Professional Documents
Culture Documents
00966590960002
#
املقدمة
ﯤﯥ ﴾ [األنفال ،]24 :فالحياة الحقيقية ال تكون وال تتحقق إال باإليمان.
وص َّلى اهلل وس َّلم على عبده ورسوله -نب ِّينا َّ
محمد -وآله وصحبه أجمعين.
( )1حديثُّ :
(أي العمل أفضل؟)
7
1
حديثُّ :
(أي العمل أفضل؟)
ول اهللِ ﷺ ُسئِ َلَ :أ ُّي ا ْل َع َم ِل َأ ْف َض ُل؟ َف َق َال: َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َ ،Iأ َّن َر ُس َ
يل اهلل ِ» .قِ َيلُ :ث َّمج َها ُد فِي َسبِ ِ ان بِاهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه» .قِ َيلُ :ث َّم َما َذا؟ َق َال« :ا ْل ِ «إِ َ
يم ٌ
ور»(.)1 َما َذا؟ َق َالَ :
«ح ٌّج َم ْب ُر ٌ
أهم ما يجب على العبد العناية به يف هذه الحياة اإليمان؛ فهو أفضل َّ
إن َّ
الرفع َة يف الدُّ نيا واآلخرة،
وحصلته القلوب ،ونال به العبد ِّ
َّ ما اكتسبته النُّفوس،
أعظم
ُ الصحيح؛ فهو كل ٍ
خير يف الدُّ نيا واآلخرة متو ِّقف على اإليمان َّ إن َّ
بل َّ
وأج ُّل المقاصدُ ،
وأنبل األهداف. المطالبَ ،
أهم
أهم المسائل على اإلطالق؛ ألنَّها ُّ
ومباحث اإليمان ومسائله هي ُّ
الصحيح من
الحق واليقين ،وكم لإليمان َّ
ِّ مباحث الدِّ ين ،وأعظم أصول
المغدَ قة ،وال ِّثمار اليانعة ،والجنى ال َّلذيذ ،واألُكُل الدَّ ائم ،والخير
الفوائد ُ
ستقصى؛ عاجلة وآجله.
َ أمور ال تحصى ،وفوائدُ ال ُت
المستمر! ٌ
ِّ
والش ِ
رور ِ
المكاره ُّ فباإليمان يحيى العبدُ حيا ًة طيب ًة يف الدَّ ارين ،وينجو من
دخ ُل ُ
وينال ثواب اآلخرة؛ ف َي ُ ويدرك جميع الغايات والمطالب، ُ والش ِ
دائد، َّ
الرفعة يف الدُّ نيا واآلخرة :هو العلم واإليمان؛ ولهذا َقرن بينهما سبحانه
به العبدُ ِّ
يف قوله﴿ :ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ ُّ
[الروم:
إن اإليمان شجر ٌة مباركةٌ ،عظيمة النَّفع ،غزيرة الفائدة ،كثيرة ال َّثمر ،لها
َّ
خاص ،ولها أصل وفرع وثمار:
سقي ٌّ
تغرس فيه ،ولها ٌ
مكان َ
ٌ
ُ
تنشأ َّأما مكانها :فهو قلب المؤمن ،فيه توضع بذورها وأصولها ،ومنه
أغصاهنا وفروعها.
َّ ْ
كتاب اهلل وسن َة رسوله ﷺ؛ فبه ُتسقى هذه
وأما سقيها :فهو الوحي المب ِّين َ
الشجرة المباركة ،وال حياة لها وال نماء َّإل به.
َّ
ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النَّحل.]97 :
وأهم َّية اإليمان تظهر بمعرفة فوائده وثماره ،ويف هذا يقول َّ
الشيخ ِّ هذا
الصحيح، عدي « :Vاعلم َّ
أن خير الدُّ نيا واآلخرة من ثمرات اإليمان َّ الس ُّ
ِّ
تخف
ُّ وبه يحيا العبد حياة ط ِّيبة يف الدَّ ارين ،وبه ينجو من المكاره ُّ
والشرور ،وبه
درك جميع المطالب ،ولنُشر إلى هذه ال َّثمرات على وجه التَّفصيل؛
الشدائد ،و ُت َ
َّ
َّزود منه»(.)1 َّ
فإن معرفة فوائد اإليمان وثمراته من أكرب الدَّ واعي إلى الت ُّ
َ
ودخول الجنَّة ،والتَّن ُّعم بنعيمها ،والنَّجا َة من النَّار ثواب اآلخرة،
أن َ ثانياَّ :
ً
أن اهلل تعالى يدافع عن ا َّل ِذين آمنوا ،ويدفع عنهم شرور الدُّ نيا
ً
ثالثاَّ :
واآلخرة.
ابعاَّ :
أن اهلل وعد المؤمنين القائمين باإليمان حقيق ًة بالنَّصر والتَّأييد. ر ً
عدي ( .)48-47/1
للس ِّ
الرحمن ِّ
((( تيسير الكريم َّ
( )1حديثُّ :
(أي العمل أفضل؟)
11
أعظم النَّاس
ُ سابعاَّ :
أن المؤم َن باهلل وبكماله وعظمته وكربيائه ومجده؛ ً
السبب األعظم لتع ُّلق القلب باهلل يف جميع ابع عشرَّ :
أن اإليمان هو َّ
ر َ
أن اإليمان يدعو إلى حسن الخلق مع جميع طبقات النَّاس، خامس عشرَّ :
َ
يقل عن مِائة
فإن اهلل ر َّتب على اإليمان يف كتابه من الفوائد وال َّثمرات ما ال ُّ
َّ
خير من الدُّ نيا وما فيها. فائدةُّ ،
كل واحدة منها ٌ
( )1حديثُّ :
(أي العمل أفضل؟)
13
خصلة منها ٌ
خير من ٍ قال ابن الق ِّيم « :Vوهو نحو ِمائة خصلةُّ ،
كل
ُّ
الدنيا وما فيها:
فمنها :األجر العظيم﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [النِّساء.]146 :
شرور الدُّ نيا واآلخرة﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾
َ ومنها :الدَّ فع عنهم
[الحج.]38 :
ومنها :استغفار حملة العرش لهم﴿ :ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [غافر.]7 :
ومنها :مواالة اهلل لهم ،وال ُّ
يذل َمن وااله اهلل؛ قال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ﴾ [البقرة.]257 :
أمر ُه مالئكتَه بتثبيتهم﴿ :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ومنهاُ :
ﮑ ﮒ﴾ [األنفال.]12 :
والرزق الكريم. ومنهاَّ :
أن لهم الدَّ رجات عند ر ِّبهم ،والمغفرة ِّ
ومنهاِ :
الع َّزة﴿ :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾
[المنافقون.]8 :
ومنها :مع َّي ُة اهلل ألهل اإليمان﴿ :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [األنفال.]19 :
الرفع ُة يف الدُّ نيا واآلخرة﴿ :ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ
ومنهاِّ :
ﰐ﴾ [المجادلة.]11 :
ِ
ومنها :إعطاؤهم كف َلين من رحمته ،وإعطاؤهم ً
نورا يمشون به ،ومغفرة
ذنوهبم.
أحاديث اإلميان
14
الو ُّد ا َّل ِذي يجعله سبحانه لهم؛ وهو أنَّه يح ُّبهم ويح ِّب ُبهم إلى مالئكته
ومنهاُ :
الصالحين.
وأنبيائه وعباده َّ
ومنها :أماهنم من الخوف يوم يشتدُّ الخوف﴿ :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [األنعام.]48 :
ومنها :أنَّهم المن َعم عليهم؛ ا َّل ِذين ُأمِرنا أن نسأ َله أن يهد َينا إلى صراطهم يف
مرة(.)1 ك ُِّل يوم وليلة َ
سبع عشرة َّ
ومنهاَّ :
أن القرآن إنَّما هو هدً ى لهم وشفا ٌء﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ﴾ [ ُف ِّصلت.]44 :
لكل خيرُّ ،
وكل خير يف الدُّ نيا واآلخرة جالب ِّ
ٌ سبب واملقصودَّ :
أن اإليمان ٌ
ُ
2
حديث جربيل
ات َي ْو ٍم؛ ول اهَّلل َذ َ اب َ Iق َالَ :ب ْينَما ن َْح ُن ِعنْدَ رس ِ َع ْن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ
َ ُ َ
الش َع ِرَ ،ل ُي َرى َع َل ْي ِه َأ َث ُر اد َّ ابَ ،ش ِديدُ سو ِ
َ َ إِ ْذ َط َل َع َع َل ْينَا َر ُج ٌل َش ِديدُ َب َي ِ
اض ال ِّث َي ِ
الس َف ِرَ ،و َل َي ْع ِر ُف ُه مِنَّا َأ َحدٌ َ ،حتَّى َج َل َس إِ َلى النَّبِ ِّيَ ،ف َأ ْسنَدَ ُر ْك َب َت ْي ِه إِ َلى ُر ْك َب َت ْي ِه، َّ
ول اإل ْس َل ِمَ ،ف َق َالَ :ر ُس ُ خ َذ ْي ِهَ ،و َق َالَ :يا م َحمدُ ! َأ ْخبِرنِي َع ِن ِ وو َضع َك َّفي ِه َع َلى َف ِ
َ َ َ ْ
ْ ُ َّ
«الس َلم َأ ْن ت َْشهدَ َأ ْن َل إِ َله إِ َّل اهَّلل ،و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ ِ ِ
الص َلةَ، يم َّ ول اهَّللَ ،وتُق َ ُ َ ُ َ َّ َ ُ َ َ اهَّللُ ْ ِ ْ :
ت إِ َل ْي ِه َسبِ ًيل»َ ،ق َال: ت إِ ِن ْاس َت َط ْع َ انَ ،وت َُح َّج ا ْل َب ْي َ َوت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةََ ،وت َُصو َم َر َم َض َ
َصدَ ْق َتَ ،ق َالَ :ف َع ِ
ج ْبنَا َل ُه َي ْس َأ ُل ُه َو ُي َصدِّ ُق ُه.
«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللَِ ،و َم َلئِكَتِ ِهَ ،و ُك ُتبِ ِهَ ،و ُر ُس ِل ِه، اإليم ِ
انَ ،ق َالَ : ِ ِ
َق َالَ :ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن َ
اآلخرَِ ،وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»َ ،ق َالَ :صدَ ْق َت.
وا ْليو ِم ِ
َ َْ
«أ ْن َت ْع ُبدَ اهَّللَ ك ََأن َ اإلحس ِ
انَ ،ق َالَ : ِ ِ
َّك ت ََرا ُهَ ،فإِ ْن َل ْم َتك ُْن َق َالَ :ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن ْ َ
اك». ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ
السائِ ُل؟»
«يا ُع َم ُر! َأتَدْ ِري َم ِن َّ
ِ ِ
َق َالُ :ث َّم ا ْن َط َل َقَ ،ف َلبِ ْث ُت َمل ًّياُ ،ث َّم َق َال ليَ :
يلَ ،أتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدينَك ُْم»(.)1اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُمَ ،ق َالَ « :فإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ
ُق ْل ُتُ :
هذا حديث عظيم ،اشت ُِهر عند أهل العلم بـ«حديث جربيل»؛ وذلك
أفضل المالئكة ،وهو الم َلك ا َّل ِذي ينزل ُ وح األمين S الر َ َ
جربيل ُّ َّ
ألن
أعرابي؛ فجلسٍّ المرة إلى النَّبِ ِّي ﷺ بصورة
بالوحي على النَّبِ ِّي ﷺ ،جاء هذه َّ
إلى النَّبِ ِّي Oهذه الجلسة ال َّلطيفة ،وسأله هذه األسئلة العظيمة؛
وهو يف الحقيقة مع ِّل ٌم؛ لكنَّه يف صورة سائل ُم َت َع ِّلم.
السائل أحيانًا يستطيع أن يكون مع ِّل ًما للنَّاس؛ كأن ومن فوائد هذاَّ :
أن َّ
أن يف الحاضرين َمن يحتاج أن ُتب َّين لهم ُ
بعض يكون يف مجلس ٍ
عالم ويجد َّ
المسائل؛ فيطرحها وهو يعرف الجواب؛ قاصدً ا أن يفيدهم؛ فيكون يف الواقع
سائل ،وهو يف الحقيقة مع ِّل ٌم يريد أن يع ِّلم النَّاس ،وله أجره على إحسانه
ً
وحرصه ونصحه.
السؤاالت :سؤال عن اإليمان ،واإليمان يف ال ُّلغة :هو اإلقرار؛ ألنَّه ومن هذه ُّ
وقراره ،وسكونُه ،وثقتُه.
ُ ِ
القلب، مشتق من األمن؛ ا َّل ِذي هو ضدُّ الخوف()2؛ أم ُن
ٌّ
أتم بيان يف هذا الحديث؛ قال وهو يقوم على أصول عظيمة ،جاء بياهنا َّ
«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللَِ ،و َم َلئِكَتِ ِهَ ،و ُك ُتبِ ِهَ ،و ُر ُس ِل ِه، اليم ِ
ان؟ ف َق َالَ : ِ ِ
جربيلَ « :أ ْخبِ ْرني َع ْن ْ َ
تَ ،وا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِهُ ،ح ْل ِو ِه َو ُم ِّر ِه»(.)1ث بعدَ ا ْلمو ِ
ِ ِ
َوا ْل َي ْو ِم ْالخرَِ ،وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ
فهذه ستَّة أصول يقوم عليها اإليمان ب َّينها النَّبِ ُّي ،Oوجمعها
فواجب على ك ُِّل مسلم أن يؤمن هبا إيمانًا جاز ًما ال يخالطه
ٌ يف هذا الحديث،
أدنى ٍّ
شك وال ريب.
لكائي يف «شرح
ُّ ومره» :ابن منده يف «اإليمان» (َّ ،)71/3
والل ((( أخرجه بلفظ «حلوه ِّ
السنَّة والجماعة» (.)314
أصول اعتقاد أهل ُّ
أحاديث اإلميان
18
المتَّقين﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ففي أولها :يقول اهلل Eيف أوصاف ُ
َّ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة.]5-2 :
قوله تعالى﴿ :ﭝ ﭞ ﭟ﴾؛ ذكر ابن كثير Vعن أبي العالية،
السلف يف معناها ،قال« :أي :ا َّل ِذين يؤمنون باهلل ،ومالئكته،
وعن غيره من َّ
وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،والجنَّة والنَّار ولقاء اهللُّ ،
كل ذلك من اإليمان
بالغيب»(.)1
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة.]177 :
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [النِّساء.]136 :
ِ
جميع ِهم ُمتَّفق ٌة شرائع األنبياء
َ ومما يب ِّين ِع َظم شأن هذه األصولَّ :
أن َّ
نبي؛ بل ك ُّلهم متَّفقون عليهاَ ،يدْ عون إليها، عن نبي فيها فعليها ،ال يختلِ
ٍّ ٌّ
((( انظر :تفسير القرآن العظيم (.)257 /1
( )2حديث :جربيل
19
ويأمرون هبا ،ويخربون بفضل من آمن هباِ ،
وع َظم أجره ،وجزيل ثوابه ،بِد ًءا َ
بمحمد ﷺ ،ك ٌّلهم ُمتَّفقون على هذه األصول.
َّ تما من نوح َ ،S
وخ ً
وأعظم هذه األصول وأج ُّلها :هو اإليمان باهلل؛ فهو أصل األصول ،وباقي
األصول ت َب ٌع له.
وهو اإليمان بوحدان َّيته سبحانه؛ يف ربوب َّيته ،ويف أسمائه وصفاته ،ويف
ألوه َّيته.
واإليمان بوحدان َّية اهلل يف ربوب َّيته :هو أن ُي َو َّحد اهلل Cيف ربوب َّيته،
المدَ ِّبر ِ باالعتقاد الجازم َّ
المت ََص ِّرفُ ،
الرازق ،المنعمُ ،
أن اهلل وحده هو الخالقَّ ،
لشؤون خلقه ك ِّلها ال شريك له.
واإليمان بالمالئكة :هو اإلقرار ب ُك ِّل ما جاء عنهم يف كتاب اهلل ويف ُسنَّة
رسول اهلل ﷺ؛ من أسمائهم ،وأعمالهم ،وأوصافهم ،وأعدادهم؛ ما جاء من
مجمل :نؤمن به على وجه اإلجمال ،وما جاء َّ
مفص ًل :نؤمن به على وجه ً ذلك
التَّفصيل.
ومما يب ِّين كثرة المالئكة ،وعظم عددهم :ما جاء يف حديث [المدثرَّ ،]31 :
يل! تَ :يا ِج ْبرِ ُ ورَ ،ف ُق ْل ُ
ت ا ْل َم ْع ُم ُ «رفِ َع لِي ا ْل َب ْي ُلما أسري بالنَّبِ ِّي ﷺ قالُ : اإلسراء َّ
ف م َل ٍ
ك ،إِ َذا ون َأ ْل َ َ ور؛ َيدْ ُخ ُل ُه ك َُّل َي ْو ٍم َس ْب ُع َ َما َه َذا؟ َق َالَ :ه َذا ا ْل َب ْي ُ
ت ا ْل َم ْع ُم ُ
ِ ِ ِ ِ
ومما ُي َب ِّين كثرهتم قول النَّبِ ِّي ﷺ: َخ َر ُجوا منْ ُه َل ْم َي ُعو ُدوا فيه آخ ُر َما َع َل ْي ِه ْم» َّ ،
()1
ث «أ ِذ َن لِي َأ ْن ُأ َحدِّ َ ومما ُي َب ِّين عظم خلقهم ما جاء عن النَّبِي ﷺ أنَّه قالُ : َّ
ِّ
ش؛ إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى َعاتِ ِق ِه ك ِم ْن َم َلئِك َِة اهَّلل ِ ِم ْن َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ
عن م َل ٍ
َ ْ َ
َم ِس َير ُة َس ْب ِع ِمائ َِة َعامٍ»( ،)3وقد رأى النَّبِ ُّي ﷺ جربيل ،Sوقد سدَّ األفق
قد اختارهم اهلل سبحانه ،واصطفاهم لعبادته وتنفيذ أوامره ،ال يعصون اهلل
ما أمرهم ،ويفعلون ما يؤمرون.
ً
رسول كل ُأ َّمة
بأن اهلل تعالى بعث يف ِّ
واإليمان باألنبياء :هو اإلقرار الجازم َّ
وأن ِ
والكفر بما ُيع َبد من دونهَّ ، ِ
عبادة اهلل وحده ال شريك له، يدعوهم إلى
بارون ،راشدون ،كرا ٌم ،بررةٌ ،أتقيا ُءُ ،أ َمنا ُء،
جمي َعهم صادقون مصدَّ قونُّ ،
ُهداةٌ ،مهتدون ،وبالرباهين ال َّظاهرة واآليات الباهرة من ر ِّبهم مؤ َّيدون ،وأنَّهم
ب َّلغوا جميع ما أرسلهم اهلل به ،لم يكتُموا منه حر ًفا ،ولم يغ ِّيروه ،ولم يزيدوا
فيه من عند أنفسهم حر ًفا ،ولم ينقصوه ،فهل على ُّ
الرسل َّإل البالغ المبين؟
وقد ا َّتفقت دعوهتم من َّأولهم إلى آخرهم يف أصل الدِّ ين ،وأ َّما فروع
َّ
الشرائع من الفرائض والحالل والحرام فقد تختلف؛ فيفرض على هؤالء ما
ال يفرض على هؤالء؛ لحكمة بالغة.
الم َط َّهرة
المن ََّزلة على رسله الكرامُ ،
واإليمان بالكتب :هو اإلقرار بكتب اهلل ُ
البخاري ( ،)3232ومسلم (.)380
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
22
:Dآمنَّا بما أنزل اهلل من كتاب ،وما أرسل من رسول ،ونعتقد َّ
أن ما فيها من
حق ،وأنَّه كان واج ًبا على األمم ا َّل ِذين نزلت عليهم تلك الكتب
الشرائع ك ُّله ُّ
َّ
بعضا؛ كما قال والحكم بما فيهاَّ ،
وأن جمي َعها ُيصدِّ ق بعضها ً ُ االنقيا ُد لها،
تعالى يف اإلنجيل﴿ :ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [المائدة ،]46 :وقال يف القرآن:
﴿ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [المائد.]48 :
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [القمر.]53-52 :
وسنَّة
فسر بالدَّ الئل من كتاب اهللُ ، ال ُّلغة بمعنى الدُّ عاء؛ فالحقائق َّ
الشرع َّيةُ :ت َّ
نب ِّيه ،وقد قال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
وأمور
ُ وحقائق اإليمان،
ُ ُ
تفاصيل اإليمان، ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ أي:
اإليمان؛ ال سبيل إلى العلم هبا َّإل من خالل الوحي؛ كتاب اهللُ ،
وسنَّة نب ِّيه
.O
لما قال لهم النَّبِ ُّي «الصحيحين» َّ َّ ويف قِ َّصة وفد عبد القيس ا َّلتِي يف
ان بِاهَّلل ِ؟» مع أنَّهم
يم ُ ون َما ْ ِ
ال َ
اليم ِ ِ
ان بِاهَّللَ ،و َه ْل تَدْ ُر َ «آم ُرك ُْم بِ ْ ِ َ
ُ :O
«اهلل ورسو ُله أع َلم»؛ َّ
ألن عرب يعرفون معنى اإليمان ،وداللته ال ُّلغو َّية ،قالواُ :
ٌ
وحي اهلل وتنزي ُله ،فال سبيل إلى العلم به من خالل
ُ
القوم يدركون َّ
أن اإليمان
ٍ
دراية بال ُّلغة ،أو نحو ذلك ،بل ال سبيل إلى العلم رأي ،أو عقلٍ ،أو ٍ
ذوق ،أو ٍ
ٍ «اهلل ورسو ُله أع َلم» ،وكانوا أهل
عربي ،يعرفون
ٍّ لسان به َّإل بالوحي؛ قالواُ :
معنى اإليمان من حيث ال ُّلغة ،وال ينقصهم ذكاء؛ لك َّن اهلل حماهم ،ووقاهم،
ِ
وبصرهم ،وو َّفقهم ل ُل ُزوم الوحي ،والتَّق ُّيد بما جاء به؛ فقالواُ :
«اهلل وهداهمَّ ،
ورسو ُله أع َلم».
السؤال الكبير ا َّل ِذي هو يف الحقيقة أكبر سؤالُ « :م ْرنَا بِ َأ ْم ٍر ولنتأمل يف هذا ُّ َّ
ِ َفص ٍل ن ْ ِ
أعظمهَ ُخبِ ْر بِه َم ْن َو َرا َءنَا َونَدْ ُخ ْل بِه َ
الجنَّةَ»؛ فما أج َّله من سؤال ،وما ْ
من مقصد ،وما أج َّله من مطلب ،أ َت ُوا النَّبِ َّي ﷺ ،وأخربوه عن حالهم ،وعن
مكابدهتم ،وعن عظيم رغبتهم ،وكانوا صفو ًة من قومهم أوفدوهم إلى النَّبِ ِّي
ﷺ ،وكان الغرض من تلك المكابدة والمش َّقة هو هذا ُّ
السؤال.
ٍ
وهدايات مباركة؛ وفيما يلي وقد اشتمل هذا الحديث على فوائدَ عظيمة،
إشارة إلى بعضها:
الزائر والوافد عن حاله وبلده فمن فوائد هذا الحديث :استحباب سؤال َّ
ٍ
إنسان منزلتَه حتَّى ُيعرف َمن هو ،وما مكانتُه ،وما منزلتُه؛ لكي ُي َنزل ُّ
كل
الو ْفدُ ؟» ،وهو سؤال اللئقة به؛ فالنَّبِ ُّي ﷺ قال لهمَ :
«م ِن ال َق ْو ُم؟ َ -أ ْوَ -م ِن َ َّ
ٍ
ومعرفة بمكانته ،حتَّى ُيت ََم َّكن من ٍ
معرفة بالوافد، ينبني عليه ما ينبني؛ من
إنزاله منزلتَه.
متضم ٌن ال َّثناء
ِّ وصف لحالهم ،وهو
ٌ لهؤالءَ « :غ ْي َر َخز ََايا َو َل َندَ َامى» ،وهذا
العاطر عليهم.
المبارك ،وهو من خير
َ ومن فوائد هذا الحديث :تقدُّ م إسالم هذا الوفد
وفود اإلسالم وأوائلهم.
ومن فوائد هذا الحديثَّ :
أن أ ْم َر الهداية بيد اهلل E؛ يهدي C
ُّ
ويضل َمن يشاء ،األمر بيده .E َمن يشاء،
ِ
وتأ َّمل قول هذا الوفد للنَّبِ ِّي صلوات اهلل وسالمه عليه« :إِنَّا َل ن َْستَط ُ
يع َأ ْن
ار ُم َض َر» ،معنى الحي مِ ْن ُك َّف ِ
َُّ يك إِ َّل فِي َّ
الش ْه ِر َ
الح َرا ِمَ ،و َب ْينَنَا َو َب ْين ََك َه َذا ن َْأتِ َ
أقرب إلى بلد الهداية وبلد اإلسالم ،وهؤالء ُ أن ُم َض َر من حيث المكان ذلكَّ :
هر الحرام؛ أبعد ،جاؤوا من ُش َّقة بعيدة ،واختاروا ألنفسهم وقتًا للمجيء َّ
الش َ
الحي بينهم وبين النَّبِ ِّي
ُّ ا َّل ِذي يع ِّظمه ال ُك َّفار فال يقاتلون أحدً ا فيه؛ فكان هذا
أن ُك َّف َار ُم َضرﷺ؛ أي :يف طريقهم إلى النَّبِي ،Oومعنى ذلكَّ :
ِّ
أر ِز اإليمان ،والهداية نزلت وأقرب مكانًا إلى منبع اإلسالم و َم ِ
ُ أقرب مسكنًا،
ُ
إلى ٍ
بلد أبعد منهم!!
مهم
أمر ٌّ
السؤال؛ وهذا ٌ أهم َّية صالح النِّ َّية يف ُّ
ومن فوائد هذا الحديثِّ :
ألن النَّاس يف سؤاالتهم ا َّلتِي يطرحونها تتفاوت ن َّياتهم ومقاصدهم؛ للغاية؛ َّ
ويرفع ٍ
وقصد ط ِّيب ،يريد أن يتع َّلم دينَه وأن يتف َّقه، فمنهم َمن يسأل بن َّي ٍة صالحة،
َ
صالحا وهدايةً ،يريد دخول الجنَّة ،والنَّجاة
ً الجهل عن نفسه وعن غيره ،يريد
يستغل المجالس العلم َّية ُّ من النَّار ،والفوز برضا اهلل سبحانه ،ومن النَّاس َمن
ِ
الشبهات ،أو يشوش هبا على اآلخرين ،أو يثير هبا ُّ لطرح بعض األسئلة ا َّلتي ِّ
ي
ار َ ي بِ ِه ال ُع َل َما َءَ ،أ ْو لِ ُي َم ِ الع ْل َم لِ ُي َج ِ
ار َ
يلفت فيها أنظار النَّاس إليه و«من َط َلب ِ
َ َ ْ
ِ
ولهذا ينبغي أن يكون هذا هو غرض اإلنسان يف التع ُّلم؛ يتع َّلم ليدخل
ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما؛ َس َّه َل اهَّللُ َل ُه َطرِي ًقا إِ َلى ا ْل َجن َِّة»(.)2
«م ْن َس َل َ
الجنَّةَ ،
الحق؛ سواء
ومن فوائد هذا الحديث :إبداء العذر عند العجز عن توفية ِّ
4
س َل َّما َأ َت ُوا النَّبِ َّي ﷺ َق َال: اس َ Lق َال :إِ َّن َو ْفدَ َع ْب ِد ا ْل َق ْي ِ عن ا ْب ِن َع َّب ٍ
«م ْر َح ًبا بِا ْل َق ْو ِم َ -أ ْو -بِا ْل َو ْف ِد «م ِن ا ْل َق ْو ُم َ -أ ْوَ -م ِن ا ْل َو ْفدُ ؟» َقا ُلواَ :ربِي َعةَُ ،ق َالَ : َ
يع َأ ْن ن َْأتِ َي َك إِ َّل فِي ِ َغير َخزَايا و َل َندَ امى»َ ،ف َقا ُلوا :يا رس َ ِ
ول اهلل! إِنَّا َل ن َْستَط ُ َ َ ُ َ َ َ َْ
ُخبِ ْرار ُم َض َرَ ،ف ُم ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْص ٍل ن ْ َش ْه ِر ا ْل َح َرا ِمَ ،و َب ْينَنَا َو َب ْين ََك َه َذا ا ْل َحي مِ ْن ُك َّف ِ
ُّ
اه ْم بِ ِه َم ْن َو َرا َءنَا َونَدْ ُخ ْل بِ ِه ا ْل َجنَّةََ ،و َس َأ ُلو ُه َع ِن األَ ْش ِر َبةَ ،ف َأ َم َر ُه ْم بِ َأ ْر َب ٍع َون ََه ُ
ِ
ان بِاهَّلل ِ َو ْحدَ ُه؟» يم ُ ال َ ون َما ْ ِ «أتَدْ ُر َ ان بِاهَّللِ َو ْحدَ ُهَ ،ق َالَ : اإليم ِ ِ
َع ْن َأ ْر َبعٍ؛ َأ َم َر ُه ْم بِ َ
ول اهللِ، «ش َها َد ُة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُمَ ،ق َالَ :
َقا ُلواُ :
انَ ،و َأ ْن ُت ْع ُطوا ِم َن ا ْل َم ْغنَ ِم ا ْلخُ ُم َس»، َاةَ ،و ِص َيا ُم َر َم َض َ
وإِ َقام الص َل ِة ،وإِيتَاء ال َّزك ِ
َ ُ َ ُ َّ
اء ،والن َِّقيرِ ،وا ْلم َز َّف ِ ِ
ت»َ ،و ُر َّب َما َق َال: َ ُ اه ْم َع ْن َأ ْر َبعٍ؛ َع ِن «ا ْل َحنْ َتمَِ ،والدُّ َّب َ َون ََه ُ
البخاري
ُّ وه َّنَ ،و َأ ْخبِ ُروا بِ ِه َّن َم ْن َو َرا َءك ُْم» .رواه «اح َف ُظ ُ«ا ْل ُم َق َّيرِ»َ ،و َق َالْ :
ومسلم(.)1
سبيل النتشار دين اهلل سبحانه؛ فهذا الوفد جاءوا وشدَّ ُة الحاجة إليها؛ ألنَّها ٌ
رادهميحملون هذه الهمة؛ همة الدَّ عوة والنُّصح والبيان؛ وواضح هذا يف م ِ
ُ ٌ َّ َّ
جيئِهم إلى رسول اهلل ﷺ؛ ولهذا قالوا َ « :Mف ُم ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْص ٍل بمقدمِهم وم ِ
َ َ
رعي ،ويتف َّقه يف َّ
الش العلم مل ُخبِ ْر بِ ِه َم ْن َو َرا َءنَا»؛ ولهذاَّ :
فإن المسلم عليه أن يتع َّ ن ْ
َّ
وأيضا بن َّية إيصال الخير لآلخرين دين اهلل سبحانه بن َّية إصالح نفسه وهدايتهاً ،
وتعد َيتِه للنَّاس؛ قال تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ِ
الصالحة َي ُ
دخل هبا المرء الجنَّة إذا تق َّبلها اهلل أن األعمال َّ فهذا ُّ
يدل على َّ
كل يوم إذا أصبح بعد أن يس ِّلم ،Eوقد كان نب ُّينا Oيقول َّ
ك ِع ْل ًما
«السنن»« :ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ
من صالة الفجر كما يف حديث أ ِّم سلمة يف ُّ
[اإلسراء ،]19 :ويف القرآن آيات عديدة يف هذا المعنى؛ كقوله ﴿ :Eﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النَّحل ،]97 :وقال اهلل سبحانه﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [المائدة ،]5 :وقال اهلل تعالى﴿ :ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [التَّوبة.]54 :
فاإليمان باهلل Eهو أصل أصول اإليمان وأعظم أسس الدِّ ين،
وتفرده سبحانه؛ ٌ ٍ
عبادة َّإل به ،وهو ألي عم ٍل وال
إيمان بوحدان َّية اهللُّ ، وال قبول ِّ
ٌ
إيمان بوحدان َّية ان بِاهَّلل ِ َو ْحدَ ُه»؛ فهو
يم ِ «آم ُرك ُْم بِ ْ ِ
ال َ ولهذا قال يف الحديثُ :
اهلل تعالى؛ وحدان َّيتُه يف ربوب َّيته ،ووحدان َّيتُه يف أسمائه وصفاته ،وحدان َّيتُه يف
بحق سواه.
