You are on page 1of 94

‫تفسير أسماء هللا الحسنى للشيخ عبد الرحمن السعدي‬

‫جمعا ودراسة إعداد‪:‬‬


‫د‪ .‬عبيد بن علي العبيد‬
‫األستاذ المساعد في كلية القرآن الكريم في الجامعة اإلسالمية‬
‫المقدمة‬

‫إن الحمد هلل نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال‬
‫إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫َّللا َح َّق تُقَاتِ ِه َوال ت َ ُموت ُ َّن ِإال َوأ َ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمونَ )(‪.)1‬‬
‫(يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ‬

‫ث‬‫اح َدةٍ َو َخلَقَ ِم ْن َها زَ ْو َج َها َو َب َّ‬ ‫اس اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس َو ِ‬ ‫( َيا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫علَ ْي ُك ْم‬
‫َّللا َكانَ َ‬ ‫ام ِإ َّن َّ َ‬ ‫َّللا الَّذِي ت َ َ‬
‫سا َءلُونَ ِب ِه َو ْاأل َ ْر َح َ‬ ‫سا ًء َواتَّقُوا َّ َ‬ ‫ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َك ِثيرا ً َو ِن َ‬
‫َرقِيبا ً)(‪.)2‬‬

‫صلِحْ لَ ُك ْم أ َ ْع َمالَ ُك ْم َويَ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم‬ ‫َّللا َوقُولُوا قَ ْوالً َ‬


‫سدِيدا ً يُ ْ‬ ‫(يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ‬
‫ع ِظيما ً)(‪.)4( )3‬‬ ‫سولَهُ فَقَ ْد فَازَ فَ ْوزا ً َ‬ ‫ذُنُو َب ُك ْم َو َم ْن ي ُِط ِع َّ َ‬
‫َّللا َو َر ُ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن خير الحديث كتاب هللا‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وسلم وشر‬
‫األمور محدثاتها‪ ،‬وك ّل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وكل ضاللة في النّار‪.‬‬

‫أن هللا أمر المؤمنين باإليمان به في غير موضع في‬ ‫اعلم ‪ -‬وفقني هللا وإياك ‪ّ -‬‬
‫سو ِل ِه)(‪.)5‬‬ ‫كتابه‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى‪( :‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِآمنُوا بِ َّ‬
‫اَّللِ َو َر ُ‬

‫آل عمران (‪.)102‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫النساء (‪.)1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫األحزاب (‪.)70،71‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هذه خطبة احلاجة اليت كان النيب صلى هللا عليه وسلم يعلمها أصحابه‪ ،‬وأخرج احلديث أبو داود يف سننه (‪)591/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كتاب النكاح ابب خطبة النكاح‪ ،‬والنسائي (‪ )89/6‬كتاب النكاح ابب ما يستحب من الكالم عند النكاح‪ ،‬وابن ماجه‬
‫يف سننه (‪ )609/1‬كتاب النكاح ابب يف خطبة النكاح‪ ،‬والرتمذي وحسنه (‪ )404/3‬كتاب النكاح ابب ما جاء يف‬
‫خطبة النكاح‪ ،‬وقد توسع األلباين يف ختريج احلديث يف رسالته خطبة احلاجة‪.‬‬
‫(‪ )5‬النساء (‪.)136‬‬
‫وإن من أهم مايتضمنّه اإليمان باهلل تعالى ‪-‬الذي هو أول أركان اإليمان‪ -‬التعرف‬
‫ّ‬
‫عليه سبحانه بأسمائه وصفاته معرفة تثمر الخشية والعمل بآثارها على منهاج أهل‬
‫السنة والجماعة‪.‬‬

‫وإن مما يبين أه ّميّة موضوع أسماء هللا الحسنى أمورا ً كثيرة منها‪:‬‬

‫إن العلم باهلل‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وصفاته أشرف العلوم‪ ،‬وأجلها على اإلطالق ّ‬
‫ألن‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫شرف العلم بشرف المعلوم‪ ،‬والمعلوم في هذا العلم هو هللا سبحانه‪ ،‬وتعالى‬
‫بأسمائه‪ ،‬وصفاته وأفعاله‪ ،‬فاالشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب‪،‬‬
‫وحصوله للعبد من أشرف المواهب (‪.)6‬‬

‫‪-2‬إن معرفة هللا تعالى تدعو إلى محبته‪ ،‬وخشيته‪ ،‬وخوفه‪ ،‬ورجائه‪ ،‬ومراقبته‪،‬‬
‫وإخالص العمل له‪ ،‬وهذا هو عين سعادة العبد‪ ،‬وال سبيل إلى معرفة هللا إال‬
‫بمعرفة أسمائه الحسنى‪ ،‬والتفقه في معانيها‪.‬‬

‫‪-3‬إن معرفة هللا سبحانه وتعالى بأسمائه الحسني مما يزيد اإليمان كما قال الشيّخ‬
‫"أن اإليمان بأسماء هللا الحسنى‪ ،‬ومعرفتها يتض ّمن أنواع‬ ‫ابن سعدي رحمه هللا‪ّ :‬‬
‫التوحيد الثالثة‪ ،‬توحيد الربوبيّة‪ ،‬وتوحيد األلوهية‪ ،‬وتوحيد األسماء‪ ،‬والصفات‪،‬‬
‫وهذه األنواع هي َروح اإليمان وروحه (‪ ،)7‬وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد‬
‫معرفة بأسماء هللا‪ ،‬وصفاته ازداد إيمانه‪ ،‬وقوي يقينه (‪.)8‬‬

‫أهم أسباب اختيار الموضوع‪:‬‬

‫‪ -1‬عظم أمر اإليمان بأسماء هللا الحسنى إذ إن معرفتها هو أصل اإليمان‪،‬‬


‫واإليمان يرجع إليها‪ .‬وذلك لشرف متعلقها‪ ،‬وعظمته‪ ،‬ووجوب معرفته تعالى كما‬
‫وصف نفسه ووصفه نبيه صلى هللا عليه وسلم كما سبق‪.‬‬

‫‪ -2‬ندرة الكتابة في هذا الموضوع على منهج سلف األمة‪.‬‬

‫(‪ )6‬درء تعارض العقل والنقل لشيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ )27،28/1‬والفتوى احلموية له ضمن جمموع الفتوى لشيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية (‪ )6/5‬وإعالم املوقعني البن القيم (‪ )49/1‬وتيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان السعدي (‪.)24/1‬‬
‫الرّوح‪ :‬الفرح‪ .‬انظر‪ :‬لسان العرب (‪.)459/2‬‬
‫(‪َ )7‬‬
‫(‪ )8‬التوضيح والبيان لشجرة اإلميان للسعدي (ص‪.)41‬‬
‫ي من شمول‪ ،‬ودقة في الفهم على‬ ‫‪ -3‬لما يتّسم به شرح األسماء الحسنى لل ّ‬
‫سعد ّ‬
‫منهج سلف األمة‪ ،‬مع غوص في بيان المعاني اإليمانيّة لألسماء الحسنى‪ ،‬وبيان‬
‫آثار اإليمان بها‪ ،‬ق ّل أن تجده عند غيره رحمه هللا تعالى‪.‬‬

‫‪ -4‬من خالل مطالعتي لتفسير السعدي رحمه هللا‪ ،‬وجدته عقد فصالً في شرح‬
‫األسماء الحسنى بعد تفسيره لسورة النحل‪.‬‬

‫ووجدت في نفسي رغبة في إخراجه‪ ،‬وطباعته مستقالً عن التفسير لتع ّم الفائدة‬


‫ويسهل حصوله لمريده‪ ،‬حيث إن موضعه في التفسير ليس مظنّة لقاصده‪ ،‬وبعد‬
‫العزم‪ ،‬والتصميم على ذلك‪ ،‬استشرت بعض المشايخ‪ ،‬والزمالء‪ ،‬فوجدت منهم‬
‫ي بأن أزيد على هذا الفصل كل ما يتعلق بشرح‬ ‫استحسانا ً لألمر‪ ،‬وأشاروا عل َّ‬
‫ي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬وجمعها‪،‬‬ ‫سعد ّ‬
‫األسماء الحسنى من كتب الشيخ عبد الرحمن ال ّ‬
‫وترتيبها‪ ،‬وإخراجها‪.‬‬

‫وكان ممن له أثر كبير في ذلك األخ الدكتور‪ /‬عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد‬
‫وفقه هللا تعالى‪ ،‬حيث أتحفني بفهرس لمواطن األسماء الحسنى من كتب ابن‬
‫سعدي رحمه هللا تعالى فجزاه هللا خير الجزاء‪.‬‬

‫ولهذه األسباب وغيرها رغبت في إخراج هذا المجموع‪ ،‬وهللا الهادي لسواء‬
‫السبيل‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫وتشتمل على مقدمة وقسمين‪:‬‬


‫المقدمة‪ :‬وذكرت فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬أهمية الموضوع‪.‬‬
‫‪ -2‬أسباب اختيار الموضوع‪.‬‬
‫‪ -3‬خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -4‬منهجي في البحث‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬الدراسة وتشتمل على أربعة مباحث‪:‬‬


‫المبحث األول‪ :‬ترجمة موجزة للشيّخ عبد الرحمن السعدي رحمه هللا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ ابن السعدي ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬في األسماء الحسنى‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أسماء هللا تعالى توقيفية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حديث هلل تسعة وتسعون اسما والكالم عليه‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬عرض شرح أسماء هللا الحسنى للسعدي جمعا ً ودراسة‪.‬‬
‫منهجي في البحث‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬جمع المادة العلمية من كتب الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه هللا وهى من‬
‫الكتب اآلتية‪:‬‬
‫‪-1‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪.‬‬
‫‪-2‬تيسير اللطيف المنان في خالصة تفسير القرآن‪ ،‬وقد أشرت إليه في العزو باسم‬
‫الخالصة‪.‬‬
‫‪-3‬توضيح الكافية الشافية‪.‬‬
‫‪-4‬الحق الواضح المبين في شرح توحيد األنبياء والمرسلين من الكافية الشافية‪.‬‬
‫‪-5‬المواهب الربانية من اآليات القرآنية‪.‬‬
‫‪-6‬بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخبار‪.‬‬
‫‪-7‬مجموع الفوائد واقتناص األوابد‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬النظر فيما قاله عن كل اسم من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬وتأليفه‪ ،‬وترتيبه‪ ،‬وحذف‬
‫ما تكرر منه‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ترتيب األسماء الحسنى حسب حروف الهجاء مع ترقيمها ترقيما ً تسلسليا ً ثم‬
‫عرض ما قاله الشيخ عن االسم وجعله بين عالمتي تنصيص‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬االستدالل لالسم الذي لم يستدل له الشيخ من الكتاب أو السنة إن وجد‪،‬‬


‫وأجعله في الحاشية‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬أعلق على ما يحتاج إلى تعليق‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬عزو اآليات إلى سورها وأرقامها‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬تخريج األحاديث‪.‬‬


‫ثامناً‪ :‬جعلت في خاتمة البحث مل ّخصا ً يبيّن أهم النتائج التي توصلت إليها من‬
‫خالل البحث‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬وضع الفهارس الالزمة للبحث‪.‬‬

‫هذا وإن الحمد هلل تعالى على التمام‪ ،‬وله الشكر على كل حال أحمده سبحانه أن‬
‫يسر لي إخراج هذا المجموع عسى هللا أن ينفع به جامعه‪ ،‬وقارئه‪ ،‬وكل من‬
‫سمعه‪.‬‬

‫كما أسأله سبحانه أن يكون هذا العمل متقبالً عنده وسائر أعمالي إنه سميع مجيب‪.‬‬

‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬الدراسة وتشتمل على‪:‬‬

‫المبحث األول‬
‫ترجمة موجزة عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه‬
‫(‪)9‬‬
‫هللا‬
‫أوالً‪ :‬اسمه ونسبه‪:‬‬
‫هو الشيخ العالمة أبو عبد هللا عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا بن ناصر بن‬
‫حمد آل سعدي‪ ،‬من بني تميم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مولده‪:‬‬
‫ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم سنة ألف وثالثمائة وسبع‬
‫من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصالة والتسليم‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬نشأته‪:‬‬
‫نشأ الشيخ يتيما ً فقد توفيت أمه وله أربع سنين‪ ،‬وتوفى والده وله سبع سنين‪،‬‬
‫ولكنه نشأ نشأة صالحة وقد أثار اإلعجاب فقد اشتهر منذ حداثته بفطنته‪ ،‬وذكائه‪،‬‬
‫ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله‪ ،‬فحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره أحد‬
‫عشر سنة ثم اشتغل بالعلم على يد علماء بلده فاجتهد في طلب العلم و َج ّد فيه‬
‫وسهر الليالي وواصل األيام حتى نال الحظ األوفر من كل فن من فنون العلم ولما‬
‫ُعلّم‪.‬‬
‫بلغ من العمر ثالثا ً وعشرين سنة جلس للتدريس فكان َيت َعلم وي ِ‬

‫رابعا ً‪ :‬نبذة من أخالقه‪:‬‬

‫(‪ )9‬انظر مصادر هذه الرتمجة يف‪:‬‬


‫‪ -1‬روضة الناظرين عن مآثر علماء جند وحوداث السنني للشيخ حممد بن عثمان القاضي (‪.)219/1‬‬
‫‪ -2‬علماء جند خالل مثان قرون للشيخ عبد هللا البسام (‪.)218/3‬‬
‫‪ -3‬مشاهري علماء جند وغريهم للشيخ عبد الرمحن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص‪.)256‬‬
‫‪ -4‬مقدمة كتاب الرايض الناضرة البن سعدي بقلم أحد تالميذ الشيخ‪.‬‬
‫‪ -5‬الشيخ عبد الرمحن بن سعدي وجهوده يف توضيح العقيدة‪ ،‬رسالة ماجستري إعداد د‪/‬عبد الرزاق بن عبد احملسن العباد (من‬
‫ص‪ 13‬إىل ‪.)61‬‬
‫كان على جانب كبير من األخالق الفاضلة‪ ،‬متواضعا ً للصغير‪ ،‬والكبير‪ ،‬والغني‪،‬‬
‫والفقير‪ ،‬وكان يقضي بعض وقته باالجتماع بمن يرغب حضوره فيكون مجلسهم‬
‫مجلسا ً علميا ً حيث إنه يحرص على أن يحتوي على البحوث العلمية‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ويحصل ألهل المجلس فوائد عظمى من هذه البحوث‪ ،‬وكان يتكلم‬
‫مع كل فرد بما يناسبه‪ ،‬وكان ذا شفقة على الفقراء‪ ،‬والمساكين‪ ،‬والغرباء مادًّا يد‬
‫المساعدة لهم بحسب قدرته‪ ،‬ويستعطف لهم المحسنين ممن يُ ْعرف عنهم حب‬
‫الخير في المناسبات‪.‬‬

‫وكان على جانب كبير من األدب‪ ،‬والعفّة‪ ،‬والنّزاهة‪ ،‬والحزم في كل أعماله‪،‬‬


‫وكان من أحسن الناس تعليماً‪ ،‬وأبلغهم تفهيماً‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬مكانته العلميّة‪:‬‬


‫كان رحمه هللا ذا معرفة فائقة في الفقه وأصوله‪ ،‬وكان أول أمره متمسكا ً‬
‫ي تبعا ً لمشايخه‪ ،‬وحفظ بعض المتون من ذلك‪.‬‬ ‫بالمذهب الحنبل ّ‬

‫وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن القيم‪،‬‬
‫وحصل له خير كثير بسببيهما في علم األصول والتوحيد‪ ،‬والتفسير‪ ،‬ولغته‪،‬‬
‫وغيرها من العلوم النافعة‪ .‬وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار ال‬
‫يتقيد بالمذهب الحنبلي‪ ،‬بل يرجح ما ت ََر ّجح عنده بالدليل الشرعي‪ ،‬وال يطعن في‬
‫علماء المذاهب‪ .‬وله مكانة مرموقة في علم التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه‬
‫وألف تفسيرا ً جليالً‪ ،‬في ثمان مجلدات‪ ،‬فسره بالبديهية من غير أن يكون عنده‬
‫وقت لتصنيف كتاب تفسير وال غيره‪.‬‬

‫دائما ً يقرأ تالميذه في القرآن الكريم ويفسره ارتجاالً‪ ،‬ويستطرد‪ ،‬ويبين من معاني‬
‫القرآن‪ ،‬وفوائده‪ ،‬ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة‪ ،‬حتى أن سامعه‬
‫يو ّد أن ال يسكت‪ ،‬لفصاحته‪ ،‬وجزالة لفظه‪ ،‬وتوسعه في سياق األدلة‪ ،‬والقصص‪،‬‬
‫ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته العلمية‪ ،‬وكذلك من قرأ‬
‫مصنفاته وفتاويه‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬مصنفاته‪:‬‬
‫كان رحمه هللا تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف فشارك في كثير من فنون العلم فألّف‬
‫في التوحيد‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والفقه‪ ،‬والحديث‪ ،‬واألصول‪ ،‬واآلداب‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وأغلب‬
‫مؤلفاته مطبوعة إال اليسير منها‪ ،‬وإليك سرد لهذه المؤلفات‪:‬‬
‫‪ -1‬األدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلرشاد إلى معرفة األحكام‪.‬‬
‫‪ -3‬انتصار الحق‪.‬‬
‫‪ -4‬بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخيار‪.‬‬
‫‪ -5‬التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد اإلعراب‪.‬‬
‫‪ -6‬توضيح الكافية الشافية‪.‬‬
‫‪ -7‬التوضيح والبيان لشجرة اإليمان‪.‬‬
‫‪ -8‬التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة‪.‬‬
‫‪ -9‬تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغالله‪.‬‬
‫‪ -10‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪.‬‬
‫‪ -11‬تيسير اللطيف المنان في خالصة تفسير القرآن‪.‬‬
‫‪ -12‬الجمع بين اإلنصاف ونظم ابن عبد القوي‪.‬‬
‫‪ -13‬الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬أو واجب المسلمين وما فرضه هللا عليهم في كتابه‬
‫نحو دينهم وهيئتهم االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -14‬الحق الواضح المبين في شرح توحيد األنبياء والمرسلين من الكافية‬
‫الشافية‪.‬‬
‫‪ -15‬حكم شرب الدخان‪.‬‬
‫‪ -16‬الخطب المنبرية على المناسبات‪.‬‬
‫‪ -17‬الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية‪.‬‬
‫‪ -18‬الدرة المختصرة في معان دين اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -19‬الدالئل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -20‬الدين الصحيح يحل جميع المشاكل‪.‬‬
‫‪ -21‬رسالة في القواعد الفقهية‪.‬‬
‫‪ -22‬رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة‪.‬‬
‫‪ -23‬الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة‬
‫الفاخرة‪.‬‬
‫‪ -24‬سؤال وجواب في أهم المهمات‪.‬‬
‫‪ -25‬طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط واألصول‪.‬‬
‫‪ -26‬الفتاوى السعدية‪.‬‬
‫‪ -27‬فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد‪.‬‬
‫‪ -28‬فوائد مستنبطة من قصة يوسف‪.‬‬
‫‪ -29‬الفواكه الشهية في الخطب المنبرية‪.‬‬
‫‪ -30‬القواعد الحسان لتفسير القرآن‪.‬‬
‫‪ -31‬القواعد واألصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة‪.‬‬
‫‪ -32‬القول السديد في مقاصد التوحيد‪.‬‬
‫‪ -33‬مجموع الخطب في المواضيع النافعة‪.‬‬
‫‪ -34‬مجموع الفوائد واقتناص األوابد‪.‬‬
‫‪ -35‬المختارات الجلية من المسائل الفقهية‪.‬‬
‫‪ -36‬المواهب الربانية من اآليات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -37‬منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين‪.‬‬
‫‪ -38‬المناظرات الفقهية‪.‬‬
‫‪ -39‬منظومة في أحكام الفقه‪.‬‬
‫‪ -40‬منظومة في السير إلى هللا والدار اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -41‬وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من‬
‫براهين الدين‪.‬‬
‫‪ -42‬الوسائل المفيدة للحياة السعيدة‪.‬‬
‫‪ -43‬يأجوج ومأجوج‪ .‬طبع دار لينا‪ ،‬مصر‪ ،‬دمنهور‪ ،‬الطبعة األولى ‪1418‬ه‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬وبعد عمر دام تسعا ً وستين سنة قضاها في التعلم والتعليم والتأليف وخدمة‬
‫األمة اإلسالمية وافاه األجل المحتوم فتوفى سنة ‪1376‬ه في مدينة عنيزة من بالد‬
‫القصيم رحمه هللا رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منهج الشيخ ابن السعدي رحمه هللا في‬
‫األسماء الحسنى‬
‫من خالل مطالعتي‪ ،‬وجمعي لألسماء الحسنى للسعدي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬تبين لي من‬
‫منهجه ما يأتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬بالنسبة لمنهجه في األسماء الحسنى فإن السعدي ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬لم يتقيّد بمن‬
‫سبقه ممن ألف في األسماء الحسنى‪ .‬ألنني وجدت بعض األسماء التي أوردها ال‬
‫توجد في هذه الكتب فأحيانا ً يزيد عليها‪ ،‬وأحيانا ً ينقص عنها في بعض األسماء‪.‬‬

‫كما أنه لم يعتمد على حديث أبي هريرة في سرد األسماء الحسنى فمثالً أورد اسم‬
‫هللا تعالى «الستار» وهذا االسم لم يرد في حديث أبي هريرة وال في أي رواية‬
‫من رواياته الواردة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫فقد يكون ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬اعتمد على ما ظهر له أنها أسماء هللا تعالى من نصوص‬
‫الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬من األمور الذي تميز بها هذا المجموع ما ظهر لي من منهج الشيخ ‪ -‬رحمه‬
‫هللا تعالى ‪ -‬من العناية‪ ،‬واالهتمام بقواعد األسماء‪ ،‬والصفات كما يتبين ذلك من‬
‫خالل إيراده لهذه القواعد في هذا المجموع ومن ذلك‪:‬‬

‫القاعدة األولى‪ :‬أسماء هللا كلها حسنى (‪.)10‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬اإليمان بأسماء هللا‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأحكام الصفات (‪.)11‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬داللة األسماء على الذات‪ ،‬والصفات تكون بالمطابقة‪ ،‬والتضمن‪،‬‬
‫وااللتزام (‪.)12‬‬

‫(‪ )10‬انظر ص‪.19‬‬


‫(‪ )11‬انظر ص‪.55‬‬
‫(‪ )12‬انظر ص‪.56‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬من أسماء هللا ما يرد مفرداً‪ ،‬ومنها ما يرد مقرونا ً مع غيره ألن‬
‫الكمال الحقيقي من اجتماعهما(‪.)13‬‬

‫ثالثاً‪ :‬من منهج الشيخ رحمه هللا أنه أدخل في األسماء الحسنى األسماء المضافة‬
‫مثل «بديع السموات واألرض» و «ذو الجالل واإلكرام» و«الفعال لما يريد»‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫وكذلك ما أخذ بطريق اإلشتقاق ولم أقف على نص ينص على تسميته هلل مثل‬
‫«الستار» و«الهادي» و «الرشيد» وغيرها‪ .‬وقد بينت في الدراسة ما تر ّجح لي‬
‫في األسماء المضافة‪ ،‬واالشتقاق (‪.)14‬‬

‫شيخ ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬لشرحه أسماء هللا الحسنى ببيان‬‫رابعاً‪ :‬اتسم منهج ال ّ‬
‫المعنى الظاهر لالسم مع الغوص في بيان المعاني اإليمانية لألسماء الحسنى‪،‬‬
‫وبيان آثار اإليمان بها‪.‬‬

‫وهذه السمة مما ميّزت شرحه على كثير من شروح األسماء الحسنى مع إغفاله‬
‫لألوجه اللغوية لالسم‪ ،‬وهذا ظاهر في أغلب األسماء التي شرحها رحمه هللا‬
‫تعالى‪.‬‬

‫(‪ )13‬انظر‪ :‬ص‪.68‬‬


‫(‪ )14‬انظر ص‪.15‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أسماء هللا تعالى توقيفية‬
‫مذهب جمهور أهل السنة والجماعة أن أسماء هللا تعالى توقيفية‪ ،‬فال يجوز تسميته‬
‫سبحانه بما لم يرد به السمع‪.‬‬

‫وذلك أن أسماء هللا تعالى من األمور الغيبية التي ال يمكن لنا معرفة شيء منها إال‬
‫عن طريق الرسل الذين يطلعهم هللا على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس‬
‫فال يجوز القياس فيها أو اإلجتهاد ألن هذا الباب ليس من أبواب االجتهاد‪.‬‬

‫قال أبو إسحاق الزجاج‪" :‬ال ينبغي ألحد أن يدعو هللا بما لم يصف به نفسه"(‪.)15‬‬

‫وقال أبو إسحاق القشيري(‪" :)16‬األسماء تؤخذ توقيفيا ً من الكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬


‫واإلجماع‪ ،‬فكل اسم ورد فيهما وجب اطالقه في وصفه‪ ،‬وما لم يرد ال يجوز ولو‬
‫صح معناه"‪.‬‬

‫وقال أبو سليمان الخطابي‪" :‬ومن علم هذا الباب؛ أعني األسماء‪ ،‬والصفات‪ ،‬ومما‬
‫يدخل في أحكامه‪ ،‬ويتعلق به من شرائط أنه ال يتجاوز فيها التوقيف‪ ،‬وال يستعمل‬
‫فيها القياس‪ ،‬فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر‪ ،‬وضع اللغة‪ ،‬ومتعارف الكالم‪،‬‬
‫فالجواد‪ :‬ال يجوز أن يقاس عليه السخي‪ ،‬وإن كانا متقاربين في ظاهر الكالم‪،‬‬
‫وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد‪ ،‬ثم إن السخاوة موضوعة‬
‫في باب الرخاوة واللين‪ ،‬يقال‪ :‬أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة‪،‬‬
‫وكذلك ال يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين‪ ،‬والسهولة‪.‬‬

‫وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السحاب إذا أمطر فأغزر‪ ،‬وفرس‬
‫جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري‪.‬‬

‫وقد جاء في األسماء القوى‪ ،‬وال يقاس عليه الجلد‪ ،‬وإن كان يتقاربان في نعوت‬
‫األدميين ألن باب التجلد يدخله التكلف‪ ،‬واإلجتهاد‪.‬‬

‫(‪ )15‬انظر معاين القرآن وإعرابه ‪.392/2‬‬


‫(‪ )16‬الفتح (‪ )123/11‬واملنهج األمسى يف شرح أمساء هللا احلسىن (ص ‪.)38‬‬
‫وال يقاس على القادر المطيق‪ ،‬وال المستطيع ألن الطاقة‪ ،‬واالستطاعة إنما تطلقان‬
‫على معنى قوة البنية‪ ،‬وتركيب الخلقة‪.‬‬

‫وفي أسمائه العليم‪ ،‬ومن صفته العلم فال يجوز قياسا ً عليه أن يسمى عارفا ً لما‬
‫تقتضيه المعرفة من تقديم األسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك ال‬
‫يوصف بالعاقل‪.‬‬

‫وهذا الباب يجب أن يراعى‪ ،‬وال يغفل فإن عائدته عظيمة‪ ،‬والجهل به ضار‪،‬‬
‫وباهلل التوفيق‪.‬اه (‪.)17‬‬

‫وقال السفاريني في نظمه للعقيدة‪:‬‬

‫لكنها في الحق توقيفية‬


‫لنا بذا أدلة وفية‬

‫ثم شرح البيت فقال‪:‬‬

‫لكنها‪ :‬أي األسماء الحسنى‪ ،‬في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص‬
‫الشرع‪ ،‬وورود السمع بها‪.‬‬

‫أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطالق األسماء الحسنى‪،‬‬ ‫ومما يجب أن يُعلم ّ‬
‫والصفات العلى على الباري جل وعال إذا ورد بها اإلذن من الشارع‪ ،‬وعلى‬
‫امتناعه على ما ورد المنع عنه‪ .‬اه(‪.)18‬‬

‫فالحق أن‪ :‬أسماء هللا تعالى توقيفية؛ ألنها من األمور الغيبية التي ال تُعلم إال بما‬
‫جاء عن هللا وعن رسوله صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫فال مجال للقياس‪ ،‬وإعمال العقل فيها إثباتا ً أو نفيا ً ألن العقل ال يمكنه إدراك ما‬
‫يستحقه هللا من األسماء لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ال نحصى ثناءا ً عليك أنت‬
‫كما أثنيت على نفسك"(‪.)19‬‬
‫(‪ )17‬شأن الدعاء (ص‪.)112-111‬‬
‫(‪ )18‬لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية شرح الدرة املضية يف عقيدة الفرقة املرضية (‪.)124/1‬‬
‫(‪ )19‬أخرجه مسلم يف صحيحه (‪ )352/1‬كتاب الصالة ابب ما يقال يف الركوع والسجود‪.‬‬
‫فإذا تبين ّ‬
‫أن أسماء هللا تعالى توقيفية فال يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة‬
‫اسما ً هلل تعالى‪.‬‬

‫فباب األفعال أوسع من باب األسماء (‪.)20‬‬

‫وما ورد مقيدا ً أو مضافا ً من األسماء في القرآن أو السنة فال يكون اسما ً بهذا‬
‫الورد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إال مقيدا ً في قوله تعالى‪ِ ( :‬إنَّا ِمنَ ْال ُمجْ ِر ِمينَ‬
‫ُم ْنت َ ِق ُمونَ )(‪.)21‬‬

‫عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ‬
‫ب َوال َّ‬
‫ش َها َد ِة)(‪.)22‬‬ ‫وما ورد مضافا ً مثل‪َ ( :‬‬

‫فال يؤخذ هذا االسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر‪.‬‬

‫وإذا ورد في الكتاب‪ ،‬والسنة اسم فاعل يدل على نوع من األفعال ليس بعام شامل‬
‫فهذا ال يكون من األسماء الحسنى ألن األسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل‬
‫على الذات‪ ،‬وال تدل على معنى خاص مثل مجرى السحاب‪ ،‬هازم األحزاب‪،‬‬
‫الزارع‪ ،‬الذاري(‪.)23‬‬

‫(‪ )20‬انظر مدارج السالكني البن القيم (‪ )415/3‬والقواعد املثلى البن عثيمني (ص‪.)21‬‬
‫(‪ )21‬السجدة (‪.)22‬‬
‫(‪ )22‬الرعد (‪.)9‬‬
‫(‪ )23‬انظر رسالة أقوم ما قيل يف القضاء والقدر واحلكمة والتعليل لشيخ اإلسالم ابن تيمية ضمن جمموع الفتاوي (‪)196/8‬‬
‫ومعارج القبول للحكمي (‪ )73 ،72/1‬وشرح القواعد املثلى البن عثيمني شريط (‪ )2‬وجه (‪ )1‬وكتاب أمساء هللا احلسىن‬
‫للغصن (ص‪.)136‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حديث "هلل تسعة وتسعون اسماً"‬
‫أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬هلل تسعة وتسعون اسما ً مائة إال واحدة ال يحفظها أحد‬
‫إال دخل الجنة‪ ،‬وهو وتر يحب الوتر"‬

‫وفي رواية‪" :‬من أحصاها(‪ )24‬دخل الجنة" وهذا الحديث متفق على صحته(‪.)25‬‬

‫وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق أخرى مختلفة تزيد على الحديث السابق‬
‫(‪)26‬‬
‫بذكر أسماء من أسماء هللا تعالى‪ ،‬والحديث ورد بثالث طرق عند الترمذي‬
‫وابن ماجه(‪ )27‬والحاكم(‪ ،)29( )28‬وهذه الطرق ضعفت من جهة اإلسناد‪ ،‬ومن جهة‬
‫المتن كما بينه جمع من العلماء‪ ،‬والمحققين‪ ،‬وإليك أقوالهم‪.‬‬

‫قال البيهقي رحمه هللا في حديثه عن رواية عبد العزيز بن الحصين‪ :‬يحتمل أن‬
‫يكون التفسير وقع من بعض الرواة‪ ،‬وكذلك في حديث الوليد ابن مسلم (‪.)30‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا‪" :‬قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن‬
‫هاتين الروايتين ‪ -‬يعني روايتي الترمذي من طريق الوليد وابن ماجه من طريق‬

