You are on page 1of 18

‫ْي‬ ‫َّر‬ ‫ُض‬ ‫ْي‬ ‫َف‬ ‫ْل‬

‫ال ِح ِم ي‬ ‫ا‬
‫ِف ي اْخ ِت َص ا َت ْر َج ِةَم‬
‫ِر‬
‫ْي‬ ‫َب‬ ‫ُع‬ ‫ْب‬ ‫َة‬ ‫َح‬ ‫َط ْل‬
‫ِن ِد ِهللا‬
‫ال ِم ي ﭬ‬ ‫ْي‬ ‫َّت‬
‫تأليف‬

‫محمد عبد الرحيم بن آل عمران‬

‫أبو محمد حماد‬

‫بإشراف‬

‫األستاذ أبو عمر عبد العزيز ‪-‬حفظه هللا تعالى‪-‬‬


‫مكتبة منهاج السنة‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الحم‪33‬د هلل‪ ،‬نحم‪33‬ده ونس‪33‬تعينه ونس‪33‬تغفره‪ ،‬ونع‪33‬وذ باهلل من ش‪33‬رور‬


‫أنفس‪3‬نا‪ ،‬ومن س‪3‬يئات أعمالن‪3‬ا‪ ،‬من يه‪3‬ده هللا فال مض‪3‬ل ل‪3‬ه‪ ،‬ومن يض‪3‬لل فال‬
‫هادي له‪ .‬أشهد أن ال أله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم‪ً33‬دا عب‪33‬ده‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫ﵟَٰٓيَأُّيَها ٱَّلِذ يَن َء اَم ُنوْا ٱَّتُقوْا ٱَهَّلل َح َّق ُتَقاِتِهۦ َو اَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأنُتم‬
‫ُّم ۡس ِلُم وَن ﵞ‬
‫ﵟَٰٓيَأُّيَها ٱلَّناُس ٱَّتُقوْا َر َّبُك ُم ٱَّلِذ ي َخ َلَقُك م ِّم ن َّنۡف ٖس َٰو ِح َد ٖة َو َخ َلَق ِم ۡن َها‬
‫َزۡو َجَه ا َو َبَّث ِم ۡن ُهَم ا ِر َج ااٗل َك ِث يٗر ا َو ِنَس ٓاۚٗء َو ٱَّتُق وْا ٱَهَّلل ٱَّل ِذ ي َتَس ٓاَء ُلوَن ِبِهۦ‬
‫َو ٱَأۡلۡر َح اَۚم ِإَّن ٱَهَّلل َك اَن َع َلۡي ُك ۡم َر ِقيٗب اﵞ‬

‫ﵟَٰٓيَأُّيَها ٱَّلِذ يَن َء اَم ُنوْا ٱَّتُقوْا ٱَهَّلل َو ُقوُلوْا َقۡو اٗل َسِد يٗد ا ‪ُ ٧٠‬يۡص ِلۡح َلُك ۡم َأۡع َٰم َلُك ۡم‬
‫َو َيۡغ ِفۡر َلُك ۡم ُذ ُنوَبُك ۗۡم َو َم ن ُيِط ِع ٱَهَّلل َو َر ُسوَل ۥُه َفَقۡد َفاَز َفۡو ًز ا َع ِظ يًم اﵞ‬
‫فإن أصدق الح‪3‬ديث كت‪3‬اب هللا‪ ،‬وخير اله‪3‬دي ه‪3‬دي محم‪3‬د ﷺ‪،‬‬
‫وشر األمور محدثاتها‪ ،‬فإن كل محدث‪33‬ة بدع‪33‬ة‪ ،‬وكل بدع‪33‬ة ض‪33‬اللة‪ ،‬وكل‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬
‫ثم أما بعد‪،‬‬
‫فقد بَح ث العلماء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين عن مس‪33‬ائل‬
‫كثيرة في هذا الدين‪ ،‬من األمور االعتقادية‪ ،‬والحديثية‪ ،‬والفقهية‪ ،‬والقواعد‪،‬‬
‫والتاريخية‪ ،‬وفي تزكية النفوس‪ ،‬وغ‪33‬ير ذل‪33‬ك‪ .‬ف‪33‬إذا انتهت بح‪33‬وثهم في تل‪33‬ك‬
‫المس‪33‬ائل في كتبهم‪ ،‬س‪33‬وف تقع مس‪33‬ائل ُأَخ ر ال‪33‬تي تحت‪33‬اج إلى بحث م‪33‬رة‬
‫أخرى‪ .‬ألن مسائل هذا الدين كثيرة وتتطَّو ر من زم‪33‬ان إلى زم‪33‬ان‪ .‬وكلم‪33‬ا‬
‫ظهرت مسألة في هذا ال‪33‬دين‪ ،‬فالعلم‪33‬اء يحرص‪33‬ون على ِح ِّل تل‪33‬ك المس‪3‬ألة‪،‬‬
‫وهكذا‪ .‬وهذا الشيء ما زال مستمًّر ا إلى عصرنا اآلن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ومن باب الشكر على هذه النعم الكثيرة العظيم‪33‬ة‪ ،‬فه‪33‬ذا بحث لطي‪33‬ف‬
‫مختصر ‪-‬من طويلبي العلم‪ -‬بإشراف األستاذ الكريم أبي عمر عب‪3‬د العزي‪3‬ز‬
‫‪-‬حفظه هللا تعالى‪ ،-‬الذي يتعلق بترجمة أحد أصحاب النبي ﷺ‪ ،‬وه‪33‬و‬
‫طلحة بن عبيد هللا ال‪33‬تيمي ‪-‬رض‪33‬ي هللا عن‪33‬ه‪ ،-‬ونش‪33‬أته‪ ،‬وقصة دخول‪33‬ه إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬ومواقفه‪ ،‬وبعض فضائله‪ ،‬إلخ؛ الذي قد بَّش ره رسول هللا ﷺ‬
‫بدخول الجنة‪.‬‬
‫ومن دواعي اختي‪33‬ار في مواقف‪33‬ه‪ ،‬قد وجدنا كثيًرا من المس‪33‬لمين في‬
‫الحاضر م‪33‬ا لهم من الموقف الثب‪33‬ات في حي‪33‬اتهم وس‪33‬ائر م‪33‬واقفهم‪ ،‬فوجدنا‬
‫أيًضا كثيًر ا من المسلمين يقت‪33‬دون بالكف‪33‬ار والفس‪33‬اق في أكثر عملهم‪ ،‬وه‪33‬ذا‬
‫من مشكلة خطيرة عند المسلمين الحاض‪33‬ر‪ .‬فينبغي أن نت‪33‬ذكر ه‪33‬ذه المس‪33‬ألة‬
‫إلى قول عبد هللا بن مسعود ﭬ‪ِ‌« :‬إَّن ‌َهللا‌َتَع اَلى‌َنَظَر ‌ِفي‌ُقُلوِب‌اْلِع َب اِد َفاْخ َت اَر‬
‫ُمَحَّم ًدا ﷺ َفَبَع َثُه ِبِر َس اَلِتِه‪َ ،‬و اْنَتَخ َب ُه ِبِع ْلِم ِه‪ُ ،‬ثَّم َنَظ َر ِفي ُقُل وِب الَّن اِس‬
‫َفاْخ َت اَر َأْص َح اَبُه َفَجَع َلُهْم ُو َز َر اَء َنِبِّي ِه ﷺ‪ ،‬وأنصاَر ِد يِن ِه‪َ ،‬فَم ا َر آُه‬
‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح َس ًنا َفُهَو ِع ْنَد ِهللا َحَس ٌن ‪َ ،‬و َم ا َر آُه اْلُم ْؤ ِم ُن وَن َقِبيًح ا َفُه َو ِع ْن َد ِهللا‬
‫َقِبيٌح‪ .1».‬ولذلك‪ ،‬ينبغي لنا أن نقتدي رسول هللا ﷺ والصحابة ‪-‬رضي‬
‫هللا عنهم أجمعين‪ -‬في سائر أعمالنا وأمورن‪33‬ا‪ ،‬وخاص‪33‬ة في ش‪33‬جاعة طلح‪33‬ة‬
‫بن عبيد هللا ﭬ فيما يأتي‪.‬‬
‫ونسأل هللا تعالى أن يوفقنا في ديننا ويرزقن‪33‬ا خالًص ا لوجه‪33‬ه الك‪33‬ريم‪،‬‬
‫إنه غفور رحيم‪.‬‬

