Professional Documents
Culture Documents
ألقاها
4
5 مقدمة
الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله
إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن لخطبة الجمعة شأنًا عظيمًا يف ديننا القويم ولذا ُم ِّيزت على غيرها من
الخطابات والمواعظ والدروس بمميزات دلت على أهميتها وذلك كحرمة
الكالم حال الخطبة مثال وألهنا اللقاء األسبوعي الذي يحضره كثير ممن ال
يعرفون مجالس الذكر األخرى وال يلتقون بالعلماء وال يسمعون المواعظ
فكان حريًا بالخطيب أن يوليها اهتمامًا بالغًا وذلك بتخليص نيته من إرادة
غير اهلل .ثم بالتحضير والسداد والقرب من أحاسيـس مستمعيه لتحصيل
أكرب قدر ممكن من االستــفادة ،وال يكن همه إلقاء ما بدا له وكفى،
وأن يحرص على مشاركة مجتمعه آالمهم وهمومهم ويسعى يف طرح
الحلول الشرعية للمشكالت المجتمعية الظاهرة وربط أهلها برهبم ،وأن
يحسن صورة الدين بالخطاب المتّزن بعيدا عن االنفعاالت
ِّ
6
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ}
]آل عمران[٩5١ :
وكما قيل:
ُيصيب القلـوب ويـدمي المقـل وبعض الحروف كضـغط الزنـاد
ُيداوي الجـروح ويشـفي العلـل وبعض الحروف ُ
كشـرب الـدواء
وأن يختار الكلمة الفصيحة الواضحة لدى السامعين وال يغرب يف
« :حدثوا الناس بما يعرفون األلفاظ كما قال أمير المؤمنين علي
أتريدون أن ُيكذب اهلل ورسوله ».
« :لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا على قدر عقله قال الشافعي
ما فهمنا لكنه كان ُيكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه ».
وأن يضرب األمثلة المقربة للمقصود بغير توسع فقد ضرب اهلل يف كتابه
أكثر من أربعين مثال .
7 مقدمة
تنبيه:
من المهم جدا ها هنا أنه ينبغي للخطيب أن يقرأ الخطبة مرات قبل
إلقائها على الناس فما يراه غير مناسب لفهم أهل مجتمعه وضع عليه
خ ّطــًا أو دائرة ،وما يراه يحتاج إلى زيادة شرح أو توضيح علق بقلمه ما
ُيــبــينه وهكذا الخطيب المتفاعل مع خطبته البد أن تظهر عناية فكره على
إلقائه وتعبيره وأن يكون لعلمه ومخالطته للناس وخربته هبم تقديم وتأخير
وزيادة وإضافة إلى ما يف الكتاب،
وأما مجرد القراءة على الناس مما يف الكتاب فقط فهذا أمر ُيجيده الكثير
ممن تعلم القراءة
وتلبيـة لرغبة كثير من المحبين يف إخراج بعض الخطب قام الولد عبد اهلل
وفقه اهلل بتفريغها من الصوتيات وقمت بمراجعتها وتنقيحها حسب
اإلمكان.
نسأل اهلل أن ينفعنا هبا والمسلمين والحمد هلل رب العالمين.
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
هلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ا ُ
،
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران .]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}[النساء .]٩ :
{ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ } [األحزاب .]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
أما بعد فإن من أعظم المنن وأجل النعم التي يؤتاها العبد ،الهداية إلى
سبيل السالم الهداية إلى الصراط المستقيم،
كيف ال وبالهداية تكون السعادة يف الدارين كيف ال وأهل الهداية هم من
ذاق الطمأنينة على وجهها الحقيقي ،وعرفوا رهبم حقًا وسعدوا بـها صدقًا
١ أسباب اهلداية
ولعظم شأهنا ُأمِر العبد أن يسأل ربه إياها يف اليوم أكثر من سبع عشرة مرة
{ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ} ]يونس[25 :
أيها المؤمنون إن الهداية منحة عظيمة ال ُتشرتى بمال وال يملك بذلها
البشر بل اهلل هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ومن يضلله اهلل فال
هادي له { ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ
الخلفاء بالراشدين فكل راشد مهتد ..ثم قال وإنما وصف النبي
ألهنم عرفوا الحق وقضوا به .
هذا واعلموا أن أفضل ما يقدره اهلل لعبده وأجل ما يقسمه له الهدى
وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضالل وكل نعمة فهي دون نعمة الهدى
وكل مصيبة فهي دون مصيبة الضالل
ومن المعلوم الشهير أن الجميع يحب الهداية ويرجوا أن يجعله اهلل من
أهلها ولكنما يتبين الصادق يف طلبها من غيره عند العمل بأسباهبا فمن أرادها
بصدق وطلبها بجد فإنه يأيت البيوت من أبواهبا ويجتهد يف بذل أسباهبا ومثل
هذا حري بالنجاح والفوز .
أما من جعل ديدنه (الهداية بيد اهلل) (اهلل يهدينا) وهو معرض عن اهلل ولم
يسلك للهداية سبيال وال صحب أهلها ولم يجتنب سبل الغواية فمثله
كالظمئان الذي بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ومثله كصاحب األرض الذي
لم يحرثها ولم يبذرها ولم يسقها ويقول الرزق بيد اهلل و جلس مع البطالين
بال عمل وال بذل أسباب .وكما قيل :
إن السفينة ال تجري على اليبس ترجـــو النجـــاة ولـــم تســـلك
مســـــــــــــــــــــــــالكهاويا من تطمع يف رحمة اهلل من قبل أن تقول
فيا أيها الحريص على الهداية
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ } ]النساء.[٩٩6 :
فالمشرك ظالم لنفسه ظلما عظيما ،والمبتعد عن الشرك حصل من
الهداية واألمن على قدر ما حصل من التوحيد قال اهلل سبحانه{ :ﭑﭒ
ﭴ ﭵ} ]لقمان.[٩3 :
فيا من تبتغي هداية اهلل تفقد نياتك يف التعامل مع اهلل .واعلم ان تحقيق
النية الصحيحة ومعالجتها من اشق االشياء على النفوس.
قال يحيى بن أبي كثير « :تعلموا النية فإهنا أبلغ من العمل ،فطالب
الهداية حقًا البد أن يحرس قلبه من الرياء والكربياء ال يطلب سمعة وال
شهرة ،ليس فخورا وال طالبًا جزاء وال شكورا ».
٩2
واجتناب ثانيا :توطين المرء نفسه على امتثال أمر اهلل وأمر رسوله
ما هنيا عنه .امتثال الراغب المحب المع ِّظم فال يقدّ م على أمر اهلل ورسوله أمر
غيرهما ال أبًا وال قائدا وال عادة من العادات وال نظاما من األنظمة،
وأصحابه الكرام هي عنده أفضل الطرق وأرقاها طريقة رسول اهلل
ويف سائر األحوال فمن كان هذا دأبه يف االمتثال واالتباع لرسول اهلل
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ }]النساء.[68 – 66 :
وقال { ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ } ]المائدة[٩6 – ٩5 :
وطاعة اهلل ورسوله هداية إلى اهلل قال فالعمل بأمر اهلل ورسوله
فجاء الرسول إلى الحبيب المطلوب إكرامه ودله على الطريق فأراد
الحبيب الوصول إلى ما ُأ ِعد له لكنه لم ُيطِع الرسول الدالل فكلما قال له
الطريق أمامك أخذ يمنة و َي ْس َرة فإن قال له الطريق يمينك أخذ اليسار لشيء
فضل طريقها
يلهيه يف تلك الجهة ،فانشغل بالمناظر الملهية على طريقه و ّ
على الطريق التي ُرسمت له.
فأخربوين بربكم هل سيصل إلى وجهتِه والمنزل المعدِّ له وهو على هذه
الحال والمخالفة لمن يريد له الخير.
فهذه حال من دعاهم رهبم الى جنته وإكرامه وارسل لهم رسوال صادقًا
فتلهوا عن هدية وع ّلقوا قلوهبم بمن سواه
ّ وهاديًا ومبشرا ونذيرا
فقلوب هويت االندية الرياضية ،وقلوب هويت االصوات الغنائية والمزامير
الشيطانية ،وقلوب هويت البدع والمحدثات ،وقلوب هويت األفكار
المستوردات ،ثم ينوحون على أنفسهم بأهنم لم يجدوا الهداية ،
فواهلل ال هدى إال هداه ،فإن أطعنا رسول اهلل وصلنا مبتغانا ووجدنا طعم
فلن نصل ولن نجد إال الهداية وإن سلكنا الطرق المخالفة لطريقه
الخيبة { ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ } ]النور.[63 :
٩4
ثالثها :اإلنابة إلى اهلل والتوبة إليه يف كل األحوال قال اهلل سبحانه {ﯽ
{ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ } ]الشورى[٩3 :
وجمع اهلل سبحانه بين هذا وبين ما قبله يف قوله جل شأنه
{ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ } ]الزمر.[٩8- ٩7 :
فمن أناب إليه سبحانه وطلب الهداية من ربه بصدق وأقبل على طاعته
وعال {ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ} ]النساء[٩75 :
وتمسكك بغير
ُ فيامن ترجو الهداية حق اليقين .ال تجعل اعتصامك
الرحمن الرحيم اترك التعلق بالسحرة والعرافين ،اترك التمسك باألغنياء
وحول وجهتك واعتصامك إلى
ِّ والمرتفين ال تعتصم بالملوك والسالطين
هادي األنبياء والمرسلين واستغ ِن به عن الناس أجمعين
وأستغـفر اهلل العظيم.
٩6
الـخطبــة الثـانيــة
الحمد هلل الحميد األعلى ،الذي خلق فسوى ،والذي قدر فهدى ،وبيّن
لخلقه سبيل الهدى ،وأنذرهم ُسبل الردى ،ويزيد اهلل الذين اهتدوا هدى،
والصالة والسالم على النبي المجتبى والرسول المصطفى وعلى صحابته
أيها الناس. ومن بنهجهم اقتدى .
خامس :أسباب الهداية ،القرآن الكريم نور السالكين قال اهلل تبارك
وقال { ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ } ]اإلسراء[١ :
فيا باحثًا عن الهداية إن كنت جادا صادقًا فدونك كتاب اهلل قراءة وتدبرا
واتباعًا ،فيه الهدى والنور فيه الشفاء لما يف الصدور لمن عرفه حق المعرفة
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ } ]الجن[2 – ٩ :
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ } ]األحقاف[3٠-2١ :
٩7 أسباب اهلداية
وقال سبحانه { ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ } ]سبأ[6 :
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ } ] الشورى[52 :
وقال سبحانه { ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ }
]المائدة[٩6 -٩5 :
ﯶ ﯷ } ]محمد.[٩7 :
:علق اهلل سبحانه الهداية بالجهاد فأ ُ
كمل الناس هداية قال ابن القيم
ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ } ]العنكبوت[6١ :
٩8
وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا
فمن جاهد هذه األربعة يف اهلل هداه اهلل سبل رضاه الموصلة إلى جنته ،ومن
ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد ،
فيا طالبًا للهداية ويا كارهًا للغواية راجع نفسك يف صدقها هل جاهدهتا
يف إقامة صالهتا؟ هل جاهدهتا يف تحقيق توحيد رهبا؟ هل جاهدهتا يف
إصالح صيامها؟ هل جاهدهتا يف أخذ حظها من القرآن؟
هل جاهدهتا يف اختيار صالح اإلخوان؟ هل جاهدهتا يف مجانبة فسدة
الخالن؟ إن كنت كذلك فاعلم أن اهلل ال يضيع أجر من أحسن عمال ،واحذر
أن تكون كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه
وسابع األسباب :هو طلب الهداية من رب األرباب بالدعاء والتضرع
أن يسلك بك طرق الهداية ويصرفك عن الغواية فلوال هو سبحانه
ما اهتدينا وال تصدقنا وال صلينا ولذلكم قال سبحانه يف الحديث القدسي
«يا عبادي كلكم ٌّ
ضال إال من هديته فاستهدوين أهدكم »...
كان يقول أن النبي ويف صحيح مسلم عن ابن مسعود
« اللهم إين أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ».
يقول « :اللهم اهدين ويسر هداي إلي» ،ويف دعاء القنوت وكان النبي
يطلب المسلم الهداية من اهلل اللهم اهدين يف من هديت.
٩١ أسباب اهلداية
2٠
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕﭖ ﭗﭘﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء { .]٩:ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}
[األحزاب.]7٩-7٠ :
أما بعد:
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
يف صحيح ُسنتِه ،بل بشرهم اهلل بجنات عدن ،وهم َيسيرون على
ُهم تالمِذته وأصهاره الرجال هم أصحاب نَب ِّيكم محمد
األرض هؤالء ِّ
لفاؤه ،وآل بيتِه األطهار.
وخ ُ ُ
ُمؤمنًا به، هذا وإن الصحابي عند أهل اإلسالم هو من َل ِق َي النبي
ب النبي ِ
ومات على ذلك ،وقال اإلمام أحمد بن حنبل :الصحابي من َصح َ
سنة ،أو شهرا ،أو يومًا ،أو ساعة،
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
{ :ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭝ}[التوبة ،]٩٠٠ :وقال
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ}
[التوبة،]88 :
واهلل ال ُيخلِف ِ
فهذا وعدُ اهلل لهم بأن ُه قد َرض َي عنهم ،وأعد لهم الجناتُ ،
بالحسنى لمن أسلم قبل الفتح أو بعده ،فقال{ :ﯳ
الميعاد ،بل وعدهم وعدا ُ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
والحسنى هي الجنة ،وقال
ُ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ }[الحديد،]٩٠ :
ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ}[التحريم،]8 :
22
أن صفوة وخيرة هذه األُمة هم من كانوا معه ،ففي و ُيخرب رسول اهلل
قال :خَ ْي ُرك ُْم َق ْرنِي، الحصين أن رسول اهلل الصحيحين عن عمران بن ُ
ين َي ُلون َُه ْم . ِ ِ
ين َي ُلون َُه ْمُ ،ثم الذ َ
ُثم الذ َ
وهم حملة الدِّ ين؛ فإنك إذا نظرت كيف ال يكون الصحابة خيار األُمةُ ،
وحجك وك ُِّل عباداتك من أخربك أن هذا
ِّ أيها ال ُمسلم يف صالتِك وصيامك،
،ولم تسمعه من ُه؟ من تلق رسول اهلل
،وأنت لم َ هو دي ُن الر ُسول
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ}[العنكبوت.]4١ :
المسلمون كثيرا وكثيرا عن معارك اإلسالم كبدر
عباد اهلل :لقد سمع ُ
ال ُكربى ،و ُأ ُحدُ ،
وحنين ،والخندق ،والقادسية وال ُب ُعوث الن َبوية ،فمنهم
رجال تلك المغازي ،ومن قادهتا ،ومن ُشهداؤها؟ أال من كان يستهين بشأن
؛ فل ُيخربنا على أكتاف من ُفتِ َحت الشام؟ ومن أصحاب محمد
الفاتِحون لمصر؟ ومن فتحوا المشارق والمغارب وعلى يد َمن زلزلة
الروم وال ُفرس؟ ومن كسر كِسرى؟ ومن قصر قيصر؟ ُعروش ُّ
لفاؤ ُه
وخ ُ ُ ، المهاجرون واألنصار إنهم أصحاب محمد إن ُهم ُ
الحلماء ال ُفهماء عاشوا مع َمن؟ ِ
الرجال ال ُعظماء ،وال ُعلماء ُ
الراشدون أولئك ِّ
لم ُهم مِن َفم ِ
وحجوا مع َمن؟ وصاموا مع َمن؟ وتعلموا ع َ ُّ وصلوا خلف َمن؟
مسجد من؟ وجاهدوا تحت ِ
راية َمن؟؟ ِ َمن؟ وتربوا على َي ِد َمن؟ ودرسوا يف
َ
الذي حثنا على احرتامهم إن ُه إما ُمهم وحبي ُب ُهم و ُمع ِّل ُم ُهم رسول اهلل
َ «:ال ت َُس ُّبوا َأ ْص َحابِيَ ،ف َل ْو أن َأ َحدَ ك ُْم وأجاللهم ،واألدب معهم؛ فقال
َأ ْن َف َق ِمثْ َل ُأحد َذهبا ما ب َلغَ مد َأح ِد ِهم و َال ن ِ
َص ْي َف ُه». ُ ًَ َ َ ُ َ ْ َ
. روا ُه الشيخان عن أبي سعيد
24
ب فقال قد لعن من تعرض لهؤالء السادة القادة بالس ِّ بل إن ُه
ِ والمالئِك َِة والنا ِ ِ ِ
ين» .روا ُهأج َمع ْ
س ْ أص َحابي َف َع َل ْيه لَ ْعنَ ُة اهلل َ
َ «:م ْن َسب ْ
المؤمن الكريم أن من
الطرباين عن ابن عباس ،وصح َح ُه األلباين ،فلتعلم أ ُّيها ُ
التعرض لهم بالطعن؛ فقد طعن اإلسالم ألن ُّ بسب الصحابة ،أو ِّ ابتُلِ َي
الصحابة هم ُش ُهود اإلسالم ،ونقلت ُه إلينا وإلى األُمم،
وخ َل ُ
طاؤه، ساؤه ُ
؛ ألن ُهم جل ُ ومن طعن فيهم فقد طعن يف النبِ ِّي
؛ ألن ُه والم ُلوك ،فالطعن فيهم طعن فيه
ُ ور ُس ُل ُه إلى األُمم
ووزراؤه ُ
ُ
فر والحضر ،والمرء على دين خليلِه ،ومعنى ذلك ُمع ِّل ُمهم وإما ُم ُهم يف الس ِ
َ
والخ َونة ،وال يدري بما المنافقين ِ
قر ُب من ُه ُ
ال يفطن لمن ُيجالسه ،و ُي ِّ أن ُه
عن ذلك ،وحاشا أصحابه وأحبابه عما يقو ُل ُه هم عليه ،وحاشا ُه
والمنافقون.
الظالمون ُ
فسرين
والم ِّ
ُ والمحدِّ ثين،
ُ عباد اهلل لقد اهتم ُعلماء اإلسالم من ال ُف َق َهاء
ؤرخين قديمًا وحديثًا بحماية جناب الصحابة الكِرام ،وتأصيل والـ ُم ِّ
محبتِهم ومواالهتم يف ُكتُب العقائد وفاء لِ َح ِّقهم علينا،
المطهرة يف
والسنة ُ
ُّ وواجبُنا الشرعي نحوهم واقتداء بال ُقرآن الكريم
تبجيلِ ِهم واحرتامهم،
25 فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم
المجــامع
ُ جريــر
ُ إذا جمعتنــا يــا أولئــك آبــائي فجئنــي بمــثلهم
مسلم
ُ ِ
األرض الهم ما كان يف
ولو ُ ـحاب النبــي وحز ُبــه
أولئــك أصـ ُ
هــم
ولكــن رواســيها وأوتادهــا ُ هـم كـادت تميـدُ بأهلهـا
ولوال ُ
ــم
ـم فيهــا بــدُ ور وأن ُْج ُ
ولكــن هـ ُ هم كانـت ظالمـًا بأهلهـا ولوال ُ
،وال أصحاب رسول اهلل ب ِ ِ
َ وقد قال الطحاوي يف عقيدَ ته « :ونُح ُّ
ُبغ ُض من ي ِ
بغ ُض ُهم، نُفر ُط يف حب أحد منهم ،وال نتربأ من أحد منهم ،ون ِ
ُ ُ ِّ ِّ
وحبُّ ُهم دين وإيمان وإحسان،
خيرُ ، وبغير الخير يذك ُُرهم ،وال نذك ُُرهم إال بِ َ
غض ُهم كُفر ونِفاق و ُطغيانَ ،و َم ْن َأ َح َس َن القول يف أصحاب رسول اهلل و ُب ُ
وذرياتِ ِه الـ ُمقدسين مِ ْن ك ُِّل ِرجس؛ فقد ِ ِ
وأزواجه الطاهرات من ك ُِّل َدنَس ِّ
َب ِر َئ مِ َن النِّفاق »،
السنة والجماعة سالم ُة وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية « :ومن ُأ ُصول أهل ُّ
كما وصفهم اهلل بِ َقولِ ِه: ِ
صحاب رسول اهلل وألسنَتِ ِهم ألَ
ِ ُق ُلوبِ ِهم
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} »[الحشر]٩٠ :
وأستغـفر اهلل.
26
الــخـطبــــة الـثـــــانـيـــة
بأخيار المن ِة شديد ِ
المحال أكرم نبي ُه الحمد هلل الكبير الـمتعال عظيم ِ
ُ
الرجال ،ونَصر دينه باألصحاب واآلل ،وقال لنَبِيِّ ِه فيهم{ :ﭕ ﭖ ِّ
ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ}[األنفال ،]63-62 :وصلوات اهلل وسال ُمه على خاتم النبِيِّين ،وسيِّد
. المرسلين محمد
ُ
يت على إبراهيم وعلى صل على محمد وعلى ِ
آل محمد ،كما صل َ اللهم ِّ
ُ
ِ
آل إبراهيم إنك حميد مجيد ،اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ،كما
باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أ ُّيها الـمـُسلمون ،لقد ابتلى اهلل الصحابة وامتحنهم حتى ت جلى فيهم
بعد ما َق ِدم المدينة يص ِّلي نحو ب ِ
يت ُر ُسوخ اإليمان والتسليم؛ فقد كان
َ ُ َ
المقدس ستة عشر شهرا ،وكان يو ُّد أن ُيص ِّلي نحو الكعبة ،فقال ُ
اهلل ل ُه:
{ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ }[البقرة]٩44 :
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ}[البقرة،]٩43 :
حينها مثال قل مثي ُله؛ فاستداروا يف نفس فضرب أصحاب محمد
نفس الفريضة من ا ِّتجاه الشام إلى ا ِّت ِ
جاه الكعبة ،ولم يتَوانوا ِ اللحظة ،ويف
حتى ُيكملوا تلك الفريضة ،فهنيئًا لهم استجابت ُُهم و ُمبادرهتم إلى الطاعة
مهما تغير عليهم من العادات؛
وخيَ َالئِها ،وأرعدت وأزبدت أنها
ولـما أتت ُقريش يف بدر بخيلها ُ
قِلة، ،ومن معه ،وكان أصحاب رسول اهلل ُ
ستستأصل ُمحمدا
والعتاد قليل ،فاستشار الصحا َب َة ليعلم مدى النُّصرة؛.
َت َت َعا َدى بِنَا َخيْ ُلنَا َحتى ا ْن َت َه ْينَا إِ َلى الر ْو َض ِةَ ،فإِ َذا ن َْح ُن بِالظ ِعين َِةَ ،ف ُق ْلنَا َأ ْخ ِر ِجي
َابَ ،ف َقا َل ْتَ :ما َم ِعي مِ ْن كِتَاب، ِ
الكت َ
اص َها ُخ ِر ِجن الكِتَاب َأو َلنُ ْل ِقين الثِّياب؛ َف َأ ْخرج ْته مِن ِع َق ِ َف ُق ْلنَاَ :لت ْ
َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ
يه مِ ْن َحاطِ ِ
ب ْب ِن َأبِي َب ْلتَ َع َة إِ َلى ُأنَاس َ ،فإِ َذا فِ ِ ول اهللِ
حجزهتاَ ،ف َأ َتيْنَا بِ ِه َر ُس َ
2١ فضل الصحابة الكرام رضي اهلل عنهم
:إِن ُه المنَافِ ِقَ ،ق َال ِ َف َق َال عمر :يا رس َ ِ
ول اهللَ ،د ْعني َأ ْض ِر ْ
ب ُعن َُق َه َذا ُ ُ َُ َ َ ُ
ون َق ِد اط َل َع َع َلى َأ ْه ِل َبدْ ر
اهلل َأ ْن َي ُك َ
يك َل َعل َ َقدْ َش ِهدَ َبدْ راَ ،و َما ُيدْ ِر َ
َف َق َال :ا ْع َم ُلوا َما ِش ْئت ُْم؛ َف َقدْ َغ َف ْر ُت َل ُك ْم .
للمهاجرين واألنصار،
ارض عن الصحابة أجمعين .اللهم اغفر ُ
اللهم َ
وآل ب ِ
يت نَبِ ِّي َك األطهار {ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ َ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} ،واجعلنا من الذين اتب ُعوهم بإحسان.
ول علينا ِشرارنا .اللهم اجعل واليتنا يف من
ول علينا خيارنا ،وال ُت ِّ
اللهم ِّ
خافك واتقا َك ،واتبَ َع ِر َ
ضاك.
3٠
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َوم ْن َس ِّيئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠:
َ ،و َشر ْاألُ ُم ْو ِر ِ
إِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد
ار... ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
3٩ الصالة ماحيـــــة الذنـــوب
وقال{:ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ}
[البقرة ،]٩53 :فهي عون من اهلل للعبد على ُأمور دينه ،ومصالح ُدنياه لمن أداها
كما أمره اهلل،
« :الصال ُة من أكرب ال َعون على تحصيل مصالح الدُّ نيا قال ابن ال َق ِّيم
واآلخرة ،ودفع مفاسد الدُّ نيا واآلخرة ،وهي منهاة عن اإلثم ،ودافعة ألدواء
ال ُقلوب ،ومطردة لداء الجسد ،ومنورة للقلوب ،ومبيضة للوجه ،ومنشطة
للرزق ،ودافعة لل ُّظلم ،وناصرة للمظلوم ،وقامعة
للجوارح والنفس ،وجالبة ِّ
ألخالط الشهوات ،وحافظة للنِّعمة ،ودافعة للنِّقمة ،ومنزلة للرحمة،
وكاشفة لل ُغمة ،ونافعة من كثير من أوجاع البطن »،
32
َ
أفضل المؤمنون ،بما أن للصالة منافع عظيمة ،ومزايا كثيرة تجع ُلها
أ ُّيها ُ
من كثير من العبادات ،فإننا نذكر يف مقامنا هذا واحدة من فضائلها وحسبنا
هبا ،أال وهي تكفيرها ُّ
للذنوب وتطهيرها لل ُمؤمنين من السيِّئات ،ونعمت
المطهر ُة ِهي.
فإن المسلم ال يخلو من الزالت والعثرات يف دنيا ِ
الفتَن ال ُملِمات يف ُ
سوقِه ،أو مع جيرانِه والقرابات ،فجعل اهلل مفزعه إلى هذه الصلوات؛
:ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا :قال النبِ ُّي قال ابن مسعود
َصل ْيت ُُم ال َف ْج َر َغ َس َلت َْهاُ ،ثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا َصليْت ُُم الظُّ ْه َر َغ َس َلت َْها،
ُثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن َحتى إِ َذا َصليْت ُُم ال َع ْص َر َغ َس َلت َْهاُ ،ثم ت َْحتَرِ ُق ْو َن ت َْحتَرِ ُق ْو َن
الع َشا َءَفإِ َذا صليتُم الـم ْغرِب َغس َلتْهاُ ،ثم تَحتَرِ ُقو َن تَحتَرِ ُقو َنَ ،فإِ َذا صليتُم ِ
َ ْ ُ ْ ْ ْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ
َغ َس َلت َْها روا ُه الطرباين.
الذنُوب حروق وجمر على صاحبها، احرتاقًا؛ ألن ُّ فسما ُه الرسول
ولهذا فإن المسلم يطلب من اهلل أن ِ
يغسله من ُذنُوبِه بالماء والثلج والربد، ُ
الذنُوب لصاحبها ي ِ
غسله العبدُ المسلم ،بإذن اهلل بإقامته فهذا التحريق من ُّ
للصالة المشروعة؛
اب َأ َح ِدك ُْم َي ْغت َِس ُل ِمنْ ُه َ :أ َر َأ ْيت ُْم لَ ْو أَن ن َْه ًرا َجار بِبَ ِ وهكذا قال النبِ ُّي
كُل َي ْوم َخ ْم َس َمرات َأ َي ْب َقى ِم ْن َد َرنِ ِه َش ْيء؟ َقالُواَ :ال َي ْب َقى ِم ْن َد َرنِ ِه َش ْيء،
ك َمثَ ُل الص َل َوات الْخَ ْمس َي ْم ُحو اهلل ُ بِ ِهن الْخَ طَ َايا ،َق َالَ :ف َذلِ َ
33 الصالة ماحيـــــة الذنـــوب
بالتفاصيل ُركنًا ُركنًا ،وحرفًا وقد نقل الصحابة الكرام صالة نَبيّهم
حرفًا وحتى ال ُّطمأنينة والسكتة نقلوهاَ ،و َدو َن ذلك كُله أئمة اإلسالم
َر ِح َم ُهم اهلل يف كتب الحديث والفقه كي ال يبقى لمسلم عذر ليعبث بصالته،
فليس كُل من صلى ُيعترب ُمقيمًا للصالة ،وال حاصال على ما ُذكِ َر يف هذه
األحاديث مما ت ُعود به الصالة من المنافع العاجلة واآلجلة على أهلها،
َب لَ ُه ِمن َْها إِال
« :إِن الْ َع ْبدَ لَ ُي َص ِّلي الص َال َة َما ُي ْكت ُ ولهذا قال الرسول
ُع ْش ُر َها ،ت ُْس ُع َهاُ ،ث ُمن َُهاُ ،سبُ ُع َهاُ ،سدُ ُس َهاُ ،خ ُم ُس َهاُ ،ربُ ُع َهاُ ،ث ُلثُ َها نِ ْص ُف َها» .روا ُه
أحمد وأبو داود.
فلهذا حرص أسالف األمة الصالحون على ضبط صلواهتم أوقاتًا
وطهارة ،وسكينة وطمأنينةُ ،
وخ ُشوعًا وجماعة؛
الزبير ُيص ِّلي يف الحجر،
« :كان عبد اهلل بن ُّ قال عمرو بن دينار
والمنجنيق يلقي الحجارة ،فما يلتفت وذلك لـما حاصروه ».
الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على
وقال يحيى بن وثاب « :كان ابن ُّ
ظهره ال تحسب إال أن ُه جذم حائط ».
أ ُتحدِّ ث نفسك يف الصالة؟ قال: وقيل لعامر بن عبد قيس
« ُأ َحدِّ ثها بالوقوف بين يدي اهلل ».
الزبير ،وحضرته سكرات الموت؛ فسمع
ومرض عامر بن عبد اهلل بن ُّ
ُمؤ ِّذنًا ُينادي للصالة ،فقال خذوا بيدي قالوا :إنك معذور ،فقال « :سبحان
35 الصالة ماحيـــــة الذنـــوب
الــخـطبـة الـثــانـيــة
غافر الذنب شديد العقاب .والصالة والسالم الحمد هلل الكريم التوابِ .
على خير من صلى وأناب .وعلى آل بيتِه واألصحاب .ومن َتبِ َعهم بإحسان
إلى يوم الحساب.
المسلمون أال تتفكرون فيما جعل ر ُّبكم لصالتِكم من تعظيم وهتيئةأ ُّيها ُ
مكاهنا؛ فألجلها ُأمِر الـ ُمسلمون ببناء المساجد ألداء الصلوات فيها بعيدا
ِّ
والشراء عن الشواغل والـ ُملهيات ،وألجلها ن ُِّزهت المساجد عن البيع
والسؤال عن المفقودات ُح ِّرمت يف المساجد؛ وحتى نشد الضآلة ُّ
ج ِد؛
الم ْس ِ
َاع في َ
قال عليه الصالة والسالم :إِ َذا ر َأيتُم من يبِيع َأو يبت ِ
َ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ َْ ُ
َف ُقولُواَ :ال َأ ْر َب َح اهلل ُ تِ َج َارت َ
َكَ ،وإِ َذا َر َأ ْيت ُْم َم ْن َين ُْشدُ َضالةً؛ َف ُقولُواَ :ال َرد َها اهللُ
اجدَ لَ ْم ُتبْ َن لِ َه َذا». ك ،ويف روايةَ :فإِن الْ َم َس ِ َع َل ْي َ
وألجل الصالة ُأمِ َر الـ ُمسلم أن يجعل أمامه يف صالتِه ما َيستُره من
الـمارة ،وإن مر أحد بينه وبين سرتته؛ فليد َف ْعه فإن أبى فليُقاتِل ُه أي يدافعه
أكثر ،وألجل الصالة ن ُِه َي من بِ ِه رائحة الثُّوم والبصل أن يدخل المساجد
المص ِّلين، ِ
لئال ُيؤذي ُ
حرم على الـ ُمص ِّلي أن يأكل أو يشرب أو يتكلم ،أو
ولتعظيم الصالة ِّ
يضحك أو يلتفت أو يصرف نظره يمينًا وشماال،
38
بالسواك مع ك ُِّل صالة ،ولعظيم ألَمرهم ِّ ولوال أن َي ُشق على ُأمتِه
الم َص ِّلي َما َذا َع َل ْي ِه ،لَك َ
َان َأ ْن « :لَ ْو َي ْع َل ُم ال َم ُّار َب ْي َن َيدَ ِي ُ المقام فيها قال
ين خَ ْي ًرا لَ ُه ِم ْن َأ ْن َي ُمر بَيْ َن َيدَ ْي ِه». ِ َي ِق َ
ف َأ ْربَع َ
المسلمين،
عباد اهلل ،أليس هذا دليل واضح على مكانة الصالة يف حياة ُ
وأن شأهنا أعلى وأعلى بكثير مما هي عليه يف حياتنا اليوم،
وللمكانة العالية التي حازت عليها الصالة يف حياة األُمة الـ ُمحمدية أن
الح ِّج مرة يف ال ُعمر، ُش ِر َعت يف أمور ذات ِّ
أهمية؛ فكان ُركن اإلسالم يف َ
ورمضان يف العام مرة والزكاة يف العام مرة أما الصالة ففي ك ُِّل يوم خمس
وش ِر َعت
مرات ،وليس ذلك فحسب بل ُش ِر َعت نوافل الليل ونوافل النهارُ ،
وش ِر َعت عند ُ
الخسوف عند توديع الجنائز من الدُّ نيا صالة الجنازةُ ،
والكسوف صالة،
وعند القحط والجدب صالة ،وعند األعياد اإلسالمية صالة ،وعند
االستخارة يف ُم ِهمات األمور صالة ،وهذه داللة على أن الصالة تخللت
للمسلم
حياة المرء الـ ُمسلم يف كثير من المجاالت واألحوال؛ فال حياة ُ
يسعد هبا إال بِالصالة يخلو فيها بِ َر ِّبه تعالى ،و ُيناجيه و َيبُ ُّ
ث فيها حاجته
وشكاويه.
َ « :أ ْق َر ُب َما َيكُو ُن الْ َع ْبدُ ِم ْن َر ِّب ِهَ ،و ُه َو َس ِ
اجد» قال النبِ ُّي
3١ الصالة ماحيـــــة الذنـــوب
يحجبك من ُه حاجب ،وال َي ُر ُّدك ألنك ُ ئت ليس لمناجاتِه متى ِش َ
تدخل ُ
قرك ،بل يسمعك بدون ضعيف ،أو ليس لك جاه ،وال ير ُّدك لِ َلونِك وال لِ َف ِ
الص َال َة َبيْنِي َوبَ ْي َن َع ْب ِدي نِ ْص َف ْي ِنَ ،ولِ َعبْ ِدي َما َسأَ َلَ ،فإِ َذا َق َال الْ َع ْبدُ { :ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ}[الفاتحةَ ،]2 :ق َال اهللُ َت َعالَىَ :ح ِمدَ نِي َعبْ ِديَ ،وإِ َذا َق َال:
{ﭛ ﭜ}[الفاتحةَ ،]3:ق َال اهلل ُ َت َعالَى :أَ ْثنَى َع َلي َعبْ ِديَ ،وإِ َذا َق َال:
{ﭞ ﭟ ﭠ} [الفاتحةَ ،]4:ق َالَ :مجدَ نِي َعبْ ِديَ ،فإِ َذا َق َال { :ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ }[الفاتحةَ .]5:ق َالَ :ه َذا َب ْينِي َو َب ْي َن َعبْ ِديَ ،ولِ َع ْب ِدي َما َسأَ َلَ ،فإِ َذا َق َال:
{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ }[الفاتحةَ .]7-6:ق َالَ :ه َذا لِ َع ْب ِدي َولِ َع ْب ِدي َما َسأَ َل .
: ولهذا قال اإلمام ابن ال َق ِّيم
« والنَّاس يف الصَّالة على مراتب مخس:
فرط ،وهو الذي انتقص من وضوئها
األولى :مرتبة الظالم لنفسه الـ ُم ِّ
ومواقيتها ،وحدودها وأركاهنا.
