You are on page 1of 250

‫‪00966532627111‬‬

‫‪00966590960002‬‬

‫حقوق الطبع حمفوظة ©‬


‫ُ‬
‫ال يسمح بإاعدة نرش هذا الكتاب أو أي جزء‬
‫منه بأي شلك من األشاكل‪ ،‬أو حفظه ونسخه‬
‫يف أي نظام يمكن من اسرتجاع الكتاب‪ ،‬دون‬
‫احلصول ىلع إذن خطي‪.‬‬
‫املقدمة‬
‫‪5‬‬

‫‪#‬‬

‫املقدمة‬

‫رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ال إله َّإل اهلل وحده ال شريك له وأشهد‬


‫الحمدُ هلل ِّ‬
‫محمدً ا عبده ورسوله؛ ص َّلى اهلل وس َّلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أن َّ‬
‫َّأما بعد‪:‬‬

‫نافع يف بيان اإليمان الذي هو أجل المقاصد وأعظم‬


‫فهذا مجموع ٌ‬
‫المطالب وأنبل الغايات‪ ،‬والذي حاجة الناس إليه وضرورهتم إلى العلم به‬
‫وتطبيقه أعظم الضرورات‪ ،‬بل ليس للناس حاجة يف هذه الحياة مثل حاجتهم‬
‫إلى اإليمان باهلل وبما أمر اهلل ‪ F‬عباده باإليمان به؛ ألنه حياة العباد‬
‫الحقيقية‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬

‫ﯤﯥ ﴾ [األنفال‪ ،]24 :‬فالحياة الحقيقية ال تكون وال تتحقق إال باإليمان‪.‬‬

‫وقد جمعت يف هذا الكتاب طائفة من أحاديث اإليمان مع شرحٍ لمعانيها‬


‫ٍ‬
‫واستخالص لفوائدها‪ ،‬وهو يف األصل حلقات يومية قدمتها‬ ‫ٍ‬
‫وبيان لمضامينها‬
‫يف شهر رمضان المبارك لعام (‪ ١٤٤٣‬هـ)؛ عرب قناة السنة النبوية ‪-‬جزى اهلل‬
‫القائمين عليها خير الجزاء وأوفاه‪ ،-‬وقد لقيت بحمد اهلل ً‬
‫قبول‪ ،‬ورغب الكثير‬
‫يف طبعه ونشره لتتنوع مجاالت اإلفادة منه‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪6‬‬
‫وأسأل اهلل ‪-‬جل يف عاله‪ -‬بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا‬
‫أجمعين لما يحبه ويرضاه من سديد األقوال وصالح األعمال‪ ،‬وأن يزيننا‬
‫بزينة اإليمان‪ ،‬وأن يجعلنا هداة مهتدين‪.‬‬

‫وص َّلى اهلل وس َّلم على عبده ورسوله ‪-‬نب ِّينا َّ‬
‫محمد‪ -‬وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫(‪ )1‬حديث‪ُّ :‬‬
‫(أي العمل أفضل؟)‬
‫‪7‬‬

‫‪1‬‬

‫حديث‪ُّ :‬‬
‫(أي العمل أفضل؟)‬

‫ول اهللِ ﷺ ُسئِ َل‪َ :‬أ ُّي ا ْل َع َم ِل َأ ْف َض ُل؟ َف َق َال‪:‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫يل اهلل ِ»‪ .‬قِ َيل‪ُ :‬ث َّم‬‫ج َها ُد فِي َسبِ ِ‬ ‫ان بِاهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه»‪ .‬قِ َيل‪ُ :‬ث َّم َما َذا؟ َق َال‪« :‬ا ْل ِ‬ ‫«إِ َ‬
‫يم ٌ‬
‫ور»(‪.)1‬‬ ‫َما َذا؟ َق َال‪َ :‬‬
‫«ح ٌّج َم ْب ُر ٌ‬
‫أهم ما يجب على العبد العناية به يف هذه الحياة اإليمان؛ فهو أفضل‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬
‫الرفع َة يف الدُّ نيا واآلخرة‪،‬‬
‫وحصلته القلوب‪ ،‬ونال به العبد ِّ‬
‫َّ‬ ‫ما اكتسبته النُّفوس‪،‬‬
‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫الصحيح؛ فهو‬ ‫كل ٍ‬
‫خير يف الدُّ نيا واآلخرة متو ِّقف على اإليمان َّ‬ ‫إن َّ‬
‫بل َّ‬
‫وأج ُّل المقاصد‪ُ ،‬‬
‫وأنبل األهداف‪.‬‬ ‫المطالب‪َ ،‬‬
‫أهم‬
‫أهم المسائل على اإلطالق؛ ألنَّها ُّ‬
‫ومباحث اإليمان ومسائله هي ُّ‬
‫الصحيح من‬
‫الحق واليقين‪ ،‬وكم لإليمان َّ‬
‫ِّ‬ ‫مباحث الدِّ ين‪ ،‬وأعظم أصول‬
‫المغدَ قة‪ ،‬وال ِّثمار اليانعة‪ ،‬والجنى ال َّلذيذ‪ ،‬واألُكُل الدَّ ائم‪ ،‬والخير‬
‫الفوائد ُ‬
‫ستقصى؛ عاجلة وآجله‪.‬‬
‫َ‬ ‫أمور ال تحصى‪ ،‬وفوائدُ ال ُت‬
‫المستمر! ٌ‬
‫ِّ‬
‫والش ِ‬
‫رور‬ ‫ِ‬
‫المكاره ُّ‬ ‫فباإليمان يحيى العبدُ حيا ًة طيب ًة يف الدَّ ارين‪ ،‬وينجو من‬
‫دخ ُل‬ ‫ُ‬
‫وينال ثواب اآلخرة؛ ف َي ُ‬ ‫ويدرك جميع الغايات والمطالب‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والش ِ‬
‫دائد‪،‬‬ ‫َّ‬

‫البخاري (‪ )26‬و(‪ )1519‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)135‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪8‬‬
‫ِ‬ ‫كعرض الس ِ‬
‫واألرض‪ ،‬فيها من النَّعيم ما ال عي ٌن رأت‪ ،‬وال‬ ‫ماء‬ ‫ِ َّ‬ ‫جنَّ ًة ُ‬
‫عرضها‬
‫وقعرها‬ ‫أذن سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬وينجو من ٍ‬
‫نار عذا ُبها شديد‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫الر ِّب سبحانه فال يسخط عليه‬ ‫بعيد‪ ،‬وأعظم من ذلك ك ِّله‪ :‬أن يفوز برضى َّ‬
‫ويتلذذ بالنَّظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬يف غير ضراء م ِضرة‪ ،‬وال ٍ‬
‫فتنة ُم ِض َّلة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أبدً ا‪،‬‬
‫َّ َ ُ َّ‬
‫ن القلب‪ ،‬وتس ُكن النَّفس‪ ،‬و ُي َس ُّر الفؤاد‪﴿ ،‬ﰈ ﰉ‬
‫وباإليمان يطمئ ُّ‬
‫[الرعد‪.]28 :‬‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ َّ‬

‫وكم لإليمان من الفوائد العظيمة‪ ،‬واآلثار المباركة‪ ،‬وال ِّثمار اليانعة‪،‬‬


‫المستمر يف الدُّ نيا واآلخرة ما ال يحصيه وال يحيط به َّ‬
‫إل اهلل! ﴿ﮠ‬ ‫ِّ‬ ‫والخير‬
‫[السجدة‪.]17 :‬‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ َّ‬

‫والش ُّر ك ُّله‬ ‫وبالجملة؛ فالخير ك ُّله ٌ‬


‫فرع عن اإليمان ومرت ِّت ٌ‬
‫ب عليه‪ ،‬والهالك َّ‬
‫إنَّما يكون بفقد اإليمان ونقصه‪.‬‬

‫وأعظمها و َأوالها بالعناية‬


‫َ‬ ‫رو إذن أن تكون مباح ُثه َّ‬
‫أهم المباحث‬ ‫فال َغ َ‬
‫ف العلم ِمن َش َرف‬ ‫وشر ُ‬
‫َ‬ ‫وأجدرها بصرف الهمم واألوقات‪،‬‬‫َ‬ ‫واالهتمام‪،‬‬
‫معلومه‪ ،‬وليس هناك أشرف من اإليمان و ُعلومه ا َّلتِي يتح َّقق بتح ُّققها ُّ‬
‫كل‬
‫شر‪ ،‬بل ال صالح للعباد‪ ،‬وال فالح‪ ،‬وال حياة ط ِّيبة‪ ،‬وال‬ ‫صرف ُّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫خير‪ ،‬و ُي َ‬
‫سعادة يف الدَّ ارين‪ ،‬وال نجاة من خزي الدُّ نيا وعذاب اآلخرة؛ َّإل باإليمان‬
‫وأج ُّل‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫علما وتطبي ًقا؛‬
‫حمن‪َ ،‬‬ ‫واإليمان هما أفضل ه َبات َّ‬ ‫فالعلم‬
‫ُ‬ ‫الصحيحِ ً‬ ‫َّ‬
‫عط َّياته‪.‬‬

‫وحصلته القلوب‪ ،‬ونال‬


‫َّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬أفضل ما اكتسبته النُّفوس‪،‬‬
‫(‪ )1‬حديث‪ُّ :‬‬
‫(أي العمل أفضل؟)‬
‫‪9‬‬

‫الرفعة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ :‬هو العلم واإليمان؛ ولهذا َقرن بينهما سبحانه‬
‫به العبدُ ِّ‬
‫يف قوله‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ ُّ‬
‫[الروم‪:‬‬

‫‪ ،]56‬وقوله‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [المجادلة‪،]11 :‬‬


‫والمؤهلون للمراتب العالية»(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫وهؤالء هم خالص ُة الوجود ول ُّبه‪،‬‬

‫إن اإليمان شجر ٌة مباركةٌ‪ ،‬عظيمة النَّفع‪ ،‬غزيرة الفائدة‪ ،‬كثيرة ال َّثمر‪ ،‬لها‬
‫َّ‬
‫خاص‪ ،‬ولها أصل وفرع وثمار‪:‬‬
‫سقي ٌّ‬
‫تغرس فيه‪ ،‬ولها ٌ‬
‫مكان َ‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫تنشأ‬ ‫َّأما مكانها‪ :‬فهو قلب المؤمن‪ ،‬فيه توضع بذورها وأصولها‪ ،‬ومنه‬
‫أغصاهنا وفروعها‪.‬‬
‫َّ ْ‬
‫كتاب اهلل وسن َة رسوله ﷺ؛ فبه ُتسقى هذه‬
‫وأما سقيها‪ :‬فهو الوحي المب ِّين َ‬
‫الشجرة المباركة‪ ،‬وال حياة لها وال نماء َّإل به‪.‬‬
‫َّ‬

‫الستَّة؛ اإليمان باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬


‫وأما أصلها‪ :‬فهو أصول اإليمان ِّ‬
‫َّ‬

‫وشره‪ ،‬وأعلى هذه األصول‬


‫ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬واإليمان بالقدر خيره ِّ‬
‫اإليمان باهلل؛ فهو أصل أصول هذه َّ‬
‫الشجرة المباركة‪.‬‬

‫الصالحة‪ ،‬وال َّطاعات ُ‬


‫الم َتن َِّوعة‪ ،‬والقربات‬ ‫وأما فروعها‪ :‬فهي األعمال َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العديدة ا َّلتِي يقوم هبا المؤمن؛ من‬
‫وحج‪ ،‬وصيا ٍم‪ٍّ ،‬‬
‫وبر‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وزكاة‪،‬‬ ‫صالة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وإحسان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وسعادة ينالها المؤمن يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فهو ثمرة‬ ‫فكل ٍ‬
‫خير‬ ‫وأما ثما ُرها‪ُّ :‬‬
‫َّ‬

‫((( الفوائد البن الق ِّيم (ص‪.)151‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪10‬‬

‫من ثمار اإليمان‪ ،‬ونتيجة من نتائجه‪﴿ ،‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النَّحل‪.]97 :‬‬

‫وأهم َّية اإليمان تظهر بمعرفة فوائده وثماره‪ ،‬ويف هذا يقول َّ‬
‫الشيخ‬ ‫ِّ‬ ‫هذا‬
‫الصحيح‪،‬‬ ‫عدي ‪« :V‬اعلم َّ‬
‫أن خير الدُّ نيا واآلخرة من ثمرات اإليمان َّ‬ ‫الس ُّ‬
‫ِّ‬
‫تخف‬
‫ُّ‬ ‫وبه يحيا العبد حياة ط ِّيبة يف الدَّ ارين‪ ،‬وبه ينجو من المكاره ُّ‬
‫والشرور‪ ،‬وبه‬
‫درك جميع المطالب‪ ،‬ولنُشر إلى هذه ال َّثمرات على وجه التَّفصيل؛‬
‫الشدائد‪ ،‬و ُت َ‬
‫َّ‬
‫َّزود منه»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫فإن معرفة فوائد اإليمان وثمراته من أكرب الدَّ واعي إلى الت ُّ‬

‫شر َع ‪ V‬يف ذكر تفاصيل ثمرات اإليمان وفوائده؛ وفيما يلي‬


‫ثم َ‬
‫َّ‬
‫تلخيص لها؛ فمن ثمرات اإليمان وفوائده‪:‬‬

‫َّأول‪ :‬أنَّه سبب رضا اهلل؛ ا َّل ِذي هو أكرب شيء‪.‬‬


‫ً‬

‫َ‬
‫ودخول الجنَّة‪ ،‬والتَّن ُّعم بنعيمها‪ ،‬والنَّجا َة من النَّار‬ ‫ثواب اآلخرة‪،‬‬
‫أن َ‬ ‫ثانيا‪َّ :‬‬
‫ً‬

‫وعقاهبا؛ إنَّما يكون باإليمان‪.‬‬

‫أن اهلل تعالى يدافع عن ا َّل ِذين آمنوا‪ ،‬ويدفع عنهم شرور الدُّ نيا‬
‫ً‬
‫ثالثا‪َّ :‬‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ابعا‪َّ :‬‬
‫أن اهلل وعد المؤمنين القائمين باإليمان حقيق ًة بالنَّصر والتَّأييد‪.‬‬ ‫ر ً‬

‫الحق وسلوكه؛ هي‬


‫ِّ‬ ‫خامسا‪َّ :‬‬
‫أن الهداية من اهلل للعلم والعمل ولمعرفة‬ ‫ً‬

‫بحسب اإليمان والقيام بحقوقه‪.‬‬

‫عدي ( ‪.)48-47/1‬‬
‫للس ِّ‬
‫الرحمن ِّ‬
‫((( تيسير الكريم َّ‬
‫(‪ )1‬حديث‪ُّ :‬‬
‫(أي العمل أفضل؟)‬
‫‪11‬‬

‫الزيادة من علومه وأعماله ال َّظاهرة والباطنة‪.‬‬ ‫سادسا‪َّ :‬‬


‫أن اإليمان يدعو إلى ِّ‬ ‫ً‬

‫أعظم النَّاس‬
‫ُ‬ ‫سابعا‪َّ :‬‬
‫أن المؤم َن باهلل وبكماله وعظمته وكربيائه ومجده؛‬ ‫ً‬

‫يقينًا وطمأنين ًة وتوك ًُّل على اهلل‪ ،‬وثق ًة به‪.‬‬


‫ً‬
‫ثامنا‪ :‬أنَّه ال يمكن العبد أن يقوم باإلخالص هلل ولعباد اهلل ونصيحتهم‬
‫على وجه الكمال َّإل باإليمان‪.‬‬

‫تتم وتقوم َّإل على ِّ‬


‫الصدق والنُّصح‬ ‫تاسعا‪َّ :‬‬
‫أن المعامالت بين الخلق ال ُّ‬
‫ً‬

‫الغش؛ وال يقوم بذلك حقيق ًة َّإل المؤمنون‪.‬‬


‫وعدم ِّ‬

‫تحمل المش َّقات‪ ،‬والقيام بأعباء‬


‫ُّ‬ ‫أن اإليمان أكرب عون على‬ ‫عاشرا‪َّ :‬‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫تتم هذه‬ ‫ال َّطاعات‪ ،‬وترك الفواحش ا َّلتي يف النُّفوس دا ٍع ٍّ‬
‫قوي إلى فعلها؛ فال ُّ‬
‫األمور َّإل ب ُق َّوة اإليمان‪.‬‬

‫حادي عشر‪َّ :‬‬


‫أن العبد ال ُبدَّ أن يصاب بشيء من الخوف والجوع ونقص من‬ ‫َ‬

‫األموال واألنفس وال َّثمرات‪ ،‬واإليمان أكرب عون على ُّ‬


‫تحمل هذه المصائب‪.‬‬

‫أن‬ ‫أن اإليمان يوجب للعبد ُقوة التَّوكُّل على اهلل؛ ِ‬


‫لعلمه وإيمانه َّ‬ ‫ثاني عشر‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫األمور ُك َّلها راجع ٌة إلى اهلل‪ ،‬ومندرج ٌة يف قضائه وقدره‪.‬‬
‫َ‬
‫جاع شجاعةً؛ فإنَّه العتماده‬
‫الش َ‬ ‫ثالث عشر‪َّ :‬‬
‫أن اإليمان ُي َش ِّج ُع العبدَ ‪ ،‬ويزيدُ ُّ‬
‫ُون عليه المش َّقات‪،‬‬
‫على اهلل العزيز الحكيم‪ ،‬ول ُق َّوة رجائه وطمعه فيما عنده؛ هت ُ‬
‫وي ِ‬
‫قد ُم على المخاوف واث ًقا بر ِّبه‪ ،‬راج ًيا له‪ ،‬راه ًبا من نزوله من عينه؛ لخوفه‬ ‫ُ‬
‫من المخلوقين‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪12‬‬

‫السبب األعظم لتع ُّلق القلب باهلل يف جميع‬ ‫ابع عشر‪َّ :‬‬
‫أن اإليمان هو َّ‬
‫ر َ‬

‫مطالبه الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية‪.‬‬

‫أن اإليمان يدعو إلى حسن الخلق مع جميع طبقات النَّاس‪،‬‬ ‫خامس عشر‪َّ :‬‬
‫َ‬

‫انحرف؛ أ َّثر ذلك يف أخالق العبد انحرا ًفا‪،‬‬


‫أو َ‬ ‫وإذا ض ُعف اإليمان أو ن َقص ِ‬

‫بحسب بعده عن اإليمان‪.‬‬

‫الكامل يمنع من دخول النَّار بالك ِّل َّية؛ كما منع‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫اإليمان‬ ‫سادس عشر‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫َ‬

‫َّاقص يمنع الخلود يف النَّار‪.‬‬ ‫َ‬


‫واإليمان الن َ‬ ‫صاحبه يف الدُّ نيا من فعل المعاصي‪،‬‬

‫سابع عشر‪َّ :‬‬


‫أن اإليمان يوجب لصاحبه أن يكون معت َب ًرا عند الخلق أمينًا‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويوجب للعبد ِ‬
‫الع َّفة عن دماء النَّاس وأموالهم وأعراضهم‪.‬‬

‫ولذ ِة طعمه‪،‬‬ ‫قوي اإليمان يجد يف قلبه من ِ‬


‫ذوق حالوته‪َّ ،‬‬ ‫أن َّ‬
‫َ‬
‫ثامن عشر‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫وأداء حقوقه وحقوق عباده ا َّلتِي هي‬ ‫َّلذ ِذ بخدمة ر ِّبه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واستحالء آثاره‪ ،‬والت ُّ‬
‫الم َتن َِّوعة‪.‬‬
‫لذات اإليمان وحالوته ُ‬‫وأثره؛ فالمؤمن يتق َّلب يف َّ‬ ‫موجب اإليمان ُ‬‫ُ‬
‫أن اإليمان هو السبب الوحيد للقيام ِ‬
‫بذروة َسنام الدِّ ين؛ وهو‬ ‫تاسع عشر‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫والقولي؛ يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والمالي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الجهاد البدنِ ُّي‪،‬‬
‫وكل ِ‬
‫خير الدُّ نيا واآلخرة‬ ‫فهذا ك ُّله من ثمرات اإليمان‪ ،‬ومن تمامه وكماله‪ُّ ،‬‬
‫فرع عن اإليمان‪ ،‬ومرت ِّتب عليه‪.‬‬
‫ٌ‬

‫يقل عن مِائة‬
‫فإن اهلل ر َّتب على اإليمان يف كتابه من الفوائد وال َّثمرات ما ال ُّ‬
‫َّ‬
‫خير من الدُّ نيا وما فيها‪.‬‬ ‫فائدة‪ُّ ،‬‬
‫كل واحدة منها ٌ‬
‫(‪ )1‬حديث‪ُّ :‬‬
‫(أي العمل أفضل؟)‬
‫‪13‬‬
‫خصلة منها ٌ‬
‫خير من‬ ‫ٍ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وهو نحو ِمائة خصلة‪ُّ ،‬‬
‫كل‬
‫ُّ‬
‫الدنيا وما فيها‪:‬‬
‫فمنها‪ :‬األجر العظيم‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [النِّساء‪.]146 :‬‬
‫شرور الدُّ نيا واآلخرة‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‬
‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬الدَّ فع عنهم‬
‫[الحج‪.]38 :‬‬
‫ومنها‪ :‬استغفار حملة العرش لهم‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [غافر‪.]7 :‬‬
‫ومنها‪ :‬مواالة اهلل لهم‪ ،‬وال ُّ‬
‫يذل َمن وااله اهلل؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ﴾ [البقرة‪.]257 :‬‬
‫أمر ُه مالئكتَه بتثبيتهم‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ومنها‪ُ :‬‬
‫ﮑ ﮒ﴾ [األنفال‪.]12 :‬‬
‫والرزق الكريم‪.‬‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن لهم الدَّ رجات عند ر ِّبهم‪ ،‬والمغفرة ِّ‬
‫ومنها‪ِ :‬‬
‫الع َّزة‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾‬
‫[المنافقون‪.]8 :‬‬
‫ومنها‪ :‬مع َّي ُة اهلل ألهل اإليمان‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [األنفال‪.]19 :‬‬
‫الرفع ُة يف الدُّ نيا واآلخرة‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ومنها‪ِّ :‬‬
‫ﰐ﴾ [المجادلة‪.]11 :‬‬
‫ِ‬
‫ومنها‪ :‬إعطاؤهم كف َلين من رحمته‪ ،‬وإعطاؤهم ً‬
‫نورا يمشون به‪ ،‬ومغفرة‬
‫ذنوهبم‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪14‬‬

‫الو ُّد ا َّل ِذي يجعله سبحانه لهم؛ وهو أنَّه يح ُّبهم ويح ِّب ُبهم إلى مالئكته‬
‫ومنها‪ُ :‬‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫وأنبيائه وعباده َّ‬
‫ومنها‪ :‬أماهنم من الخوف يوم يشتدُّ الخوف‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [األنعام‪.]48 :‬‬

‫ومنها‪ :‬أنَّهم المن َعم عليهم؛ ا َّل ِذين ُأمِرنا أن نسأ َله أن يهد َينا إلى صراطهم يف‬
‫مرة(‪.)1‬‬ ‫ك ُِّل يوم وليلة َ‬
‫سبع عشرة َّ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن القرآن إنَّما هو هدً ى لهم وشفا ٌء‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ﴾ [ ُف ِّصلت‪.]44 :‬‬
‫لكل خير‪ُّ ،‬‬
‫وكل خير يف الدُّ نيا واآلخرة‬ ‫جالب ِّ‬
‫ٌ‬ ‫سبب‬ ‫واملقصود‪َّ :‬‬
‫أن اإليمان ٌ‬
‫ُ‬

‫فسببه اإليمان‪ ،‬وك ُُّل ٍّ‬


‫شر يف الدُّ نيا واآلخرة فسببه عدم اإليمان»(‪.)2‬‬

‫فاإليمان أكرب وسيلة للقرب من اهلل‪ ،‬والقرب من رحمته‪ ،‬ونيل ثوابه‪،‬‬


‫ور ِّت َ‬
‫ب عليه يف الدُّ نيا‬ ‫وأكرب وسيلة لمغفرة ُّ‬
‫الذنوب‪ ،‬وإزالة َّ‬
‫الشدائد أو تخفيفها‪ُ ،‬‬
‫وتيسير العبد لليسرى‪ ،‬وتجني ُبه للعسرى‪ ،‬وطمأنين ُة القلوب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحيا ُة ال َّط ِّيبة‪،‬‬
‫وصالح ُّ‬
‫الذ ِّر َّية‪ ،‬إلى‬ ‫ُ‬ ‫وصالح األحوال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وراح ُة النُّفوس‪ ،‬والقناع ُة التَّا َّمة‪،‬‬
‫غير ذلك من ال ِّثمار واآلثار العظيمة المرت ِّتبة على اإليمان‪ ،‬الدَّ ا َّلة على عظيم‬
‫فضله‪ ،‬وجاللة شأنه‪.‬‬

‫الركعات سبعة‬ ‫مرة يف ِّ‬


‫كل ركعة‪ ،‬وعدد َّ‬ ‫الصلوات الخمس‪َّ ،‬‬
‫أن قراءة الفاتحة يف َّ‬ ‫((( ذلك َّ‬
‫عشر ركعة‪.‬‬
‫((( الدَّ اء والدَّ واء البن الق ِّيم (ص‪.)177-175‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪ :‬جربيل‬
‫‪15‬‬

‫‪2‬‬

‫حديث جربيل‬

‫ات َي ْو ٍم؛‬ ‫ول اهَّلل َذ َ‬ ‫اب ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ب ْينَما ن َْح ُن ِعنْدَ رس ِ‬ ‫َع ْن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الش َع ِر‪َ ،‬ل ُي َرى َع َل ْي ِه َأ َث ُر‬ ‫اد َّ‬ ‫اب‪َ ،‬ش ِديدُ سو ِ‬
‫َ َ‬ ‫إِ ْذ َط َل َع َع َل ْينَا َر ُج ٌل َش ِديدُ َب َي ِ‬
‫اض ال ِّث َي ِ‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬و َل َي ْع ِر ُف ُه مِنَّا َأ َحدٌ ‪َ ،‬حتَّى َج َل َس إِ َلى النَّبِ ِّي‪َ ،‬ف َأ ْسنَدَ ُر ْك َب َت ْي ِه إِ َلى ُر ْك َب َت ْي ِه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ول‬ ‫اإل ْس َل ِم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر ُس ُ‬ ‫خ َذ ْي ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬يا م َحمدُ ! َأ ْخبِرنِي َع ِن ِ‬ ‫وو َضع َك َّفي ِه َع َلى َف ِ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫«الس َلم َأ ْن ت َْشهدَ َأ ْن َل إِ َله إِ َّل اهَّلل‪ ،‬و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َلةَ‪،‬‬ ‫يم َّ‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬وتُق َ‬ ‫ُ َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اهَّلل‪ُ ْ ِ ْ :‬‬
‫ت إِ َل ْي ِه َسبِ ًيل»‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ت إِ ِن ْاس َت َط ْع َ‬ ‫ان‪َ ،‬وت َُح َّج ا ْل َب ْي َ‬ ‫َوت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةَ‪َ ،‬وت َُصو َم َر َم َض َ‬
‫َصدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َع ِ‬
‫ج ْبنَا َل ُه َي ْس َأ ُل ُه َو ُي َصدِّ ُق ُه‪.‬‬

‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللِ‪َ ،‬و َم َلئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪،‬‬ ‫اإليم ِ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن َ‬
‫اآلخرِ‪َ ،‬وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪.‬‬
‫وا ْليو ِم ِ‬
‫َ َْ‬
‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اهَّللَ ك ََأن َ‬ ‫اإلحس ِ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن ْ َ‬
‫اك»‪.‬‬ ‫ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬

‫السائِ ِل»‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ول َعن َْها بِ َأ ْع َل َم م َن َّ‬ ‫«ما ا ْل َم ْس ُؤ ُ‬ ‫السا َعة‪َ ،‬قال‪َ َ:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن َّ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي َع ْن َأ َم َارتِ َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْن ت َِلدَ ْالَ َم ُة َر َّبت ََها‪َ ،‬و َأ ْن ت ََرى ا ْل ُح َفا َة ا ْل ُع َرا َة‬
‫ان»‪.‬‬ ‫ون فِي ا ْل ُبنْ َي ِ‬ ‫الش ِ‬
‫اء َي َت َط َاو ُل َ‬ ‫ا ْل َعا َل َة ِر َعا َء َّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪16‬‬

‫السائِ ُل؟»‬
‫«يا ُع َم ُر! َأتَدْ ِري َم ِن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪ُ :‬ث َّم ا ْن َط َل َق‪َ ،‬ف َلبِ ْث ُت َمل ًّيا‪ُ ،‬ث َّم َق َال لي‪َ :‬‬
‫يل‪َ ،‬أتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدينَك ُْم»(‪.)1‬‬‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ‬
‫ُق ْل ُت‪ُ :‬‬
‫هذا حديث عظيم‪ ،‬اشت ُِهر عند أهل العلم بـ«حديث جربيل»؛ وذلك‬
‫أفضل المالئكة‪ ،‬وهو الم َلك ا َّل ِذي ينزل‬ ‫ُ‬ ‫وح األمين ‪S‬‬ ‫الر َ‬ ‫َ‬
‫جربيل ُّ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫أعرابي؛ فجلس‬‫ٍّ‬ ‫المرة إلى النَّبِ ِّي ﷺ بصورة‬
‫بالوحي على النَّبِ ِّي ﷺ‪ ،‬جاء هذه َّ‬
‫إلى النَّبِ ِّي ‪ O‬هذه الجلسة ال َّلطيفة‪ ،‬وسأله هذه األسئلة العظيمة؛‬
‫وهو يف الحقيقة مع ِّل ٌم؛ لكنَّه يف صورة سائل ُم َت َع ِّلم‪.‬‬

‫السائل أحيانًا يستطيع أن يكون مع ِّل ًما للنَّاس؛ كأن‬ ‫ومن فوائد هذا‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬
‫أن يف الحاضرين َمن يحتاج أن ُتب َّين لهم ُ‬
‫بعض‬ ‫يكون يف مجلس ٍ‬
‫عالم ويجد َّ‬
‫المسائل؛ فيطرحها وهو يعرف الجواب؛ قاصدً ا أن يفيدهم؛ فيكون يف الواقع‬
‫سائل‪ ،‬وهو يف الحقيقة مع ِّل ٌم يريد أن يع ِّلم النَّاس‪ ،‬وله أجره على إحسانه‬
‫ً‬
‫وحرصه ونصحه‪.‬‬

‫السؤاالت‪ :‬سؤال عن اإليمان‪ ،‬واإليمان يف ال ُّلغة‪ :‬هو اإلقرار؛ ألنَّه‬ ‫ومن هذه ُّ‬
‫وقراره‪ ،‬وسكونُه‪ ،‬وثقتُه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القلب‪،‬‬ ‫مشتق من األمن؛ ا َّل ِذي هو ضدُّ الخوف(‪)2‬؛ أم ُن‬
‫ٌّ‬

‫وعمل؛ اعتقا ٌد جاز ٌم ب ُك ِّل ما أمر اهلل ‪D‬‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وقول‬ ‫وأما شرعا‪ :‬فهو اعتقا ٌد‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫إيمان به‪ ،‬وبمالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫باعتقاده من‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)8‬‬


‫للجوهري (‪ ،)2071/5‬و«لسان العرب» البن منظور (‪.)21/13‬‬ ‫ِّ‬ ‫«الصحاح»‬
‫((( انظر‪ّ :‬‬
‫الراغب األصفهانِ ُّي يف «مفرداته» (‪‌« :)90‬أصل ‌األمن‪ :‬طمأنينة النَّفس‪ ،‬وزوال‬
‫قال َّ‬
‫الخوف»‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪ :‬جربيل‬
‫‪17‬‬

‫بالشهادتين‪ ،‬ويكون هذا التَّل ُّفظ مستنِدً ا إلى اعتقاد‬


‫والقول هو‪ :‬التَّل ُّفظ َّ‬
‫القلب الجازم بما تل َّفظ به ال ِّلسان‪َّ ،‬‬
‫ثم عمل الجوارح يف طاعة اهلل ‪.E‬‬

‫فليس اإليمان ما كان يف القلب فقط‪ ،‬وليس اإليمان ما كان يف ال ِّلسان‬


‫فقط‪ ،‬وليس اإليمان ما كان يف الجوارح فقط؛ بل اإليمان مشتمل على هذه‬
‫وعمل بالجوارح‪ُّ ،‬‬
‫كل هذه؛‬ ‫ٌ‬ ‫وقول بال ِّلسان‪،‬‬
‫األمور ك ِّلها؛ فهو اعتقا ٌد بالقلب‪ٌ ،‬‬
‫تعمل‪ ،‬وتخضع‪ ،‬وتستكين‪ ،‬وتستسلم‪ ،‬وتنقاد؛ ألوامر اهلل ‪.C‬‬

‫أتم بيان يف هذا الحديث؛ قال‬ ‫وهو يقوم على أصول عظيمة‪ ،‬جاء بياهنا َّ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللِ‪َ ،‬و َم َلئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪،‬‬ ‫اليم ِ‬
‫ان؟ ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جربيل‪َ « :‬أ ْخبِ ْرني َع ْن ْ َ‬
‫ت‪َ ،‬وا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه‪ُ ،‬ح ْل ِو ِه َو ُم ِّر ِه»(‪.)1‬‬‫ث بعدَ ا ْلمو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْل َي ْو ِم ْالخرِ‪َ ،‬وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ‬
‫فهذه ستَّة أصول يقوم عليها اإليمان ب َّينها النَّبِ ُّي‪ ،O‬وجمعها‬
‫فواجب على ك ُِّل مسلم أن يؤمن هبا إيمانًا جاز ًما ال يخالطه‬
‫ٌ‬ ‫يف هذا الحديث‪،‬‬
‫أدنى ٍّ‬
‫شك وال ريب‪.‬‬

‫ينفك أحدها عن اآلخر؛ اإليمان ببعضها‬ ‫ٌ‬


‫أصول متالزم ٌة مرتابط ٌة ال ُّ‬ ‫وهي‬
‫يقتضي اإليمان هبا جمي ًعا‪.‬‬
‫ِ‬
‫ولع َظم مكانة هذه األصول‪ ،‬ورفعة شأهنا؛ جاء بياهنا يف القرآن الكريم‬
‫يف مواضع عديدة؛ ففي سورة البقرة جاء ذكر هذه األصول؛ يف َّأولها‪ ،‬ويف‬
‫وسطها‪ ،‬ويف آخرها‪:‬‬

‫لكائي يف «شرح‬
‫ُّ‬ ‫ومره»‪ :‬ابن منده يف «اإليمان» (‪َّ ،)71/3‬‬
‫والل‬ ‫((( أخرجه بلفظ «حلوه ِّ‬
‫السنَّة والجماعة» (‪.)314‬‬
‫أصول اعتقاد أهل ُّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪18‬‬

‫المتَّقين‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ففي أولها‪ :‬يقول اهلل ‪ E‬يف أوصاف ُ‬
‫َّ‬

‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [البقرة‪.]5-2 :‬‬

‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ﴾؛ ذكر ابن كثير ‪ V‬عن أبي العالية‪،‬‬
‫السلف يف معناها‪ ،‬قال‪« :‬أي‪ :‬ا َّل ِذين يؤمنون باهلل‪ ،‬ومالئكته‪،‬‬
‫وعن غيره من َّ‬
‫وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والجنَّة والنَّار ولقاء اهلل‪ُّ ،‬‬
‫كل ذلك من اإليمان‬
‫بالغيب»(‪.)1‬‬

‫وفي وسطها‪ :‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة‪.]177 :‬‬

‫وفي خاتمتها‪ :‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ‬

‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [البقرة‪.]285 :‬‬

‫وقال اهلل تعالى يف سورة النِّساء‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬

‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [النِّساء‪.]136 :‬‬
‫ِ‬
‫جميع ِهم ُمتَّفق ٌة‬ ‫شرائع األنبياء‬
‫َ‬ ‫ومما يب ِّين ِع َظم شأن هذه األصول‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫نبي؛ بل ك ُّلهم متَّفقون عليها‪َ ،‬يدْ عون إليها‪،‬‬ ‫عن‬ ‫نبي‬ ‫فيها‬ ‫ف‬‫عليها‪ ،‬ال يختلِ‬
‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬
‫((( انظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم (‪.)257 /1‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪ :‬جربيل‬
‫‪19‬‬
‫ويأمرون هبا‪ ،‬ويخربون بفضل من آمن هبا‪ِ ،‬‬
‫وع َظم أجره‪ ،‬وجزيل ثوابه‪ ،‬بِد ًءا‬ ‫َ‬
‫بمحمد ﷺ‪ ،‬ك ٌّلهم ُمتَّفقون على هذه األصول‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تما‬ ‫من نوح ‪َ ،S‬‬
‫وخ ً‬
‫وأعظم هذه األصول وأج ُّلها‪ :‬هو اإليمان باهلل؛ فهو أصل األصول‪ ،‬وباقي‬
‫األصول ت َب ٌع له‪.‬‬

‫وهو اإليمان بوحدان َّيته سبحانه؛ يف ربوب َّيته‪ ،‬ويف أسمائه وصفاته‪ ،‬ويف‬
‫ألوه َّيته‪.‬‬

‫واإليمان بوحدان َّية اهلل يف ربوب َّيته‪ :‬هو أن ُي َو َّحد اهلل ‪ C‬يف ربوب َّيته‪،‬‬
‫المدَ ِّبر‬ ‫ِ‬ ‫باالعتقاد الجازم َّ‬
‫المت ََص ِّرف‪ُ ،‬‬
‫الرازق‪ ،‬المنعم‪ُ ،‬‬
‫أن اهلل وحده هو الخالق‪َّ ،‬‬
‫لشؤون خلقه ك ِّلها ال شريك له‪.‬‬

‫واإليمان بوحدان َّية اهلل يف أسمائه وصفاته‪ :‬باإلقرار بأسمائه الحسنى‬


‫والسنَّة؛ فإذا أخرب اهلل ‪ D‬عن نفسه باسم أو‬
‫وصفاته العال الواردة يف الكتاب ُّ‬
‫صفة فنؤمن به على مراده سبحانه؛ كما قال غير واحد من أهل العلم‪« :‬آمنت‬
‫باهلل‪ ،‬وبما جاء عن اهلل‪ ،‬على مراد اهلل‪ ،‬وآمنت برسول اهلل‪ ،‬وبما جاء عن رسول‬
‫هري ‪« :V‬مِ َن اهلل‬
‫الز ُّ‬
‫اهلل‪ ،‬على مراد رسول اهلل ﷺ»(‪ ،)1‬وكما قال اإلمام ُّ‬
‫الرسول البالغ‪ ،‬وعلينا التَّسليم»(‪.)2‬‬
‫الرسالة‪ ،‬وعلى َّ‬
‫ِّ‬
‫واإليمان بوحدان َّية اهلل يف ألوه َّيته‪ :‬هو إفراده وحده بجميع أنواع العبادة‪،‬‬

‫األئمة األربعة» (‪.)146‬‬


‫افعي يف «منازل َّ‬ ‫السلمانِ ُّي عن اإلمام َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫((( أخرجه أبو زكر َّيا َّ‬
‫«الصحيح» ُم َع َّل ًقا قبل حديث (‪ ،)7530‬ووصله ابن حجر يف‬‫البخاري يف َّ‬
‫ُّ‬ ‫((( ذكره‬
‫«تغليق التَّعليق» (‪.)365/5‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪20‬‬

‫بالذ ِّل‪ ،‬والخضوع‪،‬‬


‫فرد وحدَ ه ُّ‬
‫حق سواه؛ ف ُي َ‬
‫فكما أنَّه ال خالق غيره؛ فال معبود ٌّ‬
‫واالنقياد‪ ،‬وال َّطاعة‪ ،‬والتَّسليم‪.‬‬

‫واإليمان بالمالئكة‪ :‬هو اإلقرار ب ُك ِّل ما جاء عنهم يف كتاب اهلل ويف ُسنَّة‬
‫رسول اهلل ﷺ؛ من أسمائهم‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬وأوصافهم‪ ،‬وأعدادهم؛ ما جاء من‬
‫مجمل‪ :‬نؤمن به على وجه اإلجمال‪ ،‬وما جاء َّ‬
‫مفص ًل‪ :‬نؤمن به على وجه‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬
‫التَّفصيل‪.‬‬

‫فالمالئكة عددهم ال يعلمه َّ‬


‫إل اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾‬

‫ومما يب ِّين كثرة المالئكة‪ ،‬وعظم عددهم‪ :‬ما جاء يف حديث‬ ‫[المدثر‪َّ ،]31 :‬‬
‫يل!‬ ‫ت‪َ :‬يا ِج ْبرِ ُ‬ ‫ور‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ت ا ْل َم ْع ُم ُ‬ ‫«رفِ َع لِي ا ْل َب ْي ُ‬‫لما أسري بالنَّبِ ِّي ﷺ قال‪ُ :‬‬ ‫اإلسراء َّ‬
‫ف م َل ٍ‬
‫ك‪ ،‬إِ َذا‬ ‫ون َأ ْل َ َ‬ ‫ور؛ َيدْ ُخ ُل ُه ك َُّل َي ْو ٍم َس ْب ُع َ‬ ‫َما َه َذا؟ َق َال‪َ :‬ه َذا ا ْل َب ْي ُ‬
‫ت ا ْل َم ْع ُم ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومما ُي َب ِّين كثرهتم قول النَّبِ ِّي ﷺ‪:‬‬ ‫َخ َر ُجوا منْ ُه َل ْم َي ُعو ُدوا فيه آخ ُر َما َع َل ْي ِه ْم» ‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫كو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬


‫اض ٌع‬ ‫الس َما ُء َو ُح َّق َل َها َأ ْن تَئ َّط؛ َما ف َيها َم ْوض ُع َأ ْر َب ِع َأ َصابِ َع إِ َّل َو َم َل ٌ َ‬ ‫«أ َّطت َّ‬
‫اجدً ا لِ َّل ِه»(‪.)2‬‬
‫َج ْب َه َت ُه َس ِ‬

‫ث‬ ‫«أ ِذ َن لِي َأ ْن ُأ َحدِّ َ‬ ‫ومما ُي َب ِّين عظم خلقهم ما جاء عن النَّبِي ﷺ أنَّه قال‪ُ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫ش؛ إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى َعاتِ ِق ِه‬ ‫ك ِم ْن َم َلئِك َِة اهَّلل ِ ِم ْن َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ‬
‫عن م َل ٍ‬
‫َ ْ َ‬
‫َم ِس َير ُة َس ْب ِع ِمائ َِة َعامٍ»(‪ ،)3‬وقد رأى النَّبِ ُّي ﷺ جربيل ‪ ،S‬وقد سدَّ األفق‬

‫البخاري (‪ ،)3207‬ومسلم (‪ )164‬وال َّلفظ له‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬


‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2312‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)21516‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أبو داود (‪،)4727‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪ :‬جربيل‬
‫‪21‬‬
‫وله ِ‬
‫ستمائة جناح(‪.)1‬‬

‫قد اختارهم اهلل سبحانه‪ ،‬واصطفاهم لعبادته وتنفيذ أوامره‪ ،‬ال يعصون اهلل‬
‫ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬

‫ً‬
‫رسول‬ ‫كل ُأ َّمة‬
‫بأن اهلل تعالى بعث يف ِّ‬
‫واإليمان باألنبياء‪ :‬هو اإلقرار الجازم َّ‬
‫وأن‬ ‫ِ‬
‫والكفر بما ُيع َبد من دونه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫عبادة اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬ ‫يدعوهم إلى‬
‫بارون‪ ،‬راشدون‪ ،‬كرا ٌم‪ ،‬بررةٌ‪ ،‬أتقيا ُء‪ُ ،‬أ َمنا ُء‪،‬‬
‫جمي َعهم صادقون مصدَّ قون‪ُّ ،‬‬
‫ُهداةٌ‪ ،‬مهتدون‪ ،‬وبالرباهين ال َّظاهرة واآليات الباهرة من ر ِّبهم مؤ َّيدون‪ ،‬وأنَّهم‬
‫ب َّلغوا جميع ما أرسلهم اهلل به‪ ،‬لم يكتُموا منه حر ًفا‪ ،‬ولم يغ ِّيروه‪ ،‬ولم يزيدوا‬
‫فيه من عند أنفسهم حر ًفا‪ ،‬ولم ينقصوه‪ ،‬فهل على ُّ‬
‫الرسل َّإل البالغ المبين؟‬

‫وأنَّهم ك َّلهم كانوا على ِّ‬


‫الحق المبين‪ ،‬والهدى المستبين‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل تعالى‬
‫تكليما‪ ،‬ورفع‬
‫ً‬ ‫خليل‪ ،‬وك َّلم موسى‬
‫ً‬ ‫محمدً ا ﷺ‬
‫َّ‬ ‫خليل‪ ،‬وا َّتخذ‬
‫ً‬ ‫ا َّتخذ إبراهيم‬
‫إدريس مكانًا عل ًّيا‪َّ ،‬‬
‫وأن عيسى عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم‬
‫فضل بعضهم على بعض‪ ،‬ورفع بعضهم على بعض‬ ‫وروح منه‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل تعالى َّ‬ ‫ٌ‬
‫درجات‪.‬‬

‫وقد ا َّتفقت دعوهتم من َّأولهم إلى آخرهم يف أصل الدِّ ين‪ ،‬وأ َّما فروع‬
‫َّ‬
‫الشرائع من الفرائض والحالل والحرام فقد تختلف؛ فيفرض على هؤالء ما‬
‫ال يفرض على هؤالء؛ لحكمة بالغة‪.‬‬

‫الم َط َّهرة‬
‫المن ََّزلة على رسله الكرام‪ُ ،‬‬
‫واإليمان بالكتب‪ :‬هو اإلقرار بكتب اهلل ُ‬
‫البخاري (‪ ،)3232‬ومسلم (‪.)380‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪22‬‬

‫والزور ومن ك ُِّل باطل‪﴿ ،‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾‬


‫من الكذب ُّ‬
‫أي رسول‪ ،‬فنقول كما أمرنا ر ُّبنا‬ ‫ٍ‬
‫كتاب أنزله اهلل على ِّ‬ ‫[الشورى‪ ،]15 :‬أي‪ِّ :‬‬
‫بكل‬ ‫ُّ‬

‫‪ :D‬آمنَّا بما أنزل اهلل من كتاب‪ ،‬وما أرسل من رسول‪ ،‬ونعتقد َّ‬
‫أن ما فيها من‬
‫حق‪ ،‬وأنَّه كان واج ًبا على األمم ا َّل ِذين نزلت عليهم تلك الكتب‬
‫الشرائع ك ُّله ُّ‬
‫َّ‬
‫بعضا؛ كما قال‬ ‫والحكم بما فيها‪َّ ،‬‬
‫وأن جمي َعها ُيصدِّ ق بعضها ً‬ ‫ُ‬ ‫االنقيا ُد لها‪،‬‬
‫تعالى يف اإلنجيل‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [المائدة‪ ،]46 :‬وقال يف القرآن‪:‬‬
‫﴿ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [المائد‪.]48 :‬‬

‫واإليمان باليوم اآلخر‪ :‬هو اإليمان ب ُك ِّل ما أخرب اهلل به َّ‬


‫مما يكون بعد‬
‫الموت؛ من حين دخول القرب‪َّ ،‬أول منازل اآلخرة‪ ،‬إلى افرتاق النَّاس إلى‬
‫السعير؛ فنؤمن بفتنة القرب‪ ،‬وعذابه‪ ،‬ونعيمه‪،‬‬
‫فريقين؛ فريق يف الجنَّة‪ ،‬وفريق يف َّ‬
‫ثم‬
‫ونزول الملكين يف القرب‪ ،‬وسؤال َمن يف القرب عن ر ِّبه‪ ،‬ودينه‪ ،‬ونب ِّيه ﷺ‪َّ ،‬‬
‫الصور‪ ،‬والبعث والنُّشور‪ ،‬وحشر النَّاس‪ ،‬ومجيء اهلل للقضاء بين‬
‫النَّفخ يف ُّ‬
‫والصراط ا َّل ِذي‬
‫ِّ‬ ‫الصحف‪،‬‬
‫العباد‪ ،‬والميزان‪ ،‬ودواوين األعمال‪ ،‬وتتطاير ُّ‬
‫متنوع‪ ،‬والجنَّة وما فيها‬
‫ُينصب على متن جهنَّم‪ ،‬وجهنَّم وما فيها من عذاب ِّ‬
‫من نعيم مقيم‪.‬‬

‫بأن اهلل ‪ E‬قدَّ ر مقادير الخالئق‪ ،‬و َعلِم‬


‫واإليمان بالقدر‪ :‬هو اإليمان َّ‬
‫سبحانه ما هو كائن يف األزل‪ ،‬وكتب ذلك يف ال َّلوح المحفوظ‪ ،‬وال يقع شيء‬
‫َّإل بمشيئته ‪ ،E‬وهو الخالق ل ُك ِّل شيء‪.‬‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ‬


‫(‪ )2‬حديث‪ :‬جربيل‬
‫‪23‬‬

‫[الحج‪ ،]70 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ُّ‬ ‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [القمر‪.]53-52 :‬‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬


‫اص ‪َ L‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫َب اهَّللُ َم َقاد َير ا ْلخَ َلئ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق َّ‬
‫الس َم َوات َو ْالَ ْر َض بِخَ ْمس َ‬ ‫ول‪َ « :‬كت َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ف َسن ٍَة»(‪.)1‬‬‫َأ ْل َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2653‬‬


‫(‪ )3‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)1‬‬
‫‪25‬‬

‫وسنَّة‬
‫فسر بالدَّ الئل من كتاب اهلل‪ُ ،‬‬ ‫ال ُّلغة بمعنى الدُّ عاء؛ فالحقائق َّ‬
‫الشرع َّية‪ُ :‬ت َّ‬
‫نب ِّيه‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬

‫الشورى‪ ،]52:‬وقال‪﴿ :‬ﭘ‬


‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [ ُّ‬

‫وأمور‬
‫ُ‬ ‫وحقائق اإليمان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تفاصيل اإليمان‪،‬‬ ‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ أي‪:‬‬
‫اإليمان؛ ال سبيل إلى العلم هبا َّإل من خالل الوحي؛ كتاب اهلل‪ُ ،‬‬
‫وسنَّة نب ِّيه‬
‫‪.O‬‬

‫لما قال لهم النَّبِ ُّي‬ ‫«الصحيحين» َّ‬ ‫َّ‬ ‫ويف قِ َّصة وفد عبد القيس ا َّلتِي يف‬
‫ان بِاهَّلل ِ؟» مع أنَّهم‬
‫يم ُ‬ ‫ون َما ْ ِ‬
‫ال َ‬
‫اليم ِ ِ‬
‫ان بِاهَّلل‪َ ،‬و َه ْل تَدْ ُر َ‬ ‫«آم ُرك ُْم بِ ْ ِ َ‬
‫‪ُ :O‬‬
‫«اهلل ورسو ُله أع َلم»؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫عرب يعرفون معنى اإليمان‪ ،‬وداللته ال ُّلغو َّية‪ ،‬قالوا‪ُ :‬‬
‫ٌ‬
‫وحي اهلل وتنزي ُله‪ ،‬فال سبيل إلى العلم به من خالل‬
‫ُ‬
‫القوم يدركون َّ‬
‫أن اإليمان‬
‫ٍ‬
‫دراية بال ُّلغة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬بل ال سبيل إلى العلم‬ ‫رأي‪ ،‬أو عقلٍ‪ ،‬أو ٍ‬
‫ذوق‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬ ‫«اهلل ورسو ُله أع َلم»‪ ،‬وكانوا أهل‬
‫عربي‪ ،‬يعرفون‬
‫ٍّ‬ ‫لسان‬ ‫به َّإل بالوحي؛ قالوا‪ُ :‬‬
‫معنى اإليمان من حيث ال ُّلغة‪ ،‬وال ينقصهم ذكاء؛ لك َّن اهلل حماهم‪ ،‬ووقاهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫وبصرهم‪ ،‬وو َّفقهم ل ُل ُزوم الوحي‪ ،‬والتَّق ُّيد بما جاء به؛ فقالوا‪ُ :‬‬
‫«اهلل‬ ‫وهداهم‪َّ ،‬‬
‫ورسو ُله أع َلم»‪.‬‬

‫ففسر لهم النَّبِ ُّي ‪ O‬اإليمان باهلل‪َ ،‬‬


‫وشر َحه يف الحديث؛ بأن‬ ‫َّ‬
‫َذك ََر لهم أعمال الدِّ ين ال َّظاهرة؛ كما أنَّه يف حديث جربيل َّ‬
‫فسر اإليمان بعقائد‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهلل ِ َو َم َلئِكَتِ ِه‪ »...‬إلخ؛ فاإليمان‪ ،‬ومعرفته‪ ،‬وعقائده‪،‬‬
‫الدِّ ين الباطنة‪َ :‬‬
‫رب‬ ‫بوحي ٍ‬
‫نازل من اهلل ‪ِّ E‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتفاصيلها هذه؛ ال سبيل إلى العلم هبا َّإل‬
‫(‪ )3‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)1‬‬
‫‪27‬‬

‫ولتح ُّقق الهداية؛ إذ ال هداية َّإل بكتاب اهلل ‪ُ ،D‬‬


‫وسنَّة رسوله صلوات اهلل‬
‫وسالمه وبركاته عليه‪.‬‬

‫السؤال الكبير ا َّل ِذي هو يف الحقيقة أكبر سؤال‪ُ « :‬م ْرنَا بِ َأ ْم ٍر‬ ‫ولنتأمل يف هذا ُّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َفص ٍل ن ْ ِ‬
‫أعظمه‬‫َ‬ ‫ُخبِ ْر بِه َم ْن َو َرا َءنَا َونَدْ ُخ ْل بِه َ‬
‫الجنَّةَ»؛ فما أج َّله من سؤال‪ ،‬وما‬ ‫ْ‬
‫من مقصد‪ ،‬وما أج َّله من مطلب‪ ،‬أ َت ُوا النَّبِ َّي ﷺ‪ ،‬وأخربوه عن حالهم‪ ،‬وعن‬
‫مكابدهتم‪ ،‬وعن عظيم رغبتهم‪ ،‬وكانوا صفو ًة من قومهم أوفدوهم إلى النَّبِ ِّي‬
‫ﷺ‪ ،‬وكان الغرض من تلك المكابدة والمش َّقة هو هذا ُّ‬
‫السؤال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وهدايات مباركة؛ وفيما يلي‬ ‫وقد اشتمل هذا الحديث على فوائدَ عظيمة‪،‬‬
‫إشارة إلى بعضها‪:‬‬

‫الزائر والوافد عن حاله وبلده‬ ‫فمن فوائد هذا الحديث‪ :‬استحباب سؤال َّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان منزلتَه‬ ‫حتَّى ُيعرف َمن هو‪ ،‬وما مكانتُه‪ ،‬وما منزلتُه؛ لكي ُي َنزل ُّ‬
‫كل‬
‫الو ْفدُ ؟»‪ ،‬وهو سؤال‬ ‫اللئقة به؛ فالنَّبِ ُّي ﷺ قال لهم‪َ :‬‬
‫«م ِن ال َق ْو ُم؟ ‪َ -‬أ ْو‪َ -‬م ِن َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة بمكانته‪ ،‬حتَّى ُيت ََم َّكن من‬ ‫ٍ‬
‫معرفة بالوافد‪،‬‬ ‫ينبني عليه ما ينبني؛ من‬
‫إنزاله منزلتَه‪.‬‬

‫لما قال لهم النَّبِ ُّي‬


‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬التَّعبير عن البعض بال ُك ِّل؛ َّ‬
‫«ربِي َعةُ»‪ ،‬وهم ليسو ك َُّل ربيعة؛ بل‬ ‫«م ِن ال َق ْو ُم؟ ‪َ -‬أ ْو‪َ -‬م ِن َ‬
‫الو ْفدُ ؟» َقا ُلوا‪َ :‬‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫هم بعض رجال ربيعة‪.‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬استحباب تأنيس القادم؛ ليأنس ويرتاح‪ ،‬وليزول‬
‫عنه االستيحاش؛ وذلك بالتَّرحيب به‪ ،‬والدُّ عاء له‪ ،‬وحسن مالقاته‪ ،‬ونحو‬
‫(‪ )3‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)1‬‬
‫‪29‬‬

‫متضم ٌن ال َّثناء‬
‫ِّ‬ ‫وصف لحالهم‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫لهؤالء‪َ « :‬غ ْي َر َخز ََايا َو َل َندَ َامى»‪ ،‬وهذا‬
‫العاطر عليهم‪.‬‬
‫المبارك‪ ،‬وهو من خير‬
‫َ‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬تقدُّ م إسالم هذا الوفد‬
‫وفود اإلسالم وأوائلهم‪.‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫أن أ ْم َر الهداية بيد اهلل ‪E‬؛ يهدي ‪C‬‬

‫ُّ‬
‫ويضل َمن يشاء‪ ،‬األمر بيده ‪.E‬‬ ‫َمن يشاء‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتأ َّمل قول هذا الوفد للنَّبِ ِّي صلوات اهلل وسالمه عليه‪« :‬إِنَّا َل ن َْستَط ُ‬
‫يع َأ ْن‬
‫ار ُم َض َر»‪ ،‬معنى‬ ‫الحي مِ ْن ُك َّف ِ‬
‫َُّ‬ ‫يك إِ َّل فِي َّ‬
‫الش ْه ِر َ‬
‫الح َرا ِم‪َ ،‬و َب ْينَنَا َو َب ْين ََك َه َذا‬ ‫ن َْأتِ َ‬
‫أقرب إلى بلد الهداية وبلد اإلسالم‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ُ‬ ‫أن ُم َض َر من حيث المكان‬ ‫ذلك‪َّ :‬‬
‫هر الحرام؛‬ ‫أبعد‪ ،‬جاؤوا من ُش َّقة بعيدة‪ ،‬واختاروا ألنفسهم وقتًا للمجيء َّ‬
‫الش َ‬
‫الحي بينهم وبين النَّبِ ِّي‬
‫ُّ‬ ‫ا َّل ِذي يع ِّظمه ال ُك َّفار فال يقاتلون أحدً ا فيه؛ فكان هذا‬
‫أن ُك َّف َار ُم َضر‬‫ﷺ؛ أي‪ :‬يف طريقهم إلى النَّبِي ‪ ،O‬ومعنى ذلك‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫أر ِز اإليمان‪ ،‬والهداية نزلت‬ ‫وأقرب مكانًا إلى منبع اإلسالم و َم ِ‬
‫ُ‬ ‫أقرب مسكنًا‪،‬‬
‫ُ‬
‫إلى ٍ‬
‫بلد أبعد منهم!!‬

‫يقوي إيمانه باهلل‪ ،‬وتو ُّك َله على‬ ‫ِ‬


‫وع ْلم المرء هبذا المعنى‪ ،‬وتح ُّقق إيمانه به؛ ِّ‬
‫اهلل‪ ،‬وحسن التجائه إلى اهلل ‪ E‬يف تحصيله الهداية وال َّثبات عليها؛ فال‬
‫وأيضا ال يقنط من الهداية إن كان‬ ‫يغرتُّ اإلنسان بنفسه إن كان ً‬
‫مثل يف بلد إيمان‪ً ،‬‬
‫أشخاصا نشأوا يف بالد ٍ‬
‫كفر‬ ‫ً‬ ‫ب حيث ترى‬ ‫بعيدً ا عن بلد اإليمان؛ ولهذا قد َت َ‬
‫عج ُ‬
‫ٍ‬
‫وضالل‪ ،‬تنزل على قلوهبم هداي ُة اهلل سبحانه‪ ،‬ويشرح صدورهم لإلسالم‪،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪30‬‬
‫قوة إسالمه وإيمانه وحرصه على دينه أقوى من ٍ‬
‫كثير‬ ‫بعضهم يف َّ‬
‫ور َّب َما أصبح ُ‬
‫ُ‬
‫ممن نشأوا يف بالد اإلسالم؛ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾‬
‫َّ‬
‫[الزمر‪]22 :‬؛ فاألمر هلل‪ ،‬وبيده سبحانه‪.‬‬
‫ُّ‬

‫مهم‬
‫أمر ٌّ‬
‫السؤال؛ وهذا ٌ‬ ‫أهم َّية صالح النِّ َّية يف ُّ‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ِّ :‬‬
‫ألن النَّاس يف سؤاالتهم ا َّلتِي يطرحونها تتفاوت ن َّياتهم ومقاصدهم؛‬ ‫للغاية؛ َّ‬
‫ويرفع‬ ‫ٍ‬
‫وقصد ط ِّيب‪ ،‬يريد أن يتع َّلم دينَه وأن يتف َّقه‪،‬‬ ‫فمنهم َمن يسأل بن َّي ٍة صالحة‪،‬‬
‫َ‬
‫صالحا وهدايةً‪ ،‬يريد دخول الجنَّة‪ ،‬والنَّجاة‬
‫ً‬ ‫الجهل عن نفسه وعن غيره‪ ،‬يريد‬
‫يستغل المجالس العلم َّية‬ ‫ُّ‬ ‫من النَّار‪ ،‬والفوز برضا اهلل سبحانه‪ ،‬ومن النَّاس َمن‬
‫ِ‬
‫الشبهات‪ ،‬أو‬ ‫يشوش هبا على اآلخرين‪ ،‬أو يثير هبا ُّ‬ ‫لطرح بعض األسئلة ا َّلتي ِّ‬
‫ي‬
‫ار َ‬ ‫ي بِ ِه ال ُع َل َما َء‪َ ،‬أ ْو لِ ُي َم ِ‬ ‫الع ْل َم لِ ُي َج ِ‬
‫ار َ‬
‫يلفت فيها أنظار النَّاس إليه و«من َط َلب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬

‫َّاس إِ َل ْي ِه؛ َأ ْد َخ َل ُه اهَّللُ الن ََّار»(‪.)1‬‬


‫ف بِ ِه ُو ُجو َه الن ِ‬
‫الس َف َها َء‪َ ،‬أ ْو َي ْصرِ َ‬ ‫ِ‬
‫بِه ُّ‬
‫الصالح العظيم يف ن َّياهتم يف قولهم‪ُ « :‬م ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْصلٍ» ما الغرض‬
‫وانظر هذا َّ‬
‫ِ‬ ‫من ذلك؟ وما المقصد؟ قالوا‪« :‬ن ْ ِ‬
‫ُخبِ ْر بِه َم ْن َو َرا َءنَا‪َ ،‬ونَدْ ُخ ْل بِه َ‬
‫الجنَّةَ»؛ أي‪:‬‬
‫وأيضا نخرب اآلخرين‬
‫ننتفع نحن به‪ ،‬ونعمل به‪ ،‬نواظب عليه‪ ،‬وندخل به الجنَّة‪ً ،‬‬
‫به‪ ،‬وندعوهم إليه ليدخلوا الجنَّة‪.‬‬

‫ولهذا ينبغي أن يكون هذا هو غرض اإلنسان يف التع ُّلم؛ يتع َّلم ليدخل‬
‫ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما؛ َس َّه َل اهَّللُ َل ُه َطرِي ًقا إِ َلى ا ْل َجن َِّة»(‪.)2‬‬
‫«م ْن َس َل َ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬‬
‫الحق؛ سواء‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬إبداء العذر عند العجز عن توفية ِّ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2699‬‬ ‫األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫وحسنه‬


‫ ‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2654‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪32‬‬

‫‪4‬‬

‫حديث وفد عبد القيس (‪)2‬‬

‫س َل َّما َأ َت ُوا النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪:‬‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪ :‬إِ َّن َو ْفدَ َع ْب ِد ا ْل َق ْي ِ‬ ‫عن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫«م ْر َح ًبا بِا ْل َق ْو ِم ‪َ -‬أ ْو‪ -‬بِا ْل َو ْف ِد‬ ‫«م ِن ا ْل َق ْو ُم ‪َ -‬أ ْو‪َ -‬م ِن ا ْل َو ْفدُ ؟» َقا ُلوا‪َ :‬ربِي َعةُ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫يع َأ ْن ن َْأتِ َي َك إِ َّل فِي‬ ‫ِ‬ ‫َغير َخزَايا و َل َندَ امى»‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل! إِنَّا َل ن َْستَط ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ُخبِ ْر‬‫ار ُم َض َر‪َ ،‬ف ُم ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْص ٍل ن ْ‬ ‫َش ْه ِر ا ْل َح َرا ِم‪َ ،‬و َب ْينَنَا َو َب ْين ََك َه َذا ا ْل َحي مِ ْن ُك َّف ِ‬
‫ُّ‬
‫اه ْم‬ ‫بِ ِه َم ْن َو َرا َءنَا َونَدْ ُخ ْل بِ ِه ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬و َس َأ ُلو ُه َع ِن األَ ْش ِر َبة‪َ ،‬ف َأ َم َر ُه ْم بِ َأ ْر َب ٍع َون ََه ُ‬
‫ِ‬

‫ان بِاهَّلل ِ َو ْحدَ ُه؟»‬ ‫يم ُ‬ ‫ال َ‬ ‫ون َما ْ ِ‬ ‫«أتَدْ ُر َ‬ ‫ان بِاهَّللِ َو ْحدَ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َأ ْر َبعٍ؛ َأ َم َر ُه ْم بِ َ‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫«ش َها َد ُة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬ ‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫ان‪َ ،‬و َأ ْن ُت ْع ُطوا ِم َن ا ْل َم ْغنَ ِم ا ْلخُ ُم َس»‪،‬‬ ‫َاة‪َ ،‬و ِص َيا ُم َر َم َض َ‬
‫وإِ َقام الص َل ِة‪ ،‬وإِيتَاء ال َّزك ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫اء‪ ،‬والن َِّقيرِ‪ ،‬وا ْلم َز َّف ِ‬ ‫ِ‬
‫ت»‪َ ،‬و ُر َّب َما َق َال‪:‬‬ ‫َ ُ‬ ‫اه ْم َع ْن َأ ْر َبعٍ؛ َع ِن «ا ْل َحنْ َتمِ‪َ ،‬والدُّ َّب َ‬ ‫َون ََه ُ‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫وه َّن‪َ ،‬و َأ ْخبِ ُروا بِ ِه َّن َم ْن َو َرا َءك ُْم»‪ .‬رواه‬ ‫«اح َف ُظ ُ‬‫«ا ْل ُم َق َّيرِ»‪َ ،‬و َق َال‪ْ :‬‬
‫ومسلم(‪.)1‬‬

‫ال نزال مع الفوائد المستفادة من هذا الحديث العظيم‪:‬‬


‫فمن فوائد هذا الحديث‪ :‬أهمي ُة الدعوة إلى اهلل ‪ِ ،F‬‬
‫وع َظ ُم شأهنا‪،‬‬ ‫ِّ َّ‬
‫البخاري (‪ )53‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)17‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )4‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)2‬‬
‫‪33‬‬

‫سبيل النتشار دين اهلل سبحانه؛ فهذا الوفد جاءوا‬ ‫وشدَّ ُة الحاجة إليها؛ ألنَّها ٌ‬
‫رادهم‬‫يحملون هذه الهمة؛ همة الدَّ عوة والنُّصح والبيان؛ وواضح هذا يف م ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫جيئِهم إلى رسول اهلل ﷺ؛ ولهذا قالوا ‪َ « :M‬ف ُم ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْص ٍل‬ ‫بمقدمِهم وم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫رعي‪ ،‬ويتف َّقه يف‬ ‫َّ‬
‫الش‬ ‫العلم‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ُخبِ ْر بِ ِه َم ْن َو َرا َءنَا»؛ ولهذا‪َّ :‬‬
‫فإن المسلم عليه أن يتع َّ‬ ‫ن ْ‬
‫َّ‬
‫وأيضا بن َّية إيصال الخير لآلخرين‬ ‫دين اهلل سبحانه بن َّية إصالح نفسه وهدايتها‪ً ،‬‬
‫وتعد َيتِه للنَّاس؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ِ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [العصر‪ ،]3-1 :‬فوصفهم‬


‫بأنَّهم صلحوا يف أنفسهم باإليمان والعمل الصالح‪ ،‬ثم ِ‬
‫عملوا على إيصال هذا‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الصالح إلى اآلخرين‪ ،‬ون ِ‬
‫َشره بين النَّاس‪ ،‬ودعوة النَّاس إليه؛ وينبغي أن تكون‬ ‫َّ‬
‫هما للعبد؛ فيتع َّلم لينتفع هو‪ ،‬ويتع َّلم لينفع اآلخرين؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﯤ‬
‫الدَّ عوة ًّ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [لقمان‪.]17 :‬‬
‫أن األعمال الصالحة ُت ِ‬
‫دخل العبد الجنَّة إن‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫تق َّبلها اهلل سبحانه؛ قالوا‪ُ « :‬م ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْصلٍ» أي‪ُ :‬د َّلنا على عمل يدخلنا الجنَّة؛‬
‫الجنَّةَ»(‪)1‬؛ أي‪ُ :‬د َّلنا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫كما جاء يف بعض األحاديث‪ُ « :‬د َّلني َع َلى َع َم ٍل ُيدْ خ ُلني َ‬
‫على أعمال‪ ،‬وطاعات‪ ،‬وعبادات‪ ،‬نقوم هبا‪ ،‬نحافظ عليها‪ ،‬وندخل هبا الجنَّة‪.‬‬

‫الصالحة َي ُ‬
‫دخل هبا المرء الجنَّة إذا تق َّبلها اهلل‬ ‫أن األعمال َّ‬ ‫فهذا ُّ‬
‫يدل على َّ‬
‫كل يوم إذا أصبح بعد أن يس ِّلم‬ ‫‪ ،E‬وقد كان نب ُّينا ‪ O‬يقول َّ‬
‫ك ِع ْل ًما‬
‫«السنن»‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫من صالة الفجر كما يف حديث أ ِّم سلمة يف ُّ‬

‫البخاري (‪ ،)1397‬ومسلم (‪.)14‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )4‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)2‬‬
‫‪35‬‬

‫[اإلسراء‪ ،]19 :‬ويف القرآن آيات عديدة يف هذا المعنى؛ كقوله ‪﴿ :E‬ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النَّحل‪ ،]97 :‬وقال اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [المائدة‪ ،]5 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [التَّوبة‪.]54 :‬‬

‫فاإليمان باهلل ‪ E‬هو أصل أصول اإليمان وأعظم أسس الدِّ ين‪،‬‬
‫وتفرده سبحانه؛‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫عبادة َّإل به‪ ،‬وهو‬ ‫ألي عم ٍل وال‬
‫إيمان بوحدان َّية اهلل‪ُّ ،‬‬ ‫وال قبول ِّ‬
‫ٌ‬
‫إيمان بوحدان َّية‬ ‫ان بِاهَّلل ِ َو ْحدَ ُه»؛ فهو‬
‫يم ِ‬ ‫«آم ُرك ُْم بِ ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫ولهذا قال يف الحديث‪ُ :‬‬
‫اهلل تعالى؛ وحدان َّيتُه يف ربوب َّيته‪ ،‬ووحدان َّيتُه يف أسمائه وصفاته‪ ،‬وحدان َّيتُه يف‬
‫بحق سواه‪.‬‬
‫بحق‪ ،‬وال معبو َد ٍّ‬
‫ألوه َّيته؛ بأنَّه هو المعبود ٍّ‬

‫نافع يف التَّعليم‪،‬‬
‫أسلوب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أهم َّية التَّشويق؛ وهو‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ِّ :‬‬
‫كثيرا يف أحاديث رسول اهلل صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وانظر ذلك يف‬ ‫ويأيت ً‬
‫َ‬
‫أجمل هذا‬ ‫ان بِاهَّللِ؟»؛ فما‬
‫يم ُ‬ ‫ون َما ِ‬
‫اإل َ‬
‫اليم ِ ِ‬
‫ان بِاهَّلل؛ َأتَدْ ُر َ‬ ‫«آم ُرك ُْم بِ ْ ِ َ‬
‫قوله لهؤالء‪ُ :‬‬
‫ف‪ ،‬و ُتقبِ ُل‪ ،‬وتستعدُّ ‪ ،‬وتته َّي ُأ؛‬ ‫أثره يف َجع ِل القلوب َّ‬
‫تتشو ُ‬ ‫أعظم َ‬
‫َ‬ ‫َّشويق‪ ،‬وما‬
‫الت َ‬
‫الرغبة يف القلوب‪ ،‬ويح ِّقق ُحسن االنتفاع واالستفادة‪.‬‬
‫حرك َّ‬
‫ألنَّه ُي ِّ‬
‫ومن فوائد هذا الحديث العظيمة‪ :‬أنَّه ال سبيل إلى معرفة اإليمان َّإل من‬
‫خالل الوحي؛ كال ِم اهلل‪ ،‬وكال ِم رسوله ‪O‬؛ فال يمكن للمرء أن‬
‫بحرا يف ال ُّلغة‪ ،‬وال‬
‫مثل ل ُّلغة العرب َّية ولو كان ً‬ ‫َ‬
‫اإليمان وحقيقتَه بمعرفته ً‬ ‫يعرف‬
‫يمكن أن يعرف اإليمان من خالل رأيه وفكره وعقله‪ ،‬وال يمكن أن يعرف‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪36‬‬

‫وو ْج ِده؛ بل معرفة اإليمان ال سبيل إليها َّإل من خالل‬


‫اإليمان من خالل ذوقه َ‬
‫لما‬
‫كالم اهلل‪ ،‬وكالم رسوله ‪ ،O‬وانظر ذلك يف جواب هذا الوفد َّ‬
‫ِ‬ ‫ون َما ْ ِ‬ ‫قال لهم ‪َ :O‬‬
‫ان بِاهَّلل؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫«اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم»‪،‬‬ ‫يم ُ‬
‫ال َ‬ ‫«أتَدْ ُر َ‬
‫عرفون معاين األلفاظ‪ ،‬ودالالهتا‪،‬‬ ‫لسان عربي فصحاء‪ ،‬وأهل ٍ‬
‫لغة َي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وهم أهل‬
‫ٍّ‬
‫غوي‪ ،‬فما أجابوا بما يعرفونه‬ ‫يعرفون معنى كلمة إيمان‪ ،‬ويعرفون مدلولها ال ُّل َّ‬
‫أن‬ ‫«اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم»؛ َّ‬
‫ألن القوم يدركون َّ‬ ‫من مدلول اإليمان لغة؛ بل قالوا‪ُ :‬‬
‫همها ومعرفتِها‬
‫اإليمان حقيق ٌة عظيم ٌة ال سبيل إلى تحصيلها‪ ،‬وال طريق إلى َف ِ‬

‫«اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم»‪َّ ،‬‬


‫والرسول ‪O‬‬ ‫َّإل من خالل وحي اهلل‪ ،‬قالوا‪ُ :‬‬
‫هو المب ِّلغ عن اهلل‪ ،‬ما ينطق عن الهوى ﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬

‫ﭤ﴾ [النَّجم‪﴿ ،]4-3 :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [النُّور‪.]54 :‬‬

‫فهذه فائد ٌة عظيمةٌ‪ ،‬وفيها ر ٌّد على ا َّل ِذين خاضوا يف بيان اإليمان بالعقول‬
‫المجردة‪ ،‬أو بالفهم ل ُّلغة‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى َم ِ‬
‫ورد اإليمان‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ومنبعه؛ كال ِم اهلل‪ ،‬وكال ِم رسوله ‪O‬؛ فجاءوا بأمور مصادمة لإليمان‬ ‫ِ‬

‫يف حقيقته ومدلوله؛ ولهذا نشأت فِ َر ٌق كثير ٌة خاضت يف اإليمان والكالم‬


‫ِ‬
‫والصواب؛ ل َكوهنا لم ِّ‬
‫تعول على منبع اإليمان‬ ‫َّ‬ ‫الحق‬
‫َّ‬ ‫على حقيقته‪ ،‬فجانبت‬
‫ور ِده؛ ا َّل ِذي هو كالم اهلل‪ ،‬وكالم رسوله صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وقد‬
‫و َم ِ‬

‫قال اهلل ‪ E‬يف أواخر سورة ُّ‬


‫الشورى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ‬

‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ‬

‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫(‪ )4‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)2‬‬
‫‪37‬‬

‫[الشورى‪]53-52 :‬؛ فاإليمان حقيق ٌة عظيم ٌة ال يمكن أن ُت َ‬


‫عرف وأن‬ ‫ﭽ ﭾ﴾ ُّ‬

‫ُيهتدى إلى حقيقتها ومعناها َّإل من خالل كالم اهلل وكالم رسوله ﷺ‪ ،‬نظير‬
‫شخصا ُمت ََض ِّل ًعا يف‬
‫ً‬ ‫والحج‪ ،‬وغير ذلك من ال َّطاعات؛ فلو َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫والصيام‬
‫الصالة ِّ‬
‫َّ‬
‫بم َج َّرد معرفته بال ُّلغة؟ أو أن يعرف‬ ‫الصالة َّ‬
‫الشرع َّية ُ‬ ‫ال ُّلغة ال يمكنه أن َي ِ‬
‫عرف َّ‬
‫رعي؟ ك ُُّل هذه أمور وحقائق ال‬ ‫الصيام َّ‬
‫الش َّ‬ ‫الشرع َّية؟ أو أن يعرف ِّ‬‫الزكاة َّ‬
‫َّ‬
‫السلف ‪ X‬جا َّدتهم وطريقتُهم‬ ‫فإن َّ‬ ‫يمكن أن ُت َ‬
‫عرف َّإل من الوحي؛ ولهذا َّ‬
‫يف الدِّ ين‪ :‬قال اهلل‪ ،‬قال رسوله؛ ترى الواحد منهم يقول‪ :‬نعتقد كذا لقول اهلل‬
‫كذا‪ ،‬ونؤمن بكذا لقول رسول اهلل ﷺ كذا‪ ،‬بخالف َمن سواهم من أهل البدع‬
‫والسنَّة‪ ،‬فض ُّلوا عن الجا َّدة‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذين جعلوا ألنفسهم مصادر للتَّل ِّقي غير الكتاب ُّ‬
‫السو َّية‪ ،‬و َمن لم يعتصم بكالم اهلل وكالم رسوله ‪َّ O‬‬
‫ضل عن سواء‬ ‫َّ‬
‫كثيرا ما يقول‪:‬‬
‫السبيل‪ ،‬يقول ابن الق ِّيم ‪« : V‬كان شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ً‬
‫َّ‬
‫السبيل‪ ،‬وال دليل َّإل بما جاء به َّ‬
‫الرسول صلوات اهلل‬ ‫فارق الدَّ ليل َّ‬
‫ضل َّ‬ ‫َمن َ‬
‫وسالمه وبركاته عليه»(‪.)1‬‬

‫«ش َها َد ُة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ َّن‬


‫الشهادتين‪َ :‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬اقرتان َّ‬
‫ول اهَّلل ِ»؛ َ‬
‫وش َها َد ُة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪ :‬هي شهاد ٌة هلل بالوحدان َّية‪َ ،‬و َش َها َد ُة‬ ‫ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫ولكل منهما مقتضى؛ فشهادة أن‬ ‫ٍّ‬ ‫بالرسالة‪،‬‬ ‫َأن محمدً ا رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل‪ :‬شهاد ٌة له ﷺ ِّ‬ ‫َّ ُ َ َّ َ ُ‬
‫ال إله َّإل اهلل‪ :‬تقتضي أن ُيخلِ َ‬
‫ص هذا َّ‬
‫الشاهد يف هذه الكلمة العظيمة التَّوحيدَ‬
‫هلل‪ ،‬وأن ُي ِ‬
‫فر َده ‪ E‬بالعبادة؛ ولهذا‪ :‬لو قالها دون أن يح ِّقق ما د َّلت عليه‬

‫السعادة البن الق ِّيم (‪.)229/1‬‬


‫((( مفتاح دار َّ‬
‫(‪ )4‬حديث‪ :‬وفد عبد القيس (‪)2‬‬
‫‪39‬‬

‫اإلجمال يف العدد قبل‬ ‫ُ‬ ‫أن من ُح ِ‬


‫سن التَّعليم‪:‬‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫«آم َرك ُْم بِ َأ ْر َبعٍ‪َ ،‬و َأن ََهاك ُْم َع ْن‬
‫التَّفصيل والبيان؛ ولهذا قال النَّبِ ُّي ‪َ :O‬‬
‫أهمها فائدتان‪:‬‬ ‫َأ ْر َبعٍ»‪ ،‬وهذا اإلجمال بذكر العدد يجمع فوائدَ عظيمة؛ ُّ‬
‫َّشوف للعلم‪ ،‬والتَّشويق له‪.‬‬
‫األولى‪ :‬الت ُّ‬
‫َّ‬
‫ست‬
‫أربع كذا‪ ،‬أو ٌّ‬ ‫أن ذلك أم َك ُن يف الحفظ َّ‬
‫والضبط؛ إذا قيل لك ٌ‬ ‫والثانية‪َّ :‬‬
‫ست‪ ،‬لو عد ْد َتها فيما بعدُ ‪ ،‬وفا َت َك واحدٌ منها‪ْ :‬‬
‫تذكُر أنَّه بقي‬ ‫فت أنَّها ٌّ‬
‫وعر َ‬
‫كذا‪َ ،‬‬
‫واحد‪.‬‬

‫«آم ُرك ُْم بِ َأ ْر َبعٍ‪َ ،‬و َأن ََهاك ُْم َع ْن َأ ْر َبعٍ»‪ ،‬األربع ا َّلتِي أمرهم‪َّ :‬‬
‫الشهادتان‪،‬‬ ‫قال‪ُ :‬‬
‫فرض‬
‫الحج؛ ألنَّه لم ُي َ‬
‫َّ‬ ‫والصيام‪ ،‬ولم يذكر يف هذا الحديث‬
‫والزكاة‪ِّ ،‬‬
‫والصالة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫وقت مجيء هذا الوفد‪.‬‬
‫َ‬

‫الصحيح ليس من األربع؛ ولكنَّه ن َّبههم‬ ‫وإعطا ُء الخُ ُم ِ‬


‫س من المغنم‪ :‬على َّ‬
‫«و َأ ْن ُت ْع ُطوا‬
‫الصيغة‪َ :‬‬
‫عليه؛ لحاجتهم إلى بيان هذا األمر لهم؛ ولهذا ذكره هبذه ِّ‬
‫الم ْغنَ ِم الخُ ُم َس»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م َن َ‬
‫أن َمن حضر مجالس العلم‪ :‬عليه أن يحرص‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫وجار‪،‬‬ ‫ثم إيصالها لآلخرين؛ من زوجٍ ‪ ،‬وأهلٍ‪،‬‬
‫على حفظ الفوائد وتثبيتها‪َّ ،‬‬
‫«اح َف ُظ ُ‬
‫وه َّن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وقريب؛ حتَّى يكون بإذن اهلل سبحانه هاد ًيا مهد ًّيا؛ قال لهم‪ْ :‬‬
‫َو َأ ْخبِ ُروا بِ ِه َّن َم ْن َو َرا َءك ُْم»‪.‬‬
‫(‪ )5‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إنا األعمال بالنِّيَّات»‬
‫‪41‬‬