‫(‪ )24‬اختلف العلماء يف بيان املراد ابإلحصاء على أقوال أظهرها وهللا أعلم ما ذكره ابن القيم يف بدائع الفوائد ‪ 164/1‬حيث‬
‫قال‪« :‬واحصاؤها مراتب‪ :‬املرتبة األوىل‪ :‬احصاء ألفاظها وعدها‪ .‬والثانية‪ :‬فهم معانيها ومدلوهلا‪ .‬والثالثة‪ :‬دعاؤه هبا كما قال‬
‫احلُ مس َىن فَ مادعُوهُ َهبَا} األعراف آية (‪ .)180‬وهو مرتبان‪ :‬احدها‪ :‬دعاء ثناء وعبادة‪ .‬والثانية‪« :‬دعاء‬ ‫{وَهّلِلَ األ م‬
‫َمسَاءُ م‬ ‫تعاىل‪َ :‬‬
‫طلب ومسألة»أ‪.‬هـ‪ .‬وهذا اختيار ابن سعدي رمحه هللا‪ .‬انظر احلق الواضح املبني ص‪ ،22‬وملزيد بيان هلذه املسألة انظر‬
‫فتح الباري ‪ ،226/11‬والنهج األمسى ‪.46/1‬‬
‫(‪ )25‬صحيح البخاري (‪ )169/7‬كتاب الدعوات‪ ،‬ابب هلل عز وجل مائة اسم غري واحد‪ .‬ومسلم (‪2062/4‬و ‪)2063‬‬
‫كتاب الذكر‪ ،‬ابب يف أمساء هللا تعاىل وفضل من أحصاها‪.‬‬
‫(‪ )26‬سنن الرتمذي (ح ‪.)3574‬‬
‫(‪ )27‬سنن ابن ماجه (ح ‪.)3861‬‬
‫(‪ )28‬مستدرك احلاكم (‪.)17/1‬‬
‫(‪ )29‬وقد مجع هذه الطرق وبني أقوال أهل العلم عليها وحكم عليها الشيخ‪ /‬حممد بن محد احلمود يف كتابه النهج األمسى يف‬
‫شرح أمساء هللا احلسىن (‪ )50/1‬وكذلك الشيخ‪ /‬عبد هللا بن صاحل الغصن يف كتابه أمساء هللا احلسىن (ص ‪.)155‬‬
‫(‪ )30‬األمساء والصفات للبيهقي (‪.)32/1‬‬
‫عبد الملك بن محمد ‪ -‬ليستا من كالم النبي صلى هللا عليه وسلم وإنما كل منهما‬
‫من كالم بعض السلف"(‪.)31‬‬

‫وقال أيضاً‪ :‬أن التسعة والتسعين اسما ً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد‬
‫بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة‪ ،‬وحفاظ أهل الحديث يقولون‪ :‬هذه الزيادة مما‬
‫جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من‬
‫هذا‪ ،‬رواه ابن ماجه‪ ،‬وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض‬
‫السلف (‪.)32‬‬

‫وقال ابن كثير رحمه هللا‪" :‬الذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد األسماء‬
‫في هذا الحديث ‪ -‬أي حديث الوليد عند الترمذي ‪ -‬مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه‬
‫الوليد بن سلم‪ ،‬وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن‬
‫غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن‪.)33("...‬‬

‫وقال ابن حجر رحمه هللا‪" :‬والتحقيق ّ‬


‫إن سردها إدراج من الرواة"(‪.)34‬‬

‫ونقل ابن حجر عن ابن عطية رحمهما هللا قوله‪" :‬حديث الترمذي ليس بالمتواتر‬
‫وبعض األسماء التي فيه شذوذ"(‪ )35‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫(‪ )31‬جمموع فتاوي شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)379/6‬‬


‫(‪ )32‬املرجع السابق (‪.)482/22‬‬
‫(‪ )33‬تفسري القرآن العظيم (‪.)257/3‬‬
‫(‪ )34‬بلوغ املرام (ص‪( )346‬ح ‪.)1396‬‬
‫(‪ )35‬التلخيص احلبري (‪.)190/4‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬عرض شرح‬
‫أسماء هللا الحسنى للسعدي‬
‫جمعا ً ودراسة‪.‬‬
‫‪-1‬اإلله(‪:)36‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫"واإلله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجالل‪ ،‬فقد دخل في هذا االسم‬
‫جميع األسماء الحسنى‪ ،‬ولهذا كان القول الصحيح إن هللا أصله اإلله وأن اسم هللا‬
‫هو الجامع لجميع األسماء الحسنى والصفات العلى وهللا أعلم"(‪.)37‬‬

‫‪-2‬هللا(‪:)38‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬هللا‪ :‬هو المألوه المعبود‪ ،‬ذو األلوهية‪ ،‬والعبودية على خلقه‬
‫أجمعين‪ ،‬لما اتصف به من صفات األلوهية التي هى صفات الكمال(‪ ،)39‬وأخبر‬
‫أنه هللا الذي له جميع معاني األلوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني األلوهية‬
‫كلها‪ ،‬التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم‬
‫المقدس ذو الجالل واإلكرام(‪.)40‬‬

‫واسم هللا هو الجامع لجميع األسماء الحسنى‪ ،‬والصفات العلى‪ ،‬وهللا أعلم(‪.)41‬‬

‫فإذا تدبر اسم هللا عرف أن هللا تعالى له جميع معاني األلوهية‪ ،‬وهي كمال‬
‫الصفات واإلنفراد بها‪ ،‬وعدم الشريك في األفعال ألن المألوه إنما يؤله لما قام به‬
‫من صفات الكمال فيحب ويخضع له ألجلها‪ ،‬والباري جل جالله ال يفوته من‬
‫صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه‪ ،‬أو يؤله أو بعبد ألجل نفعه وتوليه ونصره‬
‫أن هللا تعالى هو المالك‬ ‫فيجلب النفع لمن عبده فيدفع عنه الضرر‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫وأن أحدا ً من الخلق ال يملك لنفسه وال لغيره نفعا ً وال ضرا ً وال موتا ً‬
‫لذلك كله‪َّ ،‬‬
‫أن هللا وحده المألوه أوجب له أن يعلق بربه‬ ‫وال حياة وال نشورا فإذا تقرر عنده َّ‬
‫حبه وخوفه ورجاءه‪ ،‬وأناب إليه في كل أموره‪ ،‬وقطع اإللتفات إلى غيره من‬

‫ض وَك َفى َاب هّلِلَ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )36‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪( :‬إَهَّنَا ه َ َ‬
‫اّلِلُ إلَهٌ َواح ٌد ُسمب َحانَهُ أَ من يَ ُكو َن لَهُ َولَ ٌد لَهُ َما يف ال هس َم َاوات َوَما يف ماأل مَر َ َ‬
‫َوكَيالً) (النساء ‪.)171 :‬‬
‫(‪ )37‬احلق الواضح املبني (ص‪.)104‬‬
‫وم) (البقرة‪.)255 :‬‬ ‫(اّلِلُ ال إَلَهَ إَال ُه َو م‬
‫احلَ ُّي الم َقيُّ ُ‬ ‫(‪ )38‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪ :‬ه‬
‫(‪ )39‬التفسري (‪.)620/5‬‬
‫(‪ )40‬املرجع السابق (‪ )33/1‬اخلالصة (ص‪ )8،9‬وهبجة قلوب األبرار (ص‪.)165‬‬
‫(‪ )41‬احلق الواضح املبني (ص‪.)104‬‬
‫المخلوقين ممن ليس له من نفسه كمال وال له فعال وال حول وال قوة إال باهلل‬
‫العلي العظيم(‪.)42‬‬

‫وقد سئل الشيخ رحمه هللا عن االسم األعظم من أسماء هللا هل هو اسم معين‬
‫معروف أو اسم غير معين وال معروف‪.‬‬

‫فأجاب‪" :‬بعض الناس يظن أن االسم األعظم من أسماء هللا الحسنى ال يعرفه إال‬
‫من خصه هللا بكرامة خارقة للعادة‪ ،‬وهذا ظن خطأ‪ ،‬فإن هللا تبارك وتعالى حثنا‬
‫على معرفة أسمائه وصفاته‪ ،‬وأثنى على من عرفها‪ ،‬وتفقه فيها‪ ،‬ودعاء هللا بها‬
‫دعاء عبادة وتعبد ودعا مسألة‪ ،‬وال ريب ّ‬
‫أن االسم األعظم منها أوالها بهذا‬
‫األمر‪ ،‬فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي ال منتهى لجوده وكرمه‪ ،‬وهو يحب‬
‫الجود على عباده‪ ،‬ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى‬
‫أن األسماء الحسنى كلها حسنى‪ ،‬وكل واحد منها عظيم‪،‬‬ ‫وصفاته العليا‪ ،‬فالصواب ّ‬
‫ولكن االسم األعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع‬
‫صفاته الذاتية والفعلية أو دل على معاني جميع الصفات مثل‪ :‬هللا‪ ،‬فإنه االسم‬
‫الجامع لمعاني األلوهية كلها‪ ،‬وهي جميع أوصاف الكمال‪ ،‬ومثل الحميد المجيد‪،‬‬
‫فإن الحميد االسم الذي دل على جميع المحامد والكماالت هلل تعالى‪ ،‬والمجيد الذي‬
‫دل على أوصاف العظمة والجالل ويقرب من ذلك الجليل الجميل الغني الكريم‪.‬‬

‫ومثل الحي القيوم‪ ،‬فإن الحي من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني‬
‫الذات‪ ،‬والقيوم الذي قام بنفسه‪ ،‬واستغنى عن جميع خلقه‪ ،‬وقام بجميع‬
‫الموجودات‪ ،‬فهو االسم الذي تدخل فيه صفات األفعال كلها‪.‬‬

‫ومثل اسمه العظيم الكبير الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه‪.‬‬

‫ومثل قولك‪ :‬يا ذا الجالل واإلكرام‪ ،‬فإن الجالل صفات العظمة‪ ،‬والكبرياء‪،‬‬
‫والكماالت المتنوعة‪ ،‬واإلكرام استحقاقه على عباده غاية الحب وغاية الذل وما‬
‫أشبه ذلك‪.‬‬

‫فعلم بذلك أن االسم األعظم اسم جنس‪ ،‬وهذا هو الذي تدل عليه األدلة الشرعية‬
‫واالشتقاق(‪ ،)43‬كما في السنن(‪ )44‬أنه سمع رجالً يقول‪" :‬اللهم إني أسألك بأني‬
‫(‪ )42‬املواهب الرابنية من اآلايت القرآنية (ص‪.)62‬‬
‫أشهد أنك أنت هللا ال إله إال أنت األحد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا ً أحد‪ ،‬فقال‪" :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لقد سألت هللا باسمه األعظم الذي إذا دعي به‬
‫أجاب‪ ،‬وإذا سئل به أعطى"‪.‬‬

‫وكذلك الحديث اآلخر حين دعا الرجل‪ ،‬فقال‪" :‬اللهم إني أسألك بأن لك الحمد‪ ،‬ال‬
‫إله إال أنت‪ ،‬المنان‪ ،‬بديع السماوات واألرض ذو الجالل واإلكرام‪ ،‬يا حي! يا‬
‫قيوم! فقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬لقد دعا هللا باسمه األعظم‬
‫الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"(‪.)45‬‬
‫وكذلك قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اسم هللا األعظم في هاتين اآليتين‪َ ( :‬و ِإلَ ُه ُك ْم ِإلَهٌ‬
‫ي ْالقَيُّو ُم)(‪ )47‬رواه‬ ‫َّللاُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو ْال َح ُّ‬ ‫اح ٌد ال ِإلَهَ ِإال ُه َو َّ‬
‫الرحْ َم ُن َّ‬
‫الر ِحي ُم)(‪َّ ( )46‬‬ ‫َو ِ‬
‫أبو داود والترمذي(‪ ،)48‬فمتى دعا هللا العبد باسم من هذه األسماء العظيمة‬
‫بحضور قلب ورقة وانكسار‪ ،‬لم تكد ترد له دعوة‪ ،‬وهللا الموفق"(‪.5)49‬‬

‫(‪)51‬‬
‫‪-3‬األحد‪( :‬الواحد(‪)50‬األحد)‬

‫قال رحمه هللا‪:‬‬

‫وتفرد بكل كمال‪ ،‬ومجد وجالل‪،‬‬


‫ّ‬ ‫"الواحد األحد هو الذي تو ّحد بجميع الكماالت‪،‬‬
‫وجمال‪ ،‬وحمد‪ ،‬وحكمة‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وغيرها من صفات الكمال فليس له فيها مثيل‬
‫وال نظير‪ ،‬وال مناسب بوجه من الوجوه فهو األحد في حياته‪ ،‬وقوميته‪ ،‬وعلمه‪،‬‬
‫وقدرته‪ ،‬وعظمته‪ ،‬وجالله‪ ،‬وجماله‪ ،‬وحمده‪ ،‬وحكمته‪ ،‬ورحمته‪ ،‬وغيرها من‬

‫(‪ )43‬وهبذا القول جتتمع األدلة يف بيان معىن اسم هللا األعظم‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )44‬أخرجه الرتمذي (‪ )3475‬وأبو داود (‪ )1493‬وابن ماجه (‪ )3857‬وأخرجه النسائي (‪ )52/3‬بلفظ مغاير‪،‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي ‪ 163/3‬ح(‪.)2763‬‬
‫(‪ )45‬رواه أبو داود (‪ )1495‬وصححه األلباين‬
‫(‪ )46‬البقرة‪163 :‬‬
‫(‪ )47‬البقرة ‪255 :‬‬
‫(‪ )48‬رواه أبو داود (‪ ،)1496‬والرتمذي (‪ ،)3478‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪ .‬وهو يف صحيح أيب داود‪.‬‬
‫(‪ )49‬التفسري (‪ )620،621/5‬وانظر هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار (ص‪.)165‬‬
‫اّلِل خالَق ُك َل َشي ٍء وهو المو َ‬
‫اح ُد الم َقه ُار) (الرعد‪.)16 :‬‬‫(‪ )50‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪ ( :‬قُ َل هُ َ ُ ّ م َ ُ َ َ‬
‫َح ٌد) (اإلخالص‪.)1 :‬‬ ‫اّلِلُ أ َ‬
‫(‪ )51‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪( :‬قُ مل ُه َو ه‬
‫صفاته‪ ،‬موصوف بغاية الكمال‪ ،‬ونهايته من كل صفة من هذه الصفات فيجب‬
‫على العبيد توحيده‪ ،‬عقداً‪ ،‬وقوالً‪ ،‬وعمالً‪ ،‬بأن يعترفوا بكماله المطلق‪ ،‬وتفرده‬
‫بالوحدانية‪ ،‬ويفردوه بأنواع العبادة"‪.‬‬

‫(‪)53‬‬
‫‪-4‬األعلى‪( :‬العلي(‪)52‬األعلى)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬من أسمائه الحسنى (العلي األعلى) وذلك دال على أن‬
‫جميع معاني العلو ثابتة هلل من كل وجه‪ ،‬فله علو الذات(‪.)54‬‬

‫وهو أنه مستو على عرشه‪ ،‬فوق جميع خلقه‪ ،‬مباين لهم‪ ،‬وهو مع هذا مطلع على‬
‫أحوالهم‪ ،‬مشاهد لهم‪ ،‬مدبر ألمورهم الظاهرة والباطنة متكلم بأحكامه القدرية‪،‬‬
‫وتدبيراته الكونية‪ ،‬وبأحكامه الشرعية(‪.)55‬‬

‫وأما علو القدر فهو علو صفاته‪ ،‬وعظمتها فال يماثله صفة مخلوق‪ ،‬بل ال يقدر‬
‫الخالئق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬وال‬
‫طونَ بِ ِه ِع ْلما ً)(‪ )56‬وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته وله علو‬
‫ي ُِحي ُ‬
‫القهر فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم‪ ،‬فنواصيهم بيده‪ ،‬وما‬
‫شاء كان ال يمانعه فيه ممانع‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما‬
‫لم يشأه هللا لم يقدروا‪ ،‬ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه‪،‬‬
‫وذلك لكمال اقتداره‪ ،‬ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل‬
‫وجه(‪.)57‬‬

‫ودهُ َح مفظُ ُه َما َوُه َو الم َعلَ ُّي الم َع َظ ُيم) (البقرة‪.)255 :‬‬‫(وال يَـ ُؤ ُ‬
‫(‪ )52‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪َ :‬‬
‫َعلَى) (األعلى‪.)1 :‬‬ ‫ك األ م‬ ‫اس َم َربَّ َ‬
‫(‪ )53‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪َ ( :‬سبَّ َح م‬
‫(‪ )54‬احلق الواضح املبني (ص‪.)26‬‬
‫(‪ )55‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)116‬‬
‫(‪ )56‬طه (‪.)110‬‬
‫(‪ )57‬احلق الواضح املبني (ص‪.)26،27‬‬
‫فهو الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى‪ ،‬وبجميع صفات العظمة‬
‫والكبرياء‪ ،‬والجالل والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى"(‪.)58‬‬
‫‪-5‬األول(‪( :)59‬األول‪ ،‬واآلخر‪ ،‬والظاهر‪ ،‬والباطن)‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬فسرها النبي صلى هللا عليه وسلم تفسيرا ً كامالً واضحا ً‬
‫فقال‪" :‬أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاهر‬
‫فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء"(‪ )60‬إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫ففسر كل اسم بكل معناه‪ ،‬ونفى عنه كل ما يضاده وينافيه(‪ )61‬فمهما قدر المقدرون‬
‫وفرض الفارضون من األوقات السابقة المتسلسلة إلى غير نهاية فاهلل قبل ذلك‪،‬‬
‫وكل وقت الحق مهما قدر وفرض هللا بعد ذلك‪.‬‬
‫ولهذا ال يستحق اسم واجب الوجود إال هو(‪ ،)62‬فمن خصائصه أنه ال يكون إال‬
‫موجودا ً كامالً فال يشاركه في وجوب الوجود أحد فوجوب وجوده بنعوته الكاملة‬
‫في جميع األوقات‪ ،‬وهو الذي أوجد األوقات وجميع الموجودات‪ ،‬وكلها مستندة‬
‫في وجودها وبقائها إلى هللا(‪.)63‬‬
‫فاألول‪ :‬يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن‪ ،‬ويوجب للعبد أن‬
‫يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية‪ ،‬إذ السبب والمسبب منه تعالى‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬يدل على أنه هو الغاية‪ ،‬والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأهلها‪،‬‬
‫ورغبتها‪ ،‬ورهبتها‪ ،‬وجميع مطالبها‪.‬‬

‫والظاهر‪ :‬يدل على عظمة صفاته‪ ،‬واضمحالل كل شيء عند عظمته من ذوات‬
‫وصفات وعلى علوه‪.‬‬

‫والباطن‪ :‬يدل على اطالعه على السرائر‪ ،‬والضمائر‪ ،‬والخبايا‪ ،‬والخفايا‪ ،‬ودقائق‬
‫األشياء‪ ،‬كما يدل على كمال قربه ودنوه‪ ،‬وال يتنافى الظاهر‪ ،‬والباطن ألن هللا‬
‫ليس كمثله شيء في كل النعوت فهو العلي في دنوه القريب في علوه‪.‬‬

‫(‪ )58‬التفسري (‪ 623/5‬و‪ )624‬وانظر‪ :‬اخلالصة (ص‪.)187‬‬


‫َ‬
‫اهر والمب َ‬ ‫َ‬
‫اط ُن) (احلديد‪.)3 :‬‬ ‫(ه َو األَهو ُل َواآلخ ُر َوالظه ُ َ َ‬
‫(‪ )59‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل ُ‬
‫(‪ )60‬أخرجه مسلم (‪ )2084/4‬كتاب الذكر والدعاء ابب ما يقول عند النوم وأخذ املضجع‪.‬‬
‫(‪ )61‬احلق الواضح املبني (ص‪.)25‬‬
‫(‪ )62‬وهذا من ابب اإلخبار عنه سبحانه ال أنه امساً يدعي به‪ .‬انظر‪ :‬درء تعارض العقل والنقل (‪.)298/1‬‬
‫(‪ )63‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)117 ،116‬‬
‫‪-6‬اآلخر(‪:)64‬‬

‫(‪)65‬‬
‫‪-7‬الباري‪( :‬الخالق‪ ،‬الباري‪ ،‬المصور)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الخالق‪ ،‬البارئ‪ ،‬المصور‪ ،‬الذي خلق جميع الموجودات‬
‫وبرأها‪ ،‬وسواها بحكمته‪ ،‬وصورها بحمده وحكمته‪ ،‬وهو لم يزل وال يزال على‬
‫هذا الوصف العظيم"‪.‬‬

‫‪-8‬الباسط‪( :‬القابض‪ ،‬الباسط‪ ،‬الخافض‪ ،‬الرافع‪ ،‬المعز‪ ،‬المذل‪ ،‬المانع‪ ،‬المعطي‪،‬‬


‫الضار‪ ،‬النافع)‬

‫قال رحمه هللا تعالى ‪ " :‬القابض الباسط‪ ،‬الخافض الرافع‪ ،‬المعز المذل‪ ،‬المانع‬
‫المعطي‪ ،‬الضار النافع"‪.‬‬

‫"هذه األسماء الكريمة من األسماء المتقابالت التي ال ينبغي أن يُثنى على هللا بها‬
‫إال كل واحد مع اآلخر ألن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين‪ ،‬فهو القابض‬
‫لألرزاق واألرواح والنفوس‪ ،‬والباسط لألرزاق‪ ،‬والرحمة‪ ،‬والقلوب‪ ،‬وهو الرافع‬
‫لألقوام القائمين بالعلم واإليمان الخافض ألعدائه‪ ،‬وهو المعز ألهل طاعته‪ ،‬وهذا‬
‫عز حقيقي‪ ،‬فإن المطيع هلل عزيز وإن كان فقيرا ً ليس له أعوان‪ ،‬المذل ألهل‬
‫معصيته‪ ،‬وأعدائه ذالً في الدنيا واآلخرة فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه‬
‫حشوه الذل وإن لم يشعر به النغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة هللا‪،‬‬
‫َّللاُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِر ٍم)(‪َ ( )66‬م ْن َكانَ ي ُِري ُد ْال ِع َّزة َ َ ِ َّ ِ‬
‫لِلَف‬ ‫والذل بمعصيته ( َو َم ْن يُ ِه ِن َّ‬
‫سو ِل ِه َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ ) (‪ )68‬وهو تعالى المانع المعطي‬ ‫َّلل ْال ِع َّزة ُ َو ِل َر ُ‬
‫ْال ِع َّزة ُ َج ِميعا ً)(‪َ ( )67‬و ِ َّ ِ‬

‫(‪ )64‬تقدم ذكره‬


‫(‪ )65‬تقدم ذكره‬
‫(‪ )66‬احلج‪.)18( :‬‬
‫(‪ )67‬فاطر‪.)10( :‬‬
‫(‪ )68‬املنافقون‪.)8( :‬‬
‫فال معطي لما منع وال مانع لما أعطى(‪ )69‬وهو تعالى النافع لمن شاء من عباده‬
‫بالمنافع الدينية والدنيوية‪ ،‬الضار لمن فعل األسباب التي توجب ذلك(‪.)70‬‬

‫وهذه األمور كلها تبع لعدله‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وحمده‪ ،‬فإن له الحكمة في خفض من‬
‫يخفضه‪ ،‬ويذله‪ ،‬ويحرمه‪ ،‬وال حجة ألحد على هللا‪ ،‬كما له الفضل الخفي على من‬
‫رفعه وأعطاه ويبسط له الخيرات‪.‬‬

‫فعلى العبد أن يعترف بحكمة هللا‪ ،‬كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه‬
‫وجنانه وأركانه‪.‬‬

‫وكما أنه هو المنفرد بهذه األمور كلها جارية تحت أقداره‪ ،‬فإن هللا جعل لرفعه‬
‫وعطائه وإكرامه أسباباً‪ ،‬ولضد ذلك أسبابا ً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها‪ ،‬وكل‬
‫ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة‪ ،‬وأما أهل الشقاوة‬
‫فييسرون لعمل أهل الشقاوة‪ ،‬وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد هللا‪ ،‬واالعتماد على‬
‫ربه في حصول ما يحب‪ ،‬ويجتهد في فعل األسباب النافعة فإنها محل حكمة‬
‫هللا"(‪.)71‬‬

‫‪-9‬الباطن(‪:)72‬‬

‫‪ -10‬بديع السموات واألرض(‪:)73‬‬

‫(‪ )69‬احلق الواضح املبني‪( :‬ص‪.)89‬‬


‫(‪ )70‬توضيح الكافية الشافية‪( :‬ص‪.)131‬‬
‫(‪ )71‬احلق الواضح املبني (ص‪ 89‬و‪.)90‬‬
‫(‪ )72‬سبق الكالم على هذا االسم مع اسم هللا "األول"‪.‬‬
‫(‪ )73‬هذا االسم من أمساء هللا املضافة‪ ،‬وقد تقدم يف الدراسة أهنا ال تدخل ضمن أمساء هللا احلسىن‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬بديع السموات واألرض‪ :‬أي خالقها على وجه قد أتقنهما‪،‬‬
‫وأحسنهما على غير مثال سبق(‪ ،)74‬ومبدعها في غاية ما يكون من الحسن‪،‬‬
‫والخلق البديع‪ ،‬والنظام العجيب المحكم"(‪.)75‬‬

‫(‪)76‬‬
‫البر‪( :‬البر‪ ،‬الوهاب‪ ،‬الكريم)‬
‫‪ّ -11‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬من أسمائه تعالى‪ :‬البر الوهاب الكريم الذي شمل الكائنات‬
‫بأسرها ببره‪ ،‬وهباته‪ ،‬وكرمه‪ ،‬فهو مولى الجميل‪ ،‬ودائم اإلحسان‪ ،‬وواسع‬
‫المواهب‪ ،‬وصفه البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة‪ ،‬والباطنة‪ ،‬فال‬
‫يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين‪ ،‬وتدل هذه األسماء على سعة‬
‫رحمته‪ ،‬ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته‪ .‬وإحسانه‬
‫عام وخاص‪:‬‬

‫ش ْيءٍ َرحْ َمةً َو ِع ْلما ً)(‪ )77‬و( َو َرحْ َمتِي‬‫ت ُك َّل َ‬ ‫فالعام المذكور في قوله‪َ ( :‬ربَّنَا َو ِس ْع َ‬
‫ش ْيء)(‪َ ( )78‬و َما ِب ُك ْم ِم ْن ِن ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ‬
‫َّللا)(‪.)79‬‬ ‫ت ُك َّل َ‬
‫َو ِس َع ْ‬

‫وهذا يشترك فيه البر‪ ،‬والفاجر‪ ،‬وأهل السماء‪ ،‬وأهل األرض‪ ،‬والمكلفون‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫سأ َ ْكتُبُ َها ِللَّذِينَ َيتَّقُونَ َويُؤْ تُونَ‬ ‫والخاص‪ :‬رحمته ونعمه على المتقين حيث قال‪( :‬فَ َ‬
‫ي) اآلية(‪.)80‬‬ ‫ي األ ُ ِ ّم َّ‬
‫سو َل النَّ ِب َّ‬ ‫الز َكاة َ َوالَّذِينَ ُه ْم ِبآيا ِتنَا يُؤْ ِمنُونَ الَّذِينَ َيت َّ ِبعُونَ َّ‬
‫الر ُ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )74‬التفسري (‪.)130/1‬‬


‫(‪ )75‬التفسري (‪.)628/5‬‬
‫(وَم من َش َكَر فََإهَّنَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم)(الطور‪ .)28 :‬وقال تعاىل‪َ :‬‬ ‫(‪ )76‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪( :‬إ هَّن ُكنها م من قَـمب ُل نَ مدعُوهُ إنههُ ُه َو المََبُّ الهرح ُ‬
‫ب لَنَا َم من لَ ُدنم َ‬
‫ك َر ممحَةً إَن َ‬ ‫َ ََ‬
‫اب) (آل‬ ‫ت الم َوهه ُ‬
‫هك أَنم َ‬ ‫ِن َك َرميٌ) (النمل‪ .)40 :‬وقال تعاىل‪َ ( :‬وَه م‬ ‫يَ مش ُك ُر لنَـ مفسه َوَم من َك َفَر فََإ هن َرَّيب َغ َ ٌّ‬
‫عمران‪.)8 :‬‬
‫(‪ )77‬غافر (‪.)7‬‬
‫(‪ )78‬األعراف (‪.)156‬‬
‫(‪ )79‬النحل (‪.)53‬‬
‫(‪ )80‬األعراف (‪.)156‬‬
‫يب ِمنَ ْال ُمحْ ِسنِينَ )(‪.)81‬‬
‫َّللا قَ ِر ٌ‬
‫ت َّ ِ‬‫وقال‪( :‬إِ َّن َرحْ َم َ‬

‫صا ِل ِحينَ )(‪.)82‬‬ ‫وفي دعاء سليمان‪َ ( :‬وأ َ ْد ِخ ْلنِي ِب َرحْ َمتِ َك فِي ِعبَاد َ‬
‫ِك ال َّ‬

‫وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها األنبياء وأتباعهم‪ ،‬تقتضي التوفيق لإليمان‬
‫والعلم والعمل وصالح األحوال كلها‪ ،‬والسعادة األبدية‪ ،‬والفالح‪ ،‬والنجاح‪ ،‬وهي‬
‫المقصود األعظم لخواص الخلق(‪.)83‬‬

‫‪ -12‬البصير(‪:)84‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا‪" :‬البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار‬
‫األرض والسماوات‪ ،‬حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على‬
‫الصخرة الصماء في الليلة الظلماء‪ ،‬وجميع أعضائها الباطنة‪ ،‬والظاهرة‪ ،‬وسريان‬
‫القوت في أعضائها الدقيقة‪ ،‬ويرى سريان المياه في أغصان األشجار‪ ،‬وعروقها‬
‫وجميع النباتات على اختالف أنواعها‪ ،‬وصغرها‪ ،‬ودقتها‪ ،‬ويرى نياط(‪ )85‬عروق‬
‫النملة‪ ،‬والنحلة‪ ،‬والبعوضة‪ ،‬وأصغر من ذلك‪ ،‬فسبحان من تحدث العقول في‬
‫عظمته‪ ،‬وسعة متعلقات صفاته‪ ،‬وكمال عظمته‪ ،‬ولطفه‪ ،‬وخبره بالغيب‪ ،‬والشهادة‬
‫والحاضر‪ ،‬والغائب‪ ،‬ويرى خيانات األعين‪ ،‬وتقلبات األجفان‪ ،‬وحركات الجنان‪،‬‬
‫(‪)86‬‬
‫س ِمي ُع ْال َع ِلي ُم)‬
‫اجدِينَ ِإنَّهُ ُه َو ال َّ‬
‫س ِ‬‫اك ِحينَ تَقُو ُم َوتَقَلُّ َب َك ِفي ال َّ‬
‫قال تعالى‪( :‬الَّذِي َي َر َ‬

‫(‪ )81‬األعراف (‪.)56‬‬


‫(‪ )82‬النمل (‪.)19‬‬
‫(‪ )83‬احلق الواضح املبني (ص‪ 82‬و ‪ )83‬والتفسري (‪.)621/5‬‬
‫(‪ )84‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪( :‬إَنهه هو ال هس َميع المب َ‬
‫صريُ) (اإلسراء‪.)1 :‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َُ‬
‫(‪ )85‬النياط‪ :‬أي العرق املستبطن‪ .‬انظر‪ :‬القاموس احمليط (ص‪.)892‬‬
‫(‪ )86‬الشعراء (‪.)220-218‬‬
‫ش ِهي ٌد)(‪ )88‬أي‬ ‫علَى ُك ِّل َ‬
‫ش ْيءٍ َ‬ ‫ُور)(‪َ ( )87‬و َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫صد ُ‬‫(يَ ْعلَ ُم خَائِنَةَ األ َ ْعي ُِن َو َما ت ُ ْخ ِفي ال ُّ‬
‫مطلع‪ ،‬ومحيط علمه‪ ،‬وبصره‪ ،‬وسمعه بجميع الكائنات(‪.)89‬‬