بحق ،وال معبو َد ٍّ
ألوه َّيته؛ بأنَّه هو المعبود ٍّ
نافع يف التَّعليم،
أسلوب ٌ
ٌ أهم َّية التَّشويق؛ وهو
ومن فوائد هذا الحديثِّ :
كثيرا يف أحاديث رسول اهلل صلوات اهلل وسالمه عليه ،وانظر ذلك يف ويأيت ً
َ
أجمل هذا ان بِاهَّللِ؟»؛ فما
يم ُ ون َما ِ
اإل َ
اليم ِ ِ
ان بِاهَّلل؛ َأتَدْ ُر َ «آم ُرك ُْم بِ ْ ِ َ
قوله لهؤالءُ :
ف ،و ُتقبِ ُل ،وتستعدُّ ،وتته َّي ُأ؛ أثره يف َجع ِل القلوب َّ
تتشو ُ أعظم َ
َ َّشويق ،وما
الت َ
الرغبة يف القلوب ،ويح ِّقق ُحسن االنتفاع واالستفادة.
حرك َّ
ألنَّه ُي ِّ
ومن فوائد هذا الحديث العظيمة :أنَّه ال سبيل إلى معرفة اإليمان َّإل من
خالل الوحي؛ كال ِم اهلل ،وكال ِم رسوله O؛ فال يمكن للمرء أن
بحرا يف ال ُّلغة ،وال
مثل ل ُّلغة العرب َّية ولو كان ً َ
اإليمان وحقيقتَه بمعرفته ً يعرف
يمكن أن يعرف اإليمان من خالل رأيه وفكره وعقله ،وال يمكن أن يعرف
أحاديث اإلميان
36
فهذه فائد ٌة عظيمةٌ ،وفيها ر ٌّد على ا َّل ِذين خاضوا يف بيان اإليمان بالعقول
المجردة ،أو بالفهم ل ُّلغة ،أو نحو ذلك ،ولم يلتفتوا إلى َم ِ
ورد اإليمان، َّ
ومنبعه؛ كال ِم اهلل ،وكال ِم رسوله O؛ فجاءوا بأمور مصادمة لإليمان ِ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
( )4حديث :وفد عبد القيس ()2
37
ُيهتدى إلى حقيقتها ومعناها َّإل من خالل كالم اهلل وكالم رسوله ﷺ ،نظير
شخصا ُمت ََض ِّل ًعا يف
ً والحج ،وغير ذلك من ال َّطاعات؛ فلو َّ
أن ِّ والصيام
الصالة ِّ
َّ
بم َج َّرد معرفته بال ُّلغة؟ أو أن يعرف الصالة َّ
الشرع َّية ُ ال ُّلغة ال يمكنه أن َي ِ
عرف َّ
رعي؟ ك ُُّل هذه أمور وحقائق ال الصيام َّ
الش َّ الشرع َّية؟ أو أن يعرف ِّالزكاة َّ
َّ
السلف Xجا َّدتهم وطريقتُهم فإن َّ يمكن أن ُت َ
عرف َّإل من الوحي؛ ولهذا َّ
يف الدِّ ين :قال اهلل ،قال رسوله؛ ترى الواحد منهم يقول :نعتقد كذا لقول اهلل
كذا ،ونؤمن بكذا لقول رسول اهلل ﷺ كذا ،بخالف َمن سواهم من أهل البدع
والسنَّة ،فض ُّلوا عن الجا َّدة ِ
ا َّلذين جعلوا ألنفسهم مصادر للتَّل ِّقي غير الكتاب ُّ
السو َّية ،و َمن لم يعتصم بكالم اهلل وكالم رسوله َّ O
ضل عن سواء َّ
كثيرا ما يقول:
السبيل ،يقول ابن الق ِّيم « : Vكان شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ً
َّ
السبيل ،وال دليل َّإل بما جاء به َّ
الرسول صلوات اهلل فارق الدَّ ليل َّ
ضل َّ َمن َ
وسالمه وبركاته عليه»(.)1
«آم ُرك ُْم بِ َأ ْر َبعٍَ ،و َأن ََهاك ُْم َع ْن َأ ْر َبعٍ» ،األربع ا َّلتِي أمرهمَّ :
الشهادتان، قالُ :
فرض
الحج؛ ألنَّه لم ُي َ
َّ والصيام ،ولم يذكر يف هذا الحديث
والزكاةِّ ،
والصالةَّ ،
َّ
وقت مجيء هذا الوفد.
َ
بال َّطاعة ،وينقص بالمعصية ،وال يجوز القول َّإل بالعمل ،وال يجوز القول
والعمل َّإل بالنِّ َّية ،وال يجوز القول والعمل والنِّ َّية َّإل بموافقة ُّ
السنَّة»(.)1
ٌ
وعمل ،ون َّي ٌة صادقةٌ»(.)2 وعن اإلمام أحمد قال« :اإليمان ٌ
قول،
ويف موضع آخر :قال علقمة :Vسمعت عمر بن الخ َّطاب يخطب
َّاس إِن ََّما ْالَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة ،»...وذكر
«يا َأ ُّي َها الن ُ
قال :سمعت النَّبِ َّي ﷺ يقولَ :
الحديث(.)2
وهكذا صنع عدد من أهل العلم مثل صنيعه؛ صدَّ روا ُم َصنَّفاهتم هبذا
السنَّة» ،وكذا
السنَّة» ،و«شرح ُّ
البغوي كتابيه «مصابيح ُّ
ُّ الحديث؛ فقد صدَّ ر به
المقدسي يف كتابه «عمدة األحكام»،
ُّ َّووي يف كتابه «األربعين» ،وعبد الغني
الن ُّ
البخاري (.)6953
ُّ ((( أخرجه البخاري (.)1
ُّ ((( أخرجه
( )5حديثَّ :
«إنا األعمال بالنِّيَّات»
43
افعي أنَّه قال« :هذا الحديث ثلث العلم ،ويدخل يف سبعين ُفر ِوي عن َّ
الش ِّ
با ًبا من الفقه»(.)2
وقال الحاكم« :حدَّ ثونا عن عبد اهلل بن أحمد ،عن أبيه :أنَّه ذكر قوله
«الَعم ُال بِالنِّي ِ
ات». َّ َ ْ ْ :O
َّووي عنه يف «المجموع» (.)16/1 ((( ذكرهما الن ُّ
«السنن الكبير» ( )333-322إلى قوله« :ثلث العلم» ،وذكره
البيهقي يف ُّ ُّ ((( أخرجه
َّووي عنه يف «المجموع» (.)36/1 الن ُّ
البخاري (.)2697
ُّ ((( أخرجه
البخاري ( ،)52ومسلم (.)1599
ُّ ((( أخرجه
((( «طبقات الحنابلة» للقاضي أبي يعلى (.)108/1
( )5حديثَّ :
«إنا األعمال بالنِّيَّات»
45
األربعة ربع ِ
العلم». ِ ٍ
حديث من هذه قالُّ :
فكل
ُ
أيضا قال« :كتبت عن رسول اهلل ﷺ خمسمائة ألف
وعن أبي داود ً V
السنن»؛ جمعت فيه
تضمنه هذا الكتاب؛ يعني« :كتاب ُّ
حديث ،انتخبت منها ما َّ
أربعة آالف وثمانمائة حديث ،ويكفي اإلنسان لدينه من ذلك أربع ُة أحاديث:
والر ابع :قوله ﷺ« :ا ْل َح َل ُل َب ِّي ٌنَ ،وا ْل َح َرا ُم َب ِّي ٌن».
َّ
ويف رواية أخرى عنه أنَّه قال« :الفقه يدور على خمسة أحاديث:
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ِّرمذي ( ،)2317وابن ماجه (،)3976 ُّ ((( أخرجه الت
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ِّرمذي ( ،)2317وابن ماجه (،)3976 ُّ ((( أخرجه الت
أن رسول اهلل ﷺ قال« :لَ البخاري ( ،)13ومسلم ( )45عن أنس َّ I ُّ ((( أخرج
ب لِنَ ْف ِس ِه». ِ ح ِ ِ ِ ِ ِ
ُي ْؤم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى ُي َّ
ب لَخيه َما ُيح ُّ
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ((( أخرجه أحمد ( ،)2865وابن ماجه (،)2341
( )5حديثَّ :
«إنا األعمال بالنِّيَّات»
47
ِ فقوله« :إِن ََّما ْالَ ْع َم ُ
ال بِالنِّ َّيات»؛ أي :إنَّما األعمال معت َبر ٌة عند اهلل C
ويبتغى بالعمل وج ُه اهلل C؛ َقبِل اهلل من
بن َّياهتا؛ فإذا كانت النِّ َّية هلل خالصةُ ،
العامل عمله.
وإن لم يكن العمل كذلكُ :ر َّد على عامله وإن ك ُثر وتعدَّ د َّ
وتنوع ،وقد
قال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [اإلسراء ،]19-18 :ويقول ﴿ :Cﮘ ﮙ ﮚ
[الزمر،]3 :
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الب ِّينة ،]5 :ويقول ﴿ :Cﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ ُّ
واآليات يف هذا المعنى كثيرة.
فما أحوج المرء إلى إصالح ن َّيتة ،ومعالجة قصده ،وتصحيح إرادته يف
وحجه وجميع طاعاته؛ بأن ال يبتغي بشيء
ِّ جميع أعماله؛ يف صالته وصيامه
مشكورا
ً مقبول مرض ًّيا
ً من ذلك َّإل وجه اهلل؛ ألنَّه ليس شيء من ذلك يكون
خالصا.
ً عند اهلل تعالى َّإل إذا كان هلل
وسديد قولِه َّإل ما قصد به وج َه
ِ و لن يدخل معه يف قربه يف صالحِ عملِه
اهلل ،أ َّما األعمال ا َّلتِي يعملها العامل يريد هبا شهرةً ،أو ريا ًء ،وسمعةً ،أو دنيا
فانية ،أو غير ذلك من الحظوظ والمبت َغيات؛ ُّ
فكل ذلك ال يكون عند اهلل
ألن من شرط العمل المقبول :أن يكون ً
مقبول وال يكون عنده Cمرض ًّيا؛ َّ
قد ابتُغي به وجه اهلل.
عن يحيى بن أبي كثير قال« :تع َّلموا النِّ َّية؛ فإنَّها ُ
أبلغ من ال َع َملِ»(.)1
وأن َ
األعمال بحسب النِّ َّياتَّ ، «لما َذكر ﷺ َّ
أن قال ابن رجب َّ :V
شر ،وهاتان كلمتان جامعتان ،وقاعدتان َّ
حظ العامل من عمله ن َّيته من خير أو ٍّ
مثال من أمثال األعمال ا َّلتِي
ُك ِّل َّيتان ،ال يخرج عنهما شيء؛ ذكر بعد ذلك ً
صالحها وفسا ُدها باختالف النِّ َّيات ،وكأنَّه يقول:
ُ صور ُتها واحدة ،ويختلف
سائر األعمال على حذو هذا المثال...
ِ
والمقاصد هبا؛ ِ
باختالف النِّ َّيات تختلف
ُ أن هذه الهجر َةفأخربَ النبي ﷺ َّ
ُّ
هاج َر إلى دار اإلسالم ُح ًّبا هلل ورسول ِ ِه ،ورغب ًة يف تع ُّلم ِ
دين اإلسالم، فمن َ
َ
المهاجر إلى اهلل رك؛ فهذا هو الش ِ
دار ِّ يعجز عنه يف ِ ُ وإظهار دينِه ،حيث كان
ِ
ُ
حصل له ما نواه من هجرتِ ِه إلى اهلل
وفخرا أنَّه َ
ً ورسوله ح ًّقا ،وكفاه شر ًفا
ورسوله.
صول الشرط على إعادتِ ِه بلفظه؛ َّ
ألن ُح َ ِ
جواب هذا َّ اقتصر يف
َ ولهذا المعنى
ما نواه هبجرته :هناي ُة المطلوب يف الدُّ نيا واآلخرة.
أحاديث اإلميان
50
ِ
لطلب ُدنيا ُيصيبها، الشرك إلى ِ
دار اإلسالم و َمن كانت هجر ُت ُه من ِ
دار ِّ
فاألول:
َّ هاجر إليه مِن َ
ذلك؛ َ امرأة ينكِ ُحها يف ِ
دار اإلسالم؛ فهجر ُت ُه إلى ما ٍ أو
ٍ
بمهاجر»(.)1 تاجر ،وال َّثاين :خاطبَ ،
وليس واحدٌ منهما ٌ
وسائر األعمال كالهجرة يف هذا المعنى؛ فصالحها وفسادها بحسب النِّ َّية
والصدقة وغيرها من األعمال.
والحج َّ
ِّ كالصالة
الباعثة عليها؛ َّ
الحنبلي (.)39-38
ِّ ((( جامع العلوم والحكم البن رجب
( )6حديث :شعب اإلميان
53
أعلى شعب اإليمان «قول ال إله َّإل اهلل» ،والمراد بـ(قولها) أي :بالقلب
يشمل َ
قول َ ألن األصل يف القول إذا ُأطلق أن عقيدةً ،وبال ِّلسان نط ًقا وتل ُّف ًظا؛ َّ
َ
وقول ال ِّلسان؛ كقوله تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [البقرة]136 :؛ ليس القلب
مجر ًدا؛ بل :قولوها بقلوبكم إيمانًا واعتقا ًدا، المراد :قولوها بألسنتكم ً
قول َّ
ْت بِاهلل ِ ُث َّم
وبألسنتكم نط ًقا وتل ُّف ًظا ،ومثله قول النَّبِ ِّي ُ « :Oق ْل َآمن ُ
ْاست َِق ْم»(.)1
« َف َأ ْع َل َهاَ :ق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» أي :أعلى شعب اإليمان أن يقول« :ال إله َّإل
مجر ًدا ،ولم اهلل» عن عقيدة وإيمان وتوحيد ،أ َّما إذا قال« :ال إله َّإل اهلل» ً
قول َّ
يح ِّقق التَّوحيد ا َّل ِذي د َّلت عليه؛ فإنَّها ال تنفعه.
وع َظم شأن هذه الكلمة ومن فوائد هذا الحديث :فضل «ال إله َّإل اهلل» ِ
وش َعبِه
أيضا من الدَّ الئل على تفاوت النَّاس يف اإليمان ُ
وهذه الخصلة هي ً
ب اإليمان؛ وخصالِه؛ ألنَّك إن نظرت إلى حال النَّاس مع هذه ُّ
الشعبة من ُش َع ِ
تجد أنَّهم يف الجملة ثالثة أقسام:
َّرغيب فيه،
ُ ُّ
الحث على العلم ،والت أن من فوائد هذا الحديث:
الحاصلَّ :
وأهم َّية العناية بمعرفة اإليمان ،ومعرفة ُش َعبه ،وخصاله ُ
الم َتن َِّوعة. ِّ
ومن فوائد هذا الحديثَّ :
أن من اإليمان ما يكون يف القلب ،ومنه ما يكون
بال ِّلسان ،ومنه ما يكون بالجوارح؛ كإماطة األذى عن ال َّطريق؛ فليس اإليمان
السنَّةٌ :-
قول واعتقا ٌد شي ٌء يكون يف القلب فقط؛ بل اإليمان -كما قال أهل ُّ
ٌ
عمل وأيضا
ً ُ
وعمل بالجوارح، قول بال ِّلسان ،واعتقا ُد بالقلب،
وعمل؛ ُ
ٌ
ٌ
أعمال كثيرةٌ؛ منها :الحياء؛ كما يف هذا الحديث. بالقلب ،القلب له
ب اإليمان ،وأراد ما ُي ِعينه على القيام هبا ،واإلكثار هذا و َمن َك ُثرت عليه ُش َع ُ
ول اهللِ!رجل قالَ :يا َر ُس َ أن ً بسرَّ :منها؛ فل ُيكثر من ذكر اهلل؛ ف َعن عبد اهلل بن ٍ
ال ْس َل ِم َقدْ َك ُث َر ْت َع َل َّيَ ،ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأ َت َش َّب ُث بِ ِهَ ،ق َالَ :
«ل َيز َُال إِ َّن َشرائِ َع ْ ِ
َ
ِّرمذي وغيره( ،)2فد َّله Oعلى ُّ ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ اهَّلل ِ» .رواه الت لِ َسان َ
شيء يعينه على شرائع اإلسالم واالستكثار منها؛ وهو ذكر اهلل. ٍ
فإن ِّ
الذكر فمن واظب على ذكر اهلل سبحانه َس ُه َلت عليه َّ
الشرائع والنت؛ َّ َ
ويسهلها عليه،
ِّ من أكرب العون على ال َّطاعة؛ فهو يح ِّبب إلى العبد ال َّطاعة،
ويلذذها له؛ بحيث ال يجد لها كُلف ًة ومش َّقةً.
ِّ
7
حديث:
«مَن قال :أشهد أن ال إله َّإل اهلل»
«م ْن َق َالَ :أ ْش َهدُ َأ ْن ت َ Iق َالَ :ق َال رس ُ ِ عن ُعبادة بن الصامِ ِ
ول اهَّلل ﷺَ : َ ُ َّ َ َ ْ
يك َله ،و َأن محمدً ا عبدُ ه ورسو ُله ،و َأن ِعيسى عبدُ اهَّلل ِ
َل إِ َل َه َّإل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ ُ َ َّ ُ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ ْ
وح ِمنْ ُهَ ،و َأ َّن ا ْل َجنَّ َة َح ٌّقَ ،و َأ َّن الن ََّار َح ٌّق؛
اها إِ َلى َم ْر َي َم َو ُر ٌ
ِ ِِ
َوا ْب ُن َأ َمتهَ ،وكَل َم ُت ُه َأ ْل َق َ
اب ا ْل َجن َِّة ال َّث َمانِ َي ِة َشا َء»(.)1
ي َأ ْب َو ِ ِ
َأ ْد َخ َل ُه اهَّللُ م ْن َأ ِّ
ٌ
حديث عظيم يف بيان أمور اإليمان والعقيدة والتَّوحيد؛ هذا الحديث
ِ
جم ُع أو من َأ َ
جم ِع حديث عظيم الموقع ،وهو َأ َ
ٌ َّووي « :Vهذا
بل قال الن ُّ
األحاديث المشتملة على العقائد»()2؛ ألنَّه اشتمل على أصول العقائد،
لمن قام هبا أصول عظيمةً ،و ُأسسا مبارك ًة ِ ً
ب َتوج ُ ُ ً وتضمن
َّ وأساس الدِّ ين،
أي أبواهبا ال َّثمانية شاء؛ كما أخرب بذلك رسول اهلل
وح َّققها دخول الجنَّة من ِّ
جدير بالمسلم أن ُيعنى هبذا الحديث عناي ًة
ٌ ﷺ يف تمام هذا الحديث؛ ولهذا:
وفهما ،وتطبي ًقا؛ حتَّى يفوز هبذا ال َّثواب العظيم.
ً عظميةً؛ حف ًظا،
بدأ ﷺ هذه األصول بأصل األصول وأعظمها على اإلطالق؛ وهو توحيد
وأهم
ُّ ،]14وهي العروة الوثقى ،وهي كلمة التَّقوى ،وهي أعظم أركان الدِّ ين،
شعب اإليمان ،وهي سبيل الفوز بالجنَّة والنَّجاة من النَّار ،وهي كلمة َّ
الشهادة،
السعادة ،وأصل الدِّ ين ،وأساسه ،ورأس أمره.
ومفتاح دار َّ
وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدِّ ين :فوق ما يص ُفه الواصفون ويعرفه
العارفون﴿ ،ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
وهي دا َّلة على توحيد اهلل ،ووجوب إفراده وحده بالعبادة ،وداللتُها على
التَّوحيد :بالنَّفي واإلثبات ،وهما ركنان لهذه الكلمة وال توحيد َّإل هبما؛
موحدً ا
«إل اهلل» ،وال يكون المر ُء ِّ
النَّفي يف قوله« :ال إله» ،واإلثبات يف قولهَّ :
َّإل بالنَّفي واإلثبات ا َّل ِذين جاء يف هذه الكلمة؛ ِ
نفي العبادة عن ك ُِّل َمن سوى
ِ
وإثبات العبادة ب ُك ِّل معانيها هلل وحده. اهلل،
الشأن يف «ال إله َّإل اهلل»؛ ال ُتقبل َّإل إذا قام العبد بشروطها
والسنَّة ،وهكذا َّ
ُّ
والسنَّة.
المعلومة يف الكتاب ُّ
أهم َّية العناية بشروط «ال إله َّإل اهلل» وقد أشار سل ُفنا َّ
الصالح Xإلى ِّ
ووجوب االلتزام هبا ،وأنَّها ال ُتقبل َّإل بذلك؛ ومن ذلك ما جاء عن الحسن
ناسا يقولونَ « :من قال :ال إله َّإل اهلل دخل
إن ًالبصري :Vأنَّه قيل لهَّ :
ِّ
وفرضها دخل الجنَّة»(.)1
َ الجنَّة» ،فقالَ « :من قال :ال إله َّإل اهلل فأ َّدى ح َّقها
«و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه» :هذه شهادة للنَّبِ ِّي ﷺ بالعبود َّية
قولهَ :
اهلل
أتم تكميل؛ فع َبد َ كمل نب ُّينا Oمقام العبود َّية َّ وبالرسالة ،وقد َِّّ
حتَّى أتاه اليقين صلوات اهلل وسالمه عليه ،وكان Oيف عباداته قدو ًة
للمتَّقين ﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
المؤمنين ،وأسوة ُ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [األحزاب ،]21 :وما من مقا ٍم من مقامات العبادة إال
ٍ
عبادة قدوةً، وتممه ،Oوأتى به على الوفاء والتَّمام؛ فكان يف ِّ
كل َّ
ٍ
طاعة أسوةً. ويف ِّ
كل
فمن شهد أنَّه رسول اهلل ﷺ :لزمه أن يطيعه فيما أمر ،وأن يصدِّ قه فيما
َ
عما هنى عنه وزجر ،وأن ال ُيعبدَ اهلل َّإل بما شرع.
أخرب ،وأن ينتهي َّ
وهاتان َّ
الشهادتان لهما شأن عظيم ،ومكانة عل َّية؛ فعليهما قيام دين اهلل،
َ
دخول لجنَّته؛ فوز برضا اهلل وال
السعادة ،وال نجا َة للعبد وال َ
وهما مفتاح َّ
محمدً ا رسول اهلل»؛ وأن ِ
«شهادة أن ال إله َّإل اهلل َّ َّإل هبذا المفتاح العظيم:
َّ
عبد بين يدي اهلل Cحتَّى ُيسأل عن ولهذا فإنَّه يف يوم القيامة ال تزول قدما ٍ
َ
مسألتين عظيمتين« :ماذا كنتم تعبدون؟» ،و«ماذا أجبتم المرسلين؟» وجواب
السؤال
وإخالصا ،وجواب ُّ
ً األول« :شهادة ال إله َّإل اهلل» معرف ًة وتحقي ًقا
َّ
محمدً ا رسول اهلل» معرف ًة وتحقي ًقا وانقيا ًدا. ال َّثاين« :شهادة َّ
أن َّ
قائما على هذين األصلين العظيمين :لم يقبل اهلل منه
و َمن لم يكن دينه ً
«أنَا َأ ْغنَى
عمل ،ولم ينتفع بطاعة ،وقد قال اهلل Cيف الحديث القدسيَ :
ِّ ً
( )7حديث« :مَن قال :أشهد أن ال إله َّإل اهلل»
65
ِ
َع ْبدُ اهلل َو َر ُسو ُل ُه» ،والعبد ال ُيع َبد وال ُي َؤ َّلهَّ ،
والرسول ال ُيج َفى و ُي َّ
كذب؛ بل
طاع و ُيتَّبع.
ُي ُ
ِ
أن «وكَل َم ُت ُه َأ ْل َق َ
اها إِ َلى َم ْر َي َم» :عيسى Sكلمة اهلل ،ومعنى َّ قولهَ :
عيسى كلمة اهلل :أي أنَّه أ َث ُر الكلمة ،ال أنَّه نفس الكلمة ،وقيل له :كلمة اهلل؛
ألنَّه بالكلمة كان كما قال تعالى﴿ :ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [آل عمران]59 :؛ فليس عيسى هو كلم ُة (كن)؛ ولكنَّه
هبذه الكلمة كان ،قال اهلل :كن؛ فكان؛ ولهذا قيل له كلمة اهلل.
وح ِّمنْ ُه» أي :من األرواح ا َّلتِي خلقها اهلل ،Dول ُك ِّل واحد من قولهُ :
«ر ٌ
روح مخلوقة خلقها اهلل ،Dوروح عيسى هي كذلك من األرواح بني آدم ٌ
المخلوقة ا َّلتِي خلقها اهلل ،Cوأضافها اهلل إليه تشري ًفا لروح عيسى ،S
وح ِّمنْ ُه» أي :خل ًقا ،كما يف قوله :D روح من األرواح المخلوقةُ ،
«ر ٌ َّ
وإل؛ فهي ٌ
﴿ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [الجاثية]13 :؛ ﴿ﰍ﴾ أي :خل ًقا.
غلو وال
الرسول العظيم S؛ ال َّ
فهذه العقيدة القويمة يف شأن هذا َّ
توس ٌط واعتدال.
جفاء؛ وإنَّما ُّ
بأن
حق ،ويدخل تحت اإليمان َّ الجنَّة َح ٌّق» أي :وشهد َّ
أن الجنَّة ٌّ «و ََ
حق :اإليمان َّ
بأن الجنَّة مخلوقة ،وأنَّها موجودة ،أعدَّ ها اهلل E الجنَّة ٌّ
وأن فيها من النَّعيم المقيم ،وال َّثواب العظيم ما ال عي ٌن رأت ،وال ٌ
أذن للمتَّقينَّ ،
ُ
سمعت ،وال خطر على قلب بشر ،واإليمان ب ُك ِّل صنوف النَّعيم وأنواع المنن
ا َّلتِي أعدَّ ها اهلل Eألهل الجنَّة يف الجنَّة.
أحاديث اإلميان
66
8
حديثَّ :
«إن اهلل ال ينام»
س ول اهللِ ﷺ بِ َخ ْم ِ األشعري Iقالَ :قا َم فِينَا َر ُس ُ ِّ عن أبي موسى
ات َف َق َال« :إِ َّن اهللَ َل َينَا ُمَ ،و َل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َمَ ،يخْ ِف ُض ا ْل ِق ْس َط َو َي ْر َف ُع ُه، كَلِم ٍ
َ
ار َق ْب َل َع َم ِل ال َّل ْي ِلِ ،ح َجا ُب ُه ارَ ،و َع َم ُل الن ََّه ِ ُي ْر َف ُع إِ َل ْي ِه َع َم ُل ال َّل ْي ِل َق ْب َل َع َم ِل الن ََّه ِ
ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه ِم ْن َخ ْل ِق ِه»(.)1 ت ُس ُب َح ُ ُّورَ ،ل ْو ك ََش َف ُه َلَ ْح َر َق ْ الن ُ
وخاصة االعتقاد
َّ هذا الحديث من َأ َ
جم ِع األحاديث يف اإليمان واالعتقاد،
يف اهلل Eإيمانًا به سبحانه ،وبصفاته العظيمة ،و ُن ُعوته الجليلة ،وما من
شك َّ
أن هذه المعرفة باهلل Dهي أساس الهداية والفالح يف الدُّ نيا واآلخرة؛ ٍّ
ب ،وعنف ،ولعبادته َأ ْط َل َ
ف؛ كان منه َأ ْخ َو َ فإن العبد ُك َّلما كان باهلل َأ َ
عر َ َّ
الركائز ا َّلتِي تبنى عليها دعواتمعصيته َأ ْب َعدَ ،فال َغ ْر َو أن يكون من أعظم َّ
بالر ِّب العظيم؛ تعري ًفا بأسمائه
النَّب ِّيين عليهم صلوات اهلل وسالمه :التَّعريف َّ
الحسنى ،وصفاته العليا ،ونعوته العظيمة.
