You are on page 1of 11

‫الحمد هلل العلي األرفقـ ‪ //‬وجامع األشياء والمفرقـ‬ ‫الشــــــــرح‪)1( :‬‬

‫(‪ )1‬أما " الحمد" ‪ :‬فهو الثناء على هللا بصفات كمالــه‪ ،‬وســبوغـ نعمــه‪ ،‬وســعة جــوده‪ ،‬وبــديع حكمتــه‪ ،‬ألنــه تعــالى كامــل األســماء‬
‫والصفات واألفعال‪ ،‬ليس في أسمائه اسم مذموم‪ ،‬بل كلها أسماء حسنى‪ ،‬وال في صفاته صفة نقص وعيب‪ ،‬بل هي صــفات كاملــة‬
‫من جميع الوجوه‪ ،‬وهو تعالى جميل األفعال‪ ،‬ألن أفعاله دائرة بين العــدل واإلحســان‪ ،‬وهــو محمــودـ على هــذا وعلى هــذا‪ ،‬فلــه أتم‬
‫حمد وأكمله‪.‬‬
‫و " هللا "‪ :‬هو المألوه المعبود‪ ،‬الذي يستحق أن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة‪ ،‬وال يشرك به شيئا لكمال حمده‪.‬‬
‫" العلي" ‪ :‬الذي له العلو التام المطلق من جميع الوجوه‪ ،‬علو الذات‪ ،‬وعلو القدر‪ ،‬وعلو القهر‪.‬‬
‫" األرفق" أي ‪ :‬الرفيق في أفعاله‪ ،‬فأفعاله كلها رفق‪ ،‬على غاية المصالح والحكمة‪ ،‬وقدـ أظهــر ســبحانه لعبــاده من آثــار رفقــه مــا‬
‫يستدلون به على كماله وكمال حكمته ورفقه‪ ،‬كمـا في خلقـه السـموات واألرض ومـا بينهمـا في سـتة أيـام‪ ،‬مـع أنـه قـادر على أن‬
‫يخلقها في لحظة‪ ،‬وكذلك خلقه اإلنسان والحيوانات والنبات‪ ،‬على اختالف أنواعــه‪ :‬يخلقهــا شــيئا فشــيئا‪ ،‬حــتى تنتهي وتكمــل‪ ،‬مــع‬
‫قدرته على تكميلها في لحظة‪ ،‬ولكنه رفيقـ حكيم‪.‬‬
‫فمن رفقه وحكمته‪ :‬تطويرهاـ في هذه األطوار‪ ،‬فال تنــافيـ بين قدرتــه وحكمــه‪ ،‬كمــا أنــه يقــدر على هدايــة الضــالين‪ ،‬ولكن حكمتــه‬
‫اقتضت إبقاءهم على ضاللهم‪ ،‬عدال منه تعـالى‪ ،‬ليس ظلمـا‪ ،‬ألن إعطـاء اإليمـان والهـدىـ محض فضـله‪ ،‬فـإذا منعـه أحـدا لم يعـد‬
‫ظالما‪ ،‬ال سيما إذا كان المحل غير قابل للنعم‪.‬‬
‫فكل صفة من صفاته تعالى لها أثر في الخلق واألمر‪ ،‬وال ينافي بعضها بعضا‪.‬‬
‫و من فهم هذا األصل العظيم انحلت عنه إشكاالت كثيرة في معرفة أســماء هللا وصــفاته‪ ،‬ونــزل كــل اســم من أســماء هللا في محلــه‬
‫الالئق به‪.‬‬
‫و قولي‪:‬ـ "جامع األشياء والمفرق" ‪ :‬يعني أنه تعالى جمع األشياء في شيء‪ ،‬وفرقها في شيء آخر‪ ،‬كما جمع بين خلقــه في كونــه‬
‫خلقهم ورزقهم‪ ،‬وفــرقـ بينهم في األشــكال والصــور‪ ،‬والطــولـ والقصــر‪ ،‬والســوادـ والبيــاض‪ ،‬والحســن والقبح‪ ،‬وغــير ذلــك من‬
‫الصفات‪.‬‬
‫كل هذا صادر عن كمال قدرته وحكمته‪ ،‬ووضعه األشياء مواضعهاـ الالئقة بها‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫ذي النعم الواسع الغزيرة ‪ //‬والحكم الباهرة الكثيرة‬ ‫قولي‪)2( :‬‬
‫(‪ )2‬هذا بيان لسعة فضله وعطاياه الشاملة لجميع خلقه‪ .‬فال يخلو مخلوق من نعمه طرفة عين‪ ،‬وال سيما اآلدمي‪،‬فــإن هللا فضــله‬
‫وشرفه‪ ،‬وسخر له ما في السموات وما في األرض‪ ،‬وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬وال يمكن تعداد نعمه‪ .‬قال تعالى ‪" :‬وإن‬
‫تعدوا نعمة هللا ال تحصوهاـ إن هللا لغفور رحيم" ( النحل‪ .)18 :‬و لكنه تعالى رضيـ من شكر نعمه باالعتراف بها‪ ،‬والتحدث بها‪،‬‬
‫وصرفها في طاعة هللا‪ ،‬وأن ال يستعان بشيء من نعمه على معاصيه‪.‬‬
‫و قوليـ ‪ " :‬والحكم الباهرة الكثيرة" ‪:‬‬
‫يعني‪ :‬أن حكمه تعالى كثيرة تبهر العقول‪ ،‬وتتعجب منها غاية العجب‪ ،‬فإن جميع مخلوقاته ومأموراته مشتملة على غاية الحكمة‪.‬‬
‫و من نظر في هذا الكون وعجائبه‪ ،‬وسمائه وأرضه‪ ،‬وشمسه وقمــره‪ ،‬وكواكبــه‪ ،‬وفصــوله‪ ،‬وحيوانــه‪ ،‬وأشــجاره ونباتــه‪ ،‬وجبالــه‬
‫وبحاره‪ ،‬وجميع ما يحتوي عليه رأى فيه العجائب العظيمة‪.‬‬
‫و يكفي اإلنسان نفسه‪ ،‬فإنه إذا نظر إلى كل عضو من أعضائه علم أنه ال يصلح في غير محله‪.‬‬
‫و قولي‪:‬ـ (‪ )3‬ثم الصالة مع سالم دائم ‪ //‬على الرسول القرشي الخاتم‬
‫(‪ )4‬وآله وصحبه األبرار ‪ //‬الحائزي مراتب الفخار‬
‫(‪ )3‬أما الصالة من هللا‪ :‬فهي ثناؤه على عبده في المأل األعلى‪ ،‬ففيها حصولـ الخير‪.‬‬
‫و " السالم" ‪ :‬فيه دفع الشر واآلفات‪.‬‬
‫و " الرسول" ‪ :‬من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه‪.‬‬
‫و " الخاتم" ‪ :‬الذي ختم هللا به أنبياءه ورسله‪ ،‬فال نبي بعده‪.‬‬
‫(‪ " )4‬وآل النبي " ‪ :‬هم أتباعه على دينه إلى يوم القيامة‪ ،‬فيدخل فيهم الصحابة‪ ،‬فيكون عطفهم عليهم من باب عطف الخاص‬
‫على العام‪ ،‬لمزيتهم وشرفهمـ بالعلم النافع والعمل الصالح والتقى الكامل الذي أوجب لهم مفاخر الدنيا واآلخرة رضيـ هللا عنهم‪.‬‬
‫(‪ )5‬اعلم هديت أن أفضل المنن ‪ //‬علم يزيل الشك عنك والدرن‬
‫(‪ )6‬ويكشف الحق لذي القلوب ‪ //‬ويوصلـ العبد إلى المطلوب‬
‫(‪ )6( ، )6‬يعني ‪ :‬أن منن هللا على العباد كثيرة‪ ،‬وأفضل ما من هللا على عبده به هو ‪ :‬العلم النافع‪.‬‬
‫و ضابطـ العلم النافع – كما قلت في النظم ‪ : -‬أنه يزيل عن القلب شيئين‪ :‬وهما الشبهات والشهوات‪.‬‬
‫فـ " الشبهات" ‪ :‬تورث الشك‪ .‬و الشهوات‪ :‬تورث درن القلب وقسوته‪ ،‬وتثبط البدن عن الطاعات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فعالمة العلم النافع‪ :‬أن يزيل هذين المرضين العظيمين‪.‬‬
‫و يجلب للعبد في مقابلتهما شيئين وهما‪ " :‬اليقين" ‪ :‬الذي هو ضد الشكوك‪.‬‬
‫الثاني‪ " :‬اإليمان التام" ‪ :‬الموصل للعبد لكل مطلوب‪ ،‬المثمر لألعمال الصالحة الذي هو ضد للشهوات‪.‬‬
‫فكلما ازداد اإلنسان من العلم النافع حصل له‪ :‬كمال اليقين‪ ،‬وكمال اإلرادة‪ ،‬وال تتم سعادة العبد إال باجتماعـ هذين األمرين‪ ،‬وبهمــا‬
‫تنال اإلمامة في الدين‪ .‬قال تعالى ‪" :‬وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرناـ لما صبروا وكانواـ بآياتنا يوقنون"ـ ( السجدة‪.)24 :‬‬
‫و درجات اليقين ثالث كل واحدة أعلى من األخرى‪ :‬علم اليقين‪ ،‬وعين اليقين‪ ،‬وحقـ اليقين‪.‬‬
‫فعلم اليقين‪ :‬في (الدنيا) كعلمنا اآلن الجنة والنــار‪ .‬و عين اليقين‪ :‬إذا وردـ النــاس يــوم القيامــة‪ " :‬وأزلفت الجنــة للمتقين * وبــرزت‬
‫الجحيم للغاوين" ( الشعراء ‪ )91-90‬فرأوهماـ قبل الدخول‪ .‬و حق اليقين‪ :‬إذا دخلوهما‪.‬‬
‫و حاصل ذلك‪ :‬أن العلم شجرة تثمر كل قول حسن وعمل صالح‪ .‬و الجهل‪ :‬شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث‪.‬‬
‫و إذا كان العلم بهذه المثابة‪ ،‬فينبغي لإلنسان أن يحرص كل الحرص‪ ،‬ويجتهد كل االجتهاد في تحصيله‪ ،‬وأن يــديم االســتعانة باهلل‬
‫في تحصيله‪ ،‬ويبدأ باألهم فاألهم منه‪.‬‬
‫و من أهمه ‪ :‬معرفة أصوله وقواعده التي ترجع مسائله إليها‪.‬‬
‫فلهذا قلت‪ )7( :‬فاحرص على فهمك للقواعد ‪ //‬جامعة المسائل الشوارد‬