‫المؤلف‬
‫‪ 1‬رواه الطبراني ‪ 113-9/112‬رقم ‪ 8583‬في المعجم الكبير‬

‫‪2‬‬
‫ُخ َّطُة البحث‬
‫خطة البحث هي الهيك‪33‬ل التنظيمي للبحث‪ ،‬والخطوط العام‪33‬ة ال‪33‬تي‬
‫يهتدي بها الباحث عند تنفيذه لبحثه‪ .‬وأيًض ا هي عب‪33‬ارة عن وح‪3‬دات تجم‪33‬ع‬
‫أجزاء الموضوع تحت مسمى الب‪33‬اب‪ ،‬أو الفصل‪ ،‬أو المبحث‪ ،‬أو المطلب‪،‬‬
‫أو المسألة إلى غير ذلك من التقسيمات‪ ،‬وال بد لهذه الوحدات من االرتب‪33‬اط‬
‫الوثيق بعنوان البحث‪ .‬إًذ ا‪ ،‬فخطة البحث هي رسُم صورٍة كاملة عنه‪ ،‬وكل‬
‫عنصر فيها يكمل جانًبا من جوانب تل‪33‬ك الصورة‪ .‬فال ب‪33‬د في كتاب‪33‬ة البحث‬

‫‪3‬‬
‫من وض‪33‬ع خطة كامل‪33‬ة تح‪33‬دد معالم‪33‬ه؛ إذ البحث من دون خطة مض‪33‬يعة‬
‫للوقت‪ ،‬وتبديد للجهد‪ .2‬فخطة بحثنا هي كالتالي‪:‬‬
‫المقدمة‬
‫التمهيد‪ :‬تعريف الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪-‬‬
‫من فضائل الصحابة‬
‫حكم محبة الصحابة‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بطلحة بن عبيد هللا ﭬ‬
‫المطلب األول‪ :‬اسُم ه ونسبه وكنيته ولقبه‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موِلُد ه ونشأته‬
‫المطلب الثالث‪ :‬قصة دخوله إلى اإلسالم‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تالميذه‬
‫المبحث الثاني‪ :‬شخصيته ﭬ‬
‫المطلب األول‪ :‬مناقبه‬
‫المطلب األول‪ :‬مواقفه‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مواعظه‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فضائله ﭬ من األحاديث‬
‫المبحث الرابع‪ :‬وفاته ﭬ‬
‫الخاتمة‬

‫‪ 2‬الخالصة في البحث العلمي وتحقيق المخطوطات ص‪ 51.‬بتصرف‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫المصادر والمراجع‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بطلحة بن عبيد هللا ﭬ‬
‫المطلب األول‪ :‬اسُم ه ونسبه وكنيته ولقبه‬

‫هو‌َطْلَح ُة‌بُن ‌ُع َبْيِد ‌ِهللا بِن ُع ْثَم اَن بِن َع ْم ٍرو ْبِن َك ْع ِب بِن َس ْع ِد بِن َتْيِم‬
‫بِن ُم َّرَة بِن َك ْع ِب بِن ُلَؤ ِّي بِن َغ اِلِب بِن ِفْه ِر بِن َم اِل ِك بِن الَّنْض ِر بِن ِكَناَن َة‬
‫الُقَر ِشُّي ‪ ،‬الَّتْيِمُّي ‪ ،‬الَم ِّك ُّي ‪َ ،‬أُبو ُم َحَّمٍد ‪.‬‬
‫َأَح ُد الَع َش َرِة الَم ْش ُهْو ِد َلُهم ِبالَج َّنِة‪َ ،‬لُه ِع َّد ُة َأَح اِد ْيَث َع ِن الَّنِبِّي ﷺ‪.‬‬
‫َو َلُه ِفي (ُم ْس َنِد َبِقِّي بِن َم ْخ َل ٍد ) ِب الُم َك َّر ِر ‪َ :‬ثَم اِنَي ٌة َو َثاَل ُث ْو َن (‪َ )38‬ح ِد ْيثًا‪َ .‬ل ُه‬
‫‪3‬‬
‫َح ِد ْيَثاِن ُم َّتَفٌق َع َلْيِهَم ا‪َ ،‬و اْنَفَر َد َلُه الُبَخ اِر ُّي ِبَحِد ْيَثْيِن ‪َ ،‬وُم ْس ِلٌم ِبَثاَل َثِة َأَح اِد ْيَث ‪.‬‬
‫وهو أحد أصحاب الشورى‪ ،‬ولم يشهد بدًرا النه كان بالشام‪ ،‬فقدم بعد‬
‫رجوع َر ُس ول ِهَّللا ﷺ من ب‪33‬در‪ ،‬فكلم َر ُس ول ِهَّللا ﷺ في س‪33‬همه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬لك سهمك‪ ،‬قال‪ :‬وأجرى؟ قال‪ :‬وأجرك‪ ،‬فقيل‪ :‬كان في الش‪33‬ام ت‪33‬اجًرا‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بل أرسله َر ُسول ِهَّللا ﷺ ومعه َسِع يد ْبن زي‪33‬د ِإَلى طري‪33‬ق الش‪33‬ام‬
‫َيَتَج سسان األخبار‪ ،‬ثم رجعا ِإَلى المدينة‪ ،‬وهذا أص‪3‬ح‪ ،‬ول‪3‬وال ذل‪3‬ك لم يطلب‬
‫سهمه وأجره‪.‬‬
‫وشهد أحًدا وما بعدها من المشاهد‪ ،‬وبايع بيعة الرضوان‪ ،‬وأبلى َي ْو م‬
‫أحد بالء عظيًم ا‪ ،‬ووقى َر ُسول ِهَّللا ﷺ بنفس‪33‬ه‪ ،‬واتقى عن‪33‬ه النب‪33‬ل بي‪33‬ده‬
‫حتى شلت إصبعه‪ ،‬وضرب َع َلى رأس‪33‬ه‪ ،‬وحم‪33‬ل َر ُس ول ِهَّللا ﷺ َع َلى‬
‫‪4‬‬
‫ظهره حتى صعد الصخرة‪.‬‬

