Professional Documents
Culture Documents
إن الحمد هلل نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال
إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى هللا عليه
وعلى آله وصحبه وسلم.
َّللا َح َّق تُقَاتِ ِه َوال ت َ ُموت ُ َّن ِإال َوأ َ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمونَ )(.)1
(يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا اتَّقُوا َّ َ
ثاح َدةٍ َو َخلَقَ ِم ْن َها زَ ْو َج َها َو َب َّ اس اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّذِي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍس َو ِ ( َيا أَيُّ َها النَّ ُ
علَ ْي ُك ْم
َّللا َكانَ َ ام ِإ َّن َّ َ َّللا الَّذِي ت َ َ
سا َءلُونَ ِب ِه َو ْاأل َ ْر َح َ سا ًء َواتَّقُوا َّ َ ِم ْن ُه َما ِر َجاالً َك ِثيرا ً َو ِن َ
َرقِيبا ً)(.)2
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب هللا ،وخير الهدي هدي محمد صلى هللا عليه وسلم وشر
األمور محدثاتها ،وك ّل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضاللة ،وكل ضاللة في النّار.
أن هللا أمر المؤمنين باإليمان به في غير موضع في اعلم -وفقني هللا وإياك ّ -
سو ِل ِه)(.)5 كتابه ،فقال سبحانه وتعالى( :يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِآمنُوا بِ َّ
اَّللِ َو َر ُ
وإن مما يبين أه ّميّة موضوع أسماء هللا الحسنى أمورا ً كثيرة منها:
إن العلم باهلل ،وأسمائه ،وصفاته أشرف العلوم ،وأجلها على اإلطالق ّ
ألن ّ -1
شرف العلم بشرف المعلوم ،والمعلوم في هذا العلم هو هللا سبحانه ،وتعالى
بأسمائه ،وصفاته وأفعاله ،فاالشتغال بفهم هذا العلم اشتغال بأعلى المطالب،
وحصوله للعبد من أشرف المواهب (.)6
-2إن معرفة هللا تعالى تدعو إلى محبته ،وخشيته ،وخوفه ،ورجائه ،ومراقبته،
وإخالص العمل له ،وهذا هو عين سعادة العبد ،وال سبيل إلى معرفة هللا إال
بمعرفة أسمائه الحسنى ،والتفقه في معانيها.
-3إن معرفة هللا سبحانه وتعالى بأسمائه الحسني مما يزيد اإليمان كما قال الشيّخ
"أن اإليمان بأسماء هللا الحسنى ،ومعرفتها يتض ّمن أنواع ابن سعدي رحمه هللاّ :
التوحيد الثالثة ،توحيد الربوبيّة ،وتوحيد األلوهية ،وتوحيد األسماء ،والصفات،
وهذه األنواع هي َروح اإليمان وروحه ( ،)7وأصله وغايته فكلّما ازداد العبد
معرفة بأسماء هللا ،وصفاته ازداد إيمانه ،وقوي يقينه (.)8
( )6درء تعارض العقل والنقل لشيخ اإلسالم ابن تيمية ( )27،28/1والفتوى احلموية له ضمن جمموع الفتوى لشيخ اإلسالم
ابن تيمية ( )6/5وإعالم املوقعني البن القيم ( )49/1وتيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان السعدي (.)24/1
الرّوح :الفرح .انظر :لسان العرب (.)459/2
(َ )7
( )8التوضيح والبيان لشجرة اإلميان للسعدي (ص.)41
ي من شمول ،ودقة في الفهم على -3لما يتّسم به شرح األسماء الحسنى لل ّ
سعد ّ
منهج سلف األمة ،مع غوص في بيان المعاني اإليمانيّة لألسماء الحسنى ،وبيان
آثار اإليمان بها ،ق ّل أن تجده عند غيره رحمه هللا تعالى.
-4من خالل مطالعتي لتفسير السعدي رحمه هللا ،وجدته عقد فصالً في شرح
األسماء الحسنى بعد تفسيره لسورة النحل.
وكان ممن له أثر كبير في ذلك األخ الدكتور /عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد
وفقه هللا تعالى ،حيث أتحفني بفهرس لمواطن األسماء الحسنى من كتب ابن
سعدي رحمه هللا تعالى فجزاه هللا خير الجزاء.
ولهذه األسباب وغيرها رغبت في إخراج هذا المجموع ،وهللا الهادي لسواء
السبيل.
خطة البحث:
القسم الثاني :عرض شرح أسماء هللا الحسنى للسعدي جمعا ً ودراسة.
منهجي في البحث:
أوالً :جمع المادة العلمية من كتب الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه هللا وهى من
الكتب اآلتية:
-1تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان.
-2تيسير اللطيف المنان في خالصة تفسير القرآن ،وقد أشرت إليه في العزو باسم
الخالصة.
-3توضيح الكافية الشافية.
-4الحق الواضح المبين في شرح توحيد األنبياء والمرسلين من الكافية الشافية.
-5المواهب الربانية من اآليات القرآنية.
-6بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخبار.
-7مجموع الفوائد واقتناص األوابد.
ثانياً :النظر فيما قاله عن كل اسم من أسماء هللا الحسنى ،وتأليفه ،وترتيبه ،وحذف
ما تكرر منه.
ثالثاً :ترتيب األسماء الحسنى حسب حروف الهجاء مع ترقيمها ترقيما ً تسلسليا ً ثم
عرض ما قاله الشيخ عن االسم وجعله بين عالمتي تنصيص.
هذا وإن الحمد هلل تعالى على التمام ،وله الشكر على كل حال أحمده سبحانه أن
يسر لي إخراج هذا المجموع عسى هللا أن ينفع به جامعه ،وقارئه ،وكل من
سمعه.
كما أسأله سبحانه أن يكون هذا العمل متقبالً عنده وسائر أعمالي إنه سميع مجيب.
وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القسم األول :الدراسة وتشتمل على:
المبحث األول
ترجمة موجزة عن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه
()9
هللا
أوالً :اسمه ونسبه:
هو الشيخ العالمة أبو عبد هللا عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا بن ناصر بن
حمد آل سعدي ،من بني تميم.
ثانياً :مولده:
ولد في عنيزة في القصيم في الثاني عشر من محرم سنة ألف وثالثمائة وسبع
من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصالة والتسليم.
ثالثاً :نشأته:
نشأ الشيخ يتيما ً فقد توفيت أمه وله أربع سنين ،وتوفى والده وله سبع سنين،
ولكنه نشأ نشأة صالحة وقد أثار اإلعجاب فقد اشتهر منذ حداثته بفطنته ،وذكائه،
ورغبته الشديدة في طلب العلم وتحصيله ،فحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره أحد
عشر سنة ثم اشتغل بالعلم على يد علماء بلده فاجتهد في طلب العلم و َج ّد فيه
وسهر الليالي وواصل األيام حتى نال الحظ األوفر من كل فن من فنون العلم ولما
ُعلّم.
بلغ من العمر ثالثا ً وعشرين سنة جلس للتدريس فكان َيت َعلم وي ِ
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وتلميذه ابن القيم،
وحصل له خير كثير بسببيهما في علم األصول والتوحيد ،والتفسير ،ولغته،
وغيرها من العلوم النافعة .وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار ال
يتقيد بالمذهب الحنبلي ،بل يرجح ما ت ََر ّجح عنده بالدليل الشرعي ،وال يطعن في
علماء المذاهب .وله مكانة مرموقة في علم التفسير إذ قرأ عدة تفاسير وبرع فيه
وألف تفسيرا ً جليالً ،في ثمان مجلدات ،فسره بالبديهية من غير أن يكون عنده
وقت لتصنيف كتاب تفسير وال غيره.
دائما ً يقرأ تالميذه في القرآن الكريم ويفسره ارتجاالً ،ويستطرد ،ويبين من معاني
القرآن ،وفوائده ،ويستنبط منه الفوائد البديعة والمعاني الجليلة ،حتى أن سامعه
يو ّد أن ال يسكت ،لفصاحته ،وجزالة لفظه ،وتوسعه في سياق األدلة ،والقصص،
ومن اجتمع به وقرأ عليه وبحث معه عرف مكانته العلمية ،وكذلك من قرأ
مصنفاته وفتاويه.
سادساً :مصنفاته:
كان رحمه هللا تعالى ذا عناية بالغة بالتأليف فشارك في كثير من فنون العلم فألّف
في التوحيد ،والتفسير ،والفقه ،والحديث ،واألصول ،واآلداب ،وغيرها ،وأغلب
مؤلفاته مطبوعة إال اليسير منها ،وإليك سرد لهذه المؤلفات:
-1األدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين.
-2اإلرشاد إلى معرفة األحكام.
-3انتصار الحق.
-4بهجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار في شرح جوامع األخيار.
-5التعليق وكشف النقاب على نظم قواعد اإلعراب.
-6توضيح الكافية الشافية.
-7التوضيح والبيان لشجرة اإليمان.
-8التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة.
-9تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغالله.
-10تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان.
-11تيسير اللطيف المنان في خالصة تفسير القرآن.
-12الجمع بين اإلنصاف ونظم ابن عبد القوي.
-13الجهاد في سبيل هللا ،أو واجب المسلمين وما فرضه هللا عليهم في كتابه
نحو دينهم وهيئتهم االجتماعية.
-14الحق الواضح المبين في شرح توحيد األنبياء والمرسلين من الكافية
الشافية.
-15حكم شرب الدخان.
-16الخطب المنبرية على المناسبات.
-17الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية.
-18الدرة المختصرة في معان دين اإلسالم.
-19الدالئل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين اإلسالمي.
-20الدين الصحيح يحل جميع المشاكل.
-21رسالة في القواعد الفقهية.
-22رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة.
-23الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة
الفاخرة.
-24سؤال وجواب في أهم المهمات.
-25طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط واألصول.
-26الفتاوى السعدية.
-27فتح الرب الحميد في أصول العقائد والتوحيد.
-28فوائد مستنبطة من قصة يوسف.
-29الفواكه الشهية في الخطب المنبرية.
-30القواعد الحسان لتفسير القرآن.
-31القواعد واألصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة.
-32القول السديد في مقاصد التوحيد.
-33مجموع الخطب في المواضيع النافعة.
-34مجموع الفوائد واقتناص األوابد.
-35المختارات الجلية من المسائل الفقهية.
-36المواهب الربانية من اآليات القرآنية.
-37منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين.
-38المناظرات الفقهية.
-39منظومة في أحكام الفقه.
-40منظومة في السير إلى هللا والدار اآلخرة.
-41وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني وبيان كليات من
براهين الدين.
-42الوسائل المفيدة للحياة السعيدة.
-43يأجوج ومأجوج .طبع دار لينا ،مصر ،دمنهور ،الطبعة األولى 1418ه.
سابعاً :وبعد عمر دام تسعا ً وستين سنة قضاها في التعلم والتعليم والتأليف وخدمة
األمة اإلسالمية وافاه األجل المحتوم فتوفى سنة 1376ه في مدينة عنيزة من بالد
القصيم رحمه هللا رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
المبحث الثاني :منهج الشيخ ابن السعدي رحمه هللا في
األسماء الحسنى
من خالل مطالعتي ،وجمعي لألسماء الحسنى للسعدي -رحمه هللا -تبين لي من
منهجه ما يأتي:
أوالً :بالنسبة لمنهجه في األسماء الحسنى فإن السعدي -رحمه هللا -لم يتقيّد بمن
سبقه ممن ألف في األسماء الحسنى .ألنني وجدت بعض األسماء التي أوردها ال
توجد في هذه الكتب فأحيانا ً يزيد عليها ،وأحيانا ً ينقص عنها في بعض األسماء.
كما أنه لم يعتمد على حديث أبي هريرة في سرد األسماء الحسنى فمثالً أورد اسم
هللا تعالى «الستار» وهذا االسم لم يرد في حديث أبي هريرة وال في أي رواية
من رواياته الواردة ،وهللا أعلم.
فقد يكون -رحمه هللا -اعتمد على ما ظهر له أنها أسماء هللا تعالى من نصوص
الكتاب ،والسنة ،وهللا أعلم.
ثانياً :من األمور الذي تميز بها هذا المجموع ما ظهر لي من منهج الشيخ -رحمه
هللا تعالى -من العناية ،واالهتمام بقواعد األسماء ،والصفات كما يتبين ذلك من
خالل إيراده لهذه القواعد في هذا المجموع ومن ذلك:
القاعدة الثالثة :داللة األسماء على الذات ،والصفات تكون بالمطابقة ،والتضمن،
وااللتزام (.)12
ثالثاً :من منهج الشيخ رحمه هللا أنه أدخل في األسماء الحسنى األسماء المضافة
مثل «بديع السموات واألرض» و «ذو الجالل واإلكرام» و«الفعال لما يريد»
وغيرها.
وكذلك ما أخذ بطريق اإلشتقاق ولم أقف على نص ينص على تسميته هلل مثل
«الستار» و«الهادي» و «الرشيد» وغيرها .وقد بينت في الدراسة ما تر ّجح لي
في األسماء المضافة ،واالشتقاق (.)14
شيخ -رحمه هللا تعالى -لشرحه أسماء هللا الحسنى ببيانرابعاً :اتسم منهج ال ّ
المعنى الظاهر لالسم مع الغوص في بيان المعاني اإليمانية لألسماء الحسنى،
وبيان آثار اإليمان بها.
وهذه السمة مما ميّزت شرحه على كثير من شروح األسماء الحسنى مع إغفاله
لألوجه اللغوية لالسم ،وهذا ظاهر في أغلب األسماء التي شرحها رحمه هللا
تعالى.
وذلك أن أسماء هللا تعالى من األمور الغيبية التي ال يمكن لنا معرفة شيء منها إال
عن طريق الرسل الذين يطلعهم هللا على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس
فال يجوز القياس فيها أو اإلجتهاد ألن هذا الباب ليس من أبواب االجتهاد.
قال أبو إسحاق الزجاج" :ال ينبغي ألحد أن يدعو هللا بما لم يصف به نفسه"(.)15
وقال أبو سليمان الخطابي" :ومن علم هذا الباب؛ أعني األسماء ،والصفات ،ومما
يدخل في أحكامه ،ويتعلق به من شرائط أنه ال يتجاوز فيها التوقيف ،وال يستعمل
فيها القياس ،فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر ،وضع اللغة ،ومتعارف الكالم،
فالجواد :ال يجوز أن يقاس عليه السخي ،وإن كانا متقاربين في ظاهر الكالم،
وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد ،ثم إن السخاوة موضوعة
في باب الرخاوة واللين ،يقال :أرض سخية وسخاوية إذا كان فيها لين ورخاوة،
وكذلك ال يقاس عليه السمح لما يدخل السماحة من معنى اللين ،والسهولة.
وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السحاب إذا أمطر فأغزر ،وفرس
جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في األسماء القوى ،وال يقاس عليه الجلد ،وإن كان يتقاربان في نعوت
األدميين ألن باب التجلد يدخله التكلف ،واإلجتهاد.
وفي أسمائه العليم ،ومن صفته العلم فال يجوز قياسا ً عليه أن يسمى عارفا ً لما
تقتضيه المعرفة من تقديم األسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك ال
يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى ،وال يغفل فإن عائدته عظيمة ،والجهل به ضار،
وباهلل التوفيق.اه (.)17
لكنها :أي األسماء الحسنى ،في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص
الشرع ،وورود السمع بها.
أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطالق األسماء الحسنى، ومما يجب أن يُعلم ّ
والصفات العلى على الباري جل وعال إذا ورد بها اإلذن من الشارع ،وعلى
امتناعه على ما ورد المنع عنه .اه(.)18
فالحق أن :أسماء هللا تعالى توقيفية؛ ألنها من األمور الغيبية التي ال تُعلم إال بما
جاء عن هللا وعن رسوله صلى هللا عليه وسلم.
فال مجال للقياس ،وإعمال العقل فيها إثباتا ً أو نفيا ً ألن العقل ال يمكنه إدراك ما
يستحقه هللا من األسماء لقوله صلى هللا عليه وسلم" :ال نحصى ثناءا ً عليك أنت
كما أثنيت على نفسك"(.)19
( )17شأن الدعاء (ص.)112-111
( )18لوامع األنوار البهية وسواطع األسرار األثرية شرح الدرة املضية يف عقيدة الفرقة املرضية (.)124/1
( )19أخرجه مسلم يف صحيحه ( )352/1كتاب الصالة ابب ما يقال يف الركوع والسجود.
فإذا تبين ّ
أن أسماء هللا تعالى توقيفية فال يجوز أن يشتق من الفعل أو من الصفة
اسما ً هلل تعالى.
وما ورد مقيدا ً أو مضافا ً من األسماء في القرآن أو السنة فال يكون اسما ً بهذا
الورد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إال مقيدا ً في قوله تعالىِ ( :إنَّا ِمنَ ْال ُمجْ ِر ِمينَ
ُم ْنت َ ِق ُمونَ )(.)21
عا ِل ُم ْالغَ ْي ِ
ب َوال َّ
ش َها َد ِة)(.)22 وما ورد مضافا ً مثلَ ( :
فال يؤخذ هذا االسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر.