‫(‪ )8‬فترتقي في العلم خير مرتقى ‪ //‬وتقتفي سبل الذي قد وفقا‬
‫(‪ )9‬وهذه قواعد نظمتهاـ ‪ //‬من كتب أهل العلم قد حصلتها‬
‫(‪ )10‬جزاهم المولى عظيم األجر ‪ //‬والعفو مع غفرانه والبر‬
‫(‪ )10( – )7‬وهذا‪ ،‬ألن معرفة القواعد من أقوى األسباب لتسهيل العلم وفهمه وحفظه‪ ،‬لجمعها المسائل المتفرقة بكالم جامع‪.‬‬
‫فصل (‪ )11‬والنية شرط لسائر العمل ‪ //‬بها الصالح والفساد للعمل‬
‫(‪ )11‬هذه القاعدة أنفع القواعد وأجلها‪ :‬و تدخل في جميع أبواب العلم‪ ،‬فصالح األعمال البدنية والمللية – أعمـال القلــوب وأعمــال‬
‫الجوارح ‪ ، -‬إنما هو بالنية‪ ،‬وفسادـ هذه األعمال بفساد النيـة‪ ،‬فـإذا صــلحت النيــة‪ :‬صـلحت األقـوال واألعمــال‪ ،‬وإذا فسـدت النيـة‪:‬‬
‫فسدت األقوال واألعمال‪ ،‬كما قال – صلى هللا عليه وسلم ‪ " : -‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرىء ما نوى" ‪.‬‬
‫" النية" لها مرتبتان‪ :‬إحداهما تمييز العادة عن العبادة‪ :‬وذلك أن الصومـ مثال هو‪ :‬تــرك الطعــام والشــراب ونحوهمــا‪ ،‬ولكن تــارة‬
‫يتركه اإلنسان عادة‪ ،‬من غير نية التقرب إلى هللا في هذا الترك‪ ،‬وتارة يكون عبادة‪ ،‬فالبد من التمييز بينهما‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تمييز العبادات بعضهاـ من بعض‪ :‬فبعضهاـ فرض عين‪ ،‬وبعضـها فـرض كفايـة‪ ،‬وبعضـها راتبـة أو وتـر‪ ،‬وبعضـها سـنن‬
‫مطلقة‪ ،‬فالبد من التمييز‪.‬‬
‫و من مراتب النية‪ :‬اإلخالص‪ :‬هو قدر زائد على مجرد نية العمل‪ ،‬فالبد من نية نفس العلم والمعمول به‪.‬‬
‫و هذا هو اإلخالص‪ ،‬وهو أن يقصد العبد بعمله وجه هللا ال يريد غيره‪.‬‬
‫فمن أمثلة هذه القاعدة‪ :‬العبادات كلها‪ ،‬كالصالة فرضهاـ ونفلهـا‪ ،‬والزكـاة‪ ،‬والصـوم‪ ،‬واالعتكـاف‪ ،‬والحج‪ ،‬والعمـرة‪ ،‬فـرض الكـل‬
‫ونفله‪ ،‬واألضاحي‪ ،‬والهدي‪ ،‬والنذور‪ ،‬والكفارات‪ ،‬والجهاد ‪ ،‬والعتق‪ ،‬والتدبير‪.‬‬
‫و يقال‪ :‬بل يسريـ هــذا إلى ســائر المباحــات إذا نــوى بهــا التقــوي على طاعــة هللا‪ ،‬أو التوصــل إليهــا‪ ،‬كاألكــل والشــرب‪ ،‬والنــوم‪،‬‬
‫واكتساب المال‪ ،‬والنكاح والوطء فيه وفي األمة إذا قصدـ به‪ :‬اإلعفاف‪ ،‬أو تحصيل الولد الصالح‪ ،‬أو تكثير األمة‪.‬‬
‫و ها هنا معنى ينبغي التنبه له‪ ،‬وذلك أن الذي يخاطب به العبد نوعان‪ :‬أمر مقصودـ فعله‪ ،‬وأمر مقصودـ تركه‪.‬‬
‫فأما المأمور به‪ :‬فالبد فيه من النية‪ ،‬فهي شرط في صحته وحصول الثواب به‪ ،‬كالصالة ونحوها‪.‬ـ‬
‫و أما ما يقصد تركه‪ :‬كإزالة النجاسة في الثوب‪ ،‬والبدن‪ ،‬والبقعة‪ ،‬وكأداء الديون الواجبة‪.‬‬
‫أما إبراء الذمة من النجاسة والديون‪ :‬فال يشترط لها نية إبراء الذمة‪ ،‬ولو لم ينو‪.‬‬
‫و أما حصول الثواب عليها‪ ،‬فالبد فيه من نية التقرب إلى هللا في هذا‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )12‬الدين مبني على المصالح ‪ //‬في جلبها والدرء للقبائح‬
‫(‪ )12‬هذا األصل العظيم والقاعدة العامة يدخل فيها الدين كله‪ :‬فكله مبني على تحصيل المصالح في الدين والدنياـ واآلخرة‪ ،‬وعلى‬
‫دفع المضار في الدين والدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ما أمر هللا بشيء إال وفيه من المصالح ما ال يحيط به الوصف‪ ،‬وما نهى عن شيء إال وفيه من المفاسد ما ال يحيط به الوصف‪.‬‬
‫و من أعظم ما أمر هللا به‪ :‬التوحيد الذي هو‪ :‬إفراد هللا بالعبادة‪.‬‬
‫و هو مشتمل على‪ :‬صالح القلوب‪ ،‬وسعتها‪ ،‬ونورها‪ ،‬وانشراحها‪ ،‬وزوال أدرانها‪ ،‬وفيه مصالح البدن والدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫و أعظم ما نهى هللا عنه‪ :‬الشرك في عبادته‪ ،‬والذي هو فساد وحسرة في القلوب واألبدان‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫فكل خير في الدنيا واآلخرة‪ :‬فهوـ من ثمرات التوحيد‪ ،‬وكل شر في الدنيا واآلخرة فهوـ من ثمرات الشرك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫و مما أمر هللا به‪ :‬الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصــيام‪ ،‬والحج‪ ،‬الــذي من فوائـدـ هــذا‪ :‬انشــراح الصــدر ونــوره‪ ،‬وزوالـ همومــه وغمومــه‪،‬‬
‫ونشاط البدن وخفته‪ ،‬ونورـ الوجه‪ ،‬وسعة الرزق‪ ،‬والمحبـة في قلـوب المؤمـنين‪ ،‬وفي الزكـاة والصـدقة‪ ،‬ووجـوه اإلحسـان‪ :‬زكـاة‬
‫النفس وتطهيرها‪ ،‬وزوالـ الوسخ والدرن عنها‪ ،‬ودفع حاجة أخيه المسلم‪ ،‬وزيادة بركة ماله ونماؤه‪.‬‬
‫مع ما في هـذه األعمـال من عظيم ثـواب هللا الـذي ال يمكن وصـفه‪ ،‬ومن حصـول رضـاه الـذي هـو أكـبر من كـل شـيء‪ ،‬وزوال‬
‫سخطه‪.‬‬
‫و كذلك شرع لعباده االجتماع للعبادة في مواضع‪ ،‬كالصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة‪ ،‬واألعياد‪ ،‬ومشاعر الحج‪ ،‬واالجتمــاعـ لــذكر هللا‪،‬‬
‫والعلم النافع‪ ،‬لما في االجتماع من االختالط الذي يوجب‪ :‬التواددـ والتواصل‪ ،‬وزوال التقاطع واألحقــاد بينهم‪ ،‬ومراغمــة الشــيطان‬
‫الذي يكره اجتماعهم على الخير‪ ،‬وحصول التنافس في الخيرات‪ ،‬واقتداءـ بعضــهم ببعض‪ ،‬وتعليمـ بعضــهم بعضــا‪ ،‬وتعلم بعضــهمـ‬
‫من بعض‪ ،‬وكذلك حصول األجر الكثير الذي ال يحصل باالنفراد‪ ،‬إلى غير ذلك من الحكم‪.‬‬
‫و أباح سبحانه‪ ،‬البيع والعقود المباحة‪ ،‬لما فيه من العدل‪ ،‬ولحاجة الناس إليها‪ .‬و أباح الطيبات من المأكل والمشــارب‪ ،‬والمالبس‪،‬‬
‫والمناكح‪ ،‬لما فيها من الخبث والمضرة‪ ،‬عاجال وآجال‪ ،‬فتحريمها‪ :‬حماية لعباده‪ ،‬وصيانة لهم‪ ،‬ال بخال عليهم‪ ،‬بل رحمة منــه بهم‪،‬‬
‫فكما أن عطاءه رحمة‪ ،‬فمنعه رحمة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أن إنزال المطر بقدر ما يحتاج إليه العباد رحمة منه تعالى‪ ،‬فإذا زاد تضر زيادته‬
‫كان منعه رحمة‪.‬‬
‫وبالجملة‪ :‬فإن أوامر الرب قوت القلوب وغذاؤها‪ ،‬ونواهيه داء القلوب وكلومها‪ .‬وكذلك‪ :‬المــواريث‪ ،‬واألوقــاف‪ ،‬والوصــايا‪ ،‬ومــا‬
‫في معناها‪ ،‬اشتملت كلها على غاية المصلحة والمحاسن‪ .‬وال يمكن ضبط الحكم والمصالح في باب واحد من أبــواب العلم‪ ،‬فضــال‬
‫عن جميعه‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا تعالى‪" :‬وإذا تأملت الحكمة الباهرة في هذا الدين القويم‪ ،‬والملة الحنيفية‪ ،‬والشريعة المحمدية الــتي ال تنــال‬
‫العبارة كمالها‪ ،‬وال يدرك الوصفـ حسنها‪ ،‬وال تقترح عقول العقالء لو اجتمعت وكانت على أكمل عقل رجــل واحــد منهم فوقهــا‪،‬‬
‫فإن العقول الكاملة الفاضلة إن أدركت حسنها‪ ،‬وشدت لهــا‪ ،‬وأنــه مــا طــرق العــالم شــريعة أكمــل منهــا وال أعظم وال أجــل‪ ،‬ففيهــا‬