‫يبصر ما تحت األراضين السبع‪ ،‬كما يبصر ما فوق السماوات السبع وأيضا ً سميع‬
‫بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته‪ ،‬والمعنى األخير يرجع إلى حكمته‪.‬‬

‫صيرا ً) فكل‬‫س ِميعا ً بَ ِ‬ ‫وكثيرا ً ما يقرن هللا بين (السميع البصير) مثل قوله ( َو َكانَ َّ‬
‫َّللاُ َ‬
‫من السمع‪ ،‬والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة‪ ،‬والباطنة فالسميع الذي أحاط‬
‫سمعه بجميع المسموعات‪ ،‬فكل ما في العالم العلوي‪ ،‬والسفلي من األصوات‬
‫يسمعها سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد‪ ،‬ال تختلف عليه األصوات‪ ،‬وال‬
‫تخفى عليه جميع اللغات‪ ،‬والقريب منها‪ ،‬والبعيد‪ ،‬والسر‪ ،‬والعالنية عنده سواء‬
‫ب‬
‫ار ٌ‬ ‫س َّر ْالقَ ْو َل َو َم ْن َج َه َر ِب ِه َو َم ْن ُه َو ُم ْست َ ْخفٍ ِباللَّ ْي ِل َو َ‬
‫س ِ‬ ‫س َوا ٌء ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ َ‬ ‫( َ‬
‫ار)‪.‬‬ ‫ِبالنَّ َه ِ‬

‫او َر ُك َما‬
‫َّللاُ يَ ْس َم ُع ت َ َح ُ‬ ‫َّللاُ قَ ْو َل الَّتِي ت ُ َجا ِدلُ َك فِي زَ ْو ِج َها َوت َ ْشت َ ِكي إِلَى َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬ ‫س ِم َع َّ‬‫(قَ ْد َ‬
‫ير)‪.‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫س ِمي ٌع بَ ِ‬ ‫ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َ‬

‫قالت عائشة رضي هللا عنها‪" :‬تبارك الذي وسع سمعه األصوات‪ ،‬لقد جاءت‬
‫المجادلة تشتكي إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة وإنه‬
‫َّللاُ قَ ْو َل الَّتِي ت ُ َجا ِدلُ َك فِي زَ ْو ِج َها)‬ ‫ي بعض كالمها فأنزل هللا (قَ ْد َ‬
‫س ِم َع َّ‬ ‫ليخفي عل َّ‬
‫اآلية‪.6‬‬

‫‪ -13‬التواب‪:‬‬

‫(‪ )87‬غافر (‪.)19‬‬


‫(‪ )88‬الَبوج (‪.)9‬‬
‫(‪ )89‬احلق الواضح املبني (ص‪ 35‬و‪.)36‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪ :‬التواب الذي لم يزل يتوب على التائبين‪ ،‬ويغفر ذنوب‬
‫المنيبين فكل من تاب إلى هللا توبة نصوحا تاب هللا عليه(‪.)90‬‬

‫وتوبته على عبده نوعان‪:‬‬

‫أحدهما‪:‬أنه يوقع في قلب عبده التوبة إليه‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬فيقوم بالتوبة وشروطها‬
‫من اإلقالع عن المعاصي‪ ،‬والندم على فعلها‪ ،‬والعزم على أن ال يعود إليها‪،‬‬
‫واستبدالها بعمل صالح‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬توبته على عبده بقبولها وإجابتها‪ ،‬ومحو الذنوب بها فإن التوبة النصوح‬
‫(‪)91‬‬
‫تجب ما قبلها"‬

‫‪ -14‬جامع الناس(‪:)92‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪" :‬جامع الناس ليوم ال ريب فيه‪ ،‬وجامع أعمالهم‪،‬‬
‫وأرزاقهم‪ ،‬فال يترك منها صغيرة وال كبيرة إال أحصاها‪.‬‬

‫وجامع ما تفرق واستحال من األموات األولين‪ ،‬واآلخرين‪ ،‬بكمال قدرته‪ ،‬وسعة‬


‫علمه"(‪.)93‬‬

‫‪ -15‬الجبار(‪:)94‬‬

‫(‪ )90‬التفسري (‪.)623/5‬‬


‫(‪ )91‬احلق الواضح املبني (ص‪ )73‬وتوضيح الكافية الشافية (ص‪.)126‬‬
‫(‪ )92‬أورده الشيخ رمحه هللا تعاىل ضمن أمساء هللا احلسىن‪ ،‬وهذا اإلسم من أمسائه املضافة إىل أفعاله‪ ،‬وقد بينت يف الدراسة من‬
‫أقوال أهل العلم أنه ال يشتق من األفعال أمساء‪ ،‬وال تدخل األمساء املضافة يف األمساء احلسىن وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )93‬التفسري (‪.)627/5‬‬
‫الم الم ُم مؤَم ُن الم ُم َهمي َم ُن الم َع َز ُيز م‬ ‫َ‬ ‫(‪ )94‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪( :‬هو ه َ‬
‫اْلَبه ُار) (احلشر‪:‬‬ ‫ُّوس ال هس ُ‬ ‫اّلِلُ الهذي ال إَلَهَ إَال ُه َو الم َمل ُ‬
‫ك الم ُقد ُ‬ ‫َُ‬
‫‪.)23‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الجبار بمعنى العلي األعلى‪ ،‬وبمعنى القهار‪ ،‬وبمعنى‬
‫الرؤوف‪ ،‬الجبار للقلوب المنكسرة‪ ،‬وللضعيف العاجز‪ ،‬ولمن الذ به‪ ،‬ولجأ‬
‫إليه"(‪.)95‬‬

‫وله ثالثة معان كلها داخلة باسمه الجبار فهو الذي يجير الضعيف‪ ،‬وكل قلب‬
‫منكسر ألجله‪ ،‬فيجبر الكسير ويغني الفقير ويُيّسر على المعسر كل عسير‪ ،‬ويجبر‬
‫المصاب بتوفيقه للثبات‪ ،‬والصبر‪ ،‬ويعيضه على مصابه أعظم األجر إذا قام‬
‫بواجبها‪ ،‬ويجبر جبرا ً خاصا ً قلوب الخاضعين لعظمته وجالله‪ ،‬وقلوب المحبين‬
‫بما يفيض عليها من أنواع كراماته‪ ،‬وأصناف المعارف واألحوال اإليمانية فقلوب‬
‫المنكسرين ألجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي فقال‪" :‬اللهم أجبرني‪ ،‬فإنه‬
‫يريد هذا الجبر الذي حقيقته اصالح العبد ودفع جميع المكاره عنه"‪.‬‬

‫والمعنى الثاني‪ :‬أنه القهار لكل شيء‪ ،‬الذي دان له كل شيء‪ ،‬وخضع له كل‬
‫شيء‪.‬‬

‫والمعنى الثالث‪ :‬أنه العلي على كل شيء‪ ،‬فصار الجبار متضمنا ً لمعنى الرؤوف‬
‫القهار العلي‪ ،‬وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء‪ ،‬ونقص‪ ،‬وعن‬
‫مماثلة أحد‪ ،‬وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه‪،‬‬
‫وحقوقه"(‪.)96‬‬
‫(‪)98‬‬
‫‪ -16‬الجليل(‪( :)97‬الجليل‪ ،‬الكبير)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الجليل الكبير الذي له أوصاف الجالل؛ وهي أوصاف‬
‫العظمة‪ ،‬والكبرياء ثابتة محققة ال يفوته منها وصف جالل وكمال(‪.)99‬‬

‫وهو الموصوف بصفات المجد‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬والعظمة‪ ،‬والجالل‪ ،‬الذي هو أكبر من‬
‫كل شيء‪ ،‬وأعظم من كل شيء‪ ،‬وأج ُّل وأعلى‪ ،‬وله التَّعظيم‪ ،‬واإلجالل في قلوب‬

‫(‪ )95‬التفسري (‪.)624/5‬‬


‫(‪ )96‬احلق الواضح املبني (ص‪ )77‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)126‬‬
‫(‪ )97‬أورد الشيخ رمحه هللا "اْلليل" ضمن أمساء هللا تعاىل‪ ،‬ومل يثبت هذا اإلسم هلل تعاىل‪،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(وُه َو الم َعلَ ُّي الم َكبَريُ) (سبأ‪.)23 :‬‬
‫(‪ )98‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )99‬احلق الواضح املبني (ص‪.)29‬‬
‫أوليائه وأصفيائه‪ ،‬قد ملئت قلوبهم من تعظيمه‪ ،‬وإجالله‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬والتذلل‬
‫لكبريائه" (‪.)100‬‬

‫‪ -17‬الجميل(‪:)101‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الجميل من له نعوت الحسن واإلحسان(‪ ،)102‬فإنه جميل في‬
‫ذاته‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬فال يمكن مخلوقا ً أن يعبر عن بعض جمال‬
‫ذاته‪ ،‬حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم‪ ،‬واللذات‪ ،‬والسرور‪،‬‬
‫واألفراح التي ال يقدر قدرها إذا رأوا ربهم‪ ،‬وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من‬
‫النعيم‪ ،‬وتالشى ما هم فيه من األفراح‪ ،‬وودّوا أن لو تدوم هذه الحال‪ ،‬ليكتسبوا من‬
‫جماله‪ ،‬ونوره جماالً إلى جمالهم‪ ،‬وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية‬
‫ربهم‪ ،‬ويفرحون بيوم المزيد فرحا ً تكاد تطير له القلوب‪.‬‬

‫وكذلك هو جميل في أسمائه‪ ،‬فإنها كلها حسنى بل أحسن األسماء على اإلطالق‬
‫َّلل ْاأل َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى فَا ْد ُ‬
‫عوهُ ِب َها)(‪ )103‬وقال تعالى‪( :‬ه َْل‬ ‫وأجملها‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و ِ َّ ِ‬
‫س ِميّا ً) (‪ )104‬فكلها دالة على غاية الحمد‪ ،‬والمجد‪ ،‬والكمال‪ ،‬ال يسمى باسم‬ ‫ت َ ْعلَ ُم لَهُ َ‬
‫منقسم إلى كمال وغيره‪.‬‬

‫وكذلك هو الجميل في أوصافه فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء‬
‫وحمد‪ ،‬فهي أوسع الصفات‪ ،‬وأع ّمها‪ ،‬وأكثرها تعلقاً‪ ،‬خصوصا ً أوصاف الرحمة‪،‬‬
‫والبر‪ ،‬والكرم‪ ،‬والجود‪.‬‬

‫وكذلك أفعاله كلها جميله فإنها دائرة بين أفعال البر واإلحسان التي يحمد عليها‬
‫ويثني عليه ويشكر‪ ،‬وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد‪،‬‬

‫(‪ )100‬التفسري (‪ )622/5‬والكافية الشافية (ص‪.)117‬‬


‫(‪ )101‬ثبت يف صحيح مسلم من حد يث ابن عباس وفيه أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬إن هللا مجيل حيب اْلمال‪"...‬‬
‫احلديث‪ .‬مسلم (‪ )93/1‬كتاب اإلميان ابب حترمي‬
‫(‪ )102‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)117‬‬
‫(‪ )103‬األعراف (‪.)180‬‬
‫(‪ )104‬مرمي (‪.)65‬‬
‫فليس في أفعاله عبث وال سفه‪ ،‬وال سدى وال ظلم‪ ،‬كلها خير وهدى ورحمة ورشد‬
‫علَى ِ‬
‫ص َراطٍ ُم ْست َ ِق ٍيم) (‪.)105‬‬ ‫وعدل ( ِإ َّن َر ِبّي َ‬

‫فلكماله الذي ال يحصى أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من‬
‫ص ْن َع َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫أحسن األحكام‪ ،‬وصنعه وخلقه أحسن خلق‪ ،‬وصنع وأتقن ما صنعه ( ُ‬
‫الَّذِي أَتْقَنَ ُك َّل َ‬
‫ش ْيء) (‪.)106‬‬

‫َّللا ُح ْكما ً ِلقَ ْو ٍم‬ ‫ش ْيءٍ َخلَقَهُ) (‪َ ()107‬و َم ْن أَحْ َ‬


‫س ُن ِمنَ َّ ِ‬ ‫وأحسن ماخلق (الَّذِي أَحْ َ‬
‫سنَ ُك َّل َ‬
‫يُوقِنُونَ )(‪.)108‬‬

‫ثم استدل المصنف(‪)109‬بدليل عقلي على جمال الباري‪ ،‬وأن األكوان محتوية على‬
‫أصناف الجمال‪ ،‬وجمالها من هللا تعالى فهو الذي كساها الجمال‪ ،‬وأعطاها‬
‫الحسن‪ ،‬فهو أولى منها‪ ،‬ألن معطي الجمال أحق بالجمال فكل جمال في الدنيا‪،‬‬
‫واآلخرة باطني وظاهري‪ ،‬خصوصا ً ما يعطيه المولى ألهل الجنة من الجمال‬
‫المفرط في رجالهم ونسائهم‪ ،‬فلو بدا كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا لطمس‬
‫ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم‪ ،‬أليس الذي كساهم ذلك الجمال‬
‫َّ‬
‫ومن عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء‪.‬‬

‫فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها‬
‫َّلل ْال َمث َ ُل األ َ ْعلَى)(‪.)110‬‬
‫من صفاته‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬و ِ َّ ِ‬

‫فكل ما وجد في المخلوقات من كمال ال يستلزم نقصاً‪ ،‬فإن معطيه ‪ -‬وهو هللا ‪-‬‬
‫أحق به من المعطي بما ال نسبة بينه وبينهم كما ال نسبة لذواتهم إلى ذاته‪،‬‬
‫وصفاتهم إلى صفاته‪ ،‬فالذي أعطاهم السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والحياة‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقدرة‪،‬‬
‫والجمال‪ ،‬أحق منهم بذلك‪.‬‬

‫(‪ )105‬هود (‪.)56‬‬


‫(‪ )106‬النمل (‪.)88‬‬
‫(‪ )107‬السجدة (‪.)7‬‬
‫(‪ )108‬املائدة (‪.)50‬‬
‫(‪ )109‬يعِن ابملصنف ابن القيم رمحه هللا تعاىل يف قصيدة النونية‪.‬‬
‫(‪ )110‬النحل (‪.)60‬‬
‫وكيف يعبر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به‪" :‬ال أحصى ثناء عليك أنت كما‬
‫أثنيت على نفسك"(‪.)111‬‬

‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما‬
‫أنتهى إليه بصره من خلقه"(‪ .)112‬فسبحان هللا‪ ،‬وتقدّس عما يقوله الظالمون النافون‬
‫لكماله علوا ً كبيراً‪ ،‬وحسبهم مقتا ً وخسارا ً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته‬
‫واالبتهاج بمحبته‪.‬‬

‫وجمع المؤلف(‪)113‬بين (الجليل والجميل) ألن تمام التعبد هلل هو التعبد بهذين‬
‫االسمين الكريمين فالتعبد بالجليل يقتضي تعظيمه‪ ،‬وخوفه‪ ،‬وهيبته‪ ،‬وإجالله‪.‬‬

‫والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته‪ ،‬والتأله له‪ ،‬وأن يبذل العبد له خالص المحبة‪،‬‬
‫وصفو الوداد‪ ،‬بحيث يسبح القلب في رياض معرفته وميادين جماله‪ ،‬وينهج بما‬
‫يحصل له من آثار جماله وكماله فإن هللا ذو الجالل واإلكرام"(‪.)114‬‬

‫‪-18‬الجواد(‪:)115‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الجواد‪ :‬يعني أنه تعالى الجواد المطلق الذي عم بجوده‬
‫جميع الكائنات‪ ،‬ومألها من فضله‪ ،‬وكرمه‪ ،‬ونعمه المتنوعة‪ ،‬وخص بجوده‬
‫السائلين بلسان المقال أو لسال الحال من بر‪ ،‬وفاجر‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وكافر‪ ،‬فمن سأل هللا‬
‫َّللا ث ُ َّم ِإذَا‬
‫أعطاه سؤاله‪ ،‬وأناله ما طلب فإنه البر الرحيم ( َو َما ِب ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ‬
‫س ُك ُم الض ُُّّر فَإِلَ ْي ِه تَجْ أ َ ُرونَ )(‪.)116‬‬
‫َم َّ‬

‫(‪ )111‬أخرجه مسلم (‪ )352/1‬كتاب الصالة ابب ما يقال يف الركوع والسجود من حديث عائشة رضي هللا تعاىل عنها‪.‬‬
‫(‪ )112‬أخرجه مسلم (‪ ) 161/1‬كتاب الصالة ابب يف قوله عليه السالم ‪" :‬إن هللا الينام" ويف قوله‪" :‬حجابه النور لو كشفه‬
‫ألحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه"‪.‬‬
‫(‪ )113‬أي ابن القيم رمحه هللا تعاىل يف قصيدته النونية‪.‬‬
‫(‪ )114‬احلق الواضح املبني (ص‪ 29‬إىل ‪.)32‬‬
‫(‪ )115‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هللا جواد حيب اْلود" احلديث أخرجه أبو نعيم يف احللية (‪ )29/5‬وصححه‬
‫األلباين يف صحيح اْلامع (‪.)105/1‬‬
‫(‪ )116‬النحل (‪.)53‬‬
‫ومن جوده الواسع ما أعده ألوليائه في دار النعيم مما ال عين رأت‪ ،‬وال أذن‬
‫سمعت‪ ،‬وال خطر على قلب بشر(‪.)117‬‬

‫والجواد الذي عم بجوده أهل السماء‪ ،‬واألرض فما بالعباد من نعمة فمنه وهو‬
‫الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون‪ ،‬وبه يتضرعون‪ ،‬فال يخلو مخلوق من‬
‫َّ‬
‫مامن هللا‬ ‫إحسانه طرفة عين‪ ،‬ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب‬
‫به عليهم من األسباب المقتضية لجوده‪ ،‬وكرمه‪ ،‬وأعظمها تكمل عبودية هللا‬
‫الظاهرة‪ ،‬والباطنة العلمية‪ ،‬والعملية القولية‪ ،‬والفعلية‪ ،‬والمالية‪ ،‬وتحقيقها باتباع‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم بالحركات والسكنات"(‪.)118‬‬

‫‪ -19‬الحسيب(‪:)119‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪" :‬الحسيب‪ :‬هو العليم بعباده‪ ،‬كافي المتوكلين‪،‬‬
‫المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها(‪.)120‬‬

‫والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل‪ ،‬وبالفضل‪،‬‬


‫وبمعنى الكافي عبده همومه‪ ،‬وغمومه‪ ،‬وأخص من ذلك أنه الحسيب للمتوكلين‬
‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا فَ ُه َو َح ْسبُهُ)(‪ )121‬أي كافيه أمور دينه ودنياه(‪.)122‬‬ ‫( َو َم ْن يَت ََو َّك ْل َ‬

‫والحسيب أيضا ً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير‪ ،‬وشر‪ ،‬ويحاسبهم إن خيرا ً‬
‫َّللاُ َو َم ِن اتَّبَعَ َك ِمنَ‬ ‫فخير وإن شرا ً فشر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّ‬
‫ي َح ْسب َُك َّ‬

‫(‪ )117‬احلق الواضح املبني (ص‪ 66‬و‪.)67‬‬


‫(‪ )118‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)124‬‬
‫(وَك َفى َاب هّلِلَ َح َسيباً) (النساء‪.)6 :‬‬
‫(‪ )119‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )120‬التفسري (‪.)625/5‬‬
‫(‪ )121‬الطالق (‪.)3‬‬
‫(‪ )122‬توضيح الكافية الشافية (ص‪126‬و ‪.)127‬‬
‫ْال ُمؤْ ِمنِينَ )(‪ )123‬أي كافيك وكافي أتباعك‪ ،‬فكفاية هللا لعبده بحسب ما قام به في‬
‫متابعة الرسول ظاهرا ً وباطناً‪ ،‬وقيامه بعبودية هللا تعالى" (‪.)124‬‬

‫‪ -20‬الحفيظ(‪:)125‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الحفيظ‪ :‬الذي حفظ ما خلقه‪ ،‬وأحاط علمه بما أوجده‪ ،‬وحفظ‬
‫أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات‪.‬‬

‫ولطف بهم في الحركات‪ ،‬والسكنات‪ ،‬وأحصى على العباد أعمالهم وجزاءها(‪.)126‬‬


‫والحفيظ يتضمن معنيين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير‪ ،‬وشر‪ ،‬وطاعة‪ ،‬ومعصية‪ ،‬فإن‬
‫علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها‪ ،‬وباطنها وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ‪،‬‬
‫ووكل بالعباد مالئكة كراما ً كاتبين يعلمون ما تفعلون‪ ،‬فهذا المعنى من حفظه‬
‫يقتضي إحاطة علم هللا بأحوال العباد كلها ظاهرها‪ ،‬وباطنها‪ ،‬وكتابتها في اللوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬وفي الصحف التي في أيدي المالئكة‪ ،‬وعلمه بمقاديرها‪ ،‬وكمالها‪،‬‬
‫ونقصها‪ ،‬ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله‪ ،‬وعدله‪.‬‬

‫والمعني الثاني‪ :‬من معنيي الحفيظ‪ :‬أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون‬
‫وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص‪ :‬حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها‬
‫ويحفظ بنيتها‪ ،‬وتمشي إلى هدايته‪ ،‬وإلى مصالحها بإرشاده‪ ،‬وهدايته العامة التي‬
‫ش ْيءٍ خ َْلقَهُ ث ُ َّم َه َدى)(‪ )127‬أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر‬ ‫قال عنها‪( :‬أ َ ْع َ‬
‫طى ُك َّل َ‬

‫(‪ )123‬األنفال (‪.)64‬‬


‫(‪ )124‬احلق الواضح املبني (ص‪.)78‬‬
‫ك َعلَى ُك َّل َش مي ٍء َح َفي ٌ‬
‫ظ)‬ ‫(‪ )125‬مل أقف على دليل يدل على امسيته هلل تعاىل وإَّنا ورد بصيغة الصفة كما قال تعاىل‪َ ( :‬وَربُّ َ‬
‫(سبأ‪.)21 :‬‬
‫(‪ )126‬التفسري (‪.)625/5‬‬
‫(‪ )127‬طه‪.)50( :‬‬
‫له وقضى له من ضروراته وحاجاته‪ ،‬كالهداية للمأكل‪ ،‬والمشرب‪ ،‬والمنكح‪،‬‬
‫والسعي في أسباب ذلك‪ ،‬وكدفعه عنهم أصناف المكاره‪ ،‬والمضار‪ ،‬وهذا يشترك‬
‫فيه البر‪ ،‬والفاجر بل الحيوانات‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فهو الذي يحفظ السماوات‪ ،‬واألرض‬
‫أن تزوال‪ ،‬ويحفظ الخالئق بنعمه‪ ،‬وقد وكل باآلدمي حفظة من المالئكة الكرام‬
‫يحفظونه من أمر هللا‪ ،‬أي يدفعون عنه كل ما يضره مما هو بصدد أن يضره لوال‬
‫حفظ هللا‪.‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬حفظه الخاص ألوليائه سوى ما تقدم‪ ،‬بحفظهم عما يضر إيمانهم أو‬
‫يزلزل إيقانهم من الشبه‪ ،‬والفتن‪ ،‬والشهوات فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسالمة‬
‫وحفظ وعافية‪ ،‬ويحفظهم من أعدائهم من الجن واإلنس فينصرهم عليهم ويدفع‬
‫ع ِن الَّذِينَ آ َمنُوا)(‪ 1)128‬وهذا عام في‬ ‫عنهم كيدهم‪ ،‬قال هللا تعالى‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬
‫َّللا يُ َدا ِف ُع َ‬
‫دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم فعلى حسب ما عند العبد من اإليمان‬
‫تكون مدافعة هللا عنه بلطفه‪،‬وفي الحديث‪" :‬إحفظ هللا يحفظك"(‪ 2)129‬أي احفظ‬
‫أوامره باالمتثال ونواهيه باالجتناب‪ ،‬وحدوده بعدم تعديها‪ ،‬يحفظك في نفسك‬
‫ودينك ومالك وولدك‪ ،‬وفي جميع ما آتاك هللا من فضله"(‪.)130‬‬

‫‪ -21‬الحق(‪:)131‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪":‬الحق‪ :‬في ذاته‪ ،‬وصفاته‪ ،‬فهو واجب الوجود كامل الصفات‬
‫والنعوت‪ ،‬وجوده من لوازم ذاته‪ ،‬وال وجود لشيء من األشياء إال به‪.‬‬

‫فهو الذي لم يزل‪ ،‬وال يزال بالجالل‪ ،‬والجمال‪ ،‬والكمال‪ ،‬موصوفاً‪.‬‬

‫ولم يزل وال يزال باإلحسان معروفاً‪.‬‬

‫(‪ )128‬احلج (‪.)38‬‬


‫(‪ )129‬أخرجه اإلمام أمحد يف املسند (‪ )263/1‬والرتمذي (‪ )667/4‬كتاب صفة القيامة وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬
‫وصححه أمحد شاكر يف املسند (‪ )2671/3‬وصححه األلباين يف املشكاة (‪.)1459/3‬‬
‫(‪ )130‬احلق الواضح املبني (ص‪ 59‬إىل ‪ )61‬وتوضيح الكافية الشافية (ص‪.)122‬‬
‫اّلِلَ ُه َو الم َعلَ ُّي الم َكبَريُ)‬ ‫احل ُّق وأَ هن ما ي مدعو َن َمن دونََه هو المب َ‬
‫اط ُل َوأَ هن ه‬‫م ُ َُ َ‬ ‫اّلِلَ ُه َو مَ َ َ َ ُ‬ ‫ك َِبَ هن ه‬ ‫َ‬
‫(‪ )131‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪( :‬ذَل َ‬
‫(احلج‪.)62 :‬‬
‫فقوله حق‪ ،‬وفعله حق‪ ،‬ولقاؤه حق‪ ،‬ورسوله حق‪ ،‬وكتبه حق‪ ،‬ودينه هو الحق‪،‬‬
‫َّللا ُه َو‬ ‫وعبادته وحده ال شريك له هي الحق‪ ،‬وكل شيء إليه فهو حق (ذَ ِل َك بِأ َ َّن َّ َ‬
‫ير)(‪َ ( 5)132‬وقُ ِل‬ ‫ي ْال َك ِب ُ‬
‫َّللا ُه َو ْال َع ِل ُّ‬ ‫ْال َح ُّق َوأ َ َّن َما يَ ْدعُونَ ِم ْن دُونِ ِه ُه َو ْالبَ ِ‬
‫اط ُل َوأ َ َّن َّ َ‬
‫ق ِإ َّال‬ ‫ْال َح ُّق ِم ْن َر ِبّ ُك ْم فَ َم ْن شَا َء فَ ْليُؤْ ِم ْن َو َم ْن شَا َء فَ ْل َي ْكفُ ْر) ‪ ( 6‬فَ َماذَا َب ْع َد ْال َح ّ ِ‬
‫(‪)133‬‬
‫ً (‪)135‬‬
‫اط َل َكانَ زَ ُهوقا)‬ ‫اط ُل ِإ َّن ْال َب ِ‬
‫الضَّال ُل)(‪َ ( 7)134‬وقُ ْل َجا َء ْال َح ُّق َوزَ هَقَ ْال َب ِ‬
‫"(‪.)136‬‬
‫(‪)138‬‬
‫‪ -22‬الحكم‪( :‬الحكم(‪ ،3)137‬العدل)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬ومن أسمائه الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا‪،‬‬
‫واآلخرة بعدله‪ ،‬وقسطه فال يظلم مثقال ذرة‪ ،‬وال يحمل أحدا ً وزر أحد‪ ،‬وال‬
‫يجازي العبد بأكثر من ذنبه‪ ،‬ويؤدي الحقوق إلى أهلها‪ ،‬فال يدع صاحب حق إال‬
‫علَى ِ‬
‫ص َراطٍ‬ ‫وصل إليه حقه‪ .‬وهو العدل في تدبيره‪ ،‬وتقديره ( ِإ َّن َر ِبّي َ‬
‫(‪)140( )139‬‬
‫ُم ْست َ ِق ٍيم) ‪.‬‬

‫والحكم العدل الذي إليه الحكم في كل شيء فيحكم تعالى بشرعه‪ ،‬ويبين لعباده‬
‫جميع الطرق التي يحكم بها بين المتخاصمين‪ ،‬ويفصل بين المتنازعين‪ ،‬من‬
‫الطرق العادلة الحكيمة‪ ،‬ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويحكم فيها بأحكام‬
‫القضاء‪ ،‬والقدر‪ ،‬فيجري عليهم منها ما تقتضيه حكمته ويضع األشياء مواضعها‬
‫وينزلها منازلها‪ ،‬ويقضي بينهم يوم الجزاء‪ ،‬والحساب‪ ،‬فيقضي بينهم بالحق‪،‬‬

‫(‪ )132‬احلج (‪.)62‬‬


‫(‪ )133‬الكهف (‪.)29‬‬
‫(‪ )134‬يونس (‪.)32‬‬
‫(‪ )135‬اإلسراء (‪.)81‬‬
‫(‪ )136‬التفسري (‪ 631/5‬و‪.)632‬‬
‫(‪ )137‬ودليل هذا االسم قوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬إن هللا هو احلكم وإليه احلكم"‪ .‬أخرجه أبو داود (‪ )240/5‬كتاب األدب‬
‫ابب يف تغيري االسم القبيح‪ ،‬والنسائي كتاب القضاء حديث (‪ )5389‬ابب إذا حكموا رجالً فقضى بينهم‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح سنن أيب داود (‪ )936/3‬حديث (‪.)4145‬‬
‫(‪ )138‬مل أقف على دليل صحيح يدل على امسيته هلل تعاىل وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )139‬هود (‪.)56‬‬
‫(‪ )140‬التفسري (‪.)627/5‬‬
‫ويحمده الخالئق على حكمه حتى من قضى عليهم بالعذاب يعترفون له بالعدل‪،‬‬
‫وأنه لم يظلمهم مثقال ذرة"(‪.)141‬‬

‫‪ -23‬الحكيم(‪:)142‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الحكيم هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي‬
‫َّللا ُح ْكما ً ِلقَ ْو ٍم يُوقِنُونَ )(‪.)143‬‬ ‫أحسن كل شيء خلقه ( َو َم ْن أَحْ َ‬
‫س ُن ِمنَ َّ ِ‬

‫فال يخلق شيئا ً عبثا‪ ،‬وال يشرع شيئا ً سدى‪ ،‬الذي له الحكم في األولى‪ ،‬واآلخرة‪،‬‬
‫وله األحكام الثالثة ال يشاركه فيها مشارك‪ ،‬فيحكم بين عباده في شرعه‪ ،‬وفي‬
‫قدره‪ ،‬وجزائه‪.‬‬

‫والحكمة‪ :‬وضع األشياء مواضعها‪ ،‬وتنزيلها منازلها(‪.)144‬‬

‫والحكيم‪ :‬الموصوف بكمال الحكمة‪ ،‬وبكمال الحكم بين المخلوقات‪ ،‬فالحكيم هو‬
‫واسع العلم‪ ،‬واإلطالع على مبادئ األمور‪ ،‬وعواقبها‪ ،‬واسع الحمد تام القدرة‬
‫غزير الرحمة‪ ،‬فهو الذي يضع األشياء مواضعها‪ ،‬وينزلها منازلها الالئقة بها في‬
‫خلقه‪ ،‬وأمره‪ ،‬فال يتوجه إليه سؤال‪ ،‬وال يقدح في حكمته مقال‪.‬‬

‫وحكمته نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬الحكمة في خلقه فإنه خلق الخلق بالحق‪ ،‬ومشتمالً على الحق‪ ،‬وكان‬
‫غايته والمقصود به الحق‪ ،‬خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام‪ ،‬ورتبها أكمل‬
‫ترتيب‪ ،‬وأعطى كل مخلوق خلقه الالئق به بل أعطى كل جزء من أجزاء‬
‫المخلوقات‪ ،‬وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته‪ ،‬وهيئته‪ ،‬فال يرى أحد في‬
‫خلقه خلالً‪ ،‬وال نقصاً‪ ،‬وال فطوراً‪ ،‬فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم‬
‫ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن‪،‬‬
‫واالنتظام‪ ،‬واإلتقان لم يقدروا‪ ،‬وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك وحسب العقالء‬