‫بال َّطاعة‪ ،‬وينقص بالمعصية‪ ،‬وال يجوز القول َّإل بالعمل‪ ،‬وال يجوز القول‬
‫والعمل َّإل بالنِّ َّية‪ ،‬وال يجوز القول والعمل والنِّ َّية َّإل بموافقة ُّ‬
‫السنَّة»(‪.)1‬‬

‫ٌ‬
‫وعمل‪ ،‬ون َّي ٌة صادقةٌ»(‪.)2‬‬ ‫وعن اإلمام أحمد قال‪« :‬اإليمان ٌ‬
‫قول‪،‬‬

‫َري عن اإليمان ما هو؟ فقال‪« :‬هو ٌ‬


‫قول‬ ‫وسئل سهل بن عبد اهلل التُّست ُّ‬
‫كفر‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫قول‬ ‫قول بال عم ٍل فهو ٌ‬ ‫َ‬
‫اإليمان إذا كان ً‬ ‫وعمل وسنَّةٌ؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬ ‫ون َّي ٌة‬
‫وعمل وني ًة بال سن ٍَّة فهو بدعةٌ»(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫نفاق‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫قول‬ ‫وعمل بال ن َّي ٍة فهو ٌ‬
‫ً‬

‫«وحس ُب َك من ذلك‪ :‬ما أخربك عنه موالك الكريم‬


‫العكربي‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫قال ابن ب َّطة‬
‫بقوله‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ‬
‫فإن هذه اآلية جمعت القول والعمل والنِّ َّية؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [الب ِّينة‪]5 :‬؛ َّ‬
‫الزكاة ال يكون‬ ‫عبادة اهلل ال تكون َّإل من بعد اإلقرار به‪ ،‬وإقام َّ‬
‫الصالة وإيتاء َّ‬
‫َّإل بالعمل‪ ،‬واإلخالص ال يكون َّإل بعزم القلب‪ ،‬والنِّ َّية»(‪.)4‬‬
‫وقد روى البخاري ‪ V‬حديث‪« :‬إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ات» يف مواضع‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الصحيح بإسناده ‪ V‬إلى علقمة بن و َّقاص ال َّل ِّ‬
‫يثي‪:‬‬ ‫عديدة من َّ‬
‫األول منها‪ :‬قال علقمة ‪ :V‬سمعت عمر بن الخ َّطاب‬
‫ففي الموضع َّ‬

‫السنَّة والجماعة» (‪.)314‬‬


‫َّلكائي يف «شرح أصول اعتقاد أهل ُّ‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الل‬
‫((( رواه ابن هانئ يف «مسائل اإلمام أحمد» (‪ )1894‬بلفظ‪« :‬وسمعته يقول ‪-‬أي‪:‬‬
‫اإلمام‪ :-‬أدركنا النَّاس وهم يقولون‪ :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬ون َّية‬
‫صادقة»‪.‬‬
‫السنَّة والجماعة» (‪.)1798‬‬‫وانظر «شرح أصول اعتقاد أهل ُّ‬
‫((( «اإلبانة» البن ب َّطة (‪.)813/2‬‬ ‫((( «اإلبانة» البن ب َّطة (‪.)813/2‬‬
‫ ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪42‬‬
‫يقول على المنرب‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ات‪،»...‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وذكر الحديث(‪.)1‬‬

‫ويف موضع آخر‪ :‬قال علقمة ‪ :V‬سمعت عمر بن الخ َّطاب يخطب‬
‫َّاس إِن ََّما ْالَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة‪ ،»...‬وذكر‬
‫«يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫قال‪ :‬سمعت النَّبِ َّي ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫الحديث(‪.)2‬‬

‫أن النَّبِ َّي ﷺ قد ذكر هذا الحديث يف خطبته العا َّمة‬


‫الروايتان تفيدان َّ‬
‫فهاتان ِّ‬
‫وتأسى به يف ذلك‬
‫تذكيرا بمقام النِّ َّية العظيم وقيام دين اهلل عليها‪َّ .‬‬
‫ً‬ ‫على منربه ﷺ‬
‫الراشد‪ :‬عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬فخطب به على المنرب مذكِّر ًا بمقام‬
‫الخليفة َّ‬
‫الصالح والنَّاصحون لعباد اهلل‬
‫وأئمة َّ‬
‫النِّ َّية ومنزلتها العل َّية؛ وال يزال دعاة الخير َّ‬
‫يذكِّرون يف ك ُِّل مقام على المنرب‪ ،‬وغيره ِّ‬
‫بأهم َّية النِّ َّية‪ ،‬ومكانتها العظيمة‪.‬‬

‫الصحيح هبذا الحديث‪ ،‬وأقامه مقام الخطبة له؛‬


‫البخاري كتابه َّ‬
‫ُّ‬ ‫وقد صدَّ ر‬
‫كل عم ٍل ال يراد به وج ُه اهلل فهو ٌ‬
‫باطل ال ثمرة له يف الدُّ نيا‬ ‫أن َّ‬
‫إشارة منه إلى َّ‬
‫البخاري قد أخلص النِّ َّية يف تأليفه هذا المصنَّف‬
‫َّ‬ ‫وال يف اآلخرة‪ ،‬ونحسب َّ‬
‫أن‬
‫فلما أخلص ‪ V‬النِّ َّية‪ ،‬وص َّفى ال َّطو َّية؛ نفع اهلل‬
‫العظيم؛ فع ُظمت بركته‪َّ ،‬‬
‫بكتابه الرب َّية‪.‬‬

‫وهكذا صنع عدد من أهل العلم مثل صنيعه؛ صدَّ روا ُم َصنَّفاهتم هبذا‬
‫السنَّة»‪ ،‬وكذا‬
‫السنَّة»‪ ،‬و«شرح ُّ‬
‫البغوي كتابيه «مصابيح ُّ‬
‫ُّ‬ ‫الحديث؛ فقد صدَّ ر به‬
‫المقدسي يف كتابه «عمدة األحكام»‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫َّووي يف كتابه «األربعين»‪ ،‬وعبد الغني‬
‫الن ُّ‬
‫البخاري (‪.)6953‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫البخاري (‪.)1‬‬
‫ ‬‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )5‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إنا األعمال بالنِّيَّات»‬
‫‪43‬‬

‫الصغير»‪ ،‬وغيرهم من أهل العلم‪.‬‬


‫يوطي يف كتابه «الجامع َّ‬
‫والس ُّ‬
‫ُّ‬
‫الرحمن بن مهدي‪« :‬لو صنَّفت كتا ًبا يف األبواب لجعلت حديث‬ ‫قال عبد َّ‬
‫ات» يف ك ُِّل باب»‪ ،‬وعنه أنَّه قال‪َ « :‬من أراد‬ ‫«الَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫َّ‬ ‫عمر بن الخ َّطاب يف‪َ ْ ْ :‬‬
‫«الَ ْع َم ُال بِالنِّ َّيات»»(‪.)1‬‬‫أن ُي َصنِّف كتا ًبا فليبدأ بحديث‪ْ :‬‬

‫وهذا الحديث أحد األحاديث ا َّلتِي يدور الدِّ ين عليها‪:‬‬

‫افعي أنَّه قال‪« :‬هذا الحديث ثلث العلم‪ ،‬ويدخل يف سبعين‬ ‫ُفر ِوي عن َّ‬
‫الش ِّ‬
‫با ًبا من الفقه»(‪.)2‬‬

‫وعن اإلمام أحمد ‪ I‬قال‪« :‬أصول اإلسالم على ثالثة أحاديث‪:‬‬


‫حديث عمر‪« :‬إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ات»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ث فِي َأ ْمرِنَا َه َذا َما َل ْي َس ِمنْ ُه َف ُه َو َر ٌّد»(‪.)3‬‬
‫«م ْن َأ ْحدَ َ‬
‫وحديث عائشة‪َ :‬‬
‫وحديث النُّعمان بن بشير‪« :‬ا ْل َح َل ُل َب ِّي ٌن‪َ ،‬وا ْل َح َرا ُم َب ِّي ٌن»(‪.)5(»)4‬‬

‫وقال الحاكم‪« :‬حدَّ ثونا عن عبد اهلل بن أحمد‪ ،‬عن أبيه‪ :‬أنَّه ذكر قوله‬
‫«الَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫ات»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪َ ْ ْ :O‬‬
‫َّووي عنه يف «المجموع» (‪.)16/1‬‬ ‫((( ذكرهما الن ُّ‬
‫«السنن الكبير» (‪ )333-322‬إلى قوله‪« :‬ثلث العلم»‪ ،‬وذكره‬
‫البيهقي يف ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫َّووي عنه يف «المجموع» (‪.)36/1‬‬ ‫الن ُّ‬
‫البخاري (‪.)2697‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)52‬ومسلم (‪.)1599‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( «طبقات الحنابلة» للقاضي أبي يعلى (‪.)108/1‬‬
‫(‪ )5‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إنا األعمال بالنِّيَّات»‬
‫‪45‬‬

‫«م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»(‪.)1‬‬


‫وحديث‪ِ :‬‬

‫األربعة ربع ِ‬
‫العلم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حديث من هذه‬ ‫قال‪ُّ :‬‬
‫فكل‬
‫ُ‬
‫أيضا قال‪« :‬كتبت عن رسول اهلل ﷺ خمسمائة ألف‬
‫وعن أبي داود ‪ً V‬‬
‫السنن»؛ جمعت فيه‬
‫تضمنه هذا الكتاب؛ يعني‪« :‬كتاب ُّ‬
‫حديث‪ ،‬انتخبت منها ما َّ‬
‫أربعة آالف وثمانمائة حديث‪ ،‬ويكفي اإلنسان لدينه من ذلك أربع ُة أحاديث‪:‬‬

‫ات»‪.‬‬ ‫أحدهما‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬


‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫«م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»(‪.)2‬‬
‫والثاني‪ :‬قوله ﷺ‪ِ :‬‬ ‫َّ‬

‫ُون ا ْل ُم ْؤ ِم ُن ُم ْؤ ِمنًا َحتَّى َل َي ْر َضى ِلَ ِخ ِيه إِ َّل َما‬


‫َّ‬
‫«ل َيك ُ‬ ‫والثالث‪ :‬قوله ﷺ‪َ :‬‬
‫َي ْر َضى لِنَ ْف ِس ِه»(‪.)3‬‬

‫والر ابع‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬ا ْل َح َل ُل َب ِّي ٌن‪َ ،‬وا ْل َح َرا ُم َب ِّي ٌن»‪.‬‬
‫َّ‬

‫ويف رواية أخرى عنه أنَّه قال‪« :‬الفقه يدور على خمسة أحاديث‪:‬‬

‫«ا ْل َح َل ُل َب ِّي ٌن‪َ ،‬وا ْل َح َرا ُم َب ِّي ٌن»‪.‬‬

‫«ل َض َر َر َو َل ِض َر َار»(‪.)4‬‬ ‫وقوله ﷺ‪َ :‬‬

‫ات»‪.‬‬ ‫وقوله‪« :‬إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬


‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2317‬وابن ماجه (‪،)3976‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2317‬وابن ماجه (‪،)3976‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬لَ‬ ‫البخاري (‪ ،)13‬ومسلم (‪ )45‬عن أنس ‪َّ I‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرج‬
‫ب لِنَ ْف ِس ِه»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‌ي ْؤم ُن َ‌أ َحدُ ك ُْم َحتَّى ُي َّ‬
‫ب لَخيه َ‌ما ُ‌يح ُّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)2865‬وابن ماجه (‪،)2341‬‬
‫(‪ )5‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إنا األعمال بالنِّيَّات»‬
‫‪47‬‬
‫ِ‬ ‫فقوله‪« :‬إِن ََّما ْالَ ْع َم ُ‬
‫ال بِالنِّ َّيات»؛ أي‪ :‬إنَّما األعمال معت َبر ٌة عند اهلل ‪C‬‬
‫ويبتغى بالعمل وج ُه اهلل ‪C‬؛ َقبِل اهلل من‬
‫بن َّياهتا؛ فإذا كانت النِّ َّية هلل خالصة‪ُ ،‬‬
‫العامل عمله‪.‬‬

‫وإن لم يكن العمل كذلك‪ُ :‬ر َّد على عامله وإن ك ُثر وتعدَّ د َّ‬
‫وتنوع‪ ،‬وقد‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [اإلسراء‪ ،]19-18 :‬ويقول ‪﴿ :C‬ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫[الزمر‪،]3 :‬‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الب ِّينة‪ ،]5 :‬ويقول ‪﴿ :C‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ ُّ‬
‫واآليات يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫فما أحوج المرء إلى إصالح ن َّيتة‪ ،‬ومعالجة قصده‪ ،‬وتصحيح إرادته يف‬
‫وحجه وجميع طاعاته؛ بأن ال يبتغي بشيء‬
‫ِّ‬ ‫جميع أعماله؛ يف صالته وصيامه‬
‫مشكورا‬
‫ً‬ ‫مقبول مرض ًّيا‬
‫ً‬ ‫من ذلك َّإل وجه اهلل؛ ألنَّه ليس شيء من ذلك يكون‬
‫خالصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عند اهلل تعالى َّإل إذا كان هلل‬
‫وسديد قولِه َّإل ما قصد به وج َه‬
‫ِ‬ ‫و لن يدخل معه يف قربه يف صالحِ عملِه‬
‫اهلل‪ ،‬أ َّما األعمال ا َّلتِي يعملها العامل يريد هبا شهرةً‪ ،‬أو ريا ًء‪ ،‬وسمعةً‪ ،‬أو دنيا‬
‫فانية‪ ،‬أو غير ذلك من الحظوظ والمبت َغيات؛ ُّ‬
‫فكل ذلك ال يكون عند اهلل‬
‫ألن من شرط العمل المقبول‪ :‬أن يكون‬ ‫ً‬
‫مقبول وال يكون عنده ‪ C‬مرض ًّيا؛ َّ‬
‫قد ابتُغي به وجه اهلل‪.‬‬

‫عن يحيى بن أبي كثير قال‪« :‬تع َّلموا النِّ َّية؛ فإنَّها ُ‬
‫أبلغ من ال َع َملِ»(‪.)1‬‬

‫((( أخرجه أبو نعيم يف «الحلية» (‪.)70/3‬‬


‫(‪ )5‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إنا األعمال بالنِّيَّات»‬
‫‪49‬‬
‫أمر‬
‫فإن معالجة النِّ َّية ومجاهدة النَّفس على اإلخالص هلل ‪ٌ C‬‬ ‫ولهذا؛ َّ‬
‫مطلوب من المسلم إلى آخر ن َفس وإلى آخر لحظة من الحياة؛ ألنَّه ال يزال‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫وقت‬ ‫والصوا ُّد عن اإلخالص من هنا وهناك؛ فيحتاج َّ‬
‫كل‬ ‫الصوارف‬
‫َّ‬ ‫تأتيه َّ‬
‫وكل ٍ‬
‫حين إلى معالجة ن َّيته‪ ،‬وإصالح مقصده‪ ،‬وإطابة إرادته‪.‬‬ ‫َّ‬

‫َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهلل ِ َو َر ُسولِ ِه َف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهلل ِ َو َر ُسولِ ِه»؛‬


‫وقوله‪َ « :‬ف َم ْن كَان ْ‬
‫أي‪َ :‬من كانت هجرته إلى اهلل ورسوله ن َّية وقصدً ا‪ ،‬فهجرته إلى اهلل ورسوله‬
‫وأجرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثوا ًبا‬

‫وأن‬ ‫َ‬
‫األعمال بحسب النِّ َّيات‪َّ ،‬‬ ‫«لما َذكر ﷺ َّ‬
‫أن‬ ‫قال ابن رجب ‪َّ :V‬‬
‫شر‪ ،‬وهاتان كلمتان جامعتان‪ ،‬وقاعدتان‬ ‫َّ‬
‫حظ العامل من عمله ن َّيته من خير أو ٍّ‬
‫مثال من أمثال األعمال ا َّلتِي‬
‫ُك ِّل َّيتان‪ ،‬ال يخرج عنهما شيء؛ ذكر بعد ذلك ً‬
‫صالحها وفسا ُدها باختالف النِّ َّيات‪ ،‬وكأنَّه يقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫صور ُتها واحدة‪ ،‬ويختلف‬
‫سائر األعمال على حذو هذا المثال‪...‬‬
‫ِ‬
‫والمقاصد هبا؛‬ ‫ِ‬
‫باختالف النِّ َّيات‬ ‫تختلف‬
‫ُ‬ ‫أن هذه الهجر َة‬‫فأخربَ النبي ﷺ َّ‬
‫ُّ‬
‫هاج َر إلى دار اإلسالم ُح ًّبا هلل ورسول ِ ِه‪ ،‬ورغب ًة يف تع ُّلم ِ‬
‫دين اإلسالم‪،‬‬ ‫فمن َ‬
‫َ‬
‫المهاجر إلى اهلل‬ ‫رك؛ فهذا هو‬ ‫الش ِ‬
‫دار ِّ‬ ‫يعجز عنه يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫وإظهار دينِه‪ ،‬حيث كان‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫حصل له ما نواه من هجرتِ ِه إلى اهلل‬
‫وفخرا أنَّه َ‬
‫ً‬ ‫ورسوله ح ًّقا‪ ،‬وكفاه شر ًفا‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫صول‬ ‫الشرط على إعادتِ ِه بلفظه؛ َّ‬
‫ألن ُح َ‬ ‫ِ‬
‫جواب هذا َّ‬ ‫اقتصر يف‬
‫َ‬ ‫ولهذا المعنى‬
‫ما نواه هبجرته‪ :‬هناي ُة المطلوب يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪50‬‬
‫ِ‬
‫لطلب ُدنيا ُيصيبها‪،‬‬ ‫الشرك إلى ِ‬
‫دار اإلسالم‬ ‫و َمن كانت هجر ُت ُه من ِ‬
‫دار ِّ‬
‫فاألول‪:‬‬
‫َّ‬ ‫هاجر إليه مِن َ‬
‫ذلك؛‬ ‫َ‬ ‫امرأة ينكِ ُحها يف ِ‬
‫دار اإلسالم؛ فهجر ُت ُه إلى ما‬ ‫ٍ‬ ‫أو‬
‫ٍ‬
‫بمهاجر»(‪.)1‬‬ ‫تاجر‪ ،‬وال َّثاين‪ :‬خاطب‪َ ،‬‬
‫وليس واحدٌ منهما‬ ‫ٌ‬
‫وسائر األعمال كالهجرة يف هذا المعنى؛ فصالحها وفسادها بحسب النِّ َّية‬
‫والصدقة وغيرها من األعمال‪.‬‬
‫والحج َّ‬
‫ِّ‬ ‫كالصالة‬
‫الباعثة عليها؛ َّ‬

‫الحنبلي (‪.)39-38‬‬
‫ِّ‬ ‫((( جامع العلوم والحكم البن رجب‬
‫(‪ )6‬حديث‪ :‬شعب اإلميان‬
‫‪53‬‬

‫ون»‪ ،‬ومن أهل العلم من يرى َّ‬


‫أن العدد ال مفهوم له؛ وإنَّما المراد به‪:‬‬ ‫َو َس ْب ُع َ‬
‫ٌ‬
‫وأعمال ُم َتن َِّوعة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وخصال ُم َت َعدِّ دة‪،‬‬ ‫التكثير؛ فاإليمان ُش َع ٌ‬
‫ب كثيرة‪،‬‬

‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬


‫أن األعمال داخل ٌة يف َّ‬
‫مسمى اإليمان؛ سواء منها‬
‫أعمال الجوارح؛ كإماطة األذى عن ال َّطريق‪ ،‬أو أعمال القلوب؛ كالحياء‪.‬‬

‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬


‫أن خصال اإليمان ليست على درجة واحدة‬
‫ُ‬
‫أفضل‬ ‫ب بعضها‬
‫وش َع ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وأعمال متفاضلة‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫خصال متفاوتة‪،‬‬ ‫يف الفضل؛ بل هي‬
‫من بعض؛ ولهذا قال‪« :‬أعالها» و«أدناها»؛ فهذا ٌّ‬
‫دال على التَّفاوت بين ُش َعب‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬


‫أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬ويقوى ويض ُعف‪،‬‬
‫تفاوت عظيم؛ وذلك بحسب‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وأن أهله ليسوا فيه على درجة واحدة؛ بل بينهم‬
‫ونقصا‪ُ ،‬ق َّو ًة وضع ًفا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ح ِّظهم من ُش َعب اإليمان زياد ًة‬
‫‪-‬ش ِ‬
‫عب اإليمان‬ ‫ب ُ‬ ‫الش َع ِ‬ ‫ومن المعلوم‪َّ :‬‬
‫أن أهل اإليمان يف قيامهم هبذه ُّ‬
‫تفاوت كبير‪ ،‬وهم ‪-‬يف الجملة‪ -‬يف هذا التَّفاوت ينقسمون‬
‫ٌ‬ ‫وخصال ِ ِه‪ -‬بينهم‬
‫إلى أقسام ثالثة ذكرها اهلل ‪ E‬يف قوله‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [فاطر‪.]32 :‬‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬أهمية التَّوحيد‪ِ ،‬‬
‫وع َظم شأنه‪ ،‬وأنَّه َّأو ُل األمر‬ ‫ِّ َّ‬
‫وأساسه‪ ،‬وعليه قيام دين اهلل ‪ ،E‬والتَّوحيد هو مدلول ال إله َّإل اهلل؛‬
‫ُ‬
‫فهي كلمة التَّوحيد‪ ،‬وهي ‪-‬كما يف هذا الحديث‪ -‬أعلى شعب اإليمان؛ َّ‬
‫فإن‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪54‬‬

‫أعلى شعب اإليمان «قول ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬والمراد بـ(قولها) أي‪ :‬بالقلب‬
‫يشمل َ‬
‫قول‬ ‫َ‬ ‫ألن األصل يف القول إذا ُأطلق أن‬ ‫عقيدةً‪ ،‬وبال ِّلسان نط ًقا وتل ُّف ًظا؛ َّ‬
‫َ‬
‫وقول ال ِّلسان؛ كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [البقرة‪]136 :‬؛ ليس‬ ‫القلب‬
‫مجر ًدا؛ بل‪ :‬قولوها بقلوبكم إيمانًا واعتقا ًدا‪،‬‬ ‫المراد‪ :‬قولوها بألسنتكم ً‬
‫قول َّ‬
‫ْت بِاهلل ِ ُث َّم‬
‫وبألسنتكم نط ًقا وتل ُّف ًظا‪ ،‬ومثله قول النَّبِ ِّي ‪ُ « :O‬ق ْل َآمن ُ‬
‫ْاست َِق ْم»(‪.)1‬‬

‫« َف َأ ْع َل َها‪َ :‬ق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» أي‪ :‬أعلى شعب اإليمان أن يقول‪« :‬ال إله َّإل‬
‫مجر ًدا‪ ،‬ولم‬ ‫اهلل» عن عقيدة وإيمان وتوحيد‪ ،‬أ َّما إذا قال‪« :‬ال إله َّإل اهلل» ً‬
‫قول َّ‬
‫يح ِّقق التَّوحيد ا َّل ِذي د َّلت عليه؛ فإنَّها ال تنفعه‪.‬‬

‫وع َظم شأن هذه الكلمة‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪ :‬فضل «ال إله َّإل اهلل» ِ‬

‫الذ ْكرِ َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ»(‪)2‬؛ فهي‬ ‫إن النَّبِي ﷺ قال‪َ :‬‬


‫«أ ْف َض ُل ِّ‬ ‫المباركة‪ ،‬حتَّى َّ‬
‫َّ‬
‫الذكر وهي أعلى شعب اإليمان‪ ،‬وهي أعظم مباين اإلسالم كما قال‬ ‫أفضل ِّ‬
‫س‪َ :‬ش َها َد ِة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪،)3(»...‬‬
‫ال ْس َل ُم َع َلى َخ ْم ٍ‬‫‪ُ « :O‬بنِي ْ ِ‬
‫َ‬
‫الرسل‪﴿ ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫الحديث‪ ،‬وهي مفتاح دعوة ُّ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [األنبياء‪.]25 :‬‬
‫أمر مقدَّ ٌم على ِّ‬
‫كل أمر؛‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫أن التَّوحيد والعناية به ٌ‬
‫يدل على االهتمام والتَّعظيم؛ فالنَّبِ ُّي ‪ O‬قدَّ م هذه الكلمة‬
‫فإن التَّقديم ُّ‬
‫َّ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)38‬وأحمد (‪ )15416‬وال َّلفظ له‪.‬‬


‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3383‬وابن ماجه (‪،)3800‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )6‬حديث‪ :‬شعب اإلميان‬
‫‪55‬‬
‫كل ُش َع ِ‬
‫ب اإليمان وجمي ِع خصال الدِّ ين؛ ف ُيستفا ُد من ذلك‪َّ :‬‬
‫أن الواجب‬ ‫على ِّ‬
‫وعمل؛ مقدَّ م ًة على‬
‫ً‬ ‫وفهما‬
‫ً‬ ‫على ِّ‬
‫كل إنسان أن تكون عنايته بأمر التَّوحيد تف ُّق ًها‬
‫العناية بأمور الدِّ ين األخرى‪ ،‬كيف ال؟!! والتَّوحيد هو األساس ا َّل ِذي يبنى عليه‬
‫فإن َم َث َل كلمة التَّوحيد يف الدِّ ين ك ََم َث ِل األصول لألشجار‪ ،‬واألساس‬
‫الدِّ ين؛ َّ‬
‫للبنيان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [إبراهيم‪.]24 :‬‬

‫أهم َّية اإلحسان إلى عباد اهلل بجميع وجوه‬


‫ومن فوائد هذا الحديث‪ِّ :‬‬
‫الرفعة عند اهلل‬ ‫والمتيسرة للمرء‪َّ ،‬‬
‫وأن هذا باب من أبواب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اإلحسان المه َّيأة‬
‫‪ ،E‬ومن ذلك‪ :‬إماطة األذى عن ال َّطريق؛ أي‪ :‬عن طريق المسلمين‪.‬‬
‫وإماطة األذى عن طريق المسلمين ٌ‬
‫عمل يسير؛ لك َّن ثوابه عند اهلل‬
‫ثواب عظيم‪ ،‬وهي صدقة من ُم ِميط األذى عن ال َّطريق على إخوانه‬
‫‪ٌ E‬‬
‫المسلمين‪ ،‬فإماطة األذى عن ال َّطريق صدقة‪.‬‬

‫وش َعبِه‬
‫أيضا من الدَّ الئل على تفاوت النَّاس يف اإليمان ُ‬
‫وهذه الخصلة هي ً‬
‫ب اإليمان؛‬ ‫وخصالِه؛ ألنَّك إن نظرت إلى حال النَّاس مع هذه ُّ‬
‫الشعبة من ُش َع ِ‬
‫تجد أنَّهم يف الجملة ثالثة أقسام‪:‬‬

‫يضع األذى يف ال َّطريق‪.‬‬


‫‪ -1‬قسم َ‬

‫‪ -2‬وقسم يدَ ع األذى يف ال َّطريق‪.‬‬

‫‪ -3‬وقسم ُي ِميط األذى عن ال َّطريق؛ وهو من خير النَّاس‪ ،‬وأفضلهم‪،‬‬


‫وأنفعهم لعباد اهلل‪ ،‬وقد جاء يف الحديث عن نب ِّينا ‪َ :O‬‬
‫«أ َّن َر ُج ًل َم َّر‬
‫(‪ )6‬حديث‪ :‬شعب اإلميان‬
‫‪57‬‬

‫رعي‪ ،‬والتَّف ُّقه يف دين اهلل‬ ‫الحث على العلم َّ‬


‫الش ِّ‬
‫ُّ‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪:‬‬
‫أن ُش َعب اإليمان كثيرة‪َّ ،‬‬
‫وأن لها‬ ‫ألن النَّبِ َّي ‪َّ O‬‬
‫لما َذكَر َّ‬ ‫‪E‬؛ َّ‬
‫بش َعبِه‪،‬؛‬
‫الذكر ح ًّثا للعباد على تع ُّلم هذا اإليمان ُ‬
‫تضمن هذا ِّ‬
‫أعلى ولها أدنى؛ َّ‬
‫سواء منها ما كان قري ًبا من األعلى‪ ،‬أو كان قري ًبا من األدنى؛ ولهذا‪ :‬العلماء‬
‫إن بعضهم‬ ‫‪ X‬بذلوا جهودا كبيرة يف التَّف ُّقه يف هذا الحديث ِ‬
‫نفسه‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫ً‬
‫السبع‪ ،‬وال َّثمان‪ ،‬والتِّسع مج َّلدات؛ تف ُّق ًها يف هذا الحديث العظيم‪،‬‬
‫أفرد فيه َّ‬
‫ومنهم َمن أمضى يف هذا الحديث ‪-‬تف ُّق ًها‪َّ -‬‬
‫السنوات‪ ،‬ومن األخبار العجيبة‪:‬‬
‫قصة ابن ح َّبان ‪ V‬مع هذا الحديث ا َّلتِي أخرب هو هبا عن نفسه‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن النَّبِ َّي‬
‫أن مذهبنا‪َّ :‬‬
‫عت معنى الخرب مدَّ ة؛ وذلك َّ‬‫قال ‪« :V‬وقد تت َّب ُ‬
‫قط َّإل بفائدة‪ ،‬وال من سنَّته شي ٌء ال ُيع َلم معناه؛ فجعلت أعُدُّ‬
‫ﷺ لم يتك َّلم ُّ‬
‫كثيرا؛ َفر َجعت إلى‬ ‫ال َّطاعات من اإليمان؛ فإذا هي تزيد على هذا العدد شي ًئا ً‬
‫دت َّ‬
‫كل طاعة عدَّ ها رسول اهلل ﷺ من اإليمان؛ فإذا هي َتن ُقص‬ ‫السنن؛ فعدَ ُ‬
‫ُّ‬
‫والسبعين‪ ،‬فرجعت إلى ما بين الدَّ َّفتين من كالم ر ِّبنا وتلو ُته آي ًة آي ًة‬
‫من البضع َّ‬
‫وعددت َّ‬
‫كل طاعة عدَّ ها اهلل ‪ C‬من اإليمان؛ فإذا هي َتن ُقص عن‬ ‫ُ‬ ‫بالتَّد ُّبر‪،‬‬
‫السنن‪ ،‬وأسقطت المعاد منها؛ فإذا‬
‫ممت الكتاب إلى ُّ‬
‫فض ُ‬‫والسبعين‪َ ،‬‬
‫البضع َّ‬
‫كل شيء عدَّ ه اهلل ‪ C‬من اإليمان يف كتابه‪ُّ ،‬‬
‫وكل طاعة جعلها اهلل ورسول‬ ‫ُّ‬
‫تسع وسبعون شعبة‪ ،‬ال يزيد عليها وال ينقص منها‬ ‫اهلل ﷺ من اإليمان يف سننه ٌ‬
‫أن‪« :‬اإليمان بضع وسبعون‬ ‫أن مراد النَّبِي ﷺ كان يف الخرب َّ‬
‫ِّ‬ ‫شيء؛ ف َعلِ ُ‬
‫مت َّ‬
‫والسنن؛ فذكرت هذه المسألة بكمالها؛ بذكر ُش َعبِه يف كتاب‬ ‫شعبة» يف الكتاب ُّ‬
‫وش َعبه» بما أرجو َّ‬
‫أن فيها ال ُغنية للمتأ ِّمل إذا تأ َّملها‪ ،‬فأغنى‬ ‫«وصف اإليمان ُ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪58‬‬

‫ذلك عن تكرارها يف هذا الكتاب»(‪.)1‬‬

‫َّرغيب فيه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الحث على العلم‪ ،‬والت‬ ‫أن من فوائد هذا الحديث‪:‬‬
‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫وأهم َّية العناية بمعرفة اإليمان‪ ،‬ومعرفة ُش َعبه‪ ،‬وخصاله ُ‬
‫الم َتن َِّوعة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫أن من اإليمان ما يكون يف القلب‪ ،‬ومنه ما يكون‬
‫بال ِّلسان‪ ،‬ومنه ما يكون بالجوارح؛ كإماطة األذى عن ال َّطريق؛ فليس اإليمان‬
‫السنَّة‪ٌ :-‬‬
‫قول واعتقا ٌد‬ ‫شي ٌء يكون يف القلب فقط؛ بل اإليمان ‪-‬كما قال أهل ُّ‬
‫ٌ‬
‫عمل‬ ‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وعمل بالجوارح‪،‬‬ ‫قول بال ِّلسان‪ ،‬واعتقا ُد بالقلب‪،‬‬
‫وعمل؛ ُ‬
‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫أعمال كثيرةٌ؛ منها‪ :‬الحياء؛ كما يف هذا الحديث‪.‬‬ ‫بالقلب‪ ،‬القلب له‬

‫ب اإليمان‪ ،‬وأراد ما ُي ِعينه على القيام هبا‪ ،‬واإلكثار‬ ‫هذا و َمن َك ُثرت عليه ُش َع ُ‬
‫ول اهللِ!‬‫رجل قال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫أن ً‬ ‫بسر‪َّ :‬‬‫منها؛ فل ُيكثر من ذكر اهلل؛ ف َعن عبد اهلل بن ٍ‬
‫ال ْس َل ِم َقدْ َك ُث َر ْت َع َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأ َت َش َّب ُث بِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«ل َيز َُال‬ ‫إِ َّن َشرائِ َع ْ ِ‬
‫َ‬
‫ِّرمذي وغيره(‪ ،)2‬فد َّله ‪ O‬على‬ ‫ُّ‬ ‫ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ اهَّلل ِ»‪ .‬رواه الت‬ ‫لِ َسان َ‬
‫شيء يعينه على شرائع اإلسالم واالستكثار منها؛ وهو ذكر اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫فإن ِّ‬
‫الذكر‬ ‫فمن واظب على ذكر اهلل سبحانه َس ُه َلت عليه َّ‬
‫الشرائع والنت؛ َّ‬ ‫َ‬
‫ويسهلها عليه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫من أكرب العون على ال َّطاعة؛ فهو يح ِّبب إلى العبد ال َّطاعة‪،‬‬
‫ويلذذها له؛ بحيث ال يجد لها كُلف ًة ومش َّقةً‪.‬‬
‫ِّ‬

‫((( «صحيح ابن ح َّبان» (‪.)125-124 /1‬‬


‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2329‬وابن ماجه (‪،)3793‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)17680‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫(‪ )7‬حديث‪« :‬مَن قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‬
‫‪59‬‬

‫‪7‬‬
‫حديث‪:‬‬
‫«مَن قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‬

‫«م ْن َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن‬ ‫ت ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬ ‫عن ُعبادة بن الصامِ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫يك َله‪ ،‬و َأن محمدً ا عبدُ ه ورسو ُله‪ ،‬و َأن ِعيسى عبدُ اهَّلل ِ‬
‫َل إِ َل َه َّإل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ ُ َ َّ ُ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ ْ‬
‫وح ِمنْ ُه‪َ ،‬و َأ َّن ا ْل َجنَّ َة َح ٌّق‪َ ،‬و َأ َّن الن ََّار َح ٌّق؛‬
‫اها إِ َلى َم ْر َي َم َو ُر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوا ْب ُن َأ َمته‪َ ،‬وكَل َم ُت ُه َأ ْل َق َ‬
‫اب ا ْل َجن َِّة ال َّث َمانِ َي ِة َشا َء»(‪.)1‬‬
‫ي َأ ْب َو ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْد َخ َل ُه اهَّللُ م ْن َأ ِّ‬
‫ٌ‬
‫حديث عظيم يف بيان أمور اإليمان والعقيدة والتَّوحيد؛‬ ‫هذا الحديث‬
‫ِ‬
‫جم ُع أو من َأ َ‬
‫جم ِع‬ ‫حديث عظيم الموقع‪ ،‬وهو َأ َ‬
‫ٌ‬ ‫َّووي ‪« :V‬هذا‬
‫بل قال الن ُّ‬
‫األحاديث المشتملة على العقائد»(‪)2‬؛ ألنَّه اشتمل على أصول العقائد‪،‬‬
‫لمن قام هبا‬ ‫أصول عظيمةً‪ ،‬و ُأسسا مبارك ًة ِ‬ ‫ً‬
‫ب َ‬‫توج ُ‬ ‫ُ ً‬ ‫وتضمن‬
‫َّ‬ ‫وأساس الدِّ ين‪،‬‬
‫أي أبواهبا ال َّثمانية شاء؛ كما أخرب بذلك رسول اهلل‬
‫وح َّققها دخول الجنَّة من ِّ‬
‫جدير بالمسلم أن ُيعنى هبذا الحديث عناي ًة‬
‫ٌ‬ ‫ﷺ يف تمام هذا الحديث؛ ولهذا‪:‬‬
‫وفهما‪ ،‬وتطبي ًقا؛ حتَّى يفوز هبذا ال َّثواب العظيم‪.‬‬
‫ً‬ ‫عظميةً؛ حف ًظا‪،‬‬

‫بدأ ﷺ هذه األصول بأصل األصول وأعظمها على اإلطالق؛ وهو توحيد‬

‫البخاري (‪ ،)3435‬ومسلم (‪.)28‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫َّووي على مسلم (‪.)175/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح الن ِّ‬
‫(‪ )7‬حديث‪« :‬مَن قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‬
‫‪61‬‬

‫الحق؛ كما قال ‪﴿ :C‬ﭑ ﭒ ﭓ﴾ َّ‬


‫[الرعد‪:‬‬ ‫[الزخرف‪ ،]86 :‬وهي دعوة ِّ‬
‫ﯬ﴾ ُّ‬

‫وأهم‬
‫ُّ‬ ‫‪ ،]14‬وهي العروة الوثقى‪ ،‬وهي كلمة التَّقوى‪ ،‬وهي أعظم أركان الدِّ ين‪،‬‬
‫شعب اإليمان‪ ،‬وهي سبيل الفوز بالجنَّة والنَّجاة من النَّار‪ ،‬وهي كلمة َّ‬
‫الشهادة‪،‬‬
‫السعادة‪ ،‬وأصل الدِّ ين‪ ،‬وأساسه‪ ،‬ورأس أمره‪.‬‬
‫ومفتاح دار َّ‬
‫وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدِّ ين‪ :‬فوق ما يص ُفه الواصفون ويعرفه‬
‫العارفون‪﴿ ،‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬

‫ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [آل عمران‪.]18 :‬‬

‫وهي دا َّلة على توحيد اهلل‪ ،‬ووجوب إفراده وحده بالعبادة‪ ،‬وداللتُها على‬
‫التَّوحيد‪ :‬بالنَّفي واإلثبات‪ ،‬وهما ركنان لهذه الكلمة وال توحيد َّإل هبما؛‬
‫موحدً ا‬
‫«إل اهلل»‪ ،‬وال يكون المر ُء ِّ‬
‫النَّفي يف قوله‪« :‬ال إله»‪ ،‬واإلثبات يف قوله‪َّ :‬‬
‫َّإل بالنَّفي واإلثبات ا َّل ِذين جاء يف هذه الكلمة؛ ِ‬
‫نفي العبادة عن ك ُِّل َمن سوى‬
‫ِ‬
‫وإثبات العبادة ب ُك ِّل معانيها هلل وحده‪.‬‬ ‫اهلل‪،‬‬

‫«و ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬


‫يك َل ُه»‪ :‬هذا تأكيد للتَّوحيد‪ ،‬واهتمام بمقامه العظيم؛‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«ل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه» تأكيد للنَّفي‪.‬‬ ‫«و ْحدَ ُه» تأكيد لإلثبات‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬
‫فقوله‪َ :‬‬

‫رضها‪ ،‬واستيفاء شروطها الواردة يف‬ ‫حق هذه الكلمة‪ ،‬و َف ِ‬


‫وال بدَّ من أداء ِّ‬
‫يتقرب هبا إلى اهلل ال ُتقبل منه َّإل‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫ٍ‬
‫مسلم يعلم َّ‬ ‫والسنَّة‪ُّ ،‬‬
‫كل طاعة َّ‬ ‫وكل‬ ‫الكتاب ُّ‬
‫والحج ال ُيقبل َّإل‬
‫ُّ‬ ‫فالصالة ال ُتقبل َّإل بشروطها المعلومة‪،‬‬
‫إذا أتى بشروطها؛ َّ‬
‫بشروطه‪ ،‬وجميع العبادات كذلك ال ُتقبل َّإل بشروطها المعلومة من الكتاب‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪62‬‬

‫الشأن يف «ال إله َّإل اهلل»؛ ال ُتقبل َّإل إذا قام العبد بشروطها‬
‫والسنَّة‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫ُّ‬
‫والسنَّة‪.‬‬
‫المعلومة يف الكتاب ُّ‬
‫أهم َّية العناية بشروط «ال إله َّإل اهلل»‬ ‫وقد أشار سل ُفنا َّ‬
‫الصالح ‪ X‬إلى ِّ‬
‫ووجوب االلتزام هبا‪ ،‬وأنَّها ال ُتقبل َّإل بذلك؛ ومن ذلك ما جاء عن الحسن‬
‫ناسا يقولون‪َ « :‬من قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل دخل‬
‫إن ً‬‫البصري ‪ :V‬أنَّه قيل له‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫وفرضها دخل الجنَّة»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫الجنَّة»‪ ،‬فقال‪َ « :‬من قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل فأ َّدى ح َّقها‬

‫الجنَّة‪ :‬ال إله َّإل اهلل؟ قال‪:‬‬


‫لمن سأله‪« :‬أليس مفتاح َ‬
‫وقال وهب بن ُمنَ ِّبه َ‬
‫بلى‪ ،‬ولكن ما من مفتاح َّإل له أسنان‪ ،‬فإن أتيت بمفتاح له أسنان ُفتح لك‪،‬‬
‫وإل لم ُيفتح»(‪)2‬؛ يشير بـ(األسنان) إلى شروط ال إله َّإل اهلل‪.‬‬
‫َّ‬

‫«و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪ :‬هذه شهادة للنَّبِ ِّي ﷺ بالعبود َّية‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫اهلل‬
‫أتم تكميل؛ فع َبد َ‬ ‫كمل نب ُّينا ‪ O‬مقام العبود َّية َّ‬ ‫وبالرسالة‪ ،‬وقد َّ‬‫ِّ‬
‫حتَّى أتاه اليقين صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وكان ‪ O‬يف عباداته قدو ًة‬
‫للمتَّقين ﴿ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأسوة ُ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [األحزاب‪ ،]21 :‬وما من مقا ٍم من مقامات العبادة إال‬
‫ٍ‬
‫عبادة قدوةً‪،‬‬ ‫وتممه ‪ ،O‬وأتى به على الوفاء والتَّمام؛ فكان يف ِّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫طاعة أسوةً‪.‬‬ ‫ويف ِّ‬
‫كل‬

‫الرسالة َأ ْو َفى بالغ‪ ،‬وأ َّدى األمانة‪ ،‬ونصح األُ َّمة‪،‬‬


‫وب َّلغ ‪ِّ O‬‬
‫َّووي عنه يف «شرح صحيح مسلم» (‪.)161/2‬‬
‫((( ذكره الن ُّ‬
‫والصفات» (‪.)210‬‬
‫البيهقي يف «األسماء ِّ‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )7‬حديث‪« :‬مَن قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‬
‫‪63‬‬

‫دل األُ َّمة عليه‪،‬‬


‫خيرا َّإل َّ‬
‫حق جهاده حتَّى أتاه اليقين‪ ،‬وما ترك ً‬
‫وجاهد يف اهلل َّ‬
‫ونذيرا وداع ًيا إلى‬
‫ً‬ ‫بشيرا‬ ‫شرا َّإل َّ‬
‫حذرها منه‪ ،‬بعثه اهلل ‪ D‬رحمة للعالمين ً‬ ‫وال ًّ‬
‫منيرا‪.‬‬
‫وسراجا ً‬
‫ً‬ ‫اهلل بإذنه‬

‫بالرسالة‪ :‬تستوجب طاعته ‪ ،O‬وامتثال أمره‪،‬‬ ‫والشهادة له ِّ‬ ‫َّ‬


‫أوامرهم‪ ،‬ول ُيتَّبعوا و ُيقتدَ ى هبَدْ يِهم‪،‬‬ ‫سل إنَّما ُأ ِ‬
‫رسلوا ل ُيطاعوا ولتُمتثل‬ ‫والر ُ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫و ُيسار على هنجهم؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬

‫ﮩ﴾ [النِّساء‪.]64 :‬‬

‫فمن شهد أنَّه رسول اهلل ﷺ‪ :‬لزمه أن يطيعه فيما أمر‪ ،‬وأن يصدِّ قه فيما‬
‫َ‬
‫عما هنى عنه وزجر‪ ،‬وأن ال ُيعبدَ اهلل َّإل بما شرع‪.‬‬
‫أخرب‪ ،‬وأن ينتهي َّ‬
‫وهاتان َّ‬
‫الشهادتان لهما شأن عظيم‪ ،‬ومكانة عل َّية؛ فعليهما قيام دين اهلل‪،‬‬
‫َ‬
‫دخول لجنَّته؛‬ ‫فوز برضا اهلل وال‬
‫السعادة‪ ،‬وال نجا َة للعبد وال َ‬
‫وهما مفتاح َّ‬
‫محمدً ا رسول اهلل»؛‬ ‫وأن‬ ‫ِ‬
‫«شهادة أن ال إله َّإل اهلل َّ‬ ‫َّإل هبذا المفتاح العظيم‪:‬‬
‫َّ‬
‫عبد بين يدي اهلل ‪ C‬حتَّى ُيسأل عن‬ ‫ولهذا فإنَّه يف يوم القيامة ال تزول قدما ٍ‬
‫َ‬
‫مسألتين عظيمتين‪« :‬ماذا كنتم تعبدون؟»‪ ،‬و«ماذا أجبتم المرسلين؟» وجواب‬
‫السؤال‬
‫وإخالصا‪ ،‬وجواب ُّ‬
‫ً‬ ‫األول‪« :‬شهادة ال إله َّإل اهلل» معرف ًة وتحقي ًقا‬
‫َّ‬
‫محمدً ا رسول اهلل» معرف ًة وتحقي ًقا وانقيا ًدا‪.‬‬ ‫ال َّثاين‪« :‬شهادة َّ‬
‫أن َّ‬
‫قائما على هذين األصلين العظيمين‪ :‬لم يقبل اهلل منه‬
‫و َمن لم يكن دينه ً‬
‫«أنَا َأ ْغنَى‬
‫عمل‪ ،‬ولم ينتفع بطاعة‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ C‬يف الحديث القدسي‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫(‪ )7‬حديث‪« :‬مَن قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‬
‫‪65‬‬
‫ِ‬
‫َع ْبدُ اهلل َو َر ُسو ُل ُه»‪ ،‬والعبد ال ُيع َبد وال ُي َؤ َّله‪َّ ،‬‬
‫والرسول ال ُيج َفى و ُي َّ‬
‫كذب؛ بل‬
‫طاع و ُيتَّبع‪.‬‬
‫ُي ُ‬
‫ِ‬
‫أن‬ ‫«وكَل َم ُت ُه َأ ْل َق َ‬
‫اها إِ َلى َم ْر َي َم»‪ :‬عيسى ‪ S‬كلمة اهلل‪ ،‬ومعنى َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫عيسى كلمة اهلل‪ :‬أي أنَّه أ َث ُر الكلمة‪ ،‬ال أنَّه نفس الكلمة‪ ،‬وقيل له‪ :‬كلمة اهلل؛‬
‫ألنَّه بالكلمة كان كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [آل عمران‪]59 :‬؛ فليس عيسى هو كلم ُة (كن)؛ ولكنَّه‬
‫هبذه الكلمة كان‪ ،‬قال اهلل‪ :‬كن؛ فكان؛ ولهذا قيل له كلمة اهلل‪.‬‬

‫وح ِّمنْ ُه» أي‪ :‬من األرواح ا َّلتِي خلقها اهلل ‪ ،D‬ول ُك ِّل واحد من‬ ‫قوله‪ُ :‬‬
‫«ر ٌ‬
‫روح مخلوقة خلقها اهلل ‪ ،D‬وروح عيسى هي كذلك من األرواح‬ ‫بني آدم ٌ‬
‫المخلوقة ا َّلتِي خلقها اهلل ‪ ،C‬وأضافها اهلل إليه تشري ًفا لروح عيسى ‪،S‬‬
‫وح ِّمنْ ُه» أي‪ :‬خل ًقا‪ ،‬كما يف قوله ‪:D‬‬ ‫روح من األرواح المخلوقة‪ُ ،‬‬
‫«ر ٌ‬ ‫َّ‬
‫وإل؛ فهي ٌ‬
‫﴿ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [الجاثية‪]13 :‬؛ ﴿ﰍ﴾ أي‪ :‬خل ًقا‪.‬‬

‫غلو وال‬
‫الرسول العظيم ‪S‬؛ ال َّ‬
‫فهذه العقيدة القويمة يف شأن هذا َّ‬
‫توس ٌط واعتدال‪.‬‬
‫جفاء؛ وإنَّما ُّ‬
‫بأن‬
‫حق‪ ،‬ويدخل تحت اإليمان َّ‬ ‫الجنَّة َح ٌّق» أي‪ :‬وشهد َّ‬
‫أن الجنَّة ٌّ‬ ‫«و َ‬‫َ‬
‫حق‪ :‬اإليمان َّ‬
‫بأن الجنَّة مخلوقة‪ ،‬وأنَّها موجودة‪ ،‬أعدَّ ها اهلل ‪E‬‬ ‫الجنَّة ٌّ‬
‫وأن فيها من النَّعيم المقيم‪ ،‬وال َّثواب العظيم ما ال عي ٌن رأت‪ ،‬وال ٌ‬
‫أذن‬ ‫للمتَّقين‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر‪ ،‬واإليمان ب ُك ِّل صنوف النَّعيم وأنواع المنن‬
‫ا َّلتِي أعدَّ ها اهلل ‪ E‬ألهل الجنَّة يف الجنَّة‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪66‬‬

‫حق‪ ،‬ويدخل تحت هذه َّ‬


‫الشهادة‪ :‬اإليمان‬ ‫«والن َُّار َح ٌّق» أي‪ :‬وشهد َّ‬
‫أن النَّار ٌّ‬ ‫َ‬
‫بأنَّها مخلوقة‪ ،‬وأنَّها موجودة‪ ،‬وأنَّها ُأعدَّ ت ألهلها‪َّ ،‬‬
‫وأن فيها من صنوف‬
‫العذاب وأنواع النَّكال ما أعدَّ ه اهلل ‪ E‬للكافرين المعرضين‪.‬‬

‫الشهادة؛ َش ِهدَ هلل بالوحدان َّية‪ ،‬ولنب ِّينا ‪ O‬بالعبود َّية‬


‫فمن َش ِهدَ هذه َّ‬
‫َ‬
‫والرسالة‪ ،‬وأنَّه كلمة اهلل ألقاها إلى مريم وروح‬
‫والرسالة‪ ،‬ولعيسى بالعبود َّية ِّ‬
‫ِّ‬
‫حق؛ أدخله اهلل الجنَّة على ما كان من العمل‪.‬‬
‫حق‪ ،‬والنَّار ٌّ‬ ‫منه‪َّ ،‬‬
‫وأن الجنَّة ٌّ‬
‫ٍ‬
‫عظيمة من فضائل التَّوحيد‬ ‫ٍ‬
‫فضيلة‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«أ ْد َخ َل ُه اهللُ ا ْل َجنَّةَ»‪ُّ :‬‬
‫يدل على‬
‫ثم تكون درجاهتم يف الجنَّة على حسب‬
‫واإليمان؛ وأنَّه موجب لدخول الجنَّة‪َّ ،‬‬
‫فهم يتفاوتون‬
‫أعمالهم؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [األحقاف‪]19 :‬؛ ُ‬
‫الصالحة‬
‫عظيما بحسب تفاوهتم يف اإليمان واألعمال َّ‬
‫ً‬ ‫يف الجنَّة تفاو ًتا‬
‫المقربة إلى اهلل ‪E‬؛ فمنهم َمن هو يف أعلى الجنَّة‪ ،‬ومنهم‬
‫ِّ‬ ‫وال َّطاعات‬
‫من هو دون ذلك؛ فأهل الجنَّة يتفاضلون يف منازلهم‪ ،‬والجنَّة درجات‪ ،‬بعضها‬
‫فوق بعض‪ ،‬ويف الجنَّة مائة درجة‪ ،‬بين ك ُِّل درجتين كما بين َّ‬
‫السماء واألرض‪.‬‬
‫(‪ )8‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام»‬
‫‪67‬‬

‫‪8‬‬

‫حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام»‬

‫س‬ ‫ول اهللِ ﷺ بِ َخ ْم ِ‬ ‫األشعري ‪ I‬قال‪َ :‬قا َم فِينَا َر ُس ُ‬ ‫ِّ‬ ‫عن أبي موسى‬
‫ات َف َق َال‪« :‬إِ َّن اهللَ َل َينَا ُم‪َ ،‬و َل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َم‪َ ،‬يخْ ِف ُض ا ْل ِق ْس َط َو َي ْر َف ُع ُه‪،‬‬ ‫كَلِم ٍ‬
‫َ‬
‫ار َق ْب َل َع َم ِل ال َّل ْي ِل‪ِ ،‬ح َجا ُب ُه‬ ‫ار‪َ ،‬و َع َم ُل الن ََّه ِ‬ ‫ُي ْر َف ُع إِ َل ْي ِه َع َم ُل ال َّل ْي ِل َق ْب َل َع َم ِل الن ََّه ِ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه ِم ْن َخ ْل ِق ِه»(‪.)1‬‬ ‫ت ُس ُب َح ُ‬ ‫ُّور‪َ ،‬ل ْو ك ََش َف ُه َلَ ْح َر َق ْ‬ ‫الن ُ‬
‫وخاصة االعتقاد‬
‫َّ‬ ‫هذا الحديث من َأ َ‬
‫جم ِع األحاديث يف اإليمان واالعتقاد‪،‬‬
‫يف اهلل ‪ E‬إيمانًا به سبحانه‪ ،‬وبصفاته العظيمة‪ ،‬و ُن ُعوته الجليلة‪ ،‬وما من‬
‫شك َّ‬
‫أن هذه المعرفة باهلل ‪ D‬هي أساس الهداية والفالح يف الدُّ نيا واآلخرة؛‬ ‫ٍّ‬
‫ب‪ ،‬وعن‬‫ف‪ ،‬ولعبادته َأ ْط َل َ‬
‫ف؛ كان منه َأ ْخ َو َ‬ ‫فإن العبد ُك َّلما كان باهلل َأ َ‬
‫عر َ‬ ‫َّ‬
‫الركائز ا َّلتِي تبنى عليها دعوات‬‫معصيته َأ ْب َعدَ ‪ ،‬فال َغ ْر َو أن يكون من أعظم َّ‬
‫بالر ِّب العظيم؛ تعري ًفا بأسمائه‬
‫النَّب ِّيين عليهم صلوات اهلل وسالمه‪ :‬التَّعريف َّ‬
‫الحسنى‪ ،‬وصفاته العليا‪ ،‬ونعوته العظيمة‪.‬‬

‫وهذه المعرفة هي بوابة الهداية واإلقبال على اهلل ‪D‬؛ طاعةً‪ ،‬وخضو ًعا‪،‬‬
‫وتذ ُّل ًل‪ ،‬وانقيا ًدا ألمره ‪.E‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)179‬‬


‫(‪ )8‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام»‬
‫‪69‬‬

‫والدَّ عوة إلى توحيده‪ُ ،‬‬


‫فذكر فيها من أسماء اهلل الحسنى خمس َة أسماء‪ ،‬ومن‬
‫بالر ِّب لم‬ ‫صفاته ما يزيد على العشرين صفة‪ ،‬وما اجتمع فيها من التَّعريف َّ‬
‫قات؛ ولهذا جاء يف‬ ‫آيات م َت َفر ٍ‬
‫يأت مث ُله يف آية أخرى من القرآن؛ وإنَّما جاء يف ٍ‬
‫ُ ِّ‬
‫«يا َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِر؛‬ ‫لما قال له النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫أبي بن كعب ‪َّ I‬‬ ‫قصة ِّ‬ ‫صحيح مسلم يف َّ‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬‫ك َأ ْع َظ ُم؟»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ُ :‬‬ ‫َاب اهَّلل ِ َم َع َ‬‫ي َآي ٍة ِم ْن كِت ِ‬‫َأتَدْ ِري َأ ُّ‬
‫ك َأ ْع َظ ُم؟»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ُ :‬‬
‫اهَّلل َل‬ ‫َاب اهَّلل ِ َم َع َ‬
‫ي َآي ٍة ِم ْن كِت ِ‬ ‫ِ‬
‫«يا َأ َبا ا ْل ُمنْذ ِر؛ َأتَدْ ِري َأ ُّ‬‫َ‬
‫ك ا ْل ِع ْل ُم‬ ‫«واهَّلل ِ لِ َي ْهن ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ُه َو ا ْل َح ُّي ا ْل َق ُّيوم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َض َر َب في َصدْ ِري‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬ ‫إِ َل َه إِ َّ‬
‫َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِر»(‪)1‬؛ أي‪ :‬هني ًئا لك هذا العلم العظيم ا َّل ِذي ساقه اهلل لك وأكرمك به؛‬
‫وذ ِ‬ ‫أن هذه اآلية ا َّلتِي ُأخلِصت لبيان توحيد اهلل‪ِ ،‬‬
‫كر براهينه؛‬ ‫َ‬ ‫در َك ‪َّ I‬‬ ‫حيث َأ َ‬
‫أعظم آي القرآن‪.‬‬
‫ُ‬

‫وهذا الحديث شأنه كذلك؛ حيث ُأخلِ َ‬


‫ص لبيان هذا األمر‪ ،‬حتَّى قال‬
‫الكرسي؛ فهو س ِّيد‬ ‫ٌ‬
‫مسبوك من معنى آية‬ ‫بعض أهل العلم‪« :‬هذا الحديث معناه‬
‫ِّ‬
‫تنبيها على ِع َظم شأن هذا الحديث‪،‬‬ ‫األحاديث؛ كما أنَّها س ِّيدة اآليات»(‪)2‬؛ ً‬
‫الصفات ا َّلتِي‬ ‫ِ‬
‫وع َظم المضامين ا َّلتي اشتمل عليها‪ ،‬وعندما نتأ َّمل يف هذه ِّ‬
‫ِ‬

‫الكرسي‬
‫ِّ‬ ‫ُجمعت يف هذا الحديث العظيم؛ نجد أنَّها تلتقي مع ما جاء يف آية‬
‫الشريف العظيم؛ باب التَّعريف‬‫وما جاء يف آي القرآن األخرى يف هذا الباب َّ‬
‫بالر ِّب ‪.E‬‬
‫َّ‬
‫ويف هذا المقام َيجدُ ر التَّنبيه إلى ٍ‬
‫أمر جلي ِل ال َقدر؛ أال وهو‪ :‬أثر َّ‬
‫صحة‬

‫((( انظر‪ :‬مرقاة المفاتيح (‪.)166 /1‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)810‬‬
‫ ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪70‬‬
‫ِ‬
‫فإن المعتقد ك َّلما َّ‬
‫صح معرف ًة‬ ‫السلوك؛ َّ‬
‫االعتقاد على استقامة العمل وصالح ُّ‬
‫باهلل ‪ ،E‬وإيمانًا به‪ ،‬وأوصافه العظيمة‪ ،‬وصفاته الجليلة؛ كان يف ذلك‬
‫ً‬
‫امتثال ألمره واجتنا ًبا لنهيه‬ ‫الر ِّب‬
‫أكرب معونة للعبد على إقامة نفسه على طاعة َّ‬
‫‪.E‬‬

‫َ‬
‫نصف جمل آية الكرسي‪ ،‬وهي‬ ‫خمس جمل؛‬
‫َ‬ ‫وقد انتظم هذا الحديث‬
‫ُج َم ٌل َّ‬
‫تام ٌة وافي ٌة بالتَّعريف باهلل ‪:E‬‬

‫الجملة األولى‪ :‬قوله ‪« :O‬إِ َّن اهللَ ‪َ D‬ل َينَا ُم»؛ أي‪ :‬أنَّه ‪E‬‬

‫للراحة‬
‫محتاج َّ‬
‫ٌ‬ ‫نقص‪ ،‬وإنَّما ينام َمن هو‬ ‫ُمن ََّز ٌه عن النَّوم وعن مقدِّ ماته؛ َّ‬
‫ألن النَّوم ٌ‬
‫فإن َمن نام ُ‬
‫يقول‬ ‫والخالص من العناء والتَّعب‪ ،‬والنَّو ُم موت ٌة صغرى؛ ولهذا َّ‬
‫«الح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعدَ َما َأ َما َتنَا»‪ ،‬وهو ٌ‬
‫دليل على‬ ‫بعد قيامه من نومه‪َ :‬‬
‫غني‬
‫نقص هذا اإلنسان‪ ،‬وضعفه‪ ،‬وفقره‪ ،‬وحاجته‪ ،‬وأ َّما اهلل ‪E‬؛ فإنَّه ٌّ‬
‫نقص ‪.E‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِغنًى ذات ًّيا من ِّ‬
‫كل وجه‪ ،‬وال يلحقه يف شيء من صفاته َّ‬
‫حياة اهلل ‪،E‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كمال‬ ‫إثبات‬
‫ُ‬ ‫ويف قول النَّبِ ِّي ﷺ عن اهلل َ‬
‫«ل َينَا ُم»‪:‬‬
‫الكرسي ‪-‬أعظم آية يف‬ ‫كمال ق ُّيوم َّيته ‪D‬؛ ولهذا قال اهلل يف آية‬ ‫ِ‬ ‫وإثبات‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫القرآن‪﴿ :-‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [البقرة‪.]255 :‬‬

‫والسنَة‪ :‬هي بدايات النَّوم ومقدِّ ماته ‪-‬وهو النُّعاس‪ ،-‬واهلل ُمن ََّز ٌه عن ذلك‬
‫ِّ‬
‫الحي الحياة الكاملة ا َّلتِي لم يسبقها‬
‫ُّ‬ ‫ك ِّله؛ لكمال حياته‪ ،‬وكمال ق ُّيوم َّيته؛ فهو‬
‫عدم‪ ،‬وال يلحقها فناء‪ ،‬وال يعرتيها نقص‪ ،‬وال تلحقها آفة من اآلفات‪.‬‬

‫والق ُّيوم‪ :‬أي القائم بنفسه‪ ،‬المقيم لخلقه ‪.E‬‬


‫(‪ )8‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام»‬
‫‪71‬‬

‫العبوديات‬
‫َّ‬ ‫وهذه المعرفة باهلل ‪ E‬تدعو العبد إلى أنواع كثيرة من‬
‫وحسن اإلقبال على اهلل‪:‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬التَّوكُّل‪ ،‬وتفويض األمور إليه‪﴿ ،‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾‬


‫[الفرقان‪.]58 :‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬المراقبة‪ ،‬وإصالح العمل؛ َّ‬


‫ألن الدَّ َّيان ال ينام‪ ،‬قال أبو الدَّ رداء‬
‫شئت؛ كما‬ ‫‪« :I‬البِ ُّر ال يبلى‪ ،‬واإلثم ال ُي َ‬
‫نسى‪ ،‬والدَّ َّيان ال ينام؛ فكن كما َ‬
‫تدين تدان»(‪ ،)1‬والدَّ َّيان‪ :‬هو المجازي المحاسب‪ ،‬وهو شهيد‪ ،‬رقيب‪ ،‬عليم‪،‬‬
‫خبير‪ ،‬م َّطلع على العباد يف ِّ‬
‫كل وقت وحين‪.‬‬

‫«و َل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َم»؛ أي‪ :‬كما َّ‬


‫َّ‬
‫أن النَّوم ال‬ ‫الجملة الثانية‪ :‬قوله ﷺ‪َ :‬‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬
‫ومستحيل؛ َّ‬ ‫ممتنع‬
‫ٌ‬ ‫أيضا يف ح ِّقه‬
‫والر ُّب ‪ُ E‬من ََّز ٌه عنه؛ فهو ً‬
‫يقع َّ‬
‫ُ‬
‫أيضا‬
‫كلمة‪« :‬ال ينبغي» كما أنَّها تأيت يف الممنوع والمحظور شر ًعا؛ فإنَّها تأيت ً‬
‫يف الممتنع المستحيل؛ كقول اهلل ‪ E‬يف أواخر سورة مريم‪﴿ :‬ﯨ ﯩ‬
‫ممتنع يف ح ِّقه‪ ،‬ومِث ُل ُه قول نب ِّينا‬
‫ٌ‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [مريم‪]92 :‬؛ أي‪ :‬هذا‬
‫ممتنع يف‬
‫ٌ‬ ‫أن هذا‬ ‫«و َل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َم»؛ أي‪َّ :‬‬
‫‪ O‬يف هذا الحديث‪َ :‬‬
‫األول يف هذه المعرفة العظيمة باهلل‬
‫حق اهلل ‪E‬؛ ففيه تأكيدٌ للمعنى َّ‬
‫ِّ‬
‫‪َّ ،E‬‬
‫وأن الواجب على العباد أن يعرفوا ر َّبهم ‪ E‬أنَّه ال ينام‪ ،‬وال‬
‫وممتنع يف ح ِّقه‪ ،‬وهو ُمن ََّز ٌه عن ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫مستحيل‬ ‫ينبغي أن ينام؛ فالنَّوم‬

‫«يخْ ِف ُض ا ْل ِق ْس َط َو َي ْر َف ُع ُه»؛ وهذه الجملة‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ﷺ‬ ‫ي‬
‫ِّ‬ ‫ب‬‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫قول‬ ‫الثة‪:‬‬ ‫الث‬ ‫الجملة‬

‫«الزهد» (‪.)769‬‬
‫((( أخرجه اإلمام أحمد يف ُّ‬
‫(‪ )8‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام»‬
‫‪73‬‬

‫«ي ْر َف ُع إِ َل ْي ِه َع َم ُل ال َّل ْي ِل َق ْب َل َع َم ِل‬


‫الجملة الر ابعة‪ :‬قوله ‪ُ :O‬‬
‫َّ‬

‫الرفع إنَّما يكون إلى أعلى‪ ،‬وفيه‬ ‫ألن َّ‬ ‫ار‪َ ،‬و َع َم ُل الن ََّه ِ‬
‫ار َق ْب َل َع َم ِل ال َّل ْي ِل»؛ َّ‬ ‫الن ََّه ِ‬

‫عرض األعمال على اهلل ‪ ،E‬أعمال النَّهار ُتر َفع إلى اهلل و ُت َ‬
‫عرض عليه‬ ‫ْ‬
‫ومما ُي َو ِّضح‬ ‫قبل ال َّليل‪ ،‬وأعمال ال َّليل ُتر َفع إلى اهلل و ُت َ‬
‫عرض عليه قبل النَّهار‪َّ ،‬‬
‫«الصحيحين» عن نب ِّينا ‪O‬‬
‫هذا المعنى يف هذا الحديث‪ :‬ما جاء يف َّ‬
‫ون فِي َص َل ِة‬ ‫ار‪َ ،‬و َي ْجت َِم ُع َ‬
‫ون فِيك ُْم َم َلئِ َك ٌة بِال َّل ْي ِل َو َم َلئِ َك ٌة بِالن ََّه ِ‬
‫«ي َت َعا َق ُب َ‬
‫أنَّه قال‪َ :‬‬
‫ي إِ َلى اهللِ‪َ -‬ف َي ْس َأ ُل ُه ْم َو ُه َو‬ ‫ين َباتُوا فِيك ُْم َ‬
‫‪-‬أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َف ْجرِ َو َص َلة ال َع ْصرِ‪ُ ،‬ث َّم َي ْع ُر ُج ا َّلذ َ‬
‫ف تَر ْكتُم ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫َاه ْم‬ ‫ادي؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪ :‬ت ََر ْكن ُ‬ ‫َأ ْع َل ُم ‪ E‬بِ ِه ْم َو َأ ْع َل ُم من ُْه ْم‪َ :‬ك ْي َ َ ْ َ‬
‫ون»(‪.)1‬‬ ‫ون‪َ ،‬و َأ َت ْين ُ‬
‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬ ‫َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬

‫أمسيت ال‬
‫َ‬ ‫وهذا يدعو العبد إلى اإلصالح من شأن نفسه وأعماله؛ فإذا‬
‫ِ‬
‫تنتظر المساء‪ ،‬وكن مسار ًعا يف العمل ومساب ًقا‬ ‫أصبحت ال‬
‫َ‬ ‫الصباح‪ ،‬وإذا‬ ‫ِ‬
‫تنتظر َّ‬
‫ألن عمل ال َّليل ُير َفع قبل النَّهار‪ ،‬وعمل النَّهار ُير َفع قبل ال َّليل؛‬
‫إلى الخيرات؛ َّ‬
‫ترفعه المالئكة‪.‬‬

‫ت‬‫ُّور؛ َل ْو ك ََش َف ُه َلَ ْح َر َق ْ‬ ‫ِ‬


‫الجملة الخامسة‪ :‬قوله ‪« :O‬ح َجا ُب ُه الن ُ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه ِم ْن َخ ْل ِق ِه»؛ وهذا فيه إثبات الوجه صف ًة هلل‪،‬‬
‫ُس ُب َح ُ‬
‫الس ُبحات للوجه صف ًة للوجه‪ُ ،‬‬
‫وس ُبحات‬ ‫وإثبات البصر صف ًة هلل ‪ ،D‬وإثبات ُّ‬
‫الوجه‪ :‬أي هباؤه وجما ُله‪.‬‬

‫ُّور»؛ َّ‬
‫والضمير عائد إلى اهلل‪ ،‬وهذا فيه إثبات الحجاب‬ ‫ِ‬
‫قال‪« :‬ح َجا ُب ُه الن ُ‬
‫البخاري (‪ ،)555‬ومسلم (‪.)632‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪74‬‬

‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه‬ ‫وذكر الحكمة منه؛ قال‪َ « :‬ل ْو ك ََش َف ُه َلَ ْح َر َق ْ‬
‫ت ُس ُب َح ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫والسفل َّية؛‬‫محيط بجميع المخلوقات ال ُع ْلو َّية ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫م ْن َخ ْلقه»‪ ،‬وبصره ‪E‬‬

‫فلي؛ لكن حجابه النُّور‪.‬‬


‫والس َّ‬
‫لوي ُّ‬
‫فلو كُشف الحجاب ألحرق العالم ال ُع َّ‬

‫وقو ًة أكمل من هذه الحياة؛‬


‫ويوم القيامة يعطي سبحانه المؤمنين حيا ًة َّ‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ‬
‫يتم َّكنون هبا من نيل شرف رؤية اهلل؛ ولهذا جاء يف صحيح مسلم َّ‬
‫َ‬
‫ون َش ْيئًا َأ ِزيدُ ك ُْم؟»‬
‫ول اهللُ ‪ُ « :F‬ترِيدُ َ‬ ‫قال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ ْه ُل ا ْل َجن َِّة ا ْل َجنَّةَ؛ َي ُق ُ‬
‫وهنَا؟ َأ َل ْم تُدْ ِخ ْلنَا ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬و ُتن َِّجنَا ِم َن الن ِ‬
‫َّار؟ َق َال‪:‬‬ ‫ون‪َ :‬أ َل ْم ُت َب ِّي ْض ُو ُج َ‬ ‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫ب إِ َل ْي ِه ْم ِم َن النَّ َظرِ إِ َلى َر ِّب ِه ْم ‪.)1(»D‬‬
‫اب‪َ ،‬ف َما ُأ ْع ُطوا َش ْيئًا َأ َح َّ‬
‫َفيك ِْش ُ ِ‬
‫ف ا ْلح َج َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫جليل القدر‪ ،‬كبير الفائدة‪ ،‬ينبغي على‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫أن هذا‬
‫ً‬
‫عمل رشيدً ا‪ ،‬وطاعة زاكية‪،‬‬ ‫صحيحا؛ يثمر‬
‫ً‬ ‫فهما‬
‫المسلم أن ُيعنى بفهمه ً‬
‫تقر ٍ‬
‫ب هلل سبحانه‪.‬‬ ‫وحس َن ُّ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)181‬‬


‫امسا»‬ ‫(‪ )9‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعني ً‬
‫‪75‬‬

‫‪9‬‬

‫امسا»‬ ‫حديث‪َّ :‬‬


‫«إن هلل تسعة وتسعني ً‬

‫ين ْاس ًما؛ ِما َئ ًة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن لله ت ْس َع ًة َوت ْسع َ‬
‫ِ‬
‫إِ َّل َواحدً ا؛ َم ْن َأ ْح َص َ‬
‫اها َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ»(‪.)1‬‬

‫الرفيعة‪ :‬معرف َة َّ‬


‫الر ِّب‬ ‫إن من مقامات الدِّ ين العظيمة‪ ،‬ومنازله العالية َّ‬
‫َّ‬
‫تعرف‬
‫العظيم‪ ،‬والخالق الجليل؛ بمعرفة أسمائه الحسنى‪ ،‬وصفاته ال ُعال‪ ،‬وما َّ‬
‫أساس من أسس الدِّ ين‬
‫ٌ‬ ‫وسنَّة رسوله ﷺ‪ ،‬بل َّ‬
‫إن هذا‬ ‫به إلى عباده يف كتابه‪ُ ،‬‬
‫وأساسه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأصل من أصول اإليمان المتينة‪ ،‬وقِوام االعتقاد وأص ُله‬
‫ٌ‬ ‫العظيمة‪،‬‬

‫وحينما يعرف المخلوق خالقه‪ ،‬ور َّبه‪ ،‬وس ِّيده‪ ،‬وبارئه‪ ،‬ومواله؛ فيت َع َّرف‬
‫على عظمته‪ ،‬وجالله‪ ،‬وجماله‪ ،‬وكربيائه‪ ،‬ويت َع َّرف على أسمائه الحسنى‪،‬‬
‫وسنَّة رسوله ﷺ؛ ُي َح ِّقق بذلك إيمانه‪.‬‬
‫وصفاته ال ُعال يف ضوء كتاب اهلل‪ُ ،‬‬
‫ونصوص متضافرة‪ ،‬فيها الدَّ عوة إلى معرفة اهلل‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫آيات متكاثرة‪،‬‬
‫ويف القران ٌ‬
‫ومعرفة أسمائه الحسنى‪ ،‬وصفاته ال ُعال‪ ،‬وبيان ما يرت َّتب على هذه المعرفة من‬
‫الرشيدة‪ ،‬والمآالت ال َّ‬
‫ط ِّيبة؛ يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭳ‬ ‫اآلثار الحميدة‪ ،‬والعواقب َّ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾‬

‫البخاري (‪ ،)2736‬ومسلم (‪.)2677‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫امسا»‬ ‫(‪ )9‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعني ً‬
‫‪77‬‬

‫والسعي يف‬ ‫ِ‬


‫يحرك يف النَّفس الجدَّ يف نيل هذا المطلب العظيم‪َّ ،‬‬
‫أسماء اهلل؛ ِّ‬
‫تكميله‪ ،‬والحرص َّ‬
‫الشديد على تحقيقه‪.‬‬

‫ولقد ن َّبه العلماء ‪ :X‬أنَّه ليس المرا ُد بإحصاء أسماء اهلل عَدَّ حروفها‬
‫ٍ‬
‫فقط‪ ،‬بال فقه لها أو عم ٍل هبا؛ بل ال بدَّ يف ذلك من فهم معناها والمراد هبا ً‬
‫فهما‬
‫ثم العمل بما تقتضيه‪.‬‬
‫سليما‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫صحيحا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫المعرفة بأسماء اهلل تعالى‬ ‫لمنكي ‪« :V‬من تما ِم‬ ‫قال أبو عمر ال ّط‬
‫ُّ‬
‫يستحق هبا الدَّ اعي والحافظ ما قال رسول اهلل ﷺ‪ :‬المعرفة‬
‫ُّ‬ ‫وصفاتِه ا َّلتِي‬
‫تتضمن من الفوائد‪ ،‬وما ُّ‬
‫تدل عليه من الحقائق‪ ،‬و َمن‬ ‫َّ‬ ‫والصفات وما‬
‫باألسماء ِّ‬
‫عالما لمعاين األسماء‪ ،‬وال مستفيدً ا بذكرها ما ُّ‬
‫تدل عليه‬ ‫لم يعلم ذلك؛ لم يكن ً‬
‫من المعاين»(‪.)1‬‬

‫أن تمام المعرفة باألسماء الحسنى‪ ،‬وا َّلتِي ينال الدَّ اعي هبا‬
‫فن َّبه ‪ V‬إلى َّ‬
‫هلل هبا هذا ال َّثواب العظيم الوارد يف الحديث‪ :‬إنَّما يكون بالمعرفة باألسماء‪،‬‬
‫تدل عليه من الحقائق‪ ،‬ال عدُّ ها فقط دون ٍ‬
‫فهم‬ ‫تتضمنه من الفوائد‪ ،‬وما ُّ‬
‫َّ‬ ‫وبما‬
‫لها‪ ،‬أو علم بما ُّ‬
‫تدل عليه‪.‬‬

‫مراتب‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫أن إلحصاء أسماء اهلل الحسنى‬
‫وذكر ابن الق ِّيم ‪َّ V‬‬
‫ثواب اهلل العظيم المذكور يف حديث رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫بتكميلها وتحقيقها ينال العبدُ‬
‫ﷺ المتقدِّ م‪:‬‬

‫املرتبة األولى‪ :‬إحصاء ألفاظها وعددها‪.‬‬

‫سعدي (ص‪.)26‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬التَّوضيح والبيان البن‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪78‬‬
‫َّ‬
‫املرتبة الثانية‪ :‬فهم معانيها ومدلوالهتا‪.‬‬
‫َّ‬
‫املرتبة الثالثة‪ :‬دعاء اهلل هبا‪ ،‬وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة‪.‬‬

‫فبتحقيق هذه المراتب ال َّثالثة العظيمة يكون اإلحصاء َّ‬


‫الصحيح لهذا‬
‫القدر من أسماء اهلل الحسنى‪.‬‬

‫أصل‬ ‫«لما كان هذا النَّوع هو ُ‬ ‫عدي ‪َّ :V‬‬ ‫الس ُّ‬ ‫الرحمن ِّ‬ ‫الشيخ عبد َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الصحيح‪« :‬إِ َّن‬
‫وأعظمه وأج ُّله؛ قال النَّبِ ُّي ﷺ يف الحديث َّ‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان بالغيب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الجنَّةَ»؛ أي‪َ :‬ض َب َط‬ ‫ين ْاس ًما‪ ،‬م َئ ًة إِ َّل َواحدً ا‪َ ،‬م ْن َأ ْح َص َ‬
‫اها َد َخ َل َ‬ ‫هلل ت ْس َع ًة َوت ْسع َ‬
‫وتقرب بمعرفتها‬ ‫ألفاظها‪ ،‬وأحصى معانيها‪ ،‬وتع َّقلها يف قلبه‪ ،‬وتع َّبد اهلل هبا‪َّ ،‬‬
‫رب العالمين»(‪.)1‬‬
‫إلى ِّ‬
‫فإن من أنفع ما يكون للعبد يف هذا الباب‪ :‬مطالع ُة ُمقت ََض َيات‬ ‫وعليه؛ َّ‬
‫اسم من أسماء اهلل الحسنى‬ ‫كل ٍ‬ ‫األسماء الحسنى‪ ،‬والتَّأ ُّمل يف موج َباتِها؛ َّ‬
‫فإن َّ‬
‫آثاره من الخلق والتَّكوين‪.‬‬
‫يقتضي َ‬
‫مهم ًل مع َّط ًل‪ ،‬ال‬ ‫فاسمه «الحميد المجيد»‪ :‬يمنع َ‬
‫ترك اإلنسان سدً ى َ‬
‫ُيؤمر وال ُي َنهى‪ ،‬وال ُيثاب وال ُيعاقب‪ ،‬وكذلك اسمه «الحكيم»‪ :‬يأبى ذلك‪،‬‬
‫«الحي»‪ :‬يمنع أن يكون ُمع َّط ًل من الفعل‪ ،‬بل‬
‫ُّ‬ ‫وكذلك اسمه «الملك»‪ ،‬واسمه‬
‫حي ف َّعال‪ ،‬وكونه سبحانه خال ًقا ق ُّيو ًما من ُموج َبات‬ ‫ُ ُّ‬
‫حقيقة الحياة الفعل‪ ،‬فكل ٍّ‬
‫حياته و ُم ْقت ََض َياهتا‪ ،‬واسمه َّ‬
‫«السميع البصير»‪ :‬يوجب مسمو ًعا و َمرئ ًّيا‪ ،‬واسمه‬
‫«الخالق»‪ :‬يقتضي مخلو ًقا‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫«الرزَّاق»‪ ،‬واسمه «الملك»‪ :‬يقتضي مملكةً‪،‬‬

‫سعدي (ص‪.)26‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬التَّوضيح والبيان البن‬
‫امسا»‬ ‫(‪ )9‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعني ً‬
‫‪79‬‬

‫ً‬
‫وعدل‪ ،‬وثوا ًبا‪ ،‬وعقا ًبا‪ ،‬واسم‬ ‫وتدبيرا‪ ،‬وإعطا ًء‪ ،‬ومن ًعا‪ ،‬وإحسانًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتصر ًفا‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وموج َباتِها‪ ،‬واسم‬
‫َ‬ ‫آثارها‬
‫«ال َب ُّر المحسن المعطي المنَّان» ونحوها‪ :‬تقتضي َ‬
‫«الغ َّفار الت ََّّواب الع ُف ُّو»‪ :‬يقتضي وجو َد جناية من األمم ُتغ َفر‪ ،‬وتوب ًة ُتق َبل‪،‬‬
‫وذنوبا ُيع َفى عنها‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫الشأن يف جميع أسمائه الحسنى‪.‬‬

‫والصفات يف األمر والعالم؛ هداه إلى‬


‫ومن تأ َّمل يف سريان آثار األسماء ِّ‬
‫الر ِّب سبحانه يف أسمائه الحسنى‪ ،‬وصفاته العليا‪ ،‬وأفعاله‬
‫اإليمان بكمال َّ‬
‫واآليات‬
‫ُ‬ ‫الحميدة‪ ،‬وأنَّه سبحانه له يف ِّ‬
‫كل ما قضاه وقدَّ ره الحكم ُة البالغةُ‪،‬‬
‫َّعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته‪ ،‬واستدعا ُء مح َّبتهم له وذكرهم‬
‫الباهرةُ‪ ،‬والت ُّ‬
‫ِ‬
‫وشكرهم له‪ ،‬وتع ُّبدهم له بأسمائه الحسنى‪.‬‬ ‫له‪،‬‬

