Professional Documents
Culture Documents
ال ِح ِم ي ا
ِف ي اْخ ِت َص ا َت ْر َج ِةَم
ِر
ْي َب ُع ْب َة َح َط ْل
ِن ِد ِهللا
ال ِم ي ﭬ ْي َّت
تأليف
بإشراف
2
المقدمة
ﵟَٰٓيَأُّيَها ٱَّلِذ يَن َء اَم ُنوْا ٱَّتُقوْا ٱَهَّلل َو ُقوُلوْا َقۡو اٗل َسِد يٗد ا ُ ٧٠يۡص ِلۡح َلُك ۡم َأۡع َٰم َلُك ۡم
َو َيۡغ ِفۡر َلُك ۡم ُذ ُنوَبُك ۗۡم َو َم ن ُيِط ِع ٱَهَّلل َو َر ُسوَل ۥُه َفَقۡد َفاَز َفۡو ًز ا َع ِظ يًم اﵞ
فإن أصدق الح3ديث كت3اب هللا ،وخير اله3دي ه3دي محم3د ﷺ،
وشر األمور محدثاتها ،فإن كل محدث33ة بدع33ة ،وكل بدع33ة ض33اللة ،وكل
ضاللة في النار.
ثم أما بعد،
فقد بَح ث العلماء من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين عن مس33ائل
كثيرة في هذا الدين ،من األمور االعتقادية ،والحديثية ،والفقهية ،والقواعد،
والتاريخية ،وفي تزكية النفوس ،وغ33ير ذل33ك .ف33إذا انتهت بح33وثهم في تل33ك
المس33ائل في كتبهم ،س33وف تقع مس33ائل ُأَخ ر ال33تي تحت33اج إلى بحث م33رة
أخرى .ألن مسائل هذا الدين كثيرة وتتطَّو ر من زم33ان إلى زم33ان .وكلم33ا
ظهرت مسألة في هذا ال33دين ،فالعلم33اء يحرص33ون على ِح ِّل تل33ك المس3ألة،
وهكذا .وهذا الشيء ما زال مستمًّر ا إلى عصرنا اآلن.
1
ومن باب الشكر على هذه النعم الكثيرة العظيم33ة ،فه33ذا بحث لطي33ف
مختصر -من طويلبي العلم -بإشراف األستاذ الكريم أبي عمر عب3د العزي3ز
-حفظه هللا تعالى ،-الذي يتعلق بترجمة أحد أصحاب النبي ﷺ ،وه33و
طلحة بن عبيد هللا ال33تيمي -رض33ي هللا عن33ه ،-ونش33أته ،وقصة دخول33ه إلى
اإلسالم ،ومواقفه ،وبعض فضائله ،إلخ؛ الذي قد بَّش ره رسول هللا ﷺ
بدخول الجنة.
ومن دواعي اختي33ار في مواقف33ه ،قد وجدنا كثيًرا من المس33لمين في
الحاضر م33ا لهم من الموقف الثب33ات في حي33اتهم وس33ائر م33واقفهم ،فوجدنا
أيًضا كثيًر ا من المسلمين يقت33دون بالكف33ار والفس33اق في أكثر عملهم ،وه33ذا
من مشكلة خطيرة عند المسلمين الحاض33ر .فينبغي أن نت33ذكر ه33ذه المس33ألة
إلى قول عبد هللا بن مسعود ﭬِ« :إَّن َهللاَتَع اَلىَنَظَر ِفيُقُلوِباْلِع َب اِد َفاْخ َت اَر
ُمَحَّم ًدا ﷺ َفَبَع َثُه ِبِر َس اَلِتِهَ ،و اْنَتَخ َب ُه ِبِع ْلِم ِهُ ،ثَّم َنَظ َر ِفي ُقُل وِب الَّن اِس
َفاْخ َت اَر َأْص َح اَبُه َفَجَع َلُهْم ُو َز َر اَء َنِبِّي ِه ﷺ ،وأنصاَر ِد يِن ِهَ ،فَم ا َر آُه
اْلُم ْؤ ِم ُنوَن َح َس ًنا َفُهَو ِع ْنَد ِهللا َحَس ٌن َ ،و َم ا َر آُه اْلُم ْؤ ِم ُن وَن َقِبيًح ا َفُه َو ِع ْن َد ِهللا
َقِبيٌح .1».ولذلك ،ينبغي لنا أن نقتدي رسول هللا ﷺ والصحابة -رضي
هللا عنهم أجمعين -في سائر أعمالنا وأمورن33ا ،وخاص33ة في ش33جاعة طلح33ة
بن عبيد هللا ﭬ فيما يأتي.
