة) ويقربه إلى فيه فإذا‬
‫شم رائحتها ردها‪،‬‬
‫‪224‬‬

‫فقال أبو بكر إن هذا ال يدري ما الذي يفعله فحرم حينها الخمرة على‬
‫نفسه‪.‬‬

‫وسئل عباس بن مرداس لماذا حرمت الخمر على نفسك قال ُأ ُ‬


‫صبح سيد‬
‫قومي وأمسي سفيههم فال واهلل ال أشرب شيئًا ُيذهب علي عقلي أبدا‪.‬‬
‫وهكذا قيس بن عاصم المنقري لما شرهبا وسكر قام إلى ابنته فهربت منه‬
‫فلما أفاق من سكرته سأل عنها فأخربوه بما حصل منه فحرم الخمر على‬
‫نفسه‬
‫ثم أنشد يف ذلك قوله‪:‬‬
‫خصال تفضح الـر جـل الكريمـا‬ ‫وجــدت الخمــر منقصــة وفيهــا‬
‫وال أدعـــو لهـــا أبـــدا نـــديما‬ ‫فـــــال واهلل أشـــــرهبا حيـــــايت‬
‫وال أشـــفي هبـــا أبـــدا ســـقيما‬ ‫وال أعطـــي لهـــا ثمنـــا حيـــايت‬
‫طوالــع تســفه الــر جــل الحليمــا‬ ‫إذا دارت حمياهــــــا تعلــــــت‬
‫ز وقال أبو الحسن من أهل البصرة أخربين ر جل أنه رأى يف منامه أن اهلل قد‬
‫غفر ألهل عرفات إال ر جل من أهل كذا وكذا قال الر جل فأتيت مضارهبم‬
‫فسألت عنه حتى لقيته فأخربته بما رأيت وقلت له أخربين بذنبك فقال كنت‬
‫أتعاطى الشراب المسكر وكانت والديت تنهاين فأتيت يومًا وأنا سكران‬
‫فأن َك َرت علي أمي فحملتها حتى وضعتها يف التنور وهو مسجور‪ .‬فاعتربوا‬
‫بأحوال السكارى اإلجرامية‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫املخدرات واحلفاظ على العقل‬

‫إنه لمن العجب العجاب أن يتنزه رجال يف الجاهلية الحمراء يف زمن ال‬
‫نبي فيه وال عالم ُيع ّلم فيرتفعون عن تعاطي المسكرات المذهبات للعقول‪.‬‬
‫بل إن المجتمعات الكافرة الساقطة يف وحل المعاصي والفجور يف عصرنا‬
‫الحاضر قد قرروا القوانين لمحاربة المخدرات ويؤدبون بائعها وشاريها‬
‫وشارهبا بأنواع من العقوبات لزجره عما ُيذهب عقله ويضر مجتمعه‬
‫فإهنم يذكرون أن َمن أدمن هذه الحبوب واستمر عليها يصل بعد حين إلى‬
‫مرحلة الجنون ويفتقد عقله كليًا فلذلك حاربوها أشد الحرب‪.‬‬

‫قال اهلل سبحانه وتعالى‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} [التين‪]٩8 :‬‬

‫وأستــغــفر اهلل‪.‬‬
‫‪226‬‬

‫الـخطبــة الـثـانـيــة‬
‫الحمد هلل رب العالمين حمدا كثيرا طيبًا على نعمه العظيمة‪ ،‬خلقنا يف‬
‫أحسن تقويم‪ ،‬وجعل لنا العقول الفهيمة‪ ،‬وفضلنا بالعقل على كل هبيمة‪،‬‬
‫فبهذا العقل أصبحت للعبد قيمة‪ ،‬وشؤون أهله باستعماله مستقيمة‪ ،‬وصالة‬
‫السبل‬
‫اهلل وسالمه على نبينا محمد جاءنا بالشريعة القويمة وهنانا عن ُ‬
‫الوخيمة‪ .‬وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان‪.‬‬
‫أيها المؤمنون أال وإن هناك أسبابا أدت إلى وقوع بعض الناس يف ورطة‬
‫المخدرات‪.‬‬
‫نذكرها لتجتنبوها وجتنبوها أبناءكم‪.‬‬
‫السبب األول‪ :‬وجود الفراغ عند بعض الشباب‪ .‬مع توفر المال وإهمال‬
‫الراعي فلما افتقدوا المربي المحافظ على أعمارهم من الذهاب يف البطالة‬
‫واأللعاب وشغل أوقاهتم بما ينفع وجدهم الشيطان وجنو ُده أرضًا خصبة‬
‫فارغة من الزرع فزرع فيهم الحنظل واألشواك والسموم‪.‬‬
‫وكما قيل‪:‬‬
‫مفســـدة للمـــرء أي مفســـدة‬ ‫إن الشــباب والفــراغ والجــدة‬
‫وما اجتمعت هذه الثالث يف شخص إال َف َسدَ َو َأ ْف َسدَ وصارت حياته‬
‫ظلمات بعضها فوق بعض ومن لم يجعل اهلل له نورا فماله من نور‪،‬‬

‫قال اهلل‪ { :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }‬


‫[المؤمنون ‪]٩٩5‬‬
‫‪227‬‬ ‫املخدرات واحلفاظ على العقل‬

‫السبب الثاني‪ :‬عدم التوعية الصحيحة فربما مر على بعض الشباب الشهر‬
‫ِ‬
‫بالحكم‬ ‫والشهران لم ي جلس معه أبوه ال جلسة الواحدة للتوعية‬
‫والتجارب وتقلبات األحوال وحثهم على ما ينفع وتحذيرهم مما يضر‬
‫وغرس العقيدة والقيم يف نفوسهم‪ .‬وحب الخير والفضيلة وكراهية الشر‬
‫والرذيلة‪.‬‬
‫وإنما َه ُّم أبيهم أن يؤكلهم ويشرهبم فيسمنهم كما ُتسمن الكباش بَدَ نيـًا‬
‫وتعطلوا فكريًا‪.‬‬
‫ولهذا كان استعمار عدونا لألفكار أشد خطرا من استعمار الديار فال بد‬
‫أن يدرك اآلباء واألمهات أن األبناء اليوم َت ُ‬
‫طرق آذاهنم وتمر على أبصارهم‬
‫مئات المعلومات من سيول اإلعالم الجارفات وال بد بالمقابل أن نص ّفي‬
‫أذهاهنم وأفكارهم مما علق هبا من تلك الشهوات والشبهات‪.‬‬
‫وإن لم نفعل فإهنم سيصبحون صيدا للناعقين والناعقات وسنندم ولكن‬
‫بعد الفوات‪.‬‬
‫«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»‪.‬‬ ‫قال‬
‫وقال أيضًا ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية يموت يوم يموت وهو غاش‬
‫لرعيته إال حرم اهلل عليه الجنة‪ .‬فاجعلوا ألبنائكم حظًا من أوقاتكم‬
‫ومحادثاتكم فهم إلى ذلك أحوج مما تعطوهنم من أموالكم‪.‬‬
‫‪228‬‬

‫السبب الثالث‪ :‬ضعف الوازع اإليماين يف القلوب‪ .‬وقلة الخوف من عالم‬


‫الغيوب‪ .‬وذلك بالبعد عن الذكر والمذكرين ومصاحبة الصالحين‪.‬‬
‫فإن قوة اإليمان باهلل صمام أمان يردع صاحبه عما ال يرضي اهلل‪.‬‬
‫السبب الرابع‪ :‬اإلعتقاد بأن المخدرات ت جلب السرور والراحة فانخدع‬
‫هبذا بعض الغافلين بسبب استماعه إلى الدعايات المضللة التي ُتصطنع‬
‫للرتويج للمخدرات وسحب الشاب المسكين إلى جحيمها‪.‬‬
‫السبب اخلامس‪ :‬قرناء السوء‪ .‬فالصاحب ساحب فانظر جلساء ولدك وما‬
‫أخالقهم وما هو توجههم فإن المرء على دين خليله والطيور على أشكالها‬
‫تقع‪.‬‬
‫وكم من شاب عفيف كان ذا خلق عال ودين قوي ألقى به أبوه بين‬
‫الغاوين والفاسقين لطلب شيء من حطام الدنيا فأجربوه بجرهبم وأشربوه‬
‫من كأسهم‪:‬‬
‫إيــاك إيــاك أن تبتــل بالمــاء‪.‬‬ ‫ألقاه يف الـيم مكتوفـًا وقـال لـه‬

‫{ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ}‬
‫[التحريم‪]6 :‬‬

‫{ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ } [اإلسراء‪]36 :‬‬
‫‪22١‬‬

‫فيا أيها المسؤولون إنكم غدا بين يدي ربكم عن رعيتكم لمسؤولون فما‬
‫عساكم تجيبون ويا أيها المدرسون قوموا بتوعية تالميذكم الذين هم‬

‫أماناتكم وإنكم عن األمانة لمسؤولون { ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬

‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ } [النور‪]3٩ :‬‬

‫{ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ } [البقرة‪]28٩:‬‬

‫{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ }‬
‫[المائدة‪]١٩ – ١٠ :‬‬

‫اللهم اصرف عنا وعن مجتمعنا المسكرات والمخدرات‬


‫اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها‬
‫معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا يف كل خير‬
‫واجعل الموت راحة لنا من كل شر‪.‬‬
‫اللهم انا نسالك العافية يف الدنيا واآلخرة‪...‬‬

‫‪‬‬
‫‪23٠‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم ْن َس ِّيئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫اهلل َو َسل َم عليه وعلى آلِ ِه األَ ْب َر ِار‪ ،‬و َأ ْص َحابِه األَ ْخ َيار‪.‬‬ ‫َصلى ُ‬
‫{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬

‫{ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2:‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪,‬‬
‫‪َ ،‬و َشر ْاألُ ُم ْو ِر‬ ‫ِ‬
‫فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخيْ َر َ‬
‫الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ار‪...‬‬ ‫ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي الن ِ‬

‫أَمَّا بَعْدُ‪ :‬فإن اهلل تبارك وتعالى أرسل ُر ُس َله‪ ،‬وأنزل ُكتُبه إلى عبادِه‪،‬‬
‫نار ِه العظيمة‪ ،‬وما فيها من األهوال الجسيمة وأصناف العذاب‬ ‫وحذرهم من ِ‬
‫‪23٩‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫األليمة‪ ،‬فقال يف آياتِ ِه الحكيمة‪ { :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ }[الليل‪،]٩4٩6 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ }[آل عمران‪ ،]٩3٩ :‬وقال‪:‬‬

‫{ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ}‬
‫‪َ :‬أن َْذ ْر ُت ُك ُم‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫[التحريم‪ ،]6 :‬وعن النُّعمان بن بشير‬
‫َان فِي َم َقامِي َه َذا َس ِم َع ُه َأ ْه ُل‬
‫الن َار‪َ ،‬أن َْذ ْر ُتك ُُم الن َار ‪َ ،‬ف َما َز َال َي ُقو ُل َها َحتى َل ْو ك َ‬
‫وق‪َ ،‬و َحتى َس َق َط ْت َخميصة كَان َْت َع َليْ ِه ِعنْدَ ِر جليْه‪ .‬روا ُه الدارمي‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫ُّ‬
‫واعلموا أن النار من المغيــبات التي يوقن هبا أهل اإليمان‪ ،‬وينكرها أهل‬
‫ال ُكفران؛ ولهذا تكرر ذكرها يف الكتاب العزيز مرارا‪ ،‬ليزداد ال ُمتقون منها‬
‫فرارا؛ وتنزجر نُفوس الخائفين عن المعاصي انزجارا‪،‬‬
‫تمر بك الورقة والورقتان يف ال ُقرآن إال وفيها التذكير بالنار لكي‬
‫فال تكاد ُّ‬
‫يشرتي نفسه من عذاب اهلل كل مؤمن رشيد؛ { ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬

‫ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ } [آل عمران‪.]٩85 :‬‬


‫أ ُّيها الناس‪ ،‬إن النار ُيؤتى هبا يوم القيامة‪ ،‬ولها سبعون ألف زمام مع‬

‫ك ُِّل زمام سبعون ألف ملك ُّ‬


‫يجروهنا { ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫‪232‬‬

‫ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ }[الفجر‪.]26-2٩ :‬‬

‫{ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ }[الشعراء‪ { ،]١٩ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ }[الفرقان‪،]٩4-٩2 :‬‬

‫{ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ}‬
‫[الكهف‪.]53 :‬‬

‫أي أيقنــوا هبا { ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬

‫ﭧ ﭨ ﭩ }[الرحمن‪،]44-43:‬‬
‫وأما ُد ُخول أهلها فيها؛ فإنهم ُيدفعون إليها دفعًا رغمًا عنهم وهم‬

‫كارهون {ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫ﯺﯻﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ }[الطور‪،]٩6-٩3 :‬‬
‫فتدفعهم المالئكة إليها بعنف ِ‬
‫وشدة { ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬

‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[مريم‪]86-85:‬؛‬
‫‪233‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫وهم كارهون { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫فيُساقون إليها ُ‬

‫ﭖ ﭗ }[الرحمن‪ { ،]4٩ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬

‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ }[القمر‪]48-47 :‬‬

‫عباد اهلل لقد دلت األحاديث النبوية على أن أجساد أهل النار كبيرة‬
‫ضخمها اهلل حتى يكون ما بين منكِبَي الكافر يف النار مسيرة ثالثة أيام‬
‫ُي ِّ‬
‫للراكب السريع؛ وأما ضرسه يف النار‪ ،‬فهو كجبل ُأ ُحد‪ .‬فكيف برأس فيه نحو‬
‫من ثالثين ِسنًا كأنها الجبال؛‬
‫وأما مقعده يف النار فكما بين مكة والمدينة‪ ،‬وعرض جلده فيها سبعون‬

‫ذراعًا قال اهلل سبحانه‪ { :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ}‬
‫[النساء‪،]56 :‬‬
‫واعلم أن هذه األجساد لها يف النار ثياب ومهاد‪ ،‬ولهم فيها طعام وشراب‪،‬‬

‫فقد قال تعالى‪ { :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ}‬


‫[المزمل‪.]٩3:‬‬

‫طعامهم فيها الز ُّقوم قال –تعالى‪ {:‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬

‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ } [الدُّ خان‪،]46-43 :‬‬


‫‪234‬‬

‫وقال‪ { :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬

‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}‬
‫[الصافات‪]67-62 :‬‬

‫{ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ}[الغاشية‪،]7-6 :‬‬
‫والضريع‪ :‬شجر ذو شوك أليم يطعمون به طعام إيالم وتعذيب وتنكيل‪ ،‬فهو‬
‫ال ي ِ‬
‫سمن األبدان‪ ،‬وال يدفع عنهم مرارة الجوع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫هذا وإن ألهل النار شرابًا من الصديد وهو القيح مع الدم السائل من‬

‫أجساد أهل النار‪ .‬قال اهلل سبحانه‪ { :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬

‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ }[إبراهيم‪،]٩7-٩6 :‬‬
‫تستسيغ النُّ ُفوس ل ُه شمًا‪ ،‬فكيف‬
‫ُ‬ ‫ُيس َقون من قيح خبيث كريه الرائحة ال‬
‫بشربِه‪ ،‬ولكن أهل النار ُير َغمون عليه‪ ،‬وتقمعهم المالئكة بمقامع من حديد‬
‫ُ‬
‫لو أن أحدا اليوم وضع شيئًا من ُه يف فمه ألوشكت كَبِدُ ُه أن تخرج‪ ،‬و َم ِعدَ ُته أن‬
‫ترجع إلى َف ِمه‪ ،‬ولكن ُهم هناك ال راحم لهم وال ُم ِنقذ من تلك الويالت‬
‫والمن ِّغصـات أعاذنا اهلل منها‪،‬؛‬
‫ُ‬
‫‪235‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫وربما اشتهوا الماء؛ فيستغيثون هناك للماء‪ ،‬فيُغاثون بماء حميم يف ِشدة‬
‫ُ‬
‫الحرارة‪ ،‬فإذا وصلهم الماء‪ ،‬سقطت جلود وجههم من ِشدة حرارتِه قال اهلل‬

‫تعالى‪ { :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ‬

‫ﮐ ﮑ }[الكهف‪،]2١ :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬

‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ }[ص‪]6٩-55:‬؛‬

‫وإن ألهل النار ثيابًا ُتقطع لهم لتزيد حريق جلودهم قال اهلل‪{ :‬ﮤ‬

‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪ}[الحج‪]22-٩١ :‬؛‬
‫الضعفاء‬
‫أال وإن ُه من خزي أهل دار البوار أن يتالعن فيها أهلها‪ ،‬ويلوم ُّ‬
‫منهم أهل االستكبار‪ ،‬و ُيذكِّروهنم بمكر الليل والنهار‪ ،‬ويسأل أهل النار من‬
‫ربِّهم أن ُيضاعف العذاب للسادة وال ُكرباء‪ ،‬وأن يلعنهم لعنًا كبيرا‪،‬‬
‫‪236‬‬

‫قال اهلل‪ { :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ‬

‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ}[األحزاب‪.]68-64:‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬

‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ }[األعراف‪،]3١-38 :‬‬

‫وقال سبحانه‪{:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢ ﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ}[غافر‪.]5٠-47:‬‬
‫‪237‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫هناك يف النار يتربأ كل قائد إلى الباطل‪ ،‬ودا ِع إلى الباطل كل داع إلى‬
‫الفسق إلى محادة شرع اهلل يتربأ مِ ْن َمن اتب ُعوه؛ فيتمنى‬
‫ال ُكفر‪ ،‬وكل داع إلى ِ‬

‫األتباع أن لهم كرة ليتربأوا من كُربائهم‪ ،‬وال يتبعون إال الحق‪ ،‬ولكن هيهات؛‬

‫قال اهلل تعالى‪ { :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ }[البقرة‪،]٩67-٩66 :‬‬
‫وهناك يسألهم خزنة النار‪ ،‬عن حياة اللهو واالغرتار‪ ،‬ألم تسمعوا يف‬
‫حياتكم نصح الناصحين؟ ألم توعظوا من قبل الواعظين؟ ألم ُينذركم‬
‫الر ُسل وأتباعهم من الصالحين‪ ،‬بأن أمامكم نار لها زفير وشهيق؛ فيعرتفون‬
‫ُّ‬
‫بأن ُه بلغهم النذير‪ ،‬ولكن غلبت عليهم غفلتهم ومعاصيهم؛‬

‫رب العالمين سبحانه‪ {:‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬


‫قال ُّ‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ}[الملك‪،]٩٩-8:‬‬

‫وقال سبحانه‪{ :‬ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ‬
‫‪238‬‬

‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ}‬
‫[المؤمنون‪.]٩٩٩-٩٠4‬‬
‫المستمعون‪ ،‬أال وإن مما يزيد أهل النار كمدا وغيظًا إلى غيظِهم‪ ،‬ما‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫يعلمونه من حال أهل الجنة يف نعيمهم وملذاهتم‪ ،‬فيتساءلون بينهم؛‬