‫الشاهد والمشهود له‪ ،‬والحجة والمحتج له‪ ،‬والدليل والبرهان‪ ،‬ولو لم يأت الرسول ببرهان عليها لكفى بها برهانا وشاهدا على أنها‬
‫من عند هللا تعالى‪.‬‬
‫و كلها شاهدة هلل بكمال العلم‪ ،‬وكمال الحكمــة‪ ،‬وســعة الرحمــة والــبر واإلحســان‪ ،‬واإلحاطــة بــالغيب والشــهادة‪ ،‬والعلم بالمبــادىء‬
‫والعواقب‪ ،‬وأنها من أعظم نعم هللا التي أنعم بها على عباده‪ ،‬فما أنعم على عباده نعمة أجل من أن هــداهم لهــا‪ ،‬وجعلهم من أهلهــا‪،‬‬
‫وممن ارتضاهمـ لها وارتضاها لهم‪ ،‬كما قال تعالى‪ " :‬لقد من هللا على المؤمنين إذ بعث فيهم رســوال من أنفســهم بتلــو عليهم آياتــه‬
‫ويزكيهمـ ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين" (آل عمران‪ ." )164 :‬ثم أطال الكالم رحمه هللا تعالى‪.‬‬
‫(‪ )13‬فإن تزاحم عدد المصالح ‪ //‬يقدم العلى من المصالح‬
‫( ‪ )13‬إذا دار األمر بين فعل إحدى المصلحتين وتفويت األخرى‪ ،‬بحيث ال يمكن الجمع بينهما‪ ،‬روعي أكبر المصلحتين وأعالها‬
‫ففعلت‪.‬‬
‫فإن كانت إحدى المصلحتين واجبة واألخرىـ سنة‪ ،‬قدمـ الواجب على السنة‪،‬و هذا مثل‪ :‬إذا أقيمت الصالة الفريضة‪ ،‬لم يجز ابتــداء‬
‫التطوع‪ ،‬وكذا إذا ضاق الوقت‪ ،‬وكذلك‪ :‬ال يجوز نفل الصيام والحج والعمرة عليه وعليه فرض‪ ،‬بل يقدم الفرض‪.‬‬
‫وإن كانت المصلحتان واجبتين‪ :‬قدم أوجبهما‪ ،‬فيقدم صــالة الفــرض على صــالة النــذر‪ ،‬وكالنفقــة الالزمــة للزوجــات‪ ،‬واألقــارب‪،‬‬
‫والمماليك‪ :‬تقدم الزوجات‪ ،‬ثم المماليك‪ ،‬ثم األوالد‪ ،‬ثم األقرب فاألقرب‪ ،‬وكذا صدقة الفطر‪.‬‬
‫وإن كانت المصلحتان مسنونتين ‪ :‬قدم أفضلهما‪ ،‬فتقدم الراتبة على السنة‪ ،‬والسنة على النفل المطلق‪.‬‬
‫ويقدم ما فيه نفع متعدد‪ :‬كالتعليم‪ ،‬وعيــادة المــريض‪ ،‬واتبــاع الجنــائز‪ ،‬ونحوهـاـ على مــا نفعــه قاصــر‪ ،‬كالصــالة النافلــة‪ ،‬والــذكر‪،‬‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫وتقدم الصدقة والبر للقريب على غيره‪ .‬ويقدم من عتق الرقاب أغالها وأنفسها‪.‬‬
‫ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له‪ ،‬وهو أنه قد يعـرض للعمـل المفضـول من العـوارض مـا يكـون بـه أفضـل من الفاضـل‪ ،‬بسـبب‬
‫اقتران ما يوجب التفضيل‪.‬‬
‫واألسباب الموجبة للتفضيل أشياء‪ ،‬منها‪ :‬أن يكون العمل المفضول مأمورا بــه بخصــوص هــذا المــوطن‪ ،‬كاألذكــارـ في الصــالة‬
‫وانتقاالتها‪ ،‬واألذكارـ بعدها‪ ،‬واألذكارـ الموظفة بأوقاتها‪،‬ـ تكون أفضل من القراءة في هذه المواطن‪.‬‬
‫ومن األسباب الموجبة للتفضيل‪ :‬أن يكون العمل المفضول مشتمال على مصلحة ال تكون في الفاضل‪ ،‬كحصولـ تأليف به أو نفــع‬
‫متعد ال يحصل بالفاضل‪ ،‬أو يكون في العمل المفضول دفع مفسدة يظن حصولها في الفاضل‪.‬‬
‫ومن األسباب الموجبة للتفضيل‪ :‬أن يكون العمل أزيد مصلحة للقلب من الفاضل‪ ،‬كما قال اإلمــام أحمــد – رحمــه هللا – لمــا ســئل‬
‫عن بعض األعمال‪ " :‬انظر إلى ما هو أصلح لقلبك فافعله"‪.‬‬
‫فهذه األسباب تصير العمل المفضول أفضل من الفاضل بسبب اقترانها به‪.‬‬
‫(‪ )14‬وضده تزاحم المفاسد ‪ //‬يرتكب األدنى من المفاسد‬
‫(‪ )14‬المفاسد‪ :‬إما محرمات أو مكروهات‪ :‬كما أن المصالح‪ :‬إما واجبات‪ ،‬أو مستحبات‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فإذا تزاحمت المفاسد‪ ،‬بأن يضطر اإلنسان إلى فعل أحدها‪ ،‬فالواجب أن ال يرتكب المفسدة الكــبرى‪ ،‬بـل يفعــل الصـغرى‪ ،‬ارتكابــا‬
‫ألهون الشرين‪ ،‬لدفع أعالهما‪.‬‬
‫فإن كانت إحدى المفسدتين حراما واألخرى مكروهة‪ :‬قدم المكروه على الحرام‪ ،‬فيقدم األكل من المشتبه على الحرام الخالص‪.‬‬
‫و كذلك يقدم سائر المكروهاتـ على المحرمات‪.‬‬
‫و إن كانت المفسدتان حرامين‪ :‬قدم أخفهما تحريما‪.‬‬
‫و كذا إذا كانت مكروهتين‪ :‬قدم أهونهما‪.‬ـ‬
‫و مراتب المحرمات والمكروهاتـ في الصغر والكبرـ تستدعي بسطا كثيرا ال يمكنني ضبطها‪.‬‬
‫(‪ )15‬والشرع من أصوله التيسير ‪ //‬في كل أمر نابه تعسيرـ‬
‫( ‪ )15‬وذلك أن الشرع مبناه على الرأفة والرحمة والتسهيل‪ :‬كمال قال تعالى‪ " :‬وما جعــل عليكم في الــدين من حــرج" ( الحج‪:‬‬
‫‪.)78‬‬
‫فإن األمور نوعان‪ :‬نوع ال يطيقه العباد‪ :‬فهذا ال يكلفهم هللا به‪ .‬و الثاني‪ :‬يطيقونه‪ :‬واقتضتـ حكمته أمرهم به فأمرهمـ به‪.‬‬
‫و مع هذا إذا حصل لهم بفعله مشقة وعسر‪ ،‬فال بد أن يقع التخفيف فيه والتيسير‪:‬ـ إما بإسقاطه كله‪ ،‬أو تخفيفه وتسهيله‪.‬‬
‫و يدخل في هذه القاعدة أنواع من الفقه‪:‬‬
‫منها في العبادات‪ :‬التيمم عند مشقة استعمال المال‪ ،‬على حسب تفاصيله في كتب الفقه‪ ،‬والقعودـ في الصــالة عنــد مشــقة القيــام في‬
‫الفرض‪ ،‬وفيـ النفل مطلقا‪ ،‬وقصرـ الصالة في السفر‪ ،‬والجمع بين الصالتين‪ ،‬ونحو ذلك من رخص السفر ونحوها‪.‬‬
‫و من التخفيف>>ات أيض>>ا‪ :‬أعــذار الجمعــة والجماعــة‪ ،‬وتعجيــل الزكــاة‪ ،‬والتخفيفــات في العبــادات‪ ،‬والمعــامالت‪ ،‬والمناكحــات‪،‬‬
‫والجنايات‪.‬‬
‫و من التخفيفات المطلقة‪ :‬فروض الكفايات وسننها‪ ،‬والعمل بالمظنون‪ ،‬لمشقة اإلطالع على اليقين‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )16‬وليس واجب بال اقتدارـ ‪ //‬وال محرم مع اضطرار‬
‫فلهذا قلت‪ )17( :‬وكل محظور مع الضرورة ‪ //‬بقدر ما تحتاجه الضرورة‬
‫(‪ )16‬هاتان قاعدتان عظيمتان‪ :‬ذكرهما شيخ اإلسالم وغيره‪ ،‬وأنفق العلماء عليهما‪ ،‬فإن هللا فــرض على عبــاده فــرائض وحــرمـ‬
‫عليهم محرمات‪ ،‬فإذا عجزوا عما أمرهم به وضعفت قدرهمـ عنه لم يوجب عليهم فعل ما لم يقدروا عليه‪ ،‬بــل أســقطه عنهم‪ ،‬ومــع‬
‫هذا‪ ،‬إذا كانت لهم أعمال قبل وجودـ هذا المانع فإنه يجري أجرها عليهم‪ ،‬تفضال منه تعالى‪.‬‬
‫و كذلك حرم عليهم أشياء حماية لهم وصيانة‪ ،‬وجعل لهم في المباح فسحة من المحرم‪.‬ـ‬
‫مــــــع هــــــــذا‪ :‬إذا اضطرـ اإلنسان إلى محرمـ جاز له فعله فالضرورات تبيح المحظورات‪ :‬كأكل الميتــة‪ ،‬وشــرب المــاء النجس‬
‫عند الضرورة‪ ،‬وجواز محظورات الحج وغيره عند الضرورة‪ ،‬ولكن يجب أن ال يأخذ من المحظور إال بقدر الضرورة‪.‬‬
‫(‪ )17‬أي‪ :‬فال يزيد على ما تحتاج إليه الضرورة‪.‬‬
‫بل إذا زادت الضرورة وجب الكف عن الباقي‪ ،‬فيأكل من الميتة ونحوها بقدر ما يزيل الضرورة‪.‬‬
‫(‪ )18‬وترجع األحكام لليقين ‪ //‬فال يزيل الشك لليقين‬
‫( ‪ )18‬ومعنىـ هذا‪ :‬أن اإلنسان متى تحقق شيئا ثم شك ‪ :‬هل زال ذلك الشيء المتحقــق أم ال؟ األصــل بقــاء المحقــق‪ ،‬فيبقى األمــر‬
‫على ما كان متحققا‪.‬‬
‫لو شك في امرأة‪ :‬هل تزوجها؟ لم يكن له وطؤها استصحابا لحكم التحريم‪.‬‬