4٠
المرتبة الثانية :من ُيحافظ على مواقيتها وأركاهنا الظاهرة لكن قد ضيع
ُمجاهدة نفسه يف الوسوسة؛ فذهب مع الوسواس واألفكار.
المرتبة الثالثة :من حافظ على حدودها وأركاهنا ،وجاهد نفسه يف دفع
42
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠:
َ ،و َشر َأما َب ْعدُ َ ،فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَِ ،و َخ ْي َر ال َهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي
الن ِ
ار...
43 ما نــزل بــالء إال بِذنب
يف كتابِه الكريم أن الناس يف المؤمنون ،عباد اهلل :لقد أخرب اهلل
أ ُّيها ُ
هذه الدُّ نيا منهم من يعيش يف سعادة ،ومنهم من يعيش يف ضنك وضيق.
{:ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ فقال
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ}
[طه،]321-321 :
وإذا نظر الناظر منكم ،وسأل كثيرا من الناس اليوم كيف حياتك يا ُفالن؟
وكيف شؤونك ،كيف أنت يف بيتك؟ كيف أنت مع زوجك؟ كيف أنت مع
أوالدك؟ كيف أنت مع جيرانك ،وإخوانك ،وشركائك يف العمل؟،
بل كيف أنت مع نفسك يف نومك ويف خلوتك؟؛ لنثر لك ِجرابًا من
وربما قال لك :الولد عاق ،والزوجة فيها
الشكاوى والهموم واألحزانُ ،
كيت ،والجيران فيهم وفيهم ،وأنا كرهت الحياة ،كرهت بلدي وال ُأريد
أهلها؛
والذي غادر البلد يقول :كرهت االغرتاب ،وهذا يشكو من َأبيه،
وذاك يشكو من أخيه ،وهذه تشكو زوجها ،وهذا يشكو زوجته ،وآخر
عمه ،وآخر يشكو من جاره ،وأصحاب العمل يشكون من
يشكو ابن ِّ
ال ُعمال ،وال ُعمال يشكون من ضغط أرباب األعمال ،والراعي يشكو من
رعيتِهُ ،
وش ُعوب تشكو من ُرعاهتا ،هذا حال كثير من الناس.
44
تنوعة.
الم ِّ
تجددة ُ
الم ِّ
دول العالم اليوم أرهقتها األمراض ُ
مصائب عامة وخاصة ،يذكر لك المرء من أحواله ،ما ي جلب لك
االستغراب ،وآخر يشكو من قِلة األرزاق ،وآخر عنده أرزاق لكن يشكو من
المحق ،وقِلة الربكات ،وآخر يشكو من األمراض النفسية والعصبية،
والسحر والشعوذات.
وأمراض المس ِّ
المجتمعات ،ولكن ما هو دواؤها وهذه علل ومشاكل وأمراض تئن منها ُ
وما ِشفاؤها؟ قال عليه الصال ُة والسالمَ « :ما َأ ْن َز َل اهللُ ِم ْن َداء إِال َوأَ ْنز ََل لَ ُه
َد َوا ًء َع ِل َم ُه َم ْن َع ِل َم ُهَ ،و َج ِه َل ُه َم ْن َج ِه َل ُه».
للمشكالت من هنايات ،ولكن المرض ال ُيعالج إال
عباد اهلل ،البد ُ
المس ِّببات ،التي جلبت لنا اآلفات ،وهكذا مشاكل البُيوت
بعد معرفة ُ
والمجتمعات يف األنفس ،أو ُّ
الذريات أو الزوجات. ُ
الناس اآلن يشكون ويصيحون ،كثير من الشباب يشكون مما يف طريق
الزواج من ُصعوبات ،وآخرون يتألمون من كثرة البنات العانسات ،هناك
مشاكل كثيرة ال ُت َعد وال تكفي فيها ُخطبة؛
الهموم؟ من أين
فما أسباهبا وما الذي جلب لنا هذه المصائب؟ من أين ُ
ال ُغموم؟ من أين األحزان التي جلبت على الناس؟ اشرتى الناس الدُّ شوش
واألغنيات من أجل أن يرتاحوا؛ فما وجدوا تلك األُمنيات ،زمروا وطبلوا،
45 ما نــزل بــالء إال بِذنب
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}[الشورى.]3٠ :
ليست بوجود األكالت الشهية وال الفواكه الجنية ،وال المنازل العلية .مع
الروح عن الحياة اإليمانية.
بعد ُّ
فعلينا أن نتدارك أنفسنا إن كُنا ُعقالء ،وهذا بالغ أيضًا من نَبيِّنا محمد
الْبَ َهائِ ُم لَ ْم ُي ْمطَ ُرواَ ،ولَ ْم َينْ ُق ُضوا َع ْهدَ اهلل ِ َو َع ْهدَ َر ُسولِ ِه ،إِال َسل َط اهللُ َع َل ْي ِه ْم
يه ْمَ ،و َما لَ ْم ت َْحك ُْم أَئِمت ُُه ْم بِكِت ِ
َاب َعدُ ًّوا ِم ْن َغ ْيرِ ِه ْم َفأَخَ ُذوا َب ْع َض َما فِي َأ ْي ِد ِ
ِ ِ
اهلل تعالىَ ،و َيتَخَ ي ُروا ف ْي َما َأ ْنز ََل اهللُ ،إِال َج َع َل اهلل ُ بَأْ َس ُه ْم بَ ْين َُه ْم» روا ُه ا ْب ُن َم َ
اجه
و َغ ُيره.
،مصائب القحط واألمراض وجور السالطين ،وتس ُّلط عد َد الرسول
األعداء ،وفساد ذات ال َبينُ ،ثم أرجع أسباهبا إلى أعمالنا ،ومخالفاتنا لشرع
والشراء ،وتطفيف الكيل والوزن ،و ُفشو المنكرات، اهلل يف ِّ
الغش يف البَيع ِّ
وعدم تحكيم الشريعة يف كل ما شجر بيننا من خالفات ،والتال ُعب بأموال
الزكوات ،وهذا كالم اهلل ،وهذا كالم رسولِ ِه عليه الصالة والسالم ُيخبِ ُر عن
بعض األُمم الماضية ،التي جاءهتا النِّعم من ك ُِّل ناحية ،وكانوا يف رغد من
ال َعيش وعافية ،ولكن تلك النِّ َعم تحولت إلى نِ َقمِّ ،
والشبع تحول إلى ُجوع،
واألمن إلى َخوف ،والسبب ُذنُو ُبهم.
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ }[النحل]٩٩2 :
ُبدِّ لوا برغد ال َعيش جوعًا ،وبدل األمن خوفًا ،لماذا تغيرت األحوال؟
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}[األنفال،]53 :
فأخرب اهلل تعالى أن ُه ال ُيغ ِّي ُر نعمته التي أنعم هبا على أحد من عباده ،حتى
كره بِ ُك ِ
فره، بنفسه .ف ُي َغ ِّير طاعة اهلل بمعصيَتِهُ ،
وش َ
يكون هو الذي يغير ما ِ
ُ ِّ ُ
وأسباب رضا ُه بأسباب سخطِه ،فإذا غير ُغ ِّير عليه ،جزاء ِوفاقًا وما ر ُّبك
والذل بِ ِ
اهلل بال َء ُه بالعافيةُّ ،
الع ِّز. بظالم للعبيد ،فإن َغي َر المعصيَة بالطاعة غير ُ
قال تعالى { :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ }[الرعد،]٩٩ :
اهلل جل وعال عن بعض الممالك التي كانت يف بالد سبإ من
ولهذا أخرب ُ
الز ُروع والبساتين من أعظم النِّعم سماها
أعظم ُملوك اليمن ،وكانت عندهم ُّ
كانت الجنات عن يمين الوادي ،وعن ِشماله ،وفيها ما تشتهيه األن ُفس من
والزروع والثِّمار.
نعيم الدُّ نيا ،الفواكه ُّ
فسرون أن المرأة كانت يف سبإ تحمل زنبيال على رأسها ،وتمشي
الم ِّ
ذكر ُ
ِ
الناضجة تخرج إال وقد امتأل إناؤها من الثِّمار تحت األشجار ،فما
ُ
اهلل عليهم سيال من الماء؛
المتساقطة ،فكفروا النِّعمة ولم ُيبالوا ،فأرسل ُ
ُ
فجرف تلك البساتين الغناء ،فأصبحت قاحلة جرداء،
و ُع ُمر العبد هو ُمدة حياته ،وال حياة لمن أعرض عن اهلل واشتغل بغيره،
بل حياة البهائم خير من حياته ،فإن حياة اإلنسان بحياة قلبه وروحه ،وال
حياة لقلبه إال بمعرفة فاطره ،ومحبتِه وعبادته وحده ،واإلنابة إ َليه وال ُّطمأنينة
بذكره واألُنس ب ُقربِه ،ومن فقد هذه الحياة؛ فقد الخير كله ،ولو تعوض عنها
بما تعوض ،فليست الدُّ نيا بأجمعها عوضًا عن هذه الحياة.
أعمق األُمة علمًا المسلمون؛ لقد كان أصحاب نبينا محمد
أ ُّيها ُ
خوفهم من ُّ
الذنُوب والمعاصي لعلمهم وأقواها فهمًا ،ومن فقههم
أنها سبب ُّ
الشرور والمخاوف.
« :كان الر جل ُيشاك الشوكة ،فيقول :إِنِّي قال الحسن البصري
ألعلم أنك بذنب ،وما ظلمني ر ِّبي .»
من وجه صحيح أن بي الن عن « :ولم ِ
يأت وقال ابن عبد الرب
ِّ
عصره .وإنما كانت أول ما كانت على عهد عمر ،فقال:ِ الزلزلة كانت يف
أظهرِكُم ،هذا الخليفة عمر لقد أحدثتُم .واهلل ِ
إلن عادت ألخرجن من بَين ُ
الزلزال الجسيم إال لذنب وخيم »،
الفقيه العظيم ،يفقه رعيته أن ُه ما وقع ِّ
وإليكم هذا المثال من فهم الصحابة الكرام ألسباب الهزائم والنكبات.
المسلمون ُقربُص ،و ُف ِّرق بين أهلها وبكى بعضهم إلى
وذلك أن ُه لما فتح ُ
بعض قال ُجبير بن نُ َفيرُ :
رأيت أبا الدرداء جالسًا وحدَ ُه يبكي؛
53 ما نــزل بــالء إال بِذنب
الـخـطبـة الـثــانـيـة
رب العالمين حمدا كثيرا عدد قطر األمطار ،وصلى اهلل وسلم الحمد هلل ِّ
وبارك على نَبِيِّ ِه ال ُمختار ،وعلى آلِ ِه األطهار ،وصحا َبتِه األَخيار ،ومن َتبِ َع ُهم
بإحسان ما تعا َقب الل ُيل والنهار.
أما بعد :عباد اهلل ،علينا أن نعلم علم اليقين أن كالم اهلل أحكم الكالم،
ُصحح األحوال التي
فخير الكالم كال ُم اهلل ،وإذا علمنا ذلك ،فعلينا أن ن ِّ
أخربنا سبحانه أنها جلبت لنا األهوال ،ونُقلِع عن ُّ
الذنُوب التي أماتت
المؤ ِّديات إلى الهلكات. ال ُق ُلوب ،والمعاصي ُ
والمخالفاتُ ،
َ
والخوف يف قلب الرعب
اهلل سبحانه من ُّ
واعلموا أن من عقوباهتا ما ُيلقيه ُ
العاصي؛ فال ترا ُه إِال خائفًا مرعوبًا؛ فإن الطاعة حصن اهلل األعظم الذي من
دخله كان من اآلمنين من ُعقوبات الدُّ نيا واآلخرة ،ومن خرج عن ُه أحاطت
به المخاوف من ك ُِّل جانب ،فمن أطاع اهلل انقلبت المخاوف يف ح ِّق ِه أمانًا،
ومن عصا ُه انقلب مأمنه مخاوفًا،
الريح الباب
فال تجد العاصي إال وقلبه كأن ُه بين جناحي طائر إن حركت ِّ
قال جاء الطلب .وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بال َع َطب .يحسب
كُل صيحة عليه ،وكُل مكروه قاصدا إِ َليه فمن خاف اهلل أمن ُه من كل شيء،
ومن لم يخف اهلل أخا َف ُه من ك ُِّل شيء.
أن المخــاوف واإلجــرام يف قــرن بذا قضى اهلل َبين الخلق مذ ُخلِقوا
55 ما نــزل بــالء إال بِذنب
وال تجدُ أحدا ُيالبس شيئًا من ذلك إال ويع ُلوه من الوحشة بحسب ما
ال َب َس ُه من ُه؛ فتعلوا الوحشة وجهه وقلبه ،ومن عقوباهتا أنها تعمي بصر
القلب ،وتطمس نوره وتسد طرق العلم ،وتحجب مواد الهداية.
وقد قال مالك للشافعي َر ِح َم ُهما اهلل تعالى « :لما اجتمع به ورأى تلك
طف ْئه بِ ُظ ِ
لمة المخايل :إنِّي أرى اهلل تعالى قد ألقى على قلبِك نورا؛ فال ُت ِ
المعصية » .اهـ
وال يزال هذا النُّور يضعف ويضم ِ
حل ،وظالم المعصية يقوى حتى يصير َ ُ
القلب يف مثل الليل البَهيم ،فكم من َم ْه َلك يسقط فيه وهو ال ُيبصر ،كأعمى
خرج بالليل يف طريق ذات مهالك ومعاطب ،فيا عزة السالمة،
وياسرعة العطبُ ،ثم تقوى تلك ال ُّظ ُلمات وتفيض من القلب إلى
الجوارح؛ فيغشى الوجه منها سواد بحسب ُقوهتا وتزايدها
فإذا كانت عند الموت ظهرت يف الربزخ ،فامتأل القرب ُظلمة كما قال النبِ ُّي
ور ُم ْمت َِلئَة َع َلى َأ ْه ِل َها ُظ ْل َمةًَ ،وإِن اهللَ ُين َِّو ُر َها بِ َص َالتِي ِِ
« :إِن َهذه الْ ُق ُب َ
َع َل ْي ِه ْم».
ت ال ُّظ ْلم ُة ا ْلوجوه ُع ُلوا َظ ِ
اهرا َي َرا ُه َفإِ َذا كَا َن يوم ا ْلمعادِ ،وح ِشر ا ْل ِعبادَ ،ع َل ِ
َ ُ ُ َ ًّ َْ ُ َ َ َ ُ َ َ ُ
ك ُُّل َأ َحدَ ،حتى َي ِص َير ا ْل َو ْج ُه َأ ْس َو َد مِثْ َل ا ْل ُح َم َم ِةَ ،ف َيا َل َها مِ ْن ُع ُقو َبة َال ُت َو ِاز ُن
ص ط ا ْل َعبْ ِد ا ْل ُمنَغ ِ ف بِ ِقس ِ ِ ِ ِ ِ
َلذات الدُّ نْيَا بِ َأ ْج َمع َها م ْن َأول َها إِ َلى آخ ِر َهاَ ،ف َكيْ َ ْ
ِ
ِ ا ْلمنَك ِد ا ْلمتْع ِ ِ
ب في َز َمن إِن َما ُه َو َسا َعة م ْن ُح ْلمَ ،و ُ
اهلل ا ْل ُم ْستَ َعا ُن. ُ َ ُ
57 ما نــزل بــالء إال بِذنب
وزالزل ورجفات ،أرضية وأمراض ُمتجدِّ دة ،وأوبئة ُمتعدِّ دة { .ﮄ ﮅ
ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﮓ ﮔ }[التوبة.]٩26 :
الجواالت لو ُفتِ َح ْت كم فيها من مقاطع ُقرآنية؟
وكم فيها من اللهو وال ُفكاهات والضحكات فضال عن صور الراقصات
والمتربِّجات ،وما ورائها من ال ُمنكرات،
ُ
الزنا وقتل النفس ،وقطع الطريقُّ ،
الذنُوب المعاصي ليست محصورة يف ِّ
كثيرة.
5١ ما نــزل بــالء إال بِذنب
ُذنُوب ال ِّلسان الهمز والغمز يف الناسَ ،ل ْع ُن الطفل و َل ْع ُن الدابة ،و َل ْع ُن
المسلمين اآلن.
البهيمة ،يهرف الناس بما ال يعرفون هذه من أحوال بعض ُ
الشرور؛ فال َي ُغرنكم باهلل ال َغرور هذه أوروبا
فالمعاصي ليس فيها إال ُّ
6٠
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ :
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
أما بعدُ َ :أ ُّي َها الـ ُمؤمنون ،عباد اهلل إن ُه بسبب الغفلة عن الدار اآلخرة يسعى
كثير من الناس ،و ُيؤ ِّمل كثير من الناس إلى السعادة العأجلة يف الدُّ نيا ،فهناك
6٩ االبتالء بالسراء والضراء
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ }[الملك،]2-٩ :
62
{:ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ وقال
ﮁ ﮂ }[الكهف،]8 :
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ }[هود.]7 :
قد يبتلي العبد بما ال يرى العبد أن ُه فتنة؛ فكثير من يرى أن فاهلل
العمى اختبار من اهلل لهذا األعمى كيف يفعل ،وينسي أن البصير مبتلى
ببصره كما يبتلى األعمى بعماه ،ويعلم الناس أن الفقر ابتالء ونسوا أن ِ
الغنى ُ
والمال لإلبتالء أيضًا ،وكما أن المريض بالعاهات واإلعاقات أو غيرها من
الجراح مبتلى،
يه َما كَثِير ِم َن الن ِ
اس: َان َم ْغبُون فِ ِ
فالصحيح أيضًا ُمبتلى يف ِصحتِه نِ ْع َمت ِ
الصح ُة َوال َف َرا ُغ ،وكما أن الجاهل ُمبتلى بجهله ،فالعالم أيضًا ُمبتلى بعلمه،
ِّ
كيف يعملون؛ فيبتلي اهلل الناس باألمر ،وبِضدِّ ه وبعكسه لينظر اهلل
63 االبتالء بالسراء والضراء
{:ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ موسى
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ } [األعراف.]٩2١ :
فال تستع جل أيها ال ُمسلم ،فالدُّ نيا دول والحياة أيام بِأيام يداولها اهلل بين
أن الناس ليرى كُل أحد كيف يصنع وكيف يفعل؛ وقد أخربنا اهلل
االبتالء بالنعيم وبِالمحبوبات من األشياء التي ترغب لها النُّ ُفوس أشدُّ بالء
على اإلنسان من المكروهات؛
64
{:ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ فقال
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }
[هود.]٩٩-١ :
فالصرب أيضًا يحتاجه اإلنسان على األشياء المحبوبة أشد مما يحتاجه
على األشياء المكروهة؛
بالسراء فلم
ّ ولهذا قال بعض الصحابة :ابتُـلينا بالضراء فصربنا وابتلينا
نصرب،
وربما
فإن الصرب على المرض قد يقع من الـ ُمستقيم والعاصي والطائعُ ،
ُيشاركهم الكافر ،فإذا ابتُلِ َي بالمكروه فليس ل ُه سبيل إال الصرب ،ولو لم ُي ِرد
الصرب؛ فال حيلة ل ُه سوى ذلك وإن كان عاصيًا ،والفقير ليس ل ُه حيلة إال
الصرب على فقره وإن كان عاصيًا؛ إال النعماء والسراء متى ُأوتِيها اإلنسان؛
ِ
فإن ُه ال يصبِر عليها حينَئذ إال أفذاذ ِّ
الرجال؛
ونبيُّنا عليه الصالة والسالم ُيخربنا كيف ُيبتلى الناس بالنعيم ،وأن
الناجحين فيه قليل،
فإن من الناس من قد يكون ذا خلق حسن ،وذا طريقة محمودة بين الناس
وبين أهله وقرابته ومن حواليه؛ فإذا من اهلل عليه بمال أو جاه ،أو أعطا ُه شيئًا
65 االبتالء بالسراء والضراء
من زينة الدُّ نيا تغيرت معامالته ،وانقلب إنسانًا آخر وترفع على العباد،
ك بِال ِذي َأ ْعطَا َك الل ْو َن كَ ،أ ْسأَلُ َ فِي َس َفرِيَ ،ف َال بَ َال َغ لِي الْيَ ْو َم إِال بِاهلل ِ ُثم بِ َ
الْ َح َس َنَ ،و ْال جلدَ الْ َح َس َنَ ،والْ َم َال َب ِع ًيراَ ،أ َت َبلغُ َع َل ْي ِه فِي َس َفرِي،
كَ ،ألَ ْم َتك ُْن َأ ْب َر َص َي ْق َذ ُر َك وق كَثِ َيرةَ ،ف َق َال لَ ُه :كَأَنِّي َأ ْعرِ ُف َ َف َق َال :الْ ُح ُق ُ
ت َه َذا الْ َم َال كَابِ ًرا َع ْن كَابِر ، اس؟ َف ِق ًيرا َفأَ ْعطَ َ
اك اهللُ؟ َف َق َال :إِن َما َو ِر ْث ُ الن ُ
« أي من آبائي وأجدادي ِ
ور ْث ُت هذا المال؛ فهذا لم ينجح يف االبتالء،
الحسن كان بالء عليه »،
فإن المال والجمال وال جلد َ
ْتَ ،ق َالَ :و َأتَى ْاألَ ْق َر َع فِي ْت كَاذِ ًباَ ،ف َصي َر َك اهلل ُ إِلَى َما ُكن َ َف َق َال :إِ ْن ُكن َ
حبَ ُال فِي َس َفرِيَ ،ف َال بَ َال َغ لِي ت بِي الْ ِ ِ ِ ِ
ورتهَ ،ف َق َالَ :ر جل م ْسكينَ ،قد ا ْن َقطَ َع ْ َ
ص ِِ
ُ َ
ك بِال ِذي َأ ْعطَ َ
اك الش ْع َر الْ َح َس َن َوالْ َم َال َب َق َر ًة َأ َت َبلغُ الْيَ ْو َم إِال بِاهلل ِ ُثم بِ َ
كَ ،أ ْسأَلُ َ
بِ َها فِي َس َفرِي»،
تَأَم ُلوا أيها المؤمنون :وادي من البقر يط ُلب من ُه بقرة يتبلغ هبا يف السفر؛
والم َل ُك أيضًا ال يحتاجها ،ولكن اهلل ل ُه ِحكمة يف اختبار ِ
واهلل غني عن ُهَ ، ُ
العباد.
كَ ،ف ِق ًيرا َفأَ ْغن َ
َاك اهللُ؟ َق َال: وق كَثِ َيرةَ ،ق َال لَ ُه :كَأَنِّي َأ ْعرِ ُف َ
« َف َق َال لَ ُه :الْ ُح ُق ُ
ْت؛ َق َال: إِن َما َو ِر ْثتُ ُه كَابِ ًرا َع ْن كَابِرَ ،ق َال :إِ ْن ُكن َ
ْت كَاذِبًا َف َصي َر َك اهلل ُ إِلَى َما ُكن َ
تورتِ ِه َو َهيْئَتِ ِهَ ،ف َق َالَ :ر جل ِم ْسكِين َوابْ ُن َسبِيل ،ا ْن َقطَ َع ْ ِ
َو َأتَى ْاألَ ْع َمى في ُص َ
ك بِال ِذي َرد حبَ ُال فِي َس َفرِيَ ،ف َال َب َال َغ لِي الْ َي ْو َم إِال بِاهللُِ ،ثم بِ َ
كَ ،أ ْسأَلُ َ بِي الْ ِ
َ
ك َب َص َر َكَ ،و َأ ْع َطا َك ا ْل َم َال َشا ًة َأ َت َبلغُ بِ َها فِي َس َفرِي،َع َل ْي َ
68
ْت َف ِق ْيراً؛ َفأَ ْغنَانِي اهلل ُ َفخُ ْذ َما ْت َأ ْع َمى َف َرد اهللُ إِلَي بَ َصرِيَ ،و ُكن ُ
َف َق َالَ :قدْ ُكن ُ
له،ْتَ ،فو اهلل ِ َال َأجهدُ َك الْيوم َشيئًا َأ َخ ْذ َته لِ ِ ِ ِشئ َ
ُ َْ َ ْ ْ َ ْتَ ،و َد ْع َما شئ َ َ
ْك وس ِ ِ ِ َف َق َالَ :أ ْم ِس ْ
خ َط َع َلى كَ ،فإِن َما ابْتُليت ُْمَ ،ف َقدْ َرض َي اهلل ُ َعن َ َ َ يك َمالَ َ
ك َع َل َ
ك. ص ِ
اح َب ْي َ َ
تدل على مكنون يف القلب. أ ْم ِسك عليك مالك هي كلمات فقط ،ولكنها ُّ
فال ِّل ُ
سان دل على ما يف ال ُفؤاد من عقيدة؛ فاألول والثاين ظنا أن ُهما حازا
السعادة بما لديهما ،فأمسك ك ُُّل واحد ما رزقه اهلل ،ورأى أن ُه بفوات هذا
المال سيخسر ،وببقاء هذا المال هو الناجح السعيد ،وكأن ُه َض ِم َن الفالح
لنفسه وأمن البالء؛ هذا مفهوم معكوس ُمخالف لما دلت عليه الشريعة
الـ ُمطهرة من أن ما عند الناس ينفد وما ِعنْدَ اهللِ باق.
شئت ودع ما َ ث وهو األعمى فوفق ُه اهلل ونجح ،وقالُ :خذ ما وأما الثالِ ُ
لمه ول َب ِص َيرتِه أن ما ئت؛ ألن أمله يف اآلخرة ،وليس يف هذا المال ،ولِ ِع ِ
ُ ِش َ
ُأعطِيَ ُه يف الدُّ نيا بالء وامتحان فقط .كما يف الحديث
« َع َج ًبا ِألَ ْمرِ الْ ُم ْؤ ِم ِن ،إِن َأ ْم َر ُه كُل ُه لَ ُه خَ ْير إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َسرا ُء َشك ََر؛ َفك َ
َان َخ ْي ًرا
ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن».
َان َخ ْي ًرا لَ ُهَ ،ولَيْ َس َذلِ َ
لَ ُهَ ،وإِ ْن َأ َصابَتْ ُه َضرا ُء َصبَ َر؛ َفك َ
فيا عباد اهلل ،على الـمـُسلم أن يستشعر هذا األمر ،وأن ُه يف هذه الدُّ نيا
ُمبتلى و ُممت ََحن و ُمختَ َبر؛ فال ينتظر يف هذه الدُّ نيا راحة ،وال ينتظر يف هذه
6١ االبتالء بالسراء والضراء
ال تستع جلوا توفية األُ ُجور يف هذه الدُّ نيا إنما ُتوفونَها يوم القيامة
الـخـطبـة الثــانـيـة
رب العالمين ،يجزي الشاكرين ،و ُيثيب و ُيعين الصابرين
الحمد هلل ِّ
والصال ُة والسال ُم على نَب ِّينا محمد األمين ،وعلى آله االكرمين ورضي اهلل
عن خلفائه الراشدين وأصحابه والتابعين.
المؤمنون ،عباد اهلل إن ُه ال ينبغي للعبد الـ ُمؤمن أن يغيب عن ذِهنِه هذا
أ ُّيها ُ
األمر العظيم ،وهو أن ُه ُمبتلى و ُمخترب و ُممتَحن يف هذه الدُّ نيا؛ فمتى غاب هذا
أحالهما ُمر؛
ُ األمر عن المؤمن؛ فإن ُه يعيش بين أمرين
قال: َ ،أن النبِي فقد روى ُمسلم يف صحيحه َع ْن ُص َهيْب ا ْل ُّر ْومِي
« َع َج ًبا ِألَ ْمرِ الْ ُم ْؤ ِم ِن ،إِن َأ ْم َر ُه كُل ُه لَ ُه خَ ْير إِ ْن أَ َصا َبتْ ُه َسرا ُء َشك ََر؛ َفكَا َن َخ ْي ًرا
ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن».
َان َخيْ ًرا لَ ُهَ ،ولَيْ َس َذلِ َ
لَ ُهَ ،وإِ ْن َأ َصابَتْ ُه َضرا ُءَ ،صبَ َر َفك َ
الشكر وزاده فرح ُه شكر؛ دفعه ذلك إلى ُّ إِن أصابته سراء أ ُمور ُّ
تسره و ُت ِ
معرفة بحق اهلل ،وفضل اهلل عليه شكر اهلل بحسن االستقامة على شرعه وا ِّتباع
رسوله ،وإن أصا َبت ُه ضراء صرب؛ فكان خيرا ل ُه؛
ك ِألَ َحد إِال لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن .
قال عليه الصالة والسالمَ « :ولَيْ َس َذلِ َ
ف إيمانُه ،أو انتهى إلى ال ُكفر شأنه ،لن
هذا ليس لغير المؤمن ،فالذي َض ُع َ
يحصل على هذا الخير ،وهذا ُيشاهد من بعض النَاس ،فمنهم من ُيبتلى بال
المستعصية؛ فيقول :ما الذي عندي هلل؟ أنا ما فعلت
جلطات أو األمراض ُ
أكلت مال أحد ،أيش عندي؟ يقول هذا
ُ ظلمت أحدا ،وال
ُ شيئًا ،واهلل ما
وتضجرا؛ ألن ُه لم ُي ِ
درك أن الدُّ نيا خيرها وشرها ابتالء وامتحان؛ ُّ جزعًا
فحاله كما قيل:
ِ
واألكــدار صــفوا مــن األقــذار ُطبِعت على كـدر وأنـت تريـدها
متط ّلــب يف المــاء جــذوة ِ
نــار ومكلــف األيــام ضــد طباعهــا
ُ
يف ذلك ِح َكم ور ُّبنا جل وعال أخربنا بأمور كثيرة أن ُه يبتلينا فيها ،ول ُه
َ
عظيمة؛
72
فمنها أوال :ليخترب اهلل صرب العباد؛ فإن صرب الصابرين ال ُيعلم إال عند
ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ }[البقرة.]٩57-٩55 :
{:ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ وقال
ﭨ }[محمد .]3٩ :أي يبلو اهلل اإلنسان فيما أظهر ،وفيما أخفى حتى يت جلى
على حقيقتِه؛
أن ُه ابتلى أصفياءه وأولياءه من األنبياء والـ ُمرسلين وقد أخربنا اهلل
إلى العباد، صالحهم وأهليتهم لحمل رسالته حتى علم اهلل
بِ ِعدة ُأ ُمور؛ إبراهيم فقد اخترب اهلل
كغير ِه
ِ وجبِ َل على محبة األوالدمنها أوال :أن ُه كان يطلب من اهلل الولدُ ،
من البشر ،فلم ُيعطِ ِه اهلل الولد حتى بلغ مرحلة الكِبَر؛ َ
فرز َق ُه اهلل إسماعيل
وإسحاق،
ومن الناس من يقول يف مثل هذه الحال أما اآلن فهؤالء األوالد ليس لي
فيهم فائدة،
73 االبتالء بالسراء والضراء
فقال { :ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ
ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ }[الصافات.]٩٠2 :
ومِما يزيد البالء على إبراهيم أن اهلل جعل يف هذا الولد من العلم والحلم
الصغار؛
والعقل ما ال يكون إال يف الكبار ،وقل أن يكون يف ِّ
فإن من األوالد ما يكون فيه من األذى وقِلة األدب ،أو الطيش ما ُيخ ِّفف
محبتَ ُه يف قلب أبيه ،ومنهم من يرزقه اهلل الحلم واألدب واألخالق ما يزيد
َتم ُّكن محبتِه يف قلب أبيه،
الس ِّكين عازمًا ومقتنِعًا ِ
ف ُأم َر إبراهيم بذبح هذا ال ُغالم؛ فلما وضع عليه ِّ
و ُمس ِّلمًا ألمر اهلل جل وعال؛
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ }[الصافات.]٩٠6-٩٠4 :
74
هذا البالء الذي ُيبَيِّن الـ ُمؤمنين الصادقين الذي ُيبَيِّن صفاء إبراهيم إن هذا
ِ ِ ِ
صد َق ُه وتسل َ
يمه. لهو البالء الـ ُمبينَ ،فعلم ُ
اهلل
ابتاله اهلل بإيذاء إخوانه وإبعادِه عن أبيهُ ،ثم َرميِه يف يوسف
وهكذا ُ
الجبُ ،ثم ابتُلِي فبيع
ّ الجب ابتالء آخر؛ فأخرجه اهلل ونجا من مهلكة
بالدراهم وهو ابن نَبِي كريم،
الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل عليه وعلى آبائِ ِه وعلى نبيِّنا
الصالة والسالم ُثم نجا،
ِ
ُثم ابتُل َي يف بيت العزيز بفتنة وهو شاب جميل يحتاج ما يحتاجه ِّ
الرجال؛
الس ُجون ِ
فابتُل َي بامرأة ذات منصب وجمال ،منصب ال خوف عليه من ُّ
وإقامة العقاب ،وجمال ال ُيمكِن أن ينفر منها؛ فنجح أيضًا يف ذلك االبتالء،
السجن بضع ِسنين ،وثبت على دينِه بالسجن فلبث يف ِّ
ِ
ُثم ابتُلي بعد ذلك ِّ
ُث ُبوت الجبال الرواسي .بل صار يف السجن داعيًا إلى التوحيد ،
وهكذا كُل مؤمن يعلم أن الحياة مراحل لالختبار مراحل للبالء ،وعلى
الـ ُمسلم أن ال ينتظر السعادة حتى يدخل جنات النعيم ،ولكن لما ُفتِن من
ُفتِ َن من الناس بالدُّ نيا ،والماديات وانتظروا الراحة فيها والسعادة فيها
وصاحوا لفوات شيء منها ،وحزنوا عليها صارت مقياسًا عندهم حتى
أذهبت من بالهم مقاصد الشريعة يف االبتالء واالمتحان،
75 االبتالء بالسراء والضراء
فقد ابتُلِ َي ُ
بعض األنبياء بعدم الولد مات نبيُّنا عليه الصالة والسالم وليس
ب األوالد كغيره من الناس ،ومن األنبياء ِ ل ُه حينها ولد من ُّ
الذكُور ،وهو ُيح ُّ
ينبغي من ابتُلِ َي باألمراض؛ فهذه مفاهيم بعيدة عن ما أراد اهلل
تصحيحها.
عن نَبِي من األنبياء ممن ُأعطِ َي الملك والمال والجاه، وقد أخرب اهلل
و ُأعطِ َي ما ُأعطِي من الدُّ نيا وهو سليمان عليه الصالة والسالم أن ُه حين خرج
يف ُجيوش كبيرة تذكر اختبار اهلل ل ُه قال اهلل سبحانه { :ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﮡ }[النمل.]٩8-٩7 :
يف هذه اللحظة حين يرى الملك أو اإلنسان المعظم ل ُه السمع والطاعة،
ويرى من يخاف من ُه قد ُيبتلى بالعجب ،ويقول الناس والرعايا ُّ
والش ُعوب
تخاف منِّي إذا لي سلطة قاهرة؛ ف ُيعجب بذلك ولكن سليمان
الستشعاره أن هذا ابتالء سأل اهلل العون على ُّ
الشكر ،قال اهلل سبحانه:
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[النمل.]٩١ :
77 االبتالء بالسراء والضراء
مستقرا عنده { ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ِّ ولـما رأى عرش بلقيس
ﮦ ﮧ ﮨ }[النمل.]4٠ :
هؤالء األنبياء هؤالء األصفياء الذين عرفوا مقاصد االبتالء.