‫‪ 3‬سير أعالم النبالء ‪ ،3/15‬انظر كذلك في كتاب تهذيب التهذيب ‪ ،6/230‬أسد الغابة ‪ ،2/490‬تاريخ اإلسالم ‪،3/522‬‬
‫المعرفة والتاريخ للبسوي ‪ ،1/276‬األعالم للزركلي ‪3/229‬‬
‫‪ 4‬أسد الغابة ‪2/491‬‬

‫‪5‬‬
‫وأما لقبه‪ ،‬فقال اإلمام الطبراني‪َ :‬ح َّد َثَنا َيْح َيى ْبُن ُع ْثَم اَن ْبِن َص اِلٍح‪،‬‬
‫ثنا ُس َلْيَم اُن ْبُن َأُّي وَب ‪َ ،‬ح َّد َثِني َأِبي‪َ ،‬ع ْن َج ِّدي‪َ ،‬ع ْن ُم وَس ى ْبِن َطْلَح َة‪َ ،‬ع ْن‬
‫َأِبيِه‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬لَّم ا‌َك اَن ‌َي ْو ُم‌ُأُح ٍد ‌َس َّم اِني‌الَّنِبُّي ﷺ‪َ :‬طْلَح َة اْلَخْي ِر ‪َ ،‬و َي ْو َم‬
‫‪5‬‬
‫َغ ْز َو ِة َذ اِت اْلَعِش يَرِة‪َ :‬طْلَح َة اْلَفَّياَض ‪َ ،‬و َيْو َم ُح َنْيٍن ‪َ :‬طْلَح َة اْلُجوِد ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موِلُده ونشأته‬
‫كان طلحة ولد سنة ‪ 28‬قبل الهجرة الموافق بـ ‪ 596‬الميالدية‪ ،6‬وبين‬
‫أبي‪33‬ه وأم‪33‬ه نمت طفولت‪33‬ه‪ ،‬وترع‪33‬رع ش‪33‬بابه‪ ،‬وتعَّلم على أي‪33‬ديهما الكثير من‬
‫شؤون الحياة والتخُّلق باألخالق الكريمة والصفات الحمي‪33‬دة‪ .‬ح‪33‬تى إذا بل‪33‬غ‬
‫مبلغ الرجال تزَّو ج حمنة بنت جحش‪ ،‬أخت زينب زوج النبي ﷺ‪.‬‬

‫نشأ طلح‪33‬ة ﭬ في مك‪33‬ة‪ ،‬فع‪33‬رف س‪33‬هولها ووديانه‪33‬ا‪ ،‬وتنَّق ل بين جباله‪33‬ا‬


‫وقممها‪ ،‬وتعَّلم الرماية بالسهم‪ ،‬واإلص‪33‬ابة ب‪33‬الرمح‪ ،‬ولم‪33‬ا ش‪َّ33‬ب عن الطوق‬
‫ضاقت به جنباُت مك‪33‬ة‪ ،‬فاخت‪33‬ار طري‪33‬ق التج‪33‬ارة‪ ،‬ومن هن‪33‬ا عرفت‪33‬ه أس‪33‬واق‬
‫بصرى والشام‪ ،‬عرفته تاجًرا صدوًقا‪ ،‬وخبرته بائًعا سمًحا‪.‬‬
‫وس‪33‬ارت حي‪33‬اة طلح‪33‬ة ﭬ بين ظعن وإقام‪33‬ة‪ ،‬وِح ٍّل وترح‪33‬ال‪ ،‬وت‪33‬والت‬
‫األي‪33‬ام‪ ،‬وكَّرت اللي‪33‬الي‪ ،‬وهي ال تخرجه عن مزاول‪33‬ة التج‪33‬ارة ه‪33‬ذا العم‪33‬ل‬
‫‪7‬‬
‫الشاق الذي رضيه لنفسه واختاره لحياته‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن طلحة ﭬ كان شًّبا ح‪33‬دًثا ليس ل‪33‬ه مثل خبرتهم في‬
‫التج‪33‬ارة‪ ،‬إال أن‪33‬ه كان يمل‪33‬ك من ِح َّد ة ال‪33‬ذكاء ونف‪33‬اذ البصيرة م‪33‬ا ُيِتيح ل‪33‬ه‬
‫‪8‬‬
‫منافستهم‪ ،‬والفوز من دونهم بأفضل اًلصفقات‪.‬‬
‫لقد كان طلح‪3‬ة ﭬ ص‪33‬احب النفس الطيب‪33‬ة ال‪33‬تي تبحث عن الخ‪3‬ير أينم‪33‬ا‬
‫كان‪ ،‬فك‪33‬ان ي‪33‬رى الجاهلي‪33‬ة ال‪33‬تي يعيش‪33‬ها الن‪33‬اس من حول‪33‬ه فتش‪33‬مئز نفس‪33‬ه‬
‫ويتمزق قلبه ُحزًنا وَك مًدا على تلك الحالة التي كان يتمنى ه‪33‬و وغ‪33‬يره ‪-‬من‬

‫‪ 5‬رواه الطبراني ‪ 1/117‬رقم ‪ 218‬في المعجم الكبير‬


‫‪ 6‬األعالم للزركلي ‪3/229‬‬
‫‪ 7‬صور من سير الصحابة للسحيباني ص‪ ،71-70.‬أصحاب الرسول ﷺ ‪216-1/215‬‬
‫‪ 8‬صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن رأفت الباشا ص‪467.‬‬