‫(‪ )141‬توضيح الكافية الشافية (ص‪ )127‬واحلق الواضح املبني (ص‪.)80‬‬


‫اّلِلَ َعلَ ٌيم َح َك ٌيم) (التوبة‪.)28 :‬‬
‫(‪ )142‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪( :‬إَ هن ه‬
‫(‪ )143‬املائدة (‪.)50‬‬
‫(‪ )144‬التفسري (‪.)621/5‬‬
‫الحكماء منهم أن يعرفوا كثيرا ً من حكمه‪ ،‬ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن‪،‬‬
‫واإلتقان‪.‬‬

‫وهذا أمر معلوم قطعا ً بما يعلم من عظمته‪ ،‬وكمال صفاته‪ ،‬وتتبع حكمه في‬
‫الخلق‪ ،‬واألمر‪.‬‬

‫وقد تحدى عباده‪ ،‬وأمرهم أن ينظروا‪ ،‬ويكرروا النظر‪ ،‬والتأمل هل يجدون في‬
‫خلقه خلالً أو نقصاً‪ ،‬وأنه البد أن ترجع األبصار كليلة عاجزة عن االنتقاد على‬
‫شيء من مخلوقاته‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬الحكمة في شرعه وأمره‪ ،‬فإنه تعالى شرع الشرائع‪ ،‬وأنزل الكتب‬
‫وأرسل الرسل ليعرفه العباد‪ ،‬ويعبدوه‪ ،‬فأي حكمة أجل من هذا‪ ،‬وأي فضل‪،‬‬
‫وكرم أعظم من هذا‪ ،‬فإن معرفته تعالى‪ ،‬وعبادته وحده ال شريك له‪ ،‬واخالص‬
‫العمل له وحده‪ ،‬وشكره‪ ،‬والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على اإلطالق‪.‬‬

‫من هللا عليه بها‪ ،‬وأكمل سعادة‪ ،‬وسرورا ً للقلوب‪ ،‬واألرواح‪،‬‬


‫وأجل الفضائل لمن َّ‬
‫كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة األبدية‪ ،‬والنعيم الدائم‪.‬‬

‫فلو لم يكن في أمره‪ ،‬وشرعه إال هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات‪،‬‬
‫وأكمل اللذات‪ ،‬وألجلها خلقت الخليقة‪ ،‬وحق الجزاء‪ ،‬وخلقت الجنة‪ ،‬والنار‪ ،‬لكانت‬
‫كافية شافية‪.‬‬

‫هذا وقد اشتمل شرعه‪ ،‬ودينه على كل خير‪ ،‬فأخباره تمأل القلوب علماً‪ ،‬ويقيناً‪،‬‬
‫وإيماناً‪ ،‬وعقائد صحيحة‪ ،‬وتستقيم بها القلوب‪ ،‬ويزول انحرافها‪ ،‬وتثمر كل خلق‬
‫جميل‪ ،‬وعمل صالح‪ ،‬وهدى‪ ،‬ورشد‪ ،‬وأوامره‪ ،‬ونواهيه محتوية على عناية‬
‫الحكمة والصالح واإلصالح للدين والدنيا فإنه ال يأمر إال بما مصلحته خالصة أو‬
‫راجحة وال ينهي إال عما مضرته خالصة أو راجحة‪.‬‬
‫ومن حكمة الشرع اإلسالمي أنه كما أنه هو الغاية لصالح القلوب‪ ،‬واألخالق‪،‬‬
‫واألعمال‪ ،‬واالستقامة على الصراط المستقيم‪ ،‬فهو الغاية لصالح الدنيا‪ ،‬فال‬
‫تصلح أمور الدنيا صالحا ً حقيقيا ً إال بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل‪ ،‬فإن أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا‬
‫الدين أصوله‪ ،‬وفروعه‪ ،‬وجميع ما يهدي‪ ،‬ويرشد إليه كانت أحوالهم في غاية‬
‫االستقامة‪ ،‬والصالح‪ ،‬ولما انحرفوا عنه‪ ،‬وتركوا كثيرا ً من هداه‪ ،‬ولم يسترشدوا‬
‫بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم‪.‬‬

‫وكذلك انظر إلى األمم األخرى التي بلغت في القوة‪ ،‬والحضارة‪ ،‬والمدنية مبلغا ً‬
‫هائالً‪ ،‬ولكن لما كانت خالية من روح الدين‪ ،‬ورحمته‪ ،‬وعدله كان ضررها أعظم‬
‫من نفعها‪ ،‬وشرها أكبر من خيرها‪ ،‬وعجز علماؤها‪ ،‬وحكماؤها‪ ،‬وساساتها عن‬
‫تالفي الشرور الناشئة عنها‪ ،‬ولن يقدروا على ذلك ماداموا على حالهم‪ ،‬ولهذا كان‬
‫من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى هللا عليه وسلم من الدين‪ ،‬والقرآن‬
‫أكبر البراهين على صدقه‪ ،‬وصدق ما جاء به لكونه محكما ً كامالً ال يحصل إال‬
‫به‪ ،‬وبالجملة‪ ،‬فالحكيم متعلقاته المخلوقات‪ ،‬والشرائع‪ ،‬وكلها في غاية اإلحكام‪،‬‬
‫فهو الحكيم في أحكامه القدرية‪ ،‬وأحكامه الشرعية‪ ،‬وأحكامه الجزائية‪.‬‬

‫والفرق بين أحكام القدر‪ ،‬وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده‪ ،‬وكونه وقدره‪،‬‬
‫وأنه ما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬

‫وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه‪ ،‬والعبد المربوب ال يخلو منهما أو من أحدهما‪،‬‬
‫فمن فعل منهم ما يحبه هللا‪ ،‬ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان‪ ،‬ومن فعل ما يضاد‬
‫ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري‪ ،‬فإن ما فعله واقع بقضاء هللا‪ ،‬وقدره‪ ،‬ولم يوجد‬
‫فيه الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه هللا‪ ،‬ويرضاه‪.‬‬
‫فالخير‪ ،‬والشر‪ ،‬والطاعات‪ ،‬والمعاصي كلها متعلقة‪ ،‬وتابعة للحكم القدري‪ ،‬وما‬
‫يحبه هللا منها هو تابع للحكم الشرعي‪ ،‬ومتعلقه‪ ،‬وهللا أعلم(‪.)145‬‬

‫‪ -24‬الحليم(‪:)146‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الحليم الذي له الحلم الكامل‪ ،‬والذي وسع حلمه أهل الكفر‪،‬‬
‫والفسوق‪ ،‬والعصيان‪ ،‬ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجالً‪ ،‬فهو يمهلهم‬
‫ليتوبوا‪ ،‬وال يهملهم إذا أصروا‪ ،‬واستمروا في طغيانهم‪ ،‬ولم ينيبوا(‪.)147‬‬

‫والحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة‪ ،‬والباطنة مع معاصيهم‪ ،‬وكثرة‬
‫زالتهم‪ ،‬فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم‪ ،‬ويستعتبهم كي يتوبوا‪ ،‬ويمهلهم كي‬
‫ينيبوا(‪.)148‬‬

‫وهللا تعالى حليم عفو‪ ،‬فله الحلم الكامل‪ ،‬وله العفو الشامل‪ ،‬ومتعلق هذين الوصفين‬
‫العظيمين معصية العاصين‪ ،‬وظلم المجرمين‪ ،‬فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها‬
‫عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة‪ ،‬وحلمه تعالى يقتضي إمهال العاصين‪،‬‬
‫وعدم معاجلتهم ليتوبوا‪ ،‬وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب‬
‫خصوصا ً إذا أتوا بأسباب المغفرة من االستغفار‪ ،‬والتوبة‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واألعمال‬
‫الصالحة‪ ،‬وحلمه وسع السماوات‪ ،‬واألرض‪ ،‬فلوال عفوه ما ترك على ظهرها من‬
‫دابة‪ ،‬وهو تعالى عفو يحب العفو عن عباده‪ ،‬ويحب منهم أن يسعوا باألسباب التي‬
‫ينالون بها عفوه من السعي في مرضاته‪ ،‬واإلحسان إلى خلقه‪.‬‬

‫ومن كمال عفوه أن المسرفين على أنفسهم إذا تابوا إليه غفر لهم كل جرم صغير‪،‬‬
‫وكبير‪ ،‬وأنه جعل اإلسالم يجب ما قبله‪ ،‬والتوبة تجب ما قبلها" (‪.)149‬‬

‫(‪ )145‬احلق الواضح املبني (ص‪ 50‬إىل ‪ )54‬وانظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)119‬‬
‫اّلِل َغ ُف َ‬ ‫َ‬
‫يم)‬
‫ور َحل ٌ‬ ‫اّلِلَ يـَ معلَ ُم َما َيف أَنمـ ُفس ُك مم فَ م‬
‫اح َذ ُروهُ َو ماعلَ ُموا أَ هن هَ ٌ‬ ‫(و ماعلَ ُموا أَ هن ه‬
‫(‪ )146‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪َ :‬‬
‫(البقرة‪.)35 :‬‬
‫(‪ )147‬احلق الواضح املبني (ص‪.)56-55‬‬
‫(‪ )148‬التفسري (‪.)630/5‬‬
‫(‪ )149‬احلق الواضح املبني (ص‪.)56‬‬
‫‪ -25‬الحميد(‪:)150‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الحميد في ذاته‪ ،‬وأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬فله من‬
‫األسماء أحسنها‪ ،‬ومن الصفات أكملها‪ ،‬ومن األفعال أتمها‪ ،‬وأحسنها‪ ،‬فإن أفعاله‬
‫تعالى دائرة بين الفضل‪ ،‬والعدل(‪.)151‬‬

‫فالحمد كثرة الصفات والخيرات‪ ،‬فهو الحميد لكثرة صفاته الحميدة(‪ ،)152‬وهو‬
‫سبحانه حميد من وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده‪ ،‬فكل حمد وقع من أهل السماوات‬
‫واألرض األولين منهم‪ ،‬واآلخرين‪ ،‬وكل حمد يقع منهم في الدنيا‪ ،‬واآلخرة‪ ،‬وكل‬
‫حمد لم يقع منهم بل كان مفروضاً‪ ،‬ومقدرا ً حيثما تسلسلت األزمان‪ ،‬واتصلت‬
‫األوقات حمدا ً يمأل الوجود كله العالم العلوي‪ ،‬والسفلي‪ ،‬ويمأل نظير الوجود من‬
‫غير عد‪ ،‬وال إحصاء فإن هللا تعالى مستحقه من وجوه كثيرة‪:‬‬

‫منها أن هللا هو الذي خلقهم‪ ،‬ورزقهم‪ ،‬وأسدى عليهم النعم الظاهرة‪ ،‬والباطنة‬
‫الدينية‪ ،‬والدنيوية‪ ،‬وصرف عنهم النقم‪ ،‬والمكاره‪ ،‬فما بالعباد من نعمة فمن هللا‪،‬‬
‫وال يدفع الشرور إال هو‪ ،‬فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع األوقات‪ ،‬وأن يثنوا‬
‫عليه‪ ،‬ويشكروه بعدد اللحظات‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬أنه يحمد على ماله من األسماء الحسنى‪ ،‬والصفات الكاملة العليا‪،‬‬
‫والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة‪ ،‬فله كل صفة كمال‪ ،‬وله من تلك‬
‫الصفة أكملها‪ ،‬وأعظمها فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد‪ ،‬والثناء‪،‬‬
‫فكيف بجميع األوصاف المقدسة‪ ،‬فله الحمد لذاته‪ ،‬وله الحمد لصفاته‪ ،‬وله الحمد‬
‫ألفعاله ألنها دائرة بين أفعال الفضل‪ ،‬واإلحسان‪ ،‬وبين أفعال العدل‪ ،‬والحكمة التي‬

‫احلَ َم ُ‬
‫يد) (فاطر‪:‬‬ ‫ِن م‬ ‫اّلِلَ َو ه‬
‫اّلِلُ ُه َو المغََ ُّ‬ ‫هاس أَنمـتُ ُم الم ُف َقَراءُ إَ َىل ه‬
‫(‪ )150‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪َ ( :‬اي أَيـُّ َها الن ُ‬
‫‪.)15‬‬
‫(‪ )151‬التفسري (‪.)624/5‬‬
‫(‪ )152‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)118‬‬
‫يستحق عليها كمال الحمد‪ ،‬وله الحمد على خلقه‪ ،‬وعلى شرعه‪ ،‬وعلى أحكامه‬
‫القدرية وأحكامه الشرعية‪ ،‬وأحكام الجزاء في األولى‪ ،‬واآلخرة‪ ،‬وتفاصيل حمده‪،‬‬
‫وما يحمد عليه ال تحيط بها األفكار‪ ،‬وال تحصيها األقالم(‪.)153‬‬

‫‪ -26‬الحي(‪( :)154‬الحي القيوم)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الحي القيوم كامل الحياة والقائم بنفسه‪ .‬القيوم ألهل‬
‫السماوات واألرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم فالحي‪ :‬الجامع‬
‫لصفات الذات‪ ،‬والقيوم‪ :‬الجامع لصفات األفعال(‪)155‬وجمعهما في غاية المناسبة‬
‫ي ْالقَيُّوم)‬
‫َّللاُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو ْال َح ُّ‬
‫كما جمعهما هللا في عدة مواضع من كتابه كقوله‪َّ ( :‬‬
‫(‪ ،)156‬وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال‪ ،‬فالحي هو كامل الحياة‪،‬‬
‫وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالعلم والعزة والقدرة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والعظمة‪،‬‬
‫والكبرياء‪ ،‬وغيرها من صفات الذات المقدسة‪.‬‬

‫والقيوم هو كامل القيومية الذي قام بنفسه‪ ،‬وعظمت صفاته‪ ،‬واستغنى عن جميع‬
‫مخلوقاته‪ ،‬وقامت به األرض‪ ،‬والسماوات‪ ،‬وما فيهما من المخلوقات‪ ،‬فهو الذي‬
‫أوجدها‪ ،‬وأمدها‪ ،‬وأعدّها لكل ما فيه بقاؤها‪ ،‬وصالحها‪ ،‬وقيامها‪ ،‬فهو الغني عنها‬
‫من كل وجه‪ ،‬وهي التي افتقرت إليه من كل وجه‪ ،‬فالحي‪ ،‬والقيوم من له صفة‬
‫كل كمال‪ ،‬وهو الفعال لما يريد الذي إذا أراد شيئا ً قال له كن فيكون‪ ،‬وكل‬
‫الصفات الفعلية‪ ،‬والمجد‪ ،‬والعظمة‪ ،‬والجالل ترجع إلى اسمه القيوم‪ ،‬ومرجع‬
‫(‪)157‬‬
‫صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين االسمين الكريمين‪ ،‬ولذلك ورد الحديث‬
‫َّللاُ ال ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو‬
‫أن اسم هللا األعظم الذي إذا دعي به أجاب‪ ،‬وإذا سئل به أعطى ( َّ‬
‫ي ْالقَيُّو ُم)(‪ )158‬الشتمالهما على جميع الكماالت‪.‬‬
‫ْال َح ُّ‬

‫(‪ )153‬احلق الواضح املبني (ص‪ 39‬و‪.)40‬‬


‫(اّلِلُ ال إَلَهَ إَال ُه َو م‬
‫احلَ ُّي الم َقيُّوم) (البقرة‪.)255 :‬‬ ‫(‪ )154‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪ :‬ه‬
‫(‪ )155‬احلق الواضح املبني (ص‪ 87‬و ‪.)88‬‬
‫(‪ )156‬البقرة (‪.)255‬‬
‫(‪ )157‬أخرجه أبو داود (‪ )168/2‬كتاب الصالة ابب الدعاء‪ ،‬والرتمذي (‪ )517/5‬كتاب الدعوات وقال‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه ابن ماجه (‪ ) 1267/2‬كتاب الدعاء ابب اسم هللا األعظم من حديث أمساء بنت يزيد‪ ،‬وحسنه‬
‫األلباين‪ .‬انظر‪ :‬صحيح أيب داود (‪ ) 280/1‬كتاب الصالة ابب الدعاء‪ .‬ويف اسناده شهر بن حوشب تكلم فيه غري واحد‬
‫من النقاد‪.‬‬
‫(‪ )158‬آل عمران (‪.)21‬‬
‫فصفات الذات ترجع إلى الحي‪ ،‬ومعاني األفعال ترجع إلى القيوم"(‪.)159‬‬

‫‪ -27‬الحيي‪( :‬الحيي الستير(‪)160‬الستار(‪))161‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪ ":‬هذا مأخوذ من قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هللا حيي‬
‫يستحي من عبده إذا مد يده إليه أن يردها صفراً"(‪.)162‬‬

‫وهذا من رحمته‪ ،‬وكرمه‪ ،‬وكماله‪ ،‬وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره‬


‫الشديد إليه‪ ،‬حتى أنه ال يمكنه أن يعصى إال أن يتقوى عليها بنعم ربه‪ ،‬والرب مع‬
‫كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحي من هتكه‪ ،‬وفضيحته‪ ،‬وإحالل‬
‫العقوبة به‪ ،‬فيستره بما يفيض له من أسباب الستر‪ ،‬ويعفو عنه‪ ،‬ويغفر له‪ ،‬فهو‬
‫يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي‪ ،‬خيره إليهم بعدد اللحظات‪،‬‬
‫وشرهم إليه صاعد‪.‬‬

‫وال يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي‪ ،‬وكل قبيح‪ ،‬ويستحي تعالى‬
‫ممن شاب في اإلسالم أن يعذبه‪ ،‬وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفراً‪ ،‬ويدعو‬
‫عباده إلى دعائه‪ ،‬ويعدهم باإلجابة‪.‬‬

‫(‪ )159‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)29‬‬


‫(‪ )160‬قال صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هللا عز وجل حليم حيي ستري حيب احلياء والسرت فإذا اغتسل أحدكم فليسترت"‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ )302/4‬كتاب احلمام ابب النهي عن التعري‪ ،‬والنسائي يف سننه (‪ )200/1‬كتاب الغسل والتيمم ابب‬
‫االستتار عند االغتسال‪ ،‬وأمحد يف املسند (‪ )224/4‬والبيهقي يف سننه (‪ )198/1‬كتاب الطهارة ابب السرت يف الغسل‬
‫عند الناس‪ ،‬من حديث يعلي بن أمية رضي هللا عنه‪ ،‬وصححه األلباين يف إرواء الغليل (‪.)367/7‬‬
‫(‪ )161‬أورد الشيخ رمحه هللا تعاىل "الستار" من أمساء هللا تعاىل‪ ،‬ومل يرد دليل يدل على ثبوته هلل خالفاً ملا هو شائع عند كثري من‬
‫الناس‪.‬‬
‫(‪ )162‬أخرجه أبو داود (‪ )165/2‬كتاب الصالة ابب الدعاء‪ ،‬والرتمذي (‪ )557/5‬كتاب الدعوات‪ ،‬وابن ماجه‬
‫(‪ ) 1271/2‬كتاب الدعاء ابب رفع اليدين يف الدعاء من حديث سلمان الفارسي‪ ،‬وصححه األلباين‪ .‬انظر‪ :‬صحيح‬
‫الرتمذي (‪ 179/3‬ح ‪.)3809‬‬
‫وهو الحيي الستير‪ :‬يحب أهل الحياء‪ ،‬والستر‪ ،‬ومن ستر مسلما ستر هللا عليه في‬
‫الدنيا‪ ،‬واآلخرة‪ ،‬ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها‪ ،‬بل يتوب إليه‬
‫فيما بينه وبينه وال يظهرها للناس‪ ،‬وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصياً‪ ،‬وهللا‬
‫يستره فيصبح يكشف ستر هللا عليه(‪.)163‬‬

‫اب أ َ ِلي ٌم ِفي‬ ‫شةُ فِي الَّذِينَ آ َمنُوا لَ ُه ْم َ‬


‫عذَ ٌ‬ ‫وقال تعالى‪( :‬إِ َّن الَّذِينَ ي ُِحبُّونَ أ َ ْن ت َ ِشي َع ْالفَ ِ‬
‫اح َ‬
‫اآلخ َرةِ) (‪ )164‬وهذا كله من معنى اسمه الحليم الذي وسع حلمه أهل الكفر‪،‬‬ ‫ال ُّد ْنيَا َو ِ‬
‫والفسوق‪ ،‬والعصيان‪ ،‬ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجالً‪ ،‬فهو يمهلهم‬
‫ليتوبوا‪ ،‬وال يهملهم إذا أصروا‪ ،‬واستمروا في طغيانهم‪ ،‬ولم ينيبوا"(‪.)165‬‬

‫‪ -28‬الخافض الرافع(‪:)166‬‬

‫‪ -29‬الخالق(‪:)167‬‬

‫‪ -30‬الخبير(‪(:)168‬العليم الخبير)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الخبير العليم‪ :‬هو الذي أحاط علمه بالظواهر‪ ،‬والبواطن‪،‬‬
‫واإلسرار‪ ،‬واإلعالن‪ ،‬والواجبات‪ ،‬والمستحيالت‪ ،‬والممكنات‪ .‬وبالعالم العلوي‬
‫والسفلي‪ ،‬وبالماضي‪ ،‬والحاضر‪ ،‬والمستقبل‪ ،‬فال يخفى عليه شيء من‬
‫األشياء(‪.)169‬‬

‫(‪ )163‬هذا مبعىن ما أخرجه مسلم يف صحيحه (‪ )2291/4‬كتاب الزهد ابب النهي عن هتك اإلنسان سرت نفسه‪ ،‬ولفظه عن‬
‫أيب هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪" :‬كل أميت معافاة إال اجملاهرين‪ ،‬وإن من اإلجهار‬
‫أن يعمل العبد ابلليل عمالً مث يص بح قد سرته ربه‪ ،‬فيقول اي فالن قد عملت البارحة كذا وكذا‪ ،‬وقد ابت يسرته ربه‪ ،‬فيبيت‬
‫يسرته ربه‪ ،‬ويصبح يكشف سرت هللا عنه"‪.‬‬
‫(‪ )164‬النور (‪.)19‬‬
‫(‪ )165‬احلق الواضح املبني (ص‪ )55 ،54‬وانظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)121‬‬
‫(‪ )166‬سبق الكالم على هذين االمسني مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬
‫(‪ )167‬سبق الكالم على هذا اإلسم مع امسه تعاىل "الباري"‪.‬‬
‫اّلِلَ َعلَ ٌيم َخبَريٌ) (لقمان‪.)34 :‬‬
‫(‪ )168‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪( :‬إَ هن ه‬
‫(‪ )169‬التفسري (‪.)621/5‬‬
‫وهو العليم المحيط علمه بكل شيء‪ :‬بالواجبات‪ ،‬والممتنعات‪ ،‬والممكنات‪ ،‬فيعلم‬
‫تعالى نفسه الكريمة‪ ،‬ونعوته المقدسة‪ ،‬وأوصافه العظيمة‪ ،‬وهى الواجبات التي ال‬
‫يمكن إال وجودها‪ ،‬ويعلم الممتنعات حال امتناعها‪ ،‬ويعلم ما يترتب على وجودها‬
‫س َدت َا) (‪ )170‬وقال تعالى‪َ ( :‬ما‬ ‫لو وجدت كما قال تعالى‪( :‬لَ ْو َكانَ فِي ِه َما آ ِل َهةٌ ِإال َّ‬
‫َّللاُ لَفَ َ‬
‫ض ُه ْم‬ ‫َّللاُ ِم ْن َولَ ٍد َو َما َكانَ َم َعهُ ِم ْن ِإلَ ٍه ِإذا ً لَذَه َ‬
‫َب ُك ُّل ِإلَ ٍه ِب َما َخلَقَ َولَ َعال َب ْع ُ‬ ‫ات َّ َخذَ َّ‬
‫ض) (‪.)171‬‬ ‫علَى بَ ْع ٍ‬‫َ‬

‫فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها‪ ،‬واخباره بما ينشأ منها لو‬
‫وجدت على وجه الفرض‪ ،‬والتقدير‪ ،‬ويعلم تعالى الممكنات‪ ،‬وهى التي يجوز‬
‫وجودها وعدمها ما وجد منها‪ ،‬وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده‪ ،‬فهو‬
‫العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي‪ ،‬والسفلي ال يخلو عن علمه مكان‪ ،‬وال‬
‫زمان ويعلم الغيب‪ ،‬والشهادة‪ ،‬والظواهر‪ ،‬والبواطن‪ ،‬والجلي‪ ،‬والخفي‪ ،‬قال هللا‬
‫ع ِلي ٌم) (‪.)172‬‬ ‫َّللا بِ ُك ِّل َ‬
‫ش ْيءٍ َ‬ ‫تعالى‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬

‫والنصوص في ذكر إحاطة علم هللا‪ ،‬وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جدا ً ال يمكن‬
‫حصرها‪ ،‬وإحصاؤها‪ ،‬وأنه ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض‪ ،‬وال في السماء‪،‬‬
‫ط ِم ْن َو َرقَ ٍة‬‫وال أصغر من ذلك‪ ،‬وال أكبر‪ ،‬وإنه ال يغفل‪ ،‬وال ينسى(‪َ ()173‬و َما ت َ ْسقُ ُ‬
‫ين)‬‫ب ُمبِ ٍ‬ ‫ب َوال يَابِ ٍس إال فِي ِكت َا ٍ‬ ‫ض َوال َر ْ‬
‫ط ٍ‬ ‫ت األ َ ْر ِ‬ ‫إال يَ ْعلَ ُم َها َوال َحبَّ ٍة فِي ُ‬
‫ظلُ َما ِ‬
‫س َّر َوأ َ ْخفَى)(‪.)176( )175‬‬ ‫(‪()174‬يَ ْعلَ ُم ال ِ ّ‬

‫وإن علوم الخالئق على سعتها‪ ،‬وتنوعها إذا نسبت إلى علم هللا اضمحلت‪،‬‬
‫وتالشت‪ ،‬كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة هللا لم يكن لها نسبة إليها بوجه من‬
‫الوجوه‪ ،‬فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه‬
‫قادرين‪.‬‬

‫(‪ )170‬األنبياء (‪.)22‬‬


‫(‪ )171‬املؤمنون (‪.)91‬‬
‫(‪ )172‬البقرة (‪.)231‬‬
‫(‪ )173‬احلق الواضح املبني (ص‪ 36‬و‪.)37‬‬
‫(‪ )174‬األنعام (‪.)59‬‬
‫(‪ )175‬طه (‪.)7‬‬
‫(‪ )176‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)118‬‬
‫وكما أن علمه محيط بجميع العالم العلوي‪ ،‬والسفلي‪ ،‬وما فيه من المخلوقات‬
‫ذواتها‪ ،‬وأوصافها‪ ،‬وأفعالها‪ ،‬وجميع أمورها‪.‬‬

‫فهو يعلم ما كان‪ ،‬وما يكون في المستقبالت التي ال نهاية لها‪ ،‬وما لم يكن لو كان‬
‫كيف كان يكون‪ ،‬ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم‪ ،‬وبعد ما يميتهم‪ ،‬وبعد ما‬
‫يحييهم‪ ،‬قد أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها‪ ،‬وشرها‪ ،‬وجزاء تلك األعمال‬
‫وتفاصيل ذلك في دار القرار(‪.)177‬‬

‫فينبغي للمؤمن الناصح لنفسه أن يبذل ما استطاع من مقدوره في معرفة أسماء‬


‫هللا‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وتقديسه‪ ،‬ويجعل هذه المسألة أهم المسائل عنده‪ ،‬وأوالها باإليثار‪،‬‬
‫وأحقها بالتحقيق ليفوز من الخير بأوفر نصيب‪.‬‬

‫فيتدبر مثالً اسم العليم‪ :‬فيعلم إن العلم كله بجميع وجوهه‪ ،‬واعتباراته هلل تعالى‬
‫فيعلم تعالى األمور المتأخرة أزالً وأبدا ً ويعلم جليل األمور‪ ،‬وحقيرها‪ ،‬وصغيرها‪،‬‬
‫وكبيرها‪ ،‬ويعلم تعالى ظواهر األشياء‪ ،‬وبواطنها غيبها‪ ،‬وشهادتها ما يعلم الخلق‬
‫منها‪ ،‬وما ال يعلمون‪ ،‬ويعلم تعالى الواجبات أو المستحيالت‪ ،‬والجائزات‪ ،‬ويعلم‬
‫تعالى ما تحت األرض السفلى كما يعلم ما فوق السماوات العلى‪ ،‬ويعلم تعالى‬
‫جزئيات األمور وخبايا الصدور‪ ،‬وخفايا ما وقع‪ ،‬ويقع في أرجاء العالم‪ ،‬وأنحاء‬
‫المملكة‪ ،‬فهو الذي أحاط علمه جميع األشياء في كل األوقات‪ ،‬وال يعرض تعالى‬
‫لعلمه خفاء‪ ،‬وال نسيان‪ ،‬ويتلو على هذه اآليات المقررة له كقوله في غير موضع‪:‬‬
‫ت‬‫اوا ِ‬‫س َم َ‬ ‫ُور)(‪َ ( )179‬ي ْعلَ ُم َما ِفي ال َّ‬ ‫صد ِ‬ ‫ت ال ُّ‬ ‫ع ِلي ٌم ِبذَا ِ‬
‫ع ِلي ٌم)(‪َ ( )178‬‬ ‫ش ْيءٍ َ‬ ‫َّللاُ ِب ُك ِّل َ‬
‫( َو َّ‬
‫ُور)(‪َ ( )180‬وإِ ْن تَجْ َه ْر‬ ‫صد ِ‬ ‫ت ال ُّ‬ ‫ع ِلي ٌم بِذَا ِ‬ ‫َّللاُ َ‬‫ض َويَ ْعلَ ُم َما ت ُ ِس ُّرونَ َو َما ت ُ ْع ِلنُونَ َو َّ‬ ‫َواأل َ ْر ِ‬
‫س َّر ْالقَ ْو َل َو َم ْن َج َه َر بِ ِه َو َم ْن‬‫س َوا ٌء ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ َ‬ ‫س َّر َوأ َ ْخفَى)(‪َ ( )181‬‬ ‫بِ ْالقَ ْو ِل فَإِنَّهُ يَ ْعلَ ُم ال ِ ّ‬
‫(أَلَ ْم ت َ ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ‬
‫َّللا يَ ْعلَ ُم َما فِي ال َّ‬ ‫ب بِالنَّ َه ِ‬ ‫ُه َو ُم ْست َْخفٍ بِاللَّ ْي ِل َو َ‬
‫(‪)182‬‬
‫اء‬
‫س َم ِ‬ ‫ار)‬ ‫ار ٌ‬
‫س ِ‬