وإذا ورد في الكتاب ،والسنة اسم فاعل يدل على نوع من األفعال ليس بعام شامل
فهذا ال يكون من األسماء الحسنى ألن األسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل
على الذات ،وال تدل على معنى خاص مثل مجرى السحاب ،هازم األحزاب،
الزارع ،الذاري(.)23
( )20انظر مدارج السالكني البن القيم ( )415/3والقواعد املثلى البن عثيمني (ص.)21
( )21السجدة (.)22
( )22الرعد (.)9
( )23انظر رسالة أقوم ما قيل يف القضاء والقدر واحلكمة والتعليل لشيخ اإلسالم ابن تيمية ضمن جمموع الفتاوي ()196/8
ومعارج القبول للحكمي ( )73 ،72/1وشرح القواعد املثلى البن عثيمني شريط ( )2وجه ( )1وكتاب أمساء هللا احلسىن
للغصن (ص.)136
المبحث الرابع :حديث "هلل تسعة وتسعون اسماً"
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال :قال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم" :هلل تسعة وتسعون اسما ً مائة إال واحدة ال يحفظها أحد
إال دخل الجنة ،وهو وتر يحب الوتر"
وفي رواية" :من أحصاها( )24دخل الجنة" وهذا الحديث متفق على صحته(.)25
وقد وردت روايات أخرى للحديث بطرق أخرى مختلفة تزيد على الحديث السابق
()26
بذكر أسماء من أسماء هللا تعالى ،والحديث ورد بثالث طرق عند الترمذي
وابن ماجه( )27والحاكم( ،)29( )28وهذه الطرق ضعفت من جهة اإلسناد ،ومن جهة
المتن كما بينه جمع من العلماء ،والمحققين ،وإليك أقوالهم.
قال البيهقي رحمه هللا في حديثه عن رواية عبد العزيز بن الحصين :يحتمل أن
يكون التفسير وقع من بعض الرواة ،وكذلك في حديث الوليد ابن مسلم (.)30
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا" :قد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن
هاتين الروايتين -يعني روايتي الترمذي من طريق الوليد وابن ماجه من طريق
( )24اختلف العلماء يف بيان املراد ابإلحصاء على أقوال أظهرها وهللا أعلم ما ذكره ابن القيم يف بدائع الفوائد 164/1حيث
قال« :واحصاؤها مراتب :املرتبة األوىل :احصاء ألفاظها وعدها .والثانية :فهم معانيها ومدلوهلا .والثالثة :دعاؤه هبا كما قال
احلُ مس َىن فَ مادعُوهُ َهبَا} األعراف آية ( .)180وهو مرتبان :احدها :دعاء ثناء وعبادة .والثانية« :دعاء {وَهّلِلَ األ م
َمسَاءُ م تعاىلَ :
طلب ومسألة»أ.هـ .وهذا اختيار ابن سعدي رمحه هللا .انظر احلق الواضح املبني ص ،22وملزيد بيان هلذه املسألة انظر
فتح الباري ،226/11والنهج األمسى .46/1
( )25صحيح البخاري ( )169/7كتاب الدعوات ،ابب هلل عز وجل مائة اسم غري واحد .ومسلم (2062/4و )2063
كتاب الذكر ،ابب يف أمساء هللا تعاىل وفضل من أحصاها.
( )26سنن الرتمذي (ح .)3574
( )27سنن ابن ماجه (ح .)3861
( )28مستدرك احلاكم (.)17/1
( )29وقد مجع هذه الطرق وبني أقوال أهل العلم عليها وحكم عليها الشيخ /حممد بن محد احلمود يف كتابه النهج األمسى يف
شرح أمساء هللا احلسىن ( )50/1وكذلك الشيخ /عبد هللا بن صاحل الغصن يف كتابه أمساء هللا احلسىن (ص .)155
( )30األمساء والصفات للبيهقي (.)32/1
عبد الملك بن محمد -ليستا من كالم النبي صلى هللا عليه وسلم وإنما كل منهما
من كالم بعض السلف"(.)31
وقال أيضاً :أن التسعة والتسعين اسما ً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي
صلى هللا عليه وسلم ،وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد
بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة ،وحفاظ أهل الحديث يقولون :هذه الزيادة مما
جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث وفيها حديث ثان أضعف من
هذا ،رواه ابن ماجه ،وقد روى في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض
السلف (.)32
وقال ابن كثير رحمه هللا" :الذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد األسماء
في هذا الحديث -أي حديث الوليد عند الترمذي -مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه
الوليد بن سلم ،وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن
غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن.)33("...
ونقل ابن حجر عن ابن عطية رحمهما هللا قوله" :حديث الترمذي ليس بالمتواتر
وبعض األسماء التي فيه شذوذ"( )35وهللا أعلم.
"واإلله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجالل ،فقد دخل في هذا االسم
جميع األسماء الحسنى ،ولهذا كان القول الصحيح إن هللا أصله اإلله وأن اسم هللا
هو الجامع لجميع األسماء الحسنى والصفات العلى وهللا أعلم"(.)37
-2هللا(:)38
قال رحمه هللا تعالى" :هللا :هو المألوه المعبود ،ذو األلوهية ،والعبودية على خلقه
أجمعين ،لما اتصف به من صفات األلوهية التي هى صفات الكمال( ،)39وأخبر
أنه هللا الذي له جميع معاني األلوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني األلوهية
كلها ،التي توجب أن يكون المعبود وحده المحمود وحده المشكور وحده المعظم
المقدس ذو الجالل واإلكرام(.)40
واسم هللا هو الجامع لجميع األسماء الحسنى ،والصفات العلى ،وهللا أعلم(.)41
فإذا تدبر اسم هللا عرف أن هللا تعالى له جميع معاني األلوهية ،وهي كمال
الصفات واإلنفراد بها ،وعدم الشريك في األفعال ألن المألوه إنما يؤله لما قام به
من صفات الكمال فيحب ويخضع له ألجلها ،والباري جل جالله ال يفوته من
صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه ،أو يؤله أو بعبد ألجل نفعه وتوليه ونصره
أن هللا تعالى هو المالك فيجلب النفع لمن عبده فيدفع عنه الضرر ،ومن المعلوم َّ
وأن أحدا ً من الخلق ال يملك لنفسه وال لغيره نفعا ً وال ضرا ً وال موتا ً
لذلك كلهَّ ،
أن هللا وحده المألوه أوجب له أن يعلق بربه وال حياة وال نشورا فإذا تقرر عنده َّ
حبه وخوفه ورجاءه ،وأناب إليه في كل أموره ،وقطع اإللتفات إلى غيره من
ض وَك َفى َاب هّلِلَ َ َ َ ( )36ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل( :إَهَّنَا ه َ َ
اّلِلُ إلَهٌ َواح ٌد ُسمب َحانَهُ أَ من يَ ُكو َن لَهُ َولَ ٌد لَهُ َما يف ال هس َم َاوات َوَما يف ماأل مَر َ َ
َوكَيالً) (النساء .)171 :
( )37احلق الواضح املبني (ص.)104
وم) (البقرة.)255 : (اّلِلُ ال إَلَهَ إَال ُه َو م
احلَ ُّي الم َقيُّ ُ ( )38ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل :ه
( )39التفسري (.)620/5
( )40املرجع السابق ( )33/1اخلالصة (ص )8،9وهبجة قلوب األبرار (ص.)165
( )41احلق الواضح املبني (ص.)104
المخلوقين ممن ليس له من نفسه كمال وال له فعال وال حول وال قوة إال باهلل
العلي العظيم(.)42
وقد سئل الشيخ رحمه هللا عن االسم األعظم من أسماء هللا هل هو اسم معين
معروف أو اسم غير معين وال معروف.
فأجاب" :بعض الناس يظن أن االسم األعظم من أسماء هللا الحسنى ال يعرفه إال
من خصه هللا بكرامة خارقة للعادة ،وهذا ظن خطأ ،فإن هللا تبارك وتعالى حثنا
على معرفة أسمائه وصفاته ،وأثنى على من عرفها ،وتفقه فيها ،ودعاء هللا بها
دعاء عبادة وتعبد ودعا مسألة ،وال ريب ّ
أن االسم األعظم منها أوالها بهذا
األمر ،فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي ال منتهى لجوده وكرمه ،وهو يحب
الجود على عباده ،ومن أعظم ما جاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى
أن األسماء الحسنى كلها حسنى ،وكل واحد منها عظيم، وصفاته العليا ،فالصواب ّ
ولكن االسم األعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع
صفاته الذاتية والفعلية أو دل على معاني جميع الصفات مثل :هللا ،فإنه االسم
الجامع لمعاني األلوهية كلها ،وهي جميع أوصاف الكمال ،ومثل الحميد المجيد،
فإن الحميد االسم الذي دل على جميع المحامد والكماالت هلل تعالى ،والمجيد الذي
دل على أوصاف العظمة والجالل ويقرب من ذلك الجليل الجميل الغني الكريم.
ومثل الحي القيوم ،فإن الحي من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني
الذات ،والقيوم الذي قام بنفسه ،واستغنى عن جميع خلقه ،وقام بجميع
الموجودات ،فهو االسم الذي تدخل فيه صفات األفعال كلها.
ومثل اسمه العظيم الكبير الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه
وصفاته ،وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.
ومثل قولك :يا ذا الجالل واإلكرام ،فإن الجالل صفات العظمة ،والكبرياء،
والكماالت المتنوعة ،واإلكرام استحقاقه على عباده غاية الحب وغاية الذل وما
أشبه ذلك.
فعلم بذلك أن االسم األعظم اسم جنس ،وهذا هو الذي تدل عليه األدلة الشرعية
واالشتقاق( ،)43كما في السنن( )44أنه سمع رجالً يقول" :اللهم إني أسألك بأني
( )42املواهب الرابنية من اآلايت القرآنية (ص.)62
أشهد أنك أنت هللا ال إله إال أنت األحد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا ً أحد ،فقال" :والذي نفسي بيده ،لقد سألت هللا باسمه األعظم الذي إذا دعي به
أجاب ،وإذا سئل به أعطى".
وكذلك الحديث اآلخر حين دعا الرجل ،فقال" :اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ،ال
إله إال أنت ،المنان ،بديع السماوات واألرض ذو الجالل واإلكرام ،يا حي! يا
قيوم! فقال صلى هللا عليه وسلم" :والذي نفسي بيده ،لقد دعا هللا باسمه األعظم
الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى"(.)45
وكذلك قوله صلى هللا عليه وسلم" :اسم هللا األعظم في هاتين اآليتينَ ( :و ِإلَ ُه ُك ْم ِإلَهٌ
ي ْالقَيُّو ُم)( )47رواه َّللاُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو ْال َح ُّ اح ٌد ال ِإلَهَ ِإال ُه َو َّ
الرحْ َم ُن َّ
الر ِحي ُم)(َّ ( )46 َو ِ
أبو داود والترمذي( ،)48فمتى دعا هللا العبد باسم من هذه األسماء العظيمة
بحضور قلب ورقة وانكسار ،لم تكد ترد له دعوة ،وهللا الموفق"(.5)49
()51
-3األحد( :الواحد()50األحد)
( )43وهبذا القول جتتمع األدلة يف بيان معىن اسم هللا األعظم ،وهللا أعلم.
( )44أخرجه الرتمذي ( )3475وأبو داود ( )1493وابن ماجه ( )3857وأخرجه النسائي ( )52/3بلفظ مغاير،
وصححه األلباين يف صحيح الرتمذي 163/3ح(.)2763
( )45رواه أبو داود ( )1495وصححه األلباين
( )46البقرة163 :
( )47البقرة 255 :
( )48رواه أبو داود ( ،)1496والرتمذي ( ،)3478وقال :حسن صحيح .وهو يف صحيح أيب داود.
( )49التفسري ( )620،621/5وانظر هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار (ص.)165
اّلِل خالَق ُك َل َشي ٍء وهو المو َ
اح ُد الم َقه ُار) (الرعد.)16 :( )50ودليل هذا االسم قال تعاىل ( :قُ َل هُ َ ُ ّ م َ ُ َ َ
َح ٌد) (اإلخالص.)1 : اّلِلُ أ َ
( )51ودليل هذا االسم قال تعاىل( :قُ مل ُه َو ه
صفاته ،موصوف بغاية الكمال ،ونهايته من كل صفة من هذه الصفات فيجب
على العبيد توحيده ،عقداً ،وقوالً ،وعمالً ،بأن يعترفوا بكماله المطلق ،وتفرده
بالوحدانية ،ويفردوه بأنواع العبادة".
()53
-4األعلى( :العلي()52األعلى)
قال رحمه هللا تعالى" :من أسمائه الحسنى (العلي األعلى) وذلك دال على أن
جميع معاني العلو ثابتة هلل من كل وجه ،فله علو الذات(.)54
وهو أنه مستو على عرشه ،فوق جميع خلقه ،مباين لهم ،وهو مع هذا مطلع على
أحوالهم ،مشاهد لهم ،مدبر ألمورهم الظاهرة والباطنة متكلم بأحكامه القدرية،
وتدبيراته الكونية ،وبأحكامه الشرعية(.)55
وأما علو القدر فهو علو صفاته ،وعظمتها فال يماثله صفة مخلوق ،بل ال يقدر
الخالئق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته ،قال تعالىَ ( :وال
طونَ بِ ِه ِع ْلما ً)( )56وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شيء في كل نعوته وله علو
ي ُِحي ُ
القهر فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلّهم ،فنواصيهم بيده ،وما
شاء كان ال يمانعه فيه ممانع ،وما لم يشأ لم يكن فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما
لم يشأه هللا لم يقدروا ،ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه،
وذلك لكمال اقتداره ،ونفوذ مشيئته وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل
وجه(.)57
ودهُ َح مفظُ ُه َما َوُه َو الم َعلَ ُّي الم َع َظ ُيم) (البقرة.)255 :(وال يَـ ُؤ ُ
( )52ودليل هذا االسم قال تعاىلَ :
َعلَى) (األعلى.)1 : ك األ م اس َم َربَّ َ
( )53ودليل هذا االسم قال تعاىلَ ( :سبَّ َح م
( )54احلق الواضح املبني (ص.)26
( )55توضيح الكافية الشافية (ص.)116
( )56طه (.)110
( )57احلق الواضح املبني (ص.)26،27
فهو الذي على العرش استوى وعلى الملك احتوى ،وبجميع صفات العظمة
والكبرياء ،والجالل والجمال وغاية الكمال اتصف وإليه فيها المنتهى"(.)58
-5األول(( :)59األول ،واآلخر ،والظاهر ،والباطن)
قال رحمه هللا تعالى" :فسرها النبي صلى هللا عليه وسلم تفسيرا ً كامالً واضحا ً
فقال" :أنت األول فليس قبلك شيء ،وأنت اآلخر فليس بعدك شيء ،وأنت الظاهر
فليس فوقك شيء ،وأنت الباطن فليس دونك شيء"( )60إلى آخر الحديث.
ففسر كل اسم بكل معناه ،ونفى عنه كل ما يضاده وينافيه( )61فمهما قدر المقدرون
وفرض الفارضون من األوقات السابقة المتسلسلة إلى غير نهاية فاهلل قبل ذلك،
وكل وقت الحق مهما قدر وفرض هللا بعد ذلك.
ولهذا ال يستحق اسم واجب الوجود إال هو( ،)62فمن خصائصه أنه ال يكون إال
موجودا ً كامالً فال يشاركه في وجوب الوجود أحد فوجوب وجوده بنعوته الكاملة
في جميع األوقات ،وهو الذي أوجد األوقات وجميع الموجودات ،وكلها مستندة
في وجودها وبقائها إلى هللا(.)63
فاألول :يدل على أن كل ما سواه حادث كائن بعد أن لم يكن ،ويوجب للعبد أن
يلحظ فضل ربه في كل نعمة دينية أو دنيوية ،إذ السبب والمسبب منه تعالى.
واآلخر :يدل على أنه هو الغاية ،والصمد الذي تصمد إليه المخلوقات بتأهلها،
ورغبتها ،ورهبتها ،وجميع مطالبها.
والظاهر :يدل على عظمة صفاته ،واضمحالل كل شيء عند عظمته من ذوات
وصفات وعلى علوه.
والباطن :يدل على اطالعه على السرائر ،والضمائر ،والخبايا ،والخفايا ،ودقائق
األشياء ،كما يدل على كمال قربه ودنوه ،وال يتنافى الظاهر ،والباطن ألن هللا
ليس كمثله شيء في كل النعوت فهو العلي في دنوه القريب في علوه.
()65
-7الباري( :الخالق ،الباري ،المصور)
قال رحمه هللا تعالى" :الخالق ،البارئ ،المصور ،الذي خلق جميع الموجودات
وبرأها ،وسواها بحكمته ،وصورها بحمده وحكمته ،وهو لم يزل وال يزال على
هذا الوصف العظيم".
قال رحمه هللا تعالى " :القابض الباسط ،الخافض الرافع ،المعز المذل ،المانع
المعطي ،الضار النافع".
"هذه األسماء الكريمة من األسماء المتقابالت التي ال ينبغي أن يُثنى على هللا بها
إال كل واحد مع اآلخر ألن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين ،فهو القابض
لألرزاق واألرواح والنفوس ،والباسط لألرزاق ،والرحمة ،والقلوب ،وهو الرافع
لألقوام القائمين بالعلم واإليمان الخافض ألعدائه ،وهو المعز ألهل طاعته ،وهذا
عز حقيقي ،فإن المطيع هلل عزيز وإن كان فقيرا ً ليس له أعوان ،المذل ألهل
معصيته ،وأعدائه ذالً في الدنيا واآلخرة فالعاصي وإن ظهر بمظاهر العز فقلبه
حشوه الذل وإن لم يشعر به النغماسه في الشهوات فإن العز كل العز بطاعة هللا،
َّللاُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِر ٍم)(َ ( )66م ْن َكانَ ي ُِري ُد ْال ِع َّزة َ َ ِ َّ ِ
لِلَف والذل بمعصيته ( َو َم ْن يُ ِه ِن َّ
سو ِل ِه َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ ) ( )68وهو تعالى المانع المعطي َّلل ْال ِع َّزة ُ َو ِل َر ُ
ْال ِع َّزة ُ َج ِميعا ً)(َ ( )67و ِ َّ ِ
وهذه األمور كلها تبع لعدله ،وحكمته ،وحمده ،فإن له الحكمة في خفض من
يخفضه ،ويذله ،ويحرمه ،وال حجة ألحد على هللا ،كما له الفضل الخفي على من
رفعه وأعطاه ويبسط له الخيرات.
فعلى العبد أن يعترف بحكمة هللا ،كما عليه أن يعترف بفضله ويشكره بلسانه
وجنانه وأركانه.