ونسأل هللا تعالى أن يوفقنا في ديننا ويرزقن33ا خالًص ا لوجه33ه الك33ريم،
إنه غفور رحيم.
المؤلف
1رواه الطبراني 113-9/112رقم 8583في المعجم الكبير
2
ُخ َّطُة البحث
خطة البحث هي الهيك33ل التنظيمي للبحث ،والخطوط العام33ة ال33تي
يهتدي بها الباحث عند تنفيذه لبحثه .وأيًض ا هي عب33ارة عن وح3دات تجم33ع
أجزاء الموضوع تحت مسمى الب33اب ،أو الفصل ،أو المبحث ،أو المطلب،
أو المسألة إلى غير ذلك من التقسيمات ،وال بد لهذه الوحدات من االرتب33اط
الوثيق بعنوان البحث .إًذ ا ،فخطة البحث هي رسُم صورٍة كاملة عنه ،وكل
عنصر فيها يكمل جانًبا من جوانب تل33ك الصورة .فال ب33د في كتاب33ة البحث
3
من وض33ع خطة كامل33ة تح33دد معالم33ه؛ إذ البحث من دون خطة مض33يعة
للوقت ،وتبديد للجهد .2فخطة بحثنا هي كالتالي:
المقدمة
التمهيد :تعريف الصحابة -رضي هللا عنهم-
من فضائل الصحابة
حكم محبة الصحابة
المبحث األول :التعريف بطلحة بن عبيد هللا ﭬ
المطلب األول :اسُم ه ونسبه وكنيته ولقبه
المطلب الثاني :موِلُد ه ونشأته
المطلب الثالث :قصة دخوله إلى اإلسالم
المطلب الرابع :تالميذه
المبحث الثاني :شخصيته ﭬ
المطلب األول :مناقبه
المطلب األول :مواقفه
المطلب الثاني :مواعظه
المبحث الثالث :فضائله ﭬ من األحاديث
المبحث الرابع :وفاته ﭬ
الخاتمة
4
الفهرس
المصادر والمراجع
المبحث األول :التعريف بطلحة بن عبيد هللا ﭬ
المطلب األول :اسُم ه ونسبه وكنيته ولقبه
هوَطْلَح ُةبُن ُع َبْيِد ِهللا بِن ُع ْثَم اَن بِن َع ْم ٍرو ْبِن َك ْع ِب بِن َس ْع ِد بِن َتْيِم
بِن ُم َّرَة بِن َك ْع ِب بِن ُلَؤ ِّي بِن َغ اِلِب بِن ِفْه ِر بِن َم اِل ِك بِن الَّنْض ِر بِن ِكَناَن َة
الُقَر ِشُّي ،الَّتْيِمُّي ،الَم ِّك ُّي َ ،أُبو ُم َحَّمٍد .
َأَح ُد الَع َش َرِة الَم ْش ُهْو ِد َلُهم ِبالَج َّنِةَ ،لُه ِع َّد ُة َأَح اِد ْيَث َع ِن الَّنِبِّي ﷺ.
َو َلُه ِفي (ُم ْس َنِد َبِقِّي بِن َم ْخ َل ٍد ) ِب الُم َك َّر ِر َ :ثَم اِنَي ٌة َو َثاَل ُث ْو َن (َ )38ح ِد ْيثًاَ .ل ُه
3
َح ِد ْيَثاِن ُم َّتَفٌق َع َلْيِهَم اَ ،و اْنَفَر َد َلُه الُبَخ اِر ُّي ِبَحِد ْيَثْيِن َ ،وُم ْس ِلٌم ِبَثاَل َثِة َأَح اِد ْيَث .