‫(‪ )177‬احلق الواضح املبني (ص‪.)38 ،37‬‬


‫(‪ )178‬البقرة (‪.)282‬‬
‫(‪ )179‬آل عمران (‪.)119‬‬
‫(‪ )180‬التغابن (‪.)4‬‬
‫(‪ )181‬طه (‪.)7‬‬
‫(‪ )182‬الرعد (‪.)10‬‬
‫علَ ْي ِه‬ ‫َّللا ال يَ ْخفَى َ‬‫(إِ َّن َّ َ‬
‫(‪)183‬‬
‫ير)‬ ‫علَى َّ ِ‬
‫َّللا يَ ِس ٌ‬ ‫ب إِ َّن ذَ ِل َك َ‬ ‫ض إِ َّن ذَ ِل َك فِي ِكت َا ٍ‬ ‫َواأل َ ْر ِ‬
‫ْف يَشَا ُء ال ِإلَهَ‬ ‫ص ّ ِو ُر ُك ْم فِي األ َ ْر َح ِام َكي َ‬ ‫اء ُه َو الَّذِي يُ َ‬ ‫س َم ِ‬ ‫ض َوال فِي ال َّ‬ ‫ش ْي ٌء فِي األ َ ْر ِ‬ ‫َ‬
‫ْث َويَ ْعلَ ُم َما فِي‬ ‫ع ِة َويُن ِ َّز ُل ْالغَي َ‬ ‫سا َ‬ ‫َّللا ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم ال َّ‬
‫( ِإ َّن َّ َ‬
‫)‬ ‫‪184‬‬ ‫(‬
‫يز ْال َح ِكي ُم)‬ ‫ِإال ُه َو ْال َع ِز ُ‬
‫ض ت َ ُموتُ ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫ي ِ أ َ ْر ٍ‬‫س ِبأ َ ّ‬ ‫ب غَدا ً َو َما ت َ ْد ِري نَ ْف ٌ‬ ‫س َماذَا ت َ ْك ِس ُ‬ ‫األ َ ْر َح ِام َو َما ت َ ْد ِري نَ ْف ٌ‬
‫ب ال َي ْعلَ ُم َها إال ُه َو َو َي ْعلَ ُم َما ِفي ْال َب ِ ّر َو ْال َبحْ ِر‬ ‫ير)(‪َ ( )185‬و ِع ْن َدهُ َمفَا ِت ُح ْالغَ ْي ِ‬ ‫ع ِلي ٌم َخ ِب ٌ‬ ‫َ‬
‫ب َوال يَابِ ٍس‬ ‫ط ٍ‬ ‫ض َوال َر ْ‬ ‫ت األ َ ْر ِ‬ ‫ط ِم ْن َو َرقَ ٍة إِال يَ ْعلَ ُم َها َوال َحبَّ ٍة فِي ُ‬
‫ظلُ َما ِ‬ ‫َو َما ت َ ْسقُ ُ‬
‫ض‬ ‫صبِ ُح األ َ ْر ُ‬ ‫اء َما ًء فَت ُ ْ‬ ‫َّللا أ َ ْنزَ َل ِمنَ ال َّ‬
‫س َم ِ‬ ‫(أَلَ ْم ت ََر أ َ َّن َّ َ‬
‫(‪)186‬‬
‫ين)‬ ‫ب ُمبِ ٍ‬ ‫ِإال فِي ِكت َا ٍ‬
‫ضى‬ ‫ارت َ َ‬ ‫غ ْيبِ ِه أ َ َحدا ً ِإال َم ِن ْ‬ ‫علَى َ‬ ‫ُظ ِه ُر َ‬ ‫ب فَال ي ْ‬ ‫عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ‬ ‫ير َ‬ ‫يف َخبِ ٌ‬ ‫َّللا لَ ِط ٌ‬‫ض َّرة ً ِإ َّن َّ َ‬ ‫ُم ْخ َ‬
‫اء‬
‫س َم ِ‬ ‫ض َو َما يَ ْخ ُر ُج ِم ْن َها َو َما يَ ْن ِز ُل ِمنَ ال َّ‬ ‫األر ِ‬ ‫(يَ ْعلَ ُم َما يَ ِل ُج فِي ْ‬ ‫)‬ ‫‪187‬‬ ‫(‬
‫سو ٍل)‬ ‫ِم ْن َر ُ‬
‫س ْب َعةُ‬ ‫ش َج َرةٍ أ َ ْقال ٌم َو ْال َبحْ ُر َي ُم ُّدهُ ِم ْن َب ْع ِد ِه َ‬ ‫ض ِم ْن َ‬ ‫األر ِ‬ ‫َو َما َي ْع ُر ُج فِي َها) ( َولَ ْو أَنَّ َما فِي ْ‬
‫ير ِب َما ت َ ْع َملُونَ ) (أَلَ ْم ت ََر‬ ‫َّللاُ َخ ِب ٌ‬ ‫يز َح ِكي ٌم)(‪َ ( )188‬و َّ‬ ‫ع ِز ٌ‬ ‫َّللا ِإ َّن َّ َ‬
‫َّللا َ‬ ‫ت َك ِل َماتُ َّ ِ‬ ‫أ َ ْب ُح ٍر َما نَ ِف َد ْ‬
‫ون ِم ْن نَجْ َوى ثَالث َ ٍة إال ُه َو‬ ‫ض َما يَ ُك ُ‬ ‫األر ِ‬
‫ت َو َما فِي ْ‬ ‫اوا ِ‬ ‫س َم َ‬ ‫َّللا يَ ْعلَ ُم َما فِي ال َّ‬ ‫أ َ َّن َّ َ‬
‫س ُه ْم َوال أ َ ْدنَى ِم ْن ذَ ِل َك َوال أ َ ْكث َ َر‬ ‫سا ِد ُ‬ ‫س ٍة إال ُه َو َ‬ ‫َرابِعُ ُه ْم َوال خ َْم َ‬

‫ع ِملُوا يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة إِ َّن َّ َ‬


‫َّللا بِ ُك ِّل َ‬
‫ش ْيءٍ‬ ‫إال ُه َو َمعَ ُه ْم أَيْنَ َما َكانُوا ث ُ َّم يُنَ ِبّئ ُ ُه ْم بِ َما َ‬
‫ي لَ ُه ْم ِم ْن قُ َّرةِ أ َ ْعي ٍُن)(‪.)190‬‬ ‫ُ‬ ‫ع ِلي ٌم)(‪( )189‬فَال ت َ ْعلَ ُم نَ ْف ٌ‬
‫س َما أ ْخ ِف َ‬ ‫َ‬

‫وغير ذلك من النصوص الكثيرة على هذا المعنى فإن تدبر بعض ذلك يكفي‬
‫المؤمن البصير معرفته باحاطة علم هللا تعالى وكمال عظمته وجليل قدره إنه‬
‫الرب العظيم المالك(‪.)191‬‬

‫(‪ )183‬احلج (‪.)70‬‬


‫(‪ )184‬آل عمران (‪.)6‬‬
‫(‪ )185‬لقمان (‪.)34‬‬
‫(‪ )186‬األنعام (‪.)59‬‬
‫(‪ )187‬احلج (‪.)63‬‬
‫(‪ )188‬لقمان (‪.)27‬‬
‫(‪ )189‬اجملادلة (‪.)7‬‬
‫(‪ )190‬السجدة (‪.)17‬‬
‫‪ -31‬ذو الجالل واإلكرام(‪:)192‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫"ذو الجالل واإلكرام أي‪ :‬ذو العظمة‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬وذو الرحمة‪ ،‬والجود‪،‬‬
‫واإلحسان العام‪ ،‬والخاص‪ ،‬المكرم ألوليائه‪ ،‬وأصفيائه الذي يجلونه ويعظمونه‬
‫ويحبونه"(‪.)193‬‬

‫‪ -32‬الرؤوف(‪:)194‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الرؤوف أي‪ :‬شديد الرأفة بعباده فمن رأفته ورحمته بهم أن‬
‫يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها‪.‬‬

‫ومن رأفته توفيقهم القيام بحقوقه وحقوق عباده‪.‬‬

‫ومن رأفته ورحمته أنه خوف العباد‪ ،‬وزجرهم عن الغي‪ ،‬والفساد كما قال تعالى‪:‬‬
‫َّللاُ بِ ِه ِعبَا َدهُ يَا ِعبَا ِد فَاتَّقُ ِ‬
‫ون)(‪.)195‬‬ ‫ف َّ‬‫(ذَ ِل َك يُخ ّ َِو ُ‬

‫فرأفته ورحمته سهلت لهم الطرق التي ينالون بها الخيرات ورأفته ورحمته‪،‬‬
‫حذرتهم من الطرق التي تقضي بهم إلى المكروهات فنسأله تعالى أن يتمم علينا‬
‫إحسانه بسلوك الصراط المستقيم‪ ،‬والسالمة من الطرق التي تفضي بسالكها إلى‬
‫الجحيم"(‪.)196‬‬

‫(‪ )191‬املواهب الرابنية من اآلايت القرآنية (ص‪.)64 ،63‬‬


‫(‪ )192‬هذا االسم من أمساء هللا املضافة وقد تقدم يف الدراسة أهنا ال تدخل ضمن أمساء هللا احلسىن‪.‬‬
‫(‪ )193‬التفسري (‪.)626/5‬‬
‫وف َابلمعَبَ َاد) (آل عمران‪.)30:‬‬
‫اّلِلُ َرُؤ ٌ‬ ‫(وُحيَ َّذ ُرُك ُم ه‬
‫اّلِلُ نـَ مف َسهُ َو ه‬ ‫(‪ )194‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )195‬الزمر (‪.)66‬‬
‫(‪ )196‬التفسري (‪ 162/1‬و‪ 374‬و ‪.)337/7‬‬
‫‪ -33‬الرافع الخافض(‪:)197‬‬

‫‪ -34‬الرب(‪:)198‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪" :‬قد تكرر اسم (الرب) في آيات كثيرة‪.‬‬

‫والرب هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم‪.‬‬

‫وأخص من هذا تربيته ألصفيائه بإصالح قلوبهم وأرواحهم وأخالقهم وبهذا كثر‬
‫دعاؤهم له بهذا االسم الجليل ألنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة(‪.)199‬‬

‫وهو الذي له جميع معاني الربوبية التي يستحق أن يؤله ألجلها وهي صفات‬
‫الكمال كلها والمحامد كلها له والفضل كله واإلحسان كله‪ ،‬وأنه ال يشارك هللا أحد‬
‫ير)(‪.)200‬‬
‫ص ُ‬‫س ِمي ُع ْالبَ ِ‬ ‫ْس َك ِمثْ ِل ِه َ‬
‫ش ْي ٌء َو ُه َو ال َّ‬ ‫في معنى من معاني الربوبية (لَي َ‬

‫ال بشر وال ملك‪ ،‬بل هم جميعا ً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية‬

‫مقهورون خاضعون لجالله وعظمته‪ ،‬فال ينبغي أن يكون أحد منهم ندا ً وال شريكا ً‬
‫هلل في عبادته وإلوهيته‪.‬‬

‫(‪ )197‬سبق الكالم على هذين االمسني مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬


‫اّلِلَ أَبمغَي َرّابً َوُه َو َر ُّ‬
‫ب ُك َّل َش ميء) (األنعام‪.)164 :‬‬ ‫(‪ )198‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪( :‬قُ مل أَ َغ م َري ه‬
‫(‪ )199‬التفسري (‪.)620/5‬‬
‫(‪ )200‬الشورى (‪.)11‬‬
‫فبربوبيته سبحانه يربي الجميع من مالئكة وأنبياء وغيرهم خلقا ً ورزقا ً وتدبيرا ً‬
‫وإحيا ًء وإماتةً‪.‬‬

‫وهم يشكرونه على ذلك بإخالص العبادة كلها له وحده‪ ،‬فيؤلهونه وال يتخذون من‬
‫دونه وليا ً وال شفيعاً‪ ،‬فاإللهية حق له سبحانه على عباده بصفة ربوبيته"(‪.)201‬‬

‫‪ -36‬الرحمن الرحيم(‪:)202‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الرحمن الرحيم‪ :‬اسمان داالن على أنه تعالى ذو الرحمة‬
‫الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء‪ ،‬وعمت كل مخلوق‪ ،‬وكتب الرحمة‬
‫الكاملة للمتقين المتبعين ألنبيائه ورسله‪ ،‬فهؤالء لهم الرحمة المطلقة المتصلة‬
‫بالسعادة األبدية‪ ،‬ومن عداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة‪ ،‬ألنه الذي دفع هذه‬
‫الرحمة وأباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن األمر فال يلومن إال نفسه‪.‬‬

‫واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف األمة وأئمتها ما دل عليه الكتاب‬
‫والسنة من اإليمان بأسماء هللا كلها وصفاته جميعها وبأحكام تلك الصفات‪.‬‬

‫فيؤمنون مثالً بأنه رحمن رحيم ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة‬
‫بالمرحوم‪ ،‬فالنعم كلها من آثار رحمته‪ ،‬وهكذا يقال في سائر األسماء الحسنى‪.‬‬

‫فيقال عليم‪ :‬ذو علم عظيم يعلم به كل شيء‪.‬‬

‫قدير‪ :‬ذو قدرة يقدر على كل شيء‪.‬‬

‫فإن هللا قد أثبت لنفسه األسماء الحسنى والصفات العليا‪ ،‬وأحكام تلك الصفات‪،‬‬
‫فمن أثبت شيئا ً منها ونفى اآلخر كان مع مخالفته للنقل والفعل متناقضا ً مبطالً‬
‫(‪.)203‬‬
‫(‪ )201‬اخلالصة (ص‪.)17‬‬
‫ني الهر ممحَ َن الهرَحي َم) (الفاحتة‪.)3 ،2 :‬‬ ‫َ‬ ‫(‪ )202‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل م َ َ‬
‫(احلَ مم ُد هّلِل َر َّ‬
‫ب الم َعالَم َ‬
‫(‪ )203‬اخلالصة ضمن اجملموعة الكاملة ملؤلفات السعدي (‪ )179/1‬وانظر‪ :‬التفسري (‪.)33/1‬‬
‫وداللة األسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة‪ ،‬والتضمين‪ ،‬وااللتزام فإن‬
‫الداللة نوعان‪:‬‬

‫لفظية‪ ،‬ومعنوية عقلية‪ ،‬فإن أعطيت اللفظ جميع ما دخل فيه من المعاني فهي‬
‫داللة مطابقة ألن اللفظ طابق المعنى من غير زيادة وال نقصان‪ ،‬وإن أعطيته‬
‫بعض المعنى فتسمى داللة تضمن‪ ،‬ألن المعنى المذكور بعض اللفظ وداخل في‬
‫ضمنه‪ ،‬وأما الداللة المعنوية العقلية فهي خاصة بالعقل والفكر الصحيح ألن اللفظ‬
‫بمجرده ال يدل عليها وإنما ينظر العبد ويتأمل في المعاني الالزمة لذلك اللفظ‬
‫الذي ال يتم معناها بدونه وما يشترط له من الشروط‪ ،‬وهذا يجرى في جميع‬
‫األسماء الحسنى كل واحد منها يدل على الذات وتلك الصفة داللة مطابقة ويدل‬
‫على الذات وحدها أو على الصفة وحدها داللة تضمن‪.‬‬

‫ويدل على الصفة األخرى الالزمة لتلك المعاني داللة التزام‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫(الرحمن) يدل على الذات وحدها وعلى الرحمة وحدها داللة تضمن‪ ،‬وعلى‬
‫األمرين داللة مطابقة‪ ،‬ويدل على الحياة الكاملة والعلم المحيط والقدرة التامة‬
‫ونحوها داللة التزام ألنه ال توجد الرحمة من دون حياة الراحم وقدرته الموصلة‬
‫لرحمته‪ ،‬للمرحوم وعلمه به وبحاجته(‪.)204‬‬

‫ومن تدبر اسمه "الرحمن" وأنه تعالى واسع الرحمة له كمال الرحمة‪ ،‬ورحمته قد‬
‫ملئت العالم العلوي والسفلي وجميع المخلوقات وشملت الدنيا واآلخرة ويتدبر‬
‫(‪)205‬‬
‫ت ُك َّل َ‬
‫ش ْيءٍ )‬ ‫اآليات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى (أَشَا ُء َو َرحْ َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫َّللا َكي َ‬
‫ْف يُحْ ِيي‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫ار َرحْ َم ِ‬ ‫ظ ْر ِإلَى آث َ ِ‬ ‫ُوف َر ِحي ٌم)(‪( )206‬فَا ْن ُ‬ ‫اس لَ َرؤ ٌ‬ ‫َّللا ِبالنَّ ِ‬
‫اآليات ( ِإ َّن َّ َ‬
‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما ِفي‬ ‫(أَلَ ْم ت ََر ْوا أ َ َّن َّ َ‬
‫َّللا َ‬ ‫(‪)207‬‬
‫ض َب ْع َد َم ْو ِت َها ِإ َّن ذَ ِل َك لَ ُمحْ ِيي ْال َم ْوت َى)‬‫األر َ‬
‫ْ‬

‫(‪ )204‬انظر‪ :‬احلق الواضح املبني ص‪.107 ،106‬‬


‫(‪ )205‬األعراف (‪.)156‬‬
‫(‪ )206‬البقرة (‪.)143‬‬
‫(‪ )207‬الروم (‪.)50‬‬
‫اطنَةً)(‪َ ( )208‬و َما بِ ُك ْم ِم ْن‬ ‫علَ ْي ُك ْم نِعَ َمهُ َ‬
‫ظا ِه َرة ً َوبَ ِ‬ ‫ض َوأ َ ْسبَ َغ َ‬ ‫األر ِ‬ ‫ت َو َما فِي ْ‬ ‫اوا ِ‬‫س َم َ‬ ‫ال َّ‬
‫( َو ِإ ْن تَعُدُّوا نِ ْع َمةَ َّ ِ‬
‫َّللا ال‬ ‫)‬ ‫‪209‬‬ ‫(‬
‫س ُك ُم الض ُُّّر فَإِلَ ْي ِه تَجْ أ َ ُرونَ )‬
‫َّللا ث ُ َّم ِإذَا َم َّ‬
‫نِ ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ‬
‫(‪)210‬‬
‫ور َر ِحي ٌم) ‪.‬‬ ‫َّللا لَغَفُ ٌ‬
‫صوهَا ِإ َّن َّ َ‬ ‫تُحْ ُ‬

‫ويتلو سورة النحل الدالة على أصول النعم وفروعها التي هي نفحة وأثر من آثار‬
‫علَ ْي ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْس ِل ُمونَ )(‪.)211‬‬
‫رحمة هللا ولهذا قال في آخرها ( َكذَ ِل َك يُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َ‬

‫ثم تدبر سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فإنها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة‬
‫هللا تعالى فكل ما فيها من ضروب المعاني وتصاريف األلوان من رحمة الرحمن‬
‫ولهذا اختتمها في ذكر ما أعد هللا للطائعين في الجنة من النعيم المقيم الكامل الذي‬
‫هو أثر من رحمته تعالى ولهذا يسمى هللا الجنة الرحمة كقوله‪َ ( :‬وأ َ َّما الَّذِينَ‬
‫َّت ُو ُجو ُه ُه ْم فَ ِفي َرحْ َم ِة َّ ِ‬
‫َّللا ُه ْم فِي َها خَا ِلدُونَ )(‪.)212‬‬ ‫ا ْبيَض ْ‬

‫وفي الحديث أن هللا قال للجنة‪" :‬أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي"(‪.)213‬‬
‫اح ِمينَ )(‪.)214‬‬ ‫وقال‪َ ( :‬و ُه َو أ َ ْر َح ُم َّ‬
‫الر ِ‬

‫وفي الحديث الصحيح‪" :‬هللا أرحم بعباده من الوالدة بولدها"(‪.)215‬‬

‫(‪ )208‬لقمان (‪.)20‬‬


‫(‪ )209‬النحل (‪.)53‬‬
‫(‪ )210‬إبراهيم (‪.)34‬‬
‫(‪ )211‬النحل (‪.)81‬‬
‫(‪ )212‬آل عمران (‪.)107‬‬
‫(‪ )213‬أخرجه البخاري (‪ )48/6‬كتاب التفسري ابب قوله (وتقول هل من مزيد) ومسلم (‪ )2186/4‬كتاب اْلنة ابب النار‬
‫يدخلها اْلبارون واْلنة يدخلها الضعفاء وهو جزء من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )214‬يوسف (‪.)64‬‬
‫(‪ )215‬أخرجه البخاري (‪ )75/7‬كتاب األدب ابب رمحة الولد وتقبيله ومعانقته‪ ،‬ومسلم (‪ )2109/4‬كتاب التوبة ابب يف‬
‫سعة ورمحة هللا وهو جزء من حديث عمر بن اخلطاب رضي هللا عنه‪.‬‬
‫وفي الحديث اآلخر‪" :‬أن هللا كتب كتابا ً عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت‬
‫غضبي"(‪.)216‬‬

‫وبالجملة فاهلل خلق الخلق برحمته‪ ،‬وأرسل إليهم الرسل برحمته‪ ،‬وأمرهم ونهاهم‬
‫وشرع لهم الشرائع برحمته‪ ،‬وأسبغ عليهم النعمة الظاهرة‪ ،‬والباطنة برحمته‪،‬‬
‫ودبرهم أنواع التدبير وصرفهم بأنواع التصريف برحمته ومأل الدنيا واآلخرة من‬
‫رحمته فال طابت األمور‪ ،‬وال تيسرت األشياء‪ ،‬وال حصلت المقاصد‪ ،‬وأنواع‬
‫المطالب إال برحمته‪ ،‬ورحمته فوق ذلك‪ ،‬وأجل وأعلى‪ .‬وللمحسنين المتقين من‬
‫(‪)217‬‬
‫يب ِمنَ ْال ُمحْ ِس ِنينَ )‬
‫َّللا قَ ِر ٌ‬
‫ت َّ ِ‬‫رحمته النصيب الوافر والخير المتكاثر( ِإ َّن َرحْ َم َ‬
‫" (‪.)218‬‬

‫‪ -37‬الرزاق‪:‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الرزاق لجميع المخلوقات‪ ،‬فما من موجود في العالم العلوي‬
‫والعالم السفلي إال متمتع برزقه مغمور بكرمه(‪.)219‬‬

‫ورزقه نوعان‪:‬‬

‫علَى َّ‬
‫َّللاِ‬ ‫ض إال َ‬ ‫الر َّزاق)(‪َ ( )220‬و َما ِم ْن َدابَّ ٍة ِفي ْ‬
‫األر ِ‬ ‫قال تعالى‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬
‫َّللا ُه َو َّ‬
‫ِر ْزقُ َها)(‪.)222( )221‬‬

‫(‪ )216‬أخرجه البخاري (‪ )176/8‬كتاب التوحيد ابب وكان عرشه على املاء‪ ،‬ومسلم (‪ )2107/4‬كتاب التوبة ابب يف سعة‬
‫رمحة هللا تعاىل‪.‬‬
‫(‪ )217‬األعراف (‪.)56‬‬
‫(‪ )218‬املواهب الرابنية من اآلايت القرآنية (ص‪.)64‬‬
‫(‪ )219‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)128‬‬
‫(‪ )220‬الذارايت (‪.)58‬‬
‫(‪ )221‬هود (‪.)6‬‬
‫(‪ )222‬احلق الواضح املبني (ص‪.)85‬‬
‫أحدهما‪ :‬الرزق النافع الذي ال تبعة فيه وهو موصل للعبد إلى أعلى الغايات‪،‬وهو‬
‫الذي على يد الرسول صلى هللا عليه وسلم بهدايته وإرشاده‪ ،‬وهو نوعان أيضا‪:‬‬
‫رزق القلوب بالعلوم النافعة واإليمان الصحيح‪ ،‬فإن القلوب ال تصلح وتفلح وال‬
‫تشبع حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة والعقائد الصائبة‪ ،‬ثم التخلق باألخالق‬
‫الجميلة‪ ،‬والتنزه عن األخالق الرذيلة‪ ،‬وما جاء به الرسول كفيل باألمرين على‬
‫أكمل وجه بال طريق لها إال من طريقه‪.‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬أن يغني هللا عبده بحالله عن حرامه وبفضله عمن سواه‪.‬‬

‫واألول هو المقصود األعظم وهذا وسيلة إليه ومعين له فإذا رزق هللا العبد العلم‬
‫النافع واإليمان الصحيح والرزق الحالل والقناعة بما أعطاه هللا منه‪ ،‬فقد تمت‬
‫أموره واستقامت أحواله الدينية والبدنية وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته‬
‫النصوص النبوية واشتملت عليه األدعية النافعة‪.‬‬

‫وأما النوع الثاني‪ ،‬وهو إيصال الباري جميع األقوات التي تتغذي بها المخلوقات‬
‫برها وفاجرها المكلفون وغيرهم فهذا قد يكون من الحرام كما يكون من‬
‫الحالل‪،‬وهذا فصل النزاع في مسألة هل الحرام يسمى رزقا ً أم ال‪ ،‬فإن أريد النوع‬
‫األول وهو الرزق المطلق الذي ال تبعة فيه فال يدخل فيه الحرام فإن العبد إذا سأل‬
‫ربه أن يرزقه فال يريد به إال الرزق النافع في الدين‪ ،‬والبدن وهو النوع األول‪،‬‬
‫وإن أريد به مطلق الرزق ‪ -‬وهو النوع الثاني ‪ -‬فهو داخل فيه‪ ،‬فما من دابة على‬
‫األرض إال على هللا رزقها‪.‬‬

‫ومثل هذا يقال في النعمة والرحمة ونحوها"(‪.)223‬‬

‫‪ -38‬الرشيد(‪:)224‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫"وهو الرشيد الذي أقواله رشد‪ ،‬وأفعاله رشد‪ ،‬وهو مرشد الحائرين في الطريق‬
‫الحسي‪ ،‬والضالين في الطريق المعنوي‪ ،‬فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة‬
‫رسله من الهداية الكاملة‪ ،‬ويرشد عبده المؤمن‪ ،‬إذا خضع له وأخلص عمله أرشده‬
‫(‪ )223‬توضيح الكافية الشافية (ص‪ 128‬و‪ )129‬وانظر أيضاً‪ :‬احلق الواضح املبني (ص‪ )85‬والتفسري (‪.)626/5‬‬
‫(‪ )224‬أورد املؤلف رمحه هللا تعاىل هذا االسم ضمن أمساء هللا ولكنه يفتقر إىل دليل يدل على تسمية هللا تعاىل به‪.‬‬
‫إلى جميع مصالحه‪ ،‬ويسره لليسرى وجنّبه العسرى(‪ )225‬والرشد الدال عليه اسم‬
‫الرشيد وصفه تعالى واإلرشاد لعباده‪ .‬فأقواله القدرية التي يوجد بها األشياء ويدبر‬
‫بها األمور كلها حق الشتمالها على الحكمة‪ ،‬والحسن‪ ،‬واإلتقان وأقواله الشرعية‬
‫الدينية وهي‪:‬‬

‫أقواله التي تكلم بها في كتبه‪ ،‬وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في‬
‫األخبار‪ ،‬والعدل الكامل في األمر‪ ،‬والنهي فإنه ال أصدق من هللا قيال وال أحسن‬
‫ص ْدقا ً َو َ‬
‫ع ْدالً)(‪ )226‬في األمر والنهي‪.‬‬ ‫منه حديثا ً ( َوت َ َّم ْ‬
‫ت َك ِل َمتُ َر ِبّ َك ِ‬

‫وهي أعظم وأجل ما يرشد بها العباد بل ال حصول إلى الرشاد بغيرها فمن ابتغى‬
‫الهدى من غيرها أضله هللا‪ ،‬ومن لم يسترشد بها فليس برشيد فيحصل بها الرشد‬
‫العلمي وهو بيان الحقائق واألصول‪ ،‬والفروع والمصالح والمضار‪ ،‬الدينية‬
‫والدنيوية‪ ،‬ويحصل بها الرشد العملي فإنها تزكي النفوس‪ ،‬وتطهر القلوب‪ ،‬وتدعو‬
‫إلى أصلح األعمال‪ ،‬وأحسن األخالق‪ ،‬وتحث على كل جميل‪ ،‬وترهب عن كل‬
‫ذميم رذيل‪ ،‬فمن استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها فهو ضال‪ ،‬ولم‬
‫يجعل ألحد عليه حجة بعد بعثته للرسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدي‬
‫المطلق‪ ،‬فكم بفضله هدى ضاالً وأرشد حائراً‪ ،‬وخصوصا ً من تعلق به وطلب منه‬
‫الهدى من صميم قلبه‪ ،‬وعلم أنه المنفرد بالهداية"(‪.)227‬‬

‫‪ -39‬الرفيق‪:‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬ومن أسمائه "الرفيق" في أفعاله وشرعه‪ ،‬وهذا قد أخذ من‬
‫قوله صلى هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح‪" :‬إن هللا رفيق يحب أهل الرفق‪،‬‬
‫وإن هللا يعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف"(‪.)228‬‬

‫(‪ )225‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)127‬‬


‫(‪ )226‬األنعام (‪.)115‬‬
‫(‪ )227‬احلق الواضح املبني (ص‪ 78‬و‪ )79‬والتفسري (‪.)631/5‬‬
‫(‪ )228‬أخرجه مسلم يف صحيحه (‪ )2004 ،2003/4‬كتاب الَب والصلة ابب فضل الرفق من حديث عائشة رضي هللا‬
‫عنها بنحوه‪.‬‬
‫فاهلل تعالى رفيق في أفعاله خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئا ً فشيئا ً بحسب‬
‫حكمته ورفقه مع أنه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة(‪.)229‬‬

‫ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئا ً بعد شيء شاهد من ذلك‬
‫العجب العجيب‪ ،‬فالمتأني الذي يأتي األمور برفق وسكينة ووقار إتباعا ً لسنن هللا‬
‫في الكون وإتباعا ً لنبيه صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫فإن كان هذا هديه وطريقه تتيسر له األمور‪ ،‬وباألخص الذي يحتاج إلى أمر‬
‫الناس ونهيهم وإرشادهم‪ ،‬فإنه مضطر إلى الرفق واللين‪ ،‬وكذلك من آذاه الخلق‬
‫باألقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم‪ ،‬ودافع عن نفسه برفق ولين‪ ،‬اندفع‬
‫عنه من أذاهم ما ال يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم‪ ،‬ومع ذلك فقد كسب‬
‫الراحة‪ ،‬والطمأنينة والرزانة والحلم‪.‬‬

‫ومن تأمل ما احتوى عليه شرعه من الرفق وشرع األحكام شيئا ً بعد شيء‬
‫وجريانها على وجه السعة واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق‬
‫الخلق أطواراً‪ ،‬ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم واسرار ال تحيط بها العقول‪.‬‬

‫والرفق من العبد ال ينافي الحزم‪ ،‬فيكون رفيقا ً في أموره متأنياً‪ ،‬ومع ذلك ال يفوت‬
‫الفرص إذا سنحت‪ ،‬وال يهملها إذا عرضت"(‪.)230‬‬

‫‪ -40‬الرقيب‪( :‬الرقيب الشهيد)‬

‫قال رحمه هللا‪" :‬الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان‪ ،‬وكالهما يدل‬
‫على إحاطة سمع هللا بالمسموعات وبصره بالمبصرات‪ ،‬وعلمه بجميع المعلومات‬
‫الجليّة والخفية‪ ،‬وهو الرقيب على ما دار في الخواطر‪ ،‬وما تحركت به اللواحظ‪،‬‬
‫ومن باب أولى األفعال الظاهرة باألركان(‪.)231‬‬

‫(‪ )229‬احلق الواضح املبني (ص‪.)63‬‬


‫(‪ )230‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)123‬‬
‫(‪ )231‬احلق الواضح املبني (ص‪.)58‬‬
‫والرقيب المطلع على ما أكنته الصدور‪ ،‬القائم على كل نفس بما كسبت‪ ،‬الذي‬
‫حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير(‪.)232‬‬

‫(‪)234‬‬
‫ش ِهي ٌد)‬ ‫ع َلى ُك ِّل َ‬
‫ش ْيءٍ َ‬ ‫ع َل ْي ُك ْم َر ِقيبا ً)(‪َ ( )233‬و َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫قال هللا تعالى‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬
‫َّللا َكانَ َ‬
‫ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد هلل باسمه الرقيب‬
‫الشهيد‪ ،‬فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة‪ ،‬والباطنة قد أحاط هللا بعلمها‪،‬‬
‫واستحضر هذا العلم في كل أحواله‪ ،‬أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر‪،‬‬
‫وهاجس يبغضه هللا‪ ،‬وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط هللا وتعبد بمقام‬
‫اإلحسان فعبد هللا كأنه يراه‪ ،‬فإن لم يكن يراه فإنه يراه"(‪.)235‬‬
‫(‪)236‬‬
‫‪( -42-41‬الستار‪ -‬الستير)‬
‫(‪)237‬‬
‫‪ -43‬السالم‪( :‬القدوس‪ -‬السالم)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪ " :‬ومن أسمائه القدوس السالم‪ ،‬أي‪ :‬المعظم المنزه عن‬
‫صفات النقص كلها وأن يماثله أحد من الخلق‪ ،‬فهو المتنزه عن جميع العيوب‪،‬‬
‫(‪)238‬‬
‫ش ْي ٌء)‬‫ْس َك ِمثْ ِل ِه َ‬ ‫والمتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال (لَي َ‬
‫ً (‪)241‬‬
‫َّلل أ َ ْن َدادا)‬ ‫( َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُكفُوا ً أ َ َح ٌد)(‪( )239‬ه َْل ت َ ْعلَ ُم لَهُ َ‬
‫س ِميّا ً)(‪( )240‬فَال تَجْ َعلُوا ِ َّ ِ‬
‫فالقدوس كالسالم‪ ،‬ينفيان كل نقص من جميع الوجوه‪ ،‬ويتضمنان الكمال المطلق‬
‫من جميع الوجوه‪ ،‬ألن النقص إذا انتفى ثبت الكمال كله(‪ )242‬فهو المقدس المعظم‬