‫وحال‪ ،‬وال يتح َّقق شي ٌء من‬


‫ً‬ ‫علما ومعرف ًة‬
‫َص به ً‬ ‫فكل ٍ‬
‫اسم له تع ُّبدٌ ُمخت ٌّ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫وأكمل النَّاس‬ ‫اسم وما يقتضيه‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫هذا َّإل بمثل هذا النَّظر والتَّد ُّبر النَّافع يف ِّ‬
‫والصفات‪ ،‬ا َّلتي ي َّطلِ ُع عليها البشر‪ ،‬فال‬
‫ِّ‬ ‫المتع ِّبد بجميع األسماء‬ ‫عبود َّيةً‪ُ :‬‬
‫كمن يحجبه التَّع ُّبد باسمه القدير‬ ‫اسم عن عبود َّي ِة ٍ‬
‫اسم آخر؛ َ‬ ‫تحج ُبه عبود َّي ُة ٍ‬
‫ُ‬
‫اسمه المعطي عن عبود َّية‬ ‫عن التَّعبد باسمه الحليم الرحيم‪ ،‬أو يحجبه عبودية ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫اسمه المانع‪ ،‬أو التَّع ُّبد بأسماء التَّو ُّدد والبِ ِّر وال ُّلطف واإلحسان عن أسماء‬
‫العدل والجربوت والعظمة والكربياء ونحو ذلك‪.‬‬

‫السائرين إلى اهلل‪ ،‬وهي طريقة ُمشت َّقة من القرآن‬


‫وهذه طريقة الك َُّمل من َّ‬
‫الكريم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [األعراف‪ ،]180 :‬والدُّ عاء‬
‫هبا يتناول دعا َء المسألة‪ ،‬ودعا َء ال َّثناء‪ ،‬ودعا َء التَّع ُّبد‪ ،‬وهو سبحانه يدعو عباده‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪80‬‬

‫إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته‪ ،‬و ُيثنُوا عليه هبا‪ ،‬ويأخذوا بح ِّظهم من عبود َّيتها‪،‬‬
‫ظهور آثارها يف خلقه؛ َّ‬
‫فإن ذلك من‬ ‫َ‬ ‫ويحب‬
‫ُّ‬ ‫يحب أسماءه وصفاته‪،‬‬
‫وهو ‪ُّ C‬‬
‫َّبصر بأسمائه وصفاته‪.‬‬
‫لوازم كماله‪ ،‬وفتح سبحانه لعباده أبواب معرفته‪ ،‬والت ُّ‬

‫خاص ٌة هي من‬
‫وكل صفة من صفاته له عبود َّي ٌة َّ‬ ‫وكل ٍ‬
‫اسم من أسماء اهلل َّ‬ ‫ُّ‬
‫ُمقت ََض َياتِها‪ ،‬ومن موجبات العلم هبا‪ ،‬والتَّح ُّقق بمعرفتها‪ ،‬وهذا ُم َّط ِر ٌد يف جميع‬
‫بتفرد‬
‫أن العبد إذا علم ُّ‬ ‫أنواع العبود َّية ا َّلتي على القلب والجوارح‪ ،‬وبيان ذلك‪َّ :‬‬
‫والرزق‪ ،‬واإلحياء‪،‬‬
‫بالض ِّر‪ ،‬والنَّفع‪ ،‬والعطاء‪ ،‬والمنع‪ ،‬والخلق‪ِّ ،‬‬
‫الر ِّب تعالى ُّ‬
‫َّ‬
‫يثمر له عبود َّي َة التَّوكُّل على اهلل باطنًا‪ ،‬ولوازم التَّوكُّل‬ ‫واإلماتة؛ َّ‬
‫فإن ذلك ُ‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وثمراته‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬


‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ ُّ‬
‫[الشعراء‪:‬‬ ‫ﭲ ﭳ﴾ [الفرقان‪ ،]58 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫‪ ،]217‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [المزمل‪،]9 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [النِّساء‪.]81 :‬‬

‫ذرة يف‬ ‫ُ‬


‫مثقال َّ‬ ‫عليم‪ ،‬ال يخفى عليه‬
‫ٌ‬ ‫بصير‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫وإذا علم العبد َّ‬
‫بأن اهلل‬
‫الس َّر وأخفى‪ ،‬ويعلم خائن َة األعين وما ُتخفي‬
‫السموات واألرض‪ ،‬وأنَّه يعلم ِّ‬‫َّ‬
‫فمن‬ ‫ٍ‬ ‫علما‪ ،‬وأحصى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصدور‪ ،‬وأنَّه ‪ F‬أحاط ِّ‬
‫كل شيء عد ًدا؛ َ‬ ‫بكل شيء ً‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫حفظ ال ِّلسان‪،‬‬ ‫يثمر له‬ ‫علم با ِّطالع اهلل عليه ورؤيته له وإحاطته به؛ َّ‬
‫فإن ذلك ُ‬
‫وج ْع َل تع ُّلقات هذه‬ ‫والجوارح‪ ،‬وخطرات القلب؛ عن ِّ‬
‫كل ما ال ُيرضي اهلل‪َ ،‬‬
‫األعضاء بما يح ُّبه اهلل ويرضاه‪.‬‬
‫امسا»‬ ‫(‪ )9‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعني ً‬
‫‪81‬‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [العلق‪ ،]14 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙﮚ ﮛ‬


‫ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [الحجرات‪ ،]1 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬
‫[ ُف ِّصلت‪ ،]40 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]235‬فال ريب َّ‬
‫أن هذا العلم يورث يف العبد خشية اهلل‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬واإلقبال‬
‫على طاعته‪ ،‬والبعد عن مناهيه‪.‬‬

‫رحيم‪ ،‬واسع اإلحسان‪ ،‬وأنَّه ‪F‬‬


‫ٌ‬ ‫كريم‪َ ،‬ب ٌّر‬ ‫وإذا علم العبد َّ‬
‫بأن اهلل غني ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫رحيم هبم‪ ،‬يريد هبم الخير‪ ،‬ويكشف‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬مع غناه عن عباده‪ -‬فهو محس ٌن إليهم‪،‬‬
‫مضر ٍة؛ بل رحم ًة منه‬
‫َّ‬ ‫منفعة إليه من العبد‪ ،‬وال لدفع‬ ‫ٍ‬ ‫الضر‪ ،‬ال لجلب‬
‫َّ‬ ‫عنهم‬
‫ليعتز هبم من‬
‫َّ‬ ‫وإحسانًا؛ فهو سبحانه لم يخلق َخ ْلقه ليتك َّثر هبم من ق َّلة‪ ،‬وال‬
‫ذ َّلة‪ ،‬وال ليرزقوه‪ ،‬وال لينفعوه‪ ،‬وال ليدفعوا عنه؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫[الذاريات‪ ،]58 - 56 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ َّ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ﴾ [اإلسراء‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫‪ ،]111‬وقال تعالى فيما رواه عنه رسوله ﷺ‪« :‬يا ع َبادي! إِ َّنك ُْم َل ْن َت ْب ُلغُوا ِّ‬
‫ضري‬
‫فت َُض ُّرونِي‪ ،‬و َل ْن َت ْب ُلغُوا َن ْف ِعي َف َتنْ َف ُعونِي»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫وإنزال‬ ‫قو َة رجائه باهلل‪ ،‬وطم َعه فيما عنده‪،‬‬
‫فإذا علم العبد ذلك‪ :‬أثمر فيه َّ‬
‫وإظهار افتقاره إليه‪ ،‬واحتياجه له ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫َ‬ ‫جميع حوائجه به‪،‬‬
‫ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [فاطر‪ ،]15 :‬والرجاء ي ِ‬
‫ثم ُر أنواع العبود َّية ال َّظاهرة‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫والباطنة؛ بحسب معرفة العبد وعلمه‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2577‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪82‬‬
‫أن العبودية بجميع أنواعها راجع ٌة إلى مقت ََضي ِ‬
‫ات األسماء‬ ‫وهبذا ُيع َلم َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ف أسماءه‬ ‫ف ر َّبه‪ِ ،‬‬
‫ويعر َ‬ ‫مسلم أن ِ‬
‫يعر َ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫عبد‬ ‫والصفات؛ ولهذا فإنَّه يتأكَّد على ِّ‬‫ِّ‬
‫وآثارها‪ ،‬وموجبات‬
‫َ‬ ‫تضمنتْه‬
‫َّ‬ ‫وصفاته؛ معرف ًة صحيح ًة سليمةً‪ ،‬وأن يعلم ما‬
‫ويكم ُل نصيبه من الخير‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العلم هبا؛ فبهذا ي ْع ُظم ُّ‬
‫حظ العبد‪،‬‬
‫(‪ )10‬حديث‪«:‬أتدري ما ُّ‬
‫حق اهلل على العباد؟»‬
‫‪83‬‬

‫‪10‬‬

‫حديث‪« :‬أتدري ما ُّ‬


‫حق اهلل على العباد؟»‬

‫ف النَّبِي ﷺ َع َلى ِح َم ٍ‬
‫ار ُي َق ُال َل ُه‪ُ :‬ع َف ْي ٌر‪،‬‬ ‫اذ ‪َ I‬ق َال‪ُ :‬كن ُْت ِر ْد َ‬ ‫َعن مع ٍ‬
‫ْ َُ‬
‫ِّ‬
‫اد َع َلى اهللِ؟» ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫اد ِه‪ ،‬وما ح ُّق ا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫َف َق َال‪« :‬يا معا ُذ! ه ْل تَدْ ِري ح َّق اهلل ِ ع َلى ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫اد‪َ :‬أ ْن َي ْع ُبدُ و ُه َو َل ُي ْشرِكُوا بِه‬ ‫اهَّلل ورسو ُله َأ ْع َلم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّن ح َّق اهلل ِ ع َلى ا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬
‫اد َع َلى اهللِ‪َ :‬أ ْن َل ُي َع ِّذ َب َم ْن َل ُي ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫َشيئًا‪ ،‬وح َّق ا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫«ل ُت َب ِّش ْر ُه ْم َف َيتَّكِ ُلوا»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل! َأ َف َل ُأ َب ِّش ُر بِه الن َ‬
‫َّاس؟ َق َال‪َ :‬‬

‫عظيم الشأن‪ ،‬وعليه مدار اإلسالم يف بيان أص ٍل من أصول‬


‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫هذا‬
‫ٍ‬
‫وأساس عليه مدار دين اهلل؛ أال وهو إفراد اهلل وحده بالعبادة‪ ،‬وهذا‬ ‫اإليمان‪،‬‬
‫حق اهلل سبحانه على عباده من َّأولهم إلى آخرهم؛ وألجله َخ َل َق ُ‬
‫اهلل الج َّن‬ ‫ُّ‬
‫[الذاريات‪،]56 :‬‬
‫واإلنس؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ َّ‬

‫وأعظمها وألز ُمها لصالح البشر َّية‪ ،‬وهو ا َّل ِذي‬


‫ُ‬ ‫وهو َّأو ُل الحقوق وآ َكدُ ها‬
‫الشرائع‪ ،‬وبوجوده صالح العباد‪ ،‬وبفقده يكون َّ‬
‫الش ُّر والفساد‪،‬‬ ‫ألجله شرعت َّ‬
‫الرسل‪ ،‬وغاية رسالتهم؛ كما قال ‪﴿ :F‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫وهو زبدة دعوة ُّ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [النَّحل‪ ،]36 :‬وقال‪﴿ :‬ﭑ‬

‫البخاري (‪ ،)2856‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)30‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )10‬حديث‪«:‬أتدري ما ُّ‬
‫حق اهلل على العباد؟»‬
‫‪85‬‬

‫وتكر ًما منه على عباده‪ ،‬وهذا فيه فضيلة التَّوحيد‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫تفض ًل‬
‫أوجبه اهلل على نفسه ُّ‬
‫وأن َمن ال يشرك باهلل شي ًئا ال ُي َع ِّذبه اهلل‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويأيت يف هذا المعنى أحاديث كثيرة؛ مثل قوله ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َح َّر َم َع َلى الن ِ‬
‫َّار‬
‫ك َو ْج َه اهَّلل ِ»‪.‬‬
‫َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َي ْبت َِغي بِ َذلِ َ‬

‫ض‬ ‫َّك َل ْو َأ َت ْيتَنِي بِ ُق َر ِ‬


‫اب األَ ْر ِ‬ ‫«يا ا ْب َن آ َد َم إِن َ‬
‫القدسي‪َ :‬‬ ‫وقول اهلل يف الحديث‬
‫ِّ‬
‫ُك بِ ُق َرابِ َها َمغ ِْف َرةً»(‪.)1‬‬ ‫َخ َط َايا ُث َّم َل ِقيتَنِي َل ت ُْشرِ ُك بِي َش ْيئًا؛ َلَ َت ْيت َ‬
‫ِ‬
‫فر ٌح للغاية؛ فمعاذ‬ ‫َّاس؟»‪ :‬هذه بشار ٌة عظيمةٌ‪ ،‬وأمر ُم ِ‬ ‫«أ َف َل ُأ َب ِّش ُر بِه الن َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫سره؛ استأذن من النَّبِ ِّي ﷺ أن‬ ‫ِ‬ ‫من صغار الصحابة‪ ،‬وبمجرد ْ ِ‬
‫أن َسم َع هذا ا َّلذي َّ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫يسره‪.‬‬ ‫ُي َب ِّشر به النَّاس‪ ،‬ويف هذا استحباب بشارة المسلم بما ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرحمة ا َّلتي َّ‬
‫تضمنتها‬ ‫«ل ُت َب ِّش ْر ُه ْم َف َيتَّك ُل ْوا»‪ :‬أي يتَّكلوا على الفضل َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫نوع من‬‫هذه البشارة العظيمة ا َّلتي ذكرها النَّبِ ُّي ‪ ،O‬ويحصل منهم ٌ‬
‫التَّراخي والفتور عن العمل‪ ،‬ويف رواية‪« :‬فأخ َبر هبا معا ٌذ عند موته تأ ُّث ًما»(‪)2‬؛‬
‫تحر ًجا من اإلثم‪.‬‬
‫أي‪ُّ :‬‬
‫خصه النَّبِي ‪O‬‬
‫ويف الحديث‪ :‬فقه معاذ ‪ ،I‬وفضيلته؛ حيث َّ‬
‫ُّ‬
‫هبذا األمر‪ ،‬وأخربه هبذا الخرب‪.‬‬
‫وقد تب َّين يف هذا الحديث‪ُ :‬‬
‫فضل التَّوحيد‪ ،‬ومكانته العظيمة‪ ،‬وما فيه من‬
‫الس ِّيئات‪ ،‬وهذا من بعض فضائله وآثاره‪.‬‬ ‫مغفرة ُّ‬
‫الذنوب وتكفير َّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٣٥٤٠‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫البخاري (‪ ،)128‬ومسلم (‪ ،)32‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪86‬‬

‫السبب األعظم لتفريج كربات الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ودفع‬


‫ومن فضائله‪ :‬أنَّه َّ‬
‫عقوباهتما‪.‬‬

‫أجل فوائده‪ :‬أنَّه يمنع الخلود يف النَّار إذا كان يف القلب منه أدنى مثقال‬
‫ومن ّ‬
‫ِ‬
‫ح َّب ٍة خردل‪ ،‬وأنَّه إذا ك َُم َل يف القلب يمنع دخول النَّار بال ُك ِّل َّية‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنَّه يحصل لصاحبه الهدى الكامل‪ ،‬واألمن التَّا ُّم يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬

‫السبب الوحيد لنيل رضا اهلل وثوابِه‪َّ ،‬‬


‫وأن أسعدَ النَّاس بشفاعة‬ ‫ومنها‪ :‬أنَّه َّ‬
‫خالصا من قلبه(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫محمد ﷺ َمن قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل‬
‫َّ‬
‫أن جميع األعمال واألقوال ال َّظاهرة والباطنة متو ِّقفة‬
‫ومن أعظم فضائله‪َّ :‬‬
‫يف قبولها‪ ،‬ويف كمالها‪ ،‬ويف تر ُّتب ال َّثواب عليها على التَّوحيد‪.‬‬

‫فك َّلما َق ِو َي التَّوحيد واإلخالص هلل؛ ك َُم َلت هذه األمور َّ‬
‫وتمت‪.‬‬

‫فعل الخير‪ ،‬و َت ْر َك المنكرات‪ ،‬ويس ِّليه‬


‫سه ُل على العبد َ‬
‫ومن فضائله‪ :‬أنه َي ُ‬
‫تخف عليه ال َّطاعات؛ ل ِ َما‬
‫ُّ‬ ‫عن المصيبات؛ فالمخلص هلل يف إيمانه وتوحيده‬
‫يرجو من ثواب ر ِّبه ورضوانه‪ ،‬ويهون عليه َت ْرك ما هتواه النَّفس من المعاصي؛‬
‫ل ِ َما يخشى من سخطه وعقابه‪.‬‬

‫أن التَّوحيد إذا ك َُم َل يف القلب َح َّبب اهلل لصاحبه اإليمان‪ ،‬وز َّينه يف‬
‫ومنها‪َّ :‬‬

‫وج َع َله من َّ‬


‫الراشدين‪.‬‬ ‫قلبه‪ ،‬وك ََّره إليه الكفر والفسوق والعصيان‪َ ،‬‬
‫«أس َعدُ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪ْ :‬‬ ‫البخاري (‪ )99‬من حديث أبي هريرة ‪َّ I‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرج‬
‫قال ال إ َل َه َّإل اهَّللُ‪ ،‬خالِ ًصا ِمن َق ْلبِ ِه»‪.‬‬
‫يام ِة‪َ ،‬من َ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس َ‬
‫بشفا َعتي َيو َم الق َ‬
‫(‪ )10‬حديث‪«:‬أتدري ما ُّ‬
‫حق اهلل على العباد؟»‬
‫‪87‬‬

‫ويهون عليه اآلالم؛ فبحسب تكميل‬ ‫ومنها‪ :‬أنَّه يخ ِّفف على العبد المكاره‪ِّ ،‬‬
‫ونفس مطمئن ٍَّة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫العبد للتَّوحيد واإليمان‪ :‬يتل َّقى المكاره واآلالم ٍ‬
‫بقلب منشرحٍ ‪،‬‬
‫ورضى بأقدار اهلل المؤلمة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وتسليم ً‬

‫رق المخلوقين‪ ،‬والتَّع ُّلق هبم‪،‬‬


‫يحرر العبد من ِّ‬
‫ومن أعظم فضائله‪ :‬أنَّه ِّ‬
‫والشرف‬ ‫الحقيقي‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫العز‬
‫وخوفهم‪ ،‬ورجائهم‪ ،‬والعمل ألجلهم‪ ،‬وهذا هو ُّ‬
‫العالي‪ ،‬ويكون مع ذلك متأ ِّل ًها متع ِّبدً ا هلل‪ ،‬ال يرجو سواه‪ ،‬وال يخشى َّإل إ َّياه‪،‬‬
‫يتم فالحه‪ ،‬ويتح َّقق نجاحه‪.‬‬ ‫وال ينيب َّإل إليه‪ ،‬وبذلك ُّ‬
‫َّ‬
‫تم‪ ،‬وك َُم َل يف القلب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫إذا‬ ‫َّوحيد‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫�شيء‪:‬‬ ‫فيها‬ ‫يلحقه‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ومن فضائله‬
‫كثيرا‪،‬‬ ‫ً‬
‫كامل باإلخالص التَّا ِّم؛ فإنَّه يص ِّير القليل من عمله ً‬ ‫وتح َّقق تح ُّق ًقا‬
‫ور َج َحت كلمة اإلخالص‬ ‫ٍ‬
‫حصر وال حساب‪َ ،‬‬ ‫ف أعما ُله وأقوا ُله بغير‬
‫و ُت َضا َع ُ‬
‫واألرض‪ ،‬و ُع َّم ُارها من جميع‬ ‫ُ‬ ‫ماوات‬
‫ُ‬ ‫الس‬‫يف ميزان العبد؛ بحيث ال تقابلها َّ‬
‫خلق اهلل؛ كما يف حديث البطاقة(‪ )1‬ا َّلتِي فيها‪« :‬ال إله َّإل اهلل» ا َّلتِي َو َزنَت تسع ًة‬
‫سجل َيب ُلغ مدَّ البصر؛ وذلك لكمال إخالص‬ ‫ٍّ‬ ‫الذنوب‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫وتسعين ِس ِ‬
‫ج ًّل من ُّ‬
‫ممن يقولها وال تبلغ هذا المبلغ؛ ألنَّه لم يكن يف قلبه من التَّوحيد‬ ‫قائلها‪ ،‬وكم َّ‬
‫مما قام بقلب هذا العبد‪.‬‬
‫قريب َّ‬ ‫ٌ‬ ‫واإلخالص الكامل مِ ْث ٌل وال‬
‫َّ‬
‫والعز‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫أن اهلل ت َك َّفل ألهله بالفتح والنَّصر يف الدُّ نيا‪،‬‬
‫التوحيد‪َّ :‬‬ ‫ومن فضائل‬
‫ِ‬ ‫َّيسير لليسرى‪ ،‬وإصالحِ األحوال‪ ،‬والت‬
‫َّسديد‬ ‫وحصول الهداية‪ ،‬والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫والش ِ‬
‫رف‪،‬‬ ‫َّ‬
‫يف األقوال واألفعال‪.‬‬

‫ِّرمذي (‪ )٢٦٣٩‬وال َّلفظ له‪ ،‬وأحمد (‪.)6994‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫املقدمة‬
‫‪89‬‬

‫غير مؤ ٍّد له كما‬ ‫ِ ِ‬ ‫الحق َّالذي ّ‬


‫فمن نظر في هذا ّ‬
‫لم اليقين أنَّه ُ‬
‫لربه عليه‪َ :‬عل َم ع َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العفو والمغفرة‪ ،‬وأنَّه إن ُأ َ‬
‫حيل على عمله ه َلك؛ فهذا‬ ‫ُ‬ ‫ينبغي‪ ،‬وأنَّه ال يس ُعه َّإل‬
‫محل نظر أهل المعرفة باهلل تعالى وبنفوسهم‪ ،‬وهذا ا َّل ِذي أيأسهم من أنفسهم‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫وع َّلق رجا َءهم ك َّله بعفو اهلل ورحمته‪.‬‬

‫لت حال أكثر النَّاس؛ وجد َتهم بضدِّ ذلك؛ ينظرون يف ح ِّقهم‬‫وإذا تأ َّم َ‬
‫ج َبت‬ ‫وح ِ‬
‫حق اهلل عليهم‪ ،‬ومن ههنا انقطعوا عن اهلل‪ُ ،‬‬
‫على اهلل وال ينظرون يف ِّ‬
‫قلوهبم عن معرفته‪ ،‬ومح َّبته‪َّ ،‬‬
‫والشوق إلى لقائه‪ ،‬والتَّن ُّعم بذكره‪ ،‬وهذا غاية‬
‫جهل اإلنسان بر ِّبه وبنفسه‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثم َن َظ ُر ُه هل قام‬
‫حق اهلل عليه َّأو ًل‪َّ ،‬‬
‫فمحاسبة النفس‪ :‬هو نظر العبد يف ِّ‬
‫الفكر يف ذلك؛ فإنَّه يس ِّير القلب إلى اهلل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأفضل الفكر‪:‬‬ ‫به كما ينبغي ثان ًيا؟‬
‫ِ‬
‫َسرا فيه ج ْب ُره‪ ،‬ومفتق ًرا َف ً‬
‫قرا فيه غناه‪،‬‬ ‫منكسرا ك ً‬
‫ً‬ ‫ويطرحه بين يديه ً‬
‫ذليل خاض ًعا‬
‫عزه‪ ،‬ولو عمل من األعمال ما عساه أن يعمل فإنَّه إذا فاته هذا؛‬ ‫وذليل ًّ‬
‫ذل فيه ُّ‬ ‫ً‬
‫فا َّل ِذي فاته من البِ ِّر أفضل من ا َّل ِذي أتى به»(‪.)1‬‬

‫((( «إغاثة ال َّلهفان يف مصائد َّ‬


‫الشيطان» (‪.)152-151/1‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪90‬‬

‫‪11‬‬

‫السماء»‬
‫حديث‪« :‬إذا قضى اهلل األمر يف َّ‬

‫عن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪ I‬قال‪ :‬إِ َّن َنبِ َّي اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َق َضى اهَّللُ ْالَ ْم َر فِي‬
‫ان‪،‬‬ ‫ت ا ْل َم َلئِ َك ُة بِ َأ ْجن ِ َحتِ ِها ُخ ْض َعانًا لِ َق ْولِ ِه‪ ،‬ك ََأ َّن ُه ِس ْل ِس َل ٌة َع َلى َص ْف َو ٍ‬
‫اء َضرب ِ‬
‫ََ‬
‫السم ِ‬
‫َّ َ‬
‫َفإِ َذا ُفز َِّع َع ْن ُق ُلوبِ ِه ْم َقا ُلوا‪َ :‬ما َذا َق َال َر ُّبك ُْم؟ َقا ُلوا لِ َّل ِذي َق َال‪ :‬ا ْل َح َّق‪َ ،‬و ُه َو ا ْل َع ِل ُّي‬
‫ا ْل َكبِ ُير»(‪.)1‬‬

‫عظيم من أحاديث اإليمان يف بيان َع َظ َم ِة اهلل وجالله؛ بِ ِذكر‬


‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫هذا‬
‫شأن مالئكته الكرام معه إذا تك َّلم سبحانه بالوحي‪ ،‬وأنَّهم مع ِع َظ ِم َخ ِ‬
‫لق ِهم‬
‫ُيص َع ُقون عند ذلك؛ ُخضعانًا لقوله‪.‬‬

‫ت ا ْل َم َلئِ َك ُة بِ َأ ْجن ِ َحتِ ِها ُخ ْض َعانًا‬


‫اء َضرب ِ‬
‫ََ‬
‫قوله‪« :‬إِ َذا َق َضى اهَّلل األَمر فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ َْ‬
‫شرعي‪:‬‬ ‫أو‬ ‫ي‬ ‫قضاء كونِ‬‫ٍ‬ ‫لِ َق ْولِ ِه»؛ أي‪ :‬إذا ت َك َّلم ‪ C‬باألمر ا َّل ِذي شاءه؛ من‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫الم َلئِ َك ُة بِ َأ ْجن ِ َحتِ َها ُخ ْض َعانًا لِ َق ْولِ ِه»؛ أي‪ :‬خاضع ًة ُمشفق ًة متذ ِّلل ًة من‬ ‫َ ِ‬
‫«ض َر َبت َ‬
‫خشية اهلل‪ ،‬وخو ًفا منه سبحانه؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬

‫ﯚ﴾ [النَّحل‪.]50 :‬‬

‫البخاري (‪.)4800‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫السماء»‬
‫(‪ )11‬حديث‪«:‬إذا قضى اهلل األمر يف َّ‬
‫‪91‬‬

‫‪-‬أيضا‪ -‬مقام رفيع يف العظمة؛ وهو أنَّه تعالى‬


‫قال ابن كثير ‪« :V‬وهذا ً‬
‫السماوات كال َمه؛ ْأرعَدُ وا من الهيبة حتَّى‬ ‫إذا ت َك َّلم بالوحي‪ ،‬فسمع ُ‬
‫أهل َّ‬
‫الغشي؛ قاله ابن مسعود ومسروق‪ ،‬وغيرهما»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫يلحقهم مثل‬

‫قال سبحانه‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ‬

‫ﭩ﴾ [سبأ‪ ]23 :‬أي‪ :‬حتَّى إذا زال الفزع‪ ،‬وذهب عن قلوب المالئكة‪ ،‬وأفاقوا‬
‫والصعق ا َّل ِذي حصل لهم؛ يسألون جربيل‪ :‬ماذا قال اهلل؟ فيقول‬
‫َّ‬ ‫الغشي‬
‫ِّ‬ ‫من‬
‫الحق‪.‬‬
‫لهم جربيل‪ :‬قال اهلل كذا وكذا؛ أي‪ :‬من ِّ‬
‫وينبغي أن ُيع َلم َّ‬
‫أن هذه اآلية جاءت يف مساق إبطال ِّ‬
‫الشرك‪ ،‬وإقامة‬
‫الرباهين على وجوب توحيد اهلل‪ ،‬وإخالص الدِّ ين له سبحانه؛ ولهذا‪َّ :‬‬
‫فإن من‬
‫السياق ا َّل ِذي وردت فيه‪ ،‬وقد قال اهلل ‪َ D‬قب َلها‪﴿ :‬ﯯ ﯰ‬
‫تمام فهمها؛ َف ْه ُم ِّ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [سبأ‪.]23-22 :‬‬

‫وو ِص َفت‬ ‫وقوله‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ فيه دليل َّ‬


‫أن المالئكة لهم قلوب‪ُ ،‬‬
‫قلو ُبهم بأنَّها ُت َصاب بالفزع‪ ،‬والفزع‪ :‬هو شدَّ ة الخوف‪ ،‬وإذا زال الفزع ا َّل ِذي‬
‫الغشي ا َّل ِذي أصاهبم؛ يكون‬
‫ِّ‬ ‫حصل لقلوهبم بسبب تك ُّلم اهلل باألمر‪ ،‬وأفاقوا من‬
‫ثم يب ِّل ُغه اهلل سبحانه ما يب ِّل ُغه من الوحي‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫َّأو ُل َمن يفيق‪ :‬جربيل ‪َّ ،S‬‬
‫يمر على مالئكة َّإل وسألوه‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ﴾‪.‬‬
‫ينزل به ‪S‬؛ فال ُّ‬
‫((( انظر‪ :‬تفسير القرآن العظيم (‪.)279/6‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪92‬‬

‫البي قال‪:‬‬ ‫سمعان الكِ‬


‫َ‬ ‫اس ِ‬
‫بن‬ ‫«السنَّة»(‪َ )1‬ع ِن الن ََّّو ِ‬
‫ِّ‬ ‫روى ابن أبي عاصم يف ُّ‬
‫وحي بِ َأمرٍ؛ َت َك َّلم بِا ْلوح ِي‪َ ،‬فإِ َذا َت َك َّلم َأ َخ َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫رسول اهَّلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ َرا َد اهَّللُ َأ ْن ُي َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫ك َأه ُل السماو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات‬ ‫َّ َ َ‬ ‫الس َم َاوات منْ ُه َر ْج َف ٌة م ْن َخ ْوف اهَّلل ‪َ ،D‬فإِ َذا َسم َع َذل َ ْ‬ ‫َّ‬
‫يل ‪َ ،S‬ف ُي َك ِّل ُم اهَّللُ‬ ‫ُص ِع ُقوا َو َخ ُّروا ُس َّجدً ا؛ َف َيك ُ‬
‫ُون َأ َّو َل َم ْن َي ْر َف ُع َر ْأ َس ُه ِج ْبرِ ُ‬
‫يل ع َلى ا ْلم َلئِك َِة ُك َّلما مر بِسم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َق َال َأ ْه ُل َها‪:‬‬ ‫َ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫م ْن َو ْحيه بِ َما َأ َرا َد‪َ ،‬ف َينْت َِهي بِه ِج ْبرِ ُ َ‬
‫يل‪َ ( :‬ق َال ا ْل َح َّق‪َ ،‬و ُه َو ا ْل َع ِل ُّي ا ْل َكبِ ُير)‪،‬‬ ‫ول ِج ْبرِ ُ‬ ‫(ما َذا َق َال َر ُّبنَا َيا ِج ْبرِيل؟)‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َ‬
‫ث َأ ْم َر ُه‬ ‫يل َح ْي ُ‬ ‫يل‪َ ،‬حتَّى َينْت َِه َي بِ ِه ْم ِج ْبرِ ُ‬ ‫ون ‪ُ -‬ك ُّل ُه ْم‪ِ -‬م ْث َل َما َق َال ِج ْبرِ ُ‬‫َق َال‪َ :‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫ض»‪.‬‬ ‫اء َواألَ ْر ِ‬ ‫اهَّلل ِمن السم ِ‬
‫ُ َ َّ َ‬
‫واإليمان بالمالئكة‪ٌ :‬‬
‫أصل من أصول اإليمان العظيمة‪ ،‬ويأيت يف القرآن يف‬
‫مواضع منه تاب ًعا لإليمان باهلل؛ كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫َ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬وقوله‪﴿ :‬ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة‪.]177 :‬‬

‫ِ‬
‫اهلل ‪ F‬ما‬
‫عصون َ‬
‫وجنْدٌ من ُجنوده‪ ،‬ال َي ُ‬ ‫خلق من خ ْل ِق اهلل ‪ُ ،D‬‬ ‫وهم ٌ‬
‫أ َم َرهم ويفعلون ما ُيؤ َمرون‪ ،‬ال َيع َل ُم عدَّ َتهم إلَّ ا َّل ِذي َخ َل َقهم سبحانه‪.‬‬

‫ويجب اإليمان هبم عمو ًما؛ بأسمائهم‪ ،‬ووظائفهم‪ ،‬وأوصافهم‪ ،‬وأعدادهم؛‬


‫وتفصيل فيما ُف ِّصل؛ بل اإليمان‬
‫ً‬ ‫إجمال فيما ُأ ِ‬
‫جم َل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫والسنَّة؛‬
‫الواردة يف الكتاب ُّ‬
‫وأصل من أصوله العظام‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫هبم رك ٌن من أركان اإليمان‪،‬‬
‫فمثل‪ :‬أسماء المالئكة؛ َلم يذكَر يف النُّصوص َّإل أسماء ِ‬
‫بعضهم؛ مثل‪:‬‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫السنَّة (‪.)515‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي عاصم يف ُّ‬
‫السماء»‬
‫(‪ )11‬حديث‪«:‬إذا قضى اهلل األمر يف َّ‬
‫‪93‬‬

‫جربيل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل‪ ،‬ومالك‪ ،‬و ُمن َكر‪ ،‬ونَكِير؛ فهذه األسما ُء التَّفصيل َّي ُة‬
‫ِ‬
‫تفصيل كما وردت‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫السنَّة‪ :‬نؤم ُن هبا‬
‫ور َد ْت يف ُّ‬ ‫ا َّلتي َ‬
‫ور َد ْت يف الكتاب‪ ،‬أو َ‬
‫أن هلل ‪ D‬مالئكة‪،‬‬ ‫إجمال؛ فنؤمن َّ‬
‫ً‬ ‫تفصيل‪ :‬نُؤم ُن به‬
‫ً‬ ‫ت من أسمائهم‬ ‫لم ْيأ ِ‬

‫اهلل أع َل ُم هبا‪ ،‬ونؤمن كذلك باألسماء ا َّلتِي تشملهم ك َّلهم؛ مثل‪:‬‬ ‫ولهم أسما ٌء ُ‬
‫المالئكة؛ وقد ورد هذا االسم يف القرآن يف ستِّين موض ًعا‪ ،‬والكرا ِم ال َب َر َرة‪،‬‬
‫المالئكة فيما يتع َّلق بأسمائهم‪:‬‬ ‫ً‬
‫تفصيل عن َ‬ ‫والس َف َرة‪ُّ ،‬‬
‫فكل ما جاء‬ ‫ور ُسل اهلل‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫نؤمن به‪.‬‬

‫فصل ًة‬
‫تفصيل بما جاءت به النُّصوص؛ ُم ِّ‬‫ً‬ ‫وأما أوصاف المالئكة‪ :‬فنُؤم ُن‬
‫َّ‬
‫ت من ال َّت َفاصيل يف أوصافهم‪ :‬نؤمن به‬ ‫يف ذكر أوصاف المالئكة‪ ،‬وما لم ي ْأ ِ‬
‫َ‬
‫كتاب وال سن ٍَّة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إجمال‪ ،‬وال نخوض يف تفاصيل ال َ‬
‫دليل عليها من‬ ‫ً‬

‫الصحيح‬ ‫ِ‬
‫الحديث َّ‬ ‫المالئكة َعلى َوجه التَّفصيل‪َ :‬ما َجاء يف َ‬ ‫َوم ْن أوصاف َ‬
‫من َح َم َل ِة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫«أ ِذ َن لِي َأ ْن ُأ َحدِّ َ‬ ‫َعن نب ِّينا ﷺ أنَّه قال‪ُ :‬‬
‫ث َع ْن َم َلك ْ‬
‫من َم َلئكَة اهلل ْ‬
‫ش؛ إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى َعاتِ ِق ِه َم ِس َير ُة َس ْب ِعمائ َِة َعام»‪.‬‬
‫ال َع ْر ِ‬

‫وش ْح َم ِة األ ُذ ِن‪َ ،‬و ِع َظ ِم الخلق‪.‬‬


‫َوهذا فيه إثبات ال َعاتِ ِق‪ ،‬واأل ُذ ِن َ‬
‫ِ‬
‫َّبي ﷺ أنَّه‬
‫كما يف الحديث َعن الن ِّ‬‫َوم ْن أوصافهم‪ :‬أنَّهم ُخلقوا من نُور؛ َ‬
‫من ن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ِ ِ ُ :‬‬
‫ُور»(‪.)1‬‬ ‫«خل َقت َ‬
‫الم َلئ َك ُة ْ‬
‫وأن َل ُه ْم َأ ْجن ِ َحةً‪ :‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫َّ‬
‫ول اهلل ِ‬
‫«ر َأى َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ﴾ [فاطر‪ .]1 :‬وقال عبد اهلل بن مسعود‪َ :‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2998‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪94‬‬

‫ورتِ ِه‪َ ،‬و َل ُه ِست ُِّمائ َِة َجنَاحٍ ‪ ،‬ك ُُّل َجنَاحٍ ِمن َْها َقدْ َسدَّ ْالُ ُف َق‪َ ،‬ي ْس ُق ُط‬
‫يل في ُص َ‬
‫ﷺ ِجبرِ َ ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاح ِه ِم َن الت ََّه ِ‬
‫ِمن جن ِ‬
‫ليم»(‪.)1‬‬ ‫يل َوالدُّ ِّر َوا ْل َيا ُقوت َما اهللُ بِه َع ٌ‬ ‫او ِ‬ ‫ْ َ‬
‫تدل على َع َظ ِ‬
‫مة هذه المخلوقات‪،‬‬ ‫أوصاف عظيم ٌة ُّ‬
‫ٌ‬ ‫خلق عظيم‪ ،‬لهم‬
‫فهم ٌ‬ ‫ُ‬
‫وقوتِها‪ ،‬وكِ َب ِر أجسامها‪.‬‬
‫َّ‬
‫بأن عدَ َدهم ال ُيحصيه َّإل ا َّل ِذي‬ ‫إجم ًال‪ :‬فنؤم ُن َّ‬ ‫وأما أعدا ُد المالئكة َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ومما ُّ‬
‫الكثرة‬ ‫يدل على هذه‬ ‫خل َقهم ﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [المدثر‪َّ ،]31 :‬‬
‫َّبي ‪ O‬حيث قال‪ُ « :‬ث َّم ُرفِ َع لِي‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫بال‬ ‫اإلسراء‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫قص‬
‫َّ‬ ‫الئكة‪:‬‬ ‫للم‬
‫َ‬
‫الع ِ‬
‫ظيمة‬ ‫َ‬
‫ور‪َ ،‬يدْ ُخ ُل ُه‬
‫الم ْع ُم ُ‬
‫ت َ‬ ‫يل! َما َه َذا؟» َق َال‪َ :‬ه َذا ال َب ْي ُ‬ ‫«يا ِج ْبرِ ُ‬
‫ت‪َ :‬‬ ‫ور‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫الم ْع ُم ُ‬
‫ت َ‬ ‫ال َب ْي ُ‬
‫ك‪ ،‬إِ َذا َخرجوا م ْنه َلم يعودوا فِ ِيه ِ‬
‫آخ ُر َما َع َل ْي ِه ْم»(‪.)2‬‬ ‫ف م َل ٍ‬
‫ُ ْ َُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ون أ ْل َ َ‬
‫ك َُّل َي ْو ٍم َس ْب ُع َ‬
‫أن تَئِ َّط؛ َما فِ َيها َم ْو ِض ُع َأ ْر َب ِع‬ ‫وقال ‪ِ َ :O‬‬
‫«أ َّطت َّ‬
‫الس َما ُء‪َ ،‬و ُح َّق َل َها ْ‬
‫اجدً ا هلل ِ»(‪.)3‬‬ ‫كو ِ‬
‫اض ٌع َج ْب َه َت ُه َس ِ‬ ‫َأ َصابِ َع إِ َّل َو َم َل ٌ َ‬
‫ِ‬
‫وردت؛‬ ‫المت َع ِّل َقة َ‬
‫بالمالئكة على التَّفصيل كما َ‬ ‫وتفصيل‪ :‬نؤم ُن باألعداد ُ‬
‫ً‬
‫َّبي‬
‫كقول اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [الحاقة‪ ،]17 :‬وقول الن ِّ‬
‫َّ‬

‫ف ِز َمامٍ‪َ ،‬م َع ك ُِّل ِز َما ٍم َس ْب ُع َ‬


‫ون‬ ‫«ي ْؤتَى بِ َج َهنَّ َم َي ْو َمئِ ٍذ َل َها َس ْب ُع َ‬
‫ون أ ْل َ‬ ‫‪ُ :O‬‬
‫ف م َل ٍ‬
‫ك َي ُج ُّرون ََها»(‪.)4‬‬ ‫َأ ْل َ َ‬

‫إجمال‪ُ :‬‬
‫فهم ُجنْدٌ هلل ‪َ ،D‬وعبا ٌد‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وظائف المالئكة وأعمالهم‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ )3748‬و(‪.)3915‬‬
‫البخاري (‪ ،)3207‬ومسلم (‪ ،)164‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2312‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه ابن ماجه (‪ ،)4190‬والت‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2842‬‬
‫السماء»‬
‫(‪ )11‬حديث‪«:‬إذا قضى اهلل األمر يف َّ‬
‫‪95‬‬

‫أتم قيام‪ ،‬ليس فيهم َم ْن‬


‫اهلل ‪ E‬به َّ‬
‫قائم بما َيأ ُم ُره ُ‬ ‫كرمون‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منهم ٌ‬ ‫ُم َ‬
‫أمره ﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [البينة‪.]6 :‬‬ ‫اهلل يف ِ‬
‫يعصي َ‬
‫والسنَّة؛ َفمن‬
‫ُّ‬ ‫تفصيل‪ :‬نؤمن بوظائفهم ا َّلتِي جاء تِب َيانُها يف الكتاب‬
‫ً‬ ‫َو‬
‫ن هو ُموك ٌَّل بالوحي؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫المالئكة َم ْ‬
‫[الشعراء‪.]194-193 :‬‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ﴾ ُّ‬

‫ِ‬
‫بقبض األرواح؛ ﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‬ ‫َومنهم َم ْن ُهو ُم َوك ٌَّل‬
‫[السجدة‪ ،]11 :‬ومنهم َمن ُهو ُم َوك ٌَّل بحفظ العبد؛ ﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫َّ‬
‫[الرعد‪َ ،]11 :‬ومنهم َمن ُهو ُم َوك ٌَّل بالكتابة‪﴿ ،‬ﭿ ﮀ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ َّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [االنفطار‪﴿ ،]11-10 :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾‬

‫[ق‪ ،]18 :‬ومنهم َمن هو ُم َوك ٌَّل بال َق ْطرِ‪ ،‬إلى غير ذلك من وظائف المالئكة ا َّلتِي‬
‫وسنَّة نب ِّيه ﷺ؛ ُّ‬
‫فكل ذلك نُؤم ُن به‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل ُ‬ ‫جاءت تفاصيلها يف‬

‫ت‬‫أيضا‪ :‬ما جاء يف الحديث؛ قال ﷺ‪« :‬ما اجتَمع َقوم فِي بي ٍ‬ ‫ومن ذلك ً‬
‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ ٌْ‬
‫السكِينَةُ‪،‬‬ ‫َاب اهللِ‪َ ،‬و َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم‪ ،‬إِ َّل َن َز َل ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ُم َّ‬ ‫ون كت َ‬
‫وت اهللِ‪ ،‬ي ْت ُل َ ِ‬
‫َ‬
‫من بي ِ‬
‫ْ ُُ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ‬
‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َح َّفت ُْه ُم َ‬
‫ِ‬
‫َو َغش َيت ُْه ُم َّ‬
‫ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما؛ َس َّه َل اهللُ َل ُه َطرِي ًقا إِ َلى‬‫«م ْن َس َل َ‬ ‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫الب ا ْل ِع ْلمِ»(‪.)2‬‬
‫الم َلئِ َك َة َلت ََض ُع َأ ْجن ِ َحت ََها ِر ًضا لِ َط ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬وإِ َّن َ‬
‫َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2699‬‬


‫((( أصله عند مسلم (‪ ،)2699‬وأخرجه هبذا ال َّلفظ ابن ماجه (‪ ،)223‬وأبو داود‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2682‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪ ،)3641‬والت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪96‬‬

‫فطالب العلم يمشي إلى ِح َل ِق العلم ويجلس فيها‪ ،‬وال يرى المالئك َة‬
‫أجنحتَها لطالب العلم‪ ،‬وال يراهم وهم يح ُّفون َم َ‬
‫جلس العلم‬ ‫َ‬ ‫وهي تضع‬
‫الصادق المصدوق‪،‬‬ ‫بأجنحتِهم‪ ،‬لكنَّه ُيؤم ُن بذلك‪ ،‬وهو منه على ٍ‬
‫يقين؛ لخرب َّ‬ ‫َ‬
‫أثره على العبد‪ ،‬وله َو ْق ُعه يف النُّفوس؛ حيث َيست َْش ِع ُر العبدُ يف‬
‫وهذا اإليمان له ُ‬
‫طلبه للعلم هذه الكرام َة العظيمةَ؛ تشري ًفا لطلب العلم‪ً ،‬‬
‫ورضا بما يصنع‪.‬‬

‫أن اإليمان هبم أحد أصول اإليمان العظيمة؛ بل ال يتِ ُّم اإليمان‬
‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫باهلل وكتبه ورسله َّإل باإليمان هبم‪ ،‬وقد وصفهم اهلل ِّ‬
‫بالصفات العظيمة‪،‬‬
‫وأنَّهم يف غاية ال ُق َّوة على عبادة اهلل‪َّ ،‬‬
‫والرغبة العظيمة فيها‪ ،‬وأنَّهم ُي َس ِّبحون‬
‫ال َّليل والنَّهار ال يفرتون‪ ،‬وأنَّهم ال يستكربون عن عبادته‪ ،‬ويروهنا من أعظم‬
‫نِ َع ِمه عليهم‪ ،‬وأنَّهم ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ كما قال اهلل‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬

‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾‬

‫[األنبياء‪ ،]28-26 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾‬


‫[التَّحريم‪.]6 :‬‬
‫السموات واألرض» (‪)1‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)12‬‬
‫‪97‬‬

‫‪12‬‬
‫حديث‪َّ :‬‬
‫«اللهم لك احلمد أنت‬
‫السموات واألرض» (‪)1‬‬
‫نور َّ‬

‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َت َه َّجدَ مِ َن ال َّل ْي ِل َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬
‫اس ‪ L‬قال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ْت َقيم السماو ِ‬ ‫ْت نُور السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ِّ ُ َّ َ َ‬ ‫ض‪َ ،‬و َل َ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ‬ ‫َل َ‬
‫ْت ا ْل َح ُّق‪،‬‬ ‫يه َّن‪َ ،‬أن َ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ْت رب السماو ِ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ َ ُّ َّ َ َ‬ ‫ض‪َ ،‬و َل َ‬ ‫َواألَ ْر ِ‬
‫ك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬ولِ َقاؤُ َك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬وا ْل َجنَّ ُة َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق‪َ ،‬والنَّبِ ُّي َ‬
‫ون‬ ‫َو َو ْعدُ َك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬و َق ْو ُل َ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬‫ْت‪َ ،‬و َع َل ْي َ‬
‫ك َآمن ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬‫السا َع ُة َح ٌّق‪ ،‬ال َّل ُه َّم َل َ‬ ‫َح ٌّق‪َ ،‬و َّ‬
‫ت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬
‫ت‪َ ،‬و َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬
‫ك َحاك َْم ُ‬ ‫اص ْم ُ‬ ‫َأ َن ْب ُ‬
‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬
‫ك َخ َ‬
‫البخاري(‪َ ،)1‬و َزا َد يف‬
‫ُّ‬ ‫ْت إِ َل ِهي َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ْت»‪ .‬رواه‬ ‫ْت‪َ ،‬أن َ‬ ‫َأ ْس َر ْر ُت‪َ ،‬و َما َأ ْع َلن ُ‬
‫«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»(‪.)2‬‬‫رواية‪َ :‬‬
‫َمل على اثنتين وعشرين جملةً‪ ،‬كان نب ُّينا‬ ‫جامع مشت ٌ‬
‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫هذا مت ٌن‬
‫أن هذه‬ ‫كل ليلة يستفتح به صال َته من ال َّليل‪ ،‬وما مِن ٍ‬
‫ريب َّ‬ ‫يكرره َّ‬
‫‪ِّ O‬‬
‫‪-‬استفتاحا لصالة ال َّليل هبا‪ُّ :-‬‬
‫تدل‬ ‫ً‬ ‫المستمرة هبذه الكلمات العظيمات‬
‫َّ‬ ‫العناي َة‬
‫وهدأة‬ ‫على ِعظم شأهنا‪ ،‬وجاللة َقدْ رها؛ الس َّيما إذا كانت يف جوف ال َّليل‪َ ،‬‬

‫البخاري (‪ ،)7499‬ومسلم (‪.)769‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪.)1120‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪98‬‬

‫السماء‬ ‫أبواب َّ‬


‫ُ‬ ‫ورحمة‪ُ ،‬تفتَح فيه‬ ‫وقت ُقرب َ‬ ‫وسكون ال َكون‪ ،‬وهو ُ‬ ‫الخلق‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والهبات؛‬ ‫الر ُّب ‪ F‬إلى َسماء الدُّ نيا بال َعطايا‬ ‫بالرحمات‪ ،‬و َي ِنز ُل فيه َّ‬ ‫َّ‬
‫الش ِ‬
‫ريف‬ ‫ِ‬
‫الوقت َّ‬ ‫الصالح النَّاصح بين يدي ر ِّبه ‪ F‬يف هذا‬ ‫فيقف هذا العبد َّ‬
‫ِ‬
‫وأح ُّبها إلى اهلل‬
‫الصلوات‪َ ،‬‬ ‫الصالة العظيمة؛ وهي خير َّ‬ ‫الفاضل ل ُي َص ِّلي تلك َّ‬
‫الصالة المكتوبة؛ فيستفتح صالته من ال َّليل هبذه الكلمات‬ ‫‪ E‬بعد َّ‬
‫مما‬
‫وإخالص هلل ‪َّ ،F‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إيمان‪ ،‬واعتقا ٌد‪ ،‬وتوحيدٌ ‪،‬‬ ‫العظيمات؛ ا َّلتِي ك ُّلها‬
‫ِ‬
‫وتثبيت التَّوحيد‪.‬‬ ‫تقوية اإليمان‪ ،‬وترسيخ االعت َقاد‪،‬‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫البالغ يف‬ ‫ُ‬
‫يكون له األثر‬

‫وهذه الكلمات ا َّلتِي جاءت يف هذا الحديث العظيم ‪-‬حديث ابن ع َّباس‬
‫يتهجد‪ :-‬تد ُّلنا دالل ًة واضح ًة‬
‫‪ L‬فيما كان يقوله نب ُّينا ﷺ إذا قام من ال َّليل َّ‬
‫أهم َّية استذكار المسلم ألصول اإليمان‪ ،‬وعقائد الدِّ ين‪ ،‬واستحضاره‬ ‫على ِّ‬
‫مضي‬ ‫مع‬ ‫يزداد‬ ‫ال‬ ‫بحيث‬ ‫ه؛‬‫عمل على تجديد اإليمان‪ ،‬وتقويته‪ ،‬وتمتِين ِ‬ ‫لها؛ ً‬
‫ِّ‬
‫األ َّيام َّإل ُق َّو ًة وثبا ًتا‪ ،‬واألذكار َّ‬
‫الشرع َّية المأثورة عن نب ِّينا الكريم صلوات‬
‫وترسخ هذه‬ ‫ِّ‬ ‫وتقوي هذه العقيدة‪،‬‬ ‫اهلل وسالمه عليه تأيت لت َُجدِّ د هذا اإليمان‪ِّ ،‬‬
‫األصول العظيمة المباركة يف قلب المسلم‪ ،‬ويف الحديث يقول النَّبِ ُّي ﷺ‪:‬‬
‫اس َأ ُلوا اهَّللَ َأ ْن ُي َجدِّ َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«إِ َّن ْ ِ‬
‫ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُب؛ َف ْ‬
‫يم َ‬
‫ال َ‬
‫ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(‪.)1‬‬
‫يم َ‬ ‫ال َ‬‫ِْ‬

‫وهذه الكلمات العظيمات يف هذا االستفتاح المبارك تح ِّقق هذه المعاين‬


‫فجدير‬
‫ٌ‬ ‫وتقوي هذه العقيدة‪ ،‬وتمتِّنها يف القلب تمتينًا عجي ًبا؛‬
‫عظيما‪ِّ ،‬‬
‫ً‬ ‫تحقي ًقا‬
‫وصححه األلبانِ ُّي يف «صحيح‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه ال َّطربانِ ُّي يف «المعجم الكبير» (‪،)14668‬‬
‫الجامع» (‪.)1590‬‬
‫السموات واألرض» (‪)1‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)12‬‬
‫‪99‬‬

‫بالمسلم أن يحفظها عن ظهر قلب‪ ،‬وأن يحرص على أن يكون له ٌّ‬


‫حظ من‬
‫صالة ال َّليل يستفتحها هبذه الكلمات العظيمة المباركة المأثورة عن النَّبِ ِّي‬
‫الكريم صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬

‫أهم َّية استحضار معاين األذكار‬ ‫ومما ين ِّبه عليه العلماء يف هذا المقام‪ِّ :‬‬ ‫َّ‬
‫الشرع َّية ودالالهتا؛ حتَّى تكون قو َّي َة األثر‪ ،‬مح ِّقق َة النَّفع والفائدة‪ ،‬أ َّما إذا كان‬
‫َّ‬
‫يقولها ألفا ًظا ال يعي معناها‪ ،‬وال يدري مدلولها ؛فإنَّها ‪-‬كما قال العلماء‬
‫‪ -X‬تكون ضعيفة األثر‪ ،‬إن لم تكن عديمة األثر‪.‬‬

‫والسماوات‬ ‫َّ‬ ‫رب األرض‬ ‫بدأ ‪ O‬هذه الكلمات يف مناجاة ِّ‬


‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»؛‬ ‫ْت َقيم السمو ِ‬
‫ات َو ْالَ ْر ِ‬ ‫الح ْمدُ َأن َ ِّ ُ َّ َ َ‬
‫ك َ‬ ‫‪ E‬بقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫وهذا بدأ بحمد اهلل ‪ ،F‬والحمد‪ :‬هو ال َّثناء على اهلل ‪ F‬بما هو أهله‪،‬‬
‫حمد على‬
‫وحب‪ ،‬واهلل ‪ُ E‬ي َ‬ ‫ٌّ‬ ‫جل يف عاله؛ فالحمد ثنا ٌء‬‫الحب له َّ‬
‫ِّ‬ ‫مع‬
‫والهبات؛ ِ‬
‫فمن أمثلة حمده‬ ‫والصفات‪ ،‬و ُيحمد على النِّ َعم والعطايا ِ َ‬
‫ِّ‬ ‫األسماء‬
‫حمده ‪ O‬على‬
‫‪ E‬على أسمائه وصفاته هذا الحديث؛ َ‬
‫السماوات واألرض و َمن فيه َّن‪ ،‬وأنَّه له‬
‫قيوم َّيته‪ ،‬وعلى أنَّه ‪ E‬نور َّ‬
‫السماوات واألرض و َمن فيه َّن‪.‬‬
‫ملك َّ‬

‫ومن أمثلة حمد اهلل ‪ F‬على النِّعم والهبات قول نب ِّينا ﷺ‪« :‬إِ َّن اهللَ‬
‫َل َي ْر َضى َع ِن ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل ْالَ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها‪َ ،‬أ ْو َي ْش َر َب َّ‬
‫الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه‬
‫َع َل ْي َها»(‪.)1‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2734‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪100‬‬

‫تكر ُر‬
‫جل يف عاله‪ ،‬ويف هذا االستفتاح ُّ‬‫أهل الحمد وال َّثناء َّ‬
‫فهو ‪ُ D‬‬
‫مما ُّ‬
‫يدل على َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصفات؛ َّ‬
‫ِّ‬ ‫األسماء‬ ‫الر ُّب من‬
‫حمد عليه َّ‬
‫بتكرر ما ُي َ‬
‫الحمد ُّ‬
‫صحيحا من أعظم ُموجبات قيامه بحمد اهلل على أحسن‬ ‫ً‬ ‫ع ْل َم العبد هبا ً‬
‫علما‬
‫مر ٍة معنًى َ‬
‫آخر؛‬ ‫‪-‬أيضا‪ -‬اهتما ٌم بشأنه‪ ،‬ول ُيناط به َّ‬
‫كل َّ‬ ‫وجه‪ ،‬ويف تكرير الحمد ً‬
‫الحمد وتعدُّ ِدها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تنوع موجبات‬ ‫مما ُّ‬
‫يدل على ُّ‬ ‫َّ‬
‫يه َّن» أي‪ :‬القائم بشؤون‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ْت َقيم السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«أن َ ِّ ُ َّ َ َ‬
‫وتسخيرا‪ ،‬وعطا ًء‪ ،‬ومن ًعا؛ فاألمر بيد‬
‫ً‬ ‫وتدبيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫السماوات واألرض؛ تصري ًفا‪،‬‬
‫َّ‬
‫الر ِّب ‪ F‬الق ُّيوم‪.‬‬
‫َّ‬
‫السماوات واألرض و َمن فيه َّن؛ ُّ‬
‫كل‬ ‫ض»‪ :‬أي َّ‬ ‫« َقيم السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬
‫أن َّ‬ ‫ِّ ُ َّ َ َ‬
‫هذه الكائنات قائم ٌة بأمر اهلل ‪ ،E‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫[الروم‪ ،]25 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ﴾ ُّ‬
‫[الرعد‪.]33 :‬‬
‫ﯧ﴾ َّ‬

‫ومن أسمائه ‪« :F‬الق ُّيوم»‪ ،‬قد ورد يف ثالثة مواضع من القرآن‪ ،‬منها‪:‬‬

‫الكرسي‪﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [البقرة‪.]255 :‬‬


‫ِّ‬ ‫آية‬

‫ويف أوائل آل عمران‪﴿ :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [آل عمران‪.]2 :‬‬

‫ويف سورة طه‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [طه‪.]111 :‬‬

‫ويف هذا االسم «الق ُّيوم» إثبات ال َق ُّيوم َّية صف ًة هلل‪ ،‬وهي كونه ُسبحانه ً‬
‫قائما‬
‫مقيما لخلقه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بنفسه ً‬
‫السموات واألرض» (‪)1‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)12‬‬
‫‪101‬‬
‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن» فيه إثبات‬ ‫ْت نُور السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫الح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ‬
‫ك َ‬ ‫«و َل َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫اسما هلل ‪ ،D‬وصف ًة له سبحانه‪.‬‬
‫«النُّور» ً‬
‫السماوات واألرض‬
‫أن اهلل ‪ E‬منير َّ‬
‫تضمنه إثبات َّ‬ ‫ومما ُّ‬
‫يدل عليه يف ُّ‬ ‫َّ‬
‫الحس َّية‪ ،‬واإلنارة المعنو َّية؛ فاهلل ‪ D‬نور ﴿ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ِّ‬ ‫بقدرته‪ :‬اإلنارة‬
‫وشر ُعه نور ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﮬ﴾ [النُّور‪ْ ،]35 :‬‬
‫[الشورى‪،]52 :‬‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ ُّ‬

‫والضياء ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾‬
‫ورسوله نور؛ ألنَّه يحمل النُّور ِّ‬
‫[األحزاب‪.]46 :‬‬
‫ك السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ك الحمدُ َأن َ ِ‬
‫إثبات َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ض» فيه‬ ‫ْت َمل ُ َّ َ َ‬ ‫«و َل َ َ ْ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ك هلل ‪ ،E‬وليس له ‪D‬‬ ‫السماوات واألرض و َمن فيه َّن؛ ك ُّلها مِ ْل ٌ‬
‫َّ‬
‫ذرة؛ ولهذا قال اهلل ‪﴿ :E‬ﯯ ﯰ‬ ‫ٌ‬
‫شريك يف الملك‪ ،‬وال يف مقدار َّ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫فالملك ك ُّله ُم ُ‬
‫لك اهلل‪ ،‬وما‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [سبأ‪ُ ،]22 :‬‬
‫ك إنَّما هو بتمليك اهلل ‪ E‬لهم‪ ،‬يعطي ويمنع‬ ‫يكون بأيدي النَّاس من م ْل ٍ‬
‫ُ‬
‫‪﴿ D‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [آل عمران‪.]26 :‬‬

‫اسم من أسماء اهلل الحسنى؛‬‫الحق‪ٌ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫الح ُّق»؛‬


‫ْت َ‬‫الح ْمدُ َأن َ‬
‫ك َ‬ ‫«و َل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ريب‪ ،‬ال يف ذاتِه‪ ،‬وال يف أسمائه وصفاتِه‪ ،‬وال‬
‫شك فيه وال َ‬ ‫ومعناه‪ :‬أي ا َّلذي ال َّ‬
‫حق‪ ،‬وأفعاله‬
‫حق‪ ،‬وأسماؤه وصفاته ٌّ‬
‫يف ربوب َّيته‪ ،‬وال يف ألوه َّيته؛ فهو ‪ٌّ F‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪102‬‬

‫حق‪،‬‬
‫حق‪ ،‬ولقاؤه ٌّ‬ ‫حق‪ ،‬وأخباره ك ُّلها ٌّ‬
‫حق‪ ،‬ووعده ٌّ‬ ‫حق‪ ،‬ودينه وشرعه ٌّ‬
‫وأقواله ٌّ‬
‫الحق؛ فال ُيدعى َّإل اهلل‪ ،‬وال ُيصرف شيء من العبادة َّإل‬
‫ِّ‬ ‫وله وحده دعو ُة‬
‫للحق المبين ‪ ،E‬قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ِّ‬
‫[الحج‪ ،]62 :‬وقال‬
‫ُّ‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾‬
‫‪﴿ :E‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫[الرعد‪.]14 :‬‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ َّ‬

‫ف اهلل الميعاد؛ بل يو ِّفي عباده وأوليا َءه‬‫الح ُّق»؛ فال ُيخلِ ُ‬


‫«و َو ْعدُ َك َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫وكرامات‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬
‫وخيرات‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وهبات‪،‬‬ ‫بكل ما وعدَ هم به من عطايا‪،‬‬ ‫وأصفيا َءه ِّ‬
‫الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ﴾ [النِّساء‪ ،]122 :‬ومن دعاء ُأولي األلباب‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [آل عمران‪.]194 :‬‬

‫الح ٌّق»؛ قول اهلل ‪ٌّ E‬‬


‫حق ال باطل فيه؛ كما قال اهلل‬ ‫ك َ‬ ‫«و َق ْو ُل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [البقرة‪ ،]26 :‬وقال‪:‬‬
‫﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [ ُف ِّصلت‪ ،]42 :‬وقال‬
‫‪ C‬عن القرآن‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫تنزه وتقدَّ س قو ُله‬ ‫ﮈ﴾ [النِّساء‪]82 :‬؛ فاهلل ‪ C‬قو ُله ك ُّله ٌّ‬
‫حق ال باطل فيه‪َّ ،‬‬
‫عن الباطل‪.‬‬

‫«ولِ َقاؤُ َك َح ٌّق»؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ‬


‫قوله‪َ :‬‬
‫السموات واألرض» (‪)1‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)12‬‬
‫‪103‬‬

‫حق؛ فل ُي ِعدَّ لِهذا ال ِّلقاء عُدَّ َته‪،‬‬ ‫ﯳ﴾ [البقرة‪]223 :‬؛ ومن َعلِ َم َّ‬
‫أن لقاء اهلل ٌّ‬
‫واهلل ‪ C‬يقول يف آخر آية من سورة الكهف‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬
‫ُ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ﴾ [الكهف‪]110 :‬؛ وهذا يد ُّلنا دالل ًة ب ِّين ًة َّ‬
‫أن إيمان العبد‬
‫وتزو ًدا ليوم المعاد؛‬ ‫عمل واستعدا ًدا‬ ‫ِ‬
‫واستحضاره التَّا ِّم لذلك ُيثمر ً‬ ‫ِ‬
‫بلقاء اهلل‬
‫ُّ‬
‫ولهذا يقول َمن يؤتى كتابه بيمينِه‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [الحا َّقة‪ ،]20:‬قاله‬
‫ذلك اليوم حين نجا من ِ‬
‫الخزي‪ ،‬و َظ َفر بالفوز العظيم‪.‬‬ ‫يف َ‬
‫َ َ َ‬
‫ُ‬
‫واإليمان‬ ‫ُ‬
‫اإليمان بالجنَّة‪،‬‬ ‫الجنَّ ُة َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق»؛ وهذا فيه‬
‫«و َ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫حق‬ ‫وإيمان َّ‬
‫بأن النَّار ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫حق أعدَّ ها اهلل ألوليائه وأصفيائه‪،‬‬ ‫بأن الجنَّة ٌّ‬ ‫إيمان َّ‬
‫ٌ‬ ‫بالنَّار؛‬
‫أعدَّ ها اهلل ألعدائه‪.‬‬

‫«و َو ْعدُ َك‬ ‫رغم ُ‬


‫دخولهما يف قوله‪َ :‬‬ ‫خص النَّبِي الجنَّة والنَّار ِّ‬
‫بالذكر َ‬ ‫وقد َّ‬
‫ُّ‬
‫أمورا‬
‫حق ً‬ ‫اإليمان بهما وأنَّهما ٌّ‬
‫ُ‬ ‫الح ُّق» اهتما ًما هبما واعتنا ًء بأمرهما‪ ،‬ويتَناول‬
‫َ‬
‫عديد ًة يجم ُعها ما يلي‪:‬‬

‫دار أعداء اهلل‪ ،‬والجنَّة‬ ‫شك‪َّ ،‬‬


‫وأن النَّار ُ‬ ‫ريب فيهما وال َّ‬
‫‪ -1‬كوهنما ال َ‬
‫دار أوليائه؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ُ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫عطف عليها بذكر النَّار‪ ،‬وك َّلما َذكَر‬ ‫َ‬ ‫‪ ،]198 -196‬فك َّلما َذكَر سبحانه الجنَّة؛‬
‫عطف عليهم بذكر أهل الجنَّة؛ تبيانًا لِما أعدَّ يف الجنَّة م َن النَّعيم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أهل النَّار؛‬
‫ألوليائه‪ ،‬ويف النَّار من ال َعذاب األليم ألعدائه‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪104‬‬

‫‪ -2‬اعتقا ُد وجودهما اآلن؛ قال اهلل تعالى يف الجنَّة‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [آل عمران‪،]133 :‬‬


‫وقال تعالى يف النَّار‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ﴾‬

‫[البقرة‪.]24 :‬‬

‫بكل أوصاف الجنَّة والنَّار ا َّلتي جاءت يف الكتاب ُّ‬


‫والسنَّة؛‬ ‫اإليمان ِّ‬
‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫ٌ‬
‫داخل يف قوله‪:‬‬ ‫والسنَّة من أوصاف الجنَّة والنَّار‬ ‫ألن َّ‬
‫كل ما جاء يف الكتاب ُّ‬ ‫َّ‬
‫الجنَّ ُة َح ٌّق َوالن َُّار َح ٌّق»؛ أي‪ :‬بجميع األوصاف المذكورة لهما يف كتاب اهلل‬
‫«و َ‬‫َ‬
‫وسنَّة رسوله‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بإبقاء اهلل لهما‪ ،‬وأنَّهما ال تفنَيان أبدً ا‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫اإليمان بدوامهما وبقائهما‬ ‫‪-4‬‬
‫يفنَى َمن فيهما؛ قال اهلل تعالى يف الجنَّة‪﴿ :‬ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [التَّوبة‪:‬‬

‫‪ ،]89‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [الحجر‪،]48 :‬‬


‫وقال تعالى يف النَّار‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾‬

‫[األحزاب‪ ،]65-64 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬


‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [فاطر‪.]36 :‬‬

‫وهذه العقيدة يف الجنَّة والنَّار تثمر يف العبد استعدا ًدا باألعمال ا َّلتِي ُت َق ِّرب‬
‫إلى الجنَّة‪ ،‬و ُبعدً ا عن األعمال ا َّلتِي ُت َق ِّرب من النَّار‪.‬‬
‫السموات واألرض» (‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)13‬‬
‫‪105‬‬

‫‪13‬‬
‫حديث‪َّ :‬‬
‫«اللهم لك احلمد أنت‬
‫السموات واألرض» (‪)2‬‬
‫نور َّ‬

‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َت َه َّجدَ مِ َن ال َّل ْي ِل َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ْت َقيم السماو ِ‬ ‫ْت نُور السماو ِ‬
‫ات‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ِّ ُ َّ َ َ‬ ‫ض‪َ ،‬و َل َ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ ُ َّ َ َ‬ ‫َل َ‬
‫ْت ا ْل َح ُّق‪،‬‬ ‫يه َّن‪َ ،‬أن َ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ْت رب السماو ِ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ َ ُّ َّ َ َ‬ ‫ض‪َ ،‬و َل َ‬ ‫َواألَ ْر ِ‬
‫ك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬ولِ َقاؤُ َك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬وا ْل َج َّن ُة َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق‪َ ،‬وال َّنبِ ُّي َ‬
‫ون‬ ‫َو َو ْعدُ َك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬و َق ْو ُل َ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬‫ْت‪َ ،‬و َع َل ْي َ‬‫ك َآمن ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬ ‫السا َع ُة َح ٌّق‪ ،‬ال َّل ُه َّم َل َ‬ ‫َح ٌّق‪َ ،‬و َّ‬
‫ت‪َ ،‬و َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما‬ ‫ت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬ ‫ك َحاك َْم ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫اص ْم ُ‬ ‫ك َخ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫َأ َن ْب ُ‬
‫البخاري(‪َ ،)1‬و َزا َد يف‬ ‫ُّ‬ ‫ْت» رواه‬ ‫ْت إِ َل ِهي َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫ْت‪َ ،‬أن َ‬ ‫َأ ْس َر ْر ُت‪َ ،‬و َما َأ ْع َلن ُ‬
‫«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهلل»(‪.)2‬‬ ‫رواية‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫جملة من فوائد هذا الحديث‪ ،‬ونستكمل ذكر فوائده‪.‬‬ ‫تقدَّ م الكالم على‬
‫بالرسل الكرام‪ ،‬وهو ٌ‬
‫أصل من‬ ‫يتضمن اإليمان ُّ‬
‫َّ‬ ‫«والنَّبِ ُّي َ‬
‫ون َح ٌّق»؛ هذا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫فإن اإليمان يقوم على ستَّة أصول‪:‬‬
‫أصول اإليمان؛ َّ‬

‫بالرسل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬


‫منها‪ :‬اإليمان ُّ‬
‫البخاري (‪ ،)7499‬ومسلم (‪.)769‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪.)1120‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪106‬‬

‫ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬واإليمان بهم‪:‬‬


‫إيمان بأنَّهم صفوة الخلق‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل ‪ E‬اصطفاهم واجتباهم‪ ،‬وأنَّه قد‬ ‫ٌ‬
‫‪E‬‬ ‫بالحق والهدى‪ ،‬وأنَّهم ب َّلغوا أممهم ما أمرهم اهلل‬
‫ِّ‬ ‫بعثهم سبحانه‬
‫حذروا أممهم منه‪ ،‬فب َّلغوا‬ ‫خيرا َّإل َد ُّلوا أ َّمتهم عليه‪ ،‬وال ًّ‬
‫شرا َّإل َّ‬ ‫به؛ فما تركوا ً‬
‫البالغ المبين ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [النُّور‪.]54 :‬‬

‫محمد ﷺ خاتم‬
‫بنبوة َّ‬
‫الخاص َّ‬
‫ُّ‬ ‫«و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّق»؛ هذا فيه اإليمان‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫النَّب ِّيين؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ٌ‬
‫رسول أرسله اهلل‬ ‫حق؛ أي‪:‬‬
‫فمحمد ‪ٌّ O‬‬
‫َّ‬ ‫ﯲ﴾ [األحزاب‪،]40 :‬‬
‫منيرا؛ فب َّلغ البالغ‬
‫وسراجا ً‬
‫ً‬ ‫ونذيرا‪ ،‬وداع ًيا إلى اهلل بإذنه‬
‫ً‬ ‫بشيرا‬
‫بالحق والهدى‪ً ،‬‬
‫ِّ‬
‫شرا َّإل َّ‬
‫حذرها منه‪ ،‬ختم اهلل‬ ‫خيرا َّإل َّ‬
‫دل أ َّمته عليه‪ ،‬وال ًّ‬ ‫المبين‪ ،‬وما ترك ً‬
‫كتاب بعدَ‬
‫َ‬ ‫نبي بعدَ ه‪ ،‬وال‬
‫الرساالت‪ ،‬وبكتابه الكتب‪ ،‬فال َّ‬‫‪ E‬برسالته ِّ‬
‫كتابه‪ ،‬فبنبوته ‪ُ O‬ختِم ِ‬
‫ت الن َُّّبوات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬

‫رسول اهلل‪ ،‬بطاعتِه فيما أمر‪،‬‬


‫ُ‬ ‫محمدً ا‬
‫َّ‬ ‫تحقيق شهادة َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ومن اإليمان به‪:‬‬
‫اهلل َّإل بما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عما هنى عنه وزجر‪ ،‬وأن ال ُيعبدَ ُ‬ ‫وتصديقه فيما أخرب‪ ،‬واالنتهاء َّ‬
‫ِ‬
‫وتقديم مح َّبته على مح َّبة النَّاس ك ِّلهم من األبناء واآلباء وسائر القرابة‪،‬‬ ‫َش َرع‪،‬‬
‫وتوقير ِه وإجالل ِ ِه‪ ،‬وغير ذلك من حقوقه‬
‫ِ‬ ‫وتعظيم ِه‬
‫ِ‬ ‫بل وعلى مح َّبة المرء لنفسه‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ورسول ال ُي َّ‬
‫كذب؛ بل ُيطاع و ُي َّت َبع‪،‬‬ ‫ا َّلتي أوج َبها اهلل ‪ ،D‬وهو عبدٌ ال ُيع َبد‪،‬‬
‫َمن أطاعه دخل الجنَّة‪ ،‬و َمن عصاه دخل النَّار‪.‬‬

‫[الحج‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫السا َع ُة َح ٌّق» كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«و َّ‬
‫السموات واألرض» (‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)13‬‬
‫‪107‬‬
‫ِ‬
‫الصور‪ ،‬وينتهي هذا‬ ‫والساعة‪ :‬أي ا َّلتي ينفخ فيها َم َل ُك ُّ‬
‫الصور إسرافيل يف ُّ‬ ‫‪َّ ،]7‬‬
‫العالم‪ ،‬تنتهي هذه الحياة الدُّ نيا‪ ،‬وهي ساعة‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لحظة‬ ‫[الروم‪ ]55 :‬ويقال لها‪« :‬ساعة»؛ ألنَّها تقع يف‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ ُّ‬
‫بكل تفاصيلها‪ ،‬وتبدأ الحياة اآلخرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬وتنقضي الحياة الدُّ نيا ِّ‬ ‫فينتهي ُّ‬
‫كل‬

‫والساعة‪ :‬كما أنَّها تتناول القيامة الكربى ا َّلتِي فيها موت جميع المخلوقات‬
‫َّ‬
‫الصغرى ا َّلتِي‬
‫الساعة ُّ‬
‫أيضا‪ :‬تتناول َّ‬ ‫الص ِ‬
‫ور فإنَّها ً‬ ‫الصور َم َل ُك ُّ‬‫عندما َين ُف ُخ يف ُّ‬
‫بخاصته؛ كما قال العلماء‪َ :‬من مات قامت قيامته وجاءت‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫هي موت ِّ‬
‫كل‬
‫َّ‬
‫ساعته‪.‬‬
‫الخاص‪ :‬ساع ُة ِّ‬
‫كل‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اإلطالق‬ ‫خاص؛‬‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫وإطالق‬ ‫ٌ‬
‫إطالق عا ٌّم‬ ‫فالساعة لها‬
‫َّ‬
‫والموت َّأو ُل منازل اآلخرة‪.‬‬ ‫مات قامت قيامتُه‪،‬‬
‫فمن َ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫إنسان؛ َ‬
‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ت» أي‪ :‬ان َقدْ ُ‬
‫ت‪﴿ ،‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫[الزمر‪ ]54 :‬واإلسالم‪ :‬هو اإلستسالم هلل بالتَّوحيد‪ ،‬واالنقياد له بال َّطاعة‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ٌ‬
‫وامتثال ألمر اهلل‬ ‫والخلوص من ِّ‬
‫الشرك؛ فاإلسالم استسال ٌم هلل‪ ،‬وطاعةٌ‪،‬‬
‫‪.F‬‬

‫بحق سواك‪،‬‬ ‫ْت» أي‪ً :‬‬


‫إلها‪ ،‬ور ًّبا‪ ،‬ومعبو ًدا‪ ،‬وال معبو َد ٍّ‬ ‫«وبِ َ‬
‫ك َآمن ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫وبكل ما أمر َتنِي باإليمان به‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫آمنت بك‪ ،‬وبأسمائك‪ ،‬وصفاتك‪،‬‬

‫ثالثة‪ُ ،‬جمعت يف هذا االستِفتاح‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أركان‬ ‫وهذا فيه االعتقا ُد وهو يقو ُم على‬
‫وهي‪:‬‬

‫اإليمان بوحدان َّية اهلل يف ربوب َّيته‪ :‬بأنَّه الواحد يف ملكِه وأفعالِه‪ ،‬ال شريك‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪108‬‬

‫ْت َم ِل ُ‬
‫ك‬ ‫«أن َ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬ ‫ْت َقيم السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫«أن َ ِّ ُ َّ َ َ‬ ‫له؛ يف قوله‪َ :‬‬
‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»‪.‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬
‫واإليمان بوحدان َّيته يف ألوه َّيته‪ :‬بأنَّه تعالى الواحد يف إله َّيته وعبادتِه‪ ،‬ال ندَّ‬
‫الح ْمدُ »‪،‬‬
‫ك َ‬ ‫هم َل َ‬
‫وإخالص الدِّ ين له‪ ،‬وإفرا ُده وحدَ ه بالعبادة؛ يف قوله‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫ُ‬ ‫له‪،‬‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ْت»‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬

‫واإليمان بوحدان َّيته يف أسمائه وصفاته‪ :‬بأنَّه الواحد يف ذاته‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وصفاتِه‪،‬‬
‫متضمن ٌة لصفات‬ ‫ٍ‬
‫أسماء ُحسنى هلل ‪،D‬‬ ‫ال نظير له؛ ففي هذا االستفتاح ستَّة‬
‫ِّ‬
‫الم َقدِّ م‪ُ ،‬‬
‫الم َؤ ِّخر»‪.‬‬ ‫الحق‪ُ ،‬‬
‫الكمال‪ ،‬و ُن ُعوت الجالل «الق ُّيوم‪ ،‬النُّور‪ ،‬الملك‪ُّ ،‬‬

‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬
‫ت» هذا فيه التَّوكُّل على اهلل وحده‪.‬‬ ‫«و َع َل ْي َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫َّ ُّ‬
‫والتوكل‪ :‬هو االعتماد على اهلل‪ ،‬وتفويض األمور إليه ‪ .E‬وحقيقة‬
‫وكل‪ :‬هو ُ‬ ‫َّ ُّ‬
‫عمل القلب وعبود َّيتُه؛ اعتما ًدا على اهلل‪ ،‬وثق ًة به‪ ،‬والتجا ًء إليه‪،‬‬ ‫الت‬
‫ِ‬
‫اختياره‬ ‫وح ِ‬
‫سن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورضا بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته سبحانه‪ُ ،‬‬ ‫وتفويضا إليه‪ً ،‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫واجتهاده يف‬ ‫أموره‪ ،‬مع قيامِه باألسباب المأمور هبا‪،‬‬ ‫فوض إليه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫لعبده إذا َّ‬
‫غير مشروع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طريق ِ‬ ‫غير مأمور‪ ،‬أو سلوك‬ ‫سبب ِ‬
‫ٍ‬ ‫تحصيلها‪َ ،‬‬
‫دون تعدٍّ إلى فع ِل‬

‫ك َأ َن ْب ُ‬
‫ت»؛ اإلنابة‪ :‬هي ُّ‬
‫الرجوع إلى اهلل باإلقبال عليه وعلى‬ ‫«وإِ َل ْي َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫طاعته سبحانه‪ ،‬وتجنُّب ما هنى عباده عنه؛ كما قال اهلل ‪﴿ :E‬ﯜ ﯝ‬
‫[الزمر‪.]54 :‬‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ﴾ ُّ‬

‫المنيبين‪ ،‬وأمر‬
‫مواضع كثيرة من القرآن‪ ،‬وأثنى على ُ‬
‫َ‬ ‫اهلل اإلناب َة يف‬
‫وقد ذكَر ُ‬
‫باإلنابة إليه‪.‬‬
‫السموات واألرض» (‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)13‬‬
‫‪109‬‬

‫نيب إلى‬ ‫ٍ‬ ‫انجذاب القلب إلى اهلل يف ِّ‬


‫كل حالة من أحواله‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحقيقة اإلنابة‪:‬‬
‫َّضرع إليه‪ ،‬وعند مطالب النُّفوس‬
‫الض َّراء بالت ُّ‬ ‫ر ِّبه عند النَّعماء ُ‬
‫بشكره‪ ،‬وعند َّ‬
‫نيب إلى ر ِّبه بال َّلهج بذكره يف ِّ‬
‫كل‬ ‫مهماته‪ ،‬و ُي ُ‬
‫الكثيرة بكثرة دعائه يف جميع َّ‬
‫والرجوع إليه‬
‫الرجوع إلى اهلل‪ ،‬بالتَّوبة من جميع المعاصي‪ُّ ،‬‬‫أيضا‪ُّ :‬‬
‫وقت‪ ،‬وهي ً‬
‫ُ‬
‫فتكون‬ ‫عرضها على كتاب اهلل وسنَّة رسولِه ﷺ‪،‬‬
‫يف جميع أعماله وأقواله‪ ،‬ف َي ُ‬
‫ُ‬
‫واألقوال موزون ًة بميزان َّ‬
‫الشرع‪.‬‬ ‫ُ‬
‫األعمال‬