وهو أحد أصحاب الشورى ،ولم يشهد بدًرا النه كان بالشام ،فقدم بعد
رجوع َر ُس ول ِهَّللا ﷺ من ب33در ،فكلم َر ُس ول ِهَّللا ﷺ في س33همه،
فقال :لك سهمك ،قال :وأجرى؟ قال :وأجرك ،فقيل :كان في الش33ام ت33اجًرا،
وقيل :بل أرسله َر ُسول ِهَّللا ﷺ ومعه َسِع يد ْبن زي33د ِإَلى طري33ق الش33ام
َيَتَج سسان األخبار ،ثم رجعا ِإَلى المدينة ،وهذا أص3ح ،ول3وال ذل3ك لم يطلب
سهمه وأجره.
وشهد أحًدا وما بعدها من المشاهد ،وبايع بيعة الرضوان ،وأبلى َي ْو م
أحد بالء عظيًم ا ،ووقى َر ُسول ِهَّللا ﷺ بنفس33ه ،واتقى عن33ه النب33ل بي33ده
حتى شلت إصبعه ،وضرب َع َلى رأس33ه ،وحم33ل َر ُس ول ِهَّللا ﷺ َع َلى
4
ظهره حتى صعد الصخرة.
3سير أعالم النبالء ،3/15انظر كذلك في كتاب تهذيب التهذيب ،6/230أسد الغابة ،2/490تاريخ اإلسالم ،3/522
المعرفة والتاريخ للبسوي ،1/276األعالم للزركلي 3/229
4أسد الغابة 2/491
5
وأما لقبه ،فقال اإلمام الطبرانيَ :ح َّد َثَنا َيْح َيى ْبُن ُع ْثَم اَن ْبِن َص اِلٍح،
ثنا ُس َلْيَم اُن ْبُن َأُّي وَب َ ،ح َّد َثِني َأِبيَ ،ع ْن َج ِّديَ ،ع ْن ُم وَس ى ْبِن َطْلَح َةَ ،ع ْن
َأِبيِهَ ،قاَل َ :لَّم اَك اَن َي ْو ُمُأُح ٍد َس َّم اِنيالَّنِبُّي ﷺَ :طْلَح َة اْلَخْي ِر َ ،و َي ْو َم
5
َغ ْز َو ِة َذ اِت اْلَعِش يَرِةَ :طْلَح َة اْلَفَّياَض َ ،و َيْو َم ُح َنْيٍن َ :طْلَح َة اْلُجوِد .
المطلب الثاني :موِلُده ونشأته
كان طلحة ولد سنة 28قبل الهجرة الموافق بـ 596الميالدية ،6وبين
أبي33ه وأم33ه نمت طفولت33ه ،وترع33رع ش33بابه ،وتعَّلم على أي33ديهما الكثير من
شؤون الحياة والتخُّلق باألخالق الكريمة والصفات الحمي33دة .ح33تى إذا بل33غ
مبلغ الرجال تزَّو ج حمنة بنت جحش ،أخت زينب زوج النبي ﷺ.
6
أص3حاب الم3روءة والنف3وس النقي3ة الصافية ال3تي ُفطرْت على النقاء -أن
تتغير وأن تتبدل تلك الجاهلية إلى حياة نظيفة طاهرة يعيش الن3اس فيه3ا في
ظل الحب والوئام والعدل واإلخاء.
إنه عمالق من عمالقة اإلسالم ،وفارس من أش33جع الفرس33ان ،ورجل
من أولئ33ك الرجال ال33ذين كان لهم أطيب األث33ر ،وأعظم33ه في الفتوح33ات
اإلسالمية األولى .والده :عبيد هللا ،كان من أش33راف مك33ة ،وأولى الحظ33وة
فيها .وأمه :الصعبة بنت عبد هللا ،جدها ألمه33ا وهب بن عب33د هللا ،ص33احب
9
العطاء والكرم.