‫قال اهلل‪ {:‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬

‫ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢ‬
‫ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ }[المد ِّثر‪،]45-38 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ {:‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈﰉﰊ ﰋ}‬
‫[األعراف‪.]5٩-5٠ :‬‬
‫أعاذنا اهلل وإياكُم من النار‪ ،‬ووقانا عذاب السموم‪.‬‬
‫وأسـتــغــفر اللـه‪.‬‬
‫‪23١‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫الـخـطبـة الـثـانيـــة‬
‫الحمد هلل العزيز الحميد ذي العرش المجيد‪ ،‬والبطش الشديد الفعال لِ َما‬
‫َفسه‪ ،‬ومن أساء فعليها وما ر ُّبك بظالم للعبيد‪.‬‬‫يريد‪ .‬من َع ِم َل صالِحًا فلن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬
‫جد ُه ال ُفجار‪ ،‬من ُصنُوف التعذيب والتحريق‬ ‫َأ ُّي َها المؤمنون إن ُه لِ ِشدة ما َي ِ‬
‫ُ‬
‫والخزي والعار ُيصبح الموت عندهم ُأمنية يتمنوهنا‪ ،‬وقد كانوا يف الدُّ نيا‬ ‫ِ‬

‫يفتدون من الموت بِ ُك ِّل ما يملِكون و َي ِف ُّرون من ُه؛ فأصبح عندهم يف جهنم‬


‫مطلبًا عظيمًا لو وجدوه؛ فيُنادون بأن يقضي اهلل عليهم؛‬

‫{ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ }[الزخرف‪]78-77 :‬‬

‫الحق وسمعتُم بالدِّ ين الحق‪ ،‬وحالله وحرامه‪ ،‬ولكن أكثركم‬


‫لقد جاءكم ُّ‬
‫للحق كارهون يكرهونه‪ ،‬وهم يعلمون أن ُه من عند اهلل‪.‬‬
‫ِّ‬
‫هذا وإن من أشدِّ الحسرات على الكافرين والكافرات يوم ُينادى عليهم‬
‫بالخ ُلود يف التعذيب أن ُه ال ممات‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال‪ :‬قال رسول‬ ‫خدري‬ ‫فقد روى البُخاري و ُمسلم عن أبي سعيد ال ُ‬
‫الجن ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ :‬ي ْؤتَى بِالْ َم ْوت ك ََه ْيئَة َك ْبش َأ ْم َل َح‪َ ،‬ف ُينَادي ُمنَاد‪َ :‬يا َأ ْه َل َ‬ ‫اهلل‬
‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ه َذا ال َم ْو ُت‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬ه ْل َت ْعرِ ُفو َن َه َذا؟ َف َي ُقولُ َ‬ ‫َف َي ْش َرئِبُّو َن َو َينْظُ ُر َ‬
‫ون‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ه ْل‬ ‫ار‪َ ،‬فيَ ْش َرئِ ُّبو َن َو َينْظُ ُر َ‬
‫ون‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َو ُك ُّل ُه ْم َقدْ َرآ ُه‪ُ ،‬ثم ُينَادِي مناد‪َ :‬يا َأ ْه َل الن ِ‬
‫‪24٠‬‬

‫الجن ِة‬
‫الم ْو ُت‪َ ،‬و ُك ُّل ُه ْم َقدْ َرآ ُه‪َ ،‬ف ُي ْذبَ ُح بَيْ َن َ‬
‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ه َذا َ‬
‫ون َه َذا؟ َف َي ُقولُ َ‬ ‫َت ْعرِ ُف َ‬
‫الجن ِة ُخ ُلود َفال َ َم ْو َت؛‪.‬‬
‫ول‪َ :‬يا أَ ْه َل َ‬ ‫والن ِ‬
‫ار‪ُ ،‬ثم َي ُق ُ‬

‫َو َيا َأ ْه َل الن ِ‬


‫ار ُخ ُلود َفال َ َم ْو َت‪ُ ،‬ثم َق َر َأ‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }[مريم‪َ ،]3١ :‬و َأ َش َار بِيَ ِدهِ إِلَى الدُّ ْنيَا»؛‬


‫قطعوا آمالهم من الخروج منها؛ فال موت وال ُ‬
‫دخول إلى الجنات قال‬

‫رب األرض والسماوات { ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬


‫ُّ‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ }[األعراف‪ { ]4٩-4٠ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ }[االنفطار‪.]٩6-٩4 :‬‬
‫حرها شديد‪ ،‬ومقامعها من حديد‪ ،‬وقعرها‬ ‫نار اهلل فيها غضبه وسخطه ُّ‬
‫قال‪ُ « :‬ذكِ َر َلنَا َأن ا ْل َح َج َر‬ ‫بعيد‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن ُعتبة بن غزوان‬
‫ي ْل َقى مِن َش َف ِة جهنم‪َ ،‬فيه ِوي فِيها سب ِعين عاما‪َ ،‬ال يدْ ِر ُك َلها َقعرا‪ ،‬وواهللِ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ألن »{ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ}[ق‪.]3٠:‬‬
‫َلت ُْم َ َ‬
‫وح ِر ُموا لذة الـ ُمنى‬
‫‪ « :‬دار قد خص أهلها بالبعاد؛ ُ‬ ‫قال ابن الجوزي‬
‫واإلسعاد‪ُ ،‬بدِّ َلت وضاءة وجوههم بالسواد؛ َو ُض ِر ُبوا بمقامع أقوى من‬
‫األطواد عليها مالئكة غالظ شداد لو رأيتهم يف الحميم يسبحون‪ ،‬وعلى‬
‫‪24٩‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫الزمهرير ُيطرحون؛ فحزهنم دائم فما يفرحون‪ ،‬ومقامهم محتوم فما‬


‫يربحون »‪.‬اهـ‪.‬‬

‫قال اهلل سبحانه‪ {:‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ}‬


‫[المدثر‪]2١-27:‬‬

‫وأقسم الجبار أنها من العظائم الجسام‪ ،‬واألهوال الكبار؛ فقال‪ {:‬ﯫ‬

‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ }[المد ِّثر‪.]37-32 :‬‬
‫المسلمون‪ ،‬إن النار ُمتوعد هبا شارب الخمر‪ ،‬وقاطع الر ِحم‪،‬‬ ‫أ ُّيها ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بالسحر‪ ،‬والمنان والنمام يف النار‪،‬‬
‫والمصدِّ ق ِّ‬ ‫وآك ُل ِّ‬
‫الربا‪ ،‬والعاق ل َوالديه‪ُ ،‬‬
‫‪ { :‬ﮂ ﮃ ﮄ‬ ‫وكانز األموال بغير زكاة قال‬

‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[التوبة‪.]35-34 :‬‬
‫والذين يأكلون حقوق األيتام من مواريث أو معاشات‪ ،‬أو معونات‬

‫قليالت كانت أو كثيرات‪ ،‬أو ما ُيسمى بالضمانات قال اهلل سبحانه‪ {:‬ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ }[النساء‪،]٩٠ :‬‬
‫‪242‬‬

‫والمختلس للحرام يف النار‪ ،‬وأيما جسم‬ ‫والكاسيات العاريات يف النار‪ُ ،‬‬


‫نبت من سحت؛ فالنار أولى به‪ ،‬والم ِ‬
‫ستخف بالدِّ ماء المعصومة يف النار قال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلل‪ { :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[النساء‪،]١3 :‬‬
‫ودخلت امرأ ُة النار يف ِهرة حبستها حتى ماتت‪ ،‬وقاطع الصالة يف النار‪،‬‬

‫فقد أخرب اهلل أن أهل النار ُي ْسألون { ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ‬

‫ﰟﰠﰡﰢﰣﰤﰥﰦﰧﰨﰩﰪﰫ‬
‫ﰬﰭﰮﰯﰰﰱﰲﰳ} ُ‬
‫[المد ِّثر‪،]47-42 :‬‬
‫والمؤمنات بتشويه أعراضهم المصونات‪ ،‬وتت ُّب ِع‬
‫ُ‬ ‫ومن آذى المؤمنين‬
‫العورات وزرع البغضاء‪ ،‬والمشاحنات ُسلط عليه يف النار العقارب‬
‫والحيات؛‬
‫احل كَس ِ‬ ‫جبابا فِي ك ُِّل جب س ِ‬ ‫ِ‬
‫اح ِ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫فعن يزيد بن شجرة قال‪ « :‬إِن ل َج َهن َم َل ِ َ‬
‫ار ُب كَا ْلبِ َغ ِ‬
‫ال الد ْل ِم‪َ ،‬فإِ َذا َس َأ َل َأ ْه ُل‬ ‫خاتِي‪َ ،‬و َع َق ِ‬ ‫يه َه َوام‪َ ،‬و َحيات كَا ْلبَ َ‬ ‫ا ْلبح ِر فِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِّ‬
‫احلِ؛ َفتَأْ ُخ ُذ ُهم تِ ْل َك ا ْلهوام بِ ِش َف ِ‬
‫اه ِه ْم‬ ‫اخرجوا إِ َلى الس ِ‬ ‫خ ِف َ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫يف ق َيل‪ُ ُ ْ :‬‬ ‫ار الت ْ‬
‫اهلل مِ ْن َذل ِ َك َفتَ ْك ِش ُط َها‪،‬‬
‫َو ُجنُوبِ ِه ْم‪َ ،‬و َما َشا َء ُ‬
‫ون َفيبادِرو َن إِ َلى مع َظ ِم النِّير ِ‬
‫ان‪َ ،‬و ُي َسل ُط َع َل ْي ِه ُم ا ْل َج َر ُب‪َ ،‬حتى إِن‬ ‫َْ‬ ‫ُْ‬ ‫َف َي ْر ِج ُع َ ُ َ ُ ْ‬
‫َأ َحدَ ُه ْم َليَ ُح ُّك جلدَ ُه َحتى َيبْدُ و ا ْل َع ْظ ُم‪َ ،‬فيُ َق ُال‪َ :‬يا ُف َال ُن‪َ ،‬ه ْل ُي ْؤذِ َ‬
‫يك َه َذا؟‬
‫ول نَ َع ْم‪َ ،‬فيُ َق ُال َل ُه‪َ :‬ذل ِ َك بِ َما ُكن َْت ُت ْؤذِي ا ْل ُم ْؤمِنِي َن »‪،‬‬
‫َفيَ ُق ُ‬
‫‪243‬‬ ‫اإلنذار من النار‬

‫ِ‬
‫المؤمنين؛‬ ‫المسلم على نفسه من إلصاق التُّ َه ِم باألبرياء من ُ‬ ‫فليحذر ُ‬
‫يه ‪ُ ،‬حبِ َس فِي ر ْد َغ ِة الْخَ َب ِ‬
‫ال‬ ‫‪ :‬من َق َال فِي م ْؤ ِمن ما لَيس فِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫قال النبي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َحتى َيأْتِ َي بِالْ َمخْ َرجِ ِمما َق َال ‪ ،‬وردغة الخبال هي عصارة أهل النار؛ أال‬
‫المخالفات وأخواهتا‪.‬‬
‫فالتوبة التوبة من هذه ُ‬
‫اللهم إنا نسأ ُلك النجاة من النار‪ ،‬والحشر مع األبرار ربنا ِ‬
‫اصرف عنا‬
‫عذاب جهنم إن عذاهبا كان غرامًا‪ .‬ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ُذنُوبنا وقِنا عذاب‬
‫النار‪ .‬ربنا إنك من ُت ِ‬
‫دخ ِ‬
‫ل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار‪.‬‬
‫اللهم إنا نسأ ُلك الجنة وما قرب إليها من َقول وعمل‪ .‬ون ُعو ُذ بك من النار‬
‫وما قرب إ َليها من قول وعمل‪.‬‬

‫اللهم اعتق ِرقابنا ورقاب والدينا وأهلينا ُ‬


‫والمسلمين من النار يا عزيز يا‬
‫غفار اللهم إن ُه ال طاقة لنا بِ ِعقابِك‪ ،‬وال صرب لنا على عذابك‪ .‬ربنا آتنا يف‬
‫الدُّ نيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪244‬‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْس َت ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأ ْن ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬


‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬
‫‪.‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠:‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬
‫‪َ ،‬و َشر‬ ‫َأما بَ ْعدُ ‪َ :‬فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللِ‪َ ،‬و َخيْ َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي‬
‫ار‪...‬‬‫الن ِ‬
‫‪245‬‬ ‫خطبة صالة اإلستسقاء‬

‫أ ُّيها الناس‪ ،‬إن من طبيعة البشر التي ت جلت يف كثير من العباد أن ُهم إذا‬
‫استغنوا‪ ،‬وتيسرت حاجاهتم وصحت أبداهنم‪ ،‬و ُأغدقت عليهم أرزاقهم‬
‫ِ‬
‫وذهبت الضراء‪ ،‬وكثرت الموائد‬ ‫ِ‬
‫المكاره‪ ،‬وحصل الرخاء‪،‬‬ ‫وص ِر َفت عنهم‬
‫ُ‬
‫ورحلت الشدائد؛ إذا حصل لهم ذلك وأشباهه من متاع الحياة؛ قست‬
‫ِ‬
‫اهلل‬ ‫ُق ُلوهبم وجفت ُد ُمو ُعهم‪ ،‬وقل ُّ‬
‫تضرعهم وزاد بَغيُهم وغيُّ ُهم إال من َرح َم ُ‬
‫من أهل ِ‬
‫الهداية والرشاد‪.‬‬

‫قال اهلل سبحانه‪ { :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ} [العلق‪.]7-6:‬‬


‫بالصحة ن َِس َي األمراض واألسقام‪ ،‬وإذا استغنى‬ ‫ِّ‬ ‫فالعبد إذا استغنى‬
‫باألطعمة ن َِس َي الجوع والمجاعة‪ ،‬وإذا استغنى بالكِسوة ن َِس َي ال ُع ِري والفاقة‪،‬‬
‫الخوف‪.‬‬‫وإذا استغنى باألمن واألمان ن َِسي َ‬
‫َ‬
‫اهلل سبحانه‪ { :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫قال ُ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ }[اإلسراء‪.]83 :‬‬
‫ؤسًا قط‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وربما نَس َي أو تناسى حاجاته إلى اهلل تعالى فمر مرور من لم َير ُب َ‬
‫ُ‬
‫قال اهلل تعالى‪ { :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ }[هود‪.]٩٩-١ :‬‬
‫‪246‬‬

‫وقال تعالى‪ { :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ } [الزمر‪.]5٠-4١ :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[يونس‪.]٩2 :‬‬

‫وقال سبحانه‪ { :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬

‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ }[يونس‪.]23-22 :‬‬
‫من خرب‬ ‫المسلمون ما أخرب به الر ُسول‬
‫وليس بخاف عليكم أ ُّيها ُ‬
‫أحب‬
‫ِّ‬ ‫وآتاهم من‬
‫ُ‬ ‫ابتالهم اهلل‪ُ ،‬ثم عافاهم‬
‫ُ‬ ‫األبرص واألقرع واألعمى الذين‬
‫ِ‬
‫أمراض ِهم‬ ‫الضر وشفاهم من‬ ‫عنهم ُّ‬
‫أصناف المال عندهم‪ ،‬فلما كشف ُ‬
‫وأغناهم من فضلِه أعرض أكثرهم وطغوا‪ ،‬وجحدوا النِّعمة وتناسوا حالهم‬
‫ُ‬
‫السابقة‪ ،‬وكأن ُهم لم يروا ُبؤسًا قبل ذلك؛‬
‫‪247‬‬ ‫خطبة صالة اإلستسقاء‬

‫فلهذا جرت ِحكمة اهلل تعالى أن ُي َع ِّر َ‬


‫ف عباده بفضلِه عليهم ليش ُكروه‬
‫ويع ُبدُ وه‪ ،‬ومن ذلك تغ ُّير األحوال؛ فيأيت الربد فيشتاق الناس إلى الحر وأيام‬
‫الصيف؛ ويأيت الحر‪ ،‬فيعرف الناس حاجتهم إلى الربد‪ ،‬ويأيت الجدب‬
‫والقحط ليعرف الناس قدر نعمة الماء وال َغيث‪.‬‬
‫ب من عباده أن يدعوه‬ ‫ِ‬
‫وهكذا أ ُّيها الـ ُمسلمون إن رب العالمين ُيح ُّ‬
‫ويستكينوا بين يديه ويستغيثُوه‪ ،‬ولكن من العباد من ال يندفع إلى اإلقبال‬
‫على مواله إال إذا اشتدت حاجته وبلواه؛ فيبتليهم اهلل بالبأساء والضراء من‬
‫ِ‬
‫ويلتجئوا إليه يف كشفها ويرجوه؛‬ ‫َفقر وأمراض كي يدعوه‪،‬‬

‫‪{:‬ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬ ‫قال‬

‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ }[األنعام‪.]43-42:‬‬

‫وقـال سبحانه‪ { :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬

‫ﭦ } [المؤمنون‪.]76 :‬‬
‫فما َي َمس المؤمن من مكروه ينبغي أن ُيبادر إلى مواله يف كشفه‪.‬‬
‫أال فاستجيبوا لر ِّبكم يا ُمسلمون‪ ،‬وادعوه خوفًا وطمعًا إن رحمة اهلل‬
‫قريب من المحسنين‪ ،‬وبثُّوا إ َليه حاجتكم وشكواكم‪ ،‬وانكسروا له ليرحمكم‬
‫الضر إال إياه‪ ،‬فقد‬
‫وال ينساكم؛ فلن يكشف البلوى سواه‪ ،‬وال نرجوا لرفع ُّ‬
‫‪248‬‬

‫قال جل يف ُعاله‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙﭚ ﭛ‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ }[يونس‪.]٩٠7 :‬‬
‫يف أيام الجدب والقحط أن يخرج‬ ‫واعلموا أن مِن ُسنة نَبِ ِّيكم‬
‫فيخرجون خاشعين ذليلين ُمنكسرين ُمظهرين‬
‫بالمسلمين لصالة االستسقاء؛ ُ‬
‫ُ‬
‫حاجتهم نادمين على أخطائِهم مستغفرين تائبين؛ فيُص ُّلون ويدعون‬
‫ويستغفرون‪.‬‬
‫أال فأكثروا من االستغفار والتوبة إلى ر ِّب ُكم بقلوب و جلة أوابة توابة‬
‫رجاعة؛ فإن ذلك أحرى أن ُيستجاب لكم‪ ،‬وأن ُتمطروا بغيث الرحمة‪.‬‬

‫لقومه‪ { :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫قال اهلل تعالى عن نصح نوح‬

‫ﰀﰁﰂﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ } [نوح‪.]٩2-٩٠ :‬‬
‫ِ‬
‫استغفر اهلل‪.‬‬ ‫جاء ر جل إلى بعض السلف يشكو الفقر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وجاء آخر يشكو الجدب؛ فقال‪ :‬عليك باالستغفار‪.‬‬
‫فاالستغفار سبب الرحمات قال تعالى عن نَبِيِّه صالح أن ُه قال لِ َقومِه‪:‬‬