‫ت»؛ أي‪ :‬أنَّني مستعي ٌن بك يا اهلل يف ُم َّ‬


‫حاجتي‬ ‫اص ْم ُ‬ ‫«وبِ َ‬
‫ك َخ َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫و ُمخاصمتي ألعدائك‪ ،‬ور ِّدي عليهم‪ ،‬وبياين لفساد عقائدهم وضاللهم‬
‫تفويض العبد أمره إلى اهلل ‪E‬‬
‫ُ‬ ‫ملتجئ إليك وحدَ ك؛ وهذا فيه‬
‫ٌ‬ ‫وباطلهم‪،‬‬
‫الم ِض ِّلين؛ كما أخرب اهلل عن نب ِّيه شعيب أنَّه‬ ‫يف ر ِّده َ‬
‫باطل المبطلين‪ ،‬وضالل ُ‬
‫قال‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [هود‪:‬‬

‫‪.]88‬‬

‫ت»؛ هذا فيه َّ‬


‫أن التَّحاكم إنَّما يكون إلى شرع اهلل‬ ‫«وإِ َل ْي َ‬
‫ك َحاك َْم ُ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اهَّلل َر ِّبي َع َل ْيه َت َو َّك ْل ُت َوإِ َل ْيه ُأن ُ‬
‫يب﴾‬ ‫اخ َت َل ْفت ُْم فيه م ْن َش ْيء َف ُح ْك ُم ُه إِ َلى اهَّلل َذل ُك ُم ُ‬
‫﴿و َما ْ‬
‫َ‬
‫[الشورى‪﴿ ،]10 :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ُّ‬

‫والر ُّد ال‬


‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [النِّساء‪َّ ،]65 :‬‬
‫يكون َّإل إلى كتاب اهلل ُ‬
‫وسنَّة نب ِّيه صلوات اهلل وسالمه عليه‪﴿ ،‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬

‫والر ُّد إلى اهلل‪ :‬ر ٌّد‬


‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [النِّساء‪َّ ،]59 :‬‬
‫الرسول ﷺ‪ :‬ر ٌّد إلى سنَّته صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫والر ُّد إلى َّ‬
‫إلى كتابه‪َّ ،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪110‬‬

‫بعد هذه األصول العظيمة ا َّلتِي قدَّ مها النَّبِ ُّي ﷺ يف مناجاته لر ِّبه ُمت ََو ِّس ًل‬
‫الذنوب قال‪َ « :‬فا ْغ ِف ْر‬ ‫فران ُّ‬
‫إليه هبا؛ َش َر َع ‪ O‬يف ذكر المطلوب؛ وهو ُغ ُ‬
‫وسيلة إلى‬‫ٍ‬ ‫أعظم‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫لِي َما َقدَّ ْم ُ‬
‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت»؛ ونستفيد من ذلك فائد ًة عظيمةً‪َّ :‬‬
‫الصحيحة‪ ،‬فها هو نب ُّينا وقدو ُتنا‬ ‫ِ‬
‫اهلل للفوز عندَ ه‪ ،‬ونيل مرضاته؛ هي العقيدة َّ‬
‫يتوسل إلى اهلل هبذه األصول العظيمة‪:‬‬ ‫ﷺ يف مناجاته لر ِّبه يف جوف ال َّليل‪َّ ،‬‬
‫ْت َم ِل ُ‬ ‫ات»‪َ ،‬‬ ‫ْت نُور السماو ِ‬ ‫ض»‪َ ،‬‬ ‫ْت َقيم السماو ِ‬
‫ك‬ ‫«أن َ‬ ‫«أن َ ُ َّ َ َ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫هم َأن َ ِّ ُ َّ َ َ‬
‫«ال َّل َّ‬
‫ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات»‪َ ،‬‬
‫الح ُّق‪َ ،‬ول َقاؤُ َك َح ٌّق‪َ ،‬و َ‬
‫الجنَّ ُة‬ ‫ك َ‬ ‫الح ُّق‪َ ،‬و َو ْعدُ َك َ‬
‫الح ُّق‪َ ،‬و َق ْو ُل َ‬ ‫ْت َ‬‫«أن َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫هم َل َ‬
‫ك‬ ‫السا َع ُة َح ٌّق»‪« ،‬ال َّل َّ‬
‫ون َح ٌّق‪َ ،‬و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّق‪َ ،‬و َّ‬ ‫َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق‪َ ،‬والنَّبِ ُّي َ‬
‫ك‬‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫اص ْم ُ‬
‫ك َخ َ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َأ َن ْب ُ‬
‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬
‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬
‫ْت‪َ ،‬و َع َل ْي َ‬ ‫ك َآمن ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ت»‪.‬‬
‫َحاك َْم ُ‬

‫توسل إلى‬ ‫ٍ‬ ‫متوس ًل هبا إلى اهلل‪،‬‬ ‫وهذه ك ُّلها عقائد َيذكُرها‬
‫فأعظم وسيلة ُي َّ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الصحيحة‪.‬‬
‫اهلل ‪ E‬هبا العقيدة َّ‬

‫قوله‪َ « :‬فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬


‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬
‫ْت» أي‪:‬‬
‫كريم‪ ،‬وأنت‬
‫ٌ‬ ‫وصفحك‬
‫َ‬ ‫الذنوب؛ َّ‬
‫فإن رحمتَك واسعةٌ‪،‬‬ ‫جميع ُّ‬
‫َ‬ ‫فاغفر لي يا اهلل‬
‫نوب َّإل َ‬
‫أنت ﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬ ‫يغفر ُّ‬
‫الذ َ‬ ‫الرحيم‪ ،‬وال ُ‬
‫الغفور َّ‬
‫ُ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]135 :‬‬
‫ذنب أن يغفره ‪﴿ C‬ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫رحيم ال يتعاظمه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫غفور‬
‫ٌ‬ ‫وهو سبحانه‬
‫[الزمر‪.]53 :‬‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ ُّ‬

‫الم َؤ ِّخ ُر» أي‪ :‬يقدِّ م َمن يشاء؛ إيمانًا‪ ،‬وطاعةً‪،‬‬


‫ْت ُ‬‫الم َقدِّ ُم‪َ ،‬و َأن َ‬
‫ْت ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«أن َ‬
‫السموات واألرض» (‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫حديث‪«:‬اللهم لك احلمد أنت نور َّ‬ ‫(‪)13‬‬
‫‪111‬‬

‫والذنوب‪ ،‬و ُي َؤ ِّخر َمن يشاء؛ َّ‬


‫ألن األمور‬ ‫ورفعةً‪ ،‬وعبادةً‪ ،‬و ُبعدً ا عن المعاصي ُّ‬
‫ويعز ُّ‬
‫ويذل‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ويضل َمن يشاء‪ ،‬يخفض ويرفع‪ُّ ،‬‬ ‫بيده ‪E‬؛ يهدي َمن يشاء‬
‫عزا ورفع ًة وتقدُّ ًما لم يستَطع أحدٌ حرمانَه من‬
‫ويعطي ويمنَع‪َ ،‬م ْن كتب اهلل له ًّ‬
‫وخفضا ُّ‬
‫وتأخ ًرا لم يستَطع أحدٌ عونَه للخالص من‬ ‫ً‬ ‫َب اهلل له ًّ‬
‫ذل‬ ‫ذلك‪ ،‬و َمن كت َ‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ختم لهذه المناجاة العظيمة بأعظم الكلمات‬ ‫ْت»؛ هذا ٌ‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» ا َّلتِي ألجلها ُخلقت الخليقةُ‪،‬‬‫على اإلطالق؛ كلمة التَّوحيد َ‬
‫ِ‬ ‫سل‪ ،‬و ُأنزلت‬
‫وأهم ُش َعب‬
‫ُّ‬ ‫أركان الدِّ ين‪،‬‬ ‫الكتب‪ ،‬وهي أعظم‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫و ُأرسلت ُّ‬
‫اإليمان‪ ،‬وهي ُ‬
‫سبيل ال َفوز بالجنَّة والنَّجاة م َن النَّار‪ ،‬ومعناها‪ :‬ال معبود ٍّ‬
‫بحق‬
‫وإثبات؛ نفي للعبود َّية عن ِّ‬
‫كل َم ْن‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْت» فيها ٌ‬
‫نفي‬ ‫فـ«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫سواه سبحانه؛ َ‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‬
‫فصاحب َ‬
‫ُ‬ ‫وإثبات للعبود َّية ِّ‬
‫بكل معانيها هلل وحده؛‬ ‫ٌ‬ ‫سوى اهلل‪،‬‬
‫ح ًّقا ال يدعو َّإل اهلل‪ ،‬وال يستغيث َّإل باهلل‪ ،‬وال يتوكَّل َّإل على اهلل‪ ،‬وال ينذر َّإل‬
‫ف شي ًئا من العبادة َّ‬
‫إل هلل‪﴿ ،‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫هلل‪ ،‬وال يذبح َّإل هلل‪ ،‬وال ِ‬
‫يصر ُ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنعام‪:‬‬

‫‪.]163 - 162‬‬
‫ِ‬
‫األمر‬
‫ُ‬ ‫«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّلل»؛ هذه كلم ٌة عظيمةٌ‪ ،‬جاء يف ُّ‬
‫السنَّة‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫تتضمن طلب العون من اهلل‬ ‫َّ‬ ‫تحت العرش‪ ،‬وهي‬ ‫َ‬ ‫باإلكثار منها‪ ،‬وأنَّها مِن ٍ‬
‫كنز‬
‫قو ٍة‬ ‫َ‬
‫حصول َّ‬ ‫حال إلى ٍ‬
‫حال‪ ،‬وال‬ ‫تحو َل من ٍ‬ ‫ألن معناها‪ :‬ال ُّ‬
‫ٍ‬
‫استعانة؛ َّ‬ ‫فهي كلم ُة‬
‫للعبد َّإل باهلل ‪ E‬بعونِ ِه و َمدِّ ِه وتوفِ ِيقه‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪112‬‬

‫العظيمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫مستشعرا معانيه‬
‫ً‬ ‫عظيم األ َث ِر على من واظب عليه‬‫ُ‬ ‫استفتاح‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫ومو َله‪ ،‬راج ًيا‬ ‫ِ‬
‫مقو ًيا صلتَه بر ِّبه ْ‬
‫ودالالته الجليلة‪ ،‬مجدِّ ًدا إيمانَه وتوحيدَ ه‪ِّ ،‬‬
‫الزك َّية‪ ،‬والمقامات العل َّية‪ ،‬واآلثار المباركة‪،‬‬
‫ب عليه من األحوال َّ‬ ‫َ‬
‫نيل ما يرت َّت ُ‬
‫َ‬
‫شريك له‪.‬‬ ‫والعوائد الحميدة‪ ،‬وبِاهلل وحدَ ه التَّوفيق ال‬
‫نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»‬
‫(‪ )14‬حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫‪113‬‬

‫‪14‬‬

‫نيب من األنبياء‬
‫حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»‬

‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬ما ِمن األَ ْنبِي ِ‬


‫اء ِم ْن َنبِ ٍّي إِ َّل َقدْ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يت َو ْح ًيا َأ ْو َحى‬ ‫َان ا َّل ِذي ُأوتِ ُ‬
‫ات َما ِم ْث ُل ُه َآم َن َع َل ْي ِه ا ْل َب َش ُر؛ َوإِن ََّما ك َ‬
‫ُأعطِي ِمن اآلي ِ‬
‫ْ َ َ َ‬
‫ُون َأ ْك َث َر ُه ْم تَابِ ًعا َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(‪.)1‬‬
‫اهَّللُ إِ َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬
‫وخيارهم؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‪ :‬هم صفو ُة العباد‬
‫[الحج‪ ]75 :‬اختارهم اهلل على ِع ٍ‬
‫لم ليكونوا‬ ‫ُّ‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾‬
‫واسط ًة بينهم وبين عباده يف إبالغ دينه‪ ،‬وبيان شرعه؛ فال سبيل إلى معرفة‬
‫الشرع َّإل من جهتهم‪ُ ،‬‬
‫وس ُّموا ُر ُس ًل لهذا؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‬ ‫َّ‬
‫وحق‬
‫ُّ‬ ‫وشر َعه‪،‬‬ ‫[النُّور‪]54 :‬؛ ألنَّهم يب ِّلغون عن اهلل ‪ E‬وحيه‪ِ ،‬‬
‫ودينَه‪َ ،‬‬ ‫َ َْ‬
‫طاعة؛ فألجلها ُب ِعثوا؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫األنبياء على ُأ َم ِمهم ال َّ‬
‫السعادة الحقيقة‪ ،‬والنَّجاة‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النِّساء‪ ]64 :‬وطاعتُهم هي َّ‬
‫والفالح يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬

‫وصحة ما جاؤوا به‪ ،‬وأنَّهم َأك َْم ُل‬


‫َّ‬ ‫وقد أ َّيدهم باآليات الدَّ ا َّلة على صدقهم‪،‬‬
‫وحججٍ واضحة‪ ،‬ما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬
‫نبي مؤ َّيد بآيات مقنعة‪ ،‬كافية‪ُ ،‬‬
‫وعمل؛ فكل ٍّ‬ ‫علما‬
‫الخلق ً‬
‫البخاري (‪ ،)4981‬ومسلم (‪ ،)152‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪114‬‬

‫الحق‪ ،‬وغواي ٌة‬ ‫مث ُله آمن عليه البشر؛ لك َّن ً‬


‫كثيرا من البشر يف قلوهبم عماي ٌة عن ِّ‬
‫عن ال َّ‬
‫طريق المستقيم؛ ولهذا قال تعالى‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖ﴾ [يونس‪ ،]101 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [يوسف‪.]105 :‬‬
‫ِ‬
‫القرآن العظيمة‬ ‫ِ‬
‫جملة علو ِم‬ ‫والعلم باألنبياء وما ُأ ِّيدوا به من الرباهين‪ :‬من‬
‫وثمار جليلةٌ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ا َّلتِي يرت َّتب عليه فوائدُ غزيرةٌ‪،‬‬

‫ذكر‬
‫عدي ‪« :V‬ومنها ‪-‬أي‪ :‬علوم القرآن‪ُ -‬‬ ‫الس ُّ‬‫الرحمن ِّ‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬وما ُأ ِ‬
‫رس ُلوا به‪ ،‬وما َج َرى لهم مع أممهم‪ ،‬وفي ذلك فوائد‪:‬‬

‫منها‪َّ :‬‬
‫أن من تمام اإليمان هبم معرفتهم بصفاهتم وسيرهم وأحوالهم‪،‬‬
‫وتعظيما‬
‫ً‬ ‫و ُك َّلما كان المؤمن بذلك أعرف؛ كان أعظم إيمانًا هبم ومح َّبة لهم‬
‫وتوقيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتعزيرا‬
‫ً‬ ‫لهم‬

‫محمدً ا ﷺ معرفتهم‬
‫َّ‬ ‫خصوصا النَّبِ َّي‬
‫ً‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن من بعض حقوقهم علينا‬
‫ومح َّبتهم مح َّبة صادقة وال سبيل لذلك َّإل بمعرفة أحوالهم‪.‬‬

‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن معرفة األنبياء موجبة لشكر اهلل تعالى على ما َم َّن به على‬
‫رسول منهم ُي َزكِّيهم و ُي َع ِّلمهم الكتاب والحكمة بعد‬
‫ً‬ ‫المؤمنين؛ إذ بعث فيهم‬
‫أن كانوا يف ضالل مبين‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرسل هم المر ُّبون للمؤمنين ا َّلذين ما نال المؤمنون مثقال َّ‬
‫ذرة‬ ‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن ُّ‬
‫الش ِّر َّإل على أيديهم وبسببهم‪،‬‬
‫ذرة من َّ‬
‫من الخير‪ ،‬وال اندفع عنهم مثقال َّ‬
‫نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»‬
‫(‪ )14‬حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫‪115‬‬

‫فقبيح بالمؤمن‪ ،‬أن يجهل حالة ُمر ِّبيه و ُمزكِّيه و ُم َع ِّلمه‪ ،‬وإذا كان من المستنكر‬
‫الرسول ا َّل ِذي هو‬ ‫جهل اإلنسان بحال أبويه ومباعدته لذلك‪ ،‬فكيف بحالة َّ‬
‫الحقيقي ا َّل ِذي ح ُّقه ُم َقدَّ م على سائر‬
‫ُّ‬ ‫أولى بالمؤمنين من أنفسهم‪ ،‬وهو أبوهم‬
‫حق اهلل تعالى؟!‬
‫الحقوق بعد ِّ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫أن يف معرفة ما جرى لهم وما جرى عليهم تحصل للمؤمن األسوة‬
‫وتخف عنه كثير من المقلقات والمزعجات؛ ألنَّها مهما بلغت من‬
‫ُّ‬ ‫والقدوة‬
‫ال ِّثقل ِّ‬
‫والشدَّ ة فال تصل إلى بعض ما جرى على األنبياء‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [األحزاب‪ ،]21 :‬ومن أعظم االقتداء هبم‪:‬‬
‫والصرب‬‫َّ‬ ‫االقتداء بتعليماهتم‪ ،‬وكيف َّية إلقاء العلم على حسب مراتب الخلق‪،‬‬
‫على التَّعليم‪ ،‬والدَّ عوة إلى اهلل بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬والمجادلة با َّلتِي‬
‫هي أحسن؛ وهبذا وأمثاله؛ كان العلماء ورثة األنبياء‪.‬‬

‫المن ََّزلة عليه‪ ،‬وفهم‬


‫الرسول ﷺ‪ :‬معرفة اآليات القرآن َّية ُ‬
‫ومن فوائد معرفة َّ‬
‫الرسول وسيرته مع قومه‬
‫المعنى‪ ،‬والمراد منها؛ موقوف على معرفة أحوال َّ‬
‫وأصحابه وغيرهم من النَّاس‪َّ ،‬‬
‫فإن األزمنة واألمكنة واألشخاص تختلف‬
‫همه لمعرفة معاين القرآن من دون‬ ‫اختال ًفا ً‬
‫كثيرا‪ ،‬فلو أراد اإلنسان أن يصرف َّ‬
‫معرفة منه لذلك؛ لحصل من الغلط على اهلل وعلى رسوله وعلى مراد اهلل من‬
‫كالمه شيء كثير‪ ،‬وهذا إنَّما يعرفه َمن عرف كيف كثر حمل مراد اهلل ورسوله‬
‫على العرف الحادث فوقع الخلل الكثير‪ ،‬ولغير ذلك من الفوائد المفيدة‬
‫السديدة»(‪.)1‬‬
‫والنَّتائج َّ‬
‫عدي (‪.)37-36‬‬
‫للس ِّ‬
‫الرحمن ِّ‬
‫((( تيسير الكريم َّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪116‬‬
‫ِ‬
‫اعتقاد أنَّهم‬ ‫عظيم من أصول اإليمان‪ ،‬ومبناه‪ :‬على‬ ‫بالرسل ٌ‬
‫أصل‬
‫ٌ‬ ‫واإليمان ُّ‬
‫والحق‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫رسل اهلل ح ًّقا‪ ،‬وأنبياؤه صد ًقا‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل ‪ D‬بعثهم للنَّاس بالهدى‬
‫ُم َب ِّشرين و ُمنْذرين‪ ،‬وأنَّهم أ َّدوا األمانة‪ ،‬ونصحوا ألممهم‪ ،‬وب َّلغوا ما أمرهم‬
‫اهلل بتبليغه على الكمال والتَّمام‪َّ ،‬‬
‫وأن َمن أطاعهم فهو من أهل الجنَّة‪ ،‬و َمن‬
‫وعلو قدرهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واعتقاد فضلهم‪ ،‬ورفعة شأهنم‪،‬‬ ‫عصاهم فهو من أهل النَّار‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وخصهم برسالته‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وأن اهلل ‪ D‬اجتباهم‪ ،‬واختارهم‪ ،‬وم َّيزهم على النَّاس‪،‬‬
‫َ‬
‫وسائط بينه وبين خلقه يف بالغ دينه‪ ،‬وأ َّيدهم‬ ‫وفضلهم على العالمين‪ ،‬وجعلهم‬
‫َّ‬
‫وصحة ما جاؤوا به‪ ،‬وأنَّهم َأ َ‬
‫كم ُل‬ ‫َّ‬ ‫سبحانه بالرباهين الدا َّلة على صدقهم‪،‬‬
‫ً‬
‫وأعمال‪ ،‬واعتقا ُد‬ ‫وأبرهم‪ ،‬وأكم ُلهم أخال ًقا‬
‫وعمل‪ ،‬وأصدَ ُق ُهم‪ُّ ،‬‬
‫ً‬ ‫علما‬
‫الخلق ً‬
‫الر ُسل أولو العزم منهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّفاضل بينهم‪َّ ،‬‬
‫الر ُسل‪ ،‬وأفضل ُّ‬
‫أفضل األنبياء ُّ‬ ‫وأن‬ ‫الت ُ‬
‫محمد ﷺ؛ فهو إمام المرسلين‪ ،‬وخيرهم‪ ،‬ومقدَّ ُمهم ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأفضل أولي العزم َّ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬

‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬

‫ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬

‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ﴾ [النِّساء‪.]165-163 :‬‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬

‫ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ‬
‫نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»‬
‫(‪ )14‬حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫‪117‬‬

‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬

‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ‬

‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ‬

‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬

‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [األنعام‪.]90-83 :‬‬

‫الرسل‪ ،‬وما أعطاهم من الفضل والخصائص‪،‬‬


‫ولما أخرب اهلل عن كمال ُّ‬
‫َّ‬
‫وأن دينَهم واحد‪ ،‬ودعوهتم إلى الخير واحدة؛ كان موجب ذلك ومقتضاه‪:‬‬ ‫َّ‬
‫أن تجتمع األمم على تصديقهم‪ ،‬واالنقياد لهم؛ ل ِ َما آتاهم من الب ِّينات ا َّلتِي‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬ووقع‬
‫على مثلها يؤمن البشر؛ لكن أكثر النَّاس انحرفوا عن ِّ‬
‫ن كفر؛ كما قال تعالى ﴿ﭴ ﭵ‬
‫االختالف بين األمم؛ فمنهم َم ْن آمن‪ ،‬ومنهم َم ْ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬

‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ﴾‬
‫[النَّحل‪.]136 :‬‬

‫ومدار بِع َثتهم من َّأولهم إلى خاتمهم َّ‬


‫محمد ﷺ على الدَّ عوة إلى التَّوحيد‬
‫أول ما يقولون لقومهم‪﴿ :‬ﭬ‬
‫وغيره َّ‬
‫ُ‬ ‫فنوح‬ ‫الخالص‪ ،‬والنَّهي عن ِّ‬
‫الشرك؛ ٌ‬
‫ٍ‬
‫كثيرة‪.‬‬ ‫ويكررون هذا األصل ب ُط ُر ٍق‬ ‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [األعراف‪،]59 :‬‬
‫ِّ‬
‫الصفات‪ ،‬وغايتهم واحدة‪،‬‬‫ولما كان األنبياء هبذه المثابة‪ ،‬وعلى هذه ِّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫تفريق‬ ‫ٍ‬
‫مسلم أن يؤمن بجميع األنبياء دون‬ ‫وهدفهم واحد؛ وجب على ِّ‬
‫كل‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪118‬‬

‫كفرا بجميع األنبياء‪ ،‬و َمن عادى أحدً ا‬ ‫ٍ‬


‫بنبي واحد ً‬ ‫بينهم؛ ولهذا صار الكفر ٍّ‬
‫اهلل وعا َدى جميع ُر ُسلِ ِه؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫من رسله فقد عا َدى َ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [البقرة‪،]98 :‬‬
‫كذب بالجميع؛‬ ‫ٍ‬
‫بواحد منهم‪ ،‬فقد َّ‬ ‫كذب‬ ‫فمن َّ‬
‫فجميع األنبياء دعوهتم واحدة؛ َ‬
‫ٍ‬
‫واحد منهم‪.‬‬ ‫الحق ا َّل ِذي جاء به ُّ‬
‫كل‬ ‫ألنَّه ِّ‬
‫يكذب َّ‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [البقرة‪.]136 :‬‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬


‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ُ﴾ [البقرة‪.]285 :‬‬

‫نبي بعده؛ ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة‬ ‫ٍ‬


‫محمد ﷺ؛ فال َّ‬ ‫بنبوة نب ِّينا َّ‬‫وقد ختم اهلل النُّ ُب َّوات َّ‬
‫اء ِم ْن َق ْب ِلي؛ ك ََم َث ِل َر ُج ٍل‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬م َث ِلي وم َث ُل ْالَ ْنبِي ِ‬ ‫‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫بنَى بنْيانًا َف َأحسنَه و َأجم َله‪ ،‬إِ َّل مو ِضع َلبِن ٍَة ِمن ز ِ ٍ ِ‬
‫َّاس‬ ‫َاو َية م ْن ز ََو َايا ُه‪َ ،‬ف َج َع َل الن ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ َ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ت َه ِذ ِه ال َّلبِنَةُ! َق َال‪َ :‬ف َأنَا ال َّلبِنَةُ‪،‬‬ ‫ون‪َ :‬ه َّل ُو ِض َع ْ‬ ‫ون بِ ِه‪َ ،‬و َي ْع َج ُب َ‬
‫ون َل ُه‪َ ،‬و َي ُقو ُل َ‬ ‫َي ُطو ُف َ‬
‫ين»(‪.)1‬‬‫َو َأنَا َخات َُم النَّبِ ِّي َ‬
‫ت ع َلى األَ ْنبِي ِ‬ ‫وعن َأبِي هرير َة ‪َ I‬أ َّن رس َ ِ‬
‫اء‬ ‫َ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪ُ « :‬ف ِّض ْل ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ت‬‫ت لِ َي ا ْل َغنَائِ ُم‪َ ،‬و ُج ِع َل ْ‬
‫ب‪َ ،‬و ُأ ِح َّل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت؛ ُأ ْعطِ ُ‬
‫يت َج َوام َع ا ْلكَلمِ‪َ ،‬ونُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬ ‫بِ ِس ٍّ‬
‫البخاري (‪ ،)3535‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)2286‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫نيب من األنبياء َّإل قد ُأ ْع ِطي من اآليات»‬
‫(‪ )14‬حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫‪119‬‬

‫ت إِ َلى ا ْلخَ ْل ِق كَا َّفةً‪َ ،‬و ُختِ َم بِ َي النَّبِ ُّي َ‬


‫ون»(‪.)1‬‬ ‫جدً ا‪َ ،‬و ُأ ْر ِس ْل ُ‬
‫ورا َو َم ْس ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َي األَ ْر ُض َط ُه ً‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن لِ َي َأ ْس َما ًء؛ َأنَا‬ ‫وعن ُج َب ْي ِر ْب ِن ُم ْط ِع ٍم ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫اش ُر ا َّل ِذي‬
‫احي ا َّل ِذي يمحو اهَّلل بِي ا ْل ُك ْفر‪ ،‬و َأنَا ا ْلح ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫محمدٌ ‪ ،‬و َأنَا َأحمدُ ‪ ،‬و َأنَا ا ْلم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ َ َّ َ‬
‫ب ا َّل ِذي َل ْي َس َب ْعدَ ُه َأ َحدٌ »(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َّاس َع َلى َقدَ َم َّي‪َ ،‬و َأنَا ا ْل َعاق ُ‬
‫ُي ْح َش ُر الن ُ‬

‫قال الحافظ ابن كثير ‪« :V‬واألحاديث يف هذا كثيرة؛ فمن رحمة‬


‫ثم من تشريفه لهم‪ :‬ختم األنبياء‬
‫محمد ﷺ إليهم‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل تعالى بالعباد‪ :‬إرسال‬
‫اهلل ‪ F‬يف كتابه‪،‬‬
‫والمرسلين به‪ ،‬وإكمال الدِّ ين الحنيف له‪ ،‬وقد أخرب ُ‬
‫أن ك َُّل َم ِن ا َّدعى‬ ‫ورسو ُله ﷺ يف ُّ‬
‫السنَّة المتواترة عنه؛ أنَّه ال نبي بعده؛ ليعلموا َّ‬
‫َّ‬
‫اب وأ َّف ٌ‬
‫اك»(‪.)3‬‬ ‫هذا المقام بعده فهو َّ‬
‫كذ ٌ‬

‫َان ا َّل ِذي ُأوتِ ُ‬


‫يت‪َ :‬و ْح ًيا َأ ْو َحا ُه اهَّللُ إِ َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْر ُجو‬ ‫«وإِن ََّما ك َ‬
‫وقوله ‪َ :O‬‬
‫ِ ِ‬
‫ُون َأ ْك َث َر ُه ْم تَابِ ًعا َي ْو َم ا ْلق َي َامة» فيه فضل القرآن؛ خاتمة ال ُكتُب ُ‬
‫المن ََّزلة‪،‬‬ ‫َأ ْن َأك َ‬
‫والمصدِّ ق ل ِ َما بين يديه من الكتاب‪ ،‬والمهيمن عليه‪ ،‬وهو آي ٌة خالد ٌة إلى قيام‬
‫كتاب َع ُظ َم نف ُعه للبشر‪ ،‬و َك ُث َر َخ ُير ُه‪ ،‬و َدا َمت عوائدُ ه و َمناف ُعه‪.‬‬
‫الساعة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫َّ‬
‫ُون َأك َث َر ُهم تَابِ ًعا َيو َم‬ ‫قال الحافظ ابن حجر ‪« :V‬قوله‪َ « :‬ف َأ ُ‬
‫رجو َأن َأك َ‬
‫المستمرة؛ ل َكثرة‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫الق َي َامة»‪ُ :‬ر ِّت َ‬
‫ب هذا الكال ُم على ما تقدَّ م من معجزة القرآن‬
‫والح َّجة‪ ،‬واإلخبار بما سيكون؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فائدته‪ ،‬وعموم نَفعه؛ الشتماله على الدَّ عوة‪ُ ،‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)523‬‬
‫البخاري (‪ ،)4896‬ومسلم (‪ ،)2354‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( تفسير القرآن العظيم البن كثير (‪.)203/6‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪120‬‬

‫ترتيب‬
‫ُ‬ ‫َف َع َّم نف ُعه َمن َح َضر‪ ،‬و َمن غاب‪ ،‬و َمن ُو ِجدَ ‪ ،‬و َمن سيوجد‪َ ،‬ف َح ُس َن‬
‫الرجوى قد تح َّققت؛ فإنَّه ُ‬
‫أكثر األنبياء‬ ‫الرجوى المذكورة على ذلك‪ ،‬وهذه َّ‬
‫َّ‬
‫َت َب ًعا»(‪.)1‬‬

‫ت‬ ‫ت َع َل َّي ْالُ َم ُم‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُ‬‫اس ‪َ L‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪ُ « :‬عرِ َض ْ‬ ‫عن ا ْبن َع َّب ٍ‬
‫الر ُج َل ِن‪َ ،‬والنَّبِ َّي َل ْي َس َم َع ُه َأ َحدٌ ؛‬ ‫الر ُج ُل َو َّ‬ ‫الر َه ْي ُط‪َ ،‬والنَّبِ َّي َو َم َع ُه َّ‬
‫النَّبِ َّي َو َم َع ُه ُّ‬
‫ْت َأنَّهم ُأمتِي‪َ ،‬ف ِق َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وسى ﷺ َو َق ْو ُم ُه‪،‬‬ ‫يل لي‪َ :‬ه َذا ُم َ‬ ‫يم‪َ ،‬ف َظنَن ُ ُ ْ َّ‬ ‫إِ ْذ ُرف َع لي َس َوا ٌد َعظ ٌ‬
‫يل لِي‪ :‬ا ْن ُظ ْر إِ َلى األُ ُف ِق‬ ‫يم‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫ِ‬
‫َو َلك ِن ا ْن ُظ ْر إِ َلى األُ ُف ِق‪َ ،‬فنَ َظ ْر ُت‪َ ،‬فإِ َذا َس َوا ٌد َعظ ٌ‬
‫ِ‬

‫ون َأ ْل ًفا َيدْ ُخ ُل َ‬


‫ون‬ ‫ُك‪َ ،‬و َم َع ُه ْم َس ْب ُع َ‬ ‫يل لِي‪َ :‬ه ِذ ِه ُأ َّمت َ‬ ‫يم‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪َ ،‬فإِ َذا َس َوا ٌد َعظ ٌ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َجنَّ َة بِ َغ ْيرِ ِح َس ٍ‬
‫اب َو َل َع َذ ٍ‬
‫اب»(‪.)2‬‬

‫((( انظر‪ :‬فتح الباري البن حجر (‪.)160-159/11‬‬


‫البخاري (‪ ،)6541‬ومسلم (‪ ،)220‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫عبد َّ‬
‫حتى يؤمن بأربع»‬ ‫(‪ )15‬حديث‪« :‬ال يؤمن ٌ‬
‫‪121‬‬

‫‪15‬‬

‫عبد َّ‬
‫حتى يؤمن بأربع»‬ ‫حديث‪« :‬ال يؤمن ٌ‬

‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬


‫«ل ُي ْؤ ِم ُن َع ْبدٌ‬ ‫ب ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫الح ِّق‪َ ،‬و ُي ْؤ ِم ُن‬ ‫حتَّى ي ْؤ ِمن بِ َأربعٍ‪ :‬ي ْشهدُ َأ ْن َل إِ َله إِ َّل اهَّلل‪ ،‬و َأنِّي رس ُ ِ ِ‬
‫ول اهلل َب َع َثني بِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َْ َ َ‬
‫ت‪َ ،‬و ُي ْؤ ِم ُن بِال َقدَ ِر»(‪.)1‬‬
‫ث بعدَ ا ْلمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْوت‪َ ،‬وبِال َب ْع َ ْ َ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ً‬
‫أصول‬ ‫جامع من أحاديث اإليمان‪ ،‬جمع فيه النَّبِ ُّي ﷺ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫هذا‬
‫«ل ُي ْؤ ِم ُن َع ْبدٌ »‪:‬‬
‫أربع ًة عليها مدار الدِّ ين وقيا ُمه‪ ،‬والمراد بالنَّفي يف قوله‪َ :‬‬
‫بواحد من هذه األربعة لم‬ ‫ٍ‬ ‫فمن لم يؤمن‬ ‫نفي َأص ِ‬
‫ل اإليمان‪ ،‬ال نفي كماله؛ َ‬ ‫ُ‬
‫يكن مؤمنًا‪.‬‬

‫ُ‬
‫دالئل كثيرةٌ‪ ،‬وشواهدُ عديدةٌ؛ يف كتاب‬ ‫ُّ‬
‫وكل أص ٍل من هذه األصول له‬
‫الم َت َع ِّلقة‬
‫وأهم َّيتها‪ ،‬والتَّفاصيل ُ‬
‫ِّ‬ ‫وسنَّة نب ِّيه ﷺ‪ ،‬تبين مكانة هذه األصول‪،‬‬
‫اهلل ُ‬
‫فر ٌد عن اإليمان بالقدر‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حديث ُم َ‬ ‫هبا‪ ،‬وتقدَّ م الحديث عن َّ‬
‫الشهادتين‪ ،‬وسيأيت‬
‫ٍ‬
‫بواحد من هذه األصول؛ وهو الموت‪ ،‬وسيأيت‬ ‫والحديث هنا عن اإليمان‬
‫خاص عن ما بعد الموت‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫أيضا‬
‫ً‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2145‬وال َّلفظ له‪ ،‬وابن ماجه (‪،)81‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪122‬‬

‫﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [آل‬ ‫قال اهلل تعالى يف ثالثة مواطن من القرآن‪:‬‬


‫بأن َّ‬
‫كل نفس ذائقة‬ ‫إخبارا عا ًّما يشمل جميع الخلق َّ‬
‫ً‬ ‫عمران‪]185 :‬؛ يخرب تعالى‬
‫الحي‬
‫ُّ‬ ‫[الرحمن‪]26 :‬؛ فهو تعالى وحدَ ه هو‬
‫الموت؛ كقوله‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ َّ‬
‫ا َّل ِذي ال يموت‪ ،‬واإلنس والج ُّن يموتون‪.‬‬

‫الش ُ‬
‫يخ حافظ‬ ‫أمورا عديدة‪ ،‬وقد ذكرها بالتَّفصيل َّ‬
‫واإليمان بالموت يتناول ً‬
‫َح َكمي ‪ V‬يف كتابه «معارج القبول»(‪ ،)1‬وفيما يلي تلخيص لها‪:‬‬

‫السماوات واألرض؛ من‬


‫منها‪ :‬تحتُّمه على َمن كان يف الدُّ نيا من أهل َّ‬
‫ن‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬وغيرهم من المخلوقات؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﮖ ﮗ‬
‫اإلنس‪ ،‬والج ِّ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [القصص‪ ،]88 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫[الرحمن‪ ،]27 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ﴾ َّ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [آل عمران‪ ،]185 :‬وقال تعالى لنب ِّيه‬


‫ﷺ‪﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ ُّ‬
‫[الزمر‪:‬‬

‫‪ ،]31-30‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ﴾ [األنبياء‪-34 :‬‬

‫‪ ،]35‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬

‫ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [العنكبوت‪ ،]57-56 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ‬

‫الصحيح عن ابن‬
‫[السجدة‪ ،]11 :‬ويف َّ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ َّ‬

‫((( انظر‪ :‬معارج القبول بشرح س َّلم الوصول (‪.)713-703/2‬‬


‫عبد َّ‬
‫حتى يؤمن بأربع»‬ ‫(‪ )15‬حديث‪« :‬ال يؤمن ٌ‬
‫‪123‬‬

‫ْت‪َ -‬أ ْن‬


‫‪-‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ك َ‬ ‫«أ ُع ْو ُذ بِ ِعزَّتِ َ‬
‫أن النَّبِي ﷺ كان يقول‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫ع َّباس ‪َّ :L‬‬
‫اإلن ُْس َي ُم ْوت ُْو َن»(‪.)1‬‬ ‫الحي ا َّل ِذي َل َي ُم ْو ُت‪َ ،‬و ِ‬
‫الج ُّن َو ِ‬ ‫ت ُِض َّلن ِ ْي‪َ ،‬أن َ‬
‫ْت َ ُّ‬
‫أجل محدود‪ ،‬وأ َمدٌ ممدود ينتهي إليه‪ ،‬ال يتجاوزه وال‬ ‫أن ك ًُّل له ٌ‬
‫ومنها‪َّ :‬‬
‫قصر عنه‪ ،‬وقد َعلِم اهلل تعالى جميع ذلك بعلمه ا َّل ِذي هو صفته‪ ،‬وجرى به‬ ‫َي ُ‬
‫كل أحد يف بطن ُأ ِّمه بأمر ر ِّبه ‪D‬‬
‫ثم كتبه الم َلك على ِّ‬
‫القلم بأمره يوم خلقه‪َّ ،‬‬
‫أي زمان؛ فال ُي َزاد فيه‪ ،‬وال‬
‫أي مكان يكون‪ ،‬ويف ِّ‬
‫عند تخليق النُّطفة يف عينه؛ يف ِّ‬
‫عما سبق به علم اهلل تعالى وجرى به قضاؤه‬ ‫ُين َقص منه‪ ،‬وال يغ َّير وال يبدَّ ل َّ‬
‫تف هلك‬ ‫كل إنسان مات‪ ،‬أو ُقتِل‪ ،‬أو ح ِرق‪ ،‬أو َغرق‪ ،‬أو بأي ح ٍ‬ ‫وأن َّ‬
‫وقدره‪َّ ،‬‬
‫ِّ َ‬ ‫ُ‬
‫السبب ا َّل ِذي كان فيه‬ ‫بأجله؛ لم يستأخر عنه ولم يستقدم طرفة عين‪َّ ،‬‬
‫وأن ذلك َّ‬
‫حت ُفه هو ا َّل ِذي قدَّ ره اهلل تعالى عليه‪ ،‬وقضاه عليه‪ ،‬وأمضاه فيه‪ ،‬ولم يكن له بدٌّ‬
‫هرب‪ ،‬وال فكاك‪ ،‬وال َخالص‪ ،‬وأنَّى‬ ‫ِ‬
‫مفر له‪ ،‬وال َم َ‬
‫يص عنه‪ ،‬وال َّ‬ ‫منه‪ ،‬وال َمح َ‬
‫وكيف وإلى أين والت حين مناص‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ‬


‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾ [آل عمران‪ ]145 :‬اآلية‪،‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾‬

‫[آل عمران‪ ]154 :‬اآليات‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫ﯣ ﯤ﴾ [النِّساء‪ ،]78 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬

‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ﴾ [األعراف‪ ]34 :‬يف مواضع من القرآن‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ‬

‫البخاري (‪ ،)3738‬ومسلم (‪ ،)2717‬وال َّلفظ له‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪124‬‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [الجمعة‪ ،]8 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ﴾ [األنعام‪ ]60 :‬وغيرها من اآليات‪.‬‬

‫الحجاج ‪ V‬يف «صحيحه»(‪ )1‬عن المعرور بن سويد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وروى مسلم بن‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬قال‪ :‬قالت أم حبيبة‪ :‬ال َّل ُهم م ِّت ْعنِي َبز ْو ِجي رس ِ‬
‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إن ِ‬
‫َّك‬ ‫قال َلها َر ُس ُ‬ ‫عاو َيةَ‪َ ،‬ف َ‬ ‫اهللِ ﷺ‪َ ،‬وبِ َأبِي َأبِي ُس ْف َ‬
‫يان‪َ ،‬وبِ َأ ِخي ُم ِ‬

‫وم ٍة‪َ ،‬ل ُي َع ِّج ُل َش ْيئًا‬ ‫آثار َم ْو ُطو َء ٍة‪َ ،‬و َأ ْر ٍ‬


‫زاق َم ْق ُس َ‬ ‫جال َم ْض ُرو َب ٍة‪َ ،‬و ٍ‬
‫ت اهَّلل ِل ٍ‬
‫َ‬
‫س َأ ْل ِ‬
‫َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ت اهَّلل َأ ْن يعافِي ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ِمنْها َقب َل ِح ِّل ِه‪ ،‬و َل ي َؤ ِّخر ِمنْها َشيئًا بعدَ ِح ِّل ِه‪ ،‬و َلو س َأ ْل ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ َ ْ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫َان َخيرا َل ِ‬ ‫ذاب يف الن ِ‬
‫ك»‪.‬‬ ‫ذاب يف ال َق ْبرِ‪َ ،‬لك َ ْ ً‬
‫َّار‪َ ،‬و َع ٍ‬ ‫َع ٍ‬

‫َاق‬‫جال َم ْض ُرو َب ٍة‪َ ،‬و َأيا ٍم َم ْعدُ و َد ٍة‪َ ،‬و َأ ْرز ٍ‬


‫ت اهَّلل ِل ٍ‬ ‫ويف رواية(‪َ « :)2‬قدْ س َأ ْل ِ‬
‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫م ْقس ٍ‬
‫ومة‪َ ،‬ل ْن ُي َع ِّج َل َش ْيئًا َق ْب َل ح ِّله‪َ ،‬أ ْو ُي َؤ ِّخ َر َش ْيئًا َع ْن ح ِّله‪َ ،‬و َل ْو ُكنْت َس َأ ْلت اهَّللَ‬
‫َ ُ َ‬
‫كان َخ ْي ًرا َو َأ ْف َض َل»‪.‬‬
‫ذاب يف ال َق ْبرِ‪َ ،‬‬ ‫َّار‪َ ،‬أ ْو َع ٍ‬ ‫ذاب يف الن ِ‬ ‫َأ ْن ُي ِع َيذ ِك ِمن َع ٍ‬

‫كل ُع ُم ٍر‬ ‫بأن ذلك األجل المحتوم‪ ،‬والحدَّ المرسو َم ِلنتهاء ِّ‬ ‫ومنها‪ :‬اإليمان َّ‬
‫وأن ذلك من مفاتح الغيب ا َّلتِي استأثر‬ ‫علم لنا به‪َّ ،‬‬ ‫إليه؛ ال ا ِّطالع لنا عليه‪ ،‬وال َ‬
‫اهلل تعالى بعلمها عن جميع خلقه؛ فال َيع َل ُمها َّ‬
‫إل هو؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [األنعام‪ ]59 :‬اآلية‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ‬

‫ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [لقمان‪ ]34 :‬اآلية‪.‬‬

‫((( أخرجها مسلم (‪.)2663‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)2663‬‬


‫ ‬
‫عبد َّ‬
‫حتى يؤمن بأربع»‬ ‫(‪ )15‬حديث‪« :‬ال يؤمن ٌ‬
‫‪125‬‬

‫الردم بينه وبين آماله‪،‬‬ ‫ومنها‪ِ :‬ذكْر العبد الموت‪ِ َ ،‬‬


‫وج ْعله على باله كما هو َّ‬ ‫ُ‬
‫وهو المفضي به إلى أعماله‪ ،‬وإلى الحسن والقبيح من أقواله وأفعاله‪ ،‬وإلى‬
‫الجزاء األوىف من الحكم العدل يف شرعه‪ ،‬وقدره‪ ،‬وقضائه‪ ،‬ووعده‪ ،‬ووعيده؛‬
‫ذر ًة من ُح ِ‬
‫سن أعماله‪ ،‬ويف حديث‬ ‫فال يعاقب أحدً ا بذنب غيره‪ ،‬وال يهضمه َّ‬
‫وصححه؛ قال‪ :‬قال‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي‪ ،‬والنَّسائِ ِّي‪ ،‬وابن ح َّبان‬
‫ِّ‬ ‫أبي هريرة ‪ I‬عند الت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ِ َ :‬‬
‫«أكث ُروا ِذ َ‬
‫كر َهاد ِم ال َّل َّذات‪َ :‬‬
‫الم ْو ُت»(‪.)1‬‬

‫الرقاق من «صحيحه»‪ :‬باب قول النَّبِ ِّي‬ ‫البخاري ‪ V‬يف كتاب ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫وقال‬
‫علي بن عبد اهلل‪،‬‬ ‫ثنا‬ ‫حدَّ‬ ‫»‪،‬‬ ‫ب َأ ْو َعابِ ُر َسبِ ْي ٍ‬
‫ل‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َّك َغرِ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ﷺ‪« :‬ك ُْن فِي الدُّ ْن َيا ك َ‬
‫َأ‬
‫ُّ‬
‫فاوي‪ ،‬عن سليمان األعمش‬ ‫الرحمن أبو المنذر ال ّط ُّ‬ ‫محمد بن عبد َّ‬ ‫َّ‬ ‫حدَّ ثنا‬
‫سول اهَّللِ ﷺ‬ ‫«أخ َذ َر ُ‬‫قال‪ :‬حدَّ ثني مجاهد‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪َ :‬‬
‫َ‬
‫وكان اب ُن ُع َم َر‬ ‫يب ْأو عابِ ُر َسبِ ٍ‬
‫يل»‪،‬‬ ‫َّك َغرِ ٌ‬ ‫قال ‪« :‬ك ُْن يف الدُّ نْيا كَأن َ‬ ‫بمنْكِبِي‪َ ،‬ف َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخ ْذ‬ ‫أص َب ْح َت َف َل َتنْتَظ ِر َ‬
‫الم َسا َء‪ُ ،‬‬ ‫اح‪ ،‬وإذا ْ‬ ‫يقول‪ :‬إذا أ ْم َس ْي َت َف َل َتنْتَظ ِر َّ‬
‫الص َب َ‬ ‫ُ‬
‫مِن ِص َّحتِ َك ل ِ َم َر ِض َك‪ ،‬ومِ ْن َحياتِ َك ل ِ َم ْوتِ َك»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫وقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫«باب يف األمل وطولِه‪،‬‬
‫ثم قال‪ٌ :‬‬
‫َّ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [آل عمران‪،]185 :‬‬
‫بم َباعده‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ‬
‫بمزحزحه‪ُ :‬‬
‫ﭧ ﭨ﴾ [الحجر‪ ،]3 :‬وقال علي ‪«‌ :I‬ار َتح َل ِ‬
‫ت ‌الدُّ ْن َيا ُمدْ بِ َرةً‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ٌّ‬
‫َاء ْال ِخرة‪ِ،‬‬ ‫ُون؛ َف ُكونُوا مِن َأبن ِ‬ ‫احدَ ٍة من ُْه َما َبن َ‬
‫ِ‬ ‫ت ْال ِخر ُة م ْقبِ َلةً‪ ،‬ول ِ ُك ِّل و ِ‬
‫وار َتح َل ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)2307‬والنَّسائِ ُّي (‪ ،)1824‬وابن ح َّبان (‪ ،)2992‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)6416‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪126‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َو َل‬ ‫َو َل َت ُكونُوا م ْن َأ ْبنَاء الدُّ ْن َيا؛ َفإِ َّن ا ْل َي ْو َم َع َم ٌل َو َل ح َس ٌ‬
‫اب‪َ ،‬و َغدً ا ح َس ٌ‬
‫َع َمل»‪.‬‬

‫حدَّ ثنا صدقة بن الفضل‪ ،‬أخربنا يحيى بن سعيد‪ ،‬عن سفيان قال‪:‬‬
‫ط‬‫«خ َّ‬ ‫حدَّ ثني أبي‪ ،‬عن منذر‪ ،‬عن ربيع بن خثيم‪ ،‬عن عبد اهلل ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫ط ُخ ُط ًطا‬ ‫ار ًجا مِنْ ُه‪َ ،‬و َخ َّ‬‫ط َخ ِ‬ ‫ط َخ ًّطا فِي ا ْلوس ِ‬
‫َ َ‬ ‫النَّبِي ﷺ َخ ًّطا ُم َر َّب ًعا‪َ ،‬و َخ َّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫«ه َذا‬‫ص َغ ًارا إِ َلى َه َذا ا َّلذي في ا ْل َو َسط م ْن َجانبِه ا َّلذي في ا ْل َو َسط‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬
‫ار ٌج َأ َم ُل ُه‪،‬‬‫اط بِ ِه‪َ ،‬و َه َذا ا َّل ِذي ُه َو َخ ِ‬
‫يط بِ ِه‪َ ،‬أ ْو َقدْ َأ َح َ‬
‫ح ٌ‬ ‫ان‪ ،‬وه َذا َأج ُله م ِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ِْ‬
‫الن َْس ُ َ َ‬
‫ط َأ ُه َه َذا‬
‫ط َأ ُه َه َذا ن ََه َش ُه َه َذا‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْخ َ‬
‫اض‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْخ َ‬
‫َار ْالَ ْع َر ُ‬ ‫َو َه ِذ ِه ا ْل ُخ ُ‬
‫ط ُط ِّ‬
‫الصغ ُ‬
‫ن ََه َش ُه َه َذا»(‪.)1‬‬

‫التأهب له قبل نزوله‪ ،‬واالستعداد ل ِ َما بعده‬


‫ومنها‪ :‬وهو المقصود األعظم‪ُّ :‬‬
‫والسعي النَّافع‪ ،‬قبل ُد ُهوم البالء‬
‫الصالح‪َّ ،‬‬
‫قبل حصوله‪ ،‬والمبادرة بالعمل َّ‬
‫وحلوله؛ إذ هو الفيصل بين هذه الدَّ ار وبين دار القرار‪ ،‬وهو الفصل بين ساعة‬
‫الزاد والقدوم عليه؛ إذ‬
‫العمل والجزاء عليه‪ ،‬والحدُّ الفارق بين أوان تقديم َّ‬
‫َب وال اعتذار‪ ،‬وال زيادة يف الحسنات‪ ،‬وال نقص‬ ‫ٍ‬
‫ألحد من ُمستعت ٍ‬ ‫ليس بعدَ ه‬
‫الس ِّيئات‪ ،‬وال حيلة وال افتداء‪ ،‬وال درهم وال دينار‪ ،‬وال مقعد وال منزل َّإل‬
‫من َّ‬
‫القرب؛ وهو إ َّما روض ٌة من رياض الجنَّة‪ ،‬أو حفر ٌة من حفر النَّار‪ ،‬إلى يوم البعث‬
‫السماوات واألرضين‪ ،‬والموقف‬ ‫وج ْم ِع َّ‬
‫األولين واآلخرين‪ ،‬وأهل َّ‬ ‫والجزاء‪َ ،‬‬
‫لرب العالمين؛ الحكيم‪،‬‬
‫القوي المتين‪ ،‬يوم يقوم النَّاس ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ال َّطويل بين يدي‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)6417‬‬


‫عبد َّ‬
‫حتى يؤمن بأربع»‬ ‫(‪ )15‬حديث‪« :‬ال يؤمن ٌ‬
‫‪127‬‬

‫يف وال يجور وال يظلم مثقال‬


‫ح ُ‬‫العليم‪ ،‬المقسط‪ ،‬العدل‪ ،‬الحكيم‪ ،‬ا َّل ِذي ال ي ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬ ‫ذرة‪َّ ،‬‬
‫إن ر ِّبي على‬ ‫َّ‬
‫أليم يف نار الجحيم‪َّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫عذاب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫مقيم يف جنَّات النَّعيم‪ ،‬وإ َّما‬ ‫نعيم ٌ‬‫ثم إ َّما ٌ‬
‫َّ‬
‫مستقرا‪ ،‬وسوف تعلمون‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫قرا‪ ،‬ول ُك ِّل نبإٍ‬ ‫ٍ‬
‫ظاعن َم ًّ‬ ‫ِّ‬
‫لكل‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [المؤمنون‪:‬‬

‫‪ ]100-99‬اآليات‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ﴾ [الحشر‪ ]18 :‬اآليات‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾‬
‫[المنافقون‪.]11-9 :‬‬

‫قال قتادة يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [المؤمنون‪ ،]99 :‬قال‪:‬‬


‫ِ‬
‫حض َره الموت‪ ،‬فاستقال‬ ‫«كان العالء بن زياد يقول‪ :‬ل ُي ِنز ُل أحدُ كم َ‬
‫نفسه أنَّه قد َ‬
‫عمل بطاعة ر ِّبه تعالى»(‪.)1‬‬
‫ر َّبه فأقاله؛ فل َي َ‬
‫البخاري» عن ابن ع َّباس ‪ L‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ويف «صحيح‬
‫الص َّح ُة وال َفرا ُغ»(‪.)2‬‬ ‫يه َما كَثِ ٌير ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‪ِّ :‬‬ ‫ون فِ ِ‬ ‫«نِ ْع َم ِ‬
‫تان َم ْغ ُب ٌ‬

‫رسول اهللِ ﷺ َق َال ل ِ َر ُج ٍل َو ُه َو َي ِع ُظ ُه‪‌« :‬ا ْغتَن ِ ْم‬


‫َ‬ ‫وللحاكم عنه ‪َ I‬أ َّن‬

‫البخاري (‪.)6412‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫«الزهد» (‪.)1447‬‬
‫ ‬ ‫((( أخرجه أحمد يف ُّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪128‬‬

‫ك‪َ ،‬و ِغنَا َء َك َق ْب َل‬


‫َك َق ْب َل َس َق ِم َ‬
‫ك‪َ ،‬و ِص َّحت َ‬ ‫ك َق ْب َل ِه َر ِم َ‬ ‫‌ َخ ْم ًسا َق ْب َل َخ ْم ٍ‬
‫س‪َ َ :‬ب‬
‫شا َب َ‬
‫أن هذه الخمس‪:‬‬ ‫ك»(‪)1‬؛ يعني َّ‬ ‫َك َق ْب َل َم ْوتِ َ‬‫ك‪َ ،‬و َح َيات َ‬ ‫ك َق ْب َل ُشغ ِْل َ‬
‫َف ْقرِ َك‪َ ،‬و َف َرا َغ َ‬
‫والتأهب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والص َّحة‪ ،‬والغنى‪ ،‬والفراغ‪ ،‬والحياة؛ هي أ َّيام العمل‪،‬‬ ‫أ َّيام؛ َّ‬
‫الشباب‪ِّ ،‬‬
‫فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء‬
‫الزاد؛ َ‬
‫واالستعداد‪ ،‬واالستكثار من َّ‬
‫أضدادها‪ ،‬وال ينفعه التَّمنِّي لألعمال بعد التَّفريط منه واإلهمال‪ ،‬يف زمن‬
‫قما‪ ،‬وبعد ِّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شباب هر ًما‪ ،‬وبعد ِّ‬ ‫فإن بعد ِّ‬
‫الفرصة واإلمهال؛ َّ‬
‫صحة ُس ً‬‫كل َّ‬ ‫كل‬
‫ٍ‬ ‫غل‪ ،‬وبعد ِّ‬ ‫فقرا‪ ،‬وبعد ِّ‬
‫فمن َّفرط يف العمل َّأيام‬‫كل حياة مو ًتا؛ َ‬ ‫كل فرا ٍغ ُش ً‬ ‫غنًى ً‬
‫الص َّحة لم يدركه يف‬ ‫َّ‬
‫الشباب لم يدركه يف َّأيام الهرم‪ ،‬و َمن َّفرط فيه يف أوقات ِّ‬
‫الغنى فلم َينَ ِل القرب ‪-‬ا َّلتِي لم ُتنَل َّإل‬
‫أوقات السقم‪ ،‬ومن فرط فيه يف حالة ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ُّ‬
‫بالغنى‪ -‬لم يدركه يف حالة الفقر‪ ،‬و َمن َّفرط فيه يف ساعة الفراغ لم يدركه عند‬
‫مجيء َّ‬
‫الشواغل‪ ،‬و َمن َّفرط يف العمل يف زمن الحياة لم يدركه بعد حيلولة‬
‫الرجوع وقد فات‪ ،‬ويطلب ال َك َّرة وهيهات‪.‬‬
‫الممات؛ فعند ذلك يتمنَّى ُّ‬

‫((( أخرجه الحاكم (‪.)8041‬‬


‫(‪ )16‬حديث‪« :‬اإلميان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»‬
‫‪129‬‬

‫‪16‬‬

‫حديث‪« :‬اإلميان أن تؤمن باهلل‬


‫ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»‬

‫ل مِ ْن َأ ْص َحابِ ِه إِ ْذ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ فِي م َ ٍ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ‪َ ،J‬ق َال‪َ :‬ب ْين ََما َر ُس ُ‬
‫َ‬
‫ل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ !‬ ‫ول اهَّللِ َو َر َّد ا ْل َم َ ُ‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ف َر َّد َر ُس ُ‬
‫َأ ْق َب َل ر ُج ٌل ُيس ِّلم َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ان َأ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللِ‪َ ،‬و َمالئِ َكت َِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم‬ ‫يم ُ‬ ‫ان؟ َق َال‪ِ ْ :‬‬
‫«ال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َل ُت ْخبِ ُرني َما ْال َ‬
‫يم ُ‬
‫َّار‪َ ،‬وا ْل َقدَ ِر‬ ‫َان‪َ ،‬وا ْل َجن َِّة‪َ ،‬والن ِ‬ ‫اب‪َ ،‬وا ْل ِميز ِ‬ ‫ح َس ِ‬ ‫ت‪ ،‬وا ْل ِ‬
‫َ‬
‫ث بعدَ ا ْلمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ْال َخرِ‪َ ،‬وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ‬
‫َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ آ َمن ُْت؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪،‬‬
‫ول اهَّللِ‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ مِ ْن َق ْول ِ ِه لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫اب رس ِ‬
‫ب َأ ْص َح ُ َ ُ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َع ِ‬
‫ج َ‬
‫«الس َلم َأ ْن ت ُِقيم وجه َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬‫ك ل َّله‪َ ،‬وتُق َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ُم َح َّمدُ ! َأ َل ُت ْخبِ ُرني َما ْال ْس َل ُم؟ َق َال‪ُ ْ ِ ْ :‬‬
‫الص َلةَ‪َ ،‬وت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةَ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ َأ ْس َل ْم ُت؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن‬ ‫ان َأ ْن تَخْ َشى اهَّللَ ك ََأن َ‬ ‫«ال ْح َس ُ‬ ‫ان؟ َق َال‪ِ ْ :‬‬ ‫ال ْح َس ُ‬‫َأ ْخبِرنِي ما ْ ِ‬
‫ْ َ‬
‫اك»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ َذا َف َع ْل ُت َه َذا َف َقدْ َأ ْح َسن ُْت؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪،‬‬ ‫ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬
‫ُول‬‫ان اهَّلل ِ ا ْل َعظِيمِ! َما ا ْل َم ْسئ ُ‬‫«س ْب َح َ‬ ‫السا َعةُ؟ َق َال‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ! َأ َل ُت ْخبِ ُرني َمتَى َّ‬
‫س‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫السائِ ِل‪ْ ،‬است َْأ َث َر اهَّللُ بِ ِع ْل ِم َخ ْم ٍ‬ ‫ِ‬
‫َعن َْها بِ َأ ْع َل َم م َن َّ‬
‫ُون َق ْب َل َها‪،‬‬ ‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ َه ِذ ِه اآل َي ُة [لقمان‪َ ،]34 :‬و َس ُأ ْخبِ ُر َك بِ َش ْي ٍء َيك ُ‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬ف َأ ْت َب َع ُه‬
‫ان»‪ُ ،‬ث َّم َو َّلى َّ‬ ‫اء فِي ا ْل ُبنْ َي ِ‬
‫الش ِ‬
‫ين ت َِلدُ ْالَ َم ُة َر َّبت ََها‪َ ،‬و َي َت َط َاو ُل َأ ْه ُل َّ‬ ‫ح َ‬
‫ِ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪130‬‬

‫ول اهَّللِ َط ْر َف ُه َط ِو ًيل‪ُ ،‬ث َّم َر َّد ُه َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن َه َذا ِج ْبرِ ُ‬
‫يل‪َ ،‬أتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اهدُ ِدينَك ُْم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫دينَك ُْم‪َ ،‬أ ْو َي َت َع َ‬
‫جامع يف بيان‬
‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫هذه رواية لحديث جربيل المشهور؛ وهو‬
‫ً‬
‫تفصيل يف شأن اإليمان باليوم اآلخر من‬ ‫ِ‬
‫وفروعه‪ ،‬وهي أكثر‬ ‫دين اهلل؛ أصولِه‬
‫ان َأ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّللِ‪َ ،‬و َم َلئِ َكت َِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم‬
‫يم ُ‬ ‫ذكرها؛ قال‪ِ ْ :‬‬
‫«ال َ‬ ‫الرواية المتقدِّ م ُ‬
‫ِّ‬
‫َّار‪َ ،‬وا ْل َقدَ ِر‬ ‫َان‪َ ،‬وا ْل َجن َِّة‪َ ،‬والن ِ‬ ‫اب‪َ ،‬وا ْل ِميز ِ‬ ‫ح َس ِ‬ ‫ت‪ ،‬وا ْل ِ‬
‫َ‬
‫ث بعدَ ا ْلمو ِ‬
‫ِ‬
‫ْال َخرِ‪َ ،‬وا ْل َب ْع َ ْ َ ْ‬
‫َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪.‬‬
‫ول اهللِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫وروى أحمد َع ْن َأبِي س َّل ٍم‪َ ،‬ع ْن م ْو َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ﷺ َق َال‪َ « :‬بخٍ َبخٍ ‪َ ،‬لخَ ْم ٌس َما َأ ْث َق َل ُه َّن فِي ا ْل ِميز ِ‬
‫َان‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪،‬‬
‫الصالِ ُح ُيت ََو َّفى َف َي ْحت َِس ُب ُه َوالِدَ ا ُه»‪َ ،‬و َق َال‪َ « :‬بخٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان اهلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ ل َّله‪َ ،‬وا ْل َو َلدُ َّ‬ ‫َو ُس ْب َح َ‬
‫س؛ َم ْن َل ِق َي اهَّللَ ُم ْس َت ْي ِقنًا بِ ِه َّن َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ‪ُ :‬ي ْؤ ِم ُن بِاهَّللِ‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ‪،‬‬‫َبخٍ لِخَ ْم ٍ‬
‫ح َس ِ‬ ‫ت‪ ،‬وا ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوبِا ْل َجن َِّة‪َ ،‬والن ِ‬
‫اب»(‪.)2‬‬ ‫َّار‪َ ،‬وا ْل َب ْعث َب ْعدَ ا ْل َم ْو َ‬
‫أصل من أصول اإليمان‪ ،‬ورك ٌن من أركان‬ ‫ٌ‬ ‫واإليمان باليوم اآلخر‪:‬‬
‫ويسمى يوم القيامة‪َّ :‬‬
‫ألن النَّاس‬ ‫َّ‬ ‫وس ِّمي بهذا االسم‪ُّ :‬‬
‫لتأخره عن الدُّ نيا‪،‬‬ ‫الدِّ ين‪ُ ،‬‬
‫سمى‬
‫وي َّ‬
‫سمى يوم الحشر؛ ألنَّهم فيه ُيحشرون‪ُ ،‬‬
‫وي َّ‬
‫لرب العالمين‪ُ ،‬‬
‫يقومون فيه ِّ‬
‫ألن األجساد ُتعاد‪،‬‬
‫سمى يوم المعاد؛ َّ‬
‫وي َّ‬
‫يوم الحساب؛ ألنَّهم فيه ُيحاسبون‪ُ ،‬‬
‫سمى يوم المصير‪ ،‬و يوم المآب‪ ،‬وله أسماء كثيرة‪ ،‬وك ُُّل أسمائه دا َّلة على‬
‫وي َّ‬
‫ُ‬
‫((( أخرجه يحيى بن سالم يف «تفسيره» (‪ ،)719/2‬وابن بطة يف «اإلبانة» (‪)465/2‬‬
‫من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪.)15662‬‬
‫(‪ )16‬حديث‪« :‬اإلميان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»‬
‫‪131‬‬

‫الصاخة‪ ،‬يوم ال َّط َّامة‪ ،‬يوم التَّغابن‪،‬‬


‫مسميات وحقائق تتع َّلق بذلك اليوم؛ كيوم َّ‬
‫َّ‬
‫يوم التَّناد‪ ،‬إلى غير ذلك من األسماء الدَّ ا َّلة على حقائق تتع َّلق بذلك اليوم‬
‫العظيم‪.‬‬

‫البخاري ومسلم يف «صحيحيهما»(‪ )1‬عن ابن ع َّباس ‪ L‬قال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬


‫ول‪« :‬إِ َّنك ُْم ُم َل ُقو اهَّلل ِ ُح َفا ًة ُع َرا ًة‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ ي ْخ ُطب َع َلى ِ‬
‫المنْ َب ِر َي ُق ُ‬ ‫َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُغ ْر ًل»‪.‬‬

‫الصحيح من حديث أ ِّم المؤمنين عائشة ‪ J‬قالت‪َ :‬س ِم ْع ُت‬ ‫وجاء يف َّ‬
‫َّاس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ُح َفا ًة ُع َرا ًة ُغ ْر ًل» ُق ْل ُت‪َ :‬يا‬
‫«ي ْح َش ُر الن ُ‬ ‫ول‪ُ :‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫«يا َعائِ َشةُ!‬ ‫الر َج ُال َج ِمي ًعا َينْ ُظ ُر َب ْع ُض ُه ْم إِ َلى َب ْع ٍ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ض؟! َق َال‪َ :‬‬ ‫ول اهلل! الن َِّسا ُء َو ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫ض»(‪.)2‬‬ ‫ْالَ ْم ُر َأ َشدُّ ِم ْن َأ ْن َينْ ُظ َر َب ْع ُض ُه ْم إِ َلى َب ْع ٍ‬

‫ومواقف ِعظام‪ ،‬س ُيعاينها العباد‪،‬‬


‫ُ‬ ‫أهوال ِجسام‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عظيم؛ فيه‬
‫ٌ‬ ‫ويوم القيامة يو ٌم‬
‫الصور‪ ،‬ف ُيص َعق‬ ‫ومبدأ ذلك‪ :‬نفخ ٌة واحد ٌة يؤمر هبا الم َلك ُ‬
‫الموكَّل بالنَّفخ يف ُّ‬
‫ثم من بعد هذه النَّفخة بأربعين تكون‬
‫العبا ُد فال يبقى ألحد من النَّاس حياة‪َّ ،‬‬
‫نفخ ٌة أخرى يقوم النَّاس على إ ْثرها ِّ‬
‫لرب العالمين؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ‬

‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬

‫ﮱ﴾ [ق‪ ،]44 - 41 :‬وقال اهلل ‪﴿ : D‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ أي‪:‬‬

‫البخاري (‪ )6525‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)2860‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)6527‬ومسلم (‪ )2859‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪132‬‬

‫القبور ﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾‬
‫[يس‪.]54 - 51 :‬‬

‫وعلى إثر هذه النَّفخة ال َّثانية يقوم النَّاس و ُينشرون من قبورهم للوقوف‬
‫بين يدي اهلل ‪ D‬على أرض المحشر ﴿ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾‬
‫ٍ‬
‫مستوية‬ ‫ٍ‬
‫أرض عفراء‪ ،‬ال ارتفاع فيها وال انخفاض‪،‬‬ ‫[إبراهيم‪ ،]48 :‬فيقفون على‬
‫ال جبال فيها وال أشجار‪ ،‬يف يو ٍم كان مقداره خمسين ألف سنة‪.‬‬

‫ب‬ ‫ب َذ َه ٍ‬ ‫اح ِ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬ما ِمن ص ِ‬ ‫عن َأبي ُه َر ْي َر َة ‪ I‬قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َ ْ َ‬
‫ت َل ُه َص َفائِ ُح ِم ْن‬ ‫َان َي ْو ُم ا ْل ِق َي َام ِة ُص ِّف َح ْ‬
‫َو َل فِ َّض ٍة َل ُي َؤ ِّدي ِمن َْها َح َّق َها إِ َّل إِ َذا ك َ‬
‫َار َج َهن ََّم‪َ ،‬ف ُيك َْوى بِ َها َجنْ ُب ُه َو َجبِينُ ُه َو َظ ْه ُر ُه؛ ُك َّل َما َب َر َد ْت‬‫َار‪َ ،‬ف ُأ ْح ِمي َع َل ْي َها فِي ن ِ‬ ‫ن ٍ‬
‫َ‬
‫ف سن ٍَة‪ ،‬حتَّى ي ْق َضى بين ا ْل ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأ ِعيدَ ْت َله فِي يو ٍم ك َ ِ‬
‫اد‪َ ،‬ف َي َرى‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ين َأ ْل َ َ‬
‫َان م ْقدَ ُار ُه َخ ْمس َ‬ ‫ُ َْ‬
‫َسبِي ُل ُه إِ َّما إِ َلى ا ْل َجن َِّة‪َ ،‬وإِ َّما إِ َلى الن ِ‬
‫َّار»(‪.)1‬‬

‫ويف تلك األرض ‪-‬أرض المحشر‪ -‬تدنو َّ‬


‫الشمس من رؤوس الخالئق‬
‫(‪)2‬‬
‫دنوها و ُقرهبا منهم على مقدار ميل‪ ،‬روى مسلم يف «صحيحه»‬
‫حتَّى تكون يف ِّ‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪« :‬تُدْ نَى َّ‬
‫الش ْم ُس َي ْو َم‬ ‫من حديث المقداد بن األسود ‪َّ I‬‬
‫َّاس َع َلى َقدْ ِر‬ ‫ُون ِمن ُْه ْم ك َِم ْقدَ ِار ِم ٍ‬
‫يل‪َ ،‬ف َيك ُ‬
‫ُون الن ُ‬ ‫ا ْل ِق َي َام ِة ِم َن ا ْلخَ ْل ِق َحتَّى َتك َ‬
‫ُون إِ َلى ُر ْك َب َت ْي ِه‪،‬‬
‫ُون إِ َلى َك ْع َب ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َيك ُ‬
‫َأ ْع َمالِ ِه ْم فِي ا ْل َع َر ِق؛ َف ِمن ُْه ْم َم ْن َيك ُ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2864‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)987‬‬


‫ ‬
‫(‪ )16‬حديث‪« :‬اإلميان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»‬
‫‪133‬‬
‫ُون إِ َلى َح ْق َو ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ُي ْل ِ‬
‫ج ُم ُه ا ْل َع َر ُق إِ ْل َج ًاما» َو َأ َش َار َر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫َو ِمن ُْه ْم َم ْن َيك ُ‬
‫اهللِ ﷺ بِي ِد ِه إِ َلى فِ ِ‬
‫يه‪.‬‬ ‫َ‬
‫يهون ذلك اليوم‬ ‫خرجه ابن ح َّبان وغيره‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬
‫أن اهلل ‪ِّ D‬‬ ‫وجاء يف حديث َّ‬
‫على أهل اإليمان مع طول مدَّ ته و َفدَ احة أمره؛ فيكون لهم كما بين صاليت‬
‫ال ُّظهر والعصر يف ِخ َّفته و ُيسره وسهولته(‪.)1‬‬

‫آيات كثيرة ُت َج ِّلي للعباد ذلك اليوم‪ ،‬وتب ِّين لهم أهواله وأحواله؛‬
‫ويف القرآن ٌ‬
‫سور ُأ ْف ِر َدت لبيان ذلك‬ ‫ِ‬
‫ليتن َّبه العباد‪ ،‬وليستعدُّ وا لذلك اليوم؛ بل يف القرآن ٌ‬
‫اليوم‪ ،‬وإيضاح ِ‬
‫أمره كأنَّه َر ْأ ُي العين‪.‬‬

‫«م ْن َس َّر ُه َأ ْن‬


‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫ِّرمذي وغيرهما؛ َّ‬
‫ُّ‬ ‫روى اإلمام أحمد‪ ،‬والت‬
‫ِ ِ‬
‫ي َع ْي ٍن‪ ،‬ف ْل َي ْق َر ْأ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ﴾ و ﴿ﭑ ﭒ‬ ‫َي ْن ُظ َر إِ َلى َي ْو ِم الق َي َامة ك ََأ َّن ُه َر ْأ ُ‬
‫تفصيالت عظيم ٌة‬
‫ٌ‬ ‫السور ال َّثالث فيها‬
‫ﭓ﴾ و ﴿ﭜ ﭝ ﭞ﴾» ‪ ،‬وهذه ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫ٌ‬
‫مشتمل يف مواضع كثيرة منه على ذكر‬ ‫ألهوال ذلك اليوم وأحواله‪ ،‬والقرآن‬
‫اليوم اآلخر؛ بل ال تكاد تقرأ سور ًة من القرآن َّإل وترى فيها ً‬
‫ذكرا لذلك اليوم‪،‬‬
‫وشي ًئا من تفاصيله‪.‬‬

‫والمبدأ لذلك اليوم‪ :‬نفخة‪ ،‬والمآل إ َّما إلى الجنَّة أو إلى النَّار‪.‬‬

‫«الصحيحة» (‪-769/6‬‬ ‫ِ‬


‫وصححه األلبان ُّي يف َّ‬
‫َّ‬ ‫((( أخرج نحوه ابن ح َّبان (‪،)7333‬‬
‫«الزهد» (‪ ،)643‬وابن ح َّبان (‪،)7419‬‬ ‫‪ .)770‬وأخرجه نحوه ابن المبارك يف ُّ‬
‫وحسنها األلبانِ ُّي يف «صحيح التَّرغيب والتَّرهيب» (‪.)3187‬‬‫َّ‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3333‬وأبو نعيم (‪،)231/9‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)٤٨٠٦‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪134‬‬

‫عظيما يف القرآن الكريم؛ يج ِّلي هذا المبدأ والمنتهى‪ ،‬يقول‬


‫ً‬ ‫ولنتأ َّمل سيا ًقا‬
‫الزمر‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫اهلل ‪ D‬يف آخر سورة ُّ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫[الزمر‪.]75 - 68 :‬‬
‫ﭡ ﭢ﴾ ُّ‬

‫ويف ذلك اليوم العصيب َي ُطول الوقوف‪ ،‬وتدنو َّ‬


‫الشمس من رؤوس‬
‫الخالئق؛ فيفزع النَّاس طالبين من األنبياء أن يشفعوا لهم عند اهلل؛ بأن يبدأ‬
‫آخر‪ ،‬إلى أن ي ِ‬
‫حي َلهم‬ ‫بالجزاء والحساب‪ ،‬وك َّلما أ َتوا نب ًّيا اعتذر وأحالهم إلى َ‬
‫ُ‬
‫ويخر ساجدً ا تحت عرش‬ ‫ّ‬ ‫محمد ﷺ فيقول‪َ :‬‬
‫«أنَا َل َها»‬ ‫َّ‬ ‫عيسى ‪ S‬إلى‬
‫الرحمن ويحمد اهلل بمحامد يع ِّلمه اهلل إ َّياها يف ذلك الوقت‪َّ ،‬‬
‫ثم يقول اهلل له‪:‬‬ ‫َّ‬
‫«ار َف ْع َر ْأ َس َ‬
‫ك‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َط ُه‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّف ْع»(‪.)1‬‬ ‫ْ‬
‫البخاري (‪ ،)٤٤٧٦‬ومسلم (‪.)193‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )16‬حديث‪« :‬اإلميان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر»‬
‫‪135‬‬

‫الر ُّب َّ‬


‫جل جالله للفصل بين العباد ﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫وحينئذ يجيء َّ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [الفجر‪ ]22-21 :‬أي‪ :‬صفو ًفا ُم َط ِّوقين بالعباد‬
‫أن ا َّل ِذي يأيت هبا‬
‫﴿ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [الفجر‪ ،]23 - 21:‬وجاء يف الحديث‪َّ :‬‬
‫بسحبها إلى أرض المحشر‪ ،‬يقول ‪ :O‬كما‬ ‫مالئك ٌة ُ‬
‫يأمرهم اهلل ‪َ D‬‬
‫ف ِز َمامٍ‪َ ،‬م َع ك ُِّل ِز َما ٍم‬ ‫«ي ْؤتَى بِ َج َهن ََّم َي ْو َمئِ ٍذ َل َها َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ ْل َ‬ ‫يف «صحيح مسلم» ‪ُ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ف م َل ٍ‬
‫ك َي ُج ُّرون ََها»‪.‬‬ ‫ون َأ ْل َ َ‬
‫َس ْب ُع َ‬

‫و ما أحوج المسلم إلى التأ ُّمل يف تفاصيل يوم القيامة الواردة يف الكتاب‬
‫وليتزود له بخير زاد؛ ﴿ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫َّ‬ ‫والسنَّة؛ ليستعدَّ لذلك اليوم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ﴾ [الكهف‪.]110 :‬‬

‫وإن أهل اإليمان يف إيمانهم باليوم اآلخر على درجتين‪:‬‬


‫هذا َّ‬

‫الدرجة األولى‪ :‬درجة اإليمان الجازم ا َّل ِذي ال َّ‬


‫شك فيه وال ريب‪ ،‬وهذه‬ ‫َّ‬

‫الدَّ رجة ال َقبول لعم ِل عام ٍل َّإل هبا؛ َّ‬


‫فإن الدِّ ين يقوم على أصول؛ منها اإليمان‬
‫بشيء من أصول اإليمان أو َّ‬
‫شك فيه؛ بطل عمله وحبط‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫باليوم اآلخر‪ ،‬و َمن كفر‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [المائدة‪:‬‬

‫‪ ،]5‬وقال اهلل ‪﴿ :D‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬


‫ٍ‬
‫بشيء من أصول اإليمان؛‬ ‫ﯨ﴾ [التَّوبة‪ ،]54 :‬فالكفر باهلل أو برسوله أو‬
‫ُمحبِ ٌط لألعمال ك ِّلها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫الراسخ؛ وهي درج ُة أهل اإليمان‬
‫وأما الدرجة الثانية‪ :‬فهي درجة اإليمان َّ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2842‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪136‬‬

‫الكامل‪ ،‬وهم ا َّل ِذين يستحضرون هذا األصل العظيم يف حركاهتم وسكناهتم‬
‫كل أعمالهم م ِ‬
‫شفقون من يوم البعث ويوم ال ِّلقاء؛‬ ‫فهم يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫فيما يأتون و َي َذرون؛ ُ‬
‫َت أخالقهم‪ ،‬وتنافسوا يف رفيع‬ ‫حسنت أعما ُلهم‪ ،‬وطابت قلو ُبهم‪َ ،‬‬
‫وزك ْ‬ ‫ولهذا ُ‬
‫األعمال وط ِّيبها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومنزلة رفيعة‪﴿ :‬ﯙ‬ ‫الرسوخ يح َظون يوم القيامة بمقا ٍم عظيم‪،‬‬
‫وأهل هذا ُّ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [ال ُّطور‪:‬‬

‫‪﴿ ،]27 - 26‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬

‫ﮦ﴾ [الحا َّقة‪ ]20-19 :‬ومعنى َظن ُ‬


‫َنت؛ أي‪ :‬اعتقدت يف حيايت الدُّ نيا أنِّي‬
‫سألقى الحساب‪.‬‬

‫وهذا االستحضار له آثاره ال َّط ِّيبة يف سلوك المرء‪ ،‬وقد جاء يف الحديث‪:‬‬
‫أن رسول اهلل كان إذا أراد أن َير ُقدَ ‪ ،‬وضع يده اليمنى تحت خدِّ ه‪َّ ،‬‬
‫ثم قال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ث ِع َبا َد َك»(‪.)1‬‬ ‫«ال َّل ُه َّم ِقن ِ ْي َع َذا َب َ‬
‫ك َي ْو َم َت ْب َع ُ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3399‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)18660‬والت‬
‫السموات واألرض»‬
‫(‪ )17‬حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق َّ‬
‫‪137‬‬

‫‪17‬‬

‫حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق‬


‫السموات واألرض»‬‫قبل أن خيلق َّ‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‬
‫اص ‪َ L‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َواألَ ْر َض بِخَ ْمس َ‬
‫ين‬ ‫َب اهَّللُ َم َقاد َير ا ْلخَ َلئ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق َّ‬
‫ول‪َ « :‬كت َ‬‫َي ُق ُ‬
‫ف َسن ٍَة ‪َ -‬ق َال‪َ -‬و َع ْر ُش ُه َع َلى ا ْل َماءِ»(‪.)1‬‬ ‫َأ ْل َ‬

‫عظيم من أصول اإليمان‪ ،‬وقد جاء ذكر هذا األصل يف القرآن‬


‫ٌ‬ ‫هذا ٌ‬
‫أصل‬
‫الكريم يف مواضع عديدة منه‪:‬‬

‫منها‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :E‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [األحزاب‪،]38 :‬‬


‫وقول اهلل ‪﴿ :D‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ﴾ [القمر‪ ،]49 :‬وقال ‪﴿ :C‬ﮟ ﮠ‬

‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [األعلى‪ ،]3-1:‬وقال ‪﴿ :C‬ﮐ‬

‫ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [طه‪ ،]40:‬وقال ‪﴿ :C‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [البقرة‪،]20 :‬‬


‫وقال ‪﴿ :C‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾‬

‫[التكوير‪ ،]29-28:‬واآليات يف هذا المعنى كثيرة يف كتاب اهلل ‪.D‬‬

‫السنة‪ ،‬وتبيان مكانته العظيمة‪ ،‬ومنزلته‬ ‫واإليمان بالقدر‪ٌ :‬‬


‫أصل جاء تبيانه يف ُّ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2653‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪138‬‬

‫الشريفة‪ ،‬وجاء عن النَّبِ ِّي ﷺ أحاديث كثيرة يف بيان َّ‬


‫أن األمور ك َّلها بقدر‬ ‫العل َّية َّ‬
‫وأن ك َُّل ما وقع وسيقع وك َُّل ما كان وسيكون ُّ‬
‫كل ذلك بقدر اهلل ‪:C‬‬ ‫اهلل ‪َّ D‬‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬ك ُُّل‬