المطلب الثالث :قصة دخوله إلى اإلسالم
قال طلحة :بينما نحن في سوق ُبْص َر ى؛ إذا راهب ين33ادي في الن33اس:
يا معشر الُّتَّجار ،سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أح33د من أه33ل الح33رم؟ .وكنت
قريًبا منه فبادرُت إليه وقلت :نعم أنا من أهل الحرم ،فقال :ه33ل َظَه َر فيكم
أْح َم ُد ؟ فقلت :ومن أحمد؟! فقال :ابن عب33د هللا بن عب33د المطلب ،ه33ذا ش33هره
الذي يظهر فيه ،وهو آخر األنبياء .يخرج من أرضكم من الحرم ،ويه33اجر
إلى أرض ذات حجارة ُسود ،ونخيل وسباخ َيِنُّز منها الماُء ،فإياك أن ُتسَبق
إليه يا فتى.
قال طلحة :فوَقعْت مقالُت ه في قل33بي ،فب33ادرُت إلى َم طاي33اي فرحلته33ا،
وخَّلفُت القافلَ3ة ورائي ،وَم َض يُت أه33وي ُهِو ًّي ا إلى مك33ة .فلم33ا بلغُته33ا؛ قلت
ألهلي :أكان من َح َد ٍث بع33دنا في مك33ة؟ قالوا :نعم ،قام محم33د بن عب33د هللا،
يزُع م أنه نبي ،وقد َتِبَع ه ابن أبي ُقحافة (يريدون أبا بكر).
قال طلحة :وكنت أعرف أبا بكر ،فقد كان رجاًل س 3هاًل ُمَح َّبًب ا ُم وَّط أ
األكناف لقومه ،وكان تاجًرا ذا ُخ ُلٍق واستقامة ،وكنا نأَلُفه ،ونحب َم جالَس ه،
لعْلِم ه بأخبار قريش ،وحفِظ ه ألنساِبها ،فَم َض يُت إليه وقلت له :أحًّقا ما يقال
من أن محم33د بن عب33د هللا أظه33ر النب33وَة ،وأن33ك اَّتَبْعَت ه؟! قال :نعم ،وجع33ل
يُقُّص علَّي ِم ن خبره ،ويرِّغ بني في الدخول مع33ه ،فأخبرُت ه خبَر ال33راهب،
9أصحاب الرسول ﷺ 1/215
7
فَد ِهَش له وقالَ :هُلَّم معي إلى محمد ،لَتُقَّص عليه خبَر ك ،ولَتْس َم َع ما يقول،
10
ولَتْد ُخ َل في دين هللا.
لقد ُبعث محمد ﷺ وآمن برسالته أبو بكر ﭬ .فلم33ا س33مع طلح33ة ﭬ
هذا الخبر لم يتلكأ ولم يتلعثم ،بل إنه بمجرد أن دعاه أبو بكر استجاب لنداء
الحق فهو يعلم يقيًنا أن محمًدا هو الصادق األمين بال منازع ،وأن أب33ا بك33ر
ه33و الت33اجر الصدوق ال33ذي ال يمكن أن يجتم33ع م33ع الح33بيب ﷺ على
ضاللة أبًدا.
وذهب طلح33ة وقلب33ه ينبض بك33ل قوة وش33وق وح33نين للقاء الح33بيب
ﷺ ليعلنها قوية في وجه الكون كله :أشهد أن ال إله إال هللا ،وأشهد أن
11
محمًدا رسول هللا ﷺ.
قال طلحة :فَم َض يُت معه إلى محمد فعَر ض علَّي اإلسالَم ،وقرأ علَّي
شيًئا من القرآن ،وَبَّش َر ني ِبَخْيَر ي ال33دنيا واآلخرة .فش َ3ر ح هللا ص33دري إلى
اإلسالم ،وَقَص ْص ُت عليه قصَة راهِب بصرى؛ فُس َّر به33ا س33روًرا ب33دا على
وجهه .ثم أعلنُت بين يديه ش33هادَة أن ال إل33ه إال هللا وأن محمً33دا رس33ول هللا،
12
فكنُت رابَع ثالثٍة أسلموا على َيَد ْي أبي بكر.