وكما أنه هو المنفرد بهذه األمور كلها جارية تحت أقداره ،فإن هللا جعل لرفعه
وعطائه وإكرامه أسباباً ،ولضد ذلك أسبابا ً من قام بها ترتبت عليه مسبباتها ،وكل
ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ،وأما أهل الشقاوة
فييسرون لعمل أهل الشقاوة ،وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد هللا ،واالعتماد على
ربه في حصول ما يحب ،ويجتهد في فعل األسباب النافعة فإنها محل حكمة
هللا"(.)71
-9الباطن(:)72
()76
البر( :البر ،الوهاب ،الكريم)
ّ -11
قال رحمه هللا تعالى" :من أسمائه تعالى :البر الوهاب الكريم الذي شمل الكائنات
بأسرها ببره ،وهباته ،وكرمه ،فهو مولى الجميل ،ودائم اإلحسان ،وواسع
المواهب ،وصفه البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة ،والباطنة ،فال
يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين ،وتدل هذه األسماء على سعة
رحمته ،ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته .وإحسانه
عام وخاص:
ش ْيءٍ َرحْ َمةً َو ِع ْلما ً)( )77و( َو َرحْ َمتِيت ُك َّل َ فالعام المذكور في قولهَ ( :ربَّنَا َو ِس ْع َ
ش ْيء)(َ ( )78و َما ِب ُك ْم ِم ْن ِن ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ
َّللا)(.)79 ت ُك َّل َ
َو ِس َع ْ
وهذا يشترك فيه البر ،والفاجر ،وأهل السماء ،وأهل األرض ،والمكلفون،
وغيرهم.
سأ َ ْكتُبُ َها ِللَّذِينَ َيتَّقُونَ َويُؤْ تُونَ والخاص :رحمته ونعمه على المتقين حيث قال( :فَ َ
ي) اآلية(.)80 ي األ ُ ِ ّم َّ
سو َل النَّ ِب َّ الز َكاة َ َوالَّذِينَ ُه ْم ِبآيا ِتنَا يُؤْ ِمنُونَ الَّذِينَ َيت َّ ِبعُونَ َّ
الر ُ َّ
صا ِل ِحينَ )(.)82 وفي دعاء سليمانَ ( :وأ َ ْد ِخ ْلنِي ِب َرحْ َمتِ َك فِي ِعبَاد َ
ِك ال َّ
وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها األنبياء وأتباعهم ،تقتضي التوفيق لإليمان
والعلم والعمل وصالح األحوال كلها ،والسعادة األبدية ،والفالح ،والنجاح ،وهي
المقصود األعظم لخواص الخلق(.)83
-12البصير(:)84
قال المؤلف رحمه هللا" :البصير الذي أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار
األرض والسماوات ،حتى أخفى ما يكون فيها فيرى دبيب النملة السوداء على
الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ،وجميع أعضائها الباطنة ،والظاهرة ،وسريان
القوت في أعضائها الدقيقة ،ويرى سريان المياه في أغصان األشجار ،وعروقها
وجميع النباتات على اختالف أنواعها ،وصغرها ،ودقتها ،ويرى نياط( )85عروق
النملة ،والنحلة ،والبعوضة ،وأصغر من ذلك ،فسبحان من تحدث العقول في
عظمته ،وسعة متعلقات صفاته ،وكمال عظمته ،ولطفه ،وخبره بالغيب ،والشهادة
والحاضر ،والغائب ،ويرى خيانات األعين ،وتقلبات األجفان ،وحركات الجنان،
()86
س ِمي ُع ْال َع ِلي ُم)
اجدِينَ ِإنَّهُ ُه َو ال َّ
س ِاك ِحينَ تَقُو ُم َوتَقَلُّ َب َك ِفي ال َّ
قال تعالى( :الَّذِي َي َر َ
يبصر ما تحت األراضين السبع ،كما يبصر ما فوق السماوات السبع وأيضا ً سميع
بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته ،والمعنى األخير يرجع إلى حكمته.
صيرا ً) فكلس ِميعا ً بَ ِ وكثيرا ً ما يقرن هللا بين (السميع البصير) مثل قوله ( َو َكانَ َّ
َّللاُ َ
من السمع ،والبصر محيط بجميع متعلقاته الظاهرة ،والباطنة فالسميع الذي أحاط
سمعه بجميع المسموعات ،فكل ما في العالم العلوي ،والسفلي من األصوات
يسمعها سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد ،ال تختلف عليه األصوات ،وال
تخفى عليه جميع اللغات ،والقريب منها ،والبعيد ،والسر ،والعالنية عنده سواء
ب
ار ٌ س َّر ْالقَ ْو َل َو َم ْن َج َه َر ِب ِه َو َم ْن ُه َو ُم ْست َ ْخفٍ ِباللَّ ْي ِل َو َ
س ِ س َوا ٌء ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ َ ( َ
ار). ِبالنَّ َه ِ
او َر ُك َما
َّللاُ يَ ْس َم ُع ت َ َح ُ َّللاُ قَ ْو َل الَّتِي ت ُ َجا ِدلُ َك فِي زَ ْو ِج َها َوت َ ْشت َ ِكي إِلَى َّ ِ
َّللا َو َّ س ِم َع َّ(قَ ْد َ
ير). ص ٌ س ِمي ٌع بَ ِ ِإ َّن َّ َ
َّللا َ
قالت عائشة رضي هللا عنها" :تبارك الذي وسع سمعه األصوات ،لقد جاءت
المجادلة تشتكي إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأنا في جانب الحجرة وإنه
َّللاُ قَ ْو َل الَّتِي ت ُ َجا ِدلُ َك فِي زَ ْو ِج َها) ي بعض كالمها فأنزل هللا (قَ ْد َ
س ِم َع َّ ليخفي عل َّ
اآلية.6
-13التواب:
أحدهما:أنه يوقع في قلب عبده التوبة إليه ،واإلنابة إليه ،فيقوم بالتوبة وشروطها
من اإلقالع عن المعاصي ،والندم على فعلها ،والعزم على أن ال يعود إليها،
واستبدالها بعمل صالح.
والثاني :توبته على عبده بقبولها وإجابتها ،ومحو الذنوب بها فإن التوبة النصوح
()91
تجب ما قبلها"
-14جامع الناس(:)92
قال المؤلف رحمه هللا تعالى" :جامع الناس ليوم ال ريب فيه ،وجامع أعمالهم،
وأرزاقهم ،فال يترك منها صغيرة وال كبيرة إال أحصاها.
-15الجبار(:)94
وله ثالثة معان كلها داخلة باسمه الجبار فهو الذي يجير الضعيف ،وكل قلب
منكسر ألجله ،فيجبر الكسير ويغني الفقير ويُيّسر على المعسر كل عسير ،ويجبر
المصاب بتوفيقه للثبات ،والصبر ،ويعيضه على مصابه أعظم األجر إذا قام
بواجبها ،ويجبر جبرا ً خاصا ً قلوب الخاضعين لعظمته وجالله ،وقلوب المحبين
بما يفيض عليها من أنواع كراماته ،وأصناف المعارف واألحوال اإليمانية فقلوب
المنكسرين ألجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي فقال" :اللهم أجبرني ،فإنه
يريد هذا الجبر الذي حقيقته اصالح العبد ودفع جميع المكاره عنه".
والمعنى الثاني :أنه القهار لكل شيء ،الذي دان له كل شيء ،وخضع له كل
شيء.
والمعنى الثالث :أنه العلي على كل شيء ،فصار الجبار متضمنا ً لمعنى الرؤوف
القهار العلي ،وقد يراد به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء ،ونقص ،وعن
مماثلة أحد ،وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه،
وحقوقه"(.)96
()98
-16الجليل(( :)97الجليل ،الكبير)
قال رحمه هللا تعالى" :الجليل الكبير الذي له أوصاف الجالل؛ وهي أوصاف
العظمة ،والكبرياء ثابتة محققة ال يفوته منها وصف جالل وكمال(.)99
وهو الموصوف بصفات المجد ،والكبرياء ،والعظمة ،والجالل ،الذي هو أكبر من
كل شيء ،وأعظم من كل شيء ،وأج ُّل وأعلى ،وله التَّعظيم ،واإلجالل في قلوب
-17الجميل(:)101
قال رحمه هللا تعالى" :الجميل من له نعوت الحسن واإلحسان( ،)102فإنه جميل في
ذاته ،وأسمائه ،وصفاته ،وأفعاله ،فال يمكن مخلوقا ً أن يعبر عن بعض جمال
ذاته ،حتى أن أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم ،واللذات ،والسرور،
واألفراح التي ال يقدر قدرها إذا رأوا ربهم ،وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من
النعيم ،وتالشى ما هم فيه من األفراح ،وودّوا أن لو تدوم هذه الحال ،ليكتسبوا من
جماله ،ونوره جماالً إلى جمالهم ،وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية
ربهم ،ويفرحون بيوم المزيد فرحا ً تكاد تطير له القلوب.
وكذلك هو جميل في أسمائه ،فإنها كلها حسنى بل أحسن األسماء على اإلطالق
َّلل ْاأل َ ْس َما ُء ْال ُح ْسنَى فَا ْد ُ
عوهُ ِب َها)( )103وقال تعالى( :ه َْل وأجملها ،قال تعالىَ ( :و ِ َّ ِ
س ِميّا ً) ( )104فكلها دالة على غاية الحمد ،والمجد ،والكمال ،ال يسمى باسم ت َ ْعلَ ُم لَهُ َ
منقسم إلى كمال وغيره.
وكذلك هو الجميل في أوصافه فإن أوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت ثناء
وحمد ،فهي أوسع الصفات ،وأع ّمها ،وأكثرها تعلقاً ،خصوصا ً أوصاف الرحمة،
والبر ،والكرم ،والجود.
وكذلك أفعاله كلها جميله فإنها دائرة بين أفعال البر واإلحسان التي يحمد عليها
ويثني عليه ويشكر ،وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد،
فلكماله الذي ال يحصى أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من
ص ْن َع َّ ِ
َّللا أحسن األحكام ،وصنعه وخلقه أحسن خلق ،وصنع وأتقن ما صنعه ( ُ
الَّذِي أَتْقَنَ ُك َّل َ
ش ْيء) (.)106
ثم استدل المصنف()109بدليل عقلي على جمال الباري ،وأن األكوان محتوية على
أصناف الجمال ،وجمالها من هللا تعالى فهو الذي كساها الجمال ،وأعطاها
الحسن ،فهو أولى منها ،ألن معطي الجمال أحق بالجمال فكل جمال في الدنيا،
واآلخرة باطني وظاهري ،خصوصا ً ما يعطيه المولى ألهل الجنة من الجمال
المفرط في رجالهم ونسائهم ،فلو بدا كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا لطمس
ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ،أليس الذي كساهم ذلك الجمال
َّ
ومن عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.
فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها
َّلل ْال َمث َ ُل األ َ ْعلَى)(.)110
من صفاته ،قال تعالىَ ( :و ِ َّ ِ
فكل ما وجد في المخلوقات من كمال ال يستلزم نقصاً ،فإن معطيه -وهو هللا -
أحق به من المعطي بما ال نسبة بينه وبينهم كما ال نسبة لذواتهم إلى ذاته،
وصفاتهم إلى صفاته ،فالذي أعطاهم السمع ،والبصر ،والحياة ،والعلم ،والقدرة،
والجمال ،أحق منهم بذلك.
وقال صلى هللا عليه وسلم" :حجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ما
أنتهى إليه بصره من خلقه"( .)112فسبحان هللا ،وتقدّس عما يقوله الظالمون النافون
لكماله علوا ً كبيراً ،وحسبهم مقتا ً وخسارا ً أنهم حرموا من الوصول إلى معرفته
واالبتهاج بمحبته.
وجمع المؤلف()113بين (الجليل والجميل) ألن تمام التعبد هلل هو التعبد بهذين
االسمين الكريمين فالتعبد بالجليل يقتضي تعظيمه ،وخوفه ،وهيبته ،وإجالله.
والتعبد باسمه الجميل يقتضي محبته ،والتأله له ،وأن يبذل العبد له خالص المحبة،
وصفو الوداد ،بحيث يسبح القلب في رياض معرفته وميادين جماله ،وينهج بما
يحصل له من آثار جماله وكماله فإن هللا ذو الجالل واإلكرام"(.)114
-18الجواد(:)115
قال رحمه هللا تعالى" :الجواد :يعني أنه تعالى الجواد المطلق الذي عم بجوده
جميع الكائنات ،ومألها من فضله ،وكرمه ،ونعمه المتنوعة ،وخص بجوده
السائلين بلسان المقال أو لسال الحال من بر ،وفاجر ،ومسلم ،وكافر ،فمن سأل هللا
َّللا ث ُ َّم ِإذَا
أعطاه سؤاله ،وأناله ما طلب فإنه البر الرحيم ( َو َما ِب ُك ْم ِم ْن نِ ْع َم ٍة فَ ِمنَ َّ ِ
س ُك ُم الض ُُّّر فَإِلَ ْي ِه تَجْ أ َ ُرونَ )(.)116
َم َّ
( )111أخرجه مسلم ( )352/1كتاب الصالة ابب ما يقال يف الركوع والسجود من حديث عائشة رضي هللا تعاىل عنها.
( )112أخرجه مسلم ( ) 161/1كتاب الصالة ابب يف قوله عليه السالم " :إن هللا الينام" ويف قوله" :حجابه النور لو كشفه
ألحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه".
( )113أي ابن القيم رمحه هللا تعاىل يف قصيدته النونية.
( )114احلق الواضح املبني (ص 29إىل .)32
( )115قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا جواد حيب اْلود" احلديث أخرجه أبو نعيم يف احللية ( )29/5وصححه
األلباين يف صحيح اْلامع (.)105/1
( )116النحل (.)53
ومن جوده الواسع ما أعده ألوليائه في دار النعيم مما ال عين رأت ،وال أذن
سمعت ،وال خطر على قلب بشر(.)117
والجواد الذي عم بجوده أهل السماء ،واألرض فما بالعباد من نعمة فمنه وهو
الذي إذا مسهم الضر فإليه يرجعون ،وبه يتضرعون ،فال يخلو مخلوق من
َّ
مامن هللا إحسانه طرفة عين ،ولكن يتفاوت العباد في إفاضة الجود عليهم بحسب
به عليهم من األسباب المقتضية لجوده ،وكرمه ،وأعظمها تكمل عبودية هللا
الظاهرة ،والباطنة العلمية ،والعملية القولية ،والفعلية ،والمالية ،وتحقيقها باتباع
محمد صلى هللا عليه وسلم بالحركات والسكنات"(.)118
-19الحسيب(:)119
قال المؤلف رحمه هللا تعالى" :الحسيب :هو العليم بعباده ،كافي المتوكلين،
المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها(.)120
والحسيب أيضا ً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير ،وشر ،ويحاسبهم إن خيرا ً
َّللاُ َو َم ِن اتَّبَعَ َك ِمنَ فخير وإن شرا ً فشر ،قال تعالى( :يَا أَيُّ َها النَّبِ ُّ
ي َح ْسب َُك َّ
-20الحفيظ(:)125
قال رحمه هللا تعالى" :الحفيظ :الذي حفظ ما خلقه ،وأحاط علمه بما أوجده ،وحفظ
أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات.
أحدهما :أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير ،وشر ،وطاعة ،ومعصية ،فإن
علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها ،وباطنها وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ،
ووكل بالعباد مالئكة كراما ً كاتبين يعلمون ما تفعلون ،فهذا المعنى من حفظه
يقتضي إحاطة علم هللا بأحوال العباد كلها ظاهرها ،وباطنها ،وكتابتها في اللوح
المحفوظ ،وفي الصحف التي في أيدي المالئكة ،وعلمه بمقاديرها ،وكمالها،
ونقصها ،ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله ،وعدله.
والمعني الثاني :من معنيي الحفيظ :أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون
وحفظه لخلقه نوعان عام وخاص :حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها
ويحفظ بنيتها ،وتمشي إلى هدايته ،وإلى مصالحها بإرشاده ،وهدايته العامة التي
ش ْيءٍ خ َْلقَهُ ث ُ َّم َه َدى)( )127أي هدى كل مخلوق إلى ما قدر قال عنها( :أ َ ْع َ
طى ُك َّل َ
والنوع الثاني :حفظه الخاص ألوليائه سوى ما تقدم ،بحفظهم عما يضر إيمانهم أو
يزلزل إيقانهم من الشبه ،والفتن ،والشهوات فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسالمة
وحفظ وعافية ،ويحفظهم من أعدائهم من الجن واإلنس فينصرهم عليهم ويدفع
ع ِن الَّذِينَ آ َمنُوا)( 1)128وهذا عام في عنهم كيدهم ،قال هللا تعالىِ ( :إ َّن َّ َ
َّللا يُ َدا ِف ُع َ
دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم فعلى حسب ما عند العبد من اإليمان
تكون مدافعة هللا عنه بلطفه،وفي الحديث" :إحفظ هللا يحفظك"( 2)129أي احفظ
أوامره باالمتثال ونواهيه باالجتناب ،وحدوده بعدم تعديها ،يحفظك في نفسك
ودينك ومالك وولدك ،وفي جميع ما آتاك هللا من فضله"(.)130
-21الحق(:)131
قال رحمه هللا تعالى":الحق :في ذاته ،وصفاته ،فهو واجب الوجود كامل الصفات
والنعوت ،وجوده من لوازم ذاته ،وال وجود لشيء من األشياء إال به.
قال رحمه هللا تعالى" :ومن أسمائه الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا،
واآلخرة بعدله ،وقسطه فال يظلم مثقال ذرة ،وال يحمل أحدا ً وزر أحد ،وال
يجازي العبد بأكثر من ذنبه ،ويؤدي الحقوق إلى أهلها ،فال يدع صاحب حق إال
علَى ِ
ص َراطٍ وصل إليه حقه .وهو العدل في تدبيره ،وتقديره ( ِإ َّن َر ِبّي َ
()140( )139
ُم ْست َ ِق ٍيم) .