‫‪6‬‬
‫أص‪3‬حاب الم‪3‬روءة والنف‪3‬وس النقي‪3‬ة الصافية ال‪3‬تي ُفطرْت على النقاء‪ -‬أن‬
‫تتغير وأن تتبدل تلك الجاهلية إلى حياة نظيفة طاهرة يعيش الن‪3‬اس فيه‪3‬ا في‬
‫ظل الحب والوئام والعدل واإلخاء‪.‬‬
‫إنه عمالق من عمالقة اإلسالم‪ ،‬وفارس من أش‪33‬جع الفرس‪33‬ان‪ ،‬ورجل‬
‫من أولئ‪33‬ك الرجال ال‪33‬ذين كان لهم أطيب األث‪33‬ر‪ ،‬وأعظم‪33‬ه في الفتوح‪33‬ات‬
‫اإلسالمية األولى‪ .‬والده‪ :‬عبيد هللا‪ ،‬كان من أش‪33‬راف مك‪33‬ة‪ ،‬وأولى الحظ‪33‬وة‬
‫فيها‪ .‬وأمه‪ :‬الصعبة بنت عبد هللا‪ ،‬جدها ألمه‪33‬ا وهب بن عب‪33‬د هللا‪ ،‬ص‪33‬احب‬
‫‪9‬‬
‫العطاء والكرم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬قصة دخوله إلى اإلسالم‬
‫قال طلحة‪ :‬بينما نحن في سوق ُبْص َر ى؛ إذا راهب ين‪33‬ادي في الن‪33‬اس‪:‬‬
‫يا معشر الُّتَّجار‪ ،‬سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أح‪33‬د من أه‪33‬ل الح‪33‬رم؟‪ .‬وكنت‬
‫قريًبا منه فبادرُت إليه وقلت‪ :‬نعم أنا من أهل الحرم‪ ،‬فقال‪ :‬ه‪33‬ل َظَه َر فيكم‬
‫أْح َم ُد ؟ فقلت‪ :‬ومن أحمد؟! فقال‪ :‬ابن عب‪33‬د هللا بن عب‪33‬د المطلب‪ ،‬ه‪33‬ذا ش‪33‬هره‬
‫الذي يظهر فيه‪ ،‬وهو آخر األنبياء‪ .‬يخرج من أرضكم من الحرم‪ ،‬ويه‪33‬اجر‬
‫إلى أرض ذات حجارة ُسود‪ ،‬ونخيل وسباخ َيِنُّز منها الماُء ‪ ،‬فإياك أن ُتسَبق‬
‫إليه يا فتى‪.‬‬
‫قال طلحة‪ :‬فوَقعْت مقالُت ه في قل‪33‬بي‪ ،‬فب‪33‬ادرُت إلى َم طاي‪33‬اي فرحلته‪33‬ا‪،‬‬
‫وخَّلفُت القافل‪َ3‬ة ورائي‪ ،‬وَم َض يُت أه‪33‬وي ُهِو ًّي ا إلى مك‪33‬ة‪ .‬فلم‪33‬ا بلغُته‪33‬ا؛ قلت‬
‫ألهلي‪ :‬أكان من َح َد ٍث بع‪33‬دنا في مك‪33‬ة؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قام محم‪33‬د بن عب‪33‬د هللا‪،‬‬
‫يزُع م أنه نبي‪ ،‬وقد َتِبَع ه ابن أبي ُقحافة (يريدون أبا بكر)‪.‬‬
‫قال طلحة‪ :‬وكنت أعرف أبا بكر‪ ،‬فقد كان رجاًل س ‪3‬هاًل ُمَح َّبًب ا ُم وَّط أ‬
‫األكناف لقومه‪ ،‬وكان تاجًرا ذا ُخ ُلٍق واستقامة‪ ،‬وكنا نأَلُفه‪ ،‬ونحب َم جالَس ه‪،‬‬
‫لعْلِم ه بأخبار قريش‪ ،‬وحفِظ ه ألنساِبها‪ ،‬فَم َض يُت إليه وقلت له‪ :‬أحًّقا ما يقال‬
‫من أن محم‪33‬د بن عب‪33‬د هللا أظه‪33‬ر النب‪33‬وَة‪ ،‬وأن‪33‬ك اَّتَبْعَت ه؟! قال‪ :‬نعم‪ ،‬وجع‪33‬ل‬
‫يُقُّص علَّي ِم ن خبره‪ ،‬ويرِّغ بني في الدخول مع‪33‬ه‪ ،‬فأخبرُت ه خبَر ال‪33‬راهب‪،‬‬
‫‪ 9‬أصحاب الرسول ﷺ ‪1/215‬‬

‫‪7‬‬
‫فَد ِهَش له وقال‪َ :‬هُلَّم معي إلى محمد‪ ،‬لَتُقَّص عليه خبَر ك‪ ،‬ولَتْس َم َع ما يقول‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫ولَتْد ُخ َل في دين هللا‪.‬‬
‫لقد ُبعث محمد ﷺ وآمن برسالته أبو بكر ﭬ‪ .‬فلم‪33‬ا س‪33‬مع طلح‪33‬ة ﭬ‬
‫هذا الخبر لم يتلكأ ولم يتلعثم‪ ،‬بل إنه بمجرد أن دعاه أبو بكر استجاب لنداء‬
‫الحق فهو يعلم يقيًنا أن محمًدا هو الصادق األمين بال منازع‪ ،‬وأن أب‪33‬ا بك‪33‬ر‬
‫ه‪33‬و الت‪33‬اجر الصدوق ال‪33‬ذي ال يمكن أن يجتم‪33‬ع م‪33‬ع الح‪33‬بيب ﷺ على‬
‫ضاللة أبًدا‪.‬‬
‫وذهب طلح‪33‬ة وقلب‪33‬ه ينبض بك‪33‬ل قوة وش‪33‬وق وح‪33‬نين للقاء الح‪33‬بيب‬
‫ﷺ ليعلنها قوية في وجه الكون كله‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأشهد أن‬
‫‪11‬‬
‫محمًدا رسول هللا ﷺ‪.‬‬