‫روى مسلم عن َع ْبدَ اهَّللِ ْب َن ُع َم َر ‪ J‬قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫والذكاء‪،‬‬ ‫َش ْى ٍء بِ َقدَ ٍر َحتَّى ا ْل َع ْج ُز َوا ْل َك ْي ُس»(‪)1‬؛ وال َك ْيس‪ :‬النَّباهة والفطنة‬
‫والعجز‪ :‬هو ضدُّ القدرة‪ ،‬وأصله‪ :‬التأخر عن الشيء؛ مأخو ٌذ من العجز؛‬
‫فكل ذلك بِ َقدَ ر؛ ولهذا ُشرع لنا الت ُّ‬
‫َّعوذ باهلل منه يف الدُّ عاء‬ ‫مؤخر الشيء؛ ُّ‬ ‫وهو َّ‬
‫ك ِم َن ا ْل َع ْج ِز َوا ْلك ََس ِل»(‪)2‬؛ َّ‬
‫ألن ا َّل ِذي ُيعيذ من‬ ‫المأثور‪« :‬ال ّٰل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ِ‬
‫السماوات واألرض؛ فال‬ ‫العجز والكسل هو ا َّلذي بيده ِأز َّمة األمور‪ ،‬ومقاليد َّ‬
‫يس َلم من العجز؛ َّإل إذا س َّلمه اهلل؛ َّ‬
‫ألن األمور بيد‬ ‫يس َلم عبدٌ من الكسل‪ ،‬وال ْ‬
‫ْ‬
‫اهلل ‪D‬؛ فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬

‫ِّرمذي وغيرهما‪ ،‬عن الوليد بن عبادة بن‬ ‫ُّ‬ ‫وروى اإلمام أحمد‪ ،‬والت‬
‫يه ا ْل َم ْو َت‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا‬ ‫يض َأ َت َخاي ُل فِ ِ‬ ‫الصامت قال‪َ « :‬د َخ ْل ُت َع َلى ُع َبا َد َة َو ُه َو َم ِر ٌ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اجت َِهدْ لِي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْجلِ ُسونِي‪َ ،‬ف َل َّما َأ ْج َل ُسو ُه َق َال‪َ :‬يا ُبن ََّي! إِن ََّك َل ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫َأ َبتَا ُه! َأ ْوصني َو ْ‬
‫ان‪َ ،‬و َل ْن َت ْب ُل ْغ َح َّق َح ِقي َق ِة ا ْل ِع ْل ِم بِاهَّللِ؛ َحتَّى ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْي ِر ِه‬
‫اليم ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْط َع َم َط ْع َم ْ َ‬
‫ف لِي َأ ْن َأ ْع َل َم َما َخ ْي ُر ا ْل َقدَ ِر مِ ْن َش ِّر ُه؟ َق َال‪:‬‬ ‫َو َش ِّر ِه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َأ َبتَا ُه! َف َك ْي َ‬
‫َت ْع َل ُم َأ َّن َما َأ ْخ َط َأ َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ِصي َب َك‪َ ،‬و َما َأ َصا َب َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ْخطِ َئ َك‪َ ،‬يا ُبن ََّي!‬
‫ول‪« :‬إِ َّن َأ َّو َل َما َخ َل َق اهَّللُ ‪ F‬ا ْل َق َل ُم‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫إِنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫السا َع ِة بِ َما ُه َو كَائِ ٌن إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة»‪َ ،‬يا ُبن ََّي إِ ْن مِ َّت‬
‫ك َّ‬ ‫ُب»‪َ ،‬ف َج َرى فِي تِ ْل َ‬ ‫«ا ْكت ْ‬

‫البخاري (‪ ،)٢٨٢٣‬ومسلم (‪.)٢٧٠٦‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫(‪.)2655‬‬
‫ ‬ ‫((( أخرجه مسلم‬
‫السموات واألرض»‬
‫(‪ )17‬حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق َّ‬
‫‪139‬‬

‫َو َل ْس َت َع َلى َذل ِ َك َد َخ ْل َت الن ََّار»(‪.)1‬‬

‫أصل ال ينتظم دين العبد‪ ،‬وال‬ ‫وشره من اهلل تعالى ٌ‬ ‫فاإليمان بالقدر خيره ِّ‬
‫اليم ِ‬
‫ان َو َل ْن َت ْب ُل ْغ‬ ‫ِ‬
‫يستقيم أمره َّإل به‪ ،‬وقول عبادة ‪َ « :I‬ل ْن َت ْط َع َم َط ْع َم ْ َ‬
‫أن ا َّل ِذي ال يؤمن‬ ‫َح َّق َح ِقي َق ِة ا ْل ِع ْل ِم بِاهَّللِ ‪َ F‬حتَّى ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر» هذا ُي َب ِّين َّ‬

‫عرف عظمة اهلل‪ ،‬وال َقدَ َر َ‬


‫اهلل ‪E‬‬ ‫عرف اهلل ‪ ،E‬وال َ‬
‫َ‬ ‫بالقدر ما‬
‫حق َق ِ‬
‫دره‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫َّ‬
‫[الزمر‪ ،]67 :‬قال اإلمام أحمد ‪:V‬‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ ُّ‬

‫در ُة اهلل»(‪)2‬؛ فا َّل ِذي ال يؤمن بالقدَ ِر هو يف الحقيقة ال يعرف اهلل‪ ،‬وليس‬
‫«ال َقدَ ُر ُق َ‬
‫الصحابِي الجليل عبد اهلل بن ع َّباس ‪L‬‬
‫الموحدين؛ ولهذا جاء عن َّ‬
‫ِّ‬ ‫من‬
‫ِّ‬
‫فمن آمن باهلل‪َّ ،‬‬
‫وكذب بالقدر؛ نقض تكذي ُبه‬ ‫أنَّه قال‪« :‬القدَ ُر نظام التَّوحيد؛ َ‬
‫توحيدَ ه»(‪ )3‬أي‪ :‬أنَّه بتكذيبه بالقدَ ر ينتقض توحيده؛ فال يكون مؤمنًا‪.‬‬

‫وإذا كان اإليمان بالقدَ ر نظا ُم التَّوحيد؛ بمعنى َّ‬


‫أن توحيد العبد ال ينتظم َّإل‬
‫نفسه نظا ُم الحياة؛ فحياة اإلنسان ال تنتظم َّإل‬ ‫باإليمان بالقدر؛ َّ‬
‫فإن التَّوحيد َ‬
‫يوحد اهلل ‪ E‬تكون أموره وحياته وشؤونه ك ُّلها‬
‫بتوحيد اهلل‪ ،‬و َمن لم ِّ‬
‫ُف ُر ً‬
‫طا؛ كما قال اهلل ‪﴿ :E‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬

‫الزمام‪،‬‬
‫ﭯ ﭰ﴾ [الكهف‪]28 :‬؛ فإذا اهندم التَّوحيد انفرطت الحياة‪ ،‬وضاع ِّ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)2155‬والنَّسائِ ُّي (‪)4700‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)22705‬وال َّلفظ له‪ ،‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بنحوه‪،‬‬
‫((( أخرجه ابن هانئ عنه يف «المسائل» (‪.)1868‬‬
‫الفريابي يف «القدر» (‪.)205‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪140‬‬

‫الخطام‪ ،‬وتبدَّ دت األمور‪ ،‬وعاش اإلنسان يف ضياع‪ ،‬وأصبحت حياته‬ ‫وانفلت ِ‬


‫ِ‬
‫بتوحيد اهلل‬ ‫ٌ‬
‫خسران يف خسران‪ ،‬فال تنتظم الحياة َّإل‬ ‫ك ُّلها َتباب‪ ،‬ال قيمة لها‪،‬‬
‫وأن األمور ك َّلها‬
‫‪ ،E‬وال ينتظم توحيده ‪َّ C‬إل باإليمان بقدره‪َّ ،‬‬
‫بتقديره ‪َّ ،D‬‬
‫وأن ما شاء ‪ C‬كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أبيات له جميلة يف تقرير اإليمان بالقدر قال‪:‬‬ ‫قال اإلمام َّ‬
‫الشافعي‪ V‬يف‬
‫ـئت إن ل ــم تش ــأ ل ــم يك ــن‬
‫وم ــا ش ـ ُ‬ ‫شـــئت كان وإن لـــم أشـــأ‬
‫َ‬ ‫«مـــا‬
‫والمســن‬‫ويف العلــم يجــري الفتــى ُ‬ ‫ـت العب ــاد عل ــى م ــا علم ــت‬
‫خلق ـ َ‬
‫ْـــت وذا لـــم ت ُِعـــن‬
‫وهـــذا أعن َ‬ ‫خذلـــت‬
‫َ‬ ‫ْـــت وهـــذا‬
‫علـــى ذا منن َ‬
‫ـح ومنه ــم َحس ــن» (‪.)1‬‬
‫ومنه ــم قبي ـ ٌ‬ ‫شـــقي ومنهـــم ســـعيد‬
‫ٌ‬ ‫فمنهـــم‬
‫أي‪ :‬هذا ك ُّله بمشيئة اهلل‪ ،‬وبتدبيره ‪.E‬‬

‫ثم َّ‬
‫إن اإليمان بالقدر ال يستقيم َّإل باإليمان بمراتبه؛ وهي مراتب أربعة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ال يكون العبد مؤمنًا بالقدر َّإل إذا آمن بها‪:‬‬

‫الشامل‪ ،‬المحيط‪ ،‬الواسع ِّ‬


‫لكل‬ ‫بعلم اهلل ‪َّ D‬‬ ‫املرتبة األولى‪ :‬اإليمان ِ‬

‫كل شيء عد ًدا‪ ،‬علِم‬


‫علما‪ ،‬وأحصى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أحاط ِّ‬
‫َ‬ ‫شيء‪َّ ،‬‬
‫بكل شيء ً‬ ‫وأن اهلل ‪D‬‬

‫ما كان‪ ،‬وعلِم ما سيكون‪ ،‬وعلِم ما لم يكن لو كان كيف يكون؛ قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬

‫والبيهقي يف «مناقب‬ ‫علبي يف «تفسيره» (‪،)48-47/7‬‬ ‫َّ‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرج هذه األبيات عنه‪ :‬الث ُّ‬
‫افعي» (‪.)109/2‬‬ ‫َّ‬
‫الش ِّ‬
‫السموات واألرض»‬
‫(‪ )17‬حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق َّ‬
‫‪141‬‬

‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [سبأ‪ ،]3-1 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [الحديد‪]4 :‬؛‬
‫أصل من أصول اإليمان بالقدَ ر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ٌ :‬‬ ‫فاإليمان بعلم اهلل ‪ C‬المحيط ِّ‬
‫بكل‬
‫وركن من أركانه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وأن اهلل ‪ E‬كتب َّ‬ ‫َّ‬
‫كل ما هو كائ ٌن‬ ‫املرتبة الثانية‪ :‬اإليمان بالكتابة‪َّ ،‬‬
‫يف ال َّلوح المحفوظ؛ قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾‬
‫[الحج‪ ،]70 :‬وقال ‪﴿ :C‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ﴾ [القمر‪ ،]53-52 :‬وقال ‪﴿ :C‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [يس‪.]12 :‬‬

‫وهذه اآلية من سورة (يس) ُذكِر فيها نوعان من الكتابة‪:‬‬


‫ِ‬
‫المقارنة للفعل‪﴿ ،‬ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫األول‪ :‬كتابة الم َلك؛ وهي الكتابة‬
‫النوع َّ‬ ‫َّ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾؛ فهذه كتاب ٌة ِ‬
‫مقارنة للفعل؛ ُّ‬
‫فكل فع ٍل يفعله العبد؛‬
‫َيك ُت ُبه الم َلك مباشر ًة ﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [ق‪.]18 :‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫النوع الثاني‪ :‬ما ورد يف َخ ْت ِم اآلية؛ قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ﴾ وهي الكتابة ا َّلتِي كانت يف ال َّلوح المحفوظ‪ ،‬واإلمام هنا‪ :‬ال َّلوح‬
‫الز ُبر‪ ،‬و ُيقال له‪ :‬ال َّلوح المحفوظ‪.‬‬
‫المحفوظ؛ ُيقال له‪ :‬اإلمام‪ ،‬و ُيقال له‪ُّ :‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪142‬‬

‫الساعة؛‬ ‫كل ما هو كائ ٌن إلى قيام َّ‬ ‫واهلل ‪ E‬كتب يف ال َّلوح المحفوظ َّ‬
‫اد َير ا ْلخَ َلئِ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق‬
‫أن النَّبي ﷺ قال‪َ « :‬كتَب اهَّلل م َق ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫الصحيح َّ‬ ‫كما يف َّ‬
‫ف َسن ٍَة»(‪.)1‬‬
‫ين َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْالَ ْر َض بِخَ ْمس َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫املرتبة الثالثة‪ :‬من مراتب اإليمان بالقدر‪ :‬اإليمان بمشيئة اهلل ‪ C‬النَّافذة‪،‬‬
‫الشاملة‪﴿ ،‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ﴾ [البقرة‪َّ ،]20 :‬‬
‫وأن ما شاء‬ ‫وقدرته ‪َّ E‬‬
‫اهلل كان طِب ًقا ل ِ َما شاء‪ ،‬يف الوقت ا َّل ِذي شاء‪ ،‬على الوجه ا َّل ِذي شاء ‪،E‬‬
‫حتَّى وإن لم يشأ ذلك العبد؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [التَّكوير‪ ،]29-28 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [االنسان‪.]30-29 :‬‬

‫وأن جميع ما ُوجد ويوجد‬ ‫بأن اهلل خالق ِّ‬


‫كل شيء‪َّ ،‬‬ ‫الر ابعة‪ :‬اإليمان َّ‬
‫املرتبة َّ‬

‫َفاهلل خال ُقه؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ َّ‬


‫[الصا َّفات‪ ،]96 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫[الزمر‪ ،]62 :‬وقال ‪﴿ :C‬ﭖ‬
‫﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾ ُّ‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [الفاتحة‪.]2 :‬‬

‫الصفات‬ ‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ﴾ أي‪ :‬خالق األشخاص َّ‬


‫والذوات‪ ،‬وخالق ِّ‬
‫وشر ك ُّلها مخلوق ٌة هلل ‪E‬؛ َّ‬
‫ألن اهلل‬ ‫واألعمال؛ فأعمال العباد من ٍ‬
‫خير ٍّ‬
‫اهلل ‪ C‬خالق ِّ‬
‫كل‬ ‫خلق العباد‪ ،‬وخلق أعمالهم‪﴿ ،‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ َف ُ‬
‫شيء‪ ،‬فالعبد مخلوق‪ ،‬وحركاته‪ ،‬وسكناته؛ مخلوقة هلل‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2653‬‬


‫السموات واألرض»‬
‫(‪ )17‬حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير اخلالئق قبل أن خيلق َّ‬
‫‪143‬‬

‫فهذه أربع مراتب عظيمة ال يكون العبد مؤمنًا بالقدر َّإل باإليمان هبا‪:‬‬
‫العلم‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والمشيئة‪ ،‬واإليجاد‪.‬‬

‫خير عظيم وهو‪:‬‬


‫مهم؟ ينبغي التَّن ُّبه له و لجوابه؛ ففيه ٌ‬ ‫ٌ‬
‫سؤال ٌّ‬ ‫وهنا يرد‬

‫إذا كانت األمور ك ُّلها مقدَّ رة وك ُّلها مكتوبةٌ‪ ،‬وال يكون ٌ‬


‫أمر َّإل بمشيئة اهلل؛‬
‫ففيم العمل؟‬
‫لماذا نعمل؟ َ‬
‫والصحاب ُة الكرام ‪ M‬طرحوه‬
‫َّ‬ ‫وهو سؤال كما ُيقال‪ :‬يطرح نفسه‪،‬‬
‫علي ‪:I‬‬ ‫َّبي ‪ O‬يف غير ما مناسبة؛ ولهذا جاء يف حديث ٍّ‬ ‫على الن ِّ‬
‫ول اهَّللِ! َأ َنعم ُل فِي َأم ٍر مست َْأن ٍ‬
‫َف‪َ ،‬أ ْو‬ ‫أنَّهم سألوا النَّبِي ‪ O‬قالوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في َأ ْم ٍر َقدْ ُف ِر َغ منْ ُه؟ فقال ‪َ « :O‬ب ْل في َأ ْمرٍ َقدْ ُفرِ َغ منْ ُه» فقالوا‪َ :‬فف َ‬
‫يم‬
‫ا ْل َع َم ُل؟(‪.)1‬‬

‫الروايات قالوا‪َ :‬أ َف َل َنتَّكِ ُل َع َلى كِتَابِنَا َونَدَ ُع ال َع َم َل؟ قال‪:‬‬ ‫وجاء يف بعض ِّ‬
‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬ف ُي َي َّس ُر لِ َع َم ِل‬ ‫«اعم ُلوا‪َ ،‬فك ٌُّل ميسر لِما ُخ ِل َق َله‪َ ،‬أما من ك َ ِ‬
‫َان م ْن َأ ْه ِل َّ‬ ‫ُ َّ َ ْ‬ ‫ُ َ َّ ٌ َ‬ ‫ْ َ‬
‫اء َفييسر لِعم ِل َأه ِل َّ ِ‬ ‫َان ِمن َأه ِل َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم تال‬ ‫الش َق َاوة»‪َّ ،‬‬ ‫الش َق ُ َ َّ ُ َ َ ْ‬ ‫الس َعا َدة‪َ ،‬و َأ َّما َم ْن ك َ ْ ْ‬
‫َأ ْه ِل َّ‬
‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [ال َّليل‪.)2(]10-5 :‬‬

‫ويتلخَّ ص هذا الجواب يف أمرين‪ :‬أن يجاهد العبد نفسه على األعمال‬

‫((( أخرجه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف زوائده على «المسند» (‪ ،)16630‬وال َّطربانِ ُّي يف‬
‫«الكبير» (‪.)4236‬‬
‫البخاري (‪ )4949‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪ )2647‬بنحوه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪144‬‬

‫المحرمات‪ ،‬ويف‬
‫َّ‬ ‫الزاكيات‪ ،‬والبعد عن األعمال‬ ‫الصالحات‪ ،‬وال َّطاعات َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫تدبيره‪ ،‬ومن‬ ‫الوقت نفسه يلجأ إلى اهلل أن يعينه‪ ،‬ويحفظه‪ ،‬ويث ِّبته؛ فهو َط ُ‬
‫وع‬
‫َك َأ ْر ُجو؛ َف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن‪،‬‬
‫الدُّ عاء المأثور‪« :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ‬
‫ب‬‫«يا ُم َق ِّل َ‬
‫ْت» ‪ ،‬ويف الدُّ عاء اآلخر قال‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َو َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ك»(‪ ،)2‬ومن أدعية القرآن‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ‬ ‫ا ْل ُق ُل ِ‬
‫وب َث ِّب ْ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [آل عمران‪ُّ ]8 :‬‬
‫فكل ذلك بيده‪.‬‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)20430‬وأبو داود (‪،)5090‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2140‬وابن ماجه (‪،)3834‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫وأح ُّب إىل اهلل من املؤمن َّ‬
‫الضعيف»‬ ‫القوي خ ٌري َ‬
‫(‪ )18‬حديث‪« :‬املؤمن ُّ‬
‫‪145‬‬

‫‪18‬‬

‫القوي خ ٌري َ‬
‫وأح ُّب‬ ‫حديث‪« :‬املؤمن ُّ‬
‫الضعيف»‬‫إىل اهلل من املؤمن َّ‬

‫ِ‬ ‫عن َأبِي هرير َة ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬


‫ي َخ ْي ٌر‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬ ‫و َأحب إِ َلى اهَّلل ِ ِمن ا ْلم ْؤ ِم ِن َّ ِ ِ ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫الضعيف‪َ ،‬وفي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪ْ ،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫َان ك ََذا‬ ‫تك َ‬ ‫ك َش ْي ٌء َف َل َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّي َف َع ْل ُ‬ ‫جزْ‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬ ‫َو ْاست َِع ْن بِاهَّللِ‪َ ،‬و َل َت ْع ِ‬

‫ان»(‪.)1‬‬ ‫َوك ََذا؛ َو َلكِ ْن ُق ْل َقدَ ُر اهَّلل ِ َو َما َشا َء َف َع َل‪َ ،‬فإِ َّن َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬

‫قو ًة وضع ًفا‪ ،‬زياد ًة‬ ‫أفاد هذا الحديث‪َّ :‬‬


‫أن أهل اإليمان متفاوتون يف اإليمان َّ‬
‫ونقصا‪ ،‬وأنَّهم ليسوا يف إيماهنم على رتبة واحدة‪ ،‬وال على درجة واحدة؛ بل‬
‫ً‬
‫القوي‬
‫َّ‬ ‫ضعيف اإليمان‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ُ‬ ‫قوي اإليمان‪ ،‬ومنهم‬
‫تفاوت كبير؛ فمنهم ُّ‬
‫ٌ‬ ‫بينهم‬
‫وإن كان يف ٍّ‬
‫كل‬ ‫ب إلى اهلل من المؤمن ضعيف اإليمان‪ْ ،‬‬
‫وأح ُّ‬
‫خير َ‬
‫يف إيمانه ٌ‬
‫وفالح له‪ ،‬وسعاد ٌة‬
‫ٌ‬ ‫منهما خير؛ فوجود اإليمان ‪-‬وإن َق َّل‪ -‬هو ٌ‬
‫خير لإلنسان‪،‬‬
‫يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬

‫ولما كان إيمان المؤمنين متفاو ًتا؛ تفاضلت درجاهتم يف الجنَّة بحسب‬
‫َّ‬
‫وأرفع‬
‫َ‬ ‫فمن كان إيمانه أشدَّ وأقوى؛ كان أعلى درجةً‪،‬‬
‫تفاضلهم يف اإليمان؛ َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2664‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪146‬‬

‫من غيره‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ﴾ [األنفال‪ ،]4 :‬وقال‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ‬

‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [اإلسراء‪ ،]21 :‬وقال‪﴿ :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬

‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ﴾ [المجادلة‪ ،]11 :‬وقد م َّيز اهلل بين منازل‬


‫الجنَّة‪ ،‬وجعلها درجات بعضها أرفع من بعض؛ َّ‬
‫ألن المؤمنين ليسوا سواء يف‬
‫القوي يف‬
‫ِّ‬ ‫أعظم وأقوى إيمانًا من بعض‪ ،‬ودرج ُة المؤمن‬
‫ُ‬ ‫إيماهنم؛ بل بعضهم‬
‫ممن هو دونه يف اإليمان‪.‬‬
‫الجنَّة أعلى‪ ،‬ومنزلته أرفع َّ‬
‫الشيخ حافظ حكمي ‪« :V‬وكما أخرب اهلل ‪ F‬عن تفاوهتم‬ ‫قال َّ‬
‫يف اإليمان يف دار التَّكليف؛ كذلك جعل الجنَّة ا َّلتِي هي دار ال َّثواب متفاوتة‬
‫الرحمن‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫الدَّ رجات‪ ،‬مع كون ٍّ‬
‫كل منهم فيها؛ فقال يف سورة َّ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬

‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬

‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬

‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‬

‫السورة‪ ،‬وكذا يف سورة الواقعة أخرب بصفة الجنَّة‬


‫[الرحمن‪ ]59-46 :‬إلى آخر ُّ‬
‫َّ‬

‫السابقون أعظم وأعلى من صفات الجنَّة ا َّلتِي يدخلها أصحاب‬ ‫ِ‬


‫ا َّلتي يدخلها َّ‬
‫ط ِّففين؛ قال ‪﴿ :F‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫الم َ‬
‫اليمين‪ ،‬وكذلك يف سورة ُ‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫وأح ُّب إىل اهلل من املؤمن َّ‬
‫الضعيف»‬ ‫القوي خ ٌري َ‬
‫(‪ )18‬حديث‪« :‬املؤمن ُّ‬
‫‪147‬‬

‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾‬

‫[المطففين‪ ]28-22 :‬وغير ذلك من اآليات‪.‬‬

‫ب‬‫َان ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫َان ِم ْن فِ َّض ٍة آنِ َيت ُُه َما‪َ ،‬و َما فِ ْي ِه َما‪َ ،‬و َجنَّت ِ‬
‫«جنَّت ِ‬
‫وقال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫أن ينْ ُظروا إِ َلى رب ِهم إِ َّل ِرداء الكِبرِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ياء‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫آن َيت ُُه َما‪َ ،‬و َما ف ْي ِه َما‪َ ،‬و َما َب ْي َن ال َق ْو ِم َو َب ْي َن ْ َ ُ ْ‬
‫َع َلى َو ْج ِه ِه فِي َجن َِّة َعدْ ٍن»(‪.)1‬‬

‫أهل ع ِّل ِّيين‪ ،‬يرون‬


‫وأهل الجنَّة متفاوتون يف الدَّ رجات؛ حتَّى إنَّهم يرتا َءون َ‬
‫الغربي‪ ،‬ومتفاوتون‬
‫ِّ‬ ‫رقي أو‬ ‫ُغ َرفهم من فوقهم كما ُي َرى الكوكب يف األفق َّ‬
‫الش ِّ‬
‫يف األزواج‪ ،‬ومتفاوتون يف الفواكه من المطعوم والمشروب‪ ،‬ومتفاوتون‬
‫الحسن‪،‬‬
‫الملك‪ ،‬ومتفاوتون يف ُ‬
‫يف الفرش والملبوسات‪ ،‬ومتفاوتون يف ُ‬
‫والجمال‪ ،‬والنُّور‪ ،‬ومتفاوتون يف قرهبم من اهلل ‪ ،D‬ومتفاوتون يف تكثير‬
‫زيارهتم إ َّياه‪ ،‬ومتفاوتون يف مقاعدهم يوم المزيد‪ ،‬ومتفاوتون تفاو ًتا ال يعلمه‬
‫َّإل اهلل ‪.)2(»...D‬‬

‫قو ًة وضع ًفا‪ ،‬زياد ًة ً‬


‫ونقصا‪.‬‬ ‫وما هذا التَّفاوت بينهم َّإل ألنَّهم متفاوتون يف اإليمان َّ‬
‫يف‪،‬‬ ‫ب إِ َلى اهَّلل ِ ِم َن ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َّ‬
‫الض ِع ِ‬
‫ي َخ ْي ٌر َو َأ َح ُّ‬
‫ِ‬
‫وقول النَّبِ ِّي ﷺ‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬
‫القوي‬
‫ُّ‬ ‫حظ المرء من اإليمان؛ فالمؤمن‬ ‫َوفِي ك ٍُّل َخ ْي ٌر» فيه َّ‬
‫أن الخير َّية بحسب ِّ‬
‫الضعيف‪ ،‬وهذا فيه ٌّ‬
‫حث على االجتهاد يف‬ ‫ب إلى اهلل من المؤمن َّ‬
‫وأح ُّ‬
‫خير َ‬
‫ٌ‬
‫القوة يف ال َّطاعة واإليمان والعبادة والت ُّ‬
‫َّقرب إلى اهلل ‪.D‬‬ ‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)4878‬ومسلم (‪ )180‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( «معارج القبول بشرح ُس َّلم الوصول إلى علم األصول» (‪.)1010-1009/3‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪148‬‬
‫ٍ‬
‫أصول‬ ‫عدي ‪« :V‬هذا الحديث اشتمل على‬
‫الس ُّ‬ ‫قال َّ‬
‫الرحمن ِّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫ٍ‬
‫جامعة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وكلمات‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‪،‬‬

‫فمنها‪ :‬إثبات المح َّبة صف ًة هلل‪ ،‬وأنَّها ُم َت َع ِّلق ٌة بمحبوباته‪َ ،‬‬


‫وبمن قام هبا‪،‬‬
‫القوي‬
‫ِّ‬ ‫ودل على أنَّها تتع َّلق بإرادته ومشيئته‪ً ،‬‬
‫وأيضا تتفاضل؛ فمح َّبته للمؤمن‬ ‫َّ‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫أعظم من مح َّبته للمؤمن َّ‬
‫ُ‬
‫أن اإليمان‪ :‬يشمل العقائد القلب َّية‪ ،‬واألقوال‪ ،‬واألفعال؛‬ ‫َّ‬
‫ودل الحديث على َّ‬
‫السنَّة والجماعة؛ َّ‬
‫فإن اإليمان بضع وسبعون شعبة؛‬ ‫كما هو مذهب أهل ُّ‬
‫أعالها‪ :‬قول ال إله َّإل اهلل‪ ،‬وأدناها‪ :‬إماطة األذى عن ال َّطريق‪ ،‬والحياء شعبة‬
‫الش َعب ا َّلتِي ترجع إلى األعمال الباطنة وال َّظاهرة ك ُّلها من اإليمان؛‬
‫منه‪ ،‬وهذه ُّ‬
‫وكمل‬
‫الصالح‪َّ ،‬‬ ‫حق القيام‪ ،‬وك ََّمل نفسه بالعلم النَّافع‪ ،‬والعمل َّ‬
‫فمن قام هبا َّ‬
‫َ‬
‫القوي ا َّل ِذي حاز‬
‫ُّ‬ ‫بالصرب‪ :‬فهو المؤمن‬ ‫بالحق‪ ،‬والتَّواصي َّ‬‫ِّ‬ ‫غيره بالتَّواصي‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫أعلى مراتب اإليمان‪ ،‬و َمن لم يصل إلى هذه المرتبة‪ :‬فهو المؤمن َّ‬

‫وهذا من أد َّلة َّ‬


‫السلف على َّ‬
‫أن اإليمان يزيد وينقص؛ وذلك بحسب علوم‬
‫اإليمان ومعارفه‪ ،‬وبحسب أعماله‪.‬‬

‫والسنَّة يف مواضع كثيرة‪.‬‬ ‫وهذا األصل قد َّ‬


‫دل عليه الكتاب ُّ‬

‫َّبي ﷺ بين المؤمنين قو ِّيهم وضعيفهم؛ َخ ِش َي من ُّ‬


‫توهم‬ ‫فاضل الن ُّ‬
‫ولما َ‬
‫َّ‬
‫«وفِي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪.»...‬‬
‫القدْ ح يف المفضول؛ فقال‪َ :‬‬
‫وفي هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫أن المؤمنين يتفاوتون يف الخير َّية‪ ،‬ومح َّبة اهلل‪ ،‬والقيام‬
‫وأح ُّب إىل اهلل من املؤمن َّ‬
‫الضعيف»‬ ‫القوي خ ٌري َ‬
‫(‪ )18‬حديث‪« :‬املؤمن ُّ‬
‫‪149‬‬

‫بدينه‪ ،‬وأنَّهم يف ذلك درجات ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [األحقاف‪،]19 :‬‬


‫ويجمعهم ثالثة أقسام‪:‬‬

‫السابقون إلى الخيرات‪ :‬وهم ا َّل ِذين قاموا بالواجبات والمستح َّبات‪،‬‬
‫َّ‬
‫وكملوا ما باشروه‬
‫الم َح َّرمات‪ ،‬والمكروهات‪ ،‬وفضول المباحات‪َّ ،‬‬
‫وتركوا ُ‬
‫من األعمال‪ ،‬وا َّتصفوا بجميع صفات الكمال‪.‬‬

‫ثم المقتصدون‪ :‬ا َّل ِذين اقتصروا على القيام بالواجبات‪ ،‬وترك المحظورات‪.‬‬
‫َّ‬
‫صالحا‪ ،‬وآخر س ِّي ًئا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم الظالمون ألنفسهم‪ :‬ا َّل ِذين خلطوا ً‬
‫عمل‬ ‫َّ‬
‫نافع‪ُ ،‬م ْح ٍ‬
‫تو‬ ‫جامع ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهَّلل ِ» كال ٌم‬
‫«احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬
‫وقوله ﷺ‪ْ :‬‬
‫على سعادة الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬

‫واألمور النَّافعة قسمان‪ :‬أمور دين َّية‪ ،‬وأمور دنيو َّية‪ ،‬والعبد محتاج إلى‬
‫الدُّ نيو َّية كما أنَّه محتاج إلى الدِّ ين َّية؛ فمدار سعادته وتوفيقه‪ :‬على الحرص‬
‫واالجتهاد يف األمور النَّافعة منهما‪ ،‬مع االستعانة باهلل تعالى؛ فمتى حرص‬
‫العبد على األمور النَّافعة واجتهد فيها‪ ،‬وسلك أسبابها وطرقها‪ ،‬واستعان بر ِّبه‬
‫ِ‬
‫فالحه‪ ،‬ومتى فاتَه واحدٌ من‬ ‫يف حصولها وتكميلها‪ :‬كان ذلك كما َله‪ ،‬وعنوان‬
‫حريصا على األمور‬
‫ً‬ ‫هذه األمور ال َّثالثة‪ :‬فاته من الخير بحسبها‪َ ،‬‬
‫فمن لم يكن‬
‫النَّافعة؛ بل كان كسالنًا لم يدرك شي ًئا‪ ،‬فالكسل‪ :‬هو أصل الخيبة والفشل؛‬
‫ٍ‬
‫بدين وال دنيا‪ ،‬ومتى‬ ‫كر َمةً‪ ،‬وال يحظى‬
‫خيرا‪ ،‬وال ينال َم ُ‬
‫فالكسالن ال يدرك ً‬
‫مفوتة‬
‫ضارة‪ ،‬أو ِّ‬
‫حريصا‪ ،‬ولكن على غير األمور النَّافعة؛ إ َّما على أمور َّ‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫والضرر؛‬
‫الش ِّر َّ‬ ‫َ‬
‫وحصول َّ‬ ‫وفوات الخير‪،‬‬
‫َ‬ ‫للكمال‪ :‬كان ثمر ُة حرصه الخيبةَ‪،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪150‬‬

‫غير نافعة؛ لم يستفد من حرصه‬ ‫ٍ‬


‫وأحوال ِ‬ ‫حريص على سلوك ُط ُر ٍق‬
‫ٍ‬ ‫فكم من‬
‫َّإل التَّعب والعناء َّ‬
‫والشقاء‪.‬‬

‫تتم له‬ ‫ثم إذا سلك العبد ال ُّط ُر َق النَّافعة‪َ ،‬‬


‫وحرص عليها‪ ،‬واجتهد فيها‪ :‬لم َّ‬ ‫َّ‬
‫َّإل بصدق ال َّلجأ إلى اهلل‪ ،‬واالستعانة به على إدراكها وتكميلها‪ ،‬وأن ال يتَّكل‬
‫وقوته‪ ،‬بل يكون اعتماده التَّا ُّم بباطنه وظاهره على ر ِّبه؛‬
‫وح ْوله َّ‬
‫على نفسه َ‬
‫وتتم له النَّتائج وال َّثمرات‬
‫وتتيسر له األحوال‪ُّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫فبذلك َت ُهون عليه المصاعب‪،‬‬
‫مضطر غاية‬
‫ٌّ‬ ‫محتاج ‪-‬بل‬
‫ٌ‬ ‫ال َّط ِّيبة يف أمر الدِّ ين وأمر الدُّ نيا؛ لكنَّه يف هذه األحوال‬
‫االضطرار‪ -‬إلى معرفة األمور ا َّلتِي ينبغي الحرص عليها‪ ،‬والجدُّ يف طلبها‪.‬‬

‫فاألمور النَّافعة يف الدِّ ين ترجع إلى أمرين‪ :‬علم نافع‪ ،‬وعمل صالح‪.‬‬
‫َّ‬
‫َّأما العلم النافع‪ :‬فهو العلم المزكِّي للقلوب واألرواح‪ ،‬المثمر لسعادة‬
‫وتفسير ٍ‬
‫وفقه‪ ،‬وما يعين على‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫الرسول ﷺ من‬‫الدَّ ارين؛ وهو ما جاء به َّ‬
‫ذلك من علوم العرب َّية بحسب حالة الوقت والموضع ا َّل ِذي فيه اإلنسان‪...‬‬

‫الصالح؛ فهو ا َّل ِذي جمع اإلخالص هلل‪،‬‬


‫َّ‬
‫وأما األمر الثاني‪ :‬وهو العمل َّ‬‫َّ‬

‫َّقرب إلى اهلل باعتقاد ما يجب هلل من صفات‬


‫للرسول ﷺ‪ ،‬وهو الت ُّ‬
‫والمتابعة َّ‬
‫الكمال‪ ،‬وما يستح ُّقه على عباده من العبود َّية‪ ،‬وتنزيهه َّ‬
‫عما ال يليق بجالله‪،‬‬
‫وعما ُيستق َبل؛‬ ‫وتصديقه وتصديق رسوله يف ك ُِّل خرب أخربا به َّ‬
‫عما مضى‪َّ ،‬‬
‫الرسل‪ ،‬والكتب والمالئكة‪ ،‬وأحوال اآلخرة‪ ،‬والجنَّة والنَّار‪ ،‬وال َّثواب‬
‫عن ُّ‬
‫والعقاب‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫ثم يسعى يف أداء ما فرضه اهلل على عباده‪ :‬من حقوق اهلل‪ ،‬وحقوق خلقه‪،‬‬
‫َّ‬
‫وأح ُّب إىل اهلل من املؤمن َّ‬
‫الضعيف»‬ ‫القوي خ ٌري َ‬
‫(‪ )18‬حديث‪« :‬املؤمن ُّ‬
‫‪151‬‬

‫خصوصا المؤكَّدة يف أوقاهتا‪ ،‬مستعينًا باهلل‬


‫ً‬ ‫َّطوعات‪،‬‬
‫ويكمل ذلك بالنَّوافل والت ُّ‬
‫ِّ‬
‫على فعلها‪ ،‬وعلى تحقيقها وتكميلها‪ ،‬وفِعلِ َها على وجه اإلخالص ا َّل ِذي ال‬
‫َي ُشو ُب ُه َغ َر ٌض من األغراض النَّفس َّية‪.‬‬

‫وخصوصا ا َّلتِي تدعو إليها‬


‫ً‬ ‫الم َح َّرمات‪،‬‬
‫يتقرب إلى اهلل برتك ُ‬
‫وكذلك َّ‬
‫يتقرب إليه بفعل‬
‫فيتقرب إلى ر ِّبه برتكها هلل‪ ،‬كما َّ‬
‫َّ‬ ‫النُّفوس‪ ،‬وتميل إليها؛‬
‫المأمورات؛ فمتى و ِّفق العبد بسلوك هذا ال َّطريق يف العمل‪ ،‬واستعان اهلل على‬
‫ذلك؛ أفلح ونجح‪ ،‬وكان كماله بحسب ما قام به من هذه األمور‪ ،‬ونقصه‬
‫بحسب ما فاته منها‪.‬‬

‫الرزق؛ فينبغي أن‬


‫وأما األمور النَّافعة يف الدُّ نيا‪ :‬فالعبد ال ُبدَّ له من طلب ِّ‬
‫َّ‬
‫أنفع األسباب الدُّ نيو َّية َّ‬
‫اللئقة بحاله؛ وذلك يختلف باختالف النَّاس‪،‬‬ ‫يسلك َ‬
‫ويقصد بكسبه وسعيه القيا َم بواجب نفسه‪ ،‬وواجب َمن يعوله و َمن يقوم‬
‫بمؤنته‪ ،‬وينوي الكفاف واالستغناء بطلبه عن الخلق‪ ،‬وكذلك ينوي بسعيه‬
‫والصدقة‪ ،‬والنَّفقات‬
‫الزكاة َّ‬
‫وكسبه تحصيل ما تقوم به العبود َّيات المال َّية؛ من َّ‬
‫مما يتو َّقف على المال‪ ،‬ويقصد المكاسب ال َّط ِّيبة‪،‬‬
‫الخاصة والعا َّمة؛ َّ‬
‫َّ‬ ‫الخير َّية‬
‫الم َح َّرمة»(‪.)1‬‬
‫متجنِّ ًبا للمكاسب الخبيثة ُ‬
‫الرضا بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬بعد بذل الجهد‪ ،‬واستفراغ‬ ‫حض على ِّ‬ ‫ثم إنَّه ﷺ َّ‬
‫َّ‬
‫ب ذلك‬ ‫ِ‬
‫الوسع يف الحرص على النَّافع؛ فإذا أصاب الع ُبد ما يكرهه فال َينس ُ‬
‫إلى ترك بعض األسباب ا َّلتِي يظ ُّن نفعها لو فعلها؛ بل يسكن إلى قضاء اهلل‬

‫((( «هبجة قلوب األبرار» (‪.)28-24‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪152‬‬

‫فإن « َل ْو» يف هذه الحال‬


‫نفسه؛ َّ‬ ‫وقدره؛ ليزدا َد إيمانُه‪ ،‬و َيس ُك َن َقل ُبه‪ ،‬و َتست َِر َ‬
‫يح ُ‬
‫ِ ِ‬
‫الشيطان بنقص إيمانه بال َقدَ ر‪ ،‬واعرتاضه عليه‪ ،‬و َف ْتحِ أبواب ِّ‬
‫الهم‬ ‫تفتح عمل َّ‬
‫ضعف للقلب‪.‬‬ ‫والحزن الم ِ‬
‫ُ‬
‫وهذه الحال ا َّلتِي أرشد إليها النَّبِ ُّي ﷺ هي أعظم ال ُّطرق لراحة القلب‪،‬‬
‫وأدعى لحصول القناعة والحياة ال َّط ِّيبة؛ وهو الحرص على األمور النَّافعة‪،‬‬
‫يس َر ُه منها‪،‬‬
‫واالجتهاد يف تحصيلها‪ ،‬واالستعانة باهلل عليها‪ ،‬وشكر اهلل على ما َّ‬
‫يحصل منها‪.‬‬
‫والر َضا عنه بما فات ولم َّ‬
‫ِّ‬
‫إيمان بالقضاء والقدر‪ ،‬وأ ْم ٌر بالتَّوكُّل على اهلل ا َّل ِذي‬
‫ٌ‬ ‫«و ْاست َِع ْن بِاهلل ِ»‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫المضار‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وقوته تعالى يف جلب المصالح ودفع‬
‫هو االعتماد التَّا ُّم على َحوله َّ‬
‫مع ال ِّثقة التَّا َّمة باهلل يف نجاح ذلك‪.‬‬

‫للرسول ﷺ يتع َّين عليه أن يتوكَّل على اهلل يف أمر دينه ودنياه‪ ،‬وأن‬
‫فالمتَّبع َّ‬
‫ٍ‬
‫سبب ناف ٍع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬ ‫يقوم ب ُك ِّل‬
‫(‪ )19‬حديث‪« :‬أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬
‫‪153‬‬

‫‪19‬‬

‫حديث‪« :‬أكمل املؤمنني‬


‫إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬

‫ين إِ َ‬
‫يمانًا‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬
‫«أك َْم ُل ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َأ ْح َسن ُُه ْم ُخ ُل ًقا»(‪.)1‬‬

‫أن ُحس َن الخلق من اإليمان‪َّ ،‬‬


‫وأن المسلم‬ ‫هذا الحديث فيه دالل ٌة على َّ‬
‫نقص من‬ ‫ُك َّلما ازداد منه؛ زاد إيمانه‪ ،‬وارتقى إلى الكمال‪َّ ،‬‬
‫وأن النَّقص منه ٌ‬
‫ص‬ ‫بحسن الخلق‪ ،‬و َين ُق ُ‬ ‫اإليمان؛ فهو ُّ‬
‫يدل على َّ‬
‫أن اإليمان يزيد وينقص؛ يزيد ُ‬
‫وأن المؤمنين متفاوتون يف‬ ‫كما أنَّه يزيد بال َّطاعة‪ ،‬وينقص بالمعصية‪َّ ،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫بنَقصه؛ َ‬
‫ٌ‬
‫إيمان‬ ‫إيماهنم؛ فبعضهم أكمل إيمانًا من بعض‪َّ ،‬‬
‫وأن اإليمان يتفاضل؛ فيكون‬
‫ٍ‬
‫إيمان‪.‬‬ ‫َ‬
‫أكمل من‬

‫والسنَّة على َّ‬


‫أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬ويقوى و َيض ُعف‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫دل الكتاب ُّ‬
‫‪-‬أيضا‪ ،-‬والواجب على‬ ‫وأن لزيادة اإليمان أسبا ًبا‪َّ ،‬‬
‫وأن لنقص اإليمان أسبا ًبا ً‬ ‫َّ‬
‫المسلم أن يرعى إيمانه‪ ،‬وأن يحرص على معرفة األسباب ا َّلتِي يزيد هبا إيمانُه‬
‫أسباب‬
‫َ‬ ‫أيضا‬
‫فيفعلها‪ ،‬ويواظب عليها؛ حتَّى يزداد بذلك إيمانًا‪ ،‬وأن يعرف ً‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫ِّرمذي (‪َّ ،)1162‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)7402‬وأبو داود (‪ ،)٤٦٨٢‬والت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪154‬‬

‫والخ ُلق‬
‫ُ‬ ‫نقص اإليمان؛ ليتجنَّب تلك األمور ا َّلتِي ُت ِ‬
‫ضعف إيمانَه و ُت ِّ‬
‫وهيه‪،‬‬
‫نقص يف‬
‫الس ِّيئة ٌ‬ ‫كم ُل‪ ،‬كما َّ‬
‫أن األخالق َّ‬ ‫مما يزيدُ به المؤمن و َي ُ‬
‫الفاضل الكريم َّ‬
‫ووهاء‪.‬‬
‫عف َ‬
‫وض ٌ‬
‫اإليمان َ‬

‫«ما ِم ْن َش ْي ٍء‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫روى أبو داود عن أبي الدَّ رداء ‪ I‬عن الن ِّ‬
‫«ما ِم ْن َش ْي ٍء‬ ‫ِّرمذي بلفظ‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫َان ِم ْن ُح ْس ِن الخُ ُل ِق»(‪ ،)1‬ورواه الت‬ ‫َأ ْث َق ُل فِي ِ‬
‫الم ْيز ِ‬
‫ب ُح ْس ِن الخُ ُل ِق َل َي ْب ُلغُ بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وض ُع فِي ا ْل ِميز ِ‬
‫َان َأ ْث َق ُل م ْن ُح ْس ِن الخُ ُل ِق‪َ ،‬وإِ َّن َصاح َ‬ ‫ُي َ‬
‫الص َل ِة»(‪.)2‬‬
‫الص ْو ِم َو َّ‬‫ب َّ‬ ‫اح ِ‬ ‫درج َة ص ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫وهذا فيه إثبات ميزان األعمال ا َّل ِذي ينصب يوم القيامة‪َّ ،‬‬
‫وأن أعمال العباد‬
‫توزن فيه‪ ،‬وهو ُّ‬
‫يدل على عظيم شأن حسن الخلق وعظيم ثوابه عند اهلل ‪،D‬‬
‫وأنَّه من أثقل ما يكون يف الميزان عندما توزن األعمال؛ ألنَّه من ِّ‬
‫أجل خصال‬
‫اإليمان وأفضل أعماله‪.‬‬

‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إِن ََّما ُب ِع ْث ُ‬


‫ت ِلُت َِّم َم‬ ‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ت ِلُت َِّم َم‬‫البزار(‪ )4‬بلفظ‪« :‬إِن ََّما ُب ِع ْث ُ‬
‫َصالِ َح ْالَ ْخ َل ِق» رواه أحمد(‪ ،)3‬ورواه َّ‬
‫َار َم ْالَ ْخ َل ِق»‪.‬‬
‫َمك ِ‬
‫فبعثه اهلل ليدعو النَّاس إلى مكارم األخالق‪ ،‬ومحاسن األعمال‪ ،‬وي ِ‬
‫نذ َرهم‬ ‫ُ‬
‫وفعل‪:‬‬
‫قول ً‬
‫س ِّي َئ األخالق‪ ،‬وس ِّي َئ األعمال‪ ،‬وقد دعاهم إليه ً‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫((( أخرجه أبو داود (‪،)4799‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2003‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي يف صحيح الجامع (‪.)2349‬‬ ‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)2952‬‬
‫البزار يف «المسند» (‪.)8949‬‬‫((( أخرجه َّ‬
‫(‪ )19‬حديث‪« :‬أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬
‫‪155‬‬
‫ً‬
‫ِّ‬
‫الحث على األخالق الكاملة‪،‬‬ ‫َّأما قول‪ :‬فقد تكاثرت عنه األحاديث يف‬
‫والحث عليها‪ ،‬وبيان ما أعدَّ اهلل ألهلها من ال َّثواب العظيم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الرفيعة‪،‬‬
‫واآلداب َّ‬
‫واألجر الجزيل‪.‬‬
‫َّ ً‬
‫وأما فعل‪ :‬فقد كان قدو ًة للعالمين بما وهبه اهلل من الخلق الكامل‪ ،‬واألدب‬
‫الرفيع؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [القلم‪.]4 :‬‬
‫َّ‬
‫َع ْن َس ْع ِد ْب ِن ِه َشا ِم ْب ِن َعامِ ٍر‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا ُأ َّم ا ْل ُم ْؤمِنِي َن! َأ ْنبِئِينِي َع ْن ُخ ُل ِق‬
‫آن؟ ُق ْل ُت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬فإِ َّن ُخ ُل َق َنبِ ِّي‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬أ َل ْس َت َت ْق َر ُأ ا ْل ُق ْر َ‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫آن‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َه َم ْم ُت َأ ْن َأ ُقو َم‪َ ،‬و َل َأ ْس َأ ُل َأ َحدً ا َع ْن َش ْي ٍء؛ َحتَّى‬ ‫اهَّللِ ﷺ ك َ‬
‫َان ا ْل ُق ْر َ‬
‫َأ ُم َ‬
‫وت»(‪.)1‬‬

‫عنوان فالحِ المرء وسعادتِه يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وما‬


‫ُ‬ ‫والخلق الفاضل‬
‫استُجلِب ِ‬
‫ين ك ُّله ُخ ُل ٌق‪َ ،‬‬
‫فمن زاد عليك‬ ‫ت الخيرات بمثل ُ‬
‫الخلق الفاضل‪ ،‬والدِّ ُ‬ ‫َ‬
‫يف الخلق؛ زاد عليك يف الدِّ ين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عن َأبِي هرير َة ‪َ I‬ق َال‪ :‬سئِ َل رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َع ْن َأ ْك َث ِر َما ُيدْ خ ُل الن َ‬
‫َّاس‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫الجنَّةَ؟ َف َق َال‪َ « :‬ت ْق َوى اهلل ِ َو ُح ْس ُن الخُ ُل ِق»(‪.)2‬‬
‫َ‬

‫فجعله النَّبِ ُّي ﷺ من أسباب دخول الجنَّة‪ ،‬و َق َرنَه بالتَّقوى ا َّلتِي هي أعظم‬
‫وص َّية‪.‬‬

‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬جمع النَّبِي ﷺ بين تقوى اهلل وحسن الخلق؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ُّ‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2004‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬ ‫(‪.)746‬‬
‫ ‬ ‫((( أخرجه مسلم‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪156‬‬

‫وحسن الخلق ُيصلِ ُح ما بينه وبين‬‫تقوى اهلل ُيصلِح ما بين العبد وبين ر ِّبه‪ُ ،‬‬
‫ب له مح َّبة اهلل‪ ،‬وحسن الخلق يدعو الى مح َّبته»(‪.)1‬‬ ‫خلقه؛ فتقوى اهلل ُت ِ‬
‫وج ُ‬

‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن ِم ْن َأ َح ِّبك ُْم إِ َل َّي َو َأ ْق َربِك ُْم‬ ‫و َع ْن َجابِ ٍر ‪َ ،I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫القيام ِة َأح ِ‬
‫اسنَك ُْم َأ ْخ َل ًقا»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منِّي َم ْجل ًسا َي ْو َم َ َ َ‬

‫مجلسا يوم‬
‫ً‬ ‫ف ُك َّلما كان المرء أحسن خل ًقا؛ كان أقرب إلى رسول اهلل ﷺ‬
‫القيامة من غيره‪ ،‬و ُك َّلما كان أسو َأ خل ًقا؛ كان أ ْب َعد‪.‬‬

‫واألخالق الفاضلة تقوم على أربعة أركان؛ َمن اعتنى هبا كان ‪-‬بإذن اهلل‬
‫‪ -F‬من أهل األخالق‪ ،‬و َمن ض َّيعها ‪-‬أو ض َّيع منها شي ًئا‪ -‬ضاع منه ُ‬
‫الخلق‬
‫بحسب ما أضاع من هذه األركان‪ ،‬وقد اجتمعت هذه األركان لألخالق يف‬
‫دل على ٍ‬
‫ركن من أركان األخالق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حديث منها َّ‬ ‫أربعة أحاديث؛ ُّ‬
‫كل‬

‫محمد بن‬
‫نقل الحافظ ابن رجب يف كتابه «جامع العلوم والحكم» عن أبي َّ‬
‫وأزمته‬ ‫ِ‬
‫أبي زيد القيروان ِّي إمام المالك َّية يف زمانه أنَّه قال‪« :‬جماع آداب الخير َّ‬
‫تتفرع من أربعة أحاديث‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ت»(‪.)3‬‬ ‫َان ُي ْؤ ِم ُن بِاهلل ِ َوا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ َف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ‬ ‫قول النَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬‬
‫«م ْن ك َ‬

‫الم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ْي ِه»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬


‫وقوله ﷺ‪« :‬م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم َ‬

‫((( انظر‪ :‬الفوائد البن الق ِّيم (ص‪.)76‬‬


‫البخاري (‪.)3759‬‬
‫ِّ‬ ‫وصححه االلبانِ ُّي‪ ،‬وأصله عند‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2018‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫البخاري (‪ ،)6018‬ومسلم (‪.)47‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2317‬وابن ماجه (‪،)3976‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫(‪ )19‬حديث‪« :‬أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬
‫‪157‬‬

‫ب»(‪.)1‬‬ ‫وقوله ل َّل ِذي اختصر له يف الوص َّية‪َ :‬‬


‫«ل َتغ َْض ْ‬

‫ب لِنَ ْف ِس ِه»(‪.)3( .)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ ِ ِ‬


‫ب لَخ ْيه َما ُيح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الم ْؤم ُن ُي ُّ‬
‫وقوله ﷺ‪ُ :‬‬
‫َّووي ‪-V‬‬ ‫فهذه األحاديث األربعة ‪-‬وك ُّلها من أحاديث األربعين للن ِّ‬
‫وجميع أحاديث األخالق المرو َّية عن النَّبِ ِّي‬ ‫ت األخالق واآلداب‪،‬‬ ‫جمع ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫‪ O‬يف األخالق راجع ٌة إلى هذه األحاديث األربعة‪ ،‬وهذا يفيدنا‬
‫أن َمن ُو ِّفق لفهم هذه األحاديث وتطبيقها؛ فإنَّه يكون قد اجتمعت فيه أركان‬
‫َّ‬
‫ألن األخالق تقوم على أركان أربعة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وأعمدَ ُته؛ َّ‬ ‫األخالق‬
‫َان ُي ْؤ ِم ُن بِاهَّلل ِ َوا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ‬ ‫الركن األول‪ :‬صيانة ال ِّلسان؛ قال ﷺ‪َ :‬‬
‫«م ْن ك َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬

‫يصن لسانه؛ لن يكون من أهل األخالق؛‬ ‫ت»‪ ،‬و َمن لم ُ‬ ‫َف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ‬
‫إذ من األسس العظيمة والدَّ عائم المتينة ا َّلتِي تقوم عليها األخالق‪ :‬صيانة‬
‫ال ِّلسان‪ ،‬ومعنى صيانة ال ِّلسان‪ :‬أي ضبطه وحبسه عن الكالم َّإل ما كان فيه‬
‫فائدة‪ ،‬فقول النَّبِ ِّي ﷺ‪َ « :‬ف ْل َي ُق ْل َخ ْي ًرا َأ ْو لِ َي ْص ُم ْ‬
‫ت» فيه دعو ٌة للتَّف ُّكر يف الكالم‬
‫ألن الكلمة قبل أن تخرج يملكها المرء‪ ،‬وإذا خرجت مل َك ْت ُه؛‬ ‫قبل الكالم؛ َّ‬
‫ولهذا‪ :‬من الجميل بالمسلم أن يتف َّكر يف كالمه قبل أن يتك َّلم‪ ،‬وإذا تفك َ‬
‫َّرت فيه‬
‫وجدتَه ال يخرج عن ثالث أحوال‪:‬‬

‫خير ب ِّين واضح؛ فيتك َّلم به وال حرج‪.‬‬


‫‪ -1‬إ َّما أن يتب َّين له أنَّه ٌ‬
‫البخاري (‪.)6116‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)13‬ومسلم (‪.)45‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫الحنبلي (ص‪.)258‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪158‬‬
‫‪ -2‬وإما أن يتبين له أنَّه شر بين‪ :‬إما غيبةٌ‪ ،‬أو ِ‬
‫كذ ٌب‪ ،‬أو سخريةٌ‪ ،‬أو نميمةٌ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫نفسه منه‪ ،‬ويصون لسانَه عنه‪.‬‬ ‫أو غير ذلك من َّ‬
‫الش ِّر الب ِّين؛ فيمنع َ‬
‫َّ‬
‫شر؛‬
‫خير أو ٌّ‬ ‫مشتبها عليه‪ ،‬ال يدري هل هو ٌ‬
‫ً‬ ‫واألمر الثالث‪ :‬أن يكون‬
‫أيضا يمنع نفسه من التَّك ُّلم به؛ لقوله ‪َ « :O‬ف َم ِن ا َّت َقى‬
‫فهذه الحالة ً‬
‫ات ْاس َت ْب َر َأ لِ ِدين ِ ِه َو ِع ْر ِض ِه»(‪ ،)1‬ولقوله ‪َ « :O‬د ْع َما َيرِي ُب َ‬
‫ك إِ َلى‬ ‫الشبه ِ‬
‫ُّ ُ َ‬
‫َم َال َيرِي ُب َ‬
‫ك»(‪.)2‬‬

‫َ‬
‫يصون المر ُء لسانَه‪ ،‬وأن يحفظ‬ ‫أساس البدَّ منه يف باب األخالق؛ أن‬
‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫كال َمه؛ فال يتك َّلم َّ‬
‫إل بخير ﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [األحزاب‪:‬‬

‫َّاس‬ ‫ك َيا ُم َعا ُذ‪َ ،‬و َه ْل َيك ُّ‬


‫ُب الن َ‬ ‫‪ ،]70‬ويف الحديث قال ‪َ « :O‬ثكِ َلت َ‬
‫ْك ُأ ُّم َ‬
‫َاخ ِر ِه ْم‪ -‬إِ َّل َح َصائِدُ َأ ْل ِسنَتِ ِه ْم»(‪.)3‬‬ ‫َّار ع َلى وج ِ‬
‫وه ِهم ‪-‬أو َع َلى من ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫في الن ِ َ ُ ُ‬

‫أن من أساس َّيات األخالق وأركانه ا َّلتِي عليها يقوم‪ :‬صيانة‬


‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫والخ ُلق‪.‬‬ ‫َ‬
‫يكون من أهل األدب ُ‬ ‫ال ِّلسان‪ ،‬وحفظه‪ ،‬و َمن ال يصون لسانَه؛ لن‬

‫الركن ال َّثاين من أركان األخالق‪ :‬ال ُبعد عن الفضول وما ال يعني؛ قال ﷺ‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫الفضولي لن يكون‬
‫ُّ‬ ‫«م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»(‪ ،)4‬واإلنسان‬
‫ِ‬
‫ألن فضو َله وإقحامه ِ‬
‫لنفسه فيما ال يعنيه؛ ُيخرجه عن ح ِّيز‬ ‫أدب وخ ُل ٍق؛ َّ‬ ‫ذا ٍ‬
‫َ‬
‫البخاري (‪ ،)52‬ومسلم (‪ )1599‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2518‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)1723‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2616‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)22016‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2317‬وابن ماجه (‪،)3976‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫(‪ )19‬حديث‪« :‬أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬
‫‪159‬‬

‫األدب‪ ،‬بينما إذا كان بعيدً ا عن الفضول‪ ،‬بعيدً ا عن الدُّ خول فيما ال يعنيه؛ فهذا‬
‫من سمات األدب؛ بل من أعمدته‪.‬‬

‫ومعنى قوله ﷺ‪« :‬ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه» أي‪ :‬بضابط الشرع ال بضابط الهوى‪،‬‬
‫أمر قد ُيغفل عنه؛ ألن بعض الناس قد يو ِّظف هذا الحديث يف غير بابه؛‬ ‫وهذا ٌ‬
‫«م ْن ُح ْس ِن إِ ْس َل ِم‬‫منكر؛ فيقول لآلمر الناهي‪ِ :‬‬
‫ٍ‬ ‫بخير أو ُينهى عن‬‫مثل أن ُيؤ َمر ٍ‬

‫مما يعني‬ ‫ألن هذا َّ‬ ‫ا ْل َم ْر ِء ت َْر ُك ُه َما َل َي ْعن ِ ِيه»(‪)1‬؛ وهذا من سوء الفهم للحديث؛ َّ‬
‫الشرع؛ بالحكمة‪ ،‬وال ِّلين‪ ،‬واألسلوب الحسن‪.‬‬ ‫المسلم بضابط َّ‬
‫َّ‬
‫الركن الثالث‪ :‬من أركان األخالق‪ :‬عدم االنسياق مع انفعاالت النَّفس‬
‫ُّ‬

‫ب»‪ ،‬فعندما ينفعل اإلنسان ويغضب‬‫«ل َتغ َْض ْ‬ ‫وبخاصة الغضب؛ قال ﷺ‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫وأي فع ٍل‬ ‫أي ٍ‬
‫قول َّ‬ ‫أي فعلٍ؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫أي ٍ‬
‫قول أو َّ‬ ‫وقت غضبه َّ‬
‫عليه أن ال يباشر َ‬
‫غضبِ ِه سيخرج به ‪-‬يف الغالب‪ -‬عن نطاق ُ‬
‫الخلق واألدب‪.‬‬ ‫وقت َ‬
‫يباشره َ‬

‫وقد قيل يف ذ ِّم الغضب وتقبيحه‪« :‬الغضب َّأوله جنون‪ ،‬وآخره ندم»؛‬
‫يتصرف بغير انضباط؛ ولهذا‪:‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بقول أو بفعلٍ؛‬ ‫يتصرف وقت غضبه‬
‫َّ‬ ‫ألن ا َّل ِذي‬
‫َّ‬
‫منفعل يجلس‪ ،‬قال‬ ‫ً‬ ‫على اإلنسان أن ال ينساق مع انفعاالت النَّفس؛ فإذا كان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْس؛ َفإِ ْن َذ َه َ‬
‫ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ‬ ‫‪« :O‬إِ َذا َغض َ‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْسك ْ‬ ‫ِ‬ ‫َوإِ َّل َف ْل َي ْض َط ِ‬
‫ُت»(‪)3‬؛‬ ‫ج ْع»(‪ ،)2‬وقال ‪« :O‬إِ َذا َغض َ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2317‬وابن ماجه (‪،)3976‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)21386‬وأبو داود (‪،)4782‬‬
‫«الصحيحة» (‪.)1375‬‬ ‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف َّ‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)2136‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪160‬‬

‫امتناع‬
‫ٌ‬ ‫امتناع عن الكالم وقت الغضب‪ ،‬وقوله « َف ْل َي ْج ِل ْس»‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫قوله « َف ْل َي ْسك ْ‬
‫ُت»‪:‬‬
‫عن الفعل وقت الغضب‪.‬‬

‫وقت الغضب مطلوبان من المسلم أن‬


‫فهذان األمران ‪-‬الكالم والفعل‪َ -‬‬
‫ً‬
‫أقوال‬ ‫وقت انفعاله قد يباشر‬
‫يكف نفسه عنهما إلى أن يسكن غضبه؛ ألنَّه َ‬
‫َّ‬
‫وأعمال تتناىف مع األدب والخلق؛ فيحتاج َمن أراد لنفسه أن يكون َخلو ًقا‬
‫ً‬
‫أن ال ينساق مع انفعاالت النَّفس‪ ،‬وال س َّيما وقت غضبه‪ ،‬وقد جاء يف بعض‬
‫أن الغضب‬‫فوجدت َّ‬ ‫لت ذلك؛‬‫حابي قال‪« :‬فتأ َّم ٌ‬ ‫روايات الحديث َّ‬
‫ُ‬ ‫الص َّ‬
‫أن َّ‬
‫ِج َم ُ‬
‫اع َّ‬
‫الش ِّر»(‪)1‬؛ ألنَّه إذا كان ينساق مع انفعاالته ومع غضبه سيفضي به ذلك‬
‫حمد عاقبتُها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شرور عظيمة؛ ال ُت َ‬ ‫إلى الوقوع يف‬

‫«ل‬ ‫الصدر؛ قال ﷺ‪َ :‬‬ ‫الر ابع‪ :‬من أركان األدب واألخالق‪ :‬سالمة َّ‬ ‫األمر َّ‬

‫ب لِنَ ْف ِس ِه» (‪ ،)2‬فهذا الحديث ُي َعدُّ عمد ًة‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْؤم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى ُي َّ‬
‫ب لَخيه َما ُيح ُّ‬
‫غل‪ ،‬أو حقدٌ ‪ ،‬أو‬ ‫سليما ال يكون فيه ٌّ‬‫ً‬ ‫يف باب األخالق؛ أن يكون صدر المرء‬
‫ن‪ ،‬أو نحو ذلك من أسقام القلوب وأمراضها‪﴿ ،‬ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫سخائم‪ ،‬أو ضغائ ُ‬
‫ُ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [الحشر‪.]10 :‬‬

‫ُ‬
‫دواخل‬ ‫الصدر ركيز ٌة عظيم ٌة يقوم عليها الخلق‪ ،‬وا َّل ِذي يف صدره‬
‫فسالمة َّ‬
‫ألن فساد الباطن‬ ‫س ِّيئة‪ ،‬وبواطن فاسدة؛ ال يمكن أن يكون من أهل األخالق؛ َّ‬
‫«أ َل َوإِ َّن فِي ا ْل َج َس ِد ُم ْض َغ ًة إِ َذا َص َل َح ْ‬
‫ت َص َل َح‬ ‫وانحرا َفه ينعكس على ظاهره؛ َ‬

‫((( انظر‪« :‬مسند أحمد» (‪.)23171‬‬


‫البخاري (‪ ،)13‬ومسلم (‪.)45‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )19‬حديث‪« :‬أكمل املؤمنني إمياًنا أحسنهم ً‬
‫خلقا»‬
‫‪161‬‬
‫ِ‬
‫ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه َوإِ َذا َف َسدَ ْت َف َسدَ ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه َأ َل َوه َي ا ْل َق ْل ُ‬
‫ب»(‪ ،)1‬فإذا صلح قلبه‬
‫الس ِّيئة والبواطن الفاسدة؛ فإنَّه بإذن اهلل‬
‫المرء وطابت سريرته من الدَّ واخل َّ‬
‫صوره‪ ،‬وأجمل ُح َللِه‪.‬‬ ‫‪ F‬سيتح َّقق فيه ُ‬
‫الخلق بأهبى َ‬

‫البخاري (‪ ،)٥٢‬ومسلم (‪.)1599‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪162‬‬

‫‪20‬‬

‫حديث‪« :‬ال يزني َّ‬


‫الزاني حني يزني وهو مؤمن»‬

‫ين َيزْنِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪ِ َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫«ل َيزْني الزَّاني ح َ‬
‫ين َي ْسرِ ُق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْش َر ُب َو ْه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َل َي ْسرِ ُق ح َ‬ ‫َو ْه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َل َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر ح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس إِ َل ْيه ف َيها َأ ْب َص َار ُه ْم ح َ‬
‫ين َينْت َِه ُب َها َو ْه َو‬ ‫َو ْه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َل َينْت َِه ُ‬
‫ب ن ُْه َب ًة َي ْر َف ُع الن ُ‬
‫ُم ْؤ ِم ٌن»(‪.)1‬‬

‫هذا الحديث من جملة أحاديث اإليمان العظيمة المب ِّينة لمكانته العل َّية‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫أمر يدنِّسه‪ ،‬أو يضعفه و ُيوهيه‪.‬‬ ‫وأهم َّية رعاية المسلم إليمانه‪ ،‬وصيانته من ِّ‬
‫ِّ‬
‫عمن‬
‫والمراد بنفي اإليمان يف هذا الحديث‪ :‬نفي كمال اإليمان الواجب َّ‬
‫ووقوع المرء فيها‬
‫ُ‬ ‫اقرتف هذه المعاصي‪ ،‬وأنَّه ال يقع فيها وهو كامل اإليمان‪،‬‬
‫عا َد إلى ضعف مح َّبة اهلل يف قلبه‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب ‪« :V‬ومح َّبة اهلل تعالى على درجتين‪:‬‬
‫إحداهما‪ :‬واجبة؛ وهي المحبة ا َّلتِي توجب للعبد محب َة ما ي ِ‬
‫ح ُّبه اهلل من‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫فإن المح َّبة الت ََّّامة تقتضي‬ ‫الواجبات‪ ،‬وكراه َة ما يكرهه من ُ‬
‫الم َح َّرمات؛ َّ‬
‫البخاري (‪ )2475‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)57‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )20‬حديث‪« :‬ال يزني َّ‬
‫الزاني حني يزني وهو مؤمن»‬
‫‪163‬‬
‫الموافق َة لمن يحبه يف محبة ما يحبه‪ ،‬وكراه َة ما يكرهه‪ ،‬خصوصا فيما ي ِ‬
‫ح ُّبه‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫تصح المح َّبة بدون فع ِل ما يح ُّبه المحبوب من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب نفسه؛ فال ُّ‬
‫المح ِّ‬ ‫ويكرهه من ُ‬
‫ح ِّبه‪.‬‬‫حبه‪ ،‬وكراهة ما يكرهه المحبوب من م ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُم ِّ‬

‫بعضهم‪:‬‬
‫أنشدَ ُ‬
‫شـــنيع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القيـــاس‬ ‫هـــذا َل َعمـــري يف‬ ‫ـم ح َّب ــه‬
‫تعص ــى اإللــ َه وأن ــت تز ُع ـ ُ‬
‫طيـــع‬
‫يحـــب ُم ُ‬
‫ُّ‬ ‫المحـــب لِ َمـــن‬
‫َّ‬ ‫إن‬
‫َّ‬ ‫لـــو كان ح ُّبـــك صاد ًقـــا ألطعتَـــه‬
‫الم َح َّرمات؛ فمحبتُه‬ ‫ومتى َّ‬
‫أخل العبد ببعض الواجبات‪ ،‬أو ارتكب بعض ُ‬
‫غير تا َّمة؛ فالواجب عليه المبادرة بالتَّوبة‪ ،‬واالجتهاد يف تكميل المح َّبة‬
‫لر ِّبه ُ‬
‫الم َح َّرمات ك ِّلها‪ ،‬وهذا معنى قول‬ ‫المفضية لفعل الواجبات ك ِّلها‪ ،‬واجتناب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النَّبِي‪ِ َ :‬‬
‫ين َيزْني َو ْه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َل َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر ح َ‬
‫ين َي ْش َر ُب‬ ‫«ل َيزْني الزَّاني ح َ‬ ‫ِّ‬
‫ين َي ْسرِ ُق َو ْه َو ُم ْؤ ِم ٌن»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ْه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و َل َي ْسرِ ُق ح َ‬
‫ح ُّبه اهلل‪ ،‬وكراه َة ما يكرهه اهلل ‪،D‬‬ ‫فإن اإليمان الكامل يقتضي محب َة ما ي ِ‬
‫َّ‬
‫َّ ُ‬
‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫الم َح َّرمات‪ ،‬أو ُّ‬
‫يخل‬ ‫والعمل بمقتضى ذلك؛ فال يرتكب أحد شي ًئا من ُ‬
‫من الواجبات؛ َّإل لتقديم هوى النَّفس المقتضي الرتكاب ذلك على مح َّبة اهلل‬
‫المقتضية ِ‬
‫لخ َلفه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫المقربين؛ وهي أن يمتلئ القلب بمح َّبة اهلل تعالى‪،‬‬
‫الدرجة الثانية من املحبة‪ :‬درجة َّ‬
‫َّ‬

‫واالنكفاف عنها‪،‬‬
‫َ‬ ‫حتَّى ُت َ‬
‫وجب له مح َّب َة النَّوافل‪ ،‬واالجتهاد فيها‪ ،‬وكراه َة المكروهات‪،‬‬
‫والرضا باألقضية واألقدار المؤلمة للنُّفوس؛ ل ِ ُصدُ ورها عن المحبوب»(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬
‫((( مجموع رسائل ابن رجب (‪.)84/4‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪164‬‬

‫ب ال َع َم ِل‬ ‫ك‪ ،‬وحب من ي ِ‬


‫ح ُّب َ‬ ‫«أ ْس َأ ُل َ‬‫ويف الدُّ عاء المأثور‪َ :‬‬
‫ك‪َ ،‬و ُح َّ‬ ‫ك ُح َّب َ َ ُ َّ َ ْ ُ‬
‫فإن األفعال االختيار َّية‬ ‫خير؛ َّ‬‫كل ٍ‬ ‫ك»(‪ ،)1‬وهذا الدُّ عاء يجمع َّ‬ ‫ي ُي َب ِّلغُن ِ ْي ُح َّب َ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ ْ‬
‫وإرادة؛ فإن كانت مح َّب ُة اهلل ثابت ًة يف قلب العبد؛‬ ‫ٍ‬ ‫من العباد إنَّما تنشأ عن مح َّب ٍة‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫حركات الجوارح‪ ،‬فكانت بحسب ما ُيح ُّبه اهلل ويرتضيه‪َ ،‬ف َأ َح َّ‬ ‫ُ‬ ‫نشأت عنها‬
‫ِ‬
‫الخيرات ك َّلها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ‬ ‫ح ُّبه اهلل ‪ D‬من األعمال واألقوال ك ِّلها؛ َف َف َع َل‬ ‫ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المنكرات ك َّلها‪.‬‬ ‫و َت َر َك‬

‫مما يدنِّسه‬‫المنه َّيات‪ :‬فيه صيان ٌة لدينه‪ ،‬ونزاه ٌة له َّ‬ ‫إن تجنُّب المرء لهذه َ‬ ‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫و ُي ِشينُه؛ َّ‬
‫فإن الدِّ ين تار ًة يكون نق ًّيا‪ ،‬ن َِز ًها‪َ ،‬ب ِر ًّيا‪ ،‬وتار ًة يكون َدن ًسا ِّ‬
‫متلو ًثا‪ ،‬وتار ًة‬
‫يوصف بالنَّقص تار ًة‬ ‫بالر َّقة َّ‬
‫والضعف؛ كما َ‬ ‫والصالبة‪ ،‬وتار ًة ِّ‬
‫َّ‬ ‫بالقوة‬
‫َّ‬ ‫يوصف‬
‫وبالكمال تار ًة أخرى‪.‬‬

‫ان‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ان ن َِز ٌه‪ :‬إِ ْن َزنَى َف َار َق ُه اإل َ‬
‫يم ُ‬ ‫يم ُ‬
‫ولهذا يقول أبو هريرة ‪« :I‬اإل َ‬
‫يم ُ‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫َل َم َن ْف َس ُه َو َر َ‬
‫اج َع ُه اإل َ‬
‫اج َع؛ َر َ‬

‫نقي فال ُتدَ نِّسه بآثامك»(‪.)3‬‬


‫وقال يحيى بن معاذ‪« :‬اإلسالم ٌّ‬
‫الصراط المستقيم ا َّل ِذي أمر اهلل تعالى‬
‫انحراف عن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫والدُّ خول يف هذه اآلثام‬
‫الم َح َّرمات؛‬
‫باالستقامة عليه‪ ،‬وهنى عن تجاوز حدوده‪ ،‬و َمن ارتكب شي ًئا من ُ‬
‫الستور‪.‬‬
‫فقد تعدَّ ى الحدود‪ ،‬وهتك ُّ‬
‫ِّرمذي (‪ )3235‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)22162‬والت‬
‫«السنَّة» (‪.)1259‬‬
‫«السنَّة» (‪ ،)753‬والخلَّل يف ُّ‬
‫((( أخرجه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف ُّ‬
‫الجوزي عنه يف «لطائف المعارف» (ص‪.)327‬‬‫ِّ‬ ‫((( ذكره ابن‬
‫(‪ )20‬حديث‪« :‬ال يزني َّ‬
‫الزاني حني يزني وهو مؤمن»‬
‫‪165‬‬

‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪:‬‬ ‫ار ِّي ‪َ ،I‬ع ْن رس ِ‬


‫َ ُ‬ ‫ان األَن َْص ِ‬ ‫اس ْب ِن َس ْم َع َ‬ ‫َع ِن الن ََّّو ِ‬
‫اب‬ ‫يه َما َأ ْب َو ٌ‬ ‫ان‪ ،‬فِ ِ‬ ‫ور ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َراط ُس َ‬ ‫يما‪َ ،‬و َع َلى َجنْ َبت َْي ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ض َر َب اهَّللُ َم َث ًل ص َرا ًطا ُم ْستَق ً‬ ‫َ‬
‫ول‪َ :‬أ ُّي َها‬ ‫اب الصر ِ‬
‫اط َدا ٍع َي ُق ُ‬ ‫ُور ُم ْر َخاةٌ‪َ ،‬و َع َلى َب ِ ِّ َ‬ ‫اب ُست ٌ‬ ‫ُم َفت ََّحةٌ‪َ ،‬و َع َلى األَ ْب َو ِ‬
‫اط ج ِميعا و َل َت َتعرجوا‪ ،‬ودا ٍع يدْ عو ِمن َفو ِق الصر ِ‬
‫اط‪،‬‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ْ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫الص َر َ َ ً َ‬ ‫َّاس‪ ،‬ا ْد ُخ ُلوا ِّ‬ ‫الن ُ‬
‫َّك إِ ْن َت ْفت َْح ُه‬ ‫ك َل َت ْفت َْح ُه؛ َفإِن َ‬ ‫اب‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و ْي َح َ‬‫ك األَ ْب َو ِ‬ ‫َفإِ َذا َأ َرا َد َي ْفت َُح َش ْيئًا ِم ْن تِ ْل َ‬
‫اب ا ْل ُم َفت ََّحةُ‪َ :‬م َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ِ‬ ‫اط ِ‬ ‫الص َر ُ‬ ‫ِ‬
‫ار ُم‬ ‫ان‪ُ :‬حدُ و ُد اهلل‪َ ،‬واألَ ْب َو ُ‬ ‫الس َ‬ ‫اإل ْس َل ُم‪َ ،‬و ُّ‬ ‫تَل ْج ُه‪َ ،‬و ِّ‬
‫اعي ِم ِن َفو َق الصر ِ‬ ‫اط‪ :‬كِتَاب اهللِ‪ ،‬والدَّ ِ‬ ‫س الصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهللِ‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫اط‪:‬‬ ‫ِّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك الدَّ اعي َع َلى َر ْأ ِ ِّ َ‬
‫اع ُظ اهلل ِ فِي َق ْل ِ‬
‫ب ك ُِّل ُم ْس ِلمٍ»(‪.)1‬‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫جج اهلل ا َّلتي تنهاه عن الدُّ خول يف ُ‬
‫الم َح َّرمات؛‬ ‫والمراد بالواعظ‪ُ :‬ح ُ‬
‫وبصائره ا َّلتِي يجعلها يف قلبه وعلو ُمه ا َّلتِي أودعها إ َّياه؛‬
‫ُ‬ ‫باستقرارها يف نفسه‪،‬‬
‫فح ِر ٌّي بالمسلم أن يستكثر يف قلبه من‬ ‫عما ال يسوغ له‪َ ،‬‬ ‫ألن ذلك ك َّله ينهاه َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسنَّة ما يكون سالم ًة له ونجا ًة من االنحراف عن‬ ‫علو ِم وهدَ ايات الكتاب ُّ‬
‫صراط اهلل المستقيم‪.‬‬

‫أبواب‬
‫َ‬ ‫ففتح‬
‫َ‬ ‫الصراط‬
‫و َمن كان يف الدُّ نيا قد خرج عن االستقامة على ِّ‬
‫ِ‬
‫المحارم ا َّلتي يف ُستُور ِّ‬
‫الصراط َيمنَ ًة و َي َ‬
‫سرةً‪ ،‬ودخل إليها سواء كانت المحارم‬
‫ِ‬
‫الكالليب ا َّلتي على ذلك ِّ‬
‫الصراط‬ ‫ُ‬ ‫الشبهات؛ أخذته‬ ‫الشهوات أو من ُّ‬ ‫من َّ‬
‫سرةً‪ ،‬بحسب ما َفت ََح يف الدُّ نيا من أبواب‬
‫المنصوب على متن جهنَّم َيمنَ ًة و َي َ‬
‫المحارم ودخل إليها‪.‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف «صحيح الجامع» (‪.)3887‬‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)17631‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪166‬‬
‫جسر ع َلى جهنَّم‪ ،‬وت ِ‬
‫اعةُ؛ َو َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪:‬‬ ‫الش َف َ‬‫َح ُّل َّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ب ا ْل ِ ْ ُ َ‬ ‫قال ﷺ‪ُ « :‬ث َّم ُي ْض َر ُ‬
‫ج ْس ُر؟ َق َال‪َ « :‬د ْح ٌض َم ِز َّلةٌ‪،‬‬ ‫ول اهَّللِ! َوما ا ْل ِ‬ ‫ال َّل ُه َّم َس ِّل ْم َس ِّل ْم»‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َ‬
‫ُون بِن َْج ٍد‪ ،‬فِ َيها ُش َو ْي َك ٌة ُي َق ُال َل َها‪:‬‬‫ك؛ َتك ُ‬ ‫يب َو َح َس ٌ‬ ‫ِ‬
‫يف َوك ََلل ُ‬ ‫طاطِ ُ‬ ‫فِ ِ‬
‫يه َخ َ‬
‫ُون َك َ ِ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َي ُم ُّر ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ط ْيرِ‪،‬‬ ‫يح‪َ ،‬وكَال َّ‬ ‫َالر ِ‬‫ط ْرف ا ْل َع ْي ِن‪َ ،‬وكَا ْل َب ْر ِق‪َ ،‬وك ِّ‬ ‫الس ْعدَ ُ‬
‫َّ‬
‫الرك ِ‬ ‫وك ََأج ِ ِ‬
‫وس‬ ‫وش ُم ْر َس ٌل‪َ ،‬و َم ْكدُ ٌ‬ ‫َاج ُم َس َّل ٌم‪َ ،‬و َم ْخدُ ٌ‬ ‫َاب‪َ ،‬فن ٍ‬ ‫اويد ا ْل َخ ْي ِل َو ِّ‬ ‫َ َ‬
‫َار َج َهن ََّم»(‪.)1‬‬ ‫فِي ن ِ‬

‫ومن ك َّبلته ُّ‬


‫الذنوب‪ ،‬وأهلكته الخطايا والمعاصي‪ ،‬وأعاقته عن االستقامة‬ ‫َ‬
‫الم ِعينَ َة له على‬
‫على صراط اهلل المستقيم‪ :‬عليه أن يطلب لنفسه األسباب ُ‬
‫الذنوب‪ِ ،‬‬
‫والفكاك منها‪.‬‬ ‫ص من ُّ‬ ‫الخ َل ِ‬
‫َ‬