والحكم العدل الذي إليه الحكم في كل شيء فيحكم تعالى بشرعه ،ويبين لعباده
جميع الطرق التي يحكم بها بين المتخاصمين ،ويفصل بين المتنازعين ،من
الطرق العادلة الحكيمة ،ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويحكم فيها بأحكام
القضاء ،والقدر ،فيجري عليهم منها ما تقتضيه حكمته ويضع األشياء مواضعها
وينزلها منازلها ،ويقضي بينهم يوم الجزاء ،والحساب ،فيقضي بينهم بالحق،
-23الحكيم(:)142
قال رحمه هللا تعالى" :الحكيم هو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره الذي
َّللا ُح ْكما ً ِلقَ ْو ٍم يُوقِنُونَ )(.)143 أحسن كل شيء خلقه ( َو َم ْن أَحْ َ
س ُن ِمنَ َّ ِ
فال يخلق شيئا ً عبثا ،وال يشرع شيئا ً سدى ،الذي له الحكم في األولى ،واآلخرة،
وله األحكام الثالثة ال يشاركه فيها مشارك ،فيحكم بين عباده في شرعه ،وفي
قدره ،وجزائه.
والحكيم :الموصوف بكمال الحكمة ،وبكمال الحكم بين المخلوقات ،فالحكيم هو
واسع العلم ،واإلطالع على مبادئ األمور ،وعواقبها ،واسع الحمد تام القدرة
غزير الرحمة ،فهو الذي يضع األشياء مواضعها ،وينزلها منازلها الالئقة بها في
خلقه ،وأمره ،فال يتوجه إليه سؤال ،وال يقدح في حكمته مقال.
وحكمته نوعان:
أحدهما :الحكمة في خلقه فإنه خلق الخلق بالحق ،ومشتمالً على الحق ،وكان
غايته والمقصود به الحق ،خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ،ورتبها أكمل
ترتيب ،وأعطى كل مخلوق خلقه الالئق به بل أعطى كل جزء من أجزاء
المخلوقات ،وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته ،وهيئته ،فال يرى أحد في
خلقه خلالً ،وال نقصاً ،وال فطوراً ،فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم
ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن،
واالنتظام ،واإلتقان لم يقدروا ،وأنى لهم القدرة على شيء من ذلك وحسب العقالء
وهذا أمر معلوم قطعا ً بما يعلم من عظمته ،وكمال صفاته ،وتتبع حكمه في
الخلق ،واألمر.
وقد تحدى عباده ،وأمرهم أن ينظروا ،ويكرروا النظر ،والتأمل هل يجدون في
خلقه خلالً أو نقصاً ،وأنه البد أن ترجع األبصار كليلة عاجزة عن االنتقاد على
شيء من مخلوقاته.
النوع الثاني :الحكمة في شرعه وأمره ،فإنه تعالى شرع الشرائع ،وأنزل الكتب
وأرسل الرسل ليعرفه العباد ،ويعبدوه ،فأي حكمة أجل من هذا ،وأي فضل،
وكرم أعظم من هذا ،فإن معرفته تعالى ،وعبادته وحده ال شريك له ،واخالص
العمل له وحده ،وشكره ،والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على اإلطالق.
فلو لم يكن في أمره ،وشرعه إال هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات،
وأكمل اللذات ،وألجلها خلقت الخليقة ،وحق الجزاء ،وخلقت الجنة ،والنار ،لكانت
كافية شافية.
هذا وقد اشتمل شرعه ،ودينه على كل خير ،فأخباره تمأل القلوب علماً ،ويقيناً،
وإيماناً ،وعقائد صحيحة ،وتستقيم بها القلوب ،ويزول انحرافها ،وتثمر كل خلق
جميل ،وعمل صالح ،وهدى ،ورشد ،وأوامره ،ونواهيه محتوية على عناية
الحكمة والصالح واإلصالح للدين والدنيا فإنه ال يأمر إال بما مصلحته خالصة أو
راجحة وال ينهي إال عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الشرع اإلسالمي أنه كما أنه هو الغاية لصالح القلوب ،واألخالق،
واألعمال ،واالستقامة على الصراط المستقيم ،فهو الغاية لصالح الدنيا ،فال
تصلح أمور الدنيا صالحا ً حقيقيا ً إال بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى هللا
عليه وسلم ،وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل ،فإن أمة محمد لما كانوا قائمين بهذا
الدين أصوله ،وفروعه ،وجميع ما يهدي ،ويرشد إليه كانت أحوالهم في غاية
االستقامة ،والصالح ،ولما انحرفوا عنه ،وتركوا كثيرا ً من هداه ،ولم يسترشدوا
بتعاليمه العالية انحرفت دنياهم كما انحرف دينهم.
وكذلك انظر إلى األمم األخرى التي بلغت في القوة ،والحضارة ،والمدنية مبلغا ً
هائالً ،ولكن لما كانت خالية من روح الدين ،ورحمته ،وعدله كان ضررها أعظم
من نفعها ،وشرها أكبر من خيرها ،وعجز علماؤها ،وحكماؤها ،وساساتها عن
تالفي الشرور الناشئة عنها ،ولن يقدروا على ذلك ماداموا على حالهم ،ولهذا كان
من حكمته تعالى أن ما جاء به محمد صلى هللا عليه وسلم من الدين ،والقرآن
أكبر البراهين على صدقه ،وصدق ما جاء به لكونه محكما ً كامالً ال يحصل إال
به ،وبالجملة ،فالحكيم متعلقاته المخلوقات ،والشرائع ،وكلها في غاية اإلحكام،
فهو الحكيم في أحكامه القدرية ،وأحكامه الشرعية ،وأحكامه الجزائية.
والفرق بين أحكام القدر ،وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده ،وكونه وقدره،
وأنه ما شاء كان ،وما لم يشأ لم يكن.
وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه ،والعبد المربوب ال يخلو منهما أو من أحدهما،
فمن فعل منهم ما يحبه هللا ،ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان ،ومن فعل ما يضاد
ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري ،فإن ما فعله واقع بقضاء هللا ،وقدره ،ولم يوجد
فيه الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه هللا ،ويرضاه.
فالخير ،والشر ،والطاعات ،والمعاصي كلها متعلقة ،وتابعة للحكم القدري ،وما
يحبه هللا منها هو تابع للحكم الشرعي ،ومتعلقه ،وهللا أعلم(.)145
-24الحليم(:)146
قال رحمه هللا تعالى" :الحليم الذي له الحلم الكامل ،والذي وسع حلمه أهل الكفر،
والفسوق ،والعصيان ،ومنع عقوبته أن تحل بأهل الظلم عاجالً ،فهو يمهلهم
ليتوبوا ،وال يهملهم إذا أصروا ،واستمروا في طغيانهم ،ولم ينيبوا(.)147
والحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة ،والباطنة مع معاصيهم ،وكثرة
زالتهم ،فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم ،ويستعتبهم كي يتوبوا ،ويمهلهم كي
ينيبوا(.)148
وهللا تعالى حليم عفو ،فله الحلم الكامل ،وله العفو الشامل ،ومتعلق هذين الوصفين
العظيمين معصية العاصين ،وظلم المجرمين ،فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها
عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة ،وحلمه تعالى يقتضي إمهال العاصين،
وعدم معاجلتهم ليتوبوا ،وعفوه يقتضي مغفرة ما صدر منهم من الذنوب
خصوصا ً إذا أتوا بأسباب المغفرة من االستغفار ،والتوبة ،واإليمان ،واألعمال
الصالحة ،وحلمه وسع السماوات ،واألرض ،فلوال عفوه ما ترك على ظهرها من
دابة ،وهو تعالى عفو يحب العفو عن عباده ،ويحب منهم أن يسعوا باألسباب التي
ينالون بها عفوه من السعي في مرضاته ،واإلحسان إلى خلقه.
ومن كمال عفوه أن المسرفين على أنفسهم إذا تابوا إليه غفر لهم كل جرم صغير،
وكبير ،وأنه جعل اإلسالم يجب ما قبله ،والتوبة تجب ما قبلها" (.)149
( )145احلق الواضح املبني (ص 50إىل )54وانظر :توضيح الكافية الشافية (ص.)119
اّلِل َغ ُف َ َ
يم)
ور َحل ٌ اّلِلَ يـَ معلَ ُم َما َيف أَنمـ ُفس ُك مم فَ م
اح َذ ُروهُ َو ماعلَ ُموا أَ هن هَ ٌ (و ماعلَ ُموا أَ هن ه
( )146ودليل هذا االسم قال تعاىلَ :
(البقرة.)35 :
( )147احلق الواضح املبني (ص.)56-55
( )148التفسري (.)630/5
( )149احلق الواضح املبني (ص.)56
-25الحميد(:)150
قال رحمه هللا تعالى" :الحميد في ذاته ،وأسمائه ،وصفاته ،وأفعاله ،فله من
األسماء أحسنها ،ومن الصفات أكملها ،ومن األفعال أتمها ،وأحسنها ،فإن أفعاله
تعالى دائرة بين الفضل ،والعدل(.)151
فالحمد كثرة الصفات والخيرات ،فهو الحميد لكثرة صفاته الحميدة( ،)152وهو
سبحانه حميد من وجهين:
أحدهما :أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده ،فكل حمد وقع من أهل السماوات
واألرض األولين منهم ،واآلخرين ،وكل حمد يقع منهم في الدنيا ،واآلخرة ،وكل
حمد لم يقع منهم بل كان مفروضاً ،ومقدرا ً حيثما تسلسلت األزمان ،واتصلت
األوقات حمدا ً يمأل الوجود كله العالم العلوي ،والسفلي ،ويمأل نظير الوجود من
غير عد ،وال إحصاء فإن هللا تعالى مستحقه من وجوه كثيرة:
منها أن هللا هو الذي خلقهم ،ورزقهم ،وأسدى عليهم النعم الظاهرة ،والباطنة
الدينية ،والدنيوية ،وصرف عنهم النقم ،والمكاره ،فما بالعباد من نعمة فمن هللا،
وال يدفع الشرور إال هو ،فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع األوقات ،وأن يثنوا
عليه ،ويشكروه بعدد اللحظات.
الوجه الثاني :أنه يحمد على ماله من األسماء الحسنى ،والصفات الكاملة العليا،
والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة ،فله كل صفة كمال ،وله من تلك
الصفة أكملها ،وأعظمها فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد ،والثناء،
فكيف بجميع األوصاف المقدسة ،فله الحمد لذاته ،وله الحمد لصفاته ،وله الحمد
ألفعاله ألنها دائرة بين أفعال الفضل ،واإلحسان ،وبين أفعال العدل ،والحكمة التي
احلَ َم ُ
يد) (فاطر: ِن م اّلِلَ َو ه
اّلِلُ ُه َو المغََ ُّ هاس أَنمـتُ ُم الم ُف َقَراءُ إَ َىل ه
( )150ودليل هذا االسم قال تعاىلَ ( :اي أَيـُّ َها الن ُ
.)15
( )151التفسري (.)624/5
( )152توضيح الكافية الشافية (ص.)118
يستحق عليها كمال الحمد ،وله الحمد على خلقه ،وعلى شرعه ،وعلى أحكامه
القدرية وأحكامه الشرعية ،وأحكام الجزاء في األولى ،واآلخرة ،وتفاصيل حمده،
وما يحمد عليه ال تحيط بها األفكار ،وال تحصيها األقالم(.)153
قال رحمه هللا تعالى" :الحي القيوم كامل الحياة والقائم بنفسه .القيوم ألهل
السماوات واألرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم فالحي :الجامع
لصفات الذات ،والقيوم :الجامع لصفات األفعال()155وجمعهما في غاية المناسبة
ي ْالقَيُّوم)
َّللاُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو ْال َح ُّ
كما جمعهما هللا في عدة مواضع من كتابه كقولهَّ ( :
( ،)156وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال ،فالحي هو كامل الحياة،
وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية هلل كالعلم والعزة والقدرة ،واإلرادة ،والعظمة،
والكبرياء ،وغيرها من صفات الذات المقدسة.
والقيوم هو كامل القيومية الذي قام بنفسه ،وعظمت صفاته ،واستغنى عن جميع
مخلوقاته ،وقامت به األرض ،والسماوات ،وما فيهما من المخلوقات ،فهو الذي
أوجدها ،وأمدها ،وأعدّها لكل ما فيه بقاؤها ،وصالحها ،وقيامها ،فهو الغني عنها
من كل وجه ،وهي التي افتقرت إليه من كل وجه ،فالحي ،والقيوم من له صفة
كل كمال ،وهو الفعال لما يريد الذي إذا أراد شيئا ً قال له كن فيكون ،وكل
الصفات الفعلية ،والمجد ،والعظمة ،والجالل ترجع إلى اسمه القيوم ،ومرجع
()157
صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين االسمين الكريمين ،ولذلك ورد الحديث
َّللاُ ال ِإلَهَ ِإالَّ ُه َو
أن اسم هللا األعظم الذي إذا دعي به أجاب ،وإذا سئل به أعطى ( َّ
ي ْالقَيُّو ُم)( )158الشتمالهما على جميع الكماالت.
ْال َح ُّ
قال رحمه هللا تعالى ":هذا مأخوذ من قوله صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا حيي
يستحي من عبده إذا مد يده إليه أن يردها صفراً"(.)162
وال يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي ،وكل قبيح ،ويستحي تعالى
ممن شاب في اإلسالم أن يعذبه ،وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفراً ،ويدعو
عباده إلى دعائه ،ويعدهم باإلجابة.
-28الخافض الرافع(:)166
-29الخالق(:)167
-30الخبير((:)168العليم الخبير)
قال رحمه هللا تعالى" :الخبير العليم :هو الذي أحاط علمه بالظواهر ،والبواطن،
واإلسرار ،واإلعالن ،والواجبات ،والمستحيالت ،والممكنات .وبالعالم العلوي
والسفلي ،وبالماضي ،والحاضر ،والمستقبل ،فال يخفى عليه شيء من
األشياء(.)169
( )163هذا مبعىن ما أخرجه مسلم يف صحيحه ( )2291/4كتاب الزهد ابب النهي عن هتك اإلنسان سرت نفسه ،ولفظه عن
أيب هريرة رضي هللا عنه قال :مسعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول" :كل أميت معافاة إال اجملاهرين ،وإن من اإلجهار
أن يعمل العبد ابلليل عمالً مث يص بح قد سرته ربه ،فيقول اي فالن قد عملت البارحة كذا وكذا ،وقد ابت يسرته ربه ،فيبيت
يسرته ربه ،ويصبح يكشف سرت هللا عنه".
( )164النور (.)19
( )165احلق الواضح املبني (ص )55 ،54وانظر :توضيح الكافية الشافية (ص.)121
( )166سبق الكالم على هذين االمسني مع امسه تعاىل "الباسط".
( )167سبق الكالم على هذا اإلسم مع امسه تعاىل "الباري".
اّلِلَ َعلَ ٌيم َخبَريٌ) (لقمان.)34 :
( )168ودليل هذا االسم قال تعاىل( :إَ هن ه
( )169التفسري (.)621/5
وهو العليم المحيط علمه بكل شيء :بالواجبات ،والممتنعات ،والممكنات ،فيعلم
تعالى نفسه الكريمة ،ونعوته المقدسة ،وأوصافه العظيمة ،وهى الواجبات التي ال
يمكن إال وجودها ،ويعلم الممتنعات حال امتناعها ،ويعلم ما يترتب على وجودها
س َدت َا) ( )170وقال تعالىَ ( :ما لو وجدت كما قال تعالى( :لَ ْو َكانَ فِي ِه َما آ ِل َهةٌ ِإال َّ
َّللاُ لَفَ َ
ض ُه ْم َّللاُ ِم ْن َولَ ٍد َو َما َكانَ َم َعهُ ِم ْن ِإلَ ٍه ِإذا ً لَذَه َ
َب ُك ُّل ِإلَ ٍه ِب َما َخلَقَ َولَ َعال َب ْع ُ ات َّ َخذَ َّ
ض) (.)171 علَى بَ ْع ٍَ
فهذا وشبهه من ذكر علمه بالممتنعات التي يعلمها ،واخباره بما ينشأ منها لو
وجدت على وجه الفرض ،والتقدير ،ويعلم تعالى الممكنات ،وهى التي يجوز
وجودها وعدمها ما وجد منها ،وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده ،فهو
العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي ،والسفلي ال يخلو عن علمه مكان ،وال
زمان ويعلم الغيب ،والشهادة ،والظواهر ،والبواطن ،والجلي ،والخفي ،قال هللا
ع ِلي ٌم) (.)172 َّللا بِ ُك ِّل َ
ش ْيءٍ َ تعالىِ ( :إ َّن َّ َ
والنصوص في ذكر إحاطة علم هللا ،وتفصيل دقائق معلوماته كثيرة جدا ً ال يمكن
حصرها ،وإحصاؤها ،وأنه ال يعزب عنه مثقال ذرة في األرض ،وال في السماء،
ط ِم ْن َو َرقَ ٍةوال أصغر من ذلك ،وال أكبر ،وإنه ال يغفل ،وال ينسى(َ ()173و َما ت َ ْسقُ ُ
ين)ب ُمبِ ٍ ب َوال يَابِ ٍس إال فِي ِكت َا ٍ ض َوال َر ْ
ط ٍ ت األ َ ْر ِ إال يَ ْعلَ ُم َها َوال َحبَّ ٍة فِي ُ
ظلُ َما ِ
س َّر َوأ َ ْخفَى)(.)176( )175 (()174يَ ْعلَ ُم ال ِ ّ
وإن علوم الخالئق على سعتها ،وتنوعها إذا نسبت إلى علم هللا اضمحلت،
وتالشت ،كما أن قدرتهم إذا نسبت إلى قدرة هللا لم يكن لها نسبة إليها بوجه من
الوجوه ،فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمون وأقدرهم على ما لم يكونوا عليه
قادرين.