‫و كذا لو شك‪ :‬هل طلق زوجته أم ال؟ لم تطلق‪ ،‬وله أن يطأها استصحاباـ للنكاح‪.‬‬
‫و كذا لو شك في الحدث بعد تيقنه الطهارة أو عكسه‪ ،‬أو شك في عدد الركعات أو الطواف‪ ،‬أو السعي‪ ،‬أو الرمي ونحوه‪.‬‬
‫و ال تختص هذه القاعدة بالفقه‪ ،‬بل األصل في كل حادث عدمه‪ ،‬حتى يتحقق‪ ،‬كما نقول األصل‪ :‬انتفاء األحكــام عن المكلفين حــتى‬
‫يأتي ما يدل على خالف ذلك‪.‬‬
‫و األصل في األلفاظ‪ :‬أنها للحقيقة‪ ،‬وفي األوامر‪ :‬أنها للوجوب‪ ،‬وفيـ النواهي‪ :‬أنها للتحريم‪.‬‬
‫و األصل بقاء العموم حتى يتحقق مخصص‪.‬‬
‫واألصل بقاء حكم النص حتى يرد الناسخ‪.‬‬
‫و ألجل هذه القاعدة كان االستصحابـ حجة‪ ،‬وما ينبني على هذه القاعدة ال يطالب بالدليل‪ ،‬فإنــه مســتندـ إلى حجــة‪ ،‬لالستصــحاب‪،‬‬
‫كما أن المدعى عليه في باب الدعاوى ال يطالب بحجة على براءة ذمته‪ ،‬بل القول في اإلنكار قوله بيمينه‪.‬‬
‫و لما كانت األحكام ترجع إلى أصولها حتى يتيقن زوال األصل‪ ،‬احتيج إلى ذكر أصول أشياء إذا شك فيها رجع إلى أصولها‪.‬ـ‬
‫(‪ )19‬واألصل في مياهنا الطهارة ‪ //‬واألرض والثياب والحجارة‬
‫(‪ )20‬واألصل في األبضاع واللحوم ‪ //‬والنفس واألموال للمعصومـ‬
‫(‪ )21‬تحريمها حتى يجيء الحل ‪ //‬فافهمـ هداك هللا ما يمل‬
‫‪4‬‬
‫( ‪ )19‬فالمياه كلها‪ :‬البحار‪ ،‬واألنهار‪ ،‬واآلبــار‪ ،‬والعيــون‪ ،‬وجميــع مــا تحتــوي عليــه األرض من الــتراب‪ ،‬واألحجــار‪ ،‬والســباخ‪،‬‬
‫والرمال‪ ،‬والمعادن‪ ،‬واألشجار‪،‬ـ وجميع أصناف المالبس‪ ،‬كلها طاهرة‪ ،‬حتى يتيقن زوال أصلها بطروء النجاسة عليها‪.‬‬
‫(‪ )21 ( ، )20‬يعني ‪ :‬أن األصل في هذه األشياء التحريم حتى نتيقن الحل‪ :‬فاألصل في األبضاع التحريم‪.‬‬
‫و األبضاع ‪ :‬وطء النساء‪ ،‬فال يحل إال بيقين الحل ‪ :‬إما بنكاح صحيح‪ ،‬أو بملك اليمين‪.‬‬
‫و كذلك اللحوم‪ :‬األصل فيها التحريم‪ ،‬حتى يتيقن الحل‪ ،‬ولهــذا إذا اجتمــع في الذبيحــة ســببان‪ :‬مــبيح‪ ،‬ومحــرم‪،‬ـ غلب التحــريم‪ ،‬فال‬
‫يحل المذبوح والمصيد‪ ،‬فلو رماه أو ذبحه بآلة مسمومة‪ ،‬أو رماه فوقعـ في ماء‪ ،‬أو وطئه شيء يقتل مثله غالبا‪ ،‬فال يحل‪.‬‬
‫و كذلك األصل في المعصومـ – وهو المسلم أو المعاهد – تحريم دمه وماله وعرضه‪ ،‬فال تباح إال بالحق‪.‬‬
‫فإذا زال األصل‪ ،‬إما بردة المسلم‪ ،‬أو زنا المحصن‪ ،‬أو قتل النفس‪ ،‬أو نقض المعاهد العهد‪ ،‬حل قتله‪.‬‬
‫و كذلك‪ :‬إذا جنى اإلنسان جناية توجب قطع عضو‪ ،‬أو تـوجب عقوبـة أو مـاال‪ ،‬حـل منـه بقـدر مـا يقابـل تلـك الجنايـة‪ ،‬فـإذا قطـع‬
‫عضوا‪ ،‬أو سرق أو نحوه‪.‬‬
‫و كذا إذا اسـتدان وأبى الوفـاء‪ :‬فيؤخـذـ من مالـه بقـدر ذلـك الحـق‪ ،‬سـواء كـان الـدين هلل‪ ،‬أو لخلقـه‪ ،‬أو نفقـة لألقـارب والمماليـك‪،‬‬
‫والبهائم‪ ،‬والضيف‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫(‪ )22‬واألصل في عاداتنا اإلباحة ‪ //‬حتى يجيء صارفـ اإلباحة‬
‫(‪ )23‬وكل فعل طاعة محظورـ ‪ //‬سوى الذي في شرعنا مذكور‬
‫(‪ )23 ( ، )22‬وهذا أصالن‪ :‬ذكرهما شيخ اإلسالم – رحمه هللا – في كتبه‪ ،‬وذكرـ أن األصل الذي بنى عليه اإلمام أحمد مذهبه‪:‬‬
‫أن العادات األصل فيها اإلباحة‪ ،‬فال يحرم منها إال ما ورد تحريمه‪.‬‬
‫و أن األصل في العبادات أنه ال يشرع منها إال ما شرعه هللا ورسوله‪.‬‬
‫فـ ـ " العبــادات " ‪ :‬هي مــا اعتــاد النــاس من ‪ :‬المأكــل‪ ،‬والمشــارب‪ ،‬وأصــنافـ المالبس‪ ،‬والــذهاب‪ ،‬والمجيء‪ ،‬والكالم‪ ،‬وســائر‬
‫التصرفات المعتادة‪ ،‬فال يحرم منها إال ما حرمه هللا ورسوله‪ :‬إما نصا صريحا‪ ،‬أو يدخل في عموم أو قياس صــحيح‪ ،‬وإال فســائر‬
‫العادات حالل‪.‬‬
‫و الدليل على حلها‪ :‬قوله تعالى‪ " :‬هو الذي خلق لكم ما في األرض جميعــا" ( البقــرة ‪ ،)29 :‬فهـذا يـدل على أنـه خلـق لنـا مـا في‬
‫األرض جميعه‪ ،‬لننتفع به على أي وجه من وجوه االنتفاع‪.‬‬
‫و أما " العبادات" ‪ :‬فإن هللا خلق الخلق لعبادته‪ ،‬وبين في كتابه وعلى لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم العبــادات الــتي يعبــد بهــا‪،‬‬
‫وأمر بإخالصها له‪ ،‬فمن تقرب بها إلى هللا مخلصا فعمله مقبول‪ ،‬ومن تقرب هلل بغيرهــا فعملــه مــردود‪ ،‬كمــا قــال صــلى هللا عليــه‬
‫وسلم ‪ " :‬من عمل عمال ليس عليه أمرنا فهو رد"‪ .‬وصاحبه داخل في قولـه تعـالى‪ " :‬أم لهم شـركاء شـرعوا لهم من الـدين مـا لم‬
‫يأذن به هللا " (الشورى‪:‬ـ ‪.)21‬‬
‫(‪ )24‬وسائل األمور كالمقاصد ‪ //‬واحكم بهذا الحكم للزوائدـ‬
‫(‪ )24‬يعني‪ :‬أن الوسائل تعطى أحكام المقاصد‪ ،‬فإذا كان مأمورا بشيء كان مأموراـ بما ال يتم إال به‪.‬‬
‫فما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬وما ال يتم المسنون إال به فهوـ مسنون‪ .‬وإذا كان منهيا عن شيء كان منهيا عن جميــع طرقــه‬
‫وذرائعه ووسائله الموصلة إليه‪.‬‬
‫فالوسيلة إلى الواجب واجبة‪ :‬كالمشي إلى الصالة للفريضة‪ ،‬والزكاة ونحوها‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وأداء الحقوق الالزمة‪ ،‬كحقوق هللا تعالى‪،‬‬
‫وحقوق الوالدين واألقارب والزوجاتـ والمماليك‪ ،‬فما ال تتم هذه األمور إال به فهو واجب‪.‬‬
‫و أما المسنون كالنافلة من‪ :‬الصالة والصدقة والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والعمرة‪.‬‬
‫و المتعلقة بالخلق كحقوق الخلق المستحبة من‪ :‬صلة األرحام‪ ،‬وعيـادة المــريض‪ ،‬والـذهاب إلى مجـالس العلم‪ ،‬ونحـوه‪ .‬فمــا ال تتم‬
‫هذه إال به فهوـ مسنون‪ ،‬كنقل األقدام إليها‪ ،‬ونحوه‪.‬‬
‫و أما المحرم‪ :‬فمنه الشرك األكبر‪ :‬وهو الشرك في العبادة‪ ،‬فيحرمـ كل قول وفعل يفضي إليه‪ ،‬ويكون وســيلة قريبــة إليــه‪ ،‬ويكــون‬
‫شركا أصغر‪ :‬مثل الحلف بغير هللا‪ ،‬وتعظيم القبور‪ ،‬والتبرك بها‪ :‬الذي لم يبلغ رتبة العبادة‪ ،‬ألنه ذريعة لعبادتها‪.‬‬
‫و كذلك الوسائل إلى سائر المعاصي‪:‬ـ كالزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬فالوسائل إليه محرمة‪ ،‬والوسيلة إلى المكروه مكروه‪.‬‬
‫و هذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها وأكثرها فوائد‪،‬ـ ولعلها يدخل فيها ربع الدين‪.‬‬
‫و قوليـ ‪ " :‬واحكم بهذا الحكم للزوائد" ‪:‬‬
‫األشياء ثالثة‪ :‬مقاصد‪ :‬كالصالة مثال‪ .‬و وسائل إليها‪ :‬كالوضوء والمشي‪ .‬و متممات لها‪ :‬كرجوعه إلى محله الذي خرج منه‪.‬‬
‫و قد ذكرنا أن الوسائل تعطى أحكام المقاصد‪ ،‬فكذلك المتممات لألعمال تعطى أحكامها‪ ،‬كالرجوع من الصالة‪ ،‬والجهــاد‪ ،‬والحج‪،‬‬
‫واتباع الجنازة‪ ،‬وعيادة المريض‪ ،‬ونحوـ ذلك‪ ،‬فإنه من حين يخرج من محله للعبادة فهو في عبادة حتى يرجع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(‪ )25‬والخطا واإلكراه والنسيان ‪ //‬أسقطه معبودناـ الرحمان‬