‫{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ }[النمل‪.]46:‬‬
‫‪24١‬‬ ‫خطبة صالة اإلستسقاء‬

‫ومن أراد القوة إلى ُقوتِه؛ فعليه باالستغفار الصادق قال تعالى عن نَبِ ِّي ِه‬

‫هود أن ُه قال لقومِه‪ { :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ }[هود‪.]52:‬‬
‫ومن أحب أن ُيمتِّعه اهلل متاعًا حسنًا؛ فعليه باالستغفار قال تعالى‪:‬‬

‫{ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }[هود‪.]3 :‬‬
‫وإن االستغفار ال يتم‪ ،‬وال تندفع إليه النُّ ُفوس إال إذا أيقنت النُّ ُفوس أن‬
‫ُّ‬
‫الذنُوب هي سبب الكروب‪ ،‬وسبب الجدوب‪ ،‬وسبب المحق وذهاب‬

‫الربكات‪ ،‬وسبب لفشو األمراض واألوبئة قال اهلل تعالى‪{ :‬ﯽ ﯾ‬

‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ }[الشورى‪.]3٠ :‬‬

‫وقال تعالى‪ { :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ }[الروم‪.]4٩ :‬‬
‫‪ « :‬ما نزل بالء إال بذنب‪ ،‬وما ُرفِ َع إال‬ ‫وقال علي بن أبي طالب‬
‫بتوبة »‪.‬‬
‫الحبارى لتموت يف جحرها‪ ،‬وال ُّطيُور يف عشاشها ظمأ بسبب‬
‫هذا وإن ُ‬
‫ذنوب بني آدم‪ { .‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} [األعراف‪.]١6 :‬‬
‫‪25٠‬‬

‫{ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ }[الجن‪.]٩6 :‬‬
‫وقد كان الصالحون من قبلنا أقل منا أمواال وتجارات‪ ،‬ولكنهم كانوا أكثر‬
‫والزروع واألقوات‪ ،‬وذلك لقلة ُّ‬
‫الذنُوب‬ ‫عافية وسعادة وبركات‪ ،‬يف األبدان ُّ‬
‫والمشاحنات‪ ،‬ولقد نقلوا لنا من‬
‫عندهم والـ ُمخالفات‪ ،‬وقلة المظالم بينهم ُ‬
‫حالهم الطيِّب عجيب الحكايات؛‬
‫السنن بنفسه؛ حيث قال يف‬‫ومن ذلك ما رءاه اإلمام أبو داود صاحب ُّ‬
‫ورأيت ُأ ُترجة على بعير‬
‫ُ‬ ‫ُسنَنِه‪ « :‬شربت قثاءة بمصر ثالثة عشر شربا‪.‬‬
‫بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين »‪.‬‬
‫‪ « :‬ومن ل ُه معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن‬ ‫وقال ابن ال َقيِّم‬
‫جميع الفساد يف َج ِّوه ونباتِه وحيوانِه‪ ،‬وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب‬
‫اقتضت ُحدُ وثه‪،‬‬
‫للر ُسل تحدث لهم من الفساد العام‬
‫ولم تزل أعمال بني آدم و ُمخالفتهم ُّ‬
‫والخاص ما ي جلب عليهم من اآلالم واألمراض‪ ،‬واألسقام والطواعين‪،‬‬
‫والجدوب وسلب بركات األرض‪ ،‬وثمارها ونباهتا وسلب‬ ‫ُ‬ ‫وال ُقحوط‬
‫منافعها‪ ،‬أو نقصاهنا أمور ُمتتابعة يتلو بعضها بعضًا؛ فإن لم يت ِسع علمك‬

‫فاكتف بقولِ ِه تعالى‪ { :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬


‫ِ‬ ‫لهذا‬

‫ﰆ }‪،‬‬
‫‪25٩‬‬ ‫خطبة صالة اإلستسقاء‬

‫ون َِّزل هذه اآلية على أحوال العالم‪ ،‬وطابق بين الواقع وبينها‪ ،‬وأنت ترى‬
‫كيف تحدث اآلفات والعلل كل وقت يف الثِّمار والزرع والحيوان‪ ،‬وكيف‬
‫يحدُ ث من تلك اآلفات آفات ُأ َخر ُمتالزمة‪ ،‬بعضها آخذ برقاب بعض‪،‬‬
‫وكُلما أحدث الناس ُظلمًا و ُفجورا‪ ،‬أحدث لهم ر ُّبهم تبارك وتعالى من‬
‫اآلفات والعلل يف أغذيتهم وفواكههم‪ ،‬وأهويتهم ومياههم‪ ،‬وأبداهنم‬
‫وخلقهم‪ ،‬وصورهم وأشكالهم وأخالقهم من النقص واآلفات‪ ،‬ما هو‬
‫موجب أعمالهم و ُظلمهم و ُفجورهم‪.‬‬
‫ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكرب مما هي اليوم‪ ،‬كما كانت‬
‫الربكة فيها أعظم‪ .‬وقد روى اإلمام أحمد بإسنادِه‪ :‬أن ُه ُو ِجد يف خزائن بعض‬
‫بني ُأمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها‪ :‬هذا كان ينبت أيام‬
‫العدل »‪.‬اهـ‬
‫يخرب فيه عن المحق واآلفات يف الثِّمار قبل سبعة‬ ‫هذا كالم ابن الق ِّيم‬
‫ُق ُرون كيف لو رأوا ما يف زروعنا‪ ،‬وبعض أطعمتنا من اآلفات واألمراض‪،‬‬
‫والكيماويات والمبيدات ما ي جلب األخطار ويفسد يف الثِّمار‪ ،‬وهل هذا‬
‫إال حين خالفنا شريعة الواحد القهار‪.‬‬
‫اللهم تجاوز عنا اللهم ارفع عنا البالء والغالء والوباء اللهم افتح لنا‬
‫بركات من السماء واألرض اللهم اغفر لنا ُذنُوبنا وإسرافنا يف أمرنا‪ .‬اللهم‬
‫‪252‬‬
‫ِ‬
‫اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا غدقًا عاجال غير آجل اللهم إنا نستغفرك‬
‫إنك كنت غفارا؛ فأرسل السماء علينا مدرارا‪ ،‬واجعل لنا زروعًا وأهنارا‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪253‬‬ ‫استقبــال رمضــان‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه ‪:‬‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫أَمَّا بَعْدُ‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪.‬‬ ‫َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫وسائر أهل اإلسالم بشهر ُمبارك فيه ُأ ِنز َل‬
‫َ‬ ‫َأ ُّيها ُ‬
‫المؤمنون‪ ،‬لقد أكرمكم اهلل‬
‫عان فيه العبد‬‫ال ُقرآن‪ ،‬وفيه ُتفتح أبواب الجنان‪ ،‬وفيه ُتغ َل ُق أبواب النِّيران و ُي ُ‬
‫على الشيطان‪ ،‬ويتنافس فيه أهل الجود واإلحسان‪ ،‬وبصيام هناره َت ِص ُّح‬
‫الروح والجنان‪ ،‬من عرف فوائده وتلذ َذ فيه‬ ‫ِ‬
‫األبدان‪ ،‬وبقيام ليله يتغذى ُّ‬
‫بالعبادة وال ُقرآن ود َع ُه بالند ِم واألحزان؛‬
‫المهداة إليكم من اهلل واشكروها حق‬ ‫فاعرفوا يا عباد اهلل‪ ،‬قدر النِّعمة ُ‬
‫ُشكرها‪ ،‬وذلك بجمع العزيمة‪ ،‬وعقد النِّية الستغالل أيامِ ِه وساعاتِه يف ما‬
‫‪254‬‬

‫قربنا إلى موالنا من أنواع طاعاتِ ِه كما كان أسالف األُمة الصالحون‬
‫ُي ِّ‬
‫المتنافسون‪،‬‬
‫والصحابة ُ‬
‫نعمة اهللِ باال‪ ،‬وال يرفع هبا رأسًا ووجودها عنده‬
‫لقي ل ِ ِ‬
‫وال تكونوا ممن ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫وعدمها سواء‪ ،‬بل ُربما استنكف وتربم من إقبال رمضان‪ ،‬وهذه عالمة من‬
‫در ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والحرمان ممن ال يقدر اهلل حق َق ِ‬ ‫عالمات ُ‬
‫الخذالن‬
‫قال‪:‬‬ ‫أن رسول اهلل‬ ‫وتأملوا يا رعاكم اهلل إلى حديث أبي ُهريرة‬
‫ِِ‬ ‫ين َش ْهر خَ ْير لَ ُه ْم ِم ْن َر َم َض َ‬ ‫ِِ‬
‫ان‪َ ،‬و َال َأتَى َع َلى الْ ُمنَافق َ‬
‫ين‬ ‫« َما َأتَى َع َلى الْ ُم ْسلم َ‬
‫يه ِم َن الْ ُقوةِ لِ ْل ِعبَا َدةِ‪َ ،‬و َما‬
‫ك لِما ي ِعدُّ الْم ْؤ ِمنُو َن فِ ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َذل َ َ ُ‬ ‫َش ْهر َش ٌّر لَ ُه ْم ِم ْن َر َم َض َ‬
‫س َو َع ْو َراتِ ِه ْم ُه َو ُغنْم لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن َونِ ْق َمة‬ ‫ت النا ِ‬ ‫يه الْمنَافِ ُقو َن ِمن َغ َف َال ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ي ِعدُّ فِ ِ‬
‫ُ‬
‫اجرِ»‪ .‬روا ُه أحمد وصح َح ُه أحمد شاكر‪.‬‬ ‫لِل َف ِ‬

‫والمسلم العاقل ال َفطِن هو الذي َي ِز ُن نفسه بنصوص الشرع كهذا الحديث‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المسلم‪،‬‬ ‫الذي قسم الناس يف استقبالهم أيام رمضان؛ فال ُتغالط نفسك أ ُّيها ُ‬
‫حسن الظن هبا أنها قائمة بواجبها على أكمل الوجوه‪ ،‬بل ات ِه ْم َها‬ ‫وال ُت ِ‬

‫العلي الكبير‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫بالتقصير حتى ُتطاوعك على القيام بحق‬
‫إن ُهناك من الناس أصنافًا ُمتعدِّ دة نحو رمضان‪،‬‬
‫فقوم أقنعوا أنفسهم أن رمضان شهر راحة ورفاهية‪ ،‬ال سيما من َكثُ َرت‬
‫أعمالهم يف غيره من ُّ‬
‫الش ُهور الماضية‪ ،‬ومن تغربوا عن أوطاهنم إلى البلدان‬
‫‪255‬‬ ‫استقبــال رمضــا ن‬

‫النائية؛ فجعلوا من ذلك وأمثاله أعذارا واهية‪ ،‬ليجعلوا رمضان زمنًا للراحة‬
‫والنوم الكثير بنفوس غير ُمبالية‪ ،‬وذلك أهون مدخل دخل عليهم من ُه‬
‫الشيطان؛‬
‫فخدعهم وصدقوا ما خيل لهم ففاتتهم النِّعمة‪ ،‬وفات الموسم العظيم‬
‫وذهبت ال ُف َرص الثمينة‪ ،‬وسارت الليالي واأليام ُ‬
‫وهم امتلئوا نومًا وأطعمة‬
‫و ُق ُلوهبم خاوية‪.‬‬
‫ِ‬
‫وصنْف آخر من الناس اعتنى واهتم يف رمضان ولكن بتوفير األكالت‬
‫والمشروبات‪ ،‬وتوسيع سفرت الطعام‪ ،‬و جلب الغريب من األطعمة من‬
‫األسواق؛ فهذا أعد لرمضان ُعدت ُه يف تعبئة الكرش‪ ،‬وتوسيع الفراش؛ فال‬
‫سرتِه حيث‬ ‫تسل عن غفلتِه وقسوة قلبه وجفوتِه‪ ،‬وسوء ما َ‬
‫أدخ َل ُه على ُأ َ‬
‫ينتظرون رمضان بفارغ الصرب لتنويع الموائد التي ُج ِع َلت لهم عوائد‪ ،‬فهذا‬
‫اهلل فيهم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ظالم لنَفسه ولمن اسرتعا ُه ُ‬
‫وصنْف آخر يستقبل رمضان بأنواع األالعيب والس َمرات‪ ،‬وإمضاء ليلِ ِه‬ ‫ِ‬

‫بالسهر والضحكات و ُمتابعة ما َخ ُب َث من الشبكات؛ فهو ينتظر رمضان‬


‫ليُس ِّلي نفسه الالهية‪ ،‬بالتفاهات الواهية‪ ،‬وعلى مثل هذا فلتَبكي البواكي‬
‫وتنوح النوائِح‪.‬‬
‫‪256‬‬

‫َأ َو َال يخشى هؤالء َوك ُّل من َج َعل ُه شهرا لِل ِعب والضياع والشهوات أن‬
‫الثالثة األصناف الخاسرين الذين قال عنهم رسول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫يكونوا من ِ‬
‫أحد‬
‫أحدَ َوالِدَ ْي ِه َفماَ َت َفدَ خَ َل الن َار‬ ‫‪« :‬أتَانِي ِجبْرِ ُ‬
‫يل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُم َحمدُ ‪َ ،‬م ْن أ ْد َر َك َ‬
‫ين‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا ُم َحمدُ ‪َ ،‬م ْن أ ْد َر َك َش ْه َر َر َم َضا َن‬ ‫َفأبعدَ ه اهلل‪ُ ،‬ق ْل‪ِ :‬آمين؛ َف ُق ْل ُ ِ‬
‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ ُ‬
‫ين‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ات َف َلم ي ْغ َفر لَه‪َ ،‬فأُد ِخ َل النار َفأبعدَ ه اهلل‪ُ ،‬ق ْل‪ِ :‬آمين؛ َف ُق ْل ُ ِ‬
‫ت‪ :‬آم َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ ُ‬ ‫َف َم َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫َو َم ْن ُذكِ ْر َت ِعنْدَ ُه َف َل ْم ُي َص ِّ‬
‫ات َفدَ خَ َل الن َار‪َ ،‬فأ ْب َعدَ ُه اهللُ ُق ْل‪ :‬آم َ‬
‫ين؛‬ ‫ك َف َم َ‬ ‫ـل َع َل ْي َ‬
‫ين»‪،‬‬ ‫َف ُق ْل ُ ِ‬
‫ت‪ :‬آم َ‬
‫ت الش َيـاطِيـ ُن‪،‬‬ ‫ان ص ِّفـدَ ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ‪ :‬إِ َذا َكـا َن أَو ُل لَـ ْي َلـة مـ ْن َشـ ْهـرِ َر َمـ َض َ ُ‬
‫ار‪َ ،‬فـ َل ْم ُي ْفـتَـ ْح ِمن َْهــا َبـاب‪،‬‬ ‫اب النـ ِ‬ ‫ت َأ ْبـ َو ُ‬ ‫جــ ِّن‪َ ،‬و ُغ ِّل َقـ ْ‬ ‫َو َمـ َر َد ُة ال ِ‬
‫ت أَبــواب الجـنــ ِة‪َ ،‬فـ َلـم يـ ْغـ َلـ ْق ِمنْها باب‪ ،‬وينَادِي منَاد‪ :‬يا ب ِ‬
‫اغ َي‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َو ُفـتِّـ َحـ ْ ْ َ ُ َ‬
‫لك كُل َل ْي َلة ‪.‬‬ ‫اغي الش ِّر َأ ْق ِص ْر‪َ ،‬وهلل ِ ُعتَ َقا ُء ِم َن الن ِ‬
‫ار‪َ ،‬و َذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ِ‬
‫الخَ ْير أ ْقب ْل‪َ ،‬و َيا َب َ‬
‫صح َح ُه األلباين‪.‬‬
‫يعلم هؤالء أن قومًا يوم لقاء اهلل يطلبونه رجعة إلى الدُّ نيا‪ ،‬ويتمنون‬
‫أوال ُ‬
‫الليلة الواحدة واليوم الواحد والساعة الواحدة ألجل استعمالها يف طاعة اهلل‪،‬‬
‫وليشرتوا هبا أنفسهم من حريق العذاب العظيم ؟!‬

‫قال اهلل سبحانه‪{:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ }[السجدة‪.]٩2 :‬‬
‫‪257‬‬ ‫استقبــال رمضــان‬

‫وقال سبحانه‪ {:‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬

‫ﰆﰇﰈﰉﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ } [الزمر‪.]58-56 :‬‬

‫ويقول جل وعال‪ {:‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰﯱﯲﯳ}[المنافقون‪.]٩٩-٩٠ :‬‬

‫ويقول سبحانه‪ { :‬ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ‬

‫ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ }[األنعام‪.]27 :‬‬
‫المسلم العاقل‪ ،‬لِتَعلم قيمة هذا الشهر يف ُعمرك‪ .‬استمع إلى حديث‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫وهو ُيبيِّ ُن الشأن الكبير للفارق الزمني بين عبدين صالحين زاد اهلل‬ ‫نَبِيِّك‬
‫يف ُع ُمر أحدهما على اآلخر برمضان واحد؛ فكان لـذلـك الشهر فـارق‬
‫عـظيم فـي الجـنــة بسبب ما قدم فـيـه مـن جـزيـل األعـمـال وصالح‬
‫العبادات‪،‬‬
‫َان َر جال ِن مِ ْن‬
‫‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫وذلك يف ما روا ُه أحمد وغيره َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة‬
‫است ُْش ِهدَ َأ َحدُ ُه َما‪َ ،‬و ُأ ِّخ َر ْاآل َخ ُر‬ ‫بلِي مِن ُقضاع َة َأس َلما مع رسو ِل اهللِ‬
‫‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َ ّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫‪258‬‬

‫يت فِ ْي ا ْل َجن ِة يعني يف المنام‪،‬‬ ‫سنَة‪َ ،‬ف َق َال َط ْلح ُة بن عبي ِد اهللِ‬
‫‪َ « :‬ف ُأ ِر ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫يد؛ َفتَ َعجبْ ُت لِ َذلِ َك َف َأ ْصبَ ْح ُت‪،‬‬
‫َفر َأي ُت ا ْلم َؤخر مِنْهما‪ُ ،‬أد ِخ َل ا ْلجن َة َقب َل الش ِه ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ َ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ول اهللِ ‪،‬‬ ‫‪َ ،‬أ ْو ُذكِر لِرس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ت َذلِ َك لِلنبِ ِّي‬ ‫َف َذك َْر ُ‬
‫ان؟‪ ،‬وصلى ِست َة َآال ِ‬ ‫ول اهللِ‬
‫ف‬ ‫‪َ «:‬ألَيْ َس َقدْ َصا َم بَ ْعدَ ُه َر َم َض َ َ َ‬ ‫َف َق َال َر ُس ُ‬
‫ر ْكعة؟‪ ،‬وك ََذا وك ََذا ر ْكع ًة ص َال َة سنة؟» َق َال‪َ :‬ف َلما بينَهما َأبعدُ مِما بين السم ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْ ُ َ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ض »‪.‬‬ ‫َواألَ ْر ِ‬