فهو يعلم ما كان ،وما يكون في المستقبالت التي ال نهاية لها ،وما لم يكن لو كان
كيف كان يكون ،ويعلم أحوال المكلفين منذ أنشأهم ،وبعد ما يميتهم ،وبعد ما
يحييهم ،قد أحاط علمه بأعمالهم كلها خيرها ،وشرها ،وجزاء تلك األعمال
وتفاصيل ذلك في دار القرار(.)177
فيتدبر مثالً اسم العليم :فيعلم إن العلم كله بجميع وجوهه ،واعتباراته هلل تعالى
فيعلم تعالى األمور المتأخرة أزالً وأبدا ً ويعلم جليل األمور ،وحقيرها ،وصغيرها،
وكبيرها ،ويعلم تعالى ظواهر األشياء ،وبواطنها غيبها ،وشهادتها ما يعلم الخلق
منها ،وما ال يعلمون ،ويعلم تعالى الواجبات أو المستحيالت ،والجائزات ،ويعلم
تعالى ما تحت األرض السفلى كما يعلم ما فوق السماوات العلى ،ويعلم تعالى
جزئيات األمور وخبايا الصدور ،وخفايا ما وقع ،ويقع في أرجاء العالم ،وأنحاء
المملكة ،فهو الذي أحاط علمه جميع األشياء في كل األوقات ،وال يعرض تعالى
لعلمه خفاء ،وال نسيان ،ويتلو على هذه اآليات المقررة له كقوله في غير موضع:
تاوا ِس َم َ ُور)(َ ( )179ي ْعلَ ُم َما ِفي ال َّ صد ِ ت ال ُّ ع ِلي ٌم ِبذَا ِ
ع ِلي ٌم)(َ ( )178 ش ْيءٍ َ َّللاُ ِب ُك ِّل َ
( َو َّ
ُور)(َ ( )180وإِ ْن تَجْ َه ْر صد ِ ت ال ُّ ع ِلي ٌم بِذَا ِ َّللاُ َض َويَ ْعلَ ُم َما ت ُ ِس ُّرونَ َو َما ت ُ ْع ِلنُونَ َو َّ َواأل َ ْر ِ
س َّر ْالقَ ْو َل َو َم ْن َج َه َر بِ ِه َو َم ْنس َوا ٌء ِم ْن ُك ْم َم ْن أ َ َ س َّر َوأ َ ْخفَى)(َ ( )181 بِ ْالقَ ْو ِل فَإِنَّهُ يَ ْعلَ ُم ال ِ ّ
(أَلَ ْم ت َ ْعلَ ْم أ َ َّن َّ َ
َّللا يَ ْعلَ ُم َما فِي ال َّ ب بِالنَّ َه ِ ُه َو ُم ْست َْخفٍ بِاللَّ ْي ِل َو َ
()182
اء
س َم ِ ار) ار ٌ
س ِ
وغير ذلك من النصوص الكثيرة على هذا المعنى فإن تدبر بعض ذلك يكفي
المؤمن البصير معرفته باحاطة علم هللا تعالى وكمال عظمته وجليل قدره إنه
الرب العظيم المالك(.)191
"ذو الجالل واإلكرام أي :ذو العظمة ،والكبرياء ،وذو الرحمة ،والجود،
واإلحسان العام ،والخاص ،المكرم ألوليائه ،وأصفيائه الذي يجلونه ويعظمونه
ويحبونه"(.)193
-32الرؤوف(:)194
قال رحمه هللا تعالى" :الرؤوف أي :شديد الرأفة بعباده فمن رأفته ورحمته بهم أن
يتم عليهم نعمته التي ابتدأهم بها.
ومن رأفته ورحمته أنه خوف العباد ،وزجرهم عن الغي ،والفساد كما قال تعالى:
َّللاُ بِ ِه ِعبَا َدهُ يَا ِعبَا ِد فَاتَّقُ ِ
ون)(.)195 ف َّ(ذَ ِل َك يُخ ّ َِو ُ
فرأفته ورحمته سهلت لهم الطرق التي ينالون بها الخيرات ورأفته ورحمته،
حذرتهم من الطرق التي تقضي بهم إلى المكروهات فنسأله تعالى أن يتمم علينا
إحسانه بسلوك الصراط المستقيم ،والسالمة من الطرق التي تفضي بسالكها إلى
الجحيم"(.)196
-34الرب(:)198
قال المؤلف رحمه هللا تعالى" :قد تكرر اسم (الرب) في آيات كثيرة.
وأخص من هذا تربيته ألصفيائه بإصالح قلوبهم وأرواحهم وأخالقهم وبهذا كثر
دعاؤهم له بهذا االسم الجليل ألنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة(.)199
وهو الذي له جميع معاني الربوبية التي يستحق أن يؤله ألجلها وهي صفات
الكمال كلها والمحامد كلها له والفضل كله واإلحسان كله ،وأنه ال يشارك هللا أحد
ير)(.)200
ص ُس ِمي ُع ْالبَ ِ ْس َك ِمثْ ِل ِه َ
ش ْي ٌء َو ُه َو ال َّ في معنى من معاني الربوبية (لَي َ
ال بشر وال ملك ،بل هم جميعا ً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية
مقهورون خاضعون لجالله وعظمته ،فال ينبغي أن يكون أحد منهم ندا ً وال شريكا ً
هلل في عبادته وإلوهيته.
وهم يشكرونه على ذلك بإخالص العبادة كلها له وحده ،فيؤلهونه وال يتخذون من
دونه وليا ً وال شفيعاً ،فاإللهية حق له سبحانه على عباده بصفة ربوبيته"(.)201
-36الرحمن الرحيم(:)202
قال رحمه هللا تعالى" :الرحمن الرحيم :اسمان داالن على أنه تعالى ذو الرحمة
الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء ،وعمت كل مخلوق ،وكتب الرحمة
الكاملة للمتقين المتبعين ألنبيائه ورسله ،فهؤالء لهم الرحمة المطلقة المتصلة
بالسعادة األبدية ،ومن عداهم محروم من هذه الرحمة الكاملة ،ألنه الذي دفع هذه
الرحمة وأباها بتكذيبه للخبر وتوليه عن األمر فال يلومن إال نفسه.
واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف األمة وأئمتها ما دل عليه الكتاب
والسنة من اإليمان بأسماء هللا كلها وصفاته جميعها وبأحكام تلك الصفات.
فيؤمنون مثالً بأنه رحمن رحيم ذو الرحمة العظيمة التي اتصف بها المتعلقة
بالمرحوم ،فالنعم كلها من آثار رحمته ،وهكذا يقال في سائر األسماء الحسنى.
فإن هللا قد أثبت لنفسه األسماء الحسنى والصفات العليا ،وأحكام تلك الصفات،
فمن أثبت شيئا ً منها ونفى اآلخر كان مع مخالفته للنقل والفعل متناقضا ً مبطالً
(.)203
( )201اخلالصة (ص.)17
ني الهر ممحَ َن الهرَحي َم) (الفاحتة.)3 ،2 : َ ( )202ودليل هذا االسم قال هللا تعاىل م َ َ
(احلَ مم ُد هّلِل َر َّ
ب الم َعالَم َ
( )203اخلالصة ضمن اجملموعة الكاملة ملؤلفات السعدي ( )179/1وانظر :التفسري (.)33/1
وداللة األسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة ،والتضمين ،وااللتزام فإن
الداللة نوعان:
لفظية ،ومعنوية عقلية ،فإن أعطيت اللفظ جميع ما دخل فيه من المعاني فهي
داللة مطابقة ألن اللفظ طابق المعنى من غير زيادة وال نقصان ،وإن أعطيته
بعض المعنى فتسمى داللة تضمن ،ألن المعنى المذكور بعض اللفظ وداخل في
ضمنه ،وأما الداللة المعنوية العقلية فهي خاصة بالعقل والفكر الصحيح ألن اللفظ
بمجرده ال يدل عليها وإنما ينظر العبد ويتأمل في المعاني الالزمة لذلك اللفظ
الذي ال يتم معناها بدونه وما يشترط له من الشروط ،وهذا يجرى في جميع
األسماء الحسنى كل واحد منها يدل على الذات وتلك الصفة داللة مطابقة ويدل
على الذات وحدها أو على الصفة وحدها داللة تضمن.
ويدل على الصفة األخرى الالزمة لتلك المعاني داللة التزام ،مثال ذلك:
(الرحمن) يدل على الذات وحدها وعلى الرحمة وحدها داللة تضمن ،وعلى
األمرين داللة مطابقة ،ويدل على الحياة الكاملة والعلم المحيط والقدرة التامة
ونحوها داللة التزام ألنه ال توجد الرحمة من دون حياة الراحم وقدرته الموصلة
لرحمته ،للمرحوم وعلمه به وبحاجته(.)204
ومن تدبر اسمه "الرحمن" وأنه تعالى واسع الرحمة له كمال الرحمة ،ورحمته قد
ملئت العالم العلوي والسفلي وجميع المخلوقات وشملت الدنيا واآلخرة ويتدبر
()205
ت ُك َّل َ
ش ْيءٍ ) اآليات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى (أَشَا ُء َو َرحْ َمتِي َو ِس َع ْ
َّللا َكي َ
ْف يُحْ ِيي ت َّ ِ ار َرحْ َم ِ ظ ْر ِإلَى آث َ ِ ُوف َر ِحي ٌم)(( )206فَا ْن ُ اس لَ َرؤ ٌ َّللا ِبالنَّ ِ
اآليات ( ِإ َّن َّ َ
س َّخ َر لَ ُك ْم َما ِفي (أَلَ ْم ت ََر ْوا أ َ َّن َّ َ
َّللا َ ()207
ض َب ْع َد َم ْو ِت َها ِإ َّن ذَ ِل َك لَ ُمحْ ِيي ْال َم ْوت َى)األر َ
ْ
ويتلو سورة النحل الدالة على أصول النعم وفروعها التي هي نفحة وأثر من آثار
علَ ْي ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم ت ُ ْس ِل ُمونَ )(.)211
رحمة هللا ولهذا قال في آخرها ( َكذَ ِل َك يُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َ
ثم تدبر سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فإنها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة
هللا تعالى فكل ما فيها من ضروب المعاني وتصاريف األلوان من رحمة الرحمن
ولهذا اختتمها في ذكر ما أعد هللا للطائعين في الجنة من النعيم المقيم الكامل الذي
هو أثر من رحمته تعالى ولهذا يسمى هللا الجنة الرحمة كقولهَ ( :وأ َ َّما الَّذِينَ
َّت ُو ُجو ُه ُه ْم فَ ِفي َرحْ َم ِة َّ ِ
َّللا ُه ْم فِي َها خَا ِلدُونَ )(.)212 ا ْبيَض ْ
وفي الحديث أن هللا قال للجنة" :أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي"(.)213
اح ِمينَ )(.)214 وقالَ ( :و ُه َو أ َ ْر َح ُم َّ
الر ِ
وبالجملة فاهلل خلق الخلق برحمته ،وأرسل إليهم الرسل برحمته ،وأمرهم ونهاهم
وشرع لهم الشرائع برحمته ،وأسبغ عليهم النعمة الظاهرة ،والباطنة برحمته،
ودبرهم أنواع التدبير وصرفهم بأنواع التصريف برحمته ومأل الدنيا واآلخرة من
رحمته فال طابت األمور ،وال تيسرت األشياء ،وال حصلت المقاصد ،وأنواع
المطالب إال برحمته ،ورحمته فوق ذلك ،وأجل وأعلى .وللمحسنين المتقين من
()217
يب ِمنَ ْال ُمحْ ِس ِنينَ )
َّللا قَ ِر ٌ
ت َّ ِرحمته النصيب الوافر والخير المتكاثر( ِإ َّن َرحْ َم َ
" (.)218
-37الرزاق:
قال رحمه هللا تعالى" :الرزاق لجميع المخلوقات ،فما من موجود في العالم العلوي
والعالم السفلي إال متمتع برزقه مغمور بكرمه(.)219
ورزقه نوعان:
علَى َّ
َّللاِ ض إال َ الر َّزاق)(َ ( )220و َما ِم ْن َدابَّ ٍة ِفي ْ
األر ِ قال تعالىِ ( :إ َّن َّ َ
َّللا ُه َو َّ
ِر ْزقُ َها)(.)222( )221
( )216أخرجه البخاري ( )176/8كتاب التوحيد ابب وكان عرشه على املاء ،ومسلم ( )2107/4كتاب التوبة ابب يف سعة
رمحة هللا تعاىل.
( )217األعراف (.)56
( )218املواهب الرابنية من اآلايت القرآنية (ص.)64
( )219توضيح الكافية الشافية (ص.)128
( )220الذارايت (.)58
( )221هود (.)6
( )222احلق الواضح املبني (ص.)85
أحدهما :الرزق النافع الذي ال تبعة فيه وهو موصل للعبد إلى أعلى الغايات،وهو
الذي على يد الرسول صلى هللا عليه وسلم بهدايته وإرشاده ،وهو نوعان أيضا:
رزق القلوب بالعلوم النافعة واإليمان الصحيح ،فإن القلوب ال تصلح وتفلح وال
تشبع حتى يحصل لها العلم بالحقائق النافعة والعقائد الصائبة ،ثم التخلق باألخالق
الجميلة ،والتنزه عن األخالق الرذيلة ،وما جاء به الرسول كفيل باألمرين على
أكمل وجه بال طريق لها إال من طريقه.
والنوع الثاني :أن يغني هللا عبده بحالله عن حرامه وبفضله عمن سواه.
واألول هو المقصود األعظم وهذا وسيلة إليه ومعين له فإذا رزق هللا العبد العلم
النافع واإليمان الصحيح والرزق الحالل والقناعة بما أعطاه هللا منه ،فقد تمت
أموره واستقامت أحواله الدينية والبدنية وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته
النصوص النبوية واشتملت عليه األدعية النافعة.
وأما النوع الثاني ،وهو إيصال الباري جميع األقوات التي تتغذي بها المخلوقات
برها وفاجرها المكلفون وغيرهم فهذا قد يكون من الحرام كما يكون من
الحالل،وهذا فصل النزاع في مسألة هل الحرام يسمى رزقا ً أم ال ،فإن أريد النوع
األول وهو الرزق المطلق الذي ال تبعة فيه فال يدخل فيه الحرام فإن العبد إذا سأل
ربه أن يرزقه فال يريد به إال الرزق النافع في الدين ،والبدن وهو النوع األول،
وإن أريد به مطلق الرزق -وهو النوع الثاني -فهو داخل فيه ،فما من دابة على
األرض إال على هللا رزقها.
-38الرشيد(:)224
"وهو الرشيد الذي أقواله رشد ،وأفعاله رشد ،وهو مرشد الحائرين في الطريق
الحسي ،والضالين في الطريق المعنوي ،فيرشد الخلق بما شرعه على ألسنة
رسله من الهداية الكاملة ،ويرشد عبده المؤمن ،إذا خضع له وأخلص عمله أرشده
( )223توضيح الكافية الشافية (ص 128و )129وانظر أيضاً :احلق الواضح املبني (ص )85والتفسري (.)626/5
( )224أورد املؤلف رمحه هللا تعاىل هذا االسم ضمن أمساء هللا ولكنه يفتقر إىل دليل يدل على تسمية هللا تعاىل به.
إلى جميع مصالحه ،ويسره لليسرى وجنّبه العسرى( )225والرشد الدال عليه اسم
الرشيد وصفه تعالى واإلرشاد لعباده .فأقواله القدرية التي يوجد بها األشياء ويدبر
بها األمور كلها حق الشتمالها على الحكمة ،والحسن ،واإلتقان وأقواله الشرعية
الدينية وهي:
أقواله التي تكلم بها في كتبه ،وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في
األخبار ،والعدل الكامل في األمر ،والنهي فإنه ال أصدق من هللا قيال وال أحسن
ص ْدقا ً َو َ
ع ْدالً)( )226في األمر والنهي. منه حديثا ً ( َوت َ َّم ْ
ت َك ِل َمتُ َر ِبّ َك ِ
وهي أعظم وأجل ما يرشد بها العباد بل ال حصول إلى الرشاد بغيرها فمن ابتغى
الهدى من غيرها أضله هللا ،ومن لم يسترشد بها فليس برشيد فيحصل بها الرشد
العلمي وهو بيان الحقائق واألصول ،والفروع والمصالح والمضار ،الدينية
والدنيوية ،ويحصل بها الرشد العملي فإنها تزكي النفوس ،وتطهر القلوب ،وتدعو
إلى أصلح األعمال ،وأحسن األخالق ،وتحث على كل جميل ،وترهب عن كل
ذميم رذيل ،فمن استرشد بها فهو المهتدي ومن لم يسترشد بها فهو ضال ،ولم
يجعل ألحد عليه حجة بعد بعثته للرسل وإنزاله الكتب المشتملة على الهدي
المطلق ،فكم بفضله هدى ضاالً وأرشد حائراً ،وخصوصا ً من تعلق به وطلب منه
الهدى من صميم قلبه ،وعلم أنه المنفرد بالهداية"(.)227
-39الرفيق:
قال رحمه هللا تعالى" :ومن أسمائه "الرفيق" في أفعاله وشرعه ،وهذا قد أخذ من
قوله صلى هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح" :إن هللا رفيق يحب أهل الرفق،
وإن هللا يعطي على الرفق ما ال يعطي على العنف"(.)228
ومن تدبر المخلوقات وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئا ً بعد شيء شاهد من ذلك
العجب العجيب ،فالمتأني الذي يأتي األمور برفق وسكينة ووقار إتباعا ً لسنن هللا
في الكون وإتباعا ً لنبيه صلى هللا عليه وسلم.
فإن كان هذا هديه وطريقه تتيسر له األمور ،وباألخص الذي يحتاج إلى أمر
الناس ونهيهم وإرشادهم ،فإنه مضطر إلى الرفق واللين ،وكذلك من آذاه الخلق
باألقوال البشعة وصان لسانه عن مشاتمتهم ،ودافع عن نفسه برفق ولين ،اندفع
عنه من أذاهم ما ال يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم ،ومع ذلك فقد كسب
الراحة ،والطمأنينة والرزانة والحلم.