وحَّد ث مسعود بن َخ َر اٍش قال :بينما كنت أسعى بين الصفا والم33روة،
إذا ُأناٌس كثيٌر َيْتَبُع ون فًتىُ ،أوِثَقت ي33داه إلى ُع ُنقه ،وهم ُيَهْر ِو ُل ون وراءه،
وَيدَفعونه في ظه3ره ،وَيضِ3ر بونه على رأس3ه ،وخلف3ه ام3رأٌة َعج3وٌز َتُس َّبه
وَتِص يُح به ،فقلت :ما شأُن هذا الفتى؟! فقالوا :هذا طلحة بن عبيد هللاَ ،ص َبَا
(رَج ع) عن دين33ه ،وَتِب َع ُغ الَم ب33ني هاش33م .فقلت :ومن ه33ذه الَع ج33وز ال33تي
13
وراءه؟ فقالوا :هي الَّصْع َبُة بنُت الحضرمي أم الفتى.
8
وهو من السابقين األولين ِإَلى اإلس33الم ،دع33اه َأُب و بك33ر الصديق ِإَلى
اإلسالم ،فأخذه ودخل به َع َلى َر ُسول ِهَّللا ﷺ فلما أسلم هو َو َأُبو بك33ر،
أخذهما نوفل ْبن خويلد ْبن العدوية فشدهما في حبل واحد ،ولم يمنعهما بن33و
تيم ،وكان نوفل أشد قريش ،فلذلك كان َأُبو بكر ،وطلحة ،يسميان القرينين،
وقيل :إن الذي قرنهما عثمان ْبن عبيد هَّللا أخو طلحة ،فشدهما ليمنعهما عن
الصالة ،وعن دينهما ،فلم يجيباه ،فلم يرعهما إال وهما مطلقان يصليان.
ولما أسلم طلحة والزبير آخى َر ُس ول ِهَّللا ﷺ بينهم33ا بمك33ة قب33ل
الهجرة ،فلم3ا ه3اجر المس3لمون ِإَلى المدين3ة ،آخى َر ُس ول ِهَّللا ﷺ بين
14
طلحة وبين َأِبي أيوب األنصاري.
وعلى الرغم من مكانته بين قومه وثرائه ،إال أنه أوذي في سبيل هللا،
ولكن سرعان ما كشف هللا عنه هذا العذاب واالبتالء .ولم33ا ه33اجر الح33بيب
ﷺ إلى المدين33ة ه33اجر طلح33ة ﭬ م33ع المه33اجرين لينعم بُص حبة الن33بي
15
ﷺ بعيًدا عن أعين كفار قريش وسطوتهم.
9
10
المبحث الثاني :شخصيته ﭬ
المطلب األول :مناقب
أما مناقبه وفضائله فهي كثيرة جدا منها :
أوًال :أن رسول هللا ﷺ شهد له بالجنة .قال سول هللا ﷺ :
«أبو بكر في الجنة ،وعمر في الجنة ،وعثمان في الجنة ،وعلّي في الجنة،
وطلحة في الجنة »..الحديث .وفي غزوة ُأحد قال ﷺ « :أوجب
طلحة».
ثانيًا :ومن مناقبه ﭬ أن النبي ﷺ أخبر أنه يموت شهيًدا.
عن أبي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ كان على جبل حراء ،فقال رسول هللا
ﷺ « :اسكن حراء فما عليك إال نبٌّي أو صديٌق شهيٌد » .وعلى الجبل
النبّي ﷺ ،وأبو بكر وعمر وعثمان وعلٌّي وطلحة والزبير وسعد بن
أبي وّقاص ﭫ» .وقال ﷺ« :من سّر ه أن ينظر إلى شهيد يمشي على
وجه األرض ،فلينظر إلى طلحة بن عبيد هّللا ».