‫(‪ )232‬التفسري (‪.)625/5‬‬


‫(‪ )233‬النساء (‪.)1‬‬
‫(‪ )234‬اجملادلة (‪.)6‬‬
‫(‪ )235‬احلق الواضح املبني (ص‪ )59-58‬وانظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)122‬‬
‫(‪ )236‬سبق الكالم على هذين اإلمسني مع امسه سبحانه "احليي"‪.‬‬
‫َ‬ ‫(‪ )237‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪{ :‬هو ه َ‬
‫ُّوس ال هسالم‪( }...‬احلشر‪.)23 :‬‬ ‫اّلِلُ الهذي ال إَلَهَ إَهال ُه َو الم َمل ُ‬
‫ك الم ُقد ُ‬ ‫َُ‬
‫(‪ )238‬الشورى (‪.)11‬‬
‫(‪ )239‬اإلخالص (‪.)4‬‬
‫(‪ )240‬مرمي (‪.)65‬‬
‫(‪ )241‬البقرة (‪.)22‬‬
‫(‪ )242‬التفسري (‪.)623/5‬‬
‫المنزه عن كل سوء‪ ،‬السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما‬
‫ينافي كماله‪ .‬فهذا ضابط ما ينزه عنه‪ ،‬ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه‪،‬‬
‫وينزه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو كفو أو سمي أو ند أو مضاد‪ ،‬وينزه‬
‫عن نقص صفة من صفاته التي هى أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها‪.‬‬

‫ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له فإن التنزيه مراد‬
‫لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة كظن الجاهلية الذين يظنون به‬
‫ظن السوء‪ ،‬ظن غير ما يليق بجالله وإذا قال العبد مثنيا ً على ربه "سبحان هللا" أو‬
‫"تقدس هللا" أو "تعالى هللا" ونحوها كان مثنيا ً عليه بالسالمة من كل نقص وإثبات‬
‫كل كمال "(‪.)243‬‬

‫‪ -44‬السميع(‪:)244‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪":‬ومن أسمائه الحسنى السميع الذي يسمع جميع األصوات‬
‫باختالف اللغات على تفنن الحاجات‪ ،‬فالسر عنده عالنية البعيد عنده قريب(‪.)245‬‬

‫وسمعه تعالى نوعان‪:‬‬

‫احدهما‪ :‬سمعه لجميع األصوات الظاهرة والباطنة‪ ،‬الخفية والجلية‪ ،‬واحاطته‬


‫التامة بها‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬سمع اإلجابة منه للسائلين والداعين والعابدين فيصيبهم ويثيبهم‪،‬‬

‫اء)(‪ )246‬وقول المصلي سمع هللا لمن حمده‬


‫ع ِ‬ ‫ومنه قوله تعالى‪ِ ( :‬إ َّن َر ِبّي لَ َ‬
‫س ِمي ُع ال ُّد َ‬
‫أي استجاب"(‪.)247‬‬

‫(‪ )243‬احلق الواضح املبني (ص‪ 81‬و‪ )82‬وانظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)127‬‬
‫(‪ )244‬سبق زايدة إيضاح هلذا االسم مع امسه تعاىل البصري‪.‬‬
‫(‪ )245‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)118‬‬
‫(‪ )246‬إبراهيم (‪.)39‬‬
‫(‪ )247‬احلق الواضح املبني (ص‪ )35‬انظر‪ :‬التفسري (‪.)622/5‬‬
‫(‪)249‬‬
‫‪( -46-45‬الشاكر(‪ -)248‬الشكور)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬ومن أسمائه تعالى الشاكر الشكور وهو الذي يشكر القليل‬
‫من العمل الخالص النقي النافع‪ ،‬ويعفو عن الكثير من الزلل وال يضيع أجر من‬
‫أحسن عمال بل يضاعفه أضعافا ً مضاعفة بغير ع ٍد وال حساب‪ ،‬ومن شكره أنه‬
‫يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة‪ ،‬وقد يجزئ‬
‫هللا العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل اآلجل‪ ،‬وليس عليه حق واجب‬
‫بمقتضى أعمال العباد وإنما هو الذي أوجب الحق على نفسه كرما ً منه وجوداً‪،‬‬
‫وهللا ال يضيع أجر العاملين به إذا أحسنوا في أعمالهم واخلصوها هلل تعالى(‪.)250‬‬

‫فإذا قام عبده بأوامره‪ ،‬وامتثل طاعته أعانه على ذلك‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ومدحه‪،‬‬
‫وجازاه في قلبه نورا ً وإيمانا ً وسعة‪ ،‬وفي بدنه قوة ونشاطا ً وفي جميع أحواله‬
‫زيادة بركة ونماء‪ ،‬وفي أعماله زيادة توفيق‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك يقدم على الثواب اآلجل عند ربه كامالً موفوراً‪ ،‬لم تنقصه هذه‬
‫األمور‪ .‬ومن شكره لعبده‪ ،‬أن من ترك شيئا ً هلل عوضه هللا خيرا ً منه‪ ،‬ومن تقرب‬
‫منه شبرا ً تقرب منه ذراعاً‪ ،‬ومن تقرب منه ذراعا ً تقرب منه باعاً‪ ،‬ومن أتاه‬
‫يمشي أتاه هرولة‪ ،‬ومن عامله ربح عليه أضعافا ً مضاعفة "(‪.)251‬‬

‫‪ -47‬الشهيد(‪:)253( )252‬‬

‫اّلِلُ َشاكَراً َعلَيماً} (النساء‪.)147:‬‬ ‫{وَكا َن ه‬ ‫(‪ )248‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫ور َحلَ ٌيم} (التغابن‪:‬‬ ‫اع مفهُ لَ ُك مم َويَـ مغ َف مر لَ ُك مم َو ه‬
‫اّلِلُ َش ُك ٌ‬
‫ضَ‬ ‫اّلِلَ قَـ مرضاً َح َسناً يُ َ‬
‫ضوا ه‬‫(‪ )249‬ودليل هذا االسم قال سبحانه‪{ :‬إَ من تـُ مق َر ُ‬
‫‪.)17‬‬
‫(‪ )250‬توضيح الكافية الشافية (ص‪ )126-125‬احلق الواضح املبني (ص‪.)70‬‬
‫(‪ )251‬التفسري (‪ 185/1‬و ‪.)630/5‬‬
‫اّلِلُ َعلَى ُك َّل َش مي ٍء َش َهي ٌد} (اجملادلة‪.)6 :‬‬ ‫{و ه‬‫(‪ )252‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )253‬سبق زايدة إيضاح هلذا االسم مع اسم هللا الرقيب‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الشهيد أي‪ :‬المطلع على جميع األشياء سمع جميع‬
‫األصوات خفيها‪ ،‬وجليها وأبصر جميع الموجودات دقيقها‪ ،‬وجليلها صغيرها‪،‬‬
‫(‪)254‬‬
‫‪.‬‬ ‫وكبيرها‪ ،‬وأحاط علمه بكل شيء الذي شهد لعباده‪ ،‬وعلى عباده بما عملوه"‬

‫‪ -48‬الصبور(‪:)255‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪:‬‬

‫"الصبور مأخوذ من قوله صلى هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح‪" :‬ال أحد‬
‫أصبر على أذى سمعه من هللا‪ ،‬يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم" (‪.)256‬‬

‫وبما ثبت أيضا ً في الصحيح قال هللا تعالى‪" :‬كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك‬
‫وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك‪ ،‬فأما تكذيبه إياي فقوله‪ :‬لن يعيدني كما بدأني‪،‬‬
‫ي من إعادته‪ ،‬وأما شتمه أياي فقوله‪ :‬إن لي ولدا ً وأنا‬ ‫وليس أول الخلق بأهون عل َّ‬
‫الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم يلد‪ ،‬ولم يولد‪ ،‬ولم يكن له كفوا ً أحد"(‪ )257‬وهللا‬
‫تعالى يدر على عباده األرزاق المطيع منهم‪ ،‬والعاصي‪ ،‬والعصاة ال يزالون في‬
‫محاربته‪ ،‬وتكذيبه‪ ،‬وتكذيب رسله‪ ،‬والسعي في إطفاء دينه‪ ،‬وهللا تعالى حليم‬
‫صبور على ما يقولون‪ ،‬وما يفعلون‪ ،‬يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم‪،‬‬
‫وصبره أكمل صبر‪ ،‬ألنه عن كمال قدره وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمه‬
‫وإحسان‪ ،‬فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الصبور الذي يحب‬
‫الصابرين ويعينهم في كل أمرهم"(‪.)258‬‬

‫(‪ )254‬التفسري (‪ )628/5‬انظر‪ :‬احلق الواضح املبني (ص‪ )58‬وتوضيح الكافية الشافية (ص‪.)122‬‬
‫(‪ )255‬وصف هللا عز وجل ابلصَب اثبت كما يف حديث أيب موسى وسيأيت يف الشرح‪.‬‬
‫أما اسم الصبور‪ ،‬فلم أقف على نص يدل على ثبوت هذا االسم هلل تعاىل‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(‪ )256‬أخرجه مسلم (‪ ) 2160/4‬كتاب صفات املنافقني ابب ألحد أصَب على أذى من هللا عز وجل من حديث أيب موسى‬
‫األشعري رضي هللا عنه‪.‬‬
‫يدهُ َوُه َو أ مَه َو ُن َعلَميه}‬ ‫{وُه َو اله َذي يَـمبدأُ م‬
‫اخلَلم َق مثُه يُعَ ُ‬ ‫(‪ )257‬أخرجه البخاري (‪ )73/4‬كتاب بدء اخللق ابب ماجاء يف قوله تعاىل َ‬
‫من حديث أيب هريرة بنحوه‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي (‪ )112/4‬كتاب اْلنائز ابب أرواح املؤمنني من حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫(‪ )258‬احلق الواضح املبني (ص‪ )58-57‬وتوضيح الكافية الشافية (ص‪ )121‬والفتاوى السعدية (ص‪.)29‬‬
‫‪ -49‬الصمد(‪:)259‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الصمد‪ :‬أي الرب الكامل والسيد‪ ،‬العظيم‪ ،‬الذي لم يبق‬
‫صفة كمال إال اتصف بها‪ ،‬ووصف بغايتها‪ ،‬وكمالها بحيث ال تحيط الخالئق‬
‫ببعض تلك الصفات بقلوبهم‪ ،‬وال تعبر عنها ألسنتهم وهو المصمود إليه‪ ،‬المقصود‬
‫ض ُك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي‬
‫األر ِ‬
‫ت َو ْ‬
‫اوا ِ‬ ‫في جميع الحوائج والنوائب (يَسْأَلُهُ َم ْن فِي ال َّ‬
‫س َم َ‬
‫شَأ ْ ٍن)(‪.)260‬‬

‫فهو الغني بذاته‪ ،‬وجميع الكائنات فقيرة إليه بذاتهم‪ :‬في إيجادهم‪ ،‬وأعدادهم‪،‬‬
‫وإمدادهم بكل ما هم محتاجون إليه من جميع الوجوه ليس ألحد منها غنى مثقال‬
‫ذرة‪ ،‬في كل حالة من أحوالها(‪.)261‬‬

‫والصمد‪ :‬هو الذي تقصده الخالئق كلها في جميع حاجاتها وأحوالها‬

‫وضروراتها لما له من الكمال المطلق في ذاته وصفاته‪ ،‬وأسمائه وأفعاله(‪.)262‬‬

‫والصمد المغني الجامع الذي يدخل فيه كل مافسر به هذا االسم الكريم‪ ،‬فهو‬
‫الصمد الذي تصمد إليه أي‪ :‬تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة واالفتقار‪.‬‬

‫ويفزع إليه العالم بأسره‪ ،‬وهو الذي قد كمل بعلمه وحكمته وحلمه‪ ،‬وقدرته‪،‬‬
‫وعظمته ورحمته وسائر أوصافه"(‪.)263‬‬
‫(‪)264‬‬
‫‪ -51 -50‬الضار‪( :‬النافع الضار)‬

‫ص َم ُد} (اإلخالص‪.)2 ،1 :‬‬ ‫اّلِلُ ال ه‬


‫َح ٌد ه‬
‫اّلِلُ أ َ‬
‫(‪ )259‬ودليل هذا االسم قوله تعاىل‪{ :‬قُ مل ُه َو ه‬
‫(‪ )260‬الرمحن (‪.)29‬‬
‫(‪ )261‬انظر هبحة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار (ص‪ 165‬و‪.)166‬‬
‫(‪ )262‬التفسري (‪)621/5‬‬
‫(‪ )263‬احلق الواضح املبني (ص‪ )75‬والتفسري (‪ )684/7‬وتوضيح الكافية (ص‪.)126‬‬
‫(‪ )264‬مل أقف على دليل صحيح يدل على امسية هذين االمسني هلل تعاىل‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬من أسمائه الحسنى ما يؤتي به مفردا ً ويؤتى به مقرونا ً مع‬
‫غيره وهو أكثر األسماء الحسنى‪ ،‬فيدل ذلك على أن هلل كماالً من إفراد كل من‬
‫االسمين فأكثر وكمال من اجتماعهما أو اجتماعها‪.‬‬

‫ومن أسمائه ماال يؤتى به إال مع مقابلة االسم اآلخر ألن الكمال الحقيقي تمامه‬
‫وكماله من اجتماعهما‪ ،‬وذلك مثل هذه األسماء وهي متعلقة بأفعاله الصادرة عن‬
‫إرادته النافذة وقدرته الكاملة وحكمته الشاملة فهو تعالى النافع لمن شاء من عباده‬
‫بالمنافع الدينية والدنيوية‪ ،‬الضار لمن فعل األسباب التي توجب ذلك‪ ،‬وكل هذا تبع‬
‫لحكمته وسننه الكونية ولألسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها‪ ،‬فإن هللا تعالى‬
‫جعل مقاصد للخلق وأمورا ً محبوبة في الدين‪ ،‬والدنيا‪ ،‬وجعل لها أسباباً‪ ،‬وطرقاً‪،‬‬
‫وأمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير‪ ،‬فمن سلكها أوصلته إلى المقصود‬
‫النافع‪،‬ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته‬
‫الكمال المطلوب فال يلومن إال نفسه وليس له حجة على هللا‪ ،‬فإن هللا أعطاه‬
‫السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والفؤاد‪ ،‬والقوة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬وهذه النجدين وبين له األسباب‪،‬‬
‫والمسببات ولم يمنعه طريقا ً يوصل إلى خير ديني‪ ،‬وال دنيوي‪ ،‬فتخلفه عن هذه‬
‫األمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها (‪.)265‬‬

‫‪ -52‬الظاهر(‪:)266‬‬

‫‪ -53‬العدل(‪:)267‬‬

‫‪ -54‬العزيز‪( :‬العزيز‪ -‬القوي(‪ -)268‬المتين (‪ -)269‬القدير(‪))270‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬هذه األسماء العظيمة معانيها متقاربة فهو تعالى كامل القوة‬
‫عظيم القدرة شامل العزة ( ِإ َّن ْال ِع َّزة َ ِ َّ ِ‬
‫َّلل َج ِميعا ً)(‪.)272( )271‬‬

‫(‪ )265‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)131-130‬‬


‫(‪ )266‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "األول"‪.‬‬
‫(‪ )267‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "احلكم"‪.‬‬
‫ي الم َع َز ُيز} (هود‪.)66 :‬‬ ‫ك ُه َو الم َق َو ُّ‬‫(‪ )268‬قال هللا تعاىل‪{ :‬إَ هن َربه َ‬
‫ني} (الذارايت‪.)58 :‬‬ ‫َ َ‬ ‫(‪ )269‬قال هللا تعاىل‪{ :‬إَ هن ه‬
‫هاق ذُو الم ُق هوة الم َمت ُ‬‫اّلِلَ ُه َو الهرز ُ‬
‫ور َرَح ٌيم} (املمتحنة‪.)7 :‬‬ ‫اّلِلُ َغ ُف ٌ‬‫اّلِلُ قَ َد ٌير َو ه‬
‫{و ه‬ ‫(‪ )270‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫العزيز الذي له العزة كلها عزة القوة‪ ،‬وعزة الغلبة وعزة االمتناع‪ ،‬فممتنع أن‬
‫يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات‪ ،‬ودانت له الخليقة وخضعت‬
‫لعظمته(‪.)273‬‬

‫فمعاني العزة الثالث كلها كاملة هلل العظيم عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي‬
‫المتين‪ ،‬وهي وصفه العظيم الذي ال تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت‪ ،‬وعزة‬
‫االمتناع فإنه هو الغني بذاته فال يحتاج إلى أحد‪ ،‬وال يبلغ العباد ضرة فيضرونه‪،‬‬
‫وال نفعه فينفعونه بل هو الضار النافع المعطي المانع‪ ،‬وعزة القهر والغلبة لكل‬
‫الكائنات فهي كلها مقصورة هلل خاضعة لعظمته منقادة إلرادته‪ ،‬فجميع نواصي‬
‫المخلوقات بيده‪ ،‬ال يتحرك منها متحرك وال يتصرف متصرف إال بحوله وقوته‬
‫وإذنه‪ ،‬فما شاء هللا كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وال حول وال قوة إال به‪ ،‬فمن قوته‬
‫واقتداره أنه خلق السماوات‪ ،‬واألرض‪ ،‬وما بينهما في ستة أيام‪ ،‬وأنه خلق الخلق‬
‫ثم يميتهمثم يحييهم ثم إليه يرجعون ( َما خ َْلقُ ُك ْم َوال بَ ْعث ُ ُك ْم إال َكنَ ْف ٍس َو ِ‬
‫اح َدةٍ)(‪.)274‬‬
‫علَيْه)(‪ )275‬ومن آثار قدرته أنك ترى‬ ‫( َو ُه َو الَّذِي َيبْدأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ َو ُه َو أ َ ْه َو ُن َ‬
‫األرض هامدة‪ ،‬فإذا أنزل عليها الماء اعتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج‪،‬‬
‫ومن آثار قدرته ما أوقعه باألمم المكذبين‪ ،‬والكفار الظالمين من أنواع العقوبات‬
‫وحلول المثالت‪ ،‬وأنه لم يغن عنهم كيدهم‪ ،‬ومكرهم‪ ،‬وال أموالهم‪ ،‬وال جنودهم‪،‬‬
‫وال حصونهم من عذاب هللا من شيء لما جاء أمر ربك‪ ،‬وما زادوهم غير تتبيب‪،‬‬
‫وخصوصا ً في هذه األوقات فإن هذه القوة الهائلة‪ ،‬والمخترعات الباهرة التي‬
‫وصلت إليها مقدرة هذه األمم هي من أقدار هللا لهم وتعليمه لهم‪ ،‬ما لم يكونوا‬
‫يعلمونه‪ ،‬فمن آيات هللا أن قواهم‪ ،‬وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئا ً في صد‬
‫ما أصابهم من النكبات‪ ،‬والعقوبات المهلكة مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن أمر هللا غالب‪ ،‬وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي‪ ،‬والسفلي‪.‬‬

‫(‪ )271‬يونس (‪.)65‬‬


‫(‪ )272‬احلق الواضح املبني (ص‪ )44‬وتوضيح الكافية الشافية (ص‪.)119‬‬
‫(‪ )273‬التفسري (‪.)624/5‬‬
‫(‪ )274‬لقمان (‪.)28‬‬
‫(‪ )275‬الروم (‪.)27‬‬
‫ومن تمام عزته وقدرته وشمولهما أنه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم‬
‫وطاعتهم ومعاصيهم‪ ،‬وهي أيضا ً أفعالهم‪ ،‬فهي تضاف إلى هللا خلقا ً وتقديرا ً‬
‫وتضاف إليهم فعالً ومباشرة على الحقيقة وال منافاة بين األمرين‪ ،‬فإن هللا خالق‬
‫َّللاُ َخلَقَ ُك ْم َو َما‬
‫قدرتهم وإرادتهم‪ ،‬وخالق السبب التام خالق للمسبب قال تعالى‪َ ( :‬و َّ‬
‫ت َ ْع َملُونَ )(‪.)276‬‬

‫عددهم‬ ‫ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصرة أولياءه على قلة عددهم و ُ‬
‫غلَبَ ْ‬
‫ت‬ ‫على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد‪ ،‬والعُدة‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬ك ْم ِم ْن فِئ َ ٍة قَ ِليلَ ٍة َ‬
‫فِئَةً َكثِ َ‬
‫يرة ً ِبإِ ْذ ِن َّ ِ‬
‫َّللا)(‪.)277‬‬

‫ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه ألهل النار‪ ،‬وأهل الجنة من أنواع العقاب‪،‬‬
‫وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي ال ينقطع‪ ،‬وال يتناهى" (‪.)278‬‬
‫(‪)280‬‬
‫‪ -55‬العظيم‪( :‬العظيم(‪ -)279‬الكبير)‬

‫قال رحمه هللا‪" :‬العظيم الجامع فجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد والبهاء‬
‫الذي تحبه القلوب‪ ،‬وتعظمه األرواح‪ ،‬ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء‪ ،‬وإن‬
‫جلت في الصفة‪ ،‬فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم(‪.)281‬‬

‫وهللا تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم فال يقدر مخلق أن يثني‬
‫عليه كما ينبغي له وال يحصى ثناء عليه‪ ،‬بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما‬
‫يتثنى عليه عباده‪.‬‬

‫واعلم أن معاني التعظيم الثابتة هلل وحده نوعان‪:‬‬

‫(‪ )276‬الصافات (‪.)96‬‬


‫(‪ )277‬البقرة (‪.)249‬‬
‫(‪ )278‬احلق الواضح البني (ص‪ )46 -45 -44‬وانظر أيضاً‪ :‬التفسري (‪ 356/1‬و‪.)563/5‬‬
‫يم} (البقرة‪.)255 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )279‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪{ :‬وال يـؤ َ‬
‫ودهُ ح مفظُ ُه َما َوُه َو الم َعل ُّي الم َعظ ُ‬‫َ َُ ُ‬
‫مم َهّلِلَ الم َعلَ َّي الم َكبَ َري}‬ ‫(‪ )280‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪{ :‬ذَلَ ُك مم َِبَنههُ إَذَا ُد َع َي ه‬
‫اّلِلُ َو مح َدهُ َك َف مرُمُت َوإَ من يُ مشَرمك بََه تـُ مؤَمنُوا فَ م‬
‫احلُك ُ‬
‫(غافر‪.)12 :‬‬
‫(‪ )281‬التفسري (‪.)315/1‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه موصوف بكل صفة كمال‪ ،‬وله من ذلك الكمال أكمله‪ ،‬وأعظمه‬
‫وأوسعه‪ ،‬فله العلم المحيط‪ ،‬والقدرة النافذة‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬والعظمة‪ ،‬ومن عظمته أن‬
‫السماوات واألرض في كف الرحمن أصغر من الخردلة كما قال ذلك ابن‬
‫ض َج ِميعا ً‬ ‫َّللا َح َّق قَ ْد ِر ِه َو ْ‬
‫األر ُ‬ ‫وغيره وقال تعالى ( َو َما قَ َد ُروا َّ َ‬
‫(‪)283‬‬ ‫(‪)282‬‬
‫عباس‬
‫َّات ِب َي ِمي ِن ِه)(‪.)284‬‬ ‫اواتُ َم ْ‬
‫ط ِوي ٌ‬ ‫ضتُهُ َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة َوال َّ‬
‫س َم َ‬ ‫قَ ْب َ‬

‫س َك ُه َما ِم ْن أ َ َح ٍد‬
‫ض أ َ ْن ت َُزوال َولَئِ ْن زَ الَت َا ِإ ْن أ َ ْم َ‬
‫األر َ‬
‫ت َو ْ‬
‫اوا ِ‬
‫س َم َ‬ ‫وقال‪ِ ( :‬إ َّن َّ َ‬
‫َّللا ي ُْم ِسكُ ال َّ‬
‫ِم ْن بَ ْع ِد ِه) ‪.‬‬
‫(‪)285‬‬

‫اواتُ َيتَفَ َّ‬


‫ط ْرنَ ِم ْن فَ ْوقِ ِه َّن)(‪ )286‬اآلية‪.‬‬ ‫وقال تعالى وهو العلي العظيم‪( :‬ت َ َكا ُد ال َّ‬
‫س َم َ‬

‫وفي الصحيح عنه صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هللا يقول الكبرياء ردائي والعظمة‬
‫إزاري‪ ،‬فمن نازعني واحدا ً منهما عذبته"(‪ )287‬هللف تعالى الكبرياء والعظمة‪،‬‬
‫والوصفان اللذان ال يقدر قدرهما وال يبلغ كنههما‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬من معاني عظمته تعالى أنه ال يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما‬
‫يعظم هللا فيستحق جل جالله من عباده أن يعظموه بقلوبهم‪ ،‬وألسنتهم‪ ،‬وجوارحهم‬
‫وذلك ببذل الجهد في معرفته‪ ،‬ومحبته‪ ،‬والذل له‪ ،‬واالنكسار له‪ ،‬والخضوع‬
‫لكبريائه‪ ،‬والخوف منه وإعمال اللسان بالثناء عليه‪ ،‬وقيام الجوارح بشكره‬
‫وعبوديته‪ ،‬ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته فيطاع فال يعصى‪ ،‬ويذكر فال ينسى‪،‬‬
‫ويشكر فال يكفر‪ ،‬ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال‬
‫ظ ْم‬ ‫َّللاِ فَإِنَّ َها ِم ْن ت َ ْق َوى ْالقُلُو ِ‬
‫ب)(‪ )288‬و(ذَ ِل َك َو َم ْن يُعَ ِ ّ‬ ‫شعَائِ َر َّ‬ ‫(ذَ ِل َك َو َم ْن يُعَ ِ ّ‬
‫ظ ْم َ‬

‫(‪ )282‬أخرجه أبو الشيخ يف العظمة (‪ )445/2‬وأورده السيوطي يف الدر (‪ )248/7‬وعزاه إىل عبد ابن محيد وابن أيب حاُت‬
‫وأيب الشيخ‪.‬‬
‫(‪ )283‬روى ذلك عن أيب ذر رضي هللا عنه‪ .‬انظر‪ :‬كتاب العظمة (‪ 635/2‬و‪.)636‬‬
‫(‪ )284‬الزمر (‪.)67‬‬
‫(‪ )285‬فاطر (‪.)41‬‬
‫(‪ )286‬الشورى (‪.)50‬‬
‫(‪ )287‬أخرجه مسلم (‪ )2023/4‬كتاب الَب والصلة واآلداب ابب ما جاء يف الكَب‪.‬‬
‫(‪ )288‬احلج (‪.)32‬‬
‫َّللا فَ ُه َو َخي ٌْر لَهُ ِع ْن َد َر ِبّ ِه)(‪ )289‬ومن تعظيمه أن اليعترض على شيء مما‬
‫ت َّ ِ‬‫ُح ُر َما ِ‬
‫(‪)290‬‬
‫خلقه أو شرعه ‪.‬‬

‫‪ -56‬العفو(‪( :)291‬العفو(‪ -)292‬الغفور (‪ -)293‬الغفار)‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬العفو الغفور الغفار‪ :‬الذي لم يزل‪ ،‬وال يزال بالعفو‬
‫معروفاً‪ ،‬وبالغفران‪ ،‬والصفح عن عباده موصوفاً‪.‬‬

‫كل أحد مضطر إلى عفوه‪ ،‬ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته‪ ،‬وكرمه وقد‬
‫وعد بالمغفرة‪ ،‬والعفو لمن أتى بأسبابها قال تعالى‪َ ( :‬و ِإ ِنّي لَغَفَّ ٌ‬
‫ار ِل َم ْن ت َ‬
‫َاب َوآ َمنَ‬
‫صا ِلحا ً ث ُ َّم ا ْهت َ َدى)(‪.)295( )294‬‬
‫ع ِم َل َ‬
‫َو َ‬

‫‪ -57‬العلي(‪:)296‬‬

‫‪ -58‬العليم(‪:)297‬‬

‫(‪)298‬‬
‫الغفار‪( :‬الغفور)‬

‫(‪ )289‬احلج (‪.)30‬‬


‫(‪ )290‬احلق الواضح املبني (ص‪ )28-27‬وانظر‪ :‬الكافية الشافية (ص‪.)117‬‬
‫(‪ )291‬قال هللا تعاىل‪{ :‬إن هللا لعفو غفور} (احلج‪.)60 :‬‬
‫(‪ )292‬سبق زايدة بيان ملعىن هذا االسم مع امسه تعاىل "احلليم"‪.‬‬
‫(‪ )293‬سيأيت إن شاء هللا زايدة إيضاح على هذه األمساء مع امسه تعاىل‪ :‬الغفور‪.‬‬
‫(‪ )294‬طه (‪.)82‬‬
‫(‪ )295‬التفسري (‪.)623/5‬‬
‫(‪ )296‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه عز وجل "األعلى"‪.‬‬
‫(‪ )297‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "اخلبري"‪.‬‬
‫(‪ )298‬سبق زايدة إيضاح هلذين االمسني مع امسه تعاىل "العفو"‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الغفور الذي لم يزل يغفر الذنوب ويتوب عل كل من يتوب‬
‫ففي الحديث‪" :‬إن هللا يقول يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني‬
‫ال تشرك بي شيئا ً ألتيتك بقرابها مغفرة"(‪.)299‬‬

‫وقال تعالى‪( :‬إِ َّن َرب ََّك َوا ِس ُع ْال َم ْغ ِف َرةِ)(‪.)300‬‬

‫وقد فتح هللا األسباب لنيل مغفرته بالتوبة‪ ،‬واالستغفار‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والعمل الصالح‪،‬‬
‫واإلحسان إلى عباد هللا‪ ،‬والعفو عنهم‪ ،‬وقوة الطمع في فضل هللا‪ ،‬وحسن الظن‬
‫باهلل‪ ،‬وغير ذلك مما جعله هللا مقربا ً لمغفرته" (‪.)301‬‬

‫‪ -62 -61‬الغني المغني(‪:)302‬‬

‫َّللاُ ُه َو ْالغَ ِن ُّ‬


‫ي‬ ‫اس أ َ ْنت ُ ُم ْالفُقَ َرا ُء ِإلَى َّ ِ‬
‫َّللا َو َّ‬ ‫قال رحمه هللا تعالى‪ :‬قال تعالى (يَا أَيُّ َها النَّ ُ‬
‫ْال َح ِميد)(‪.)303‬‬

‫فهو الغني بذاته‪ ،‬الذي له الغنى التام المطلق‪ ،‬من جميع الوجوه‪ ،‬واالعتبارات‬
‫لكماله‪ ،‬وكمال صفاته‪.‬‬

‫فال يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه‪ ،‬وال يمكن أن يكون إال غنياً‪ ،‬ألن غناه‬
‫من لوازم ذاته‪ ،‬كما ال يكون إال خالقا ً قادرا ً رازقا ً محسنا ً فال يحتاج إلى أحد بوجه‬
‫من الوجوه‪.‬‬

‫(‪ )299‬أخرجه اإلمام أمحد يف املسند (‪ )147/5‬بنحوه‪ ،‬والرتمذي يف سننه (‪ )548/5‬كتاب الدعوات ابب يف فضل التوبة‬
‫واالستغفار‪ ،‬وابن ماجه (‪ )1255/2‬كتاب اآلداب ابب فضل العمل‪ ،‬والدارمي (‪ )230/2‬كتاب الرقاق ابب إذا‬
‫تقرب العبد إىل هللا عن أنس‪ ،‬وقال الرتمذي هذا حديث غريب النعرفه إال من هذا الوجه‪ ،‬وصححه الشيخ األلباين‬
‫مبجموع طرقه‪ .‬انظر‪ :‬السلسلة الصحيحة (‪.)200/1‬‬
‫(‪ )300‬النجم (‪.)32‬‬
‫(‪ )301‬احلق الواضح املبني (ص‪.)74 ،73‬‬
‫{وَو َج َد َك َعائَالً فَأَ مغ َىن} (الضحى‪.)8 :‬‬
‫(‪ )302‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )303‬فاطر (‪.)15‬‬
‫فهو الغني الذي بيده خزائن السماوات واألرض‪ ،‬وخزائن الدنيا واآلخرة المغني‬
‫جميع خلقه غني عاماً‪ ،‬والمغني لخواص خلقه مما أفاض على قلوبهم من‬
‫المعارف الربانية والحقائق اإليمانية(‪.)304‬‬