ومن تأمل ما احتوى عليه شرعه من الرفق وشرع األحكام شيئا ً بعد شيء
وجريانها على وجه السعة واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق
الخلق أطواراً ،ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكم واسرار ال تحيط بها العقول.
والرفق من العبد ال ينافي الحزم ،فيكون رفيقا ً في أموره متأنياً ،ومع ذلك ال يفوت
الفرص إذا سنحت ،وال يهملها إذا عرضت"(.)230
قال رحمه هللا" :الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان ،وكالهما يدل
على إحاطة سمع هللا بالمسموعات وبصره بالمبصرات ،وعلمه بجميع المعلومات
الجليّة والخفية ،وهو الرقيب على ما دار في الخواطر ،وما تحركت به اللواحظ،
ومن باب أولى األفعال الظاهرة باألركان(.)231
()234
ش ِهي ٌد) ع َلى ُك ِّل َ
ش ْيءٍ َ ع َل ْي ُك ْم َر ِقيبا ً)(َ ( )233و َّ
َّللاُ َ قال هللا تعالىِ ( :إ َّن َّ َ
َّللا َكانَ َ
ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد هلل باسمه الرقيب
الشهيد ،فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة ،والباطنة قد أحاط هللا بعلمها،
واستحضر هذا العلم في كل أحواله ،أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر،
وهاجس يبغضه هللا ،وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط هللا وتعبد بمقام
اإلحسان فعبد هللا كأنه يراه ،فإن لم يكن يراه فإنه يراه"(.)235
()236
( -42-41الستار -الستير)
()237
-43السالم( :القدوس -السالم)
قال رحمه هللا تعالى " :ومن أسمائه القدوس السالم ،أي :المعظم المنزه عن
صفات النقص كلها وأن يماثله أحد من الخلق ،فهو المتنزه عن جميع العيوب،
()238
ش ْي ٌء)ْس َك ِمثْ ِل ِه َ والمتنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال (لَي َ
ً ()241
َّلل أ َ ْن َدادا) ( َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُكفُوا ً أ َ َح ٌد)(( )239ه َْل ت َ ْعلَ ُم لَهُ َ
س ِميّا ً)(( )240فَال تَجْ َعلُوا ِ َّ ِ
فالقدوس كالسالم ،ينفيان كل نقص من جميع الوجوه ،ويتضمنان الكمال المطلق
من جميع الوجوه ،ألن النقص إذا انتفى ثبت الكمال كله( )242فهو المقدس المعظم
ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له فإن التنزيه مراد
لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة كظن الجاهلية الذين يظنون به
ظن السوء ،ظن غير ما يليق بجالله وإذا قال العبد مثنيا ً على ربه "سبحان هللا" أو
"تقدس هللا" أو "تعالى هللا" ونحوها كان مثنيا ً عليه بالسالمة من كل نقص وإثبات
كل كمال "(.)243
-44السميع(:)244
قال رحمه هللا تعالى":ومن أسمائه الحسنى السميع الذي يسمع جميع األصوات
باختالف اللغات على تفنن الحاجات ،فالسر عنده عالنية البعيد عنده قريب(.)245
( )243احلق الواضح املبني (ص 81و )82وانظر :توضيح الكافية الشافية (ص.)127
( )244سبق زايدة إيضاح هلذا االسم مع امسه تعاىل البصري.
( )245توضيح الكافية الشافية (ص.)118
( )246إبراهيم (.)39
( )247احلق الواضح املبني (ص )35انظر :التفسري (.)622/5
()249
( -46-45الشاكر( -)248الشكور)
قال رحمه هللا تعالى" :ومن أسمائه تعالى الشاكر الشكور وهو الذي يشكر القليل
من العمل الخالص النقي النافع ،ويعفو عن الكثير من الزلل وال يضيع أجر من
أحسن عمال بل يضاعفه أضعافا ً مضاعفة بغير ع ٍد وال حساب ،ومن شكره أنه
يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ،وقد يجزئ
هللا العبد على العمل بأنواع من الثواب العاجل قبل اآلجل ،وليس عليه حق واجب
بمقتضى أعمال العباد وإنما هو الذي أوجب الحق على نفسه كرما ً منه وجوداً،
وهللا ال يضيع أجر العاملين به إذا أحسنوا في أعمالهم واخلصوها هلل تعالى(.)250
فإذا قام عبده بأوامره ،وامتثل طاعته أعانه على ذلك ،وأثنى عليه ،ومدحه،
وجازاه في قلبه نورا ً وإيمانا ً وسعة ،وفي بدنه قوة ونشاطا ً وفي جميع أحواله
زيادة بركة ونماء ،وفي أعماله زيادة توفيق.
ثم بعد ذلك يقدم على الثواب اآلجل عند ربه كامالً موفوراً ،لم تنقصه هذه
األمور .ومن شكره لعبده ،أن من ترك شيئا ً هلل عوضه هللا خيرا ً منه ،ومن تقرب
منه شبرا ً تقرب منه ذراعاً ،ومن تقرب منه ذراعا ً تقرب منه باعاً ،ومن أتاه
يمشي أتاه هرولة ،ومن عامله ربح عليه أضعافا ً مضاعفة "(.)251
-47الشهيد(:)253( )252
اّلِلُ َشاكَراً َعلَيماً} (النساء.)147: {وَكا َن ه ( )248ودليل هذا االسم قال هللا تعاىلَ :
ور َحلَ ٌيم} (التغابن: اع مفهُ لَ ُك مم َويَـ مغ َف مر لَ ُك مم َو ه
اّلِلُ َش ُك ٌ
ضَ اّلِلَ قَـ مرضاً َح َسناً يُ َ
ضوا ه( )249ودليل هذا االسم قال سبحانه{ :إَ من تـُ مق َر ُ
.)17
( )250توضيح الكافية الشافية (ص )126-125احلق الواضح املبني (ص.)70
( )251التفسري ( 185/1و .)630/5
اّلِلُ َعلَى ُك َّل َش مي ٍء َش َهي ٌد} (اجملادلة.)6 : {و ه( )252ودليل هذا االسم قال هللا تعاىلَ :
( )253سبق زايدة إيضاح هلذا االسم مع اسم هللا الرقيب.
قال رحمه هللا تعالى" :الشهيد أي :المطلع على جميع األشياء سمع جميع
األصوات خفيها ،وجليها وأبصر جميع الموجودات دقيقها ،وجليلها صغيرها،
()254
. وكبيرها ،وأحاط علمه بكل شيء الذي شهد لعباده ،وعلى عباده بما عملوه"
-48الصبور(:)255
"الصبور مأخوذ من قوله صلى هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح" :ال أحد
أصبر على أذى سمعه من هللا ،يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم" (.)256
وبما ثبت أيضا ً في الصحيح قال هللا تعالى" :كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك
وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك ،فأما تكذيبه إياي فقوله :لن يعيدني كما بدأني،
ي من إعادته ،وأما شتمه أياي فقوله :إن لي ولدا ً وأنا وليس أول الخلق بأهون عل َّ
الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم يلد ،ولم يولد ،ولم يكن له كفوا ً أحد"( )257وهللا
تعالى يدر على عباده األرزاق المطيع منهم ،والعاصي ،والعصاة ال يزالون في
محاربته ،وتكذيبه ،وتكذيب رسله ،والسعي في إطفاء دينه ،وهللا تعالى حليم
صبور على ما يقولون ،وما يفعلون ،يتتابعون في الشرور وهو يتابع عليهم النعم،
وصبره أكمل صبر ،ألنه عن كمال قدره وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمه
وإحسان ،فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شيء الصبور الذي يحب
الصابرين ويعينهم في كل أمرهم"(.)258
( )254التفسري ( )628/5انظر :احلق الواضح املبني (ص )58وتوضيح الكافية الشافية (ص.)122
( )255وصف هللا عز وجل ابلصَب اثبت كما يف حديث أيب موسى وسيأيت يف الشرح.
أما اسم الصبور ،فلم أقف على نص يدل على ثبوت هذا االسم هلل تعاىل ،وهللا أعلم.
( )256أخرجه مسلم ( ) 2160/4كتاب صفات املنافقني ابب ألحد أصَب على أذى من هللا عز وجل من حديث أيب موسى
األشعري رضي هللا عنه.
يدهُ َوُه َو أ مَه َو ُن َعلَميه} {وُه َو اله َذي يَـمبدأُ م
اخلَلم َق مثُه يُعَ ُ ( )257أخرجه البخاري ( )73/4كتاب بدء اخللق ابب ماجاء يف قوله تعاىل َ
من حديث أيب هريرة بنحوه.
وأخرجه النسائي ( )112/4كتاب اْلنائز ابب أرواح املؤمنني من حديث أيب هريرة.
( )258احلق الواضح املبني (ص )58-57وتوضيح الكافية الشافية (ص )121والفتاوى السعدية (ص.)29
-49الصمد(:)259
قال رحمه هللا تعالى" :الصمد :أي الرب الكامل والسيد ،العظيم ،الذي لم يبق
صفة كمال إال اتصف بها ،ووصف بغايتها ،وكمالها بحيث ال تحيط الخالئق
ببعض تلك الصفات بقلوبهم ،وال تعبر عنها ألسنتهم وهو المصمود إليه ،المقصود
ض ُك َّل يَ ْو ٍم ُه َو فِي
األر ِ
ت َو ْ
اوا ِ في جميع الحوائج والنوائب (يَسْأَلُهُ َم ْن فِي ال َّ
س َم َ
شَأ ْ ٍن)(.)260
فهو الغني بذاته ،وجميع الكائنات فقيرة إليه بذاتهم :في إيجادهم ،وأعدادهم،
وإمدادهم بكل ما هم محتاجون إليه من جميع الوجوه ليس ألحد منها غنى مثقال
ذرة ،في كل حالة من أحوالها(.)261
والصمد المغني الجامع الذي يدخل فيه كل مافسر به هذا االسم الكريم ،فهو
الصمد الذي تصمد إليه أي :تقصده جميع المخلوقات بالذل والحاجة واالفتقار.
ويفزع إليه العالم بأسره ،وهو الذي قد كمل بعلمه وحكمته وحلمه ،وقدرته،
وعظمته ورحمته وسائر أوصافه"(.)263
()264
-51 -50الضار( :النافع الضار)
ومن أسمائه ماال يؤتى به إال مع مقابلة االسم اآلخر ألن الكمال الحقيقي تمامه
وكماله من اجتماعهما ،وذلك مثل هذه األسماء وهي متعلقة بأفعاله الصادرة عن
إرادته النافذة وقدرته الكاملة وحكمته الشاملة فهو تعالى النافع لمن شاء من عباده
بالمنافع الدينية والدنيوية ،الضار لمن فعل األسباب التي توجب ذلك ،وكل هذا تبع
لحكمته وسننه الكونية ولألسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها ،فإن هللا تعالى
جعل مقاصد للخلق وأمورا ً محبوبة في الدين ،والدنيا ،وجعل لها أسباباً ،وطرقاً،
وأمر بسلوكها ويسرها لعباده غاية التيسير ،فمن سلكها أوصلته إلى المقصود
النافع،ومن تركها أو ترك بعضها أو فوت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته
الكمال المطلوب فال يلومن إال نفسه وليس له حجة على هللا ،فإن هللا أعطاه
السمع ،والبصر ،والفؤاد ،والقوة ،والقدرة ،وهذه النجدين وبين له األسباب،
والمسببات ولم يمنعه طريقا ً يوصل إلى خير ديني ،وال دنيوي ،فتخلفه عن هذه
األمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها (.)265
-52الظاهر(:)266
-53العدل(:)267
قال رحمه هللا تعالى" :هذه األسماء العظيمة معانيها متقاربة فهو تعالى كامل القوة
عظيم القدرة شامل العزة ( ِإ َّن ْال ِع َّزة َ ِ َّ ِ
َّلل َج ِميعا ً)(.)272( )271
فمعاني العزة الثالث كلها كاملة هلل العظيم عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي
المتين ،وهي وصفه العظيم الذي ال تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت ،وعزة
االمتناع فإنه هو الغني بذاته فال يحتاج إلى أحد ،وال يبلغ العباد ضرة فيضرونه،
وال نفعه فينفعونه بل هو الضار النافع المعطي المانع ،وعزة القهر والغلبة لكل
الكائنات فهي كلها مقصورة هلل خاضعة لعظمته منقادة إلرادته ،فجميع نواصي
المخلوقات بيده ،ال يتحرك منها متحرك وال يتصرف متصرف إال بحوله وقوته
وإذنه ،فما شاء هللا كان ،وما لم يشأ لم يكن ،وال حول وال قوة إال به ،فمن قوته
واقتداره أنه خلق السماوات ،واألرض ،وما بينهما في ستة أيام ،وأنه خلق الخلق
ثم يميتهمثم يحييهم ثم إليه يرجعون ( َما خ َْلقُ ُك ْم َوال بَ ْعث ُ ُك ْم إال َكنَ ْف ٍس َو ِ
اح َدةٍ)(.)274
علَيْه)( )275ومن آثار قدرته أنك ترى ( َو ُه َو الَّذِي َيبْدأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ َو ُه َو أ َ ْه َو ُن َ
األرض هامدة ،فإذا أنزل عليها الماء اعتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج،
ومن آثار قدرته ما أوقعه باألمم المكذبين ،والكفار الظالمين من أنواع العقوبات
وحلول المثالت ،وأنه لم يغن عنهم كيدهم ،ومكرهم ،وال أموالهم ،وال جنودهم،
وال حصونهم من عذاب هللا من شيء لما جاء أمر ربك ،وما زادوهم غير تتبيب،
وخصوصا ً في هذه األوقات فإن هذه القوة الهائلة ،والمخترعات الباهرة التي
وصلت إليها مقدرة هذه األمم هي من أقدار هللا لهم وتعليمه لهم ،ما لم يكونوا
يعلمونه ،فمن آيات هللا أن قواهم ،وقدرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئا ً في صد
ما أصابهم من النكبات ،والعقوبات المهلكة مع بذل جدهم واجتهادهم في توقي
ذلك ،ولكن أمر هللا غالب ،وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي ،والسفلي.
عددهم ومن آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصرة أولياءه على قلة عددهم و ُ
غلَبَ ْ
ت على أعدائهم الذين فاقوهم بكثرة العدد ،والعُدة ،قال تعالىَ ( :ك ْم ِم ْن فِئ َ ٍة قَ ِليلَ ٍة َ
فِئَةً َكثِ َ
يرة ً ِبإِ ْذ ِن َّ ِ
َّللا)(.)277
ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه ألهل النار ،وأهل الجنة من أنواع العقاب،
وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي ال ينقطع ،وال يتناهى" (.)278
()280
-55العظيم( :العظيم( -)279الكبير)
قال رحمه هللا" :العظيم الجامع فجميع صفات العظمة والكبرياء والمجد والبهاء
الذي تحبه القلوب ،وتعظمه األرواح ،ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء ،وإن
جلت في الصفة ،فإنها مضمحلة في جانب عظمة العلي العظيم(.)281
وهللا تعالى عظيم له كل وصف ومعنى يوجب التعظيم فال يقدر مخلق أن يثني
عليه كما ينبغي له وال يحصى ثناء عليه ،بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما
يتثنى عليه عباده.
س َك ُه َما ِم ْن أ َ َح ٍد
ض أ َ ْن ت َُزوال َولَئِ ْن زَ الَت َا ِإ ْن أ َ ْم َ
األر َ
ت َو ْ
اوا ِ
س َم َ وقالِ ( :إ َّن َّ َ
َّللا ي ُْم ِسكُ ال َّ
ِم ْن بَ ْع ِد ِه) .
()285
وفي الصحيح عنه صلى هللا عليه وسلم" :إن هللا يقول الكبرياء ردائي والعظمة
إزاري ،فمن نازعني واحدا ً منهما عذبته"( )287هللف تعالى الكبرياء والعظمة،
والوصفان اللذان ال يقدر قدرهما وال يبلغ كنههما.
النوع الثاني :من معاني عظمته تعالى أنه ال يستحق أحد من الخلق أن يعظم كما
يعظم هللا فيستحق جل جالله من عباده أن يعظموه بقلوبهم ،وألسنتهم ،وجوارحهم
وذلك ببذل الجهد في معرفته ،ومحبته ،والذل له ،واالنكسار له ،والخضوع
لكبريائه ،والخوف منه وإعمال اللسان بالثناء عليه ،وقيام الجوارح بشكره
وعبوديته ،ومن تعظيمه أن يتقى حق تقاته فيطاع فال يعصى ،ويذكر فال ينسى،
ويشكر فال يكفر ،ومن تعظيمه تعظيم ما حرمه وشرعه من زمان ومكان وأعمال
ظ ْم َّللاِ فَإِنَّ َها ِم ْن ت َ ْق َوى ْالقُلُو ِ
ب)( )288و(ذَ ِل َك َو َم ْن يُعَ ِ ّ شعَائِ َر َّ (ذَ ِل َك َو َم ْن يُعَ ِ ّ
ظ ْم َ
( )282أخرجه أبو الشيخ يف العظمة ( )445/2وأورده السيوطي يف الدر ( )248/7وعزاه إىل عبد ابن محيد وابن أيب حاُت
وأيب الشيخ.
( )283روى ذلك عن أيب ذر رضي هللا عنه .انظر :كتاب العظمة ( 635/2و.)636
( )284الزمر (.)67
( )285فاطر (.)41
( )286الشورى (.)50
( )287أخرجه مسلم ( )2023/4كتاب الَب والصلة واآلداب ابب ما جاء يف الكَب.
( )288احلج (.)32
َّللا فَ ُه َو َخي ٌْر لَهُ ِع ْن َد َر ِبّ ِه)( )289ومن تعظيمه أن اليعترض على شيء مما
ت َّ ُِح ُر َما ِ
()290
خلقه أو شرعه .