‫قال طلحة‪ :‬فَم َض يُت معه إلى محمد فعَر ض علَّي اإلسالَم ‪ ،‬وقرأ علَّي‬
‫شيًئا من القرآن‪ ،‬وَبَّش َر ني ِبَخْيَر ي ال‪33‬دنيا واآلخرة‪ .‬فش ‪َ3‬ر ح هللا ص‪33‬دري إلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬وَقَص ْص ُت عليه قصَة راهِب بصرى؛ فُس َّر به‪33‬ا س‪33‬روًرا ب‪33‬دا على‬
‫وجهه‪ .‬ثم أعلنُت بين يديه ش‪33‬هادَة أن ال إل‪33‬ه إال هللا وأن محم‪ً33‬دا رس‪33‬ول هللا‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫فكنُت رابَع ثالثٍة أسلموا على َيَد ْي أبي بكر‪.‬‬
‫وحَّد ث مسعود بن َخ َر اٍش قال‪ :‬بينما كنت أسعى بين الصفا والم‪33‬روة‪،‬‬
‫إذا ُأناٌس كثيٌر َيْتَبُع ون فًتى‪ُ ،‬أوِثَقت ي‪33‬داه إلى ُع ُنقه‪ ،‬وهم ُيَهْر ِو ُل ون وراءه‪،‬‬
‫وَيدَفعونه في ظه‪3‬ره‪ ،‬وَيض‪ِ3‬ر بونه على رأس‪3‬ه‪ ،‬وخلف‪3‬ه ام‪3‬رأٌة َعج‪3‬وٌز َتُس َّبه‬
‫وَتِص يُح به‪ ،‬فقلت‪ :‬ما شأُن هذا الفتى؟! فقالوا‪ :‬هذا طلحة بن عبيد هللا‪َ ،‬ص َبَا‬
‫(رَج ع) عن دين‪33‬ه‪ ،‬وَتِب َع ُغ الَم ب‪33‬ني هاش‪33‬م‪ .‬فقلت‪ :‬ومن ه‪33‬ذه الَع ج‪33‬وز ال‪33‬تي‬
‫‪13‬‬
‫وراءه؟ فقالوا‪ :‬هي الَّصْع َبُة بنُت الحضرمي أم الفتى‪.‬‬

‫‪ 10‬صور من حياة الصحابة ص‪469-467.‬‬


‫‪ 11‬أصحاب الرسول ﷺ ‪1/216‬‬
‫‪ 12‬صور من حياة الصحابة ص‪469.‬‬
‫‪ 13‬صور من حياة الصحابة ص‪470.‬‬

‫‪8‬‬
‫وهو من السابقين األولين ِإَلى اإلس‪33‬الم‪ ،‬دع‪33‬اه َأُب و بك‪33‬ر الصديق ِإَلى‬
‫اإلسالم‪ ،‬فأخذه ودخل به َع َلى َر ُسول ِهَّللا ﷺ فلما أسلم هو َو َأُبو بك‪33‬ر‪،‬‬
‫أخذهما نوفل ْبن خويلد ْبن العدوية فشدهما في حبل واحد‪ ،‬ولم يمنعهما بن‪33‬و‬
‫تيم‪ ،‬وكان نوفل أشد قريش‪ ،‬فلذلك كان َأُبو بكر‪ ،‬وطلحة‪ ،‬يسميان القرينين‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الذي قرنهما عثمان ْبن عبيد هَّللا أخو طلحة‪ ،‬فشدهما ليمنعهما عن‬
‫الصالة‪ ،‬وعن دينهما‪ ،‬فلم يجيباه‪ ،‬فلم يرعهما إال وهما مطلقان يصليان‪.‬‬
‫ولما أسلم طلحة والزبير آخى َر ُس ول ِهَّللا ﷺ بينهم‪33‬ا بمك‪33‬ة قب‪33‬ل‬
‫الهجرة‪ ،‬فلم‪3‬ا ه‪3‬اجر المس‪3‬لمون ِإَلى المدين‪3‬ة‪ ،‬آخى َر ُس ول ِهَّللا ﷺ بين‬
‫‪14‬‬
‫طلحة وبين َأِبي أيوب األنصاري‪.‬‬
‫وعلى الرغم من مكانته بين قومه وثرائه‪ ،‬إال أنه أوذي في سبيل هللا‪،‬‬
‫ولكن سرعان ما كشف هللا عنه هذا العذاب واالبتالء‪ .‬ولم‪33‬ا ه‪33‬اجر الح‪33‬بيب‬
‫ﷺ إلى المدين‪33‬ة ه‪33‬اجر طلح‪33‬ة ﭬ م‪33‬ع المه‪33‬اجرين لينعم بُص حبة الن‪33‬بي‬
‫‪15‬‬
‫ﷺ بعيًدا عن أعين كفار قريش وسطوتهم‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تالميذه‬


‫ومن تالمي‪333‬ذه منهم‪ :‬أوالده محم‪333‬د‪ ،‬وموس‪333‬ى‪ ،‬ويح‪333‬يى‪ ،‬وعم‪333‬ران‪،‬‬
‫وعيسى‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وعائشة‪ .‬وابن أخيه عبد الرحمن بن عثمان‪ ،‬وجابر بن‬
‫عب‪33‬د هللا األنصاري‪ ،‬والس‪33‬ائب بن يزي‪33‬د‪ ،‬وقيس بن أبي ح‪33‬ازم‪ ،‬ومال‪33‬ك بن‬
‫أوس بن الحدثان‪ ،‬وأبو عثم‪33‬ان النه‪33‬دي‪ ،‬ومال‪33‬ك بن أبي ع‪33‬امر األص‪33‬بحي‪،‬‬
‫وربيعة بن عبد هللا بن الهدير‪ ،‬وعبد هللا بن شداد بن اله‪33‬اد‪ ،‬وأب‪33‬و س‪33‬لمة بن‬
‫عب‪33‬د ال‪33‬رحمن‪ ،‬وقي‪33‬ل لم يس‪33‬مع من‪33‬ه وغ‪33‬يرهم‪ 16.‬وزاد اإلم‪33‬ام ال‪33‬ذهبي‪:17‬‬
‫واألحنف بن قيس التميمي‪ ،‬وآخرون‪.‬‬

‫‪ 14‬أسد الغابة ‪2/490‬‬


‫‪ 15‬أصحاب الرسول ﷺ ‪1/216‬‬
‫‪ 16‬تهذيب التهذيب ‪ ،6/231‬انظر كذلك في تاريخ اإلسالم ‪3/523‬‬
‫‪ 17‬سير أعالم النبالء ‪3/15‬‬