وهذه المعرفة هي بوابة الهداية واإلقبال على اهلل D؛ طاعةً ،وخضو ًعا،
وتذ ُّل ًل ،وانقيا ًدا ألمره .E
الكرسي
ِّ ُجمعت يف هذا الحديث العظيم؛ نجد أنَّها تلتقي مع ما جاء يف آية
الشريف العظيم؛ باب التَّعريفوما جاء يف آي القرآن األخرى يف هذا الباب َّ
بالر ِّب .E
َّ
ويف هذا المقام َيجدُ ر التَّنبيه إلى ٍ
أمر جلي ِل ال َقدر؛ أال وهو :أثر َّ
صحة
((( انظر :مرقاة المفاتيح (.)166 /1 ((( أخرجه مسلم (.)810
أحاديث اإلميان
70
ِ
فإن المعتقد ك َّلما َّ
صح معرف ًة السلوك؛ َّ
االعتقاد على استقامة العمل وصالح ُّ
باهلل ،Eوإيمانًا به ،وأوصافه العظيمة ،وصفاته الجليلة؛ كان يف ذلك
ً
امتثال ألمره واجتنا ًبا لنهيه الر ِّب
أكرب معونة للعبد على إقامة نفسه على طاعة َّ
.E
َ
نصف جمل آية الكرسي ،وهي خمس جمل؛
َ وقد انتظم هذا الحديث
ُج َم ٌل َّ
تام ٌة وافي ٌة بالتَّعريف باهلل :E
الجملة األولى :قوله « :Oإِ َّن اهللَ َ Dل َينَا ُم»؛ أي :أنَّه E
للراحة
محتاج َّ
ٌ نقص ،وإنَّما ينام َمن هو ُمن ََّز ٌه عن النَّوم وعن مقدِّ ماته؛ َّ
ألن النَّوم ٌ
فإن َمن نام ُ
يقول والخالص من العناء والتَّعب ،والنَّو ُم موت ٌة صغرى؛ ولهذا َّ
«الح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعدَ َما َأ َما َتنَا» ،وهو ٌ
دليل على بعد قيامه من نومهَ :
غني
نقص هذا اإلنسان ،وضعفه ،وفقره ،وحاجته ،وأ َّما اهلل E؛ فإنَّه ٌّ
نقص .E ٍ أي ٍ ٍ ِغنًى ذات ًّيا من ِّ
كل وجه ،وال يلحقه يف شيء من صفاته َّ
حياة اهلل ،E ِ ِ
كمال إثبات
ُ ويف قول النَّبِ ِّي ﷺ عن اهلل َ
«ل َينَا ُم»:
الكرسي -أعظم آية يف كمال ق ُّيوم َّيته D؛ ولهذا قال اهلل يف آية ِ وإثبات
ُ
ِّ
القرآن﴿ :-ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [البقرة.]255 :
والسنَة :هي بدايات النَّوم ومقدِّ ماته -وهو النُّعاس ،-واهلل ُمن ََّز ٌه عن ذلك
ِّ
الحي الحياة الكاملة ا َّلتِي لم يسبقها
ُّ ك ِّله؛ لكمال حياته ،وكمال ق ُّيوم َّيته؛ فهو
عدم ،وال يلحقها فناء ،وال يعرتيها نقص ،وال تلحقها آفة من اآلفات.
العبوديات
َّ وهذه المعرفة باهلل Eتدعو العبد إلى أنواع كثيرة من
وحسن اإلقبال على اهلل:
«الزهد» (.)769
((( أخرجه اإلمام أحمد يف ُّ
( )8حديثَّ :
«إن اهلل ال ينام»
73
الرفع إنَّما يكون إلى أعلى ،وفيه ألن َّ ارَ ،و َع َم ُل الن ََّه ِ
ار َق ْب َل َع َم ِل ال َّل ْي ِل»؛ َّ الن ََّه ِ
عرض األعمال على اهلل ،Eأعمال النَّهار ُتر َفع إلى اهلل و ُت َ
عرض عليه ْ
ومما ُي َو ِّضح قبل ال َّليل ،وأعمال ال َّليل ُتر َفع إلى اهلل و ُت َ
عرض عليه قبل النَّهارَّ ،
«الصحيحين» عن نب ِّينا O
هذا المعنى يف هذا الحديث :ما جاء يف َّ
ون فِي َص َل ِة ارَ ،و َي ْجت َِم ُع َ
ون فِيك ُْم َم َلئِ َك ٌة بِال َّل ْي ِل َو َم َلئِ َك ٌة بِالن ََّه ِ
«ي َت َعا َق ُب َ
أنَّه قالَ :
ي إِ َلى اهللَِ -ف َي ْس َأ ُل ُه ْم َو ُه َو ين َباتُوا فِيك ُْم َ
-أ ْ
ِ ِ
ال َف ْجرِ َو َص َلة ال َع ْصرُِ ،ث َّم َي ْع ُر ُج ا َّلذ َ
ف تَر ْكتُم ِعب ِ ِ
َاه ْم ادي؟ َف َي ُقو ُل َ
ون :ت ََر ْكن ُ َأ ْع َل ُم Eبِ ِه ْم َو َأ ْع َل ُم من ُْه ْمَ :ك ْي َ َ ْ َ
ون»(.)1 ونَ ،و َأ َت ْين ُ
َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ َو ُه ْم ُي َص ُّل َ
أمسيت ال
َ وهذا يدعو العبد إلى اإلصالح من شأن نفسه وأعماله؛ فإذا
ِ
تنتظر المساء ،وكن مسار ًعا يف العمل ومساب ًقا أصبحت ال
َ الصباح ،وإذا ِ
تنتظر َّ
ألن عمل ال َّليل ُير َفع قبل النَّهار ،وعمل النَّهار ُير َفع قبل ال َّليل؛
إلى الخيرات؛ َّ
ترفعه المالئكة.
ُّور»؛ َّ
والضمير عائد إلى اهلل ،وهذا فيه إثبات الحجاب ِ
قال« :ح َجا ُب ُه الن ُ
البخاري ( ،)555ومسلم (.)632
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
74
ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه وذكر الحكمة منه؛ قالَ « :ل ْو ك ََش َف ُه َلَ ْح َر َق ْ
ت ُس ُب َح ُ
ِِ ِ
والسفل َّية؛محيط بجميع المخلوقات ال ُع ْلو َّية ُّ ٌ م ْن َخ ْلقه» ،وبصره E
9
وحينما يعرف المخلوق خالقه ،ور َّبه ،وس ِّيده ،وبارئه ،ومواله؛ فيت َع َّرف
على عظمته ،وجالله ،وجماله ،وكربيائه ،ويت َع َّرف على أسمائه الحسنى،
وسنَّة رسوله ﷺ؛ ُي َح ِّقق بذلك إيمانه.
وصفاته ال ُعال يف ضوء كتاب اهللُ ،
ونصوص متضافرة ،فيها الدَّ عوة إلى معرفة اهلل،
ٌ آيات متكاثرة،
ويف القران ٌ
ومعرفة أسمائه الحسنى ،وصفاته ال ُعال ،وبيان ما يرت َّتب على هذه المعرفة من
الرشيدة ،والمآالت ال َّ
ط ِّيبة؛ يقول اهلل تعالى﴿ :ﭳ اآلثار الحميدة ،والعواقب َّ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾
ولقد ن َّبه العلماء :Xأنَّه ليس المرا ُد بإحصاء أسماء اهلل عَدَّ حروفها
ٍ
فقط ،بال فقه لها أو عم ٍل هبا؛ بل ال بدَّ يف ذلك من فهم معناها والمراد هبا ً
فهما
ثم العمل بما تقتضيه.
سليماَّ ،
ً صحيحا
ً
ِ
المعرفة بأسماء اهلل تعالى لمنكي « :Vمن تما ِم قال أبو عمر ال ّط
ُّ
يستحق هبا الدَّ اعي والحافظ ما قال رسول اهلل ﷺ :المعرفة
ُّ وصفاتِه ا َّلتِي
تتضمن من الفوائد ،وما ُّ
تدل عليه من الحقائق ،و َمن َّ والصفات وما
باألسماء ِّ
عالما لمعاين األسماء ،وال مستفيدً ا بذكرها ما ُّ
تدل عليه لم يعلم ذلك؛ لم يكن ً
من المعاين»(.)1
أن تمام المعرفة باألسماء الحسنى ،وا َّلتِي ينال الدَّ اعي هبا
فن َّبه Vإلى َّ
هلل هبا هذا ال َّثواب العظيم الوارد يف الحديث :إنَّما يكون بالمعرفة باألسماء،
تدل عليه من الحقائق ،ال عدُّ ها فقط دون ٍ
فهم تتضمنه من الفوائد ،وما ُّ
َّ وبما
لها ،أو علم بما ُّ
تدل عليه.
مراتب،
َ َ
ثالث أن إلحصاء أسماء اهلل الحسنى
وذكر ابن الق ِّيم َّ V
ثواب اهلل العظيم المذكور يف حديث رسول اهلل
َ بتكميلها وتحقيقها ينال العبدُ
ﷺ المتقدِّ م:
سعدي (ص.)26
ِّ ((( انظر :التَّوضيح والبيان البن
أحاديث اإلميان
78
َّ
املرتبة الثانية :فهم معانيها ومدلوالهتا.
َّ
املرتبة الثالثة :دعاء اهلل هبا ،وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة.
أصل «لما كان هذا النَّوع هو ُ عدي َّ :V الس ُّ الرحمن ِّ الشيخ عبد َّ قال َّ
الصحيح« :إِ َّن
وأعظمه وأج ُّله؛ قال النَّبِ ُّي ﷺ يف الحديث َّ ُ اإليمان بالغيب،
ِ ِ ِ ِ ِِ
الجنَّةَ»؛ أيَ :ض َب َط ين ْاس ًما ،م َئ ًة إِ َّل َواحدً اَ ،م ْن َأ ْح َص َ
اها َد َخ َل َ هلل ت ْس َع ًة َوت ْسع َ
وتقرب بمعرفتها ألفاظها ،وأحصى معانيها ،وتع َّقلها يف قلبه ،وتع َّبد اهلل هباَّ ،
رب العالمين»(.)1
إلى ِّ
فإن من أنفع ما يكون للعبد يف هذا الباب :مطالع ُة ُمقت ََض َيات وعليه؛ َّ
اسم من أسماء اهلل الحسنى كل ٍ األسماء الحسنى ،والتَّأ ُّمل يف موج َباتِها؛ َّ
فإن َّ
آثاره من الخلق والتَّكوين.
يقتضي َ
مهم ًل مع َّط ًل ،ال فاسمه «الحميد المجيد» :يمنع َ
ترك اإلنسان سدً ى َ
ُيؤمر وال ُي َنهى ،وال ُيثاب وال ُيعاقب ،وكذلك اسمه «الحكيم» :يأبى ذلك،
«الحي» :يمنع أن يكون ُمع َّط ًل من الفعل ،بل
ُّ وكذلك اسمه «الملك» ،واسمه
حي ف َّعال ،وكونه سبحانه خال ًقا ق ُّيو ًما من ُموج َبات ُ ُّ
حقيقة الحياة الفعل ،فكل ٍّ
حياته و ُم ْقت ََض َياهتا ،واسمه َّ
«السميع البصير» :يوجب مسمو ًعا و َمرئ ًّيا ،واسمه
«الخالق» :يقتضي مخلو ًقا ،وكذلك َّ
«الرزَّاق» ،واسمه «الملك» :يقتضي مملكةً،
سعدي (ص.)26
ِّ ((( انظر :التَّوضيح والبيان البن
امسا» ( )9حديثَّ :
«إن هلل تسعة وتسعني ً
79
ً
وعدل ،وثوا ًبا ،وعقا ًبا ،واسم وتدبيرا ،وإعطا ًء ،ومن ًعا ،وإحسانًا،
ً وتصر ًفا،
ُّ
وموج َباتِها ،واسم
َ آثارها
«ال َب ُّر المحسن المعطي المنَّان» ونحوها :تقتضي َ
«الغ َّفار الت ََّّواب الع ُف ُّو» :يقتضي وجو َد جناية من األمم ُتغ َفر ،وتوب ًة ُتق َبل،
وذنوبا ُيع َفى عنها ،وهكذا َّ
الشأن يف جميع أسمائه الحسنى.
إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته ،و ُيثنُوا عليه هبا ،ويأخذوا بح ِّظهم من عبود َّيتها،
ظهور آثارها يف خلقه؛ َّ
فإن ذلك من َ ويحب
ُّ يحب أسماءه وصفاته،
وهو ُّ C
َّبصر بأسمائه وصفاته.
لوازم كماله ،وفتح سبحانه لعباده أبواب معرفته ،والت ُّ
خاص ٌة هي من
وكل صفة من صفاته له عبود َّي ٌة َّ وكل ٍ
اسم من أسماء اهلل َّ ُّ
ُمقت ََض َياتِها ،ومن موجبات العلم هبا ،والتَّح ُّقق بمعرفتها ،وهذا ُم َّط ِر ٌد يف جميع
بتفرد
أن العبد إذا علم ُّ أنواع العبود َّية ا َّلتي على القلب والجوارح ،وبيان ذلكَّ :
والرزق ،واإلحياء،
بالض ِّر ،والنَّفع ،والعطاء ،والمنع ،والخلقِّ ،
الر ِّب تعالى ُّ
َّ
يثمر له عبود َّي َة التَّوكُّل على اهلل باطنًا ،ولوازم التَّوكُّل واإلماتة؛ َّ
فإن ذلك ُ
ظاهرا.
ً وثمراته
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ﴾ [اإلسراء:
ِ ِ
،]111وقال تعالى فيما رواه عنه رسوله ﷺ« :يا ع َبادي! إِ َّنك ُْم َل ْن َت ْب ُلغُوا ِّ
ضري
فت َُض ُّرونِي ،و َل ْن َت ْب ُلغُوا َن ْف ِعي َف َتنْ َف ُعونِي»(.)1
َ
وإنزال قو َة رجائه باهلل ،وطم َعه فيما عنده،
فإذا علم العبد ذلك :أثمر فيه َّ
وإظهار افتقاره إليه ،واحتياجه له ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
َ جميع حوائجه به،
ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [فاطر ،]15 :والرجاء ي ِ
ثم ُر أنواع العبود َّية ال َّظاهرة ُ َّ
والباطنة؛ بحسب معرفة العبد وعلمه.
((( أخرجه مسلم (.)2577
أحاديث اإلميان
82
أن العبودية بجميع أنواعها راجع ٌة إلى مقت ََضي ِ
ات األسماء وهبذا ُيع َلم َّ
َ ُ َّ
ف أسماءه ف ر َّبهِ ،
ويعر َ مسلم أن ِ
يعر َ ٍ كل ٍ
عبد والصفات؛ ولهذا فإنَّه يتأكَّد على ِِّّ
وآثارها ،وموجبات
َ تضمنتْه
َّ وصفاته؛ معرف ًة صحيح ًة سليمةً ،وأن يعلم ما
ويكم ُل نصيبه من الخير.
ُ العلم هبا؛ فبهذا ي ْع ُظم ُّ
حظ العبد،
( )10حديث«:أتدري ما ُّ
حق اهلل على العباد؟»
83
10
ف النَّبِي ﷺ َع َلى ِح َم ٍ
ار ُي َق ُال َل ُهُ :ع َف ْي ٌر، اذ َ Iق َالُ :كن ُْت ِر ْد َ َعن مع ٍ
ْ َُ
ِّ
اد َع َلى اهللِ؟» ُق ْل ُت: اد ِه ،وما ح ُّق ا ْل ِعب ِ
َ ََ َ
َف َق َال« :يا معا ُذ! ه ْل تَدْ ِري ح َّق اهلل ِ ع َلى ِعب ِ
َ َ َ َ ُ َ َ
ادَ :أ ْن َي ْع ُبدُ و ُه َو َل ُي ْشرِكُوا بِه اهَّلل ورسو ُله َأ ْع َلمَ ،ق َالَ « :فإِ َّن ح َّق اهلل ِ ع َلى ا ْل ِعب ِ
َ َ َ ُ ُ ََ ُ ُ
اد َع َلى اهللَِ :أ ْن َل ُي َع ِّذ َب َم ْن َل ُي ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»َ ،ف ُق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
ول َشيئًا ،وح َّق ا ْل ِعب ِ
َ ْ َ َ
«ل ُت َب ِّش ْر ُه ْم َف َيتَّكِ ُلوا»(.)1 ِ ِ
اهلل! َأ َف َل ُأ َب ِّش ُر بِه الن َ
َّاس؟ َق َالَ :
أجل فوائده :أنَّه يمنع الخلود يف النَّار إذا كان يف القلب منه أدنى مثقال
ومن ّ
ِ
ح َّب ٍة خردل ،وأنَّه إذا ك َُم َل يف القلب يمنع دخول النَّار بال ُك ِّل َّية.
ومنها :أنَّه يحصل لصاحبه الهدى الكامل ،واألمن التَّا ُّم يف الدُّ نيا واآلخرة.
فك َّلما َق ِو َي التَّوحيد واإلخالص هلل؛ ك َُم َلت هذه األمور َّ
وتمت.
أن التَّوحيد إذا ك َُم َل يف القلب َح َّبب اهلل لصاحبه اإليمان ،وز َّينه يف
ومنهاَّ :
ويهون عليه اآلالم؛ فبحسب تكميل ومنها :أنَّه يخ ِّفف على العبد المكارهِّ ،
ونفس مطمئن ٍَّة،
ٍ العبد للتَّوحيد واإليمان :يتل َّقى المكاره واآلالم ٍ
بقلب منشرحٍ ،
ورضى بأقدار اهلل المؤلمة. ٍ
وتسليم ً
لت حال أكثر النَّاس؛ وجد َتهم بضدِّ ذلك؛ ينظرون يف ح ِّقهموإذا تأ َّم َ
ج َبت وح ِ
حق اهلل عليهم ،ومن ههنا انقطعوا عن اهللُ ،
على اهلل وال ينظرون يف ِّ
قلوهبم عن معرفته ،ومح َّبتهَّ ،
والشوق إلى لقائه ،والتَّن ُّعم بذكره ،وهذا غاية
جهل اإلنسان بر ِّبه وبنفسه.
َّ
ثم َن َظ ُر ُه هل قام
حق اهلل عليه َّأو ًلَّ ،
فمحاسبة النفس :هو نظر العبد يف ِّ
الفكر يف ذلك؛ فإنَّه يس ِّير القلب إلى اهلل،
ُ ُ
وأفضل الفكر: به كما ينبغي ثان ًيا؟
ِ
َسرا فيه ج ْب ُره ،ومفتق ًرا َف ً
قرا فيه غناه، منكسرا ك ً
ً ويطرحه بين يديه ً
ذليل خاض ًعا
عزه ،ولو عمل من األعمال ما عساه أن يعمل فإنَّه إذا فاته هذا؛ وذليل ًّ
ذل فيه ُّ ً
فا َّل ِذي فاته من البِ ِّر أفضل من ا َّل ِذي أتى به»(.)1
11
السماء»
حديث« :إذا قضى اهلل األمر يف َّ
عن َأبِي ُه َر ْي َر َة Iقال :إِ َّن َنبِ َّي اهللِ ﷺ َق َال« :إِ َذا َق َضى اهَّللُ ْالَ ْم َر فِي
ان، ت ا ْل َم َلئِ َك ُة بِ َأ ْجن ِ َحتِ ِها ُخ ْض َعانًا لِ َق ْولِ ِه ،ك ََأ َّن ُه ِس ْل ِس َل ٌة َع َلى َص ْف َو ٍ
اء َضرب ِ
ََ
السم ِ
َّ َ
َفإِ َذا ُفز َِّع َع ْن ُق ُلوبِ ِه ْم َقا ُلواَ :ما َذا َق َال َر ُّبك ُْم؟ َقا ُلوا لِ َّل ِذي َق َال :ا ْل َح َّقَ ،و ُه َو ا ْل َع ِل ُّي
ا ْل َكبِ ُير»(.)1
البخاري (.)4800
ُّ ((( أخرجه
السماء»
( )11حديث«:إذا قضى اهلل األمر يف َّ
91
ﭩ﴾ [سبأ ]23 :أي :حتَّى إذا زال الفزع ،وذهب عن قلوب المالئكة ،وأفاقوا
والصعق ا َّل ِذي حصل لهم؛ يسألون جربيل :ماذا قال اهلل؟ فيقول
َّ الغشي
ِّ من
الحق.
لهم جربيل :قال اهلل كذا وكذا؛ أي :من ِّ
وينبغي أن ُيع َلم َّ
أن هذه اآلية جاءت يف مساق إبطال ِّ
الشرك ،وإقامة
الرباهين على وجوب توحيد اهلل ،وإخالص الدِّ ين له سبحانه؛ ولهذاَّ :
فإن من
السياق ا َّل ِذي وردت فيه ،وقد قال اهلل َ Dقب َلها﴿ :ﯯ ﯰ
تمام فهمها؛ َف ْه ُم ِّ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [سبأ.]23-22 :
ِ
اهلل Fما
عصون َ
وجنْدٌ من ُجنوده ،ال َي ُ خلق من خ ْل ِق اهلل ُ ،D وهم ٌ
أ َم َرهم ويفعلون ما ُيؤ َمرون ،ال َيع َل ُم عدَّ َتهم إلَّ ا َّل ِذي َخ َل َقهم سبحانه.
جربيل ،وميكائيل ،وإسرافيل ،ومالك ،و ُمن َكر ،ونَكِير؛ فهذه األسما ُء التَّفصيل َّي ُة
ِ
تفصيل كما وردت ،وما ً السنَّة :نؤم ُن هبا
ور َد ْت يف ُّ ا َّلتي َ
ور َد ْت يف الكتاب ،أو َ
أن هلل Dمالئكة، إجمال؛ فنؤمن َّ
ً تفصيل :نُؤم ُن به
ً ت من أسمائهم لم ْيأ ِ
اهلل أع َل ُم هبا ،ونؤمن كذلك باألسماء ا َّلتِي تشملهم ك َّلهم؛ مثل: ولهم أسما ٌء ُ
المالئكة؛ وقد ورد هذا االسم يف القرآن يف ستِّين موض ًعا ،والكرا ِم ال َب َر َرة،
المالئكة فيما يتع َّلق بأسمائهم: ً
تفصيل عن َ والس َف َرةُّ ،
فكل ما جاء ور ُسل اهللَّ ،
ُ
نؤمن به.
فصل ًة
تفصيل بما جاءت به النُّصوص؛ ُم ًِّ وأما أوصاف المالئكة :فنُؤم ُن
َّ
ت من ال َّت َفاصيل يف أوصافهم :نؤمن به يف ذكر أوصاف المالئكة ،وما لم ي ْأ ِ
َ
كتاب وال سن ٍَّة.
ٍ إجمال ،وال نخوض يف تفاصيل ال َ
دليل عليها من ً
الصحيح ِ
الحديث َّ المالئكة َعلى َوجه التَّفصيلَ :ما َجاء يف َ َوم ْن أوصاف َ
من َح َم َل ِة ِ ِ ِ ٍ «أ ِذ َن لِي َأ ْن ُأ َحدِّ َ َعن نب ِّينا ﷺ أنَّه قالُ :
ث َع ْن َم َلك ْ
من َم َلئكَة اهلل ْ
ش؛ إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى َعاتِ ِق ِه َم ِس َير ُة َس ْب ِعمائ َِة َعام».
ال َع ْر ِ
ورتِ ِهَ ،و َل ُه ِست ُِّمائ َِة َجنَاحٍ ،ك ُُّل َجنَاحٍ ِمن َْها َقدْ َسدَّ ْالُ ُف َقَ ،ي ْس ُق ُط
يل في ُص َ
ﷺ ِجبرِ َ ِ
ْ
ِ ِ َاح ِه ِم َن الت ََّه ِ
ِمن جن ِ
ليم»(.)1 يل َوالدُّ ِّر َوا ْل َيا ُقوت َما اهللُ بِه َع ٌ او ِ ْ َ
تدل على َع َظ ِ
مة هذه المخلوقات، أوصاف عظيم ٌة ُّ
ٌ خلق عظيم ،لهم
فهم ٌ ُ
وقوتِها ،وكِ َب ِر أجسامها.
َّ
بأن عدَ َدهم ال ُيحصيه َّإل ا َّل ِذي إجم ًال :فنؤم ُن َّ وأما أعدا ُد المالئكة َ َّ
ِ ومما ُّ
الكثرة يدل على هذه خل َقهم ﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [المدثرَّ ،]31 :
َّبي Oحيث قالُ « :ث َّم ُرفِ َع لِي ِّ ن بال اإلسراء ُ
ة قص
َّ الئكة: للم
َ
الع ِ
ظيمة َ
ورَ ،يدْ ُخ ُل ُه
الم ْع ُم ُ
ت َ يل! َما َه َذا؟» َق َالَ :ه َذا ال َب ْي ُ «يا ِج ْبرِ ُ
تَ : ورَ ،ف ُق ْل ُ
الم ْع ُم ُ
ت َ ال َب ْي ُ
ك ،إِ َذا َخرجوا م ْنه َلم يعودوا فِ ِيه ِ
آخ ُر َما َع َل ْي ِه ْم»(.)2 ف م َل ٍ
ُ ْ َُ ُ َ ُ ون أ ْل َ َ
ك َُّل َي ْو ٍم َس ْب ُع َ
أن تَئِ َّط؛ َما فِ َيها َم ْو ِض ُع َأ ْر َب ِع وقال ِ َ :O
«أ َّطت َّ
الس َما ُءَ ،و ُح َّق َل َها ْ
اجدً ا هلل ِ»(.)3 كو ِ
اض ٌع َج ْب َه َت ُه َس ِ َأ َصابِ َع إِ َّل َو َم َل ٌ َ
ِ
وردت؛ المت َع ِّل َقة َ
بالمالئكة على التَّفصيل كما َ وتفصيل :نؤم ُن باألعداد ُ
ً
َّبي
كقول اهلل سبحانه﴿ :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [الحاقة ،]17 :وقول الن ِّ
َّ
إجمالُ :
فهم ُجنْدٌ هلل َ ،Dوعبا ٌد ً ُ
وظائف المالئكة وأعمالهم وأما
َّ
((( أخرجه أحمد ( )3748و(.)3915
البخاري ( ،)3207ومسلم ( ،)164وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه
وحسنه األلبانِ ُّي.
َّ ِّرمذي (،)2312
ُّ ((( أخرجه ابن ماجه ( ،)4190والت
((( أخرجه مسلم (.)2842
السماء»
( )11حديث«:إذا قضى اهلل األمر يف َّ
95
ِ
بقبض األرواح؛ ﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ َومنهم َم ْن ُهو ُم َوك ٌَّل
[السجدة ،]11 :ومنهم َمن ُهو ُم َوك ٌَّل بحفظ العبد؛ ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
َّ
[الرعدَ ،]11 :ومنهم َمن ُهو ُم َوك ٌَّل بالكتابة﴿ ،ﭿ ﮀ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ َّ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [االنفطار﴿ ،]11-10 :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾
[ق ،]18 :ومنهم َمن هو ُم َوك ٌَّل بال َق ْطرِ ،إلى غير ذلك من وظائف المالئكة ا َّلتِي
وسنَّة نب ِّيه ﷺ؛ ُّ
فكل ذلك نُؤم ُن به. ِ
كتاب اهلل ُ جاءت تفاصيلها يف
تأيضا :ما جاء يف الحديث؛ قال ﷺ« :ما اجتَمع َقوم فِي بي ٍ ومن ذلك ً
َْ َ ْ َ َ ٌْ
السكِينَةُ، َاب اهللَِ ،و َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم ،إِ َّل َن َز َل ْ
ت َع َل ْي ِه ُم َّ ون كت َ
وت اهللِ ،ي ْت ُل َ ِ
َ
من بي ِ
ْ ُُ
يم ْن ِعنْدَ ُه»(.)1 ِ
الم َلئ َكةَُ ،و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ
ِ
الر ْح َمةَُ ،و َح َّفت ُْه ُم َ
ِ
َو َغش َيت ُْه ُم َّ
ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما؛ َس َّه َل اهللُ َل ُه َطرِي ًقا إِ َلى«م ْن َس َل َ وقال ﷺَ :
الب ا ْل ِع ْلمِ»(.)2
الم َلئِ َك َة َلت ََض ُع َأ ْجن ِ َحت ََها ِر ًضا لِ َط ِ ِ
الجنَّةَ ،وإِ َّن َ
َ
فطالب العلم يمشي إلى ِح َل ِق العلم ويجلس فيها ،وال يرى المالئك َة
أجنحتَها لطالب العلم ،وال يراهم وهم يح ُّفون َم َ
جلس العلم َ وهي تضع
الصادق المصدوق، بأجنحتِهم ،لكنَّه ُيؤم ُن بذلك ،وهو منه على ٍ
يقين؛ لخرب َّ َ
أثره على العبد ،وله َو ْق ُعه يف النُّفوس؛ حيث َيست َْش ِع ُر العبدُ يف
وهذا اإليمان له ُ
طلبه للعلم هذه الكرام َة العظيمةَ؛ تشري ًفا لطلب العلمً ،
ورضا بما يصنع.