قال رحمه هللا تعالى" :العفو الغفور الغفار :الذي لم يزل ،وال يزال بالعفو
معروفاً ،وبالغفران ،والصفح عن عباده موصوفاً.
كل أحد مضطر إلى عفوه ،ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته ،وكرمه وقد
وعد بالمغفرة ،والعفو لمن أتى بأسبابها قال تعالىَ ( :و ِإ ِنّي لَغَفَّ ٌ
ار ِل َم ْن ت َ
َاب َوآ َمنَ
صا ِلحا ً ث ُ َّم ا ْهت َ َدى)(.)295( )294
ع ِم َل َ
َو َ
-57العلي(:)296
-58العليم(:)297
()298
الغفار( :الغفور)
وقد فتح هللا األسباب لنيل مغفرته بالتوبة ،واالستغفار ،واإليمان ،والعمل الصالح،
واإلحسان إلى عباد هللا ،والعفو عنهم ،وقوة الطمع في فضل هللا ،وحسن الظن
باهلل ،وغير ذلك مما جعله هللا مقربا ً لمغفرته" (.)301
فهو الغني بذاته ،الذي له الغنى التام المطلق ،من جميع الوجوه ،واالعتبارات
لكماله ،وكمال صفاته.
فال يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه ،وال يمكن أن يكون إال غنياً ،ألن غناه
من لوازم ذاته ،كما ال يكون إال خالقا ً قادرا ً رازقا ً محسنا ً فال يحتاج إلى أحد بوجه
من الوجوه.
( )299أخرجه اإلمام أمحد يف املسند ( )147/5بنحوه ،والرتمذي يف سننه ( )548/5كتاب الدعوات ابب يف فضل التوبة
واالستغفار ،وابن ماجه ( )1255/2كتاب اآلداب ابب فضل العمل ،والدارمي ( )230/2كتاب الرقاق ابب إذا
تقرب العبد إىل هللا عن أنس ،وقال الرتمذي هذا حديث غريب النعرفه إال من هذا الوجه ،وصححه الشيخ األلباين
مبجموع طرقه .انظر :السلسلة الصحيحة (.)200/1
( )300النجم (.)32
( )301احلق الواضح املبني (ص.)74 ،73
{وَو َج َد َك َعائَالً فَأَ مغ َىن} (الضحى.)8 :
( )302ودليل هذا االسم قال هللا تعاىلَ :
( )303فاطر (.)15
فهو الغني الذي بيده خزائن السماوات واألرض ،وخزائن الدنيا واآلخرة المغني
جميع خلقه غني عاماً ،والمغني لخواص خلقه مما أفاض على قلوبهم من
المعارف الربانية والحقائق اإليمانية(.)304
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه ،ويعدهم بإجابة دعواتهم ،وإسعافهم
بجميع مراداتهم ،ويؤتيهم من فضله ما سألوه ،وما لم يسألوه ،ومن كمال غناه أنه
لو اجتمع أول الخلق وآخرهم في صعيد واحد فسألوه ،فأعطى كالً منهم ما سأله
وما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه مثقال ذرة ،ومن كمال غناه ،وسعة عطاياه ما
يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم ،واللذات المتتابعات ،والخيرات
المتواصالت ،مما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر.
ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبا ً وال ولدا ً وال شريكا ً في الملك ،وال وليا ً من
الذل ،وهو الغني الذي كمل بنعوته ،وأوصافه ،المغني لجميع مخلوقاته(.)305
-63الفتاح(:)306
قال رحمه هللا تعالى" :الفتاح :الذي يحكم بين عباده ،بأحكامه الشرعية ،وأحكامه
القدرية ،وأحكام الجزاء ،الذي فتح بلطفه بصائر الصادقين ،وفتح قلوبهم لمعرفته،
ومحبته ،واإلنابة إليه ،وفتح لعباده أبواب الرحمة واألرزاق المتنوعة ،وسبب لهم
األسباب التي ينالون بها خير الدنيا واآلخرة(.)307
فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه،
ويفنح على أعدائه ضد ذلك ،وذلك بفضله وعدله(.)309
قال رحمه هللا تعالى" :الفعال لما يريد هذا من كمال قوته ،ونفوذ مشيئته ،وقدرته،
أن كل أمر يريده يفعله بال ممانع ،وال معارض.
وليس له ظهير ،وال عوين على أي أمر يكون ،بل إذا أراد شيئا ً قال له :كن
فيكون.
ومع أنه الفعال لما يريد فإرادته تابعة لحكمته ،وحمده ،فهو موصوف بكمال
القدرة ،ونفوذ المشيئة ،وموصوف بشمول الحكمة لكل مافعله ويفعله(.)311
-66القريب:
قال المؤلف رحمه هللا تعالى" :القريب أي :هو القريب من كل أحد ،وقربه
نوعان:
قرب عام من كل أحد بعلمه ،وخبرته ،ومراقبته ،ومشاهدته ،واحاطته وهو أقرب
إلى اإلنسان من حبل الوريد.
وهو المذكور في قوله تعالىَ ( :وا ْس ُج ْد َوا ْقت َِربْ )( )314وفي قولهِ ( :إ َّن َر ِبّي قَ ِر ٌ
يب
يب أ ُ ِج ُ
يب َدع َْوة َ الدَّاعِ ِإذَا سأَلَ َك ِع َبادِي َ
ع ِنّي فَإِ ِنّي قَ ِر ٌ يب)( )315وفي قوله ( َو ِإذَا َ
ُم ِج ٌ
ان)( )316وهذا النوع قرب يقتضي الطافه تعالى ،وإجابته لدعواتهم ،وتحقيقه ع ِ
َد َ
لمراداتهم ولهذا يقرن باسمه "القريب" اسمه "المجيب" وهذا القرب قربه ال تدرك
له حقيقة ،وإنما تعلم آثاره من لطف بعبده ،وعنايته به وتوفيقه ،وتسديده ،ومن
آثاره اإلجابة للداعين واإلثابة للعابدين" (.)317
-68القدير(:)319
قال رحمه هللا تعالى" :القدير :كامل القدرة بقدرته أوجد الموجودات ،وبقدرته
دبرها ،بقدرته سواها وأحكمها ،وبقدرته يحيي ويميت ،ويبعث العباد للجزاء،
ويجازي المحسن بإحسانه ،والمسيء بإساءته ،الذي إذا أراد شيئا ً قال له :كن
فيكون ،وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء ويريد"(.)320
-69القهار(:)321
قال رحمه هللا تعالى" :القهار :لجميع العالم العلوي ،والسفلي ،القهار لكل شيء
الذي خضعت له المخلوقات وذلك لعزته وقوته ،وكمال اقتداره(.)322
وهو الذي قهر جميع الكائنات ،وذلت له جميع المخلوقات أو دانت لقدرته،
ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسفلى ،فال يحدث حادث ،وال يسكن
ساكن إال بإذنه ،وما شاء كان ،وما لم يشأ لم يكن ،وجميع الخلق فقراء إلى هللا
عاجزون ال يملكون ألنفسهم نفعاً ،وال ضراً ،وال خيراً ،وال شرا ً ثم إن قهره
مستلزم لحياته وعزته وقدرته ،فال يتم قهره للخليقة إال باتمام حياته ،وقوة عزته،
واقتداره"(.)323
-70القوي(:)324
-72الكافي(:)326
قال رحمه تعالى" :الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه .الكافي كفاية
خاصة من آمن به وتوكل عليه واستمد منه حوائج دينه ودنياه"(.)327
-73الكبير(:)328
قال رحمه هللا تعالى " :الكبير ( :)329الذي له الكبرياء في ذاته ،وصفاته وله
الكبرياء في قلوب أهل السماء ،واألرض"(.)330
-74الكريم(:)331
قال رحمه هللا تعالى" :الكريم( :)332كثير الخير يعم به الشاكر ،والكافر ،إال أن
شكر نعمه داع للمزيد منها ،وكفرها داع لزوالها"(.)333
-75اللطيف(:)334
ومن لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه ،ويشمله بكرمه ويرقيه إلى
المنازل العالية فييسره لليسرى ،ويجنبه العسرى ،ويجري عليه من أصناف
المحن التي يكرهها وتشق عليه وهي عين صالحه ،والطريق إلى سعادته ،كما
أمتحن األنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر هللا عن يوسف عليه
السالم وكيف ترقت به األحوال ولطف هللا به وله بما قدره عليه من تلك األحوال
التي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا واآلخرة .وكما يمتحن أولياءه
بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون ،وكم هلل من لطف ،وكرم ال تدركة األفهام وال
تتصوره األوهام ،وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من والية
ورياسة أو سبب من األسباب المحبوبة فيصرفه هللا عنها ويصرفها عنه رحمة به
لئال تضره في دينه ،فيظل العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربه ،ولو علم ما
دخر له في الغيب وأريد إصالحه لحمد هللا وشكره على ذلك ،فإن هللا بعباده
رؤوف رحيم ،لطيف بأوليائه.
وفي الدعاء المأثور" :اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب ،وما
زويت عني مما أحب فاجعله فراغا ً لي فيما تحب" ( )336اللهم الطف بنا في
واعلم أن اللطف الذي يطلبه العباد من هللا بلسان المقال ،ولسان الحال هو من
الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث ال يشعر بها أو ال
يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد :يا لطيف الطف بي أو لي وأسألك لطفك
فمعناه تولني والية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة ،والباطنة وبها تندفع عني
جميع المكروهات من األمور الداخلية واألمور الخارجية.
واألمور الخارجية لطف للعبد فإذا يسر هللا عبده وسهل طريق الخير وأعانه عليه
فقد لطف به وإذا قيض هللا له أسبابا ً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها
صالحه فقد لطف له ولهذا لما تنقلت بيوسف عليه السالم تلك األحوال ،
وتطورت به األطوار من رؤياه ،وحسد إخوته له ،وسعيهم في إبعاده جدا،
واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنسوة ثم بالسجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك
العظيمة ،وانفراده بتعبيرها ،وتبوءه من األرض حيث يشاء ،وحصول ما حصل
على أبيه من االبتالء ،واالمتحان ثم حصل بعد ذلك االجتماع السار وازالة
االكدار وصالح حالة الجميع واالجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السالم أن هذه
األشياء وغيرها لطف لطف هللا لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال( :إِ َّن َر ِبّي لَ ِط ٌ
يف
ِل َما يَشَا ُء إِنَّهُ ُه َو ا ْلعَ ِلي ُم ْال َح ِكي ُم)( )338أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده
ممن يعلمه تعالى محال لذلك وأهالً له فال يضعه إال في محله .هللا أعلم حيث يضع
فضله فإذا رأيت هللا تعالى قد يسر العبد لليسرى ،وسهل له طريق الخير ،وذلل له
صعابه ،وفتح له أبوابه ،ونهج له طرقه ،ومهد له أسبابه ،وجنبه العسرى فقد
لطف به.
ومن لطفه بعباده أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم ال بحسب مراداتهم فقد
يريدون شيئا ً وغيره أصلح فيقدر لهم األصلح وإن كرهوه لطفا ً بهم ،وبراً،
َّللاُ
ط َّس َ
يز)(َ ( )339ولَ ْو َب َ ي ْال َع ِز ُ يف ِب ِع َبا ِد ِه َي ْر ُز ُق َم ْن َيشَا ُء َو ُه َو ْالقَ ِو ُّ وإحسانا ً ( َّ
َّللاُ لَ ِط ٌ
ير الر ْزقَ ِل ِعبَا ِد ِه لَبَغ َْوا فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َولَ ِك ْن يُن ِ َّز ُل بِقَ َد ٍر َما يَشَا ُء إِنَّهُ بِ ِعبَا ِد ِه َخبِ ٌ ِّ
()340
ير) . ص ٌ بَ ِ
ومن لطفه بهم أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ،وضروب المحن ،واإلبتالء باألمر
سى أ َ ْن ع َوالنهي الشاق رحمة بهم ،ولطفاً ،وسوقا إلى كمالهم ،وكمال نعيمهم ( َو َ
َّللاُ يَ ْعلَ ُم َوأ َ ْنت ُ ْم ال سى أ َ ْن ت ُ ِحبُّوا َ
شيْئا ً َو ُه َو ش ٌَّر لَ ُك ْم َو َّ شيْئا ً َو ُه َو َخي ٌْر لَ ُك ْم َو َ
ع َ ت َ ْك َر ُهوا َ
ت َ ْعلَ ُمونَ )(.)341
ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهله للمراتب العالية ،والمنازل السامية التي ال تدرك
باألسباب العظام التي ال يدركها إال أرباب الهمم العالية ،والعزائم السامية أن يقدر
له في ابتداء أمره بعض األسباب المحتملة المناسبة لألسباب التي أهل لها ليتدرج
من األدنى إلى األعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك األمر وهذا
كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من األنبياء -صلوات هللا وسالمه عليهم -في
ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصالحه إلى رعاية
بني آدم ودعوتهم وإصالحهم .وكذلك يذيق عبده حالوة بعض الطاعات فينجذب
ويرغب ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات أجل منها وأعلى ولم تكن
تحصل بتلك اإلرادة السابقة حتى وصل إلى هذه اإلرادة والرغبة التامة.
ومن لطف هللا بعبده أن يجعل رزقه حالالً في راحة وقناعة يحصل به المقصود
وال يشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل بل يعينه على ذلك ويفرغه
ويريح خاطره وأعضاءه ولهذا من لطف هللا تعالى لعبده أنه ربما طمحت نفسه
لسبب من األسباب الدنيوية التي يظن فيها إدراك بغيته فيعلم هللا تعالى أنها تضره
وتصده عما ينفعه فيحول بينه وبينها فيظل العبد كارها ً ولم يدر أن ربه قد لطف
به حيث أبقى له األمر النافع وصرف عنه األمر الضار ولهذا كان الرضى
بالقضاء في مثل هذه األشياء من أعلى المنازل.
ومن لطف هللا بعبده إذا قدر له طاعة جليلة ال تنال إال بأعوان أن يقدر له أعوانا ً
عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السالمَ ( :واجْ َع ْل ِلي َو ِزيرا ً ِم ْن أ َ ْه ِلي
َارونَ أ َ ِخي ا ْش ُد ْد ِب ِه أ َ ْز ِري َوأ َ ْش ِر ْكهُ ِفي أ َ ْم ِري َك ْي نُ َ
س ِبّ َح َك َك ِثيرا ً َونَ ْذ ُك َر َك ه ُ
َكثِيرا ً)( .)343وكذلك امتن على عيسى بقولهَ ( :وإِ ْذ أ َ ْو َحيْتُ إِلَى ْال َح َو ِار ِيّينَ أ َ ْن ِآمنُوا
سو ِلي قَالُوا آ َمنَّا َوا ْش َه ْد بِأَنَّنَا ُم ْس ِل ُمونَ )(.)344بِي َوبِ َر ُ
( )342آل عمران (.)37
( )343طه (.)30
( )344املائدة (.)111
ص ِر ِه َوبِ ْال ُمؤْ ِمنِينَ )( )345وهذا
وامتن على سيد الخلق في قوله ( ُه َو الَّذِي أَيَّ َد َك بِنَ ْ
لطف لعبده خارج عن قدرته ومن هذا لطف هللا بالهادين إذا قيض هللا من يهتدي
بهداهم ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات واألجور التي ال يدركها العبد
بمجرد فعله بل هي مشروطة بأمر خارجي.
ومن لطف هللا بعبده أن يعطي عبده من األوالد ،واألموال ،واألزواج ما به تقر
عينه في الدنيا ،ويحصل له السرور ،ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه ،ويعوضه عليه
األجر العظيم إذا صبر واحتسب فنعمة هللا عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من
نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه وهذا أيضا ً خير وأجر
خارج عن أحوال العبد بنفسه بل هو لطف من هللا له قيض له أسبابا أعاضه عليها
الثواب الجزيل واألجر الجميل .ومن لطف هللا بعبده أن يبتليه ببعض المصائب
فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فينيله درجات عاليه ال يدركها بعمله وقد يشدد
عليه االبتالء بذلك كما فعل بأيوب عليه السالم ويوجد في قلبه حالوة روح
الرجاء وتأميل الرحمة وكشف الضر فيخف ألمه وتنشط نفسه .ولهذا من لطف هللا
بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب األجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من
المشاق في حصول مرضاته.
ومن لطف هللا بعبده المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب االبتالء التي تضعف
إيمانه وتنقص إيقانه .كما أن من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة أسباب االبتالء
واالمتحان ويعينه عليها ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجره فسبحان
اللطيف في ابتالئه وعافيته وعطائه ومنعه.
ومن لطف هللا بعبده أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع
وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فييسر عليه التعلم من كتاب أو معلم يكون
حصول المقصود به أقرب وأسهل وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر
والسهولة وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف.
ومن لطف هللا تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا ً لرحمته فيفتح
له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع واالبتهال إلى ربه وازدراء نفسه
واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات.
ومن لطفه بعبده الحبيب عنده إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة
واسترسلت في ذلك أن ينقصها عليه ويكدرها فال يكاد يتناول منها شيئا ً إال مقرونا
بالمكدرات محشوا ً بالغصص لئال يميل معها كل الميل ،كما أن من لطفه به أن
يلذذ له التقربات ويحلي له الطاعات ليميل إليها كل الميل.
ومن لطيف لطف هللا بعبده أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم
على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من األسباب فال يفعلها فيحصل له
أجرها فانظر كيف لطف هللا به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره وقد علم
تعالى أنه ال يفعلها سوقا لبره لعبده وإحسانه بكل طريق.