ثالثًا :ومن مناقبه ﭬ أن رسول هللا ﷺ ُتوفي وهو عنه راٍض:
لما نام الفاروق عمر على فراش الموت ،قال له الصحابة :أوصي يا أمير
المؤمنين استخلف ،قال ما أجد أحق بهذا األمر من ٰه ؤالء النفر -أو الرهط
-الذين ُتوفي رسول هّللا ﷺ وهو عنهم راٍض ،فسمى عليًا وعثمان
والزبير وطلحة سعدًا و عبد الرحمن.»..
قال اإلمام البخاري -رحمه هللا تعالى « :-باب ذكر طلحة بن عبيد هّللا ،
وقال عمرُ :توفي النبّي وهو راٍض».
رابعًا :ومن مناقبه ﭬ أن رسول هللا ﷺ أخبر أن طلحة ممن
قضى نحبه ووفى هللا بما نذره على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه.
عن موسى بن طحة قال :دخلت على معاوية فقال :اال أبشرك؟ سمعت
رسول هللا ﷺ يقول« :طلحة مّم ن قضى نحبه» .وعن طلحة قال :إن
أصحاب رسول هللا ﷺ قالوا األعرابّي جاهٍل :سله عمن قضى نحبه
11
َم ن هو؟ -وكانوا ال يجترئون على مسألته يوقرونه يهابونه -فسأله
األعرابّي فأعرض عنه ،ثم سأله فأعرض عنه .ثم إني أطلعت من باب
المسجد وعلَّي ثياٌب خضٌر ،فلّم ا رآني النبّي ﷺ قال« :أين السائل
عمن قضى نحبه؟» ،قال األعرابّي :أنا يا رسول هللا .قال ﷺ« :هذا
ممن قضى نحبه».
12
فقد أبلى طلح33ة بن عبي33د هللا ﭬ ي33وم ُأُح ٍد بالًء حسً33نا ،ول33ذلك كان
الصحابة يقولون عن يوم أحد :ذاك يوٌم كُّله لطلحة.
ورواه النسائي في «سننه -المسمى بالمجتبىَ ،18»-ع ْن َج اِبِر ْبِن َع ْب ِد
ِهللاَ ،قاَل َ :لَّم ا َك اَن َي ْو ُم ُأُح ٍد َو َو َّلى الَّن اُس َ ،ك اَن َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه
َو َس َّلَم ِفي َناِحَيٍة ِفي اْثَنْي َع َش َر َر ُج اًل ِم َن اَأْلْنَص اِر َو ِفيِهْم َطْلَح ُة ْبُن ُع َبْيِد ِهللا،
َفَأْد َر َك ُهُم اْلُم ْش ِر ُك وَن َ ،ف اْلَتَفَت َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم َو َق اَل َ :م ْن
ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُةَ :أَناَ .قاَل َر ُسوُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْيِه َو َس َّلَم َ :ك َم ا َأْنَت َ .فَق اَل
َر ُجٌل ِم َن اَأْلْنَص اِر َ :أَنا َيا َر ُسوَل ِهللاَ ،فَقاَل َ :أْنَت َ ،فَقاَت َل َح َّتى ُقِت َل ُ .ثَّم اْلَتَفَت
َفِإَذ ا اْلُم ْش ِر ُك وَن َ ،فَقاَل َ :م ْن ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُةَ :أَناَ ،قاَل َ :ك َم ا َأْنَت َ ،فَقاَل َر ُجٌل
ِم َن اَأْلْنَص اِر َ :أَناَ ،فَقاَل َ :أْنَت َ .فَقاَتَل َح َّتى ُقِتَل ُ ،ثَّم َلْم َيَز ْل َيُقوُل َذ ِلَك َو َيْخ ُرُج
ِإَلْيِهْم َر ُجٌل ِم َن اَأْلْنَص اِر َفُيَقاِتُل ِقَت اَل َم ْن َقْبَل ُه َح َّتى ُيْقَت َل َ ،ح َّتى َبِقَي َر ُس وُل
ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه َو َس َّلَم َو َطْلَح ُة ْبُن ُع َبْي ِد ِهللاَ ،فَق اَل َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا
َع َلْيِه َو َس َّلَم َ :م ْن ِلْلَقْو ِم ؟ َفَقاَل َطْلَح ُةَ :أَناَ ،فَقاَتَل َطْلَح ُة ِقَت اَل اَأْلَح َد َع َش َر َح َّتى
ُض ِر َبْت َيُد ُه َفُقِطَع ْت َأَص اِبُعُهَ ،فَقاَل َ :ح ِّس َ ،فَق اَل َر ُس وُل ِهللا َص َّلى ُهللا َع َلْي ِه
َو َس َّلَم َ :ل ْو ُقْلَت ِ :بْس ِم ِهللاَ ،لَر َفَع ْت َك اْلَم اَل ِئَك ُة َو الَّن اُس َيْنُظ ُروَن ُ ،ثَّم َر َّد ُهللا
اْلُم ْش ِر ِكيَن .