أن اإليمان هبم أحد أصول اإليمان العظيمة؛ بل ال يتِ ُّم اإليمان
الحاصلَّ :
باهلل وكتبه ورسله َّإل باإليمان هبم ،وقد وصفهم اهلل ِّ
بالصفات العظيمة،
وأنَّهم يف غاية ال ُق َّوة على عبادة اهللَّ ،
والرغبة العظيمة فيها ،وأنَّهم ُي َس ِّبحون
ال َّليل والنَّهار ال يفرتون ،وأنَّهم ال يستكربون عن عبادته ،ويروهنا من أعظم
نِ َع ِمه عليهم ،وأنَّهم ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ كما قال اهلل
سبحانه﴿ :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾
12
حديثَّ :
«اللهم لك احلمد أنت
السموات واألرض» ()1
نور َّ
َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َت َه َّجدَ مِ َن ال َّل ْي ِل َق َال« :ال َّل ُه َّم
اس Lقال :ك َ َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ
ْت َقيم السماو ِ ْت نُور السماو ِ
ات ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ِّ ُ َّ َ َ ضَ ،و َل َ ات َواألَ ْر ِ ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ َل َ
ْت ا ْل َح ُّق، يه َّنَ ،أن َ ض َو َم ْن فِ ِ ات َواألَ ْر ِ ْت رب السماو ِ
ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ َ ُّ َّ َ َ ضَ ،و َل َ َواألَ ْر ِ
ك ا ْل َح ُّقَ ،ولِ َقاؤُ َك ا ْل َح ُّقَ ،وا ْل َجنَّ ُة َح ٌّقَ ،والن َُّار َح ٌّقَ ،والنَّبِ ُّي َ
ون َو َو ْعدُ َك ا ْل َح ُّقَ ،و َق ْو ُل َ
ك تَ ،وإِ َل ْي َ ك ت ََو َّك ْل ُْتَ ،و َع َل ْي َ
ك َآمن ُ تَ ،وبِ َك َأ ْس َل ْم ُالسا َع ُة َح ٌّق ،ال َّل ُه َّم َل َ َح ٌّقَ ،و َّ
تَ ،فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ
تَ ،و َما َأ َّخ ْر ُتَ ،و َما تَ ،وإِ َل ْي َ
ك َحاك َْم ُ اص ْم ُ َأ َن ْب ُ
تَ ،وبِ َ
ك َخ َ
البخاري(َ ،)1و َزا َد يف
ُّ ْت إِ َل ِهي َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ
ْت» .رواه ْتَ ،أن َ َأ ْس َر ْر ُتَ ،و َما َأ ْع َلن ُ
«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»(.)2روايةَ :
َمل على اثنتين وعشرين جملةً ،كان نب ُّينا جامع مشت ٌ
ٌ عظيم
ٌ هذا مت ٌن
أن هذه كل ليلة يستفتح به صال َته من ال َّليل ،وما مِن ٍ
ريب َّ يكرره َّ
ِّ O
-استفتاحا لصالة ال َّليل هباُّ :-
تدل ً المستمرة هبذه الكلمات العظيمات
َّ العناي َة
وهدأة على ِعظم شأهنا ،وجاللة َقدْ رها؛ الس َّيما إذا كانت يف جوف ال َّليلَ ،
وهذه الكلمات ا َّلتِي جاءت يف هذا الحديث العظيم -حديث ابن ع َّباس
يتهجد :-تد ُّلنا دالل ًة واضح ًة
Lفيما كان يقوله نب ُّينا ﷺ إذا قام من ال َّليل َّ
أهم َّية استذكار المسلم ألصول اإليمان ،وعقائد الدِّ ين ،واستحضاره على ِّ
مضي مع يزداد ال بحيث ه؛عمل على تجديد اإليمان ،وتقويته ،وتمتِين ِ لها؛ ً
ِّ
األ َّيام َّإل ُق َّو ًة وثبا ًتا ،واألذكار َّ
الشرع َّية المأثورة عن نب ِّينا الكريم صلوات
وترسخ هذه ِّ وتقوي هذه العقيدة، اهلل وسالمه عليه تأيت لت َُجدِّ د هذا اإليمانِّ ،
األصول العظيمة المباركة يف قلب المسلم ،ويف الحديث يقول النَّبِ ُّي ﷺ:
اس َأ ُلوا اهَّللَ َأ ْن ُي َجدِّ َد ِ ِ ِ «إِ َّن ْ ِ
ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُب؛ َف ْ
يم َ
ال َ
ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(.)1
يم َ ال َِْ
أهم َّية استحضار معاين األذكار ومما ين ِّبه عليه العلماء يف هذا المقامِّ : َّ
الشرع َّية ودالالهتا؛ حتَّى تكون قو َّي َة األثر ،مح ِّقق َة النَّفع والفائدة ،أ َّما إذا كان
َّ
يقولها ألفا ًظا ال يعي معناها ،وال يدري مدلولها ؛فإنَّها -كما قال العلماء
-Xتكون ضعيفة األثر ،إن لم تكن عديمة األثر.
ومن أمثلة حمد اهلل Fعلى النِّعم والهبات قول نب ِّينا ﷺ« :إِ َّن اهللَ
َل َي ْر َضى َع ِن ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل ْالَ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َهاَ ،أ ْو َي ْش َر َب َّ
الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه
َع َل ْي َها»(.)1
تكر ُر
جل يف عاله ،ويف هذا االستفتاح ُّأهل الحمد وال َّثناء َّ
فهو ُ D
مما ُّ
يدل على َّ
أن ِ ِ
والصفات؛ َّ
ِّ األسماء الر ُّب من
حمد عليه َّ
بتكرر ما ُي َ
الحمد ُّ
صحيحا من أعظم ُموجبات قيامه بحمد اهلل على أحسن ً ع ْل َم العبد هبا ً
علما
مر ٍة معنًى َ
آخر؛ -أيضا -اهتما ٌم بشأنه ،ول ُيناط به َّ
كل َّ وجه ،ويف تكرير الحمد ً
الحمد وتعدُّ ِدها.
ِ تنوع موجبات مما ُّ
يدل على ُّ َّ
يه َّن» أي :القائم بشؤون ض َو َم ْن فِ ِ ْت َقيم السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ وقولهَ :
«أن َ ِّ ُ َّ َ َ
وتسخيرا ،وعطا ًء ،ومن ًعا؛ فاألمر بيد
ً وتدبيرا،
ً السماوات واألرض؛ تصري ًفا،
َّ
الر ِّب Fالق ُّيوم.
َّ
السماوات واألرض و َمن فيه َّن؛ ُّ
كل ض» :أي َّ « َقيم السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ
أن َّ ِّ ُ َّ َ َ
هذه الكائنات قائم ٌة بأمر اهلل ،Eقال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ومن أسمائه « :Fالق ُّيوم» ،قد ورد يف ثالثة مواضع من القرآن ،منها:
ويف هذا االسم «الق ُّيوم» إثبات ال َق ُّيوم َّية صف ًة هلل ،وهي كونه ُسبحانه ً
قائما
مقيما لخلقه. ِ
بنفسه ً
السموات واألرض» ()1 َّ
حديث«:اللهم لك احلمد أنت نور َّ ()12
101
ض َو َم ْن فِ ِ
يه َّن» فيه إثبات ْت نُور السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ الح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ
ك َ «و َل َ
وقولهَ :
اسما هلل ،Dوصف ًة له سبحانه.
«النُّور» ً
السماوات واألرض
أن اهلل Eمنير َّ
تضمنه إثبات َّ ومما ُّ
يدل عليه يف ُّ َّ
الحس َّية ،واإلنارة المعنو َّية؛ فاهلل Dنور ﴿ﮩ ﮪ ﮫ
ِّ بقدرته :اإلنارة
وشر ُعه نور ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﮬ﴾ [النُّورْ ،]35 :
[الشورى،]52 :
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ ُّ
والضياء ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾
ورسوله نور؛ ألنَّه يحمل النُّور ِّ
[األحزاب.]46 :
ك السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ ك الحمدُ َأن َ ِ
إثبات َّ
أن ُ ض» فيه ْت َمل ُ َّ َ َ «و َل َ َ ْ
وقولهَ :
ك هلل ،Eوليس له D السماوات واألرض و َمن فيه َّن؛ ك ُّلها مِ ْل ٌ
َّ
ذرة؛ ولهذا قال اهلل ﴿ :Eﯯ ﯰ ٌ
شريك يف الملك ،وال يف مقدار َّ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
فالملك ك ُّله ُم ُ
لك اهلل ،وما ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [سبأُ ،]22 :
ك إنَّما هو بتمليك اهلل Eلهم ،يعطي ويمنع يكون بأيدي النَّاس من م ْل ٍ
ُ
﴿ Dﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
حق،
حق ،ولقاؤه ٌّ حق ،وأخباره ك ُّلها ٌّ
حق ،ووعده ٌّ حق ،ودينه وشرعه ٌّ
وأقواله ٌّ
الحق؛ فال ُيدعى َّإل اهلل ،وال ُيصرف شيء من العبادة َّإل
ِّ وله وحده دعو ُة
للحق المبين ،Eقال اهلل ﴿ :Dﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ِّ
[الحج ،]62 :وقال
ُّ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾
﴿ :Eﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
[الرعد.]14 :
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ َّ
حق؛ فل ُي ِعدَّ لِهذا ال ِّلقاء عُدَّ َته، ﯳ﴾ [البقرة]223 :؛ ومن َعلِ َم َّ
أن لقاء اهلل ٌّ
واهلل Cيقول يف آخر آية من سورة الكهف﴿ :ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ
ُ
ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ﴾ [الكهف]110 :؛ وهذا يد ُّلنا دالل ًة ب ِّين ًة َّ
أن إيمان العبد
وتزو ًدا ليوم المعاد؛ عمل واستعدا ًدا ِ
واستحضاره التَّا ِّم لذلك ُيثمر ً ِ
بلقاء اهلل
ُّ
ولهذا يقول َمن يؤتى كتابه بيمينِه﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [الحا َّقة ،]20:قاله
ذلك اليوم حين نجا من ِ
الخزي ،و َظ َفر بالفوز العظيم. يف َ
َ َ َ
ُ
واإليمان ُ
اإليمان بالجنَّة، الجنَّ ُة َح ٌّقَ ،والن َُّار َح ٌّق»؛ وهذا فيه
«و َقولهَ :
حق وإيمان َّ
بأن النَّار ٌّ ٌ حق أعدَّ ها اهلل ألوليائه وأصفيائه، بأن الجنَّة ٌّ إيمان َّ
ٌ بالنَّار؛
أعدَّ ها اهلل ألعدائه.
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [آل عمران:
عطف عليها بذكر النَّار ،وك َّلما َذكَر َ ،]198 -196فك َّلما َذكَر سبحانه الجنَّة؛
عطف عليهم بذكر أهل الجنَّة؛ تبيانًا لِما أعدَّ يف الجنَّة م َن النَّعيم َ َ
أهل النَّار؛
ألوليائه ،ويف النَّار من ال َعذاب األليم ألعدائه.
أحاديث اإلميان
104
[البقرة.]24 :
وهذه العقيدة يف الجنَّة والنَّار تثمر يف العبد استعدا ًدا باألعمال ا َّلتِي ُت َق ِّرب
إلى الجنَّة ،و ُبعدً ا عن األعمال ا َّلتِي ُت َق ِّرب من النَّار.
السموات واألرض» ()2 َّ
حديث«:اللهم لك احلمد أنت نور َّ ()13
105
13
حديثَّ :
«اللهم لك احلمد أنت
السموات واألرض» ()2
نور َّ
َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َت َه َّجدَ مِ َن ال َّل ْي ِل َق َال« :ال َّل ُه َّم اس َ Lق َال :ك َ َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ
ْت َقيم السماو ِ ْت نُور السماو ِ
ات ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ِّ ُ َّ َ َ ضَ ،و َل َ ات َواألَ ْر ِ ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ َل َ
ْت ا ْل َح ُّق، يه َّنَ ،أن َ ض َو َم ْن فِ ِ ات َواألَ ْر ِ ْت رب السماو ِ
ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ َ ُّ َّ َ َ ضَ ،و َل َ َواألَ ْر ِ
ك ا ْل َح ُّقَ ،ولِ َقاؤُ َك ا ْل َح ُّقَ ،وا ْل َج َّن ُة َح ٌّقَ ،والن َُّار َح ٌّقَ ،وال َّنبِ ُّي َ
ون َو َو ْعدُ َك ا ْل َح ُّقَ ،و َق ْو ُل َ
ك تَ ،وإِ َل ْي َ ك ت ََو َّك ْل ُْتَ ،و َع َل ْي َك َآمن ُ تَ ،وبِ َ ك َأ ْس َل ْم ُ السا َع ُة َح ٌّق ،ال َّل ُه َّم َل َ َح ٌّقَ ،و َّ
تَ ،و َما َأ َّخ ْر ُتَ ،و َما تَ ،فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ ك َحاك َْم ُ تَ ،وإِ َل ْي َ اص ْم ُ ك َخ َ تَ ،وبِ َ َأ َن ْب ُ
البخاري(َ ،)1و َزا َد يف ُّ ْت» رواه ْت إِ َل ِهي َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ ْتَ ،أن َ َأ ْس َر ْر ُتَ ،و َما َأ ْع َلن ُ
«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهلل»(.)2 روايةَ :
ٍ
جملة من فوائد هذا الحديث ،ونستكمل ذكر فوائده. تقدَّ م الكالم على
بالرسل الكرام ،وهو ٌ
أصل من يتضمن اإليمان ُّ
َّ «والنَّبِ ُّي َ
ون َح ٌّق»؛ هذا قولهَ :
فإن اإليمان يقوم على ستَّة أصول:
أصول اإليمان؛ َّ
محمد ﷺ خاتم
بنبوة َّ
الخاص َّ
ُّ «و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّق»؛ هذا فيه اإليمان
قولهَ :
النَّب ِّيين؛ قال تعالى﴿ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ٌ
رسول أرسله اهلل حق؛ أي:
فمحمد ٌّ O
َّ ﯲ﴾ [األحزاب،]40 :
منيرا؛ فب َّلغ البالغ
وسراجا ً
ً ونذيرا ،وداع ًيا إلى اهلل بإذنه
ً بشيرا
بالحق والهدىً ،
ِّ
شرا َّإل َّ
حذرها منه ،ختم اهلل خيرا َّإل َّ
دل أ َّمته عليه ،وال ًّ المبين ،وما ترك ً
كتاب بعدَ
َ نبي بعدَ ه ،وال
الرساالت ،وبكتابه الكتب ،فال َّ Eبرسالته ِّ
كتابه ،فبنبوته ُ Oختِم ِ
ت الن َُّّبوات. َ َّ
[الحج:
ُّ السا َع ُة َح ٌّق» كما قال تعالى﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ قولهَ :
«و َّ
السموات واألرض» ()2 َّ
حديث«:اللهم لك احلمد أنت نور َّ ()13
107
ِ
الصور ،وينتهي هذا والساعة :أي ا َّلتي ينفخ فيها َم َل ُك ُّ
الصور إسرافيل يف ُّ َّ ،]7
العالم ،تنتهي هذه الحياة الدُّ نيا ،وهي ساعة﴿ :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ٍ
واحدة، ٍ
لحظة [الروم ]55 :ويقال لها« :ساعة»؛ ألنَّها تقع يف
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ ُّ
بكل تفاصيلها ،وتبدأ الحياة اآلخرة. ٍ
شيء ،وتنقضي الحياة الدُّ نيا ِّ فينتهي ُّ
كل
والساعة :كما أنَّها تتناول القيامة الكربى ا َّلتِي فيها موت جميع المخلوقات
َّ
الصغرى ا َّلتِي
الساعة ُّ
أيضا :تتناول َّ الص ِ
ور فإنَّها ً الصور َم َل ُك ُّعندما َين ُف ُخ يف ُّ
بخاصته؛ كما قال العلماءَ :من مات قامت قيامته وجاءت ٍ
إنسان هي موت ِّ
كل
َّ
ساعته.
الخاص :ساع ُة ِّ
كل ُّ ُ
اإلطالق خاص؛ٌّ ٌ
وإطالق ٌ
إطالق عا ٌّم فالساعة لها
َّ
والموت َّأو ُل منازل اآلخرة. مات قامت قيامتُه،
فمن َ ٍ
ُ إنسان؛ َ
ك َأ ْس َل ْم ُ
ت» أي :ان َقدْ ُ
ت﴿ ،ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ قوله« :ال َّل ُه َّم َل َ
[الزمر ]54 :واإلسالم :هو اإلستسالم هلل بالتَّوحيد ،واالنقياد له بال َّطاعة،
ُّ
ٌ
وامتثال ألمر اهلل والخلوص من ِّ
الشرك؛ فاإلسالم استسال ٌم هلل ،وطاعةٌ،
.F
اإليمان بوحدان َّية اهلل يف ربوب َّيته :بأنَّه الواحد يف ملكِه وأفعالِه ،ال شريك
أحاديث اإلميان
108
ْت َم ِل ُ
ك «أن َ ض َو َم ْن فِ ِ
يه َّن» ،وقولهَ : ْت َقيم السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ «أن َ ِّ ُ َّ َ َ له؛ يف قولهَ :
ض َو َم ْن فِ ِ
يه َّن». السماو ِ
ات َواألَ ْر ِ َّ َ َ
واإليمان بوحدان َّيته يف ألوه َّيته :بأنَّه تعالى الواحد يف إله َّيته وعبادتِه ،ال ندَّ
الح ْمدُ »،
ك َ هم َل َ
وإخالص الدِّ ين له ،وإفرا ُده وحدَ ه بالعبادة؛ يف قوله« :ال َّل َّ ُ له،
«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ
ْت». وقولهَ :
واإليمان بوحدان َّيته يف أسمائه وصفاته :بأنَّه الواحد يف ذاته ،وأسمائه ،وصفاتِه،
متضمن ٌة لصفات ٍ
أسماء ُحسنى هلل ،D ال نظير له؛ ففي هذا االستفتاح ستَّة
ِّ
الم َقدِّ مُ ،
الم َؤ ِّخر». الحقُ ،
الكمال ،و ُن ُعوت الجالل «الق ُّيوم ،النُّور ،الملكُّ ،
ك ت ََو َّك ْل ُ
ت» هذا فيه التَّوكُّل على اهلل وحده. «و َع َل ْي َ
وقولهَ :
َّ ُّ
والتوكل :هو االعتماد على اهلل ،وتفويض األمور إليه .Eوحقيقة
وكل :هو ُ َّ ُّ
عمل القلب وعبود َّيتُه؛ اعتما ًدا على اهلل ،وثق ًة به ،والتجا ًء إليه، الت
ِ
اختياره وح ِ
سن ِ ِ
ورضا بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته سبحانهُ ، وتفويضا إليهً ، ً
ِ
واجتهاده يف أموره ،مع قيامِه باألسباب المأمور هبا، فوض إليه ِ
َ لعبده إذا َّ
غير مشروع. ٍ
طريق ِ غير مأمور ،أو سلوك سبب ِ
ٍ تحصيلهاَ ،
دون تعدٍّ إلى فع ِل
ك َأ َن ْب ُ
ت»؛ اإلنابة :هي ُّ
الرجوع إلى اهلل باإلقبال عليه وعلى «وإِ َل ْي َ
قولهَ :
طاعته سبحانه ،وتجنُّب ما هنى عباده عنه؛ كما قال اهلل ﴿ :Eﯜ ﯝ
[الزمر.]54 :
ﯞ ﯟ ﯠ﴾ ُّ
المنيبين ،وأمر
مواضع كثيرة من القرآن ،وأثنى على ُ
َ اهلل اإلناب َة يف
وقد ذكَر ُ
باإلنابة إليه.
السموات واألرض» ()2 َّ
حديث«:اللهم لك احلمد أنت نور َّ ()13
109
.]88
بعد هذه األصول العظيمة ا َّلتِي قدَّ مها النَّبِ ُّي ﷺ يف مناجاته لر ِّبه ُمت ََو ِّس ًل
الذنوب قالَ « :فا ْغ ِف ْر فران ُّ
إليه هبا؛ َش َر َع Oيف ذكر المطلوب؛ وهو ُغ ُ
وسيلة إلىٍ أعظم
َ أن لِي َما َقدَّ ْم ُ
ت َو َما َأ َّخ ْر ُت»؛ ونستفيد من ذلك فائد ًة عظيمةًَّ :
الصحيحة ،فها هو نب ُّينا وقدو ُتنا ِ
اهلل للفوز عندَ ه ،ونيل مرضاته؛ هي العقيدة َّ
يتوسل إلى اهلل هبذه األصول العظيمة: ﷺ يف مناجاته لر ِّبه يف جوف ال َّليلَّ ،
ْت َم ِل ُ ات»َ ، ْت نُور السماو ِ ض»َ ، ْت َقيم السماو ِ
ك «أن َ «أن َ ُ َّ َ َ ات َواألَ ْر ِ هم َأن َ ِّ ُ َّ َ َ
«ال َّل َّ
ِ السماو ِ
ات»َ ،
الح ُّقَ ،ول َقاؤُ َك َح ٌّقَ ،و َ
الجنَّ ُة ك َ الح ُّقَ ،و َو ْعدُ َك َ
الح ُّقَ ،و َق ْو ُل َ ْت َ«أن َ َّ َ َ
هم َل َ
ك السا َع ُة َح ٌّق»« ،ال َّل َّ
ون َح ٌّقَ ،و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّقَ ،و َّ َح ٌّقَ ،والن َُّار َح ٌّقَ ،والنَّبِ ُّي َ
كتَ ،وإِ َل ْي َ اص ْم ُ
ك َخ َ تَ ،وبِ َ ك َأ َن ْب ُ
تَ ،وإِ َل ْي َ
ك ت ََو َّك ْل ُ
ْتَ ،و َع َل ْي َ ك َآمن ُ تَ ،وبِ َ َأ ْس َل ْم ُ
ت».
َحاك َْم ُ
توسل إلى ٍ متوس ًل هبا إلى اهلل، وهذه ك ُّلها عقائد َيذكُرها
فأعظم وسيلة ُي َّ
ُ ِّ
الصحيحة.
اهلل Eهبا العقيدة َّ
ختم لهذه المناجاة العظيمة بأعظم الكلمات ْت»؛ هذا ٌ «ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ قولهَ :
«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» ا َّلتِي ألجلها ُخلقت الخليقةُ،على اإلطالق؛ كلمة التَّوحيد َ
ِ سل ،و ُأنزلت
وأهم ُش َعب
ُّ أركان الدِّ ين، الكتب ،وهي أعظم ُ الر ُ و ُأرسلت ُّ
اإليمان ،وهي ُ
سبيل ال َفوز بالجنَّة والنَّجاة م َن النَّار ،ومعناها :ال معبود ٍّ
بحق
وإثبات؛ نفي للعبود َّية عن ِّ
كل َم ْن ٌ ٌ ْت» فيها ٌ
نفي فـ«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ
سواه سبحانه؛ َ
«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»
فصاحب َ
ُ وإثبات للعبود َّية ِّ
بكل معانيها هلل وحده؛ ٌ سوى اهلل،
ح ًّقا ال يدعو َّإل اهلل ،وال يستغيث َّإل باهلل ،وال يتوكَّل َّإل على اهلل ،وال ينذر َّإل
ف شي ًئا من العبادة َّ
إل هلل﴿ ،ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ هلل ،وال يذبح َّإل هلل ،وال ِ
يصر ُ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنعام:
.]163 - 162
ِ
األمر
ُ «و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّلل»؛ هذه كلم ٌة عظيمةٌ ،جاء يف ُّ
السنَّة قولهَ :
تتضمن طلب العون من اهلل َّ تحت العرش ،وهي َ باإلكثار منها ،وأنَّها مِن ٍ
كنز
قو ٍة َ
حصول َّ حال إلى ٍ
حال ،وال تحو َل من ٍ ألن معناها :ال ُّ
ٍ
استعانة؛ َّ فهي كلم ُة
للعبد َّإل باهلل Eبعونِ ِه و َمدِّ ِه وتوفِ ِيقه.
أحاديث اإلميان
112
العظيمة،
َ مستشعرا معانيه
ً عظيم األ َث ِر على من واظب عليهُ استفتاح
ٌ فهذا
ومو َله ،راج ًيا ِ
مقو ًيا صلتَه بر ِّبه ْ
ودالالته الجليلة ،مجدِّ ًدا إيمانَه وتوحيدَ هِّ ،
الزك َّية ،والمقامات العل َّية ،واآلثار المباركة،
ب عليه من األحوال َّ َ
نيل ما يرت َّت ُ
َ
شريك له. والعوائد الحميدة ،وبِاهلل وحدَ ه التَّوفيق ال
نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»
( )14حديث« :ما من ٍّ
113
14
نيب من األنبياء
حديث« :ما من ٍّ
َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [يوسف.]105 :
ِ
القرآن العظيمة ِ
جملة علو ِم والعلم باألنبياء وما ُأ ِّيدوا به من الرباهين :من
وثمار جليلةٌ.
ٌ ا َّلتِي يرت َّتب عليه فوائدُ غزيرةٌ،
ذكر
عدي « :Vومنها -أي :علوم القرآنُ - الس ُّالرحمن ِّ قال َّ
الشيخ عبد َّ
األنبياء والمرسلين ،وما ُأ ِ
رس ُلوا به ،وما َج َرى لهم مع أممهم ،وفي ذلك فوائد:
منهاَّ :
أن من تمام اإليمان هبم معرفتهم بصفاهتم وسيرهم وأحوالهم،
وتعظيما
ً و ُك َّلما كان المؤمن بذلك أعرف؛ كان أعظم إيمانًا هبم ومح َّبة لهم
وتوقيرا.
ً وتعزيرا
ً لهم
محمدً ا ﷺ معرفتهم
َّ خصوصا النَّبِ َّي
ً ومنهاَّ :
أن من بعض حقوقهم علينا
ومح َّبتهم مح َّبة صادقة وال سبيل لذلك َّإل بمعرفة أحوالهم.
ومنهاَّ :
أن معرفة األنبياء موجبة لشكر اهلل تعالى على ما َم َّن به على
رسول منهم ُي َزكِّيهم و ُي َع ِّلمهم الكتاب والحكمة بعد
ً المؤمنين؛ إذ بعث فيهم
أن كانوا يف ضالل مبين.
ِ
الرسل هم المر ُّبون للمؤمنين ا َّلذين ما نال المؤمنون مثقال َّ
ذرة ومنهاَّ :
أن ُّ
الش ِّر َّإل على أيديهم وبسببهم،
ذرة من َّ
من الخير ،وال اندفع عنهم مثقال َّ
نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»
( )14حديث« :ما من ٍّ
115
فقبيح بالمؤمن ،أن يجهل حالة ُمر ِّبيه و ُمزكِّيه و ُم َع ِّلمه ،وإذا كان من المستنكر
الرسول ا َّل ِذي هو جهل اإلنسان بحال أبويه ومباعدته لذلك ،فكيف بحالة َّ
الحقيقي ا َّل ِذي ح ُّقه ُم َقدَّ م على سائر
ُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،وهو أبوهم
حق اهلل تعالى؟!
الحقوق بعد ِّ
ومنهاَّ :
أن يف معرفة ما جرى لهم وما جرى عليهم تحصل للمؤمن األسوة
وتخف عنه كثير من المقلقات والمزعجات؛ ألنَّها مهما بلغت من
ُّ والقدوة
ال ِّثقل ِّ
والشدَّ ة فال تصل إلى بعض ما جرى على األنبياء ،قال تعالى﴿ :ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [األحزاب ،]21 :ومن أعظم االقتداء هبم:
والصربَّ االقتداء بتعليماهتم ،وكيف َّية إلقاء العلم على حسب مراتب الخلق،
على التَّعليم ،والدَّ عوة إلى اهلل بالحكمة والموعظة الحسنة ،والمجادلة با َّلتِي
هي أحسن؛ وهبذا وأمثاله؛ كان العلماء ورثة األنبياء.
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [النِّساء.]165-163 :
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ
نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»
( )14حديث« :ما من ٍّ
117
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ﴾
[النَّحل.]136 :
ترتيب
ُ َف َع َّم نف ُعه َمن َح َضر ،و َمن غاب ،و َمن ُو ِجدَ ،و َمن سيوجدَ ،ف َح ُس َن
الرجوى قد تح َّققت؛ فإنَّه ُ
أكثر األنبياء الرجوى المذكورة على ذلك ،وهذه َّ
َّ
َت َب ًعا»(.)1
ت ت َع َل َّي ْالُ َم ُمَ ،ف َر َأ ْي ُاس َ Lع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َالُ « :عرِ َض ْ عن ا ْبن َع َّب ٍ
الر ُج َل ِنَ ،والنَّبِ َّي َل ْي َس َم َع ُه َأ َحدٌ ؛ الر ُج ُل َو َّ الر َه ْي ُطَ ،والنَّبِ َّي َو َم َع ُه َّ
النَّبِ َّي َو َم َع ُه ُّ
ْت َأنَّهم ُأمتِيَ ،ف ِق َ ِ ِ ِ ِ
وسى ﷺ َو َق ْو ُم ُه، يل ليَ :ه َذا ُم َ يمَ ،ف َظنَن ُ ُ ْ َّ إِ ْذ ُرف َع لي َس َوا ٌد َعظ ٌ
يل لِي :ا ْن ُظ ْر إِ َلى األُ ُف ِق يمَ ،ف ِق َ ِ
َو َلك ِن ا ْن ُظ ْر إِ َلى األُ ُف ِقَ ،فنَ َظ ْر ُتَ ،فإِ َذا َس َوا ٌد َعظ ٌ
ِ
15
عبد َّ
حتى يؤمن بأربع» حديث« :ال يؤمن ٌ
ُ
دالئل كثيرةٌ ،وشواهدُ عديدةٌ؛ يف كتاب ُّ
وكل أص ٍل من هذه األصول له
الم َت َع ِّلقة
وأهم َّيتها ،والتَّفاصيل ُ
ِّ وسنَّة نب ِّيه ﷺ ،تبين مكانة هذه األصول،
اهلل ُ
فر ٌد عن اإليمان بالقدر. ٌ
حديث ُم َ هبا ،وتقدَّ م الحديث عن َّ
الشهادتين ،وسيأيت
ٍ
بواحد من هذه األصول؛ وهو الموت ،وسيأيت والحديث هنا عن اإليمان
خاص عن ما بعد الموت.
ٌّ ٌ
حديث أيضا
ً
الش ُ
يخ حافظ أمورا عديدة ،وقد ذكرها بالتَّفصيل َّ
واإليمان بالموت يتناول ً
َح َكمي Vيف كتابه «معارج القبول»( ،)1وفيما يلي تلخيص لها:
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ﴾ [األنبياء-34 :
الصحيح عن ابن
[السجدة ،]11 :ويف َّ
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ َّ
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [الجمعة ،]8 :وقال تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ﴾ [األنعام ]60 :وغيرها من اآليات.