‫‪9‬‬
10
‫المبحث الثاني‪ :‬شخصيته ﭬ‬
‫المطلب األول‪ :‬مناقب‬
‫أما مناقبه وفضائله فهي كثيرة جدا منها ‪:‬‬
‫أوًال‪ :‬أن رسول هللا ﷺ شهد له بالجنة‪ .‬قال سول هللا ﷺ ‪:‬‬
‫«أبو بكر في الجنة‪ ،‬وعمر في الجنة‪ ،‬وعثمان في الجنة‪ ،‬وعلّي في الجنة‪،‬‬
‫وطلحة في الجنة‪ »..‬الحديث‪ .‬وفي غزوة ُأحد قال ﷺ ‪« :‬أوجب‬
‫طلحة»‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ومن مناقبه ﭬ أن النبي ﷺ أخبر أنه يموت شهيًدا‪.‬‬
‫عن أبي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ كان على جبل حراء‪ ،‬فقال رسول هللا‬
‫ﷺ ‪« :‬اسكن حراء فما عليك إال نبٌّي أو صديٌق شهيٌد »‪ .‬وعلى الجبل‬
‫النبّي ﷺ‪ ،‬وأبو بكر وعمر وعثمان وعلٌّي وطلحة والزبير وسعد بن‬
‫أبي وّقاص ﭫ»‪ .‬وقال ﷺ‪« :‬من سّر ه أن ينظر إلى شهيد يمشي على‬
‫وجه األرض‪ ،‬فلينظر إلى طلحة بن عبيد هّللا »‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ومن مناقبه ﭬ أن رسول هللا ﷺ ُتوفي وهو عنه راٍض‪:‬‬
‫لما نام الفاروق عمر على فراش الموت‪ ،‬قال له الصحابة‪ :‬أوصي يا أمير‬
‫المؤمنين استخلف‪ ،‬قال ما أجد أحق بهذا األمر من ٰه ؤالء النفر ‪ -‬أو الرهط‬
‫‪ -‬الذين ُتوفي رسول هّللا ﷺ وهو عنهم راٍض‪ ،‬فسمى عليًا وعثمان‬
‫والزبير وطلحة سعدًا و عبد الرحمن‪.»..‬‬
‫قال اإلمام البخاري ‪ -‬رحمه هللا تعالى ‪« :-‬باب ذكر طلحة بن عبيد هّللا ‪،‬‬
‫وقال عمر‪ُ :‬توفي النبّي وهو راٍض»‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ومن مناقبه ﭬ أن رسول هللا ﷺ أخبر أن طلحة ممن‬
‫قضى نحبه ووفى هللا بما نذره على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه‪.‬‬
‫عن موسى بن طحة قال‪ :‬دخلت على معاوية فقال‪ :‬اال أبشرك؟ سمعت‬
‫رسول هللا ﷺ يقول‪« :‬طلحة مّم ن قضى نحبه»‪ .‬وعن طلحة قال‪ :‬إن‬
‫أصحاب رسول هللا ﷺ قالوا األعرابّي جاهٍل ‪ :‬سله عمن قضى نحبه‬
‫‪11‬‬
‫َم ن هو؟ ‪ -‬وكانوا ال يجترئون على مسألته يوقرونه يهابونه‪ -‬فسأله‬
‫األعرابّي فأعرض عنه‪ ،‬ثم سأله فأعرض عنه‪ .‬ثم إني أطلعت من باب‬
‫المسجد وعلَّي ثياٌب خضٌر‪ ،‬فلّم ا رآني النبّي ﷺ قال‪« :‬أين السائل‬
‫عمن قضى نحبه؟»‪ ،‬قال األعرابّي ‪ :‬أنا يا رسول هللا‪ .‬قال ﷺ‪« :‬هذا‬
‫ممن قضى نحبه»‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬ومن مناقبه ﭬ حرصه على معرفة الحق‪ ،‬والتعلم من رسول‬


‫هللا ﷺ‪:‬‬
‫قال طلحة ﭬ‪ :‬يا رسول هللا! كيف الصالة عليك؟ قال ﷺ‪« :‬قل‪ :‬اللهم‬
‫صِّل على محمٍد ‪ ،‬وعلى آل محمد كما صّليت على إبراهيم‪ ،‬إنك حميٌد‬
‫مجيد‪ .‬وبارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪،‬‬
‫إنك حميٌد مجيد»‪.‬‬
‫وقال طلحة ﭬ‪ :‬كنا نصّلي والدواب تمُّر بين أيدينا‪ ،‬فذكرنا ذلك للنبّي‬
‫ﷺ فقال‪« :‬مثُل مؤخرة الَّرحل تكون بين يدي أحدكم‪ ،‬ثم ال يضره ما‬
‫مّر عليه»‪ .‬ودخل عمر على طلحة فرآه كئيبًا‪ ،‬لعله ساءتك امرأة ابن‬
‫عّم ك؟ يعني أبا بكٍر ‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬وأثنى على أبي بكر‪ .‬ولكني سمعُت رسول‬
‫هللا ﷺ يقول‪« :‬كلمة ال يقولها عبٌد عند موته إّال فرج هللا عنه ُك ربته‪،‬‬
‫وأشرق لونه»‪ .‬فما منعني أن أسأله عنها إّال القدرة عليها حتى مات‪.‬‬
‫فقال له عمر‪ :‬إني ألعلمها‪ .‬فقال له طلحة‪ :‬وما هي؟‪ .‬فقال له عمر‪:‬‬
‫هل تعلم كلمًة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه‪ :‬ال إله إّال هللا؟ فقال طلحُة‪:‬‬
‫هي‪ ،‬وهّللا هي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مواقفه‬
‫أما مواقف‪33‬ه ﭬ‪ ،‬أواًل ‪ :‬موقف‪33‬ه في الب‪33‬ذل والتض‪33‬حية والش‪3‬جاعة واإلقدام‬
‫والدفاع عن رسول هللا ﷺ ويظهر ذلك جلًّيا في غزوة ُأحد‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فقد أبلى طلح‪33‬ة بن عبي‪33‬د هللا ﭬ ي‪33‬وم ُأُح ٍد بالًء حس‪ً33‬نا‪ ،‬ول‪33‬ذلك كان‬
‫الصحابة يقولون عن يوم أحد‪ :‬ذاك يوٌم كُّله لطلحة‪.‬‬