وعن خال33د بن قيش قال :رأيت ي33د طلح33ة ال33تي وقي به33ا الن33بي
ﷺ يوم أحد شالء.
وعن الزب33ير قال :كان على رس33ول هللا ﷺ ي33وم أح33د درع33ان
فنهض إلى الصخرة فلم يستطع ،فأقعد تحته طلح3ة ،فصعد الن3بي ﷺ
حتى اس33توى على الصخرة .قال فس33معت الن33بي ﷺ يقول« :أوجب
طلحة» .أي فعل فعًال أوجب الجنة.
وعن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتاُ :ج ِر َح أبونا ي33وم أح33د أربعً3ا
وعشرين جراحة ،وقع منها في رأس33ه ش33جٌة مربعٌ3ة ،وُقطع نس33اه -يع33ني:
الع33رق-وش33لْت أص33بعه ،وكان س33ائر الج33راح في جس33ده ،وغلب33ه الغشُ3ي ،
ورسول هّللا مكسورة رباعيُتُه ،مشجوج في وجهه ،قد عاله الغشي ،وطلحة
18رقم 3149
13
محتمله ،يرجع به القهقرى ،وكّلما أدركه أح33د من المش33ركين ،قات33ل دون33ه
حتى أسنده إلى الشعب.
وقال الزب33ير :س33معُت رس33ول هّللا ﷺ يومئ33ذ -أي ي33وم ُأح33د:-
«أوجب طلحة» -أي عم3ل عمًال أوجب ل3ه الجن3ة -حين ص3نع برس3ول هّللا
ﷺ ما صنع -يعني :حين برك له طلحة ،فصعد رس3ول هّللا على
ظهره.
ثانيًا :موقف33ه في الج33ود والك33رم واإلنف33اق في س33بيل هّللا ،والمس33ارعة
لفعل الخيرات:
باع طلحة بن عبيد هّللا أرضًا له بسبعمائة ألف ،فبات ليل33ة عن33ده ذل33ك
المال ،فبات أرقًا -من مخافة ذلك المال -حتى أصبح ،ففرقه.
وجاء أعرابُّي إلى طلح33ة يس33أله ،فتقرب إلي33ه ب33رحم ،فقال :إن ه33ذه
لرحٌم ما سألني بها أحٌد قبلك ،إن لي أرضًا قد أعطاني بها عثم33ان ثالثمائ33ة
أل33ف ،فاقبض33ها ،وإن ش33ئت بعته33ا من عثم33ان ودفعت إلي33ك الثمن .فقال
الثمن ،فأعطاه.
وعن عب33د هّللا بن ش33داد :أن نف33رًا من ب33ني ع33ذرة ثالث33ة أت33وا الن33بّي
ﷺ فأسلموا ،قال ﷺ«:من يكفينهم؟» قال طلحة :أنا ،فكانوا عند
طلحة ،فبعث الن3بّي ﷺ بعثًا ،فخ3رج في3ه أح3دُهم ،فاستس3هد .قال :ثم
بعث بعثًا ،فخرج فيه آخر فاستسهد ،ثم مات الثالث على فراشه.