الحجاج Vيف «صحيحه»( )1عن المعرور بن سويد، َّ وروى مسلم بن
عن عبد اهلل بن مسعود Iقال :قالت أم حبيبة :ال َّل ُهم م ِّت ْعنِي َبز ْو ِجي رس ِ
ول َ ُ َّ َ ُّ
ول اهللِ ﷺ« :إن ِ
َّك قال َلها َر ُس ُ عاو َيةََ ،ف َ اهللِ ﷺَ ،وبِ َأبِي َأبِي ُس ْف َ
يانَ ،وبِ َأ ِخي ُم ِ
كل ُع ُم ٍر بأن ذلك األجل المحتوم ،والحدَّ المرسو َم ِلنتهاء ِّ ومنها :اإليمان َّ
وأن ذلك من مفاتح الغيب ا َّلتِي استأثر علم لنا بهَّ ، إليه؛ ال ا ِّطالع لنا عليه ،وال َ
اهلل تعالى بعلمها عن جميع خلقه؛ فال َيع َل ُمها َّ
إل هو؛ كما قال تعالى﴿ :ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [األنعام ]59 :اآلية ،وقال تعالى﴿ :ﯷ ﯸ ﯹ
الرقاق من «صحيحه» :باب قول النَّبِ ِّي البخاري Vيف كتاب ِّ ُّ وقال
علي بن عبد اهلل، ثنا حدَّ »، ب َأ ْو َعابِ ُر َسبِ ْي ٍ
ل ٌ ي
ْ َّك َغرِ
َ ن ﷺ« :ك ُْن فِي الدُّ ْن َيا ك َ
َأ
ُّ
فاوي ،عن سليمان األعمش الرحمن أبو المنذر ال ّط ُّ محمد بن عبد َّ َّ حدَّ ثنا
سول اهَّللِ ﷺ «أخ َذ َر ُقال :حدَّ ثني مجاهد ،عن عبد اهلل بن عمر Lقالَ :
َ
وكان اب ُن ُع َم َر يب ْأو عابِ ُر َسبِ ٍ
يل»، َّك َغرِ ٌ قال « :ك ُْن يف الدُّ نْيا كَأن َ بمنْكِبِيَ ،ف َ َ
ِ ِ
وخ ْذ أص َب ْح َت َف َل َتنْتَظ ِر َ
الم َسا َءُ ، اح ،وإذا ْ يقول :إذا أ ْم َس ْي َت َف َل َتنْتَظ ِر َّ
الص َب َ ُ
مِن ِص َّحتِ َك ل ِ َم َر ِض َك ،ومِ ْن َحياتِ َك ل ِ َم ْوتِ َك»(.)2
ِ
وقول اهلل تعالى﴿ :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ «باب يف األمل وطولِه،
ثم قالٌ :
َّ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [آل عمران،]185 :
بم َباعده ،وقال تعالى﴿ :ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ
بمزحزحهُ :
ﭧ ﭨ﴾ [الحجر ،]3 :وقال علي « :Iار َتح َل ِ
ت الدُّ ْن َيا ُمدْ بِ َرةً، ْ َ ٌّ
َاء ْال ِخرةِ، ُون؛ َف ُكونُوا مِن َأبن ِ احدَ ٍة من ُْه َما َبن َ
ِ ت ْال ِخر ُة م ْقبِ َلةً ،ول ِ ُك ِّل و ِ
وار َتح َل ِ
َ ْ ْ َ َ َ ُ َ ْ َ
ِّرمذي ( ،)2307والنَّسائِ ُّي ( ،)1824وابن ح َّبان ( ،)2992وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه الت
((( أخرجه البخاري (.)6416
أحاديث اإلميان
126
ِ ِ ِ ِ
اب َو َل َو َل َت ُكونُوا م ْن َأ ْبنَاء الدُّ ْن َيا؛ َفإِ َّن ا ْل َي ْو َم َع َم ٌل َو َل ح َس ٌ
ابَ ،و َغدً ا ح َس ٌ
َع َمل».
حدَّ ثنا صدقة بن الفضل ،أخربنا يحيى بن سعيد ،عن سفيان قال:
ط«خ َّ حدَّ ثني أبي ،عن منذر ،عن ربيع بن خثيم ،عن عبد اهلل Iقالَ :
ط ُخ ُط ًطا ار ًجا مِنْ ُهَ ،و َخ َّط َخ ِ ط َخ ًّطا فِي ا ْلوس ِ
َ َ النَّبِي ﷺ َخ ًّطا ُم َر َّب ًعاَ ،و َخ َّ
ُّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
«ه َذاص َغ ًارا إِ َلى َه َذا ا َّلذي في ا ْل َو َسط م ْن َجانبِه ا َّلذي في ا ْل َو َسطَ ،و َق َالَ :
ار ٌج َأ َم ُل ُه،اط بِ ِهَ ،و َه َذا ا َّل ِذي ُه َو َخ ِ
يط بِ ِهَ ،أ ْو َقدْ َأ َح َ
ح ٌ ان ،وه َذا َأج ُله م ِ
َ ُ ُ ِْ
الن َْس ُ َ َ
ط َأ ُه َه َذا
ط َأ ُه َه َذا ن ََه َش ُه َه َذاَ ،وإِ ْن َأ ْخ َ
اضَ ،فإِ ْن َأ ْخ َ
َار ْالَ ْع َر ُ َو َه ِذ ِه ا ْل ُخ ُ
ط ُط ِّ
الصغ ُ
ن ََه َش ُه َه َذا»(.)1
البخاري (.)6412
ُّ ((( أخرجه «الزهد» (.)1447
((( أخرجه أحمد يف ُّ
أحاديث اإلميان
128
16
ل مِ ْن َأ ْص َحابِ ِه إِ ْذ ول اهَّللِ ﷺ فِي م َ ٍ َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر َ ،Jق َالَ :ب ْين ََما َر ُس ُ
َ
لَ ،ف َق َالَ :يا ُم َح َّمدُ ! ول اهَّللِ َو َر َّد ا ْل َم َ ُ
ول اهَّللَِ ،ف َر َّد َر ُس ُ
َأ ْق َب َل ر ُج ٌل ُيس ِّلم َع َلى رس ِ
َ ُ َ ُ َ
ان َأ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللَِ ،و َمالئِ َكت َِهَ ،و ُك ُتبِ ِهَ ،وا ْل َي ْو ِم يم ُ ان؟ َق َالِ ْ :
«ال َ
ِ ِ
َأ َل ُت ْخبِ ُرني َما ْال َ
يم ُ
َّارَ ،وا ْل َقدَ ِر َانَ ،وا ْل َجن َِّةَ ،والن ِ ابَ ،وا ْل ِميز ِ ح َس ِ ت ،وا ْل ِ
َ
ث بعدَ ا ْلمو ِ ِ
ْال َخرَِ ،وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ
َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»َ ،ق َالَ :فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ آ َمن ُْت؟ َق َالَ « :ن َع ْم»َ ،ف َق َالَ :صدَ ْق َت،
ول اهَّللَِ :صدَ ْق َتَ ،ق َالَ :يا ول اهَّللِ ﷺ مِ ْن َق ْول ِ ِه لِرس ِ
َ ُ
اب رس ِ
ب َأ ْص َح ُ َ ُ
َق َالَ :ف َع ِ
ج َ
«الس َلم َأ ْن ت ُِقيم وجه َ ِ ِ ِ ِ ِ
يمك ل َّلهَ ،وتُق َ َ َ ْ َ ُم َح َّمدُ ! َأ َل ُت ْخبِ ُرني َما ْال ْس َل ُم؟ َق َالُ ْ ِ ْ :
الص َلةََ ،وت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةَ»َ ،ق َالَ :فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ َأ ْس َل ْم ُت؟ َق َالَ « :ن َع ْم»َ ،ق َال: َّ
َّك ت ََرا ُهَ ،فإِ ْن َل ْم َتك ُْن ان َأ ْن تَخْ َشى اهَّللَ ك ََأن َ «ال ْح َس ُ ان؟ َق َالِ ْ : ال ْح َس َُأ ْخبِرنِي ما ْ ِ
ْ َ
اك»َ ،ق َالَ :فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ َأ ْح َسن ُْت؟ َق َالَ « :ن َع ْم»َ ،ق َالَ :صدَ ْق َت، ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ
ُولان اهَّلل ِ ا ْل َعظِيمِ! َما ا ْل َم ْسئ ُ«س ْب َح َ السا َعةُ؟ َق َالُ :
ِ
َق َالَ :يا ُم َح َّمدُ ! َأ َل ُت ْخبِ ُرني َمتَى َّ
س﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ السائِ ِلْ ،است َْأ َث َر اهَّللُ بِ ِع ْل ِم َخ ْم ٍ ِ
َعن َْها بِ َأ ْع َل َم م َن َّ
ُون َق ْب َل َها، ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ َه ِذ ِه اآل َي ُة [لقمانَ ،]34 :و َس ُأ ْخبِ ُر َك بِ َش ْي ٍء َيك ُ
الر ُج ُلَ ،ف َأ ْت َب َع ُه
ان»ُ ،ث َّم َو َّلى َّ اء فِي ا ْل ُبنْ َي ِ
الش ِ
ين ت َِلدُ ْالَ َم ُة َر َّبت ََهاَ ،و َي َت َط َاو ُل َأ ْه ُل َّ ح َ
ِ
أحاديث اإلميان
130
ول اهَّللِ َط ْر َف ُه َط ِو ًيلُ ،ث َّم َر َّد ُه َع َل ْي ِه ْمَ ،ف َق َال« :إِ َّن َه َذا ِج ْبرِ ُ
يلَ ،أتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم َر ُس ُ
اهدُ ِدينَك ُْم»(.)1 ِ
دينَك ُْمَ ،أ ْو َي َت َع َ
جامع يف بيان
ٌ عظيم
ٌ ٌ
حديث هذه رواية لحديث جربيل المشهور؛ وهو
ً
تفصيل يف شأن اإليمان باليوم اآلخر من ِ
وفروعه ،وهي أكثر دين اهلل؛ أصولِه
ان َأ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللَِ ،و َم َلئِ َكت َِهَ ،و ُك ُتبِ ِهَ ،وا ْل َي ْو ِم
يم ُ ذكرها؛ قالِ ْ :
«ال َ الرواية المتقدِّ م ُ
ِّ
َّارَ ،وا ْل َقدَ ِر َانَ ،وا ْل َجن َِّةَ ،والن ِ ابَ ،وا ْل ِميز ِ ح َس ِ ت ،وا ْل ِ
َ
ث بعدَ ا ْلمو ِ
ِ
ْال َخرَِ ،وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ
َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه».
ول اهللِ ول اهللِ ﷺَ ،أ َّن َر ُس َ وروى أحمد َع ْن َأبِي س َّل ٍمَ ،ع ْن م ْو َلى رس ِ
َ ُ َ َ
ﷺ َق َالَ « :بخٍ َبخٍ َ ،لخَ ْم ٌس َما َأ ْث َق َل ُه َّن فِي ا ْل ِميز ِ
َانَ :ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللَُ ،واهَّللُ َأ ْك َب ُر،
الصالِ ُح ُيت ََو َّفى َف َي ْحت َِس ُب ُه َوالِدَ ا ُه»َ ،و َق َالَ « :بخٍ ِ ِ ِ
ان اهللَ ،وا ْل َح ْمدُ ل َّلهَ ،وا ْل َو َلدُ َّ َو ُس ْب َح َ
س؛ َم ْن َل ِق َي اهَّللَ ُم ْس َت ْي ِقنًا بِ ِه َّن َد َخ َل ا ْل َجنَّةَُ :ي ْؤ ِم ُن بِاهَّللَِ ،وا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ،َبخٍ لِخَ ْم ٍ
ح َس ِ ت ،وا ْل ِ ِ ِ َوبِا ْل َجن َِّةَ ،والن ِ
اب»(.)2 َّارَ ،وا ْل َب ْعث َب ْعدَ ا ْل َم ْو َ
أصل من أصول اإليمان ،ورك ٌن من أركان ٌ واإليمان باليوم اآلخر:
ويسمى يوم القيامةَّ :
ألن النَّاس َّ وس ِّمي بهذا االسمُّ :
لتأخره عن الدُّ نيا، الدِّ ينُ ،
سمى
وي َّ
سمى يوم الحشر؛ ألنَّهم فيه ُيحشرونُ ،
وي َّ
لرب العالمينُ ،
يقومون فيه ِّ
ألن األجساد ُتعاد،
سمى يوم المعاد؛ َّ
وي َّ
يوم الحساب؛ ألنَّهم فيه ُيحاسبونُ ،
سمى يوم المصير ،و يوم المآب ،وله أسماء كثيرة ،وك ُُّل أسمائه دا َّلة على
وي َّ
ُ
((( أخرجه يحيى بن سالم يف «تفسيره» ( ،)719/2وابن بطة يف «اإلبانة» ()465/2
من حديث أبي هريرة.
((( أخرجه أحمد (.)15662
( )16حديث« :اإلميان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»
131
الصحيح من حديث أ ِّم المؤمنين عائشة Jقالتَ :س ِم ْع ُت وجاء يف َّ
َّاس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُح َفا ًة ُع َرا ًة ُغ ْر ًل» ُق ْل ُتَ :يا
«ي ْح َش ُر الن ُ ولُ : ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ َر ُس َ
«يا َعائِ َشةُ! الر َج ُال َج ِمي ًعا َينْ ُظ ُر َب ْع ُض ُه ْم إِ َلى َب ْع ٍ رس َ ِ
ض؟! َق َالَ : ول اهلل! الن َِّسا ُء َو ِّ َ ُ
ض»(.)2 ْالَ ْم ُر َأ َشدُّ ِم ْن َأ ْن َينْ ُظ َر َب ْع ُض ُه ْم إِ َلى َب ْع ٍ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
القبور ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾
[يس.]54 - 51 :
وعلى إثر هذه النَّفخة ال َّثانية يقوم النَّاس و ُينشرون من قبورهم للوقوف
بين يدي اهلل Dعلى أرض المحشر ﴿ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾
ٍ
مستوية ٍ
أرض عفراء ،ال ارتفاع فيها وال انخفاض، [إبراهيم ،]48 :فيقفون على
ال جبال فيها وال أشجار ،يف يو ٍم كان مقداره خمسين ألف سنة.
ب ب َذ َه ٍ اح ِ ول اهَّللِ ﷺ« :ما ِمن ص ِ عن َأبي ُه َر ْي َر َة Iقالَ :ق َال َر ُس ُ
َ ْ َ
ت َل ُه َص َفائِ ُح ِم ْن َان َي ْو ُم ا ْل ِق َي َام ِة ُص ِّف َح ْ
َو َل فِ َّض ٍة َل ُي َؤ ِّدي ِمن َْها َح َّق َها إِ َّل إِ َذا ك َ
َار َج َهن ََّمَ ،ف ُيك َْوى بِ َها َجنْ ُب ُه َو َجبِينُ ُه َو َظ ْه ُر ُه؛ ُك َّل َما َب َر َد ْتَارَ ،ف ُأ ْح ِمي َع َل ْي َها فِي ن ِ ن ٍ
َ
ف سن ٍَة ،حتَّى ي ْق َضى بين ا ْل ِعب ِ ِ ُأ ِعيدَ ْت َله فِي يو ٍم ك َ ِ
ادَ ،ف َي َرى َْ َ َ َ ُ ين َأ ْل َ َ
َان م ْقدَ ُار ُه َخ ْمس َ ُ َْ
َسبِي ُل ُه إِ َّما إِ َلى ا ْل َجن َِّةَ ،وإِ َّما إِ َلى الن ِ
َّار»(.)1
آيات كثيرة ُت َج ِّلي للعباد ذلك اليوم ،وتب ِّين لهم أهواله وأحواله؛
ويف القرآن ٌ
سور ُأ ْف ِر َدت لبيان ذلك ِ
ليتن َّبه العباد ،وليستعدُّ وا لذلك اليوم؛ بل يف القرآن ٌ
اليوم ،وإيضاح ِ
أمره كأنَّه َر ْأ ُي العين.
ٌ
مشتمل يف مواضع كثيرة منه على ذكر ألهوال ذلك اليوم وأحواله ،والقرآن
اليوم اآلخر؛ بل ال تكاد تقرأ سور ًة من القرآن َّإل وترى فيها ً
ذكرا لذلك اليوم،
وشي ًئا من تفاصيله.
والمبدأ لذلك اليوم :نفخة ،والمآل إ َّما إلى الجنَّة أو إلى النَّار.
ف م َل ٍ
ك َي ُج ُّرون ََها». ون َأ ْل َ َ
َس ْب ُع َ
و ما أحوج المسلم إلى التأ ُّمل يف تفاصيل يوم القيامة الواردة يف الكتاب
وليتزود له بخير زاد؛ ﴿ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
َّ والسنَّة؛ ليستعدَّ لذلك اليوم،
ُّ
ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ﴾ [الكهف.]110 :
الكامل ،وهم ا َّل ِذين يستحضرون هذا األصل العظيم يف حركاهتم وسكناهتم
كل أعمالهم م ِ
شفقون من يوم البعث ويوم ال ِّلقاء؛ فهم يف ِّ
ُ فيما يأتون و َي َذرون؛ ُ
َت أخالقهم ،وتنافسوا يف رفيع حسنت أعما ُلهم ،وطابت قلو ُبهمَ ،
وزك ْ ولهذا ُ
األعمال وط ِّيبها.
ٍ
ومنزلة رفيعة﴿ :ﯙ الرسوخ يح َظون يوم القيامة بمقا ٍم عظيم،
وأهل هذا ُّ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [ال ُّطور:
وهذا االستحضار له آثاره ال َّط ِّيبة يف سلوك المرء ،وقد جاء يف الحديث:
أن رسول اهلل كان إذا أراد أن َير ُقدَ ،وضع يده اليمنى تحت خدِّ هَّ ،
ثم قال: َّ
ث ِع َبا َد َك»(.)1 «ال َّل ُه َّم ِقن ِ ْي َع َذا َب َ
ك َي ْو َم َت ْب َع ُ
17
ول اهَّللِ ﷺ
اص َ Lق َالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ
ِ ِ ِ ِ
الس َم َاوات َواألَ ْر َض بِخَ ْمس َ
ين َب اهَّللُ َم َقاد َير ا ْلخَ َلئ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق َّ
ولَ « :كت ََي ُق ُ
ف َسن ٍَة َ -ق َالَ -و َع ْر ُش ُه َع َلى ا ْل َماءِ»(.)1 َأ ْل َ
ِّرمذي وغيرهما ،عن الوليد بن عبادة بن ُّ وروى اإلمام أحمد ،والت
يه ا ْل َم ْو َتَ ،ف ُق ْل ُتَ :يا يض َأ َت َخاي ُل فِ ِ الصامت قالَ « :د َخ ْل ُت َع َلى ُع َبا َد َة َو ُه َو َم ِر ٌ
َ َّ
اجت َِهدْ لِيَ ،ف َق َالَ :أ ْجلِ ُسونِيَ ،ف َل َّما َأ ْج َل ُسو ُه َق َالَ :يا ُبن ََّي! إِن ََّك َل ْن ِ ِ
َأ َبتَا ُه! َأ ْوصني َو ْ
انَ ،و َل ْن َت ْب ُل ْغ َح َّق َح ِقي َق ِة ا ْل ِع ْل ِم بِاهَّللِ؛ َحتَّى ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْي ِر ِه
اليم ِ ِ
َت ْط َع َم َط ْع َم ْ َ
ف لِي َأ ْن َأ ْع َل َم َما َخ ْي ُر ا ْل َقدَ ِر مِ ْن َش ِّر ُه؟ َق َال: َو َش ِّر ِهَ ،ق َالُ :ق ْل ُتَ :يا َأ َبتَا ُه! َف َك ْي َ
َت ْع َل ُم َأ َّن َما َأ ْخ َط َأ َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ِصي َب َكَ ،و َما َأ َصا َب َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ْخطِ َئ َكَ ،يا ُبن ََّي!
ول« :إِ َّن َأ َّو َل َما َخ َل َق اهَّللُ Fا ْل َق َل ُمُ ،ث َّم َق َال: ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ
إِنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ
السا َع ِة بِ َما ُه َو كَائِ ٌن إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة»َ ،يا ُبن ََّي إِ ْن مِ َّت
ك َّ ُب»َ ،ف َج َرى فِي تِ ْل َ «ا ْكت ْ
أصل ال ينتظم دين العبد ،وال وشره من اهلل تعالى ٌ فاإليمان بالقدر خيره ِّ
اليم ِ
ان َو َل ْن َت ْب ُل ْغ ِ
يستقيم أمره َّإل به ،وقول عبادة َ « :Iل ْن َت ْط َع َم َط ْع َم ْ َ
أن ا َّل ِذي ال يؤمن َح َّق َح ِقي َق ِة ا ْل ِع ْل ِم بِاهَّللِ َ Fحتَّى ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر» هذا ُي َب ِّين َّ
در ُة اهلل»()2؛ فا َّل ِذي ال يؤمن بالقدَ ِر هو يف الحقيقة ال يعرف اهلل ،وليس
«ال َقدَ ُر ُق َ
الصحابِي الجليل عبد اهلل بن ع َّباس L
الموحدين؛ ولهذا جاء عن َّ
ِّ من
ِّ
فمن آمن باهللَّ ،
وكذب بالقدر؛ نقض تكذي ُبه أنَّه قال« :القدَ ُر نظام التَّوحيد؛ َ
توحيدَ ه»( )3أي :أنَّه بتكذيبه بالقدَ ر ينتقض توحيده؛ فال يكون مؤمنًا.
الزمام،
ﭯ ﭰ﴾ [الكهف]28 :؛ فإذا اهندم التَّوحيد انفرطت الحياة ،وضاع ِّ
ِّرمذي ( ،)2155والنَّسائِ ُّي ()4700
ُّ ((( أخرجه أحمد ( ،)22705وال َّلفظ له ،والت
وصححه األلبانِ ُّي.
َّ بنحوه،
((( أخرجه ابن هانئ عنه يف «المسائل» (.)1868
الفريابي يف «القدر» (.)205 ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
140
ثم َّ
إن اإليمان بالقدر ال يستقيم َّإل باإليمان بمراتبه؛ وهي مراتب أربعة، َّ
ال يكون العبد مؤمنًا بالقدر َّإل إذا آمن بها:
ما كان ،وعلِم ما سيكون ،وعلِم ما لم يكن لو كان كيف يكون؛ قال تعالى:
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [سبأ ،]3-1 :وقال اهلل تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [الحديد]4 :؛
أصل من أصول اإليمان بالقدَ ر، ٍ
شيءٌ : فاإليمان بعلم اهلل Cالمحيط ِّ
بكل
وركن من أركانه.
ٌ
وأن اهلل Eكتب َّ َّ
كل ما هو كائ ٌن املرتبة الثانية :اإليمان بالكتابةَّ ،
يف ال َّلوح المحفوظ؛ قال اهلل سبحانه﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾
[الحج ،]70 :وقال ﴿ :Cﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ﴾ [القمر ،]53-52 :وقال ﴿ :Cﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [يس.]12 :
الساعة؛ كل ما هو كائ ٌن إلى قيام َّ واهلل Eكتب يف ال َّلوح المحفوظ َّ
اد َير ا ْلخَ َلئِ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق
أن النَّبي ﷺ قالَ « :كتَب اهَّلل م َق ِ
َ ُ َ َّ
الصحيح َّ كما يف َّ
ف َسن ٍَة»(.)1
ين َأ ْل َ ِ ِ
الس َم َاوات َو ْالَ ْر َض بِخَ ْمس َ
َّ
َّ
املرتبة الثالثة :من مراتب اإليمان بالقدر :اإليمان بمشيئة اهلل Cالنَّافذة،
الشاملة﴿ ،ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ﴾ [البقرةَّ ،]20 :
وأن ما شاء وقدرته َّ E
اهلل كان طِب ًقا ل ِ َما شاء ،يف الوقت ا َّل ِذي شاء ،على الوجه ا َّل ِذي شاء ،E
حتَّى وإن لم يشأ ذلك العبد؛ قال تعالى﴿ :ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [التَّكوير ،]29-28 :وقال تعالى﴿ :ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [االنسان.]30-29 :
ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [الفاتحة.]2 :
فهذه أربع مراتب عظيمة ال يكون العبد مؤمنًا بالقدر َّإل باإليمان هبا:
العلم ،والكتابة ،والمشيئة ،واإليجاد.
الروايات قالواَ :أ َف َل َنتَّكِ ُل َع َلى كِتَابِنَا َونَدَ ُع ال َع َم َل؟ قال: وجاء يف بعض ِّ
الس َعا َد ِةَ ،ف ُي َي َّس ُر لِ َع َم ِل «اعم ُلواَ ،فك ٌُّل ميسر لِما ُخ ِل َق َلهَ ،أما من ك َ ِ
َان م ْن َأ ْه ِل َّ ُ َّ َ ْ ُ َ َّ ٌ َ ْ َ
اء َفييسر لِعم ِل َأه ِل َّ ِ َان ِمن َأه ِل َّ ِ ِ
ثم تال الش َق َاوة»َّ ، الش َق ُ َ َّ ُ َ َ ْ الس َعا َدةَ ،و َأ َّما َم ْن ك َ ْ ْ
َأ ْه ِل َّ
قول اهلل تعالى﴿ :ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ويتلخَّ ص هذا الجواب يف أمرين :أن يجاهد العبد نفسه على األعمال
((( أخرجه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف زوائده على «المسند» ( ،)16630وال َّطربانِ ُّي يف
«الكبير» (.)4236
البخاري ( )4949وال َّلفظ له ،ومسلم ( )2647بنحوه.
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
144
المحرمات ،ويف
َّ الزاكيات ،والبعد عن األعمال الصالحات ،وال َّطاعات َّ
َّ
ِ
تدبيره ،ومن الوقت نفسه يلجأ إلى اهلل أن يعينه ،ويحفظه ،ويث ِّبته؛ فهو َط ُ
وع
َك َأ ْر ُجو؛ َف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن،
الدُّ عاء المأثور« :ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ
ب«يا ُم َق ِّل َ
ْت» ،ويف الدُّ عاء اآلخر قالَ :
()1
َو َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُهَ ،ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ
ك»( ،)2ومن أدعية القرآن﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ ا ْل ُق ُل ِ
وب َث ِّب ْ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [آل عمرانُّ ]8 :
فكل ذلك بيده.
18
القوي خ ٌري َ
وأح ُّب حديث« :املؤمن ُّ
الضعيف»إىل اهلل من املؤمن َّ
ان»(.)1 َوك ََذا؛ َو َلكِ ْن ُق ْل َقدَ ُر اهَّلل ِ َو َما َشا َء َف َع َلَ ،فإِ َّن َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل َّ
الش ْي َط ِ
ولما كان إيمان المؤمنين متفاو ًتا؛ تفاضلت درجاهتم يف الجنَّة بحسب
َّ
وأرفع
َ فمن كان إيمانه أشدَّ وأقوى؛ كان أعلى درجةً،
تفاضلهم يف اإليمان؛ َ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾
ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾
بَان ِم ْن َذ َه ٍ
َان ِم ْن فِ َّض ٍة آنِ َيت ُُه َماَ ،و َما فِ ْي ِه َماَ ،و َجنَّت ِ
«جنَّت ِ
وقال النَّبِ ُّي ﷺَ :
أن ينْ ُظروا إِ َلى رب ِهم إِ َّل ِرداء الكِبرِ ِ ِ ِ
ياء َ ُ ْ َ ِّ ْ آن َيت ُُه َماَ ،و َما ف ْي ِه َماَ ،و َما َب ْي َن ال َق ْو ِم َو َب ْي َن ْ َ ُ ْ
َع َلى َو ْج ِه ِه فِي َجن َِّة َعدْ ٍن»(.)1
السابقون إلى الخيرات :وهم ا َّل ِذين قاموا بالواجبات والمستح َّبات،
َّ
وكملوا ما باشروه
الم َح َّرمات ،والمكروهات ،وفضول المباحاتَّ ،
وتركوا ُ
من األعمال ،وا َّتصفوا بجميع صفات الكمال.
ثم المقتصدون :ا َّل ِذين اقتصروا على القيام بالواجبات ،وترك المحظورات.
َّ
صالحا ،وآخر س ِّي ًئا.
ً ثم الظالمون ألنفسهم :ا َّل ِذين خلطوا ً
عمل َّ
نافعُ ،م ْح ٍ
تو جامع ٌ
ٌ كَ ،و ْاست َِع ْن بِاهَّلل ِ» كال ٌم
«احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ
وقوله ﷺْ :
على سعادة الدُّ نيا واآلخرة.
واألمور النَّافعة قسمان :أمور دين َّية ،وأمور دنيو َّية ،والعبد محتاج إلى
الدُّ نيو َّية كما أنَّه محتاج إلى الدِّ ين َّية؛ فمدار سعادته وتوفيقه :على الحرص
واالجتهاد يف األمور النَّافعة منهما ،مع االستعانة باهلل تعالى؛ فمتى حرص
العبد على األمور النَّافعة واجتهد فيها ،وسلك أسبابها وطرقها ،واستعان بر ِّبه
ِ
فالحه ،ومتى فاتَه واحدٌ من يف حصولها وتكميلها :كان ذلك كما َله ،وعنوان
حريصا على األمور
ً هذه األمور ال َّثالثة :فاته من الخير بحسبهاَ ،
فمن لم يكن
النَّافعة؛ بل كان كسالنًا لم يدرك شي ًئا ،فالكسل :هو أصل الخيبة والفشل؛
ٍ
بدين وال دنيا ،ومتى كر َمةً ،وال يحظى
خيرا ،وال ينال َم ُ
فالكسالن ال يدرك ً
مفوتة
ضارة ،أو ِّ
حريصا ،ولكن على غير األمور النَّافعة؛ إ َّما على أمور َّ
ً كان
والضرر؛
الش ِّر َّ َ
وحصول َّ وفوات الخير،
َ للكمال :كان ثمر ُة حرصه الخيبةَ،
أحاديث اإلميان
150
فاألمور النَّافعة يف الدِّ ين ترجع إلى أمرين :علم نافع ،وعمل صالح.
َّ
َّأما العلم النافع :فهو العلم المزكِّي للقلوب واألرواح ،المثمر لسعادة
وتفسير ٍ
وفقه ،وما يعين على ٍ ٍ
حديث الرسول ﷺ منالدَّ ارين؛ وهو ما جاء به َّ
ذلك من علوم العرب َّية بحسب حالة الوقت والموضع ا َّل ِذي فيه اإلنسان...
ثم يسعى يف أداء ما فرضه اهلل على عباده :من حقوق اهلل ،وحقوق خلقه،
َّ
وأح ُّب إىل اهلل من املؤمن َّ
الضعيف» القوي خ ٌري َ
( )18حديث« :املؤمن ُّ
151
للرسول ﷺ يتع َّين عليه أن يتوكَّل على اهلل يف أمر دينه ودنياه ،وأن
فالمتَّبع َّ
ٍ
سبب ناف ٍع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته ،واهلل المستعان. يقوم ب ُك ِّل
( )19حديث« :أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً
خلقا»
153
19
ين إِ َ
يمانًا: ِِ ول اهللِ ﷺَ :
«أك َْم ُل ا ْل ُم ْؤمن َ َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َ Iق َالَ :ق َال َر ُس ُ
َأ ْح َسن ُُه ْم ُخ ُل ًقا»(.)1
والخ ُلق
ُ نقص اإليمان؛ ليتجنَّب تلك األمور ا َّلتِي ُت ِ
ضعف إيمانَه و ُت ِّ
وهيه،
نقص يف
الس ِّيئة ٌ كم ُل ،كما َّ
أن األخالق َّ مما يزيدُ به المؤمن و َي ُ
الفاضل الكريم َّ
ووهاء.