:أ ُّيهما أفضل للمرء أن ُيبتلى فيصرب أو وقد سئل اإلمام الشافعي
« :إن ُه ال ُيمكن حتى ُيبتلى؛ ولم ُيم ِّكن اهلل لمحمد ُيمكن فيشكر ؟ قال
إال بعد أن عليه الصالة والسالم وال إلبراهيم وال نوح ،وال موسى
فصربوا فم ّكن لهم ». اختربهم
يف العباد مقاصد ومصالح هذا واعلموا َر ِح َم ُكم اهلل أن البتالء اهلل
كثيرة ،فمن الناس من يكون فيه غفلة ،أو ُبعد عن اهلل ،فإذا ابتُلِي َص ُلح،
وربما صقله االبتالء ،وجعله ناصعًا كالذهب الذي ال يكون ناصعًا صافيًا
ُ
إال بعد إدخاله يف النار إال بعد أن توقد عليه النار ُيصبح ذهبًا خالصًا ،وقد
فقد كان نب ُّينا عليه الصالة والسالم إذا زار مريضًا قال ل ُهَ :ال َبأْ َس َط ُه ْور
إِ ْن َشا َء اهللُ ،
فليعلم الـمسلم أن ما يصيبه من النكد والفقر ِ
والقلة أو االستحقار بين ُ ُ
الناس أو األذى منهم؛ فإنما ذلك لقصد إبعاد ُذنُوبِه ولهذا ُيشاهد العاقل يف
نظره يف هذا العالم من تدبير اهلل لهذا الكون أن ال ُكفار إذا أنفقوا شيئًا من
المال مـما يسمونَه إغاثات ،أو يسمونَه غير ذلك من معونات أن اهلل ي ِ
طعمهم ُ ُ ُّ ُ ُ ُّ
الزروع الخضراء ،أو الصناعات أو المآكل؛ هبا يف الدُّ نيا باألمطار أو ُّ
ب اهلل أن تكون لكافر مِنة يوم القيامة ،بل يأيت الكافر وهو ُمحمل ِ
فال ُيح ّ
ِ
بأوزاره ،وأما ما أحسن فيه ،وإن كان كافرا كافأَ ُه اهلل يف الدُّ نيا،
قال« :إِن الْكَافِ َر إِ َذا َع ِم َل َح َس َن ًة ُأ ْط ِع َم بِ َها
ففي صحيح ُمسلم أن ُه
ُط ْع َم ًة ِم َن الدُّ ْن َيا ،وأما المؤمن فإن اهلل يدخر له حسناته يف اآلخرة ويعقبه رزقًا
يف الدنيا على طاعته »؛
ب اهلل أن ِ
وعلى العكس من ذلك الـ ُمؤمن ،فإن ُه ما عمل من سيِّئة ُيح ُّ
طهره منها يف الدُّ نيا ،وما َع ِم َل من حسنة ُي ِّ
ؤخرها ل ُه ليو ِّفيه ُأ ُجوره يوم القيامة ُي ِّ
{ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ}[آل عمران.]٩85:
فهذا من مقاصد االبتالء ،ومن المقاصد العظيمة الكبيرة يف ابتالء اهلل
للعباد أن من العباد من قد كتبت له منزلة عالية يف الجنة؛ فجاء يف الدُّ نيا ولم
ؤهله لتلك المنزلة ،فيبتليه اهلل و ُيس ِّلط عليه مما يكره يعمل األعمال التي ُت ِّ
حتى يرفعه إلى المنزلة التي كُتِبَت ل ُه؛
7١
َأن فقد روى ابن حبان والحاكم وصحح ُه األلباين عن أبي ُه َر َيرة
الجن ِة؛ َف َال ِ ِ ِ ِ
قال« :إِن الر جل لتَكُون لَ ُه الْ َمن ِْزلَة ال َعال َية ،عنْدَ اهلل في َ النبِي
ِ ِ ِ
َيبْ ُلغ َُها بِ َص َالة َو َال بِصيَامَ ،ف َال َيز َُال اهلل ُ َيبْتَليه بِ َما َيك َْر ُه َحتى ُيبَ ِّل َغ ُه إِي َ
اها».
عباد اهلل ما أحس َن المؤم َن إذا عاش يف الدُّ نيا وهو ُيعامل اهلل ،وظنّه يف اهلل
ونِيتُه يف اهلل على ما أراد اهلل ،وعلى ما شرع يف السراء ويف الضراء.
وإياك أ ُّيها المؤمن الكريم أن تفهم عن اهلل فهمًا خاطئًا ،وتفهم أقداره
وحكمته فهمًا خاطئًا؛ فتُصاب باليأس والقنوط ويقع فيك ما يقع من البعد
على نور وبصيرة كما شرع عن موالك ،وإنما حاول أن ُتعامل اهلل
اللهم إنا ن ُعو ُذ بك من َش ِّر فتنة الغنى ،ومن َش ِّر فتنة الفقر ،اللهم اغفر لنا
ُذنُوبنا ،وإسرافنا يف أمرنا واسرت علينا ُعيُوبنا ،اللهم احفظنا باإلسالم قائمين
والمسلمين وانصر اإلسالم أعز اإلسالموقاعدين وراقدين ،اللهم ِ
ُ
ووالة ُأ ُمورنا ،اللهم من أرادنا والمسلمين ،اللهم أصلِ ْحنا و َأ ْصلِح أئمتنا ُ ُ
فأش ِغل ُه
وبال َدنا بسوء؛ ُفرد َكيدَ ُه يف ن َْح ِره .اللهم من أرادنا وبِال َدنا وأمننا بسوء ْ
بِنَ ْف ِسه،
رب العالمين. ِ ِ
وآخر دعوانا أن الحمدُ هلل ِّ
8٠
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء { .]٩ :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }
[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
المسلمات أن اهلل جل وعال ما خلق
المؤمنون :إن من المعلومات ُ ُّأيها ُ
معرفتِه.
ويعرفوه حق ِ ِ
والجن إال ليع ُبدوه وحدَ ُه ال شريك ل ُهِ ، اإلنس
8٩ خوف املؤمنني من رب العاملني
فزع ال َق ِ
لب ،وتو ُّقع ال ُعقوبة على مجاري األنفاس ،فإن اهلل َ
والخوف هوُ :
يف َ
ويخشوه ويخافوه ،وألجل هذا أخرب تعالى خلق الخلق ِ
ليعرفوه
تنوعات،
الم ِّ
كتابه عما أعد من العذاب والنكال وال ُعقوبات ُ
المتقين يسعون يف ما فيه النجاة، ِ
ووصف من شدة العذاب ما يجعل العباد ُ
يف كتابه ذكر النار ،وما احتوت عليه والخالص من العذاب ،ولهذا كرر
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ}[الحجر.]5٠ :
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ }[الرعد،]6 :
بِأن الجمرة من جهنم تحت القدم يغلي منها الدِّ ماغ، وأخرب الرسول
المسلم اللبيب على يقظة
وأخرب عن ُبعد قعرها ،وغير هذا مما يجعل ُ
وخوف من أن يكون من وقودها أو من أهلها؛
82
أمرا بأن نكون من الخائفين منه ،الر ِ
اهبين ألجل هذا وغيره أمر ر ُّبنا
ُ
إياه فقال{ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ}[آل عمران ،]٩75 :وقال{ :ﮚ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ
ﭦ ﭧ ﭨ}[آل عمران.]3٠:
ِ
وألجل اليقين بحقيقة ما أخربنا به خاف الخائفون ،وخشع هلل الخاشعون
ِ
تقشع ُّر ل ُه والرسل وأتباعهم ،وذكر لنا من خوفهم وخشيتهم ما
من المالئكة ُّ
عن مالئكته{ :ﯔ ﯕ ﯖ األبدان ،وتحيا به ال ُق ُلوب الغافلة قال
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ } [النحل.]5٠ :
وقال { :ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ }[الرعد،]٩3 :
يل كَالْ ِ
ي بِي بِالْ َم َلِ ْاألَ ْع َلىَ ،و ِجبْرِ ُ
ح ْل ِ
س وقال النبِ ُّي َ « :م َر ْر ُت لَ ْي َل َة ُأ ْسرِ َ
َ :ق َال رسول اهلل الْبَالِي ِم ْن خَ ْش َي ِة اهلل ِ»( .)1وقال أنس بن مالك
احكًا َق ُّط ؟يل َض ِ َ :ما لِي لَ ْم َأ َر ِميكَائِ َ لِ ِ
ج ْب ِر َيل
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
،]3١وقال { :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯦ}[األحزاب:
ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ}[األنبياء.]١٠ :
الريح أقبلت بالسحاب دخل وخرج ،وأقبل وأدبر
إذا رأى ِّ وكان نب ّينا
خشية أن يكون فيها العذاب ،فكم الفرق بين حالته هذه ،وحالة غفلتنا
المؤلِمة.
ُ
ليلة فقام ُيص ِّلي؛ :تطهر الرسول المؤمنين عائشة وقالت أم ُ
جرهُ ،ثم بكى حتى بل لِح َيتَهُ ،ثم بكى حتى بل األرض، ِ
فبكى حتى بل ح َ
يك وقد ُغ ِف َر َل َك َما َت َقد َم مِ ْن َذنْبِ َك َو َما َت َأخ َر؟ َق َال
فجاءه بالل ،فقال :ما ُيبْكِ َ
ت َع َلي الل ْي َل َة َآيات َو ْيـل لِمـَــ ْن
ُورا لَ َقدْ أُن ِْزلَ ْ َ «:أ َف َال َأك ُ
ُون َعبْدً ا َشك ً
َقـ َر َأ َها َولَ ْم َيتَ َفك ْر فِ َيها {ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ }»[ آل عمران.]٩١٩ - ٩١٠ :
« :إِنِّي َألَ ْت َقاك ُْم هللَِ ،و َأخْ َشاك ُْم لَ ُه». وقال نَبِيُّنا
وأما الصحابة األخيار نجوم األُمة األبرار المهاجرون منهم واألنصار،
فقد نالوا حظًا كبيرا من خشية الجبار بلغهم ذلك المنازل العاليات يف دار
القرار؛
حين كان يف فمن ذلك ما كان من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
ل ُه مرض َموته؛ فجعل الصحابة ُيؤنِسونه و ُي َذك ُِّرونه ببشارة الرسول
بالجنة ،وبما جعل اهلل على يديه من ال ُفتوحات والدعوة،
ور ِض َي َعن ُه « :المغرور من غرر ُتموه يا ليت ُأم عمر لم ِ
فقال َرح َم ُه اهلل َ
َتلِد ُعمر يا ليتها كفافًا ال لي وال علي ،وكان وجهه على َف ِ
خذ ولده عبد اهلل،
اهلل يرحمني ».
فقال :يا عبد اهلل ضع خدِّ ي على التُّراب لعل َ
،وهذا وما ذلك إال لليقين يف قلبه بشدة حاجته إلى عفو اهلل
َس ِمع َر جال يتمنى أن يكون من الصحابي ال جليل عبد اهلل بن مسعود
وددت أنِّي إذا مِ ُّت ال ُأ ْب َعث.
ُّ المقربين ،فقال:
ُ
ووددت َأنِّي لم ُأ ْخ َلق »،
ُّ ُنت شجرة ُت َ
عضد، « :يا ليتني ك ُ وقال أبو ذر
ُنت كبشًا؛ دت أنِّي ك ُ َ « :ودِ ُّ بالجنة
ويقول أبو ُعبَيدة بن الجراح ال ُمبشر َ
فذبحني أهلي ،فأكلوا لحمي وحسوا مرقي ».
َ
85 خوف املؤمنني من رب العاملني
ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﭑﭒﭓﭔ
ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﭢ ﭣ }[المؤمنون،]6٩-57 :
وقال سبحانه عن ُعمار المساجد الذاكرين ل ُه ُبكرة وعشيًا ،وعمروا
ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ}
[النور.]37-36 :
الضعفاء الفقراء ،فـــمن وضع نفسه موضعها،
أ ُّيهـا المسلمون ،نح ُن ُّ
وراقب اهلل وخــاف وعـيده عرف قـدر نفسه ،وعرف رب ُه ،وحصل ثمرات
خــ ِ
ف َخوفِه من اهلل ،فمن خاف من اهلل خاف منـ ُه ُكـ ُّل شـيء ،ومن لــم َي َ
اهلل خــاف مـن ُكــ ِّل شيء،
الخوف من فإن العبد ال ُبد أن يخاف ،فإ ْن وضعه موضعه الصحيح ،وهو َ
اهلل ،وإال فسيخاف ممن ِسوا ُه ،والبُد للعبد أن يتذلل ويتعبد هكذا ُخلِ َق ،فإن
ثكان َتع ُّبدُ ه هللِ ،وإال تذلل لمن ِسوا ُه وال ُبد للعبد الضعيف أن يلتمس من َي ُب ُّ
إِ َليه شكواه ،ويكشف عن ُه بلواه ،وهم ُه وغم ُه،
87 خوف املؤمنني من رب العاملني
فإن كان ذلك إلى اهلل وحدَ ُه ،وإال احتاج أن َيبُثها لمن ِسواه ممن ال
ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ}[الزمر.]37-36 :
ومن لم يخشع هلل تعالى اليوم ُخ ُشوعًا ينفعه؛ فسيخشع غدا يوم ال ينفع
قلبه ،و ُيذل ل ُه وجهه اليوم؛ فستعلوه القرتة وال َغبَرة غدا وال تنفعه { .ﰔ
{ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ}[اإلنسان.]٩٩:
88
اهلل َت َعا َلىَ « :و ِعزتِي َو جاللِي َال َأ ْج َم ُع لِ َع ْب ِدي َ :ق َال ُ المصطفى يقول ُ
َأ ْمنَيْ ِن َو َال َخ ْو َفيْ ِن ،إِ ْن ُه َو َأ ِمنَنِي فِي الدُّ ْنيَا َأ َخ ْفتُ ُه َي ْو َم َأ ْج َم ُع ِعبَادِيَ ،وإِ ْن ُه َو
َخا َفنِي فِي الدُّ ْنيَا َأمنْتُ ُه َي ْو َم َأ ْج َم ُع ِعبَادِي»(.)1
ولكن ُه ولألسف لما غفلت قلوبنا قل َخوفها وانزعاجها من وعيد اهلل ،بل
نسمع من أهل زماننا من يقول :ال ُت َ
خ ِّوفونا دعونا على اهلل! وهذا ليس من
المرسلون؛ فإن ُه ال يأمن مكر اهلل إال القوم
الرشد والخيرية ،وما هكذا كان ُ
ُّ
الخاسرون،
وبالموت واآلخرة ،والتخويف مما أمامنا
َ فيفهم البعض أن التذكير باهلل
من الحوادث المفزعات يفهم أن هذا تنغيص لحياته ،وتكدير ِ
لعيشه ،و ُمناف
وبالمقابل يميل ويطمئن إلى
ُ للسعادة؛ فينفر عمن هذا سبيلهم وطريقهم،
خو ُفونه باهلل ،وال ُيذكِّرو َن ُه باآلخرة،
قوم ال ُي ِّ
قيل ل ُه :يا أبا سعيد ،إننا ومن هذا القبيل ما ُسئِ َل عن ُه الحسن البصري
خو ُفوننا من اهلل جل وعال حتى تكاد ُق ُلوبنا أن تطير من ِشدة
نُجالس أقوامًا ُي ِّ
َ
الخوف ؟
خو ُفونك يف الدُّ نيا حتى
فقال الحسن « :واهلل إنك إن ُتخالط قومًا ُي ِّ
تصحب أقوامًا ُيؤ ِّمنونك يعني من عذاب اهلل حتى
َ ُي ِ
دركك األمن خير من أن
يلحقك َ
الخوف يف اآلخرة ».
،وصح َح ُه األلباين. وأبو نعيم عن شداد بن أوس ( )1روا ُه البزاز عن أبي ُهريرة
8١ خوف املؤمنني من رب العاملني
« :فمن لم يتقطع قلبه يف الدُّ نيا َخوفًا وحسرة على وقال ابن القيِّم
ما فرط لتقطع يف اآلخرة إذا حقت الحقائق ،وظهرت األُ ُمور ».
عباد اهلل ،إن َ
الخوف هو الدواء الناجح لمن وجد قلبه غافال ساهيًا الهيًا
ب الدُّ نيا.
غلب عليه ُح ُّ
الخوف من اهلل ُي ِ
حر ُق منابع الشهوات يف القلب ،و ُين َِّمي العمل لآلخرة.
الخوف من اهلل ُيح ِّقر الدُّ نيا عندك؛ فال ُتقيم لها وزنًا ،وهو رأس الحكمة
كل من خاف شيئًا ابتعد من ُه إال من خاف اهلل؛ فهو َي ْقت َِر ُ
ب من ُه.
الخوف من اهلل تعالى سيماء األنبياء والصالحين؛
« :من خاف اهلل دل ُه الخوف على ك ُِّل َخير ،وقلب ليس قال ال ُفضيل
فيه َخوف اهلل؛ فهو قلب خراب ».
المسلمون ،إننا لنخشى على ُق ُلوبِنا من الخراب و ُطغيان الغفلة ندفن
أ ُّيها ُ
الموتى يف المقابرُ ،ثم نضحك ونمرح وكأننا لن نُغادر ،ونسمع ونُشاهد
أحوال األُمم وما فيها من المواعظ والزواجر ،وقل أن ترى فينا ُمسارعًا إلى
اهلل و ُمثابرا.
سطوته وأليم عقابه ،وما نزل باألُمم
َ الخشيَ ِة ،وتذكروا
أال فاخشوا اهلل حق َ
من قبلكم من ُصنُوف عذابه خسف وغرق ورياح ُمد ِّمرة عواصف وصعقة،
وقلب ال ُقرى ،ومسخ الفجار إلى حيوانات .قال رب ِ
العزة سبحانه{ :ﮄ ُّ
١٠
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﮒ ﮓ} [التوبة.]٩26 :
اهلل أحوالنا ،وأحيا ُق ُلوبنا.
أصلح ُ
وأستغــفر اهلل.
١٩ خوف املؤمنني من رب العاملني
الـخـطبـة الـثـانيـــة
كور الليل على النهار كور النهار على الليل ،و ُم ِّ
الحمد هلل الواحد القهار ُم ِّ
وعزتِه ك ُُّل فاجر وبار ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نَبِيِّ ِه خضع لجربوتِه ِ
المختار ،وآل بيتِ ِه األطهار ،وعلى صحا َبتِه الكرام األخيار ،ومن سار على ُ
ِ ِِ
هنجه واهتدى بِ َهديِه على ِّ
مر الدُّ ُهور واألعصار.
اهلل جل وعال ما خلقنا إال لعبادتِه سبحانه ،فلتعلموا أن من
عباد اهلل ،إن َ
والخوف منه سبحانه الذي أمرنا ِ
به أن نخشاه ونخا َف ُه َ أعظم العبادة َ
الخشية
ُ
يكتسب من الخير والسعادة يف الدُّ نيا
ُ ونت ِقيه ،وذلك ألن الخائف من اهلل
واآلخرة ما ال يتصوره الغافلون الالهون؛
فمن أعظم ذلك الجنات العاليات بجوار خير الربيات؛ قال اهلل سبحانه:
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ} [النازعات،]4٩-4٠:
الخوف من اهلل دافع كبير للوصول إلى الجنة أن َ المصطفى وأخرب ُ
« :من َخافَ َأدلَج ،ومن َأدلَج ب َلغَ المن ِْز َلَ ،أ َال إِن ِس ْلع َة اهلل ِ الغالية .فقال
َ َ ْ َ ََ ْ ْ َ َ َ ْ
ِ ِ ِ
َغال َيةَ ،أ َال إِن س ْل َع َة اهلل َ
الجن ُة»(.)1
ﰌﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ}[ق،]33-3٩:
وقال{ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜﯝ}[يس.]٩٩ :
هذا وإن مخافة اهلل تعالى سبب للتمكين يف األرض للصالحين ،وإهالك
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ
ﮠ ﮡﮢ}[إبراهيم ]٩4-٩3:خاف مقامي وخاف وعيدي،
إخالص العمل هلل ،وعد َم انتظار األجر
َ ومخاف ُة اهلل تبعث يف نفس الخائف
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ }[اإلنسان،]٩٠-١ :
١3 خوف املؤمنني من رب العاملني
الحر واألهوال ُيظلل تحت ظِ ِّل ِّ ومن ثمراته الجزيلة أن صاحبه يف يوم
َ :سبْ َعة ُيظِ ُّل ُه ُم اهللُ فِي ظِ ِّل ِهَ ،ي ْو َم الَ ظِل إِال ظِ ُّل ُه ، العرش .قال الر ُسول
ات َمن ِْصب َو َج َمالَ ،ف َق َال :إِنِّي َأخَ ُ
اف وذكر أن منهمَ :ر جل َد َعتْ ُه ْام َر َأة َذ ُ
ت َع ْينَا ُه (،)1 اهللَ ،وذكر كذلك منهمَ :ر جل َذك ََر اهلل َ خَ الِ ًيا َف َف َ
اض ْ
ومن فوائده أن ُه كاسر للشهوات ،وحاجز للنفس عن محارم اهلل ،والهوى،
ﯡ ﯢ ﯣ}[فاطر،]28 :
فكفى بخشية اهلل علمًا ،وكفى بال ُغرور جهال ،فال َي ُغرنك أ ُّيها العاقل
إمهال اهلل لك ،وال تحسبن اهلل غافال عنك .وإذا أردت أن تعرف أ ُّيها العبد
مدى خوفك من اهلل؛ فانظر كم خوفك من الفقر والعدو ،ومن األمراض،
الضعفاءُ ،ثم قارن ذلك بما حل بِ َك من
ومن ك ُِّل ما تخشا ُه من المخلوقين ُّ
َخوفِك من اهلل ،وانظر من ترهب أكثر.
الموت، وكيف ال ُيخالِطنا َ
الخوف والرهبة ،ونح ُن على يقين بمواجهة َ
وليس لنا من ُه مفر ألسنا موقنين بأننا سنُالقي نكير ومنكر ؟ ألسنا على موعد
الح َفر ؟ من َض ِم َن لنا أن ال يسكن فينا الدُّ ود وينخر ؟ أين ذهبت
لنُدْ َفن يف ُ
. من حديث ابن ُعمر ( )1روا ُه التِّرمذي وصح َح ُه األلباين
١5 خوف املؤمنني من رب العاملني
سم لنا من خشيتك َما تحول بِ ِه َبيْننَا َوبَين َم ْع ِصيَتِكَ ،ومن َطا َعتك الل ُهم ا ْق ْ
ِ ِ َما ُتبَ ِّل ُغنَا بِ ِه َجنت ََكَ ،ومِ َن ا ْليَ ِق ِ
ين َما ُت َه ِّو ُن بِه َع َل ْينَا َم َصائ َ
ب الدُّ نْ َيا،
طهر ُق ُلوبنا من غف َلتِها ،وارزقنا خشيتك يف ال َغيب والشهادة. اللهم ِّ
راهبين. راغبين لك ِ اللهم اجعلنا لك ِ
. ،وصح َح ُه الشيخ األلباين ( )1روا ُه أحمد والنسائي وغيرهما عن أبي ُهريرة
١6
١7 وقفات مع األحداث
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَاَ ،ومِـ ْن
الحمدُ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُهَ ،و َأ ْش َهدُ ِِ ِ ِ
َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َأ ْر َس َل ُه َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
وسراجًا ُمنيرا؛ اهلل َتعا َلى بين يدَ ِي الساعة بشيرا ونذيرا ،وداعيًا إلى اهللِ بإذنِ ِه ِ
َ َ ُ َ
الرسالة ،وأدى األمانة ونصح األُمة ،وجاهد يف اهلل حق ِج َهادِه حتى َأتا ُه فبلغ ِّ
ـه ،ومن َتبِ َعهم اليقين ،فصلوات اهلل وسالمه عليه ،وع َلى آلِ ِه و َأصحـابِ ِ
َ ْ َ َ ُُ
بإحسان إلى يوم الدِّ ين.
{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب.]7٩ – 7٠ :
َ ،و َشر ْاألُ ُم ْو ِر ِ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمدإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
ار... ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
١8
أَمَّا بَعْدُ:
فإن من سنن اهلل الكونية حدُ وث ِ
الفتَن والتغيُّرات يف حياة البشر ما بين ُ ُ
ُ
وأصل الحق من َغ ِير ِه،
ّ المؤمن
حين وآخر ،والفت ُن هي التمحيص ليتميز ُ
ال َفتْن هو إدخال الذهب يف النار؛ ليظهر الجيِّد من الرديء؛ ولما أدخل
وقال جل وعال{:ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭﮮﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ}
[العنكبوت.]23:
المسلمون ،كونوا عباد اهلل حقًا يف ِّ
الشدة والرخاء ،واعلموا أن فيا أ ُّيها ُ
ِ
الفتَن تتنو ُع أشكالها ،وتتغير تو ُّقعاهتا؛ فال تأيت على ُمراد العبد ،بل على ما
ِ
وتقديره {ﰌ ﰍ ﰎ كمتِه وتدبِيره ِ ِ
بالمؤمنين رحيم ،وك ُُّل ذلك ُ
بحكمه وح َ
٩٠٠
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ}[البقرة ]2٩6:وقال:
قال تعالى{:ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ}[الروم،]4٩:
وقال { :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆ ﰇ }[الشورى.]3٠ :
٩٠٩ وقفات مع األحداث
أال وإن كثيرا من أبناء هذه األُمة قد ابتعدوا عن دينهم الذي ألجله ُخلِ ُقوا؛
تمسك بِه ،وال نشر وال دعوة إليه،
فأعرضوا عن ُه؛ فال تع ُّلم وال تعليم ،وال ُّ
وكُل ُيحدِّ ث نفسه أن ُه ليس بالمعني ،وال شأن له بأمر هذا الدِّ ين ،وهذا ُك ّله
صاحبه للعقوبة ،و جلب الكرب والهم والنكد، ِ يعرض إعراض خطير ِّ
قال اهلل تعالى { :ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ}[طه ]٩26-٩24 :أي :أهملتها { ﭗ ﭘ ﭙ }.
وح ُروب ونزاعات إال ولإلعراض عن دين اهلل
فما أصاب الناس من ضيق ُ
المسلمون تغا ُفال عن دين اهلل إن ما حل
األثر األكرب يف ذلك ،فكفى كفى أ ُّيها ُ
ُبأمة اإلسالم يف أوطاهنا وأبنائِها ،ومقدساهتا واختالف ذات بينها لرادع
. وزاجر عن التمادي يف ال ُبعد عن اهلل
{:ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ قال
« :العلماء يعرفون ِ
الفتَن عند إقبالها ،وإذا يقول الحسن البصري
أدبرت عرفها العالم والجاهل »،
ولقد أحسن من قال:
تســـعى بزينتهـــا لكـــل جهـ ِ
ــول الحـــرب أول مـــا تكـــون فتيـــة
ولــت عجــوزا غيــر ذات حليــ ِ
ل حتى إذا اشتعلت وشب ضـرامها
للشــــم والتقبيــــ ِ
ل ِّ مكروهــــة شــمطاء ينكــر لوهنــا وتغيــرت
اعدُ فِ َيها خَ ْير ِم َنُون فِتَن ،ال َق ِ قالَ « :ستَك ُ ويف الصحيح أن رسول اهلل
اعيَ ،م ْن اشي فِيها خَ ير ِمن الس ِ اشي ،والم ِ ال َقائِمِ ،وال َقائِم فِيها خَ ير ِمن الم ِ
َ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ َ َ
ف لَ َها ت َْست َْشرِ ْف ُهَ ،و َم ْن َو َجدَ ِمن َْها َم ْل َجأً ،أَ ْو َم َعا ًذاَ ،ف ْل َي ُع ْذ بِ ِه». ْاست َْش َر َ
أعاذنا اهلل وإياكم من شر الفتن.
أستغفر اهلل.
٩٠4
الـخـطبـة الـثــانـيـة
رب العالمين ،والصالة والسالم على خاتم األنبياء ،وبعد:
الحمد هلل ِّ
َحتى الش ْوك َِة ُي َشاك َُها إِال كَف َر اهلل ُ بِ َها ِم ْن خَ طَ َايا ُه ،
فأراد اهلل بعباد من خلقه أن تنزل عليهم الر َحمات ،وعليهم من اهلل
الصلوات ،وكُتِ ُبوا من أهل ِ
الهدايات ،وارتقوا إلى منازل الصابرين
والصابرات،
قال سبحانه{:ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ} [البقرة،]٩57-٩55 :
٩٠5 وقفات مع األحداث
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ }[المؤمنون،]76 :
تعالى { :ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ }[األنبياء،]88-87 :
اهلل ِ ِ ِ
ُرم َي يف النار ،فجعل حسيبه اهلل بكل ثقة؛ قائال :حسبي ُ وإبراهيم
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ } ُّ
[الشعراء.]62 :
فأنجا ُه اهلل وأهلك عدُ و ُه يف طرفة عين؛
وهذه ثقة األنبياء يف اهلل ،ويف ُقدرته على سرعة تغيير الحال ،وهو على ك ُِّل
شيء قدير.
فما بالنا يا عباد اهلل ،نسمع من يقول هلك الناس ،وذهب الخير وحل
الويل والثُّبور ،ونسمع الكلمات التي ُتقنِّط من رحمة اهلل وت جلب اليأس
َ
وتوحي بقلة األمل يف فرج اهلل تعالى.
وهذا ُك ُّله مما ال يليق بمؤمن باهلل راض بحكم اهلل قوي االعتماد على اهلل
اس؛ َف ُه َو َأ ْه َلك ُُهم . واثق بفرج اهلل ونصره قال َ :م ْن َق َالَ :ه َل َ
ك الن ُ
الفت َِن ،وأن ِ
يحق َن دماءهم، يصرف عن المسلمين شر ِ نسأل من اهلل أن ِ
ُ
ويكفيهم شر ك ُِّل ذي شر .والحمد هلل ِّ
رب العالمين.
٩٠8
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران]٩٠2:
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ}[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
ِ
َ ،و َشر َأما َب ْعدُ َ :فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي
الن ِ
ار...
ُ
يتساهل هبا كثير من المسلمون أن من أعظم األُ ُمور التي
اعلموا أ ُّي َها ُ
،ومن توفيق اهلل للعبد اهلل
الناس يف هذه األزمان عدم تعظيم ما عظ َم ُ
٩٠١ حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
{ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }[البقرة]3٠ :؛
،وجعله وذريت ُه خلفاء يف األرض، آدم فخلق اهلل
وبحرها ،وزرو َعها،
َ وسخر كُل ما فيها لهم ،فسخ َر هذه األرض برها،
ُنوزهاِ ،
ووديانَها ،وجبا َلها ،كُلها لمصلحة وأهنارها ،ودوابها ،وك َ
َ وثمارها،
َ
هذا اإلنسان،
الحدود وشرع الشرائع التي تحمي هذا ال ُكتُب ،وحد ُ وأنزل اهلل
رضه ومالِه حتى يقوم يف هذه الحياة بواجبه اإلنسان ،و ُتحافظ على دمِه ِ
وع ِ
َ
٩٩٠
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}[الفرقان ،]6١-68 :وبين سبحانه يف كتابِ ِه
المبين أن من تعدى على نفس معصومة بغير حق مستبين ،فإن ُه كمن اعتدى
ُ
على الناس أجمعين.
٩٩٩ حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ }[المائدة]32 :
والرابع :أيضًا من وجه الشبه بين من قتل نفسًا واحدة ومن قتل الناس
ليه َما ُيسمى قاتال فاسقًا ،والوجه الخامس أن ُهما سواء يفأجمعين أن كِ ِ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ}[اإلسراء]33 :
ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} [النساء،]١3 :
ومن قتل ُمؤمنًا؛ فقد جلب لنفسه سخط اهلل وغضب اهلل ،ولعن ُه اهلل
،ومأوا ُه جهنم خالدا فيها ،والقاتل هو مِن ِّ
أقل الناس توبة ألن ُه باعتدائه
المحرمة َي ِض ُيق عليه دينه؛ فيتصور أن ُه ال توبة له .وإال فإن اهلل
على النفس ُ
٩٩3 حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
الرسالة { :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
وختمت ِّ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ}[المـائدة.]3 :
ما َب ِق َي بعدها إال نحو بضع وثمانين ليلةُ ،ثم فارق الدُّ نيا عليه الصالة
والسالم،
ففي هذا الحديث العظيم ُيبيِّن الرسول عليه الصالة والسالم لألُمة،
المسلم ُحرمة أخيه ،وأن
ويعظم عليها ُحرمة بعضهم على بعض ،وأن يرعى ُ
المسلمين ،وال يكون ُمعينًا علىُيحافظ عليها ،وأال ُيشارك يف قطرة من دماء ُ
بسيفه وال بِ َق َل ِمه ،وال بلسانه وال ُمشيرا ،وال ُمؤيـدا.
ذلك ال ِ
رأيت النبي عليه ُ قال: وصح عند ابن ماجه عن عبد اهلل بن ُع َمر
ِ ِ
ب وف َح ْو َل ال َك ْع َبةَ ،و ُه َو َي ُق ْو ُلَ « :ما َأ ْط َي َبكَ ،و َما َأ ْط َي َ
الصال ُة والسالم َي ُط ُ
َكَ ،وال ِذي َن ْف ُس ُم َحمد بِ َي ِد ِه لَ ْل ُم ْؤ ِم ُن ك ،وما َأعظَم حرمت ِ
ََ ْ َ َُْ
ك ،ما َأعظَم ِ
َ ْ َ
ِريح ِ
َ
َأعظَم حرم ًة ِعنْدَ اهلل ِ ِمن ِ
ْك َمالُ ُه َو َد ُم ُهَ ،و َأ ْن َال ُيظَ ُّن بِ ِه إِال خَ ْي َر ًا». ْ ُ َُْ
٩٩5 حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
َق َال :لَز ََو ُال الدُّ ْنيَا أَ ْه َو ُن َع َلى اهلل ِ ِم ْن َقت ِْل وعند النِّسائي والتِّرمِذي أن ُه
َر جل ُم ْس ِلم .
ول اهللِ
َ :أن َر ُس َ ويف صحيح ُمسلم عن ُجندب بن عبد اهلل الب جلي
ث َب ْعثا مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن إِ َلى َق ْوم مِ َن ا ْل ُم ْش ِركِي َنَ ،وإِن ُه ُم ا ْلتَ َق ْوا َف َكا َن َر َب َع َ
جل مِ َن ا ْل ُم ْش ِركِي َن إِ َذا َشا َء َأ ْن َي ْق ِصدَ إِ َلى َر جل مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َق َصدَ َل ُه َف َقتَ َل ُه،
َوإِن َر جال مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َق َصدَ َغ ْف َلتَ ُهَ ،ف َلما َر َف َع َع َل ْي ِه السيْ َ
ف َق َالَ :ال إِ َل َه إِال
اهلل َف َقتَ َل ُه،
ُ
ول اهللِ ،إِن ُه َد َعا ُه َف َس َأ َل ُه« :لِ َم َقتَ ْلتَ ُه؟» َق َالَ :يا َر ُس َ َف َلما َب َل َغ َذلِ َك النبِي
َأ ْو َج َع فِي ا ْل ُم ْسلِ ِمي َنَ ،و َقت ََل ُف َالنا َو ُف َالناَ ،و َسمى َل ُه نَ َفراَ ،وإِنِّي َح َم ْل ُت َع َليْ ِه،
اهللَ ،ق َال النبِ ُّي َ « :أ َقتَ ْلتَ ُه ؟» ف َق َالَ :ال إِ َل َه إِال ُ َف َلما َر َأى الس ْي َ
ف ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا َجا َء ْت َي ْو َم الْ ِق َي َام ِة ؟» َق َال:
َق َال :نَ َع ْمَ ،ق َالَ « :ف َك ْي َ
استَ ْغ ِف ْر لِيَ ،ق َالَ « :و َك ْيفَ ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا َجا َء ْت َي ْو َم ي ا رس َ ِ
ول اهللْ ، َ َ ُ
ولَ « :ك ْيفَ ت َْصن َُع بِ َال إِلَ َه إِال اهللُ إِ َذا الْ ِقيَ َام ِة ؟» َق َالَ :ف َج َع َل َال َي ِزيدُ َع َلى َأ ْن َي ُق َ
َجا َء ْت َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة».
وكذلكم أيضًا يبين لنا نَبينا عليه الصال ُة والسالم َأنه ال ِ
يح ُّل دم المرء ُ ُّ ُ ِّ ُ
بأي ذريعة أو سبب إال ألحد ثالثة أسباب متى وقع يف واحد منها المسلم ِّ ُ
يح د ُم ُه للجهة التي ُأذِ َن لها شرعًا أن تقوم بما أوجب اهلل يف َدمِه.