‫ر جالن صالحان‪ .‬ولكن بينهما يف الجنة أبعد مما بين السماء واألرض‪،‬‬
‫مر ِه عامًا بعد م ِ‬
‫وت صاحبه؛‬ ‫وسبب فوز الثاين منهما بذلك أن اهلل زاد يف ُع ِ‬
‫َ‬
‫فأودع فيه من األعمال ال جليلة ما تبوأ به تلك المكانة الرفيعة‪،‬‬
‫تم ُّر علينا سنة سنة وشهرا شهرا‪ ،‬ويومًا يومًا‪ ،‬فهل شعرنا‬
‫فها هي أعمارنا ُ‬
‫حسن يف صالتنا ؟! وهل أحسسنا بزيادة يف إيماننا ؟! أم أن ُه قل إحساسنا‬
‫بالت ُّ‬
‫بعواقب ُّ‬
‫الذنُوب والتفريط‪.‬‬
‫‪ « :‬ما َح ِز ُ‬
‫نت على شيء ُحزين على يوم‬ ‫قال عبد اهلل بن مسعود‬
‫شمسه؛ فنقص فيه أجلي‪ ،‬ولم يزدد فيه عملي »‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غربت‬

‫قال اهلل سبحانه‪ { :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ‬


‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ}[فاطر‪ .]37 :‬اللهم ِ‬
‫أعذنا من زوال نعمتك‪،‬‬
‫خطِك‪...‬‬
‫وتحو ِل عاف َيتِك وجميع َس َ‬
‫ُّ‬ ‫قمتِك‪،‬‬‫ِ ِ‬
‫وفجاءة ن َ‬
‫وأستغفر اهلل‪.‬‬
‫‪25١‬‬ ‫استقبــال رمضــان‬

‫اخلطبـة الـثـانـيــة‬
‫رب العالمين حمدا يليق بعظمته وال جالل‪ ،‬ل ُه األسماء‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫الحسنى‪ ،‬وصفات الكمال‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نَبِ ِّينا محمد حميد‬
‫ُ‬
‫المهاجرين‬ ‫ِ‬ ‫الخصال‪ ،‬وطيِّ ِ‬
‫ب المقال والفعال‪ ،‬وعلى صحابته األكرمين من ُ‬
‫واألنصار واآلل‪ .‬ومن استن بِ ُسنتِهم وهنج سبيلهم يف ك ُِّل حال‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل يف ُق ُلوبِنا ِغال‬
‫للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم‪.‬‬
‫المنى عند أهل النُّهى‪ ،‬وهناية الغايات‪ .‬هي الفوز‬ ‫المؤمنون‪ :‬إن أكرب ُ‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫بدخول الجنات‪ ،‬وأنى ِألحد وصولها إال بعد س ُل ِ‬
‫وك طرقِها البَيِّنات‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وها أنتم شرع لكم ر ُّب ُكم يف شهركم من عظيم العبادات ما إِ ْن قمتم به‬
‫ت لكم الجنات وتنزلت عليكم الرحمات و ُغ ِفرت‬ ‫جاءتكم الخيرات‪َ ،‬و ُفتِ َح ْ‬
‫احتِ َسابًا‪ُ ،‬غ ِف َر لَ ُه َما َت َقد َم‬ ‫ان‪ ،‬إِ َ‬
‫يمانًا َو ْ‬ ‫ل ُكم السيِّئات‪ ،‬قال ‪َ « :‬م ْن َصا َم َر َم َض َ‬
‫ِم ْن َذ ْنبِ ِه» ُمتفق عليه‪،‬‬
‫الح َسنَ ُة بِ َع ْشرِ َأ ْمثَالِ َها إِلَى َس ْب ِع ِمائ َِة‬
‫َو َق َال ‪ :‬ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم لَ ُه‪َ ،‬‬
‫الص َيا َم َفإِن ُه لِي‪َ ،‬وأَنَا َأ ْج ِزي بِ ِه ت ََر َك َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه‬ ‫ِ‬
‫ض ْعف‪َ ،‬ي ُق ْو ُل اهلل ُ ‪ :‬إِال ِّ‬
‫اء َربِّ ِه‪.‬‬‫َان‪َ :‬فرحة ِعنْدَ فِطْرِ ِه‪ ،‬و َفرحة ِعنْدَ لِ َق ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َش َرابَ ُه م ْن أجلي‪ .‬للصائ ِم َف ْر َحت ِ ْ َ‬
‫ك ‪ .‬أخرجه البُخاري‬ ‫وف َف ِم الصائِ ِم َأ ْطيب ِعنْدَ اهلل ِ ِمن ِريحِ الْ ِمس ِ‬ ‫َولَخَ ُلــ ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫و ُمسلم‪.‬‬
‫‪26٠‬‬

‫اس َأ ْف ُشوا الس َال َم‪َ ،‬و َأ ْط ِع ُموا الط َعا َم‪َ ،‬و ِص ُل ْوا‬‫‪َ «:‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬ ‫وقال‬
‫اس نِ َيام‪ ،‬تَدْ ُخ ُلوا الْ َجن َة بِ َس َالم» روا ُه أحمد‬ ‫األَ ْر َحا َم‪َ ،‬و َص ُّلوا بِالل ْي ِل َوالن ُ‬
‫وصح َح ُه األلباين‪ ،‬وها هو شهر إطعام الطعام‪ ،‬وشهر قيام الليل‪ ،‬والناس‬
‫نيام‪ ،‬عباد اهلل إن كتاب اهلل الكريم هو الحبل المتين والهدي القويم‪،‬‬
‫يت باالبتعاد عن ُه ُش ُهورا عديدة؛ فدونك شهر ال ُقرآن ر ِّتل فِيْ ِه‬
‫فيا من ابتُلِ َ‬
‫بكلماتِه‪ .‬واغرف من معينِ ِه الصايف‪ ،‬واحرق به‬ ‫َ‬ ‫آياتِ ِه‪ ،‬وتدبر معانيه وتغن‬
‫ونور به بصيرتك والجنان‪ ،‬ور ِّطب به ال ِّلسان‪،‬‬
‫الشيطان‪ِّ ،‬‬
‫فإن لم تعرف ال ُقرآن حق المعرفة يف هذا الموسم الكريم؛ ف ُقل لي بِ َر ِّبك‬

‫متى تعرف كتاب اهلل؟! متى يعرفك ال ُقرآن؟! أحين يذهب ُ‬


‫بصرك ؟! أم حين‬
‫ظهرك ؟! أم حين ُتر ُّد إلى أر َذ ِل ال ُع ُمر ؟! أم حين ّ‬
‫يحل بساحتك هادم‬ ‫ينحني ُ‬
‫اللذات ؟! متى فكرت أن يكون ال ُقرآن حجة لك‪ِ .‬‬
‫أيقظ نفسك من غفلتها‪،‬‬
‫الصحة والفراغ‪.‬‬
‫نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ِّ‬
‫دارس ُه جربيل ال ُقرآن يف رمضان‪ ،‬وكان يقول ألصحابه‪:‬‬ ‫كان ُي ِ‬ ‫نَبِيُّك‬
‫ب َأ ْن َأ ْس َم َع ُه ِم ْن َغ ْيرِي»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إِ ْق َر ْأوا َع َلي ال ُق ْرآن إِنِّي ُأح ُّ‬
‫وكان السلف الصالح ُي ْقبِلون يف رمضان إقباال شديدا على تالوة كتاب‬
‫اهلل؛ فمنهم من َي ْق َر ُأ ُه يف كُل ُأسبوع مرة‪ ،‬ومنهم من َي ْق َر ُأ ُه يف ك ُِّل ثالثة أيام مرة‪،‬‬
‫وهذا إنما يقدر عليه من أعد نفسه قبل رمضان‪ ،‬واستحضر نيت ُه وجمع لذلك‬
‫ب ل ُه ُأ ْه َبته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫همته قبل ُد ُخول الشهر حتى ال يأتيه إال وقد تأه َ‬
‫‪26٩‬‬ ‫استقبــال رمضــان‬

‫إذا دخل شعبان أغلق تجارته‪ ،‬وتفرغ لقراءة‬ ‫كان عمرو بن قيس‬
‫ال ُقرآن‪ .‬وكان يقول‪ « :‬طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان »‪.‬‬

‫وهذا منهم امتثال لقول اهلل تعالى‪ { :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭝ }[آل عمران‪.]٩33 :‬‬

‫وقوله سبحانه‪ { :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬

‫ﮜ }[الحديد‪،]٩33 :‬‬
‫وقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬بَادِروا بِ ْاألَ ْعم ِ‬
‫ال»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المتنافسون‪.‬‬
‫ويف ذلك فليتنافس ُ‬
‫‪ « :‬من نافسك يف اآلخرة؛ فنافِس ُه فيها‪ ،‬ومن‬ ‫قال الحسن البصري‬
‫نا َف َسك يف الدُّ نيا؛ فألقها يف نحره »‪.‬‬
‫فيا عباد اهلل‪ ،‬يا أهل العقول والنُّهى استحيوا ممن فتح لكم أبواب جناتِه‪،‬‬
‫وعرض عليكم رحماتِه أن يراكم تأكلون وتشربون من نعمائه‪ُ .‬ثم أنتم بعدها‬
‫ساهون العبون هاجرون لِبُيوتِه وآياتِه‪ ،‬ال ُتبالون بما عرض عليكم من نعيم‬
‫المقيم‪.‬‬
‫الجنة ُ‬
‫فاتقوا اهلل حق التقوى‪ ،‬وع ِّظموا فضله عليكم‪ ،‬فإن ُه يقول‪ {:‬ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }[البقرة‪.]243 :‬‬
‫‪262‬‬

‫ويقول سبحانه{ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫ﭸ }[إبراهيم‪.]7 :‬‬
‫‪ :‬إِ َذا أَردتُم أَ ْن تَجت َِهدُ وا فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء‪َ ،‬ف َقولُ ْوا‪ :‬الل ُهم‬ ‫وقد قال الرسول‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ك‪.‬‬ ‫َأ ِعنا َع َلى ذِ ْكرِ َك َو ُش ْكرِ َك َو ُح ْس ِن ِعبَا َدتِ َ‬
‫أعنا على صيامه وقيامِه‪ ،‬وأشغلنا فيه بطاعتك وال تجعلنا فيه من‬ ‫اللهم ِ‬

‫الخاسرين‪ ،‬وال تجعلنا فيه من أهل اللهو الغافلين‪.‬‬


‫اللهم ِ‬
‫أهل ُه علينا باألمن واإليمان‪ ،‬والسالمة واإلسالم‪ ،‬واجعله شهر ُرشد‬
‫وخير‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪263‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ ل ِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫المهتد َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪،‬‬ ‫اهلل؛ َف ُه َو ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوم ْن َسيِّئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫ِ‬

‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‬ ‫َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫‪،‬‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ }[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫دْي ُم َحمد‬‫الهدْ ِي َه ُ‬
‫َاب اهلل‪َ ،‬و َخ ْي َر َ‬
‫الحد ْيــث كت ُ‬ ‫أَمَّـا بَعْدُ‪َ :‬فـإِن َأ ْصــدَ َق َ‬
‫‪َ ،‬و َشر ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل‬
‫َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫ِ‬
‫المسلمون‪ ،‬اتقوا رب ُكم واش ُك ُروه على ما من بِه عليكم من ِّ‬
‫الصيام‬ ‫أ ُّي َها ُ‬
‫يفرح فيه‬ ‫ِ‬
‫والمغفرة‪ .‬فإن هذا يوم‬ ‫والقيام‪ ،‬وتالوة ال ُقرآن واسألو ُه القبول‬
‫ُ‬
‫الصائِمون بِما قد ُموه من العمل الصالح يف شهر رمضان { ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ }[يونس‪،]58 :‬‬
‫‪264‬‬

‫أن اصطفاكُم ُمسلمين من ُذ ِّرية‬‫الشكر على ِ‬ ‫واشكروا اهلل تعالى حق ُّ‬


‫ل األرض‬ ‫ُمسلمين وجعلكم من ِخيرةِ األُمم‪ ،‬واعلموا أن غيركم كثير من أه ِ‬
‫ُح ِر ُموا ما أنتُم فيه من اإلسالم؛‬
‫فماليين من البشر تحيا على ال ُكفر وتموت عليه‪ ،‬وال ِ‬
‫يعرفون ربًا وال‬
‫نَبِيًا‪ .‬فذاك يعبُدُ النار‪ ،‬وآخر يعبُدُ الفأر‪ ،‬وألوف من الخلق تع ُبد األبقار‪،‬‬
‫وآخر ُينكر البعث وآخر يعبد من يف ال ُق ُبور‪ ،‬وأنتم تـتـنـع ُمون بالتع ُّب ِد للواحد‬
‫القهار‪ ،‬فال سجود لِ َغ ِيره وال ُذل وال انكسار‪.‬‬
‫المسلمون إلى ُشكر نعمة اإلسالم‪ ،‬هو ما ترونه‬ ‫ومما يدفع بكم أ ُّيها ُ‬
‫وتسمعونه‪ ،‬من مِ َحن ُمتتالية‪ ،‬تنزل هبذه األُمة اإلسالمية الغالية‪ ،‬ألجل‬

‫ل ال ُفرس ُّ‬
‫والروم الذين صاروا‬ ‫وعزتِها السامية‪ ،‬من قِ َب ِ‬
‫إبعادها عن دينها ِ‬

‫يتآمرون و ُيربِمون االتفاقيات ضد أهل اإلسالم‪ ،‬وإشغال بعضهم ببعض‪،‬‬


‫ومع ذلك حفظ اهلل لكم دينكم وكبت أعداءكم بحفظ هذا الدِّ ين رغم‬
‫كثرة الهجمات اليهودية والعلمانية لتشويه هذه الشريعة السمحة‪ ،‬ويأبى اهلل‬
‫ُور ُه ولو كره الكافرون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إال أن ُيتم ن َ‬
‫المسلمين اليوم إلى َت َع ُّل ِم دينهم من منابعه الصافية‪ ،‬وعلى يد‬
‫فما أحوج ُ‬
‫الراسخين يف ال ُع ُلوم الشافية‪ ،‬فكم ُش ِّو َه جمال اإلسالم بسبب عدم الفهم‬
‫الصحيح من بعض أهله‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫صالح الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وفيه سعاد ُة الفرد والجماعة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فدي ُن اإلسالم به‬
‫والشعوب والراعي والرعية‪ .‬ولو َعلِ َم ُخ ُصوم اإلسالم ما فيه من‬ ‫واألُسرة ُّ‬
‫السعادة العلية لبادروا إلى اعتناقِه والدُ ُخول فيه‪ ،‬ولكن الهداية بيد اهلل ُيؤتيها‬
‫من يشاء‪.‬‬
‫لما َق ِد َم إلى المدينة كان لهم‬ ‫هذا واعلموا َر ِح َم ُك ُم اهلل أن نَبِيكم‬
‫فيهما فقال‪« :‬إِن اهلل َ َقدْ أَ ْبدَ لَك ُْم َي ْو َم ْي ِن َخ ْي ًرا ِمن ُْه َما‪َ :‬ي ْو َم الْ ِفطْرِ‬‫َيومان يلعبون ِ‬

‫َو َي ْو َم ْاألَ ْض َحى»‪.‬‬

‫فهذان العيدان مع عيد األُس ُبوع وهو ُ‬


‫الج ُمعة هي أعياد اإلسالم‪ ،‬وما‬
‫فمحدَ ث‪.‬‬
‫عداها ُ‬
‫والعيد يوم البهجة والفرح‪ .‬ولكن بماذا ؟‬
‫المؤمن يفرح حين يتذكر ما أس َل َفه وقد َم ُه لِنفسه من أعمال جليلة‪.‬‬
‫إن ُ‬
‫بالصيام وتد ُّبر ال ُقرآن‪ ،‬وصالة‬
‫كافح وصابر فيها وجاهد نفسه‪ ،‬وذلك ِّ‬
‫التراويح راحة الصائمين وريحانة القائمين‪ ،‬صالة الليل التي يقول فيها‬
‫يض ِة َص َال ُة الل ْي ِل»‪،‬‬
‫رسول اهلل ‪َ « :‬أ ْف َض ُل الص َالةِ َب ْعدَ الْ َفرِ َ‬

‫وقال تعالى‪{:‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫ﮈ ﮉ }[اإلسراء‪ .]7١ :‬فمن كثف ُج ُهوده يف هذه األعمال ال جليلة كان‬


‫العيد ل ُه يوم اسرتاحة؛‬
‫‪266‬‬

‫وينبغي يف مقامنا هذا أن نُنَبِّه إخواننا املُؤمنني إىل أُمُور مُهِمَّة من الدِّين‪:‬‬
‫الم ِهمات لما جاء‬
‫أوَّالً‪ :‬االهتمام بإخراج زكاة الفطر؛ فإنها من الواجبات ُ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫قال‪َ « :‬ف َر َض َر ُس ُ‬ ‫حيحين عن عبد اهلل بن عمر بن الخطاب‬ ‫يف الص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الح ِّر‪َ ،‬والذ َكرِ‬‫َزكَا َة الفطْرِ َصا ًعا م ْن ت َْمر‪ ،‬أَ ْو َصا ًعا م ْن َشعير َع َلى ال َعبْد َو ُ‬
‫ين‪َ ،‬وأَ َم َر بِ َها َأ ْن ت َُؤدى َق ْب َل ُخ ُروجِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواأل ُ ْنثَى‪َ ،‬والصغيرِ َوال َكبِيرِ م َن ُ‬
‫الم ْسلم َ‬
‫اس إِلَى الصالَةِ»‪.‬‬ ‫الن ِ‬

‫الوجه الشرعي‪ ،‬ومعرفة من ُهم‬


‫فيجب االهتمام بأداء هذه الفريضة على َ‬
‫المست َِح ُّقون لها‪ ،‬حتى تربأ ِّ‬
‫الذمة؛ ألنها عبادة هلل وكذلك االهتمام‬ ‫أهلها ُ‬
‫ساهل يف إخراجها حتى ُيصلى العيد‪،‬‬ ‫بوقت اإلخراج‪ ،‬فقد يقع من البعض الت ُ‬
‫وهي ال زالت يف َبيتِه‪ ،‬وهذه ُمخالفة كبيرة ال تجوز‪ ،‬فمن ن َِسي فليُ ِ‬
‫خرجها ولو‬ ‫َ‬
‫بعد صالة العيد‪.‬‬
‫ومِما ينبغي التنبيه عليه أن الزكاة ليست َحكرا على ُفالن أو ُفالن الذي يف‬
‫غني تحولت‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫كُل سنة تؤدى إليه؛ فكم من فقير أصبح غنيًا‪ ،‬وكم من ّ‬
‫الجاه ُل َغنِيًا من التع ُّفف؛ فتحروا‬
‫ِ‬ ‫يحسـِـبُه‬
‫األحوال فأصبح فقيرا‪ ،‬ولكن َ‬
‫رضوا رب ُكم‪،‬‬
‫لعباداتكم حتى ُت ُ‬
‫وأما أولئك الذين اعتادوا يف ك ُِّل عام أن يأتوا إلى البُيُوت ليجمعوا‬
‫ور ُثوه بعد أن كان حقًا آلبائِ ِهم‪،‬‬
‫الزكوات‪ ،‬وكأنها حق مخصوص لهم ِ‬
‫‪267‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫الح ُقوق ألهلها من ال ُفقراء‬