عف َ
وض ٌ
اإليمان َ
«ما ِم ْن َش ْي ٍء َّبي ﷺ ،قالَ : روى أبو داود عن أبي الدَّ رداء Iعن الن ِّ
«ما ِم ْن َش ْي ٍء ِّرمذي بلفظَ :
ُّ َان ِم ْن ُح ْس ِن الخُ ُل ِق»( ،)1ورواه الت َأ ْث َق ُل فِي ِ
الم ْيز ِ
ب ُح ْس ِن الخُ ُل ِق َل َي ْب ُلغُ بِ ِه ِ ِ وض ُع فِي ا ْل ِميز ِ
َان َأ ْث َق ُل م ْن ُح ْس ِن الخُ ُل ِقَ ،وإِ َّن َصاح َ ُي َ
الص َل ِة»(.)2
الص ْو ِم َو َّب َّ اح ِ درج َة ص ِ
ََ َ َ
وهذا فيه إثبات ميزان األعمال ا َّل ِذي ينصب يوم القيامةَّ ،
وأن أعمال العباد
توزن فيه ،وهو ُّ
يدل على عظيم شأن حسن الخلق وعظيم ثوابه عند اهلل ،D
وأنَّه من أثقل ما يكون يف الميزان عندما توزن األعمال؛ ألنَّه من ِّ
أجل خصال
اإليمان وأفضل أعماله.
فجعله النَّبِ ُّي ﷺ من أسباب دخول الجنَّة ،و َق َرنَه بالتَّقوى ا َّلتِي هي أعظم
وص َّية.
قال ابن الق ِّيم « :Vجمع النَّبِي ﷺ بين تقوى اهلل وحسن الخلق؛ َّ
ألن ُّ
وحسنه األلبانِ ُّي.
َّ ِّرمذي (،)2004
ُّ ((( أخرجه الت (.)746
((( أخرجه مسلم
أحاديث اإلميان
156
وحسن الخلق ُيصلِ ُح ما بينه وبينتقوى اهلل ُيصلِح ما بين العبد وبين ر ِّبهُ ،
ب له مح َّبة اهلل ،وحسن الخلق يدعو الى مح َّبته»(.)1 خلقه؛ فتقوى اهلل ُت ِ
وج ُ
ول اهللِ ﷺ َق َال« :إِ َّن ِم ْن َأ َح ِّبك ُْم إِ َل َّي َو َأ ْق َربِك ُْم و َع ْن َجابِ ٍر َ ،Iأ َّن َر ُس َ
القيام ِة َأح ِ
اسنَك ُْم َأ ْخ َل ًقا»(.)2 ِ ِ ِ
منِّي َم ْجل ًسا َي ْو َم َ َ َ
مجلسا يوم
ً ف ُك َّلما كان المرء أحسن خل ًقا؛ كان أقرب إلى رسول اهلل ﷺ
القيامة من غيره ،و ُك َّلما كان أسو َأ خل ًقا؛ كان أ ْب َعد.
واألخالق الفاضلة تقوم على أربعة أركان؛ َمن اعتنى هبا كان -بإذن اهلل
-Fمن أهل األخالق ،و َمن ض َّيعها -أو ض َّيع منها شي ًئا -ضاع منه ُ
الخلق
بحسب ما أضاع من هذه األركان ،وقد اجتمعت هذه األركان لألخالق يف
دل على ٍ
ركن من أركان األخالق. ٍ
حديث منها َّ أربعة أحاديث؛ ُّ
كل
محمد بن
نقل الحافظ ابن رجب يف كتابه «جامع العلوم والحكم» عن أبي َّ
وأزمته ِ
أبي زيد القيروان ِّي إمام المالك َّية يف زمانه أنَّه قال« :جماع آداب الخير َّ
تتفرع من أربعة أحاديث: َّ
ت»(.)3 َان ُي ْؤ ِم ُن بِاهلل ِ َوا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ َف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ قول النَّبِ ِّي ﷺَ :
«م ْن ك َ
يصن لسانه؛ لن يكون من أهل األخالق؛ ت» ،و َمن لم ُ َف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ
إذ من األسس العظيمة والدَّ عائم المتينة ا َّلتِي تقوم عليها األخالق :صيانة
ال ِّلسان ،ومعنى صيانة ال ِّلسان :أي ضبطه وحبسه عن الكالم َّإل ما كان فيه
فائدة ،فقول النَّبِ ِّي ﷺَ « :ف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ
ت» فيه دعو ٌة للتَّف ُّكر يف الكالم
ألن الكلمة قبل أن تخرج يملكها المرء ،وإذا خرجت مل َك ْت ُه؛ قبل الكالم؛ َّ
ولهذا :من الجميل بالمسلم أن يتف َّكر يف كالمه قبل أن يتك َّلم ،وإذا تفك َ
َّرت فيه
وجدتَه ال يخرج عن ثالث أحوال:
َ
يصون المر ُء لسانَه ،وأن يحفظ أساس البدَّ منه يف باب األخالق؛ أن
ٌ فهذا
كال َمه؛ فال يتك َّلم َّ
إل بخير ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [األحزاب:
الركن ال َّثاين من أركان األخالق :ال ُبعد عن الفضول وما ال يعني؛ قال ﷺ: ُّ
الفضولي لن يكون
ُّ «م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»( ،)4واإلنسان
ِ
ألن فضو َله وإقحامه ِ
لنفسه فيما ال يعنيه؛ ُيخرجه عن ح ِّيز أدب وخ ُل ٍق؛ َّ ذا ٍ
َ
البخاري ( ،)52ومسلم ( )1599وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ِّرمذي (،)2518
ُّ ((( أخرجه أحمد ( ،)1723والت
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ِّرمذي (،)2616
ُّ ((( أخرجه أحمد ( ،)22016والت
وصححه األلبانِ ُّي. َّ ِّرمذي ( ،)2317وابن ماجه (،)3976 ُّ ((( أخرجه الت
( )19حديث« :أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً
خلقا»
159
األدب ،بينما إذا كان بعيدً ا عن الفضول ،بعيدً ا عن الدُّ خول فيما ال يعنيه؛ فهذا
من سمات األدب؛ بل من أعمدته.
ومعنى قوله ﷺ« :ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه» أي :بضابط الشرع ال بضابط الهوى،
أمر قد ُيغفل عنه؛ ألن بعض الناس قد يو ِّظف هذا الحديث يف غير بابه؛ وهذا ٌ
«م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِممنكر؛ فيقول لآلمر الناهيِ :
ٍ بخير أو ُينهى عنمثل أن ُيؤ َمر ٍ
مما يعني ألن هذا َّ ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»()1؛ وهذا من سوء الفهم للحديث؛ َّ
الشرع؛ بالحكمة ،وال ِّلين ،واألسلوب الحسن. المسلم بضابط َّ
َّ
الركن الثالث :من أركان األخالق :عدم االنسياق مع انفعاالت النَّفس
ُّ
ب» ،فعندما ينفعل اإلنسان ويغضب«ل َتغ َْض ْ وبخاصة الغضب؛ قال ﷺَ :
َّ
وأي فع ٍل أي ٍ
قول َّ أي فعلٍ؛ َّ
ألن َّ أي ٍ
قول أو َّ وقت غضبه َّ
عليه أن ال يباشر َ
غضبِ ِه سيخرج به -يف الغالب -عن نطاق ُ
الخلق واألدب. وقت َ
يباشره َ
وقد قيل يف ذ ِّم الغضب وتقبيحه« :الغضب َّأوله جنون ،وآخره ندم»؛
يتصرف بغير انضباط؛ ولهذا:
َّ
ٍ
بقول أو بفعلٍ؛ يتصرف وقت غضبه
َّ ألن ا َّل ِذي
َّ
منفعل يجلس ،قال ً على اإلنسان أن ال ينساق مع انفعاالت النَّفس؛ فإذا كان
ِ ِ ِ
ب ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْس؛ َفإِ ْن َذ َه َ
ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ « :Oإِ َذا َغض َ
ب َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْسك ْ ِ َوإِ َّل َف ْل َي ْض َط ِ
ُت»()3؛ ج ْع»( ،)2وقال « :Oإِ َذا َغض َ
وصححه األلبانِ ُّي.َّ ِّرمذي ( ،)2317وابن ماجه (،)3976
ُّ ((( أخرجه الت
وصححه األلبانِ ُّي.
َّ ((( أخرجه أحمد ( ،)21386وأبو داود (،)4782
«الصحيحة» (.)1375 ِ
وصححه األلبان ُّي يف َّ
َّ ((( أخرجه أحمد (،)2136
أحاديث اإلميان
160
امتناع
ٌ امتناع عن الكالم وقت الغضب ،وقوله « َف ْل َي ْج ِل ْس»:
ٌ قوله « َف ْل َي ْسك ْ
ُت»:
عن الفعل وقت الغضب.
«ل الصدر؛ قال ﷺَ : الر ابع :من أركان األدب واألخالق :سالمة َّ األمر َّ
ب لِنَ ْف ِس ِه» ( ،)2فهذا الحديث ُي َعدُّ عمد ًة ِ ح ِ ِ ِ ِ ِ
ُي ْؤم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى ُي َّ
ب لَخيه َما ُيح ُّ
غل ،أو حقدٌ ،أو سليما ال يكون فيه ًٌّ يف باب األخالق؛ أن يكون صدر المرء
ن ،أو نحو ذلك من أسقام القلوب وأمراضها﴿ ،ﭝ ﭞ ﭟ
سخائم ،أو ضغائ ُ
ُ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [الحشر.]10 :
ُ
دواخل الصدر ركيز ٌة عظيم ٌة يقوم عليها الخلق ،وا َّل ِذي يف صدره
فسالمة َّ
ألن فساد الباطن س ِّيئة ،وبواطن فاسدة؛ ال يمكن أن يكون من أهل األخالق؛ َّ
«أ َل َوإِ َّن فِي ا ْل َج َس ِد ُم ْض َغ ًة إِ َذا َص َل َح ْ
ت َص َل َح وانحرا َفه ينعكس على ظاهره؛ َ
20
ين َيزْنِي ِ ِ ول اهللِ ﷺ َق َالِ َ : َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َ ،Iأ َّن َر ُس َ
«ل َيزْني الزَّاني ح َ
ين َي ْسرِ ُق ِ ِ ِ ِ
ين َي ْش َر ُب َو ْه َو ُم ْؤم ٌنَ ،و َل َي ْسرِ ُق ح َ َو ْه َو ُم ْؤم ٌنَ ،و َل َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر ح َ
ِ ِ ِ ِ
َّاس إِ َل ْيه ف َيها َأ ْب َص َار ُه ْم ح َ
ين َينْت َِه ُب َها َو ْه َو َو ْه َو ُم ْؤم ٌنَ ،و َل َينْت َِه ُ
ب ن ُْه َب ًة َي ْر َف ُع الن ُ
ُم ْؤ ِم ٌن»(.)1
هذا الحديث من جملة أحاديث اإليمان العظيمة المب ِّينة لمكانته العل َّية،
كل ٍ
أمر يدنِّسه ،أو يضعفه و ُيوهيه. وأهم َّية رعاية المسلم إليمانه ،وصيانته من ِّ
ِّ
عمن
والمراد بنفي اإليمان يف هذا الحديث :نفي كمال اإليمان الواجب َّ
ووقوع المرء فيها
ُ اقرتف هذه المعاصي ،وأنَّه ال يقع فيها وهو كامل اإليمان،
عا َد إلى ضعف مح َّبة اهلل يف قلبه.
قال الحافظ ابن رجب « :Vومح َّبة اهلل تعالى على درجتين:
إحداهما :واجبة؛ وهي المحبة ا َّلتِي توجب للعبد محب َة ما ي ِ
ح ُّبه اهلل من ُ َّ َّ
فإن المح َّبة الت ََّّامة تقتضي الواجبات ،وكراه َة ما يكرهه من ُ
الم َح َّرمات؛ َّ
البخاري ( )2475وال َّلفظ له ،ومسلم (.)57
ُّ ((( أخرجه
( )20حديث« :ال يزني َّ
الزاني حني يزني وهو مؤمن»
163
الموافق َة لمن يحبه يف محبة ما يحبه ،وكراه َة ما يكرهه ،خصوصا فيما ي ِ
ح ُّبه ُ ً ُّ َّ ُّ َ
تصح المح َّبة بدون فع ِل ما يح ُّبه المحبوب من ِ ِ
ب نفسه؛ فال ُّ
المح ِّ ويكرهه من ُ
ح ِّبه.حبه ،وكراهة ما يكرهه المحبوب من م ِ ِ
ُ ُم ِّ
بعضهم:
أنشدَ ُ
شـــنيع
ُ ِ
القيـــاس هـــذا َل َعمـــري يف ـم ح َّب ــه
تعص ــى اإللــ َه وأن ــت تز ُع ـ ُ
طيـــع
يحـــب ُم ُ
ُّ المحـــب لِ َمـــن
َّ إن
َّ لـــو كان ح ُّبـــك صاد ًقـــا ألطعتَـــه
الم َح َّرمات؛ فمحبتُه ومتى َّ
أخل العبد ببعض الواجبات ،أو ارتكب بعض ُ
غير تا َّمة؛ فالواجب عليه المبادرة بالتَّوبة ،واالجتهاد يف تكميل المح َّبة
لر ِّبه ُ
الم َح َّرمات ك ِّلها ،وهذا معنى قول المفضية لفعل الواجبات ك ِّلها ،واجتناب ُ
ِ ِ ِ ِ ِ النَّبِيِ َ :
ين َيزْني َو ْه َو ُم ْؤم ٌنَ ،و َل َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر ح َ
ين َي ْش َر ُب «ل َيزْني الزَّاني ح َ ِّ
ين َي ْسرِ ُق َو ْه َو ُم ْؤ ِم ٌن». ِ ِ
َو ْه َو ُم ْؤم ٌنَ ،و َل َي ْسرِ ُق ح َ
ح ُّبه اهلل ،وكراه َة ما يكرهه اهلل ،D فإن اإليمان الكامل يقتضي محب َة ما ي ِ
َّ
َّ ُ
ٍ
بشيء الم َح َّرمات ،أو ُّ
يخل والعمل بمقتضى ذلك؛ فال يرتكب أحد شي ًئا من ُ
من الواجبات؛ َّإل لتقديم هوى النَّفس المقتضي الرتكاب ذلك على مح َّبة اهلل
المقتضية ِ
لخ َلفه. ِ تعالى
َّ َّ
المقربين؛ وهي أن يمتلئ القلب بمح َّبة اهلل تعالى،
الدرجة الثانية من املحبة :درجة َّ
َّ
واالنكفاف عنها،
َ حتَّى ُت َ
وجب له مح َّب َة النَّوافل ،واالجتهاد فيها ،وكراه َة المكروهات،
والرضا باألقضية واألقدار المؤلمة للنُّفوس؛ ل ِ ُصدُ ورها عن المحبوب»(.)1 ِّ
((( مجموع رسائل ابن رجب (.)84/4
أحاديث اإلميان
164
مما يدنِّسهالمنه َّيات :فيه صيان ٌة لدينه ،ونزاه ٌة له َّ إن تجنُّب المرء لهذه َ ثم َّ
َّ
ِ و ُي ِشينُه؛ َّ
فإن الدِّ ين تار ًة يكون نق ًّيا ،ن َِز ًهاَ ،ب ِر ًّيا ،وتار ًة يكون َدن ًسا ِّ
متلو ًثا ،وتار ًة
يوصف بالنَّقص تار ًة بالر َّقة َّ
والضعف؛ كما َ والصالبة ،وتار ًة ِّ
َّ بالقوة
َّ يوصف
وبالكمال تار ًة أخرى.
أبواب
َ ففتح
َ الصراط
و َمن كان يف الدُّ نيا قد خرج عن االستقامة على ِّ
ِ
المحارم ا َّلتي يف ُستُور ِّ
الصراط َيمنَ ًة و َي َ
سرةً ،ودخل إليها سواء كانت المحارم
ِ
الكالليب ا َّلتي على ذلك ِّ
الصراط ُ الشبهات؛ أخذته الشهوات أو من ُّ من َّ
سرةً ،بحسب ما َفت ََح يف الدُّ نيا من أبواب
المنصوب على متن جهنَّم َيمنَ ًة و َي َ
المحارم ودخل إليها.
الذنوب :معرفة نِ َع ِم اهلل الم ِع ْينة للعبد على الخَ الص من ُّ ومن األمور ُ
فإن نِعم اهلل Cتتتالى على العبد ،وتتوالى عليه ،يف ك ُِّل ٍ
وقت وحين؛ D؛ َّ َ َ
سخ ُط الم ِ
نع َم بذنوب ُت ِ
ٍ بعبد نِ َع ُم اهلل عليه تتتالى أن يقابل هذه النِّ َع َم
يليق ٍ فال ُ
ُ
و ُت ِز ُيل النِّ َعم.
البخاري يف «صحيحه»(-)3
ُّ ولهذا رأى النَّبِ ُّي ﷺ -يف الحديث ا َّل ِذي رواه
الم ِع ْينَة على الخَ َلص من الذنوب :قِ َص ُر األمل ،وأن يستحضر ومن األمور ُ
فإن اآلخر َة ُمقبِلةٌ ،والدُّ نيا
أن مدَّ ة المقام يف هذه الحياة الدُّ نيا ال َت ُطول؛ َّ
العبدُ َّ
ِ
أضر عليه من التَّسويف وطول ُمدْ بِرةٌ؛ فال أن َف َع للعبد من ق َص ِر األمل ،وال َّ
األمل.
ِ
فضول الم ِع ْينة على الخَ َلص من ُّ
الذنوب :تجنُّب الفضول؛ ومن األمور ُ
َثر َة الفضول
فإن ك َ والمل َب ِ
س ،وغير ذلك؛ َّ َ والمأ َكلِ،
َ ب،شر ِ
والم َ
َ المط َع ِم،
َ
عيق عن الوصول. مر ُض القلب ،و ُت ُ ُت ِ
فخاض -أي:
َ فغاص ْت ِر ْج ُل ُه فيه،
َ ٍ
بأرض فيها َو ْح ٌل ،فجعل َيتَو َّقاه، يمشي
الو ْح ِل بعدَ ذلك دون ٍّ
توق ،وقال ألصحابه :هكذا العبدُ ،ال صار يمشي -يف َ
نوب ،فإذا وا َق َعها َ
خاضها. َي ُ
زال َيت ََـو َّقى ُّ
الذ َ
الم ِع ْينات على الخَ َلص من ُّ
الذنوب :تجديد اإليمان يف ومن األمور ُ
فإن اإليمان بحاجة إلى أن ُيجدَّ د ،ويف الحديث المأثور عن النَّبِ ِّي ﷺ
القلب؛ َّ
ِ ِ ِ أنَّه قال« :إِ َّن ْ ِ
اس َأ ُلوا اهللَ
ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُبَ ،ف ْ
يم َ
ال َ
ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(.)1
يم َ َأ ْن ي َجدِّ َد ِ
اإل َ ُ
وإذا تجدَّ د اإليمان يف القلب؛ بعدت النَّفس عن تع ُّلقها ُّ
بالذنوب وإقبالها
قرب من اهلل ،ويدين من رحمته
على المعاصي ،ودعاها داعي اإليمان إلى ما ُي ِّ
سبحانه.
21
ول اهَّللِ! ُق ْل لِي فِيان ْب ِن َع ْب ِد اهَّللِ ال َّث َق ِفي َ Iق َالُ :ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
ِّ
َع ْن ُس ْف َي َ
الس َل ِم َقو ًل َل َأس َأ ُل َعنْه َأحدً ا بعدَ َك -وفِي ح ِد ِ
يث َأبِي ُأ َسا َمةََ :غ ْي َر َكَ ،-ق َال: ِ
َ َ ُ َ َْ ْ ْ ْ ْ
ْت بِاهَّلل ِ
است َِق ْم» ،رواه مسلم( ،)1ويف رواية ألحمد(ُ « :)2ق ْلَ :آمن ُ ِ
ْت بِاهَّلل َف ْ « ُق ْل َآمن ُ
ُث َّم ْاست َِق ْم».
هذا الحديث العظيم ُيعدُّ من جوامع كَلِ ِم النَّبِ ِّي ﷺ؛ فقد طلب سفيان
Iمن النَّبِ ِّي ﷺ أن يع ِّل َمه كال ًما جام ًعا ألمر اإلسالم ،كاف ًيا حتَّى ال يحتاج
ْت بِاهَّلل ِ ُث َّم ْاست َِق ْم»؛ وهذا ُمنت ََز ٌع من
بعده إلى غيره؛ فقال له النَّبِ ُّي ﷺُ « :ق ْلَ :آمن ُ
قوله ﴿ :Dﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ
ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ ُف ِّصلت.]32 - 30 :
وصالح ِ
العبد وفالح ِ
واآلخرة، واالستقامة يرت َّتب عليها سعاد ُة الدُّ نيا
ُ ُ
الراغب يف سعادتِها؛ أن ُي ْعنَى باالستقامة ِ
فحقيق بالنَّاصح لنفسهَّ ،ٌ ِ
أمره ك ِّله؛
وعمل وثبا ًتا على ذلك إلى الممات ،مستمدًّ ا ً علما ِ
عظيم العناية؛ ً
َ على الدِّ ين
كثيرة منٍ وهب ٌة ربانيةٌ؛ ففي ٍ
آيات العون من اهلل F؛ فاالستقامة مِنَّ ٌة إلهيةِ ، َ
َّ
ِ
المستقيم، كتاب اهلل Eيضيف اهلل Dإلى نفسه الهداي َة إلى صراطِه
األمر ك َّله بيده Dيهدي َمن يشا ُء ،و ُي ُّ
ضل َمن يشا ُء ،وبيده E َّ
وأن ِ
َ
الصراط ،و َمن شاء أزا َغه.
فمن شا َء أقا َمه Fعلى ِّ
قلوب العباد؛ َ
قال اهلل تعالى﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [النِّساء،]68-66 :
وقال اهلل تعالى﴿ :ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﯵ﴾ [التَّكوير .]29 - 27 :واآليات يف هذا المعنى كثير ٌة
وعن ِ
ابن ع َّباس Lيف معنى قوله تعالى﴿ :ﭖ ﭗ﴾« :على
وروي نحوه عن أنس ،ومجاهد ،واألسود بنشهادة أن ال إله َّإل اهلل» ؛ ُ
()1
ِ
وغيرهم(.)2 هالل وزيد بن أسلم والسدِّ ي ِ
وعكرمة ُّ
ِ
فرائضه»(.)3 وروي عن ابن عباس Lأنَّه قال« :استقاموا على ِ
أداء ُ َّ ُ
«ثم أخ َل ُصوا له الدِّ ين وال َعمل»(.)4
وعن أبي ال َعالية قالَّ :
وعن َقتادة يف قوله تعالى﴿ :ﭖ ﭗ﴾ قال« :استقاموا على طاعة اهلل»(.)5
ُ
سلوك هي
ثم قال« :واالستقا َمةَ : رجب َّ V ذكر هذه األقوال اب ُن َ
الصراط المستقيم ،وهو الدِّ ي ُن الق ِّيم م ْن َغير َتعريجٍ عنه َيمن ًة وال َيسرةً،
ِّ
َ
وترك المنه َّيات ك ِّلها فعل ال َّطاعات ك ِّلها ،ال َّظاهرة والباطنة،
ويشمل ذلك؛ َ
َ
كذلك ،فصارت هذه الوصي ُة جامع ًة ِ
لخصال الدِّ ين ُك ِّلها»(.)6 َّ
القلب ،روى اإلمام أحمد من حديث أنس ِ وأصل االستقا َم ِة :استقام ُة
ُ
يم ِ «ل يست َِقيم إِيم ُ ٍ ِ
ان َع ْبد َحتَّى َي ْستَق َ َّبي ﷺ أنَّه قالَ ُ ْ َ َ :ابن مالك Iعن الن ِّ
َق ْل ُب ُه»(.)7
والصفات» (.)207
البيهقي يف «األسماء ِّ
ُّ ((( أخرجه
((( انظر« :موسوعة التَّفسير بالمأثور» (.)475-470/19
((( أخرجه ال َّط ُّ
ربي يف «جامع البيان» (.)425/20
((( ذكره ابن كثير يف «تفسير القرآن العظيم» (.)525/6
ربي يف «جامع البيان» (.)425/20((( أخرجه ال َّط ُّ
((( «جامع العلوم والحكم» (ص.)460-459
الصحيحة (.)2841 ِ
وصححه األلبان ُّي يف َّ
َّ ((( أخرجه أحمد يف المسند (،)13048
أحاديث اإلميان
174
ِ
االستقامة استقام ُة القلب على ُ
«فأصل رجب :V
قال الحافظ ابن َ
التَّوحيد.
يكون َس ْي ُره على ذاك ُ الصراط تن جهنَّم ،وعلى َقدر َس ْيره على هذه ِّ على َم ِ
ِ ِ ِ
مرمر كال َّطرف ،وم ُنهم َمن َي ُّ الصراط؛ فم ُنهم من َي ُم ُّر كال َبرق ،وم ُنهم َمن َي ُّ ِّ
كاب ،ومِ ُنهم َمن َيسعى سع ًيا ،ومِ ُنهم َمن َيمشي مش ًيا ،ومِ ُنهم َمن الر ِ كشدِّ ِّ َ
ِ ِ
الم َك ْر َدس يف النَّار ،فل َينْظر الم َس َّلم ،وم ُنهم ُ
خدوش ُُ الم
يح ُبو َح ْب ًوا ،وم ُنهم َ
الصراط مِن َس ْيره على هذا َح ْذو ال ُق َّذة بال ُق َّذة ،جزا ًء ذلك ِّ العبدُ َس َيره على َ
ِوفا ًقا﴿ ،ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [النَّمل.]90 :
ِ
والش ُبهات ا َّلتي تعو ُقه ع ْن َسيره على هذا ِّ
الصراط هوات ُّ و ْل َينظر َّ
الش
الصراط َتخ َط ُفه ،و َت ُعوقه ِ
عن المستقيم؛ فإنَّها ال َكالليب ا َّلتي َ
بجنْ َبتَي ذاك ِّ
َ
هناك﴿ ،ﰗ ﰘ ﰙ﴾ َ
فكذلك هي إن َك ُثرت ُهنا و َقويت،
المرور عليهْ ،
َ
[ ُف ِّصلت.)1(»]49 :
الصراط
هوات عن ِّ
والش ُ كان يف هذه الحياة الدُّ نيا َتخ َط ُفه ُّ
الشبهات َّ َمن َ
الصراط يوم القيامة مث َلما
الكالليب ا َّلتي على َجن َبتي ِّ
ُ المستقيم؛ فستخطفه
ُ
خط َفته ُّ
الشبهات َّ
والشهوات يف الدُّ نيا.
مقدار ِ
مفازة كذا ِ
وأخذ الماء يف دون ِ
وقت كذا، وقت كذا َالسلوك؛ كالسير يف ِ
َ َّ ُّ
السير قد ُيهم ُلها َمن ِ
كذا ،والنُّزول يف موضع كذا دون كذا ،فهذه هداي ٌة يف نفس َّ
وينقطع عن المقصود»(.)1
ُ ريق هي هذه؛ فيه َل ُك
بأن ال َّط َ
عارف َّ
ٌ هو
((( انظر :رسالة ابن الق ِّيم إلى أحد إخوانه (.)8-7/1
أحاديث اإلميان
178
22
مسلما»
حديث« :أو ً
ول اهللِ ﷺ َأ ْع َطى َر ْه ًطاَ ،و َس ْعدٌ اص َ Iأ َّن َر ُس َ َعن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو َّق ٍ
ْ
ِ
ول اهلل! َما ِ
ول اهلل ﷺ َر ُج ًل ُه َو َأ ْع َج ُب ُه ْم إِ َليَ ،ف ُق ْل ُتَ :يا َر ُس َ َجال ِ ٌسَ ،فت ََر َك َر ُس ُ
َّ
ثميلَّ ، َل َك َع ْن ُف َل ٍنَ ،ف َواهَّللِ إِنِّي ألَ َرا ُه ُم ْؤمِنًا؟ َف َق َالَ :
«أ ْو ُم ْس ِل ًما؟» َف َس َك ُّت َقلِ ً
َغ َل َبنِي َما َأ ْع َل ُم مِنْ ُهَ ،ف ُعدْ ُت ل ِ َم َقا َلتِيَ ،ف ُق ْل ُتَ :ما َل َك َع ْن ُف َل ٍنَ ،ف َواهَّللِ إِنِّي ألَ َرا ُه
«أ ْو ُم ْس ِل ًما؟»ُ ،ث َّم َغ َل َبنِي َما َأ ْع َل ُم مِنْ ُهَ ،ف ُعدْ ُت ل ِ َم َقا َلتِيَ ،و َعا َد
ُم ْؤمِنًا؟ َف َق َالَ :
ب إِ َل َّي ِمنْ ُه؛ ِ رس ُ ِ
الر ُج َل َو َغ ْي ُر ُه َأ َح ُّ
«يا َس ْعدُ ! إِنِّي ألُ ْعطي َّ ول اهلل ﷺُ ،ث َّم َق َالَ : َ ُ
َخ ْش َي َة َأ ْن َي ُك َّب ُه اهَّللُ فِي الن ِ
َّار»(.)1
ويف القران الكريم آيات عديدة ُت َق ِّرر هذا التَّفاوت بين هاتين ُّ
الرتبتين ،قال
اهلل تعالى﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب:
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [الحجرات.]14 :
ُ
اإليمان يف قلبه ،فآمن بما أمر اهلل تعالى وأما المؤمن :فهو ا َّل ِذي تح َّق َق
َّ
عباده باإليمان به ،و َمن كان شأنُه كذلك يف باطنه؛ َص ُل َح ظاهره تب ًعا لذلك؛
ألن الجوارح ال تتخ َّلف عن مرادات القلوب؛ فإذا صلح القلب هذا َّ
الصالح، َّ
عمل وطاع ًة ُّ
وتقر ًبا و ُع ِّمر باإليمان هذه العمارة؛ جدَّ ت الجوارح واجتهدَ ت؛ ً
ت «أ َل َوإِ َّن فِي ا ْل َج َس ِد ُم ْض َغةً ،إِ َذا َص َل َح ْ إلى اهلل سبحانه؛ كما قال النَّبِي ﷺَ :
ُّ
ِ
ب» .