‫ورواه النسائي في «سننه ‪-‬المسمى بالمجتبى‪َ ،18»-‬ع ْن ‌َج اِبِر ْبِن َع ْب ِد‬
‫ِهللا‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬لَّم ا َك اَن َي ْو ُم ُأُح ٍد َو َو َّلى الَّن اُس ‪َ ،‬ك اَن َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه‬
‫َو َس َّلَم ِفي َناِحَيٍة ِفي اْثَنْي َع َش َر َر ُج اًل ِم َن اَأْلْنَص اِر َو ِفيِهْم َطْلَح ُة ْبُن ُع َبْيِد ِهللا‪،‬‬
‫َفَأْد َر َك ُهُم اْلُم ْش ِر ُك وَن ‪َ ،‬ف اْلَتَفَت َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم َو َق اَل ‪َ :‬م ْن‬
‫ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُة‪َ :‬أَنا‪َ .‬قاَل َر ُسوُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْيِه َو َس َّلَم ‪َ :‬ك َم ا َأْنَت ‪َ .‬فَق اَل‬
‫َر ُجٌل ِم َن اَأْلْنَص اِر ‪َ :‬أَنا َيا َر ُسوَل ِهللا‪َ ،‬فَقاَل ‪َ :‬أْنَت ‪َ ،‬فَقاَت َل َح َّتى ُقِت َل ‪ُ .‬ثَّم اْلَتَفَت‬
‫َفِإَذ ا اْلُم ْش ِر ُك وَن ‪َ ،‬فَقاَل ‪َ :‬م ْن ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُة‪َ :‬أَنا‪َ ،‬قاَل ‪َ :‬ك َم ا َأْنَت ‪َ ،‬فَقاَل َر ُجٌل‬
‫ِم َن اَأْلْنَص اِر ‪َ :‬أَنا‪َ ،‬فَقاَل ‪َ :‬أْنَت ‪َ .‬فَقاَتَل َح َّتى ُقِتَل ‪ُ ،‬ثَّم َلْم َيَز ْل َيُقوُل َذ ِلَك َو َيْخ ُرُج‬
‫ِإَلْيِهْم َر ُجٌل ِم َن اَأْلْنَص اِر َفُيَقاِتُل ِقَت اَل َم ْن َقْبَل ُه َح َّتى ُيْقَت َل ‪َ ،‬ح َّتى َبِقَي َر ُس وُل‬
‫ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم َو َطْلَح ُة ْبُن ُع َبْي ِد ِهللا‪َ ،‬فَق اَل َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا‬
‫َع َلْيِه َو َس َّلَم ‪َ :‬م ْن ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُة‪َ :‬أَنا‪َ ،‬فَقاَتَل َطْلَح ُة ِقَت اَل اَأْلَح َد َع َش َر َح َّتى‬
‫ُض ِر َبْت َيُد ُه َفُقِطَع ْت َأَص اِبُعُه‪َ ،‬فَقاَل ‪َ :‬ح ِّس ‪َ ،‬فَق اَل َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه‬
‫َو َس َّلَم ‪َ :‬ل ْو ُقْلَت ‪ِ :‬بْس ِم ِهللا‪َ ،‬لَر َفَع ْت َك اْلَم اَل ِئَك ُة َو الَّن اُس َيْنُظ ُروَن ‪ُ ،‬ثَّم َر َّد ُهللا‬
‫اْلُم ْش ِر ِكيَن ‪.‬‬
‫وعن خال‪33‬د بن قيش قال‪ :‬رأيت ي‪33‬د طلح‪33‬ة ال‪33‬تي وقي به‪33‬ا الن‪33‬بي‬
‫ﷺ يوم أحد شالء‪.‬‬
‫وعن الزب‪33‬ير قال‪ :‬كان على رس‪33‬ول هللا ﷺ ي‪33‬وم أح‪33‬د درع‪33‬ان‬
‫فنهض إلى الصخرة فلم يستطع‪ ،‬فأقعد تحته طلح‪3‬ة‪ ،‬فصعد الن‪3‬بي ﷺ‬
‫حتى اس‪33‬توى على الصخرة‪ .‬قال فس‪33‬معت الن‪33‬بي ﷺ يقول‪« :‬أوجب‬
‫طلحة»‪ .‬أي فعل فعًال أوجب الجنة‪.‬‬
‫وعن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا‪ُ :‬ج ِر َح أبونا ي‪33‬وم أح‪33‬د أربع‪ً3‬ا‬
‫وعشرين جراحة‪ ،‬وقع منها في رأس‪33‬ه ش‪33‬جٌة مربع‪ٌ3‬ة‪ ،‬وُقطع نس‪33‬اه ‪-‬يع‪33‬ني‪:‬‬
‫الع‪33‬رق‪-‬وش‪33‬لْت أص‪33‬بعه‪ ،‬وكان س‪33‬ائر الج‪33‬راح في جس‪33‬ده‪ ،‬وغلب‪33‬ه الغش‪ُ3‬ي ‪،‬‬
‫ورسول هّللا مكسورة رباعيُتُه‪ ،‬مشجوج في وجهه‪ ،‬قد عاله الغشي‪ ،‬وطلحة‬
‫‪ 18‬رقم ‪3149‬‬

‫‪13‬‬
‫محتمله‪ ،‬يرجع به القهقرى‪ ،‬وكّلما أدركه أح‪33‬د من المش‪33‬ركين‪ ،‬قات‪33‬ل دون‪33‬ه‬
‫حتى أسنده إلى الشعب‪.‬‬
‫وقال الزب‪33‬ير‪ :‬س‪33‬معُت رس‪33‬ول هّللا ﷺ يومئ‪33‬ذ ‪-‬أي ي‪33‬وم ُأح‪33‬د‪:-‬‬
‫«أوجب طلحة» ‪-‬أي عم‪3‬ل عمًال أوجب ل‪3‬ه الجن‪3‬ة‪ -‬حين ص‪3‬نع برس‪3‬ول هّللا‬
‫ﷺ ما صنع ‪-‬يعني‪ :‬حين برك له طلحة‪ ،‬فصعد رس‪3‬ول هّللا على‬
‫ظهره‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬موقف‪33‬ه في الج‪33‬ود والك‪33‬رم واإلنف‪33‬اق في س‪33‬بيل هّللا ‪ ،‬والمس‪33‬ارعة‬
‫لفعل الخيرات‪:‬‬
‫باع طلحة بن عبيد هّللا أرضًا له بسبعمائة ألف‪ ،‬فبات ليل‪33‬ة عن‪33‬ده ذل‪33‬ك‬
‫المال‪ ،‬فبات أرقًا ‪-‬من مخافة ذلك المال‪ -‬حتى أصبح‪ ،‬ففرقه‪.‬‬
‫وجاء أعرابُّي إلى طلح‪33‬ة يس‪33‬أله‪ ،‬فتقرب إلي‪33‬ه ب‪33‬رحم‪ ،‬فقال‪ :‬إن ه‪33‬ذه‬
‫لرحٌم ما سألني بها أحٌد قبلك‪ ،‬إن لي أرضًا قد أعطاني بها عثم‪33‬ان ثالثمائ‪33‬ة‬
‫أل‪33‬ف‪ ،‬فاقبض‪33‬ها‪ ،‬وإن ش‪33‬ئت بعته‪33‬ا من عثم‪33‬ان ودفعت إلي‪33‬ك الثمن‪ .‬فقال‬
‫الثمن‪ ،‬فأعطاه‪.‬‬