ُأبِ َ
٩٩7 حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
{ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ} [آل عمران.]85 :
أن ُه عليه الصالة والسالم قالَ « :م ْن بَد َل ويف البخاري عن ابن عباس
دِينَ ُه؛ َفا ْقتُ ُلو ُه»،
المحرمة يتعلق بذمتِه ثالثة حقوق :حق هلل ،وحق أال وإن قاتل النفس ُ
حق اهللِ فال يسقط إال بالت ِ
وبة لورثة المقتول ،وحق للمقتول نفسه .فأما ُّ
٩٩8
حق الورثة؛ فال يسقط إال بتسليم القاتل نفسه للقصاص ،أو
الصادقة ،وأما ُّ
حق المقتول فيبقى دينًا خالصًا للمقتول حتى
تعويض ورثته ،أو العفو ،وأما ُّ
اهلل بين ُه وبين قاتله بين يديه سبحانه، يجمع ُ
ولَ :يأْتِي الْ َم ْقت ُ
ُول َي ُق ُ ت نَبِي ُك ْمَ :س ِم ْع ُ قال عبد اهلل بن عباس
ِِ ِ ِ
اج ُه َد ًما َحتى خب َأ ْو َد ُُم َع ِّل ًقا َر ْأ َس ُه بِإِ ْحدَ ى َيدَ ْيه ُمتَ َلبِّبًا َقات َل ُه بِ َيده ْاألُخْ َرى ،ت َْش ُ
ينَ :ر ِّبَ ،ه َذا َقتَ َلنِيَ ،ف َي ُق ُ
ول اهللُ
ِ ِ
الم ْقت ُْو ُل ل َر ِّب ال َعالَم َ
ول َ ش َف َي ُق َُيأْتِي بِ ِه إِلَى الْ َع ْر ِ
ار .روا ُه التِّرمذي والطرباين، ب بِ ِه إِلَى الن ِ تَ ،و ُي ْذ َه ُ لِ ْل َقاتِ ِل :ت َِع ْس َ
وصحح ُه األلباين،
َق َال :لَ ْو َأن َأ ْه َل أن رسول اهلل وعن أبي ُهريرة وأبي سعيد
ار .روا ُه ض ْاشت ََركُوا فِي َد ِم ُم ْؤ ِمن َألَكَب ُه ُم اهللُ فِي الن ِ السم ِ
اء َوأَ ْه َل ْاألَ ْر ِ َ
التِّرمذي وصحح ُه األلباين،
اس إِلَى اهلل ِ َث َال َثة :م ْل ِ
حد فِي َق َال :أَ ْبغ َُض الن ِ ويف صحيح البُخاري أن ُه
ُ
ب َدم ْامرِئ ُم ْس ِلم بِ َغ ْيرِ َحق ِ ِِ ِ الْ َح َرمَِ ،و ُمبْتَغ فِي ْ ِ
اإل ْس َال ِم ُسن َة الْ َجاهليةَ ،و ُمطل ُ
يق َد َم ُه ،فيا حسرة من أطاع الشيطان ،وأغضب الرحمن ،ورضي من لِ ُي ْهرِ َ
نفسه وقودا للنيران نسأل اهلل أن يحفظنا والسامعين من استدراج الشياطين.
وأستغفر اهلل العظيم إنَّهُ هو الغفور الرَّحيم
٩٩١ حرمــة الدمــاء وقتـل النفـس احملرمـة
الـخطبـة الـثـانـيــة
رب العالمين ،خلق األرض والسماوات ،وجعل النُّور الحمد هلل ِّ
والحـ ُرمات .وأمر
ُ وال ُّظ ُلمات ،وشرع الحدود الرادِعات ،وعظم الدِّ ماء
بصون النُّ ُفوس الربيــئات .وتوعد قاتل المسلم بالغضب واللعناتَ .
أحمدُ ه
سبحانه عدد المخلوقات،
أزواج ِه
ِ وصلى اهلل وسلم على نبيِّنا محمد أزكى الربيات ،وعلى
الطاهرات ،وعلى آلِ ِه وأصحابِه أهل المحاسن والطاعات .وأشهدُ أن ال إله
ور ُسو ُله.
إال اهلل وحدَ ُه ال شريك ل ُه ،وأشهدُ أن ُمحمدا عبدُ ُه َ
مع صحابتِه وخيار المؤمنون ،عباد اهلل لقد مكث نبيُّنا
أما بعد :أ ُّيها ُ
المسلم الذي قد َش ِهدَ أن ال إله ِ
ُأمته ،وهو ُيب ِّي ُن لهم ما بين حين وآخر مكانة ُ
رض ُه إال اهلل ،وأن محمدا رسول اهلل ،وأقام الصالة بأن اهلل قد حرم دمه ِ
وع َ ُ ُ
ِ ِ
و َما َل ُه ،وال َيح ُّل ألحد أن يس َتـبــ َ
يحه.
المسلم ما يصدُ ر من المعاصي التي ال ُتـبـيح َدم ُه؛ فإن وإن صدر من ُ
ِ
يستحل ح ُّل ِألحد أن
جميع المسلمين ُعرضة للخطأ ،ومحال للزلل ،فال ي ِ
َ ُ
دماء ُهم بكل ذنب .فقد جعل اهلل ل ُك ِّل شيء قدرا ،ولِ ُك ِّل ذنب حد ُه من اإلثم
وال ُع ُقوبة ،وال يحل َد ُمه بِ ُكل معصية.
٩2٠
ِ ِ ِ
المسلم .قوله عليه الصالة والسالم« :ال َ ُيش ْر َأ َحدُ ك ُْم َع َلى َأخيه بِ ِّ
السال َحِ ، ُ
ار»ُ .متفق َفإِن ُه ال َ َيدْ ِري ،لَ َعل الش ْيطَا َن َين ِْز ُع فِي َي ِد ِه؛ َف َي َق ُع فِي ُح ْف َرة ِم َن الن ِ
عليه.
أن النبِي عليه الصالة وروى اإلمام ُمسلم يف صحيحه عن أبي ُهريرة
الم َالئِكة ِ ِ ِ ِ
الم ْسل ُم إِلَى َأخ ْيه ُ
الم ْسلم بِ َحديدَ ة؛ َفإِن َ
ِ
والسالم قال :إِ َذا َأ َش َار ُ
َان َأخَ ا ُه ِألَبِ ْي ِه َو ُأ ِّم ِه .ولو كان أخا ُه ،ولو قال أنا أمزح
َت ْل َعن ُه َحتى َين ِْز َعَ ،وإِ ْن ك َ
فقط أنا ُأ َخ ِّوف ُه فقط .فقد وقع يف الحرام.
الحكم من ُيت َهم فيه ،ومن ال ُيت َهم،
« :يستوي يف هذا ُ قال النووي
المسلم حرام بكل حال .وألن ُه
وسواء كان هذا هزال ولعبًا أم ال؛ ألن ترويع ُ
السالح » ا.هـ
قد يسبقه ِّ
السالح يرفع حديدة مزاحًا؛ فتلعنه المالئكة .لماذا لعنته ؟
هذا فقط يرفع ِّ
،اليوم ال ألن ُه تعدى على ُحرمة عظيمة ،وعلى حد عظيم من ُحدود اهلل
ُتشار قطعة حديد ،بل ُيطلق الرصاص الحار ،و ُترمى قنابل ،و ُتفجر مساجد
المسلمين.
على ُ
و ُيقتل المسلمون بالعشرات ،وبالمئات من قبل الكافرين بل ومن قِب ِ
ل
بعضهم بعضًا .وكم أخبار يف الدُّ نيا ال يكاد ي ُمــ ُّر يوم ،بل ُربما ال تكاد تمر
وهناك من لم يقدر على
المسلمين متواصلُ ،
الخمس الساعات إال والقتل يف ُ
المسلمين كذا وكذا.
القتل ،ولكن ُيؤيد بقلبه ،ويفرح بأن يقتل من ُ
٩24
على هذا الدِّ ين العظيم ،وعلى تعظيم ما عظم اهلل خير من كل من جاء
بعدهم.
المسلمين إلى معرفة مثل هذه اآليات واألحاديث،
فما أحوجنا معشر ُ
وحرمة
المسلمون قيمة بعضهم بعضًاُ ،
وكالم أهل العلم حولها حتى يعرف ُ
بعضهم بعضًا .ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان ،وال تجعل يف
ُق ُلوبنا ِغ ًّال للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
أن يحفظنا باإلسالم ،اللهم أحفظنا باإلسالم قائمين نسأل اهلل
والمسلمين ،وأذِل ِّ
الشرك ُ أعز اإلسالموقاعدين وراقدين ،اللهم ِ
ووالة
والمشركين ،وعليك بأعداء الدِّ ين ،الل ُهم أصلحنا وأصلح أئمتنا ُ
ُ
ُأ ُمورنا ،اللهم اجعل واليتنا يف من خافك واتقاك،
اللهم آمِنا يف أوطاننا ،اللهم أ ِّلف بين ُق ُلوبنا وأصلِح ذات بَينِنا ،اللهم
احقن دماء واهد ِهم إِلى السنة المحم ِدية ،اللهم ِ ِ أصلح الراعي والرعية،
ُ ُّ
وسن ِة نَبِيِّ َك. ِ
المسلمين وف ِّق ُّهم يف دينهم ،اللهم اشرح ُصدُ ورهم ال ِّتباع كتابِ َك ُ
ُ
رب العالمين. ِ ِ
وآخر دعوانا أن الحمدُ هلل ِّ
٩26
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }
[النساء.]٩:
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب7٠:ـ .]7٩
أَمَّا بَعْدُ:
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
وحسًا أننا جميعًا سنُغادر هذه أيها المؤمنون ،إن من المعلوم شرعًا ِ
ُّ َ ُ
الحياة كما غادرها غيرنا ممن هم أعظم مِنا ،ولكن ليس إلى العدم والفناء؛
٩27 االستعداد للموت
وإنما نخرج منها وندخل حياة ُأخرى َغيبِية عنا سنعلم ما فيها عند أن
نصل ُهناك كما لـم نكن نعلم عن حياتنا هذه شيئًا قبل وصولنا إليهاُ ،ثم
عرفناها،
وقد أخربنا ر ُّبنا سبحانه يف كتابه الكريم عن هذا االنتقال الذي ال محيص
ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ }
[الجمعة.]8 :
٩28
وربما مر
عباد اهلل :لقد انتشر بين البعض من الناس مفهوم غير صحيحُ ،
ال ُعمر على ذلك ال َفهم ،وهو أن ذكر الموت ُيعدُّ تنغيصًا للحياة ،وتكديرا
الموت جلب الهموم وال ُغموم؛ حتى إن ُه قيل لبعضهم لصفوها ،وأن يف ذكر َ
إن ُفالنًا قد مات ،فقال :أعوذ باهلل .أعوذ باهلل مِماذا من أمر حتمي ال مناص
من ُه ؟.
الـموت ألجل أن
وهكذا يتنصل من يتنصل ،ويتناسى من يتناسى ذكر َ
نظره ،ولو كان األمر كما يظن أن تناسي الموت راحة طمئنًا يف ِ
يبقى سعيدا ُم َ
وسعادة َلمـا قال لنا نبينا َ «:أكْثِروا ِمن ذِ ْكرِ هادِ ِم اللذ ِ
ات». َ ْ ُ ُّ َ
فالفالح والصالح ُك ُّله فيما جاء بِ ِه الرسول ،وال يمكن أن يأمرنا بما
فيه األذى والتنغيص لنا.
والقربُ باب وك ُُّل النـاس د ِ
اخ ُلـ ُه وت كأس َوك ُُّل الناس َش ِ
ار ُب ُه الم ُ
َ َ
الرحلة ،التي
ولكن الشأن كُل الشأن هو هل نح ُن على استعداد تا ّم لهذه ِّ
ال مفر منها؛ فقد ُأثِ َر لنا من استعداد سلفنا الصالح للموت الشيء ال ُعجاب؛
فمن ذلك أن اإلمام سليمان بن مهران األعمش لمـا حضر ْت ُه الوفاة،
قال :ألوالدِه ال تحزنوا وال تبكوا علي ،فواهلل ما فاتتني تكبير ُة اإلحرام مع
منذ ِستِّين سنة.
الجماعة ُ
٩2١ االستعداد للموت
قالَ :جا َء َر جل إِ َلى النبِ ِّي فعند البُخاري و ُمسلم عن أبي ُهريرة
ْت ول اهللَِ ،أ ُّي الصدَ َق ِة َأ ْع َظ ُم أَ ْجرا؟ َق َالَ « :أ ْن ت ََصد َق َوأَن َ َف َق َالَ :يا َر ُس َ
حيح تَخْ َشى الْ َف ْقر وتَأْم ُل الْ ِغنَى و َال تُم ِه ْل ،حتى إِ َذا ب َلغ ِ
َت الْ ُح ْل ُقو َم حيح َش ِ ص ِ
َ َ َ ْ َ َ ُ َ
َان لِ ُف َالن»، ت لِ ُف َالن ك ََذا َولِ ُف َالن ك ََذاَ ،و َقدْ ك َُق ْل َ
فمن الوصايا ما يكون واجبًا ،وذلك إذا كان عند اإلنسان ُحقوق ،أو
الح ُقوق ،وأنكرها يعلمها ِ ِ
أقار ُبه؛ فلو مات ضاعت تلك ُ ودائع ،أو ُد ُيون ،ال ُ
أهله ،فيجب على من كان حا ُل ُه كذلك أن يأمر أهله بما تربأ بِ ِه ذِمتُه،
وصي بشيء واعلموا أن مما يستحب أن يوصي بِ ِه المسلم قبل موتِه أن ي ِ
ُ َ ُ ُّ ُ
واألقربين،
َ من ماله يف ُسبُل الخير والمساجد ،والعلم الشرعي
الحدود
المؤمنون ،أن الوصايا ال يجوز أن تتعدى ُ
واعلموا أ ُّي َها ُ
المشروعة ،بل إن ُهناك وصايا ممنوعة كأن يوصي بأكثر من ُث ُلث ماله ،وال
ُيباح ل ُه ذلك ،فإن فعل؛ فال ُينَفذ من وصيتِه إال الثُّ ُلث ،وما زاد فال ُينَفذ؛
لما َم ِرض قالَ :يا َر ُس ْو َل اهللِ ،أ َف َأ َت َصدق بِ َش ْط ِر َمالِي؟ َق َال: فإن سعدا
ث كَثِير ،
ث َوالثُّ ُل ُ
َال .قالَ :فالثُّ ُل ُث؟ َق َال :الثُّ ُل ُ
لولد ِه األكرب
وصي ِوكذلك لو أوصى بشيء من ماله لبعض ور َثتِه كأن ي ِ
ُ
وصي بشيء لزوجته زيادة على أو األصغر بشيء زائد على إخوانِه ،أو ي ِ
ُ
٩3٩ االستعداد للموت
« :إِن ح ُّل ل ُه ذلك ،وال يجوز إنفاذ هذه الوصية؛ لقول النبِ ِّي ميراثها؛ فال ي ِ
َ
اهللَ َقدْ َأ ْعطَى كُل ذِي َحق َحقهَ ،ف َال َو ِصي َة لِ َو ِارث».
يوصي بأن ُيد َفن يف وأبعدها عن شريعة اهلل من ِ ِ أال وإن من أنكر الوصايا،
مسجد من المساجد تربُّكًا يف َظنِّه؛ فهذه وصايا ال يجوز فعلها ،فإن حصل
من أحد أن ُه أوصى؛ فال يجوز تنفيذها والعمل هبا؛ ألن إدخال ال ُق ُبور يف
عند َموتِه؛ المساجد ُسنة مِ ْن ُسن َِن اليهود والنصارى حذر منها الرسول
ِ
قالت :قال الصديقالمؤمنين عائشة بنت ِّ ففي الصحيحين عن ُأ ِّم ُ
ور َأ ْنب ِ َيائِ ِه ْم ِ ِ
« :لَ ْعنَ ُة اهلل َع َلى الْ َي ُهود َوالن َص َارى اتخَ ُذوا ُق ُب َ رسول اهلل
َم َس ِ
اجدَ »ُ ،ي َح ِّذ ُر َما َصنَ ُعوا»؛
وهناك فاحذر أيها المسلم الكريم أن ُت ِ
وصي بما يوديك العذاب األليمُ ، ُ ُّ
ِ
أرض كذا، من يشتغل بوصايا عما هو أهم منها :كمن ِ
يوصي بأن ُيد َفن يف ّ
بلد كذا ،ومثل هذه الوصايا إن شقت على الناس ،وليس لها وال يد َفن يف ِ
ُ
مصلحة شرعية؛ فال يلزمهم العمل بِها ،ويدفن يف أقرب األماكن.
المسلم بِ ِه لِ َس َف ِره إلى اهلل التخ ُّلص من الدُّ يون ،فالدين
وهكذا مما يستعدُّ ُ
الـمبادرة الجادة يف التخ ُّلص من ُه،
حمل كبير يجب على المسلم ُ
أن رسول اهلل ففي صحيح ُمسلم عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص
قال :ي ْغ َفر لِلش ِه ِ
يد ك ُُّل َذنْب إِال الد ْين ،وذلكم أن ُه حق من ُحقوق ُ ُ
٩32
العباد التي ال ُبد من أدائِها إلى أهلها ،فهي يف ذِمة المديون ُمعلقة بِ ِه حتى وإن ِ
قضى عن ُه. ُقتِ َل شهيدا يف سبيل اهلل؛ فهو محبوس بِ ُحقوق العباد حتى ُي َ
قال نبيُّنا َ « :ن ْف ُس الْ ُم ْؤ ِم ِن ُم َعل َقة بِدَ ْين ِ ِه َحتى ُي ْق َضى َعنْ ُه»،
الـمؤمن الذي مات ،ولم يتخلص من الدُّ ُيون تكون ُمعلقة؛ فال
فنفس ُ
تسرتيح وال تطمئن مع أن صاحبها ُمؤمن لكن أق َل َقتْ ُه ُد ُيونُه؛
ُربما ترك ولعظيم شأن الدُّ ُيون ،وخطرها على المسلم كان الر ُسول
المسلِمين؛ لعدم تركهم قضاء لِدُ ُيونِهم ،ففي ِ
الصالة على بعض جنائز ُ
كان ُيؤتى أن رسول اهلل صحيح البُخاري و ُمسلم عن أبي ُهريرة
عليه الدين؛ فيسألَ :ه ْل َت َر َك لِدَ ْينِ ِه َق َضاء؟ َفإِ ْن ُحدِّ َ
ث َأن ُه َت َر َك بالر جل الميت ِ
َ ِّ
احبِك ُْم»، يه ،وإِال َق َال« :ص ُّلوا ع َلى ص ِ
ِ
َ َ َ َو َفاء َصلى َع َل َ
ول اهللِ َق َالُ :ت ُو ِّفي َر جل َف َأ َتيْنَا بِ ِه َر ُس َ وعن جابر بن عبد اهلل
َ
انَ ،ف َق َال: خ َطا ُخطىُ ،ثم َق َال« :أع َلي ِه دين؟» ُق ْلنَا :دِينَار ِ لِيُ َص ِّلي َع َل ْي ِهَ ،ف َ
َ َ ْ َْ َ
احبِك ُْم» «ص ُّلوا ع َلى ص ِ
َ َ َ
كُ « :ه َما َع َل ْي َ ول ول اهللَِ ،د ْينُ ُه َع َليَ ،ف َق َال َر ُس َُف َق َال َأ ُبو َقتَا َد َةَ :يا َر ُس َ
ت» َق َال :نَ َع ْمَ ،ف َصلى َع َليْ ِهُ ،ثم َل ِقيَ ُه مِ َن ا ْل َغ ِدَ ،و َق َال: َحق الْ َغرِيمَِ ،و َبرِئَ الْ َم ِّي ُ
سُ ،ثم َل ِق َي ُه مِ َن ا ْل َغ ِد، ات َأ ْم ِول اهللِ ،إِن َما َم َ ان ؟» َق َالَ :يا َر ُس َ الدين ََار ِ « َما َف َع َل ِّ
ول اهللِ
ول اهللَِ ،قدْ َق َض ْيت ُُه َماَ ،ف َق َال َر ُس ُ الدين ََار ِ
ان ؟» َف َق َالَ :يا َر ُس َ َف َق َالَ « :ما َف َع َل ِّ
٩33 االستعداد للموت
ْ « :اآل َن ،بَ َر َد ْت َع َل ْي ِه جلد ُه» روا ُه أحمد والنسائِي ،وحسنَ ُه األلباين
،
َق ِ
اعدا َحيْ ُ
ث َان َر ُسول اهللوعن محمد بن عبد اهلل بن جحش َق َال :ك َ
اءُ ،ثم َخ َف َض َب َص َر ُه؛ َف َو َض َع َيدَ ُه َع َلى وضع ا ْلجنَائِزَ ،فر َفع ر ْأسه قِب َل السم ِ ُت َ
َ َ َ َ َ ُ َ َ
يد َق َال َف َع َر ْفنَا َو َس َكتْنَاَ ،حتى إِذا جبهتِ ِهَ ،ف َق َال :سبحا َن اهلل ما أُن ِْز َل ِمن الت ْش ِد ِ
َ َ ُ ْ َ َ َْ
َفسي كَا َن ال َغدُ س َأ ْلتُه؛ َف ُق ْلنَا :ما الت ْش ِديد ال ِذي ن ََز َل؟ َق َال :فِي الدي ِن وال ِذي ن ِ
ْ َ َ َ ْ
اش ُثم ُقتِ َلَ ،و َع َليْ ِه اش ُثم ُقتِ َل ،ثم َع َ بِيَ ِدهِ لَو ُقتِ َل َر جل فِي َسبِيْ ِل اهللِ ،ثم َع َ
الجنةَ؛ َحتى ُي ْق َضى َد ْينُه َ .ر َوا ُه الن َسائِ ّي َو َحسنَ ُه األَ ْل َبانِي.
َد ْين َما َد َخ َل َ
الـمسلم المديون ُيقدِّ م قضاء الدين على الـمؤمنون ال ُفطناء إذا كان ُ أ ُّيها ُ
والح ُّج ُركن من أركان اإلسالم؛ فكيف بمن ُي ِّ
ؤخر قضاء َدينه ،و ُيقدِّ ُم الحجَ ،
عليه ُأ ُمورا صغيرة كالوالئم والكماليات ،وذِمته مشغولة بالحقوق الواجبة ِ
الـخطبــة الـثــانيـة
الحمد هلل السميع البصير الحكيم الخبير خلقنا يف الدُّ نيا لعبادتهُ ،ثم إ َليه
َان لَ ُه َع َمل َصالِح أُ ِخ َذ ِمنْ ُه بِ َقدْ ِر َمظْ َل َمتِ ِهَ ،وإِ ْن لَ ْم
ُون دِ ْينَار َو َال دِ ْر َهم إِ ْن ك َ
َيك َ
احبِ ِه َف ُح ِم َل َع َل ْي ِه »،
َات ص ِ
َ
يكُن لَه حسنَات ُأ ِخ َذ ِمن سيئ ِ
ْ َ ِّ َ ْ ُ َ َ
وق إِ َلى
َق َال« :لَت َُؤ ُّدن الْ ُح ُق َ أن النبِي ريرة
وعند ُمسلم عن أبي ُه َ
َاء».اءِ ،من الشاةِ الْ َقرن ِ
َأه ِلها يوم الْ ِقيام ِة ،حتى ي َقاد لِلشاةِ ْال جلح ِ
ْ َ َ ْ َ َْ َ َ َ َ ُ َ
أعظم زادِكُم ليوم معادِكُم أن تت ُقوا ِ المؤمنونَ ،أن من هذا واعلموا أ ُّيها ُ
{:ﭩﭪﭫﭬ رب ُكم وموالكُم يف ِس ِّركُم و َع َلنِ ُكم قال
بريء ِّ
الذمة نظيف البَطن.
وحسن ِعبا َدتِك .اللهم اقض عنا الدين
وش ْك ِرك ُأعنا على ذِك ِْرك ُ
اللهم ِ
٩37 االغرتار بالدنيا
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
،
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
والتلهي هبا عن
ِّ أما بعد :لقد حذر اهلل عباده من االغرتار بالحياة الدُّ نيا
وقال جل وعال { ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ } [الحديد]2٠ :
وقال { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
البطن ثم يخرج وتتغير صفاته وتتبدل إلى أضدادها مما يعرفه كل الناس
وهكذا خالصة الدُّ نيا المزخرفة التي اغرت هبا من ال يعرف مآلها.
وهذا ليس من أمثلة الشعراء وال الفصحاء المعرضة للخطأ ،بل هذا مثل
من مشكاة النبوة وحي ُيوحى عربة ألولي األلباب والنُّهى.
للدُّ نيا ما رواه الرتمذي عن سهل بن سعد قال ومن أمثلته التي ضرهبا
«لو كانت الدُّ نيا تعدل عند اهلل جناح بعوضة ما سقى كافر ًا قال النبي
منها شربة ماء».
هذه أمثلة نبوية وعتها آذان الصحابة الكرام ،فوضعوا الدُّ نيا يف الموضع
الالئق هبا وجعلوها مطية لآلخرة اكتَ َفوا منها بـيـسير الطعام واللباس
والسكن وتنافسوا يف عمل اآلخرة.
بمنكبي قال أخذ رسول اهلل ففي صحيح البخاري عن ابن عمر
فقال« :كن يف الدُّ نيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر
يقول « :إذا أصبحت فال تنتظر المساء وإذا أمسيت فال تنتظر الصباح
وخذ من صحتك لـمرضك ومن حياتك لموتك ».
قطعوا المسافات الطوال والعقبات ِ
الصعاب يف صحابة رسول اهلل
نجح يف تحقير الدنيا يف وقت يسير ،ألسباب من أعظمها ،أن النبي
أعينهم فلم ينشغلوا بتعظيم الدينار والدرهم ولم ينشغلوا بتقديس العادات
العوجاء.
٩4٠
قال فأقمنا عليه شهرا ونحن ثالث مائة حتى سمنا ،قال ولقد رأيتنا
نغرتف من وقب عينه بالقالل الدهن ،ونقتطع منه الفدر كالثور ،أو كقدر
الثور ،فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثالثة عشر ر جال ،فأقعدهم يف وقب عينه،
وأخذ ضلعًا من أضالعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير منا فمر من تحتها
فذكرنا وتزودنا من لحمه وشائق ،فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اهلل
ذلك له فقال «هو رزق أخرجه اهلل لكم ،فهل معكم من لحمه شيء
منه فأكله. فتطعمونا؟» قال فأرسلنا إلى رسول اهلل
فبكى زاره سعد بن أبي وقاص ُ
سلمان الفارسي ولما مرض
فقال :سعد ما يبكيك يا أبا عبد اهلل؟ أليس قد صحبت رسول اهلل
؟
فقال :سلمان ما أبكي ضنًا للدُّ نيا وال كراهية لآلخرة ولكن رسول اهلل
عهد إلي عهدا فما أراين إال قد تعديت .قال :وما عهد إليك؟ قال :عهد
إلي أنه يكون زاد أحدنا مثل زاد الراكب وإين أخشى أن قد تعديت.
قال :ثابت فبلغني أنه ما ترك إال بضعة وعشرين درهمًا.
أال وإن من رحمة اهلل بعباده المؤمنين أن صرف عنهم الطغيان المادي
والتوسع الدُّ نيوي وحماهم من االنغماس يف الدُّ نيا انغماس أعدائه الكافرين
الذين أتتهم الدُّ نيا من أمامهم ومن خلفهم .ويوضح لنا النبي الكريم
٩42
ذلك يف قوله «إن اهلل ليحمي عبده المؤمن من الدُّ نيا وهو يحبه كما تحمون
مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه» رواه أحمد.
ولقد حذر اهلل عبده المؤمن أن يغرت بما عليه الكافرون من زينة الحياة
ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ
ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ } [ طه ]٩32 -٩3٩:وقال { ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏﮐ}
[ آل عمران.]٩١7 -٩١6 :
من االغرتار بعطاء اهلل للعصاة فإنما هو بل حذر الرسول الكريم
استدراج لهم.
« :إذا قال :قال النبي فروى اإلمام أحمد عن عقبة بن عامر
حب فاعلم أنما هو استدراج
رأيت اهلل ُيعطي العبد من الدُّ نيا على معاصيه ما ُي ُّ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ }» [األنعام.]44 :
وقال بـعض أهل العلم فـي معنى االستـدراج (أي :كـل مـا أحدثـوا ذنبًا
أحدثنا لهم نعمة ).
٩43 االغرتار بالدنيا
فال تحزن أيها المسلم الكريم ،على ما فاتك من متاعها الهشيم ،وال
يخدعنك مادحها وعابدها اللئيم ،فلن ينفعك عند ربك مال وال بنون ،إال
من أتى اهلل بقلب سليم ،وال تتمن منها ما صرفه عنك العليم الخبير ،فكم من
قوم كانوا متحابين ُمتآلفين على القليل اليسير ،ولما ُفتحت عليهم الدُّ نيا
وتجاذبوها قلبت حالهم سعيرا ،وربما تقاطعوا ،وربما تقاتلوا ألجل شيء
هو عند اهلل حقير.
ورحم اهلل الشافعي إذ يقول:
ــيق إِ َل ْينَــا َع ْ
ــذ ُب َها َو َع َ
ــذا ُب َها وس َِ وم ْن يبتغي الـدُّ نيا َفـإِنِّي َط ِع ْمت َُهـا
ظهـر ال َفـالةِ َس َـرا ُب َها
ِ الح يف
ك ََما َ فلــم َأر َهــا إال ُغــرورا و َغ ْف َلــة
اجتِـ َ
ـذا ُب َها عليهــا كــالب َه ُّم ُهــن ْ ــي إِال جيفــة مســتحيلة ومــا ِ
ه
َ
ْــك كِالَ ُب َهــا وإِ ْن َتجت ِ
َــذ ْب َها ن ََاز َعت َ ْ َفإِ ْن َت ْجتَنِبْ َها ُكن َْت ِسـ ْلمًا ِألَ ْهلِ َهـا
كرمت عليه نفسه لـم يـكــن للدُّ نيا
« :من ُ وقال محمد ابن الحنفية
عنده قدر ».
« :حرام على قلوبكم أن تذوق حالوة وقال الفضيل بن عياض
اإليمان حتى تزهدوا يف الدُّ نيا ».
« :إذا زهد العبد يف الدُّ نيا أنبت اهلل الحكمة يف وقال سفيان الثوري
عيوب الدُّ نيا وداءها ودواءها ».
َ قلبه وأطلق بـها لسانه و َبص َر ُه
٩44
« :ما مضى من الدُّ نيا فهو أحالم وما بقي فهو وقال ابو حازم
أماين ».
« :إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدُّ نيا ما وقال عون بن عبد اهلل
َف ُض َل عن آخرهتم وإنكم تجعلون آلخرتكم ما فضل عن ُدنياكم ».
« :يا ابن آدم بع ُدنياك بآخرتك تربحهما وقال الحسن البصري
جميعا وال تبيعن آخرتك بدُ نياك فتخسرهما جميعا ».
فرقان
وقال بعض السلف « :الدُّ نيا أسحر من هاروت وماروت فإهنما ُي ِّ
بين المرء وزوجه والدُّ نيا ُتفرق بين العبد ور ِّبه » .أعاذين اهلل وإياكم من
غرورها ُ
وشرورها.
وأستغــفر اهلل لي ولكم
٩45 االغرتار بالدنيا
الـخـطبــة الـثــانـيــة
الحمد هلل عظيم المنة ،نحمده على إسباغ النعمة وصرف النقمة ،جاعل
الدُّ نيا فتنة ومحنة ،والصالة والسالم على نبينا وقائدنا إلى الجنة ،وعلى آله
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال وصحبه ومن تبعهم على السنة ،والقائل
ذكر اهلل وما وااله ،
اعلموا أيها الناس أن حب الدُّ نيا ِ
واإلخال َد إليها هو من أكرب أسباب ُّ
الذل
« :يوشك أن تداعى عليكم قال :قال النبي والهوان .فعن َثو َبان
األمم كما تداعى األكلة على قصعتها» قالوا ومن قلة نحن يومئذ؟ قال« :بل
أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن اهلل الهيبة من قلوب
أعدائكم وليقذفن الوهن يف قلوبكم» قالوا وما الوهن ؟ قال «حب الدُّ نيا
وكراهية الموت».
إن حب الدُّ نيا وتمكنها من القلوب وتنشـئة األجيال على تعظيمها وتكبير
شأهنا ليس باألمر الهين.
فمن سخر ُقدُ راته وإمكاناته وفكره وجهده لها فقد خسر ُخسرانًا كبيرا
« :من جعل الهمو َم همًا واحد ًا هم المعاد كفاه اهلل هم ُدنياه ومن قال
تشعبت به الهموم يف أحوال الدُّ نيا لم يبال اهلل به يف أي أوديتها هلك».
٩46
وال يعني ذلك ترك الزراعة والتجارة والصناعة ،وال يحرم على المسلم
أن يكون غنيًا أو طبيبا أو غير ذلك،
الزراع والتُّجار ،وكان منهم األمراء
ُّ فقد كان يف صحابة رسول اهلل
والخلفاء والقادة الكبار ،وأهل الحرفة والمهنة ،ولكن ذلك لم يشغلهم عن
تعاليم دينهم ،ولم يضيعوا أمر اهلل ،بل كانت الدُّ نيا يف أيديهم ولم يمكنوها
من قلوهبم ،بل استخدموها ولم تستخدمهم واستعملوها ولم تستعملهم،
وعلموا أن الدُّ نيا ساعة فجعلوها طاعة وأن النفس طماعة فألزموها القناعة.
وإنما َأ ْل َم ْحنَا إلى هذا ألن من الجاهلين من إذا سمع التحذير من الدُّ نيا
قال :إن الدُّ عاة يريدون منا البقاء يف المساجد وأن نضيع أعمالنا ونرتك
أرزاقنا ونمد أيدينا إلى غيرنا ،وال شك أن هذا من الجهل العظيم والفهم
السقيم ،
فإن خير من فهم الشرع وعمل به على مراد اهلل هو رسول اهلل
قال تعس عبد الدِّ ينار وعبد الدِّ رهم ويف صحيح البخاري أن النبي
وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك
فال انتقش.
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
ﰖ ﰗ } [الكهف] 45 :
وقال { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
رب العالمين .الحمدُ هلل الذي خلق فسوى ،والذي قدر فهدى، الحمد هلل ِّ
والذي أخرج المرعى؛ فجعله ُغثاء أحوى .الحمدُ هلل الذي ي ِ
طعم وال ُيط َعم، ُ
خلق كُل نفس وسواها ،وألهمها فجورها وتقواها ،وكتب رزقها وأجلها
ومأواها ،وأحاط ِعلمه بالخلق وأرزاقهم وأحصاها،
وأشهدُ َأ ْن ال إله إال اهلل وحدَ ُه ال شريك ل ُه شهاد َة َمن يرجو ُذخرها
ورسو ُله عليه أفضل الصالة وأزكاها.
و ُعقباها .وأشهدُ أن ُمحمدا عبدُ ُه ُ
المسلمون عباد اهلل.
أ ُّيها ُ
إن من أكثر مشاغل العباد يف هذه األزمان التي ُأ ِنفقت فيها كثير من
وص ِر َفت لها كثير من الطاقات وال ُقدُ رات هي مسألة طلب
األوقاتُ ،
األرزاق ،و جلب المعيشة لألهل واألوالد ،وهذه يف حدِّ ذاهتا مسألة مهمة؛
تعب نفسه فيها فوق القدر المشروع الذي إال أن هناك من الناس من قد ي ِ
ُ ُ
وربما فا َت ُه الكثير والكثير من ُطلِ َ
ب من ُه؛ وبذلك ينسى حظًا كثيرا من آخرتهُ ،
عن األسباب رزق ال ُق ُلوب ،ولهذا كانت ُخطبتنا يف هذا اليوم بإذن اهلل
التي هبا ُتطلب األرزاق ،وكيف يحرص المسلم على أن يطلب ِرزقه بال ُّط ُرق
التي شرعها الرزاق،
٩5٩ أسباب الرزق
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ }[هود،]6 :
ويقول سبحانه{:ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ف ولـما َض ُع َفت هذه العقيدة الصحيحة عند البعض من الناسَ ،
وض ُع َ
التع ُّلق بِرب ِ
العزة وال جالل ،الذي قد كفل األرزاق؛ ُو ِجدَ ت األراجيف، ِّ
وو ِجدَ َ
الخوف على األرزاق سواء عند األفراد ،أو عند الحكوماتُ ،فربما ُ
تسمع من يقول ما من سنة إال والبشر تكثر من أين أرزاق هذه العباد؟
ويتخوف أن يأيت يوم وليس للعباد أرزاق ،وهذا من الجهل الشنيع؛
وأما الدُّ َول فتسمعها تصيح من تو ُّقعات األزمات االقتصادية ،ويوجد يف
البُيُوت ،ويف المخازن واألسواق والمؤسسات ما يكفي الناس وأمثالهم؛
فهذا يصيح خشية حال االقتصاد بعد عشر سنين ،وهذا يحسب االقتصاد
كيف سيكون بعد ثالثين سنة ،وهذا يصيح من ِ
قلة المياه الجوفية ،وأن
األرض ُمهددة بالجفاف؛ ونسوا أن األرزاق يف السماء ،ونسوا أن اهلل
ما يخلق مخلوقًا إال وخلق معه رزقه؛
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ} [الواقعة.]7٠-68:
نسي الغافلون أو تناسوا أن المياه ،وأرزاق العباد ليست يف جوف األرض
فقط .وإنما الماء واألرزاق يف السماء.
{:ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ قال
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ }[الحجر {.]22:ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ }[المنافقين.]7:
٩53 أسباب الرزق
{ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ}[البقرة.]268 :
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ } [عبس.]32-24 :
٩54
فلما نزل إلى األرض بدل اهلل ل ُه من ذلك الحبل َثد َيين سكابَين ،وقبل
خلقه كانا من الحليب فارغين ،فلما ُولِدَ ال ِّطفل جاء الحليب ،ولما أكل
الخبز ُقطِع الحليب ،فمن الذي قطعه؟ ومن الذي أنزله؟ ومن الذي ال ِّطفل ُ
صفا ُه؟ ومِن َبين الدم واللحم والشحم أجراه؟؛
إن ُه الرزاق الكريم جل يف ُعاله ،ليعلم العبد أن ُه فقير إلى َمواله؛ وأن اهلل
سبحانه هو الذي أجرى ل ُه األرزاق ،وسبب ل ُه األسباب؛ إن يف ذلك لذكرى
ألولي األلباب؛
ولهذا فإن األرزاق التي أوجدها خالق الربيات يف األرض قد قسم لكل
مخلوق قسمه من الطير ومِ َن الحيوانات ،ومن الوحوش ومن البشر ،وسائر
الربيات ،ولن يقدر أحد أن يحول َبينك و َبين رزق كتبه اهلل لك.
المؤمنون ،قد تكون اآلن أموال يف مخابِئنا ويف مخازننا ،ويف َظنِّنا أنها
أ ُّيها ُ
قد حيزت وكُتِبَت لنا ،وقد كتبها اهلل يف علمه لغيرنا؛ فهذه هدية لِ ُفالن أو
ضيافة لِ ُفالن ،أو صدقة لِ ُفالن أو ميراث لِ ُفالن ،وأنت ال تدري وقد يكون يف
مخازن غيرك أموال كُتِ َبت لك ،وهو ال يدري وأنت ال تدري؛
كَ ،يا ابْ َن آ َد َم ِم ْن َمالِ َ
ك إِال َما ول ابْ ُن آ َد َمَ :مالِيَ ،مالِيَ ،و َه ْل لَ َ قال َ :ي ُق ُ
{ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ }[الزخرف.]32 :
المسلم وثِقته باهلل جل وعال وإيمانه
المسلمون عباد اهلل :بعد عقيدة ُ
أ ُّيها ُ
الذي ُيفارق به ال ُكفار؛
٩57 أسباب الرزق
للسعيِ يف األرض للت َس ُّبب يف األرزاق، فإن ُهناك أسبابًا شرعها اهلل
الرزق؛
المسلم يف طلب ِّ
ولهذا كان على ُ
أوال :الثِّقة باهلل؛
ثانيًا :بذل السبب؛ فإن ُه ليس من ديننا ترك األسباب ،وليس من الدِّ ين
االعتماد على األسباب.
اس يف هذا األمر على ثالثة أقسام :قسم أفرطوا ،وقسم فرطوا،
والن ُ
والوسط هو الصواب ،فمن الناس من قالوا ال حاجة لألسباب اجلس يف
ُ
والخبزة إلى بين يديك ،وهذا بيتِك ،ويف زاوية من الزوايا ،وستأتيك ال ُّلقمة
فاهلل دعانا إلى ُس ُلوك األسباب؛ فقال سبحانه:
كالم ُيخالف أصول الشريعة؛ ُ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ
ﭲﭳ}[الملك .]٩5 :وقال سبحانه { :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ } [الواقعة.]64-63 :
فهو الزارع سبحانه ،ونح ُن نتسبب بالحرث ،فأثبت سبحانه األسباب
للناس.
وكان الصالحون أهل حرف وعمل ،فمنهم من يدبغ ال جلود ،ومنهم من
يبيع ويشرتي ،ومنهم الخياط ومنهم الزراع ،ومنهم الزيات وغير ذلك.
٩58
وقسم من الناس أيضًا بالغ يف األسباب ،وأعطاها فوق حجمها؛ فكد يف
ذكاؤه ولوال ِحرصه ما
هذه الدُّ نيا كدّ الوحوش من أجل الدُّ نيا ،وظن أن ُه لوال ُ
الرزق .وهذه أيضًا طريق خاطئة .بل من الناس من لم يقف عندجاء ُه ِّ
األسباب المشروعة من بيع وشراء ،وزراعة ِ
وح َرف وصناعة .فتجاوز إلى
األسباب الممنوعة؛
السلع الجيِّدة يف أعالي آنيتها،
فرتى من الناس من يبيع ويشرتي؛ فيضع ِّ
والفاسدة يف أسفلها ،وظن أن هذه ت جلب ل ُه األرباح وإذا باع سلعة من
ماشية أو سيارات أو غيرها أخفى ُعيوهبا كي ال تنقص قيمتها ،وظن أن هذا
ِ
والخداع السبب ي جلب األرزاق ،وهذا ُمغفل مسكين اعتمد على الغش
، أعظم من اعتمادِه على اهلل
وآخر يبيع يف بقالته من الط ِّيبات الشيء الكثير فيها أنواع ال ُتحصى عدا،
ُثم يبيع معها الدُّ خان الـ ُمد ِّمر لِصحة الناس؛ فإذا قيل له لماذا تبيع؟ قال :ي
جلب الزبائن ،واعتقد الغافل أن ُه لوال الدُّ خان لنقص ِرزقه ،والموظف يكون
الرشوة
الرشوة ،وظن أن ُه لوال ِّ
ل ُه راتب من الحالل ،فيزيد عليه شيئًا من ِّ
غطت الحاجيات لنقص رزقه عليه.
هذه وأمثالها أسباب أوحاها إلينا الشيطان ،وأفرزها الجهل والواقع الذي
قلت فيه ال ُع ُلوم الشرعية النافعة.
٩5١ أسباب الرزق
ﮥﮦ }[الطالق ]23 :من حيث ال يخ ُطر ببالِه .وقال سبحانه { :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ }[األعراف ،]١6 :فاتقوا اهلل سبحانه حق
الس ِّر والنجوى يؤتكم مِن لدُ نْ ُه ِرزقًا وفضال { :ﰀ ﰁ ِ
التقوى ،وراقبوه يف ِّ
[الطالق]5: ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ }
وأستغفـر اللـه لي ولكم إنَّهُ هو الغفور الرَّحيم.
٩6٩ أسباب الرزق
اخلطبـة الـثــانـيــة
رب العالمين ،الحمد هلل القائل جل وعال يف الحديث ال ُقدُ سي: الحمد هلل ِّ
استَطْ ِع ُمونِي ُأ ْط ِع ْمك ُْمَ ،يا ِعبَادِي ِ ِ ِ
َيا عبَادي ُك ُّلك ُْم َجائع ،إِال َم ْن َأ ْط َع ْمتُ ُهَ ،ف ْ
استَك ُْسونِي َأك ِْسك ُْم . ُك ُّلك ُْم َعار ،إِال َم ْن ك ََس ْو ُت ُهَ ،ف ْ
رزقهم ،فاهلل هو الذي ِ
يستطع ُموه ليَ ُ يهم ،وأنِ
يأمر العباد أن يد ُعو ُه ليُعط ُ
يأمر الحبة فتَنبت إنباتًا ،وهو الذي يجعل من الحبة ُسن ُب َلتين أو أربعًا ،أو
ثالثًا أو يأكلها الطير أو ُتتلِفها اآلفات إتالفًا ،أو يجعل فيها الربكة أضعافًا
وأضعافًا.
أ ُّيها الناس :والسبب الثالث :من أسباب األرزاق هو تفريغ القلب لإلقبال
قال :قال النبِ ُّي َ « :ي ُق ْو ُل َر ُّبكُم: معقل بن يسار على عبادة اهلل ،فعن ِ
ك ِغنًىَ ،و ْأم َل ْ َيدَ َك ِر ْز ًقاَ ،يا ا ْب َن آ َد َم َال َت َبا َعدْ َيا ا ْب َن آ َد َم َت َفر ْغ لِ ِع َبا َدتِي َأ ْم َل ْ َق ْل َب َ
ك َف ْق ًراَ ،و َأ ْم َل ْ َيدَ َك ُشغ ًْال»، ِمنِّي َأ ْم َل ْ َق ْل َب َ
ان َع َلى َع ْه ِد َان َأ َخو ِ
،أنه َق َال « :ك َ َ َس ْب ِن َمالِك وروى التِّرمذي َع ْن َأن ِ
»َ ،وفِي ِر َوا َيةَ « :ي ْح ُض ُر َح ِد ْي َث َ ،ف َكا َن َأ َحدُ ُه َما َي ْأتِي النبِي النبِ ِّي
فَ ،ف َش َكا ا ْل ُم ْحت َِرفُ أَ َخا ُه إِ َلى النبِ ِّي ؛ اآلخ ُر َي ْحت َِر َُو َمجل َسه »َ ،و َ النبِ ِّي
ك :لَ َعل َ َف َق َالَ :يا َر ُس ْول اهللِ ،إِن َه َذا َأ ِخ ْي َال ُي ِعيْنُنِي بِ َشيءَ ،ف َق َال النبِ ُّي
ت ُْرز َُق بِ ِه .
٩62
الرابع :من األسباب أيضًا :صلة األرحام ،وذلك باإلحسان إ َليهم بِتف ُّقد
الزيارة أو السالم عليهم، أحوالهم .وقد تكون بالمال أو الخدمة ،أو ِّ
َ :م ْن َأ َحب َأ ْن ُيبْ َس َط لَ ُه فِي ِرزْقِ ِه وتتفاوت يف ذلك درجاهتم .قال نَبيُّنا
َو ُين َْسأَ لَ ُه فِي َأ َثرِ ِه َف ْل َي ِص ْل َر ِح َم ُه .
من أسباب بسط األرزاق والربكة يف األعمار صلة األرحام.
« :وإن القوم ليتواصلون ،وهم فجرة؛ فتكثُر أموالهم، قال ابن الق ِّيم
فتق ُّل أموالهم و َي ِق ُّل عد ُدهم »،
ويكثر عددهم ،وإن القوم ليتقاطعون ِ
والصلة بالكلمة
ِّ ُنت قادر،
الصلة واسع ،فهي تكون بالمال إن ك َ
وباب ِّ
والصلة ،ولو باال ِّتصال تسأل عن أحوالهم و ُتخ ِّفف
ِّ بالزيارة
والصلة ِّ
ِّ الطيِّبة
ُه ُمو َمهم ،و ُتشير عليهم فيما ينفع فيه مشورتك لهم.
ولكن كثيرا من الناس ُيحدِّ ث ُه الشيطان أن ُه فقير ،وأن السخاء والعطاء
يكون من األغنياء؛ مع أن كثيرا من الناس قادر يف الشهر أو يف الشهرين أن
يتفقد األرحام ولو باليسيرُ ،فربما أنفق أضعاف ذلك يف شراء ما ال يعود عليه
بالمنفعة ال يف ُدنيا وال يف آخرة ،ال ينف ُعه يف ِصحتِه وال يف مالِه؛ ولكن نشكوا
إلى اهلل جهلنا وقسوة ُق ُلوبنا كيف غفلنا عن ما به صالح ديننا و ُدنيانا .ولهذا
الخامس :من أسباب األرزاق العظيمة اإلنفاق يف وجوه الخير؛ فإن اهلل
[سبإ .]3١:هذا وعدُ اهلل ما أنفقتم ي ُع ُّم كُل صغير وكبير { .ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ }.
َق َالَ :ق َال ُ
اهلل جل أن النبِي حيحين عن أبي ُه َريرة ويف الص َ
ك، َو َع َالَ :يا ابْ َن آ َد َم أَن ِْف ْق ُأن ِْف ْق َع َل ْي َ
َق َالَ :ما ِم ْن َي ْوم أن النبِي يحين أيضًا عن أبي ُه َريرة ِ
ويف الصح َ
ط ُمن ِْف ًقا خَ َل ًفا،
ول َأحدُ هما :اللهم َأع ِ
ُ ْ َان َين ِْزال َِنَ ،فيَ ُق ُ َ ُ َ يه ،إِال َو َم َلك ِ العباد فِ ِِ
ُي ْصبِ ُح َ ُ
ط ُم ْم ِسكًا َت َل ًفا . اآلخر :اللهم َأع ِ
ُ ْ ول َ ُ َو َي ُق ُ
المؤمنون ،ال يكون حالنا كأننا يف أمريكا وروسيا دول ال ُكفر ،و ُعباد
يا أ ُّيها ُ
الدِّ رهم والدِّ ينار؛ نح ُن يف بالد اإلسالم يف بالد اإليمان يف بالد الحكمة؛
تعودوا العطاء يا عباد اهلل بما ال يعود عليكم بالضرر؛ قال ربُّ ُكم سبحانه:
قد يكون هذا عندك سهال ،ولكن ترى أن حقك أن تقوم بأعظم من هذا،
أكرم، عود نفسك اإلنفاق فإن اهلل
لتسهل لك الكبيرةِّ ،
ُ فابدأ بالصغيرة
المعاملة معه ،وكم من القصص والحكايات
ولكن أثبت هلل أنك فتحت باب ُ
يف واقع الناس من أخبار عطاء اهلل وإخالفه على الـ ُمنفقين أضعاف أضعاف
ما أنفقوه؛
َق َالَ :بيْن ََما َر جل َ ،أن النبِ ِّي جاء يف صحيح ُمسلم َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة
ك اس ِق َح ِدي َق َة ُف َالنَ ،فتَنحى َذلِ َ ض َف َسم َع َص ْوتًا يف َس َحا َبةْ :
ِ بِ َف َالة ِم َن ْاألَ ْر ِ
ت الش َراجِ َق ِد ْاست َْو َع َب ْ ك ِّابَ ،فأَ ْف َر َغ َما َء ُه فِي َحرةَ .فإِ َذا َش ْر َجة ِم ْن تِ ْل َ الس َح ُ
ك الْ َما َء كُل ُه؛ فتتبع الماءَ ،فإِذا َر جل َقائِم فِي َح ِد ْي َقتِ ِه ُي َح ِّو ُل الْ َما َء َذلِ َ
بِ ِم ْس َحاتِ ِه،
ك؟ َق َالُ :ف َالن لِالس ِم ال ِذي َس ِم َع فِي الس َحا َب ِة َف َق َال لَ ُهَ :يا َعبْدَ اهللَِ ،ما ْاس ُم َ
ت َص ْوتًَا فِي َف َق َال لَ ُهَ :يا َعبْدَ اهللِ ،لِ َم ت َْسأَلُنِي َع ْن ْاس ِمي؟ َف َق َال :إِنِّي َس ِم ْع ُ
ك؛ َف َما ت َْصن َُع فِ َيها؟ ولْ :اس ِق َح ِدي َق َة ُف َالن ِال ْس ِم َ اب ال ِذي َه َذا َماؤُ ه َي ُق ُ الس َح ِ
ت َه َذاَ ،فإِنِّي أَ ْنظُ ُر إِلَى َما َيخَ َر ُج ِمن َْهاَ ،فأَتَصد ُق بِثُ ُلثِ ِهَ ،وآك ُُل َأنَا َق َالَ :أما إِ ْذ ُق ْل َ
َو ِع َيالِي ُث ُلثًاَ ،و َأ ُر ُّد فيها ُث ُلثَ ْه .
رب النِّعم { ﭙ
آتاك اهلل ،وإياك أن تستعين بتلك النِّعم على معصية ِّ
ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ }[األعراف.]3٩ :
٩66
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ ل ِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُهَ ،و َأ ْش َهدُ ِِ ِ ِ
َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُله، : َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ }
[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠:
ِ
َ ،و َشر َأما َب ْعدُ َ :فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي
الن ِ
ار...
أ ُّيها الناس ،عباد اهلل إن مما شرع ُه لكم ربكم جل وعال ونَدَ بَكم إ َليه،
وحث ُكم عليه ُسنة الزواج ،فهي من ُسن َِن ال ُمرسلين ،وهبا عمران األرض،
ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ} [النور،]32 :
اع ِمنْك ُُم ابَ ،م ِن ْاستَطَ َ ،فقالَ « :يا َم ْع َش َر الش َب ِ خاتم النبيِّين ُ ودعا إ َليه
الْبَا َء َة َف ْليَتَزَو ْج؛ َفإِن ُه َأ َغ ُّض لِ ْلبَ َصرَِ ،و َأ ْح َص ُن لِ ْل َف ْرجِ َ ،و َم ْن لَ ْم َي ْستَطِ ْع َف َع َليْ ِه
. بِالص ْومِ؛ َفإِن ُه لَ ُه ِو َجاء» ،وهو يف الصحيحين عن ابن مسعود
وقال َ :ث َال َثة َح ٌّق َع َلى اهلل ِ َع ْون ُُه ْم َ ،و َذك ََر الناكِح ال ِذي ُيرِيدُ ال َع َف َ
اف
صححه األلباين ،وقال َ « :تزَو ُجوا الْ َو ُدو َد الْ َولُو َد َفإِنِّي ُمكَاثِر بِك ُُم ْاألُ َم ْم»؛
زاوج المشروع
المسلمين بالحرص على الت ُ
المطهر إلى ُ
فهذه أوامر الشرع ُ
والتعاون على تسهيله ،والزواج نعمة على الفرد والمجتمع وصالح لدين
المرء و ُدنياه ،ولكن هناك من ُيحارب هذه النِّعمة ،أو ُيشارك يف كفر هذه
النِّعمة جاهال أو ُمتجاهال النُّصـوص ال ُمتقدِّ مة ،ف ُيخالف مقاصد الشرع
المصادمة لِنِ َعم اهلل.
بطرق وأخرى ،ومن هذه ال ُّط ُرق ُ
والمتاجرة ليتناقل
ُ للمفاخرة
المغاالة يف المهور ،وجعلها محال ُ
أوالًُ :
الناس يف المجالس ضخامة هذا المهر ،وأن ُفالنًا زوج ابنته بكذا َ
وصو َر ل ُه
الشيطان أن هذه سمعة رفيعة ترف ُع قدره بين الناس ،وهذا واهلل من الهوان
ﭣﭤ} [النور]54:
ولي المرأة
الم ُهور جريمة ذات طرفين يشرتك فيها ُّ
المغاالة يف ُ
هذا وإن ُ
وخاطبها ،فالخاطب متى وافق على باطل معتمدا على كثرة ماله ،فهو
ُمتعاون على اإلثم وال ُعدوان ،ولن ينفعه االعتذار بأن ُه غير راض ،فلو كان
المنكر لرتك أهل الطمع والجشع،
منكرا ُ
٩7٩ الزواج نعمة فجنبوه النقمة
وهناك من الناس من إذا خطب امرأة ودخل بيت أهلها ،وفاجأوه بغالء
ُ
مهر ابنتهم التي كأهنم عزموا على بيعها؛ فـ يتحمل ما قرروه ،وإن كان كارهًا
الجور ويعلم أن ُه َجور،
والرجوع؛ فيقبل َ
ويرى أن ُه ال طاقة ل ُه باالنسحاب ُّ
وهذا مفهوم غير صحيح؛
فعلى من ابتُلِ َي بمثل هذا أن يرفض الباطل ويصدع بالحق ،فالباطل باطل
مهما كان الحال الباطل ُيداس وال ُيحرتم ُي َرد وال ُيقبل الباطل ُي َرد على
صاحبه ،وينبغي أن يسحب خطبته من مثل هذا النوع؛ و ُمصاهرة الجشعين
ذِلة وليست ِعزة وسواهم من أهل القناعة ِ
والعفة كثير؛
الحق حتى يكون ردعًا ألولئِك
فيا من ابتُلِيت هبذا احتسب عند اهلل قولك ّ
الذين ال يتقيدون بشرع اهلل ،وال ُيبالون بنصح الناصحين ،بل ال ُيبالون
بسعادة بناهتم أو شقاوهتن ،فيا أ ُّيها اآلباء ،ويا أولياء النِّساء ارحموا شبابكم
فإن أحسنتُم فألنفسكم ،وإن أسأ ُتم فلها،
وبناتكم يرحمكم من يف السماءْ ،
والجزاء من جنس العمل.
المفرط بالرصاص
المنغصة لنعمة الزواج الرمي ُ
المخالفات ُ
ومن ُ
للسكان بحيث ُيزعج اآلخرين ،فهناك من يفرح
المؤذية ُّ
واألالعيب النارية ُ
بحرمة مريض وال مهموم ،وال نائم ُفربوكأن ُه ال يهم ُه إال نفسه؛ فال ُيبالي ُ
المــؤذي؛ ِ ِ
دعوة من نائم أو مسكين أصابت هذا ُ
٩72
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ}[األحزاب.]58:
ِ
وكم أخبار تذكُر أن ُهناك من ُقت َل يف ُعرس بسبب الرميُ ،
وهناك من
الفوض ِويين ،وأما ِ ِ
َ ُأصيب بل قد حصل أن ُقت َل عريس يف ُعرسه من ُّ
الرماة
األلعاب النارية فحوادِث ال ُتحصى،
فكم ُقطِعت أصابع وكم من أهلها من يمشي اآلن بنصف يد أو بيد شالء
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ}[النور.]2٩:
وأستــغـفر اهلل.
٩75 الزواج نعمة فجنبوه النقمة
الـخطبــة الـثــانيــة
المؤمنين سبيل النِّكاح، ِ
رب العالمين ،الذي شرع لعباده ُ
الحمد هلل ِّ
السفاح دعانا سبحانه إلى تسهيل المـُباح ،وأشهدُ أن ال
وحذرهم من مهالك ِّ
تسليمًا كثيرا ،ما جن ليل ،وانشق إله إال اهلل ،وأن ُمحمدا عبده ورسوله
صباح ،وعلى آله األطهار وصحابته األخيار كانوا أهل ال ُّطهر وال ُيسر يف
ملبس ومسكن ونكاح.
وبعد:
عدوكم
المسلمون أ ُّيها ال ُعقالء يا أهل الغيرة والعفاف إن الشيطان ُّ
أ ُّيها ُ
يعدكم الفقر ،ويأمركم بالفحشاء ،ويحرص على أن ال تبقى نعمة أنعم اهلل هبا
عليكم حتى يحو َلها إلى نقمة ووبال على صاحبها.
فكونوا ُحراسًا على النِّعم بشكر اهلل عليها وطاعته فيها ،واستخدامها يف ما
ُيرضيه.
المـخالفات التي ُترتكب أيام الزواج إهمال
هذا واعلموا أن من تلك ُ
العروسين للصالة؛ فمن الناس من إذا تزوج اعتزل المسجد أيامًا ،وصلى
ِ
يف بيته ومنهم من يرتكها ُك ِّليًا والعياذ باهللُ ،
وربما وجدوا من الجهلة من
يفتيهم بأن العروس له ترك الصالة ،وله ِ
الفطر يف رمضان ،ولذلك العريس ُ ُ ُ
الصيام فيما بعد أال فليعلموا أن
يفرح ويرتكب هذه الكبائر ،ويقول سأقضي ِّ
يقولَ « :م ْن ت ََرك ََها َف َقدْ َك َف َر» عريسًا كان أو غيره؛ رسول اهلل
٩76
ومن جامع زوجته يف هنار رمضان؛ فكفار ُته صيام شهرين متتابعين،
المسلم على نفسه أن يقع يف المحذورُ ،ثم يقول سأخرج كذا أو كذا
فليحذر ُ
من ال ُف ُلوس.
فع ِّظموا ربكم ُيصلح لكم أمركم ،وقدِّ سوا شعائر اهلل يرفع اهلل شأنكم ،فإن
المسلم من عظم ُع ِّظم ،والجزاء من جنس العمل ،والدِّ ين ُ
رأس مالك أ ُّيها ُ
دنيا و ُأخرى.
بمجالسة األخيار الذين
تزوج أن يستعين على طاعة اهلل ُ هذا وننصح الـ ُمـ ِّ
سهلون ل ُه المعصية. ِ
ُيبعدونه عن الحرام ،وال ُي ِّ
أما المرأة يف ُعرسها يف زماننا هذا ،فهي مسكينة محرومة من نصيحة
تنفعها يف صلب حياهتا ،ويف تأسيس حياة أصيلة ،فقلما تجد أبًا َأو ُأمًا ،أو
أخًا أو ُأختًا ،أو عمًا أو خاال َيحثُّون ابنتهم يف زفافها على الحفاظ على
دينها خصوصًا الصالة وما بينها وبين اهلل،
فما تدري إال ومرت عليها أيام بدون صالة حياء من النساء حتى ال ُتتهم
بأنها ُمتشدِّ دة ،أو حفاظًا على الخضابـات التي على أعضاء الوضوء ،فتعيش
الصلة باهلل ،و ُت ْؤثِ ُر بقاء هذه
يف أجواء ُتعظم فيها النِّقاشات أكرب من تعظيم ِّ
األلوان على إقامة ُركن اإلسالم ،فتضيع كذا وكذا من الفروض بنية أنها
ستتوب فيما بعد؛
٩77 الزواج نعمة فجنبوه النقمة
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣ }[اإلسراء .]64-63 :وهذه األصوات العصيانية هي من أصوات
الشيطان المذكورة يف اآلية.
ومن تلك األخطاء عباد اهلل الواقعة يف بعض األعراس ،التباهي والت ُ
فاخر
المكشوف بالذبائح والوالئم إلى حدِّ التبذير ،واإلسراف بال ُّلحوم
٩78
{ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ }[إبراهيم.]7 :
{ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ }[التوبة.]٩٠١ :
٩8٠
٩8٩ اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُله َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
،
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
قول اهلل نسمع من بعضنا َ ُ أما بعد :أ ُّيها المسلمون عباد اهلل كثيرا ما نقر ُأ وما
{:ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅﮆ }[المائدة]3 :
٩82
يف هذه اآلية أن ُه أتم علينا النِّعمة بدين اإلسالم وال شك أننا ُيبين اهلل
وأي نعمة ،وال يفوقها نعمة إذ أن ُه ينبني على كون
نعرف أنها نعمةُّ ،
ُ جميعًا
المرء مسلمًا أو غير ُمسلم المصير يف الدار اآلخرة إما يف جنة وإما يف نار.
أي مسلم أن صاحب النعمة
ولكن من األمور التي ينبغي أن ال يجهلها ُّ
محسود ،والناس يدركون أن بعضًا يحسد بعضًا على الثوب وعلى الدار
وعلى المال وعلى الفصاحة أو على المكانة أو على الجاه أو غير ذلك،
ويغفل كثير من الناس أننا محسودون على هذه النعمة العظمى وهي نعمة
« إن الحسد يكرب دين اإلسالم ،وال شك أننا محسودون كما قال عمر
على قدر كرب النعمة ف ُكـلما كَـ ُبرت النعمة على العبد ك ُبر حاسدوها »،
وح ّسادنا على اإلسالم ُكثُر ،ولكن على حسب قِ ّلة معرفة قيمة النعمة ُ
عندنا قـ ّلت معرفـتنا بحسادها ،فإن ُحساد اإلسالم يحسدون أهله منذ جاء
،والكفار يحسدونا وعلى رأسهم أهل دين اإلسالم منذ بعث اهلل محمدا
الكتابين اليهود والنصارى إلى يومنا هذا ،وكثير مما يدور يف العالم اليوم من
صراعات ما هو إال حسد على الدين والقيم،
وليس كما يروج له أرباب المادة أن هذا حسد على النفط وعلى الثروات
األصيل هو الحسدُ على ِ
دين ُ ُ
فاألصل فهذه قد تكون درجة ثنائية وإال،
ِ
ومعرفة أهل اإلسال ِم لربِهم وتطهيرهم من الشرك من ِ
ودين التوحيد اإلسال ِم
عبادة األوثان وعبادة الجن والقبور.
٩83 اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
ل اإلسال ِم ُ
منذ فجره األول ِ
الكفار أله ِ ِ
حسد وقد أخرب اهلل جل وعال عن
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﮢ }[البقرة ،]٩٠١ :
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ }[البقرة،]2٩7 :
حذرنا سبحانه من أهل الكتابين من حسدهم وسعيهم على أن نكون على
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ }[البقرة،]٩35 :
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ } [البقرة،]٩2٠ :
٩84
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ}
[آل عمران.]72 :
قال أهل التفسير إن هذه الطائفة من أهل الكتاب تآمروا على أن يدخل
منهم ومن كبارهم مجموعة يف اإلسالم يف أول النهار حتى يرى المسلمون
دخولهم وإعالن إسالمهم ثم يرجعون عن الدين بحيث يقول العرب
الجهلة ما رجع هؤالء وهم أهل الكتاب وهم من يعرفون الرساالت إال وقد
عرفوا أن هذا الدين ليس هو دين الحق بعدما اعتنقوه وقرأوه عرفوا أن ُه دين
باطل وهذا يدل على شدة ُ
الخبث عند اليهود والنصارى ومكرهم
بالمسلمين لثنيهم عن دينهم ولصد من لم ُيسلم عن هذا الدين العظيم.،
ولهذا دسوا الدسائس وزرعوا الجواسيس بين الـ ُمسلمين من أول عهد
اإلسالم لرد الناس عن دينهم كما فعل عبد اهلل بن سبأ اليهودي وهو من يهود
اليمن ذهب إلى المدينة للنخر بين المسلمين فأنشأ السبئية التي اليوم تعيث
يف األرض فسادا،
وهذا ُك ُّل ُه من فعل اليهود ومن صناعات اليهود والزالوا مراكب لليهود
إلى يومنا هذا و ُينفذون مؤامراهتم باسم اإلسالم وباسم نبي اإلسالم وباسم
٩85 اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
الفضائل وباسم األمور التي يريدون أن يخدعوا هبا أهل اإلسالم فإن لم يكن
أهل اإلسالم على بصيرة بدينهم وعلى بصيرة بالشر وما ُيحاك لسلب هذه
النعمة فإنه َس ِ
ـيز ُّل َمن يزل.،
فإذا كان الناس ُيحافظون اليوم على السيارة وعلى المال وعلى الجوال
وعلى الصحة الحفاظ العظيم وتراهم مهملين دينهم وربما نظروا إلى من
يصيح يف الحفاظ على الدين بأن ُه ُمتـشدِّ د وأن عنده وعندَ ه فإنه يد ُّلك على
ُرخص النعمة وقِل ِة قيمتها يف ُعيُون من قلت معرفتهم بدينهم من أبناء أهل
اإلسالم.
عباد اهلل ،ال زال المكر من اليهود والنصارى مستمرا كما قال اهلل { :ﮎ
ولكن رأوا أن يدعوا إلى المؤالفة والـ ُمحاببة والتسامح بين أهل األديان
وأن تكون اليهودية والنصرانية مع اإلسالم دينا واحدا إذ أنها كلها تؤمن باهلل
ربًا ،وليست كاألديان التي تعبُد بوذا أو تعبُدُ األبقار أو تعبُدُ الفئران
والنيران ،فخدعوا هبا بعض المسلمين،
نشئت لِذلك جمعيات و ُع ِقدَ ت مؤتمرات وندوات عالمية تحت عدة
و ُأ ِ
ُمسميات منها اسم وحدة األديان ومنها اسم األُ ُخوة اإليمانية ومنها اسم
اجتماع المؤمنين باهلل أي أن المسلم مؤمن باهلل والنصراين مؤمن باهلل
واليهودي مؤمن باهلل على اختالف أدياهنم وهكذا عدة أسماء فـراجت على
بعض الـ ُمسلمين،
ودخلت هذه الدعوة إلى ح ِّيز التنفيذ العملي يف عام ستة وثمانين بعد
المائة التاسعة عشر من التاريخ الميالدي يف إيطاليا فدعا النصارى إلى إقامة
صالة ُمشرتكة بين الـ ُمسلمين واليهود والنصارى ،و ُأقيمت الصالة ُ
المشرتكة
يف جماعة واحدة،
ُثم ُأقيمت مرة أخرى و ُأطلِ َق عليها اسم صالةِ ُروحِ ال ُقدُ س وصلى من
صلى وحضرها بعض من ينتسب إلى اإلسالم ثم ُد ِع َي إليها يف اليابان يف
مؤتمر كبير فحضره بعض المحسوبين على اإلسالم ممن يعرفون خطر هذا
٩87 اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
العرب قالوا إن ُهم على اإلبراهيمية ،فقال اهلل نافيًا لذلك ُك ِّله { :ﮱ ﯓ
ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ}
[آل عمران.]67 :
فظن بعض الجهلة من الـ ُمسلمين أن الدعوة إلى اإلبراهيمية المزعومة
وخ ِدعوا مِن قِ َب ِ
ل ال ُكفار الشرور التي يف العالم ُ دعوة صالحة وأنها ُت ِ
طف ُئ ُّ
َ
فيدعون، بدعوات بعيدة عن التد ُّين الحق ،ومغزاها يف الحقيقة ديني كُفري
٩88
إلى ما يسمى بالسالم العالمي ،والوحدة اإلنسانية ،وعدم ذكر األديان التي
فر ُق بين الناس.،
ُت ِّ
بالمثقفـين ُخ ِد َع بعضهم ِ ُ ِ
فخدع من ُخدع ُخ ُصوصًا من الطبقة التي ُتسمى ُ
بعض من ُيط َلق عليه هذا اللقب قائال كيف ُتك ِّف ُرون اليهودي
وتكل َم ُ
لهما دين كما لك دين؟
والنصراين أليس ُ
رضيت أنت بِ ُمحمد نبيًا وبِال ُقرآن كِتابًا فقد َر ِض َي ُهو بِ ُموسى نَبيًا
َ إذا
المسيح ُّي بالنصرانية دينًا وبعيسى نبيًا وباإلنجيل ِ ور ِض َي ِ
وبالتوراة كتابًا َ
لز ُم ُه باتباع دينك؟ وكيف ُتك ِّف ُره وهو ُمؤمن باهلل؟ وهو ُمؤمن كتابًا ،فكيف ُت ِ
ﮭ ﮮ ﮯ } هكذا { ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
وقال سبحانه { ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ }[الجمعة،]5 :
ونبيُّنا عليه الصالة والسالم يقول كما يف "صحيح ُمسلم"َ :ال َي ْس َم ُع بِ ْي
ْت بِ ِه إِال كَا َن ِم ْن َأ ْه ِل
ِم ْن َه ِذهِ األُم ِة َي ُه ْودِي َو َال ن َْص َرانِي ُثم َال ُي ْؤ ِم ُن بِال ِذي ِجئ ُ
النار ،لو آمن شخص بموسى وعيسى وك ُِّل األنبياء وأنكر محمدا
ُفر ِه ولو صلى ما صلى على عليه الصالة والسالم فإن ُه كافر ال شك يف ك ِ
األديان السابقة.
ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫﮬ }[البقرة.]285 :
عقيد ُة الـ ُمسلمين أن موسى وعيسى لو جاؤوا ما وسعهم إال ا ِّتباع ُمحمد
ولما حكموا بتوراة وال إنجيل إذ أنها ُكتُب أوال حرفها أه ُلها وقد
حرفوها قبل أن ينسخها اهلل و َل ِعبوا هبا وقالوا على اهلل الكذب كما قال اهلل:
٩١٠
{ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ} [البقرة.]7١ :
ثم إنها كتب منسوخة ،فقد نسخها ال ُقرآن الكريم كما قال جل وعال
{ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ}[ ،المائدة .]48 :فهو م ِ
هيمن عليها وهو الكتاب الشامل الكامل الذي {ﮓ ُ
والسن ِة
ُّ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ} وال ُيحتاج بعد ال ُقرآن
المطهرة ال إلى توراة وال إلى إنجيل وال إلى قانون وال إلى أي شيء ُيخالِف
ُ
والسنة.