‫ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه‪ ،‬ويعدهم بإجابة دعواتهم‪ ،‬وإسعافهم‬
‫بجميع مراداتهم‪ ،‬ويؤتيهم من فضله ما سألوه‪ ،‬وما لم يسألوه‪ ،‬ومن كمال غناه أنه‬
‫لو اجتمع أول الخلق وآخرهم في صعيد واحد فسألوه‪ ،‬فأعطى كالً منهم ما سأله‬
‫وما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه مثقال ذرة‪ ،‬ومن كمال غناه‪ ،‬وسعة عطاياه ما‬
‫يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم‪ ،‬واللذات المتتابعات‪ ،‬والخيرات‬
‫المتواصالت‪ ،‬مما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪.‬‬

‫ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبا ً وال ولدا ً وال شريكا ً في الملك‪ ،‬وال وليا ً من‬
‫الذل‪ ،‬وهو الغني الذي كمل بنعوته‪ ،‬وأوصافه‪ ،‬المغني لجميع مخلوقاته(‪.)305‬‬

‫‪ -63‬الفتاح(‪:)306‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الفتاح‪ :‬الذي يحكم بين عباده‪ ،‬بأحكامه الشرعية‪ ،‬وأحكامه‬
‫القدرية‪ ،‬وأحكام الجزاء‪ ،‬الذي فتح بلطفه بصائر الصادقين‪ ،‬وفتح قلوبهم لمعرفته‪،‬‬
‫ومحبته‪ ،‬واإلنابة إليه‪ ،‬وفتح لعباده أبواب الرحمة واألرزاق المتنوعة‪ ،‬وسبب لهم‬
‫األسباب التي ينالون بها خير الدنيا واآلخرة(‪.)307‬‬

‫وفتحه تعالى قسمان‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬فتحه بحكمه الديني‪ ،‬وحكمه الجزائي‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬الفتاح بحكمه القدري‪.‬‬

‫(‪ )304‬التفسري (‪.)629/5‬‬


‫(‪ )305‬احلق الواضح املبني (ص‪.)48-47‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يم} (سبأ‪.)26 :‬‬ ‫(‪ )306‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪{ :‬قُ مل َمَي َم ُع بَـميـنَـنَا َربـُّنَا مثُه يَـ مفتَ ُح بَـميـنَـنَا اب محلَ َّق َوُه َو الم َفت ُ‬
‫هاح الم َعل ُ‬
‫(‪ )307‬التفسري (‪.)626/5‬‬
‫ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على الّسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون‪،‬‬
‫ويستقيمون به على الصراط المستقيم‪ ،‬وأما فتحه بجزائه فهو فتحه بين أنبيائه‬
‫ومخالفيهم وبين أوليائه وأعدائه بإكرام األنبياء واتباعهم ونجاتهم‪ ،‬وبإهانة أعدائهم‬
‫وعقوباتهم‪ ،‬وكذلك فتحه يوم القيامة‪ ،‬وحكمه بين الخالئق حين يوفى كل عامل ما‬
‫عمله‪ .‬وأما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير‪ ،‬وشر‪ ،‬ونفع‪ ،‬وضر‪،‬‬
‫اس ِم ْن َرحْ َم ٍة فَال ُم ْم ِس َك لَ َها َو َما ي ُْم ِس ْك‬ ‫وعطاء‪ ،‬ومنع‪ ،‬قال تعالى‪َ ( :‬ما يَ ْفت َِح َّ‬
‫َّللاُ ِللنَّ ِ‬
‫يز ْال َح ِكي ُم)(‪.)308‬‬ ‫فَال ُم ْر ِس َل لَهُ ِم ْن بَ ْع ِد ِه َو ُه َو ْالعَ ِز ُ‬

‫فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه‪،‬‬
‫ويفنح على أعدائه ضد ذلك‪ ،‬وذلك بفضله وعدله(‪.)309‬‬

‫‪ -64‬الفعال لما يريد(‪:)310‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الفعال لما يريد هذا من كمال قوته‪ ،‬ونفوذ مشيئته‪ ،‬وقدرته‪،‬‬
‫أن كل أمر يريده يفعله بال ممانع‪ ،‬وال معارض‪.‬‬

‫وليس له ظهير‪ ،‬وال عوين على أي أمر يكون‪ ،‬بل إذا أراد شيئا ً قال له‪ :‬كن‬
‫فيكون‪.‬‬

‫ومع أنه الفعال لما يريد فإرادته تابعة لحكمته‪ ،‬وحمده‪ ،‬فهو موصوف بكمال‬
‫القدرة‪ ،‬ونفوذ المشيئة‪ ،‬وموصوف بشمول الحكمة لكل مافعله ويفعله(‪.)311‬‬

‫وليس أحد فعال لما يريد إال هللا"(‪.)312‬‬

‫(‪ )308‬فاطر (‪.)2‬‬


‫(‪ )309‬احلق الواضح املبني (ص‪.)84‬‬
‫(‪ )310‬مل أقف على دليل يدل على امسية هلل تعاىل‪ ،‬وقال الشيخ سليمان بن عبد هللا يف تيسري العزيز احلميد (ص‪" :)644‬وال‬
‫يصح تسمية هللا تعاىل ابلفعال والفالق واملخرج‪ ...‬مع أهنا مل ترد يف شيء من األحاديث"أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )311‬التفسري (‪.)629/5‬‬
‫(‪ )312‬التفسري (‪.)605/7‬‬
‫‪ -65‬القابض(‪( :)313‬القابض الباسط)‬

‫‪ -66‬القريب‪:‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪" :‬القريب أي‪ :‬هو القريب من كل أحد‪ ،‬وقربه‬
‫نوعان‪:‬‬

‫قرب عام من كل أحد بعلمه‪ ،‬وخبرته‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬ومشاهدته‪ ،‬واحاطته وهو أقرب‬
‫إلى اإلنسان من حبل الوريد‪.‬‬

‫وقرب خاص من عابديه‪ ،‬وسائليه‪ ،‬ومجيبيه‪ ،‬وهو قرب يقتضي المحبة‪،‬‬


‫والنصرة‪ ،‬والتأييد في الحركات‪ ،‬والسكنات‪ ،‬واإلجابة للداعين‪ ،‬والقبول‪ ،‬واإلثابة‪.‬‬

‫وهو المذكور في قوله تعالى‪َ ( :‬وا ْس ُج ْد َوا ْقت َِربْ )(‪ )314‬وفي قوله‪ِ ( :‬إ َّن َر ِبّي قَ ِر ٌ‬
‫يب‬
‫يب أ ُ ِج ُ‬
‫يب َدع َْوة َ الدَّاعِ ِإذَا‬ ‫سأَلَ َك ِع َبادِي َ‬
‫ع ِنّي فَإِ ِنّي قَ ِر ٌ‬ ‫يب)(‪ )315‬وفي قوله ( َو ِإذَا َ‬
‫ُم ِج ٌ‬
‫ان)(‪ )316‬وهذا النوع قرب يقتضي الطافه تعالى‪ ،‬وإجابته لدعواتهم‪ ،‬وتحقيقه‬ ‫ع ِ‬
‫َد َ‬
‫لمراداتهم ولهذا يقرن باسمه "القريب" اسمه "المجيب" وهذا القرب قربه ال تدرك‬
‫له حقيقة‪ ،‬وإنما تعلم آثاره من لطف بعبده‪ ،‬وعنايته به وتوفيقه‪ ،‬وتسديده‪ ،‬ومن‬
‫آثاره اإلجابة للداعين واإلثابة للعابدين" (‪.)317‬‬

‫(‪ )313‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬


‫(‪ )314‬العلق (‪.)19‬‬
‫(‪ )315‬هود (‪.)61‬‬
‫(‪ )316‬البقرة (‪.)186‬‬
‫(‪ )317‬احلق الواضح املبني (‪ )640‬والتفسري (‪ 224/1‬و ‪ 437/3‬و ‪.)630/5‬‬
‫‪ -67‬القدوس(‪:)318‬‬

‫‪ -68‬القدير(‪:)319‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬القدير‪ :‬كامل القدرة بقدرته أوجد الموجودات‪ ،‬وبقدرته‬
‫دبرها‪ ،‬بقدرته سواها وأحكمها‪ ،‬وبقدرته يحيي ويميت‪ ،‬ويبعث العباد للجزاء‪،‬‬
‫ويجازي المحسن بإحسانه‪ ،‬والمسيء بإساءته‪ ،‬الذي إذا أراد شيئا ً قال له‪ :‬كن‬
‫فيكون‪ ،‬وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء ويريد"(‪.)320‬‬

‫‪ -69‬القهار(‪:)321‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬القهار‪ :‬لجميع العالم العلوي‪ ،‬والسفلي‪ ،‬القهار لكل شيء‬
‫الذي خضعت له المخلوقات وذلك لعزته وقوته‪ ،‬وكمال اقتداره(‪.)322‬‬

‫وهو الذي قهر جميع الكائنات‪ ،‬وذلت له جميع المخلوقات أو دانت لقدرته‪،‬‬
‫ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسفلى‪ ،‬فال يحدث حادث‪ ،‬وال يسكن‬
‫ساكن إال بإذنه‪ ،‬وما شاء كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وجميع الخلق فقراء إلى هللا‬
‫عاجزون ال يملكون ألنفسهم نفعاً‪ ،‬وال ضراً‪ ،‬وال خيراً‪ ،‬وال شرا ً ثم إن قهره‬
‫مستلزم لحياته وعزته وقدرته‪ ،‬فال يتم قهره للخليقة إال باتمام حياته‪ ،‬وقوة عزته‪،‬‬
‫واقتداره"(‪.)323‬‬

‫‪ -70‬القوي(‪:)324‬‬

‫(‪ )318‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "السالم"‪.‬‬


‫ور َرَح ٌيم} (املمتحنة‪ .)7 :‬وسبق زايدة إيضاح هلذا اإلسم مع امسه تعاىل "العزيز"‪.‬‬ ‫اّلِلُ قَ َد ٌير َو ه‬
‫اّلِلُ َغ ُف ٌ‬ ‫{و ه‬ ‫(‪ )319‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )320‬التفسري (‪ 624/5‬و‪.)625‬‬
‫اّلِل خالَق ُك َل َشي ٍء وهو المو َ‬
‫اح ُد الم َقه ُار} (الرعد‪.)16 :‬‬‫(‪ )321‬قال هللا تعاىل‪{ :‬قُ َل هُ َ ُ ّ م َ ُ َ َ‬
‫(‪ )322‬التفسري (‪ 624/5‬و ‪)448/6‬‬
‫(‪ )323‬احلق الواضح املبني (ص‪ )76‬وتوضيح الكافية (ص‪.)126‬‬
‫(‪ )324‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "العزيز"‪.‬‬
‫‪ -71‬القيوم(‪:)325‬‬

‫‪ -72‬الكافي(‪:)326‬‬

‫قال رحمه تعالى‪" :‬الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه‪ .‬الكافي كفاية‬
‫خاصة من آمن به وتوكل عليه واستمد منه حوائج دينه ودنياه"(‪.)327‬‬

‫‪ -73‬الكبير(‪:)328‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪ " :‬الكبير (‪ :)329‬الذي له الكبرياء في ذاته‪ ،‬وصفاته وله‬
‫الكبرياء في قلوب أهل السماء‪ ،‬واألرض"(‪.)330‬‬

‫‪ -74‬الكريم(‪:)331‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الكريم(‪ :)332‬كثير الخير يعم به الشاكر‪ ،‬والكافر‪ ،‬إال أن‬
‫شكر نعمه داع للمزيد منها‪ ،‬وكفرها داع لزوالها"(‪.)333‬‬

‫‪ -75‬اللطيف(‪:)334‬‬

‫(‪ )325‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "احلي"‪.‬‬


‫(‪ )326‬مل أقف على نص يدل على تسمية هللا تعاىل ابلكايف‪.‬‬
‫(‪ )327‬التفسري (‪.)631/5‬‬
‫هه َادةَ الم َكبَريُ الم ُمتَـ َع َال} (الرعد‪.)9 :‬‬ ‫ب َوالش َ‬ ‫{ع َاملُ المغَمي َ‬
‫(‪ )328‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )329‬سبق زايدة بيان هلذا االسم مع امسه تعاىل "اْلليل"‪.‬‬
‫(‪ )330‬التفسري (‪ 171/6‬و ‪.)622/5‬‬
‫{وَم من َش َكَر فََإهَّنَا يَ مش ُك ُر لَنَـ مف َس َه َوَم من َك َفَر فََإ هن َرَّيب َغ َِنٌّ َك َرميٌ} (النحل‪)40:‬‬ ‫(‪ )331‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )332‬سبق زايدة بيان هلذا االسم مع امسه تعاىل "الَب"‪.‬‬
‫(‪ )333‬التفسري (‪ 580/5‬و ‪.)622/5‬‬
‫اخلَبَريُ} ( األنعام ‪.)113 :‬‬ ‫َ‬
‫يف م‬ ‫ص ُار َوُه َو يُ مد َرُك األَبم َ‬
‫ص َار َوُه َو اللهط ُ‬ ‫(‪ )334‬قال هللا تعاىل {ال تُ مد َرُكهُ األَبم َ‬
‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪" :‬ومن أسمائه الحسنى "اللطيف"‪ :‬الذي لطف علمه‬
‫حتى أدرك الخفايا‪ ،‬والخبايا‪ ،‬وما احتوت عليه الصدور‪ ،‬وما في األراضي من‬
‫خفايا البذور ولطف بأوليائه‪ ،‬وأصفيائه‪ ،‬فيسرهم لليسرى وجنبهم العسرى‪ ،‬وسهل‬
‫لهم كل طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته وحفظهم من كل سبب ووسيلة‬
‫توصل إلى سخطه‪ ،‬من طرق يشعرون بها‪ ،‬ومن طرق ال يشعرون بها‪ ،‬وقدر‬
‫عليهم أمورا ً يكرهونها لينيلهم ما يحبون‪ ،‬فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على‬
‫عوائده الجميلة‪ ،‬وصنائعه الكريمة‪ ،‬ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها‬
‫(‪)335‬‬
‫كل خير وصالح ونجاح‪ ،‬فاللطيف متقارب لمعاني الخبير‪ ،‬الرؤوف‪ ،‬الكريم ‪.‬‬

‫ومن لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه‪ ،‬ويشمله بكرمه ويرقيه إلى‬
‫المنازل العالية فييسره لليسرى‪ ،‬ويجنبه العسرى‪ ،‬ويجري عليه من أصناف‬
‫المحن التي يكرهها وتشق عليه وهي عين صالحه‪ ،‬والطريق إلى سعادته‪ ،‬كما‬
‫أمتحن األنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر هللا عن يوسف عليه‬
‫السالم وكيف ترقت به األحوال ولطف هللا به وله بما قدره عليه من تلك األحوال‬
‫التي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا واآلخرة‪ .‬وكما يمتحن أولياءه‬
‫بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون‪ ،‬وكم هلل من لطف‪ ،‬وكرم ال تدركة األفهام وال‬
‫تتصوره األوهام‪ ،‬وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من والية‬
‫ورياسة أو سبب من األسباب المحبوبة فيصرفه هللا عنها ويصرفها عنه رحمة به‬
‫لئال تضره في دينه‪ ،‬فيظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه‪ ،‬ولو علم ما‬
‫دخر له في الغيب وأريد إصالحه لحمد هللا وشكره على ذلك‪ ،‬فإن هللا بعباده‬
‫رؤوف رحيم‪ ،‬لطيف بأوليائه‪.‬‬

‫وفي الدعاء المأثور‪" :‬اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب‪ ،‬وما‬
‫زويت عني مما أحب فاجعله فراغا ً لي فيما تحب" (‪ )336‬اللهم الطف بنا في‬

‫(‪ )335‬توضيح الكافية الشافية (ص‪ )123‬والتفسري (‪.)625/5‬‬


‫(‪ )336‬أخرجه الرتمذي (‪ )523/5‬كتاب الدعوات‪ ،‬وقال هذا حديث حسن غريب‪ ،‬وقال عبد القادر األرنؤط وحسنه الرتمذي‬
‫وهو كما قال‪ .‬انظر‪ :‬جامع األصول (‪ .)341/5‬وضعفه األلباين كما يف ضعيف اْلامع (ص ‪ 453‬و‪.)454‬‬
‫قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى ال نحب تعجيل ما أخرت وال تأخير ما‬
‫عجلت(‪.)337‬‬

‫واعلم أن اللطف الذي يطلبه العباد من هللا بلسان المقال‪ ،‬ولسان الحال هو من‬
‫الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث ال يشعر بها أو ال‬
‫يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد‪ :‬يا لطيف الطف بي أو لي وأسألك لطفك‬
‫فمعناه تولني والية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة ‪ ،‬والباطنة وبها تندفع عني‬
‫جميع المكروهات من األمور الداخلية واألمور الخارجية‪.‬‬

‫فاألمور الداخلية لطف بالعبد‪.‬‬

‫واألمور الخارجية لطف للعبد فإذا يسر هللا عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه‬
‫فقد لطف به وإذا قيض هللا له أسبابا ً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها‬
‫صالحه فقد لطف له ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه السالم تلك األحوال ‪،‬‬
‫وتطورت به األطوار من رؤياه‪ ،‬وحسد إخوته له‪ ،‬وسعيهم في إبعاده جدا‪،‬‬
‫واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك‬
‫العظيمة‪ ،‬وانفراده بتعبيرها‪ ،‬وتبوءه من األرض حيث يشاء‪ ،‬وحصول ما حصل‬
‫على أبيه من االبتالء‪ ،‬واالمتحان ثم حصل بعد ذلك االجتماع السار وازالة‬
‫االكدار وصالح حالة الجميع واالجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السالم أن هذه‬
‫األشياء وغيرها لطف لطف هللا لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال‪( :‬إِ َّن َر ِبّي لَ ِط ٌ‬
‫يف‬
‫ِل َما يَشَا ُء إِنَّهُ ُه َو ا ْلعَ ِلي ُم ْال َح ِكي ُم)(‪ )338‬أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده‬
‫ممن يعلمه تعالى محال لذلك وأهالً له فال يضعه إال في محله‪ .‬هللا أعلم حيث يضع‬
‫فضله فإذا رأيت هللا تعالى قد يسر العبد لليسرى‪ ،‬وسهل له طريق الخير‪ ،‬وذلل له‬
‫صعابه‪ ،‬وفتح له أبوابه‪ ،‬ونهج له طرقه‪ ،‬ومهد له أسبابه‪ ،‬وجنبه العسرى فقد‬
‫لطف به‪.‬‬

‫(‪ )337‬احلق الواضح املبني (ص‪.)62 ،61‬‬


‫(‪ )338‬يوسف (‪.)100‬‬
‫ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه يتوالهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور من‬
‫ظلمات الجهل‪ ،‬والكفر‪ ،‬والبدع‪ ،‬والمعاصي إلى نور العلم واإليمان والطاعة‪،‬‬
‫ومن لطفه أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم األمارة بالسوء التي هذا طبعها وديدنها‬
‫فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ويصرف عنهم السوء والفحشاء فتوجد أسباب‬
‫الفتنة‪ ،‬وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل هللا عليها برهان لطفه ونور‬
‫من به عليهم فيدعونها مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم‪.‬‬ ‫إيمانهم الذي َّ‬

‫ومن لطفه بعباده أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم ال بحسب مراداتهم فقد‬
‫يريدون شيئا ً وغيره أصلح فيقدر لهم األصلح وإن كرهوه لطفا ً بهم‪ ،‬وبراً‪،‬‬
‫َّللاُ‬
‫ط َّ‬‫س َ‬
‫يز)(‪َ ( )339‬ولَ ْو َب َ‬ ‫ي ْال َع ِز ُ‬ ‫يف ِب ِع َبا ِد ِه َي ْر ُز ُق َم ْن َيشَا ُء َو ُه َو ْالقَ ِو ُّ‬ ‫وإحسانا ً ( َّ‬
‫َّللاُ لَ ِط ٌ‬
‫ير‬ ‫الر ْزقَ ِل ِعبَا ِد ِه لَبَغ َْوا فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض َولَ ِك ْن يُن ِ َّز ُل بِقَ َد ٍر َما يَشَا ُء إِنَّهُ بِ ِعبَا ِد ِه َخبِ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫(‪)340‬‬
‫ير) ‪.‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫بَ ِ‬

‫ومن لطفه بهم أنه يقدر عليهم أنواع المصائب‪ ،‬وضروب المحن‪ ،‬واإلبتالء باألمر‬
‫سى أ َ ْن‬ ‫ع َ‬‫والنهي الشاق رحمة بهم‪ ،‬ولطفاً‪ ،‬وسوقا إلى كمالهم‪ ،‬وكمال نعيمهم ( َو َ‬
‫َّللاُ يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال‬ ‫سى أ َ ْن ت ُ ِحبُّوا َ‬
‫شيْئا ً َو ُه َو ش ٌَّر لَ ُك ْم َو َّ‬ ‫شيْئا ً َو ُه َو َخي ٌْر لَ ُك ْم َو َ‬
‫ع َ‬ ‫ت َ ْك َر ُهوا َ‬
‫ت َ ْعلَ ُمونَ )(‪.)341‬‬

‫ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهله للمراتب العالية‪ ،‬والمنازل السامية التي ال تدرك‬
‫باألسباب العظام التي ال يدركها إال أرباب الهمم العالية‪ ،‬والعزائم السامية أن يقدر‬
‫له في ابتداء أمره بعض األسباب المحتملة المناسبة لألسباب التي أهل لها ليتدرج‬
‫من األدنى إلى األعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك األمر وهذا‬
‫كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من األنبياء ‪ -‬صلوات هللا وسالمه عليهم ‪ -‬في‬
‫ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصالحه إلى رعاية‬
‫بني آدم ودعوتهم وإصالحهم‪ .‬وكذلك يذيق عبده حالوة بعض الطاعات فينجذب‬
‫ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات أجل منها وأعلى ولم تكن‬
‫تحصل بتلك اإلرادة السابقة حتى وصل إلى هذه اإلرادة والرغبة التامة‪.‬‬

‫(‪ )339‬الشورى (‪.)19‬‬


‫(‪ )340‬الشورى (‪.)27‬‬
‫(‪ )341‬البقرة (‪.)216‬‬
‫ومن لطفه بعبده أن يقدر له أن يتربى في والية أهل الصالح‪ ،‬والعلم‪ ،‬واإليمان‬
‫وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم‪ ،‬وتأديبهم ولينشأ على صالحهم وإصالحهم كما‬
‫س ٍن َوأ َ ْنبَت َ َها نَبَاتا ً َح َ‬
‫سنا ً‬ ‫أمتن هللا على مريم في قوله تعالى‪( :‬فَتَقَبَّلَ َها َربُّ َها ِبقَبُو ٍل َح َ‬
‫علَ ْي َها زَ َك ِريَّا)(‪ )342‬إلى آخر قصتها ومن ذلك إذا نشأ بين‬ ‫َو َكفَّلَ َها زَ َك ِريَّا ُكلَّ َما َد َخ َل َ‬
‫أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صالح أو وفقه هللا لمقارنة أهل الخير‬
‫وصحبتهم أو لتربية العلماء الربانيين فإن هذا من أعظم لطفه بعبده فإن صالح‬
‫العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعا ً هذه الحالة‪.‬‬
‫ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السنة والجماعة فإن هذا لطف‬
‫له وكذلك إذا قدر هللا أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم األحياء منهم واألموات‬
‫أهل سنة وتقي فإن هذا من اللطف الرباني وال يخفى لطف الباري في وجود شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا في أثناء قرون هذه األمة وتبيين هللا به وبتالمذته من‬
‫الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد أهل البدع والتعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في‬
‫هذه األوقات فال شك أن هذا من لطف هللا لمن انتفع بها وأنه يتوقف خير كثير‬
‫على وجودها هللف الحمد والمنة والفضل‪.‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده أن يجعل رزقه حالالً في راحة وقناعة يحصل به المقصود‬
‫وال يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل بل يعينه على ذلك ويفرغه‬
‫ويريح خاطره وأعضاءه ولهذا من لطف هللا تعالى لعبده أنه ربما طمحت نفسه‬
‫لسبب من األسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته فيعلم هللا تعالى أنها تضره‬
‫وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها فيظل العبد كارها ً ولم يدر أن ربه قد لطف‬
‫به حيث أبقى له األمر النافع وصرف عنه األمر الضار ولهذا كان الرضى‬
‫بالقضاء في مثل هذه األشياء من أعلى المنازل‪.‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده إذا قدر له طاعة جليلة ال تنال إال بأعوان أن يقدر له أعوانا ً‬
‫عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السالم‪َ ( :‬واجْ َع ْل ِلي َو ِزيرا ً ِم ْن أ َ ْه ِلي‬
‫َارونَ أ َ ِخي ا ْش ُد ْد ِب ِه أ َ ْز ِري َوأ َ ْش ِر ْكهُ ِفي أ َ ْم ِري َك ْي نُ َ‬
‫س ِبّ َح َك َك ِثيرا ً َونَ ْذ ُك َر َك‬ ‫ه ُ‬
‫َكثِيرا ً)(‪ .)343‬وكذلك امتن على عيسى بقوله‪َ ( :‬وإِ ْذ أ َ ْو َحيْتُ إِلَى ْال َح َو ِار ِيّينَ أ َ ْن ِآمنُوا‬
‫سو ِلي قَالُوا آ َمنَّا َوا ْش َه ْد بِأَنَّنَا ُم ْس ِل ُمونَ )(‪.)344‬‬‫بِي َوبِ َر ُ‬
‫(‪ )342‬آل عمران (‪.)37‬‬
‫(‪ )343‬طه (‪.)30‬‬
‫(‪ )344‬املائدة (‪.)111‬‬
‫ص ِر ِه َوبِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ )(‪ )345‬وهذا‬
‫وامتن على سيد الخلق في قوله ( ُه َو الَّذِي أَيَّ َد َك بِنَ ْ‬
‫لطف لعبده خارج عن قدرته ومن هذا لطف هللا بالهادين إذا قيض هللا من يهتدي‬
‫بهداهم ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات واألجور التي ال يدركها العبد‬
‫بمجرد فعله بل هي مشروطة بأمر خارجي‪.‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده أن يعطي عبده من األوالد‪ ،‬واألموال‪ ،‬واألزواج ما به تقر‬
‫عينه في الدنيا‪ ،‬ويحصل له السرور‪ ،‬ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه‪ ،‬ويعوضه عليه‬
‫األجر العظيم إذا صبر واحتسب فنعمة هللا عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من‬
‫نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه وهذا أيضا ً خير وأجر‬
‫خارج عن أحوال العبد بنفسه بل هو لطف من هللا له قيض له أسبابا أعاضه عليها‬
‫الثواب الجزيل واألجر الجميل‪ .‬ومن لطف هللا بعبده أن يبتليه ببعض المصائب‬
‫فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فينيله درجات عاليه ال يدركها بعمله وقد يشدد‬
‫عليه االبتالء بذلك كما فعل بأيوب عليه السالم ويوجد في قلبه حالوة روح‬
‫الرجاء وتأميل الرحمة وكشف الضر فيخف ألمه وتنشط نفسه‪ .‬ولهذا من لطف هللا‬
‫بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب األجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من‬
‫المشاق في حصول مرضاته‪.‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب االبتالء التي تضعف‬
‫إيمانه وتنقص إيقانه‪ .‬كما أن من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة أسباب االبتالء‬
‫واالمتحان ويعينه عليها ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجره فسبحان‬
‫اللطيف في ابتالئه وعافيته وعطائه ومنعه‪.‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع‬
‫وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فييسر عليه التعلم من كتاب أو معلم يكون‬
‫حصول المقصود به أقرب وأسهل وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر‬
‫والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف‪.‬‬

‫(‪ )345‬األنفال (‪.)62‬‬


‫ومن لطف هللا بعبده قدر الواردات الكثيرة واألشغال المتنوعة والتدبيرات‬
‫والمتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على أمة من الناس لعجزت قواهم‬
‫عليها أن يمن عليه بخلق واسع وصدر متسع وقلب منشرح بحيث يعطي كل فرد‬
‫من أفرادها نظرا ً ثاقبا ً وتدبيرا ً تاما ً وهو غير مكترث وال منزعج لكثرتها وتفاوتها‬
‫بل قد أعانه هللا تعالى عليها ولطف به فيها ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها‬
‫وإذا أردت أن تعرف هذا األمر فانظر إلى حالة المصطفى صلى هللا عليه وسلم‬
‫الذي بعثه هللا بصالح الدارين وحصول السعادتين وبعثه مكمالً لنفسه ومكمالً‬
‫ألمة عظيمة هي خير األمم ومع هذا مكنه هللا ببعض عمره الشريف في نحو ثلث‬
‫عمره أن يقوم بأمر هللا كله على كثرته وتنوعه وأن يقيم ألمته جميع دينهم‬
‫ويعلمهم جميع أصوله وفروعه ويخرج هللا به أمة كبيرة من الظلمات إلى النور‬
‫ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسعادة للخاص والعام ماال تقوم به‬
‫أمة من الخلق‪.‬‬

‫ومن لطف هللا تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا ً لرحمته فيفتح‬
‫له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع واالبتهال إلى ربه وازدراء نفسه‬
‫واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات‪.‬‬

‫ومن لطفه بعبده الحبيب عنده إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة‬
‫واسترسلت في ذلك أن ينقصها عليه ويكدرها فال يكاد يتناول منها شيئا ً إال مقرونا‬
‫بالمكدرات محشوا ً بالغصص لئال يميل معها كل الميل‪ ،‬كما أن من لطفه به أن‬
‫يلذذ له التقربات ويحلي له الطاعات ليميل إليها كل الميل‪.‬‬

‫ومن لطيف لطف هللا بعبده أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم‬
‫على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من األسباب فال يفعلها فيحصل له‬
‫أجرها فانظر كيف لطف هللا به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره وقد علم‬
‫تعالى أنه ال يفعلها سوقا لبره لعبده وإحسانه بكل طريق‪.‬‬

‫وألطف من ذلك أن يقيض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها هي أنفع له‬
‫منها فيدع العبد الطاعة التي ترضى ربه لطاعة أخرى هي أرضى هلل منها‬
‫فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنية وإذا كان من يهاجر إلى هللا‬
‫ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على هللا مع أن قطع‬
‫الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على‬
‫فعلها وربما ادار هللا في ضمير عبده عدة طاعات كل طاعة لو انفردت لفعلها‬
‫العبد لكمال رغبته وال يمكن فعل شيء منها إال بتفويت األخرى فيوفقه للموازنة‬
‫بينها وإيثار أفضلها فعال مع رجاء حصولها جميعها عزما ً ونية‪.‬‬

‫وألطف من هذا أن يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له‬
‫دواعيها وهو تعالى يعلم أنه ال يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت‬
‫أسباب فعلها من أكبر الطاعات‪.‬‬

‫كما لطف بيوسف عليه السالم في مراودة المرأة‪ .‬وأحد السبعة الذين يظلهم هللا في‬
‫ظله يوم ال ظل إال ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال‪ :‬إني أخاف هللا‬
‫رب العالمين(‪.)346‬‬

‫ومن لطف هللا بعبده أن يقدر خيرا ً وإحسانا من عبده ويجريه على يد عبده اآلخر‬
‫ويجعله طريقا ً إلى وصوله إلى المستحق فيثيب هللا األول واآلخر‪ .‬ومن لطف هللا‬
‫بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئا ً من النفع وخيرا ً لغيره فيثيبه من حيث ال‬
‫يحتسب فمن غرس غرسا ً أو زرع زرعا ً فاصابت منه روح من األرواح‬
‫المحترمة شيئا ً آجر هللا صاحبه وهو ال يدري خصوصا ً إذا كانت عنده نية حسنة‬
‫وعقد مع ربه عقدا ً في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع فاسألك يارب أن‬
‫تأجرني وتجعله قربة لي عندك‪ ،‬وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرها وركوبها‬
‫والحمل عليها‪ ،‬أو مساكن انتفع بسكناها ولو شيئا ً قليالً‪ ،‬أو ماعون ونحوه انتفع‬
‫به‪ ،‬أو عين شرب منها‪ ،‬وغير ذلك ككتاب انتفع به في تعلم شيء منه‪ ،‬أو‬
‫مصحف قرئ فيه‪ ،‬وهللا ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫(‪ )346‬هذا مبعىن حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أخرجه البخاري (‪ )20/8‬كتاب احلدود ابب فضل من ترك الفواحش‪ ،‬ومسلم‬
‫(‪ )715/2‬كتاب الدعاء ابب فضل اخفاء الصدقة‪.‬‬
‫ومن لطف هللا بعبده أن يفتح له بابا ً من أبواب الخير لم يكن له على بال‪ ،‬وليس‬
‫ذلك لقلة رغبته فيه وإنما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق فلم يشعر إال وقد‬
‫وجد في قلبه الداعي إليه والملفت إليه ففرح بذلك وعرف أنها من ألطاف سيده‬
‫وطرقه التي قيض وصولها إليه فصرف لها ضميره ووجه إليها فكره وأدرك‬
‫منها ماشاء هللا"(‪.)347‬‬