‫وعن عب‪33‬د هّللا بن ش‪33‬داد‪ :‬أن نف‪33‬رًا من ب‪33‬ني ع‪33‬ذرة ثالث‪33‬ة أت‪33‬وا الن‪33‬بّي‬
‫ﷺ فأسلموا‪ ،‬قال ﷺ‪«:‬من يكفينهم؟» قال طلحة‪ :‬أنا‪ ،‬فكانوا عند‬
‫طلحة‪ ،‬فبعث الن‪3‬بّي ﷺ بعثًا‪ ،‬فخ‪3‬رج في‪3‬ه أح‪3‬دُهم‪ ،‬فاستس‪3‬هد‪ .‬قال‪ :‬ثم‬
‫بعث بعثًا‪ ،‬فخرج فيه آخر فاستسهد‪ ،‬ثم مات الثالث على فراشه‪.‬‬
‫قال طلحة‪ :‬فرأيت هؤالء الثالثة الذين كانوا عندي في الجنة‪ ،‬ف‪33‬رأيت‬
‫الميت على فراشه أمامهم‪ ،‬ورأيت الذي استشهد أخيرًا يلي‪33‬ه‪ ،‬ورأيت ال‪33‬ذي‬
‫استشهد أّو لهم آخرهم‪ .‬قال‪ :‬ف‪3‬دخلني من ذل‪3‬ك‪ ،‬قال ف‪3‬أتيت الن‪3‬بّي ﷺ‬
‫ف‪3‬ذكرت ذل‪33‬ك ل‪33‬ه‪ .‬قال‪ :‬فقال ﷺ‪« :‬وم‪33‬ا أنك‪33‬رت من ذل‪33‬ك؟ ليس أح‪ٌ3‬د‬
‫أفضل عند هللا من مؤمن ُيعَّم ُر فقي اإلسالم؛ لتسبيحه وتكبيره وتهليله»‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مواعظه‬
‫‪ -1‬قال طلحة ﭬ‪ :‬ال ُتشاِو ر َبخياًل في صلة‪ ،‬وال جباًنا في حرٍب ‪ ،‬وال‬
‫شاًّبا في جارية‪.‬‬
‫‪ -2‬وقال ﭬ‪ :‬من أراد أن ُيقّل من معرفة الناس لعيوبه‪ ،‬فاليجلس في‬
‫بيته‪ ،‬فمن خالط الناس ُس ِلَب دينه وال يش‪33‬عر‪ ،‬ول‪33‬ذلك جاء رجٌل إلى الن‪33‬بّي‬
‫ﷺ فقال‪ :‬يا رسول هللا! ما النجاة؟ قال ﷺ‪« :‬أمسك علي‪3‬ك‬
‫لسانك‪ ،‬ولسعيك بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك‪.‬‬
‫‪ -3‬وقال ﭬ‪ ،‬إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخالء‪ ،‬لكننا نتصبر‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬أن الكريم يجد من الرغبة في الحرص على المال والتمسك‬
‫به كم‪3‬ا يج‪3‬د البخي‪3‬ل‪ ،‬ولكن الك‪3‬ريم يل‪3‬زم نفس‪3‬ه‪ ،‬ويتج‪3‬اوز رغباته‪3‬ا‪ ،‬فيب‪3‬ذل‬
‫أمواله‪ ،‬ويصِّبر نفسه على ذلك‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬وفاته ﭬ‬
‫وشهد طلح‪3‬ة ﭬ الخندق والمشاهد كلها مع رسول هّللا ﷺ‪ ،‬وعاش‬
‫طلحة مع رسول هّللا ﷺ جنديًا من جنود الدعوة‪ ،‬وفارس ‪ً3‬ا من فرس‪33‬ان‬
‫اإلسالم‪ ،‬واستمَّر على ذلك حتى توفي رسول هّللا ﷺ‪ ،‬ثم جاء أبو بكر‬
‫فسار معه طلح‪3‬ة س‪3‬يرته م‪3‬ع رس‪3‬ول هّللا ﷺ‪ ،‬حيث ش‪3‬ارك في ح‪3‬رب‬
‫ال‪33‬رَّد ة‪ ،‬وس‪33‬اعد خليف‪33‬ة رس‪33‬ول هّللا ﷺ في ت‪33‬دبير ش‪33‬ؤون المس‪33‬لمين‪،‬‬
‫والسهر على رعايتهم حتى وافاه أجله‪ ..‬ثم جاء عمر وبعده عثم‪33‬ان رض‪33‬ي‬
‫هّللا عنهما‪ ،‬فكان طلحة لهما أخًا ووزيرًا‪ ،‬وصديقًا حبيبًا‪.‬‬
‫ومَّرت األيام ‪..‬‬

‫‪15‬‬
‫وخرج طلحة يوم موقعة الجمل‪ ،‬ثم اعتزل في بعض الصفوف‪ ،‬فُر ِم َي بس‪33‬هم‬
‫في رجل‪ ،‬وقيل إن السهم أصاب ثغرة نحره‪ ،‬فمات‪.‬‬

‫وانتهت المعركة ومّر علي ﭬ بين القتلى‪ ،‬فرأى طلح‪33‬ة مقت‪33‬وًال‪ ،‬فجع‪33‬ل‬
‫يمسح التراب عن وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬عزي‪ٌ3‬ز علَّي أب‪33‬ا محم‪33‬د ب‪33‬أن أراك مج‪َّ3‬د ًال في‬
‫األودية تحت نجوم السماء‪ ،‬إلى هّللا أشكو ُع جزي وُبجري‪.‬‬
‫وكان قتله ﭬ في سنة سّت وثالثين (‪ )36‬في جمادي اآلخرة‪ ،‬وقيل في‬
‫رجب‪ ،‬وه‪33‬و ابن ثن‪33‬تين وس‪33‬تين أو نحوه‪33‬ا‪ ،‬قتل‪33‬ه م‪33‬روان ابن الحكم‪ ،‬وقبره‬
‫بظاهر البصرة‪.‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علّي ‪.‬‬
‫وبموت طلحة افتقدت مدرسة اإلسالم رجًال من أعّز رجاله‪33‬ا‪ ،‬وأكرم‬
‫فرسانها‪.‬‬
‫رحم هّللا تعالى أبا محمد رحمة واسعة‪ ،‬ورضي عنه وأرضاه‪ ،‬وجزاه‬
‫عن اإلسالم خير ما يجزي به األتقياء البرار‪.‬‬

‫‪16‬‬

You might also like