‫فليت ُقوا اهلل وال يأخذوا ما ليس لهم‪ ،‬ويرتكوا ُ‬
‫والمعدَ مين‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثانياً‪ :‬ينبغي الحرص على ُشكر اهلل يف هذا اليوم‪ ،‬والحذر من الت ُ‬
‫ساهل‬
‫بالمخالفات‪.‬‬
‫ُ‬
‫ففي شأن المالبس يدخل الغزو على البعض مِنا‪ ،‬وقد يشعر أو ال يش ُعر‪،‬‬
‫الذكُور بِ ُحجة أنها ال زالت‬
‫فما تدري إال والبِنت تلبس لباس األوالد ُّ‬
‫المسلمة ُت َعود على الحياء‪،‬‬ ‫صغيرة‪ ،‬وهذا ُمنكر وإن كانت صغيرة‪ ،‬فإن ُ‬
‫بالمسلمات وهي طِفلة‪،‬‬ ‫وعلى ما يليق ُ‬
‫َت ْم َرة مِ ْن َت ْم ِر الصدَ َق ِة؛‬ ‫َف َقدْ َتن ََاو َل ا ْل َح َس ُن ْب ُن َعلِي بن َأبِي َطالِب‬
‫َف َالكَها فِي فِ ِ‬
‫يه‪،‬‬ ‫َ‬
‫ت أنا آل محمد َال ت ِ‬
‫َح ُّل‬ ‫ُ َ‬ ‫َف َق َال َر ُس ْو ُل اهللِ ‪« :‬كخ كخ‪ ،‬إِ ْر ِم بِ َها‪َ .‬أ َما َع ِل ْم َ‬
‫ح ّل و ُي ِّ‬
‫حذ ُر ُه مما ال يحل‪،‬‬ ‫لَنَا الصدَ َق ُة؟»‪ ،‬وهو ال زال طفال يربيه على ما ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫دهم على تعاليم اإلسالم الكريمة من‬ ‫وعو ُ‬ ‫فات ِق اهلل أ ُّيها ُ‬
‫المسلم يف أوالدك ِّ‬
‫الص َغر‪.‬‬
‫ِّ‬
‫فلست ُمحتاجًا إلى تقليد أعدائك وتتعمد أن ُتلبِس البنات ما ال يليق بِ ِهن‬
‫وتقول ه ّن صغار‪ ،‬فرتفع يا ُمسلم عن هذه األعذار الواهية‪ ،‬وألبِ ْس ُهن لباس‬
‫والحشمة ِ‬
‫والعفة‪ ،‬وال ُّطهر والنقاء وال خسارة عليك أن َتنشأ‬ ‫ِ‬ ‫السرت والدِّ ين‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ابنت َُك كما كانت ُأمهاهتا وجدا ُتها‪،‬‬
‫‪268‬‬

‫وكما قيل‪:‬‬
‫علـــى مـــا كـــان عـــود ُه أبـــو ُه‬ ‫ِ‬
‫تيـــان فينـــا‬ ‫وينشـــأ ناشـــئ ِ‬
‫الف‬ ‫ُ‬
‫ولتعلم األُ ّم ُ‬
‫المسلمة أن عليها المسؤولية الكبيرة أمام اهلل تعالى يف تحبيب‬
‫ال ِّلباس الحسن إلى بناتـها كما أنها ُمطالبة بتكريه لباس ال ُكفار والكافرات‬
‫إلى أبنائها‪ ،‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫يمجسانه‪.‬‬
‫المسلمين اعتادوا يف مثل هذا اليوم عادة طيبة حميدة‪ ،‬وهي‬
‫ثالثاً‪ :‬بما أن ُ‬
‫زاور فيما بينهم‪ ،‬وتف ُّقد أرحامهم لكن الشيطان يحرص على أن ُيكدِّ ر‬
‫الت ُ‬
‫صفو العسل بغمس ُّ‬
‫الذباب فيه‪،‬‬
‫الرجال بالنِّساء األجنبيات‬
‫الزيارات كاختالط ِّ‬
‫فتقع ُمخالفات يف بعض ِّ‬
‫عنهم‪ ،‬والمرأة يف كامل زينتها؛ يف جلس الحمو مع األجنبية عن ُه‪ ،‬وي جلس‬
‫اآلخر مع بنت العم وبنت الخال‪ ،‬وزوجة العم وهكذا غيرها من العادات‬
‫المصادِمة لشرع اهلل تعالى‪.‬‬
‫الذميمة ُ‬
‫ألم تقرأوا قول ُه تعالى‪ {:‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ‬

‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ}[النور‪.]3٩:‬‬
‫‪26١‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫وقال سبحانه‪ {:‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬

‫ﯨ ﯩ ﯪ }[األحزاب‪.]53 :‬‬
‫ول اهللِ‬ ‫يقول‪« :‬إِياكُم والدُّ ُخول ع َلى النِّس ِ‬
‫اء»‪َ .‬قا ُل ْوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫والنبِ ُّي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫َأ َر َأ ْي َت ا ْل َح ْمو؟ َق َال‪« :‬الْ َح ْمو الْ َم ْو ُت»‪.‬‬
‫َت فِي‬ ‫وقال ‪« :‬ات ُقوا الدُّ ْن َيا َوات ُقوا الن َِّسا َء؛ َفإِن أَو َل فِتْن َِة بَنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫يل كَان ْ‬
‫محار ِم ر ِّب ُكم يحفظ لكم أعراضكم‪ ،‬وقِ ُفوا عند‬ ‫ِ‬ ‫اء»‪ ،‬فحافظوا على‬ ‫النِّس ِ‬
‫َ‬
‫ُحدُ ودِه‪ ،‬واعلموا أن ُه ال يجوز تقديم العادات والمألوفات على هدي رسول‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬ ‫اهلل‬

‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ}[األحزاب‪.]36 :‬‬

‫{ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ }[النساء‪.]65 :‬‬

‫ويقول اهلل تعالى‪ {:‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ}[النور‪ ،]3٠:‬وقال‪:‬‬

‫{ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ}[النور‪]3٩:‬إلى قوله تعالى ‪{:‬ﮤ ﮥ‬

‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ }[النور‪.]3٩ :‬‬
‫وكم من ُأناس ر ُّدوا كالم اهلل ألجل الذوق والهوى؛ فأعرضوا عن العمل‬
‫هبذه اآليات‪ ،‬و َأمِنُوا مكر اهلل‪ ،‬فلما وقع الفأس يف الرأس أدركوا حينها أن اهلل‬
‫‪27٠‬‬

‫أحكم الحاكمين‪ ،‬وأن ُحدود ُه سبحانه لصالحنا وصالح ُبيُوتنا‪ ،‬وأبنائنا‬


‫وبناتنا وأن صاحب القلب الطاهر هو من يقول لكالم ر ِّب ِه َس ِمعنا وأطعنا‪.‬‬
‫وركم بطا َعتِه أن من ُسن ِة رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫رابعاً‪ :‬واعلموا َرح َم ُكم اهلل‪ ،‬وأتم ُس ُر َ‬
‫دن الخير‪ ،‬ودعوة‬ ‫إخراج النِّساء إلى ال ُمصلى ل َي ْش َه َ‬ ‫يف يوم ِي ِ‬
‫العيدَ ين‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫للمؤمنين؛‬
‫بالغ يف هذا االجتماع ُ‬ ‫المسلمين حتى إن رسول اهلل‬
‫ُ‬
‫ليشه َ‬
‫دن عيد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عليهن صالة‪ ،‬ولكن‬ ‫الحيض الاليت ليس‬
‫فأمر بإخراج ُ‬
‫المسلين وفرحتهم وشعائر دينهم العظيم؛‬
‫ُ‬
‫فقد أخرج ال ُبخاري و ُمسلم هذا األمر‪ ،‬وبوب البُخاري (باب ُش ُهود‬
‫قالت‪ :‬أمرنا رسول اهلل‬ ‫الحائض ِ‬
‫العيدَ ين)‪ ،‬ولفظ ُمسلم عن ُأ ِّم عطية‬
‫والحيض وذوات ُ‬
‫الخدُ ور‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُخر َج ُهن يف الفطر واألضحى العواتق‬‫أن ن ِ‬

‫لت‪َ :‬يا‬‫المسلمين‪ُ .‬ق ُ‬ ‫فيعتزلن الصالة ويشهدن الخير ودعوة ُ‬ ‫ِ‬ ‫الحيض؛‬ ‫فأما ُ‬
‫ول اهللِ إِ ْحدَ انَا َال َي ُك ُ‬
‫ون َل َها جل َباب َق َال‪« :‬لِتُ ْلبِ ْس َها ُأخْ ت َُها ِم ْن جلبَابِ َها»(‪.)1‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫ألجل أن هذا ُمخالف‬ ‫لمسلم تزهيد الناس يف ُسن ِة نَبِيِّهم‬ ‫وال ينبغي ُ‬
‫لتعليالت‬ ‫وربما تسمع من ُيعارض ُسنة الرسول‬ ‫لهواه‪ ،‬أو للعادات ُ‬
‫وليرض لِن ِ‬
‫َفسه ما َر ِض َي اهلل ل ُه‪ ،‬فكم من الناس من‬ ‫َ‬ ‫عليلة واهيَة‪ ،‬فليت ِق اهلل‬
‫خرجون نسائهم من ال ُب ُيوت لمسافات طويلة والغرض أطماع الدُّ نيا‪.‬‬ ‫ُي ِ‬

‫(‪ )1‬قال النووي ‪ :‬معناه ألبستها جلبابًا ال تحتاج إليه عارية‪.‬‬


‫‪27٩‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫المصلى أن تعلم أنها يف عبادة؛‬


‫وإن ُه لينبغي على المرأة الخارجة إلى ُ‬
‫والسرت والحجاب الشرعي‪ ،‬و ُتع ِّظم شعائر الصالة وتستفيد‬
‫فتتأدب بالسكينة ِّ‬
‫التعرض يف ُط ُرق ِّ‬
‫الرجال‪،‬‬ ‫من ُ‬
‫الخطبة‪ ،‬ولتحذر معصية اهلل بإبداء زينتها‪ ،‬أو ُّ‬
‫وأشدُّ من هذا خطرا وشرا أن تتبخر المرأة‪ ،‬أو تتعطر ُثم تخرج لت َُمر بطريق‬
‫الرجال؛ فيجدون ذلك منها؛‬
‫ِّ‬
‫َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ْو ُل‬ ‫فقد روى أحمد والنسائي عن أبي موسى األشعري‬
‫ت؛ َف َمر ْت َع َلى َق ْوم لِ َي ِ‬ ‫اهللِ‬
‫يح َها‬‫جدُ وا ِر َ‬ ‫‪َ :‬أ ُّي َما ْام َر َأة ْاستَ ْعطَ َر ْ‬
‫ت ُثم َخ َر َج ْ‬
‫َف ِه َي زَانِ َية ‪.‬‬
‫بعد رمضان‪ ،‬صيام ستة أيام من شوال؛‬ ‫خامساً‪ :‬وإن مما َسن ُه نَبِ ُّينا‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫ففي صحيح ُمسلم عن أبي أ ُّيوب األنصاري‬
‫‪« :‬من صام رم َضا َن ُثم َأ ْتبعه ِستًّا ِمن َشوال؛ كَا َن ك ِ‬
‫َص َيا ِم الد ْهرِ»‪ .‬وألن‬ ‫ْ‬ ‫ََُ‬ ‫َ ْ َ َ ََ‬
‫والستة األيام عن شهرين‬
‫ِّ‬ ‫الحسنة بعشرة أمثالها؛ فرمضان بعشرة أش ُهر‪،‬‬
‫فذلك كصيام الدهر يف األجر‪ ،‬فضال من اهلل الكريم على عبادِه‪ ،‬فاحرص‬
‫المسلم‪.‬‬ ‫على هذا الخير أ ُّيها ُ‬
‫الست أن تبدأها بعد العيد ُمباشرة لِ َقول اهلل‬ ‫ِ‬
‫المست ََحب يف صيا ِم ِّ‬ ‫هذا وإن ُ‬
‫ِ‬
‫وقول‬ ‫تعالى‪{:‬ﭯﭰ}[البقرة‪ .]٩48:‬و َق ْولِه‪ {:‬ﭒ}[آل عمران‪،]٩33 :‬‬
‫ال ‪ ،‬وألن اإلنسان بعد رمضان ُمباشرة يكون‬ ‫رسول اهلل ‪ :‬بَادِروا بِ ْاألَ ْعم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫للصيام؛ فإذا أخر ُه إلى ِ‬
‫آخر شوال صار ثقيال عليه‪،‬‬ ‫ُمعتادا ِّ‬
‫‪272‬‬
‫وقد ُربما َي ِ‬
‫عرض ل ُه ما يش َغ ُله عن صيامها‪ ،‬وكذلك يجوز صيامها ُمتتابعة‬
‫تفرقة‪.‬‬
‫أو ُم ِّ‬
‫سادساً‪ :‬اعلموا أ ُّيها اآلباء‪ ،‬واإلخوة الكرام أن من األضرار والمصائب‬
‫المنتشرة ُمؤخرا وجود هذه الفقاقيع النارية‪ ،‬وما ُيسمى بالطماش بأيدي‬
‫ُ‬
‫األطفال السيما وأن ُه يف ك ُِّل مرة ُي َطور‪ ،‬وكم ل ُه من عواقب ُمؤلمة تسمعون‬
‫وهناك‪ ،‬فكثيرا ما ُيشغل الناس يف ُمصليات األعياد عن سماع ِّ‬
‫الذكر‬ ‫هبا هنا ُ‬
‫وربما تسبب بعضها يف حريق بل قد أضرت بأصحاهبا؛‬ ‫هبذه األصوات‪ُ ،‬‬
‫جهه أو ُأصي َبت َعينَا ُه هبذا الطماش‪ ،‬ومنهم من ذهبت‬ ‫ِ‬
‫فكم من طفل ُش ِّو َه َو ُ‬
‫من ُه إصبع أو أكثر‪ ،‬أو ك ُُّل َي ِده‪ ،‬بل ُهناك من فقد اليَدَ ين بحريق هذه األالعيب‬
‫سموهنا (ألعابًا نارية)؛ فماذا تنتظر من وراء الل ِعب بالنار ؟ وهذا من‬ ‫التي ُي ُّ‬
‫المسلِمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عواقب إيذاء ُ‬
‫أن ُه كان(‪ُ )1‬يك ِّبر و ُيه ِّلل رافعًا َصو َت ُه عند‬ ‫هذا وإن مِن َه ِد ِي نَبِ ِّي ُكم‬
‫المصلى‪ ،‬وهكذا حتى ُتقضى الصالة؛‬
‫الخ ُروج يف الطريق إلى ُ‬ ‫ُ‬
‫فيخرجون ساكتين‬
‫ُ‬ ‫التي هجرها الكثير من الناس؛‬ ‫وهذا من ُسنَن ِ ِه‬
‫المصلى بدون تكبير منتظرا تكبير‬
‫بدون تكبير‪ ،‬بل ي جلس البعض يف ُ‬

‫الزهري‪ ،‬وساق ما ُي َق ِّويه األلباين يف الصحيحة (‪.)٩6٩‬‬


‫(‪ )1‬أرسله ُّ‬
‫‪273‬‬ ‫خطبة عيد الفطر‬

‫اإلمام‪ ،‬وكأن ِّ‬


‫الذكر خاص باإلمام‪ ،‬فلتكبِّروا اهلل على ما هداكم أ ُّيها‬
‫‪،‬‬ ‫المؤمنون‪ ،‬كما كبر نَبِ ُّيكم‬
‫ُ‬
‫الخروج لصالة العيد خارج المسجد يف صحراء إظهارا‬ ‫ومن َهدْ يِه‬
‫قد خرج‬ ‫ِ‬
‫ونحوه‪ ،‬فإن ُه‬ ‫للشعائر‪ ،‬وال ُتصلى يف المسجد إال ل ِ ُعذر كمطر‬
‫مسج ِده‪ ،‬وخير الهدي هدي‬‫ِ‬ ‫لصالة العيد إلى الصحراء وترك الصال َة يف‬
‫‪.‬‬ ‫ُمحمد‬
‫المصلى‪ ،‬وكان ال‬ ‫ال ُيص ِّلي قبل صالة العيد شيئًا وال بعدها يف ُ‬ ‫وكان‬
‫يغدو يف عيد الفطر حتى يأكل تمرات‪ ،‬ويف األضحى ي ِ‬
‫مسك حتى ُيص ِّلي‪.‬‬ ‫ُ‬
‫المسلم يف هذا اليوم من أجود الثِّياب اإلسالمية إظهارا‬
‫وينبغي أن يلبس ُ‬
‫لِنِ ْع َم ِة اهللِ َع َليه؛ فقد روى ال ُبخاري يف صحيحه عن ابن ُع َمر أن ُع َمر‬
‫‪،‬‬ ‫السوق؛ فوجد ُحلة من استربق ُتباع‪ ،‬فجاء هبا إلى النبِ ِّي‬ ‫خرج إلى ُّ‬
‫وقال‪ « :‬يا رسول اهلل ابتع هذه تجمل هبا للعيد وللوفود »‪.‬‬
‫‪ « :‬ال خالف بَين ال ُعلماء فيما نع َل ُمه يف استحباب‬ ‫وقال ابن رجب‬

‫لبس أجود الثِّياب لشهود ُ‬


‫الج ُمعة واألعياد »‪ .‬اهـ‬
‫المسلمين أما لِباس الكافرين؛ فمن تشب َه بِ َقوم فهو‬ ‫ِ‬
‫ولكن هذا يف لباس ُ‬
‫منهم‪.‬‬
‫المسلمين يف خير وسالم‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن ُيعيد ُه علينا‪ ،‬وعلى ُ‬
‫‪274‬‬

‫المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫والمسلمين‪ .‬اللهم أصلح أحوال ُ‬ ‫اللهم أعز اإلسالم ُ‬
‫وتقبل من الصائِ ِمين والقائِ ِمين‪ ،‬واجعلنا يف العيد من الشاكرين‪ِ ،‬‬
‫وأع ْذنَا‬
‫من حياة الغافلين‪..........................‬‬

‫‪‬‬
‫‪275‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه ‪.‬‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2 :‬‬