الكتاب ُّ
ُ
نسأل اهلل أن يحفظ علينا دي َن اإلسالم ،وأن يتوفانا ُمسلمين وأستغفر اهلل
لي ولكم إن ُه هو الغفور الرحيم...
٩١٩ اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
الـخطبــة الـثــانـيــة
رب العالمين حمدا كثيرا طيبًا مباركًا فيه ،الحمد هلل الذي
الحمد هلل ِّ
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نبيِّنا محمد ،خاتم النبيين وإمام
المرسلين وخليل رب العالمين كتابه أشرف الكتب ،وأمته خير أمة،
أخرجت للناس ،وعلى آله وأصحابه أجمعين ،ومن سار على هديه ،واستن
بِ ُسنتِه إلى يوم الدِّ ين.
المؤمنون الكرام ،لقد حثنا اهلل تعالى يف كتابه بقوله سبحانه { :ﭧ
أ ُّيها ُ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ }[آل عمران]٩٠2 :
إن الموت على اإلسالم ليس باألمر الهيِّن فقد يعيش المرء ُمسلمًا حتى
ما يكون بينه وبين الجنة إال ذراع؛ ف ُيفتَن يف دينه.
الذي ثبت على الدين الحق يف المحاور الصعبة ،ويف ُيوسف
السجن ،ويف الفتنة عند امرأة ِ
العقبات المتتابعة ،وصرب وثبت على الدين يف ِّ
العزيز ،وثبت على الدين حين تولى خزائن مصر ،ولم يتزعزع ولم ينحرف
عن دين اهلل ،الزال خائفًا من االنحراف،
٩١2
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰﯱ ﯲ ﯳ }[يوسف،]٩٠٩ :
وهو يعلم أن ُه ُمسلم ذلك الوقت لكن همه أن يختم له بالموت على
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }[اإلخالص،]٩3 :
ومن يقول إن عيسى اب ُن اهلل؟ هل يستوي من يقول ُع َزير ابن اهلل؟ ،ومن
وقال { ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ } [الجاثية.]2٩ :
٩١4
وقد فرق ربنا الحكيم بين المؤمنين وبين الذين كفروا من أهل الكتاب
فجعلهم شر الربية ومأواهم النار خالدين فيها أبدا وجعل المؤمنين خير
الربية،
وانربا يف بعض البُلدان اإلسالمية من يدعوا إلى طبع ال ُقرآن والتوراة
واإلنجيل يف غالف واحد ،وإلى أن ُيبنى مسجد ومعبد وكنيسة يف أماكن
ُ
وتكون يف سور واحد التجمعات العامة كالجامعات والمطارات واألسواق،
ُّ
فقال الـ ُمغفلون هذا تسا ُمح هذا تآ ُلف بين األديان هذا أمر جيِّد وهذا البأس
بِ ِه.
لقد علم الكفار بطالن ما عندهم فأرادوا خلطه بالحق الذي مع المسلمين
إن قيل فلماذا الكفار يسعون هذا السعي كُله ضد اإلسالم ماذا صنع هبم
اإلسالم؟! والجواب ان ُهم يعلمون أنه دين العزة والسيادة وأنه دين ُيعلى وال
ُيعلى عليه وأن من قام به حق القيام خضعت له الجبابرة وصلحت دنياه
وأخراه.
وأيضًا يعلمون أن دين اإلسالم معناه ال دين آخر مقبول عند اهلل فإن اهلل
لن يقبل من أحد أن يتدين إال هبذا الدِّ ين الذي أنزله على ُمحمد عليه الصال ُة
٩١5 اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ }[آل عمران]85:
أيضًا مما ي ِ
زع ُج ُهم أن دين اإلسالم دين الصفاء والنقاء والوالء والرباء، ُ
وهم ُيريدون الخلط بين النصراين والـ ُمسلم والـ ُمـنْ ّ
حل والمستقيم والفضائل
والرذائل يريدون أن يخلطوا ذلك ُك ِّله،
ب دعوة الماسونية الدعوة إلى الدعارة ،والدعوة إلى ولهذا كان من ُش َع ِ
االنحالل وما يسمونه بالحرية حرية ِ
الفكر ُحري ُة الـ ُمعتقد ُحرية المرأة ُ ُ ُّ
وحرية كذا ،فجعلوها ُحريات وهي أصال عبودية لهم،
ُ
لرب العالمين ليكونوا
ُيريدون أن ُيخرجوا العباد من أن يكونوا عبيدا ِّ
عبيدا للشهوات وما هتوى األنفس وليكونوا عبيدا لهم ولكن حين يجهل
العبد هذا فال ُيستغرب أن ُه يقبل مثل هذه األغاليط
ومن ُخططهم العصرية المكرية الخطيرة أنهم قسموا اإلسالم إلى قسمين
حتى صرح بعض رؤوس الكفر بقوله سنضع لهم إسالمًا مناسبًا لنا ،والذي
يريدون أن يضعوه هم هو إسالم السماحة والمحبة المزورة وذلك أن
يتحاب ويتآلف أهل األديان فال والء هلل ورسوله وال ِعداء ألعداء اهلل
ّ
ورسوله وال براءة من الشرك والكفر ،ومن رق دينُه وآثر ُدنياه على ُأخراه
أحب مثل هذا.،
٩١6
ومن تمسك بدينِه لمزوه بأنه يريد (دين ال ُعنف دين اإلرهاب والتشدُّ ُد
والتز ُّمت واألُ ُصولية) وألقوا هذه األلقاب المنفرة عن الدِّ ين الحق ،و ُينفس
للدِّ ين الباطل المزيف فجعلوا لـهذا الباطل الذي سموه دين التسا ُمح دعاة
وهناك يف ُبلدان تظهر على القنوات وتظهر عمائمها وشخصيات ُهنا ُ
ِ
صور دين المحبة (أنا ُأح ُّ
ب اليهود) (وأنا ال أحمل الحقد على الضخمة ُت ُّ
أحد)،
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ}
[الممتحنة]٩ :
ﮘ ﮙ }[الطارق]٩6 – ٩5 :؛
ﭨ } [القلم،]44 :
قيمتَه ويعرفون كيف ُيب ِّل ُغونه و ُيحبِّبُونَه
ولكن اإلسالم ُيريدُ رجاال يعرفون َ
عنه من الدِّ عايات الباطلة رجاال مؤمنين إلى أهله وغيرهم ،وينفون ما يقال ِ
ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وإال فاهلل
حافظ دينه بِنا أو بغيرنا.
فلقد مات النبي عليه الصالة والسالم ودي ُن اإلسال ِم شامخًا مات أبوبكر
اهلل الدِّ ين ُقتِ َل ُعثمان ثم ُقتِ َل ُعمر وظن المنافقون أن اإلسالم انتهى ِ
وحف َظ ُ
َ ُ َ
٩١8
{ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ } [الزخرف]44 :
ِ
فنحن ُأمرنا أن نحفظ أن ُفسنا باالستقامة عليه أما الدِّ ين ُ
فاهلل حاف ُظ ُه
فلهذا بعض الـ ُمغفلين كما قال الفوزان حفظ ُه اهلل يقولون « :اإلسالم
سيقضى عليه اإلسالم سينتهي قال :ال تخف على اإلسالم َخف على ِ
نفسك ُ
أن ُيس َلب مِنَك اإلسالم »؛
ما َض ِم َن اهلل لهم حفظ التوراة مع أن ُه الذي أنزلها وال }[الحجر]١ : ﮞ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ} [المائدة]44:؛
اهلل رجال الحديث فأنشأوا اإلسناد ِ
فما حفظوها ،أما هذا الدِّ ين فأنشأ ُ
والمتُون الصحيحة من الضعيفة والسقيمة
ودونوا الدواوين ونخلوا األسانيد ُ
والمعلولة وغير ذلك.
٩١١ اإلبراهيمية وفضل اإلسالم
معه،
ومرة جلس الناس فرأى ر جال كأن ُه يهودي عليه هيئة حسنة ووجه
حسن ،وثيابه طيبة ،ورائحته طيبة َف ِ
طمع المأمون أن يدعوا هذا الر جل إلى ِّ ُ ُ ِّ
اإلسالم ،فلما انفض الم جلس دعا ُه المأمون وخال به وقال ل ُه :إسرائيلي؟!
قال نعم أي ءأنت إسرائيلي؟! قال نعم؛
فعرض عليه اإلسالم ،فقال اإلسرائيلي دين آبائي وأجدادي أي ال أتنازل
عنه وال أتركه وأصر ثم ذهب،
وبعد سنة كان المأمون يف م جلسه؛ فحضر الناس فدخل هذا الر جل وقد
أسلم ،فدعا ُه المأمون فقال له :ألست صاحبنا الذي ُق َ
لت إنك إسرائيلي؟!
قال نعم .قال ما الذي غيرك؟! قال إين حسن الخط ،ولم ت ُكن حينها
مطابع تكتُب وال كمبيوترات ،إنما الكتابة باليد هي التي ُتباع يف األسواق
دت فيها كتبت من التوراة ثالث نسخ ِ
فز ُ ُ فقال إين ر جل حسن الخط وقد
ونقصت ُثم بِعتُها عند اليهود؛ فنظروا فيها فاشرتوها،
ُ
2٠٠
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﭯ }[التوبة.]33 :
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ } [آل عمران.]64 :
أال تدري أيها المسلم الكريم أنك أشرف من سائر أمم الدنيا اليوم ،فأمة
تعبد األشجار وأمة تعبد األحجار وأخرى تعبد الفأر وأخرى تعبد القبور
وأخرى تعبد األبقار وتعبد النار،
2٠٩
وأنت تعبد الواحد القهار ال تخضع لسواه فدين اإلسالم كرمك أن تعبد
مخلوقًا حتى لو كان نبيًا أو رسوال أو ملكًا فإن دينك العظيم يحرم عليك
أن تعبدهم فهم مخلوقون وأنت ال تعبد إال خالقك وخالقهم
وختاماً :أ ُّيها ال ُعقالء حافظوا على أبنائكم فإن ُهناك ُمخططات ناعمة
لينشأوا على غير دين اإلسالم حافظوا على عقيدهتم أعظم من حفاظكم
على توفير ارزاقهم ،ع ِّلموهم َتوحيد رهبم واتباع نبيهم وشرف دين اإلسالم،
فإن أهملتم فإنكم مسئولون عن إهمالكم ال ت ُظـــنُّــوا أننا غير مسئولين
الردة أو دخلت عليه ُّ
الشبَهة ،وكان لدينا بعض أوالدنا على ِّ
أمام اهلل إن مات ُ
ال ُقدرة يف َصدِّ ها.
ُ
نسأل اهلل تعالى أن يحفظ علينا ديننا ،اللهم احفظ علينا دين اإلسالم،
ِ
وألحقنا بالصالحين ،وأعذنا من ملة الكافرين واصرف اللهم توفنا ُمسلمين
عنا مكر الماكرين اللهم عليك بأعداء الدين وأعداء المسلمين ،والحمدُ هللِ
رب العالمين.
ِّ
2٠2
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
أما بعد :أيها الناس إن من أكرب أسباب قوة األمة المسلمة ترابط أبنائها
فيما بينهم فبالرتابط يقوى بنا ُء األمة أمام أعدائِها ،قال « َمثَ ُل المؤمنين يف
2٠3 الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم
توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالسهر والحمى».
ولقد امتن اهلل علينا بنعمة الزوجات والبنين والحفدة فقال جل وعال
{ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ
ﰌ} [النحل.] 72 :
هذا ومن المعلوم أن المجتمع المسلم يتكون من األُ َسر والبيوت ،وكثير
أرباب ُأ َسر ُ
ورؤساء بيوت ،فأسرتك أ ُّيها المسلم ُتعدُّ ُ منكم أيها السامعون
َلبنة يف هذا البناء العظيم والمجتمع الواسع فأصلح لبنتك وارع رعيتك وإياك
أن يأيت الخلل من قِبَـلِك.
ويف خطبتنا هذه نذكر ما تيسر حول نعمة الرتابط األسري ،الذي يسعد به
المجتمع البشري سعادة ال يقدر على صناعتها مخرتع وال عبقري ،وال تأيت
المقنّـنين وال الضغط العسكري ،وإنما تثمرها شجرة اإليمان باهلل
هبا قوانين ُ
العظيم والتمسك بشرعه القويم وصراطه المستقيم.
ولتعلموا أيها الكرام ما يف دينكم العظيم من أساسيات ترابط األسرة
المسلمة تقرأون يف القرآن والسنة ما كتبه اهلل من حقوق لبعض أفراد األسرة
على البعض اآلخر ،فكتب اهلل حقوقًا على األبناء لآلباء ،وحقوقًا على
2٠4
اآلباء لألبناء ،وحقوقًا للزوجة على زوجها ،وحقوقًا على الزوجة لزوجها،
وحقوقًا للكبار على الصغار ،وحقوقًا للصغار على الكبار.
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ }[اإلسراء]24 – 23:
وقال { ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ
ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ } [النساء.]٩٩ :
يف حق النساء «استوصوا بالنساء خير ًا». وقال
ألمرت المرأ َة أن
ُ وقال يف حق الرجال «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد ألحد
تسجد لزوجها من ِعظَ ِم ح ِّقه عليها والذي نفسي بيده لو أن من قدمه إلى
مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم أقبلت تلحسه ما أدت حقه».
2٠5 الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم
ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ } [اإلسراء.]27 – 26 :
بس َع ِة األرزاق والحسنات
بل وأوجب علينا صلة األرحام ،ووعد واصليها َ
العظام ،وتوعد قاطعيها بسرعة االنـتـقام.،
«من أحب أن قال قال رسول اهلل ففي الصحيحين عن أنس
وينسأ له يف أثره فليصل َر ِح َمه».
يبسط له يف رزقه ُ
قال «ما من ذنب أحرى أن ُيع أنه وعند الرتمذي عن أبي بكرة
جل اهلل لصاحبه العقوبة يف الدُّ نيا مع ما يدخره له يف اآلخرة من البغي وقطيعة
الرحم».
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ } [محمد.]23 – 22 :
وهكذا جاء اإلسالم بحق األقربين جميعًا وبحق الجيران وشدد فيها أيما
ظننت أنه
ُ ِ
بالجار حتى ُ
جبريل يوصيني «ما زال تشديد حتى قال
س ُيورثه» .رواه الشيخان عن أم المؤمنين عائشة.
2٠6
«كم من جار متعلق برقبة جاره يوم القيامة يقول يا رب سل بل قال
هذا لم أغلق دوين بابه ومنعني فضله» رواه البخاري يف األدب
وهكذا جاءت شريعة اإلسالم العظيمة ،بتنظيم العالقات األسرية
والزوجية أعظم تنظيم ،يحفظ األسرة المسلمة من التفكك والتشرذم ،متى
ما قام كل فرد فيها بما عليه من الحقوق المشروعة ،نحو قرابته وجيرته.
أيها المؤمنون :اربطوا أبناءكم وأحفادكم بما كان عليه آباؤكم وأجدادكم
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ }[البقرة]٩33 – ٩3٠:
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ}[يوسف] 38 :
2٠7 الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم
الذين ليس بينهم وبين نسائهم إال فارق الذكورة واألنوثة ،كالفرق بين
ذكور البهائم وإناثها ،لم تشم أنوفهم رائحة الرجولة ،وال ذاقت مشاعرهم
غيرة رجال اإليمان،
ال تتنصلوا عن حقوق والديكم وأرحامكم ،إرضاء للجاهالت من
زوجاتكم ،الاليت يصبحن ويمسين ال يعرفن إال التلفزة والوا تساب ،كونوا
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ }[النساء]34 :
كما قيل:
ِ
القـرون األُولـى َقد َ
كان ذلك يف اليتيم الذي َقدْ َ
مات والـدُ ُه ليس
ُ َ
ــت َأو َأبــًا مشـــغوال
ُأمــًا تخلـ ْ اليتـــيم الـــذي َتلقـــى لـــه
َ إن
بعض نساء زماننا ،أن كمالها وجمالها ،تلوين الشفتين وصباغ
لقد ظنت ُ
الوجه وتنويع الثياب ،وغاب عنها المنافسة يف جمال الروح وزينة العقل
وسمو األخالق وكثرة الحياء وتقواها لرهبا وأن ذلك أعلى جمالها وكمالها.
استحضر أيها المسلم الكريم دائمًا أن لزوجتك وابنتك وأختك قدوات
عظيمات ،البد أن تذكّرها هبن ،أمثال عائشة الصديقة وفاطمة بنت محمد
وأم ُسليم وخديجة بنت خويلد ،وكثير ممن ِسرن على خطاهن من نساء
أمتنا الماجدات،
ل ُف ِّضــلت النســاء علــى الرجـ ِ
ـال ولـــو أن النســـاء كمـــن عرفنـــا
ِ
للهـــالل وال التـــذكير فخـــر فما التأنيث السم الشمس عيب
فإياكم أن تستبدلوهن بقدوات شرقيات أو غربيات أو الممثالت أو
الراقصات ،فتستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير وحينها تضي ُع األمانة
وتعظم الخيانة.
«كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول». قال
وأستغــفر اهلل.
2٩2
الـخطبـة الـثــانيــة
الحمد هلل ذي ال جالل واإلكرام ،له ِ
المنّة وله الفضل واإلنعام ،أكرمنا
باإلسالم دين السالم والوئام ،أمرنا ببذل الحقوق واالحرتام ،وحرم علينا
قطيعة وهجران األرحام ،والصلوات والربكات والسالم ،على شفيع األنام
ومحمود المقام ،محمد النبي األمي وعلى آله وأصحابه وخلفائه الكرام ،هم
خير من صلى وصام ،ووصل األرحام ،وجانب القطيعة واآلثام.
أ ُّيها المسلمون الكرام ،ولكي تزدادوا معرفة بفضل اهلل عليكم وعلى
البيوت المؤمنة ،وما تنعم به من الروابط اإلسالمية الكريمة بين كل أفرادها،
وألن السعيد من ا ّتعظ بغيره.
فهذه نبذة نذكرها لكم عن حال األسرة المف ّككة المبعثرة يف بالد الغرب
وغيرها من بالد الكافرين البعيدين عن منهج رب العالمين ،
يعطف على
ُ كبيرهم ال بيوت منهكة مح ّطمة ،أفرا ُد َها يف ِّ
كل واد يهـيمونُ ،
كبيرهم ،ماليي ُن منهم ال يعرفون آباءهم وال
يوقر َ
وصغيرهم ال ُ
ُ ِ
صغيرهم،
أنساهبم ،بال ُد الغرب وما أدراك ما بال ُد الغرب ،بالد من أفقر بقاع العالم ،يف
القيَ ِم واألخالق والروابط االجتماعية والتعاليم الربانية والعفاف باب ِ
والعادات الحميدة.
2٩3 الرتابط األسري ومكانتة يف اإلسالم
ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ} [اإلسراء]24 -23 :
لم يسمع يف بيته وال مدرسته وال جامعته وال من زمالئه وال يف إعالم بلده
أن أحق الناس بالصحبة األم ثم األم ثم األم ثم األب.،
المال ،قيم ُة المرأةِ عندَ هم أنها سلعة رخيصةُ ،تستخدم
َ ُأ ّمـة ال تعبدُ إال
لجذب العمالء يف اإلعالم ،أو ُتوضع صورها على السلع التجارية ،أو عاملة
فندقية ،أو مستقبلة سياحية ،فإذا ذهب رونق شبابـها ون َِفدَ ت قواها وقل
نشاطهاُ ،رميت كما ُترمى الزباالت ال كرامة لها عند زوج وال ولد.،
2٩4
أفرادها ،ففي المطاعم إذا أكمل الزوجان الطعام أخرج كل منهما حافظة
الدراهم ليدفع قيمة أكله وشربه وحده ال يجزي واحد عن صاحبه.
ويف بعض المحاكم خصومات بين بعضهم ،فتجد زوجًا يشكو زوجته أو
العكس ألن اآلخر استخدم صابونه أو شيئًا من متاعه.
بَل إن من عجيب أمرهم ما حدث يف ألمانيا مع بعض المسلمين العرب،
حيث كان يسكن يف مكان له جيران منهم امرأة بلغت من الكِ َبر عتيا فإذا
مرت بجانبه حمل معها متاعها إلى بابـها وحين كرر هذا اإلحسان سألته من
ُيكافـئُك على عملك هذا؟
فقال :ال أحد ،وعاد لمعاملته لـها بالعون واإلحسان فألحـت عليه تسأله
مرة أخرى كيف له أن يعينها بال مكافأة وهل هو مدفوع إلعانتها من قِبل
أوالدها فسألها عنهم فقالت إن لي أحد عشر ولدا لم أر أحدا منهم منذ كذا
وكذا.
فقال ال أعرفهم قالت فمن ُيعطيك؟ قال أعمل المعروف ألجل اهلل وهو
الذي يجازيني .فسألته عن هذه التعاليم ،فأخربها أهنا من دين اإلسالم
فجعلت تسأله عن هذا الدين وهل ممكن لها أن تعتنقه؟ فقال نعم.
وأخذها عند بعض الدعاة إلى اهلل المسلمين يف مركز للدعوة فع ّلموها
فأسلمت وبعد ليلة أو ليلتين جاء أجلها فماتت على اإلسالم ولما علم
2٩6
أحدهم يخنق ولده وهو يف السنة الخامسة من عمره ،فلما قبضت عليه
ـم خنق ولده؟ فقال :إنه أرهقني بتكاليف النفقة ،فأصبحِ
الشرطة وسألوه ،ل َ
عنده بقاء الدوالر أحب من بقاء الولد.
فاحمدوا اهلل أ ُّيها المسلمون يا من أكرمكم اهلل بخير كتبه وأشرف رسله
وكونوا لذلك من الشاكرين ،و ْليَ ُق ْم ُّ
كل فرد بما عليه من حقوق ألبويه
وقرابته وإياك أن تكون ممن يعدد ما هو له ويهمل ما عليه.
عباد اهلل { ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
اللهم احفظ علينا دين االسالم ،اللهم اصلح نياتنا وذرياتنا ،
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ،اللهم و ّفقنا لنصح الرعية
وأداء األمانة ،اللهم وفقنا لرب آبائنا وأمهاتنا وارزقنا بر أبنائنا......
2٩8
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّي َئات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
،
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر األُ ُم ْو ِر ِ
َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
أيها الناس لقد خلق اهلل اإلنسان فجعله يف هذه األرض خليفة وسخر له ما
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﮠ } [اإلسراء]7٠ :
2٩١ املخدرات واحلفاظ على العقل
أعرج كان له شأن وكم من أبكم فاقد النطق كان له شأن يف تجارة أو صناعة
أو مواهب إبداعية أو اخرتاعية ورب مشلول كان مفكرا بعقله يقود دولة أو
جيشا ،
ولكن ايها المؤمنون ان الرزية كل الرزية هي فقدان العقل بصنع يد
صاحبه حين جانب شكر النِّعمة وسلك سبيل جلب النقمة،
إن من سلمت له جميع أعضائه وأطرافه وقد افتقد العقل ال يمكنه القيام
بالعبادات ،وال يحسن المعامالت ،وال ينتج الصناعات ولو ال إنعام اهلل على
البشر هبذا العقل لكانوا كالوحوش يف الغابات ال يعرفون نظام الحياة ولما
رأينا السيارات وال الطائرات وال المباين الشاهقات وال األجهزة الحديثة
وما فيها من العجائب المدهشات،
قال عباد المنقري ¬ « :لو كان العقل ِعلقًا ُيــشرتى لتغالى الناس يف
شرائه فالعجب من أقوام يشرتون بأموالهم ما يذهب بعقولهم » .صدق
رحمه اهلل
تنبهوا لهذه الجملة العظيمة وهي قوله :فالعجب من أقوام يشرتون
بأموالهم ما يذهب بعقولهم
فاحمدوا اهلل ربكم على جزيل الهبات واشكروه على ما ميزكم به عن
البهائم والحيوانات ،وحافظوا على عقولكم أشد من حرصكم على سواد
عيونكم ،وجنبوها ما ُيفسدها من قاذورات الخمور والمخدرات.
22٩ املخدرات واحلفاظ على العقل
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ } [النحل]33 :
وليس بخاف عليكم انتشار المخدرات يف هذه األيام وما نتج عن تعاطيها
من مصائب قتل وغيرها مما زاد يف السجون من ضحايا المخدرات.
فيا أيها العقالء حصنوا أنفسكم وأبناءكم وبيوتكم من خراب الدنيا
واآلخرة قبل وقوع الندم.
ولهذا فإن الشريعة االسالمية الغراء قد جاءت بحماية كيان األمة من
مزالق األخطار فأوجبت حماية الضروريات الخمس وهي النفس والعقل
والدين والمال والعرض وحرمت ما يضر ذلك .وإن مِن ِحفظ اهلل الحكيم
لعقلك
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ }[المائدة]١٩ – ١٠ :
« :إن اهلل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وقال نبينا
وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها».
223 املخدرات واحلفاظ على العقل
عن شراب ويف صحيح مسلم أن ر جال قدم من اليمن فسأل النبي
« َأ َو ُم ْسكِر ُه َو» قال يشربونه بأرضهم من الذرة ُيقال له المزر فقال النبي
«كل مسكر حرام إن على اهلل عهد ًا لمن يشرب المسكر نعم فقال النبي
أن يسقيه من طينة الخبال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار».
ﮈ ﮉ ﮊ }[األعراف.]٩57 :
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية « :إن الحشيشة حرام ُيحد متناولها كما ُيحد
شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أهنا تفسد العقل والمزاج حتى
يصير يف الر جل دياثة وغيرها من الفساد » .اهـ
ولخبث المسكرات وما تجنيه على شاربيها من الويالت والندامات وما
تغمسهم فيه من الخبائث والمنكرات ،فقد حرمها العقالء على أنفسهم حتى
يف زمن الجاهلية قبل نزول القرءان ترفعًا منهم عما ال يليق بعقولهم ولِ َما
َر َأو ُه من شاربيها من السفاهة والدناءات وسقوط المروآت
وعثمان بن عفان وورقة بن نوفل فمن هؤالء أبو بكر الصديق
يف زمن وعباس بن مرداس وقيس بن عاصم فقد رأى أبو بكر الصديق
الجاهلية ر جال قد سكر فجعل يأخذ الغائط (النجاسة) ويقربه إلى فيه فإذا
شم رائحتها ردها،
224
فقال أبو بكر إن هذا ال يدري ما الذي يفعله فحرم حينها الخمرة على
نفسه.
إنه لمن العجب العجاب أن يتنزه رجال يف الجاهلية الحمراء يف زمن ال
نبي فيه وال عالم ُيع ّلم فيرتفعون عن تعاطي المسكرات المذهبات للعقول.
بل إن المجتمعات الكافرة الساقطة يف وحل المعاصي والفجور يف عصرنا
الحاضر قد قرروا القوانين لمحاربة المخدرات ويؤدبون بائعها وشاريها
وشارهبا بأنواع من العقوبات لزجره عما ُيذهب عقله ويضر مجتمعه
فإهنم يذكرون أن َمن أدمن هذه الحبوب واستمر عليها يصل بعد حين إلى
مرحلة الجنون ويفتقد عقله كليًا فلذلك حاربوها أشد الحرب.
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} [التين]٩8 :
وأستــغــفر اهلل.
226
الـخطبــة الـثـانـيــة
الحمد هلل رب العالمين حمدا كثيرا طيبًا على نعمه العظيمة ،خلقنا يف
أحسن تقويم ،وجعل لنا العقول الفهيمة ،وفضلنا بالعقل على كل هبيمة،
فبهذا العقل أصبحت للعبد قيمة ،وشؤون أهله باستعماله مستقيمة ،وصالة
السبل
اهلل وسالمه على نبينا محمد جاءنا بالشريعة القويمة وهنانا عن ُ
الوخيمة .وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أيها المؤمنون أال وإن هناك أسبابا أدت إلى وقوع بعض الناس يف ورطة
المخدرات.
نذكرها لتجتنبوها وجتنبوها أبناءكم.
السبب األول :وجود الفراغ عند بعض الشباب .مع توفر المال وإهمال
الراعي فلما افتقدوا المربي المحافظ على أعمارهم من الذهاب يف البطالة
واأللعاب وشغل أوقاهتم بما ينفع وجدهم الشيطان وجنو ُده أرضًا خصبة
فارغة من الزرع فزرع فيهم الحنظل واألشواك والسموم.
وكما قيل:
مفســـدة للمـــرء أي مفســـدة إن الشــباب والفــراغ والجــدة
وما اجتمعت هذه الثالث يف شخص إال َف َسدَ َو َأ ْف َسدَ وصارت حياته
ظلمات بعضها فوق بعض ومن لم يجعل اهلل له نورا فماله من نور،
السبب الثاني :عدم التوعية الصحيحة فربما مر على بعض الشباب الشهر
ِ
بالحكم والشهران لم ي جلس معه أبوه ال جلسة الواحدة للتوعية
والتجارب وتقلبات األحوال وحثهم على ما ينفع وتحذيرهم مما يضر
وغرس العقيدة والقيم يف نفوسهم .وحب الخير والفضيلة وكراهية الشر
والرذيلة.
وإنما َه ُّم أبيهم أن يؤكلهم ويشرهبم فيسمنهم كما ُتسمن الكباش بَدَ نيـًا
وتعطلوا فكريًا.
ولهذا كان استعمار عدونا لألفكار أشد خطرا من استعمار الديار فال بد
أن يدرك اآلباء واألمهات أن األبناء اليوم َت ُ
طرق آذاهنم وتمر على أبصارهم
مئات المعلومات من سيول اإلعالم الجارفات وال بد بالمقابل أن نص ّفي
أذهاهنم وأفكارهم مما علق هبا من تلك الشهوات والشبهات.
وإن لم نفعل فإهنم سيصبحون صيدا للناعقين والناعقات وسنندم ولكن
بعد الفوات.
«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». قال
وقال أيضًا ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية يموت يوم يموت وهو غاش
لرعيته إال حرم اهلل عليه الجنة .فاجعلوا ألبنائكم حظًا من أوقاتكم
ومحادثاتكم فهم إلى ذلك أحوج مما تعطوهنم من أموالكم.
228
{ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ}
[التحريم]6 :
{ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ } [اإلسراء]36 :
22١
فيا أيها المسؤولون إنكم غدا بين يدي ربكم عن رعيتكم لمسؤولون فما
عساكم تجيبون ويا أيها المدرسون قوموا بتوعية تالميذكم الذين هم
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ } [النور]3٩ :
{ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ } [البقرة]28٩:
{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ }
[المائدة]١٩ – ١٠ :
23٠
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
وم ْن َس ِّيئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
{ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ}
[آل عمران.]٩٠2:
أَمَّا بَعْدُ,
َ ،و َشر ْاألُ ُم ْو ِر ِ
فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخيْ َر َ
الهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد
ار... ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي الن ِ
أَمَّا بَعْدُ :فإن اهلل تبارك وتعالى أرسل ُر ُس َله ،وأنزل ُكتُبه إلى عبادِه،
نار ِه العظيمة ،وما فيها من األهوال الجسيمة وأصناف العذاب وحذرهم من ِ
23٩ اإلنذار من النار
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ }[الليل،]٩4٩6 :
{ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ}
َ :أن َْذ ْر ُت ُك ُم قال :قال رسول اهلل [التحريم ،]6 :وعن النُّعمان بن بشير
َان فِي َم َقامِي َه َذا َس ِم َع ُه َأ ْه ُل
الن َارَ ،أن َْذ ْر ُتك ُُم الن َار َ ،ف َما َز َال َي ُقو ُل َها َحتى َل ْو ك َ
وقَ ،و َحتى َس َق َط ْت َخميصة كَان َْت َع َليْ ِه ِعنْدَ ِر جليْه .روا ُه الدارمي. الس ِ
ُّ
واعلموا أن النار من المغيــبات التي يوقن هبا أهل اإليمان ،وينكرها أهل
ال ُكفران؛ ولهذا تكرر ذكرها يف الكتاب العزيز مرارا ،ليزداد ال ُمتقون منها
فرارا؛ وتنزجر نُفوس الخائفين عن المعاصي انزجارا،
تمر بك الورقة والورقتان يف ال ُقرآن إال وفيها التذكير بالنار لكي
فال تكاد ُّ
يشرتي نفسه من عذاب اهلل كل مؤمن رشيد؛ { ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶ
ﯷﯸﯹﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ }[الفجر.]26-2٩ :
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ }[الفرقان،]٩4-٩2 :
{ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ}
[الكهف.]53 :
ﭧ ﭨ ﭩ }[الرحمن،]44-43:
وأما ُد ُخول أهلها فيها؛ فإنهم ُيدفعون إليها دفعًا رغمًا عنهم وهم
كارهون {ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺﯻﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ }[الطور،]٩6-٩3 :
فتدفعهم المالئكة إليها بعنف ِ
وشدة { ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[مريم]86-85:؛
233 اإلنذار من النار
وهم كارهون { ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
فيُساقون إليها ُ
ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ }[القمر]48-47 :
عباد اهلل لقد دلت األحاديث النبوية على أن أجساد أهل النار كبيرة
ضخمها اهلل حتى يكون ما بين منكِبَي الكافر يف النار مسيرة ثالثة أيام
ُي ِّ
للراكب السريع؛ وأما ضرسه يف النار ،فهو كجبل ُأ ُحد .فكيف برأس فيه نحو
من ثالثين ِسنًا كأنها الجبال؛
وأما مقعده يف النار فكما بين مكة والمدينة ،وعرض جلده فيها سبعون
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ}
[النساء،]56 :
واعلم أن هذه األجساد لها يف النار ثياب ومهاد ،ولهم فيها طعام وشراب،
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ}
[الصافات]67-62 :
{ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ}[الغاشية،]7-6 :
والضريع :شجر ذو شوك أليم يطعمون به طعام إيالم وتعذيب وتنكيل ،فهو
ال ي ِ
سمن األبدان ،وال يدفع عنهم مرارة الجوع. ُ
هذا وإن ألهل النار شرابًا من الصديد وهو القيح مع الدم السائل من
ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ }[إبراهيم،]٩7-٩6 :
تستسيغ النُّ ُفوس ل ُه شمًا ،فكيف
ُ ُيس َقون من قيح خبيث كريه الرائحة ال
بشربِه ،ولكن أهل النار ُير َغمون عليه ،وتقمعهم المالئكة بمقامع من حديد
ُ
لو أن أحدا اليوم وضع شيئًا من ُه يف فمه ألوشكت كَبِدُ ُه أن تخرج ،و َم ِعدَ ُته أن
ترجع إلى َف ِمه ،ولكن ُهم هناك ال راحم لهم وال ُم ِنقذ من تلك الويالت
والمن ِّغصـات أعاذنا اهلل منها،؛
ُ
235 اإلنذار من النار
وربما اشتهوا الماء؛ فيستغيثون هناك للماء ،فيُغاثون بماء حميم يف ِشدة
ُ
الحرارة ،فإذا وصلهم الماء ،سقطت جلود وجههم من ِشدة حرارتِه قال اهلل
تعالى { :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ }[الكهف،]2١ :
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ
ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ
ﰒ ﰓ ﰔ }[ص]6٩-55:؛
وإن ألهل النار ثيابًا ُتقطع لهم لتزيد حريق جلودهم قال اهلل{ :ﮤ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩﯪ}[الحج]22-٩١ :؛
الضعفاء
أال وإن ُه من خزي أهل دار البوار أن يتالعن فيها أهلها ،ويلوم ُّ
منهم أهل االستكبار ،و ُيذكِّروهنم بمكر الليل والنهار ،ويسأل أهل النار من
ربِّهم أن ُيضاعف العذاب للسادة وال ُكرباء ،وأن يلعنهم لعنًا كبيرا،
236
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ}[األحزاب.]68-64:
ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ }[األعراف،]3١-38 :
وقال سبحانه{:ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ
ﯡﯢ ﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ}[غافر.]5٠-47:
237 اإلنذار من النار
هناك يف النار يتربأ كل قائد إلى الباطل ،ودا ِع إلى الباطل كل داع إلى
الفسق إلى محادة شرع اهلل يتربأ مِ ْن َمن اتب ُعوه؛ فيتمنى
ال ُكفر ،وكل داع إلى ِ
األتباع أن لهم كرة ليتربأوا من كُربائهم ،وال يتبعون إال الحق ،ولكن هيهات؛
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ }[البقرة،]٩67-٩66 :
وهناك يسألهم خزنة النار ،عن حياة اللهو واالغرتار ،ألم تسمعوا يف
حياتكم نصح الناصحين؟ ألم توعظوا من قبل الواعظين؟ ألم ُينذركم
الر ُسل وأتباعهم من الصالحين ،بأن أمامكم نار لها زفير وشهيق؛ فيعرتفون
ُّ
بأن ُه بلغهم النذير ،ولكن غلبت عليهم غفلتهم ومعاصيهم؛
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ}[الملك،]٩٩-8:
ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ
238
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﭼ ﭽ ﭾﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ}
[المؤمنون.]٩٩٩-٩٠4
المستمعون ،أال وإن مما يزيد أهل النار كمدا وغيظًا إلى غيظِهم ،ما
أ ُّيها ُ
يعلمونه من حال أهل الجنة يف نعيمهم وملذاهتم ،فيتساءلون بينهم؛
ﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟﰠﰡﰢ
ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ }[المد ِّثر،]45-38 :
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈﰉﰊ ﰋ}
[األعراف.]5٩-5٠ :
أعاذنا اهلل وإياكُم من النار ،ووقانا عذاب السموم.