()2
َص َل َح ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُهَ ،وإِ َذا َف َسدَ ْت َف َسدَ ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه؛ َأ َل َوه َى ا ْل َق ْل ُ
وأما المحسن :فأعلى من هؤالء؛ إذ اإلحسان :اإلتقان واإلجادة؛ َّ
فالمحسن :هو ا َّل ِذي أتقن يف تحقيق الدِّ ين ،وأجاد يف تتميم العبادة وال َّطاعة
لرب العالمين ،حتَّى بلغ به الحال أن َيع ُبد اهلل كأنَّه يراه ،وهذه رتب ٌة عالي ٌة رفيعةٌ،
ِّ
البخاري ( ،)٥٢ومسلم (.)١٥٩٩
ُّ ((( أخرجه (.)391 البخاري
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
182
كل ٍ
أحد؛ كما قال تعالى﴿ :ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ ال َي ِص ُل إليها ُّ
[الواقعة.]14-13 :
فهذه مراتب الدِّ ين ،وقد جاء نظيرها يف قوله تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ﴾ [فاطر.]32 :
ٍ
واحدة منها َأ ْض َي ُق من بعض أهل العلم بثالث دوائر؛ ُّ
كل يوض ُحه ُ
وهذا ِّ
ثم األوسع
الصغرى :اإلحسان ،واألوسع منها :اإليمانَّ ،
األخرى؛ فالدَّ ائرة ُّ
منها :اإلسالم؛ فيحتاج العبد أن يح ِّقق اإلسالم واإليمان حتَّى يصل بعد ذلك
إلى درجة اإلحسان ،فإن خرج من اإلحسان لم يخرج إلى الكفر؛ وإنَّما يخرج
ٍ
مرتبة دونَه؛ وهي مرتبة منه إلى مرتبة اإليمان ،فإن خرج من اإليمان كان يف
اإلسالم ،فإن خرج منها فما َث َّم شي ٌء من ُر َت ِ
ب الدِّ ين.
ٍ
مسلم مسلم ،وليس ُّ
كل ٌ ٍ
مؤمن مسلمُّ ،
وكل ٌ ٍ
محسن مؤم ٌن فعلى هذاُّ :
كل
ٍ
مؤمن محسنًا. مؤمنًا ،وليس ُّ
كل
ول اهللِ ﷺ فِي روى اإلمام أحمد ،عن َف َضا َلة ْبن ُع َب ْي ٍد َ ،Iق َالَ :ق َال َر ُس ُ
َّاس َع َلى َأ ْم َوالِ ِه ْم َو َأ ْن ُف ِس ِه ْم، ِ ِ
«أ َل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِا ْل ُم ْؤم ِن؟ َم ْن َأمنَ ُه الن َُح َّج ِة ا ْل َو َداعَِ :
اهدَ َن ْف َس ُه فِي َطا َع ِة ِ ِ ِ ِِ ِ ِ
َّاس م ْن ل َسانه َو َيدهَ ،وا ْل ُم َجاهدُ َم ْن َج َ
ِ ِ
َوا ْل ُم ْسل ُم َم ْن َسل َم الن ُ
ُوب»(.)1 الذن َاج ُر َم ْن َه َج َر ا ْلخَ َط َايا َو ُّاهللَِ ،وا ْل ُم َه ِ
وبيان للمستح ِّقين لهذه األسماء على ٌ واإلسالم ،والجهاد ،والهجرة)،
ِ
الحقيقة الواجبة لهم ،وا َّلتي يرت َّتب عليها َّ
السعادة التَّا َّمة يف الدُّ نيا واآلخرة،
وذكر لحدودها بكالم جامع شامل.
ٌ
فاملؤمنَ :من َأمِنَه النَّاس على دمائهم وأموالهم؛ َّ
فإن اإليمان إذا تم َّكن
أوجب لصاحبه القيا َم بحقوق اإليمان ا َّلتِي مِن
َ القلب به؛
ُ يف القلب ،وامتأل
والصدق يف المعامالت ،والورع عن ظلم النَّاس يف أهمها :رعاية األماناتِّ ،ِّ
َّاس هذا منه ،و َأمِنُوه على دمائهم ف الن ُ
دمائهم وأموالهم ،و َمن كان كذلك َع َر َ
فإن رعايةوأموالهم ،واطمأنُّوا إليه؛ ل ِ َما يعلمون منه من مراعاة األمانات؛ َّ
ان لِ َم ْن َل َأ َما َن َة َل ُه»(.)1
«ل إِ ْي َم َ
ص واجبات اإليمان؛ كما قال ﷺَ : األمانة َ
أخ ُّ
الحقيقي واملسلم :من َسلِم المسلمون من لسانه ويده؛ وذلك َّ
أن اإلسالم
َّ
يتم
هو االستسالم هلل ،وتكميل عبود َّيته ،والقيام بحقوق المسلمين ،وال ُّ
يحب لنفسه ،وال يتح َّقق ذلك َّإل بسالمتهم يحب للمسلمين ما ُّاإلسالم حتَّى َّ
ِ
أصل هذا الفرض ا َّلذي عليه المسلمونَ ،
فمن فإن هذا ُ
شر لسانه ويده؛ َّمن ِّ
قائما بالفرض ا َّل ِذي عليه
لم َيس َل ِم المسلمون من لسانه أو يده كيف يكون ً
إلخوانه المسلمين؟ و َمن بسط يف المسلمين يدَ ه ول ِ َسانه أ ًذى وعدوانًا أين هو
عنوان على كمال ٌ والفعلي القولي شره
من تحقيق اإلسالم؟ فسالمتهم من ِّ
ِّ ِّ
إسالمه.
على الدِّ ماء واألموال؛ كان المسلمون سالمين من لسانه ويده ،ولوال سالمتهم
منه لما ائتمنوه ،وليس ك ُُّل َمن َسلِموا منه يكون مأمونًا عندهم؛ فقد يرتك أذاهم
وهم ال يأمنون إليه؛ خو ًفا أن يكون قد ترك أذاهم لرغبة أو رهبة ،ال إليمان يف
قلبه.
المؤمن بأمرٍ ففسر الم ِ
سل َم بأمرٍ ظاهرٍ؛ وهو :سالم ُة النَّاس منه ،و َف َّس َر
َ َّ َ ُ
الصفة أعلى من تلك. ٍ
باطن؛ وهو :أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم ،وهذه ِّ
َّفس م َّيال ٌة إلى الكسل واملجاهدَ :من جاهد نفسه يف طاعة اهلل؛ وذلك َّ
أن الن َ
بالسوء ،سريع ُة التَّأ ُّثر عند المصائب ،وتحتاج إلى صربٍ
عن الخيرات ،أ َّمار ٌة ُّ
وجهاد يف إلزامها طاعة اهلل ،وثباتِها عليها ،ومجاهدتِها عن معاصي اهلل، ٍ
كل فرض ٍ
عين على ِّ واملهاجرَ :من هجر الخطايا ُّ
والذنوب ،وهذه الهجرة ُ
حرم على كل ٍ
حال من أحواله؛ َّ كل مك َّل ٍ
ف يف ِّ مسلم ،ال تسقط عن ِّ
فإن اهلل َّ
والذنوب ،وأوجب عليهم الم َح َّرمات ،واإلقدام على المعاصي ُّ
عباده انتهاك ُ
تتضمن« :من» و«إلى»؛
َّ اإلقبال على طاعته ،وا ِّتباع رسوله ﷺ ،وهي هجرة
فيهاجر بقلبه من مح َّبة غير اهلل إلى مح َّبته ،ومن عبودية غير اهلل إلى عبود َّيته،
ومن خوف غير اهلل ورجائه والتَّوكُّل عليه إلى خوف اهلل ورجائه والتَّوكُّل عليه،
ومن دعاء غير اهلل وسؤاله والخضوع له واالستكانة له ،إلى دعائه وسؤاله
مسلما»
( )22حديث« :أو ً
185
أن َمن قام بما َد َّل عليه هذا الحديث؛ فقد قام بالدِّ ين ك ِّله؛ « َمن وهبذا ُيع َلم َّ
وه َجر ماَسلِ َم المسلمون من لسانه ويده ،وأمِنَه النَّاس على دمائهم وأموالهمَ ،
يني ِ
نفسه على طاعة اهلل»؛ فإنَّه لم ُي ْبق شي ًئا من الخير الدِّ ِّ اهدَ َ وج َهنى اهلل عنهَ ،
والباطني َّإل فع َله ،وال من َّ
الش ِّر شي ًئا ِّإل َت َركَه. ِّ نيوي ال َّظ ِّ
اهري والدُّ ِّ
البخاري (.)10
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
186
23
حديث« :يا م َ
ُقلب القلوب ثبِّت
قليب على دينك»
هذه دعو ٌة عظيم ٌة كان النَّبِ ُّي ﷺ يكثر منها ،تتع َّلق بحفظ اإليمان وسالمته
ِ
والعناية من التَّغ ُّير ،وقد ب َّين النَّبِ ُّي Oالموجب الهتمامه هبذا الدُّ عاء
وب َبنِي آ َد َم ُك َّل َها َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِن ِم ْن َأ َصابِ ِعبه؛ وهو قوله « :Oإِ َّن ُق ُل َ
اح ٍدُ ،ي َص ِّر ُف ُه َح ْي ُ
ث َي َشا ُء». بو ِ
الر ْح َم ِن؛ َك َق ْل ٍ َ
َّ
وصححه األلبانِ ُّي.
َّ ِّرمذي (،)٢١٤٠
ُّ ((( أخرجه الت
((( أخرجه مسلم (.)2654
( )23حديث« :يا م َ
ُقلِّب القلوب ثبِّت قليب على دينك»
187
والردى.
الزيغ َّ
الحق والهدى ،وأن يجنِّبه َّ
يث ِّبت قلبه على ِّ
ما يريد ،وأنَّه يهدي َمن يشا ُء و ُي ِض ُّل َمن يشا ُء ،ويرفع َمن يشا ُء ويخفض َمن
يشا ُء؛ فما يؤ ِّمنه أن يق ِّلب اهلل قل َبه ،ويحول بينه وبينه ،ويزيغه بعد إقامته؟ وقد
أثنى اهلل على عباده المؤمنين بقولهم﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [آل عمران:
،]8فلوال خوف اإلزاغة َل َما سألوه أن ال يزيغ قلوهبم ،وكان من دعاء النَّبِ ِّي
ب، ت ال ُق ُل ْو ِ و«م َث ِّب َ
ك» ُ ،
()1
ف ُق ُلو َبنَا َع َلى َطا َعتِ َ
وب َص ِّر ْ ف ا ْل ُق ُل ِ ﷺ« :ال َّل ُه َّم ُم َص ِّر َ
ك َأ ْن «أ ُع ْو ُذ بِ ِعزَّتِ َ ِّرمذي أنَّه ﷺ كان يدعوَ : ِّ ك»( ،)2ويف الت ت ُق ُل ْو َبنَا َع َلى ِد ْين ِ ََث ِّب ْ
ِ ت ُِض َّلن ِ ْيَ ،أن َ
الح ُّي ا َّلذ ْ
ي َل َي ُم ْو ُت»(.)3 ْت َ
ُ
العامل قال ابن الق ِّيم « :Vفأشرف ما يف اإلنسان قلبه؛ فهو العالم باهلل،
المحب له ،فهو ُّ
محل اإليمان والعرفان ،وهو المخا َطب ُّ الساعي إليه،
لهَّ ،
الر ُسل ،المخصوص بأشرف العطايا ،وهو اإليمان والعقل.
المبعوث إليه ُّ
الصحيحة (.)2091 ِ
السلسلة َّ
وصححه األلبان ُّي يف ِّ
َّ ِّرمذي (،)3839ُّ ((( أخرجه الت
((( أخرجه أحمد يف مسنده من حديث عائشة ،Jبرقم (.)9420
البخاري ( ،)3738ومسلم ( )2717وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه
البخاري ( ،)٥٢ومسلم (.)1599
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
190
والراعي
أتباع للقلب ،يستخدمها استخدام الملوك للعبيدَّ ،
وإنَّما الجوارح ٌ
للرع َّية ،وا َّل ِذي يسري إلى الجوارح من ال َّطاعات والمعاصي إنَّما هي آثاره؛
َّ
وإن استنار استنارت ،ومع هذا فهو بين إصبعينفإن أظلم أظلمت الجوارحِ ، ْ
الرحمن .D
من أصابع َّ
ومو ِد ِعها ما يشاء من أسرار الغيوب ،ا َّل ِذي يحول
فسبحان مقلب القلوب ْ
مصرف القلوب كيف
بين المرء وقلبه ،ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته وذنبهِّ ،
إلي؛ فبادرت ،وباتت،
أراد ،وحيث أراد؛ أوحى إلى قلوب األولياء أن أقبلي َّ
رب العالمين ،وكره Dانبعاث آخرين فث َّبطهم ،وقيل:
وقامت بين يدي ِّ
اقعدوا مع القاعدين.
َأن يجلبه إِ َّل مشيئته؛ فال يأيت بالحسنات َّإل هو ،وال يذهب َّ
بالس ِّيئات َّإل هو،
وال يهدى ألَحسن األَعمال واألَخالق َّإل هو ،وال يصرف س ِّيئها َّإل هو»(.)1
والتَّوفيق :إرادة اهلل من نفسه أن يفعل بعبده ما َيص ُلح به العبد؛ بأن يجع َله
مؤ ًثرا له على غيره ،ويب ِّغض إليه ماقادرا على فعل ما يرضيه ،مريدً ا له ،مح ًّبا لهْ ،
ً
محل له ،قال تعالى﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ مجرد فعلِه ،والعبد ٌّ ُيسخ ُطه ،ويكرهه ،وهذا َّ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
عليم
ٌ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجرات ،]8-7 :فهو سبحانه
حكيم يض ُعه يف مواضعه ،وعند
ٌ بمن َيص ُلح لهذا الفضل و َمن ال َيص ُلح له،
َ
أهله ،ال يمنعه أه َله ،وال َي َض ُعه عند غير أهله»(.)2
[يوسف.)1(]24 :
24
ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ
ولَ « :ذ َاق ب َ :Iأ َّن ُه َس ِم َع َر ُس َ اس ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِ
َع ِن ا ْل َع َّب ِ
ول»(.)1 ان َم ْن َر ِضي بِاهلل ِ َر ًّباَ ،وبِ ْ ِ
ال ْس َل ِم ِدينًاَ ،وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ َر ُس ً يم ِ ال ََط ْع َم ْ ِ
َ
ٍ وأس ٍ ٍ ٍ
متينة ،عليها مدار دين س جمع هذا الحديث ثالث َة أصول عظيمةُ ،
ٍ
مسلم كلالسعادة يف الدُّ نيا واآلخرة ،وهي واجب ٌة على ِّ اهلل ،وعليها ُمرت َك ُز َّ
ً
رسول، وبمحم ٍد ﷺ
َّ الرضا باهلل ر ًّبا ،وباإلسالم دينًا، وعمل؛ ِّ ً لما ٍ ِ
ومسلمة ع ً
بلذته وحالوته؛ َّإل بتحقيقها. وأن العبد ال ينال طعم اإليمان ،وال يظفر َّ َّ
موجب لدخول الجنَّة؛ ففي «صحيح ٌ والرضا هبذه األصول ال َّثالثة ِّ
أن النَّبِي ﷺ قال له« :يا َأبا س ِع ٍ
يد؛ َم ْن الخدري َّ I سعيد أبي عن مسلم»
َ َ َ َّ ِّ ()2
ب َل َها
ج َت َل ُه ا ْل َجنَّةُ»َ ،ف َع ِ َر ِضي بِاهَّلل ِ َر ًّباَ ،وبِ ِ
اإل ْس َل ِم ِدينًاَ ،وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ َنبِ ًّيا؛ َو َج َب ْ
ول اهللَِ ،ف َف َع َل.فقال َ :أ ِعدْ َها َع َلي َيا َر ُس َ
َّ
َأ ُبو َس ِع ْي ٍدَ ،
عظيما ،فسأل النَّبِ َّي ﷺ أن ً أن هذه الكلمات وقعت يف قلبه موق ًعا أيَّ :
يعيدها عليه.
الم ِّيت يف قربه ُيسأل عن هذه األصول؛ ففي «المسند» وغيره در ُج َوعندما ُي َ
أن النَّبِي ﷺ قال -وذكر الحديث ،وفيهَ « :-ف َي ْأتِ ِيه َم َلك ِ
َان عن الرباء َّ I
َّ
ول ِن َل ُه:
ولَ :ر ِّب َي اهللَُ ،ف َي ُق َ ول ِن َل ُهَ :م ْن َر ُّب َ
ك؟ َف َي ُق ُ َف ُي ْج ِل َسانِ ِه -أي :المؤمنَ -ف َي ُق َ
ث فِيك ُْم؟ الر ُج ُل ا َّل ِذي ُب ِع َ ول ِن َل ُهَ :ما َه َذا َّ ال ْس َل ُمَ ،ف َي ُق َ ولِ :دينِي ْ ِ
َ َما ِدين َ
ُك؟ َف َي ُق ُ
ول اهلل ِ ﷺ» ،وفيه :أنَّهما يسأالن الكافر عن هذه ال َّثالث فيقول: ولُ :ه َو َر ُس ُ َف َي ُق ُ
«ها ْه َها ْه َل َأ ْد ِري»(.)1
َ
ٍ
مسلم أن َتع ُظم عنايتُه هبذه األصول ال َّثالثة؛ ولهذا كان متأ ِّكدً ا على ِّ
كل
تجديدً ا لإليمان مع تجدُّ د ال َّليالي واأل َّيام؛ ففي «سنن أبي داود» وغيره عن
«ما ِم ْن َع ْب ٍد ُم ْس ِل ٍم
ثوبان Iخادم رسول اهلل ﷺ قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
اإل ْس َل ِم ِدينًا، يت بِاهَّلل ِ َر ًّباَ ،وبِ ِ
اتَ :ر ِض ُ ث مر ٍ ِ
ين ُي ْمسي َث َل َ َ َّ
ِ
ين ُي ْصبِ ُح َوح َ
ي ُق ُ ِ
ولح َ َ
َان َح ًّقا َع َلى اهلل ِ َأ ْن ُي ْر ِض َي ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(.)2
َوبِ ُم َح َّم ٍد َنبِ ًّيا؛ ك َ
للصالة
وأن يقولها كذلك -تجديدً ا إليمانه ورضاه -عند سماع النِّداء َّ
بكلمات األذان العظيمة ،القائمة على التَّوحيد ،واإلخالص ،والتَّعظيم،
الرضا هبذه شرع للمسلم حين سماع األذان أن يجدِّ د هذا ِّ واإليمان؛ ف ُي َ
األصول العظيمة؛ ففي «صحيح مسلم»( )3عن سعد بن أبي و َّقاص I
ِ
ين َي ْس َم ُع ا ْل ُم َؤ ِّذ َنَ :أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ
«م ْن َق َال ح َ
قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
يت بِاهَّلل ِ َر ًّباَ ،وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺيك َل ُهَ ،و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُهَ ،ر ِض ُ
َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ
عمران.]85 :
واإلخالص
َ يتضمن عباد َته،
َّ الرضا؛ وذلك الراضي بمحبوبه َّ
كل ِّ ك ِّلها إليه؛ فِ َ
عل َّ
له.
يأمره به.
يتضمن رضاه بما َ َّ
َّ
فاألول:
َّ
يتضمن رضاه بما ُيقدِّ ر عليه.
َّ والثاني:
السالكين (.)479-478/2
((( انظر :مدارج َّ
( )24حديث« :ذاق طعم اإلميان من رضي باهلل ًّربا»
199
الرضا ا َّل ِذي قام يف قلوب هؤالء المؤمنين عن اهلل [المجادلة ،]22 :وهذا ِّ
عل العبد الرضا ا َّل ِذي هو فِ ُ صحة إيماهنم باهلل؛ َّ
ألن ِّ َّ Eهو ثمرة
ورضا عن اهلل .قال َ « :Oذ َاق َط ْع َم رضا باهللً ، ومطلوب منه؛ هو ً
ان َم ْن َر ِض َي بِاهلل ِ َر ًّبا».
يم ِ ِْ
ال َ
والرضا باهلل :يتع َّلق بأسمائه وصفاته؛ بأن يؤمن باهلل ،وبأسمائه ،وصفاته،
ِّ
فرد
المستحق للعبادة ،وأن ُي َ
ُّ وبعظمته ،وبجالله ،وبكماله ،وبوحدان َّيته ،وبأنَّه
طعم ذاق العبدُ بذلك وجه صحيحٍ ؛ َ ٍ بال َّطاعة؛ فإذا ُو ِجدَ هذا اإليمان على
َ
اإليمان.
ُ
اإلنسان معرف ًة والصفات؛ ولهذا :ك َّلما َ
قوي والرضا باهلل متع َّل ُقه :األسماء ِّ
ِّ
الرضا أع َظ َم
باهلل ،ومعرف ًة بأسمائه وصفاته E؛ نال من كمال هذا ِّ
والرضا عن ٍ
نصيب؛ بحسب ح ِّظه من المعرفة باهلل ِّ ،E وأعظم
َ ٍّ
حظ،
والرضا
فالرضا باهلل هو األصلِّ ،
الرضا باهلل؛ ِّ
فرع عن ِّ
فرع عن ذلك؛ أيٌ :
اهلل ٌ
واجب على ِّ
كل مسلم. ٌ فرض
باهلل ٌ E
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ
ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [التَّوبة.]72-71 :
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [التَّوبة.]100 :
خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ
الثوب» «إن اإلميان ل َي َ
( )25حديثَّ :
201
25
عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص Lقال :قال رسول اهلل ﷺ« :إِ َّن
اس َأ ُلوا اهَّللَ َأ ْن ُي َجدِّ َد ِ ِ ِ ِْ
ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُبَ ،ف ْ
يم َ
ال َ
ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(.)1
يم َ ِْ
ال َ
اإليمان بأنَّه َي ْخ َل ُق كما َي ْخ َل ُق ال َّثوب؛ أيَ :ي ْبلى
َ ف النَّبِ ُّي ﷺ
وص َ
لقد َ
ٍ
معاص وآثام، جراء ما قد يقع فيه المر ُء من
ص من َّ ف ،و َيدْ ُخ ُل ُه النَّ ْق ُ
و َي ْض ُع ُ
عة تصرفه عن اإليمان، وصوارف م َتنَو ٍ ٍ
لهيات وما يلقا ُه يف هذه الحياة من ُم
َ ُ ِّ
ذهب ِجدَ َة اإليمان وحيويتَه وقو َته ،و ُت ِ ِ ٍ
ف جما َله ُ
وحسنَه ضع ُ َّ َّ وفتن عظا ٍم ُت ُ
و َبها َءه؛ وهاهنا أرشد النَّبِ ُّي ﷺ إلى ضرورة تجديد اإليمان يف القلب؛ بالت ُّ
َّوجه
ان فِي ُق ُلوبِك ُْم».
يم َ اس َأ ُلوا اهَّلل َأ ْن ي َجدِّ َد ْ ِ
ال َ َ ُ الصادق إلى اهلل D؛ فقالَ « :ف ْ
َّ
.]69
«ه ُل ُّموا
الراشد عمر بن الخ َّطاب ،Iيقول ألصحابهَ :
فهذا الخليفة َّ
ونذكر النَّار،
ُ ونذكر الجنَّة،
ُ ونذكر اهلل ،F
ُ نجلس
ُ ن َْز َدا ُد إيمانًا»()1؛ أي:
ونذكر رجا َء ُه وخوفه؛ فنَذك َُر ذلك ك َّل ُه حتَّى يزيدَ
ُ ووعْدَ ه،
ونذكر وعيدَ اهلل َ
ُ
إيمانُنا و َي ْق َوى.
وكان عبد اهلل بن مسعود Iيقول« :اجلسوا بنا نزدد إيمانًا» ،وكان
ِ
يقول يف دعائه« :ال َّل ُه َّم زدين إيمانًا وف ً
قها»(.)2
«السنَّة» (.)1584
((( أخرجه الخلَّل يف ُّ
البيهقي يف «شعب اإليمان» ( )45و(.)46
ُّ ((( أخرجهما
خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ
الثوب» «إن اإلميان ل َي َ
( )25حديثَّ :
203
وكان عبداهلل بن رواحة Iيأخذ بيد النَّ َفر من أصحابه فيقول« :تعا َلوا
نؤمن ساعة ،تعالوا فلنذكر اهلل فنزدد إيمانًا بطاعته؛ لع َّله ُي َذكِّرنا بمغفرته»(.)2
َّ
وأجلئهم وكان علقمة بن قيس الن ََّخ ِع ُّي Vوهو أحد كبار التَّابعين
يقول ألصحابه« :امشوا بنا نَزدد إيمانًا»(.)5
وعمل ً
حال. ً أحدهما :تحقيق اإليمان وفروعه ،والتح ُّقق به ً
علما
َّ
عي يف دفع ما ُينافيها و َين ُق ُضها أو ُينقصها من الفتن ال َّظاهرة
ُ الس
َّ اني:والث
تجرأ عليه من ال َّثاين؛ بالتَّوبة
األول ،وما َّ
قصر فيه من َّ والباطنة ،ويداوي ما َّ
وتدار ِك األمر قبل فواته»(.)3
ُ النَّصوح
فال بدَّ من تف ُّقد اإليمان ،والعمل على تقويته يف القلب ،وال بدَّ من فز ٍع
ألن اإليمان بيد اهلل ،وهب ٌة منه سبحانهَّ ،
يتفضل ٍ
صادق إليه؛ َّ ٍ
ولجوء إلى اهلل،
به على َمن يشاء ،قال تعالى﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [النُّور ،]21 :وقال تعالى﴿ :ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النِّساء ،]83 :وقال ﴿ :Dﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
صح يف الدُّ عاء المأثور عن نب ِّينا ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجرات ،]8-7 :وقد َّ
ِ يم ِ « :Oال َّل ُه َّم زَينَّا بِ ِزين َِة ْ ِ
ين»( ،)1ولهذا قال اج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهتَد َ
انَ ،و ْ ال َ ِّ
وصححه األلبانِ ُّي.
َّ ((( أخرجه أحمد ( ،)18325والنَّسائِ ُّي ( )1305وال َّلفظ له،
أحاديث اإلميان
206
رعي؛ أهم ما يكون يف هذا الباب :أن يكون -يوم ًّيا -مرتب ًطا بالعلم َّ
الش ِّ ومن ِّ
الشرعي يعدُّ ِصمام ٍ َّ
أمان لحفظ اإليمان وتقويته؛ ولهذا قال نب ُّينا ألن العلم َّ َّ ُ َ
ين»( ،)2وقال :O «م ْن ُيرِ ِد اهَّللُ بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َف ِّق ْه ُه فِي الدِّ ِ
َ :O
ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما َس َّه َل اهللُ َل ُه بِ ِه َطرِي ًقا إِ َلى ا ْل َجن َِّة»( ،)3والعلم
«م ْن َس َل ََ
نور لصاحبه ،وضيا ٌء له يف طريقه ويف َس ِيره؛ فبالعلم يم ِّيز المرء بين الهدى
ٌ
والحق والباطل ،والنُّور وال َّظالم ،وبدون العلم َتل َتبِس عليه
ِّ والضالل،
َّ
السبل.
األمور ،وتختلط عليه ُّ
كل يو ٍم إذا أصبح بعد أن ُي َص ِّلي ولهذا كان نب ُّينا Oيقول َّ
ك ِع ْل ًما نَافِ ًعاَ ،و ِر ْز ًقا َط ِّي ًباَ ،و َع َم ًل ُم َت َق َّب ًل»( ،)4ففي ِّ
كل الصبح« :ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ
ُّ
مطلوب من المرء يف ِّ
كل يوم من أ َّيامه. ٌ َّافع؛ ألنَّه
العلم الن َ
َ يو ٍم يسأل َ
اهلل
ب
أمره َع َج ٌ رعي :العناية بالقرآن الكريم؛ َّ
فإن َ وأعظم ما يكون يف العلم َّ
الش ِّ
يف تقوية اإليمان ،وزيادة اليقين ،وتمتينه يف القلب؛ قال اهلل ﴿ :Eﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [األنفال.]4-2 :
26
ب هللَِ ،و َأ ْبغ ََض هللَِ ،و َأ ْع َطى هللَِ ،و َمن ََع هللِ؛ َف َق ِد ْاس َتك َْم َل
«م ْن َأ َح َّ
حديث آخرَ :
ٍ
فتكون مح َّبته دائر ًة مع مح َّبة اهلل ،وك َّلما قويت فيه مح َّبة اهلل قويت فرو ُعها
حب المؤمن ال ي ِ ِ
ح ُّبه َّإل هلل ،و ُيبغض َمن يبغض؛ ال يبغضه ُ الم َت َف ِّرعة عنها ،ف ُي ُّ ُ
ح ُّبه من األعمال واألشخاص ،ويف الدُّ عاء فيحب اهلل ،ويحب من ي ِ َّإل هللِ ،
ُّ َ ُ ُّ
ك ،وحب من ي ِ
ح ُّب َ «أ ْس َأ ُل َ
المأثور عن نب ِّينا Oقالَ :
بكَ ،و ُح َّ ك ُح َّب َ َ ُ َّ َ ْ ُ
فجمع بين هذه األمور. ك» َ ،
()1
ي ُي َب ِّلغُن ِ ْي ُح َّب َ ِ
ال َع َم ِل ا َّلذ ْ
ولما كانت محبة اهلل سبحانه لها لوازم؛ وهي محبة ما ي ِ
ح ُّبه اهلل من ُ َّ َّ َّ
األشخاص واألعمال ،وكراهة ما يكرهه من ذلك؛ سأل النَّبِ ُّي O
ح ُّبه اهلل تعالى من األعمال ،وهبا َيب ُلغ إلى ح ِّبه؛ ويف هذا والثاني :محبة ما ي ِ َّ
َّ ُ
ح ُّبه؛ فإذا أن درجة المحبة هلل تعالى إنَّما ُتنال بطاعته وبفعل ما ي ِ إشار ٌة إلى َّ
ُ َّ
ح ُّبه؛ أح َّبه اهلل تعالى ،ور َّقاه إلى درجة امتثل العبد ألوامر مواله ،وفعل ما ي ِ
ُ َ
«و َما َت َق َّر َب إِ َل َّي َع ْب ِدي
البخاريَ : ُّ خرجه ِ
اإللهي ا َّلذي َّ ِّ مح َّبته؛ كما يف الحديث
ت َع َل ْي ِهَ ،و َما َيز َُال َع ْب ِدي َي َت َق َّر ُب إِ َل َّي بِالن ََّوافِ ِل َحتَّى ب إِ َل َّي ِم َّما ا ْفت ََر ْض ُ ٍ
بِ َش ْيء َأ َح َّ
ِّرمذي ( )3235وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه أحمد ( ،)22162والت
( )26حديث« :ثالث مَن َّ
كن فيه وجد حالوة اإلميان»
213
تنوعت األسباب الجالبة لمح َّبة اهلل والموجبة لها ،وهي يف الجملة
وقد َّ
ترجع لعشرة أسباب ذكرها ابن الق ِّيم :V
الر ابع :إيثار محا ِّبه على محا ِّبك عند غلبات الهوى ،والتَّسنُّم إلى محا ِّبه
َّ
السادس :مشاهدة بِ ِّره ،وإحسانه ،وآالئه ،ونِ َع ِمه الباطنة وال َّظاهرة؛ فإنَّها
َّ
البخاري (.)6502
ُّ ((( أخرجه
أحاديث اإلميان
214
َّ
اإللهي؛ لمناجاته ،وتالوة كالمه ،والوقوف
ِّ ُّزول ن ال وقت به الخلوة امن: الث
ثم َختْم ذلك باالستغفار والتَّوبة.