‫(‪ )26‬لكن مع اإلتالف يثبت البدل ‪ //‬وينتفي التأثيم عنه والزلل‬
‫(‪ )26( ، )25‬وهذا من كمال جوده وكرمه – تعالى – ورحمته بعباده‪ :‬إنه لما كلف عباده بأوامر يفعلونها‪ ،‬ونواهيـ يجتنبوها‪ ،‬أنه‬
‫إذا صدر منهم إخالل بالمأمور‪،‬ـ أو ارتكاب للمحظور‪ ،‬نسيانا أو خطأ أو إكراها‪ ،‬إنه عفى عنهم وسامحهم‪،‬ـ لقوله – صلى هللا عليه‬
‫وسلم – " عفي ألمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهواـ عليه"‪.‬‬
‫قال ابن رجب – رحمه هللا – في " شرح األربعين" – بعدما ذكر النصوص الدالة على رفع اإلثم عن المخطىء والناســي‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫" واألظهــر‪ -‬وهللا أعلم ‪ : -‬أن الناســي والمخطىء قــد عفي عنهمــا‪ ،‬بمعــنى رفــع اإلثم عنهمــا‪ ،‬ألن اإلثم مــترتب على المقاصــد‬
‫والنيات‪ ،‬والناسيـ والمخطىء ال قصدـ لهما فال إثم عليهما‪ .‬وأما رفع األحكام فليس مــرادا من هــذه النصــوص‪ ،‬فيحتــاج في ثبوتهــا‬
‫ونفيها إلى دليل آخر‪.‬‬
‫و الخطأ‪ :‬أن يقصد بفعله شيئا‪ ،‬فيصادف فعله غير ما قصده‪ ،‬مثل أن يقصد قتل كافر فيصادف مسلما‪.‬‬
‫و النسيان‪ :‬أن يكون ذاكرا للشيء فينساه عند الفعل‪ ،‬وكالهما معفو عنه"‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ " :‬الفصل الثاني‪ :‬في حكم المكره‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬أحدهما‪ :‬من ال اختيار له وال قــدرة على االمتنــاع‪ ،‬كمن حمــل كرهــا‬
‫وأدخل مكانا حلف على االمتناع من دخوله‪ ،‬أو حمل كرها وضربـ به غيره حتى مــات ذلــك الغــير‪ ،‬وال قــدرة على االمتنــاع‪ ،‬أو‬
‫أضجعت امرأة ثم زني بها من غير قدرة على االمتناع‪ .‬فهذا ال إثم عليه باالتفاق‪ ،‬وال يترتب عليه حنث عند الجمهور‪ ،‬وق ـدـ حكي‬
‫عن بعض السلف‪ -‬كالنخعيـ – فيه خالف"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬النوع الثاني‪ :‬من أكره بضرب أو غيره حتى فعل‪ ،‬فهذا الفعل متعلق بــه التكليــف‪ ،‬فإنــه يمكنــه أن ال يفعــل‪ ،‬فهــو مختــار‬
‫للفعل‪ ،‬لكن ليس غرضه نفس الفعل‪ ،‬بل دفع الضررـ عنه‪ ،‬فهو مختار من وجه‪ ،‬غير مختار من وجه‪ ،‬ولهــذا اختلــف النــاس‪ :‬هــل‬
‫هو مكلف أم ال؟ واتفق العلماء على‪ :‬أنه لو أكره على قتل معصومـ لم يصح له قتله‪ ،‬فإنه إنما يقتله باختيــاره‪ ،‬وافتــداء نفســه بقتلــه‪.‬‬
‫وهذا إجماع من العلماء المعتد بهم"‪.‬‬
‫ثم ذكر بعد هذا‪ " :‬أن اإلكراه على األقوال معفو عنها‪ ،‬ال يأثم اإلنسان إذا أكره عليهما‪ .‬وأن اإلكــراه على األفعــال فيــه خالف بين‬
‫العلماء"‪ .‬انتهى كالمه رحمه هللا‪.‬‬
‫و الحاصل‪ :‬أن اإلثم مرفوعـ عن هؤالء الثالثة‪ .‬و أما الضمان – إذا أتلـف نفسـا أو مـاال ‪ : -‬فيضـمنون‪ ،‬ألن الضـمان مـرتب على‬
‫نفس الفعل‪ ،‬سواء قصد أو لم يقصد‪ .‬و أما اإلثم‪ :‬فمرتب على المقاصد ‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )27‬ومن مسائل األحكام في التبع ‪ //‬يثبت ال إذا استقل فوقعـ‬
‫(‪ )27‬يعني‪ :‬أنه يثبت تبعا ما ال يثبت استقالال‪ ،‬فإن من األحكام أشياء يختلف حكمها في حال االنفراد‪ ،‬وفي حــال التبــع لغيرهــا‪:‬‬
‫فلها حكم إذا انفردت‪ .‬ولها حكم إذا تبعت غيرها‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬في البيع‪ :‬ال يجوز بيع المجهول استقالال‪ ،‬ويجوز إذا كان تبعا لغيره والجهالة يسيرة‪ ،‬كأساسات الحيطــان‪ ،‬ومــا اختفى‬
‫تبعا لما ظهر‪.‬‬
‫و الحشرات‪ :‬ال يجوز أكلها منفردة‪ ،‬ويجوزـ أل الدود ونحوه تبعا للثمرة ونحوها‪.‬ـ والنحل في ذبابة‪.‬‬
‫و الطالق‪ :‬ال يثبت بشهادة النساء‪ ،‬فإذا شهدت المرأة أنها أرضعت المرأة وزوجها انفسخ النكاح تبعا لقبول قولهاـ في الرضاع‪.‬‬
‫(‪ )28‬والعرف معمول به إذا ورد ‪ //‬حكم من الشرع الشريف لم يحد‬
‫(‪ )29‬معاجل المحظورـ قبل آنه ‪ //‬قد باء بالخسران مع حرمانه‬
‫(‪ )28‬هذا معنى قول الفقهاء‪ " :‬العادة محكمة" أي‪ :‬معمول بها‪.‬‬
‫فإذا نص الشارع على حكم‪ ،‬وعلق بها شيئا‪ ،‬فإن نص على حده وتفسيره‪ ،‬وإال رجع إلى العــرف الجــاري‪ ،‬وذلــك كــالمعروف في‬
‫قوله تعالى‪ " :‬وعاشروهن بالمعروف" ( النساء‪ ،)19 :‬وهذا الذي جرى عليه عرف الناس‪.‬‬
‫و كذلك بر الوالدين‪ ،‬وصلة األرحام‪ ،‬فكل ما يعد برا وصلة فهو داخل في ذلك‪.‬‬
‫و كذلك لفظ القبض والحرز وألفاظ العقود كلها‪ :‬يرجع فيه إلى عرف الناس‪.‬‬
‫و من هذا‪ :‬إذا أمر حماال ونحوه بعمل شيء من غير إجــادة فلـه أجــرة عادتـه ويــدخل في هــذا‪ :‬تصــرف اإلنســان في ملـك غـيره‪،‬‬
‫واستعماله بغير إذنه‪ ،‬إذا جرت العادة بذلك‪ ،‬والمسـامحة كـالتروحـ بمروحـة غـيره‪ ،‬ودق بابـه‪ ،‬ودخـول ملكـه‪ ،‬ولـو لم يـأذن فيـه‪،‬‬
‫لجريان العرف بذلك‪.‬‬
‫(‪ )29‬هذا معنى قولهم‪ " :‬من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"‬
‫و هذا عام في أحكام الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويدخل فيها مسائل كثيرة‪:‬‬
‫منها‪ :‬إذا قتل مورثه‪ ،‬أو من أوصىـ له بشيء‪ ،‬أو قتل العبد المدبر سيده‪ ،‬فإنه يحرم الميراث والوصية والعتق‪.‬‬
‫و منها‪ :‬المطلق في مرض موته‪ ،‬فإن زوجته ترث منه ولو خرجت من العدة‪.‬‬
‫و كذلك في أحكام> اآلخرة‪ :‬فمن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في اآلخرة‪ ،‬ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في اآلخرة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫و كما أن المتعجل للمحظورـ يعاقب بالحرمان‪ ،‬فمن ترك شيئا هلل تهواه نفسه عوضه هللا خــيرا منــه في الــدنيا واآلخــرة‪ ،‬فمن تــرك‬
‫معاصي هللا ونفسه تشتهيهاـ عوضه هللا إيمانا في قلبه‪ ،‬وسعة‪ ،‬وانشراحا‪ ،‬وبركة في رزقه‪ ،‬وصحة في بدنه مع ماله من ثــواب هللا‬
‫الذي ال يقدر على وصفه‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬
‫(‪ )30‬وإن أتى التحريمـ في نفس الفعل ‪ //‬أو شرطه فذو فسادـ وخلل‬
‫(‪)30‬هذا حكم العبادات الواقعة على وجه محرم ‪ :‬فإن عاد بالتحريمـ إلى نفس العبادة أو عاد على شرطها فالعمل باطل‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الصالة في وقت النهي‪ ،‬أو وهو مســتدبر القبلـة‪ ،‬أو وعليــه نجاسـة‪ ،‬أو وهـو محــدث‪ ،‬أو لم ينـو‪ ،‬أو اخــل بـركن من أركــان‬
‫الصالة وشرطـ من شروطها‪ ،‬وكذلك صوم أيام النهي‪ ،‬ونحوـ ذلك‪ :‬العبادة في هذه المسائل باطلــة‪ .‬وأمــا إن كــان التحــريم ال يعــود‬
‫إلى نفس العبادة‪ ،‬وال شرطها‪ :‬فإن العبادة صـحيحة مـع التحــريم‪ ،‬كالوضـوءـ في اإلنـاء المحــرم ذهبـا‪ ،‬أ وفضـة‪ ،‬أو مغصــوبا‪ ،‬أو‬