‫الذنوب‪ :‬الحياء من اهلل؛ َّ‬


‫فإن العبد‬ ‫الم ِع ْينَات على الخالص من ُّ‬ ‫ومن أعظم ُ‬
‫سم ٍع و َمر َأى‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل ‪D‬‬‫وأن َ‬ ‫بم َ‬‫إذا َعل َم بنظر اهلل إليه وا ِّط َلعه عليه‪ ،‬وأنَّه من اهلل َ‬
‫ال تخفى عليه خافية؛ استحيا من اهلل أن يراه حيث هناه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫المع َينات‪ :‬ع َمارة القلب بمح َّبة اهلل ‪ C‬ا َّلتي يجب أن ُت َّ‬
‫عمر هبا‬ ‫ُ‬
‫للذنوب؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫الروادع وأشدِّ ها دف ًعا ُّ‬
‫فإن هذه المح َّبة من أعظم َّ‬ ‫القلوب؛ َّ‬
‫يع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ِ‬
‫أحب ُمط ُ‬
‫ب ل َمن َّ‬ ‫الم َّ‬
‫ُ‬
‫الذنوب‪ :‬تقوي ُة الخوف من اهلل ‪،C‬‬ ‫الم ِع ْينات على الخَ الص من ُّ‬
‫ومن ُ‬
‫معرفة باهلل‪ ،‬وعظمتِه َّ‬
‫جل يف‬ ‫ٍ‬ ‫وتحريك هذا الخوف يف القلب؛ بأن يكون على‬
‫عاله‪ ،‬وشدَّ ة انتقامه‪ ،‬ووعيده‪ ،‬ودار جزائه‪ ،‬وما أعدَّ فيها من أنواع العقوبات‪،‬‬

‫البخاري (‪ ،)6573‬ومسلم (‪ )183‬وال َّلفظ له‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )20‬حديث‪« :‬ال يزني َّ‬
‫الزاني حني يزني وهو مؤمن»‬
‫‪167‬‬

‫واهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [طه‪]81 :‬؛ فليحذر العبدُ مِ ْن‬


‫وس َخطِه‪.‬‬
‫قمته َ‬
‫ب اهلل عليه‪ ،‬وأسباب نِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫موجبات حلول َغ َض ِ‬ ‫فِعل ِ‬

‫الذنوب‪ :‬معرفة نِ َع ِم اهلل‬ ‫الم ِع ْينة للعبد على الخَ الص من ُّ‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫فإن نِعم اهلل ‪ C‬تتتالى على العبد‪ ،‬وتتوالى عليه‪ ،‬يف ك ُِّل ٍ‬
‫وقت وحين؛‬ ‫‪D‬؛ َّ َ َ‬
‫سخ ُط الم ِ‬
‫نع َم‬ ‫بذنوب ُت ِ‬
‫ٍ‬ ‫بعبد نِ َع ُم اهلل عليه تتتالى أن يقابل هذه النِّ َع َم‬
‫يليق ٍ‬ ‫فال ُ‬
‫ُ‬
‫و ُت ِز ُيل النِّ َعم‪.‬‬

‫الم ِع ْينَات على الخالص من ُّ‬


‫الذنوب‪ :‬النَّظر يف عواقبها‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫الم َتن َِّوعات يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬
‫الوخيمة‪ ،‬ومآالهتا األليمة‪ ،‬وأضرارها ُ‬
‫الذنوب‪ :‬النَّظر فيما يفو ُت ُه‬ ‫الم ِع ْينَات على الخَ َلص من ُّ‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫فوات اإليمان ا َّل ِذي أدنى‬ ‫ُ‬ ‫بالمعصية من َخير الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬و َيكفي يف هذا‬
‫ٍ‬ ‫خير من الدُّ نيا وما فيها أضعا ًفا مضاعفةً‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بشهوة‬ ‫فكيف يبي ُع ُه‬
‫َ‬ ‫مثقال َذ َّرة منه ٌ‬
‫الش ْق َوةُ‪.‬‬ ‫لذ ُتها‪ ،‬ويبقى ُسو ُء َم َغ َّبتِ َها؟! تذهب َّ‬
‫الشهو ُة وتبقى ِّ‬ ‫ب َّ‬
‫َت ْذ َه ُ‬
‫«ل َيزْنِي الزَّانِ ْي ِح ْي َن َيزْنِي َو ُه َو‬
‫قال أبوهريرة ‪ I‬عقب حديث‪َ :‬‬
‫تاب اهلل عليه»(‪.)1‬‬ ‫تاب َ‬ ‫م ْؤ ِم ٌن»‪« :‬إنَّه ُي َنزع منه ِ‬
‫اإليمان‪ ،‬فإن َ‬ ‫ُ‬
‫راج َع راج َع ُه اإليمان»(‪.)2‬‬
‫وقال الحسن‪ُ « :‬ي َجان ُبه اإليمان ما دام كذلك؛ فإن َ‬

‫البخاري يف «صحيحه»(‪-)3‬‬
‫ُّ‬ ‫ولهذا رأى النَّبِ ُّي ﷺ ‪-‬يف الحديث ا َّل ِذي رواه‬

‫((( أخرجه أحمد يف المسند (‪.)9007‬‬


‫«السنَّة» (‪.)756‬‬
‫«السنَّة» (‪ ،)756‬والخلَّل يف ُّ‬
‫((( أخرجه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف ُّ‬
‫البخاري (‪.)1386‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪168‬‬

‫هوة ا َّل ِذي‬


‫الش ِ‬
‫الزنا َة يف ال َّتنُّور ُعراةً؛ ألنَّهم َت َع َّروا من لباس اإليمان‪ ،‬وعا َد َتن ُ‬
‫ُّور َّ‬ ‫ُّ‬
‫ظاهرا ُيحمى عليه يف النَّار‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُّورا‬
‫كان يف قلوهبم تن ً‬
‫وزكاؤها‪ِ ،‬‬
‫ور ْف َعتُها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫شرف النَّفس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الم ِعين على الخَ َلص من ُّ‬
‫الذنوب‪:‬‬ ‫ومن ُ‬
‫ويلوثها؛‬ ‫ٍ‬
‫شريفة أن يدنِّسها‪ ،‬و ُيح ِّقرها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫نفس‬ ‫وعلوها؛ فال يليق بصاحب‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫الذنوب والمعاصي ﴿ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [الحجرات‪.]11 :‬‬ ‫بأوضار ُّ‬

‫الم ِع ْينَة على الخَ َلص من الذنوب‪ :‬قِ َص ُر األمل‪ ،‬وأن يستحضر‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫فإن اآلخر َة ُمقبِلةٌ‪ ،‬والدُّ نيا‬
‫أن مدَّ ة المقام يف هذه الحياة الدُّ نيا ال َت ُطول؛ َّ‬
‫العبدُ َّ‬
‫ِ‬
‫أضر عليه من التَّسويف وطول‬ ‫ُمدْ بِرةٌ؛ فال أن َف َع للعبد من ق َص ِر األمل‪ ،‬وال َّ‬
‫األمل‪.‬‬
‫ِ‬
‫فضول‬ ‫الم ِع ْينة على الخَ َلص من ُّ‬
‫الذنوب‪ :‬تجنُّب الفضول؛‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫َثر َة الفضول‬
‫فإن ك َ‬ ‫والمل َب ِ‬
‫س‪ ،‬وغير ذلك؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫والمأ َكلِ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ب‪،‬‬‫شر ِ‬
‫والم َ‬
‫َ‬ ‫المط َع ِم‪،‬‬
‫َ‬
‫عيق عن الوصول‪.‬‬ ‫مر ُض القلب‪ ،‬و ُت ُ‬ ‫ُت ِ‬

‫الم ِع ْينة على الخَ َلص من ُّ‬


‫الذنوب‪ُ :‬مدَ اف َع ُة خواطِر النَّفس‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫لتصبح‬
‫َ‬ ‫تتطو ُر‬
‫ثم َّ‬ ‫تكون خاطر ًة يف النُّفوس‪َّ ،‬‬‫ُ‬ ‫الباطلة؛ ألَ َّن المعصي َة ُ‬
‫أول ما تبدأ‬
‫تصير إِراد ًة سيئةً‪ ،‬وبعدَ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يتحرك يف القلب‪ ،‬وبعدها‬ ‫َّ‬ ‫ثم تتحول إلى َه ٍّم‬ ‫ُأمن َيةً‪َّ ،‬‬
‫قار ُنه فِع ٌل لها؛ ِ‬ ‫ِ‬
‫يقطع هذه‬‫َ‬ ‫لإلنسان أن‬
‫َ‬ ‫الخ ِير‬
‫فم َن َ‬ ‫ص لَ ْن تكون عز ًما ُي ِ ُ ْ‬ ‫تخ ُل ُ‬ ‫هذا ْ‬
‫هان َع َليه‬
‫تساه َل وو َق َع يف المعصية‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الخواطر الس ِّيئ َة يف أول نشأهتا؛ فإ َّن ُه إن‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تصير صف ًة الزم ًة وهيئ ًة ثابتةً‪.‬‬ ‫َ‬ ‫المرة‪ ،‬حتى‬ ‫مر ًة ت ْل َو َّ‬ ‫فع ُلها َّ‬
‫لحال الع ِ‬
‫برج ٍل كان‬ ‫بد مع ُّ‬
‫الذنوب ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫وقد ضرب اإلمام أحمد ‪ً V‬‬
‫مثل‬
‫(‪ )20‬حديث‪« :‬ال يزني َّ‬
‫الزاني حني يزني وهو مؤمن»‬
‫‪169‬‬

‫فخاض ‪-‬أي‪:‬‬
‫َ‬ ‫فغاص ْت ِر ْج ُل ُه فيه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بأرض فيها َو ْح ٌل‪ ،‬فجعل َيتَو َّقاه‪،‬‬ ‫يمشي‬
‫الو ْح ِل بعدَ ذلك دون ٍّ‬
‫توق‪ ،‬وقال ألصحابه‪ :‬هكذا العبدُ ‪ ،‬ال‬ ‫صار يمشي‪ -‬يف َ‬
‫نوب‪ ،‬فإذا وا َق َعها َ‬
‫خاضها‪.‬‬ ‫َي ُ‬
‫زال َيت ََـو َّقى ُّ‬
‫الذ َ‬
‫الم ِع ْينات على الخَ َلص من ُّ‬
‫الذنوب‪ :‬تجديد اإليمان يف‬ ‫ومن األمور ُ‬
‫فإن اإليمان بحاجة إلى أن ُيجدَّ د‪ ،‬ويف الحديث المأثور عن النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫القلب؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أنَّه قال‪« :‬إِ َّن ْ ِ‬
‫اس َأ ُلوا اهللَ‬
‫ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُب‪َ ،‬ف ْ‬
‫يم َ‬
‫ال َ‬
‫ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(‪.)1‬‬
‫يم َ‬ ‫َأ ْن ي َجدِّ َد ِ‬
‫اإل َ‬ ‫ُ‬
‫وإذا تجدَّ د اإليمان يف القلب؛ بعدت النَّفس عن تع ُّلقها ُّ‬
‫بالذنوب وإقبالها‬
‫قرب من اهلل‪ ،‬ويدين من رحمته‬
‫على المعاصي‪ ،‬ودعاها داعي اإليمان إلى ما ُي ِّ‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫وأسباب‪ُ ،‬ت ِعي ُن العبد على الخالص‬


‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وسائل‬ ‫وهذه المذكورات إنَّما هي‬
‫من ُّ‬
‫الذنوب والنَّجاة منها‪ ،‬وهي ال تكفي وحدَ ها؛ بل البدَّ مع هذه األسباب‬
‫و َب ِ‬
‫ذل الوسع يف اإلتيان هبا؛ من طلب المعونة من اهلل والمدد‪ ،‬والتَّوفيق‪ :‬أن‬
‫جل‬‫حس َن يف االلتجاء‪ ،‬وأن ُيكثِر من اإللحاح على اهلل َّ‬ ‫يصدُ َق يف الدُّ عاء‪ ،‬وأن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يف ُع َله‪ ،‬ومن عظيم الدُّ عاء المأثور‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َ‌أ ْس َأ ُل َ‬
‫ك‌ا ْل َجنَّةَ‪‌َ ،‬و َما َق َّر َب إِ َل ْي َها‬
‫َّار‪َ ،‬و َما َق َّر َب إِ َل ْي َها ِم ْن َق ْو ٍل َأ ْو َع َم ٍل»(‪.)2‬‬
‫ك ِم َن الن ِ‬
‫ِم ْن َق ْو ٍل َأ ْو َع َم ٍل‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه ال َّطربانِ ُّي يف «الكبير» (‪ ،)14668‬والحاكم (‪،)5‬‬
‫«صحيح الجامع» (‪.)1590‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)1483‬وابن ماجه (‪،)3846‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪170‬‬

‫‪21‬‬

‫حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم»‬

‫ول اهَّللِ! ُق ْل لِي فِي‬‫ان ْب ِن َع ْب ِد اهَّللِ ال َّث َق ِفي ‪َ I‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫َع ْن ُس ْف َي َ‬
‫الس َل ِم َقو ًل َل َأس َأ ُل َعنْه َأحدً ا بعدَ َك ‪-‬وفِي ح ِد ِ‬
‫يث َأبِي ُأ َسا َمةَ‪َ :‬غ ْي َر َك‪َ ،-‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ْت بِاهَّلل ِ‬
‫است َِق ْم»‪ ،‬رواه مسلم(‪ ،)1‬ويف رواية ألحمد(‪ُ « :)2‬ق ْل‪َ :‬آمن ُ‬ ‫ِ‬
‫ْت بِاهَّلل َف ْ‬ ‫« ُق ْل َآمن ُ‬
‫ُث َّم ْاست َِق ْم»‪.‬‬

‫هذا الحديث العظيم ُيعدُّ من جوامع كَلِ ِم النَّبِ ِّي ﷺ؛ فقد طلب سفيان‬
‫‪ I‬من النَّبِ ِّي ﷺ أن يع ِّل َمه كال ًما جام ًعا ألمر اإلسالم‪ ،‬كاف ًيا حتَّى ال يحتاج‬
‫ْت بِاهَّلل ِ ُث َّم ْاست َِق ْم»؛ وهذا ُمنت ََز ٌع من‬
‫بعده إلى غيره؛ فقال له النَّبِ ُّي ﷺ‪ُ « :‬ق ْل‪َ :‬آمن ُ‬
‫قوله ‪﴿ :D‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ‬

‫ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ﴾ [األحقاف‪ ،]14-13 :‬وقال‬


‫اهلل ‪﴿ :C‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬

‫ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬

‫ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ ُف ِّصلت‪.]32 - 30 :‬‬

‫((( أخرجه أحمد يف المسند (‪.)15416‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)38‬‬


‫ ‬
‫(‪ )21‬حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم»‬
‫‪171‬‬

‫وصالح‬ ‫ِ‬
‫العبد‬ ‫وفالح‬ ‫ِ‬
‫واآلخرة‪،‬‬ ‫واالستقامة يرت َّتب عليها سعاد ُة الدُّ نيا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الراغب يف سعادتِها؛ أن ُي ْعنَى باالستقامة‬ ‫ِ‬
‫فحقيق بالنَّاصح لنفسه‪َّ ،‬‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أمره ك ِّله؛‬
‫وعمل وثبا ًتا على ذلك إلى الممات‪ ،‬مستمدًّ ا‬ ‫ً‬ ‫علما‬ ‫ِ‬
‫عظيم العناية؛ ً‬
‫َ‬ ‫على الدِّ ين‬
‫كثيرة من‬‫ٍ‬ ‫وهب ٌة ربانيةٌ؛ ففي ٍ‬
‫آيات‬ ‫العون من اهلل ‪F‬؛ فاالستقامة مِنَّ ٌة إلهية‪ِ ،‬‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫المستقيم‪،‬‬ ‫كتاب اهلل ‪ E‬يضيف اهلل ‪ D‬إلى نفسه الهداي َة إلى صراطِه‬
‫األمر ك َّله بيده ‪ D‬يهدي َمن يشا ُء‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫ضل َمن يشا ُء‪ ،‬وبيده ‪E‬‬ ‫َّ‬
‫وأن‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الصراط‪ ،‬و َمن شاء أزا َغه‪.‬‬
‫فمن شا َء أقا َمه ‪ F‬على ِّ‬
‫قلوب العباد؛ َ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [النِّساء‪،]68-66 :‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬

‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [النِّساء‪ ،]175 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﰁ ﰂ‬

‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [يونس‪ ،]25 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯢ‬

‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬
‫ﯵ﴾ [التَّكوير‪ .]29 - 27 :‬واآليات يف هذا المعنى كثير ٌة‬

‫ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ‬ ‫ب ال ُق ُل ِ‬ ‫كان أكثر ِ‬


‫ك»‪،‬‬ ‫وب‪َ ،‬ث ِّب ْ‬ ‫«يا ُم َق ِّل َ‬ ‫َّبي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫دعاء‬ ‫وقد َ ُ‬
‫ب؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم؛ َما ِم ْن‬ ‫ول اهلل! َأ َو إِ َّن ال ُق ُل َ‬
‫وب َل َت َت َق َّل ُ‬ ‫قالت أ ُّم َس َلمة‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َخ ْل ِق اهلل ِ ِم ْن َبنِي آ َد َم ِم ْن َب َشرٍ إِ َّل َأ َّن َق ْل َب ُه َب ْي َن ُأ ْص ُب َع ْي ِن ِم ْن َأ َصابِ ِع اهلل‪َ ،‬فإِ ْن َشا َء‬
‫اهللُ ‪َ D‬أ َق َامه‪َ ،‬وإِ ْن َشا َء َأزَا َغ ُه»(‪.)1‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ )26576‬وال َّلفظ له‪ ،‬والت‬
‫ِّرمذي (‪،)3522‬‬
‫ُّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪172‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السؤال‪،‬‬ ‫فم ْن أرا َدها لنفسه؛ فلي ْط ُلبها م َن اهلل‪ ،‬ول ُيل َّح يف ُّ‬ ‫فاالستقام ُة بِ َيد اهلل‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫بأي‬ ‫ِ‬
‫وقد جاء يف «صحيح مسلم» من حديث عائشة ‪ J‬أنَّها ُسئلت‪ِّ :‬‬
‫َّبي ﷺ يفتَتِ ُح صال َته من ال َّليل؟ قالت‪ :‬إذا قا َم من ال َّليل افتتَح صال َته‪:‬‬ ‫َ‬
‫كان الن ُّ‬
‫ض‪َ ،‬عالِ َم‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫يل‪َ ،‬فاطِر السماو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫يل َوإِ ْس َرافِ َ‬‫«ال َّل ُه َّم َر َّب ِج ْب َرائِ ْي َل َو ِميكَائِ َ‬
‫ون‪ْ ،‬اه ِدنِي لِ َما‬‫يما كَانُوا فِ ِيه َيخْ ت َِل ُف َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت ت َْحك ُُم َب ْي َن ع َباد َك ف َ‬ ‫الش َها َد ِة‪َ ،‬أن َ‬
‫ب َو َّ‬ ‫ال َغ ْي ِ‬
‫اط ُم ْست َِقيمٍ»(‪.)1‬‬‫َّك تَه ِدي من ت ََشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك‪ ،‬إِن َ ْ‬ ‫الح ِّق بِإِ ْذنِ َ‬ ‫اخت ُِل َ ِ ِ ِ‬
‫ف فيه م َن َ‬ ‫ْ‬

‫َّك ت َْه ِدي‬ ‫ِ‬


‫لصالة ال َّليل‪« :‬إِن َ‬ ‫ِ‬
‫افتتاحه‬ ‫كل ٍ‬
‫ليلة يف‬ ‫فهذا كان ‪ O‬يقو ُله َّ‬
‫اط ُم ْست َِقيمٍ»‪.‬‬
‫من ت ََشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫صري ‪ V‬إذا َقرأ َ‬
‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ُّ‬ ‫الحسن ال َب‬
‫َ‬ ‫كان‬
‫ﭖ ﭗ﴾ [ ُف ِّصلت‪ ]30:‬قال‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َْت َر ُّبنَا‪َ ،‬ف ْار ُز ْقنَا ِال ْستِ َقا َمةَ»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫المستقيم‪.‬‬ ‫القويم والص ِ‬
‫راط‬ ‫ِ‬ ‫االستقامة‪ :‬لزوم المنهجِ‬ ‫وحقيقة‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يق األ َّمة أبو بكر ‪ I‬يف تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫قال صدِّ ُ‬
‫«هم ا َّل ِذين لم ُيشركوا باهلل شي ًئا»(‪.)3‬‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [ ُف ِّصلت‪ُ :]30 :‬‬
‫وروي عن عمر بن الخ َّ‬
‫طاب ‪ I‬أنَّه قرأ هذه اآلي َة على المنرب‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫ُ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾‪ ،‬فقال‪« :‬لم َي ُروغوا َر َوغان ال َّثعلب»(‪.)4‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)770‬‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)425/20‬‬‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫«الزهد» (‪ ،)326‬وال َّط ُّ‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)422/20‬‬ ‫((( أخرجه ابن المبارك يف ُّ‬
‫«الزهد» (‪ ،)602‬وال َّط ُّ‬
‫ربي يف‬ ‫«الزهد» (‪ ،)325‬وأحمد يف ُّ‬ ‫((( أخرجه ابن المبارك يف ُّ‬
‫«جامع البيان» (‪.)425/20‬‬
‫(‪ )21‬حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم»‬
‫‪173‬‬

‫وعن ِ‬
‫ابن ع َّباس ‪ L‬يف معنى قوله تعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ﴾‪« :‬على‬
‫وروي نحوه عن أنس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬واألسود بن‬‫شهادة أن ال إله َّإل اهلل» ؛ ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫ِ‬
‫وغيرهم(‪.)2‬‬ ‫هالل وزيد بن أسلم والسدِّ ي ِ‬
‫وعكرمة‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫فرائضه»(‪.)3‬‬ ‫وروي عن ابن عباس ‪ L‬أنَّه قال‪« :‬استقاموا على ِ‬
‫أداء‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫«ثم أخ َل ُصوا له الدِّ ين وال َعمل»(‪.)4‬‬
‫وعن أبي ال َعالية قال‪َّ :‬‬
‫وعن َقتادة يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ﴾ قال‪« :‬استقاموا على طاعة اهلل»(‪.)5‬‬

‫ُ‬
‫سلوك‬ ‫هي‬
‫ثم قال‪« :‬واالستقا َمة‪َ :‬‬ ‫رجب ‪َّ V‬‬ ‫ذكر هذه األقوال اب ُن َ‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وهو الدِّ ي ُن الق ِّيم م ْن َغير َتعريجٍ عنه َيمن ًة وال َيسرةً‪،‬‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫وترك المنه َّيات ك ِّلها‬ ‫فعل ال َّطاعات ك ِّلها‪ ،‬ال َّظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫ويشمل ذلك؛ َ‬
‫َ‬
‫كذلك‪ ،‬فصارت هذه الوصي ُة جامع ًة ِ‬
‫لخصال الدِّ ين ُك ِّلها»(‪.)6‬‬ ‫َّ‬

‫القلب‪ ،‬روى اإلمام أحمد من حديث أنس‬ ‫ِ‬ ‫وأصل االستقا َم ِة‪ :‬استقام ُة‬
‫ُ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫«ل يست َِقيم إِيم ُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ان َع ْبد َحتَّى َي ْستَق َ‬ ‫َّبي ﷺ أنَّه قال‪َ ُ ْ َ َ :‬‬‫ابن مالك ‪ I‬عن الن ِّ‬
‫َق ْل ُب ُه»(‪.)7‬‬

‫والصفات» (‪.)207‬‬
‫البيهقي يف «األسماء ِّ‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( انظر‪« :‬موسوعة التَّفسير بالمأثور» (‪.)475-470/19‬‬
‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)425/20‬‬
‫((( ذكره ابن كثير يف «تفسير القرآن العظيم» (‪.)525/6‬‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)425/20‬‬‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫((( «جامع العلوم والحكم» (ص‪.)460-459‬‬
‫الصحيحة (‪.)2841‬‬ ‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف َّ‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد يف المسند (‪،)13048‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪174‬‬
‫ِ‬
‫االستقامة استقام ُة القلب على‬ ‫ُ‬
‫«فأصل‬ ‫رجب ‪:V‬‬
‫قال الحافظ ابن َ‬
‫التَّوحيد‪.‬‬

‫وغيره قو َله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ُ‬ ‫الصدِّ يق‬
‫فسر أبو بكر ِّ‬
‫كما َّ‬
‫ﭗ﴾ بأنَّهم لم يلتفتوا إلى غيره‪.‬‬

‫معرفة اهلل‪ ،‬وعلى خشيتِه‪ ،‬وإجالله‪ ،‬ومهابتِه‪،‬‬


‫ِ‬ ‫القلب على‬‫ُ‬ ‫فمتَى استقا َم‬
‫ِ‬
‫عما سواه؛‬‫ومح َّبته‪ ،‬وإرادته‪ ،‬ورجائه‪ ،‬ودعائه‪ ،‬والتَّو ُّك ِل عليه‪ ،‬واإلعراض َّ‬
‫القلب هو ملِ ُك األعضاء‪ ،‬وهي‬‫َ‬ ‫الجوارح ك ُّلها على طاعتِه‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ُ‬ ‫استقا َمت‬
‫جنوده‪ ،‬فإذا استقا َم الملِك؛ استقا َمت جنو ُده ورعاياه»(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫قاربة‪.‬‬
‫فالم َ‬
‫فإن لم يقدر ُ‬ ‫واالستقام ُة المط ُلو َبة م َن العبد‪ :‬هي َّ‬
‫السدَ اد ْ‬

‫األمرين يف قوله‪« :‬إِ َّن الدِّ َ‬


‫ين ُي ْس ٌر‪َ ،‬و َل ْن ُي َشا َّد‬ ‫ِ‬ ‫َّبي ﷺ هذ ْين‬ ‫جمع الن ُّ‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫ار ُبوا‪َ ،‬و َأ ْب ِش ُروا»(‪.)2‬‬
‫ين َأ َحدٌ إِ َّل َغ َلبه‪َ ،‬ف َسدِّ ُدوا َو َق ِ‬
‫الدِّ َ‬

‫أن يع ِّل َمه دعا ًء يد ُعو َ‬


‫اهلل به‪،‬‬ ‫طلب منه ْ‬ ‫لما َ‬ ‫لعلي ‪َّ I‬‬ ‫َّبي ﷺ ٍّ‬ ‫وقد قال الن ُّ‬
‫الهدَ ى؛ ِهدَ َايت َ‬
‫َك ال َّطرِ َيق‪،‬‬ ‫«وا ْذك ُْر بِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫قال‪ُ « :‬ق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم ْاهدني َو َسدِّ ْدني»‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫الس ْهمِ»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫السدَ اد َسدَ ا َد َّ‬
‫َو َّ‬
‫خرجه‬ ‫ِ‬ ‫أن النَّاس لن ُيطيقوا االستقام َة َّ‬ ‫وأخرب ﷺ َّ‬
‫حق االستقامة‪ ،‬كما َّ‬
‫يموا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫«استَق ُ‬‫َّبي ﷺ قال‪ْ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫ثوبان‬ ‫حديث‬ ‫اإلمام أحمد‪ ،‬وابن ماجه من‬
‫و َلن تُحصوا‪ ،‬واع َلموا َأ َّن َخير َأعمالِكُم الص َلةُ‪ ،‬و َل يحافِ ُظ ع َلى ا ْلو ُض ِ‬
‫وء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ‬
‫الحنبلي (‪.)461‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2725‬‬ ‫ ‬ ‫البخاري (‪.)39‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )21‬حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم»‬
‫‪175‬‬

‫ار ُبوا‪َ ...‬و َل ُي َحافِظ َع َلى‬


‫«سدِّ ُدوا َو َق ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َّل ُم ْؤم ٌن» ‪ ،‬ويف رواية لإلمام أحمد‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أن النَّبِ َّي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫«الصحيحين» عن أبي هريرة ‪َّ I‬‬ ‫الو ُضوء إِ َّل ُم ْؤم ٌن»(‪ ،)2‬ويف َّ‬ ‫ُ‬
‫«سدِّ ُدوا َو َق ِ‬
‫ار ُبوا»(‪.)3‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫«والمطلوب م َن العبد‪ :‬االستقامةُ؛‬
‫ُ‬ ‫ويف هذا المعنى ُ‬
‫يقول اب ُن الق ِّيم ‪: V‬‬
‫قار َبة‪ ،‬فإن نَزل عنها؛ فالت ُ‬
‫َّفريط‬ ‫وهي السداد‪ ،‬فإن لم ي ِ‬
‫فالم َ‬
‫عليها؛ ُ‬
‫َ‬ ‫قدر‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫واإلضاعةُ»(‪.)4‬‬
‫َ‬

‫الصراط المستقيم يف الدُّ نيا‪ :‬التَّوفيق لالستقامة‬


‫هذا وثمرة االستقامة على ِّ‬
‫ِ‬
‫المنصوب على َمتن جهنَّم‪.‬‬ ‫الصراط‬
‫على ِّ‬
‫السيف‪ُّ ،‬‬
‫وأدق‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أحدُّ م َن َّ‬
‫صراط على َمتن جهنَّم‪َ ،‬‬ ‫القيامة‬ ‫فإنَّه ُينصب يو َم‬
‫اوتون يف مرورهم عليه تفاو َتهم‬ ‫الشعر‪ ،‬و ُيؤ َمر النَّاس بالمرور عليه‪ ،‬ويت َف َ‬
‫م َن َّ‬
‫ِ‬
‫الحياة الدُّ نيا(‪.)5‬‬ ‫واالستقامة على ِصراط اهلل المستقيم يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعمال‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫المستقيم‬ ‫ِ‬
‫صراط اهلل‬ ‫«فم ْن ُه ِدي يف هذه الدَّ ار إلى‬
‫قال اب ُن الق ِّيم ‪َ : V‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصراط المستقيم‬ ‫رسوله‪ ،‬وأن َْزل به كتا َبه؛ ُهد َي ُهناك إلى ِّ‬ ‫أرسل به ُ‬ ‫ا َّلذي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الموصل إلى جنَّته‪ ،‬ودار َثوابه‪ ،‬وعلى َقدر ُثبوت َقد ِم العبد على هذا ِّ‬
‫الصراط‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا َّلذي نَص َبه اهلل‬
‫نصوب‬‫الم ُ‬
‫الصراط َ‬ ‫يكون ُثبوت قدمه على ِّ‬ ‫ُ‬ ‫لعباده يف هذه الدَّ ار‬

‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)22378‬وابن ماجه (‪.)277‬‬


‫((( أخرجه أحمد (‪.)22433‬‬
‫البخاري (‪ ،)٦٤٦٤‬ومسلم (‪.)٢٨١٨‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫السالكين البن الق ِّيم (‪.)370/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫البخاري (‪ ،)6573‬ومسلم (‪.)182‬‬ ‫َّ‬ ‫((( انظر‪:‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪176‬‬

‫يكون َس ْي ُره على ذاك‬ ‫ُ‬ ‫الصراط‬ ‫تن جهنَّم‪ ،‬وعلى َقدر َس ْيره على هذه ِّ‬ ‫على َم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مر‬‫مر كال َّطرف‪ ،‬وم ُنهم َمن َي ُّ‬ ‫الصراط؛ فم ُنهم من َي ُم ُّر كال َبرق‪ ،‬وم ُنهم َمن َي ُّ‬ ‫ِّ‬
‫كاب‪ ،‬ومِ ُنهم َمن َيسعى سع ًيا‪ ،‬ومِ ُنهم َمن َيمشي مش ًيا‪ ،‬ومِ ُنهم َمن‬ ‫الر ِ‬ ‫كشدِّ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َك ْر َدس يف النَّار‪ ،‬فل َينْظر‬ ‫الم َس َّلم‪ ،‬وم ُنهم ُ‬
‫خدوش ُ‬‫ُ‬ ‫الم‬
‫يح ُبو َح ْب ًوا‪ ،‬وم ُنهم َ‬
‫الصراط مِن َس ْيره على هذا َح ْذو ال ُق َّذة بال ُق َّذة‪ ،‬جزا ًء‬ ‫ذلك ِّ‬ ‫العبدُ َس َيره على َ‬
‫ِوفا ًقا‪﴿ ،‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [النَّمل‪.]90 :‬‬
‫ِ‬
‫والش ُبهات ا َّلتي تعو ُقه ع ْن َسيره على هذا ِّ‬
‫الصراط‬ ‫هوات ُّ‬ ‫و ْل َينظر َّ‬
‫الش‬
‫الصراط َتخ َط ُفه‪ ،‬و َت ُعوقه ِ‬
‫عن‬ ‫المستقيم؛ فإنَّها ال َكالليب ا َّلتي َ‬
‫بجنْ َبتَي ذاك ِّ‬
‫َ‬
‫هناك‪﴿ ،‬ﰗ ﰘ ﰙ﴾‬ ‫َ‬
‫فكذلك هي‬ ‫إن َك ُثرت ُهنا و َقويت‪،‬‬
‫المرور عليه‪ْ ،‬‬
‫َ‬
‫[ ُف ِّصلت‪.)1(»]49 :‬‬

‫الصراط‬
‫هوات عن ِّ‬
‫والش ُ‬ ‫كان يف هذه الحياة الدُّ نيا َتخ َط ُفه ُّ‬
‫الشبهات َّ‬ ‫َمن َ‬
‫الصراط يوم القيامة مث َلما‬
‫الكالليب ا َّلتي على َجن َبتي ِّ‬
‫ُ‬ ‫المستقيم؛ فستخطفه‬
‫ُ‬
‫خط َفته ُّ‬
‫الشبهات َّ‬
‫والشهوات يف الدُّ نيا‪.‬‬

‫والعبد يف هذا المقام يحتاج إلى نوعين من الهداية ل َيس َل َم له ُ‬


‫سيره؛ وهما‪:‬‬
‫الصراط المستقيم‪.‬‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬والهداية يف ِّ‬
‫الهداية إلى ِّ‬
‫قال ابن الق ِّيم‪« :‬فالهداي ُة إلى ال َّطريق شي ٌء‪ ،‬والهداي ُة يف نفس ال َّطريق شي ٌء‬
‫أن طريق البلد ال ُفالين هو طريق كذا وكذا‪،‬‬ ‫الرجل يعرف َّ‬ ‫آخر‪َ ،‬أل ترى َّ‬
‫أن َّ‬
‫خاصة يف نفس‬ ‫ٍ‬
‫هداية‬ ‫فإن ُسلوكَه يحتاج إلى‬ ‫ولكن ال يحسن أن يس ُل َكه؛ َّ‬
‫َّ‬
‫السالكين البن الق ِّيم (‪.)14/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫(‪ )21‬حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم»‬
‫‪177‬‬

‫مقدار‬ ‫ِ‬
‫مفازة كذا‬ ‫ِ‬
‫وأخذ الماء يف‬ ‫دون ِ‬
‫وقت كذا‪،‬‬ ‫وقت كذا َ‬‫السلوك؛ كالسير يف ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫السير قد ُيهم ُلها َمن‬ ‫ِ‬
‫كذا‪ ،‬والنُّزول يف موضع كذا دون كذا‪ ،‬فهذه هداي ٌة يف نفس َّ‬
‫وينقطع عن المقصود»(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫ريق هي هذه؛ فيه َل ُك‬
‫بأن ال َّط َ‬
‫عارف َّ‬
‫ٌ‬ ‫هو‬

‫((( انظر‪ :‬رسالة ابن الق ِّيم إلى أحد إخوانه (‪.)8-7/1‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪178‬‬

‫‪22‬‬

‫مسلما»‬
‫حديث‪« :‬أو ً‬

‫ول اهللِ ﷺ َأ ْع َطى َر ْه ًطا‪َ ،‬و َس ْعدٌ‬ ‫اص ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َعن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو َّق ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل! َما‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َر ُج ًل ُه َو َأ ْع َج ُب ُه ْم إِ َلي‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َجال ِ ٌس‪َ ،‬فت ََر َك َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ثم‬‫يل‪َّ ،‬‬ ‫َل َك َع ْن ُف َل ٍن‪َ ،‬ف َواهَّللِ إِنِّي ألَ َرا ُه ُم ْؤمِنًا؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْو ُم ْس ِل ًما؟» َف َس َك ُّت َقلِ ً‬
‫َغ َل َبنِي َما َأ ْع َل ُم مِنْ ُه‪َ ،‬ف ُعدْ ُت ل ِ َم َقا َلتِي‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ما َل َك َع ْن ُف َل ٍن‪َ ،‬ف َواهَّللِ إِنِّي ألَ َرا ُه‬
‫«أ ْو ُم ْس ِل ًما؟»‪ُ ،‬ث َّم َغ َل َبنِي َما َأ ْع َل ُم مِنْ ُه‪َ ،‬ف ُعدْ ُت ل ِ َم َقا َلتِي‪َ ،‬و َعا َد‬
‫ُم ْؤمِنًا؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫ب إِ َل َّي ِمنْ ُه؛‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫الر ُج َل َو َغ ْي ُر ُه َأ َح ُّ‬
‫«يا َس ْعدُ ! إِنِّي ألُ ْعطي َّ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫َخ ْش َي َة َأ ْن َي ُك َّب ُه اهَّللُ فِي الن ِ‬
‫َّار»(‪.)1‬‬

‫ناسا ويرتك َمن هو أفضل منهم‬


‫«سعد ‪ I‬رأى رسول اهلل ﷺ يعطي ً‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ‬
‫أن العطاء يكون بحسب الفضائل يف الدِّ ين‪ ،‬وظ َّن َّ‬
‫يف الدِّ ين‪ ،‬وظ َّن َّ‬
‫لم يعلم حال هذا اإلنسان المرتوك‪ ،‬فأع َل َمه به‪ ،‬وحلف أنَّه َيع َل ُمه مؤمنًا؛ فقال‬
‫مر ًة أخرى‬ ‫َّهي عن َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الشفاعة فيه َّ‬ ‫له النَّب ُّي ﷺ‪« :‬أ ْو ُم ْسل ًما؟»‪ ،‬فلم يفهم منه الن َ‬
‫من حسن حال ذلك‬ ‫ثم رآه يعطي َمن هو دونه بكثير‪ ،‬فغلبه ما َيع َل ُم ِ‬ ‫فسكت‪َّ ،‬‬
‫يكون النَّبِ ُّي‬
‫َ‬ ‫وجوز أن‬
‫‪-‬تذكيرا‪َّ ،-‬‬
‫ً‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل! مالك عن فالن‬

‫البخاري (‪ ،)27‬ومسلم (‪.)150‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫مسلما»‬
‫(‪ )22‬حديث‪« :‬أو ً‬
‫‪179‬‬

‫المرة ال َّثالثة إلى‬ ‫ِ‬


‫ثم نَس َيه‪ ،‬فأراد تذكيره‪ ،‬وهكذا َّ‬
‫المرة األولى َّ‬
‫ﷺ َه َّم بعطائه من َّ‬
‫أن َأع َل َم ُه النَّبِي ﷺ َّ‬
‫أن العطاء ليس هو على حسب الفضائل يف الدِّ ين‪.)1(»...‬‬ ‫ُّ‬
‫لما قال له‪:‬‬ ‫قال ابن رجب‪« :‬وكذلك قول النَّبِ ِّي ﷺ لسعد بن أبي و َّقاص َّ‬
‫«أو مس ِلم»‪ ،‬يشير إلى أنَّه لم ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ِّقق‬ ‫ُ‬ ‫« َل ْم ُت ْعط ُف َلنًا َو ُه َو ُم ْؤم ٌن»‪ ،‬فقال النَّبِ ُّي ﷺ َ ْ ُ ْ‬
‫ف اإليمان‬ ‫مقام اإليمان؛ وإنَّما هو مقام اإلسالم ال َّظاهر‪ ،‬وال ريب أنَّه متى َض ُع َ‬
‫الباطن؛ َل ِز َم منه َض ْع ُ‬
‫ف أعمال الجوارح ال َّظاهرة ً‬
‫أيضا»(‪.)2‬‬

‫أن الدِّ ين مراتب متفاوتة‪ ،‬ومقامات مختلفة‪َّ ،‬‬


‫وأن‬ ‫َّ‬
‫فدل الحديث على َّ‬
‫النَّاس متفاضلون فيه؛ فمنهم المؤمن ومنهم المسلم‪.‬‬

‫ويف القران الكريم آيات عديدة ُت َق ِّرر هذا التَّفاوت بين هاتين ُّ‬
‫الرتبتين‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬

‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب‪:‬‬

‫‪ ،]35‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬

‫[الذاريات‪ ،]36-35 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬


‫ﭷ﴾ َّ‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [الحجرات‪.]14 :‬‬

‫َّووي لصحيح مسلم (‪.)556-555/6‬‬


‫((( انظر‪ :‬شرح الن ِّ‬
‫الحنبلي (ص‪.)82‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪180‬‬
‫ففي هذه اآليات داللة واضحة على وجود ٍ‬
‫فرق بين اإلسالم واإليمان‬
‫الذك ِْر؛ فقد ا َّدعى هؤالء األعراب ألنفسهم مرتبة اإليمان‬
‫عند االجتماع يف ِّ‬
‫ولما يصلوا إليها بعدُ ؛ فنفاها اهلل ‪ D‬عنهم بقوله‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ﴾‪ ،‬ولم‬ ‫َّ‬
‫يكونوا بنفي اإليمان عنهم داخلين يف الكفر؛ إذ َّ‬
‫إن هناك رتبة دون اإليمان‬
‫وهي اإلسالم؛ ولهذا قال تعالى‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾‬
‫أي‪ :‬إنَّكم ما زلتم َب ْعدُ يف رتبة اإلسالم‪.‬‬

‫ثم أعلى منها مرتبة اإليمان‪،‬‬


‫أن الدِّ ين مراتب‪ :‬مرتبة اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫وهذا يفيد َّ‬
‫ثم أعلى منهما مرتبة اإلحسان‪.‬‬
‫َّ‬
‫تفسير من النَّبِ ِّي ﷺ ل ُك ِّل مرتبة من هذه‬
‫ٌ‬ ‫وقد جاء يف حديث جربيل المشهور‬
‫أن جربيل سأل النَّبِ َّي ﷺ عن اإلسالم‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واإلحسان‬ ‫المراتب؛ ففيه َّ‬
‫الذكر‪ ،‬فقال النَّبِي ﷺ‪ِ :‬‬
‫«اإل ْس َل ُم َأ ْن ت َْش َهدَ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪،‬‬ ‫فاجتمعت ال َّثالثة يف ِّ‬
‫ُّ‬
‫ان‪َ ،‬وت َُح َّج‬ ‫الص َلةَ‪َ ،‬وت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةَ‪َ ،‬وت َُصو َم َر َم َض َ‬ ‫و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ ِ‬
‫يم َّ‬
‫ول اهَّلل‪َ ،‬وتُق َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ ُ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهَّلل ِ َو َم َلئِكَتِ ِه‬ ‫ت إِ َل ْي ِه َسبِ ًيل»‪ ،‬وقال عن اإليمان‪َ :‬‬ ‫ت إِ ِن ْاس َت َط ْع َ‬
‫ا ْل َب ْي َ‬
‫َو ُك ُتبِ ِه َو ُر ُس ِل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْال ِخرِ َوت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّره»‪ ،‬وقال عن اإلحسان‪:‬‬
‫اك»‪ ،‬ويف آخر الحديث قال‪:‬‬ ‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اهَّللَ ك ََأن َ‬
‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬ ‫َ‬
‫يل‪َ ،‬أتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدينَك ُْم »(‪.)1‬‬
‫« َفإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ‬

‫أن اإلسالم هو األعمال ال َّظاهرة‪َّ ،‬‬


‫وأن المسلم هو َمن‬ ‫َّ‬
‫فدل الحديث على َّ‬
‫الصالة‪ ،‬وأتى بالعمل‬
‫محمدً ا رسول اهلل‪ ،‬وأقام َّ‬
‫َّ‬ ‫شهد أن ال إله َّإل اهلل‪َّ ،‬‬
‫وأن‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ )8‬من حديث عمر بن الخ َّطاب ‪.I‬‬


‫مسلما»‬
‫(‪ )22‬حديث‪« :‬أو ً‬
‫‪181‬‬

‫يح َتنَا َف َذلِ َ‬


‫ك‬ ‫«من َص َّلى َص َل َتنَا َو ْاس َت ْق َب َل ِق ْب َل َتنَا‪َ ،‬‬
‫وأك ََل َذبِ َ‬ ‫ال َّظاهر؛ كما قال ﷺ‪َ :‬‬
‫الم ْس ِل ُم ا َّل ِذي َل ُه ِذ َّم ُة اهَّلل ِ َو ِذ َّم ُة َر ُسولِ ِه؛ َف َل تُخْ ِف ُروا اهَّللَ يف ِذ َّمتِ ِه»(‪.)1‬‬
‫ُ‬
‫‪F‬‬ ‫لك َّن هذه األعمال ال َّظاهرة ال تكون نافع ًة َ‬
‫لمن قام هبا عند اهلل‬
‫يصحح إسال َمه؛ وهو اإليمان الجازم‬
‫ِّ‬ ‫القلبي ما‬
‫ِّ‬ ‫َّإل إذا كان عندَ ه من اإليمان‬
‫شك يف اإليمان باهلل‪ ،‬وال بالكتب‪،‬‬ ‫َ‬
‫يكون عندَ ه ٌّ‬ ‫هبذه األصول؛ بمعنى أن ال‬
‫بالرسل‪ ،‬وال باليوم اآلخر‪ ،‬وال بالقدر؛ ألنَّه إن ُو ِجدَ َّ‬
‫الش ُّك ارتفع الجزم‪،‬‬ ‫وال ُّ‬
‫ت األعمال؛ كما قال اهلل‬‫وإذا ارتفع الجزم انتفى اإليمان‪ ،‬وو ِجدَ الكفر‪ ،‬وحبِ َط ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [المائدة‪]5 :‬؛‬
‫القلبي كان مناف ًقا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فإن لم يكن عنده هذا ال َقدْ ُر من اإليمان‬

‫ُ‬
‫اإليمان يف قلبه‪ ،‬فآمن بما أمر اهلل تعالى‬ ‫وأما المؤمن‪ :‬فهو ا َّل ِذي تح َّق َق‬
‫َّ‬
‫عباده باإليمان به‪ ،‬و َمن كان شأنُه كذلك يف باطنه؛ َص ُل َح ظاهره تب ًعا لذلك؛‬
‫ألن الجوارح ال تتخ َّلف عن مرادات القلوب؛ فإذا صلح القلب هذا َّ‬
‫الصالح‪،‬‬ ‫َّ‬
‫عمل وطاع ًة ُّ‬
‫وتقر ًبا‬ ‫و ُع ِّمر باإليمان هذه العمارة؛ جدَّ ت الجوارح واجتهدَ ت؛ ً‬
‫ت‬ ‫«أ َل َوإِ َّن فِي ا ْل َج َس ِد ُم ْض َغةً‪ ،‬إِ َذا َص َل َح ْ‬ ‫إلى اهلل سبحانه؛ كما قال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ب» ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َص َل َح ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه‪َ ،‬وإِ َذا َف َسدَ ْت َف َسدَ ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه؛ َأ َل َوه َى ا ْل َق ْل ُ‬
‫وأما المحسن‪ :‬فأعلى من هؤالء؛ إذ اإلحسان‪ :‬اإلتقان واإلجادة؛‬ ‫َّ‬
‫فالمحسن‪ :‬هو ا َّل ِذي أتقن يف تحقيق الدِّ ين‪ ،‬وأجاد يف تتميم العبادة وال َّطاعة‬
‫لرب العالمين‪ ،‬حتَّى بلغ به الحال أن َيع ُبد اهلل كأنَّه يراه‪ ،‬وهذه رتب ٌة عالي ٌة رفيعةٌ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)٥٢‬ومسلم (‪.)١٥٩٩‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫(‪.)391‬‬ ‫البخاري‬
‫ ‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪182‬‬
‫كل ٍ‬
‫أحد؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‬ ‫ال َي ِص ُل إليها ُّ‬
‫[الواقعة‪.]14-13 :‬‬

‫فهذه مراتب الدِّ ين‪ ،‬وقد جاء نظيرها يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ﴾ [فاطر‪.]32 :‬‬
‫ٍ‬
‫واحدة منها َأ ْض َي ُق من‬ ‫بعض أهل العلم بثالث دوائر؛ ُّ‬
‫كل‬ ‫يوض ُحه ُ‬
‫وهذا ِّ‬
‫ثم األوسع‬
‫الصغرى‪ :‬اإلحسان‪ ،‬واألوسع منها‪ :‬اإليمان‪َّ ،‬‬
‫األخرى؛ فالدَّ ائرة ُّ‬
‫منها‪ :‬اإلسالم؛ فيحتاج العبد أن يح ِّقق اإلسالم واإليمان حتَّى يصل بعد ذلك‬
‫إلى درجة اإلحسان‪ ،‬فإن خرج من اإلحسان لم يخرج إلى الكفر؛ وإنَّما يخرج‬
‫ٍ‬
‫مرتبة دونَه؛ وهي مرتبة‬ ‫منه إلى مرتبة اإليمان‪ ،‬فإن خرج من اإليمان كان يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإن خرج منها فما َث َّم شي ٌء من ُر َت ِ‬
‫ب الدِّ ين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسلم‬ ‫مسلم‪ ،‬وليس ُّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مؤمن‬ ‫مسلم‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫محسن مؤم ٌن‬ ‫فعلى هذا‪ُّ :‬‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫مؤمن محسنًا‪.‬‬ ‫مؤمنًا‪ ،‬وليس ُّ‬
‫كل‬

‫ول اهللِ ﷺ فِي‬ ‫روى اإلمام أحمد‪ ،‬عن َف َضا َلة ْبن ُع َب ْي ٍد ‪َ ،I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َّاس َع َلى َأ ْم َوالِ ِه ْم َو َأ ْن ُف ِس ِه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«أ َل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِا ْل ُم ْؤم ِن؟ َم ْن َأمنَ ُه الن ُ‬‫َح َّج ِة ا ْل َو َداعِ‪َ :‬‬
‫اهدَ َن ْف َس ُه فِي َطا َع ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ‬
‫َّاس م ْن ل َسانه َو َيده‪َ ،‬وا ْل ُم َجاهدُ َم ْن َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْل ُم ْسل ُم َم ْن َسل َم الن ُ‬
‫ُوب»(‪.)1‬‬ ‫الذن َ‬‫اج ُر َم ْن َه َج َر ا ْلخَ َط َايا َو ُّ‬‫اهللِ‪َ ،‬وا ْل ُم َه ِ‬

‫بيان لكمال َّ‬


‫مسميات هذه األسماء الجليلة؛ (اإليمان‪،‬‬ ‫ويف هذا الحديث‪ٌ :‬‬

‫«الصحيحة» (‪.)549‬‬ ‫ِ‬


‫وصححه األلبان ُّي يف َّ‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)23958‬‬
‫مسلما»‬
‫(‪ )22‬حديث‪« :‬أو ً‬
‫‪183‬‬

‫وبيان للمستح ِّقين لهذه األسماء على‬ ‫ٌ‬ ‫واإلسالم‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والهجرة)‪،‬‬
‫ِ‬
‫الحقيقة الواجبة لهم‪ ،‬وا َّلتي يرت َّتب عليها َّ‬
‫السعادة التَّا َّمة يف الدُّ نيا واآلخرة‪،‬‬
‫وذكر لحدودها بكالم جامع شامل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فاملؤمن‪َ :‬من َأمِنَه النَّاس على دمائهم وأموالهم؛ َّ‬
‫فإن اإليمان إذا تم َّكن‬
‫أوجب لصاحبه القيا َم بحقوق اإليمان ا َّلتِي مِن‬
‫َ‬ ‫القلب به؛‬
‫ُ‬ ‫يف القلب‪ ،‬وامتأل‬
‫والصدق يف المعامالت‪ ،‬والورع عن ظلم النَّاس يف‬ ‫أهمها‪ :‬رعاية األمانات‪ِّ ،‬‬‫ِّ‬
‫َّاس هذا منه‪ ،‬و َأمِنُوه على دمائهم‬ ‫ف الن ُ‬
‫دمائهم وأموالهم‪ ،‬و َمن كان كذلك َع َر َ‬
‫فإن رعاية‬‫وأموالهم‪ ،‬واطمأنُّوا إليه؛ ل ِ َما يعلمون منه من مراعاة األمانات؛ َّ‬
‫ان لِ َم ْن َل َأ َما َن َة َل ُه»(‪.)1‬‬
‫«ل إِ ْي َم َ‬
‫ص واجبات اإليمان؛ كما قال ﷺ‪َ :‬‬ ‫األمانة َ‬
‫أخ ُّ‬
‫الحقيقي‬ ‫واملسلم‪ :‬من َسلِم المسلمون من لسانه ويده؛ وذلك َّ‬
‫أن اإلسالم‬
‫َّ‬
‫يتم‬
‫هو االستسالم هلل‪ ،‬وتكميل عبود َّيته‪ ،‬والقيام بحقوق المسلمين‪ ،‬وال ُّ‬
‫يحب لنفسه‪ ،‬وال يتح َّقق ذلك َّإل بسالمتهم‬ ‫يحب للمسلمين ما ُّ‬‫اإلسالم حتَّى َّ‬
‫ِ‬
‫أصل هذا الفرض ا َّلذي عليه المسلمون‪َ ،‬‬
‫فمن‬ ‫فإن هذا ُ‬
‫شر لسانه ويده؛ َّ‬‫من ِّ‬
‫قائما بالفرض ا َّل ِذي عليه‬
‫لم َيس َل ِم المسلمون من لسانه أو يده كيف يكون ً‬
‫إلخوانه المسلمين؟ و َمن بسط يف المسلمين يدَ ه ول ِ َسانه أ ًذى وعدوانًا أين هو‬
‫عنوان على كمال‬ ‫ٌ‬ ‫والفعلي‬ ‫القولي‬ ‫شره‬
‫من تحقيق اإلسالم؟ فسالمتهم من ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إسالمه‪.‬‬

‫ويف هذا ِداللة على َّ‬


‫أن المؤمن أعلى رتب ًة من المسلم‪َّ :‬‬
‫فإن َم ْن كان مأمونًا‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف «صحيح الجامع» (‪.)7179‬‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)12383‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪184‬‬

‫على الدِّ ماء واألموال؛ كان المسلمون سالمين من لسانه ويده‪ ،‬ولوال سالمتهم‬
‫منه لما ائتمنوه‪ ،‬وليس ك ُُّل َمن َسلِموا منه يكون مأمونًا عندهم؛ فقد يرتك أذاهم‬
‫وهم ال يأمنون إليه؛ خو ًفا أن يكون قد ترك أذاهم لرغبة أو رهبة‪ ،‬ال إليمان يف‬
‫قلبه‪.‬‬
‫المؤمن بأمرٍ‬ ‫ففسر الم ِ‬
‫سل َم بأمرٍ ظاهرٍ؛ وهو‪ :‬سالم ُة النَّاس منه‪ ،‬و َف َّس َر‬
‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫الصفة أعلى من تلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫باطن؛ وهو‪ :‬أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم‪ ،‬وهذه ِّ‬

‫َّفس م َّيال ٌة إلى الكسل‬ ‫واملجاهد‪َ :‬من جاهد نفسه يف طاعة اهلل؛ وذلك َّ‬
‫أن الن َ‬
‫بالسوء‪ ،‬سريع ُة التَّأ ُّثر عند المصائب‪ ،‬وتحتاج إلى صربٍ‬
‫عن الخيرات‪ ،‬أ َّمار ٌة ُّ‬
‫وجهاد يف إلزامها طاعة اهلل‪ ،‬وثباتِها عليها‪ ،‬ومجاهدتِها عن معاصي اهلل‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫الصرب عند المصائب‪ ،‬وهذه هي ال َّطاعات؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ور ْدع َها عنها‪ ،‬وجهادها على َّ‬
‫َ‬
‫والصرب على المقدور؛ فالمجاهدُ‬
‫َّ‬ ‫واجتناب المحظور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫امتثال المأمور‪،‬‬
‫‪-‬حقيقةً‪َ -‬م ْن جاهدها على هذه األمور؛ لتقوم بواجبها ووظيفتها‪.‬‬

‫كل‬ ‫فرض ٍ‬
‫عين على ِّ‬ ‫واملهاجر‪َ :‬من هجر الخطايا ُّ‬
‫والذنوب‪ ،‬وهذه الهجرة ُ‬
‫حرم على‬ ‫كل ٍ‬
‫حال من أحواله؛ َّ‬ ‫كل مك َّل ٍ‬
‫ف يف ِّ‬ ‫مسلم‪ ،‬ال تسقط عن ِّ‬
‫فإن اهلل َّ‬
‫والذنوب‪ ،‬وأوجب عليهم‬ ‫الم َح َّرمات‪ ،‬واإلقدام على المعاصي ُّ‬
‫عباده انتهاك ُ‬
‫تتضمن‪« :‬من» و«إلى»؛‬
‫َّ‬ ‫اإلقبال على طاعته‪ ،‬وا ِّتباع رسوله ﷺ‪ ،‬وهي هجرة‬
‫فيهاجر بقلبه من مح َّبة غير اهلل إلى مح َّبته‪ ،‬ومن عبودية غير اهلل إلى عبود َّيته‪،‬‬
‫ومن خوف غير اهلل ورجائه والتَّوكُّل عليه إلى خوف اهلل ورجائه والتَّوكُّل عليه‪،‬‬
‫ومن دعاء غير اهلل وسؤاله والخضوع له واالستكانة له‪ ،‬إلى دعائه وسؤاله‬
‫مسلما»‬
‫(‪ )22‬حديث‪« :‬أو ً‬
‫‪185‬‬

‫والذل له‪ ،‬واالستكانة له‪ ،‬ومن ِغشيان ُّ‬


‫الذنوب وارتكاهبا إلى‬ ‫والخضوع له ُّ‬
‫التَّوبة منها‪ ،‬واإلقبال على اهلل وحده خو ًفا وطم ًعا وخشو ًعا وتذ ُّل ًل‪ ،‬وقد‬
‫«الم َه ِ‬
‫اج ُر َم ْن َه َج َر َما ن ََهى اهللُ‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪ُ :‬‬
‫البخاري»‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ثبت يف «صحيح‬
‫َعنْ ُه»(‪.)1‬‬

‫الشرك‪ ،‬وعن ا ِّتباع األهواء‪ ،‬وعن فعل المعاصي‬


‫واهلل ‪ D‬هنى عن ِّ‬
‫والذنوب؛ فالمهاجر ‪-‬ح ًّقا‪َ -‬م ْن هجر هذه األمور‪ ،‬وأقبل على اهلل وحده‬
‫ُّ‬
‫مخلصا‪ ،‬ولنب ِّيه ﷺ متاب ًعا‪ُّ ،‬‬
‫وللذنوب والمعاصي مجان ًبا ومباعدً ا‪.‬‬ ‫ً‬

‫أن َمن قام بما َد َّل عليه هذا الحديث؛ فقد قام بالدِّ ين ك ِّله؛ « َمن‬ ‫وهبذا ُيع َلم َّ‬
‫وه َجر ما‬‫َسلِ َم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬وأمِنَه النَّاس على دمائهم وأموالهم‪َ ،‬‬
‫يني‬ ‫ِ‬
‫نفسه على طاعة اهلل»؛ فإنَّه لم ُي ْبق شي ًئا من الخير الدِّ ِّ‬ ‫اهدَ َ‬ ‫وج َ‬‫هنى اهلل عنه‪َ ،‬‬
‫والباطني َّإل فع َله‪ ،‬وال من َّ‬
‫الش ِّر شي ًئا ِّإل َت َركَه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫نيوي ال َّظ ِّ‬
‫اهري‬ ‫والدُّ ِّ‬

‫البخاري (‪.)10‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪186‬‬

‫‪23‬‬

‫حديث‪« :‬يا م َ‬
‫ُقلب القلوب ثبِّت‬
‫قليب على دينك»‬

‫وب‬‫ب ال ُق ُل ِ‬ ‫«يا ُم َق ِّل َ‬


‫ول‪َ :‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ُي ْكثِ ُر َأ ْن َي ُق َ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫َس ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫ول اهللِ! آ َمنَّا بِ َك َوبِ َما ِج ْئ َت بِ ِه‪َ ،‬ف َه ْل‬ ‫ك»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ‬‫َث ِّب ْ‬
‫ف‬‫وب َب ْي َن ُأ ْص ُب َع ْي ِن ِم ْن َأ َصابِ ِع اهللِ‪ُ ،‬ي َق ِّل ُب َها َك ْي َ‬
‫اف َع َل ْينَا؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم‪ ،‬إِ َّن ال ُق ُل َ‬
‫َت َخ ُ‬
‫َي َشا ُء»(‪.)1‬‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫وعن َع ْبدَ اهَّللِ ْب َن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬


‫اص ‪ L‬قال‪َ :‬س ِمعت َر ُس َ‬
‫اح ٍد‪،‬‬
‫بو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َبني آ َد َم ُك َّل َها َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِن م ْن َأ َصابِ ِع َّ‬
‫الر ْح َم ِن؛ َك َق ْل ٍ َ‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن ُق ُل َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ف‬‫وب َص ِّر ْ‬‫ف ا ْل ُق ُل ِ‬‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم ُم َص ِّر َ‬ ‫ث َي َشا ُء»‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬ ‫ُي َص ِّر ُف ُه َح ْي ُ‬
‫ك»(‪.)2‬‬ ‫ُق ُلو َبنَا َع َلى َطا َعتِ َ‬

‫هذه دعو ٌة عظيم ٌة كان النَّبِ ُّي ﷺ يكثر منها‪ ،‬تتع َّلق بحفظ اإليمان وسالمته‬
‫ِ‬
‫والعناية‬ ‫من التَّغ ُّير‪ ،‬وقد ب َّين النَّبِ ُّي ‪ O‬الموجب الهتمامه هبذا الدُّ عاء‬
‫وب َبنِي آ َد َم ُك َّل َها َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِن ِم ْن َأ َصابِ ِع‬‫به؛ وهو قوله ‪« :O‬إِ َّن ُق ُل َ‬
‫اح ٍد‪ُ ،‬ي َص ِّر ُف ُه َح ْي ُ‬
‫ث َي َشا ُء»‪.‬‬ ‫بو ِ‬
‫الر ْح َم ِن؛ َك َق ْل ٍ َ‬
‫َّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٢١٤٠‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2654‬‬
‫(‪ )23‬حديث‪« :‬يا م َ‬
‫ُقلِّب القلوب ثبِّت قليب على دينك»‬
‫‪187‬‬

‫الشوكانِي ‪« :V‬سأل رسول اهلل ﷺ ر َّبه سبحانه ‪-‬بعد بيانه َّ‬


‫أن‬ ‫قال َّ‬
‫ُّ‬
‫يصرفه كيف يشاء‪ -‬أن‬ ‫ٍ‬ ‫قلوب العباد بين يدي اهلل سبحانه بمنزلة ٍ‬
‫قلب واحد ِّ‬
‫اهلل سبحانه قل َبه مصرو ًفا إلى طاعته؛ لم‬‫ألن َمن جعل ُ‬ ‫ف قلبه إلى طاعته؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫يصر َ‬
‫يقرب منه تعالى؛ إذ ال رغب َة لقلبه إلى‬ ‫ِ ِ‬
‫يكن له اهتما ٌم بغير طاعة اهلل والعم ِل بما ِّ‬
‫ومثل هذا ما ور َد من دعائه‬‫شيء من المعصية‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التفات إلى‬ ‫َ‬ ‫غير طاعته‪ ،‬وال‬
‫ت َق ْلبِ ْي َع َلى ِد ْين ِ َ‬
‫ك»‪.‬‬ ‫ب َث ِّب ْ‬ ‫ب ال ُق ُل ْو ِ‬
‫«يا ُم َق ِّل َ‬
‫ﷺ‪َ :‬‬
‫الحق؛ من أعظم‬ ‫والحاصل‪َّ :‬‬
‫أن تثبيت قلب العبد على الدِّ ين وانصرافه إلى ِّ‬
‫الذنوب ا َّلتِي يقارفها كثير من‬ ‫أسباب النَّجاة‪ ،‬والفالح‪ ،‬والعصمة عن ٍ‬
‫كثير من ُّ‬
‫العباد»(‪.)1‬‬

‫يتصرف فيها‪ ،‬ويق ِّلبها‬


‫َّ‬ ‫أن قلوب العباد بيد اهلل سبحانه؛ هو ا َّل ِذي‬
‫وهذا فيه‪َّ :‬‬
‫الحق َمن يشاء‪ ،‬ويزيغ‬ ‫كيف يشاء؛ يهدي َمن يشاء‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫ضل َمن يشاء‪ ،‬يث ِّبت على ِّ‬
‫َمن يشاء‪ ،‬يم ُّن على َمن يشاء بالهداية‪ ،‬ويوجب على َمن يشاء الخذالن؛ فاألمر‬
‫أمره‪ ،‬والخلق خل ُقه‪ ،‬وجميعهم َط ُ‬
‫وع تدبيره سبحانه؛ ولهذا وجب على العبد‬ ‫ُ‬
‫أن ُيكثر من دعاء ر ِّبه سبحانه أن يث ِّبت قلبه َّ‬
‫وأل يزيغه‪ ،‬وأن يصرف قلبه على‬
‫طاعته كما كان رسول اهلل ﷺ ُيكثر من ذلك‪.‬‬

‫مفتقرا إلى أن يلجأ إلى‬


‫ً‬ ‫وإذا كان النَّبِ ُّي ‪- O‬وهو س ِّيد ولد آدم‪-‬‬
‫بمن دونه؟!! ُّ‬
‫وكل العباد دونَه؛‬ ‫اهلل ليث ِّبت قلبه ويكثر من هذا الدُّ عاء؛ فكيف َ‬
‫دائما أن‬
‫يلح على اهلل ً‬ ‫ٍ‬
‫مسلم إلى أن يكثر من هذا الدُّ عاء‪ ،‬وأن َّ‬ ‫فما أحوج َّ‬
‫كل‬

‫((( انظر‪ :‬تحفة َّ‬


‫الذاكرين (‪.)447‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪188‬‬

‫والردى‪.‬‬
‫الزيغ َّ‬
‫الحق والهدى‪ ،‬وأن يجنِّبه َّ‬
‫يث ِّبت قلبه على ِّ‬

‫البغوي ‪« :V‬فيه بيان َّ‬


‫أن العبد ليس إليه شي ٌء من أمر سعادته أو‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫شقاوته؛ بل ِ‬
‫إن اهتدى فبهداية اهلل إ َّياه‪ ،‬وإن ثبت على اإليمان فبتثبيته‪ ،‬وإن َّ‬
‫ضل‬
‫فبصرفه عن الهدى‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الحجرات‪:‬‬

‫إخبارا عن حمد أهل الجنَّة‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬


‫ً‬ ‫‪ ،]17‬وقال اهلل تعالى‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [األعراف‪ ،]43 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [إبراهيم‪.)1(»]27 :‬‬

‫فيتصرف فيها بما‬


‫َّ‬ ‫قلوب عباده‬ ‫َ‬ ‫أن اهلل تعالى هو ا َّل ِذي يتو َّلى‬
‫فتب َّين هبذا‪َّ :‬‬
‫شاء‪ ،‬ال يمتنع عليه شيء منها‪ ،‬وال َت ُفو ُته إرادة‪ ،‬وال يكِلها إلى ٍ‬
‫أحد من خلقه؛‬ ‫ٌ‬
‫أحو َج المسلم إلى تثبيت اهلل له على دينه القويم؛ ا َّل ِذي هو سبب النَّجاة‬ ‫فما َ‬
‫والفالح والوقاية من ُّ‬
‫الذنوب وغوائلها‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ﴾‪.‬‬

‫محتاج إلى بذل المساعي النَّافعة‪ ،‬وسلوك المسالك‬


‫ٌ‬ ‫والعبد مع هذا‬
‫الصالحة؛ لينال رضى اهلل‪ ،‬وهدايته‪ ،‬وتوفيقه‪ ،‬وتثبيته‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯱ ﯲ‬
‫َّ‬
‫[محمد‪.]17 :‬‬
‫َّ‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾‬

‫«إن العبد إذا َعلِ َم َّ‬


‫أن اهلل هو ُم َق ِّلب القلوب‪ ،‬وأنَّه‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫شأن‪ ،‬يفعل ما يشا ُء ويحكم‬ ‫كل يوم هو يف ْ‬ ‫ِ‬
‫المرء وقلبه‪ ،‬وأنَّه تعالى َّ‬ ‫يحول بين‬
‫السنَّة (‪.)167/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح ُّ‬
‫(‪ )23‬حديث‪« :‬يا م َ‬
‫ُقلِّب القلوب ثبِّت قليب على دينك»‬
‫‪189‬‬

‫ما يريد‪ ،‬وأنَّه يهدي َمن يشا ُء و ُي ِض ُّل َمن يشا ُء‪ ،‬ويرفع َمن يشا ُء ويخفض َمن‬
‫يشا ُء؛ فما يؤ ِّمنه أن يق ِّلب اهلل قل َبه‪ ،‬ويحول بينه وبينه‪ ،‬ويزيغه بعد إقامته؟ وقد‬
‫أثنى اهلل على عباده المؤمنين بقولهم‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫‪ ،]8‬فلوال خوف اإلزاغة َل َما سألوه أن ال يزيغ قلوهبم‪ ،‬وكان من دعاء النَّبِ ِّي‬
‫ب‪،‬‬ ‫ت ال ُق ُل ْو ِ‬ ‫و«م َث ِّب َ‬
‫ك» ‪ُ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ف ُق ُلو َبنَا َع َلى َطا َعتِ َ‬
‫وب َص ِّر ْ‬ ‫ف ا ْل ُق ُل ِ‬ ‫ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم ُم َص ِّر َ‬
‫ك َأ ْن‬ ‫«أ ُع ْو ُذ بِ ِعزَّتِ َ‬ ‫ِّرمذي أنَّه ﷺ كان يدعو‪َ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ك»(‪ ،)2‬ويف الت‬ ‫ت ُق ُل ْو َبنَا َع َلى ِد ْين ِ َ‬‫َث ِّب ْ‬
‫ِ‬ ‫ت ُِض َّلن ِ ْي‪َ ،‬أن َ‬
‫الح ُّي ا َّلذ ْ‬
‫ي َل َي ُم ْو ُت»(‪.)3‬‬ ‫ْت َ‬

‫فإن القلب‬ ‫وخطره؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫أهم َّي ِة القلب‬


‫ومن فوائد هذا الدُّ عاء العظيمة‪ :‬معرفة ِّ‬
‫بالرع َّية‪ ،‬وهو َّأول‬ ‫قائما بأمر البدن كقيام الملك َّ‬ ‫العليم ً‬
‫ُ‬ ‫الخل ُق‬ ‫هو ا َّل ِذي جعله َّ‬
‫الخ ُلق‪ ،‬وما‬ ‫عضو يسكن منه‪ ،‬وهو مبدأ جميع ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يتحرك يف البدن‪ ،‬وآخر‬ ‫عضو َّ‬ ‫ٍ‬
‫«وإِ َّن‬ ‫ٍ‬
‫يلحقه من صالحٍ أو فساد يسري إلى غيره من األعضاء؛ كما قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ت َص َل َح ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه َوإِ َذا َف َسدَ ْت َف َسدَ ا ْل َج َسدُ ُك ُّل ُه‬‫فِي ا ْل َج َس ِد ُم ْض َغ ًة إِ َذا َص َل َح ْ‬
‫ِ‬
‫َأالَ َوه َي ا ْل َق ْل ُ‬
‫ب»(‪.)4‬‬

‫ُ‬
‫العامل‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فأشرف ما يف اإلنسان قلبه؛ فهو العالم باهلل‪،‬‬
‫المحب له‪ ،‬فهو ُّ‬
‫محل اإليمان والعرفان‪ ،‬وهو المخا َطب‬ ‫ُّ‬ ‫الساعي إليه‪،‬‬
‫له‪َّ ،‬‬
‫الر ُسل‪ ،‬المخصوص بأشرف العطايا‪ ،‬وهو اإليمان والعقل‪.‬‬
‫المبعوث إليه ُّ‬
‫الصحيحة (‪.)2091‬‬ ‫ِ‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3839‬‬‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫((( أخرجه أحمد يف مسنده من حديث عائشة ‪ ،J‬برقم (‪.)9420‬‬
‫البخاري (‪ ،)3738‬ومسلم (‪ )2717‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)٥٢‬ومسلم (‪.)1599‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪190‬‬

‫والراعي‬
‫أتباع للقلب‪ ،‬يستخدمها استخدام الملوك للعبيد‪َّ ،‬‬
‫وإنَّما الجوارح ٌ‬
‫للرع َّية‪ ،‬وا َّل ِذي يسري إلى الجوارح من ال َّطاعات والمعاصي إنَّما هي آثاره؛‬
‫َّ‬
‫وإن استنار استنارت‪ ،‬ومع هذا فهو بين إصبعين‬‫فإن أظلم أظلمت الجوارح‪ِ ،‬‬ ‫ْ‬
‫الرحمن ‪.D‬‬
‫من أصابع َّ‬
‫ومو ِد ِعها ما يشاء من أسرار الغيوب‪ ،‬ا َّل ِذي يحول‬
‫فسبحان مقلب القلوب ْ‬
‫مصرف القلوب كيف‬
‫بين المرء وقلبه‪ ،‬ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته وذنبه‪ِّ ،‬‬
‫إلي؛ فبادرت‪ ،‬وباتت‪،‬‬
‫أراد‪ ،‬وحيث أراد؛ أوحى إلى قلوب األولياء أن أقبلي َّ‬
‫رب العالمين‪ ،‬وكره ‪ D‬انبعاث آخرين فث َّبطهم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫وقامت بين يدي ِّ‬
‫اقعدوا مع القاعدين‪.‬‬

‫ب»(‪ ،)1‬وكان من دعائه‪:‬‬ ‫ب ا ْل ُق ُل ْو ِ‬


‫«ل َو ُم َق ِّل ُ‬ ‫كانت أكثر يمين رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫السلف‪َ « :‬ل ْلقلب أشدُّ‬
‫ك» ‪ ،‬قال بعض َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ت َق ُل ْو َبنَا َع َلى ِد ْين ِ َ‬ ‫ب ال ُق ُل ِ‬
‫وب َث ِّب ْ‬ ‫«يا ُم َق ِّل َ‬ ‫َ‬
‫در إذا استجمعت غليانًا»(‪ ،)3‬وقال آخر‪« :‬القلب أشدُّ تق ُّل ًبا من‬ ‫الق ِ‬‫تق ُّلبا من ِ‬
‫ً‬
‫عاصف(‪.)5(»)4‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأرض َف َل ٍة‪ ،‬يف يو ِم ريحٍ‬‫ٍ‬ ‫الريشة‬ ‫ِّ‬
‫الصالح‪،‬‬
‫ومن فوائد هذا الدُّ عاء‪ :‬شدَّ ة فقر القلوب إلى اهلل يف جلب َّ‬
‫والضالل‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪‌« :V‬وهنا‬
‫الزيغ َّ‬ ‫والهداية إليها‪ ،‬ويف سالمتها من َّ‬
‫ومصرفها‬ ‫ورب القلوب‬
‫اإلرادات‪ِّ ،‬‬‫‌والضرورة‌التَّامة إِلى مالك ِ‬
‫‌يتح َّقق‌الفقر‌والفا َقة َّ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫يقيمه منها َأقا َمه‪﴿ :‬ﯫ ﯬ‬
‫كيف شا َء؛ فما شا َء َأن يزيغه منها أزاغه‪ ،‬وما شا َء أن َ‬
‫((( أخرجه أحمد (‪.)17630‬‬ ‫ ‬ ‫البخاري (‪.)6243‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪.)6243‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫ ‬ ‫البخاري (‪.)6243‬‬‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( انظر‪ :‬التِّبيان يف أيمان القرآن (‪.)625-623‬‬
‫(‪ )23‬حديث‪« :‬يا م َ‬
‫ُقلِّب القلوب ثبِّت قليب على دينك»‬
‫‪191‬‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [آل عمران‪.]8 :‬‬

‫خر َج عنه‬ ‫الصحيح المطابق للعقل والفطرة َّ‬


‫والشرع‪ ،‬و َمن َ‬ ‫فهذا هو الفقر َّ‬
‫وانحرف إلى ِ‬
‫أحد ال َّطرفين؛ زا َغ قل ُبه عن الهدى‪ ،‬وع َّطل ُملك الملِك ِّ‬
‫الحق‬
‫والربوب َّية عن َأوامره وشرعه وثوابه وعقابه‪.‬‬
‫وانفراده بالتَّصريف ُّ‬
‫وكل َن َفس‪َ :‬أنَّه‬ ‫المضطر إِلى خالقه يف ِّ‬
‫كل طرفة عين ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫كم هذا الفقير‬
‫وح ُ‬
‫ُ‬
‫إِن ُح ِّرك بطاعة َأو نعمة؛ ش َكرها‪ ،‬وقال‪ :‬هذا من فضل اهلل ومنِّه وجوده فله‬
‫ك‬ ‫ولجأ واستغاث وقال‪َ :‬‬
‫«أ ُع ْو ُذ بِ َ‬ ‫َ‬ ‫الحمد‪ ،‬وإِن ُح ِّرك بمبادىء معصيته؛ صرخ‬
‫ب‬‫ف ال ُق ُل ْو ِ‬ ‫«يا ُم َص ِّر َ‬
‫ك» ‪َ ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ت َق ْلبِ ْي َع َلى ِد ْين ِ َ‬
‫ب َث ِّب ْ‬‫ب ال ُق ُل ْو ِ‬ ‫«يا ُم َق ِّل َ‬
‫ْك» ‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ِمن َ‬
‫ك»(‪.)3‬‬ ‫ف َق ْلبِ ْي َع َلى َطا َعتِ َ‬
‫َص ِّر ْ‬

‫عدوه‪ ،‬وهو يعلم‬ ‫سير قد أسره ُّ‬‫التجأ التجا َء َأ ٍ‬


‫َ‬ ‫تم تحريكه بالمعصية‬‫فإن َّ‬
‫َأنَّه ال خالص له مِن أسره َّإل َبأن يف َّكه س ِّيدُ ه من األَسر‪ ،‬ففكاكه يف يد س ِّيده‪،‬‬
‫ضرا وال نف ًعا وال مو ًتا وال حيا ًة‬
‫ليس يف يده منه شيء البتة‪ ،‬وال يملك لنفسه ًّ‬
‫ناظر إِلى س ِّيده‪ ،‬وهو قادر على تخليصه‪ ،‬قد‬ ‫العدو ٌ‬
‫ِّ‬ ‫نشورا‪ ،‬فهو يف َأ ْسر‬
‫ً‬ ‫وال‬
‫اشتدَّ ت ضرورته إِليه‪ ،‬وصار اعتماده ك ُّله عليه‪ ...‬فهو سبحانه ا َّل ِذي ينجي‬
‫من قضائه بقضائه‪ ،‬وهو ا َّل ِذي يعيذ من نفسه بنفسه‪ ،‬وهو ا َّل ِذي يدفع ما منه‬
‫بما منه‪ ،‬فاألَمر ك ُّله له‪ ،‬والحكم ك ُّله له‪ ،‬والخلق ك ُّله له‪ ،‬وما شا َء كان وما لم‬
‫يشأ لم يمكن‬ ‫يشأ لم يكن‪ ،‬وما شا َء لم يستطع َأن ِ‬
‫يصرفه َّإل مشيئته‪ ،‬وما لم ْ‬ ‫ْ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)486‬‬


‫الصحيحة (‪.)2091‬‬ ‫ِ‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3839‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫((( أخرجه أحمد يف مسنده من حديث عائشة ‪ ،J‬برقم (‪.)9420‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪192‬‬

‫َأن يجلبه إِ َّل مشيئته؛ فال يأيت بالحسنات َّإل هو‪ ،‬وال يذهب َّ‬
‫بالس ِّيئات َّإل هو‪،‬‬
‫وال يهدى ألَحسن األَعمال واألَخالق َّإل هو‪ ،‬وال يصرف س ِّيئها َّإل هو»(‪.)1‬‬

‫وخذالنَه؛ كما يشهد‬ ‫توفيق اهلل ِ‬


‫َ‬ ‫وقال ‪« :V‬ففي هذا المشهد يشهد‬
‫المضطر‪ ،‬ويعوذ به من ِخذالنِ ِه عيا َذ‬‫ِّ‬ ‫ربوب َّيتَه وخل َقه‪ ،‬فيسأ ُله توفي َقه مسأل َة‬
‫الرأس بين‬ ‫ِ‬
‫مستسلما له‪ ،‬ناكس َّ‬
‫ً‬ ‫طريحا ببابه‪،‬‬
‫ً‬ ‫نفسه بين يديه‬ ‫الملهوف‪ ،‬و ُيلقي َ‬
‫ضرا وال نف ًعا‪ ،‬وال مو ًتا وال حيا ًة‬
‫ذليل مستكينًا‪ ،‬ال َيملك لنفسه ًّ‬ ‫يديه‪ ،‬خاض ًعا ً‬
‫نشورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال‬

‫والتَّوفيق‪ :‬إرادة اهلل من نفسه أن يفعل بعبده ما َيص ُلح به العبد؛ بأن يجع َله‬
‫مؤ ًثرا له على غيره‪ ،‬ويب ِّغض إليه ما‬‫قادرا على فعل ما يرضيه‪ ،‬مريدً ا له‪ ،‬مح ًّبا له‪ْ ،‬‬
‫ً‬
‫محل له‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ‬ ‫مجرد فعلِه‪ ،‬والعبد ٌّ‬ ‫ُيسخ ُطه‪ ،‬ويكرهه‪ ،‬وهذا َّ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫عليم‬
‫ٌ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجرات‪ ،]8-7 :‬فهو سبحانه‬
‫حكيم يض ُعه يف مواضعه‪ ،‬وعند‬
‫ٌ‬ ‫بمن َيص ُلح لهذا الفضل و َمن ال َيص ُلح له‪،‬‬
‫َ‬
‫أهله‪ ،‬ال يمنعه أه َله‪ ،‬وال َي َض ُعه عند غير أهله»(‪.)2‬‬