وأسـتــغــفر اللـه.
23١ اإلنذار من النار
الـخـطبـة الـثـانيـــة
الحمد هلل العزيز الحميد ذي العرش المجيد ،والبطش الشديد الفعال لِ َما
َفسه ،ومن أساء فعليها وما ر ُّبك بظالم للعبيد.يريد .من َع ِم َل صالِحًا فلن ِ
َ ْ ُ
جد ُه ال ُفجار ،من ُصنُوف التعذيب والتحريق َأ ُّي َها المؤمنون إن ُه لِ ِشدة ما َي ِ
ُ
والخزي والعار ُيصبح الموت عندهم ُأمنية يتمنوهنا ،وقد كانوا يف الدُّ نيا ِ
{ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ }[الزخرف]78-77 :
الجن ِة
الم ْو ُتَ ،و ُك ُّل ُه ْم َقدْ َرآ ُهَ ،ف ُي ْذبَ ُح بَيْ َن َ
ونَ :ن َع ْمَ ،ه َذا َ
ون َه َذا؟ َف َي ُقولُ َ َت ْعرِ ُف َ
الجن ِة ُخ ُلود َفال َ َم ْو َت؛.
ولَ :يا أَ ْه َل َ والن ِ
ارُ ،ثم َي ُق ُ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ }[األعراف { ]4٩-4٠ :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ }[االنفطار.]٩6-٩4 :
حرها شديد ،ومقامعها من حديد ،وقعرها نار اهلل فيها غضبه وسخطه ُّ
قالُ « :ذكِ َر َلنَا َأن ا ْل َح َج َر بعيد ،ففي صحيح مسلم عن ُعتبة بن غزوان
ي ْل َقى مِن َش َف ِة جهنمَ ،فيه ِوي فِيها سب ِعين عاماَ ،ال يدْ ِر ُك َلها َقعرا ،وواهللِ
َ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َ َْ ْ ُ
ألن »{ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ}[ق.]3٠:
َلت ُْم َ َ
وح ِر ُموا لذة الـ ُمنى
« :دار قد خص أهلها بالبعاد؛ ُ قال ابن الجوزي
واإلسعادُ ،بدِّ َلت وضاءة وجوههم بالسواد؛ َو ُض ِر ُبوا بمقامع أقوى من
األطواد عليها مالئكة غالظ شداد لو رأيتهم يف الحميم يسبحون ،وعلى
24٩ اإلنذار من النار
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ }[المد ِّثر.]37-32 :
المسلمون ،إن النار ُمتوعد هبا شارب الخمر ،وقاطع الر ِحم، أ ُّيها ُ
ِ ِ ِ
بالسحر ،والمنان والنمام يف النار،
والمصدِّ ق ِّ وآك ُل ِّ
الربا ،والعاق ل َوالديهُ ،
{ :ﮂ ﮃ ﮄ وكانز األموال بغير زكاة قال
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[التوبة.]35-34 :
والذين يأكلون حقوق األيتام من مواريث أو معاشات ،أو معونات
قليالت كانت أو كثيرات ،أو ما ُيسمى بالضمانات قال اهلل سبحانه {:ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ }[النساء،]٩٠ :
242
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ }[النساء،]١3 :
ودخلت امرأ ُة النار يف ِهرة حبستها حتى ماتت ،وقاطع الصالة يف النار،
ﰟﰠﰡﰢﰣﰤﰥﰦﰧﰨﰩﰪﰫ
ﰬﰭﰮﰯﰰﰱﰲﰳ} ُ
[المد ِّثر،]47-42 :
والمؤمنات بتشويه أعراضهم المصونات ،وتت ُّب ِع
ُ ومن آذى المؤمنين
العورات وزرع البغضاء ،والمشاحنات ُسلط عليه يف النار العقارب
والحيات؛
احل كَس ِ جبابا فِي ك ُِّل جب س ِ ِ
اح ِ
ل َ ُ َ فعن يزيد بن شجرة قال « :إِن ل َج َهن َم َل ِ َ
ار ُب كَا ْلبِ َغ ِ
ال الد ْل ِمَ ،فإِ َذا َس َأ َل َأ ْه ُل خاتِيَ ،و َع َق ِ يه َه َوامَ ،و َحيات كَا ْلبَ َ ا ْلبح ِر فِ ِ
َ ْ
ِّ
احلِ؛ َفتَأْ ُخ ُذ ُهم تِ ْل َك ا ْلهوام بِ ِش َف ِ
اه ِه ْم اخرجوا إِ َلى الس ِ خ ِف َ ِ الن ِ
َ َ ُّ ْ يف ق َيلُ ُ ْ : ار الت ْ
اهلل مِ ْن َذل ِ َك َفتَ ْك ِش ُط َها،
َو ُجنُوبِ ِه ْمَ ،و َما َشا َء ُ
ون َفيبادِرو َن إِ َلى مع َظ ِم النِّير ِ
انَ ،و ُي َسل ُط َع َل ْي ِه ُم ا ْل َج َر ُبَ ،حتى إِن َْ ُْ َف َي ْر ِج ُع َ ُ َ ُ ْ
َأ َحدَ ُه ْم َليَ ُح ُّك جلدَ ُه َحتى َيبْدُ و ا ْل َع ْظ ُمَ ،فيُ َق ُالَ :يا ُف َال ُنَ ،ه ْل ُي ْؤذِ َ
يك َه َذا؟
ول نَ َع ْمَ ،فيُ َق ُال َل ُهَ :ذل ِ َك بِ َما ُكن َْت ُت ْؤذِي ا ْل ُم ْؤمِنِي َن »،
َفيَ ُق ُ
243 اإلنذار من النار
ِ
المؤمنين؛ المسلم على نفسه من إلصاق التُّ َه ِم باألبرياء من ُ فليحذر ُ
يه ُ ،حبِ َس فِي ر ْد َغ ِة الْخَ َب ِ
ال :من َق َال فِي م ْؤ ِمن ما لَيس فِ ِ
َ ْ َ َ ْ قال النبي
َ ُ
َحتى َيأْتِ َي بِالْ َمخْ َرجِ ِمما َق َال ،وردغة الخبال هي عصارة أهل النار؛ أال
المخالفات وأخواهتا.
فالتوبة التوبة من هذه ُ
اللهم إنا نسأ ُلك النجاة من النار ،والحشر مع األبرار ربنا ِ
اصرف عنا
عذاب جهنم إن عذاهبا كان غرامًا .ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ُذنُوبنا وقِنا عذاب
النار .ربنا إنك من ُت ِ
دخ ِ
ل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار.
اللهم إنا نسأ ُلك الجنة وما قرب إليها من َقول وعمل .ون ُعو ُذ بك من النار
وما قرب إ َليها من قول وعمل.
244
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْس َت ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأ ْن ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، ِِ ِ ِ
َومـ ْن َس ِّيئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠:
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
َ ،و َشر َأما بَ ْعدُ َ :فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَِ ،و َخيْ َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي
ار...الن ِ
245 خطبة صالة اإلستسقاء
أ ُّيها الناس ،إن من طبيعة البشر التي ت جلت يف كثير من العباد أن ُهم إذا
استغنوا ،وتيسرت حاجاهتم وصحت أبداهنم ،و ُأغدقت عليهم أرزاقهم
ِ
وذهبت الضراء ،وكثرت الموائد ِ
المكاره ،وحصل الرخاء، وص ِر َفت عنهم
ُ
ورحلت الشدائد؛ إذا حصل لهم ذلك وأشباهه من متاع الحياة؛ قست
ِ
اهلل ُق ُلوهبم وجفت ُد ُمو ُعهم ،وقل ُّ
تضرعهم وزاد بَغيُهم وغيُّ ُهم إال من َرح َم ُ
من أهل ِ
الهداية والرشاد.
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ }[هود.]٩٩-١ :
246
ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ } [الزمر.]5٠-4١ :
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ }[يونس.]٩2 :
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ }[يونس.]23-22 :
من خرب المسلمون ما أخرب به الر ُسول
وليس بخاف عليكم أ ُّيها ُ
أحب
ِّ وآتاهم من
ُ ابتالهم اهللُ ،ثم عافاهم
ُ األبرص واألقرع واألعمى الذين
ِ
أمراض ِهم الضر وشفاهم من عنهم ُّ
أصناف المال عندهم ،فلما كشف ُ
وأغناهم من فضلِه أعرض أكثرهم وطغوا ،وجحدوا النِّعمة وتناسوا حالهم
ُ
السابقة ،وكأن ُهم لم يروا ُبؤسًا قبل ذلك؛
247 خطبة صالة اإلستسقاء
{:ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ قال
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ }[األنعام.]43-42:
ﭦ } [المؤمنون.]76 :
فما َي َمس المؤمن من مكروه ينبغي أن ُيبادر إلى مواله يف كشفه.
أال فاستجيبوا لر ِّبكم يا ُمسلمون ،وادعوه خوفًا وطمعًا إن رحمة اهلل
قريب من المحسنين ،وبثُّوا إ َليه حاجتكم وشكواكم ،وانكسروا له ليرحمكم
الضر إال إياه ،فقد
وال ينساكم؛ فلن يكشف البلوى سواه ،وال نرجوا لرفع ُّ
248
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ }[يونس.]٩٠7 :
يف أيام الجدب والقحط أن يخرج واعلموا أن مِن ُسنة نَبِ ِّيكم
فيخرجون خاشعين ذليلين ُمنكسرين ُمظهرين
بالمسلمين لصالة االستسقاء؛ ُ
ُ
حاجتهم نادمين على أخطائِهم مستغفرين تائبين؛ فيُص ُّلون ويدعون
ويستغفرون.
أال فأكثروا من االستغفار والتوبة إلى ر ِّب ُكم بقلوب و جلة أوابة توابة
رجاعة؛ فإن ذلك أحرى أن ُيستجاب لكم ،وأن ُتمطروا بغيث الرحمة.
ﰀﰁﰂﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ } [نوح.]٩2-٩٠ :
ِ
استغفر اهلل. جاء ر جل إلى بعض السلف يشكو الفقر ،فقال:
وجاء آخر يشكو الجدب؛ فقال :عليك باالستغفار.
فاالستغفار سبب الرحمات قال تعالى عن نَبِيِّه صالح أن ُه قال لِ َقومِه:
{ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ }[النمل.]46:
24١ خطبة صالة اإلستسقاء
ومن أراد القوة إلى ُقوتِه؛ فعليه باالستغفار الصادق قال تعالى عن نَبِ ِّي ِه
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ }[هود.]52:
ومن أحب أن ُيمتِّعه اهلل متاعًا حسنًا؛ فعليه باالستغفار قال تعالى:
{ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }[هود.]3 :
وإن االستغفار ال يتم ،وال تندفع إليه النُّ ُفوس إال إذا أيقنت النُّ ُفوس أن
ُّ
الذنُوب هي سبب الكروب ،وسبب الجدوب ،وسبب المحق وذهاب
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ }[الشورى.]3٠ :
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ }[الروم.]4٩ :
« :ما نزل بالء إال بذنب ،وما ُرفِ َع إال وقال علي بن أبي طالب
بتوبة ».
الحبارى لتموت يف جحرها ،وال ُّطيُور يف عشاشها ظمأ بسبب
هذا وإن ُ
ذنوب بني آدم { .ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ} [األعراف.]١6 :
25٠
{ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ }[الجن.]٩6 :
وقد كان الصالحون من قبلنا أقل منا أمواال وتجارات ،ولكنهم كانوا أكثر
والزروع واألقوات ،وذلك لقلة ُّ
الذنُوب عافية وسعادة وبركات ،يف األبدان ُّ
والمشاحنات ،ولقد نقلوا لنا من
عندهم والـ ُمخالفات ،وقلة المظالم بينهم ُ
حالهم الطيِّب عجيب الحكايات؛
السنن بنفسه؛ حيث قال يفومن ذلك ما رءاه اإلمام أبو داود صاحب ُّ
ورأيت ُأ ُترجة على بعير
ُ ُسنَنِه « :شربت قثاءة بمصر ثالثة عشر شربا.
بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين ».
« :ومن ل ُه معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن وقال ابن ال َقيِّم
جميع الفساد يف َج ِّوه ونباتِه وحيوانِه ،وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب
اقتضت ُحدُ وثه،
للر ُسل تحدث لهم من الفساد العام
ولم تزل أعمال بني آدم و ُمخالفتهم ُّ
والخاص ما ي جلب عليهم من اآلالم واألمراض ،واألسقام والطواعين،
والجدوب وسلب بركات األرض ،وثمارها ونباهتا وسلب ُ وال ُقحوط
منافعها ،أو نقصاهنا أمور ُمتتابعة يتلو بعضها بعضًا؛ فإن لم يت ِسع علمك
ﰆ }،
25٩ خطبة صالة اإلستسقاء
ون َِّزل هذه اآلية على أحوال العالم ،وطابق بين الواقع وبينها ،وأنت ترى
كيف تحدث اآلفات والعلل كل وقت يف الثِّمار والزرع والحيوان ،وكيف
يحدُ ث من تلك اآلفات آفات ُأ َخر ُمتالزمة ،بعضها آخذ برقاب بعض،
وكُلما أحدث الناس ُظلمًا و ُفجورا ،أحدث لهم ر ُّبهم تبارك وتعالى من
اآلفات والعلل يف أغذيتهم وفواكههم ،وأهويتهم ومياههم ،وأبداهنم
وخلقهم ،وصورهم وأشكالهم وأخالقهم من النقص واآلفات ،ما هو
موجب أعمالهم و ُظلمهم و ُفجورهم.
ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكرب مما هي اليوم ،كما كانت
الربكة فيها أعظم .وقد روى اإلمام أحمد بإسنادِه :أن ُه ُو ِجد يف خزائن بعض
بني ُأمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها :هذا كان ينبت أيام
العدل ».اهـ
يخرب فيه عن المحق واآلفات يف الثِّمار قبل سبعة هذا كالم ابن الق ِّيم
ُق ُرون كيف لو رأوا ما يف زروعنا ،وبعض أطعمتنا من اآلفات واألمراض،
والكيماويات والمبيدات ما ي جلب األخطار ويفسد يف الثِّمار ،وهل هذا
إال حين خالفنا شريعة الواحد القهار.
اللهم تجاوز عنا اللهم ارفع عنا البالء والغالء والوباء اللهم افتح لنا
بركات من السماء واألرض اللهم اغفر لنا ُذنُوبنا وإسرافنا يف أمرنا .اللهم
252
ِ
اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا غدقًا عاجال غير آجل اللهم إنا نستغفرك
إنك كنت غفارا؛ فأرسل السماء علينا مدرارا ،واجعل لنا زروعًا وأهنارا.
253 استقبــال رمضــان
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُهَ ،و َأ ْش َهدُ ِِ ِ ِ
َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه : َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ }[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
أَمَّا بَعْدُ:
ِ
. َفإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الهدْ ي َهدْ ُي ُم َحمد
وسائر أهل اإلسالم بشهر ُمبارك فيه ُأ ِنز َل
َ َأ ُّيها ُ
المؤمنون ،لقد أكرمكم اهلل
عان فيه العبدال ُقرآن ،وفيه ُتفتح أبواب الجنان ،وفيه ُتغ َل ُق أبواب النِّيران و ُي ُ
على الشيطان ،ويتنافس فيه أهل الجود واإلحسان ،وبصيام هناره َت ِص ُّح
الروح والجنان ،من عرف فوائده وتلذ َذ فيه ِ
األبدان ،وبقيام ليله يتغذى ُّ
بالعبادة وال ُقرآن ود َع ُه بالند ِم واألحزان؛
المهداة إليكم من اهلل واشكروها حق فاعرفوا يا عباد اهلل ،قدر النِّعمة ُ
ُشكرها ،وذلك بجمع العزيمة ،وعقد النِّية الستغالل أيامِ ِه وساعاتِه يف ما
254
قربنا إلى موالنا من أنواع طاعاتِ ِه كما كان أسالف األُمة الصالحون
ُي ِّ
المتنافسون،
والصحابة ُ
نعمة اهللِ باال ،وال يرفع هبا رأسًا ووجودها عنده
لقي ل ِ ِ
وال تكونوا ممن ال ي ِ
ُ
وعدمها سواء ،بل ُربما استنكف وتربم من إقبال رمضان ،وهذه عالمة من
در ِه، ِ
والحرمان ممن ال يقدر اهلل حق َق ِ عالمات ُ
الخذالن
قال: أن رسول اهلل وتأملوا يا رعاكم اهلل إلى حديث أبي ُهريرة
ِِ ين َش ْهر خَ ْير لَ ُه ْم ِم ْن َر َم َض َ ِِ
انَ ،و َال َأتَى َع َلى الْ ُمنَافق َ
ين « َما َأتَى َع َلى الْ ُم ْسلم َ
يه ِم َن الْ ُقوةِ لِ ْل ِعبَا َدةَِ ،و َما
ك لِما ي ِعدُّ الْم ْؤ ِمنُو َن فِ ِ
ُ ْ
ِ
انَ ،و َذل َ َ ُ َش ْهر َش ٌّر لَ ُه ْم ِم ْن َر َم َض َ
س َو َع ْو َراتِ ِه ْم ُه َو ُغنْم لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن َونِ ْق َمة ت النا ِ يه الْمنَافِ ُقو َن ِمن َغ َف َال ِ
ْ ُ ْ
ي ِعدُّ فِ ِ
ُ
اجرِ» .روا ُه أحمد وصح َح ُه أحمد شاكر. لِل َف ِ
والمسلم العاقل ال َفطِن هو الذي َي ِز ُن نفسه بنصوص الشرع كهذا الحديث ُ
ِ
المسلم، الذي قسم الناس يف استقبالهم أيام رمضان؛ فال ُتغالط نفسك أ ُّيها ُ
حسن الظن هبا أنها قائمة بواجبها على أكمل الوجوه ،بل ات ِه ْم َها وال ُت ِ
العلي الكبير.
ِّ بالتقصير حتى ُتطاوعك على القيام بحق
إن ُهناك من الناس أصنافًا ُمتعدِّ دة نحو رمضان،
فقوم أقنعوا أنفسهم أن رمضان شهر راحة ورفاهية ،ال سيما من َكثُ َرت
أعمالهم يف غيره من ُّ
الش ُهور الماضية ،ومن تغربوا عن أوطاهنم إلى البلدان
255 استقبــال رمضــا ن
النائية؛ فجعلوا من ذلك وأمثاله أعذارا واهية ،ليجعلوا رمضان زمنًا للراحة
والنوم الكثير بنفوس غير ُمبالية ،وذلك أهون مدخل دخل عليهم من ُه
الشيطان؛
فخدعهم وصدقوا ما خيل لهم ففاتتهم النِّعمة ،وفات الموسم العظيم
وذهبت ال ُف َرص الثمينة ،وسارت الليالي واأليام ُ
وهم امتلئوا نومًا وأطعمة
و ُق ُلوهبم خاوية.
ِ
وصنْف آخر من الناس اعتنى واهتم يف رمضان ولكن بتوفير األكالت
والمشروبات ،وتوسيع سفرت الطعام ،و جلب الغريب من األطعمة من
األسواق؛ فهذا أعد لرمضان ُعدت ُه يف تعبئة الكرش ،وتوسيع الفراش؛ فال
سرتِه حيث تسل عن غفلتِه وقسوة قلبه وجفوتِه ،وسوء ما َ
أدخ َل ُه على ُأ َ
ينتظرون رمضان بفارغ الصرب لتنويع الموائد التي ُج ِع َلت لهم عوائد ،فهذا
اهلل فيهم. ِ ِ
ظالم لنَفسه ولمن اسرتعا ُه ُ
وصنْف آخر يستقبل رمضان بأنواع األالعيب والس َمرات ،وإمضاء ليلِ ِه ِ
َأ َو َال يخشى هؤالء َوك ُّل من َج َعل ُه شهرا لِل ِعب والضياع والشهوات أن
الثالثة األصناف الخاسرين الذين قال عنهم رسول اهلل ِ يكونوا من ِ
أحد
أحدَ َوالِدَ ْي ِه َفماَ َت َفدَ خَ َل الن َار « :أتَانِي ِجبْرِ ُ
يلَ ،ف َق َالَ :يا ُم َحمدُ َ ،م ْن أ ْد َر َك َ
ينَ ،ق َالَ :يا ُم َحمدُ َ ،م ْن أ ْد َر َك َش ْه َر َر َم َضا َن َفأبعدَ ه اهللُ ،ق ْلِ :آمين؛ َف ُق ْل ُ ِ
ت :آم َ َ َْ ُ ُ
ينَ ،ق َال: ات َف َلم ي ْغ َفر لَهَ ،فأُد ِخ َل النار َفأبعدَ ه اهللُ ،ق ْلِ :آمين؛ َف ُق ْل ُ ِ
ت :آم َ َ َ َْ ُ ُ َف َم َ ْ ُ ْ ُ ْ
ِ َو َم ْن ُذكِ ْر َت ِعنْدَ ُه َف َل ْم ُي َص ِّ
ات َفدَ خَ َل الن َارَ ،فأ ْب َعدَ ُه اهللُ ُق ْل :آم َ
ين؛ ك َف َم َ ـل َع َل ْي َ
ين»، َف ُق ْل ُ ِ
ت :آم َ
ت الش َيـاطِيـ ُن، ان ص ِّفـدَ ِ ِ
وقال :إِ َذا َكـا َن أَو ُل لَـ ْي َلـة مـ ْن َشـ ْهـرِ َر َمـ َض َ ُ
ارَ ،فـ َل ْم ُي ْفـتَـ ْح ِمن َْهــا َبـاب، اب النـ ِ ت َأ ْبـ َو ُ جــ ِّنَ ،و ُغ ِّل َقـ ْ َو َمـ َر َد ُة ال ِ
ت أَبــواب الجـنــ ِةَ ،فـ َلـم يـ ْغـ َلـ ْق ِمنْها باب ،وينَادِي منَاد :يا ب ِ
اغ َي َ َ ُ َُ َ َ ْ ُ َو ُفـتِّـ َحـ ْ ْ َ ُ َ
لك كُل َل ْي َلة . اغي الش ِّر َأ ْق ِص ْرَ ،وهلل ِ ُعتَ َقا ُء ِم َن الن ِ
ارَ ،و َذ َ ِ ِ َ ِ
الخَ ْير أ ْقب ْلَ ،و َيا َب َ
صح َح ُه األلباين.
يعلم هؤالء أن قومًا يوم لقاء اهلل يطلبونه رجعة إلى الدُّ نيا ،ويتمنون
أوال ُ
الليلة الواحدة واليوم الواحد والساعة الواحدة ألجل استعمالها يف طاعة اهلل،
وليشرتوا هبا أنفسهم من حريق العذاب العظيم ؟!
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ }[السجدة.]٩2 :
257 استقبــال رمضــان
ﰆﰇﰈﰉﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﭧ } [الزمر.]58-56 :
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰﯱﯲﯳ}[المنافقون.]٩٩-٩٠ :
ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ }[األنعام.]27 :
المسلم العاقل ،لِتَعلم قيمة هذا الشهر يف ُعمرك .استمع إلى حديث
أ ُّيها ُ
وهو ُيبيِّ ُن الشأن الكبير للفارق الزمني بين عبدين صالحين زاد اهلل نَبِيِّك
يف ُع ُمر أحدهما على اآلخر برمضان واحد؛ فكان لـذلـك الشهر فـارق
عـظيم فـي الجـنــة بسبب ما قدم فـيـه مـن جـزيـل األعـمـال وصالح
العبادات،
َان َر جال ِن مِ ْن
َ ،ق َال :ك َ وذلك يف ما روا ُه أحمد وغيره َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة
است ُْش ِهدَ َأ َحدُ ُه َماَ ،و ُأ ِّخ َر ْاآل َخ ُر بلِي مِن ُقضاع َة َأس َلما مع رسو ِل اهللِ
َ ،ف ْ َ ّ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ
258
يت فِ ْي ا ْل َجن ِة يعني يف المنام، سنَةَ ،ف َق َال َط ْلح ُة بن عبي ِد اهللِ
َ « :ف ُأ ِر ُ َ ْ ُ ُ َْ َ
يد؛ َفتَ َعجبْ ُت لِ َذلِ َك َف َأ ْصبَ ْح ُت،
َفر َأي ُت ا ْلم َؤخر مِنْهماُ ،أد ِخ َل ا ْلجن َة َقب َل الش ِه ِ
َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ْ
ول اهللِ ، َ ،أ ْو ُذكِر لِرس ِ
َ َ ُ ت َذلِ َك لِلنبِ ِّي َف َذك َْر ُ
ان؟ ،وصلى ِست َة َآال ِ ول اهللِ
ف َ «:ألَيْ َس َقدْ َصا َم بَ ْعدَ ُه َر َم َض َ َ َ َف َق َال َر ُس ُ
ر ْكعة؟ ،وك ََذا وك ََذا ر ْكع ًة ص َال َة سنة؟» َق َالَ :ف َلما بينَهما َأبعدُ مِما بين السم ِ
اء َ َْ َ َ َْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ
ض ». َواألَ ْر ِ
ر جالن صالحان .ولكن بينهما يف الجنة أبعد مما بين السماء واألرض،
مر ِه عامًا بعد م ِ
وت صاحبه؛ وسبب فوز الثاين منهما بذلك أن اهلل زاد يف ُع ِ
َ
فأودع فيه من األعمال ال جليلة ما تبوأ به تلك المكانة الرفيعة،
تم ُّر علينا سنة سنة وشهرا شهرا ،ويومًا يومًا ،فهل شعرنا
فها هي أعمارنا ُ
حسن يف صالتنا ؟! وهل أحسسنا بزيادة يف إيماننا ؟! أم أن ُه قل إحساسنا
بالت ُّ
بعواقب ُّ
الذنُوب والتفريط.
« :ما َح ِز ُ
نت على شيء ُحزين على يوم قال عبد اهلل بن مسعود
شمسه؛ فنقص فيه أجلي ،ولم يزدد فيه عملي ».
ُ غربت
اخلطبـة الـثـانـيــة
رب العالمين حمدا يليق بعظمته وال جالل ،ل ُه األسماء الحمد هلل ِّ
الحسنى ،وصفات الكمال ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نَبِ ِّينا محمد حميد
ُ
المهاجرين ِ الخصال ،وطيِّ ِ
ب المقال والفعال ،وعلى صحابته األكرمين من ُ
واألنصار واآلل .ومن استن بِ ُسنتِهم وهنج سبيلهم يف ك ُِّل حال.
ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل يف ُق ُلوبِنا ِغال
للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
المنى عند أهل النُّهى ،وهناية الغايات .هي الفوز المؤمنون :إن أكرب ُ
أ ُّيها ُ
بدخول الجنات ،وأنى ِألحد وصولها إال بعد س ُل ِ
وك طرقِها البَيِّنات، ُ
وها أنتم شرع لكم ر ُّب ُكم يف شهركم من عظيم العبادات ما إِ ْن قمتم به
ت لكم الجنات وتنزلت عليكم الرحمات و ُغ ِفرت جاءتكم الخيراتَ ،و ُفتِ َح ْ
احتِ َسابًاُ ،غ ِف َر لَ ُه َما َت َقد َم ان ،إِ َ
يمانًا َو ْ ل ُكم السيِّئات ،قال َ « :م ْن َصا َم َر َم َض َ
ِم ْن َذ ْنبِ ِه» ُمتفق عليه،
الح َسنَ ُة بِ َع ْشرِ َأ ْمثَالِ َها إِلَى َس ْب ِع ِمائ َِة
َو َق َال :ك ُُّل َع َم ِل ا ْب ِن آ َد َم لَ ُهَ ،
الص َيا َم َفإِن ُه لِيَ ،وأَنَا َأ ْج ِزي بِ ِه ت ََر َك َش ْه َو َت ُه َو َط َع َام ُه ِ
ض ْعفَ ،ي ُق ْو ُل اهلل ُ :إِال ِّ
اء َربِّ ِه.َانَ :فرحة ِعنْدَ فِطْرِ ِه ،و َفرحة ِعنْدَ لِ َق ِ
َ ْ َ
ِ ِ ِ
َو َش َرابَ ُه م ْن أجلي .للصائ ِم َف ْر َحت ِ ْ َ
ك .أخرجه البُخاري وف َف ِم الصائِ ِم َأ ْطيب ِعنْدَ اهلل ِ ِمن ِريحِ الْ ِمس ِ َولَخَ ُلــ ُ
ْ ْ َ ُ
و ُمسلم.
26٠
اس َأ ْف ُشوا الس َال َمَ ،و َأ ْط ِع ُموا الط َعا َمَ ،و ِص ُل ْواَ «:يا َأ ُّي َها الن ُ وقال
اس نِ َيام ،تَدْ ُخ ُلوا الْ َجن َة بِ َس َالم» روا ُه أحمد األَ ْر َحا َمَ ،و َص ُّلوا بِالل ْي ِل َوالن ُ
وصح َح ُه األلباين ،وها هو شهر إطعام الطعام ،وشهر قيام الليل ،والناس
نيام ،عباد اهلل إن كتاب اهلل الكريم هو الحبل المتين والهدي القويم،
يت باالبتعاد عن ُه ُش ُهورا عديدة؛ فدونك شهر ال ُقرآن ر ِّتل فِيْ ِه
فيا من ابتُلِ َ
بكلماتِه .واغرف من معينِ ِه الصايف ،واحرق به َ آياتِ ِه ،وتدبر معانيه وتغن
ونور به بصيرتك والجنان ،ور ِّطب به ال ِّلسان،
الشيطانِّ ،
فإن لم تعرف ال ُقرآن حق المعرفة يف هذا الموسم الكريم؛ ف ُقل لي بِ َر ِّبك
إذا دخل شعبان أغلق تجارته ،وتفرغ لقراءة كان عمرو بن قيس
ال ُقرآن .وكان يقول « :طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان ».
ﮜ }[الحديد،]٩33 :
وقوله عليه الصالة والسالم« :بَادِروا بِ ْاألَ ْعم ِ
ال»، َ ُ
المتنافسون.
ويف ذلك فليتنافس ُ
« :من نافسك يف اآلخرة؛ فنافِس ُه فيها ،ومن قال الحسن البصري
نا َف َسك يف الدُّ نيا؛ فألقها يف نحره ».
فيا عباد اهلل ،يا أهل العقول والنُّهى استحيوا ممن فتح لكم أبواب جناتِه،
وعرض عليكم رحماتِه أن يراكم تأكلون وتشربون من نعمائهُ .ثم أنتم بعدها
ساهون العبون هاجرون لِبُيوتِه وآياتِه ،ال ُتبالون بما عرض عليكم من نعيم
المقيم.
الجنة ُ
فاتقوا اهلل حق التقوى ،وع ِّظموا فضله عليكم ،فإن ُه يقول {:ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ }[البقرة.]243 :
262
ويقول سبحانه{ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ }[إبراهيم.]7 :
:إِ َذا أَردتُم أَ ْن تَجت َِهدُ وا فِي الدُّ ع ِ
اءَ ،ف َقولُ ْوا :الل ُهم وقد قال الرسول
َ ْ َ ْ ْ
ك. َأ ِعنا َع َلى ذِ ْكرِ َك َو ُش ْكرِ َك َو ُح ْس ِن ِعبَا َدتِ َ
أعنا على صيامه وقيامِه ،وأشغلنا فيه بطاعتك وال تجعلنا فيه من اللهم ِ
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ ل ِ ِ
َ ْ
المهتد َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُه، اهلل؛ َف ُه َو ُ
ِِ ِ ِ
َوم ْن َسيِّئَات أَ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
ِ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َعبْدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
،
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ }[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب.]7٩ – 7٠ :
ِ ِ ِ ِ
دْي ُم َحمدالهدْ ِي َه ُ
َاب اهللَ ،و َخ ْي َر َ
الحد ْيــث كت ُ أَمَّـا بَعْدَُ :فـإِن َأ ْصــدَ َق َ
َ ،و َشر ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل
َض َال َلة فِي الن ِ
ار...
ِ
المسلمون ،اتقوا رب ُكم واش ُك ُروه على ما من بِه عليكم من ِّ
الصيام أ ُّي َها ُ
يفرح فيه ِ
والمغفرة .فإن هذا يوم والقيام ،وتالوة ال ُقرآن واسألو ُه القبول
ُ
الصائِمون بِما قد ُموه من العمل الصالح يف شهر رمضان { ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ }[يونس،]58 :
264
ل ال ُفرس ُّ
والروم الذين صاروا وعزتِها السامية ،من قِ َب ِ
إبعادها عن دينها ِ
صالح الدُّ نيا واآلخرة ،وفيه سعاد ُة الفرد والجماعة، ُ فدي ُن اإلسالم به
والشعوب والراعي والرعية .ولو َعلِ َم ُخ ُصوم اإلسالم ما فيه من واألُسرة ُّ
السعادة العلية لبادروا إلى اعتناقِه والدُ ُخول فيه ،ولكن الهداية بيد اهلل ُيؤتيها
من يشاء.
لما َق ِد َم إلى المدينة كان لهم هذا واعلموا َر ِح َم ُك ُم اهلل أن نَبِيكم
فيهما فقال« :إِن اهلل َ َقدْ أَ ْبدَ لَك ُْم َي ْو َم ْي ِن َخ ْي ًرا ِمن ُْه َماَ :ي ْو َم الْ ِفطْرَِيومان يلعبون ِ
وقال تعالى{:ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
وينبغي يف مقامنا هذا أن نُنَبِّه إخواننا املُؤمنني إىل أُمُور مُهِمَّة من الدِّين:
الم ِهمات لما جاء
أوَّالً :االهتمام بإخراج زكاة الفطر؛ فإنها من الواجبات ُ
ول اهلل ِ قالَ « :ف َر َض َر ُس ُ حيحين عن عبد اهلل بن عمر بن الخطاب يف الص َ
ِ ِ ِ ِ ِ
الح ِّرَ ،والذ َكرَِزكَا َة الفطْرِ َصا ًعا م ْن ت َْمر ،أَ ْو َصا ًعا م ْن َشعير َع َلى ال َعبْد َو ُ
ينَ ،وأَ َم َر بِ َها َأ ْن ت َُؤدى َق ْب َل ُخ ُروجِ ِِ ِ ِ
َواأل ُ ْنثَىَ ،والصغيرِ َوال َكبِيرِ م َن ُ
الم ْسلم َ
اس إِلَى الصالَةِ». الن ِ
وكما قيل:
علـــى مـــا كـــان عـــود ُه أبـــو ُه ِ
تيـــان فينـــا وينشـــأ ناشـــئ ِ
الف ُ
ولتعلم األُ ّم ُ
المسلمة أن عليها المسؤولية الكبيرة أمام اهلل تعالى يف تحبيب
ال ِّلباس الحسن إلى بناتـها كما أنها ُمطالبة بتكريه لباس ال ُكفار والكافرات
إلى أبنائها ،كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه.