‫{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب‪.]7٩ – 7٠ :‬‬
‫َأما َب ْعدُ ‪َ :‬فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللِ‪َ ،‬و َخ ْي َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد ‪َ ،‬و َشـر‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َها‪َ ،‬وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعة‪َ ،‬وكُل بِدْ َعة َض َال َلة‪َ ،‬وكُل َض َال َلة فِي‬
‫الن ِ‬
‫ار‪...‬‬
‫المسلمون‪ ،‬عباد اهلل‪ ،‬إن من فضل اهلل العظيم‪ ،‬على عبادِ ِه‬
‫َوبعدُ أ ُّي َها ُ‬
‫المؤمنين أن سهل لهم مواسم الخيرات قبل زمن الفوات‪ ،‬فيضاعف لهم‬
‫األجور يف زمن ال ُمهلة؛‬
‫فيها الحسنات‪ ،‬ويعظم لهم ُ‬
‫‪276‬‬

‫واعلموا أن أفضل أيام العام للتِّجارة مع اهلل‪ ،‬وتقديم القرض الحسن لهي‬
‫‪َ « :‬ما مِ ْن َأيام‪،‬‬ ‫أيام العشر األولى من ذي الحجة التي يقول عنها نبيُّ ُكم‬
‫ب إِ َلى اهللِ مِ ْن َه ِذ ِه ْاألَيا ِم»‪َ .‬ي ْعنِي َأيا َم ا ْل َع ْش ِر؛‬
‫يها َأ َح ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫ا ْل َع َم ُل الصال ُح ف َ‬
‫يل‬ ‫ل اهللِ؟ َق َال‪َ « :‬و َال الْ ِ‬
‫ج َها ُد فِي َسب ِ ِ‬ ‫ج َها ُد فِي َسبِي ِ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬و َال ا ْل ِ‬ ‫َقا ُل ْوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ك بِ َش ْيء»‪ .‬روا ُه البُخاري‬ ‫اهللِ‪ ،‬إِال َر جل خَ َر َج بِنَ ْف ِس ِه َو َمالِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َي ْر ِج ْع ِم ْن َذلِ َ‬
‫‪،‬‬ ‫ابن عبِّاس‬‫عن ِ‬

‫المتنافِسون‪ .‬ففي هذه العشر كُل‬


‫فأي فضل بعد هذا؟ ويف ذلك فليتنافس ُ‬
‫ُّ‬
‫أحب إلى اهلل تعالى من ُه يف غيرها‪ ،‬وال ُيستثنى عمل صالح من‬
‫ُّ‬ ‫عمل صالح‬
‫هذا التفضيل والثواب‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب‪ « :‬وقد دل حديث ابن عباس على ُمضاعفة جميع‬
‫األعمال الصالحة يف العشر من غير استثناء شيء منها »‪.‬‬
‫المسلم؛‬ ‫اهلل ل ُه يف ُع ِ‬
‫مره حتى أدركها إذا علمت هذا أ ُّيها ُ‬ ‫فهنيئًا لمن َفس َح ُ‬
‫فأيقظ نفسك من غفلتها باستحضار عظمة الغنيمة‪ ،‬وال تذهب عليك ساعة‬ ‫ِ‬

‫منها إال وقد بذلت فيها جهدك‪ ،‬واجعل لهذه العشر مزية يف حياتك‪،‬‬
‫واهتمامًا ِ‬
‫بارزا بمزيد اإلقبال على اهلل تعالى‪ ،‬وعلى كتابه وذكره من تسبيح‬
‫وتحميد وهتليل وتكبير واستغفار‪.‬‬
‫هذا وإن ُهناك أعماال شرعها اهلل لنا بأنواعها ليتسنى لكل مؤمن اإلكثار‬
‫مما ُس ِّهل و ُي ِّسر ل ُه‪.‬‬
‫‪277‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫وكُل ُميسر لِ َما ُخلِ َق ل ُه‪ ،‬فهناك من ُي ِّسر ل ُه اإلكثار من الصالة‪ ،‬وآخر من‬
‫والحج‪ ،‬وآخر من الصدقات‪ ،‬وآخر‬
‫َ‬ ‫الصيام‪ ،‬وآخر يسر ل ُه اإلكثار من ال ُعمرة‬
‫ِّ‬
‫من قراءة ال ُقرآن‪ ،‬وآخر هيأ ُه اهلل لنشر العلم وتعليمه‪.‬‬
‫المسلم‪ ،‬وانتفع بما وضع اهلل فيها من دوافع الخير‪،‬‬ ‫فاخترب نفسك أ ُّيها ُ‬
‫المستقبل األخير يوم لِقاء اهلل‪.‬‬
‫وس ْسها بما ينفعها يف ُ‬
‫ُ‬

‫وإنَّ ممَّا يَحسُن التَّذكري به يف هذا املقام من تلك األعمال العظيمة‪:‬‬


‫الضحى وغير ذلك‬ ‫أوَّالً‪ :‬اإلكثار من نوافل الصالة كالرواتب‪ ،‬وصالة ُّ‬
‫لِ َم ْن‬ ‫ك بِ َها َد َر َج ًة»‪ ،‬وقد قال رسول اهلل‬ ‫« َولَ ْن ت َْس ُجدَ هلل ِ َس ْجدَ ًة إِال َر َف َع َ‬
‫الس ُجودِ»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الجن ِة‪َ « :‬أ ِعنِّي َع َلى َن ْف ِس َ‬
‫ك بِ َكثْ َرة ُّ‬
‫ِ‬
‫َس َأ َل ُه ُم َرا َف َقتَه في َ‬
‫‪:‬‬ ‫وقال اإلمام البُخاري‬
‫فعســى أن يكــون موتــك بغتــة‬ ‫اغتــنم يف الفــراغ فضــل ُركُــوع‬
‫ذهبــت نفســه الصــحيحة فلتــة‬ ‫كم صحيح مات مـن غيـر سـقم‬
‫للمحتاجين‪ ،‬ويف أبواب الخير مِ ْن ُكتُب ودعوة إلى‬
‫ثانياً‪ :‬بذل الصدقات ُ‬
‫اهلل‪ ،‬وإطعام مـسكـين {ﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﰄ ﰅ}‬

‫[سبإ‪ ،]3١ :‬فما أخرجته يف هذه األيام من درهم‪ ،‬أو ُلقمة قليل أو كثير هو ُّ‬
‫أحب‬
‫إخراجه يف غير هذه األيام العشر‪ ،‬وال ِ‬
‫تحق َرن من المعروف‬ ‫ِ‬ ‫إلى اهلل من‬
‫شيئًا‪.‬‬
‫‪278‬‬

‫روى اإلمام أحمد وغيره‪ ،‬وصحح ُه األلباين عن ُعقبة بن عامر‪ :‬أن رسول‬
‫قال‪« :‬ك ُُّل ْامرِئ فِي ظِ ِّل َصدَ َقتِ ِه َحتى ُي ْف َص َل َب ْي َن الن ِ‬
‫اس»‪ ،‬ولـمــا‬ ‫اهلل‬
‫هذا الحديث كان ال َي ُم ُّر عليه يوم إال ويتصدق‪ ،‬ولو‬ ‫سمع مر َثد اليزين‬
‫بكعكة أو ببصلة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ِ :‬صلة الر ِحم بالزيارة أو المنفعة‪ ،‬أو اال ِّتصال هبم أو الدُّ عاء لهم‪،‬‬
‫وتقديم النُّصح النافع لهم وبذل المعروف والكلمة الط ِّيبة؛ فإن صلة الر ِحم‬
‫الرزق وال ُعمر‪.‬‬
‫مما ُيسبِّب بركة ِّ‬
‫‪َ «:‬م ْن َأ َحب َأ ْن ُي ْب َس َط لَ ُه فِي ِرزْقِ ِه‪َ ،‬و ُين َْسأَ لَ ُه فِي َأ َثرِ ِه‪َ ،‬ف ْل َي ِص ْل‬ ‫قال‬
‫يت‬ ‫‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل ِق ُ‬ ‫َر ِح َم ُه» وروى اإلمام أحمد وغيره َع ْن ُع ْقبَ َة ْب ِن َعامِر‬
‫ال‪َ .‬ف َق َال‪َ :‬يا‬ ‫ل ْاألَ ْعم ِ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْخبِرنِي بِ َفو ِ‬
‫اض ِ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‪َ ،‬و َأ ْعرِ ْض َعم ْن َظ َل َم َ‬ ‫ك‪ ،‬و َأع ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ط َم ْن َح َر َم َ‬ ‫ُع ْقبَةُ‪ ،‬ص ْل َم ْن َقطَ َع َ َ ْ‬
‫رابعاً‪ :‬التوبة إلى اهلل؛ فهي مشروعة يف ك ُِّل حين‪ ،‬ولكن هذا الموسم يح ِّفز‬
‫المسلم على اهلل بالتوبة الن ُصوح من سالف‬ ‫على اإلكثار منها‪ ،‬فأقبِل أ ُّيها ُ‬
‫الذنُوب‪ ،‬والمخالفات عسى ر ُّب ُكم أن ُيك ِّفر عنكم سيِّئاتِ ُكم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ومما ُيعينُك على التوبة الن ُصوح بقلب أواب أن تعلم يقينًا أن لك ُذنُوبًا‬
‫مهما بلغ صالحك وخيرك؛ فإن لك ُذنُوبًا ال ُبد من طلب مغفرهتا‪ ،‬فإن لم‬
‫سع لها يف هذه األيام‪ ،‬فمتى تجتهد يف وضع ِو ِ‬
‫زرك الذي أنقض ظهرك‪.‬‬ ‫َت َ‬
‫‪27١‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫استغفرت لِ ُك ِّل ذنب منها‬


‫ُ‬ ‫قال رياح القيسي‪ « :‬إن لي نيفًا وأربعين ذنبًا قد‬
‫مائة ألف مرة »‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬حضور حلقات العلم والدُّ ُروس النافعة التي فيها تتنور البصائر‪،‬‬
‫وتزداد المعارف ويتعلم فيها المسلم كيف يعبد اهلل على بصيرة‪ ،‬ويعلم ما ل ُه‬
‫وما عليه‪ ،‬فال تحرم نفسك يا ُمؤمن من خير ساقه اهلل إليك‪.‬‬
‫عود النفس على توطن بيوت اهلل‪ ،‬واكسرها‬
‫يف المسجد المجاور لك ِّ‬
‫وذللها لعظمة اهلل‪ ،‬فمن لم يكسرها هلل كسرها لمن سواه‪ ،‬ونفس لم تتعرف‬

‫ستلتفت إلى ُع ُبودية الغير { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫على ال ُع ُبودية هلل‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣﭤ }[الكهف‪.]28 :‬‬
‫سادساً‪ :‬أن يصوم المؤمن ما تيسر ل ُه منها‪ ،‬فإن صيام هذه األيام التِّسعة‬
‫زود من العمل الصالح السيما يف‬
‫يدخل يف عموم األدلة التي حثت على الت ُّ‬

‫مواسم الربكات { ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ }[طه‪.]٩٩2 :‬‬
‫ار َس ْب ِعي َن َخ ِر ْي َفًا ‪،‬‬
‫اهلل َو ْج َه ُه َع ِن الن ِ‬ ‫و من صام يوما فِي سبِي ِ ِ‬
‫ل اهلل‪َ ،‬باعَدَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َْ‬
‫يصوم‬ ‫قالت‪ « :‬كان النبِ ُّي‬ ‫بل روى أبو داود عن بعض أزواج النبي‬
‫تسع ذي الحجة‪ ،‬ويوم عاشوراء‪ ،‬وثالثة أيام من ك ُِّل شهر »‪.‬‬
‫‪28٠‬‬

‫وأما تاسع هذه األيام فغنيم ُة الغنائم لعامين كاملين ال ُيضي ُعها أولو‬
‫ب َع َلى اهلل ِ فِي ِص َيا ِم َي ْو ِم َع َر َف َة أَ ْن‬ ‫ِ‬
‫بي ‪ :‬إِنِّي َألَ ْحتَس ُ‬ ‫البصائر قال فيه الن ُّ‬
‫ُي َك ِّف َر السنَ َة التِي َقبْ َل ُه َوالسنَ َة التِي بَ ْعدَ ُه ‪ .‬روا ُه ُمسلم‪.‬‬
‫فال ينبغي للتاجر الحريص على تجارته مع اهلل أن يتهاون بالمواسم‬
‫ال ُكربى واألرباح ال ُعظمى التي يتنافس فيها األخيار‪ ،‬فإن العامل مع اهلل يو ِّفيه‬

‫أجره من فضلِه سبحانه قال تعالى‪{ :‬ﯪ ﯫ‬


‫اهلل أجره ويزيده فوق ِ‬

‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ }[فاطر‪.]3٠-2١ :‬‬
‫المسلم من العمل يف هذه العشر‪ ،‬وهو‬
‫سابعاً‪ :‬أال وإن من أجل ما ُيقدِّ م ُه ُ‬
‫يف نفس الوقت من أسهل األعمال أداء وأثقلها وزنًا‪ ،‬ومن أح ّبها إلى اهلل‪.‬‬
‫ذكر اهلل تعالى تسبيحًا وتحميدا‪ ،‬وتكبيرا وهتليال‪.‬‬

‫قال تعالى‪ { :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ }[الحج‪.]28 :‬‬
‫قال ابن عباس وغيره‪ « :‬األيام المعلومات هي عشر ذي الحجة »‪.‬‬
‫المسلم لسانه بكثرة ذكر اهلل والثناء عليه الذي أرشد إليه‬ ‫ففيها ُير ِّطب ُ‬
‫النبي ‪ ،‬وإلى اإلكثار من ُه فيها؛ فقال ‪َ « :‬ما ِم ْن َأيام َأ ْعظَ ُم ِعنْدَ اهللِ‪َ ،‬و َال‬
‫‪28٩‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫يهن ِم َن الت ْهلِ ِ‬


‫يل‪،‬‬ ‫يهن ِم ْن َه ِذ ِه ْاألَيا ِم الْ َع ْشرِ؛ َفأَكْثِ ُروا فِ ِ‬
‫ب إِلَيْ ِه الْ َع َم ِل فِ ِ‬
‫َأ َح ُّ‬
‫يد» صحح ُه أحمد شاكر‪.‬‬ ‫والت ْكبِيرِ‪ ،‬والتح ِم ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫لقي لهذه العشر باال‬ ‫ومع هذا اإلرشاد فإن كثيرا من المسلمين صار ال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من حيث اإلقبال على ذكر ر ِّبه تعالى والثناء عليه‪ ،‬وكأن ُه ال فرق عند ُه بينها‬
‫وبين غيرها من األيام‪.‬‬

‫َأ ُّيها ُ‬
‫المسلمون إن ذكر اهلل تعالى عمل ُمسهل ُمعظم‪ .‬به تطمئ ُّن ال ُق ُلوب‪،‬‬
‫الصدُ ور‪ ،‬وتثقل الموازين وتكفر الخطايا‪ ،‬ويزداد اإليمان‪ .‬وقد كان‬ ‫وتنشرح ُّ‬
‫يذكر اهلل على ك ُِّل أحيانِه‪ ،‬وكان يستغفر اهلل يف الم جلس الواحد‬ ‫نَب ُّيكم‬
‫الذكر ِغراس ِ‬
‫الجنان‪.‬‬ ‫مائة مرة‪ ،‬وأخربنا أن ِّ‬
‫ي بِي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُم َحمدُ ‪َ ،‬أ ْقرِىء ُأمت َ‬ ‫ِ‬ ‫فقال ‪ :‬لَ ِق ْي ُ‬
‫َك‬ ‫يم ؛ لَ ْي َل َة ُأ ْسرِ َ‬
‫ت إ ِ ْب َراه َ‬
‫اء‪َ ،‬وأَن َها قِي َعان‪،‬‬
‫ِمنِّي الس َالم‪ ،‬و َأ ْخبِرهم أَن الْجن َة َطيب ُة التُّرب ِة‪ ،‬وع ْذب ُة الْم ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬والْ َح ْمدُ هللِ‪َ ،‬و َال إِلَ َه إِال اهللُ‪َ ،‬واهلل ُ َأ ْك َب ُر ‪ .‬فيا من ُتريد‬ ‫َو ِغ َر ُاس َها‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫الثمر أغرس الزرع قبل فوات موسم البذر‪ ،‬واعلم أن ُه ليس يف الدُّ نيا وال يف‬
‫اآلخرة ثمار بدون غرس‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ « :‬ما من شيء يف الدُّ نيا وال يف اآلخرة إال‬
‫بسبب »‪.‬‬
‫‪282‬‬

‫المسلم ما روا ُه أبو الدرداء‬ ‫الذكر أ ُّيها ُ‬ ‫ومِما يزيدك علمًا بشرف ِّ‬
‫َاها ِعنْدَ َم ِليكِك ُْم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬قال َر ُسول اهلل ‪« :‬أَال َ ُأ َن ِّبئُك ُْم بِخَ ْيرِ َأ ْع َمالك ُْم‪َ ،‬وأَ ْزك َ‬
‫الفض ِة‪َ ،‬وخَ ْير لَك ُْم ِم ْن‬
‫بو ِ‬
‫اق الذ َه ِ َ‬ ‫َو َأ ْر َف ِع َها فِي َد َر َجاتِك ُْم‪َ ،‬وخَ ْير لَك ُْم ِمن إ ْن َف ِ‬