‫سهم من سهام إبليس‬ ‫عمن أصابه‬ ‫ِ‬


‫ٌ‬ ‫ولما ُسئل شيخ اإلسالم ‪َّ :V‬‬
‫َّ‬
‫جرح مسمو ٌم فعليه بما ُيخرِ ُج ُّ‬
‫الس َّم‪،‬‬ ‫«من أصابه ٌ‬
‫المسمومة كيف يصنع؟ قال‪َ :‬‬
‫رح؛ بالتِّرياق والمرهم وذلك بأمور‪:‬‬ ‫ويبرِئُ ُ‬
‫الج َ‬ ‫ُ‬
‫الس َحر‪،‬‬
‫َّضرع وقت َّ‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬والدُّ عاء والت ُّ‬
‫منها‪ :‬أن يداوم على َّ‬
‫السالكين (‪.)27/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬مدارج َّ‬ ‫(‪.)58-56/1‬‬
‫ ‬‫((( انظر‪ :‬طريق الهجرتين‬
‫(‪ )23‬حديث‪« :‬يا م َ‬
‫ُقلِّب القلوب ثبِّت قليب على دينك»‬
‫‪193‬‬
‫وتكون صالته بحضور ٍ‬
‫قلب وخشوعٍ‪ ،‬ول ُيكثر من الدُّ عاء بقوله‪« :‬يا مقلب‬
‫صرف قلبي إلى طاعتك‬
‫القلوب ث ِّبت قلبي على دينك‪ ،‬يا ُم َص ِّرف القلوب ِّ‬
‫َّضرع هلل؛ ُص ِر َ‬
‫ف قل ُبه عن ذلك؛‬ ‫وطاعة رسولك»؛ فإنَّه متى أد َمن الدُّ عاء والت ُّ‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹﭺﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾‬

‫[يوسف‪.)1(]24 :‬‬

‫((( مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)5/32‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪194‬‬

‫‪24‬‬

‫حديث‪« :‬ذاق طعم اإلميان من رضي باهلل ًّربا»‬

‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬ذ َاق‬ ‫ب ‪َ :I‬أ َّن ُه َس ِم َع َر ُس َ‬ ‫اس ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِ‬
‫َع ِن ا ْل َع َّب ِ‬
‫ول»(‪.)1‬‬ ‫ان َم ْن َر ِضي بِاهلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ْ ِ‬
‫ال ْس َل ِم ِدينًا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ َر ُس ً‬ ‫يم ِ‬ ‫ال َ‬‫َط ْع َم ْ ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫وأس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫متينة‪ ،‬عليها مدار دين‬ ‫س‬ ‫جمع هذا الحديث ثالث َة أصول عظيمة‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مسلم‬ ‫كل‬‫السعادة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وهي واجب ٌة على ِّ‬ ‫اهلل‪ ،‬وعليها ُمرت َك ُز َّ‬
‫ً‬
‫رسول‪،‬‬ ‫وبمحم ٍد ﷺ‬
‫َّ‬ ‫الرضا باهلل ر ًّبا‪ ،‬وباإلسالم دينًا‪،‬‬ ‫وعمل؛ ِّ‬ ‫ً‬ ‫لما‬ ‫ٍ ِ‬
‫ومسلمة ع ً‬
‫بلذته وحالوته؛ َّإل بتحقيقها‪.‬‬ ‫وأن العبد ال ينال طعم اإليمان‪ ،‬وال يظفر َّ‬ ‫َّ‬

‫موجب لدخول الجنَّة؛ ففي «صحيح‬ ‫ٌ‬ ‫والرضا هبذه األصول ال َّثالثة‬ ‫ِّ‬
‫أن النَّبِي ﷺ قال له‪« :‬يا َأبا س ِع ٍ‬
‫يد؛ َم ْن‬ ‫الخدري ‪َّ I‬‬ ‫سعيد‬ ‫أبي‬ ‫عن‬ ‫مسلم»‬
‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫(‪)2‬‬

‫ب َل َها‬
‫ج َ‬‫ت َل ُه ا ْل َجنَّةُ»‪َ ،‬ف َع ِ‬ ‫َر ِضي بِاهَّلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ِ‬
‫اإل ْس َل ِم ِدينًا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ َنبِ ًّيا؛ َو َج َب ْ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ف َف َع َل‪.‬‬‫فقال ‪َ :‬أ ِعدْ َها َع َلي َيا َر ُس َ‬
‫َّ‬
‫َأ ُبو َس ِع ْي ٍد‪َ ،‬‬

‫عظيما‪ ،‬فسأل النَّبِ َّي ﷺ أن‬ ‫ً‬ ‫أن هذه الكلمات وقعت يف قلبه موق ًعا‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫يعيدها عليه‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)1884‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)14‬‬


‫ ‬
‫(‪ )24‬حديث‪« :‬ذاق طعم اإلميان من رضي باهلل ًّربا»‬
‫‪195‬‬

‫الم ِّيت يف قربه ُيسأل عن هذه األصول؛ ففي «المسند» وغيره‬ ‫در ُج َ‬‫وعندما ُي َ‬
‫أن النَّبِي ﷺ قال ‪-‬وذكر الحديث‪ ،‬وفيه‪َ « :-‬ف َي ْأتِ ِيه َم َلك ِ‬
‫َان‬ ‫عن الرباء ‪َّ I‬‬
‫َّ‬
‫ول ِن َل ُه‪:‬‬
‫ول‪َ :‬ر ِّب َي اهللُ‪َ ،‬ف َي ُق َ‬ ‫ول ِن َل ُه‪َ :‬م ْن َر ُّب َ‬
‫ك؟ َف َي ُق ُ‬ ‫َف ُي ْج ِل َسانِ ِه ‪-‬أي‪ :‬المؤمن‪َ -‬ف َي ُق َ‬
‫ث فِيك ُْم؟‬ ‫الر ُج ُل ا َّل ِذي ُب ِع َ‬ ‫ول ِن َل ُه‪َ :‬ما َه َذا َّ‬ ‫ال ْس َل ُم‪َ ،‬ف َي ُق َ‬ ‫ول‪ِ :‬دينِي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َما ِدين َ‬
‫ُك؟ َف َي ُق ُ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ»‪ ،‬وفيه‪ :‬أنَّهما يسأالن الكافر عن هذه ال َّثالث فيقول‪:‬‬ ‫ول‪ُ :‬ه َو َر ُس ُ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫«ها ْه َها ْه َل َأ ْد ِري»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مسلم أن َتع ُظم عنايتُه هبذه األصول ال َّثالثة؛‬ ‫ولهذا كان متأ ِّكدً ا على ِّ‬
‫كل‬
‫تجديدً ا لإليمان مع تجدُّ د ال َّليالي واأل َّيام؛ ففي «سنن أبي داود» وغيره عن‬
‫«ما ِم ْن َع ْب ٍد ُم ْس ِل ٍم‬
‫ثوبان ‪ I‬خادم رسول اهلل ﷺ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫اإل ْس َل ِم ِدينًا‪،‬‬ ‫يت بِاهَّلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ِ‬
‫ات‪َ :‬ر ِض ُ‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين ُ‌ي ْمسي َث َل َ َ َّ‬
‫ِ‬
‫ين ُ‌ي ْصبِ ُح َوح َ‬
‫ي ُق ُ ِ‬
‫ول‌ح َ‬ ‫َ‬
‫َان َح ًّقا َع َلى اهلل ِ َأ ْن ُي ْر ِض َي ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(‪.)2‬‬
‫َوبِ ُم َح َّم ٍد َنبِ ًّيا؛ ك َ‬

‫للصالة‬
‫وأن يقولها كذلك ‪-‬تجديدً ا إليمانه ورضاه‪ -‬عند سماع النِّداء َّ‬
‫بكلمات األذان العظيمة‪ ،‬القائمة على التَّوحيد‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والتَّعظيم‪،‬‬
‫الرضا هبذه‬ ‫شرع للمسلم حين سماع األذان أن يجدِّ د هذا ِّ‬ ‫واإليمان؛ ف ُي َ‬
‫األصول العظيمة؛ ففي «صحيح مسلم»(‪ )3‬عن سعد بن أبي و َّقاص ‪I‬‬
‫ِ‬
‫ين َي ْس َم ُع ا ْل ُم َؤ ِّذ َن‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‬
‫«م ْن َق َال ح َ‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫يت بِاهَّلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ‬‫يك َل ُه‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ر ِض ُ‬
‫َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)١٨٥٣٤‬وأبو داود (‪،)٤٧٥٣‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ )١٨٥67‬وال َّلفظ له‪ ،‬وأبو داود (‪ )5072‬بنحوه‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)386‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪196‬‬

‫اإل ْس َل ِم ِدينًا؛ ُغ ِف َر َل ُه َذ ْن ُب ُه»‪ ،‬و َموطِ ُن َقولِها بعد َّ‬


‫الشهادتين؛ بعد أن‬ ‫ول‪َ ،‬وبِ ِ‬
‫َر ُس ً‬
‫محمدً ا رسول اهلل‪.‬‬ ‫الم َؤ ِّذن‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل‪ ،‬أشهد َّ‬
‫أن َّ‬ ‫يقول ُ‬
‫وأن الواجب‬ ‫وبهذه األحاديث العظيمة‪ :‬ندرك ِع َظم شأن هذه األصول‪َّ ،‬‬
‫مستمر ًة مع َم ِّر ال َّليالي‬ ‫علينا ‪-‬مع ِ‬
‫اش َر ُأ َّمة اإلسالم‪ -‬أن َتع ُظم عنايتُنا هبا عناي ًة‬
‫َّ‬ ‫ََ‬
‫وك َِّر األ َّيام؛ تجديدً ا لإليمان هبا‪ ،‬ومحافظ ًة عليها‪ ،‬ورعاي ًة لها‪ ،‬وتمتينًا لها يف‬
‫قلوبنا‪.‬‬

‫األهم َّية؛ َّ‬


‫ألن به تجديد‬ ‫ِ‬
‫لهذه األُصول غاي ٌة يف‬ ‫الم َت َك ِّرر‬
‫ِّ‬ ‫وهذا االستذكار ُ‬
‫ِ‬
‫صباحه‬ ‫المؤمن يجدِّ د رضاه وقبوله لهذه األصول العظيمة يف‬ ‫لإليمان؛ فال ُ‬
‫يزال ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومسائه‪ ،‬وعند سماعه لألذان‪ ،‬فال يأتيه الموت َّإل وهو ُمستعدٌّ ُّ‬
‫للسؤال‪ ،‬وعليه‬
‫جر ًدا؛ بل يقولها من قلبه‪ ،‬يجدِّ د هبا إيمانَه‪ ،‬ورضاه‪ ،‬وتسليمه‪،‬‬ ‫َّأل يقولها ً‬
‫قول ُم َّ‬
‫وانقياده‪.‬‬

‫والم َع ِّلمين؛ أن ُيعنوا باألبناء‬ ‫والمسؤول َّية عظيم ٌة على اآلباء ُ‬


‫والم َر ِّبين ُ‬
‫وأساسا عظيما؛‬
‫ً‬ ‫تنشئ ًة لهم على هذه األصول العظيمة؛ لتكون لهم ً‬
‫أصل متينًا‪،‬‬
‫فإن مثل هذه األصول يف دين اهلل ‪ D‬كاألصول ا َّلتِي لألشجار‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َّ‬
‫﴿ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ﴾ [إبراهيم‪.]25 - 24 :‬‬

‫القلب يذو ُقه‬


‫َ‬ ‫طعما‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫أن لإليمان ً‬ ‫إخبار َّ‬
‫ٌ‬ ‫يم ِ‬
‫ان»‪ :‬فيه‬ ‫ال َ‬‫قوله « َذ َاق َط ْع َم ْ ِ‬

‫الهن ِ ِّي‪.‬‬ ‫هي َّ‬


‫والشراب َ‬ ‫طعم ال َّطعام َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫الفم َ‬ ‫كما يذوق ُ‬
‫(‪ )24‬حديث‪« :‬ذاق طعم اإلميان من رضي باهلل ًّربا»‬
‫‪197‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫قوله‪َ « :‬ذ َاق َط ْع َم ْ ِ‬
‫ان َم ْن َرض َي بِاهلل َر ًّبا» أي‪ُ :‬عم َر قلبه ِّ‬
‫بالرضا باهلل‬ ‫ال َ‬
‫متصر ًفا يف هذا الكون‪ ،‬معبو ًدا ٍّ‬
‫بحق‪ ،‬ال معبو َد‬ ‫ِّ‬ ‫‪ E‬خال ًقا‪ ،‬راز ًقا‪ُ ،‬مدَ ِّب ًرا‪،‬‬
‫ورجائه وطمعه‪ ،‬ودعائه‪ ،‬إلى غير ذلك من‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخضوعه‪،‬‬ ‫فرد ُه بذ ُّل ِه‬
‫بحق سواه‪ُ ،‬ي ِ‬
‫ٍّ‬
‫يلتفت إلى غيره‪ ،‬بل إ َّيا ُه‬
‫ُ‬ ‫غيره‪ ،‬وال‬
‫العبادات‪ ،‬فهو رضي باهلل ر ًّبا‪ ،‬وال يبغي َ‬
‫يتوكَّل‪ ،‬وإ َّياه يدعو ويسأل‪ ،‬وله يصرف عباداته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتو َّجه‪ ،‬وعليه َ‬‫يقصد‪ ،‬وإليه َ‬
‫ك ِّلها‪﴿ ،‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [اﻷنعام‪.]163 -162 :‬‬
‫ِ‬
‫لعباده‪ ،‬وال يرضى لهم‬ ‫والرضا باإلسال ِم دينًا؛ ألنَّه دي ُن اهلل ا َّل ِذي رض َيه‬
‫ِّ‬
‫دينًا سواه‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪،]19 :‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [آل‬

‫عمران‪.]85 :‬‬

‫الصدر لإلسالم‪ ،‬وال َقبول ألحكامه‪،‬‬


‫والرضا باإلسالم‪ :‬يعني انشراح َّ‬
‫ِّ‬
‫نفسه‬
‫صدره لذلك‪ ،‬فاطمأنَّت ُ‬
‫ُ‬ ‫وإقبال النَّفس على شرائع الدِّ ين‪ُ ،‬م ِ‬
‫نشر ًحا‬
‫ً‬
‫وامتثال‪ ،‬وطواعيةً‪.‬‬ ‫وأقبلت على هذا الدِّ ين انقيا ًدا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وارتاحت‪،‬‬

‫رسول؛ ألنَّه واسط ٌة بين العباد وبين اهللِ يف بال ِغ دينه‪،‬‬


‫ً‬ ‫بمحم ٍد ﷺ‬
‫َّ‬ ‫ورضي‬
‫َ‬
‫يتضمن‪:‬‬ ‫رسول‬ ‫الرضا به ‪O‬‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫فرضي ِبه‬ ‫وبيان ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫رسول‪ ،‬وهذا ِّ‬ ‫َ‬ ‫ه؛‬ ‫شرع‬
‫َ‬
‫وامتثال أوامره‪ ،‬واالنتها َء عن نواهيه ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أخباره‪،‬‬ ‫تصديق‬
‫َ‬

‫الرضا بمح َّبته وحدَ ه‪،‬‬


‫يتضمن ِّ‬
‫َّ‬ ‫«فالرضا بإ َله َّيته‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪:V‬‬
‫والحب‬
‫ِّ‬ ‫وخوفه‪ ،‬ورجائه‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬والتَّبتُّل إليه‪ ،‬وانجذاب قوى اإلرادة‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪198‬‬

‫واإلخالص‬
‫َ‬ ‫يتضمن عباد َته‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الرضا؛ وذلك‬ ‫الراضي بمحبوبه َّ‬
‫كل ِّ‬ ‫ك ِّلها إليه؛ فِ َ‬
‫عل َّ‬
‫له‪.‬‬

‫ويتضمن إفرا َده بالتَّوكُّل‬


‫َّ‬ ‫الرضا بتدبيره لعبده‪،‬‬
‫يتضمن ِّ‬
‫َّ‬ ‫والرضا بربوب َّيته‪:‬‬
‫ِّ‬
‫عليه‪ ،‬واالستعانة به‪ ،‬وال ِّثقة به‪ ،‬واالعتماد عليه‪ ،‬وأن يكون راض ًيا ِّ‬
‫بكل ما ُيف َعل‬
‫به‪.‬‬

‫يأمره به‪.‬‬
‫يتضمن رضاه بما َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫فاألول‪:‬‬
‫َّ‬
‫يتضمن رضاه بما ُيقدِّ ر عليه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫والثاني‪:‬‬

‫فيتضمن كمال االنقياد له‪ ،‬والتَّسليم المطلق‬


‫َّ‬ ‫رسول‪:‬‬
‫ً‬ ‫الرضا بنب ِّيه‬
‫وأما ِّ‬
‫َّ‬
‫إليه؛ بحيث يكون أولى به من نفسه؛ فال يتل َّقى الهدى َّإل من مواقع كلماته‪،‬‬
‫وال ُيحاكِم َّإل إليه‪ ،‬وال ُيح ِّكم عليه غيره‪ ،‬وال يرضى بحكم غيره ألبتة‪ ،‬ال يف‬
‫ٍ‬
‫شيء من أذواق حقائق اإليمان‬ ‫الر ِّب وصفاته وأفعاله‪ ،‬وال يف‬ ‫ٍ‬
‫شيء من أسماء َّ‬
‫شيء من أحكام ظاهره وباطنه‪ ،‬ال يرضى يف ذلك بحكم‬ ‫ٍ‬ ‫ومقاماته‪ ،‬وال يف‬
‫غيره من باب غذاء‬ ‫تحكيمه َ‬
‫ُ‬ ‫غيره‪ ،‬وال يرضى َّإل بحكمه؛ فإن عجز عنه؛ كان‬
‫الم ْي ِتة والدَّ ِم‪ ،‬وأحس ُن أحوال ِ ِه‪ :‬أن يكون‬ ‫ِ‬
‫المضطر إذا لم يجد ما ُيقيتُه َّإل من َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء ال ُّطهور‪.‬‬ ‫من باب التُّراب ا َّلذي إنَّما َّ‬
‫الرضا‪ ،‬ولم‬ ‫الرضا بدينه‪ :‬فإذا قال أو حكم أو أمر أو هنى؛ رضي َّ‬
‫كل ِّ‬ ‫وأما ِّ‬
‫َّ‬
‫تسليما‪ ،‬ولو كان مخال ًفا لمراد نفسه‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫حرج من حكمه‪ ،‬وس َّلم له‬ ‫َي َبق يف قلبه ٌ‬
‫قول مق ِّل ِد ِه‪ ،‬وشيخه‪ ،‬وطائفته»(‪.)1‬‬
‫هواها‪ ،‬أو ِ‬

‫السالكين (‪.)479-478/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫(‪ )24‬حديث‪« :‬ذاق طعم اإلميان من رضي باهلل ًّربا»‬
‫‪199‬‬

‫وقد قال اهلل تعالى يف شأن عباده المؤمنين‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‬

‫الرضا ا َّل ِذي قام يف قلوب هؤالء المؤمنين عن اهلل‬ ‫[المجادلة‪ ،]22 :‬وهذا ِّ‬
‫عل العبد‬ ‫الرضا ا َّل ِذي هو فِ ُ‬ ‫صحة إيماهنم باهلل؛ َّ‬
‫ألن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ E‬هو ثمرة‬
‫ورضا عن اهلل‪ .‬قال ‪َ « :O‬ذ َاق َط ْع َم‬ ‫رضا باهلل‪ً ،‬‬ ‫ومطلوب منه؛ هو ً‬
‫ان َم ْن َر ِض َي بِاهلل ِ َر ًّبا»‪.‬‬
‫يم ِ‬ ‫ِْ‬
‫ال َ‬
‫والرضا باهلل‪ :‬يتع َّلق بأسمائه وصفاته؛ بأن يؤمن باهلل‪ ،‬وبأسمائه‪ ،‬وصفاته‪،‬‬
‫ِّ‬
‫فرد‬
‫المستحق للعبادة‪ ،‬وأن ُي َ‬
‫ُّ‬ ‫وبعظمته‪ ،‬وبجالله‪ ،‬وبكماله‪ ،‬وبوحدان َّيته‪ ،‬وبأنَّه‬
‫طعم‬ ‫ذاق العبدُ بذلك‬ ‫وجه صحيحٍ ؛ َ‬ ‫ٍ‬ ‫بال َّطاعة؛ فإذا ُو ِجدَ هذا اإليمان على‬
‫َ‬
‫اإليمان‪.‬‬

‫ُ‬
‫اإلنسان معرف ًة‬ ‫والصفات؛ ولهذا‪ :‬ك َّلما َ‬
‫قوي‬ ‫والرضا باهلل متع َّل ُقه‪ :‬األسماء ِّ‬
‫ِّ‬
‫الرضا أع َظ َم‬
‫باهلل‪ ،‬ومعرف ًة بأسمائه وصفاته ‪E‬؛ نال من كمال هذا ِّ‬
‫والرضا عن‬ ‫ٍ‬
‫نصيب؛ بحسب ح ِّظه من المعرفة باهلل ‪ِّ ،E‬‬ ‫وأعظم‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫حظ‪،‬‬
‫والرضا‬
‫فالرضا باهلل هو األصل‪ِّ ،‬‬
‫الرضا باهلل؛ ِّ‬
‫فرع عن ِّ‬
‫فرع عن ذلك؛ أي‪ٌ :‬‬
‫اهلل ٌ‬
‫واجب على ِّ‬
‫كل مسلم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فرض‬
‫باهلل ‪ٌ E‬‬

‫الرضا عن اهلل ‪ ،E‬ومتع َّلق ِّ‬


‫الرضا عن اهلل‬ ‫الرضا باهلل‪ِّ :‬‬
‫ويتفرع عن ِّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وأجور؛‬ ‫ٍ‬
‫خيرات‬ ‫تعالى‪ :‬ال َّثواب‪ ،‬والجزاء‪ ،‬وما ُي ِ‬
‫كرم به ‪ E‬عبدَ ه من‬
‫فهؤالء ا َّل ِذين قال اهلل عنهم‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المجادلة‪ ،]22 :‬أكرمهم‬
‫وإخالصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الرضا باهلل ‪E‬؛ إيمانًا‪ ،‬وتوحيدً ا‪،‬‬
‫اهلل تعالى باألصل الكبير؛ ِّ‬
‫وإقبال على اهلل‪ ،‬وصد ًقا مع اهلل ‪ ،E‬حتَّى أثمر ذلك رضاهم عن اهلل‬
‫ً‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪200‬‬

‫الرضا عن أهل اإليمان‬ ‫‪ ،E‬ولهذا قال‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾‪ ،‬وهذا ِّ‬


‫ٍ‬
‫إيمان‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫نصيب بما و َّفقهم إليه من‬ ‫كر َم اهلل ‪ E‬صحاب َة نب ِّيه منه بأوفر‬ ‫قد َأ َ‬
‫ٍ‬
‫وبيان‪ ،‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫وحفظ له‪ ،‬وإبال ٍغ‬ ‫ٍ‬
‫ونشر للحديث‬ ‫ٍ‬
‫ودعوة للدِّ ين‪،‬‬ ‫وصحبة‪ ،‬ون ٍ‬
‫ُصرة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الخير َّية العظيمة ا َّلتي أكرمهم اهلل هبا‪ ،‬والجهاد يف سبيله ‪َّ ،E‬‬
‫فيسرهم‬
‫اهلل تعالى نصر ًة لدينه؛ ففازوا بذلك برضوان اهلل ‪ ،E‬وأصبحت كلم ُة‬
‫حابي ُذكِ َرت‬ ‫ِ‬
‫الصحابة على َم ِّر األ َّيام‪ ،‬فإذا ُذك َر ُ‬ ‫‪ M‬قرين ًة ِل ِ‬
‫الص ِّ‬
‫اسم َّ‬ ‫سم َّ‬
‫كلم ُة ‪I‬؛ إذا قيل أبوبكر؛ قيل ‪ ،I‬وإذا قيل عمر؛ قيل ‪ ،I‬وهكذا‬
‫جميع أصحاب النَّبِ ِّي ‪ O‬دعوة ُم َت َك ِّررة لهم على امتداد التَّاريخ؛ من‬
‫كل َمن جاء بعدَ هم و َتبِ َعهم بإحسان‪.‬‬
‫ِّ‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ‬

‫ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [التَّوبة‪.]72-71 :‬‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬

‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬

‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [التَّوبة‪.]100 :‬‬
‫خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ‬
‫الثوب»‬ ‫«إن اإلميان ل َي َ‬
‫(‪ )25‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪201‬‬

‫‪25‬‬

‫خلق يف جوف‬‫«إن اإلميان ل َي َ‬


‫حديث‪َّ :‬‬
‫أحدكم كما َيَلق َّ‬
‫الثوب»‬

‫عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ L‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن‬
‫اس َأ ُلوا اهَّللَ َأ ْن ُي َجدِّ َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬
‫ان َل َيخْ َل ُق في َج ْوف َأ َحدك ُْم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ْو ُب‪َ ،‬ف ْ‬
‫يم َ‬
‫ال َ‬
‫ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»(‪.)1‬‬
‫يم َ‬ ‫ِْ‬
‫ال َ‬
‫اإليمان بأنَّه َي ْخ َل ُق كما َي ْخ َل ُق ال َّثوب؛ أي‪َ :‬ي ْبلى‬
‫َ‬ ‫ف النَّبِ ُّي ﷺ‬
‫وص َ‬
‫لقد َ‬
‫ٍ‬
‫معاص وآثام‪،‬‬ ‫جراء ما قد يقع فيه المر ُء من‬
‫ص من َّ‬ ‫ف‪ ،‬و َيدْ ُخ ُل ُه النَّ ْق ُ‬
‫و َي ْض ُع ُ‬
‫عة تصرفه عن اإليمان‪،‬‬ ‫وصوارف م َتنَو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لهيات‬ ‫وما يلقا ُه يف هذه الحياة من ُم‬
‫َ ُ ِّ‬
‫ذهب ِجدَ َة اإليمان وحيويتَه وقو َته‪ ،‬و ُت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف جما َله ُ‬
‫وحسنَه‬ ‫ضع ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وفتن عظا ٍم ُت ُ‬
‫و َبها َءه؛ وهاهنا أرشد النَّبِ ُّي ﷺ إلى ضرورة تجديد اإليمان يف القلب؛ بالت ُّ‬
‫َّوجه‬
‫ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»‪.‬‬
‫يم َ‬ ‫اس َأ ُلوا اهَّلل َأ ْن ي َجدِّ َد ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫َ ُ‬ ‫الصادق إلى اهلل ‪D‬؛ فقال‪َ « :‬ف ْ‬
‫َّ‬

‫وسؤال ُملِ ًّحا أن يزيد‬


‫ً‬ ‫توج ًها صاد ًقا إلى اهلل ‪،E‬‬ ‫ب ُّ‬ ‫فالمقام يتط َّل ُ‬
‫اإليمان و ُي َق ِّويه‪ ،‬وأن ُيجدِّ َده يف القلب‪ ،‬وأن يم ِّكنَ ُه فيه‪ ،‬واهلل ‪ B‬يقول‪﴿ :‬ﭭ‬
‫َ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [إبراهيم‪.]27 :‬‬

‫((( أخرجه الحاكم يف المستدرك (‪.)5‬‬


‫أحاديث اإلميان‬
‫‪202‬‬

‫بالحق و َأ ْط ِرها عليه ً‬


‫أطرا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وال ُبدَّ من جهاد النَّفس ومحاسبتها‪ ،‬وإلزامها‬
‫قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [العنكبوت‪:‬‬

‫‪.]69‬‬

‫كثير‬ ‫الشديد من الفتن ا َّلتِي ُت ْض ِع ُ‬


‫ف اإليمان؛ بل ٌ‬ ‫ِ‬
‫الحذر َّ‬ ‫أيضا من‬‫وال بدَّ ً‬
‫نقض ُه مِن أصلِ ِه‪.‬‬
‫أساس ِه‪ ،‬و َت ُ‬
‫منها تأيت على الدِّ ين من ِ‬

‫كنز يف هذه الدُّ نيا‪َ ،‬و َم ِن افتقده افتقد‬ ‫ٍ‬


‫شيء يف الوجود‪ ،‬وأغلى ٍ‬ ‫أثمن‬
‫واإليمان ُ‬
‫ُ‬
‫الحياة الحقيق َّية؛ فإنَّه ال حياة ‪-‬حقيقةً‪ -‬لإلنسان بال إيمان؛ ولهذا قال اهلل ‪:D‬‬
‫﴿ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [األنفال‪.]24 :‬‬

‫الصحابة و َم ْن بعدهم‪ -‬يعنون بإيماهنم‬ ‫ِ‬


‫السلف ‪- X‬من َّ‬
‫ولقد كان َّ‬
‫واآلثار المنقول ُة عنهم يف تف ُّقد اإليمان‬
‫ُ‬ ‫ويهتمون به اهتما ًما بال ًغا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫عناية كبيرة‪،‬‬
‫والعمل على تقويته وتجديده كثيرةٌ‪.‬‬

‫«ه ُل ُّموا‬
‫الراشد عمر بن الخ َّطاب ‪ ،I‬يقول ألصحابه‪َ :‬‬
‫فهذا الخليفة َّ‬
‫ونذكر النَّار‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ونذكر الجنَّة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ونذكر اهلل ‪،F‬‬
‫ُ‬ ‫نجلس‬
‫ُ‬ ‫ن َْز َدا ُد إيمانًا»(‪)1‬؛ أي‪:‬‬
‫ونذكر رجا َء ُه وخوفه؛ فنَذك َُر ذلك ك َّل ُه حتَّى يزيدَ‬
‫ُ‬ ‫ووعْدَ ه‪،‬‬
‫ونذكر وعيدَ اهلل َ‬
‫ُ‬
‫إيمانُنا و َي ْق َوى‪.‬‬

‫وكان عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬يقول‪« :‬اجلسوا بنا نزدد إيمانًا»‪ ،‬وكان‬
‫ِ‬
‫يقول يف دعائه‪« :‬ال َّل ُه َّم زدين إيمانًا وف ً‬
‫قها»(‪.)2‬‬

‫«السنَّة» (‪.)1584‬‬
‫((( أخرجه الخلَّل يف ُّ‬
‫البيهقي يف «شعب اإليمان» (‪ )45‬و(‪.)46‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجهما‬
‫خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ‬
‫الثوب»‬ ‫«إن اإلميان ل َي َ‬
‫(‪ )25‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪203‬‬

‫«اجلسوا بنا نؤمن ساعة»(‪.)1‬‬


‫ُ‬ ‫وكان معاذ بن جبل ‪ I‬يقول‪:‬‬

‫وكان عبداهلل بن رواحة ‪ I‬يأخذ بيد النَّ َفر من أصحابه فيقول‪« :‬تعا َلوا‬
‫نؤمن ساعة‪ ،‬تعالوا فلنذكر اهلل فنزدد إيمانًا بطاعته؛ لع َّله ُي َذكِّرنا بمغفرته»(‪.)2‬‬

‫العبد أن يعلم َأ ُمزدا ٌد هو أم ُمنت َِقص‪،‬‬


‫ويقول أبو الدَّ رداء ‪« : I‬مِن فِ ْق ِه ِ‬
‫ِ‬
‫نزغات َّ‬
‫الشيطان أنَّى تأتيه»(‪.)3‬‬ ‫ومن فِ ْق ِه العبد أن يعلم‬

‫ينظر يف أمر إيمانه أيف زيادة هو أم يف نقصان؟‬ ‫يريد‪َّ :‬‬


‫أن من فقه العبد أن َ‬

‫فكثير من النَّاس َين ُق ُ‬


‫ص إيمانُه وال ينتبه؛ وهذا من ضعف الفقه والبصيرة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫مي ‪ I‬يقول‪« :‬اإليمان يزيد وينقص»‬ ‫َ ْ‬
‫وكان ُعمير بن حبيب الخط ُّ‬
‫وس َّبحناه فذلك‬ ‫ِ‬
‫فقيل‪ :‬وما زيادته ونقصانه؟ قال‪« :‬إذا ذكرنا اهلل ‪ D‬وحمدناه َ‬
‫زيادته‪ ،‬وإذا َغ َفلنا وض َّيعنا ون َِسينا فذلك نقصان ُه»(‪.)4‬‬

‫َّ‬
‫وأجلئهم‬ ‫وكان علقمة بن قيس الن ََّخ ِع ُّي ‪ V‬وهو أحد كبار التَّابعين‬
‫يقول ألصحابه‪« :‬امشوا بنا نَزدد إيمانًا»(‪.)5‬‬

‫األوزاعي ‪ V‬عن اإليمان‪ :‬أيزيدُ ؟ قال‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫الرحمن بن عمرو‬
‫وسئل عبد َّ‬
‫والبيهقي يف «شعب اإليمان»‬
‫ُّ‬ ‫«السنَّة» (‪،)823‬‬
‫((( أخرجه عبد اهلل بن اإلمام أحمد يف ُّ‬
‫(‪.)44‬‬
‫«الم َصنَّف» (‪.)32446‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة يف ُ‬
‫«السنَّة» (‪.)1585‬‬
‫((( أخرجه الخلَّل يف ُّ‬
‫((( أخرجه ابن سعد يف «ال َّطبقات» (‪ ،)381/4‬وابن أبي شيبة يف ُ‬
‫«الم َصنَّف» (‪.)32339‬‬
‫«الم َصنَّف» (‪.)32376‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة يف ُ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪204‬‬

‫«نعم‪ ،‬حتَّى يكون كالجبال»‪ ،‬قيل‪ :‬أفين ُق ُ‬


‫ص؟ قال‪« :‬نعم‪ ،‬حتَّى ال يبقى منه‬
‫شيء»(‪.)1‬‬

‫وسئل اإلما ُم أحمد ‪ V‬عن اإليمان‪ :‬يزيد وينقص؟ قال‪« :‬يزيد‬


‫السافلِين‬
‫يصير إلى أسفل َّ‬
‫َ‬ ‫وينقص حتَّى‬
‫ُ‬ ‫السبع‪،‬‬
‫السماوات َّ‬ ‫حتَّى َ‬
‫يبلغ أعلى َّ‬
‫السبع»(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫واألئمة يف هذا المعنى كثيرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الصحابة والتَّابعين‬
‫واآلثار والنُّقول عن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أدر َك كيف كانوا‬ ‫واألئمة األج َّلء؛ َ‬
‫َّ‬ ‫و َم ْن نظر يف س َي ِر هؤالء َّ‬
‫الصحابة والتَّابعين‬
‫عما ُيضع ُفه و ُي ِنق ُصه‪،‬‬
‫يتف َّقدون إيمانَهم‪ ،‬ويس َعون يف زيادته وتقويته‪ ،‬ويبتعدون َّ‬
‫أن يف ِّ‬
‫كل َمن اتب َع ُهم بإحسان‪.‬‬ ‫الش ُ‬
‫وهكذا َّ‬

‫المؤمن المو َّفق ال‬


‫ُ‬ ‫سعدي ‪« :V‬فالعبد‬
‫ٍّ‬ ‫الرحمن بن‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫يزال يسعى يف أمرين‪:‬‬

‫وعمل ً‬
‫حال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أحدهما‪ :‬تحقيق اإليمان وفروعه‪ ،‬والتح ُّقق به ً‬
‫علما‬
‫َّ‬
‫عي يف دفع ما ُينافيها و َين ُق ُضها أو ُينقصها من الفتن ال َّظاهرة‬
‫ُ‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫اني‪:‬‬‫والث‬
‫تجرأ عليه من ال َّثاين؛ بالتَّوبة‬
‫األول‪ ،‬وما َّ‬
‫قصر فيه من َّ‬ ‫والباطنة‪ ،‬ويداوي ما َّ‬
‫وتدار ِك األمر قبل فواته»(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫النَّصوح‬

‫أهم َّية مراعاة الجانِ َبين؛ ف ُيعنى العبدُ بجانب تجديد‬


‫ويف هذا تنبي ٌه على ِّ‬
‫السنَّة والجماعة» (‪.)1740‬‬
‫َّلكائي يف «شرح أصول اعتقاد أهل ُّ‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الل‬
‫((( انظر‪« :‬طبقات الحنابلة» (‪.)210-209/2‬‬
‫عدي (ص‪.)83‬‬ ‫للس ِّ‬
‫((( انظر‪ :‬التَّوضيح والبيان ِّ‬
‫خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ‬
‫الثوب»‬ ‫«إن اإلميان ل َي َ‬
‫(‪ )25‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪205‬‬

‫عي يف تكميله؛ بفعل ال َّطاعات‪ ،‬وامتثال أمر اهلل‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬


‫وقوته وزيادته‪َّ ،‬‬
‫اإليمان َّ‬
‫ف اإليمان و ُت ِنق ُص ُه‪.‬‬ ‫‪ ،B‬ويسعى يف دفع األمور ا َّلتِي ُت ِ‬
‫ضع ُ‬

‫اإليمان بأنَّه َيخ َل ُق كما َيخ َل ُق ال َّثوب‪ :‬تنبي ٌه إلى ِّ‬


‫أهم َّية‬ ‫َ‬ ‫ويف تشبيه النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫رعاية اإليمان‪ ،‬وصيانتِه كرعاية ال َّثوب بل أشدُّ ؛ فإذا كان ال َّثوب ا َّل ِذي يحرص‬
‫كل على ِجدَّ ته ونظافته َيخ َلق ويصي ُبه ما يصي ُبه من األوساخ؛ فيحتاج إلى غس ٍل‬
‫ٌّ‬
‫وأمره ُّ‬
‫أجل‪ ،‬و َمن‬ ‫أعظم‪ ،‬وشأن الدِّ ين أكرب‪ُ ،‬‬‫ُ‬ ‫وتعاه ٍد وعناية؛ َّ‬
‫فإن مقام اإليمان‬ ‫ُ‬
‫كان ُيعنى بثوبه فال حرج عليه؛ لك َّن إيمانه أولى بالعناية‪ ،‬وأجدَ ُر باالهتمام‪.‬‬

‫الركيزة‬‫أن القلب هو َّ‬ ‫ف َأ َح ِدك ُْم»‪ :‬تنبي ٌه إلى َّ‬


‫ويف قوله‪َ « :‬ليخْ َل ُق فِي جو ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫وإيمان المرء يف جوفه يخ َلق‪ ،‬فقد‬‫ُ‬ ‫واألساس ا َّل ِذي ُيبنى عليه العمل ال َّظاهر‪،‬‬
‫ثم يصي ُبه ما يصي ُبه؛ ف َيخ َلق و َيض ُعف‪ ،‬وال س َّيما‬‫يكون يف بعض األزمنة قو ًّيا‪َّ ،‬‬
‫ُ ِ‬
‫والملهيات‪.‬‬‫والصوا ُّد ُ‬‫وارف والف َت ُن َّ‬ ‫إذا توا َلت عليه َّ‬
‫الص‬

‫فال بدَّ من تف ُّقد اإليمان‪ ،‬والعمل على تقويته يف القلب‪ ،‬وال بدَّ من فز ٍع‬
‫ألن اإليمان بيد اهلل‪ ،‬وهب ٌة منه سبحانه‪َّ ،‬‬
‫يتفضل‬ ‫ٍ‬
‫صادق إليه؛ َّ‬ ‫ٍ‬
‫ولجوء‬ ‫إلى اهلل‪،‬‬
‫به على َمن يشاء‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [النُّور‪ ،]21 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النِّساء‪ ،]83 :‬وقال ‪﴿ :D‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫صح يف الدُّ عاء المأثور عن نب ِّينا‬ ‫ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجرات‪ ،]8-7 :‬وقد َّ‬
‫ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫‪« :O‬ال َّل ُه َّم زَينَّا بِ ِزين َِة ْ ِ‬
‫ين»(‪ ،)1‬ولهذا قال‬ ‫اج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهتَد َ‬
‫ان‪َ ،‬و ْ‬ ‫ال َ‬ ‫ِّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)18325‬والنَّسائِ ُّي (‪ )1305‬وال َّلفظ له‪،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪206‬‬

‫ان فِي ُق ُلوبِك ُْم»‪.‬‬


‫يم َ‬ ‫اس َأ ُلوا اهَّلل َأ ْن ي َجدِّ َد ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪َ « :O‬ف ْ‬
‫حفظ إيمانه‪،‬‬ ‫نفسه على تكميل ما يكون به ُ‬ ‫ثم مع الدُّ عاء يجاهد نفسه‪ ،‬فيجاهد َ‬
‫َّ‬
‫«احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهَّلل ِ»(‪.)1‬‬
‫وثبات دينه؛ كما قال ‪ْ :O‬‬ ‫ُ‬

‫كل يو ٍم من‬‫المسلم يف ِّ‬


‫َ‬ ‫وهذه التَّجديد لإليمان يكون وظيف ًة يوم َّيةً‪ ،‬يصاحب‬
‫ٍ‬
‫كثيرة ه َّيأها‬ ‫ٍ‬
‫ومجاالت‬ ‫َ‬
‫وسائل‬ ‫فيعمل على التَّجديد إليمانه؛ من خالل‬ ‫ُ‬ ‫أ َّيامه؛‬
‫اهلل ‪ E‬له‪ ،‬جاء تِبياهنا يف كتاب اهلل‪ ،‬وسن َِّة نب ِّيه صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬

‫رعي؛‬ ‫أهم ما يكون يف هذا الباب‪ :‬أن يكون ‪-‬يوم ًّيا‪ -‬مرتب ًطا بالعلم َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫ومن ِّ‬
‫الشرعي يعدُّ ِصمام ٍ‬ ‫َّ‬
‫أمان لحفظ اإليمان وتقويته؛ ولهذا قال نب ُّينا‬ ‫ألن العلم َّ َّ ُ َ‬
‫ين»(‪ ،)2‬وقال ‪:O‬‬ ‫«م ْن ُيرِ ِد اهَّللُ بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َف ِّق ْه ُه فِي الدِّ ِ‬
‫‪َ :O‬‬
‫ك َطرِي ًقا َي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما َس َّه َل اهللُ َل ُه بِ ِه َطرِي ًقا إِ َلى ا ْل َجن َِّة»(‪ ،)3‬والعلم‬
‫«م ْن َس َل َ‬‫َ‬
‫نور لصاحبه‪ ،‬وضيا ٌء له يف طريقه ويف َس ِيره؛ فبالعلم يم ِّيز المرء بين الهدى‬
‫ٌ‬
‫والحق والباطل‪ ،‬والنُّور وال َّظالم‪ ،‬وبدون العلم َتل َتبِس عليه‬
‫ِّ‬ ‫والضالل‪،‬‬
‫َّ‬
‫السبل‪.‬‬
‫األمور‪ ،‬وتختلط عليه ُّ‬
‫كل يو ٍم إذا أصبح بعد أن ُي َص ِّلي‬ ‫ولهذا كان نب ُّينا ‪ O‬يقول َّ‬
‫ك ِع ْل ًما نَافِ ًعا‪َ ،‬و ِر ْز ًقا َط ِّي ًبا‪َ ،‬و َع َم ًل ُم َت َق َّب ًل»(‪ ،)4‬ففي ِّ‬
‫كل‬ ‫الصبح‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ُّ‬
‫مطلوب من المرء يف ِّ‬
‫كل يوم من أ َّيامه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّافع؛ ألنَّه‬
‫العلم الن َ‬
‫َ‬ ‫يو ٍم يسأل َ‬
‫اهلل‬

‫البخاري (‪ ،)٧١‬ومسلم (‪.)١٠٣٧‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬ ‫(‪.)2664‬‬
‫ ‬ ‫((( أخرجه مسلم‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2699‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد يف «المسند» (‪ ،)26521‬وابن ماجه (‪،)925‬‬
‫خلق يف جوف أحدكم كما َيَلق َّ‬
‫الثوب»‬ ‫«إن اإلميان ل َي َ‬
‫(‪ )25‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪207‬‬

‫ب‬
‫أمره َع َج ٌ‬ ‫رعي‪ :‬العناية بالقرآن الكريم؛ َّ‬
‫فإن َ‬ ‫وأعظم ما يكون يف العلم َّ‬
‫الش ِّ‬
‫يف تقوية اإليمان‪ ،‬وزيادة اليقين‪ ،‬وتمتينه يف القلب؛ قال اهلل ‪﴿ :E‬ﭣ‬

‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬

‫ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [التَّوبة‪ ،]124 :‬وقال ‪﴿ :D‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬

‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬

‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [األنفال‪.]4-2 :‬‬

‫الصحابة الكرام و َم ِن ا َّتبعهم‬ ‫ً ِ‬


‫وأيضا س َير َّ‬ ‫بالسنَّة النَّبو َّية‪،‬‬
‫وكذا العناية ُّ‬
‫كل ما يعين على‬ ‫وأيضا ُّ‬
‫عظيم من أبواب تقوية اإليمان‪ً ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫باب‬
‫بإحسان؛ فهذا ٌ‬
‫الصلة باهلل‪ ،‬والتَّعظيم هلل‪ ،‬واإلجالل هلل‪ ،‬ويأيت يف مقدِّ مة ذلك‪ُ :‬حس ُن المعرفة‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وأفعاله‪ ،‬والتَّأ ُّمل يف مخلوقاته الدَّ ا َّلة على‬ ‫ِ‬
‫وصفاته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وبأسمائه‪،‬‬ ‫باهلل ‪،E‬‬
‫فإن هذا يقوي اإليمان يف القلب تقوي ًة عظيمةً‪ ،‬و َمن كان باهلل‬ ‫عظمته وجالله؛ َّ‬
‫أخوف‪ ،‬ولعبادته أ ْط َلب‪ ،‬وعن معصيته ‪َ F‬أب َعد‪.‬‬
‫أعرف؛ كان منه َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مع العناية بحفظ اإليمان من األمور ا َّلتي ُت ُ‬
‫نقصه‪ ،‬وتتس َّبب يف ضعفه‬
‫أيضا ذهابه‪.‬‬
‫ور َّب َما ً‬
‫ووهائه‪ُ ،‬‬
‫وقوته ليعمل‬
‫مطلوب منه أن يعرف أسباب زيادة اإليمان َّ‬
‫ٌ‬ ‫والمسلم كما أنَّه‬
‫ف أسباب ضعف‬ ‫مطلوب منه يف الوقت نفسه أن َي ِ‬
‫عر َ‬ ‫ٌ‬ ‫هبا ويحافظ عليها؛ فإنَّه‬
‫اإليمان؛ ليجتنَّبها‪ ،‬وليكون على َح َذ ٍر منها‪.‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪208‬‬

‫‪26‬‬

‫حديث‪« :‬ثالث مَن َّ‬


‫كن‬
‫فيه وجد حالوة اإلميان»‬

‫ث َم ْن ك َُّن فِ ِيه َو َجدَ َح َل َو َة‬‫ك ‪َ I‬أ َّن النَّبِي ﷺ َق َال‪َ « :‬ث َل ٌ‬


‫َّ‬
‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫حب ا ْلمرء َل ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ُّب ُه‬ ‫ب إِ َل ْيه م َّما س َو ُاه َما‪َ ،‬و َأ ْن ُي َّ َ ْ َ ُ‬ ‫ُون اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ َح َّ‬
‫ان‪َ :‬أ ْن َيك َ‬ ‫اإل َ‬
‫ف فِي النَّار»(‪.)1‬‬ ‫إِ َّل هللِ‪َ ،‬و َأ ْن َيك َْر َه َأ ْن َي ُعو َد فِي ا ْل ُك ْفرِ ك ََما َيك َْر ُه َأ ْن ُي ْق َذ َ‬

‫السعادة‪ ،‬وأص ُلها ا َّل ِذي عليه ُتبنى‪،‬‬ ‫ِ‬


‫إن اإليمان باهلل ورسوله ﷺ هو جماع َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫اإليمان‬ ‫وأساسها ا َّلذي عليه ترتكز‪ ،‬وأهل اإليمان هم أهل َّ‬
‫السعادة‪ ،‬و َمن فار َقه‬ ‫ُ‬
‫الشقاء يف الدُّ نيا واآلخرة؛ ولهذا‪َّ :‬‬
‫فإن َمن كان‬ ‫السعادة‪ ،‬وكان من أهل َّ‬ ‫فار َق ْت ُه َّ‬
‫وتتميما‪ ،‬وقيا ًما بمقتضياته وما يستوجبه؛ نال من‬
‫ً‬ ‫من أهل اإليمان تحقي ًقا له‪،‬‬
‫السعادة بحسب ما عنده من اإليمان‪ ،‬وإذا َض ُعف اإليمان َض ُعف ح ُّظه من‬ ‫َّ‬
‫السعادة وفارقت اإلنسان؛ فبِاإليمان َيس َعد‪،‬‬
‫السعادة‪ ،‬وإذا ذهب اإليمان ذهبت َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الصدر‪﴿ ،‬ﰈ ﰉ‬ ‫وباإليمان َيطمئ ُّن‪ ،‬وباإليمان ت َق ُّر العين‪ ،‬وباإليمان ينشرح َّ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫[الرعد‪.]29-28 :‬‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ َّ‬

‫فالسعادة‬ ‫الراحة‪ ،‬وال َّل َّذة‪َّ ،‬‬


‫وقرة العين؛ َّ‬ ‫فاإليمان‪ :‬هو ال ُّطمأنينة الحقيق َّية‪ ،‬هو َّ‬
‫البخاري (‪ ،)١٦‬ومسلم (‪.)٤٣‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )26‬حديث‪« :‬ثالث مَن َّ‬
‫كن فيه وجد حالوة اإلميان»‬
‫‪209‬‬
‫ِ‬
‫رب العالمين‪ ،‬وخالق الخلق‬ ‫مرتبطة باإليمان‪ ،‬وا َّلذي ربطها باإليمان هو ُّ‬
‫فمن كان من أهل اإليمان َس ِعدَ يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬و َمن‬ ‫أجمعين سبحانه‪َ ،‬‬
‫فار َق َّ‬
‫السعادة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬و َمن َض ُعف إيمانُه َض ُعف‬ ‫فارقه اإليمان َ‬
‫نصي ُبه وح ُّظه من َّ‬
‫السعادة بحسب ما َض ُعف من إيمانه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯧ‬

‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [طه‪]123 :‬؛ أي‪ :‬أنَّه‬


‫‪ E‬كتب لم َّتبِع الهدى واإليمان ووحي َّ‬
‫الرحمن ‪ E‬الهداي َة‬
‫الضالل َّ‬
‫والشقاء‪.‬‬ ‫والسعادة وأعاذه من َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وصفات أهله‪ ،‬وبما ُتذاق‬ ‫عظيم يف بيان اإليمان‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫وهذا الحديث‬
‫ٌ‬
‫كل أحد؛‬ ‫حلو ال يجده ُّ‬
‫عم ٌ‬‫فإن اإليمان له حالوة‪ ،‬و َم َذ ٌاق جميل‪ ،‬و َط ٌ‬
‫حالو ُته؛ َّ‬
‫وصفات عظيم ٌة من صفات‬‫ٌ‬ ‫خصال عظيم ٌة مِن خصال اإليمان‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وإنَّما َث َّم َة‬
‫ووجدَ هبا‬
‫َ‬ ‫المؤمنين‪ ،‬إذا تح َّقق المرء باال ِّتصاف هبا؛ ذاق حالوة اإليمان‪،‬‬
‫طعمه؛ كما أخرب بذلك النَّبِ ُّي الكريم صلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جليلة هي‬ ‫ٍ‬
‫وصفات‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خصال‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫ث َم ْن ك َُّن فِ ْي ِه»؛ أي‪:‬‬
‫قوله‪َ « :‬ث َل ٌ‬
‫من صفات اإليمان وخصالِه العظيمة‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان»‪ ،‬أي‪ :‬إنَّما توجد و ُتنَال بتحقيق‬ ‫«م ْن ك َُّن ف ْيه َو َجدَ بِ ِه َّن َح َل َو َة ْ‬
‫َ‬
‫طعمه؛ َّ‬
‫ألن وجود‬ ‫فمن ا َّت َ‬
‫صف هبا؛ وجد حالوة اإليمان ووجد َ‬ ‫الصفات‪َ ،‬‬
‫هذه ِّ‬
‫أحب شي ًئا أو اشتهاه ‪-‬إذا حصل له‬
‫َّ‬ ‫فمن‬
‫المح َّبة له‪َ ،‬‬ ‫الحالوة َّ‬
‫بالشيء يت َبع َ‬
‫والسرور بذلك‪ ،‬وال َّل َّذة ٌ‬
‫أمر يحصل ُع َق ْيب‬ ‫مراده‪ -‬فإنَّه يجد الحالوة وال َّل َّذة ُّ‬
‫ِ‬
‫المحبوب أو المشتهى‪.‬‬ ‫إدراك المالئم ا َّلذي هو َ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪210‬‬

‫وفرع‪ ،‬ود ْف ُع مضا ٍّد‪ ،‬وهذه ال َّثالثة‬


‫ٌ‬ ‫أمورا ثالثة‪ٌ :‬‬
‫أصل‪،‬‬ ‫وذكَر ‪ً O‬‬
‫هي ا َّلتِي يجد هبا المرء حالوة اإليمان‪.‬‬

‫المتضمنة من ال َّل َّذة به والفرح ما‬


‫ِّ‬ ‫قال ابن تيم َّية ‪« :V‬فحالوة اإليمان‬
‫يجده المؤمن الواجد من حالوة اإليمان؛ َت ْت َب ُع كمال مح َّبة العبد هلل‪ ،‬وذلك‬
‫بثالثة أمور؛ تكميل هذه المح َّبة‪ ،‬وتفريعها‪ ،‬ودفع ضدِّ ها‪:‬‬
‫مما سواهما؛ َّ‬
‫فإن مح َّبة اهلل‬ ‫أحب إليه َّ‬
‫َّ‬ ‫فتكميلها‪ :‬أن يكون اهلل ورسوله‬
‫أحب إليه‬
‫الحب‪ ،‬بل ال بدَّ أن يكون اهلل ورسوله َّ‬
‫ِّ‬ ‫ورسوله ال يكتفى فيها بأصل‬
‫مما سواهما ‪-‬كما تقدَّ م‪.-‬‬
‫َّ‬
‫حب المرء ال ي ِ‬
‫ح ُّبه َّإل هلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وتفريعها‪ :‬أن ُي َّ‬
‫ودفع ضدِّ ها‪ :‬أن يكره ضدَّ اإليمان أعظم من كراهته اإللقاء يف النَّار»(‪.)1‬‬

‫ب إِ َل ْي ِه ِم َّما ِس َو ُاه َما» بأن‬


‫ُون اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ َح َّ‬ ‫َّأما األصل‪ :‬فقوله‪َ :‬‬
‫«أ ْن َيك َ‬
‫‪O‬‬ ‫يحب رسو َله‬
‫ُّ‬ ‫ثم‬ ‫اهلل ‪ D‬مح َّب ًة مقدَّ مة على ِّ‬
‫كل شيء‪َّ ،‬‬ ‫يحب َ‬‫َّ‬
‫الرسول ‪ O‬هي من مح َّبة اهلل‪،‬‬ ‫مح َّب ًة هي َت َب ٌع لمح َّبة اهلل؛ َّ‬
‫فإن مح َّبة َّ‬
‫الرسول ‪ O‬من طاعة اهلل ‪.C‬‬
‫وطاعة َّ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬

‫ﮜ﴾ [التَّوبة‪.]24 :‬‬

‫((( انظر‪ :‬مجموع الفتاوى البن تيم َّية (‪.)206/10‬‬


‫(‪ )26‬حديث‪« :‬ثالث مَن َّ‬
‫كن فيه وجد حالوة اإلميان»‬
‫‪211‬‬

‫حب اهلل ورسوله ﷺ؛ ف ُك َّلما‬


‫والم َح ِّرك لها‪ :‬هو ُّ‬
‫وأصل األعمال الدِّ ين َّية‪ُ ،‬‬
‫ف ذلك؛ كما‬‫قويت هذه المح َّبة قويت لواز ُمها ومقتضيا ُتها‪ ،‬وإذا َض ُع َفت َض ُع َ‬
‫تصديق اهللِ ورسولِه؛ فبحسب ما يقوم يف القلب من‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أن أصل األقوال الدِّ ين َّية‪:‬‬
‫السداد يف األقوال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يكون َّ‬ ‫سن التَّصديق باهلل وبرسوله ‪O‬‬ ‫ُح ِ‬
‫حب ا ْلمرء َل ي ِ‬ ‫ِ‬
‫يحب المرء‬ ‫َّ‬ ‫ح ُّب ُه إِ َّل هلل» بأن‬ ‫«و َأ ْن ُي َّ َ ْ َ ُ‬ ‫وأما الفرع‪ :‬فقوله‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫الصادقة‪ ،‬ومح َّبة رسوله ‪O‬؛‬ ‫ِ‬
‫ألجل اهلل‪ ،‬فإذا ُعمر القلب بمح َّبة اهلل َّ‬
‫يبغض‬ ‫فإنَّه يتفرع عن ذلك ‪-‬وال بدَّ ‪ :-‬أن يحب المرء ال يحبه َّإل هلل‪ ،‬وكذلك ِ‬
‫ُ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يبغضه َّإل هلل‪ ،‬وهذا استكمال لإليمان؛ ولهذا‪ :‬قال ‪ O‬يف‬ ‫المرء ال ِ‬

‫ب هللِ‪َ ،‬و َأ ْبغ ََض هللِ‪َ ،‬و َأ ْع َطى هللِ‪َ ،‬و َمن ََع هللِ؛ َف َق ِد ْاس َتك َْم َل‬
‫«م ْن َأ َح َّ‬
‫حديث آخر‪َ :‬‬
‫ٍ‬

‫ب فِي اهللِ‪َ ،‬وال ُبغ ُْض‬ ‫الح ُّ‬


‫ان‪ُ :‬‬ ‫ِ‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫ان»(‪ ،)1‬وقال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ ْو َث ُق ُع َرى ْ‬
‫ِْ‬
‫ال ْي َم َ‬
‫فِي اهلل ِ»(‪.)2‬‬

‫«و َأ ْن َيك َْر َه َأ ْن َي ُعو َد فِي ا ْل ُك ْفرِ ك ََما َيك َْر ُه َأ ْن ُي ْق َذ َ‬


‫ف‬ ‫وأما دفع المضا ِّد‪ :‬فقوله‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫غض ما ُيضا ُّد ذلك ود ْف ُعه‪ ،‬وهو دليل على رسوخ اإليمان يف‬ ‫فِي النَّار»‪ ،‬فهذا ُب ُ‬
‫ِِ‬
‫الرسول ‪ O‬يف‬ ‫القلب‪ ،‬وتم ُّكنه من النَّفس؛ لع َظم مح َّبة اهلل ومح َّبة َّ‬
‫ولكل ما ُيضا ُّد اإليمان وينافيه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫قلبه؛ فأصبح يف قلبه كراهية شديدة للكفر‪،‬‬
‫قذف يف النَّار‪ ،‬ومن المعلوم‬ ‫شيء من ذلك كما يكره أن ُي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ويكره أن يعود إلى‬
‫ِ‬
‫أن كراهية المرء لَ ْن ُيقذف يف النَّار هي أشدُّ ما يكون كراهةً؛ فهذا فيه َّ‬
‫قو ُة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫صادق اإليمان ل ُك ِّل ما يضا ُّد اإليمان وينافيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫ِ‬
‫كراهة‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أبو داود (‪،)4681‬‬
‫«الصحيحة» (‪.)998‬‬ ‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي يف َّ‬‫َّ‬ ‫«الزهد» (‪،)329‬‬
‫((( أخرجه وكيع يف ُّ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪212‬‬

‫فتكون مح َّبته دائر ًة مع مح َّبة اهلل‪ ،‬وك َّلما قويت فيه مح َّبة اهلل قويت فرو ُعها‬
‫حب المؤمن ال ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ُّبه َّإل هلل‪ ،‬و ُيبغض َمن يبغض؛ ال يبغضه‬ ‫ُ‬ ‫الم َت َف ِّرعة عنها‪ ،‬ف ُي ُّ‬ ‫ُ‬
‫ح ُّبه من األعمال واألشخاص‪ ،‬ويف الدُّ عاء‬ ‫فيحب اهلل‪ ،‬ويحب من ي ِ‬ ‫َّإل هلل‪ِ ،‬‬
‫ُّ َ ُ‬ ‫ُّ‬
‫ك‪ ،‬وحب من ي ِ‬
‫ح ُّب َ‬ ‫«أ ْس َأ ُل َ‬
‫المأثور عن نب ِّينا ‪ O‬قال‪َ :‬‬
‫ب‬‫ك‪َ ،‬و ُح َّ‬ ‫ك ُح َّب َ َ ُ َّ َ ْ ُ‬
‫فجمع بين هذه األمور‪.‬‬ ‫ك» ‪َ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ي ُي َب ِّلغُن ِ ْي ُح َّب َ‬ ‫ِ‬
‫ال َع َم ِل ا َّلذ ْ‬
‫ولما كانت محبة اهلل سبحانه لها لوازم؛ وهي محبة ما ي ِ‬
‫ح ُّبه اهلل من‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫األشخاص واألعمال‪ ،‬وكراهة ما يكرهه من ذلك؛ سأل النَّبِ ُّي ‪O‬‬

‫اهلل تعالى ‪-‬مع مح َّبته‪ -‬مح َّبة شيئين آخرين‪:‬‬

‫أحب أح َّبا َءه فيه وواالهم‪،‬‬ ‫أحدهما‪ :‬محبة من ي ِ‬


‫ح ُّبه اهلل؛ َّ‬
‫أحب اهلل َّ‬
‫فإن َمن َّ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ورسله‪،‬‬
‫وأبغض أعدا َءه وعاداهم‪ ،‬وأعظم َمن تجب مح َّبتهم يف اهلل‪ :‬أنبياؤه ُ‬
‫ِ‬
‫الخلق ك ِّلهم متابعتَه‪ ،‬وجعل‬ ‫محمد ﷺ ا َّل ِذي افرتض اهلل على‬
‫وأعظمهم‪ :‬نب ُّيه َّ‬
‫لصحة مح َّبته؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫َّ‬ ‫متابعته عالم ًة‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [آل عمران‪.]31 :‬‬

‫ح ُّبه اهلل تعالى من األعمال‪ ،‬وهبا َيب ُلغ إلى ح ِّبه؛ ويف هذا‬ ‫والثاني‪ :‬محبة ما ي ِ‬ ‫َّ‬
‫َّ ُ‬
‫ح ُّبه؛ فإذا‬ ‫أن درجة المحبة هلل تعالى إنَّما ُتنال بطاعته وبفعل ما ي ِ‬ ‫إشار ٌة إلى َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ح ُّبه؛ أح َّبه اهلل تعالى‪ ،‬ور َّقاه إلى درجة‬ ‫امتثل العبد ألوامر مواله‪ ،‬وفعل ما ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫«و َما َت َق َّر َب إِ َل َّي َع ْب ِدي‬
‫البخاري‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫خرجه‬ ‫ِ‬
‫اإللهي ا َّلذي َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مح َّبته؛ كما يف الحديث‬
‫ت َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َما َيز َُال َع ْب ِدي َي َت َق َّر ُب إِ َل َّي بِالن ََّوافِ ِل َحتَّى‬ ‫ب إِ َل َّي ِم َّما ا ْفت ََر ْض ُ‬ ‫ٍ‬
‫بِ َش ْيء َأ َح َّ‬
‫ِّرمذي (‪ )3235‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)22162‬والت‬
‫(‪ )26‬حديث‪« :‬ثالث مَن َّ‬
‫كن فيه وجد حالوة اإلميان»‬
‫‪213‬‬

‫ُأ ِح َّب ُه»(‪.)1‬‬

‫تنوعت األسباب الجالبة لمح َّبة اهلل والموجبة لها‪ ،‬وهي يف الجملة‬
‫وقد َّ‬
‫ترجع لعشرة أسباب ذكرها ابن الق ِّيم ‪:V‬‬

‫َّفهم لمعانيه وما أريد به؛ كتد ُّبر الكتاب‬


‫«أحدها‪ :‬قراءة القرآن بالتَّد ُّبر والت ُّ‬
‫ِ‬
‫ا َّلذي يحفظه العبد ويشرحه َّ‬
‫ليتفهم مراد صاحبه منه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التَّقرب إلى اهلل بالنَّوافل بعد الفرائض؛ فإنَّها ُت ِ‬
‫وص ُله إلى درجة‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫المحبوب َّية بعد المح َّبة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬دوام ذكره على ك ُِّل ٍ‬
‫حال؛ بال ِّلسان‪ ،‬والقلب‪ ،‬والعمل‪ ،‬والحال؛‬
‫َّ‬

‫فنصيبه من المح َّبة على قدر نصيبه من هذا ِّ‬


‫الذكر‪.‬‬

‫الر ابع‪ :‬إيثار محا ِّبه على محا ِّبك عند غلبات الهوى‪ ،‬والتَّسنُّم إلى محا ِّبه‬
‫َّ‬

‫وإن َص ُعب المرتقى‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬مطالعة القلب ألسمائه وصفاته‪ ،‬ومشاهدهتا ومعرفتها‪ ،‬وتق ُّلبه‬


‫ف اهلل بأسمائه وصفاته وأفعاله؛‬
‫عر َ‬
‫فمن َ‬
‫يف رياض هذه المعرفة وميادينها؛ َ‬
‫أح َّبه ال محالة‪.‬‬

‫السادس‪ :‬مشاهدة بِ ِّره‪ ،‬وإحسانه‪ ،‬وآالئه‪ ،‬ونِ َع ِمه الباطنة وال َّظاهرة؛ فإنَّها‬
‫َّ‬

‫داعية إلى مح َّبته‪.‬‬

‫أعجبِ َها‪ :-‬انكسار القلب ب ُك ِّل َّيته بين يديه‪.‬‬


‫السابع ‪-‬وهو من َ‬
‫َّ‬

‫البخاري (‪.)6502‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪214‬‬
‫َّ‬
‫اإللهي؛ لمناجاته‪ ،‬وتالوة كالمه‪ ،‬والوقوف‬
‫ِّ‬ ‫ُّزول‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وقت‬ ‫به‬ ‫الخلوة‬ ‫امن‪:‬‬ ‫الث‬
‫ثم َختْم ذلك باالستغفار والتَّوبة‪.‬‬
‫بالقلب والتَّأ ُّدب بأدب العبود َّية بين يديه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫الصادقين‪ ،‬وا ْلتقاط أطايب ثمرات كالمهم؛‬
‫التاسع‪ :‬مجالسة المح ِّبين َّ‬
‫وعلمت‬
‫َ‬ ‫كما تنتقي أطايب ال َّثمر‪ ،‬وال تت َك َّلم َّإل إذا َّ‬
‫ترج َح ْت مصلح ُة الكالم‪،‬‬
‫َّ‬
‫أن فيه مزيدً ا لحالك‪ ،‬ومنفع ًة لغيرك‪.‬‬

‫العاشر‪ :‬مباعدة ِّ‬


‫كل سبب يحول بين القلب وبين اهلل ‪.D‬‬
‫وصل الم ِ‬
‫ح ُّبون إلى منازل المح َّبة»(‪.)1‬‬ ‫َ ُ‬ ‫فمن هذه األسباب العشرة‬

‫دائما أن يعمل على تقوية مح َّبة اهلل يف قلبه‪ ،‬ومح َّبة‬


‫ولهذا يحتاج المسلم ً‬
‫األسباب ا َّلتي ُت َم ِّكن هذه المح َّبة يف‬
‫َ‬ ‫رسوله ﷺ‪ ،‬ومح َّبة شرعه‪ ،‬وأن يفعل‬
‫ضعف هذه‬ ‫أمراضه وأسقامه ا َّلتِي ُت ِ‬ ‫َ‬ ‫بعد عن قلبه‬ ‫القلب‪ ،‬وأن يجتهد يف أن ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وحب‬
‫َّ‬ ‫وحب َمن يح ُّبه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وهيها‪ ،‬و ُيكثِ َر من دعاء اهلل أن يرزقه ح َّبه‪،‬‬
‫المحبة و ُت ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫قوي‬ ‫األسباب ا َّلتي ُت ِّ‬
‫َ‬ ‫ويكررها يف حياته‪ ،‬ويبذل‬ ‫ِّ‬ ‫المقرب إلى ح ِّبه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫العمل‬
‫وتوسع مساح َة المح َّبة هلل ولرسوله ولدينه يف قلبه‪.‬‬
‫ِّ‬

‫السالكين (‪.)383-381/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫(‪ )27‬حديث‪« :‬احفظ اهلل حيفظك»‬
‫‪215‬‬

‫‪27‬‬

‫حديث‪« :‬احفظ اهلل حيفظك»‬

‫ِ ِ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫«يا‬‫ف َر ُسول اهلل ﷺ َي ْو ًما‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫اس ‪َ ،L‬ق َال‪ُ :‬كن ُْت َخ ْل َ‬
‫ك‪ ،‬إِ َذا‬ ‫ك‪ ،‬اح َف ِ‬
‫ظ اهَّللَ ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُغ َلم! إِنِّي ُأع ِّلم َ ِ ٍ‬
‫اه َ‬‫َجدْ ُه ت َُج َ‬ ‫اح َفظ اهَّللَ َي ْح َف ْظ َ ْ‬
‫ك كَل َمات‪ْ ،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ْت َف ِ‬ ‫ت َف ِ‬
‫ت َع َلى‬ ‫اجت ََم َع ْ‬‫استَع ْن بِاهَّلل‪َ ،‬وا ْع َل ْم َأ َّن األُ َّم َة َل ِو ْ‬ ‫اس َأل اهَّللَ‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت َعن َ ْ‬ ‫َس َأ ْل َ ْ‬
‫اجت ََم ُعوا َع َلى َأ ْن‬ ‫ك‪َ ،‬و َل ِو ْ‬ ‫وك إِ َّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َل َ‬
‫وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َينْ َف ُع َ‬
‫َأ ْن َينْ َف ُع َ‬
‫ك‪ ،‬رفِع ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وك بِ َش ْي ٍء؛ َل ْم َي ُض ُّر َ‬
‫ت‬ ‫ت ْالَ ْق َل ُم َو َج َّف ْ‬ ‫وك إِ َّل بِ َش ْيء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َع َل ْي َ ُ َ‬ ‫َي ُض ُّر َ‬
‫الص ُح ُ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫ٌ‬
‫مشتمل على وصايا عظام‪َ ،‬ج َم َعت خيري الدُّ نيا‬ ‫حديث ُ‬
‫جليل َّ‬
‫الشأن‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫عظيم يف مراقبة اهلل‪ ،‬وحفظ حقوقه‪ ،‬وتفويض األمور‬
‫ٌ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫أصل‬
‫تفرده بالتَّدبير‪ ،‬و َع ْج ِز‬
‫وحسن التَّوكُّل عليه‪ ،‬وتحقيق توحيده‪ ،‬ومعرفة ُّ‬
‫إليه‪ُ ،‬‬
‫الخالئق ك ِّلهم وافتقارهم إليه‪.‬‬

‫يتضمن وصايا عظيمة‪،‬‬


‫َّ‬ ‫قال الحافظ ابن رجب ‪« :V‬وهذا الحديث‬
‫وقواعد ُك ِّل َّية من أهم أمور الدِّ ين‪ ،‬حتَّى قال بعض العلماء‪ :‬تد َّب ْر ُت هذا الحديث‬
‫دت أطيش‪ ،‬فوا أسفا من الجهل هبذا الحديث‪ ،‬وق َّلة الت ُّ‬
‫َّفهم‬ ‫فأدهشني‪ ،‬وكِ ُ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٢٥١٦‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪216‬‬

‫لمعناه»(‪.)1‬‬

‫وقد كان ابن ع َّباس حين حدَّ ثه النَّبِ ُّي ﷺ هبذا الحديث صغير ًا لم يبلغ‬
‫الحلم‪.‬‬

‫ً‬
‫وعمل؛‬ ‫وفهما‬
‫ً‬ ‫كل مسلم أن ُيعنى به حف ًظا‬ ‫جامع ينبغي على ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫وهو‬
‫وكثير من األخطاء ا َّلتِي يقع فيها النَّاس ناشئ ٌة عن الجهل‬
‫ٌ‬ ‫ليسعد يف دنياه و ُأخراه‪،‬‬
‫ِ‬
‫قرر أصول االعتقاد‪ ،‬وتب ِّين‬ ‫هبذا الحديث العظيم ونظائره من األحاديث ا َّلتي ُت ِّ‬
‫وإقرارا‪ ،‬وثقةً‪ ،‬وإيمانًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أساس الدِّ ين‪ ،‬و َت ِص ُل النَّاس باهلل ‪ F‬اعتقا ًدا‪،‬‬

‫وينبغي أن يتع َّلمه ِّ‬


‫الصغار والكبار على حدٍّ سواء‪ ،‬وأن ُيعنوا بمعرفته‪،‬‬
‫وينبغي على اآلباء وأولياء األمور والمع ِّلمين يف المدارس‪ ،‬والمعتنين‬
‫ذكورا وإنا ًثا‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫بالتَّرب َّية؛ أن يعنوا بإيصال هذه الوصايا النَّبو َّية إلى النَّاشئة‬
‫يغرسوا فيهم هذا الغرس المبارك‪ ،‬وأن يحرصوا على تنش َئتِهم نشأ َة اإليمان‬
‫الصلة باهلل ‪.F‬‬
‫وحسن ِّ‬
‫ك ك َِلم ٍ‬
‫ِ‬
‫واعتن هب َّن‪ ،‬واحرص‬ ‫ات» أي‪ :‬فاحفظه َّن‪،‬‬ ‫«يا ُغ َل ُم إِنِّي ُأ َع ِّل ُم َ َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫على فهمه َّن وتطبيقه َّن يف حياتك َتس َعدْ يف دنياك وأخراك‪.‬‬

‫ظ اهَّللَ َي ْح َف ْظكَ» وهذا عنوان سعادة العبد يف هذه الحياة‪،‬‬ ‫قوله‪« :‬اح َف ِ‬
‫ْ‬
‫وأساس فالحه يف الدُّ نيا واآلخرة؛ أن يكون حاف ًظا لحدود اهلل‪ ،‬محاف ًظا على‬
‫اهلل َح ِف َظ ُه اهلل‪ ،‬و َمن ا َّتقى اهلل‬ ‫ِ‬
‫فإن َمن َحف َظ َ‬
‫أوامره‪ ،‬حاف ًظا لنفسه يف طاعة اهلل؛ َّ‬
‫َو َقا ُه‪.‬‬

‫الحنبلي (ص‪.)420‬‬
‫ِّ‬ ‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب‬
‫(‪ )27‬حديث‪« :‬احفظ اهلل حيفظك»‬
‫‪217‬‬
‫ِ‬
‫وح ْف ُظ اهلل يعني‪ِ :‬ح ْف َظ حدوده‪ ،‬وحقوقه‪ ،‬وأوامره‪ ،‬ونواهيه‪ِ ،‬‬
‫وح ْف ُظ ذلك‪:‬‬
‫هو الوقوف عند أوامره باالمتثال‪ ،‬وعند نواهيه باالجتناب‪ ،‬وعند حدوده فال‬
‫فمن كان كذلك فهو من الحافظين‬ ‫ِ‬
‫يتجاوز ما أمر به‪ ،‬وأذن فيه إلى ما هنى عنه؛ َ‬
‫لحدود اهلل ا َّل ِذين مدحهم اهلل يف كتابه بقوله ‪﴿ :D‬ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ﴾ [ق‪ ،]٣٣-٣٢ :‬وقد ُف ِّسر الحفيظ هنا‪:‬‬
‫بالحافظ ألوامر اهلل‪ ،‬وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها‪.‬‬

‫ومن أعظم ما يجب حف ُظه من أوامر اهلل‪َّ :‬‬


‫الصالة؛ فإنَّها عماد الدِّ ين‪،‬‬
‫وأعظم أركانه بعد َّ‬
‫الشهادتين‪ ،‬وقد أمر اهلل ‪ C‬بالمحافظة عليها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [البقرة‪ ،]٢٣٨ :‬و َمدَ ح المحافظين‬
‫«خ ْم ُس‬ ‫عليها بقوله‪﴿ :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ [المعارج‪ ،]34 :‬وقال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫اد؛ َف َم ْن َجا َء بِ ِه َّن َل ْم ُي َض ِّي ْع ِمن ُْه َّن َش ْيئًا ْاستِخْ َفا ًفا‬ ‫ات َك َتبهن اهَّلل ع َلى ا ْل ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َّ ُ َ‬
‫ص َلو ٍ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِح ِّق ِهن ك َ ِ‬
‫«م ْن َحا َف َظ‬ ‫َان َل ُه عنْدَ اهَّلل َع ْهدٌ َأ ْن ُيدْ خ َل ُه ا ْل َجنَّةَ» ‪ ،‬وقال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ُورا َو ُب ْر َهانًا َون ََجا ًة َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(‪.)2‬‬


‫َع َل ْي َها ك َُّن َل ُه ن ً‬
‫للصالة‪ ،‬قال النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫ومما أمر المسلم بالمحافظة عليه ال َّطهارة؛ فإنَّها مفتاح َّ‬ ‫َّ‬
‫وء إِ َّل ُم ْؤ ِم ٌن»(‪.)3‬‬ ‫«ل يحافِ ُظ ع َلى ا ْلو ُض ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪َ ُ َ :‬‬
‫ومما يؤمر بحفظه‪ :‬األ ْيمان؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯻ ﯼ﴾ [المائدة‪:‬‬
‫َّ‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫‪]٨٩‬؛ َّ‬
‫فإن األيمان يتهاون النَّاس فيها ً‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)٤٢٥‬وابن ماجه (‪ ،)١٤٠١‬والنَّسائِ ُّي (‪،)٤٦١‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪.)6576‬‬
‫«الصحيحة» (‪.)115‬‬ ‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف َّ‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)22433‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪218‬‬

‫أن النَّبِ َّي‬


‫الرأس والبطن كما يف حديث ابن مسعود ‪َّ I‬‬ ‫ومن ذلك حفظ َّ‬
‫الر ْأ َس َو َما َو َعى َوا ْل َب ْط َن َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ﷺ قال‪« :‬ال ْست ْح َيا ُء م َن اهَّلل َح َّق ا ْل َح َياء َأ ْن ت َْح َف َظ َّ‬
‫ِّرمذي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫خرجه اإلمام أحمد والت‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫َح َوى»‬

‫السمع والبصر وال ِّلسان من‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬


‫و«ح ُ‬
‫حفظ َّ‬ ‫أس َو َما َو َعى»‪ :‬يدخل فيه‬ ‫فظ َّ‬
‫حفظ القلب عن اإلصرار‬ ‫َ‬ ‫يتضمن‬ ‫وما َح َوى»‪:‬‬ ‫فظ ال َب ِ‬ ‫المحرمات‪ِ ،‬‬
‫و«ح ُ‬
‫َّ‬ ‫طن َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫ح َّرمات؛ قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾‬
‫الم َ‬
‫على ُ‬
‫[البقرة‪ ،]٢٣٥ :‬وقد جمع اهلل ذلك ك َّله يف قوله‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫‪-‬أيضا‪ :-‬حفظ البطن من إدخال‬
‫ويتضمن ذلك ً‬
‫َّ‬ ‫ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلسراء‪،]٣٦ :‬‬
‫الحرام إليه من المآكل والمشارب‪.‬‬

‫ويدخل يف ذلك كذلك‪ :‬حفظ ال ِّلسان والفرج؛ ففي حديث أبي هريرة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خرجه‬‫«م ْن َحف َظ َما َب ْي َن َل ْح َي ْيه َو ِر ْج َل ْيه َد َخ َل ا ْل َجنَّة» َّ‬
‫‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫الحاكم(‪.)2‬‬

‫وخرج اإلمام أحمد(‪ )3‬من حديث أبي موسى ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫«م ْن َح ِف َظ َما َب ْي َن ُف ْق َم ْي ِه َو َف ْر َج ُه َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ»‪ ،‬وأمر اهلل ‪ D‬بحفظ الفروج‬
‫َ‬
‫ومدح الحافظين لها‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾‬

‫[النُّور‪ ،]٣٠ :‬وقال اهلل ‪﴿ :D‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٢٤٥٨‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)٣٦٧١‬والت‬
‫«من‬
‫البخاري (‪ )6474‬بلفظ‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫((( أخرجه الحاكم يف المستدرك (‪ ،)8262‬وأصله عند‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْض َم ْن ل ْي َما َب ْي َن َل ْح َي ْيه َو َما َب ْي َن ِر ْج َل ْيه؛ َأ ْض َم ْن َل ُه َ‬
‫الجنَّةَ»‪.‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند (‪.)19559‬‬
‫(‪ )27‬حديث‪« :‬احفظ اهلل حيفظك»‬
‫‪219‬‬

‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب‪ ،]٣٥ :‬وقال اهلل‬


‫‪﴿ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ إلى أن قال سبحانه‪:‬‬
‫﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ﴾ [المؤمنون‪.]٦-٥ :‬‬
‫ومن َح ِف َظ حدود اهلل‪ ،‬وراعى حقو َقه َح ِف َظه اهلل؛ َّ‬
‫فإن الجزاء من جنس‬
‫وح ْف ُظ اهلل ِ للعبد يدخل فيه نوعان‪:‬‬
‫العمل؛ ِ‬

‫أحدهما‪ِ :‬حف ُظ ُه له يف مصالح دنياه؛ كحفظه يف بدنه‪ ،‬وولده‪ ،‬وأهله‪ ،‬وماله؛‬


‫[الرعد‪،]١١ :‬‬
‫قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ َّ‬
‫قال ابن ع َّباس ‪« :L‬هم المالئكة يحفظونه بأمر اهلل‪ ،‬فإذا جاء القدر خ َّلوا‬
‫كل رج ٍل م َل َكين يحفظانه َّ‬
‫مما لم ُيقدَّ ر‪،‬‬ ‫«إن مع ِّ‬
‫عنه»(‪ ،)1‬وقال علي ‪َّ :I‬‬
‫ٌّ‬
‫فإذا جاء القدر خ َّليا بينه وبينه‪َّ ،‬‬
‫وإن األجل ُجنَّة حصينة»(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والنوع الثاني من الحفظ ‪-‬وهو أشرف النَّوعين‪ :-‬حفظ اهلل للعبد يف دينه‬
‫المحرمة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫المض َّلة‪ ،‬ومن َّ‬
‫الشهوات‬ ‫وإيمانه؛ فيحفظه يف حياته من ُّ‬
‫الشبهات ُ‬
‫ويحفظ عليه دينه عند موته؛ فيتو َّفاه على اإليمان‪ ،‬ومن هذا القبيل‪ :‬ما ثبت‬
‫الس َل ِم َق ِ‬ ‫ِ‬
‫اعدً ا‪،‬‬ ‫اح َف ْظني بِ ْ ِ ْ‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ ع َّلمه أن يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ْ‬ ‫يف حديث عمر َّ‬
‫الس َل ِم ر ِاقدً ا‪ ،‬و َل تُطِع فِي عدُ وا ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح َف ْظنِي بِ ْ ِ‬
‫اسدً ا»‬ ‫ْ َّ َ ًّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اح َف ْظني بِ ْ ِ ْ‬
‫ال ْس َل ِم َقائ ًما‪َ ،‬و ْ‬ ‫َو ْ‬
‫خرجه ابن ِح َّبان يف «صحيحه»(‪.)3‬‬ ‫َّ‬
‫((( أخرجه بنحوه ال َّط ُّ‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)458/13‬‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)466/13‬‬ ‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫((( أخرجه ابن ِح َّبان يف صحيحه (‪.)934‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪220‬‬