المسلمين اعتادوا يف مثل هذا اليوم عادة طيبة حميدة ،وهي
ثالثاً :بما أن ُ
زاور فيما بينهم ،وتف ُّقد أرحامهم لكن الشيطان يحرص على أن ُيكدِّ ر
الت ُ
صفو العسل بغمس ُّ
الذباب فيه،
الرجال بالنِّساء األجنبيات
الزيارات كاختالط ِّ
فتقع ُمخالفات يف بعض ِّ
عنهم ،والمرأة يف كامل زينتها؛ يف جلس الحمو مع األجنبية عن ُه ،وي جلس
اآلخر مع بنت العم وبنت الخال ،وزوجة العم وهكذا غيرها من العادات
المصادِمة لشرع اهلل تعالى.
الذميمة ُ
ألم تقرأوا قول ُه تعالى {:ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ}[النور.]3٩:
26١ خطبة عيد الفطر
ﯨ ﯩ ﯪ }[األحزاب.]53 :
ول اهللِ يقول« :إِياكُم والدُّ ُخول ع َلى النِّس ِ
اء»َ .قا ُل ْواَ :يا َر ُس َ والنبِ ُّي
َ َ ْ َ
َأ َر َأ ْي َت ا ْل َح ْمو؟ َق َال« :الْ َح ْمو الْ َم ْو ُت».
َت فِي وقال « :ات ُقوا الدُّ ْن َيا َوات ُقوا الن َِّسا َء؛ َفإِن أَو َل فِتْن َِة بَنِي إِ ْس َرائِ َ
يل كَان ْ
محار ِم ر ِّب ُكم يحفظ لكم أعراضكم ،وقِ ُفوا عند ِ اء» ،فحافظوا على النِّس ِ
َ
ُحدُ ودِه ،واعلموا أن ُه ال يجوز تقديم العادات والمألوفات على هدي رسول
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ اهلل
ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ}[األحزاب.]36 :
{ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ }[النساء.]65 :
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ }[النور.]3٩ :
وكم من ُأناس ر ُّدوا كالم اهلل ألجل الذوق والهوى؛ فأعرضوا عن العمل
هبذه اآليات ،و َأمِنُوا مكر اهلل ،فلما وقع الفأس يف الرأس أدركوا حينها أن اهلل
27٠
لتَ :ياالمسلمينُ .ق ُ فيعتزلن الصالة ويشهدن الخير ودعوة ُ ِ الحيض؛ فأما ُ
ول اهللِ إِ ْحدَ انَا َال َي ُك ُ
ون َل َها جل َباب َق َال« :لِتُ ْلبِ ْس َها ُأخْ ت َُها ِم ْن جلبَابِ َها»(.)1 َر ُس َ
ألجل أن هذا ُمخالف لمسلم تزهيد الناس يف ُسن ِة نَبِيِّهم وال ينبغي ُ
لتعليالت وربما تسمع من ُيعارض ُسنة الرسول لهواه ،أو للعادات ُ
وليرض لِن ِ
َفسه ما َر ِض َي اهلل ل ُه ،فكم من الناس من َ عليلة واهيَة ،فليت ِق اهلل
خرجون نسائهم من ال ُب ُيوت لمسافات طويلة والغرض أطماع الدُّ نيا. ُي ِ
275 استقبال عشر ذي احلجة
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُهَ ،و َأ ْش َهدُ ِِ ِ ِ
َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه . َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
{ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2 :
{ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ}[األحزاب.]7٩ – 7٠ :
َأما َب ْعدُ َ :فإِن َخ ْي َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَِ ،و َخ ْي َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد َ ،و َشـر
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحدَ َثا ُت َهاَ ،وكُل ُم ْحدَ َثة بِدْ َعةَ ،وكُل بِدْ َعة َض َال َلةَ ،وكُل َض َال َلة فِي
الن ِ
ار...
المسلمون ،عباد اهلل ،إن من فضل اهلل العظيم ،على عبادِ ِه
َوبعدُ أ ُّي َها ُ
المؤمنين أن سهل لهم مواسم الخيرات قبل زمن الفوات ،فيضاعف لهم
األجور يف زمن ال ُمهلة؛
فيها الحسنات ،ويعظم لهم ُ
276
واعلموا أن أفضل أيام العام للتِّجارة مع اهلل ،وتقديم القرض الحسن لهي
َ « :ما مِ ْن َأيام، أيام العشر األولى من ذي الحجة التي يقول عنها نبيُّ ُكم
ب إِ َلى اهللِ مِ ْن َه ِذ ِه ْاألَيا ِم»َ .ي ْعنِي َأيا َم ا ْل َع ْش ِر؛
يها َأ َح ُّ
ِ ِ
ا ْل َع َم ُل الصال ُح ف َ
يل ل اهللِ؟ َق َالَ « :و َال الْ ِ
ج َها ُد فِي َسب ِ ِ ج َها ُد فِي َسبِي ِ ول اهللَِ ،و َال ا ْل ِ َقا ُل ْواَ :يا َر ُس َ
ك بِ َش ْيء» .روا ُه البُخاري اهللِ ،إِال َر جل خَ َر َج بِنَ ْف ِس ِه َو َمالِ ِهَ ،ف َل ْم َي ْر ِج ْع ِم ْن َذلِ َ
، ابن عبِّاسعن ِ
منها إال وقد بذلت فيها جهدك ،واجعل لهذه العشر مزية يف حياتك،
واهتمامًا ِ
بارزا بمزيد اإلقبال على اهلل تعالى ،وعلى كتابه وذكره من تسبيح
وتحميد وهتليل وتكبير واستغفار.
هذا وإن ُهناك أعماال شرعها اهلل لنا بأنواعها ليتسنى لكل مؤمن اإلكثار
مما ُس ِّهل و ُي ِّسر ل ُه.
277 استقبال عشر ذي احلجة
وكُل ُميسر لِ َما ُخلِ َق ل ُه ،فهناك من ُي ِّسر ل ُه اإلكثار من الصالة ،وآخر من
والحج ،وآخر من الصدقات ،وآخر
َ الصيام ،وآخر يسر ل ُه اإلكثار من ال ُعمرة
ِّ
من قراءة ال ُقرآن ،وآخر هيأ ُه اهلل لنشر العلم وتعليمه.
المسلم ،وانتفع بما وضع اهلل فيها من دوافع الخير، فاخترب نفسك أ ُّيها ُ
المستقبل األخير يوم لِقاء اهلل.
وس ْسها بما ينفعها يف ُ
ُ
[سبإ ،]3١ :فما أخرجته يف هذه األيام من درهم ،أو ُلقمة قليل أو كثير هو ُّ
أحب
إخراجه يف غير هذه األيام العشر ،وال ِ
تحق َرن من المعروف ِ إلى اهلل من
شيئًا.
278
روى اإلمام أحمد وغيره ،وصحح ُه األلباين عن ُعقبة بن عامر :أن رسول
قال« :ك ُُّل ْامرِئ فِي ظِ ِّل َصدَ َقتِ ِه َحتى ُي ْف َص َل َب ْي َن الن ِ
اس» ،ولـمــا اهلل
هذا الحديث كان ال َي ُم ُّر عليه يوم إال ويتصدق ،ولو سمع مر َثد اليزين
بكعكة أو ببصلة.
ثالثاًِ :صلة الر ِحم بالزيارة أو المنفعة ،أو اال ِّتصال هبم أو الدُّ عاء لهم،
وتقديم النُّصح النافع لهم وبذل المعروف والكلمة الط ِّيبة؛ فإن صلة الر ِحم
الرزق وال ُعمر.
مما ُيسبِّب بركة ِّ
َ «:م ْن َأ َحب َأ ْن ُي ْب َس َط لَ ُه فِي ِرزْقِ ِهَ ،و ُين َْسأَ لَ ُه فِي َأ َثرِ ِهَ ،ف ْل َي ِص ْل قال
يت َ ،ق َالَ :ل ِق ُ َر ِح َم ُه» وروى اإلمام أحمد وغيره َع ْن ُع ْقبَ َة ْب ِن َعامِر
الَ .ف َق َالَ :يا ل ْاألَ ْعم ِ ول اهللَِ ،أ ْخبِرنِي بِ َفو ِ
اض ِ ول اهللِ َ ،ف ُق ْل ُتَ :يا َر ُس ََر ُس َ
َ َ ْ
كَ ،و َأ ْعرِ ْض َعم ْن َظ َل َم َ ك ،و َأع ِ ِ
ك. ط َم ْن َح َر َم َ ُع ْقبَةُ ،ص ْل َم ْن َقطَ َع َ َ ْ
رابعاً :التوبة إلى اهلل؛ فهي مشروعة يف ك ُِّل حين ،ولكن هذا الموسم يح ِّفز
المسلم على اهلل بالتوبة الن ُصوح من سالف على اإلكثار منها ،فأقبِل أ ُّيها ُ
الذنُوب ،والمخالفات عسى ر ُّب ُكم أن ُيك ِّفر عنكم سيِّئاتِ ُكم.
ُّ
ومما ُيعينُك على التوبة الن ُصوح بقلب أواب أن تعلم يقينًا أن لك ُذنُوبًا
مهما بلغ صالحك وخيرك؛ فإن لك ُذنُوبًا ال ُبد من طلب مغفرهتا ،فإن لم
سع لها يف هذه األيام ،فمتى تجتهد يف وضع ِو ِ
زرك الذي أنقض ظهرك. َت َ
27١ استقبال عشر ذي احلجة
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣﭤ }[الكهف.]28 :
سادساً :أن يصوم المؤمن ما تيسر ل ُه منها ،فإن صيام هذه األيام التِّسعة
زود من العمل الصالح السيما يف
يدخل يف عموم األدلة التي حثت على الت ُّ
مواسم الربكات { ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ }[طه.]٩٩2 :
ار َس ْب ِعي َن َخ ِر ْي َفًا ،
اهلل َو ْج َه ُه َع ِن الن ِ و من صام يوما فِي سبِي ِ ِ
ل اهللَ ،باعَدَ ُ َ َ َ ْ َ َ َْ
يصوم قالت « :كان النبِ ُّي بل روى أبو داود عن بعض أزواج النبي
تسع ذي الحجة ،ويوم عاشوراء ،وثالثة أيام من ك ُِّل شهر ».
28٠
وأما تاسع هذه األيام فغنيم ُة الغنائم لعامين كاملين ال ُيضي ُعها أولو
ب َع َلى اهلل ِ فِي ِص َيا ِم َي ْو ِم َع َر َف َة أَ ْن ِ
بي :إِنِّي َألَ ْحتَس ُ البصائر قال فيه الن ُّ
ُي َك ِّف َر السنَ َة التِي َقبْ َل ُه َوالسنَ َة التِي بَ ْعدَ ُه .روا ُه ُمسلم.
فال ينبغي للتاجر الحريص على تجارته مع اهلل أن يتهاون بالمواسم
ال ُكربى واألرباح ال ُعظمى التي يتنافس فيها األخيار ،فإن العامل مع اهلل يو ِّفيه
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ }[فاطر.]3٠-2١ :
المسلم من العمل يف هذه العشر ،وهو
سابعاً :أال وإن من أجل ما ُيقدِّ م ُه ُ
يف نفس الوقت من أسهل األعمال أداء وأثقلها وزنًا ،ومن أح ّبها إلى اهلل.
ذكر اهلل تعالى تسبيحًا وتحميدا ،وتكبيرا وهتليال.
ﮢ ﮣ ﮤﮥ }[الحج.]28 :
قال ابن عباس وغيره « :األيام المعلومات هي عشر ذي الحجة ».
المسلم لسانه بكثرة ذكر اهلل والثناء عليه الذي أرشد إليه ففيها ُير ِّطب ُ
النبي ،وإلى اإلكثار من ُه فيها؛ فقال َ « :ما ِم ْن َأيام َأ ْعظَ ُم ِعنْدَ اهللَِ ،و َال
28٩ استقبال عشر ذي احلجة
َأ ُّيها ُ
المسلمون إن ذكر اهلل تعالى عمل ُمسهل ُمعظم .به تطمئ ُّن ال ُق ُلوب،
الصدُ ور ،وتثقل الموازين وتكفر الخطايا ،ويزداد اإليمان .وقد كان وتنشرح ُّ
يذكر اهلل على ك ُِّل أحيانِه ،وكان يستغفر اهلل يف الم جلس الواحد نَب ُّيكم
الذكر ِغراس ِ
الجنان. مائة مرة ،وأخربنا أن ِّ
ي بِيَ ،ف َق َالَ :يا ُم َحمدُ َ ،أ ْقرِىء ُأمت َ ِ فقال :لَ ِق ْي ُ
َك يم ؛ لَ ْي َل َة ُأ ْسرِ َ
ت إ ِ ْب َراه َ
اءَ ،وأَن َها قِي َعان،
ِمنِّي الس َالم ،و َأ ْخبِرهم أَن الْجن َة َطيب ُة التُّرب ِة ،وع ْذب ُة الْم ِ
َ َ َ َْ ِّ َ َ َ َ ْ ُ ْ
ان اهللَِ ،والْ َح ْمدُ هللَِ ،و َال إِلَ َه إِال اهللَُ ،واهلل ُ َأ ْك َب ُر .فيا من ُتريد َو ِغ َر ُاس َهاُ :س ْب َح َ
الثمر أغرس الزرع قبل فوات موسم البذر ،واعلم أن ُه ليس يف الدُّ نيا وال يف
اآلخرة ثمار بدون غرس.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية « :ما من شيء يف الدُّ نيا وال يف اآلخرة إال
بسبب ».
282
المسلم ما روا ُه أبو الدرداء الذكر أ ُّيها ُ ومِما يزيدك علمًا بشرف ِّ
َاها ِعنْدَ َم ِليكِك ُْم، ِ
قال :قال َر ُسول اهلل « :أَال َ ُأ َن ِّبئُك ُْم بِخَ ْيرِ َأ ْع َمالك ُْمَ ،وأَ ْزك َ
الفض ِةَ ،وخَ ْير لَك ُْم ِم ْن
بو ِ
اق الذ َه ِ َ َو َأ ْر َف ِع َها فِي َد َر َجاتِك ُْمَ ،وخَ ْير لَك ُْم ِمن إ ْن َف ِ
َأ ْن َت ْل َق ْوا َعدُ وك ُْم َفت َْضرِبُ ْوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْضرِ ُب ْوا َأ ْعنَا َقك ُْم ؟
َقا ُلوا :بلىَ ،ق َال :ذِك ُْر اهلل ِ َت َعالَى» .روا ُه التِّرمذي وصححه األلباين.
:أن النبي وروى ُمسلم عن ُأم ُ
المؤمنين جويرية بنت الحارث
رجع
َ الصبح ،وهي يف مسجدها .ثم َ عندها بكرة حي َن صلى َ خرج م ْن َ :
ُك ت على الحالَ ِة التي َفار ْقت ِ فقال« :ما ِزلْ ِ أن أضحى ،وهي جالسةَ . بعدَ ْ
َ َ
عليها؟»
َ
ت َب ْعدَ ِك َأ ْر َب َع ك َِل َماتَ ،ثال ََث مرات .لَ ْو « :لَ َقدْ ُق ْل ُ نعمَ .ف َق َالقالتْ : ْ
ور َضا ان اهلل ِ وبِ َح ْم ِد ِهَ ،عدَ َد خَ ْل ِق ِه ِ
ت ُمن ُْذ ال َي ْوم لَ َو َز َنت ُْهنُ :سبْ َح َ َت بما ُق ْل ِ
ُو ِزن ْ
َن ْف ِس ِه َو ِز َن َة َع ْر ِش ِه َو ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه».
ول اهللِ ،إِن َ :أن َر جال َق َال َيا َر ُس َ وعند التِّرمذي عن عبد اهلل بن بسر
ت َع َليَ ،ف َأ ْخبِ ْرنِي منها بِ َش ْيء َأ َت َشب ُث بِ ِهَ ،ق َالَ « :ال َيز َُال َشرائِ َع ِ
اإل ْس َال ِم َقدْ َكثُ َر ْ َ
ُك َر ْطبًا ِم ْن ذِ ْكرِ اهلل ِ».
لِ َسان َ
ول :أَنَا
َي ُق ُ قال« :إِن اهللَ :أن ُه وروى ابن ماجه عن أبي ُهريرة
َم َع َع ْب ِدي إِ َذا َذك ََرنِيَ ،وت ََحرك ْ
َت بِي َش َفتَا ُه».
283 استقبال عشر ذي احلجة
« :إن اهلل َ َت َعالَى قال :قال رسول اهلل وعن عبد اهلل بن مسعود
ِ
َق َس َم َب ْينَك ُْم َأخْ َال َقك ُْم ك ََما َق َس َم بَ ْينَك ُْم أَ ْر َزا َقك ُْمَ ،وإِن اهللَ َت َعالَى ُي ْعطي َ
الم َال
حب؛ َفم ْن َضن بِالْم ِ اإليمان إِال من ي ِ ِ ِ
ال َأ ْن َ َ َ ْ ُ بَ ،و َال ُي ْعطي ِ ْ َ َم ْن َأ َحب َو َم ْن َال ُيح ُّ
اب الل ْي َل َأ ْن ُيكَابِدَ ُه َ ،ف ْليُكْثِ ْر ِم ْن َق ْو ِل: ِ ِ
ُينْف َق ُه َ ،و َخافَ الْ َعدُ و َأ ْن ُي َجاهدَ ُه َ ،و َه َ
ُسبْ َحا َن اهللَِ ،والْ َح ْمدُ هللَِ ،و َال إِلَ َه إِال اهللَُ ،واهللُ َأ ْكبَ ُر .صححه األلباين.
المسلم الكريم ها هي ُكنُوز الدُّ نيا واآلخرة ُت َزف إ َليك إن ك َ
ُنت أهال أ ُّيها ُ
لها ،ففيها الحياة الحقة ،وإال فما وراء وبعد ذلك إال الغفلة ،وموت القلب
قال :قال رسول اهلل َ « :مثَ ُل ال ِذي ففي البُخاري عن أبي موسى
ت» .فمن لم يعرف ذكر اهلل ي ْذكُر ربه وال ِذي َال ي ْذكُر ربه كَمثَ ِل الْحي والْمي ِ
َ ِّ َ َ ِّ َ ُ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ
يف األيام المعلومات ،فمتى يعلم قيمة ذلك ؟ نسأل اهلل أن ُيعيننا وإياكُم على
وش ِ
كره وحسن عبادته. كره ُذِ ِ
وأستـغــفر اللـه.
284
الـخـطبـة الثـانيــة
ولي الصالحين ،وأشهدُ رب العالمين ،وأشهدُ أن ال إله إال اهلل ُّالحمد هلل ِّ
وخ َلفائِه
ور ُسو ُله صلى اهلل وسلم عليه ،وعلى آلِ ِه الطاهرينُ ،
أن ُمحمدا عبدُ ُه َ
ُّور الذيونصرو ُه واتبعوا الن َ
ُ الراشدين وصحا َبتِه األكرمين الذين عظ ُموه،
ُأ ِنز َل مع ُه.
ِ ِ ِ ِ
أمَّا بعد :فاعلموا َرح َم ُك ُم اهلل أن مما ُأم َر بِه ُ
المسلم يف هذه العشر اإلمساك
ضحي ،وأما ِ عن ِ
وشعره وظفره إن كان ممن ُيريد أن ُي ِّ أخذ شيء من بشره
غيره من أفراد ُأسرته؛ فال يلزمهم ذلك ألنهم ليسوا مريدين لألُ ِ
ضحية وال ُ
ضحين ،بل ُمضحى عنهم.
ُم ِّ
قال: أن النبِي وذلك لما رواه ُمسلم عن ُأ ِّم ال ُمـؤمنين ُأ ّم سلمة
إِ َذا َدخَ َل الْ َع ْش ُر َو َأ َرا َد َأ َحدُ ك ُْم أَ ْن ُي َض ِّح َي؛ َف َال َيأْ ُخ ْذ ِم ْن َش ْعرِ ِهَ ،أ ْو بَ َشرِ ِهَ ،أ ْو
ُظ ْفرِ ِه َش ْيئًَا َحتى ُي َض ِّح َي ،ومع هذا التحريم ألخذ شيء مما ذكر؛ فمن وقع
فيه عمدا؛ فهو آثم وليس لذلك تأثير على إجزاء األُضحية ،وال كفارة عليه
. وإنما عليه التوبة واالستغفار ل ُمخالفته هني النبِي
هذا وإن من أجل وأعظم ال ُقرب إلى اهلل تعالى يف هذه العشر ذبح
والتقرب.
ُّ األُضحية يف عاشر ذي الحجة ،واستحضار نية العبادة
« َوإِن َما لِك ُِّل ْامرِئ َما ن ََوى»ُ ،ثم يعلم أن ُه البُد أن تكون ضحيته سالمة من
ال ُع ُيوب التي تمنع اإلجزاء،
؛ أن النبي وهي ال ُعيوب المذكورة يف حديث الرباء بن عازب
قال« :أَربع َال تَجو ُز فِي ْاألَ َض ِ
احي :الْ َع ْو َرا ُء الْبَ ِّي ُن َع َو ُر َهاَ ،والْ َمرِ َ
يض ُة ُ َْ
الْبَيِّ ُن َم َر ُض َهاَ ،والْ َع ْر َجا ُء الْبَيِّ ُن َظ َل ُع َهاَ ،وال َع ْج َفا ُء التِي َال ُتن ِْقي»،
وقد أجمع أهل العلم على أن المعيبة بشيء مما ُذكِ َر يف الحديث ال
جزئ، ُت ِ
وأما آخر وقت لِ َذبح األُضحية فينتهي ب ُغ ُروب الشمس من اليوم الثالث
من أيام التشريق؛
:كُل َأيام الت ْشرِ ْيق َأيام َذ ْبح ،ويجوز الذبح ليال كما لقول النبي
يجوز هنارا يف هذه األيام.
286
{ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ } [إبراهيم،]7 :
وشكر ُه سبحانه يشمل ذكره ،والثناء عليه بما هو أهله ،وأن ُيع ِّظم ُ
المسلم ُ
من األيام ُّ
والش ُهور ما عظ َم اهلل ،وأن يجعل يف حياته فرقًا بين هذه األيام
وغيرها كما فرق اهلل بينها.
والمسلمين على ما ُيرضيك ،وجنِّبنا ما ُيسخطك و ُيؤذيك، اللهم ِ
أعنا
ُ
المسلمين خيارهم ،وال ُت ِّ
ول عليهم شرارهم اللهم و ِّفقهم اللهم ِّ
ول على ُ
............. وسنة نَبِيِّك محمد
ال ِّتباع كتابك ُ
الــــدعــــاء
287 خطبة عيد األضحى
له ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعيْنُ ُه َون َْستَ ْغ ِف ُر ُهَ ،ونَ ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن ُش ُر ْو ِر َأنْ ُف ِسنَا،
إِن الحمدَ لِ ِ
َ ْ
اهلل؛ َف َال ُم ِضل َل ُه َو َم ْن ُي ْضلِ ْل؛ َف َال َهادِ َي َل ُهَ ،و َأ ْش َهدُ ِِ ِ ِ
َو َسيِّئَات َأ ْع َمالنَا َم ْن َي ْهده ُ
اهلل َو ْحدَ ُه َال َش ِر ْي َك َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأن ُم َحمدا َع ْبدُ ُه َو َر ُس ْو ُلــه. َأ ْن َال إِ َل َه إِال ُ
؛
{ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ}
[آل عمران.]٩٠2:
{ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ}
[النساء.]٩ :
{ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ} [األحزاب.]7٩ – 7٠:
َ ،و َشر َأما بَ ْعدُ َ ،فإِن َخيْ َر ال َك َال ِم ك ََال ُم اهللَِ ،و َخيْ َر ال َهدْ ِي َهدْ ُي ُم َحمد
ْاألُ ُم ْو ِر ُم ْحــدَ َثـا ُت َهاَ ،و ُكـل ُم ْحدَ َثة بِـدْ َعـةَ ،وكُل بِـدْ َعـة َض َال َلـةَ ،وكُل
َض َال َلة فِي الن ِ
ار.
288
المسلمـون ،هـا أنتم اليوم فـي يوم هـو عاشـر عشرة أيـام هي أفضل
أ ُّيها ُ
رب العزة وال جالل ،فقال { :ﭑ
أيام العام ،ولعظيم فضلها أقسم هبا ُّ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ }[الفجر.]2-٩ :
أقسم هبا ألهنا من أنفس المواسم للعمل الصالح ففيها يوم الحج األكرب،
وفيها الوقوف بعرفة الذي يغفر اهلل فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان؛ فإن ُه
ما ُرئِ َي الشيطان أحقر وال أدحر من ُه يف يوم عرفة،
ُثم إن أيام األعياد أيام فرح وسرور ،وأيام هبجة النفس واسرتاحتها ولكل
قوم أعياد يفرحون فيها ،فمنها أعياد مكانية ومنها أعياد زمانية ،ولما َق ِد َم سيِّد
الصدِّ يق
ومعه صاحبه األكرب ،ورفيقه الحنون أبو بكر ِّ المرسلين
ُ
إلى المدينة؛ كان ألهلها يومان يلعبون فيهما؛
َ « :قدْ َأ ْبدَ لَ ُكـ ُم اهللُ َت َعـالَى بِ ِه َما خَ ـيْـ ًرا ِمن ُْه َماَ :ي ْو َم الْ ِفطْرِ َو َي ْو َم فقال
ْاألَ ْض َحى»،
ُأمت ُه عن ُأمم الكفر حتى يف أعيادها وأفراحها. فميز الرسول
للمشركين أعياد زمانية ومكانية؛ فلما جاء « :وكان ُ قال ابن ال َقيِّم
الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام مِنى،
اهلل باإلسالم أبطلها ،وعوض ُ
المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة ،وعرفة
كما عوضهم من أعياد ُ
والمشاعر».
28١ خطبة عيد األضحى
الحسنى وأما ُخ ُ
لفاؤ ُه الكرام وأصحابه األتقياء؛ فقد سبقت لهم من اهلل ُ
؛ لصحبة س ِّيد البشر
والرضا عنهم ،واختيارهم ُ
ِّ
قال اهلل عنهم { :ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ }[التوبة.]٩٠٠ :
فمن طعن يف نبي اإلسالم ،أو صحابته الميامين العظام؛ فال يضر إال نفسه
وخسر دنياه و ُأخراه وإن تستر باإلسالم.
هذا واعلموا أ ُّيها المؤمنون ،أن من أجل ما تعملونه يف هذا اليوم العظيم،
ذبح األضاحي أو نحرها.
« :إِن َأو َل َما َنبْدَ ُأ فِي قال :قال رسول اهلل فعن الرباء بن عازب
َي ْو ِمنَا َه َذا َأ ْن ن َُص ِّل َيُ ،ثم ن َْر ِج َع َف َنن َْح َرَ ،ف َم ْن َف َع َل َذلِ َ
ك َف َقدْ َأ َص َ
اب ُسن َتنَاَ ،و َم ْن
ك فِي َش ْيء» َف َق َال َر نَحر َقب َل الصالَةِ َفإِنما هو َلحم َقدمه ِألَه ِل ِه ،لَيس ِمن النُّس ِ
ْ َ َ ُ َُ ْ َ َُ ْ ََ ْ
ول اهللَِ ،ذ َب ْح ُت َو ِعن ِْدي ار ُي َق ُال َل ُه َأ ُبو ُب ْر َد َة ْب ُن نِ َيارَ :يا َر ُس َ
جل مِ َن األَن َْص ِ
ولكن ينبغي على املُسلم حنو هذه الشَّعرية مُراعاة أمور مهمة :
بذبح هذه ضحي إخالص النِّية ،والتع ُّبد هلل
الم ِّ
أوَّهلا :أن يستشعر ُ
األُضحية ،وأنها ليست ُمجرد لحم ُيؤكل يوم العيد ،بل عبادة ون ُُسك خالص
رابعها :ال يجوز بيع شيء منها ال من لحمها وال جلودها ،وال صوفها وال
ُيعطي شيئًا منها يف مقابل ُأجرة لمن يذبحها؛
ول اهللِ
قالَ « :أ َم َرنِي َر ُس ُ ففي الصحيحين عن علي بن أبي طالب
ِ ِِ
لها َع َلى
ودها َو جال َ َأ ْن َأ ُقو َم َع َلى ُبدْ نه َو َأن أقسم ُل ُح َ
ومها َو جل َ
جز َارتِ َها َشيْئا مِن َْها »،
ينَ ،و َال ُأ ْعطِ َي فِي َ
الم َساكِ ِ
َ
ول اهللِقالَ :ق َال َر ُس ُ بل روى البيهقي وحسن ُه األلباين عن أبي ُهريرة
حي َة لَ ُه»؛ فلحومها و جلودها ال ُتباع، حيتِ ِه َف َال ُأ ْض ِ
« :من باع جلدَ ُأ ْض ِ
َ ْ َ َ
ولكن ُينتفع هبا أو ُتهدى أو ُيتصدق هبا.
خامسها :وقت ذبحها ال يبدأ إال من بعد صالة العيد ،ومن ذبح قبل
الصالة؛ فشا ُته شاة لحم ،وليذبح مكاهنا ُأخرى أما هناية وقت الذبح فبِ ُغروب
:ك ُُّل َأيا ِم الشمس من ثالث يوم من أيام التشريق؛ لقول رسول اهلل
الت ْشرِ ِ
يق َذ ْبح ،والذبح يف هذه األيام األربعة يجوز ليال أو هنارا على الراجح
عند ال ُعلماء.
المسلم من البِدَ ع التي هتدم الدِّ ين ،فمن البِدَ ع يف األضاحي
واحذر أ ُّيها ُ
الجدران ،أو ذبح األُضحية نفسها
أخذ شيء من دمها ،وتلطيخ األبواب أو ُ
الجدران العالية؛
فوق ُ
2١3 خطبة عيد األضحى
وكذلك أيضًا أن ُتوضأ األُضحية ،ويمسح بالماء على يديها ووجهها كُل
ُخ ِر َج ُهن
َأ ْن ن ْ ول اهللِقالتَ « :أ َم َرنَا َر ُس ُ وذلك لحديث ُأ ِّم عطية
ورَ ،ف َأما ا ْل ُحي ُض خدُ ِ ات ا ْل ُ الف ْط ِر واألَ ْضحى :العواتِ َق وا ْلحي َض و َذو ِ فِي ِ
َ َ َ ُ ََ َ
ول اهللِ إِ ْحدَ انَا
تَ :يا َر ُس َ خيْ َر َو َد ْع َو َة ا ْل ُم ْسلِ ِمي َنُ .ق ْل ُ
َفيَ ْعت َِز ْل َن الصال َة َو َي ْش َهدْ َن ا ْل َ
ون َل َها جل َباب؟ َق َال :لِتُ ْلبِ ْس َها ُأخْ ت َُها ِم ْن جل َبابِ َها »، َال َي ُك ُ
على نسوة ُأمتِه حتى الحائض أمرها، فانظر يا ُمسلم إلى حرص نبيِّك
وليس لها صالة ،ولكن لتشهد الخير والدعوة حتى من لم ي ُكن لها جلباب
تخرج ،وتستعير جلبابًا من ُأختِها؛
تحتجب به أمرها أن ُ
« :ولهذا رجحنا أن صالة العيد بل قال شيخ اإلسالم ابن تيمية
واجبة على األعيان »؛
الزم هذه الصالة يف « :اعلم أن النبي وقال العالمة الشوكاين
العيدين ،ولم يرتكها يف عيد من األعياد ،وأمر الناس بالخروج إليها حتى أمر
بخروج النِّساء »؛
وهذا َيدُ ُّل على أن هذه الصالة واجبة وجوبًا ُمؤكدا على األعيان.
وأما بالنِّسبة للتهنِ ِ
ئة يف العيد ،فإن كثيرا من الناس يتساهلون ،ويأتون بتهان
جديدة ،على ِ
وجه المزاح هبا؛
اهلل مِنا َومِنْ ُكم ».
قول بعضهم لبعضَ « :ت َقب َل ُ والمشهور عن السلف
للمسلم يوم العيد :أن يتزين بِأجمل الثِّياب ويت َطيب. ِ
َحب ُ
ومما ُيست ُّ
2١5 خطبة عيد األضحى
ِ
والزينة يف
يب ِّ « :سمعت أهل العلم يستَحبُّون ال ِّط َ قال اإلمام مالك
ك ُِّل عيد ».
« :ال خالف بين العلماء فيما نعلمه يف استحباب وقال ابن رجب
ِ
لبس أجود الثِّياب ل ُشهود ُ
الجمعة واألعياد ».
فلبس الثِّياب الطيبة يف العيد من إظهار نعمة اهلل والتحدُّ ِ
ث هبا، َ ِّ
ولكن الشيطان حريص جدا على أن ال تتم نعمة اهللِ على عبده؛ فجعل
الكثير من الناس يف يوم عيدهم ُيحيون ُسنة أعدائهم يف الملبس خصوصًا
َ
المالبس النِّسائية؛
فقد ظهر فيها من االنحالل وضعف الحياء ما ظهر ،وإن مِما ُيثير العجب
ُس ُكوت كثير من اآلباء وفقهم اهلل عن ال ُمخالفات التي يروهنا ،وهم يعلمون
الشيَ ِم المجيدة ،وإنما
أن ذلك ليس معهودا من العادات الحميدة ،وال من ِّ
از َي ِة ألهل اإلسالم ،ولكن إلى اهلل هو من تربية الت ِ
ِّلفزيونات والقنوات ال َغ ِ
ِ ِ
والرضى بالت َشبُّهات
المسلمين عن القيَم السامية ِّ المشتكى م ْن تخ ِّلي بعض ُ
ُ
الدانية.
المسلم عن
المستحبة يف عيد األضحى أن ُيمسك ُ السنن ُ
هذا وإن من ُّ
ضح َيتِه.
الطعام حتى يأكل من ُأ ِ
2١6
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ} [البقرة.]2٠3:
الجمهور ،ومنهم ابن عباس األيام المعدودات بأنها أيا ُم
وقد فسر ُ
التشريق ،وأما األيام المعلومات؛ فهن أيام العشر األول من ذي الحجة.
أال فاذكروا اهلل يا عباد اهلل ،يذكركم واشكروه على نِع ِم ِه ِيزدكُم و َل ِذكْر اهللِ
ُ َ
أكرب واهلل يعلم ما تصنعون.
المـسلمين جميعًا اليوم أن يتذكروا ُخطبة نَبِ ِّي ِهم
عباد اهلل أال ما أحوج ُ
الحج األكرب ،وهي ما روى البُخاري َع ِن ا ْب ِن َعباس
ِّ يف يوم الن ِ
حر يوم
اس َي ْو َم الن ْح ِر؛ َخ َط َ
ب الن َ َ ،أن النبِي
اس َأ ُّ
ي َي ْوم َه َذا ؟»َ ،قا ُلواَ :ي ْوم َح َرام، َف َق َالَ « :يا َأ ُّي َها الن ُ
َق َالَ « :فأَ ُّ
ي َب َلد َه َذا ؟»َ ،قا ُلواَ :ب َلد َح َرام،
اضك ُْم َع َليْك ُْم َح َرام ،ك َُح ْر َم ِة َي ْو ِمك ُْم َق َالَ « :فإِن دِ َما َءك ُْم َو َأ ْم َوالَك ُْم َو َأ ْع َر َ
َه َذا ،فِي َب َل ِدك ُْم َه َذا ،فِي َش ْهرِك ُْم َه َذا»َ ،فأَ َعا َد َها مِ َراراُ ،ثم َر َف َع َر ْأ َس ُهَ ،ف َق َال:
ْت ،الل ُهم َه ْل بَلغ ُ
ْت الل ُهم َه ْل بَلغ ُ
َ « :ف َوال ِذي نَ ْف ِسي بِ َي ِد ِه ،إِن َها َل َو ِصيتُ ُه إِ َلى ُأمتِ ِهَ ،ف ْل ُيبْلِ ِغ َق َال ا ْب ُن َعباس
ِ ِ ِ
اب بَ ْعض ». ال َت ْر ِج ُعوا بَ ْعدي كُفاراَ ،ي ْض ِر ُب بَ ْع ُض ُك ْم ِر َق َ بَ ،الشاهدُ ال َغائ َ
فعلى ك ُِّل ُمسلم أن يقف اليوم بنفسه وقفة جادة مع هذا الحديث الذي
المسلمين فيما بينهم دماء وأمواال وأعراضًا،....
عظم ُح ُرمات ُ
سن عبا َدتِك اللهم أعز اإلسالم
وح ِ
كرك ُ وش ِ
ذكرك ُ أعنا على ِاللهم ِ
والمسلمين....
ُ
الـدعــاء
2١8
االستعداد للموت306....................................................................