‫َأ ْن َت ْل َق ْوا َعدُ وك ُْم َفت َْضرِبُ ْوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْضرِ ُب ْوا َأ ْعنَا َقك ُْم ؟‬
‫َقا ُلوا‪ :‬بلى‪َ ،‬ق َال‪ :‬ذِك ُْر اهلل ِ َت َعالَى»‪ .‬روا ُه التِّرمذي وصححه األلباين‪.‬‬
‫‪ :‬أن النبي‬ ‫وروى ُمسلم عن ُأم ُ‬
‫المؤمنين جويرية بنت الحارث‬
‫رجع‬
‫َ‬ ‫الصبح‪ ،‬وهي يف مسجدها‪ .‬ثم‬ ‫َ‬ ‫عندها بكرة حي َن صلى‬ ‫َ‬ ‫خرج م ْن‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬
‫ُك‬ ‫ت على الحالَ ِة التي َفار ْقت ِ‬ ‫فقال‪« :‬ما ِزلْ ِ‬ ‫أن أضحى‪ ،‬وهي جالسة‪َ .‬‬ ‫بعدَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عليها؟»‬
‫َ‬
‫ت َب ْعدَ ِك َأ ْر َب َع ك َِل َمات‪َ ،‬ثال ََث مرات‪ .‬لَ ْو‬ ‫‪« :‬لَ َقدْ ُق ْل ُ‬ ‫نعم‪َ .‬ف َق َال‬‫قالت‪ْ :‬‬ ‫ْ‬
‫ور َضا‬ ‫ان اهلل ِ وبِ َح ْم ِد ِه‪َ ،‬عدَ َد خَ ْل ِق ِه ِ‬
‫ت ُمن ُْذ ال َي ْوم لَ َو َز َنت ُْهن‪ُ :‬سبْ َح َ‬ ‫َت بما ُق ْل ِ‬
‫ُو ِزن ْ‬
‫َن ْف ِس ِه َو ِز َن َة َع ْر ِش ِه َو ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه»‪.‬‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِن‬ ‫‪َ :‬أن َر جال َق َال َيا َر ُس َ‬ ‫وعند التِّرمذي عن عبد اهلل بن بسر‬
‫ت َع َلي‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي منها بِ َش ْيء َأ َت َشب ُث بِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ال َيز َُال‬ ‫َشرائِ َع ِ‬
‫اإل ْس َال ِم َقدْ َكثُ َر ْ‬ ‫َ‬
‫ُك َر ْطبًا ِم ْن ذِ ْكرِ اهلل ِ»‪.‬‬
‫لِ َسان َ‬
‫ول‪ :‬أَنَا‬
‫َي ُق ُ‬ ‫قال‪« :‬إِن اهللَ‬ ‫‪ :‬أن ُه‬ ‫وروى ابن ماجه عن أبي ُهريرة‬
‫َم َع َع ْب ِدي إِ َذا َذك ََرنِي‪َ ،‬وت ََحرك ْ‬
‫َت بِي َش َفتَا ُه»‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫‪« :‬إن اهلل َ َت َعالَى‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫وعن عبد اهلل بن مسعود‬
‫ِ‬
‫َق َس َم َب ْينَك ُْم َأخْ َال َقك ُْم ك ََما َق َس َم بَ ْينَك ُْم أَ ْر َزا َقك ُْم‪َ ،‬وإِن اهللَ َت َعالَى ُي ْعطي َ‬
‫الم َال‬
‫حب؛ َفم ْن َضن بِالْم ِ‬ ‫اإليمان إِال من ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َأ ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ب‪َ ،‬و َال ُي ْعطي ِ ْ َ‬ ‫َم ْن َأ َحب َو َم ْن َال ُيح ُّ‬
‫اب الل ْي َل َأ ْن ُيكَابِدَ ُه ‪َ ،‬ف ْليُكْثِ ْر ِم ْن َق ْو ِل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُينْف َق ُه ‪َ ،‬و َخافَ الْ َعدُ و َأ ْن ُي َجاهدَ ُه ‪َ ،‬و َه َ‬
‫ُسبْ َحا َن اهللِ‪َ ،‬والْ َح ْمدُ هللِ‪َ ،‬و َال إِلَ َه إِال اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْكبَ ُر ‪ .‬صححه األلباين‪.‬‬
‫المسلم الكريم ها هي ُكنُوز الدُّ نيا واآلخرة ُت َزف إ َليك إن ك َ‬
‫ُنت أهال‬ ‫أ ُّيها ُ‬
‫لها‪ ،‬ففيها الحياة الحقة‪ ،‬وإال فما وراء وبعد ذلك إال الغفلة‪ ،‬وموت القلب‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ « :‬مثَ ُل ال ِذي‬ ‫ففي البُخاري عن أبي موسى‬
‫ت»‪ .‬فمن لم يعرف ذكر اهلل‬ ‫ي ْذكُر ربه وال ِذي َال ي ْذكُر ربه كَمثَ ِل الْحي والْمي ِ‬
‫َ ِّ َ َ ِّ‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ‬
‫يف األيام المعلومات‪ ،‬فمتى يعلم قيمة ذلك ؟ نسأل اهلل أن ُيعيننا وإياكُم على‬
‫وش ِ‬
‫كره وحسن عبادته‪.‬‬ ‫كره ُ‬‫ذِ ِ‬

‫وأستـغــفر اللـه‪.‬‬
‫‪284‬‬

‫الـخـطبـة الثـانيــة‬
‫ولي الصالحين‪ ،‬وأشهدُ‬ ‫رب العالمين‪ ،‬وأشهدُ أن ال إله إال اهلل ُّ‬‫الحمد هلل ِّ‬
‫وخ َلفائِه‬
‫ور ُسو ُله صلى اهلل وسلم عليه‪ ،‬وعلى آلِ ِه الطاهرين‪ُ ،‬‬
‫أن ُمحمدا عبدُ ُه َ‬
‫ُّور الذي‬‫ونصرو ُه واتبعوا الن َ‬
‫ُ‬ ‫الراشدين وصحا َبتِه األكرمين الذين عظ ُموه‪،‬‬
‫ُأ ِنز َل مع ُه‪.‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أمَّا بعد‪ :‬فاعلموا َرح َم ُك ُم اهلل أن مما ُأم َر بِه ُ‬
‫المسلم يف هذه العشر اإلمساك‬
‫ضحي‪ ،‬وأما‬ ‫ِ‬ ‫عن ِ‬
‫وشعره وظفره إن كان ممن ُيريد أن ُي ِّ‬ ‫أخذ شيء من بشره‬
‫غيره من أفراد ُأسرته؛ فال يلزمهم ذلك ألنهم ليسوا مريدين لألُ ِ‬
‫ضحية وال‬ ‫ُ‬
‫ضحين‪ ،‬بل ُمضحى عنهم‪.‬‬
‫ُم ِّ‬
‫قال‪:‬‬ ‫أن النبِي‬ ‫وذلك لما رواه ُمسلم عن ُأ ِّم ال ُمـؤمنين ُأ ّم سلمة‬
‫إِ َذا َدخَ َل الْ َع ْش ُر َو َأ َرا َد َأ َحدُ ك ُْم أَ ْن ُي َض ِّح َي؛ َف َال َيأْ ُخ ْذ ِم ْن َش ْعرِ ِه‪َ ،‬أ ْو بَ َشرِ ِه‪َ ،‬أ ْو‬
‫ُظ ْفرِ ِه َش ْيئًَا َحتى ُي َض ِّح َي ‪ ،‬ومع هذا التحريم ألخذ شيء مما ذكر؛ فمن وقع‬
‫فيه عمدا؛ فهو آثم وليس لذلك تأثير على إجزاء األُضحية‪ ،‬وال كفارة عليه‬
‫‪.‬‬ ‫وإنما عليه التوبة واالستغفار ل ُمخالفته هني النبِي‬
‫هذا وإن من أجل وأعظم ال ُقرب إلى اهلل تعالى يف هذه العشر ذبح‬
‫والتقرب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫األُضحية يف عاشر ذي الحجة‪ ،‬واستحضار نية العبادة‬

‫المسلم أن يعلم ُأ ُمورا مهمة عن األُضحية ُّ‬


‫أهمها التع ُّبد هلل بذلك‪،‬‬ ‫وعلى ُ‬
‫والتقرب إ َليه وأنها ليست عادة من عادات الناس فحسب‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪285‬‬ ‫استقبال عشر ذي احلجة‬

‫« َوإِن َما لِك ُِّل ْامرِئ َما ن ََوى»‪ُ ،‬ثم يعلم أن ُه البُد أن تكون ضحيته سالمة من‬
‫ال ُع ُيوب التي تمنع اإلجزاء‪،‬‬
‫؛ أن النبي‬ ‫وهي ال ُعيوب المذكورة يف حديث الرباء بن عازب‬
‫قال‪« :‬أَربع َال تَجو ُز فِي ْاألَ َض ِ‬
‫احي‪ :‬الْ َع ْو َرا ُء الْبَ ِّي ُن َع َو ُر َها‪َ ،‬والْ َمرِ َ‬
‫يض ُة‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫الْبَيِّ ُن َم َر ُض َها‪َ ،‬والْ َع ْر َجا ُء الْبَيِّ ُن َظ َل ُع َها‪َ ،‬وال َع ْج َفا ُء التِي َال ُتن ِْقي»‪،‬‬
‫وقد أجمع أهل العلم على أن المعيبة بشيء مما ُذكِ َر يف الحديث ال‬
‫جزئ‪،‬‬ ‫ُت ِ‬

‫جزئ من الضأن يف األضاحي ما كان ِسنُّ ُه دون ستة‬


‫وهكذا ِسنُّها؛ فال ُي ِ‬

‫أشهر‪ ،‬وال من المعز ما كان دون سنة؛‬


‫وال يجوز بـيـع جلـودهـا‪ ،‬أو إعطـائـها الجـزاريـن ُمكافأة كاألُجرة لهم؛‬
‫إال من كانوا من المساكين‪.‬‬
‫هذا وإن وقت الذبح ال يبدأ إال من بعد صالة العيد‪ ،‬ومن ذبح قبل الصالة‬
‫جزئ‪ .‬بل يذبح مكاهنا أُخرى؛‬ ‫فشاته شاة لحم‪ ،‬وال ُت ِ‬

‫وأما آخر وقت لِ َذبح األُضحية فينتهي ب ُغ ُروب الشمس من اليوم الثالث‬
‫من أيام التشريق؛‬
‫‪ :‬كُل َأيام الت ْشرِ ْيق َأيام َذ ْبح ‪ ،‬ويجوز الذبح ليال كما‬ ‫لقول النبي‬
‫يجوز هنارا يف هذه األيام‪.‬‬
‫‪286‬‬

‫المصلى ُمب ِّكرا‬ ‫المسلمون‪ ،‬أن يكون ُغ ُّ‬


‫دوكم إلى ُ‬ ‫هذا واحرصوا أ ُّيها ُ‬
‫لرتفعوا أصواتكم بالتكبير والتهليل‪ ،‬وليحرص الـ ُمسلم على سماع ُخطبة‬
‫العيد‪.‬‬
‫المسلم يف صبيحة يوم العيد‬
‫أن يمسك ُ‬ ‫السنن عن نَبِ ِّي ُ‬
‫الهدى‬ ‫ومن ُّ‬
‫حتى يطعم من ُأ ِ‬
‫ضحيَته‪.‬‬
‫أال فاشكروا نعم اهلل يا عباد اهلل ليزيدكم من فضله؛ كما قال سبحانه‪:‬‬

‫{ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ } [إبراهيم‪،]7 :‬‬

‫وشكر ُه سبحانه يشمل ذكره‪ ،‬والثناء عليه بما هو أهله‪ ،‬وأن ُيع ِّظم ُ‬
‫المسلم‬ ‫ُ‬
‫من األيام ُّ‬
‫والش ُهور ما عظ َم اهلل‪ ،‬وأن يجعل يف حياته فرقًا بين هذه األيام‬
‫وغيرها كما فرق اهلل بينها‪.‬‬
‫والمسلمين على ما ُيرضيك‪ ،‬وجنِّبنا ما ُيسخطك و ُيؤذيك‪،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫أعنا‬
‫ُ‬
‫المسلمين خيارهم‪ ،‬وال ُت ِّ‬
‫ول عليهم شرارهم اللهم و ِّفقهم‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ول على ُ‬
‫‪.............‬‬ ‫وسنة نَبِيِّك محمد‬
‫ال ِّتباع كتابك ُ‬
‫الــــدعــــاء‬

‫‪‬‬
‫‪287‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫‪‬‬
‫له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُه‪َ ،‬ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا‪،‬‬
‫إِن الحمدَ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه‪.‬‬ ‫َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ‬
‫؛‬

‫{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}‬
‫[آل عمران‪.]٩٠2:‬‬

‫{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}‬
‫[النساء‪.]٩ :‬‬

‫{ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب‪.]7٩ – 7٠:‬‬
‫‪َ ،‬و َشر‬ ‫َأما بَ ْعدُ ‪َ ،‬فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللِ‪َ ،‬و َخيْ َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد‬
‫ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحــدَ َثـا ُت َها‪َ ،‬و ُكـل ُم ْحدَ َثة بِـدْ َعـة‪َ ،‬وكُل بِـدْ َعـة َض َال َلـة‪َ ،‬وكُل‬
‫َض َال َلة فِي الن ِ‬
‫ار‪.‬‬
‫‪288‬‬

‫المسلمـون‪ ،‬هـا أنتم اليوم فـي يوم هـو عاشـر عشرة أيـام هي أفضل‬
‫أ ُّيها ُ‬
‫رب العزة وال جالل‪ ،‬فقال‪ { :‬ﭑ‬
‫أيام العام‪ ،‬ولعظيم فضلها أقسم هبا ُّ‬

‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ }[الفجر‪.]2-٩ :‬‬
‫أقسم هبا ألهنا من أنفس المواسم للعمل الصالح ففيها يوم الحج األكرب‪،‬‬
‫وفيها الوقوف بعرفة الذي يغفر اهلل فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان؛ فإن ُه‬
‫ما ُرئِ َي الشيطان أحقر وال أدحر من ُه يف يوم عرفة‪،‬‬
‫ُثم إن أيام األعياد أيام فرح وسرور‪ ،‬وأيام هبجة النفس واسرتاحتها ولكل‬
‫قوم أعياد يفرحون فيها‪ ،‬فمنها أعياد مكانية ومنها أعياد زمانية‪ ،‬ولما َق ِد َم سيِّد‬
‫الصدِّ يق‬
‫ومعه صاحبه األكرب‪ ،‬ورفيقه الحنون أبو بكر ِّ‬ ‫المرسلين‬
‫ُ‬
‫إلى المدينة؛ كان ألهلها يومان يلعبون فيهما؛‬
‫‪َ « :‬قدْ َأ ْبدَ لَ ُكـ ُم اهللُ َت َعـالَى بِ ِه َما خَ ـيْـ ًرا ِمن ُْه َما‪َ :‬ي ْو َم الْ ِفطْرِ َو َي ْو َم‬ ‫فقال‬
‫ْاألَ ْض َحى»‪،‬‬
‫ُأمت ُه عن ُأمم الكفر حتى يف أعيادها وأفراحها‪.‬‬ ‫فميز الرسول‬
‫للمشركين أعياد زمانية ومكانية؛ فلما جاء‬‫‪ « :‬وكان ُ‬ ‫قال ابن ال َقيِّم‬
‫الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام مِنى‪،‬‬
‫اهلل باإلسالم أبطلها‪ ،‬وعوض ُ‬
‫المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة‪ ،‬وعرفة‬
‫كما عوضهم من أعياد ُ‬
‫والمشاعر»‪.‬‬
‫‪28١‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫ولم ت ُكن ُأمة اإلسالم يف ال ُقرون ُ‬


‫المفضلة تزيد على هذه األعياد رغم‬
‫الحوادث العظيمة واالنتصارات الساحقة على أعداء األُمة التي ُز ِلزلت فيها‬
‫المسلمون لتلك الحوادث اإلسالمية‬ ‫عروش ال ُفرس ُّ‬
‫والروم؛ فلم يجعل ُ‬
‫؛‬ ‫احتفاال وأعيادا‪ ،‬وذلك منهم وقوف حيث وقف رسول اهلل‬
‫‪ « :‬من كان ُمستنًا؛ فليستَ ّن بمن قد مات إن‬ ‫يقول عبد اهلل ابن مسعود‬
‫كانوا أفضل هذه األُمة‬ ‫الحي ال ُتؤمن عليه ِ‬
‫الفتَن أولئك أصحاب محمد‬
‫‪،‬‬ ‫حبة نَبِيِّ ِه‬
‫وأبرها ُق ُلوبًا وأعمقها علمًا‪ ،‬وأقلها تك ُّلفًا واختارهم اهلل لص ِ‬
‫ُ‬
‫وإلقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبِعـوا أثـرهم »‪.‬‬
‫الرجال‬
‫فما أحوجنا معشر الـ ُمـؤمنين لفهم أمر اهلل كما فهمه أولئك ِّ‬
‫المهاجرون واألنصار‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسان أسالفكم وأمجادكم‪.‬‬
‫األبرار ُ‬
‫المسلمون‪ ،‬يف وقت يحصل فيه ما يحصل من النيل من كرامة‬
‫ونح ُن أ ُّيها ُ‬
‫المسلمون‪ ،‬وسمع العالم ما صدر‬
‫أمتنا اإلسالمية ودينها القويم حيث سمع ُ‬
‫‪ ،‬وكذلك اللمز لخلفائه‬ ‫من الطعن والتشويه لشخص نبيِّنا الكريم‬
‫؛ فقد عصمه اهلل من الناس‪،‬‬ ‫؛ فأما نَبِ ّي اهلل‬ ‫الراشدين األكرمين‬

‫فقال تعالى‪ { :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ }[المائدة‪،]67 :‬‬


‫ِ‬
‫فمهما قيل فيه؛ فدينه محفوظ وشرعه محفوظ بحفظ اهلل ل ُه كما َحف َظ ُ‬
‫اهلل‬
‫شخصه حيًا وميِّتًا‪.‬‬
‫‪2١٠‬‬

‫الحسنى‬ ‫وأما ُخ ُ‬
‫لفاؤ ُه الكرام وأصحابه األتقياء؛ فقد سبقت لهم من اهلل ُ‬
‫؛‬ ‫لصحبة س ِّيد البشر‬
‫والرضا عنهم‪ ،‬واختيارهم ُ‬
‫ِّ‬
‫قال اهلل عنهم‪ { :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ }[الفتح‪ ]٩8:‬وكان أصحاب هذه البيعة‬


‫ألفًا وأربعمائة‪.‬‬

‫وقال اهلل عنهم‪ { :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }[التوبة‪.]٩٠٠ :‬‬
‫فمن طعن يف نبي اإلسالم‪ ،‬أو صحابته الميامين العظام؛ فال يضر إال نفسه‬
‫وخسر دنياه و ُأخراه وإن تستر باإلسالم‪.‬‬
‫هذا واعلموا أ ُّيها المؤمنون‪ ،‬أن من أجل ما تعملونه يف هذا اليوم العظيم‪،‬‬
‫ذبح األضاحي أو نحرها‪.‬‬
‫‪« :‬إِن َأو َل َما َنبْدَ ُأ فِي‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫فعن الرباء بن عازب‬
‫َي ْو ِمنَا َه َذا َأ ْن ن َُص ِّل َي‪ُ ،‬ثم ن َْر ِج َع َف َنن َْح َر‪َ ،‬ف َم ْن َف َع َل َذلِ َ‬
‫ك َف َقدْ َأ َص َ‬
‫اب ُسن َتنَا‪َ ،‬و َم ْن‬
‫ك فِي َش ْيء» َف َق َال َر‬ ‫نَحر َقب َل الصالَةِ َفإِنما هو َلحم َقدمه ِألَه ِل ِه‪ ،‬لَيس ِمن النُّس ِ‬
‫ْ َ َ ُ‬ ‫َُ ْ‬ ‫َ َُ ْ‬ ‫ََ ْ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ذ َب ْح ُت َو ِعن ِْدي‬ ‫ار ُي َق ُال َل ُه َأ ُبو ُب ْر َد َة ْب ُن نِ َيار‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫جل مِ َن األَن َْص ِ‬