‫وثبت يف «سنن أبي داود»‪ ،‬و«سنن ابن ماجه» وغيرهما من حديث ابن‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ لم يكن يدَ ُع هؤالء الدَّ عوات حين يمسي وحين‬ ‫عمر ‪َّ I‬‬
‫ك ا ْل َعافِ َي َة فِي الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ك ا ْل َع ْف َو‬ ‫يصبح‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫اي َو َأ ْه ِلي َو َمالِي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْاست ُْر َع ْو َراتِي َو ِآم ْن َر ْو َعاتِي‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َوا ْل َعاف َي َة في ديني َو ُد ْن َي َ‬
‫ي‪َ ،‬و ِم ْن َخ ْل ِفي‪َ ،‬و َع ْن َي ِمينِي‪َ ،‬و َع ْن ِش َمالِي‪َ ،‬و ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫اح َف ْظني م ْن َب ْي ِن َيدَ َّ‬ ‫ال َّل ُه َّم ْ‬
‫ك َأ ْن ُأ ْغت ََال ِم ْن ت َْحتِي»(‪.)1‬‬ ‫َف ْو ِقي‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َع َظ َمتِ َ‬

‫ك»(‪)2‬؛ أي تجده معك حيث‬ ‫ك» ويف رواية‪َ :‬‬


‫«أ َم َام َ‬ ‫اه َ‬ ‫ظ اهَّللَ ت ِ‬ ‫«اح َف ِ‬
‫َجدْ ُه ت َُج َ‬ ‫ْ‬
‫وينصرك‪ ،‬ويحف ُظك‪ ،‬ويوف ُقك‪ ،‬ويسدِّ ُدك‪ ،‬ويد ُّلك إلى‬ ‫ُ‬ ‫توجهت؛ يحو ُطك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ويقر ُبك إليه‪ ،‬ويهديك إلى صراطه المستقيم‪ ،‬ومن الزم ذلك أن‬ ‫ِّ‬
‫كل خير‪ِّ ،‬‬
‫يمنع عنك َّ‬
‫الش َّر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ْت َف ِ‬ ‫ت َف ِ‬
‫ِ‬
‫باإلخالص‬ ‫أمر‬ ‫اس َأل اهَّللَ‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت َعن َ ْ‬
‫استَع ْن بِاهَّلل» فيه ٌ‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا َس َأ ْل َ ْ‬
‫َ‬
‫ستعان َّإل به‪ ،‬وهذا‬ ‫السؤال واالستعانة؛ بأن ال ُي َ‬
‫سأل َّإل اهلل‪ ،‬وال ُي‬ ‫هلل تعالى يف ُّ‬
‫ِ‬
‫والمسكنة‪،‬‬ ‫السائل‪،‬‬ ‫الذ ِّل من َّ‬‫إظهار ُّ‬
‫ُ‬ ‫الس َ‬
‫ؤال فيه‬ ‫ألن ُّ‬‫كل مسلم؛ َّ‬ ‫أمر متع ِّي ٌن على ِّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الضرر‪،‬‬ ‫درة المسؤول على دفع هذا‬ ‫االعرتاف ب ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واالفتقار‪ ،‬وفيه‬ ‫ِ‬
‫والحاجة‪،‬‬
‫واالفتقار َّإل‬ ‫الذ ُّل‬
‫يصلح ُّ‬ ‫المضار‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫ودرء‬ ‫ِ‬
‫وجلب المنافعِ‪،‬‬ ‫وني ِل المطلوب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫هلل وحده؛ ألنَّه حقيق ُة العبود َّية‪.‬‬

‫السؤال واالستعانة‪َ :‬ج ْم ٌع بين الغاية والوسيلة؛ كما يف قوله‬


‫والجمع بين ُّ‬
‫ْ‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)٤٧٨٥‬وأبو داود (‪ ،)٥٠٧٤‬وابن ماجه (‪ ،)٣٨٧١‬والنَّسائِ ُّي‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪،)٥٥٣٠‬‬
‫((( أخرجها أحمد (‪.)2803‬‬
‫(‪ )27‬حديث‪« :‬احفظ اهلل حيفظك»‬
‫‪221‬‬

‫فإياك نعبد‪ :‬غاية؛ كما قال‬


‫‪﴿ :F‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [الفاتحة‪]5:‬؛ َّ‬
‫وإياك نستعين‪:‬‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ َّ‬
‫[الذاريات‪َّ ،]56 :‬‬
‫وسيلة؛ فال يمكن أن تتح َّقق الغاية ا َّلتِي هي العبادة َّإل هبذه الوسيلة وهي عون‬
‫اهلل‪ ،‬وإذا لم يكن ٌ‬
‫عون من اهلل لم يستطع العبد أداءها‪.‬‬

‫الصحابة يقولون‪ :‬واهلل لوال اهلل ما اهتدينا وال صمنا وال ص ِّلينا(‪)1‬؛‬
‫كان َّ‬
‫واهلل ‪ C‬يقول‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [النُّور‪ ،]21 :‬ويقول سبحانه‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬

‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾‬

‫[الحجرات‪.]8-7 :‬‬

‫وك‬‫وك بِ َش ْي ٍء؛ َل ْم َينْ َف ُع َ‬


‫ت َع َلى َأ ْن َينْ َف ُع َ‬ ‫اجت ََم َع ْ‬‫«وا ْع َل ْم َأ َّن األُ َّم َة َل ِو ْ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫وك‬ ‫وك بِ َش ْي ٍء؛ َل ْم َي ُض ُّر َ‬
‫اجت ََم ُعوا َع َلى َأ ْن َي ُض ُّر َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َل ِو ْ‬ ‫إِ َّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َل َ‬
‫ك رفِع ِ‬ ‫ٍ‬
‫أن ذكر َّ‬
‫أن‬ ‫ف» بعد ْ‬ ‫الص ُح ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫ت ْالَ ْق َل ُم َو َج َّف ْ‬ ‫إِ َّل بِ َش ْيء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َع َل ْي َ ُ َ‬
‫مانع‬
‫كل شيء بيده‪ ،‬وأنَّه ال َ‬ ‫أن َّ‬
‫السؤال هلل وحده‪ ،‬واالستعان َة باهلل وحده؛ أخرب َّ‬ ‫ُّ‬
‫خرج عن إرادته ومشيئته‪،‬‬ ‫كل شيء ال َي ُ‬ ‫ل ِ َما أعطى‪ ،‬وال ُمعطي لما منع‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬
‫َ‬
‫يضروه بشيء لم‬ ‫وأن العباد اليمكنهم أن ينفعوه بشيء لم يقدِّ ره اهلل‪ ،‬وال أن ُّ‬ ‫َّ‬
‫شيء يقع أو ال يقع َس َب َق به القضاء والقدر؛ ولهذا قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫وأن َّ‬
‫يقدره اهلل‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫كائن قد ُفرغ منه‪ ،‬وكُتِب؛ ال بدَّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أن َّ‬
‫ف» أي‪َّ :‬‬ ‫«رف َعت ْالَ ْق َل ُم َو َج َّفت ُّ‬
‫الص ُح ُ‬ ‫ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من وقوعه كما كُت َ‬
‫البخاري (‪ ،)6620‬ومسلم (‪.)1803‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪222‬‬
‫ٍ‬
‫شيء مقدَّ ر بكتابته‬ ‫الصحف‪ :‬االنتهاء من ِّ‬
‫كل‬ ‫والمراد برفع األقالم وجفاف ُّ‬
‫يف ال َّلوح المحفوظ؛ فال بدَّ أن يقع وف ًقا لما ُقدِّ ر‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬

‫ﯪ ﯫ﴾ [فاطر‪ ،]2 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ‬

‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [األنعام‪ ،]17 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬

‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [آل عمران‪.]26 :‬‬

‫وهذا يدعو العبدَ إلى أن يكون تع ُّلقه وتو ُّك ُله باهلل وحدَ ه‪ ،‬وتفويضه ألموره‬
‫إلى اهلل وحده‪ ،‬إ َّياه يسأل‪ ،‬وعليه يتوكَّل‪ ،‬يرجو رحمته‪ ،‬ويخاف عذابه‪.‬‬
‫(‪ )28‬حديث‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان»‬
‫‪223‬‬

‫‪28‬‬

‫حديث‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان»‬

‫«المؤ ِم ُن لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن كَا ْل ُبنْ َي ِ‬


‫ان‪َ ،‬ي ُشدُّ‬ ‫ْ‬ ‫عن أبي موسى قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا»(‪.)1‬‬

‫أخوة اإليمان ورابطة الدِّ ين؛ ا َّلتِي هي ُ‬


‫أوثق‬ ‫عظيم يف بيان َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫هذا‬
‫يدل على وجوب التَّضامن بين المسلمين‪،‬‬ ‫الروابط‪ ،‬وأقواها‪ ،‬وأ ْم َتنُها‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫َّ‬
‫ان ْب ِن َب ِش ٍير َق َال‪:‬‬
‫كل خير‪ ،‬و َع ِن النُّعم ِ‬
‫َْ‬ ‫والتَّراحم‪ ،‬والتَّعاطف‪ ،‬والتَّعاون على ِّ‬
‫اح ٍد إِ ِن ْاش َتكَى َر ْأ ُس ُه تَدَ ا َعى َل ُه َسائِ ُر‬
‫ُون كَرج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪« :‬ا ْل ُم ْؤمن َ َ ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫الس َهرِ» رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َج َسد بِا ْل ُح َّمى َو َّ‬
‫يدل على أنَّهم‬ ‫ويف تشبيه المؤمنين بالبناء الواحد والجسد الواحد‪ :‬ما ُّ‬
‫وتراح ِمهم؛ تجتمع كلمت ُُهم‪ ،‬وينتظم ص ُّفهم‪ ،‬و َيس َل ُمون‬
‫ُ‬ ‫بتضا ُمنِهم وتعاونِ ِهم‬
‫عدوهم‪.‬‬
‫شر ِّ‬
‫من ِّ‬
‫أخوة النَّسب؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫أعظم من َّ‬
‫ُ‬ ‫خوة ا َّلتِي تجمعهم شأنُها ومكانتها‬
‫وهذه األُ َّ‬
‫والرابطة فيها عباد ُة اهلل‪ ،‬والغاية منها ُ‬
‫نيل رضا اهلل ‪C‬؛‬ ‫الجامع فيها دي ُن اهلل‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫البخاري (‪ ،)2446‬ومسلم (‪.)٢٥٨٥‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)٢٥٨6‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪224‬‬

‫يعرف‬
‫َ‬ ‫ولهذا كان واج ًبا على ك ُِّل مسلم أن يرعى لهذه ُ‬
‫األخ َّوة ح َّقها‪ ،‬وأن‬
‫أمر ين ُقضها أو ُي ِنق ُصها؛‬
‫كل ٍ‬ ‫يحفظ حرمتها‪ ،‬وأن يتحاشى َّ‬
‫َ‬ ‫لها مكانتها‪ ،‬وأن‬
‫ٍ‬
‫رعاية‬ ‫األخوة يف اهلل تحتاج من أهل اإليمان ومن المتآخين يف الدِّ ين إلى‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫َّ‬
‫والسنَّة يف هذا الباب‬ ‫لئل تنخرم‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫وعناية هبا؛ َّ‬
‫ولئل تنثلم‪ ،‬وبمطالعة الكتاب ُّ‬
‫األخوة و ُتعلي من‬
‫َّ‬ ‫تنوه هبذه‬
‫العظيم؛ نجد آيات وأحاديث عن رسول اهلل ﷺ ِّ‬
‫شأهنا‪ ،‬و ُت َب ِّين موجباهتا ومقتضياهتا‪ ،‬وحقوقها وآداهبا‪.‬‬

‫ومن جوامع ما جاء يف هذا الباب‪ :‬قول اهلل تعالى يف سورة الحجرات يف‬
‫ٍ‬
‫األخوة اإليمان َّية‪ ،‬ومكانتها‪ ،‬وذكر شيء من حقوقها وواجباهتا‪﴿ :‬ﯜ‬ ‫التَّنويه هبذه‬
‫َّ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬

‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬

‫ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬

‫ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾‬
‫[الحجرات‪.]12-10 :‬‬

‫السنَّة يف هذا الباب المبارك‪ :‬ما رواه مسلم يف‬ ‫أج َم ِع ما ورد يف ُّ‬ ‫ومن ْ‬
‫اسدُ وا‪،‬‬ ‫«ل ت ََح َ‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫«صحيحه»(‪ )1‬من حديث أبي هريرة ‪َّ I‬‬
‫ض‪،‬‬ ‫َاج ُشوا‪َ ،‬و َل َت َبا َغ ُضوا‪َ ،‬و َل تَدَ ا َب ُروا‪َ ،‬و َل َيبِ ْع َب ْع ُضك ُْم َع َلى َب ْي ِع َب ْع ٍ‬ ‫َو َل َتن َ‬
‫َوكُونُوا ِع َبا َد اهلل ِ إِ ْخ َوانًا‪ ،‬ا ْل ُم ْس ِل ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْس ِل ِم َل َي ْظ ِل ُم ُه َو َل َيخْ ُذ ُل ُه َو َل َي ْح ِق ُر ُه‪،‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2564‬‬


‫(‪ )28‬حديث‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان»‬
‫‪225‬‬

‫ب ْامرِ ٍئ ِم َن َّ‬
‫الش ِّر َأ ْن‬ ‫ات‪ ،-‬بِ َح ْس ِ‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬و ُيش ُير إِ َلى َصدْ ِره َث َل َ َ َّ‬
‫ِ‬
‫اهنَا َ‬ ‫ال َّت ْق َوى َه ُ‬
‫َي ْح ِق َر َأ َخا ُه ا ْل ُم ْس ِل َم‪ ،‬ك ُُّل ا ْل ُم ْس ِل ِم َع َلى ا ْل ُم ْس ِل ِم َح َرا ٌم؛ َد ُم ُه َو َما ُل ُه َو ِع ْر ُض ُه»؛‬
‫األخوة‬
‫َّ‬ ‫وهذا الحديث من جوامع كلِم نب ِّينا ﷺ يف هذا الباب المبارك؛ ِ‬
‫باب‬
‫ٍ‬
‫ومقتضيات‬ ‫ٍ‬
‫حقوق‬ ‫اإليمان َّية وما تقتضيه وتستوجبه بين أهل اإليمان من‬
‫وواجبات‪.‬‬

‫الم َت َقدِّ مة‪ ،‬وما ذكره النَّبِ ُّي ﷺ يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫و َمن َّ‬
‫مما ُذك َر يف اآليات ُ‬
‫أخل بشيء َّ‬
‫باألخوة ومقتضياهتا؛ َن َق َ‬
‫ص من‬ ‫َّ‬ ‫مما يت َع َّلق‬ ‫الحديث وغيره من أحاديثه َّ‬
‫الشريفة َّ‬
‫لألخوة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫حقوق‬ ‫أخل به من‬ ‫ف من دينه؛ بحسب ما َّ‬ ‫وض ُع َ‬
‫إيمانه‪َ ،‬‬

‫عظيما‪ ،‬وصل ًة وثيقة ال يمكن‬


‫ً‬ ‫واإليمان ُيثمر يف أهله تآخ ًيا وتآل ًفا وتوا ًّدا‬
‫مستمرة‪ ،‬غير‬
‫َّ‬ ‫أن تتح َّقق بين النَّاس يف ِّ‬
‫أي رابطة أخرى أ ًّيا كانت‪ ،‬وهي رابطة‬
‫الصالت األخرى فهي منقطعة مهما كانت‬
‫منقطعة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬أ َّما ِّ‬
‫ُق َّوهتا؛ قال تعالى‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ ُّ‬
‫[الزخرف‪:‬‬

‫‪ ،]67‬وقال ‪﴿ :C‬ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [البقرة‪ ]166 :‬؛ أي‪ :‬أسباب األُ َّ‬


‫خوة‬
‫َّصرم واالنقطاع َّإل التَّآخي يف اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫والصلة؛ ولهذا‪ُّ :‬‬
‫كل عالقة وتآخٍ مآله إلى الت ُّ‬ ‫ِّ‬

‫وقد َّنوه اهلل ‪ E‬بأهل اإليمان لتواصيهم بالمرحمة قال تعالى‪:‬‬


‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [البلد‪ ،]17 :‬والمراد بالمرحمة‪ :‬التَّراحم بين‬
‫بعضا‪،‬‬ ‫الرحمة؛ يرحم بعضهم ً‬ ‫أهل اإليمان‪ ،‬وأن تكون قلوهبم منطوية على َّ‬
‫ِِ‬
‫ين‬‫«م َث ُل ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫وص ُف ُهم يف الحديث‪َ :‬‬ ‫ويعطف بعضهم على بعض؛ كما تقدَّ م ْ‬
‫اح ِم ِه ْم‪َ ،‬و َت َعا ُط ِف ِه ْم َم َث ُل ا ْل َج َس ِد إِ َذا ْاش َتكَى ِمنْ ُه ُع ْض ٌو تَدَ ا َعى َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في ت ََوا ِّده ْم‪َ ،‬وت ََر ُ‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪226‬‬

‫الس َهرِ َوا ْل ُح َّمى»(‪ ،)1‬وقد ضرب أصحاب النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪O‬‬ ‫َسائ ُر ا ْل َج َسد بِ َّ‬
‫‪-‬وهم خير ُأ َّمته‪ -‬يف هذا الباب أروع األمثلة‪ ،‬وح َّققوا فيه رفيع المقامات‪.‬‬

‫وقد َّنوه اهلل ‪ E‬بذلك يف القرآن‪ ،‬قال يف سورة الفتح يف تمامها‪:‬‬


‫﴿ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [الفتح‪ ،]29 :‬أي‪ :‬يرحم‬
‫ببعض‪ ،‬ويعطٍ ُ‬
‫ف بعضهم على بعض‪ ،‬آما ُلهم‬ ‫ٍ‬ ‫بعضا‪ ،‬ويرأف بعضهم‬
‫بعضهم ً‬
‫وأتراح ُهم واحدة؛ كالجسد‬
‫ُ‬ ‫أفراح ُهم واحدة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واحدة‪ ،‬وآال ُمهم واحدة‪،‬‬
‫بعض ِه‪ ،‬ويفرح لفرح‬
‫أن الجسد الواحد يأ َلم أللم ِ‬
‫ُ‬ ‫الواحد‪ ،‬ومن المعلوم‪َّ :‬‬
‫بعضه‪ ،‬وهكذا ينبغي أن تكون حال أهل اإليمان‪.‬‬
‫وإذا ضعف فيهم هذا الخلق؛ فهو من َض ِ‬
‫عف إيماهنم؛ َّ‬
‫ألن من مقتضيات‬ ‫ُ‬
‫أخوة اإلسالم ولوازمها‪ :‬التَّراحم بين أهله‪ ،‬وأن يكونوا هبذه المثابة كالجسد‬ ‫َّ‬
‫«ل ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم‬
‫بعضا‪ ،‬وقد قال ﷺ‪َ :‬‬
‫الواحد‪ ،‬وأن يكونوا كالبنيان يشدُّ بعضه ً‬
‫حب لِ َن ْف ِس ِه»(‪)2‬؛ ٌّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لنفسه من إخوانه أن يرحموه‪،‬‬ ‫وكل ُيح ُّ‬ ‫ب لَخيه َما ُي ُّ‬
‫َحتَّى ُي َّ‬
‫وأن تكون قلوهبم منطوي ًة على رحمته‪ ،‬وال يريد أن تنطوي قلوب إخوانه عليه‬
‫مكر أو غير ذلك‪ ،‬وما ال يرضاه لنفسه من‬ ‫كيد‪ ،‬أو ٍ‬ ‫غل‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حسد‪ ،‬أو ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بحقد‪ ،‬أو‬
‫األخالق؛ فيجب عليه َّأل يرضاه لآلخرين‪ ،‬وما ال ي ِ‬
‫ح ُّبه لنفسه يجب عليه َّأل‬ ‫ُ‬
‫يرض‬ ‫خ َط لذلك‪ ،‬ولم َ‬ ‫حبه لآلخرين؛ فإنَّه إذا عومل يوما بغير الرحمة؛ س ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ُي ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ألن النُّفوس تأبى َّ‬
‫والرحمة‪.‬‬
‫العطف َّ‬ ‫َ‬ ‫كل خصلة ُت َجان ُ‬
‫ب‬ ‫بذلك؛ َّ‬

‫ولهذا‪ :‬كان ُمتَأ ِّكدً ا على المسلم أن يعامل إخوانه بالمعاملة ال َّط ِّيبة الكريمة‬
‫البخاري (‪ ،)٦٠١١‬ومسلم (‪ )٢٥٨٦‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫البخاري (‪ ،)13‬ومسلم (‪.)45‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫(‪ )28‬حديث‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان»‬
‫‪227‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّراحم‪،‬‬
‫ب أن يعا َمل هبا‪ ،‬وأساس ذلك بين أهل اإليمان‪ :‬الت ُّ‬ ‫الفاضلة ا َّلتي ُيح ُّ‬
‫الرحمة يف القلوب‪ ،‬فإذا َر ِح َم المسلم إخوانه؛ عاملهم بالمعاملة‬ ‫ووجود َّ‬
‫الحسنة ال َّط ِّيبة‪.‬‬

‫ومن أسماء نب ِّينا ‪ O‬وألقابه المنيفة صلوات اهلل وسالمه‬


‫الرحمة»؛ كما جاء يف «صحيح مسلم»(‪ )1‬من حديث أبي موسى‬ ‫عليه‪َ « :‬نبِ ُّي َّ‬
‫ول اهللِ ﷺ ُي َس ِّمي َلنَا َن ْف َس ُه َأ ْس َما ًء‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫«أنَا ُم َح َّمدٌ ‪،‬‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫األشعري قال‪ :‬ك َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمة»‪ ،‬وهو ‪O‬‬ ‫َو َأ ْح َمدُ ‪َ ،‬وا ْل ُم َق ِّفي‪َ ،‬وا ْل َحاش ُر‪َ ،‬و َنبِ ُّي الت َّْو َبة‪َ ،‬و َنبِ ُّي َّ‬
‫الرحمة‪.‬‬ ‫نبي َّ‬‫ُّ‬
‫ً‬
‫َّأول‪ :‬يف ُخ ُلقه هو ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [التَّوبة‪﴿ ،]128 :‬ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [آل عمران‪.]159 :‬‬

‫الم َت َك ِّررة‪ ،‬ونصحه المتواصل ألُ َّمته أن يكونوا مرتاحمين‪،‬‬


‫وثانيا‪ :‬يف دعوته ُ‬
‫ً‬

‫َّراحم‪ ،‬وح ًّثا على ذلك‪،‬‬


‫بالرحمة والت ُّ‬
‫أمرا َّ‬
‫واألحاديث عنه يف هذا الباب كثيرة؛ ً‬
‫الرحمة من قلب‬ ‫أن انتزاع َّ‬ ‫وأنَّه ُخ ُل ُق أه ِل اإليمان‪ ،‬بل ب َّين ‪َّ O‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الر ْح َم ُة إِ َّل ِم ْن َش ِق ٍّي»‬
‫«ل ُتنْز َُع َّ‬‫دليل على شقائه‪ ،‬قال ‪َ :O‬‬ ‫اإلنسان ٌ‬
‫أن من انت ُِزعت من‬ ‫الر ْح َم ِة»‪َّ :‬‬ ‫وحسنه‪ ،‬ويؤخذ من قوله‪َ :‬‬
‫«أنَا َنبِ ُّي َّ‬ ‫ِّرمذي َّ‬
‫ُّ‬ ‫رواه الت‬
‫الرحمة؛ فهذا من خل ٍل يف ا ِّتباع إمام ُّ‬
‫الر َحماء صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬ ‫قلبه َّ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2355‬‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)1923‬وأبو داود (‪،)4942‬‬
‫ُّ‬ ‫((( رواه الت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪228‬‬

‫الرحمة تجلب للقلب سعاد ًة وراحةً‪ ،‬وتجعل للمرء يف قلوب‬ ‫وهذه َّ‬
‫ِ‬
‫ويحسن‬ ‫يرحمها‪،‬‬ ‫ألن القلوب ُجبلت على مح َّبة َمن‬ ‫اآلخرين مح َّب ًة واحرتا ًما؛ َّ‬
‫ُ‬
‫ممن كان غلي ًظا ف ًّ‬
‫ظا‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭙ‬ ‫وجبلت على النُّفرة َّ‬
‫إليها‪ ،‬ويعطف عليها‪ُ ،‬‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [آل عمران‪.]159 :‬‬

‫األشعري ‪ I‬أنَّه سمع النَّبِ َّي ﷺ‬


‫ِّ‬ ‫وروى ال َّطربانِ ُّي عن أبي موسى‬
‫اح ُموا»‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ك ُّلنا رحيم‪ ،‬قال‪« :‬إِ َّن ُه‬ ‫ِ‬
‫يقول‪َ « :‬ل ْن ت ُْؤمنُوا َحتَّى ت ََر َ‬
‫َّاس َر ْح َم ُة ال َع َّام ِة»(‪.)1‬‬
‫اح َب ُه‪َ ،‬و َلكِن ََّها َر ْح َم ُة الن ِ‬
‫َليس بِرحم ِة َأح ِدكُم ص ِ‬
‫ْ َ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫فينبغي على المسلم أن يكون مراع ًيا لحقوق إخوانه المسلمين‪ُ ،‬مح ًّبا‬
‫رحيما هبم‪َ ،‬عطو ًفا عليهم‪ ،‬داع ًيا لهم بالتَّوفيق َّ‬
‫والسداد‪ ،‬والخير‬ ‫ً‬ ‫الخير لهم‪،‬‬
‫َ‬
‫والصالح واالستقامة؛ َّ‬
‫ألن حاج َة الجمي ِع إلى ذلك مشت ََر َكةٌ؛ فكما‬ ‫والفالح‪َّ ،‬‬
‫بحاجة إلى دعوات إخوانه المسلمين؛ فكذلك إخوانه المسلمون‬ ‫ٍ‬ ‫المسلم‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫«والجميع مشرتكون يف الحاجة ‪-‬بل‬
‫ُ‬ ‫بحاجة إلى ذلك‪ ،‬قال اب ُن الق ِّيم ‪: V‬‬
‫حب [أي‪ :‬المسلم] أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعفوه ورحمته‪ ،‬فكما ُي ُّ‬ ‫مغفرة اهلل‬ ‫الضرورة‪ -‬إلى‬‫يف َّ‬
‫يستغفر ألخيه المسلم‪،‬‬
‫َ‬ ‫أيضا ينبغي أن‬
‫المسلم؛ كذلك هو ً‬
‫ُ‬ ‫ستغفر له أخوه‬ ‫َ‬ ‫َي‬
‫ولوالدي وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين‬ ‫رب اغفر لي‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫فيصير ه ِّج َيرا ُه‪ِّ :‬‬
‫والمؤمنات»(‪.)2‬‬

‫َّسائي‬
‫الزوائد (‪ ،)12731‬والحاكم (‪ ،)7498‬والن ُّ‬ ‫((( أخرجه ال َّطربانِ ُّي كما يف مجمع َّ‬
‫«السنن الكربى» (‪ ،)5928‬وقال األلبانِ ُّي‪« :‬حسن لغيره» كما يف صحيح التَّرغيب‬ ‫يف ُّ‬
‫والتَّرهيب (‪.)2253‬‬
‫السعادة البن الق ِّيم (‪.)844/2‬‬‫((( انظر‪ :‬مفتاح دار َّ‬
‫(‪ )28‬حديث‪« :‬املؤمن للمؤمن كالبنيان»‬
‫‪229‬‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫ﭚ ﭛ﴾ [الحشر‪ ،]10 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾‬

‫[محمد‪.]19 :‬‬
‫َّ‬

‫الواردة يف هذا الدُّ عاء العظيم‪ :‬ما ثبت يف «المعجم الكبير»‬ ‫ِ‬ ‫ومن األجور‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الصامت ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫لل َّطربان ِّي بإسناد حسن عن ُعبادة بن َّ‬
‫َب اهللُ َل ُه بِك ُِّل ُم ْؤ ِم ٍن َو ُم ْؤ ِمن ٍَة َح َسنَةً»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫«م ِن ْاس َت ْغ َف َر ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين َوا ْل ُم ْؤمنَات؛ َكت َ‬ ‫َ‬
‫والرابطة الدِّ ين َّية العظيمة؛ ال يجوز أن ُتهدَ ر‬
‫األخوة اإليمان َّية‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن هذه‬ ‫َّ‬
‫وأن َت ِضيع استنا ًدا إلى بعض الحظوظ الدُّ نيو َّية‪ ،‬وكم يقع بين ٍ‬
‫كثير من النَّاس‪،‬‬
‫الشيطان مِ ْن خالل بعض الحظوظ‬ ‫المت ََحا ِّبين أن يدخل عليهم َّ‬
‫بل بين كثير من ُ‬
‫قطيعة بينهم‪ ،‬وعداوة‪ ،‬وشحناء‪ ،‬وبغضاء‪ ،‬تبقى والعياذ‬ ‫ٍ‬ ‫الدُّ نيو َّية؛ فيقعوا يف‬
‫درج أحدهما يف قربه‪.‬‬
‫باهلل إلى أن ُي َ‬
‫وإنَّها لمصيب ٌة عظيم ٌة أن ُي َخ َّل هبذه األُ ُخ َّوة اإليمان َّية هذا اإلخالل‪ ،‬وأن‬
‫«الصحيحين»‬ ‫ُت َض َّيع هبذه ال َّطريقة ألجل بعض الحظوظ الدُّ نيو َّية؛ ولهذا جاء يف َّ‬
‫ث‪ ،‬ي ْلت َِق َي ِ‬
‫ٍ‬ ‫عن نبينا ﷺ أنَّه قال‪ِ ِ ِ َ :‬‬
‫ان َف َي ُصدُّ‬ ‫«ل َيح ُّل ل ُم ْسل ٍم َأ ْن َي ْه ُج َر َأ َخا ُه َف ْو َق َث َل َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الس َلمِ»(‪.)2‬‬ ‫َه َذا َو َي ُصدُّ َه َذا‪َ ،‬و َخ ْي ُر ُه َما ا َّلذي َي ْبدَ ُأ بِ َّ‬
‫وروى مسلم(‪ )3‬عن َأبِي هرير َة ‪َ I‬أ َّن رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪ُ « :‬ت ْفت َُح َأ ْب َو ُ‬
‫اب‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬

‫((( أخرجه ال َّطربانِ ُّي يف «مسند َّ‬


‫الشام ِّيين» (‪.)2155‬‬
‫البخاري (‪ )٦٢٣٧‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)٢٥٦٠‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2565‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪230‬‬

‫يس‪َ ،‬ف ُي ْغ َف ُر لِك ُِّل َع ْب ٍد َل ُي ْشرِ ُك بِاهَّلل ِ َش ْيئًا‪ ،‬إِ َّل َر ُج ًل‬
‫ال ْثنَ ْي ِن َو َي ْو َم ا ْلخَ ِم ِ‬
‫ا ْل َجن َِّة ي ْو َم ْ ِ‬
‫َ‬
‫َت َب ْينَ ُه َو َب ْي َن َأ ِخ ِيه َش ْحنَا ُء‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪َ :‬أنْظِ ُروا َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحا‪َ ،‬أنْظِ ُروا‬ ‫كَان ْ‬
‫َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحا‪َ ،‬أنْظِ ُروا َه َذ ْي ِن َحتَّى َي ْص َط ِل َحا»‪.‬‬
‫َّ‬
‫ويتصدق وهو خياف أن ال يقبل منه»‬ ‫(‪ )29‬حديث‪« :‬الرَّجل يصوم ويصلِّي‬
‫‪231‬‬

‫‪29‬‬

‫َّ‬
‫ويتصدق‬ ‫«الرجل يصوم ويصلِّي‬
‫حديث‪َّ :‬‬
‫وهو خياف أن ال يقبل منه»‬

‫ِ‬
‫َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهلل! ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫«ل َيا‬ ‫الر ُج ُل َي ْزنِي َو َي ْس ِر ُق َو َي ْش َر ُب ا ْل َخ ْم َر؟ َق َال‪َ :‬‬


‫ﭖ﴾ [المؤمنون‪]60 :‬؛ َأ ُه َو َّ‬
‫اف َأ ْن َل ُي ْق َب َل‬
‫الر ُج ُل َي ُصو ُم َو ُي َص ِّلي َو َيت ََصدَّ ُق َو ُه َو َيخَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الصدِّ ِ‬ ‫بِن َ‬
‫يق؛ َو َلكنَّ ُه َّ‬ ‫ْت ِّ‬
‫ِمنْ ُه»(‪.)1‬‬

‫جليلة من صفات أهل اإليمان؛ أال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫صفة‬ ‫يف هذا الحديث العظيم ِذك ُْر‬
‫وو ِجلوا من‬ ‫ِ‬
‫وهي أنَّهم مع إحساهنم يف ال َع َم ِل وال َّت َع ُّبد هلل ‪F‬؛ قد خافوا َ‬
‫نفس ِه ي ِ‬
‫شف ُقون أن ال‬ ‫الوقت ِ‬
‫ِ‬ ‫وسخطِ ِه‪ُ ،‬يحسنون يف أعمالهم‪ ،‬ويف‬
‫ُ‬ ‫عذاب اهلل َ‬
‫ٍ‬
‫عبادات‬ ‫ُتقبل منهم‪ ،‬وهذه حال المؤمنين ال ُك َّمل؛ ُي َقدِّ مون ما ُيقدِّ ُمون من‬
‫عذاب‬ ‫ٍ‬
‫وطاعات‪ ،‬و ُقلو ُبهم خائف ٌة أن ُت َر َّد عليهم أعما ُلهم‪ ،‬ف ُيصيبهم بعد ذلك‬
‫ٌ‬
‫من اهلل ‪.E‬‬

‫العكربي ‪« :V‬أ َما َت َرون ‪-‬رحمكم اهلل‪ -‬إلى َّ‬


‫الرجل من‬ ‫ُّ‬ ‫قال ابن ب َّطة‬
‫ٍ‬
‫جماعة ويف‬ ‫فأتمها وأكم َلها‪ُ ،‬‬
‫ور َّب َما كانت يف‬ ‫الصالة َّ‬‫المسلمين قد ص َّلى َّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)٣١٧٥‬وابن ماجه (‪،)٤١٩٨‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪232‬‬

‫وقتها‪ ،‬وعلى تمام طهارهتا‪ ،‬فيقال له‪ :‬ص َّليت؟ فيقول‪ :‬قد ص َّليت إن قبلها‬
‫اهلل‪ ،‬وكذلك القوم يصومون شهر رمضان‪ ،‬فيقولون يف آخره‪ :‬صمنا إن كان‬
‫حج ِه وعمرته‬ ‫ٍ‬
‫حجة بعد فراغه من ِّ‬
‫ِ‬
‫اهلل قد تق َّبله منَّا‪ ،‬وكذلك يقول َمن َقد َم من َّ‬
‫ِ‬
‫حججنا‪ ،‬ما بقي‬ ‫وقضاء جميع مناسكه؛ إذا ُسئ َل عن ِّ‬
‫حجه؛ إن ََّما يقول‪ :‬قد َ‬
‫ٍ‬
‫لبعض‪ :‬ال َّل ُه َّم تق َّبل‬ ‫غير ال َقبول‪ ،‬وكذلك دعاء النَّاس ألنفسهم‪ ،‬ودعاء بعضهم‬
‫وزكَّى عملك‪،‬‬ ‫الحاج‪ ،‬ف ُيقال له‪َ :‬قبِ َل اهلل َّ‬
‫حجك‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫صومنا وزكاتنا‪ ،‬وبذلك ُيل َقى‬
‫لبعض‪َ :‬قبِ َل اهلل‬
‫ٍ‬ ‫وكذا يتالقى النَّاس عند انقضاء شهر رمضان‪ ،‬فيقول بعضهم‬
‫وأخذه َخ َل ُفهم‬
‫َ‬ ‫منَّا ومنك‪ ،‬هبذا مضت ُسنَّة المسلمين‪ ،‬وعليه جرت عاداهتم‪،‬‬
‫عن س َل ِف ِهم»(‪.)1‬‬

‫السلف يشتدُّ خوفهم من قوله تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾‬


‫وكان َّ‬
‫خالصا‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫ممن ا َّتقاه يف ذلك العمل؛ بأن يكون ً‬
‫عمل‬ ‫[المائدة‪]27 :‬؛ أي‪َّ :‬‬
‫للسنَّة؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫لوجه اهلل‪ ،‬وأن يكون موافقا ُّ‬
‫ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ﴾ [الكهف‪.]110 :‬‬

‫وكان عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬يقول يف دعائه‪« :‬ال َّل ُه َّم اجعل عملي ك َّله‬
‫ألحد فيه شي ًئا»(‪ ،)2‬وال يجزم‬ ‫ٍ‬ ‫خالصا‪ ،‬وال تجعل‬ ‫صالحا‪ ،‬واجعله لوجهك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الواحد منهم ب َقبول أعماله‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب ‪« :V‬ولهذا كانت هذه اآلية يشتدُّ منها خوف‬

‫((( انطر‪« :‬اإلبانة الكربى» البن بطه (‪.)871/2‬‬


‫«الزهد» (‪.)617‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف ُّ‬
‫َّ‬
‫ويتصدق وهو خياف أن ال يقبل منه»‬ ‫(‪ )29‬حديث‪« :‬الرَّجل يصوم ويصلِّي‬
‫‪233‬‬

‫المتَّقين ا َّل ِذين يتق َّبل منهم»(‪.)1‬‬


‫السلف على نفوسهم‪ ،‬فخافوا أن ال يكونوا من ُ‬
‫َّ‬
‫عن َت ِميم بن مالك المقري‪ ،‬قال‪« :‬سمعت أبا الدَّ رداء ‪ I‬يقول‪ :‬ألن‬
‫أحب إلي من الدُّ نيا وما فيها؛ َّ‬
‫إن اهلل‬ ‫َّ‬
‫أستيقن أن اهلل قد تق َّبل منِّي صالة واحدة ُّ َّ‬
‫يقول‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [المائدة‪.)2(»]27 :‬‬
‫وعن هشام بن يحيى عن أبيه قال‪« :‬دخل ٌ‬
‫سائل إلى ابن عمر ‪ L‬فقال‬
‫فلما انصرف قال ابنه‪ :‬تق َّبل اهلل منك يا أبتاه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫دينارا‪ ،‬فأعطاه‪َّ ،‬‬
‫البنه‪ :‬أعطه ً‬
‫أحب‬
‫غائب َّ‬
‫ٌ‬ ‫علمت َّ‬
‫أن اهلل تق َّبل منِّي سجدة واحدة أو صدقة درهم؛ لم يكن‬ ‫ُ‬ ‫لو‬
‫ممن يتق َّبل اهلل ﴿ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾»(‪.)3‬‬
‫إلي من الموت‪ ،‬تدري َّ‬
‫َّ‬
‫اهلل تق َّبل منِّي‬
‫أن َ‬ ‫وعن فضالة بن عبيد ‪ I‬أنَّه كان يقول‪« :‬ألن أعلم َّ‬
‫أحب إلي من الدُّ نيا وما فيها؛ َّ‬
‫ألن اهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﮙ‬ ‫مثقال ح َّبة من خردل ُّ‬
‫َّ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾»(‪.)4‬‬
‫ِ‬
‫ول‪‌« :‬ال َّل ُه َّم‌تق َّبل‌منِّي‌صالة يوم‪‌،‬ال َّل َّ‬
‫هم‬ ‫َان ُم َط ِّرف بن عبد اهلل ‪َ V‬ي ُق ُ‬
‫وك َ‬
‫ثم يقول‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫‌تق َّبل ‌منِّي صوم يوم‪ ،‬ال َّل ُه َّم اكتب لي حسنة‪َّ ،‬‬
‫ﮝ﴾»(‪.)5‬‬

‫وهذه الحال العل َّية ا َّلتِي كانوا عليها رضي اهلل عنهم ورحمهم‪ :‬هي الحال‬

‫((( انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم البن رجب (ص‪.)232‬‬


‫((( ذكره ابن كثير يف «تفسير القرآن العظيم» (‪ ،)372/3‬وعزاه إلى ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫((( أخرجه ابن عساكر يف تاريخ دمشق (‪.)146/31‬‬
‫والرقائق (ص‪.)19‬‬
‫الزهد َّ‬
‫((( أخرجه ابن المبارك يف ُّ‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪.)37854‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪234‬‬
‫ِ‬
‫ا َّلتي ن َعت اهلل ‪ E‬هبا المؤمنين َّ‬
‫الكمل يف قوله‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ‬
‫ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ﴾ [المؤمنون‪ ،]61-57 :‬فذكر من جملة أوصافهم‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ﴾‪.‬‬

‫وقد تقدَّ م سؤال أ ِّم المؤمنين عائشة ‪ J‬النَّبِ َّي ﷺ عن هذه اآلية حيث‬
‫الر ُج ُل َي ْزنِي َو َي ْس ِر ُق َو َي ْش َر ُب ا ْل َخ ْم َر؟ أي‪ :‬يعملون‬
‫قالت‪ :‬يا رسول اهلل َأ ُه َو َّ‬
‫«ل َيا ا ْبنَ َة‬ ‫ما يعملون من هذه المعاصي وهم يخافون أن ُي َع َّذبوا عليها؟ َق َال‪َ :‬‬
‫اف َأ ْن َل ُي َت َق َّب َل‬
‫الر ُج ُل َي ُصو ُم‪َ ،‬و َيت ََصدَّ ُق‪َ ،‬و ُي َص ِّلي ‪َ ،‬و ُه َو َيخَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الصدِّ ِ‬
‫يق‪َ ،‬و َلكنَّ ُه َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِمنْ ُه»(‪)1‬؛ َّ‬
‫ألن مر َّد العمل يف قبوله إلى تحقيق تقوى اهلل يف العمل‪ ،‬فإذا ُح ِّققت‬
‫التَّقوى يف العمل حصل القبول؛ كما تقدَّ م يف اآلية‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾‬
‫ِ‬
‫فمن ا َّتقى اهلل يف‬ ‫أي‪ :‬يتق َّبل العمل ا َّلذي قاموا به إذا ا َّتقوا اهلل فيه؛ إن كان ًّ‬
‫حجا‪َ :‬‬
‫حجه‪ ،‬وإن كان صالةً‪ :‬قبلت صالته‪ ،‬وإن كان صيا ًما‪ُ :‬قبِل صيامه‪،‬‬ ‫حجه ُقبل ِّ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫عبادة إنَّما يتق َّبلها اهلل من العامل إذا ا َّتقى اهلل فيها‪.‬‬ ‫إلى غير ذلك‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬

‫والضابط يف تحقيق تقوى اهلل يف العمل‪:‬‬


‫َّ‬

‫خالصا هلل‪ ،‬مواف ًقا ُ‬


‫لسنَّة رسول اهلل ﷺ؛ هذه حقيقة تقوى اهلل‬ ‫ً‬ ‫أن يقع العمل‬
‫خالصا هلل لم ُي َرد به َّ‬
‫إل اهلل‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :E‬ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ً‬ ‫يف العمل‪ :‬أن يقع‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الب ِّينة‪.]5 :‬‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)٣١٧٥‬وابن ماجه (‪،)٤١٩٨‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫َّ‬
‫ويتصدق وهو خياف أن ال يقبل منه»‬ ‫(‪ )29‬حديث‪« :‬الرَّجل يصوم ويصلِّي‬
‫‪235‬‬

‫وأساس متين‪ ،‬ال يكون َقبول للعمل َّإل به؛ ولهذا جاء يف‬ ‫ٌ‬ ‫فهذا ٌ‬
‫أصل‬
‫الش ْر ِك‪َ ،‬م ْن‬
‫َاء َع ِن ِّ‬ ‫الشرك ِ‬
‫«أنَا َأ ْغنَى ُّ َ‬‫أن اهلل ‪ F‬يقول‪َ :‬‬ ‫الحديث القدسي َّ‬
‫ِّ‬
‫َع ِم َل َع َم ًل َأ ْش َر َك فيه َمع َي َغ ْيرِي؛ ت ََر ْك ُت ُه َوش ْر َك ُه»(‪ ،)1‬ومعنى «ت ََر ْك ُت ُه َوش ْر َك ُه»‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ألن اهلل ‪ E‬ال يقبل من العمل َّإل‬ ‫رددت عليه عمله ولم أقبله منه؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫أي‪:‬‬
‫ِ‬
‫والسمعة وغير ذلك‪ :‬فهذا‬‫الخالص ‪ ،‬أ َّما العمل ا َّلذي وقع على وجه المراءاة ُّ‬
‫(‪)2‬‬

‫مردو ٌد على العامل غير مقبول منه؛ فال ُيقبل َّإل إذا أريدَ‬
‫به وج ُه اهلل ‪E‬‬

‫و ُأخلِص به هلل‪ ،‬و ُأيت به صاف ًيا نق ًّيا ال ُيراد به َّإل اهلل ‪.E‬‬
‫َّ‬
‫للرسول ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫واألمر الثاني‪ :‬المتابعة َّ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [المائدة‪]3 :‬؛ فال َيق َبل اهلل سبحانه‬
‫الموافق لهذا الدِّ ين ا َّل ِذي رض َيه سبحانه لعباده‪ ،‬وال يرضى لهم‬ ‫َ‬ ‫من العمل َّإل‬
‫«م ْن َع ِم َل‬
‫أن النَّبِ َّي ‪ O‬قال‪َ :‬‬ ‫صح يف الحديث َّ‬ ‫دينًا سواه؛ ولهذا‪َّ :‬‬
‫َع َم ًل َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(‪ .)3‬فإذا لم يكن العمل على أمر النَّبِ ِّي ووفق سنَّته‬
‫خالف التَّقوى؛ فيكون مردو ًدا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ O‬فهو‬

‫خالصا هلل‪ ،‬مواف ًقا ُّ‬


‫للسنَّة‪ ،‬قال الفضيل‬ ‫املتقبل‪ :‬أن يكون وقع‬
‫َّ‬
‫ً‬ ‫فعالمة العمل‬
‫ابن عياض ‪ V‬فِي َق ْول ِ ِه‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الملك‪َ ]2 :‬ق َال‪ْ :‬‬
‫«أخ َل ُصه‬
‫خالصا ولم يكن صوا ًبا لم ُيقبل‪ ،‬وإذا كان صوا ًبا‬
‫ً‬ ‫وأص َو ُبه‪َّ ...‬‬
‫إن العمل إذا كان‬ ‫ْ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2985‬‬
‫حسنه األلبانِي‪َّ :‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َّن اهللَ لَ‬ ‫ِ‬
‫((( أخرج النَّسائ ُّي (‪ )3140‬بإسناد َّ‬
‫ُّ‬
‫َي ْق َب ُل ِم َن ال َع َم ِل إِ َّل َما ك َ‬
‫َان َخالِ ًصا‪َ ،‬وا ْبت ُِغ َي بِ ِه َو ْج ُه ُه»‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1718‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪236‬‬

‫خالصا صوا ًبا‪ ،‬والخالص‪ :‬ما كان هلل‪،‬‬


‫ً‬ ‫خالصا لم ُيقبل؛ حتَّى يكون‬
‫ً‬ ‫ولم يكن‬
‫السنَّة»(‪.)1‬‬
‫والصواب‪ :‬ما كان على ُّ‬
‫َّ‬
‫اد ًقا فِي إخالصه الدِّ ين هلل‪َ ،‬أو َأن‬
‫يخاف فِي َأعماله َأن َل يكون ص ِ‬
‫َ‬ ‫فالسعيد َ‬ ‫َّ‬
‫َل تكون ُم َوافِ َقة لما َأمر اهلل بِ ِه على ل ِ َسان َر ُسوله ﷺ‪.‬‬

‫إحسان وشفقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫«إن المؤمن جمع بين‬ ‫البصري ‪َّ :V‬‬ ‫قال الحسن‬
‫ُّ‬
‫والفاجر جمع إساء ًة وأمنًا»(‪)2‬؛ أي‪ :‬يسيء يف العمل‪ ،‬ويف الوقت نفسه آمن‪،‬‬
‫بينما المؤمن يحسن يف العمل‪ ،‬ويجتهد يف إتقانه وتكميله وتتميمه‪ ،‬ويف الوقت‬
‫نفسه ال يزال يرى نفسه ُم َق ِّص ًرا؛ فيخاف َّأل يقبل‪.‬‬

‫وهذا هو الكمال‪ :‬أن يجتهد يف أداء الفرائض‪ ،‬ويستكثر من النَّوافل‪ ،‬ويرى‬


‫نفسه ُم َق ِّص ًرا ُم َف ِّر ًطا‪ ،‬وإذا كان اإلنسان بهذه ِّ‬
‫الصفة ‪-‬مجتهدً ا يف العمل‪ ،‬ويف‬
‫الوقت نفسه يرى نفسه ُم َق ِّص ًرا ُم َف ِّر ًطا‪ -‬يحصل بذلك فائدتين عظيمتين‪:‬‬
‫اجتهاده يف األعمال؛ ينفي عنه الكسل‪.‬‬

‫ورؤية تقصيره؛ تنفي عنه العجب ا َّل ِذي يبطل األعمال ويفسدها‪.‬‬

‫َف َج َم َع ُ‬
‫اهلل لهم بين مقامين عظيمين‪ :‬مقام اإلحسان يف العمل‪ ،‬واإلجادة يف‬
‫ال َّطاعة‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ :‬الخوف من اهلل ‪َّ E‬أل ُتتق َّبل منهم أعمالهم‪.‬‬

‫اهلل ‪﴿ : C‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾‬


‫قال ُ‬
‫[البقرة‪ ،]127 :‬هذا دعاء مبارك قااله يف حال بنائهما البيت؛ كما جاء عن ابن‬
‫((( أخرجه أبو نعيم يف «الحلية» (‪.)95/8‬‬
‫«الزهد» (‪.)985‬‬
‫((( أخرجه ابن المبارك يف ُّ‬
‫َّ‬
‫ويتصدق وهو خياف أن ال يقبل منه»‬ ‫(‪ )29‬حديث‪« :‬الرَّجل يصوم ويصلِّي‬
‫‪237‬‬

‫ع َّباس ‪ L‬قال‪« :‬هما يرفعان القواعد من البيت ويقوالن‪﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬


‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [البقرة‪)1(»]127 :‬؛ فهما يف عم ٍل صالحٍ جليلٍ‪ ،‬قاما‬
‫به بأمر اهلل‪ ،‬ويسأالن ر َّبهما أن يتق َّبل منهما ما هما فيه من ال َّطاعة العظيمة‪،‬‬
‫والسعي المشكور‪.‬‬
‫َّ‬
‫الموحدين ‪S‬؛ يبني بيت اهلل ‪D‬‬
‫ِّ‬ ‫فتأ َّمل حال إمام الحنفاء‪ ،‬وقدوة‬
‫وبأمره سبحانه‪ ،‬وهو خائف َّأل ُي ْق َب َل‪.‬‬

‫الرحمن!‬
‫وقد قرأ ُوهيب بن الورد ‪ V‬هذه اآلية وبكى‪ ،‬قال‪« :‬يا خليل َّ‬
‫ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت ِ‬
‫مشف ٌق أن ال يقبل منك!»(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫وهذا فيه عرب ٌة ِ‬
‫وع َظ ٌة يف َّ‬
‫أن العبدَ مهما كانت مكانته؛ ال بدَّ أن يكون طام ًعا‬
‫يف ال َقبول‪ ،‬راج ًيا أن يتق َّبل اهلل ‪ E‬منه عمله؛ فهذا خليل َّ‬
‫الرحمن‪ ،‬وهو‬
‫َمن هو يف المكانة والفضل‪ ،‬ويف عم ٍل هو أشرف األعمال‪ ،‬وأفضلها‪ ،‬ويرجو‬
‫القبول‪ ،‬ويسأل اهلل سبحانه أن يتق َّبل منه ﴿ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾‬
‫ٍ‬
‫وح ُس َن إقبا ُله على اهلل‪َ ،‬‬
‫وح ُس َن إيمانه باهلل‪،‬‬ ‫وهذه حال ك ُِّل عبد ا َّتقى اهلل ‪َ ،D‬‬
‫ويكمله‪ ،‬ويخاف أن ال ُيق َبل منه‬
‫ِّ‬ ‫يتمم العمل‬
‫تعظيمه هلل ‪F‬؛ فإنَّه ِّ‬
‫ُ‬ ‫وح ُس َن‬
‫َ‬
‫العمل‪.‬‬

‫ول‪:‬‬ ‫َان النَّبِي ﷺ َيدْ ُعو َي ُق ُ‬ ‫اس ‪َ ،L‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫ِّرمذي َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ُّ‬ ‫روى الت‬
‫ُّ‬
‫«ر ِّب َأ ِعنِّي َو َل ت ُِع ْن َع َل َّي‪َ ،‬وان ُْص ْرنِي َو َل َتن ُْص ْر َع َل َّي‪َ ،‬و ْامك ُْر لِي َو َل ت َْمك ُْر َع َل َّي‪،‬‬
‫َ‬
‫ربي يف «جامع البيان» (‪.)557/2‬‬‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫((( أخرجه ابن أبي حاتم يف «التَّفسير» (‪ ،)1240‬وابن أبي شيبة (‪.)33836‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪238‬‬

‫ك‬‫اج َع ْلنِي َل َ‬ ‫ِ‬


‫الهدَ ى لي‪َ ،‬وان ُْص ْرني َع َلى َم ْن َبغَى َع َل َّي‪َ ،‬ر ِّب ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َو ْاهدني َو َي ِّسرِ ُ‬
‫ك َأ َّو ًاها ُمنِي ًبا‪َ ،‬ر ِّب‬
‫ك ُمخْ بِتًا‪ ،‬إِ َل ْي َ‬ ‫ك ِم ْط َوا ًعا‪َ ،‬ل َ‬ ‫ك َر َّها ًبا‪َ ،‬ل َ‬ ‫ك َذك ً‬
‫َّارا‪َ ،‬ل َ‬ ‫َّارا‪َ ،‬ل َ‬
‫َشك ً‬
‫ت ُح َّجتِي‪َ ،‬و َسدِّ ْد لِ َسانِي‪،‬‬ ‫ب َد ْع َوتِي‪َ ،‬و َث ِّب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت َق َّب ْل ت َْو َبتي‪َ ،‬وا ْغس ْل َح ْو َبتي‪َ ،‬و َأ ِج ْ‬
‫يم َة َصدْ ِري»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ْاهد َق ْلبِي‪َ ،‬و ْاس ُل ْل َسخ َ‬
‫الصالحة الحبيبة هلل‪ ،‬والتَّائب إلى اهلل عليه‬
‫والتَّوبة من أعظم األعمال َّ‬
‫والصدق مع اهلل فيها‪ ،‬ورجاء أن تكون صحيح ًة‬
‫ِّ‬ ‫أن يجتهد يف تكميل توبته‪،‬‬
‫ثم يرجو ال َقبول؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫بشرائطها‪ ،‬واستجماع آداهبا‪َّ ،‬‬
‫[الشورى‪.]25 :‬‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ ُّ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٣٥٥١‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫(‪ )30‬حديث‪َّ :‬‬
‫«الل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق»‬
‫‪239‬‬

‫‪30‬‬
‫حديث‪َّ :‬‬
‫«الل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب‬
‫وقدرتك على اخللق»‬

‫يه‪َ ،‬ق َال‪ :‬ص َّلى بِنَا َعمار بن ي ِ‬


‫اس ٍر َص َلةً‪َ ،‬ف َأ ْو َج َز‬ ‫ب‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬
‫السائِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عن َع َطاء ْب ِن َّ‬
‫الص َلةَ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َّما َع َلى‬ ‫ِ‬
‫ف َيها‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َب ْع ُض ا ْل َق ْو ِم‪َ :‬ل َقدْ َخ َّف ْف َت ‪َ -‬أ ْو َأ ْو َج ْز َت‪َّ -‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َل َّما َقا َم َتبِ َع ُه‬ ‫ات س ِم ْعت ُُه َّن مِ ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َذل ِ َك‪َ ،‬ف َقدْ د َعو ُت فِيها بِدَ َعو ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫اء‪ُ ،‬ث َّم َجا َء‬ ‫رج ٌل مِن ا ْل َقو ِم ‪-‬هو ُأبي‪َ ،‬غير َأ َّنه َكنَى َعن َن ْف ِس ِه‪َ -‬فس َأ َله َع ِن الدُّ َع ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ ُّ ْ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ت‬ ‫ك َع َلى ا ْلخَ ْل ِق‪َ ،‬أ ْحيِنِي َما َع ِل ْم َ‬ ‫ب‪َ ،‬و ُقدْ َرتِ َ‬ ‫ك ا ْل َغ ْي َ‬ ‫َف َأ ْخ َب َر بِ ِه ا ْل َق ْو َم‪« :‬ال َّل ُه َّم بِ ِع ْل ِم َ‬
‫َك فِي‬ ‫ك َخ ْش َيت َ‬ ‫ت ا ْل َو َفا َة َخ ْي ًرا لِي‪ ،‬ال َّل ُه َّم َو َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ا ْل َح َيا َة َخ ْي ًرا لِي‪َ ،‬وت ََو َّفنِي إِ َذا َع ِل ْم َ‬
‫ك ا ْل َق ْصدَ‬ ‫ب‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫الر َضا َوا ْلغ ََض ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش َهاد ِة‪ ،‬و َأس َأ ُل َ ِ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ك كَل َم َة ا ْل َح ِّق في ِّ‬ ‫ب َو َّ َ َ ْ‬
‫ك‬ ‫ك ُق َّر َة َع ْي ٍن َل َتنْ َقطِ ُع‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫يما َل َينْ َفدُ ‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ك نَع ً‬
‫فِي ا ْل َف ْقرِ وا ْل ِغنَى‪ ،‬و َأس َأ ُل َ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ك َل َّذ َة النَّ َظرِ إِ َلى‬ ‫ت‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ش بعدَ ا ْلمو ِ‬ ‫اء‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫الر َضاء بعدَ ا ْل َق َض ِ‬
‫ك َب ْر َد ا ْل َع ْي ِ َ ْ َ ْ‬ ‫ِّ َ َ ْ‬
‫ك فِي َغ ْيرِ َض َّرا َء ُم ِض َّر ٍة‪َ ،‬و َل فِ ْتن ٍَة ُم ِض َّل ٍة‪ ،‬ال َّل ُه َّم ز َِّينَّا‬ ‫الش ْو َق إِ َلى لِ َقائِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َّ‬ ‫َو ْج ِه َ‬
‫ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫بِ ِزين َِة ِ‬
‫ين»(‪.)1‬‬ ‫اج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهتَد َ‬ ‫ان‪َ ،‬و ْ‬ ‫اإل َ‬
‫وح َّل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫الدعاء العظيم‪َّ :‬‬ ‫أفاد هذا ُّ‬
‫أن اإليمان زين ٌة عظيمةٌ‪ ،‬وحل َي ٌة َبه َّية‪ُ ،‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)18325‬والنَّسائِ ُّي (‪ )1305‬وال َّلفظ له‪،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪240‬‬

‫وس ِعد‬ ‫َّجمل والتَّز ُّين؛ فقد ُو ِّفق ألعظم ِّ‬


‫الزينة‪َ ،‬‬ ‫جميلةٌ؛ َم ْن ُو ِّفق للتَّح ِّلي هبا والت ُّ‬
‫َظير لها وال َ‬ ‫ِ‬
‫مثيل‪،‬‬ ‫الزينة الحقيق َّيةُ‪ ،‬والحلي ُة ا َّلتي ال ن َ‬
‫يف دنياه وأخراه؛ إذ هو ِّ‬
‫الزينة‪ ،‬فإنَّه فاقدٌ للجمال ‪-‬وإن كان ُمتَح ِّل ًيا بأهبى ُ‬
‫الحلل‬ ‫و َمن َع ِر َي عن هذه ِّ‬
‫ولما َذك ََر اهلل ‪ E‬يف سورة األعراف نعم َة ال ِّلباس‬
‫وأحسن ال ِّثياب‪َّ ،-‬‬
‫َ‬
‫السياق‬ ‫وجمال؛ قال ‪ D‬يف ذلك ِّ‬‫ً‬ ‫وإنزاله للنَّاس؛ ليكون لهم زين ًة وسرتًا‬
‫إن لباس التَّقوى ِ‬
‫وحل َي َة‬ ‫الكريم‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾ [األعراف‪]26 :‬؛ إ ْذ َّ َ‬
‫والزينة التَّا َّم ُة الكاملةُ؛ ا َّلتي َم ْن ف َقدَ ها؛ ف َقدَ‬
‫اإليمان‪ :‬هو الحلي ُة الحقيق َّيةُ‪ِّ ،‬‬
‫َصور بدون إيمان؟‬ ‫ٍ‬
‫جمال ُيت َّ‬ ‫فأي‬
‫والجمال؛ ُّ‬ ‫َ‬ ‫الخير‪ ،‬والفضيلةَ‪ ،‬و َف َقدَ ُ‬
‫الحس َن‬ ‫َ‬
‫الرحمن ‪E‬؟‬ ‫وح ْس ٍن‬ ‫ٍ‬
‫تتصور بدون تقوى َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأي حالوة ُ‬
‫ُّ‬

‫وأمور ُيف َت ُن هبا النَّاس‪ ،‬ويظنُّون أنَّهم‬


‫ٌ‬ ‫مظاهر زائفةٌ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫ن َعم! َقد تكون‬
‫أن الفاقد لزينة اإليمان وحالوته يكون‬ ‫وأحسن ِح ْل َي ٍة؛ َّإل َّ‬
‫ِ‬ ‫هبا على أكم ِل ٍ‬
‫زينة‪،‬‬
‫الحقيقي‪.‬‬ ‫للز ِ‬
‫ينة الحقيق َّية‪ ،‬والجمال‬ ‫فاقدً ا ِّ‬
‫ِّ‬
‫الزينة‪،‬‬
‫أكر َم ُهم هبذه ِّ‬
‫بأن َ‬‫ولقد امت َّن اهلل ‪ E‬على أهل اإليمان ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وجملهم هبذه الحل َية‪ ،‬وأصبحوا ‪-‬لمخالطة اإليمان قلو َبهم‪ ،‬ولت ََذ ُّوقهم َ‬
‫طعمه‬ ‫َّ‬
‫الز ِ‬
‫ينة‪ ،‬ويجدوهنا‬ ‫يحسون بمكانة هذه ِّ‬ ‫وحالوته‪ ،‬ولمعرفتهم بقدره ومكانته‪ُّ -‬‬
‫َ‬
‫يف قلوهبم‪ ،‬قال اهلل تعالى يف سورة الحجرات‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬

‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الحجرات‪َّ ،]8-7 :‬‬
‫والشاهد قول اهلل ‪﴿ :D‬ﮃ﴾‬

‫قلب المؤمن ا َّلذي م َّن اهلل ‪ E‬عليه‬


‫فأصبح ُ‬
‫َ‬ ‫أي‪ :‬اإليمان ﴿ﮄ ﮅ﴾؛‬
‫(‪ )30‬حديث‪َّ :‬‬
‫«الل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق»‬
‫‪241‬‬
‫ِ‬
‫وشهود هذا ال َّطعم والهناءة هبذه ال َّل َّذة؛ يجد هذه ِّ‬
‫الزينة يف‬ ‫ِ‬
‫بذوق هذه الحالوة‪،‬‬
‫الزينة ا َّلتي م َّن اهلل ‪ E‬عليه هبا‪ ،‬وأكرمه ْ‬
‫بأن جعله‬ ‫ويحس َّ‬
‫أن هذه ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫قلبه‪،‬‬
‫الزائفة‬ ‫الحقيقي؛ َ‬
‫فل يغت َُّر بالمظاهر َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الزين ُة الحقيق َّية‪ ،‬والجمال‬
‫من أهلها؛ هي ِّ‬
‫عو ًقا وصار ًفا عن تحقيق اإليمان وتتميمه وتكميله؛ بل‬ ‫ٍ‬
‫ألناس ُم ِّ‬ ‫ا َّلتي تكون‬
‫لقد َآل األمر ببعض النَّاس إلى أن أصبحوا يف البحث عن ِّ‬
‫الزينة الموهومة‬
‫السليمة ا َّلتي‬
‫ويعصون رسو َله ﷺ‪ ،‬ويخالفون الفطرة َّ‬
‫ُ‬ ‫شرع اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫يخالفون‬
‫توه ِمهم الخاطئ يظنُّون أنَّهم بذلك‬
‫وهم يف ُّ‬
‫خلقهم اهلل ‪ E‬عليها‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫وجمال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والحلي َة ألنفسهم‪ ،‬وأنَّهم يكتَسبون بذلك ُحسنًا‬ ‫يح ِّققون ِّ‬
‫الزينَ َة‬
‫الجمال بعصيان الرحمن‪ ،‬وأن ُتن ََال ِ‬
‫الحلي ُة بمخالفة‬ ‫ُ‬ ‫وهيهات أن ُيكتَسب‬
‫َّ‬
‫الرسول الكريم ‪.O‬‬
‫َّ‬
‫أن هؤالء يعيشون أوهاما زائفةً‪ ،‬وظنونًا فاسدةً‪ ،‬وتحو ٍ‬
‫الت يف‬ ‫والحق‪َّ :‬‬
‫ُّ‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الف َطر القويمة والعقول المستقيمة‪.‬‬

‫الم َط َّهر‪ُ ،‬‬


‫وسنَّة نب ِّيه‬ ‫والعاقل يبني ِحل َي َت ُه ِ‬
‫وزينَ َت ُه يف ضوء ما ُحدَّ له يف شرع اهلل ُ‬
‫صلوات اهلل وسال ُمه وبركا ُته عليه؛ كما يف الدُّ عاء المتقدِّ م‪« :‬ال َّل ُه َّم ز َِّينَّا‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‬
‫ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫بِ ِزين َِة ِ‬
‫السؤال‬ ‫ين» ‪ ،‬فسأل ‪ O‬ر َّبه هذا ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهتَد َ‬
‫ان‪َ ،‬و ْ‬ ‫اإل َ‬
‫العظيم‪ ،‬والمطلب الجليل‪ ،‬والمقصد النَّبيل؛ وهو التَّز ُّين بزينة اإليمان‪،‬‬
‫َّجمل بجمال التَّقوى ﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ﴾‪.‬‬
‫والت ُّ‬
‫بح ِ‬
‫لية اإليمان وزينته‪ :‬يتط َّلب من العبد المو َّفق‬ ‫وهذا التَّزين والتَّجمل ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)18325‬والنَّسائِ ُّي (‪ )1305‬وال َّلفظ له‪،‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪242‬‬
‫«احرِ ْص‬
‫بالر ِّب ‪D‬؛ كما قال ‪ْ :O‬‬ ‫مجاهد ًة للنَّفس‪ ،‬واستعان ًة َّ‬
‫ِ‬
‫نفسه على التَّح ُّقق بحقائق اإليمان‬‫ك‪َ ،‬و ْاستَع ْن بِاهلل» ؛ فيجاهد َ‬
‫َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬
‫(‪)1‬‬

‫نفسه‪ ،‬وتتميم جماله ال َّظاهر والباطن‬ ‫وشرائع اإلسالم؛ ساعيا يف تكميل زينة ِ‬
‫ً‬
‫كل ذلك يطلب من اهلل مدَّ ه وعونَه‪.‬‬ ‫بتحقيق ذلك‪ ،‬وهو يف ِّ‬

‫ظاهر العبد وباطنَه؛ فهي زين ٌة للقلب‬ ‫َ‬ ‫وزين ُة اإليمان‪ :‬هي زين ٌة تتناول‬
‫وأعظم ذلك‪ :‬أصول اإليمان ا َّلتي يقو ُم عليها‬ ‫ُ‬ ‫بحقائق اإليمان وأصول الدِّ ين‪،‬‬
‫ور ُس ِل ِه َوال َي ْو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزينة‪َ ،‬‬
‫وم َلئكَته و ُك ُتبِه ُ‬
‫«أ ْن ت ُْؤم َن بِاهلل َ‬ ‫دي ُن اهلل‪ ،‬وتقوم عليها هذه ِّ‬
‫وأسس يقوم عليها هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أصول‬ ‫اآلخرِ‪َ ،‬وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر؛ َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»(‪)2‬؛ وهي‬
‫ِ‬

‫والزينة العظيمة؛ زينة اإليمان‪.‬‬


‫الجمال العظيم ِّ‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬


‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة‪ ،]177 :‬وقال اهلل تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]285 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [النِّساء‪.]136 :‬‬

‫العظيم‪ ،‬وتقو ُم عليها شجر ُة اإليمان‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الجمال‬ ‫أسس ُي ْبنَى عليها هذا‬
‫فهذه ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تتفرع الفروع‬‫ا َّلتي ال َأ ْز َي َن منها وال أحس َن؛ فقيا ُمها على أص ٍل ثابت‪ ،‬منه َّ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2664‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ )8‬من حديث عمر بن الخ َّطاب ‪.I‬‬
‫(‪ )30‬حديث‪َّ :‬‬
‫«الل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق»‬
‫‪243‬‬
‫فروع اإليمان‪ ،‬وهي أنواع ال َّطاعات‪ ،‬وصنوف ال ُق ُربات‬
‫َ‬ ‫الجميل ُة ال َبه َّية الحسنة‬
‫ثم بعد ذلك تأيت ال ِّثمار الجميلة الحسنة‬ ‫ا َّلتي َّ‬
‫يتقر ُب هبا المسلم لر ِّبه ‪َّ ،C‬‬
‫ال َبه َّية ا َّلتي يجنيها المؤمن ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [إبراهيم‪ ،]25 :‬فال‬
‫ٍ‬
‫وحين يف‬ ‫كل ٍ‬
‫وقت‬ ‫الشجرة الجميلة البه َّية يف ِّ‬‫يزال المؤمن يجني من ثمار هذه َّ‬
‫نفس‪ ،‬وس َع ِة ٍ‬ ‫قلب‪ ،‬و ُق َّرة ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سعادة‪ ،‬وراحة ٍ‬
‫رزق‪،‬‬ ‫عين‪ ،‬وهناءة ٍ َ‬ ‫دنياه وأخراه؛ من‬
‫غم إلى غير ذلك من ال ِّثمار يف هذه الحياة الدُّ نيا‪ ،‬وثواب‬
‫هم‪ ،‬وزوال ٍّ‬
‫وذهاب ٍّ‬
‫خير وأبقى‪.‬‬
‫اآلخرة ٌ‬
‫َّ‬
‫وتجم َله بزينة اإليمان إنَّما يكون بلزوم فرائض‬ ‫ُّ‬ ‫وأما الظاهر‪َّ :‬‬
‫فإن تز ُّينَه‬ ‫َّ‬
‫والشرائع ا َّلتي ُأمر هبا العبدُ ‪ ،‬ويف مقدِّ ِ‬
‫مة ذلك‪ :‬مباين‬ ‫الدِّ ين‪ ،‬وواجبات اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫َّبي ‪ O‬يف حديث ابن عمر‪ُ « :‬بن ِ َي‬ ‫َّ‬
‫اإلسالم الخمسة التي قال عنها الن ُّ‬
‫ور ُسو ُل ُه‪ ،‬وإِ َقا ِم‬ ‫س‪َ :‬ش َها َد ِة َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬‬
‫وأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َ‬ ‫ال ْس َل ُم َع َلى َخ ْم ٍ‬ ‫ِْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن هذه األعمال‬ ‫ان»(‪)1‬؛ َّ‬ ‫وص ْو ِم َر َم َض َ‬
‫وح ِّج ال َب ْيت‪َ ،‬‬ ‫الصالَة‪ ،‬وإِيتَاء ال َّزكَاة‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫وجمال‪ ،‬إضاف ًة‬ ‫المباركة وال َّطاعات ال َعظيمة؛ هي يف الحقي َقة زين ٌة للمسلم‬
‫نور لصاحبها وهبا ٌء‬
‫فالصالة ٌ‬‫إلى كوهنا سبب فالحه وسعادته يف دنياه وأخراه؛ َّ‬
‫وكذلك عموم ال َّطاعات؛ ال يزال ال َعبد يزداد هبا حسنًا وهبا ًء‪ ،‬بخالف‬
‫َ‬ ‫وحس ٌن‪،‬‬
‫ُ‬
‫المعرض عن دين اهلل ‪E‬؛ َّ‬
‫فإن الخطيئ َة والمعصي َة والبعدَ عن طاعة اهلل‬ ‫ِ‬

‫‪ E‬ظلم ٌة يف الوجه‪ ،‬ووحش ٌة يف َّ‬


‫الصدر‪ ،‬وكذلك النُّكوص عن شرع اهلل‬
‫ب هذه الوحشة وال ُّظلمة‪.‬‬
‫المحدَ َثات؛ يس ِّب ُ‬
‫‪ E‬بممارسة البدع ُ‬
‫ومن زينة اإليمان وحليته‪ :‬زينة ال ِّلسان بذكر اهلل‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬وتع ُّلمه‬

‫البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪.)16‬‬


‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪244‬‬
‫ول اهلل!ِ إِ َّن َشرائِ َع ِ‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫َ‬ ‫وتعليمه؛ َع ْن َع ْب ِد اهللِ ْب ِن ُب ْس ٍر‪َ ،‬أ َّن َر ُج ًل َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ‬ ‫َقدْ َك ُث َر ْت َع َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأ َت َش َّب ُث بِ ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«ل َيز َُال لِ َسان َ‬
‫اهَّللِ»(‪.)1‬‬

‫«خ ْي ُرك ُْم َم ْن َت َع َّل َم ا ْل ُق ْر َ‬


‫آن‬ ‫ان ‪َ ،I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫و َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫َو َع َّل َم ُه»(‪ ،)2‬و َع ْن َأبِي الدَّ ْر َد ِاء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ َل ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِخَ ْيرِ َأ ْع َمالِك ُْم‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ب‬‫الذ َه ِ‬ ‫اق َّ‬ ‫َاها ِعنْدَ َم ِليكِك ُْم‪َ ،‬و َأ ْر َف ِع َها فِي َد َر َجاتِك ُْم َو َخ ْي ٌر َلك ُْم م ْن إِ ْن َف ِ‬
‫ِ‬
‫َو َأ ْزك َ‬
‫الو ِر ِق‪َ ،‬و َخ ْي ٌر َلك ُْم ِم ْن َأ ْن َت ْل َق ْوا َعدُ َّوك ُْم َفت َْضرِ ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْضرِ ُبوا َأ ْعنَا َقك ُْم؟»‬
‫َو َ‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى‪َ .‬ق َال‪ِ « :‬ذك ُْر اهلل ِ َت َعا َلى»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫وأخالق‬ ‫وكذلك من الجمال العظيم‪ :‬عناي ُة المسلم بآداب َّ‬
‫الشريعة‪،‬‬
‫اإلسالم؛ فإذا أكرم اهلل ‪ E‬عبده بالتَّح ِّلي باآلداب الفاضلة‪ ،‬واألخالق‬
‫يحس هبذا الجمال‪ ،‬ويلمس‬ ‫فإن َّ‬
‫كل َمن يخالطه ُّ‬ ‫الرفيعة؛ َّ‬
‫الكاملة‪ ،‬والمعامالت َّ‬
‫الحسن ا َّلذي يكسو َمن كان ُمتح ِّل ًيا ُمت ََج ِّم ًل ُمت ََز ِّينًا بأخالق اإلسالم‬
‫هذا ُ‬
‫الرفيعة‬
‫الفاضلة‪ ،‬وقد أتى نب ُّينا ‪ O‬باآلداب الكاملة‪ ،‬واألخالق َّ‬
‫الفاضلة‪ ،‬ا َّلتي تسمو بصاحبها يف عالي الدَّ رجات‪ ،‬ورفيع ُّ‬
‫الرتب؛ إضاف ًة إلى‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الرفيعة من أجر وثواب‪ ،‬حتَّى إن الن َّ‬ ‫ما أعدَّ ه اهلل ‪ E‬لذوي األخالق َّ‬
‫وح ْس ُن الخُ ُل ِق»(‪،)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ ُسئ َل عن أكثر ما ُيدخ ُل النَّاس الجنَّ َة فقال‪َ « :‬ت ْق َوى اهلل ُ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3375‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫البخاري (‪.)5027‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)٣٣٧٧‬‬‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)٢٠٠٤‬وابن ماجه (‪،)٤٢٤٦‬‬ ‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫(‪ )30‬حديث‪َّ :‬‬
‫«الل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب وقدرتك على اخللق»‬
‫‪245‬‬
‫ت ِلُت َِّم َم َصالِ َح األَ ْخ َل ِق»(‪ ،)1‬وقال‪َ :‬‬
‫«أ ْق َر ُبك ُْم‬ ‫وقال ‪« :O‬إِن ََّما ُب ِع ْث ُ‬
‫اسنُك ُْم َأ ْخ َل ًقا»(‪ ،)2‬واألحاديث يف هذا الباب كثيرةٌ‪.‬‬ ‫القيام ِة؛ َأح ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منِّي َم ْجل ًسا َي ْو َم َ َ َ‬
‫الزينة ‪-‬زينة اإليمان وجمال هذا الدِّ ين‪:-‬‬ ‫ٌ‬
‫داخل يف هذه ِّ‬ ‫مما هو‬ ‫ثم َّ‬
‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫يحرم‬
‫فإن اهلل ‪ E‬لم ِّ‬ ‫المحرمات؛ َّ‬
‫َّ‬ ‫ُب ْعد العبد عن المنكرات‪ ،‬و ُبعده عن‬
‫ِ‬
‫ضرة عليهم يف العاجل واآلجل؛ فالمعصية‬ ‫على عباده شي ًئا َّإل لما فيه من َ‬
‫الم َّ‬
‫وتشوفت للوقوع‬
‫َّ‬ ‫وإن ما َلت إليها النَّفس‪ ،‬وتط َّلعت يف بعض األوقات لفعلها‪،‬‬
‫وحسنه‪،‬‬‫وإذهاب لبهائه ُ‬
‫ٌ‬ ‫فيها؛ هي يف الحقيقة َه َل َكة لإلنسان يف دنياه وأخراه‪،‬‬
‫خطوة يخطوها يف المعصية ِ‬
‫يفقدُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خطوات؛ كان ِّ‬
‫بكل‬ ‫وإذا خطا يف المعصية‬
‫ح ًّظا ونصي ًبا من زينة اإليمان وجماله بحسب ذلك‪.‬‬

‫للزينات يف الدُّ نيا‬


‫الزينة الحقيق َّية؛ فهو الجالب ِّ‬ ‫وكما َّ‬
‫أن اإليمان هو ِّ‬
‫واآلخرة؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النَّحل‪ ،]97 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [يونس‪ ،]10-9 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [القيامة‪ ،]23-22 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾‬

‫[الم َط ِّففين‪.]26-24 :‬‬


‫ُ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف صحيح الجامع (‪.)2349‬‬‫َّ‬ ‫((( أخرجه أحمد (‪،)2952‬‬
‫البخاري (‪.)3759‬‬
‫ِّ‬ ‫وصححه االلبانِ ُّي‪ ،‬وأصله عند‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2018‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه الت‬
‫فهرس احملتويات‬
‫‪247‬‬

‫فهرس احملتويات‬

‫المقدمة‪5..................................................................‬‬
‫«أي العمل أفضل؟»‪7.........................................‬‬
‫‪ -1‬حديث‪ُّ :‬‬
‫‪ -2‬حديث جربيل‪15.......................................................‬‬
‫‪ -3‬حديث وفد عبد القيس (‪24......................................... )1‬‬
‫‪ -4‬حديث وفد عبد القيس (‪32......................................... )2‬‬
‫‪ -5‬حديث‪« :‬إنَّما األعمال بالنِّ َّيات» ‪40.....................................‬‬
‫‪ -6‬حديث شعب اإليمان ‪51...............................................‬‬
‫‪ -7‬حديث‪َ « :‬من قال‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل»‪59............................‬‬
‫‪ -8‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ال ينام» ‪67.............................................‬‬
‫اسما»‪75.................................‬‬ ‫‪ -9‬حديث‪َّ :‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعين ً‬
‫حق اهلل على العباد؟» ‪83..........................‬‬
‫‪ -10‬حديث‪« :‬أتدري ما ُّ‬
‫السماء» ‪90............................‬‬
‫‪ -11‬حديث‪« :‬إذا قضى اهلل األمر يف َّ‬
‫‪ -12‬حديث‪« :‬ال َّلهم لك الحمد أنت نور َّ‬
‫السموات واألرض» (‪97...... )1‬‬
‫السموات واألرض» (‪105..... )2‬‬ ‫‪ -13‬حديث‪« :‬ال َّلهم لك الحمد أنت نور َّ‬
‫ِ‬
‫األنبياء َّإل قد ُأ ْعطِي من اآليات» ‪113..........‬‬ ‫نبي من‬
‫‪ -14‬حديث‪« :‬ما من ٍّ‬
‫‪ -15‬حديث‪« :‬ال يؤمن عبدٌ حتَّى يؤمن بأربع» ‪121.........................‬‬
‫أحاديث اإلميان‬
‫‪248‬‬
‫‪ -16‬حديث‪« :‬اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه واليوم اآلخر» ‪129.....‬‬
‫السموات واألرض» ‪137..‬‬
‫‪ -17‬حديث‪« :‬كتب اهلل مقادير الخالئق قبل أن يخلق َّ‬
‫الضعيف»‪145...‬‬
‫ب إلى اهلل من المؤمن َّ‬
‫وأح ُّ‬
‫خير َ‬
‫القوي ٌ‬
‫ُّ‬ ‫‪ -18‬حديث‪« :‬المؤمن‬
‫‪ -19‬حديث‪« :‬أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خل ًقا»‪153....................‬‬
‫الزاين حين يزين وهو مؤمن» ‪162.....................‬‬
‫‪ -20‬حديث‪« :‬ال يزين َّ‬
‫‪ -21‬حديث‪« :‬قل‪ :‬آمنت باهلل فاستقم» ‪170.................................‬‬
‫مسلما» ‪178..............................................‬‬
‫ً‬ ‫‪ -22‬حديث‪« :‬أو‬
‫‪ -23‬حديث‪« :‬يا ُم َق ِّلب القلوب ث ِّبت قلبي على دينك» ‪186.................‬‬
‫‪ -24‬حديث‪« :‬ذاق طعم اإليمان من رضي باهلل ر ًّبا» ‪194....................‬‬
‫«إن اإليمان ل َيخ َلق يف جوف أحدكم كما َيخ َلق ال َّثوب» ‪201....‬‬
‫‪ -25‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪ -26‬حديث‪« :‬ثالث َمن ك َّن فيه وجد حالوة اإليمان»‪208..................‬‬
‫‪ -27‬حديث‪« :‬احفظ اهَّلل يحفظك»‪215.....................................‬‬
‫‪ -28‬حديث‪« :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان»‪223...............................‬‬
‫«الرجل يصوم ويص ِّلي ويتصدَّ ق وهو يخاف أن ال يقبل منه» ‪231..‬‬
‫‪ -29‬حديث‪َّ :‬‬
‫‪ -30‬حديث‪« :‬ال َّل َّ‬
‫هم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق»‪239..............‬‬
‫فهرس المحتويات ‪246.....................................................‬‬

You might also like