‫صلى وعليه عمامة حرير‪ ،‬أو خاتم ذهب‪،‬و نحو ذلك‪ :‬فالصالة صحيحة مع حرمة األفعال‪.‬‬
‫(‪ )31‬ومتلف مؤذيه ليس يضمن ‪ //‬بعد الدفاع بالتي هي أحسن‬
‫(‪ )32‬و" أل" تفيد الكل في العموم ‪ //‬في الجمع واإلفرادـ كالعليم‬
‫(‪ )31‬إذا صال عليه آدمي‪ ،‬أو حيوان‪ ،‬أو طير في اإلحرام فأتلفه دفعاـ عن نفسه‪:‬‬
‫فال ضمان عليه‪ ،‬ولكن يدفعه باألسهل فاألسهل‪.‬ـ و أما إذا اضطر إلى صيد‪ ،‬وهو محرم‪ ،‬فأتلفه لضرورته‪ ،‬فإنــه يضــمن‪ ،‬ولكن ال‬
‫إثم عليه‪.‬‬
‫قال ابن رجب في " قواعده" ‪" :‬ومن أتلف شيئا لدفع أذاه له‪ :‬لم يضمنه‪ ،‬وإن أتلفه لـدفع أذاه بـه‪ :‬ضـمنه‪ ،‬ويتخــرج عليـه مسـائل"‬
‫فذكرها‪.‬‬
‫(‪ )32‬إذا دخلت " أل" على لفظ مفرد‪ ،‬أو لفظ جمع أفادت" االستغراقـ والعموم لجميع المعنى‪:‬‬
‫فدخولهاـ على المفرد‪ :‬مثل قوله تعالى‪ " :‬والعصر * إن اإلنسان لفي خسر * إال الذين ءامنوا" ( العصر‪ )3-1 :‬إلخ‬
‫أي‪ :‬كل إنسان خاسر‪ ،‬ال يختص بإنسان دون غيره‪ ،‬إال من استثنى‪ ،‬وهم الذين ءامنــوا بقلــوبهم‪ ،‬وعملــوا الصــالحات بجــوارحهم‪،‬‬
‫وتواصواـ بالحق الذي هو العلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وتواصوا بالصبرـ على ذلك‪ .‬فهؤالء هم الرابحون ومن فاته شــيء من هــذه‬
‫الخصال كان له من الخسار بحسب ما فاته‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪ " :‬إن اإلنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعـا " ( المعـارج ‪– 19‬ـ ‪ " ، )21‬إن‬
‫اإلنسان لربه كنود"ـ ( العاديات ‪ )6،‬إلخ‪ " ،‬إن اإلنسان لظلوم كفار" ( إبراهيم ‪.)34‬‬
‫أي‪ :‬كل واحد من الناس هذه صفته‪ ،‬إال من أخرجه من هذه الصفات المذمومة إلى صفات الخير التي هي أضدادها‪.‬‬
‫و من أمثلة دخول " أل" على المفرد‪ ،‬دخولها على أسماء هللا وصفاته‪ ،‬فكلما دخلت على اسم من أسماء اله‪ ،‬أو صفة من صــفاته‪:‬‬
‫أفادت جميع ذلك المعنى‪ ،‬واستغرقت‪ ،‬وبلغت نهايته‪ :‬كـ " الحي القيوم" أي‪ :‬الذي له الحياة الكاملة المستلزمة لصفات الذات‪.‬‬
‫و القيومية الكاملة‪ :‬الذي قام بنفسه‪ ،‬وقام بجميع الخلق تدبيرا‪.‬ـ‬
‫" العليم" ‪ :‬الذي له العلم الكامل الشامل لكل معلوم‪.‬‬
‫الرحمن الرحيم‪ :‬الذي له الرحمة العامة الواسعة لكل مخلوق‪.‬‬
‫الغني‪ :‬الذي له الغنى التام المطلق من جميع الوجوه‪.‬‬
‫العلي األعلى‪ :‬الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه‪.‬‬
‫العظيم‪ ،‬الكبير‪ ،‬الجليل‪ ،‬الجميل‪ ،‬الحميد‪ ،‬المجيد‪ :‬الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء‪ ،‬والجالل‪ ،‬والجمال‪ ،‬والحمد‪ ،‬والمجد‪.‬‬
‫و قس على هذا بقية األسماء والصفات‪ .‬ولو لم يكن في هذه القاعدة إال هذا الموضعـ الشريف لكفى بها شرفا وعظمة‪.‬‬
‫و مثال دخول " أل" على الجمع‪ :‬فمثل قوله تعالى ‪ " :‬يا أيها الناس أنتم الفقراء على هللا وهللا هو الغني الحميد" فاطر‪)15 ،‬‬
‫" يا أيها الناس اتقوا ربكم" ( النساء ‪ )1 :‬يدخل في هــذا الخطــاب جميــع النــاس‪ ،‬وقولــه تعــالى ‪ ... " :‬إنمــا المشــركون نجس ‪"...‬‬
‫( التوبة‪ )28 :‬يــدخل فيــه كــل مشــرك‪ ،‬وقولــه‪ " :‬إن المســلمين والمســلمات" ( األحــزاب ‪ )35 :‬إلى آخرهــا‪ ،‬يعم هــذه األوصــافـ‬
‫المذكورة‪ .‬وقوله – صلى هللا عليه وسلم ‪ " : -‬إنما األعمال بالنيات" ‪ :‬يعم كل عمل بدني ومالي‪ ،‬عبادي او مادي‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )33‬والنكرات في سياق النفي ‪ //‬تعطي العموم أو سياق النهي‬
‫(‪ )33‬إذا جاءت النكرة بعد النفي‪ ،‬أو جاءت بعد النهي‪ :‬دلت على العمومـ والشمول‪:‬‬
‫فمثال النكرة في سياق النفي‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬نفت كل إله في السماء واألرض‪،‬و أثبتت إلهية هللا تعالى‪.‬‬
‫و كذلك‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬أي‪ :‬ال تحول من حال إلى جميع األحوال‪ ،‬وعلى قوة على ذلك التحول إال باهلل‪.‬‬
‫و كذا قوله تعالى‪ " :‬وال يحيطون بشيء من علمه إال بما شاء" ( البقرة‪.)255 :‬‬
‫و قوله تعالى‪ " :‬يوم ال تملك نفس لنفس شيئا" ( االنفطار‪ )19 :‬يعم كل نفس‪ ،‬وكل شيء‪.‬‬
‫و مثال النكرة في سياق النهي‪ :‬قوله تعالى‪ " :‬وال تدع مع هللا إلها آخــر" ( القصــص ‪ " ،)88 :‬وأن المســاجد هلل فال تــدعو مــع هللا‬
‫أحدا" ( الحسن‪ )18 :‬شامل كل أحد‪ " ،‬وال تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إال أن يشاء هللا" ( الكهف ‪.)24 -23‬‬

‫‪7‬‬
‫(‪ )34‬كذاك " من" و" ما" تفيدان معا‪ //‬كل العموم أخي فاسمعاـ‬
‫(‪ " )34‬من" و" ما" ‪ :‬تفيدان العموم المستغرق لكل ما دخل عليه‪:‬‬
‫مثال " من" ‪ :‬قوله تعالى‪ " :‬هلل من في السموات ومن في األرض" ( يونس ‪)66 :‬‬
‫" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهمـ أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ( النحل ‪.)92 :‬‬
‫" ولمن خاف مقام ربه جنتان" ( الرحمن ‪)46 :‬‬
‫" ومن يتق هللا يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث ال يحتسب" ( الطالق‪.)302 :‬‬
‫" ومن يتوكل على هللا فهو حسبه" ( الطالق ‪.)3 :‬‬
‫" ومن أصدق من هللا حديثا" ( النساء ‪.)87 :‬‬
‫" ومن أصدق من هللا قيال" ( النساء ‪)122 :‬‬
‫" ومن أحسن من هللا حكما" ( المائدة‪)50 :‬‬
‫" ومن يدع مع هللا إلها آخر ال برهان له به فإنما حسابه عند ربه" ( المؤمنون ‪.)117 :‬‬
‫" ومن يطع هللا والرسول فأولئكـ مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين" ( النساء ‪.)69 :‬‬
‫" ومن يطع هللا ورسوله يدخله جنات تجريـ من تحتها األنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما" ( الفتح‪.)17 :‬‬
‫" ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه هلل وهو محسن" ( النساء ‪.)125 :‬‬
‫" ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه نفسه" ( البقرة ‪.)130 :‬‬
‫إلى غير ذلك من اآليات‪.‬‬
‫و كذلك األحاديث‪ :‬كقوله – صلى هللا عليه وسلم ‪ " : -‬ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقــول ‪ :‬من ذا الــذي يــدعوني فأســتجيب‬
‫له‪ ،‬من ذا الذي يسألني فأعطيه‪ ،‬من ذا الذي يستغفرنيـ فأغفر له"‪.‬‬
‫و األحاديث التي فيها ‪ " :‬من قال كذا"‪ ،‬أو " من فعل كذا ‪ ،‬فله كذا" ‪ :‬يعم كل من قال أو فعل ذلك‪.‬‬
‫و مثال ما‪ :‬قوله تعالى ‪ " :‬وهلل ما في السموات وما في األرض" ( البقرة‪.)109 :‬‬
‫و في مواطن أخر‪:‬‬
‫" وما تحمل من أنثى وال تضع إال بعلمه" ( فاطر‪ ( )11:‬فصلت‪.)47 :‬‬