بالقلب والتَّأ ُّدب بأدب العبود َّية بين يديهَّ ،
َّ
الصادقين ،وا ْلتقاط أطايب ثمرات كالمهم؛
التاسع :مجالسة المح ِّبين َّ
وعلمت
َ كما تنتقي أطايب ال َّثمر ،وال تت َك َّلم َّإل إذا َّ
ترج َح ْت مصلح ُة الكالم،
َّ
أن فيه مزيدً ا لحالك ،ومنفع ًة لغيرك.
السالكين (.)383-381/1
((( انظر :مدارج َّ
( )27حديث« :احفظ اهلل حيفظك»
215
27
ِ ِ َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ
«ياف َر ُسول اهلل ﷺ َي ْو ًماَ ،ف َق َالَ : اس َ ،Lق َالُ :كن ُْت َخ ْل َ
ك ،إِ َذا ك ،اح َف ِ
ظ اهَّللَ ت ِ ِ ُغ َلم! إِنِّي ُأع ِّلم َ ِ ٍ
اه ََجدْ ُه ت َُج َ اح َفظ اهَّللَ َي ْح َف ْظ َ ْ
ك كَل َماتْ ، َ ُ ُ
ِ ْت َف ِ ت َف ِ
ت َع َلى اجت ََم َع ْاستَع ْن بِاهَّللَ ،وا ْع َل ْم َأ َّن األُ َّم َة َل ِو ْ اس َأل اهَّللََ ،وإِ َذا ْاس َت َعن َ ْ َس َأ ْل َ ْ
اجت ََم ُعوا َع َلى َأ ْن كَ ،و َل ِو ْ وك إِ َّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َل َ
وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َينْ َف ُع َ
َأ ْن َينْ َف ُع َ
ك ،رفِع ِ ٍ وك بِ َش ْي ٍء؛ َل ْم َي ُض ُّر َ
ت ت ْالَ ْق َل ُم َو َج َّف ْ وك إِ َّل بِ َش ْيء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َع َل ْي َ ُ َ َي ُض ُّر َ
الص ُح ُ
ف»(.)1 ُّ
ٌ
مشتمل على وصايا عظامَ ،ج َم َعت خيري الدُّ نيا حديث ُ
جليل َّ
الشأن، ٌ هذا
عظيم يف مراقبة اهلل ،وحفظ حقوقه ،وتفويض األمور
ٌ واآلخرة ،وهو ٌ
أصل
تفرده بالتَّدبير ،و َع ْج ِز
وحسن التَّوكُّل عليه ،وتحقيق توحيده ،ومعرفة ُّ
إليهُ ،
الخالئق ك ِّلهم وافتقارهم إليه.
لمعناه»(.)1
وقد كان ابن ع َّباس حين حدَّ ثه النَّبِ ُّي ﷺ هبذا الحديث صغير ًا لم يبلغ
الحلم.
ً
وعمل؛ وفهما
ً كل مسلم أن ُيعنى به حف ًظا جامع ينبغي على ِّ
ٌ ٌ
حديث وهو
وكثير من األخطاء ا َّلتِي يقع فيها النَّاس ناشئ ٌة عن الجهل
ٌ ليسعد يف دنياه و ُأخراه،
ِ
قرر أصول االعتقاد ،وتب ِّين هبذا الحديث العظيم ونظائره من األحاديث ا َّلتي ُت ِّ
وإقرارا ،وثقةً ،وإيمانًا.
ً أساس الدِّ ين ،و َت ِص ُل النَّاس باهلل Fاعتقا ًدا،
ظ اهَّللَ َي ْح َف ْظكَ» وهذا عنوان سعادة العبد يف هذه الحياة، قوله« :اح َف ِ
ْ
وأساس فالحه يف الدُّ نيا واآلخرة؛ أن يكون حاف ًظا لحدود اهلل ،محاف ًظا على
اهلل َح ِف َظ ُه اهلل ،و َمن ا َّتقى اهلل ِ
فإن َمن َحف َظ َ
أوامره ،حاف ًظا لنفسه يف طاعة اهلل؛ َّ
َو َقا ُه.
الحنبلي (ص.)420
ِّ ((( انظر :جامع العلوم والحكم البن رجب
( )27حديث« :احفظ اهلل حيفظك»
217
ِ
وح ْف ُظ اهلل يعنيِ :ح ْف َظ حدوده ،وحقوقه ،وأوامره ،ونواهيهِ ،
وح ْف ُظ ذلك:
هو الوقوف عند أوامره باالمتثال ،وعند نواهيه باالجتناب ،وعند حدوده فال
فمن كان كذلك فهو من الحافظين ِ
يتجاوز ما أمر به ،وأذن فيه إلى ما هنى عنه؛ َ
لحدود اهلل ا َّل ِذين مدحهم اهلل يف كتابه بقوله ﴿ :Dﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ
ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ﴾ [ق ،]٣٣-٣٢ :وقد ُف ِّسر الحفيظ هنا:
بالحافظ ألوامر اهلل ،وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.
ويدخل يف ذلك كذلك :حفظ ال ِّلسان والفرج؛ ففي حديث أبي هريرة
ِ ِ ِ
خرجه«م ْن َحف َظ َما َب ْي َن َل ْح َي ْيه َو ِر ْج َل ْيه َد َخ َل ا ْل َجنَّة» َّ
Iعن النَّبِ ِّي ﷺ قالَ :
الحاكم(.)2
وخرج اإلمام أحمد( )3من حديث أبي موسى Iعن النَّبِ ِّي ﷺ قال: َّ
«م ْن َح ِف َظ َما َب ْي َن ُف ْق َم ْي ِه َو َف ْر َج ُه َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ» ،وأمر اهلل Dبحفظ الفروج
َ
ومدح الحافظين لها ،فقال﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾
وحسنه األلبانِ ُّي.َّ ِّرمذي (،)٢٤٥٨ ُّ ((( أخرجه أحمد ( ،)٣٦٧١والت
«من
البخاري ( )6474بلفظَ :
ِّ ((( أخرجه الحاكم يف المستدرك ( ،)8262وأصله عند
ِ ِ ِ
َي ْض َم ْن ل ْي َما َب ْي َن َل ْح َي ْيه َو َما َب ْي َن ِر ْج َل ْيه؛ َأ ْض َم ْن َل ُه َ
الجنَّةَ».
((( أخرجه أحمد يف المسند (.)19559
( )27حديث« :احفظ اهلل حيفظك»
219
وثبت يف «سنن أبي داود» ،و«سنن ابن ماجه» وغيرهما من حديث ابن
أن النَّبِ َّي ﷺ لم يكن يدَ ُع هؤالء الدَّ عوات حين يمسي وحين عمر َّ I
ك ا ْل َعافِ َي َة فِي الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة ،ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ
ك ا ْل َع ْف َو يصبح« :ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ
اي َو َأ ْه ِلي َو َمالِي ،ال َّل ُه َّم ْاست ُْر َع ْو َراتِي َو ِآم ْن َر ْو َعاتِي، ِ ِ ِ ِ
َوا ْل َعاف َي َة في ديني َو ُد ْن َي َ
يَ ،و ِم ْن َخ ْل ِفيَ ،و َع ْن َي ِمينِيَ ،و َع ْن ِش َمالِيَ ،و ِم ْن ِ ِ
اح َف ْظني م ْن َب ْي ِن َيدَ َّ ال َّل ُه َّم ْ
ك َأ ْن ُأ ْغت ََال ِم ْن ت َْحتِي»(.)1 َف ْو ِقيَ ،و َأ ُعو ُذ بِ َع َظ َمتِ َ
الصحابة يقولون :واهلل لوال اهلل ما اهتدينا وال صمنا وال ص ِّلينا()1؛
كان َّ
واهلل Cيقول﴿ :ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾
[الحجرات.]8-7 :
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ
وهذا يدعو العبدَ إلى أن يكون تع ُّلقه وتو ُّك ُله باهلل وحدَ ه ،وتفويضه ألموره
إلى اهلل وحده ،إ َّياه يسأل ،وعليه يتوكَّل ،يرجو رحمته ،ويخاف عذابه.
( )28حديث« :املؤمن للمؤمن كالبنيان»
223
28
يعرف
َ ولهذا كان واج ًبا على ك ُِّل مسلم أن يرعى لهذه ُ
األخ َّوة ح َّقها ،وأن
أمر ين ُقضها أو ُي ِنق ُصها؛
كل ٍ يحفظ حرمتها ،وأن يتحاشى َّ
َ لها مكانتها ،وأن
ٍ
رعاية األخوة يف اهلل تحتاج من أهل اإليمان ومن المتآخين يف الدِّ ين إلى َّ
فإن
َّ
والسنَّة يف هذا الباب لئل تنخرمَّ ، ٍ
وعناية هبا؛ َّ
ولئل تنثلم ،وبمطالعة الكتاب ُّ
األخوة و ُتعلي من
َّ تنوه هبذه
العظيم؛ نجد آيات وأحاديث عن رسول اهلل ﷺ ِّ
شأهنا ،و ُت َب ِّين موجباهتا ومقتضياهتا ،وحقوقها وآداهبا.
ومن جوامع ما جاء يف هذا الباب :قول اهلل تعالى يف سورة الحجرات يف
ٍ
األخوة اإليمان َّية ،ومكانتها ،وذكر شيء من حقوقها وواجباهتا﴿ :ﯜ التَّنويه هبذه
َّ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ
ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾
[الحجرات.]12-10 :
السنَّة يف هذا الباب المبارك :ما رواه مسلم يف أج َم ِع ما ورد يف ُّ ومن ْ
اسدُ وا، «ل ت ََح َ أن النَّبِ َّي ﷺ قالَ : «صحيحه»( )1من حديث أبي هريرة َّ I
ض، َاج ُشواَ ،و َل َت َبا َغ ُضواَ ،و َل تَدَ ا َب ُرواَ ،و َل َيبِ ْع َب ْع ُضك ُْم َع َلى َب ْي ِع َب ْع ٍ َو َل َتن َ
َوكُونُوا ِع َبا َد اهلل ِ إِ ْخ َوانًا ،ا ْل ُم ْس ِل ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْس ِل ِم َل َي ْظ ِل ُم ُه َو َل َيخْ ُذ ُل ُه َو َل َي ْح ِق ُر ُه،
ب ْامرِ ٍئ ِم َن َّ
الش ِّر َأ ْن ات ،-بِ َح ْس ِ ث مر ٍ ِ
-و ُيش ُير إِ َلى َصدْ ِره َث َل َ َ َّ
ِ
اهنَا َ ال َّت ْق َوى َه ُ
َي ْح ِق َر َأ َخا ُه ا ْل ُم ْس ِل َم ،ك ُُّل ا ْل ُم ْس ِل ِم َع َلى ا ْل ُم ْس ِل ِم َح َرا ٌم؛ َد ُم ُه َو َما ُل ُه َو ِع ْر ُض ُه»؛
األخوة
َّ وهذا الحديث من جوامع كلِم نب ِّينا ﷺ يف هذا الباب المبارك؛ ِ
باب
ٍ
ومقتضيات ٍ
حقوق اإليمان َّية وما تقتضيه وتستوجبه بين أهل اإليمان من
وواجبات.
الم َت َقدِّ مة ،وما ذكره النَّبِ ُّي ﷺ يف هذا ِ ٍ و َمن َّ
مما ُذك َر يف اآليات ُ
أخل بشيء َّ
باألخوة ومقتضياهتا؛ َن َق َ
ص من َّ مما يت َع َّلق الحديث وغيره من أحاديثه َّ
الشريفة َّ
لألخوة.
َّ ٍ
حقوق أخل به من ف من دينه؛ بحسب ما َّ وض ُع َ
إيمانهَ ،
الس َهرِ َوا ْل ُح َّمى»( ،)1وقد ضرب أصحاب النَّبِ ِّي ِ ِ
O َسائ ُر ا ْل َج َسد بِ َّ
-وهم خير ُأ َّمته -يف هذا الباب أروع األمثلة ،وح َّققوا فيه رفيع المقامات.
ولهذا :كان ُمتَأ ِّكدً ا على المسلم أن يعامل إخوانه بالمعاملة ال َّط ِّيبة الكريمة
البخاري ( ،)٦٠١١ومسلم ( )٢٥٨٦وال َّلفظ له.
ُّ ((( أخرجه
البخاري ( ،)13ومسلم (.)45
ُّ ((( أخرجه
( )28حديث« :املؤمن للمؤمن كالبنيان»
227
ِ ِ
َّراحم،
ب أن يعا َمل هبا ،وأساس ذلك بين أهل اإليمان :الت ُّ الفاضلة ا َّلتي ُيح ُّ
الرحمة يف القلوب ،فإذا َر ِح َم المسلم إخوانه؛ عاملهم بالمعاملة ووجود َّ
الحسنة ال َّط ِّيبة.
الرحمة تجلب للقلب سعاد ًة وراحةً ،وتجعل للمرء يف قلوب وهذه َّ
ِ
ويحسن يرحمها، ألن القلوب ُجبلت على مح َّبة َمن اآلخرين مح َّب ًة واحرتا ًما؛ َّ
ُ
ممن كان غلي ًظا ف ًّ
ظا ،قال تعالى﴿ :ﭙ وجبلت على النُّفرة َّ
إليها ،ويعطف عليهاُ ،
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [آل عمران.]159 :
َّسائي
الزوائد ( ،)12731والحاكم ( ،)7498والن ُّ ((( أخرجه ال َّطربانِ ُّي كما يف مجمع َّ
«السنن الكربى» ( ،)5928وقال األلبانِ ُّي« :حسن لغيره» كما يف صحيح التَّرغيب يف ُّ
والتَّرهيب (.)2253
السعادة البن الق ِّيم (.)844/2((( انظر :مفتاح دار َّ
( )28حديث« :املؤمن للمؤمن كالبنيان»
229
[محمد.]19 :
َّ
الواردة يف هذا الدُّ عاء العظيم :ما ثبت يف «المعجم الكبير» ِ ومن األجور ِ
ِ
الصامت Iقال :قال رسول اهلل ﷺ: لل َّطربان ِّي بإسناد حسن عن ُعبادة بن َّ
َب اهللُ َل ُه بِك ُِّل ُم ْؤ ِم ٍن َو ُم ْؤ ِمن ٍَة َح َسنَةً»(.)1 ِ ِ ِ ِِ
«م ِن ْاس َت ْغ َف َر ل ْل ُم ْؤمن َ
ين َوا ْل ُم ْؤمنَات؛ َكت َ َ
والرابطة الدِّ ين َّية العظيمة؛ ال يجوز أن ُتهدَ ر
األخوة اإليمان َّيةَّ ،
َّ ثم َّ
إن هذه َّ
وأن َت ِضيع استنا ًدا إلى بعض الحظوظ الدُّ نيو َّية ،وكم يقع بين ٍ
كثير من النَّاس،
الشيطان مِ ْن خالل بعض الحظوظ المت ََحا ِّبين أن يدخل عليهم َّ
بل بين كثير من ُ
قطيعة بينهم ،وعداوة ،وشحناء ،وبغضاء ،تبقى والعياذ ٍ الدُّ نيو َّية؛ فيقعوا يف
درج أحدهما يف قربه.
باهلل إلى أن ُي َ
وإنَّها لمصيب ٌة عظيم ٌة أن ُي َخ َّل هبذه األُ ُخ َّوة اإليمان َّية هذا اإلخالل ،وأن
«الصحيحين» ُت َض َّيع هبذه ال َّطريقة ألجل بعض الحظوظ الدُّ نيو َّية؛ ولهذا جاء يف َّ
ث ،ي ْلت َِق َي ِ
ٍ عن نبينا ﷺ أنَّه قالِ ِ ِ َ :
ان َف َي ُصدُّ «ل َيح ُّل ل ُم ْسل ٍم َأ ْن َي ْه ُج َر َأ َخا ُه َف ْو َق َث َل َ ِّ
ِ
الس َلمِ»(.)2 َه َذا َو َي ُصدُّ َه َذاَ ،و َخ ْي ُر ُه َما ا َّلذي َي ْبدَ ُأ بِ َّ
وروى مسلم( )3عن َأبِي هرير َة َ Iأ َّن رس َ ِ
ول اهَّلل ﷺ َق َالُ « :ت ْفت َُح َأ ْب َو ُ
اب َ ُ ُ َ َْ َ ْ
يسَ ،ف ُي ْغ َف ُر لِك ُِّل َع ْب ٍد َل ُي ْشرِ ُك بِاهَّلل ِ َش ْيئًا ،إِ َّل َر ُج ًل
ال ْثنَ ْي ِن َو َي ْو َم ا ْلخَ ِم ِ
ا ْل َجن َِّة ي ْو َم ْ ِ
َ
َت َب ْينَ ُه َو َب ْي َن َأ ِخ ِيه َش ْحنَا ُءَ ،ف ُي َق ُالَ :أنْظِ ُروا َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحاَ ،أنْظِ ُروا كَان ْ
َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحاَ ،أنْظِ ُروا َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحا».
َّ
ويتصدق وهو خياف أن ال يقبل منه» ( )29حديث« :الرَّجل يصوم ويصلِّي
231
29
َّ
ويتصدق «الرجل يصوم ويصلِّي
حديثَّ :
وهو خياف أن ال يقبل منه»
ِ
َع ْن َعائِ َش َة َ Jقا َل ْتُ :ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
ول اهلل! ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
وقتها ،وعلى تمام طهارهتا ،فيقال له :ص َّليت؟ فيقول :قد ص َّليت إن قبلها
اهلل ،وكذلك القوم يصومون شهر رمضان ،فيقولون يف آخره :صمنا إن كان
حج ِه وعمرته ٍ
حجة بعد فراغه من ِّ
ِ
اهلل قد تق َّبله منَّا ،وكذلك يقول َمن َقد َم من َّ
ِ
حججنا ،ما بقي وقضاء جميع مناسكه؛ إذا ُسئ َل عن ِّ
حجه؛ إن ََّما يقول :قد َ
ٍ
لبعض :ال َّل ُه َّم تق َّبل غير ال َقبول ،وكذلك دعاء النَّاس ألنفسهم ،ودعاء بعضهم
وزكَّى عملك، الحاج ،ف ُيقال لهَ :قبِ َل اهلل َّ
حجكَ ، ُّ صومنا وزكاتنا ،وبذلك ُيل َقى
لبعضَ :قبِ َل اهلل
ٍ وكذا يتالقى النَّاس عند انقضاء شهر رمضان ،فيقول بعضهم
وأخذه َخ َل ُفهم
َ منَّا ومنك ،هبذا مضت ُسنَّة المسلمين ،وعليه جرت عاداهتم،
عن س َل ِف ِهم»(.)1
وكان عمر بن الخ َّطاب Iيقول يف دعائه« :ال َّل ُه َّم اجعل عملي ك َّله
ألحد فيه شي ًئا»( ،)2وال يجزم ٍ خالصا ،وال تجعل صالحا ،واجعله لوجهك
ً ً
الواحد منهم ب َقبول أعماله.
قال الحافظ ابن رجب « :Vولهذا كانت هذه اآلية يشتدُّ منها خوف
وهذه الحال العل َّية ا َّلتِي كانوا عليها رضي اهلل عنهم ورحمهم :هي الحال
وقد تقدَّ م سؤال أ ِّم المؤمنين عائشة Jالنَّبِ َّي ﷺ عن هذه اآلية حيث
الر ُج ُل َي ْزنِي َو َي ْس ِر ُق َو َي ْش َر ُب ا ْل َخ ْم َر؟ أي :يعملون
قالت :يا رسول اهلل َأ ُه َو َّ
«ل َيا ا ْبنَ َة ما يعملون من هذه المعاصي وهم يخافون أن ُي َع َّذبوا عليها؟ َق َالَ :
اف َأ ْن َل ُي َت َق َّب َل
الر ُج ُل َي ُصو ُمَ ،و َيت ََصدَّ ُقَ ،و ُي َص ِّلي َ ،و ُه َو َيخَ ُ ِ الصدِّ ِ
يقَ ،و َلكنَّ ُه َّ ِّ
ِمنْ ُه»()1؛ َّ
ألن مر َّد العمل يف قبوله إلى تحقيق تقوى اهلل يف العمل ،فإذا ُح ِّققت
التَّقوى يف العمل حصل القبول؛ كما تقدَّ م يف اآلية﴿ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾
ِ
فمن ا َّتقى اهلل يف أي :يتق َّبل العمل ا َّلذي قاموا به إذا ا َّتقوا اهلل فيه؛ إن كان ًّ
حجاَ :
حجه ،وإن كان صالةً :قبلت صالته ،وإن كان صيا ًماُ :قبِل صيامه، حجه ُقبل ِّ
ِّ
ٍ
عبادة إنَّما يتق َّبلها اهلل من العامل إذا ا َّتقى اهلل فيها. إلى غير ذلكُّ ،
فكل
وأساس متين ،ال يكون َقبول للعمل َّإل به؛ ولهذا جاء يف ٌ فهذا ٌ
أصل
الش ْر ِكَ ،م ْن
َاء َع ِن ِّ الشرك ِ
«أنَا َأ ْغنَى ُّ َأن اهلل Fيقولَ : الحديث القدسي َّ
ِّ
َع ِم َل َع َم ًل َأ ْش َر َك فيه َمع َي َغ ْيرِي؛ ت ََر ْك ُت ُه َوش ْر َك ُه»( ،)1ومعنى «ت ََر ْك ُت ُه َوش ْر َك ُه»
ِ ِ ِ ِ ِ
ألن اهلل Eال يقبل من العمل َّإل رددت عليه عمله ولم أقبله منه؛ َّ ُ أي:
ِ
والسمعة وغير ذلك :فهذاالخالص ،أ َّما العمل ا َّلذي وقع على وجه المراءاة ُّ
()2
مردو ٌد على العامل غير مقبول منه؛ فال ُيقبل َّإل إذا أريدَ
به وج ُه اهلل E
و ُأخلِص به هلل ،و ُأيت به صاف ًيا نق ًّيا ال ُيراد به َّإل اهلل .E
َّ
للرسول ﷺ ،قال تعالى﴿ :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ واألمر الثاني :المتابعة َّ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [المائدة]3 :؛ فال َيق َبل اهلل سبحانه
الموافق لهذا الدِّ ين ا َّل ِذي رض َيه سبحانه لعباده ،وال يرضى لهم َ من العمل َّإل
«م ْن َع ِم َل
أن النَّبِ َّي Oقالَ : صح يف الحديث َّ دينًا سواه؛ ولهذاَّ :
َع َم ًل َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»( .)3فإذا لم يكن العمل على أمر النَّبِ ِّي ووفق سنَّته
خالف التَّقوى؛ فيكون مردو ًدا.
ُ Oفهو
إحسان وشفقة، ٍ «إن المؤمن جمع بين البصري َّ :V قال الحسن
ُّ
والفاجر جمع إساء ًة وأمنًا»()2؛ أي :يسيء يف العمل ،ويف الوقت نفسه آمن،
بينما المؤمن يحسن يف العمل ،ويجتهد يف إتقانه وتكميله وتتميمه ،ويف الوقت
نفسه ال يزال يرى نفسه ُم َق ِّص ًرا؛ فيخاف َّأل يقبل.
ورؤية تقصيره؛ تنفي عنه العجب ا َّل ِذي يبطل األعمال ويفسدها.
َف َج َم َع ُ
اهلل لهم بين مقامين عظيمين :مقام اإلحسان يف العمل ،واإلجادة يف
ال َّطاعة ،ويف الوقت نفسه :الخوف من اهلل َّ Eأل ُتتق َّبل منهم أعمالهم.
الرحمن!
وقد قرأ ُوهيب بن الورد Vهذه اآلية وبكى ،قال« :يا خليل َّ
ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت ِ
مشف ٌق أن ال يقبل منك!»(.)2 َّ
وهذا فيه عرب ٌة ِ
وع َظ ٌة يف َّ
أن العبدَ مهما كانت مكانته؛ ال بدَّ أن يكون طام ًعا
يف ال َقبول ،راج ًيا أن يتق َّبل اهلل Eمنه عمله؛ فهذا خليل َّ
الرحمن ،وهو
َمن هو يف المكانة والفضل ،ويف عم ٍل هو أشرف األعمال ،وأفضلها ،ويرجو
القبول ،ويسأل اهلل سبحانه أن يتق َّبل منه ﴿ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾
ٍ
وح ُس َن إقبا ُله على اهللَ ،
وح ُس َن إيمانه باهلل، وهذه حال ك ُِّل عبد ا َّتقى اهلل َ ،D
ويكمله ،ويخاف أن ال ُيق َبل منه
ِّ يتمم العمل
تعظيمه هلل F؛ فإنَّه ِّ
ُ وح ُس َن
َ
العمل.
ول: َان النَّبِي ﷺ َيدْ ُعو َي ُق ُ اس َ ،Lق َال :ك َ ِّرمذي َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ
ُّ روى الت
ُّ
«ر ِّب َأ ِعنِّي َو َل ت ُِع ْن َع َل َّيَ ،وان ُْص ْرنِي َو َل َتن ُْص ْر َع َل َّيَ ،و ْامك ُْر لِي َو َل ت َْمك ُْر َع َل َّي،
َ
ربي يف «جامع البيان» (.)557/2((( أخرجه ال َّط ُّ
((( أخرجه ابن أبي حاتم يف «التَّفسير» ( ،)1240وابن أبي شيبة (.)33836
أحاديث اإلميان
238
30
حديثَّ :
«الل َّ
هم بعلمك الغيب
وقدرتك على اخللق»
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجراتَّ ،]8-7 :
والشاهد قول اهلل ﴿ :Dﮃ﴾
نفسه ،وتتميم جماله ال َّظاهر والباطن وشرائع اإلسالم؛ ساعيا يف تكميل زينة ِ
ً
كل ذلك يطلب من اهلل مدَّ ه وعونَه. بتحقيق ذلك ،وهو يف ِّ
ظاهر العبد وباطنَه؛ فهي زين ٌة للقلب َ وزين ُة اإليمان :هي زين ٌة تتناول
وأعظم ذلك :أصول اإليمان ا َّلتي يقو ُم عليها ُ بحقائق اإليمان وأصول الدِّ ين،
ور ُس ِل ِه َوال َي ْو ِم ِ ِ ِِ ِ ِ الزينةَ ،
وم َلئكَته و ُك ُتبِه ُ
«أ ْن ت ُْؤم َن بِاهلل َ دي ُن اهلل ،وتقوم عليها هذه ِّ
وأسس يقوم عليها هذا ٌ ٌ
أصول اآلخرَِ ،وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر؛ َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»()2؛ وهي
ِ
وصححه األلبانِ ُّي يف صحيح الجامع (.)2349َّ ((( أخرجه أحمد (،)2952
البخاري (.)3759
ِّ وصححه االلبانِ ُّي ،وأصله عند
َّ ِّرمذي (،)2018
ُّ ((( أخرجه الت
فهرس احملتويات
247
فهرس احملتويات
المقدمة5..................................................................
«أي العمل أفضل؟»7.........................................
-1حديثُّ :
-2حديث جربيل15.......................................................
-3حديث وفد عبد القيس (24......................................... )1
-4حديث وفد عبد القيس (32......................................... )2
-5حديث« :إنَّما األعمال بالنِّ َّيات» 40.....................................
-6حديث شعب اإليمان 51...............................................
-7حديثَ « :من قال :أشهد أن ال إله َّإل اهلل»59............................
-8حديثَّ :
«إن اهلل ال ينام» 67.............................................
اسما»75................................. -9حديثَّ :
«إن هلل تسعة وتسعين ً
حق اهلل على العباد؟» 83..........................
-10حديث« :أتدري ما ُّ
السماء» 90............................
-11حديث« :إذا قضى اهلل األمر يف َّ
-12حديث« :ال َّلهم لك الحمد أنت نور َّ
السموات واألرض» (97...... )1
السموات واألرض» (105..... )2 -13حديث« :ال َّلهم لك الحمد أنت نور َّ
ِ
األنبياء َّإل قد ُأ ْعطِي من اآليات» 113.......... نبي من
-14حديث« :ما من ٍّ
-15حديث« :ال يؤمن عبدٌ حتَّى يؤمن بأربع» 121.........................
أحاديث اإلميان
248
-16حديث« :اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر» 129.....
السموات واألرض» 137..
-17حديث« :كتب اهلل مقادير الخالئق قبل أن يخلق َّ
الضعيف»145...
ب إلى اهلل من المؤمن َّ
وأح ُّ
خير َ
القوي ٌ
ُّ -18حديث« :المؤمن
-19حديث« :أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خل ًقا»153....................
الزاين حين يزين وهو مؤمن» 162.....................
-20حديث« :ال يزين َّ
-21حديث« :قل :آمنت باهلل فاستقم» 170.................................
مسلما» 178..............................................
ً -22حديث« :أو
-23حديث« :يا ُم َق ِّلب القلوب ث ِّبت قلبي على دينك» 186.................
-24حديث« :ذاق طعم اإليمان من رضي باهلل ر ًّبا» 194....................
«إن اإليمان ل َيخ َلق يف جوف أحدكم كما َيخ َلق ال َّثوب» 201....
-25حديثَّ :
-26حديث« :ثالث َمن ك َّن فيه وجد حالوة اإليمان»208..................
-27حديث« :احفظ اهَّلل يحفظك»215.....................................
-28حديث« :المؤمن للمؤمن كالبنيان»223...............................
«الرجل يصوم ويص ِّلي ويتصدَّ ق وهو يخاف أن ال يقبل منه» 231..
-29حديثَّ :
-30حديث« :ال َّل َّ
هم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق»239..............
فهرس المحتويات 246.....................................................