‫‪ -76‬المالك(‪( :)348‬الملك(‪ -)349‬المالك)‬

‫قال المؤلف رحمه هللا‪" :‬الملك المالك‪ :‬الذي له الملك فهو الموصوف بصفة‬

‫الملك وهي صفات العظمة والكبرياء‪ ،‬والقهر‪ ،‬والتدبير‪ ،‬الذي له التصرف‬


‫المطلق‪ ،‬في الخلق واألمر والجزاء(‪.)350‬‬

‫(‪)351‬‬
‫وله جميع العالم العلوي والسفلي‪ ،‬كلهم عبيد‪ ،‬ومماليك‪ ،‬ومضطرون إليه‬
‫وهو اآلمر الناهي المعز المذل الذي يصرف أمور عباده كما يحب‪ ،‬ويقلبهم كما‬
‫يشاء‪ ،‬وله من معنى الملك ما يستحقه من األسماء الحسنى كالعزيز الجبار‬
‫المتكبر‪ ،‬الحكم‪ ،‬العدل‪ ،‬الخافض‪ ،‬الرافع‪ ،‬المعز‪ ،‬والمذل‪ ،‬العظيم‪ ،‬الجليل‪ ،‬الكبير‪،‬‬
‫الحسيب‪ ،‬المجيد‪ ،‬الوالي‪ ،‬المتعالي‪ ،‬مالك الملك‪ ،‬المتسلط‪ ،‬الجامع‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من األسماء العائدة إلى الملك(‪.)352‬‬

‫(‪ )347‬املواهب الرابنية من اآلايت القرآن (ص‪.)76-71‬‬


‫ك يَـ موَم ال َّدي َن} (الفاحتة‪.)4 :‬‬ ‫(‪ )348‬قال هللا تعاىل {مالَ َ‬
‫َ‬
‫احلَ ُّق ال إَلَهَ إَهال ُه َو َر ُّ‬
‫ب الم َع مر َش الم َك َرَمي} (املؤمنون‪.)116 :‬‬ ‫ك م‬ ‫َ‬
‫اّلِلُ الم َمل ُ‬
‫اىل ه‬‫(‪ )349‬قال هللا تعاىل {فَـتَـ َع َ‬
‫(‪ )350‬التفسري (‪.)620/5‬‬
‫(‪ )351‬التفسري (‪.)620/5‬‬
‫(‪ )352‬احلق الواضح املبني (ص‪.)104‬‬
‫‪ -77‬المانع(‪( :)353‬المعطي المانع)‬

‫قال رحمه هللا‪" :‬المعطي المانع هذه من األسماء المتقابلة التي ال ينبغي أن يثني‬
‫على هللا بها إال كل واحد منها مع اآلخر ألن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين‬
‫(‪.)354‬‬

‫فهو المعطي المانع‪ :‬ال مانع لما أعطى‪ ،‬وال معطي لما منع‪ ،‬فجميع المصالح‬
‫والمنافع منه تطلب‪ ،‬وإليه يرغب فيها‪ ،‬وهو الذي يعطيها لمن شاء ويمنعها من‬
‫يشاء بحكمته ورحمته"(‪.)355‬‬
‫(‪)356‬‬
‫‪ -78‬المبدئ‪( :‬المبدئ ‪ -‬المعيد)‬

‫قال رحمه هللا‪ :‬وقد عدهما ضمن األسماء الحسنى الزجاج (ص‪ )55‬والخطابي‬
‫في شأن الدعاء (ص‪ )79‬والبيهقي في كتابه األسماء والصفات (ص‪)95‬‬
‫والغزالي في كتابه المقصد األسنى شرح أسماء هللا الحسنى (ص‪.)63‬‬

‫"المبدئ المعيد قال هللا تعالى‪َ ( :‬و ُه َو الَّذِي يَبْدأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ)(‪ )357‬ابتدأ خلقهم‬
‫ليبلوهم أيهم أحسن عمالً ثم يعيدهم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى ويجزئ‬
‫المسيئين بإسأتهم‪ .‬وكذلك هو الذي يبدأ إيجاد المخلوقات شيئا ً فشيئا ً ثم يعيدها كل‬
‫وقت"(‪.)358‬‬

‫(‪ )353‬سبق زايدة بيان ملعىن هذا اإلسم مع امسه تعاىل‪" :‬الباسط"‪.‬‬
‫(‪ )354‬احلق الواضح املبني (ص‪.)89 :‬‬
‫(‪ )355‬التفسري (‪.)628/5‬‬
‫(‪ )356‬مل أقف على نص صحيح يدل على تسمية هللا تعاىل هبذين االمسني‪.‬‬
‫(‪ )357‬الروم (‪.)27‬‬
‫(‪ )358‬التفسري (‪ 628/5‬و ‪.)629‬‬
‫‪ -79‬المتكبر(‪:)359‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬المتكبر عن السوء‪ ،‬والنقص‪ ،‬والعيوب لعظمته‪،‬‬


‫وكبريائه"(‪.)360‬‬

‫‪ -80‬المتين(‪:)361‬‬

‫‪ -81‬المجيب(‪:)362‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬من أسمائه المجيب لدعوة الداعين‪ ،‬وسؤال السائلين‪،‬‬
‫وعباده المستجيبين‪ ،‬وإجابته نوعان‪:‬‬

‫إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة قال تعالى‪َ ( :‬وقَا َل َربُّ ُك ُم‬
‫عونِي أ َ ْست َِجبْ لَ ُك ْم)(‪ )363‬فدعاء المسألة يقول العبد اللهم أعطني كذا أو اللهم أدفع‬
‫ا ْد ُ‬
‫عني كذا‪ ،‬فهذا يقع من البر والفاجر‪ ،‬ويستجيب هللا فيه لكل من دعاه بحسب‬
‫الحالة المقتضية‪ ،‬وبحسب ما تقتضيه حكمته‪ ،‬وهذا يستدل به على كرم المولى‬
‫وشمول إحسانه للبر والفاجر‪ ،‬وال يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي‬
‫أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعين الحق معه‪،‬‬
‫كسؤال األنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم هللا‪ ،‬فإنه يدل على صدقهم‬
‫فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم‪ ،‬ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم كثيرا ً‬
‫ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته‪ ،‬وذلك من دالئل نبوته وآيات‬
‫صدقه‪ ،‬وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء هللا من إجابة الدعوات فإنه من‬
‫أدلة كراماتهم على هللا‪.‬‬

‫اّلِلَ‬ ‫الم الم ُم مؤَم ُن الم ُم َهمي َم ُن الم َع َز ُيز م‬


‫اْلَبه ُار الم ُمتَ َكََّبُ ُسمب َحا َن ه‬ ‫َ‬ ‫(‪ )359‬قال هللا تعاىل‪{ :‬هو ه َ‬
‫ُّوس ال هس ُ‬ ‫اّلِلُ الهذي ال إَلَهَ إَهال ُه َو الم َمل ُ‬
‫ك الم ُقد ُ‬ ‫َُ‬
‫َع هما يُ مش َرُكو َن} (احلشر‪.)23 :‬‬
‫(‪ )360‬التفسري (ص‪.)624‬‬
‫(‪ )361‬سبق الكالم على هذا االسم مع امسه تعاىل "العزيز"‪.‬‬
‫يب} (هود‪.)61 :‬‬ ‫(‪ )362‬قال هللا تعاىل‪{ :‬إَ هن رَيب قَ َر َ‬
‫يب ُجم ٌ‬
‫َّ ٌ‬
‫(‪ )363‬غافر (‪.)60‬‬
‫وأما اإلجابة الخاصة(‪ )364‬فلها أسباب عديدة‪ ،‬منها دعوة المضطر الذي وقع في‬
‫يب ْال ُم ْ‬
‫ض َ‬
‫ط َّر ِإذَا‬ ‫شدة وكربة عظيمة‪ ،‬فإن هللا يجيب دعوته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬أ َ َّم ْن ي ُِج ُ‬
‫عاهُ)(‪ ،)365‬وسبب ذلك شدة االفتقار إلى هللا‪ ،‬وقوة االنكسار‪ ،‬وانقطاع تعلقه‬ ‫َد َ‬
‫بالمخلوقين‪ ،‬ولسعة رحمة هللا التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها فكيف‬
‫بمن اضطر إليها‪ ،‬ومن أسباب اإلجابة طول السفر والتوسل إلى هللا بأحب‬
‫الوسائل إليه من أسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬ونعمه‪ .‬وكذلك دعوة المريض‪ ،‬والمظلوم‪،‬‬
‫والصائم‪ ،‬والوالد على ولده‪ ،‬أو له في األوقات واألحوال الشريفة" (‪.)366‬‬

‫‪ -82‬المجيد(‪:)367‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬المجيد الذي له المجد العظيم‪ ،‬والمجد هو عظمة الصفات‪،‬‬
‫وسعتها فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه فهو العليم الكامل في علمه‪ ،‬الرحيم‬
‫الذي وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬القدير الذي ال يعجزه شيء‪ ،‬الحليم الكامل في‬
‫حلمه‪ ،‬الحكيم الكامل في حكمته إلى بقية أسمائه وصفاته"(‪.)368‬‬

‫‪ -83‬المحيط(‪:)369‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬المحيط بكل شيء علماً‪ ،‬وقدرة‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وقهرا"(‪.)370‬‬

‫(‪)371‬‬
‫‪ -84‬المذل‪( :‬المعز‪ -‬المذل)‬

‫(‪ )364‬هذا هو النوع الثاين من أنواع اإلجابة اليت ذكرها املؤلف‪.‬‬


‫(‪ )365‬النمل (‪.)62‬‬
‫(‪ )366‬احلق الواضح املبني (ص‪ )66-65‬انظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪ )124‬والتفسري (‪ 437/3‬و ‪.)630/5‬‬
‫محي ٌد ََجمي ٌد} (هود‪.)73 :‬‬
‫ت إَنهه ََ‬
‫َ‬ ‫(‪ )367‬قال هللا تعاىل {ر ممحت هَ‬
‫اّلِل َوبَـَرَكاتُهُ َعلَمي ُك مم أ مَه َل المبَـمي ُ‬ ‫ََُ‬
‫(‪ )368‬احلق الواضح املبني (ص‪ )33‬وانظر‪ :‬التفسري (‪ )622/5‬وتوضيح الكافية الشافية (‪.)188‬‬
‫اّلِلُ بَ ُك َّل َش مي ٍء َُحميطاً} (النساء‪.)126 :‬‬ ‫{وَكا َن ه‬
‫(‪ )369‬قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )370‬التفسري (‪.)625/5‬‬
‫‪ -85‬المصور(‪:)372‬‬

‫(‪)373‬‬
‫‪ -86‬المعز‪( :‬المعز‪ -‬المذل)‬

‫‪ -87‬المعطي(‪:)374‬‬

‫‪ -88‬المعيد(‪:)375‬‬

‫‪ -89‬المغني(‪:)376‬‬

‫‪ -90‬المغيث (‪:)377‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪ " :‬ومن أسمائه المغيث وهو المنقذ من الشدائد الفادحة‬
‫ت ْال َب ِ ّر َو ْال َبحْ ِر)(‪ )379( )378‬فالمغيث يتعلق‬ ‫والكروب (قُ ْل َم ْن يُنَ ِ ّجي ُك ْم ِم ْن ُ‬
‫ظلُ َما ِ‬
‫بالشدائد والمشقات فهو المغيث لجميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في‬

‫(‪ )371‬سبق الكالم عن هذين االمسني مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬


‫(‪ )372‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "الباري"‪.‬‬
‫(‪ )373‬سبق الكالم عن هذبن االمسني مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬
‫(‪ )374‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "املانع"‪7.‬‬
‫(‪ )375‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل املبدئ‪.‬‬
‫(‪ )376‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "الغِن"‪.‬‬
‫(‪ )377‬مل أقف على نص صحيح يدل على أنه اسم هلل تعاىل‪.‬‬
‫(‪ )378‬األنعام (‪.)63‬‬
‫(‪ )379‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)124‬‬
‫الشدائد والكربات‪ :‬يطعم جائعهم ويكسو عاريهم ويخلص مكروبهم وينزل الغيث‬
‫عليهم في وقت الضرورة والحاجة‪ ،‬وكذلك يجيب إغاثة اللهفان أي دعاء من دعاه‬
‫في حالة اللهف والشدة واالضطرار‪ ،‬فمن استغاثه أغاثه‪ ،‬وفي الكتاب والسنة من‬
‫ذكر تفريجه للكروبات وإزالته الشدائد وتيسيره للعسير شيء كثير جدا ً‬
‫معروف"(‪.)380‬‬

‫‪ -91‬المقدم‪( :‬المقدم‪ -‬المؤخر(‪))381‬‬

‫قال المؤلف رحمه هللا تعالى‪ " :‬المقدم والمؤخر من أسمائه الحسنى المزدوجة‬
‫المتقابلة التي ال يطلق واحد بمفرده على هللا إال مقرونا ً باآلخر فإن الكمال من‬
‫اجتماعهما فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته‪.‬‬

‫وهذا التقديم يكون كونيا ً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على‬
‫بعض‪ ،‬وكتقديم األسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها‪.‬‬

‫وأنواع التقديم والتأخير في الخلق‪ ،‬والتقدير بحر ال ساحل له‪ ،‬ويكون شرعيا ً كما‬
‫فضل األنبياء على الخلق‪ ،‬وفضل بعضهم على بعض‪ ،‬وفضل بعض عباده على‬
‫بعض‪ ،‬وقدمهم في العلم‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والعمل‪ ،‬واألخالق‪ ،‬وسائر األوصاف‪ ،‬وأخر‬
‫من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته وهذان الوصفان وما أشبههما‬
‫من الصفات الذاتية لكونهما قائمين باهلل وهللا متصف بهما‪ ،‬ومن صفات األفعال‬
‫ألن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها‪ ،‬وأفعالها‪ ،‬ومعانيها‪ ،‬وأوصافها‪،‬‬
‫وهي ناشئة عن إرادة هللا وقدرته‪ ،‬فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات البارئ وإن‬

‫(‪ )380‬احلق الواضح املبني (ص‪.)67‬‬


‫(‪ )381‬كان من آخر مايقول النيب صلى هللا عليه وسلم بني التشهد والتسليم‪" :‬اللهم اغفر يل ماقدمت وما أخرت وما أسررت‬
‫وما أعلنت وما أسرفت‪ ،‬وما أنت أعلم به مِن أنت املقدم وأنت املؤخر ال إله إال أنت" أخرجه مسلم (‪ )535/1‬كتاب‬
‫صالة املسافرين ابب الدعاء يف صالة الليل وقيامه من حديث علي رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫صفات الذات متعلقة بالذات‪ ،‬وصفات أفعاله من متصفة بها الذات ومتعلقة بما‬
‫ينشأ عنها من األقوال واألفعال"(‪.)382‬‬

‫‪ -92‬المقيت(‪:)383‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬المقيت الذي أوصل إلى كل موجود مابه يقتات وأوصل‬
‫إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء بحكمه وحمده"(‪.)384‬‬

‫‪ -93‬الملك(‪:)385‬‬

‫‪ -94‬المهيمن(‪:)386‬‬

‫قال رحمه هللا‪" :‬المهيمن‪ :‬المطلع على خفايا األمور‪ ،‬وخبايا الصدور الذي أحاط‬
‫بكل شيء علما"(‪.)387‬‬

‫‪ -95‬المؤخر(‪( :)388‬المقدم‪ -‬المؤخر)‬

‫‪ -96‬المؤمن(‪:)389‬‬

‫(‪ )382‬احلق الواضح املبني (ص‪.)101-100‬‬


‫اّلِلُ َعلَى ُك َّل َش مي ٍء ُم َقيتاً} (النساء‪.)126 :‬‬ ‫{وَكا َن ه‬ ‫(‪ )383‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )384‬التفسري (‪.)625/5‬‬
‫(‪ )385‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "املالك"‪.‬‬
‫اْلَبه ُار} (احلشر‪.)23 :‬‬ ‫(‪ )386‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪{ :‬الم ُم َهمي َم ُن الم َع َز ُيز م‬
‫(‪ )387‬التفسري (‪.)624/5‬‬
‫(‪ )388‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "املقدم"‪.‬‬
‫الم الم ُم مؤَم ُن الم ُم َهمي َم ُن الم َع َز ُيز م‬ ‫َ‬ ‫(‪ )389‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل {هو ه َ‬
‫اْلَبه ُار‬ ‫ُّوس ال هس ُ‬ ‫اّلِلُ الهذي ال إَلَهَ إَهال ُه َو الم َمل ُ‬
‫ك الم ُقد ُ‬ ‫َُ‬
‫اّلِلَ َع هما يُ مش َرُكو َن} (احلشر‪.)23 :‬‬
‫الم ُمتَ َكََّبُ ُسمب َحا َن ه‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال‪ ،‬وبكمال‬
‫الجالل والجمال‪ ،‬الذي أرسل رسله وأنزل كتبه باآليات‪ ،‬والبراهين وصدق رسله‬
‫بكل آية وبرهان‪ ،‬يدل على صدقهم وصحة ماجاؤا به"(‪.)390‬‬

‫‪ -97‬النافع(‪( :)391‬النافع‪ -‬الضار)‬

‫‪ -98‬النور(‪:)392‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬ومن أسمائه الحسنى النور فالنور وصفه العظيم‪ ،‬وأسماؤه‬
‫حسنى‪ ،‬وصفاته أكمل الصفات له تعالى رحمة‪ ،‬وحمد‪ ،‬وحكمة‪ ،‬وهو نور‬
‫السماوات واألرض(‪)393‬الذي نور قلوب العارفين بمعرفته‪ ،‬واإليمان به ونور‬
‫أفئدتهم بهدايته‪ ،‬وهو الذي أنار السماوات واألرض باألنوار التي وضعها‪.‬‬
‫وحجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه(‪.)394‬‬
‫وبنوره استنارت جنات النعيم‪ .‬والنور الذي هو وصفه من جملة نعوته العظيمة‬
‫وأما النور المخلوق فهو نوعان‪:‬‬

‫نور حسي كنور الشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والكواكب‪ ،‬وسائر المخلوقات المدرك نورها‬
‫باألبصار‪.‬‬

‫والثاني نور معنوي‪ ،‬وهو نور المعرفة‪ ،‬واإليمان‪ ،‬والطاعة فإن لها نورا في‬
‫قلوب المؤمنين بحسب ما قام في قلوبهم من حقائق المعرفة مواجيد اإليمان‪،‬‬
‫وحالوة الطاعة‪ ،‬وسرور المحبة‪.‬‬

‫(‪ )390‬التفسري (‪.)624/5‬‬


‫(‪ )391‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل "الباسط"‪.‬‬
‫{اّلِل نُور ال هسماو َ‬
‫ات َو ماأل مَرض} (النور‪.)35 :‬‬ ‫(‪ )392‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪ :‬هُ ُ َ َ‬
‫(‪ )393‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)125‬‬
‫(‪ )394‬التفسري (‪.)628/5‬‬
‫وهذا النور هو الذي يمنع صاحبه من المعاصي ويجذبه إلى الخير ويدعوه إلى‬
‫كمال اإلخالص هلل‪ ،‬ولهذا كان من دعاء النبي صلى هللا عليه وسلم‪" :‬اللهم اجعل‬
‫في قلبي نورا ً وفي سمعي نورا ً وفي بصري نورا ً ومن بين يدي نورا ً ومن خلفي‬
‫نورا ً وفوقي نورا ً وتحتي نورا ً اللهم اعطني نورا وزدني نورا"(‪.)395‬‬

‫وهذا النور الذي يعطيه هللا عبده أعظم منّة منها عليه وأصل الخير‪ .‬وهذا النور‬
‫مهما قوي فإنه مخلوق‪ ،‬فإياك أن تضعف بصيرتك ويقل تمييزك وعلمك فتظن‬
‫هذا النور نور العيان ومشاهدة القلب لنور الذات المقدسة‪ ،‬وإنما هو نور المعرفة‪-‬‬
‫واإليمان‪ ،‬ويبتلى بهذا بعض الصوفية الذين ترد عليهم الواردة القوية فيقع منهم‬
‫من الشطح‪ ،‬والخطل ما ينافي العلم‪ ،‬واإليمان كما أن كثيف الطبع جافي القلب قد‬
‫تراكمت عليه الظلمات‪ ،‬وتوالت عليه الغفالت فلم يكن له من هذا النور حظ‪ ،‬وال‬
‫نصيب بل ربما ازدرى من سفاهة عقله وقلة وجده هذه األحوال وزهد فيها‪ ،‬فمتى‬
‫من هللا على العبد بمعرفة صحيحه متلقاة من الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وتفقه في أسماء‬ ‫َّ‬
‫هللا‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وتعبد هلل بها‪ ،‬واجتهد أن يحقق مقام اإلحسان فيعبد هللا كأنه يراه‬
‫فإن لم يكن يراه فإنه يراه ولهج بذكر هللا تعالى استنار قلبه‪ ،‬وحصل له من لذة‬
‫المعرفة‪ ،‬ومواجيد اإليمان أعظم اللذات‪ ،‬وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو‬
‫الفضل العظيم(‪.)396‬‬

‫والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار هللا قلبه فانكشفت له حقائق األشياء‪ ،‬وحصل له‬
‫فرقان يفرق به بين الحق‪ ،‬والباطل‪ ،‬وصار هذا النور هو مادة حياة العبد‪ ،‬وقوته‬
‫على الخير علماً‪ ،‬وعمالً‪ ،‬وانكشفت عنه الشبهات القادمة في العلم واليقين‪،‬‬
‫والشهوات الناشئة عن الغفلة والظلمة وكان قلبه نورا وكالمه نورا وعمله نورا‬
‫والنور محيط به من جهاته‪.‬‬

‫والكافر أو المنافق أو المعارض أو المعرض الغافل كل هؤالء يتخبطون في‬


‫الظلمات كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها وهللا الموفق‬
‫وحده(‪.)397‬‬
‫(‪ )395‬أخرجه مسلم (‪ )529/1‬كتاب صالة املسافرين وقصرها ابب الدعاء يف الصالة وهو جزء =من حديث ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )396‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)130 -129‬‬
‫(‪ )397‬احلق الواضح املبني (ص‪.)95-94‬‬
‫‪ -99‬الهادي(‪:)398‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الهادي أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى‬
‫دفع المضار‪ ،‬ويعلمهم ما ال يعلمون ويهديهم بهداية التوفيق والتسديد ويلهمهم‬
‫التقوى ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة ألمره" (‪.)399‬‬

‫(‪)400‬‬
‫‪ -100‬الواحد‬

‫(‪)401‬‬
‫‪ -101‬الواسع‬

‫قال رحمه هللا‪" :‬الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث ال يحصى أحد ثناء‬
‫عليه‪ ،‬بل هو كما اثنى على نفسه‪ ،‬واسع العظمة‪ ،‬والسلطان‪ ،‬والملك‪ ،‬واسع‬
‫الفضل‪ ،‬واإلحسان عظيم الجود والكرم"(‪.)402‬‬

‫‪ -102‬الودود(‪:)403‬‬

‫ك ه َادايً ونَ َ‬
‫صرياً} (الفرقان‪:‬‬ ‫ََ‬
‫تعاىل‪{:‬وَك َفى بَربّ َ َ َ‬
‫َ‬ ‫(‪ )398‬مل أقف على دليل يدل على امسيته هلل تعاىل وإَّنا ورد بلفظ الصفة كما قال‬
‫‪.)31‬‬
‫(‪ )399‬التفسري (‪.)631/5‬‬
‫(‪ )400‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل األحد‪.‬‬
‫اّلِلُ َو َاس ٌع َعلَ ٌيم} (البقرة‪.)268 :‬‬ ‫اّلِلُ يَعَ ُد ُك مم َمغم َفَرةً َمنمهُ َوفَ م‬
‫ضالً َو ه‬ ‫{و ه‬ ‫(‪ )401‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )402‬التفسري (‪.)631/5‬‬
‫ود} (الَبوج‪.)14 :‬‬
‫ور الم َوُد ُ‬
‫{وُه َو المغَ ُف ُ‬
‫(‪ )403‬ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الودود هو المحب المحبوب بمعنى واد ومودود(‪ )404‬فهو‬
‫الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم ويحبونه فهو أحب إليهم من كل شيء قد‬
‫امتلئت قلوبهم من محبته‪ ،‬ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه‪ ،‬وانجذبت أفئدتهم إليه ودا ً‬
‫واخالصا ً وإنابة من جميع الوجوه(‪.)405‬‬

‫وال تعادل محبة هللا من أصفيائه محبة أخرى‪ ،‬ال في أصلها وال في كيفيتها وال‬
‫في متعلقاتها وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة هللا في قلب العبد سابقة‬
‫لكل محبة غالبة كل محبة ويتعين أن تكون بقية المحاب تبعا ً لها‪.‬‬

‫ومحبة هللا هي روح األعمال‪ ،‬وجميع العبودية الظاهرة‪ ،‬والباطنة ناشئة عن محبة‬
‫هللا‪ ،‬ومحبة العبد لربه فضل من هللا وإحسان‪ ،‬ليست بحول العبد‪ ،‬وال قوته فهو‬
‫تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه هللا‬
‫بحب آخر‪ ،‬فهذا هو اإلحسان المحض على الحقيقة‪ ،‬إذ منه السبب ومنه المسبب‬
‫ليس المقصود منها المعارضة وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده‬
‫ولشكرهم‪ ،‬فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد‪ ،‬فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في‬
‫قلوب المؤمنين‪ ،‬ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب األصفياء إلى‬
‫حالة تتضاءل عندها جميع المحاب‪ ،‬وتسليهم عن األحباب وتهون عليهم المصائب‬
‫وتلذذ لهم مشقة الطاعة‪ ،‬وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعالها‬
‫محبة هللا والفوز برضاه واألنس بقربه‪ ،‬فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من‬
‫ربه‪ :‬فمحبة قبلها صار بها محب لربه‪ ،‬ومحبة بعدها شكرا ً من هللا على محبة‬
‫صار بها من أصفيائه المخلصين‪ ،‬وأعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي‬
‫هي أعظم المطالب‪ ،‬اإلكثار من ذكره والثناء عليه وكثرة اإلنابة إليه‪ ،‬وقوة‬
‫التوكيل عليه‪ ،‬والتقرب إليه بالفرائض والنوافل‪ ،‬وتحقيق اإلخالص له في األقوال‬
‫واألفعال‪ ،‬ومتابعة النبي صلى هللا عليه وسلم ظاهرا ً وباطنا ً قال تعالى‪( :‬قُ ْل ِإ ْن‬
‫َّللا فَات َّ ِبعُونِي يُحْ ِب ْب ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ)(‪.)407( " )406‬‬ ‫ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ‬

‫(‪ )404‬احلق الواضح املبني (ص‪.)69‬‬


‫(‪ )405‬التفسري (‪.)626/5‬‬
‫(‪ )406‬آل عمران (‪.)31‬‬
‫(‪ )407‬احلق الواضح املبني (‪ )70-69‬وانظر‪ :‬توضيح الكافية الشافية (ص‪.)125-124‬‬
‫‪ -103‬الوكيل(‪:3)408‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪" :‬الوكيل‪ :‬المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول‬
‫حكمته والذي تولى أولياءه فيسرهم لليسرى وجنبهم العسرى وكفاهم األمور‪ .‬فمن‬
‫ت إِلَى النُّ ِ‬
‫ور)(‪")409‬‬ ‫ي الَّذِينَ آ َمنُوا ي ُْخ ِر ُج ُه ْم ِمنَ ُّ‬
‫الظلُ َما ِ‬ ‫أتخذه وكيالً كفاه‪َّ ( .‬‬
‫َّللاُ َو ِل ُّ‬
‫(‪.)410‬‬

‫‪ -104‬الوهاب(‪.)411‬‬

‫ٍ َ‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )408‬ودليل هذا االسم قال تعاىل‪ :‬ه َ‬


‫{اّلِلُ َخال ُق ُك َّل َش ميء َوُه َو َعلَى ُك َّل َش ميء َوك ٌ‬
‫يل} (الزمر‪.)62 :‬‬
‫(‪)409‬البقرة (‪.)257‬‬
‫(‪ )410‬التفسري (‪.)626/5‬‬
‫(‪ )411‬سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه "الَب"‪.‬‬
‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل الذي بحمده تتم الصالحات‪ ،‬وأحمده على توفيقه‪ ،‬وأثنى عليه الخير كله‬
‫ال أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف‬
‫األنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫ففي نهاية هذا البحث الذي حرصت فيه ‪ -‬قدر إمكاني ‪ -‬على إخراجه بصورة‬
‫واضحة ميسرة‪ ،‬وقد عنيت فيه ببيان جهود العالمة عبد الرحمن السعدي في‬
‫تفاسير األسماء الحسنى‪ ،‬والذي أظهر فيها حرصه رحمه هللا الشديد على بيان‬
‫معتقد السلف الصالح في باب األسماء والصفات خاصة والشيخ رحمه هللا يشرح‬
‫األسماء الحسنى على منهج السلف معتمدا ً على األدلة النقلية أدلة الكتاب والسنة‪.‬‬

‫ومما خلصت به من هذا البحث يتلخص بالنقاط التالية‪:‬‬

‫‪-1‬اإلقرار واالعتقاد بجميع ما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء هلل‪ ،‬وصفات‪،‬‬


‫وأفعال‪.‬‬

‫‪-2‬إثبات جميع ما أثبته هللا لنفسه وما أثبته له رسوله صلى هللا عليه وسلم من‬
‫صفات الكمال ونعوت الجالل‪.‬‬

‫‪-3‬نفي جميع ما نفاه هللا عن نفسه وما نفاه عنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من‬
‫النقائص والعيوب‪ ،‬من غير تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬وال تكييف‪ ،‬وال تمثيل‪.‬‬

‫‪-4‬اهتمام الشيخ رحمه هللا بالقواعد والضوابط في هذا المجموع‪ ،‬وذلك مما يعين‬
‫طلبة العلم على فهم مسائل هذا الباب العظيم‪.‬‬

‫‪-5‬أن أسماء هللا الحسنى عند السلف توقيفية ال تؤخذ من غير النصوص‬

‫ص ‪-246-‬‬

‫الشرعية الثابتة‪.‬‬
‫‪-6‬اهتمام الشيخ رحمه هللا في شرحه لألسماء الحسنى في اظهار معنى االسم‬
‫وداللته على عظمة هللا تعالى وأثر اإليمان بذلك‪.‬‬

‫‪-7‬أن أسماء هللا غير محصورة بعدد معين ولم يصح حديث في تعيينها‪.‬‬

‫‪-8‬المراد باسم هللا األعظم والجمع بين النصوص في ذلك‪.‬‬

‫‪-9‬أن المراد بإحصاء األسماء الحسنى هو اجتماع ثالثة أمور‪:‬‬

‫أ‪-‬إحصاء ألفاظها وعدها‪.‬‬

‫ب‪-‬فهم معانيها ومدلولها‪.‬‬

‫ج‪-‬دعاء هللا سبحانه وتعالى بها‪.‬‬

‫وفي الختام فهذا جهد أسأل هللا أن يجعله خالصا ً لوجهه سبحانه‪ ،‬وأن يبارك فيه‬
‫وينفع به من ألفه‪ ،‬وجمعه‪ ،‬وكتبه‪ ،‬وقرأه‪ ،‬وسمعه‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

You might also like