‫ي َع ْن َأ َحد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اج َع ْل ُه َمكَا َن ُه َولَ ْن تُوف َي أَ ْو ت َْج ِز َ‬
‫َج َذ َعة َخيْر م ْن ُمسنة‪َ ،‬ف َق َال‪ْ « :‬‬
‫َب ْعدَ َك»‪،‬‬
‫‪2١٩‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫ولكن ينبغي على املُسلم حنو هذه الشَّعرية مُراعاة أمور مهمة ‪:‬‬
‫بذبح هذه‬ ‫ضحي إخالص النِّية‪ ،‬والتع ُّبد هلل‬
‫الم ِّ‬
‫أوَّهلا‪ :‬أن يستشعر ُ‬
‫األُضحية‪ ،‬وأنها ليست ُمجرد لحم ُيؤكل يوم العيد‪ ،‬بل عبادة ون ُُسك خالص‬

‫هلل قال تعالى ‪{ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ‬

‫ﯞ ﯟ}[األنعام‪.]٩63-٩62:‬وقال تعالى‪ { :‬ﮊ ﮋ ﮌﮍ}[الكوثر‪.]2 :‬‬


‫المسلم على قصدك فيها؛ فإنما ل ِ ُك ِّل امرئ ما نوى‪.‬‬
‫فاحرص أخي ُ‬
‫ثانيها‪ :‬أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع إجزاءها‪ ،‬وهي األربعة‬
‫‪َ :‬أ ْربَع َال‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‬ ‫المذكورة يف حديث الرباء بن عازب‬
‫تَجو ُز فِي ْاألَ َض ِ‬
‫اح ِي‪ :‬الْ َع ْو َرا ُء الْبَ ِّي ُن َع َو ُر َها‪َ ،‬والْ َمرِ َ‬
‫يض ُة الْبَ ِّي ُن َم َر ُض َها‪،‬‬ ‫ُ ْ‬
‫َوالْ َع ْر َجا ُء الْ َب ِّي ُن َظ ْل ُع َها‪َ ،‬والْ َع ْج َفا ُء التِي َال ُتن ِْقي ‪.‬‬
‫‪ « :‬أجمعوا على أن التي فيها ال ُعيُوب المذكورة يف‬ ‫قال النووي‬
‫جزئ التضحية هبا‪ ،‬وكذا ما كان يف معناها‪ ،‬أو أقبح منها‪:‬‬ ‫حديث الرباء ال ُت ِ‬

‫الر جل ونحوه »‪ .‬أما ما ك ُِس َر َقرنه من األضاحي؛ فإن ذلك ال‬


‫كالعمى وقطع ِّ‬
‫َي ُض ُّره‪.‬‬
‫جزئ من الضأن‬‫السن المشروع؛ فال ُي ِ‬‫ثالثها‪ :‬أن ال تكون األُضحية دون ِّ‬
‫مره أقل من سنة‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫أشهر‪ ،‬وال من المعز ما كان ُع ُ‬
‫مره أقل من ستة ُ‬
‫ما كان ُع ُ‬
‫مره دون خمس‬
‫مره دون سنتين‪ ،‬وال من اإلبل ما كان ُع ُ‬
‫من البقر ما كان ُع ُ‬
‫سنين‪.‬‬
‫‪2١2‬‬

‫رابعها‪ :‬ال يجوز بيع شيء منها ال من لحمها وال جلودها‪ ،‬وال صوفها وال‬
‫ُيعطي شيئًا منها يف مقابل ُأجرة لمن يذبحها؛‬
‫ول اهللِ‬
‫قال‪َ « :‬أ َم َرنِي َر ُس ُ‬ ‫ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫لها َع َلى‬
‫ودها َو جال َ‬ ‫َأ ْن َأ ُقو َم َع َلى ُبدْ نه َو َأن أقسم ُل ُح َ‬
‫ومها َو جل َ‬
‫جز َارتِ َها َشيْئا مِن َْها »‪،‬‬
‫ين‪َ ،‬و َال ُأ ْعطِ َي فِي َ‬
‫الم َساكِ ِ‬
‫َ‬
‫ول اهللِ‬‫قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫بل روى البيهقي وحسن ُه األلباين عن أبي ُهريرة‬
‫حي َة لَ ُه»؛ فلحومها و جلودها ال ُتباع‪،‬‬ ‫حيتِ ِه َف َال ُأ ْض ِ‬
‫‪« :‬من باع جلدَ ُأ ْض ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫ولكن ُينتفع هبا أو ُتهدى أو ُيتصدق هبا‪.‬‬
‫خامسها‪ :‬وقت ذبحها ال يبدأ إال من بعد صالة العيد‪ ،‬ومن ذبح قبل‬
‫الصالة؛ فشا ُته شاة لحم‪ ،‬وليذبح مكاهنا ُأخرى أما هناية وقت الذبح فبِ ُغروب‬
‫‪ :‬ك ُُّل َأيا ِم‬ ‫الشمس من ثالث يوم من أيام التشريق؛ لقول رسول اهلل‬
‫الت ْشرِ ِ‬
‫يق َذ ْبح ‪ ،‬والذبح يف هذه األيام األربعة يجوز ليال أو هنارا على الراجح‬
‫عند ال ُعلماء‪.‬‬
‫المسلم من البِدَ ع التي هتدم الدِّ ين‪ ،‬فمن البِدَ ع يف األضاحي‬
‫واحذر أ ُّيها ُ‬
‫الجدران‪ ،‬أو ذبح األُضحية نفسها‬
‫أخذ شيء من دمها‪ ،‬وتلطيخ األبواب أو ُ‬
‫الجدران العالية؛‬
‫فوق ُ‬
‫‪2١3‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫وكذلك أيضًا أن ُتوضأ األُضحية‪ ،‬ويمسح بالماء على يديها ووجهها كُل‬

‫ينزل اهلل به سلطانًا { ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ}‬


‫هذا مما لم ِّ‬
‫عند الذبح أن يقول‪« :‬بسم اهلل‬ ‫[األحزاب‪ ]2٩ :‬الذي كان يفعله رسول اهلل‬
‫واهلل أكبر»‪.‬‬
‫ضحي عدم اإلسراف والتبذير؛‬ ‫ِ‬
‫الم ِّ‬
‫هذا ومما ينبغي أن ينتبه ل ُه ُ‬
‫هداهم اهلل؛ فيرمون ُش ُحومًا و جلودا لو صرفوها‬
‫ُ‬ ‫فإن ُه ُربما تساهل البعض‬
‫ت آخرين مِمن يحسن استخدامها؛‬ ‫يف أبواهبا لنَ َف َع ْ‬
‫فال تحقروا من المعروف شيئًا‪ ،‬فإن صيانتها من اإلسراف من ُشكر نعمة‬
‫اهلل ورعايتها‪.‬‬
‫السنن التي يحرص عليها ال ُمسلم يف العيد التبكير إلى‬
‫هذا وإن من ُّ‬
‫المصلى يف عيد األضحى ليذهب الناس إلى ضحاياهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الفطر بِأن لِ ُك ِّل عيد‬
‫تقديم األضحى وتأخير ِ‬ ‫وقد علل ابن ُقدامة‬
‫إخراج الزكاة‪ ،‬ووقتها قبل الصالة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وظيفة‪ ،‬فوظيفة الفطر‬
‫السنن كذلك رفع الصوت بالتكبير والتهليل حال ُ‬
‫الخ ُروج إلى‬ ‫ِ‬
‫وم َن ُّ‬
‫‪،‬‬ ‫المصلى كما فعل ذلك الرسول‬
‫ُ‬
‫السنن أيضًا الحرص على إظهار شعيرة صالة العيد‪ُ ،‬‬
‫وشهود‬ ‫ومن ُّ‬
‫خطبتها بإخراج النساء حتى من لم َت ُكن عليها صالة‪،‬‬
‫‪2١4‬‬

‫ُخ ِر َج ُهن‬
‫َأ ْن ن ْ‬ ‫ول اهللِ‬‫قالت‪َ « :‬أ َم َرنَا َر ُس ُ‬ ‫وذلك لحديث ُأ ِّم عطية‬
‫ور‪َ ،‬ف َأما ا ْل ُحي ُض‬ ‫خدُ ِ‬ ‫ات ا ْل ُ‬ ‫الف ْط ِر واألَ ْضحى‪ :‬العواتِ َق وا ْلحي َض و َذو ِ‬ ‫فِي ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ول اهللِ إِ ْحدَ انَا‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫خيْ َر َو َد ْع َو َة ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪ُ .‬ق ْل ُ‬
‫َفيَ ْعت َِز ْل َن الصال َة َو َي ْش َهدْ َن ا ْل َ‬
‫ون َل َها جل َباب؟ َق َال‪ :‬لِتُ ْلبِ ْس َها ُأخْ ت َُها ِم ْن جل َبابِ َها »‪،‬‬ ‫َال َي ُك ُ‬
‫على نسوة ُأمتِه حتى الحائض أمرها‪،‬‬ ‫فانظر يا ُمسلم إلى حرص نبيِّك‬
‫وليس لها صالة‪ ،‬ولكن لتشهد الخير والدعوة حتى من لم ي ُكن لها جلباب‬
‫تخرج‪ ،‬وتستعير جلبابًا من ُأختِها؛‬
‫تحتجب به أمرها أن ُ‬
‫‪ « :‬ولهذا رجحنا أن صالة العيد‬ ‫بل قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫واجبة على األعيان »؛‬
‫الزم هذه الصالة يف‬ ‫‪ « :‬اعلم أن النبي‬ ‫وقال العالمة الشوكاين‬
‫العيدين‪ ،‬ولم يرتكها يف عيد من األعياد‪ ،‬وأمر الناس بالخروج إليها حتى أمر‬
‫بخروج النِّساء »؛‬
‫وهذا َيدُ ُّل على أن هذه الصالة واجبة وجوبًا ُمؤكدا على األعيان‪.‬‬
‫وأما بالنِّسبة للتهنِ ِ‬
‫ئة يف العيد‪ ،‬فإن كثيرا من الناس يتساهلون‪ ،‬ويأتون بتهان‬
‫جديدة‪ ،‬على ِ‬
‫وجه المزاح هبا؛‬
‫اهلل مِنا َومِنْ ُكم »‪.‬‬
‫قول بعضهم لبعض‪َ « :‬ت َقب َل ُ‬ ‫والمشهور عن السلف‬
‫للمسلم يوم العيد‪ :‬أن يتزين بِأجمل الثِّياب ويت َطيب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َحب ُ‬
‫ومما ُيست ُّ‬
‫‪2١5‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫ِ‬
‫والزينة يف‬
‫يب ِّ‬‫‪ « :‬سمعت أهل العلم يستَحبُّون ال ِّط َ‬ ‫قال اإلمام مالك‬
‫ك ُِّل عيد »‪.‬‬
‫‪ « :‬ال خالف بين العلماء فيما نعلمه يف استحباب‬ ‫وقال ابن رجب‬
‫ِ‬
‫لبس أجود الثِّياب ل ُشهود ُ‬
‫الجمعة واألعياد »‪.‬‬
‫فلبس الثِّياب الطيبة يف العيد من إظهار نعمة اهلل والتحدُّ ِ‬
‫ث هبا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ولكن الشيطان حريص جدا على أن ال تتم نعمة اهللِ على عبده؛ فجعل‬
‫الكثير من الناس يف يوم عيدهم ُيحيون ُسنة أعدائهم يف الملبس خصوصًا‬
‫َ‬
‫المالبس النِّسائية؛‬
‫فقد ظهر فيها من االنحالل وضعف الحياء ما ظهر‪ ،‬وإن مِما ُيثير العجب‬
‫ُس ُكوت كثير من اآلباء وفقهم اهلل عن ال ُمخالفات التي يروهنا‪ ،‬وهم يعلمون‬
‫الشيَ ِم المجيدة‪ ،‬وإنما‬
‫أن ذلك ليس معهودا من العادات الحميدة‪ ،‬وال من ِّ‬
‫از َي ِة ألهل اإلسالم‪ ،‬ولكن إلى اهلل‬ ‫هو من تربية الت ِ‬
‫ِّلفزيونات والقنوات ال َغ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرضى بالت َشبُّهات‬
‫المسلمين عن القيَم السامية ِّ‬ ‫المشتكى م ْن تخ ِّلي بعض ُ‬
‫ُ‬
‫الدانية‪.‬‬
‫المسلم عن‬
‫المستحبة يف عيد األضحى أن ُيمسك ُ‬ ‫السنن ُ‬
‫هذا وإن من ُّ‬
‫ضح َيتِه‪.‬‬
‫الطعام حتى يأكل من ُأ ِ‬
‫‪2١6‬‬

‫المؤمنون أن ُه يقدم عليكم بعد عيد األضحى أيام التشريق‬


‫واعلموا أ ُّيها ُ‬
‫ص فيها على اإلكثار من ذكر اهلل تعالى والثناء عليه‪.‬‬ ‫حر ُ‬‫وهي أيام ُي َ‬
‫يق َأيا ُم َأكْل َو ُش ْرب َوذِ ْكرِ اهلل ِ »‪.‬‬
‫قال فيها النبِي ‪َ « :‬أيا ُم الت ْشرِ ِ‬
‫ُّ‬
‫‪{ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬ ‫ويقول فيها ر ُّبنا‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ} [البقرة‪.]2٠3:‬‬
‫الجمهور‪ ،‬ومنهم ابن عباس األيام المعدودات بأنها أيا ُم‬
‫وقد فسر ُ‬
‫التشريق‪ ،‬وأما األيام المعلومات؛ فهن أيام العشر األول من ذي الحجة‪.‬‬
‫أال فاذكروا اهلل يا عباد اهلل‪ ،‬يذكركم واشكروه على نِع ِم ِه ِيزدكُم و َل ِذكْر اهللِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أكرب واهلل يعلم ما تصنعون‪.‬‬
‫المـسلمين جميعًا اليوم أن يتذكروا ُخطبة نَبِ ِّي ِهم‬
‫عباد اهلل أال ما أحوج ُ‬
‫الحج األكرب‪ ،‬وهي ما روى البُخاري َع ِن ا ْب ِن َعباس‬
‫ِّ‬ ‫يف يوم الن ِ‬
‫حر يوم‬
‫اس َي ْو َم الن ْح ِر؛‬ ‫َخ َط َ‬
‫ب الن َ‬ ‫‪َ ،‬أن النبِي‬

‫اس َأ ُّ‬
‫ي َي ْوم َه َذا ؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ي ْوم َح َرام‪،‬‬ ‫َف َق َال‪َ « :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫َق َال‪َ « :‬فأَ ُّ‬
‫ي َب َلد َه َذا ؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ب َلد َح َرام‪،‬‬

‫َق َال‪َ « :‬فأَ ُّ‬


‫ي َش ْهر َه َذا؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ش ْهر َح َرام‪،‬‬
‫‪2١7‬‬ ‫خطبة عيد األضحى‬

‫اضك ُْم َع َليْك ُْم َح َرام‪ ،‬ك َُح ْر َم ِة َي ْو ِمك ُْم‬ ‫َق َال‪َ « :‬فإِن دِ َما َءك ُْم َو َأ ْم َوالَك ُْم َو َأ ْع َر َ‬
‫َه َذا‪ ،‬فِي َب َل ِدك ُْم َه َذا‪ ،‬فِي َش ْهرِك ُْم َه َذا»‪َ ،‬فأَ َعا َد َها مِ َرارا‪ُ ،‬ثم َر َف َع َر ْأ َس ُه‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫ْت‪ ،‬الل ُهم َه ْل بَلغ ُ‬
‫ْت‬ ‫الل ُهم َه ْل بَلغ ُ‬
‫‪َ « :‬ف َوال ِذي نَ ْف ِسي بِ َي ِد ِه‪ ،‬إِن َها َل َو ِصيتُ ُه إِ َلى ُأمتِ ِه‪َ ،‬ف ْل ُيبْلِ ِغ‬ ‫َق َال ا ْب ُن َعباس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب بَ ْعض »‪.‬‬ ‫ال َت ْر ِج ُعوا بَ ْعدي كُفارا‪َ ،‬ي ْض ِر ُب بَ ْع ُض ُك ْم ِر َق َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬‫الشاهدُ ال َغائ َ‬
‫فعلى ك ُِّل ُمسلم أن يقف اليوم بنفسه وقفة جادة مع هذا الحديث الذي‬
‫المسلمين فيما بينهم دماء وأمواال وأعراضًا‪،....‬‬
‫عظم ُح ُرمات ُ‬
‫سن عبا َدتِك اللهم أعز اإلسالم‬
‫وح ِ‬
‫كرك ُ‬ ‫وش ِ‬
‫ذكرك ُ‬ ‫أعنا على ِ‬‫اللهم ِ‬

‫والمسلمين‪....‬‬
‫ُ‬
‫الـدعــاء‬
‫‪2١8‬‬

‫أسباب اهلداية‪8 ........................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪31 ............................................................................................................................‬‬

‫فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم‪02 ....................................................‬‬


‫اخلطبة اثلانية ‪21............................................................................................................................‬‬

‫الصالة ماحيـــــة الذنـــوب ‪12 .............................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪13 ...........................................................................................................................‬‬

‫ما نــزل بــالء إال بِذنب ‪40 ................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪41 ............................................................................................................................‬‬

‫االبتالء بالسراء والضراء‪62 ..............................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪37 ............................................................................................................................‬‬

‫خوف املؤمنني من رب العاملني ‪82 ............................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪13 ............................................................................................................................‬‬

‫وقفات مع األحداث ‪79 ...................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪371...........................................................................................................................‬‬

‫حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة ‪328 ..................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪331 ..........................................................................................................................‬‬

‫االستعداد للموت‪306....................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪311 ..........................................................................................................................‬‬

‫االغرتار بالدنيا ‪319 ....................................................................‬‬


‫اخلطبة اثلانية ‪314 ..........................................................................................................................‬‬
‫‪2١١‬‬ ‫فهرس الكتاب‬

‫أسباب الرزق ‪352 .......................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪313 ..........................................................................................................................‬‬

‫الزواج نعمة فجنبوه النقمة ‪369 ..........................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪334 ..........................................................................................................................‬‬

‫اإلبراهيمية وفضل اإلسالم ‪383 ...........................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪313 ..........................................................................................................................‬‬

‫الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم ‪020 ....................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪232 ..........................................................................................................................‬‬

‫املخدرات واحلفاظ على العقل ‪038 ..........................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪221 ..........................................................................................................................‬‬

‫اإلنذار من النار‪012 .....................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪211..........................................................................................................................‬‬

‫خطبة صالة اإلستسقاء ‪044 ..............................................................‬‬


‫استقبــال رمضــان ‪051 ..................................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪241 ..........................................................................................................................‬‬

‫خطبة عيد الفطر ‪061 ..................................................................‬‬


‫استقبال عشر ذي احلجة ‪095.............................................................‬‬

‫اخلطبة اثلانية ‪281 .........................................................................................................................‬‬

‫خطبة عيد األضحى ‪089 ................................................................‬‬


‫فهرس الكتاب ‪078......................................................................‬‬

You might also like