وألطف من ذلك أن يقيض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها هي أنفع له
منها فيدع العبد الطاعة التي ترضى ربه لطاعة أخرى هي أرضى هلل منها
فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنية وإذا كان من يهاجر إلى هللا
ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على هللا مع أن قطع
الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على
فعلها وربما ادار هللا في ضمير عبده عدة طاعات كل طاعة لو انفردت لفعلها
العبد لكمال رغبته وال يمكن فعل شيء منها إال بتفويت األخرى فيوفقه للموازنة
بينها وإيثار أفضلها فعال مع رجاء حصولها جميعها عزما ً ونية.
وألطف من هذا أن يقدر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفر له
دواعيها وهو تعالى يعلم أنه ال يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت
أسباب فعلها من أكبر الطاعات.
كما لطف بيوسف عليه السالم في مراودة المرأة .وأحد السبعة الذين يظلهم هللا في
ظله يوم ال ظل إال ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :إني أخاف هللا
رب العالمين(.)346
ومن لطف هللا بعبده أن يقدر خيرا ً وإحسانا من عبده ويجريه على يد عبده اآلخر
ويجعله طريقا ً إلى وصوله إلى المستحق فيثيب هللا األول واآلخر .ومن لطف هللا
بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئا ً من النفع وخيرا ً لغيره فيثيبه من حيث ال
يحتسب فمن غرس غرسا ً أو زرع زرعا ً فاصابت منه روح من األرواح
المحترمة شيئا ً آجر هللا صاحبه وهو ال يدري خصوصا ً إذا كانت عنده نية حسنة
وعقد مع ربه عقدا ً في أنه مهما ترتب على ماله شيء من النفع فاسألك يارب أن
تأجرني وتجعله قربة لي عندك ،وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرها وركوبها
والحمل عليها ،أو مساكن انتفع بسكناها ولو شيئا ً قليالً ،أو ماعون ونحوه انتفع
به ،أو عين شرب منها ،وغير ذلك ككتاب انتفع به في تعلم شيء منه ،أو
مصحف قرئ فيه ،وهللا ذو الفضل العظيم.
( )346هذا مبعىن حديث أيب هريرة رضي هللا عنه أخرجه البخاري ( )20/8كتاب احلدود ابب فضل من ترك الفواحش ،ومسلم
( )715/2كتاب الدعاء ابب فضل اخفاء الصدقة.
ومن لطف هللا بعبده أن يفتح له بابا ً من أبواب الخير لم يكن له على بال ،وليس
ذلك لقلة رغبته فيه وإنما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق فلم يشعر إال وقد
وجد في قلبه الداعي إليه والملفت إليه ففرح بذلك وعرف أنها من ألطاف سيده
وطرقه التي قيض وصولها إليه فصرف لها ضميره ووجه إليها فكره وأدرك
منها ماشاء هللا"(.)347
قال المؤلف رحمه هللا" :الملك المالك :الذي له الملك فهو الموصوف بصفة
()351
وله جميع العالم العلوي والسفلي ،كلهم عبيد ،ومماليك ،ومضطرون إليه
وهو اآلمر الناهي المعز المذل الذي يصرف أمور عباده كما يحب ،ويقلبهم كما
يشاء ،وله من معنى الملك ما يستحقه من األسماء الحسنى كالعزيز الجبار
المتكبر ،الحكم ،العدل ،الخافض ،الرافع ،المعز ،والمذل ،العظيم ،الجليل ،الكبير،
الحسيب ،المجيد ،الوالي ،المتعالي ،مالك الملك ،المتسلط ،الجامع ،إلى غير ذلك
من األسماء العائدة إلى الملك(.)352
قال رحمه هللا" :المعطي المانع هذه من األسماء المتقابلة التي ال ينبغي أن يثني
على هللا بها إال كل واحد منها مع اآلخر ألن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين
(.)354
فهو المعطي المانع :ال مانع لما أعطى ،وال معطي لما منع ،فجميع المصالح
والمنافع منه تطلب ،وإليه يرغب فيها ،وهو الذي يعطيها لمن شاء ويمنعها من
يشاء بحكمته ورحمته"(.)355
()356
-78المبدئ( :المبدئ -المعيد)
قال رحمه هللا :وقد عدهما ضمن األسماء الحسنى الزجاج (ص )55والخطابي
في شأن الدعاء (ص )79والبيهقي في كتابه األسماء والصفات (ص)95
والغزالي في كتابه المقصد األسنى شرح أسماء هللا الحسنى (ص.)63
"المبدئ المعيد قال هللا تعالىَ ( :و ُه َو الَّذِي يَبْدأ ُ ْالخ َْلقَ ث ُ َّم يُ ِعي ُدهُ)( )357ابتدأ خلقهم
ليبلوهم أيهم أحسن عمالً ثم يعيدهم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى ويجزئ
المسيئين بإسأتهم .وكذلك هو الذي يبدأ إيجاد المخلوقات شيئا ً فشيئا ً ثم يعيدها كل
وقت"(.)358
( )353سبق زايدة بيان ملعىن هذا اإلسم مع امسه تعاىل" :الباسط".
( )354احلق الواضح املبني (ص.)89 :
( )355التفسري (.)628/5
( )356مل أقف على نص صحيح يدل على تسمية هللا تعاىل هبذين االمسني.
( )357الروم (.)27
( )358التفسري ( 628/5و .)629
-79المتكبر(:)359
-80المتين(:)361
-81المجيب(:)362
قال رحمه هللا تعالى" :من أسمائه المجيب لدعوة الداعين ،وسؤال السائلين،
وعباده المستجيبين ،وإجابته نوعان:
إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة قال تعالىَ ( :وقَا َل َربُّ ُك ُم
عونِي أ َ ْست َِجبْ لَ ُك ْم)( )363فدعاء المسألة يقول العبد اللهم أعطني كذا أو اللهم أدفع
ا ْد ُ
عني كذا ،فهذا يقع من البر والفاجر ،ويستجيب هللا فيه لكل من دعاه بحسب
الحالة المقتضية ،وبحسب ما تقتضيه حكمته ،وهذا يستدل به على كرم المولى
وشمول إحسانه للبر والفاجر ،وال يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي
أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعين الحق معه،
كسؤال األنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم هللا ،فإنه يدل على صدقهم
فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم ،ولهذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم كثيرا ً
ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته ،وذلك من دالئل نبوته وآيات
صدقه ،وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء هللا من إجابة الدعوات فإنه من
أدلة كراماتهم على هللا.
-82المجيد(:)367
قال رحمه هللا تعالى" :المجيد الذي له المجد العظيم ،والمجد هو عظمة الصفات،
وسعتها فكل وصف من أوصافه عظيم شأنه فهو العليم الكامل في علمه ،الرحيم
الذي وسعت رحمته كل شيء ،القدير الذي ال يعجزه شيء ،الحليم الكامل في
حلمه ،الحكيم الكامل في حكمته إلى بقية أسمائه وصفاته"(.)368
-83المحيط(:)369
قال رحمه هللا تعالى" :المحيط بكل شيء علماً ،وقدرة ،ورحمة ،وقهرا"(.)370
()371
-84المذل( :المعز -المذل)
()373
-86المعز( :المعز -المذل)
-87المعطي(:)374
-88المعيد(:)375
-89المغني(:)376
-90المغيث (:)377
قال رحمه هللا تعالى " :ومن أسمائه المغيث وهو المنقذ من الشدائد الفادحة
ت ْال َب ِ ّر َو ْال َبحْ ِر)( )379( )378فالمغيث يتعلق والكروب (قُ ْل َم ْن يُنَ ِ ّجي ُك ْم ِم ْن ُ
ظلُ َما ِ
بالشدائد والمشقات فهو المغيث لجميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في
قال المؤلف رحمه هللا تعالى " :المقدم والمؤخر من أسمائه الحسنى المزدوجة
المتقابلة التي ال يطلق واحد بمفرده على هللا إال مقرونا ً باآلخر فإن الكمال من
اجتماعهما فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونيا ً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على
بعض ،وكتقديم األسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق ،والتقدير بحر ال ساحل له ،ويكون شرعيا ً كما
فضل األنبياء على الخلق ،وفضل بعضهم على بعض ،وفضل بعض عباده على
بعض ،وقدمهم في العلم ،واإليمان ،والعمل ،واألخالق ،وسائر األوصاف ،وأخر
من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته وهذان الوصفان وما أشبههما
من الصفات الذاتية لكونهما قائمين باهلل وهللا متصف بهما ،ومن صفات األفعال
ألن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها ،وأفعالها ،ومعانيها ،وأوصافها،
وهي ناشئة عن إرادة هللا وقدرته ،فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات البارئ وإن
-92المقيت(:)383
قال رحمه هللا تعالى" :المقيت الذي أوصل إلى كل موجود مابه يقتات وأوصل
إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء بحكمه وحمده"(.)384
-93الملك(:)385
-94المهيمن(:)386
قال رحمه هللا" :المهيمن :المطلع على خفايا األمور ،وخبايا الصدور الذي أحاط
بكل شيء علما"(.)387
-96المؤمن(:)389
-98النور(:)392
قال رحمه هللا تعالى" :ومن أسمائه الحسنى النور فالنور وصفه العظيم ،وأسماؤه
حسنى ،وصفاته أكمل الصفات له تعالى رحمة ،وحمد ،وحكمة ،وهو نور
السماوات واألرض()393الذي نور قلوب العارفين بمعرفته ،واإليمان به ونور
أفئدتهم بهدايته ،وهو الذي أنار السماوات واألرض باألنوار التي وضعها.
وحجابه النور لو كشفه ألحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه(.)394
وبنوره استنارت جنات النعيم .والنور الذي هو وصفه من جملة نعوته العظيمة
وأما النور المخلوق فهو نوعان:
نور حسي كنور الشمس ،والقمر ،والكواكب ،وسائر المخلوقات المدرك نورها
باألبصار.
والثاني نور معنوي ،وهو نور المعرفة ،واإليمان ،والطاعة فإن لها نورا في
قلوب المؤمنين بحسب ما قام في قلوبهم من حقائق المعرفة مواجيد اإليمان،
وحالوة الطاعة ،وسرور المحبة.
وهذا النور الذي يعطيه هللا عبده أعظم منّة منها عليه وأصل الخير .وهذا النور
مهما قوي فإنه مخلوق ،فإياك أن تضعف بصيرتك ويقل تمييزك وعلمك فتظن
هذا النور نور العيان ومشاهدة القلب لنور الذات المقدسة ،وإنما هو نور المعرفة-
واإليمان ،ويبتلى بهذا بعض الصوفية الذين ترد عليهم الواردة القوية فيقع منهم
من الشطح ،والخطل ما ينافي العلم ،واإليمان كما أن كثيف الطبع جافي القلب قد
تراكمت عليه الظلمات ،وتوالت عليه الغفالت فلم يكن له من هذا النور حظ ،وال
نصيب بل ربما ازدرى من سفاهة عقله وقلة وجده هذه األحوال وزهد فيها ،فمتى
من هللا على العبد بمعرفة صحيحه متلقاة من الكتاب ،والسنة ،وتفقه في أسماء َّ
هللا ،وصفاته ،وتعبد هلل بها ،واجتهد أن يحقق مقام اإلحسان فيعبد هللا كأنه يراه
فإن لم يكن يراه فإنه يراه ولهج بذكر هللا تعالى استنار قلبه ،وحصل له من لذة
المعرفة ،ومواجيد اإليمان أعظم اللذات ،وذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو
الفضل العظيم(.)396
والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار هللا قلبه فانكشفت له حقائق األشياء ،وحصل له
فرقان يفرق به بين الحق ،والباطل ،وصار هذا النور هو مادة حياة العبد ،وقوته
على الخير علماً ،وعمالً ،وانكشفت عنه الشبهات القادمة في العلم واليقين،
والشهوات الناشئة عن الغفلة والظلمة وكان قلبه نورا وكالمه نورا وعمله نورا
والنور محيط به من جهاته.
قال رحمه هللا تعالى" :الهادي أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى
دفع المضار ،ويعلمهم ما ال يعلمون ويهديهم بهداية التوفيق والتسديد ويلهمهم
التقوى ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة ألمره" (.)399
()400
-100الواحد
()401
-101الواسع
قال رحمه هللا" :الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث ال يحصى أحد ثناء
عليه ،بل هو كما اثنى على نفسه ،واسع العظمة ،والسلطان ،والملك ،واسع
الفضل ،واإلحسان عظيم الجود والكرم"(.)402
-102الودود(:)403
ك ه َادايً ونَ َ
صرياً} (الفرقان: ََ
تعاىل{:وَك َفى بَربّ َ َ َ
َ ( )398مل أقف على دليل يدل على امسيته هلل تعاىل وإَّنا ورد بلفظ الصفة كما قال
.)31
( )399التفسري (.)631/5
( )400سبق الكالم عن هذا االسم مع امسه تعاىل األحد.
اّلِلُ َو َاس ٌع َعلَ ٌيم} (البقرة.)268 : اّلِلُ يَعَ ُد ُك مم َمغم َفَرةً َمنمهُ َوفَ م
ضالً َو ه {و ه ( )401ودليل هذا االسم قال هللا تعاىلَ :
( )402التفسري (.)631/5
ود} (الَبوج.)14 :
ور الم َوُد ُ
{وُه َو المغَ ُف ُ
( )403ودليل هذا االسم قال هللا تعاىلَ :
قال رحمه هللا تعالى" :الودود هو المحب المحبوب بمعنى واد ومودود( )404فهو
الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم ويحبونه فهو أحب إليهم من كل شيء قد
امتلئت قلوبهم من محبته ،ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه ،وانجذبت أفئدتهم إليه ودا ً
واخالصا ً وإنابة من جميع الوجوه(.)405
وال تعادل محبة هللا من أصفيائه محبة أخرى ،ال في أصلها وال في كيفيتها وال
في متعلقاتها وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة هللا في قلب العبد سابقة
لكل محبة غالبة كل محبة ويتعين أن تكون بقية المحاب تبعا ً لها.
ومحبة هللا هي روح األعمال ،وجميع العبودية الظاهرة ،والباطنة ناشئة عن محبة
هللا ،ومحبة العبد لربه فضل من هللا وإحسان ،ليست بحول العبد ،وال قوته فهو
تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه ثم لما أحبه العبد بتوفيقه جازاه هللا
بحب آخر ،فهذا هو اإلحسان المحض على الحقيقة ،إذ منه السبب ومنه المسبب
ليس المقصود منها المعارضة وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده
ولشكرهم ،فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد ،فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في
قلوب المؤمنين ،ثم لم يزل ينميها ويقويها حتى وصلت في قلوب األصفياء إلى
حالة تتضاءل عندها جميع المحاب ،وتسليهم عن األحباب وتهون عليهم المصائب
وتلذذ لهم مشقة الطاعة ،وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعالها
محبة هللا والفوز برضاه واألنس بقربه ،فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من
ربه :فمحبة قبلها صار بها محب لربه ،ومحبة بعدها شكرا ً من هللا على محبة
صار بها من أصفيائه المخلصين ،وأعظم سبب يكتسب به العبد محبة ربه التي
هي أعظم المطالب ،اإلكثار من ذكره والثناء عليه وكثرة اإلنابة إليه ،وقوة
التوكيل عليه ،والتقرب إليه بالفرائض والنوافل ،وتحقيق اإلخالص له في األقوال
واألفعال ،ومتابعة النبي صلى هللا عليه وسلم ظاهرا ً وباطنا ً قال تعالى( :قُ ْل ِإ ْن
َّللا فَات َّ ِبعُونِي يُحْ ِب ْب ُك ُم َّ
َّللاُ)(.)407( " )406 ُك ْنت ُ ْم ت ُ ِحبُّونَ َّ َ
قال رحمه هللا تعالى" :الوكيل :المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول
حكمته والذي تولى أولياءه فيسرهم لليسرى وجنبهم العسرى وكفاهم األمور .فمن
ت إِلَى النُّ ِ
ور)(")409 ي الَّذِينَ آ َمنُوا ي ُْخ ِر ُج ُه ْم ِمنَ ُّ
الظلُ َما ِ أتخذه وكيالً كفاهَّ ( .
َّللاُ َو ِل ُّ
(.)410
-104الوهاب(.)411
الحمد هلل الذي بحمده تتم الصالحات ،وأحمده على توفيقه ،وأثنى عليه الخير كله
ال أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه ،والصالة والسالم على أشرف
األنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي نهاية هذا البحث الذي حرصت فيه -قدر إمكاني -على إخراجه بصورة
واضحة ميسرة ،وقد عنيت فيه ببيان جهود العالمة عبد الرحمن السعدي في
تفاسير األسماء الحسنى ،والذي أظهر فيها حرصه رحمه هللا الشديد على بيان
معتقد السلف الصالح في باب األسماء والصفات خاصة والشيخ رحمه هللا يشرح
األسماء الحسنى على منهج السلف معتمدا ً على األدلة النقلية أدلة الكتاب والسنة.
-2إثبات جميع ما أثبته هللا لنفسه وما أثبته له رسوله صلى هللا عليه وسلم من
صفات الكمال ونعوت الجالل.
-3نفي جميع ما نفاه هللا عن نفسه وما نفاه عنه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من
النقائص والعيوب ،من غير تحريف ،وال تعطيل ،وال تكييف ،وال تمثيل.
-4اهتمام الشيخ رحمه هللا بالقواعد والضوابط في هذا المجموع ،وذلك مما يعين
طلبة العلم على فهم مسائل هذا الباب العظيم.
-5أن أسماء هللا الحسنى عند السلف توقيفية ال تؤخذ من غير النصوص
ص -246-
الشرعية الثابتة.
-6اهتمام الشيخ رحمه هللا في شرحه لألسماء الحسنى في اظهار معنى االسم
وداللته على عظمة هللا تعالى وأثر اإليمان بذلك.
-7أن أسماء هللا غير محصورة بعدد معين ولم يصح حديث في تعيينها.
وفي الختام فهذا جهد أسأل هللا أن يجعله خالصا ً لوجهه سبحانه ،وأن يبارك فيه
وينفع به من ألفه ،وجمعه ،وكتبه ،وقرأه ،وسمعه ،إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.