قال طلحة :فرأيت هؤالء الثالثة الذين كانوا عندي في الجنة ،ف33رأيت
الميت على فراشه أمامهم ،ورأيت الذي استشهد أخيرًا يلي33ه ،ورأيت ال33ذي
استشهد أّو لهم آخرهم .قال :ف3دخلني من ذل3ك ،قال ف3أتيت الن3بّي ﷺ
ف3ذكرت ذل33ك ل33ه .قال :فقال ﷺ« :وم33ا أنك33رت من ذل33ك؟ ليس أحٌ3د
أفضل عند هللا من مؤمن ُيعَّم ُر فقي اإلسالم؛ لتسبيحه وتكبيره وتهليله».
14
المطلب الثالث :مواعظه
-1قال طلحة ﭬ :ال ُتشاِو ر َبخياًل في صلة ،وال جباًنا في حرٍب ،وال
شاًّبا في جارية.
-2وقال ﭬ :من أراد أن ُيقّل من معرفة الناس لعيوبه ،فاليجلس في
بيته ،فمن خالط الناس ُس ِلَب دينه وال يش33عر ،ول33ذلك جاء رجٌل إلى الن33بّي
ﷺ فقال :يا رسول هللا! ما النجاة؟ قال ﷺ« :أمسك علي3ك
لسانك ،ولسعيك بيتك ،وابك على خطيئتك.
-3وقال ﭬ ،إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخالء ،لكننا نتصبر.
والمعنى :أن الكريم يجد من الرغبة في الحرص على المال والتمسك
به كم3ا يج3د البخي3ل ،ولكن الك3ريم يل3زم نفس3ه ،ويتج3اوز رغباته3ا ،فيب3ذل
أمواله ،ويصِّبر نفسه على ذلك.
المبحث الرابع :وفاته ﭬ
وشهد طلح3ة ﭬ الخندق والمشاهد كلها مع رسول هّللا ﷺ ،وعاش
طلحة مع رسول هّللا ﷺ جنديًا من جنود الدعوة ،وفارس ً3ا من فرس33ان
اإلسالم ،واستمَّر على ذلك حتى توفي رسول هّللا ﷺ ،ثم جاء أبو بكر
فسار معه طلح3ة س3يرته م3ع رس3ول هّللا ﷺ ،حيث ش3ارك في ح3رب
ال33رَّد ة ،وس33اعد خليف33ة رس33ول هّللا ﷺ في ت33دبير ش33ؤون المس33لمين،
والسهر على رعايتهم حتى وافاه أجله ..ثم جاء عمر وبعده عثم33ان رض33ي
هّللا عنهما ،فكان طلحة لهما أخًا ووزيرًا ،وصديقًا حبيبًا.
ومَّرت األيام ..
15
وخرج طلحة يوم موقعة الجمل ،ثم اعتزل في بعض الصفوف ،فُر ِم َي بس33هم
في رجل ،وقيل إن السهم أصاب ثغرة نحره ،فمات.
وانتهت المعركة ومّر علي ﭬ بين القتلى ،فرأى طلح33ة مقت33وًال ،فجع33ل
يمسح التراب عن وجهه ،وقال :عزيٌ3ز علَّي أب33ا محم33د ب33أن أراك مجَّ3د ًال في
األودية تحت نجوم السماء ،إلى هّللا أشكو ُع جزي وُبجري.
وكان قتله ﭬ في سنة سّت وثالثين ( )36في جمادي اآلخرة ،وقيل في
رجب ،وه33و ابن ثن33تين وس33تين أو نحوه33ا ،قتل33ه م33روان ابن الحكم ،وقبره
بظاهر البصرة.
قال الذهبي :قاتل طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علّي .
وبموت طلحة افتقدت مدرسة اإلسالم رجًال من أعّز رجاله33ا ،وأكرم
فرسانها.
رحم هّللا تعالى أبا محمد رحمة واسعة ،ورضي عنه وأرضاه ،وجزاه
عن اإلسالم خير ما يجزي به األتقياء البرار.
16