‫" وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" ( سبأ‪.)39 :‬‬
‫" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"ـ ( الحشر‪.)7 :‬‬
‫" وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه" ( األنبياء‪.)25 :‬‬
‫" وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن" ( يونس ‪.)61 :‬‬
‫" وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في األرض وال في السماء" ( يونس ‪.)61 :‬‬
‫" وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير" ( سبأ ‪.)22 :‬‬
‫فتدبر هذه اآليات وما في معناها ينفتح لك باب عظيم من أبواب فهم النصوص‪.‬‬
‫(‪ )35‬و مثله المفرد إذ يضافـ ‪ //‬فافهم هديت الرشد ما يضافـ‬
‫(‪ )36‬وال يتم الحكم حتى تجتمع ‪ //‬كل الشروطـ والموانع ترتفع‬
‫(‪ )35‬يعني‪ :‬أن المضاف يعم عموم الجمع ويستغرق جميع المعنى‪ :‬كقوله تعالى‪ " :‬وأما بنعمة ربك فحدث" ( الضحى‪" ،)11 :‬‬
‫وإن تعدوا نعمة هللا ال تحصوها"ـ ( إبراهيم‪ ( ،)34:‬النحل‪ ،)18:‬يعم كل نعمة دينية أو دنيوية‪.‬‬
‫و قوله‪ " :‬يا عبادي" ( العنكبوت‪ ( ،)56:‬الزمر‪ ،)53:‬وهو كثير في الكتاب والسنة‪ :‬ال يدخل فيه جميع العباد‪.‬‬
‫و قوله "سبحان الذي أسرى بعبده" ( اإلسراء‪" ،)1:‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده" ( الفرقـان‪ ،)1:‬إشــارة إلى قيامــه بجميــع‬
‫وظائف العبودية‪.‬‬
‫(‪ )36‬هذا أصل كبير وقاعدة عظيمة‪ :‬يحصل به لمن حقق نفع عظيم وينفتح له باب من أبواب فهم النصوص المطلقة الــتي طالمــا‬
‫كثر فيها االضطراب واالشتباه‪:‬‬
‫ومعنى هذا األصل‪ :‬أن األحكام ال تتم وال يترتب عليها مقتضاها والحكم المعلق بها‪ :‬حتى تتم شروطها‪ ،‬وتنتفي موانعها‪.‬‬
‫و أما إذا عدمت الشروط‪ ،‬أو وجدت الشروط ولكن قام مانع‪ :‬لم يتم الحكم‪ ،‬ولم يترتب عليه مقتضاه لعدم وجودـ الشرط‪ ،‬أو لوجود‬
‫المانع‪ ،‬فافهمـ هذا الموضع‪.‬‬
‫و لنمثل لهذا األصل بمثال يستدل به اللبيب على ما وراءه ‪ :‬فنقول‪:‬‬
‫إن التوحيدـ مثمر لكل خير في الدنيا واآلخرة ودافع لكل شــر فيهمــا‪ ،‬ولكن ال تحصــل هــذه األمــور إال باجتمــاع شــروطه‪ ،‬وانتفــاء‬
‫موانعه‪.‬‬
‫فأما شروطه‪ :‬فهي على القلب‪ ،‬واللسان‪ ،‬والجوارح‪.‬ـ‬
‫أما الذي على اللسان‪ :‬فهو النطق بالتوحيد‪ ،‬وجميع أقوال الخير متممات له‪.‬‬
‫و أما الذي على القلب‪ :‬فهي إقراره وتصديقه ومحبته للتوحيد وأهله‪ ،‬وبغضه للشرك وأهله‪ ،‬ومعرفة القلب لمعناه ويقينه عليه‪.‬‬
‫و أما الذي على الجوارح‪ :‬في انقيادها للعمل بالتوحيد وأعماله الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫هذه شروطه‪ ،‬و أما موانعه ومفسداته‪ :‬فهي ضد هذه الشروط‪ ،‬أو ضد بعضها‪ .‬وجماعـ الموانع أنها‪ :‬إما شــرك‪ ،‬وإمــا بدعــة‪ ،‬وإمــا‬
‫معصية‪.‬‬
‫فالشرك نوعان‪ :‬أكبر وأصغر‪.‬ـ‬
‫‪8‬‬
‫فالشرك األكبر نوعان‪ :‬يمنعه ويبطله بالكلية‪.‬‬
‫و الشرك األصغر‪ ،‬والبدعة‪ ،‬وسائر المعاصي‪:‬ـ تنقصه بحسبها‪ ،‬وال تزيله بالكلية‪.‬‬
‫فإذا فهمت هذا‪ ،‬فهمت النصوص التي فيها ‪ " :‬أن من أتى بالتوحيدـ حصل له كذا واندفعـ عنه كذا"‪ :‬إنه ليس مجرد القــول‪ .‬وكــذلك‬
‫النصوص التي فيها "من قال كذا" أو "عمل كذا" إنما المراد بـه القـول التـام والعمـل التـام‪ ،‬وهـو الـذي اجتمعت شـروطه وانتفت‬
‫موانعه‪.‬‬
‫ومن أعظم شروط األعمال كلها‪ :‬اإلخالص‪ ،‬وكونهاـ على السنة‪.‬‬
‫وكذلك الوضوء‪:‬ـ ال يتم إال باجتماع شروطه وفروضه‪ ،‬وانتفاء موانعه وهي نواقضه‪ .‬وكذلك الصالة‪ :‬ال تتم حتى توجـد أركانهــا‬
‫وشروطها‪ ،‬وتنتفيـ مبطالتها‪ .‬وكذا الزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والعمرة‪ ،‬وسائر األعمال‪ :‬ال تتم إال بوجود الشروطـ وانتفاء الموانع‪.‬‬
‫وكذلك الميراث‪ :‬ال يرث إال شخص قام به شرط اإلرث‪ ،‬وهو‪ :‬سببه‪ ،‬وانتفى عنه مانعه‪ .‬و كذلك النكاح وسائرـ العقود‪ :‬لها شروط‬
‫وموانع قد فصلت في كتب األحكام‪.‬‬
‫و ليكن هذا األصل على بالك‪ ،‬وحكمه في كل دقيق وجليل‪ ،‬فللدعاء شروط وموانع‪ ،‬وللمحبة والحقــوق والرجــاء والتوبــة شــروطـ‬
‫وموانع‪ .‬وهللا المستعان على القيام بشروط األعمال ودفعـ موانعها‪ ،‬إنه جواد كريم‪.‬‬
‫(‪ )37‬و من أتى بما عليه من عمل ‪ //‬قد استحق ماله على العمل‬
‫(‪ )37‬أشياء توجب الضمان‪ ،‬لو استقلت كانت تلك اآلثار هدرا غير مضمونة‪ :‬و مفهوم هذا البيت‪ :‬أن ما نشأ من غير المأذون فيه‬
‫فإنه مضمون‪ :‬فما تولد عن المأذون فيه فهو تابع للمأذون فيه‪ ،‬وما تولد من غير المأذون فيه فهوـ تابع له‪.‬‬
‫مثال هذا‪ :‬أن يقطع يد غيره‪ ،‬فيسريـ ذلك القطع إلى إتالف نفسه أو بعض أعضائه‪ .‬فهل تضمن تلك السراية أم ال؟‬
‫الجواب‪ :‬إن كان القطع قصاصاـ أو حدا‪ ،‬فإن سرايته هدر‪ ،‬وإن كان القطع جناية ضمنت السراية تبعا للجناية‪.‬‬
‫و كذا‪ ،‬لو أراد أن يمر بين يديه إنسان وهو يصلي‪ ،‬ثم دافعه حتى أفضىـ إلى تلفه أو تلف بعضــه‪ :‬لم يضــمن‪ ،‬ألنــه مــأذون لــه من‬
‫الشرع‪ ،‬ولو دفعه من غير إذن منه وال من الشارع ثم تلف‪ :‬ضمنه‪.‬‬
‫و من أمثال هذا‪ :‬أنه لو وطىء زوجته ثم عقرها‪ :‬فإن كانت يوطأـ مثلها لم يضمن ذلك العقر‪ ،‬ألنه مأذون فيه‪.‬‬
‫و إن كانت ال يوطأـ مثلها‪ :‬ضمنه‪.‬‬
‫و من ذلك‪ :‬لو وضع حجرا في الطريق‪،‬ـ أو حفر بئرا فيه‪ ،‬ثم أتلف به إنسان أو حيوان‪ ،‬فإن كان الحفر ونحوه مأذونـاـ لــه فيــه بــأن‬
‫كان لنفع المسلمين‪ :‬لم يضمن ما تلف بهن وعن كان متعديا فيه‪ :‬ضمن‪.‬‬
‫و مما يشبه هذه القاعــدة‪ :‬أن اآلثــار الناشــئة عن الطاعــة مثــاب عليهــا‪ ،‬وال ســيما إن كــانت مكروهــة للنفــوس‪ :‬كالنصــب والتعب‪،‬‬
‫ورائحة الصوم الكريهة للنفوس‪ ،‬وأن اآلثار الناشئة عن المعصية تبع للمعصية‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫و مما يدخل في هذا‪ :‬أن من غضب‪ ،‬وكان غضبه هلل‪ ،‬فصدرـ عن ذلك الغضب أقوال وأفعـالـ ال تجـوز‪ ،‬متــأوال في ذلـك مجتهـدا‪،‬‬
‫فإنه معفي عنه‪ ،‬كما قال عمر – رضي هللا عنــه ‪ -‬للنــبي – صــلى هللا عليــه وســلم – في شــأن حــاطب بن أبي بلتعــة‪ :‬إنــه منــافق‪.‬‬
‫واعتراضه على النبي – صلى هللا عليه وسلم – في قصة الحديبية ونحوها‪.‬ـ بخالف من قصده متابعــة هــواه والحميــة لنفسـه‪ ،‬فإنــه‬
‫يعاقب على ما صدر عنه من األقوال واألفعال‪.‬ـ‬
‫(‪ )38‬وكل حكم دائر مع علته ‪ //‬وهي التي قد أوجبت لشرعته‬
‫(‪ )39‬وكل شرط الزم للعاقد ‪ //‬في البيع والنكاح والمقاصدـ‬
‫(‪ )40‬إال شروطاـ حللت محرما ‪ //‬أو عكسه فباطالت فاعلما‬
‫( ‪ ) 38‬يعني‪ :‬أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما‪ ،‬إذا وجدت العلة وجد الحكم‪ ،‬وإن انتفت العلة انتفى الحكم‪:‬‬
‫والعلة‪ :‬هي التي شرع الحكم ألجلها‪.‬‬
‫و يدخل تحت هذه القاعدة مسائل كثيرة‪:‬‬
‫منها‪ :‬أن المشقة علق عليها أحكام كثيرة من التخفيفات بـ‪ :‬الصالة والزكاة‪ ،‬والصـوم‪ ،‬والحج‪ ،‬والعمـرة‪ ،‬ونحوهـاـ من األحكـام‪ .‬إذا‬
‫وجدت المشقة حصلت التخفيفات المترتبة عليها‪ ،‬وإذا عدمت المشقة عدمت هذه األحكام‪ .‬وتفصيل المشقة معروف في كتب الفقه‪.‬‬
‫و من ذلك‪ :‬التكليــف‪ :‬وهـو البلــوغ والعقـل علـق عليــه أمـور كثــيرة من‪ :‬الوجـوب في العبــادات‪ ،‬وصـحة العقـود في المعــامالت‪،‬‬
‫ووجوب القود في الجنايات‪ ،‬ووجوب الحدود‪ ،‬والعقوبات كلها متعلقة بالتكليف‪ ،‬تثبت بوجوده‪ ،‬وتنتفي بعدمه‪.‬‬
‫و كذلك التمييز‪ ،‬والعقل‪ ،‬واإلسالم‪ :‬شرط لصحة جميــع العبــادات‪ ،‬ال تصــح إال بهــا‪ ،‬بـل جميــع شــروطـ األحكـام داخلـة تحت هـذا‬
‫األصل‪.‬‬
‫( ‪ ) 40 ( ، ) 39‬وهذا أصل كبير‪ ،‬وقاعدة كلية في الشروط الصحيحة والشروط الباطلة‪:‬‬
‫و ذلك أن الشروطـ في جميع العقود نوعان‪ :‬صحيحة وباطلة‪.‬‬
‫فأما الصحيحة‪ :‬فهي‪:‬كل شرط اشترطه المتعاقدان‪ ،‬لهما أو ألحدهما فيه مصلحة‪ ،‬وليس فيه محذورـ من الشارع‪ ،‬ويدخل في هــذا‪:‬‬
‫جميع الشروطـ في البيع‪ ،‬والشروطـ في اإلجارة والجعالة‪ ،‬والشروطـ في الرهون والضمانات‪ ،‬والشــروط في النكــاح‪ ،‬وغيرهــا من‬
‫الشروط على اختالف أنواعها‪ ،‬فإنهاـ شروط الزمة للمتعاوضين‪ ،‬إذا لم يف أحدهما بما عليه منها كان لآلخر الفسخ‪.‬‬
‫و الشرط‪ :‬إما لفظي‪ ،‬وإما عرفي‪ ،‬وإما شرعي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وأما الشروط الباطلة‪ :‬فهي التي تضــمنت‪ :‬إمــا تحليــل حــرام‪ ،‬أو تحــريم حالل‪ ،‬ويــدخل فيهــا‪ :‬جميــع الشــروطـ الباطلــة في الــبيع‪،‬‬
‫واإلجارة‪ ،‬والــرهن‪ ،‬والوقــف‪ ،‬والنكــاح‪ ،‬فإنهــا مشــتملة على تحــريم الحالل‪ ،‬أو تحليــل الحــرام‪ ،‬ومن تأملهــا وجــدها كــذلك‪ ،‬وهي‬
‫مذكورة في كتب األحكام‪.‬‬
‫(‪ )41‬تستعمل القرعة عند المبهم ‪ //‬من الحقوق أو لدى التزاحم‬
‫(‪ ) 41‬يعني‪ :‬أن القرعة تستعمل إذا جهل المستحق لحق من الحقوق وال مزية ألحــدهما على اآلخــر‪ ،‬أو حصــل الــتزاحم في أمــر‬
‫من األمور وال مرجح ألحدهما‪.‬‬
‫و تحت هذا القاعدة دالئل كثيرة‪:‬‬
‫منها‪ :‬إذا تشاح اثنان في األذان‪ ،‬أو اإلقامة‪ ،‬أو اإلمامة في الصالة‪ ،‬أو صالة الجنازة‪ ،‬وليس أحـدهما أولى من اآلخـر‪ ،‬فإنـه يقــرع‬
‫بينهما‪.‬‬
‫و كذلك‪ :‬إذا تنازع اثنان لقطة‪ ،‬أو لقيطا‪ ،‬أو مكانا‪ ،‬ونحوه‪ ،‬وال مرجح ألحدهما على اآلخر‪ ،‬فإنها تستعمل القرعة‪.‬‬
‫و كذلك‪ :‬إذا طلق من نسائه واحدة مبهمة أم معينة ثم نسيها‪ ،‬أو أعتق من عبيده مبهما‪ ،‬فإنه تخــرج المطلقــة والعتــق بالقرعــة‪ ،‬إلى‬
‫غيرها من المسائل‪.‬‬
‫(‪ )42‬وإن تساوى العمالن اجتمعا ‪ //‬وصح فعل واحد فاستمعاـ‬
‫(‪ )43‬وكل مشغول فال يشغل ‪ //‬مثاله المرهون والمسبل‬
‫( ‪ ) 42‬إذا اجتمع عمالن من جنس واحد‪ ،‬وكانت أفعالهما متفقة‪ :‬اكتفي بأحدهما‪ ،‬ودخل فيه اآلخر‪:‬‬
‫و ذلك فيه مسائل‪ :‬منها‪ :‬إذا دخل المسجد وصلى الراتبة وتحية المسجد ركعتين‪ ،‬نوى بهما جميع السنن‪ ،‬أجزأ عنها‪.‬‬
‫وكذلك سنة الوضوء‪ :‬إذا نوى بها الراتبة‪.‬‬
‫وكذلك المعتمر‪ :‬إذا طاف طواف العمرة‪ :‬أجزأه عن طواف القدوم‪.‬‬
‫والقارن‪ :‬يكفيه لحجه وعمرته طواف واحد‪ ،‬وسعي واحد‪.‬‬
‫( ‪ ) 43‬هذا معنى قول الفقهاء‪ " :‬المشغول ال يشغل" ‪ :‬و ذلك أن الشيء إذا اشـتغل بشـيء لم يشـغل بغـيره‪ ،‬حـتى يفـرغ من هـذا‬
‫المشغول به وذلك‪ ،‬كالرهن‪ :‬ال يباع‪ ،‬وال يوهب‪ ،‬وال يرهن‪ ،‬حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن‪.‬‬
‫و كذلك الموقوف‪:‬ـ ال يباع‪ ،‬وال يوهب‪ ،‬وال يرهن‪ ،‬النشغاله بالوقف‪.‬ـ‬
‫و كذلك األجير الخاص‪ :‬وهو من استؤجر زمنا كيوم وساعة ونحوه لعمل‪ :‬ال يشغل في هذه المـدة لغـير من اسـتأجره‪ ،‬ألن زمانـه‬
‫مستحق للمؤجر‪ ،‬مشغول به‪.‬‬
‫و الدار المؤجرة ال تؤجر حتى تفرغ المدة‪ ،‬بل كل مشغول بحق ال يشغل بآخر حتى يفرغ الحق عنه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )44‬و من يؤد عن أخيه واجبا ‪ //‬له الرجوع إن نوى يطالبا‬
‫(‪ ) 44‬معنى هذا‪ :‬أن كل من أدى عن غيره دينا واجبا عليه ونوى الرجوع عليه‪ :‬فإنه يرجع عليــه‪ ،‬ويلــزم المــؤدى عنــه مــا أداه‬
‫عنه‪.‬‬
‫و يدخل تحت هذا جميع ديون اآلدميين‪ ،‬من‪ :‬القرض‪ ،‬والسلم‪ ،‬وأثمان السلع‪ ،‬والنفقات الواجبة للزوجات‪ ،‬والمماليــك‪ ،‬واألقــارب‪،‬‬
‫والبهائم‪.‬‬
‫و يدخل في هذا‪ :‬قضاء الضامن والكفيل ما على المضمون عنه والمكفول له‪ ،‬ولو لم يـأذن في الضــمان وال في الكفالــة وال ألداء‪،‬‬
‫وهذا كله إذا نوى الرجوع‪ ،‬فإن لم ينو الرجوع‪ :‬فأجره على هللا‪ ،‬وال يرجع على من أدى عنه‪.‬‬
‫و هذا أيضا كله في الديون التي ال تحتاج إلى نية‪ .‬فأما ما يحتاج إلى نية كالزكوات والكفــارات ونحوهــا‪ :‬فال يــؤدىـ عن غــيره إال‬
‫بإذنه‪ ،‬ألن هذا األداء ال يبرىء من أدى عنه‪ ،‬الحتياجه إلى نيته‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )45‬و الوازع الطبعي عن العصيان ‪ //‬كالوازع الشرعي بال نكران‬
‫(‪ )46‬والحمد هلل على التمام ‪ //‬في البدء والختام والدوامـ‬
‫(‪ )47‬ثم الصالة مع سالم شائع ‪ //‬على النبي وصحبه والتابع‬
‫( ‪ ) 46‬الوازع عن الشيء‪ :‬هو الموجب لتركه‪ :‬و معنى هذا‪ :‬أن هللا حرم على عباده المحرمات‪ ،‬صيانة لهم‪ ،‬ونصب لهم على‬
‫تركها وازعات طبعية‪ ،‬ووازعات شرعية‪ ،‬فالذي تميل إليه النفوس وتشتهيه جعــل لــه عقوبــات مناســبة لتلــك الجنايــة‪ ،‬خفــة وثقال‬
‫ومحال‪ .‬وأما المحرمات التي تنفر منها النفوس فلم يرتب عليها حدا‪ ،‬اكتفــاء بــوازع الطبــع ونفرتــه منهــا‪ ،‬وذلــك كأكــل النجاســات‬
‫والسموم‪ ،‬وشرحها‪ ،‬فإنه لم يرتب عليها عقوبة‪ ،‬بل يعزر عليها كسائر المعاصي التي لم يرتب عليها عقوبة‪.‬‬
‫( ‪ ) 47 ( ، )46‬حمدا هلل في مبدأ األعمال وختامها‪:‬ـ و استدامة ذلك الحمد من أسباب الزيادة لفضل هللا وكرمه‪.‬‬
‫و حمد هللا على األمور يوجب بركتها وزكاءها ونماءها وحفظها من اآلفات‪ ،‬ويوجب كمال االنتفاع بها‪.‬‬
‫و أسأل هللا بمنه وكرمه الذي تتالشى وتضمحلـ في جنبه الذنوب‪ ،‬أن يجعل في هذه الرسالة جميع ما أشرنا إليه من هذه الفوائد‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫و هللا الموفقـ للصواب ‪ -‬و صلى هللا على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ‪ 18 -‬ذو القعدة سنة ‪ 1331‬هجرية‬

‫‪11‬‬

You might also like